أنساب الأشراف للبلاذري

البلاذري

الجزء الأول

الجزء الأول [القول في بيان نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم] [1- من نوح إلى عدنان] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه ثقتي (نسب نوح وأولاده:) [1] 1- قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن جابر: أَخْبَرَنِي جماعة من أهل العلم بالكتب قالوا: نوح عليه السلام بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ- وهو إدريس عليه السلام- بن يارد بن مهلائيل [2] بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. 2- وقالوا: لما قتل قائين بن آدم أخاه هابيل، ولد لآدم شيث. فقال آدم: هذا هبة من الله، وخلف صدق من هابيل. فسمي شيث: هبة الله. 3- وروي عن محمد بن إسحاق بن يسار [3] ، إنه قال: سمي أخنوخ «إدريس» لأنه أول من خط بقلم، ودرس الكتب. قال: وكأن أنوش أول من غرس النخلة، وزرع الحبة، ونطق بالحكمة. 4- وقال بعض أهل المدينة: هو نوح بن سلكان بن مثوبة بن إدريس عليه السلام بن الزائد بن مهلهل بن قنان بن الطاهر بن هبة الله بن آدم، وزعم أن ذلك عن الزهري. والأول أثبت وأشهر. 5- وحدثني عباس بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه، عن جده وغيره، قالوا: العرب العاربة عاد، وعبيل ابنا عوض بن إرم بن سام بن نوح. وجرهم

_ [1] زدنا العنوان للوضاحة. [2] خ: بهلاليل والتصحيح عن ابن سعد وابن حبيب والطبرى وغيرهم. [3] ليس عند ابن هشام ولكن ذكر السهيلي (1/ 10) عن «ابن إسحاق في الكتاب الكبير» وأشار إليه أيضا تأريخ الطبرى، ص 174.

بن عابر [1] بن سبأ، وهو ابن أرفخشذ بن سام بن نوح. وطسم، وعمليق، وجاسم، وأميم بنو يلمع بن عامر [2] بن أشليخا بن لوذ بن سام بن نوح. وحصر موت وهو حضر موت، وشالاف وهو السلف، والموذاذ وهو الموذ بنو يقظان ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وثمود، وجديس بن إرم بن نوح. ويقظان هو يقطن في قول بعضهم. 6- وقال عباس: قال أبى [3] : رجل ولد السلف في حمير، فقالوا: نحن بنو السلف بن حمير ابن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان. قال بنو لوذ: نحن بنو لوذ بن سبأ بن يشجب [4] ابن يعرب. ودخلوا في حمير فانضموا إليه على هذا النسب. 7- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عن [5] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ: [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الْعَرَبُ كُلُّهَا بَنُو إِسْمَاعِيلَ إِلا أَرْبَعَ قَبَائِلَ: السلف، والأوزاع، وحضر موت، وَثَقِيفٌ] . 8- وحدثني عباس، عن أبيه، قال: اختلف الناس في قحطان. فقال بعضهم: قحطان هو يقطان المذكور في التوراة بعينه، إلا أن العرب أعربته فقالت قحطان. وقال آخرون: هو قحطان ابن هود عليه السلام بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح، وهو غير يقطان. وقال هشام: كان أبى، و (ال) شرقى بن القطامي يقولان: قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيذار، وهو قيدر. وكان

_ [1] خ: عامر، والتصحيح عن الطبرى، ص 219. [2] كذا، لعله الذى يسميه الطبرى عابر بن شالخ. [3] خ: انى. [4] خ: يشخب، ههنا وفي السطر السابق، والتصحيح عن الطبرى وغيره. [5] خ: بن.!

أول من تكلم بالعربية

قيدر صاحب إبل إسماعيل. واسمه مشتق من ذلك. وهو ابن إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم بن آزر- وهو تارخ- بن ناخور ابن ساروع بن أرعوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشذ- والنصارى يقولون: أرفخشاذ- بن سام بن نوح بن لامك. وبعض المدنيين يقولون: أزر بن ناحر بن السارع بن الراع بن القاسم- الذي قسم الأرض بين ولد نوح- ابن كعبر بن السالح بن الرافد بن السائم بن نوح. ويزعم أن ذلك عن الزهري. والأول أثبت وأشهر. وقال الكلبي، والشرقي: إسماعيل أبو كل عربي في الأرض. 9- وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الواقدي: [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم من أسلم: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا [1] .] وقال هشام بن الكلبي: سمعت من يذكر أن تارخ لقب لأبي إبراهيم. وقال الشرقي بن القطامي: اسمه تارح، ولقبوه أزر. وهو السند والمعين.. وقال أحمد بن يحيى بن جابر، وحدثت عن أبي روق الهمداني، عن الضحاك بن مزاحم، أنه قال: أزر يا شيخ [2] . وأثبت ذلك قول الشرقي. وأهل التوراة يقولون للسند والمعين: عازر. والله أعلم. أول من تكلم بالعربية 10- وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح، قال: تكلمت العرب العاربة بالعربية حين اختلفت الألسن ببابل. قال هشام: وأهل/ 3/ اليمن يقولون: أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان.

_ [1] خ: «ارهبوا إسماعيل- راهبا» وعند السهيلي (1/ 61) : «ارموا فإن أباكم إسماعيل كان راميا» ، وعند ابن ماجة، كتاب الجهاد (رقم 2815) «رميا بنى إسماعيل فإن أباكم إلخ» . [2] كذا، «لعله آزر (هو) تارخ» .

قال هشام: وأخبرني أبي، والشرقي: أن أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم: إسماعيل عليه السلام حين أتى مكة، وله أقل من عشرين سنة، ونزل بجرهم. فأنطقه الله بكلامه. وكان كلامهم العربية. قال هشام: وسمت العرب إسماعيل: عرق الثرى [1] . يريدون أنه راسخ، ممتد. قال: وقال قوم: سمي بذلك لأن أباه لم تضره النار، كما لا تضر الثرى. 11- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، عن عدة من أهل الرواية، قالوا: لما تفرق ولد نوح في الأرض حين قسمها فالغ بن عابر، وأخ له يقال له يوناطر [2] ، نزلت عاد الشحر، وبه أهلكوا. ونزلت عبيل بناحية يثرب، فأخرجتهم العماليق، بعد حين، من منزلهم. فنزلوا موضع الجحفة. فأتى عليهم سيل، اجتحفهم إلى البحر. فسمى الموضع الجحفة. وكان مع العماليق رجل من بني عبيل، فنجا. فقال، فيما يزعمون: عين بكى وهل يرجع ... ما فات فيضها بالسجام عمروا يثربا وليس بها ... شر ولا صارخ ولا ذو سنام وقال الربيع بن خثيم [3] : ملأت عاد ما بين الشام واليمن. حدثني بذلك أحمد بن إبراهيم الدورقي، عَن أَبِي بكر بْن عياش، عَن عاصم بن بهدلة، عن الربيع قال: إن عادا كانوا قد ملأوا ما بين الشام إلى اليمن، من دلني على رجل من آل عاد، فله ما شاء. ونزلت العماليق في أول الأمر صنعاء اليمن. ثم انتقلوا إلى يثرب فنزلوها. وإنما سميت يثرب برئيس لهم، يقال له يثرب. ثم انتقلوا

_ [1] الطبرى (ص 1113) : أعراق الثرى. [2] خ: نوناطر، راجع المحبر، ص 384. [3] خ: خشم، والتصحيح عن الطبرى وتهذيب التهذيب لابن حجر (3/ 467) .

إلى ناحية فلسطين من الشام. ومضت عامتهم إلى مصر، وناحية إفريقية. وتفرقوا بالمغرب. فالبرابرة منهم. والبرابرة اليوم يقولون: نحن بنو بر بن قيس. وذلك باطل وإنما غزا رجل من التبابعة، يقال له أفريقيس بن قيس بن صيفي الحميري إفريقية فافتتحها. فسميت به. وسمع كلام هؤلاء العماليق، فقال: ما أكثر بربرتهم. فسموا البرابرة. وأقام مع البرابرة بنو صنهاجة، وكتامة [1] من حمير. فهم فيهم اليوم. ونزلت ثمود الحجر، بين الحجاز والشام، وبه أهلكوا. ونزلت طسم بين اليمن واليمامة. ونزلت جديس بموضع اليمامة. وكانت اليمامة تعرف بجو، سمتها جديس بذلك. وكانت بين طسم وجديس حروب، أفنت جديس فيها أكثر طسم. فقال القائل: يا طسم ما لاقيت من جديس ثم إن بقية طسم انضمت إلى جديس باليمامة. فتوجه تبع من اليمن، وقدم عبد كلال بن مثوب بن ذي حرث بن الحارث بن مالك بن عيدان، فقتل طسما وجديسا باليمامة. وصلب امرأة من جديس، يقال لها اليمامة بنت مر، على باب جو، فسميت جوّ اليمامة باسمها. وقال حماد الرواية: منعت جديس خرجا كان عليها، فأخذت طسم بذنبهم. فقيل: يا طسم ما لاقيت من جديس. والله أعلم. ونزلت جاسم بالموضع الذي يدعى جاسم، بالشام. وكانوا قليلا. ونزل بنو تميم بين اليمن والحجاز. فدرجوا، حتى لم يبق منهم كبير أحد. ونزلت جرهم بمكة وما حولها. وسموها صلاحا. ثم إنهم استخفوا بحرمة البيت وأضاعوا حقه، فوقع فيهم طاعون أهلك أكثرهم، حتى قويت خزاعة عليهم، وغلبت على البيت وأخرجتهم. فنزلوا بين مكة ويثرب، فهلكوا بداء يعرف بالعدسة إلا من سقط منهم في نواحي البلاد.

_ [1] خ، كنامة بالنون، والتصحيح عن جمهرة الأنساب لابن الكلبى والطبرى.

(إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام)

(إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام) [1] : 12- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَوَّأَ اللَّهُ لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ، وَهُوَ حَذْوَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي يُدْعَى الصُّرَاحَ. فَبَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ، وَمَعَهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ. وَاسْتَعَانَا بِأَوْلادِ جُرْهُمَ بن عابر [2] ابن سَبَأِ بْنِ يَقْطُنَ، فَعَمِلُوا مَعَهُمَا. وَكَانَتْ مَنَازِلُ جُرْهُمٍ بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا. فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَامَ بأمر البيت بعده قيدر بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَأُمُّهُ جُرْهُمِيَّةٌ. ثُمَّ نَبْتُ/ 4/ بْنُ قيدر. ثُمَّ تَيْمَنُ بْنُ نَبْتٍ. ثُمَّ نَابِتُ بْنُ الْهَمَيْسَعِ بْنِ تَيْمَنِ بْنِ نَبْتٍ. فَلَمَّا مَاتَ نَابِتٌ، غَلَبَتْ جُرْهُمُ عَلَى الْبَيْتِ، فَكَانُوا وُلاتَهُ وَقِوَامَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَتَفَرَّقَ وَلَدُ إِسْمَاعِيلَ مِنَ الْعَرَبِ [3] بِتِهَامَةَ، وَفِي الْبَوَادِي وَالنَّوَاحِي إِلا مَنْ أَقَامَ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ وَلَدِ نِزَارٍ، تَبَرُّكًا بِالْبَيْتِ. فَلَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ على ولد سبأ بمارب ماء، أَرْسَلَ مِنْ سَيْلِ الْعَرِمِ [4]- وَهُوَ سَدٌّ كَانَ لَهُمْ بَيْنَ جَبَلَيْنِ- تَفَرَّقَتِ الأُسْدُ، وَانْخَزَعَتْ مِنْهَا خُزَاعَةُ، وَهُمْ وَلَدٌ لِحَيِّ بْنِ حَارِثَةَ، وَأَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرٍو [5] ، مَزِيقِيَا، فَنَزَلُوا بِظَهْرِ مَكَّةَ. فَلَمْ يَزَالُوا يَكْثُرُونَ، وَتَقِلُّ جُرْهُمُ لاسْتِخْفَافِهِمْ بِالْبَيْتِ وَفُجُورِهِمْ فِيهِ، حَتَّى غَلَبَتْهُمْ خُزَاعَةُ وَأَلْفَافُهَا عَلَى مَكَّةَ، وَطَرَدُوهُمْ عَنْهَا. فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ فِي قَبَائِلِ الْيَمَنِ. وَنَزَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَكَّةَ وَيَثْرِبَ، فَأَصَابَهُمُ الدَّاءُ الَّذِي يُعْرَفُ بِالْعَدَسَةِ، فَهَلَكُوا. قال هشام: ومما يروى في خروج جرهم من مكة شعر عمرو [6] بن الحارث بن مضاض الجرهمى:

_ [1] زدنا العنوان للوضاحة. [2] خ: عامر، راجع ما مضى. [3] خ: الغرب. [4] راجع القرآن، سبأ (34/ 16) [5] خ: عمرو بن مزيقيا، راجع المحبر، ص 436، وبدائع الصنائع للكاسانى (7/ 44) لتوجيه كلمة «مزيقيا» . [6] كذا عند ابن هشام، وعند الطبرى: «عامر بن الحارث» . راجع للأشعار ابن هشام (ص 73) ، والطبرى (ص 1133) والسهيلي (1/ 81) ، وبلدان ياقوت: (الحجون، مكة) ، وزاد أبياتا. وقال في الثانى: «يتربع واسطا» ، «إلى السر من وادي الأراكة» .

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر ولم يتربع في واسط فجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالي والجدود العواثر وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر وقال أيضا [1] : يا أيها الناس سيروا إن نظركم ... أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا كنا أناسا كما كنتم فأسلمنا ... دهر فأنتم كما كنا تكونونا حثوا المطي وأرخوا من أزمتها ... قبل الممات وقضوا ما تقضونا وقال بعضهم [2] : واد حرام طيره ووحشه ... نحن ولاته فلا نغشه وابن مضاض قائم يمشه ... يأخذ ما يهدي له يفشه ونزلت حضر موت مكانها من ناحية اليمن. وقال هشام بن الكلبي: تزوج مرتع بن معاوية بن ثور- وثور هو كندي، وإليه تنسب كندة- امرأة من حضر موت. واشترط أبوها عليه أن لا يتزوج سواها، وأن لا تلد إلا في دار قومها. فلم يف بشرطه. فتحاكموا إلى الأفعى بن الحصين الجرهمي- ويقال إنه الأفعى بن الحصين بن تميم بن رهم ابن مرة بن أدد بْن يشجب بْن عريب بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب ابن يعرب بن قحطان. وكانت العرب تتحاكم إليه، وثبتوا عنده الشرط الذي كان شرط. فقال الأفعى: «الشرط أملك» . وهو أول من قالها. فأخذ الحضرميون الامرأة وابنها من مرتع، واسمه مالك. فقال مرتع: أما مالك، ابني، فصدف عني. فسمى الصدف. فمن كان من ولد مالك الصدف بن

_ [1] راجع ابن هشام (ص 74) والطبرى (ص 1133) والسهيلي (1/ 83) . [2] ذكر الطبرى (ص 1133) البيت الأول، وعزاه إلى عمرو بن الحارث الغبشانى.

مرتّع، ببلاد حضر موت، فهم ينسبون إلى كندة، ومن كان بالكوفة، فهم ينسبون إلى حضر موت. ومن الحضرميين من أهل الكوفة: وائل بن حجر من الطبقة الأولى، أوس بن ضمعج مات بولاية بشر بن مروان، أبو الزعراء عبد الله بن هاني، وائل بن مهانة، عبيس بن عقبة، كثير بن نمير، عبد الله ابن الجليل، عبد الله بن يحيى، سلمة بن كهيل، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة حين قتل زيد بن علي عليه السلام. وقال أبو نعيم: مات يوم عاشوراء من هذه السنة. يحيى بن سلمة بن كهيل، توفى في خلافة موسى أمير المؤمنين. أخوه محمد بن سلمة بن كهيل. ومن أهل البصرة: يحيى بن إسحاق، عبد الله بن أبي إسحاق كان صاحب قرآن وخطب، ويكنى بالحرّ، يعقوب بن إسحاق الحضرمي المقرئ، أخوه أحمد بن إسحاق. ويقال إنهم موالي العلاء ابن الحضرمي، وهم من أهل البحرين. ومن أهل الشام: جبير بن نفير الحضرمي، يكنى أبا عبد الرحمن، أسلم في خلافة أبي بكر ومات سنة خمس وسبعين، ويقال في سنة ثمانين، كثير بن مرّة الحضرمى، أبو الزاهرية، واسمه جعفر ابن كريب، ويقال إنه حميري، مات/ 5/ سنة تسع وعشرين ومائة، أبو لقمان الحضرمي، مات سنة ثلاثين ومائة، حاتم بن حريث، مات سنة ثمان وثلاثين ومائة. ومن أهل مصر: عبد الله بن عقبة بن لهيعة، مات في سنة أربع وسبعين ومائة، عون بن سليمان، مات في خلافة المهدي أمير المؤمنين. وبمصر منهم جماعة. 15- وقال محمد بن سعد: بالمدينة قوم من الحضرميين، ولهم دار تعرف بدار الحضرميين، في بنى جديلة. ومولاهم بشر بن سعيد، مات في سنة مائة وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وكان ينزل في دارهم بالمدينة. 16- أخبرني محمد بن زياد الأعرابي الرواية، عن هشام بن محمد الكلبي [1] قال: من قبائل حضر موت تنعة [2] ، ولهيعة، وهم اللهائع، وأكثرهم بمصر، وضمعج

_ [1] خ: الحلبى. [2] خ: تبعة بالباء، والتصحيح عن المحبر (ص 186) .

وهم الضماعج، وعلقمة، وهم العلاقم، والأذمور [1] ، والأربوع، والأملوك، غير الذي في حمير، وذو مران، ويقال إنهم الذين في همدان، وشعب، دخلوا في همدان فقالوا: شعب بن معدي كرب بن [2] حاشد بن جشم، وهم رهط عامر بن شراحيل الشعبي، وشعبان، وهم في حمير، وكان يقال لشعبان عبد كلال، فلما انشعب من قومه قيل «شعبان» ، ومرحب، وجعشم، وهم الجعاشمة، وأحذر (أخمد؟) وهم الأخامدة، وسلع، وذو طحن، ووليعة، غير وليعة كندة، ووائل، وأنسي. قال بعضهم: وجدي الأنسوي أخو المعالى ... وخالي المرحبى أبو لهيعة وردمان، وأسوع، وأحمر دخلوا في همدان، والأثروم، والأذمور [3] رهط الصعبة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عماد الحضرمي، أم «طلحة بن عبيد الله» المسمى «صاحب رَسُول اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورهط عامر الحضرمى، حليف بنى أمية، بن عبد الله بن عامر الحضرمي صاحب معاوية، وأسروهم بناحية فلسطين، ورهط مسروق بن وائل أبي شمر الذي يقول: وأكرم ندماني وأحفظ غيبه ... وأملأ زق الشرب غير مشائط ويقال إنه من الأذمور [4] . ومن الحضرميين ميمون الحضرمي [5] ، صاحب بئر ميمون بمكة وعندها دفن أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور. ومنهم عمرو بن الحضرمي الذي قتله المسلمون في سرية عبد الله بن جحش. وسنذكر خبره إن شاء الله تعالى [6] .

_ [1] خ: الأدمون، راجع ما يلى. [2] خ: عن. [3] كذا ههنا، بالذال المعجمة. [4] خ: الأدمور بالدال المهملة. [5] هو ميمون بن المرتفع (جمهرة الأنساب لابن الكلبى، 23/ الف) . [6] راجع تحت، باب السرايا الفقرة (768) .

نسب ولد عدنان بن أدد

نسب ولد عدنان بن أدد 17- حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن وهب المصري، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة بن حذافة، قال: ما وجدنا في علم عالم ولا شعر شاعر من وراء عدنان بثبت. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: [كَانَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بَلَغَ فِي النَّسَبِ إِلَى أُدَدَ، قَالَ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ، كَذَبَ النَّسَّابُونَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [2] .] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ شَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْلَمَهُ لَعَلِمَهُ. وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي اليقظان، عن وضاح بْن خيثمة، عن داود بن أبى هند، عن الشعى قال: إنما حفظت العرب من أنسابها إلى أدد. قال الكلبي: فأدد من ولد نابت بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيدر بن إسماعيل. وقال بعض المدنيين: أدد من ولد الهميسع بن أشجب بن نبت بن قيدر بن إسماعيل وقول الكلبى أثبت. [2- من عدنان إلى مضر] [ولد أدد] 18- وولد أدد: عدنان - وأمه، فيما ذكر غير الكلبي، المتمطرة بنت علي، من جرهم أو من جديس-، ونبت [3] ، وعمرو، درج [4] . فولد نبت بن أدد: شقرة. وهم في مهرة بْن حيدان بْن عَمْرو بْن الحاف بن قضاعة. قال الشاعر، وهو الحارث بن نمر التنوخي [5] :

_ [1] خ: «كان كان» (مكررا) . [2] القرآن، الفرقان (25/ 38) . [3] كذا بدل نبتا، عمرا، أبيا وغير ذلك، لما ذكره المؤلف في تعليقه في الصفحة الأولى من الكتاب. [4] خ: زوج. [5] ذكر ابن الكلبى في جمهرته (3/ الف) البيت الثانى والثالث، وعزاهما إلى رجل من مهرة. فروى «عمسا جلد النمر» و «غب الوبال» . (نحت أثلته: عابه. طأطأ في القتل: بالغ- وكان في المخطوطة: «في قيلهم» - هاض العظم: كسره. النقر: الغضبان) . والبيت الأول في مروج المسعودى (طبع بولاق 2/ 20) .

19 - وولد عدنان:

أي يومي من الموت أفر ... يوم لم يقدر أم يوم قدر إن أخوالي من شقرة قد ... لبسوا لي عيسا جلد نمر نحتوا أثلتنا ظلما ولم ... يرهبوا لفت الوبال المستمر فلئن طأطأت في قتلهم ... لتهاضن عظامي من عفر ولئن غادرتهم في ورطة ... لأكونن نقرة الشيخ النقر ويشجب [1] بن نبت، وهم في وحاطة [2] من ذي الكلاع، من حمير/ 6/ ويقال، والله أعلم، إن نبت بن أدد هذا هو الأشعر بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب بن يعرب بن قحطان. وبعض الرواة يقول: هو عدنان بن أدد. والثبت أنه عدنان بن أدد. 19- وولد عدنان: معد- وبه كان يكنى والديث، وأبي، والعي. وهو الثبت. وبعضهم يقول: العي، وعدين درج. هؤلاء الثلاثة، وأمهم مهدد بنت اللهم بن جلحب، من [3] جديس. وقال بعضهم: هي من طسم. والأول أثبت. 20- فولد الديث بن عدنان: عك. ويقال: إنه عك [4] بن عدنان نفسه. وبعضهم يقول: عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد بن الغوث. وبعض الناس يقول: عك بن عدثان بن عبد الله بن الأزد. وذلك تصحيف، ليس في الأزد عدثان (مضموم العين تعجم بثلاث) إلا عدثان بن عبد الله بن زهران ابن كَعْبِ بْن الْحَارِث بْن كَعْبِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مَالِك بْن نَصْرِ بْن الأَزْدِ، وهو أبو دوس. وقال الكميت بن زيد الأزدى:

_ [1] جمهرة ابن الكلبى (2/ الف) : «شقحب وهم في وحاطة من ذي الكلاع» ص: وحاضة. [2] جمهرة ابن الكلبى (2/ الف) : «شقحب وهم في وحاطة من ذي الكلاع» ص: وحاضة. [3] خ: بن، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى (2/ الف) . [4] خ: عد.!

كعكّ في مناسبها منار ( ... ؟ ءالى) عدنان واضحة السبيل وقال عباس [1] بن مرداس السلمي: وعك بن عدنان الذين تلقبوا ... بغسان حتى طردوا كل مطرد 21- فولد عك بن الديث- واسم عك «الحارث» -: الشاهد، وصحار واسمه غالب، وسبيع درج، وقرن وهم في الأزد يقولون: قرن بن عكّ بن عدنان ابن عبد الله بن الأزد. 22- فولد الشاهد بن عك: غافق، وساعدة. 23- فولد غافق: لعسان، ومالك، وقياتة بالتاء. 24- وولد صحار بن عك: السمناة، وعنس [2] ، وبولان. وهما عدد عك. فمن بني بولان: مقاتل بن حكيم بن عبد الرحمن الخراساني، من رجال دولة بني العباس. 25- فولد لعسان بن غافق: الحوثة، وأسلم، وأكرم. فولد أكرم: وائل، وريان [3] بالراء، وخضران. 26- وولد مالك بن غافق: رهنة، وصحار. 27- وولد القياتة بن غافق: أحدب، وأوفى [4] ، وأسليم، وخدران، وأسلم. 28- وولد رهنة بن مالك: كعب، وطريف، ومالك. 29- وولد صحار بن مالك بن غافق بن الشاهد: عبد، وربيعة، ومعاوية.

_ [1] خ: عياش. وراجع للبيت مصعب بن عبد الله (ص 5) وابن هشام (ص 6) حيث «تلعبوا» بدل «تلقبوا» وهو الأرجح. [2] خ: عبس، بالباء، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى (3/ الف) حيث كتب كلمة «نون» تحت هذا الاسم، تأكيدا. [3] كذا بالياء ولعله الأرجح، والمعروف «ربان» بالباء. [4] رسمه «أوفا» .

32 - وولد معد بن عدنان:

30- وكان من ولد غافق: سملقة بن مرى بن الفجاع صاحب أمر عك يوم قاتلوا غسان. وهو أول من جز ناصية أسير، وأطلقه. وكان رئيس غسان يومئذ ربيعة [1] بن عمرو. 31- ويقال إن أول من كسا الكعبة عدنان. كساها أنطاع الأدم. 32- وولد معد بن عدنان: نزار بن معد- وبه كان يكنى، ويقال إنه يكنى أبا حيدة، وبعضهم يقول إنه كان يكنى أبا قضاعة- وقنص بن معد، وقناصة، وسنام [2] ، والعرف، وعوف، وشك، وحيدان، وحيدة، وعبيد- الرماح- في بني كنانة بن خزيمة- وجنيد في عك، وجنادة، والقحم. وأمهم معانة بنت جشم [3] بن جلهة بن عمرو، من [4] جرهم. وبعضهم يقول جلهمة. والأول أثبت. وقال بعضهم: اسمها عنة بنت جوشن، من [5] جرهم. وقال ابن مزروع: اسمها ناعمة. والأول قول ابن الكلبي. وقال هشام بن محمد: يقال إن معانة كانت عند مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير، ثم خلف عليها بعده معد بن عدنان فجاءت معها بقضاعة ابن مالك بن عمرو. فكان يقال له قضاعة بن معد. فولدت. قال: ويقال إن معانة كانت بديا عند معد، فولدت له قضاعة، ثم خلف عليها مالك بن عمرو، وتبنى قضاعة فنسب إليه. وأن قضاعة كان يسمى عمرا. فلما تقضع عن قومه، أي بعد، سمي قضاعة. والله أعلم. 33- وقال هشام: كان عمرو بن مرة الجهني أول من ألحق قضاعة باليمن. فقال بعض البلويين:

_ [1] كذا: وعند ابن الكلبى: زوبعة. [2] كذا، بدل «سناما، عوفا، شكا» وغير ذلك، لما مضى فوق من توجيه المؤلف. [3] ابن كلبى (3/ ب) : جوشم. [4] خ: بن، والتصحيح عن الكلبى (3/ ب) حيث: «عمرو بن هلينية بن دو، من جرهم» . [5] خ: بن.

أيا إخوتي لا ترغبوا عن أبيكم ... ولا تهلكوا في لجة لجها عمرو 34- وقال بعض الرواة: أم قضاعة عكبرة. وقال الكلبي: لا أدري ما هذا. 35- وحدثني أَبُو عدنان الأعور، عَنْ أبي زيد الأنصاري النحوي، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: لم تزل قضاعة/ 7/ معدّية في الجاهلية، وتحولوا فقالوا: قضاعة بن مالك ابن عمرو. وذلك لأن بني مالك بن عمرو إخوتهم لأمهم. وحدثني أبو الحسن المدائني، عن أبي اليقظان أن عمر بن عبد العزيز- وكانت أم أبيه كلبية- قال لبعض أخوال أبيه: إن علىّ منكم لغضاضة غضّتكم حرب قوم، فابتغيتم عن أبيكم وانتميتم [1] إلى غيره، وكنتم إخوة قوم لأمهم فصيرتم أنفسكم إخوتهم لأبيهم وأمهم. وحدثني محمد بن الأعرابى الرواية، عن المفضل الضبي، عن القاسم بن معن وغيره: أن أول من ألحق قضاعة بحمير، عمر (و) بن مرة الجهني، وكانت له صحبة. وروي عن هشام بن عروة، عن عائشة، قالت: [قالت: قلت يا رسول الله، قضاعة ابن من؟ قال: ابن معد] . وحدثني محمد بن حبيب مولى بني هاشم، قال أنشدني أبو عمرو الشيبانى لشاعر قديم: قضاعة كان ينسب من معد ... فلج بها السفاهة والضرار فإن تعدل قضاعة عن معد ... تكن تبعا وللتبع الصغار وزنيتم عجوزكم وكانت ... حصانا لا يشم لها خمار وكانت لو تناولها يمان ... للاقى مثل ما لاقى يسار وأكره أن تكون شعار قومي ... لذي يمن إذا ذعرت نذار

_ [1] خ: «من أبيكم وانتهيتم» .

قال: وكان «يسار» هذا عبدا لإياد، فتعرض لابنة مولاه فزجرته. فأتى صاحبا له فاستشاره في أمرها. فقال له: ويلك يا يسار كل من لحم الحوار، واشرب من لبن العشار، وإياك وبنات الأحرار. فقال: كلا، إنها تبسمت في وجهى. فعادوها، فقالت له: ائتني الليلة. فلما أتاها، قالت: ادن مني أشمك طيبا. فلما دنا، جدعت أنفه بسكين كانت قد أعدته، وأحدته، وكانت قد دفعت إلى وليدتين لها سكينتين، وقالت لهما: إذا أهويت لأجدع أنفه، فلتصلم كل واحدة منكما أذنه التي تليها. ففعلتا ذلك. فلما أتى صاحبه الذي استشاره، قال له: والله ما أدري أمقبل أنت أم مدبر. فقال يسار- ويقال هو يسار الكواعب-: هبك لا ترى الأنف والأذنين، أما ترى وبيص العينين؟ فذهبت مثلا. 36- وقال جميل بن عبد الله بن معمر العذري [1] : أنا جميل في السنام من معد ... الدافعين الناس بالركن الأشد وكان جميل مع الوليد بن عبد الملك في سفر. فقال له: انزل فارتجز. فلما ارتجز بهذا الشعر، قال له: اركب، لا حملك الله. وذلك أنه ظن أن جميلا يمدحه كما مدحه راجز قبله، فقال [2] : يا بكر هل تعلم من علاكا؟ ... خليفة الله على ذراكا ويقال إنّ جميلا لم يمدح أحدا قط. وقال جميل [3] لبثينة بنت حبأ العذرية: ربت في الروابي من معد وفضلت ... على المحصنات الغر وهي وليد وقال زيادة بن زيد العذرى [4] :

_ [1] ديوان جميل، ص 167، حيث: «في الذروة العلياء والركن الأشد» ، راجع أيضا السهيلي (1/ 17) ومصعبا (ص 6) . [2] مصعب (ص 6) وعزاه إلى ابن العذرى. [3] ليس في ديوانه المطبوع ولكن راجع السهيلي (1/ 17) . [4] مصعب (ص 6) .

وإذا معد أوقدت نيرانها ... للمجد أغضت عامر وتقنعوا «عامر» رهط هدبة بن خشرم. وقال أفلح بن يعبوب، من ولد أمر مناة ابن مشجعة بن تيم [1] بْن النمر بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ [2] بْنِ عِمْرَان ابن الحاف بْن قضاعة، في أيام معاوية بن أبى سفيان [3] : يا أيها الداعي ادعنا وبشر ... وكن قضاعيا ولا تنزر قضاعة بن مالك بن حمير ... النسب المعروف غير المنكر وقال عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بلي: وما أنا إن نسبت بخندفي ... وما أنا من بطون بني معد ولكنا لحمير حيث كنا ... ذوي الآكال والركن الأشد 37- قالوا: وكان الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة أجرى وعامر ابن عبيلة فرسين لهما/ 8/ فسبق فرس عامر. فمنعه الحارث سبقته، وقضاعة يومئذ بتهامة. فقال: يا آل معد. فلم يجبه أحد. فقال: والله لو كنت من معد لأجابني بعضهم. فهم قومه بالخروج. فكره بنو معد أن يخرجوا عنهم، ويصيروا إلى غيرهم، فأعطى عامر سبقته. ثم إن خزيمة [4] بن نهد بن زيد، وكان يعشق فاطمة بنت يذكر بن عنزة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار، وهو القائل فيها [5] : إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا ظننت بها وظن المرء مما ... يجلي للفتى الأمر المبينا خرج هو ويذكر بن عنزة يطلبان القرظ، فوقعا على هوة فيها نحل.

_ [1] خ: التيم. [2] خ: جلوار. [3] مصعب (ص 5) ، وعنده في البيت الأول «وأبشر» بدل «وبشر» . [4] خ: جذيمة: والتصحيح عن لسان العرب كما يلى. [5] الأنواء لابن قتيبة (فقرة 110) ، لسان العرب (قرظ، ردف) .

فقالا: هذه خير مما نطلب. فقال خزيمة، وكان بادنا: إن نزلت الهوة، لم تقدر على رفعي، وأنت نحيف وأنا قوي على رفعك من الهوة. فنزل يذكر، فجعل يجني العسل ويناوله خزيمة [1] . فلما فرغ، قال له: يا يذكر، زوجني فاطمة. فقال: ليس هذا بوقت تزويج. فتركه في البئر، وأتى قومه. فسألوه عنه. فقال: لا علم لي به. ووقع الشر بين بني معد وبني قضاعة. فكان أول من خرج عن معد من تهامة، جهينة وسعد هذيم ابنا زيد بن سود بن أسلم. فنزلا الصحراء. فسمتها العرب صحار. وخرجت بنو نهد عن معد، فنزل بعضها باليمن وبعضها (ب) الشام. فالذين صاروا باليمن: مالك، وخزيمة، وصباح، وزيد، وأبو سود، ومعاوية، وكعب بنو نهد. قال زهير بن جناب الكلبي يذكر تفرق نهد: ولم أر حيا من معد تفرقوا ... تفرق معزى الفزر [2] غير بني نهد وقال أيضا: لقد علم القبائل أن ذكري ... بعيد في قضاعة من نزار وما إبلي بمقتدر عليها ... وما حلمي الأصيل بمستعار والذين جاءوا إلى الشام: عامر، وهم في كلب بن وبرة، وعمرو، ودخلوا في كلب أيضا، والطول، وبرة، وحزيمة، وحنظلة، وهو الذي يقال له «حنظلة بن نهد خير كهل في معد» ، وأبان بن نهد، دخل في بني تغلب ابن وائل. وقال بعض شعرائهم: قضاعة أجلتنا من الغور كله ... إلى جنبات الشام نزجي [3] المواشيا فإن يك قد أمسى شطيرا ديارها ... فقد يصل الأرحام من كان ثابيا

_ [1] خ: جذيمة. [2] الفزر هو القطيع الصغير. [3] خ: يزجى.

40 - فولد سنام بن معد:

38- وسمي يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة [1] : «القارظ العنزي» ، وضرب به المثل. قال بشر بن أبى خازم الأسدى: فترّجى الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزي آبا وقد كان من عنزة قارظ آخر، يقال له عامر بن هميم فقد أيضا. فقال أبو ذؤيب الهذلي [2] : وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في الموتى كليب بن وائل ويروى «كليب لوائل» . هو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير، من بني تغلب بن وائل. فنسبه إلى وائل. والعرب تقول «كليب وائل» أيضا. 39- وقال هشام بن الكلبي: ويقال إن حيدان بن معد دخلوا في قضاعة، فقالوا: حيدان بْن عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة وحيدان هو أبو مهرة بن حيدان. 40- فولد سنام بن معد: جشم بن سنام، وجاه [3] . وهما في حكم بن سعد العشيرة بن مالك. 41- وولد حيدة بن معد: مجيد، وأفلح، وقزح دخلوا في الأشعرين. ويقال إن ولد قزح وحده دخلوا في الأشعرين، وإن الآخرين درجا. والله أعلم. وقال هشام بن الكلبي: ذكر بعض النساب أن حيدة بن معد ولد أيضا معاوية. فولد معاوية: عفير بن معاوية. فولد عفير: ثور بن عفير. فولد ثور: كندي وهو أبو كندة. وأنشد لامرئ القيس بن حجر الكندي [4] : / 9/ تالله لا يذهب شيخي باطلا ... خير معدّ حسبا ونائلا

_ [1] خ: ربيعة بن. [2] ديوان أبى ذؤيب، ق 12 ب 23 (وروايته: في القتلى) . [3] في مخطوطة جمهرة ابن كلبى: حا. [4] ديوانه ق 39 مصراع 1، 4 (حيث المصراع الثانى والثالث) : حتى أبير ملكا وكاهلا ... القاتلين الملك الحلاحلا

42 - وولد القحم بن معد:

وغيره ينشده: «يا خير شيخ حسبا منائلا» . 42- وولد القحم بن معد: أفيان. فولد أفيان: غنث بن أفيان، وهم في بني مالك بن كنانة ابن خزيمة. 43- قال هشام: ودخل بنو عبيد الرماح في كنانة، وهم رهط إبراهيم بن عربي ابن منكث. وكانت أم إبراهيم فاطمة بنت شريك بن سحماء البلوي، من قضاعة. وسحماء أمه، وأبوه عبدة بن مغيث. وبسبب شريك هذا نزل اللعان [1] . حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ الْبَلَوِيَّ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْعَجْلانِ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُوَيْمِرٌ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَسَأَلَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. فَأَتَى عُوَيْمِرٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَمْرِكَ وَأَمْرِ صَاحِبَتِكَ قرآنا، فأت بِهَا. فَلاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا. وَكَانَ الَّذِي قُذِفَ بِهَا شَرِيكُ بن سمحاء. وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عن أنس ابن مَالِكٍ قَالَ: لاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ، وكان قد قذفها بشريك بن سمحاء. [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَصْهَبَ أَثْبَجَ أَرْشَحَ حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِهِلالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ.] فَجَاءَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَكْرُوهَةِ، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُتَلاعِنَيْنِ، وَقَضَى أَنْ لا يُدْعَى وَلَدُ الْمُلاعَنَةِ لأَبٍ، وَلا تُرْمَى وَلا وَلَدُهَا، وَأَنَّ عَلَى من رماها الحد.

_ [1] راجع القرآن، النور (24/ 6- 9) .

وَقَضَى بِأَنْ لا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ وَلا قوته [1] . وقال هشام بن الكلبي: لما كان يوم دار عثمان، ضرب مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، فسقطا. فوثبت فاطمة بنت شريك بن سمحاء فأدخلت مروان بيتا كانت فيه قراطيس فأفلت. فكان بنو مروان يحفظون إبراهيم بن عربي ويكرمونه بذلك السبب. فتزوج إبراهيم ابنة طلبة بن قيس بن عاصم التميمى [2] المنقري. وكان عبد الملك قد ولى إبراهيم ابن عربي اليمامة وأعمالها. فأوفد إبراهيم مقاتل بن طلبة بن قيس، أخا امرأته، إلى عبد الملك ومعه أشراف من تميم وعامر بن صعصعة، وكتب إلى الحجاب أن يحسنوا إذنه ويقدموه. فأذن له أول الغد. فلما دخل على عبد الملك، أدناه وأكرمه. فقال: وفضلني عند الخليفة أنني ... عشية وافت عامر وتميم وجدت أبي عند الإمام مقدما ... لكل أناس حادث وقديم وقال رجل من بنى عبشمس بْن سَعْد بْن زَيْد مناة بْن تميم: لولا حر قدمته لابن منكث ... مقلم لباب الأسكتين أزوم [3] لما كنت عند الباب أول داخل ... عشية وافت عامر وتميم قال: واسم عربي عبد الرحمن. وتزوج إبراهيم ابنة عبد الرحمن بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف. ولإبراهيم عقب. قال: وكان إبراهيم أسود. فقال فيه البعيث المجاشعي: ترى منبر العبد اللئيم كأنما ... ثلاثة غربان عليه وقوع 44- قال ابن الكلبي: ويقال إن معد بن عدنان ولد أودا، فانتسبوا في مذحج فقالوا: أود بن صعب بن سعد العشيرة. وكان معد بن عدنان على عهد بخت نصّر.

_ [1] قوت الولد؟ [2] خ: التيمى. [3] البيت كذا في الأصل.

ولد نزار

45- وقال بعض الرواة: لم يبق لقنص بن معد عقب. وكان النعمان بن المنذر، من [1] تميم، ونسب إلى لحم، وأن عمر بن الخطاب أتي بسيف النعمان، فأعطاه جبير بن مطعم وقال له- وكان نسابة- ممن كان النعمان؟ فقال: من قنص بن معد. واحتج من روى هذا بقول النابغة الذبياني [2] : / 10/ فإن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ... ويأت معدّا ملكها وربيعها [ولد نزار] 46- فولد نزار بن معد: مضر بن نزار، وإياد بن نزار، وبه كان يكنى نزار، وأمهما سودة بنت عك، وربيعة، وأنمار، وأمهما الحذالة بنت وعلان بن جوشم بن جلهة بن عمرو، من [3] جرهم. فذكر بعضهم أن أنمار هذا درج [4] بعد موت أبيه نزار ولم يعقب. وقال بعض الرواة: بل غاصب إخوته وانتفى منهم، وأتى اليمن فحالف الأزد وانتسب إلى أراش بن عمرو بن الغوث، أخي الأزد بْن الغوث بْن نبت بْن مَالِك بْن زيد بْن كهلان، وتزوج بجيلة بنت صعب ابن سعد العشيرة، فنسب ولده منها إليها، وتزوج هند بنت مالك بن الغافق من عك أيضا. فأما بجيلة فولدت له عبقر بن أنمار، والغوث بن أنمار وإخوة لهما. وأما هند فولدت له أفتل [5] وهو خثعم. وقال آخرون: تزوج أنمار هاتين الامرأتين وولدتا له، ثم إن ولده ادعوا بعد موته بحين أنهم من ولد أنمار بن أراش. وقال ابن الكلبي: سمعت من يذكر أن نزارا وهب لأنمار جارية يقال لها بجيلة فحضنت ولده. وذلك باطل، وإنما وهب لإياد جارية اسمها ناعمة. وقال عمرو بن الخثارم البجلي، وهو ينتمى إلى معدّ [6] :

_ [1] خ: بن. [2] قسم النابغة في العقد الثمين في دواوين الشعراء الجاهلين، ق 18 ب 1 (وفيه: إن يرجع) . [3] خ: بن، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى. [4] خ: درج درج (تكرر سهوا) . [5] عند مصعب الزبيري، ص 7: أقبل. [6] مصعب الزبيري، ص 7.

ابنى نزار انصرا أخاكما ... لن يغلب اليوم أخ والا كما إن أبي وجدته أباكما وقال أيضا: لقد تفرقتم في كل قوم ... كتفريق الإله بني معد وكنتم حول مروان حلولا ... جميعا أهل مأثرة ومجد ففرق بينكم يوم عبوس ... من الأيام نحس غير سعد وقال الكميت بن زيد: وليسوا من القوم الذين تبدلوا ... أراشا بإسماعيل أعور من جدل وكان جرير بن عبد الله البجلي نافر الفرافصة بن الأحوص الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي. فقال عمرو بن الخثارم، وكان حاضرا [1] : يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إن يصرع اليوم أخوك تصرع وقال بعضهم: أراد «أخاك في الإسلام» . فنفره إلى الفرافصة. وقال ابن الدمينة الخثعمي [2] لمعن بن زائدة الشيباني: عجل فداك إلى مغيظة حاسدي ... برجاء معتمد لسيبك آمل وأصب بجدواك ابن عم طالبا ... لنداك إنك ذو ندى وفواضل 47- قالوا: وكان يقال لمضر وربيعة «الصريحان» من ولد إسماعيل. وقال بعضهم: أم مضر وإياد خبيّة [3] بنت عك. وقال ابن الكلبي: سودة. وذلك

_ [1] مصعب الزبيري، ص 7. [2] في ديوانه المخطوط: خفق فداك إلى مغيظة حاسدى ... وسرور معد لسيبك آمل لحمال معشب بزعم باطن لنداك ... إنك ذو ندى وفواضل [3] كذا في الأصل، وعلى الهامش عن نسخة أخرى: «بجيبة» (نجيبة؟) .

الثبت. وقال بعضهم: اسم أم ربيعة وأنمار الشقيقة بنت عك. والأول قول ابن الكلبي، وهو أثبت. 48- وقال هشام بن محمد الكلبي: كثرت إياد بتهامة، وبنو معد حلول بها لم يتفرقوا عنها، فبغوا على بني نزار. وكانت منازلهم بأجياد من مكة. وذلك قول الأعشى [1] : وبيداء تحسب آرامها ... رجال إياد بأجيادها فرماهم الله بداء، ففشا الموت فيهم. فخرج من بقي منهم هرابا. فأتت فرقة اليمن، فانتسبوا في ذي الكلاع من حمير. وأقام قسيّ بن منبّه بن النبيت ابن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار (و) ولده بالطائف. وقسي هو ثقيف. ثم انتسبوا إلى قيس، فقالوا: ثقيف بن منبه بن بكر ابن هوازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة بْن قيس بن عيلان. فلذلك يقال إن ثقيفا بقية إياد. ويقال أيضا إنّ قيسيّا كان عبدا لأبي رغال، وكان أصله من قوم نجوا من قوم ثمود. فهرب من مولاه، ثم ثقفه، فسماه ثقيفا، وانتسب ولده بعد حين إلى قيس. ولذلك يقال إن ثقيفا بقية ثمود. وكان الحجاج يقول: يقولون إنا بقية ثمود، وهل بقي مع/ 11/ صالح إلا المؤمنون! 49- فأما أبو رغال، فيقال إن أصله من العرب العاربة، وكان له سلطان بالطائف وما والاه. فكان يأخذ من أهل عمله غنما بسبب خرج كان له عليهم. وكان ظلوما غشوما. فأتى على امرأة تربي يتيما صغيرا في عام جدب وقحط بلبن عنز، (و) لم يكن بالطائف شاة لبون سواها. فأخذها. وبقي الصبي بغير رضاع، فمات. فرمى الله أبا [2] رغال بقارعة، فهلك. ودفن بين الطائف ومكة فقبره هناك يرمى على وجه الدهر. وقوم يقولون: كان أبو رغال عبدا لشعيب بن ذي مهدم الحميري الذي قتله قومه. وكان فيما يزعمون مبعوثا إليهم. فلما بلغه ما فعل

_ [1] ديوان الأعشى ميمون، ق 8، ب 25. (وبهامش أصلنا عن نسخة أخرى: «أعلامها» بدل آرامها) . [2] خ: أبو.

أبو رغال من ترك الصبي بلا رضاع، أمر به، فقتل، وأمر برجم قبره. ويقال إن أبا رغال كان قائد الفيل وبعض أدلاء الحبشة على البيت. فمات فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم قبره. وإن جد أبي الحجاج كان يخدمه. فقيل للحجاج «عبد أبى رغال» . وكان حمّاد الرواية يقول: ثقيف من ولد أبي رغال، وأبو رغال من بقية ثمود، وكان أخذ عنزا ترضع صبيا يتما فهلك الصبي، ولم يرم مكانه حتى مات فرجم قبره. والله أعلم. وقال جرير [1] : إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال 50- وقال هشام بن الكلبي: خرج جل إياد يؤمّون العراق. فنزل بعضهم بعين أوباغ [2] . ونزل باقوهم بسنداد، بين البصرة والكوفة. فأمروا هناك، وكثروا. واتخذوا بسنداد بيتا شبهوه بالكعبة. ثم انتشروا، وغلبوا على ما يلي الحيرة. وصار لهم الخورنق والسدير. فلهم «أقساس مالك» . وهو مالك بن قيس ابن أبى هند بن أبى نجم [3] بن منعة بن برجان بن دوس بن الديل بن أمية بن حذافة ابن زهر بن إياد. ولهم دير الأعور، ودير السواء، ودير قرة، ودير الجماجم. وإنما سمي دير الجماجم لأنه كان بين إياد وبهراء القين حرب، فقتل فيها منَ إياد خلق. فلما انقضت الحرب، دفنوا قتلاهم عند الدير. فكان الناس بعد ذلك يحفرون، فتظهر جماجم. فسمي دير الجماجم. ويقال إن بلال الرماح- وبعضهم يقول بلال الرماح، والرماح أثبت- بْن محرز الإيادي قتل قومًا منَ الفرس، ونصب رؤوسهم عند الدير. فسمي دير الجماجم. ويقال إنهم لما أرادوا بناء الدير، فحفر أساسه، وجد فيه جماجم فسمي دير الجماجم. وأمر الرماح وقتله الفرس أثبت عند الكلبي. 51- وكان بالحيرة من إياد في جند ملوك الحيرة.

_ [1] ديوانه، ج 2، ص 37، بيت 16. [2] كذا، والمعروف «أباغ» بدون واو. [3] خ: «عبد هند بن لجم» ، والتصحيح عن جداول وستنفلد (ونسب أبا نجم بن مالك ابن قنص بن منعة) . ولأقساس مالك، راجع معجم البلدان لياقوت.

52- وَقَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّخَعُ، وَثَقِيفُ بْنُ إِيَادِ بْنِ نِزَارٍ- فَثَقِيفٌ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ النَّبِيتِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ إِيَادٍ، وَالنَّخَعُ بْنُ عَمْرِو بن الطّمثا (ن) بن عوذ مناة بن يقدم بْنِ أَفْصَى- فَخَرَجَا وَمَعَهُمَا عَنْزُ لَبُونٍ يَشْرَبَانِ لَبَنَهَا. فَعَرَضَ لَهُمَا مُصَدِّقٌ مَلِكُ الْيَمَنِ، فَأَرَادَ أَخْذَهَا. فَقَالا: إِنَّمَا نَعِيشُ بِدَرِّهَا: فَرَمَى أَحَدُهُمَا الْمُصَدِّقَ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنَّهُ لا يَحْمِلُنِي وَإِيَّاكَ أَرْضٌ. فَأَمَّا النَّخَعُ فَمَضَى إِلَى بِيشَةَ، فَأَقَامَ بِهَا. وَنَزَلَ قَسِيٌّ مَوْضِعًا قَرِيبًا مِنَ الطَّائِفِ، فَرَأَى جَارِيَةً تَرْعَى غَنَمًا لِعَامِرِ بْنِ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيِّ، فَطَمِعَ فِيهَا، وَقَالَ: أَقْتُلُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ أَحْوِي الْغَنَمَ. وَأَنْكَرَتِ الْجَارِيَةُ مَنْظَرَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُرِيدُ قَتْلِي وَأَخْذَ الْغَنَمِ، وَهَذَا شَيْءٌ إِنْ فَعَلْتَهُ قُتِلْتَ وَأُخِذَتِ الْغَنَمُ مِنْكَ، وَأَظُنُّكَ غَرِيبًا خَائِفًا. فَدَلَّتْهُ عَلَى مَوْلاهَا. فَأَتَاهُ، فَاسْتَجَارَهُ. فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ، وَأَقَامَ بِالطَّائِفِ، فَقِيلَ: لِلَّهِ دَرُّهُ، مَا أَثْقَفَهُ، حِينَ ثَقِفَ عَامِرًا فَأَجَارَهُ. وَكَانَ قَدْ مَرَّ بِيَهُودِيَّةٍ بِوَادِي الْقُرَى، حِينَ قَتَلَ الْمُصَدِّقَ، فَأَعْطَتْهُ قُضْبَانَ كَرْمٍ. فَغَرَسَهَا بِالطَّائِفِ فَأَطْعَمَتْ وَنَفَعَتْهُ. 53- قالوا: وكانت إياد تغير على السواد وتفسد. فجعل سابور بن هرمز بن نرسي بن بهرام بينه وبينهم مسالح بالأنبار [1] / 12/ وعين التمر وغير هاتين الناحيتين. فكانوا إذا أخذوا الرجل منهم، نزعوا كتفه. فسمت العرب سابور «ذا الأكتاف» ثم إن إياد (ا) أغارت على السواد في ملك أنوشروان كسرى بن قباذ بن فيروز. فوجه إليهم جيوشا كثيفة. فخرجوا هاربين. وأتبعوا، فغرق منهم بشر، وأتى فلهم بني تغلب. فأقاموا معهم على النصرانية. فأساءت بنو تغلب جوارهم. فصار قوم منهم إلى الحيرة متنكرين، مستخفين، فأقاموا بها. وأتى آخرون نواحي أمنوا بها. ولحق جلهم بغسان بالشام، فلم يزالوا معهم. فلما جاء الإسلام دخل بعضهم بلاد الروم، وأتى بعضهم حمص، وأنطاكية، وقنسرين، ومنبج وما والى هذه المدن. ودخل منهم قوم في خثعم، وفي تنوخ. وبالحيرة

_ [1] خ: «بالأنمار» . لعل الصواب ما أثبتناه.

اليوم قوم منهم يقال لهم بنو عبد الخيار، من بني حذافة، وقوم من بني مالك ابن قيس صاحب «أقساس مالك» . قال الشاعر من إياد: قلت حقا حين قالت باطلا ... إنما يمنعني سيفي ويد ورجال حسن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معد وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي [1] : قومي إياد لو أنهم أمم ... ولو أقاموا فيهزل النعم وقال الأسود بن يعفر [2] : ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد وقال الشاعر ينفي ثقيفا من إياد: عاري الأشاجع من ثقيف أصله ... عبد ويزعم أنه من يقدم وقال ابن الكلبي: كان يقال لامرئ القيس بن عمرو بن إمرئ القيس ابن عمرو بن عدي بن نصر «محرق» وهو أول من عاقب بالنار. وهو من لحم، وكان من ملوك الحيرة. وكان عمرو بن هند مضرط الحجارة حرق بني تميم، فسمى أيضا محرقا. 54- وحدثني محمد بن الأعرابي، عن هشام بن محمد الكلبي، قال: كان يقال لإياد «الطبق» لإطباقهم بالشرّ (ة) والعرام على الناس. وكانت

_ [1] ديوانه، ق 1، ب 2 (أيضا ابن هشام، ص 32) . خ: «ولو» ، ديوانه وابن هشام: «أو لو» . خ: «فيهزل» ، ديوانه: «فتجزر» ، ابن هشام: «فتهزل» . [2] ديوان الأعشى، قسم أعشى نهشل، وهو الأسود، ق 17، ب 9- 11. راجع أيضا ابن هشام، ص 57، السهيلي 1/ 67- 68، وزاد هذا الأخير بيتا بين الأول والثانى: نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد

وفاة نزار:

طائفة منهم بناحية البحرين. فخرجت عبد القيس، ومعهم بنو شن بْن أفصى بْن دعمى بْن جديلة [1] بْن أسد بن ربيعة، تطلب المتسع حتى بلغوا هجر وأرض البحرين. فرأوا بلدا استحسنوه ورضوه. فضاموا من به من إياد والأزد، وشدّوا خبلهم بالنحل. فقالت إياد. عرف النحل أهله. فذهبت مثلا. واجتمعت عبد القيس والأزد على إياد، فأخرجوا عن الدار فأتت العراق. وكانت بنو شن أشدهم عليهم. فقال الشاعر: وأفق شن طبقه ... وافقه فاعتنقه وفاة نزار: 55- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا حَضَرَتْ نِزَارًا الْوَفَاةُ أَوْصَى بَنِيهِ- وَهُمْ مُضَرُ، وَرَبِيعَةُ، وَإِيَادٌ، وَأَنْمَارٌ- بِأَنْ يَتَنَاصَفُوا. فَقَالَ: قُبَّتِي الْحَمْرَاءُ، وَكَانَتْ مِنْ أَدَمٍ، لِمُضَرَ. فَقِيلَ مُضَرُ الْحَمْرَاءُ. وَهَذَا الْخِبَاءُ الأَسْوَدُ وَفَرَسِي الأَدْهَمُ لِرَبِيعَةَ. فَسُمِّيَ رَبِيعَةُ الْفَرَسَ. وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ لإِيَادٍ. وَكَانَتْ شَمْطَاءَ، فَقِيلَ إِيَادٌ الشَّمْطَاءُ وَالْبَرْقَاءُ. وَهَذَا الْحِمَارُ لأَنْمَارٍ. فَقِيلَ أَنْمَارُ الْحِمَارِ. وفيه يقول الشاعر: نزار كان أعلم إذ تولّى ... لأنّ بَنِيهِ أَوْصَى بِالْحِمَارِ قال ابن الكلبي: واختلف بنو نزار في قسمة ما ترك أبوهم. فشخصوا إلى الأفعى بن الحصين، وهو بنجران. فبيناهم يسيرون إذ رأى مضر كلأ مرعيا، فقال: لقد رعاه بعير أعور. قال ربيعة: وهو أيضا أزور. وقال إياد: وهو أيضا أبتر. وقال أنمار: وهو أيضا شرود. فلم يسيروا إلا قليلا حتى لقيهم رجل توضع به راحلته يسأل عن بعير. فقال مضر: أهو أعور؟ قال: نعم. قال ربيعة: أهو أزور؟ قال: نعم. قال إياد. أهو أبتر؟ قال: نعم. قال أنمار: أهو شرود؟ قال: نعم، قال: وأنتم والله تعلمون مكان بعيري،

_ [1] خ: حدفلة.

مضر:

/ 13/ فقد وصفتموه صفة المعاين الخبر. فحدثوه الحديث، وقال مضر: رأيته يرعى جانبا ويترك جانبا، فعلمت أنه أعور مال نحو عينه الصحيحة. وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه نابته والأخرى فاسدة الأثر، فعلمت أنه أفسدها بشدة وطئه في إحدى جانبيه. وقال إياد: عرفت أنه أبتر باجتماع بعره، ولو كان ذيالا لمصع. وقال أنمار: إنما عرفت أنه شرود لأنه رعى في المكان الملتف نبته ثم جاز إلى مكان أرق نبتا منه وأخبث. فحاكمهم إلى الأفعى. فقصوا عليه القصة، وحلفوا. فقال للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك، فاطلبه. ثم سألهم عن قصتهم. فقصوها عليه. فقال: أتحتاجون إلي وأنتم في جزالتكم وصحة عقولكم وآرائكم على ما أرى؟ ثم قال: ما أشبه القبة الحمراء من مال أبيكم، فهو لمضر. فصار لمضر ذهب كان لنزار، وحمر إبله. وقال: ما أشبه الخباء الأسود والفرس الأدهم لربيعة. فصار له جميع إبله السود، ومعزى [1] غنمه، وعبدان أسودان كانا له. وقال: ما أشبه الجارية الشمطاء فهو لإياد. فصار له بلق خيله وغنمه. وقضى لأنمار بفضته وحميره، وبيض ضأنه. فرضوا بحكمه. وقال بعض الرواة: أعطى إيادا عصا أبيه وحلته. فسموا إياد العصا. وأنشد بعضهم: نحن ورثنا من إياد كله ... نحن ورثناه العصا والحلة مضر: وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده قال: كان مضر من أحسن الناس صوتا. فسقط عن بعيره، فانكسرت يده. فجعل يقول: يا يداه! يا يداه! فأنست الإبل لصوته وهي في المرعى. فلما صلح وركب، حدا. فهو أول من حدا، وأول من قال: «بصبصن أو حدين» . فذهبت مثلا.

_ [1] خ: يعزى.

3 - من مضر إلى النضر بن كنانة

واستعمل الناس الحداء بالشعر بعده، وتزيدوا شيئا بعد شيء. وقيل: إنه ضرب يد غلام له بعصا. فجعل الغلام يقول: يا يداه، يا يداه. فاجتمعت الإبل. 57- وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ أَبُو عُثْمَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ [بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: لا تَسُبُّوا مُضَرَ، فَإِنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا] . وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ مَحْبُوبٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لا تَسُبُّوا مُضَرَ وَرَبِيعَةَ، فَإِنَّهُمَا قَدْ أَسْلَمَا.] [3- من مضر إلى النضر بن كنانة] 58- فولد مضر: إلياس، وبه كان يكنى، والناس، وهو «عيلان» ، حضنه غلام لمضر يقال له عيلان، فسمي به. فقيل لابنه قيس بن عيلان، وقيس عيلان. وهو قيس بن إلياس بن مضر. وأم إلياس والناس- وهو عيلان- الرباب بنت حيدة بن معد بن عدنان. أخبرني علي الأثرم، عن أبي عبيدة أنه قال: يقال للسل والنحافة ياس. قال ابن هرمة: وقول الكاشحين إذا رأوني ... أصيب بداء يأس فهو موده وقال ابن (أبى) [1] عاصية، وهو مع معن باليمن: فلو كان داء الياس بي وأغاثني ... طبيب بأرواح العقيق شفانيا وقال الشاعر: هو اليأس أو داء الهيام أصابني ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا قال: وقد يكون الياس مشتقا من قولهم: فلان اليئيس، وهو الشديد

_ [1] خ: ابن عاصية. لعله كما أثبتناه عن فهرست الأعلام لتأريخ الطبرى.

59 - فولد اليأس بن مضر:

البأس، المقدام، الثابت القلب في الحرب. وقال العجّاج [1] : أليس يمشى قد ما إذا ادكر ... ما وعد الصابر من خير صبر وقال الأثرم، حكى خالد بن كلثوم: الأسد أليس. وقال: أليس بين اللئيس. وجمع ليس ألياس. قال: وكانت خندف لما مات إلياس جزعت عليه، فلم تقم بحيث مات ولم يظلها بيت حتى هلكت سائحة. فضرب بها المثل، وقيل «حزن خندف. وقال الشاعر: / 14/ فلو أنه أغنى لكنت كخندف ... على إلياس حتى أعجبت كل معجب إذا مونس لاحت خراطيم شمسه ... بكت غدوة حتى يرى الشمس تغرب وكان موته يوم الخميس. فكانت تبكي كل خميس من غدوة إلى الليل. وقال الشاعر: لقد عصت خندف من نهاها ... تبكي على إلياس فما أباها 59- فولد إلياس بن مضر: عمرو بن إلياس- وبه كان يكنى، وهو مدركة- وعامر بن إلياس وهو طابخة، وعمير بن إلياس، وهو قمعة. وأمهم خندف. واسمها ليلى بنت حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. 60- وروى عباس، عن أبيه، عن جده وغيره، قالوا: ندت إبل إلياس، فدعا بنيه فقال لعمرو: إني طالب إبلي في هذه الجهة، فاطلبها يا عمرو في هذه الجهة الأخرى. وقال لعامر: التمس لي صيدا، وأعدد لنا طعاما. فتوجه إلياس وعمرو ابنه في بغاء الإبل. وقالت ليلى لإحدى جاريتيها، وكانت لها جاريتان يقال لإحداهما ضبع وللأخرى نائلة: أخرجي في طلب أهلك

_ [1] ديوانه ق 11، مصراع 103- 104 (حيث في آخره: في اليوم اصطبر) . في الأصل عندنا «أليس نمشي» .

فاعرفى خبرهم واستخفيها [1] (من) المتطلع إلى علم خبر زوجها. فخرجت فتباعدت من الحواء مهرولة. وجاء عامر محتقبا صيدا. فقال لنائلة: قصي أثر مولاتك [2] . فلما ولت، قال: تقرصفي (أي: أسرعى. والقرصافة، الخذروف. يقول: كوني كالحذروف في السرعة) . ولم يلبثوا أن جاء الشيخ، وعمرو ابنه، وقد رد الإبل على أبيه، وتوافوا جميعا. فلما وضع الطعام بين أيديهم، قال إلياس: السليم لا ينام ولا ينيم. يقول: من نابه أمر، لم يستقر حتى يقضي اهتمامه به. (والسليم: اللديغ) فقالت ليلى امرأته: والله إن زلت أخندف في طلبكم والهة (والخندفة: الهرولة) . فقال إلياس: فأنت [3] خندف. فغلب اللقب على اسمها. فقال عامر: لكني والله لم أزل في صيد وطبخ حتى جئتم. قال: فأنت [4] طابخة. وقال عمرو: والذي فعلت أفضل، لم أزل بحداء في طلب الإبل حتى أدركتها ورددتها. قال: فأنت [5] مدركة. وقالت نائلة: أنا قصصت أثر مولاتي حتى أشرفت على الموت. قال: فأنت قاصة. وقالت ضبع: وأنا التي تقرفصت لا أتلي. قال: فأنت قرصافة. لكنك يا عمير انقمعت في البيت، فأنت قمعة. فغلبت هذه الألقاب على أسمائهم. 61- قال هشام، وقال الشرقي بن القطامي: خرج إلياس منتجعا، ومعه أهله وماله. فدخلت بين إبله أرنب، فنفرت الإبل. فخرج عمرو بن إلياس في طلبها، فأدركها. فسماه أبوه «مدركة» . وخرجت ليلى خلف ابنها مهرولة، فقال الشيخ: ما لك إلى أين تخندفين [6] ؟ فسميت «خندف» . وخرج عامر في طلب الأرنب، فصادها وطبخها. فقال له أبوه: أنت طابخة. ورأي عميرا قد انقمع في المظلة، فهو يخرج رأسه منها، فقال له: أنت قمعة.

_ [1] خ: استحقها. [2] خ: مولايك. [3] خ: فابت. [4] خ: فابت. [5] خ: فابت. [6] خ: ابن متخندفين.

62- قال هشام: وذكروا أن إلياس بن مضر قال لولده: يا عمرو قد أدركت ما طلبتا [1] ... وأنت قد أنضجت ما طبختا [2] وأنت قد أسأت إذ قمعتا [3] ويقال إن قمعة بن خندف من غير إلياس. 63- وقال الكلبي وشرقي: لما مات نزار، قال ربيعة- وكان أسن من مضر-: ينبغي لنا أن نصير إلى الملك ليعرف مواضعنا، ويجعل الرئاسة لمن رأى منا. فقال مضر: يحتاج في الوفادة إلى مؤنة، وأنا أتكلفها. ثم نفذ فسبقه ربيعة، فوفد قبله. ثم قدم مضر بعده، وقد أنس ربيعة بالملك. ثم قدم مضر وهو منقبض. فعلم أن ربيعة قد مكر به. فأمر الملك أن يسألا حوائجهما. فقال مضر: أنا أسأل الملك أن لا يأمر لي بشيء إلا أمر لربيعة بضعفه، فإنه أسن مني. فقال: ذاك لك. فقال: أسألك أن تأمر بقلع عيني وقلع عينيه جميعا. فضحك الملك وقال: لا بل أجيزكما. فأجاز مضر بشيء، وأعطى ربيعة مثله، لم يزده. وقوم يروون [4] أن ربيعة/ 15/ كان أعور، فسأل مضر قلع عينيهما، فخرج ربيعة أعمى ومضر أعور. وهذا باطل. 64- وذكر أبو اليقظان، [أنه روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: أول من بحر البحيرة، وسيب السائبة، وحمى الحام (ى) [5] وغير دين إبراهيم عليه السلام عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف.] قال أبو اليقظان. وعمرو هو أبو خزاعة. وقال بعضهم: درج قمعة بن اليأس، فلا عقب له.

_ [1] ص: طلبنا، طبخنا، قمعنا. والتصحيح عن تأريخ الطبرى، ص 1108 (حيث في الأخير: أسأت وانقمعتا) . [2] ص: طلبنا، طبخنا، قمعنا. والتصحيح عن تأريخ الطبرى، ص 1108 (حيث في الأخير: أسأت وانقمعتا) . [3] ص: طلبنا، طبخنا، قمعنا. والتصحيح عن تأريخ الطبرى، ص 1108 (حيث في الأخير: أسأت وانقمعتا) . [4] خ: ويوم يرون. [5] راجع القرآن، المائدة (5/ 103) .

66 - فولد مدركة

65- وحدثني مُحَمَّد بْن حبيب مولى بني هاشم، عَن مُحَمَّد بْن الأعرابي، عَنِ المفضل الضبي أَن قمعة بن إلياس تزوج وولد له، ثم غاضب إخوته، فأتى اليمن وحالف الأزد، وانتسب فيهم. 66- فولد مدركة - واسمه عمرو، ويكنى أبا الهذيل- خزيمة (وهذيلا) [1] . ويقال إن خزيمة بن مدركة، وهذيل بن مدركة، وأمهما سلمى بنت أسلم ابن الحاف بن قضاعة. وقال بعضهم: هند بنت منصور بن يقدم بن إياد. والأول أصح وأثبت. 67- فولد خزيمة بن مدركة - ويكنى أبا الأسد- كنانة (وأمه عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان بن مضر. ويقال: هند بنت عمرو بن قيس بن عيلان) ، وأسد، وأسدة (وهو رجل) ، وعبد الله، والهون بنى [2] خزيمة. وأمهم برة بنت مر بن أد بن طابخة، أخت تميم بن مر. وقال هشام بن الكلبي وغيره، والله أعلم: إن خزيمة لما تزوج برة (و) وهبت إليه، قالت: «إني رأيت رؤيا رأيت كأني ولدت غلامين من خلاف، وبينهما ... [3] فبينا أنا أتأملهما إذا أحدهما أسد، وإذا الآخر قمريزهر.» فأتى خزيمة كاهنة، يقال لها سرحة، فقص الرؤيا عليها. فقالت: «لئن صدقت رؤياها، لتلدن منك غلاما يكون له ولأولاده نفوس باسلة، وألسن سائلة، ثم لتموتن عنها فيتزوجها ابنك من بعدك، فتلد له ولدا ويكون لولده عدد وعدد، وقروم مجد، وعز إلى آخر الأبد.» فولدت له أسدا. ثم خلف عليها كنانة، فولدت له النضر وإخوته منها. ورأى كنانة، وهو قائم في الحجر، قائلا يقول: اختر أبا النضر، منى الصهيل والهذر، أو عمارة الجدر، وعز الدهر» فقال: «كلا أسأل ربى» . قضى هذا كلهم [4] لقريش.

_ [1] لا بد من الزيادة [2] خ: بن. [3] خ: «ساييا» ولم نصل إلى صوابه [4] كذا في الأصل لعله: فقضى هذا كله لقريش.

68- وقال هشام بن الكلبى: دخل بنو أسد (ة) [1] بن خزيمة في بنى أسد ابن خزيمة، وكانوا قليلا. وقوم يقولون: إن أسدة درج. ونساب مضر يقولون: إن أسدة هذا أبو جذام، وأن ولده غاضبوا إخوته، فأخرجوهم. فأتوا الشام، وحالفوا لخما، وقالوا: جذام بن عدى أخو لحم بن عدي. وقال بشر بن أبي خازم الأسدي: صبرنا عن عشيرتنا فبانوا ... كما صبرت خزيمة عن جذام وكانوا قومنا فبغوا علينا ... فسقناهم إلى البلد الشامي وقال الكميت بن زيد الأسدى: وأم جذام كان عيار قوم ... على قوم وعطف ذوي العقول ألجتهم مباعدة وكانوا ... بني الهواس في الظلم المصول فباتوا من بنى أسد عليهم ... فجاز من خزيمة ذي القبول وقال أبو اليقظان البصري: رد مروان بن محمد جذام في أيامه إلى بني أسد. فقال القعقاع الطائي: ما كنت أحسب أن يمتد بي أجلي ... حتى تكون جذام في بني أسد فأصبحت فقعس تدعى إمامهم ... يا للرجال لريب الدهر ذي العدد والبيض لحم وكانوا أهل مملكة ... شم العرانين لا يسقون من ثمد 69- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، قال: قام روح بن زنباع الجذامي مقاما انتمى فيه إلى خزيمة بن مدركة، ودعى جذام إلى الدخول في بني أسد. فبلغ ذلك نائل بن قيس بن زيد بن حيا (ن) [2] الجذامي، فأقبل مسرعا وهو يقول: أين هذا الفاجر الغادر روح بن زنباع؟ فقيل: ههنا. فرد عليه قوله. وكان نائل شيخا، وروح شابا. وجعل يقول

_ [1] خ: أسد [2] خ: حيا، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى

72 - وولد كنانة بن خزيمة:

أتعرف هذا النسب؟ نحن بنى (بنو؟) قحطان وفرق إلياس. 70- وقال بعض بني أسد: ولد أسد بن [1] خزيمة: عمرا [2] . فولد عمرو: جذاما، ولخما، وعاملة. فقال أبو السماك الأسدي: / 16/ أبلغ جذاما ولخما إن لقيتهم ... والقوم ينفعهم علم الذي علموا إنا نذكركم بالله أن تدعوا ... أباكم حين جد القوم واعتزموا لا تدعوا معشرا ليسوا بإخوتكم ... حتى الممات وإن عزوا وإن كرموا وقالت امرأة من بني أسد: نظرت نحو جارتيها [3] وقالت ... ليتني قد رأيت قومي جذاما قد أرانا ونحن حىّ تهامو ... ن جميع مطنبون الخياما ثم شطت دياركم بعد قرب ... فإليكم يا قوم أهدى السلاما 71- وكان خزيمة الذي نصب هبل على الكعبة. فكان ذلك الصنم ينسب إليه، فيقال: «هبل خزيمة» . 72- وولد كنانة بن خزيمة: النضر، (واسمه قيس، وإنما سمي النضر لجماله ونضارة وجهه. وكان كنانة يكنى أبا قيس. ويقال أبا النضر) ، ونضير بن كنانة، ومالك، وملكان. وغير الكلبي يقول: ملكان، وعامر، وعمرو، والحارث، وسعد، وعوف، وغنم، ومخرمة، وجرول، وغزوان [4] ، وجذال وهم باليمن، ليسوا في قومهم- وعبد مناة. فأما أم النضر، ونضير، ومالك، وملكان، وعامر، وعمرو، والحارث، وسعد، وعوف: فبرة بنت مر بن أد. خلف عليها بعد أبيه نكاح مقت.

_ [1] خ: من [2] خ: عمروا [3] كذا في الأصل، لعله «جارتها» [4] كذا مشكلة، وفي جمهرة ابن الكلبى: عروان (بالعين والراء المهملتين) .

4 - من النضر بن كنانة إلى قصي بن كلاب

وأما أم عبد مناة فهي الذفراء. واسمها فكهة بنت هنى بن بلىّ بن قضاعة. وسميت الذفراء لطيب ريحها. وأما الباقون، فأمهم، فيما ذكر لي بعض العدويين، من قضاعة. وكان هذا العدوي يقول: هو ملكان بن كنانة. 74- وقال الكلبي: وأخو عبد مناة لأمه، علي بن مسعود بن مازن الغساني. فتزوج عبد مناة هند بنت بكر بن وائل، فولدت له. ثم مات، فخلف عليها علي بن مسعود، فولدت له نفرا. وحضن علي ولد عبد مناة، فغلب على نسبهم، وساروا في بني علي قال أمية بن أبي الصلت [1] : لله دَرُّ بني عليّ ... أيّمٌ منهم وناكح قال ابن الكلبي: فوثب مالك بن كنانة على علي بن مسعود فقتله. فوداه أسد بن خزيمة. [4- من النضر بن كنانة إلى قصي بن كلاب] 75- وولد النضر بن كنانة: مالك، ويخلد. وبه كان يكنى النضر. وهم في بني عمرو بن الحارث بن مالك بن كنانة. وقال هشام بن محمد: كان للنضر ابن [2] يقال له الصلت، فدرج فيما يقول أكثر العلماء. وأمه وأم مالك ويخلد: عكرشة بنت عدوان- وهو الحارث- بن عمرو بن قيس عيلان. قال: وقوم من خزاعة يذكرون أنهم من بني الصلت بن النضر: منهم رهط كثير، صاحب عزة، بن عبد الرحمن. قال كثير [3] : أليس أبي بالنضر أم ليس إخوتي ... بكل هجان من بني النضر أزهرا إذا ما قطعنا من قريش قرابة ... فأي قسى يحمل النبل ميسرا فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا ... أراكا بأذناب الفوائح أخضرا

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع ولكن ذكره الطبرى، ص 1106، ومصعب الزبيري، ص 10. [2] خ: النضر ابن [3] ديوانه ق 1، ب 19- 20. راجع أيضا مصعبا الزبيري، ص 11، ابن هشام، ص 61 (خ في الثالث: لم يكونوا- القرائح)

79 - وولد مالك بن النضر

و «ميسرة» أبو علقمة، رجل منهم. 76- قال هشام: ولا أعرف لقول من زعم: «أن الصلت يجمع خزاعة» وجها، ولم أر عالما إلا منكرا لذلك. ورأيت أبى و (ال) شرقى يثبتان أن الصلت بن النضر درج. 77- وقال بعض الشعراء يرد على كثير وهو مولى لخزاعة [1] . سيأتي بنو عمرو عليك وينتمي ... بهم نسب في جذم غسان معرق فإنك لا عمرا أباك لحقته ... ولا النضر إذ ضيعت شيخك تلحق فأصبحت كالمهريق فضلة مائه ... لجاري سراب بالفلا يترقرق 78- وقال بعض الرواة: كان النضر قد قتل أخاه لأمه، فوداه مائة من الإبل من ماله. فهو أول من سنها. 79- وولد مالك بن النضر - ويكنى أبا الحارث- فهر بن مالك (وفهر جماع قريش) ، والحارث، درج. وأمهما جندلة بنت عامر بن الحارث بن مضاض الجرهمي. 80- فولد فهر بن مالك / 17/ غالب بن فهر- وبه كان يكنى- وأسد، وعوف، وجون، وذئب درجوا، والحارث بطن، ومحارب بطن- وهما في قريش الظواهر كانوا ينزلون ظواهر مكة، وقيس بن غالب- وأمهم ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة. والظواهر بنو معيص بن عامر ابن لؤي، وبنو تيم الأدرم بن غالب، وبنو محارب بن فهر، وبنو الحارث ابن فهر إلا بني هلال بن أهيب، وهم رهط أبي عبيدة بن الجراح، وإلا رهط عياض بن عبد غنم، وبنى البيضاء. وباقو [2] قريش هم قريش البطاح. وكانت قريش الظواهر تغزوا وتغير. وتسمى قريش البطاح «الضبّ» للزومها

_ [1] راجع ديوان كثير تحت ق 1، ب 23- 25، وأيضا مصعبا الزبيري، ص 12 حيث عزاها إلى عبد العزيز بن وهب. ويوجد عندهم اختلافات في الرواية. (خ في الثالث: جارى شحار- وبالهامش: سرار- بالملاء يتزقزق) [2] خ: باقوا

82 - فولد غالب بن فهر

الحرم. ودخل بنو حسل بن عامر مكة بعد، فصاروا مع قريش البطاح. وهم رهط سهيل بن عمرو وإخوته. فأما من دخل في العرب من قريش فليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء. 81- قال المدائني: قال مالك لابنه فهر: رب صورة تخالف الخبر ... قد غرت بجمالها المختبر [1] قبيح فعالها فاحذر ... الصورة واطلب الخبر ولا تدبر أعجاز الأمور فتفجر 82- فولد غالب بن فهر - ويكنى أبا تيم- لؤي بن غالب، وتيم بن غالب وهو الأدرم وكان ناقص الذقن، وهم بطن، وهم من قريش الظواهر أيضًا، وقيس بن غالب، درجوا. وكان آخر من بقي منهم رجل هلك في زمن خالد ابن عبد الله القسري في ولايته مكة من قبل الوليد [2] بن عبد الملك بن مروان. فبقي ميراثه لا يدري من إخوته. وأم بني غالب: عاتكة بنت يخلد بن النضر. وهي إحدى العواتك اللاتي ولدن النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال بل أمهم سلمى بنت عَمْرو بْن ربيعة بْن حارثة، من خزاعة. 83- ولبني [3] الأدرم بن غالب يقول الشاعر: إن بني الأدرم ليسوا من أحد ... ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد ولا توفاهم [4] قريش في العدد 84- وحدثت أن قريش الظواهر كانوا يفخرون على قريش البطاح لظهورهم للعدو، ولقائهم المناسر [5] . وقال ضرار بن الخطاب:

_ [1] خ: اختبر [2] في جمهرة ابن الكلبى، 5/ الف: في خلافة هشام [3] خ: وابنى الأدرم [4] خ: توقاهم [5] هي طلائع الجيوش

86 - وولد لؤى بن غالب

نحن بنو الحرب العوان نسبها ... وبالحرب سمينا فنحن محارب إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب فذلك أفنانا وألقى قبائلا ... سوانا توفتهم قراع البطاح الكتائب 85- وروى أن لؤي بن غالب قال: من رب معروفه لم يخلق ولم نحمل، وإذا أحمل الشيء لم يذكر، وعلى من أولي معروفا نسره تصغيره وطيه [1] . 86- وولد لؤي بن غالب - وكنية لؤىّ أبو كعب- كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، وسامة بن لؤي- وأمهم ماوية بنت كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جِسْرِ بْنِ شيعِ الله بن أسد بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عمران بن الحاف بن قضاعة- وعوف بن لؤي (وأمه الباردة بنت عوف بن تميم [2] بن عبد الله بن غطفان) ، وخزيمة بن لؤي بطن وهم عائذة قريش، وسعد بن لؤي بطن وهم بنانة، والحارث وهو جشم بطن. كان جشم عبدا للؤي حضنه فغلب عليه. 87- قالوا: وكان كعب عظيم القدر في العرب. فأرخوا بموته إعظاما له، إلى أن كان عام الفيل فأرخوا به. ثم أرخوا بموت عبد المطلب. وكان كعب يخطب الناس في أيام الحج، فيقول: «أيها الناس افهموا واسمعوا وتعلموا أنه ليل ساج، ونهار صاح، وإن السماء بناء، والأرض مهاد، والنجوم أعلام لم تخلق عبثا، فتضربوا عن أمرها صفحا. الآخرون كالأولين. والدار أمامكم، واليقين غير ظنكم. صلوا أرحامكم، واحفظوا أصهاركم، وأوفوا بعهدكم. وثمروا أموالكم، فإنها قوام مرواتكم، ولا تصونوها عما يجب عليكم. وأعظموا هذا الحرم وتمسكوا به فسيكون له نبأ، ويبعث منه خاتم الأنبياء. بذلك جاء موسى وعيسى» . ثم ينشد [3] : على فترة يأتي نبي مهيمن ... يخبر أخبارا عليما خبيرها

_ [1] كذا في الأصل، وفي العبارة اضطراب. [2] خ: غنم، وعند ابن الكلبى (5/ الف) : تميم بن عبد الله بن عفان. [3] خ: ينسدوا.

عوف بن لؤى

[عوف بن لؤىّ] 88/ 18/ قال هشام بن محمد: وأما عوف بن لؤي، فإن أمه مضت بعد موت أبيه إلى قومها من بني غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وعوف معها. فتزوجها سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. فتبناه سعد. فقيل [1] عوف بن سعد. وولد لعوف بن لؤي: مرة. فقالوا: مرة بن عوف بن سعد ابن ذبيان بن بغيض. وكان بنو غطفان انتجعوا أرضا مخصبة. فخرجوا وتركوا عوفا في داره التي ارتحلوا عنها. فقال عوف: لو كنت من هؤلاء ما تركت هزيلا. فركب بعيره وهو يريد اللحاق بقريش بمكة، فمر به فزارة بن ذبيان ابن بغيض. فأخبرهم بما يريد أن يفعل. فقال فزارة [2] : عرج علي ابن لؤي جملك ... خلفك القوم فلا منزل لك ومضى به معهم. فكان عمر بن الخطاب يقول: لو كنت مدعيا حيا من العرب لادعيتهم. 89- وهرب الحارث بن ظالم المري من ملك الحيرة، حين أجار ملك الحيرة خالد بن جعفر بن كلاب، من بني عبس، فقتله الحارث وهو في جواره. فطلب وأتى عبد الله بن جدعان [3] مستجيرا به. وكانوا إذا خافوا فوردوا على من يستجيرون به، أو جاءوا لصلح، نكسوا رماحهم حتى طعنوا. فقال الحارث بن ظالم [4] : رفعت الرمح إذ قالوا قريش ... وشبهت الشمائل والقبابا فما قَوْمي بثعلبة بْن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا وقومي إن سألت بنو لؤي ... بمكة علموا مضر الضرابا

_ [1] خ: فقتل [2] ابن هشام، ص 64، الطبرى، ص 1106، جمهرة اين الكلبى، 5/ ب، وعندهم اختلافات الرواية. [3] في أثناء المخطوطة كتب أحيانا «جدعان» وأحيانا «جذعان» بالذال المعجمة، وهما روايتان. فجعلناها بالمهملة في كل محل بدون تنبيه [4] ابن هشام، ص 64، وزاد أبياتا، المحبر، ص 169، جمهرة ابن الكلبى، 5/ ب. (خ في الثانى: الشعرا رقابا)

وكانت قباب قريش من آدم، لا يضربها غيرهم بمنى. وقال: إذا فارقت ثعلبة بن سعد ... وإخوتهم نسبت إلى لؤي إلى نسب كريم غير مزر ... وحىّ هم أكارم كل حي فإن يغضب بهم نسبي فمنهم ... قرابين الإله بنو قصي ويقال إن الحارث بن ظالم قدم على عبد الله بن جدعان بعكاظ، وهم يريدون حرب قيس. فلذلك نكس رمحه. ثم رفعه حين عرفوه، وأمن. ويوم عكاظ من أيام الفجار، وكان لقريش. وفيه يقول ابن الزبعرى [1] : ألا لله قوم و ... لدت أخت بني سهم هشام وأبو عبد ... مناف مدره الخصم وذو الرمحين ناهيك ... من القوة والحزم هم يوم عكاظ م ... نعوا الناس من الهزم فهذان يذودان ... وذا من كثب يرمي يعني هشام بن المغيرة المخزومي، وهاشم بن المغيرة ويكنى أبا عبد مناف. وذو الرمحين أبو ربيعة بن المغيرة، قاتل في هذا اليوم برمحين. قال: وأقام الحارث بمكة، حتى أتاه أمان ملك الحيرة. ثم إنه قتل أيضا. 90- وقال غير الحارث بن ظالم ينكر أنهم من قريش: ألا لستم منا ولا نحن منكم ... برئنا إليكم من لؤي بن غالب أقمنا على دفع الأعادي وأنتم ... مقيمون بالبطحاء بين الأخاشب يقال لجبال مكة الأخاشب والحباحب.

_ [1] جمهرة ابن الكلبى، 30/ ب، (وزاد في آخرها ثلاثة أبيات. وقال في الثانى من أبياتنا هذه: «هشاما وأبا» . وفي الثالث: «وذا الرمحين» . راجع أيضا المحبر، ص 257- 258 مصعبا الزبيري، ص 300، العقد لابن عبد ربه، 3/ 111.

خزيمة بن لؤى

[خزيمة بن لؤىّ] 91- قال: وأما خزيمة بن لؤي، فكان له من الولد: عبيد، وحرب. فولد عبيد: مالك بن عبيد. فولد مالك: الحارث. وأمه عائذة بنت الخمس بن قحافة، من خثعم، فغلبت على جميع ولد خزيمة بن لؤي، فسموا عائذة قريش. وقد زعم بعض من لا علم له أن هذا البيت قيل في عائذة قريش: فإن تصلح فإنك عائذي ... وصلح العائذي إلى فساد والبيت لحسان بن ثابت الأنصاري، قاله في أبيات هجا بها بعض بنى عابد [1] بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، ولم يكن لهم هجرة ولا سابقة [2] : فإن تصلح فإنك عابدي ... وصلح العابدي إِلَى فساد وإن تفسد فما ألفيت إلا ... لئيما لا تؤول إلى رشاد / 19/ وقال الأثرم، عن أبي عبيدة: قال حسان هذا الشعر في رفيع بن صيفي بن عابد [3] ، (بدال غير معجمة) . وقتل رفيع يوم بدر كافرا. 92- وكانت عائذة قريش في بني شيبان. وكان منهم، في بني محلم بن ذهل بن شيبان، خاصة بنو حرب بن خزيمة. فلما كانت خلافة عثمان، ألحقهم بقريش، وأنزل معاوية بني حرب هؤلاء قرية بالشام. فلم يزالوا بها، حتى إذا جاءت المسودة مروا بقريتهم. فقيل لهم: هذه قرية بني حرب. فظنوا أنهم بنو حرب بن أمية، فأغاروا عليهم فقتلوا أكثرهم [4] . فبقيتهم قليلة. [بنو سعد بن لؤىّ] 93- وأما بنو سعد بن لؤي، فإنه يقال لهم بنانة. وبنانة أمهم. وهي أمة. ويقال هي بنانة بنت القين بن جسر. ويقال هي أمة حضنت عليهم، فنسبوا

_ [1] خ: عائذ. والتصحيح عن جداول وستنفلد. [2] ديوان حسان، ق 126، ب 1- 2. (خ: عائذى) . [3] خ: عايذ، (مع أنه كتب بعد ذلك: بدال غير معجمة) . [4] خ: أكبرهم.

بنو الحارث بن لؤي

إليها، وليست بأمهم. وكانت بنانة في بني شيبان. فقدموا على عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه تعالى عنه، فقال: لست أعرفكم. فقال عثمان: «رأيت رهطا منهم لقيهم أبي في الموسم، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: قوم من قريش نأوا عنا.» فقال لهم عمر: ارجعوا إلى قابل. فلما انصرفوا قتل سيدهم، وكان يكنى أبا الدهماء. فلم يرجعوا حتى قام عثمان [1] رضي الله تعالى عنه، فأتوه، فأثبتهم في قريش. فكانوا في البادية مع بني شيبان. وكتابتهم [2] في قريش. ومنهم نفر بالموصل. وفيهم يقول عَبْد الرَّحْمَن بْن حسان بْن ثابت [3] : ضرب التجيبي المضلل ضربة ... ردت بنانة في بني شيبانا والعائذي لمثلها متوقع ... ما لم يكن وكأنه قد كانا يعني بالتجيبي كنانة بن بشر بن عتاب السكوني، أحد بنى تجيب. [بنو الحارث بن لؤي] 94- وأما بنو الحارث بن لؤي، وهم جشم لأنه حضنهم عبد للؤي يقال له جشم. فنسبوا إليه، وقيل بنو جشم. فكانوا زمانا في عنزة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار، ثم في بني هزان بن صباح، وهم أشراف عنزة. وقال جرير بن عطية بن الخطفي [4] . بني جشم لستم لهزان فانتموا ... لفرع الروابي من لؤي بن غالب ولا تنكحوا في آل ضور نساءكم ... ولا في شكيس بئس حي الغرائب قال ابن الكلبي: هو شكس بن الأسود، واضطره الشعر فقال «في شكيس» . ويروى «شكيس» تصغير شكس. ويقال أيضا لبني الحارث هؤلاء «عقيدة» ، برجل منهم يقال له عقيدة بن وهب بن الحارث بن لؤي. وقالت امرأة ناكح في بني جشم هؤلاء:

_ [1] خ: عمر. [2] خ: كنايتهم. [3] المحبر، ص 169، السهيلي، 1/ 72 وعندهما في الثانى: لما يكن. [4] ليس في ديوانه المطبوع ولكن راجع المحبر، ص 168، ابن هشام، ص 62، جمهرة ابن الكلبى، 5/ ب. (خ في الثانى: ينقص حي) .

سامة بن لؤي

ألا إنني أنذرت كل غريبة ... بني جشم يا شرّ ما راى الغرائب فإنكم من منصب تعلمون ... سوى أن يقولوا من لؤي بن غالب فعودوا إلى هزان مولى أبيكم ... ولا تذهبوا في الترهات السباسب وقال الشاعر: بنانة في بني عوف بن حرب ... كما لز الحمار إلى الحمار وعائذة التي تدعي [1] قريشا ... وما جعل النحيت إلى النضار [سامة بن لؤي] 95- وأما سامة بن لؤي، فإنه وكعب بن لؤي أخاه جلسا على الشراب. ففقأ سامة إحدى عيني كعب، وخرج هاربا. فأتى عمان، فتزوج ناجية بنت جرم بن ربان- وهو علاف- بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قضاعة. فيقال إن سامة ركب بعيرا له بعمان، وأرخى رأسه. فجعل يرعى. فوقع فم البعير على حشيشة تحتها [2] أفعى. فنهشته في مشفره، فنفضها. فوقعت على سامة، فنهشته في ساقه فقتلته. فقال الشاعر [3] : عين بكي لسامة بن لؤي ... حملت حتفه إليه الناقه عين بكي لسامة بن لؤي ... علقت ما بساقه العلاقة 96-/ 20/ قَالَ هِشَامٌ، فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عِدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَامَّةٌ حَقٌّ، أَمَّا الْعَقِبُ فَلَيْسَ لَهُ. قال هشام: وأما من ثبت العقب لسامة، فإنهم يقولون: كان له بمكة ابن يقال له الحارث، وأمه هند بنت تيم الأدرم [4] ، بن غالب. فماتت هند. فحمل الحارث معه إلى عمان. وتزوج سامة ناجية بعمان، أو بسيف من أساف البحر، فولدت له غالب بن سامة. فهلك وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وخلف الحارث على ناجية

_ [1] خ: يدعا. [2] خ: يحتها. [3] ابن هشام، ص 63، وزاد أبياتا. [4] خ: الأزدم.

97 - فولد كعب بن لؤي

نكاح مقت، فعقب سامة منه. وقوم يقولون: كان لناجية ولد من غير سامة، وكان سامة متبنيا له. فنسب إليه. فالعقب لذلك الولد. وقال بعضهم: إن سامة شرب مع أخيه كعب. فرأى كعبا قد قبل امرأته. فأنف من ذلك، فهرب إلى عمان. فقال الشاعر في ذلك، وهو المسيب بن علس: وقد كان سامة في قومه ... له أكل وله مشرب فساموه خسفا فلم يرضهم [1] ... وفي الأرض (من) خسفهم مهرب ومن قال إنه تزوج ناجية بنت جرم [2] بتهامة، فقد غلط. 97- فولد كعب بن لؤي - وتكنى أبا هصيص- مرة بن كعب، وهصيص (وأمهما مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر) ، وعدي بن كعب (وأمه رقاش بنت ركبة بن بلبلة بْن كعب بْن حرب بْن تيم بْن سعد بن فهم بن عمرو ابن قيس بن عيلان) . 98- فولد مرة بن كعب - وتكنى أبا يقظة [3]- كلاب بن مرة (وأمه هند بنت سرير بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مَالِك بْن كنانة) ، و (يقظة بن مرة، و) تيم بن مرة (وأمهما أسماء بنت سعد بن عدي بن حارثة، من [4] بارق من الأزد. وقال غير الكلبي: اسم أم كلاب: نعم بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث ابن مالك. وقول الكلبي أثبت. 99- فولد كلاب بن مرة - وتكنى أبا زهرة- زيد بن كلاب وهو قصي،، وزهرة بن كلاب. وأمهما فاطمة بنت سعد بن سيل- وهو خير- بن حمالة ابن عوف بن غنم بن عامر الجادر، من الأزد. وبعضهم يقول حمالة، بالكسر-

_ [1] خ: ترضهم. [2] خ: «حزم» ، والتصحيح عن جمهرة ابن الكلبى. [3] خ: يقطع. [4] خ: بن.

السبب في تسمية قصي

وقال هشام: يزعم بنو عبد الرحمن بن عوف أن اسم زهرة «المغيرة» ، وأن كلابا كان يكنى أبا المغيرة. وكان يقال «صريحا قريش ابنا كلاب» . وزعم هشام والشرقي أن عامر بن عمرو بن جعثمة بْن يشكر بْن مبشر بْن صعب بْن دهمان بن نصر [1] بن الأزد بنى جدار الكعبة وهي من سيل أتى في أيام ولاية جرهم البيت، فسمي الجادر. قال هشام: وذكر الشرقي بن القطامي أن الحاج كانوا يتمسحون بالكعبة، ويأخذون من طيبها وحجارتها تبركا بذلك، وأن عامرا هذا كان موكلا بإصلاح ما شعث من جدرها، فسمى الجادر. قالوا: وكان سعد بن سيل وقومه مع بني كنانة. وفي سعد يقول الشاعر [2] : ما أرى في الناس طرا رجلا ... حضر البأس كسعد بن سيل فارس اضطر فيه عسرة ... وإذا ما وافق القرن نزل وتراه يطرد الخيل كما ... يطرد الحر القطامي الحجل وكان سعد بن سيل، فيما يقال، أول من حلى السيوف بالفضة والذهب. وكان أهدى إلى كلاب مع ابنته فاطمة سيفين محليين. فجعلا في خزانة الكعبة. وقال قصي: أنا الذي أعان فعلي حسبي ... وخندف أمى واليأس أبى [السبب في تسمية قصي] 100- قالوا: وإنما سمى زيد بن كلاب «قصيا» ، لأن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد هذيم بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أسلم بن الحاف بن قضاعة قدم مكة حاجا، فأقام بها. فلما مات كلاب ابن مرة، خلف على امرأته فاطمة بنت سعد بن سيل. وكانت قد ولدت لكلاب زهرة وزيدا، وكان زيد حين مات [3] أبوه صبيا صغيرا. ثم إن ربيعة خرج

_ [1] خ: نضر (ولكن راجع ابن هشام، ص 67) . [2] ابن هشام، ص 68 والمنمق لابن حبيب، ص 11، (مع اختلافات) . [3] خ: رات.

سدانة الكعبة

إلى/ 21/ بلاد قومه، وحمل فاطمة وزيدا ابنها معه. وتخلف زهرة بمكة. فسمي زيد قصيا لبعده من دار قومه، وأنه أقصي عنهم. وولدت فاطمة لربيعة ابن حرام: رزاح بن ربيعة، وحن بن ربيعة. فهما أخوا قصي لأمه. ويقال إن أخا قصي لأمه منهما رزاح بن ربيعة، وإن حن بن ربيعة من امرأة سوى فاطمة. وإن قصيا خرج من بلاد عذرة حتى أتى مكة. [سدانة الكعبة] 101- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ قُصَيٌّ، جَهَّزَتْهُ أُمُّهُ وَزَيَّنَتْهُ. فَخَرَجَ مَعَ حُجَّاجِ عُذْرَةَ، حَتَّى أَتَى مَكَّةَ. فَعَرَفَتْ لَهُ قُرَيْشٌ قَدْرَهُ وَفَضْلَهُ، وَأَعْظَمَتْهُ حَتَّى أَقَرَّتْ لَهُ بِالرِّئَاسَةِ وَالسُّؤْدُدِ. وَكَانَ أَبْعَدَهَا رَأْيًا، وَأَصْدَقَهَا لَهْجَةً، وَأَوْسَعَهَا بَذْلا، وَأَبْيَنَهَا عَفَافًا. وَكَانَ أَوَّلُ مَالٍ أَصَابَهُ مَالَ رَجُلٍ قَدِمَ مَكَّةَ بِأَدَمٍ كَثِيرٍ، فَبَاعَهُ. وَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَلا وَارِثَ لَهُ. فَوَهَبَهُ لَهُ، وَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. وَكَانَتْ خُزَاعَةُ مُسْتَوْلِيَةً عَلَى الأَبْطَحِ وَالْبَيْتِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُحِلُّ الشِّعَابَ وَالْجِبَالَ وَأَطْرَافَ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا. فَخَطَبَ قُصَيٌّ إِلَى حَلِيلِ بْنِ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُوَ لِحَيِّ، ابْنَتِهِ حُبَيِّ بِنْتِ حَلِيلٍ. فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا. وَكَانَ حَلِيلٌ يَتَوَلَّى أَمْرَ الْبَيْتِ، وَيَتَقَلَّدُ رِئَاسَةَ خزاعة يومئذ. فلما كبر وضعف، دفع مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ إِلَى ابْنَتِهِ حُبَيّ. فَكَانَتْ تَأْمُرُ قُصَيًّا بِفَتْحِهَا مَرَّةً، وَتَأْمُرُ أَخَاهَا الْمُخْتَرِشَ- وَهُوَ أَبُو غَبْشَانَ بْنُ حَلِيلٍ- بِذَلِكَ أُخْرَى. ثُمَّ مَاتَ حَلِيلٌ، وَصَارَتِ الرِّئَاسَةُ إِلَى ابْنِهِ الْمُخْتَرِشِ. فَسَأَلَ قُصَيٌّ أَنْ يَجْعَلَ سَدَانَةَ الْبَيْتِ إِلَيْهِ، ففعل. قال هشام: ويقال إنّ حليل ابن حبشية أوصى لقصي بسدانة البيت إكراما لأبنته بذلك. ويقال إن قصيا [1] سأل المخترش أن يجعل إليه السدانة، وبذل له ناقة كانت له ناجية، وزاده زق خمر. فصيرها إليه. وأن المخترش كان مضعوفا. 102- قالوا: ولما أخذ قصي مفاتيح الكعبة إليه، أنكرت خزاعة ذلك، وكثر كلامها فيه. وأجمعوا على محاربة قصي وقريش، وطردهم من مكة وما والاها.

_ [1] خ: حليلا.

فبادر قصي باستصراخ رزاح بن ربيعة وأخيه حن بن ربيعة. وكان رزاح سيد قضاعة وقائدها. فسار إليه منجدا له في الدهم منها، ومعه أخوه حن. فقاتل قصي خزاعة وألفافها من كنانة ومن ولد الربيط [1] وهو الغوث بن مر [2] بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. فلما ظهر قصي على خزاعة، أخرجها من مكة وأدخلها قريشا وقسمها رباعا بينهم، وتولى أمر البيت. وقد كان أبقى على خزاعة بعض الإبقاء للصهر بينه وبينهم. فلما خرجوا عن مكة، وقع فيهم الوباء فمات بشر منهم. وسمى قصي مجمعا لجمعه قريشا وقيامه بأمرهم. 103- ويقال إن قصيا لم يحتج إلى محاربة خزاعة، لأن رزاحا لما ورد مكة، أذعنت لقصي وهابت حربه، وخرجت عن مكة، فدخلها. قال حذافة بن غانم بن عامر القرشي [3] : أَبُوكم قصيُّ كَانَ يدعى مُجَمِّعًا ... بِهِ جمع اللَّه القبائلَ من فِهر وأنتم بنو زَيْد وزيد أبوكم ... بِهِ زيدت البطحاءُ فخرًا عَلَى فخر وقال رزاح حين أنجد قصيا: وإني في الحياة أخو قصي ... إذا ما نابه ضيم أبيت فما لبثت خزاعة أن أقرت ... له بالذل لما أن أتيت 104- وَحَدَّثَنِي عَلِي بْن المغيرة الأثرم، عَنْ مَعْمَر بن المثنى أبي عبيدة، قال: كان الذي أخذ قصي البيت منه أبو غبشان. واسمه سليم بن عمرو بن بوىّ ابن ملكان. والأول أصح وأثبت. قال أبو عبيدة: قال الناس: أخسر من صفقة أبي غبشان وقال/ 22/ الشاعر:

_ [1] في جمهرة ابن الكلبى (60/ الف) : «والغوث بن مر، وهو الربيط، وهو صوفة كانت أمه نذرت، وكان لا يعيش لها ولد: لئن عاش، لتربطن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيط الكعبة. ففعلت، وجعلته خادما للبيت حتى بلغ. ثم نزعتها. فسمى الربيط. [2] خ: مرة. [3] ابن هشام، ص 80، السهيلي، 1/ 87، جمهرة ابن الكلبى، 6/ الف، الطبرى، ص 1095 (وقال: لمطرود أو حذافة بن غانم) . راجع أيضا الفقرة 127 أدناه.

تولية خزاعة الحجابة

أبو غبشان أظلم من قصي ... وأظلم من بني فهر خزاعه فلا تلحوا [1] قصيا في شراه ... ولوموا شيخكم إذ كان باعه [تولية خزاعة الحجابة] 105- وحدثني رجل من قريش أن إيادا ملكت تهامة. ثم إن ولد مضر وخزاعة قويت عليها، فأخرجتها. فدفنت إياد الركن. وعرفت موضعه امرأة من خزاعة، فقالت لقومها: خذوا عليهم العهد أن يولوكم حجابة البيت على أن تدلوهم على الركن. ففعلوا. فبهذا السبب وليت خزاعة الحجابة. 106- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن ابن خربوذ وغيره، قالوا: كانت قريش قبل قصي تشرب من بئر حفرها لؤي بن غالب خارج مكة، ومن حياض ومصانع على رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها مرة بن كعب مما يلي عرفة. فحفر قصي بئرا سماها العجول. وهي أول بئر حفرتها قريش بمكة. وفيها يقول بعض رجاز الحاج: تروي على العجول ثم تنطلق ... إن قصيا قَدْ وفى وقد صدق بالشبع للناس وري مغتبق [2] وقال آخر: آب الحجيج طاعمين دسما ... أشبعهم زيد قصي لحما ولبنا محضا وخبزا هشما وكان قصى ربما أطعم الثريد. [الرفادة] 107- وقال ابن الكلبي: لما قسم قصي مكة، أنزل جميع قريش مكة. ثم إن بني كعب بن لؤي لما كثروا، أخرجوا بطونا من قريش إلى ظواهر مكة، فسموا قريش الظواهر. ويقال إن قصيا أنزل قريش البطاح داخل مكة، وأنزل قريش الظواهر مكانهم.

_ [1] أى لا تشتموا. (وفي الأصل بعده: ولوموا قبيحكم) . [2] خ: معتبق.

دارالندوة

108- قالوا: ولما قسم قصي مكة خططا ورباعا بين قريش، فاتسقت له طاعتهم، قال لهم: «يا معشر قريش، إنكم جيران الله وسكان حرمه، والحاج ضياف الله وزوار بيته، فترافدوا، حتى تصنعوا [1] لهم طعاما وشرابا في أيام الحج، ينال منه من يحتاج إليه، فلو اتسع مالي لجميع ذلك، لقمت فيه دونكم» . ففرض خرجا للرفادة. فكانوا يخرجونه، ويأمر بإنفاقه على طعام الحاج وشرابهم. [دارالندوة] 109- وبني قصي داره، فسميت دار الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها فيتحدثون ويتشاورون في حروبهم وأمورهم، ويعقدون الألوية، ويزوجون من أراد التزويج. وكان أمر قصي عند قريش دينا يعملون به ولا يخالفونه. ولما مات، دفن بالحجون. فكانوا يزورون قبره ويعظمونه. 110- وروي أن قصيا قال حين أراد إدخال قريش مكة [2] : فلست بحازم إن لم تأثّل ... بها أولاد قيدر والنبيت يعني ولد إسماعيل عليه السلام. وقوله «بها» ، يعنى مكة. [5- من قصي بن كلاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم] 111- وولد قصي - ويكنى أبا المغيرة- عبد مناف، واسمه المغيرة، وكان يدعى «القمر» لجماله. وجعلته أمه حبى بنت حليل خادما لمناف، وهو أعظم أصنامهم عندهم، تدينا بذلك وتبركا به. فسماه أبوه «عبد مناف» . وزعموا أنه وجد كتاب في حجر: «أن المغيرة بن قصي أوصى قريشا بتقوى الله ووصلة الرحم» وكان عبد مناف وعمرو بن هلال بن معيط الكناني عقدا حلف الأحابيش. والأحابيش بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة، وبنو الهون بن خزيمة وكانوا مع قريش. فقال الشاعر: إن عمرا وإن عبد مناف ... جعلا الحلف بيننا أسبابا وعبد الله بن قصي، وهو عبد الدار، وعبد العزى، وعبد قصى. وأمهم

_ [1] خ: صنعوا. [2] ابن هشام، ص 82 وزاد أبياتا، الطبرى، ص 1116. (خ: لم تامل) .

جميعا حبى بنت حليل بن حبشية بن سلول الخزاعي. فكان قصي يقول: ولد لي أربعة بنين، فسميت ابنين منهم بإلهى، وواحدا بداري، وواحدا بي. وكان يقال لعبد بن قصي عبد قصي. وهند بنت قصي، تزوجها عبد الله بن عمار الحضرمي. 112- وكان قصي شديد الحب لعبد الدار. وكان/ 23/ عبد الدار مضعوفا. فجعل له بعده دار الندوة، والحجابة، واللواء، والرفادة، والسقاية. فأما دار الندوة فلم تزل له ولولده، حَتَّى باعها عكرمة بْن عَامِر بْن هاشم بن عَبْد مناف بن عبد الدار، من [1] معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، فجعلها دارا للإمارة بمكة. وأما الحجابة، فكانت له، ثم صارت بعده إلى عثمان بن عبد الدار، ثم إلى عبد العزى بن عثمان، ثم إلى ابنه أبي طلحة واسمه عبد اللَّه بن عبد العزى، ثم إلى طلحة بن أبي طلحة. فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ، أراد دفع المفتاح إلى عمه العباس. فأنزل الله عليه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» الآية [2] . فدفع المفتاح إلى عُثْمَان بن (طلحة بن) [3] أبي طلحة، وكان أسلم في صفر سنة ثمان، وأقام بالمدينة وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة. ثم قام بالحجابة ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة. فالحجابة فيهم. وأما اللواء، فإنه لم يزل في بني عبد الدار حتى كان لواء المشركين يوم بدر مع طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن عثمان بن عبد الدار، وكان لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع مصعب الخير بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي. وكان لواء المشركين يوم أحد أيضا مع طلحة بن أبي طلحة، فقتله عَلِي بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام، فَقَالَ الحجّاج بن علاط [4] :

_ [1] خ: عبد الدار بن معاوية. [2] القرآن، النساء (4/ 58) . [3] الزيادة عن ابن هشام. [4] ابن هشام، ص 626 (خ في الأول: «عزرمة» بدل «عن حرمة» . وفي الثالث «يهون أعول» ) .

لله در مذبب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعم المخولا جادت يداك لهم يعاجل طعنة ... تركت طليحة للجبين مجدلا وشددت شدة بازل فكشفتهم ... بالسيف إذ يهوون أخول أخولا وعللت سيفك بالدماء ولم تكن ... لترده حران حتى ينهلا ثم أخذ اللواء بعده أخوه أبو سعد بن أبي طلحة، وقمن النساء خلفه وهن يقلن: ضربا بني عبد الدار ... ضربا حماة الأدبار فقتله سعد بن أبي وقاص. ثم أخذه عثم [1] بن أبى طلحة، وهو أبو «شيبة ابن عثمان» ، وجعل يَقُول [2] : إِن عَلَى كُل رئيسٍ حقًا ... أَن يَخْضِبَ الصعدة أو تندقا فقتله حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عنه، ضربه ضربة بدا منها حقوه. ثم رجع وهو يقول: «أنا ابن ساقي الحجيج» . ثم حمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري. ثم أخذه أخوه الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة. فرماه عاصم بن ثابت الأوسي أيضًا، فقتله. فلما أحس بالموت، دفع اللواء إلى أخيه كلاب بن طلحة بن أبي طلحة، فرماه قزمان حليف بني ظفر من الأنصار فقتله. فأخذه الحارث. ابن طلحة بن أبي طلحة، فقتله قزمان أيضا. وكان قزمان منافقا، فقاتل حمية. ثم أخذ شرحبيل بن هاشم، ويقال هو عَبْد شرحبيل بن هاشم بن عَبْد مناف ابن عبد الدار، فقتله مصعب بن عمير. فأخذ اللواء منه زرارة بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار، وبعضهم يقول يزيد بن عمير. فقتله قزمان. ثم أخذه قاسط بن شريح بن عُثْمَان بن عَبْد الدار، ويقال قاسط بن شريح

_ [1] كذا في الأصل، ولم يرد إلا «عثمان» ، كما يدل سياق الكلام. [2] ابن هشام، ص 567، ابن سعد، 2 (1) / 28 مع اختلافات الرواية.

لعقة الدم

ابن هاشم بن عثمان بن عبد الدار. فقتله قزمان. ثم أخذه مولى لهم، يقال له صواب، حبشي. فقطعت يمينه، قطعها قزمان. فأخذه بيساره، فقطعت. فالتزم القناة وهو يقول: «أعذرت يا بني عبد الدار» . يريد أعذرت يا بني عبد الدار، وكان أعجميا. فرماه قزمان، فقتله. ووقع اللواء، وتفرق المشركون. فأخذته عمرة بنت الحارث بن علقمة بن زرارة بن عبد مناف بن عبد الدار. فقال فيه حسان بن ثابت الأنصاري [1] : / 24/ عمرة تحمل اللواء وولت ... عن صدور القنا بنو مخزوم لم تطق حمله الزعانف منهم ... إنما يحمل اللواء الكريم فلما أسلم بنو عبد الدار، قالوا: يا نبي الله، اللواء إلينا. [فقال صلى الله عليه وسلم: الإسلام أوسع من ذلك.] فبطل اللواء. ولما قتل مصعب بن عمير، ومعه لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَذَ اللواء ملك [2] ، تشبه بمصعب حتى دخل المدينة. ويقال أخذه أبو الروم [3] أخوه، وكان من مهاجرة الحبشة، فدخل به المدينة. وقال حسان بن ثابت [4] : فخرتم باللواء وشر فخر ... لواء الكفر رد إلى صواب جعلتم فخركم جهلا وجبنا ... لألأم واطئ عفر التراب [لعقة الدم] 113- وأما الرفادة والسقاية، فإنهما لم تزالا في حياة قصي إلى عبد بن قصي. ثم صارتا إلى عبد الدار بن قصي، حتى عظم شأن بني عبد مناف بن قصي. فقالوا: نحن أولى بما يتولاه بنو عبد الدار منهم. فجمعوا من مال إليهم وعرف فضلهم. وهم بنو أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي، وبنو زهرة بن كلاب،

_ [1] ديوانه، ق 5، ب 17، 22. [2] خ: مالك (والراجح ما أثبتناه) . [3] قال مصعب الزبيري (ص 254) : كانت أمه رومية. [4] ديوانه، ق 199، ب 1، 2، ابن هشام، ص 570 مع اختلافات. والبيت. الثانى في الديوان: جعلتم فخركم فيه لعبد ... من ألئم من يطأ عفر التراب

وبنو تيم بن مرة بن كعب، ومن كان داخل مكة من بني الحارث بن فهر وهم قوم أبي عبيدة بن الجراح. وأتوا بإناء فيه طيب، فغمسوا أيديهم فيه ومسحوها بالكعبة، وتحالفوا أن لا يسلم. بعضهم بعضا ما بل بحر صوفة. ويقال إنهم تحالفوا وتعاهدوا في منزل ابن جدعان. فسموا المطيبين. وحالف بني عبد الدار، على منع المطيبين من بغيتهم وإرادتهم: بنو مخزوم، وبنو جمح، وبنو سهم، وبنو عدي بن كعب. واجتمعوا. فقالت بنو عدي: إنما الطيب لربات الحجال. وأتو بجفنة فيها دم، فغمسوا أيديهم فيها. وكانت العرب إذا تحالفت، غمست أيديهم في الملح والرماد. فسمى بنو عدى بها لعقة الدم، (و) ولغة الدم. ويقال إن بعضهم لعق من الدم. فيقال إن الفريقين من المطيبين والأحلاف اقتتلوا، ثم اصطلحوا على أن جعلت الرفادة والسقاية لبني عبد مناف. ويقال إنهم لم يقتتلوا، ولكن الرجال سفرت بينهم حتى تراضوا بهاتين المكرمتين. فاحتملت بنو عبد مناف أعظم الأمور مؤنة. وسمي من حالف بني عبد الدار «الأحلاف» . قال عبد الله بن وداعة السهمي: نحن شددنا الحلف من غالب ... وغالب واقفة تنظر لم يستطيعوا نقض أمر رسى [1] ... وهم على ذاك بنا أخبر وزعموا أن عبد الله بن صفوان قال لابن عباس: لإمرة المطيبين كانت أفضل أم إمرة الأحلاف؟ فقال: إمرة المطيبين. يعني خلافة أبي بكر أفضل من خلافة عمر. وقال عمر بن أبي زمعة، ويقال يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ويقال ابن قيس الرقيات [2] : ولها في المطيبين جدود ... ثم نالت ذوائب الأحلاف إنها بين عامر بن لؤي ... حين تدعى وبين عبد مناف يشرئبون في الذؤابة حلوا ... حيث حلت ذوائب الأشراف

_ [1] خ: ارثا (لعله رسا، أو: لنا) . [2] المحبر، ص 167: المنمق، ص 16، التنبيه والإشراف للمسعودي، ص 211 (ولم يذكروا البيت الثالث. خ في الثانى: «من بنى عامر ... تدعى وبنى» . وفي الثالث: يشربون في الدواية.

الرفادة والسقاية

114- قالوا: ولما كان يوم أحد، أتى زيد بن الخطاب، أخو عمر، أبا جهم بن حذيفة بن غانم. فَقَالَ لَهُ أَبُو الجهم: أنا والغ الدم. فَقَالَ لَهُ زَيْد، قد أتاك والغ مثلك. [الرفادة والسقاية] 115- قالوا: واقترع بنو عبد مناف على الرفادة والسقاية، فصارتا لهاشم بن عبد مناف. ثم صارتا بعده للمطلب بن عبد مناف بوصية. ثم لعبد المطلب، ثم للزبير بن عبد المطلب، ثم لأبي طالب. ولم يكن له مال، فادان من أخيه العباس بن عبد المطلب عشرة آلاف درهم. فأنفقها. فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، سَأَلَهُ سَلَفَ خَمْسَةَ عشر (ألف) درهم، ويقال أربعة عشر ألف درهم. فقال له: إنك لم تقضنى ما لي عليك/ 25/ وأنا أُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ لَمْ تدفع إليّ جميع ما لي في قابل فأمر الرفادة والسقاية إلي دونك. فأجابه إلى ذلك. فلما كان الموسم الثالث، ازداد أبو طالب عجزا وضعفا، ولم تمكنه النفقة، وأعدم حتى أخذ كل رجل من بنى هاشم ولدا من أولاده يحمل عنه مؤنته. فصارت الرفادة والسقاية إلى العباس، وأبرأ أبا طالب مما له عليه. وكان يأتيه الزبيب من كرم له بالطائف، فينبذ في السقاية. ثم جعل الخلفاء الرفادة من بيت المال. فقام بالرفادة والسقاية، بعد العباس، عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، ثُمَّ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ مُحَمَّد بْن عَلِي، ثُمَّ دَاوُد بْن عَلِي، ثُمَّ سُلَيْمَان بْن عَلِي، ثم عيسى بن علي. ثم لما استخلف المنصور، قال: إنكم لا تلون هذا الأمر بأبدانكم، وإنما تقلدونه مواليكم، فأمير المؤمنين أحق بتوليته مواليه. فولى أمر السقاية، ونفقة البيت، وإطعام الحاج مولى له يقال له زريق. 116- وحدثني الحسن بن علي الحرمازي، عن رجل من قريش، أنه قال: كان مما لحقنا من كلام قصي قوله: «العي عيان، عي الإفحام، وعي المنطق بغير سدر» . وقوله: «الحسود عدو خفي المكان» . وقوله: «من سأل قوما فوق قدره استحق الحرمان» . وكان بنات قصي: برة تزوجها عمر بن مخزوم، وتخمر تزوجها عمران بن مخزوم. وأمهما حبي بنت حليل.

118 - وولد عبد مناف بن قصى

117- وقال الواقدي: أنزل قصي قريشا منازلها، وكان بالبلد عضاه. فقطعها، وأذن في قطعها. فاستوحشوا من ذلك فقال: إنكم ليس تريدون الفساد، إنما تريدون التوسعة وتستعينون على منازلكم. قال الواقدي: ويقال إنهم استأذنوه في قطع الشجر، فأباه، فبنوا والشجر في منازلهم. هذا أحسن عندنا من إذن قصي في قطع الشجر، وأشبه بالحق. قال: ثم اضطروا إلى قطعه، فقطعوه بعده. وكان عبد الله بن الزبير قطع شجرا في دوره، أضيقها عليه. 118- وولد عبد مناف بن قصي - وتكنى أبا عبد شمس- عمرو بن عبد مناف [1] وهو هاشم. وأمه عاتكة بنت مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان، من بنى سليم. وأمها ماوية بنت حوزة بن سلول [2] . وإنما سمي هاشما، لأنه هشم لهم الخبز. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] ، قَالَ: أَصَابَتْ قُرَيْشًا سَنَةٌ ذَهَبَتْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأُقْحِطُوا فِيهَا. وَبَلَغَ هَاشِمًا ذَلِكَ وَهُوَ بِالشَّامِ. وَكَانَ مَتْجَرُهُ بِغَزَّةَ وَنَاحِيَتِهَا. فَأَمَرَ بِالْكَعْكِ وَالْخُبْزِ، فَاسْتَكْثَرَ مِنْهُمَا. ثُمَّ حُمِلا فِي الْغَرَائِرِ عَلَى الإِبِلِ، حَتَّى وَافَى مَكَّةَ. فَأَمَرَ بِهَشْمِ ذَلِكَ الْخُبْزِ وَالْكَعْكِ، وَنُحِرَتِ الإِبِلُ الَّتِي حُمِلَتْ. فَأُشْبِعَ أَهْلُ مَكَّةَ وَقَدْ كَانُوا جُهِدُوا. فقال عبد الله بن الزبعرى (وقال بعضهم الزبعرى، والأول أصح [4] : عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف وهو الذي سن الرحيل لقومه ... رحل الشتاء ورحلة الأصياف وقال وهب بن عبد قصى [5] :

_ [1] خ: «عمرو بن عبد مناف عمرو بن عبد مناف» . وهو سهو الكتابة. [2] سلول، هي أم حوزة. أما أبوه فهو عمرو بن مرة بن صعصعة كما قال ابن الكلبى في الجمهرة. راجع أيضا السهيلي 1/ 77، ومصعبا الزبيري، ص 14. [3] خ: عياش. [4] ابن هشام، ص 87، المحبر، ص 164، بلدان ياقوت: مكة مع اختلافات. [5] ابن سعد، 1 (1) / 43- 44، الطبرى، ص 1090 (وعندهما في البيت الأول: ما ضاق عنه) .

إيلاف قريش

تحمل هاشم ما ضاق عنا ... وأعيا أن يقوم به ابن بيض فأوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب الخبز باللحم الغريض قال ابن الكلبي: ابن بيض رجل من قوم عاد، كان يقال له ثوب بن بيض، نزل به قوم فنحر لهم جزورا سدّت طريقا كانت تسلكه إليه في واد. فقيل: سد ابن بيض السبيل. فذهبت مثلا. ويقال إن ابن بيض هذا كان موسرا مكثرا، وكان قد صولح على خرج، وجعل على نفسه شيئا لقوم يعطيهم إياه لوقت. فكان يخرج ذلك الشيء، ويجعله في فم شعب كان يدخل إليه منه. فإذا جاء من يقبض ذلك، قالوا: سد ابن بيض السبيل، أي قضى ما عليه. وروي عن يونس النحوي البصري أنه قال: يقال للرجل الشريف الواضح النسب/ 26/ ابن بيض» ، كما يقال «ابن جلاء» . [إيلاف قريش] 119- وكان هاشم بن عبد مناف صاحب إيلاف قريش الرحلتين، وأول من سنها. وذلك أنه أخذ لهم عصما من ملوك الشام، فتجروا آمنين. ثم إن أخاه عبد شمس أخذ لهم عصما من صاحب الحبشة، وإليه كان متجره [1] . وأخذ لهم المطلب بن عبد مناف عصما من ملوك اليمن. وأخذ لهم نوفل بن عبد مناف عصما من ملوك العراق. فألفوا [2] الرحلتين في الشتاء إلى اليمن والحبشة والعراق، وفي الصيف إلى الشام. فقال الحارث بن حنش السلمي، وهو أخو هاشم لأمه عاتكة بن مرة السلمية [3] : (1/ 67) إن أخي هاشما ليس أخا واحد ... والله ما هاشم بالناقص الكاسد والخير في ثوبه وحفرة اللاحد ... الآخذ الألف والوافد للقاعد وقال العجير السلولي: نحن ولدنا هاشما والمطلّب ... وعبد شمس نعم صنو المنتجب

_ [1] خ: شجره. [2] خ: فألقوا. [3] المحبر، ص 162 مع اختلافات.

قرى الحجيج

وقال مطرود بن كعب الخزاعي [1] : يا أيها الرجل المحول رحله ... هلا نزلت بآل عبد مناف هبلتك أمك لو نزلت عليهم ... ضمنوك من جوع ومن أقراف الآخذون العهد من آفاقها ... والراحلون لرحلة الإيلاف والمطعمون إذا الرياح تناوحت ... حتى تغيب الشمس في الرجّاف والمفضلون إذا المحول ترادفت ... والقائلون هلم للأضياف والخالطون غنيهم بفقيرهم ... حتى يكون فقيرهم كالكافي [قرى الحجيج] 120- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده وابن خربوذ وغيرهما، قالوا: لما صارت الرفادة والسقاية لهاشم، كان يخرج من ماله كل سنة للرفادة ما لا عظيما، وكان أيسر قريش، ثم يقف في أيام الحج فيقول: «يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وإنه يأتيكم في موسمكم هذا زوار الله تبارك ذكره يعظمون حرمة بيته، وهم أضيافه وأحق الناس بالكرامة. فأكرموا أضيافه وزوار كعبته، فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد على ضوامر كالقداح قد أزحفوا [2] ، وتفلوا، وقملوا، وأرملوا. فأقروهم، وأغنوهم، وأعينوهم» . فكانت قريش تترادف على ذلك، حتى إن كان أهل البيت ليرسلون إليه بالشيء على قدرهم فيضمه إلى ما أخرج من ماله وما جمع مما يأتيه به الناس. فإن عجز ذلك، أكمله. [العداوة بين هاشم وأمية] 121- حدثني عباس بْن هِشَام، عن أبيه هِشَام بْن مُحَمَّد، قال: كان أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ذا مال. فتكلف أن يفعل كما

_ [1] ابن هشام، ص 113- 114، السهيلي، 1/ 94، المحبر، ص 164، «الطبرى، ص 1089، لسان العرب،: رجف. (خ: المصراع الثانى في البيت الرابع: ورجال مكة مسنتون عجاف» وقد مضى آنفا في قصيدة أخرى، والتصحيح عن لسان العرب وابن هشام) . [2] أزحفوا: أعيوا. تفلوا: أنتن ريحهم. قملوا: تولد عندهم القمل. أرملوا: نفد زادهم.

122 - وولد عبد مناف،

فعل هاشم في إطعام قريش، فعجز عن ذلك. فشمت به ناس من قريش وعابوه لتقصيره. فغضب، ونافر هاشما على خمسين ناقة سود الحدق تنحر بمكة، وعلى الجلاء عشر سنين. وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي، وهو جد عمرو بن الحمق، وكان منزله عسفان. وكان مع أمية أبو همهمة بن عبد العزى الفهري، وكانت ابنته عند أمية. فقال الكاهن: «والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر [1] ، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، في منجد وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر، أول منها وآخر، وأبو همهمة بذلك خابر» . فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر. وخرج أمية إلى الشام فأقام (بها) عشر سنين. فتلك أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية. وقال الأرقم بن نضلة يذكر هذه المنافرة ويذكر تنافر عبد المطلب وحرب بن أمية: لما تنافر ذو الفضائل هاشم ... وأمية الخيرات نفر هاشم وقال أيضًا [2] : / 27/ وقبلك ما أردى أمية هاشم ... فأورده عمرو إلى شر مورد 122- وولد عبد مناف، سوى هاشم، عبد شمس بن عبد مناف، والمطلب ويدعى الفيض. وفيه يقول مطرود الخزاعي حين مات [3] : قد سغب الحجيج بعد المطلب ... بعد الجفان والشراب المنثعب وأم هاشم وعبد شمس والمطلب: عاتكة بنت مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان بن ثعلبة بْن بهثة بْن سليم بْن مَنْصُور. ونوفل بن عبد مناف، وأبا عمرو واسمه عبيد درج، وأمهما واقدة بنت أبي عدي، من بني مازن بن صعصعة ابن معاوية. وكان يقال لهاشم والمطلب «البدران» . وكان لعبد مناف من

_ [1] خ: «والعما الناظر» . والتصحيح عن المنمق، ص 69. [2] سيتكرر البيت فيما يأتى في الفقرة 133. (خ: ما أدرى أمية) . [3] ابن هشام، ص 88 مع اختلافات، وزاد مصراعا: «ليت قريشا بعده على نصب» )

البنات، من عاتكة: تماضر، تزوجها عبد مناف بن عبد الدار، وحية، تزوجها عمرو بن ظويلم، أَحَدُ بَنِي دُهْمَانَ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بكر، وقلابة، تزوجها عبد العزى بن عامر الفهري، وهالة، وهي أم الأخثم، وفي الأخثم يقول الشاعر: أبشر بخير حين تلقى عامرا ... نشوان يبرق وجهه كالدرهم لما رآني عاريا ذا خلة ... ألقى علي رداءه ابن الأخثم تزوجها عَمْرِو بْنِ خَالِد بْن أمية بْن ظرب الفهري، ويقال تزوجها خالد ابن عامر بن أمية بن ظرب، وبرة، تزوجها سبع بن الحارث الثقفي، وريطة بنت عبد مناف، وأمها النافذة، تزوجها هلال [1] بن معيط بن عامر الكناني. وقال مطرود بن كعب الخزاعي في ولد عبد مناف [2] : يا ليلة هيجت ليلاتي ... إحدى ليالي القسيات إن المغيرات وأبناءهم ... لخير أحياء وأموات أخلصهم عبد مناف فهم ... من لوم من لام بمنجاة قبر بردمان وقبر بسل ... يمان وقبر عند غزات وميت مات قريبا من ال ... حجون عن شرق البنيات يعني بالمغيرات ولد المغيرة، وهو عبد مناف، كما قال النابغة [3] : شاق الرفيدات من عودي ومن عمم ... وماش من رهط ربعي وحجاز يريد ولد رفيدة بن ثور بن كلب، وعودي وعمم ابنا نمارة بن لخم، وربعي وحجاز من ولد الحارث أخي عذرة بن سعد: ربعي بن عامر، وحجاز بن

_ [1] قال مصعب الزبيري (ص 15) : «وكانت ريطة بنت عبد مناف عند معيط ابن عامر بن عوف بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة، فولدت له هلالا، وهي التي جرت حلف الأحابيش» . [2] ابن هشام، ص 89، السهيلي 1/ 95، 96 (خ في الأول: القشيات. والتصحيح عن السهيلي الذى فسره) . [3] ليس في ديوان النابغة الذبيانى ولا الجعدى المطبوعين. (خ: رهط في بغى وحجاز) .

قبر هاشم

مالك. وأما ردمان ففي ناحية اليمن، وسلمان في طريق العراق، وغزة بالشام. فالذي بردمان، المطلب، والذي بسلمان، نوفل، والذي بغزة، هاشم، والذي مات بمكة ودفن بقرب الحجون، عبد شمس. وقال مطرود أيضًا [1] : كانت قريش بيضة فتفلقت ... فالمح خالصه لعبد مناف فَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ جَارِيَةً تُنْشِدُ: كَانَتْ قُرَيْشٍ بَيْضَةً فَتَفَلَّقَتْ ... فَالْمُحُّ خَالِصُهُ لِعَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَهَكَذَا [2] قَالَ الشَّاعِرُ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا، إِنَّمَا قال: «لعبد مناف» . قال: كذلك قال. [قبر هاشم] 123- وَمَاتَ هَاشِمٌ بِغَزَّةَ مِنْ بِلادِ الشَّامِ، فَقَبْرُهُ بِهَا. وَقَدِمَ بِتَرِكَتِهِ وَمَتَاعِهِ أَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس، من بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَكَانَ لِهَاشِمٍ يَوْمَ مَاتَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ عِشْرُونَ سَنَةً. وَقَالَ مَطْرُودٌ يَرْثِيهِ [3] : مَاتَ النَّدَى بِالشَّامِ لَمَّا أَنْ ثَوَى ... فِيهِ بِغَزَّةَ هَاشِمٌ لا يَبْعُدُ لا يَبْعُدَنَّ رَبُّ الْفِنَاءِ نَعُودُهُ ... عَوْدَ السَّقِيمِ يَجُودُ بَيْنَ الْعُوَّدِ/ 28/ فَجِفَانُهُ رَذْمٌ لِمَنْ يَنْتَابُهُ وَالنَّصْرُ مِنْهُ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أُمُّ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ شَمْسٍ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَأُمُّهَا سَلُولِيَّةٌ. وَأُمُّ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: وَاقِدَةُ بِنْتُ أبي عدي، من بني مازن بن صعصعة. وَهِيَ أُمُّ أَبِي عَمْرٍو، وَاسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ عبد مناف، درج.

_ [1] الطبرى، ص 1092، السهيلي، 1/ 94. (والمح: صفرة البيضة) . [2] خ: أحدا. [3] المحبر، ص 163، حيث البيت الأول: مات الندى بالشأم يوم ثوى كما ... أودى بغزة هاشم لا يبعد

عبد المطلب

[عبد المطلب] نسب بني هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب:: 124- فولد هاشم بن عبد مناف (ويكنى أبا نضلة) شيبة الحمد. وهو عبد المطلب. وكان سيد قريش حتى هلك. وأمه سلمى بنت عمرو بن زيد ابن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، من الأنصار. 125- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ، وعباس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده وغيره، قالوا: كان هاشم بن عبد مناف يختلف إلى الشام في التجارة. فإذا مر بيثرب، نزل على عمرو بن زيد بن لبيد، وكان صديقا لأبيه وله. فنزل به في سفرة من سفراته وقد انصرف من متجره، فرأى ابنته سلمى بنت عمرو، فأعجبته. وكانت قبل عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا الأوسي، فمات عنها وقد ولدت ولدين، هلكا، وهما عمرو ومعبد ابنا أحيحة. فخطبها. فأنكحه إياها، واشترط عليه أن لا تلد إلا في أهلها. فنقلها هاشم معه إلى مكة. فلما حملت، ودنا ولادها، أتى بها منزل أبيها بيثرب، فخلفها، ومضى إلى الشام في تجارته. فمات بغزة من فلسطين. وولدت سلمى شيبة الحمد. وسمته بذلك لشيبة كانت في رأسه. ويقال لشيبات كن حول ذؤابته. وقيل له عبد المطلب، لأنه لما ترعرع بالمدينة، وأتت له سبع أو ثماني سنين، بلغ عمه المطلب بن عبد مناف خبره في لبسه ونظافته وشبهه بهاشم أبيه، فاشتاق إليه، وركب حتى أتى المدينة، فوافاه وهو يرمى مع الصبيان. فلما أصاب، قال: أنا ابن هاشم، أنا ابن سيد البطحاء. فقال: له من أنت يا غلام؟ قال: أنا شيبة بن عبد مناف: قال: وأنا عمك، المطلب بن عبد مناف، وقد جئت لحملك إلى بلدك وقومك ومنزل أبيك وجوار بيت الله إن طاوعتني. وجعل يشوقه إلى مكة. فقال: يا عم، أنا معك. وقال له رجل من بني النجار: قد علمنا أنك عمه، فإن أحببت

_ [1] ابن سعد، 1 (1) / 45.

أول من خضب بالوسمة

فاحمله الساعة قبل أن تعلم أمه، فتدعونا إلى منعك منه فنمنعك. فانطلق به معه، حتى أدخله مكة وهو ردف له. فكان لا يمر بمجلس من مجالس قريش إلا قالوا له: من هذا الغلام معك يا أبا الحارث؟ فيقول: عبد لي ابتعته. ثم أدخله منزله، فكساه. وأخذته امرأته خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم، فنظفته وطيبته وألبسته كسوة عمه. وأخرج إلى الندي. فجعل أهل مكة يقولون: هذا عبد المطلب. فغلب ذلك على اسمه. وقال المطلب بن عبد مناف [1] : وافيت شيبة والنجار قد جعلت ... أبناءها عنده بالنبل تنتضل وقالت سلمى أمه [2] : كنا ولاة حمه ورمه ... حتى إذا قام على أتمه انتزعوه غيلة من أمه ... وغلب الأخوال حق عمه وقال المطلب: يا سلم يا أخت بني النجار ... ما ابن أخي بالهين المعار فاقني حياء ودعي التماري ... إني ورب البيت ذي الأستار لو قد شددت العيس بالأكوار ... قد راح وسط النفر السفار حتى يرى أبيات عبد الدار وكان عبد المطلب يكثر زيارة أخواله ويبرّهم. [أول من خضب بالوسمة] 126- حدثني عباس، عن أبيه، عن جده قال: كان عبد المطلب أول من خضب بالوسمة/ 29/ لأن الشيب أسرع إليه. فدخل على بعض ملوك اليمن، فأشار عليه بالخضاب. فغير شعره بالحناء، ثم علاه بالوسمة. فلما انصرف وصار بقرب مكة، جدّد خضابه. وكان قد

_ [1] الطبرى، ص 1084، ابن سعد، 1 (1) / 48 وزاد بيتا. ويوجد اختلافات الرواية. [2] جمهرة ابن الكلبى، 7/ الف (وفي الأول عنده: «كنا ذوى ثمه ورمه» . وفي الثانى: «عنوة» بدل «غيلة» ) .

تزود من الوسمة شيئا كثيرا. فدخل منزله وشعره مثل حنك [1] الغراب. فقالت امرأته نتيلة، وهي أم العباس، يا شيب، ما أحسن هذا الصبغ [2] لو دام فعله. فقال عبد المطلب [3] : لو دام لي هذا السواد حمدته ... فكان بديلا من شباب قد انصرم تمتعت منه والحياة قصيرة ... ولا بدّ من موت نتيلة أو هرم وماذا الذي يجدي على المرء خفضه ... ونعمته يوما إذا عرشه انهدم ثم إن أهل مكة خضبوا بعده. 127- وقال الكلبي: حج قوم من جذام، ففقدوا رجلا منهم اغتيل بمكة، ولقيهم حذافة بن غانم العدوي فربطوه. وقدم عبد المطلب من الطائف، وقد كف بصره، وأبو لهب يقود به. فهتف به حذافة. فأتاهم. فقال: قد عرفتم تجارتي وكثرة مالي، وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهبا، أو عشرا من الإبل، وغير ذلك مما يرضيكم، وهذا ردائي رهن بذلك. فقبلوا منه، وأطلقوا حذافة. فأردفه، حتى أدخله مكة، ووفى لهم عبد المطلب بما جعل لهم. فقال: أخارج [4] إما أهلكن فلا تزل ... لشيبة منكم شاكرا آخر الدهر وأولاده بيض الوجوه وجوههم ... تضيء ظلام الليل كالقمر البدر لهو لهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك لاقصار ولا خدر لساقي الحجيج ثُمَّ للشيخ هاشم ... وعبدِ منافٍ ذلك السيد الفهري أَبُوكم قصيُّ كَانَ يدعى مُجَمِّعًا ... بِهِ جمع الله القبائل من فهر أَبُو عتبة الملقي إليّ حباله ... أغر هجان اللون من نفر غرّ

_ [1] خ: حلك. [2] خ: الصنع. [3] ابن سعد، 1 (1) 52 وزاد بيتا، المنمق، ص 82. [4] أى خارجة بن حذافة، ابن هذا الشاعر. (راجع أيضا الفقرة 103، أعلاه) .

قصة الفيل:

ويروي «أبو الحارث» ، وهو أصح. قصة الفيل: 128- قالوا [1] : وكان أبرهة الأشرم أبو يكسوم قتل حبشيا كان غلب على اليمن، وصار مكانه. فرأى العرب باليمن يتأهبون في وقت الحج. فسأل عن أمرهم. فقيل إنهم يريدون بلدا يقال له مكة، وبه بيت لله يتقربون إليه بزيارته. فبنى بيتا بصنعاء كثير الذهب والجوهر، وحمل من قبله من العرب على أن يحجوه ويصنعوا عنده كصنيعهم عند الكعبة. فاحتال بعض العرب لسدنته، حتى أسكرهم، ثم أتى بجيف ومحائض فألقاها فيها، ولطخ قبلته، وكانت على المشرق، بعذرة. فغضب أبرهة أشد غضب، وقال: والمسيح! لأغزونّ بيت العرب الذى يحجون إليه. فبعث إلى النجاشي: إني عبدك، وكل ما حويته من هذا البلد فهو لك، ومن مملكتك. وأهدى إليه هدايا، وسأله أن يبعث إليه بفيل له عظيم كان يلقى به عدوه إذا احتشد. فبعث إليه بذلك الفيل وبجيش. ثم إن الأشرم نهض نحو البيت، والفيل في مقدمته، ودليله النفيل ابن حبيب الخثعمي. فلما انتهى إلى قرب الحرم، برك الفيل بالمغمّس، فلم يحرك. ونخس بالرماح، فلم ينهض. ثم بعث الله على الجيش طيرا، مع كل طير ثلاثة أحجار. فألقتها عليهم، فلم ينج منهم شفر [2] . 129- وقد كان الحبشي لما قرب مكة، بث قوما ممن معه للغارة، منهم رجل يقال له الأسود بن مقصود. فاطردوا إبلا لعبد المطلب. فأتى عبد المطلب الحبشي وهو في قبة له بالمغمس [3] . وكان قائد الفيل صديقا له، فأدخله إليه وأخبره لشرفه. وكان عبد المطلب رجلا جميلا طويلا، له غديرتان،

_ [1] راجع أيضا الطبرى، ص 935 وما بعدها. وابن هشام، ص 29- 36 [2] أى أحد. [3] خ: بالغمس.

أهدب الأشفار، دقيق العرنين أشمه، رقيق البشرة، سهل الحدّين. فأكرمه الحبشي وأجله، وسأله عن حاجته. فقال: إبلي. فأمر بردها، وقال: ما ظننتك جئتني إلا في أمر البيت. فقال عبد المطلب: إن للبيت ربا سيمنعه ويحميه. وكان عبد المطلب وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ( ... ؟) [1] الناس بمكة كل يوم، والحبشي مطلّهم، وقد هرب جل أهل مكة خوفا وإشفاقا. قال عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو «عابد» [2] : / 30/ أنت حبست الفيل بالمغمس ... من بعد ما كان بغير مجلس أنت الجليل ربنا لم تدنس وقال عابد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، ويقال بل قالها أبو عكرمة عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عبد الدار، ويقال عكرمة وذلك غلط [3] : لاهم أخز الأسود بن مقصود ... الأخذ الهجمة ذات التقليد بين حراء فثبير فالبيد ... اخفر به رب وأنت محمود وقال عبد المطلب [4] : يا ربّ إنّ المرء يمنع ... (م) رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك فلئن فعلت فربما ... أولى فآمر ما بدا لك ولئن فعلت فإنه ... أمر تتم به فعالك وكان قدوم الفيل وحبس الله إياه للنصف من المحرم، وذلك قبل مولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بشهرين إلا أياما. وقال عبد المطلب في غير هذا المعنى:

_ [1] سقط كلمة في الأصل ولم ينتبه إليه ناسخ الأصل. لعلها: يزوران. [2] خ: غايد. [3] (خ في الأول: «لاهم اخد» . والهجمة: قطيع الإبل. وفي الثانى: «اغفر به» ، راجع ابن هشام، ص 35) . [4] الطبرى، ص 940- 941، 944 وزاد أبياتا، ابن سعد، 1 (1) / 56 مع اختلافات.

التعدى على أركاح لعبد المطلب

لا تحسبي شيم الفتيان واحدة ... بكل رحل لعمري ترحل الناقه إني إذا المرء شانته خليقته ... ألفيتنى جلدتى بيضاء برّاقه وحينما يفعل الفتيان أفعله ... وإنما يتبع الإنسان أعراقه وقال عبد المطلب: قلت والأشرم تردى خيله ... إن ذا الأشرم غر بالحرم رامه تبع فيمن جمعت ... حمير والحي من آل قدم فانثني عنه وفي أوداجه ... جارح أمسك منه بالكظم فخزاك الله في بلدته ... لم يزل ذاك على عهد ابرهم [التعدى على أركاح لعبد المطلب] 130- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابن خربوذ وغيره من علماء أهل الحجاز، قالوا: لما هلك المطلب بن عبد مناف، وكان العاضد لعبد المطلب والذاب عنه والقائم بأمره، وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح كانت لعبد المطلب. وهي الساحات والأفنية. فغلب عليها، واغتصبه إياها. فاضطرب عبد المطلب لذلك، واستنهض قومه معه، فلم ينهض كبير أحد منهم فكتب إلى أخواله من بني النجار، من الخزرج [1] : يا طول ليلي لأحزاني وأشغالي ... هل من رسول إلى النجار أخوالي ينبي عديا ودينارا ومازنها ... ومالكا عصمة الجيران عن حالي قد كنت فيكم وما أخشى ظلامة ذي ... ظلم عزيزا منيعا ناعم البال حتى ارتحلت إلى قومى وأزعجنى ... لذاك مطلّب عمّي بترحال فغاب مطلّب في قعر مظلمة ... ثم انتزى نوفل يعدو على مالي أأن رأى رجلا غابت عمومته ... وغاب أخواله عنه بلا والي أنحى عليه ولم يحفظ له رحما ... ما أمنع المرء بين العم والخال فاستنفروا وامنعوا ضيم ابن أختكم ... لا تخذلوه فما أنتم بخذال أنتم شهاد لمن لانت عريكته ... من سلمكم وسمام الأبلخ الغالي

_ [1] الطبرى، ص 1086- 1087 مع اختلافات وزيادة أبيات.

حلف خزاعة وعبد المطلب

قالوا: فقدم عليه منهم جمع كثيف، فأناخوا بفناء الكعبة وتنكبوا القسي وعلقوا التراس. فلما رآهم نوفل، قال: لشر ما قدم هؤلاء. فكلموه. فخافهم، ورد أركاح عبد المطلب عليه، وزاده وأحسن إليه، واعتذر من فعله. حدثني التوزي النحوي، عن الأصمعي، قال: الأركاح متسع في سفوح الجبال، يقال: إن له ساحة يتركح فيها. 131- قال ابن الكلبي: قال عبد المطلب في نصرة أخواله إياه [1] : / 31/ ستأبى مازن وبنو عدى ... ودينار بن تيم اللات ضيمي بهم رد الإله علي ركحي ... وكانوا في التناصر دون قومي عدي، ومازن، ودينار بنو النجار، واسمه تيم الله. وقال أيضا [2] : أبلغ بني النجار إن جئتهم ... أني منهم وابنهم والخميس رأيتهم قوما إذا جئتهم ... هووا لقائي وأحبّوا حسيس وقال شمر بن نمر الرانى [3] : لعمري لأخوال الأغر ابن هاشم ... من أعمامه الأدنين أحنى وأوصل أجابوا على نأي دعاء ابن أختهم ... وقد ناله بالظلم والغدر نوفل فما برحوا حتى تدارك حقه ... ورد عليه بعد ما كاد يؤكل جزى الله خيرا عصبة خزرجية ... توافوا على برّ وذو البرّ أفضل [حلف خزاعة وعبد المطلب] 132- قال هشام بن الكلبي: فلما نصر بنو الخزرج عبد المطلب، قالت خزاعة، وهم يومئذ كثير [4] قد قووا وعزوا: والله ما رأينا بهذا الوادى (أحدا

_ [1] الطبرى، ص 1085 مع اختلافات. (خ في الأول: دينار وتيم) . [2] ابن سعد، 1 (1) / 49، الطبرى، ص 1085 مع اختلافات. [3] الطبرى، ص 1085- 1086 (ولم يذكر البيت الثالث) وعزاها إلى أبى عمرو سمرة بن عمير الكنانى. ويوجد عنده اختلافات الرواية. [4] خ: كبير.

أحسن وجها، ولا أتمّ خلقا، ولا) [1] أعظم حلما، ولا أبعد من كل موبقة ومذنبة تفسد الرجال من هذا الإنسان- يعنون عبد المطلب- ولقد نصره أخواله من الخزرج، ولقد ولدناه كما ولدوه- وأن جده عبد مناف لابن حبي بنت حليل بن حبشية سيد الخزاعة- ولو بذلنا له نصرنا [2] وحالفناه انتفعنا به وبقومه وانتفع بنا. فأتاه وجوههم، فقالوا: يا أبا الحارث، إنا قد ولدناك كما ولدك قوم [3] من بني النجار، ونحن، بعد، متجاورون في الدار، وقد أماتت الأيام ما كان يكون في قلوب بعضنا [4] على قريش من الأحقاد، فهلم، فلنحالفك. فأعجب ذلك عبد المطلب وقبله وسارع إليه فأجابهم إلى حلف. فأقبل ورقاء بن عبد العزى أحد بني مازن بن عدى بن عمرو بن لحىّ، وسفيان ابن عمرو القميرى، وأبو بشر [5] ، وهاجر بن عمير القميري، وهاجر بن عبد مناف بن ضاطر، وعبد العزى بن قطم المصطلقي في عدة من وجوههم، فدخلوا دار الندوة وكتبوا بينهم كتابا. وكان عبد المطلب في سبعة نفر من بني المطلب، والأرقم بن نضلة بن هاشم. ولم يحضر أحد من بني نوفل ولا عبد شمس. فلما فرغوا من الكتاب، علقوه في الكعبة. وكان الذي كتبه لهم أبو قيس (بْن) عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب (المعلم. وتزوج عبد المطلب يومئذ لُبْنَى بِنْت هاجر بْن عَبْدِ مناف بْن ضاطر، فولدت له أبا لهب. وتزوج أيضا ممنعة [6] بنت عمرو بن مالك بن مؤمل، فولدت له الغيداق. وكانت نسخة كتابهم [7] «هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالة عمرو بن ربيعة، من خزاعة، ومن معهم من أسلم ومالك ابني أفصى بن حارثة [8] . تحالفوا على

_ [1] التكملة عن المنمق، ص 59. (خ: موبقة ومدنية) [2] خ: نصرناه وخالصناه. [3] خ: قومنا. [4] خ: بغضنا (بالغين المعجمة) . [5] الكلمة غير واضحة في الأصل، والتصحيح عن المنمق، ص 105. [6] خ: ممتعة. [7] راجع مصادر أخرى لهذا النص في كتاب الوثائق السياسية، رقم (171) . [8] خ: قصى بن حازن.

منافرة بين عبد المطلب وحرب بن أمية

التناصر والمؤاساة ما بل [1] بحر صوفه، حلفا جامعا غير مفرق. الأشياخ على الأشياخ، والأصاغر على الأصاغر، والشاهد على الغائب. وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد، وأوثق عقد، لا ينقض ولا ينكث ما شرقت شمس على ثبير، وحن بفلاة بعير، وما قام الأخشبان، وعمر بمكة إنسان، حلف أبد، لطول أمد [2] . يزيده طلوع الشمس شدّا، وظلام الليل مدّا. وأن عبد المطلب وولده ومن معهم دون سائر بني النضر بن كنانة، ورجال خزاعة متكافئون، متضافرون، متعاونون. فعلى عبد المطلب النصرة لهم ممن تابعه على كل طالب وتر، في بر أو بحر، أو سهل أو وعر. وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب، في شرق أو غرب، أو حزن أو سهب. وجعلوا الله على ذلك كفيلا، وكفى به حميلا [3] » . فقال عبد المطلب [4] : سأوصي زبيرا إن أتتني منيتي ... بإمساك ما بيني وبين بني عمرو وأن يحفظ العهد الوكيد بجهده ... ولا يلحدن فيه بظلم ولا غدر / 32/ هم حفظوا الإل القديم وحالفوا ... أباك وكانوا دون قومك من فهر وكان عبد المطلب وصى ابنه الزبير. ثم أوصى الزبير إلى أبي طالب، ثم أوصى أبو طالب إلى العباس. وقال ابن الكلبى: وهذا الحلف هو الذي عناه عمرو بن سالم الخزاعي حين قَالَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5] : لاهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأتلد [منافرة بين عبد المطلب وحرب بن أمية] 133- وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام، عن أبيه، عن جده محمد بن السائب الكلبي وغيره، قالوا: كان عبد المطلب من حلماء قريش وحكامها. وكان نديمه حرب بْن أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف. وكان في جوار عبد المطلب يهودي،

_ [1] خ: مل بل. [2] خ: أبد [3] خ: جميلا (بالجيم. والحميل، بالحاء المهملة، هو: المعتمد عليه) . [4] ابن سعد، 1 (1) / 51 مع اختلافات. [5] سيجيء فيما بعد مع أبيات أخرى في الفقرة (736) .

يقال له أدينة [1] . وكان اليهودي يتسوق في أسواق تهامة بماله. فغاظ ذلك حربا. فألب عليه فتيانا من قريش، وقال: هذا العلج الذي يقطع إليكم ويخوض بلادكم بمال جم كثير من غير جوار ولا خيل، والله لو قتلتموه وأخذتم ماله، ما خفتم تبعة ولا عرض لكم أحد يطلب بدمه. فشد عليه عامر بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي، وصخر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بن مرة، فقتلاه. فجعل عبد المطلب لا يعرف له قاتلا [2] . فلم يزل يبحث عن أمره، حتى علم خبره بعد. فأتى حرب بن أمية، فأنبه بصنيعه وطلب بدم جاره. فأجار حرب قاتليه ولم يسلمهما أخفافهما. وطالبه عبد المطلب بهما، فتغالظا في القول. حتى دعاهما المحك واللجاج إلى المنافرة. فجعلا بينهما النجاشي صاحب الحبشة. فأبى أن يدخل بينهما. فجعلا بينهما نفيل بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عبد الله ابن قرط بْن رزاح بْن عدي بْن كعب بن لؤي، جد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. فقال لحرب: «يا با عمرو، أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأوسم منك وسامة، وأعظم منك هامة، وأقل منك لامة، وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صلة، وأطول منك مذودا [3] ؟ وأني لأقول هذا، وإنك لبعيد الغضب، رفيع الصيت في العرب، جلد النذيرة [4] ، تحبك العشيرة، ولكنك نافرت منفرا» . فنفر عبد المطلب. فغضب حرب، وأغلظ لنفيل، وقال: من انتكاس الدهر أن جعلتك [5] حكما. وكانت العرب تتحاكم إليه. فقال نفيل [6] : أولاد شيبة أهل المجد قد علمت ... عليا معد إذا ما هزهز الورع

_ [1] كذا في الأصل، وعند المنمق ص 64: أذنيه. [2] خ: قايلا. [3] كذا في الأصل: لعله: مزودا. [4] خ: النزيرة، عند المنمق: المريدة. [5] خ: جعلت. [6] المنمق، ص 64 مع أبيات أخرى (وفي البيت الثانى خ: مستغاثكم) والتصحيح عن المنمق، حيث في آخر هذا البيت: «يحمل الهبع» . وفي الثالث خ: والنزع.

منافرة بين عبد المطلب وثقيف

وشيخهم خير شيخ لست تبلغه ... أنى وليس به سخف ولا طبع يا حرب ما بلغت مسعاتكم هبعا ... يسقى الحجيج وماذا يبلغ الهبع أبوكما واحد والفرع بينكما ... منه العشاش ومنه الناضر الينع وتروى «مختلف العش الضئيل [1] » . قال: فترك عبد المطلب منادمة حرب، ونادم عَبْد اللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة. ولم يفارق حربا حتى أخذ منه مائة ناقة، ودفعها إلى ابن عم اليهودي. وارتجع ماله إلا شيئا كان شعث منه، فغرمه [2] من ماله. وقال الأرقم بن نضلة بن هاشم في منافرة عبد المطلب حربا [3] : وقبلك ما أدرى أمية هاشم ... فأورده عمرو إلى شر مورد أيا حرب قد جاريت غير مقصر ... شاك إلى الغايات طلّاع أنجد [منافرة بين عبد المطلب وثقيف] 134- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن أشياخ من العلماء، قالوا: كان لعبد المطلب ماء يدعى ذا) الهرم. فغلبه عليه جندب بن الحارث الثقفي، قوم من ثقيف. فنافرهم عبد المطلب إلى الكاهن القضاعي، وهو سلمة بن أبي حية بن الأشحم بن عامر بن ثعلبة، من بني الحارث بن سعد هذيم، أخي عذرة بن سعد. وهو صاحب عزى سلمة. وعزاه شيطانه، فيما يزعمون. وكان منزله بالشام. فخرج عبد المطلب إليه في نفر من قريش، وخرج جندب في جماعة من ثقيف. فلما انتهوا إلى الكاهن، خبئوا له، فيما يزعمون، رأس جرادة في خربة مزادة [4] . فقال، والله أعلم: خبأتم لي شيئا طار، فسطع وتصوب فوقع ذا ذنب جرار، وساق كالمنشار، ورأس كالمسمار/ 33/ فقال:

_ [1] لا ندري بماذا يتعلق اختلاف الرواية هذا. لعله سقط بيت في الأصل. والمنمق أيضا لا يفيده. [2] خ: شعث مكة فغرسه. [3] المنمق، ص 64. [4] خ: حرز مزادة (والتصحيح عن المنمق، حيث زاد بعده: «وعلقوه في قلادة كلب يقال له سوار» ) . وخربة المزادة ثقبها. والخربة أيضا وعاء يضع فيه الراعى زاده.

يوم ذات نكيف:

إلاده، أي بين. فقال: إلاده فلاده (يقول: إلا يكن قولي بيانا، فلا بيان) . وهو رأس جرادة، في خربة مزادة [1] ، في ثني القلادة. قالوا: صدقت. وانتسبوا له. فقال: أحلف بالضياء والظلم، والبيت والحرم، إن الماء [2] ذا الهرم، للقرشي ذي الكرم. فغضب الثقفيون، فقالوا: اقض لأرفعنا مكانا، وأعظمنا جفانا، وأشدنا طعانا. فقال عبد المطلب: اقض لصاحب الخيرات الكبر، ولمن أبوه سيد مضر، وساقي الحجيج إذا كثر. فقال الكاهن [3] : أما ورب القلص الرواسم ... يحملن أزوالا بقي طاسم إنّ سناد المجد والمحارم ... في شيبة الحمد سليل هاشم أبي النبي المرتضى للعالم ثم قال [4] : إن بني النضر كرام ساده ... من مضر الحمراء في القلاده أهل سناء وملوك قاده ... مزارهم بأرضهم عباده إن مقالي فاعلموا شهاده ثم قال: إنّ ثقفيا عبد أبق [5] فثقف، فعتق، فليس له في المنصب الكريم من حق. يوم ذات نكيف: 135- حدثني عباس، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمْ يزل بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة مبغضين لقريش مضطغنين عليهم ما كان من قصي حين أخرجهم من مكة مع من أخرج من خزاعة، حين

_ [1] خ: حرز مزادة. [2] خ: الماء وذا الهرم. [3] المنمق، ص 66- 67 (حيث في الثانى: المجد والمكارم) . [4] المنمق، ص 67 (حيث في الثانى: زيارة البيت لهم عباده) . [5] عند المنمق، ص 67: «أبق، فأخذ، فعتق، ثم ولد فأنبق، فليس له في النسب من الحق- انبق أى كثر ولده» .

قسمها رباعا وخططا بين قريش. فلما كانوا على عهد المطلب [1] ، هموا بإخراج قريش من الحرم وأن يقاتلوهم حتى يغلبوهم عليه. وعدت بنو بكر على نعم لبنى الهون فاطردوها، ثم جمعوا جموعهم. وجمعت قريش واستعدّت. وعقد المطلب [2] الحلف بين قريش والأحابيش (وهم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة. فلقوا بني بكر ومن انضم إليهم، وعلى الناس المطلب [3] . فاقتتلوا بذات نكيف. فانهزم بنو بكر، وقتلوا قتلا ذريعا، فلم يعودوا لحرب قريش. قال ابن شعلة الفهري: لله عينا من رأى من عصابة ... غوت غي بكر يوم ذات نكيف أناخوا إلى أبياتنا ونسائنا ... فكانوا لنا ضيفا بشر مضيف وقتل يومئذ عبد (بن) [4] السفاح القاري من القارة: قتادة [5] بن قيس أخا بلعاء بن قيس. واسم بلعاء مساحق. وقال عبد في ذلك: يا طعنة ما قد طعنت مرشة ... قتادة [6] حين الخيل بالقوم تخنف إذا جاء سرب من نساء يعدنه ... تولين يأسا ظهرهن يقفقف قال ابن الكلبي: ويومئذ قيل [7] : قد أنصف القارة من راماها

_ [1] خ: «عبد المطلب» (وهو سهو. والتصحيح عن المحبر، ص 246 والمنمق، ص 83. وراجع ياقوت لنكيف) . وقصة يوم ذات نكيف بطولها عند المنمق، ص 82- 85 (خ في العنوان: ذي نكيف، وفي أثناء القصة: ذات نكيف) . [2] خ: «عبد المطلب» (وهو سهو. والتصحيح عن المحبر، ص 246 والمنمق، ص 83. وراجع ياقوت لنكيف) . وقصة يوم ذات نكيف بطولها عند المنمق، ص 82- 85 (خ في العنوان: ذي نكيف، وفي أثناء القصة: ذات نكيف) . [3] خ: «عبد المطلب» (وهو سهو. والتصحيح عن المحبر، ص 246 والمنمق، ص 83. وراجع ياقوت لنكيف) . وقصة يوم ذات نكيف بطولها عند المنمق، ص 82- 85 (خ في العنوان: ذي نكيف، وفي أثناء القصة: ذات نكيف) . [4] خ: عبد السفاح. والتصحيح عن تاريخ ابن كثير. ويعاضده اسم الشاعر فيما يلى. [5] خ: قيادة. والتصحيح عن المنمق. (خ في الأول: تخفيف، وفي الثانى: ظهر تقفقف) [6] خ: قيادة. والتصحيح عن المنمق. (خ في الأول: تخفيف، وفي الثانى: ظهر تقفقف) [7] سيأتى بعد الشعر كاملا. وذكر هذا المصراع ابن هشام، ص 163، تأريخ الطبرى 2/ 249، 785، 3/ 217، 568، ابن الكلبى، 51/ الف.

والقارة من ولد الهون بن خزيمة. وهم من ولد عضل بن الديش. قال رجل منهم [1] : دعونا قارة: لا تنفرونا ... فنجفل مثل إجفال الظليم فسموا القارة. والقارة جبيل صغير. وقال غير الكلبى: قال عبد شمس ابن قيس، وهو رجل من بني الهون: أعازبة حلوم [2] بني أبينا ... كنانة أم هم قوم نيام فإن يك فيكم كرم وعز ... فقومكم وإن قلوا كرام دعونا قارة لا تنفرونا ... فتنبتك القرابة والذمام كما جلت بنو أسد جذاما ... فبانت عن مساكنها جذام وكان يقال للقارة «رماة الحدق» . وقال الشاعر [3] : قد علمت سلمى ومن والاها ... أنا نصد الخيل عن هواها قد أنصف القارة من راماها ... إنَّا إِذَا مَا فِئَةٌ نَلْقَاهَا / 34/ نَرُدُّ أُولاهَا على أخراها ... نردها دامية كلاها وقال أبو عبيدة: قال قتادة [4] لقومه يوم ذات نكيف: ارموهم بالنبل، فإذا فنيت، فشدّوا عليها بالرماح. فقال قائل منهم: قد أنصف القارة من راماها وكان أبو عبيدة يقول: «حكم بن الهون» ، ولكن ولده أتوا اليمن، فقالوا: «حكم بن سعد العشيرة» .

_ [1] ابن الكلبى، 51/ الف، السهيلي، 1/ 166: «لا تذعرونا» بدل «لا تنفرونا» ) . [2] خ: اعازيه حاوم [3] السهيلي، 1/ 166 (وروى: نرد الخيل) . [4] خ: قيادة.

- حفر زمزم ونذر عبد المطلب:

136 - حفر زمزم ونذر عبد المطلب: قالوا: أري [1] عبد المطلب في منامة أن يحتفي زمزم ويحتفرها، ودلّ على موضعها وكانت جرهم دفنها عند إخراج خزاعة إياها عن مكة. فقال له قائل: «زمزم، وما زمزم؟ هزمة جبريل برجله، وسقيا إسماعيل وأهله. زمزم البركات، تروي الرفاق الواردات [2] . شفاء سقام، وخير طعام» . فاحتفرها، ووجد فيها سيوفا مدفونة، وحليا، وغزالا من فضة وذهب مشنفا بالدر. فعلقه في الكعبة، حتى سرق بعد. قالت صفية بنت عبد المطلب: نحن حفرنا للحجيج زمزم ... سقيا الخليل وابنه المكرم هزمة جبريل التي لم تذمم ... شفاء سقم وطعام مطعم 137- وَحَدَّثَنِي الوليد بْن صالِح وَمُحَمَّد بْنُ سَعْد، قَالا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عمر، قال: سألت عبد الله بن جعفر: متى كان حفر عبد المطلب زمزم؟ فقال: وهو ابن أربعين سنة. قلت: فمتى كان أراد ذبح ولده؟ قال: بعد ذلك بثلاثين سنة. قلت: قبل مولد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أجل، وقبل مولد حمزة. قلت: فإن بعض الرواة يزعم أنه أتى لعبد المطلب مائة وعشر سنين. قال: لم يبلغ ذلك. قلت: ما كان سبب نذره أن يذبح ولده؟ قال: نازعته قريش حين حفر زمزم، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْوَلَدِ إِلا الْحَارِثُ وَحْدَهُ. فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عبد مناف، أبو «المطعم» : يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، أَتَسْتَطِيلُ عَلَيْنَا وَأَنْتَ فَذٌّ لا ولد لك [3] ؟ قال عبد المطلب: أتقول هَذَا وَإِنَّمَا كَانَ نَوْفَلٌ، أَبُوكَ، فِي حِجْرِ هاشم؟ (لأن هاشما كان خلف على أمه واقدة نكاح مقت. فقال له عدي: وأنت أيضًا فقد كنت عند أخوالك من بني النجّار حتى ردّك

_ [1] خ: قالوا لو ارى. [2] خ: الواردة (وبدلناها للسجع) . [3] خ: فذلا ولذلك.

زواج عبد الله بن عبد المطلب

المطّلب [1] . قال: أبا لقلّة تعيرني؟ فو الله لئن آتاني الله عشرة من الولد ذكورا لأنحرنّ أحدهم عند الكعبة. فآتاه الله عَشرَةُ. فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ. فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ الله، أَبِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أحب الناس إليه. فقال: اللهم، أهو أَمْ مِائَةٌ مِنْ تَلادِ إِبِلِي؟ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِائَةٍ مِنْ إِبِلِهِ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةِ عَلَى المائة. فنحرها، فاقتسمها في فقراء مكة ومن ورد من الأعراب. قال، قلت: فإن بعض الرواة يقول: «تكاءد [2] عَبْد الْمُطَّلِبِ حفر زمزم، فَقَالَ: لئن تمّ حفرها، لأنحرن بعض ولدي» ؟ فقال: «ما أدري ما هذا. ولقد روي» . وقال فِي السنة الَّتِي نحر فِيهَا عَبْد الْمُطَّلِبِ الإبل، مات الحارث ابن عبد المطلب ولابنه ربيعة سنتان. [زواج عبد الله بن عبد المطلب] 138- قال الواقدي: وكان نحر الإبل قبل الفيل بخمس سنين، فكان ربيعة أسنّ من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبع سنين. 139- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: تزوج عبد المطلب هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وهي أم حمزة ابن عبد المطلب، ولدته قبل مولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بأربع سنين أو نحوها. ثم زوج عبد المطلب ابنه عبد الله: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وكانت في حجر عمها أهيب بن عبد مناف، فولدت له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولما خطبها عبد المطلب على عبد الله، فأجيب إلى تزويجه إياها، انطلق به ماضيا إلى بني زهرة. فمر بامرأة من خثعم، يقال لها فاطمة- وكان فتيان قريش يحدثون إليها، وكانت عفيفة، ويقال إنها كانت من بنى أسد بن خزيمة وكانت تعتاف وتنتظر وتقرأ الكتب- فقالت لعبد الله، وجلس إليها منتظرا لأبيه، وقد عرج/ 35/ لبعض شأنه: هل لك في موافقتي على أن أعطيك مائة من الإبل؟ (وكانت موسرة) . فقال عبد الله [3] :

_ [1] خ: عبد المطلب. [2] أى شق عليه. [3] ابن سعد، 1 (1) / 59، الطبرى، ص 1080، السهيلي، 1/ 104 (وزاد في آخرها: «يحمى الكريم عرضه ودينه» ) .

(ولادة النبي عليه السلام) :

أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فاستبينه فكيف بالأمر الذي تنوينه ثم إنه مضى مع أبيه إلى بني زهرة، فزوجه آمنة. وأقام عندها ثلاثا. وكانت تلك سنتهم. ثم إن عبد الله أتى الامرأة [1] بعد ذلك، فقال لها: هل لك فيما كنت عرضت على أن يكون بيننا تزويج؟ فقالت: لا تطلبن الأمر إلا ميلا ... قد كان ذاك مرة فاليوم لا إني رأيت في وجهك نورا ساطعا، وقد ذهب الآن، فما الذي صنعت؟ فحدثها حديثه، فقالت: إني لأحسبك أبا النبي الذي قد أظل وقت مولده. وقالت [2] : لله ما زهرية سلبت ... ثوبيك ما سكنت وما تدري وقالت أيضًا [3] : بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباح بعد خبوه ... فتائل قد ميثت له بدهان وما كل ما يحوي امرؤ من إرادة ... لحزم ولا ما فاته لتوان فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه ... سيكفيكه جدّان يصطرعان (ولادة النبي عليه السلام) : 140- وحملت آمنة في أيامها الثلاثة. ورأت في منامها آتيا أتاها، فقال:

_ [1] خ: لامراة. [2] السهيلي، 1/ 105، الطبرى، ص 1080 وزادا أبياتا مع اختلافات. [3] ابن سعد، 1 (1) 60، الطبرى، ص 1081، مع أبيات أخرى واختلافات (خ، في الأول: إذ المياه. في الثانى: غادر الصباح- قد مسيت. وفي الثالث: طالبت أمراء) .

محبة عبد المطلب لمحمد ص

يا آمنة، إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع في الأرض، فقولي: «أعيذك بالواحد، من شر كل حاسد» ، وسميه أحمد. ويقال إنه قال: سميه محمدا. 141- فلما وضعته، أرسلت إلى عبد المطلب أنه قد ولد لك غلام. فنهض مسرورا، ومعه بنوه، حتى أتاه فنظر إليه. وحدثته بما رأت، وبسهولة حمله وولادته. فأخذه عبد المطلب في خرقة فأدخله الكعبة وقال [1] : الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان أعيذه بالبيت ذي الأركان ... من كل ذي بغي وذي شنآن وحاسد مضطرب العنان ثم رده إلى أمه. 142- وقال الواقدي: الامرأة التي قالت لعبد الله ما قالت، قتيلة بنت نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أخت ورقة بن نوفل. وكانت تنظر في الكتب. [محبة عبد المطلب لمحمد ص] 143- المدائني، عن يزيد بن عياض، عن الزهري وحفص بن عمر، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عبد المطلب كان إذا أتى بالطعام، أجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانبه، وربما أقعده على فخذه، فيوثره بأطيب طعامه. وكان رقيقا عليه بآدابه. فربما أتي بالطعام وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرا، فلا يمس شيئا منه حتى يؤتى به. وكان يفرش له في ظل الكعبة، ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه، فإذا خرج، قاموا على رأسه مع عبيده، إجلالا له. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر، فيجلس على الفراش، فيأخذه أعمامه ليؤخروه، فيقول عبد المطلب: مهلا، دعوا ابني ما تريدون منه. ثم يقول: دعوه فإن له لشأنا، أما ترونه؟ ويقبل رأسه وفمه، ويمسح ظهره، ويسرّ بكلامه وما يرى منه.

_ [1] ابن سعد، 1 (1) / 64، السهيلي، 1/ 106- 107 وزاد أبياتا.

الاستسقاء برسول الله ص

144- وحدثني محمد بن إسماعيل الضرير الواسطي، حدثنا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن العباس بن عبد الرحمن الهاشمي، عن الكندير بن سعيد، عن أبيه، قال: حججت في الجاهلية، فإذا أنا بشيخ مربوع يطوف بالبيت، وهو يقول [1] : رد علي راكبي محمدا ... واصطنعن برده عندي يدا فقلت: من هذا الشيخ؟ قالوا: عبد المطلب بن هاشم. قلت: ما شأنه؟ قالوا: (أ) ضلّ إبلاله، فخرج في طلبها بني ابنه: محمد بن عبد الله، وقد أبطأ عليه، فقد أخذه ما ترى. قال: فما برحت حتى رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو غلام، وجاء بالإبل. فسمعت عبد/ 36/ المطلب يقول له: يا بني، لقد جزعت عليك جزعا، لا تفارقني بعده حتى أموت. 145- وحدثني الحرمازي، عن أبي اليقظان، قال: كان عَامِر بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بن عبد شمس- وأمه البيضاء بنت عبد المطلب- مضعوفا. فأتي به عبد المطلب، فمسه، فقال: وعظام هاشم، وما ولد في ولد عبد مناف مولود أحمق منه. وتزوج عامر دجاجة بنت أسماء بن الصلت السلمي، فولدت له عبد الله بن عامر. [الاستسقاء برسول الله ص] 146- وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، قال حدثني الوليد بن عبد الله القرشي، عن عبد الرحمن ابن موهوب الأشعري حليف بني زهرة، عن أبيه، عن مخرمة بن نوفل الزهري، قال: سمعت أمي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم تحدث، وكانت لدة عبد المطلب، قالت: تتابعت على قريش سنون ذهبت بالأموال، فسمعت في النوم قائلا يقول: «هذا أوان نبي مبعوث فيكم، معشر قريش، وبه يأتيكم الحيا [2] والخصب، فليخرج رجل منكم طوال أبيض، مقرون الحاجبين، أهدب الأشفار، جعد الشعر، أشم العرنين، وليخرج معه ولده وولد ولده،

_ [1] ابن سعد، 1 (1) / 70، 71، استيعاب ابن عبد البر، رقم 2329 (ترجمة سعيد بن حيدة) مع اختلافات. [2] خ: الحياء. (والحيا: المطر والخصب: كأنه مذكر الحياة) .

حفر زمزم

وليخرج من كل بطن رجل حتى يعلوا أبا قبيس، ثم يتقدم هذا الرجل فيستسقي، ويؤمّنون» . فلما أصبحت، قصصت رؤياي. فنظروا، فإذا الرجل الذي هذه صفته عبد المطلب. فاجتمعوا عليه، وفعلوا ما أمروا به. وكان النبي صلى الله عليه وسلم مع ولد عبد المطلب، وهو غلام. فتقدم عبد المطلب، فقال: «لا هم، هؤلاء عبادك، بنو إمائك، وقد نزل بهم ما ترى، وتتابعت عليهم السنون فذهبت بالخفّ والقلف، وأشفت الأنفس منهم على التلف والحتف. فاذهب عنا الجدب، وائتنا بالحياة والخصب» . قال: فما برحوا حتى سالت الأودية. وبرسول الله صلى الله عليه وسلم سقوا. قالت رقيقة [1] : بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واستبطئ المطر فجاد بالماء جونىّ له سبل ... دان فعاشت به الأنعام والشجر منا من الله بالميمون طائره ... وخير من بشرت يوما به مضر مبارك الوجه يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر [حفر زمزم] 147- المدائني، عن ابن جعدبة أن عبد المطلب رأى في منامه قائلا يقول [2] : احفر زمزم، خبية الشيخ الأعظم. ثم رأى ليلة أخرى: احفر تكتم، بين الفرث والدم، في مبحث الغراب الأسحم، في قرية النمل. فلما أصبح، وجد بقرة مفلتة من جازرها وقد صارت إلى المسجد إلى موضع زمزم، فسلخت في موضعها. وجاء غراب حتى وقع على فرثها، وإذا ثم قرية نمل. فاحتفر عبد المطلب زمزم، وأنكرت قريش ذلك. فحدثها الحديث، فصدقته. وقال خويلد بن أسد: أقول وما قولي علي بهين ... إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم حفيرة إبراهيم يوم ابن هاجر ... وركضة جبريل على عهد آدم

_ [1] ابن سعد، 1 (1) / 54- 55. [2] ابن هشام، ص 91- 94، السهيلي، 1/ 97- 102.

وفاة عبد المطلب

[وفاة عبد المطلب] 148- قالوا: وتوفي عبد المطلب وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، ودفن بالحجون بمكة، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، ولحمزة نحو من اثنتي عشرة سنة، وللعباس إحدى عشرة سنة. ويقال إن عبد المطلب مات وله ثمان وثمانون سنة. وفي رواية الواقدي وغيره أن أم أيمن حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبكي خلف سرير عبد المطلب، وهو ابن ثماني سنين. قال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، أن مخرمة بن نوفل الزهري قال: مات عبد المطلب وأنا شاهده مع قريش، وقد قاربت عشرين سنة، وأن أمي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم كانت [1] لدة عبد المطلب، فتقول لي: شق/ 37/ قميصك على خالك لمن تستبقيه [2] بعده. قال: ونظرت إلى نساء بنى عبد مناف قد جززن الشعور. وإنه ليقال إنه يومئذ ابن ما بين الثمانين إلى التسعين، وإن كان لمعتدل القناة. وكان أول من تحنث بحراء. والتحنث التأله [3] والتبرر. وكان إذا أهل هلال شهر رمضان، دخل بحراء فلم يخرج حتى ينسلخ الشهر [4] ، ويطعم المساكين. وكان يعظم الظلم بمكة، ويكثر الطواف بالبيت. قال الواقدي: وقد روي أن عبد المطلب توفى ابن مائة وعشر سنين. وليس ذلك بثبت. وقال هشام بن الكلبي: كان موت عبد المطلب في ملك هرمز ابن أنوشروان، على الحيرة قابوس بن المنذر، أخو عمرو بن المنذر الذي يقال له عمرو بن هند مضرط الحجارة. ويقال إنه لم يمت حتى كف بصره. وروي عن عبد الله بن عباس، أنه قال، كان أبي يخبرنا عن عبد المطلب أنه مات يوم مات وهو أعدل قناة منه، وله ثمان وثمانون سنة. وسمعت من يحدث عن مصعب بن عبد الله، أن عبيد بن الأبرص كان ترب عبد المطلب، وبلغ عبيد مائة وعشرين سنة، وبقي عبد المطلب بعده عشرين سنة أو أكثر.

_ [1] خ: كان. [2] خ: حالك لمن تستقيه. [3] خ: الثالثة (والتصحيح للأستاذ ليوى ديلاويدا) . [4] خ: الشبهة.

رثاء عبد المطلب

149- قالوا: ولما احتضر عبد المطلب، جمع بنيه فأوصاهم برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان الزبير بن عبد المطلب وأبو طالب أخوي عبد الله لأمه وأبيه. وكان الزبير أسنهما. فاقترع الزبير وأبو طالب أيهما يكفل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأصابت القرعة أبا طالب، فأخذه إليه. ويقال: بل اختاره رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الزبير، وكان ألطف عميه به. ويقال: بل أوصاه عبد المطلب بأن يكفله بعده. وروي بعضهم أن الزبير كفل النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ثم كفله أبو طالب بعده، وذلك غلط لأن [1] الزبير شهد حلف الفضول ولرسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ نيف وعشرون سنة. لا اختلاف بين العلماء في أن شخوص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع أبي طالب بعد موت عبد المطلب بأقلّ من خمس سنين. [رثاء عبد المطلب] 150- ورثى بنات عبد المطلب أباهن بشعر، كتبت بعضه. قالت عاتكة بنت عبد المطلب [2] : أعيني جودا ولا تبخلا ... بدمعكما بعد نوم النيام أعينيّ واسحنفرا واسكبا ... وشوبا بكاء كما بالتدام على شيبة الحمد والمكرمات ... ومردي المخاصم يوم الخصام وقالت أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب [3] : ألا يا عين جودي واستهلي ... وبكي ذا الندى والمكرمات وبكي خير من ركب المطايا ... أباك الخير تيار الفرات عقيل بني كنانة والمُرَجَّى ... إذا ما الدهر أقبل بالهنات وقالت برة بنت عبد المطلب: ألا يا عين ويحك أسعديني ... واذري الدمع سجلا بعد سجل

_ [1] خ: بأن. [2] ابن هشام، ص 109 مع اختلافات (خ في الأول: نوم القيام) . [3] ابن هشام ص 110 مع اختلافات.

بدمع من دموعك ذي غروب ... فقد فارقت ذا كرم وبذل طويل الباع شيبة ذا المعالي ... أباك الخير وارث كل فضل وقالت أميمة بنت عبد المطلب [1] : أعيني جودا بدمع درر ... على طيّب الحيم والمعتصر على ماجد الجد واري الزناد ... جميل المحيا عظيم الخطر على شيبة الحمد والمكرمات ... وذي المجد والعز والمفتخر وقالت سبيعة بنت عبد شمس: / 38/ أعيني جودا [2] بالدموع السواكب ... على خير ميت نحى من لؤي بن غالب أعيني لا تستحسرا عن بكاكما ... على ماجد الأعراق عف المحاسب أبي الحارث الفياض ذي الحلم والنهى ... وذي الباع والأفضال غير تكاذب وقالت أروى بنت عبد المطلب [3] : بكت عيني وحق لها بكاها ... على سمح سجيته الحياء على الفياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير ليس له كفاء طويل الباع أروع ذو فضول ... له المجد المقدم والسناء وقالت ضعيفة بنت هاشم [4] : ألا هلك الراعي العشيرة ذو الفقد ... وساقي الحجيج والمحامى عن المجد أبو الحارث الفياض خلى مكانه ... فلا يبعدن وكلّ حىّ له بعد

_ [1] ابن هشام، ص 109، وعزاها إلى برة، مع اختلافات في الرواية. [2] خ: جوادا. [3] ابن هشام، ص 111 مع اختلافات وزيادات. فقال في الأول: لها البكاء. وبدل الثالث: طويل الباع أملس شيظمى ... أغر كأن غرته ضياء أقب الكشح أروع ذو فضول ... له المجلد المقدم والسناء [4] ابن هشام، ص 110 مع اختلافات، وعزاها إلى أميمة. (خ في الأول: على المجد. ابن هشام في الثانى: إلى بعد) .

(أولاد عبد المطلب) :

قالوا: ولم يقم لموت عبد المطلب بمكة سوق [1] أياما كثيرة. 151- وولد هاشم أيضًا، سوى عبد) المطلب [2] : نضلة بن هاشم، والشفا بنت هاشم، (تزوجها هاشم بن المطلب بن عبد مناف، فولدت له عبد يزيد ابن هاشم، وهو «المحض لا قذى فيه» . وكذلك كانوا يسمون من كانت أمه بنت عم أبيه. وأمهما أميمة بنت عدي بن عبد الله، من قضاعة، ثم من بني سلامان بن سعد بن يزيد. ويقال: هي أميمة بنت أبي عدي بن عبد الله. وكان السائب بْن عُبَيْد بْن عَبْدِ يَزِيد بْن هاشم بن المطلب يشبه بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم) ، وأسد بن هاشم، (وأمه قيلة، وهي الجزور بنت عامر بن مالك ابن جذيمة المصطلق، من خزاعة) ، وصيفي [3] ، وأبا صيفي واسمه عمرو سماه أبوه باسمه، (وأمهما هند بنت عمرو بن ثعلبة، من الخزرج. ويقال إن أبا صيفي لأم ولد) ، وخالدة بنت هاشم، (تزوجها أسد بن عبد العزى، فولدت له نوفل وحبيب [4] ابني أسد بن عبد العزى، قتلا يوم الفجار الآخر) ، وصفية بنت هاشم، (تزوجها وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب، وأمها واقدة بنت أبي عدى الهوارتية، خلف عليها هاشم بعد أبيه نكاح مقت) ، وحية بنت هاشم، (تزوجها الأحجم بن دندنة بن عمرو، من خزاعة، وأمها من ثقيف، فولدت له أسيد، وشييم، ومرّة، وزرعة، وورقة، وجارية وسلمى) . (أولاد عبد المطلب) : 152- فولد عبد المطلب- ويكنى أبا الحارث-: عبد اللَّه، والزبير، وعبد مناف وهو أبو طالب، (وكان الزبير أحد حكام قريش، وهو أسن من عبد اللَّه ومن

_ [1] خ: سوقا. [2] خ: سوى المطلب. [3] كذا، بدل صيفيا، نوفلا، حبيبا (راجع لسببه الصفحة الأولى من الكتاب حيث توجيه المؤلف) . [4] كذا، بدل صيفيا، نوفلا، حبيبا (راجع لسببه الصفحة الأولى من الكتاب حيث توجيه المؤلف) .

أبي طالب) ، عبد الكعبة درج صغيرا، وأم حكيم البيضاء (وهي «الحصان لا تكلم والصناع لا تعلم» ، توأمة عبد اللَّه تزوجها كريز بن ربيعة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له أروى بنت كريز، أم عثمان بن عفان، وأم كريز، وأرنب وهي أم طلحة بنت كريز امرأة عامر بن الحضرمى، من حليف بني عبد شمس) ، وعاتكة بنت عبد المطلب (تزوجها أبو أمية ابن المغيرة المخزومي، فولدت له زهير بن أبي أمية، وعبد اللَّه بن أبي أمية، وقريبة الكبرى بنت أبي أمية، وهم إخوة أم سلمة بنت أبي أمية زوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأبيها. وأم أم سلمة كنانية، من ولد جذل الطعان) ، وبرة بنت عبد المطلب (تزوجها عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم، فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد، واسمه عبد اللَّه، ثم خلف عليها أبو رهم بن عبد العزى، من ولد عامر بن لؤي، فولدت أبا سبرة بن أبي رهم) ، وأميمة بنت عبد المطلب (تزوجها جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرّة ابن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، فولدت له عبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وعبد وهو أبو أحمد، وزينب زوج رسول اللَّه/ 39/ صلى اللَّه عليه وسلم، وحمنة بنت جحش تزوجها طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه التَّيْمِيِّ صاحب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، وأروى بنت عبد المطلب (تزوجها عمير بن وهب بن عبد ابن قصي، فولدت له طليب بن عمير هاجر وقتل بالشام شهيدا. ثم خلف عليها أرطاة بن عَبْد شرحبيل [1] بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار بن قصي، فولدت له فاطمة) - وأم هؤلاء جميعا فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بْن مخزوم بْن يقظة بْن مرة بْن كعب بن لؤي- والعباس بن عبد المطلب (وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عامر بن زيد مناة بن عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم اللَّه بن النمر بن قاسط. وسمي الضحيان لأنه كان يجلس لقومه إذا أضحى فيحكم بينهم. وأم نتيلة: سعدى بنت

_ [1] ج: عبد بن شرحبيل.

الحارث بن زيد، فربّته [1] أيضا. وأم جناب: أم حجر ولدعية، من همدان. وأمها ربيعة، من ولد الحارث بن عباد فارس النعامة) ، وضرار بن عبد المطلب (وأمه نتيلة أيضًا. مات حدثا قبل الإسلام) . 153- وحدثني عَبَّاس [2] بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، قال: قال [3] عبد المطلب في ابنه العباس، وكان به معجبا، وولد قبل الفيل بثلاث سنين: ظني بعباس ينبّى إن كبر ... أن يمنع القوم إذا ضاع الدبر وينزع السجل إذا اليوم اقمطر ... ويسقي الحاج إذا الحاج كثر وينحر الكوماء في اليوم الحصر ... ويفصل الخطبة في الأمر المبر ويكسو الريط اليماني والأزر ... ويكشف الكرب إذا ما اليوم هر أكمل من عبد كلال وحجر ... لو جمعا لم يبلغا منه العشر 154- قال: وأضلت نتيلة ابنها ضرارا، فكاد عقلها يذهب جزعا. وولهت ولها شديدا. وكانت ذات يسار. فجعلت تنشده في الموسم، وتقول: أضللت أبيض لوذعيا ... لم يك مجلوبا ولا دعيا وقالت أيضا: أضللت أبيض كالخصاف ... للفتية الغر بني مناف ثم لعمري منتهي الأضياف ... سن لفهر سنة الإيلاف في القر حين القر والأصياف وجعلت على نفسها لئن رده اللَّه عليها أن تكسو الكعبة. فمر بها حسان بن ثابت الأنصاري، وقد حج في نفر من قومه. فلما رأى جزعها، قال [4] :

_ [1] خ: فمر به [2] خ: ابن عباس. [3] خ: قال والد عبد المطلب. [4] ليس في ديوانه المطبوع.

وأم ضرار تنشد الناس والها ... فيال بني النجار ماذا أضلت ولو أن ما تلقي نتيلة غدوة ... بأركان رضوى مثله ما استقلّت فأتاها به رجل من جذام. فكست البيت ثيابا بيضا، وجعلت تقول: الحمد للَّه ولي الحمد ... قد رد ذو العرش على ولدي من بعد أن جولت في معد ... أشكره ثم أفي بعهدي وحمزة بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أسد اللَّه وأسد رسوله، والمقوم ويكنى أبا بكر، وحجل واسمه المغيرة، وصفية (تزوجها الْحَارِث بْن حرب بْن أمية، فولدت لَهُ الصفياء. ثم خلف عليها الْعَوَّام بْن خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بن قصي، فولدت له الزبير، والسائب، وعبد الكعبة درج. فتزوج الصفياء ربيعة بن ابن أكثم، وذلك الثبت. ويقال: ابن أبي أكثم بن عمرو، أحد بني عامر بن غنم ابن دودان، وكان يكنى أبا يزيد، وهو بدري واستشهد بخيبر) . وأم هؤلاء هالة بنت أهيب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب، وأمها العبلة بنت/ 40/ المطلب [1] بن عبد مناف. والحارث بن عبد المطلب (بن هاشم) بن عبد مناف (وبه كان يكنى، وهو أكبر ولده. وأمه صفية بنت جنيدب بن [2] حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بْن مُعَاوِيَة بْن بكر بْن هوازن بْن منصور) ، وقثم بن عبد المطلب (هلك صغيرا، وأمه صفية بنت جنيدب أيضًا) ، وعبد العزى بن عبد المطلب (وهو أبو لهب، وكان جوادا. كناه أبوه بذلك لحسنه. ويكنى أبا عتبة. وأمه لُبْنَى بِنْت هاجر بْن عَبْدِ مناف ابن ضاطر بْن حبشيَّة بْن سلول، من خزاعة) ، والغيداق (واسمه نوفل. وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك بن مؤمل بن أسعد، من خزاعة) . 155- ويقال إن قثم بن عبد المطلب كان أخا الغيداق لأمه، ولم يكن أخا الحارث. قال قرة بن حجل بن عبد المطلب يذكر عمومته وأباه [3] :

_ [1] خ: عبد المطلب. [2] خ: جنيد ب أيضا بن. [3] ابن سعد، 1 (1) / 57، وزاد أبياتا. (خ في الأول: «ان عذرت» . وفي الثانى: «والصتم بجزلا» . وفي الثالث: «فاذكرنه ما منا» ، «عبد مناف الحناسا» . والتصحيحات عن ابن سعد) .

عبد الله بن عبد المطلب

أذكر ضرارا إن عددت فتى ندى ... والليث حمزة وأذكر العباسا وأعدد زبيرا والمقوم بعده ... والصتّم حجلا والفتى الرءّاسا وأبا عتيبة فاذكرنه ثامنا ... والقرم عبد مناف الجسّاسا (والقرم) غيداقا تعدّ جحاجحا ... سادرا على رغم العدو الناسا والحارث الفياض ولى ماجدا ... أيام نازعه الهمام الكاسا عبد اللَّه بن عبد المطلب 156- فأما عبد اللَّه بن عبد المطلب- ويكنى أبا قثم، ويقال إنه كان يكنى أبا محمد، ويقال كان يكنى أبا أحمد- قولد محمدا رسول اللَّه وخاتم أنبيائه صلى اللَّه عليه وسلم، ويكنى أبا القاسم. وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرة. وأمها برة بنت عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ابن قصي بن كلاب. وأم وهب: هند بنت أبي قيلة- وهو وجز- بن غالب، من خزاعة. وكان أبو قيلة يدعى أبا كبشة. وكان قد استخف بالحرم وأهله، في فعلة فعلها [1] . فكانت قريش تقول للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: «فعل ابن أبي كبشة كذا» ، يشبهونه إذا خالف دينهم. ويقال إن زوج حليمة، ظئره، كان يكنى أبا كبشة. ويقال إن وهبا، جده لأمه، كان يكنى أبا كبشة. ويقال إن عمرو بن زيد، جد عبد المطلب لأمه، كان يكنى أبا كبشة. واللَّه أعلم. 157- وحدثني أبو الحسن المدائني، عن الوقاصي، قال سمعت الزهري يقول: كان وجز بن غالب ينكر عبادة الأصنام ويعيبها، ويطعن على أهلها، وكان يكنى أبا كبشة. فشبّهوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم به.

_ [1] «الشعرى ... وكان أبو كبشة، الذى كان المشركون ينسبون رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه، أول من عبدها، وقال: «قطعت السماء عرضا، ولم يقطع السماء نجم غيرها، فعبدها وخالف قريشا» . (كتاب الأنواء لابن قتيبة فقرة 56) .

القول في السيرة النبوية الشريفة

[القول في السيرة النبوية الشريفة] 158- وكان مولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عام الفيل، يوم الاثنين لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول. ويقال لليلتين خلتا منه. ويقال لاثنتي عشرة ليلة خلت منه. وذلك لأربعين سنة مضت من ملك أنوشروان كسرى بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد الخشن بن بهرام بن سابور ذي الأكتاف ملك الفرس. وكان ملك أنو شروان سبعا وأربعين سنة وثمانية أشهر. وكان على الحيرة يوم ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن المنذر بْن امرئ القيس، وهو عمرو ابن هند، وذلك قبل ولاية النعمان بن المنذر المعروف بأبي قابوس الحيرة بنحو من سبع عشرة سنة. وتوفي عبد اللَّه بن عبد المطلب، أبو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حمل. وذلك الثبت. ويقال إنه توفي وهو ابن سبعة أشهر. ويقال إنه توفي وهو ابن نيف/ 41/ وعشرين شهرا. وكان عبد المطلب بعثه إلى المدينة يمتار له تمرا. فنزل على أخواله من بني النجار، فمات عندهم. ويقال: بل أتاهم زائرا لهم، فمرض عندهم ومات. ويقال: بل قدم من غزة [1] بتجارة له، فورد المدينة مريضا، فنزل على أخوال أبيه، فمات عندهم. وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة. ويقال: ثمان وعشرين سنة. وأن أباه بعث إليه الزبير بن عبد المطلب، أخاه، فحضر وفاته. ودفن في دار النابغة. 159- وذكروا أن آمنة بنت وهب رثته، فقالت [2] : عفا جانب البطحاء من قرم هاشم ... وحل بلحد ثاويا غير رائم عشية راحوا يحملون سريره ... يفلونه عن عبرة وتزاحم دعته المنايا دعوة فأجابها ... وما غادرت في الناس مثل ابن هاشم فإن يك غالته المنايا بيثرب ... فقد كان مفضالا كثير التراحم [مرضعة الرسول ص] 160- قالوا: ولما ولد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التمس له الرضاع.

_ [1] خ: غيره [2] ابن سعد، 1 (1) / 62، حيث في الأخير: «المنايا وريبها» . خ: في البيت عينه: «كثير المزاحم» .

فاسترضع له امرأة من بني سَعْد بْن بكر بْن هوازن بن منصور، يقال لها حليمة. وهي، فيما قال هشام بن الكلبي، حليمة بنت أبي ذؤيب- واسمه الحارث- بن عبد اللَّه بن شجنة بن جابر بن (رزام بن) [1] ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر. وقال محمد بن إسحاق [2] والواقدي: هي حليمة بنت أبي ذؤيب، واسمه عبد اللَّه بن الحارث بن شجنة. الأول قول الكلبي، وهو أثبت. وقالوا: واسم زوج حليمة: الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد. واسم ابنها الذي شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من لبنه: عبد اللَّه بن الحارث. وأختاه أنيسة والشيماء بنتا [3] الحارث. 161- وكانت الشيماء تحمل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وتقوم [4] عليه مع أمها حليمة، وسبيت يوم حنين، فعنف بها. فقالت: يا قوم، تعلموا أني أخت نبيكم. فلما أتوا بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: إني أختك، وكنت عضضتني وأنا أحضنك مع أمي. فعرف ذلك. وبسط لها رداءه فأجلسها عليه، وأعطاها ما أغناها، ووهب لها جارية وغلاما يقال له مكحول. فزوجت الجارية من الغلام. وقال الكلبي: وفدت الشيماء على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأرته أثر عضته. 162- قالوا: وكانت حليمة وزوجها خرجا في نسوة من بني سعد يطلبن الرضعاء، ومع حليمة ابنها عبد اللَّه وهي ترضعه. وذلك في سنة شهباء، فلم تبق شيئا. قالت حليمة: فخرجت على أتان لي قمراء [5] ومعنا شارف لنا ما تبض بقطرة. فصبينا لا ينام من البكاء، ولا يدعنا ننام معه. فما من امرأة إلا عرض عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا قيل إنه يتيم، قالت: وما عسى أن يكون من أمه وجده إلينا؟ إنما يكون الإحسان من الأب. ولم تعرض له. فلما

_ [1] الزيادة عن ابن هشام، ص 103 (وعنده روايات أخرى أيضا) . [2] ابن هشام، ص 103. [3] خ: بنت. [4] خ: يقوم. [5] خ: فمرا. والقمراء بيضاء اللون. والشارف الناقة المسنة) .

وفاة آمنة بنت وهب

أجمعن الانطلاق، قلت لصاحبي: واللَّه إني لأكره الرجوع خائبة، ولآخذن هذا اليتيم الهاشمي. فقال: افعلي، فلعل اللَّه يجعل لنا فيه البركة. فأخذته، ورجعت إلى أهلي. فلما وضعته في حجري، أقبل ثدياي يشخبان لبنا. فشرب حتى روي. وشرب أخوه حتى روي. ثم ناما، ونمنا. وقام زوجي إلى شارفنا، فيجدها حافلا. فحلبها، وشرب وشربت. فقال: تعلمي يا حليمة أن قد أخذت أعظم نسمة بركة. قالت: ثم ركبت الأتان حين رحلنا، فإذا هي تسبق الركاب. فقال لي صواحبي: إن لأتانك شأنا مذ اليوم. وقد منا، فرأينا البركة محلّلة لنا: كانت مواشي الناس ترجع هذلى خماصا، وتروح مواشينا سمانا بطانا. 163- ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فطم لسنتين. وردته حليمة إلى أمه وجده، وهو ابن خمس سنين. فكان مع أمه إلى أن بلغ ست سنين. وذلك الثبت. ويقال إنه كان معها إلى أن أتت/ 42/ له ثماني سنين. وكانت ثويبة، مولاة أَبِي لهب بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أرضعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أياما [1] ، قبل أن تأخذه حليمة، من لبن ابن لها يقال له مسروح. وأرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي. [وفاة آمنة بنت وهب] 164- قالوا: ولما أتى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ست سنين، زارت أمه قبر زوجها بالمدينة، كما كانت تزوره. ومعها عبد المطلب وأم أيمن حاضنة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صارت بالأبواء منصرفة إلى مكة، ماتت بها ودفنت. ويقال إن عبد المطلب زار أخواله من بني النجار، وحمل معه آمنة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فلما رجع منصرفا إلى مكة، ماتت آمنة بالأبواء. 165- وروي أن قريشا لما كانوا بالأبواء، وهم يريدون أحدا، هموا باستخراج آمنة من قبرها. فقال قائلهم: إن النساء عورة، فإن يصب محمد من نسائكم

_ [1] خ: أتانا.

وفاة حليمة السعدية

أحدا، قلتم: «هذه رمة أمك وأعظمها» . ثم كفهم اللَّه عن ذلك إكراما لنبيه، فأمسكوا. 166- وزعم بعض البصريين أن آمنة أم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ماتت بمكة، ودفنت في شعب أبي دب الخزاعي. وذلك غير ثبت. 167- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده، عن أبي صالح أو عكرمة، أن حليمة ظئر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قدمت به من بلادها، أضلته بأعلى مكة. فوجده ورقة بن نوفل ورجل آخر من قريش، فأتيا به عبد المطلب وقالا: هذا ابنك وجدناه متلددا بأعلى مكة، فسألناه من هو؟ فقال: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فأتيناك به. فذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» [1] . ثم إن عبد المطلب حمله على عاتقه، وطاف به حول الكعبة، وقال: أعيذه باللَّه بارئ النسم ... من كل من يسعى بساق وقدم وقصفة الحجاج في الشهر الأصم ... حتى أراه في ذري صعب أشم ثم يكون ربّ غير مهتضم [وفاة حليمة السعدية] 168- قالوا: وقدمت حليمة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد تزوجه خديجة بنت خويلد، فأنزلها وأكرمها. فشكت جدب البلاد وهلاك الماشية. فكلم خديجة فيها. فأعطتها أربعين شاة وبعيرا للظعنة، وصرفها إلى أهلها بخير. وقدمت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة، وهو بالأبطح، أخت حليمة ومعها أخت زوجها، وأهدت إليه جرابا فيه أقط ونجىّ سمن. فسأل أخت حليمة عن حليمة. فأخبرته بموتها، فذرفت عيناه. وسألها عمن خلفت. وأخبرته بخلّة وحاجة. فأمر لها بكسوة، وحمل ظعينة، وأعطاها مائتي درهم وافية. وانصرفت وهي تقول: نعم المكفول أنت صغيرا وكبيرا. 169- قالوا: وكانت ثويبة تأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهي مملوكة، فيبرّها

_ [1] القرآن، الضحى (93/ 7) . م 7- أنساب الأشراف ج 1

نبوءة للراهب بحيرا

ويكرمها. وتكرمها خديجة. وطلبت خديجة إلى أبي لهب أن يبيعها إياها لتعتقها. فأبى ذلك. فلما هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، أعتقها أبو لهب. فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعث إليها بالصلة والكسوة، حتى بلغه خبر وفاتها. وكانت وفاتها منصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من خيبر سنة سبع. فسأل عن ابنها مسروح، أخيه من الرضاع، فقيل له: مات قبلها. فقال: هل له من قرابة؟ فقيل: لم يبق له أحد. وقالت أم حبيبة بنت أبي سفيان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بلغني يا رسول اللَّه أنك تخطب درة بنت أبي سلمة بن عبد الأسد. فقال: وكيف، وقد أرضعتني وأباها ثويبة، فإنه يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. 170- وورث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أبيه أم أيمن، واسمها بركة، فاعتقها، وخمسة أجمال أوارك، وقطعة غنم، وسيفا مأثورا، وورقا. فكانت أم أيمن تحضنه. ويسميها «أمي» / 43/ وقال بعض الرواة: ورث أم أيمن من أمه، فأعتقها. وقال آخرون: ورث ولاءها من أبيه. وقال قوم: كانت لأمه، فأعتقها. 171- قالوا: وضم أبو طالب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد موت عبد المطلب. دخل منزله وإن عياله لفي ضيقة وخلة، لا يكادون يشبعون لقلة ما عندهم. فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكل معهم، كفاهم ما يجدون من الطعام وأشبعهم حتى يتملّوا. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أكثر أيامه يصبح فيأتي زمزم، فيشرب منها شربه. فربما عرض عليه الغداء فيقول: لا أريده، أنا شبعان. [نبوءة للراهب بحيرا] 172- فلما بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اثنتي عشرة سنة، عرض لأبي طالب شخوص إلى الشام في تجارة. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يألفه. فسأله إخراجه معه. فأبى ذلك ضنا به وصيانة له. فاغتم وبكى. فأخرجه. فرآه راهب من علماء الرهبان، يقال له بحيرا، قد أظلته غمامة. فقال لأبي طالب:

خطبة الرسول ص لخديجة

من هذا منك؟ قال: ابن أخي. فقال: أما ترى هذه الغمامة كيف تظله وتنتقل معه؟ واللَّه إنه لنبي كريم، وإنى لأحسبه الذي بشر به عيسى، فإن زمانه قد قرب. وقد ينبغي لك أن تحتفظ [1] به. فرده أبو طالب إلى مكة. وذكر بعض الرواة أن أبا طالب أشخص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الشام وهو ابن تسع سنين. والأول أثبت. 173- قالوا: ولما جاوزت سنو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العشرين، قال له أبو طالب: يا ابن أخي، إن خديجة بنت خويلد امرأة موسرة ذات تجارة عريضة، وهي محتاجة إلى مثلك في أمانتك وطهارتك ووفائك. فلو كلمناها فيك فوكلتك ببعض أمرها وتجارتها. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: افعل يا عم ما رأيت. فسعى أبو طالب إليها، فكلمها في توكيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببعض تجارتها. فسارعت إلى ذلك ورغبت فيه، ووجهته إلى الشام ومعه غلام لها وقيم يقال له ميسرة. فلما فرغ مما توجه له وقدم مكة، أخبرها ميسرة بأمانته وطهارته ويمن طائره، وما يقول أهل الكتاب فيه، والذي تعرف من البركة بمكانه معه في كثرة الأرباح وسهولة الأمور. وقال: كنت آكل معه حتى نشبع [2] ويبقى أكثر الطعام كما هو. [خطبة الرسول ص لخديجة] 174- وقال الكلبي: بعثت خديجة رحمها اللَّه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن اخطبني إلى عمي عمرو بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وكان شيخا كبيرا. فأمرت بشاة فذبحت، واتخذت [3] طعاما، ودعت عمها عمرا، وبعثت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فأتى ومعه حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب، فأكلوا. وسقت عمرا. ثم قالت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قل لأبي طالب فليخطبني. فخطبها أبو طالب إلى عمرو. فزوجها رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اثنتي عشرة أوقية ونشا. والأوقية أربعون درهما. 175- وقال الواقدي في إسناده: كانت خديجة بنت خويلد امرأة موسرة تاجرة

_ [1] خ: يحتفظ. [2] خ: يشبع. [3] خ: أخذت.

تزويج النبي ص خديجة

ذات مال. فكلمها أبو طالب فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فوجهته إلى الشام، ومعه ميسرة غلامها. فعرفت خديجة البركة والنماء في مالها على يده. وأخبرها ميسرة بما كان يقال فيه. وكانت امرأة عاقلة حازمة برزة، مرغوبا فيها لشرفها ويسارها. فدست إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من عرض عليه أن يتزوجها. فرغب في ذلك. فبعثت إليه أن ائت في وقت كذا. وأرسلت إلى عمرو بن أسد، عمها. فحضر، وحضر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عمه حمزة وأبو طالب وغيرهما من عمومته. فزوجها إياه عمرو. ومات عمرو بعد تزويجها بقليل. وقال الواقدي: كانت التي [1] سفرت بين رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 44/ وبين خديجة: نفيسة بنت منية، أخت يعلى بن منية التميمي حليف بني نوفل بن عبد مناف. وأسلمت نفيسة عام الفتح، فذكرت رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كان منها. فبرها وأكرمها. 176- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيمَا يَحْسَبُ عَبْدُ الرزاق، عن عروة، عن عائشة، قالت: دخلت امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا وَاسْتَبْشَرَ بِهَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَقْبَلْتَ عَلَى هَذِهِ السَّوْدَاءِ هَذَا الإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى خَدِيجَةَ كَثِيرًا، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ. [تزويج النبي ص خديجة] 177- وتزوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي ابنة أربعين سنة. وذلك الثبت عند العلماء. ويقال إنه تزوجها وهي ابنة ست وأربعين سنة، وهو ابن خمس وعشرين سنة. ويقال: تزوجها وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وهي ابنة ثمان [2] وعشرين سنة. وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: قال حكيم ابن حِزَامٍ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّتِي خَدِيجَةَ وَهِيَ ابْنَةُ أَرْبَعِينَ، وَرَسُولُ

_ [1] خ: إلى. [2] خ: ثماني.

بناء قريش الكعبة:

اللَّه ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنِّي بِسَنَتَيْنِ. وَوُلِدْتُ أَنَا قَبْلَ الْفِيلِ بِثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَشَهِدْتُ الْفِجَارَ وَأَنَا ابْنُ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. وَمَاتَ حَكِيمٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. بناء قريش الكعبة: 178- قالوا: وأتى سيل ملأ ما بين الجبلين، ودخل الكعبة حتى تصدعت. فعزمت قريش على بنائها من أطيب أموالها وأحلها. فهدمتها، وأعادت بناءها، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة. وكانت قريش قد أفردت ببناء كل ربع من أرباع البيت قوما. فكان لبني عبد مناف وبني زهرة ما [1] بين ركن الحجر إلى الركن الأسود، وهو وجه البيت وفيه بابه. ولبني عبد الدار وبني أسد الشق الذي يلي الشام. ولبني تيم بن مرة وبني مخزوم الشق الذي يلي اليمن ولسهم، وجمح، وعدي، وبني عامر بن لؤي ما بين الركن اليماني والركن الأسود. فبنى كل قوم ما صار لهم. وقيل أيضا إن ما بين الركن اليماني والركن الأسود كان لبني تيم وبني مخزوم، وأن ظهر الكعبة كان لبني جمح وسهم، وأن الشق الشامي كان لبني عبد الدار وبني عدي بن كعب، وأن لبني عبد مناف وبني زهرة الشق الذي فيه الباب، وكان ذلك بقرعة بينهم. فلما انتهوا إلى موضع الركن الأسود، اختلفوا فيمن يضعه وتشاحوا عليه. فرضوا بأول من يدخل من الباب. فكان أول من دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالوا: الأمين، واللَّه. ورضوا بأن وضعه. فبسط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رداءه، ثم وضع الركن فيه، وقال: ليأت من كل ربع من قريش رجل. فرفعوه. ثم وضعه بيده في موضعه. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى حَيْثُ مَوْضِعُ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ مِنَ الْبَيْتِ اختلفوا فيه. فقال أبو أمية

_ [1] خ: قوما.

يوم نخلة

ابن الْمُغِيرَةِ، وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اجْعَلُوا بَيْنَنَا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَأَشَارَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي نَعْرِفُهُ الْيَوْمَ بِبَنِي شَيْبَةَ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: هَذَا الأَمِينُ رَضِينَا بِهِ. فَبَسَطَ رِدَاءَهُ ثُمَّ وَضَعَ الرُّكْنَ فِيهِ وَقَالَ: لِيَأْتِ مِنْ كُلِّ رَبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ قريش رجل. فرفعوه. ثم وضعه بيده في موضعه. 179- وقال الواقدى، عن خلد بن القاسم، عن أَبِي تَجْرَاةَ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: نَظَرْتُ أَنَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَضَعُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ. قُلْتُ/ 45/ لِمَنِ الثَّوْبُ الَّذِي حُمِلَ فِيهِ؟ قَالَتْ: لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. 180- قال الواقدي: ويقال إن الذي أشار بأن يضع الحجر أول من يدخل: أبو حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. واسمه مهشم. وأن الحجر وضع في كساء طاروني أبيض من نقاع الشام كان للنبي صلى الله عليه وسلم. فلما وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجر، احتاج إلى حجر يسند به الركن. فذهب رجل من أهل نجد ليأتيه به، فقال: لا، وأمر العباس ابن عبد المطلب. فأتاه بحجر، فأسنده به. فغضب النجدي، وقال: عمدتم إلى أصغركم سنا، وأقلكم مالا، فوليتموه هذه المكرمة. وكان يقال إنه إبليس. 181- وقال أبو طالب في وضع الركن: إن لنا أوله وآخره ... في الحكم والعدل الذي تنكره نحن عمرنا خيره وأكثره ... لما وضعته إذ تماروا حجته يوم نخلة 182- قالوا: وحضر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ نخلة مع عمومته. وهو أعظم أيام الفجار. وكان من حديث هذا اليوم أن البراض بن قيس، أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، كان خليعا، خلعه قومه. فلحق بأبي قابوس النعمان بن المنذر، ملك الحيرة. وكان النعمان يبعث إلى سوق

عكاظ في كل عام لطيمة، في جوار، فتباع له بسوق عكاظ، ويشتري له بثمنها العصب، والبرود، والأدم، وغير ذلك من طرائف اليمن. وعكاظ فيما بين نخلة والطائف. وجهز النعمان لطيمته، وقال: من يجيرها ويجيزها؟ فقال البراض: أبيت اللعن، أنا أجيرها على بني كنانة. فقال النعمان: ما أريد إلا رجلا يجيرها على أهل نجد. فقال عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب، وهو عروة الرحال، وإنما سمي الرحال لرحلته إلى الملوك: أنا أجيرها. فقال البراض: على بني كنانة تجيرها يا عروة؟ قال: نعم، وعلى الناس كلهم، أو كلب خليع يجيرها؟ ثم شخص بها، وشخص البراض وعروة يرى مكانه فلا يكترث به ولا يخشاه. فلما كان إلى جانب فدك، بأرض يقال لها أوارة. نام الرحال. ووجد البراض فرصته، فشد عليه وقتله وهرب قوّام الركاب وعضاريطها. فاستاق البراض العير، ولقي بشر بن أبي خازم الأسدي الشاعر، فجعل له أربع قلائص على أن يأتي حرب بْن أمية، وعبد اللَّه بْن جُدعان، وهشاما، والوليد ابني المغيرة المخزوميين أن البراض قتل عروة. وحذره أن يسبق الخبر إلى قومه، فيكتموه ويقتلوا به رجلا من قريش عظيما، لأنهم لا يرضون أن يقتلوا به خليعا من بني ضمرة. فمر بهم الحليس بن يزيد الدؤلي- وقال الكلبي: هو الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة- وأخبروه بما ألقى إليه بشر بن أبي خازم، وكتموا الخبر، وارتحلوا على تعبية ومعهم الأحابيش (وهم بنو الدئل، والقارة، وبطون من خزاعة) . وكان حرب بن أمية في القلب، وعبد الله بن جدعان في إحدى المجنبتين، وهشام بن المغيرة في الأخرى. فبلغ الخبر عامر بن مالك في آخر النهار، فركب فيمن حضر عكاظ من هوازن يريد القوم. فأدركهم بنخلة. فاقتتلوا، حتى دخلت قريش الحرم، وجن عليهم الليل. 183- وفي يوم نخلة يقول خداش بن زهير [1] : يا شدة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرم

_ [1] مصعب الزبيري، ص 300، العقد لابن عبد ربه، 3: 92 (ص في الأول: «لولا اللَّه» والتصحيح عن العقد. وفي الثانى: «تثقفنا هشاما سادة» ، والتصحيح عن مصعب) .

يوم شمطة

إذ يتقينا هشام بالوليد ولو ... أنا ثقفنا هشاما شالت الجذم فإن سمعت بجيش سالكا شرفا ... أو بطن مر فاخفوا الشخص واكتتموا / 46/ وقال البراض: فقمت على المرء الكلابي فخرة ... وكنت قديما لا أقر فخارا علوت بحد السيف مفرق رأسه ... فأسمع أهل الواديين خوارا [1] وقدم البراض مكة باللطيمة، فكان يأكلها. يوم شمطة 184- قالوا: ثم إن قريشا وبني كنانة لقوا هوازن بشمطة [2] . وعلى بنى هشام: الزبير بن عبد المطلب، وعلى بني عبد شمس وأحلافها: حرب بن أمية، وعلى بني عبد الدار وحلفائها: عكرمة بن هاشم، وعلى بني أسد بن عبد العزى: خويلد بن أسد، وعلى بني زهرة: مخرمة بن نوفل، وعلى بني تيم: أبن جدعان، وعلى بني مخزوم: هشام [3] بن المغيرة، وعلى بني سهم: العاص بن وائل، وعلى بني جمح: أمية بن خلف، وعلى بني عدي: زيد بن عمرو بن نفيل، وعلى بني عامر بن لؤي: عمرو بن عبد شمس (أبو سهيل بن عمرو) ، وعلى بني فهر: عبد اللَّه بن الجراح (أبو [4] أبي عبيدة) ، وعلى بني بكر: بلعاء [5] بن قيس، وعلى الأحابيش: الحليس الكناني. فالتقوا. فكانت أول النهار على هوازن، فصبروا. ثم استحر القتل في قريش، وانهزم الناس. فقال خداش: فأبلغ إن عرضت لهم هشاما ... وعبد اللَّه أبلغ والوليدا بأنا يوم شمطة قد أقمنا ... عمود المجد إن له عمودا

_ [1] خ: جوارا. [2] هي شمطة شمطة (بالظاء المعجمة) كما ذكره ياقوت. [3] خ: هاشم (والتصحيح عن المحبر، ص 170) . [4] خ: ابن. [5] راجع أيضا البلاذري في نسب بلعاء بن قيس (مخطوطة الأنساب 2/ 700) .

مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم

فيقال أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضر هذين اليومين مع عمومته، يحفظ عليهم ويناولهم النبل. وبلغني عن الزهري أنه قال: لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معهم، ولو كان معهم لظهروا، ولكنه كان معهم يوم عكاظ وكان لقريش. وقال هشام بن الكلبي: كان يوم نخلة، وللنبي صلى اللَّه عليه وسلم عشرون سنة أو أشف منها. وذلك لثلاث سنين من ولاية أبى قابوس النعمان ابن المنذر الحيرة. ومن قال إنه صلى اللَّه عليه وسلم كان ابن أربع عشرة سنة فقد غلط. وقال: كان ملك النعمان بن المنذر اثنتين وعشرين سنة. وكان ملك الفرس يوم نخلة كسرى بن هرمز إبرويز الذي ملك ثمانيا وثلاثين سنة وأشهرا. وكان مولد النبي صلى اللَّه عليه وسلم لأربعين سنة من ملك أنوشروان. ثم ملك بعد أنوشروان هرمز بن أنوشروان اثنتي عشرة سنة. ثم ملك إبرويز هذا. فبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعشرين سنة إلا شهرا من ملكه. 185- وقال الواقدي: قال أصحابنا: بين الفيل والفجار عشرون سنة. وبين الفجار وبناء الكعبة خمس عشرة سنة. وبين بناء الكعبة ونزول الوحي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خمس سنين. فوضع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الركن وهو ابن خمس وثلاثين سنة. ومن قال غير هذا فقد غلط. 186- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: أَسْلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَوُلِدْتُ [2] عَامَ الْفِجَارِ. مبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 187- قَالُوا: وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله أربعون سنة. وذلك في ملك

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 98 حيث: «أسلمت وأنا ابن سبع عشرة سنة» ، ولم يرد الباقى [2] خ: فمات.

إبرويز. وعلى الحيرة إياس بن قبيصة بن أبي عفر الطائي الذي ملك بعد النعمان ابن المنذر. وكان النعمان قتل بالمدائن. 188- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أبي جعفر قال: نزل جبريل عَلَى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الاثنين لسبع عشرة ليلة [2] خلت من شهر رمضان، بحراء، ورسول اللَّه/ 47/ صلى اللَّه عليه وسلم ابن أربعين سنة. وكان قبل ذلك يرى ويسمع. 189- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ علي بن محمد بن عبيد اللَّه، عن منصور بن عبيد اللَّه عن أمه عزيزة بنت أبي تجراة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان، حين أراد اللَّه كرامته وابتداءه بالنبوة، إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا ويفضي إلى الشعاب والأودية. فلا يمر بشجرة إلا قالت: «السلام عليك يا رسول اللَّه» ، فيلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا. 190- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَجْيَادَ إِذْ رَأَى مَلَكًا وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، يَصِيحُ: «يَا مُحَمَّدُ، أَنَا جِبْرِيلُ» . فَذُعِرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَعَ سَرِيعًا إِلَى خَدِيجَةَ. [فَقَالَ: إِنِّي لأَخْشَى أن أكون كاهنا.] قالت: كلا، يابن عَمَّ، لا تَقُلْ ذَاكَ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتُؤَدِّي الأَمَانَةَ وَإِنَّ خُلُقَكَ لَكَرِيمٌ.

_ [1] ابن سعد، 1 (1) / 129. (خ: ابن أبى سيرة) . [2] خ: لثلاثة. [3] لم نجد هذه الرواية في الطبقات. [4] ابن سعد، 1 (1) / 129.

191- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ. فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا كَانَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. وَحُبِّبَتْ إِلَيْهِ الْخُلْوَةُ. فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءَ، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ- وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ وَالتَّبَرُّرُ- وَيَمْكُثُ اللَّيَالِيَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ. ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ. حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ. وَعُرِضَ لَهُ جِبْرِيلُ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَلَيْلَةَ الأَحَدِ. ثُمَّ أَتَاهُ بِالرِّسَالَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. 192- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، خَرَجَ مَنْ يُرِيدُ التَّحَنُّثَ مِنْهَا إِلَى حِرَاءَ، فَيُقِيمُ فِيهِ شَهْرًا، وَيُطْعِمُ مَنْ يَأْتِيهِ مِنَ الْمَسَاكِينِ. حَتَّى إِذَا رَأَوْا هِلالَ شَوَّالٍ، لَمْ يَدْخُلِ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا [2] . فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. 193- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ [3] ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن إِسْحَاقَ [4] ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَيْسَرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا بُعِثَ، يُدْعَى: «يَا مُحَمَّدُ» ، وَلا يَرَى شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، فَيَهْرُبُ مِنْهُ فِي الأَرْضِ، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِخَدِيجَةَ ابْنَةِ خُوَيْلِدٍ، وَقَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُرِضَ لِي أَمْرٌ. قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِذَا خَلَوْتُ، دعيت فأسمع صوتا ولا أرى شيئا

_ [1] ابن سعد، 1 (1) / 129. [2] أى سبع مرات. [3] خ: السباولى (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر) . [4] ليس عند ابن هشام ولا الطبرى، ولكن ذكره السهيلي (1/ 157) عن ابن إسحاق.

فَقَدْ خَشِيتُ. قَالَتْ: مَا كَانَ اللَّه [1] لِيَفْعَلَ بِكَ سُوءًا، إِنَّكَ لَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتُؤَدِّي الأَمَانَةَ. ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: انْطَلِقْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْكُتُبَ [2] ، فَلْيَذْكُرْ لَهُ مَا يَسْمَعُ. فَانْطَلَقَا، حَتَّى أَتَيَا وَرَقَةَ. [فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ، دُعِيتُ «يَا مُحَمَّدُ» ، فَأَسْمَعُ صَوْتًا وَلا أَرَى شَيْئًا.] قَالَ لَهُ وَرَقَةٌ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ، فَإِذَا دُعِيتَ فَاثْبُتْ، حَتَّى تَسْمَعَ مَا يُقَالُ لَكَ، فَتَثَبَّتَ لِلصَّوْتِ. فَقَالَ له: قل: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» . فقال: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ قَالَ: قُلِ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. حَتَّى خَتَمَهَا [3] ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ «آمِينَ» . ثُمَّ رَجِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَرَقَةَ. فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَأَنَّكَ الَّذِي نَجِدُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَتُؤْمَرَنَّ بِالْقِتَالِ، وَلَئِنْ طَالَتْ لي [4] الْحَيَاةُ، لأُقَاتِلَنَّ مَعَكَ. 194- قال الكلبي: هو ورقة بْن نوفل بْن أسد بْن عَبْد العزى/ 48/ بن قصي تنصر حتى استحكمت نصرانيته. ثم خرج إلى الشام. فمات هناك. وقال بعضهم: مات بمكة بعد المبعث، ودفن بها. 195- وقال الواقدى: أقام ورقة على النصرانية، فكان يدعا القس. وعاش حتى بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلقيه ببعض طرق مكة، فقال له: يا محمد، إنه لم يبعث نبي إلا له آية وعلامة، فما آيتك؟ فدعى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سمرة، فأقبلت تخد الأرض خدا. فقال ورقة: أشهد لئن أمرت بالقتال، لأقاتلن معك ولأنصرنك نصرا مؤبدا. ثم مات. [فقال

_ [1] خ: ابيه. [2] ورقة، كان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء أن يكتب» . البخارى، كتاب بدء الوحى (وكذلك في الأغانى 3/ 14، أما في تفسير سورة العلق وفي كتاب تعبير الرؤيا، فروى: العربي والعربية. [3] القرآن، الفاتحة (1/ 1- 7) . [4] خ: في.

أول آية نزلت

رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت القس وعليه حلة خضراء يرفل في الجنة] . وقال الواقدي: أثبت خبره أنه خرج إلى الشام. فلما بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد أمر بالقتال بعد الهجرة، أقبل يريده. حتى إذا كان ببلاد لخم وجذام، قتلوه وأخذوا ما كان معه. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يترحم عليه. 196- قال أحمد بن يحيى: وقد روي أن الحمد مدنية. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف الفاريابي، ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: أنزلت فاتحة الكتاب [1] بالمدينة. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ منصور، عن مجاهد بمثله. وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ إِبْلِيسَ أَرِنَ حِينَ نَزَلَتْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ. قَالَ: وَأُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الأحوص: ويقال إنها مكية. [أول آية نزلت] 197- وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: سألت أبا سلمة أى القرآن أنزل قبل؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [2] . فقلت لأبى سلمة: أو اقرأ فَقَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَيُّ القرآن أنزل قبل؟، فقال: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» . فقلت: أو اقرأ؟ قَالَ جَابِرٌ: أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ، فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شمالى، فلم أر أحدا، ثم نوديت،

_ [1] القرآن، الفاتحة (1/ 1- 7) . [2] القرآن، المدثر (74/ 1) . [3] القرآن، العلق (96/ 1) .

فنظرت، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ الثَّالِثَةَ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَإِذَا هُوَ فِي الْهَوَاءِ. يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ- فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: «دَثِّرُونِي، دَثِّرُونِي» ، فَدَثَّرُونِي، وصبوا علىّ الماء، فأنزل الله «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ] » . 198- حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ [1] ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي- إِلَى قَوْلِهِ «مَا لَمْ يَعْلَمْ [2] » - فَلَمَّا فَتَرَ، حَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا حَتَّى جَعَلَ يَأْتِي رُءُوسَ الْجِبَالِ مِرَارًا، فَكُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ذِرْوَةِ جَبَلٍ، بَدَا لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَيَقُولُ: «إِنَّكَ نَبِيٌّ» ، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ. فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي يَوْمًا إِذْ رَأَيْتُ الْمَلَكَ الَّذِي كَانَ يأتى بحراء، بين السماء والأرض، فجشئت مِنْهُ رُعْبًا: فَرَجَعْتُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي. قالت خديجة: فدثرناه. فأنزل الله: «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ» . 199- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا حَجَّاجُ بْن مُحَمَّد، عَنِ ابْن جريج، عَنْ مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. قَالَ حَجَّاجٌ: ثُمَّ اخْتَلَفْنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ كُلُّهَا بِحِرَاءٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفٌ هُنَاكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَ مِنْهَا إلى قوله «ما لَمْ يَعْلَمْ» ، وَنَزَلَ بَاقِيهَا بَعْدَ مَا شَاءَ اللَّهُ. 200- حدثنا محمد بن حاتم، ثنا حفص (بن) غياث، ثنا الشيباني، قال محمد [3]- يعني سليمان بن أبي سليمان- عن عبد الله بن شداد، قال: أول سورة نزلت من القرآن/ 49/ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» ، ثم أبطأ عنه التنزيل

_ [1] خ: أبو سفيان. [2] القرآن، العلق (96/ 1- 5) . [3] أى محمد بن حاتم الراوي. يقول: المراد بالشيبانى هو سليمان بن أبى سليمان.

بعض الإبطاء، فقال كفار قريش: ودعه ربه وقلاه. فنزلت «وَالضُّحى [1] » ، إلى آخر السورة. 201- وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بحراء، بين السماء والأرض، فجشئت منه رهبا. فأتيت خديجة فقلت: «زمّلونى زملوني» ، فنزلت «يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [2] » والثبت أَنَّهُ قَالَ «دَثِّرُونِي» لِلرَّوْعِ الَّذِي دَخَلَهُ، فَنَزَلَتْ «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [3]] » وإنما نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بَعْدُ، حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ [4] . 202- وروى الواقدي، عن عيسى بن وردان، عن أبى كريب، عن أبيه، أنه وجد في كتاب ابن عباس: أول السور المكية اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، ثم ن وَالْقَلَمِ، ثم يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ثم المزمل. 203- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ فَقُلْتُ: أى القرآن أنزل أولا؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُلْتُ: وَأَيُّ أَوْلِ سُورَةٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ أَوَّلا؟ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [5] . وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عبد الله الأنصارى فقلت: أى القرآن أنزل أولا؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. فقلت له: (و) أَيُّ أَوَّلِ سُورَةٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ أَوَّلا؟ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. وَقَالَ جَابِرٌ: [حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جَاوَرْتُ فِي حِرَاءَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جواري، نزلت فاستبطنت الوادى، فنودي، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فلم أر شيئا.

_ [1] القرآن، الضحى (93/ 1- 11) . [2] القرآن، المزمل (73/ 1) . [3] القرآن، المدثر (74/ 1) . [4] القرآن، المزمل (73/ 1، 30) . [5] القرآن، العلق (96/ 1) .

فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِهِ- يَعْنِي الْمَلَكَ- بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: «دَثِّرُونِي» ، فدثرونى وصبّوا علىّ ماء، فأنزلت «يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ] » . 204- حدثني روح بن عبد المؤمن المقرى، ثنا مسلم بن إبراهيم، عن قرة بن خالد، ثنا أبو رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد- يعني مسجد البصرة- يقرئنا القرآن. وعنه أخذت هذه السورة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. وكانت أول سورة أنزلت عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 205- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الهيثم، ثنا عمرو بن عاصم، عن هشام بن [1] الكلبي، عن أبى صالح قال أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، حتى بلغ إلى «الرجعى [2] » . ثم نزلت يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [3] ، ثم ثلاث آيات من ن [4] . 206- حدثني يحيى بن معين، ثنا وكيع، ثنا سفيان، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، ثم ن وَالْقَلَمِ. 207- حدثنا محمد بن حاتم السمين، ثنا وكيع وعبد الرحمن بن مهدي، قالا ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير قال: أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. 208- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ. قَالَ: وَمَا أَقْرَأُ؟ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، إِلَى قَوْلِهِ «مَا لَمْ يَعْلَمْ» .

_ [1] خ: همام أنبأ الكلبى. [2] القرآن، العلق (96/ 1- 8) . [3] القرآن: المدثر (84/ 1) . [4] القرآن، القلم (68/ 1- 3) . والرسم المأثور هو «ن» .

الوضوء والصلاة

[الوضوء والصلاة] 209- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ [1] عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ قَالُوا: عَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء، والصلاة، واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خلق. فَأَتَى خَدِيجَةَ زَوْجَتَهُ، فَأَخْبَرَهَا بِمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ. وَعَلَّمَهَا الْوُضُوءَ، فَصَلَّتْ مَعَهُ. فَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ صَلَّى مَعَهُ. 210- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ/ 50/ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: فَحَصَ جِبْرِيلُ بِعَقَبَةِ الأَرْضِ، فَنَبَعَ مَاءٌ، فَعَلَّمَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءَ، فَمَضْمَضَ ثُمَّ اسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ نَضَحَ تَحْتَ إِزَارِهِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا، فَجَاءَ إِلَى خَدِيجَةَ فحدثها وأراها مَا أَرَاهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ صَلَّتْ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ. 211- حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن نَجِيحٍ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ: أَنَّ خَدِيجَةَ لَمَّا أَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهَا بِمَا بُدِئَ بِهِ، جَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، وَأَتَتْ وَرَقَةَ فَحَدَّثَتْهُ حَدِيثَهُ وَقَالَتْ لَهُ: مَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْقُدُّوسِ، جِبْرِيلُ نَامُوسُ اللَّهِ الأَكْبَرُ وَسَفِيرُهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ، لَئِنْ كَانَ صَاحِبُكِ رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا، إِنَّهُ لَنَبِيٌّ، لَوَدِدْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَأَكُونَ لَهُ وَزِيرًا، وَابْنَ عَمٍّ. ثُمَّ خَرَجَتْ، فحدثت عَلَى عَدَّاسٍ، غُلامِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فَقَالَتْ: يَا عَدَّاسُ أَخْبِرْنِي عَنْ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، وَمَا ذِكْرُ جِبْرِيلَ فِي هَذَا الْبَلَدِ الَّذِي أَهْلُهُ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ؟ جِبْرِيلُ نَامُوسُ اللَّهِ الأَكْبَرُ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ إِلا إِلَى نَبِيٍّ» . فَرَجَعَتْ، فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قال الرَّجُلانِ، وَبَشَّرَتْهُ بِذَلِكَ. 212- وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: قُلْتُ يَا با سَعِيدٍ، هَلْ أُرِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رؤيا النبوة؟

_ [1] خ: أبى سفيان. [2] ابن سعد، 1 (1) / 130) .

إسلام علي ع

فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَكِنَّهُ رَأَى [1] النُّورَ الَّذِي رآه، عليه السلام. [إسلام علي ع] 213- وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي أنه قال: أجمع أصحابنا أن أول المسلمين استجاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد، ثم اختلفوا في ثلاثة نفر أيهم أسلم، أولا، وهم علي وأبو بكر وزيد بن حارثة. 214- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أنس، وعن الواقدي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ أول من أسلم من الرجال زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم أسلم الناس بعده. 215- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. 216- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَوْلَى الأَنْصَارِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. 217- وَحَدَّثَنِي هشام بن عمار، ثنا محمد بن عيسى بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عن الزُّهْرِيِّ، عَنِ (ابْنِ) الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَوَّلُ النِّسَاءِ إِسْلامًا خَدِيجَةُ، وَمِنَ الرِّجَالِ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. 218- وقال الواقدي: رأى علي النبي صلى الله عليه وسلم تصلي معه خديجة، فقال: ما هذا يَا مُحَمَّدُ؟ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: يا علي هذا دين الله الذي اصطفاه واختاره، وأنا أدعوك إلى الله وحده، وأن تذر اللات والعزى فإنهما لا تنفعان ولا تضرّان] [2] . [فقال علي: ما سمعت بهذا الدين إلى اليوم،

_ [1] خ: ولكسر اى النور. [2] خ: لا ينفعان ولا يضران.

وأنا أستأمر أبي فيه.] فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يفشي ذلك قبل استعلان أمره. فقال: يا علي، إن فعلت ما قلت لك، وإلا فاكتم ما رأيت. فمضى ليلته. ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أعد علي ما قلت. فأعاده. فأسلم، ومكث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي معه على خوف من أبي طالب. وكان هو وزيد بن حارثة يلزمان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى الكعبة أول النهار ويصلي صلاة الضحى. وكانت تلك صلاة لا تنكرها قريش. وكان إذا صلى في سائر اليوم، بعد ذلك، قعد علي أو زيد يرصد له. وأن أبا طالب فقد عليا، فقالت له فاطمة بنت/ 51/ أسد، أمه: قد رأيته يلزم محمدا، وأنا أخاف أن يأتيك من قبل محمد في أمر ابنك ما لا تطيقه [1] . فقال: ما كان ابنى ليغتاب علي بأمر. واتبع أبو طالب أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأثر علي، فوجدهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر في شعب أبي دب أو غيره، وعلي ينظر له. فقال لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هذا الدين يا محمد؟ [قال: دين الله الذي بعثني به.] فدعاه إلى التوحيد وترك عبادة الأوثان. فقال أبو طالب: «أما دين آبائي، فإن نفسي غير مشايعة على تركه، وما كنت لأترك ما كان عليه عبد المطلب، ولكن انظر الذى بعثت به فأقم عليه، فو الله لا أسلمتكما ما كنت حيا حتى يتم الذي تريد.» وقال لعلي: «أما أنت يا بني، فما بك رغبة في الدخول فيما دخل فيه ابن عمك» . فاشتد ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسر بقول أبي طالب. وأتى أبو طالب منزله، فقالت له امرأته: أين ابنك؟ قال: وما تصنعين به؟ قالت: أخبرتني مولاتي أنها رأته مع محمد وهما يصليان في شعب بأجياد، أفترى ابنك صبأ؟ قال أبو طالب: اسكتي، ودعي عنك هذا، فهو والله أحق من آزر ابن عمه. ولولا أن نفسي لا تطاوعني على ترك دين عبد المطلب، لا تبعت محمدا، فإنه الحليم الأمين الطاهر. فسكنت. وبلغ قريشا، فراعهم وكبر عليهم. 219- وقال الواقدي: صلى علي عليه السلام وله إحدى عشرة سنة، وذلك الثبت

_ [1] خ: يطيقه ... ليفتات.

ويقال إنه صلى ابن عشر. ويقال ابن تسع. ويقال سبع. وقال ابن الكلبي: صلى وهو ابن إحدى عشرة سنة، وقتل وله ثلاث وستون سنة، وذلك في سنة أربعين. 220- حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ الأُبُلِّيُّ [1] ، ثنا جَرِيرُ بن حازم، عن الزبير بن الحريث، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقَامَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فأقام بها عشر سنين. 221- وحدثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَهُ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. 222- وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالا ثنا عَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. 223- وَحَدَّثَنِي شَيْبَانُ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، بِمِثْلِهِ. 224- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عن خالد بن عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ أَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سنة.

_ [1] خ: الأيلي (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر) .

دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:

225- حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عن خالد بن عَمَّارٍ، عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ. 226- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ أَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَتُوُفِّيَ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ. وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بِمِثْلِهِ. وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِهِ. 227- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عن جده، محمد بن السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن أربعين سنة/ 52/ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (سَنَةً) ، وَأَقَامَ بَاقِيَ عُمْرِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفِ سَنَةٍ. دعاء رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 228- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ [1] وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا، وَهَجَرَ الأَوْثَانَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ أَحْدَاثٌ مِنَ الرِّجَالِ وَضُعَفَاءُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى كَثُرَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ مِنْ وُجُوهِهَا غَيْرُ مُنْكِرِينَ لِمَا يَقُولُ. وَكَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: غُلامُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُكَلَّمُ مِنَ السَّمَاءِ. فَلَمْ يزالوا كذلك

_ [1] خ: الوليد بن سعد ومحمد بن صالح. [2] ابن سعد: 1 (1) / 133.

حَتَّى أَظْهَرَ عَيْبَ آلِهَتِهِمْ وَأَخْبَرَ أَنَّ آبَاءَهُمْ مَاتُوا عَلَى كُفْرٍ وَضَلالٍ وَأَنَّهُمْ فِي النَّارِ. فَشَنِفُوا لَهُ، وَأَبْغَضُوهُ وَعَادَوْهُ وَآذَوْهُ. 229- قَالا: وَحَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ جَارِيَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ أَنْ نَزَلَتِ النُّبُوَّةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ أَمَرَ بِإِظْهَارِ الدُّعَاءِ ثَلاثُ سِنِينَ. فَكَانَ دُعَاؤُهُ ثَلاثَ سِنِينَ مُسْتَخْفِيًا. قَالا: وَحَدَّثَنَا عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن الزهري، عن عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ أَعْلَنَ الدُّعَاءَ. قَالا: وَحَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَقُولُ: اسْتَخْفَيْنَا بِالإِسْلامِ سَنَةً مَا نُصَلِّي إِلا فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ، أَوْ شِعْبٍ خَالٍ، يَنْظُرُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ. 230- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ (سعد بن أبى وقاص) قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَخَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى شِعْبِ أَبِي دُبٍّ نَتَوَضَّأُ وَنُصَلِّي، وَنَحْنُ مُسْتَخْفُونَ. فَظَهَرَ عَلَيْنَا نَفَرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ كَانُوا يَرْصُدُونَنَا فَاتَّبَعُوا آثَارَنَا: أَبُو سفيان ابن حَرْبٍ، وَالأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فَعَابُوا عَلَيْنَا، وَأَنْكَرُوا فِعْلَنَا حَتَّى بَطَشُوا بِنَا. فَأَخَذْتُ لَحْيَ جَمَلٍ. فَأَضْرِبُ بِهِ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَشُجُّهُ شَجَّةً أَوْضَحَتْ. وَانْكَسَرَ الْمُشْرِكُونَ، وَقَوِيَ أَصْحَابِي. فَطَرَدْنَاهُمْ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ. فَكُنْتُ أَوَّلَ مِنْ هَرَاقَ دَمًا (فِي) الإِسْلامِ. 231- وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ [1] ، عَنْ أشياخهم قال: كان سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل يرى [2] أباه يذم دين قريش،

_ [1] لم نجد رواية سعيد في كتاب نسب قريش لمصعب. [2] راجع للأشعار ابن هشام، ص 147- 148، الأغانى: 3/ 15، كتاب مصعب الزبيري، ص 364. «الخال» ، الخيلاء. «المهجر» من سافر في الهاجرة عند شدة حر الشمس- عند ابن هشام: ليس مهجن- «قال» من نام للقيلولة. البيت الثانى، خ: إبراهيم، مصعب: إبراهيم ... البيت الثالث، خ: شاجم- والتصحيح عن مصعب وابن هشام-: وعند ابن هشام: إذ قال أنفى لك اللهم عان، وعند مصعب نفى لرب البيت عان) .

الصلوات الخمس

وأسلم حِينَ بُعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبوه قد أخرجته قريش من مكة، فكان يستقبل البيت ثم يقول: لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا، البر أرجو لا الخال، هل مهجر كمن قال؟ عذت بما عاذ به أبرهم ... مستقبل الكعبة وَهُوَ قائم يَقُول أنفي لك عان راغم ... مهما تجشمني فإني جاشم ثُمَّ يخر ساجدا [الصلوات الخمس] 232- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَزِيزَةَ بِنْتِ أَبِي تِجْرَاةَ قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ لا تُنْكِرُ غَيْرَهَا [1] . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا جَاءَ وَقْتُ الْعَصْرِ، تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ فَصَلُّوا، فُرَادَى وَمَثْنَى. فَبَيْنَا طيلب بْنُ عُمَيْرٍ وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرٍو يُصَلِّيَانِ فِي شِعْبٍ بِأَجْيَادَ الأَصْغَرِ إِذْ هَجَمَ عَلَيْهِمَا ابْنُ الأَصْدَاءِ وَابْنُ الْغَيْطَلَةِ، وَكَانَا فَاحِشَيْنِ، فَبَاطَشُوهُمَا وَرَمَوْهُمَا بِالْحِجَارَةِ سَاعَةً حَتَّى خَرَجَا فَانْصَرَفَا. 233- قال الواقدي: كانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت [2] الصلوات الخمس قبل الهجرة. وكانت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم نزل إتمامها بالمدينة للمقيم، وبقيت صلاة المسافر ركعتين ركعتين. [محمد ص ينذر عشيرته] 234- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ/ 53/ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ: لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ، وَصَدَعَ بِمَا أمره الله به،

_ [1] كذا في الأصل. راجع أواسط الفقرة 218، أعلاه. [2] كأنه إشارة إلى القرآن، طه (20/ 130) حيث ذكر الصلوات الخمس.

وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى عَدَاوَتِهِ وَخِلافِهِ، وَحَدَبَ عَلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ وَقَامَ دُونَهُ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُظْهِرًا لأَمْرِهِ لا يُعْتِبُهُمْ مِنْ شَيْءٍ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ، اشْتَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. 235- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عُمَرَ ابن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [1] ، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَضَاقَ بِهِ ذَرْعًا. فَمَكَثَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ، حَتَّى ظَنَّ عَمَّاتُهُ أَنَّهُ شَاكٍ، فَدَخَلْنَ عَلَيْهِ عَائِدَاتٍ، فَقَالَ: مَا اشْتَكَيْتُ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الأَقْرَبِينَ، فَأَرَدْتُ جَمْعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ. قُلْنَ: فَادْعُوهُمْ، وَلا تَجْعَلْ عَبْدَ الْعُزَّى فِيهِمْ- يَعْنِينَ أَبَا لَهَبٍ- فَإِنَّهُ غَيْرُ مُجِيبِكَ إِلَى مَا تَدْعُوهُ إِلَيْهِ. وَخَرَجْنَ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُنَّ يَقُلْنَ: إِنَّمَا نَحْنُ نِسَاءٌ. فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَحَضَرُوا وَمَعَهُمْ عِدَّةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَجَمِيعُهُمْ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلا. وَسَارَعَ إِلَيْهِ أَبُو لَهَبٍ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُرِيدَ أَنْ يَنْزِعَ عَمَّا يَكْرَهُونَ إِلَى مَا يُحَبِّوُنَ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: «هَؤُلاءِ عُمُومَتُكَ وَبَنُو عمك، فتكلم لما تُرِيدُ، وَدَعِ الصَّلاةَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَتْ لِقَوْمِكَ بِالْعَرَبِ قَاطِبَةً طَاقَةٌ. وَأَنَّ أَحَقَّ مَنْ أَخَذَكَ فَحَبَسَكَ أُسْرَتُكَ وَبَنُو أَبِيكَ إِنْ أَقَمْتَ عَلَى أمرك، فهو أيسر عليهم من أن يثب بِكَ بُطُونُ قُرَيْشٍ وَتَمُدُّهَا الْعَرَبُ فَمَا رَأَيْتَ، يابن أَخِي، أَحَدًا قَطُّ جَاءَ بَنِي أَبِيهِ بِشَرٍّ مِمَّا جِئْتَهُمْ بِهِ» . وَأَسْكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَمَكَثَ أَيَّامًا. وَكَبُرَ عَلَيْهِ كَلامُ أَبِي لَهَبٍ. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَأَمَرَهُ بِإِمْضَاءِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَشَجَّعَهُ عَلَيْهِ. فَجَمَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَةً، [فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ، وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ» . ثُمَّ قَالَ: «: إِنَّ الرَّائِدَ لا يَكْذِبُ أَهْلَهُ. وَاللَّهِ لَوْ كَذَبْتُ النَّاسَ جَمِيعًا، مَا كَذَبْتُكُمْ. وَلَوْ غَرَرْتُ النَّاسَ، مَا غررتكم

_ [1] القرآن، الشعراء (26/ 214) .

وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ كَافَّةً. وَاللَّهِ، لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَلَتُجْزَوُنَّ بِالإِحْسَانِ إِحْسَانًا وَبِالسُّوءِ سواء. وَإِنَّهَا لَلْجَنَّةُ أَبَدًا، وَالنَّارُ أَبَدًا. وَأَنْتُمْ لأَوَّلُ مَنْ أُنْذِرُ] » . فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: «مَا أَحَبَّ إِلَيْنَا مُعَاوَنَتَكَ وَمُرَافَدَتَكَ، وَأَقْبَلَنَا [1] لِنَصِيحَتِكَ، وَأَشَدَّ تَصْدِيقَنَا لِحَدِيثِكَ. وَهَؤُلاءِ بَنُو أَبِيكَ مُجْتَمِعُونَ. وَإِنَّمَا أَنَا أَحَدُهُمْ، غَيْرَ أَنِّي وَاللَّهِ أَسْرَعُهُمْ إِلَى مَا تحب. فامض لما أمرت به. فو الله، لا أَزَالُ أَحُوطُكَ وَأَمْنَعُكَ، غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ نَفْسِي تُطَوِّعُ لِي فِرَاقَ دِينِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَمُوتَ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ.» وَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ كَلامًا لَيِّنًا، غَيْرَ أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذِهِ وَاللَّهِ السَّوْءَةُ، خُذُوا عَلَى يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يأخذ على يده غيركم. فإن اسلمتوه حِينَئِذٍ، ذُلِلْتُمْ. وَإِنْ مَنَعْتُمُوهُ قُتِلْتُمْ.» فَقَالَ أَبُو طالب: «والله، لنمنعه مَا بَقِينَا» . 236- وروى الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بن ميسرة، عن هند بنت الحارث: أن صفية بنت عبد المطلب قالت لأبى لهب: «أى أخىّ، أحسن بك خذلان ابن أخيك وإسلامه. فو الله ما زال العلماء يخبرون أنه يخرج من ضئضئي عبد المطلب نبي. فهو هو» . فقال: هذا والله الباطل، والأماني، وكلام/ 54/ النساء في الحجال. إذا قامت بطون قريش كلها، وقامت معها العرب، فما قوتنا بهم. والله، ما نحن عندهم إلا أكلة رأس» . 237- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُنْذِرَ عَشِيرَتَهُ الأَقْرَبِينَ، جَلَسَ عَلَى الصَّفَا فَقَالَ: «يَا آلَ فِهْرٍ» . فَجَاءَهُ مَنْ سَمِعَ كَلامَهُ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي فِهْرٍ. فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَذِهِ فِهْرٌ عِنْدَكَ. فَقَالَ: «يَا آلَ غَالِبٍ» . فَرَجَعَ بَنُو مُحَارِبٍ وَالْحَارِثُ ابْنَا فِهْرٍ. فَقَالَ: «يَا آلَ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ» . فَرَجَعَ بَنُو تيم بن غالب، وهو الأدرم [2] .

_ [1] بصيغة أفضل التفضيل. [2] خ: الأزدم.

فَقَالَ: «يَا آلَ كَعْبٍ» ، فَرَجَعَ بَنُو عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. فَقَالَ: «يَا آلَ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ» ، فَرَجَعَ بَنُو عَدِيٍّ وَسَهْمٌ وَجُمَحٌ. فَقَالَ: «يَا آلَ كِلابٍ» ، فَرَجَعَتْ بَنُو مَخْزُومٍ وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. فَقَالَ: «يَا آلَ قُصَيٍّ» ، فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ. فَقَالَ: «يَا آلَ عَبْدِ مَنَافٍ» فَرَجَعَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَبَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى. فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَذِهِ عَبْدُ مَنَافٍ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَدْعُوكُمْ إِلَى أَنْ تَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، وَأَنِّي عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ» . فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: «أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا؟ تَبًّا لَكَ» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، [1] » السُّورَةَ. 238- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [2] عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نزلت «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» [3] ، صعد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَنَادَى: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ» . فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مُحَمَّدٌ عَلَى الصَّفَا يَهْتِفُ. فَأَقْبَلُوا وَاجْتَمَعُوا، فَقَالُوا: مَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا أَسْفَحَ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟» قَالُوا: «نَعَمْ، أَنْتَ عِنْدَنَا غَيْرُ متهم، وما جرينا عَلَيْكَ كَذِبًا قَطُّ» . قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ [4] . يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي زُهْرَةَ، - حَتَّى عَدَّ الأَفْخَاذَ من قريش- إنّ الله أمرنى أن أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَأَنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَنْفَعَةً، وَلا مِنَ الآخِرَةِ نَصِيبًا إِلا أَنْ تَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» . قَال أَبُو لَهَبٍ: «تَبًّا لَكَ، سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [5] » .

_ [1] القرآن، المسد (111/ 1- 5) [2] ابن سعد، 1 (1) / 133. [3] القرآن، الشعراء (26/ 214) . [4] القرآن، سبأ (34/ 46) . [5] القرآن، المسد (111/ 1) .

239- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا، فَقَالَ: يَا صَبَاحَاهُ. فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ، أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: وَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» إِلَى آخِرِهَا. 240- وقد روي أن أبا طالب لما مات، اجتمع بنات عبد المطلب إلى أبي لهب، فقلن له: محمد ابن أخيك، فلو عضدته ومنعته، كنت أولى [1] الناس بذلك. فلقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عازم على معاضدته. فسأله عن عبد المطلب وغيره من آبائه، فقال: إنهم كانوا على غير هدى ولا دين. فقال: تبا لك. فنزلت: «تَبَّتْ يَدا [2] «أَبِي لَهَبٍ» . 241- وروى أن أفلح بن النصر السلمي كان سادن العزى. فدخل عليه أبو لهب يعوده وقد احتضر. فقال له: يا با عتبة [3] ، أظن العزى ستضيع بعدي. فقال أبو لهب: كلا، أنا أقوم عليها، فإن يظهر محمد ولن يظهر [4] ، فهو ابن أخي، وإن تظهر العزّى، فهى [5] الظاهرة، ليت قد اتخذت عندها يدا. فنزلت: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» . وقال الكلبي: اسم سادن العزى: دبية بن حرمي السلمي. 242- وروي أن أبا لهب قال: يعدنا محمد عدان [6] بعد الموت، ليس في أيدينا منها شيء فنزلت: «تَبَّتْ/ 55/ يَدا أَبِي لَهَبٍ» .

_ [1] خ: أوط. [2] خ: يدي. [3] خ: يا عتبة. [4] خ: تظهر. [5] خ: وهي. [6] العدان حافة النهر. كأنه أشار إلى جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار.

تفسير آية تبت يدا أبي لهب

243- قالوا: ولما دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا، فرد عليه أبو لهب قوله وأباه، لقى هند بنت عتبة بن ربيعة، فقال لها: «لقد باينت محمدا، يا بنة عتبة، وأبيت ما جاء به، ونصرت اللات والعزى، وغضبت لهما» . فقالت: جزيت خيرا يا با عتبة. [تفسير آية تبت يدا أبي لهب] 244- وقال بعض المفسرين: «تبت» ، خسرت. والعرب تقول: تبت، ضعفت. والبعير التاب، الضعيف. وقالوا في قوله «وَما كَسَبَ [1] » ، يعني ولده. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ تَحْمِلُ أَغْصَانَ الْعُضَاةِ وَالشَّوْكِ، فَتَطْرَحُهَا عَلَى طَرِيقِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى عن أبى ورق الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: «حَمَّالَةُ» [2] ، النَّمِيمَةِ، تَحْطِبُ بذلك على ظهرها، والممسود، المفتول الموّثق، و «الجيد» [3] ، الْعُنُقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ، حَبْلٌ مِنْ «مَسَدٍ» [4] ، مِنْ لِيفٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنِّي أَنَّ فِي جِيدِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ، أَيْ مِنْ سَلاسِلِ جَهَنَّمَ، و «الجيد» الْعُنُقُ. 245- قَالُوا: وَلَمَّا نَزَلَتْ «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» ، وَذَكَرَ اللَّهُ امْرَأَتَهُ أُمَّ جَمِيلٍ، قَالَتْ: قَدْ هَجَانِي مُحَمَّدٌ، وَاللَّهِ لأَهْجُوَنَّهُ. فَقَالَتْ: مُحَمَّدًا قَلَيْنَا ... وَدِينَهُ أَبَيْنَا وَأَخَذَتْ فِهْرًا لِتَضْرِبَهُ بِهِ وَهَمَّتْ [5] . فَأَعْشَى اللَّهُ عَيْنَهَا، وَرَدَّهَا بِغَيْظِهَا. فَعَزَمَتْ عَلَى ابْنَيْهَا أَنْ يُطَلِّقَا [6] ابْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ففعلا. وكانت

_ [1] القرآن، المسد (111/ 2) . [2] القرآن، المسد (111/ 4) . [3] أيضا (111/ 5) . [4] أيضا (111/ 5) . [5] خ: فهرا لنصرته به زعمت. [6] خ: يطلقها.

عداوة قريش للرسول

رُقَيَّةُ عِنْدَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ عِنْدَ مُعَتِّبِ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَيُقَالُ: عُتَيْبَةُ. 246- وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عباس قال: خسرت يدا أبى لهب. وامرأته حمالة الحطب: النَّمِيمَةَ. مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ: وَلَدَهُ. قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَتْ «تَبَّتْ» ، جَاءَتْ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ. فَلَمَّا وَقَعَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ اللَّهُ عَلَى بَصَرِهَا، وَرَأَتْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَكَرِهَتْ عُمَرَ، وَأَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعِينَ بِهِ؟ قَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّهُ هَجَانِي، وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَضَرَبْتُ بِهَذَا الْفِهْرِ فَمَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: ويحك، إنه ليس بشاعر [1] فقالت: إنى لأرجو أن أكلمك يابن الْخَطَّابِ. ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: إِي، وَالثَّوَاقِبِ، إِنَّهُ لَشَاعِرٌ، وَإِنِّي لَشَاعِرَةٌ. 247- قال الواقدي: وأما قوله «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [2] » ، فيقال ودعة كانت في رقبتها. وقال: حدثني بذلك معمر، عن قتادة قال: ويقال: سلسلة من نار. [عداوة قريش للرسول] 248- قالوا: ولما أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته، جعل أبو بكر يدعو ناحية سرا. وَكَانَ سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل على مثل ذلك. وكان عثمان على مثل ذلك. وكان عمر يدعو علانية. وكان حمزة بن عبد المطلب كذلك. وكان أبو عبيدة يدعو، حتى فشا الإسلام بمكة. وأظهر كفار قريش البغي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحسد له. وكان الذين يبدون صفحتهم في عداوته وأذاه، ويشخصون به، ويخاصمون ويجادلون

_ [1] خ: بشعار. [2] خ: القرآن، المسد (111/ 5) .

ويردون من أراد الإسلام عنه: أبا [1] جهل بن هشام، وأبا لهب، والأسود بْن عَبْد يغوث بْن وهب بْن عَبْد مناف بن زهرة- وهو ابن خال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، - والحارث بن قيس بن عدي السهمي (الذي كَانَ كلما رأى حجرا أحسن من الَّذِي عنده أخذه وألقى مَا عنده، وفيه نزلت: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [2] » ، وهو ابن الغيطلة) ، والوليد بن المغيرة، وأمية وأبي ابني [3] خلف الجمحيين، وأبا قيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث العبدري، ومنبه ونبيه ابني الحجاج السهميين، وزهير بن أبي أمية المخزومي، والسائب بن أبي السائب/ 56/ واسمه صيفي- بن عابد [4] بن عمر بن مخزوم، والأسود بن عبد الأسد المخزومي، والعاص بن سعيد ابن العاص، وعدي بن الحمراء الخزاعي، وأبا البختري الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ (بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى، وعقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عَمْرو بْن أمية، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وابن الأصدى [5] الهذلي [6] (وهو الذي نطحته الأروي) ، والحكم بن أبي العاص بن أمية. وذلك أن هؤلاء كانوا جيرانه. وكان الذين ينتهى عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم: أبو جهل [7] ، وأبو لهب، وعقبة. وكان أبو سفيان بن حرب، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ذوي عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لم يكونوا يفعلون كما فعل هؤلاء، وكانوا كجهلة قريش.

_ [1] كذا ههنا «كان الذين ... أبا جهل وأبا لهب ... وأبا قيس ... وأبا البختري» . ولكن راجح أيضا هذا الفصل فيما يلى. [2] القرآن، الجاثية (45/ 23) . [3] خ: أبى بن. (وجب أن قال: «أمية وأبيا ابنى خلف ... منبها ونبيها ابنى الحجاج» ، ليوافق مع «أبا جهل وأبا لهب» . [4] خ: عايذ. [5] كذا ههنا بالألف المقصورة وهي رواية في ابن الأصداء. [6] القرآن، الجاثية (45/ 23) . [7] كذا ههنا «كان الذين ... أبو جهل وأبو لهب» ، خلاف استعماله الذى مضى آنفا.

أمر أبى جهل

أمر أبي جهل 249- قالوا: أبو جهل عمرو بن هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر [1] بْن مخزوم. كناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل، لأنه كان يكنى قبل ذلك «أبا الحكم» . 250-[وروى عَن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: من قال لأبى جهل «أبا [2] الحكم» ، فقد أخطأ خطيئة يستغفر الله منها. وروي عنه أنه قال: لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل] . 251- وكان أبو جهل في نفر من قريش، فيهم عقبة بن أبي معيط، وكان أسفه قريش، بالحجر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فأطال السجود. فقال أبو جهل: أيكم يأتى جزورا لبني فلان قد نحرت اليوم بأسفل مكة، فيجيء بفرثها فيلقيه على محمد؟ فانطلق عقبة بن أبي معيط، فأتى بفرثها، فألقاه على ما بين كتفيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد. فجاءت فاطمة عليها الصلاة والسلام، فأماطت ذلك عنه، ثم استقبلتهم تشتمهم. فلم يرجعوا إليها شيئا. ودعا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رفع، فقال: [اللهم عليك بقريش، عليك بعقبة بن أبي معيط، وبأبي جهل، وبشيبة، وعتبة، وأمية بن خلف ثم.] قال لأبي جهل: [والله لتنتهين أو لينزلن الله عليك قارعة.] وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيه أبو البختري فأنكر وجهه، فسأله عن خبره. فأخبره به. وكان معه سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به. فتثاور بنو مخزوم وبنو أسد بن عبد العزى. فقال أبو جهل: ويلكم، إنما يريد محمد أن يلقي بينكم العداوة. 252- وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعقبة: يابن أبان- وكان اسم أبي معيط «أبان» - أما أنت بمقصر عما نرى؟ فقال: لا، حتى تدع ما أنت

_ [1] خ: عمر بن عمر بن مخزوم. [2] خ: أبو الحكم.

عليه. فقال: [والله، لتنتهين أو لتحلن بك قارعة] . 253- وقال أبو جهل: والله، لئن رأيت محمدا يصلي، لأطأن رقبته. فبلغه أنه يصلي. فأقبل مسرعا، فقال: ألم أنهك، يا محمد، عن الصلاة؟ فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أتنتهرنى وتهدّدنى وأنا أعز أهل البطحاء؟ فسمعه العباس بن عبد المطلب، فغضب وقال، كذبت. فنزلت [1] : «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى» - يعني أبا جهل- «أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى» - يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم. وقوله «ناديه» يقول عشيرته ومن يجالسه. ونهى عن طاعته. فكان ابن عباس يقول: والله، لو دعا لأجابه ربنا بالعذاب. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نزل اثنا [2] عشر ملكا من الزبانية، رءوسهم في السماء وأرجلهم في الارض. ولو فعل، أخذوه عيانا] . 254- وذكروا: أن أبا جهل قال: يا محمد، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات، فأنت أكرم على الله، فلست بأهون على الله من عيسى فيما تزعم، فقد كان عيسى يفعل ذلك [3] . [فقال: لم يقدرني الله على ذلك.] قال: تسخر لنا الريح تحملنا إلى الشام في يوم وتردنا في يوم، فإن طول السفر يجهدنا، فلست بأهون على الله من سليمان، فقد كان يأمر الريح فتغدو به مسيرة شهر وتروح به مسيرة شهر [4] . [فقال: لا أستطيع ذلك.] فقال أبو جهل/ 57/ فإن كنت غير فاعل شيئا مما سألتك، فلا تذكر آلهتنا بسوء. فقال عبد الله بن أمية: فأرنا كرامتك على ربك فليكن لك بيت من زخرف وجنة من نخيل وعنب تجري فيها الأنهار، وفجر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا المتح [5] عليها، وإلا فأسقط علينا كسفا. [فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الذي خلقني.] قال: فارق إلى السماء فأت بكتاب نقرؤه، ونحن ننظر

_ [1] القرآن، العلق (96/ 9- 18) . [2] خ: اثنى. [3] راجع القرآن، آل عمران (3/ 49) . [4] راجع القرآن، سبأ (34/ 12) . [5] المتح: الاستقاء.

مجادلة قريش للرسول ص في دعوته

إليك. فأنزلت فيه الآيات [1] . [مجادلة قريش للرسول ص في دعوته] 255- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عمر بن صالح مولى التوأمية [2] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ [3] » ، يَعْنِي دُرْدِيَّ الزَّيْتِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَنَا أَدْعُو لَكُمْ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، بِالزَّقُّومِ. فَدَعَا بِزُبْدٍ وَتَمْرٍ، وَقَالَ: «تَزَقَّمُوا مِنْ هَذَا، فَإِنَّا لا نَعْلَمُ زَقُّومًا غَيْرَهُ» . فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَهَا، فَقَالَ: «إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [4] .» فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: شَجَرَةٌ تَنْبُتُ فِي النَّارِ؟ فَكَانَتْ فتنة لهم، وجعل المستهزئون يضحكون. قال: و «الشوب [5] » مَا شِيبَ بِهِ الشَّيْءُ وَخُلِطَ. وَقَوْلُهُ «الْهِيمِ [6] » ، الإِبِلُ الْعِطَاشُ. قال الواقدي: وقد قيل في «الهيم» إنها الأرضون ذوات الرمل التي لا تروى. و «رءوس» الشياطين، نبت خارج الحرم، يسمى رءوس الشياطين. وروي أيضا أنه لما نزلت: «ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [7] » ، قال أبو جهل: «ايتونا بزبد وتمر.» ثم قال: «تزقموا، فإن هذا الزقوم» . فنزلت: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ» - يعنى أبا جهل- «كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [8] » . ونزلت: «إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [9] » . قال: و «التوءمة» ، ابنة أمية ابن خلف الجمحي، ولدت وأخت لها في بطن، فسميت تلك باسم، وسميت هذه «التوءمة» .

_ [1] القرآن، الإسراء (17/ 90- 93) . [2] ص: التومئية. وراجع أيضا في آخر هذا الفصل. [3] القرآن، الدخان (44/ 43- 45) . والرسم المأثور هو «إن شجرت الزقوم» . [4] القرآن، الصافات (37/ 62- 67) . [5] القرآن، الصافات (37/ 67) . [6] القرآن، الواقعة (56/ 55) . كأنه خلط على المؤلف فجمع بين «الشوب» و «الهيم» للتفسير وهما وردا في سورتين مختلفتين. [7] القرآن، الواقعة (56/ 51- 52) . [8] القرآن، الدخان (44/ 43- 44) . والرسم المأثور هو «إن شجرت الزقوم» . [9] القرآن، الصافات (37/ 64) .

أمر أبي جهل

256- وروي عن عطاء بن يسار في قوله «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى [1] » الآية، أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. ونزل قوله: «وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى [2] » في أبى جهل. قال: و «الحسنى» الجنة. ويقال: الخلف. [أمر أبي جهل] 257- قال الواقدي في إسناده: إن رجلا من هذيل، يقال له عمرو، قدم بغنم له فباعها. ورآه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالحق ودعاه إليه. فقام إليه أبو جهل، وكان خفيفا حديد الوجه والنظر، به حول، فقال له: انظر ما دعاك إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه أو تسمع منه شيئا، فإنه قد سفه أحلامنا، وزعم أن من مات منا كافرا، يدخل النار بعد الموت، وما أعجب ما يأتي به. فقال الهذلي: أما تخرجونه من [3] أرضكم؟ قال أبو جهل: لئن خرج من بين أظهرنا فسمع كلامه وحلاوة لسانه [4] قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن [5] أن يكر علينا بهم. قال الهذلي: فأين أسرته عنه؟ قال أبو جهل: إنما امتنع بأسرته. ثم إن الهذلي أسلم يوم الفتح. 258- وقالوا [6] : قدم رجل من أراش، بإبل له، مكة. فباعها من أبي جهل. فمطله بأثمانها. فوقف الرجل على نادي قريش، فقال: إني رجل غريب، ابن سبيل، وإن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه وحبسني حتى شق علي، فمن رجل يقوم معي فيأخذ لي بحقي منه؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا، وهم يستهزئون: أترى الرجل الجالس؟ انطلق إليه، يأخذ لك بحقك. فأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا محمد، إني رجل غريب. واقتص عليه قصته. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى ضرب باب أبي جهل. فقال أبو جهل: من هذا؟ قال رسول

_ [1] القرآن، الليل (92/ 5- 6) . [2] أيضا (92/ 8- 9) . [3] خ: يخرجونه عن. [4] خ: أسنانه. [5] خ: يا من. [6] ابن هشام، ص 257- 258.

الله صلى الله عليه وسلم: محمد بن عبد الله، فاخرج إلى. ففتح الباب وخرج. فقال له: أخرج إلى الرجل من حقه. قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم/ 58/ لن أبرح أو تعطيه حقه. فدخل البيت، فخرج إليه بحقه وأعطاه إياه. فانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم، وانصرف الرجل إلى مجلس قريش فقال: جزى الله محمدا خيرا، فقد أخذ لي بحقي بأيسر الأمر. ثم انصرف. وجاء أبو جهل، فقالوا له: ماذا صنعت؟ فو اللَّه ما بعثنا الرجل إلى محمد إلا هازئين. فقال: دعوني، فو اللَّه ما هو إلا أن ضرب بأبي حتى ذهب فؤادي، فخرجت إليه وإن على رأسي لفحلا، ما رأيت مثل هامته وأنيابه قط فاتحا فاه، واللَّه لو أبيت لأكلني، فأعطيت الرجل حقه. فقال القوم: ما هو إلا بعض سحره. 259- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَكَمِ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو جَهْلٍ فِي عِدَّةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَقْرَأُ يس [1] ، وَجَعَلَ يَنْثُرُ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ لا يَرَوْنَهُ. فلما انصرف، أقبلوا ينفضون التراب عن رءوسهم وَيَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ: سِحْرٌ مِنْ سِحْرِ مُحَمَّدٍ. 260- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بن ثعلبة ابن صُعَيْرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: «اللَّهُمَّ أَقْطَعَنَا للرحم، وأتانا [3] بما لا تعرف [4] ، فَأَحِنُهُ الْغَدَاةَ» . يَقُولُ هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ. فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [5] » . واستفتاحه هو قوله هذا.

_ [1] القرآن، يس (36/ 1- إلخ) . [2] ابن هشام، ص 477- 478. [3] خ: أبانا. [4] عند ابن هشام، ص 478: لا يعرف. [5] القرآن، الأنفال (8/ 19) .

أمر أبى لهب بن عبد المطلب

261- قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وعمر، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مَادَّةٌ أَوْ جَلَبٌ وَأَنْتُمْ تَظْلِمُونَ مَنْ دخل إليكم؟ وجعل يقف على الحلق، حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: من ظَلَمَكَ؟ قَالَ: أَبُو الْحَكَمِ، طَلَبَ مِنِّي ثَلاثَةَ أَجْمَالٍ، هِيَ خِيَارُ إِبِلِي، فَلَمْ أَبِعْهُ إِيَّاهَا بِالْوَكْسِ، فَلَيْسَ يَبْتَاعُهَا أَحَدٌ مِنِّي اتِّبَاعًا لِمَرْضَاتِهِ، فَقَدْ أَكْسَدَ سِلْعَتِي وَظَلَمِني. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَيْنَ أَجْمَالُكَ؟ قَالَ: هِيَ هَذِهِ بِالْحَزْوَرَةِ. فَابْتَاعَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ. فَبَاعَ جَمَلَيْنِ مِنْهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي الْتَمَسَهُ، وَبَاعَ الْبَعِيرَ الثَّالِثَ وَأَعْطَى ثَمَنَهُ أَرَامِلَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبُو جَهْلٍ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ السُّوقِ، لا يَتَكَلَّمُ. ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو، إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ لِمِثْلِ مَا صَنَعْتَ بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ، فَتَرَى مِنِّي مَا تَكْرَهُ. فَجَعَلَ يَقُولُ: لا أَعُودُ، يَا مُحَمَّدُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقْبَلَ عَلَيْهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالُوا: لَقَدْ ذُلِّلْتَ فِي يَدِ مُحَمَّدٍ، حَتَّى كَأَنَّكَ تُرِيدُ اتِّبَاعَهُ. فَقَالَ: لا أَتَّبِعُهُ، واللَّه، أَبَدًا، إِنَّمَا كَأَنَّ انكسارى عَنْهُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ سِحْرِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ رِجَالا مَعَهُمْ رِمَاحٌ يَشْرَعُونَهَا إِلَيَّ، لَوْ خَالَفْتُهُ لَكَانَتْ إِيَّاهَا. فَقَالُوا: هَذَا سِحْرٌ مِنْهُ. قَالَ: هُوَ ذَاكَ. 262- وَقُتِلَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَبَعْضُ بَنِي عَفْرَاءَ ضَرَبَاهُ. وَدَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ. أمر أبي لهب بن عبد المطلب 263- قالوا: كان أبو لهب أحد من يؤذي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم. ووقع بينه وبين أبي طالب كلام، فصرعه أبو لهب وقعد على صدره وجعل يضرب وجهه. فلما رآه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يتمالك أن أخذ بضبعي أبي لهب، فضرب به الأرض. وقعد أبو طالب على صدره، فجعل يضرب

أمر الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب:

وجهه. فقال أبو لهب للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: هو عمك وأنا عمك، فلم فعلت هذا في؟ واللَّه لا يحبك قلبي أبدا. 264- قالوا: وكان أبو لهب يطرح القذر والنتن على باب النبي صلى اللَّه عليه وسلم. فرآه حمزة بن عبد المطلب رحمه اللَّه/ 59/ وقد طرح من ذلك شيئا. فأخذه وطرحه على رأسه. فجعل أبو لهب ينفض رأسه ويقول: صابىّ أحمق. فأقصر عما كان يفعل، ولكنه كان يدس من يفعله. 265- وَرَوَى ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: كنت بَيْنَ شَرِّ جَارَيْنِ: بَيْنَ أَبِي لَهَبٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، إِنَّ كَانَا لَيَأْتِيَانِ بِالْفَرُوثِ فَيَطْرَحُونَهَا فِي بَابِي. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَيُّ جِوَارٍ هَذَا؟ ثُمَّ يُمِيطُهُ عَنْ بَابِهِ] . 266- قالوا: وبعث أبو لهب ابنه عتبة بن أبي لهب بشيء يؤذي بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمعه يقرأ: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى [1] » . فقال: أنا أكفر برب النجم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: سلط اللَّه عليك كلبا من كلابه [2] . فخرج في تجارة، فجاء الأسد وهو وأصحابه نيام، بحوران. فجعل يهمس ويشم حتى انتهى إليه، فضمغه ضمغة أتت عليه. فجعل يَقُول، وَهُوَ بآخر رمق: ألم أقل لكم إِن محمدًا أصدق النَّاس؟ ثُمَّ مَاتَ. 267- ومات أبو لهب، واسمه عبد العزى، بداء يعرف بالعدسة. وكان موته بمكة بعد وقعة بدر بسبعة أيام، فبلغه خبرها ولم يشهدها. أمر الأسود بْن عَبْد يغوث بْن وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب: 268- وكان الأسود بن عبد يغوث من المستهزئين الذين قال اللَّه عز وجل: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [3] » . وكان إذا رأي المسلمين، قال لأصحابه: «قد

_ [1] القرآن، النجم (53/ 1) . [2] خ: كلابك. [3] القرآن، الحجر (15/ 95) .

أمر الحارث بن قيس السهمي

جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى وقيصر. ويقول للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: أما كلمت اليوم من السماء، يا محمد؟ وما أشبه هذا القول. فخرج من عند أهله، فأصابته السموم، فاسود وجهه حتى صار حبشيا. فأتى أهله، فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب. فرجع متلددا حتى مات عطشا. 269- ويقال: إن جبريل عليه السلام أومأ إلى رأسه، فضربته الأكلة، فامتحض رأسه قيحا. ويقال: أومأ إلى بطنه، فسقي بطنه ومات حبنا. ويقال: إنه عطش، فشرب الماء حتى انشق بطنه بمكة. وقال الواقدي: مات حين هاجر [1] النبي صلى اللَّه عليه وسلم. ودفن بالحجون. 270- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ [2] ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمَدِينِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِعُنُقِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَحَنَا ظَهْرَهُ حَتَّى احْقَوْقَفَ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَالِي، خَالِي. فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ دَعْهُ.] أمر الحارث بن قيس السهمي 271- كان الحارث بْن قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم بن عمرو أحد المستهزئين المؤذين لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وهو ابن الغيطلة. وهي من ولد شنوق بْن مرة بْن عَبْدِ مناف بن كنانة. والغيطلة أم أولاد قيس بن عدي، نسبوا إليها. وهو الذي نزلت فيه: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [3] » . وكان يأخذ حجرا، فإذا رأى أحسن منه تركه وأخذ الأحسن. وكان يقول: لقد غر محمد نفسه وأصحابه أن وعدهم أن يحيوا بعد الموت، واللَّه ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث. أكل حوتا مملوحا، فلم يزل يشرب عليه الماء حتى مات. ويقال: إنه أصابته الذبحة. وقال بعضهم: امتحض رأسه قيحا.

_ [1] خ: عاجز. [2] خ: الأعبر. [3] القرآن، الجاثية (45/ 23) .

أمر الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة، وأبى أحيحة سعيد بن العاص بن أمية.

أمر الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم بن يقظة، وأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية. 272-/ 60/ قالوا: كان الوليد يكنى أبا عبد شمس، وهو العدل، وهو الوحيد. وإنما سمي العدل لأنه يقال إنه يعدل قريشا كلها. ويقال: إن قريشا كانت تكسو الكعبة، فيكسوها مثل ما تكسوها كلها. 273- وكان جمع قريشا في دار الندوة، ثم قال لهم: يا قوم، إن العرب يأتونكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد، فتختلفون: يقول هذا: «ساحر» ، ويقول هذا: «شاعر» ، ويقول هذا: «مجنون» ، ويقول هذا: «كاهن» ، والناس يعلمون أن هذه الأشياء لا تجتمع. فقالوا: نسميه شاعرا؟ قال الوليد: قد سمعتم الشعر وسمعناه، فما يشبه ما يجيء شيئا من ذلك. قالوا: فكاهن؟ قال: صاحب الكهانة يصدق ويكذب، وما رأينا محمدا كذب قط. قالوا: فمجنون؟ قال: المجنون يخنق، ومحمد لا يخنق. ثم مضى الوليد إلى بيته. فقالوا: صبأ. فقال: ما صبأت، ولكني فكرت فقلت: أولى ما سمي به ساحر لأن الساحر يفرق بين المرأة وزوجها، والأخ وأخته. فنادوا بمكة: إن محمدا ساحر. فنزلت فيه: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً» إلى قوله «تِسْعَةَ عَشَرَ [1] » . فقال أبو الأسدين، واسمه كلدة بن أسيد بن خلف الجمحي: أنا أكفيكم خمسة على ظهري، وأربعة بيدي، فاكفوا [2] بقيته. فأنزلت. «وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [3] » . 274- وقال الوليد: لئن لم ينته محمد عن سب آلهتنا، لنسبن إلهه. فقال أبو جهل: نعم ما قلت. ووافقهما الأسود بن عبد يغوث، وهو ابن خال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنزلت: «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [4] » .

_ [1] القرآن، المدثر (74/ 11- 30) . [2] خ: فاكفوك. (لعله: فاكفوني) . [3] القرآن، المدثر (74/ 31) . [4] القرآن، الأنعام (6/ 108) .

275- قالوا: واعترض الوليد بن المغيرة [1] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ومع الوليد عدة من قريش. منهم الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، والعاص ابن وائل السهمي، وأمية بن خلف. فقالوا: «يا محمد، هلم، فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر. فإن كان ما تعبد خيرا، كنا قد أخذنا بحظنا. وإن كان ما نعبد خيرا، كنت قد أخذت بحظك.» فأنزل اللَّه عز وجل سورة قل يا أيها الكافرون [2] . يقول: قل لهم، لا أعبد الآن ما تعبدون، ولا أنتم الآن عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ أبدا ما عبدتم، ولا أنتم عابدون أبدا ما أعبد، لكم كفركم، ولى إيماني. 276- وقال الوليد لأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، وكان نديمه: لولا أنزل هذا القرآن الذي يأتي به محمد على رجل من أهل مكة أو من أهل الطائف، أو مثل أمية بن خلف. فقال أبو أحيحة: أو مثلك، يا أبا عبد شمس، أو على رجل من ثقيف [3] مثل مسعود بن عمرو أو كنانة بن عبد يا ليل، أو مسعود ابن معتب وابنه عروة بن مسعود. فأنزل اللَّه عز وجل: «وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟ [4] » . 277- وقال الواقدي: مات الوليد بعد الهجرة بثلاثة أشهر أو نحوها، وهو ابن خمس وتسعين سنة. ودفن بالحجون. وكان الوليد أحد المستهزئين. فمر برجل، يقال له حراث بن عامر، من خزاعة وهو الثبت- وبعضهم يقول: حراب- ويكنى أبا قصاف، وهو يريش نبلا له ويصلحها. فوطئ على سهم منها، فخدش أخمص رجله خدشا يسيرا. ويقال: علق بإزاره، فخدش ساقه خدشا خفيفا. فأهوى إليه جبريل عليه السلام فانتقض الخدش. وضربته الأكلة في رجله أو ساقه، فمات. وأوصى بنيه فقال: اطلبوا خزاعة بالسهم الذى

_ [1] خ: المغيرة ورسول اللَّه. [2] القرآن، الكافرون (109/ 1- 6) . [3] خ: ثقيفة. [4] القرآن، الزخرف (43/ 31- 32) .

أصابني. وأعطت خزاعة ولده العقل. وقال: فانظروا عقري عند أبي أزيهر الدوسي من الأزد، ولا يفوتنكم. فعدا [1] هشام/ 61/ بن الوليد على أبي أزيهر بعد بدر، فقتله. وهو أبو أزيهر بن أنيس بن الحيسق، من ولد سعد بن كعب بن الغطريف. وكان أبو أزيهر حليفا لأبي سفيان بن حرب بن أمية. فزوج ابنته من عتبة بن ربيعة. وتزوج الوليد بن المغيرة ابنة له أخرى. فأمسكها أبو أزيهر ولم يهدها إليه. وزوج عاتكة ابنته أبا سفيان، فولدت له محمد ابن أبي سفيان، وعنبسة بن أبي سفيان. وكان قتل [2] هشام أبا أزيهر بذي المجاز. فخرج يزيد بن أبي سفيان، فجمع جمعا من بني عبد شمس وغيرهم من بني عبد مناف، وتسلح وأراد قتال بني مخزوم. وبلغ أبا سفيان، وكان حليما يحب قومه، فخاف أن يكون بين قريش نائرة حرب بسبب أبي أزيهر. فأتى يزيد، فأخذ الرمح من يده، وقال: قبحك الله، أتريد أن تضرب بعض قريش ببعض وقد ترى ما هي فيه من محمد؟ فقال: أخفرت صهرك وحليفك وأنت راض بذلك؟ فقال: من لم يصبر على صغير المكروه، فقد تعرض للكبيرة. وأطفأ أبو سفيان ذلك الأمر. فقال حسان يحرض على الطلب بدم أبي أزيهر، ويعير أبا سفيان [3] : غدا أهل ضوجي ذي المجار كليهما ... وجار ابن حرب بالمغمس ما يغدو وقد يمنع العير الضروط ذماره ... وما منعت مخزاة والدها هند كساك هشام بن الوليد خزاية ... فأبل وأخلق مثلها جددا بعد فقال أبو سفيان: إنما ذهب حسان ليغري بيننا فيشتفي هو وأصحابه بذلك. وحمل ديته. وقال جعدة بن عبد الله بن عبد العزّى:

_ [1] خ: فغدا (بالغين المعجمة) . [2] خ: قبل. [3] ديوان حسان، ق 195، ب 1، 5، 2، ابن هشام، ص 275، مصعب، ص 323، المنمق، ص 156- 157 (في الديوان في الأول «حضنى» بدل «ضوجى» ، و «بسحرة» بدل «كليهما» .، وفي لأصل كان «كلاهما» والتصحيح عن ابن هشام. وفي الديوان كذلك «بالمحصب» بدل «بالمغمس» . وفي الثانى في الديوان «فما منع» بدل «وقد يمنع» ، وعند ابن هشام «ولم يمنع» . وفي الثالث في الديوان «ثيابه» بدل «خزاية» ، و «أخلف» بدل «وأخلق» . وفي الأصل «بعدوا» بدل «بعد» .

لا أرى في الأنام مثل هشام ... أبدا من مسوّد ومسود يوم (أ) لقى أبا أزيهر غضبا ... لم يكن عند ذاك بالمحدود ثم ولى بذي المجاز كريما ... غير ما طائش ولا رعديد وكان سعد بن صفيح بن الحارث الدوسي، وهو خال أبى هريرة عمير ابن عامر بن عبد الله بن ذي الشركي، لا يأخذ أحدا من قريش إلا قتله بأبي أزيهر. فممن قتل بجير بن العوام بن خويلد، ولقيه باليمامة، وبجاد بن السائب بْن عويمر بْن عائذ بْن عمران بن مخزوم. وكان ضرار بن الخطاب ابن مرداس الفهري بالسراة، وهي فوق الطائف وهي بلاد دوس والأزد، فوثبت دوس عليه ليقتلوه بأبي أزيهر، فسعى حتى دخل بيت امرأة من الأزد، يقال لها أم جميل، واتبعه رجل منهم ليضربه. فوقع ذباب السيف على الباب، وقامت في وجوههم فذبتهم ونادت قومها. فمنعوه لها. فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ظنت أنه أخوه. فأتت المدينة. فلما كلمته، عرف القصة، فقال: لست بأخيه إلا في الإسلام وهو غاز بالشام، وقد عرفنا منتك عليه. فأعطاها على أنها ابنة سبيل. وقال الواقدي: اسمها أم غيلان، وذلك أثبت. والذي زعم أنها «أم جميل» ، أبو عبيدة معمر بن المثنى. وقال ضرار بن الخطاب [1] : جزى الله عنا أم غيلان صالحا ... ونسوتها إذ هن شعث عواطل فهن دفعن الموت بعد اقترابه ... وقد برزت للثائرين المقاتل دعت دعوة دوسا فسالت شعابها ... بعزف لما بيد منهم تخاذل وجردت سيفي ثم قمت بنصله ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل وقيل إن أم غيلان هذه كانت مولاة للأزد ماشطة. 278- وقال ابن الكلبي/ 62/ ولد أبو أزيهر أبا جنادة. فولد أبو جنادة:

_ [1] المنمق، ص 159. وعنده الشطر الثانى من البيت الثالث: «برجل وآردتها الشرذم القوابل» ، ثم زاد بيتا: وعمر جزاه الله خيرا فما ربى (؟) ... وما رست (؟) منه لدى المفاضل وفي الرابع «فجردت» بدل «وجردت» .

وأما أمية وأبى ابنا خلف:

شميلة. تزوجها مجاشع بن مسعود السلمي، فقتل عنها يوم الجمل. ويقال: طلقها، فتزوجها عبد الله بن عباس. وإياهما [1] عناه ابن فسوة في قوله: أتيح لعبد الله يوم لقيته ... شميلة ترمى بالحديث المقتر وروى عن قتادة أن الوليد وطيء على سهم، فقطع أكحله فمات. 279- وكان نصر بن الحجاج بن علاط السلمي جميلا. وكان عند مجاشع، وامرأته شميلة حاضرة. وكان مجاشع أميا، وشميلة تكتب. فكتب نصر بن الحجاج في الأرض: «أنا والله أحبك حبًا لو كَانَ فوقك لَأظَلَّك، ولو كان تحتك لأقلك» . فكتبت: «وأنا والله» . فأكب مجاشع على الكتابة إناء، ثم أتى بمن قرأ الكتاب. فأخرج نصرا، وطلق شميلة. ويقال: إنّ نصرا محاما كتب وبقي «وأنا والله» . فقال: ما كتابك «وأنا والله» ؟ قالت: لا إله إلا الله» . فقال: هذا لا يلائم «وأنا والله» . ولم يزل بها حتى صدقته. 280- وقال الجون بن أبى الجون الخزاعي: نحن عقرنا بالصعيد ولدكم ... وما مثلها من رهطه ببعيد كبا للجبين والأنف صاغرا ... فأهون علينا صاغرا بوليد وأما أمية وأبي ابنا خلف: 281- فكانا على شر ما يكون عليه أحد من أذى النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه. وجاء أبي بعظم نخر، ففته في يده ثم قال: زعمت يا محمد أن ربك يحيى هذا العظم، ثم نفخه. فنزلت: «قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ [2] » . 282- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ: أَنَّ أُبَيًّا صَنَعَ طَعَامًا، ثُمَّ أَتَى حَلَقَةً فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُمْ وَدَعَاهُ. [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أَقُومُ حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. فَفَعَلَ.] فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ. فَلَقِيَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ،

_ [1] خ: وأباها. [2] القرآن، يس (36/ 78) .

(أبو قيس بن الفاكه)

فَقَالَ: أَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِطَعَامِنَا. فَنَزَلَتْ: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [1] » . الآيَةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فيمن دعا، عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ. فَأَنْكَرَ أُبَيٌّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ وَنَدِيمًا. وَقَالَ: اتَّبَعْتَ مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ، وَلَكِنِّي تَذَمَّمْتُ أَنْ لا أَدْعُوَهُ، وَإِذْ دَعَوْتُهُ أَلا يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِي، فَقُلْتُ لَهُ قَوْلا لَمْ أَعْتَقِدْهُ. فَقَالَ لَهُ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ لَمْ تكفر به وتنفل فِي وَجْهِهِ. فَفَعَلَ. وَرَجَعَ مَا خَرَجَ مِنْ فِيهِ إِلَى وَجْهِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [2] » ، يعنى عقبة. وقوله «فلانا» [3] ، يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ. وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ أُبَيًّا خَلِيلا» . وَبَعْضُ الرُّوَاةِ يَقُولُ [4] : إِنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ فَعَلَ هَذَا. وَلا يَذْكُرُ أُبَيًّا. 283- وَقُتِلَ أُمَيَّةُ يَوْمَ بَدْرٍ. قَتَلَهُ خُبَيْبُ بْنُ إِسَافٍ. وَيُقَالُ: اشْتَرَكَ خُبَيْبٌ وَبِلالٌ فِي قَتْلِهِ. وَيُقَالُ: قتله رِفَاعَةَ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ. 284- وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُبَيًّا يَوْمَ أُحُدٍ. أَخَذَ حَرْبَتَهُ أَوْ حَرْبَةَ غَيْرِهِ، فَقَتَلَهُ بِهَا. (أبو قيس بن الفاكه) 285- وَكَانَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ مِنَ الْمُؤْذِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمُغْرِقِينَ فِي أَذَاهُ، يُعِينَ أَبَا جَهْلٍ عَلَى صَنِيعِهِ. قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَيُقَالُ: قَتَلَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ. العاص بن وائل السهمي 286- كان العاص بن وائل من المستهزئين. ولما مات عبد الله بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: إن محمدا أبتر، لا يعيش له ذكر. فأنزل الله عز وجل

_ [1] القرآن، الفرقان (25/ 27) . [2] القرآن، الفرقان (25/ 27) . [3] أيضا (25/ 28) . [4] خ: تقول.

النضر بن الحارث العبدري

فيه: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [1] . فركب حمارا له- ويقال: بغلة له بيضاء- فلما صار بشعب من تلك الشعاب، وهو يريد الطائف، ربض به الحمار أو البغلة على شبرقة، فأصابت رجله شوكة منها/ 63/ فانتفخت حتى صار كعنق البعير. ومات. ويقال: إنه لما ربض به حماره أو بغلته، لدغ فمات مكانه. وكان ابنه عمرو يقول: لقد مات أبي وهو ابن خمس وثمانين سنة، وإنه ليركب حمارا له من هذه الدباب [2] إلى ماله بالطائف، فيمشي عنه أكثر مما يركبه. 287- وقال الواقدي: مات العاص بعد هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدينة بأشهر، وهو ابن خمس وثمانين سنة. وكان يكنى أبا عمرو. 288- وحدثني محمد بن سعد قال: قلت للواقدي: قال الله عز وجل «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [3] » ، وهذه السورة مكية. فقال: سألت مالكا وابن أبي ذئب عن هذا، فقالا: كفاه إياهم، فبعضهم مات، وبعضهم عمي فشغل عنه، وبعضهم كفاه إياه إذ هيأ الله له من أسباب مفارقته بالهجرة ما هيأ له. قال: وقال غيرهما: كفاه الله أمرهم، فلم يضروه بشيء. النضر بن الحارث العبدري 289- كان النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار يكنى أبا فائد. وكان أشد قريش مباداة للنبي صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والأذى. وكان صاحب أحاديث، ونظر في كتب الفرس، ومخالطة النصارى واليهود. وكان لما سمع بذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحضور وقت مبعثه، يقول: والله لئن جاءنا نذير لنكونن أهدى من إحدى الأمم. فنزلت فيه: «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ [4] » .

_ [1] القرآن، الكوثر (108/ 3) . [2] الدباب، كأنه مترادف الدواب. [3] القرآن، الحجر (15/ 95) . [4] القرآن، فاطر (35/ 42) .

وكان يحدث، ثم يقول: أينا [1] أحسن حديثا، أنا أم محمد؟ ويقول: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين. فنزلت فيه: «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [2] . ونزلت فيه: «اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [3] . ونزلت فيه: «وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ [4] » ونزلت فيه: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ [5] » . ونزلت فيه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ [6] » . ونزلت فيه: «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ* [7] . وكان النضر قدم الحيرة، فتعلم ضرب البربط، وغنى غناء أهل الحيرة، وعلم ذلك قوما من أهل مكة. وكان غناؤهم قبل ذلك النصب. واشترى قينتين، فنزلت فيه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [8] » . 290- ولقي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت الذي تزعم أنك ستوقع بقريش عن قليل وأن الله قد أوحى إليك بذلك؟ فقال: [نعم، وأنت منهم.] فنزلت: «وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [9] » . وسأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى تنقضي الدنيا؟ فنزلت فيه: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها» الآية [10] » . 291- وكان يقول: إنما يعينه على ما يأتي به في كتابه هذا جبر [11] ، غلام الأسود بن المطلب [12] ، وعداس، غلام شيبة بن ربيعة، ويقال غلام عتبة بن

_ [1] خ: أيما. [2] القرآن، الأنفال (8/ 31) . [3] أيضا (8/ 32) . [4] القرآن، ص (38/ 16) . [5] القرآن، المعارج (70/ 1) . [6] القرآن، الحج (22/ 3) . [7] القرآن، الشعراء (26/ 204) والصافات (37/ 176) . [8] القرآن، لقمان (31/ 6) . [9] القرآن، الأعراف (7/ 185) . [10] أيضا (7/ 187) . [11] خ: خبر (راجع لجبر النصراني: السهيلي، 1/ 124 ونحله إلى أبى رهم الغفاري، وابن هشام، ص 260 حيث عزاه إلى ابن الحضرمى) . [12] خ: عبد المطلب.

أمر أبى أحيحة

ربيعة، وغيرهما. فأنزل الله عز وجل: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [1] » . وأنزل الله عز وجل فيه: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُورًا. وَقَالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [2] » . 292- وأسره المقداد يوم بدر. فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضرب عنقه صبرا بالأثيل. أمر أبي أحيحة 293- وكان أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية يقول: دعوا محمدا ولا تعرضوا له. فإن كان ما يقول حقا، كان فينا دون غيرنا من قريش. وإن كان كاذبا، قامت قريش به دونكم. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر به. فيقول: إنه ليكلم من السماء، حتى أتاه النضر بن الحارث. فقال له: إنه يبلغني أنك تحسن/ 64/ القول في محمد، وكيف ذلك وهو يسب الآلهة، ويزعم أن آباءنا في النار، ويتوعد من لم يتبعه بالعذاب؟ فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذمه، وعيب ما جاء به، وجعل يقول: ما سمعنا بمثل ما جاء به، لا في يهودية ولا نصرانية. 293- وكان أبو أحيحة ذا شرف بمكة. وقويت أنفس المشركين حين رجع عن قوله الأول. وأتاه النضر شاكرا له على ذلك، لإعظام قريش إياه. وَكَانَ إِذَا اعتم، لَمْ يعتم أحد بمكة بعمامة على لون عمامته إعظاما له. فكان يدعى «ذا التاج» . وفيه يقول أبو قيس بن الأسلت، واسمه صيفي بن عامر بن جشم [3] ، من الأوس: وكان أبو أحيحة قد علمتم ... بمكة غير مهتضم ذميم

_ [1] القرآن، النحل (16/ 103) . [2] القرآن، الفرقان (25/ 4- 5) . [3] خ: جثيم. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 39) .

(النضر بن الحارث)

إذا شد العمامة ذات يوم ... وقام إلى المجالس والخصوم فقد حرمت على من كان يمشى ... بمكة غير ذي دنف سقيم وتينكم رفيع في قريش ... منيف في الحديث وفي القديم وسطت ذوائب الفرعين منهم ... فأنت لباب فرعهم الصميم كريم من سراة بني لؤي ... كبدر الليل راق على النجوم 295- ومات أبو أحيحة في ماله بالطائف سنة اثنتين من الهجرة. ويقال: في أول سنة من الهجرة. وكان له تسعون سنة. فلما غزا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائف، رأى قبر أبي أحيحة مشرفا، فقال أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: لعن اللَّه صاحب هَذَا القبر، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن يحاد اللَّه ورسوله. فَقَالَ ابناه، عَمْرو وأبان: لعن الله أبا قحافة، فإنه لا يقري الضيف، ولا يدفع الضيم. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [سب الأموات يؤذي الأحياء، فَإِذَا سببتم فعموا.] (النضر بن الحارث) قالوا: وأتى النضر وعقبة بعض أهل الكتاب، فقالوا: أعطونا شيئا نسأل عنه محمدا. فقالوا: سلوه عن فتية هلكوا قديما، وعن رجل طاف حتى بلغ المشرق والمغرب. فسألوه عن أهل الكهف وذي القرنين. فأنزل الله عز وجل في أمرهم ما أنزل [1] . 297- وقال النضر وأمية بن خلف وأبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كان قرآنك من عند الله، فأحي لنا آباءنا، وأوسع لنا بلدنا بأن تسير هذه الجبال عنا، فقد ضيقت مكة علينا، أو اجعل لنا الصفا ذهبا نستغنى [2] عن الرحلة، فإن فعلت ذلك، آمنا بك. وكان النضر خطيب القوم. فأنزل الله: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى» إلى قوله «فَكَيْفَ

_ [1] القرآن، الكهف (18/ 9 وما بعدها وأيضا 83 وما بعدها) . [2] خ: استغنى.

كانَ عِقابِ [1] » . وأخذ النضر عظما نخرا، فسحقه ونفخه، وقال: من يحيي هذا يا محمد؟ فنزلت فِيهِ: «وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟» [2] وما بعد ذلك. ويقال: إن أبي بن خلف صاحب العظم. 299- قالوا: فلما كان يوم بدر، أسر المقداد بن عمرو- وهو الذي ينسب إلى ربيبه الأسود بن عبد يغوث الزهري- النضر بن الحارث، وجاء بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فأمر عليا عليه السلام بضرب عنقه. فقال المقداد: أسيرى يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: [إنه كان يقول في كتاب اللَّه وفي رسوله ما يقول. ثم قال: اللهم أغن المقداد من فضلك] . 300- وقال النضر، وقد جيئ به أسيرا، لرجل إلى جنبه: «محمد واللَّه قاتلى. لقد نظر إليّ بعينين فيهما الموت.» وقال لمصعب بن عمير: «يا مصعب أنت أقرب من ههنا إلي وأمسهم رحما بي. فكلم صاحبك في أن يجعلني كرجل من أصحابي» . فقال له: إنك كنت تقول كذا وتفعل كذا. فقال: يا مصعب، ليس هذا الحين عتاب، فسله أن يجعلني/ 65/ كرجل من أصحابى، فلو أسرتك قريش لدافعت عنك. فقال مصعب: «أنت صادق، ولست مثلك. إن الإسلام قد قطع العهود بيننا وبينكم» . 301- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَسَرَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ. فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَهُ، قَالَ لَهُ الْمِقْدَادُ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَسِيرِي؟ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم: إنه كان يقول في اللَّه وَرَسُولِهِ مَا يَقُولُ، وَقَرَأَ: «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا» الآية [3] . ثم قتله صبرا. وقال:

_ [1] القرآن، الرعد (13/ 31- 32) . [2] القرآن، يس (36/ 78) . [3] القرآن، الأنفال (8/ 31) .

أمر منبه ونبيه ابنى الحجاج

«اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ» ثَلاثًا] 302- قالت قتيلة ابنة النضر بن الحارث (وبعض الرواة يقول: قتيلة بنت الحارث، والأول [1] أثبت) [2] : يا راكبا إن الأثيل مظنة ... عن صبح خامسة [3] وأنت موفق بلّغ ميتا بأن تحية ... ما إن تزال بها النواعج تخفق مني إليه وعبرة مسفوحة ... جادت لمائحها وأخرى تخنق قولا لأحمد أنت ضنء كريمة ... لنجيبة والفحل فحل معرق ما كان ضارك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق (ف) النضر أقرب من قتلت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... للَّه أرحام هناك تشقق [فيقال أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لو سمعت هذا الشعر قبل قتله، ما قتلته.] واللَّه أعلم. أمر منبه ونبيه ابني الحجاج 303- وكان منبه ونبيه ابنا الحجاج السهميان على مثل ما كان عليه أصحابهما من آذى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطعن عليه. وكانا يلقيانه فيقولان: «أما وجد اللَّه من يبعثه غيرك؟ إن هاهنا من هو أسن منك وأيسر. فإن كنت صادقا، فائت بملك يشهد لك، ويكون معك.» وإذا ذكراه، قالا [4] : «معلم مجنون، يعلمه أهل الكتاب ما يأتي به» . وكان صلى اللَّه عليه وسلم يدعو عليهما. فأما منبه، فقتله علي عليه السلام. ويقال: أبو اليسر الأنصارى.

_ [1] راجع لبحث نسب قتيلة: السهيلي 2/ 119. [2] ابن هشام، ص 539، الاستيعاب لابن عبد البر (كنى النساء رقم 239 مكرر قتيلة بنت النضر) ، مصعب الزبيري، ص 255 حيث ذكر الناشر مراجع أخرى لهذه الأبيات. وفي روايتها اختلافات. (ح في الأول: «تظنه» ، «خابسة» . وفي الرابع: «ضنى» ) . [3] ذكر في الفقرة 58 من هذا الكتاب «حزن خندف» وكانت تبكى كل خميس من الغداة إلى الليل. لعله التلميح في «صبح خامسة» . [4] خ: والا. (وذكر قولهما في القرآن أيضا فراجع سورة الدخان 44/ 14، وسورة النحل 16/ 103) .

وأما زهير بن أبى أمية

ويقال: أبو أسيد الساعدي. وأما نبيه، فقتله علي بن أبي طالب. وقتل [1] أيضا العاص بن منبه، وكان صاحب ذي الفقار، سيف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ الثبت. وبعضهم يقول: إنه كان سيف منبه. ويقال أيضا: إنه كان سيف نبيه. وأما زهير بن أبي أمية 304- فهو أَخُو أم سلمة، زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم، لأبيها. وكان ممن يظهر تكذيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وينكر ما جاء به، ويطعن عليه، ويرد الناس عنه. إلا أنه مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَتَبَتْهَا قريش على بني عبد المطلب. وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، عمة النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقد اختلفوا فيه. فقال بعض الرواة: إنه شخص يريد بدرا، فسقط عن بعيرة، فمرض ومات. وقال بعضهم: أسر يوم بدر، فأطلقه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا صار بمكة، مات. وقيل: إنه حضر وقعة أحد، ومات بعدها من سهم أصابه. وقال مصعب بن عبد اللَّه الزبيري: شخص إلى اليمن بعد الفتح، فمات هناك كافرا. وأما عبد اللَّه بن أبي أمية 305- فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دعاه في قوم من المشركين. فقال له بعضهم: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض ينبوعا، فإن ماء زمزم ملح» . وقال آخر: «إن لم تفعل هذا، فإنا لا نؤمن لك/ 66/ حتى تكون لك بمكة جنة كجنان آل فارس ذات نخيل [2] وأعناب» ، وقال الثالث: «لن نؤمن لك حتى تسقط السماء علينا كسفا، أو تأتي بربك وملائكته فنراهم» . وقال عبد اللَّه بن أبي أمية: «لن نؤمن لك حتى نرى بيتا من ذهب يحدثه لك ربك، أو ترقى في السماء. ثم لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب ونحن نراك فنقرؤه» . فأنزل اللَّه عز وجل مكانة قولهم، وقال: قل لهم: «سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ

_ [1] خ: قيل. [2] خ: نجيل.

(السائب، والأسود، وعدى، والعاص:

إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [1] » . وأسلم عبد اللَّه، وقتل يوم الطائف. والثبت أن عبد اللَّه قال هذا القول من بينهم، فنزلت فيه الآيات، وكان خطيب القوم ومتكلمهم. (السائب، والأسود، وعدى، والعاص: 306- وأما السائب بن أبي السائب، فقتل يوم بدر. قتله الزبير بن العوام. وأما الأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي، فقتل يوم بدر أيضا. قتله حمزة رحمه اللَّه. وأما عدي بن الحمراء الخزاعي، فلدغ وهو يريد بدرا، فمات. وأما العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية، فقتله حمزة أيضًا يوم بدر. أمر أبي البختري الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ (بْنِ الْحَارِثِ) [2] بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى بن قصي: 307- قالوا: كان أبو البختري أقل أذى لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أنه كان يكذبه ويعيب ما جاء به. وكان ممن أعان على نقض الصحيفة. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر أن يستبقيه من لقيه، وأن لا يقتله. فلقيه المجذر بن ذياد البلوي. فقال له: استأسر، فإن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن لا تقتل. فقال: إن معي رفيقي جنادة بن مليحة، فإن استبقيتموه، وإلا فلا حاجة لي في الحياة. فأعير بخذلانه، وجعل يقاتل ويقول [3] : لن يسلم ابن حرة أكيله ... حتى يموت أو يرى سبيله فحمل عليه المجذر فقتله، وجعل يقول [4] : إما جهلت أو نسيت نسبي ... فأثبت النسبة أني من بلى الطاعنين برماح اليثربى ... وأعبط القرن بعضب مشرفي

_ [1] القرآن، الإسراء (17/ 90- 93) . [2] خ: هشام بن أسد. (وقد مر، وسيمر أيضا، نسبه الصحيح) . [3] الطبرى، ص 1325، مصعب الزبيري، ص 213، الاستيعاب، رقم 1249 المجذر، وفيه زيادة مصراع بين هذين: «ولا يفارق جزعا أكيله» . [4] مصعب الزبيري، ص 214 وحاشية، معجم الشعراء للمرزبانى، ص 470- 471، مع اختلافات وزيادات. خ في الثانى: بعصب مشرقى.

أمر عقبة بن أبى معيط:

ثم إن المجذر أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبره الخبر، وقال: والذي بعثك بالحق، لقد جهدت أن يستأسر فآتيك به، فقاتلني فقتلته. وقد قيل: إن الذي قتل أبا البختري: عمير بن عامر المازني، من بني مازن بن النجار. ويكنى أبا داود. 308- وفي أبي البختري نزلت: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [1] » . أمر عقبة بن أبي معيط: 309- وكان عقبة بن أبي معيط أشد الناس عداوة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأذى له. وهو عقبة بن أبي معيط- واسم أبي معيط: أبان- بن أبي عمرو بن أمية. وكان عقبة يكنى أبا الوليد. 310- حدثني محمد بن سعد كاتب الواقدي، عن محمد بن عمر الواقدي في إسناده: أن عقبة بن أبي معيط عمد إلى مكتل [2] ، فجعل فيه عذرة ثم ألقاه عَلَى بَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فبصر به طليب بن عمير بن وهب ابن عبد بن قصي بن كلاب- وأمه أروى بنت عبد المطلب- فأخذ المكتل منه، وضرب به رأسه، وأخذ بأذنيه. ونشب به عقبة، فذهب به إلى أمه، فقال لها: ألا ترين إلى ابنك قد صار غرضا دون محمد؟ فقالت: «ومن أولى منه بذلك؟ هو ابن خاله. أموالنا وأنفسنا دون محمد» . وجعلت تقول [3] : إن طُليبًا نَصْر ابنَ خاله ... آساهُ فِي ذي دمه وماله فلما كان يوم بدر، أتى بعقبة أسيرا. وكان الذي أسره عبد اللَّه بن سلمة ابن مالك العجلاني، من بلي، وعداده في الأنصار. جمح به فرسه، فأخذه. فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 67/ عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأوسي من الأنصار بضرب عنقه. فجعل عقبة يقول: «يا ويلتي، علام

_ [1] القرآن، الزمر (39/ 3) . [2] المكتل: الزنبيل. [3] مصعب الزبيري، ص 257. (خ: في الشطر الثانى: أساءه) .

أمر الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى

أقتل يا معشر قريش أقتل من بين هؤلاء؟» [فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «لعداوتك للَّه [1] ورسوله» . قال: «يا محمد، منّك أفضل، فاجعلني كرجل ممن هاهنا من قومك وقومي. ويا محمد، من للصبية؟» قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النار] » . وكان قتله بعرق الظبية. وقال الواقدي: قتل بالصفراء. وقيل: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر به، فصلب. فكان أول مصلوب صلب في الإسلام. 311- حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: [أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُقْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ: واللَّه لأَقْتُلَنَّكَ. فَقِيلَ أَتَقْتُلُهُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ؟ قال: نعم، إنه وطيء عَلَى عُنُقِي وَأَنَا سَاجِدٌ، فَمَا رَفَعَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ سَقَطَتَا، وَجَاءَ يَوْمًا، وَأَنَا سَاجِدٌ، بِسَلا شَاةٍ فَأَلْقَاهُ عَلَى رَأْسِي. فأنا قاتله] . 312- وحدثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بن معاذ العنبري، عن سعيد، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قال: قتل رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةً صَبْرًا: عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ. 313- قالوا: ولما هاجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال عقبة: يا راكب الناقة القصواء هاجرنا ... عما قليل تراني راكب الفرس أعل رمحي فيكم بعد نهلته ... والسيف يأخذ منكم كل ملتمس أمر الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى 314- كان الأسود من المستهزئين. وكان يكنى أبا زمعة. وكان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، ويقولون: «قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر» ، ثم يمكون ويصفرون. وكلم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكلام شق عليه. فدعا عليه رسول اللَّه صلى اللَّه

_ [1] خ: اللَّه.

عليه وسلم أن يعمي الله بصره ويثكله ولده. فخرج يستقبل ابنه. وقد قدم من الشام، فلما كان في بعض طريقه، جلس في ظل شجرة. فجعل جبريل عليه السلام يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها خضراء، وبشوك من شوكها، حتى عمي. ويقال: إن جبريل عليه السلام أومأ إلى عينيه، فعمي، فشغل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان يوم بدر، قتل ابنه زمعة بن الأسود، ويكنى أبا حكيمة، قتله أبو دجانة. ويقال: ثابت بن الجذع. وقتل ابنه عقيل أيضا، قتله حمزة وعلي رضي الله تعالى عنهما، اشتركا فيه. ويقال: قتله علي وحده. وقتل [1] الحارث بن زمعة بن الأسود، قتله علىّ. وقوم يقولون: هو الحارث بن الأسود نفسه. والأول أثبت. 315- وكان الأسود بن المطلب يقول: دعوت على محمد أن يكون طريدا في غير قومه وبلده. واستجيب لي. ودعى علي بعمى عيني، فعميت، وأن أثكل ولدي، فثكلتهم. 316- قال الواقدي: ومات الأسود بمكة، وهم يتجهزون لأحد، وهو يذمرهم- أي يحثهم- ويشجعهم في مرضه، وقد قارب المائة. 317- وكان أهل مكة، لما قتل منهم من قتل منهم ببدر، تركوا البكاء على قتلاهم، كراهة أن يبلغ المسلمين جزعهم فيشمتوا بهم. فسمع الأسود بكاء، فسأل عنه: فقيل: امرأة ضل لها بعير، فهى تبكى عليه. فقال [2] : (أ) تبكي أن يضل لَهَا بعير ... ويمنعها من النوم السهود فلا تبكي على بكر ولكن ... على بدر تصاغرت الجدود فبكي إن بكيت على عقيل ... وبكي حارثا أسد الأسود / 68/ وبكيهم ولا تسمي جميعا ... وما لأبي حكيمة من نديد على بدر سراة بنى هصيص ... ومخزوم ورهط أبى الوليد

_ [1] خ: قيل. [2] ابن هشام، ص 462، الطبرى، ص 1342- 1343 (وعندهما في الثانى: تقاصرت الجدود) . خ في الثالث: «ان يكتب» . وفي الرابع: «من بديد» .

المؤذون للنبي ص

ألا قد ساد بعدهم رجال ... ولولا يوم بدر لم يسودوا 318- قال: وكان الأسود يجلس، ومعه قوم من المشركين، فيقولون: «ما ندري ما جاء به محمد؟ ما هو إلا سجع كسجع الكهان» . فنزلت فيهم: «الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [1] » ، أي عضة عضة. ويقال: إن الآية نزلت في أهل الكتاب الذين آمنوا ببعضه وكفروا ببعض. والثبت أنها نزلت في كفار قريش. وكانوا يسألون عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيقول بعضهم: «مجنون» [2] ، ويقول بعضهم: «ساحر» [3] ، ويقول بعضهم: «شاعر» [4] ، ويتحدثون عليه ويصدون الناس عنه. فأنزل اللَّه عز وجل: «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [5] . يقول: أوزار من يصدونه عن الإسلام. 319- وذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاقر الناقة [6] ، فقال: «كان عزيزا منيعا، كان كأبي زمعة الأسود بن المطلب فيكم» . وكان يقال لأبى زمعة بن الأسود «زاد الراكب» . [المؤذون للنبي ص] وكان ابن [7] الأصداء الهذلي 320- أحد من يؤذي النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيقول له: إنما يعلمك أهل الكتاب أساطيرهم [8] ، ويقول للناس [9] : هو مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [10] . فدعا عليه رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّهُ لعلى جبل إذ اجتمعت عليه الأروي، فنطحته حتى قتلته.

_ [1] القرآن، الحجر (15/ 91) . [2] القرآن، الصافات (37/ 36) . [3] القرآن، الأنبياء (21/ 3) ، والطور (52/ 15) وغير ذلك. [4] القرآن الصافات (37/ 36) ، والأنبياء (21/ 5) . [5] القرآن، العنكبوت (29/ 13) . [6] القرآن، الأعراف (7/ 76- 77) . [7] خ: أبو. [8] القرآن، الفرقان (25/ 5) ، وغير ذلك. [9] خ: الناس. [10] القرآن، الدخان (44/ 14) .

الحكم بن أبى العاص بن أمية

الحكم بن أبي العاص بن أمية 321- كان الحكم مؤذيًا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يشتمه ويسمعه. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمشي ذات يوم، وهو خلفه يخلج [1] بأنفه وفمه، فبقي على ذلك. وأظهر الإسلام يوم فتح مَكَّة. وَكَانَ مغموصًا عَلَيْهِ فِي دينه. فاطلع يوما على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَهُوَ في بَعْض حجر نسائه. فخرج إِلَيْهِ بعنزة وَقَالَ: « [من عذيري من هذه الوزغة؟ لو أدركته، لفقأت عينيه] » ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولعنه وما ولد، وغربه عن المدينة. فلم يزل خارجا منها إلى أن استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، فرده وولده. فكان ذلك مما أنكر عليه. ومات في خلافة عثمان. فضرب على قبره فسطاطا. قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لمروان بن الحكم [2] : إِن اللعين أباك فأرم عظامه ... إِن ترم ترم مخلجا مجنونا يضحى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا عُتْبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف 322- كان عتبة يكنى أبا الوليد. ولقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له: «إن أردت الشرف، شرفناك بأن نملكك. وإن كنت تريد المال، أعطيناك منه ما تحبه» . فقال: « [يا أبا الوليد، اسمع» . فقرأ «حم السجدة [3] » .] فقال: هذا كلام ما سمعت مثله. ثم التفت إلى جماعة من قريش، فقال: دعوه وخلوا بينه وبين العرب، فليس بتارك أمره. 323- وأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن أم مكتوم، وعتبة يكلمه، وقد طمع فيه فشغل عنه. فأنزل اللَّه عز وجل [4] : «عَبَسَ وَتَوَلَّى» . وقوله «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى» ، يعني عتبة. ويقال: إن الذي تشاغل عن ابن أم مكتوم به:

_ [1] يخلج: يحرك. [2] الاستيعاب لابن عبد البر، رقم 487: الحكم بن العاص. [3] القرآن، فصلت (41/ 1 وما بعدها) . [4] القرآن، عبس (80/ 1- 5) .

شيبة بن ربيعة بن عبد شمس

الوليد بن المغيرة. ويقال: إن ابن أم مكتوم لما أتاه، قال له: «علمني مما علمك اللَّه» . فأقبل على أمية بن خلف الجمحي، وتركه. 324- وقتل عتبة يوم بدر كافرا. قتله حمزة بْن عَبْد المطلب/ 69/ رَضِي اللَّه تَعَالى عنه، وقتل الوليد بن عتبة يوم بدر، قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام. وكان لعتبة يوم قتل سبعون سنة. وكان الوليد ابن خمسين سنة. وكان أبو حذيفة ابن عتبة مع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شيبة بن ربيعة بن عبد شمس 325- ويكنى أبا هاشم. كان شيبة [1] يجتمع مع قريش فيما يكذّبه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الأذى له، غير أنه كان لا يتولى ذلك بيده. وقتل يوم بدر، قتله عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وذفف عليه حمزة وعلي عليهما السلام. وكان شيبة أسن [2] من عتبة بثلاث سنين. وقد كان عتبة وشيبة متثاقلين عن الخروج حتى أنبهما أبو جهل، فخرجا. 326- قالوا: ومشى نساء قريش إلى هند بنت عتبة، وهي أم معاوية، فقيل لها: ألا تبكين على أبيك وأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: «لا أبكيهم» . فبلغ محمدا ذلك، فشمت وأصحابه ونساء الخزرج، لا واللَّه، حتى أثأر من محمد وأصحابه. وحرمت على نفسها الدهن والكحل، وقالت: لو أعلم أن الحزن يذهبه البكاء، لبكيت. ثم قالت بعده [3] : للَّه عينا من رأى ... هلكا كهلك رجاليه يا رب باك لي غدا ... في النائحات وباكيه

_ [1] خ: سببه. [2] خ: اثنين. [3] ابن هشام، ص 537 مع اختلافات.

مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف

كم غادروا يوم القلي ... ب غداة تلك الواعية من كل غيث في السني ... ن إذا الكواكب خاوية قد كنت أحذر ما أرى ... فاليوم حق حذاريه يا رب قائلة غدا ... يا ويح أم معاوية وقالت أيضًا: ويلى على أبوى ... والقبر الذى واراهما رمحين خطيّين ... في كبد السماء تراهما سيفين هنديين ... سن القبر حد ظباهما لا مثل لهما في الكهو ... ل ولا فتى كفتاهما ابنى ربيعة لا يم ... لّ الناس من ذكراهما ما خلفا إذ ودعا ... وتوليا شرّ واهما من حس لي الأخوين ... كالغصنين أم من رآهما مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف 327- كان مطعم يكنى أبا وهب. وكان أقل أصحابه أذى للنبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولكنه كان ينكر عليه ما أنكروا. وهو الذي قام بأمر بني هاشم وبني المطلب، حتى خرجوا من الشعب. وأجار النبي صلى اللَّه عليه وسلم، حتى طاف بالبيت. 328-[وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لابنه جبير بن مطعم يوم بدر: لو كان أبوك حيا فاستوهبني هؤلاء الأساري، لوهبتهم له وشفعته فيهم] . 329- ومات مطعم في صفر سنة اثنتين من الهجرة قبل بدر بأشهر. ودفن بالحجون وهو ابن بضع وتسعين سنة. وأقيم النوح عليه سنة. طعيمة بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف 330- ويكنى أبا الريان. وكان طعيمة ممن يؤذي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم

الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف:

فيبالغ في أذاه ويشتمه ويسمعه ويكذبه. فلما كان يوم بدر، أسر. فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله صبرا، فقتل. 331- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ (اللَّه) بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ/ 70/ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قال: قتل رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعيمة بن عدي صبرا. وكان الذي قتل طعيمة: حمزة بن عبد المطلب. الْحَارِث بْن عامر بْن نوفل بْن عَبْدِ مناف: 332- كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم بدر: [من لقي الحارث فليدعه لأيتام بني نوفل.] وفيه نزلت: «وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [1] » . ولكنه كان أعان على نقض الصحيفة. فقتل يوم بدر كافرا. قتله خبيب ابن إساف. مالك بن الطلاطلة: 333- وقال الكلبي: كان مالك بن الطلاطلة بن عمرو بن غبشان من المستهزئين، وكان سفيها. قالوا: فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه، واستعاذ باللَّه من شره. فعصر جبريل بطنه، حتى خرج خلاؤه من فمه، فمات. وقال غيره: أشار جبريل، فامتحض رأسه قيحا. وقال غير الكلبي: هو عمر ابن الطلاطلة، وذلك باطل. 334- وقال الكلبي: سمعت من يقول هو الحارث بن الطلاطلة، وليس ذلك بشيء. وهم يغلطون بابن الغيطلة وابن الطلاطلة، فيجعلون هذا ذاك وذاك هذا. 335- وقد ذكر غير الواقدي: أن المستهزئين جميعا ماتوا في وقت واحد. وقول الواقدى أثبت.

_ [1] القرآن، القصص (28/ 57) .

ركانة بن عبد يزيد

336- وقال الواقدي: أليس موت من مات، وعمى من عمي، وما تهيأ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أسباب مفارقتهم كفاية له صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يزيد 337- قالوا: وكان ركانة بْن عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب الشديد قدم من سفر له. فَأُخْبِرَ خَبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقيه في بعض جبال مكة، فقال: يا ابن أخي، قد بلغني عنك أمر، وما كنت عندي بكذاب. فإن صرعتني، علمت أنك صادق. فصرعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا. فأتى قريشا، فقال: يا هؤلاء، صاحبكم ساحر، فساحروا به من شئتم. 338- وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكَانَةَ بن عبد يزيد، وَكَانَ أَشَدَّ الْعَرَبِ، لَمْ يَصْرَعْهُ أَحَدٌ قَطُّ. فدعاه إلى إسلام. فَقَالَ: واللَّه لا أُسْلِمُ حَتَّى تَدْعُوَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ. وَكَانَتْ سَمْرَةً أَوْ طَلْحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقْبِلِي بِإِذْنِ اللَّه. فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا. فَقَالَ رُكَانَةُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ سِحْرًا أَعْظَمَ، فَمُرْهَا فَلْتَرْجِعْ. فَقَالَ: ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّه. فَرَجَعَتْ. فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ، أَسْلِمْ. فَقَالَ: إِنْ صَرَعْتَنِي أَسْلَمْتُ، وَإِلا فَغَنَمِي لَكَ، وَإِنْ صَرَعْتُكَ، كَفَفْتَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ. وَكَانَ رُكَانَةُ أَشَدَّ النَّاسِ، مَا صَرَعَهُ أَحَدٌ قَطُّ. فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَرَعَهُ ثلاثا. فقال: يابن الْعَمِّ، الْعَوْدَ. فَصَرَعَهُ أَيْضًا ثَلاثًا، فَقَالَ: أَسْلِمْ. فَقَالَ: لا. قَالَ: فَإِنِّي آخُذُ غَنَمَكَ. قَالَ: فَمَا تقول لقريش؟ قال: أقول صارعته، فصرعت فَأَخَذْتُ غَنَمَهُ. قَالَ: فَضَحْتَنِي وَخَزَيْتَنِي. قَالَ: فَمَا أَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: قُلْ لَهُمْ قَمَرْتُهُ. قَالَ: إِذًا أَكْذِبُ. قَالَ: أَوَ لَسْتَ فِي كَذِبٍ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ إِلَى حِينِ تُمْسِي؟ قَالَ: خُذْ غَنَمَكَ. قَالَ: فَأَنْتَ واللَّه خَيْرٌ مِنِّي وَأَكْرَمُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ.

هبيرة بن أبى وهب

هبيرة بن أبي وهب 339- وكان هبيرة بن أبي وهب المخزومي ممن يؤذي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقيل إنه قتل يوم الخندق. ويقال إنه بقي إِلَى الفتح، فهرب إِلَى اليمن، فمات هناك كافرا. وذلك أثبت. ذكر المستضعفين مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم 340- روى عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه/ 71/ عمار بن ياسر، وخباب بن الأرتّ، وصهيب ابن سنان، وبلال بن رباح، وأبو فكيهة، وعامر بن فهيرة وأشباههم من المسلمين. فتهزأ قريش بهم ويقول بعضهم لبعض: هؤلاء جلساؤه كما ترون، قد من الله عليهم [1] من بيننا. فأنزل الله عز وجل فيهم: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [2] » . قال: وكانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة. فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء أنصاف النهار، ليرجعوا إلى دينهم. وفيهم نزلت: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [3] » . عمار بن ياسر: 341- فمنهم عمار بن ياسر بن عامر بن مالك، أحد بني عنس أخى مراد [4]

_ [1] راجع القرآن، الأنعام (6/ 53) . [2] القرآن، الأنعام (6/ 53- 54) . [3] أيضا (6/ 52) . [4] خ: مر. (والتصحيح عن جداول وستنفلد) .

ابن مالك بن أدد بن زيد. وكان عنس يسمى زيدا. وكان كنية عمار (أبا) اليقظان، وكنية ياسر أبا عمار. ويقال: أبا عبد الله، وكان حليفا لبني مخزوم. 342- حدثني محمد بن سعد [1] ، عن هشام بن الكلبي وغيره قال: قدم ياسر بن عامر، وأخواه الحارث ومالك، مكة من اليمن يطلبون أخا لهم. فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وأقام ياسر بمكة وحالف أبا حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية بنت خيّاط، فولدت له عمارا. فأعتقه أبو حذيفة، ولم ياسر. وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات، وجاء الإسلام. فأسلم ياسر، وسمية، وعمار، وأخوه عبد الله بن ياسر. وكان لياسر ابن آخر، أكبر من عمار وعبد الله، يقال له حريث. فقتله بنو الديل في الجاهلية. وخلف على سمية، بعد ياسر، الأزرق، وكان روميا حدادا غلاما للحارث بن كلدة الثقفي. وهو ممن خرج يوم الطائف إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عبيد أهل الطائف، وفيهم أبو بكرة، فعتقوا. فولدت سمية للأزرق قبل الإسلام سلمة بن الأزرق. وكان ياسر قد فارقها. فهو أخو عمار لأمه. ثم أدعى ولد سلمة- عمرو وعقبة- بنو الأزرق أنهم من ولد الحارث بن أبي شمر الغساني، وأنهم حلفاء لبني أمية. وشرفوا بمكة. وتزوج بعض ولد الأزرق في بني أمية. وعمرو وعقبة من غير سمية. 343- وَرَوَى ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو [2] بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَزْرَقِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ نِسَاءً يَبْكِينَ فِي جَنَازَةٍ، فَزَجَرَهُنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يَا عُمَرُ، دَعْهُنَّ فَإِنَّ النَّفْسَ مُصَابَةٌ، وَالْعَيْنَ دَامِعَةٌ، وَالْعَهْدُ حَدِيثٌ.] وَقَاتَلَ عَمْرُو بْنُ الأزرق يوم بدر [3] مع المشركين، فأسر.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 176. [2] كذا في الأصل ومن رواة الطبرى في تأريخه محمد بن عمر بن عطاء بن يسار، لعله هو. [3] خ: أحد (والتصحيح عن ابن هشام، ص 513) .

344- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: لَقِيتُ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ عَلَى بَابِ دَارِ الأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا. فَقُلْتُ لَهُ مَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: مَا تُرِيدُ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَى مُحَمَّدٍ فَأَسْمَعَ كَلامَهُ. قَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ. فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الإِسْلامَ. فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَيْنَا. ثُمَّ خَرَجْنَا مُسْتَخْفِينَ. فَكَانَ إِسْلامُ عَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ بَعْدَ إِسْلامِ بِضْعَةٍ وَثَلاثِينَ رَجُلا. 345- حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ، عَنْ منصور، عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام أبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه قومه. وأما الآخرون فألبسوا دروع الحديد، وصهروا في الشمس حتى بلغ الجهد منهم. وجاء أبو جهل إلى سمية، فطعنها في قبلها. فهي أول شهيد في الإسلام. قال عبد الله بن محمد: بلغني أنها أغلظت له في القول، فأغضبته. 346- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد [2] عن الواقدي، عن عثمان بن محمد/ 72/ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ مُتَجَرِّدًا فِي سَرَاوِيلَ، قَالَ: وَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا فِيهِ حَبَطٌ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَذِّبُنِي فِي رَمْضَاءِ مَكَّةَ. 347- قال الواقدي، وحدثني عثمان بن محمد في إسناده، قال: كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول. وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول. وبلال، وعامر بن فهيرة، وقوم من المسلمين. وفيهم نزلت هذه الآية: «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 177. [2] ابن سعد، 3 (1) / 177.

حَسَنَةً، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [1] » . قال الواقدي: إنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد، وعثمان ابن مظعون. وكان أول من قدم المدينة. 348- حدثنا محمد بن حاتم المروزي، ثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قوله: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [2] » ، قال: هو عمار. 349- حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ الأَنْطَاكِيُّ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ [3] عَبْدِ الكريم، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا، فَعَذَّبُوهُ لَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [وَمَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: شَرٌّ، وَاللَّهِ، مَا تَرَكَنِي الْمُشْرِكُونَ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. قَالَ: فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَالَ: مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ. قَالَ: فَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ.] فَنَزَلَتْ فِيهِ: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» . 350- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ عَمَّارًا وَهُوَ يَبْكِي. فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: [أَخَذَكَ الْكُفَّارُ، فَغَطُّوكَ فِي الْمَاءِ، فَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ عَادُوا، فَقُلْ ذَاكَ لَهُمْ] . 351- وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بن أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَكِيمِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ: عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا، وَقَالُوا: لا نُفَارِقُكَ أَبَدًا حَتَّى تَشْتُمَ مُحَمَّدًا، وَحَتَّى تَقُولَ اللاتُ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ. فَفَعَلَ. فَتَرَكُوهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَفْلَحَ وَجْهُكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا أَفْلَحَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: نِلْتُ مِنْكَ، وَزَعَمْتُ أَنَّ اللاتَ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِكَ. [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

_ [1] القرآن، النحل (16/ 41- 42) . [2] القرآن، النحل (16/ 106) . [3] خ: معمر بن عبد الكريم (وسيجيء ذكر عبد الكريم الراوي فيما بعد أيضا) .

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ؟ قَالَ: وَجَدْتُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ، أَشَدَّ مِنَ الْحَدِيدِ فِي دِينِي. قَالَ: فَلا عَلَيْكَ، وَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ. قَالَ: فَعَمَّارٌ الَّذِي أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان.] والذى «شرح بالكفر صدرا [1] » ، عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح. 352- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ الله بن جعفر الرقي، عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، في قوله «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» ، قال: ذاك عمار. وفي قوله «وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً» ، قال: عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح. 353- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أُمِّ هاني: أنّ عمار بن ياسر، وأباه ياسر، وَأَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَاسِرٍ، وَسُمَيَّةَ أُمَّ عَمَّارٍ كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ. [فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنْ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ.] فَمَاتَ يَاسِرٌ فِي الْعَذَابِ. وَأَغْلَظَتْ سُمَيَّةُ لأَبِي جَهْلٍ، فَطَعَنَهَا فِي قُبُلِهَا، فَمَاتَتْ. وَرُمِيَ عَبْدُ اللَّهِ، فَسَقَطَ. 354- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ بِنَحْوِهِ. 355- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عن أبي ربيعة، عن الحسن، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِي: عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، وَبِلالٍ] . 356- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: [أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 73/ فَقِيلَ لَهُ: وَقَعَ عَلَى عَمَّارٍ حَائِطٌ، فمات. فقال: ما مات عمار] .

_ [1] القرآن، النحل (16/ 106) . [2] ابن سعد، 3 (1) / 178 (وعنده «أبشروا» بدل «صبرا» المذكور في الرواية السالفة) .

357- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ، قَالا ثنا وَكِيعٌ، ثنا شعبة، عَنْ قَيْس بْن مُسْلِمٍ، عَن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: غَزَتْ بَنُو عُطَارِدٍ مِنَ الْبَصْرَةِ مَاهَ، وَأَمَدُّوا بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ. فَخَرَجَ عَمَّارٌ قَبْلَ الْوَقْعَةِ وَقَدِمَ بَعْدَهَا، فَقَالَ: نَحْنُ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْغَنِيمَةِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُطَارِدٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الأَجْدَعُ- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِي حَدِيثِهِ: «الْمُجْدَعُ» ، وَكَانَتْ أُذُنُهُ أُصِيبَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- أَتُرِيدُ أَنْ نَقْسِمَ لَكَ غَنِيمَتَنَا؟ فَقَالَ عَمَّارٌ: عَيَّرْتَنِي بِخَيْرِ أُذُنَيَّ، وَأَحَبِّ أُذُنَيَّ إِلَيَّ. فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ. فَكَتَبَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ. 358- حَدَّثَنِي محمد بن سعد [1] ، عن الواقدي، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَوْمَ الْيِمَامَةِ عَلَى صَخْرَةٍ وَقَدْ أَشْرَفَ، وَهُوَ يَصِيحُ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَمِنَ الْجَنَّةِ تَفِرُّونَ؟ أَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. هَلُمُّوا إِلَيَّ» . وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أُذُنِهِ قَدْ قُطِعَتْ، فَهِيَ تُذَبْذِبُ وَهُوَ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ. 359- حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ مُسْتَمْلِي يَزِيدَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِعَمَّارٍ: أَيُّهَا الأَجْدَعُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: خَيْرُ أُذُنَيَّ سَبَبْتَ. 360- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو قَطَنٍ، قَالا ثنا القاسم بن الفضل الحراني، قَالَ ثنا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بِيَدَيَّ وَنَحْنُ نَتَمَاشَى بِالْبَطْحَاءِ، إِذْ أَتَيْنَا عَلَى أَبِي عَمَّارٍ، وَعَمَّارٍ، وَأُمِّهِ. وَهُمْ يُعَذَّبُونَ. فَقَالَ يَاسِرٌ: أَهَكَذَا يَكُونُ الدَّهْرُ كُلُّهُ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [اصْبِرْ، اللَّهُمَّ اغفر لآل ياسر، وقد فعلت] .

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 181. [2] ابن سعد، 3 (1) / 177 (وعنده «عمرو بن مرة الحملى» . كأنه سهو الطباعة) .

361- حدثني أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، عن عمرو (ابن) هَرِمٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ. أَوْ قَالَ: ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] . 362- حَدَّثَنِي أبو مُسْلِمٍ، عَنْ وَكِيعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الإِسْنَادِ، قَالَ: [وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] . 363- حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُؤَمَّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الْعَطَّارِ، إِلا تَجِدْ مِنْ عِطْرِهِ، يَصِلْ إِلَيْكَ رِيحُهُ. وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مَثَلُ الْكِيرِ، إِنْ لَمْ يَحْرِقْكَ بِنَارِهِ، أَصَابَكَ مِنْ شَرَرِهِ وَنَتْنِ رِيحِهِ.» 364- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَى الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ. وَأَوَّلُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. 365- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارٌ. 366- حدثنى إسحاق القروي أَبُو مُوسَى، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: [قُلْنَا لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. قال: مؤمن [1] نشأ، إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ] . 367- حَدَّثَنِي عَفَّانُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عن على بنحوه.

_ [1] كذا في الأصل، لعل الأحسن «مؤمنا» .

396- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ الأَسَدِيُّ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [2] » ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. 369- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّارًا مَوْضِعَ دَارِهِ. وَشَهِدَ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 370- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مضرب العبدى، قَالَ: قُرِئَ عَلَيْنَا/ 74/ كِتَابُ [3] عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْكُوفَةِ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَهُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ عَلَى نَفْسِي. فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا. وَقَدْ جَعَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى بَيْتِ مَالِكُمْ، وَحُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى السَّوَادِ. وَرَزَقْتُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً» . قَالَ: فَجَعَلَ شَطْرَهَا وَبَطْنَهَا لِعَمَّارٍ، وَالشَّطْرَ الْبَاقِي بَيْنَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ. 371- حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أبى هلال الراسبى، عن الحسن، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنَّمَا وَلَّيْتُ عَمَّارًا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [4] » . 372- حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، ثنا عَوَانَةُ- أَوْ قَالَ: أَبُو عَوَانَةَ- عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْا سَعْدًا، فَأَكْثَرُوا. فَعَزَلَهُ وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ الْكُوفَةَ. 373- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ عُمَرَ عَزَلَ سَعْدًا عَنِ الْعِرَاقِ، وَقَاسَمَهُ مَالَهُ. وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ ياسر بعدّه.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 178. [2] القرآن، الزمر (39/ 9) . [3] راجع أيضا ابن سعد، 3 (1) / 183. [4] القرآن، القصص (28/ 5) .

374- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَخْطُبُ كُلَّ خَمِيسٍ، وَيَدَعُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لِلأَمِيرِ، وَهُوَ عَمَّارٌ. 375- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا الْعَقَدِيُّ أَبُو عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ تَيْمِ اللَّهِ سَمِعَهُ، يَقُولُ: كَانَ عمارا عَلَيْنَا سَنَةً يَخْطُبُنَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فِي عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ. 376- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ: أَنَّ عَمَّارًا كَانَ إِذَا خَطَبَ، سَلَّمَ. 377- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ «يس [1] » . فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: وَمَا أَرَحْنَا مِنْ يَاسِينِكَ. 378- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي زُبَيْدَةَ عَبْثَرٍ، قَالَ: خَطَبَ عَمَّارٌ بِخُطْبَةٍ وَجِيزَةٍ. فَقِيلَ لَهُ: لَوْ زِدْتَ فِي خُطْبَتِكَ؟ فَقَالَ: أُمِرْنَا بِتَقْصِيرِ الْخُطَبِ وَإِطَالَةِ الصَّلاةِ. قَالَ: وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [2] » ، فَيَنْزِلُ، فَيَسْجُدُ. 379- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، عن سفيان بن بشير بْنِ ذُعْلُوقٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: قَالَ عمار: احدقوا هَذِهِ الصَّلاةَ قَبْلَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ. 380- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارًا قَرَأَ يَوْمَ جُمُعَةٍ «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» ، فَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ. 381- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدٍ: أَنَّ عَمَّارًا كان لا يرى بأسا بالعراض [3] إذا قتل.

_ [1] سورة القرآن 36. [2] سورة القرآن 84. [3] كأنه عراض الصيد المذكور في الرواية التالية.

382- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: إِنَّا لَمَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ إِذْ عُرِضَ لَهُ حِمَارٌ وَحْشٌ، فَأَسْرَعْنَا إِلَيْهِ بِالرِّمَاحِ، فَطَعَنَّاهُ بِهَا. فَقَالَ عَمَّارٌ: وَاللَّهِ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى إِذَا رُئِيَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِهَذَا، وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ ليرى على أحدهم العمامة الحسينة فَتُعْجِبُهُ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَيَأْخُذُهَا مِنْهُ. 383- حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عن على ابن أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: رَأَى عَمَّارٌ رَجُلا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ، فَأَخَذَ بِقَفَاهُ، فَحَطَّهُ عَلَى قِرَارِ الأرض، وقال: صلّ ها هنا. 384- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَوْرٍ الْمُقْرِئُ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ عَطَاءٍ الْخَفَّافِ، عَنْ سَعِيدِ/ 75/ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ رَجُلا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَغْشَاهَا، وَظَنَّ أَنَّهُ لا طَلاقَ إِلا طَلاقُ السُّنَّةِ. فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: وَيْحَكَ إِنِّي قَدْ بِنْتُ مِنْكَ. فَأَتَى الْكُوفَةَ، فَسَأَلَ عَمَّارًا، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا دُفْعَةً، ثُمَّ غَشِيَهَا؟ فَقَالَ عَمَّارٌ: لَوْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ، لَرَجَمْتُهُ. فَانْطَلَقَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَسَرَّحَهَا، وَقَالَ: كَانَتْ حَلالا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ ... لِي لَوْ لَمْ تُطَلَّقْ حَجَزَ التُّقَى عَنْهَا وَمَنْ ... لا يَتَّقِ الرَّحْمَنَ يَوْبَقْ 385- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ: أَنَّ عَمَّارًا أُتِيَ بِشَاةٍ مُصْلِيَةً فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ قَبْلَ رَمَضَانَ. فَتَنَحَّى رَجُلٌ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَادْنُ وَاطْعَمْ. 386- حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ الْفَلاسُ، وَيُوسُفُ، عَنْ مُوسَى، ثنا جَرِيرٌ، عن أبى سنان، عن عبد الله ابن أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ: لَمَّا بَنَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَارَهُ، قَالَ لِعَمَّارٍ: تَعَالَ فَانْظُرْ إِلَى مَا بَنَيْتُ. فَنَظَرَ، وَقَالَ: بَنَيْتَ شَدِيدًا، وَأَمَّلْتَ بَعِيدًا، وَسَتَمُوتُ قَرِيبًا.

387- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، ثنا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: لا يَضْرِبُ رَجُلٌ عَبْدَهُ ظَالِمًا إِلا أُقِيدَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. 388- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَبَدَتْ لَهُ حَيَّةٌ. فَنَزَلَ، فَضَرَبَهَا حَتَّى قَتَلَهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [اقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي صَلاتِكُمْ] . 389- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بن دكين، ثنا سفيان، عن أجلح، عن ابن أبى هذيل قال: رأيت عمار يَشْتَرِي قَتًّا [2] بِدِرْهَمٍ، فَاسْتَزَادَ حَبْلا. فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَزِيدَهُ: فَجَاذَبَهُ، حَتَّى قَاسَمَهُ إِيَّاهُ نِصْفَيْنِ. وَحَمَلَهُ عَمَّارٌ عَلَى ظَهْرِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ- أَوْ قَالَ: الْقَصْرُ- وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ. 390- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أنبأ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقْطَعُ عَلَى لِحَافِ ثَعَالِبَ ثَوْبًا. 391- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا وُهَيْبٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سئل عمار عن مسئلة، فَقَالَ: هَلْ كَانَ هَذَا؟ قَالُوا: لا. قَالَ: فدعونا حتى يكون، فإذا كان تحشّمناها [4] لكم.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 182. [2] خ: قثا (قثاء؟) . والتصحيح عن ابن سعد. والقت: حب برى يأكله أهل البادية وكذلك علف للدواب. [3] ابن سعد، 3 (1) / 183. [4] خ: تشجمناها. (والتجشم: التكلف لحل معضلة) .

392- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: وَشَى بِعَمَّارٍ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَرَفَعَ عَمَّارٌ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَبَ عَلَيَّ، فَابْسُطْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَاجْعَلْهُ مَوْطُوءَ الْعَقِبِ. 393- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، ثنا أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قال: كأن عمارا مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ سُكُوتًا وَأَقَلِّهِمْ كَلامًا. وَكَانَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ. ثُمَّ عُرِضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ. 394- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَأَبُو نُعْيَمٍ، قَالا ثنا سَعْدٌ العبسى، عن بلال بن يحيى العبسى أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَى الْفِطْرَةِ، أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَى الْفِطْرَةِ. لَنْ يَدَعَهَا حَتَّى يَمُوتُ أَوْ يُنْسِيَهُ الْهَرَمُ] » . 395- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: شَاتَمَ عَمَّارًا رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ، فَأَنَا كَتَارِكِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَأَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ، وَأَوْطَأَ الرِّجَالُ عَقِبَكَ» . 396- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ يُحَدِّثُ: أَنَّ عَمَّارًا/ 76/ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا يَوْمَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا فَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَبْعَدَ هَذَا الأَمْرَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكِ فِيهِ أَمَرَكِ أَنْ تَقَرِّي فِي بَيْتِكِ. فَقَالَتْ: «مَنْ هَذَا؟ أَبُو الْيَقْظَانِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّكَ، مَا علمت، تقول الحقّ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى لِي عَلَى لِسَانِكِ. 397- وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّازُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، أنبأ أَبُو بَلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: أَحْرَقَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِالنَّارِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 183. [2] ابن سعد، 3 (1) / 183.

يَمُرُّ بِهِ، فَيَمُرُّ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَقُولُ: « [يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً [1] على عَمَّارٍ كَمَا كُنْتِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَا عَمَّارُ] » . 398- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا وُهَيْبٌ، ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: لما اتخذ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، جَعَلَ يَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً. وَجَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: « [وَيْحَكَ، يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، تقتلك الفئة الباغية] » . 399- حدثنى المدائني، عن علي بن مجاهد، قال: وقع بين عبد الله بن مسعود وبين عمار بن ياسر تشاجر في شيء. فعجل عمار. فجلس ابن مسعود. فبلغ ذلك عمر رضي الله تعالى عنه، فقال: أتجلس ابن أم عبد؟ فعزل عمارا، وولى الكوفة المغيرة بن شعبة. 400- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَمْرُو بن عون، أنبأ هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ- وَكَانَ يَأْمَنُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما- قال: بينا أنا عند معاوية إذا أَتَاهُ رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ [3] عَمَّارٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: لِتَطِبْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا لِصَاحِبِهِ بِرَأْسِ عَمَّارٍ، فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ] . فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ: «أَلا تُثْنِي عَنَّا مَجْنُونَكَ هَذَا؟ فَلِمَ يُقَاتِلُ مَعَنَا إِذًا» فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِطَاعَةِ أَبِي، فَأَنَا مَعَكُمْ، ولست أقاتل.

_ [1] راجع القرآن، الأنبياء (21/ 69) وهو هناك عن إبراهيم عليه السلام. [2] ابن سعد، 3 (1) / 180. [3] خ: زائر.

401- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، قَالا ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ بِصِفِّينَ، وَعِنْدَهُ شَاعِرٌ يُنْشِدُ هِجَاءً فِي مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَمَّارٌ يَقُولُ: «أَلْصِقْ بِالْعَجُوزَيْنِ» . فَقَالَ رَجُلٌ: أَيُقَالُ عِنْدَكُمُ الشِّعْرُ وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُ بدر؟ فقال: إنا لما هجا الْمُشْرِكُونَ، شَكَوْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَقَالَ: قُولُوا كَمَا يَقُولُونَ لكم. فإنا كُنَّا لَنُعَلِّمَهُ الإِمَاءَ بِالْمَدِينَةِ] . 402- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [مَا عُرِضَ عَلَى ابْنِ سُمَيَّةَ أَمْرَانِ قَطُّ إِلا اخْتَارَ الأَرْشَدَ مِنْهُمَا] . 403- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: ثَلاثٌ مِنْ كَمَالِ الإِيمَانِ: الإِنْفَاقُ فِي الإِقْتَارِ، وَإِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلامِ. 404- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ عبد الرحمن ابن زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: إِنِّي لأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ صِفِّينَ، بينه وبين عمرو بن العاص، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يَا أَبَتِ، [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعمار: «ويحك يابن سُمَيَّةَ، تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» . قَالَ،] فَقَالَ عَمْرٌو لمعاوية: ألا/ 77/ تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: «ما تزال تأتينا بهنة تدحض بها فِي قَوْلِكَ. أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِينَ جاؤا بِهِ» . 405- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عبد الله ابن الحارث بمثله.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 180.

406- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لعمار رضى الله تعالى عَنْهُمَا: أَسَاءَكَ عَزْلُنَا إِيَّاكَ؟ قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ سَاءَنِي اسْتِعْمَالُكَ إِيَّايَ، وَسَاءَنِي عَزْلُكَ. 407- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عن أبيه، عن عمارة، عن (ابن) خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: شَهِدَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَمَلَ، فَلَمْ يَسُلَّ سَيْفًا. وَشَهِدَ صِفِّينَ، فَقَالَ: لا أُقَاتِلُ أَبَدًا حَتَّى يُقْتَلَ عَمَّارٌ، فَأَنْظُرُ مَنْ يَقْتُلُهُ؟ [فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ] » . فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ، قَالَ خُزَيْمَةُ: قَدْ أَبَانَتْ لِيَ الضَّلالَةَ. ثُمَّ اقْتَرَبَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ عَمَّارًا: أَبُو الْغَادِيَةِ الْمُرِّيُّ. طَعَنَهُ بِرُمْحٍ، فَسَقَطَ. وَكَانَ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلُ فِي مَحَفَّةٍ. فَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سنة. فلما وقع، أكب عليه رجل آخر فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ. فَاخْتَصَمَا فِيهِ. فَقَالَ عَمْرٌو: وَاللَّهِ مَا يَخْتَصِمَانِ إِلا فِي النَّارِ [2] . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَتَقُولُ هَذَا لِقَوْمٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ دُونَنَا؟ فَقَالَ عَمْرٌو: هُوَ وَاللَّهِ ذَاكَ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سَنَةً. 408- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ، دَخَلَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فُسْطَاطَهُ، فَشَنَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَطَرَحَ عَلَيْهِ سِلاحَهُ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. 409- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ أَقْدَمَ فِي الْمِيلادِ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أَقْبَلَ إِلَيْهِ ثَلاثَةُ نَفَرٍ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَوْلانِيُّ، وَشَرِيكُ بْنُ سلمة المرادى.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 185. [2] خ: الدار. [3] ابن سعد، 3 (1) / 185.

فَانْتَهَوْا إِلَيْهِ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ. وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ هُوَ الَّذِي كَانَ ضَرَبَهُ حِينَ أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، حَتَّى أَصَابَهُ الفشق. وَيُقَالُ: بَلِ الَّذِي قَتَلَهُ عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَوْلانِيُّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ أَهْلُ الشَّامِ: إِنَّ الَّذِي قَتَلَ عَمَّارًا: حُوَيُّ بْنُ مَاتِعِ بْنِ زرعة بن محض السَّكْسَكِيُّ، مِنْ كِنْدَةَ. قَالَ: وَغَيْرُهُ يَقُولُ: قَتَلَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ الْمُرِّيُّ. 410- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدورقي، ثنا أبو داود الطيالسي، أنبأ شعبة، أَنْبَأَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا آدَمَ، فِي يَدِهِ الْحَرْبَةُ، وَإِنَّهَا لَتَرْعَدُ. فَنَظَرَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ رَايَةٌ قَدْ قَاتَلْتُهَا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ. وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يَبْلُغُوا [1] بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ، لَعَرَفْتُ أَنَّ مصلحتنا [2] عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الضَّلالِ. 411- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا موسى بن قيس الحضرمى، عن سلمة ابن كُهَيْلٍ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ: «الْجَنَّةُ تَحْتَ الْبَارِقَةِ. الظَّمْآنُ قَدْ يَرِدُ الْمَاءَ. الْمَاءُ مَوْرُودٌ. الْيَوْمَ أَلْقَى الأَحِبَّةَ: مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ. وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يُبَلِّغُونَا [4] سَعَفَاتِ هَجَرَ، لَعَلِمْتُ أَنَّا عَلَى حَقٍّ وَأَنَّهُمْ عَلَى بَاطِلٍ. وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلَتْ هَذِهِ الرَّايَةُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما هَذِهِ الْمَرَّةُ بِأَبَرِّهِنَّ وَلا أَنْقَاهُنَّ [5] » . 412- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عبد الله بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لُؤْلُؤَةَ مَوْلاةِ أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ عَمَّارٌ، وَالرَّايَةُ مَعَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ، وَقَدْ قاتل

_ [1] خ تبلغوا بنا. [2] خ: مصلحينا. [3] ابن سعد، 3 (1) / 183- 184. [4] كذا بهامش الأصل عن نسخة. أما في عبارة الأصل فهو: «تردوا بنا» . [5] خ: أبقاهن (بالباء) . ويمكن أن يكون: «أتقاهن» . [6] ابن سعد، 3 (1) / 184- 185.

أَصْحَابُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَعَمَّارٌ مِنْ وَرَاءِ هَاشِمٍ، وَقَدْ جَنَحَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ. وَمَعَ عَمَّارٍ ضَيْحٌ مِنْ لَبَنٍ. فَقَالَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، وَشَرِبَ الضَّيْحَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ: آخِرُ زَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا ضَيْحٌ مِنْ لَبَنٍ.] / 78/ قَالَتْ: ثُمَّ اقْتَرَبَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. 413- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: أَتَى عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ بِلَبَنٍ، فَضَحِكَ وَقَالَ: [قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ آخِرَ شَرَابٍ تَشْرَبُهُ حَتَّى تَمُوتَ شَرْبَةُ لَبَنٍ] » . 414- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يوم صفّين: «ايتوني بِشَرْبَةِ لَبَنٍ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ آخِرَ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا فِي الدُّنْيَا شَرْبَةُ لَبَنٍ] » . فَأَتَى بِلَبَنٍ، فَشَرِبَهُ. ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. 415- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنْتُ بِوَاسِطِ الْقَصَبِ عِنْدَ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ. فَقَالَ الآذنُ: هَذَا أَبُو الْغَادِيَةِ الْجُهَنِيُّ بِالْبَابِ. فَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى: أَدْخِلُوهُ. فَدَخَلَ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ لَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ طُوَالٌ، ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ. فَلَمَّا دَخَلَ، قَعَدَ. قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: بِيَمِينِكَ؟ قَالَ: لِمَ؟ وَذَكَرَ كَلامًا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا كُنَّا نَعُدُّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فينا حنانا. فبينا أنا في مسجد قباء، إِذَا هُوَ يَقُولُ: «إِنْ نَعْثَلا هَذَا» يَعْنِي عُثْمَانَ. فَقُلْتُ: لَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا، لَوَطِئْتُهُ حَتَّى أَقْتُلَهُ. وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ، إِنْ تَشَأْ تُمَكِّنِّي مِنْ عَمَّارٍ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ، أَقْبَلَ فِي أَوَّلِ الْكَتِيبَةِ. حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، أَبْصَرَ رَجُلٌ عَوْرَةً مِنْهُ، فَطَعَنَهُ فِي رُكْبَتِهِ بِالرُّمْحِ، فَعَثَرَ فَانْكَشَفَ الْمِغْفَرُ عَنْهُ. فَضَرَبْتُهُ، فَإِذَا رَأْسُ عَمَّارٍ. قَالَ: فَلَمْ أَرَ رَجُلا أَبْيَنَ ضَلالَةٍ عِنْدِي مِنْهُ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَايَعَهُ، ثُمَّ قتل عمارا.

وَاسْتَسْقَى أَبُو غَادِيَةَ مَاءً. فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي زُجَاجٍ. فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَ. فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي خَزَفٍ. فَقَالَ رَجُلٌ بِالنِّبْطِيَّةِ [1] : «يَتَوَرَّعُ عَنِ الشُّرْبِ فِي زُجَاجٍ، وَلَمْ يَتَوَرَّعْ عَنْ قَتْلِ عَمَّارٍ» . 416- وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةُ، أنبأ كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ أَبِي غَادِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقَعُ فِي عُثْمَانَ وَيَشْتُمُهُ بِالْمَدِينَةِ، فَتَوَعَّدْتُهُ بِالْقَتْلِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ، جَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ. فَقِيلَ: هَذَا عَمَّارٌ. فَرَأَيْتُ فُرْجَةً بَيْنَ الرَّانَيْنِ [3] وَبَيْنَ السَّاقَيْنِ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَطَعَنْتُهُ فِي رُكْبَتِهِ. فَوَقَعَ، فَقَتَلْتُهُ. فَقِيلَ: قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. 417- وَأُخْبِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ.] فَقِيلَ لِعَمْرٍو: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وها أنت قَاتِلُهُ. قَالَ: إِنَّمَا قَالَ «قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ» . 418- وقال الواقدي في إسناد له: حمل على عمار حوىّ السكسكى وأبو الغادية المرّى، فقتلاه. فقيل لأبي الغادية: كيف قتلته؟ قال: لما دلف [4] إلينا في الكتيبة، دلفنا إليه. فنادى: هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل من السكاسك. ثم بارز رجلا من حمير. فقتله عمار. وأثخن الحميري عمارا. ونادى: هل من مبارز؟ فاختلفنا ضربتين، واضطربت يد عمار، فضربته بسيفي حتى برد. ونادى الناس: قتلت أبا اليقظان، قتلك الله. فقال له محمد بن المنتشر: خصمك، يا با الغادية، مازندر [5] ، يعني ضخما. فضحك. وكان أبو الغادية شيخا كبيرا جسيما آدم.

_ [1] الرواية أيضا عند ابن سعد، 3 (1) / 185- 186 حيث ذكر أيضا النص النبطي: «أوى يد كفتا» . لعله: «واى بد كفتار» يعنى ويل للمتكلم بالسوء. [2] ابن سعد، 3 (1) / 186. [3] كذا في الأصل. والران: الخف الطويل. وعند ابن سعد: «الرئتين» . [4] دلف: تقدم. [5] مازندر كلمة فارسية، معناه الضخم. ومنها بلدة مازندران (وهي على صيغة الجمع بالفارسية) . وزاد عند الطبرى (3/ 2318) : خصمك يوم القيامة إلخ.

419-[وقال على عليه السلام: إنّ امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار و (لم) يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة، لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا ما يذكر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أربعة إلا كان الرابع، ولا خمسة إلا كان الخامس. وما كان أحد من أصحاب محمد يشك في أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين فهنيئا الجنة. عمار مع الحق أين دار. وقاتل عمار في النار] . 420- حدثني الحسين بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب [1] ابن أبي ثابت قال: قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل. 421- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّ رَجُلا، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ النَّارَ. فَقَالَ: قَدْ/ 79/ كَانَ يُحِبُّكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ. فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ أَحَبَّنِي أَمْ تَأَلَّفَنِي، لَكِنَّا كُنَّا نَرَاهُ يُحِبُّ رَجُلا. قَالَ: فَمَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. قَالُوا: فَذَاكَ قَتِيلُكُمْ يَوْمَ صِفِّينَ. قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ قَتَلْنَاهُ. 422- وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: كَانَ أَبُو الْغَادِيَةِ عَامِلِيًّا. وَأَثْبَتُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُرِّيٌّ. 423- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ عَمَّارٌ آدَمَ، طُوَالا، مُضْطَرِبًا، أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ فِي صَفَرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ: إِحْدَى وَتِسْعِينَ. وَدُفِنَ بِصِفِّينَ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. 424- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ صَلَّى عَلَى عمار وهاشم بن عتبة، فجعل عمار مِمَّا يَلِيهِ، وَهَاشِمًا أَمَامَ ذَلِكَ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِمَا تكبيرا واحدا.

_ [1] خ: خبيب (بالخاء المعجمة) .

خباب بن الأرت

425- وحدثنا بشر بن الوليد، ثنا أبو يوسف، عن الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عاصم ابن ضَمْرَةَ: أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى عَمَّارٍ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُ. 426- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُثَنَّى الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ شَهِدُوا عَمَّارًا قَالَ: لا تُغَسِّلُوا عَنِّي دَمًا فَإِنِّي مُخَاصِمٌ. 427- وروي عن الأصبغ بن نباته أنه قال: رحم الله أبا اليقظان، فإني أرى أنه لو شارك أيوب عليه السلام في بلائه، صبر معه. خباب بن الأرت 428- قالوا: كان الأرت سواديا. فأغار قوم من ربيعة على الناحية التي كان فيها، فسبوه وأتوا به الحجاز، فباعوه. فوقع إلى سباع بن عبد العزى الخزاعي، حليف بني زهرة. وابنة [2] عبد الله بن سباع هذا، هي أم طريح بن إسماعيل الثقفي الشاعر. فوهبه لأم أنمار بنت سباع، فأعتقته. وسباع هذا، هو الذى بارزه حمزة رضى الله تعالى عنه: «إلى يابن مقطعة البظور» . فقتله حمزة. وكانت أمه قابلة بمكة. ويقال: إن اسمها أيضا أم أنمار. 429- وقال الهيثم بن عدي: كان أبو خباب من أهل كسكر. ويقال: إنه كان من سواد الكوفة. 430- وزعم أبو اليقظان البصري: أن خباب بن الأرت كان أخا سباع لأمه. فانضم خباب إلى آل سباع، فادّعى حلف بنى زهرة.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 187. [2] خ: ابنه.

431- وخباب- فيما يقول ولده- بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة، من بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم. وأنه وقع عليه سباء، فصار إلى أم أنمار مولاته، فأعتقته. وأنه كانت به رتة. قال الواقدي: كان ألكن إذا تكلم بالعربية. فسمي الأرت. 432- وقال الواقدي: أسلم خباب، وكان قينا بمكة. ويكنى أبا عبد ربه. 433- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كُرْدُوسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَلا إِنَّ خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ أَسْلَمَ سَادِسَ ستة. 434- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قال: أسلم خبّاب مع بنى مظعون وأبى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، قبل دخول دار الأرقم. 435- وحدثنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالا ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَعْطَوْهُمْ [2] مَا أَرَادُوا. قَالَ يُوسُفُ فِي حَدِيثِهِ: حِينَ عُذِّبُوا إِلا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ، فَجَعَلُوا يُلْصِقُونَ ظَهْرَهُ بِالأَرْضِ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى ذَهَبَ مَاءُ مَتْنِهِ. 436- وقال الواقدي: جاء خباب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فشكا ما أصابه. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: [لقد كان الرجل ممن قبلكم يمشط بأمشاط الحديد حتى يخلص إلى ما دون عظمه من لحم وعصب، ويشقّ بالمئآشير، فلا يرده ذلك عن دينه. وأنتم تعجلون. والله، ليمضين هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله وحده، والذئب على غنمه] . 437- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالا ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دين. فأتيته أقتضيه. فقال لي:

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 116. [2] أى المستضعفون من المسلمين في مكة أعطوا للمشركين.

لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: لَنْ أَكْفُرَ حَتَّى تَمُوتَ وَتُبْعَثَ. قَالَ: «وَأَنِّي لَمَبْعُوثٌ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَلَسَوْفَ أَقْضِيكَ/ 80/ إِذْ رَجَعْتَ إِلَيَّ مَالِي وَوَلَدِي» . فَنَزَلَتْ فِيهِ: «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً» ، إلى قوله «فَرْداً [1] » . 438- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ [2] ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس بنحوه وقوله «سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ [3] » ، يَعْنِي مَالَهُ وَوَلَدَهُ. 439- وقال الواقدي: كان خباب ممن شهد بدرا. ولم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم. ولما هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجر خباب، نزل والمقداد ابن عمرو على كلثوم بن الهدم، فلم يبرحا منزله حتى توفي قبل بدر بيسير. فتحولا، فنزلا على سعد بن عبادة. فلم يزالا عنده حتى فتحت قريظة. وآخا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خباب وجبر بن عتيك بن (الحارث بن) [4] قيس بن هيشة الأوسي. ولم يتخلف عن مشهد من مشاهد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 440- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالا ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ قَالَ: جَاءَ خَبَّابٌ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه، فقال: ادْنُهُ، ادْنُهُ، فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ. فَجَعَلَ خَبَّابٌ يُرِيهِ آثَارًا فِي ظَهْرِهِ لَمَّا عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ. 441- حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنْزِيُّ أَخُو مِنْدَلٍ، ثنا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دَخَلَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ عَلَى عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه تعالى عنه،

_ [1] القرآن، مريم (19/ 77- 80) . [2] خ: المضرى (بالضاد المعجمة) . [3] القرآن، مريم (19/ 79) . [4] الزيادة عن ابن هشام، ص 495.

فَأَجْلَسَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ وَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ. فَقَالَ خَبَّابٌ: وَمَنْ هُوَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بِلالٌ. قَالَ خَبَّابٌ: لَيْسَ هُوَ بِأَحَقَّ مِنِّي، إِنَّ بِلالا كَانَ لَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْنَعُهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي [1] أَحَدٌ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمًا وَقَدْ أَوْقَدُوا لِي نَارًا، ثُمَّ سَلَقُونِي فِيهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَجُلٌ رِجْلَهُ عَلَى صَدْرِي، فَمَا أَتَيْتُ الأَرْضَ إِلا بِظَهْرِي. ثم كشف خباب عن ظهره له. فَإِذَا هُوَ قَدْ بَرِصَ. 442- حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى خَبَّابٍ أَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلا [أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ] » ، لَتَمَنَّيْتُهُ. قَالَ: وَأُتِيَ بِكَفَنِهِ قُبَاطِيٍّ. فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ، إِذَا مُدَّتْ عَلَى قَدَمَيْهِ قَصُرَتْ عَنْ رَأْسِهِ، وَإِذَا مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ قَصُرَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ حَتَّى جُعِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرٌ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَمْلِكُ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَإِنَّ فِي بَيْتِي فِي تَابُوتٍ لأَرْبَعِينَ أَلْفِ وَافٍ. وَلَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا. 443- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَى فِي بَطْنِهِ سَبْعًا [3] . وَقَالَ: لَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ. 444- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: كَانَ خَبَّابٌ قَيْنًا، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْلَفُهُ وَيَأْتِيهِ. فَأُخْبِرَتْ بِذَلِكَ مَوْلاتُهُ، فَكَانَتْ تَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ وَقَدْ أَحْمَتْهَا، فَتَضَعُهَا

_ [1] خ: له. [2] ابن سعد، 3 (1) / 117- 118. (وفيه: عن يعلى بن عبيدة. ولكن تهذيب التهذيب لابن حجر يوافق ما عندنا) . [3] خ: سنعا.

عَلَى رَأْسِهِ. فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَقَالَ: اللَّهُمَّ انْصُرْ خَبَّابًا.] فاشتكت مولاته رأسها- وهي أم أنمار- فَكَانَتْ تَعْوِي مَعَ الْكِلابِ. فَقِيلَ لَهَا: اكْتَوِي. فَكَانَ خَبَّابٌ يَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ قَدْ أَحْمَاهَا، فَكَانَ يَكْوِي بِهَا رَأْسَهَا. 445- قال الواقدي: أتى خباب الكوفة حين اختطها المسلمون، فابتنى بها دارا، وتوفي بها سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. وصلى عليه علي بن أبي طالب منصرفه من صفين. 446- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ النَّخَعِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِكْرِمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ خَبَّابٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ بِالْكُوفَةِ فِي جَبَابِينِهِمْ. فَلَمَّا ثَقُلَ خَبَّابٌ/ 81/ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِذَا أَنَا مِتُّ، فَادْفِنِّي بِهَذَا الظَّهْرِ، فَإِنَّكَ لَوْ دفنتى بِهِ قِيلَ: دُفِنَ بِهَذَا الظَّهْرِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، فَدَفَنَ النَّاسُ مَوْتَاهُمْ بِالظَّهْرِ. قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ، دَفَنَهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ. فَكَانَ أَوَّلَ مَدْفُونٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ. 447- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إسناده، قال: كان الذي يعذب خبابا حين أسلم وَلازَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عتبة بن أبي وقاص، أخا سَعْد بْن [2] أَبِي وقاص. واسم أَبِي وقاص مالك بن أهيب ابن عبد مناف بن زهرة. ويقال: إن الذي كان يعذّبه، وهو الثبت، الأسود ابن عبد يغوث. 448- قال: وكان، فيما ذكر بعض ولده، ربعة، جيد الألواح، عريض ما بين المنكبين، عظيم الهامة، كثّ اللحية.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 118. (خ: فلما نقل) . [2] خ: سعد عن أبى وقاص.

صهيب بن سنان

449- وزعم بعض الرواة: أن خبابا كان مولى لعتبة بن ربيعة. وذلك باطل. 450- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، أنبأنا الأعمش، عن إبراهيم: أن خبابا كان يكنى أبا عبد الله. صهيب بن سنان 451- قال الكلبي: صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل ابن عامر بن جندلة بن جذيمة [1] بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط. وأمه سلمى بنت قعيد، من بني تميم. 452- وقال الواقدي: كان إسلام صهيب مع عمار في دار الأرقم بن أبي الأرقم. وقال بعض الرواة: كان اسم صهيب: عميرة بن سنان. قالوا: وكناه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل أن يولد له، أبا يحيى. وليست له كنية غيرها. 453- وقال الكلبي وغيره: كان سنان عاملا لكسرى على الأبلة [2] من قبل النعمان بن المنذر. وكانت منازلهم بأرض الموصل. ويقال: كانوا في قرية على شاطئ الفرات مما يلي الجزيرة. فأغارت الروم على ناحيتهم، فسبت صهيبا وهو غلام صغير. فنشأ بالروم، فصار ألكن. فابتاعه رجل من كلب، فقدم به مكة، فاشتراه أبو زهير عَبْد اللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة بن كعب. فاسترقه، ثم أعتقه. فأقام معه إلى أن هلك. وكان مهلك ابن جدعان قبل المبعث ببضع عشرة سنة. ولم يزل صهيب مع آل جدعان إلى أن بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأسلم. وأما أهل صهيب وولده، فيقولون: لم يشتره أحد من الذين سبوه، ولكنه لما ترعرع وعقل، هرب من الروم، فسقط إلى مكة، فحالف ابن جدعان وأقام معه إلى أن هلك. وأن صهيبا كان أحمر شديد الحمرة، فسمي روميا لذلك، ولأنه سقط إلى الروم. وقال المدائني: سبته العرب، فوقع إلى مكة، ولم يدخل الروم قط. وإنما سمي روميا لحمرته.

_ [1] كذا في الأصل، وعند ابن سعد: خزيمة. [2] خ: الأيلة.

454- حدثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد بن زيد، عن معروف الخزري، عن محمد بن سيرين قال: صهيب من العرب، من النمر بن قاسط. 455- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، قَالُوا ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ- وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُ عُلَيَّةَ [1]- أنبأ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُهَيْبٌ سَابِقٌ الرُّومَ] . 456- حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ: أنبأ حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَرَّ صُهَيْبٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: انْظُرُوا إِلَى الأرذال، أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟ فَنَزَلَتِ الآيَةُ [2] . 457- حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ الْمُؤَدِّبُ الرَّقِّيُّ، ثنا عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُكَنَّى (أَبَا) يَحْيَى. فَيَقُولُ إِنَّهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ/ 82/ «يَا صُهَيْبُ، مَا بَالُكَ تَتَكَنَّى، وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ؟ وَتَقُولُ إِنَّكَ مِنَ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّومِيِّ. وَتُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ وَذَلِكَ سَرَفٌ فِي الْمَالِ» . فَقَالَ صُهَيْبٌ: «أَمَّا الْكُنْيَةُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّانِي أَبَا يَحْيَى. وَأَمَّا النَّسَبُ فَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، مِنْ أَهْلِ الْمَوْصِلِ. وَلَكِنَّ الرُّومَ سَبَوْنِي صَغِيرًا بَعْدَ أَنْ عَقِلْتُ أَهْلِي وَقَوْمِي وَعَلِمْتُ نَسَبِي. وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي الطَّعَامِ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ النَّاسَ، وَأَفْشَى السَّلامَ.] فَذَلِكَ الَّذِي يَحْمِلُنِي عَلَى إِطْعَامِهِ» . 458- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ معاوية بن عبد الرحمن، عن يزيد بن رومان، عن عروة، قال: كان صهيب من المستضعفين، من المؤمنين الذين كانوا يعذّبون في الله.

_ [1] علية أمه. فأحيانا يقال إسماعيل بن إبراهيم، وأحيانا إسماعيل بن علية، وهما رجل واحد. [2] القرآن، الأنعام (6/ 53) .

459- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ زيد، عن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِرًا نَحْوَ الْمَدِينَةِ، فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، وَنَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَرْمَاكُمْ رَجُلا. وَاللَّهِ لا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِكُلِّ سَهْمٍ مَعِي فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُكُمْ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. فَافْعَلُوا ما شئتم. وإن شِئْتُمْ، دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي؟» قَالُوا: نَعَمْ. فَفَعَلَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى، رَبِحَ الْبَيْعُ.] قَالَ: وَنَزَلَتْ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ [1] » . 460- حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، أنبأ عَوْفٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ صُهَيْبًا حين أراد الهجرة إلى المدينة، قالت لَهُ قُرَيْشٌ: «أَتَيْتَنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا وَبَلَغْتَ مَا بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَنْطَلِقَ بِنَفْسِكَ وَمَالِكَ، وَاللَّهِ لا يَكُونُ ذَلِكَ. قَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ إِنْ تَرَكْتُ مَالِي لَكُمْ أَتُخَلُّونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَخَلَعَ لَهُمْ مَالَهُ» . [فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَبِحَ صُهَيْبٌ، رَبِحَ صُهَيْبٌ.] وَنَزَلَتْ فِيهِ: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» الآيَةَ [2] . 461- وقال الواقدي: قدم صهيب آخر الناس مع علي بن أبي طالب عليه السلام. وذلك للنصف من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء. ولم يرم بعد. فوافى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وبين أيديهم رطب قد جاءهم به كلثوم بن الهدم: أمهات جراذين [3] . وكان صهيب رمد العين، قد رمد في الطريق، وأصابته مجاعة شديدة. فجعل يأكل

_ [1] القرآن، البقرة (2/ 207) . والرسم المأثور: «مرضات الله» . [2] القرآن، البقرة (2/ 207) . والرسم المأثور: «مرضات الله» . [3] قال أبو حنيفة الدينورى: وأم جرذان نخلة تحبها الجرذان فتصعدها فتأكل منها. ولذلك سميت أم جرذان. قال: وروى الأصمعى، عن نافع بن أبى نعيم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأم جرذان مرتين. فزعم أهل المدينة أنها أصبر على اللقط من غيرها. (المخصص لابن سيده، 11/ 133) .

الرطب أكل جائع. فقال عمر: يا رسول الله، ألا ترى إلى صهيب يأكل الرطب وهو رمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا صهيب، أتأكل الرطب وأنت رمد؟ فقال صهيب: إنما آكله بعيني الصحيحة. فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال صهيب: إن قريشا أخذتني وحبستني، فاشتريت نفسي وأهلي بمالي، وبادرت للهجرة. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربح البيع] . وأنزل الله عز وجل: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» الآية [1] . 462- قالوا: وشهد صهيب بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 463- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: هَلُمُّوا: أُحَدِّثْكُمْ عَنْ مَغَازِينَا، فَأَمَّا أَنْ أَقُولَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَلا. 464- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ عَامِرِ بن عبد الله ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لأَهْلِ الشُّورَى فِيمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ: «وَلْيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ» . 465- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ [5] مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لما تُوُفِّيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فَإِذَا صُهَيْبٌ يُصَلِّي بِهِمُ الْمَكْتُوبَاتِ/ 83/ بِأَمْرِ عمر. فقدّموه. فصلى على عمر.

_ [1] القرآن، البقرة (2/ 207) . [2] ابن سعد، 3 (1) / 163- 164. [3] ابن سعد، 3 (1) / 164. [4] أيضا. [5] خ: بن.

بلال بن رباح

466- وقال- الواقدي: توفي صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين. وكان وجلا أحمر شديد الحمرة، ليس بالقصير ولا الطويل، وهو إلى القصر أقرب. وتوفي ابن سبعين سنة. وكان يخضب بالحناء. وكان كثير شعر الرأس. ودفن بالبقيع. 467- وحدثني رجل من ولد صهيب، عن أشياخه: أن صهيبا مر بقريش، ومعه خباب بن الأرت، وعمار بن ياسر. فقالوا: هؤلاء جلساء محمد. وجعلوا يهزءون. فقال صهيب: نحن جلساء نبي الله، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه ولا خسيسة مع الإسلام ولا عز مع الشرك. فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون: أنتم الذين منّ الله عليكم من بيننا؟ [1] بلال بن رباح 468- قالوا: كان رباح حبشيا وسبيا. وكان ابنه بلال من مولدي السراة. وكانت أمه حمامة سبية أيضا. وكانت تلقب سكينة. وأسلم بلال قديما في أول ما دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان بلال يكنى أبا عبد الله. فصار بلال لامية بن خلف بن وهب الجمحي. 469- وقد سمعت من يقول: إن بلالا من مولدي بني جمح. فكان أمية يخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيلقيه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ويقول له: لا تزال والله كذا حتى تفارق دين محمد. فيقول بلال: أحد أحد. ويضع أمية في عنقه حبلا، ويأمر الصبيان فيجرونه. فمر بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يوما وهو يعذب. فقال له: يا أمية، أما تتقي الله في هذا المسكين؟ فقال أمية: أنت أفسدته، فأنقذه. وكان بلال تربا لأبي بكر، وأحد من دعاه أبو بكر رضي الله عنه إلى الإسلام. فقال أبو بكر: عندي [2] غلام أسود أجلد منه وأقوى، وهو على دينك، فأعطيك

_ [1] راجع القرآن، الأنعام (6/ 53) . [2] خ: عبدى.

إياه ثمنا لبلال. قال: قد قبلت. فأعطاه ذلك الغلام، وأخذ بلالا فأعتقه. وصار مولى لأبى بكر رضى الله تعالى عنهما. 470- وحدثنى بَكْرٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ أو الْكَلْبِيِّ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: مَرَرْتُ ببلال وهو يعذّب في الرمضاء لو أَنْ بِضْعَةَ لَحْمٍ وُضِعَتْ لَنَضَجَتْ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا كَافِرٌ بِاللاتِ وَالْعُزَّى، وَأُمَيَّةَ مُغْتَاظٌ عَلَيْهِ فيزيده عذابا فيقبل عليه، فيذهب خلقه فيغشى عليه، ثم يفيق. 471- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: حَجَجْتُ- أَوْ قَالَ: اعْتَمَرْتُ- فَرَأَيْتُ بِلالا فِي حَبْلٍ طَوِيلٍ، تَمُدُّهُ الصِّبْيَانُ، وَمَعَهُ فِيهِ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [1] ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ أَنَا أَكْفُرُ بِاللاتِ وَالْعُزَّى وَهُبَلَ وَسَافَ وَنَائِلَةَ وَبَوَانَةَ. فأضجعه أمية في الرمضاء. 472- وحدثنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ الضَّبِّيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: جَعَلُوا فِي عُنُقِ بِلالٍ حَبْلا، وَأَمَرُوا صِبْيَانَهُمْ أَنْ يَشْتَدُّوا بِهِ بَيْنَ أَخْشَبَيْ مَكَّةَ، يَعْنِي جَبَلَيْهَا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. 473- حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن معاوية بن عبد الرحمن، عن يزيد بن رومان، عن عروة قال: كان بلال من المستضعفين من المؤمنين، وكان يعذب حين أسلم ليرجع عن دينه. فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون [3] . وكان الذي يعذبه أمية بن خلف الجمحي. 474- حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْغَنَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ بِلالٌ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ قَالَ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَيَقُولُونَ لَهُ: قُلْ

_ [1] خ: فهره. [2] ابن سعد، 3 (1) / 165. [3] خ: تريدون.

كَمَا نَقُولُ. فَيَقُولُ: إِنَّ لِسَانِي لا يَنْطَلِقُ بِهِ وَلا يُحْسِنُهُ. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيَّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ بِلالا لَمَّا أَسْلَمَ، أَخَذَهُ أَهْلُهُ، فَقَمَطُوهُ [1] وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْبَطْحَاءِ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: رَبُّكَ اللاتُ وَالْعُزَّى/ 84/ فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. قَالَ: فَأَتَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ: عَلامَ تُعَذِّبُونَ هَذَا الإِنْسَانَ؟ فَاشْتَرَاهُ بِسَبْعِ أَوَاقٍ وَأَعْتَقَهُ. فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدِ اشْتَرَاهُ. فَقَالَ: الشِّرْكَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَقَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. 475- وَرُوِيَ أَنَّ بِلالا قَالَ: أَعْطَشُونِي يَوْمًا وَلْيَلَةً، ثُمَّ أَخْرَجُونِي فَعَذَّبُونِي في الرمضاء في يوم حارّ. 476- وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، أنبأ الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بن عينية، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ بِلالا بِخَمْسِ أَوَاقٍ [3] . 477- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو صَالِحٍ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالا ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا» يَعْنِي بِلالا. 478- وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِلالٌ سَابِقٌ الْحَبَشَةَ] . 479- وقال الكلبي: كان بلال يعذب ليرجع إلى الكفر، فيقول: أحد أحد. فمر به ورقة بن نوفل، فقال: أي والله أحد أحد. وقال: لا تعبدون إلها غير ربكم ... فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد مسخر كل ما تحت السماء له ... لا ينبغي أن يسامي ملكه أحد

_ [1] قمطوه: شدوا يديه ورجليه. [2] ابن سعد، 3 (1) / 166. [3] خ: أواقى.

480- حدثني شجاع بن مخلد الفلاس [1] ويوسف بن موسى القطان، قالا أنبأ معمر بن عبد الحميد، عن ليث، عن مجاهد في قوله: «وَقالُوا مَا لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ [2] » ، قال: يقول أبو جهل: «أين بلال، أين عمار، أين صهيب، أين خباب، أين فلان؟ كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار ونتخذهم سخريا. لا نراهم في النار، أم زاغت عنهم أبصارنا؟ فليس نرى مكانهم في النار» . 481- وقال الواقدي: لما هاجر بلال، نزل على سعد بن خيثمة. وقال: يقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخا بين بلال وأبي رويحة الخثعمي. وليس ذلك بثبت. ولم يشهد أبو رويحة بدرا. وكان محمد بن إسحاق [3] يثبت مؤاخاة بلال وأبي رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي. 482- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عبيد الطنافسي، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أول من أذن بلال. 483- حَدَّثَنِي محمد بن سعد [5] ، عن الواقدي، عن موسى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ بِلالٌ إِذَا فَرَغَ مِنَ الأَذَانِ وَأَرَادَ أَنْ يُعْلِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ أَذَّنَ، وَقَفَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُ، ابْتَدَأَ فِي الإِقَامَةِ. 484- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ بِلالا صَعِدَ لِيُؤَذِّنَ وَهُوَ يَقُولُ [6] : مَا لِبِلالٍ ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ ... وابتل من نضح دم جبينه

_ [1] خ: الغلاس (بالغين) والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، حيث بالفاء. [2] القرآن، ص (38/ 62- 63) . [3] ابن هشام، ص 345. [4] ابن سعد، 3 (1) / 167. [5] ابن سعد، 3 (1) / 167. [6] ابن سعد، 3 (1) / 176 (حيث أول البيت: «مال بلالا» ) .

485- وقال الواقدي: كَانَ بِلالٌ يَحْمِلُ الْعَنَزَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى العيد، فيركزها بين يديه. والمصلي يومئذ فضاء. 486- حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، فَيُؤَخِّرُ الإِقَامَةَ قَلِيلا. أَوْ قَالَ: وَرُبَّمَا أَخَّرَ الإِقَامَةَ. وَلا يَخْرُجُ فِي الأَذَانِ عَنِ الوقت. 487- حدثنا خلف البزاز، ثنا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرُ الإِقَامَةَ. 488- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ بِلالٌ يَحْمِلُ الْعَنَزَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْعِيدِ وَفِي الاسْتِسْقَاءِ. 489- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنْ إسماعيل، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ آبَائِهِمْ/ 85/ وَأَجْدَادِهِمْ أَنَّ النَّجَاشِيَّ الْحَبَشِيَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثِ عَنْزَاتٍ. فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً، وَأَعْطَى عمر واحدة، وأعطى عليا واحدة. 490- قال الواقدي: فمشى بالعنزة بَيْنَ يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بين يدي أبي بكر: بلال. ثم كان سعد القرظ يمشي بها بين يدي عمر، وعثمان في العيدين، فيركزها بين أيديهما. ويصليان إليها. وهي العنزة التي يمشى بها اليوم بين يدي الولاة. قال الواقدي: ويقال إن الزبير بن العوام قاتل بين يدي النجاشي عدوا له، فأبلى. فوهب له العنزة.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 167- 168. [2] ابن سعد، 3 (1) / 168.

491- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أنبأ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلالٍ: مَا أَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ مَنْفَعَةً؟ فَقَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلا أَتَرَجَّى عِنْدِي مَنْفَعَةً مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا تَامًّا قَطُّ فِي لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ إِلا صَلَّيْتُ لِرَبِّي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُصَلِّيَ. قَالَ: [فَإِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ خَشْفَ نَعْلَيْكَ- أَوْ قَالَ: خَشْفَ نَفْلَيْكَ- فِي الْجَنَّةِ بَيْنَ يَدَيَّ] . 492- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عن هرير ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [يَا بِلالُ نَوِّرْ بِالْفَجْرِ قَدْرَ مَا يُبْصِرُ الْقَوْمُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِمْ] . 493- حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ بِلالا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَنَادَى: أَلا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ، أَلا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ، ثَلاثًا. 494- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا أَبُو هِلالٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أن بلالا تزوج امرأة من سبى، عَرَبِيَّةً، مِنْ بَنِي زُهْرَةَ. 495- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أنبأ شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: خَطَبَ بِلالٌ وأخوه إلى أهل بيت من البر، فَقَالَ: «أَنَا بِلالٌ وَهَذَا أَخِي عَبْدَانُ مِنَ الْحَبَشَةِ، كُنَّا ضَالَّيْنِ فَهَدَانَا اللَّهِ، وَكُنَّا عَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَنَا اللَّهُ. إِنْ تُنْكِحُونَا فَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَإِنْ تَمْنَعُونَا فَاللَّهُ أَكْبَرُ» . 496- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنِي أُمَيٌّ أَنَّ أَخًا لِبِلالٍ كَانَ يَنْتَمِي إِلَى الْعَرَبِ، فَخَطَبَ امرأة منهم. فقالوا: إن

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 169 (حيث: «امرأة عربية» ) ولم يذكر «سبى» . [2] ابن سعد، 3 (1) 169.

حَضَرَ بِلالٌ، زَوَّجْنَاكَ. قَالَ: فَحَضَرَ بِلالٌ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا بِلالُ بْنُ رَبَاحٍ وَهَذَا أَخِي، وَهُوَ رَجُلٌ سُوقِيُّ الْخُلُقِ وَالدِّينِ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَزَوِّجُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَدَعُوهُ. قَالُوا: مَنْ تَكُنْ أَخَاهُ فَإِنَّا نُزَوِّجُهُ. فَزَوَّجُوهُ. 497- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدْيَكٍ الْمَدَنِيُّ، ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ بَنِي الْبُكَيْرِ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالُوا لَهُ: زَوِّجْ أُخْتَنَا فُلانًا. فَقَالَ لَهُمْ: فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ بِلالٍ؟ ثُمَّ جَاءُوا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحْ أُخْتَنَا فُلانًا. فَقَالَ: [أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ بِلالٍ، أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: فَأَنْكَحُوهُ] . 498- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا أَبُو هِلالٍ الْحِمْصِيُّ، عَنْ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عبد الرحمن بن ميسرة قال: كان أناس يَأْتُونَ بِلالا فَيَذْكُرُونَ فَضْلَهُ وَمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ. فَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا أَنَا حَبَشِيٌّ، كُنْتُ بِالأَمْسِ عَبْدًا. 499- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أنبأ مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: انْتَهَى بِلالٌ إِلَى قَوْمٍ يَتَنَازَعُونَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَبِلالٍ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ أَبِي بَكْرٍ. 500- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَبْطَحِ، وَهُوَ في قبة حَمْرَاءَ، فَخَرَجَ بِلالٌ بِفَضْلِ وُضُوئِهِ. ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ. فَكُنْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَعْنِي يَمِينًا وَشِمَالا. ثُمَّ رُكِزَتْ عَنَزَةٌ. وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ حَمْرَاءُ. فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ. قَالَ: فَصَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ الظُّهْرَ- أَوْ قَالَ: الْعَصْرَ- رَكْعَتَيْنِ. وَجَعَلَ يَمُرُّ الْكَلْبُ/ 86/ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ فَلا يَمْنَعُ. فَلَمْ تَزَلِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ [3] .

_ [1] ابن سعد 3 (1) 169. [2] ابن سعد، 3 (1) 169- 170. [3] القصة تتعلق بحجة الوداع، فالصلاة ركعتين قصرا أثناء طول السفر.

501- حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ بِلالا سَمِعَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ مَنْ تُقَاتِلُونَ؟ أَلا تَذْكُرُونَ اللَّبَنَ؟ [1] فَقَالَ بِلالٌ: أُمَيَّةُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لا نَجَوْتُ إِنْ نَجَوْتَ. وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ، ثُمَّ خَطَمَهُ بِالسَّيْفِ فَجَدَعَهُ، فَمَاتَ. 502- وقال الواقدي وإبراهيم بن سعد وغيرهما: لما كان يوم بدر، رأى أمية بن خلف، عبد الرحمن بن عوف وكان صديقه. فقال له: يا عبد عمرو. وكان اسمه في الجاهلية. فلم يكلمه. فقال له: يا عبد الإله. قال عبد الرحمن: فالتفتّ، فإذا أنا بأمية وابنه علي، وبه كان يكنى. وقد أخذ بيد ابنه. ومعي أدراع قد استلبتها. وكان مشرفا على الأسر. فسأله أن يطلب له الأمان، وقال: أما لكم حاجة في اللبن [2] ؟ (يعني الفداء) ، نحن خير [3] لكم من أدراعك. فقلت: امضيا، وأقبلت أسوقهما. فبصر بلال بأمية، فقال: يا معشر الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجوت. قال عبد الرحمن: فاقتتلوا كأنهم عوذ [4] حنت إلى أولادها 1/ 217، فأحاطوا [5] بأمية حتى صار في مثل المسكة. فأقبل الحباب بن المنذر، وقد اضطجعت عليه، فأدخل سيفا فقطع أربيته [6] . فقمت عنه. وضربه خبيب ابن يساف حتى قتله. وضربه بلال ضربة صرعته. وضرب أمية خبيبا، فقطع يده من المنكب، فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فالتحمت وصلحت. وتزوج خبيب بعد ذلك ابنة أمية [7] بن خلف، فرأت أثر الضربة، فقالت: لا أشل الله يدا ضربتك. فقال: وأنا فقد أوردته شعوب [8] . وقتل عليا ابنه: الحباب بن المنذر وعمار بن ياسر.

_ [1] قال ابن هشام، ص 448: «يريد باللبن أن من أسرنى، افتديت منه بابل كثيرة اللبن» . [2] قال ابن هشام، ص 448: «يريد باللبن أن من أسرنى، افتديت منه بابل كثيرة اللبن» . [3] خ: خيرا. [4] أى ناقة حديثة الولاد. [5] خ: فاطعوا. [6] أى أصل الفخذ. [7] خ: أبى (كأنه سهو القلم) . [8] أى الموت.

503- وقد روي أيضا أن رفاعة بن رافع طاعن أمية وسايفه، ثم بدا له فتق في درعه تحت إبطه. فوجأه بالسيف، فقتله. والأول أثبت خبر روي في قتله. 504- قال الواقدي: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أذن بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر بعد. فكان إذا قال «أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله» ، انتحب الناس في المسجد. فلما دفن، قال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أذن. فقال: إن كنت إنما أعتقتني لله، فخلني ومن أعتقتنى له. فقال له: ما أعتقتك إلا لله. فقال: فإني لا أؤذن لأحد بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فذاك إليك. فأقام حتى خرجت بعوث الشام، فسار معهم. 505- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ لَهُ بِلالٍ: يا با بَكْرٍ. قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ: أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ أَمْ لِنَفْسِكَ؟ قَالَ: لِلَّهِ. قَالَ: فَائْذَنْ لِي حَتَّى أَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَذِنَ لَهُ. فَأَتَى الشَّامَ، فَمَاتَ بِهَا. 506- وروي أن بلالا قال لأبي بكر: يا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله،] فائذن لي. فقال أبو بكر: أنشدك الله وحرمتي وحقي، فقد كبرت سني وضعفت واقترب أجلي. فأقام مع أبي بكر حتى توفي أبو بكر. ثم جاء إلى عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ كما قال لأبي بكر. فرد عليه عمر نحوا مما رد أبو بكر. فأبى بلال عليه المقام. فقال عمر: فإلى من ترى أجعل النداء؟ قال: إلى سعد القرظ، فإنه قد أُذِنَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فدعا عمر سعدا، فجعل الأذان إليه. 507- حدثنى بعض القرشيين قال: لما دون عمر الدواوين بالشام، سأل بلال أن يجعل ديوانه مع أبى رويحة

_ [1] في الأصل خط على الصلاة، كأنه كتب سهوا ولكن لم يرد حذفه أدبا.

عامر بن فهيرة

عَبْد اللَّه بْن عبد الرحمن الخثعمي، وقال: فإني غير مفارقه أبدا، فقد آخا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه. فضم ديوان الحبشة إلى خثعم. فلم يبق بالشام حبشي/ 87/ إلا صار ديوانه مع خثعم. 508- وقال أبو بكر في بلال رضي الله تعالى عنهما حين قتل أمية [1] : هنيئا زادك الرحمن عزا ... فقد أدركت ثأرك يا بلال فلا نكسا وجدت ولا جبانا ... غداة تنوشك الأسل الطوال قالوا: وقال بلال، ومرض حين هاجر إلى المدينة [2] : أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل 509- وقال الواقدي: إن بلالا [3] ترب أبي بكر. وتوفي بمدينة دمشق سنة عشرين. ودفن عند باب الصغير، في المقبرة هناك، وهو ابن بضع وستين سنة. وكان رجلا آدم شديد الأدمة، نحيفا طوالا، وكان أحنى، له شعر كثير، خفيف العارضين، به شمط [4] كثير لا يغيره. وقد شهد المشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وسأل عمر حين قدم الشام بلالا أن يؤذن. وقال: إنما كرهت الأذان بالمدينة، فأذن ها هنا. فأذن. فبكى الناس عامة يومهم لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. عامر بن فهيرة 510- كان عامر مولدا من مولدي الأزد، مملوكا للطفيل بن عبد الله بن الحارث ابن سخبرة بن جرثومة، من ولد نصر بن زهران. وكان الطفيل أخا عائشة ابنة

_ [1] الاستيعاب لابن عبد البر، رقم 167، بلال. (وفيه في الأول «خيرا» بدل «عزا» ) . [2] ابن هشام، ص 414، بلدان ياقوت (: شامة، فخ، مجنة، مكة) ، صحيح البخارى، مناقب الأنصار (93/ 44 حديث 3) . [3] خ: بلال. [4] أى شعرات بيض.

أبو فكيهة

أبي بكر لأمها أم رومان. وكان عامر قديم الإسلام قبل دخول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم بْن أبي الأرقم. 511- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ لِلطُّفَيْلِ أَخِي لأُمِّي. فَأَسْلَمَ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهِ مَنِيحَةَ غَنَمٍ لَهُ. 512- قالوا: وكان عامر من المستضعفين، وكان يعذب بمكة ليرجع عن دينه حتى اشتراه أبو بكر. وكان حين أوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار يروح بغنيمة أبي بكر فيها، فيسقيهما من لبنها. وكان معهما حين هاجر إلى المدينة يخدمهما. وقد شهد بدرا وأحدا. ونزل بالمدينة على سعد بن خيثمة. وآخا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين الحارث بن أوس بن معاذ. واستشهد عامر بن فهيرة يوم بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة. وكان يوم قتل ابن أربعين سنة. وكان يكنى أبا حمد. وروى أن جبار بن سلمى الكلابى طعن عامرا يومئذ. فقال: فزت ورب الكعبة. ورفع من رمحه، فلم توجد جثته. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة أخذته فوارت جثته.] فأسلم جبار لما رأى، وحسن إسلامه. 513- وحدثنى محمد بن سعد [2] ، عن يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْد، عَنْ أَبِيهِ، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب قال: أخبرني رجال من أهل العلم أن عامر بن فهيرة قتل يوم بئر معونة، فلم يوجد جسده حين دفنوا القتلى. قال عروة: فكانوا يرون أن الملائكة دفنته. أبو فكيهة 514- واسمه أفلح. ويقال: يسار. قالوا: كان أبو فكيهة عند صفوان [3]

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 164. [2] ابن سعد، 3 (1) / 164- 165. [3] خ: الصفوان.

ولبينة جارية بنى المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد الله بن قرط بن رزاح [2] ابن عدى بن كعب.

ابن أمية الجمحي. فأسلم حين أسلم بلال. فمر بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وقد أخذه أمية بن خلف فربط في رجله حبلا وأمر به فجر. ثم ألقاه في الرمضاء. ومر به جعل [1] ، فقال: أليس هذا ربك؟ فقال: الله ربي، خلقني وخلقك وخلق هذا الجعل. فغلظ عليه وجعل يخنقه. ومعه أخوه أبي بن خلف، يقول: زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره. ولم يزل على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات. ثم أفاق. فمر به أبو بكر، فاشتراه واعتقه. 515- ويقال: إن بني عبد الدار كانوا يعذبونه/ 88/ فإنه إنما كان لهم. فأخرجوه يوما مقيدا نصف النهار إلى الرمضاء، ووضعوا على صدره صخرة حتى دلع لسانه، وقيل: قد مات. ثم أفاق. 516- قال ابن سعد: وذكر الهيثم بن عدي أنه مات قبل يوم بدر. ولبينة جارية بني المؤمل بن حبيب بن تَميم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح [2] ابن عدي بن كعب. 517- وكان يقال لها [3] ، فيما ذكر أبو البختري، لبينة. أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فكان عمر يعذّبها حتى يفتر، فيدعها، ثم يقول: أما إني أعتذر إليك بأني لم أدعك إلا عدامة [4] . فتقول: كذلك يعذبك الله إن لم تسلم. 518- وقال الواقدي في إسناده: إن حسان بن ثابت قال: قدمت مكة معتمرا، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس، وأصحابه يؤذون ويعذبون. فوقفت على عمر، وهو مؤتزر يخنق جارية بني عمر بن المؤمل حتى تسترخي في يديه. فأقول: قد ماتت. ثم يخلي عنها، ثم يثب على زنّيرة، فيفعل بها مثل ذلك.

_ [1] أى خنفسة. [2] خ: رفلح. [3] خ: لهما. [4] كذا وفي مصادر أخرى، أعييت أو تعبت.

زنيرة:

زنيرة: 519- قالوا وكان أبو جهل يقول: ألا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمد (ا) ؟ فلو كان أمر محمد خيرا وحقا ما سبقونا إليه. أفسبقتنا زنيرة إلى رشد، وهي من ترون؟ وكانت زنيرة قد عذبت حتى عميت. فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى فعلتا بك ما ترين. فقالت، وهي لا تبصره: وما تدري اللات والعزى، من يعبدهما ممن لا يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء، وربي قادر على أن يرد بصري. فأصبحت من تلك الليلة وقد رد الله عليها بصرها. فقالت قريش: هذا من سحر محمد. فاشترى أبو بكر رضي الله عنه جارية بني المؤمل وزنيرة، وأعتقهما. 520- ويقال: إن زنيرة لغير بني عدي. وقال الكلبي: هي لبني مخزوم. وكان أبو جهل يعذبها. وكانت النهدية 521- مولدة لبني نهد بن زيد. فصارت لامرأة من بني عبد الدار. فأسلمت. فكانت تعذبها وتقول [1] : والله لا أقلعت عنك أو يعتقك [2] بعض من صباتك. فابتاعها أبو بكر أيضا، فأعتقها. وكان معها طحين- ويقال: نوى- لمولاتها يوم أعتقها أبو بكر رضي الله تعالى عنه. فردت ذلك عليها. وكانت أم عبيس 522- وبعضهم يقول «أم عنيس» ، أمة لبني زهرة. فكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها. فابتاعها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتقها.

_ [1] خ: يقول. [2] خ: تعتقك.

523- وأخبرت عن المسيبي أنه قال: إنها أم عبيس بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عبد شمس. والله أعلم. 524- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْن أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي غَطْفَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ لَهَا [1] : هَلْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ؟ قَالَتْ [2] : نَعَمْ، إِنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ وَيُجِيعُونَهُ وَيُعَطِّشُونَهُ وَيَضْرِبُونَهُ، حَتَّى مَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْعُدَ، فَيُعْطِيهِمْ مَا سَأَلُوا مِنَ الْفِتْنَةِ. وَيَقُولُونَ لَهُ: اللاتُ وَالْعُزَّى آلِهَتُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَحَتَّى إِنَّ الْجُعَلَ لَيَمُرُّ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَهَذَا الْجُعَلُ إِلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، افْتِدَاءً مِمَّا يَبْلُغُونَ مِنْ جَهْدِهِ. فَإِذَا أَفَاقَ، رَجَعَ إِلَى التَّوْحِيدِ. 525- وقال الكلبي عذب قوم لا عشائر لهم ولا مانع. فبعضهم ارتد، وبعضهم أقام على الإسلام، وبعضهم أعطى ما أريد منه عن غير اعتقاد منه للكفر. وكان قوم من الأشراف قد أسلموا، ثم فتنوا. منهم سلمة بن هشام بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص السهمي. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه: عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وأبو فكيهة، وعامر بن فهيرة وأشباههم من المسلمين. فيقول/ 89/ بعض قريش لبعض: هؤلاء جلساؤه كما ترون، قد من الله عليهم من بيننا [3] . فأنزل الله عز وجل: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ [4] » ونزل فيهم: «وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [5] . ونزل فيهم: «وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ

_ [1] لام عبيس، صاحبة الترجمة؟ [2] خ: قال. [3] راجع القرآن، الأنعام (6/ 53) . [4] راجع القرآن، الأنعام (6/ 53) . [5] أيضا (6/ 52) .

أسماء من هاجر إلى الحبشة من المسلمين،

لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [1] » . ونزل فيهم: «ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [2] » . قالوا: وكان مجاهد يقول: يعني الذين تكلموا بما تكلموا به وهم كارهون. 526- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَبُو جَهْلٍ يَأْتِي الرَّجُلَ الشَّرِيفَ إِذَا أَسْلَمَ، فَيَقُولُ لَهُ: أَتَتْرُكُ دِينَ أَبِيكَ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَتُفَيِّلُ رَأْيَهُ، وَتَضَعُ شَرَفَهُ؟ وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا، قَالَ: سَتَكْسَدُ تِجَارَتُكَ، وَيَهْلِكُ مَالُكَ. وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، أَغْرَى بِهِ حَتَّى يُعَذَّبَ. فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ، فَهَاجَرُوا إِلَى الْحَبَشَةِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ. أسماء من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، هربا بأديانهم من مشركي قريش بإذن النبي صلى الله عليه وسلم: 527- فمن بني هاشم بن عبد مناف. جعفر بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. هاجر في المرة الثانية، ومعه امرأته أسماء ابنة عميس. ولم يزل مقيما بالحبشة. وكان أبو طالب يتعهده، إلى أن مات، باللطف والنفقة. ثم قدم منها هو وجماعة أقاموا معه من المسلمين، وجماعة أسلموا من الحبش، وقد فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم أخي جعفر؟] وعانقه، وقبل ما بين عينيه. وذلك في سنة سبع من الهجرة. واستشهد جعفر بمؤنة في سنة ثمان من الهجرة، وله أكثر من أربعين سنة بأشهر. ويقال: أقل منها بأشهر. وكان يكنى أبا عبد الله. وولد له بالحبشة عبد الله بن جعفر، (ومحمد) [3] وعون، وأمهم أسماء. 528- ومن بني أمية بن عبد شمس: عُثْمَان بْن عَفَّان بْن أَبِي العاص بْن أمية.

_ [1] القرآن، النحل (16/ 41- 42) . [2] أيضا (16/ 110) . [3] الزيادة عن مصعب الزبيري، ص 80.

وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية.

هاجر الهجرتين، الأولى والثانية جميعا، ومعه امرأته رقية بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. ثم قدم رضي الله تعالى عنه، فهاجر مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هاجر إلى الحبشة، ومعه رقية: إنهما لأول من هاجر بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام.] وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام بها، فلم يشهد بدرا. وولد له بالحبشة سعيد بن خالد. ثم قدم من الحبشة مع جعفر. واستشهد بالشام في سنة أربع عشرة. وكان يكنى أبا سعيد. وكانت معه بالحبشة امرأته همينة بنت خلف بن أسعد الخزاعي. عمرو بن سعيد أخوه. هاجر إلى الحبشة وأقام بها، ثم قدم مع جعفر عليه السلام. واستشهد بالشام. وقال الكلبي: قدما مع جعفر، وكانت هجرتهما في المرة الثانية بعد أن رجع من رجع من الهجرة الأولى. وكان عمرو يكنى أبا عتبة. وكانت معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن محرث الكناني. وقال بعضهم: إنه قدم قبل جعفر بقليل. أبو حذيفة ابن عُتْبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف. واسمه مهشم: ويقال: هشيم. هاجر إلى الحبشة مرتين، ثم قدم فهاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، وقتل يوم اليمامة شهيدا، وهو ابن ثلاث أو أربع وخمسين سنة. وكانت معه بالحبشة امرأته سهلة بنت سهيل/ 90/ بن عمرو، فولدت له محمد بن أبي حذيفة. 529- ومن حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف: [بنو جحش] عبد الله، ويكنى أبا محمد، وعبد، ويكنى أبا أحمد، وعبيد الله، ويكنى أبا جحش، بنو جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن كبير بن مرة بن غنم بن دودان بن أسد. وهم إخوة زينب بنت جحش. وأمهم أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم. فأما عبد الله، فهاجر في المرة الثانية، وقدم فشهد بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد يوم أحد، ودفن مع حمزة رضي الله عنهما في قبر واحد. وأما أبو أحمد، وهو عبد، فكف بصره ومات بالمدينة، ولم يهاجر إلى الحبشة قط. ومن قال أنه هاجر، فقد أبطل. وأما عبيد الله، فهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، فتنصر ومات على النصرانية. فيقال أنه غرق في البحر وهو سكران. ويقال غرق من الخمر، وكانت معه امرأته، رملة بنت أبي سفيان بن حرب، فولدت

شجاع بن وهب بن ربيعة،

له جارية سمتها حبيبة. فقيل «أم حبيبة» . فأقامت على الإسلام. فخلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ أنه وجه عمرو بن أمية الضمري إلى أصحمة النجاشي بكتاب منه، يدعوه فيه إلى الإسلام، وأمره أن يخطب عليه أم حبيبة. فوكلت خالد بن سعيد بن العاص بتزويجها. وكان وأخوه أقرب من بالحبشة إليها. فزوجها إياه. وكان عبيد الله يقول: «فقحنا وصأصأتم» ، أي أبصرنا ولم يبصر المسلمون. وهذا مثل. وأصله أن الجرو إذا فتح عينه، قيل: فقح. وإذا فتح ثم غمض من الضعف لصغره، قيل: صأصأ. وأبو أحمد ابن جحش، الذي جعل يوم فتح مكة يمر بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بين الصفا والمروة، وهو يقول [1] : يا حبذا مكة من واد (ى) ... أرض بها أهلي وعوادي إني [2] بها ترشح أوتادى ... إنى بها أمشى بلا هاد (ى) وشجاع بن وهب بن ربيعة، أحد بني مالك بن كبير بن غنم. ويكنى أبا وهب. هاجر في المرة الثانية، ثم هاجر إلى المدينة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ نحيفا، طوالا، أحنى. وقتل يوم اليمامة شهيدا، وهو له بضع وأربعون سنة. ويقال إن أخاه عقبة بن وهب كان معه. والثبت أنه كان معه ببدر. قيس بن عبد الله، ظئر عبيد الله بن جحش. وهو من بني أسد أيضًا. هاجر في المرة الثانية، ومعه امرأته بركة بنت يسار الأسدى [3] ، أخت أبى تجراة. وبعضهم يقول: «رقيش الأسدى [4] » ، وذلك غلط. والأسدى الذي وهل [5] إليه يزيد بن رقيش. وليس يزيد بن رقيش من مهاجرة الحبشة، ولكنه بدري. ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، حليف آل سعيد بن العاص. وقال بعضهم: هو من دوس، ولكنه أصابه سباء. وهو مولى سعيد بن العاص. وهو

_ [1] ابن سعد، 2 (1) / 102، الاستيعاب لابن عبد البر، رقم 888، الطفيل ابن مالك، مع اختلافات الرواية. [2] خ: أتى. [3] في أصل الكتاب «الأزدى» وبالهامش عن نسخة أخرى «الأسدى» . [4] في أصل الكتاب «الأزدى» وبالهامش عن نسخة أخرى «الأسدى» . [5] أى نسب عن وهم.

أبو موسى عبد الله بن قيس

قديم الإسلام. وكتب لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وولاه بيت المال. وكان به جذام، فأكل مع عمر. فقال: لولا صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، ما واكلته. وهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية. ومنهم من يدفع هجرته إلى الحبشة، ويقول: كان قدومه مع أبي موسى الأشعري. وأول مشاهده خيبر. وأنه مات في السنة التي غزيت فيها إفريقية في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه. وقال الواقدي: سمعت من يقول إنه من مهاجرة الحبشة، وقدم مع جعفر بن أبي طالب. وليس ذلك بثبت. أبو موسى عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار ابن حرب بن عامر بن عتر بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر بْن أدد بْن زيد بْن يشجب بْن عريب بن زيد بن كهلان ابن سبأ بْن/ 91/ يشجب بْن يعرب بْن قحطان. قال الهيثم بن عدي: كان حليفا لآل عتبة بن ربيعة، وأسلم بمكة وهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية فأقام بها وقدم مع جعفر، فشهد خيبر. ومات سنة اثنتين وأربعين. وقال الواقدي وغيره: لم يكن أبو موسى من مهاجرة الحبشة قط، ولا حليفا لأحد، وإنما قدم من اليمن بعد ذلك مع نفر فيهم أبو عامر الأشعري. وأول مشاهد أبي موسى خيبر. ومات سنة اثنتين وأربعين. وقال أبو بكر بن أبي شيبة المحدث: مات سنة أربع وأربعين. 530- ومن بني نوفل بن عبد مناف، من حلفائهم: عتبة بن غزوان بن جابر ابن نُسَيْب بْن وُهَيب بْن زَيْد بْن مالك بْن عَبْد عوف بْن الحارث بْن مازن بن منصور. هاجر في المرة الثانية، ثم هاجر مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وهو ابن أربعين سنة. وولاه عمر البصرة. فكان أول من مصرها. ومات بين المدينة والبصرة وهو يريدها راجعا إليها في سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سنة. وكان يكنى أبا غزوان. ويقال: كان يكنى أبا عبد الله، وكان لعتبة مولى، يقال له خباب، ويكنى أبا يحيى بكنية خباب بن الأرتّ، شهد بدرا ومات سنة تسع عشرة وصلى عليه عمر بن الخطاب. وكان حين مات ابن تسع وخمسين سنة. ولم يهاجر مع عتبة إلى الحبشة. 531- ومن بني أسد بْن عبد العزى بْن قصي: أبو عبد الله الزبير بن العوام

عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد بن عبد العزى.

ابن خويلد رضي الله تعالى عنه. هاجر إلى الحبشة في المرتين جميعا، وقاتل مع النجاشي عدوا له. فأعطاه العنزة التي صارت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم هاجر من مكة إلى المدينة، ومعه أمه صفية بنت عبد المطلب. واستشهد بوادي السباع، بقرب البصرة. ويقال إن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عنزات. وهاجر معه إلى المدينة حاطب بن أبي بلتعة اللخمي حليفه، وسعد بن [1] خولي الكلبى مولى حاطب، ولم يهاجرا معه إلى الحبشة. فأما حاطب فتوفي بالمدينة سنة ثلاثين وهو ابن خمس وستين سنة. وصلى عليه عثمان. وكان يكنى أبا محمد. وأما سعد بن خولي الكلبي، فاستشهد يوم احد. وكان يكنى أبا عبد الله. وفرض عمر لابنه عبد الله بن سعد مع الأنصار. عَمْرو بن أمية بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى. هاجر في المرة الثانية، فمات بأرض الحبشة مسلما. ولم يذكره محمد بن إسحاق. خالد بن حزام بن خويلد ابن أسد، مات قبل أن يصل إلى الحبشة في المرة الثانية: نهشته أفعى فقتلته. وليس يجتمع على هجرته. ولم يذكره محمد بن إسحاق. وقال الواقدي في بعض روايته: إن هذه الآية «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [2] » نزلت فيه. وليس ذلك بثبت. يزيد بن معاوية ابن الأسود بن المطلب بن أسد، هاجر في المرة الثانية، واستشهد يوم حنين. ويقال: يوم الطائف. وقيل: إنه كان يكنى أبا حنظلة، وقدم المدينة بعد الهجرة. الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد هاجر فِي المرة الثانية، وقدم المدينة بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إياها. 532- ومن بني عبد قصي: طليب بن عمير بن وهب بن عَبْد، وأمه أروى بنت عبد المطلب، هاجر إلى الحبشة فِي المرة الثانية، وهاجر إلى المدينة مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واستشهد يَوْم أجنادين بالشام وَهُوَ ابْن خمسٍ وثلاثين سنة. وكان يُكنى أبا عدي. 533- ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب الخير بن عمير بن هاشم بن

_ [1] خ: مولى. (ولكن راجع بعد سطرين) . [2] القرآن، النساء (4/ 100) .

فراس ابن النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى،

عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، هاجر إلى الحبشة في المرة الأولى والثانية جميعا، / 92/ ثُمَّ قدم مَكَّة فهاجر مِنْهَا إِلَى المدينة. واستشهد يوم أحد ومعه لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ابن أربعين سنة. وكان يكنى أبا محمد. فراس ابن النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قصي، هاجر في المرة الثانية. وقتل بالشام يوم اليرموك شهيدا وكان يكنى أبا الحارث. وكان قدومه من أرض الحبشة بعد الهجرة. جهم بن قيس بن عبد بن شرحبيل، ويقال عبد شرحبيل وهو قول الكلبي، وابناه عمرو وخزيمة، هاجروا في المرة الثانية وقدموا مع جعفر بن أبي طالب. وماتت امرأة جهم بالحبشة. سويبط بن سعد ابن حرملة بن مالك بن عُميلة بن السباق بن عَبْد الدار، هاجر في المرة الثانية. وشهد بدرا وأحدا. ومات والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوجه إلى تبوك. وكان يكنى أبا حرملة. وأبو الروم بن عمير، أخو مصعب، وكان اسمه عبد مناف، هاجر في المرة الثانية. قال الواقدى: ليست هجرته بمجتمع عليها. وقال الكلبي: هاجر إلى الحبشة، ثم قدم قبل خيبر فشهد خيبر. وقال الهيثم بن عدي: لم يهاجر أبو الروم إلى الحبشة. وقال الواقدي، قال أبو الزناد: لم يهاجر أبو الروم إلى الحبشة، وشهد يوم أحد. النضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة، ويكنى أبا الحارث. وقال الواقدي: كان النضير من مسلمة يوم الفتح. ويقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أمنه يوم الفتح، فلم يصح إسلامه إلا بعد حنين. وكان إسلامه بالجعرانة. حدث عن سببه أنه خرج إلى حنين هو وأبو سفيان وصفوان وسهل بن عمرو، يريدون إن كانت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكروا مع المشركين عليه وعلى أصحابه. وقد حسن إسلام النضير بعد. وكان ممن أقام بمكة ولم يهاجر إلى المدينة. ولم يذكره ابن إسحاق فِي الهجرة إلى الحبشة. وقال الهيثم بن عدي: هاجر النضير إلى الحبشة، ثم قدم إلى مكة وارتد، ثم إنه صحح الإسلام يوم الفتح أو بعده. واستشهد باليرموك. 534- ومن بني زهرة بن كلاب: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الْحَارِث بْن زهرة. وَكَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد عمرو. ويقال: عبد الكعبة. فسماه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرحمن. هاجر إلى الحبشة في المرة الأولى

عامر بن أبى وقاص،

والثانية، ثم قدم مكة فهاجر مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وتوفي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سنة. ويكنى أبا محمد، رحمه الله. عامر بْن أَبِي وقاص، واسم أَبِي وقاص مَالِك، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية وأقام حَتَّى قدم مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب عليه السلام. ومات بالشام في خلافة عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه. وكان يكنى، فيما روي عن الوقاصي، أبا عمرو، رضي الله تعالى عنه. المطلب، وطليب ابنا أزهر بْن عَبْدِ عوف. قال الْوَاقِدِيُّ: هاجر المطلب فِي المرة الثانية، وولد لَهُ بالحبشة عَبْد اللَّهِ بْن المطلب. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: هاجرا جميعا فِي المرة الثانية وماتا بالحبشة. وكانت مَعَ المطلب امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة السهمي. عبد الجان بن شهاب بن عبد الله ابن الحارث بن زهرة. وهو عبد الله، سماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَبْد الله» . هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام مع جعفر، وقدم معه. وتوفي في أيام عثمان. وذكر الوقاصي: أنه كان يكنى أبا مخرمة. 535- ومن حلفاء بنى زهرة: أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة/ 93/ بن كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل. وأمه أم عبد بنت ود، من هذيل. هاجر في المرة الثانية. ويقال: في المرتين جميعا، وذلك أثبت. وهاجر من مكة إلى المدينة. وتوفى في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن بضع وستين سنة. ودفن بالبقيع. وقال الواقدي: صلى عليه عثمان. وقال غيره، صلى عليه عمار بن ياسر. وكان رجلا نحيفا قصيرا شديد الأدمة، لا يغير شيبته. وهاجر معه عتبة بن مسعود، أخوه لأبيه وأمه في المرة الثانية. وأقام عتبة حتى قدم مع جعفر، ومات بالمدينة فِي أيام عُمَر بْن الْخَطَّابِ. وَكَانَ يكنى أبا عون. ومن حلفاء بني زهرة: المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد ابن دهير بن لؤي بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بن أبي أهون [1] بن قائش [2] بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن

_ [1] كذا في الأصل وفي جداول وستنفلد: هون. [2] ص: قاش (والتصحيح وستنفلد) .

536 - ومن بنى تيم بن مرة:

قضاعة. وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود. وكانت أمه عند الأسود بن عبد يغوث، خلف عليها بعد أبيه عمرو، وتبناه فنسب إليه. هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية في رواية ابن إسحاق [1] . ولم يذكره موسى بن عقبة وأبو معشر. ثم قدم فهاجر مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، وشهد بدرا. ولم يزل مع النبي صلى الله عليه وسلم وشهد مشاهده كلها. وتوفي في خلافة عثمان في سنة ثلاث وثلاثين بالجرف، على ثلاثة أميال مِنَ الْمَدِينَةِ، فحمل عَلَى رقاب الرجال حتى دفن بالمدينة. وصلى عليه عثمان. وكان يوم توفي ابن سبعين سنة أو نحوها. يكنى أبا معبد. وكان رجلا طوالا آدم ذا بطن، كثير شعر الرأس، يصفر لحيته ولم تكن بالعظيمة ولا الخفيفة، أقنى مقرون الحاجبين. ولما قدم المدينة، نزل على كلثوم بن الهدم. فآخا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين جبار ابن صخر، فأقطعه في بني جديلة. دعاه إلى تلك الناحية أبي بن كعب. 536- ومن بني تيم بن مرة: عمرو بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سعد بن تيم ابن مرة، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. وأقام مع جعفر، وقدم قبله. واستشهد يوم القادسية. والحارث بْن خَالِد بْن صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد ابن تيم. هو ابن خال أبي بكر الصديق، لأن أمه أم الخير بنت صخر بن عمرو ابن كعب. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. وَكَانَ أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه أراد الهجرة إلى الحبشة في المرة الثانية معه ثم أقام مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ: قَالا ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَسَطَتْ بِهِمْ عَشَائِرُهُمْ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ [2] ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ آذَوْهُ. فَلَمَّا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ، لَقِيَهُ بن الدُّغَيْنَةِ. وَهُوَ الْحَارِثُ [3] بْنُ يَزِيدَ سَيِّدُ الْقَارَةِ. فَقَالَ: أَيْنَ تَعْمِدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أخرجني

_ [1] ابن هشام، ص 211. [2] زاد بعده في الأصل سهوا: «وكان المشركون نحو أرض الحبشة» . [3] قال السهيلي 12/ 231: اسمه مالك.

قَوْمِي، فَأَنَا أَسِيحُ فِي الأَرْضِ فَأَعْبُدُ رَبِّي. فَقَالَ ابْنُ الدُّغَيْنَةِ: «مِثْلُكَ، يَا أَبَا بَكْرٍ، لا يَخْرُجُ وَلا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ [1] ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحُقُوقِ. فَأَنَا لَكَ جَارٌ. فَارْجِعْ» . وَأَتَى ابْنُ الدُّغَيْنَةِ قُرَيْشًا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ يَخْرُجُ. أَتُخْرِجُونَ رَجُلا يُكْسِبُ الْمُعْدَمَ [2] ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيُقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى النَّوَائِبِ؟» فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدغينة، وأمنوا أبا بكر على أَنْ يُصَلِّيَ وَيَقْرَأَ فِي مَنْزِلِهِ. فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ مُسْتَخْفِيًا بِصَلاتِهِ وَقِرَاءَتِهِ، يَعْبُدُ اللَّه فِي دَارِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ ابْتَنَى بِفِنَاءِ دَارِهِ مَسْجِدًا، فَبَرَزَ يُصَلِّي فِيهِ. فَكَانَ يَجْتَمِعُ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَرَاعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ، فَبَعَثُوا إِلَى ابْنِ الدُّغَيْنَةِ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا يَصْنَعُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ ابْنُ الدُّغَيْنَةِ لأَبِي بَكْرٍ: قَدْ عَلِمْتُ مَا عَاقَدَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فإما أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ جِوَارِي وَذِمَّتِي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي/ 94/ أُرْجِعُ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّه. وكان الحارث بن خالد مع أبي بكر حين لقيه أولا. فقال له: إن معي رجلا من عشيرتي. فقال له ابن الدغينة: دعه فليمض لوجهه، وارجع أنت إلى عيالك. فقال له أبو بكر: فأين حق المرافقة؟ فقال الحارث: أنت في حل، فامض، فإني ماض لوجهي مع أصحابي. فمضى حتى صار إلى الحبشة. قالوا: ولم يزل مقيما بها إلى أن قدم مع جعفر. وكانت مع الحارث امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة، من بني مرة. فولدت له موسى وعائشة وزينب. وهلكت بأرض الحبشة. وذلك الثبت. وقال بعض الزبيريين: أقبل الحارث وامرأته وولده منها، فشربوا ببعض الطريق من ماء هناك فماتوا سواء. فزوجه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة ابنة عبد يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. وقال غير الواقدى: هو ابن الدّغنّة [3] .

_ [1] «وقوله لأبى بكر: إنك لتكسب المعدوم، يقال: كسبت الرجل مالا، فتعديه إلى مفعولين. هذا قول الأصمعى. وحكى غيره: أكسبته مالا، فمعنى تكسب المعدوم، أى تكسب غيرك ما هو معدوم عنده» (السهيلي، 1/ 231) . [2] كذا ههنا في الأصل. والمعدم: الفقير. [3] أى بدل ابن الدغينة المذكور في القصة. والدغنة أمه كما ذكر السهيلي (1/ 231) .

537 - ومن بنى مخزوم بن يقظة بن مرة:

537- ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة: أبو سلمة بن عبد الأسد. واسم أبي سلمة عبد اللَّه بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن مخزوم. هاجر إِلَى أرض الحبشة مرتين، ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة. واسمها هند. فولدت له بالحبشة زينب بنت أبي سلمة. وقدم مكة، فكان أول من هاجر إلى المدينة. وشهد بدرا. ورمي بسهم يوم أحد، فانتقض به، فمات في جمادى الآخرة سنة أربع. فخلف رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أم سلمة بعده. وكان أبو سلمة ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأمه برة بنت عبد المطلب. شماس بْن عُثْمَان بْن الشريد بْن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم. واسمه عثمان [1] . هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. واستشهد يوم أحد. وقال بعضهم: استشهد يوم بدر. والأول أثبت. وكان يعرف بابن ساقي العسل. وذلك أن هرمي بن عامر كان يسقي الناس العسل بمكة. وكان شماس يكنى أبا المقدام. وكانت معه بالحبشة امرأته أم حبيب بنت سعيد بن يربوع بن عنكثة. ونزل حين هاجر إلى المدينة على مبشر بن عبد المنذر. وأدخل المدينة من أحد وبه رمق، وحمل إلى أم سلمة، فمات عندها. فأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فرد إلى أحد فدفن بها مع الشهداء. وقال حسان بن ثابت يرثيه ويخاطب أخته [2] : أقنى حياءك [3] في ستر وفي كرم ... فإنما كان شماس من الناس قد ذاق حمزة ليث اللَّه فاصطبري ... كأسا رواء فكأس المرء شماس ويقال: قاله غير حسان. هبار بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بْن هلال، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية وأقام مع جعفر، وقدم المدينة قبله. واستشهد يوم أجنادين بالشام. ويقال: يوم مؤتة. عبيد اللَّه بن سفيان، أخو هبار. هاجر معه، وقتل يوم اليرموك. هاشم بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن

_ [1] فهو عثمان بن عثمان. [2] ليس في ديوان حسان المطبوع ولكن ذكر في الاستيعاب، رقم 2618 شماس ابن عثمان، مع اختلافات. [3] خ: «افنى جيادك» (عند الاستيعاب: «أفنى حياتك» ) .

سلمة بن هشام بن المغيرة، أخو أبى جهل.

عمر بن مخزوم. واسم أبي حذيفة مهشم. هاجر المرة الثانية، وأقام مع جعفر، وقدم المدينة قبله ومات فيها، يقال أيام تبوك. وبعضهم يقول: هو هشام بن أبي حذيفة. سلمة بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، أخو أَبِي جهل. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة. فحبسه بها أبو جهل، فلم يأت المدينة إلا بعد الخندق. واستشهد يوم مرج الصفر بالشام. ويكنى أبا هاشم. قالت أم «سلمة» ، وهي ضباعة بنت عامر القشيرية [1] : لا هم رب الكعبة المحرمة ... أظهر على كل عدو سلمة له يدان في الأمور المبهمة ... إحداهما تردي وأخرى منعمه عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية ومعه امرأته ابنة سلمة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم. فولدت له/ 95/ بأرض الحبشة عبد اللَّه بن عياش. ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. وكان قد صاحب في هجرته إلى المدينة عمر بن الخطاب. فلما شارفا المدينة، لحقهما أبو جهل والحارث ابنا هشام بن المغيرة، ومعهما الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة العامري. فقالوا: يا عياش، إن أمك مريضة، وقد نذرت أن لا تستظل من شمس ولا يمس رأسها دهن ولا تطعم إلا بلغة من الخبز القفار [2] حتى تراك. فرق لها. فقال له عمر: «ما يريدون إلا خديعتك عن دينك. واللَّه لئن آذى أمك القمل، لتدهنن، ولتمشطن، ولئن آذاها حر مكة، لتستظلن» . فقال: أبر قسم أمي، ولي هناك مال. فخرج معهما. فلما صار ببعض الطريق، شداه وثاقا، وأدخلاه مكة. وقالا: هكذا فافعلوا بسفهائكم. ويقال: إنه قدم المدينة ونزل بفناء، فمنها رجع. وكان الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة قد أعانهما على ربطه. فحلف عياش: لئن أمكنته منه فرصة، ليقتلنه. فلما تخلص عياش، وذلك بعد أحد، أتى المدينة، فإذا هو بالحارث ابن يزيد قائما بالبقيع، فقتله وهو يظن أنه كافر. فنزلت فيه: «وَما كانَ

_ [1] الاستيعاب، رقم 2457 مسلمة بن هشام. (وعنده في آخرهما: كف بها يعطى وكف منعمه) . [2] البلغة: القليل الذى يسد الرمقى. القفار: بلا إدام.

لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً» ، الآية [1] . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ كَانَ شَدِيدًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَاءَ وَهُوَ يُرِيدُ الإِسْلامَ. فَلَقِيَهُ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ- وَعَيَّاشٌ لا يَدْرِي- فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ. فَأَنْزَلَ عَزَّ وَجَلَّ: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً» الآيَةَ. وَلَمْ يَزَلْ عَيَّاشٌ بِالْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَجَاهَدَ. وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ. وَلَمْ يَبْرَحِ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّه مِنَ الْمَدِينَةِ. وَحَدَّثَنِي عَلِي الأثرم، عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: نزل هشام بن المغيرة نجران [2] ، وبها أسماء بنت مخربة- ويقال: بنت عمرو بن مخربة- وقد هلك عنها زوج لها. وكانت أم أسماء: عناق بنت الجان، من تغلب بن وائل. وأمها الشموس بنت وائل بن عطية، من أهل فدك. فتزوجها هشام بن المغيرة وحملها إلى مكة. فولدت له أبا جهل بن هشام، والحارث بن هشام. ثم خلف عَلَيْهَا أَبُو رَبِيعَة بْن الْمُغِيرَةِ، فولدت لَهُ عياش ابن أبي ربيعة. وكان عياش أخا أبي جهل والحارث ابني هشام لأمهما أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم. وقال ابن سعد. ماتت أسماء قبل رجوع عياش إليها. ويقال [3] إنه لم يمكنه التخلص حتى ماتت. ويقال إنها أدركت خلافة عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، وذلك أثبت. وقال الواقدي وغيره: لم يزل الوليد بْن الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مخزوم على دين قومه حتى أسر يوم بدر. فافتدي بأربعة آلاف درهم. ويقال بسكة [4] أبيه الوليد- لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يقبل غيرها، وكانت درعا

_ [1] القرآن، النساء (4/ 92) . [2] كذا في الأصل. لعله بحران. نجران في اليمن، وحران في عراق العرب. وأسماء بنت مخربة من بلاد تميم وتغلب. [3] خ: عياش إلى فيقال. [4] أى الدرع الضيقة الحلق.

فضفاضة [1]- وسيفا، وبيضة. وكان اللذان خرجا في فدائه أخاه خالد ابن الوليد، وأخاه هشام بن الوليد. فلما افتدي وتخلص، أسلم ورجع إلى مكة، وقال: ما منعني من الإسلام حين أسرت، وقد تبينت الحق، إلا أن يقال «أسلم الوليد فرارا من الفداء» . ثم إن أخويه حبساه بمكة مع عياش ابن أبي ربيعة وسلمة بن هشام. فلم يزل يحتال حتى أفلت من وثاقه، وخرج حتى أتى المدينة. وقد طلب، فلم يلحق، وستر اللَّه عليه فلم يعرف أخواه له أثرا. فسأله رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سلمة وعياش. فقال: تركتهما في ضيق. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعو لهما ولضعفة المسلمين قبل إسلام الوليد. ثم دعا للوليد أيضًا. [فَقَالَ رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: انطلق يا وليد حتى تنزل فلان القين فإنه قد أسلم وأخلص، فتستخفي عنده وتلطف لأخبار عياش وسلمة/ 96/ وتعلمهما أنك رسولي وأنى آمرهما بالتلطف للخروج إلي، فإن اللَّه سيعينهما وييسر ذلك لهما، فقد أذن في خلاصهما.] قال الوليد: ففعلت. وسهل اللَّه أمرهما حتى خرجا. وكانا جميعا موثقين، رجل هذا مع رجل صاحبه في قيد واحد. وخرجت أسوق بهما مخافة الطلب والفتنة، حتى انتهيت إلى ظهر حرة المدينة. فعثرت، فانقطعت أصبعي. فقلت [2] : هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لقيت ثم مات بالمدينة بعد قليل. فقالت أم سلمة بنت أمية زوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [3] : يا عين فابكي للولي ... د ابن الوليد بن المغيرة مثل الوليد بن الولي ... د أبى الوليد فتى العشيرة

_ [1] أى المتسعة. [2] مصعب الزبيري، ص 324، ابن سعد، 4 (1) / 98، 99، الاستيعاب، كنى الرجال رقم 33 أبو الأسود، وعزاه إلى رسول اللَّه، ابن هشام، ص 321. [3] مصعب، ص 329، ابن سعد، 4 (1) / 98- 99، الاستيعاب رقم 1665 عبد اللَّه بن الوليد، ورقم 6689، الوليد بن الوليد.

538 - ومن حلفاء بنى مخزوم:

[فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا تقولي هذا يا أم سلمة، ولكن قولي: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ] [1] » . ويقال إن أم سلمة استأذنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في البكاء على الوليد، وقالت: غريب توفي في بلاد غربة. فأذن لها. فصنعت طعاما وجمعت النساء. وقال الواقدي: وقوم يزعمون أن الوليد بن الوليد تخلص حين تخلص، فكان مع أبي بصير عتبة بن أسيد الثقفي حليف قريش. وذلك غير ثبت. وكان أبو بصير أسلم وأفلت من قومه، فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد قدومه المدينة من الحديبية. فكتب الأخنس بن شريق وغيره إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في رده، لما كان قاضاهم عليه من رد من صار إليه. فرده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليهم مع رسولين لهم. فشد أبو بصير في طريقه على أحد الرسولين، فقتله. وكان من بنى عامر ابن لؤي. يقال له خنيس بن جابر. وأفلت فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ له: وفيت بذمتك وامتنعت بديني أن أفتن. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: [ويل أمه من محش حرب لو كان معه رجال.] وكان مع أبي بصير سلب العامري، فلم يخمسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال له هنيئا لك [2] بسلب صاحبك. ثم قال: يا أبا بصير، اذهب حيث شئت. فخرج أبو بصير إلى قرب الساحل. وألحق به قوم من المسلمين ممن كان يؤذي ويفتن وغيرهم. فتتاموا سبعين، فضيقوا على قريش وجعلوا يقتلون من ظفروا به، ويأخذون ما معه. فكتبت قريش إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم تسأله أن يدخل أبا بصير إليه. فكتب إلى أبي بصير في القدوم عليه. فأتاه رسوله بكتابه وأبو بصير يجود بنفسه. فلم يلبث أن مات. فمن الرواة من يزعم أن الوليد كان معه. وذلك باطل. 538- ومن حلفاء بني مخزوم: عمار بن ياسر العنسي. كانت أمه لبني مخزوم. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة فهاجر إلى المدينة. وكان محمد ابن إسحاق [3] يشك في هجرة عمار إلى الحبشة. معتب بن عوف بن الحمراء

_ [1] القرآن، ق (50/ 19) . [2] خ: سألك. [3] ابن هشام، ص 242.

539 - ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص:

الخزاعي، ويكنى أبا عوف، هاجر في المرة الثانية إلى الحبشة. ومات سنة سبع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة. وقد اختلفوا في هجرته. وكان الواقدي يثبتها. وبعضهم يقول: مات وله نيف وثمانون سنة. وقال محمد بن سعد: وهو معتب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف- وهو الذي يدعى عيهامة- ابن كليب بن حبشية بن سلول. وأمه الحمراء. وكان محمد بن إسحاق [1] والواقدي يثبتان هجرته. ولم يذكر موسى بن عقبة وأبو معشر/ 97/ هجرته إلى الحبشة. وهاجر إلى المدينة فنزل على مبشر بن (عبد) المنذر. وآخا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين ثعلبة بن حاطب. وشهد جميع المشاهد. 539- ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص: عثمان بن مظعون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح. وهو خال حفصة بنت عمر بن الخطاب زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم. هاجر إِلَى الحبشة مرتين، وقدم فهاجر إِلَى الْمَدِينَة. وتوفي بِهَا فِي ذي الحجة سنة اثنتين. فصلى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقبله وَهُوَ ميت. ودفنه بالبقيع. وقال حين توفي إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ادفنوه بالبقيع عند سلفنا الصالح عُثْمَان بْن مظعون] [2] . فدفن إلى جنبه. وكان يكنى أبا السائب. وولد له عبد الرحمن، والسائب. وأمهما خولة بنت حكيم ابن حارثة بن الأوقص السلمي حليف بني عبد مناف. ولما ماتت زينب بنت رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، أو رقية، [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون] . حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد، عن يوسف ابن مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَظَرَ إِلَيْهَا نَظْرَةَ غَضْبَانَ: وَمَا يُدْرِيكِ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه، صَاحِبُكَ. فَقَالَ: واللَّه، إنى لرسول اللَّه، وما أدرى

_ [1] ابن هشام، ص 242. [2] راجع أيضا نسب قريش لمصعب الزبيري، ص 393.

وعبد الله بن مظعون،

مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِهِ.] فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، [حَتَّى مَاتَتِ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الْحَقِي بِسَلَفِنَا الصالحين- أو قال: الخير- عثمان ابن مَظْعُونٍ.] وعبد اللَّه بن مظعون، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ثُمَّ قدم مكة فهاجر منها إلى المدينة، وشهد بدرا وجميع المشاهد. وكانت أمه سخيلة بنت العنبس بن وهبان، وهو ابن أهبان، من بني جمح. مات سنة ثلاثين وهو ابن ستين سنة. ويكنى أبا محمد. قدامة بن مظعون، وأمه غزّية بنت الحويرث بن العنبس الجمحي. ويكنى أبا عمرو. وهاجر في المرة الثانية، ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. ومات سنة ست وثلاثين. وكان يوم مات ابن ثمان وستين سنة. وقال الواقدي: قالت عائشة بنت قدامة: كان عثمان وإخوته متقاربين في السن. وكان عثمان شديد الأدمة. ليس بقصير ولا طويل، كبير اللحية عريضها. وكذلك صفة قدامة، إلا أن قدامة كان طويلا. السائب ابن عثمان بن مظعون، هاجر مع أبيه في المرة الثانية، ثم قدم مكة وهاجر إلى المدينة. وكان من الرماة المذكورين. وأصابه سهم يوم اليمامة في خلافة أَبِي بَكْر، فمات وَهُوَ ابْن بضع وثلاثين سنة. وولد ولأبيه ثلاثون سنة. وتوفي أبوه وهو ابن سبع وثلاثين سنة. معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب. مختلف في هجرته. ومات في خلافة عمر بالمدينة. وأمه قتيلة بنت مظعون. ومن أنكر هجرته، أثبت قولا أسلم معمر قبل دخول النبي صلى اللَّه عليه وسلم دار الأرقم، وشهد بدرا وجميع المشاهد. حاطب وحطاب ابنا الحارث (بن) معمر ابن حبيب بن وهب، هاجرا [1] إلى الحبشة في المرة الثانية، وماتا بالحبشة مسلمين وكان معهما الحارث بن حاطب. فقدم الحارث ومحمد بن حاطب، وكان مولده بالحبشة، فِي إحدى السفينتين [2] مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب عليه السلام. ويقال: إن المهاجر حاطب وحده، وإن محمدا ابنه ولد في بلاد الحبشة. وكان محمد يكنى أبا إبراهيم. ومات بالكوفة فِي ولاية بشر بْن مروان. وكان قد شهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها. سفيان بن معمر بن حبيب،

_ [1] خ: هاجر. [2] في أصل العبارة: «السفينتين» بالهامش عن نسخة أخرى: «السفرتين» .

نبيه [2] ابن عثمان بن ربيعة بن أهبان بن حذافة بن جمح.

أخو جميل بن معمر الذي كانت قريش تدعوه «ذا قلبين [1] » . هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ومات في زمن عمر أو عثمان/ 98/ رضي اللَّه تعالى عنهما. وَكَانَ مَعَهُ بالحبشة ابناه جناده وجابر. وأمهما حسنة، أم شرحبيل ابن حسنة. وكان قدومه بعد الهجرة وقبل قدوم جعفر عليه السلام. نبيه [2] ابن عثمان بن ربيعة بن أهبان بن حذافة بن جمح. هاجر فِي المرة الثانية، وأقام حَتَّى ركب السفينة مع جعفر. فمات في البحر. وقال محمد بن إسحاق [3] : وكان معهم هبار بن وهب بن حذافة. 540- ومن حلفاء بني جمح بن عمرو: شرحبيل بن حسنة مولاة بني جمح. وأبوه، فيما ذكر الواقدي، عبد اللَّه بن المطاع بن عمرو الكندي. وقال الكلبي: شرحبيل بن عَبْد اللَّه بْن ربيعة بْن المطاع، من ولد صوفة الربيط، وهو الغوث ابن مرّ [4] بن أد بن طابخة، حليف بني جمح. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ومات بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، وهو ابن تسع أو سبع وستين سنة. وكان يكنى أبا عبيد اللَّه. وقال الواقدي: هو حليف بني زهرة وقال الهيثم بن عدي [5] : شرحبيل من حمير. وقول الكلبي أثبت الأقاويل. 541- ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص: خنيس بْن حذافة بْن قَيْس بْن عدي بْن سعد بن سهم. وأمه ضعيفة بنت حذيم، من بني سهم. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة فهاجر منها إلى المدينة. ومرض ورسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر وهو معه. فمات مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر سنة اثنتين. وكانت عنده حفصة بنت عمر بن الخطاب، فخلف عليها النبي

_ [1] في أصل العبارة «أفلس» وبالهامش عن نسخة: «تدعوه ذا قلبين» . وقال مصعب (ص 395) : كان هذا العرف لعقله فشنعه اللَّه ونزلت الآية (سورة الأحزاب (33/ 4) : «مَا جَعَلَ اللَّه لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جوفه» . [2] ابن هشام (ص 213) ليس نبيه بل أبوه عثمان هو الذى هاجر. [3] لم يذكره ابن هشام. [4] خ: «أره» . (والتصحيح عن ابن هشام ص 76، 213. راجع أيضا السهيلي 1/ 85) . [5] خ: جدي.

عبد الله بن حذافة،

صلى اللَّه عليه وسلم. وكان خنيس يكنى أبا حذافة. ولم يذكر موسى بن عقبة هجرة خنيس إلى الحبشة، ولا ذكرها أبو معشر. وثبتها ابن إسحاق [1] والواقدي. ويقال: إنه كان يكنى أبا الأخنس. عبد اللَّه بن حذافة، أخوه، هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية. وكانت الروم أسرته. فكتب عمر رضي اللَّه تعالى (عنه) إلى قسطنطين [2] في أمره. فخلى سبيله. وكان من غزاة مصر. ومات في خلافة عثمان. وهو كان رسول النبي صلى اللَّه عليه وسلم بكتابه إلى كسرى، وإياه أمر أن ينادي بمنى: إنها أيام أكل وشرب. ويقال: إنه أمر بالنداء بذلك بديل بن ورقاء. ويقال: أمرهما جميعا. قيس بن حذافة، هاجر معهما. وبعض الرواة يدفع هجرته. والواقدي يثبتها، ويقول: قدم من الحبشة بعد هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدينة. هشام بن العاص بن وائل بن هاشم ابن سعد بن سهم، أخو عمرو بن العاص. وهو قديم الإِسْلام. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثم قدم مَكَّةَ للهجرة إِلَى الْمَدِينَة. فحبسه أبوه، فلم يزل محبوسا بمكة حتى مات أبوه في آخر السنة الأولى من الهجرة. ثُمَّ حبسه قومه بعد أَبِيهِ. فلم يزل يحتال، حتى تخلص وقدم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد الخندق. وجاهد فقتل بالشام. وَكَانَ أصغر سنا من عَمْرو بْن الْعَاصِ أخيه. وَكَانَ يكنى أبا العاص. فكناه رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مطيع. وأمه أم حرملة بنت هشام بن المغيرة. وكان واعد عمر أن يمضي معه إلى المدينة، وقال له: انتظرني في أضاة بني غفار. فأخذه أبوه فكبله. أبو قيس بن الحارث ابن قَيْس بْن عدي، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. فيقال: إنه قدم مَعَ جَعْفَر. ويقال: قبل ذلك. وليس قدومه مع جعفر بثبت. واستشهد باليمامة. تميم بن الحارث بن قيس، وأخ له من أمه من بني تميم يقال له معبد، هاجر (ا) في المرة الثانية. واستشهد تميم بالشام. والواقدي يقول: نمير بن الحارث. سعيد ابن الحارث، أخو تميم، هاجر معه إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. واستشهد يَوْم

_ [1] ابن هشام ص 213. [2] ملك قسطنطين عدة أشهر في السنة 641، وملك قسطنط () من 641 إلى 668 للميلاد. وخلافة عمر رضى اللَّه عنه من 634 إلى 644.

عبد الله بن الحارث.

اليرموك. عبد اللَّه بن الحارث. أخوهم، هاجر معهم/ 99/ ومات بالحبشة. الحجاج بن الحارث بن قيس، هاجر فِي المرة الثانية. وقدم الْمَدِينَة بعد هجرة النبي عليه السلام [1] . واستشهد بالشام. وقد اختلف في هجرته. والواقدي يثبتها. وقال الكلبي: لم يسلم ولم يهاجر، وأسر يوم بدر، ثم أسلم. وكان لهم أخ يقال له الحارث بن الحارث، ذكر بعضهم أنه هاجر مع إخوته إِلَى الحبشة، وقدم الْمَدِينَة بعد الهجرة. ومات من جراحة أصابته يَوْم الطائف. ويقال: بل استشهد بالشام. وقد اختلف في هجرته. والواقدي يثبتها. عمير بْن رئاب بْن مهشم بْن سَعِيد بن سهم. وعمير القائل: نحن بنو زيد الأغر ومثلنا ... نحامي على الأحساب عند الحقائق حدثني مصعب بن عبد اللَّه الزبيري [2] ومحمد بن سعد، عن هشام الكلبي، قالا: كان اسم جمح تيما، واسم سهم زيد. وأمهما الألوف بِنْت عدي بْن كعب بْن لؤي. فجلست يوما وعندها ابناها تيم وزيد، ومعها أترجّة من ذهب أو فضّة. وقالت: أي ابني، استبقا إِلَيْهَا، فمن أخذها فهي لَهُ. فسبق زيد، فأخذها. فَقَالَتْ: كأنك واللَّه يَا زَيْد سهم مرق من رمية، وكأن شَيْئًا جمح بك عَنْهَا يَا تيم. فسمي هذا سهما، وهذا جمح. 542- ومن حلفاء بنى سهم: حمية بن جزء بن عبد يغوث الزبيدي، هاجر في المرة الثانية إلى الحبشة. وكان أول مشاهده، فيما روى الواقدي، المريسيع. وقال الكلبي: شهد بدرا، وولاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المقاسم يومئذ. وهو حليف لبني جمح. وكانت ابنته عند الفضل بن العباس بن عبد المطلب، فولدت له أم كلثوم بنت الفضل بن العباس. 543- ومن بني عدي بْن كعب بْن لؤي بْن غالب: معمر بن عبد اللَّه بن نضلة ابن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بن عويج بن عدي. هاجر إلى

_ [1] خ: صلى اللَّه عليه وسلم عليه السلام. (مع خط على الصلاة كأنه سها في النقل ولم يرد أن يمحوه أدبا) . [2] مصعب الزبيري، ص 386.

عروة بن أبى أثاثة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج،

الحبشة في المرة الثانية. وهو الذي كان يرحل رحل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجته. مات في خلافة عمر. وكان قدومه من أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب. عروة بْن أَبِي أثاثة بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بْن عويج، هاجر في المرة الثانية، ومات بأرض الحبشة. عدي بن نضلة، وبعضهم يقول: نضيلة، هاجر في المرة الثانية، ومات بأرض الحبشة. وهو أول موروث فِي الإِسْلام: ورثه ابنه النعمان بْن عدي الذي ولاه عمر ميسان. فَقَالَ [1] : أَلا أبلغ الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة تجذو عَلَى كُلّ منسم لعل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... وَلا تسقني بالأصغر المتثلم فلما بلغ عمر رضي الله تعالى عنه، قال: وَاللَّه إنه ليسوءني تنادمهم، فمن لقيه فليعلمه أني قد عزلته. وكتب فِي عزله. فلما قدم عليه، قال: والله يا أمير المؤمنين، مَا صنعت شَيْئًا مما ذكرت، ولكني امرؤ شاعر، أصبت فضلا من قول فقلته. فَقَالَ عمر: وَاللَّه لا تعمل لِي عملا أبدا. وقال محمد ابن إسحاق [2] : كان النعمان بالحبشة مع أبيه. 544- ومن حلفاء بني عدي: عامر [3] بن ربيعة بن مالك بن عامر بن ربيعة ابن حجر [4] بن سلامان بن مالك بن ربيعة بن رفيدة بن عنز بن وائل بن قاسط هاجر إلى الحبشة في المرتين جميعا، ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن حذافة ابن غانم بْن عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن عبيد بن عويج. ثم هاجر إلى المدينة. ومات

_ [1] مصعب الزبيري، ص 382 (وذكر محشيه مصادر أخرى) ، ابن هشام، ص 786: الاستيعاب، رقم 1340، النعمان بن عدى. (خ في الثالث «نسوة» بدل «يسوءه» ) . راجع أيضا بلدان ياقوت ميسان. [2] ابن هشام ص 214. [3] راجع السهيلي 1/ 167- 168. [4] كذا في الأصل وعند ابن سعد «حجير» .

خولى بن أبى خولى

بعد مقتل عثمان بأيام. وكان لازما لمنزله، فلم يشعر الناس إلا/ 100/ وجنازته قد أخرجت. وكان يكنى أبا عبد الله. وكان الخطاب بن نفيل لما حالفه عامر ابن ربيعة العنزي، تبناه. فكان يقال له «عامر بن الخطاب» ، حتى نزل: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [1] » . وأسلم قديما قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وروي عنه أنه قال: ما دخل المدينة في الهجرة أحد بعد أبي سلمة بن عبد الأسد قبلي، ولا قدمتها ظعينة قبل ليلى بنت أبي حثمة. وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَّ أَبَاهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ، وَقَدْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ، قَائِلا يَقُولُ: قُمْ فَاسْأَلِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكَ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي أَعَاذَ مِنْهَا صَالِحِي عِبَادِهِ. فَقَامَ، فَصَلَّى. ثُمَّ اشْتَكَى. فَمَا خَرَجَ إِلا فِي جَنَازَةٍ. خولي بن أبي خولي - واسمه عمرو- بن زهير ابن خيثمة بن أبي حمران الحارث بن معاوية بن الحارث بن مالك بن عوف بن سعد بن عوف بن حريم بن جعفي. قال الهيثم بن عدي: هاجر وأخواه هلال وعبد الله ابنا أبي خولي إلى الحبشة في المرة الثانية. وقال غيره: لم يهاجروا، وذلك الثبت. وقال الواقدي: شهد خولي وابن له بدرا، وليس في ذلك اختلاف. وكان خولي حليفا للخطاب. وقال محمد بن إسحاق: شهد مع خولي بدرا أخوه مالك بن أبي خولى. وقال موسى بن عقبة: شهد خولي بدرا، ومعه أخواه هلال وعبد الله. وهو قول الكلبي. قالوا: وشهد خولي المشاهد كلها. ومات في خلافة عمر بن الخطاب. قال ابن إسحاق: مات خولي في خلافة عثمان. وقد روي عن الكلبي أيضا أنه قال: خولى بن أبى خولى [3] عمرو ابن زهير. 545- ومن بني عامر بن لؤي بن غالب: أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزّى ابن أبي قيس بن عَبْد وُدّ بن نَصْر بن مالك بن حسل بن عَامِر بن لؤي.

_ [1] القرآن، الأحزاب (33/ 5) . [2] ابن سعد، 3 (1) / 282. [3] خ: أبى خولى بن عمرو.

حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود،

وأمه برة بنت عبد المطلب. وهاجر إلى الحبشة في المرتين جميعا. وهاجر من مكة إلى المدينة. وتوفي بمكة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه. وقال الواقدي: وولده ينكرون رجوعه إلى مكة وموته بها، ويغضبون من ذلك. وكانت مع أبي [1] سبرة امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو. ويقال: إن أبا سبرة كان يسمى عبد مناف. حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، أخو سهيل بن عمرو. هاجر إلى الحبشة مرتين. فكان أول من قدمها في المرة الأولى من المسلمين. وشهد بدرا. وهو الذي زوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة. ويقال إنه أول من دخل أرض الحبشة، وكان من آخر من خرج منها مع جعفر. وذلك عندهم أخلط. السكران بن عمرو، أخوه، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ومعه امرأته سودة بنت زمعة. ويقال إنه هاجر في المرتين جميعا. ثم إنه قدم مكة، فمات قبل الهجرة، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على سودة بنت زمعة. وذلك الثبت. وقوم يقولون إنه مات بالحبشة مسلما. وقال قوم، منهم أبو عبيدة معمر، إنه قدم مكة ثم رجع إلى الحبشة مرتدا أو متنصرا، فمات بها. والخبر الأول أصح وأثبت. سليط بن عمرو، أخو سهيل أيضا، هاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، ومعه امرأته فاطمة بنت علقمة. وقدم المدينة قبل قدوم جعفر. ويقال: قدم مع جعفر عليه السلام. واستشهد سليط باليمامة سنة اثنتي عشرة. وقال الهيثم ابن عدي: كان يكنى أبا الوضاح. وكان إسلام سليط قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. مالك بن زمعة بن قيس بن عبد شمس، أخو سودة. هاجر/ 101/ إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية. ثُمَّ قدم مع جعفر. ومعه امرأته عميرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس بْن عَبْد ود، من بَنِي عامر بْن لؤي. وإنما سمي السعدي لأنه استرضع في بني سعد بن بكر. وكان عبد الله بن السعدي يسكن الأردن. ويكنى أبا محمد. ومات سنة سبع وخمسين. وله صحبة. عبد الله بن سهيل بن عمرو، ويكنى أبا سهيل. وهاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة للهجرة إلى المدينة فحبسه أبوه. فأظهر له الرجوع إلى دينه

_ [1] خ: ابن أبى سبرة.

والشدة على المسلمين حتى أخرجه معه إلى بدر في نفقته وحملاته، وهو لا يشك في أنه على دينه. فلما توافقوا، انحاز إلى المسلمين قبل القتال. فغاظ ذلك أباه [1] . ثم كان يقول بعد إسلامه، حين أسلم يوم فتح مكة: لقد جعل الله لي في إسلام ابني عبد الله خيرا كثيرا. وقال الكلبي: قاتل عبد الله يوم بدر مع المسلمين. قالوا: واستشهد يوم جواثا بالبحرين، في أيام الردة. فلقي سهيل أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فعزاه أبو بكر. فقال سهيل: بَلَغَنِي [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يشفع الشهيد في سبعين من أهله،] وأنا أرجو أن لا يقدم علي ابني أحدا. وكان يوم بدر ابن سبع وعشرين سنة. وقيل: وله ثمان وثلاثون سنة. وليست هجرته إلى الحبشة بمجتمع عليها. وأم عبد الله: فاطمة بنت عَامِر بْن نوفل بْن عَبْد مناف. وقال الواقدى: يقال إنّ عبد الله يوم بدر، ومعه عمير بن عوف مولى أبيه سهيل عتاقة. فكان سهيل يقول: شهد عمير بدرا، وإني لأرجو أن ينالني شفاعته. قال: وكان المسلمون يقولون: فتن عياش وأصحابه بمكة فتركوا دين النبي صلى الله عليه وسلم، جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ [2] ، ما نرى لهم توبة. فنزلت: «يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [3] » . فبعث عمر بالآية إلى هشام بن العاص، وكان صديقه، وتهادوها بينهم. فكان ذلك مما قوى أنفسهم، حتى تخلصوا. قال الواقدي: وكان أبو جندل بن سهيل بن عمرو مع أخيه. فحبسه أبوه. فلما كان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية، وتشاغل الناس، أقبل أبو جندل يرسف في قيده حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قاضى قريشا على ما قاضاهم عليه، والقضية تكتب. فقام إليه أبوه، فضرب في وجهه. وصاح أبو جندل: يا معشر المسلمين، إن المشركين يريدون أن يفتنوني. وكانت القضية بينهم على أن يرد [4] المسلمون إليهم من أتاهم من أصحابهم. فقال سهيل بن عمرو: هذا أول ما قاضيتك عليه، يا محمد. فرده رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أن أجاره حويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص،

_ [1] خ: اياه. [2] القرآن، العنكبوت (29/ 10) . [3] القرآن، الزمر (39/ 53) [4] خ: ترد.

عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبى قيس، يكنى أبا محمد،

وضمنا أن يكف أبوه عنه. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا با جندل، اصبر واحتسب، فإن الله مخلصك.] فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله، ولم نعطي قريشا هذا، ونرضى بالدنية في أمرك؟ [فقال صلى الله عليه وسلم: إنا قد عاهدنا هم على أمر، وليس الغدر من ديننا.] فقال عمر: يا با جندل، إن الرجل ليقتل أباه في الله، فاقتل أباك. فقال: يا عمر، اقتله أنت. فقال: نهاني رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قتله للصلح. قال: وقد نهاني الله عز وجل عن قتل أبي. فيقال: إن أبا جندل لما صار إلى مكة، تخلص، وقدم المدينة. وقال المدائني: ذكر لنا أن أبا البختري كان يقول: اسم أبي جندل «عمرو» . وكان ابن دأب يقول: عبد الله بن سهيل. وذلك غلط. وقال الواقدي: يقال إن أبا جندل تخلص فصار إلى أبي بصير الثقفي مع من اجتمع إليه من المسلمين. فلما مات، صار [1] وأصحاب/ 102/ أبي بصير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ويقال: إنه لما صار بمكة، تخلص فأتى المدينة. ويقال: إنه لم يصر إلى أبي بصير، ولكن خلاصه كان في وقت مصير أصحاب أبي بصير إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو الثبت. وقال الكلبى: كان لحاق أصحاب أبي بصير بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر [2] ، وفتح خيبر. وهو «الفتح القريب [3] » الذي وعده الله نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال أبو اليقظان البصري: لما كانت خلافة عمر، شرب أبو جندل الخمر مع نفر. فأراد أميرهم أن يحدهم. فقالوا: قد حضر العدو. فإن قتلنا، فقد كفيت موتتنا وأمرنا، وإن بقينا، فأقم علينا الحد. فقتلوا جميعا. وقال الواقدي: مات أبو جندل في طاعون عمواس بالشام. وقد أسلم أبوه سهيل بن عمرو يوم فتح مكة، فحسن إسلامه، وغزا الشام، فمات في طاعون عمواس. عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة بْن عَبْد العزى بن أبي قيس، يكنى أبا محمد، وأمه بهنانة بنت صفوان بْن أمية بْن محرث بْن (خمل بْن شق بْن رقبة بْن مخدج بْن الحارث

_ [1] كذا، أى: «صار هو وأصحاب أبى بصير» . [2] خ: بحمير. [3] راجع القرآن، الفتح (48/ 18) .

سعد بن خولة، ويكنى أبا سعيد.

ابن ثعلبة بن مالك بن) كنانة. هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ هاجر إلى المدينة من مكة. واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر، وله إحدى وأربعون سنة. وشهد بدرا وله ثلاثون سنة وأشهر. ويكنى أبا محمد. سعد بن خولة، ويكنى أبا سعيد. قال الواقدي: أسلم سعد بن خولة، مولى وهب بْن سَعْد بْن أَبِي سرح بْن الحارث بن حبيب بن جذيمة [1] بن مالك بن حسل بن عَامِر بن لؤي. وبعضهم يقول: ابن حبيب، مثقل. وإنما ثقله حسان في شعره [2] : الحارث بن حبيب بن شحام وكانت أم سعد أمة لسعد بن أبي سرح، أو مولاة له ويقال إنه من أهل اليمن، حليف لبني عامر بن لؤي. ويقال إنه مولى لأبي رهم. هاجر سعد، في رواية ابن إسحاق [3] والواقدي، في الهجرة الثانية. ولم ينكره موسى بن عقبة وأبو معشر. وقال الواقدي: شهد سعد بدرا وهو ابن خمس عشرة سنة، وشهد 1/ 254 يوم أحد وشهد الخندق والحديبية. ثم خرج بعد ذلك إلى مكة، فمات بها. ويقال: هاجر الناس، وتأخرت هجرته، فمات بمكة. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « [اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ مَاتَ بِمَكَّةَ] » . وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، [فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا كثيرا، أفأوصى بثلثى مالي؟

_ [1] خ: جذمة. [2] راجع للبيت الكامل الفقرة 560، أدناه. [3] ابن هشام، ص 214.

546 - ومن بنى الحارث بن فهر بن مالك:

قَالَ: لا. قُلْتُ: فَبِالشَّطْرِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَفَأُوصِي بِالثُّلُثِ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَتْرُكْ وَلَدَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلا أُجِرْتَ [1] عَلَيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ. اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لكن البائس سعد ابن خَوْلَةَ مَاتَ بِمَكَّةَ] » . قال سفيان: يقول: لا تردهم إلى الأرض التي هاجروا منها، حتى يقيموا بها إلا بحج أو جهاد. وقالوا: سعد بن خولة هو زوج سبيعة بنت الحارث الأسلمية التي ولدت بعد وفاته بيسير. [فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنكحي من شئت] . حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ وَعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ، قَالا ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَضَعَتْ سَبِيعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَمَرَّ بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَقَالَ: قَدْ تَصَنَّعْتِ/ 103/ للأزواج، أَوْ تَأْتِي عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؟ [2] قَالَتْ سَبِيعَةُ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: [كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ، قَدْ حَلَلْتِ لِلأَزْوَاجِ، فَانْكِحِي] . وقال الواقدي: لم يأت ابن خولة مكة إتيان منتقل، ولكنه مضى في حاجة له. 546- ومن بني الحارث بن فهر بن مالك: أَبُو عُبَيْدة عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. وأمه أميمة بنت غنم بن جابر، من بني الحارث بن فهر. [قَالَ له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.] وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [3] . وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ. وقال الهيثم بن عدي:

_ [1] خ: أجزت. [2] راجع القرآن، البقرة (2/ 234) . [3] ابن هشام، ص 214.

سهيل بن البيضاء، ويكنى أبا موسى.

هاجر في المرتين جميعا، وهاجر مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة. وشهد بدرا والمشاهد كلها. ونزل بالمدينة على كلثوم بن الهدم. وآخا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سالم مولى أبي حذيفة، وبينه وبين محمد ابن مسلمة الأوسي. ومات في طاعون عمواس بالشام، وهو الأمير. وكان نحيفا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالا، أحنى، أشعر، آدم، يصبغ راسه ولحيته بالحناء والكتم. مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال الواقدي، عن أبي اليقظان: أسلمت أم عبيدة وزوجها. سهيل بن البيضاء، ويكنى أبا موسى. والبيضاء أمه، وهي دعد بنت جحدم بن عمرو بن عائش بن ظرب بن الحارث ابن فهر. هاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا. وشهد بدرا وهو ابن أربع وثلاثين سنة. وشهد المشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك، فقال: [يا سهيل. فقال: لبيك. ووقف الناس لما سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، حرمه الله على النار.] ومات سهيل بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك بالمدينة سنة تسع، وهو ابن أربعين سنة. وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس لسهيل عقيب. قال الواقدي: حدثني بذلك مصعب بن ثابت، عن عيسى بن معمر، عَنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبٌ، أنبأ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الواحد بن عباد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، أَرْسَلَ أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ. وَوَقَفَ بِهَا عَلَى حُجَرِهِنَّ، فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، وَخَرَّجْنَهُ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ. فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى عَيْبِ مَا لا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلا فِي جوف المسجد.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 104- 105.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا عَابَ النَّاسُ إِدْخَالَ جنازة سعد بن أبي وقاص المسجد، قالت عائشة: ما أسرع الناس مَا نَسُوا، لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ في المسجد. وأما/ 104/ أخوه سهل بن بيضاء، فإنه أسلم بمكة قبل الهجرة، فأكرهه المشركون على الخروج معهم [2] يوم بدر. فأسر مع من أسر من المشركين فشهد له عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي بمكة. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخرجن أحد من الأسرى من أيديكم بغير فداء إلا سهل بن بيضاء، فإنه مسلم] . وحدثني المدائني، عن أبى اليقظان بمثله. وقال محمد بن سعد، أخبرني الواقدي وغيره أن سهلا أسر يوم بدر، فشهد له ابن مسعود أنه رآه يصلي بمكة. فخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله. وأما صفوان بن البيضاء، فلم يهاجر إلى الحبشة، ولكنه هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا مع أخيه سهيل. فروى بعضهم أنه استشهد يوم بدر، وقتله طعيمة بن عدى أبو [3] الريان. وقال بعضهم: مات سنة ثمان وثلاثين. وكان يكنى أبا عمرو. وهو أيضا قول محمد بن سعد [4] عندنا في كتاب الطبقات. وبعض الرواة يقول: شهد سهل بن بيضاء، وصفوان بن بيضاء يدرأ مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيجعل سهيلا سهلا. وذكر أبو اليقظان أن سهيلا استشهد يوم بدر. وذلك غلط عندهم. وسألت

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 105. [2] خ: معه. [3] خ: عدى بن الريان. [4] ابن سعد، 3 (1) / 303.

عمرو بن أبى سرح بن ربيعة بن هلال بن مالك،

مصعب بن عبد الله الزبيري [1] عن سهل بن بيضاء، فقال: أتى مكة منصرفا من بدر، ثم هاجر إلى المدينة. وقال بعضهم: كان بمكة إلى يوم الفتح. والأول أثبت عندي. وقد رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَسَنُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَسَهْلُ بْنُ الْبَيْضَاءِ. عمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن مالك، وليس هو بعم عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح بن الحارث صاحب مصر. هذا من بني الحارث بن فهر. وذاك من بني عامر بن لؤي. وقوم يظنون هذا ابن أخيه. وهاجر عمرو إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية. ثُمَّ شهد بدرا. وأما وهب بن أبي سرح [2] ، أخوه، فإن الهيثم بن عدي ذكر أنه من مهاجرة الحبشة. وليس ذلك بثبت. ولكنه قد شهد بدرا [3] [معمر بن أبى سرح.] وكان أبو معشر يقول: الذي هاجر معمر بن أبى سرح. وقال موسى ابن عقبة ومحمد بن إسحق [4] والكلبى: هو عمرو بن أبي سرح. وكانت عنده أخت أبي عبيدة. ومات بالمدينة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه سنة ثلاثين. وقال الواقدي: هاجر عمرو بن أبي سرح إلى الحبشة، وشهد هو وأخوه بدرا، ولم يهاجر معمر [5] إلى الحبشة. عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث. ويكنى أبا سعد، ويقال أبا سعيد. هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، فأقام بها. ثم قدم المدينة قبل بدر، وشهد بدرا. ومات في سنة ثلاثين. وقال محمد بن سعد: وهو عم عياض بن عبد غنم بن زهير صاحب الجزيرة وواليها من قبل عمر، ومات عياض بن عبد غنم سنة عشرين. [عمرو بن الحارث بن زهير وعثمان بن عبد غنم بن زهير] عمرو بن الحارث بن زهير، هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية ومعه عثمان بن عبد غنم بن زهير، وسعيد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية

_ [1] راجع نسب قريش له، ص 446. [2] خ: أبى سهل. [3] تكرر في الأصل سهوا كلمة «ولكنه قد شهد بدرا» . [4] ابن هشام، ص 215. [5] خ: معمرا إلى.

الحارث بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر

ابن ظرب بن الحارث بن فهر. فأقاما بأرض الحبشة. ثم قدما [1] المدينة قبل جعفر بن أبي طالب عليه السلام. وأما عمرو بن الحارث، فقدم مكة وهاجر منها إلى المدينة. [الحارث بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر] ومن الرواة من يزعم أن من مهاجرة الحبشة الحارث بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر. ولم يذكره الواقدي، وذكره ابن دأب. فهؤلاء مهاجرة أرض الحبشة. 547- قال الواقدي: ولما قدم/ 105/ المهاجرون من الحبشة في المرة الأولى، حين بلغهم سجود قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم قد أسلموا ولم يتحقق ذلك، دخل كل امرئ منهم بجوار رجل من قريش. فدخل عثمان بن عفان بجوار أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، فنادى مناديه: يا معشر قريش، إن أبا أحيحة قد أجار عثمان بن عفان، فلا تعرضوا له. فكان عثمان آمنا، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار. ودخل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بجوار أمية. ودخل مصعب بن عمير بجوار النضر بن الحارث بن كلدة [2] ، ويقال بجوار أبي عزيز بن عمير، أخيه [3] . ودخل الزبير بن العوام بجوار زمعة ابن الأسود، ودخل عبد الرحمن بن عوف بجوار الأسود بن عبد يغوث. ودخل عثمان بن مظعون الجمحي بجوار الوليد بن المغيرة المخزومي، فمكث في ذمته ما شاء الله ثم قال: وا عجبا، أأكون في ذمة مشرك؟ ذمة الله أعز وأمنع. فأتاه، فسأله أن يتبرأ منه. فقال: يا بني، هل رأيت إلا خيرا، هل أصابك أحد بسوء؟ وكان لبيد بن ربيعة الكلابي ينشد قوله [4] : أَلا كُلّ شَيْء مَا خلا اللَّه باطل فقال: صدقت. فلما قال: وكل نعيم لا محالة زائل

_ [1] خ: قدم. [2] خ: كلدم. [3] خ: بن أخيه. [4] ديوان لبيد، ص 148، ابن هشام، ص 243- 244.

قال: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. فَقَالَ لبيد: يَا معشر قُرَيْش: وَاللَّه مَا كانت مجالستكم سبة، ولا كان السفه من شأنكم. فقالوا له: إن هذا غلام سفيه، مخالف لدين قومه. فقام بعض بني المغيرة، فلطم عين عثمان بن مظعون، فضحك الوليد بن المغيرة للشماتة ونظر إلى عين عثمان قد أخضرت، فقال: مَا كَانَ أغناك عَن هَذَا يَا بني؟ فَقَالَ عُثْمَان: مَا أنا بغنى عَنْهُ، لأنه ذخر لِي عند اللَّه، وإن عيني الصحيحة محتاجة إِلَى مثل مَا نال صاحبتها. فَقَالَ: لقد كنت فِي ذمة منيعة، فعد إِلَى جواري فإنك لا ترام فيه. فَقَالَ: وَاللَّه لا أعود فِي جوار غير جوار الله أبدا. ووثب سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه إلى الذي لطم عين عثمان، فكسر أنفه. فكان ذلك أول دم أريق في الإسلام. والثبت أن الَّذِي لطم عين عُثْمَان [1] : عَبْد اللَّهِ بْن أبي أمية بن المغيرة. ومن قال إنّ عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان، جد عَمْرو بْن حريث بْن عَمْرِو بْنِ عُثْمَان بْن عَبْدِ الله ابن عمر بن مخزوم، فقد غلط غلطا بيننا. ودخل عامر بن ربيعة العنزي، حليف الخطاب بن نفيل، بجوار العاص بن وائل السهمي. ودخل أبو سبرة ابن أبي رهم بجوار أبي، وهو الأخنس بن شريق، ويقال بجوار سهيل بن عمرو. ودخل حاطب بن عمرو بجوار حويطب بن عبد العزى. ودخل سهيل بن بيضاء بجوار رجل من عشيرته، من بني فهر، ويقال: دخل مستخفيا بغير جوار أحد حتى خرج في المرة الثانية. ومن قال إن أبا عبيدة بن الجراح هاجر في المرة الأولى، قال: دخل بغير جوار أحد. وقال الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قال: دخل عبد الله بن مسعود بغير جوار، فمكث قليلا ثم رجع. 548- وقال الواقدي: خرجوا للهجرة الأولى في رجب سنة خمس من النبوة. فأقاموا شعبان وشهر رمضان، وقدموا في شوال سنة خمس من النبوة. ثم هاجروا في المرة الثانية، وقد لقوا من المشركين جهدا وأذى. وكانوا أكثر ممن هاجر أولا. وهم على ما قد سمينا.

_ [1] خ: عثمان بن عبد الله.

أمر الشعب والصحيفة:

549- قالوا: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي كتابا يدعوه إلى الإسلام. وكان رسوله بكتابه عمرو بن أمية الضمري/ 106/ من كنانة، أحد بني ناشرة بن كعب بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة. فأسلم، ونقد عن النبي صلى الله عليه وسلم مهر أم حبيبة بنت أبي سفيان أربع مائة دينار. وأرسل إلى النواتي، فقال: انظروا ما يحتاج فيه هؤلاء القوم من السفن. فقالوا: يحتاجون إلى سفينتين. فجهزهم. وكلم قوم النجاشي من الحبشة أسلموا، في أن يبعث بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلموا عليه، وقالوا: نصاحب أصحابه هؤلاء فنجذف بهم في البحر ونغنيهم. فأذن لهم. فشخصوا مع عمرو بن أمية والمسلمين. وأمر عليهم جعفر بن أبي طالب. أمر الشعب والصحيفة: 550- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ معاذ بن محمد، قال: سألت عاصم بن عمر بن قتادة: متى كان حَصَرَ [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبني هاشم بالشعب؟ فقال: إن قريشا مشت إلى أبي طالب مرة بعد مرة فكان هاته [2] المرة الآخرة، اجتمعوا فقالوا: «يا أبا طالب، إنا قد جئناك مرة بعد أخرى نكلمك في ابن أخيك أن يكف عنا فلا يذكر آباءنا وآلهتنا بسوء، ولا يستغوي أولادنا وأحداثنا وعبيدنا وإماءنا، فتأبى ذلك علينا. وإن كنت فينا ذا منزلة، لشرفك ومكانك، فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك حتى نهلكه أو يكف عنا ما أظهر من شتم آبائنا وعيب ديننا. فإن شئت فخلنا وإياه. وإن شئت فدع، فقد أعذرنا [3] إليك، وكرهنا موجدتك قبل المقدمة» . فقال أبو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا ابن أخي، قد جاءني قومك يشكونك إلي، وآذوني فيك، وحملوني على ما لا أطيقه ولا أنت، فاكفف عنهم ما يكرهون من شتم آبائهم وعيب آلهتهم ودينهم. [فاستعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ [1] خ: حضر. [2] خ: هابه. [3] خ: احذرنا.

وبكى، ثم قال: والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر أبدا حتى أنفذه أو أهلك في طلبه إلى الطاعة لربي.] فلما رأى أبو طالب ما بلغ قوله من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يا ابن أخى، امض لأمرك وافعل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا. فلما رأت قريش أنهم قد أعذروا إلى أبي طالب، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم بأمر ربه، أبت أن تقاره. وأظهروا العداوة لبني عبد المطلب ومباينتهم. وأقسموا بالله: لنقتلن النبي صلى الله عليه وسلم سرا أو علانية. فلما رأى أبو طالب أنهم عازمون على ذلك، خاف على ابن أخيه، ثم انطلق بهم فأقامهم بين أستار الكعبة، فدعوا على ظلمة قومهم. واجتمعت قريش على أمرها. فقال أبو طالب: اللهم إن قومنا قد آبوا إلى البغي، فعجل نصرنا وحل بينهم وبين قتل ابن أخي. وقالت قريش: لا صلح بيننا وبين بني هاشم وبني المطلب، ولا رحم، ولا إلّ، ولا حرمة إلا على قتل هذا الرجل الكذاب السفيه. وعمد أبو طالب إلى الشعب بابن أخيه وبني هاشم وبني المطلب بن عبد مناف. وكان أمرهم واحدا. وقال: نموت من عند آخرنا قبل أن يوصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما دخل أبو طالب شعب أبي طالب، خرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني عبد المطلب. ودخل الشعب من كان من هؤلاء مؤمنا أو كافرا. 551- وقال الواقدي في غير هذا الحديث وبغير هذا الإسناد: دخل المسلم لإسلامه ودينه، والكافر حمية أن يضام وقومه. فأقاموا على ذلك/ 107/ ما شاء الله حتى نالتهم الخصاصة في شعبهم، لأنهم حالوا بينهم وبين أن يتبايعوا شيئا أو يبيعوا، حتى فرج الله عز وجل ذلك. 552- قالوا: ولقي أبو لهب هند بنت عتبة، حين خرج من الشعب مظاهرا لقريش، فقال: يا بنت عتبة، هل نصرت اللات والعزى؟ قالت: نعم، فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة. ويقال: إنه قال ذلك لها في وقت قبل هذا. وقد ذكرناه (في الفقرة 243) .

553- حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ إِجَابَةَ مَنْ أَجَابَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ غَيْرُ نَازِعٍ عَمَّا يَكْرَهُونَ، مَشَوْا إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا فِي أَنْفُسِنَا، وَقَدْ تَرَى مَا يَصْنَعُ ابْنُ أَخِيكَ. وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هَؤُلاءِ عُمُومَتُكَ وَسَرَوَاتُ قُرَيْشٍ، فَاسْمَعْ مَا يَقُولُونَ. فَتَكَلَّمَ الأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ: تَدَعُنَا وَآلِهَتَنَا، وندع وَإِلَهَكَ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: قَدْ أَنْصَفَكَ الْقَوْمُ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ نُصْحِهِمْ: وَأَنَا أَدْعُوهُمْ إِلَى كَلِمَةٍ أَضْمَنُ لَهُمْ بِهَا الْجَنَّةَ.] فَقَالَ أبو جهل: إن هذه لكلمة مريحة، فقلها. فَقَالَ: [تَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ.] فَقَامُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: «امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرادُ ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ [1] » . وَكَانَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ الأَخْنَسُ. وَالْمِلَّةُ الآخِرَةُ: النَّصْرَانِيَّةُ. 554- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. قَالَ: وَأَتَوْا أَبَا طَالِبٍ [3] مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ مُتَتَابِعٌ فِي مَسَاءَتِنَا، قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا، فَادْفَعْهُ إِلَيْنَا نَقْتُلُهُ. قَالَ: بَلِ ادْفَعُوا إِلَيَّ أَوْلادَكُمْ أَقْتُلُهُمْ، حَتَّى أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمْ. قَالُوا: إِنَّ أَوْلادَنَا لَمْ يَفْعَلُوا مَا فَعَلَ. قَالَ: فَهُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَوْلادِكُمْ. فَقَالُوا: فَهَذَا عُمَارَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَحْسَنُ قُرَيْشٍ وَجْهًا، وَأَتَمُّهُمْ خُلُقًا، فَاتَّخِذْهُ ابْنًا. وَكَانَ مَعَهُمْ. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: «بئس ما سميتمونى: أدفع إليكم ابن أخى فتقتلونه، وأتبنى

_ [1] القرآن، ص (38/ 6- 7) . [2] راجع ابن سعد، 1 (1) / 134- 135. [3] خ: أبو طالب.

ابْنَكُمْ لَكُمْ وَأَغْذُوهُ. هَيْهَاتَ. أَبَى الْحَزْمُ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ ذَلِكَ» . فَانْصَرَفُوا عَنْهُ. فَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ [1] : كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُقْتَلُ أَحْمَدُ ... وَلَمَّا نُنَاضِلُ دُونَهُ وَنُقَاتِلُ وَقَوْلُهُ أَيْضًا: أَتَرْجُونَ أَنْ نشجى يقتل مُحَمَّدٍ ... وَلَمْ تَخْتَضِبْ سُمْرُ الْعَوَالِي مِنَ الدَّمِ 555- قَال: وَأَتَوْهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرُدَّهُ [2] ، قَتَلُوهُ غِيلَةً. وَقَالُوا: قَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكَ. فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ دُخُولِ أَبِي طَالِبٍ الشِّعْبَ. 556- وأما عمارة بن الوليد، فيقال إنه وعمرو بن العاص توجها برسالة قريش إلى النجاشي في أمر من بالحبشة من المسلمين، يفسدانه عليهم، ويهجنانهم عنده، ويسألانه [3] دفعهم إليهما. وحملوهما إليه وإلى بطارقته هدايا من آدم وغيره. وذلك وهم. وقيل: إنه كان مع عمرو بن العاص في هذه المرة عبد الله ابن أبي ربيعة، ولم يكن معه عمارة. فردهما النجاشي مقبوحين خائبين. فاشتدت قريش عند ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الثبت. إن عمرا وعمارة خرجا بعد ذلك في تجارة إلى الحبشة، وكانا طريقين فاتكين. وكانت مع عمرو امرأته. فقال لها عمارة، وهما يشربان في السفينة: قبليني. فقال لها عمرو: قبلي ابن عمك. ففعلت. وحذره عمرو. فأرادها عمارة على نفسها، فامتنعت. وفطن عمرو بذلك. ثم إن عمرا جلس على حرف السفينة ليبول. فدفعه عمارة في البحر. وكان يجيد السباحة: وأخذ بالقلس وتخلص، فاضطغنها عليه. وكتب إلى أبيه/ 108/ العاص بن وائل: أن اخلعني وتبرأ مني ومن جريرتي على بني المغيرة وبني مخزوم، فقد كان من عمارة كيت وذيت. وهو يرصد

_ [1] مصعب الزبيري، ص 94، ابن هشام، ص 174 (ونقل جميع القصيدة) . [2] خ: ترده. [3] خ: يفسداه عليهم ويهجنانهم عندهم ويسألاه.

له بما يرصد به. ولم يلبث عمارة حين دخل أرض النجاشي، أن دب لامرأة النجاشي، فاختلف إليها. ويقال: إنها رأته فعشقته، وكان جميلا، فدعته. فجعل يختلف إليها. وكان يحدث عمرا بما يجري بينهما. فكان عمرو يظهر تكذيبه ليمحكه بذلك. فقال له ذات ليلة: إن كنت صادقا، فائتني بدهن من دهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره، فإني أعرفه. وكان أصفر. فأعطته قارورة منه، وثوبا أصفر من ثيابه. فجاء بذلك إلى عمرو. وكانا ينزلان في دار واحدة. فقال له عمرو: لقد نلت ما لم ينله قرشي قبلك. وأخذ الدهن والثوب إليه. فلما أصبح، أتى النجاشى بذلك وحدثه الحديث. فقال: إن النجاشي أخذه، فقطعه آرابا ثم أحرقه، وأخذ امرأته فدفنها وهي حية. ويزعمون: أن النجاشي دعا بالسواحر، فسحرنه، فكان يهيم، ثم إنه مات على تلك الحال. ويقال: إنه لما فعلن به ذلك هام فكان مع الوحش، وخرج عبد الله بن أبي ربيعة في طلبه، وكان اسمه بحير فسماه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَبْد الله» ، فدل على مواضعه ومظانه، فالتزمه فجعل يقول له: تنح عني يا بحير، ومات في يده. وكان عمارة يكنى أبا فائد. وقال عمرو ابن العاص [1] : تعلم عمار إن من شرشيمة ... لمثلك أن يدعا ابن عم له ابنما إذا كنت ذا بردين أحوى مرجلا ... فلست براء لابن عمك محرما إذا ما المرء لم يترك طعاما يحبه ... ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما قضى وطرا منها يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما وليس الفتى وإن أتمت عروقه ... بذي كرم إلا إذا ما تكرما 557- قالوا: ومكث بنو عبد المطلب وبنو المطلب في شعب أبي طالب ثلاث سنين.

_ [1] الأغانى للأصبهانى، 8/ 53، مصعب ص 322 (البيت الثانى فحسب) ، إنسان العيون للحلبى، 2/ 27 (البيت الثالث والرابع) . وعندهم اختلافات الرواية. (خ في الرابع: «منه» ، «أمثاله» . لعله كما أثبتناه) .

وحدثنى أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حُصِرْنَا فِي الشِّعْبِ ثَلاثَ سِنِينَ، وَقَطَعُوا عَنَّا الْمِيرَةَ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ بِالنَّفَقَةِ فَمَا يُبَاعُ [1] شَيْئًا، حَتَّى مَاتَ مِنَّا قَوْمٌ. 558- قالوا: ولما رد النجاشي عمرا وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي إلى قريش بغير ما أرادوا، وحقق قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصدقه وأسلم، أزدادوا على من بالشعب غيظا وحنقا. فأجمعوا على أن (ى) كتبوا كتابا على بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يخالطوهم في شيء، ولا يكلموهم [2] . وعلقوا الصحيفة التي كتبوا ذلك فيها في الكعبة، وقطعوا عنهم المادة والميرة. فكانوا لا يخرجون من الشعب في الثلاث سنين التي كانوا فيها بالشعب إلا من موسم إلى موسم، حتى بلغهم الجهد، وتضاغى صبيانهم فسمع ضغاؤهم من وراء الشعب. وكان من قريش من يكره ما ركبوا به ونيل منهم. ثم إن الله تبارك وتعالى سلط على صحيفتهم التي كتبوها الأرضة، فلم تدع إلا «باسمك اللهم فاغفر» . فأخبر الله عز وجل بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم. فأخبر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طالب. فقال أبو طالب: والله ما يدخل علينا أحد، فمن [3] أخبرك بهذا؟ قال: [ربي، وهو الصادق يا عم.] قال: أشهد أنك لا تقول إلا حقا. فخرج أبو طالب في جماعة من رهطه، حتى وقف على قريش، فقال: ادعوا بصحيفتكم التي كتبتموها علينا. فخرجوا سراعا ليأتوا بها، وهم يظنون أن ذلك لأمر يوافقهم. فوجدوها كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقويت نفس أبي طالب واشتد صوته. وقال المشركون: إنما تأتونا بالسحر والبهتان. ويقال: إنهم نكسوا/ 109/ رءوسهم، فقال أبو طالب: قد تبين لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة.

_ [1] كذا في الأصل. لعله: «يباع منه» ، أو «يبتاع» . [2] خ: تكلموهم. [3] خ: بمن.

559- ويقال إن الصحيفة لم تكن [1] في الكعبة، ولكنها كانت موضوعة على يد طعيمة بن عدي. ويقال على يد أم أبي جهل، وهي أسماء ابنة مخربة التميمية. وقوم يقولون إنها وضعت على يد الجلاس بنت مخربة أختها. وكان الذي خط الصحيفة، فيما ذكر الكلبي، بغيض بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بن عبد الدار بن قصي، فشلت يده يوم خطها. وقال غيره: اسمه منصور بن عكرمة بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار. 560- وقال الواقدي: كان هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب، من بني عامر بن لؤي، وهو ابن أخي نضلة بن هاشم لأمه، يأتي بالبعير قد أوقره طعاما ليلا، حتى إذا أقبله الشعب خلع خطامه وضرب على جنبيه فيدخل الشعب. وقال الكلبي: هو هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث ابن حبيب بن جذيمة ابن مالك بن حسل [2] . وله يقول حسان بن ثابت بعد ذلك [3] : من معشر لا يغدرون بذمة ... الحارث بن حبيب بن شحام فشدد «حبيبا» لضرورة الشعر. وكان يقال لأم جذيمة بن مالك «شحام» . وخرج العباس بن عبد المطلب من شعب أبي طالب ليشتري طعاما. فأراد أبو جهل أن يسطو به، فمنعه الله منه. وأرسلت خديجة بنت خويلد إلى زمعة بن الأسود: إن أبا جهل يمنع من ابتياع ما تريد [4] ، فأسمع أبا جهل كلاما. فأسمعه، فأمسك. وبعث إليها حكيم بن حزام بن خويلد بناقة، عليها دقيق، فسرحها في الشعب. وكان يخلص إليهم الشيء بعد الشيء. ثم إن هشام بن عمرو ابن ربيعة مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة- وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب- فقال: يا زهير، أرضيت بأن تأكل وتشرب وتلبس الثياب وتنكح النساء آمنا، وأخوالك بحيث علمت على الحال التي تعرف من الجهد

_ [1] خ: يكن. [2] خ: حسلة. [3] ليس في ديوان حسان المطبوع. ابن هشام، ص 251، مصعب ص 16، 432، السهيلي 1/ 234 وبحث في الاسم (شحام، سخام، سحام، شخام) وقد أثبتنا كما في الأصل. [4] خ: يزيد.

والضر؟ فقال له: إنما أنا رجل واحد. قال: فقد وجدت ثانيا. قال: ومن هو؟ قال: أنا. فقال زهير: ابغنا ثالثا. قال: فذهب إلى مطعم بن عدي، فقال له: أرضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت شاهد، موافق لقريش على ذلك؟ قال: ويحك، فما أصنع؟ إنما أنا رجل واحد. قال: فقد وجدت لك ثانيا. قال: من هو؟ قال: أنا. قال: فابغنا ثالثا. قال: قد وجدته. قال: ومن هو؟ قال: زهير بن أبي أمية. قال: فابغنا رابعا. فذهب إلى أبي البختري الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى، فكلمه. فقال: هل من أحد على هذا الرأي؟ قال: نعم، أنا ومطعم بن عدي، وزهير بن أبي أمية. قال: فابغنا خامسا. فأتى زمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد العزى، فكلمه وأخبره خبر القوم. وأجمعوا أمرهم، وتعاهدوا على القيام بنقض ما في الصحيفة وإخراج بني هاشم وبني المطلب من الشعب. ولما كان من خروج أبي طالب إلى قريش وإخبارهم بما حدث من أمر الصحيفة من أكل الأرضة إياها ما كان، رجع أبو طالب إلى الشعب وهو يقول: لماذا نحبس وقد أبان الله الأمر ووضح؟ قالوا: وشرب مطعم بن عدي شرابه. فلما انتشى، قال: من مثلي؟ فقال له عدي بن قيس بن عدي السهمي- ويقال: عتبة بن ربيعة- إن كنت كما تقول، فما بال بنى عمك جوعا هلكى مظلومين؟ وكان عدى ابن قيس يكنى أبا حسان. فلما صحا، لبس سلاحه. وليس أبو البختري، وزهير بن أبي أمية، وهشام بن عمرو، وعتبة بن أبي ربيعة، وزمعة بن الأسود سلاحه (م) . وصاروا إلى الشعب، فأخرجوا بني هاشم وبني المطلب. فلما رأت قريش ذلك، سقط في أيديهم، وعلموا أنهم لا يسلمونهم، وأن/ 110/ عشائرهم تمنعهم. وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة من نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان موت أبي طالب بعد خروجهم من الشعب في أول ذي القعدة سنة عشر من المبعث. ويقال: للنصف من شوال، وله بضع وثمانون سنة. ويقال: إن بين موته وموت خديجة بنت خويلد شهرا [1] وخمسة أيام. ويقال: خمسة أيام. ويقال خمسة وعشرين يوما. ويقال: ثلاثة أيام.

_ [1] خ: شهر.

(سفر الطائف) :

وكان موتها قبل موته. ودفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون. ولم تكن الصلاة على الجنائز يومئذ. (سفر الطائف) : 561- قالوا: وخرج رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ زيد بن حارثة مولاه. بعد موت أبي طالب إلى الطائف. فآذته ثقيف. فأسمعوه وأغروا سفهاءهم به، وقالوا: كرهك أهل بلدك وقومك ولم يقبلوا منك، فجئتنا، فنحن والله أشد لك إباء، وعليك ردا، ومنك وحشة. فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة، ثم قال: « [اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، يا رب المستضعفين، إلى من تكلني؟] » وخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزيد بن حارثة، راجعين حين يئس من أهل الطائف. ووجه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا من خزاعة إلى سهيل بن عمرو يسأله أن يدخل في جواره، فأبى. ثم بعث إلى مطعم بن عدي، فأجاره. فدخل في جواره. ولبس قومه السلاح حتى أدخلوه المسجد. فكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكرها لمطعم بن عدي. وكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لثلاث ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة. وقدم مكة يوم الثلاثاء لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذي القعدة. (عرض نفسه على القبائل) : 562- قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو القبائل في الموسم قبل الهجرة، ويسألهم نصرته ومنعته. فكان يلقى منهم تجهما وغلظا. ولقى من بنى عامر ابن صعصعة ما لم يلق (من) أحد من العرب. وقال له رجل من بني محارب يوما: والله لا يؤوب بك قوم إلى دارهم إلا آبوا بشر ما آب به أهل موسم. وكان صلى الله عليه وسلم يطوف على القبائل، يدعوهم، وأبو لهب خلفه يثبط [1] الناس

_ [1] أى يعوق.

عنه. ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني حنيفة مثل ما لقي من بني عامر. ولم يكن حي من العرب ألين قولا له ولا أحسن ردا عليه من كندة. ودعا كلبا، فلم يقبلوا منه. وقال شيخ منهم: ما أحسن ما يدعو إليه هذا الفتى إلا أن قومه قد باعدوه، ولو صالح قومه، لا تبعته العرب. وقدم قوم من الأوس مكة يطلبون حلف قريش على الخزرج [1] ، لما كان بينهم من الحرب. فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام. فقال له أنس بن رافع: عجبا، جئنا نطلب حلف قريش على أعدائنا فنرجع وقريش عدونا. ومال إليه بعضهم. 563- قالوا: وخرج سويد بن الصامت قبل يوم بعاث، حتى قدم مكة. فلقي النبي صلى الله عليه وسلم. فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام. فقال له: لعل الذي معك مثل الذي معي. وكانت معه حكمة لقمان. فقال له صلى الله عليه وسلم: [إن هذا لكلام حسن، والذي معي أحسن منه وأفضل] . ثم قدم، فقتل. وهاج قتله يوم بعاث. وكان الذي قتله المجذر بن ذياد البلوي: وكانوا يرون أنه مسلم. 564- قال الواقدي: فلما كان يوم أحد، قتل الحارث بن سويد بن الصامت: المجذر بن ذياد غيلة. فأتاه الوحي بقتله فركب/ 111/ إلى بني عمرو بن عوف. فخرجوا إليه. وخرج الحارث. فأمر بقتله. وقال الكلبى: قتل المجذر [2] جلاس بن سويد غيلة. فقتله رسول الله صلى الله عليه به قودا. وكان أول من أقيد في الإسلام. 565- وكان القوم من الأنصار بعد القوم يدخلون مكة في أمور لهم، فيدعوهم. فيقول بعضهم: لم نقدم لهذا. وأسكت بعضهم، فلا يقول شيئا. ثم قدم قيس ابن الخطيم، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: إني لأسمع كلاما عجبا، فدعني أنظر في أمري في هذه السنة، ثم أعود. فمات قبل الحول.

_ [1] خ: الخروج. [2] خ: المجذر بن جلاس.

أمر العقبة الأولى:

أمر العقبة الأولى: 566- قالوا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل عام، فلقي رهطا من الخزرج، فوقف عليهم ودعاهم إلى الإسلام، وتلى عليهم القرآن. وكانوا يسمعون أمره وذكره وصفاته من اليهود. فأسلموا. وكانوا ستة نفر. ثم لما كان العام القابل من العام الذي لقي فيه الستة نفر، لقيه اثنا عشر. وذلك في العقبة الأولى. وهم من بني النجار: أسعد، وعوف ومعوذ ابنا عفراء. ومن بني زريق: ذكوان بن عبد قيس، ورافع بن مالك. (ومن القواقل: عبادة ابن الصامت، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة حليف لهم) [1] . ومن بني عمرو بن عوف: عباس بن عباد (ة) بن نضلة. ومن بني سلمة: عقبة بن عامر ابن نابي. ومن بني سواد: قطبة بن عامر. ويقال: عمرو بن حديدة. ومن الأوس رجلان: أبو الهيثم بن التيهان الأشهلي، وعويم بن ساعدة. فبايعوه على بيعة النساء [2] : بايعوا على أن لا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوه في معروف، فإن وفوا فلهم الجنة. ولم يذكر القتال. فلما انصرف أهل العقبة الأولى إلى المدينة، قدموا على قوم قابلين للإسلام. فدعوهم حتى شاع فيهم الإسلام. وكتب وجوههم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يبعث إليهم من يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين. فوجه إليهم مصعب بن عمير. وكان يصلي بهم، قبل قدومه، أسعد بن زرارة. فيقال: إن مصعبا صلى بهم، ويقال إن أسعد بن زرارة لم يزل يصلي بهم بعد قدوم مصعب على ما كان عليه حتى قدم سالم مولى أبي حذيفة. وكان مصعب يعلمهم القرآن. وقد قيل: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مصعبا بعد العقبة الثانية. فكان

_ [1] الزيادة عن ابن هشام (ص 288) لتمام العدد 12. [2] القرآن، الممتحنة (60/ 12) .

تسمية السبعين الذين بايعوا عند العقبة:

بالمدينة حتى وافاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه رجع إلى مكة، فهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. 567- قالوا: ولما كان قرب وقت الحج في السنة الثانية [1] ، تواعدوا لحضور العقبة، وحجوا. فكان العباس بن عبد المطلب المتولي لأخذ البيعة للنبي صلى الله عليه وسلم، واعتقادها بالعهد والميثاق. وكانت عدة من بايع عند العقبة الثانية سبعين. فبعث عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنى عشر نقيبا منهم. وهم الكفلاء على ما بعث من عدة نقباء بني إسرائيل. تسمية السبعين الذين بايعوا عند العقبة: 568- من الأوس بن حارثة: أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك، أحد بني عبد الأشهل بن جشم. يكنى أبا يحيى، وأبا حضير. قال الواقدي: لم يشهد بدرا، وقال الكلبي: شهدها. وتوفي أسيد في سنة عشرين. وحمل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جنازته، وصلى عليه، ودفن بالبقيع. وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير حين قدم المدينة. وهو نقيب. أبو الهيثم مالك/ 112/ ابن التيهان. وولده يقولون: التيهان بن مالك بن عتيك، من ولد زعور (اء) [2] ابن جشم. وبعضهم يزعم: أنه حليف لهم من بلي. والأول قول الكلبي، وهو أصح. وشهد بدرا. ومات في خلافة عمر، سنة عشرين. ويقال: إنه قتل مع علي عليه السلام بصفين. وهو نقيب. روى عنه أنه قال: بايعنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ما بايع عليه بنو إسرائيل موسى عليه السلام. سلمة ابن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء [3] بن عبد الأشهل. ويكنى أبا عوف، ويقال: أبا ثابت. شهد بدرا. ومات بالمدينة سنة خمس وأربعين، وهو ابن سبعين سنة. سَعْد بْن خَيْثَمَة بْن الحارث بْن مَالِك بن كعب بن النحاط، أحد بني السلم بْن امرئ القيس بْن مالك بن الأوس. وكان رسول الله صلى الله

_ [1] أى الثانية عشرة للنبوة؟ [2] خ: زعور (والتصحيح عن المخبر، ص 416، والاستيعاب رقم 3169) . [3] خ: زعور (والتصحيح عن المخبر، ص 416، والاستيعاب رقم 3169) .

رفاعة ابن عبد المنذر بن زنبر بن زيد،

عليه وسلم حين هاجر يطيل الحديث عنده؟ حتى ظن قوم أنه نزل عليه. ويقال: إنه كان يكنى أبا مسعود. استشهد يوم بدر. وهو نقيب. رفاعة ابن عبد المنذر بن زنبر بن زيد، أخو أبي لبابة بشير بن عبد المنذر. كان يكنى أبا رافع. شهد بدرا، واستشهد يوم خيبر. عويم بن ساعدة بن عائش بن قيس، أحد بني عَمْرو بْن عوف بْن مَالِك بْن الأوس. يكنى أبا عبد الرحمن. شهد بدرا. ومات في خلافة عمر بالمدينة، وهو ابن خمس أو ست وستين. ومحمد بن إسحق [1] يزعم أنه من بلي. وقال الكلبي: هو من أنفسهم، ونسبه هذه النسبة. أبو بردة بن نيار. واسم أبي بردة هانئ. وأبوه نيار بن عمرو بن عبيد. وهو بلوي، حليف بني حارثة بن الحارث، من الأوس. وهو خال البراء بن عازب الأوسي. شهد بدرا، ومات في أول خلافة معاوية بْن أَبِي سُفْيَان. عَبْد اللَّهِ بْن جبير بن النعمان، صاحب الرماة يوم أحد. يكنى أبا المنذر. استشهد يومئذ في ثلاثين رجلا. وقد شهد بدرا. وهو أسن من أخيه خوات ابن جبير، صاحب ذات النحيين [2] . ومات خوات بالمدينة سنة أربعين، وهو ابن أربع وسبعين سنة. وكنية خوات أبو صالح، ويقال: أبو عبد الله. وأبو صالح أثبت. وكان يخضب بالحناء والكتم [3] . وكان ربعة من الرجال. معن بن عدى البلوى، حليف بني عمرو بن عوف، من الأوس. وهو أخو عاصم بن عدي. وكنية معن أبو عمير. شهد المشاهد كلها. واستشهد باليمامة في خلافة أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه. قتادة بن النعمان الظفري، أخو ظفر بن الخزرج [4] ، من الأوس. وكان قتادة يكنى أبا عمرو. والأنصار يكنونه أبا عبد الله. وهو الذي أصيبت عينه يوم أحد، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه. شهد بدرا. ومات سنة ثلاث وعشرين،

_ [1] لم يذكره ابن هشام ولكن روى عنه صاحب الاستيعاب، رقم (2181) . [2] راجع لقصتها لسان العرب نحى. (والنحى: الزق) . [3] «قال أبو حنيفة الدينورى: الكتم من شجر الجبال يجفف ورقه ويدق ويخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيسود لونه ويقويه» (مفردات ابن البيطار كتم، 4/ 51) . «والكتم نبات يخلط مع الوسمة للخضاب الأسود» (المحكم لابن سيده كتم) . [4] خ: وظفر بن الحرث.

ظهير بن رافع بن عدى

وهو ابن خمس وستين سنة. وصلى عليه عمر بالمدينة. وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه. وهو نزل في قبره، والحارث بن خزمة، ومحمد بن مسلمة، ومن ولده عاصم بن عمر بن قتادة. ظهير بن رافع بن عدي أبو [1] «أسيد بن ظهير» . قال الهيثم بن عدي: مات قبل بدر. قال الواقدى: وشهد أسيد أحد (ا) والخندق، وكان ممن أجاز النبي صلى الله عليه وسلم من الصغار. نهير بن الهيثم ابن نابئ بن مجدعة بن حارثة. والكلبي يجعل مكانه سعد بن زيد بن مالك الأشهلي، ويقول: هو بدري، عقبي. فهؤلاء اثنا عشر رجلا، فيهم ثلاثة نقباء. ومن الخزرج بن حارثة، من بني النجار بن ثعلبة: أبو أيوب خالد ابن زيد بن كليب النجاري. شهد بدرا. ومات بأرض الروم سنة اثنتين وخمسين، عام غزا يزيد بن معاوية. فصلى عليه يزيد، ودفنه في أصل سور القسطنطينية [2] . وعليه نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد انتقاله من [3] قباء. عمارة بن حزم/ 113/ بن زيد بن لوذان بن عمرو، أخو عمرو بن حزم النجاري. شهد بدرا. واستشهد يوم اليمامة. ويقال إنه أدرك خلافة معاوية، ومات فيها، وقد ذهب بصره. أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، أحد بني جديلة. شهد بدرا. وهو الذي وكله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بأصحاب الشورى لينظروا في أمرهم ويقطعوه. مات بالمدينة سنة أربع وثلاثين. وصلى عليه عثمان رضي الله تعالى عنه. وأهل البصرة يقولون: ركب البحر فمات به. وكان آدم،

_ [1] خ: عدى بن أسيد. [2] «وذلك أنه غزا مع يزيد بن معاوية سنة خمسين. فلما بلغوا القسطنطينية (!) مات أبو أيوب هنا لك وأوصى يزيد أن يدفنه في أقرب موضع من مدينة الروم. فركب المسلمون ومشوا به. حتى إذا لم يجدوا مساغا، دفنوه. فسألتهم الروم عن شأنهم. فأخبروهم أنه كبير من أكابر الصحابة. فقالت الروم ليزيد: ما أحمقك وأحمق من أرسلك! أأمنت أن ننبشه بعدك فنحرق عظامه؟ فأقسم لهم يزيد: لئن فعلوا، لنهدمن كل كنيسة بأرض العرب، ولننبشن قبورهم. فحينئذ حلفوا لهم بدينهم: ليكرمن قبره وليحرسنه ما استطاعوا. فروى ابن القاسم عن مالك قال: بلغنى أن الروم يستسقون بقبر أبى أيوب رحمه الله، فيسقون» . (السهيلي 2/ 246) . وقبره يزار إلى هذا اليوم على انتهاء قرن الذهب في إستانبول. [3] خ: عن.

معاذ بن الحارث بن رفاعة النجارى. وهو ابن عفراء.

مربوعا، لا يغير شيبه. معاذ بن الحارث بن رفاعة النجاري. وهو ابن عفراء. استشهد هو وأخوه معوذ يوم بدر، وبقي عوف بن الحارث أخوهما حتى مات في أيام علي عليه السلام ومعاوية رضي الله تعالى عنه. قال ابن الكلبي: لما قتل معاذ ومعوذ، جاءت عفراء بنت عبيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت لعوف: يا رسول الله، هذا شر بني. فقال: لا. والبقية من ولد عفراء في عوف. وقال الواقدي: استشهد عوف بن عفراء ومعوذ- قتلهما أبو جهل- وبقي معاذ حتى مات في الفتنة. وكانت عفراء بنت عبيد عند الحارث بن رفاعة الخزرجي، فولدت له معاذا ومعوذا. ثم إنه طلقها، فقدمت مكة حاجة، فتزوجها البكير بن عبد ياليل الليثي، فولدت له عاقلا، وإياسا، وعامرا، وخالدا. ثم رجعت إلى المدينة، فراجعها الحارث بن رفاعة، فولدت له عوفا. أسعد الخير بن زرارة بن عدس النجاري. يكنى أبا أمامة. مات على تسعة أشهر من الهجرة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى [1] . فدفن بالبقيع. وكان نقيب النقباء. فقالت بنو النجار: مات نقيبنا يا رَسُولُ اللَّهِ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنا نقيبكم] » . وضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته إليه، فزوجها سهل بن حنيف، فولدت له أبا أمامة بن سهل. وكان أسعد لما قدم أهل العقبة الأولى، اجتهد في دعاء الناس إلى الإسلام، حتى فشا بالمدينة وكثر. فكان يجمع بهم في المدينة في كل جمعة. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ لَمْ يَجْمَعِ بِالنَّاسِ حَتَّى قَدِمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ أَنَّ مُصْعَبًا كَانَ يُقْرِئُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ أَسْعَدُ يُصَلِّي بِهِمْ وَيُجْمِعُ، إِلَى قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو النجاري. شهد بدرا. وذكر الهيثم بن عدي أنه مات في خلافة عثمان. أوس بن ثابت بن المنذر ابن حرام النجاري، أخو حسان بن ثابت الشاعر. يكنى أبا شداد. شهد بدرا. وهو أبو شداد بن أوس. مات أوس بن ثابت في خلافة عثمان. ومات شدّاد-

_ [1] خ: يعنى. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 307) .

قيس بن أبى صعصعة

ويكنى أبا يعلى- بفلسطين في سنة ثمان وخمسين، وكان نزلها. وتوفي وله خمس وسبعون سنة. قيس بن أبي صعصعة - واسمه عمرو- بن زيد بن عوف بن مبذول [1] . وكان على الساقة [2] يوم بدر. وقال الواقدي: هو ثعلبة بن عمرو بن قيس بن أبي صعصعة. والأول قول ابن الكلبي. غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء النجاري، أبو «أبى حية [3] بن غزية» . وابن إسحق [4] يقول: عمرو بن غزية. والأول أثبت. فهؤلاء تسعة نفر، فيهم نقيب. 570- ومن بني الحارث بن خزرج: سعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير ابن مالك. شهد بدرا، واستشهد بأحد. وهو نقيب. ذكر الهيثم أنه كان يكنى أبا الربيع. خارجة بْن زَيْد بْن أَبِي زهير بْن مالك. نزل أبو بكر رضي الله تعالى عنه عليه بالمدينة، وتزوج ابنته في حياة أم رومان: أم «عائشة» . واستشهد خارجة بأحد. وتوفي أبو بكر وابنة خارجة حامل، فولدت له أم كلثوم، تزوجها طلحة بن عبيد الله التيمي فولدت له زكريا وعائشة بنت طلحة. وزيد ابن خارجة المتكلم بعد موته في زمن عثمان بالمدينة. عبد الله بن رواحة بن عمرو ابن امرئ القيس. وكان شاعرا. شهد بدرا، واستشهد بمؤتة سنة ثمان. وهو نقيب. بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس، أبو «النعمان بن بشير» / 114/ وبه كان يكنى. وهو أول أنصاري بايع أبا بكر. قتل بعين التمر مع خالد بن الوليد. وكان النعمان، ابنه، أول مولود من الأنصار بالمدينة بعد الهجرة، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقتل بحمص أيام عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. عَبْد اللَّهِ بْن زيد بن ثعلبة الذي أري الأذان. مات سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن أربع وستين سنة. وصلى عليه عثمان بالمدينة. وكان يكنى أبا محمد. وكان ربعة من الرجال. خلّاد بْن سوُيد بْن ثعلبة بْن عَمْرو. استشهد يَوْم بني قريظة سنة خمس، طرحت عَلَيْهِ رحى، [فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّ له [5]

_ [1] خ: معذول. [2] خ: المشاة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 307) . [3] خ: حنة. [4] ابن هشام، ص 307. [5] خ «ايله» بدل «ان له» .

عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن جدارة.

لأجر شهيدين.] وقَالَ بعضهم: إنه لم يقتل. وولي السائب بْن خلّاد لمعاوية اليمن. عقبة بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن أَسيرة بْن عُسيرة بْن عطية بْن جِدارة. يكنى أبا مَسْعُود. ولاه عليّ عَلَيْهِ السَّلام الكوفة حين صار إلى صفين، وابتنى بها دارًا. وتوفي فِي أول أيام معاوية. قَالَ الواقدي: شهد العقبة، ولم يشهد بدرًا. وكان مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [1] يَقُولُ: كَانَ أصغر من شهد العقبة. فهؤلاء سبعة نفر، فيهم نقيبان. 571- ومن بني زريق بْن عَبْد بْن [2] حارثة، من الخزرج: زياد بن لبيد ابن ثعلبة بْن سنان بْن عامر، أحد بني بياضة بْن عامر بْن زُريق. يكنى أبا عَبْد اللَّه. شهد بدرًا، وولاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضر موت، فأقّره عليها أَبُو بَكْر. وتوفي أَبُو بَكْر وهو عليها. وقَالَ الهيثم بْن عدي: مات باليمن في خلافة عُمَر بْن الخطاب. فروة بْن عَمْرو بن وذفة البياضي. شهد بدرًا. وكان عَلَى بيع الأخماس يَوْم خيبر. خَالِد بْن قيس بْن مالك بْن العجلان بْن عامر بْن بياضة. شهد بدرًا. وقيل: إنه لم يشهد العقبة. والثبت أَنَّهُ شهدها. رافع بْن مالك بْن العجلان بْن عَمْرو بْن عامر بْن زُريق. يكنى أبا رفاعة وأبا مالك. وكان نقيبًا. لم يشهد بدرًا. واستشهد يَوْم أحد. وكان أَوَّل من أسلم من الأنصار. وكان ابنه رفاعة من أشد النَّاس عَلَى عثمان. ومات رفاعة في أيام معاوية. ويكنى أبا مُعَاذِ. ذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدة بن مخلد الزرقي. خرج إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة حتَّى هاجر معه. فهو من مهاجري الأنصار. واستشهد بأُحد. عباد بْن قيس بْن عامر بْن خلدة الزرقي. قتل أخوه يَوْم بعاث. وشهد عباد بدرًا. وأصابته يَوْم اليمامة جراحة، ثُمَّ انتقضت بِهِ فِي أول خلافة عثمان رَضِي الله تعالى عَنْهُ فمات منها. أَبُو خَالِد، وهو الحارث بْن قيس بْن خلدة. وَقَدْ شهد بدرًا. فهؤلاء سبعة نفر، فيهم نقيب. 572- ومن بني سَلَمة بْن سعد بْن عليّ بْن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم.

_ [1] ابن هشام، ص 308. [2] كذا في الأصل. وعند ابن هشام (ص 308) : عبد حارثة.

البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان، أبو بشر.

وأخيه أُديّ بْن سعد: البَراء بْن معرور بْن صخر بْن خنساء بْن سنان، أَبُو بشر. مات بالمدينة فِي صفر قبل قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها بشهر. وأوصى أن يوجه نحو الكعبة. وكان قَدْ صلى إليها قبل أن تحوّل القبلة نحوها. فوّجّه وَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى عَلَيْهِ. وكانت امرأته أم بشر قَدْ أعدّت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا، فأكل عندها ثُمَّ صلى بأصحابه فِي مسجد القبلتين. فلما فرغ من الركعتين الأوليين، حُوّل إلى الكعبة، فانحرف نحوها. وذلك يَوْم الثلاثاء للنصف من شعبان سنة اثنتين. وَيُقَالُ: للنصف من رجب. وكان البراء أول من أوصى بثلث ماله. وهو نقيب. بشر ابن البراء بْن معرور. شهد بدرًا. وهو [الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني سَلَمة، حين سألهم: من سيدهم؟ فقالوا: جد بن قيس على بخل فيه. فقال: «فأيّ داء أدوأ من البخل؟ سيدكم الأبيض الجعد: بشر بْن البراء] » . وكان بشر أول من صلى مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنصار إلى الكعبة. وكان أكل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشاة المسمومة التي أهدتها زينب بِنْت الحارث امْرَأَة/ 115/ سلّام بْن مشكم اليهودي بخيبر، فمات. سنان بْن صيفي بْن (صخر بْن) [1] خنساء بْن سنان. شهد بدرًا، وقتل يوم الخندق. وقال أحمد بن إسحق: أَبُو سنان [2] صخر بْن صيفي: والأول أثبت. الطفيل بْن مالك بْن خنساء. شهد بدرًا. وبعضهم يقول: الفضل، فيصحّف . الطفيل بن النعمان بْن خنساء. شهد بدرًا، وقتل بالخندق. معقل ابن المنذر بْن سرح بْن خُناس بْن سنان. شهد بدرًا. جبار بْن صخر بْن أمية ابن خنساء. كَانَ حارس النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر. يكنى أبا عَبْد اللَّه. شهد بدرًا وهو ابْنُ اثنتين وثلاثين سنة. ومات بالمدينة سنة ثلاثين. وقَالَ الكلبي: كَانَ الفاكه بْن السكن بْن زَيْد بْن أمية، وجبار بْن صخر حارسي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وكان جبار عقبّيًا، ولم يكن الفاكه عقبيّا. مسعود بن يزيد ابن سبيع بْن خناس بْن سنان. شهد بدرًا، وقتل يوم الخندق. الضحاك بن

_ [1] الزيادة عن ابن هشام ص 309. [2] خ: أبو سنان بن صخر.

يزيد بن المنذر

حارثة بْن زَيْد بْن ثعلبة بْن عُبَيْد بْن عدي. قَالَ الواقدي هُوَ عَقبي. وقَالَ الكلبي: عقبي بدري. يزيد بْن المنذر (بْن سرح بن خناس. يزيد) [1] ابن حرام بْن سبيع بْن خنساء. صيفي بْن سواد بن عباد [2] بن عمرو بن عدى ابن سواد بْن غنم بْن خَالِد بْن عَمْرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سَلَمة. أَبُو عبس بْن عامر بْن عدي بْن سواد. شهد بدرًا. وقَالَ الكلبي: عبس بْن عامر. سليم بْن عَمْرو بْن حُديدة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بْن سَلَمة. شهد بدرًا. وقَالَ الواقدي: هُوَ سليم بْن عامر. والأول قول الكلبي. قطبة بْن عامر بْن حُديدة. يكنى أبا زَيْد. مات فِي خلافة عثمان. وقَالَ الكلبي: هُوَ قطبة بْن عَمْرو بْن حُديدة أَبُو «جميلة» مولاة الْحَسَن الْبَصْرِيّ. يزيد بْن عامر ابن حديدة يكنى أبا المنذر. شهد بدرًا. وقَالَ الكلبي: هُوَ يزيد بْن عَمْرو. أَبُو اليسر، وهو كعب بْن عَمْرو بْن عباد بْن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب ابن سَلَمة. شهد بدرًا وهو ابْنُ اثنتين وثلاثين سنة. ومات بالمدينة سنة خمس وخمسين. وكان قصيرًا دحداحًا، ذا بطن. وشهد مَعَ عليّ عَلَيْهِ السَّلام مشاهده كلها. ثابت بْن الجِذْع. وولده يقولون: الجَذَع بْن زَيْد بْن حرام. واسم الجذع ثعلبه. شهد بدرًا، وقتل يَوْم الطائف. مُعاذ بْن جَبَل بْن عَمْرو بْن أوس بن عائذ ابن عدى بن كعب، من عَمْرو بْن أُديّ بْن سعد، إخوة بني سَلَمة بْن سعد. وهو ينسب إلى بني سَلَمة. وكان يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَن. شهد بدرًا وهو ابْنُ عشرين سنة أَوْ إحدى وعشرين سنة. ومات سنة ثماني عشرة فِي طاعون عَمواس، بناحية الأردن. وكان طوالًا، أبيض، حسن الثغر، عظيم العينين، جعدًا. وهو الثبت. وقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [3] : لم يكن منهم ولكنهم ادعوه. وكان من قضاعة.

_ [1] سقط من الأصل. والتصحيح «عن ابن هشام، ص 309، 310» ، وكذلك عن الاستيعاب رقم 2715 يزيد بن المنذر، ورقم 2723 يزيد بن حرام. [2] عند ابن هشام (ص 310) : «عباس» بدل عباد. وكذلك قال في نسب صيفي وأبى عبس: «نابئ» بدل «سواد» . وفي الأصل «عياذ» والتصحيح عن الاستيعاب، رقم 1397 صيفي بن سواد. [3] ابن هشام، ص 311.

ثعلبة بن غنمة بن عدى بن سواد

ثعلبة بْن غَنَمة بْن عدي بْن سواد [1] . استشهد يَوْم الخندق. ولم يذكره الكلبي، وجعل مكانه عامر بْن نابي بْن زَيْد بْن حرام بْن كعب بْن غنم بْن كعب بْن سَلَمة. كعب بْن مالك الشَّاعِر بْن أَبِي كعب - واسمه عَمْرو- بْن القين بْن أسود بْن غنم بْن كعب بْن أَبِي سَلَمة. يكنى أبا عَبْد اللَّه. مات وَقَدْ كفَ بصره. وكان موته فِي سنة خمسين [2] وهو ابْنُ سبع وسبعين سنة. عَمْرو بْن غنمة ابن عدي بْن سواد. وهو أخو ثعلبة بْن غنمة. والكلبي يثبته، ويقول إنه عقبي شهد بدرًا. عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حرام بْن كعب بْن غَنم. ويكنى أبا جَابِر. وهو أبو «جَابِر بْن عَبْد اللَّه» الَّذِي يتحدّث عَنْهُ أَبُو الزُّبَيْرِ. استشهد عَبْد اللَّه يَوْم أُحد. وهو عقبي بدري نقيب. وكان قدومه مَعَ قومه على الشرك، فدعاه إلى الإسلام. وغرّبوه فضله. فأسلم وطرح ثوبيه، ولبس ثوبين أعطاه إياهما البَراء بْن معرور. جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو. يكنى أبا عَبْد اللَّه. قَالَ الواقدي مات سنة ثمان وسبعين، وَقَدْ كفّ بصره، وهو ابْنُ أربع وتسعين سنة. وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو والي المدينة. وقَالَ الهيثم/ 116/ بْن عدي: مات سنة ثلاث وسبعين. وروى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَهْبٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنْتُ أَصْغَرَ أَهْلِ الْعَقَبَةِ. قَالَ الواقدي: يُقال إنه كَانَ آخر أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتًا. بالمدينة جَابِر بْن عَبْد اللَّه والثبت أن آخرهم موتًا سهل ابْنُ سعد الساعدي مات سنة إحدى وتسعين. وبالبصرة أنس بْن مالك مات سنة اثنتين وتسعين. وبالكوفة عَبْد اللَّه بْن أَبِي أوفى الأسلمي مات سنة ست وثمانين وبالشام عَبْد اللَّه بْن بسر المازني، من مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة بْن قيس، من الأحداث، مات فِي سنة ثمان وثمانين. وبمكة عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب مات فِي سنة أربع وسبعين، سافر [3] فِي عقب الحج، فأصابه زجّ [4] رمح

_ [1] عند أبى هشام (ص 310) «نابئ» بدل «سواد» . [2] خ: خمس. (والتصحيح عن الاستيعاب رقم 916 كعب بن مالك) . [3] خ: سافرا. [4] خ: جز

معاذ بن عمرو ابن الجموح بن زيد بن حرام.

من أزّجة أصحاب الحجاج عند الجمرة، فأتاه الحجاج يعوده. فَقَالَ لَهُ: أصحابك قتلوني. وَيُقَالُ إنّ سمرة بن جندب الفزارى آخر أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكوفة موتا، وكان بالبصرة واليا، واليه مات بالكوفة. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَمَّنْ رَأَى الْحَجَّاجَ خَتَمَ أَنَسًا [1] فِي رَقَبَتِهِ، وَمَنْ رَأَى الْحَجَّاجَ خَتَمَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي كُوعِهِ، فَقَالَ جَابِرٌ: شَهِدْتُ الْعَقَبَةَ، وَرَأَيْتُ الْحَجَّاجَ وَمَا يَصْنَعُ، فَلَيْتَ سَمْعِي ذَهَبَ كَمَا ذَهَبَ بَصَرِي فَلا أَسْمَعُ بِهِ شَيْئًا. فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ قَوْلُهُ، فَكَانَ يَقُولُ: مَا نَدِمْتُ نَدَامَتِي عَنْ شيء ندامتى على أن لا أكون قتلته حين بلغنى قوله. قال له عبد الله ابن عُمَرَ: فَإِذًا وَاللَّهِ كَانَ يَكُبُّكَ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى مِنْخَرَيْكَ. وَقَالَ لَهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ: الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالأَمِيرِ خيرهما، أراد بنفسه. معاذ بن عمرو ابن الجموح بْن زَيْد بْن حرام. وهو الَّذِي ضرب رَجُل أَبِي جهل، فقطعها حتَّى سقط. واستشهد مُعَاذِ يَوْم أحد. عمير بْن الحارث بْن ثعلبة بْن الحارث بْن حرام. شهد بدرًا. وهو كَانَ يقرن الرجال يَوْم بعاث. عَبْد اللَّه بْن أنيس بْن أسعد، من ولد البركى [2] بْن وبرة، أخي كلب بْن وبرة. يكنى أبا يَحيى. شهد العقبة ولم يشهد بدرًا. وشهد يَوْم أحد. وكان ينزل فِي جهينة، فعرف بالجهني وهو حليف لبني سَلَمة. ومنزله بأعراف، عَلَى بريد من المدينة. فَقَالَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مرني يا رَسُول اللَّه أي ليلة أنزل فيها إلى المدينة فِي شهر رمضان؟ فَقَالَ: [ليلة ثلاث وعشرين.] فقيل «ليلة الجهني» . وقَالَ الكلبي: هُوَ مهاجري أنصاري عقبي، وأعطاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخصرة كَانَ يتخصر بها، وقَالَ: القني بها فِي الجنة. وذلك أَنَّهُ بَعث بِهِ فِي وجه، فبلغ الَّذِي أحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومات عَبْد اللَّه أيام معاوية بالمدينة. خَديج بْن أويس [3] ، وَيُقَالُ: ابْنُ مالك، حليف لهم من بلي. وهو أَبُو شباب. ولد شباب ليلة العقبة.

_ [1] خ: أنس. [2] كذا في الأصل، والمعروف: البرك. [3] عند ابن هشام (ص 311) : خديج بن سلامة بن أوس.

وهي أم منيع بنت عمرو بن عدى.

وأم «شباب» ، وهي أم منيع بِنْت عَمْرو بْن عدي. فهؤلاء ثمانية وعشرون رجلًا وامرأة، فيهم نقيبان. 573- ومن بني ساعدة بْن كعب بْن الخزرج: سعد بْن [1] عبادة بْن دُليم ابن حارثة بْن أَبِي خُزيمة بْن ثعلبة بْن طريف بْن الخزرج بْن ساعدة. يكنى أبا ثابت. وكان تهيأ للخروج إلى بدر، فنُهش فأقام، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لئن كَانَ سعد لم يشهدها، لقد كَانَ عليها حريصا.] وكان نقيبًا، سيدًا، جوادًا. ومات بحوران فجأة لسنة مضت من خلافة عُمَر. وَيُقَالُ إنه امتنع من البيعة لأبي بَكْر/ 117/ فوّجه إِلَيْه رجلًا ليأخذ عَلَيْهِ البيعة وهو بحوران من أرض الشام. فأباها، فرماه فقتله. وفيه يروي هَذَا الشعر الَّذِي ينتحله الجنّ [2] : قتلنا سيد الخزرج ... سعد بْن عباده رميناه بسهمين ... فلم نُخْطِ فؤاده المنذر بْن عَمْرو بْن خنيس بْن لوذان بْن عَبْد وُدّ بْن زَيْد بْن ثعلبة بْن الخزرج بْن ساعدة، نقيب. شهد بدرًا، وقتل يَوْم بئر معونة سنة أربع. أم عمارة، وهي نسيبة بِنْت كعب، امرآة منهم. بايعها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ما بايع عليه النساء، ولم يصافحها، لأنا نعلم [3] أنه لم يكن يصافح النساء. وَقَدْ قاتلت يَوْم أحد. قَالَ الواقدي: شهدت أمْ عمارة العقبة مَعَ زوجها غزية بْن عَمْرو، وشهدت أحدًا [4] ، وشهدت اليمامة، وورثت ابنها خبيب ابن زَيْد بْن عاصم الَّذِي قطعه مسيلمة. وورثها ابنها عَبْد اللَّه بْن زَيْد، وقتل يَوْم الحرة. فهؤلاء رجلان، وهما نقيبان، وامرأة.

_ [1] خ: سعد أبو عبادة. [2] الاستيعاب، رقم 2337 سعد بن عبادة. والقصة والأبيات ستتكرر فيما بعد في الفقرة 1191 مع تعارض. والظاهر أنها لغلاة المخالفين للشيخين. [3] خ: لا نعلم. [4] خ: أحد. (وراجع لقصة ابنه: ابن هشام ص 312، 313) .

574 - ومن بنى عوف بن الخزرج:

574- ومن بني عوف بْن الخزرج: عبادة بْن الصامت بْن قيس بْن أصرم ابْنُ فهر بْن ثعلبة بْن قوقل - واسم قوقل غنم- بْن عوف بْن عَمْرو بْن عوف بْن الخزرج. ويكنى عبادةُ أبا الوليد. بدري، نقيب، توفي بالرملة من فلسطين سنة أربع وثلاثين، وهو ابْنُ اثنتين وسبعين سنة. وكان طوالًا، جميلًا، جسيمًا. وقَالَ الهيثم بْن عدي: توفي فِي أيام معاوية. وكان أخوه أوس بْن الصامت زوج خويلة بِنْت ثعلبة، وهي «المجادِلة» ، وفيها نزلت آية الظهار [1] . وأدرك أوس عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ. الْعَبَّاس بن عبادة بن نضلة بن مالك ابن العجلان بْن زَيْد بْن سالم بْن عوف بْن عَمْرو بْن عوف بْن الخزرج. شهد العقبة، وخرج من المدينة مهاجرًا إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد بدرًا. وقتل يَوْم أُحد. يزيد بْن ثعلبة أَبُو عَبْد الرَّحْمَن، حليف لهم من قضاعة. ولم يشهد بدرًا، فيما ذكر الواقدي. والكلبي يجعل مكان يزيد هَذَا، زَيْد بْن وديعة ابْنُ عَمْرو بْن ثعلبة، من بني الحُبلى بْن غَنْم بن عوف، من الخزرج، الَّذِي استشهد يَوْم أحد. واسم الحبلي سالم، سمي الحبلى، لعظم بطنه. رفاعة بن عمرو ابن زَيْد بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن جشم بْن مالك بْن سالم بْن عوف. شهد بدرًا، واستشهد يَوْم أحد. وكان يكنى أبا الوليد. وبعضهم يقول: رفاعة بن الهاف ابن عمير بْن زَيْد بْن عَمْرو. عقبة بْن وهب بْن كلدة [2] بْن زهرة بْن جشم ابن عوف بْن بُهثة بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان، حليف بني الحبلى. وكان شهد بدرًا. وكان أتى مكَّة، فهاجر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو مهاجري أنصارى. قَالَ الكلبي: شخص عُقبة إلى مكَّة، وقَالَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لست أتخذ دارا غير دارك. فلما أذن اللَّه تَعَالى لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الهجرة، هاجر إلى المدينة. وأكبّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد وَقَدْ أصابه سهم فِي جبهته، فغاب إلا شظية. فانتزعه، فسقطت ثنيتاه. فهؤلاء خمسة رجال، منهم نقيب. فجميع من بايع عند العقبة الثانية سبعون رجلًا وامرأتان، بايعوا عَلَى البيعة الأولى، وزاد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] القرآن، المجادلة (58/ 1- 4) . [2] خ: كلدة بن وهب. (والتصحيح عما سيأتى فيما بعد وعن الاستيعاب) .

أسماء النقباء الاثنى عشر:

فيها «قتال الأحمر والأسود، وعلى أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يمنعون مِنْهُ [1] أنفسهم» ، وضمن لهم عَلَى ذَلِكَ الجنة. 575- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أشياخه قَالُوا: ممن شهد العقبة وابنه معه: عَبْد اللَّه بْن (عَمْرو بْن) حرام أَبُو جَابِر بْن عَبْد اللَّه، ومعه ابنه جَابِر بْن عَبْد اللَّه، وسعد بْن خيثمة، ومعه ابنه عَبْد اللَّه بْن سعد، والبراء بْن معرور، ومعه ابنه بِشر بْن البراء. أسماء النقباء الاثني عشر: 576- من الأوس: أُسيد بْن حُضير، أَبُو الهيثم مالك بْن التيّهان، سعد بْن خيثمة. 577- ومن الخزرج: أَبُو أمامة أسعد بْن زرارة، رافع بْن مالك الزرقي، سعد بْن عبادة، المنذر بْن عَمْرو/ 118/ البراء بْن معرور: سعد بْن الربيع، عَبْد اللَّه بْن رَواحة، عبادة بْن الصامت- ومنهم من يجعل مكانه خارجة بْن زَيْد- عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَبُو «جَابِر بْن عَبْد اللَّه» . 578- قَالَ أَحْمَد بْن يَحيى، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْدٍ، وَالْوَلِيدُ بْن صَالِحٍ، عن الواقدي فِي إسناده أن سليط بْن قيس حضر يَوْم العقبة ليبايع، فوجد النَّاس قَدْ تفرقوا. فبايع أسعد بْن زرارة نقيب النقباء. قَالَ: وقُتل سليط يَوْم قُسّ الناطِف بالعراق. قَالَ: وحضر مالك بْن الدُّخشم، وَقَدْ تفرق النَّاس، وهو من ولد مِرْضخة بْن قَوقل. فبايع أسعدَ أيضًا. 579- وحدَّثني مُحَمَّد بْن سعد، قَالَ حَدَّثَنِي هشام بْن مُحَمَّد الكلبي قَالَ: حضرت جماعة فاتتهم البيعة، وأهلوهم يدّعون أنهم عقبيون، ويسقط كل مدّع لرجل أَنَّهُ عقبي رجلًا ويجعله مكانه، لئلا يزيدوا عَلَى السبعين، ويحمل ذَلِكَ عنهم،

_ [1] خ: جنة.

فيقع الاختلاف. قَالَ: وَقَدْ أخبرني أَبُو عَبْد اللَّه الواقدي بنحو من هَذَا. ولم أثبت من هذه الأسماء إلا ما اجتمع عليه أصحابنا. 580- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَكْرَهِ وَالْمَنْشَطِ، وَأَلا نُنَازِعَ [1] الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ [2] بِالْحَقِّ حَيْثُ كَانَ، وَلا نَخَافُ [3] فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. 581- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا بِالْعَقَبَةِ سَبْعِينَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَوَافَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ آخِذًا بِيَدِهِ. 582- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ [4] ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عن ابن أبى مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ آخِذًا بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَوْمُ يَضْرِبُونَ عَلَيْهَا. فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ. 583- قَالَ الواقدي: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنُّقَبَاءِ: إِنَّكُمْ كُفَلاءُ عَلَى قَوْمِكُمْ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قومى.] قالوا: نعم. 584- وقال الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: قَدِمَ الأَنْصَارُ مَكَّةَ، فَسَأَلُوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل لَهُمْ: هُوَ عِنْدَ عَمِّهِ الْعَبَّاسُ. فَأَتَاهُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ فِي آخَرِينَ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إن لنا خلقة وَعَدَدًا. وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْكَلِمَةُ عَلَيْكَ. وَلَكَ عِنْدَنَا النَّصْرُ، وَبَذْلُ الْمُهَجِ، وَالْمَنْعُ مِمَّنْ نَمْنَعُ مِنْهُ أنفسنا. فمتى نلتقي؟» فقال

_ [1] خ: تنازع، يقول، يخاف. [2] خ: تنازع، يقول، يخاف. [3] خ: تنازع، يقول، يخاف. [4] كذا في أصل العبارة، وبالهامش عن نسخة أخرى: «خيثمة» وهو الأصبح.

الْعَبَّاسُ: إِنَّ مَعَكُمْ مِنْ حُجَّاجِ قَوْمِكُمْ مَنْ يُخَالِفُكُمْ فِي الرَّأْيِ، فَأَخْفُوا إِشْخَاصَكُمْ، وَاسْتُرُوا أَمْرَكُمْ حَتَّى يَتَصَدَّعَ الْحَاجُّ. فَوَاعَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوَافِيَهُمْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي صَبَّحَتْهَا النَّفَرُ الآخِرُ بِأَسْفَلِ الْعَقَبَةِ. وَيُقَالُ: فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي صَبَّحَتْهَا النَّفَرُ الأَوَّلُ، عَلَى أن لا ينبهوا نائما، ولا ينتظروا غَائِبًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا. وَسَبَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبَّاسُ إِلَى الْمَوْضِعِ، وَأَقْبَلُوا يتساءلون. وَكَانُوا ثَلاثَ مِائَةٍ، حَتَّى وَافَى مَنْ وَافَى مِنْهُمْ. فَتَكَلَّمَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَوْسِ، وَالْخَزْرَجِ، قَدْ دَعَوْتُمْ مُحَمَّدًا إِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ، وَنَحْنُ عَشِيرَتُهُ وَلَسْنَا بِمُسْلِمِيهِ. فَإِنْ كُنْتُمْ قَوْمًا تَنْهَضُونَ بِنُصْرَتِهِ، وَتَقْوُونَ عَلَيْهَا، وَإِلا فَلا تعروه وَأَصْدِقُوهُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ» . فَقَالَ قَائِلُهُمْ: «نحن بنو الحارث غُذِّينَا بِهَا، وَمُرِّنَّا عَلَيْهَا، وَعِنْدَنَا نُصْرَتُهُ وَالْوَفَاءُ لَهُ، وَبَذْلُ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا دُونَهُ، وَلَنَا عُدَّةٌ وَعَدَدٌ وَقُوَّةٌ» . وَجَعَلُوا يَتَكَلَّمُونَ، وَالْعَبَّاسُ آخِذٌ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: أَخْفُوا أَمْرَكُمْ، فَإِنَّ عَلَيْنَا عُيُونًا. فَلَمَّا اسْتَوْثَقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَاعْتَقَدَهَا عَلَيْهِمْ، ضَرَبُوا عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ أَوَّلُ من بدأ فضرب البراء ابن مَعْرُورٍ. وَيُقَالُ: أَبُو الْهَيْثَمِ. وَيُقَالُ: أَسْعَدُ بْنُ زرارة. ويقال: أسد ابن حُضَيْرٍ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ/ 119/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَخَذَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، وَإِنِّي آخِذٌ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، فَلا يَجِدَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، فَإِنَّمَا يَخْتَارُ لِي جِبْرِيلُ.] فَلَمَّا سَمَّاهُمْ، قَالَ: أَنْتُمْ كُفَلاءُ عَلَى قَوْمِكُمْ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ. وَجَعَلَ أَبَا أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ نَقِيبَ النُّقَبَاءِ. ثُمَّ قَامَ النُّقَبَاءُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَحَمِدُوا اللَّهَ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ وَمَا أَكْرَمَهُمْ بِهِ مِنِ اتِّبَاعِ نَبِيِّهِ، وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ. وَتَحَاضُّوا عَلَى نُصْرَتِهِ وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وَبَيْعَتِهِ. ثُمَّ انْصَرَفُوا. 585- قَالُوا: وَطَلَبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَظَفَرُوا بِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالُوا: أَنْتَ عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا، حَتَّى خَلَّصَهُ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا. وَفَاتَهُمُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَدْ كَانَ أَشْرَفَ أَنْ يُؤْخَذَ. فَقَالَ ضرار بْن الخطاب الفهري [1] :

_ [1] ابن هشام، ص 302، حاشية ديوان حسان، ص 78، مصعب الزبيري، ص 126، الاستيعاب 2357 سعد بن النعمان، مع اختلافات.

باب في قصة المعراج:

تداركت سعدًا عنوة فأسرَته ... وكان شفاءً لو تداركت منذرا ولو نلته طلّت هناك جراحه ... أحق دماء أن تُطَلّ وتهدرا فأجابه حسان بْن ثابت [1] : فخرتَ بسعد الخير حين أسرَته ... ونلتَ شفاء لو تداركت منذرا وإن امرأ يهدي القصائد نحونا ... كمستبضع تمرًا إلى أهل خيبرا وكالرجل الوسنان يحلم أَنَّهُ ... ببلدة كسرى أَوْ ببلدة قيصرا فلا تَكُ كالشاة التي كَانَ حتفُها ... بحفر ذراعيها فلم ترض محفرًا وتفرح بالكتان لما لبسته ... وَقَدْ تلبس الأنباطُ ريطا معصفرا وقَالَ حسان أيضًا [2] : لو كَانَ سعد يَوْم مكَّة خافكم ... لأكثر فيكم قبل أن يُوسَر القتلا بعضب حُسام أَوْ بصفراء نبعة ... فنحن إذا ما أنبغت نحفز [3] النبلا باب فِي قصة المعراج: 586- قَالُوا: وأسري بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو مسجد بيت المقدس، قبل الهجرة بسنة. وَيُقَالُ: بثمانية عشر شهرًا. 587- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ نَائِمًا بِالْحِجْرِ، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ فَغَمَزَنِي بِرِجْلِهِ، وَأَتَانِي بِالْبُرَاقِ فَرَكِبْتُهُ] .

_ [1] ديوان حسان، ق 105، ب 3، 4، 5، 7 (وليس عنده البيت الأول) ، ابن هشام، ص 302- 303، السهيلي 1/ 279، مع اختلافات. (خ في الرابع «فلا تكن» ، الترميم عن الديوان وابن هشام والسهيلي) . راجع أيضا بلدان ياقوت خيبر. [2] ليس في ديوانه المطبوع. [3] خ: تخفز.

588- وحدثنى مُحَمَّدٌ وَالْوَلِيدُ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ بَعْدَ هَدْءٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدْ روى أنه أسرى به من الشعب. وذلك غَيْرُ ثَبْتٍ. 589- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لَقِيَ بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلامُ وَأُتِيَ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ وَقَدَحٍ مِنْ خَمْرٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَشَرِبَهُ. فَقَالَ جِبْرِيلُ: هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ. 590- قَالُوا: وكذّبته قريش بمسراه. فوقف، فأخبرهم عن بيت المقدس وآياته، وأخبرهم عن ناقة شردت لبعضهم ببعض الطريق. فسألوا عن ذَلِكَ، فوجدوه كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 591- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) [1] . قَالَ رَأْيُ عَيْنٍ. 592- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صالح العجلي، عَنِ ابن أبى الزناد، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: أُسْرِيَ بِرُوحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ. 593- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ/ 120/ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أُسْرِيَ بِرُوحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ. 594- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: رؤيا الأنبياء وحى.

_ [1] القرآن، الإسراء (17/ 60) .

أمر الهجرة:

595- قَالُوا: وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرْضِ الصَّلاةِ الْخَمْسِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وَإِنَّمَا كَانَتِ الصَّلاةُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْعَشِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ صَارَتِ الصَّلَوَاتُ خَمْسًا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ أُتِمَّتْ صَلاةُ الْمُقِيمِ أَرْبَعًا، وَبَقِيَتْ صَلاةُ الْمُسَافِرِ عَلَى حَالِهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ. أمر الهجرة: 596- قَالُوا: ولما شخص السبعون الذين بايعوا عند العقبة، اشتدّ ذَلِكَ عَلَى قريش ورأوا أَنَّهُ قَدْ صارت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منعة ودار هجرة. فضيّقوا عَلَى المسلمين وآذوهم ونالوا منهم من الشتم والتناول ما لم يكونوا ينالونه. فشكوا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وسألوه الهجرة. فَقَالَ: [إنه لم يؤذّن لي فِي ذَلِكَ بعد.] ثُمَّ إنه خرج عليهم بعد ذَلِكَ بأيام مسرورًا، فَقَالَ: قَدْ أخبرتُ أن دار هجرتكم يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج فإن البلاد قريبة وأنتم بها عارفون وهي طريق عِيركم إلى الشام. فجعلوا يتجهزون إلى المدينة فِي خفي وستر، ويتسللون. فيقال إنه كَانَ بين أولهم وآخرهم أكثر من سنة. وجعلوا يترافدون بالمال والظهر، ويترافقون. وبلغ من بالحبشة من المسلمين هجرة إخوانهم، فقدم من قدم منهم مكة [1] للهجرة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ ممن قدم مكة [2] أَبُو سَلَمة بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. واسم أَبُو سَلَمة عَبْد اللَّه بْن عَبْد الأسد. ثُمَّ هاجر، فكان الثالث بعد مصعب ابن عمير، وابن أم مكتوم. وكان مصعب أول من قدمها، وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعلّم النَّاس القرآن. ثُمَّ تلاه ابن أم مكتوم. وسمعتُ من يذكر أن أبا سَلَمة قبل ابْنُ أم مكتوم. والخبر الأول أثبت. 597- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم المدينة مصعب

_ [1] خ: المدينة. (وهو سهو) . [2] خ: المدينة. (وهو سهو) .

أول ظعينة ترد المدينة

ابن عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُصْعَبًا صَارَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ هَاجَرَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. 598- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الملك بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، نَزَلُوا الْعُصَبَةَ [1] . فَكَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّهُمْ لأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا وفيهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الأسد. [أول ظعينة ترد المدينة] 599- قالوا: وكانت أم سلمة بنت أبي أمية أول ظعينة وردت المدينة. وكان زوجها أبو سلمة لما أراد الهجرة، رحل لها بعيرًا وحملها عَلَيْهِ، وفي حجرها ابنها سَلَمة. فلما رآه رجال بني المغيرة قَالُوا: هَذِهِ نفسُك قَدْ غلبتَنا عَلَيْهَا، فَمَا بَالُ صاحبتنا؟ لا ندعك وتسيرها فِي الْبِلادِ. ثُمَّ انْتَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يده، وأخذوها إليهم. فغضب عند ذَلِكَ بنو عَبْد الأسد بْن هلال، وقالوا: والله لا نترك ابنها عندكم إِذَا نزعتموها من يد صاحبنا، يعنون أبا سَلَمة. وتجاذبوا سَلَمة بينهم، حتَّى خلعوا يده، فكانت مخلوعة حتَّى مات. ثُمَّ انطلقوا بِهِ. فكانت، وهي عند أهلها من بني المغيرة، تخرج فتقعد عَلَى الصفا، ثم تقول [2] : يا رخم [3] الجوّ ألا استقلّى ... وفي بني عَبْد الأسد فحُلّي ثُمَّ هلالا وبنيه فُلّي ثُمَّ تدعو عليهم أن تأكل الرخم [4] لحومهم. فروى عنها أنها قَالَتْ: جلستُ بالأبطح أبكي، وكنتُ أفعل ذَلِكَ كثيرًا، فرآني ابْنُ عم لي، فَكَلَّمَ بَنِي الْمُغِيرَةِ/ 121/ فِي وقَالَ: أَلا تَرَوْنَ مَا بِهَذِهِ الْمِسْكِينَةِ مِنَ الْجَهْدِ لِتَفْرِيقِكُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا؟ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ إِنْ شِئْتِ. وَرَدَّ عَلَيّ بَنُو عَبْد الأَسَدِ ابني. فرحلتُ بعيري، ووضعتُ ابني فِي حجري، ثُمَّ خرجتُ أريد أبا سَلَمة بالمدينة. فَلَمَّا كنتُ بِالتَّنْعِيمِ، لقيتُ عُثْمَانَ بْن طَلْحَةَ بْن أَبِي طلحة، أخا بني عَبْد الدار، فَقَالَ: أَيْنَ تريدين يا بنة أبى أمية؟ قلت: أريد زوجي بيثرب.

_ [1] راجع لهذا الموضع: ابن هشام، ص 322. [2] المحبر، ص 84 (وعنده نقصان وسهو طباعة) . [3] خ: «رحم» ، «الرحم» . [4] خ: «رحم» ، «الرحم» .

هجرة الرسول ص إلى المدينة

فَقَالَ: أَوْ ما معك أحد؟ قلت: لا والله. فقال: ما لك مترك. وأخذ بخطام البعير وانطلق معي يقودني. فو الله مَا رَأَيْت أَكْرَمَ مُصَاحَبَةً مِنْهُ: كُنْتُ أَبْلُغُ الْمَنْزِلَ، فَيُنِيخُ جَمَلِي ثُمَّ يَسْتَأْخِرُ عَنِّي. فَإِذَا نزلتُ، حَطَّ عَنْ بَعِيرِي، وَقَيَّدَهُ، ثُمَّ أَتَى شجرة فاضطجع تحتها. فإذا دنا الرَّوَاحَ، قَدِمَ الْبَعِيرُ فَرَحَّلَهُ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ وقَالَ: اركبي. فإذا استويتُ عَلَى البعير، قادني. فلم يزل يصنع ذَلِكَ بي حتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ. فَلَمَّا رَأَى قَرْيَةَ بَنِي عَمْرو بْن عَوْفٍ بِقُبَاءٍ، قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّه. ثُمَّ انصرف راجعًا إلى مكَّة. [هجرة الرسول ص الى المدينة] 600- وقدم المدينة بعد أَبِي سَلَمة، عامر بْن ربيعة العنزي، وبلال، وسعد، وعمر، وعمار. وخرج النَّاس مهاجرين متتابعين. فلم يبق منهم إلا من حبسته قريش. ولم يبق بمكة من بني أسد بْن خزيمة أحد، حتَّى أغلقوا أبوابهم. وأغلقت أبواب بني البُكير- وغير الكلبي يَقُولُ: بني أَبِي البكير- وأبواب بني مظعون. فمرّ عتبة بْن ربيعة بدور بني جَحْش، فإذا أبوابها تخفق وليس فيها أحد. فتمثل قول الشَّاعِر [1] : وكل دار وإن طالت سلامتها ... يومًا ستلحقها النكراءُ والحوبُ وبقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليّ، وأبو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا، ليس معهم غيرهم. وأراد أَبُو بَكْر الهجرة. فسأله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحبس نفسه عَلَيْهِ. وكان قَدْ علف راحلتين لَهُ ورق السمُر أربعة أشهر. فلما أُذِنَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الهجرة، أتى أبا بَكْر، فأعلمه الهجرة. فأعطاه إحدى تينك الراحلتين، وهي ناقة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القصواء، من نعم بني قشير، فلم تزل عنده، وماتت في أيام أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وكانت مرسلة ترعى بالبقيع لا تهاج. وَيُقَالُ بنقيع [2] الخيل. 601- قَالُوا: تناظرت قريش فِي أَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هاجر أصحابه. فَقَالَ أَبُو البَختري العاص بْن هاشم: نخرجه فنغيب عنا وجهه ليصلح ذات بينها. وقَالَ آخر: بل يُقيد ويحبس حتَّى يهلكه، ثم فرق [3] رأيهم على أن

_ [1] ابن هشام، ص 316، السهيلي 1/ 285 وعزاه إلى أبى داود الإيادى. [2] خ: ببقيع. [3] أى استبان واتضح.

يأخذوا من كل قبيلة من قريش غلامًا نهدًا جلدًا وسيطًا، فيعطوه سيفًا صارمًا، ثُمَّ يجتمع أولئك الغلمان فيضربوه ضربة رَجُل واحد، فيتفرق دمه فِي القبائل، فلا يدري بنو عَبْد مناف ما يصنعون، ولا يقوون عَلَى حرب جميع قريش. وكان الَّذِي أطلع لهم هَذَا الرأي شيخ من أهل نجد. ويزعمون أَنَّهُ الشيطان. وأتى جبريلُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره الخبر.. وأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ عَلَيْهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [1] . وقوله «ليثبتوك» ، أي ليقيدوك. فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزل أَبِي بَكْر، وأمر عليا فنام على فراشه. فلما دخلوا بيته وهم يرون أَنَّهُ نائم عَلَى فراشه. فقام إليهم عليّ عَلَيْهِ السَّلام. فقالوا: أَيْنَ ابْنُ عمك؟ قَالَ: لا علم لي بِهِ. وَيُقَالُ إنهم رموه وهم يظنون أَنَّهُ نبي اللَّه. فلما قام، تركوه وسألوا عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرهم أَنَّهُ لا علم لَهُ بِهِ. 602- قَالُوا: وخرج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر من خوخة فِي ظهر بيت أَبِي بَكْر، حتَّى أتيا غار ثور، فصارا فِيهِ. وَكَانَ عَامِرُ بْن فُهَيْرَةَ يَرْعَى غَنَمًا لأَبِي بَكْر، فيعزُب بها ثُمَّ يبيت قريبًا، ولا يبعد. فكانا يصيبان من رِسلها [2] . فاستأجر أَبُو بَكْر رجلًا دليلًا، يُقال لَهُ عَبْد اللَّه بْن أريقط الديلي، من كنانة ابن خزيمة. وصنع آل أَبِي بَكْر لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر سُفرة، وذبحت شاة وطبخ لحمها، وجُعل/ 122/ فِي جراب. فقطعت أسماءُ بِنْت أَبِي بَكر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُما قطعة من نطاقها، فأوكت بِهِ الجرابَ. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ لها نطاقين فِي الجنة.] فسُميت «ذات النطاقين» . ويروى أَنَّهُ كَانَ لها نطاق تنتطق بِهِ فِي منزلها، ونطاق تنتطق بِهِ إِذَا حملت الطعام لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر، فقيل لها ذات النطاقين. 603- قَالُوا: وبعثت قريش قائفين يقصّان آثار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أحدهما كرز بْن علقمة بْن هلال الخزاعي. فاتّبعاه، حتَّى انتهيا إلى غار ثور. فرأى كرز عَلَيْهِ نسجَ العنكبوت. فَقَالَ: ها هنا انقطع الأثر. فانصرفوا. وقَالَ بعضهم: ادخلوا الغار. فَقَالَ أمية بْن خلف: «وما أربكم؟ إذ الغار

_ [1] القرآن، الأنفال (8/ 30) . [2] بالهامش: «أى لبنها» .

وعليه من نسج العنكبوت ما عَلَيْهِ. والله إنى لأرى هذا النسج (من) قبل أن يولد مُحَمَّد» . وبال، حتَّى جرى بوله بين النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر. وجعلت قريش لمن جاء برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر أَوْ قتلهما ديتهما. وَيُقَالُ: مائة بعير. ونادوا بذلك فِي أسفل مكَّة وأعلاها. 604- قَالُوا: ومكث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر فِي الغار ثلاث ليال. وعبد اللَّه بْن أَبِي بَكْر- وهو الَّذِي أصيب بالطائف- يبيت عندهما. وهو غلام شابٌ لقنٌ. ثُمَّ يصبح مَعَ قريش كبائت. فلا يسمع بأمر يكاد بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وعاه، حتَّى يلقيه إِلَيْه. ثُمَّ إن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر خرجا فِي السحر ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول، فقالا يَوْم الثلاثاء بقُديد. وجاءت وجوه قريش إلى منزل أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فسألوا أسماء ابنته عنه. فقالت لهم: ما أدري أَيْنَ هُوَ؟ فلطمها أَبُو جهل أَوْ غيره. 605- وكان أَبُو بكر أسلم يَوْم أسلم، وعنده أربعون ألف درهم. فخرج إلى المدينة للهجرة وما لَهُ إلا خمسة آلاف، أَوْ أربعة آلاف درهم. فبعث ابنه عَبْد الله، فحملها إليه إلى الغار، فمضى به معه. وكان أَبُو قحافة وَقَدْ كفّ بصره. فَقَالَ لأم رومان، امْرَأَة أَبِي بَكْر: عهدي بأبي بَكْر وله مال، فما فعل ماله؟ أتراه فجعكم بِهِ كما فجعكم بنفسه؟ فعمدت أسماء رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهَا إلى [1] جلال الحصباء، فجعلته فِي كوَّة كَانَ أَبُو قحافة يعهد أبا بَكْر يجعل ماله فيها كثيرًا، وغطته بثوب، وقادت جدها إلى الكوَّة. فلما وضع يده عَلَى الحصباء قَالَ: إنّ فِي هَذَا لمعاشًا صالحًا، صاحبه اللَّه. وكان لعثمان بْن عفان رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ مال. فما خرج إلى الهجرة إلا بسبعة آلاف درهم. وذلك أَنَّهُ أنفق ماله فِي الرقاب والعون عَلَى الْإِسْلَام. 606- قَالُوا: وكانت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودائع. وإنما كَانَ يسمى الأمين. فوكل عليا عليه السلام بردّها على أهلها. فلما وفاهم إياها،

_ [1] خ: إلى وجلال.

أم معبد:

شخص إلى المدينة، حتَّى نزل على كلثوم بْن الهِدم ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنده. 607- قَالُوا: ولقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُريدة بْن الحُصَيب الأسلمي فِي رَكْب من قومه، فيما بين مكَّة والمدينة، وهم يريدون موقع سحابة. فسابلوه وسابلهم. فدعاهم إلى الْإِسْلَام، فأسلموا، واعتذروا بقلة اللبن معهم، وقالوا: مواشينا شُصُص [1] . وجاءه بلبن، فشربه وأبو بَكْر. ودعا لهم بالبركة. أم معبد: 608- ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم معبد عاتكة بِنْت خَالِد بْن خُليف الخزاعي. وهي امْرَأَة أكثم بْن الجون- والجون عَبْد العزى- بْن منقذ الخزاعي. فأتت رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاة مصُور [2] ليذبحها، فمسح ضرعها فإذا هِيَ ذات دَرّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذبحيها. فأتت بشاة أخرى، فذُبحت وطبخ لحمها لهم. فأكل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر، وعامر بْن فهيرة، و (ابن) أُرَيْقِط. وسفّرتهم منها بما وسعته سفرتهم، وبقي عندها أكثر لحمها. وقالت أم معبد: لقد بقيت الشاة التي مسح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرعها إلى عام الرمادة، وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة. فكنا نحلبها صبوحًا وغبوقًا، وما فِي الأرض قليل ولا كَثِير. وقَالَ الشَّاعِر فِي نزول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 123/ بأم معبد [3] : جزى اللَّه رب النَّاس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبدِ هما نزلا بالبرّ وارتحلا بِهِ ... فأفلحَ من أمسى رفيق مُحَمَّد ليهن بني كعب مكانُ فتاتهم ... ومقعدُها للمسلمين بمرصَد ووصفت أم معبد رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفة سنذكرها إن شاء الله تعالى.

_ [1] أى قليلة اللبن. [2] أى البطيئة خروج اللبن. [3] ابن هشام، ص 330، السهيلي 2/ 807، ابن سعد، 1 (1) / 155، 156: الطبرى ص 1240- 1241، الرسالة العثمانية للجاحظ، ص 112، الاستيعاب كنى النساء رقم 50 أم معبد، مع اختلافات الرواية.

مسجد قباء

609- قَالُوا: ولما جعلت قريش لمن اتبع رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَا بكر فقتلهما أَوْ أتى بهما مائة ناقة- وَيُقَالُ: ديتهما- أتبعهما سراقة بن مالك ابن جعشم الكنانى ثم المدلجى. فلما قرب منهما ساخت قوائم فرسه. فطلب الأمان. وأخبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جعلت قريش فِيهِ وفي أَبِي بَكْر فكتب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب أمنة وموادعة، فِي قطعة أديم. فلم يزل الكتاب عنده حتَّى أتاه بِهِ وهو بين الطائف والجعرانة، وأسلم. 610- وكان قدوم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْر ربيع الأول. وكان النَّاس مستشرفين لقدومه، قد استبطئوه، فرآه يهودي عَلَى بعض تلك الآطام، فنادى: يا معشر العرب، هَذَا صاحبكم. فكبر بنو عَمْرو بْن عوف بْن مَالِك بْن الأوس تكبيرة رَجُل واحد. فصار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني عَمْرو بْن عوف، فنزل فيهم على كلثوم ابن الهِدم بْن امرئ القيس، من ولد عَمْرو بْن عوف، بقُباء. وذلك الثبت. فأقبل النَّاس يأتونه، يسلمون عَلَيْهِ. وقَالَ بعضهم: نزل على سعد بن خيثمة ابن الحارث، أحد بنى السلم ابن امرئ القيس بْن مالك بْن الأوس. وذلك أَنَّهُ كَانَ يكثر إتيانه للحديث عنده. فظن [1] قوم أَنَّهُ نازل عَلَيْهِ. 611- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَوْهِبٍ [2] ، عَنْ يزيد بن رومان، عن عروة قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثُ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ. وَيُؤْتَى لِلسَّلامِ عَلَيْهِ وَهُوَ بِهِ. فَلِذَلِكَ قَالَ النَّاسُ: نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ. وَكَانَ نُزُولُ النَّاسِ جَمِيعًا عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لَمْ يتجاوزهم. [مسجد قباء] 612- قَالُوا: فَأَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بني عَمْرو بْن عوف الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس. ثُمَّ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الجمعة، فجمع في بني سالم، من بني النجار. وَيُقَالُ: بل أقام بقباء ثلاثًا وعشرين ليلة. وَيُقَالُ: بضع عشرة ليلة. وكان مَن تقدم رسولَ الله صلى الله

_ [1] خ: خطر. [2] في أصل العبارة «وهب» ، وبالهامش عن نسخة أخرى: «موهب» .

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة بعد أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الأسد، ومن نزلوا عَلَيْهِ بقباء بنوا مسجدا يصلون فِيهِ. والصلاة يومئذ إِلَى بيت المقدس. فجعلوا قبلته إلى ناحية بيت المقدس. فلما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم فِيهِ. وكان سالم مَوْلَى أَبِي حذيفة يؤمّ المهاجرين من مكَّة إلى المدينة. ثُمَّ أمهم بالمدينة حتَّى قدم النبي صلى الله عليه وسلم. 613- حدثني الْحُسَيْنِ بْنِ الأَسْوَدِ، ثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْن موسى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: كَانَ سَالِمٌ غَيْرَ مَعْرُوفٍ نَسَبُهُ، وَكَانَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبِالْمَدِينَةِ لأَنَّهُ أَقْرَؤُهُمْ، وَإِنَّ فِيهِمْ لَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَذَلِكَ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة. 614- حدثنى عمرو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ قَالا، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَسْرُوقٍ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خُذُوا الْقُرْآنَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ [1] ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وسالم مولى أبى حذيفة] . 615- وحدثنى الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، نَزَلُوا إِلَى جَنْبِ قُبَاءَ، فَأَمَّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبُو حُذَيْفَةَ، لأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، وإنّ فيهم عمر بْنَ الْخَطَّابِ [2] ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الأَسَدِ. وَحَدَّثَنِي/ 124/ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بمثله. قال الواقدى: المجتمع عليه أن سالمًا مَوْلَى أَبِي حذيفة لما شخص عن مكَّة مهاجرًا، كَانَ يصلي بالمهاجرين إلى المدينة ثُمَّ صلى بهم إلى قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنَّه كَانَ أقرأهم الكتاب الله.

_ [1] خ: أبى بن خلف. (وهو سهو فاحش فإنه من الكفار قتل يوم أحد كما سيأتى ذكره) . وأبى بن كعب من كبار قراء الصحابة. والتصحيح عن صحيح البخارى، كتاب المناقب (62/ 28) . [2] كتب في الأصل هذا الاسم ثم خط عليه. ولكن راجع الحديث السالف فوق.

616- وقدم عليّ عَلَيْهِ السَّلام المدينة، فنزل عَلَى كلثوم بْن الهدم. فكان يرى رجلًا يجيء إلى امْرَأَة فِي جواره بعد هدء من الليل، فتفتح [1] لَهُ بابها، فيدخل الدار ثُمَّ يخرج. فَقَالَ لها فِي ذَلِكَ. فقالت: يا عَبْد اللَّه، إني امْرَأَة مسلمة أرملة، والرجل الَّذِي يأتيني سهل بْن حنيف يدور عَلَى قومه فيكسر أصنامهم ويأتيني بها لأوقدها إن طبختُ. قَالُوا: وكان عَبْد اللَّه بْن جُبير، وسهل بْن حنيف يكسران الأصنام ويأتيان بها المسلمين ليستوقدوا بها. 617- وحدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمة، ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق [2] ، عن يزيد بْن عَبْد اللَّه بْن قسيط أن جُنْدَع بْن ضمَرة الجُنْدعِي كَانَ بمكة. فمرض، فَقَالَ لبنيه: أخرجوني منها. فقالوا: إلى أَيْنَ؟ فأومأ بيده نحو المدينة، وهو يريد [3] الهجرة. فلما بلغ أضاة [4] بني غفار، مات. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. وقَالَ الواقدي: هاجر بعد بدر، وهو جندب الجندعي. وبعضهم يَقُولُ: نزلت الآية فِي أكثم بن صيفي. وذلك غير ثبت. وحدثنى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، أنبأ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) ، الآيَةَ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، يُقَالُ له ضمرة بن العيص، أو العيص ابن ضَمْرَةَ بْنِ زِنْبَاعٍ. لَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجْرَةِ، فَأَمَرَ لأَهْلِهِ أَنْ يَفْرِشُوا لَهُ عَلَى سَرِيرٍ وَيَحْمِلُوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفَعَلُوا. فَمَاتَ بالتنعيم. فنزلت فيه الآية.

_ [1] خ: يفتح. [2] لم نجد هذه الرواية عند ابن هشام. [3] خ: تريد. [4] خ: أضاءة (وقال السهيلي 1/ 288: وأضاة بنى غفار على عشرة أميال من مكة. والأضاة: الغدير. كأنها مقلوب من وضأة، على وزن فعلة. واشتقاقه من الوضاءة، بالمد، وهي نظافة) .

إسلام عبد الله بن سلام

[إسلام عبد الله بن سلام] 618- قَالُوا: وكان عَبْد اللَّه بْن سلام يَقُولُ: كنتُ تعلمت التوراة من أَبِي، وعرفتُ تأويلها. فوقصنى آية [1] ذات يَوْم عَلَى صفة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلاماته وأمره، وقَالَ: إن كَانَ من ولد هارون اتبعته وإلا فلا. ومات قبل قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة. قَالَ: فلما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كنتُ فِي عذق لي أهيئ رطبًا. فسمعتُ صائحًا من بني النضير يَقُولُ: قَدْ قدم صاحب العرب اليوم. فأخذني أفكل [2] ، وكبرت تكبيرة عالية. وعمتي تجنى، وهي عجوز، فقالت: أي خبيث، والله لو كَانَ مُوسَى القادم، ما زدتَ عَلَى ما صنعتَ. فقلتُ: إنه أخو مُوسَى ونبي مثله. ثُمَّ نزلتُ، فأتيتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيتُ صفته، فعرفتها. وحدّثته حديث أَبِي، وأسلمتُ. فيقال إن قول اللَّه عزَّ وجل (شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ [3] نزل فِي عبد اللَّه بْن سلام. ثُمَّ أسلمت عمته، وأسلم مخيريق اليهودي. [الرسول ص في المدينة] 619- قالوا: وركب رسول الله ناقته القصواء [4] ، والناس معه عن يمينه وشماله. فجعل لا يمرّ بقوم من الأنصار إلّا قالوا: هلم هلمّ يا رَسُول اللَّه فِي القوة والمنعة والثروة. [فيقول لهم خيرًا، ويقول: إنها مأمورة، خلوا سبيلها.] وَقَدْ أرخى رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمامها. فبركت عند مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان مرَبدا ليتيمين فِي حجر أسعد بْن زرارة، فِيهِ جدار كَانَ أسعد بناه تجاه بيت المقدس فكان يصلي إِلَيْه من أسلم قبل قدوم مصعب بْن عمير. ثُمَّ صلى بهم إِلَيْه مصعب. وَيُقَالُ إنّ أسعد كَانَ يصلي بهم قبل قدوم مصعب وبعده إلى قدوم المهاجرين، لأن مصعبًا لم يزد عَلَى تعليمهم القرآن. والله أعلم. قَالُوا: فلما بركت الناقة فضربت بجرانها/ 125/ واطمأنت، نَزَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فجاء أَبُو أيوب، وامرأته أم أيوب، والناس يكلمون رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النزول عليهم، فحطا رحله وأدخلاه منزلهما. فلما رآهما قَدْ فعلا ذَلِكَ، [قَالَ: المرء مَعَ رحله.] وأخذ أَبُو أمامة أسعد بن زرارة

_ [1] خ: نة (لعله «آية» كما أثبتناه) . [2] أى الرعدة. [3] القرآن، الأحقاف، (46/ 10) . [4] خ: القصوى.

بزمام الناقة، فأدخلها منزله. فكانت عنده. وَيُقَالُ إن أَبِيّ بْن كعب أخذها إلى منزله. وكونها عند أسعد أثبت. وقَالَ أَبُو أيوب: بأبي أنت وأمي، إني أُعظم أن أكون فوقك وأنت تحتى. فتحوّل وأهله إلى أسفل، ونزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي علوّ داره. وجعل بنو النجار [1] يتناوبون فِي حمل الطعام إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مقامه فِي منزل أَبِي أيوب. وبعثت إِلَيْه أم يزيد ابن ثابت بثردة مُرّواة سمنا ولبنا. 620- وقيل لأم أيوب، وكان مقام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي منزل زوجها سبعة أشهر: أي الطعام كَانَ أحب إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقالت: ما رَأَيْته أَمَرَ بطعام يصنع لَهُ بعينه، ولا رَأَيْته ذم طعامًا قطّ، ولكنّ أبا أيوب أخبرني أَنَّهُ تعشى معه ليلة من قصعة أرسل بها سعد بن عبادة، فيها طفيشل [2] ، فرآه ينهكها نهكا لم يره ينهك [3] غيرها. فكنا نعملها لَهُ. وكنا نعمل لَهُ الهريس، فنراه يعجنه. وكان يحضر عشاءه الخمسةُ إلى الستة إلى العشرة. 621- وروى أن أسعد بْن زرارة كَانَ يتخذ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة، وليلة لا. فإذا كانت الليلة التي يتوقعها فيها، [قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل جاءت قصعة أسعد؟] فيقال: نعم. هلموا بها. فنعلم أنها تعجبه. 622- قَالَ كعب بْن مالك الْأَنْصَارِيّ: اللَّه أكرمنا بنصر نبينا ... وبنا أقام دعائم الْإِسْلَام وبنا أعز نبيه ووليه ... وأعزّنا بالنصر والإقدام فِي كل معترك تطرّ سيوفنا ... تلك الجماجمَ عن فراخ الهام نَحْنُ الخيار من البرية كلها ... ونظامها وزمام كل زمام الخائضو [4] غمرات كل منية ... والضامنون حوادث الأيام فسألوا ذوي الآكال عن سرواتنا ... يَوْم العريض فحاجر فرؤام

_ [1] خ: بنو أنجاله. [2] خ: لمفشيل. والتصحيح عن تاج العروس حيث قال «هو نوع من المرق معروف» . [3] خ: ينهكه. [4] خ: الخائضوا.

إنا نُمَنِّع ما أردنا منعه ... ونجود بالمعروف للمعتام [1] ينتابنا جبريل في آبائنا ... بفرائض الْإِسْلَام والأحكام فِي أبيات. وقَالَ أَبُو قيس [2] صرمة بْن أَبِي أنس يذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3] : ثوى فِي قريش بضع عشرة حجة ... يذكِّر لو يلقى صديقًا مواتيًا ويعرض فِي أهل المواسم نفسه ... فلم يرَ من يؤوي ولم يَرَ داعيًا فلما أتانا أظهر اللَّه دينه ... فأصبح مسرورًا بطيبة راضيًا فِي أبيات. وقَالَ أَبُو أَحْمَد بْن جحش الأعمى الأسدي [4] : فلو حلفت بين الصفا أم أَحْمَد ... ومروتها يومًا لبّرت يمينها لنحن الألى كنابها ثُمَّ لم نزل ... بمكة حتَّى عاد غثا سمينها بها خيمت غنم بن دُودان وابتنت ... ومنها غدت غنمٌ فخفّ قطينها إلى اللَّه تغدو بين مثنى وواحد ... ودينُ رَسُول اللَّه بالحق دينها وقَالَ أَبُو أَحْمَد أيضًا [5] : ولما رأتني أمّ أَحْمَد غاديًا ... بذمة من أخشى بغيب وأرهب / 126/ تقول: فإمّا كنت لا بدّ فاعلًا ... فيمم بنا البلدانَ من غير يثرب فقلت لها: لا إن تلك مظنةٌ ... وما يشأ الرحمنُ فالعبد يركبُ إلى اللَّه وجهي والرسول ومن يقم ... إلى اللَّه يومًا وجهه لا يُخَيَّبُ فكم قَدْ تركنا من حميم مناصح ... وناصحة إن تبغ تبك وتندب وكم من عدو قَدْ تركنا ورائنا ... مجدّ مباد للعداوة مجلب

_ [1] المعتام: الذى قل اللبن عنده، المسكين المحتاج. [2] خ: أبو قيس بن صرمة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 350، وآخرين) . [3] ابن هشام، ص 350: الطبرى، ص 1247- 1248، الاستيعاب ذكر النبي في أول الكتاب (ج 1، ص 14 من الطبعة الثانية) ، وأيضا رقم 1415، صرمة ابن أنس مع أبيات أخرى. (وفي إحدى روايتي الطبرى، في الأول «خمس عشرة حجة» ) . راجع أيضا مروج المسعودى (طبع بولاق 1/ 309) . [4] ابن هشام، ص 317، 318 مع اختلافات. [5] ابن هشام، ص 318 مع اختلافات وزيادات (خ في الثالث فقلت الالا) .

انتقال عائلة الرسول ص للمدينة

نمتُّ بأرحام إليهم قريبة ... ولا قرب للأرحام مَا لم تقرب وأبو أَحْمَد الَّذِي يَقُولُ [1] : أبني أميةَ كيف أُظلم فيكم ... وأنا ابنكم وحليفكم فِي العسر ولقد دعاني غيركم فأبيته ... وأجبتكم لنوائب الدهر وبلغ أبا أَحْمَد أنّ أبا سُفْيَان بْن حرب باع دورهم ودار عثمان، وقضى من ثمنها دينا عَلَيْهِ، فَقَالَ [2] : أبلغ أبا سُفْيَان عن ... أمر عواقبه ندامة دارَ ابْنُ عمك بعتها ... تقضي بها عنك الغرامة وحليفكم بالله ربّ الن ... أس مجتهد القسامة اذهبَ بها اذهب بها ... طَوَّقتها طوق الحمامة وكان الَّذِي ابتاعها مِنْهُ عَمْرو بْن علقمة بْن المطلب، أحد بني عامر ابن لؤي. وقالت امْرَأَة من الأنصار: لا هُمَّ إنّ الخير خير الآخرة ... فاغفر اللهم للأنصار والمهاجرة [3] وعافهم من حرّ نار ساعرة ... فإنها لكافر وكافرة [انتقال عائلة الرسول ص للمدينة] 623- قَالُوا: ووجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رافع وزيد بْن حارثة مولييه إلى مكَّة، لحمل فاطمة وأم كلثوم ابنتي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسودة. وأخذ من أبى بكر خمسمائة درهم فدفعها إليهما لما يحتاجون إليه. وأعطاهما بعيرين. وكتب أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إِلَى عَبْد اللَّه ابنه، يأمره بحمل أم رومان امرأته، وعائشة وأسماء. وتّوجه مَعَ زيد وأبى رافع: عبد اللَّه ابن أُريقط الديلي. فوافوا طلحةَ بْن عُبَيْد اللَّه يريد الهجرة، فتصاحبوا. فخرج زَيْد وأبو رافع بفاطمة، وأم كلثوم، وسودة بِنْت زمعة. وحبس زينَب زوجها أَبُو العاص بْن الربيع. وكانت رقية مهاجرة: حملها زوجها عثمانُ بْن عفان. وحمل زَيْد أيضًا امرأته أم أيمن، وأسامة بْن زَيْد. وخرج عَبْد الله بأم رومان

_ [1] المنمق، ص 185، وزاد أبياتا. (خ في الثانى: «فأجبته» ، والتصحيح عن المنمق) . [2] ابن هشام، ص 339. [3] راجع صحيح البخارى كتاب مناقب الأنصار (63/ 9، 43 حديث 9) مع اختلافات.

المؤاخاة:

وأختيه عَائِشَةَ وأسماء. فقدموا ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبني المسجد وحُجَره. وكان طلحة، حين هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالشام. فقدم يريد مكَّة، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فصار إلى مكَّة، ثُمَّ هاجر منها مَعَ عيال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر. 624- قَالُوا: ووهبت الأنصار لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل فضل فِي خططها. وقالوا لَهُ: إن شئت، فخذ منا منازلنا. فَقَالَ لهم خيرًا، وخطّ لأصحابه فِي كل أرض ليست لأحد، وفيما وهبت لَهُ الأنصار من خططها. وأقام قوم من المسلمين لم يمكنهم البناء بقباء عَلَى من نزلوا عنده. وكانت الأنصار أشحّاء على من نزل عليهم، من نزل عليهم، من المهاجرين. المؤاخاة: 625- قَالُوا: [1] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين حمزة وبين زيد ابن حارثة على الحق والمؤاساة. وبين أَبِي بَكْر وعمر. وبين عثمان وعبد الرحمن ابن عوف. وبين الزُّبَيْر وبين عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود. وبين عبيدة بْن الحارث وبلال. وبين مصعب بْن عمير وسعد بن أَبِي وقاص. وبين أَبِي عبيدة بْن الجراح وسالم/ 127/ مَوْلَى أَبِي حذيفة. وبين سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل، وطلحة ابن عُبَيْد اللَّه. [وقَالَ لعلي بْن أَبِي طَالِب: أنت أخي] . 626- وآخى [2] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ المهاجرين عَلَى أن يتوارثوا دون ذوي الأرحام. فلما أن أصيب من أصيب ببدر، طلب إخوانهم الميراث. فنزلت: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [3] » . فانقطعت المؤاخاة في الميراث. وكان ممن آخا بينهم حمزة بْن عَبْد المطلب وكلثوم بْن الهدم [4] . أَوْ غيره. عليّ بْن أَبِي طَالِب وسهل بْن حنيف. زَيْد بْن حارثة وأسيد بْن حضير. أَبُو مرثد الغنوي حليف حمزة، وعبادة بْن الصامت. عبيدة بْن الحارث وحمام بن الجموح، ويقال: عمرو بن الجموح.

_ [1] راجع لهذه المؤاخاة المكية: المحبر، ص 70- 71. [2] راجع أيضا لهذه المؤاخاة المدنية: المحبر، ص 71- 75 مع بعض الاختلافات. [3] القرآن، الأنفال (8/ 75) . [4] خ: الهدب.

(الصلاة، والقبلة، والصوم، والخمر، وأول المولودين، والصفة) :

عثمان بْن عفان وأوس بْن ثابت. أَبُو حذيفة بْن عتبة وعباد بْن بشر بْن وقش [1] . الزُّبَيْر بْن العوام وكعب بْن مالك. مصعب بْن عمير وأبو أيوب، وَيُقَالُ: ذكوان بْن قيس. عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف وسعد بْن الربيع. سعد بْن أَبِي وقاص وسعد بْن مُعَاذِ. عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود ومعاذ بن جبل. أبو بكر الصديق وخارجة ابن زَيْد بْن أَبِي زُهَيْر صهره. طلحة بْن عُبَيْد اللَّه وأبيّ بْن كعب. صهيب والحارث ابن الصمة. أَبُو سَلَمة بْن عَبْد الأسد وسعد بْن خيثمة. أرقم بْن أَبِي الأرقم وزيد ابن سهل أَبُو [2] طلحة. عُمَر بْن الخطاب وعويم بن ساعدة. سعيد بن زيد ابن عَمْرو بْن نفيل ورافع بْن مالك. عثمان بْن مظعون وأبو الهيثم بْن التيهان. خنيس بْن حذافة وأبو عبس بْن جبر. أَبُو عبيدة بْن الجراح ومحمد بْن مسلمة الأوسي. 627- قَالُوا: وكان الَّذِي آخى بينهم تسعين رجلًا: خمسةً وأربعين من المهاجرين، وخمسة وأربعين من الأنصار. وَيُقَالُ إنه لم يبقَ من المهاجرين أحد إلا آخى بينه وبين أنصاري. وقوم يقولون: آخى بين أَبِي الدرداء وسلمان، وإنما أسلم سلمان فيما بين أحد والخندق. وقَالَ الواقدي: والعلماء ينكرون المؤاخاة بعد بدر، ويقولون: قطعت بدر المواريث. (الصلاة، والقبلة، والصوم، والخمر، وأول المولودين، والصفة) : 628- قَالُوا: وَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ والصلوات (ال) خمس [3] ركعتين ركعتين، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ تمامها بعد شهر من قلوبه. فصارت صلاة المقيم أربعًا، وصلاة المسافر عَلَى حالها ركعتين. 629- وصُرفت القبلةُ إلى الكعبة من جهة بيت المقدس، فِي الظهر من يَوْم الثلاثاء للنصف من شعبان سنة اثنتين من الهجرة. وَيُقَالُ عَلَى رأس ستة عشر شهرًا، فِي منزل البراء بْن معرور. فَقَالَ اليهود: «آمنوا بما جاء محمد أول النهار،

_ [1] خ: قيس. [2] خ: أبى. [3] خ: خمس.

واكفروا بِهِ آخره» . فأنزل اللَّه الآيتين [1] . وقوم يقولون: صرُفت فِي صلاة الصبح. والأول أثبت. 630- وفُرض صيام شهر رمضان فِي شعبان سنة اثنتين من الهجرة. وفي سنة أربع من الهجرة حُرمت الخمر. 631- وفي سنة اثنتين من الهجرة وُلد عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر بالمدينة. وفيها وُلد النعمان بْن بشير. وهما أول مولودين بالمدينة فِي الْإِسْلَام مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 632- قَالُوا: وكان مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قوم فقراء، لا منازل لهم. وكانوا فِي صفة، يأوون إليها فِي المسجد. منهم واثلة بن الأسقع الكنانى، أبو قرصافة، وأبو هريرة، وأبو ذرّ ويختلف فِيهِ. وكان منهم نُبَيْط بْن شَرِيط الأشجعي [2] . وكان منهم طلحة بْن عَمْرو الليثي، وَيُقَالُ: طلحة بْن عُبَيْد اللَّه، ونزل البصرة. 633- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ صَدَقَةَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن واثلة ابن الأَسْقَعِ قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، وَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ يَجِدُ ثَوْبًا تَامًّا، قَدْ جَعَلَ الغبار والعرق في جلودنا طرقا. 634- وحدثنا/ 128/ هِشَامٌ، ثنا أَبُو حَفْصٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي قَسِيمَةَ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَحْرَسٍ يُقَالُ لَهُ الصَّفَّةِ وَنَحْنُ عِشْرُونَ رَجُلا. نَابَنَا [3] جُوعٌ. وَكُنْتُ أَحْدَثَ أَصْحَابِي سِنًّا. فَبَعَثُونِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكُو جُوعَهُمْ. فَالْتَفَتَ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ قالوا: نعم، ها هنا كِسْرَةٌ أَوْ كِسَرٌ، وَشَيْءٌ مِنْ لَبَنٍ. قَالَ: فَأْتُونِي بِهِ. فَفَتَّ الْكِسَرَ فَتًّا دَقِيقًا، ثُمَّ صبّ عليه اللبن، ثم

_ [1] راجع القرآن آل عمران (3/ 72- 73) . [2] خ: الأسجعى. [3] خ: ما بنا.

باب الأذان:

جَبَلَهُ [1] بِيَدِهِ حَتَّى جَعَلَهُ كَالثَّرِيدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا وَاثِلَةُ، ادْعُ عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِكَ، وَخَلِّفْ عَشَرَةً. فَفَعَلْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْلِسُوا بِسْمِ اللَّهِ. فَجَلَسُوا. [فَقَالَ: كُلُوا بِسْمِ اللَّهِ مِنْ حَوَالَيْهَا، وَاعْفُوا رَأْسَهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَأْتِي مِنْ فَوْقِهَا] . قَالَ: فَرَأَيْتُهُمْ يَأْكُلُونَ حَتَّى تَمَلُّوا [2] شِبَعًا. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: انصرفوا إلى مكانكم، وابعثوا أصحابكم. فأمرهم بمثل الَّذِي أَمَرَ بِهِ الأَوَّلِينَ. فَأَكَلُوا حَتَّى مَلُّوا [3] شِبَعًا، وَإِنَّ فِيهَا لَفَضْلَةً وَقُمْتُ مُتَعَجِّبًا مِمَّا رَأَيْتُ. 635- وكان عباد بْن خَالِد الغفاري من أهل الصفة. ومات أيام معاوية. وكان مهم ربيعة بْن كعب الأسلمي خادم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صحبه قديمًا. وبقي إلى آخر أيام الحرة. وكان منهم جرَهد بْن رَزاح الأسلمي أَبُو عَبْد الرحمن، بقي إلى زمن معاوية. وَيُقَالُ: إلى زمن يزيد. ويعيش بْن طِخفة الغفاري. باب الأذان: 636- قَالُوا: وائتمر رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أن يجعلوا شيئًا للاجتماع للصلاة. فَقَالَ بعضهم: الناقوس. وقَالَ بعضهم: البوق. فروي أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه رَأَى فِي نومه أن لا يجعلوا شيئًا من ذلَكَ، وأن يؤذّنوا بالصلاة. فأتى رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد بلالًا يؤذن. [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، حين قص رؤياه: سبقك الوحي يا عُمَر] . 637- وَقَدْ رُوِيَ أيضًا أن عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن ثعلبة الخزرجي رَأَى فِي النوم أَنَّهُ مرَ بِهِ رَجُل ومعه ناقوس، فقال لَهُ: أتبيع الناقوس؟ فَقَالَ الرجل: وما تصنع به؟ قال: أضرب ليجتمع المسلمون للصلاة. فَقَالَ: أجيئك بخير من ذَلِكَ؟ تَقُولُ: اللَّه أكبر اللَّه أكبر حتَّى تختم الأذان بلا إله إلا اللَّه. فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخبره، فوجد الوحيَ قَدْ سبقه بذلك. فأمر بلالًا، فأذّن. 638- قَالُوا: وكانت بالمدينة تسعة مساجد. فكانوا يصلون فيها، ويجّمّعون مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ [1] جبله: لينه. [2] كذا مرة «تملوا» ومرة «ملوا» . [3] كذا مرة «تملوا» ومرة «ملوا» .

أسماء المنافقين من الخزرج:

أسماء المنافقين من الخزرج: 639- عَبْد اللَّه بْن أَبِيّ بْن سلول، رأس المنافقين، القائل: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [1] . وسلول أم أبيّ، وهي خزاعية، وأبوه مالك بْن الحارث. جدّ بْن قيس، وهو القائل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ندبَ النَّاس إلى غزو تبوك، وذكر بناتَ الأصفر: ائذن لي ولا تفتني ببنات الأصفر [2] . [وقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني سَلَمة: من سيدكم يا بني سَلَمة؟ قَالُوا: جدّ بْن قيس عَلَى بخل فِيهِ. فَقَالَ: «وأيّ داء أدوأ من البخل؟ سيدكم الأبيض الجعد بشر بْن البراء بْن معرور] » . عدي بْن ربيعة الَّذِي كَانَ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورماه مرة بقذر، وكان أعمى. وابنه سويد بْن عدي. قيس بْن عَمْرو بْن سهل، حدثنى به [3] سَعِيد الْأَنْصَارِيّ المحدّث. سعد بْن زُرارة، وكان يدّخن على رسول صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشعر. زَيْد بْن عَمْرو. عقبة بْن قديم، حليف. وذكروا أن أبا قيس بْن الأسلت أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السنة الأولى من الهجرة، فعرض/ 129/ عَلَيْهِ الْإِسْلَام. فَقَالَ: ما أحسن ما تَقُولُ وتدعو إِلَيْه، وسأنظر فِي أمري وأعود إليك. فلقيه ابْنُ أبيّ، فَقَالَ لَهُ: كرهتَ والله حرب الخزرج. فَقَالَ: لا أسلم سنة. فمات فِي ذي الحجة سنة إحدى. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بن سلمة، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ بِثَوْبِهِ، وَنَزَلَتْ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) ، الآية [4] .

_ [1] القرآن، المنافقون (63/ 5) . [2] راجع القرآن، التوبة (9/ 49) . [3] خ: بن. (لعله سعيد بن أبى زيد الأنصارى) . [4] القرآن، التوبة (9/ 84) .

المنافقون من الأوس

المنافقون من الأوس [1] : 640- ومن الأوس: الجلّاس بْن سويد بْن الصامت، من بنى حبيب بن عمرو ابن عوف. وكان عَبْد اللَّه بْن المجذّر بْن ذياد البلوى قتل أباه سويدًا فِي الجاهلية. فلما كَانَ يَوْم أحد، قتل الجلاس بْن سويد: المجذر غيلة. فأخبر جبريل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وأمره بقتل الجلاس بالمجذّر. فركب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني عَمْرو بْن عوف فِي يَوْم حار، فخرجوا يسلمون عَلَيْهِ، وخرج الجلاس فِي ملاءة صفراء. فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عويم بْن ساعدة، وأمره بقتله. فقدّمه إلى باب المسجد، فضرب عنقه. وكان الجلاس يَقُولُ: إن كَانَ هَذَا الرجل صادقًا، لنحن شرّ من الحمير. فبلغ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلَكَ. فحلف لَهُ أَنَّهُ ما قاله. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ فِيهِ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) ، الآية [2] . الحارث بْن سويد بْن الصامت، أخوه. يُقال إنه الَّذِي قتل المجذّر، فقتله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الجلاس كَانَ ممن تخلف عن غزاة تبوك. والقول الأول قول الكلبي. ودُريّ بْن الحارث [3] . بجاد بْن عثمان بْن عامر. نبتل بْن الحارث الَّذِي [قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أحبّ أن ينظر إلى شيطان، فلينظر إلى نبتل] » وكان أدلم، ثائر الشعر، جسيمًا، أحمر العينين، أسفع [4] الخدّين. وكان ينقل حديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المنافقين. عَبْد اللَّه بْن نبتل، وهو الَّذِي كَانَ ينقل أيضًا حديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الواقدي: وكان خارجة بْن زَيْد بْن ثابت يسقي النَّاس الماء المبرد بالعسل. وكان عَبْد اللَّه القرّاظ، وهو فارسي سبي فِي خلافة عُمَر بْن الخطاب، يأتيه. فإذا رآه، قَالَ: اسقوه. فيسقى. فجاء ذات يَوْم وَقَدْ حضر رَجُل من ولد عَبْد الله ابن نبتل، فجعل يهزأ بِهِ. وكان القراظ عظيم الرأس والأذنين، له خلقة منكرة،

_ [1] راجع لهذا الباب والباب الماضى: ابن هشام، ص 355 وما بعد. [2] القرآن، التوبة (9/ 74) . [3] خ: الجرثن. (ولكن راجع بعد عدة أوراق) . [4] أسفع: أسود.

فَقَالَ لَهُ: من أنت يا فتى؟ قَالَ: رجل من الأنصار. قال: مرحبا بالأنصار، ممن [1] أنت منهم؟ قَالَ: أَنَا فلان بْن الحارث بن عبد الله بن نبتل. فقال: «أما جدّك فلم ينصر، أعلمتَ ما نزل فِيهِ من القرآن؟ أما تدري ما صنعت بِهِ تراه فضحته. والله وهي الفاضحة» . قيس بْن زَيْد، قتل يَوْم أحد. أبو حبيبة [2] بْن الأزعر، وكان ممن بنى [3] مسجد الضرار: ثعلبة بن حاطب ابن عَمْرو بْن عُبَيْد. معتب بْن قشير. وثعلبة ومعتب هما اللذان عاهدا اللَّه لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ [4] . ومعتب هُوَ الَّذِي قَالَ يَوْم أحد: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا [5] . وهو القائل يَوْم الأحزاب: يعدنا مُحَمَّد كنوز قيصر، وأحدنا لا يقدر عَلَى إتيان الغائط، ما هَذَا إلا غرور [6] . وَيُقَالُ إنّ جد بْن قيس القائل ذَلِكَ. ورافع بْن زَيْد. وفيه وفي معتب ونفر من أصحابهما نزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) ، الآيتين [7] وكان خصماؤهم دعوهم فِي خصومتهم إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبوا ذَلِكَ وقالوا: نتحاكم إلى كعب بْن الأشرف. فسماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاغوتًا. وفي رواية أخرى: فسماه اللَّه. وَيُقَالُ إنهم دعوهم إلى الكاهن. وجارية ابن عامر بن مجمّع (بن العطاف، وبنوه يزيد وزيد ومجمع. وهم ممن اتخذ مسجد الضرار. / 130/ وكان مجمع بْن جارية قَدْ قَرَأَ القرآن، فكان يصلي بهم فِيهِ. وَيُقَالُ إنّ مجمع بْن جارية لم يكن منافقًا. وَيُقَالُ إنه نافق ثُمَّ صح إسلامه، وعني بالقرآن حتَّى حفظه. ومربع بْن قيظي القائل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحرجُ عليك أن تمرّ فِي حائطي. وهو القائل يوم الخندق: «إِنَ

_ [1] خ: من. [2] خ: حسه. (والتصحيح من ابن هشام والطبرى) . [3] خ: بنى في. [4] القرآن، التوبة (9/ 75) . [5] القرآن، آل عمران (3/ 154) . [6] راجع القرآن، الأحزاب (33/ 12) . [7] القرآن، النساء (4/ 60- 61) .

بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [1] . فأذن لنا فِي المقام» . وَيُقَالُ إنّ الَّذِي قال ذلك بالخندق معتب ابن قشير. ومربع هَذَا عم عرابة بْن أوس بن قيظى الجواد الذى مدحه الشماخ ابن ضرار. وكان عرابة قَدْ أقبل من الطائف، ومعه أبعرة عليها زبيب وأدم. فعنّ لَهُ الشماخ بْن ضرار، فاستطعمه من الزبيب. فَقَالَ: خذ برأس القطار. فَقَالَ الشماخ: أتهزأ بي؟ فَقَالَ: خذ عافاك اللَّه برأس القطار، فهو لَكَ. فأخذ الإبل بما عليها، وقَالَ [2] : رَأَيْت عَرَابة الأوسيّ ينمى [3] ... إلى الخيرات مُنقطع القرين وعباد بْن حنيف بْن واهب بْن العكيم، أخو عثمان وسهل ابنى حنيف ابن واهب. وكان عباد ممن بنى مسجد الضرار. وفيه نزلت: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [4] » . وخِذام بْن خَالِد. وهو أخرج مسجد الضرار من داره. وَيُقَالُ إن الَّذِي أَخْرَجَهُ من داره وديعة بْن خذام. ورافع وبشير ابنا زياد. وقيس بْن رفاعة الشَّاعِر، وكان يختلف هُوَ والضحاك بْن حنيف إلى كنيسة يهود، فأصاب عينه قنديل، فذهبت. وحاطب بْن أمية بْن رافع بْن سويد الَّذِي قيل لابنه، وحمل مرتثًا: أبشر بالجنة. فَقَالَ حاطب: جنة من حرمل، لا يغرّنك [5] هَؤُلَاءِ يا بني. وبشر بْن أُبيرق الظفري. وهو أَبُو طعمة. واسم الأبيرق الحارث ابن عَمْرو بْن حارثة بْن الهيثم بْن ظفر. واسم ظفر: كعب. وكان بشر شاعرًا منافقًا. حدثني خلف بْن سالم المخزومي، عَنْ وهب بْن جرير بْن حازم، عَنْ أبيه، عن الْحَسَن قَالَ: سرق ابْنُ أبيرق درعا من حديد، ثم ثُمَّ رمى بها رجلًا بريئًا. فجاء قومه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعذروه عنده، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ فِيهِ: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ. بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ

_ [1] راجع القرآن، الأحزاب (33/ 13) . [2] الاستيعاب رقم 2187 عرابة بن أوس. وزاد أبياتا. [3] كذا في أصل العبارة، وبالهامش: «يسمو معا» . أى كلاهما الرواية. [4] القرآن، التوبة (9/ 65) . [5] نعرفك.

خَصِيماً، إلى قوله (وَساءَتْ مَصِيراً [1] . فلما أنزلت فِيهِ هَذِهِ الآيات، لحق بالمشركين، فمكث بمكة زمينًا، ثُمَّ نقب عَلَى قوم بيتهم ليسرق متاعهم. فألقى اللَّه عَلَيْهِ صخرة فشدخته، فكانت قبره. وروى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الظَّفَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ قتادة بن النعمان بن زيد ابن عَامِرِ بْنِ سَوَادِ بْنِ ظَفَرٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا ذَوُو فَاقَةٍ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ: بِشْرٌ، وَبَشِيرٌ، وَمُبَشِّرٌ. وَكَانَ بِشْرٌ مُنَافِقًا يَهْجُو أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يُنْحِلُهُ بَعْضَ الْعَرَبِ. فَإِذَا سَمِعَهُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَالَهُ إِلا الْخَبِيثُ بِشْرٌ. فقال: أو كلما قال الغواة قصيدة ... أصموا وقالوا ابن الأبيرق قالها [3] متغصّبين [4] كَأَنَّنِي أَخْشَاهُمْ ... جَدَعَ الإِلَهُ أُنُوفَهُمْ فَأَمَالَهَا قَالَ: فابتاع رفاعة بْن زَيْد بْن عامر، عمي، جملًا من دَرْمَك من ضافطة قدمت من الشام. وإنما كَانَ طعام النَّاس بالمدينة الشعير والتمر. فكان الموسر منهم يبتاع من الدرمك ما يخصّ بِهِ نفسه. فجعل عمي ذَلِكَ الدرمك فِي مشربة لَهُ، وفيها درعان وسيفان وما يصلحهما. فعُدي عَلَيْهِ من تحت الليل، فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح. فلما أصبح، أتانى فقال: يا ابن أخي تعلم أَنَّهُ قَدْ عُدي علينا فِي ليلتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. فتحسسنا [5] فِي الدار وسألنا. فقيل لنا: قَدْ رأينا بني/ 131/ أبيرق استوقروا فِي هَذِهِ الليلة، ولا نرى ذَلِكَ إلا من طعامكم. قَالَ: وجعل بنو أبيرق ونحن نبحث ونسأل فِي الدار، يقولون: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بْن سهل بْن الحارث بْن عروة بْن

_ [1] القرآن، النساء (4/ 105- 115) . [2] لم يذكره ابن هشام إلا بسطر واحد (راجع ص 359) ولكن نقله السهيلي (2/ 28- 29) عن ابن إسحاق. راجع أيضا تفسير الطبرى (ج 5، للآية 4/ 157) وتفسير ابن كثير، ج 1، ص 551) . [3] تفسير الطبرى ج 5، ص 157 (خ: اضموا. والإصماء الوثوب والإسراع) . [4] خ: متعصبين (بالعين المهملة) . [5] خ: متجسسين (بالجيم) .

عَبْد رَزاح بْن ظفر. وكان للبيد صلاح وإسلام. فلما سَمِعَ لبيد قولهم، اخترط سيفه وقَالَ: أَنَا أسرق؟ والله ليخالطنكم سيفي أَوْ لتبيننّ [1] هَذِهِ السرقة. قَالُوا: إليك عنا أيها الرجل، فلستَ بصاحبها. فسألنا وفحصنا، حتَّى لم نشكَ فِي أن بني أبيرق أصحابها. فَقَالَ عمي: لو أتيتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته؟ قَالَ قَتَادَة: فأتيتُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ له: يا رَسُول اللَّه إنّ أهل بيت منا ذوي فاقة وجفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بْن زَيْد، فنقبوا مشربة لَهُ وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا السَّلاح، ولا حاجة لنا فِي الطعام. [ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمر في ذلك) ] [2] فلما سَمِعَ بنو أبيرق بذلك، أتوا رجلًا منهم يُقال لَهُ أسير بْن عروة، فكلموه. فانطلق وجماعة من أهل الدار معه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلموه فِي ذلك، وقالوا: إنّ قتادة ابن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، فرمياهم بالسرقة عن غير ثبت ولا بينة. قَالَ قَتَادَة: وأتيتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمته. فتجهمني، [وقَالَ: بئس ما صنعتَ وما أتيتَ بِهِ ومشيتَ فِيهِ:] عمدت إلى أهل بيت ذكر لي عَنْهُمْ صلاح وإسلام ترميهم بالسرقة عَلَى غير ثبت ولا بينة. قَالَ: فرجعتُ وأنا أودّ أني خرجتُ من جلّ مالي ولم أكلم [3] رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذَلِكَ. وأتاني عمي، فقال: ما صنعتَ؟ فأخبرته بِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللَّه المستعان. ولم أتلبث أن نزل: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً، يعنى بنى أبيرق- (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ- أي مما قلتَ لقتادة- إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً- يعني بني الأبيرق- يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً. ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا - يعنى بشيرا وأصحابه- فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ

_ [1] خ: لتستى. (والتصحيح عن الطبرى وابن كثير) . [2] الزيادة عن تفسير ابن كثير. [3] خ: لمواطم. (والتصحيح عن تفسير الطبرى وابن كثير) .

عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ - أي عن بني أبيرق أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا؟ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً. (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [1] وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً - قولهم للبيد بن سهل- (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ، يعني بشيرا وأصحابه. قَالَ: فلما نزل القرآن، اشتد بنو ظفر عَلَى بني أبيرق حتَّى أخرجوا السلاح. فأتى بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فردّه إلى رفاعة. قَالَ قَتَادَة: فأتيت عمي بالسلاح، وكنتُ أرى أن إسلامه مدخول. فَقَالَ: يا ابْن أخي، هُوَ فِي سبيل اللَّه. فعرفتُ أن إسلامه صحيح. قَالَ: ولحق بشر بْن أبيرق- وهو يصغر فيقال: بُشَيّر- بالمشركين. فنزل بمكة عَلَى سلافة بِنْت سعد بْن شهيد، أخت عمير بْن سعد ابن شهيد، وهو من بني عَمْرو بْن عوف، من [2] الأوس، وكانت سلافة تحت طلحة بْن أَبِي طلحة العبدري. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ. وَساءَتْ مَصِيراً. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً) [3] . ولما نزل بشر عَلَى سلافة، كَانَ يقع/ 132/ فِي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول فِي رَسُول اللَّه، فهجاه حسان بْن ثابت، ورمى سلافة بِهِ. فأخذت رحله، فوضعته عَلَى رأسها، ثُمَّ خرجت فرمت بِهِ فِي الأبطح، وقالت: «أهديتَ إليَّ شعر حسان. ما كنتَ لتأتيني بخير» . قَالَ حسان [4] : وما سارق الدرعين إن كنت ذاكرًا ... بذي كرم عند الرجال أوادعه لقد أنزلته بنتُ سعد فأصبحت ... ينازعها جلد استه وتنازعه

_ [1] سقطت الآية في الأصل سهوا من الناسخ. [2] خ: بن. [3] القرآن، النساء (4/ 115- 116) . [4] ديوان حسان (وليس فيه البيت السادس) ، ق 37 ب 1، 2، 3، 4، 5- 6، السهيلي 2/ 29، مع اختلافات.

فهلا بُشيّر حيث جاءك راغبًا ... إليه ولم تعمد لَهُ فترافعه ظننتم بأن يخفي الَّذِي قَدْ فعلتم ... وفيكم نبيّ مفلحّ من يتابعه ولولا رجال منكم أن يسوءهم ... هجائى لقد جلت عليكم طوالعه وجدناهم يرجونكم قد علمتم ... كماء الغيث يرجيه السمين ويانعه وأن تذكروا كعبًا إِذَا ما نسيتم ... فهل من أديم ليس فِيهِ أكارعه وَقَدْ روى أن الَّذِي رماه بنو أبيرق بالدرعين يهودي يُقال لَهُ النعمان بْن مهض [1] . وليس بثبت. وقَالَ بعض الظفريين: بنى الأبرق المشئوم هلّا نهيتم ... سفيهكُم عن آل زَيْد بْن عامر أردتم بأن ترموا ابْنُ سهل بغدرة ... جهارًا. ومن يُغْدر فليس بغادر الضحاك بْن خليفة الأشهلي. وقزمان، حليف بني ظفر، ولا يعرف نسبه، ويكنى أبا الغيداق. رمى يَوْم أحد زرارة بْن عمير العبدري- وَيُقَالُ يزيد بْن عمير- فقتله، وقتل قاسط بْن شريح العبدري، وقطع يد صؤاب الحبشي مَوْلَى بني عَبْد الدار ثُمَّ رماه فقتله. وكان قزمان قَدِ امتنع من الخروج يَوْم أحد حتَّى عيرته النساء، وقلن: إنَّما أنت امْرَأَة. فأخذ سيفه وقوسه، وقاتل حمية وأنفة لقومه، وجعل يَقُولُ: قاتلوا، معشر الأوس، عن أحسابكم فالموت خير من العار والفرار. [وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قزمان فِي النار] . وأثبتَ يَوْم أحد، فحمل إلى دار بني ظفر، فقيل لَهُ: أبشر أبا الغيداق بالجنة، فقد أبليتَ اليوم وأصابك ما ترى. فَقَالَ: «أي جنة؟ والله ما قاتلت إلا حمية لقومي» . فلما اشتد بِهِ الوجع، أخرج سهمًا من كنانته فقطع بِهِ رواهش يده، فقتل نفسه. وفيه [يَقُولُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن اللَّه ليؤيد هَذَا الدين بالرجل الفاجر.] وأبو عامر عَبْد عَمْرو بْن صيفي بْن النعمان، من الأوس. وكان يناظر أهل الكتاب، ويميل إلى النصرانية، ويتتبع الرهبان ويألفهم، ويُكثر الشخوص إلى الشام، فسُمّي الراهب. فلما ظهر أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حسده، ومرّ إلى مكَّة وقاتل مع قريش. ثم أتى الشأم،

_ [1] كذا في الأصل. وفي تفسير الطبرى (5/ 158) : «زيد بن السمير» : (5/ 162) : «زيد بن السمين» .

مسجد الضرار

فمات هناك. فتخاصم فِي ميراثه كنانةُ بْن عبد يا ليل الثقفى، (وكان ممن حسد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص إلى الشام) ، وعلقمةُ بْن عُلاثة وكان بالشام أيضًا وكان مسلمًا، وَيُقَالُ: بل كَانَ مشركًا ثُمَّ إنه أسلم حين قدم، فأتى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه. حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدّه إنه حُكم بميراث أَبِي عامر لكنانة بن عبد يا ليل لأنَّه من أهل المدر. وحرمه علقمة لأنه بدوي. وكان الحاكم بذلك صاحبُ الروم بدمشق. وقوم يقولون: إنه اختصم فِي ميراثه كنانةُ وعامرُ بْن الطفيل. وذلك غلط، لأن عامرًا أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أربد بْن قيس. وهما يريدان برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرًا، حال اللَّه بَيْنَهُما وبينه. فدعا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهما. فأمَّا أربد، فأصابْته صاعقة فأحرقته. وأمَّا عامر فأصابته غدَّة كغدة البعير فِي عنقه، فمات. وذلك فِي سنة خمس. وقَالَ الهيثم بْن عدي: كَانَ أَبُو عامر/ 133/ يهمّ بادّعاء النبوة. فلما ظهر أمرُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجر، حسده فهرب إلى مكَّة فقاتل، ثُمَّ أتى الشام. وقَالَ الواقدي: هرب أَبُو عامر إلى مكَّة، فكان يقاتل مَعَ المشركين. فلما فُتحت مكَّة، هرب إلى الطائف. فلما أسلموا، هرب إلى الشام. فدفع ميراثه إلى كنانة ابن عبد يا ليل الثقفى، وكان ممن هرب أيضا. [مسجد الضرار] حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أنبأ أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ بَنِي عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا، فيصلى بِهِمْ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ. فَحَسَدَهُمْ بَنُو إِخْوَتِهِمْ بَنُو غَنْمِ بْنِ عوف، فقالوا: بَنَيْنَا أَيْضًا مَسْجِدًا، وَبَعَثْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا فِيهِ كَمَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ أَصْحَابِنَا، وَلَعَلَّ أَبَا عَامِرٍ أَنْ يَمُرَّ بِنَا إِذَا أَتَى مِنَ الشَّامِ فَيُصَلِّيَ بِنَا فِيهِ. فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَنْطَلِقَ إِلَيْهِمْ، أَتَاهُ الْوَحْيُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِيهِمْ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [1] . قال: هو أبو عامر.

_ [1] القرآن، التوبة (9/ 107) .

أسماء عظماء يهود:

حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ: فِي هَذِهِ الآيَةِ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بَنَى مَسْجِدَ الأضرار [1] ، وَكَانَ مَوْضِعُهُ لِلَبَّةٍ، تَرْبِطُ فِيهِ حِمَارَهَا. فَقَالَ أَهْلُ مَسْجِدِ الشِّقَاقِ: أَنَحْنُ نَسْجُدُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ يُرْبَطُ فِيهِ حِمَارُ لَبَّةٍ؟ لا، وَلَكِنَّا نَتَّخِذُ مَسْجِدًا نُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَجِيئَنَا أَبُو عَامِرٍ فَيُصَلِّي بِنَا فِيهِ. وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ قَدْ فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ لَحِقَ بِالشَّامِ، فَتَنَصَّرَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ. قَالُوا: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، فَهَدَمَهُ. قَالُوا: وَحَضَرَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَسْجِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلوا يضحكون ويلعبون ويهزءون، فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَرَّ بِرِجْلِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ. وَقَامَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا، حَتَّى أَخْرَجَهُ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إِلَى دُرِّيِّ ابن الْحَارِثِ، فَأَخْرَجَهُ، فَأُخْرِجُوا جَمِيعًا. 641- حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزهراني، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الشَّاةِ الْعَابِرَةِ بَيْنَ الْقَطِيعَيْنِ.] أسماء عظماء يهود: من بنى النضير: حيىّ، ومالك، وأبو ياسر، وجديّ بنو أخطب. وفيهم وفي نظرائهم نزل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ،

_ [1] خ: الضرار. (لعله كما أثبتناه) . وفي تفسير الطبرى: «لذى النحلة والحاجة» . وسعد بن خيثمة من كبار الصحابة.

إلى قوله: (عَذابٌ عَظِيمٌ [1] . وسلام بْن مَشْكَم الَّذِي نزل عَلَيْهِ أبو سفيان ابن حرب بْن أمية، فَقَالَ فِيهِ أَبُو سُفْيَان. سقاني فرواني عُقارًا سلافةً ... عَلَى ظمأ مني سلام بْن مشكم وامرأة سلام هَذَا، واسمها زينب بنت الحارث، هي التي أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاةً مسمومة. وكنانة، وربيع، ورافع، وأبو رافع (واسمه سلام) بنو أَبِي الحقيق. وكعب بْن الأشرف الطائي، من بني نبهان، حليف بني النضير، وأمه عُقيلة بِنْت أَبِي الحقيق. وكان أَبُوهُ أصاب دمًا فِي قومه، فأتى المدينة. وكان كعب طوالًا، جسيمًا، ذا بطن وهامة ضخمة. وهو الَّذِي قَالَ يَوْم بدر: بطن الأرض خير من ظهرها، هَؤُلَاءِ ملوك النَّاس وسرواتهم- يعنى قريشا- قد أصيبوا. فخرج إلى مكَّة، ونزل عَلَى أَبِي وداعة بْن ضبيرة، وجعل يهجو المسلمين، ورثى قتلى بدر فَقَالَ [2] : / 134/ طحنت رحى بدر مهلك أهله ... ولمثل بدر تستهلُّ وتدمعُ قتلت سراة النَّاس حول حياضهم ... لا تبعدوا إن الملوك تُصَرَّع ويقول أقوام غوى أمرهم ... إنّ ابْنُ أشرف ظلّ كعبًا يجزع صدقوا فليت الأرض ساعة قُتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدّع نبئتُ أنّ الحارث بن هشامهم ... في الناس يبنى الصالحات ويجمع ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يسعى عَلَى الحسب القديم الأروع فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسان بهجاء من نزل كعب عنده، حتَّى رجع إلى المدينة. وكان كعب كما وصفنا. حجاج، ويجرى ابنا عَمْرو. أَبُو رافع. سعد بْن حنيف، كَانَ متعوذًا بالإسلام. رفاعة بْن قيس. فنحاص الَّذِي سَمِعَ قول اللَّه: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً* [3] ، فَقَالَ: أرانا أغنى من ربّ مُحَمَّد حين يستقرض منا، فنزلت فيه: لقد كفر الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا) [4] . محمود بن دحية. عمرو بن جحاش.

_ [1] القرآن، البقرة (2/ 6- 7) . [2] ابن هشام، ص 548- 549 وزاد أبياتا، والبيتان الأخيران أيضا عند مصعب الزبيري، ص 301. [3] القرآن، المزمل (73/ 20) . [4] القرآن، آل عمران (3/ 181) .

643 - ومن بنى قينقاع:

عزيز بن أبى عزيز. نباش بْن قيس. سعية. بْن عَمْرو. نعمان بْن أوفى. سكين بْن أَبِي سكين. زَيْد بْن الحارث. رافع بْن خارجة. أسير بْن زارم، وَيُقَالُ: رزام، كَانَ يحرّض عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويبسط لسانه فِيهِ، ثُمَّ أتى خيبر فبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتله، وعدَّة من اليهود معه. مخيريق الَّذِي أسلم وقاتل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد، وأعطاه ماله، فوقفه، وَيُقَالُ إنه من غير بني النضير. 643- ومن بنى قينقاع: كنانة بن صوبرا [1] ، وَيُقَالُ: صُوريا. زَيْد بْن اللصيت الَّذِي قَالَ: «زعم مُحَمَّد إنه يأتيه خبرُ السماء، فضّلت ناقته فليس يدري أَيْنَ هِيَ؟» . فدله اللَّه عليها، فوجدت وَقَدْ تعلق خطامها بشجرة. سويد، وداعس كانا منافقين يتعوذان بالإسلام. مالك بْن أَبِي قوقل، كَانَ متعوذًا بالإسلام ينقل أخبار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يهود، وهو حبر من أحبارهم [2] . وَيُقَالُ إنّ مخيريق منهم. 644- ومن بني قريظة: الزبير بن باطا بن وهب. كعب بن أسد. عزال [3] ابن شمويل. سهل بْن زَيْد. وهب بْن زَيْد. عليّ بْن زَيْد. قَرْدَم بْن كعب. كردم بْن حبيب. رافع بْن رميلة. رافع بْن حريملة، متعوّذ، وهو الَّذِي [قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم مات: «لقد مات اليوم منافق عظيم النفاق] » . لبيد بْن أعصم الَّذِي كَانَ يتعاطى السحر. سلسلة بْن أبراهام، وبعضهم يَقُولُ بهرام، والأول أصح. وكان سلسلة متعوّذا. رفاعة بْن زَيْد بْن التابوت. الحارث ابن عوف. سعية بْن عَمْرو منهم، وهو القائل: يخبرني عن غائب المرء هديه ... كفى مخبرًا عن غائب المرء ما يبدي وَيُقَالُ إن هذا الشعر لسعية بْن عَمْرو النضري. 645- ومن بني حارثة بن الحارث بْن الخزرج بْن عَمْرو بْن مالك بْن الأوس: أبو [4] سنينة.

_ [1] كذا في الأصل بالباء. لعله «هويرا» ، بالياء المثناة التحتانية: [2] خ: خبر من أخبارهم (بالخاء المعجمة) . [3] خ: عراك (والتصحيح عن تاريخ الطبرى، ص 1496) . [4] وفي تأريخ الطبرى: ابن.

646 - ومن بنى عبد الأشهل:

646- ومن بني عَبْد الأشهل: يوشع. وكان يبشر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما بعث، آمن بِهِ بنو عَبْد الأشهل سواه. وفيه وفي ضرباء لَهُ نزل: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، إلى قوله (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) [1] . 647- قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عند قدومه المدينة وادع يهودها، وكتب بينه وبينهم كتابًا، واشترط عليهم أن لا يمالئوا عدَّوه وأن ينصروه عَلَى من دهمه وأن لا يقاتل عن أهل الذمة. فلم يحارب أحدًا، ولم يهجه [2] ، ولم يبعث سرية حتَّى أنزل اللَّه عزَّ وجلَّ عَلَيْهِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ (لَقَدِيرٌ)) ، إلى قوله (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ [3] ) . فكان أول أيام عقده لواء حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ. حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو [4] الْحَارِثِ، ثنا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ/ 135/ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) . وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أَوَّلَ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) ، إِلَى قَوْلِهِ (لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [5] ) .

_ [1] القرآن، البقرة (2- 89- 90) . [2] يهجمه؟ [3] القرآن، الحج (22/ 39- 41) . [4] خ: ابن. (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 3، رقم 857) . [5] القرآن، الحج (22/ 39- 40) .

غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم غزوات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 648- غَزَاةَ الأبواء، وهي غزاة وَدّان. خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صفر عَلَى رأس اثني عشر شهرًا من هجرته يريد عيرًا لقريش. فبلغ هذين الموضعين، وبينهما ستة أميال. ولم يلق كيدًا. فانصرف إلى المدينة. وكان خليفته عليها فِي هَذِهِ المرة سعد بْن عبادة الخزرجي. وغاب عَنْهَا خمس عشرة ليلة. وفي هَذِهِ الغزاة وادع بني ضمرة بن كنانة عَلَى أن لا يغزوهم ولا يغزونه وألا يعينوا عَلَيْهِ أحدًا. 649- ثُمَّ غزاة بُواط. خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة في طلب غير لقريش، فيها أمية بْن خلف الجمحي ومائة رجل من قريش. فلم يلق كيدا. وكان الخليفة عَلَى المدينة سعد بْن مُعَاذِ الأوسي، من ولد النبيت، من بني عَبْد الأشهل بْن جشم بن الحارث بن الخزرج ابن النبيت، واسمه عَمْرو بْن مالك بْن الأوس. 650- ثُمَّ غزاة سَفْوان. خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شهر ربيع الأول أيضًا فِي طلب كرز بْن جَابِر الفهري، وَقَدْ أغار عَلَى سرح المدينة وكان يرعى بالجماء ونواحيها، حتَّى بلغ بدرًا. ثُمَّ رجع ولم يلق كيدًا. ولم يدرك السرح. وكان خليفته عَلَى المدينة زَيْد بْن حارثة الكلبي مولاه. 651- ثُمَّ غزاة ذي العُشيرة، وَيُقَالُ ذات العشيرة فِي جمادى الآخرة سنة اثنتين. خرج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها لطلب عير قريش، التي كَانَ القتال يَوْم بدر بسببها، فِي مائة وخمسين ندبهم. وَيُقَالُ فِي مائتين. ولم يكن معهم غير فرس واحد. ومر بنى مدلج [1] فضيفوه وأحسنوا ضيافته ففاتته العير ولم يلق كيدا. وكان خليفته بالمدينة أبو سلمة بن [2] عبد الأسد المخزومي.

_ [1] خ: ومن بنى المدلج. (والتصحيح للأستاذ عبد الرحمن البدوى، من مصر) . [2] خ: في.

652 - ثم غزاة بدر القتال.

652- ثُمَّ غزاة بدر القتال. وبدر ماء كَانَ ليخلد بْن النضر، وَيُقَالُ لرجل من جُهينة. واسم الوادي الَّذِي هُوَ بِهِ يليل [1] . وبين بدر والمدينة ثمانية برد. قَالُوا: وتحين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصراف العير التي خرج لها إلى ذي العشيرة من الشام، فندب أصحابه لها وقَالَ: هَذِهِ عير قريش قَدْ أقبلت وفيها جلّ أموالهم. وكانت العير ألف بعير. وكان فِي العير أَبُو سفيان بن حرب، ومخرمة ابن نوفل الزُّهْرِيّ، وعمرو بْن العاص وغيرهم من الوجوه. ولم يظنّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه يحارب. فذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: «وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ» . وكان خروجه من المدينة يَوْم الأحد لاثنتي عشرة. ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين. وأبطأ عن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم من أصحابه إذ لم يحسبوا [2] أنهم يحاربون. وهم أسيد بْن حضير الأوسي، وسعد بْن عبادة، ورافع بْن مالك، وعبد اللَّه بْن أنيس، وكعب بْن مالك، وعباس بْن عبادة بْن نضلة، ويزيد بْن ثعلبة أَبُو عَبْد الرَّحْمَن. ولما رَجَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، هنّاه أسيد بنصر اللَّه وإظهاره إياه عَلَى عدوه، واعتذر من تخلفه، وقَالَ: إنَّما ظننتُ أنها العير ولم أظن أنك تحارب. فصدّقه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ خُبيب بْن إساف ذا بأس (و) نجد، ولم يكن أسلم ولكنه خرج منجدًا لقومة من الخزرج طالبا للغنيمة. [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يصحبنا إلا من كَانَ عَلَى ديننا.] فأسلم وأبلى. وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين برز من المدينة، فاستصغر عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب، وأسامة بْن زَيْد مولاه، ورافع بْن خديج، والبراء بْن عازب، وأسيد بْن ظهير، وزيد بْن أرقم، وزيد بْن ثابت فلم يجزهم. وردّ عمير بْن أَبِي وقاص، فبكى، فأجازه، / 136/ فكان سعد ابن أَبِي وقاص أخوه يَقُولُ: لقد عقدتُ حمائل سيفه، وإنما لتقصر، وذلك لصغره. ووجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه، وسعيد بن زيد ابن عمرو يتحسسان خبر قريش والعير. فقد ما المدينة ثم شخصا منها فلقيا

_ [1] خ: بليل. [2] خ: إذا لم يحسنوا.

رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قافل، فضرب لهما بسهمهما فِي المغنم وبأجرهما. وضرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعثمان بْن عفان بسهمه وأجره، وكان خلفه عَلَى امرأته رقية بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت مريضة مرضها الَّذِي توفيت فِيهِ. وضرب لبَسْبَس بْن عَمْرو [1] ، وعدي بْن أَبِي الزغباء الجهنيين بسهمهما وأجرهما، وبعث بهما ليعرفا خبر العير ومن فيها من قريش وهم ثلاثون رجلًا، ومن فيها من غيرهم، وإلى أَيْنَ بلغت. فعرفا ذَلِكَ. ثُمَّ أقبلا إلى المدينة ولم يشهد بدرًا. واستخلف عَلَى المدينة فِي هَذِهِ الغزاة أبا لبابة بْن عَبْد المنذر، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وخلف عاصم بْن عدي عَلَى قباء وأهل العالية، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وكسر خوّات بْن جُبَيْر بالروحاء، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وأمر الحارث بْن حاطب بأمر فِي بني عَمْرو بْن عوف، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. وكسر الحارث بْن الصمة، فضرب لَهُ بسهمه وأجره. ويقال إنه ضرب لجعفر ابن أَبِي طَالِب وهو بالحبشة بسهمه وأجره، والثبت أَنَّهُ ضرب لطلحة، وسعيد، والجهنيين، وعثمان، وأبي لبابة، وعاصم بْن عدي، وخوّات. وكان مَعَ المسلمين سبعون بعيرًا، فكانوا يتعاقبون عليها: البعير بين الرجلين والثلاثة والأربعة وكان بين النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي بْن أَبِي طَالِب وزيد بْن حارثة بعير. وكان بين حمزة ومرثد بْن أَبِي مرثد حليفة، وأبي كبشة، وأنسة مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعير. وكان بين عبيدة، والطفيل، والحصين بنى الحارث، ومسطح ابن أثاثة ناضح ابتاعه عبيد (ة) بْن الحارث، من أَبِي دَاوُد الْأَنْصَارِيّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ. وكان بين عثمان، وبني مظعون بعير. وكان مَعَ المسلمين فرسان. أحدهما للزبير بْن العوام، يسمى السيل. والآخر للمقداد بْن عَمْرو البهراني [2] ربيب الأسود بْن عَبْد يغوث. وَيُقَالُ إنه لم يكن للزبير فرس، وَإِنَّهُ كَانَ لمرثد ابن أَبِي مرثد فرس. ولم يختلفوا فِي فرس المقداد. ولا فِي أَنَّهُ لم يكن مَعَ المسلمين إلا فرسان. وكان يُقال لفرس المقداد سبحة. وقَالَ الواقدي: كَانَ المسلمون الَّذِينَ أسهم لهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غنائم بدر ثلاث مائة وأربعة عشر رجلًا، منهم الثمانية الَّذِينَ لم يحضروا فأسهمَ لهم.

_ [1] خ: عمر. (والتصحيح عن ابن هشام) . [2] خ: النهرانى (بالنون) .

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا حَمَّادُ بن سلمة، أنبأ حبيب بن الشهيد وهشام بْنِ حَسَّانٍ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلاثَ مِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ مِنْ قُرَيْشٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَوْمَ بدر تسع مائة وخمسين رجلا. وروى إِبْرَاهِيم بْن سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ سَعِيد بْن المسيب أَنَّهُ قَالَ: كَانَ جميع من شهد بدرًا من المسلمين ثلاث مائة وأربعة عشر رجلًا، منهم من المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلًا، ومن الأوس أحد وستون، ومن الخزرج مائة وسبعون رجلًا. قَالَ الواقدي: والثبت أنهم كانوا ثلاث مائة وأربعة عشر، منهم من المهاجرين أربعة وسبعون، وسائرهم من الأنصار، وأنه لم يشهد بدر (ا) إلا قرشي أَوْ حليف لقرشي أَوْ مَوْلَى لَهُ، والأنصاري أَوْ حليف للأنصاري أَوْ مَوْلَى لهم. 653- قال: وكان مع المشركين مائة فرس، فِي بني مخزوم منها ثلاثون. فنجوا منها بسبعين، وصار فِي أيدي المسلمين ثلاثون. وكان معهم من الإبل سبع مائة بعير. وكان أصحاب الخيل دار عين، وهم مائة. ولما بلغ أبا سُفْيَان بْن حرب طلبُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ/ 137/ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العير حين بدأ إلى الشام، ثُمَّ بلغه ما هُوَ عَلَيْهِ من طلبها، جعل يسير مما يلي البحر ويُعمي أخباره، ووجه ضَمضم بْن عَمْرو الكناني، وكان معهم فِي العير، إلى مكَّة لينذر قريشًا ويستصرخهم. وَقَدْ جدع أنف بعيره، وشق قميصه من قُبل ودبر، فدخلها وهو ينادي: الغوث الغوث، ذهبت عيركم وما عليها. واستنفر النَّاس، فنفروا عَلَى الصعب والذلول. وكان أَبُو سُفْيَان قَدِ اكترى ضمضما بعشرين دينارًا حين بعثه. وَيُقَالُ إنه بعثه من تبوك. قَالُوا: وأخرجت قريش معها القيان [1] بالدفوف: سارة [2] مولاة عَمْرو بْن هاشم بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وعزَّة مولاه الأسود بْن المطلب، ومولاة لأمية بْن خلف. فجعلن يتغنين فِي كل منهل.

_ [1] خ: القيام. [2] خ: سارت.

وخرجوا بالجيش يتعاذفون بالحرام بطرا ورياء للناس، كما قَالَ تبارك وتعالى [1] . ونجا أَبُو سُفْيَان وأصحابه، فبعث إلى قريش من الجحفة يعلمهم سلامته بما معه، وأنَّه لا حاجة بهم إلى التعرض لمحمد وأهل يثرب. فأبوا وقالوا: والله لا نطلب أثرًا بعد عين، ولندعن محمدا وَصَبَأته لا يعودون إلى التعرض لأموالنا وتجاراتنا بعدها. وكان أَبُو جهل يشحذهم، ويحرّضهم، ويزعجهم للخروج. وامتنع أمية بْن خلف الجمحي من الخروج إلى بدر، فأتاه أبو جهل وعقبة بْن أبي معيط ومع أَبِي جهل، مكحل، ومع عقبة، مجمر- فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل: اكتحل فإنما أنت امْرَأَة. وقَالَ لَهُ عقبة: تجمر فإنما أنت جارية فِي أريكة. وقَالَ عتبة بْن ربيعة، وكره الخروج، لأخيه شيبة بن ربيعة: أن ابن الحنظلية [2]- يعنى أبا جهل بن هشام- رجل مشئوم، وليس يمسه من قرابة مُحَمَّد ما يمسنا. فَقَالَ لَهُ شَيْبَة: إنّ فارقنا قريش ورجعنا كان ذلك علينا سبة، يا با الوليد وامض مع قومنا [3] . قَالُوا: وقَالَ أبيّ بْن شريق الثقفي، حليف بني زهرة: يا بني زهرة إن اللَّه قَدْ سلّم عيركم، فارجعوا واعصبوا جُبنها بي. فلما كَانَ المساء، نزل عن بعيره، وقَالَ لأصحابه: قولوا إنه قَدْ نهش أبيّ. وخنس بهم راجعًا، فسمى «الأخنس» . ولم يشهد بدرًا من كفار بني زهرة أحد. وفي ذَلِكَ يَقُولُ عدي ابْنُ أَبِي الزغباء [4] : أقم لها صدورها يا بسبس ... إنّ مطايا القوم لا تحبس واحملها عَلَى الطريق أكيسُ ... قَدْ صنع اللَّه وفرّ الأخنس قالوا: وعدى بنو عدي بْن كعب منصرفين إلى مكَّة، فلقيهم أبو سفيان ابن حرب فَقَالَ: كيف رجعتم، فلا أنتم فِي العير ولا فِي النفير؟ فلم يشهد بدرًا منهم أحد. قَالَ الواقدي: وقَالَ عُمَر بْن الخطاب: يا بني عدي فيكم خصال: لم يشهد بدرًا منكم أحد، ولم تفتح مكَّة ومنكم مشرك. وكان رجوع بني عدي من ثنية لفت.

_ [1] القرآن، الأنفال (8/ 47) . [2] لأن أم أبى جهل من بنى حنظلة، من تميم (راجع ابن هشام، ص 441) . [3] خ: فاتى الوليد وامض مع قومها. (لعله كما أثبتناه. وأبو الوليد كنية عتبة بن ربيعة) . [4] ابن هشام، ص 457- 458 مع زيادات واختلافات.

654- قَالُوا: ورأى جُهيم بْن الصلت بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وهو بين النائم واليقظان، كأن رجلا أقبلَ عَلَى فرس ومعه بعير لَهُ، فوقف فَقَالَ: قُتل عتبة بْن ربيعة، وشيبة بْن ربيعة، وأبو الحكم بْن هشام، وأمية بْن خلف، وعدّد رجالًا من أشراف قريش ممن قتل يَوْم بدر، ثُمَّ ضرب فِي لبة بعيره وأرسله، فلم يبق خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضخ من دمه. فبلغت الرؤيا أبا جهل، فَقَالَ: وهذا أيضًا من بني المطلب، سيعلم غدًا من المقتول إِذَا التقينا. 655- وكان الحارث بْن عامر بْن نوفل أراد أن لا يسير إلى بدر. وذلك أَنَّهُ كَانَ صديقًا لضمضم. فأشار عَلَيْهِ أن لا يفعل. فلم يدعه عقبة بْن أَبِي مُعَيط، والنضر بْن الحارث، وأبو جهل، وبكتوه بالجبن، حتَّى خرج. وبكتوا أيضًا حكيم بْن حزام، وأبا البختري، وعلي/ 138/ بْن أمية بْن خلف بالجبن والضعف، حتَّى خرجوا، وكانوا أرادوا ألا يفعلوا. 656- قَالُوا: ورفد المقلَّ المكثرُ وأعانه. وقوّي سهيل بْن عَمْرو جماعة من المشركين بحملانه وماله. وفعل زمعة بْن الأسود مثل ذَلِكَ. وكان حنظلة وعمرو ابنا أَبِي سُفْيَان يحرّضان، ولم يبذلا شيئا، وقالا: إنَّما المال مال أَبِي سُفْيَان. وكان من المحرّضين طعيمة بْن عدي. وأعطى حويطب بْن عَبْد العزى قريشًا ثلاث مائة دينار، وَيُقَالُ مائتي دينار، فاشتُري بها سلاحٌ وظهرٌ. ولم يتخلف أحد من قريش لعلة إلا وجه مكانه رجلًا. فكان أَبُو لهب مريضًا مرضه الَّذِي مات فِيهِ، فوّجه العاص بْن هشام بْن المغيرة عَلَى أن أبرأه من مال كَانَ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ إنه كَانَ لاعبه عَلَى امْرَأَة مطلقة، فقمره، فأسلمه قينا بمكة، ثُمَّ لاعبه فقمره، فوجهه إلى بدر مكانه. ومات أَبُو لهب بعد وقعة بدر بأيام يسيرة. 657- قَالُوا: وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إلى قريش يأمرها بالانصراف، فأبوا. ووجهوا عمير بن وهب الجمحى، فحرّز المسلمين وما معهم، ثُمَّ أتاهم يعلم أمرهم. 658- قَالُوا: ونزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدنى بدر عشيَّة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وأمر فنودي: « [أفطروا يا معشر العصاة] » ،

وكان أمرهم أن يفطروا، فلم يفطر قوم منهم، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفطرًا. قَالُوا: واستشار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الأنصار. فأشار عليه الحباب ابن المنذر بْن جموح أن ينزل عَلَى أدنى ماء من القوم ويغّور ما سواه من القلب. فوافق جبريلُ عَلَيْهِ السَّلام فيما أُتِيَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذَلِكَ. [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد أشرتَ بالرأي.] فكان يدعى «ذا الرأي» . واتخذ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريش من جريد، فدخله وأبو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فكانا يتشاوران فِيهِ. وكانت وقعة بدر يَوْم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين. وكان شعار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر «أمت أمت» . وَيُقَالُ كَانَ شعار المهاجرين «بني عَبْد الرَّحْمَن» ، وشعار الخزرج «بني عَبْد اللَّه» ، وشعار الأوس «بني عُبَيْد اللَّه» . وأمدّ اللَّه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالملائكة، وأظهره عَلَى المشركين، ونصره بالريح. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور.] وأخذ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفا من حصباء، فرمى بِهِ، وقَالَ: [شاهت الوجوه.] فانهزموا. ورأى أَبُو جهل عتبةَ بْن ربيعة، فجبنه. فَقَالَ عتبة: يا مصفَر استه، ستعلم أينا [1] أجبن. وكشف عن عرقوب فرس أَبِي جهل، وقَالَ: «انزل، فما كل قومك راكب» . ونزل عتبة، فدعا إلى البراز، فقتل. وكان لواء رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ يَوْم بدر مَعَ مصعب بْن عمير، ولواء الأوس مَعَ سعد بْن مُعَاذِ، ولواء الخزرج مَعَ الحُباب بْن المنذر. وكان للمشركين ثلاثة ألوية: لواء مَعَ النضر بْن الحارث، ولواء مَعَ طلحة بْن أَبِي طلحة، ولواء مَعَ أَبِي عزيز بْن عمير. 659- قَالُوا: ولما تهيأ المسلمون للقتال، قَالَ المقداد بْن عَمْرو: يا رَسُول اللَّه، إنا لا نقول كما قَالَتْ بنو إسرائيل: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [2] ، ولكنا نقول: «اذهب فقاتل إنا معك مقاتلون» . ويقال إنه

_ [1] خ: يا مصفر استسقم إلينا. (وعند ابن هشام، ص 442: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره، أنا أم هو) . [2] القرآن، المائدة (5/ 24) .

قَالَ ذَلِكَ حين ندب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ للخروج إلى بدر. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة فِي غزاة بدر بشير بْن عَبْد المنذر بْن زُنَبْر [1] الأوسي، وهو أبو لبابة. وبعضهم يقول: «مبشر [2] » . وكان الَّذِي أتى أهل مكَّة بخبر وقعة بدر الحَيسُمان [3] بْن إياس الخزاعي. والذي أتي أهل المدينة يخبرها زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ/ 139/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وغنم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا الفقار سيفه، وكان للعاص بْن منبه بْن الحجاج السهمي، وهو الثبت. وَيُقَالُ: لمنبه، وَيُقَالُ: لنبيه. 660- قَالُوا: ولما مرّت قريش بإيماء [4] بْن رحضة، أهدى لقريش جزرًا، وعرض عليها سلاحًا. فَقَالَوا: نَحْنُ مؤدّون، وَقَدْ بررتَ وجعلتَ. وأيماء [5] كناني، من بني غفار. وكان أَبُو سُفْيَان يكثر أن يَقُولُ: وا قوماه، لقد شامهم ابْنُ الحنظلية. 661- قَالُوا: وقدم زَيْد المدينة حين سُوّي التراب عَلَى رقية ابْنَة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبقيع. فَقَالَ رَجُل من المنافقين لأسامة بْن زَيْد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه مَعَ عثمان بالمدينة عَلَى رقية: قتل صاحبكم ومن معه. وقَالَ آخر منهم لأبي لبابة: قَدْ تفرق أصحابكم تفرقًا لا يجتمعون بعده، وقُتل مُحَمَّد وهذه ناقته [6] نعرفها، وهذا زَيْد لا يدري ما يَقُولُ من الرعب. قَالَ أسامة بْن زَيْد: فأتيتُ أَبِي، فكذّب قول المنافقين. وقدم شقران بالأسرى. 692- وقال الواقدي، حَدَّثَنِي يزيد بْن فراس الليثي، عن شريك بْن أبي نمر [7] ، عن عطاء بْن يزيد الليثي أن ابنًا [8] لحفص بْن الأخيف، أحد بنى معيص بن عامر بن

_ [1] خ: زبير. [2] خ: بشير. [3] الجبمان. (والتصحيح عن الطبرى، ص 1338) . [4] خ: بإماء، إماء. (والتصحيح عن ابن هشام وغيره) . [5] خ: بإماء، إماء. (والتصحيح عن ابن هشام وغيره) . [6] خ: ناقة. [7] خ: نمل. [8] راجع للقصة وتفاصيلها أيضا ابن هشام، ص 431- 432.

شهداء بدر

لؤي، خرج يبغي إبلًا لَهُ، وهو غلام فِي رأسه ذؤابة وعليه حلة وكان غلاما وضيئا، فمر بعامر بْن يزيد بْن عامر بن الملوح بْن يعمر، وكان بضَجنان. فَقَالَ: من أنت يا غلام؟ قَالَ: ابْنُ حَفْص بْن الأخيف. قَالَ: يا بني بَكْر ألكم فِي قريش دم؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: ما كَانَ رَجُل ليقتل هَذَا برجله إلا استوفى. واتبعه رجل من بني بكر، فقتله بدم كَانَ لَهُ فِي قريش. فتكلمت فِيهِ قريش. فقال عامر بن (ى) زيد: «قَدْ كانت لنا فيكم دماء، فإن شئتم فأدّوا ما لنا قِبلكم، ونؤدّي إليكم ما كَانَ فينا، وإن شئتم فإنما هو الدم رَجُل برجل، وإن شئتم فتجافوا عنا فيما فعلنا نتجاف عنكم فيما قبلكم» . فهان ذَلِكَ الغلام عَلَى قريش، وقالوا: صدق، رَجُل برجل. فلم يطلبوا بدمه. فبينا أخوه مِكرز بْن حَفْص بْن الأخيف بمر الظهران إذ نظر إلى عامر بْن يزيد، وهو سيد بني بَكْر، عَلَى جمل لَهُ، فقال: ما أطلب أثرًا بعد عين. وأناخ بعيره، وهو متوشح بسيفه، فعلاه بِهِ حتَّى قتله. ثُمَّ أتى مكَّة، فعلق سيف عامر بأستار الكعبة. فلما أصبحت قريش، رأوا سيفَ عامر، فعرفوا أن مكرز ابن حَفْص قتله لقول كَانَ سُمع من مكرز فِي ذَلِكَ. وجزعت بنو بَكْر بقتل سيدها، وكانت معدَّة لتقتل [1] من قريش سيدين أَوْ ثلاثة. فإنهم لعلى ذَلِكَ حتَّى جاء النفير إلى بدر وهم عَلَى هَذَا. فخافوهم [2] عَلَى من يخلفون بمكة من ذراريهم، حتَّى جاءهم إبليس فِي صورة سراقة بْن (مالك بْن) جعشم، فَقَالَ: أَنَا لكم جار من بني بَكْر فإني سيدهم. فَقَالَ أَبُو جهل: هَذَا سراقة سيد كنانة، وَقَدْ أجاركم وأجار من تخلف منكم. فشجع القومَ، فخرجوا إلى بدر. [شهداء بدر] 663- فاستُشهد ببدر من بني المطلب بْن عَبْد مناف: عبيدة بْن الحارث، قتله شَيْبَة بْن ربيعة. فَدَفَنَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ بذات أجدال. ومن بني زهرة: عمير بْن أَبِي وقاص، قتله عَمْرو بْن عَبْد وُدّ. وعمير بْن عَبْد عَمْرو الخزاعي، وهو ذو الشمالين، حليف بني زهرة- وَيُقَالُ هو عمير بن عبد عمرو ابن نضلة- قتله أبو أسامة زهير بْن معاوية الجشمي. ومن بني عدي بْن كعب:

_ [1] خ: ليقتل. [2] خ: فجافوهم.

ومن بنى الحارث بن فهر:

عاقل بْن البكير الكناني. وبعضهم يَقُولُ: ابْنُ أَبِي البكير. والأول أصح. وهو حليف لبني عدي. قتله مالك بْن زُهَيْر الجشمي. ومِهْجَع مولى عمر بن الخطاب، قتله عامر الحضرمي. فيقال إنه أول قتيل يَوْم بدر. ومن بني الحارث بْن فهر: صفوان بْن بيضاء، قتله طعيمة بْن عدي. وَيُقَالُ إنه مات سنة ثمان وثلاثين. ومن الأوس: مبشر بْن عَبْد المنذر، قتله أَبُو ثور. / 140/ سعد بْن خيثمة، قتله عَمْرو بْن عَبْد ودّ. وَيُقَالُ: طعيمة بْن عدي. ومن الخزرج: حارثة ابن سراقة، رماه حِبّان بْن العَرِقة بسهم فأصاب حنجرته. وقوم يقولون: العرفة، وذلك تصحيف. وعوف، ومعوذ ابنا عفراء بِنْت عُبَيْد. وكانت عفراء عند الحارث بْن رفاعة، فولدت له معاذا، ومعوذا. ثم إنه طلقها، فتزوجها البكير ابن عبد يا ليل، فولدت لَهُ عاقلًا، وعامرًا، وخالدًا، وإياسًا. ثُمَّ رجعت إلى المدينة، فراجعها الحارث، فولدت لَهُ عوفًا. قَالَ الواقدي: فقتل عوف ومعوّذ يومئذ، قتلهما أَبُو جهل. وقَالَ الكلبي: قتل مُعَاذِ ومعوّذ يومئذ، وبقي عوف فجاءت أمهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، بقي شر ولدي؟ فَقَالَ: لا. والولد فِي بني عفراء لعوف. وعمير بن الحُمام بْن الجموح، قتله خَالِد بْن الأعلم [1] العقيلي حليف بني مخزوم الَّذِي يَقُولُ [2] : لَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أقدامنا يقطر الدمُ ورافع بْن المعلى الزرقي، قتله عكرمة بْن أَبِي جهل. ويزيد بن الحارث فُسْحم- وذلك قول الواقدي. وقَالَ الكلبي: يزيد الشَّاعِر بْن الحارث بْن قيس، أحد بني الحارث بْن الخزرج. وَيُقَالُ ليزيد: ابْنُ «فسحم» ، وهي أمه، وهي من بني القين بْن قضاعة- قتله نوفل بْن معاوية الديلي. وقوم يقولون إنّ أنسة مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل يَوْم بدر. وليس ذَلِكَ بثبت. والمجمع عَلَيْهِ أَنَّهُ شهد [3] يَوْم أحد، (وبقي بعد ذَلِكَ) ومات في خلافة أبى بكر. [قتلى مشركين] 664- وقُتل من المشركين، من بني عَبْد شمس بن عبد مناف: حنظلة بن

_ [1] خ: الأهلم. (والتصحيح عن ابن هشام وغيره) . [2] ابن هشام، ص 514 (خ: «يفظر الدماء» . والتصحيح عن ابن هشام) . [3] خ: استشهد. (وسيجيء ذكره أيضا فيما بعد) .

665 - ومن بنى نوفل بن عبد مناف،

أَبِي سُفْيَان، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. الحارث بْن الحضرمي، قتله عمار بْن ياسر. عامر بْن الحضرمي، قتله عاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح. عمير بْن أَبِي عمير، وابنه، موليان لهم، قتل سالم مَوْلَى أَبِي حذيفة عميرًا. عبيدة بْن سَعِيد بْن العاص، قتله الزُّبَيْر بْن العوام. العاص بْن سَعِيد، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. عقبة بْن أَبِي معيط، قتله عاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح بأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفراء صَبرا، وكان أخذ أسيرا. وقَالَ ابْنُ الكلبي: قتل عقبة بعرق الظبية. وقَالَ عقبة: من للصبية يا مُحَمَّد؟ [قَالَ: النار.] وَيُقَالُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلبه، فكان أول مصلوب فِي الْإِسْلَام. فرثاه ضرار بْن الخطاب: عينُ فابكي لعقبة بْن أبان ... فرع فهرٍ وفارس الفرسان وقَالَ أيضا: إذا اتصلت تدعو أباها الحارث ... دعت باسم سيال العطاء زعوف وهو النجيبات المراقيل بالضحى ... بأكوارها تجتاب كل تنوف وعتبة بْن ربيعة، قتله حمزة بْن عَبْد المطلب. وشيبة بن ربيعة، قتله عبيدة ابن الحارث، وذفّف عَلَيْهِ حمزة وعليّ عليهما السَّلام. الوليد بْن عتبة، قتله عليّ. عامر بْن عُبَيْد اللَّه [1] حليف لهم، قتله عليّ، وَيُقَالُ سعد بْن مُعَاذِ الْأَنْصَارِيّ. 665- ومن بني نوفل بْن عَبْد مناف، الحارث بْن عامر بْن نوفل، قتله خبيب ابن إساف. وهو الَّذِي [قَالَ له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لقيه فليدعه لأيتام بني نوفل بْن عَبْد مناف.] وفيه نزلت: «وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [2] » . طعيمة بْن عدي بْن نوفل، قتله حمزة. وكان طعيمة يكنى [3] أبا الرّيان، وأسر يَوْم/ 141/ بدر، فأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله، فقتله حمزة صبرا.

_ [1] كذا في الأصل، وعند ابن هشام (ص، 507) : عبد الله. [2] القرآن، القصص (28/ 57) . [3] خ: تكنى.

666 - ومن بنى عبد العزى بن قصي:

666- ومن بني عَبْد العزى بْن قصيّ: زَمعة بْن الأسود بْن المطلب بْن أسد، قتله أَبوْ دجانة، وَيُقَالُ: ثابت بْن الجذع، وولده يقولون: الجذع. الحارث ابن زمعة بْن الأسود، قتلة عليّ بْن أَبِي طَالِب. عقيل بْن الأسود بْن المطلب، قتله حمزة وعلي شركاء فيه، ويقال عليّ وحده. أَبُو البختري العاص بْن هاشم، قتله المجذّر بْن ذياد البلوي، وَيُقَالُ أَبُو دَاوُد الْمَازِنِيُّ، من الأنصار، وَيُقَالُ أَبُو اليسر. نَوْفَلُ بْن خُوَيْلِدِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد العزي، وهو ابْنُ العدوية، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. 667- ومن بني عَبْد الدار: النضر بْن الحارث، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب صبرًا بالأثيل بأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان الَّذِي أسره المقداد بْن عَمْرو. زَيْد بْن مليص [1] مولى عمير بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، قتله على ابن أبى طالب، ويقال بلال. 668- ومن بنى تيم بْن مرة: عمير بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْنِ كعب بْن سعد ابن تيم، قتله عليّ بْن أبي طَالِب، وَيُقَالُ صهيب. 669- ومن بنى محزوم: أَبُو جهل بْن هشام. سماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فرعون هَذِهِ الأمة» . ضربه مُعَاذِ بْن عَمْرو بْن الجَموح، فقطع رجله. وضربه أحد بني عفراء ضربة. وَيُقَالُ ضرباه جميعًا. ونفّل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذِ بْن عَمْرو سيفَ أَبِي جهل، فهو عند ولده. وفيه يَقُولُ حسان بْن ثَابِت [2] : النَّاس كنُوه أبا حكم ... والله كنّاه أبا جهل وقال الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ ياسر، عن ربيع بنت معود قَالَتْ: دَخَلْتُ فِي نِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ مُخَّرِبَةَ، أُمِّ أَبِي جَهْلٍ، فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ ابْنُهَا عَبْدُ الله بن

_ [1] خ: مكيص (والتصحيح عن ابن هشام، ص 508) . [2] ديوان حسان، ق 128، ب 1 (وعنده: «سماه معشره» ، «والله سماه» ) .

أَبِي رَبِيعَةَ يَبْعَثُ لَهَا بِعِطْرٍ مِنَ الْيَمَنِ، فَكَانَتْ تَبِيعُهُ إِلَى الأَعْطِيَةِ، فَكُنَّا نَشْتَرِي مِنْهَا. فَقَالَتْ لِي: وَإِنَّكِ لابْنَةُ قَاتِلِ سَيِّدِهِ؟ قَالَتْ، قُلْتُ: لا، وَلَكِنِّي ابْنَةُ قَاتِلِ عَبْدِهِ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أَبِيعُكِ شَيْئًا أَبَدًا. وأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وضعت الحربُ أوزارها أن يلتمس أَبُو جهل. قَالَ ابْنُ مَسْعُود: فوجدته مرتثًا فِي آخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه، وقلت: الحمد الله الَّذِي أخزاك. فَقَالَ: إنَّما أخزى اللَّه ابْنُ أم عبد، أروى عينا بالأمس، لقد ارتقيتَ مرتقى صعبًا يا رُويعي الغنم، لمن الدائرة؟ قلتُ: لله ولرسوله. قَالَ: فأقتلع بيضته عن قفاه، وقلتُ: إني قاتلك يا أبا جهل. قَالَ: لستَ بأول عَبْد قتل سيده، أما إنّ أشد شيء لقيته اليوم فِي نفسي لقتلك إياي وألا يكون ولي قتلي رَجُل من الأحلاف أَوِ المطَّيبين. فضربه عَبْد اللَّه فوق رأسه بين يديه، ثُمَّ سلبه، وأقبل بسلاحه ودرعه وبيضته، فوضع ذَلِكَ بَيْنَ يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: أبشر يا نبي اللَّه بقتل عدو اللَّه أَبِي جهل. [فقال: والله لذلك أحب إليَّ من حمر النعم،] أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورأى عَبْد اللَّه بجسده خضرة، فوصفها للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [فَقَالَ: ذَلِكَ ضرب الملائكة.] وقد يقال إنّ بنى عفراء لما ضربا أبا جهل، لم يقتلهما حتَّى جرحاه. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووقف عَلَى مصرع ابني عفراء: « [رحمهما اللَّه، فقد شركا فِي قتل فرعون هَذِهِ الأمة] » . وقيل إنّ الملائكة قتلت أبا جهل مَعَ ابني عفراء/ 142/ وذفّف عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُود. والله تَعَالى أعلم. العاص بْن هشام بْن المغيرة، قتله عُمَر بْن الخطاب. يزيد بْن تميم [1] حليف لهم، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. أَبُو مسافع الْأَشْعَرِيُّ حليف لهم، قتله أَبُو دجانة. حرملة بْن عَمْرو، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. أَبُو قيس بْن الوليد ابن المغيرة، قتله عليّ. أَبُو قيس بْن الفاكه بِن المغيرة، قتله حمزة، وَيُقَالُ الحُباب بْن المنذر. مَسْعُود بْن أَبِي أمية بْن المغيرة، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. رفاعة بْن أبى رفاعة، - وهو أمية- بْن عائذ، قتله سعد بْن ربيع. أبو [2] المنذر

_ [1] كذا تميم عندنا، وعند ابن هشام (ص 509) : عبد الله. [2] عند ابن هشام (ص 509) المنذر بن رفاعة.

670 - ومن بنى جمح:

ابن أَبِي رفاعة، قتله معن بْن عدي أخو عاصم بْن عدي. عَبْد اللَّه بْن [1] أَبِي رفاعة، قتله عليّ. زُهَيْر بْن أَبِي رفاعة، قتله أبو أسيد الساعدي. السائب ابن أَبِي رفاعة، قتله عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف. السائب بْن أَبِي السائب- واسمه صيفي- بْن عابد [2] ، قتله الزبير. الأسود بن عبد الأسد [3] ، قتله حمزة. حليفان لهم من طيّئ، أحدهما عَمْرو بْن سُفْيَان، قتله يزيد بْن رقيش الأسدي، والآخر جبّار [4] بْن سُفْيَان، قتله أبو بردة بن نيار. جابر [5] ابن السائب بْن عويمر بْن عائذ، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. وقَالَ الكلبي: قتل جابرًا هذا، وأخاه عويمر (ا) جميعًا عليّ بْن أَبِي طَالِب [6] . عويمر بْن عَمْرو بْن عائذ، قتله النعمان بْن أَبِي [7] مالك. 670- ومن بني جمح: أمية بْن خلف، قتله خبيب بْن إساف وبلال، وَيُقَالُ: قتله رفاعة بْن رافع. عليّ بْن أمية بْن خلف، قتله عمار بْن ياسر. أوس بْن المعير بْن لوذان، قتله عثمان بْن مظعون وعلي جميعًا، وَيُقَالُ عثمان وحده. 671- ومن بني سهم: منبه بْن الحجاج، قتله أَبُو اليسر، وَيُقَالُ عليّ، وَيُقَالُ أَبُو أسيد الساعدي. نبيه بْن الحجاج، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. العاص ابن منبه، قتله عليّ بْن أَبِي طَالِب. أَبُو العاص (بن) قيس بن عدى، قتله

_ [1] عند ابن هشام (ص 510) : «عبد الله بن المنذر بن أبى رفاعة» ، وعند مصعب الزبيري (ص 33) : «رفاعة بن أبى رفاعة» . [2] في الأصل بالذال المعجمة وعليه كلمة «صح» ، وبالهامش «آخره صح» . والمعروف «عابد» (بالدال المهملة) كما عند السهيلي (2/ 103) وفي جداول وستنفلد. وأبو السائب من ولد عبد الله بن عمر بن مخزوم وليس له ولد إلا عابد (بالباء) أما عائذ فهو ولد عمران بن مخزوم. وقد ذكر البلاذري في أوائل الكتاب هجاء حسان لبعض بنى عابد وأوضح كيف خلطه الناس بعائذ (بالذال المعجمة) . [3] خ: عبد الأسود (والتصحيح عن ابن هشام، ص 510) . [4] عند ابن هشام (ص 510) حابر. [5] عند ابن هشام (ص 510) حاجز. [6] عند ابن هشام (ص 510) قتله النعمان بن مالك. [7] كذا في الأصل، لعله: بن مالك. وراجع أيضا أوائل الكتاب حيث ذكر قتل رفيع بن صيفي.

672 - ومن بنى عامر بن لؤي.

أَبُو دجانة، وَيُقَالُ عليّ عَلَيْهِ السَّلام. عاصم بْن أَبِي عوف بْن صُبيرة، قتله أَبُو دجانة. 672- ومن بني عامر بْن لؤي. معاوية بْن عَبْد قيس [1] حليف لهم، قتله عكّاشة ابن محصن. معبد بْن وهب حليف لهم من كلب، قتله أبو دجانة. وقتل عمرو ابن الحضرمي. كعبُ بْن زَيْد النجاري، والثبت أَنَّهُ قتل فِي سرية ابْنُ جحش. 673- وكان ممن أسر يَوْم بدر: عقيل بْن أَبِي طَالِب، أسره عُبَيْد بْن أوس الظفري، وأسر [2] عمه. الْعَبَّاس، فافتداه. نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، أسره جبار بْن صخر. والسائب بْن عُبَيْد، وعبيد [3] بْن عَمْرو بْن علقمة، أسرهما سَلَمة بْن أسلم بْن حَريش الأشهلي، فأطلقهما النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا فدية. عقبة بْن أَبِي معيط، أسره عَبْد اللَّه بن سلمة العجلاني. الحارث بن أبى وجرة. - ويقال: وجرة- بْن أَبِي عَمْرو بْن أمية، أسره سعد بْن أبي وقاص، فقدم فِي فدائه الوليد بْن عقبة فافتداه بأربعة آلاف درهم. عَمْرو بن أبى سفيان بن حرب، سار فِي سهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسله بغير فدية، وكان الَّذِي أسره عليّ عَلَيْهِ السَّلام. وكان سعد بْن [4] أكال، من بني أمية، من الأوس، أتى مكَّة معتمرًا، فأخذه أَبُو سُفْيَان فحبسه بمكة، وقَالَ: لا أخليه حتَّى يخلي سبيل عَمْرو. وقَالَ فِي ذَلِكَ [5] : أرهطَ ابْنُ أكّال أجيبوا دعاءَه ... تفاقدتم لا تتركوا السيد الكهلا فإنّ بني عَمْرو لئام أذلةٌ ... لئن لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا فخلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبيل عَمْرو بْن أَبِي سُفْيَان، وخلى أَبُو سُفْيَان، ابْنُ أكال. وقَالَ بعضهم: هُوَ سعد بن النعمان بن أكال. وقال

_ [1] عند ابن هشام (511) : معاوية بن عامر، حليف لهم من عبد القيس. [2] خ: أوسر. [3] وعند ابن هشام (ص 513) : النعمان بن عمرو [4] هو سعد بن النعمان، أحد بنى أكال ثم بنى عمرو بن عوف (راجع الاستيعاب، رقم 2352 سعد بن النعمان) . وأكال جده. [5] ابن هشام، ص 264، مصعب، ص 127، الاستيعاب رقم 2352 سعد بن النعمان.

الكلبي: هُوَ زَيْد بْن أكال بْن لوذان بْن الحارث بْن أمية بْن زَيْد بْن مالك. وأبو العاص بْن الربيع/ 143/ أسره خراش بْن الصِّمَّة، فقدم فِي فدائه عَمْرو بْن الربيع أخوه. وعمرو بْن الأزرق، افتكه عَمْرو بن الربيع. أبو العاص ابن نوفل بْن عَبْد شمس أسره عمار بْن ياسر. عثمان بْن عَبْد شمس، وهو ابْنُ أخي عتبة بْن غزوان، حليف، أَبُو ثور، افتداهما جُبَيْر بْن مطعم، وكان الَّذِي أسر أبا ثور: مرثد الغنوي. أَبُو عزيز بْن عمير، أخو مصعب، أسره أَبُو اليسر، وَيُقَالُ غيره. فقال معصب للذي أسره: أشدد يدك بِهِ فإنّ أمه موسرة. فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ وصاتك بي يا أخي؟ قَالَ: هَذَا أخي دونك. فافتدي بأربعة آلاف. عدي بْن الخيار، أسره خراش بْن الصمة. الأسود بن عامر ابن الحارث بْن السباق، قدم فِي فدائه طلحة بْن أَبِي طلحة. السائب بْن أَبِي حُبيش بْن المطلب بْن أسد، أسره عَبْد الرحمن بن عوف. الحويرث بن عباد [1] ابن أسد، أسره حاطب بْن أَبِي بلتعة. مالك بْن عُبَيْد اللَّه بْن عثمان، من بني تيم، أخو طلحة، أسره قطبة بْن (عامر بْن) حديدة، فمات بالمدينة أسيرًا. أمية بْن المغيرة بْن حذيفة، أسره بلال. عثمان بْن عَبْد اللَّه بْن (أَبِي) أمية بْن المغيرة، أسر يَوْم نخلة، فأفلت، فأسره واقد بْن عَبْد اللَّه التميمي يَوْم بدر، فَقَالَ: الحمد لله الَّذِي أمكنني منك فقد كنتَ أفلت فِي المرة الأولى، فافتداه عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة بأربعة آلاف. الوليد بْن الوليد بْن المغيرة، أسره عبد الله ابن جحش الأسدي، فقدم فِي فدائه خَالِد [2] بْن الوليد، وهشام فافتكاه بسكة دابته ثم أفلت وأسلم، وَيُقَالُ أسره سليط بْن قيس. صيفي بن أبى رفاعة بن عابد ابن عبد الله بن عمر بن محزوم، لم يكن لَهُ مال، فمكث عند الَّذِي أسره، ثم أطلقه. وأسر أبو أيوب الأنصارى المطلب بْن حنطب بْن الْحَارِث بْن عُبَيْد ابن عُمَر [3] بْن مخزوم، ولم يكن لَهُ مال فأرسله بعد حين. خالد بن الأعلم

_ [1] خ: عثمان الحويرث بن أسد. (وهو سهو فاحش فإنه البطريق المتنصر، مات قبل الإسلام. والتصحيح عن ابن هشام، ص 513) . [2] وبالهامش عن نسخة: «خلف» (ولا يعرف خلف بن الوليد. لعله أراد حفص ابن الوليد) . [3] خ: عمرو. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 514) .

العقيلي حليف بني مخزوم، قدم عكرمة بْن أَبِي جهل فِي فدائه، وكان الَّذِي أسره الْحُبَاب [1] بْن المنذر بْن الجموح. وأسر فروة بن عمرو البياضي: عبد الله ابن أَبِي بْن خلف، فقدم أَبُوهُ فِي فدائه. وأسر أَبُو عزَّة الجمحي، فمن عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحلفه أن لا يكثر عليه جميعا، وأرسله بغير فدية، فأسر يَوْم أحد، فضرب عنقه. وأسر سهيل بْن عَمْرو، وكان الَّذِي أسره مالكُ بْن الدخشم بْن مالك بْن الدخشم بْن مرضخة بْن غنم- وهو قوقل- ابن عوف بْن الخزرج. فَقَالَ مالك [2] : أسرتُ سهيلا فلن أبتغي ... بِهِ غيره من جميع الأمم وخندف تعلم أن الفتى ... سهيلا فتاها إِذَا تُظّلم ضربتُ بذي الشفر حتَّى انثنى ... وأكرهتُ نفسي عَلَى ذي العلم فقدم فِي فداء سهيل، مكرز بْن حَفْص بْن الأخيف، فأرضى مالكًا ودفع إِلَيْه أربعة آلاف درهم من مال سهيل، وحبس مكرز مكانه حتَّى بعث بالمال من مكَّة. ولما أسر سهيل وقدم بِهِ المدينة، رآه أسامة بْن زَيْد فَقَالَ: «يا رَسُول اللَّه هَذَا الَّذِي كَانَ يطعم النَّاس السريد [3] » ، يعني الثريد. ورأته سودة بِنْت زمعة، وهو فِي القيد [4] ويده إلى عنقه، فلم تملك نفسها أن قَالَتْ: أبأبي يزيد يفعل هَذَا؟ ثُمَّ قَالَتْ: أي أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، هلا متم كراما؟ [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا سودة، أعلى اللَّه ورسوله؟] فقالت: والذي [5] بعثك بالحق، ما ملكتُ نفسي حين رَأَيْته عَلَى هَذِهِ الحال، فاستغفر لي يا رَسُول اللَّه. [فَقَالَ: يغفر اللَّه لَكَ.] وقَالَ عُمَر: يا رَسُول اللَّه، هذا سهيل خطيب قريش، فأنزع ثنيته فلا يقوم خطيبا بك (؟ عليك) أبدًا؟ فَقَالَ: [دعه، فعسى/ 144/ أن يقوم مقامًا تحمده، وينفع اللَّه بِهِ.] فأسلم يَوْم الفتح وحسن إسلامه، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان عتاب

_ [1] خ: جراب. [2] أبى هشام، ص 462، الاستيعاب رقم 2517 سهيل بن عمرو، مع اختلافات. [3] كأنه لم يجد تلفظ الثاء. (خ: السويد. ولكن راجع تحت) [4] خ: القد. [5] خ: والله.

ابن أسيد على مكة، فقام سهيل فقال: يا أيها النَّاس أَنَا أكثر قريش قَتَبًا [1] فِي بر، وجارية فِي بحر، فأقروا أميركم وأعطوه صدقاتكم وأنا ضامن إن لم يتم الأمر أن أردّها إليكم. وبكى، وسكن النَّاس، ورجع عتاب [2] . فلما كانت خلافة عُمَر، أتاه سهيل، والحارث بْن هشام، ليسلما عَلَيْهِ. فقدّم قبلهما صهيبًا وعمارًا. فغضب الحارث بْن هشام من ذَلِكَ. فَقَالَ سهيل: دعينا ودُعوا، فأجابوا وأبطأنا ثُمَّ نغضب [3] أن يقدموا علينا، فأما إذا فاتت الجهاد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنا نطلبه بعده. فخرجا إلى الشام مجاهدين، فماتا هناك. قَالَ الواقدي: رمى سعد سهيلًا، فأصاب بنساه [4] ، وجاء مالك فأسره. وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَشْيَاخِهِمْ قَالَ: رَأَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ سُهَيْلا، فَقَالَ: «هَذَا الَّذِي كَانَ يُطْعِمُ الثَّرِيدَ بِمَكَّةَ» . [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَذَا أَبُو يَزِيدَ الَّذِي كَانَ يُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ فَأَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ.] وَكَانَ لَمَّا أُسِرَ، هَرَبَ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، فَوَجَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بين سهوات [5] . فَأَمَرَ بِهِ، فَرُبِطَتْ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ وَجُنِّبَ إِلَى رَاحِلَتِهِ. وَفِيهِ يَقُولُ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصلت الثقفى [6] : يا با يَزِيدَ رَأَيْتُ سَيْبَكَ وَاسِعًا ... وَسَمَاءَ جُودِكَ تُسْتَهَلُّ فَتُمْطِرُ 674- قَالُوا: وقَالَ عمير بْن وهب بْن خلف الجمحي لصفوان بْن أمية، لولا دَين علي وعيال، لأتيتُ محمدًا فقتلته، فقد عظمت المصيبة بمن قتل من السادة يَوْم بدر، فإنه بلغني أَنَّهُ يطوف فِي الأسواق. فضمن لَهُ صفوان قضاءَ دينه وأمر عياله. فمضى حتَّى أتى المدينة مكتتمًا، فأناخ راحلته عَلَى باب المسجد وعقلها، وتقلد سيفه وكان قَدْ شحذه وسمّه، ثُمَّ عمد نحو النبي صلى الله عليه

_ [1] القتب: الرحل الذى يوضع على البعير. وأراد الكل من الجزء. والجارية: المركب البحرى. [2] لأنه كان خافهم، قبل، فتوارى كما ذكر ابن هشام، ص 1021. [3] خ: يغضب. [4] النسا: الورك. [5] السهوة: الصخرة. [6] ليس في ديوان أمية المطبوع ولكن راجع الاستيعاب، رقم 2517 سهيل بن عمرو، مع اختلافات.

وَسَلَّمَ. فنظر إِلَيْه عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وهو فِي نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقَالَ لمن عنده: دونكم الكلب فهذا عدوّ الله حرّش بيننا يوم بدر وحرزنا للقوم. فأخذه عُمَر، فانطلق بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: هَذَا عمير بْن وهب دخل المسجد ومعه سلاحه، وهو الغادر الخبيث. فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أقدمك؟ قَالَ: قدمتُ فِي ابنى وهو أسير عندكم لتقاربونا [1] فِيهِ. قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما هَذَا السيف؟ قَالَ: «لعنها اللَّه من سيوف، وهل أغنت عنا شيئًا يَوْم بدر؟ إنَّما نسيته فِي رقبتي حين نزلتُ» . فَقَالَ: اصدقنى فيما قدمت: قدمتُ بسبب أسيري وهب بْن عمير بْن وهب. قَالَ: «فما شرطت لصفوان وما اشترطت عَلَيْهِ؟ فقد ضمنتَ لَهُ قتلي عَلَى أن يقضي [2] دينك، ويعول عيالك. والله حائل بينك وبين إرادتك.» فَقَالَ عمير: «أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُول اللَّه. هَذَا والله وحي السماء. والله ما سَمِعَ هَذَا من صفوان أحد سواي، وما سمعه مني أحد» . فأطلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسيره. وأتي عمير مكة، فلم يقرب صفوان، وأظهر الإسلام، ودعا إليه، ووقف عَلَيْهِ عمير، وهو فِي الحجر، فلم يكلمه. وتشهد عمير وقَالَ لَهُ: أهذا دين: عبادة حجر والذبح لَهُ؟ فلم يكلمه صفوان. وشهد عمير بْن وهب يَوْم أحد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبقي إلى بعد خلافة عُمَر بْن الخطاب. ويكنى أبا أمية. وَيُقَالُ إنّ وهب بْن عمير هُوَ الضامن لصفوان ما ضمن، وأن أباه عمير بْن وهب كَانَ الأسير. والأول أثبت. 675- وروى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: كَانَ الأَسْرَى سَبْعِينَ، وَالْقَتْلَى سَبْعِينَ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنِ/ 145/ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ، والقتلى أكثر من سبعين أيضا.

_ [1] خ: ليقاربونا. [2] خ: تقضى.

وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ [1] قَالَ: أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلا. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ بَنِي مَبْذُولٍ، مِنَ الْخَزْرَجِ. وقَالَ طَالِب بْن أَبِي طَالِب فِي يَوْم بدر- وقوم يزعمون أنها لأمية ابن أَبِي الصلت- وكان طَالِب قَدْ شهد بدرًا، ثُمَّ انصرف راجعًا فلم يسمع لَهُ بذكر مع قريش [2] : فجّعتنى المنون بالجلة الحمس ... ملوك لدى الحجون صباح إن كعبا وعامرا قد أبيحت ... يوم بدر يوم ذات الطماح شيب الرأس أننى كلما ... شئت سمعت الأنين بالأنواح وفتاة تدعو غلامًا نجيبًا ... سرحت قبل يومها بسراح أصبحت مكَّة الحرام حلالًا ... من لؤي وغالب والبطاح وقَالَ أمية بْن أبي الصلت [3] : هلا بكيت على الكرا ... م بني الكرام أولي الممادح كَبُكا الحمام عَلَى فرو ... ع الأيك بالصبح الجوانح يبكين خزى ذات أشجا ... ن يرحن من الروائح أمثالهن الباكيا ... ت المعولات من النوائح ماذا ببدر فالعقن ... قل من مرازبة [4] جحاجح كسب مَطاعيمٌ مُطاعين ... ملاوذة ماجح [5] المطعمين الشحم فو ... ق الخبز شحمًا كالأنافح لله دَرُّ بني علي ... أيّمٌ منهم وناكح إنْ لم يغيروا غارةً ... شعواء تحجر كل نابح

_ [1] كذا في الأصل. لعله ابن عبد الله بن كعب. [2] ليس في ديوان أمية المطبوع. [3] ليس في ديوانه المطبوع، ولكن راجع ابن هشام، ص 531- 532 حيث حذف بعض الأبيات وزاد أخرى. والبيتان الأخيران أيضا عند مصعب، ص 10- 11. [4] خ: مرالابه. [5] خ: ممناجح.

وقَالَ حسان يهجو أبا جهل [1] : ألا لعن الرحمنُ قومًا يحثهم ... دعيُّ بني شَجع لحرب مُحَمَّد مَشْومٌ لِعينُ قَدْ تبين جهله ... قليل الحياء أمره غير مرشد فأنزلَ ربي نصرهَ لرسوله ... وأيده بالعزّ فِي كل مشهد وقَالَ شداد بْن الأسود الليثي ثُمَّ الشَجعي يبكي قتلاء قريش يوم بدر [2] : دعيني أصطبح با بكر إني ... رأيت الموت نقب عَن هِشَام ونقب عن أبيك أبي يزيد ... أخي القينات والشُّرب الكرام فكم لَكَ بالطويِّ طويِّ بدر ... من الخيرات والدسع العظام وكم لَكَ بالطويِّ طوي بدر ... من الرغبات والنعم الجسام وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزي تكلل بالسنام ألا من مبلغ الأقوام عني ... بأني تارك شهر الصيام يخبّرنا الرسول بأن سنحيى ... وكيف حياة أصداءٍ وهام وقَالَ أمية بْن أبى الصلت [3] : عين بكىّ بالمسبلات [4] أبا العا ... صى ولا تجمدى على زمعه وبكيّا توكلا إذا احتدم البأ ... س ليوم الهياج في الدمعه

_ [1] ديوان حسان، ق 45، ب 1- 4، مع اختلافات أهمها تلفيق بين بيتين في البيت الثانى ههنا: مشوم كان قدما مبغضا ... يبين فيه اللوم من كان يهتدى فدلاهم في الغى حتى تهافتوا ... وكان مضلا أمره غير مرشد [2] ابن هشام، ص 530- 531، والبيت الأول عند مصعب (ص 301، وعزاه ابن دريد في الاشتقاق، ص 63، إلى بحير بن عبد الله القشيرى) ، والبيت الأخير في جمهرة ابن الكلبى، ص 81. وروى البخارى في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار (63/ 43، حديث 21) لزوج أم بكر، لم يسم، أربعة أبيات: أولها الخامس ههنا، ورابعها الأخير ههنا وروى في أوله «يحدثنا» بدل «يخبرنا» . أما الثانى والثالث كما يلى: وماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات والشرب الكرام تحيى بالسلامة أم بكر ... وهل لي بعد قومى من سلام [3] ليس في ديوانه المطبوع، ولكن راجع مصعبا الزبيري، ص 206، وابن هشام ص 533، حيث اختلافات وزيادات. [4] خ: بمسلات.

677 - ثم غزاة بنى قينقاع،

قتلى كرام لفقدهم خوت الجو ... زاء لا خانةٌ ولا خدعه قوم هُمُ الهامة الوسيطة من كع ... ب وفيهم كذروة القمعه/ 146/ أمسى بنو عمه إذا ذكر البأ س عليهم أكبادهم وجعه وقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزبعرى السهمي [1] : ماذا ببدر ثُمَّ ماذا حوله ... من فتية بيض الوجوه كرام تركوا نبيهًا عندها ومنبها ... وابنى ربيعة خير خصم فئام والعاصَ وابنَ منبه ذا مرة ... رمحًا طويلًا غير ذي أوصام تنمي بِهِ أعراقه وجّدوده ... ومآثر الأخوال والأعمام والحارثَ الفياض يبرق وجهه ... كالبدر أشرق ليلةَ الإظلام فإذا بكى باك فأعولَ شجوَه ... فعلى الرئيس الماجد ابْنُ هشام وفي بدر شعر كَثِير سوى هَذَا. فمنه ما يصحح ومنه ما لا يصحح ومنه ما لا يصحح. 676- حَدَّثَنِي مُحَمَّد، عن الواقدي قَالَ: شهد بدرًا عبيدة، وحصين، وطفيل بنو الحارث، ثلاثة إخوة. وعكّاشة ابن محصن، وأخوه أَبُو سنان بْن محصن. وشجاع، وعقبة ابنا وهب. ومدلاج [2] ، وثقاف ابنا عَمْرو السلميان، وكانا حليفي بني أسد بْن خزيمة، فصارا فِي حلف بني عَبْد شمس مَعَ بني أسد. وعمر، وأخوه زَيْد بْن الخطاب. 677- ثُمَّ غزاة بني قَينُقاع، من يهود، فِي شوال سنة اثنتين. وكان سببها أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة. وادعته يهود كلها، وكتب بينه وبينها كتابًا. فلما أصاب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحاب بدر وقدم المدينة سالمًا غانمًا موفورًا، بغت وقطعت العهد. فجمعهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: [يا معشر يهود، أسلموا فو الله إنكم لتعلمون أنى نبى وإلا أوقع أصبكم أكثر مما أوقع بقريش.] فقالوا: يا مُحَمَّد، لا يغرّنك من لقيتَ، فإنما قهرتَ قومًا أغمارًا، ونحن بنو الحرب، ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا. فبيناهم

_ [1] ابن هشام، ص 521 مع اختلافات. [2] راجع عنه ابن هشام، ص 487.

عَلَى بغيهم ومجاهرتهم بكفرهم إذ جاءت امْرَأَة كانت تحت رَجُل من الأنصار إلى سوق بني قينقاع، فجلست عند صائغ منهم فِي أمر حليّ لها. فجاء رَجُل من بني قينقاع، فجلس من ورائها، وهي لا تشعر، فحلّ درعها إلى ظهرها، بشوكة. فلما قامت تكشفت وبدت عورتها، فضحكوا منها. فقام إِلَيْه رَجُل من المسلمين، فأتبعه فقتله. فتعادوا عَلَى الرجل المسلم، فقتلوه ونبذوا العهدَ إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنزل فيهم: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) [1] . وروى أيضًا أن الآية نزلت فِي بني قريظة. فسار إليهم، وَقَدْ تحصّنوا فِي حصنهم. فحصرهم خمس عشرة ليلة. ثُمَّ إنهم نزلوا عَلَى حكمة، فأمر بهم فرُبطوا. واستعمل عَلَى ربطهم وكتافهم المنذر بن قدامة السلمي. فأتى ابْنُ أبيّ المنافق رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأدخل يده فِي جيب درعه من خلفه، وقَالَ: يا مُحَمَّد أحسن إلى مواليّ. [فَقَالَ لَهُ: ويلك أرسلني،] وكان قَدْ ضمه إِلَيْه. فَقَالَ لَهُ: «أتريد أن تحصد أربع مائة دارع وثلاث مائة حاسر، منعوني يَوْم الحدائق ويوم بعاث، فِي ساعة؟ أما تخشى يا مُحَمَّد الدوائر؟» [فقال: خلوهم، لعنهم اللَّه ولعنه معهم.] وأعفاهم من القتل، وأجلاهم إلى الشام. فنزلوا أذرعات. فلم يلبثوا إلا قليلا حتَّى هلكوا. وقبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أموالهم. وكانوا صاغة، لا أرضين لهم. وكان الَّذِي أخذ من سلاحهم ثلاث قسيّ: قوسًا تدعي «الكتوم» ، كسرت يَوْم أحد، وأخرى تدعي «الروحاء» ، وأخرى تدعي «البيضاء» ، ودرعين: درعا يقال لها «السعدية» ، وأخرى يُقال لها «فضَّة» ، وثلاثة أسياف: سيفا قلعيا، وآخر يُقال لَهُ «بتار» ، وآخر لم يسمّ [2] / 147/ وثلاثة أرماح: ووُجد فِي حصونهم سلاح كَثِير، وآلة من آلات الصياغة. فأعطى سعدَ ابن مُعَاذِ درعا من دروعهم المذكورة. وأعطى مُحَمَّد بْن مسلمة درعًا أخرى. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر أيضا.

_ [1] القرآن، الأنفال (8/ 58) . [2] ولكن راجع فيما بعد باب سلاح رسول الله حيث سماه «الحتف» .

678 - ثم غزاة السويق

678- ثُمَّ غزاة السَّويق فِي ذي الحجة سنة اثنتين. وسببها أن أبا سُفْيَان بْن حرب حرّم عَلَى نفسه الدهن حتَّى يثأر من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، بمن أصيب من المشركين يَوْم بدر. فخرج فِي مائتي راكب، وَيُقَالُ فِي أربعين راكبًا. وسار إلى بني النضير ليلًا، فطرق ومن معه حيي بنَ أخطب اليهودي، ليخبره من أخبار رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أحبّ معرفته. فأبي أن يفتح لهم. وطرقوا سلام بْن مِشْكَم، ففتح لهم، وقراهم، وسقى أبا سُفْيَان خمرًا. فلما كَانَ السحر، خرج أبو سُفْيَان ومن معه، فلقي رجلًا من الأنصار فِي حرث لَهُ، فقتله. وقتل أجيرًا لَهُ كَانَ معه. وحرّق بعض حرثهما. ورأى أن يمينه قَدْ حلّت، فمضى هاربًا، وخاف الطلب. وبلغ رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبره، فندب أصحابه. فخرج وخرجوا يريدونه. وجعل أَبُو سُفْيَان وأصحابه يتخففون ويُلقون جُربَ السويق، وهي عامة أزوادهم. فجعل المسلمون يمّرون بها فيأخذونها. فسميت الغزاة ذات السويق. ولم يلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها كيدًا. وفي سلام بْن مشكم يَقُولُ أَبُو سُفْيَان بْن حرب [1] : سقاني فروّاني كميتا مُدامة ... عَلَى ظمأ مني سلام بْن مشكم فداك أَبُو عَمْرو يجود ودارُه ... بيثربَ مأوى كل أبيض خضرم وقَالَ بعضهم: كانت كنية سلام «أبا الحكم» ، ويروى هَذَا البيت: أبو الحكم خير الرجال ودارُه ... بيثرب مأوى كل أبيض خضرم وكان الزُّهْرِيّ يَقُولُ: كنيته «أَبُو عَمْرو» . وكان خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة أيضًا أبا لبابة. 679- ثُمَّ غزاة قَرقرة الكُدْر. وبعضهم يَقُولُ: «قَرارة» . والأول أثبت. وكان فِي المحرم سنة ثلاث. وكان سببها أَنَّهُ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعًا من غطفان وبني سُلَيم. فسار إليهم، فتفرّقوا. ولم يلق كيدًا، ووجد لهم نعما مَعَ رُعاتها. وَيُقَالُ إنه وجد نعمًا وشاءً. وكانت النعم خمس مائة بعير. وقسّم ذَلِكَ بين المسلمين. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة ابن أم مكتوم.

_ [1] ابن هشام، ص 544، مع اختلافات.

680 - ثم غزاة بنى غطفان،

680- ثُمَّ غزاة بني غطفان، بذي أمر، بنجد. وكانت فِي شهر ربيع الأول سنة ثلاث. وكان سببها أن جمعًا من بني ثعلبة بْن سعد بْن ذبيان بن بغيض ابن رَيث بْن غطفان، وبني محارب بْن خَصَفة بْن قيس تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ الذى جمعهم دعثور ابن الحارث المحاربي. وبلغ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرهم، فخرج فِي أربع مائة وخمسين. وصار إلى ذي القِّصَّة، فلقي بها رجلًا من بني ثعلبة. فَقَالَ لَهُ المسلمون: أَيْنَ تريد؟ فَقَالَ: أريد يثرب لأرتاد لنفسي وأنظر. فَدَعَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْإِسْلَام. فأسلم، وأخبر أن المشركين تجمعوا. فلما بلغوا خبره، هربوا إلى رءوس الجبال. وكان اسم الرجل جبّارًا. ولم يلق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الغزاة كيدًا. قَالُوا: ونظر دُعْثُور إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضطجعًا تحت شجرة. فأقبل ومعه سيفه، فَقَالَ: من يمنعك مني اليوم؟ قَالَ: [اللَّه.] ودفع جبريل فِي صدره، فوقع السيف من يده. فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم/ 148/ وقال: من يمنعك مني اليوم، يا دُعثور؟ فَقَالَ: لا أحد، وأنا أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّد (ا) رَسُول اللَّه، والله لا أكثر عليك جمعًا أبدًا. فأعطاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفه. فمضى إلى أصحابه، فدعاهم إلى الْإِسْلَام، وأخبرهم بما رَأَى. وفيه نزلت الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) ، الآية [1] . وكانت غيبة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المدينة إحدى عشرة ليلة. واستخلف عليها عثمان بْن عفان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. 681- ثُمَّ غزاة بني سُليم بْن مَنْصُور ببَحران، وهي ناحية الفُرُع، فِي جمادى الأولى سنة ثلاث. وكان سببها أن جمعًا من بني سليم تجمعوا ببحران، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فخرج فِي ثلاث مائة من المسلمين، ولم يذكر أَيْنَ يريد؟ فلما صار ببحران، وجدهم قَدْ تفرقوا ورجعوا إلى مياههم. فانصرف ولم يلق كيدًا. وكانت غيبته عشر ليال. واستخلف عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم، وهو عَمْرو بْن قيس، أحد بْني عامر بْن لؤي. وأمه عاتكة مخزومية. 682- ثُمَّ غزاة أحد. وكانت الوقعة يَوْم السبت لسبع ليال خلون من شوال سنة

_ [1] القرآن، المائدة (5/ 11) .

ثلاث وكان سببها أن أبا سُفْيَان قدم بعير قريش، فوقفها فِي دار الندوة. فلما رجع المشركون من بدر إلى مكَّة، مشت أشراف قريش إلى أبى سفيان ابن حرب: الأسود بْن المطلب بْن أسد، وجبير بْن مطعم، وصفوان بْن أمية، وعكرمة بْن أَبِي جهل بْن هشام، والحارث بْن هشام، وعبد اللَّه بْن أَبِي ربيعة، وحويطب بْن عَبْد العزى، وحجير بْن أَبِي إهاب، فقالوا: يا با سُفْيَان، احتبس هَذِهِ العيرَ فإنها أموال أهل مكة، وهم طيّبو الأنفس بأن يجهزوا بما فيها جيشًا كثيفًا إلى مُحَمَّد، فقد ترى من قتل من أبنائنا وعشائرنا. وَيُقَالُ: بل مشى أَبُو سُفْيَان إلى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سمينا، وغيرهم. فدعاهم إلى توجيه جيش إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأثمان ما في العير. فباعوا ما كَانَ فيها بذهب العين، وتجهزوا به. وقال بعضهم: إنهم تجهزوا بأرباح ما فيها. وكانوا يربحون للدينار دينارًا. وبعثوا إلى أربعة نفر من قريش- وهم عَمْرو بْن العاص، وهبيرة ابن أَبِي وهب المخزومي، وابن الزبعرى، وأبو عزَّة الجمحي واسمه عَمْرو بْن عَبْد اللَّه- فساروا فِي العرب يستنجدونهم ويستنصرونهم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو عزَّة كنانيًا، امتنع من النفوذ لما وجهوه لَهُ، وقَالَ: إنّ بلاء مُحَمَّد عندي حسن: أطلقني يَوْم بدر بلا فداء. فلم يزالوا بِهِ حتَّى خرج، وهو يَقُولُ [1] : أيا بني عَبْد مناة الرزّام ... أنتم حماة وأبوكم حام لا تسلمونى لا يحلّ إسلام ... لا تعدونى نصركم بعد العام وخرج النفر، فجمَّعوا جمعًا من ثقيف وكنانة وغيرهم، وتوجّه المشركون إلى المدينة وخرجوا معهم بالظُّعُن. فأخرج أَبُو سُفْيَان بْن حرب هندَ بِنْت عتبة أم معاوية، وأميمة بِنْت سَعِيد بْن وهب بْن أشيم الكنانية امرأته. وأخرج صفوانُ بْن أمية بْن خلف الجمحي برزةَ بِنْت مَسْعُود الثقفي، وهي أم عبد الله ابن صفوان الأكبر، والبَغُوم بِنْت المعذّل الكنانية، وهي أم عَبْد اللَّه بْن صفوان الأصغر. وخرج طلحة بْن أَبِي طلحة العبدري بامرأته سُلَافة بنت سعد بن شهيد

_ [1] ابن هشام، ص 556، مصعب، ص 398، وزاد في أوله: «أنتم بنو الحارث والناس الهام» .

الأوسية، وهي أم بني طلحة: مسافع/ 149/ والحارث، وكلاب، وجُلاس الَّذِينَ قتلوا يَوْم أحد. وخرج عكرمة بْن أَبِي جهل بامرأته أم حكيم بنت الحارث ابن هشام وخرج الحارث بْن هشام بامرأته فاطمة بِنْت الوليد بْن المغيرة. وخرج عَمْرو بْن العاص بْن وائل السهمي بامرأته هند بِنْت منبّه بْن الحجاج السهمي، وهي أم عَبْد الله بن عمرو ابن العاص. وخرجت خناس بنت مالك بْن المضرب [1] مع ابنها أبى عزيز ابن عمير، أخي مصعب بْن عمير العبدري. وخرج الحارث بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بامرأته رملة بِنْت طارق بْن علقمة، من كنانة. وخرج كنانة بن عدى [2] ابن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف بامرأته أم حكيم بِنْت طارق. وخرج سُفْيَان بْن عويف بامرأته قُتيلة بِنْت عَمْرو بْن هلال. وخرج النعمان، وجابر ابنا عَمْرو [3] مسك الذئب الكناني بأمهما الدُّغينة. وخرجت عمرة، التي رفعت اللواء حين قُتل من قُتل من بني عَبْد الدار يَوْم أحد، مع زوجها. 683- وكان أبو عامر عبد عَمْرو بْن صيفي الراهبُ خرج فِي خمسين رجلًا من الأوس حتَّى قدم بهم مكَّة. وذلك حين هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة. فأقام مَعَ قريش، ولم يسر معها إلى بدر، ولكنه سار معها إلى أحد، فقاتل المسلمين. قَالُوا: وخرج نساء مكَّة، ومعهن الدفوف يبكين قتلى بدر وينحن عليهم. ولما ورد المشركون يثربَ، أقبلوا يرعون إبلهم زروعَ الأنصار وَقَدْ قرب إدراكها. وكان قدومهم يثربَ يَوْم الخميس لخمس خلون من شوال. والحرب بعد ذَلِكَ بيومين. وكان جميع المشركين ثلاثة آلاف بمن ضوى إلى قريش. وقادوا مائتي فرس. وكان فيهم سبع مائة دارع. ومعهم ثلاثة آلاف بعير. فكتب الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخبره بذلك ويقول لَهُ: «اصنع ما كنتَ صانعا إذا وردوا عليك، وتقدّم

_ [1] وعند مصعب، ص 254: المطرف. [2] خ: على. (هو سهو، صححه فيما بعد) . [3] خ: عمروو. (لعله أراد أن يقول: «ابنا عمرو، و (هما من ولد) مسك الذئب» ، لأن مسك الذئب هو صاحب حلف الأحابيش عقده في عهد قصى، أو ابنه عبد مناف. راجع أيضا 2/ 722 من مخطوطة أنساب الأشراف) .

فِي استعداد التأهب» . وبعث بكتابه إِلَيْه مَعَ رَجُل اكتراه من بني غفار. فوافي الغفاري رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بقباء. فلما دفع كتابَ الْعَبَّاس إِلَيْه، قَرَأَه على أَبِيّ بْن كعب، واستكتمه ما فِيهِ. وأتى سعدَ بن الربيع فأخبره بذلك واستكتمه إياه. فلما خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند سعد، أتته امرأته فقالت: ما قَالَ لَكَ رَسُول اللَّه؟ فَقَالَ: وما أنت وذاك، لا أم لَكَ. قالت: قَدْ كنتُ أتسمع عليك، وأخبرت سعدًا بما سَمِعْتُ. فاسترجع وقَالَ: أراك كنت تسمعين علينا. وانطلق بها إلى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فأدركه فأخبره خبرها، وقَالَ: يا رَسُول الله إنى خفت أن تفشو الخبر فترى أنى المنشئ لَهُ وَقَدِ استكتمتني إياه. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خلّ عنها] . 684- قَالُوا: وتسلح وجوه الأوس والخزرج ليلة السبت. وحرس سعدُ بْن مُعَاذِ، وأسيد بْن حضير، وسعد بْن عبادة رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وباتوا ببابه فِي جماعة. وحرست المدينة. وخطب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناسَ يَوْم السبت، فَقَالَ: إني رأيتُ فِي منامي كأني فِي درع حصينة، وكأنّ سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظُبته، ورأيتُ بقرا تذبح، ورأيتُ كأني أردفتُ كبشًا. فسئل عن تأويلها، فَقَالَ: أما الدرع فالمدينة، فامكثوا فيها، وأمَّا انقصام سيفي، فمصيبة فِي نفسي، وأمَّا البقر المذبح، فقتل فِي أصحابي، وأمَّا الكبش المردف، فكبش الكتيبة نقتله إن شاء اللَّه. وروى أيضًا أَنَّهُ قَالَ: وأمَّا انقصام سيفي، فقتل رَجُل من أهل بيتي. وروي أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ورأيت فِي سيفي فَلًّا، فهو الَّذِي ناله فِي وجهه. وكان رأي ذوي الأسنان من الأنصار ومن رَأَى رأيهم من المهاجرين أن تجعل [1] النساء والذراري فِي الآطام ويمكث [2] المقاتلة فِي المدينة، وقالوا: نقاتلهم فِي الأزقة/ 150/ فنحن أعلم بها منهم. وأشار عَبْد اللَّه بْن أبيّ بمثل ذَلِكَ. فكرهه قوم لم يكونوا شهدوا بدرًا، وتسرعوا إلى الخروج وبهشوا [3] إِلَيْه، وقَالَ قائلهم: هِيَ إحدى الحسنيين: الظفر أَوِ الشهادة، والله لا تطمع العربُ فِي أن يدخل علينا منازلنا، ولا يظن

_ [1] خ: يجعل. [2] خ: تمكث. [3] بهش إليه: ارتاح وخف (القاموس) .

ظانّ أنا هبنا عدونا فيجترئ علينا. وخرج النَّاس بجدّ ونشاط. وقال إياس ابن أوس بْن عتيك: نَحْنُ بنو عَبْد الأشهل، وإنا لنرجو أن نكون البقر المذبح. وقَالَ النعمان بْن مالك بْن ثعلبة، أخو بني سالم: البقر المذبح قتلى [1] من أصحابك وأنا منهم. [وقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن التثبط عجز، ومع الصبر النصر، فاصبروا فإن النصر معكم ما صبرتم] . 685- قَالُوا: ونزل أبن أبىّ ناحية من العسكر، وقَالَ لَهُ قوم من أصحابه المنافقين: أشرتَ بالرأي، فلم يقبل منك وأطاع هَؤُلَاءِ الغلمانَ الَّذِينَ معه. فانصرف فِي ثلاث مائة، وهو يقدمهم كأنه هيق [2] ، وقَالَ: ما ندري عَلَى ما نقتل أنفسنا. فلحقهم عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حرام، أخو بني سَلَمة في أناس من المسلمين (و) قالوا لهم: «ويلكم، ألا تستحيون؟ قاتلوا عن بيضتكم، وادفعوا عن حوزتكم» . وقَالَ عَبْد اللَّه بْن عمرو: ويحك لم ترض بأن انخزلت راضيا بالمدينة حتى ثبط من ثبط معك. فقالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، وما أسلمناكم. وأبوا أن يرجعوا. فأنزل اللَّه فيهم: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ، الآية [3] . وشمت ابْنُ أبيّ بمصاب من أصيب مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أشرتُ عَلَيْهِ بالرأي فلم يقبله وقبل رأيَ الصبيان. 686- وولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بْن مسلمة بْن سَلَمة الأنصاري الحرسَ، فكان يطوف حول العسكر وفي أعراضه فِي خمسين رجلًا. وأدلج رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقاء المشركين، فمرّ بحائط لمربع بْن [4] قيظي، وكان أعمى منافقا، فقال: يا محمد إن كنتَ رَسُول اللَّه كما تَقُولُ، فلا تدخل حائطي. وجعل يحثو التراب فِي وجوه المسلمين. فضربه سعد بْن زَيْد بْن مالك الأشهلي بقوس كانت معه، فشجّه. فغضب لَهُ ناس من بني حارثة بْن الحارث، وهم قومه وكانوا عَلَى مثل رأيه. فهمّ بهم أسيد بْن حضير حتَّى أومى إِلَيْه رَسُول اللَّه

_ [1] خ: قتلا. [2] الهيق: النعامة، والرجل الطويل. [3] القرآن، آل عمران (3/ 167) . [4] خ: لمريع من.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكفّ. وكان مَعَ المسلمين يَوْم أحد فرسان: فرس لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفرس لأبي بُردة بْن نِيار البلوي حليف الأوس. وكانت عدَّة المسلمين ألف رجل. ويقال: كانوا منعتهم يَوْم بدر. وكان فيهم مائة دارع. وعرض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أتى الشيخين غلمانا، منهم عَبْد اللَّه بْن عُمَر، وزيد بْن ثابت، وأسامة بْن زَيْد، وزيد بْن أرقم، والبراء بْن عازب، وأسيد بْن ظهير، وعرابة بْن أوس بْن قيظي، وأبو سَعِيد الخدري، وسمرة بْن جُندب، ورافع بْن خديج. فَقَالَ رافع: جعلت أتطاول، وَقَدْ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني رام، فأجازني. وقَالَ سمرة لربيبه مُرَيّ بْن ثابت بْن سنان الخزرجي، وهو زوج أمه يا أبته، أجاز رَسُولُ اللَّه رافعَ بْن خَديج وردني. فَقَالَ مُرَيّ: يا رَسُول اللَّه، أجزتَ رافعًا ورددت ابني وابني يصرعه. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تصارعًا. فصرع سمرةُ رافعًا. فأجازه. وكانت أم سمرة امْرَأَة من بني أسد. وقَالَ الكلبي: هِيَ الكلفاء بِنْت الحارث، من بني فزارة. وقَالَ الواقدي، ذكر بعض الرواة أَنَّهُ أصاب رافعًا يَوْم أحد سهم فِي ترقوته. فكان إِذَا ضحك فاستغرب، ندى. [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شئت دعوتُ اللَّه/ 151/ لَكَ فبرأتَ، وإن شئت تركتَه، فإذا متّ كنتَ شهيدًا. فتركه] . حَدَّثَنِي محمد بن حَاتِمِ بْنِ ميمون، ثنى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَاسْتَصْغَرَنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي. 687- وصفّ المشركون يَوْم أحد صفوفَهم، وجعلوا عَلَى ميمنتهم خَالِد بْن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بْن أَبِي جهل، وعلى الخيل صفوان بْن أمية وَيُقَالُ عَمْرو بْن العاص، وعلى الرماة عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة وكانوا مائة رام. 688- وسوّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفوفَ المسلمين وأقامها إقامة القدح، فلم يزل منكب عن منكب. واتخذ ميمنة وميسرة. وخطب النَّاس ورغبهم فِي الجهاد، وحثهم عَلَى الصبر واليقين والجدّ والنشاط. ودفع لِوَاءَ المهاجرين إلى

عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ. ثُمَّ سَأَلَ عن لواء المشركين، فقيل: دفع إلى طلحة بْن أَبِي طلحة. فَقَالَ: نَحْنُ أحق بالوفاء، فدفعه إلى مصعب بْن عمير العبدري. وكان لواء الأوس مَعَ أسيد بْن حضير. ولواء الخزرج مَعَ سعد بْن عبادة، وَيُقَالُ مَعَ الحُباب بْن المنذر. وكان شعار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ «أمت أمت» . ورتّب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الرماة، وجعل عليهم عبد الله ابن جُبَيْر بْن النعمان بْن أمية البُركي الأوسي، أخا خوّات بْن جُبَيْر صاحب ذات النِّحيين [1] . واستقبل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وجعل أحدًا وراءه. [وقَالَ للرماة، وهم خمسون: «الزموا مكانكم فلا تريموا، واحموا ظهورنا بنبلكم. وإن رأيتمونا قَدْ هزمناهم، فأقيموا ولا تبرحوا] » . فجعلوا يرشقون المشركين: فما يقع سهم من سهامهم إلا فِي رَجُل أَوْ فرس. 689- قَالُوا: وكانت امْرَأَة من بني شيبان قَالَتْ يَوْم قضَّة [2] ، وهو من أيام بَكْر وتغلب ابنى وائل ويدعى يوم التخالق: «إن تَقبلوا نُعانق، ونفرش النمارق، أَوْ تُدبروا نفارق، فراقَ غير وامق» . فجعل نساء قريش يضربن يَوْم أحد بالدفوف، ويقلن [3] : نَحْنُ بنات طارق ... نمشي عَلَى النمارق إن تُقبلوا نعانق ... أَوْ تُدبروا نفارق فراق غير وامق يُردن: نَحْنُ بنات الكوكب، لرفعته، وأنَّه لا يُنال. وَيُقَالُ إن رملة بِنْت طارقَ، وأم حكيم بِنْت طارق قالتا ذَلِكَ، وقَالَ النساء معهما. وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ قولهن هَذَا. [قَالَ: اللهم إني بك أحول وأصول، وفيك أقاتل، حسبي اللَّه ونعم الوكيل.] قَالُوا: ورأت عَائِشَةُ بناتَ طارق بْن المرقع، من كنانة، فَقَالَت: كذب الَّذِي قَالَ «إنّ الخيل أحسن من النساء» . 690- واستحرّ القتل فِي أصحاب لواء المشركين. ورأى النساء برجالهن أمرا

_ [1] راجع لذكرها ما مضى. [2] راجع لذكره باب أيام العرب عند ابن عبد ربه (في العقد الفريد) . [3] الطبرى، ص 1397، 1400، السهيلي 2/ 130.

عظيمًا، حتَّى ولولن، وتركن ما كن [1] فِيهِ. فانهزم المشركون حتَّى انهزمت هندُ بِنْت عتبة وصواحبها متحيرات ما دونهن دافع ولا مانع وحتى لو يشاء المسلمون لأخذوهن. ودخل المسلمون عسكر المشركين، فأقبلوا يغنمون وينتهبون مكّبين عَلَى ذَلِكَ، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوهم إلى اتباع القوم ويقول: [إن الغنائم لكم.] وأخلَّ الرُّماة، وهم خمسون ويقال أربعون، بمكانهم وأقبلوا ينتهبون. فَقَالَ/ 152/ لهم ابْنُ جُبَيْر صاحبهم: ما هَذَا؟ فَقَالَ قائلهم: إنَّما أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوقوف ما دامت الحرب. وتركوا الجبل. فلما رَأَى المشركون فعلهم، كرّوا عَلَى المسلمين، فانحدر خَالِد بْن الوليد من الجبل فِي كتيبة، وألحّ المشركون عَلَى المسلمين بالحرب وأكثروا فيهم القتل. فلم يثبت مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا خمسة عشر رجلًا، فكانوا لا يفارقونه وحموه حين كرّ المشركون. وهم أَبُو بَكْر، وعمر، وعلى، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه، وَالزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّامِ، وأبو عبيدة ابن الجراح. ومن الأنصار: الْحُبَاب بْن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت ابن أَبِي الأقلح، والحارث بْن الصمة، وسهل بْن حنيف، وأسيد بن حضير، وسعد بْن مُعَاذِ. وكان رافع بْن خديج يحدّث أن الرماة لما انصرفوا، نظر خَالِد إلى خلا الجبل، وإخلال الرماة بمكانهم، فكرّ عَلَى الخيل. واتبعه عكرمة ابن أَبِي جهل. وبايع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد عَلَى [2] الموت ثمانيةُ: عليّ بْن أَبِي طَالِب، والزبير، وطلحة، وأبو دجانة، والحارث ابن الصمة، وحباب بْن المنذر، وعاصم بْن ثابت، وسهل بْن حنيف، فلم يقتل أحد منهم. وجعل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو النَّاس حين انهزموا، وهو فِي أخراهم، إلى الرجوع. ورمى مالك بْن زُهَيْر الجشمي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتقاه طَلْحَة بيده فأصاب السهم خنصره فشلت، وقَالَ حين أصابته الرمية: «حس» . [فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو قَالَ بسم اللَّه ولم يقل حس، لدخل الجنة والناس ينظرون إِلَيْه.] وَيُقَالُ إن الَّذِي رمى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصاب خنصر طلحة: حبّان بن العرقة، وقال حين

_ [1] خ: كنا. [2] خ: عن.

رماه: خذها وأنا ابن العرقة. [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: عرّق اللَّه وجهك فِي النار.] وهو قول الكلبي. وقَالَ ابْنُ الكلبي: هُوَ حبان بْن أبى قيس ابن علقمة بن عَبْد، من بني عامر بْن لؤي. وأم عبد [1] : قلابة بنت سعيد ابن سهم، وهي العرقة، فنسبوا إليها. وَيُقَالُ إن يد طلحة شلت إلا السبابة والإبهام. والأول أثبت. وضرب طلحة يَوْم أحد عَلَى رأسه المصلبة. فذكر ضرار بْن الخطاب الفهري أَنَّهُ ضربه عَلَى رأسه ضربة، ثُمَّ كرّ فضربه أخرى. وكان فِي الرماة الحارث بْن أنس بْن رافع، فجعل يَقُولُ لأصحابه: احفظوا وصية نبيكم، احفظوا عهد نبيكم. ولم يبرح فِي نفر ثبتوا معه. فقتل عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر والنفر، وقوم ثابوا إِلَيْه بعد كرور خَالِد بْن الوليد وعكرمة بْن أَبِي جهل. 691- وانتقضت صفوف المسلمين. وشطبت رباعيةُ رَسُول اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشقت شفته، وكُلم فِي وجنتيه وفي أعلى جبهته. وكان عَبْد اللَّه بْن شهاب الزُّهْرِيّ- جد مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن شهاب- وعتبة بْن أَبِي وقاص (أخو سَعْد بْن أَبِي وقاص) ، وابن قَميئة الأدرمي (من بني تيم بْن غالب، فكان تيم أدرم، ناقص الذقن) ، وأبيّ بْن خلف الجمحي، وعبد اللَّه بْن حميد بْن زُهَيْر بْن الْحَارِثِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد الْعُزَّى بْن قصي تعاقدوا عَلَى قتل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأمَّا ابْنُ شهاب فأصاب جبهته. وأمَّا عتبة بْن أَبِي وقاص فرماه بأربعة أحجار فكسر رباعيته اليمنى وشقّ شفته السفلى. وأما ابْنُ قميئة الأدرمي فكلم وجنتيه وغيب حلق المغفر فيها، وعلاه بالسيف فلم يقطع. وسقط رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجُحشت ركبته. وأما أُبَيّ بْن خلف فشدّ عَلَيْهِ بحربة، فأعانه اللَّه عَلَيْهِ فقتله. وكان لما شدّ عَلَيْهِ بالحربة يَقُولُ: لأقتلنك بها يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ/ 153/ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بل أَنَا قاتلك إن شاء اللَّه. فيقال إنه انتزعها من يده، فقتله بها. وَيُقَالُ إنه أخذ حربة من الزُّبَيْر، وَيُقَالُ: من الحارث بْن الصمة، فطعنه بها. فكان أبيّ يَقُولُ: قتلني مُحَمَّد. فقيل: إنه إنَّما خدشك. فَقَالَ: أَنَا أعلم بالأمر. فسقط ومات فِي الطريق. وأمَّا عَبْد اللَّه بْن حميد فأقبل يريد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

_ [1] زاد «وأم عبد» بالهامش عن نسخة أخرى.

فشدّ عَلَيْهِ أَبُو دجانة فضربه، وقَالَ: خذها وأنا ابْنُ خرَشة. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم ارضَ عن ابْنُ خرشة، فإني عَنْهُ راض] . 692- وكانت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسقي المسلمين الماء، فِي نسوة من نساء الأنصار، فرماها حبان بْن العرقة بسهم فأصاب ذيلها (فانكشف عَنْهَا) [1] ، فاستغرب ضحكًا. فَدَفَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سعد ابن أَبِي وقاص سهما، وقَالَ: ارمه. فأصابه، فسقط مستلقيا [2] ميتا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى بدت نواجذه، وقَالَ: [استقاد لها سعد، أجاب اللَّه دعوتك وسدّد رميتك] . 693- ونادى أَبُو عامر الراهب: أَنَا أَبُو عامر. فقالت لَهُ الأنصار: لا مرحبًا بك ولا أهلًا يا فاسق. فَقَالَ: لقد أصاب قومي بعدي شرّ. واستشهد ابنه حنظلةُ بْن أَبِي عامر، وكان قَدْ تزوج امرأة وبات عندها بإذن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا اجتمع المسلمون للقتال، خرج جُنُبًا، فقاتل حتَّى استشهد. فرآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والملائكة تغسله بماء المزن. فبعث إلى امرأته فسألها عن شأنه، فأخبرته أَنَّهُ خرج إلى الحرب جُنبًا لا يتمالك من الزماع [3] وحُبّ لقاء المشركين. فهو غسيل الملائكة. وولده يعرفون ببني الغسيل. وكان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد درعان، ومغفر، وبيضة. 694- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة، أنبأ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَنْفُضُهُ: [كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) [4] .

_ [1] الزيادة عن إمتاع الأسماع للمقريزى، 1/ 133. [2] وزاد المقريزى أينا: «وبدت عورته» . [3] الزماع: العزم. [4] القرآن، آل عمران (3/ 128) .

وحدثنى عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ مسلمة، أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال يَوْمَ أُحُدٍ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ هَمَزُوا الْبَيْضَةَ عَلَى رَأْسِ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ.] قَالُوا: وَدَخَلَ حِلَقٌ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُقَالُ: حَلَقَتَانِ- فَانْتَزَعَهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ بِأَسْنَانِهِ حَتَّى سَقَطَتْ ثَنِيَّتَاهُ. فَلَمْ يُرَ قَطُّ أَثْرَمَ كَانَ أَحْسَنَ فَمًا مِنْهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: يُقَالُ إِنَّ الَّذِي انْتَزَعَ حِلَقَ الْمِغْفَرِ عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ الْغَطَفَانِيُّ حَلِيفُ الأَنْصَارِ. وَيُقَالُ أَبُو الْيُسْرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ يُرْوَى: أَنَّهُمْ عَالَجُوهَا جَمِيعًا، فَانْكَسَرَتْ ثَنِيَّتَا أَبِي عُبَيْدَةَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَاتَّفَقَ خُرُوجُ الْحِلَقِ لِعُقْبَةَ بْنِ وَهْبٍ. قَالَ الواقدي: كَانَ أَبُو سَعِيد الخدري يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما أصيب يَوْم أحد ما أصيب، دخلت حلقتان من المغفر فِي وجنتيه. فلما نُزعتا، جعل الدم يسرب كما يسرب الشنّ. قَالَ: فجعل أَبِي- مالك بْن سنان- يأخذ الدم بفيه ويمجّه ويزدرد مِنْهُ. فقيل لَهُ: أتشرب الدم؟ فَقَالَ: نعم، دم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [/ 154/ من مسّ دمه دمي، لم تمسه النار] . 695- ودعى عبدُ الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر الصديق، وهو مَعَ المشركين، إلى البراز، فأراد أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ أن يبارزه. [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: يا أبا بَكْر، شم سيفك وأمتعنا بنفسك.] وأعان ابْنُ شعوب أبا سُفْيَان عَلَى حنظلة الغسيل. وكان حنظلة قَدْ علا أبا سُفْيَان. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان [1] : ولو شئتُ نجتني كميتٌ طِمِرَّةٌ ... ولم أحمل النعماءَ لابن شَعوب وسَلَّي شجون النفس بالأمس أننى ... قتلت به مل الأوس كل نجيب

_ [1] الطبرى، ص 1412- 1413، ابن هشام، ص 568، الاستيعاب، رقم 401 حنظلة الغسيل، مع اختلافات وزيادات.

وما زال مهري [1] مَزْجَرَ الكلب منهم ... لدن غدوة حتَّى دنت لغروب 696- واستشهد حمزةُ بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وكان قَدْ بارز أبا نيار سِباع بْن عَبْد العزى الْخُزَاعِيُّ. وَكَانَتْ أُمُّهُ قَابِلَةً بِمَكَّةَ. فَقَالَ لَهُ حمزة: إليَّ يا ابْن مقطعة البظور. فقتله حمزة، وأكبّ عَلَيْهِ ليأخذ درعه، فزرقه وحشي الحبشي فقتله، وأخذ كبده فأتى بها هندَ بِنْت عتبة فمضغتها ثُمَّ لفظتها، وجاءت فمثلت بِهِ، واتخذت مما قطعت مِنْهُ مسكين ومعضدتين وخدمتين، وأعطت وحشيًا حليًا كَانَ عليها من ورِق وجزع ظفَار- وظفار جبل باليمن يؤتى مِنْهُ بهذه الحجارة- وأعطته خواتيم ورِق كانت فِي أصابيع رجلها. وكان حمزة قتل أباها يَوْم بدر. ودفن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ، وعبد الله ابن جحش بْن رئاب الأسدي- وأمه أُميمة بِنْت عَبْد المطلب- فِي قبر واحد. وكان حمزة صائمًا، فاستشهد ولم يفطر. 697- قَالُوا: ضرب بعض المسلمين بعضا حين اختلطوا ولم يدركوا شعارًا. فضرب أَبُو بردة بْن نيار: أسيدَ بْن حضير وهو يظنه كافرًا. وضرب أَبو زعنة أبا بردة ضربتين وهو لا يعرفه. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قُتل منكم فهو شهيد.] والتفّتْ سيوف المسلمين عَلَى أَبِي «حذيفة بْن اليمان» ، وهو حسيل [2] ابن جَابِر، فقتل، وحذيفة يَقُولُ: «أَبِي أَبِي» . ثُمَّ قَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [3] . وَيُقَالُ إن الَّذِي أصابه عتبة بْن مَسْعُود. فوهب حذيفة دمه للمسلمين. وَيُقَالُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بديته أن تخرج. وأظهر المسلمون الشعار بعدُ، فكفّ بعضهم عن بعض. 698- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي ابْن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْد الْمَجِيدِ بْن سُهَيْلٍ قَالَ: لم يمدّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أحد بملك واحد. قَالَ، وحدَّثني مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حضرت الملائكة ولم تقاتل لما كان من المسلمين.

_ [1] خ: مهرتى. [2] خ: حسين. [3] القرآن، يوسف (12/ 92) .

الرماة يوم أحد

699- قَالُوا: وادّعى ابْنُ قميئة قتلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ علاه بالسيف فلم يقطع، ونادى: قتلتُ محمدًا. فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان: إذن نسوّرك كما تفعل الأعاجم. فَقَالَ خَالِد بْن الوليد: كذب ابن قميئة، رأيت محمد (ا) فِي نفر من أصحابه مصعدين فِي الجبل. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: كذب ابْنُ قميئة. وقاتل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أحد قتالا شديدًا.، فرمى بالنبل حتَّى فنيت نبله، وتكسرت سية قوسه، وانقطع وتره. [الرماة يوم أحد] 700- قَالُوا: وكان الرماة المذكورون من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سعد بْن أَبِي وقاص، فرمى مالك بْن زُهَيْر فأصاب عينه وخرج السهم من قفاه، فقتله اللَّه، والسائب بْن عثمان بْن مظعون، والمقداد بْن عَمْرو البهرانى [1] وزيد ابن حارثة مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحاطب/ 155/ بْن أبي بلتعة، وعتبة بْن غزوان، وخراش بْن الصمة، وأبا طلحة، وقطبة بْن عامر، وَيُقَالُ: عَمْرو بْن حديدة، وبشر بْن البراء بْن معرور، وأبا نائلة سِلكان بْن سلامة، وعاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح، وقَتَادَة بْن النعمان الظفري. وكان أَبُو رُهم الغفاري رُمي بسهم فوقع فِي نحره، فتفل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلم، فكان أبو رهم يسمى «المنحور» . [المتعاقدون على اغتيال الرسول ص] 701- وكان سعد يَقُولُ: لقد حرصتُ عَلَى قتل أخى [2] . ولقد كان، ما علمته بما [3] قالوا لديه، سيئ الخلق، واعتمدته. فراغ عني روغان الثعلب. 702- وقَالَ الواقدي: دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ تعاقدوا عَلَى قتله، [فَقَالَ: اللهم لا تحُلْ عَلَى أحد منهم الحول.] فمات عتبة [4] من وجع الجنب أصابه، فتعذّب بِهِ. وأصيب ابْنُ قميئة فِي المعركة. وَيُقَالُ إنه لما رمى مصعبَ بْن عمير فقتله، قَالَ: أَنَا ابْنُ قميئة، قَالَ: [رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقمأك اللَّه.] فعمد إلى شاة ليحلبها بعد الوقعة، فنطحته وهو معتقلها، فقتلته، ووُجد ميتًا بين الجبال. ولم يذكر الواقدى ابن شهاب ومهلكه،

_ [1] خ: الهمدانى. [2] هو عتبة بن أبى وقاص، كما ذكر ابن هشام، ص 576. [3] خ: عا. [4] هو أخو سعد، المذكور آنفا.

معالجة جراح الرسول ص عقب أحد

وأحسب ذَلِكَ بالوهم مِنْهُ. وكان من أمر أبيّ وابن حُميد ما قَدْ ذكرناه. وبعضهم يزعم أن عَبْد اللَّه بْن حميد قتل يَوْم بدر، والثبت أَنَّهُ قتل يَوْم أحد. وحدَّثني بعض قريش أن أفعى نهشت عَبْد اللَّه بْن شهاب فِي طريقه إلى مكَّة. فمات. وسألت بعض بني زهرة عن خبره، فأنكر أن يكون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عَلَيْهِ، أَوْ يكون شجّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: الَّذِي شجه فِي جبهته عَبْد اللَّه بْن حميد الأسدى. [معالجة جراح الرسول ص عقب أحد] 703- قالوا [1] : ورأت فاطمة عليها السَّلام ما بوجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعتنقته وبكت وجعلت تمسح الدم عن وجهه. وأتيّ عليّ عَلَيْهِ السَّلام بماء، فجعلت تغسل وجهه. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لن ينالوا منا مثلها أبدًا.] فلم يرقأ الدم حتَّى أحرقت فاطمةُ قطعةَ حصير، وأخذت رمادها فألصقته بالجرح. وروي أَنَّهُ دووي [2] بصوفة محرّقة. وَيُقَالُ أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تداوى بعظمِ بالٍ. 704- قَالَتْ صفية بِنْت عَبْد المطلب: كُنَّا بفارع، ومعنا حسان بْن ثابت. فجاء يهود فجعلوا يرمون الأطم، فقلت: إليك يا ابْن الفريعة. فَقَالَ: والله ما أستطيع ذَلِكَ. وصعد يهودي إلى الأطم. فقلت: شُدّ السيف عَلَى يدي. ففعل. فضربتُ عنقه، ورميتُ إلى أصحابه برأسه. قَالَتْ: وأشرفتُ من الأطم فِي أول النهار، فرأيتُ المزراق زُرق بِهِ. فقلت: أَوْ من سلاحهم المزاريق؟ ولم أعلم أَنَّهُ إنَّما وقع بأخي حمزة. وكانت تحدّث أنها كانت تعرف انكشاف المسلمين برجوع حسان إلى أقصى الأطم. وكان إِذَا رَأَى الدولة للمسلمين، أقبل حتَّى يقف عَلَى جدار الأطم. 705- قَالُوا: وسأل [3] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حمزة. فخرج الحارث بْن الصمة فِي طلبه، فأبطأ. فخرج عليّ فِي أثره، وهو يَقُولُ [4] : يا رَبّ إنّ الحارث بْن الصِّمَّة ... كَانَ رفيقًا وبنا ذا ذمّه

_ [1] راجع أيضا ابن هشام، ص 576. [2] خ: دوى. [3] خ: ساله. [4] ابن هشام، ص 636 مع زيادات واختلافات.

نسيبة المازنية

قَدْ ضلّ فِي مهامه مهمَه ... يلتمس الجنَّة فيما يمه 706- وكان عَمْرو بْن ثابت بْن وقش شاكًّا فِي الْإِسْلَام. فلما كَانَ يَوْم أحد، أسلم وقاتل حتَّى استشهد. فَقَالَ رَسُول اللَّه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لمن أهل الجنة، فهو الَّذِي دخل الجنة ولم يصلّ صلاة قط.] وكان مخيريق حبرًا عالمًا، فَقَالَ/ 156/ يَوْم أحد لليهود: والله إنكم لتعلمون أن محمدًا نبي وأن نصره حق عليكم. فقالوا: إن اليوم يَوْم سبت. فَقَالَ: لا سبت، وأخذ سلاحه وقاتل مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل. وكان حين خرج للقتال، قَالَ: إن أصبتُ فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه اللَّه. فجعلها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة. وكان مخيريق من بني قينقاع. وَيُقَالُ من بني النضير. ويقال من بنى الفطيون [1] . [نسيبة المازنية] 707- قَالُوا: وكانت نُسيبة بِنْت كعب بْن عَمْرو بْن مبذول أمّ عمارة امْرَأَة غزّية بْن عمرو شهدت يَوْم أحد، وزوجها، وابناها، وخرجت معها بشنّ لها تسقي الجرحى. فقاتلت يومئذ وأبلت، وجرحت أثني عشر رجلًا بسيف ورمح. وكانت فِي أول النهار تسقي المسلمين والدولة لهم. ثُمَّ قاتلت حين كرّ المشركون. فضربها ابْنُ قميئة ضربة بالسيف على عاتقها. وقاتلت نسيبة يَوْم اليمامة، فقطعت يدها وهي تريد مسيلمة لتقتله. قَالَتْ: فما كانت لي ناهية حتَّى رأيتُ الخبيثُ مقتولًا، وإذا ابني عَبْد اللَّه بْن زَيْد المازني يمسح سيفه بثيابه. فقلت: أقتلته؟ قَالَ: نعم. فسجدتُ شكرًا لله. وولدت نسيبة من غزية بْن عَمْرو المازني تميم ابن غزية، ومن زَيْد بْن عاصم بْن كعب: حبيبَ بْن زَيْد الَّذِي قطع مسيلمةُ يده ورجله، وعبد اللَّه بْن زَيْد قتل بالحرَّة. حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِمُرُوطٍ، فَكَانَ فِيهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ. وَاسِعٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَرْسَلْتَ بِهِ إِلَى زَوْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ [2] بْنِ عُمَرَ، صَفِيَّةَ بِنْتِ أبى عبيد، - وذلك

_ [1] في أصل العبارة: «الفطنون» ، وبالهامش عن نسخة: «الفيطون» . والتصحيح عن تأريخ الطبرى. [2] خ: أبى عبيد الله. (وفي جداول وستنفلد أن صفية زوج عبد الله بن عمر) .

حَدَثَانِ [1] مَا دَخَلَتْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ-؟ فَقَالَ: ابْعَثُوا بِهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْهَا، إِلَى أُمِّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ، [فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا الْتَفَتُّ يَمِينًا وَشِمَالا يَوْمَ أُحُدٍ إِلا رَأَيْتُهَا تُقَاتِلُ دُونِي.] وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ عَادَهَا حِينَ [2] قَدِمَتْ مِنَ الْيَمَامَةِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ. 708- قَالُوا: وأقبل وهب بْن قابوس المزني، وابن أخيه الحارث بْن عقبة بْن قابوس، من جبل مزينة، ومعهما غنم لهما. فدخلا المدينة فإذا النَّاس خلوف. فقالا: أَيْنَ النَّاس؟ فقيل: بأحد، وأخبر (ا) الخبر. فخرجا فقاتلا حتَّى قتلا. فكان عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهُ يَقُولُ: أحبّ ميتة أموت عليها إليّ ما مات عليها المزنيان. 709- قَالُوا: وكان ممن ولى يَوْم أحد: الحارث بْن حاطب، وثعلبة بْن حاطب، وسواد بْن غزيَّة، وسعد بْن عثمان، وعقبة بْن عثمان، وخارجة ابن عامر، وأوس بْن قيظي فِي نفر من بني حارثة فلقيتهم أم أيمن فجعلت تحثو التراب فِي وجوههم وتقول [3] لبعضهم: هاك المغزل فاغزل به. وكان عثمان ابن عفان رضى الله تعالى عَنْهُ ممن ولى يَوْم أحد، فعفا اللَّه فِي عدَّة من النَّاس. 710- قَالُوا: وجعل أمية بْن أَبِي حذيفة بْن المغيرة المخزومي يَقُولُ: يَوْم بيوم بدر. فشدّ عَلَيْهِ علي عَلَيْهِ السَّلام، فقتله. [فَقَالَ [4] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا ابْنُ العواتك] . 711- ومرّ مالك بْن الدُّخْشُم عَلَى خارجة بْن زَيْد بْن أَبِي زُهَيْر وبه ثلاث عشرة جراحة، كلها قَدْ خلص إلى مقتل. فَقَالَ: أما علمت أن محمدًا قَدْ قتل؟ فَقَالَ خارجة: إن قتل [5] فإنّ اللَّه حيّ لا يموت، فقاتل عن دينك فقد بلغ مُحَمَّد رسالةَ ربه وشرع شرائع دينه. ومرّ عَلَى سعد بْن الربيع، وبه اثنتا عشرة

_ [1] حدثان الأمر بالكسر: أوله وابتداؤه. [2] خ: حتى. [3] خ: يقول. [4] الظاهر أن ههنا سقطة. ولم يبينه المقريزى (إمتاع 1/ 150) أيضا لما قَالَ: «وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ: أنا ابن العواتك» . وذكر السهيلي (1/ 77) : «أنا ابن العواتك من سليم» . [5] خ: قيل.

أبو سفيان يتوعد المسلمين

جراحة، فَقَالَ لَهُ كما قَالَ لخارجة. فرّد عَلَيْهِ سعد شبيهًا بما رد عَلَيْهِ خارجة. [أبو سفيان يتوعد المسلمين] 712- ولما تحاجزوا يَوْم أحد، أقبل أَبُو سُفْيَان بن حرب على فرس له خوّاء [1] ، فأشرف فِي عرض الجبل ثُمَّ نادى: «أَيْنَ ابْنُ أَبِي كبشة؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قحافة؟ أَيْنَ ابْنُ الخطاب؟ يَوْم بيوم بدر. ألا إنّ الأيام دول» . فقام عُمَر رَضِي اللَّه تعالى عنه: هَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا أَبُو بَكْر، وهذا أَنَا. ثُمَّ نادى أَبُو سُفْيَان: موعدكم بدر الصفراء عَلَى رأس الحول. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم للعمر: قل نعم. ثُمَّ انصرف أَبُو سُفْيَان إلى أصحابه، فركبوا الإبل ورجعوا إلى مكَّة/ 157/ ولهم زجل. وحدثنى هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: اعْلُ هُبَلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: [قُلِ اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ.] فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا [2] الْعُزَّى وَلا عُزَّى لَكُمْ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: «اللَّهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ] » [3] فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: «الْحَرْبُ سِجَالٌ. فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا. وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ فُلانٌ بِفُلانٍ، وَفُلانٌ بِفُلانٍ» . [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: قُلْ لَهُ: لا سَوَاءَ، قَتْلانَا فِي الْجَنَّةِ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ [4] ، وَقَتْلاكُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ] . 713- قَالَ الواقدي: سَأَلَ مسوَر بْن مخرمة الزُّهْرِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف عن خبر أحد، فقال: اقرأ ما بعد العشرين ومائة من آل عمران [5] ، وكأنك قد حضرتنا. وحدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ، فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلا وَهُوَ يَمِيدُ من النعاس تحت حجفته.

_ [1] خ: حواء. [2] خ: أنا. [3] القرآن، محمد (47/ 11) . [4] راجع القرآن، آل عمران (3/ 169) . [5] السورة الثالثة من القرآن.

شهداء أحد

وحدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بِمِثْلِهِ. وَتَلا هَذِهِ الآيَةَ: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا، الآية [1] . [شهداء أحد] 714- وقتل يَوْم أحد من المشركين نيف وعشرون. قَالُوا: واستشهد من المسلمين سبعون. وَيُقَالُ أكثر من سبعين بثلاثة أَوْ أربعة رجال. فممن استشهد بأحد: حمزة بْن عَبْد المطلب، قتله وحشيّ الحبشي. وعبد اللَّه بْن جحش الأسدي، حليف بني أمية، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْن الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ. وسعد، مولى حاطب ابن أَبِي بلتعة، حليف الزُّبَيْر. وشماس بْن عثمان بْن الشريك، قتله أَبِيّ بْن خلف الجمحي، وَيُقَالُ إنه استشهد يَوْم بدر، وذلك غلط. وأصاب أبا سَلَمة بْن عَبْد الأسد جراح، فمات منها بعد يَوْم أحد. ومصعب بْن عمير، قتله ابْنُ قميئة. وقتل عَبْد اللَّه وعبد الرَّحْمَن ابنا الهبيب [2] ، وهما من بني سعد بن ليث ابن بَكْر بْن عَبْد مناة بْن كنانة. ووهب بْن قابوس، وابن أخيه الحارث بْن عقبة بْن قابوس. 715- ومن الأنصار، من الأوس: عَمْرو بْن مُعَاذِ بْن النعمان الأشهلي، أخو سعد بْن مُعَاذِ بْن النعمان، قتله ضرار بْن الخطاب. الحارث بن أنس بن رافع ابن امرئ القيس الأشهلي. زياد بْن سكن بْن رافع الأشهلي. وقَالَ بعضهم هُوَ عمارة بْن زياد بْن السكن. والأول قول الكلبي، وقَالَ الكلبي: قتل عمارة يَوْم بدر. سَلَمة بْن ثابت بْن وقش، قتله أَبُو سفيان بْن حرب. عمرو بن ثابت ابن وقش، أخوه. قتله ضرار بْن الخطاب بْن مرداس، أحد بني محارب بْن فهر. رفاعة بْن وقش بْن زغبة بْن زعوراء، قتله خَالِد بْن الوليد بْن المغيرة. أَبُو «حذيفة بن اليمان» ، وهو حُسيل بْن جَابِر بْن ربيعة بْن عَمْرو بن جروة،

_ [1] القرآن، آل عمران (3/ 154) . [2] خ: الهبيث (والتصحيح عن ابن هشام ص 768، والاستيعاب) . بضم الهاء أو بفتحها.

وجروة عيسى، وهو اليمان. فنسب حذيفة إِلَيْه. وهم حلفاء لبني عَبْد الأشهل. سمّاه قومه «اليمان» ، لأنَّه حالف اليمانية [1] . قتله المسلمون خطأ. وَيُقَالُ: قتله عتبةُ بْن مَسْعُود خطأ، وهو يظنه كافرًا. عباد بن سهل، قتله صفوان ابن أمية. صَيفي بْن قيظي الأشهلي، قتله ضرار بْن الخطاب. وقَالَ الكلبي: قتل الحارث بْن أوس بْن مُعَاذِ بْن النعمان الأشهلي يَوْم أحد، فيجعله مكان صَيفي بْن قيظي. وقَالَ الواقدي: قتل الحُباب بْن قيظي، أخو صَيفي. وإياس ابن أوس بن عتيك بْن عَمْرو بْن عَبْد الأعلم بْن عامر بْن زَعْوراء بْن جشم، أخو عَبْد الأشهل بْن جشم بْن زعوراء، قتله ضرار بْن الخطاب. وقَالَ الكلبي: قتل يَوْم أحد الحارث بْن أوس بْن عتيك، فيجعله مكان الحُباب بْن قيظي. وعتيك بْن التيهان، أخو أَبِي الهيثم مالك بْن التيهان، قتله عكرمة بْن أَبِي جهل المخزومي. ورجل من بني عَبْد الأشهل أو حلفائهم، يُقال لَهُ حَبيب بْن (يزيد بْن) [2] تيم، وَيُقَالُ حُبَيْب. وأبو سُفْيَان بْن الحارث بْن قيس بْن زَيْد بْن ضُبيعة [3] ، أحد بني عَمْرو بْن عوف، وهو أخو نبتل المنافق. وأبو سُفْيَان هُوَ أَبُو البنات. قَالَ: أقاتل ثُمَّ أرجع إلى بناتي، فلما رَأَى الدولة للمشركين، قَالَ: اللهم إني لا أريد أن أرجع إلى بناتي، ولكني أريد أن أقتل. [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد صدق اللَّه بقول أخلص لَهُ، وصدق فِي قولُه] . حنظلة بْن أَبِي عامر الراهب، قتله الأسود بْن شعوب. فوقف عَلَيْهِ أَبُوهُ، وهو مَعَ المشركين، فرآه ورأى حمزة وعبد اللَّه بْن جحش وَقَدْ مثل بهما، فَقَالَ: «إن كنت لأنهاك عن هذا الرجل، وأحذرتك [4] هَذَا المصرع، والله لقد كنت شريف الخلق، برًا بوالديك، ولقد متَّ مَعَ سراة أصحابك وكرام قومك. وإن جزي حمزَة وغيره من أصحاب مُحَمَّد خيرًا، فجزاك اللَّه خيرًا. يا معاشر

_ [1] راجع أيضا السهيلي 2/ 138. [2] الزيادة عن ابن هشام، ص 607. [3] خ: بالصاد المهملة، والتصحيح عن ابن هشام، ص 607. [4] خ: أخذتك.

716 - ومن الخزرج:

قريش، لا تمثلوا بحنظلة، وإن كَانَ قَدْ خالفكم وخالفني» . فلم يمثل به. وأنس. وهو أنيس بْن قَتَادَة، وقَالَ الكلبي: هُوَ خداش بن قتادة بن ربيعة ابن مطروف بْن الحارث، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْن الأَخْنَسِ بْن شَرِيقٍ الثقفي حليف بني زهرة. عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر بْن النعمان الَّذِي أَمَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرماة، قتله عكرمة بْن أَبِي جهل. خيثمة بْن الحارث بْن مالك، من بني السلم الأوسي، أَبو «سعد بْن خيثمة» ، قتله هبيرة بْن أَبِي وهب المخزومي. وقتل سعدٌ، ابنه، ببدر. سبيع بْن حاطب بْن قيس بْن هيشة [1]- وقَالَ بعضهم: هُوَ سُبيق- قتله ضرار بْن الخطاب. وثعلبة بْن حاطب بْن عمرو ابن عُبَيْد بْن أمية. 716- ومن الخزرج: خارجة بْن زيد بْن أَبِي زُهَيْر، وكانت ابنته عند أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. وهو أحد بني الحارث بْن الخزرج. قتله صفوان ابن أمية. سعد بْن الربيع بْن عَمْرو بْن أَبِي زُهَيْر بْن مالك بْن امرئ القيس بْن مالك الأغرّ بْن ثعلبة، اشترك فِي قتله جماعة، ودفنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخارجة فِي قبر واحد. أوس بْن أرقم، أخو زَيْد بْن أرقم بْن زيد بن قيس ابن النعمان بن مالك الأغرّ النعمان بْن ثعلبة بْن كعب. مالك بْن سنان بن عبيد ابن ثعلبة بْن عُبَيْد بْن الأبجر، وهو خدرة [2] . ومالك هُوَ أَبُو سعد الخدري المكني أبا سَعِيد. قتله رَجُل من كنانة. سعد [3] بْن سويد بن عبيد بن ثعلبة ابن عبيد بْن الأبجر، وهو خدرة [4] . عتبة بْن ربيع بن رافع بن معاوية بن عبيد ابن ثعلبة. وثعلبة بْن سعد بْن مالك بْن خَالِد بْن ثعلبة بْن حارثة بْن عَمْرو بْن الخزرج بْن ساعدة بْن كعب بْن الخزرج الأكبر، قتله غراب بن سفيان ابن عُويف الكناني. وعبد اللَّه بْن فروة بْن البدى [5] بن عمرو بن عوف بن

_ [1] هبيشة (والتصحيح عن ابن هشام، ص 608، وقال: هو «سويبق» ، بدل سبيق) . [2] راجع هذا الاسم السهيلي 2/ 100 (خ: خذرة) . [3] وعند ابن هشام، ص 630: «سعيد» [4] خ: حذرة. [5] خ: اليدى.

حارثة بْن عَمْرو بْن الخزرج بْن ساعدة. وكان يُقال لعبد اللَّه «ثقب» . عَبْد اللَّه بْن ثعلبة، وقيس بْن ثعلبة، من ولد طريف بْن الخزرج بْن ساعدة. وحليفان لبني طريف، جهنيان، يُقال لهما طُريف وضَمرة. وعبد اللَّه بْن نضلة بْن مالك بْن العجلان بْن زَيْد بْن سالم بْن عوف. عَبَّاس بْن عبادة بْن نضَلة بْن مالك، قتله أَبُو «أَبِي الأعور» ، وهو سُفْيَان بْن عَبْد شمس السلمي. نوفل بْن عَبْد اللَّه السالمي، من بني غنم بْن سالم، قتله سُفْيَان بْن عويف. النعمان الأعرج بْن مالك بْن ثعلبة بْن أصرم، من بني قوقل [1] ، قتله صفوان ابن أمية. فدُفن وعبدة [2] بْن الحسحاس فِي قبر. والمجذّر بْن ذياد، قتل غيلة. قَالُوا: وكان حضير الكتائب استزار عدَّة من بني عَمْرو بْن عوف- فيهم سويد بْن الصامت، وخوّات بْن جُبَيْر، وأبو لبابة بْن عَبْد المنذر- في الجاهلية، فزاروه وأقاموا عنده ثلاثة أيام ثُمَّ انصرفوا. وكان سويد بْن الصامت ثملًا/ 159/ من الخمر، فجلس ليبول، فدُلّ المجذرُ عليه. وكان الشرّ بين الأوس والخزرج مستمرّا [3] . فَقَالَ لَهُ المجذر: لقد أمكن اللَّه منك. قَالَ: وما تريد بي؟ قَالَ: أريد قتلك. قَالَ: فارفع سيفك إلى ما دون الدماغ، وإذا رجعت إلى أمك فقل: إني قتلتُ سويد بن الصامت. وكان قتل السويد الَّذِي هاج وقعة بُعاث. فلما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أسلم الحارث بْن سويد بْن الصامت، ومجذّر بْن ذياد، فشهدا بدرًا. فجعل الحارث يطلب مجذّرًا ليقتله بأبيه، فلم يقدر عَلَيْهِ. فلما كَانَ يَوْم أحد، وجال المسلمون تلك الجولة،

_ [1] «النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنيم بن عوف بن الخزرج- وثعلبة بن دعد هو الذى يسمى قوقلا، وكان له عز، فكان يقال (؟ يقول) للخائف إذا جاء: قوقل حيث شئت فأنت آمن: فقيل لبنى غنم وبنى سالم لذلك «قواقلة» . ولذلك يدعون في الديوان بنو (؟ بنى) قوقل- شهد النعمان بدرا وأحدا وقتل يوم أحد شهيدا، قتله صفوان بن أمية في قول محمد بن عمر. وأما عبد الله بن محمد بن عمارة فإنه قال: الذى شهد بدرا وقتل يوم أحد: النعمان الأعرج بْن مالك بْن ثعلبة بْن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنيم، والذى يدعى قوقلا هو النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنيم لم يشهد بدرا.» (الاستيعاب، رقم 1322 النعمان بن مالك) . فإذا ليس هو من بنى قوقل. راجع للقواقل أيضا ابن هشام، ص 288. (خ: «نوفل» ، بالهامش عن نسخة «قوقل» ) . [2] كذا في الأصل، وعند ابن هشام (ص 609) : عبادة. [3] خ: مستعرا.

أتاه الحارث من خلفه، فضرب عنقه. وقَالَ غير الواقدي: كَانَ الَّذِي فعل ذَلِكَ الجُلاس بْن سويد. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، ثُمَّ خرج إلى حمراء الأسد، ورجع من حمراء الأسد، أتاه جبريل فأخبره بما كَانَ من قتل سويد مجذّرًا غيلة. فركب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قُباء من اليوم الَّذِي أخبره فِيهِ جبريل بذلك. وكان يومًا حارًّا. فجلس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتصفح النَّاس وَقَدِ اجتمعوا للسلام عَلَيْهِ. فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يأتي قباء إلا فِي يَوْم السبت والإثنين، فجعلوا ينكرون مجيئه فِي غير هذين اليومين. فلم يبق منهم أحد إلا حضر. وطلع ابْنُ سويد فِي ملحفة مورّسة. فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعا عويمَ بْن ساعدة فَقَالَ: قدّمه إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذّر بن ذياد، فإنه قتله يَوْم أحد غيلة. فقدمه عويم إلى باب المسجد، فَقَالَ لَهُ ابْنُ سويد: دعني أكلم رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبي ذَلِكَ عويم. فجاذبه حتَّى دنا من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد ركوب حماره، فجعل يَقُولُ: قَدْ قتلته يا رَسُول اللَّه، ولم يكن ذَلِكَ لرجوع عن الْإِسْلَام ولا ارتياب فِيهِ، ولكنه أمر وكلت فِيهِ إليَّ نفسي، فأطعتُ الشيطان، وأنا أتوب إلى اللَّه ورسوله، وأخرج ديته وأصوم شهرين متتابعين وأعتق رقبة وأطعم ستين مسكينًا. وجعل يتضرّع ويُمسك بركاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإحدى رجلي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الركاب والأخرى فِي الأرض، وبنو المجذّر حضور لا يَقُولُ لهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عويم قدّمه فاضرب عنقه كما أمرتك.] فضرب عنقه عَلَى باب المسجد. وَيُقَالُ إن خبيب بْن إساف أخبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِ المجذّر، فركب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لينظر فِي الأمر ويبحث عَنْهُ، فأتاه جبريل عَلَيْهِ السَّلام بخبره وهو فِي طريقه. وقال حسان بن ثابت [1] :

_ [1] ديوان حسان، ق 83، ب 1: يا حار في سنة من النوم أولكم ... أم كنت ويحك مغترا بجبريل وكذلك عند جمهرة ابن الكلبى (وقال «ويلك» بدل «ويحك» ) .

أكنت في سنة يَوْم ذلكم ... يا حارِ [1] أم كنتَ مغترًا بجبريل فهذه حجة لمن قَالَ إنّ المقتول الحارث بن سويد. وكان سويد بْن الصامت حين ضربه المجذّر بقي قليلًا ثُمَّ مات، فَقَالَ: أبلغ جلاسًا وعبد اللَّه مألُكةً ... وإن دعيت فلا تخذلهما حار أقبل جدارة أما كنتَ لاقيها ... والحي عوفًا عَلَى عرف وإنكار وخدرة وجدارة، بالجيم، أخوان، وهما ابنا عوف بْن الحارث بْن الخزرج. وزيد بْن وديعة بْن عَمْرو، من بني الحبلي. ورفاعة بْن عَمْرو بْن زَيْد بْن عَمْرو، من بني الحُبلى. وعنترة مَوْلَى لبني سَلَمة، قتله نوفل [2] بْن معاوية الديلي. عَبْد اللَّه بن عمرو بن حرام، أبو «جابر بن عبد الله» ، من بنى سلمة، قتله سفيان ابن عَبْد شمس السلمي. عَمْرو بْن الجموح بْن زيد بن حرام، كان آخر الأنصار إسلامًا. خلّاد بْن الجموح- وغير الكلبي يَقُولُ: خلّاد بْن عَمْرو بْن الجموح- قتله/ 160/ الأسود بْن جَعُونة. حمام بْن الجموح. المعلى بن لوذان بن حارثة ابن زَيْد بْن ثعلبة، قتله عكرمة بْن أَبِي جهل. وابن الكلبى يجعل مكانه عبيد ابن المعلى، ولا يثبت أن المعلى قتل يَوْم أحد. ذكوان بْن عَبْد قيس بْن خلدة ابن مخلد الزرقي، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْن الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ. عبد الله بن قيس ابن خلدة بن الحارث النجارى- وَيُقَالُ هُوَ عَمْرو بْن قيس- قتله نوفل بْن معاوية الديلي. النعمان بْن عَبْد عَمْرو بن مسعود بن كعب النجارى. ثابت ابن خنساء بْن عَمْرو النجاري. سُليم بْن الحارث بْن ثعلبة بْن كعب النجاري. عامر بْن أمية بْن زَيْد بْن الحسحاس النجاري. وَيُقَالُ هُوَ عبدة بْن الحَسْحَاس. أنس بْن النضر بْن ضمضم بْن زَيْد بْن حرام النجاري، قتله سُفْيَان بْن عويف. وهو عم أنس بْن مالك بْن النضر، خادم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سَليط بْن (قيس بْن) [3] عَمْرو النجاري، ولم يذكره الكلبي فيمن قتل بأحد، وأنكره.

_ [1] أى الحارث بن سويد. [2] خ: أبو نوفل (وهو سهو) . [3] الزيادة عن الاستيعاب وغيره.

قتلى المشركين في أحد

وعامر بْن مخلد النجاري.، ولم يعرفه أيضًا. أَبُو أسيرة بْن الحارث بْن علقمة، من بني مبذول بْن عَمْرو بْن غنم بْن مازن، قتله خَالِد بْن الوليد. عَمْرو بْن مطرّف بن علقمة المبذولى. أوس بن حرام النجاري، من بني مغالة بنت فهيرة بن عامر بن بياضة، وإليها ينسب ولدى عدي بن عمرو بن مالك بْن النجار. كيسان، مَوْلَى بني النجار. وَيُقَالُ هُوَ عَبْد لهم لم يعتق. وابنا السميراء، وهما سليم بْن الحارث الديناري، والنعمان بْن عَمْرو. وكان بعض أيتام الأنصار طلب من أبي لبابة عذقًا بحق ادّعاه، فلم يجد لَهُ بِهِ. وسأله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسلّمه له، فأبى. فاشتراه ثابت بن الدَّحداحة من أَبِي لبابة بحديقة نخل، ودفعه إلى اليتيم. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ربّ عذق مذلل لابن دحداحة فِي الجنة.] فكانت ترجى لَهُ الشهادة. فقتل بأحد. وَيُقَالُ جرح [1] ثُمَّ برأ، ومات عَلَى فراشه من جرح كَانَ أصابه ثُمَّ انتقض بِهِ، وَقَدْ رجع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من الحديبية. [قتلى المشركين في أحد] 717- وقتل من المشركين يَوْم أحد: عَبْد اللَّه بن حميد بن زهير بن الحارث ابن أسد بْن عَبْد العزى، قتله أَبو دُجانة، وقَالَ الكلبي: قتل يَوْم بدر. وطلحة بْن أَبِي طلحة العبدري، قتله علي بن أبي طالب. وأخوه عثمان بن أبي طلحة، قتله حمزة ابن عَبْد المطلب. وأخوه أَبُو سعد بْن أَبِي طلحة، قتله سعد بْن أَبِي وقاص. ومسافع بْن طلحة بْن أَبِي طلحة، قتله عاصم (بْن ثابت) بْن أَبِي الأقلح. والحارث بْن طلحة بْن أَبِي طلحة، قتله عاصم أيضًا. وكلاب بْن طلحة بْن أَبِي طلحة، قتله الزُّبَيْر بْن العوام. وجلاس بْن طلحة بْن أَبِي طلحة، قتله طلحة بْن عُبَيْد اللَّه. وَيُقَالُ إنه الَّذِي ضرب طلحةَ عَلَى رأسه المصلبة. وَيُقَالُ إنّ الَّذِي ضربه المصلبة ضرار بْن الخطاب. وقاسط بْن شريح بْن عُثْمَان بْن عَبْد الدار، قتله عليّ، وَيُقَالُ قتله غيره. أرطاة بْن عَبْد شُرَحبيل بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، قتله عليّ عَلَيْهِ السَّلام. وأبو عزيز، واسمه زُرارة بْن عمير، أخو مصعب الخير بْن عمير، قتله قزمان حليف بْني ظفر، وكان منافقًا.

_ [1] خ: خرج.

أَبُو الحكم بْن الأخنس بْن شريق، حليف بني زهرة، قتله عليّ. سباع بْن عَبْد العزى الخزاعي، قتله حمزة. هشام بْن أَبِي أمية بْن المغيرة، قتله قزمان. الوليد بْن العاص بْن هشام بْن المغيرة، قتله قزمان. أمية بْن أَبِي حذيفة بْن المغيرة، قتله عليّ بْن أبي طَالِب. خَالِد بْن الأعلم العقلي، قتله قزمان. ومات قزمان من جراحة جرحه إياها خَالِد بْن الوليد، وأخرى جرحه إياها عَمْرو بْن العاص. وَيُقَالُ إنه انصرف جريحًا، فاشتد بِهِ الألم، فقطع رواهشه بسهم فنزف حتَّى مات. وعثمان بْن عَبْد اللَّه بْن أبى أمية بن المغيرة، قتله الحارث ابن الصمة. وكان/ 161/ عثمان بن عبد الله أسر ببطن نخلة [1] ، أسره عَبْد اللَّه بْن جحش، فافتدي فرجع إلى قريش. فلما قتله الحارث يَوْم أحد، شدّ عُبَيْد بْن حاجز العامري عَلَى الحارث، فجرحه عَلَى عاتقه. وأقبل أَبُو دجانة، فقتل [2] ابْنَ حاجز: صرعه وذبحه ذبحًا. وعبيد بن حاجز من بنى عامر ابن لؤي، قتله أَبُو دجانة. شَيْبَة بْن مالك بْن المضرب بْن وهب بْن حجير، من بني عامر بْن لؤي، قتله طلحة بْن عُبَيْد الله. أبيّ بْن خلف الجمحي، قتله النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، أَبُو عزَّة عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّه بْن عمير بْن أهيب ابن حذافة بْن جمح، كَانَ أسر يَوْم بدر فشكا إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلته وكثرة عياله، فأطلقه بعد أن حلف له أَنَّهُ لا يخرج عَلَيْهِ. فلما كَانَ يَوْم أحد، أخذ أسيرًا، وكان قَدْ أراد أن لا يخرج مع قريش من مكَّة، وقَالَ: إنّ محمدًا أحسن إليَّ ومنّ عليّ وليس هَذَا جزاؤه. فلم يزل بِهِ صفوان بْن أمية، وأبي بْن خلف حتَّى أخرجاه وضمنا لَهُ أمر عياله. فقال لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا محمد، منّ علىّ. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن لا يُلدَغ من جُحر مرتين: أتريد أن ترجع مكَّة فتمسح عارضيك وتقول: خدعتُ محمدًا مرتين؟] ثُمَّ أمر عاصمَ بْن ثابت بن أبى الأفلح أن يضرب عنقه. فضرب عنقه. وقَالَ الواقدي: حدثنا بكير بن مسمار قَالَ: لما انصرف المشركون عن أحد، نزلوا بحمراء الأسد فِي أول النهار ساعة، ثُمَّ

_ [1] خ: نخل. [2] خ: فقيل.

دفن الشهداء في أحد

رحلوا وتركوا أبا عَزَّة نائمًا مكانه. فنام حتَّى ارتفع النهار، ولحقه المسلمون وَقَدِ انتبه فهو يتلدّد. فأخذه عاصم بْن ثابت، وأتى بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر بضرب عنقه. وخالد بْن سُفْيَان بْن عويف الكناني. وأبو الشعثاء بن سفيان ابن عويف. وأبو الحمراء بْن سُفْيَان بْن عويف. وأخ لهم آخر يقال له غراب. [دفن الشهداء في أحد] 718- قَالُوا: وصلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الشهداء، فكان حمزةُ أول من كبر عَلَيْهِ أربعًا. ثُمَّ جمع إِلَيْه الشهداء. فكان كلما أتي بشهيد، وضع إلى جنب حمزة فصلى عَلَيْهِ وعلى الشهيد، حتَّى صلى عَلَيْهِ سبعين مرة. وَيُقَالُ: كَانَ يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم، فيصلي عليهم. ثُمَّ يرفع التسعة وحمزة مكانه، ويؤتي بتسعة أخر. وَيُقَالُ: كبر عليهم تسعًا وسبعًا وخمسًا. وأعمق لهم فِي الحفر، ودفن الاثنين والثلاثة فِي القبر، وبدأ بأكثرهم قرآنا. حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، ثنا حُمَيْدٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: جَاءَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنَا قَرْحٌ وَجَهْدٌ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا؟ [فَقَالَ: احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا، وَاجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاثَةَ فِي الْقَبْرِ. قَالُوا: فَمَنْ نُقَدِّمُ؟ قَالَ: قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا] . 719- قَالُوا: وآثر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمصعب بْن عمير وهو مقتول فِي بردة لَهُ، فَقَالَ: « [رحمك اللَّه، لقد رأيتك بمكة، وَمَا بِهَا أَرَقُّ حُلَّةً وَلا أَحْسَنُ لِمَّةً منك. ثُمَّ أنت أشعث بردة] » . وأمر بِهِ، فقبر. ونزل فِي قبره أخوه أَبُو الروم، وعامر بْن ربيعة العنزي، وسويبط بْن عَمْرو [1] بْن حرملة. ونزل فِي قبر حمزة رحمة اللَّه عليّ بْن أَبِي طَالِب، وأبو بَكْر، وعمر، والزبير. وجلس رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حفرته. وحمل كَثِير من النَّاس قتلاهم إلى المدينة، فدُفنوا بنقيع [2] الخيل وغيره. وكان شماس بْن عثمان المخزومي حُمل وبه رمق، فمات عند أم سَلَمة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرّد إلى أحد، فدُفن فِي ثيابه التي مات فيها. 720- قَالَ الواقدي: ودُفن من دفن بأحد من الشهداء فِي الوادي. وكان

_ [1] هو غير معروف. لعله سويبط بن سعد بن حرملة المذكور في كتب السير وتراجم الصحابة. [2] خ ببقيع.

مقتل الذى مثل بجثة حمزة

طلحة بْن عُبَيْد اللَّه إِذَا سئل عن تلك القبور المجتمعة بأحد، يَقُولُ: قبور قوم من الأعراب كانوا عَلَى عهد عُمَر بْن الخطاب فِي عام الرمادة هناك، فماتوا، فتلك قبورهم. قَالَ: وكان ابْنُ أَبِي/ 162/ ذئب، وعبد العزيز بْن مُحَمَّد يقولان: لا نعرف تلك القبور المجتمعة، إنَّما هِيَ قبور ناس من أهل البادية. [مقتل الذى مثل بجثة حمزة] 721- وكان معاوية بْن المغيرة بْن أَبِي العاص، الَّذِي جدع أنفَ حمزة وَمثَلَ بِهِ فيمن مثل، قَدِ انهزم يَوْم أحد فمضى عَلَى وجهه، فبات قريبًا من المدينة. فلما أصبح، دخل المدينة، فأتى منزل عثمان بْن عفان بْن أَبِي العاص فضرب بابه، فقالت لَهُ امرأته أم كلثوم بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وسلم: ليس هو هاهنا. فَقَالَ: ابعثي إِلَيْه، فإن لَهُ عندي ثمن بعير ابتعته عام أول وَقَدْ جئته بِهِ. فأرسلت إِلَيْه وهو عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما جاء، قَالَ لمعاوية: أهلكَتني ونفسَك، ما جاء بك؟ قَالَ: يا ابْن عم، لم يكن أحد أقرب إليَّ ولا أمسّ رحما بي منك، فجئتك لتجيرني. فأدخله عثمان داره، وصيره فِي ناحية منها، ثُمَّ خرج إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأخذ لَهُ مِنْهُ أمانًا. فسمع رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إن معاوية بالمدينة وَقَدْ أصبح بها، فاطلبوه» . فَقَالَ بعضهم: ما كَانَ ليعدو منزل عثمان، فاطلبوه فِيهِ. فدخل منزل عثمان، فأشارت أم كلثوم إلى الموضع الَّذِي صيره عثمان فِيهِ. فاستخرجوه من تحت حمارة [1] لهم، فانطلقوا بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ عثمان حين رآه، والذي بعثك بالحق، ما جئتُ إلا لأطلب لَهُ الأمان منك، فهبه لي. فوهبه لَهُ، وأجّله ثلاثًا وأقسم: لئن وُجد بعدها بشيء من أرض المدينة وما حولها، ليقتلنّ. وخرج عثمان، فجهزه واشترى لَهُ بعيرًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارتحل. وصار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حمراء الأسد، وأقام معاوية إلى اليوم الثالث ليتعّرف أخبار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويأتي بها قريشًا. فلما كَانَ فِي اليوم الرابع، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن معاوية أصبح قريبا لم ينقذ، فاطلبوه، واقتلوه.] فأصابوه قَدْ أخطأ الطريق، فأدركوه. وكان اللذان أسرعا فِي طلبه زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمار بْن ياسر، فأخذاه بالجماء. فضربه زَيْد بْن حارثة. وقَالَ عمار: إن لي فيه حقا. ورماه

_ [1] كذا في الأصل.

نزول الفرائض بالمواريث

بسهم، فقتلاه، ثُمَّ انصرفا إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخبره. وَيُقَالُ إنه أدرك عَلَى ثمانية أميال من المدينة، فلم يزل وعمار يرميانه بالنبل حتَّى مات. ومعاوية هَذَا هُوَ أَبُو عَائِشَةَ بِنْت مُعَاوِيَة، أم عَبْد الْمَلِك بْن مروان. وقَالَ الكلبي: جدع معاوية بْن المغيرة أنفَ حمزة وهو قتيل، فأخذ بقرب أحد بَعْد انصراف قريش بثلاث. ولا عقب لَهُ إلا عائشة أم عَبْد الملك بْن مروان. وَيُقَالُ إنّ الَّذِي قتل معاوية بن المغيرة: علىّ عليه السلام. [نزول الفرائض بالمواريث] 722- قَالُوا: ولما استشهد سعد بْن الربيع، أخذ أخوه ميراثه. وكان لسعد ابنتان، وكانت امرأته حاملًا. وكانت المواريث عَلَى مواريث الجاهلية، ولم تكن الفرائض أنزلت. فنزلت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذ. فدعا أخا سعد، فَقَالَ لَهُ: أعط ابنتي أخيك ثلثي الميراث، وادفع إلى زوجته الثمن، والباقي لَكَ. ولم يُوَرّث الحمل يومئذ، ثُمَّ ورّث بعد ذلك. ووارث [1] لَهُ أم سعد بِنْت سعد، وهي امْرَأَة زَيْد بْن ثابت، فلما كانت خلافة عُمَر، قَالَ لها: تكلمي فِي ميراثك من أبيك إن كنت تحبين ذَلِكَ، فإن أمير المؤمنين قد ورّث الحمل اليوم. فقالت: ما كانت لأطلب من أختي شيئًا. 723- وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن أم مكتوم. 724- ثُمَّ غزاة حمراء الأسد. وكانت لثمان أَوْ تسع من شوال سنة ثلاث، وغاب فيها عن المدينة خمسًا. وحمراء الأسد عَلَى ثمانية أميال من المدينة أَوْ تسعة أميال. وكان المشركون قَدْ صاروا إليها من أحد. فنادى منادي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس أن اخرجوا/ 163/ لطلب عدوكم، ولا يخرج إلّا من كَانَ بأحد. فخرج النَّاس حتَّى الجرحى، وكانوا كثيرًا. وقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه: «يا رَسُول اللَّه، لقد حَرّمت عليَّ الخروج بالأمس، فمنعني أَبِي وذلك أَنَّهُ خلفني (عَلَى أخوات لي سبع وقَالَ: يا بنيّ إنه لا ينبغي لي ولا لَك أن نترك هَؤُلَاءِ النسوة لا رَجُل فيهن، ولستُ بالذي أوثرك بالجهاد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نفسي) [2] ، فأذن لي فِي الخروج» . فأذن لَهُ. وَيُقَالُ إنّ رسول الله صلى

_ [1] كذا في الأصل، لعله: «ثوارثت» . [2] الزيادة عن ابن هشام (ص 588) .

725 - ثم غزاة بنى النضير

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخرج معه من كَانَ بأحد ومن لم يكن. وكان المشركون قَدْ ملوا الحربَ وكرهوها، وأحبوا أن ينصرفوا عن ظفر منهم، ولم يأمنوا أن تكون الدولة للمسلمين عليهم. فأمعنوا فِي السير، وأقلوا اللبثَ حتَّى أتوا مكَّة. فلم يصادف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم أحدًا، ولم يلق كيدًا. وكان خليفته عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم. 725- ثُمَّ غزاة بني النضير من يهود فِي شهر ربيع الأول، وَيُقَالُ فِي جمادى الأولى سنة أربع. وكان سببها أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاها ومعه أَبُو بَكْر، وعمر، وأسيد بْن حضير فاستعانهم فِي دية رجلين من بني كلاب بْن ربيعة مواد عين لَهُ، وكان عَمْرو بْن أمية الضمري قتلهما خطأ. فهموا بأن يلقوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحى. فانصرف عَنْهُمْ، وبعث إليهم يأمرهم بالجلاء عن بلده إذ كَانَ منهم ما كَانَ منَ النكث والغدر. فأبوا ذَلِكَ وأذنوا بالمحاربة. فزحف إليهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وحصرهم خمس عشرة ليلة. ثُمَّ صالحوه عَلَى أن يخرجوا من بلده ولهم ما حملت الإبلُ إلّا السلاح والآلة، ولرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخلهم وأرضهم. فكانت أموال بني النضير لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالصة. وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، [1] ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني النضير، وهم سبط بن يَهُودَ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلاءِ وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الإِبِلُ مِنَ الأَمْتِعَةِ إِلا الْحَلْقَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فيهم: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ، إلى قوله (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [2] وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مُقِيمًا عَلَى خِلافَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. 726- ثم غزاة بدر الموعد فِي ذي القعدة سنة أربع. وذلك أن أبا سُفْيَان بْن حرب نادى يَوْم أحد: موعدكم بدر الصفراء عَلَى رأس الحول نلتقي فنقتتل. فوفى

_ [1] كتاب الأموال لأبى عبيد، 18. [2] القرآن، الحشر (59/ 1- 5) .

727 - ثم غزاة ذات الرقاع،

رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون، فأتى بدرًا للموعد، ولم يأت أَبُو سُفْيَان ودسّ نُعَيْم بْن مَسْعُود الأشجعي إلى المسلمين ليخوّفهم كثرة المشركين وعدّتهم وتثبطهم [1] . فلما أخبرهم بذلك، قَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [2] . وكانت بدر الصفراء موسمًا للعرب، يتبايع بها. فتجر المسلمون فربحوا. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) ، إلى قوله (مُؤْمِنِينَ [3] . يعنى بالفضل ما قالوا من الربح. وقوله (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) [4] ، أي يخوّف النَّاس أولياءه. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة عَبْد اللَّه بْن رواحة الخزرجي. فأقام المسلمون ببدر الصفراء ثمانية أيام. وبعض الرواة يَقُولُ «بدر الصغرى» . وقال حسان بن ثابت [5] : وعدنا أبا سُفْيَان بدرًا فلم نجد ... لموعده صدقًا وما كَانَ وافيًا 727- ثُمَّ غزاة ذات الرِّقاع، وكانت لعشر خلون من المحرم سنة خمس. وإنما سميت ذات الرقاع لأنها كانت عند جبل فِيهِ بقع حمر وبيض وسود كأنها رقاع. وسببها أن بني أنمار بْن بغيض، وبني سعد بْن ثعلبة بْن ذبيان بْن بغيض جمعوا جمعًا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيما. فلما دنا منهم، وعاينوا عسكره، ولواعن المسلمين وكرهوا لقاءهم فتسنموا الجبل وتعلقوا فِي قُلّته. فانصرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يلق كيدًا/ 164/ واستاق لهم نعمًا وشاءً. وفي هَذِهِ الغزاة صلى صلاة الخوف مخشاة أن يكرّوا عَلَيْهِ. وَكَانَ خليفته عَلَى الْمَدِينَة عُثْمَان بْن عَفَّان. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا، ثنا عارم [6] ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ، قَالَ: يُصَلِّي بِطَائِفَةٍ وَيَقُومُ طَائِفَةٌ حِيَالَ الْعَدُوِّ، فيصلى بهؤلاء

_ [1] خ: يثبطهم. [2] القرآن، آل عمران (3/ 173) . [3] أيضا (3/ 173- 175) . [4] أيضا 3/ 175. [5] ليس في ديوانه المطبوع ولكن راجع ابن هشام، ص 166، وزاد أبياتا وعزاها إلى كعب بن مالك. [6] كذا في الأصل، بالعين.

728 - ثم غزاة دومة الجندل

رَكْعَةً ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلاءِ فَيَقُومُونَ مَقَامَ أُولَئِكَ، وَيَجِيءُ هَؤُلاءِ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ، فيقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء رَكْعَةً. [1] وَإِنْ كَانَ الْخَوْفُ شَدِيدًا، صَلَّوْا رِجَالا وَرُكْبَانًا [2] . حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ، قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْخَوْفِ، طَائِفَةً مِنَّا خَلْفَهُ، وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةٌ لِلْعَدُوِّ. فَصَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةٌ وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَجَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةٌ وَسَجْدَتَيْنِ. ثُمَّ قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ من الطائفتين [3] إِلَى طَائِفَتِهِ فَصَلَّى لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ. 728- ثُمَّ غزاة دُومة الجندل فِي شهر ربيع الأول سنة خمس. وسببها أن جمعًا من قضاعة ومن غسان تجمعوا، وهموا بغزو الحجاز. فسار نحوهم فِي ألف انتخبهم. فلما انتهى إلى موضعهم ألقاهم قَدْ تفرّقوا وهربوا. فلم يلق كيدا. وأمر باستياق نعم وشاء وجدت لهم. ثُمَّ انصرف. وكان خليفته عَلَى المدينة سباع بْن عُرْفُطة الكنانى. 729- ثم غزاة بنى المصطلق، من خزاعة. وفي غزاة المريسيع. والمُرَيسيع ماء لهم. وكانت فِي شعبان سنة خمس. وسببها أن الحارث بْن أَبِي ضرار، سيد خزاعة، جمع جموعًا واستعدّ للمسير إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبلغه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فسار في المسلمين. فلما نزل عَلَى المريسيع، أمر عمرَ بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ أن يعرض عَلَى المشركين التوحيد. فأبوه، فحمل عليهم المسلمون، فقتلوا منهم جمعًا وأسروا أسرى كثيرةً. وغنم اللَّه المسلمين أموالهم وسبيهم. وكانت جويرية ابْنَة الحارث بْن أَبِي ضرار فِي السبي، فأعتقها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتزوّجها. وكان اسمها برَّة، فسمّاها جويرية. وَيُقَالُ إنه اعتقها وتزوّجها عَلَى عتق مائة من أهل بيت قومها. فلما عتقوا،

_ [1] راجع القرآن، النساء (4/ 102) . [2] راجع القرآن، البقرة (2/ 239) . [3] زاد ناسخ الأصل «من الطائفتين» بالهامش عن نسخة أخرى.

انصرفوا إلى منازلهم، وقسم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغنائم، وأخذ صفية قبل القسمة، ثم جزّى الغنائم خمسة أجزاء، ثُمَّ أقرع عليها ولم يتخير. فأخذ الخمس وأخذ سهمه مَعَ المسلمين لنفسه وفرسه. وكان لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صفى من المغنم أو غاب قبل الخمس: عبد أو أمة أو سيف أَوْ درع. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّازُ قَالا، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ [1] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيٌّ يَصْطَفِيهِ مِنْ كُلِّ مَغْنَمٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ. وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ بِمِثْلِهِ. وفي هَذِهِ الغزاة رمى أهلُ الإفك عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا بِصَفْوَانَ بْنِ مُعَطِّلٍ السُّلمي. وذلك أَنَّهُ كان على ساقة العسكر، فوجدها قَدِ انقطعت مرسلُتها [2] ، وكانت من جزع ظفار، فتشاغلت بلقط خرزها. وظنّ الذى كان يقود بعيرها أنها عَلَيْهِ، فسيره مَعَ الإبل. فحملها صفوان عَلَى جمله وجعل يقود بها حتَّى أدخلها العسكر. فظنّ بها بعضُ الظنّ حتَّى انزل اللَّه [3] براءتها وأكذب من تكلم عَنْهَا. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الغزاة زَيْد بْن حارثة الكلبى مولاه. وَحَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّهِ بْن معاذ، عَنْ أَبِيهِ، عن أَبِي عَوْنٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ هَلْ كَانَتِ الدَّعْوَةُ قَبْلَ الْقِتَالِ؟ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ الإِسْلامِ، وَقَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، / 165/ وَهُمْ غَارُونَ وَنَعَمَهُمْ عَلَى الْمَاءِ تسقى، فقتل مقاتلتهم وَسُبِيَ سَبْيُهُمْ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي الْجَيْشِ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عن الشعبى قال:

_ [1] خ: النيى. [2] المرسلة: القلادة الطويلة تقع على الصدر. [3] راجع القرآن، النور (24/ 11- 20) .

730 - ثم غزاة الخندق، وهي غزاة الأحزاب.

مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَهُوَ الَّذِي «تَوَلَّى كِبْرَهُ» [1] ، وَصَرَّحَ بِالْقَوْلِ فِيهِ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَمِسْطَحُ بن أثاثة ابن عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ [2] بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. فَحَدَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَ [3] فِي شَأْنِ عَائِشَةَ مَا نَزَلَ. 730- ثُمَّ غزاة الخندق، وهي غزاة الأحزاب. وكانت فِي ذي القعدة سنة خمس. وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير، أتوا [4] خيبر. فلما قدموها، خرج حُييّ بْن أخطب وكنانة بْن أَبِي الحُقيق اليهودي وغيرهما، حتَّى أتوا مكَّة. فدعوا أبا سُفْيَان بْن حرب وقريشًا إلى قتال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعلموهم أنهم يد لهم عَلَيْهِ. فسرّ أبو سُفْيَان بذلك، وعاقدهم عَلَى ما دعوه إِلَيْه. ثُمَّ أَتَتِ اليهود غطفان، فجعلوا لهم تمر خيبر سنةً عَلَى أن يعينوهم عَلَى حرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأنعموا لهم بذلك، وأجابوهم إِلَيْه. وكان عُيينة بْن حصن الفزاري أسرعَ القوم إلى إجابتهم. ثُمَّ أتوا بنى سليم ابن مَنْصُور، فسألوهم مثل ذَلِكَ، فأنجدوهم. وساروا فِي جميع العرب ممن حولهم، فنهضوا معهم. فخرجت قريش فيمن ضوى إليها ولافّها [5] من كنانة وثقيف وغيرهم، ولحقتهم أفناءُ العرب، عليها قادتها وكبراؤها. وبلغ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر، فندب المسلمين إلى قتال الأحزاب. وخرج فارتاد لعسكر المسلمين موضعًا، وأشار عَلَيْهِ سلمان الفارسي بالخندق، ولم تكن [6] العرب تخندق عليها. فجعل سلعا [7] وراء ظهره، وأمر فحفر الخندق أمامه. وجعل المسلمون يتحارسون فِي عسكرهم. وعرض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس يَوْم الخندق، فأجاز عَبْدَ اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب وهو ابْنُ خمس

_ [1] القرآن، النور (24/ 11) . [2] خ: عبد المطلب. [3] راجع القرآن، النور (24/ 11- 20) . [4] خ: اتو. [5] خ: لأنها. [6] خ: يكن. [7] اسم الجبل الذى في شمال المدينة المنورة، خارج السور بين البلدة وجبل أحد.

عشرة سنة وأشفّ منها، وأجاز زَيْد بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ ثُمَّ الخزرجي، وأجاز البراء بْن عازب الأوسي، وأبا سَعِيد الخدري ولم يردّهم. وَيُقَالُ إنه أجازهم قبل ذَلِكَ. وكانت قريظة قَدِ امتنعت من المظاهرة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل بهم حُييّ وأصحابه حتَّى خرجوا معهم. واشتد خوف المسلمين ممن جاش عليهم من الأحزاب لكثرتهم. وكانوا كمال قال الله: (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) [1] ، يعنى يهود، (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [2] ، يعني قريشَا والعرب. حدثني القاسم بْن سلام [3] ، عَن الْحَجَّاجُ بْن مُحَمَّد، عَن ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مجاهد في قوله إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ، قَالَ: عيينة بْن حصن فِي أهل نجد، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، أَبُو سُفْيَان فِي قريش، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ [4] ، قال: الأحزاب، وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ [5] الآية، يعنى بنى قريظة. (مِنْ صَياصِيهِمْ [6] ، قَالَ: حصونهم وقصورهم. (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) [7] . قال: و) [8] هذا كُلِّه فِي يَوْم الخندق. 731- قَالُوا: وكثر كلام المرتابين وظنوا الظنون. وكتب أَبُو سُفْيَان إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «باسمك اللهم. أحلف باللات والعزّى وساف ونائلة وهُبل! لقد سرت إليك أريد استيصالكم. فأراك قَدِ اعتصمتَ بالخندق، وكرهت لقاءنا. ولك مني يَوْم كيوم أحد [9] » . وبعث بالكتاب مَعَ أَبِي أسامة الجشمي. فقرأه عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيّ بْن كعب، وكتب إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أتانا كتابك، وقديمًا غرّك يا أحمق بني غالب. وسفيههم بالله الغرور. وسيحول اللَّه بينك وبين ما تريد، ويجعل لنا العاقبة. وليأتين عليك يَوْم أكسر فِيهِ اللات والعزّى وساف ونائلة وهبل يا سفية بني غالب [10] » .

_ [1] القرآن، الأحزاب (33/ 10) . [2] القرآن، الأحزاب (33/ 10) . [3] كتاب الأموال، له 461. [4] القرآن، الأحزاب (33/ 25) . [5] أيضا (33/ 26) . [6] أيضا (33/ 26) . [7] أيضا (33/ 26) . [8] سقط من الأصل، والتكملة عن كتاب الأموال لأبى عبيد القاسم بن سلام. [9] راجع للنص الكامل ولمصادر أخرى: الوثائق السياسية، رقم 6. [10] راجع للنص الكامل ولمصادر أخرى: الوثائق السياسية، رقم 7.

732- وكانت طلائع المشركين تُطيف بالمسلمين رجاء أن يصيبوا منهم غرَّة. فربما تراموا بالنبل والحجارة. واجتمع المشركون يومًا، فالتمسوا أن يهجموا خيلهم عَلَى المسلمين. فأكرهت جماعةٌ منهم خيلهم، فعبرت الخندق. وكان فيهم عَمْرو بْن عَبْد وُدّ بْن أَبِي/ 166/ قَيْس، من بَنِي عَامِر بْن لؤي، فبارزه عليّ عَلَيْهِ السَّلام فقتله. وَيُقَالُ إنه جرح عليًا عَلَى رأسه. وَيُقَالُ إن عليًا لم يُجْرَح قطّ. ونجا أصحاب عَمْرو إلا رجلا سقط في الخندق لتكسر، ورماه المسلمون حتَّى مات. ثُمَّ غدا المشركون فِي اليوم الثَّاني جميعا لم يتخلف منهم أحد، فقاتلهم المسلمون من وراء الخندق. ثُمَّ إن اللَّه تبارك وتعالى نصر المسلمين عليهم بالريح، وكانت ريحا صفراء فملأت عيونهم، فقد أخلهم الفشل والوهن. وانهزم المشركون وانصرفوا إلى معسكرهم. ودامت الريح عليهم، وغشيتهم الملائكة تطمس أيضًا أبصارهم. وكان نعيم بْن مَسْعُود الأشجعي خرج من المشركين، فأسلم وجعل يخذّل المشركين ويسعى بينهم بما فِيهِ تفريق كلمتهم وألفتهم وصدع شعبهم. فبلغ من ذَلِكَ ما التمس بعون اللَّه وتوفيقه، وألقى اللَّه بينهم الاختلاف. وقالت غطفان وسليم: والله لمحمد أحبّ إلينا وأولى بنا من يهود، فما بالنا [1] نؤذيه وأنفسنا؟ وكانت تلك السنة سنة مجدبة. فجهدوا، وأضرّ مقامهم بكراعهم. فانصرفوا وانصرف النَّاس. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [2] . وكان حصار المسلمين فِي الخندق خمسة عشر يومًا. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة الخندق ابْنُ أم مكتوم. وحدثنا أَبُو عُبَيْدٍ [3] ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ وَقْعَةُ الأَحْزَابِ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ، وَذَلِكَ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ. وَرَئِيسُ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ. فَحَاصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى خَلُصَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ الْكَرْبُ. [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عهدك ووعدك،

_ [1] خ: نالنا. [2] القرآن، الأحزاب (33/ 25) . [3] كتاب الأموال 444.

اللَّهُمَّ إِنْ تَشَاءُ أَلا [1] تُعْبَدَ] » . وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُيَيْنَةَ ابن حِصْنٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رَئِيسُ الْكُفَّارِ مِنْ غَطْفَانَ وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ ثُلُثَ ثَمَرِ [2] نَخْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يُخَذِّلَ الأَحْزَابَ وَيَنْصَرِفَ بِمَنْ [3] مَعَهُ مِنْ غَطْفَانَ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: بَلْ أَعْطِنِي شَطْرَ ثَمَرِهَا حَتَّى أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ سَيِّدُ الأَوْسِ، وَإِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، فَقَالَ: إِنَّ عُيَيْنَةَ قَدْ سَأَلَنِي نِصْفَ ثَمَرِ نَخْلِكُمْ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ غطفان ويخذّل بين الأحزاب، وإنى أعطيه الثُّلُثَ، فَأَبَى إِلا النِّصْفَ، (فَمَا تَرَيَانِ؟) [4] فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ أَمَرْتَ بِشَيْءٍ فَافْعَلْهُ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أمرت لم أستأمر كما، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيٌ أَعْرِضُهُ عَلَيْكُمَا.] قَالا: فَإِنَّا لا نَرَى أَنْ نُعْطِيَهُمْ إِلا السَّيْفَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَنَعَمْ. وحدثنى الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ يَوْمَ الأَحْزَابِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ ثُلُثَ ثَمَرِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يُخَذِّلَ الأَحْزَابَ وَيَرْجِعَ بِالنَّاسِ، فَأَبَى إِلا النِّصْفَ، فَاسْتَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالا: إِنْ كُنْتَ أَمَرْتَ بِشَيْءٍ فَامْضِ لَهُ وَإِلا فَإِنَّا لا نَرْضَى أَنْ نُعْطِيَهُمْ إِلا السَّيْفَ قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا. قَالَ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ابن أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَابْنُ عُبَادَةَ: إِنْ كَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ليمرّ يجرّ سربه [5] مَا يَطْمَعُ مِنْهُ فِي بُسْرَةِ، فَكَيْفَ الْيَوْمَ وَقَدْ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ؟ قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا.

_ [1] عند أبى عبيد: لا تعبد. [2] خ: ثمن. [3] خ: من (والتصحيح عن أبى عبيد) . [4] التكملة عن أبى عبيد. [5] خ: «ليمر بحر سرمه» . (لعله كما أثبتناه) .

733 - ثم غزاة بنى قريظة من يهود.

حَدَّثَنِي الْحُسَيْن، عن يَحيى، عن ابْنُ إدريس، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] / 167/ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عمر [2] ابن قَتَادَة: أنهما قالا: ما أصابت العرب حطمة قطّ فقدروا مِنْهُ عَلَى بسرة إلا شِرى أو قرى، فكيف الآن؟ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْخَلَ النِّسَاءُ يَوْمَ الأَحْزَابِ أُطُمًا مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ حَسَّانُ رَجُلا جَبَانًا فَأَدْخَلَهُ مَعَهُنَّ وَأَغْلَقَ الْبَابَ فَجَاءَ يَهُودِيٌّ فَقَعَدَ عَلَى بَابِ الأُطُمِ. فَقَالَتْ لَهُ إِحْدَاهُنَّ: انْزِلْ إِلَى هَذَا الْعِلْجِ فَاقْتُلْهُ. فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَجْعَلَ نَفْسِي خَطَرًا لِعِلْجٍ مِثْلِهِ. فَاتَّزَرْتُ بِكِسَاءٍ، وَأَخَذْتُ فِهْرًا وَنَزَلْتُ إِلَيْهِ فَفَلَقْتُ رَأْسَهُ. ورمى حِبان بْن العَرقة سعد بْن مُعَاذِ يَوْم الخندق بسهم، فانتقض بِهِ جرحه مِنْهُ بعد انقضاء أمر بني قريظة، فمات. وكان حِبان بْن العَرِقة لما رماه قَالَ: خذها وأنا ابْنُ العرقة. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرق اللَّه وجهك فِي النار.] 733- ثُمَّ غزاة بني قُريظة من يهود. انصرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخندق وزحف إليهم، فحصرهم حتَّى نزلوا عَلَى حكمه. فحكم فيهم سعد ابن مُعَاذِ. فحكم بقتل من جرت عليه الموسى وبسبي الذرية والنساء، وقسمة أموالهم بَيْنَ المسلمين. فأجاز رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [وقَالَ لسعد: لقد حكمتَ فيهم بحكم اللَّه.] وكانت غزاة بني قريظة فِي ليال من ذي القعدة وليال من ذي الحجة سنة خمس. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة ابْنُ أم مكتوم. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الأَحْزَابِ، دَخَلَ مُغْتَسَلا لِيَغْتَسِلَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ وَمَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ، انْهَدْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ من

_ [1] ابن هشام، ص 676 ولكن الرواية هناك بغير هذا اللفظ. [2] خ: عمرو (والتصحيح عن الطبرى) .

734 - ثم غزاة بنى لحيان بن هذيل بن مدركة،

خَلَلِ الْبَابِ وَقَدْ عَصَبَ التُّرَابُ رَأْسَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ [1] ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الأَحْزَابِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ فَوَضَعَ السِّلاحَ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَقَالَ: أَوَضَعْتَ السِّلاحَ وَمَا زِلْنَا فِي طَلَبِ القوم؟ فاخرج فإن الله قد أَذِنَ لَكَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى فِيهِمْ وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) [2] . وَقَدْ قِيلَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَنِي قَيْنُقَاعٍ. حدثنا غير واحد، عن حجاج بْن مُحَمَّد، عَنِ ابْنُ جريج، عَنْ مجاهد فِي قول اللَّه عزَّ وجلّ: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، الآية [3] ، قَالَ: يعني بني قريظة. وألقى بنو قريظة عَلَى خَلّاد بْن سُويد الخزرجي رحى، وَقَدْ دنا ليكلمهم. 734- ثُمَّ غزاة بني لحيان بْن هُذيل بْن مدركة، بناحية عُسفان. غزا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني لحيان، واستخلف عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم. وكان بنو لحيان ومن لافّهم من غيرهم قَدِ استجمعوا. فلما بلغهم إقبال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، هربوا. فلم يلق كيدًا. ووّجه أبا بَكْر فِي طلبهم. وكانت هَذِهِ الغزاة فِي شهر ربيع الأول سنة ست. 735- ثُمَّ غزاة ذي قَرَد، وبعضهم يَقُولُ «قُرَد» ، والصواب الفتح. وكان سبب هَذِهِ الغزاة أن عُيينة بْن حصن بْن حذيفة بْن بدر أغار عَلَى لقاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ ترعى بالغابة. وهي عَلَى بريد من المدينة. فَوَجَّهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المقداد بْن عَمْرو، وَيُقَالُ سعد [4] بْن زيد الأشهلي في عدّه من المسلمين. فتخلصوا عشرًا منها، وكانت عشرين. وقتلوا

_ [1] كتاب الأموال 462. [2] القرآن، الأنفال (8/ 58) . [3] القرآن، الأحزاب (33/ 26) . [4] خ: مسعدة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 720، والظاهر أن السهو بسبب اسم مسعدة في السطر التالي) .

736 - خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم للعمرة.

مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْن حذيفة بْن بدر الفزاري، وحبيب بْن عيينة. ثُمَّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، فلحقهم بذي قرد وَقَدْ مضى القوم. فنهي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اتباعهم. وكان خليفته، فِي غزاة ذي قرد، ابْنُ أم مكتوم. وأقام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي قرَد يومًا وليلة، / 168/ وصلى صلاة الخوف هناك. وكانت هَذِهِ الغزاة فِي شهر ربيع الأول، وَيُقَالُ فِي شهر ربيع الآخر سنة ست. وهي أيضًا تسمى غزاة الغابة. وفيها نودي: [يا خيلَ الله اركبى.] ولم يقل ذلك قبلها. وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَجْلَحِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: دَخَلَ أَبُو قَتَادَةَ بْنُ رِبْعِيٍّ عَلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ عَدَنِيٌّ، وَعِنْدَ مُعَاوِيَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْن مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْنِ حُذَيْفَةَ. فَسَقَطَ رِدَاءُ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَنَفَضَهُ عَنْهُ بِغَضَبٍ. فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بن مسعدة. قال: أَنَا وَاللَّهِ دَفَعْتُ حِضْنَ أَبِي [1] هَذَا بِالرُّمْحِ يَوْمَ أَغَارَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ. فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ. 736- خروج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعمرة. ثُمَّ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعمرة فِي هلال ذي القعدة سنة ست. فمنعته قريش من دخول مكَّة عنوة. فأقام فِي الحديبيَّة. وكان ابْنُ الكلبي يَقُولُ «الحديبيَة» ، فيخففها. وأرسل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قريش: [إنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا لسوق البدن إلى محلها، فننحرها ثُمَّ ننصرف.] فأبوا إلا منعه، ووجهوا إليه سهيل ابن عَمْرو، من بني عامر بْن لؤي، ومكرز بْن حَفْص، وحويطب بْن عَبْد العزى. فسألوه أن ينصرف فِي عامه، ويعود فِي قابل فيقيم فِي مكَّة ثلاثة أيام لا يزيد عليها ثُمَّ ينصرف. فأجابهم إلى ذَلِكَ، وكتب بينه وبينهم كتابًا بخطّ عليّ عَلَيْهِ السَّلام، فكتب: «بسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم» . فَقَالَ سهيل: لا أعرف هَذَا، اكتب كما نكتب [2] «باسمك

_ [1] خ: إلى. [2] خ: تكتب.

اللهم» . وكتب: «هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه» . فَقَالَ سهيل: «لو أعلم أنك رَسُول اللَّه ما خالفتك، أفترغب عن أبيك؟» فكتب القضية: «باسمك اللهم. هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه وسهيل بْن عَمْرو. اصطلحا عَلَى وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها النَّاس ويكفّ بعضهم عن بعض. عَلَى أَنَّهُ لا إسلال ولا إغلال، وأن بيننا عيبة مكفوفة. وأنَّه من أحب أن يدخل فِي عهد مُحَمَّد وعقده، فعل. وأنه من أحب أن يدخل فِي عهد قريش وعقدها، فعل. وأنَّه من أتى محمدًا منهم بغير إذن وليه، ردّه مُحَمَّد إِلَيْه. وأنَّه من أتى قريشًا من أصحاب مُحَمَّد، لم يردّوه. وأن محمدًا يرجع عنا عامه هَذَا بأصحابه، ويدخل علينا فِي قابل فِي أصحابه، فيقيم ثلاثًا. لا يدخل بسلاح إلا سلاح المسافر فِي القرب. شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة ابن الجرّاح، ومحمد بن مسلمة، وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص. وكتب علي بن أبي طالب» [1] . ونسخ الكتاب نسختين، فوضعت إحداهما عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخذ الأخرى سهيل بْن عمرو. ولما فرغ من كتاب القضية، وثب من هناك من الخزاعة، فقالوا: نَحْنُ ندخل فِي عهد مُحَمَّد وعقده. وقَالَ بنو بَكْر: نَحْنُ ندخل فِي عهد قريش ومدّتها. ثُمَّ نحر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدي بالحديبية، وحلق، وحلق النَّاس. ثُمَّ انصرف. ونزلت عَلَيْهِ منصرفه من الحديبية: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) [2] . وَيُقَالُ إنها نزلت قبل انصرافه من الحديبية. وفي غزاة الحديبية كانت بيعة الرضوان تحت السمرة الخضراء، بايعوا عَلَى الموت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان خليفته بالمدينة ابْنُ أم مكتوم. وَيُقَالُ أَبُو رُهم كلثوم بْن الحصين الغفاري، من كنانة. وقوم يقولون استخلفهما جميعًا، وكان ابن أم مكتوم على الصلاة.

_ [1] راجع لاختلافات الرواية للنص ولمصادر أخرى: الوثائق السياسية، رقم 11 [2] القرآن، الفتح (48/ 1) .

قَالَ الواقدي، قَالَ ابْنُ أَبِي الزناد [1] ، عن أَبِيهِ قولُه «لا إسلال» ، يريد دس [2] السلاح وسله سرًا، وقولُه «لا إغلال» ، يَقُولُ لا ينطوون عَلَى غلّ. والعرب تَقُولُ: أغللت فِي الشيء. وقوله «وعيبة مكفوفة» ، أى مشرّحة. وهذا مثل. وكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عثمان إلى مكَّة لتسكينهم وإعلامهم أَنَّهُ لم يأت لمكروه يريده بهم. فبايع عنده، ووضع يده اليسرى عَلَى اليمنى. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يزيد بن أبى عبيد قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ/ 169/ فَقَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، (ثنا) أَبُو عُبَيْدٍ [3] ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فَهَادَنَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَصَالَحَتْهُ عَلَى سِنِينَ أَرْبَعٍ وَعَلَى أَنْ يَأْمَنَنَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، عَلَى أَنْ لا إِغْلالَ وَلا إِرْسَالَ، فَمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ مُجْتَازًا إِلَى الْيَمَنِ أَوِ الطَّائِفِ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَامِدًا لِلشَّامِ أَوِ الْمَشْرِقِ فَهُوَ آمِنٌ. قَالَ: وَأَدْخَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عَهْدِهِ بَنِي كَعْبٍ. وَأَدْخَلَتْ قُرَيْشٌ فِي عَهْدِهَا حُلَفَاءَهَا بَنِي كِنَانَةَ. وَعَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ إليه. قال أبو عبيدة [4] : قَوْلُهُ «لا إِرْسَالَ» ، يَقُولُ فِي غَائِلَةٍ. وَقَالَ: يُقَالُ أَغْلَلْتُ فِي الإِهَابِ إِذَا تَرَكْتُ فِيهِ لحما. وحدثنى أَبُو عُبَيْدٍ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هارون، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [5] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ، الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالا: كَانَ فِي شَرْطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ هَذَا، فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ دَخَلَ مكة ومعه سلاح الراكب،

_ [1] خ: الزيادة. [2] خ: حسح. [3] كتاب الأموال 440- 441. [4] كذا «أبو عبيدة» فإنه من غير كتاب الأموال المراجع إليه آنفا. [5] راجع ابن هشام، ص 748.

ثم غزاة خيبر

وَلا يَدْخُلُهَا إِلا بِالسُّيُوفِ فِي الْقُرْبِ- قَالَ وَهْبٌ: «فِي قُرْبِهَا» - فَيُقِيمُ ثَلاثًا 737- ثُمَّ غزاة خيبر فِي صفر سنة سبع. وَيُقَالُ فِي جمادي الأولى. وَيُقَالُ فِي شهر ربيع الأول. سار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليهود بخيبر. فماكثوه وطاولوه، وقاتلوا المسلمين. ثُمَّ إنّ بعضهم نزل ومعه ابْنُ أَبِي الحُقيق. فصالحا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حقن الدماء وأن يخلوا بين المسلمين وبين الصفراء والبيضاء وبين أرضهم والبزَّة إلا ما كَانَ عَلَى الأجساد. فأقرهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأرض عمارًا لها، وعاملهم عَلَى الشطر من التمر والحبّ. وقَالَ: أُقرّكم ما أقرّكم اللَّه. وخاطر عباسُ بْن مرداس حويطبَ بْن عَبْد العزى عَلَى أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغلوب. فأخذ حويطب منه مائة ناقة. وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهل فدَكَ منصرفه من خيبر يدعوهم إلى الْإِسْلَام. فأتوه فصالحوه عَلَى نصف الأرض بتربتها. فقبل ذَلِكَ منهم. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة خيبر سِباع بْن عرفطة الكنانى. ويقال نميلة ابن عَبْد اللَّه الكناني. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الوليد الزبيدى، عن الزهري، حدثنى عنبسة ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي سَرِيَّةٍ قَبْلَ نَجْدٍ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَتَوْنَا وَقَدْ فَتَحْنَا خَيْبَرَ قَبْلَ أَنْ نُقْسِمَ الْغَنَائِمَ، وَإِنَّ حُزُمَ خُيُولِهِمْ يَوْمَئِذٍ اللِّيفُ. فَقَالَ سَعِيدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْسِمْ لَنَا. فَلَمْ يقسم لهم من الغنيمة شيئا. 738- تم غزاة وادي القرى. انصرف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر، ثُمَّ صار إلى وادي القرى فِي جمادي الآخرة سنة سبع، ففتحها عنوة، وغنمه اللَّه أموال أهلها. وكان خليفته سِباع، أَوْ نميلة. وخلافة سباع أثبت. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عبد الله بن شقيق، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَلْقَيْنَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْقُرَى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: [أُمِرْتُ بِأَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تُقِيمُوا

739 - ثم عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عمرة القضاء،

الصَّلاةَ وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ، يَعْنِي الْيَهُودَ. قُلْتُ: فَمَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: الضَّالُّونَ، يَعْنِي النَّصَارَى. قُلْتُ: فَلِمَنِ الْمَغْنَمُ؟ قَالَ: لِلَّهِ سَهْمٌ [1] ، وَلِهَؤُلاءِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ. قُلْتُ: فَهَلْ أَحَدٌ أَحَقُّ بِالْمَغْنَمِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لا، حَتَّى السَّهْمُ [2] يَأْخُذُهُ أَحَدُكُمْ مِنْ جَنْبِهِ فَلَيْسَ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ.] 739- ثُمَّ عمرة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ عمرة القضاء، وَيُقَالُ عمرة القضية أيضًا. سار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وساق معه ستين بدنة. وذلك فِي ذي القعدة سنة سبع. وكان عَلَى بُدنة ناجية بْن جُنْدب الأسلمي. فأقام بمكة ثلاثة أيام، ثم خرج راجعا إلى المدينة. وجعل المشركون/ 170/ يقولون: لقد أصاب أصحابَ مُحَمَّد بعدنا ضُرّ. فأمرهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يظهروا الجلد والقوة. فلذلك كَانَ الرمل. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة أبا ذَرّ جُنْدب بْن جنادة الغفاري. وَيُقَالُ عُوَيف بْن ربيعة ابن الأضبط الكناني. 740- ثُمَّ غزاة فتح مكَّة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثمان. وكان سببها أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضي قريشًا عام الحديبية عَلَى ما قاضاهم عَلَيْهِ. فسمع رَجُل من خزاعة، وكانوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عهده وعقده، رجلًا من كنانة، وكانوا فِي عهد قريش وذمتها، يهجو رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فوثب عَلَيْهِ وشجه، فاقتتلت خزاعة وكنانة. وأعانت قريش بني كنانة، وخرج وجوههم يقاتلون متنكرين. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عَمْرو بْن سالم بْن حَصيرة الخزاعي فِي عدَّة من قومه يستنفر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويذكره الحلف بين عَبْد المطلب وبينهم، فقال [3] : لا هم إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا

_ [1] أى النصيب. [2] أى القداح. [3] ابن هشام، ص 806، الطبرى، ص 1621- 1622، الاستيعاب رقم 1955 عمرو بن سالم، مع زيادات واختلافات. (خ في الثانى: «الوعدا» بدل «المواعد» ، والتصحيح عن المصادر) .

إن قريشًا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا وزعموا أن لستَ تدعو أحدًا ... وهم أذلّ وأقل عددا فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّه نَصْرًا أَيِّدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللَّه يأتوا مددا فحدثني عَبْد الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة أَنَّ خُزَاعَةَ نَادَوُا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يغتسل، فَقَالَ: لبيكم. واستعدّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغزو أهل مكَّة إذ نقضوا العهد ونكثوه. فكتب حاطب ابن أَبِي بلتعة اللخمي، حليف الزُّبَيْر، إلى صفوان بْن أمية، وعكرمة بْن أَبِي جهل، وسهيل بْن عَمْرو يُعلمهم غزو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياهم، وبعث بكتابه مَعَ امرأة من مُزينة يُقال لها كَنُود. وَيُقَالُ مَعَ سارة، مولاة عَمْرو بْن هاشم بْن المطلب بْن عَبْد مناف. فجعلته فِي رأسها، ثم فتلت عليه قرونَها. فَوَجَّهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها عليّ بْن أَبِي طَالِب، والزبير بْن العوام، وأبا مرثد الغنوي، وكلُّهم فارس. فلحقوها بروضة خاخ. فأناخوا بعيرها، ثُمَّ فتشوها. فلما رأت الجدّ، أخرجت الكتاب من عقصتها. وقَالَ بعضهم: لم تجعل الكتاب فِي رأسها، ولكنها جعلته فِي حُجزتها. وقيل إنها جعلته فِي رأسها حتَّى أمنت، ثُمَّ جعلته فِي حجزتها. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاطِبٍ: [مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه، إني صانعتُ القوم عَلَى مالي وأهلي قِبلهم، ولستُ لهم بقرابة ولا فيهم من يذبّ عني. فقبل رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عذره. فَقَالَ له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: ائذن لي يا رَسُول اللَّه اضرب عنقه فقد خان اللَّه ورسوله. فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أو ليس هُوَ من أهل بدر؟ ما ندري لَعَلَّ اللَّه قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فقال: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ أوجبتُ لَكَم الْجَنَّةَ.] فأنزل الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [1] . ومضت سارة إلى مكة. وكانت، فيها يزعمون، مغنيَّة. فأقبلت تتغنى بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين. ولما وافى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ، تسلح قوم معهم وقالوا: لا يدخلها مُحَمَّد عَنْوَةً. فَقَاتَلَهُمْ خالدُ بْن الْوَلِيدِ، وَكَانَ أَوَّلَ من أمره رسول الله صلى الله

_ [1] القرآن، الممتحنة (60/ 1) .

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقتال. وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْر فِي كتيبة، سوى كتيبة خالد. وجعل أبا عبيدة بن الجرّاح عَلَى الحُسّر، فأوقعوا بالمشركين. وكان الْعَبَّاس بْن عَبْد المطلب لقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الحُليفة، وَهُوَ يريد مكَّة وَقَدْ أظهر إسلامه. فأمره أن يمضي نقْلَه/ 171/ إلى المدينة وقَالَ: [هِجْرَتُكَ، يَا عَمُّ، آخِرُ هِجْرَةٍ كَمَا أن نبوتي آخر نبوة.] وكانت قريش لما جنتْ ما جنتْ، خافت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثت أبا سُفْيَان يجدّد الحلف ويُصلح بين النَّاس. [فقال لَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ: أنت سيد قريش، فاضرب يدا عَلَى يد، وأجدّ الحلف وأصلح بين النَّاس.] فانصرفَ وهو يرى أَنَّهُ قَدْ صنع شيئًا. ثُمَّ رجع وأقام بمرّ الظهران حتى وجدته خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته به. فمنعه العباس واستأمن لَهُ. فدخل مكَّة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما رأى كثرةَ المسلمين وإيقاعهم بمن أوقعوا بِهِ من المشركين، قَالَ: أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَقَالَ الْعَبَّاس: يا رَسُول اللَّه، إن أبا سُفْيَان يحبّ الفخر عَلَى قريش، فاجعل لَهُ شيئًا يُعْرَف بِهِ. [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أغلق بابه فهو آمن، ومن وضع سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار أَبِي سُفْيَان فهو آمن.] وأمر أن لا يجهز عَلَى جريح، ولا يتّبع مدبِر. وأراد أَبُو سُفْيَان دخول داره، فقالت لَهُ هند: وراءك، قبحك اللَّه فإنك شرُّ وافد. وقتل من قريش أربعة وعشرون، ومن هذيل أربعة نفر. وَيُقَالُ إنه قتل من قريش ثلاثة وعشرون، وهرب أكثرهم واعتصموا برءوس الجبال وتوقلوا [1] فيها. وَيُقَالُ أَنَّهُ استشهد من المسلمين كُرز بْن جَابِر الْفِهْرِيُّ، وَخَالِدٌ الأَشْعَرُ الْكَعْبِيُّ. وقَالَ الكلبي: هُوَ حُبيش الأشعر بْن خَالِد الكعبي، من خزاعة. 741- ودخل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة، وعليه عمامة سوداء، ولواؤه أسود. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأصنام فهدمت، وبالصُّوَر التي كانت فِي الكعبة فمحيت. وأمر بلالًا، حين جاءت الظهر، فأذّن عَلَى ظهر الكعبة، وقريش فوق الجبال: منهم من يطلب الأمان، ومنهم من قَدْ أومن.

_ [1] أى صعدوا..

فلما قَالَ: «أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّه» ، قَالَتْ جويرية [1] بِنْت أَبِي جهل: لقد أكرم اللَّه أبا الحكم حين لم يسمع نهيق ابْنُ أم بلال فوق الكعبة. وَيُقَالُ إنها قَالَتْ: لقد رفع اللَّه ذكر مُحَمَّد، وأمَّا نحن فنصلى، ولكنا لا نحبّ والله من قتل الأحبة أبدًا. وقَالَ خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص: الحمد لله الَّذِي أكرم أَبِي فلم ير هَذَا اليوم ولم يسمع هَذَا الصوت. وقال الحارث بن هشام: واثكلاه، ليتى متُّ ولم أسمع نهيق ابْنُ أم بلال عَلَى الكعبة. وهذا أثبت مما روى عن جويرية. وَيُقَالُ إنّ عكرمة بْن أَبِي جهل قَالَ: لقد أكرم اللَّه أبا الحكم حين لم يسمع نهيق ابْنُ أم بلال عَلَى الكعبة. 742- وقيل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا تنزل منزلك من الشعب؟ [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وهل ترك لنا عقيل من رباع؟] وكان عقيل باع منزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنازل إخوته من الرجال والنساء. ونظر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر يسايره، إلى بنات أبي أحيحة سَعِيد بْن العاص ابن أمية يلطّمن وجوه الخيل بالخُمر وَقَدْ نشرن شعورهن، فتبسم وقال: يا با بَكْر كيف قَالَ حسان بْن ثابت؟ فأنشده [2] : تظلّ جيادُنا متمّطرَات ... تلِّطمهن بالخُمرُ النساءُ وكان حماس (بن قيس) [3] بن خالد الدّئلى قَالَ لامرأته حين أظلهم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لآتينك بخادم منهم. فلما جاء منهزمًا، قَالَتْ هازئة بِهِ: أَيْنَ الخادم الَّذِي وعدتَني فإني لم أزل منتظرة لَهُ؟ فقال [4] : وأنت لو شهدتنا بالخندمة ... إذ فر صفوانٌ وفر عِكرمة أَبُو يزيد كالعجوز المؤتمة ... لم تنطقي فِي اللوم أدنى كلمة

_ [1] راجع أيضا السهيلي 2/ 276- 277. [2] ديوان حسان، ق 1، ب 13، ابن هشام، ص 829- 830، الرسالة العثمانية للجاحظ، مع سهو في الطباعة، السهيلي 2/ 181 مع بحث في كلمة «يلطمهن» أو «يطلمهن» حسب الروايات. [3] التكملة عن ابن هشام والطبرى. [4] ابن هشام، ص 818، الطبرى، ص 1639، الاستيعاب رقم 1382 صفوان بن أمية، مع زيادات واختلافات.

المهدورة دماؤهم

إذ ضربتنا بالسيوف المسلمة ... لهم زئير خلفنا وغمغمة / 172/ وكان هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهم يقولون: لا ندع محمدا يدخل مكة أبدا. [المهدورة دماؤهم] 743- وأمر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ ستة نفر، وأربع نسوة. فأمَّا النفر فعكرمة بْن أَبِي جهل، وهبّار بْن الأسود، وعبد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، ومقيس بن صبابة، والحويرث بن نقيذ، وابن خطل. وأمَّا الأربع النسوة فهند بِنْت عتبة، وسارة مولاة عمرو بن هاشم بْن المطلب، وقينتا هلال بْن عَبْد اللَّه ابن خطل الأدرمي (وَيُقَالُ هُوَ عَبْد اللَّه بْن هلال، والأول قول الكلبي، وقينتاه فرتنا وأرنب، وَيُقَالُ قريبة «أبو يزيد [1] » : سهيل بْن عَمْرو. 744- فأمَّا عكرمة، فأنه هرب. وأسلمت امرأته أمّ حكيم فقالت: يا رَسُول اللَّه زوجي هرب خوفًا منك فَقَالَ: هُوَ آمن. فخرجت فِي طلبه، ومعها غلام لها رومي فراودها عن نفسها، فلم تزل تمنيه حتَّى انتهت إلى حيّ من العرب فاستغاثتهم عَلَيْهِ. فأوثقوه رباطًا. وأدركت عكرمةَ فِي ساحل من السواحل، قَدْ ركب البحر. فجعل النوتي يَقُولُ لَهُ: قل لا إله إلا اللَّه. فَقَالَ: ويحك، ما هربتُ إلا من هذه الكلمة. وقالت له امرأته: جئتك، يابن عم، من عند أوصل النَّاس وأحلمهم وأكرمهم، قَدْ أمنك وعفا عنك. فرجع. وأخبرته خبر الرومي. فقتله وهو لم يُسلم بعد. ثُمَّ لما قَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقف بين يديه. فأظهر السرور بِهِ. وأسلمَ وسأل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستغفر لَهُ. فاستغفر لَهُ. وقَالَ: والله لاجتهدن فِي جهاد أعداء اللَّه. وجعل عَلَى نفسه أن يحصي كل نفقة أنفقها فِي الشرك فينفق مثلها فِي نصر الْإِسْلَام. وأقرّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأته على نكاحه. 745- وأما هَبّار بْن الأسود، فكان ممن عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حملت من مكَّة إلى المدينة. فكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر سراياه إن لقوه أن يحرّقوه. ثُمَّ قَالَ: [لا يعذّب بالنار إلا خالق النار] . فأمر بقطع يديه ورجليه وقتله [2] . فلما كَانَ يَوْم الفتح، هرب ثم قدم على

_ [1] أى المذكور في أبيات حماس الآنفة ذكرها. [2] خ: «وقتله وقتله» (تكرر سهوا) .

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. وَيُقَالُ أتاه وهو بالجعرانة حين فرغ من أمر المشركين بحُنين. فمثُل بين يديه وَهُوَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُول اللَّه. فقبل إسلامه، وأمر أن لا يعرض لَهُ. وخرجت سُلمى مولاةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لا أنعم الله بك عينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مهلا، فقد محا الْإِسْلَام ما قبله.] قَالَ الزُّبَيْر بْن العوام: لَقَدْ رأيتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد غلظته عَلَى هبّار يطأطئ رأسه استحياء مِنْهُ، وهو يعتذر إِلَيْه. 746- وأمَّا عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، فإنه أسلم وكان يكتب بَيْنَ يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيملي عَلَيْهِ «الكافرين» ، فيجعلها «الظالمين» ، ويملي عَلَيْهِ «عزيز حكيم» فيجعلها «عليم حكيم» ، وأشباه هَذَا، فَقَالَ: أَنَا أقول كما يَقُولُ مُحَمَّد وآتي بمثل ما يأتي بِهِ مُحَمَّد. فأنزل اللَّه فِيهِ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ [1] . وهرب إلى مكَّة مرَّتدًا. فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله. وكان أخا عثمان بْن عفان من الرضاع. فطلب فِيهِ أشد طلب حتَّى كف عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: أما كَانَ فيكم من يقوم إلى هَذَا الكلب قبل أن أؤمّنه فيقتله؟ فَقَالَ عُمَر- وَيُقَالُ أَبُو اليسر- لو أومأت إلينا، قتلناه. فَقَالَ: إني ما أقتل بإشارة، لأن الأنبياء لا يكون لهم [2] خائنة الأعين. وكان يأتي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فيسلم عليه. وولاه عثمانُ مصر، فابتنى بها دارًا، ثُمَّ تحوّل إلى فلسطين فمات بها. وبعض الرواة يَقُولُ: مات بإفريقية والأول أثبت. 747- وأمَّا مِقْيَس بن صبابة الكنانى، فإن أخاه هاشم بْن صُبابة بْن حزن أسلم وشهد غزاة المُرَيسيع مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ/ 173/ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتله رَجُل منَ الأنصار خطأ وهو يحسبه مشركا. فقدم مقيس عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى لَهُ بالدية عَلَى عاقلة الْأَنْصَارِيّ. فأخذها وأسلم ثم عدا

_ [1] القرآن، الأنعام (6/ 93) . [2] خ: لها.

عَلَى قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدا وقَالَ [1] : شفى النفسَ أن قَدْ بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الأخادع ثأرت به قهرا وحملتُ عقله ... سراة بني النجار أربابَ فارع حللتُ بِهِ وتري وأدركتُ ثؤرتي ... وكنتُ عن الْإِسْلَام أول راجع فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله [2] من لقيه. فلما كَانَ يَوْم الفتح، خرج مدججا، وهو يَقُولُ: دون دخول محمد أتا ... ها ضرب كأفواه المزاد (كذا) وكان قَدِ اصطبح ذَلِكَ اليوم فِي أصحاب له. وكانت أمه سهيمة. وكان معهم. فعاد حين انهزم النَّاس، فشرب. وعرف نُميلة بْن عَبْد اللَّه الكناني موضعه، فدعاه. فخرج إِلَيْه ثملًا، وهو يَقُولُ متمثلًا [3] : دعيني أصطبح يَا بكر إني ... رأيت الموت نقب عن هشام ونقب عن أبيك أبي يزيد ... أخي القينات والشُّرب الكرام فلم يزل نميلة يضربه بالسيف حتَّى قتله. فَقَالَ شاعرهم [4] : لعمري لقد أخزى نميلة رهطه ... وفجّع أضياف الشتاء بمقيس فلله عينَا من رَأَى مثل مقيس ... إِذَا النفساء أصبحت لم تُخَرَّسِ 748- وأمَّا الحويرث بن نقيذ، فكان يعظّم القول فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينشد الهجاء فِيهِ، ويكثر أذاه وهو بمكة. فلما كَانَ يَوْم الفتح، هرب من بيته. فلقيه عليّ بْن أَبِي طَالِب فقتله. 749- وأمَّا هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد مناف الأدرمي، وهو ابْنُ خَطل- وبعضهم يَقُولُ عَبْد اللَّه، والثبت أن اسمه هلال- فإنه أسلم وهاجر إلى المدينة. فبعثه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعيا عَلَى الصدقة، وبعث معه رجلا من خزاعة.

_ [1] ابن هشام، ص 728، الطبرى، ص 1516، مع زيادات واختلافات. (خ في الأول: «يضرح» ، في الثانى: «فهرا» ) . [2] خ: يقتله. [3] مضى ذكرهما مع أبيات أخرى أعلاه. وهما لابن شعوب وهو شداد بن الأسود. [4] ابن هشام، ص 820، الطبرى، ص 1641، وذكر أنهما لأخت مقيس لم تسم.

فوثب عَلَى الخزاعي فقتله. وذلك أَنَّهُ كَانَ يخدمه، ويتخذ له طعامه. فجاء ذات يَوْم ولم يتخذ لَهُ شيئًا، فاغتاظ وضربه حتى قتله. وقال: إن محمد (ا) سيقتلني به، فارتد وهرب وساق ما كان معه من الصدقة، وأتى مكَّة. فَقَالَ لأهلها: لم أجد دِينا خيرا من دينكم. وكانت له قينتان، فكانتا تغنيان بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويدخل عليهما المشركون فيشربون عنده الخمر. [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: أقتلوه ولو كَانَ متعلقا بأستار الكعبة.] فقتله أَبُو بَرزة الأسلمي. واسمه نَضلة بْن عَبْد اللَّه، وذلك الثبت. وبعضهم يقول: اسمه خَالِد بْن نضلة، وهو قول الهيثم بْن عدي. وبعضهم يَقُولُ: عَبْد اللَّه بْن نضلة أيضًا. وَيُقَالُ قتله شريك بْن عبدة، من بنى العجلان. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ» . فأخرجت عبد الله ابن خَطَلٍ، وَهُوَ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ. وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. وَيُقَالُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ [1] الْمَخْزُومِيُّ أَخُو عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ [2] . 750- أما هند، فأسلمت وكسرت كل صنم فِي بيتها، وأتت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلمةً، وبايعها مَعَ النساء. وكان فِي بيعة النساء «أن لا يزنين» ، فقالت: «وهل تزني الْحُرَّةُ؟ [3] » . وأهدت إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جديَين، واعتذرت من قلة ولادة غنمها. فدعا لها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكثرت غنمهم. فكانت تَقُولُ: هَذَا ببركة/ 174/ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالحمد لله الَّذِي هدانا للإسلام وأكرَمنا برسوله. وقالت حين هدمت الأصنام التي كانت فِي بيتها: لقد كُنَّا منكم فِي غرور. 751- وأمَّا سارة، صاحبة كتاب حاطب بْن أَبِي بلتعة، فكانت مغنّية نوّاحة. وكانت قدمت من مكَّة، فوصلها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شكت

_ [1] خ: حرث. (والتصحيح عن الاستيعاب، ومصعب وغيرهما) . [2] خ: الحويرث. (والتصحيح كما مر) . [3] راجع تفاصيل أخرى في السهيلي 2/ 257.

إِلَيْه الحاجة. وقالت: إني قَدْ تركتُ النوحَ والغناء. ثُمَّ رجعت إلى مكَّة مرتدَّة، وجعلت تتغنى بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقتلها عليّ بْن أَبِي طَالِب. وَيُقَالُ غيره. 752- وأما قينتا ابْن خطل، فإن إحداهما وهي أرنب- وَيُقَالُ قُريبة- فقتلت [1] . وبقيت الأخرى، فجاءت مسلمة، وَقَدْ تنكرت. واسمها فُرتنا. ولم تزل باقية إلى خلافة عثمان. فانكسرت لها ضلع، وماتت. وقَالَ الواقدي: كُسرت ضلع من أضلاع فرتنا، قينة ابن خطل، فقضى عثمان فيه بثمانية آلاف: ستة آلاف ديتها وألفان لتغليظ الجناية. 753- وكان عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية من أشد النَّاس عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شديدًا عَلَيْهِ، وكان يكذّبه ويهجوه. وفيه يَقُولُ حسان [2] : (شعر) أتهجوه ولست له بندّ ... فشرّ كما لخير كما الفداءُ فأتيا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنيق العُقاب، فلم يأذن لهما. فأمَّا عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية، فتكلمت فِيهِ أخته أم سَلَمة، حتَّى أذن لَهُ فسلم عَلَيْهِ وبايعه ولم يغمص عَلَيْهِ فِي إسلامه حتَّى استشهد يَوْم الطائف. وأمَّا أَبُو سُفْيَان، فتكلم فِيهِ الْعَبَّاس حتَّى أذن لَهُ وبايعه. ولم يزل مستغفرًا مما كَانَ فِيهِ، مجتهدًا فِي مناصحة الإسلام حتَّى مات فِي خلافة عُمَر. وصلى عَلَيْهِ عُمَر. وَيُقَالُ إنّ أبا سُفْيَان أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالأبواء، فأسلم. وَيُقَالُ إنّ أبا سُفْيَان كَانَ أخًا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرضاع: أرضعته حليمة أيامًا. 754- قَالُوا: وجعل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطعن الأصنام بمحجن معه وَيَقُولُ: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [3] . ودفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفتاحَ الكعبة إلى عثمان بْن طلحة، وكان قَدْ أسلم قبل الفتح، هُوَ وخالد بْن الوليد وعمرو بْن العاص فِي وقت واحد. وخرج عن

_ [1] خ فقبلت. [2] ديوان حسان، ق 1، ب 25، ابن هشام، ص 830، السهيلي 2/ 281، مع بعض الاختلاف. [3] القرآن، الإسراء (17/ 81) .

العفو عن الفارين بعد فتح مكة

المدينة إلى مكَّة. وفيه نزلت: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [1] » . 755- وبعث سهيل بْن عَمْرو ابنه، عبدَ اللَّه بْن سهيل، إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فآمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ سهيل: «بأبي وأمي، هُوَ فلم يزل بَرًّا حليمًا صغيرًا وكبيرًا» . وخرج مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شركه، فأسلم بالجعرانة. [العفو عن الفارين بعد فتح مكة] 756- وهرب هبيرةُ بْن (أَبِي) وهب المخزومي، وهو يومئذ زوج أم هانئ بِنْت أَبِي طَالِب، وابنُ الزبعرى- وقَالَ أَبُو عبيدة: الزبعرى بالفتح- معه إلى نجران. فأمَّا ابْنُ الزبعرى، فرجع مسلمًا. فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَدْ جاءكم عَبْد اللَّه وإنما أرى فِي وجهه نور الْإِسْلَام. فَقَالَ: السَّلام عليك يا رَسُول اللَّه. وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه. واعتذر إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبل عذرَه وقَالَ: الحمد لله الَّذِي هداك إلى الْإِسْلَام، [فقد محا الْإِسْلَام ما كَانَ قبله.] ومات هُبيرة بنَجران مشركًا. 757- وهرب حويطب بْن عَبْد العزى. فرآه أَبُو ذَرّ فِي حائط، فأخبر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكانه، فَقَالَ: [أَوْ ليس قَدْ أمنا النَّاس إلا من أمرنا بقتله؟] فأتاه فأخبره، أو أخبره غيره بذلك، فأمن. وكان حويطب بْن عَبْد العزى دخل عَلَى مروان بْن الحكم بعدُ، وهو والي المدينة، فَقَالَ لَهُ مروان: تأخّر إسلامك يا شيخ. فَقَالَ: قَدْ والله هممتُ بِهِ غير مرة، فكان أبوك/ 175/ يصدني عَنْهُ. 758- وهرب صَفوان بْن أمية، وكان يكنى أبا وهب. فتكلم فِيهِ عمير بْن وهب الجمحي، وقَالَ: سيد قومي هارب خوفا. فآمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلحقه فأعلمه أمانه. فلم يثق بِهِ حتَّى بعث إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببردة كَانَ معتجرًا بِهَا، فاطمأن ورجع مَعَ عمير وأقام كافرا وأعار رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة درع بأداتها، وشهد حنين والطائف مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى غنما كثيرة من الغنيمة، فنظر إِلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعجبتك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فهي لَكَ. فَقَالَ: وَاللَّه مَا طابت بِهَا إِلا نفس نبي. وأسلم. وأقام بِمَكَّةَ، فقيل لَهُ: لا إسلام لمن لم يهاجر.

_ [1] القرآن، النساء (4/ 58) .

وأتى الْمَدِينَة. فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: عزمت عليك يا با وهب لما رجعت إلى أبا طح مَكَّة. فرجع ومات أيام خروج النَّاس إِلَى البصرة ليوم الجمل. 759- واستسلف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة أربعين ألف درهم، ومن صَفوان خمسين ألف درهم، ومن حويطب بْن عَبْد العزى أربعين ألف درهم. فردّها حين فتح اللَّه عَلَيْهِ هوازنَ، وغنَمه أموالهم. وإنما استقرضها ليقوّي بها أصحابه. 760- وكان عَلَيْهِ السَّلام أمر بقتل وحشي، قاتل حمزة، فهرب إلى الطائف، ثُمَّ قدم فِي وفدها فَدَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه. فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أوحشي؟ قَالَ: نعم قَالَ: أخبرنى كيف قتلت حمزة؟ فأخبره. فقال: غيّب عني وجهك.] قَالَ الواقدي: فأول من ضُرب فِي الخمر وحشي، وأول من لبس المعصفَر المصقول بالشام وحشي، لا اختلاف بينهم فِي ذَلِكَ. 761- قَالُوا: وأسلم الحارث بْن هشام وأقام بمكة، وكان مغموصًا [1] عَلَيْهِ فِي إسلامه. فلما جاءت وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وبيعة أبى بكر، كان بمكة. ثُمَّ لما استنفر أَبُو بَكْر النَّاس لغزو الروم بالشام، شخص هُوَ وسهيل بْن عَمْرو، وعكرمة بْن أَبِي جهل، فاستأذنوه فِي الغزو. فأذن لهم. فخرجوا إلى الشام. فاستشهد عكرمة يوم أجنادين. ومات سهيل، والحارث فِي طاعون عمواس. 762- قَالُوا: وبلغ رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن أنس بن زُنيم، وهو أَبُو إياس- وكان ابنه مسمى باسمه- هجاه. فقدم عَلَيْهِ يعتذر فِي شعر يَقُولُ فِيهِ [2] : فما حملتْ من ناقة فوق رحلها ... أعفَّ وأوفى ذمةً من مُحَمَّد أحثّ عَلَى خير وأسرع نائلًا ... إِذَا راح يهتزّ اهتزاز المهنّد ونبئ رَسُولُ اللَّه أني هجوته ... فلا رفعت سوطي إليّ إذًا يدي سوى أنني قَدْ قلتُ يا ويح فتية ... أصيبوا بنحسٍ يَوْم طلق وأسعد

_ [1] خ: مغموما. [2] ابن هشام، ص 830 مع اختلافات وزيادات، الاستيعاب، الكنى رقم 8 أبو نواس الكنانى.

إبطال بعض مآثر الجاهلية

فبلغ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتذاره وشعره، وكُلّم فِيهِ، فعفا عَنْهُ. وكان قد (أ) نذره. [إبطال بعض مآثر الجاهلية] [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح [1] : «ألا إنّ كل دين ومال ودم وَمَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمِي، إِلا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ. وأول الدماء دم آدم بْن ربيعة] » . وكان حذيفة بْن أنس الهذلي الشَّاعِر خرج بقومه يريد بنى عدى بن الدئل، فوجدهم قَدْ ظعنوا عَنِ المنزل الَّذِي عهدهم فِيهِ، ونزله بنو سعد بْن ليث. فأغار عليّ بني سعد، وآدم بْن ربيعة مسترضَع لَهُ فيهم وصغيرًا، فقتل [2] . فوضع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يوم الفتح. فقال حذيفة بن أنس: أصبنا الأولى لما نُرِدْ أن نُصيبهم ... فساءت كثيرًا من هذيل وسرّت أسائل عن سعد بْن ليث لعلهم ... سواهم قَدْ أصابت بهم فاستحرّت فلا تواعدونا بالجياد فإنها ... لنا أكلة قَدْ عضلّت فأمرّت / 176/ وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المدينة ابْنُ أم مكتوم. وَيُقَالُ كَانَ خليفته أبا رهم الغفاري. وفشا الْإِسْلَام بمكة، وكسر النَّاس أصنامهم. ووجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كسر الأصنام التي حول مكَّة. وأقام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، حتَّى خرج منها إلى حنين. واستخلف عليها عَتّاب بْن أُسَيْدِ بْن أَبِي الْعِيصِ بْن أمية. وأسلم عَبْد اللَّه بْن أبي أمية فِي الفتح. 764- ثُمَّ غزاة حُنين. قَالُوا: قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة لثماني عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة، فأقام بها اثنتي عشرة ليلة. ثُمَّ أصبح غداة الفطر غازيًا إلى حنين. وهو واد من أودية تهامة. وكانت أشراف هوازن ابن مَنْصُور وغيرهم من قيس قَدْ تجمعوا مشفقين من أن يغزوهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: قَدْ فرغ لنا، فلا ناهية له دوننا والرأى أن نغزوه.

_ [1] راجع للنص الكامل مع مصادره: الوثائق السياسية رقم 287 ب (وقاله في خطبة حجة الوداع. وكأن المراد بالدين ههنا الربا على الدين، ليس أصل الدين، كما ورد في القرآن وكما هو أيضا في نص الخطبة عند مصادر أخرى) . [2] راجع لتفاصيل أخرى السهيلي 2/ 352، مصعبا الزبيري، ص 87.

فساروا، وعليهم مَالِكُ بْن عَوْفِ بْن سَعْدٍ، أَحَدُ بَنِي دهمان بن نصر بن معاوية ابن بَكْر، حتَّى نزلوا بأوطاس. وانتهى خبرهم إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستعمل عَلَى مكَّة عتّاب بْن أسيد، وجعل مُعَاذِ بْن جبل عَلَى تعليم النَّاس السنن، وأقرّ ابْنُ أم مكتوم وأبا رُهم عَلَى المدينة، وخرج في اثنى عشر ألفا من المسلمين. فَقَالَ أَبُو بَكْر، وَيُقَالُ غيره: لن نؤتى اليوم من قلة. فذلك قولُه تبارك وتعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) [1] . ونزل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حنين، وبينه وبين مكَّة ثلاث. وذلك فِي شوال. فالتقى المسلمون والمشركون على حنين، فاقتتلوا أشد قتال. فانكشف المسلمون إلا مائة ثبتوا وصبروا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. منهم العباس ابن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث بن عَبْد المطلب، وعلي بْن أَبِي طَالِب، وعمر، وأيمن بْن عُبَيْد. ثُمَّ ثابَتِ الأنصارُ. وثاب النَّاس، فهزم اللَّه المشركين، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون. وَيُقَالُ إن من ثبت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ الْعَبَّاس، وعلي، وأبو سُفْيَان بْن الْحَارِث، وعقيل بْن أَبِي طَالِب، والزبير، وعبد اللَّه بْن الزُّبَيْر، وأسامة. وجعل أَبُو سُفْيَان يقاتل ويقول: بنو أَبِيهِ اليوم منْ أمامِهِ ... وَمِنْ حواليه ومِن أهضامه فقاتلَ المسلمُ عن إسلامه ... وقاتل الْحَرَمِيُّ عن إحرامه [2] وأتى فلُّ هوازن أوطاسَ، وَقَدْ سُبي منهم سبي كَثِير بعث بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الجعرانة. وولى أمر السبى بُديل بْن وَرقاء الخزاعي. وبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عامر الْأَشْعَرِيَّ إلى أوطاس متبعًا للكفرة، فقُتل. قتله سلمةُ بْن سمادير [3] الجشمي، فِي قول ابْنُ الكلبي. فقام بأمر النَّاس أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. وأقبل المسلمون إلى أوطاس، فهربوا منهم إلى الطائف.

_ [1] القرآن، التوبة (9/ 25) . [2] خ: «المجرم عن إجرامه» ، ثم بالهامش «الحرمي» . (ولم يرد إلا المحرم والإحرام بالحاء المهملة) . [3] خ: سماد بن (والتصحيح عن ابن هشام، ص 853. سمادير أمه، وأبوه دريد راجع أيضا الطبرى، ص 1667) .

765 - ثم غزاة الطائف.

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ الأَزْدِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بن عبد الرحمن الأشقري قَالَ: لَمَّا هَزَمَ اللَّهُ هَوَازِنَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، عَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي عَامِرٍ عَلَى خَيْلِ الطَّلَبِ، فَطَلَبَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَإِذَا ابْنُ دُرَيْدِ بْنُ الصِّمَّةِ. فَعَدَلَ أَبُو عَامِرٍ إِلَيْهِ، فَقَتَلَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَأَخَذَ اللِّوَاءَ مِنْهُ. وَشَدَدْتُ عَلَى ابْنِ دُرَيْدٍ، فَقَتَلْتُهُ وَأَخَذْتُ اللِّوَاءَ مِنْهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ بِالنَّاسِ. فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَقُتِلَ [1] أَبُو عَامِرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ يَدْعُو لأَبِي عَامِرٍ. وكان شَيْبَة بْن عثمان العبدري شديدًا عَلَى المسلمين، وكان ممن أَوْمن، فسار إلى هوازن طمعًا فِي أن يصيب من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غرَّة. قَالَ: فدنوتُ مِنْهُ، فإذا أهله محيطونَ بِهِ، ورآني فَقَالَ: يا شيبُ، إليّ. فدنوتُ مِنْهُ. فمسح صدري، ودعا لي. فأذهب اللَّه كل غلّ كَانَ فِيهِ، وملأهُ إيمانًا، وصار أحبّ النَّاس إليَّ. 765- ثُمَّ غزاة الطائف. أتاها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنصب/ 177/ عليها منجنيقًا اتّخذها سلمانُ الفارسيُّ. وكان مَعَ المسلمين دَبّابة. يُقال إنّ خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص قدم بها من جُرَش. فحاصر أهلَ الطائف خمسة عشر يومًا. وألقوا عَلَى الدبّابة سككًا من حديد محماةً، فأحرقتها وأصابت من تحتها من المسلمين. ثُمَّ انصرف عن الطائف إلى الجعرانة، فقسّم الغنائم والسبي. [وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُدّوا الخيطَ والمخيط، وإياكم وَالْغُلُولَ فإنه عار ونار وشنار يَوْم القيامة. ثُمَّ أخذ بيده وبرة، فَقَالَ: ما يحلّ لي مما أفاء اللَّه عليكم مثل هَذِهِ الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود فيكم.] وبعث أهلُ الطائف وفدهم إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شهر رمضان سنة تسع، وفيهم عثمان ابن أبي العاص الثقفي، يسألونه أن يكتب لهم كتابًا عَلَى ما فِي أيديهم مما يسلمون عَلَيْهِ من مال وركاز وغير ذَلِكَ. ففعل، وأسلموا. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة ابْنُ أم مكتوم، أَوْ أبا رهم. ونزل مالك بْن عوف من حصن الطائف، فأتى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه بشعر وأسلم. فوهب 1/ 467

_ [1] خ: أقبل.

له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل بيته، واستعمله عَلَى من أسلم من قومه ومَن حول الطائف. وحدَّثني مصعب بْن عَبْد اللَّه الزبيري قَالَ سَمِعْتُ مالكًا يحدث أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسَك من خشب يُطيف بعسكره حين حاصر أهل الطائف [1] . ومنّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أقارب ظئره حليمة يَوْم حنين. وَنَزَلَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين حاصر أهل الطائف، رقيق من رقيقهم. منهم أَبُو بكرة بْن مَسْرُوحٍ مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسمه نُفيع وهو أخو زياد بْن أَبِي سُفْيَان لأمه، والأزرق، وكان روميا غلاما للحارث بن كلدة الثقفي، وولده بالمدينة قد شرفوا. وقد كان الأزرق هَذَا تزوّج سمية أم عمار بْن ياسر، ثُمَّ تزوجها ياسر فولدت لَهُ عمارًا. وَيُقَالُ بل خلف الأزرق عَلَى سُمَيَّةَ وَقَدْ فارقها ياسر، فولدت لَهُ سَلَمة (بْن) الأزرق، وهو أخو عمار لأمه. وبعض الرواة يظن أنه أَبُو الأزارقة، والأزرق الذى نسبت إِلَيْه الأزارقة أبو نافع بن الأزرق وهو حَنفي، وهو غير هَذَا. قَالُوا: وكانت ثقيف تَقُولُ، حين حاصرها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: نحن قسيّ وقيسا أبونا ... والله لا نُسلم ما حيينا وَقَدْ بنينا حائطا حصينا وحدثنى مُحَمَّدٌ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَكْحُولٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى حِصْنِ الطَّائِفِ، وَلَمْ يَخْلُ الْحِصْنُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الذُّرِّيَّةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عن مسلم بن يسار أن سلمان أَشَارَ بِنَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الطَّائِفِ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يُعْلِمُوا، ثُمَّ نَصَبَهُ. قَالُوا: وكان أَبُو أحيحة سَعِيد بْن العاص بن

_ [1] راجع أيضا ابن سعد، 2 (1) / 114. [2] أيضا.

766 - ثم غزاة تبوك.

أمية مات فِي ماله بالطائف سنة اثنتين من الهجرة كافرًا. وَيُقَالُ فِي أول سنة من الهجرة. فلما غزا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الطائف، رأى قبر أبي أحيحة مشرفا فقال أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: لعن اللَّه صاحب هَذَا القبر فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن يحاد اللَّه ورسوله. فَقَالَ ابناه، عَمْرو وأبان، وهما مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَل لعن اللَّه أبا قحافة فإنه لا يَقري الضيف ولا يمنع الضيم. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سب الأموات يؤذي الأحياء، فإذا سببتم فعمّوا] [1] . قَالُوا: وحجّ بالناس فِي سنة ثمان عتّاب بْن أسيد. وَيُقَالُ بل حجوا بلا أمير أوزاعًا. 766- ثُمَّ غزاة تبوك. وكانت فِي رجب سنة تسع. وسببها أن هرقل ومن اجتمع إِلَيْه من لخم، وجذام، وعاملة وغيرهم أظهروا أنهم يريدون غزو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا سار إليهم، هابوا محاربته. فلم يلق كيدًا. وأتته رسلُ هرقل، فكساهم وردّهم. وكان جَيْشُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الغزاة يدعى جيش العُسرة، لان النَّاس كانوا مضيّقين. فجهز عثمان/ 178/ ابن عفان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ ثلثهم. ويقال أكثر من ذلك. وأنفق عليهم رضي الله تعالى عنه سبعين ألف درهم. وَيُقَالُ أكثر من ذَلِكَ. وأعطاهم أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ جميع ما بقي من ماله، وهو أربعة آلاف درهم. وكان المسلمون ثلاثين ألفًا. وكانت الإبل اثني عشر ألف بعير، والخيل عشرة آلاف. وكان خَلِيفَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة ابْنُ أم مكتوم. ويقال محمد بن سلمة الْأَنْصَارِيّ. وَيُقَالُ كَانَ خليفته أبا رُهم. وَيُقَالُ سباع ابن عُرْفُطة. وأثبت ذَلِكَ مُحَمَّد بْن مسلمة الأوسي. 767- حجة الوداع. ثُمَّ كانت حَجَّةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سنة عشر. وهي التي تسمى حجة الوداع. وإنما سميت بذلك بعد وفاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس أنكر قولهم «حجة الوداع» ، فقالوا: حجة الْإِسْلَام. فَقَالَ: نعم، لم يحجّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة غيرها. وقَالَ إِبْرَاهِيم بْن سعد: هِيَ تسمى أيضًا حجة البلاغ. وكان خليفته فِي هَذِهِ الحجة ابْنُ أم مكتوم.

_ [1] وبهامش الأصل: «أسلم أبو قحافة رضى الله عنه يوم الفتح. وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليرضى بلعنه رحمه الله. بل لعن الله أهل الأهواء الفاسدة.» .

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من بَيْتِهِ مُتَدَهِّنِا مُتَرَجِّلا، حَتَّى أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ من نسج صحار: إزار وَرِدَاءً.. وَخَرَجَ بِنِسَائِهِ جَمِيعًا، فَدَخَلَ مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَشْعَرَ بُدْنَهُ فِي الجانب الأيمن. ثم ركب ناقته الْقَصْوَاءَ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وُولد مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا بذي الحليفة. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [1] قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أفرد [2] الحجّ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَسَاقَ الْهَدْيَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ [سمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا] [3] . قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَتَّعَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ: تَمَتَّعَ [4] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدِ اعتمر

_ [1] موطأ مالك، كتاب 20، حديث 37. [2] الإفراد حج لا عمرة فيه. والعمرة زيارة الكعبة في غير أيام الحج. [3] هو القرآن، ينوى فيه بالحج والعمرة بإحرام واحد، أى يعتمر ولا يستحل ثم يحج. [4] في التمتع يعتمر الرجل ثم يستحل. وبعد ذلك ينوى بالحج بإحرام جديد زمن الحج.

رسول الله صلى الله عليه وسلم من الْجُعْرَانَةِ عُمْرَةً مَشْهُورَةً. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَتْ زَامِلَةُ [1] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْرٍ فِي حَجَّتِهِ وَاحِدَةً. وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رأسه بلحى جَمَلٍ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ. وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ نَهَارًا عَلَى رَاحِلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَأَى الْبَيْتَ، رَفَعَ يَدَيْهِ فَوْقَ زِمَامِ نَاقَتِهِ، فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ. فَبَدَأَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ قَبْلَ الصَّلاةِ، وَلَمْ يَسْتَلِمْ مِنَ الأَرْكَانِ إِلا الْيَمَانِيَّ وَالأَسْوَدَ. وَرَمَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الحجر إلى الحجر في الأشواط الثلاثة. وحدثنى مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ التَّمِيمِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، ثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: حَجَّ مُعَاوِيَةُ، فَوَافَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَاسْتَلَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ الأَرْكَانَ كُلَّهَا. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّمَا اسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ من أركانه مَهْجُورٍ. وخطب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل يَوْم التروية بيوم بعد الظهر، ويوم عَرَفَةَ حين زالت الشمس وهو عَلَى راحلته قبل الصلاة، وو الغد من يَوْم النحر بعد الظهر بمنى. وساق فِي حجته مائة بدنة، نحر منها سِتين بيده بالحربة. ثُمَّ أعطى عليًا رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ سائرها، فنحرها. ولم يصم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم عرفة. وصلى الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين. ثُمَّ وقف بعرفة. ودفع [2] حين غابت الشمس. فقصر فِي سيره. ثُمَّ صلى المغرب والعشاء بأذان وإقامتين. قَالَ: وقَالَ الزُّهْرِيّ: صلّاهما بإقامة/ 179/ وبات بالمزدلفة. وأذن لنسائه فِي التقدم من جَمْعٍ، بليل. ووقف عَلَى ناقته القصواء حتَّى أسفر. ثُمَّ دفع، ورمى جمرة العَقَبة يَوْم النحر عَلَى راحلته. ونحر بالمنحر. وقَالَ: كل منى منحر. وحمل حصاةً من جَمْعٍ. ثُمَّ كَانَ يرمى الجمار ماشيًا. ورمى يَوْم الصدر راكبًا. وَيُقَالُ ماشيًا. وكان يرفع يديه عند الجمار، ويقف. ولا يفعل ذَلِكَ عند جمرة العقبة. وزار البيتَ يَوْم النحر. ونفر يَوْم الصدر، فنزل بالأبطح فِي قبة ضُربت لَهُ. فلما

_ [1] دابة تحمل الزاد والحوائج. [2] أى خرج.

سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كَانَ فِي آخر الليل، خرج فودّع البيتَ. ثُمَّ مضى من وجهه إلى المدينة. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثنا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ رَاشِدِ بْن سَعْد، عن عبد الله ابن فُلانِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَقْرَطِ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْضَلُ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقُرِّ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي.] قَالَ: وَقُرِّبَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ بَدَنَاتٍ أَوْ سِتٌّ، فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ. سرايا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 768- سرية حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ. بَعَثَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعترض عيرًا لقريش فِي ثلاثين راكبًا، وعقد لَهُ لواء. وهو أول لواء عقده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فانتهى إلى الساحل، ولم يلق كيدا. وذلك فِي شهر رمضان عَلَى رأس سبعة أشهر من الهجرة. 769- سرية أميرها عبيدة بْن الحارث بْن المطلب بْن عَبْد مناف إلى بطن رابغ. وكان فِي ستّين راكبًا. فلقي أبا سُفْيَان بْن حرب، وهو فِي مائتي راكب. فتراموا وتناوشوا قليلًا ثُمَّ افترقوا. وذلك عَلَى رأس ثمانية أشهر من الهجرة. وَيُقَالُ لهذه السرية أيضًا ثنية المرَّة، مشدّد. «ورابغ» واد عَلَى عشرة أميال من الجُحْفة. وَيُقَالُ إنّ سرية عبيدة هَذِهِ قبل سرية حمزة. 770- سرية أميرها سعد بْن أَبِي وقاص الزُّهْرِيّ إلى الخرّار. بَعَثَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعتراض عير قريش، ففاتته. ولم يلق كيدا. وذلك فِي ذي القعدة عَلَى رأس تسعة أشهر من الهجرة. وبعد هَذِهِ السرية كانت غزاة الأبواء، ثُمَّ غزاة بواط، ثُمَّ غزاة سُفوان، ثُمَّ غزاة ذي العُشيرة. 771- وسرية أميرها عَبْد اللَّه بِنْ جحش الأسدي إلى نخلة فِي رجب سنة اثنتين. قَالَ عَبْد اللَّه: دَعَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليّ سلاحي، ودعا أَبِيّ بْن كعب، فأمره. فكتب كتابا. ثُمَّ أعطاني إياه. وكان فِي أديم [1] خولاني. وقَالَ: قَدِ استعملتك عَلَى هَؤُلَاءِ القوم. فأقرأ كتابي بعد ليلتين. واسلك

_ [1] خ: أديم ثم.

النجديةَ. فكان فِيهِ: «سر عَلَى اسم اللَّه وبركته حتَّى تأتي بطن نخلة، فارصد بها عير قريش [1] » . قَالُوا: فسار حتَّى صار إلى نخلة فوجد بها عيرًا لقريش، فيها عَمْرو بْن الحضرمي، وحكم بْن كيسان مَوْلَى بني مخزوم، وعثمان بن عبد الله ابن أَبِي أمية بْن المغيرة المخزومي، ونوفل بْن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة. فحلق ابْنُ كيسان رأسه حين رَأَى المسلمين. فلما أراد واقد بْن عَبْد اللَّه التميمي، وعكاشة بْن محصن أن يغيرا عَلَى العير، رأيا الحكم محلوق الرأس. فانصرفا وقالا: هَؤُلَاءِ قوم عمار. ثُمَّ تبينوا أمرهم، فقاتلوهم. فرمى واقد عمرو ابن الحضرمي، فقتله. واستأسر عثمان بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي أمية بْن المغيرة، وحكم بْن كيسان. وأعجزهم نوفل بْن عَبْد اللَّه. واستاقوا العير. ويقال إن المقداد ابن عَمْرو أخذ حكم بْن كيسان أسيرًا. فلما قدم بابن كيسان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دعاه إلى الْإِسْلَام. فأسلم وجاهد حتَّى قتل ببئر معونة شهيدًا، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راض عَنْهُ. وكان في الجاهلية المرباع. فخمس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الغنائم، ولم يرّبعها. وكانت أول غنيمة خمست فِي الْإِسْلَام. ثُمَّ أنزل اللَّه عزَّ وجلَّ آية الغنيمة فِي الأنفال [2] . وَيُقَالُ إن هَذِهِ الغنيمة أخرّت حتَّى قسمت مَعَ غنائم أهل بدر. وجعلت قريش تَقُولُ: استحلّ محمدٌ القتال فِي الشهر الحرام، يعنون رجبا. وقَالَ بعض/ 180/ المسلمين: يا رَسُول اللَّه، أنقاتل، فِي الشهر الحرام؟ فانزل اللَّه عزّ وجل: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ. وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ. وَالْفِتْنَةُ أكبر [3] من القتل) [4] . يَقُولُ: القتال فِي الشهر الحرام كبير، وأكبر من القتال فِي الشهر الحرام، الصدّ عن سبيل اللَّه والكفر بِهِ وإخراج أهل المسجد الحرام منه، وفتنة المشركين المسلمين فِي الشهر الحرام أشدّ [5] من القتل. وبعد هذه السرية

_ [1] راجع أيضا للنص ومصادره: الوثائق السياسية، رقم 3. [2] القرآن، الأنفال (8/ 41) . [3] خ: أشد (وقدسها المؤلف وخلط بين آيتين 191، 217 من سورة البقرة) . [4] القرآن، البقرة (2/ 217) . [5] يواظب المؤلف في سهوه، فلم يذكر كلمة «أشد» في هذه الآية.

772 - وسرية عمير بن عدى بن خرشة، أحد بنى خطمة، من الأوس، إلى عصماء بنت مروان اليهودي.

كانت غزاة بدر القتال. وفدي عثمان بْن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فأتى مكَّة، ثُمَّ قتل يَوْم أحد كافرًا. 772- وسرية عمير بْن عدي بْن خرَشة، أحد بني خطمة، من الأوس، إلى عصماء بِنْت مروان اليهودي. وكانت تؤذي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتعيب الْإِسْلَام، وقالت شعرًا، هو [1] : فباسْتِ بني مالك والنبيت ... وعوفٍ وباسْتِ بني الخزرج أطعتم أتاويّ من غيركم ... فلا مِن مراد ولا من مذحج ترجونه بعد قتل الرءوس ... كما يرتجى مرق المنضج وكانت تحت رَجُل من بني خَطْمة. وقَالَ عمير بْن عدي حين بلغه قولها: لله عليّ أن أقتلها إِذَا قدمتُ المدينة. وكان والمسلمين فِي مغزاهم ببدر. فلما قدم المدينة، سَأَلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأذن لَهُ فِي قتلها. ففعل. فأتاها ليلًا، فقتلها لخمس ليال بقين من شهر رمضان. وجاء إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: أقتلت عصماء؟ قال: نعم. [فقال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا ينتطح فيها عنزان.] وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول من قالها. وقَالَ ابْنُ الكلبي: هُوَ عمير بْن خَرَشة بْن أمية بْن عامر بْن خَطْمة- واسم خطمة عَبْد اللَّه- بْن جُشم بْن مالك بْن الأوس. وعدي أخو عمير. 773- وسرية سالم بْن عمير الْأَنْصَارِيّ فِي شوال سنة اثنتين إلى أَبِي عَفَك [2] ، وهو الثبت. وبعضهم يَقُولُ: عفك [3] . وكان شيخا كبيرا يحرّض النَّاس عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ من بني عَمْرو بْن عوف. ولم يدخل فِي الْإِسْلَام. فأقبل إِلَيْه سالم منصرفه من بدر، وهو نائم بفناء منزله فِي بنى عمرو ابن عوف، فقتله. وصاح حين وجد حزّ [4] السيف صيحة منكرة، فاجتمع إِلَيْه قوم ممن كَانَ عَلَى مذهبه، فقبروه [5] . وتغيب سالم، فلم يعلموا من قتل

_ [1] ابن هشام، ص 995، وزاد بيتا وجواب حسان لها. [2] خ: عفل. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 994) . [3] خ: عفل. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 994) . [4] خ: حر (بالراء المهملة) . [5] خ: فقيروه.

774 - وسرية إلى كعب بن الأشرف اليهودي، وكان طائيا.

عفك [1] . وقَالَ قوم: أتاه عليّ بْن أَبِي طَالِب، وهو نائم عَلَى فراشه، فقتله. وكانت غزاة بني قَيْنُقاع بعد هَذِهِ السرية، ثُمَّ غزاة السويق، ثُمَّ غزاة قَرقَرة الكُدّر. 774- وسرية إلى كعب بْن الأشرف اليهودي، وكان طائيًا. بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بْن مسلمة، ومعه خمسة من الأنصار أَوْ أربعة وهو خامسهم، فأتوه وهو فِي أُطمة. فنادوه، فنزل إليهم، فقتلوه. وكان فيهم عباد ابن بشر بْن وقش الأوسي، وكان أخاه من الرضاع، فَقَالَ: صرختُ بِهِ فلم ينزل لصوتي ... وأوفى طالعًا من فوق قصر فعدتُ فقالَ من هَذَا المنادي ... فقلتُ أخوك عبّاد بْن بِشر وكانت هَذِهِ السرية فِي شهر ربيع الأول سنة ثلاث. وكان ابْنُ الأشرف أتى مكَّة، ورثى أهل بدر وأقام بمكة. وكان حسان بْن ثابت يهجو كل من آواه وأنزله، بأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فإذا بلغهم هجاؤه، أخرجوه. فلما لم يجد لَهُ مؤويًا، أتى المدينة. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم اكفني كعبًا بما شئت] » ، لإعلانه الشر وقولُه الشعر. فانتدب لَهُ مُحَمَّد بْن مسلمة. وبعد هَذِهِ السرية غزاة ذي أمّر، ثُمَّ غزاة بني سُليم ببَحران. 775- وسرية القردة، وهي فيما بين الرَّبَذة والغُمر، ناحية/ 181/ ذات عرق. وكانت قريش عدلت بعيرها عن الطريق إلى ماء هناك خوفًا من المسلمين. فَوَجَّهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة مولاه فِي عدَّة من المسلمين، وزيد أميرهم. فظفر بالعير، وأفلت أعيانُ القوم: صفوان بْن أمية وغيره. فبلغ الخُمس عشرين ألف درهم. وكان فرات بْن حيان العجلي دليل قريش، فأسره زَيْد وأتى به النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلم. وكانت هَذِهِ السرية فِي جمادي الآخرة سنة ثلاث. وبعدها كانت غزاة أحد. 776- وسرية أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الأسد، إلى بني أسد، فِي المحرم سنة أربع. وكانوا جمعوا جمعًا عظيمًا، وعليهم طليحة بْن خويلد، وأخوه سَلَمة بْن خويلد، يريدون غزو المدينة. فبلغ قَطنًا، وهو جبل، فلم يلق كيدًا. وذلك أن الأعراب

_ [1] خ: عفل.

777 - وسرية أميرها المنذر بن عمرو بن خنيس بن لوذان الساعدي.

تفرّقوا. وأصاب نعمًا استاقها. وَيُقَالُ إنه لقيهم، فقاتلهم، فظفر وغنم. 777- وسرية أميرها المنذر بْن عَمْرو بْن خُنيس بْن لوذان الساعدي. بعث بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَراء عامر بْن مالك الكلابي ملاعب الأسنَّة، فِي صفر سنة أربع. وذلك إنه وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله أن يوجّه معه قومًا يعرّفون مَن وراءه فضلَ الْإِسْلَام، ويدعونهم إِلَيْه، ويصفون لهم شرائعه. وعرض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْإِسْلَام. فَقَالَ: أرجع إلى قومي، فأناظرهم. فلما سار إلى بئر معونة، استنهض عامرُ بْن الطفيل بْن مالك، من بني كلاب، لقتال أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكانوا أربعين رجلًا، وَيُقَالُ سبعين. فلم ينهضوا معه كراهة أن يخفروا ذمة أَبِي براء. فأتى بني سليم، فاستنفرهم. فنفروا معه وقاتلوا أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببئر معونة. فاستشهدوا جميعًا. فغّم ذَلِكَ أبا براء، وقَالَ: أخفرني ابْنُ أخي ذمته من بين قومي. وكان ممن استشهد ببئر معونة: عامر بْن فُهيرة مَوْلَى أَبِي بَكْر الصديق. طعنه جبَّار بْن سلمى بْن مالك بْن جَعْفَر بْن كلاب. فأخذ من رمحه، فُرفع. فزعموا أن جبارًا أسلم. وقال الكلبى: لم ينج منهم إلا عمرو بْن أمية الضِّمري. 778- وسرية أميرها مَرثد بْن (أَبِي) مرثد الغَنوي، وَيُقَالُ عاصم بْن ثابت بْن أَبِي الأقلح الْأَنْصَارِيّ- واسم أَبِي الأقلح قيس- بْن عصمة، من الأوس، إلى الرجيع. وهو ماء لهذيل. وكان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثهم إِلَيْه فِي صفر سنة أربع يقبض صدقاتهم ويفقههم فِي الدين، لادعائهم الْإِسْلَام عَلَى سبيل المكيدة. فلما صاروا إليهم، غدروا، وكثروهم. فقتل مرثد، وعاصم بْن ثابت بن أبى الأقلح وأرادوا إحراقه فحصت الدَّبَر- وهي النحل- لحمه ومنعته. فلم يقدروا عَلَى أن يمسوه. فلما جنّ عَلَيْهِ الليل، أتى سيل فذهب بِهِ. وباعوا خُبيب [1] بْن عدي بْن مالك بْن عامر بْن مجدعة الأوسي من قريش. فقتلوه وصلبوه بالتنعيم. وكان أول من صلى ركعتين قبل القتل. وقتل يومئذ خَالِد بْن البكير، أخو عاقل بْن البكير الكنانى. وبعضهم يقول: ابن أبى

_ [1] خ: حبيب. (والتصحيح عن ابن هشام وغيره) .

779 - وسرية عبد الله بن أبى عتيك الخزرجي، إلى رافع [1] بن أبى الحقيق اليهودي.

البكير. والأول قول الكلبي. وأم بني البكير عفراء بِنْت عُبيد بْن ثعلبة. وبعد هَذِهِ السرية غزاة بني النضير، ثُمَّ غزاه بدر الموعد. 779- وسرية عَبْد اللَّه بْن أَبِي عتيك الخزرجي، إلى رافع [1] بْن أَبِي الحقيق اليهودي. بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْه فِي ذي الحجة سنة أربع. فقتله فِي منزله. وقَالَ قوم: بعثه إِلَيْه فِي سنة خمس. وقَالَ الكلبي: هُوَ عَبْد اللَّه ابن عتيك. وبعد هَذِهِ السرية غزاة ذات الرقاع، ثُمَّ غزاة دُومة الجندل، ثُمَّ غزاه بني المصطلِق، ثُمَّ الخندق، ثُمَّ بني قريظة. 780- وسرية عَبْد اللَّه بْن أنيس، من ولد البرك بْن وَبَرة - وعداده فِي جُهينة فِي المحرم سنة ست إلى سُفْيَان بْن خَالِد بْن نبيح- ويقال إلى خالد بْن نبيح- الهذلي بعُرَنة، فقتله وهو نائم وَيُقَالُ إن ابْنُ أنيس لم يكن فِي جماعة، وأنه مضى وحده منكّرا، فقتله. فَلَمَّا قَدِمَ/ 182/ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دفع إِلَيْه مِخصرته [2] ، وقَالَ: القني بها يَوْم القيامة. 781- وسرية مُحَمَّد بْن مسلمة بْن خَالِد بْن مجدعة الأوسي، من الأنصار، فِي المحرم سنة ست أيضًا إلى القُرَطاء، من بني كلاب، بناحية ضرّية [3] . وبينها وبين المدينة سبع ليال. أتاهم، فغنم نعمًا وشاءً، وأخذ ثمامةَ بْن أثال الحنفي. ثُمَّ رجع إلى المدينة. والقُرَطاء بنو قرط وقريط، (وقريط) [4] بنو عبد الله ابن أبي بَكْر بْن كلاب. وبعده غزاة بني لحيان، من هُذيل. ثُمَّ غزاة ذي قَرَد، وهي غزاة الغابة. 782- وسرية أميرها أَبُو بَكْر الصديق رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ. وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاتباع بني لحيان، فِي شهر ربيع الأول سنة ستّ. 783- وسرية عكاشة بْن محصّن، إلى غَمْر مرزوق، على ليلتين من فيد [5] ،

_ [1] كذا في الأصل. وهو أبو رافع سلام بن أبى الحقيق عند ابن هشام، والطبرى، والمقريزى مع اختلاف في التاريخ. وفي صحيح البخارى، كتاب المغازى (64/ 16) : «أبو رافع عبد الله بن أبى الحقيق ويقال سلام بن أبى الحقيق» . [2] خ: بمحضرته. [3] خ: ضربة (والتصحيح عن إمتاع المقريزى، 1/ 256) . [4] الزيادة عن جداول وستنفلد، لتصحيح الكلام. [5] خ: قيد.

784 - وسرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست.

فِي شهر ربيع الآخر سنة ست. نذر بِهِ الأعراب فهربوا. فبعث طلائعه، فأصاب لهم نعمًا. 784- وسرية مُحَمَّد بْن مسلمة إلى ذي القَصَّة فِي شهر ربيع الآخر سنة ست. لقيه بنو ثعلبة بْن سعد بها. فاستشهد من معه، وارتثّ. فلما انصرف الأعراب، حمله رَجُل من المسلمين، وهو مثخن، حتَّى أتى المدينة. 785- ثُمَّ سرية أَبِي عبيدة بْن الجراح إلى مصارع أصحاب مُحَمَّد بْن مسلمة. أتى ذا القصَّة، فلم يلق كيدا، وأصاب نعما وشاء. 786- وسرية أَبِي عبيدة أيضًا إلى ذي القصَّة، وَقَدِ اجتمعت هناك محارب بْن خَصفة، وثعلبة بْن سعد، وأنمار بْن بغيض فِي موقع سحابة. فأغار عليهم، فأعجزوه هربا. واستاق لهم نعما. وذلك فِي شهر ربيع الآخر سنة ست. 787- وسرية زَيْد بْن حارثة إلى سليم، بالجموم [1] ، فِي شهر ربيع الآخر سنة ست أيضًا أراهم. فاستاق لهم نعمًا، وأصاب أسري. 788- وسرية زَيْد بْن حارثة أيضًا إلى العِيص، فِي جمادي الأولى سنة ست لاعتراض عير قريش، وَقَدْ قدمت من الشام، فاستاقها. وكان فِي العير أبو العاص ابن الربيع زوج بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذه أسيرًا [2] . فاستجار بزينب، فأجارته. ورُدّ عَلَيْهِ ما أخذ مِنْهُ. ثُمَّ أسلم. 789- وسرية زَيْد أيضًا إلى الطَّرَف، فِي جمادي الآخرة سنة ستّ. توّجه إلى بني ثعلبة هناك، فهربوا. وأصاب عشرين بعيرًا. 790- وسرية زَيْد بْن حارثة إلى لخم، وجذام، بحِسمَى، فِي جمادي الآخرة سنة ستّ. وكانوا عرضوا لدِحية بن خليفة الكلبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر. فأصاب منهم نعمًا وشاءً، وقتل وسبى، ثُمَّ انصرف. وَيُقَالُ إنّ هَذِهِ السرية كانت فِي سنة سبع. 791- وسرية زَيْد بْن حارثة إلى وادي القرى، وَقَدْ تجمع بها قوم من مذحج

_ [1] خ: «بالحموم بالجموم» . [2] سيذكر المؤلف هذه القصة مرة أخرى مع اختلاف.

792 - وسرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل،

وقضاعة. ويُقال بل تجمع بها قوم من أفناء مُضَر. فلم يلق كيدا. وكانت فِي رجب سنة ستٌ. 792- وسرية عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف إلى دُومة الجندل، وكان بها قوم من كلب. فأسلموا. وعمم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف بيده، حين بعثه عَلَى السرية، وقَالَ لَهُ: إن أطاعوك، فتزوّج ابْنَةَ ملكهم. فلما أسلم القوم، تزوّج تُماضِرَ [1] بِنْت الأصبغ الكلبي، وهي أم أَبِي سَلَمة بْن عَبْد الرَّحْمَن. وكانت هَذِهِ السرية فِي شعبان سنة ست. 793- وسرية عليّ بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام إلى بني سعد، بفدك، وكانوا قَدِ اجتمعوا ليمدوا يهود خيبر. وكانت السرية فِي شعبان. فلم يلق كيدًا. 794- وسرية زَيْد بْن حارثة إلى قِرفة الفَزارية، فِي شهر رمضان سنة ست، وكانت تؤلب عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقتلها وبنيها، وانصرف. وكان لها بنون قَدْ رأسوا. وقال هشام بْن الكلبي: اسمها فاطمة بِنْت ربيعة بْن بدر. ولُد لها [2] اثنا عشر ذكرًا، كلهم قَدْ علق سيفَ رئاسته. وَيُقَالُ إن أم قرفة/ 183/ ربطت بين بعيرين حتى انقطعت. 795- وسرية عَبْد اللَّه بْن رَواحة، إلى أُسير بْن رِزام- وَيُقَالُ: رازم- اليهودي، وكان بخيبر، فِي شوال سنة ستّ. فخرج معه يريد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما كَانَ ببعض الطريق، توّهم بالفتك بابن رواحة، فقتله عبد الله ابن أنيس. فيقال قتله [3] فِي ثلاثين يهوديًا. 796- وسرية كرز بْن جَابِر الفهري، فِي شوال، إلى نفر من عُرينة. وَيُقَالُ: من عكل. أتوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرضى، فأذن لهم فِي إتيان لقاحه فشربوا من ألبانها. فلما صحّوا، غدوا عَلَى اللقاح فاستاقوها، وقتلوا يسارًا مَوْلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغرّزوا الشوكَ فِي عينيه. فلما ظفر بهم. قطع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم. وفيهم نزلت: (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ

_ [1] خ: تمانير. (والتصحيح عن الطبرى، ص 1556) . [2] خ: بدلها. [3] خ: أقتله.

797 - وسرية أميرها عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه إلى تربة [1] ،

أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) . وبعد هَذِهِ السرية أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحُديبية. وبعد ذَلِكَ غزا خيبر. 797- وسرية أميرها عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إلى تُرَبة [1] ، في شعبان سنة سبع. أتاها، فهرب الأعراب من عُجز هوازن، فانصرف. من عجز [2] هوازن: بنو جشم بْن معاوية بْن بَكْر، وبنو نصر بْن معاوية بن بكر، وسعد ابن بَكْر، وثقيف بْن منبه بْن بكر بْن هوازن. فانصرف ولم يلق كيدًا. 798- وسرية أَبِي بَكْر الصديق رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ نحو نجد. توّجه فِي شعبان، سنة سبع، فشنّ الغارة عَلَى العدو، فقتل وغنم. 799- وسرية بشير بْن سعد- أَبِي «النعمان بْن بشير» - إلى بني مُرَّة فِي شعبان، بفدك. أصيب فيها أصحابه، وارتثّ. فنزل عَلَى بعض اليهود، حتَّى استُنقل. 800- وسرية غالب بْن عَبْد اللَّه الليثي، من كنانة، إلى بني مرة بفَدَك. فقتل وسبى، وظفر. 801- وسرية غالب بْن عَبْد اللَّه إلى الميفعة، فِي شهر رمضان سنة سبع. فأغار على بنى سعد بن ذبيان، فاستاق النعم والشاء. 802- وسرية بشير بْن سعد إلى يُمْن، وجُبار، نحو الجناب، فِي شوال سنة سبع. وكان بها ناس من غَطفَان مَعَ عيينة بْن حصن. فلقيهم، ففضّ جمعهم، وانصرف إلى المدينة. وبعدها عُمرة القضية. 803- وسرية ابْن أَبِي العَوجاء السُّلَمِيِّ- وَيُقَالُ: هُوَ أَبُو العوجاء- إلى بني سليم فِي ذي الحجة سنة سبع. لقيهم، فأصيب أصحابه، ونجا بنفسه. وكان فِي خمسين رجلًا. 804- وسرية غالب بْن عَبْد اللَّه إلى بني المَلَوَّح، من كنانة، بالكَديد فِي صفر سنة ثمان. شن الغارة، فقتل وسبى، وأصاب نعمًا. 805- وسرية عَمْرو بْن أمية الضمري إلى مكَّة، فِي صفر سنة ثمان، أَوْ فِي شهر ربيع الأول. وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقتل أبى سفيان، فوجده قد

_ [1] وبالهامش: أتربة. [2] خ: عجر (والتصحيح عن لسان العرب عجز) .

806 - وسرية شجاع بن وهب الأسدى إلى بنى عامر بالسى

نذر بِهِ. فانصرف. وذلك أن أبا سُفْيَان وجه رجلًا لاغتيال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره اللَّه بذلك، ومنعه مِنْهُ، فأسلم الرجل. 806- وسرية شجاع بْن وهب الأسدي إلى بني عامر بالسِيّ فِي شهر ربيع الأول سنة ثمان. فأصاب ظفرًا وغنمًا حسنًا. وكان فِي أربعة وعشرين رجلًا. 807- وسرية كعب بْن عمير الغِفاري إلى ذات أطلاح- وَيُقَالُ: ذات أباطح- فِي شهر ربيع الأول سنة ثمان. لقيه بها جمع كَثِير. فأصيب من معه، وتحامل حتَّى أتى المدينة. 808- وسرية زَيْد بْن حارثة، وجعفر بْن أَبِي طَالِب، وعبد اللَّه بْن روَاحة إلى مؤتة، فِي جمادى الأولى سنة ثمان. فقتلوا بها. وكان أول من استشهد منهم زَيْد بْن حارثة. ثُمَّ قام بأمر/ 184/ النَّاس جَعْفَر، فاستشهد. فوجد بِهِ اثنان وسبعون جراحة، ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح. وقطعت يداه. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقد أبدله الله بهما جناحين، يطير بهما فِي الجنة] . ثُمَّ قام بأمر النَّاس عَبْد اللَّه بْن روَاحة، فاستشهد. فأخذ خَالِد بْن الوليد بْن المغيرة الراية، وانصرف بالناس. وأخذ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد جَعْفَر عَلَيْهِ السَّلام، فضمهم إِلَيْه، وشمهم، ثُمَّ بكى. فصاحت أسماءُ بِنْت عميس. [فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقولي هُجرا، ولا تضربي صدرا.] ودخلت فاطمة عليها السَّلام، وهي تَقُولُ: واعماه. [فَقَالَ: عَلَى مثله فلتبك الباكية.] واتخذ لأهله طعاما، وقال: قد شغلوا بأنفسهم. 809- سرية قُطبة بْن عامر- وَيُقَالُ: عَمْرو- بْن الحُديدة الْأَنْصَارِيّ إلى خثعم، بتبالة. سار، فبّيت حاضرهم، وشنّ الغارة عليهم. فأتى دهم معهم، وجاء سيل حال بينه وبينهم. فانصرف، واستاق لهم نعمًا. وَيُقَالُ إن هَذِهِ السرية كانت فِي صفر سنة تسع، وذلك الثبت. 810- وسرية عَمْرو بْن العاص فِي جمادى الآخرة سنة ثمان إِلَى ذات السلاسل. وبينها وبين المدينة عشرة أيام. ثُمَّ بَعَثَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها ووّجه معه أبا بَكْر، وعُمَر، وأبا عبيدة بْن الجّراح، وسروات المهاجرين والأنصار. وكان عَمْرو بْن العاص قدم من عند النجاشي مسلمًا. فلقي في طريقه عثمان ابن طلحة، وخالد بْن الوليد يريدان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلموا فِي

811 - وسرية أبى عبيدة بن الجراح إلى جهينة، بالقبلية،

صفر سنة ثمان. وكانت راية عَمْرو سوداء. فلقي العدو من قضاعة، وعاملة، ولخم، وجذام. وكانوا مجتمعين. ففضهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وغنم. 811- وسرية أَبِي عبيدة بْن الجّراح إلى جُهينة، بالقَبَلية، فِي رجب سنة ثمان. فأصابت الناسَ مجاعة، حتَّى أكلوا الخبط، فقرحت أشداقُهم حتَّى ألقى لهم البحرُ حوتًا فأكلوا مِنْهُ وتزودّوا. فسُميّت هَذِهِ السرية سرية الخبط. 812- وسرية أَبِي قَتَادَة إلى بني غطفان. توّجه إليهم، فهجم عَلَى حاضر منهم عظيم. فشن الغارة، واستاق النعم. وهي سرية خُضرة، من أرض نجد. وكانت فِي شعبان سنة ثمان. 813- وسرية أَبِي قَتَادَة النعمان بْن رِبعي بْن بلَدمة الخزرجي إلى إضم، حين توجه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكَّة، ليظنّ ظان أنه يريد غير ذَلِكَ الوجه. وإضم نحو طريق الشام. وَيُقَالُ إنّ هَذِهِ السرية كانت لعبد اللَّه بْن أَبِي حدرد الأسلمي. وفيها قتل محلّمُ بْن جُثّامة: عامرُ بْن الأضبط الأشجعي. وبعضهم يَقُولُ: إنّ عامرًا أسلم. فَقَالَ محلم: أسلم. فقال نعم [1] . فلما تعوذ بالإسلام (عمد إليه) [2] فقتله. وبعدها غزاة الفتح. 814- وسرية خَالِد بْن الوليد بعد فتح مكَّة لهدم العزى ببطن نخلة. 815- وسرية عَمْرو بْن العاص لهدم سُواع، برهاط، من بلاد هذيل، فِي شهر رمضان سنة ثمان. 816- وسرية سعد بْن زَيْد الأشهلي فِي هدم مناة، بالمُشلّل فِي شهر رمضان. 817- وسرية خَالِد بْن الوليد إلى بني جَذيمة، بناحية يلملم، فِي شوال سنة ثمان. أتاهم، فأظهروا الْإِسْلَام، فوضع فيهم السيف، وأمرهم أن يستأسروا. وإنما بعث إليهم داعيًا، ولم يبعثه مقاتلًا. فودى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتلاهم، وأخلف ما ذهب لهم، وبعث عليّ بْن أَبِي طَالِب بمال استقرضه، فصرفه فِي ذَلِكَ. ومكث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معرضًا عن خَالِد حينا، وخالد يتعرض لَهُ فيحلف لَهُ أَنَّهُ ما قتلهم عن إحنة ولا شره، وأنه لم يسمع منهم تشهّدا.

_ [1] خ: نعم. (لعله كما اقترحناه) . [2] الزيادة من اقتراحنا. (راجع للقصة: ابن هشام، ص 987- 988. وسيذكرها المؤلف بعد قليل مرة أخرى) .

818 - وسرية/ 185/ الطفيل بن عمرو الدوسى، لهدم صنم عمرو بن حممة الدوسي وهو"ذو الكفين"،

فرضي عَنْهُ، وسماه بعد ذَلِكَ «سيف اللَّه» . وبعد هَذِهِ السرية كانت غزاة حنين، ثُمَّ الطائف. 818- وسرية/ 185/ الطفيل بْن عَمْرو الدَّوسي، لهدم صنم عَمْرو بْن حممة الدوسي وهو «ذو الكفين» ، فِي آخر سنة ثمان. 819- وسرية الضحاك بْن سُفْيَان الكلابي فِي شهر ربيع الأول سنة تسع، إلى قوم من بني كلاب. كتب إليهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرقّعوا [1] بكتابه دلوَهم، فأوقع بهم. 820- وسرية عيينة بْن حصن إلى بني تميم، فِي المحرم سنة تسع، وكانوا قَدْ منعوا الصدقة. فبعثه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، فأسر منهم أحد عشر رجلًا، وسبى، ثُمَّ رجع. 821- وسرية علقمة بْن مجزِّز فِي شهر ربيع الأول- وَيُقَالُ: الآخر- سنة تسع إلى مراكب الحبشة، ورأوها بالقرب من مكَّة. ورجع فلم يلق كيدًا. 822- وسرية عليّ عَلَيْهِ السلام لهدم الفلس، صنم طيّئ، وكان مقلدًا بسيفين أهداهما إِلَيْه الحارث بْن أَبِي شمر. وهما مخذم ورَسوب [2] . وفيهما يَقُولُ علقمة ابن عبدة [3] : مُظاهرُ سربالي حديدٍ عليهما ... عقيلًا سيوف مخذَم ورَسوبُ فأتى بهما رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ كانت غزوة تبوك. 823- وسرية خَالِد بْن الوليد إِلَى أكيدر بْن عَبْد الملك الكندي، ثُمَّ السَّكوني، بدُومة الجندل. بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك، فِي رجب سنة تسع. فغنم، وقدم بأخي أكيدر. وَيُقَالُ إنه قتل أخاه مصادا، وأخذ قباء ديباج كَانَ عَلَيْهِ منسوجًا بذهب، وقدم بأكيدر عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكتب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأهل دومة الجندل كتابا. [وقال

_ [1] خ: فرفقوا. (لعل المراد من بنى كلاب رعية السحيمى، فراجع الوثائق السياسية، 235، 236، وأيضا 92) . [2] راجع أيضا كتاب المحبر، ص 318، السهيلي 2/ 342 للاختلافات في أمر هذين السيفين. وسنبحث فيهما، فيما بعد، في باب سلاح رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [3] ديوان علقمة، ق 2، ب 27 (في العقد الثمين في دواوين الشعراء الجاهليين) . (خ: فظاهر سربال جديل) .

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَأَى تعجَب أصحابه من قباء أخي أكيدر: والله لمناديل سعد بْن مُعَاذِ فِي الجنة أحسن مِنْهُ] . حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، أنبأ الْحَسَنُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجُبَّةٍ مِنْ سُنْدُسٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُقَلِّبُونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا، [فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا] . 824- ثُمَّ حج أَبُو بَكْر الصديق رضي الله تعالى عنه بالناس فِي موسم سنة تسع، وأتبعه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بْن أَبِي طَالِب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فقرأ على النَّاس «بَراءَةٌ [1] » ، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أنبأ مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مُحْرِزِ [2] بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مُؤَذِّنَ عَلِيٍّ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِبَرَاءَةٍ، قَالَ: فَنَادَيْتُ إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد فأجله أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر ف أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [3] . وحدثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد بن العوام، أنبأ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِسُورَةِ بَرَاءَةٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا فَأَخَذَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: [لا وَلَكِنَّهُ لا يُؤَدِّي عَنِّي غَيْرِي أَوْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي.] فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمَوْسِمِ، وَكَانَ عَلِيٌّ يُنَادِي بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ: «لا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ، أو قال: «من كل مشرك» .

_ [1] القرآن، سورة البراءة، وتسمى أيضا التوبة. (وهي السورة التاسعة) . [2] خ: محر. [3] راجع القرآن، التوبة (9/ 1- 2) .

825 - سرية خالد بن الوليد إلى بنى الحارث بن كعب، بنجران.

825- سرية خَالِد بْن الوليد إلى بني الحارث بْن كعب، بنجران. وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم يدعوهم إلى الْإِسْلَام. فأسلموا، وأدّوا الصدقة، فردّها فِي فقرائهم. وقاتله قوم من مذحج، فظفر بهم وسبى منهم واستاق مواشيهم، فخمسها. وقدم معه قيس بْن الحصين بن ذي الغصّة، ويزيد ابن عَبْد المدان، وعدَّة منهم. وذلك فِي سنة عشر. 826- وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 186/ عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالى عَنْهُ إلى اليمن فِي شهر رمضان سنة عشر لقبض الصدقة. فلم يقاتله أحد، وأدّوا إِلَيْه الصدقة. ثُمَّ كتب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمره بموافاته بالموسم. فوافاه. 827- وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جرير بْن عَبْد اللَّه البجلي لهدم ذي الخَلصة، وكان مروة بيضاء، بتبالة. وهو صنم بَجيلة، وخثعم، وأزد [1] السراة. فلما أَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر هدمه، سجد شكرًا لله. وكان جرير قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي شهر رمضان سنة عشر مسلمًا. ثُمَّ حَجَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجته التي تدعى حجة الودَاع، وتوفي سنة إحدى عشرة. 828- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأَى توجيه أسامة بْن زَيْد فِي سرية إلى الَّذِينَ حاربهم أَبُوهُ يَوْم مؤتة، وأمره أن يوطئهم الخيل، وعقد لَهُ لواء، وضم إِلَيْه أبا بَكْر، وعمر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا فيمن ضمّ. فمرض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يُنفذ الجيش، فأوصى بإنفاذه، فَقَالَ: [أنفذوا جيش أسامة.] فلما استخلف أَبُو بَكْر، أنفذه، وكلمه فِي عُمَر لحاجته إِلَيْه. فخلفه، ومضى أسامة، فأوقع بالعدو، ثُمَّ قدم المدينة. 829-[سرية أبي حدرد إلى أضم] وحدثت عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، [2] عن يزيد (بن عبد الله) بن قسيط، عن أبى القعقاع بن عبد الله بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى إضم. فخرجت في سرية فيها

_ [1] خ: اردو السراة. [2] ابن هشام، ص 987.

أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَمُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ بْنِ قَيْسٍ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ إِضَمٍ، مَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الأَضْبَطِ الأَشْجَعِيُّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ، وَمَعَهُ مُتَيِّعٌ لَهُ، وَوَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ. فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ. وَحُمِلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ، فَقَتَلَهُ لِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ وَمُتَيِّعَهُ. فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أخبرناه الخبر. فنزل فيه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) [1] . 830- وقال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [2] ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ (بن سعد) السلمى، يحدث عن عروة بن الزبير، عن أبيه، وجده جَمِيعًا، قَالا: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ، فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ، ثُمَّ جلس في ظل شجرة وهو بِحُنَيْنٍ. فَقَامَ إِلَيْهِ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ ابن حِصْنٍ، فَطَلَبَ عُيَيْنَةُ بِدَمِ عَامِرِ بْنِ الأَضْبَطِ، وَجَعَلَ الأَقْرَعُ يَدْفَعُ عَنْ مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ لِمَكَانَةٍ مِنْ خِنْدَفَ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: وَاللَّهِ لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزّ مَا أَذَاقَ نِسَاءَنَا [3] . وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَأْخُذُونَ الدِّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا. وَعُيَيْنَةُ يَأْبَى عَلَيْهِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي اللَّيْثِ، يُقَالُ له مكيتل وهو قصير مجمّع، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ لِهَذَا الْقَتِيلِ شَبَهًا فِي غُرَّةِ الإِسْلامِ إِلا غَنَمًا وردت فرميت أولادها فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا. اسْنُنِ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدًا» . [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا الدِّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا، وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا.] فَقَبِلُوا ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ أَيْنَ صَاحِبُكُمْ؟ فَقَامَ رَجُلٌ ضَربٌ، طُوَالٌ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ قَدْ كَانَ تَهَيَّأَ فِيهَا لِلْقَتْلِ حِينَ جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ لا تَغْفِرْ لمحلم بن جثامة.

_ [1] القرآن، النساء (4/ 94) . [2] ابن هشام، ص 987- 88، وراجع السهيلي 2/ 361- 362 للاختلافات في القصة. [3] في تفسير الطبرى (8/ 130) «لا والله حتى تذوق نساؤه من الشكل ما ذاق نسائي» .

صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم

فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقَّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ. قَالَ زِيَادٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا ظَهَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو هذا. وقال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [1] ، حَدَّثَنِي مَنْ لا أَتَّهِمُهُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُحَلِّمٍ: أَقَتَلْتَ رَجُلا قَالَ «آمَنْتُ/ 178/ بِاللَّهِ؟» وَيُقَالُ: «تِلْكَ الْمَقَالَةُ؟» فَمَا مَكَثَ مُحَلِّمٌ إِلا سَبْعًا، حَتَّى مَاتَ. فَدُفِنَ، فَلَفَظَتْهُ الأَرْضُ ثَلاثًا. فَلَمَّا غُلِبَ قَوْمُهُ، رَضَمُوا [2] عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الأَرْضَ لَتُطَابِقُ [3] عَلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مِنْهُ.] وَمَنْ قَالَ هَذَا، قَالَ: إِنَّ الَّذِي مَاتَ بِحِمْصَ: الصَّعْبُ، أَخُوهُ [4] . صفة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [5] 831- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا قيس، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: رَأَيْتُ شعر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصِيبُ مَنْكِبَيْهِ. 832- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ أبو عثمان، وإسحاق القروي قَالا، ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، ثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيِّ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي ابْنَ أَبِي هَالَةَ، وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كَانَ فَخْمًا، مُفَخَّمًا، يَتَلأْلأُ وَجْهُهُ تَلأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ، وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، وَإِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرْقًا، وَإِلا فَلا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وفره [6] . أزهر

_ [1] ابن هشام، ص 988- 989. [2] خ: رهموا. [3] خ: أتطابق. [4] وللاختلافات الشديدة في بابه راجع الاستيعاب رقم 1269 محلم بن جثامة. [5] راجع لهذا الباب أيضا ابن هشام، ص 266، الطبرى، ص 1789، ابن سعد، 1 (1) / 83 وما بعدها، كتاب الشمائل للترمذي. [6] خ: وقره.

اللَّوْنِ، صَلْتَ الْجَبِينِ، أَهْدَبَ الأَشْفَارِ، أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ سَابِغَهُنَّ، فِي غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الغضب. أقنى العرنين، له نور يعلوه بحسنه مَنْ يَتَأَمَّلُهُ. أَشَمَّ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْنَبَ [1] الثَّغْرِ، مُفْلَجَ الأَسْنَانِ، أَحَمَّ الشَّفَتَيْنِ رَقِيقَهُمَا، دَقِيقَ الْمَسْرَبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دمية في صفاء القضّة، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، بَادِنًا، مُتَمَاسِكًا، سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَرِيضَ الصَّدْرِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ، عَارِيَ الْبَطْنِ وَالثَّدْيَيْنِ، أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبَ الرَّاحَةِ، سَبْطَ الْقَصَبِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ الأَطْرَافِ، خَمْصَانَ الأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ. إِذَا زَالَ زَالَ قَلْعًا، يَخْطُو تكفؤا وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صبب، إذا التفت الْتَفَتَ بِجُمَعِهِ، خَافِضَ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ. يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلامِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ. قُلْتُ: فَصِفْ لِي مَنْطِقُهُ. فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْفِكْرِ، مُتَوَاصِلَ الأَحْزَانِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ. لا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، طَوِيلُ السَّكْتِ. يَفْتَتِحُ الْكَلامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، قَوْلا فَصْلا، لا فَضْلا وَلا تَقْصِيرًا [2] ، دَمِثًا، لَيْسَ بِالْجَافِي وَلا الْمُهِينِ. يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ، لا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا. لا يذم دواياه، وَلا يُقَبِّحُهُ. وَلا يُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا. فَإِذَا كَانَ الْحَقَّ، لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يُقِمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ. لا ينتصر لنفسه، ولا يَغْضَبُ لَهَا. يُشِيرُ بِكَفِّهِ كُلِّهَا. وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا حَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا فَضَرَبَ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى. وَإِذَا غَضِبَ، أَعْرَضَ وَأَشَاحَ. وَإِذَا رَضِيَ غَضَّ بَصَرَهُ وَصَمَتَ. جُلُّ ضَحْكِهِ التَّبَسُّمُ، يَفْتُرُ عَنْ مِثْلِ حُبِّ الْغَمَامِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهَا عَنْ أَخِي الْحُسَيْنِ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ بِهَا، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِ رسول الله صلى

_ [1] أشنب: أبيض الأسنان. [2] خ: بقصيرا.

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَخْرَجِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَشَكْلِهِ، وَسِيرَتِهِ، وَكَلامِهِ، وَسُكُوتِهِ. [قَالَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ مَدْخَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: كَانَ مَدْخَلُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ. فَإِذَا آوَى إِلَى أَهْلِهِ، جزّأ مدخله ثلاثة أجزاء: جزء الله، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، وَجُزْءًا لأَهْلِهِ. ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ لِنَفْسِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَرَدَّ عَلَى الْعَامَّةِ من الخاصة.] [وكان من سِيرَتُهُ إِيثَارَ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ. فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، وَيَشْغَلُهُمْ فيما أصلحهم وأصلح الأمة من مسئلته/ 188/ عنهم] وإخبارهم بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، [وَيَقُولُ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغِي حَاجَتَهُ. فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ إِبْلاغَهُ إِيَّاهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.] لا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلا ذَلِكَ، وَلا يَقْبَلُ غَيْرَهُ مِنْ أَحَدٍ. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ: [كَانَ يُخْزِنُ لِسَانَهُ عَمَّا لا يَعْنِيهِ. وَكَانَ يُؤَلِّفُ، وَلا يُنَفِّرُ،] وَيُكْرِمُ [كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ،] [وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلا خُلُقَهُ. يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ] [عَمَّا فِي النَّاسِ فَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّنُهُ، مُؤْتَلِفُ الأَمْرِ، غَيْرُ مُخْتَلِفِهِ.] كُلُّ [حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ. لا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلا يَجُوزُ الدِّينَ] . [أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً. وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً، أَحْسَنُهُمْ مُؤَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً.] [قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كَانَ لا يَجْلِسُ وَلا يَقُومُ إِلا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ. وَلا يُوَطِّنُ الأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا. وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ، جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسَ،] وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ. [وَيُعْطِي كُلا مِنْ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ، فَلا يَحْسَبُ جَلِيسَهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ] . [مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَارَنَهُ فِي حَاجَةٍ، سَايَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ.] [وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً، لَمْ يَرُدُّهُ إِلا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ. قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ،] [فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ. مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ، وَحَيَاءٍ، وَصِدْقٍ.] وَأَمَانَةٍ. لا تُرْفَعُ [فِيهِ الأصوات، ولا توتن فيه الحرم، ولا تنثى [1]

_ [1] أى لا تشاع.

فَلَتَاتُهُ.] [تَرَى جُلَسَاءَهُ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ، يوقّرون الكبير، ويرحمون الصغير،] و [يؤثرون ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحُوطُونَ الْغَرِيبَ.] قَالَ، قُلْتُ: فَكَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ؟ قَالَ: [كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ، وَلا صَخَّابٍ، وَلا عَيَّابٍ،] [وَلا فَحَّاشٍ، وَلا مَدَّاحٍ. يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يَشْتَهِيهِ [1] ، وَلا يُؤَيِّسُ مِنْهُ وَلا يُجِيبُ فِيهِ.] قَدْ [تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ: الْمِرَاءِ، وَالإِكْثَارِ، وَمَا لا يَعْنِيهِ. وَتَرَكَ النَّاسَ] [مِنْ ثَلاثٍ: كَانَ لا يَذُمُّ أَحَدًا وَلا يُعَيِّرُهُ، وَلا يَطْلُبُ عَثْرَتَهُ، وَلا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَى ثَوَابَهُ.] فَإِذَا قَالَ، أَطْرَقَ جلساؤه فكأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ. وَإِذَا سَكَتَ، تَكَلَّمُوا، لا يُنَازِعُونَ عِنْدَهُ أَحَدًا: مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ كَلامِهِ. حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتِهِمْ. [يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَعْجَبُ مِمَّا يَعْجَبُونَ] [مِنْهُ. وَيَصْبِرُ للغريب الجافي في منطقه ومسئلته.] حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم [وَيَقُولُ: إِنْ رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَقٍّ، فَارْفِدُوهُ. وَلا يُقْبَلُ [2] الثَّنَاءُ إِلا مِنَ الْمُكَافِئِ،] [وَلا يُقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثُهُ حَتَّى يَجُوزَ، فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ. قُلْتُ: فَكَيْفَ] [كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: عَلَى أَرْبَعٍ: الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفْكِيرِ] . [فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ، فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ بَيْنَ النَّاسِ، وَاسْتِمَاعِهِ] مِنْهُمْ. وَأَمَّا [تَفْكِيرُهُ، فَفِيمَا يَفْنَى وَيَبْقَى. وَجَمَعَ الْحِلْمَ وَالصَّبْرَ، فَكَانَ لا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلا يَسْتَفِزُّهُ. وَجَمَعَ] [ثَلاثًا: أَخْذَهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكَهُ الْقَبِيحَ لِيَتَنَاهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادَهُ الرَّأْيَ فِيمَا أصلح أُمَّتَهُ. وَجَمَعَ لَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] . وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَرَّ النَّاسِ، وَأَطْلَقَهُمْ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِسَلامِهِ، وَإِذَا صَافَحَ رَجُلا لَمْ يُرْسِلْ يَدَهُ حَتَّى يَتْرُكَهَا المصافح له.

_ [1] خ: تشتهيه. [2] خ: تقبل.

(تفسير غريب اللغات) :

(تفسير غريب اللغات) : قَوْلُ الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنِ أَبِي هَالَةَ» ، لأَنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ الأُسَيِّدِيِّ، مِنْ بَنِي تميم، فولدت له هند ابن أَبِي هَالَةَ، أَخَا [1] فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ لأُمِّهَا، وهو خال الحسن عليه السلام. و «المشذّب» : الطويل المفرط الطول. و «الأزّج الْحَاجِبِ» : الْحَسَنُ التَّمَامُ فِي غَيْرِ غِلَظٍ وَلا رقة. و «القنا» : أن يرتفع الأنف من وسطه. و «الضليع» هاهنا الذى لا يكون ضيقا/ 189/ و «حمة الشفتين» : سوادهما. و «المسربة» الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الصَّدْرِ يَسِيلُ مُسْتَدَقًّا إِلَى السرّة. و «الشثن» : الذى فيه خشونة، وليس بلين مسترخ، و «الأخمص مِنَ الرِّجْلِ» : مَا جَفَا عَنِ الأَرْضِ بَاطِنُهَا. و «الأخمصان» : لليمنى واليسرى. و «الخمصان» : الذى فيه ضمور. و «الزندان» : عظما الساعدين. و «الدمث» : اللين السهل و «المسيح [2] » : الْجَادُّ الْمُتَهِيِّئُ لِلشَّيْءِ. وَأَصْلُ «الْعَقِيقَةُ» : شَعَرُ الْبَطْنِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْمَوْلُودِ، ثُمَّ كُلُّ شَعَرٍ عَقِيقَةٌ. 833- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الأَشْيَبِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيْبِ شَعْرَاتٌ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ. فَإِذَا ادَّهَنَ، وَارَاهُنَّ الدُّهْنُ. 834- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الليث، عن يزيد بن أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله تعالى عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّكُمْ تَنْثُرُونَ الْكَلامَ نَثْرًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخْرِجُهُ نَزْرًا. 835- وَحَدَّثَنِي الزِّيَادِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ السُّكَّرِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ الْحُرِّ الْخَثْعَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة،

_ [1] خ: أخو. [2] خ: المشيح

(تفسير غريب اللغات) :

فَنَزَلَ بِامْرَأَةٍ مِنْ خُزَاعَةَ يُقَالُ لَهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُلَيْفٍ، وَيُقَالُ لِزَوْجِهَا أَكْثَمُ بْنُ الْجَوْنِ بْنِ مُنْقِذٍ الْخُزَاعِيُّ، وَهِيَ أُمُّ مَعْبَدٍ. فَوَصَفَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، مُتَبَلِّجُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الْخُلُقِ، لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٍ، وَلَمْ تَزِرِ بِهِ صَعَلَةٌ، وَسِيمًا قَسِيمًا، فِي عَيْنِهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ، أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فعليه الوقار، وإن تكلم سمى وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُمْ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُمْ وَأَحْلاهُمْ مِنْ قَرِيبٍ، مَنْطِقُهُ فَصْلٌ، لا نَزَرَ وَلا هَذَرَ كَأَنَّهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ، لا يُشْنِي مِنْ طُولٍ، وَلا تَقْتَحِمُهُ الْعَيْنُ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِذَا قَالَ أَنْصَتُوا، وَإِذَا أَمَرَ بَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لا عَابِسَ وَلا مُفَنَّدَ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (تفسير غريب اللغات) : «الثجل» : عظم البطن. و «الصعل» : صغر الرأس. و «الوسيم» : الجميل. وكذلك «القسيم. و «الدعج» : شدة سواد الحدقة. و «الصحل» : شبيه بالبجّة، تقول إنه ليس بحادّ الصوت. و «السطع» : طُولُ الْعُنُقِ، لا تَقْتَحِمُهُ الْعَيْنُ وَلا تَزْدَرِيهِ بل تهابه فتقصر نظرها دونه. و «الوطف» : طُولُ هُدْبِ الْعَيْنِ. وَيَرْوِي: «غُصْنًا بَيْنَ غُصْنَيْنِ» [1] ، وَيَرْوِي: «مَحْفُودًا مَحْشُودًا، لا عَابِسًا وَلا مُفَنَّدًا» ، وَيَرْوِي: «كَانَ مَنْطِقُهُ فَصْلا، لا نَزْرًا وَلا هذرا» . 836- وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الرَّقِّيُّ الْمُؤَدِّبُ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غَفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: [لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ، وَلا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يكن بالجعد القطط ولا البسط، كان جَعْدًا رَجِلا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهِّمِ وَلا الْمُكَلْثَمِ، كَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتَدِ، أَجْرَدُ ذَا مَسْرَبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ،] [إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا التفت التفت

_ [1] خ: عضبا بين عضبين.

مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتِمُ النُّبُوَّةِ،] [أَجْرَأُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَوْفَى النَّاسِ بِذِمَّةٍ، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ] [بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ. يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ] . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. «الْمُشَاشُ» : الْعِظَامُ. «الْكَتَدُ» : مُوَصِّلُ الْعُنُقِ بِالظَّهْرِ فَوْقَ الْكَاهِلِ. و «اللهجة» : اللسان. و «الممغط» : الذى ذهب طولا. و «المطهّم» : المعرق، يقال: خيل مطهمة، معرفة الْوُجُوهِ، وَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ مِنْهَا. 837- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الخزار، عَنِ ابْنِ عَائِشَةَ الْقُرَشِيِّ/ 190/ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَكَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤَ مَا شَمَمْتُ مِسْكَةً وَلا عَنْبَرَةً أَطْيَبُ رَائِحَةً مِنْهُ، وَلا مَسَسْتُ دِيبَاجَةً وَلا حَرِيرَةً أَلْيَنُ مِنْ كَفِّهِ. 838- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَظِيمَ الْجُمَّةِ، جُمَّتُهُ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، مَا رَأَيْتُ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ حُلَّةً حَمْرَاءَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَجْمَلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَرَجِّلا فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ. 839- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعْمَرٍ كِلَيْهِمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمَاحِي يَمْحُو اللَّهُ بي الكفر، والعاقب (الذى ليس بعدي نبى) [1] ، والحاشر الذى يحشر الناس على قدمي] [2] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، عن عطاء. مثله.

_ [1] سقط من الأصل. [2] خ: يديه. (والتصحيح عن الطبرى، ص 1788) .

840- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ كَانَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فتح مَكَّةَ. فَمَا أَنْسَى شِدَّةَ بَيَاضِ وَجْهِهِ، وَشِدَّةَ سَوَادِ شَعْرِهِ. وَإِنَّ مِنَ الرِّجَالِ رِجَالا حَوْلَهُ يَمْشُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَقْصَرُ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ من هو أَطْوَلُ مِنْهُ. فَقُلْتُ لأَبِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 841- وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ هَانِئٍ تُحَدِّثُ فَتَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَحْسَنَ ثَغْرًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وما رأيت بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذَكَرْتُ الْقَرَاطِيسَ الْمَثْنِيَّةَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، تَعْنِي عُكَنَهُ. وَرَأَيْتُهُ يَوْمَ الْفَتْحِ قَدْ ضَفَرَ رَأْسَهُ بِضَفَائِرَ أَرْبَعٍ. 842- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْكَلَ الْعَيْنِ، ضَلِيعَ الْفَمِ، منهوش [1] الْعَقِبِ، وَكَانَ فِي سَاقِهِ حُمُوشَةٌ. 843- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا شُعْبَةُ، أَنْبَأَ قَتَادَةُ، عَنْ مَوْلًى لآلِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ جَارِيَةٍ عَذْرَاءَ فِي خِدْرِهَا. وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا، عَرَفْتُ كَرَاهَتَهُ إِيَّاهُ فِي وَجْهِهِ. 844- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ: [سَأَلْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- يَعْنِي عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ- عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. فقال: لم يكن فاحشا، ولا متفشحا، ولا ضحابا، ولا عيابا. ولكنه كان يعفو ويصفح] .

_ [1] خ: منهوس. (والمنهوش: المهزول، قليل اللحم) .

845- وحدثنى بكر بن الهشيم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قال: [قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ لا أَشِيبُ وَأَنَا أَقْرَأُ سُورَةَ هُودٍ [1] ، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ] [2] ؟ 846- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجِلَ الشَّعْرِ، لَيْسَ شَعْرُهُ السَّبْطَ وَلا الْقَطِطَ، كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِالآدَمِ وَلا الأَبْيَضِ الأَمْهَقِ. كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ. بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ. 847- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سليمان بن سعد، وبه ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَضْحَكُ إِلا تَبَسُّمًا. وَكُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ، قُلْتُ: «أَكْحَلُ العينين» ، وليس بأكحل. 848- حدثنى أَبُو عِمْرَانَ الْمُقْرِئُ، ثنا أَبُو يُوسُفَ يَعْلَى الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ مَجْمَعِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ بَعْضِ الأَنْصَارِ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: [كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ اللَّوْنِ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، سَبْطَ الشَّعْرِ، ذَا وَفْرَةٍ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ/ 191/ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ، مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ شَعْرٌ يَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ فِي بَطْنِهِ شَعْرَةٌ غَيْرُهُ، شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا مَشَى فَكَأَنَّمَا يَنْقَطِعُ مِنْ صَخْرَةٍ وَكَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، لَيْسَ بِطَوِيلٍ وَلا قَصِيرٍ، وَلا عَاجِزٍ وَلا لَئِيمٍ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤَ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ [3] ، سَهْلُ الْخَدِّ. لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] . 849- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أنصاف أذنيه.

_ [1] سورة القرآن رقم 11. [2] سورة القرآن، رقم 81. [3] خ: الأدفر.

850- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ [1] ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ بِالْمَاءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ. 851- وَحَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ. 852- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ الْحَرَّانِيُّ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قِيلَ لِلْبَرَاءِ: كَانَ وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتَلِقُ مِثْلَ السَّيْفِ؟ فَقَالَ: لا، بَلْ كَانَ مِثْلَ الْقَمَرِ، لَيْسَ فِي رَأْسِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. 853- حَدَّثَنَا وُهَْيْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عن سليمان التيمي، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُشِينَ نَبِيَّهُ بِالشَّيْبِ. قِيلَ: وَشِينَ هُوَ يَا با [2] حَمْزَةَ؟ قَالَ: كُلُّنَا يَكْرَهُهُ. 854- وَرُوِيَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الشَّيْبِ مَا يَخْضِبُهُ. 855- وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَلامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ شَعْرًا مِنْ شعر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مَخْضُوبًا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَفِّرُ لحيته.

_ [1] خ: صبح (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 3، رقم 474) . [2] خ: بانا.

أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وولده

856- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ، يَعْنِي عَنْفَقَتَهُ [1] ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَرِيشُ النَّبْلَ وَأَرْمِي بِهَا. 857- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ فِي حَدِيثِهِ: رَأَيْتُ وَفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وبها رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي حَدِيثِهِ: رَأَيْتُ وَفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا تَلْوِينٌ مِنَ الْحِنَّاءِ. 858- حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الأَشْيَبِ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ كِنَانَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، مَرْبُوعًا كَثِيرَ اللَّحْمِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ سَابِغَهُ، شَدِيدَ الْبَيَاضِ. 859- حَدَّثَنِي عَمْرٌو، ثنا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَفْرُقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَدَعْتُ الْفَرْقَ بَيْنَ يَافُوخِهِ، وَأَرْسَلْتُ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولده [2] : [خديجة بنت خويلد] 860- تَزَوَّجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بْن قصي- وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هرم/ 192/ من بني عَامِر بن لؤي، ويقال: زيادة بن الأصم- قبل الإسلام. 861- فولدت مِنْه الْقَاسِم بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبه كَانَ يكنى. ومات وقد مشى، وهو ابن سنتين.

_ [1] هي شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. [2] راجع أيضا لهذا الباب طبقات ابن سعد، ج 8، وكتاب المحبر لابن حبيب، ص 77 وما بعدها.

زينب بنت رسول الله.

862- وولدت أيضا زينب بنت رسول الله. وهي أكبر بنات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تزوجها أَبُو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد ابن أسد. وَكَانَ أَبُو العاص يُلقب جرو البطحاء، أي ابن البطحاء. وبعضهم يقول: اسمه القاسم، والثبت أن اسمه لقيط. وَكَانَ تزوجه إياها قبل الإسلام. فلما أكرم الله نبيه بالرسالة، آمنت بِهِ خديجة وبناته وصدقنه [1] . وثبت أَبُو العاص عَلَى دين قريش. وَكَانَ من معدودي رجال مكة مالا، وأمانة، وتجارة. فمشت إليه وجوه قريش، فقالوا: اردد عَلَى مُحَمَّد ابنته، ونحن نزوجك أية امرأة أحببت من قريش. فقال: لا، ها الله، إِذَا لا أفارق صاحبتي، فإنها خير صاحبة. ولما سارت قريش إلى بدر، كَانَ معهم. فأسر فِي المعركة. فلما بعث أهل مكة فِي فداء أسرائهم، بعثت زينب فِي فداء أبي العاص بمال. وبعثت معه بقلادة لَهَا كَانَت خديجة رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهَا وهبتها لَهَا حين أدخلتها عَلَى أبي العاص. فلما رآها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عرفها، فرق لَهَا رقة شديدة وقال للمسلمين: إن رأيتم أن تردوا قلادة زينب ومالها عليها وتطلقوا أسيرها، فافعلوا. فقالوا: نعم، ونعمة عين يا رسول الله. فأطلقه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن اشترط عَلَيْهِ أن يبعث بزينب إِلَيْهِ. وتوثق مِنْه، ووجه زيد بن حارثة الكلبي مولاه فِي عدة من الأنصار إلى بطن يأجج، وأمرهم بالمقام هناك إلى أن توافيهم زينب فيصاحبونها حَتَّى يقدموا بِهَا المدينة. وذلك بعد بدر بشهر. وأمر أبو العاص زينب بالتهيؤ. فلما تجهزت، بعث بها مع كنانة ابن عدي بْن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس بن عبد مناف، وهو ابن عمه. ويقال: بَلْ بعث بِهَا مع عدي بن ربيعة. فاعترضها رجال من قريش بذي طوي. فبدر إليها هبار بْن الأَسْوَدِ بْن المطلب بْن أسد بن عبد العزى، ونافع ابن عبد قيس بن لقيط بن عامر الفهري، وهو أَبُو «عقبة بن نَافِع» ، صاحب المغرب. فأهوى إليها هبار بالرمح، فأفزعها، وكانت حاملا فألقت ما فِي بطنها بعد أيام. وفوق كنانة، أو عدي، سهما وَكَانَ راميا. فقال له أبو سفيان ابن حرب، وكان في القوم: اكفف بذلك عنا، فإنا والله ما نمنعها من المسير

_ [1] خ: صدقته.

إلى أبيها وإنما أنكرنا خروجكم بِهَا نهارا، ورأينا علينا فِي ذلك غضاضة، فردها إلى مكة، فإذا غشينا الليل، وهدأت الزجل [1] فأسر بِهَا. ففعل، وأخرجها ليلا حَتَّى أتى بِهَا زيدا ومن معه فسلمها إليهم. ويقال إن هبارا أنفر بِهَا البعير حَتَّى سقطت، وانكسرت ضلع من أضلاعها. وَفِي أمر زينب يقول عدي أو كنانة بن عدي [2] : عجبت لهبار وأوباش قومه ... يريدون إخفاري ببنت مُحَمَّد فإن أنا لَمْ أمنع من القوم كنتي ... فلا عشت إلا كالخليع المطرد ووجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية، وقال: إن لقيتم هبارا، فأحرقوه [3] . ثُمَّ قَالَ: سبحان الله، [لا يعذب بالنار إلا خالقها، اقطعوا يده ورجله.] فلم تلقه السرية. وقدم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، حين فتح مكة، مسلما. فقبل إسلامه، وأمر أن لا يعرض [4] لَهُ. [وقال لَهُ: لا تسب إلا من يسبك.] وَكَانَ سبابا للناس. وَكَانَ يكنى أبا سعد. وخرجت سلمى مولاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لا أنعم الله بك عينا. [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا، فقد محا الإسلام ما كَانَ قبله] . وَحَدَّثَنِي عباس بن هِشَام الكلبي، عَن أبيه، عَن معروف بن خربوذ المكي أَنَّهُ أنشده لأبي العاص فِي زينب رضي الله تعالى/ 193/ عنها [5] : ذكرت زينب لِمَا جاوزت إرما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما بنت الأمين جزاها الله صالحة ... وكل بعل سيثني بالذي علما وقال أَبُو العاص هَذَا الشعر، وقد خرج فِي سفر لَهُ. وخرج أبو العاص ابن الربيع فِي سنة ست إلى الشام فِي تجارة لَهُ. فلما انصرف، بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة مولاه فِي كثف من المسلمين لاعتراض العير

_ [1] خ: الرجل (بالمهملة) . [2] ابن هشام، ص 468 (وعزاهما إلى كنانة بن الربيع) . [3] خ: فاخرجوه. [4] خ: تعرض. (وراجع لقصته أيضا مصعبا الزبيري، ص 219) . [5] السهيلي، 2/ 80 (وروى في الأول: لما يمت إضما) .

التي أقبل فيها أبو العاص، فاستاقها وأسره، فأتى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فبعث إلى زينب يستجير بِهَا. ويقال: بَلْ حاص حيصة حَتَّى أتى زينب، فاستجار بِهَا. فأجارته. فلما صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح، قالت، وهي فِي صفة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص ابن الربيع. فقال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: أيها الناس، أسمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: فو الذى نفسي بيده، ما علمت بما كَانَ حَتَّى سمعت ما سمعتم، [إنه يجير عَلَى المسلمين أدناهم.] ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند انصرافهم من المسجد، [فقال: يا بنية: أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك. وبعث إلى المسلمين ممن كَانَ فِي السرية: إنكم قد عرفتم مكان هَذَا الرجل منا، فإن تردوا عَلَيْهِ ماله فإنا نحب ذلك، وإلا تردوه فأنتم أملك بفيئكم الَّذِي جعله الله لكم] . فقالوا: بَلْ نرده يا رسول الله. فردوا عَلَيْهِ ماله وجميع ما كَانَ معه. وأسلم أَبُو العاص، فرد رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ زينب بنكاح جديد. ويقال: بَلْ ردها بالنكاح الأول. حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّازُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ عُمَروَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَمَهْرٍ جَدِيدٍ. حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صالح، عن ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ زَيْنَبَ اسْتَأْذَنَتْ أَبَا الْعَاصِ فِي إِتْيَانِ أَبِيهَا عَلَيْهِ السَّلامُ، حِينَ هَاجَرَ. فَأَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ. فَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا الْعَاصِ لَحِقَهَا، فَاسْتَجَارَ بِهَا، وَقَالَ: خُذِي لِي أَمَانًا. فَخَرَجَتْ، فَأَطْلَعَتْ رَأْسَهَا مِنْ بَابِ حُجْرَتِهَا حِينَ قَضَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ، فَقَالَتْ: أَنَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسَمِعْتُمْ ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: فو الله مَا عَلِمْتُ، وَالْمُسْلِمُونَ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ

أَدْنَاهُمْ.] فَأَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِوَارَ زَيْنَبَ. وَأَسْلَمَ أَبُو الْعَاصِ، فَأَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: رَدَّهَا فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْهِنْدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الأَوَّلِ. وقال الواقدي: لِمَا أسلم أَبُو العاص، أتى مكة ثُمَّ رجع إلى المدينة. فكان بِهَا. فلما فتحت مكة، أقام بِهَا. ولم يقاتل مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتوفى فِي سنة اثنتى عشرة. وأوصى إلى الزبير بن العوام، وهو ابن خاله. وَكَانَ لأبي العاص من زينب: عَلَي، وأمامة. فأما عَليّ، فمات وهو غلام، ولم يعقب. وأما أمامة، فتزوجها عَليّ بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة عليها السَّلَام، فولدت لَهُ محمدا الأوسط. وقتل عَليّ، وهي عنده. فحملها عمها عبد الرحمن بن محرز بن حارثة بن ربيعة إلى المدينة. ثُمَّ إن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى مروان بن الحكم يأمره أن يخطبها عَلَيْهِ، ففعل. فجعلت أمرها إلى الْمُغِيرَةِ بْن نَوْفَل بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ المطلب، وهو الَّذِي كَانَ الْحَسَن بن عَليّ عليهما السَّلَام استخلفه عَلَى الكوفة حين سار إلى المدائن. فأشهد المغيرة عليها برضاها بكل ما يصنع. فلما استوثق منها، قَالَ: قد تزوجتها، وأصدقتها أربع مائة دينار. فكتب مروان بذلك إلى معاوية. فكتب إِلَيْهِ: هي أملك بنفسها، فدعها وما اختارت/ 194/ ثُمَّ انه بعد ذلك سير المغيرة إلى الصفراء، فمات. وماتت بالصفراء. وولدت من المغيرة: يَحْيَى بن المغيرة، وبه يكنى. وتوفيت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم في سنة ثمان من الهجرة بالمدينة. فغسلتها أم أيمن، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة. وصلى عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل فِي قبرها، ومعه أَبُو العاص. وجعل لَهَا نعش. فكانت أول من اتخذ لَهَا ذلك. وَالَّذِي أشارت باتخاذه أسماء بنت عميس، رأته بالحبشة، وهي مع زوجها جَعْفَر بن أبي طالب. ويقال إن عليا خاف أن يتزوج معاوية أمامة، فأوصاها أن تتزوج المغيرة. وكانت أمامة عنده بضعا وعشرين سنة.

رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

863- وولدت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ رقية بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تزوجها عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فلما نزلت «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [1] » ، قالت أمه أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب: قد هجانا مُحَمَّد. وعزمت عَلَى ابنها عتبة أن يطلق رقية. وعزم عَلَيْهِ أبوه أيضا أن يطلقها. ففعل. فزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى، عَنْهُ، فهاجرت معه إلى الحبشة. وولدت لَهُ عبد الله. فكني أبا عبد الله. وتوفيت فِي أيام بدر، وهي عند عثمان. ودفنت بالبقيع. وصلى عليها عثمان. وغسلتها أم أيمن. ولم يحضرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. ويقال إنّ زيد ابن حارثة قدم المدينة بخبر بدر حين سوى عَلَى رقية التراب. وأما عبد الله بن عثمان، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعه فِي حجره، ودمعت عَلَيْهِ عينه. [وقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء.] وصلى عليه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونزل عثمان فِي حفرته. 864- ولدت خديجة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم كلثوم أيضا. تزوجها معتب بن أبي لهب. ويقال: عتيبة. فعزمت عَلَيْهِ أم جميل، وأبوه، أن يطلقها. ففعل. فلما توفيت رقية، زوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عثمان أيضا. فلم تزل عنده حَتَّى توفيت فِي سنة تسع. وتبكّى [2] عثمان. [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يبكيك؟ فقال: انقطاع صهري منك يا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلا، إنه لا يقطع الصهر الموت، إنما يقطعه الطلاق، ولو كانت عندنا ثالثة، لزوجناك.] ويقال إن قريشا لِمَا سعوا إلى أبي العاص فِي طلاق زينب، سعوا إلى عتبة وأخيه فِي طلاق رقية وأم كلثوم، فطلقاهما، فزوجوا عتبة: ابنة سعيد بن العاص بن أمية. وَحُدِّثْتُ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أنّ عثمان كان يجزع عَلَى رُقَيَّةَ جَزَعًا شَدِيدًا، فَكَانَ لا يَزَالُ يأتى قبرها.

_ [1] القرآن، المسد (111/ 1 وما بعدها) . [2] خ: تكنى.

فاطمة،

[فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ أُخْتَهَا عَلَى مِثْلِ مَهْرِ أُخْتِهَا.] 865- وولدت خديجة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة، تزوجها على ابن أبي طالب عليهما السَّلَام بالمدينة فِي سنة اثنتين. فولدت له الحسن، وو الحسين، ومحسنا درج صغيرا، وزينب تزوجها عبد الله بن جَعْفَر فبانت مِنْه ويقال ماتت عنده، وأم كلثوم تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عَنْهُ فولدت لَهُ زيد بن عمر. وقتل عنها. فخلف عليها مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي طالب، فتوفي عنها، فخلف عليها عبد الله بن جعفر، بعد زينب. وتوفيت أم كلثوم وابنها زيد فِي يوم واحد، فصلى عليهما عبد الله بن عمر. وتوفيت فاطمة رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهَا بعد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بستة أشهر. وذلك الثبت. ويقال: بثلاثة أشهر، ويقال بخمس وسبعين ليلة، ويقال بأربعين ليلة. وصلى عليها العباس بن عبد المطلب. ونزل هُوَ وَعَليّ فِي قبرها. ودفنت ليلا. وكبر العباس عليها أربعا. وَكَانَ لَهَا، يوم توفيت، تسع وعشرون سنة. ويقال إحدى وثلاثون سنة وأشهر. ولما حضرت فاطمة الوفاة، أمرت عليا، فوضع لها غسلا. فاغتسلت وتطهرت/ 195/ ثم دعت بثياب أكفانها. فأتيت بثياب غلاظ خشنة، فلبستها. ومست من الحنوط. ثُمَّ أمرت عليا أن لا يكشف عنها إِذَا قبضت، وأن تدفن كما هي فِي ثيابها. ففعل. ولم يصنع مثل هَذَا إلا كثير بن العباس، وكتب عَلَى أطراف أكفانه: «كَثِير بْن الْعَبَّاس يشهد أَن لا إله إلا الله» . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيِّ، قَالا: كَانَ أَبُو بَكْرٍ خَطَبَ فَاطِمَةَ، [فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أَنَا أَنْتَظِرُ بِهَا الْقَضَاءَ.] ثُمَّ خَطَبَهَا عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقِيلَ لِعَلِيٍّ: لَوْ خَطَبْتَ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَ: مَنَعَهَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلا آمَنُ أَنْ يَمْنَعَنِيهَا. فَحُمِلَ عَلَى خِطْبَتِهَا، فَخَطَبَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا. فَبَاعَ بَعِيرًا لَهُ، وَمَتَاعًا، فَبَلَغَ ثَمَنَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا. ويقال أربع مائة

_ [1] ابن سعد، 8/ 11- 12.

دِرْهَمٍ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثُلُثَهَا فِي الطِّيبِ، وَثُلُثَهَا فِي الْمَتَاعِ. فَفَعَلَ. وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: مَا كَانَ لَنَا إِلا إِهَابَ كَبْشٍ، نَنَامُ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْهُ، وَتَعْجِنُ فَاطِمَةُ عَلَى نَاحِيَةٍ. وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: اسْتَحَلَّ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ بِبَدَنٍ [1] مِنْ حَدِيدٍ. وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ ابْن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ [سَمِعَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ أَخْطُبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابْنَتَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ، ثُمَّ ذَكَرْتُ صِلَتَهُ وَعَائِدَتَهُ، فَخَطَبْتُهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ: وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَأَيْنَ دِرْعُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ يَوْمَ كَذَا؟ فَقُلْتُ: هِيَ عِنْدِي. قَالَ: فَأَعْطِهَا إِيَّاهَا] . حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، [عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ بِخَمِيلٍ، وَقِرْبَةٍ، وَوِسَادَةٍ مَحْشُوَّةٍ بِإِذْخِرَ.] وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَغَيْرُهُ: دَخَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ، وَأَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَيُّنَا أَكْبَرُ؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: وُلِدْتَ يَا عَلِيُّ، قَبْلَ بِنَاءِ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ بِسَنَوَاتٍ، وَوُلِدَتِ ابْنَتِي [2] وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا وُلِدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَلا إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يَنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيًّا، أَلا وَإِنِّي لا آذَنُ [3] ، ثُمَّ لا آذَنُ [4] ، ثُمَّ لا [آذَنُ [5] ، إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا.] [وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

_ [1] البدن: الدرع القصير. [2] أى فاطمة بنت رسول الله. [3] خ: لآذن. [4] خ: لآذن. [5] خ: لآذن.

وَسَلَّمَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيًّا خَطَبَ الْعَوْرَاءَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، وَإِنِّي لا آذَنُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنَةِ عَدُوِّ اللَّهِ.] فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ لِعَلِيٍّ: الْحَسَنَ وَتَكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَالْحُسَيْنَ وَتَكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَسِّنًا مَاتَ صَغِيرًا. وَكَانَ مَوْلِدُ الْحَسَنِ فِي سَنَةِ ثَلاثٍ لِلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَعَقَّ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشٍ. ثُمَّ عُلِّقَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ مَوْلِدِ الْحَسَنِ بِخَمْسِينَ لَيْلَةً بِالْحُسَيْنِ، عَلَى جَمِيعِهم السَّلامُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ بَيْنَ حَمْلِ الْحُسَيْنِ وَمَوْلِدِ الْحَسَنِ طُهْرٌ. فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً. وَكَانَ مَوْلِدُهُ لَيَالِي خَلَتْ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الزِّيَادِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ [أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ: سَمَّيْتُهُ حَرْبًا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرِنِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: حَرْبًا. فَقَالَ: هُوَ الْحَسَنُ. فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ، سَمَّيْنَاهُ حَرْبًا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: حَرْبًا. فَقَالَ: هُوَ الْحُسَيْنُ. ثُمَّ لَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ، جَاءَ فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: حَرْبًا. قَالَ: هُوَ مُحْسِنٌ، إِنَّمَا سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ شَبَّرَ، وَشَبِّيرَ، وَمُشَبِّرَ] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ على/ 196/ بعد ما مَضَتْ مِنْ إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ عَشْرُ سِنِينَ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ سَمَّهُمَا. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: صَلَّى عَلَى الْحَسَنِ: سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ (بْنِ) سَعِيدِ بْنِ [1] الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ. [فَقَالَ الْحُسَيْنُ: لَوْلا السِّنُّ، مَا قَدَّمْتُكَ.] وَكَانَ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنْ يَخَافُوا أَنْ يُهْرَاقَ فِي ذَلِكَ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ. فَمَنَعَهُمْ مَرْوَانُ، حَتَّى كَادَتِ الْفِتْنَةُ تَقَعُ. وَأَبَى الْحُسَيْنُ إِلا دَفْنَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَلَّمَهُ عَبْدُ اللَّهِ

_ [1] خ: بن بن.

عبد الله،

ابن جَعْفَرٍ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيُّ فِي دَفْنِهِ بِالْبَقِيعِ. وَكَانَ مَرَضُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَتُوُفِّيَ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ وَلَهُ سَبْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَلَهُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ مُحَرَّمٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ثنا عَمْرُو (بْنُ دِينَارٍ) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ دُفِنَتْ لَيْلا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ. أَنَّ عَلِيًّا دَفَنَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ لَيْلا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَتْ وَفَاتُهَا، فِيمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ، لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ لِثَلاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. [وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ: أَنْتِ أَسْرَعُ أَهْلِي لِحَاقًا بِي. فَوَجَمَتْ.] [فَقَالَ لَهَا: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَتَبَسَّمَتْ.] قَالُوا: وَأَوْصَتْ فَاطِمَةُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى سَرِيرٍ طَاهِرٍ، فَقَالَتْ لَهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: أَصْنَعُ لَكِ نَعْشًا كَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْحَبَشَةِ يَصْنَعُونَ. فَأَرْسَلَتْ إِلَى جَرِيدِ رُطَبٍ فَقَطَّعَتْهُ، ثُمَّ جَعَلَتْ لَهَا نَعْشًا. فَتَبَسَّمَتْ وَلَمْ تُرَ مُتَبَسِّمَةً بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا سَاعَتَهَا تِيكَ. وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ، وَأَسْمَاءُ. وَبِذَلِكَ أَوْصَتْ. وَلَمْ يَعْلَمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بِمَوْتِهَا. 866- وَوَلَدَتْ خَدِيجَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا عَبْدَ اللَّهِ، وَهُوَ الطَّاهِرُ، وَهُوَ الطَّيِّبُ. وَسُمِّيَ بِهَذَيْنِ الاسْمَيْنِ جَمِيعًا، لأَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ فِي الإِسْلامِ. وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ. فَقَالَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ: مُحَمَّدٌ أَبْتَرُ، لا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [1] . 867- وَتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ الْمَبْعَثِ، قَبْلَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ. وَكَانَ بَيْنَ وَفَاتِهَا وَمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ شَهْرٌ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ. وَيُقَالُ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ لَيْلَةً. وَيُقَالُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ. وَمَاتَ أَبُو طَالِبٍ فِي آخِرِ شَوَّالٍ، وَأَوَّلِ ذِي الْقَعْدَةِ. وَيُقَالُ تُوُفِّيَ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ

_ [1] القرآن، الكوثر (108/ 3) .

وَنَحْوِهَا. وَذَلِكَ غَلَطٌ. وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا. وَلَمْ يَكُنْ سُنَّتِ [1] الصَّلاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ يَوْمَئِذٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ: غَسَّلَتْهَا أُمُّ أَيْمَنَ وَأُمُّ الْفَضْلِ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَتَيْنِ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سَنَوَاتٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَرُوِيَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّهُ قَالَ: أخْرَجْنَاهَا حَتَّى دَفَنَّاهَا بِالْحَجُونِ، وَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا، وَكَانَتْ وَفَاتُهَا لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ.] وسالف [2] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من قبل خديجة، الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس: كانت تحته هالة بنت خويلد. ثُمَّ أخوه ربيعة بن عبد العزى: كانت عنده هالة أيضا. ووهب بن عبد (بن) [3] جابر الثقفي، كانت عنده هالة أيضا. ثُمَّ قطن بن وهب بن عمرو الخزاعي، من قبل هالة أيضا. وعلاج بْن أبي سلمة بْن عبد العزي بْن غيرة الثقفي، كانت تحته/ 197/ خالده بنت خويلد. وعبد الله بن بجاد بن الحارث بن حارثة ابن سَعْد بْن تيم بْن مرة بْن كعب، كانت تحته رقيقة بنت خويلد. وكانت خديجة قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أبي هالة هند بن النباش بن زرارة الأسيدي [4] ، من تميم، فولدت لَهُ هند بن أبي هالة، سمي باسم أبيه. ثُمَّ خلف عليها بعده عتيق بن عابد [5] بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر [6] بْن مخزوم، فطلقها،

_ [1] خ: سنة. [2] راجع أيضا المحبر، ص 99- 100. [3] الزيادة عن المحبر، ص 100. [4] خ: الأسدى (والتصحيح عن المحبر، ص 452) . [5] خ: عائد. [6] خ: عمرو.

سودة بنت زمعة ابن قيس،

فتزوجها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكانت مسماة لورقة بن نوفل، فآثر الله عَزَّ وَجَلَّ بِهَا نبيه. وكانت خديجة ولدت لعتيق جارية، يقال لَهَا هند. فتزوجها صيفي بْن أمية بن عابد بن عبد الله، فولدت له محمدا. فيقال لبني مُحَمَّد بْن صيفي بالمدينة «بنو [1] الطاهرة» . 868- وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد خديجة، سودة بنت زمعة ابن قيس، من بني عَامِر بن لؤي، قبل الهجرة بأشهر. وكانت قبله عند السكران بن عَمْرو، أخي سهيل بن عَمْرو. فلما مات خلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكانت أول امرأة وطئها بالمدينة. وكانت أم سودة. الشموس بنت قيس [2] بن زيد بن عَمْرو [3] بن لبيد بن خداش [4] ، من بني النجار، من الأنصار. وكانت رأت فِي النوم كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطيء عَلَى عنقها، فأخبرت السكران بذلك. فقال: لئن صدقت رؤياك، لأموتن وليتزوجنك مُحَمَّد. فقالت: حجرا وسترا [5] . ثُمَّ رأت ليلة أخرى كأن قمرا انقض عليها من السماء. فتزوجها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وولي تزويجها إياه [6] حاطب (بن عَمْرو) بن عبد شمس، ويقال أبوها. فوضع أخوها، عبد، التراب عَلَى رأسه. فكان يقول حين أسلم: إِنِّي لست أحثو التراب عَلَى رأسي لتزوج النَّبِيّ سودة. وكانت سودة مسنة، فطلقها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سنة ثمان من الهجرة تطليقة. فجمعت ثيابها، وجلست لَهُ عَلَى الطريق التي كَانَ يسلكها إِذَا خرج إلى الصلاة. فلما دنا منها، بكت وقالت: يا رَسُول اللَّهِ، هَل اعتددت عَليّ فِي الإسلام بشيء؟ فقال: اللَّهُمَّ لا. فقالت: أسألك بالله لما راجعتني. فراجعها. وجعلت يومها لعائشة، وقالت، والله ما غايتي إلا أن أرى وجهك وأحشر مع أزواجك. وَكَانَ فِي أذنها ثقل. وتوفيت فِي سنة ثلاث وعشرين. وصلى عليها عمر بن الخطاب. ويقال إنها توفيت في خلافة

_ [1] خ: بنوا. [2] خ: قليس (والتصحيح عن المحبر، ص 79، مصعب، ص 422) . [3] خ: عمر (التصحيح عما مضى) . [4] خ حدايش (والتصحيح عما مضى) . [5] خ: سبترا. [6] خ: لنياه.

عثمان، وَلَهَا نحو من ثمانين سنة. وكانت سودة قد لزمت بيتها، فلم تحج إلى أن توفيت. وذلك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا حج بنسائه، قَالَ: هَذِه الحجة، ثُمَّ طهور الحصر. وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيُّ، ثنا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْلَمَ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، [1] عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةَ زَمْعَةَ مِنْهُ، وَقَالَ: اقْبِضْهُ إِلَيْكَ. فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ، أَخَذَهُ سَعْدٌ وَقَالَ: (ابْنُ أَخِي،) [2] قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَامَ إِلَيْهِ عبد بن زمعة، فقال: «أخى، ابن وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ» . فَتَسَاوَقَا إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال سعد: يا رسول الله، إن [3] (قد كان) [4] أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ لَكَ، يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ. [وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: «احْتَجِبِي منه» ، لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهَهُ بِعُتْبَةَ.] فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة بنحوه وحدثت عن محمد بن بشر العبدى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قالا: لِمَا هلكت خديجة، جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون، فعرضت عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التزويج. فقال: بمن؟ قالت: بسودة وعائشة. وكانت سودة مسلمة. فزوّجها إياه أبوها وهو شيخ كبير.

_ [1] موطأ مالك، كتاب 36، حديث 20. (راجع أيضا مصعبا الزبيري، ص 421) . [2] الزيادة عن الموطإ. [3] عند الموطإ: ابن. [4] الزيادة عن الموطإ.

عائشة بنت أبى بكر

وسالف [1] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من قبل سودة، حويطب بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسٍ، مِنْ بَنِي عَامِر بْن لؤي، وَكَانَ معمرا، مات سنة أربع وخمسين وله مائة/ 198/ وعشرون سنة. وَكَانَ عنده أم كلثوم بنت زمعة، أختها لأبيها وأمها. وعبد الرحمن بن عوف الزهري، وكانت عنده أم حبيب بنت زمعة. 869- وتزوج عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. وأمها أم رومان بنت عمير، من بني كنانة. وأمها كنانية أيضا. وقال بعضهم: أم رومان بنت الحارث بن الحويرث. وذلك خطأ. وكانت عائشة مسماة لجبير بن مطعم ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف، فسلها أَبُو بكر سلا [2] وزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والثبت أنها لَمْ تسم لأحد قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولم يتزوج رَسُول اللَّهِ ببكر غيرها، وَكَانَ أبا عذرها. وتزوجها بمكة وهي ابنة ست، ويقال: سبع. وابتني بِهَا وهي ابنة تسع فِي شوال سنة إحدى من الهجرة. وكانت أحب نسائه إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ ابْنَةُ ثماني عشرة سَنَةٍ. وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنَةُ ست سنين، وبنى بي

_ [1] راجع أيضا، المحبر، ص 101. [2] أرسل رسول الله خولة بنت حكيم إلى أبى بكر تخطب عليه عائشة. «فأتت أبا بكر، فذكرت ذلك له. فقال: انتظريني حتى أرجع. فقالت أم رومان: إن المطعم بن عدى كان ذكرها على ابنه، ولا والله ما وعد (أبو بكر) مشيا قط فأخلف. فدخل أبو بكر على مطعم، وعنده امرأته أم ابنه الذى كان ذكرها عليه. فقالت العجوز: يا ابن أبى قحافة، لعلنا إن زوجنا ابننا ابنتك أن تصبئه وتدخله في دينك الذى أنت عليه. فأقبل على زوجها المطعم فقال: ما تقول هذه؟ فقال: إنها تقول ذاك. قال: فخرج أبو بكر، وقد أذهب الله العدة التي كانت في نفسه من عدته التي وعدها إياها. وقال لخولة: ادعى لي رسول الله. فدعته. فجاء، فأنكحه» . (الطبرى، ص 1768- 1769) .

وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعِ سِنِينَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَالْكَلْبِيُّ: تَزَوَّجَهَا فِي شَوَّالٍ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فِي شَوَّالٍ. فَكَانَتْ تَسْتَحِبُّ أَنْ تَتَزَوَّجَ نِسَاؤُهَا فِي شَوَّالٍ، وَتَقُولُ [1] : أَيَّةُ امْرَأَةٍ كَانَتْ أَحْظَى عِنْدَ زَوْجٍ مِنِّي؟ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَجْلَحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْتَنِي بِعَائِشَةَ، خَرَجَتْ إِلَيْهَا أُمُّهَا، أُمُّ رُومَانَ، وَهِيَ تَلْعَبُ مَعَ الْجَوَارِي فِي النَّخْلِ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهَا فَأَدْخَلَتْهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ بِعَامٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ. وَتُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ ابْنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةٍ. وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها حِينَ خَطَبَ سَوْدَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ فِي شَوَّالَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوَّالَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْمُهَاجَرِ. وَكُنْتُ يَوْمَ تَزَوَّجَنِي ابْنَةَ سِتٍّ وَيَوْمَ دَخَلَ عَلَيَّ ابْنَةَ تِسْعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شَوَّالَ، وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوَّالَ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟ وَكَانَتْ تستحب نسائها أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فِي شَوَّالَ. وَحَدَّثَنِي الْعَقَوِيُّ الدَّلالُ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي أَلْعَبُ مع الجوارى بالبنات. فما شعرت

_ [1] خ: يقول. [2] ابن سعد، 8/ 39- 40 (وفيه: عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بن زرارة) .

بِذَلِكَ حَتَّى حَبَسَتْنِي أُمِّي عَنِ الْخُرُوجِ. فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنِّي قَدْ زُوِّجْتُ. وَمَا سَأَلْتُهَا حَتَّى أَخْبَرَتْنِي ابْتَدَاءً. وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ بَيْتِي فَتَنْقَمِعَ الْجَوَارِي مِنْهُ وَيَخْرُجْنَ. فَيَخْرُجُ وَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِصُورَتِي، وَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ. فَتَزَوَّجَنِي وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ عَلَى حَوْفٍ [1] . فَلَمَّا تَزَوَّجَنِي، وَقَعَ عَلَيَّ الْحَيَاءُ وَإِنِّي لَصَغِيرَةٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ: «الْحَوْفُ» ، الَّذِي يَكُونُ فِي وَسَطِ الصَّبِيِّ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، مَرَّتَيْنِ. وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَائِشَةَ عَلَى أُرْجُوحَةٍ فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ رُومَانَ: مَا حَاجَتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: جِئْتُ أَخْطُبُ عَائِشَةَ. قَالَتْ: إِنَّ/ 199/ عِنْدَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هِيَ أَكْبَرُ مِنْهَا. قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدُ عَائِشَةَ. ثُمَّ خَرَجَ. وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله تعالى عنه، فأخبرته، فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّهَا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَخَرَجَ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ الأَرَاجِيحِ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ وَهِيَ ابْنَةُ سِتٍّ، وَدَخَلَ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ ابْنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَمَاتَتْ وَهِيَ ابْنَةُ سِتٍّ وَسِتِّينَ سَنَةً فِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ. وَتَزَوَّجَهَا بِكْرًا، وَسَمَّاهَا «أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ» . وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهَا مَاتَتْ فِي سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ. وَالثَّبْتُ أنها مات في سنة ثمان [2] وخمسين.

_ [1] الحوف: جلد يشق على هيئة الإزار تلبسه الصبيان. [2] خ: ثماني.

حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، عن هِشَام، عَن أبية قَالَ: ماتت عائشة فِي سنة سبع وخمسين، ومات أبو هريرة فِي سنة تسع وخمسين. وقد روى قوم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج عائشة في شهر رمضان. والأول أثبت. 870- قالوا: وكانت عائشة تَقُولُ: ما غرت عَلَى امرأة من نساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرتي عَلَى خديجة وإن كَنت بعدها، لِمَا أسمع من ذكر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنِّي لأَغَارُ عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنْ كُنْتُ بَعْدَهَا، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذكر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: « [كَانَتْ خَدِيجَةُ خَيْرَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» ، وَقَالَ: «إِنَّ لِخَدِيجَةَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ» ، وَإِنِّي لأَعْرِفُ فَضْلَهَا] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: خَيْلَ سُلَيْمَانَ. فَضَحِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بن همام، عن معمر، عن الزهري، فِيمَا يَحْسَبُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْبَلْتَ عَلَى هَذِهِ السَّوْدَاءِ هَذَا الإِقْبَالَ؟ [فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى خَدِيجَةَ كَثِيرًا، فَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ] . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إسحاق، عن كريب قال: خَطَبَ عَلَيَّ يَوْمًا، فَقَامَ رَجُلٌ، فَشَتَمَ عَائِشَةَ. فَنَهَضَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَالَ: اسْكُتْ مَقْبُوحًا، أَتَقَعُ فِي حَبِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَزَوْجَتِهِ؟

حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّامِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال يوما: [يا عائشة، إن جبريل يقرؤ عَلَيْكِ السَّلامَ. فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّرِيرُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ الضَّرِيرُ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلُ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَنِ النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ] . حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ: إِنِّي لأَعْرِفُ غَضَبَكِ إِذَا غَضِبْتِ، وَرِضَاكِ إِذَا رَضِيتِ. فَقَالَتْ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ [قَالَ: إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ «يَا مُحَمَّدُ» ، وَإِذَا رَضِيتِ قُلْتِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ] » . وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ [قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا غَضِبْتِ قُلْتِ «لا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» ، وَإِذَا رَضِيتِ قُلْتِ «لا، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ] » . فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَهْجُرُ اسْمَكَ. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: أَيْنَ كُنْتَ؟ قَالَ عَنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ. فَقَالَتْ: «وَمَا تَصْنَعُ بِأُمِّ سَلَمَةَ؟ وَإِنَّكَ نَزَلْتَ بِعَدْوَتَيْنِ، / 200/ إِحْدَاهُمَا عَافِيَةٌ [1] لَمْ تُرْعَ، وَالأُخْرَى قَدْ رُعِيَتْ، فِي أَيِّهِمَا كُنْتَ تَرْعَى؟» [قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الَّتِي لَمْ تُرْعَ. وَتَبَسَّمَ صلى الله عليه وسلم] .

_ [1] العافية الأرض غطاها النبات (القاموس)

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لَكَ [1] فَإِنَّمَا خَلَفْتَ عَلَيْهَا بَعْدَ زَوْجٍ، غَيْرِي. 871- حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هاشم، عن حميد بن عبد الله الملأى، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: رَأَيْتُ عَلَى عَائِشَةَ خِمَارَيْنِ، حَبْشَانِيًّا وَغُرَابِيًّا أَسْوَدَ. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ. فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْحُمَيْرَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: أَفَلا أَنْزِلُ لَكَ عَنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا. فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذَا الأَحْمَقُ الْمُطَاعُ فِي قَوْمِهِ. 872- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يُحَدِّثُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ، حِينَ هَاجَرَ إِلَيْهَا، زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَأَبَا رَافِعٍ مَوْلَيَيْهِ. فَحَمَلا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ، وَفَاطِمَةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ. وَحَمَلَ زَيْدٌ أُمَّ أَيْمَنَ امْرَأَتَهُ، وَأُسَامَةَ ابْنَهُ. وَبَعَثَ أَبِي: عَبْدَ اللَّهِ، أَخِي، فَحَمَلَ أُمَّ رُومَانَ، وَحَمَلَنِي وَأُخْتِي. وَخَرَجَ طَلْحَةُ، فَاصْطَحَبَنَا. فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، وَالْمَسْجِدَ يُبْنَى وَأَبْيَاتٌ حَوْلَهُ. فَمَكَثْنَا أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا بَكْرٍ أَنَا بَاعِثٌ بِالصَّدَاقِ. وَهُوَ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةٍ وَنَشٍّ [2] . فَبَعَثَ بِذَلِكَ، وَبَنَى بِي فِي بَيْتِي هَذَا الَّذِي أَنَا فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: بُدِئَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ. وَيُقَالُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ. فَجَعَلَ يَقُولُ: أَيْنَ أَنَا غَدًا، وَأَيْنَ أَنَا بَعْدَ غَدٍ؟ فَعَرَفَ أَزْوَاجَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَهَبْنَا أَيَّامَنَا لأُخْتِنَا عَائِشَةَ. فَخَرَجَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ، وَالْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ حَتَّى دَخَلَ مَنْزِلَ عَائِشَةَ، فَتُوُفِّيَ فِي مَنْزِلِ عَائِشَةَ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِ لَهُ أن فاطمة كانت

_ [1] خ: امراد لك. [2] النش نصف أوقية عشرون درهما (القاموس)

تَطُوفُ، حِينَ مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى أَزْوَاجِهِ فَتَقُولُ: إِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النَّبِيِّ أَنْ يَطُوفَ عَلَيْكُنَّ. فَقُلْنَ: هُوَ فِي حلّ. فكان يكون في بيت عائشة. 873- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ [1] فَاطِمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْ. فَأَذِنَ لَهَا. فَدَخَلَتْ وَهُوَ عِنْدَ عَائِشَةَ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أزواجك أرسلنى إِلَيْكَ، يَسْأَلْنَكَ السَّوِيَّةَ فِي ابْنَةِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ. فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةِ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَأَحِبِّي هَذِهِ، يَعْنِي عَائِشَةَ. قَالَتْ فَاطِمَةُ: فَجِئْتُ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثْتُهُنَّ. فَقُلْنَ: مَا أَغْنَيْتِ عَنَّا شَيْئًا. فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ أَزْوَاجُكَ، وَهُنَّ يَسْأَلْنَكَ السَّوِيَّةَ فِي ابْنَةِ (ابْنِ) أَبِي قُحَافَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَقَعْتُ بِزَيْنَبَ، فَسَبَّتْنِي. وَطَفِقْتُ أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى يَأْذَنُ لِي فِيهَا. فَلَمْ أَزَلْ أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا. قَالَتْ: فَأَوْقَعْتُ بِزَيْنَبَ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ أَفْحَمْتُهَا. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بكر. 874- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد [2] ، عَن الواقدي، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عن عبد الله ابن كَعْبٍ مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ، عَنْ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ قَالَ: كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يحفظن من حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا، وَلا بِمِثْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي فِي عَهْدِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَتْ. وَكَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ يُرْسِلانِ إِلَيْهَا فَيَسْأَلانِهَا عَنِ الشَّيْءِ. 875- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا مُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ الْحِمْصِيُّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ/ 201/ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كُنْتُ لأَسْتَاكُ فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السواك، فيستاك

_ [1] زاد بعده في الأصل سهوا: «فاطمة صلى الله عليه وسلم» ، فحذفناه. [2] ابن سعد، 8/ 56.

بِفَضْلِ رِيقِي. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لَهَا: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ. قَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ. قَالَ: ما [1] حيضك بيدك. 876- حدثنى أبو مسعود الكوفى، عن ابْنِ أَبِي الأَجْلَحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: رَوَيْتُ لِلَبِيدٍ نَحْوًا مِنْ أَلْفِ بَيْتٍ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَذْكُرُهَا، فَيَتَعَجَّبُ مِنْ فِقْهِهَا وَعِلْمِهَا، ثُمَّ يَقُولُ: مَا ظَنُّكُمْ بِأَدَبِ النُّبُوَّةِ؟ وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ، قَالَ ابْنُ (أَبِي) الأَجْلَحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا الْقُرْآنُ تَلَقَّيْتِهِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحلال والحرام، وهذا الشعر والنسب وأحاديث الناس سمعتها أبيك وغيره، فَمَا بَالُ الطِّبِّ؟ قَالَتْ: كَانَتِ الْوُفُودُ تَأْتِي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يزال الرجل يشكو علة به فيسأله عَنْ دَوَائِهَا، فَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ. فَحَفِظْتُ مَا كَانَ يَصِفُهُ لَهُمْ، وَفَهِمْتُهُ، وَحَفِظْتُهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صالح المقرى [2] ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَنْشَدَتْ بَيْتَ لَبِيدٍ [3] : ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ... وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ لَبِيدًا، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى هَذَا الزَّمَانَ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: وَأَنَا أَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَتْ هَذَا الزَّمَانَ؟ وَقَالَ هِشَامٌ: رَحِمَ اللَّهُ عُرْوَةَ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى هَذَا الزَّمَانَ؟ وَقَالَ حَمَّادٌ: رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فَكَيْفَ

_ [1] خ: لم. [2] لعله: «المصرى» . [3] ديوان لبيد، ص 28، الاستيعاب رقم 548 حجر بن عدى الكندى، ورقم 978 لبيد بن عامر.

لَوْ رَأَوْا زَمَانَنَا هَذَا؟ [1] . حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَن ابْنِ يمان، عن سفيان الثوري، عَن الأعمش، قَالَ: كَانَ يقال إن عائشة رجلة الرأى. 877- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: [قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ: أَلا تُعَدِّينِي عَلَى عَائِشَةَ؟ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَضَرَبَ صَدْرَهَا ضَرْبَةً شَدِيدَةً. فَجَعَلَ يَقُولُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَبَا بَكْرٍ، إِنَّا لَمْ نُرِدْ هَذَا كُلَّهُ] . وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ لِسَفَرٍ فَخَرَجَ غَيْرُ سَهْمِي، تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِي فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ الْقَسْمَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عِنْدِي. وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ سَلِمَةَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ هَمَّ أَنْ يُطَلِّقَ مِنْ نِسَائِهِ. فَلَمَّا رَأَيْنَ ذَلِكَ، جَعَلْنَهُ فِي حِلٍّ مِنْ إِتْيَانِ مَنْ شَاءَ. فَكَانَ يُؤْثِرُ عَائِشَةَ وَزَيْنَبَ، لِفَضْلِهِمَا عِنْدَهُ. حَدَّثَنِي عبد الحميد بن واسع الحاسب، حَدَّثَنِي يَحْيَى بن آدم، عَن سفيان، عَن رجل، عَن مجاهد قَالَ: ذكروا مسير عائشة إلى البصرة، فقال: لَيْسَ ذلك بمذهب فضلها البارع، ولا مبطل ما تقدم لَهَا وتأخر من الإحسان، ومع هَذَا فإنها أحب نساء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إليه، وكانت أشدّ هن حبّا له، وكل مع من أحبّ.

_ [1] ومن أمثال حسن الظن بالقدم ما رواه ابن هشام (ص 815) عن يوم فتح مكة في العصر النبوي، حيث اقتطع جندى طوقا من عنق أخت أبى بكر كانت بمكة مع أبيها: «ثم قام أبو بكر، فأخذ بيد أخته، وقال: أنشد الله والإسلام طوق أختى! فلم يجبه أحد. قالت (الرواية) : فقال: أى أخية، احتسبى طوقك فو الله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل» .

878- وَحَدَّثَنِي عبد الأعلى النرسي قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم، فقال: شر من ينتحل قبلتي الخوارج والروافض، وشرهم قاتل على والسيد الحميرى. 879- حدثنى أبو موسى إسحاق القروي، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَتْ عَائِشَةُ تُحْسِنُ الْفَرَائِضَ؟ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَكَابِرَ يَسْأَلُونَهَا عَنِ الْفَرَائِضِ. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلا كَانَ فِي دَارٍ لَهَا، وَكَانَ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنْ أَخْرَجْتَ النَّرْدَ مِنْ مَنْزِلِكَ، وَإِلا أَخْرَجْتُكَ مِنْ دَارِي. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد، عن الواقدي، عن موسى بن مُحَمَّد التيمي، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن قَالَ: ما رأيت أحدا أعلم بسنن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا أفقه فِي رأي إِذَا احتيج/ 202/ إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيمن أنزلت، ولا بفريضة من عائشة. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ، عَن الْوَاقِدِيِّ، ثنا عبد الله بن معمر بن حَفْص، عَن عبد الرحمن بن القاسم، عَن أبيه قَالَ: كانت عَائشة قد اشتغلت بالفتوى فِي خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت، وكنت ملازما لَهَا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ، عَن الْوَاقِدِيِّ، عَن مُحَمَّد بن مسلم بن حماد، عَن عثمان بْن حَفْص، عَن الزهري، عَن قبيصة بْن ذؤيب قَالَ: كانت عائشة أعلم الناس، يسألها الأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 880- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ بِقِلادَةٍ قُوِّمَتْ مِائَةَ أَلْفٍ، فَقَبِلَتْهَا وَقَسَمَتْهَا في أمهات

الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَتْ مِنْ أَسْخَى النَّاسِ. وَحَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: بَاعَتْ عَائِشَةُ دَارًا لها بمئة أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَسَمَتِ الْمَالَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قَسَمْتِ مِائَةَ أَلْفٍ، وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: «أَهُوَ يَحْجُرُ عَلَيَّ؟ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ أَبَدًا» . فَضَاقَتْ بِهِ الدُّنْيَا، حَتَّى كَلَّمَتْهُ، وأعتقت مائة رقبة. 881- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مسروق قال: دخل حسان على عائشة بعد ما كُفَّ بَصَرُهُ. فَقِيلَ لَهَا: أَتُدْخِلِينَ عَلَيْكِ هَذَا الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ؟) [1] فقالت: أو ليس هُوَ فِي عَذَابٍ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ؟ فَأَنْشَدَهَا بَيْتًا قَالَهُ لابْنَتِهِ [2] : حَصَانٌ رَزَانٌ لا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالَتْ: لكنك لست كذاك. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ [3] عُذْرَ عَائِشَةَ، قَامَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَبَّلَ رَأْسَهَا. فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ، لا بِحَمْدِكَ ولا حمد صاحبك يا أبتاه إلا عَذَرْتَنِي؟ فَقَالَ: «وَكَيْفَ أَعْذِرُكِ بِمَا لا أَعْلَمُ؟ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي يَوْمَ أَعْذِرُكِ بِمَا لا عِلْمَ لِي بِهِ؟» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانٌ، وتقول: إنه الذى قال [4] :

_ [1] القرآن، النور (24/ 11) . [2] ديوان حسان، ق 112، ب 2: (حصانا رزان الرجل يشبع جارها وتصبح إلخ) : السهيلي 2/ 224، صحيح البخارى، كتاب المغازى (64/ 36) وعنده كما عندنا، ابن هشام، ص 729، كذلك. (تزن: تظن. خ: يصبح غرثى) . [3] القرآن، النور (24/ 11 وما بعدها) . [4] ديوان حسان، ق 1، ب 27، ابن هشام، ص 830، صحيح البخارى، كتاب المغازى (64/ 36، حديث 1) .

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عكرمة في قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ [1] ، قال: يعنى عائشة. 882- قالوا: وَكَانَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ، طُفَيْلَ بن عبد الله بن الحارث ابن سَخْبَرَةَ بْنِ جُرْثُومَةَ [2] الأَزْدِيَّ، وَأَخُوهَا لأَبِيهَا وَأُمِّهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ. وَيَذْكُرُ بَعْضُهُمْ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: [مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَرَى امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أُمِّ رُومَانَ.] وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ خَلَفَ عَلَى أُمِّ رُومَانَ بَعْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، وَكَانَ قَدِمَ بِهَا مَكَّةَ وَحَالَفَ أَبَا بَكْرٍ قَبْلَ الإِسْلامِ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَمَاتَتْ أُمُّ رُومَانَ فِي ذِي الْحَجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ. فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا، وَصَلَّى عَلَيْهَا. 883- وتوفيت عائشة رضي الله تعالى عنها، ولم تلد لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا اشتملت عَلَى حمل. وكانت وفاتها ليلة الثلاثاء لسبع عشرة، ويقال تسع عشرة، ويقال لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين، وهي ابنة ست وستين سنة. وأوصت أن تدفن من ليلتها. فدفنت بالبقيع بعد الوتر. وبين يدي جنازتها الجريد، ملفوفا عليها الحرق وفيها النار [3] ، وقد زيّت [4] الخرق زيتا [5] . قالوا: واجتمع الناس ليلتئذ/ 203/ وجاء أهل العوالي، فكأنها كانت ليلة عيد. وكثر البكاء عليها. وَكَانَ عَلَى المدينة مروان بن الحكم، إلا أَنَّهُ خرج معتمرا واستخلف أبا هريرة. فصلى عليها أَبُو هريرة. وحضر عبد الله بن عمر صلاته عليها بالبقيع، فلم ينكر ذلك. وجعلت أم سلمة تَقُولُ، وقد حضرت وفاتها: رحمك الله وغفر لك، وعرّفنيك في الجنة. ونزل في حفرتها

_ [1] القرآن، النور (24/ 23) . [2] خ: «يزجر» (في سطر) ، «ثومة» (في سطر تال) . [3] خ: البار. [4] خ: زويت. (لعله كما أثبتناه) . [5] خ: زينا.

عبد الله بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء ابنة أبي بكر، وعروة بن الزبير، والقاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، وعَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي بكر وهو ابن أبي عتيق. وإنما قيل «ابن أبي عتيق» ، لأنه كَانَ يرمى ذات يوم، فانتمى إلى أبي قحافة، فقال: أنا ابن أبي عتيق، فغلب ذلك عَلَى اسم أبيه. ويقال إنه نزل فِي قبرها أيضا عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر. وقال قوم: كَانَ الوالي عَلَى المدينة عتبة بن سفيان، وَكَانَ معتمرا، وَأَبُو هريرة خليفته، فصلى عليها. والثبت أنها ماتت فِي شهر رمضان، والوليد ولي المدينة فِي ذي القعدة من هَذِه السنة. 884- قال مُحَمَّد بن سعد، حَدَّثَنِي الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ ثَقِيلَةٌ، فَقَالَ: يَا أُمَّهْ كَيْفَ تَجِدِينَكِ، جُعِلْتُ فِدَاكِ؟ قَالَتْ: هُوَ الْمَوْتُ. قَالَ: فَلا جُعِلْتُ فِدَاكِ إِذًا. فَقَالَتْ: أَمَا تَدَعُ هَذَا عَلَى حَالٍ؟ وَحَدَّثَنِي الحرمازي، عَن أَبِي زَيْد الْأَنْصَارِيّ، عَن أَبِي عَمْرو بن العلاء قَالَ: عرضت لعائشة حاجة، فبعثت إلى ابن (أبي) عتيق أن أرسل إلي ببغلتك لأركبها فِي حاجة. قال، وكان مزاحا بطالا، فقال لرسولها: قل لأم الْمُؤْمِنِين: والله ما دحضنا عار يوم الجمل، أفتريدين أن تأتينا بيوم البغلة؟ 885- وسالف [1] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل عائشة رضي الله تعالى عنها: طلحة بن عُبَيْد الله بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن تيم بن مرة، كَانَت عنده أم كلثوم بنت أبي بكر، من حبيبة بنت خارجة (بن زيد) بن أبي زهير [2] الْأَنْصَارِيّ، وكانت حين توفي أَبُو بكر حاملا. فولدت لطلحة: عائشة بنت طلحة، وزكريا بن طلحة. وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ربيعة ابن المغيرة المخزومي، عمّ عمر بن الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة، خلف عَلَى أم كلثوم بنت أبي بكر [3] ، فولدت له إبراهيم، وعثمان، وموسى، وبنات. والزبير

_ [1] راجع أيضا المحبر، ص 100- 101. [2] خ: خارجه بن أبى رهم. [3] خ: كلثوم بن طلحة.

غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو،

ابن الْعَوَّام بْن خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بن قصي، كانت عنده أسماء بنت أبي بكر الصديق، أخت عائشة لأبيها. وأم أسماء: قتيلة بنت عبد العزى ابن أَبِي قَيْس، من بَنِي عَامِر بْن لؤي. فولدت أسماء، للزبير، عبد الله، وعروة، والمنذر، وعاصما، وأم حسن، وعائشة بني الزبير. 886- وتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزية بنت دودان بن عوف بن عَمْرو، من ولد معيص بن عَامِر بن لؤي، وهي أم شريك التي «وهبت نفسها للنبي [1] » صَلَّى الله عليه وسلم. وبعضهم يقول: هي غزية بنت دودان بن عوف بن جابر ابن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص. وهو أثبت النسبين. وكانت غزية قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أبي العكر، وأسمه مسلم بن سمي بن الحارث الأزدى، من ميدعان. وهو حليف بني عَامِر بن لؤي، فولدت لَهُ شريك بن أبي العكر، فكنيت بِهِ. وقال ابن الكلبي: رأى رَسُول اللَّهِ صلى الله اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغزية كبرة، فطلقها. فأوثقها أهلها وقومها وحملوها من مكة إلى البدو. وكانت تدخل عَلَى النساء بمكة، فتدعوهن إلى الإسلام. وكانت عَلَى ذلك بعد طلاقها، تدعو إلى الإسلام. وقال غيره: وهبت نفسها للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يتزوجها، ولم يردها. 887- وتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفصة بنت عُمَر بْن الْخَطَّابِ بْن نفيل بْن عَبْدِ العزى، رضي الله تعالى عنها فِي شعبان/ 204/ سنة ثلاث قبل أحد بشهرين. وأم حفصة: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة، أخت عثمان بن مظعون. وأمها خزاعية. وكانت حفصة عند خنيس بن حذافة ابن قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم بْن عَمْرو بْن هصيص بْن كعب بْن لؤي، فمرض والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر وَهُوَ مَعَهُ. ومات مَقْدَمِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر. فخلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعد ذلك.

_ [1] القرآن، الأحزاب (33/ 50) .

حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: لَمَّا تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ، لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ. فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ لَقِيَنِي: فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ. فَصَمَتَ، وَلَمْ يُرْجِعْ إِلَيَّ جَوَابًا. قَالَ عُمَرُ: فَكُنْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ. ثُمَّ لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ. فَخَطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَحَهَا. فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيهَا شَيْئًا، إِلا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّهُ. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو صَالِحٍ، ثنا عُبَيْدُ بْنُ بحيث، ثنا رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ قَالَ: [قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ عُثْمَانَ، وَأَدُلُّ عُثْمَانَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْكَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، وَأُزَوِّجُ ابْنَتِي عُثْمَانَ] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَضَ حَفْصَةَ عَلَى عُثْمَانَ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ زَوَّجَ اللَّهُ (عُثْمَانَ) خَيْرًا مِنِ ابْنَتِكَ، وَزَوَّجَ ابْنَتَكَ خَيْرًا مِنْ عُثْمَانَ.] فتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفصة، وزوج عثمان أم كلثوم بنت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بن جبير ابن مُطْعِمٍ، قَالَ: خَرَجَتْ حَفْصَةُ مِنْ بَيْتِهَا، فَبَعَثَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جَارِيَتِهِ فَجَاءَتْ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ حَفْصَةُ وَهِيَ مَعَهُ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي؟ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْكُتِي، فَلَكِ اللَّهُ أَنَّ

لا أَقْرَبَهَا أَبَدًا، وَلا تَذْكُرِي هَذَا لأَحَدٍ أَبَدًا.] فَأَخْبَرْتُ بِهِ عَائِشَةَ، وَكَانَتْ لا تَكْتُمُهَا شيئا، إنما كان أمرهما واحدا. فأنزل الله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [1] ، الآيَاتِ، فَكَفَّرَ يَمِينَهُ. وَقَوْلُهُ «إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ [2] » ، يعنى حفصة. وقوله «وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ [3] » ، يعنى عائشة وحفصة. وقوله «وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ [4] » ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: فَطَلَّقَ حَفْصَةَ تَطْلِيقَهُ. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [5] ، قَالَ: أَسَرَّ إِلَى حَفْصَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالِي الأَمْرَ بَعْدَهُ، وَأَنَّ عُمَرَ وَالِيهِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ نَافِعًا عَنِ الْحَرَامِ، فَقَالَ: يُكَفِّرْ يَمِينَهُ، أَوَ لَيْسَ قَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَةً، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ؟ وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا وهب بن جرير وابن مهدي، قالا ثنا شعبة، عَن قيس بن مسلم قَالَ: سمعت عبد الله بن شدّاد قال: نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) ، فِي شراب. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يُخْبِرُ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلا. قَالَتْ: فَتَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَيَّتُنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَقُولَ [6] لَهُ: إِنِّي لأَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَأَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟

_ [1] القرآن، التحريم (66/ 1) . [2] أيضا (66/ 3) . [3] أيضا (66/ 4) . [4] أيضا. [5] أيضا (66/ 3) . [6] خ: يقول.

/ 205/ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَانَا، فَقَالَتْ لَهُ. فَقَالَ: بَلَى شَرِبْتُ عَسَلا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أعود له. وحرّمه. فنزلت: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَمْرُ الْجَارِيَةِ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْمَدِينَةِ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي أُمَّ سَلَمَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا، فَتُخْرِجُ إِلَيْهِ عُكَّةَ عَسَلٍ، فَيَلْعَقُ مِنْهُ. وَكَانَ يُحِبُّ الْعَسَلَ، وَيُعْجِبُهُ. فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: أَمَا تَرَيْنَ مُكْثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ فَإِذَا دَنَا مِنْكِ، فَقُولِي: أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ شَيْءٍ. فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: ذَلِكَ مِنْ عَسَلٍ أَصَبْتُهُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ. فَقُولِي لَهُ: أَرَى نَحْلَةَ جَرْسٍ وَعُرْفُطًا. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ شَيْئًا، فما أصبته؟ قَالَ: عَسَلا. فَقَالَتْ: أَرَى نَحْلَةَ جَرْسِ الْعُرْفُطَ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَأَتَى حَفْصَةَ، فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا قَالَتَاهُ جَمِيعًا، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ. فَأَخْرَجَتْ إِلَيْهِ الْعَسَلَ، فَقَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيهِ. وَحَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: مَا أَرَانَا إِلا قَدْ أَتَيْنَا عَظِيمًا: مَنَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا كَانَ يَشْتَهِيهِ. وَقَدْ رَوَى سَعْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي حَفْصَةَ، فَتَأْتِيهِ بِالْعَسَلِ، وَأَنَّهَا وَاطَأَتْ سَوْدَةَ عَلَى أَنْ تَقُولُ لَهُ إِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ حَفْصَةَ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحِ عُرْفُطَةَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ أَبِي زُمَيْلٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، فَسَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ. قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ الْحِجَابِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ. فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا بنة أَبِي بَكْرٍ، أَبَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

الله عليه وسلم؟ فقالت: ما لي ولك يا ابن الْخَطَّابِ، عَلَيْكَ بِغَيْرِي. فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ يَا حَفْصَةَ أَبَلَغَ مِنْ شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لا يُحِبُّكِ، فَلَوْلا أَنَا، لَطَلَّقَكِ. قَالَ: فَبَكَتْ أَشَدَّ الْبُكَاءِ. فَقُلْتُ: أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ: فِي مَشْرُبَةٍ. قَالَ: وَإِذَا أنا برباح، غلامه، قاعدا على سكفة [1] الْمَشْرُبَةِ وَقَدْ دَلَّى رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَبٍ. وَهُوَ جِذْعٌ يَرْقَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِرُ. فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لِي. فَنَظَرَ إِلَى الْغُرْفَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. فَرَفَعْتُ صَوْتِي وَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اسْتَأْذِنْ لِي، فَإِنِّي أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى أَنِّي جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِهَا، لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا. فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنِ ارْقَ. فَرَقِيتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ فَقَالَ: لا. وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كَلامًا. حدثني محمد بن إسماعيل الضرير الواسطي، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ تَطْلِيقَةً. فَدَخَلَ عَلَيْهَا خَالاهَا، عُثْمَانُ وَقُدَامَةُ ابْنَا مَظْعُونٍ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: واللَّه مَا طَلَّقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَنَعٍ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَجَلْبَبَتْ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ لِي: رَاجِعْ حَفْصَةَ، فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ.] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِطَلاقِ حَفْصَةَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ أُهْدِيَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةٌ فِي بَيْتِهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَرْسَلَ إِلَى زَيْنَبَ بِنَصِيبِهَا. فَلَمْ تَرْضَ بِهِ. فَزَادَهَا [2] ، فَلَمْ تَرْضَ بِهِ، وَزَادَهَا [3] . فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ أَقْمَأَتْ/ 206/ وَجْهَكَ حِينَ تَرُدُّ عَلَيْكَ الْهَدِيَّةَ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأنتنّ أهون على الله من أن

_ [1] لعله في معنى الأسكفة أى خشبة الباب التي يوطأ عليها. [2] كذا بالزاي في الأصل، لعله: «فرادها» ، «ورادها» . [3] كذا بالزاي في الأصل، لعله: «فرادها» ، «ورادها» .

تقمئنى، وَاللَّهِ لا أَدْخُلُ عَلَيْكُنَّ شَهْرًا. فَلَمَّا تَمَّتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، وَقَالَ: إِنَّ الشهر كذا وكذا وكذا، ثُمَّ قَبَضَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ [1] قَالَ: اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّخْيِيرِ [2] ، فَبَدَأَنِي بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَقَالَ لَهُ جَمِيعُ أَزْوَاجِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَحُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَرْنَاهُ، أَفَكَانَ طَلاقًا؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حاتم، ثنا ابن يمان، عَن أشعث، عَن جَعْفَر، عَن سعيد بن جبير قَالَ: كَانَ لأم سلمة نسيب بالطائف أهدى لَهَا عسلا، فقلن [3] أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذلك. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لابْنَتِهِ حَفْصَةَ: لا تُرَاجِعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ جَمَالُ زَيْنَبَ وَلا حُظْوَةُ عَائِشَةَ. 888- وتوفيت حفصة رضي الله تعالى عنها فِي سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم فِي إمرته الأولى عَلَى المدينة. ونزل فِي قبرها عبد الله بن عمر، وَعَاصِم بن عمر [4] وَحَمْزَة بن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، وعُبَيْد اللَّهِ بْن عبد الله ابن عمر. ودفنت بالبقيع، وحملت فِي نعش عَلَى سرير. وتبعها مروان إلى البقيع، وجلس حَتَّى فرغ من دفنها، ثُمَّ أرسل إلى ابن عمر بعزيمة فِي الصحف التي كانت عندها، فيها القرآن عَلَى ما نسخ فِي أيام أبى بكر. فأخذها ومحاها.

_ [1] تجده في مسند ابن حنبل، رقم 222 (ج 1، ص 33- 34 من الطبعة الأولى) . [2] القرآن، الأحزاب (33/ 28- 29) . [3] قلن (كذا في الأصل) . [4] خ: عمير.

وقال مُحَمَّد بن سلام الجمحي: توفيت حفصة فِي خلافة عثمان، وذكر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها فِي سنة اثنتين. والأول أثبت. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد [1] ، عَن الواقدي، عَن رجل، عَن المقبري قَالَ: كَانَ مروان بين أبي هريرة وبين أبي سعيد الخدري فِي جنازة حفصة. فحمل مروان السرير من عند دار آل حزم إلى دار المغيرة إلى قبرها. وقد روي رشدين، عَن [2] الْحَسَن بن ثوبان، عَن يزيد بن أبي حبيب أن حفصة توفيت سنة إفريقية. والأول أثبت. 889- وسالف [3] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل حفصة: عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. كَانَت تحته فاطمة بنت عمر، وأمها أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وجدتها فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وأخوها لأبيها وأمها زيد بن عمر [4] بن الخطاب، فولدت لعبد الرحمن: عبد الله وابنه. وإبراهيم بن نعيم النحام بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أسيد بْن عبد بن عوف بن عبيد ابن عويج بن عدي بن كعب، كانت عنده رقية بنت عمر، أخت حفصة لأبيها، وأمها: أم كلثوم بنت عَليّ. وعبد الله بن عمر بن سراقة بن المعتمر ابن أنس [5] بن أذاه بْن رِياح [6] بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بن رزاح، كَانَت عنده زينب بنت عمر، أخت حفصة لأبيها، وهي أخت عَاصِم بن عمر لأمه، وأمها جميلة بنت عَاصِم بن ثابت بن أبي الأقلح الْأَنْصَارِيّ الَّذِي حمت لحمه الدبر. ومعتمر بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أبي بن مالك بن الحارث الخزرجي، من بني الحبلى، وكانت أم أبي: سلول الخزاعية، وَكَانَ اسم عبد الله بن عبد الله «الحباب» ، فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسم أبيه، خلف على زينب

_ [1] ابن سعد، 8/ 60. [2] خ: وعن. [3] راجع أيضا المحبر، ص 101- 102. [4] خ: عمير. [5] خ: اشر. (والتصحيح عن المحبر، ص 102) . [6] خ: «زياح» وبالهامش: «زاى معجمة» . كأن الناسخ سها، ووضع العلامة على كلمة «رياح» ، بدل «رزاح» التي تليها.

زينب بنت خزيمة بن الحارث

بنت عمر بعد عبد الله بن عمر بن سراقة، فولدت لَهُ عثمان بن عبد الله. 890- وتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث ابن عبد الله بن عَمْرو بن عبد مناف بن هلال بن/ 207/ عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن. وقال غير الكلبى: خزيمة بن الحارث بن عمرو ابن قيس بن عبد مناف. وهي أخت ميمونة بنت الحارث بن حزن لأمها. وَكَانَ يقال لزينب بنت خزيمة «أم المساكين» ، وكنيت بذلك فِي الجاهلية. وكانت قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الطفيل بن الحارث بن المطلب ابن عبد مناف بن قصي، أخي عُبَيْدة بن الحارث. فطلقها طفيل، ثُمَّ خلف عليها أخوه عبيدة، فأصيب يوم بدر ومات بالصفراء وهو ابن أربع وستين سنة. ثُمَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبها إلى نفسها، فجعلت أمرها إِلَيْهِ. فتزوجها فِي شهر رمضان سنة ثلاث، فأقامت عنده ثمانية أشهر وماتت فِي آخر شهر ربيع الآخر سنة أربع. ودفنها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبقيع، وصلى عليها. ومات الطفيل فِي خلافة عثمان سنة ثلاثين، ويقال سنة اثنتين وثلاثين. 891- وَكَانَ العباس سلف النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل أم المساكين، لأن أختها لأمها، هند بنت عوف بن زهير: لبابة بنت الحارث بن حزن، أم بني العباس. 892- وتزوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سَلَمَة. واسمها هند بِنْت أَبِي أمية- واسمه حذيفة- بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. وَكَانَت قبله عند أبي سلمة عبد الله بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، وقد هاجرت معه إلى أرض الحبشة. وأم «أم سلمة» : عاتكة بنت عامر بن ربيعة، أحد بني غنم بن مالك بن كنانة. وَكَانَ أَبُو سلمة بْن عَبْدِ الأسد- وأمه برة بِنْت عَبْد المطلب- رمي يوم أحد بسهم رماه به أبو أسامة الجشمى، فانتقض عَلَيْهِ فمات مِنْه فِي جمادى الآخرة سنة أربع. فلما انقضت عدتها، تزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أربعة أشهر، وأعرس بِهَا فِي شوال سنة أربع. فيقال إنه خطبها إلى نفسها، فجعلت أمرها إِلَيْهِ. ويقال إنه قَالَ:

مرى ابنك سلمة يزوجك. فزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو غلام. ويقال إن الَّذِي زوجه إياها عمر بن أبي سلمة. والثبت أن سلمة زوجه إياها. [وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين زوجه ابنة حمزة بن عبد المطلب، وهي أمامة: هَلْ جزيت، سلمة؟] فيقال إنه أصابه خبل من فالج قبل أن يضمها إِلَيْهِ. وتزوجها أخوه، ولم تلد لَهُ. وولدت أم سلمة لأبي سلمة: عمر، وسلمة، وزينب، ودرة، وزينب. (وزينب) هَذِه هي الَّتِي كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل عَلَى أم سلمة فيقول: ما فعلت زناب؟ فشهد عمر الجمل مع علىّ عليه السلام، بعثت بِهِ معه أمه، وقالت: «قد دفعته إليك وهو أعز عَليّ من نفسي، فليشهد مشاهدك حَتَّى يقضي الله ما هُوَ قاض، فلولا مخالفة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لخرجت معك كما خرجت عائشة مع طلحة والزبير» . واستعمله عَلَي عَلَى البحرين، ثُمَّ عزله وولاه فارس. ويقال ولاه حلوان، وماه، وما سبذان [1] . وَكَانَت وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو [2] ابن تسع سنين، ويكنى أبا حَفْص، وقد حفظ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بالمدينة. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن مسلمة، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ أَبِي وَجْرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: [قَالَ لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْنُ مِنِّي، فَسَمِّ الله، وكل مما يليك] . وحدثنى محمد بن وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُتَوَشِّحًا بِهِ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ. وَكَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ وُلِدَتْ بِالْحَبَشَةِ، وَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْن زمعة بْن/ 208/ الأسود بْن المطلب بن أسد بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى. 893- قَالُوا: وَكَانَ السَّفِيرَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أُمِّ سلمة،

_ [1] خ: ما سيدان. [2] خ: وعمره.

عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. وَيُقَالُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ. فَقَالَتْ: إِنِّي مُسِنَّةٌ. فَقَالَ: وَأَنَا أَسَنُّ مِنْكِ. قَالَتْ: فَإِنِّي مُصْبِيةٌ. فَقَالَ: هُمْ فِي عِيَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَتْ: فَإِنِّي غَيُورٌ. قَالَ: أَنَا أَدْعُو اللَّهَ عز وجل أن يذهب عنك الغيرة. فدعاها لَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَهَا. وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: [إِذَا أَصَابَتْكِ مُصِيبَةٌ، فَقُولِي: «اللَّهُمَّ أَعْطِنِي أَجْرَ مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ عَلَيَّ خَيْرًا مِنْهَا] » ، فَقُلْتُ ذَلِكَ يَوْمَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، ثُمَّ قُلْتُ: «مَنْ لِي مِثْلَ أَبِي سَلَمَةَ؟» ، فَأَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيَّ خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ. قَالُوا: وَابْتَنَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سَلَمَةَ فِي بَيْتِ أُمِّ الْمَسَاكِينِ، فَوَجَدَ فِيهِ جَرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَإِذَا رَحًى وَبُرْمَةً [1] ، وَفِيهَا كَعْبٌ [2] مِنْ إِهَالَةٍ. فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَهُ لَيْلَةَ عُرْسِهِ. قَالُوا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُمِّ سَلَمَةَ حِينَ دَخَلَ بِهَا فِي صَبِيحَتِهَا: «إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، فَإِنْ شِئْتِ ثُلِّثَ لَكِ أَوْ خُمِّسَ أَوْ سُبِّعَ؟ فَإِنِّي لَمْ أُسَبِّعْ لامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِي قَطُّ» . فَقَالَتْ: اصْنَعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شِئْتَ، فَإِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِكَ. وَيُقَالُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُمِّ سَلَمَةَ: لَكِ عِنْدَنَا قَطِيفَةٌ تَلْبَسِينَهَا فِي الشِّتَاءِ، وَتَفْرِشِينَهَا فِي الصَّيْفِ، وَوِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَرَحَيَانِ تَطْحَنِينَ بِهِمَا، وَجَرَّتَانِ فِي إِحْدَاهُمَا مَاءٌ وَفِي الأُخْرَى دَقِيقٌ، وَجَفْنَةٌ تَعْجِنِينَ وَتَثْرِدِينَ فِيهَا. فَقَالَتْ: رَضِيتُ. فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا. 894- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد [3] ، عن الواقدي، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ، حَزِنْتُ حُزْنًا شَدِيدًا لِمَا ذَكَرَ لَنَا مِنْ جَمَالِهَا. فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى رَأَيْتُهَا فَكَانَ فِي عَيْنِي عَلَى أَضْعَافِ مَا وُصِفَتْ لَنَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، وَكُنَّا يَدًا وَاحِدَةً. فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ إِنَّ هذا

_ [1] هي قدر من حجر. [2] هو كتلة من سمن. [3] ابن سعد، 8/ 66.

إِلا غَيْرَةً، وَمَا هِيَ كَمَا تَقُولِينَ. قَالَتْ: ثُمَّ رَأَيْتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَتْ كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِعَائِشَةَ مِنِّي شُعْبَةٌ مَا نَزَلَهَا أَحَدٌ فَلَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ، سُئِلَ عَنِ الشُّعْبَةِ، فَسَكَتَ. فَعُرِفَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَدْ نَزَلَتْ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةٍ لَطِيفَةٍ. 895- وتوفيت أم سلمة فِي شوال سنة تسع وخمسين، ودفنت بالبقيع. ونزل فِي قبرها سلمة، وعمر ابناها، وعبد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أمية وهو ابن أختها. ويقال إن أم سلمة توفيت فِي شهر رمضان سنة تسع وخمسين، وَكَانَ الوالي بالمدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. فخرج فصلى العصر ثُمَّ صلى عليها، وَفِي الناس ابن عمر وَأَبُو سعيد الخدري. ويقال إن أم سلمة أوصت أن لا يصلي عليها الوليد بن عتبة، فركب فِي حاجة لَهُ استحياء من الناس، وصلى عليها أَبُو هريرة. وقد قيل إنها توفيت سنة إحدى وستين يوم عاشوراء. ويقال إن الوليد كَانَ غائبا، وقد استخلف أبا هريرة، فصلى عليها أَبُو هريرة وكبر أربعا. 896- وسالف [1] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم من قبل أم سلمة: زمعة ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى: كَانَت تحته قريبة الكبرى بنت أبي أمية أخت أم سلمة لأبيها. وكانت أم قريبة هذه: عاتكة بنت عبد المطلب. فولدت لَهُ عبد اللَّه، ووهبا، ويزيد، والحارث قتل يوم بدر كافرا. وعمر بن الخطاب رضي اللَّه عَنْهُ: كانت عنده قريبة الصغرى، ففرق بينهما الإسلام ورجعت إلى الكفار، ثُمَّ أسلمت، / 209/ فتزوجها معاوية، فقال له أبو سفيان: أتتزوج طعينة أمير المؤمنين؟ فطلقها، فتزوجها عبد الرحمن بن أبي بكر، فولدت لَهُ عبد اللَّه. فكانت عائشة عمته، وأم سلمة خالته. فكان معاوية سلف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك عبد الرحمن بن أبي بكر ومنبّه بن الحجاج

_ [1] راجع أيضا المحبر، ص 102- 103.

زينب بنت جحش بن رئاب

ابن عَامِر بْن حُذَيْفَة بْن سَعْد بْن سهم، كانت عنده ابنة لأبي أمية أخت أم سلمة لأبيها، فولدت رجلين. وعبد اللَّه بن سعد بن جابر بن عمير بن بشير ابن بشر، من ولد بندقة [1] بن مظة بن سلهم بن الحكم بن سعد العشيرة، كانت تحته ابنة لأبي أمية بن المغيرة. وكانت عند عبد اللَّه بن سعد هَذَا ابنة عفان، أخت عثمان، فولدت لَهُ مُحَمَّدا، وولده بالمدينة، ومنهم ناس بالبصرة. وسالف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضًا صهيب بن سنان، مولى عبد اللَّه ابن جدعان التيمي، كانت عنده ريطة بنت أبي أمية. ويقال بَلْ هي ابنة أبي ربيعة بن المغيرة ابنة عم أبي سلمة، وهي عمة عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي ربيعة الشاعر. 897- وتزوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن سبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، حليف بني أمية بن عبد شمس- وأمها أميمة بنت عبد المطلب- فِي سنة خمس لهلال ذي القعدة. ويقال إنه تزوجها رجوعه من غزاة المريسيع، وكانت المريسيع فِي شعبان سنة خمس. ويقال إنه تزوجها في سنة ثلاث، وليس ذلك بثبت. 898-[2] (وَكَانَ سبب [3] حلف جحش بن رئاب بني عبد شمس،

_ [1] خ: «حدقة» ولا يصح. فقد ذكر لنا: «الحدأ، بالكسر، الطائر. ومنه قولهم: «حدأة، وراءك بندقة» ، يعنون الطائر. وقد زعم ابن الكلبى أن حدأة وبندقة قبيلتان. والأول هو الأعرف ... وقال أبو يوسف (ابن السكيت) ، قال الشرقى: هو حدأ (؟ حدأة) ابن مرة بن سعد العشيرة، وهم الكوفة، وبندقة بن مظة- وهو سفيان- بن سلهم بن الحكم، ابن سعد العشيرة، وهم اليمن. فأغارت حدأة على بندقة، فنالت منهم. وأغارت بندقة على حدأة فأثارتهم» . (التنبيهات على أغلاط الرواة، لأبى القاسم على بن حمزة البصرى، باب التنبيهات على ما في كتاب النبات لأبى داود الدينورى، مخطوطة دار الكتب المصرية) . ووافقته جداول وستنفلد في بندقة، ولم تذكر حدأة. [2] جميع العبارة ما بين القوسين، نقلناها ههنا من صفحة الأصل 212، فقد كان كتب الناسخ هناك بالهامش: «من هذا إلى قوله: وسالف رسول اللَّه من قبل أم حبيبة، ينبغى أن يكون في أول تزويج النبي زينب بنت جحش» . [3] راجع أيضا لتفاصيل القصة: المنمق، ص 184- 185.

فيما أخبر بِهِ مُحَمَّد بن الأعرابي، عَن هِشَام الكلبي، عَن أبيه والشرقي أن رجلا من بني أسد بن خزيمة، يقال لَهُ فضالة بن عبدة بن مرارة، قتل رجلا من خزاعة، يقال له هلال بن أمية. فقتلت خزاعة فضالة بصاحبها. فاستغاثت بنو أسد بكنانة، فأبوا أن يعينوهم. فحالفوا بني غطفان. فالحليفان أسد وغطفان. وقال جحش بن رئاب: واللَّه لا حالفت إلا قريشا، و [1] لأدخلن مكة فلأحالفن أعز أهلها، ولأتزوجن بنت أكرمهم. وكان موسرا سيدا. فحالف حرب بن أمية، وتزوج أميمة بنت عبد المطلب. وأدخل جماعة من بنى دودان مكة، فدخلوا معه فِي الحلف. وقال ابن الأعرابى، قال بعض القرشيين من [2] أنّ رئاب ابن يعمر حالف حربا، وقال: لأزوجن جحشا أكرم أهل مكة. فزوجه أميمة. وَكَانَ أراد أن يحالف بني أسد بن عبد العزى، فقيل له: إنهم مشائيم [3] ، فتركهم.) 899- وكانت زينب قَبْلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند زيد بن حارثة الكلبي مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فشكا إِلَيْهِ، وقال: إنها سيئة الخلق، واستأمره فِي طلاقها. [فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمسك عليك زوجك يا زيد] . وهو قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ» - يقول: بالإسلام «وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ» - يقول: بالعتق- «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» [4] . وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رآها، فأعجبته، [فقال: «سبحان اللَّه مقلب القلوب] » . ثُمَّ إن زيدا ضاق ذرعا بما رأى من سوء خلقها، فطلقها. فزوجها اللَّه نبيه حين انقضت عدتها بغير مهر ولا تولى أمرها أحد كسائر أزواجه. ولم تلد زينب لزيد، وَكَانَ يقال لَهُ «الحب» ، ولابنه أسامة «الردف» أردفه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبعضهم يقول: هُوَ الحب بن الحب. 900- وأولم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى زينب بشاة، ودعى الناس.

_ [1] خ: أو. [2] كذا في الأصل: من أن. [3] خ: مشاميم. [4] القرآن، الأحزاب (33/ 37) .

فطعموا، ثُمَّ جلسوا يتحدثون، ولم يقوموا فآذوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأنزل اللَّه عز وجل آية الحجاب [1] ، وأنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [2] ، أي بلوغه، الآية. وَحُدِّثْتُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ زَيْنَبَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لست كسائر نسائك، إنى أدلّ بثلاث سائر نِسَائِكَ مَنْ يُدَلُّ بِهِنَّ: جَدُّكَ وَجَدِّي وَاحِدٌ، وأنكحينك اللَّه مِنَ السَّمَاءِ، وَكَانَ جِبْرِيلُ السَّفِيرَ فِي أَمْرِي. وَرُوِيَ عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّه زَيْنَبَ، لَقَدْ نَالَتِ الشَّرَفَ الَّذِي لا يَبْلُغُهُ شَرَفٌ فِي الدُّنْيَا: إِنَّ اللَّه زَوَّجَهَا نَبِيَّهُ، وَنَطَقَ بِذَلِكَ كِتَابُهُ، وَإِنَّ رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، وَنَحْنُ حَوْلَهُ: « [أَسْرَعُكُنَّ لِحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا] » ، (أ) وقال: «باعا» ، فبشرها بسرعة لِحَاقَهَا بِهِ وَأَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ. قَالُوا: وَكَانَتْ زَيْنَبُ تَقُولُ لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَوَّجَكُنَّ أَوْلِيَاؤُكُنَّ بِمُهُورٍ، وَزَوَّجَنِي اللَّه. وَحُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَكَانَتْ أَوَّلَ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَتْ بَعْدَهُ. قَالُوا: وَقَالَتْ زَيْنَبُ حِينَ حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ: إِنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَفَنِي، وَلَعَلَّ عُمَرَ سَيَبْعَثُ إِلَيَّ بِكَفَنٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَتَصَدَّقُوا بِأَحَدِ الْكَفَنَيْنِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، أَرْسَلَ عُمَرُ بِخَمْسَةِ/ 210/ أَثْوَابٍ يُخَيِّرُهَا ثَوْبًا ثَوْبًا، فَكُفِّنَتْ فِيهَا. فَتَصَدَّقَتْ أُخْتُهَا حُمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ بِالْكَفَنِ الَّذِي كَانَتْ أَعَدَّتْ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ ذَهَبَتْ حَمِيدَةً، فقيدة، مفزعا [3] للأرامل واليتامى.

_ [1] القرآن، الأحزاب (33/ 59) . [2] أيضا (33/ 53) . [3] كذا في الأصل، لعله: «مفزعة» .

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ [أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قَالَ لِنِسَائِهِ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا أَسْرَعُكُنَّ بِي لِحَاقًا] . فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدَا. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ، قُلْنَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ أَطْوَلُنَا يَدًا فِي الْخَيْرِ. وَقَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: قَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّ زَيْنَبَ لَمَّا بُشِّرَتْ بِتَزْوِيجِ اللَّه نَبِيَّهُ إِيَّاهَا، وَنُزُولِ الآيَةِ فِي ذَلِكَ، جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا صَوْمَ شَهْرَيْنِ شُكْرًا للَّه، وَأَعْطَتْ مَنْ بَشَّرَهَا حُلِيًّا كَانَ عَلَيْهَا. 901- قالوا: وأوصت زينب أن تحمل عَلَى السرير الَّذِي كَانَ (حمل) عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحملت عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ حمل أبو بكر رضى اللَّه تعالى عَنْهُ. وَكَانَ الناس يحملون عَلَيْهِ. فلما كَانَ مروان، منع أن يحمل عَلَيْهِ إلا الرجل الشريف، وفرق فِي المدينة سررا، يحمل عَلَيْها الموتى. وَكَانَ وسطه بليف منسوج. وَكَانَ موت زينب سنة عشرين، فصلى عليها عمر، ودفنت بالبقيع، ونزل فِي قبرها مُحَمَّد بن عبد اللَّه بن جحش، ومحمد بن طلحة ابن عُبَيْد اللَّه وهو ابن أختها حمنة بنت جحش قتل مع أبيه يوم الجمل، وعبد اللَّه بن أبي أَحْمَد بن جحش، وأسامة بن زيد وَكَانَ لَهَا محرما لأنها كانت عَند أبيه. وَكَانَ أَبُو أَحْمَد بن جحش ضريرا، فرآه عمر يروم حمل السرير، فقال له: يا با أَحْمَد تنح عَن السرير لا يعنتك الناس. فقال: يا عمر، هذه التي نلنا بِهَا الشرف، وهذا مما يبرد حرّ ما أجد. وكان يبكى على قبره وهو جالس وعمر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ قائم فِي أشراف الناس وهم يبكون عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصلون عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ دفنها فِي يوم صائف، فضرب عمر عَلَى قبرها فسطاطًا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْهُدَيْرِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ وَدُرَّتُهُ عَلَى مَنْكِبِهِ يُقَدِّمُ النَّاسَ فِي جِنَازَةِ زَيْنَبَ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهَا حَتَّى رَشَّ الْمَاءَ. وَأَمَرَ فَسُتِرَتْ بِإِزَارٍ حَتَّى دُلِّيَتْ فِي الْقَبْرِ. قَالُوا: وَغَسَّلَهَا أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

حَدَّثَنِي أَبُو بكر الأعين، ثنا عفان، أنبأ هشيم، أنبأ مغيرة، عَن عثمان بن يسار قَالَ: بينا هم يدفنون زينب بنت جحش إِذْ أقبل [1] فتى من قريش فِي ثوبين ممصرين [2] ، مرجلا شعره. فجعل عمر يعلوه بالدرة، ويقول: كأنك جئتنا ونحن عَلَى لعب، أشياخ يدفنون أمهم. 902- وسالف [3] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل زينب: طلحة بن عُبَيْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سعد بن تيم، وهو الفياض: اشترى فِي غَزَاةِ ذِي قَرَدٍ بِئْرًا فَتَصَدَّقَ بِهَا، ونحر جزورا فأطعمها، [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا طلحة أنت الفياض.] ويقال إنه قدمت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفود، فجعل طلحة يكسوهم ويعطيهم. فسماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الفياض» . وقال الواقدي: كل ذلك قد فعل. وكانت عند طلحة حمنة بنت جحش، أخت زينب لأبيها وأمها، وأمهما أميمة بنت عبد المطلب، خلف عليها بعد قتل مصعب الخير بن عمير بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار يوم أحد، فولدت لطلحة محمدا، وعمران، ومحمد ابن طلحة هَذَا السجاد، قتل مع أبيه يوم الجمل، فقال قاتله [4] : وأشعث قوام إِذَا جن ليله ... قليل الأذى فيما ترى الْعَين مسلم يناشدني حاميم والرمح دونه ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم وكانت حمنة ولدت من مصعب: زينب بنت مصعب، فتزوجها عبد اللَّه ابن عبد اللَّه بن أبي أمية بن المغيرة، فولدت لَهُ مصعبا، ومحمدا، وقريبة، فتزوج قريبة/ 211/ عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام بن المغيرة، فولدت لَهُ حفصا. وعبد الرحمن بن عوف الزهري، كانت عنده حمنة، ولم تلد لَهُ، خلف عليها بعده مصعب الخير. فالأسلاف من قبل زينب: عبد الرحمن،

_ [1] خ: إذا قيل. [2] أى مصبوغ بالمصر، وهو تراب أحمر. [3] راجع أيضا المحبر ص 103- 104. [4] مصعب الزبيري، ص 281، ابن سعد، 5/ 39، مروج المسعودى (2/ 10 طبع بولاق) ، الاستيعاب، رقم 1008 محمد بن طلحة، مع اختلافات وزيادات.

أم حبيبة بنت أبى سفيان.

ثُمَّ مصعب، ثُمَّ طلحة. قَالَ الواقدي: لِمَا قتل مصعب يوم أحد، قيل لحمنة: قتل خالك حمزة. فاسترجعت. فقيل: قتل أخوك عبيد اللَّه بن جحش. فاسترجعت. فقيل: قتل زوجك مصعب بن عمير. فشقت جيبها، وولولت. [فقال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الزوج ليقع من المرأة متوقعا لا يقعه شيء.] وكانت حمنة ممن شهد على عائشة، فحدّت. 903- وتزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان. وَكَانَت أم حبيبة تحت عبيد اللَّه بن جحش، فولدت لَهُ جارية سميت حبيبة، فكنيت بِهَا. فتزوج حبيبة: داود بن عُرْوَةَ بن مسعود بن معتب الثقفي. وَكَانَ اسم أم حبيبة: رملة. ويقال: هند. ورملة أثبت. وَكَانَ عُبَيْد اللَّه بن جحش قد أسلم، وهاجر إلى أرض الحبشة، ومعه امرأته أم حبيبة، ثُمَّ إنه تنصر وأقامت أم حبيبة [1] عَلَى الإسلام، وَكَانَ يقول [2] : «فقحنا وصأصأتم» ، أي أبصرنا ولم تبصروا. وهذا مثل، لأن الجرو إِذَا فتح عينيه، قيل: فقح، وإذا فتح ثم غمض من الضعف والصغر، قيل: صأصأ. 904- وروي عَن أم حبيبة أنها رأت فِي المنام كأن عُبَيْد اللَّه، زوجها، بأسوأ حال وأرثها. فلما أصبحت، أعلمها أَنَّهُ قد تنصر وارتد، فثبتت عَلَى الإسلام. وأكب عَلَى الخمر، فلم يزل يشربها حَتَّى مات. فيقال إنّ موته كان غرقا من الخمر. ويقال بل غرق في البحر. وأرت فِي نومها أباها يقول لَهَا «يا أم الْمُؤْمِنِين» قالوا: فكتب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة سبع، وهو الثبت- ويقال فِي سنة ست- كتابين إلى أصحمه النجاشي، يدعوه [3] فِي أحدهما إلى الإسلام، ويأمره فِي الثاني أن يخطب عَلَيْهِ أم حبيبة، وأن يبعث من قبله من المسلمين، جعفرا وأصحابه، إلى المدينة مع عَمْرو بن أمية الضمري. وهو كَانَ رسوله بالكتابين. فأسلم النجاشي لِمَا عرف من أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفته وأوان مبعثه، ووجه إلى أم حبيبة، وقد وصف لَهُ عَمْرو موضعها وأمرها، جارية

_ [1] قال الطبرى (ص 1772) : «فتنصر زوجها وحاولها أن تتابعه، فأبت وصبرت على دينها ومات زوجها على النصرانية» . [2] خ: كانت تقول. (وهو سهو الناسخ، كما مر فيما مضى وكما ذكر سائر كتب السير) . [3] خ: تدعوه.

لَهُ يقال لَهَا «أبرهة، لتعلمها ذلك وتبشرها بِهِ. فوهبت لَهَا أم حبيبة حليا كَانَ عليها، وكستها. ثُمَّ وكلت أم حبيبة خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية، وهو ابن عم أبيها، بتزويجها. فخطبها عَمْرو إِلَيْهِ، فزوجها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومهرها عَنْهُ النجاشي أربع مائة دينار. فلما بعث إليها بالدنانير، وهبت منها لأبرهة خمسين مثقالا، فلم تقبلها، وردت ما كَانَ أعطتها أولا. وذلك لأن النجاشي أمرها برده. وهيأ النجاشى طعاما، أطعمه من حضره من المسلمين، جعفرا وغيره. وأهدى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كسوة جامعة. فلما تقدم عَمْرو بن أمية بأم حبيبة المدينة، ابتنى بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويقال إن عَمْرو بن أمية، وجميع من كَانَ بالحبشة قدموا جميعا فِي سفينتين أعدهما [1] لَهُم النجاشي، فوافوا فِي أيام خيبر. وذلك الثبت. وقال بعض الرواة: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أبا عَامِر الأشعري، حين بلغه خطبة عَمْرو أم حبيبة وتزويج خالد إياها، فحملها إِلَيْهِ قبل قدوم أهل السفينتين، وأن أبا سفيان قَالَ: أنا أبوها أم أَبُو عامر؟ قالوا: ولما بلغ أبا سفيان تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيبة، ابنته، قال: ذلك الفحل لا يقدع [2] أنفه. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودِ بْنِ الْقَتَّاتِ [3] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [4] ، قال: نَزَلَتْ حِينَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه/ 212/ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيبة بنت أبي سفيان بْنِ حَرْبٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ، فَخَطَبَهَا إِلَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بْنِ أَبِي العاص بْن أمية، فزوّجه إياها. والأول أثبت.

_ [1] خ: أعدها. [2] في أصل العبارة: «يردع» ، وبالهامش عن نسخة: «يقذع» . راجع للمثل السهيلي 1/ 12. (قدع: كبح) . [3] خ: العتاب. (ولكن راجع فيما بعد) . [4] القرآن، الممتحنة (60/ 7) . راجع أيضا المحبر، ص 88- 89.

905- وروي عَن عائشة أنها قالت: دعتني أم حبيبة عند وفاتها، فقالت: إنه قد كَانَ يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر اللَّه لي ولك. فقلت: غفر اللَّه ذلك كله، وتجاوز عنه، وحلّلك منه. فقالت: سررتينى، سرّك اللَّه. وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لَهَا مثل ذلك. وكانت وفاة أم حبيبة فِي سنة أربع وأربعين. وهي السنة التي حج فيها معاوية. ويقال توفيت فِي سنة اثنتين وأربعين. والأول أثبت. وصلى عَلَى أم حبيبة مروان. ونزل فِي قبرها بعض بني أختها: هند بنت أبي سفيان، وأبو بكر بن سعيد بن الأخنس- وكان يروى الحديث عنها، وهي خالته، أمه [1] : صخرة بنت أبي سفيان- وبعض ولد عتبة بن أبى سفيان ... [2] 906- وسالف [3] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل أم حبيبة: الحارث ابن (نوفل بْن) الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هاشم، كانت عنده هند بنت أبي سفيان، أخت أم حبيبة لأبيها، فولدت لَهُ عبد اللَّه بن الحارث ببّة [4] ، ومحمد ابن الحارث الأكبر، وربيعة، وعبد الرحمن، ورملة، وأم الزبير، وطريبة [5] ، وامرأة أخرى. وَمُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة بن عَبْد شمس بن عَبْد مناف، كانت عنده رملة بنت أبي سفيان، فقتل عنها. وسعيد بن عثمان بن عفان، خلف عَلَى رملة بعد مُحَمَّد بن أبي حذيفة، فقتل عنها: قتله غلمان قدم بهم المدينة من أبناء ملوك السّغد فِي أيام معاوية، ولم تلد لَهُ، وَكَانَ معاوية ولي سعيدا خراسان. والسائب بن أبي حبيش- واسمه أهيب- بن المطلب ابن أسد بن عبد العزى: كانت عنده جويرية بنت أبي سفيان، فلم تلد لَهُ. وعبد الرحمن بن الْحَارِث بْن أمية الأصغر بْن عَبْد شمس، خلف عَلَى جويرية، فلم تلد لَهُ. وصفوان بن أمية بن خلف الجمحي، كانت عنده أميمة بنت أبي سفيان، أخت أم حبيبة لأبيها وأمها. وكانت أم «أم حبيبة» : صفية

_ [1] خ: خالة أمه. [2] كانت هناك عبارة نقلناها في صفحة الأصل 209، كما مر. [3] راجع المحبر، ص 104- 106. [4] راجع عنه مصعبا الزبيري، ص 31 وحاشيتها لاشتقاق هذا الاسم. [5] كذا في الأصل بالطاء المهملة وكذلك عند المحبر (ص 104 وحاشيتها) ، أما في جداول وستنفلد فهى بالظاء المعجمة.

جويرية.

بنت أبي العاص بن أمية. وأمها أميمة بنت عبد العزى بن حرثان، من بني عدي بن كعب. فولدت أميمة: عبد الرحمن بن صفوان. وحويطب بْن عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس بْن عبد ود: كانت تحته أميمة قبل صفوان، فولدت لَهُ أبا سفيان بن حويطب. وعياض بن عبد غنم- ويقال: ابن غنم- الفهري: كانت عنده أم الحكم بنت أبي سفيان، أخت أم حبيبة لأبيها، وكانت أمها هند بنت عتبة، أم معاوية، ففرق الإسلام بينهما. وعبد اللَّه بن عُثْمَان بن عَبْد اللَّه بن ربيعة بن الحارث الثقفي، خلف عَلَى أم الحكم، بعد عياض، فولدت لَهُ عبد الرحمن بْن أم الحكم، كَانَ ينسب إلى أمه، وقتل عبد اللَّه يوم الطائف، فمر بِهِ عَليّ عَلَيْهِ السَّلام/ 213/ فقال: [لعنك اللَّه فإنك كنت تبغض قريشا.] وسعيد بن الأخنس بن شريق، كانت عنده صخرة بنت أبي سفيان، فولدت لَهُ أولادا، منهم أَبُو بكر بن سعيد وَكَانَ يروي عَن خالته أم حبيبة. وعروة بن مسعود بن معتب الثقفي، كانت تحته ميمونة بنت أبي سفيان، فولدت لَهُ داود بن عُرْوَةَ. ومسعود بن معتب هَذَا «عظيم القريتين [1] » . وعروة هُوَ الَّذِي بعث بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الطائف ليدعو ثقيفا إلى الإسلام، وقد استأذنه فِي ذلك، فرماه رجل وهو جالس فوق سطح، فقتله. والمغيرة بن شعبة، خلف عَلَى ميمونة بنت أبي سفيان، بعد عروة. وعبد اللَّه بن معاوية خلف عَلَى أميمة بنت أبي سفيان بعد صفوان [2] بن أمية. 907- وتزوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جويرية. واسمها برة بنت الحارث ابن أبي ضرار الخزاعي. وكانت قبله عند مسافع بن صفوان بن ذي الشفر الخزاعي، فقتل يوم المريسيع كافرا. وَكَانَ ثابت بْن قيس بْن شماس بْن أَبِي زهير الْأَنْصَارِيّ أحد الخزرج، وأخوه- ويقال: ابن عم لَهُ- أصاباها يوم المريسيع، فكاتباها عَلَى سبع أواق. فأتت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله المعونة عَلَى مكاتبتها. فقال: أو ما هُوَ خير من ذَلِكَ: أشتريك، وأعتقك، وأتزوجك؟ فقالت: نعم. ففعل ذَلِكَ، وسماها جويرية، لأنه كره أن يقال:

_ [1] القرآن، الزخرف (43/ 31) . [2] كذا ههنا، أما في المحبر (ص 106) فقد خلف بعد حويطب بن عبد العزى.

صفية بنت حيى بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد،

«خرج من عند برة، أو خرجت برة من عنده» . ويقال: بَلْ كانت صفية [1] يوم المريسيع، فجاء أبوها فافتداها، ثُمَّ زوجه إياها. ويقال: بَلْ أعتقها، وجعل صداقها عتقها وعتق مائة من أهل بيت من قومها. وقال بعضهم: جعل صداقها عتقها وعتق أربعين من أهل بيتها. فلما عتقوا، انصرفوا. ولم يبق مصطلقية عند رجل من المسلمين إلا أعتقها صاحبها. فكانت أعظم امرأة بركة عَلَى قومها. وقال بعض الرواة: أعتقها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل عتقها فقط صداقها. وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ قَالَ، حدثت عن سفيان، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ جُوَيْرِيَّةُ يَا رَسُولَ اللَّه: إِنَّ نِسَاءَكَ يَفْخَرَنْ [2] عَلَيَّ وَيَقُلْنَ: لَمْ يَتَزَوَّجْكِ رَسُولُ اللَّه. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: « [أَلَمْ أُعَظِّمْ صَدَاقَكِ؟ أَلَمْ أَعْتِقْ أَرْبَعِينَ من قومك؟] » وكانت جويرية من ضُرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابُ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لَهَا كَمَا يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ. وَفَرَضَ لَهَا عُمَرُ سِتَّةَ آلافٍ، وَقَالَ: لا أَجْعَلُ سَبِيَّةً كَابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَقَالَ قَوْمٌ: فَرَضَ لَهَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ ألفا. وَتُوُفِّيَتْ جُوَيْرِيَّةُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ جُوَيْرِيَّةُ وَصَفَيَّةُ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقْسِمُ لَهُمَا [3] كَمَا يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ. 908- وتزوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةُ بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عُبَيْد، من ولد النضير بن النحام بن ينحوم، من ولد هارون ابن عمران عَلَيْهِ السَّلام. وكانت قبله عند كنانة بن أبي العقيق اليهودي فقتل يوم خيبر. فكانت صفية بنت حيي صفي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ

_ [1] خ: صفية. [2] خ: تفخرن. [3] خ: لها.

خيبر. وَكَانَ لَهُ من كل مغنم صفي يصطفيه: عبد، أو أمة، أو سيف، أو غير ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ، عَن الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفي من المغنم، حضر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غاب، قبل الخمس، عبد أو أمة أو سيف أو درع، فأخذ يوم بدر ذا الفقار، ويوم بني قينقاع درعا، وفي غزاة ذات الرقاع جارية، وَفِي المريسيع عبدا أسود يقال لَهُ رباح، ويوم بني قريظة ريحانة/ 214/ بنت (شمعون بن) زيد، ويوم خيبر صفية بنت حيي بن أخطب. ويقال إن صفية وقعت فِي سهمه يومئذ، فتزوجها. ووقعت فِي سهمه أخت لَهَا، فوهبها لدحية بن خليفة الكلبي. وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين صارت صفية وأختها إليه، أرسل معهما بلالا. فمر بهما على القتلى، فصاحت أختها وولولت. [فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنك لقليل الرحمة: مررت بجارية حدثة عَلَى القتلى.] وكانت وضيئة، إلا أن صفية كانت أوضأ منها. فوهبها لدحية. وقرّب لصفية بعير لتركبه، فوضع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجله، لتضع قدمها عَلَى فخذه. فأبت، ووضعت ركبتها عَلَى فخذه. وسترها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وجعل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهر صفية عتقها، وأعرس بِهَا فِي طريقه بعد أن حاضت حيضة، فسترت بكسائين. ومشطتها أم سُلَيْم- وهي أم أنس ابن مالك- وعطرتها. وكانت وليمتها حيس [1] عَلَى أنطاع. ولما دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، بات أَبُو أيوب الْأَنْصَارِيّ خالد بن زيد عَلَى باب الستارة، أو بقربها، شاهرا سيفه. فلما أصبح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم، رآه. (ف) قال له: [يا با أيوب، ما لك شهرت سيفك؟] فقال: يا رَسُول اللَّه، جارية حديثة عهد بالعرس، وكنت قتلت أباها وزوجها، فلم آمنها. فضحك، وقال خيرا.

_ [1] هو طعام مركب من تمر وسمن وسويق.

ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير ابن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة.

909- ولما قدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أنزل صفية بيتا من بيوت الأنصار. فجاء نساء الأنصار ينظرن إليها. وانتقبت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها، وجاءت فنظرت. فعرفها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا خرجت، اتبعها فقال: [كيف رأيتها يا عائشة؟ قالت: رأيتها يهودية بنت يهوديين. فقال: لا تقولي هذا يا عائشة، فإنه قد حسن إسلامها.] وقالت زينب لجويرية: ما أرى هَذِه الجارية إلا ستغلبنا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت جويرية: كلا، إنها من نساء قلما يحظين عَند الأزواج. وجرى بينها وبين عائشة ذات يوم كلام، فعيرتها باليهودية، وفخرت عليها. فشكت ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فقال: [ألا قلت: «أبي هارون، وعمي موسى، وزوجي مُحَمَّد، فهل فيكن مثلي؟] » 910- وتوفيت صفية بنت حيي فِي سنة خمسين، وصلى عليها سعيد بن العاص. ويقال معاوية حين حج. وقال هِشَام بن الكلبي: أم صفية برة بنت سموءل. وفرض عمر لصفية وجويرية ستة آلاف. وسمعت بعض أهل المدينة قَالَ: فرض لَهَا مثل ما فرض لنساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فَرَضَ لأُمَّهَاتِ المؤمنين في عشرة آلاف آلافِ عَشَرَةِ آلافٍ، وَفَضَّلَ عَائِشَةَ بِأَلْفَيْنِ لِحُبِّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها، وفرض لجويرية وصفية ستة آلاف سِتَّةِ آلافٍ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ مِثْلَ قِسْمَةِ نِسَائِهِ. 911- وتزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير ابن الهزم بن رويبة بْن عَبْدِ اللَّه بْن هلال بْن عَامِر بن صعصعة. وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة، من حمير. وذكر بعض الرواة أن أم ميمونة: خولة بنت عمرو بن كعب، من خثعم، وأم خولة: هند بنت عوف. والثبت أن أمها هند. وكانت ميمونة، قَبْلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عند أبي سبرة بن أبي رهم، فخلف عليها.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، عن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ [2] ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاهُ، وَرَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى مَكَّةَ/ 215/ فَخَطَبَا مَيْمُونَةَ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، ابْتَنَى بِهَا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ الزهري، عن يزيد بن الأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلالٌ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: كَذَبَ عِكْرِمَةُ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمَّا حَلَّ تَزَوَّجَهَا. وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: زَوَّجَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ. وَكَانَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما أَرَادَ الْخُرُوجَ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ، بَعَثَ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ الأَنْصَارِيَّ وَأَبَا رَافِعٍ إِلَى الْعَبَّاسِ فِي أَنْ يُزَوِّجَهُ مَيْمُونَةَ. فَأَضَلا بَعِيرَيْهِمَا، فَأَقَامَا أَيَّامًا بِبَطْنِ رَابِغٍ حَتَّى وَافَاهُمَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَصَارَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ. فَأَرْسَلَ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا. وَيُقَالُ إِنَّ مَهْرَ مَيْمُونَةَ كَانَ عَشْرَ أَوَاقٍ [4] وَنَشًّا. وَيُقَالُ: تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا تَرَكَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ. وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنِ الْمُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ حِينَ خَرَجَ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى: إِنَّ أَجَلَكَ قَدْ مَضَى، وَانْقَضَى الشَّرْطُ،

_ [1] ابن سعد، 8/ 59. [2] موطأ مالك، كتاب 20، حديث 69. [3] ابن سعد، 8/ 96. [4] خ: أواقى.

فَاخْرُجْ مِنْ بَلَدِنَا. فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: كَذَبْتَ، الْبَلَدُ بَلَدُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآبَائِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلا يَا سَعِيدُ. فَقَالَ حُوَيْطِبُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَّا خَرَجْتَ. فَخَرَجَ، وَخَلَّفَ أَبَا رَافِعٍ، وَقَالَ: الْحَقْنِي بِمَيْمُونَةَ. فَحَمَلَهَا عَلَى قَلُوصٍ. فَجَعَلَ أَهْلَ مَكَّةَ يَنْفِرُونَ بِهَا، وَيَقُولُونَ: لا بَارَكَ اللَّه لَكِ. فَوَافَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَمَيْمُونَةَ بِسَرِفَ. فَكَانَ دُخُولُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا بِسَرِفَ، وَهُوَ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ، تُوُفِّيَتْ. قَالَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى سَرِفَ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لا تُزَعْزِعُوا بِهَا، وَلا تُزَلْزِلُوا، وَارْفُقُوا، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ نَبِيِّ اللَّه تِسْعُ نِسْوَةٍ فَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلا يَقْسِمُ لِتَاسِعَةٍ- يُرِيدُ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، قَالَ: - وَكَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: قال ابن عباس: لا تزلزلوا، ولا تنعنوا [1] ، وارفقوا فإنها أم المؤمنين، يعنى ميمونة حين [2] مَاتَتْ. وروي أن جَعْفَر بن أبي طالب لِمَا قدم من الحبشة أيام خيبر، خطب ميمونة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. فأجابت جعفر (ا) إلى أن تتزوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزوجه إياها العباس. والخبر الأول أثبت. وروي عَن عكرمة أن ميمونة وهبت نفسها لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وليس ذلك بثبت. وتوفيت ميمونة بسرف. وهي آخر نساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتا. وَكَانَ وفاتها سنة إحدى وستين. فقال عبد اللَّه بن عباس، وهي خالته، لِلَّذِينَ حملوها: ارفقوا بها، ولا تزعزعوا فإنها أمكم، وموضعها من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضعها. ويقال إنها ماتت

_ [1] خ: تنغنغوا (بالغين المعجمة، وتنعنعوا: تضطربوا) . [2] خ: حتى.

بمكة، فحملها إلى سرف، فدفنت بسرف. وصلى عليها عبد اللَّه بن عباس، وبقى بعدها ست سنين وتوفي فِي سنة ثمان [1] وستين. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمَدِينِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه ابْنِ أَخِي يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ مَيْمُونَةُ، وَكَانَتْ خَالَتَهُ، أَخَذْتُ رِدَائِي فَبَسَطْتُهُ فِي اللَّحْدِ، فَرَمَى بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَدْ رُوِيَ أنها توفيت في سَنَةَ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا عَبْدُ اللَّه ابن عَبَّاسٍ، وَيَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خالد بن الوليد، وعبد اللَّه ابن شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ الْخَوْلانِيِّ يَتِيمٌ كَانَ/ 216/ فِي حِجْرِهَا. 912- وسالف [2] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل ميمونة: حمزة بن عبد المطلب (بن هاشم) بن عبد مناف، كانت تحته سلمى بنت عميس، أخت ميمونة لأمها هند بنت عوف الحميرية، فولدت لَهُ أمة اللَّه. وشداد بن الهاد، خلف عَلَى سلمى بنت عميس بن معد الخثعمية، فولدت لَهُ عبد اللَّه وعبد الرحمن. والعباس بن عبد المطلب: كانت عنده أختها لأبيها وأمها، وهي لبابة بنت الحارث بن حزن، وتكنى أم الفضل، فولدت للعباس: الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وقثم، وعبد الرَّحْمَن، ومعبدا، وأم حبيب. وجعفر ابن أبي طالب: كانت عنده أسماء بنت عميس، فولدت عبد اللَّه [3] ، وعونا، ومحمدا. وَأَبُو بكر بن أبي قحافة، خلف عَلَى أسماء بنت عميس بعد جعفر ابن أبى طالب، فولدت له مُحَمَّد بن أبي بكر المقتول بمصر. وَعَليّ بن أبي طالب خلف عَلَى أسماء بعد أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنهما، فولدت لَهُ يَحْيَى وعونا. والطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف: كانت عنده زينب بنت خزيمة أخت ميمونة لأمها هند. وعبيدة بن الحارث، أخو الطفيل، خلف عَلَى زينب، وهي أم المساكين، فقتل عنها. والوليد بن المغيرة المخزومي ويكنى أبا عبد شمس، كانت تحته لبابة الصغرى، وَهِيَ العصماء بِنْت الْحَارِث بْن حزن ابن بجير أخت ميمونة، فولدت لَهُ خالد بن الوليد سيف اللَّه، وتكنى أبا سليمان

_ [1] خ: ثماني. [2] راجع المحبر، ص 106- 109. [3] خ: عبيد اللَّه.

مارية القبطية.

فهو ابن خالة عبد اللَّه بن عباس. ويقال إن لبابة الصغرى غير العصماء، وأن العصماء كانت عند أبي بن خلف، فولدت لها أبا أبي وإخوة لَهُ. والأول قول الكلبي. وعبد اللَّه بن كعب [1] بن عبد اللَّه بن كعيب الخثعمي، كانت عنده سلامة بنت عميس أخت ميمونة لأمها، فولدت لَهُ آمنة تزوجها عبد اللَّه ابن جَعْفَر بن أبي طالب فولدت لَهُ صالحا الأصغر، وأسماء، ولبابة بنى عبد اللَّه ابن جَعْفَر. وسلامة أخت أسماء بنت عميس لأبيها وأمها. وزياد بن عبد اللَّه ابن مالك بن بجير الهلالي، كانت عنده عزة بنت الحارث بن حزن، أخت ميمونة. وكانت عند الأصم البكائي أخت لميمونة بنت الحارث بن حزن، فولدت لَهُ يزيد بن الأصم. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد، أنبأ الواقدي، عَن سُلَيْمَان بن عبد اللَّه بن الأصم قَالَ: مات يزيد بن الأصم سنة ثلاث ومائة وَهُوَ ابْن ثلاث وسبعين سنة، وَكَانَ ينزل الرقة. ويقال إنه خلف عَلَى عزة بنت الحارث. 913- وقد روي أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدئ فِي منزل ميمونة، وقبض فِي منزل عائشة ودفن فِيه. وآوي رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه- والإيواء أن يقسم لهن ويسوي بينهن- عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة. وأرجي- والإرجاء أن يأتي من يشاء منهن متى شاء وينزلها إِذَا شاء- سودة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وميمونة. وقبض صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن تسع مهائر. وروي عَن سفيان، عَن زكريا، عَن الشعبي فِي قول: (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ [2] ، قَالَ: هن نساء وهبن أنفسهن للنبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يدخل بهن، ولم يتزوجهن أحد بعد. 914- وكانت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم ولد، وهي مارية القبطية. بعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية بكتاب منه، يدعوه فيه إلى الإسلام، وَذَلِكَ فِي سنة سبع. فأعظم كتاب

_ [1] خ: أخت. (والتصحيح عن المحبر، ص 109) . [2] القرآن، الأحزاب (33/ 51) .

إبراهيم.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لولا الملك، يعني ملك الروم، لأسلمت. وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية، وأختها شيرين، وألف مثقال ذهبا، وعشرين ثوبا، وبغلة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تعرف بدلدل، وحماره يعفورا. ويقال إن يعفورا من هدية فروة بن/ 217/ عَمْرو الجذامي، عامل قيصر عَلَى عمان ونواحيها. وبعضهم يقول: اسم الحمار عفير. وأهدى مع ذَلِكَ خصيا [1] . فلما خرج حاطب بمارية، عرض عليها الإسلام، فأسلمت وأسلمت أختها. وأقام الخصي عَلَى دينه، حَتَّى أسلم بالمدينة عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات فدفن بالبقيع سنة ستين، وَكَانَ شيخا كبيرا. وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معجبا بمارية، وكانت بيضاء، جميلة، جعدة الشعر. وكانت أمها رومية. فأنزلها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعالية فِي المال الَّذِي يعرف بمشربة أم إِبْرَاهِيم، وَكَانَ يختلف إليها هناك، وضرب عليها الحجاب، وَكَانَ يطؤها. فحملت، وولدت، فقبلتها [2] سلمى مولاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وجاء زوجها أَبُو رافع مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبشر بولادتها غلاما سويا، فوهب لَهُ عبدا. وسماه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم سابعة إِبْرَاهِيم. وأمر، فحلق رأسه أَبُو هند البياضي، من الأنصار. وتصدق بزنة شعره ورقا، وعق عَنْهُ بكبش، ودفن شعره فِي الأرض. وتنافست الأنصار فِي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام، أيهم يحضنه وترضعه امرأته، حَتَّى جاءت أم بردة، وهي كبشة [3] بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش، من بني النجار، فدفعه إليها لترضعه. وزوج أم بردة البراء بن أوس بن خالد، من بني النجار، فدفعه إليها لترضعه. وزوج أم بردة البراء بن أوس بن خالد، من بني مبذول ابن عَمْرو بْن غنم بْن مازن بْن النجار. فكان إبراهيم في بني مازن، إلا أن أمه تؤتى به، ثم يعاد إلى منزل ظئره أم بردة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي أم بردة، فيقيل عندها، وتخرج إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم، فيحمله ويقبله. وَكَانَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقائح، وقطعة غنم، فكانت مارية تشرب من

_ [1] اسمه «مابور» ، كما روى الطبرى (ص 1781) في آخرين. [2] أى أدت وظيفة القابلة عند المخاض ووضع الحمل. [3] وفي المحبر (ص 429) : اسم أم بردة خولة بنت المنذر.

ألبانها وتسقي ولدها. قالوا: وأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا بإبراهيم، وهو عند عائشة، فقال: [انظري إلى شبهه. فقالت: ما أرى شبها. فقال: ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟] فقالت: من قصرت عَلَيْهِ اللقاح، وسقي ألبان الضأن، سمن وأبيض. وكانت عائشة تَقُولُ: ما غرت عَلَى امرأة غيرتي عَلَى مارية، وَذَلِكَ لأنها كانت جميلة، جعدة الشعر، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معجبا بِهَا، ورزق منها الولد وحرمناه. وأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أم بردة قطعة من نخل [1] . وروي عَن عبد اللَّه بن عباس أَنَّهُ قَالَ: لِمَا ولد إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعتق أم إبراهيم ولدها.] و [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استوصوا بالقبط خيرا، فإن لَهُم ذمة ورحما:] وكانت هاجر، أم إِسْمَاعِيل، منهم. [وروي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قال: لو عاش إِبْرَاهِيم، لوضعت الجزية عَن كل قبطي.] وَكَانَ مولد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام فِي ذي الحجة سنة ثمان. وروى الواقدي فِي إسناده قَالَ: كَانَ الخصي الَّذِي بعث بِهِ المقوقس مع مارية يدخل إليها ويحدثها، فتكلم بعض المنافقين فِي ذَلِكَ، وقال: إنه غير مجبوب وأنه يقع عليها. فبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بن أبي طالب، وأمره أن يأتيه فيقرره وينظر فيما قيل فِيهِ، فإن كَانَ حقا، قتله. فطلبه عَليّ، فوجده فوق نخلة. فلما رأى عليا يؤمه، أحس بالشر، فألقى إزاره. فإذا هُوَ مجبوب ممسوح. وقال بعض الرواة: إنه ألفاه [2] يصلح خباء لَهُ، فلما دنا مِنْه ألقى إزاره وقام متجرّدا. فجاء به علىّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأراه إياه، فحمد اللَّه عَلَى تكذيبه المنافقين بما أظهر من براءة الخصي وأطمأن قلبه. ولما ولد إِبْرَاهِيم، أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل عَلَيْهِ السَّلام، فقال لَهُ: يا أبا إِبْرَاهِيم. وتوفي إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت أم بردة، / 218/ وهو ابن ثمانية عشر شهرا، ويقال: ابن ستة عشر شهرا، وصلى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وبعضهم يقول: مات وله إحدى وسبعون ليلة، والأول أثبت.

_ [1] خ: نحل (بالحاء المهملة) . [2] خ: ألقاه.

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا ابن الغسيل، عَن عَاصِم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ: توفي إبراهيم بن النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلام وله ثمانية عشر شهرا. 915- قالوا: وغسل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام الفضل بن العباس بن عبد المطلب. ويقال غسلته أم بردة، وحمل عَلَى سرير صغير. وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ادفنوه عند سلفنا الصالح عُثْمَان بْن مظعون.] فدفن بالبقيع إلى جانب عثمان بن مظعون الجمحي. وجلس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعباس عَلَى شفير قبر إِبْرَاهِيم، ونزل فِيهِ الفضل بن العباس، وأسامة بن زيد. وَذَلِكَ يوم ثلاثاء فِي آخر شهر ربيع الأول سنة عشر. وَرَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجة في اللبن، فأمر بسدّها، وقال: [أما إن هَذَا شيء لا يضر ولا ينفع، ولكنه إِذَا عمل الرجل عملا أحب اللَّه أن يتقنه.] وأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحجر، فوضع عند رأس إِبْرَاهِيم، وَرْش عَلَى قبره الماء. 916- قالوا: ولما مات إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلام، دمعت عين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقيل: يا نبي اللَّه، أنت أحق من عرف اللَّه حقه، فيما أعطاه وأخذ مِنْه. فقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [تدمع الْعَين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، ولولا أَنَّهُ قول صادق، وموعود جامع، وسبيل مأتية، وأن الآخر لا حق بالأول لوجدنا عليك أشد مما [1] وجدنا، وإنا عليك يا إِبْرَاهِيم، لمحزونون] » . حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ الأَجْلَحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ [2] إِبْرَاهِيمُ بْنُ رسول اللَّه، أَخَذَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَامَ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى النَّخْلَ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ. فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَلَمْ تَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَقَالَ: « [نَهَيْتُ عَنِ النَّوْحِ وَالْغِنَاءِ، صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتِ لَهْوٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ [3] ، وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ

_ [1] خ: من. [2] خ: نقل. [3] خ: نغمة

مُصِيبَةٍ رَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَخَمْشِ وَجْهٍ، وَشَقِّ جَيْبٍ. وَلَكِنَّهَا رَحْمَةٌ. وَمَنْ لا يَرْحَمْ، لا يُرْحَمْ. وَلَوْلا أَنَّهُ أَمْرٌ حَقٌّ، وَوَعْدٌ صَادِقٌ، وَسَبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ، وَأَنَّ آخِرَنَا سَيَتْبَعُ أَوَّلَنَا، لَجَزِعْنَا أَشَدَّ مِمَّا جَزِعْنَا] » . ثُمَّ قَالَ: « [تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَيْجَعُ [1] الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، وَإِنَّا بِكَ، يَا إِبْرَاهِيمُ، لَمَحْزُونُونَ] » . قَالَ هِشَامٌ: وَبَلَغَنَا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حِينَ حَضَرَ قَبْضُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَهُوَ مستقبل الجبل: « [يَا جَبَلُ، لَوْ بِكَ مَا بِي لَهَدَّكَ. وَلَكِنَّا نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّه [2] : إِنَّا للَّه وإنا إليه راجعون، وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ] » . 917- قالوا: وكسفت الشمس يوم مات إِبْرَاهِيم، فقال الناس: إنما كسفت لموت إِبْرَاهِيم. [فقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها لا تكسف لموت أحد ولا لحياته] . قالوا: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ أَبُو بكر ينفق عَلَى مارية خلافته، ثُمَّ كَانَ عمر ينفق عليها إلى أن توفيت. وكانت وفاتها فِي سنة ست عشرة. وصلى عليها عمر. ودفنت بالبقيع. وأمر عمر، فجمع الناس لحضور جنازتها. 918- قالوا: وَكَانَ صفوان بن المعطل السلمي حنقا عَلَى حسان بن ثابت لِمَا كَانَ تكلم بِهِ فِي أمره وأمر عائشة من الإفك، فشد عَلَيْهِ بسيف فضربه بِهِ ضربة شديدة حَتَّى اجتمع قومه، وغضبت لَهُ الأنصار. فكلمهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رجعوا وسكتوا. ووهب لحسان يومئذ شيرين أخت مارية، فولدت لَهُ عبد الرحمن بن حسان الشاعر. فصار حسان سلفا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل مارية. فحدث عبد الرحمن بن حسان، عَن أمة قالت: كنت أنا وأختي مارية نصيح عَلَى إِبْرَاهِيم، وهو محتضر، فلا ينهانا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ/ 219/ فلما مات، نهانا عَن الصياح. وَحَدَّثَنِي عَبَّاس [3] بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جده قال: لما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم، اعتدّت مارية، وكانت تكون في

_ [1] خ: تيجع. [2] القرآن، البقرة (2/ 157) . [3] خ: عياش.

ريحانة بنت شمعون، ابن زيد بن خنافة بن عمرو [1] ،

مشربتها ينفق عليها أَبُو بكر حَتَّى توفي، ثُمَّ عمر. وتوفيت لسنتين من خلافته فِي شهر رمضان، فجمع عمر الناس لحضورها، وصلى عليها، ودفنها فِي بقيع الغرقد. 919- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَمَّارِ بْنِ نُصَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَنَسِ ابن مالك [أن سلامة، حاضنة إِبْرَاهِيم بْن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّكَ تُبَشِّرُ الرِّجَالَ بِخَيْرٍ، وَلا تبشر النساء؟ فقال: أما ترضين إِحْدَاكُنَّ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلا مِنْ زَوْجِهَا، وَهُوَ عَنْهَا رَاضٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ فِي سَبِيلِ اللَّه، فَإِذَا أَصَابَهَا الطَّلْقُ لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ مَا أُخْفِيَ لَهَا مِنْ قُرَّةَ أَعْيُنٍ، فَإِذَا وَضَعَتْ لَمْ يَجْرَعْ وَلَدُهَا مِنْ لَبَنِهَا جَرْعَةً وَلَمْ يَمُصَّ مَصَّةً إِلا كُتِبَ لَهَا بِذَلِكَ حَسَنَةً.] 920- قالوا: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اصطفي ريحانة بنت شمعون، ابن زيد بن خنافة بن عَمْرو [1] ، من بني قريظة، لِمَا فتح بني قريظة. فعرض عليها الإسلام، فأبت إلا اليهودية. فعزلها. ثُمَّ أسلمت بعد، فعرض عليها التزويج وضرب الحجاب، فقالت: بَلْ تتركني فِي ملكك. فكان يطؤها وهي فِي ملكه. وكانت تحت رجل يقال لَهُ عبد الحكم، أو الحكم، وهو ابن عمها وَكَانَ لَهَا مكرما. فكرهت أن تتزوج بعده. وقال بعضهم: اسم القرظية ربيحة. وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعلها فِي نخل لَهُ، يدعى نخل الصدقة. وَكَانَ ربما قَالَ عندها، وعندها وعك، فأتى منزل ميمونة، ثُمَّ تحول إلى بيت عائشة. ويقال: كانت ريحانة من بني النضير، عَند رجل من قريظة يكنى أبا الحكم. واللَّه تعالى أعلم. وحدثنى محمد بن سعد، عن الأَعْرَابِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَزْهَرَ السَّمَّانَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلا لَقِيَ رَيْحَانَةَ بِالْمَوْسِمِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ اللَّه لم يرضك للمؤمنين أمّا. فقالت [2] : وأنت فلم يرضك اللَّه لي ابنا.

_ [1] ابن سعد، 8/ 92 (ونسبها: ريحانة بنت زيد بن عمر بن خنافة بن سمعون بن زيد) . [2] خ: قالت.

فاطمة الكلابية

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خنافَةَ قُرَظِيَّةً وَكَانَتْ مِنْ مِلْكِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ طَلَّقَهَا. فَكَانَتْ فِي أَهْلِهَا، تَقُولُ: لا يَرَانِي أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروي الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كَانَتْ رَيْحَانَةُ مِنْ قُرَيْظَةَ، صَفِيِّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، فأعتقها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وَتَزَوَّجَهَا. فَغَارَتْ عَلَيْهِ غَيْرَةً شَدِيدَةً، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى. وَكَانَتْ رَيْحَانَةُ تَقُولُ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَهَرَنِي مِثْلَ نِسَائِهِ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِي، وَضَرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابَ، وَكَانَ تَزَوُّجُهُ إِيَّايَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ. 921- وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالا ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَّتَانِ: الْقِبْطِيَّةُ، وريحانة بنت شمعون. فاطمة الكلابية 922- وحدثني الوليد بن صالح، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: [تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي كِلابٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ باللَّه مِنْكَ. فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ] . وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكِلابِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا خَيَّرَ نِسَاءَهُ، اخْتَارَتْ قَوْمَهَا، فَفَارَقَهَا. فَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَلْقِطُ الْبَعَرَ، وَتَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ

العالية بنت ظبيان:

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَتَصَدَّقْنَ عَلَيْهَا، وَتَقُولُ: أَنَا الشَّقِيَّةُ. وقال الواقدي: ماتت الكلابية سنة ستين عند أهلها، وَكَانَ/ 220/ تَزَوَّجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها فِي سنة ثمان، منصرفه من الجعرانة. وقال بعض الرواة: إن هَذِه الكلابية ابنة الضحاك بن سفيان الكلابي، واسمها فاطمة. وقال بعضهم [عرض الضحاك الكلابي ابنته عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: من صفتها كذا، وكفاك من صحة بدنها أنها لَمْ تمرض قط، ولم تصدع. فقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا حاجة لنا فيها هَذِه تأتينا نخطبها [1] .] وقال الكلبي: التي قَالَ أبوها إنها لَمْ تصدع قط، وعرضها عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «لا حاجة لنا بِهَا» ، سلمية، وأما الكلابية، فاختارت قومها فدلهت وذهب عقلها، فكانت تَقُولُ: أنا الشقية، خدعت. وقد روي مثل ذلك عَن عبد الواحد بن أبي عون. العالية بنت ظبيان: 923- وقال الواقدي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَكَانَ إِذَا خرج اطلعت على أهل المسجد. [فأخبرته أَزْوَاجُهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: إِنَّكُنَّ تَبْغِيَنَّ عَلَيْهَا. فَقُلْنَ: نُرِيكَهَا وَهِيَ تَطَّلِعُ. فَلَمَّا رَآهَا، فَارَقَهَا.] وقال الكلبي: كانت عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العالية بنت ظبيان بن عَمْرو بن عوف ابن عبد بن أبي بكر بن كلاب. فمكثت عنده ما شاء اللَّه، ثُمَّ طلقها بسبب التطلع. وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ الْعَالِيَةَ، فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمٍّ لَهَا وَدَخَلَ بِهَا وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ نِكَاحَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، وولدت له.

_ [1] في أصل العبارة: «تأتينا بخطيها» ، وبالهامش «تاسا بخطائها» ، لعل الأرجح ما أثبتناه.

عمرة بنت يزيد:

عمرة بنت يزيد: 924- وقال الكلبي: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرة بنت يزيد بن عبيد ابن رؤاس بن كلاب، فبلغه أن بِهَا بياضا- أو رأى بكشحها بياضا- فطلقها وقال أَبُو عبيدة معمر بن المثنى: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هند بنت يزيد، من القرطاء، من ولد أبي بكر بن كلاب. وبعث إليها أبا أسيد الْأَنْصَارِيّ. فلما استهداها، رأى بِهَا بياضا، فطلقها. أسماء بنت النعمان: 925- وقال الكلبي: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحيل بن كندي بن معاوية بن الجون بن آكل المرار. وكانت من أجمل النساء. ومهرها اثنتى عشر أوقية ونشا. فقال لَهَا بعض نسائه: أنت بنت ملك [1] ، وإن استعذت باللَّه مِنْه حظيت عنده. فلما دخلت عَلَيْهِ ودنا منها، قالت: أعوذ باللَّه منك. فقال: [قد عذت بمعاذ، عذت بمعاذ، أمن عائذ اللَّه؟ وصرف وجهه عنها،] وقال: ارجعي إلى أهلك. فقيل: يا رَسُول اللَّه، إنها خدعت وهي حدثة. فلم يراجعها. فتزوجها المهاجر بن أبي أمية المخزومي، ثُمَّ قيس بن هبيرة المرادي. فأراد عمر معاقبتهما. فقيل: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يدخل بِهَا، ولم يضرب عليها حجابا، ولم تسم فِي أمهات الْمُؤْمِنِين. فأمسك. وقال الشرقي بن القطامي: دعاها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: بَلِ ائتني أنت. فطلقها. وقال الكلبي: لِمَا فعل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه الكندية ما فعل، كَانَ الأشعث حاضرا، [فقال يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إلا أزوجك قتيلة بنت قيس، أختي؟ فقال: نعم.] فتوفي [2] رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تخرج من اليمن. فتزوجها عكرمة بن أبى جهل. قال الواقدي: قدم النعمان الكندي، وَكَانَ منزله بنجد نحو الشربة،

_ [1] خ: مالك. [2] خ: فتوفا. (وهو غلط فاحش) .

فأسلم وقال: يا رَسُول اللَّه، / 221/ ألا أزوجك أجمل أيم فِي العرب؟ فتزوجها عَلَى اثنتي عشرة أوقية ونش، وذلك خمس مائة درهم، ووجه أبا أسيد الساعدي، فقدم بِهَا. وكانت جميلة فائقة الجمال. فاندست إليها امرأة من نساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: إن كنت تريدين الحظوة عند رَسُول اللَّه، فاستعيذي مِنْه، فإن ذَلِكَ يعجبه. قَالَ الْوَاقِدِيُّ، فحدثني موسى بن عبيدة، عن عمر (و) [1] بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الجونية، فأتيته بها، فأنزلته فِي أُطَمِ بَنِي سَاعِدَةَ. [فَلَمَّا جَاءَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْعَى ثُمَّ أَهْوَى إِلَيْهَا لِيُقَبِّلَهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ باللَّه مِنْكَ. فَانْحَرَفَ عَنْهَا، وَقَالَ: عُذْتِ بِمُعَاذٍ، عُذْتِ بِمُعَاذٍ.] وَوَثَبَ فَخَرَجَ، وَأَمَرَنِي بِرَدِّهَا. فَرَدَدْتُهَا إِلَى قَوْمِهَا. فَلَمَّا طَلَعْتُ بِهَا، قَالُوا: إِنَّكِ لَغَيْرُ مُبَارَكَةٍ، جَعَلْتِنَا فِي الْعَرَبِ شُهْرَةً. فَأَقَامَتْ فِي بَيْتِهَا لا يَطْمَعُ فِيهَا طَامِعٌ وَلا يَرَاهَا ذُو مَحْرَمٍ، حَتَّى تُوُفِّيَتْ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ عِنْدَ أَهْلِهَا بِنَجْدٍ. وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عن عمرو ابن الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي أَسِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي الْجَوْنِ، وَبَعَثَنِي إِلَيْهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا. [فَأَهْوَى لِيُقَبِّلَهَا، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَبِّلَ أَقْعَى، فَقَالَتْ: أَعُوذُ باللَّه مِنْكَ. قَالَ: عُذْتِ بِمُعَاذٍ.] وَرَدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا. وقال الواقدي: كَانَ تزوجه هَذِه الجونية فِي شهر ربيع الأول سنة تسع. وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْمُنْذِرِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُنَا أَنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تزوج امْرَأَةً مِنْ كِنْدَةَ، يُقَالُ لَهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ تَوَلَّتَا مَشْطَهَا وَإِصْلاحَ أَمْرِهَا. وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَدِمَ بِهَا. فقالتا لها إنه يعجب رسول اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا دَنَا منها أن تقول: أعوذ باللَّه

_ [1] خ «عمر»

(مليكة الكنانية) :

مِنْكَ. فَلَمَّا مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا، اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ. فَوَضَعَ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: [عُذْتِ بِمُعَاذٍ، ثلاثا. وأمر أبا أسيد أَنْ يُلْحِقَهَا بِأَهْلِهَا،] وَمَتَّعَهَا بِرَازِقِيَّيْنِ [1] . فَمَاتَتْ كَمَدًا حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمْ يَتَزَوَّجْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنْدِيَّةً إِلا أُخْتَ الْجَوْنِ، ثُمَّ فَارَقَهَا. قَالَ، وقال الواقدي، حَدَّثَنِي ابن أبي الزناد، عَن هِشَام بن عُرْوَةَ، عَن عروة أن الوليد بن عبد الملك كتب إِلَيْهِ يسأله: هَلْ تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخت الأشعث بن قيس؟ فكتب إليه أنه ما تزوجها قط، ولا تزوج كندية إلا أخت بنى الجون. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا دَخَلَتِ الْكِنْدِيَّةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَعُوذُ باللَّه مِنْكَ. [فقال: لقد عذت بعظيم، الحقى بأهلك.] (مليكة الكنانية) : 926- وروى أَبُو معشر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج فِي شهر رمضان سنة ثمان مليكة بنت كعب الليثي، من كنانة، فقالت لَهَا عائشة: أما تستحيين أن تنكحي قاتل أبيك؟ فقالت: فكيف أصنع؟ فقالت: استعيذي باللَّه مِنْه. فاستعاذت، فطلقها. وَكَانَ أبوها قتل يوم فتح مكة. وقال أَبُو عبيدة: اسم هذه الكنانية عمرة. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عبد الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ الْجُنْدَعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مُلَيْكَةَ الكنانية ودخل بها، فماتت

_ [1] خ: «عبيدة بن عمر بن الحكم» (ولكن راجع فيما بعد) . [2] هي ثياب كتان بيض. [3] ابن سعد، 8/ 103- 104.

(أم هانئ بنت أبى طالب) :

عِنْدَهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ وَجَمِيعُ/ 222/ أَصْحَابِنَا يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَزَوَّجَ كِنَانِيَّةً قَطُّ. وقال الكلبي: لا نعلم أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم تزوج كنانية. (أم هانئ بنت أبى طالب) : 927- وكانت أم هانئ بنت أبي طالب عند هبيرة بن أبي وهب. فلما كَانَ يوم الفتح، هرب ومات كافرا. فخطبها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: واللَّه لقد كنت أحبك فِي الجاهلية، فكيف فِي الإسلام، ولكني امرأة ذات أولاد صغار وأنا أخاف أن يؤذوك. فأمسك عنها، [وقال: خير نساء ركبن المطايا نساء قريش أحناهن [1] عَلَى ولد فِي صغر، وأرعاهن عَلَى زوج فِي ذات يد.] (متفرقات) : [صفية بنت بشامة العنبري] 928- وعرض رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صفية بنت بشامة العنبري، أخت الأعور بن بشامة، وكانت، أخذت سبية، أن يتزوجها أو ترد إلى أهلها. فاختارت أن ترد، فردّت. [ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عَمْرو بن سواد] 929- وأتت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عَمْرو بن سواد ابن ظفر بن الحارث بْن الخزرج بْن عَمْرو بْن مالك بْن الأوس بن حارثة، وهو غافل، فحطأت [2] عَلَى منكبه. فقال: « [من هَذَا؟ أكله الأسود.» فقالت: «ابنة الخطيم، وبنت مطعم الطير، ومباري الريح، وقد جئتك أعرض نفسي عليك» . فقال: قد قبلتك.] فأتت نساءها، فقلن: «بئس ما صنعت. أنت امرأة غيور، ورسول اللَّه كَثِير الضرائر. ونخاف أن تغاري، فيدعو عليك فتهلكي. استقيليه» . فأتته، فاستقالته. فأقالها. فدخلت بعض حيطان المدينة، فأكلتها أسود.

_ [1] خ: خلفن. والتصحيح عن المحبر 2 ص 98، في مصادر أخرى. [2] حطأ: ضرب بيده مبسوطة.

خولة بنت الهذيل بن هبيرة الثعلبى

[خولة بنت الهذيل بن هبيرة الثعلبى] 930- وخطب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خولة بنت الهذيل بن هبيرة الثعلبى. فلما حملت إِلَيْهِ، هلكت فِي الطريق قبل وصولها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [شراف، أخت دحية بن خليفة الكلبى] 931- وشراف، أخت دحية بن خليفة الكلبي. هلكت أيضا قبل دخولها عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم. [ضباغة بنت عامر بن قرط بن سلمة] 932- وكانت ضباغة بِنْت عَامِر بْن قرط بْن سَلَمَةَ بْن قشير بن كعب بن ربيعة بن عمير بن صعصعة عند عَليّ الحنفي [1] . أبي «هوذة» ، وهلك. فورثته مالا. فتزوجها عبد اللَّه بن جدعان التيمى، فلم تلد منه. فسألته الطلاق، فطلقها. فتزوجها هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، فولدت لَهُ سلمة بن هِشَامٍ، وَكَانَ من خيار المسلمين. وكانت موصوفة بالجمال. فخطبها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سلمة. فقال: استأمرها. فقالت: أفي رَسُول اللَّه تستأمرني؟ ثُمَّ بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عنها كبرة وتغير، فأمسك عنها. وهي التي طافت [2] حول الكعبة عريانة ولم تجد ثوب حرمي تستعيره ولا تكتريه فقالت [3] : اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا مِنْه فلا أحله

_ [1] خ: الخثعمى. [2] خ: كانت. [3] بلدان ياقوت مكة، وزاد بيتا. إن طواف النساء عريانة لم يكن أمرا معتادا، وما حدث لضباعة أمر استثنائى، فقد ذكر «الهيثم وابن الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عن المطلب بن أبى وداعة أن المطلب حدث ابن عباس، قال: كانت ضباعة بِنْت عَامِر بْن قرط بْن سَلَمَةَ بن قشير بن كعب تحت هوذة بن على بن ثمامة الحنفي. فهلك، فأصابت منه مالا كثيرا. ثم رجعت إلى بلاد قومها. فخطبها عبد اللَّه بن جدعان التيمى إلى أبيها. فزوجه إياها. فأتاه ابن عم لها، يقال له حزن بن عبد اللَّه بن سلمة بن قشير، فقال: زوجني ضباغة. قال: قد زوجتها ابن جدعان. قال: فحلف ابن عمها أن لا يصل إليها أبدا، وليقتلنها دونه. قال: فكتب أبوها إلى ابن جدعان يذكر ذلك. فكتب إليه ابن جدعان: واللَّه لئن فعلت هذا لأرفعن لك راية غدر بسوق عكاظ. فقال أبوها لابن عمها (ا) : قد جاء من الأمر ما قد ترى، فلا بد من الوفاء لهذا الرجل. فجهز وحملها إليه. وركب حزن في إثرها، وأخذ الرمح، فتبعها حتى انتهى إليها. فوضع السنان بين كتفيها، ثم قال: يا ضباعة، أقوم يقتنون المال تجرأ أحب إليك أم قول حلول؟ قالت: لا، بل قوم حلول. قال: أما واللَّه، أن لو قلت غير هذا، لأنفذته من بين ثدييك. ثم انصرف عنها، وهديت إلى ابن جدعان. فكانت عنده ما شاء اللَّه أن تكون. قال: فبينا هي تطوف بالكعبة، وكان لها جمال وشباب، إذ رآها هشام بن المغيرة المخزومي. فأعجبته. فكلمها عند البيت. فقال: لقد رضيت أن يكون هذا الشباب والجمال عند شيخ كبير، فلو سألته الفرقة، لتزوجتك. وكان هشام رجلا جميلا مكثرا. قال: فرجعت إلى ابن جدعان، فقالت: إنى امرأة شابة، وأنت شيخ كبير. فقال لها: ما بدا لك في هذا؟ أما إنى قد أخبرت أن هشاما كلمك وأنت تطوفين بالبيت. وانى أعطى الله عهدا ألا أفارقك حتى تحلفي ألا تتزوجي هشاما، فيوم تفعلين ذلك، فعليك أن تطوفى بالبيت عريانة، وأن تنحرى كذا وكذا بدنة، وأن تغزلى وبرا بين الأخشبين من مكة. وأنت من الحبس، ولا يحل لك أن تغزلى الوبر. قال الهيثم: والحمس قريش وكنانة وخزاعة ومن ولدت قريش من أفناء العرب. فأرسلت إلى هشام تخبره بالذي أخذ عليها، فأرسل إليها: أما ما ذكرت من طوافك بالبيت عريانة، فإنى أسأل قريشا أن يخلوا لك المسجد، فتطوفى قبل الفجر بسدفة من الليل فلا أحد (يراك) . وأما الإبل التي تنحرينها، فلك الله أن أنحرها عنك. وأما ما ذكرت من غزل الوبر، فإنها دين وضعه نفر من قريش ليس دينا جاءت بالنبوة. وفي رواية، أنه قال لها: لي جوار كثيرة، يغزلن لك ما بين الأخشبين- فقالت لعبد الله بن جدعان: نعم، لك أن أصنع ما قلت، وأخذت على إن تزوجت هشاما. فطلقها. فتزوجت هشاما. فكلم هشام قريشا. وسألهم أن يخلوا لها المسجد. قال الكلبى: فقال المطلب بن أبى وداعة: فكنت غلاما من غلمان قريش، فأقبلت من باب المسجد وأنا أنظر إليها. فوضعت ثيابها، وطافت بالبيت أسبوعا وهي تقول: اليوم يبدو نصفه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله حتى فرغت. ونحر عنها ما ذكرت من الإبل، وغزلت ذلك الوبر، فولدت لهشام سلمة بن هشام فكان من خيار المسلمين. قال: فبينا هي ذات ليلة قائمة إذ سمع هشام صوت صائحه، فقال: ما هذا؟ فقيل: عبد الله بن جدعان التيمى مات. فقالت ضباعة: لنعم زوج العربية كان. فقال هشام: أى والله، وابنة العم القريبة. ثم مات هشام بعد ذلك عنها. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها إلى ابنها سلمة بن هشام، فقال: يا سلمة، زوجني ضباعة. فقال: حتى استأمرها يا رسول الله. فاستأمرها، فقال: يا ضباعة إن رسول الله خطبك إلى. قالت: ويلك، فما قلت له؟ قال: قلت حتى أستأمرها. قالت: أستأمرنى في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قبح الله رأيك، ارجع لا يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدا له. قال: فجاء وقد ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم (عنها) كبرة. فقال: يا رسول الله قد استأمرت فأمرتنى أن أفعل. قال: فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم.» « (كتاب المنمق لابن حبيب، مخطوطة لكهنو بالهند، ص 173- 176) .

933- وقال الواقدي: خطب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَسَلَّمَ) امرأة من كلب، فبعث عائشة لتنظر [1] إليها. فذهبت ثُمَّ رجعت [فقال لَهَا: ما رأيت؟ قالت: لم أر طائلا. قال: لقد رأيت خالا بخدها اقشعرت لَهُ كل شعرة منك] . فقالت: يا رَسُول اللَّهِ، ما دونك ستر.

_ [1] خ: لينظر.

جمرة بنت الحارث ابن عوف

934- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، ثنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ فَرَدَّ، لَمْ يَعُدْ. فَخَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَتْ: أَسْتَأْمِرُ أَبِي. فَاسْتَأْمَرَتْهُ، فَأَذِنَ لَهَا، [ثُمَّ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهَا: قَدِ الْتَحَفْنَا لِحَافًا غَيْرَكِ] . 935- وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَغَيْرُهُ قَالُوا، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنَا أَنَّكَ/ 223/ تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ؟ [فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ أُمُّهَا عِنْدِي لَمَا حَلَّتْ لِي، قَدْ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ مَوْلاةُ بَنِي هَاشِمٍ، فَلا تَعْرِضَنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ] . [جمرة بنت الحارث ابن عوف] 936- وقال أَبُو عبيدة: خطب رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم جمرة [1] بنت الحارث ابن عوف. فقال أبوها: إن بِهَا برصا. وهو كاذب. فبرصت. وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر. وقال أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ: أم شبيب بن البرصاء: القرصافة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة. وأختها عمرة بنت الحارث أم عقيل ابن علفة. وَأَبُو شبيب: يزيد بن حمزة بن عوف بن أبى حارثة (الم) رى. وقال الكلبي: كانت أم شبيب أدمي، فسميت برصاء، عَلَى القلب، ولم يكن بِهَا برص. 937- وعرضت ابنة حمزة بن عبد المطلب عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فقال: أما علمتم أن حمزة أخي من الرضاع، وأنه يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ؟] 938- وقال أَبُو عبيدة: [عرضت عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيب بنت العباس، عمه، فقال: العباس أخي من الرضاع.] وقد روي عَن أم الفضل لبابة بنت الحارث أنها قَالَتْ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن كبرت أم حبيب وأنا حىّ، تزوجتها] [2] .

_ [1] حمزة (والتصحيح عن الطبرى، ص 1777) . [2] خ: تزجتها.

سنا بنت الصلت

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ [أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَرَأَى أُمَّ حبيب بِنْتَ الْعَبَّاسِ وَهِيَ فَوْقَ الْفَطِيمِ، قَالَ: لَئِنْ بلغت ابنة العباس هذه وأنا حىّ لأتزوجها.] وقال محمد ابن إِسْحَاقَ: فِي هَذَا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِ عَائِشَةَ إِنَّهُ أُحِلَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ مِنَ النِّسَاءِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحْبَسْ عَلَى تسع. [سنا بنت الصلت] 939- وقال أَبُو عبيدة: عرضت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنا بنت الصلت، ويقال: بنت أسماء بن الصلت السلمية، وحملت إليه، فماتت قبل أن تصل إليه. 940-[قالوا: وقيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ فقال: إن فيهن غيرة شديدة، وأنا صاحب ضرائر، وأكره أن أسوأ قومهن فيهن] . حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي زَوَّجَ بِهِ بَنَاتَهُ، وَتَزَوَّجَ بِهِ: عَشْرَ أَوَاقٍ [2] وَنَشًّا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَذَلِكَ خَمْسُ مِائَةِ دِرْهَمٍ. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لا تُغَالُوا بِصَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَقْوًى أَوْ كَرَمًا فِي الدُّنْيَا، كَانَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلاكُمْ بِهِ: مَا أَصْدَقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلا أُصْدِقَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ أَوَاقٍ [3] . 941- حَدَّثَنِي الْوَاقِدُ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ الْمَرْأَةَ، قَالَ لِلَّذِي يَخْطُبُهَا عَلَيْهِ: « [اذْكُرْ لَهَا جَفْنَةَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ» - الَّذِي كَانَ يَبْعَثُ بِهَا.] قَالَ:

_ [1] لم أجده عند ابن هشام. [2] خ: أواقى. [3] خ: أواقى.

نزول آية الحجاب

يعنى أنها كانت مرة بلحم، وَمَرَّةً بِسَمْنٍ، وَمَرَّةً بِلَبَنٍ. وقال الواقدي: بلغنا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طاف عَلَى نسائه فِي غسل واحد. قَالَ: وروي عَنْهُ أيضا أَنَّهُ طاف عليهن يغتسل من كل امرأة غسلا. [وأنه قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعطيت فِي الجماع قوة أربعين رجلا.] [نزول آية الحجاب] 942- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَكَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ/ 224/ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَصَابَتْ يَدُهُ يَدِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَمَرَ بِالْحِجَابِ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ (عَبْدِ) الْمُؤْمِنِ، ثنا كَثِيرُ بن عبد اللَّه (......؟) (عَنْ أَنَسٍ) [1] قَالَ: «مَا مَسَسْتُ كَفًّا قَطُّ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَا قَالَ لِي قَطُّ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟، وَلا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: هَلا فَعَلْتَهُ؟ وَقَالَ لِي: [يَا أَنَسُ، إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ، فَسَلِّمْ عَلَى مَنْ لَقِيتَ تَزْدَدْ حَسَنَةً- أَوْ قَالَ: مَحَبَّةً- وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا تَكُونَ [2] إِلا عَلَى وُضُوءٍ فَافْعَلْ، فإنك لا تدرى متى يأتيك الْمَوْتُ. وَكُنْتُ أَجِيءُ فَأَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجِئْتُ لأَدْخُلَ، فَقَالَ: «يَا أَنَسُ، خَلْفَكَ، فَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ] [3] » . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه، لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟، فَنَزَلَتْ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) [4] ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ؟، فأنزل اللَّه عز وجل آية الحجاب، وبلغنى مُعَاتَبَةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه فدخلت على واحدة واحدة، فجعلت

_ [1] بياض في الأصل مقدار خمس كلمات تقريبا، ولا بد من ذكر أنس في الإسناد. [2] خ: يكون. [3] القرآن، النور (30- 31، 58- 59) ، أو الأحزاب (33/ 59) . [4] القرآن، البقرة (2/ 125) .

أَقُولُ: واللَّه لَئِنِ انْتَهَيْتُنَّ وَإِلا لَيُبَدِّلَنَّ اللَّه نَبِيَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ الآيَةَ [1] . قَالَ الواقدي: ونزل الحجاب فِي ذي القعدة سنة خمس. وقوم يقولون: نزل ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة حين حج حجته. 943- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، ثنا ابْنُ أَبِي ذئب، عن صالح مولى التؤمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنِسَائِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: هَذِهِ ثَمَّ طَهُورِ الْحُصْرِ.] قَالَ: فَحَجَجْنَ بعده إلا سودة وزينب. قال: لا تُحَرِّكُنَا دَابَّةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] . وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ كَانَتْ تَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِثَبْتٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِلَى مَكَّةَ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ مَنَعَهُنَّ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَتَّى كَانَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، فَخَرَجَ بِهِنَّ فِي الْهَوَادِجِ، فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ يَقُولُ: كُنَّا نَخْرُجُ بِهِنَّ وَهُنَّ فِي الْهَوَادِجِ وَعَلَى هَوَادِجِهِنَّ الطَّيَالِسَةُ. فَأَكُونُ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَرَاءَهُنَّ فَلا نَدَعُ أَحَدًا يَدْنُو مِنْهُنَّ، فإذا نزلنا المنزل، أنزلناهن فِي الشِّعَابِ، وَجَلَسْتُ أَنَا وَهُوَ عَلَى أَفْوَاهِ الشِّعَابِ فَلا يَرَيْنَهُ [3] مِنَّا أَحَدٌ. وقالت أم معبد الخزاعية: رأيت عثمان، وعبد الرحمن بن عوف فِي آخر خلافة عمر، ونساء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حججن، وابن عفان يسير أمامهن عَلَى راحلته، فإذا دنا منهن إنسان، قَالَ إليك إليك، وابن عوف وراءهن يفعل مثل ذَلِكَ. ولما نزلن، ستر عليهن بالشجر من كل ناحية. فلما رأيتهن، بكيت، وقلت لهن: ذكرت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نزل بهذا الموضع، فبكين معى، وعرفننى فأكرمنى. ورحّبن [4] بي،

_ [1] القرآن، التحريم (66/ 5) . [2] كأنه قول أم المؤمنين سودة رضى اللَّه عنها، حكاه الراوي. [3] كذا في الأصل، لعله: «يراهن» . [4] خ: رحبو.

ووصلتني كل امرأة منهن بصلة، وقلن: إِذَا أخرج أمير الْمُؤْمِنِين. العطاء فاقدمي علينا. فقدمت عليهن فأعطتني كل امرأة منهن خمسين دينارا. وكن سبعا. وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ حَجَّ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَاسْتَخْلَفَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَحَجَّ مَعَهُ بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ سَوْدَةَ، فَإِنَّهَا لَزِمَتْ بَيْتَهَا، وَغَيْرَ زَيْنَبَ فَإِنَّهَا كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ. فَكَانَ أَمَامَهُنَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَوَرَاءَهُنَّ عُثْمَانُ، فَلا يَتْرُكَانِ أَحَدًا يَدْنُو مِنْهُنَّ إِلا أَنْ يَكُونَ ذَا مَحْرَمٍ، فَيُكَلِّمْنَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، وَكُنَّ يَنْزِلْنَ فِي شِعْبٍ، فَيَقِفُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ على فم الشعب. قال الواقدي: وقد/ 225/ روي أن أمهات الْمُؤْمِنِين أستأذن عثمان فِي الحج. فقال: قد أذن لكن عمر. فحج بهن جميعا إلا سودة، وزينب فإنها كانت قد توفيت. 944- حَدَّثَنِي عَليّ بن عبد اللَّه، ثنا سفيان، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ يُقْبَضْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحَلَّ اللَّه لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ شَاءَ إِلا ذَاتَ زَوْجٍ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى [1] . حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّه الْوَاقِدِيُّ، ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حنيف في قَوْلِهِ: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [2] ، قَالَ: حُبِسَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ، فَلَمْ يَتَزَوَّجْ بَعْدَهُنَّ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عبيد اللَّه بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّقَ مِنْ نِسَائِهِ، فَلَمَّا رَأَيْنَ ذَلِكَ، جَعَلْنَهُ فِي حِلٍّ مِنْ أَنْفُسِهِنَّ يُؤْثِرُ مَنْ يَشَاءُ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ، حتى بلغ تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي

_ [1] الأحزاب (33/ 51) . [2] الأحزاب (33/ 52) .

ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخدمه:

إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [1] ، يَقُولُ: اعْتَزِلْ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ. فَكَانَ مِمَّنْ عَزَلَ: سَوْدَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ، وَصَفِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَّةُ، وَمَيْمُونَةُ، وَجَعَلَ يَأْتِي عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، وَزَيْنَبَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، وقوله (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ، تَعْزِلُ مَنْ تَشَاءُ فِي غَيْرِ طَلاقٍ، ثُمَّ قَالَ: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، يَقُولُ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ. ذكر موالي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخدمه: زيد الحب: 945- زيد الحب بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عَامِر ابن النعمان بن عَامِر بن عبد ود بْن عوف بْن عذرة بْن زَيْد اللات بْن رُفَيْدَةَ بْن ثَوْرِ بْن كَلْبِ بْن وبرة. ويقال لولد عَامِر بن النعمان بن عامر «بنو المدنية» ، وذلك أن أمة سوداء يقال لها «المدنية» كانت حضنتهم، وأسم أمهم ليلى بنت عريج، وهي كلبية. وأم زيد بن حارثة: سعدى بنت ثعلبة بن عبد بن عَامِر، من بنى معن، من طيّئ. فزارت سعدى قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر بن شييع اللَّه بن أسد بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عمران بن الحاف بن قضاعة فِي الجاهلية، ومروا عَلَى أبيات بني معن فاحتملوا زيدا، وهو يومئذ غلام ينعة قد أوصف، فوافوا بسوق عكاظ، فاشتراه منهم حكيم بن حزام ابن خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بْن قصي لعمته خديجة بنت خويلد بأربع مائة درهم، ويقال: بست مائة درهم. فلما تزوجها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهبته لَهُ. فقبضه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتبناه. ويقال أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ابتاع زيدا بالشام لخديجة حين توجه مع ميسرة، قيمها، فوهبته له. وكان حارثة بن شراحيل، أو «زيد» قَالَ فيه حين فقده [2] : بكيت عَلَى زيد ولم أدر ما فعل ... أحي فيرجى أم تخرّمه الأجل

_ [1] الأحزاب (33/ 50- 51) . [2] ابن سعد، 3 (1) / 27- 28، ابن هشام، ص 160- 161، السهيلي 1/ 164، الاستيعاب، رقم 804 حارثة بن زيد، مع اختلافات.

فو اللَّه ما أدري وإن كنت سائلا ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل فياليت شعري هَلْ لك الدهر رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل [1] / 226/ تذكّرينه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إِذَا قارب الطفل وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزني عَلَيْهِ ويا وجل سأعمل نص العيس فِي الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل حياتي أو تأتي عَلَي منيتي ... وكل امرئ فان وإن غره الأمل وأوصى بِهَا كعبا [2] وعمرا كليهما [3] ... وأوصي يزيدا ثُمَّ (من) بعدهم جبل يعني بعمرو: عَمْرو بن الحارث بن عبد العزى بن امرئ القيس، أبو «بشر» ، جد «محمد بن السائب بن بشر الكلبي النساب» . ويعني بكعب: كعب بن شراحيل، أخا زيد لأمه. ويعنى بجبل: جبلة بن حارثة، أخا زيد، وَكَانَ أكبر من زيد. وبعضهم يجعل مكان كعب قيسا، ويقول: هُوَ أخو حارثة. ثُمَّ إن قوما من كلاب حجوا، فرأوا زيدا فعرفوه وعرفهم. فلما قدموا بلادهم، أعلموا حارثة بمكانه، وأخبروه خبره. فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل، وجبلة ابن حارثة بفدائه، وقدما مكة، فسألا عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقيل: هُوَ فِي المسجد. فدخلا عَلَيْهِ، فقالا: يابن عبد اللَّه وابن عبد المطلب وابن هاشم، ثُمَّ سيد قومه، أنتم أهل حرم اللَّه بجيرانه، تفكون العاني، وتطعمون الضيف، جئناك فِي ابننا عندك، فامنن بِهِ علينا وأحسن فِي فدائه إلينا. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: « [فهلا غير ذلك؟ أدعوه، فأخيره. فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء. وإن اختارني، فو اللَّه ما أنا بالذي أختار عَلَى من اختارني شيئا] » . قالوا: قد زدتنا على النّصف، وأحسنت. فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيدا، فقال له: أتعرف هؤلاء؟ (فقال) : أبي وعمي وأخي. فقال: أنا من قد علمت، فاخترني أو اخترهم. فقال: ما أنا بمختار عليك أحدا. فقال لَهُ أبوه [4] : ويحك يا زيد، أتختار العبودية عَلَى الحرية؟ قَالَ: نعم،

_ [1] البجل محركة: المسن. [2] خ: لعبا. (وعند ابن سعد: قيسا) . [3] خ: كلاهما (والتصحيح عن ابن سعد) . [4] خ: دعوه.

قد رأيت من هَذَا الرجل شيئا ما أنا بالمختار عَلَيْهِ معه أحدا. [فلما رأى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ من زيد، أخرجه إلى الحجر، فقال لمن حضر: اشهدوا أن زيدا ابني أرثة ويرثني. فطابت أنفسهم.] فكان زيد يدعى زيد بن مُحَمَّد حَتَّى جاء اللَّه بالإسلام. فزوجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت جحش، وهي أبنة عَمَّةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فطلقها زيد، وخلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فتكلم المنافقون، وطعنوا فِي ذلك، وقالوا: مُحَمَّد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه. فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا [1] أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [2] ، ونزلت: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» - يعني هُوَ أعدل عند اللَّه- فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ [3] . فدعي يومئذ «زيد بن حارثة» ، ونسب كل من تبناه رجل من قريش إلى أبيه، مثل سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة قد تبناه، ومثل عَامِر بن ربيعة الوائلي وَكَانَ الخطاب بن نفيل بن عبد العزى أَبُو «عمر» قد تبناه فكان يقال عَامِر بن الخطاب. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو عُثْمَانَ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، أَنْبَأَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدًا إِلا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ. وقال الكلبي: كَانَ زيد يسمى زيد الحب، لأنه حب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ ابنه أسامة يدعى «الردف» ، لأَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يردفه كثيرا. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ/ 227/ الأَهْوَازِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا بِأَكَافٍ عَلَى قَطِيفَةٍ، وَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ، وَأَتَى سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَعُودُهُ.

_ [1] خ: إذا. [2] القرآن، الأحزاب (33/ 40) . [3] أيضا (33/ 55) .

وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه، ثنا أَبِي، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ بن زيد. وقال بعضهم: كان أسامة يدعا حبا أيضا. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنْ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا] . وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنِ الْبَكَّائِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللَّه، عن محمد ابن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: أَنْتَ مَوْلائِي، وَمِنِّي، وَأَحَبُّ الْقَوْمِ إِلَيَّ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ خَالِدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بن عبد اللَّه بن قسيط، عن محمد بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: [قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ مَوْلائِي، وَمِنِّي، وَأَحَبُّ الْقَوْمِ إِلَيَّ] . 946- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد [2] ، ثنا أَبُو عبد اللَّه يعني الواقدي، أنبأ ابن أبي ذئب، عَن الزهري قَالَ: أول من أسلم زيد بن حارثة. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد، عَن الواقدي، أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن الْحَسَن [3] بن أسامة بن زيد، عَن أبيه قَالَ: كَانَ بين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين زيد عشر سنين، رَسُول اللَّه أكبر، وَكَانَ زيد رجلا قصيرا، آدم شديد الأدمة، فِي أنفه فطس، وَكَانَ يكنى أبا أسامة.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 29- 30. [2] أيضا، 3 (1) / 30. [3] خ: الحسين (ولكن راجع الحديث التالي) .

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّد بن الْحَسَن بن أسامة بن زيد، عَن حسين المازني، عَن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن محمد بن أسامة قال: أول من أسلم زيد بن حارثة. وحدثني هشام بن عمار، ثنا محمد بن عيسى بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عَن الزهري، قَالَ: أول من أسلم من النساء خديجة، ومن الرجال زيد بن حارثة. 947- وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَقْبَلَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ- وَأُمُّهَا أَرْوَى بِنْتُ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَأُمُّهَا أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بنت عبد المطلب- مهاجرة إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَطَبَهَا الزُّبَيْرُ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. فَاسْتَشَارَتْ أَخَاهَا لأُمِّهَا، عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَأَشَارَ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَتْهُ، فَأَشَارَ عَلَيْهَا بِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. فَتَزَوَّجَتْهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ زَيْدًا، وَرُقَيَّةً. فَهَلَكَ زَيْدٌ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَمَاتَتْ رُقَيَّةُ فِي حِجْرِ عُثْمَانَ. وَطَلَّقَ زَيْدٌ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، ثُمَّ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ. 948- وتزوج زيد درة [2] بنت أبي لهب، ثُمَّ طلقها. وتزوج هند بنت العوام. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجه أم أيمن، حاضنة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومولاته، فولدت لَهُ أسامة بن زيد. وَكَانَ اسم أم أيمن «بركة» . فتزوجت فِي الجاهلية بمكة عُبَيْد بن عَمْرو بن بلال بن أبي الحرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم- وهو الحبلي- بن غنم بن عوف بن الخزرج، فولدت لَهُ أيمن بن عُبَيْد، فكنيت بِهِ. واستشهد أيمن يوم حنين. ومات عُبَيْد عَن أم أيمن، فكانت فارغة لم تتزوج بها [3] ، فزوجها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيدا.

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 30. [2] خ: رقية. [3] خ: به.

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: كَانَتْ أُمُّ أيمن تلطف (ب) رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، / 228/ وتقوم [1] عَلَيْهِ. [فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَتَزَوَّجْ أُمَّ أَيْمَنَ.] فَتَزَوَّجَهَا زَيْدٌ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ. 949- قالوا: ولما هاجر صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نزل زيد عَلَى كلثوم بْن الهدم. وَيُقَال: عَلَى سَعْد بْن خيثمة. وآخى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين حمزة. وَإِلَيْهِ أوصى حمزة يوم أحد حين أراد القتال. وآخى بينه وبين أسيد بن حضير الأوسي. 950- حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَدِمَ عُبَيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْخَزْرَجِيُّ مَكَّةَ، فَأَقَامَ بِهَا وَتَزَوَّجَ أُمَّ أَيْمَنَ بَرْكَةَ مَوْلاةَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَقَلَهَا إِلَى يَثْرِبَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَيْمَنَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَمَاتَ عَنْهَا، فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَّةَ. فَلَمَّا مَلَكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا وَبَلَغَ، زَوَّجَهُ إِيَّاهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد، عَن الواقدي قَالَ: كَانَ لآل أسامة مولى يقال لَهُ ابن أبي الفرات، فخاصم بعض مواليه. فقال له: يا عبد اللَّه. فقال: يا ابن بركة. فاستعدى عَلَيْهِ أبا بكر بن عَمْرو بن حزم. فقال: إنما نسبته إلى أم أسامة، وما قلت بأسا. فقال أَبُو بكر: تَقُولُ لامرأة حضنت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولدها ينسبون إلى ولائه ويقال هم بنو الحبّ، هؤلاء تصغر [2] بِهَا فِيهِ. فضربه سبعين سوطا، وأطاف بِهِ. 951- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَهِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا بعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي جَيْشٍ قَطُّ إِلا أمّره عليه، وإن بقي بعده، استخلفه على المدينة.

_ [1] خ: يقوم. [2] خ: يصغر.

أسامة بن زيد:

وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَمَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ تِسْعَ غَزَوَاتٍ يُؤَمِّرُهُ فِيهَا عَلَيْنَا. 952- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ البزاز، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ زَيْدٍ، قَالَ: [اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِجَعْفَرٍ وَلِعَبْدِ اللَّه بْنِ رَوَاحَةَ] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، أَنْبَأَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ زَيْدٌ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهُ، فَجَهَشَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ زَيْدٍ فِي وَجْهِهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَحَبَ. فَقَالَ لَهُ سعد ابن عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذَا؟ قَالَ: [هَذَا شَوْقُ الْحَبِيبِ إِلَى حَبِيبِهِ.] وقال الواقدي: استشهد زيد وله خمسون سنة، وَذَلِكَ فِي سنة ثمان. 953- مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرْيَانًا قَطُّ إِلا مَرَّةً واحدة: جاء زيد ابن حَارِثَةَ مِنْ غَزَاةٍ لَهُ يَسْتَفْتِحُ. فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَقَامَ عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ، فَقَبَّلَهُ وَاعْتَنَقَهُ. أسامة بن زيد: 954- وَكَانَ أسامة بن زيد يكنى أبا مُحَمَّد. وعزم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى توجيهه إلى شرحبيل بن عَمْرو الغساني بمؤتة، فلم يتهيأ شخوصه حَتَّى قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر أن ينفذ جيش أسامة. وأنفذه أَبُو بكر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ بعد وفاته، فأوقع بالعدو وغنم المسلمون. وَكَانَ بين خروجه وقدومه أربعون ليلة. ويقال شهران. وأستقبله الناس حين قدم مستبشرين بقدومه.

955- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ، / 229/ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ النَّاسُ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي أَمْرِهِ حِينَ أَرَادَ تَوْجِيهَهُمْ إِلَى مُؤْتَةَ، فَكَانَ أَشَدُّهُمْ قَوْلا فِي ذَلِكَ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ. فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إِمْرَتِهِ، لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَلَقَدْ كَانَ أَبُوهُ لِلإِمَارَةِ خَلِيقًا، وَإِنَّهُ لَخَلِيقٌ بِهَا. وَكَانَ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَوُجُوهٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ. وَخَرَجَ، فَعَسْكَرَ بِالْجَرْفِ. فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، أَتَى أُسَامَةَ فَقَالَ لَهُ: قَدْ تَرَى مَوْضِعِي مِنْ خِلافَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا إِلَى حُضُورِ عُمَرَ وَرَأْيِهِ مُحْتَاجٌ، فَأَنَا أَسْأَلُكَ تَخْلِيفَهُ. فَفَعَلَ، وَمَضَى أُسَامَةُ حَتَّى قَدِمَ سَالِمًا غَانِمًا، فَسُرَّ النَّاسُ بِذَلِكَ. 956- وَحُدِّثْتُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ لِعَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ فِي أَلْفَيْنِ وخمسمائة، وفرض لأسامة في ثلاث (ة) آلافٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه: مَا شَهِدَ أُسَامَةَ مَشْهَدًا لَمْ أَشْهَدْهُ. فَقَالَ عُمَرُ: كَانَ واللَّه أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ مِنْكَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّه مِنْ أَبِيكَ. 957- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: تَوَجَّهَ أُسَامَةُ فِي سَنَةَ سَبْعٍ فِي سَرِيَّةٍ، فَلَحِقَ نَهِيكَ بْنَ مِرْدَاسٍ الْجُهَنِيَّ. فَلَمَّا لَحَمَهُ السَّيْفَ، قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّه، فَقَتَلَهُ واستاق ما كان معه من النَّعَمَ. فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَ رجلا يقول «لا إله إلا اللَّه» ؟ (فجعل يقول) [1] : فإنما قَالَهَا، يَا رَسُولَ اللَّه، مُتَعَوِّذًا. قَالَ: فَهَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟] فَجَعَلَ أُسَامَةُ عَلَى نَفْسِهِ أن لا [2] يُوَاجِهَ رَجُلا يَقُولُ «لا إِلَهَ إِلا اللَّه» بسيف أبدا. فلما نهض علىّ

_ [1] الزيادة عن إمتاع المقريزى، 1/ 335. [2] خ: إلى أن.

عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى الْبَصْرَةِ لِحَرْبِ أَصْحَابِ الْجَمَلِ، دَعَاهُ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ. فَقَالَ: واللَّه إِنِّي لأَصْدُقَكَ الْمَحَبَّةَ، وَلَوْ كُنْتَ بَيْنَ لَحْيَيْ أَسَدٍ لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ، وَلَكِنِّي جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي وَعَاهَدْتُ رَبِّي أَنْ لا أُقَاتِلَ أَحَدًا يقول لا إله إلا اللَّه. 958- قالوا: وَكَانَ أُسَامَةُ مِنَ الرُّمَاةِ الْمَذْكُورِينَ، وَخَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عُثْمَانَ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتُوُفِّيَ بِوَادِي الْقُرَى، وَكَانَ قَدْ نَزَلَهَا. وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ. وَيُقَالُ إِنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ وَادِي الْقُرَى، فَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: رَحِمَ [1] اللَّه أُمَّ أَيْمَنَ، كَأَنِّي أَرَى سَاقَيْهَا وَكَأَنَّهُمَا سَاقَا نَعَامَةٍ. فَقَالَ أُسَامَةُ: كَانَتْ واللَّه خَيْرًا مِنْ هند، وأكرم. فقال: وأكرم أيضا؟ فقال نَعَمْ، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» [2] . 959- وقال الواقدي: كَانَ أسامة حِينَ قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن إحدى وعشرين سنة أو أقل بأشهر. وَكَانَ يوم الفتح يأتي بملء الدلو من ماء زمزم، وقد أَمَرَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمحو الصور التي كانت فِي الكعبة فيبل الثوب، ثُمَّ يضرب بِهِ الصورة. ولم يحل لواءه الَّذِي عقده لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أمره عَلَى الجيش، بعد قتل أبيه، وَكَانَ منصوبا فِي بيت لَهُ. قَالَ الكلبي: وقيل لأبي بكر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ: إن عامة الناس مع أسامة، وقد ارتدت العرب، فكيف تفرق الناس؟ قَالَ: واللَّه، لو ظننت أن السباع تأكلني وإني اختطف فِي هَذِه القرية لأنفذت بعثه كما أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ دعا أسامة، فقال: انفذ يا أبا مُحَمَّد رحمك اللَّه، واعمل بما كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك بِهِ. ولم يوصه بشيء. 960- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ ذُرَيْحٍ، عَنِ الْبَهِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا/ 230/ قَالَتْ: عَثَرَ أُسَامَةُ بِعَتَبَةِ الْبَابِ فَانْشَجَّ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ

_ [1] خ: رحمه. [2] القرآن، الحجرات (49/ 13) .

وَسَلَّمَ: [أَمِيطِي عَنْهُ الأَذَى.] فَقَذَرْتُهُ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُصُّ شَجَّتَهُ وَيَمُجُّ دَمَهَا، وَيَقُولُ: [لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لحليته وكسوته حتى أنفقه] . قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ شَرِيكٌ: الدَّمُ حَرَامٌ، وَقَدْ مَصَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَفَظَهُ وَمَجَّهُ، وَالطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَى الصَّائِمِ ولا بأس بأن يتذوق الرجل القذر بِطَرَفِ لِسَانِهِ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَمْ يَدْخُلْ حَلْقَهُ. 961- قالوا: وكانت بركة، وهي أم أيمن، لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ورثها من أبيه، فأعتقها. ويقال بَلْ كانت مولاة أبيه، فورث ولاءها. ويقال بَلْ كانت لأمه، فورثها منها، وأعتقها. وكانت تحضن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقوم عَلَيْهِ. 962- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: اشْتَرَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَلِيدَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى شَهْرٍ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « [أَلا تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إِلَى شَهْرٍ؟ إِنَّ أُسَامَةَ لطويل الأمل والذى نفسي بيده، ما طرقت عَيْنَايَ فَظَنَنْتُ أَنَّ شَفْرَيْهِمَا يَلْتَقِيَانِ حَتَّى أُقْبَضَ، وَلا رَفَعْتُ طَرَفِي فَظَنَنْتُ أَنِّي وَاضِعُهُ حَتَّى أُقْبَضَ، وَلا لَقَمْتُ لُقْمَةً فَظَنَنْتُ أَنِّي أُسِيغُهَا حَتَّى يَغُصَّنِي بِهَا الْمَوْتُ] » . ثُمَّ قَالَ: [يَا بَنِي آدَمَ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، فَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ] [1] . 963- وقال الواقدي: كَانَ حارثة بن شراحيل من كلب، فتزوّج امرأة من طيّئ بجبلي طيّئ. فولدت لَهُ زيد بن حارثة، فكان هناك. وتوفي حارثة، وكانت لَهُ أبعرة. فمر نفر من العرب، وهو يومئذ وصيف، فأكراهم إياها إلى مكة، فوافوا بِهِ سوق عكاظ فباعوه، فاشتراه حكيم بن حزام لخديجة، فكان يتجر لَهَا، وَكَانَ لخديجة. وكانت بركة لعبد اللَّه بن عبد المطلب. فلما بلغ زيد، زوجه إياها، وهو لخديجة. فطلبه منها، فوهبت لَهُ، فأعتقه وأعتق أم أيمن. والأول خبر الكلبي، وهو أثبت.

_ [1] القرآن، الأنعام (6/ 134) .

أبو رافع:

أَبُو رافع: 964- أَبُو رافع مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسمه أسلم. وَكَانَ للعباس بن عبد المطلب، فوهبه لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما بشره بإظهار العباس إسلامه، أعتقه. ووجه رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رافع مع زيد بن حارثة من المدينة لحمل عياله من مكة. وهو الذي عمل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منبره من أثل الغابة. وكانت سلمى، مولاة رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أبي رافع، فولدت لَهُ عُبَيْد اللَّه بن أبي رافع كاتب عَليّ عَلَيْهِ السلام. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورث سلمى هَذِه من أمه. وَكَانَ أَبُو رافع الَّذِي بشر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بولادة إِبْرَاهِيم بن رَسُول اللَّه، فوهب لَهُ غلاما. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أبا رافع مع رجل من الأنصار ليخطبا على ميمونة بنت الحارث زوجته. وَحُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق [1] ، عن حُسَيْن بْن عَبْدِ اللَّه بْن عُبَيْد اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْتُ غُلامًا لِلْعَبَّاسِ، وَكَانَ الإِسْلامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ، وَأَسْلَمْتُ. وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلافَهُمْ، فَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلامَهُ. وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ. فَلَمَّا جَاءَ مُصَابُ أَهْلِ بَدْرٍ، وَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا عِزًّا وَقُوَّةً. وَكُنْتُ ضَعِيفًا أَعْمَلُ الْقِدَاحَ وَأَنْحَتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ. فَبَيْنَا أَنَا أَنْحَتُ أَقْدَاحِي، وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةً، وَقَدْ سُرِرْنَا بِمَا جَاءَ مِنْ خَبَرِ أَهْلِ بَدْرٍ، / 231/ إِذْ أَقْبَلَ الْفَاسِقُ أَبُو لَهَبٍ، فَجَلَسَ. وَوَافَى أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ [2] بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ أبو لهب: إليّ يا ابن أَخِي، مَا خَبَرُ النَّاسِ فَقَالَ: مَا هُوَ إلا أن لقينا رجال حَتَّى مَنَحْنَاهُمْ [3] أَكْتَافَنَا، وَلَقِيَنَا رِجَالٌ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ. فَقُلْتُ: تِلْكَ الْمَلائِكَةُ. فَلَطَمَنِي أَبُو لَهَبٍ لطمة شديدة. وثاورته،

_ [1] ابن هشام، ص 460- 461. [2] خ: الحرب. [3] خ: لقيناهم رجال. (وعند ابن هشام: لقينا القوم فمنحناهم) .

أنسة:

فَضَرَبَ بِي [1] الأَرْضَ. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ الْفَضْلِ: أَرَاكَ تَسْتَضْعِفُهُ إِذْ غَابَ سَيِّدُهُ. وَأَخَذَتْ شَيْئًا، فضربت به، فشجته. فقام ذليلا. فو اللَّه مَا عَاشَ إِلا سَبْعَ لَيَالٍ، حَتَّى رَمَاهُ اللَّه بِالْعَدَسَةِ، فَقَتَلَتْهُ. وَلَقَدْ تُرِكَ حَتَّى أَنْتَنَ. وَعَذَلَ ابْنَاهُ فِي ذَلِكَ، فَصَبَّا عَلَيْهِ الْمَاءَ وَمَا مَسَّاهُ، وَدُفِنَ بِأَعْلَى مَكَّةَ إِلَى جِدَارٍ، وَقَذَفُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتَّى وَارَوْهُ بِهَا. وَمَاتَ أَبُو رَافِعٍ بَعْدَ خِلافَةِ عُثْمَانَ. أنسة: 965- أنسة مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من مولدي السراة، ويكنى أبا مسروح. كَانَ يأذن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ قوم: قتل يوم بدر، ولم يعرف قاتله. قَالَ الواقدي: رأيت أهل العلم يثبتون أَنَّهُ لَمْ يقتل ببدر، وأَنَّهُ قد شهد أحد (ا) وبقي بعد ذَلِكَ، وتوفي فِي خلافة أبي بكر. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سعد [2] ، عَن الواقدي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن مُحَمَّد بن يوسف قَالَ: مات أنسة بعد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خلافة أبي بكر. أَبُو كبشة 566- أَبُو كبشة مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسمه سُلَيْم، وَكَانَ من مولدي أرض دوس. وقال بعضهم: كَانَ من مولدي مكة. شهد مع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، ويوم أحد، والمشاهد كلها. وَكَانَ نزوله حين هاجر عَلَى كلثوم بْن الهدم. وَيُقَال عَلَى سَعْد بْن خيثمة. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ملكه فأعتقه. وتوفي أَبُو كبشة فِي أول يوم من خلافة عمر بن الخطاب. صالح شقران 967- صالح شقران، وكان غلاما لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعتقه. وشهد بدرا وهو مملوك، فاستعمله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأسراء. ولم يسهم له،

_ [1] خ: في. [2] راجع ابن سعد، 3 (/ 1) 32.

يسار

فأحذاه كل رجل كَانَ لَهُ أسير، فأصابه أكثر مما أصابه رجل من القوم من المقسم [1] . وشهد بدرا غلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لحاطب بن أبي بلتعة، وغلام لسعد بن معاذ، فأحذاهم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يقسم لَهُم. وكذلك كَانَ يفعل بالمماليك إِذَا شهدوا معه الحرب. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أبى جَهْمٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُقْرَانُ مَوْلاهُ عَلَى جَمِيعِ مَا وَجَدَ فِي رِحَالِ أَهْلِ الْمُرَيْسِيعِ مِنْ رثث الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَالنَّعَمِ وَالشَّاءِ، وَجَمَعَ الذُّرِّيَّةَ نَاحِيةً. قَالَ الْوَاقِدِيُّ [3] : فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ: الْمُرَيْسِيعِ كَيْفَ وَجَدْتُمْ شُقْرَانَ؟ فَقَالُوا: أَشْبَعَ بُطُونَنَا، وَشَدَّ وَثَاقَنَا. 968- ولابن شقران يقول عمر حين وجهه إلى أبي موسى الأشعري: قد وجهت إليك عبد الرحمن بن صالح: الرجل الصالح شقران، فأعرف لَهُ مكان أبيه من رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ شقران ممن نزل فِي قبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي حَفْص بْن عمر، عَن الهيثم، عَن مجالد، عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: مات شقران فِي خلافة عمر. قَالَ حَفْص، وقال هِشَام، عَن أبيه: مات في خلافة عمر. يسار 969- يسار، وَكَانَ نوبيا، أصابه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض غزواته، فأعتقه وجعله فِي لقاحه يرعاها، / 232/ فأغار عليها قوم من عرينة-

_ [1] راجع أيضا ابن سعد، 3 (1) / 34. [2] راجع ابن سعد، 2 (1) / 46. [3] ليس في رواية ابن سعد.

فضالة

ويقال: من عكل- فأخذوا يسارا فغرزوا الشوك فِي عينيه وقتلوه. وقال الكلبي والواقدي: أصاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسارا فِي غزاة بني ثعلبة بن سعد فأعتقه. فضالة 970- فضالة مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نزل الشام. فولده بِهَا. حَدَّثَنِي بذلك محمد بن سعد، عن الواقدى. وقال الهيثم: لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مولى يقال لَهُ فضالة. سفينة 971- سفينة، واسمه مفلح، ويقال مهران. وَكَانَ من مولّدى الأعراب. ويقال إنه كَانَ مولى أم سلمة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. ويقال بل كَانَ عبدا لَهَا، فوهبته لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعتقه. وقد حدث عَن عبد الرحمن بن سفينة. حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي أَبِي حَسَّانَ الزِّيَادِيُّ أَبُو عَمْرٍو، ثنا الْحِمَّانِيُّ، ثنا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ابْسُطْ كِسَاءَكَ. فَقَالَ لِلْقَوْمِ: اطْرَحُوا أَمْتِعَتَكُمْ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: احْمِلْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةٌ. قَالَ: فَلَوْ كَانَ وِقْرُ بَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ، حَمَلْتُهُ. وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود بن القتات، قَالَ: توفي رجل من ولد سفينة عَلَى عهد أمير الْمُؤْمِنِين أبي جَعْفَر المنصور، فلم يكن لَهُ وارث إلا المنصور وولد أبيه. ثوبان 972- ثوبان مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكنى أبا عبد الله وهو من أهل اليمن لنسب فيهم. فأصابه سباء، فابتاعه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة،

وأعتقه. وَكَانَ قد نزل حمص وله بِهَا دار صدقة. وَبِهَا مات فِي سنة أربع وخمسين. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمْشَقِيُّ، ثنا صَدَقَةُ، ثنا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ السَّلامِ، عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى الأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَمِنْ قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّه الْمَهَابَةَ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ الْوَهْنَ فِي قُلُوبِكُمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّه، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهَةُ الْمَوْتِ] . حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ ثوبان مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم مَنْ يَضْمَنُ لِي خَصْلَةً، أَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ. فَقَالَ ثَوْبَانُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّه. قَالَ: لا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا. قَالَ: فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ [1] مِنْ يَدِهِ، فَلا يَقُولُ لأَحَدٍ: «ناولنيه» [2] ، حَتَّى يَنْزِلَ فَيَأْخُذُهُ. فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: تَعَاهَدُوا ثَوْبَانَ، فَإِنَّهُ لا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا] . حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ثَوْبَانُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يَا ثَوْبَانُ، لا تَنْزِلِ الْكُفُورَ [3] ، فَإِنَّ سَاكِنَ الْكُفُورِ كَسَاكِنِ الْقُبُورِ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: [طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته] .

_ [1] خ: صوته. [2] كذا بالهامش عن نسخة، وفي أصل العبارة «ناولني إياه» . [3] الكفر: الأرض البعيدة.

أنجشة

وحدثنى هشام، عن [1] ابن عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ رَاشِدٍ الصَّنْعَانِيِّ، عن أبى أسماء الرحمى، عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَسِيرٍ لَهُ: إِنَّا مُدْلِجُونَ اللَّيْلَةَ، فَلا يَدْخُلَنَّ مَعَنَا مُصْعِبٌ ولا مضعف، فدخل [2] رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ صَعْبَةٍ فَسَقَطَ فَانْدَقَّتْ فَخِذُهُ، ثُمَّ/ 233/ مَاتَ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَمَرَ بِلالا، فَنَادَى: [إِنَّ الْجَنَّةَ لا تَحِلُّ لِعَاصٍ.] أنجشة 973- أنجشة كَانَ حبشيا، يكنى أبا مارية. وهو الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يسوق الإبل بالنساء: [يا أنجشة، ارفق بالقوارير.] رافع: 974- رافع، وهو رويفع. كَانَ لسعيد بن العاص أبي أحيحة، فورثه ولده، فأعتق بعضهم حصته مِنْه، وسعى لباقيهم فيما بقي من رقبته. فأتى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعينه فِي أمره. فاستوهب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بقي مِنْه فوهب له- ويقال: ابتاعه- وأعتقه. فكان يقول: أنا مولى رَسُول اللَّه. ويقال إن سعيد بن العاص كَانَ أعتقه إلا سهما، فاستوهب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ السهم من ورثته، فوهب لَهُ أو ابتاعه، فأعتقه. فكان يقول: «أنا مولى رَسُول اللَّه» ، فيغيظ ذَلِكَ آل سعيد بن العاص. فلما ولي عمرو بن سعيد بن العاص، وهو الأشدق، المدينة، بعث إِلَيْهِ، فدعاه. فلما أتاه، قَالَ: مولى من أنت؟ قَالَ: مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فضربه مائة سوط، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مولى من أنت؟ قَالَ: مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فضربه مائة سوط أخرى، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مولى من أنت؟ قَالَ: مولى رسول اللَّه. فضربه مائة سوط ثالثة. فلما رأى أن (هـ) لا يرفع عَنْهُ الضرب، قَالَ لَهُ مولى من أنت؟ قال: مولاك.

_ [1] كذا في الأصل «هشام عن ابن عمار» ، لعله «هشام بن عمار» . [2] خ: فان كل رجل.

أبو لبابة

975- وقال ابن الكلبي: والناس يغلطون فيما بين رافع وأبي رافع، ويقول بعضهم: إن كاتب عَليّ عَلَيْهِ السلام كَانَ عُبَيْد اللَّه بن رافع وإنما هُوَ عُبَيْد اللَّه بن أبي رافع. وقد كَانَ رافع مع الْحَسَن بن عَليّ ومع عَليّ قبله. فزاد آل سعيد بن العاص ذَلِكَ غيظا عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّه، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: [ذُو الْقَلْبِ الْمَحْمُومِ وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ. قُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا اللِّسَانَ الصَّادِقَ، فَمَا الْقَلْبُ الْمَحْمُومُ؟. قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لا إِثْمَ فِيهِ، وَلا بَغْيَ، وَلا حَسَدَ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه، فَمَنْ عَلَى إِثْرِهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَشْنَأُ الدُّنْيَا، وَيُحِبُّ الآخِرَةَ. قُلْنَا: مَا نَعْرِفُ هَذَا فِينَا إِلا أَنْ يَكُونَ رَافِعًا مَوْلَى رَسُولِ اللَّه، فَمَنْ عَلَى إِثْرِهِ؟ قَالَ: مؤمن له خلق حسن.] وقال هِشَامٌ: لا أَحْسَبُ الْحَدِيثَ مَحْفُوظًا، وَمَا هُوَ فِيمَا أَظُنُّ «إِلا أَنْ يَكُونَ أَبَا رَافِعٍ» . أَبُو لبابة 976- أَبُو لبابة، واسمه زيد بن المنذر، من بني قريظة، ابتاعه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مكاتب، فأعتقه. [وهو الَّذِي روى عَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قَالَ «أستغفر اللَّه الَّذِي لا إله إلا هُوَ الحي القيوم وأتوب إِلَيْهِ» ، غفر اللَّه لَهُ ولو كان فر من الزحف.] وابنه يسار بن زيد. أَبُو مويهبة 977- أَبُو مويهبة، وهو أَبُو موهبة، من مولدي مزينة. أعتقة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فشهد المريسيع. وَكَانَ يقود [1] بعائشة بعيرها. روي عَنْهُ، عَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: [أمرت أن أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فلما وقف بين أظهرهم، قال: السلام عليكم يا أهل

_ [1] خ: يقول.

مدعم

المقابر! ليهنئكم ما أصبحتم فِيهِ مع ما أصبح الناس فِيهِ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم. ثُمَّ استغفر لَهُم طويلا.] مدعم 978- مدعم مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مولد حسمى، ويكنى أبا سلام. ويقال إن أبا سلام غيره. وَكَانَ مدعم من هدية فروة بن/ 234/ عمرو الجذامي، ويقال من هدية رفاعة بن زيد الجذامي. أصابه سهم غرب بوادي القرى، وهو يحط رحل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَبُو ضمرة 979- أَبُو ضمرة، وهو أَبُو ضميرة، وهو من العرب ممن أفاء اللَّه عَلَى رسوله، فأعتقهم. ثُمَّ خير أبا ضمرة أن يقيم معه أو يلحق بقومه. فاختار المقام. فكتب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ولأهل بيته كتابا بأن يحفظهم كل من لقيهم من المسلمين. فذكروا أن لصوصا لقوا قوما منهم، فأخرجوا كتاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِمَ يعرضوا. وفد حسين بن عُبَيْد اللَّه بن ضميرة بن أبي ضميرة عَلَى المهدي أمير الْمُؤْمِنِين، وجاء معه بكتاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كتب لَهُم. فأخذ المهدي الكتاب، فقبله ووضعه عَلَى عينيه، وأعطى حسينا ثلاث مائة دينار. ويقال خمس مائة دينار. وقال مصعب بن عبد اللَّه الزبيري: كانت لأبي ضمرة دار بالبقيع. وقال ابن الكلبي: كَانَ لعلي بن أبي طالب غلام يكنى أبا ضميرة، وليس هُوَ هَذَا. كركرة 980- كركرة غلام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أهدي لَهُ فأعتقه. ويقال مات عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مملوك. رباح 981- رباح أَبُو أيمن مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو أسود، كَانَ يأذن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ صيره مكان يسار حين قتل، فكان يقوم بأمر لقاحه.

هشام

هِشَام 982- هِشَام مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أن رجلا أتاه فقال: يَا رَسُولَ اللَّه إن لي امرأة لا تدفع كف لامس، فقال: طلقها.] أبو هند 983- أَبُو هند مولى أبي فروة بن عَمْرو البياضي كَانَ حجام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم. فقال (فِيهِ) [1] رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [إِنَّمَا أَبُو هند رجل من الأنصار، فأنكحوه وانكحوا إِلَيْهِ] » . ففعلوا. ولم يشهد بدرا، وشهد المشاهد كلها مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولقي أَبُو هند رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرق الظبية بحميت [2] مملوء حيسا. وقال قوم: وهب بنو بياضة لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولاء أبي هند. وقال الواقدي: كَانَ خدم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ لا يريمون بابه: أنس بن مالك، وأبا [3] هند، وأسماء ابني حارثة، من بني مالك بن أفصى. فكان أَبُو هريرة يقول: ما كنت أظنهما إلا مملوكين لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم. (إماء النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) 984- وَكَانَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمى، وخضرة، ورضوى، كن إماء لَهُ فأعتقهن. وَكَانَ لَهُ روضة، وربيحة أعتقهما [4] . وَكَانَ ممن يخدم ميمونة بنت سعد. [ملازميه] أمر سلمان الفارسي 985- قالوا: كَانَ أصل سلمان الفارسي من إصطخر، إلا أن أباهم نزل رامهرمز من كور الأهواز. وَكَانَ مجوسيا. وقوم يقولون: كان سلمان من أهل إصبهان.

_ [1] الزيادة عن الاستيعاب، الكنى رقم 377 أبو هند. [2] كأنه قعب أو قدر. [3] خ: أبو. [4] خ: اعتقهن.

وَذَلِكَ غير ثبت. فحدث سلمان أن أباه كَانَ دهقان قريته، وَكَانَ يحول بينه وبين الخروج والتصرف، صيانة لَهُ. وأنه بعثه مرة فِي حاجة لَهُ. قَالَ: فدفعت إلى كنيسة نصارى، فأعجبتني قراءتهم وصلاتهم. فسألت بعضهم عَن دينهم، فحدثوني بأمر المسيح عَلَيْهِ السلام وما كَانَ من شأنه وشأن الأنبياء قبله. فقلت: هَذَا أفضل من ديني وأشبه بالحق. ويقال إنه قَالَ: كنت يتيما فقيرا، وكنت صحبت ابن دهقان رامهرمز، فكان يصعد الجبل فيقف عند راهب فِي صومعة فيسائله ويحدثه. فسألت الراهب عن دينه، فأخبرنى بِهِ، فأعجبني. وقلت: هَذَا خير من ديني. فاتبعت دين النصرانية، وسألت عَن معدن ذَلِكَ الدين. / 235/ فقيل بالشام: وتهيأ لي ركب يريدون الشام، فصحبتهم حَتَّى قدمت الشام فعمدت إلى كنيسة فدخلتها. فكنت مع أسقفهم أتفقه فِي النصرانية، وأخدمه حَتَّى مات. وقام مكانة آخر، وكان عفيفا موحدا، فخدمته. فلما احتضر، قلت لَهُ: أوصني. قَالَ: ائت نينوي، من أرض الموصل فإن هناك رجلا يقول بقولي. فأتيته، فكنت معه حَتَّى إِذَا حضرته الوفاة، قلت لَهُ: أوصني إلى من أصير بعدك. فقال [1] : إن بنصيبين رجلا يقول بقولي. فأتيته، فقمت معه حَتَّى احتضر، فقلت لَهُ أوصني إلى من أصير بعدك. فقال: إن بعمورية رجلا عَلَى ديني. فأتيته. فكان يذكر مبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا احتضر، قلت لَهُ أوصني بما أصنع. فقال: إنه قد أظل زمن نبي يبعث بأرض العرب من ولد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيمَ، يكون مولده وقراره بين النخل، خاتم النبوة بين كتفيه، يسوءه أهله ويردونه حَتَّى يخرج عنهم إلى غيرهم، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. قَالَ: فلما مات، (وجدت) قوما من كلب، نصارى، يريدون وادي القرى، فأعطيتهم ما كَانَ معي حَتَّى أخرجوني إلى وادي القرى فغدروا بي، وباعوني من رجل يهودي يقال لَهُ يوشع. ثُمَّ باعني اليهودي من رجل من بني قريظة قدم وادي القرى تاجرا. فأتى بي القرظي المدينة. فسألت عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرت خبره ومفارقته قومه. فجمعت لَهُ رطبا وغير ذَلِكَ، وأتيته بِهِ وهو بقباء، فقلت: هذا صدقة منى. فدعى قوما من أصحابه، فأكلوا

_ [1] خ: وقال.

ذلك، ولم يأكل منه، وقال: إنى لا آكل الصدقة. ثُمَّ أتيته بشيء، فقلت: هَذَا هدية. فقبل ذَلِكَ مني. ثُمَّ تحولت فنظرت إلى الخاتم الَّذِي كَانَ صاحبي وصفه لي بين كتفيه. فأكببت أقبله. وسألني، فقصصت عَلَيْهِ قصتي. وكاتبت صاحبي القرظي عَلَى مائة وستين فسيلة وأربعين أوقية من ذهب. وأتيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأعانني سعد بن عبادة بستين وديّة [1] ، وأعانني الأنصار بالمائة الباقية. وأتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهب من معدن بني سُلَيْم، فأعطاني مِنْه شيئا استقللته، وقلت: لا يبلغ [2] أربعين أوقية. فوضعه فِي فمه، وقال: ادفعه إلى صاحبك. فوزن، فإذا هُوَ تمام ما أريد. فكان سلمان يقول: أنا سلمان بن الإسلام. 986- وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن بُكَيْر، عَنِ الْهَيْثَمِ بْن عَدِيٍّ، عَن المجالد بن سعيد قَالَ: سُئِلَ الشعبي هل كان سلمان من موالي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، أفضلهم، كان مكاتبا فاشتراه وأعتقه. قالوا: وشهد سلمان الخندق، ولم يتخلف عَن غزاة من غزوات رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومات بالمدائن فِي خلافة عثمان. وَكَانَ يكنى بأبي عبد الله. قالوا: ورأى عيينة بن حصن سلمان عِنْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا وعليه شملة، فقال لَهُ: إِذَا دخلنا عليك، فنح عنا هَذَا وأمثاله فنزلت فِيهِ: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [3] » ، أي عجلا، لا يفرط مِنْه بغير فكر. يقال: فرس فرط، أي سريع يتقدم الخيل. 987- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عُوَيْمِرٍ اللَّخْمِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: زَارَنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَخَرَجَ النَّاسُ يَتَلَقَّوْنَهُ كَمَا يتلقى الخليفة فلقيناه وهو

_ [1] خ: حلة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 131- 142، والمكاتبة عنده على ثلاث مائة نخلة، والودى صغار الغسيل) . [2] خ: تبلغ. [3] القرآن، الكهف (18/ 28) .

يَمْشِي، فَوَقَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَبْقَ شَرِيفٌ إِلا سَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَهُ. فَسَأَلَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. فَقِيلَ: هُوَ مُرَابِطٌ. قَالَ وَأَيْنَ مَرَابِطُكُمْ؟ قَالُوا: بَيْرُوتُ. فَتَوَجَّهَ قِبَلَهُ. فَلَمَّا صَارَ إِلَى بَيْرُوتَ، قَالَ سَلْمَانُ «يَا أَهْلَ بَيْرُوتَ، أَلا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ عَنْكُمْ غَرَضَ/ 236/ الرِّبَاطِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [رِبَاطُ يَوْمٍ كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُجِيرَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَأُجْرِيَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] » . حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: يَا عُوَيْمِرُ، سَلْمَانُ أَعْلَمُ مِنْكَ] . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: سَلْمَانُ يُبْعَثُ أُمَّةً لَقَدْ أُشْبِعَ مِنَ الْعِلْمِ] . 988- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عن أبى البختري قال: صنع سلمان طَعَامًا لإِخْوَانِهِ، فَجَاءَ سَائِلٌ. فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَاوِلَهُ رَغِيفًا، فَقَالَ سَلْمَانُ: ضَعْ، إِنَّمَا دُعِيتَ لِتَأْكُلَ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ لِي الأَجْرُ، وَعَلَيْكَ الْوِزْرُ. قَالَ شُعْبَةُ: وَكَانَ سَلْمَانُ يَخْتِمُ عَلَى الْقِدْرِ مَخَافَةَ سُوءِ الظَّنِّ. وَكَانَ يَقُولُ فِي الْعَمَلِ الْقَلِيلِ رَدَاوَةٌ [2] وَأَنْتَ الْجَوَّادُ الْفَرَطُ [3] ، أَيِ السَّابِقُ [4] . حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قرة، عن عائذ ابن عَمْرٍو [5] الْمُزَنِيِّ قَالَ: كَانَ بِلالٌ، وَصُهَيْبٌ، وَسَلْمَانُ جلوسا، فمرّ بهم أبو سفيان بن

_ [1] ابن سعد، 6/ 9. [2] كذا في الأصل. [3] خ: المبلوط. [4] لعل هناك سقطة في الأصل فلا يتضح السباق والسياق. وقد مضى آنفا تفسير «فرس فرط» . [5] خ: عمرو بن مائذ (والتصحيح من الاستيعاب، رقم 2136 عائذ بن عمرو، حيث صرح أن معاوية بن قرة يروى عنه.

أمر أبى بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم:

حَرْبٍ. فَقَالُوا: مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا بَعْدُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهَا؟ ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، أَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ ربك. قال: فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتِي لَعَلَّكُمْ غَضِبْتُمْ؟ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. أمر أبي بكرة مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 989- حَدَّثَنِي عباس بن هِشَامٍ، أنبأ عوانة بن الحكم الكلبي وغيره قالوا: كانت سمية امرأة من أهل زندورد، من كسكر، تسمى في أهلها بأمنج [1] . فسرقها الكواء اليشكري أَبُو «عبد الله بن الكواء» ، وسماها سمية. فكانت عنده ما شاء الله. ثُمَّ أَنَّهُ سقي بطن الكواء، فخرج إلى الطائف فأتى الحارث بن كلدة الثقفي، وَكَانَ طبيب العرب. فداواه، فبرأ، فوهب لَهُ سمية. ويقال إنها كانت أمة لدهقان الأبلة. فقدم الحارث الأبلة، فعالج ذلك الدهقان، فوهبها لَهُ، فقدم بِهَا الطائف. قالوا: فوقع الحارث بن كلدة عَلَى سمية، فولدت لَهُ عَلَى فراشه غلاما، سماه نافعا. ثُمَّ وقع عليها، فجاءته بنفيع وهو أَبُو بكرة، وَكَانَ أسود. فقال الحارث: والله ما هَذَا بابني، ولا كَانَ فِي آبائي أسود. فقيل لَهُ: إن جاريتك ذات ريبة، لا تدفع كف لامس. فنسب أَبُو بكرة إلى مسروح، غلام الحارث بن كلدة، ونفى نافعا بسبب أبي بكرة. ثُمَّ إن الحارث تزوج صفية بنت عُبَيْد بْن أسيد بْن علاج الثقفي، ومهرها سمية. فزوّجها صفية عبدا لَهَا روميا، يقال لَهُ عُبَيْد، فولدت مِنْه زيادا. فأعتقته صفية. وولدت صفية من الحارث ابنتين: أزدة، وصفية سمتها أمها [2] باسمها ويقال بل سمتها صفية. قالوا: فلما ظَهَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغزى الطائف، قَالَ: [من خرج إلي فهو حر.] فوثب أبو بكرة الجدار، فخرج

_ [1] خ: يا ميح. لعل الصواب ما اقترحناه. وذكر ياقوت (بلدان زندورد) القصة ولكن لم يذكر اسم الجارية. وامنح (معرب/ منك) كلمة فارسية معناها الأمنية والمطلوب ويجوز أن تكون اسما لامرأة. [2] أى أم صفية بنت صفية.

إِلَيْهِ، فأعتقه فصار مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وصارت السنة أن من نزل من حصن أو خرج من العبيد من دار الحرب مسلما، عتق. وخشي الحارث ابن كلدة أن يفعل نَافِع مثل ما فعل أَبُو بكرة، فقال لَهُ: أي بني أنت ابني وشبيهي، فلا تفعل كما فعل العبد الخبيث. فأثبت نسب نَافِع يومئذ. وتزوج عتبة بن غزوان المازني، حليف بني نوفل بن عبد مناف، أزدة بنت الحارث. فلما استعمل ابن الخطاب عتبة عَلَى البصرة، قدم معه رافع وَأَبُو بكرة وزياد البصرة بذلك السبب. / 237/ وقد روى أن رقيقا من رقيق ثقيف دعاهم أَبُو بكرة إلى الإسلام، فأسلموا، وَبَعَثُوا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأمرونه [1] فِي قتال ثقيف فِي الحصن، ويعلمونه أنهم قد أسلموا. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرسولهم: [كم هم؟ فقال: ثمانون. فقال: إِنِّي أخاف عليهم أن يقتلوا ولكن ليخرجوا إلينا.] فتدلى منهم أربعون رجلا أو أكثر، ونذرت [2] ثقيف بالباقين فحبسوهم. فأعتق رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ نزلوا إِلَيْهِ، فصارت سنة فِي الرقيق يكون للعدو، فيخرج العبد منهم مسلما أَنَّهُ يعتق. وقال الواقدي. كانوا تسعة عشر، وَكَانَ فيهم الأزرق وَكَانَ عبدا روميا حدادا. وَحَدَّثَنِي بعض آل أبي بكرة تدلي من الحصن عَلَى بكرة [3] . فقال لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [كيف جئت؟ فقال: تدليت ببكرة. فقال: فأنت أَبُو بكرة.] ويقال إنه كَانَ يعرف بالطائف بأبي بكرة، لأنه كانت لَهُ بكرة يعلقها ويركبها. وقال ابن الكلبي: كَانَ يكنى أبا بكرة وهُوَ بالطائف. 990- قالوا: وولي عمر رضي الله عَنْهُ المغيرة بن شعبة البصرة. فهوى امرأة من بني هلال بن عَامِر بن صعصعة، يُقَالُ لَهَا أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ مِحْجَنِ بْنِ الأفقم، وكانت عند الحجاج بن عتيك الثقفى. فكان أبو بكرة لا يزال يلقى المغيرة خارجا وحده، فيقول لَهُ أَبُو بكرة: أين يريد الأمير؟ فيقول: أزور بعض من أحب. فيقول: إن الأمير يزار ولا يزور. وَكَانَ أَبُو بكرة رجلا صالحا، من

_ [1] خ ليستا مرونة. (لعله كما أثبتناه، أو: ليستأمروه) . [2] خ ندرت (بالدال المهملة) . [3] خ: أبى.

الذين «يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [1] » . فتبع المغيرة ذات يوم، وَكَانَ متقنعا بثوبه، فدخل دار أم جميل. ودخل أَبُو بكرة دارا إلى جانبها، وصعد سطحها فيها مشرفا عَلَى الدار، فرآها وقد التزمته ولثمته. فقال: سيجيء بعد هَذَا ما هُوَ أعظم منه. فأقبل راجعا، فدعى شبل بن معبد البجلي حليف ثقيف، وَنَافِع بن الحارث أخاه، وزياد بن عُبَيْد. فأقبلوا أربعتهم حَتَّى أشرفوا عَلَى المغيرة وهو فوق أم جميل ينكحها. فجعل أَبُو بكرة يقول لأصحابه: أثبتم، أثبتم؟ قالوا: نعم. حَتَّى كَانَ فيما رأوا أثرا من الجدري بفخذها. ثُمَّ إن المغيرة اغتسل وخرج من عندها. فأتاه أبو بكرة، فقال: يا مغيرة اجتنب مصلانا، فإنك نجس. فقال: لا، ولا نعمة عين. قَالَ: فرحل أَبُو بكرة حَتَّى أتى المدينة. فلما رآه عمر، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أسألك خير ما جاء بِهِ، وأعوذ بك من شر ما جاء به، ما وراءك؟ قَالَ: أخبرك أن المغيرة بن شعبة زان. فقال عمر: ويحك ما تَقُولُ؟ قَالَ: نعم يا أمير الْمُؤْمِنِين، هُوَ زان. فقال: أنت رأيته يزني؟ قَالَ: نعم، ورأى معي نَافِع بن الحارث، وشبل بن معبد، وزياد بن عُبَيْد مولى ثقيف. فبعث عمر إلى أبي موسى الأشعري، فولاه البصرة، ووجه معه أنس بن مالك وأخاه الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَبَا نجيد الخزاعي. وكتب إلى المغيرة فِي القدوم عَلَيْهِ. وأمر أبا موسى إِذَا قدم البصرة أن لا يحل عقده حَتَّى يشخصه إِلَيْهِ ومن شهد عَلَيْهِ. فسار أَبُو موسى حَتَّى قدم البصرة، فلم يحل رحاله ثلاثا لوصية عمر، حَتَّى أشخص المغيرة والشهود. فلما قدموا عَلَى عمر، اجتمع الناس. وتقدم أَبُو بكرة، وأقيم المغيرة. فقال عمر لأبى بكرة: بماذا تشهد يا با بكرة؟ فقال: أشهد أني رأيته وذكره يدخل فِي فرجها كالمرود فِي المكحلة. فقال عمر: ذهب ربع المغيرة. ثُمَّ تقدم نَافِع بن الحارث بن كلدة، فشهد بمثل ما شهد بِهِ أَبُو بكرة. فقال عمر: ذهب نصف المغيرة. ثُمَّ تقدم شبل بن معبد فشهد كمثل ما شهدا بِهِ. فقال عمر: ذهب ثلاثة أرباع المغيرة. ثُمَّ تقدم زياد، وَكَانَ شابا طريرا جميلا. فلما نظر إِلَيْهِ عمر، قَالَ: والله إِنِّي لأرى وجها خليقا أن لا يخزي عَلَيْهِ اليوم رجل من أصحاب مُحَمَّد، إيه، بما تشهد؟ قال: أشهد أنى

_ [1] القرآن، الفرقان (25/ 63) .

سمعت نفسا عاليا، ورأيت أمرا قبيحا، فأما ما ذكر هؤلاء فلا. فانتضى المغيرة السيف يريد أبا بكرة وصاحبيه. فقال: عمر: يا أعور أمسك، عليك لعنة الله/ 238/ وكانت عينه ذهبت يوم القادسية. ويقال يوم اليرموك. ثُمَّ أمر عمر بالثلاثة الَّذِينَ شهدوا، فضربوا. ودرئ عَن زياد حد القاذف، وعن المغيرة حد الزاني. وذلك في سنة سبع عشرة. وقال لَهُم عمر: توبوا. فتاب نَافِع وشبل، وقال أَبُو بكرة: والله لا أتوب من الحق، أشهد أَنَّهُ زان. فأراد عمر أن يحده ثانية. فقال لَهُ عَليّ: [لا تفعل، فإنك إن جعلتها شهادة، رجمنا المغيرة لأنه قد تمت عَلَيْهِ أربع شهادات.] فلم يجلده عمر. وحلف أَبُو بكرة أن لا يكلم زيادا أبدا. وكان أبو بكرة رجلا صالحا. 991- قالوا: ولما قدم بسر بن أبي أرطاة القرشي، ثُمَّ العامري، البصرة وَكَانَ معاوية بعثه لقتل من خالفه واستحياء من بايعه أخذ بني زياد، وهم غلمان- عُبَيْد الله، وسلما، وعبد الرحمن، والمغيرة وبه كَانَ يكنى زياد، وجربا- وزياد يومئذ متحصن فِي قلعة بفارس، تعرف بقلعة زياد، (وزياد) مخالف لمعاوية، وَذَلِكَ قبل أن يدعيه معاوية. فقال: والله لأقتلنكم أو ليأتيني زياد أَبُوكم. ثُمَّ صعد المنبر، فذكر عليا بالقبيح وشتمه وتنقصه، ثُمَّ قَالَ: أيها الناس أنشدكم بالله، أما صدقت؟ فقال أَبُو بكرة: إنك تنشد عظيما، والله ما صدقت ولا بررت. فأمر بأبى بكرة، فضرب حَتَّى غشي عَلَيْهِ. فأفاق وابنه عبد الرحمن بن أبى بكرة قاعد عند رأسه، فقال لَهُ: يا أبة، ألم تعلم أن القوم أعداء الرجل؟ فقال: «يا بني، لعلك تظن أن أباك قَالَ هذه المقالة رغبة مِنْه فِي عَليّ؟ والله لأن أكون ذبابا أنتقل عَلَى الجيف أحب إليّ (من) أن أدخل فيما دخل فيه عَليّ ولكنه قَالَ فِيهِ غير الحق، وسألنا بالله: «أما صدقت؟» فأخبرناه أَنَّهُ لَمْ يصدق. وأن عليا غير مطعون عَلَيْهِ فِي بطن ولا فرج ولا نسب ولا سابقة. وو الله ما ميتة أحب إلي من ميتة عند كلمة حق تخرج من فِي» . ثُمَّ إن بسر بن (أبى) أرطاة حبس بني زياد، وكتب إلى أبيهم يعلمه أنه (إن) لَمْ يقدم صلبهم. فخرج أَبُو بكرة إلى معاوية، فكلمه فِي أن يؤمنهم ففعل، وكتب إلى بسر بذلك. فلما أورد أَبُو بكرة كتابه، أطلقهم بسر. وكان قدوم أبي بكرة على معاوية بالكوفة.

فيقال إنه قال له: إن الناس لَمْ يعطوك بيعتهم عَلَى قتل الأطفال. فقال: وما ذاك؟ قَالَ: ولد زياد. فأمر عند ذَلِكَ بالكتاب فِي أمرهم. قالوا: وَكَانَ عبد الرحمن بن أبي بكرة يلي ما كَانَ لزياد بالبصرة. فبلغ معاوية أن لزياد أموالا عنده. وَكَانَ زياد قد كتب إِلَيْهِ فِي إحرازها تخوفا من أن يعرض لَهَا معاوية فكتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة فِي أخذ عبد الرحمن بتلك الأموال. وَكَانَ يحفظ لزياد تركه الشهادة عَلَيْهِ بالزنا. فغيب عَن عبد الرحمن، وقال لَهُ: لئن كَانَ أبوك أساءني، لقد أحسن عمك، ولأحفظن لك ذَلِكَ. وعذر فِي عذابه، فألقى عَلَى وجهه حريرة مبلولة بالماء، فلصقت بوجهه حَتَّى غشي عَلَيْهِ. ففعل بِهِ ذَلِكَ مرات، ثُمَّ خلى سبيله وكتب إلى معاوية: إِنِّي لَمْ أصب عنده شيئا وقد بالغت فِي عذابه واستقصيت عَلَيْهِ. 992-[ويروي عبد الرحمن بن أبي بكرة أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا تطلب الإمارة، فإنك إن أوتيتها عَن غير طلب أعنت عليها، وإن أعطيتها عَن طلب وكلت إليها] . وَحَدَّثَنِي ابن مسعود الْكُوفِيّ، عَن عوانة قَالَ: قيل لعبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ: ما بلغ من تنعمك؟ قَالَ: «لي ثلاثة خبازين، فليس منهم خباز إلا وهو يأتيني بثردة لا تشبه صاحبتها. ولم أدخل الحمام خاليا (بطنى) [1] قط ولا ممتليا قط، ولم تأت عَليّ ليلة إلا وَفِي بطني عسل، وَفِي رأسي بنفسج، وَفِي رجلي زنبق. 993- قالوا: وأراد زياد الحج، فأتاه أَبُو بَكْرَةَ وهو لا يكلمه، فدخل عَلَيْهِ وأخذ ابنه وأجلسه فِي حجره ليخاطبه ويسمع زيادًا، فَقَالَ: أن أباك هَذَا أحمق، قد فجر فِي الإسلام ثلاث فجرات، أما أولهن فكتمانه الشهادة عَن المغيرة/ 239/ وقد يعلم الله أَنَّهُ رأى ما رأينا، وأما الثانية فانتفاؤه من عُبَيْد وادعاؤه إلى أبي سفيان وأقسم قسما صدقا أن أبا سُفْيَان لَمْ ير سمية قط فِي ليل ولا نهار، وأما الثالثة فإنه يريد الحج وأم حبيبة زوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هناك

_ [1] الزيادة من اقتراحنا. ولا يكون هذا الحال إلا بعد نصف الليل حيث يكون الحمام عادة مغلقا. ولا تنعم إذا كان الحمام بين الخالي والممتلئ.

وقد ادعى أنها أخته فإن أذنت لَهُ كما تأذن الأخت لأخيها فأعظم بِهَا مصيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن هي حجبته وتسترت منه فأعظم بِهَا حجة عَلَيْهِ. ثُمَّ ولى أَبُو بَكْرَةَ خارجا. فقال زياد: ما تترك النصيحة لأخيك على حال. وتركت الحج فِي تِلْكَ السنة. 994- حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فروخ الأيلى، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا الْحَسَنُ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى أَبِي بَكْرَةَ نَعُودُهُ، وَكَانَ بِهِ عِرْقُ النِّسَاءِ، فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: «يَا أَبَا بَكْرَةَ، فِيمَ تَجِدُ عَلَى أَخِيكَ زِيَادٍ؟ فَإِنْ كُنْتَ تَجِدُ عَلَيْهِ فِي شَأْنِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ يَقُولُ: قَدِ اسْتَعْمَلْتَ ابْنَهُ عَلَى الدِّيوَانِ، وَاسْتَعْمَلْتَ ابْنَهُ الآخَرَ عَلَى كَذَا، وَاسْتَعْمَلْتَ ابْنَهُ الآخَرَ عَلَى مَدِينَةِ الرِّزْقِ، ومما أُبَالِي أَوَلَّيْتَ رَجُلا مَدِينَةَ الرِّزْقِ أَمْ فَتَحْتَ لَهُ بَيْتَ مَالِي وَقُلْتَ: خُذْ مَا شِئْتَ. وَإِنْ كُنْتَ تَجِدُ عَلَيْهِ فِي أَمْرِ الآخِرَةِ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مُجْتَهِدٌ» . فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمُجْتَهِدٌ؟ قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمُجْتَهِدٌ. قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: الْحَرُورِيَّةُ أَيْضًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ قَدِ اجْتَهَدُوا. قَالَ أَبُو هِلالٍ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى بُيُوتِ الأَمْوَالِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى سجستان. حدثنى عبد الأعلى بن حماد الترسى، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّهُ قِيلَ لأَبِي بَكْرَةَ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَجِدُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَزِيَادٍ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: «وَأَيَّةُ دُنْيَا [1] أَعْظَمُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ عَلَى سِجِسْتَانَ وَأُمُورِ النِّيرَانِ، وَاسْتِعْمَالِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى كَذَا. لا وَاللَّهِ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ كَفَرُوا صُرَاحِيَةً» . وقال أَبُو يَحْيَى عبد الأعلى [2] بن حماد، قَالَ أَبُو سلمة حماد بن سلمة: ولي زياد عُبَيْد الله بن أبي بكرة إطفاء النيران وهدم بيوتها وأخذ ما جمع فيها من الهدايا التي كَانَ المجوس يتقربون بِهَا، والأموال المعدة لنفقاتها. فصار إِلَيْهِ، فيما يقولون، أربعون ألف ألف درهم. فما أتى عَلَيْهِ الحول حَتَّى أنفقها، وأدان.

_ [1] خ: خال. [2] خ: ذنبا.

995- حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، قَالَ: كَانَ أَبُو بكرة يقول: من أحب البقاء فليوطن نفسه عَلَى المصائب. وَكَانَ يؤم الناس فِي شهر رمضان. قَالَ: وَكَانَ عبد الرحمن قد أسن وشارف التسعين. وَكَانَ يقول: إن الجلوس فِي البيت مهرمة ويخرج فِي كل يوم إلى المربد. فخرج يوما يريد المربد، فلما صار ببعض الطريق إِذَا هُوَ بفتى عَلَى فرس يمرح. فقال لعبد الرحمن، وهو هازئ بِهِ: يا شيخ إنك لطويل العمر، أفلا تعقب؟ فقال له عبد الرحمن: يا ابن أخي لا تقل هَذَا لعمك، فلرب شاب كَانَ أشد مرحا منك قد طبقت باللبن عَلَى استه. فما مضى الفتى بعيدا حَتَّى نفر به فرسه فسقط عنه واندقت عنقه، ولم يصل عبد الرحمن إلى منزله حتى بلغه خبر الفتى، فحضر جنازته. وَكَانَ يقول: موت الولد يصدع القلب، وموت الأخ قاصمة الظهر. 996- وَكَانَ زياد حين شخص من فارس، قدم عبد الرحمن بن أبي بكرة فأتى الكوفة، ثُمَّ صار منها إلى الشام، فعرف معاوية خبر زياد. وَكَانَ جزلا [1] . 997- وقال أبو اليقظان: كان عبد الرحمن أول مولود ولد في الإسلام بالبصرة. وَكَانَ لَهُ قدر، وفضل، وكرم، وتنعم. وَكَانَ عَليّ عَلَيْهِ السلام ولاه بيت المال. وولاه زياد أيضا بيت المال. وَفِيهِ يقول أَبُو الأسود الدؤلى، وكان عبد الرحمن يكنى أبا بحر [2] : أَبُو بحر أعم الناس فضلا ... علينا بعد حي أبي المغيرة لعمرك ما نهضت بنفس شو ... بِهَا وهن ولا همم قصيره وقال أَبُو اليقظان: بني أَبُو الأسود دارا، فكتب إلى عبد الرحمن يطلب مِنْه جذعا لدار [3] : ألا أبلغ أبا بحر خليلي ... فنعم أخو المودة والخليل

_ [1] الكريم المعطاء. [2] ديوان أبى الأسود، ص 214. (وليس فيه البيت الثانى. وروايته في الأول: أمن الناس طرا) . [3] ليس في ديوانه المطبوع.

/ 240/ بأن قد تم بعدكم بنائي ... وضن عَليّ بالمعروف فيل فهب لي من جذوعكم جذوعا ... وأكثر لَيْسَ خيركم الغليل فبعث إليه بما طلب. ومات عبد الرحمن بالبصرة. 998- قالوا: وقدم عُبَيْد الله بن أبي بكرة عَلَى زياد قبل مرضه الَّذِي مات فِيهِ بيوم أو يومين. فأمر زياد سليما مولاه بمحاسبته والاستقصاء عَلَيْهِ، وقال: إنه مشرف متلف. وَكَانَ جوادا. وقال لَهُ: يا سُلَيْم! لا تقولن: «ابن أخي الأمير» ، فإنك إن أصبحت ولم تعرفني خبره فيما جرى عَلَى يده، لقيت منى ما تكره. فدعى سُلَيْم بالسرج والكتاب، وأحضر عُبَيْد الله وعماله. فبينا سُلَيْم فِي ذَلِكَ، إِذْ جاءه رسول زياد، وَإِذَا هُوَ شديد العلة. فشغلوا عَنْهُ. ومات زياد بالكوفة، هو أميرها وأمير البصرة. وعامله عَلَى البصرة سمرة بن جندب. أصابته حمة شديدة، ثُمَّ أصبح وإصبعه تضرب عَلَيْهِ من عرفة [1] عرضت لَهُ فيها. وَذَلِكَ فِي سنة ثلاث وخمسين. وصلى عَلَى زياد: عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد بْن أبي العيص ابن أمية، وولي الكوفة بعده لأنه أوصى بذلك، فكان عليها حَتَّى ولى عُبَيْد [2] الله بن زياد. 999- حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي، عَن الأصمعي، عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ: وقفت امرأة من الأعراب عَلَى عُبَيْد الله بن أبي بكرة، وهو أحد أجواد العرب المذكورين، فقالت: «إِنِّي أقبلت من أرض شاسعة، ترفعني رافعة وتخفضنى خافضة، لفحات [3] من البلاء، برين جسمي، وهضمن عظمي، وتركنني ولهى أمشى [4] بالحضيض، وقد ضاق بي البلد العريض، مع كثرة من الولد، لا سبد لَهُم ولا لبد. فسألت فِي أحياء العرب: من المرء المرجو خيره، المحمود نيله الكريمة شمائله؟ فدللت عليك. وأنا امرأة من هوازن. فافعل بي واحدة من ثلاث: إما أن تردني إلى بلدي، أو تقيم أودي، أو تحسن صفدي» . قَالَ: بَلْ أجمعهن لك. ففعل.

_ [1] العرفة: القرحة. [2] خ: عبد. [3] خ: للحات (لعله كما اقترحناه) . [4] خ: مشى (بدون الألف) .

1000- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن عثمان مولى الكريزيين، حَدَّثَنِي أبي أن عُبَيْد (الله بن عُمَر) [1] بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي، من قريش، دخل عَلَى عُبَيْد الله بن أبي بكرة وهو فِي دار قد ابتناها فِي سكة سمرة بالبصرة، وأنفق عليها عشرة آلاف دينار. فاستحسنها عُبَيْد (الله بن عمر) [2] . فقال لَهُ ابن أبي بكرة: هي لك بجميع ما فيها من الفرش والآلة والرقيق. فقال: بَلْ يمتعك الله بِهَا ويعمرها بك. فحلف عَلَيْهِ ليقبلنها، وخرج عنها. فهي اليوم تعرف بدار المعمريين. 1001- وحدثت أن عَمْرو بن أبي سيارة المزني كَانَ يصلي فِي بيته فِي ولاية ابن أبي بكرة. فسمع خشفة فِي البيت، فقام عَند الباب. فخرج عَلَيْهِ رجل كالجمل المحجوم، فضرب بالباب فِي وجهه، وضربه عَمْرو بالسيف وأخذه مواليه وعبيده فرفعوه إلى ابن أبي بكرة. فسأله عَن الخبر. فقال: أنا رجل قصاب، لقيني عَمْرو وضربني، وذكر أني لص. فدعى ابن أبي بكرة عمرا، فسأله عَن قصة الرجل. فأخبره فقطع يده. 1002- وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة قَالَ: لِمَا ولي سعيد بن عثمان بن عفان خراسان من قبل معاوية، أتى المدينة ليصلح من شأنه. فلقي عُبَيْد الله بن أبي بكرة بِهَا وهو يريد الحج. فأتاه فعرض عَلَيْهِ ما عنده. فقال [3] : إن أحب مالي إلي ما أعنت به مثلك وردفته بِهِ. فكتب لَهُ كتابا إلى سُلَيْم الناصح مولاه، يأمره فيه أن يدفع إِلَيْهِ عشرين ألفا، وعشرين بغلا، وعشرين برذونا، وعشرين بعيرا، وكسوة وآلة عددها. فلما قدم سعيد البصرة، قَالَ: لا أرى ابن أبي بكرة إلا قد غرنا. فقيل لَهُ: لا عليك، أوصل كتابه. فلما أوصل الكتاب إلى سُلَيْم، وقرأه، أحضر جميع ما كتب بِهِ إِلَيْهِ عُبَيْد الله، فدفعه إِلَيْهِ. ثم قال:

_ [1] في أصل العبارة «عبيدة بن عبيد الله» ، وبالهامش عن نسخة «الله» . وعبيد الله هو ابن عمر بن عبيد الله. ولعل المراد ههنا عمر بن عبيد الله، لا ابنه عبيد الله بن عمر. [2] خ: عبيدة. [3] خ: وقال.

هَلْ لك من حاجة أخرى؟ فقال سعيد: أو لو كانت لي حاجة أخرى غير ما كتب به صاحبك، أفكنت [1] قاضيها لي؟ قَالَ: أما مثل ما أعطاك، فإنى كنت أعطيك/ 241/ إياه من مالي. وقال سعيد: لا تخفرن صحيفة مختومة ... وانظر بما فيها فكاك الخاتم إن الغيوب عليكم محجوبة ... إلا تظني جاهل أو عالم قَالَ: وسليم هَذَا صاحب «أصفر سليم» ، وكان دواء يتخذه للأجر. 1003- حدثنى الْمَدَائِنيّ، عَن شيخ من ثقيف، عَن بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بكرة قَالَ: استخلف عُبَيْد الله بن أبي بكرة عَلَى سجستان، حين وفد عَلَى زياد مع رتبيل [2] ، عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي. فلما رجع إلى سجستان، أمر لَهُ بما فِي بيت مالها. وَحَدَّثَنِي عبد الله بن صالح المقرى، وَأَبُو الحسن الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة بْن محارب قَالَ: خرج عمر بن عُبَيْد الله بن معمر زائرا لابن أبي بكرة إلى سجستان، فأقام أشهرا لا يصله. فقال لَهُ عمر: إِنِّي قد اشتقت إلى بلدي وأهلي. فقال عُبَيْد الله: سوءة من أبي حَفْص، أغفلناه، كم في بيت المال؟ قالوا: ألف ألف وسبع مائة ألف. قَالَ: احملوها إِلَيْهِ. فحملت إِلَيْهِ. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة وخلاد بن عبيدة، قالا: أقبل عُبَيْد الله بن أبي بكرة من بعض النواحي، فعطش. فلما كان بالخريبة من البصرة، استسقى من منزل امرأة. فأخرجت كوزا أو قدحا، وقامت خلف الباب وقالت: ليأخذه بعض غلمانكم، فإني امرأة من العرب ماتت خادم (ت) ى منذ أيام. فأخذ الغلمان الكوز، فشرب وقال لغلامه: أحمل إليها عشرة آلاف درهم. قالت: يا سبحان الله، أتسخر منا؟ فقال: احمل إليها عشرين ألف درهم. فقالت: أسأل الله العافية. فقال: يا أمة الله، كأنك «ترينا أهلا أن تقبلي منا صلتنا، احمل إليها ثلاثين ألف درهم. فأغلقت الباب، وقالت: أف لكم. فحمل إليها غلامه ثلاثين ألف درهم، فلم تمس حتى كثر خطابها.

_ [1] خ: قان كنت. [2] خ: رتبيل بن عمر.

1004- الْمَدَائِنيّ، عَن خلاد بن عبيدة، عَن هِشَام بن حسان قَالَ: مرض رجل من بني قطيعة، وأصابته ريح فتشنج عصبه. فقال لَهُ الأطباء: اجلس فِي لبن الجواميس. فقال: وأني (لي) من لبن الجواميس بما أجلس فِيهِ؟ فقيل لَهُ: التمس ذَلِكَ من عُبَيْد الله بن أبي بكرة. فحمل عَلَى السرير حَتَّى وضع عَلَى بابه ومعه رجال من قومه. وجاء عُبَيْد الله، فقال: ما حاجتكم؟ فأخبروه. فقال لوكيله: كم لنا بالطف من الجواميس؟ قَالَ: ثماني مائة. قَالَ: اصرفها إلى هَذَا الرجل. فقال: يا با حاتم، لست أحتاج إليها، إنما أريدها عارية. فقال: نحن لا نعير الجواميس. فصرفت إِلَيْهِ بما فيها من الإناث والذكور. الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة، عَن بشر بن عبد الله قَالَ: أعطى عُبَيْد الله بن أبي بكرة، عمر بن عُبَيْد الله بن معمر سبع مائة جريب. فمرض سويد بن منجوف، فعاده عُبَيْد الله فقال: كيف تجدك؟ قَالَ: صالحا إن شئت. قَالَ: قد شئت، فماذا تريد؟ قَالَ: أعطني كما أعطيت ابن معمر، وليس بي بأس. قَالَ: ذلك لك. قَالَ مسلمة: فأقطعه خمس مائة جريب، فهي تسمى سويدان. وقال خلاد بن عبيده: سبع مائة جريب: ثلاث مائة بالغوثية، وأربع مائة بالمسرقان ناحية نهر معقل. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن مسلمة، عَن أبية قَالَ: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: لا تستعمل عُبَيْد الله بن أبي بكرة عَلَى الخراج والجباية، فإنه أريحي [1] . وقال سحيم بن حَفْص: ضمن ابن أبي بكرة عَن عمر بن عُبَيْد الله بن معمر ستة آلاف ألف درهم. فحلف عمر ألا يراه راكبا إلا نزل، ولا جالسا إلا قام لَهُ. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ أَعْطَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَعِمْرَانَ بن الفضيل

_ [1] هو المسرف في البذل والعطاء.

الْبُرْجُمِيَّ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادِ بْنِ ظَبْيَانَ ثَلاثَ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِائَةُ ألف درهم. فقال أنس: سوّانى بهذين الأعرابيين، وَغَضِبَ. وَغَضِبَ عِمْرَانُ وَقَالَ: سَوَّانِي بِهَذَيْنِ. 1005- حَدَّثَنِي عبد الأعلى بن حماد الترسى قال: بلغنى أن المنذر بن جارود العبدي سأل عُبَيْد الله بن أبي بكرة أن يتغدى عنده. ففعل. فلما أنصرف، بعث إِلَيْهِ بثمانين ألف درهم. ثُمَّ دعاه، فتغدى عنده مرة أخرى، / 242/ فبعث إليه بثمانين [1] ألفا. ثم دعاه، فتغدى عنده، (فبعث إليه بأربعين ألفا) [2] . فقال: يا حاتم، نقصت؟ فقال له: لو كَانَ عندي ما كَانَ يكون، لَمْ أقصر عما يجب لمثلك، وسيأتيك ما يمكن. فبعث إِلَيْهِ بأربعين ألف درهم. 1006- حَدَّثَنِي التوزي، عَن الأصمعي، عَن أبي عَمْرو قَالَ: ولي خالد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خالد، عُبَيْد الله بن أبي بكرة قضاء البصرة، وولى زياد بن عَمْرو العتكي الشرطة. فقال ابن أبي بكرة: لو تقدم إلي شاهد عَلَى حق، وله بنون قد بلغوا لَمْ يعلمهم السباحة، لأسقطت شهادته وعلمت أَنَّهُ مضيع قليل الحزم والتيقظ. قَالَ: ولما ولى عبد الملك خالدا البصرة، قدم إليها عبيد الله بن أبي بكرة خليفة. فقال له حمران بن أبان: قد جئت، لا جئت. وكان حمران حين قتل مصعب قد وثب فضبط البصرة. فكان ابن أبي بكرة عَلَى البصرة حَتَّى قدم خالد، فولاه القضاء. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن سُحَيْمِ بْنِ حَفْص قَالَ: ضرب عُبَيْد الله بن أبي بكرة ملاحا وجده لا يحسن السباحة. وَذَلِكَ حين توجه يريد سجستان. ونظر إلى أكار لَهُ لا يحسن السباحة، فأخرجه من [3] أرضه.

_ [1] خ: بأربعين. (والتصحيح من اقتراحنا) . [2] الزيادة من اقتراحنا. والله الموفق إلى الصواب. [3] خ: عن.

1007- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن خلاد بن عبيدة قَالَ: عشق ابن مفرغ الحميري امرأة بالأهواز. فكان يدان وينفق عليها، فأخذه غرماؤه غير مرة. فقال لَهُ عُبَيْد الله بن زياد: لئن أعادوك إلي بعتك لَهُم. فعاد غرماؤه إلى تقديمه، فقال ابن زياد: بيعوه. فقال لَهُم أبوه: والله ما لَهُ ثمن، ولكنا نسأل الناس. فأقعدوه عَلَى الطريق. فجعل الرجل يمر بِهِ فيضمن عَنْهُ الألف والألفين، حَتَّى مر به عبيد الله بن أبى بكرة (وقال:) كم عليك؟ قَالَ: ثمانون ألفا. قَالَ: هي علىّ، وأدّن بعدها فِي مالي ما شئت. فقال ابن مفرغ: لو شئت لَمْ تشق ولم تبغ ... عشت بأسباب أبي حاتم عشت بأسباب الجواد الَّذِي ... لا يختم الأموال بالخاتم ما دون معروفك قفل ولا ... أنت لمن يرجوك بالحارم الواهب الجرد بأرسانها ... والحامل الثقل [1] عَن الغارم والمطعم الناس إِذَا حادرت ... ريح الصبا فِي الزمن العارم والطاعن الطعنة يوم الوغى ... يوقظ منها سنة النائم وَحَدَّثَنِي أَبُو عَليّ الحرمازي، عَن أبي مُحَمَّد القرشي، عَن لبطة بن الفرزدق قَالَ: أتى أبي عُبَيْد الله بن أبي بكرة، وَعَلَيْهِ دين، فقضاه عَنْهُ، ووهب لَهُ عشرة آلاف درهم ومائة من الإبل. فقال فِيهِ [2] : أبا حاتم ما حاتم فِي زمانه ... ولا النيل يرمي بالسفين غواربه بأجود عند المحل منك ولا الَّذِي ... علا بعباب سور عانة ثائبه يداك يد تعطي الجزيل تبرّعا ... ومهلكة يشقى بِهَا من تحاربه فلو عد ما أعطيت من ألف قينة ... وأجرد خنديذ طويل ذوائبه ليعلم ما أحصاه فيمن أشعته ... جميعا إلى يوم القيامة حاسبه تداركني من خالد بعد ما التقت ... على جثتي أنيابه ومخالبه

_ [1] خ: النقل. [2] ديوان الفرزدق، ص 140 (حيث زاد بيتين بين الخامس والسادس) ، مع اختلافات. (خ في السادس: تداركتني) .

1008- وَحَدَّثَنِي التوزي، عَن القحذمي قَالَ: كَانَ عُبَيْد الله بن زياد أول مولود ولد بالبصرة. فنحر أَبُو بكرة جزورا أطعمها المسلمين. قالوا: وحمل عُبَيْد الله بن أبي بكرة بسجستان في يوم واحد على ألف قارح. 1009- قالوا: واتخذ مسلم بن أبي بكرة حماما، ولم يكن بالبصرة غيره. فكان يستغله فِي كل جمعة ألف درهم وكري حنطة. فقال له أبوه: يا بنىّ نفقتك شبيه (ة) بنفقة أخويك، ولست فِي شيء من أمر السلطان، فما هَذَا؟ فأخبره خبر حمامة. ثُمَّ إن سياه الأسواري، والمنجاب صاحب حمام منجاب، وريطة امرأة زياد سألوا أن يبتنوا حمامات، / 243/ فأجيبوا إلى ذلك. 1010- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة وخلاد بن عبيدة، قالا: تذاكر قوم من وجوه أهل الجدا [1] ، الباردة والحارة أيهما أطيب؟ وعبيد الله بن أبي بكرة، حاضر، فسئل عَن ذَلِكَ، فلم يدر ونظر فإذا هُوَ قد اشتري له في سنة واحدة من الحدا [2] بثمانين ألف درهم. فقال سويد بن منجوف: الكريم غر. 1011- وقال الواقدي: نفيع أَبُو بكرة مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رجلا صالحا ورعا. وولده يقولون: نفيع بن الحارث الثقفي. وَكَانَ أَبُو بكرة ينكر ذَلِكَ وقال لابنيه [3] ، حين حضرته الوفاة، إنه ليس [4] ابن مسروح الحبشي. ومات فِي ولاية زياد البصرة، وكان أخاه لأمه سمية. 1012- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ خَلادِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عن عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِهِ وهو على سجستان: لا تحكم بين

_ [1] كذا بالأصل. لعله أراد لحم الجدى المشوى. [2] كذا ههنا بالحاء المهملة. [3] خ: لابنته. [4] خ: بيني.

اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: لا يَحْكُمَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ] . 1013- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن خلاد بن عبيدة قَالَ: لِمَا قدم سلم بن زياد خراسان، وافق عمر بن عُبَيْد الله بن معمر أميرا عَلَى البصرة من قبل عَبْد اللَّهِ بْن الزبير. فأتاه فأقعده معه. ثُمَّ استأذن عَلَيْهِ عُبَيْد الله ابن أبي بكرة، فقام إِلَيْهِ فحمله عَلَى دابته حَتَّى أدخله فأجلسه معه. فغضب من ذَلِكَ سلم، فقال لَهُ عمر بن عُبَيْد الله قدمت عليك خراسان فاستعملتني عَلَى كويرة ثُمَّ عزلتني عزلا قبيحا، وأتيت هَذَا بسجستان فاستخلفني عليها ثُمَّ أمر لي بما فِي بيت مالها. 1014- وأم عُبَيْد الله وعبد الرحمن ابني أبي بكرة هولة، من ولد الحر العجلي. 1015- وقال زياد لخاصته من أهله: من أحب منكم الإذن مع العامة، أحسنت إذنه ولم يقربني فِي خاصتي، ومن أحب أذنت لَهُ فِي خاصتي ولم يقربني فِي العامة إلا لأمر يحدث. فاختار ابن أبي بكرة إذن العامة. 1016- وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: بعث الحجاج عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة إلى عبد الملك يسأله أن يوليه خراسان وسجستان. فقال عبد الملك لعبيد الله: إن شئت جمعتهما لك. فقال: لا حاجة لي فيهما، لأني لا أخون رجلا بعثني فِي حاجته. فقال: ما كنت لأعزل أمية للحجاج ثُمَّ إنه ولى الحجاج خراسان وسجستان، فولى المهلب سجستان وولى ابن أبي بكرة خراسان. فغم ذَلِكَ المهلب. فلقي عبد الرحمن بن عُبَيْد بن طارق السعدي، وَكَانَ عَلَى شرط الحجاج، فقال: إن عُبَيْد الله بن أبي بكرة أعلم بسجستان قد وليها، وأنا أعلم بخراسان كنت بِهَا مع الحكم بن عَمْرو الغفاري وغيره. فقال لَهُ: عليك بزذان [1] فروخ بن بيرى فكلمه ليعيننى. فتكلم عبد الرحمن بن عُبَيْد، وأعانه زذان [2] فروخ. فنقل

_ [1] كذا زذان، والرسم المعروف عند الطبرى وغيره زاذان بالألف بين الزاى والذال أيضا. وكان من دهاقين أسفل الفرات. [2] كذا زذان، والرسم المعروف عند الطبرى وغيره زاذان بالألف بين الزاى والذال أيضا. وكان من دهاقين أسفل الفرات.

المهلب إلى خراسان، وعبيد الله بن أبي بكرة إلى سجستان. قَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ: وسئل شيخ من أهل سجستان عَن عمالهم، فقيل لَهُ: من كَانَ أعظمهم فِي أعينكم، وأجلهم فِي صدوركم؟ فقال: عبد الرحمن بن سمرة، ثُمَّ عُبَيْد الله بن أبي بكرة كَانَ أحسنهم سياسة. وَكَانَ عباد بن زياد أضبطهم. وَكَانَ طلحة أسخاهم. ثُمَّ جاء ابن أبى بكرة فوهن وخار وأهلك جنده. وَكَانَ سلك مضيقا، فأخذ عَلَيْهِ فهلك جنده. 1017- قالوا: ومات عبيد الله ببشت كمدا لِمَا أصابه ونال العدو مِنْه. ويقال: اشتكى أذنه وَكَانَ موته منها فِي سنة ثمانين. قَالَ مجاهد المنقري يرثي عُبَيْد الله بن أبي بكرة: إن الجواد إذا الرياح تناوحت ... بريح أصبح ما يثمر مالا لو صاحب السمحاء كعبا ذا الندى ... أو حاتما كانا عَلَيْهِ عيالا أو طلحة الطلحات فِي عداته ... أيام يطعم ما تهب شمالا / 244/ يا أكرم الأمراء فِي سلطانه ... وأقلهم كبرا خلقت ثمالا قد طال ما سست الجنود فلم تكن ... ترقا تسيء بِهِم ولا تنبالا قد فقت بالمصرين كل سميدع ... وغلبت من نزل الحجاز فعالا والشام لو قاسوا بِهِ سمحاءهم ... لسبقت حلبتهم معا أميالا وقال الحجاج الجشمي: أبا حاتم فِي أي شيء جفوتني ... وأنت غني عام ذاك أمير وأنت جواد تنهب الناس مالكم ... لكل غني عندكم وفقير فكيف حرمنا ذاك منكم وأنتم ... عَلَى من سوانا روضة وغدير أبا حاتم إنا سراة أناسنا قديما ... نسدي أمرهم وننير يقول رجال لا يضرك فقدهم ... بلى إن فقد الصالحين يضير وقال واثلة السدوسي يهجوه: هَلْ يذهبن عنك مسروحا وحلبته [1] ... ربط البراذين أو تشييدك الدورا

_ [1] خ: جلبته.

إن الأساود لن تلقى [1] عطاءهم ... فِي الصالحات ولا فِي الخير مذكورا أولاد أسود نوبي لَهُ ذفر ... لَمْ يجعل الله فِي ألوانهم نورا وقال ابن مفرغ: كان الجواد عُبَيْد الله أكرمهم ... فِي كل حق ينوب الناس مذكور حلو الشمائل لا تحصى مواهبه ... فرم لقوم نماه المجد والخير يعطي الجزيل بلا من ولا نكد ... ولا ينحله خلف وتعذير أعني أبا حاتم الفياض كَانَ لنا ... عضدا فأضحى جناحي وهو مكسور 252/ 3 قَالَ: وَكَانَ سُلَيْم مولى عُبَيْد الله يقول: ختمت خاتمي هَذَا عَلَى أربعين ألف ألف درهم، فما حال الحول وعندنا مِنْه شيء. وَكَانَ عبد الملك، إِذَا ذكر ابن أبي بكرة، يقول: الأسود سيد أهل المشرق. وكان عبد الله آدم شديد الأدمة، مفلج الثنايا، طوالا، أبرج [2] العينين، ضخم الرأس، غليظ الوسط. 1018- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: خَرَجَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيُكَلِّمَ مُعَاوِيَةَ فِي أَمْرِ بَنِي زِيَادٍ حِينَ أَخَذَهُمْ بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَزَائِرٌ، أَمْ نَزَعَتْ بِكَ حاجة يا با بَكْرَةَ؟ فَقَالَ: لا أَقُولُ بَاطِلا، مَا جِئْتُ إلا في حاجة. قال: تشفع يا با بَكْرَةَ، وَتُرَى لِذَلِكَ أَهْلا، فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: تُؤَمِّنْ زِيَادًا وَوَلَدَهُ. قَالَ: أَمَّا زِيَادٌ فَلِلْمُسْلِمِينَ عنده مال، إذا أداه فهو آمن، وأما ولده فتخلى سَبِيلَهُمْ. وَكَتَبَ إِلَى بُسْرٍ فِي ذَلِكَ. فَلَمَّا ودعه، قال: يا با بَكْرَةَ، اعْهَدْ إِلَيْنَا عَهْدًا. فَقَالَ: نَعَمْ: أَعْهَدُ إِلَيْكَ أَنْ تَنْظُرَ لِنَفْسِكَ وَتَعْمَلَ صَالِحًا، فَإِنَّكَ قَدْ تَقَلَّدْتَ أَمْرًا عَظِيمًا: خِلافَةَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، فَاتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ لَكَ غَايَةً لَنْ تَعْدُوهَا، وَمِنْ وَرَائِكَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لَنْ تَفُوتَهُ، فَيُوشِكُ أَنْ تَبْلُغَ بِكَ الْمَدَى وَيَلْحَقُكَ الطَّالِبُ فَتَصِيرَ إِلَى مَنْ يَسْأَلُكَ عَمَّا كُنْتَ فِيهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكَ مِنْ نَفْسِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ مُحَاسَبَةٌ وَتَوْقِيفٌ، فَلا تُؤْثِرَنَّ عَلَى رِضَاءِ اللَّهِ شيئا.

_ [1] خ: يلقى. [2] هو من بياض عينه محدقا بالسواد كله.

أبو طيبة:

1019- وقال الهيثم بن عدي: دخل عبد الرحمن بن أبي بكرة عَلَى الحجاج، فقال لَهُ: ما أذهب أسنانك؟ قل أكل الحار وشرب القار. قَالَ فما طعامك؟ قال: ألتقى بلحوم صغار المعز. قَالَ: فما شرابك؟ قَالَ: ما حل قليله وحرم كثيره. قَالَ: فما الَّذِي بقي طرتك؟ قَالَ: لَمْ تأت عَلَى ليلة إلا تمرخت فيها بالبنفسج من قرني إلى قدمي. قَالَ: فما زال الحجاج يتمرخ حَتَّى مات. أَبُو طيبة: 1020- قالوا: / 245/ وَكَانَ أَبُو طيبة لبعض الأنصار، وَكَانَ يحجم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة. فَحَدَّثَنِي النَّرْسِيُّ [1] ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ. وَكَلَّمَ أَهْلَهُ. فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. عُبَيْد: 1021- ويقال إنه كَانَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مولى يقال لَهُ عُبَيْد. روى عَنْهُ حديثين فِي امرأتين صامتا فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس [2] . أنس بن مالك: 1022- وَحَدَّثَنِي مظفر بن مرحى، حَدَّثَنِي أَبُو يَزِيدَ الْغَسَّانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ سُلَيْمٍ أَخَذَتْ بِيَدِهِ مَقْدِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنِي وَهُوَ غُلامٌ كَاتِبٌ، وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَ الْحُلُمَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي قَطُّ أَسَأْتَ، أَوْ بِئْسَ مَا صنعت.

_ [1] خ: الترسى. [2] أكل لحوم الناس هو غيبتهم كما ورد أيضا في القرآن، الحجرات (49/ 12) .

القول في بعض خصائص النبي صلى الله عليه وسلم

[القول في بعض خصائص النبي صلى الله عليه وسلم] لباس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1023- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عمر بن محمد، عن أبى حفص محمد ابن عَلِيٍّ قَالَ: تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ: ثَوْبَ حِبْرَةٍ، وَإِزَارًا عُمَانِيًّا، وَثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ [1] ، وَقَمِيصًا صُحَارِيًّا وَقَمِيصًا سُحُولِيًّا، وَجُبَّةَ يُمْنَةٍ، وَمِلْحَفَةً مُوَرَّسَةً وَكَانَ يَلْبَسُهَا فِي بيوت نسائه، وخميصة، وكساء أبيض، وقلانص صِغَارًا لاطِيَةً [2] ثَلاثًا. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلْحَفَةٌ مَصْبُوغَةٌ بِوَرْسٍ أَوْ بِزَعْفَرَانٍ. وَإِذَا كَانَ يَوْمُ إِحْدَاهُنَّ، يَعْنِي نِسَاءَهُ، ذَهَبَ بِهَا إِلَيْهَا، وَرَشَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ لِتُؤْخَذَ رَائِحَتُهَا. وَقَالَ عَبَّادٌ، قَالَ هِشَامٌ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ الْقُطْنَ وَالْكِتَّانَ وَالْيُمْنَةَ، وَأَنَّهُ صَلَّى فِي نَعْلَيْنِ مُقَابِلَتَيْنِ [3] . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قلنسوة أسماط، يعنى جلوط، وكانت فيها ثقبة.

_ [1] خ: سحاريين. [2] اللطاة: الجبهة. كأن اللاطية من القلانس ما تغطى الجبهة. [3] المقابلة من النعل ما لها قبال.

حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ وَعَلَيْهِ مِمْطَرُ سِيجَانٍ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ قُلُنْسُوَةٍ مِنَ الْمِمْطَرِ السِّيجَانِ. قَالَ هِشَامٌ: وَالسَّاجُ الطَّيْلَسَانُ الأَسْوَدُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ إِزَارَيْنِ، إِزَارًا غَلِيظًا مِنْ هَذِهِ الْيَمَانِيَّةِ، وَكِسَاءٌ مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ، فَأَقْسَمَتْ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبِضَ فِيهَا. وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا أَبُو صَالِحٍ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنَعُ رَأْسَهُ [1] حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى حَاشِيَةِ ثَوْبِهِ كَأَنَّهَا ثَوْبُ زَيَّاتٍ. وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عَمْرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثواب صحارية، وسحزلية، ويمنة/ 246/ وَكِتَّانٌ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَعَمَلِ أَحَدِكُمْ: يَخِيطُ ثَوْبًا أَوْ يَصْنَعُ شَيْئًا.

_ [1] كأنه أراد بعد التغطية بعد الادهان.

خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان له من الحافر غير الخيل، ومن الخف والظلف:

خيل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَ لَهُ من الحافر غير الخيل، ومن الخف والظلف: 1024- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أبو عَبْدُ اللَّهِ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَوَّلُ فَرَسٍ مَلَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسٌ ابْتَاعَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ بِعَشْرِ أَوَاقٍ [2] . وَكَانَ اسْمُهُ عِنْدَ الأَعْرَابِيِّ «الضَّرْسَ» ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السكباء. وكان أول ما غزا عليه أحد. 1025- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسٌ يُدْعَى الْمُرْتَجِزُ. وحدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ قَالَ: ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسَهُ الْمُرْتَجِزَ مِنْ أَعْرَابِيٍّ، مِنْ بَنِي مُرَّةَ. فَرَأَى الأَعْرَابِيَّ فِيهِ رَغْبَةً، فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ إِيَّاهُ، فَشَهِدَ لَهُ عَلَى ابْتِيَاعِهِ هَذَا الْفَرَسَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، وَلَمْ يَكُنْ شَاهِدًا شِرَاءَهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [كَيْفَ شَهِدْتَ وَلَمْ تَحْضُرْ؟ قَالَ: لِتَصْدِيقِي إِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّه، وَأَنَّ قَوْلَكَ كَالْمُعَايَنَةِ. قَالَ: أَنْتَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ. فَسُمِّيَ ذَا الشَّهَادَتَيْنِ] . 1026- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد [4] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَتْ [5] لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدِي، ثَلاثَةُ أَفْرَاسٍ:

_ [1] ابن سعد، 1 (3) / 174. [2] خ: أواقى. [3] ابن سعد، 1 (2) / 174. [4] أيضا 1 (2) / 174- 175. [5] في هذا الباب راجع أيضا الطبرى، ص 1783، عبد الحى الكتانى، التراتيب الإدارية 1/ 331- 333.

لزاز، والظرب، واللّخيف. فَأَمَّا لِزَازٌ فَأَهْدَاهُ لَهُ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ. وَأَمَّا الظَّرِبُ فَأَهْدَاهُ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو الجذامى، من عمان الشأم. وأما اللخيف فَأَهْدَاهُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي الْبَرَاءِ الْكِلابِيُّ، فَأَثَابَهُ فَرَائِضَ مِنْ نَعَمِ بَنِي كِلابٍ. قَالَ: وَأَهْدَى تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا يُقَالُ لَهُ الْوَرْدُ، فَأَعْطَاهُ عُمَرَ. فَحَمَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي سَبِيلِ اللَّه، فوجده يباع فأخذه. وقال الواقدى: سمى اللخيف لأنه كان كالملخف بعرفه. ويقال: شبّه بلخف جَبَلٍ وَصُغِّرَ. وَسُمِّيَ الظَّرِبَ لِتَشَوُّفِهِ وَحُسْنِ صَهِيلِهِ. وَسُمِّيَ لِزَازًا لأَنَّهُ كَانَ مِلْزَازًا مُوَثَّقًا. 1027- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: طَلَعَتِ الْخَيْلُ وَفِيهَا فَرَسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَأَطْلَعَ رَأْسَهُ مِنَ الصَّفِّ، وَقَالَ كَأَنَّهُ بَحْرٌ. وروى الواقدي أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابق بين الخيل، فجلس عَلَى سلع، وطلعت الخيل. فطلعت لَهُ ثلاثة أفراس يتلو بعضها بعضا، يتقدمها فرسه لزاز. فلما رآه سر بِهِ. ثُمَّ فرسه الظرب، ثُمَّ السكب. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَقَ بين الخيل، فجعل غاية المضمرة من الحفيا إلى ثنية الوداع، (قال حماد: وَأَهْلُ الْمَدِينَةُ يَقُولُونَ: بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ) ، وَجَعَلَ غَايَةَ مَا لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَبَقْتُ عَلَى فَرَسِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظَّرِبِ، فَكَسَانِي بُرْدًا يَمَانِيًّا. قَالَ عَبَّاسٌ: فَبَقِيتُهُ/ 247/ عِنْدَنَا إِلَى الْيَوْمِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: سَبَقَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَلَى فَرَسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَّازٍ، فَأَعْطَاهُ حُلَّةً يَمَانِيَّةً.

1028- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كانت بغلة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُلْدُلَ، مِنْ هَدِيَّةِ فُرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ دُلْدُلُ بَغْلَةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ بَغْلَةٍ رُكِبَتْ فِي الإِسْلامِ، أَهْدَاهَا الْمُقَوْقِسُ وَأَهْدَى مَعَهَا حِمَارًا يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. وقال الكلبي والهيثم بن عدي: كانت بغلة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تسمى دلدل من هدية المقوقس، فبقيت إلى زمن معاوية، وأهدى المقوقس أيضا إِلَيْهِ حمارا يقال لَهُ يعفور. وقال الكلبي: عفير من هدية فروة الجذامي صاحب البلقاء. وقال الواقدي: كَانَ يعفور من هدية فروة بن عَمْرو الجذامي، وعفير من هدية المقوقس. 1029- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أبى سبرة، عن زاهر بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَهْدَى فُرْوَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً يُقَالُ لَهَا فِضَّةُ، وَهَبَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ، وَحِمَارَهُ يَعْفُورَ فَنَفَقَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. 1030- وَحَدَّثَنِي الأَعْيَنُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ مَوْلَى أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارٌ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتُهُ الْقَصْوَاءُ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَيُقَالُ مِنْ نَعَمِ بَنِي الْحُرَيْشِ بْنِ كَعْبٍ ابْتَاعَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ بِأَرْبَعِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ. وَالثَّبْتُ أنه وهبها له، فقبلها

_ [1] ابن سعد، 1 (2) / 175. [2] أيضا. [3] أيضا.

وَهَاجَرَ عَلَيْهَا. وَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَتْ. وَيُقَالُ: مَاتَتْ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ. وَكَانَتْ تكون بالبقيع. ويقال: بنقيع الْخَيْلِ. وَهِيَ تُسَمَّى أَيْضًا الْجَدْعَاءَ وَالْعَضْبَاءَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ. وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَن يَحْيَى بْنِ يَعْلَي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ اسْمُهَا الْعَضْبَاءَ، وَكَانَ فِي طَرَفِ أُذُنِهَا جَدَعٌ. قَالَ الْكَلْبِيُّ، فَحَدَّثَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: مَا الْعَضْبُ فِي الأُذُنِ؟ فَقَالَ: قَطْعُ النِّصْفِ فَصَاعِدًا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: الْقَصْوَاءُ الَّتِي فِي أُذُنِهَا قَطْعٌ يَسِيرٌ وَالْعَضْبَاءُ مِثْلُهَا. وَالْجَدْعَاءُ الَّتِي قُطِعَ نِصْفُهَا. 1031- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يوسف الفاريابي، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عن أبيه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ بِعَرَفَةَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ. 1032- وروى الواقدي فِي إسناد لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يرمي الجمار عَلَى ناقة صهباء. 1033- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بن سلمة، أنبأ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتِ الْعَضْبَاءُ لا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قُعُودٍ لَهُ، فَسَابَقَهَا فَسَبَقَهَا. فَكَأَنَّ ذَلِكَ اشْتَدَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّه أَنْ لا يَرْفَعَ النَّاسُ شَيْئًا إِلا وَضَعَهُ] . 1034- قَالُوا: وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم عشر لقائح: أَهْدَى إِلَيْهِ ثَلاثًا مِنْهُنَّ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مِنْ نَعَمِ بَنِي عُقَيْلٍ، فَكُنَّ يَرْعَيْنَ بِالْجُمَاءِ، وَكَانَ السَّبْعُ يَرْعَيْنَ بِذِي الْجَدْرِ [1] . وَيُقَالُ إِنَّ سَعْدًا أَهْدَى إِحْدَى الثَّلاثِ وَأَنَّهُ ابْتَاعَ الاثْنَتَيْنِ بِالْمَدِينَةِ. وَكَانَتِ الَّتِي أَهْدَاهَا سَعْدٌ تُدْعَى مُهْرَةً، وكانت من نعم

_ [1] ذو الجدر بناحية قباء، قريب من عين، على ستة أميال من المدينة. (تنبيه المسعودى، ص 254) .

بنى عقيل. وكانت الاثنتان تدعيان الرّياء [1] والشقراء. فكان الثلاث يحلين، وَيُسْرَحُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْبَانِهِنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ. وَكُنَّ غِزَارًا/ 248/ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الغزى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ عَيْشُنَا أَوْ أَكْثَرُ عَيْشِنَا مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَنُ. كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَائِحُ بِالْغَابَةِ، فَكَانَ قَدْ فَرَّقَهَا عَلَى نِسَائِهِ فَكَانَتْ لِي لِقْحَةٌ غَزِيرَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعِرِّيسُ. فَكُنَّا مِنْهَا فِيمَا شِئْنَا من لبن. وكانت لعائشة لقحة تدعى السّمراء. حدثني محمد بن سعد [3] ، عن الواقدي، عن معاوية بْن عَبْدِ اللَّه بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي رَافِعٍ، عَن أبيه قَالَ: كَانَ يراح عَلَى أهل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ. وكانت في لقاحه عدة لهن غزر: الحناء، والسمراء، والعريس، والسعدية، والبغوم، واليسيرة. وقال بعض المدنيين: وهب البغوم لسودة. 1035- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ موسى بن عُبَيْدَةَ، عَنْ ثَابِتٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: أَهْدَى الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلابِيُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقْحَةً تُدْعَى بُرْدَةُ، لَمْ أَرَ مِنَ الإِبِلِ سِنًّا كَانَ أَحْسَنَ مِنْهَا وَلا أَغْزَرَ: كَانَتْ تَحْلِبُ مَا تَحْلِبُ لِقْحَتَانِ. فَرُبَّمَا حَلَبَتْ لأَضْيَافِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَبُوقًا وَصَبُوحًا. 1036- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كانت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَائِحُ سَبْعَةُ أعنز، ترعاهن أم أيمن.

_ [1] خ: الزباء (عند ابن سعد، 1 (2) / 177: الدباء، ورجحنا ما ذكر الطبرى، ص 1785) . [2] ابن سعد، 1 (2) / 177. [3] أيضا.

ذكر ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنيمة

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: كَانَتْ مَنَائِحُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترعى بأحد، وتروح في كل ليلة إلى الْبَيْتِ الَّذِي تَبِيتُ فِيهِ. قَالُوا: وَكَانَتْ مَنَائِحُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجْوَةَ، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وإطراف، وإطلال. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ وُجَيْهَةَ مَوْلاةِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْنُزٍ سَبْعٍ، فَكَانَ الرَّاعِي يَبْلُغُ بِهِنَّ مَرَّةً الْجَمَّاءَ، وَمَرَّةً أُحُدًا، وَتَرُوحُ عَلَيْنَا. وَكَانَتْ لِقَاحُهُ بِذِي الْجَدْرِ، فَتَأْتِينَا أَلْبَانُهَا بِاللَّيْلِ. وَتَكُونُ [1] بِالْغَابَةِ فَتَأْتِينَا أَلْبَانُهَا بِاللَّيْلِ. وَكَانَ أَكْثَرُ عَيْشِنَا اللَّبَنُ مِنَ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلياس، عن صالح بن نبهان مولى التؤمة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ، [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ عِنْدَهُمْ شَاةٌ إِلا وَفِي بَيْتِهِمْ بَرَكَةٌ.] ذكر ما كان لِرَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنيمة 1037- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَنِيمَةِ خُمُسُ الْخُمُسِ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ [2] ، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُطَرِّفِ [3] بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيٌّ يَصْطَفِيهِ مِنَ الْمَغْنَمِ: عَبْدٌ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ. وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، ثنا سفيان بن مطرف، عن الشعبى بمثله.

_ [1] خ: يكون. [2] خ: البزاذ. [3] خ: مطرق.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ الصَّفِيُّ فِي جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ الْحَرَّانِيُّ، ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، وَسَأَلَهُ جَرِيرُ بْنُ زَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والصفي، قَالَ: فَتَكَرَّهَ أَنْ يُخْبِرَهُمَا. / 249/ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الصَّفِيُّ فَغُرَّةٌ كَانَ يَخْتَارُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَغْنَمِ، إِنْ شَاءَ فَرَسًا، وَإِنْ شَاءَ جَارِيَةً، وَإِنْ شَاءَ مَا شَاءَ. وَأَمَّا السَّهْمُ فَسَهْمُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَقُلْتُ لِمُطَرِّفٍ: كَرَجُلٍ مِنْهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: سِوَى الْخُمُسِ؟ فقال: نَعَمْ. 1038- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ عيسى بن عبد الرحمن الأنصاري، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صفي من المغنم، حضر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غاب، قبل الخمس: عبد أو أمة أو سيف أو درع. فأخذ يَوْمَ بَدْرٍ ذَا الْفَقَارِ، وَيَوْمَ قَيْنُقَاعَ دِرْعًا، وَفِي غَزَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ جَارِيَةً، وَفِي غَزَاةِ ذَاتِ الْمُرَيْسِيعِ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ، وَفِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ رَيْحَانَةَ بِنْتِ (شَمْعُونَ بْنِ) زَيْدٍ، وَفِي يَوْمِ خَيْبَرَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَفِي يَوْمِ حُنَيْنٍ فَرَسًا أَشْقَرَ. 1039- حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، [1] ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتِ الْغَنِيمَةُ تُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَخُمُسٌ وَاحِدٌ يُقَسَمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ: فَرُبُعٌ للَّه وَالرَّسُولِ وَذِي الْقُرْبَى، يَعْنِي قرابة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فَمَا كَانَ للَّه وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ لِذِي الْقُرْبَى، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا. وَالرُّبُعُ الثَّانِي لِلْيَتَامَى. وَالرُّبُعُ الثَّالِثُ لِلْمَسَاكِينِ. وَالرُّبُعُ الرابع لأبناء السبيل.

_ [1] كتاب الأموال 834.

وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَهْمُ اللَّه وَالرَّسُولِ خُمُسُ الْخُمُسِ، وَسَهْمُ ذِي الْقُرْبَى خُمُسُ الْخُمُسِ، وَمَا بَقِيَ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ عَلَى ثَلاثَةٍ. وَحَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ الأَنْطَاكِيُّ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ [1] ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ، فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ فَمَا وَقَعَ مِنْ شَيْءٍ جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ، وَهُوَ سَهْمُ اللَّه. ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَةٍ، فَيَكُونُ لِنَبِيِّ اللَّه سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ [2] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ [3] ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: خُمُسُ اللَّه وَرَسُولِهِ وَاحِدٌ، كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ مِنْهُ وَيُعْطِي وَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثَنَا يحيى بن آدم، عن سُفْيَان الثوري [4] ، عن قيس بْن مُسْلِم، عن الحسن بن محمد في قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، قال: هذا مفتاح كلام- للَّه [5] الدنيا والآخرة- ولرسوله، وَلِذِي الْقُرْبى [6] . واختلف أصحاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده في هذين السهمين، فقال قائل منهم: سهم ذي القربى لقرابة الخليفة، وقال قائل منهم: سهم الرسول للخليفة من بعده. فأجمعوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل اللَّه. فكان خلافة أبي بكر وعمر في الخيل والعدّة في سبيل اللَّه.

_ [1] عنه أيضا في كتاب الأموال 835. [2] كتاب الأموال 837. [3] خ: كبير. [4] عنه أيضا كتاب الأموال 836. [5] خ: اللَّه. [6] القرآن، الأنفال (8/ 41) .

قال التوزي، فحدثني محمد بن إسحاق أنه يسأل أبا جعفر عنهما: أين وضعهما علي؟ فقال: سلك بهما طريق أبي بكر وعمر، وكان يكره أن يدعى عليه خلافهما. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثنا أَبُو يُوسُفَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يَقْسِمُ الْخُمُسَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: للَّه وَلِلرَّسُولِ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، (وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ) [1] وَلأَبْنَاءِ السَّبِيلِ سَهْمٌ. 1040- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثنا أَبُو يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: كُنْتُ كَاتِبَ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى نَجْدَةَ وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنِ النِّسَاءِ هَلْ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ مَع رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَلْ كَانَ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ، وَهَلْ كَانَ لِلْعَبْدِ فِي الْمَغْنَمِ سَهْمٌ، وَمَتَى كَانَ يَضْرِبُ لِلصَّبِيِّ، وَيَسْأَلُهُ/ 250/ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى. فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَرْضَخُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ، وَأَنَّهُ لا سَهْمَ لِلْعَبْدِ فِي الْمَغْنَمِ، وَأَنَّهُ كَانَ لا يَضْرِبُ لِلصَّبِيِّ [2] بِسَهْمٍ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَضَ عَلَيْهِ [3] أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى أَيِّمَنَا، وَيَقْضِي [4] عَنْ غَارِمِنَا، فَأَبَيْنَا إِلا أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَيْنَا، وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا. 1041- وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُثْمَانَ وَجُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ كَلَّمَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَقِسْمَتِهِ قَالا: بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ونحن (و) بَنُو الْمُطَّلِبِ إِلَيْكُمْ فِي النَّسَبِ سَوَاءٌ [5] . [فَقَالَ صلى اللَّه عليه وسلم:

_ [1] ولا بد من هذه الزيادة. [2] خ: الصبى. [3] أى على ابن عباس. [4] خ: نقضي. (إما يزوج ويقضى، أو نزوج ونقضي) . [5] هو كذلك لأن عثمان من أولاد «عبد شمس» ، وجبير من أولاد «نوفل» ، ورسول اللَّه من أولاد «هاشم» ، فهؤلاء و «المطلب» كلهم ولد عبد مناف.

إِنَّا وَهُمْ لَمْ نَزَلْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَكَانُوا مَعَنَا فِي الشِّعْبِ كَذَا- وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ] . وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ. 1042- وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْن آدم [1] ، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق في قوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ، قَالَ: مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ [2] قَالَ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصَةً دُونَ النَّاسِ، فَقَسَمَهَا فِي الْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَأَبَا دجانة ذكرا فَقْرًا، فَأَعْطَاهُمَا. وقال الواقدي (في) إسناده: كانت أموال بني النضير خالصة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخل من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضل جعله في الكراع والسلاح، وأقطع من أموال بني النضير. وكان مخيريق أحد بني النضير، ويقال أحد بني قينقاع، ويقال أحد بني الفطيون [3] حبرا عالما فأسلم وقاتل مع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأوصى بماله لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو سبعة حوائط، فجعلها رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم صدقة. وهي المبيت، والصافية، والدلال، وحسنى [4] وبرقة، والأهواف، ومشربة أم إبراهيم. وأخبرني بعض بني الحارث بن عبد المطلب قال: ومن صدقات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الحديقة» ، ولم يدر أمن مال مخيريق هي أم لا. 1043- وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه على رسوله، ولم يوجف المسلمون

_ [1] كتاب الخراج ليحيى بن آدم، ص 19. [2] القرآن، الحشر (59/ 6) . [3] خ: الفطنون. [4] خ: حسبي. (لعله كما صححناه عن السهيلي 2/ 143) .

عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، وَكَانَتْ لَهُ خَالِصَةً، وَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّه. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا أُسَامَةُ بْنُ يزيد، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ ابن الحدثان أنه أخبره عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، قال: كان لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثُ صَفَايَا: مَالُ بَنِي النَّضِيرِ، وَخَيْبَرَ، وَفَدَكٍ. فَأَمَّا أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ فَكَانَتْ حُبُسًا لِنَوَائِبِهِ، وَأَمَّا فَدَكُ فَكَانَتْ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ. وَجَزَّأَ خيبر ثلاثة أجزاء: فقسّم جزءين مِنْهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحَبَسَ جُزْءًا لِنَفْسِهِ وَنَفَقَةِ أَهْلِهِ، فَمَا فَضَلَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ، رَدَّهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ [1] ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثُ صَفَايَا: فَكَانَتْ أَرْضُ بَنِي النَّضِيرِ حبسا لنوائبه، وجزّأ خيبر ثَلاثَةِ أَجْزَاءٍ/ 251/ وَكَانَتْ فَدَكُ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ. 1044- حَدَّثَنَا أَبُو عبد الرحمن القرشي بن عَائِشَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أُمِّ هاني أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ: [مَنْ يَرِثُكَ إِذَا مُتَّ؟ فَقَالَ: وَلَدِي وَأَهْلِي. قَالَتْ: فَمَا بَالُكَ وَرِثْتَ رَسُولَ اللَّه دُونَنَا؟ - تَعْنِي نَفْسَهَا والعباس بن عبد المطلب. فقال: يابنة رَسُولِ اللَّه، مَا وَرِثْتُ أَبَاكِ ذَهَبًا وَلا فِضَّةً، وَلا كَذَا، وَلا كَذَا. فَقَالَتْ: سَهْمَهُ بِخَيْبَرَ، وَصَدَقَتَهُ بِفَدَكَ؟ فَقَالَ:] سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَنِيهَا اللَّه حَيَاتِي، فَإِذَا مِتُّ فَهِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، وَمُظَفَّرُ بْنُ مُرَجَّى، قَالا ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عمرو بْنِ الْحَارِثِ، أَخِي جُوَيْرِيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: واللَّه مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَلا عَبْدًا وَلا أَمَةً وَلا شَيْئًا إِلا بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ وَسِلاحَهُ، وَأَرْضًا تركها صدقة.

_ [1] كتاب الخراج له، ص 21.

1045- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ [1] الْعِجْلِيُّ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مَوَارِيثَهُنَّ مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ وَفَدَكٍ. فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: «أَمَا تَتَّقِينَ اللَّه؟ أَمَا سَمِعْتُنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لآلِ مُحَمَّدٍ لِنَائِبَتِهِمْ وَضَيْفِهِمْ [2] ، فَإِذَا مِتُّ فَهُوَ إِلَى وَالِي الأَمْرِ بَعْدِي] » . قَالَ: فَأَمْسَكْنَ. 1046- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ خَيْبَرَ عَلى ستة وثلاثين سَهْمًا وَجَعَلَ لِكُلِّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ. فَعَزَلَ نِصْفَهُ لِنَوَائِبِهِ، وَمَنْ يَنْزِلُ بِهِ. وَقَسَمَ النِّصْفَ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. فَكَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَسَمَ الشِّقَّ وَالنَّطَاةَ، وَمَا حِيزَ مَعَهُمَا. 1047- حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [3] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْعَبَّاسِ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّه، فَجِئْتَ أَنْتَ تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ من ابن أخيك، وخاف هَذَا، - يَعْنِي عَلِيًّا، - يَطْلُبُ مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ. وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [لا نورث، ما تركناه صدقة] .

_ [1] في أصل العبارة «سلم» ، وبالهامش عن نسخة «مسلم» . [2] خ: ضيقهم (بالقاف، ولكن راجع الحديث التالي حيث قال: «لنوائبه ومن ينزل به» ) . [3] في الموطإ، (كتاب 56، باب 12) ، بإسناد غير هذا قول رسول اللَّه في آخر هذا الحديث.

سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم:

سلاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 1048- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قدم رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ في الهجرة بسيف كان لأبيه مأثور. قَالَ، وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَتْ دِرْعُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ذَاتُ الْفُضُولِ» لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَارَ إِلَى بَدْرٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مَعَهَا بِسَيْفٍ يُقَالُ لَهُ الْعَضْبُ، فَشَهِدَ بِهِمَا وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَغَنَّمَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ذَا الْفَقَارِ. قَالَ الواقدي: كَانَ ذو الفقار لمنبه بن الحجاج. وقال غيره: كَانَ لنبيه بن الحجاج. وقال الكلبي: كَانَ للعاص بن منبه بن الحجاج. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِمَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْرٍ، ثنا أَبُو الْحَكَمِ الصَّيْقَلُ، ثنا مَرْزُوقٍ الصَّيْقَلُ أَنَّهُ صَقَلَ سَيْفَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَا الْفَقَارِ، فَكَانَتْ قَبِيعَتُهُ، وَحِلَقٌ فِي قَيْدِهِ، وَبَكَرٌ فِي وَسَطِهِ/ 252/ مِنْ فِضَّةٍ. مُحَمَّدٌ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِمَ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ [4] ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يوم بدر.

_ [1] ابن سعد، 1 (2) / 171. [2] ابن سعد، 1 (2) / 171. [3] ابن سعد، 1 (2) / 171. [4] أيضا عند ابن سعد، 1 (2) / 171- 172.

1049- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى الأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سلاح بني قينقاع ثلاث أسياف: سيفا قلعيا [2] ، وسيفا يدعى بتّار، وَسَيْفًا يُدْعَى الْحَتْفُ. قَالَ: وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعث عليا إلى الفلس [3] ، صنم طيّئ، فوجده مقلدا سيفين يقال لهما مخذم ورسوب. وهما سيفان كانا للحارث بن أبى شمر الغساني، يتقلدهما عَن يمينه وشماله، فنذر: لئن ظفر ببعض أعدائه ليهدينهما إلى الفلس [4] ، فظفر بِهِ، فأهداهما إِلَيْهِ. وهما اللذان يقول فيهما علقمة بن عبدة التميمى [5] : مُظاهرُ سربالي حديدٍ عليهما ... عقيلًا سيوف مخذَم ورسوب وأصاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح، وثلاث قسي: قوس اسمها الروحاء، وقوس من شوحط [6] وتسمى البيضاء، وقوس من

_ [1] راجع ابن سعد، 1 (2) / 172. [2] ذكر البيرونى (كتاب الجماهر، ص 248 وما بعدها) في بحث طويل: «ومن الشابرقان (وهو الحديد الصلب) سيوف الروم والروس والصقالبة. وربما قيل له قلع- بنصب اللام وسكونها- فيقال: تسمع للقلع طنينا، ولغيره بححا. ونسب إليه نوع من السيوف، فسميت قلعية. وظنها قوم منسوبة إلى موضع، كالهندية، واليمانية، والمشرفية. فقالوا: إنها تحمل من كله، كما يحمل منها الرصاص، وينسب إليها القلعي، وهي سيوف عراض. ولا تبعد أن تشبه لبياضها في أشعار العرب على اضطرابها فيه» إلخ. [3] خ: القليس. (والفلس صنم طيّئ، معروف. والقليس كنيسة بناها أبرهة في اليمن، راجع ابن هشام، ص 29، والسهيلي 1/ 40 في آخرين. وهو الأشبه بالصواب فإن الحارث بن أبى شمر الغساني كان نصرانيا، وسوف لا يهدى شيئا إلى صنم أهل الأوثان. وقد ذكرنا فيما مضى، في أواخر باب السرايا الاختلاف الشديد في أمر هذين السيفين. فالمحتمل أن هدية الحارث الغساني غير التي أهداها غيره إلى الفلس، اللهم إلا أن يكون الفلس لطيئ أيضا تصحيفا من القليس (.) أى كنيسة، لا صنما فان كثيرين من طيّئ كانوا نصارى كعدى بن حاتم الطائي وغيره) . [4] خ: القليس. (والفلس صنم طيّئ، معروف. والقليس كنيسة بناها أبرهة في اليمن، راجع ابن هشام، ص 29، والسهيلي 1/ 40 في آخرين. وهو الأشبه بالصواب فإن الحارث بن أبى شمر الغساني كان نصرانيا، وسوف لا يهدى شيئا إلى صنم أهل الأوثان. وقد ذكرنا فيما مضى، في أواخر باب السرايا الاختلاف الشديد في أمر هذين السيفين. فالمحتمل أن هدية الحارث الغساني غير التي أهداها غيره إلى الفلس، اللهم إلا أن يكون الفلس لطيئ أيضا تصحيفا من القليس (.) أى كنيسة، لا صنما فان كثيرين من طيّئ كانوا نصارى كعدى بن حاتم الطائي وغيره) . [5] مضى ذكر هذا البيت في ذكر السرايا. (خ: محذم) . [6] «قال أبو حنيفة أخبرنى عالم بالشوحط أن نباته نبات الأرزن، قضبان تسمو كثيرة من أصل واحد. قال: وورقه فيما ذكر دقاق، طوال مثل ورق الطرخون وله ثمرة مثل العنبة الطويلة إلا أن طرفها أدق منه. وهي لينة تؤكل. وهو من عتق العيدان التي تتخذ منها القسي. وقال مرة: الشوحط والنبع أصفرا العود، رزيناه، ثقيلان في اليد. وإذا تقادما احمرا» . (المحكم لابن سيده حشط، المخصص لابن سيدة 11/ 142، لسان العرب وتاج العروس شحط) .

نبع [1] تسمى الصفراء. وصارت إِلَيْهِ يومئذ درعان من سلاحهم: درع يقال لَهُ السعدية، ودرع تدعى فضة. وقال بعضهم: كانت ذات الفضول والسعدية لعكين القينقاعي، وكانت فضة من هدية سعد بن عبادة. وأصاب من سلاحهم مغفرا موشحا. 1050- قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى الأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْسٌ تُدْعَى الْكَتُومُ، مِنْ نَبْعٍ، كُسِرَتْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ. وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِغْفَرٌ، يُقَالُ لَهُ ذُو السُّبُوبِ، وَرُمْحٌ يُقَالُ لَهُ الْمَثْنَوْنِيُّ، و [2] وَقُصَّةُ، وَجُعْبَةٌ يُقَالُ لَهَا الْكَافُورُ، وَتُرْسٌ يُقَالُ لَهُ الزَّلُوقُ. 1051- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ. 1052- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: سألنا عَن العنزة التي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي إليها فِي أسفاره وتحمل بين يديه يوم العيد. فحدثني أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ اللَّهِ [3] بْن مُحَمَّد بن أبي سبرة العامري، عَن عيسى بن معمر، عَنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَن أسماء بنت أبي بكر قالت: لِمَا هاجر الزبير إلى أرض الحبشة، خرج مع النجاشى فقاتل عدوا له،

_ [1] قال «أبو حنيفة: والنبع شجر- زاد الأزهرى: من أشجار الجبال- تتخذ منه القسي ... وقال مرة: النبع شجر أصفر العود، رزينه، ثقيله في اليد. وإذا تقادم احمر. قال: وكل القسي إذا ضمت إلى قوس النبع، كرمتها قوس النبع، لأنها أجمع القسي للأرز واللين. يعنى بالأرز الشدة» (لسان العرب وتاج العروس فرع) . [2] كذا في الأصل. لا ندري إذا كان الرمح الواحد له اسمان، أو رمحين، أو رمحا وسلاحا آخر سقط اسمه ههنا. [3] كذا عبد الله بن محمد، وفي أسانيد غير هذا هو أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سبرة.

فأعطاه النجاشي يومئذ عنزة فقاتل [1] بِهَا وطعن عدة حَتَّى ظهر النجاشي عَلَى عدوه. وقدم الزبير بِهَا فشهد بدرا وهي معه. وشهد بِهَا يوم أحد ويوم خيبر. ثُمَّ أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه منصرفه من خيبر، فكانت تحمل بين يديه يوم العيد: يحملها بلال بن رباح، يخرج بِهَا فِي أسفاره فتركز بين يديه يصلى إليها. وتوفي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر عَلَى ذلك، وَكَانَ أَبُو بَكْر، وعمر وعثمان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فهي اليوم تحمل بين أيدى الأئمة، ويكون مع المؤذنين. 1053- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّجَاشِيَّ بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثِ عَنْزَاتٍ، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً، وَأَعْطَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاحِدَةً/ 253/ وَأَعْطَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاحِدَةً. ويقال أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاع عنزات فأعطى الزبير منها عنزة، وفرقها فِي أصحابه، وكانت هذه العنزة منها تحمل بين يديه. والأول أثبت. وقد أمر المتوكل عَلَى الله أمير الْمُؤْمِنِين بحمل هَذِه العنزة إِلَيْهِ، فهي اليوم بسرّمن رأى. 1054- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ التَّوَّزِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: كَانَتِ الْحَرْبَةُ تُحْمَلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَسْفَارِهِ لأنه كان يصلى إليها وهي العنزة. قال الواقدي، وَحَدَّثَنَا عبد الله بن نَافِع، (عَنِ أبيه) عَن ابن عمر قَالَ: كَانَ يخرج بِهَا يوم العيد فتغرز بالمصلى لأنه لَيْسَ ثُمَّ بناء ولا غيره. 1055- قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ الْقَرَظِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ بِلالا كَانَ يَحْمِلُ الْعَنْزَةَ يَوْمَ الْعِيدِ، ثُمَّ حَمَلَهَا سعد بْنُ عَمَّارٍ، ثُمَّ حَمَلَهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ بَيْنَ أَيْدِي الْوُلاةِ. قَالَ ثُمَّ أَنَا هَذَا أحملها بين أيديهم.

_ [1] خ: يقاتل.

باب في السرير

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا التَّوَّزِيُّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أبى جحيفة، عن أبيه قال: رأيت بدلا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَرَجَ بِالْعَنْزَةِ فَرَكَزَهَا، وَصَلَّى إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ يَمُرَّانِ مِنْ وَرَائِهَا. 1056- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَاصَمَ الْعَبَّاسُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: الْعَمُّ أَوْلَى أَوِ ابْنُ الْعَمِّ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْعَمُّ. فَقَالَ: مَا بَالُ دُرُوعِ النَّبِيِّ وَبَغْلَتِهِ دُلْدُلَ وَسَيْفِهِ عِنْدَ عَلِيٍّ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ سَيْفٌ وَجَدْتُهُ فِي يَدِهِ، فَأَنَا أَكْرَهُ نَزْعَهُ مِنْهُ. فَتَرَكَهُ الْعَبَّاسُ. باب فِي السرير 1057- قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤي، عن عطاء ابن يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشُ بِمَكَّةَ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيْهَا مِنَ السَّرِيرِ تَنَامُ عَلَيْهِ [1] . فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ (و) نزل مَنْزِلَ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: يا با أيوب أما لكم سَرِيرٌ؟ قَالَ: لا واللَّه. فَبَلَغَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ ذَلِكَ، فَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِيرٍ لَهُ عَمُودٌ، وَقَوَائِمُهُ سَاجٍ، مَرْمُولٌ بِخَزْمٍ، يَعْنِي الْمَسَدَ. فَكَانَ يَنَامُ عَلَيْهِ حَتَّى تَحَوَّلَ إِلَى مَنْزِلِي، كَانَ فِيهِ ... [2] لِي فَكَانَ يَنَامُ عَلَيْهِ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَوَضَعَ عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ فَوْقَهُ. فَطَلَبَهُ النَّاسُ مِنَّا يَحْمِلُونَ مَوْتَاهُمْ عَلَيْهِ. فَحُمِلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالنَّاسُ طَلَبًا لِبَرَكَتِهِ. وقال الواقدي: اجتمع أصحابنا بالمدينة، لا اختلاف بينهم، أن سرير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى ألواحه عبد اللَّه بن إسحاق الإسحاقي، من موالي معاوية، بأربعة آلاف درهم.

_ [1] خ: عليها (إما «السرير تنام عليه» أو «السرر تنام عليها» ) . [2] كلمة مطموسة في الأصل كأنها «فوهبته» . (لعلها «سرير لأمى فوهبته» ) .

أسماء مؤذنى رسول الله صلى الله عليه وسلم

أسماء مؤذني رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بِلالَ بن رباح] 1058- قَالَ: أول من أُذِنَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالَ بْنَ رباح مولى أبي بكر بالمدينة وَفِي أسفاره، وجعل عَلَى نفسه أن لا يؤذن لأحد بَعْدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتى أبا بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ قَالَ: ائذن لي فِي إتيان الشام. قَالَ: بَلْ أقم. فقال: إن كنت أعتقتني عَلَي أن أقيم، أقمت. فقال: هَلْ تقرأ كتاب اللَّه؟ قَالَ: أقرأ ولا أكمل السور. فأذن لَهُ. فأتى الشام، فلم يزل مقيما. فلما قدم عمر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ الشام لقيه، فأمره أن يؤذن، وقال: لست بالموضع الَّذِي كنت تؤذن [1] فِيهِ للنبي. فأذن. فبكى عمر، والمسلمون، وذكروا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سمعوا أذانه. وَكَانَ ديوانه مع خثعم. فليس من حبشي في الشأم/ 254/ إلا (و) ديوانه مع خثعم. ومات بلال بدمشق، ودفن بالمقبرة التي عند الباب الصغير. وكانت وفاته فِي سنة عشرين. ويكنى أبا عبد اللَّه. [عمرو بن قيس بن شريح] 1059- وَكَانَ عَمْرو بن قيس بن شريح، من بني عَامِر بن لؤي- وأمه أم مكتوم، وَهِيَ عاتكة بِنْت عَبْد اللَّه بن عنكثة، من بني مخزوم- وربما أُذِنَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة. وبعض الرواة يقول: اسم ابن أم مكتوم: عبد اللَّه. والأول أثبت. وهو قول الكلبى. [أبو محذورة] 1060- وأذن لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة أبو محذورة، واسمه أوس ابن معير بن لوذان بن ربيعة بن معير بن عريج بن سعد بن جمح. وله يقول أَبُو دهبل وهب بن زمعة الجمحي [2] : أما ورب الكعبة المستورة ... وَمَا تلا مُحَمَّد من سوره والنعرات من أَبِي محذورة ... لأفعلن فعلة مذكوره وبعضهم يقول: اسم أبي محذورة سمرة بن معير. والأول أثبت. وَكَانَ أَبُو محذورة اسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فِي أن يؤذّن مع بلال،

_ [1] خ: يوذن. [2] السهيلي 2/ 277، الاستيعاب، كنى الرجال رقم 186 أبو مخدورة، مع اختلافات يسيره.

فأذن لَهُ فِي ذَلِكَ. وَكَانَ يؤذن فِي المسجد الحرام. وأقام بمكة يؤذن، ومات بِهَا، ولم يأت المدينة. وَقال ابن الكلبي: كَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لا يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة إلا فِي الفجر، ولم يهاجر وأقام بمكة يؤذن في المسجد الحرام. [وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: آخر أصحابي موتا فِي النار.] فبقي سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيَّ حَلِيفَ الأَنْصَارِ بِالْبَصْرَةِ، وأبو محذورة بمكة. وكان سمرة يسأل من تقدّم من الحجاز عَن أبي محذورة، وَكَانَ أَبُو محذورة يسأل من تقدم من البصرة عَن سمرة حَتَّى مات أَبُو محذورة قبله. وَحَدَّثَنِي عمر بن شبة، عَن عبد الوهاب الثقفي، عَن أيوب قَالَ: كَانَ أَبُو محذورة يؤذن عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فقدم عمر حاجا، فقال: ويح أبي محذورة، أما يخاف أن ينشق مريطاؤه؟ فلما دخل عَلَيْهِ، قَالَ: ويحك يا با محذورة، أما تخاف أن ينشق مريطاؤك؟ قَالَ: يا أمير الْمُؤْمِنِين، إن مكة أرض حارة، فأحب أن تخرجني [1] معك. فقال عمر: مكة أرض حارة، فأبرد، ثُمَّ أبرد، ثُمَّ أذن، ثم صل ركعتين، ثُمَّ ثوب، ثُمَّ أذن، ثُمَّ صَلَّ ركعتين، ثُمَّ ثوب- «المريطاء» ، ممدود، جلدة رقيقة فِي صفاق البطن مما يلي العانة [2] . حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى، عَنْ إسرائيل، عَن جابر، عَن عَامِر الشعبي قَالَ: أُذِنَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلال، وَأَبُو محذورة، وابن أم مكتوم. حَدَّثَنِي هُدبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا هَمَّامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ الأَذَانَ بِالْجُعْرَانَةِ، ثُمَّ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، ثُمَّ جَعَلَهُ مُؤَذِّنًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. 1601- وقد روي أن عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يؤذن بَيْنَ يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم عند المنبر.

_ [1] خ: يخرجني. [2] الأمر قليل شعر الرأس. والمريطاء تصغير المرطى، كأنه أراد جمجمة مرطى لأبى محذورة وهو يؤذن عارى الرأس لصلاة الظهر في شمس الصيف.

1062- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لا يُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم إلا الفجر. 1063- وقال الواقدي في إسناده: كان بلال يقف عَلَى بَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فيقول: السلام عليك يَا رَسُولَ اللَّه. وربما قَالَ: السلام عليك بأبي أنت وأمي يَا رَسُولَ اللَّه، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح، السلام عليك يَا رَسُولَ اللَّه. وقال غيره: كَانَ يقول: السلام عليك يَا رَسُولَ اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، حي على الصلاة، حي عَلَى الفلاح، الصلاة يَا رَسُولَ اللَّه. قالوا: فلما ولي أَبُو بكر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ الخلافة، كَانَ سعد القرظ يقف عَلَى بابه فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، حي على الصلاة حي عَلَى الفلاح يا خليفة رَسُول اللَّه. فلما استخلف عمر، كَانَ سعد القرظ يقف عَلَى بابه، فيقول: السلام عليك يا خليفة خليفة رَسُول اللَّه ورحمة اللَّه، / 255/ حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة يا خليفة خليفة رَسُول اللَّه. فلما قام عمر، قَالَ للناس: أنتم المؤمنون وأنا أميركم. فدعي أمير الْمُؤْمِنِين، استطالة لقول القائل «يا خليفة خليفة رَسُول اللَّه» ، ولمن بعده «خليفة خليفة خليفة رَسُول اللَّه» . كَانَ المؤذن يقول: السَّلامُ عَلَيْكَ (يَا) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين وَرَحْمَةُ اللَّه وبركاته، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح، الصلاة يا أمير الْمُؤْمِنِين. ثُمَّ أن عمر أمر المؤذن، فزاد فيها «رحمك اللَّه» . ويقال: زادها عثمان. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ محمد بن حرب الزبيدي، عَن مُحَمَّد بن الوليد، عَنِ الزهري قَالَ: أول من سلم عَلَى عمر بن الخطاب فقال «السلام عليك يا أمير الْمُؤْمِنِين» المغيرة بن شعبة. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَن يَحْيَى بن عبد العزيز، عَنْ أبيه قَالَ: الَّذِي سلم عَلَى عمر: عدي بن حاتم الطائي، وكانوا قبل ذلك يقولون: «يا خليفة خليفة رَسُول اللَّه» .

أسماء عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قِيلَ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: «يَا خَلِيفَةَ اللَّه» ، فَقَالَ: أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا بِذَلِكَ رَاضٍ. أسماء عمال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1064- قَالُوا: ولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بن حزم الْأَنْصَارِيّ نجران، وزياد بن لبيد، من بنى بياضة، من الأنصار، حضر موت، وخالد ابن سعيد بن العاص بن أمية صنعاء، والمهاجر بن أبي أمية المخزومي كندة [1] والصدف، وأبا مُوسَى الأشعري عبد اللَّه بن قيس زبيد، ورمع، وعدن، والساحل، ومعاذ بن جبل الْأَنْصَارِيّ الجند، والقضاء، وتعليم الناس الإسلام، وشرائعه، وقراءة القرآن، وقبض الصدقة من عمال اليمن. فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولى أَبُو بكر زياد بن لبيد كندة، والصدف الى حضر موت. وولى المهاجر بن أبى أمية صنعاء، مكان خالد بن سعيد، وولى عتاب بن أسيد ابن أبي العيص بن أمية مكة والطائف. ثُمَّ ولى عثمان بن أبي العاص الثقفي الطائف، وأقر عتاب بن أسيد عَلَى مكة. وهذا الثبت. 1065- وروى الواقدي، عَن إِبْرَاهِيم بن جَعْفَر، عَنْ أبيه، عَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأربعة من بني أمية عماله: عتاب ابن أسيد عَلَى مكة، وأبان بن سعيد بن العاص عَلَى البحرين، وخالد بن سعيد عَلَى صنعاء، وَأَبُو سفيان بن حرب عَلَى نجران [2] . وقال الواقدي: أصحابنا مجمعون عَلَى (أَنَّ) رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وأَبُو سفيان حاضر. وقال الكلبي: كَانَ أَبُو سفيان غائبا، فلما قدم قَالَ: كيف رضيتم يا بني عبد مناف بأن يلي أمركم غيركم؟ 1066- قالوا: وولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذيفة دبا، وعمرو بن العاص

_ [1] خ: كيده. (والتصحيح عن المحبر، ص 126) . [2] خ: حران. (والتصحيح كذلك) .

عمان، ومعه أَبُو زيد الْأَنْصَارِيّ. وقوم يقولون: إن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولى أبا سفيان صدقات خولان، وبجيلة، واستعمل يزيد بن أبي سفيان عَلَى نجران، واللَّه أعلم. وروى ابن أبي لهيعة، عَن الحارث بن يزيد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ معاذ بن جبل إلى حمير، وعمرو بن سُلَيْم الزرقي من الأنصار إلى كندة وحضر موت، وعوف بن مالك إلى نجران. والأول أثبت. 1067- قالوا: وولى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا مولى أبي بكر صدقات الثمار. وولى عباد بن بشر الأنْصَارِيّ صدقات بني المصطلق من خزاعة، والأقرع ابن حابس التميمي صدقات بني دارم بن مالك بن حنظلة، والزبرقان وهو حصين بن بدر صدقات عوف بن كعب، ومقاعس بن عَمْرو بن كعب بن سَعْدٍ والأبناء [1]- وهم بنو سعد بن زيد مناة، غير بني كعب بن سَعْدٍ، وعمرو بن سَعْدٍ- ومالك بن نويرة [2] عَلَى صدقات بني يربوع بن حنظلة، وعدي بن حاتم/ 156/ الطائي عَلَى صدقات طيئ وأسد، وعيينة بن حصن عَلَى صدقات بني فزارة، والحارث بن عوف عَلَى صدقات بني مرة، ونعيم ابن مسعود الأشجعي عَلَى أشجع بن ريث، وأنمار بن بغيض، وبنى عبس ابن بغيض، ومالك بن عوف النصري عَلَى عجز هوازن- وهم جشم، ونصر، وسعد [3] بن بكر، وثقيف بن منبه- وعباس بن مرداس السلمي عَلَى صدقات بني سُلَيْم ومازن ابني منصور، وو عامر بن مالك بن جَعْفَر عَلَى بني عَامِر، والأعجم بن سفيان البلوي عَلَى عذرة وسلامان وبلي وكلب. ويقال إنه ولى صدقات كلب عبد الرحمن بن عوف الزهري، لأنه لَمْ يكن مع النبي صلى اللَّه

_ [1] الأبناء طائفتان: أبناء سعد المذكورة ههنا، وأبناء الفرس الذين جاءوا مع وهرز إلى اليمن، أسلم منهم باذان على العهد النبوي. [2] خ: موبرة. (والتصحيح عن ابن هشام، ص 965) . [3] خ: سعيد. (والتصحيح عن لسان العرب عجز) .

(أسماء الرسل إلى الملوك)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد منهم. وولى بريدة بن الحصيب الأسلمي صدقات أسلم وغفار وجهينة. ويقال إنه ولى صدقات أسلم وغفار وجهينة: كعب بن مالك. وولى صدقات جهينة فقط رافع بن مكيث. ويقال الأعجم بن سفيان معه [1] . وولى أبا عبيدة بن الجراح صدقات مزينة وهذيل وكنانة. وولى الضحاك بن سفيان الكلابي صدقات بني كلاب. ويقال إنه بعث قرة [2] بن هبيرة القشيري [3] عَلَى صدقات بني قشير، وجعدة من بني عَامِر فقط. وولى سالف بن عثمان ابن معتب الثقفي صدقات الطائف والأحلاف. ووجه عَليّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عنه إلى اليمن، ثُمَّ كتب إِلَيْهِ بموافاته بالموسم، فوافاه. (أسماء الرسل إلى الملوك) 1068- وبعث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر، ودحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، وسليط بن عَمْرو العامري إلى هوذة بن عَليّ الحنفي، وعبد اللَّه بن حذافة السهمي إلى كسرى، وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي. وَذَلِكَ فِي سنة سبع، وهو أثبت من قول من قال فِي سنة ست. أسماء كتاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1069- قَالُوا: أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبي بن كعب الْأَنْصَارِيّ. وَكَانَ يكتب لَهُ زيد بن ثابت إِذَا لَمْ يحضر أبي. وكانا يكتبان الوحي، ويكتبان كتبه إلى من كاتبه من الناس وغير ذَلِكَ. وكتب لَهُ عبد اللَّه ابن سعد بن أبي سرح، ثُمَّ افتتن وارتد وخرج إلى قريش كافرا، وَكَانَ إِذَا أملى عَلَيْهِ «الكافرين» ، جعلها «الظالمين» ، وَإِذَا أملى عَلَيْهِ «عزيزا حكيما» كتبه «غفورا رحيما» ، وأشباه ذَلِكَ، فقال: أنا آتي بمثل ما أتى بِهِ محمد.

_ [1] خ: معا. [2] كذا في أصل العبارة (ووافقه الاستيعاب، رقم 2283 قره بن هبيرة القشيرى) ، وبالهامش عن نسخة: «فروة» . [3] خ: والقشيرى.

ذكر الفواطم والعواتك من جدات رسول الله صلى الله عليه وسلم

ونزلت: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ [1] ثُمَّ إنه أسلم بعد فتح مكة. 1070- وكتب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرحبيل بن حسنة، وجهيم بن الصلت بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف. وَكَانَ عثمان بن عفان يكتب له، وخالد ابن سعيد بن العاص بن أمية، وأبان بن سعيد بن العاص، والعلاء بن الحضرمي. وأسلم معاوية عام فتح مكة، فكتب لَهُ أيضا، فبعث إِلَيْهِ ابن عباس ذات يوم هُوَ يأكل، ثم بعث إليه ولم يفرغ من أكله، فقال: [لا أشبع اللَّه بطنه] . فكان معاوية يقول: لحقني دَعْوَةُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ يأكل في كل يوم مرات أكلا كثيرا. ذكر الفواطم والعواتك من جدات رَسُول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم 1071- روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: « [أنا ابن الفواطم والعواتك] » . [الفواطم] أم عبد اللَّه بن عبد المطلب فاطمة بنت/ 257/ عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم. وأم عمرو بن عائذ أيضا فاطمة بنت عبد اللَّه بن رزام بن ربيعة ابن جحوش بن معاوية بن بكر بن هوازن. وأمها فاطمة بنت الحارث بن بهثة ابن سليم بن منصور، ماتت أمها في نفاسها، فسميت باسمها. وأم قصي فاطمة بنت سعد بن سيل، من الجدرة، من أزد شنوءة جدّة [2] عبد مناف لأبيه، وأمه حبى بنت حليل بن حبشية. (وأمها) فاطمة بنت نصر بن عوف بْن (عَمْرو بْن) ربيعة [3] بْن حارثة، من خزاعة. فهن قرشية، وقيسيتان، ويمانيتان. 1072- العواتك: أم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمنة بنت وهب، وأمها برة بنت عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بن قصى. وأمها أم حبيبة بنت أسد ابن عبد العزى بن قصي. وأمها برة بنت عوف بْن عبيد بْن عويج بْن عدي

_ [1] القرآن، الأنعام (6/ 93) . [2] خ: وجده. [3] التكملة عن المحبر، ص 52.

ابن كعب. وأم أسد بن عبد العزى ريطة بنت كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة ابن كعب، وهي الحظيا التي «نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً» . وأم ريطة: قيلة بنت حذافة بن [1] جمح. وأم قيلة: أميمة بنت عَامِر، من خزاعة. وأم أميمة: عاتكة بنت هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. وأم أهيب بن ضبة: عاتكة بنت غالب بن فهر. وأمها عاتكة بنت يخلد بن النضر ابن كنانة. فهؤلاء ثلاث من ولد النضر بن كنانة. 1073- وأم هاشم بن عبد مناف: عاتكة بنت مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان ابن ثعلبة بْن بهثة بْن سليم بْن منصور. وأم مرة بن هلال بن فالج: عاتكة بنت مرة بن عدي بن أسلم، من خزاعة. ويقال بَلْ هي عاتكة بنت جابر ابن قنفذ [2] بن مالك، من بني سُلَيْم. وهو أثبت القولين. وأم هلال بن فالج عاتكة بنت عصية بْن خفاف بْن امرئ القيس بْن بهثة بن سُلَيْم. فهؤلاء ثلاث من بني سُلَيْم. 1074- قالوا: وأم عبد اللَّه بن رزام بن ربيعة بن جحوش- وعبد اللَّه: جد عَمْرو بن عائذ، أَبُو أمه فاطمة، وهي الثانية من الفواطم- عاتكة بنت سعد [3] بن هذيل. فهذه واحدة من هذيل. 1075- وأم عبد اللَّه، أَبِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاطمة بنت عمرو ابن عائذ. وأمها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم. وأمها تخمر بنت عبد قصي، سميت باسم عمتها تخمر بنت قصي. وأمها سلمى بنت عَامِر بن عميرة بن وديعة ابن الحارث بن فهر. وأمها هند بنت عبد اللَّه بن الحارث بن وائلة بن ظرب، من عدوان بن عَمْرو بن قيس بن عيلان. وأمها زينب بنت نصر بن عَامِر، من بني فهم [4] بن عَمْرو بن قيس. ويقال: زينب بنت مالك بن ناصرة ابن كعب بن حرب، من بني فهم بن عمرو. وأمها عاتكة بنت عمرو بن

_ [1] خ: بنت. [2] خ: فيفد (والتصحيح عن المحبر، ص 48) . [3] خ: بنت ابن سعد، وبالهامش عن نسخة: فهر. [4] كذا في أصل العبارة، وبالهامش عن نسخة: فهر.

الظرب بْن عَمْرو بْن عياذ بْن يشكر بن الحارث، وهو عدوان [1] . وأم مالك ابن النضر بن كنانة: عاتكة، وهي عكرشة الحصان، بنت عدوان بن عمرو ابن قيس. هاتان عدوانيتان [2] . 1076- وأم النضر بن كنانة: برة بنت مر بن أد. وأمها ماوية، من بني ضُبيعة بْن ربيعة بْن نزار. وأمها عاتكة بنت الأزد بن الغوث. فهذه أزدية واحدة. 1077- وأم كعب بن لؤي: ماوية بنت القين بن جسر بن شييع [3] اللَّه بن أسد ابن وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بن الحاف. وأمها [4] وحشية بنت حرام ابن ضنة العدوي. وأمها عاتكة بنت رشدان بن قيس بن جهينة بن زيد بن ليث ابن سود بن أسلم بن الحاف. فهذه قضاعية واحدة. 1078- وأم كلاب بن مرة: هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك ابن كنانة. وأمها [5] عاتكة بنت دودان بن أسد بن خزيمة. وأمها جديلة بنت صَعب بْن عَلِيِّ بْنِ بَكْر بْن وائل بن قاسط. فهَذِه أسدية واحدة. 1079- وقال أَبُو عبيدة: من العواتك عاتكة بنت الأوقص بن هلال بن فالج ابن ذَكْوَان بن وهب، أم [6] عبد مناف بن زهرة [7] . وقال أَبُو مسعود الْكُوفِيّ: / 258/ هَذَا غلط.، وإنما أمه هند بنت أبي قيلة جزء بن غالب الخزاعي. 1080- وقال أَبُو عبيدة: أم غالب بن فهر: ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل، وأمها سلمى، من ولد طابخة بن اليأس، وأمها عاتكة بنت الأزد ابن الغوث. وقال بعضهم: أم غالب بن فهر عاتكة بنت سعد بن هذيل. وهو غلط، إنما أمه ليلى بنت الحارث الهذلية، ولكن أم ولد غالب عاتكة

_ [1] زاد بعده في الأصل «هاتان عدوانيتان» ، وهو في غير محله. راجع الحاشية التالية. [2] نقلنا الكلمتين ههنا من السطر السابق، فراجع الحاشية السالفة. [3] خ: شبيع. [4] خ: الحاف بن وحشية. (والتصحيح عن المحبر، ص 50) . [5] خ: أمه. (والتصحيح عن كتاب أمهات النبي لمحمد بن حبيب) . [6] خ: وهب بن عبد مناف. (والتصحيح من اقتراحنا. وعند مصعب، ص 257: أم عبد مناف: جمل بنت مالك الخزاعية) . [7] خ: الزهرة.

ذكر البئار التي كان يستعذب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها الماء

بنت يخلد بن النضر، وهي إحدى العواتك. وقد يقال إنها سلمى بنت عمرو ابن ربيعة بن حارثة، من خزاعة. ذكر البئار التي كَانَ يستعذب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها الماء 1081- قَالَ الواقدي، حَدَّثَنِي معاوية بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي رَافِعٍ، عَنِ أبيه، عن جدته سلمى قالت: كَانَ أَبُو أيوب، حين نزل عنده رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يستعذب لَهُ الماء من بئر مالك بن النضر، أبي «أنس» . فلما صار إلى منزله، كان أنس، وهند [1] ، وحارثة بن أسماء الأسلميان يحملون قدور الماء إلى بيوت نسائه من «بيوت السقيا» . ثُمَّ كَانَ رباح، وهو عبد أسود لَهُ، يستقي من بئر غرس مرة، ومن بيوت السقيا مرة. 1082- قال الْوَاقِدِيُّ، وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ قَالَ، قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ نَصْرٍ الأَسْلَمِيُّ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَزِمْتُ بَابَهُ فِي قَوْمٍ مَحَاوِيجَ، فَكُنْتُ آتِيهِ بِالْمَاءِ مِنْ بِئْرِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ، «جَاسِمٌ» ، وَكَانَ مَاؤُهَا طَيِّبًا. وَلَقَدْ دَخَلَ يَوْمًا صَائِفًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، عَلَى أَبِي الْهَيْثَمِ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ مَاءٍ بَارِدٍ؟ فَأَتَاهُ بِشَجَبٍ [2] فِيهِ مَاءٌ كَأَنَّهُ الثَّلْجُ، فَصَبَّ مِنْه عَلَى لَبَنِ عَنْزٍ لَهُ، وَسَقَاهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ لَنَا عَرِيشًا بَارِدًا، فَقِلْ فِيهِ يَا رَسُولَ اللَّه عِنْدَنَا. وَنَضَحَهُ بِالْمَاءِ. فَدَخَلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ. وَأَتَى أَبُو الْهَيْثَمِ بِأَلْوَانٍ مِنَ الرُّطَبِ: عَجْوَةٍ، وَابْنِ طَابٍ، وَأُمَّهَاتِ جَرَاذِينَ. ثُمَّ جَاءَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِجَفْنَةٍ مَمْلُوءَةٍ ثَرِيدًا، عَلَيْهَا الْعُرَاقُ. فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وَأَكَلْنَا. ثُمَّ قَالَ: عَجَبًا لِلنَّاسِ يَقُولُونَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ. قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيت أَبِي الْهَيْثَمِ، وَزَوْجَةُ أَبِي الْهَيْثَمِ خَلْفَنَا. ثُمَّ سَلَّمَ وَعَادَ إِلَى الْعَرِيشِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ. وَرَأَيْتُهُ يَنْصِبُ الْيُمْنَى مِنْ رِجْلَيْهِ، ويفترش اليسرى.

_ [1] هند أسلمى وهو ابن حارثة بن هند الأسلمى. (الاستيعاب، رقم 2647 هند بن حارثة) . [2] هو سقاء كالدلو.

1083- قالوا: وببئر مالك بن النضر يعرف بئر أنس. 1084- قال الواقدي: وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب من بئر لبني أمية، من الأنصار، تسمى العبيرة، فسماها اليسيرة. وَفِي بعض الرواية أنها كانت تسمى العسيرة، فسماهما اليسيرة. والأولى أثبت. 1085- وَكَانَ يشرب من بئر رؤمة بالعقيق، وبصق فيها فعذبت. وقال: وهي اليوم لعمر بن بزيع. قال: وهي بئر قديمة كانت انطمت، فأتى قوم من مزينة، فحالفوا الأنصار، وقاموا عليها بأبدانهم وأصلحوها. وكانت رؤمة امرأة منهم أو أمة، تستقي [1] منها للناس، فنسبت إليها. وقال بعض الرواة: إن الشعبة التي هي على طرفها تدعى رؤمة. والشعبة واد صغير يجرى فِيهِ الماء. ومر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه البئر، فرأى عليها رجلا من مزينة يسقي عليها بأجر، فقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [نعم هَذِه صدقة للمؤمن هَذِه] [2] . فاشتراها عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ بأربع مائة دينار، فتصدّق بها. فلما تعلق العلق- والعلق البكرة وآلة السقي- مر بِهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأل عنها. فأخبر بخبرها. [فقال: اللَّهُمَّ أوجب لعثمان الجنة. وشرب منها، فقال: هَذَا هُوَ النقاخ] [3] . 1086- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [4] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ حسين ابن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن العباس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِئْرُ غَرْسٍ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ] . حدثني محمد بن سعد [5] ، عن الواقدي، عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ يَسْتَعْذِبُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 259/ الْمَاءَ مِنْ بِئْرِ غَرْسٍ ومنه غسل.

_ [1] خ: يستقى. [2] كذا في الأصل. [3] النقاخ: الماء البارد الصافي. [4] ابن سعد، 1 (2) / 184. [5] أيضا 1 (2) / 185.

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالا ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: غسَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ غَسَلاتٍ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وَغُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ. وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، يُقَالُ لها بئر الغرس. وكان يشرب منها. حدثنى شيخ لنا، عَن الواقدي قَالَ: احتفر «بئر غرس» مالك بن النحاط، وهو جد سَعْد بْن خَيْثَمَة بْن الحارث بْن مَالِك بن النحاط. وَكَانَ لَهُ عبد أسود يتولاها ويقوم عَلَيها ويكثر السقي منها. وَكَانَ يدعى سلاما، ويلقب غرسا فيغضب. فنسبت إليه، فقيل غرس، وبئر الغرس. وحدثت عَن غير الواقدي أن مالكا احتفرها وجعل منها مجرى إلى غرس كَانَ غرسه، فكانت تدعى بئر الغرس. ثُمَّ حذفت الألف واللام، فقيل «غرس» . وبعض المدنيين يقول: بئر غرس، وَذَلِكَ خطأ. 1087- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، وَأَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: أَتَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْرَ بُضَاعَةَ، فتوضّأ في الدَّلْوِ وَرَدَّهَا فِي الْبِئْرِ، وَمَجَّ فِي الدَّلْوِ مَرَّةً أُخْرَى، وَبَصَقَ فِيهَا وَشَرِبَ مِنْ مَائِهَا. وَكَانَ إِذَا مَرَضَ الْمَرِيضَ، قَالَ: [اغْسِلُوهُ مِنْ مَاءِ بُضَاعَةَ. فَيُغَسَّلَ، فَكَأَنَّمَا يَنْشَطُ مِنْ عِقَالٍ] . وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بن غياث، قَالَ سمعت الواقدي يقول: يكون بئر بضاعة سبعا فِي سبع، وعيونها كثيرة، فلا تنزح. وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أُمِّهِ قالت: وحدثت عن الواقدى أنه قال: دَخَلْنَا عَلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: لَوْ سَقَيْتُكُمْ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَكَرِهْتُمْ ذَلِكَ، قَدْ واللَّه سَقَيْتُ مِنْهَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي هَذِهِ.

المحمدون في الجاهلية

وحدثت عَن الواقدي أنه قَالَ بضاعة امرأة قديمة من اليهود، أو قبل اليهود كانت احتفرتها. ثُمَّ إنها انطمت فكسحها بنو ساعدة وأصلحوها. المحمدون فِي الجاهلية [1] 1088- مُحَمَّد بن سفيان بن مجاشع بْن دارم بْن مَالِك بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم. مُحَمَّد بن الحرماز بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم، واسم الحرماز: الحارث. مُحَمَّد بن بر بن طريف بن عتوارة بْن عَامِر بْن ليث بْن بَكْر بْن عَبْدِ مناة بن كنانة. مُحَمَّد الشويعر بن حمران بن أبي حمران الجعفي، الَّذِي يقول لَهُ امرؤ القيس بن حجر [2] : أبلغا عنى الشويعر أنى ... عمد عين حللتهن حريما يعني حريم بن جعفي بن سعد العشيرة. وَمُحَمَّد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الأوسي. وَمُحَمَّد بن مسلمة الْأَنْصَارِيّ، من الأوس. المحمدون عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1089- مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي طالب، ولد بالحبشة. مُحَمَّد بن طلحة بن عبيد اللَّه، سماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمدا، وكناه أبا سُلَيْمَان، وقال: لا أجمع لَهُ اسمي وكنيتي. مُحَمَّد بن حاطب بن الْحَارِث بْن معمر بْن حبيب بْن وهب ابن حذافة بن جمح. مُحَمَّد بن أبي بكر الصديق، ولد بذي الحليفة فِي سنة عشر من حجة الوداع، سماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمدا، وكناه أبا القاسم، وقال بعضهم: كناه أبا عبد الملك، وروي أن عائشة هي (التي سمته) مُحَمَّدا وكنته أبا القاسم. مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة بن عبد شمس. مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم بن زيد بن لوذان الخزرجي، ولد بنجران

_ [1] راجع أيضا المحبر، ص 130 للزيادات. [2] ديوان إمرئ القيس (في العقد الثمين، ذيل ديوان إمرئ القيس، ق 34، ب 1) وفيه «قلدتهن» بدل «حللتهن» . وكذلك في لسان العرب شعر.

أسماء المشبهين برسول الله صلى الله عليه وسلم:

وأبوه [1] واليها/ 260/ فكتب إلى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه قد ولد لي مولود، فسميته مُحَمَّدا، وكنيته أبا سُلَيْمَان. فكتب إِلَيْهِ. قد كنيته أبا عبد الملك. 1090- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّرِيرُ الْوَاسِطِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمُّوا بِاسْمِي وَلا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، عَن جُلاسٍ [2] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 1091- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ [3] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: [قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ وُلِدَ لِي، يَا رَسُولَ اللَّه، غُلامٌ، أُسَمِّيهِ بِاسْمِكَ وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.] قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: فَسَمَّى ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ مُحَمَّدًا، وَكَنَّاهُ بِأَبِي الْقَاسِمِ. أسماء المشبهين برسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 1092- جَعْفَر بن أبي طالب بن عبد المطلب، روى أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لَهُ: شبهت خلقي وخلقي.] الْحَسَن بن عَليّ عليهما السلام، وكانت فاطمة عليها السلام تَقُولُ: بأبي شبه النَّبِيّ ... غير شبيه بعلي ويقال إن أبا بكر قَالَ لَهُ يوما، وقد لقيه فِي طريق المدينة: بأبي شبه النَّبِيّ ... غير شبيه بعلىّ وقشم بن العباس بن عبد المطلب. وَأَبُو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، واسمه المغيرة. وهاشم بن المطلب بن عبد مناف. ومسلم بن معتّب بن أبى لهب.

_ [1] خ: فأبوه. [2] خ: حلاس (بالحاء المهملة) . [3] خ: الشورى (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 10، رقم 531) .

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبى بكر رضى الله عنه:

قَوْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أبى بكر رضى اللَّه عَنْهُ: 1093- حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ قَالُوا، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ شَيْئًا. فَقَالَ: [ارْجِعِي إِلَيَّ. قَالَتْ: فَإِنْ رَجَعْتُ، فَلَمْ أَجِدْكَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ - تُعَرِّضُ بِالْمَوْتِ. فَقَالَ لَهَا: إِنْ رَجَعْتِ فَلَمْ تَجِدِينِي، فَالْقَيْ أَبَا بَكْرٍ] . 1094- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ يُونُسَ، ثنا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّه، مَا أَزَالُ أُرَانِي كَأَنِّي أَطَأُ فِي عَذَرَاتِ النَّاسِ. فَقَالَ: [لَتَكُونَنَّ مِنْهُمْ بِسَبِيلِ خَيْرٍ] . 1095- حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيِّ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عن مَوْلًى لِرِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: إني لا أَدْرِي كَمْ بَقَائِي فِيكُمْ، فَاقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي- وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ فَصَدِّقُوهُ] . وَحُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عمير، عن هِلالٍ مَوْلَى رِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ مَوْلَى حُذَيْفَةَ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ حَاتِمٍ الْبَزَّازُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَنْبَأَ زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ] . وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ] .

_ [1] ابن سعد، 3 (1) / 185.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ [1] ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سَالِمِ (بْنِ) [2] أَبِي الْعَلاءِ الْمُرَادِيِّ/ 261/ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّه رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ حُذَيْفَةَ جَمِيعًا، عَنْ حُذَيْفَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ وَكِيعٍ. 1096- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، ثنا عبد الرحمن ابن أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: [ائْتِنِي بِكَتِفٍ حَتَّى أَكْتُبَ لأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، لا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ مَعَهُ. فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَقُومَ، فَقَالَ: اجْلِسْ، أَبَى اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُخْتَلَفَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ] . وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هارون، أنبأ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ، أَوْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَأْبَى اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ] . 1097- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْبَصْرِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [3] ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ أَبِي شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: بُدِئَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بَيْتِ مَيْمُونَةَ، ثُمَّ خَرَجَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ: «وَارَأْسَاهُ» . فَقَالَ: [وَدِدْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَأَنَا حَيٌّ، فَأُصَلِّي عَلَيْكِ وَأَدْفِنُكِ. فَقُلْتُ: وَإِنَّكَ لَتُحِبُّ ذَلِكَ، كَأَنِّي أَرَاكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ نِسَائِكَ. ثُمَّ قَالَ: أَنَا وَارَأْسَاهُ، ادْعِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ أَعْهَدُ عَهْدًا لأَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، أَوْ يَظُنَّ ظَانٌّ، وَيَأْبَى اللَّه ذَلِكَ والمؤمنون] .

_ [1] أيضا 2 (2) / 98. [2] كما مر في إسناد آخر قبل هذا. [3] الرواية عند ابن هشام (ص 1000) بالمعنى ولكن ليس فيها ذكر العهد لأبى بكر.

حَدَّثَنَا عَفَّانُ أَبُو عُثْمَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ لِعَائِشَةَ: [ادْعِي لِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَكْتُبُ لأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، فَلا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بَعْدِي. ثُمَّ قَالَ: دَعِيهِ [1] ، مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَخْتَلِفَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَبِي بَكْرٍ] . 1098- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شعيب بن حرب، أنبأ خالد بن يزيد القرشي، ثنا زرعة ابن عمرو قال: وَكَانَ عَمْرو أحد الأربعة الَّذِينَ حملوا عثمان- قَالَ: لِمَا قدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قَالَ للمهاجرين: [انطلقوا بنا إلى الأنصار نسلم عليهم. فقال: يا معشر الأنصار، اجمعوا لي أحجارا من حجارة الحرة. فأخذ حجرا، فوضعه، ثُمَّ قال: يا با بكر، خذ حجرا، فضعه إلى جنب حجري. ثُمَّ قَالَ: يا عمر، خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر أبي بكر. ثُمَّ قَالَ لعثمان: خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر عمر. قَالَ: فأفرد هؤلاء الثلاثة لهذا الأمر] . 1099- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ تُوَلُّوا أَبَا بَكْرٍ تَجِدُوهُ ضَعِيفًا فِي بَدَنِهِ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَإِنْ تُوَلُّوا عُمَرَ تَجِدُوهُ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ قَوِيًّا في أمر الله، وإن تولوهما عَلِيًّا، وَلَنْ تَفْعَلُوهُ، تَجِدُوهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا يَهْدِيكُمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ] . 1100- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَوْتُ غَزَاةً، ثُمَّ قَدِمْتُ، فسألنى أبى عن البلاد والناس وهل سَمِعْتَ شَاكِيًا لِعَامِلٍ، أَوْ مَرَرْتَ بِشَيْءٍ ضَائِعٍ؟ فَأَخْبَرْتُهُ [2] بِأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَشْكُو أَحَدًا، وَلَمْ أَرَ شَيْئًا ضَائِعًا. ثُمَّ قُلْتُ: أَلا تَسْتَخْلِفُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلا تَثِقُ [3] بِهِ في

_ [1] خ: ادعية. [2] خ: فاخترته. [3] خ: يثق.

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدئ:

حَيَاتِكَ؟ قَالَ: فَاسْكُتْ سَاعَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّه عَنْ نَصِيحَتِكَ خَيْرًا، إِنِ اسْتَخْلَفْتُ، فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنْ تَرَكْتُ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ منى، وأفضل الهدي هدي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ لا أَسْتَخْلِفَ أَحَدًا أَسْلَمُ لِي. أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بدئ: 1101/ 262/ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، أنبأ هشام بن سعد، عن زيد ابن أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ مَعْصُوبَ الرَّأْسِ، فَلَمْ يَزَلْ شَاكِيًا حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه يَوْمَ الإِثْنَيْنِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الأَرْبَعَاءِ. 1102- وَرَوَى الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ [1] ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقِيعَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ كُنْتَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَقَالَ: [إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ وَأُصَلِّي عَلَيْهِمْ.] قَالَ هِشَامٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ رَجَعَ مَوْعُوكًا. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوَارِزْمِيُّ، حَدَّثَنِي سُوَيْدٌ الأَنْبَارِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَاسْتَغْفَرَ لأَهْلِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ، فَابْتَدَى بِوَجَعِهِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. 1103- وروى بعضهم أَنَّهُ كانت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جارية يقال لَهَا ربيحة، أخذها من سبي بني قريظة وجعلها في نخل له يدعى نخل الصدقة، وكان ربما قال عندها، فانصرف ذات يوم من عندها موعوكا، فأتى منزل ميمونة، ثم تحول إلى منزل عائشة فقبض فيه [2] .

_ [1] خ: الزياد. [2] ابن هشام، ص 999- 1000.

1104- حدثني عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أَنْبَهَنِي رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليل، فقال: [يا با مُوَيْهِبَةَ، إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ، فَانْطَلِقْ مَعِي. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ بين أظهرهم قال: «السلام عليكم يا أهل الْمَقَابِرِ، لِيَهْنَئْ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ. لَوْ عَلِمْتُمْ مَا نَجَّاكُمُ اللَّه مِنْهُ! أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يتبع أولها آخرها [2] . الآخرة شَرٌّ مِنَ الأُولَى» . ثُمَّ قَالَ: «هَلْ عَلِمْتَ يا با مُوَيْهِبَةَ؟ أَنِّي قَدْ خُيِّرْتُ بَيْنَ [3] مَفَاتِحِ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ، وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي وَالْجَنَّةَ. وَاخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ» . ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ وَانْصَرَفَ.] فَبُدِئَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ. 1105- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [4] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بن عتبة، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: رَجَعَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَقِيعِ حِينَ اسْتَغْفَرَ لأَهْلِهِ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهُ. فَقَالَ: [بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ. ثُمَّ قَالَ: مَا ضَرَّكِ لَوْ [5] مُتِّ قَبْلِي، فَقُمْتُ عَلَيْكِ وَكَفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ] . فَقُلْتُ: كَأَنِّي بِكَ ولو فَعَلْتَ ذَلِكَ قَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ. قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ. وَتَتَامَّ بِهِ وَجَعُهُ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى اسْتَعِزَّ به وهو في بيت ميمونة. قالت: فدعى نِسَاءَهُ فَأْسَتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ. فَخَرَجَ يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدِهِمَا الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَرَجُلٍ آخَرَ وَهُوَ تَخُطُّ قَدَمَاهُ الأَرْضَ، عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، حَتَّى دَخَلَ بيتى. قال عبيد اللَّه،

_ [1] أيضا، ص 1000. [2] عند ابن هشام: «آخرها أولها» . [3] خ: بان. [4] ابن هشام، ص 1000. [5] لم نجده عند ابن هشام.

فَحَدَّثْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الآخَرُ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: عَلِيٌّ، وَلَكِنَّهَا لا تَقْدِرُ أَنْ تَذْكُرَهُ بِخَيْرٍ وَهِيَ تَسْتَطِيعُ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ إِلا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّهَا لا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَذْكُرَهُ بِخَيْرٍ وَهِيَ تَسْتَطِيعُ» . 1106- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُدَارُ بِرَسُولِ اللَّه/ 263/ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُيُوتِ نِسَائِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، قَالَ: [أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ فَجَعَلَ يُخْبِرْنَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُنَّ: إِنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ يَوْمِ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ. فَأَذِنَّ لَهُ، وَقُلْنَ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّمَا نَحْنُ أَخَوَاتٌ. فَقَالَ: فِي حِلٍّ؟] قُلْنَ: نَعَمْ. فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَنْزِلِ عَائِشَةَ. فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه. 1107- حُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دِيرَ بِهِ عَلَى نِسَائِهِ، يُحْمَلُ فِي ثَوْبٍ يَأْخُذُ بِأَطْرَافِهِ الأَرْبَعَةِ أَبُو مُوَيْهِبَةَ، وَشُقْرَانُ، وَثَوْبَانُ، وَأَبُو رَافِعٍ مَوَالِيهِ. 1108- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَى شَكْوَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ زَوْجَتِهِ، حَتَّى غُمِرَ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ. فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ زَوْجَتُهُ، وَأُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ أُمُّ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْعَبَّاسِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَاسْتَشَارُوا فِي لَدِّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غُمِرَ. فَلَدُّوهُ. فَلَمَّا أَفَاقَ، قَالَ: [مَنْ فَعَلَ هَذَا بِي؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه: إِنَّا خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتَ الْجَنْبِ، فَلَدَدْنَاكَ. فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّه مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَنِي بِذَاتِ الْجَنْبِ، مَا كَانَ

اللَّه لِيُعَذِّبَنِي بِهَا. ثُمَّ قَالَ: لا جَرَمَ لا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا الْتَدَّ، غَيْرَ عَمِّي، عُقُوبَةً لَهُمْ.] قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَالْتَدَتْ مَيْمُونَةُ وَهِيَ صَائِمَةٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ثَقِيلٌ فِي بيت ميمونة، فقال نساؤكن بِالْحَبَشَةِ- مِنْهُنَّ أُمُّ سَلَمَةَ، وَأَسْمَاءُ ابْنَةُ عُمَيْسٍ-: لَدُّوهُ. فَقُلْتُ: لا تَفْعَلُوا. فَخَالَفُونِي، فَلَدُّوهُ. ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: [هَذَا عَمَلُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، هَذَا مِنْ دَوَاءِ أَهْلِ الْحَبَشَةِ، لا يَبْقَيَنَّ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا لُدَّ، غَيْرَ عَمِّي.] فَلَدَدْتُ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، وَلَدَّتْنِي فَوَجَدْتُ مِنْ ذَلِكَ حَزًّا. وَلَدَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. وَأَقَامَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بُحَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ [1] قَالَ: حُدِّثْنَا أَنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما اشْتَدَّ وَجَعُهُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ زَوْجَتِهِ، لُدَّ بالكسب وَالزَّيْتِ. فَلَمَّا أَفَاقَ: قَالَ: مَنْ لَدَّنِي؟ قَالُوا: عَمُّكَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَعَائِشَةُ. قَالَ: مَنْ دَلَّكُمْ عَلَى هَذَا؟ قَالُوا: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَأُمُّ سَلَمَةَ. قَالَ: [هَذَا طِبٌّ جَاءَتَا بِهِ مِنَ الْحَبَشَةِ حِينَ هَرَبَتَا بِدِينِهِمَا مِنْ قُرَيْشٍ.] وَأَمَرَهُمْ جَمِيعًا، فَالْتَدُّوا إِلا الْعَبَّاسَ. وروى الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحمن وغيره: أن الذي لد بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عود هندي، وشيء من ورس، وشيء من زيت. 1109- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بُشَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أن صلى على أصحاب أحد واستغفر

_ [1] خ: سعد (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 1، رقم 777) . [2] ابن هشام، ص 1006.

لَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّه خَيَّرَهُ اللَّه بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ رَبِّهِ. فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعَرَفَ أَنَّهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ، فَبَكَى وَقَالَ: نَحْنُ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَبْنَائِنَا. ثُمَّ قَالَ: انْظُرُوا هَذِهِ الأَبْوَابَ الشَّاخِصَةَ- أَوِ الشَّارِعَةَ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- فَسُدُّوهَا إِلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي لا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلُ عِنْدِي يَدًا فِي الصُّحْبَةِ مِنْهُ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ، أَنْبَأَ الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ/ 264/ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: [قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّ عَبْدًا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.] فَفَطِنَ أَبُو بَكْرٍ، فَبَكَى. فَقَالَ له أبو سعيد الخدرى: يا با بَكْرٍ، مَا يُبْكِيكَ مِنْ عَبْدٍ خُيِّرَ بَيْنَ الدنيا والآخرة فاختار الآخرة؟ فنطر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: [إِنَّ أمَنَّكُمْ عَلَيَّ بِصُحْبَتِهِ، وَذَاتِ يَدِهِ لابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، سُدُّوا كُلَّ خَوْخَةٍ إِلَى الْمَسْجِدِ إِلا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عُرِضَتْ لَهُ بَحَّةٌ [1] ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: « [بَلِ الرَّفِيقَ الأَعْلَى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ] » ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّه. 1110- حدثني عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لأَصْحَابِ أُحُدٍ، ثُمَّ قَالَ: [يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، اسْتَوْصُوا بِالأَنْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّ الناس يزيدون والأنصار على هيئتهم

_ [1] خشونة الصوت. [2] ابن هشام، ص 1007.

لا يَزِيدُونَ، إِنَّهُمْ عَيْبَتِي الَّتِي آوَيْتُ إِلَيْهَا، فَأَحْسِنُوا إِلَى مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ] . 1111- حَدَّثَنِي محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّه [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَن اللَّه عز وجل خير نبيه بين خزائن الدنيا والخلود فيها ثم الجنة، وبين الموت ولقاء ربه والجنة، فاختار لقاء ربه، وجعل يقول: « [الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى] » . حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ مُوسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا احْتَضَرَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أتاه جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالْمَصِيرِ إِلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: « [بل الرفيق الأعلى] » ، حتى قضى صلى اللَّه عليه وسلم. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَبُو عَمْرٍو، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَقُولُ: إِنَّ اللَّه لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا قَطُّ حَتَّى يُخَيِّرَهُ، فَلَمَّا احْتَضَرَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كانت آخِرَ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْهُ: « [الرَّفِيقَ الأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ] » ، فَقُلْتُ: إِذًا واللَّه لا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ يَقُولُ لَنَا إِنَّ نَبِيًّا لا يُقْبَضُ حَتَّى يُخَيَّرَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ وَفَاتِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ] . حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا: مَاتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فِي يَوْمِي وَلَيْلَتِي، وَبَيْنَ سَحْرِي

_ [1] خ: سعد. (والتصحيح عن عين الإسناد تكرر مرارا) . [2] ابن هشام، ص 1008.

وَنَحْرِي [1] ، وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ رَطْبٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ فِيهِ حَاجَةً، فَمَضَغْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ وَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ [2] أَحْسَنَ مَا رَأَيْتُهُ اسْتَنَّ قَطُّ، ثُمَّ ذَهَبَ يَرْفَعُهُ فَسَقَطَتْ يَدُهُ، فَأَخَذْتُ أَدْعُو دُعَاءً كَانَ يَدْعُو بِهِ إِذَا مَرِضَ فَلَمْ يَدْعُ بِهِ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ وَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: « [الرَّفِيقَ الأَعْلَى] » ، ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُهُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وريقه في آخر يوم من الدُّنْيَا. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [3] ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ 2650/ قالت: [سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي، وَقَدْ أَصْغَيْتُ إِلَيْهِ، يَقُولُ: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقنى بالرفيق (الأعلى) ] [4] . 1112- حدثني محمد بن سعد [5] ، عن الواقدي، عن مَعْمَرٍ وَمَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: دَخَلَتْ أُمُّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذِهِ الْحُمَّى الَّتِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: « [إِنَّ اللَّهَ يُضَاعِفُ الأَجْرَ كَمَا يُضَاعِفُ الْبَلاءَ. هِيَ مِنَ الأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُهَا وَابْنُكِ مِنَ الشَّاةِ بِخَيْبَرَ. فَهَذَا أَوَانُ انْقَطَعَ أَبْهَرِي] » . 1113- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [6] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ وَمَالِكٍ [7] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في مرضه على نفسه بالمعوّذات [8] .

_ [1] أى مستندا إلى صدري. [2] استن: نظف أسنانه. [3] موطأ مالك، كتاب 16، باب 16 (حديث 16) . [4] الزيادة عن الموطإ. [5] راجع ابن سعد، 2 (2) / 8، 12. [6] أيضا 2 (2) / 84. [7] راجع موطأ مالك، كتاب 50، باب 4 (حديث 10) . [8] هي 112، 113، 114 من سور القرآن.

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى قَرَأَ بالمعوّذتين [2] عَلَى نَفْسِهِ وَتَفَلَ، فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهِمَا. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُعَوِّذُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ كَانَ جِبْرِيلُ يُعَوِّذُهُ بِهِ، وَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يَتَعَوَّذُ بِهِ إِذَا اشْتَكَى، فَقَالَ: [ارْفَعِي رُقَاكِ عَنِّي، فَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْفَعُنِي وَأَنَا فِي الْمُدَّةِ] . 1114- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ، حُدِّثْتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَحْسَبُ الَّذِي حَدَّثَنِي يُونُسُ الأَيْلِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّيَاقُ [3] ، طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ يَكْشِفُهَا إِذَا اغْتَمَّ. 1115- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان إِذَا اشْتَكَى، دَعَا لِنَفْسِهِ بِالْعَافِيَةِ، فَلَمَّا اشْتَكَى آخِرَ شَكَاةٍ، لَمْ يَدْعُ بِشَيْءٍ، وَجَعَلَ يَقُولُ: « [يَا نَفْسُ، مَالَكِ، تَلُوذِينَ كُلَّ مَلاذٍ!] » 1116- حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالا ثنا جَرِيرٌ الضَّبِّيُّ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ وَجَعًا مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ [1] راجع موطأ مالك، كتاب 50، باب 4 (حديث 10) . [2] هي 113، 114 من سورة القرآن. [3] السياق: بدء نزع الروح.

1117- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ) [1] أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فِي بَيْتِهِ، فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ تَوَشَّحَ بِهِ، الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ «وَالْمُرْسَلاتِ [2] » ، وَمَا صَلَّى بِنَا بَعْدَهَا حَتَّى قُبِضَ. 1118- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُشِفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتْرُ، فَرَأَيْتُهُ مَعْصُوبًا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، [فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلا الرُّؤْيَا يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ] . 1119- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، ثنا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِلالِ ابن أَبِي حُمَيْدٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ] . حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ائْتَمَرُوا أَيْنَ يَدْفِنُونَهُ، فَأَزْمَعُوا [3] أَنْ يَدْفِنُوهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا رَأْسَهُ فِي حِجْرِي، إِذْ قَالَ: [قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.] فَأَجْمَعُوا أَنْ يَدْفِنُوهُ حَيْثُ قُبِضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. 1120- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الله/ 266/ ابن الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ قَالَتْ: كُنْتُ جَالِسَةً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: [مَا يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: أَخْشَى عَلَيْكَ وَلا أَدْرِي مَا نَلْقَى مِنَ النَّاسِ بَعْدَكَ؟ فَقَالَ: أنتم المستضعفون] .

_ [1] الزيادة عن عين الإسناد مر قبل هذا. [2] سورة القرآن، رقم 77. [3] أزمع: أظهر العزم.

1121- حدثنا الأعين، ثنا سويد بن سعيد، عن رشد (ين) بن سعد، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كان عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ اشْتَدَّ وَجَعُهُ، قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، يُدْخِلُ فِيهِ يَدَهُ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ [وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ] . حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قال، قالت عائشة: ما أغبط أحدا يهوّد [1] عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1122- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وكانت مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي. ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَبَكَتْ. ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ؟ فَقَالَتْ: [مَا كُنْتُ أُفْشِي سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَتَّى إِذَا قُبِضَ، سَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: «أَسَرَّ إِلَيَّ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلا أَرَاهُ [2] إِلا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لِحَاقًا بي ونعم السلف أنالك. فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: أَلا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَوْ: نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَضَحِكْتُ] » وَحَدَّثَنِي عُمَرُ [3] بْنُ شَبَّةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ثَقُلَ، ضَمَّتْهُ فَاطِمَةُ إِلَى صَدْرِهَا وَقَالَتْ: « [وَاكَرْبَاهُ لِكَرْبِكَ يَا أَبَتَاهُ] » ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لا كَرْبَ عَلَى أبيك بعد اليوم] .

_ [1] أى يبطئ. [2] خ: رواه. [3] عمرو.

1123- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: [لَمَّا نَزَلَتْ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [1] ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي.] قَالَ، يَقُولُ: إِنَّهُ مَقْبُوضٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. 1124- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إسناده قَالَ: بكت فاطمة رضي الله تعالى عنها عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: [يا بنية، لا تبكي، وإذا مت فقولي: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، فإن فيها من كل ميت معوضة. قالت: ومنك، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: نعم ومني.] قَالَ [3] : وبكت أم أيمن، فقيل لها: لا تبكي، فإنما خير فاختار ما عند ربه. قالت: إنما أبكي انقطاع خبر السماء عنا. وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما اشْتَدَّ وَجَعُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، جَعَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلامُ تَبْكِي، وَتَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَنْتَ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ [4] : وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ فَأَفَاقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَقَالَ: هَذَا قَوْلُ عَمِّي [5] أَبِي طَالِبٍ،] وَقَرَأَ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ؟ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [6] . 1125- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ/ 267/ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [انْقِلُونِي إِلَى بَيْتِ عائشة] .

_ [1] سورة القرآن رقم 110. [2] ابن سعد، 2 (2) / 84. [3] أيضا، 2 (2) / 83- 84. [4] ابن هشام، ص 174، 177 في قصيدة طويلة. [5] خ: عمك. [6] القرآن، آل عمران (3/ 144) .

قالت: فلما سمعت ذلك، قمت، ولم تكن لِي خَادِمٌ، فَكَنَسْتُ بَيْتِي وَفَرَشْتُ لَهُ فِرَاشًا، وَوَسَدْتُهُ وِسَادَةً كَانَ حَشْوُهَا إِذْخِرٌ. فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ، قَالَ: [أَرْسِلِي إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَلْيَؤُمَّ النَّاسَ. قَالَتْ:] فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ. فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ، ضَعِيفٌ عَنْ أَنْ أَقُومَ فِي مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ أَشِيرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمَرَ، وَاسْتَعِينِي عَلَيْهِ بِحَفْصَةَ. فَفَعَلْتُ فَقَالَ: [إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ [1] ، أَرْسِلِي إِلَى أَبِي بَكْرٍ] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي مَرَضِهِ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً خَرَجَ فَصَلَّى بالناس، وإذا ثقل وجاءه المؤذّن قال: [مروا أبا بكر يصلى بالناس] . فَخَرَجَ الأَمْرُ مِنْ عِنْدِهِ يَوْمًا بِأَنْ يُصَلِّيَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ غَائِبًا، فَصَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ. فَلَمَّا كَبَّرَ، وَكَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ، سَمِعَ تَكْبِيرَهُ، فَقَالَ: [لا، لا، لا، أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟] فَانْصَرَفَ عُمَرُ، وَانْتُقِضَتِ الصُّفُوفُ. فَمَا بَرِحْنَا حَتَّى طَلَعَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَكَانَ بِالسُّنُحِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ. 1126- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُودُهُ، فَقَالَ: [يَا عَبْدَ اللَّهِ مُرِ النَّاسَ بِالصَّلاةِ.] فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ رِجَالا لَمْ أُكَلِّمْهُمْ حَتَّى رَأَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: صَلِّ بِالنَّاسِ. فَلَمَّا كَبَّرَ، سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَهُ، فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ حُجْرَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: لا، لا، لا، ليصل (ب) الناس [4] ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ. وَقَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مُغْضَبٌ. فَانْصَرَفَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَمَرَكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمرنى؟ قلت لا، ولكنه قال لي [5] :

_ [1] راجع القرآن، يوسف (12/ 30- 32) . [2] ابن سعد، 2 (2) / 22 (وفيه «لألا» مرتين) . [3] ابن سعد، 2 (2) / 21. [4] خ: صلى. [5] تكرر في المخطوطة بسهو الناسخ «وَلَكِنَّهُ قَالَ لِي» .

« [يَا عَبْدَ اللَّهِ، مُرِ النَّاسَ بِالصَّلاةِ] » ، فَلَمَّا رَأَيْتُكَ لَمْ أَبْلُغْ مِنْ وَرَائِكَ. فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ إِلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَكَ أَنْ تَأْمُرَنِي، وَلَوْلا ذَلِكَ مَا صَلَّيْتُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَبَّرَ عُمَرُ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكْبِيرَهُ، فَأَقْلَعَ رَأْسَهُ مُغْضَبًا يَقُولُ: « [أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟] » 1127- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا يُونُسُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ الْيَوْمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَإِنَّهُ كَثُرَ النَّاسُ. فَصَلَّى بِهِمْ صَلاةَ الصُّبْحِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَصَلَّى بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ. فَلَمَّا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا شبابة بن سوار، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا. 1128- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا كَثِيرُ بْنُ مرورٍ الْفِلَسْطِينِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: [أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بَكْرٍ عَلَى صَلاةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَلَّى بِهِمْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ أيام، ثم قبض] .

_ [1] ابن سعد، 2 (2) 22. [2] أيضا، 2 (2) / 23. [3] راجع ابن سعد، 2 (2) / 22- 23 خلاصة الحديث بأسانيد أخرى.

1129- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ/ 268/ فِي بُرْدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، حِينَ اشْتَكَى. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، قَالَ سَمِعْتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبا بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. 1130- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد [1] ، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلاةٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ يُونُسَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ ثَلاثًا. 1131- حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ: [مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ بَكَى. فَقَالَ: مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ.] فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ. فَفَعَلَتْ. فَقَالَ: [إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ.] فَقَالَتْ حَفْصَةُ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكَ خَيْرًا. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، أَنْبَأَ زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ قَالَ: [مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، وَإِنْ قَامَ مَقَامَكَ

_ [1] ابن سعد، 2 (2) / 23. [2] أيضا.

لَمْ يَكُنْ يُسْمِعُ النَّاسَ. قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ] . حَدَّثَنَا إسحاق أبو [1] موسى القروي وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، قَالا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِلالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: [مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ إِنْ قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ؟ قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ.] فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ لا يُسْمِعُ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ؟ فَقَالَتْ لَهُ حَفْصَةُ ذَلِكَ. فَقَالَ: [أَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ.] فَصَلَّى بِهِمْ. فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ، وَجَدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاهُ تَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ، ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ. فَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، وَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ يَقْتَدِي بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلاتِهِ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عن عبيد اللَّه ابن عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.

_ [1] خ: بن (وقد مر اسمه في أسانيد) . [2] ابن سعد، 2 (2) / 21، 23 (بأسانيد أخرى) .

1132- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ خَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ فَجْأَةً: كَانَ بِلالٌ يَأْتِيهِ فِي مَرَضِهِ فَيُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ. (فَيَقُولُ) فَهَاتُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَهُوَ يَرَى [1] مَكَانِي. فَلَمَّا قُبِضَ، نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فَرَأَوْا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلاهُ أَمْرَ دِينِهِمْ، فَوَلَّوْهُ [2] أَمْرَ دُنْيَاهُمْ] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ/ 269/ الدَّوْرَقِيُّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ قَالا، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ، قَالَ عَلِيٌّ: [لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ، فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا مَنْ رَضِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا، فَقَدَّمْنَا أَبَا بَكْرٍ] . 1133- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ يُونُسَ، أَنْبَأَ أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً صَلَّى، وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، أَنْبَأَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لِلنَّاسِ صَلاةَ الصُّبْحِ. ثم خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَحَسَّهُ أَبُو بَكْرٍ، ذَهَبَ يَسْتَأْخِرُ. فَحَبَسَهُ. فَصَلَّى هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ إِمَامُ النَّاسِ، وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَرَاكَ يَا رَسُولَ اللَّه قَدْ أَصْبَحْتَ صَالِحًا، وَالْيَوْمُ لابْنَةِ خَارِجَةَ- يَعْنِي امْرَأَتَهُ مِنَ الأَنْصَارِ. وَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ. ثم نادى بأعلى صوته: « [إنى واللَّه لا أحلّ لكم

_ [1] خ: ترى. [2] خ: فولاه.

إِلا مَا أَحَلَّ اللَّه، وَلا أُحَرِّمُ عَلَيْكُمْ إِلا مَا حَرَّمَ اللَّه فِي كِتَابِهِ. يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّه، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّه، اعْمَلا لِمَا عِنْدَ اللَّه فَإِنِّي لا أُغْنِي عَنْكُمَا مِنَ اللَّه شَيْئًا] » . فَمَا انْتَصَفَ النَّهَارُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1134- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثنا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، ثنا الْبَهِيُّ قَالَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ: أَرَاكَ الْيَوْمَ مُفِيقًا، وَهُوَ يَوْمُ ابْنَةِ خَارِجَةَ. فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا. 1135- حدثني عبد اللَّه بن أبي أمية البصري، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا اسْتُعِزَّ [2] بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضُهُ، قَالَ: [مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ ضَعِيفُ الصَّوْتِ، رَقِيقٌ، كَثِيرُ الْبُكَاءِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ. قَالَ: مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ. قَالَتْ: فَعُدْتُ بِمِثْلِ قَوْلِي. فَقَالَ: إنكن صواحب يوسف، مروه فليصل.] قالت: فو اللَّه مَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلا أَنِّي خِفْتُ أَنَّ النَّاسَ لا يُحِبُّونَ رَجُلا قَامَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يَتَشَاءَمُوا به، فأحببت أن أصرفه ذَلِكَ عَنْهُ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ ثنا المعقل بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَاتَهُ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا، فَقَالَ: [لِيُصَلِّ لِلنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَقِيقٌ، وَإِنَّكَ مَتَى تُقِمْهُ مَقَامَكَ لا يَمْلِكُ دَمْعَهُ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَمُرْ عُمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ لِلنَّاسِ. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لِيُصَلِّ أَبُو بَكْرٍ. فَرَاجَعَتْهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ: لِيُصَلِّ أَبُو بَكْرٍ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ.] قَالَتْ عَائِشَةُ: ما حملني على

_ [1] ابن هشام، ص 1008. [2] خ: استمر.

أَنْ كَلَّمْتُهُ بِذَلِكَ إِلا كَرَاهَةَ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَوَّلِ رَجُلٍ يَقُومُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1136- حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ قَالا، ثنا وَكِيعٌ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَأَخَذَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ. حدثنا عبِد اللَّه بْن صالح العجلي، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَاضِي/ 270/ الْمَدَائِنِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ حِينَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلاةِ فِي مَرَضِهِ. ثُمَّ وَجَدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً، فَخَرَجَ. فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ. فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الآيَةِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَرَأَ. 1137- حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي جُرَيٍّ [1] ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: لِيُعْلِمَهُمْ، واللَّه، مَنْ صَاحِبُهُمْ بَعْدَهُ؟ 1138- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: [لِيُصَلِّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ حَصِرٌ. قَالَ: فَبَعَثُوا إِلَى عُمَرَ،] فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَتَقَدَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ حَيٌّ. الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ، قَالَ عَلِيٌّ: [مَرِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ بِالصَّلاةِ وَهُوَ يَرَى مَكَانِي. فَلَمَّا قُبِضَ، اخْتَارَ الْمُسْلِمُونَ لِدُنْيَاهُمْ مَنْ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه

_ [1] خ جزى (بالزاي، والتصحيح عن الطبرى) .

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِهِمْ. فَوَلَّوْا أَبَا بَكْرٍ. وَكَانَ واللَّه لَهَا أَهْلا. وَمَاذَا كَانَ يُؤَخِّرُهُ عَنْ مَقَامٍ أَقَامَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ؟] 1139- وحدثني هدبة، ثنا المبارك بن فضالة أن عمر بن عبد العزيز بعث ابن الزبير الحنظلي إلى الحسن فقال له: هل كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استخلف أبا بكر؟ فقال الحسن: «أو في شك صاحبك؟ واللَّه الذي لا إله إلا هو، لاستخلفه حين أمره بالصلاة دون الناس. ولهو كان أتقى للَّه من أن يتوثب عليها» . المدائني، عَنِ المبارك بن فضالة بمثله. 1140- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، فَأَرَادَ أَنْ يَنْكُصَ. فَقَالَ: [مَكَانَكَ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى الصُّفُوفِ] . حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّوَّاقُ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ زُرَارَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اشْتَكَى وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَبَيْنَا نحن في صلاة الظهر، (إذ) كَشَفَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ عَائِشَةَ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ وَكَأَنَّهُ وَرَقَةٌ من مصحف. قال، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: وَسَمِعْتُ غَيْرَ الزُّهْرِيِّ يَذْكُرُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَكَصَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ صُفُوفًا لِمَا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ وَأَشَارَ أَنِ اثْبُتُوا عَلَى صَلاتِكُمْ. ثُمَّ أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يومه ذلك.

_ [1] ابن سعد، 2 (2) / 18 بإسناد غير هذا.

1141 حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو عَاصِمٌ النَّبِيلُ، ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمَ الْخَمِيسِ؟ اشْتَدَّ فِيهِ وَجَعُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَبَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ طَوِيلا. ثُمَّ قَالَ: «فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ، [قَالَ: ائْتُونِي بِالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّونَ مَعَهُ بَعْدِي أَبَدًا. فَقَالُوا: أَتُرَاهُ يَهْجُرُ. وَتَكَلَّمُوا، وَلَغَطُوا. فَغَمَّ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَضْجَرَهُ. وَقَالَ: إِلَيْكُمْ عَنِّي. وَلَمْ يَكْتُبْ شَيْئًا] » . 1142- حَدَّثَنِي رَوْحٌ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِصَحِيفَةً أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهَا كِتَابًا لأُمَّتِهِ. فَكَانَ فِي الْبَيْتِ لَغَطٌ. فَرَفَضَهَا. 1143- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ/ 271/ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: نِعْمَةٌ مِنَ اللَّه عَلَيَّ وَرَحْمَةٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يومى وليلتي بين سحرى ونحرى، لم يَلُمْهُ غَيْرِي وَغَيْرُ الْمَلَكِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن سعد، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي لَمْ أَظْلِمْ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنِّي أَنَّهُ قُبِضَ (وَهُوَ فِي حِجْرِي) [2] ، فَوَضَعْتُ رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقُمْتُ أَلْتَدِمُ مَعَ النِّسَاءِ وَأَضْرِبُ وَجْهِي. 1144- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو عمران الجونى، عن يزيد بن نانيوس قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أقول «وآرأساه» ، أَنَا الَّذِي أَشْتَكِي رَأْسِي. وَذَاكَ حِينَ أَخْبَرَهُ جبريل أنه مقبوض. فلبثه أياما

_ [1] ابن هشام، ص 1111- 1112. [2] الزيادة عن ابن هشام.

حتى جيء به من بيت ميمونة، فحمل بَيْنَ أَرْبَعَةٍ. فَقَالَ: [يَا عَائِشَةُ، أَرْسِلِي إِلَى النِّسْوَةِ، فَلَمَّا جِئْنَ قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَخْتَلِفَ بَيْنَكُنَّ، فَأْذَنَنَّ [1] لِي فَأَكُونَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. قُلْنَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَرَأَيْنَاهُ يوما يجمر وَجْهُهُ وَيَعْرَقُ جَبِينُهُ، وَلَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ قَطُّ مَيِّتًا قَبْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: أَقْعِدِينِي،] فَأَسْنَدْتُهُ إِلَيَّ وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ، فَقَلَبَ رَأْسُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَنْهُ. وَوَقَعَتْ مِنْ فِيهِ نُطْفَةٌ بَارِدَةٌ عَلَى صَدْرِي- أَوْ قَالَتْ: عَلَى تَرْقُوَتِي- فَسَقَطَ عَلَى الْفِرَاشِ. فَسَجَّيْنَاهُ بِثَوْبٍ. وَجَاءَ عُمَرُ، فَاسْتَأْذَنَ، وَمَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَأَذِنْتُ لَهُمَا وَمَدَدْتُ الْحِجَابَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقُلْتُ: غُشِيَ عَلَيْهِ مُنْذُ سَاعَةٍ. فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: وَاغَشْيَاهُ مَا أَشَدُّ غَشْيَ رَسُولِ اللَّهِ. ثُمَّ غَطَّاهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمِ الْمُغِيرَةُ. فَلَمَّا أَنْ بَلَغَ إلى عَتَبَةِ الْبَابِ، قَالَ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عُمَرُ. قَالَ عُمَرُ: كَذَبْتَ، مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّه، وَلا يَمُوتُ حَتَّى يُؤْمَرَ بِقِتَالِ الْمُنَافِقِينَ، بَلْ أَنْتَ امْرُؤٌ تَحُوسُكَ الْفِتْنَةُ. وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا لِرَسُولِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: غُشِيَ عَلَيْهِ مُنْذُ سَاعَةٍ. فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَوَضَعَ فَمَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صُدْغَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَانَبِيَّاهُ، وَاخَلِيلاهُ، وَاصَفِيَّاهُ، صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [2] ، وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [3] ، كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ [4] ، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [5] . قَالَ عُمَرُ: «أَفِي كِتَابِ اللَّه هَذَا، يَا با بَكْرٍ؟» قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: هَذَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّه فِي الْغَارِ وثانِيَ اثْنَيْنِ، فبايعوه. فحينئذ بايعوه.

_ [1] خ: فاذنى. [2] القرآن، الزمر (39/ 30) . [3] القرآن، الأنبياء (21/ 34) . [4] القرآن، العنكبوت (29/ 57) . [5] القرآن، آل عمران (43/ 14) .

1145- حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُجِّيَ بِثَوْبٍ، وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ نَبْكِي. وَإِنَّا لَكَذَلِكَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتًا، وَلا يُتَبَيَّنُ شَخْصًا، قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ. فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» ، إلى قوله «مَتاعُ الْغُرُورِ [1] » أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ فِي اللَّه خَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَعَزَاءً عَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَعِوَضًا من كل فايت، فباللَّه فَثِقُوا، واللَّه فَارْجُوا، وَلْيُحْسِنْ نَظَرَكُمْ فِي أَمْرِكُمْ وَمُصِيبَتِكُمْ، فَإِنَّ الْمَحْرُومَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعَ هَذَا الْكَلامَ أَهْلَ الْبَيْتِ كُلُّهُمْ، وَأَهْلُ الْمَسْجِدِ، وَأَهْلُ الطَّرِيقِ. وَبَكَى النَّاسُ يَوْمَئِذٍ حَتَّى النِّسَاءُ فِي الْخُدُورِ، وَكَادَتِ الْبُيُوتُ تَسْقُطُ مِنَ الصُّرَاخِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَظَنَنَّا أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ جَاءَ يُعَزِّينَا عَزَاءَ نَبِيِّنَا ويودّ عنا. الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، سَمِعُوا مُنَادِيًا/ 272/ يُنَادِي: فِي اللَّه عِوَضُ كُلِّ فَائِتٍ، وَعَزَاءٌ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، الْمَجْبُورُ مَنْ جَبَرَهُ الثَّوَابُ، وَالْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: [هَذَا الْخَضِرُ يُعَزِّيكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ] . 1146- حدثني محمد بن سعد [2] ، عن الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ أَبِي عَوْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [إِذَا غَسَّلْتُمُونِي فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي هَذَا عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ خَلِيلِي جِبْرِيلُ، ثُمَّ مِيكَائِيلُ، ثُمَّ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ فَوْجًا فَوْجًا، فَصَلُّوا وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، وَلا تُؤْذُونِي بِتَزْكِيَةٍ [3] ، وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلاةِ عَلَيَّ رِجَالُ أَهْلِ بيتى، ثم نساؤهم، ثم أنتم، واقرأوا السلام على من غاب من أصحابى] .

_ [1] القرآن، آل عمران (/ 1853) . [2] ابن سعد، 2 (2) / 46- 47. [3] أى بالمبالغة في ثناء الميت. (راجع أيضا البخارى ومسلم، كتاب الجنائز) .

1147- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي شَكَاةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: كَيْفَ رَسُولُ اللَّه، أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: [أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّه بَارِئًا. فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ أَنْتَ واللَّه عَبْدَ الْعَصَا بَعْدَ ثَلاثٍ،] قَدْ واللَّه عَرَفْتُ الْمَوْتَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [2] ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلى رَسُولِ اللَّه، فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ فِينَا أَعْلَمَنَا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا سَأَلْنَاهُ أَنْ يُوصِيَ النَّاسَ بِنَا. [فَقَالَ عَلِيٌّ: واللَّه لا أَفْعَلُ، واللَّه لئن منعناه لا يوتيناه النَّاسُ بَعْدَهُ.] وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمَ. 1148- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: دَخَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد أَنِ اسْتَأْذَنَ لَهُ جِبْرِيلُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُطِيعَكَ، فَإِنْ شِئْتَ قَبَضْتُ رُوحَكَ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتُكَ. فَقَالَ: [مَا عِنْدَ اللَّه خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَامْضِ لِقَبْضِ رُوحِي.] قَالُوا: وَرُفِعَ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَيَقَّنَ النَّاسُ بِوَفَاتِهِ. 1149- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [4] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنَّ رِجَالا مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تُوُفِّيَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رَبِّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَغَابَ عَنْ قومه أربعين ليلة [5] ، واللَّه

_ [1] ابن هشام، ص 1010- 1011. [2] خ: وجوه عبد اللَّه المطلب [3] ابن سعد، 2 (2) / 48- 49. [4] ابن هشام، ص 1012- 1013 مع زيادة بعض الكلمات. [5] راجع القرآن، البقرة (2/ 51) ، والأعراف (7/ 142) .

لَيَرْجِعَنَّ رَسُولُ اللَّه فَلَيُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ. ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ. فَأَقْبَلَ حَتَّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَبَّلَهُ وَرَدَّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ. فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ يَا عُمَرُ. ثُمَّ حَمِدَ اللَّه أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّه فِإِنَّ اللَّه حَيٌّ لا يَمُوتُ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ. ثم تلى قَوْلُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [1] ، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [2] . قال: فو اللَّه لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا [3] بِنُزُولِ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ حَتَّى قَرَأَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَخَذَهُمَا النَّاسُ فَكَانَتَا فِي أَفْوَاهِهِمْ. وَقَالَ عُمَرُ: لَمَّا سَمِعْتُهُمَا، سَقَطَتْ رِجْلايَ، فَمَا يُقِلانِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن عروة قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم دَخَلَ عُمَرَ أَمْرٌ جَلِيلٌ، فَأَقْبَلَ وَالِهًا مُدَلَّهًا يَقُولُ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يَمُوتُ، إِنَّمَا هَذِهِ غَشْيَةٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشَكَكْتَ فِي دِينِكَ يَا عُمَرُ؟ أَمَا سَمِعْتَ اللَّه يَقُولُ لِنَبِيِّهِ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ: واللَّه/ 273/ لَكَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا قَبْلَ يَوْمِي هَذَا. وَأَكَبَّ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ جبينه ويبكى. 1150- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ الْغَدَ مِنْ مُتَوَفَّى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَشَهِدَ عُمَرُ، وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قُلْتُ أَمْسِ مَقَالَةً لَمْ تَكُنْ [4] كَمَا قُلْتُ، وَإِنِّي واللَّه مَا وَجَدْتُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فِي كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّه وَلا عَهِدَ عَهْدَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم،

_ [1] القرآن، الزمر (39/ 30) . [2] القرآن، آل عمران (43/ 14) . [3] خ: تعلموا. [4] خ: يكن.

وَلَكِنِّي رَجَوْتُ أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّه حَتَّى يُدَبِّرَنَا، وَإِنْ كَانَ اللَّه قَدْ أَبْقَى فِينَا كِتَابَهُ الَّذِي هَدَى بِهِ رَسُولَهُ فَإِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمُ اللَّه، وَقَدْ جَمَعَ اللَّه أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ: صَاحِبِ رَسُولِ اللَّه وَثَانِيَ اثْنَيْنِ وَأَحَقِّ النَّاسِ بِأَمْرِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوا. فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ، بَعْدَ السَّقِيفِ، بَيْعَةَ الْعَامَّةِ. 1151- وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّهُ رُفِعَ كما رفع عيسى بن مَرْيَمَ. وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فَتُرِكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمِنَ الْغَدِ، وَدُفِنَ لَيْلا. فَتَكَلَّمَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ وَإِنَّمَا عُرِجَ بِرُوحِهِ كَمَا عُرِجَ بِرُوحِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، واللَّه لا يَمُوتُ حَتَّى يَقْطَعَ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَلْسِنَتَهُمْ. وَتَكَلَّمَ حَتَّى أَزْبَدَ شِدْقَاهُ. فَقَامَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: «يَا قَوْمُ، إِنَّ النَّبِيَّ قَدْ مَاتَ، فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ يَعِزُّ عَلَى اللَّه، إِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ، أَنْ ينحى عنه التراب، فو اللَّه مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّه حَتَّى تَرَكَ السَّبِيلَ نَهْجًا وَاضِحًا: أَحَلَّ الْحَلالَ وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَنَكَحَ وَطَلَّقَ، وَحَارَبَ وَسَالَمَ. واللَّه مَا كَانَ رَاعِي غنم يخبط عليها العصاة [1] بمخبطه ويمدر حوضها بيده بإرب [2] . ومن رسول اللَّه فيكم ولا أتغب [3] ، يَا قَوْمِ ادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ» . وَجَعَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ تَبْكِي، فَقِيلَ لَهَا: أَتَبْكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّه؟ فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهَا، وَلَكِنِّي أَبْكِي لأَنَّهُ انْقَطَعَ عنا خبر السماء.

_ [1] خ: العصاة (لعله كما اقترحناه) . [2] خ: بازاب. (والإزب: اللئيم) . [3] خ: اتعب. (أتغب: أهلك) . ولا نجزم بصحة الاقتراحات لتصحيح هذه الجملة.

1152- حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ فِي خِلافَتِهِ: أَتَدْرِي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا حَمَلَنِي عَلَى مَا قُلْتُ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [1] ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَبْقَى فِي أُمَّتِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِآخِرِ أَعْمَالِهَا. فَذَلِكَ حَمَلَنِي عَلَى مَا قُلْتُ. 1153- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بُدِئَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَن مُحَمَّد بن راشد، عَن مكحول قَالَ: قبض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين، ودفن ليلة الأربعاء. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأَسْوَدِ، عَن يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنِ الْبَكَّائِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [3] ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي بَكْرِ ابن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا أَصْوَاتَ الْمَسَاحِي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لَيْلَةَ الأَرْبَعَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدِئَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ لإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ، وَقُبِضَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَكَانَتْ شِكَايَتُهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ. وَرَوَى أَبُو مِخْنَفٍ مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَقَالَ: دُفِنَ/ 274/ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ حِينَ زاغت الشمس، وتغير لونه.

_ [1] القرآن، البقرة (2/ 143) . [2] ابن سعد، 2 (2) / 58. [3] ابن هشام، ص 1020.

غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفينه ودفنه:

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الواقدي، عَن عُبَد الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّد الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ موسى ابن عقبة، عن الزهري قال: تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين حين زاغت الشمس شهر لهلال ربيع الأول. غسَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتكفينه ودفنه: 1154- حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يحيى بن آدم، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، أَنَّ عَلِيًّا، وَالْعَبَّاسَ، وَالْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَقُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةَ ابن زَيْدٍ، وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم الذين وُلُّوا غُسْلَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفْنَهُ، وَأَنَّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ، أَحَدَ الْخَزْرَجِ قَالَ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ: اجْعَلْ لَنَا حَظًّا فِي رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ بَدْرِيًّا. فَقَالَ [لَهُ: ادْخُلْ. فَدَخَلَ فَجَلَسَ وَحَضَرَ غُسْلَ رَسُولِ اللَّه، وَأَسْنَدَهُ عَلِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ، وَكَانَ أُسَامَةُ وَشُقْرَانُ يَصُبَّانِ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَعَلِيٌّ يغسله مسندا له إلى صَدْرِهِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يُدَلِّكُهُ بِهِ، وَمِنْ وَرَائِهِ لا يقضى بِيَدِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيٌّ يَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا] . 1155- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، [3] عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي غُسْلِهِ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ: أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّه كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا؟ فَأَلْقَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ، فَمَا أَحَدٌ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَسَمِعُوا مُنَادِيًا يُنَادِي مِنْ عَرَضِ الْبَيْتِ أَنِ اغْسِلُوهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. فَغُسِّلَ فِي قَمِيصٍ لَهُ، يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِهِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كُنْتُ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا استدبرت، ما غسله إلا نساؤه.

_ [1] ابن سعد، 2 (2) / 58. [2] ابن هشام، ص 1018- 1019، 1021. [3] ابن هشام، ص 1019.

حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بُشَيْرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا غسَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَمُّوا بِنَزْعِ قَمِيصِهِ، فَسَمِعُوا صَوْتًا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ: لا تَنْزِعُوا قَمِيصَهُ. 1156- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، بْنُ [1] أَبِي إِسْرَائِيلَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ- ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: غُسِّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ غَسَلاتٍ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، فِي قَمِيصٍ، وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ غَرْسٍ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ مِنْهَا. وَوَلِيَ غُسْلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ، وَالْعَبَّاسُ يَصُبُّ الْمَاءَ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ مُحْتَضِنُهُ. وَالْفَضْلُ يَقُولُ أَرِحْنِي أَرِحْنِي، قَطَعْتَ وَتِينِي [2] . 1157- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد، عن الواقدي، عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: خَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ، وَعَلِيٍّ، وَالْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَسَائِرِ أَهْلِهِ، فَكَانُوا هُمُ الَّذِينَ أَجَنَّوْهُ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: غَسَّلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ يُعَاوِنَهُمَا- يَعْنِي شُقْرَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وَلِيَ غُسْلَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْنَانَهُ دُونَ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ: الْعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ [1] خ: عن. (وقد مر ذكر هذا الراوي مرارا، وذكره أيضا ابن حجر في تهذيب التهذيب) . [2] رواه أيضا ابن سعد، 2 (2) / 58 وزاد في آخره: «إنى وجدت شيئا ينزل على مرتين» .

حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْن آدم، عَنِ ابن المبارك، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: الْتَمَسَ عَلِيٌّ مِنَ النَّبِيِّ مَا يُلْتَمَسُ مِنَ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ: [بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا] . حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ/ 275/ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: غَسَّلَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ، وَكَانَ أُسَامَةُ يُنَاوِلُهُمَا الْمَاءَ. 1158- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةَ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ: رِيَاطٍ يَمَانِيَّةٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن سَعِيد، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ. حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوب حِبْرَةٍ، ثُمَّ رَأَوْا أَنْ يُكَفِّنُوهُ فِي بِيَاضٍ أَوْ يَمَانِيَّةٍ. قَالَ: فَأَخَذَهُمَا عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: كُفِّنَ فِيهِمَا رَسُولُ اللَّه، وَمَسَّا جِلْدَهُ، فَلَنْ يُفَارِقَانِي حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهِمَا. فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ رَأْيِهِ. قَالَ: فَامْسَكَهُمَا مَا شَاءَ اللَّه، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا خَيْرٌ، مَا آثَرَنِي اللَّه بِهِمَا عَلَى نَبِيِّهِ. فعجب الناس من رأيه الآخر أشد من عَجَبِهِمْ مِنْ رَأْيِهِ الأَوَّلِ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا هشيم، أنبأ يُونُسُ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنُ يَقُولُ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةِ حبرة، وقميص.

وَحُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيِّ بْنِ الحسين، وعن الزهري عن على ابن الْحُسَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ: ثَوْبَيْنِ صَحَارِيَّيْنِ، وَثَوْبِ حِبْرَةٍ أُدْرِجَ فِيهِمَا إِدْرَاجًا. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هشام البزاز، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مغيرة، عن إبراهيم مِثْلِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه (عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ: ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَثَوْبِ حِبْرَةٍ. حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: «ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ» ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ. 1159- حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ وبكر بن الهيثم قَالا، ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ [2] ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ كَأَنَّ ثَلاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حُجْرَتِي، فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: لَيُدْفَنَنَّ فِي حُجْرَتِكِ ثَلاثَةٌ هُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِنَ فِي بَيْتِهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، وهو خيرها. حدثنا شريح بن يونس، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا رَأَتْ قَمَرًا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي حُجْرَتِهَا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي حُجْرَتِهَا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَهْوِي حَتَّى

_ [1] ابن هشام، ص 1019. [2] رواه عنه أيضا مالك في الموطإ، كتاب 16، باب 10 (حديث 30) .

وَقَعَ فِي حُجْرَتِهَا، فَقَصَّتْ رُؤْيَاهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ، دُفِنَ فِي حُجْرَتِكِ ثَلاثَةٌ هُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ. قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَأَخْبَرَنِي غَيْرُ أَيُّوبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قُبِضَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ خَيْرُهَا. 1160- حَدَّثَنِي عباس بن حاتم البزار بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَنْبَأَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عن ابن (أبى) جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَكُّوا فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 276/ أَيْنَ يَدْفِنُونَهُ؟ فقال أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ لا يُحَوَّلُ مِنْ مَكَانِهِ، يُدْفَنُ حَيْثُ يَمُوتُ. فَنَحَّوْا فِرَاشَهُ، وَحَفَرُوا لَهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ] . 1161- حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ قَالا، ثنا إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفُرُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان أبو عبيدة ابن الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ يَحْفِرُ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ فكان يلحد. فدعى الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَقَالَ لِلآخَرِ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، اللَّهُمَّ، خِرْ لَنَبِيِّكَ. فَوَجَدَ صَاحِبَ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فجاء به، فلحد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قَالَ: وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جِهَازِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ: فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَكَانِ كَذَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إلا دفن حيث يقبض.] فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ عَلَيْهِ، وَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ أَرْسَالا لِلصَّلاةِ عَلَيْهِ. حَتَّى إذا فرغوا دخل النساء.

_ [1] ابن هشام، ص 1019.

حَتَّى إِذَا فَرَغَ النِّسَاءُ دَخَلَ الصِّبْيَانُ. وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الأَرْبَعَاءِ. 1162- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يُدْفَنُ بِالْبَقِيعِ، وَقَالَ قَائِلٌ: يُدْفَنُ عِنْدَ مِنْبَرِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: يُدْفَنُ عِنْدَ الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي إِلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: عِنْدِي مِمَّا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ عِلْمٌ، [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ نَبِيٍّ يُدْفَنُ إِلا حَيْثُ يُقْبَضُ.] فَخَطَّ حَوْلَ فِرَاشِهِ، ثُمَّ حُوِّلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِرَاشِ نَاحِيَةً، ثُمَّ حَفَرَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَلَحَدَ لَهُ. 1163- حَدَّثَنَا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سَلَمَةَ، أنبأ أَبُو عمران الجوني، ثنا أَبُو عسيم وشهد ذَلِكَ، قَالَ: لما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: كيف نصلي عَلَيْهِ؟ قالوا: ادخلوا أرسالا. فكانوا يدخلون من الباب، ويخرجون من الباب الآخر، ولم يتقدمهم عَلَيْهِ إمام. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: كُنْتُ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ، فَكُنَّا صُفُوفًا ندعو ونصلى، فرأيت أزواجه قد وضعن الجلالبيب عَنْ رُءُوسِهِنَّ يَلْتَدِمْنَ فِي صُدُورِهِنَّ، وَنِسَاءَ الأَنْصَارِ يَضْرِبْنَ الْوُجُوهَ فَذُبِحَتْ حُلُوقُهُنَّ مِنَ الصِّيَاحِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، ثنا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَجَدْتُ فِي صَحِيفَةٍ لأَبِي: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ وَالْمُهَاجِرُونَ يُسَلِّمُونَ، يَقُولُونَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا. ثُمَّ جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ يَقُولُونَ كَمَا قَالا، وَقَالُوا [2] بَعْدَ السَّلامِ: إِنَّا نَشْهَدُ أنك قد بلغت الرسالة، ونصحت الأمة،

_ [1] ابن سعد، 2 (2) / 71. [2] خ: وولوا. (لعل الأرجح ما أثبتناه) .

وَجَاهَدْتَ فِي سَبِيلِ اللَّه حَتَّى أَعْزَزْتَ دِينَهُ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ [1] الْقَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَن مُحَمَّد بن عبد اللَّه وغيره، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عروة أَنَّهُ لِمَا كُفِّنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 277/ وضع فِي البيت، فدخل الناس أفواجا: الرجال، والنساء، والصبيان يصلون عَلَيْهِ، ثُمَّ يخرجون، لا يؤمهم إمام. 1164- حَدَّثَنَا خلف بن هِشَامٍ، ثنا هشيم، ثنا يونس، عَنِ الْحَسَن ومغيرة، عَنْ إبْرَاهِيم ومجالد، عَنِ الشعبي، قالوا: ألحد لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال خلف بن هِشَامٍ، قَالَ هشيم: بلغني أن اللبن نصب نصبا. وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الدِّمَشْقِيِّينَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: ألحد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وَلَمْ يُشَقَّ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ اللَّبِنَ كَمَا يُبْنَى عَلَى الْقِبَابِ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العزيز، عن سليمان بْنِ مُوسَى قَالَ: لَمَّا وُضِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهِ، الْتَمَسُوا بِنَاءً، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَنَا أَنْزِلُ فَأَبْنِي. فَنَزَلَ فَبَنَى. 1165- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ [3] ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: جُعِلَتْ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ كَانَ أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ. وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لأَنَّ أَرْضَ المدينة سبخة. قال: ففرشت تحته.

_ [1] خ: نتبع. [2] ابن سعد، 2 (2) / 68. [3] خ: زادان (بالدال المهملة، والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 10، رقم 535) .

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الوليد، عن سعيد بن- أحسب [1]- عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ فُرِشَتْ تَحْتَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ تَقِيهِ سَبْخَ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ: قَذَفَ شُقْرَانُ قَطِيفَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهِ، وَقَالَ: لا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: جُعِلَ- أَوْ بُسِطَ، أَوْ فُرِشَ- فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ. 1166- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا دُفِنَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رُشَّ عَلَى قَبْرِهِ الْمَاءُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ. رَشَّهُ بِلالٌ. وَجُعِلَ مَسْطُوحًا، وَجُعِلَتْ عَلَيْهِ، بَعْدُ، حَصْبَاءُ. 1167- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَن الوليد بْن مُسْلِم، عَن أبي جريج قَالَ: كَانَ حائط البيت الَّذِي دفن فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استهدم وسقط بعضه بعضا، فبناه عمر بن عبد العزيز حين بنى المسجد أيام الوليد بن عبد الملك. 1168- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ: دَخَلَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. قَالَ: فَتَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ، فَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف.

_ [1] خ: أحيب. [2] راجع ابن سعد، 2 (2) / 79- 80.

حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عن الثوري، عن إسماعيل ابن أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي مَرْحَبٍ قَالَ: نَزَلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثَّبْتُ أَنَّهُ نَزَلَ فِي قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ، وَأُسَامَةُ، وَشُقْرَانُ. وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: نَزَلَ فِي قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ، وَأُسَامَةُ، وَشُقْرَانُ. وَقَالَتِ الأَنْصَارُ: اجْعَلُوا لَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيبًا. فَدَخَلَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ أَحَدَ بَنِي الْحُبُلِيِّ، مِنَ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا. وَسَقَطَ خَاتَمُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْقَبْرِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: [إِنَّمَا أَسْقَطْتُهُ عَمْدًا لِتَنْزِلَ فَتَأْخُذُهُ وَتَقُولُ [1] : كُنْتُ آخِرَ مَنْ نَزَلَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْرَبَهُمْ عَهْدًا بِهِ.] فنزل قثم ابن/ 278/ الْعَبَّاسِ، فَأَخْرَجَ خَاتَمَ الْمُغِيرَةِ. فَكَانَ قُثَمُ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَ يُونُسُ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: دَخَلَ في قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ، وَأُسَامَةُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ خَوْلِيٍّ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي كُنْتُ أَدْخُلُ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ، فَأُدْخِلَ مَعَهُمْ. 1169- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنْ أَبِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: [إِنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان أحدث الناس عهدا برسول الله قثم بن العباس] .

_ [1] خ: يقول. [2] ابن هشام، ص 1020- 1021 (مع زيادات) .

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أبان الطحان، ثنا جرير بن حازم، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ [1] قَالَ: كَانَ آخر الناس عهدا برسول الله [2] صَلَّى الله عليه وسلم تمام بن العباس ابن عبد المطلب، أو قثم، نزل فأخرج خاتم المغيرة بن شعبة. الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ قَالَ: [أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَمَرَهُ أَبُوهُ فَنَزَلَ فَأَخْرَجَ خَاتَمَ الْمُغِيرَةِ] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثنا هُشَيْمٌ، ثنا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ هَاهُنَا، يَعْنِي بِالْكُوفَةِ، قَالَ: أَنَا أَقْرَبُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَدُفِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَأَلْقَيْتُ خَاتَمِي، فَقُلْتُ: يَا با الْحَسَنِ، خَاتَمِي. قَالَ: انْزِلْ، فَخُذْهُ. فَنَزَلْتُ، فَأَخَذْتُ الْخَاتَمَ، وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى اللَّبِنَ، ثُمَّ خَرَجْتُ. حدثنا عفان، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ، عَنْ أَبِي عُسَيْمٍ قَالَ: لَمَّا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَحْدِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ قِبَلِ قَدَمَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُصْلَحْ. قَالُوا: فَأُدْخِلَ فَأَصْلَحَهُ. قَالَ: فَمَسَّ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ هَيْلا، حَتَّى بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: أَنَا أَحْدَثُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1170- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال فِي مَرَضِهِ: [مَنْ أُصِيبَ مِنْ أُمَّتِي بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي، فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنْ مُصِيبَتِهِ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لا يُصَابُ بِأَشَدَّ مِنْ مصيبته بي] .

_ [1] لم أجده عند ابن هشام. [2] تكرر في الأصل سهوا كلمة «برسول اللَّه» . [3] راجع ابن سعد، 2 (2) / 12- 13.

أمر السقيفة:

1171- حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا غُنْدَرٌ، أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ يَقُولُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصباح، ثنا هشيم، أنبأ داود بن أبي هند، عَنِ الشعبي قَالَ: قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله ثلاث وستون سنة. حَدَّثَنَا أَبُو نصر التمار، وَمُحَمَّد بن الصباح البزاز، عَن شريك، عَنْ أبي إسحاق. كمثله. أمر السقيفة: 1172- حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ فَقَالَ لَهُ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْكَ فَإِنَّكَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم. فقال: يا عمر، ما رأيت لك تهمة [1] مُنْذُ أَسْلَمْتَ/ 279/ قَبْلَهَا، أَتُبَايِعُنِي وَفِيكُمُ الصِّدِّيقُ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ؟ حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، أَنْبَأَ ابْنُ عَوْنٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَوْا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. فَقَالَ: أَتَأْتُونِي وَفِيكُمْ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؟ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: وَمَا ثَالِثُ ثَلاثَةٍ؟ قَالَ: أَلَمْ تَقْرَأْ هَذِهِ الآيَةَ: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا؟ [2] 1173- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَذَكَرَ بَيْعَةَ أبى بكر، فقال: وليس فيكم من

_ [1] خ: فهنة. [2] القرآن، التوبة (9/ 40) .

تُمَدُّ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ- أَوْ قَالَ: تُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ- مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ. 1174- حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ ابن مُحَمَّدٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْن الْجَرَّاحِ. فَقَامَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، فَقَالَ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّا واللَّه مَا نَنْفَسُ هَذَا الأَمْرَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ، وَلَكِنَّا نَخَافُ أَنْ يَلِيَهُ أَقْوَامٌ قَتَلْنَا آبَاءَهُمْ وَإِخْوَانَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: إِذَا كَانَ ذَاكَ، قُمْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، وَهَذَا الأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ نِصْفَيْنِ كَشِقِّ الأُبْلُمَةِ [1]- قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِي الْخَوْصَةَ. فَبَايَعَ أَوَّلُ النَّاسِ بُشَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، أَبُو «النُّعْمَانِ بْنُ بُشَيْرٍ» . قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، قَسَّمَ بَيْنَهُمْ قَسْمًا، فَبَعَثَ إِلَى عَجُوزٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ يقسمها مع زيد بن ثابت. فقال: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بَكْرٍ. فَقَالَتْ: أَتَرْشُونِي عَنْ دِينِي؟ قَالَ: لا. قالت: أَتَخَافُونِي أَنْ أَدَعَ مَا أَنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: لا. قالت: فو اللَّه لا آخُذُ مِنْهُ شَيْئًا. فَرَجَعَ زَيْدٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ. فَقَالَ: وَنَحْنُ واللَّه لا نَأْخُذُ مِمَّا أَعْطَيْنَاهَا شَيْئًا أَبَدًا. 1175- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، أنبأ الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عن زر ابن حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، قَالَتِ الأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. قَالَ: فَأَتَاهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَأَيُّكُمْ يَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نعوذ باللَّه أن نتقدّم [2] أبا بكر.

_ [1] راجع كتاب النبات لأبى حنيفة الدينورى، الجزء الخامس، رقم 29 (طبع أبسالا) . [2] خ: يتقدم.

1176- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرَادَ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَعَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ صَارَتِ الشَّمْسُ صَكَّةَ [1] عُمَيٍّ. فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ، خَطَبَ فَقَالَ: إِنِّي قَائِلٌ مَقَالَةً لا أَدْرِي لَعَلَّهَا قُدَّامَ أَجَلِي. فَمَنْ وَعَاهَا، فَلْيَتَحَدَّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. ومن خشي أن لا يعقلها شيء، فَإِنِّي لا أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: «لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ، بَايَعْنَا عَلِيًّا، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً» ، فَكَذَبَ واللَّه. لَقَدْ أقامه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مَقَامَهُ، وَاخْتَارَهُ لِعِمَادِ الدِّينِ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ: يَأْبَى اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ، فَهَلْ مِنْكُمْ مَنْ تُمَدُّ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلُهُ؟ 1177- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الواقدى، عن أبى معمر، عن المقبري، ويزيد ابن رُومَانَ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: بَيْنَا الْمُهَاجِرُونَ فِي حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ/ 280/ قَبَضَهُ اللَّه إِلَيْهِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْعَبَّاسُ مُتَشَاغِلانِ بِهِ، إِذْ جَاءَ مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ، وَعُوَيْمُ ابن سَاعِدَةَ فَقَالا لأَبِي بَكْرٍ: «بَابُ فِتْنَةٍ، إِنْ لَمْ يُغْلِقْهُ اللَّه بِكَ فَلَنْ يُغْلَقَ أَبَدًا. هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَايِعُوهُ» . فَمَضَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ حَتَّى جَاءُوا السَّقِيفَةَ، وَإِذَا سَعْدٌ عَلَى طِنْفِسَةٍ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ وَعَلَيْهِ الْحُمَّى. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ، مَا تَرَى يَا أَبَا ثَابِتٍ؟ فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنْ عَمِلَ الْمُهَاجِرِيُّ شيئا في الأنصار، ردّ عليه الأنصارى، وإن عمل

_ [1] خ: مكة. (وقال السهيلي 1/ 92: «وسميت الهاجرة صكة عمى لخبر ذكره أبو حنيفة في الأنواء أن عميا رجل من عدوان، وقيل من إياد. وكان فقيه العرب في الجاهلية. فقدم في قوم معتمرا أو حاجا. فلما كان على مرحلتين من مكة، قال لقومه، وهم في نحر الظهيرة: من أتى مكة غدا في مثل هذا الوقت، كان له أجر عمرتين. فصكوا الإبل صكة شديدة حتى أتوا مكة من الغد في مثل ذلك الوقت. وأنشد: وصك بها نحر الظهيرة صكة ... عمى وما يبغين إلا ظلالها في أبيات. «وعمى تصغير عمى على الترخيم. فسميت الظهيرة صكة عمى به» .)

الأَنْصَارِيُّ شَيْئًا فِي الْمُهَاجِرِينَ، رَدَّ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِيُّ، أنا جذيلها المحكّك وعذيقها الْمُرَجَّبُ، إِنْ شِئْتُمْ فَرِزْنَا، فَرَدَدْنَاهَا جَذَعَةً، مَنْ يُنَازِعُنِي؟ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «نَحْنُ أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلامًا، وَأَوْسَطُهُمْ دَارًا، وَأَكْرَمُهُمْ أَنْسَابًا، وَأَمَسُّهُمْ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمًا. وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا فِي الإِسْلامِ، وَشُرَكَاؤُنَا فِي الدِّينِ. نَصَرْتُمْ، وَآوَيْتُمْ، وَآسَيْتُمْ، فَجَزَاكُمُ اللَّه خَيْرًا. فَنَحْنُ الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. وَلَنْ تَدِينَ الْعَرَبُ إِلا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَدْ يَعْلَمُ مَلأٌ مِنْكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ.] فَأَنْتُمْ أَحِقَّاءُ أَنْ لا تَنْفَسُوا عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَا سَاقَ اللَّه إِلَيْهِمْ» . فَقَالَ الْحُبَابُ: «مَا نَحْسِدُكَ وَلا أَصْحَابَكَ. وَلَكِنَّا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ فِي أَيْدِي قَوْمٍ قَتَلْنَاهُمْ، فَحَقَدُوا عَلَيْنَا» . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ تُطِيعُوا أَمْرِي، تُبَايِعُوا أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: أَبَا عبيدة- وكان عن يمينه- أو عمر ابن الخطاب، وكان عن يَسَارِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: «وَأَنْتَ حَيٌّ؟ مَا كَانَ لأَحَدٍ أَنْ يُؤَخِّرَكَ عَنْ مَقَامِكَ الَّذِي أَقَامَكَ فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَابْسُطْ يَدَكَ» . فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعَهُ عُمَرُ، وَبَايَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَبَايَعَ النَّاسُ وَازْدَحَمُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا. وَقَدْ كَادُوا يَطَئَوْنَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: اقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ صَاحِبُ فِتْنَةٍ. فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ. قَالَ، وَقَالَ ابْنُ رُومَانَ: وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ مِنَ الأَنْصَارِ بُشَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، وَأُتِيَ بِأَبِي بَكْرٍ الْمَسْجِدَ فَبَايَعُوهُ. وَسَمِعَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ التَّكْبِيرَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَفْرُغُوا مِنْ غُسْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عَلِيٌّ: [مَا هَذَا؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: «مَا رَدَّهُ مِثْلُ هَذَا قَطُّ. لِهَذَا مَا قُلْتُ لَكَ الَّذِي قُلْتُ» . قَالَ: فَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَقَالَ: يَا با بَكْرٍ، أَلَمْ تَرَ لَنَا حَقًّا فِي هَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي خَشِيتُ الْفِتْنَةَ، وَقَدْ قُلِّدْتُ أَمْرًا عَظِيمًا. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ عَلِمْتُ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أَمَرَكَ بِالصَّلاةِ، وَأَنَّكَ ثانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ، وَكَانَ لَنَا حَقٌّ وَلَمْ نُسْتَشَرْ، واللَّه يَغْفِرُ لك. وبايعه.]

1178- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْحَازَ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاعْتَزَلَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةَ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ، وَانْحَازَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُمْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فِي بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يُفْرَغْ مِنْ أَمْرِهِ. فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ آتٍ، فَقَالَ: أَدْرِكِ النَّاسَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَاقَمَ الأَمْرُ. 1179- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ يَوْمًا، فَقَالَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَوَقَى اللَّه شَرَّهَا: اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ لِتُبَايِعَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: نَحْنُ كَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرُ الْمُهَاجِرِينَ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ/ 281/ حَتَّى يَكُونَ الأَمْرُ بَيْنَنَا كَشِقِّ الأُبْلُمَةِ. فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ رَشِيدًا، فَقَالَ: نَحْنُ قُرَيْشٌ، وَالأَئِمَّةُ مِنَّا، وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا وَوُزَرَاؤُنَا قَدْ آوَيْتُمْ وَنَصَرْتُمْ فَجَزَاكُمُ اللَّه خَيْرًا. فَبَايَعُوهُ إِلا سَعْدًا، فَإِنَّهُ رَاغَ ثُمَّ أَتَى الشَّامَ. 1180- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ: «مَا قَدَّمْتُكَ إِلَى شَيْءٍ إِلا تَأَخَّرْتَ [2] عَنْهُ» . وَكَانَ قَالَ لَهُ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْرُجْ حَتَّى أُبَايِعَكَ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ، فَلا يَخْتَلِفُ عَلْيَكَ اثْنَانِ. فَأَبَى وَقَالَ: [أَوَ مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ حَقَّنَا وَيَسْتَبِدُّ عَلَيْنَا؟] فَقَالَ الْعَبَّاسُ: سَتَرَى أَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ. فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يَا عَلِيُّ؟ 1181- عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ خُطْبَةً، قَالَ فِيهَا: إِنَّ فُلانًا وَفُلانًا قَالا: «لَوْ قَدْ مات عمر، بايعنا عليا فتمت بيعته،

_ [1] ابن هشام، ص 1013. [2] خ: شيء إلى ما أخرت. (راجع أيضا بعد قليل لمثل هذه الرواية) .

فإنما كانت معه إلى أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَى اللَّه شَرَّهَا» ، وَكَذَبَا. واللَّه مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، وَلَقَدْ أَقَامَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَهُ وَاخْتَارَهُ لِدِينِهِمْ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ: « [يَأْبَى اللَّه وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ] » . فَهَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ [1] كَمَا تُقْطَعُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ؟ فَمَنْ بَايَعَ رَجُلا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ، فَإِنَّهُمَا [2] أَهْلٌ أَنْ يُقْتَلا. وَإِنِّي أُقْسِمُ باللَّه، لَيَكُفَّنَّ الرِّجَالُ أَوْ لَيُقْطَعَنَّ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَلَيُصْلَبَنَّ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ. وَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ أَنَّ اللَّه لَمَّا قَبَضَ رَسُولَهُ، اجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. وَتَكَلَّمَ خَطِيبُ الأَنْصَارِ فَقَالَ: نَحْنُ الأَنْصَارُ، وَكَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ هُنَا، وَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُخْرِجُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَيَغْصِبُونَا أَمْرَنَا. فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ [3] مَقَالَةً أَرَدْتُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ يَا عُمَرُ. وَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَمَا تَرَكَ كَلِمَةً أَعْجَبَتْنِي إِلا قَالَهَا مَعَ أَمْثَالِهَا حتى سكت. فقال: ما كان من خبر فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ. وَنَحْنُ، بَعْدُ، مِمَّنْ نَحْنُ مِنْهُ. وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ الأَمْرَ إِلا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [هَذَا الشَّأْنُ بَعْدِي فِي قُرَيْشٍ] » . فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ: قد نعرف لكم فضلكم، ولكنا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ [4] ، فَذَلِكَ أَحْرَى أَلا يُخَالِفَ أَحَدٌ مِنَّا صَاحِبَهُ، فَإِلا تَفْعَلُوا فَأَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ. ثُمَّ قَالَ بُشَيْرُ بْنُ سَعْدٍ: الأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كَشِقِّ الأُبْلُمَةِ. فقلت [5] : وأنت أَيْضًا يَا أَعْوَرُ؟ نَشَدْتُكَ باللَّه، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: « [الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ] » ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَغِمَ أَنْفِي. قُلْتُ فَفِيمَ الْكَلامُ؟ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَدْعُوكُمْ إِلَى أَيِّ الْمُهَاجِرِينَ شِئْتُمْ: عُمَرَ، أَوْ غَيْرِهِ. فَهِيَ الَّتِي كَرِهْتُ مِنْ كَلامِ أَبِي بَكْرٍ، وَلأَنْ أُقَدَّمَ فَيُضْرَبُ [6] عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُزِيلَهُ عَنْ مَقَامٍ أَقَامَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ وَإِخْوَانُنَا فِي الدِّينِ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْنَا. فَأَذْهَبَ اللَّه عنهم نزغ الشيطان.

_ [1] خ: يقطع إليه الاعتاق. [2] أى البائع وهذا الخليفة. [3] خ: زودت. [4] خ: أمين ومنكم أمين. (ولكن راجع ابن هشام، ص 1016) . [5] خ: فعلت. [6] خ. فتضرب.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ مَعْنٌ يَقُولُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ لا أَمُوتَ حَتَّى أُصَدِّقَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيِّتًا كَمَا صَدَّقْتُهُ حيا. واستشهد يوم اليمامة. حدثنى ابن عباس، عن أبيه، عن أَبِي مخنف، عن مُحَمَّد بن إسحاق [1] بِنَحْوِهِ. 1182- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ/ 282/ ثنا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قال: أبطأ أناس عن بيعة أبى بكر، (ف) قَالَ: مَنْ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنِّي؟ أَلَسْتُ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى؟ أَلَسْتُ، أَلَسْتُ، وَذَكَرَ خِصَالا فَعَلَهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1183- حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ الْجُرَيْرِيُّ [2] ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ، اعْتَزَلَ عَلِيٌّ والزبير. فبعث إليهما عمر ابن الْخَطَّابِ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. فَأَتَيَا مَنْزِلَ عَلِيٍّ، فَقَرَعَا الْبَابَ، فَنَظَرَ الزُّبَيْرُ مِنْ قُتْرَةٍ [3] ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: هَذَانِ رَجُلانِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَهُمَا. قَالَ: [افْتَحْ لَهُمَا. ثُمَّ خَرَجَا مَعَهُمَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عَلِيُّ أَنْتَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّه وَصِهْرُهُ، فَتَقُولُ: إِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ، لاهَا اللَّه لأَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ. قَالَ: لا تَثْرِيبَ، يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّه، ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ.] فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ. ثُمَّ قَالَ لِلزُّبَيْرِ: تَقُولُ أَنَا ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّه وَحَوَارِيِّهِ وَفَارِسُهُ وَأَنَا أَحَقُّ بِالأَمْرِ، لاهَا اللَّه لأَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ. فَقَالَ: لا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّه، ابسط يدك. فبسط يده فبايعه.

_ [1] راجع ابن هشام، ص 1013- 16 [2] خ: الحريرى (بالحاء المهملة) . [3] القترة: الكوة والنافذة.

1184- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التيمى، وعى ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ يُرِيدُ الْبَيْعَةَ، فَلَمْ يُبَايِعْ. فَجَاءَ عُمَرُ، ومعه فتيلة [1] . فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: [يا ابن الْخَطَّابِ، أَتُرَاكَ مُحَرِّقًا عَلَيَّ بَابِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ أَقْوَى فِيمَا جَاءَ بِهِ أَبُوكِ. وَجَاءَ عَلِيٌّ، فَبَايَعَ وَقَالَ: كُنْتُ عَزَمْتُ أَنْ لا أَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِي حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ] . 1185- وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، دَخَلَ الْعَبَّاسُ على علىّ، فقال: مَا قَدَّمْتُكَ قَطُّ إِلا تَأَخَّرْتَ. قُلْتُ لَكَ وَقَدِ احْتَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَعَالَ، فَاسْأَلْهُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ لِمَنْ هُوَ بَعْدَهُ، فَقُلْتَ: [أَكْرَهُ أَنْ لا يَقُولَ لَكُمْ، فَلا نُسْتَخْلَفُ أَبَدًا.] ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَقُلْتُ: أُبَايِعُكَ، فَلا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثْنَانِ. فَأَبَيْتَ. ثُمَّ تُوُفِّيَ عُمَرُ، فَقُلْتُ: قَدْ أَطْلَقَ اللَّه يَدَكَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ فَلا تَدْخُلْ فِي الشُّورَى. فَأَبَيْتَ، فَمَا الْحِيلَةُ؟ 1186- الْمَدَائِنِيُّ، عن أبى جرى [2] ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ يُبَايِعْ عَلِيٌّ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى مَاتَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. فَلَمَّا مَاتَتْ، ضَرَعَ إِلَى صُلْحِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لا تَأْتِهِ وَحْدَكَ. فَقَالَ: وَمَاذَا يَصْنَعُونَ بِي؟ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [واللَّه مَا نَفَسْنَا عَلَيْكَ مَا سَاقَ اللَّه إِلَيْكَ مِنْ فَضْلٍ وَخَيْرٍ، وَلَكِنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِي الأَمْرِ نَصِيبًا اسْتَبَدَّ بِهِ عَلَيْنَا.] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: واللَّه لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّه أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَرَابَتِي. فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ يَذْكُرُ حَقَّهُ وَقَرَابَتَهُ، حَتَّى بَكَى أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ مِيعَادُكَ الْعَشِيَّةُ. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ، خَطَبَ فَذَكَرَ عَلِيًّا وَبَيْعَتَهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [إِنِّي لَمْ يَحْبِسْنِي عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ أَلا أَكُونَ عَارِفًا بِحَقِّهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِي الأَمْرِ نَصِيبًا اسْتَبَدَّ بِهِ عَلَيْنَا. ثُمَّ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ.] فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ. الْمَدَائِنِيُّ، عن أبى جرى [3] ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ أَنَّ عَلِيًّا قعد عن بيعة أبى بكر (فقال:) ما يمنعك من بيعة وأنا كنت في هذا الأمر قبلك؟

_ [1] خ: قلثين. (لعله كما أثبتناه) . [2] خ: جزى (ولكن راجع فهرسة الأسماء والأعلام لتأريخ الطبرى) . [3] خ: جزى (ولكن راجع فهرسة الأسماء والأعلام لتأريخ الطبرى) .

1187- حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الصَّقْرِ، وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، أنبأ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا: أَكَرِهْتَ إمارة؟ قال: [لا ولكنى حلفت أن لا أرتدى بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برداء حتى أجمع القرآن كما أنزل] . 1188- وحدثنى بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ حِينَ قَعَدَ عَنْ بَيْعَتِهِ وَقَالَ: ائْتِنِي بِهِ بِأَعْنَفِ الْعُنْفِ. فَلَمَّا أَتَاهُ، جَرَى بَيْنَهُمَا كَلامٌ. فقال [1] : احْلُبْ حَلَبًا لَكَ شَطْرُهُ. واللَّه مَا حِرْصُكَ على إمارته اليوم إلا ليؤثرك [2] غدا/ 283/ (فقال على: [وَمَا نَنْفَسُ [3] عَلَى أَبِي بَكْرٍ هَذَا الأَمْرَ وَلَكِنَّا أَنْكَرْنَا تَرْكَكُمْ مُشَاوَرَتِنَا، وَقُلْنَا: إِنَّ لَنَا حَقًّا لا يَجْهَلُونَهُ.] ثُمَّ أَتَاهُ فَبَايَعَهُ. 1189- وَحُدِّثْتُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هشام [4] بن البريد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ وَبَايَعَهُ النَّاسُ، قَامَ يُنَادِي ثَلاثًا: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَقَلْتُكُمْ بَيْعَتَكُمْ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [واللَّه لا نُقِيلُكَ وَلا نَسْتَقِيلُكَ، قَدَّمَكَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الصلاة، فماذا يُؤَخِّرُكَ؟] 1190- الْمَدَائِنيّ، عَن عبد اللَّه بن جَعْفَر، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: لِمَا ارتدت العرب، مشى عثمان إلى علىّ. فقال: [يا ابن عم، إنه لا يخرج أحد إلي.] فقال: هَذَا العدو، وأنت لَمْ تبايع. فلم يزل بِهِ حَتَّى مشى إلى أبي بكر. فقام أَبُو بكر إِلَيْهِ، فاعتنقا، وبكى كل واحد إلى صاحبه. فبايعه فسر المسلمون، وجد الناس في القتال، وقطعت البعوث.

_ [1] خ: فقالب. [2] خ: ليوبرك. [3] خ: تنفس. [4] كذا في الأصل، وفي فهرست أعلام تأريخ الطبرى: «هاشم» .

1191- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَدِمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ فَقَالَ: أَنْتُمَا الشِّعَارُ دُونَ الدِّثَارِ [1] ، أَرَضِيتُمْ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْ يَلِيَ أَمْرَكُمْ عَلَيْكُمْ غَيْرَكُمْ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: [أَوَ غَلَبَةٌ تَرَاهَا؟ إِنَّمَا هُوَ أَمْرُ اللَّه يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ.] قَالَ: فَلَمْ يَحْتَمِلْهَا عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَاضْطَغَنَهَا عُمَرُ. الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَوَانَةَ وَابْنِ جُعْدُبَةَ قَالا: لَمْ يُبَايِعْ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبَا بَكْرٍ إِلا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. فَمَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي سَقِيفَةٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا خَالِدُ مَا رَأْيَكَ فِي الْبَيْعَةِ؟ قَالَ: أُبَايِعُ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ. فَأَدْخَلَهُ خَالِدٌ الدَّارَ وَبَايَعَهُ. وَقَالَ غَيْرُ الْمَدَائِنِيِّ: بَايَعَ خَالِدٌ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ شَهْرَيْنِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَلِيَ أَمْرَكُمُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَمَا واللَّه، لَئِنْ شِئْتُمْ لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلا وَرَجُلا» . فَقَالَ: « [لَسْتُ أَشَاءُ ذَلِكَ، ويحك يا با سفيان إنّ المسلمين نصحة بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ وَإِنْ نَأْتِ دَارَهُمْ وَأَرْحَامَهُمْ وَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ غُشَشَةٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَإِنْ قَرُبَتْ دِيَارُهُمْ وَأَرْحَامُهُمْ. وَلَوْلا أَنَّا رَأَيْنَا أَبَا بَكْرٍ لَهَا أَهْلا، مَا خَلَّيْنَاهُ وَإِيَّاهَا] » . الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ جَاءَ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ يَا عَلِيُّ، بَايَعْتُمْ رَجُلا مِنْ أَذَلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، أَمَا واللَّه لئن شئت لأضر منها عَلَيْهِ مِنْ أَقْطَارِهَا وَلأَمْلأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلا وَرِجَالا. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: [إِنَّكَ طَالَ مَا غَشَشْتَ اللَّه وَرَسُولَهُ، وَالإِسْلامَ، فَلَمْ يَنْقُصْهُ ذَلِكَ شَيْئًا، إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ نَأَتْ دِيَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ نُصْحَةٌ بعضهم لبعض وإنا قد بَايَعْنَا أَبَا بَكْرٍ وَكَانَ واللَّه لَهَا أَهْلا] .

_ [1] الشعار من اللباس ما يلى شعر الجسد. والدثار: الثوب الذى يستدفأ به من فوق الشعار ما يتغطى به النائم.

1192- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبًا، بَعَثَ بِهِ مُصَدِّقًا. فَلَمَّا بَلَغَتْهُ وَفَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ قَامَ بِالأَمْرِ بَعْدَهُ؟ قِيلَ: أَبُو بَكْرٍ. قال: «أبو الفصيل؟ أنى لا أرى فَتْقًا لا يَرْتِقُهُ إِلا الدَّمُ» . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم حَاضِرًا. 1193- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَقُتِلَ بِهَا. الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَعْن أَبِي مِخْنَفٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ. فَبَعَثَ عُمَرُ [1] رَجُلا وَقَالَ: ادْعُهُ إِلَى الْبَيْعَةِ وَاخْتَلْ لَهُ، وَإِنْ أَبَى فَاسْتَعِنْ باللَّه عَلَيْهِ. فَقَدِمَ الرَّجُلُ الشَّامَ، فَوَجَدَ سَعْدًا فِي حَائِطٍ بِحُوَارَيْنَ، فَدَعَاهُ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَقَالَ: لا أُبَايِعُ قُرَشِيًّا أَبَدًا. قَالَ: فَإِنِّي أُقَاتِلُكَ. قَالَ: وَإِنْ قَاتَلْتَنِي. قَالَ: أَفَخَارِجٌ أَنْتَ مِمَّا دَخَلَتْ فِيهِ الأُمَّةُ؟ قَالَ: أَمَّا مِنَ الْبَيْعَةِ فَإِنِّي/ 284/ خَارِجٌ. فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدًا رُمِيَ فِي حَمَّامٍ. وَقِيلَ: كَانَ جَالِسًا يَبُولُ، فَرَمَتْهُ الْجِنُّ فَقَتَلَتْهُ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ [2] : قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ ... رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ تُخْطِ فُؤَادَهْ 1194- حدثني محمد بن سعد، عن عَبْدُ اللَّه الْحُمَيْدِيُّ الْمَكّيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عيينه، عَنِ الوليد بن كَثِير عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارْتَجَّتْ مَكَّةُ. فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ [3] : فمن ولي أمر

_ [1] راجع صفحة الأصل المخطوط 117، أعلاه. [2] مضى ذكر هذا البيت فوق. [3] خ: قالوا.

الناس بعده؟ قالوا: ابنك. فقال: أرضي بذلك بنو هاشم، وبنو عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنُو الْمُغِيرَةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فإنه لا مانع لِمَا أعطى اللَّه، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ. ثُمَّ ارْتَجَّتْ مَكَّةُ حين مات أَبُو بكر رجة دُونَ الأُولَى، فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: مَا هَذَا؟ قالوا: مات أَبُو بكر. قَالَ: رزء جليل. 1195- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّه بْنُ مُوسَى، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، خَطَبَ [1] النَّاسُ فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قَالَ: أما بعد أيها الناس فقد وليتكم ولست بخير (كم) [2] ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ، وَسَنَّ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّنَنَ، فَعُلِّمْنَا. اعْلَمُوا أَنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى، وَأَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ. وَإِنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضَّعِيفُ حَتَّى آخُذَ لَهُ حَقَّهُ. وَإِنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيُّ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ، وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ. فَإِذَا أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي [3] وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْد اللَّه بن مُوسَى قَالَ: حدثت أن الْحَسَن كَانَ يقول: قد علم أَنَّهُ خيرهم، ولكن المؤمن يغض نَفْسِهِ. 1196- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عن محمد بن عبد اللَّه وَيَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ بُويِعَ وَاسْتُخْلِفَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّه أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى الأَمْرِ كُلِّهِ عَلانِيَتِهِ وَسِرِّهِ، وَنَعُوذُ باللَّه مِنْ شَرِّ مَا يَأْتِي فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَحْدَهُ لا شريك له وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [4] قُدَّامَ السَّاعَةِ. فَمَنْ أَطَاعَهُ رَشَدَ، وَمَنْ عَصَاهُ هَلَكَ. أَلا وَإِنِّي قَدْ وُلِّيتُكُمْ وَلَسْتُ بخيركم. ألا [5] وقد كانت بيعتي

_ [1] ذكر الخطبة أيضا ابن هشام (ص 1017) عن أنس. [2] الزيادة عن الرواية التالية وعن ابن هشام. [3] خ: فعينونى. [4] راجع القرآن، سبأ (34/ 28) وفي سور أخرى. [5] خ: وكأ.

فلتة وذلك أنى خشيت فتنة. وَايْمِ اللَّه مَا حَرَصْتُ عَلَيْهَا يَوْمًا قَطُّ وَلا لَيْلَةً، وَلا طَلَبْتُهَا، وَلا سَأَلْتُ اللَّه إِيَّاهَا سِرًّا وَلا عَلانِيَّةً، وَمَا لِي فِيهَا رَاحَةٌ. وَلَقَدْ قُلِّدْتُ أَمْرًا عَظِيمًا مَا لِي به طاقة ولا بد أن. وَلَوَدِدْتُ أَنَّ أَقْوَى النَّاسِ عَلَيْهَا مَكَانِي. فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّه. وَإِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى، وَإِنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقِ الْفُجُورُ. وَإِنِّي مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ. وَإِنَّ أَضْعَفَ النَّاسِ عِنْدِي الشَّدِيدُ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ، وَإِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عِنْدِي الضَّعِيفُ حتى آخذ له الحق. وإن أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي. وَاعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّهُ لَمْ يَدَعْ قَوْمٌ الْجِهَادَ قَطُّ إِلا ضَرَبَهُمُ اللَّه بِذُلٍّ. وَلَمْ تَشِعِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلا عَمَّهُمُ الْبَلاءُ. أَيُّهَا الناس ابتغوا كِتَابَ اللَّه وَاقْبَلُوا نَصِيحَتَهُ فَإِنَّ اللَّه يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ ما تفعلون. واحذروا يوما ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ. فَلْيَعْمَلِ الْيَوْمَ عَامِلٌ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبْهُ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَلا يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ. أَيُّهَا النَّاسُ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّه وَرَسُولَهُ. فَإِذَا عَصَيْتُ اللَّه وَرَسُولَهُ فَلا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ. قُومُوا إِلَى صَلاتِكُمْ. 1197- الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيِّ [1] ، عَنْ أبى عمران الْجَوْنِيِّ قَالَ، قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ حِينَ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ: «كرداذ وناكرداذ [2] » ، أَيْ عَمِلْتُمْ وَمَا عَمِلْتُمْ، لَوْ بَايَعُوا عَلِيًّا لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ/ 285/ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ. 1198- مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ عُمَرَ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي رَجَعَ مِنْهَا فَطُعِنَ، أَنَّ رِجَالا يَقُولُونَ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً، فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ فَلْتَةً فَقَدْ وَقَى اللَّه شَرَّهَا، وَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَالأَمْرُ إِلَى السِّتَّةِ الَّذِينَ قبض رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وهو عنهم راض.

_ [1] خ: الصيفي. والتصحيح عن فهرسة أعلام تأريخ الطبرى. [2] كلام فارسي، يكتب باللغة العصرية «كرديد ونكرديد» . وتلفظ الألف في «كراذ» بالإمالة. وذكر هذا الكلام الفارسي أيضا الجاحظ في الرسالة العثمانية.

المراثي

[المراثي] مرثية أبو بكر: 1199- قَالَ: ورثي أَبُو بكر الصديق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقصيدة، منها قوله: فجعلنا بالنبي وكان فينا ... إمام كرامة ونعم الإمام وَكَانَ قوامنا والرأس منا ... فنحن اليوم لَيْسَ لنا قوام نموج ونشتكي ما قد لقينا ... ويشكو فقده البلد الحرام فلا تبعد فكل كريم قوم ... سيدركه ولو كره الحمام فقدنا الوحي إِذْ وليت عنا ... وودعنا من اللَّه الكلام لقد أورثتنا ميراث صدق ... عليك بِهِ التحية والسلام مرثية عمر رضي اللَّه تعالى عَنْهُ: 1200- قَالَ عمر شعرا كتبنا مِنْه أبياتا وهي: ما زلت مذ وضع الفراش لجثته ... وثوى، مريضا خائفا أتوقع شفقا عَلَيْهِ أن يزول مكانه ... عنا فيبقى بعده التفجع فليبكه أهل المدينة كلهم ... والمسلمون بكل أرض تجزع نفسي فداؤك من لنا فِي أمرنا ... أم من نشاوره إِذَا نتوجع [1] مرثية عَليّ بن أبي طالب: 1201- وقال عَليّ بن أبي طالب شعرا كتبنا مِنْه أبياتا وهي: ألا طرق الناعي بليل فراعني ... وأرقني لِمَا استقل مناديا فقلت لَهُ لِمَا رأيت الَّذِي أتى ... لغير رسول اللَّه إن كنت ناعيا فو اللَّه لا أنساك أَحْمَد ما مشت ... بي العيس أو جاوزت فِي الأرض واديا وكنت متى أهبط من الأرض تلعة ... أرى أثرا مِنْه جديدا وعافيا

_ [1] خ: يتوجع.

مرثية حسان:

جواد تشظي الخيل عَنْهُ كأنما ... يرين بِهِ ليثا عليهن ضاريا [1] ليبك رَسُول اللَّه خيل كثيرة ... تثير غبارا كالضبابة عاليا مرثية حسان: 1202- وقال حسان فِي قصيدة لَهُ [2] : ما بال عينك لا تنام كأنما ... كحلت مؤاقيها [3] بكحل الأرمد جزعا عَلَى المهدي أصبح ثاويا ... يا خير من وطيء الحصى لا تبعد يا ويح أنصار النَّبِيّ ورهطه ... بعد المغيب فِي سواء المسجد [4] جنبي يقيك الترب لهفي ليتني ... غيبت قبلك فِي بقيع الغرقد أأقيم بعدك فِي المدينة بينهم ... يا ويح نفسي ليتني لَمْ أولد بأبي وأمي من شهدت وفاته ... فِي يوم الاثنين النَّبِيّ المهتدي فظللت بعد وفاته متلددا ... يا ليتني جرعت سم الأسود واللَّه أسمع ما بقيت بهالك ... إلا بكيت عَلَى النَّبِيّ مُحَمَّد ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا ... سودا وجوههم كلون الإثمد ولقد ولدناه وفينا قبره ... وفضول نعمته بنا لَمْ نجحد واللَّه أهداه لنا وهدى بِهِ ... أنصاره فِي كل ساعة مشهد صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون عَلَى المبارك أَحْمَد فرحت نصارى يثرب ويهودها ... لِمَا توارى فِي الضريح الملحد 1203-/ 286/ وقال حسان أيضا [5] : يا لهف نفسي عَلَيْهِ حين ضمنه ... بطن الضريح عَليّ وابن عباس مادت بي الأرض حَتَّى كدت أدخلها ... بعد النبي رسول اللَّه والآسى

_ [1] خ: ضاربا. [2] ديوان حسان، ق 113، ب 1- 6، 13- 17 (ولم يذكر البيت الثالث والحادي عشر ولكن هما موجودان عند ابن هاشم) ، ابن هشام، ص 1024- 1025، وأيضا ص 379، مع اختلافات في الرواية. [3] خ: مطاقيها. [4] كذا في الأصل وعند ابن هشام: الملحد. [5] ليس في ديوانه المطبوع.

مرثية صفية بنت عبد المطلب:

مرثية صفية بنت عبد المطلب: 1204- وقالت صفية بنت عبد المطلب: يا عين جودي بدمع منك منحدر ... ولا تملي وبكي سيد البشر بكّى رسول اللَّه فقد هدت مصيبته ... جميع قومى وأهل البدو والحضر ولا تملى بكاءك الدهر معولة ... عَلَيْهِ ما غرد القمري بالسحر 1205- وقالت أيضا: ألا يَا رَسُولَ اللَّه كنت رجائيا [1] ... وكنت بنا برا ولم تك جافيا كأن على قلبي لذكر مُحَمَّد ... وما خفت من بعد النَّبِيّ المكاويا أفاطم حي اللَّه رب مُحَمَّد ... عَلَى جدث أمسى بيثرب ثاويا فدى لِرَسُولِ اللَّه نفسي وخالتي ... وأمي وعمي قصرة [2] وعياليا فلو أن رب الناس أبقاك بيننا ... سعدنا ولكنّ أمره كَانَ ماضيا عليك من اللَّه السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا ويتلوه في الجزء التالي نسب الزبير بن عبد المطلب وذكر حلف الفضول. واللَّه المستعان وعليه التكلان

_ [1] كذا في أصل العبارة، وبالهامش عن نسخة: رجاءنا. [2] القصرة: دانى النسب.

الجزء الثاني

الجزء الثاني بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ المقدّمة [في ترجمة البلاذري] أما بعد فهذه ترجمة مختصرة لأحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري [1]

_ [1] قال في تاريخ آداب اللغة العربية ج 2 ص 191: هو خاتمة مؤرخي الفتح، ولد في أواخر القرن الثاني للهجرة، ونشأ في بغداد، وتقرب من المتوكل والمستعين والمعتز، وعهد إليه هذا بتثقيف ابنه عبد الله الشّاعر المشهور، وكان شاعرا وكاتبا ومترجما ينقل من الفارسية إلى العربية، ومن شعره ما مدح به المستعين وهو: ولو أن برد المصطفى إذ حويته ... يظن لظن البرد أنك صاحبه وذكر صاحب الفهرست انه وسوس في آخر أيامه، فأخذ إلى البيمارستان، لأنه شرب ثمر البلاذر على غير معرفة- ومنه اسمه- ومات على الأغلب (في) سنة تسع وسبعين ومأتين في أول خلافة المعتضد. وله مؤلفات أهمها: كتاب فتوح البلدان- وهو أشهر كتبه، ويظهر انه مختصر من كتاب أطول منه كان قد أخذ في تأليفه وسماه كتاب البلدان الكبير، ولم يتمه فاكتفى بهذا المختصر، وهو يدخل في خمسين صحيفة ذكر فيها أخبار الفتوح الاسلامية من أيام النبي إلى آخرها بلدا بلدا، لم يفرط في شيء منها، مع التحقيق اللازم واعتدل الخطة، وضمنه فضلا عن الفتوح أبحاثا عمرانية أو سياسية يندر العثور عليها في كتب التاريخ كأحكام الخراج أو العطاء، وأمر الخاتم والنقود، والخط ونحو ذلك، وقد طبع الكتاب في ليدن سنة سبعين وثمانمأة بعد الألف بعناية المستشرق «ذي غوية» ونشرته في مصر شركة طبع الكتب العربية سنة 1901. والثاني من أهم كتب البلاذري كتاب أنساب الأشراف، ويسمى أيضا الأخبار والأنساب، وهو مطول في عشرين مجلدا، ولم يتمه..

صاحب أنساب الأشراف وغيره من الكتب النفيسة، وبما انه لم يذكر له ترجمة في الجزء الأول من الأنساب المطبوع بمصر، رأينا أن نشير ههنا إلى ترجمته لتطلّع قلوب القراء إلى عرفان شخصيته وعصره وتاريخ ولادته ووفاته فنقول: قال في معجم الأدباء: 1/ 89 تحت الرقم: (26) : أحمد بن جابر بن داود البلاذري أبو الحسن- وقيل: أبو بكر- من أهل بغداد، ذكره الصولي في ندماء المتوكل على الله، مات في أيام المعتمد على الله في أواخرها وما أبعد أن يكون أدرك أول أيام المعتضد، وكان جده جابر يخدم الخصيب صاحب مصر. وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال: سمع بدمشق هشام بن عمّار، وأبا حفص عمر بن سعيد، وبحمص محمد بن مصفّى، وبأنطاكية محمد بن عبد الرحمان بن سهم وأحمد بن مرد الأتطاكي. وبالعراق عفان بن مسلم، وعبد الأعلى بن حماد، وعليّ بن المديني، وعبد الله بن صالح العجلي، ومصعبا الزبيري، وأبا عبيد القاسم بن سلّام، وعثمان بن أبي شيبة، وأبا الحسن عليّ بن محمد المدائني، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي ... وروى عنه يحيى بن النديم، وأحمد بن عبد الله بن عمار، وأبو يوسف يعقوب بن نعيم قرقارة الأرزني. قال محمد بن إسحاق النديم: كان جده جابر

يكتب للخصيب صاحب مصر، وكان شاعرا رواية ووسوس (في) آخر أيامه فشدّ بالبيمارستان ومات فيه، وكان سبب وسوسته انه شرب على غير معرفة ثمر البلاذر (وهو بضم الذال المعجمة نبات ثمره كنوى التمر، ولبّه مثل لبّ الجوز، وقشره متخلخل، قيل: إنه يقوى الحفظ، ولكن الإكثار منه يؤدي إلى الجنون) فلحقه ما لحقه. وقال الجهشياري في كتاب الوزراء: جابر بن داود البلاذري كان يكتب للخصيب بمصر ... ولا أدري أيهما شرب البلاذر؟ (أ) أحمد بن يحيى، أو جابر بن داود؟ إلا أن ما ذكره الجهشياري يدل على أن الذي شرب البلاذر هو جده لأنه قال: جابر بن داود، ولعل ابن ابنه لم يكن حينئذ موجودا والله أعلم. وكان أحمد بن يحيى بن جابر عالما فاضلا شاعرا رواية نسّابة متقنا، وكان مع ذلك كثير الهجاء بذيء اللسان ... وحدث عليّ بن هارون بن المنجّم في أماليه عن عمه قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري قال: لما أمر المتوكل إبراهيم بن العباس الصولي أن يكتب فيما كان أمر به من تأخير «الخراج» حتى يقع في الخامس من حزيران (وهو الشهر السادس من السنة الشمسية) ويقع استفتاح الخراج فيه، كتب في ذلك كتابه المعروف، وأحسن فيه غاية الإحسان، فدخل عبيد الله بن يحيى على المتوكل فعرفه حضور إبراهيم بن العباس وإحضاره الكتاب معه، فأمر بالإذن له فدخل وأمره بقراءة الكتاب فقرأه واستحسنه عبيد الله وكل من حضر، قال البلاذري: فقلت: فيه خطأ. فقال المتوكل: في هذا الذي قرأه علي إبراهيم خطأ؟ قلت: نعم. قال: يا عبيد الله وقفت على ذلك؟ قال: لا. فأقبل إبراهيم بن العباس على الكتاب يتدبره فلم ير

فيه شيئا، فقال: يا أمير المؤمنين الخطأ لا يعرى منه الناس وتدبّرت الكتاب خوفا من أن أكون قد أغفلت شيئا وقف عليه أحمد بن يحيى فلم أر ما أنكره، فليعرّفنا موضع الخطأ. فقال المتوكل: قل لنا ما هو هذا الخطأ الذي وقفت عليه؟ فقلت: هو شيء لا يعرفه إلا علي بن يحيى المنجم ومحمد بن موسى وذلك انه أرّخ الشهر الرومي بالليالي، وأيام الروم قبل لياليها، فهي لا تؤرخ بالليالي وإنما يؤرخ بالليالي الأشهر العربية، لأن لياليها قبل أيامها بسبب الأهلة. فقال إبراهيم: هذا ما لا علم لي به، ولا أدعي فيه ما يدعي. فغيّر تاريخه. قال البلاذري: قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى ذكره ويزول عنك إثمه. فقلت: استعدّي يا نفس للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعدّ قد تثبّت انه ليس للحيّ خلود ... ولا من الموت بدّ إنما أنت مستعيرة ما سو ... ف تردّين والعواري تردّ أنت تسهين والحوادث لا تس ... هوا، وتلهين والمنايا تجدّ لا ترجّى البقاء في معدن المو ... ت ودار حقوقها لك ورد أي ملك في الأرض أم أيّ حظّ ... لامرء حظّه من الأرض لحد؟؟ كيف يهوى امرؤ لذاذة أيّا ... م عليه الأنفاس فيها تعدّ قال المرزباني في معجم الشعراء: بلغني أن البلاذري كان أديبا راوية، له كتب جياد، ومدح المأمون بمدائح، وجالس المتوكل ومات في أيام المعتمد، ووسوس في آخر عمره، ومن شعره: يا من روى أدبا ولم يعمل به ... فيكفّ عادية الهوى بأديب ولقلّما تجدي إصابة صائب ... أعماله أعمال غير مصيب حتى يكون بما تعلّم عاملا ... من صالح فيكون غير معيب

وقال محمد بن إسحاق النديم: وله من الكتب: كتاب البلدان الصغير، كتاب البلدان الكبير، لم يتمّ، كتاب جمل نسب الأشراف- وهو كتابه المعروف المشهور- كتاب عهد أردشير، ترجمه بشعر- قال: وكان أحد النقلة من الفارسي إلى العربي- كتاب الفتوح. أقول: هذا تلخيص ما ذكره في ترجمته من معجم الأدباء، وله أيضا ترجمة في كتاب الوافي بالوفيات: ج 1/ 7، وكذلك في كتاب تاريخ الاسلام ص 163، وكذلك في الفهرست ص 113، وفي الأعلام: 1/ 85 كل ذلك ذكره في هامش المعجم.

(نسب الزبير بن عبد المطلب)

(نسب الزبير بن عبد المطلب) (وقصة حلف الفضول [1] وأما الزبير بن عبد المطلب [2]- ويكنى أبا الطاهر، وأبا ربيعة وهو أخو عبد الله بن عبد المطلب لأبيه وأمه- فكان سيدا شريفا شاعرا، وهو أول من تكلم فِي حلف الفضول ودعا إليه.

_ [1] قال المحمودي: هذا الكتاب مع تفرده بمزايا لم توجد في غيره من الكتب المؤلفة في التاريخ والأنساب من معاصري البلاذري ومن تأخر عنه، قد جمع مؤلفه فيه بين الحقائق وأضدادها فهو كتاب جمع لمؤلف خبير منصف. وقلما يوجد مثله في الكتب المؤلفة في السير- وليس بكتاب تحقيق، ولا يمكن لنا في التعليق إلا نقد ما هو كثير البعد عن الواقع، بعيد المسافة عن الحق، وأما القضايا التي لا تكون بجميع معناها مخالفة للحق ولم يترتب على الجهل بها كثير فساد فلا نتعرض لها، فَمن لم يكن من أهل العلم ولم يميز بين الغث والسمين فعليه بكتاب أنباء الأسلاف في تهذيب أنساب الأشراف أو كتاب أحسن السلوك في تهذيب تاريخ الأمم والملوك تأليف المحمودي- وفقه الله لإتمامها- فإن فيهما من الحقائق العارية عن الأباطيل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. [2] وهذا مرتب على الرقم: (1205) وهو آخر ترجمة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من الجزء الأول المطبوع بمصر.

وَكَانَ سبب الحلف أن الرجل من العرب أو العجم كَانَ يقدم بالتجارة فربما ظلم بمكة، فقدم رجل من بني أبي زبيد- واسم أبي زبيد: منبه بن ربيعة بن سَلَمَةَ بن مازن بْن ربيعة بْن منبه بْن صعب بن سعد العشيرة- بسلعة فباعها من العاص بن وائل السهمي فظلمه فيها وجحده ثمنها، فناشده الله فلم ينفعه ذلك عنده، فنادى ذات يوم عند طلوع الشمس وقريش فِي أنديتها: يا (آ) ل فهر لمظلوم بضاعته [1] ... ببطن مكة نائي الحي والنفر ومحرم أشعث لَمْ يقض عمرته ... يا (آ) ل فهر وبين الركن والحجر وقال أيضا: يال قصي كيف هَذَا في الحرم ... وحرمة البيت وأخلاق الكرم أظلم لا يمنع مني من ظلم فقال الزبير: ما لهذا مترك، فجمع إخوته واجتمعت بنو هاشم وبنو المطلب بن عبد مناف وبنو أسد بن عبد العزى بن قصي وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم بن مرة بن كعب فِي دار أبي زهير عبد الله بن جدعان القرشي ثم التميمي فتحالفوا عَلَى أن (لا) يجدوا بمكة مظلوما إلا نصروه ورفدوه وأعانوه حَتَّى يؤدى إِلَيْهِ حقه وينصفه ظالمة من مظلمته وعادوا عَلَيْهِ بفضول أموالهم ما بَلْ بحر صوفة، وأكدوا ذَلِكَ وتعاقدوا عَلَيْهِ وتماسحوا قياما. وشهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الحلف فكان يقول: [ما سرني بحلف شهدته فِي دار ابن جدعان حمر النعم.] فسمي الحلف حلف الفضول لبذلهم فضول أموالهم.

_ [1] ورواها أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (28) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 15/ 225 عن الزبير بن بكار وقال: «يا للرجال لمظلوم ... » وزاد في آخرها: هل منصف من بني سهم فمرتجع ... ما غيبوا أم حلال مال معتمر

وقال قوم: سمي حلف الفضول لتكلفهم فضولا لا يجب عليهم. وقال بعضهم: إنما سمي حلف الفضول لأنه كَانَ فِي جرهم رجال يردون المظالم يقال لَهُم/ 287/ فضيل وفضال ومفضل وفضل فتحالفوا عَلَى ذَلِكَ. فقيل: هَذَا الحلف مثل حلف هؤلاء النفر الَّذِينَ أسماؤهم هَذِه الأسماء. والأول أثبت. وأقام الزبير ومن معه بأمر الزبيدي حتى انصف العاص بن وائل، وَفِي ذَلِكَ يقول الزبير بن عبد المطلب: حلفت لتعقدن حلفا عليهم ... وإن كنا جميعا أهل دار نسمية الفضول إذا عقدنا ... يعز بِهِ الغريب لذي الجوار وقدم رجل من بارق بسلعة فابتاعها مِنْه أبي بن خلف الجمحي فظلمه- وكان سيئ المعاملة والمخالطة- فأتى البارقي أهل حلف الفضول فاخذوا لَهُ مِنْه بحقه فقال: تهضمني حقي بمكة ظالما ... أبي ولا قومي إلي ولا صحبي فناديت قومي بارقا ليجيبني ... وكم دون قومي من فياف ومن كثب [1] سيأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني جمح والحق يوجب بالغصب [2] وقدم رجل تاجر من خثعم مكة ومعه ابنة لَهُ يقال لَهَا القتول فعلقها نبيه بن الحجاج بن عامر بن جذيمة بن سعد بن سهم فلم يبرح حَتَّى نقلها إلى

_ [1] رسم الخط في قوله: «من كثب» غير جلي، ورواها في شرح النهج: 15/ 224 وقال: «من سهب» وهي: جمع السهب- بفتح السين-: الأرض الواسعة، وسكنت الهاء للشعر. [2] رسم الخط لا يأبى من أن يقرء «بالعضب» . وفي شرح النهج: «والحق يؤخذ بالغصب» .

منزله بالغلبة والقهر، فدل أبوها عَلَى أهل حلف الفضول فأتاهم فأخذوها من نبيه ودفعوها إلى أبيها، فقال نبيه بن الحجاج: راح صحبي ولم أحي القتولا ... وأودعهم [1] وداعا جميلا لا تخالي إِنِّي عشية راح الركب ... هنتم على أ (ن) لا أقولا وخشيت الفضول فيك وقدما ... قد أراني ولا أخاف الفضولا وقال نبيه أيضا: حي المليحة إِذْ نأت ... عنا عَلَى عدوائها لا بالفراق تنيلنا ... شيئا ولا بلقائها [2] لولا الفضول وأنه لا ... أمن من غلوائها [3] لدنوت من أبياتها ... ولطفت حول خبائها ولجئتها أمشي ... بلا هاد على ظلمائها فشربت فضلة دونها ... وأبث (في) غشيائها [4] وقال الواقدي وهشام بن الكلبي: ظلم الوليد بن عتبة بن أبي سفيان- وهو عامل عمه معاوية عَلَى المدينة- الْحُسَيْن بن عَلِيِّ أبي طالب فِي أرض لَهُ فقال: [لئن انصفتني ونزعت عَن ظلمي وإلا دعوت حلف الفضول] فأنصفه [5] .

_ [1] ورواها- عدى الوسط- في شرح النهج: 15/ 224 وقال: «لم أودعهم وداعا جميلا» . وقطعة أخرى منها رواها في ص 205. [2] وزاد بعده في شرح النهج: ج 15/ 206. حلت بمكة حلة ... في مشيها ووطائها [3] وفي شرح النهج: «لا أمن من عروائها» . [4] ولعل الصواب: «وأبت علي عشاءها» . [5] ورواه ابن أبي الحديد بالتفصيل في شرح المختار: (28) من كتب النهج: 15/ 227 عن الزبير بن بكار.

حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن جده قال: لما عقد (كذا) حلف الفضول قالت العرب: لقد فعل هؤلاء القوم فعلا لَهُم بِهِ عَلَى الثابت فضول وطول وإحسان فسمي حلف الفضول. قَالَ هِشَام: ويقال إنهم تعاقدوا عَلَى منع المظلوم وإنهاض الغريب المبدع بِهِ ومواساة أهل الفاقة ممن ورد مكة بفضول أموالهم فسمي حلف الفضول. وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: [شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْفُضُولِ فَمَا سَرَّنِي بِذَلِكَ حُمُرَ النَّعَمِ] . وَحُدِّثْتُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن علية (ظ) عن عبد الرحمان بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: عَنْ عَبْدِ الرحمان بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ فَمَا سَرَّنِي أَنَّ لِي حُمُرَ النَّعَمِ واني نكثته (ظ) ] . وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [شَهِدْتُ حِلْفَ الفضول الْمُطَيَّبِينَ [1] فَمَا سَرَّنِي بِهِ حُمُرَ النَّعَمِ] . وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ حَاضِرًا حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ فَكَيْفَ يَحْضُرُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنَّ بُطُونَ الْمُطَيَّبِينَ هُمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا أَيْضًا (228) عَلَى حِلْفِ الْفُضُولِ فَأَحْسَبُ هَذَا الْحِلْفَ نُسِبَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة، عن أبيه:

_ [1] كذا في النسخة، غير أن كلمة «الفضول» كانت في الهامش بلا اشارة إلى بديليّتها.

ومن شعر الزبير بن عبد المطلب:

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [شَهِدْتُ فِي دَارِ عبد الله ابن جُدْعَانَ مِنْ حِلْفِ الْفُضُولِ مَا لَوْ دُعِيتُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ لأَجَبْتُ [1] .] ومن شعر الزبير بن عبد المطلب: لقد علمت قريش أن بيتي ... بحيث يكون فضل فِي نظام وإنا نحن أكرمها جدودا ... وأصبرها عَلَى القحم العظام وإنا نحن أول من تبنى ... بمكتنا البيوت مع الحمام وإنا نطعم الأضياف قدما ... إِذَا لَمْ يزج رسل فِي سوام وإنا نحن أسقينا زواء [2] ... حجيج البيت من ثبج الجمام وإن بمجدنا فخرت لؤي ... جميعا بين زمزم والمقام وإن القرم من سلفي قصي ... أبونا هاشم وبه نسامي وقال الزبير أيضا: يا أيها السائل عَن مجدنا ... أربع تنبأ أيها السائل فينا مناخ الضيف والمجتدي [3] ... منا وفينا الحكم الفاضل ونحن مأوى كل ذي خلة ... كل حداه الزمن الماحل وملجأ الخائف إن القحت ... حرب بأطراف القنا نازل ونحن اناجات قهز القنا [4] ... يتبعها الجنان والحائل بكر رددنا جمعها خائبا ... وقدحها من سهمه ناصل

_ [1] وقريبا منه جدا رواه بسند آخر في ترجمة رسول الله صلّى الله عليه وآله من الطبقات الكبرى: ج 1/ 129، ط بيروت. [2] كذا في الأصل، ويحتمل رسم الخط بعيدا ان يقرء «رواأ» بالراء المهملة. [3] كذا في الأصل. [4] وقرأه الطباطبائي «ونحن انات تهز القنا» .

وقال الزبير أيضا: ولست كمن يميت الغيظ عجزا ... ولكني أجيب إِذَا دعيت وينهى عني المحتال صدق ... رقيق الحد ضربته صموت بكفي ماجد لَمْ يقن ضيما [1] ... إِذَا يلقى الكتيبة يستميت ولولا نحن لَمْ يلبس رجال ... ثياب أعزة حَتَّى يموتوا وإنا نطعم الأضياف قدما ... إِذَا ما هز من سنة مقيت [2] وغير بطن مكة كل يوم ... عباهلة كأنهم الصوت ثيابهم سمال أو عباء ... بِهَا دنس كما دنس الحميت [3] وكاس لو تبين لَهَا كلاما ... إِذَا قَالَت: أَلا لَهُم استبيت تبين لك القذى إن كَانَ فيها ... بعيد النوم شاربها هبيت [4] أهنت لشربها نفسي ومالي ... فآبوا حامدين بما رزيت إذا ما أوقدت نار لحرب ... تهز الناس جمحتها صليت نقيم لواءنا فيها كأنا ... أسود فِي العرين لَهَا نبيت فحدثت عَن الْوَاقِدِيِّ عَن ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَن الفضل بن الفضل بن عياش بن ربيعة بن الحرث قَالَ: سمعت سعيد بن المسيب ينشد بين القبر والمنبر:

_ [1] كذا. [2] المقيت: المقتدر. الحافظ للشيء. [3] السمال- بكسر السين-: جمع السمل: الثوب الخلق البالي. والحميت- كأمير- الزق الصغير يتخذ للسمن. [4] الهبيت: الجبان الذاهل.

وكاس لو تبين لها كلاما ... إذا قَالَت: أَلا لَهُم استبيت تبين لك القذى إن كَانَ فيها ... بعيد النوم شاربها هبيت [1] وقال الزبير أيضا: ترمي/ 289/ بنو عبد مناف إِذَا ... أظلم من حولي بالجندل لا أسد تسلمني لا ولا ... تيم ولا زهرة للنيطل [2] وقال الزبير أيضا: لعمرك إن البغض ينفع أهله [3] ... لأنفع ممن ودّه لا يقرب

_ [1] والأبيات ذكرها ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من كتب النهج: ج 15/ 204 هكذا: ولولا الحمس لَمْ يلبس رجال ... ثياب أعزة حَتَّى يموتوا ثيابهم شمال أو عباء ... بِهَا دنس كما دنس الحميت ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... لنا الحبرات والمسك الفتيت وكأس لو تبين لهم كلاما ... لقالت إنما لهم سبيت تبين لنا القذى إن كان فيها ... رصين الحلم يشربها هبيت ويقطع نخوة المختال عنا ... رقيق الحد ضربته صموت بكف مجرب لا عيب فيه ... إذا لقي الكريهة يستميت قال في الهامش: الحمس- هنا-: قريش ومن ولدت، سموا حمسا لأنهم تحمسوا في دينهم أي تشددوا. [2] النيطل: الموت الوحي. والأبيات ذكرها ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من باب كتب النهج: ج 15/ 222 نقلا عن الزبير، وزاد على ما هنا: ولا بنو الحارث ان مر بي ... يوم من الأيام لا ينجلي يا أيها الشاتم قومي ... ولا حق له عندهم أقبل اني لهم جار لئن أنت لم ... تقصر عن الباطل أو تعدل [3] لعل هذا هو الصواب، وفي النسخة: «ان البغيض» .

إِذَا ما جفوت المرء ذا الود فاعتذر ... إِلَيْهِ وحدثه بأنك معتب وإني لماض فِي الكريهة مقدمي ... إذا خام [1] ذاك اللئيم المؤنب وأغفر عوراء الكريم وإن بدت ... مغمسة منه إليّ ونيرب مغمسة: صعب من الغماس، يقال: أتى بأمر مغمس مكبوس (ملتو «خ» ) لا يعرف جهته. وقال أيضا: يا دار زينب بالعلياء من شرب ... حييتها واقفا فيها فلم تجب إِنِّي امرؤ شيبة المحمود والده ... بذ الرجال بحل [2] غير مؤتشب إِنِّي إذا راع مالي لا أكلفه ... إلا الغزاة وإلا الركض فِي السرب ولا أدب إِذَا ما الليل غيبني ... إلى الكنائن أو جاراتي اللزب ولن أقيم بأرض لا أشدّ بها ... صوني إذا ما اعترتني سورة الغضب وقال الزبير [3] يرثي حجلا وإخوته: تذكرت ما شفني إنما ... يهيج ما شفه الذاكر ويمنعه النوم حَتَّى يقال: ... بِهِ سقم باطن ظاهر فلو أن حجلا وأعمامه ... شهود وقرة والطاهر ولكن غولا أهانت بهم ... وفيهم لمضطهد ناصر

_ [1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «إذا خام من ذاك اللئيم المؤنب» . يقال: «خام عن القتال- من باب باع- خيما وخيوما» : جبن ورجع. [2] كذا في المتن، وفي الهامش: «بجد «خ» . [3] وكان في الأصل مكتوب فوق قوله: «وقال» : «وكان» . والظاهر انه اشارة الى انها بدل عن قوله «وقال» أو ان في بعض النسخ أثبت مكان «وقال» قوله: «وكان» . ولكن الكاتب لم ينصب قرينة على ذلك.

أبيات في رثاء الزبير بن عبد المطلب

فلا يبعد القوم إِذَ أودعوا ... واسقي قبورهم الماطر بخا (ر) ربيع لَهُ وابل ... لَهُ خضر وله زاهر فولد الزبير عبد الله، استشهد بالشام يوم أجنادين. والطاهر، وقرة وحجل ماتوا فرثاهم، وأمهم جميعا عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي. ومات الزبير ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن بضع وثلاثين سنة. ويقال: إنه مات فِي أيام المبعث. وكانت للزبير بن عبد المطلب ابنة تسمى ضباعة [1] ، تزوجها أَبُو معبد المقداد بن عَمْرو البهراني حليف بني زهرة بن كلاب، وهو الَّذِي يقال لَهُ المقداد بن الأَسْوَدِ، نسب إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب الزهري وَكَانَ الأسود زوج أمه. [أبيات في رثاء الزبير بن عبد المطلب] وقال أَبُو طالب يرثي الزبير: يا زبر أفردتني للنائبات فقد ... أحللت لحمي وأمسي الراس مشتهيا من كَانَ سر بما نال الزبير فقد ... نادى المنادي بزبر ان شجبا تغيرت لمّة سودا وارده ... وفارق المرء محمودا وما جدبا وقال ضرار بن الخطاب يرثيه: بكى ضباع عَلَى أبيك ... بكاء محزون أليم

_ [1] وكانت لها ابن خرج على أمير المؤمنين عليه السلام وسار مع طلحة والزبير الى البصرة، وقتل يوم الجمل فمر عليه أمير المؤمنين وهو طريح في المعركة فَقَالَ: لا جزاك اللَّه من ابْن أخت خيرا؟!!

قد كنت أشهده فلا [1] ... رث السلاح ولا ظلوم كالكوكب الدّرّي ... يعلو ضوؤه ضوء النجوم طالت بِهِ أعراقه ... ونماه والده الكريم وقال بعضهم: كانت للزبير ابنة يقال لَهَا: أم الحكم وكانت رضيعة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله أعلم. وقالت صفية تبكيه: بكي/ 290/ زبير الخير إِذْ فات ... إن [2] كنت عَلَى ذي كرم باكيه قد كَانَ فِي نفسي أن أترك ... الموتى فلا أبغيهم [3] قافية فلم أطلق صبرا عَلَى رزئه ... لأنه أقرب إخوانيه لو لَمْ أقل من فِي قولا لَهُ ... لقطت الأحزان [4] أضلاعية

_ [1] ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من باب الثاني من النهج: 15/ 223 وقال: قد كنت أنشده فلا ... رث السلاح ولا سليم ... زخرت به أعرقه ... ونماه والده الكريم بين الأغر وهاشم ... سرعين قد فرعا القروم [2] ورواها أيضا في شرح المختار المتقدم الذكر من شرح النهج وقال: «إذ مات» وقال بعده: لو لفظته الأرض ما لمتها ... أو أصبحت خاشعة عارية [3] وفي شرح النهج: «ولا أتبعهم قافية» . [4] وفي شرح النهج: «لقضت العبرة اصلاعية» . وزاد بعده: فهو الشامي واليماني إذا ... ما خضروا ذو الشفرة الدامية

(نسب أبي طالب) (عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخباره)

(نسب أبي طالب) (عمّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأخباره) 1- وأما أَبُو طالب بن عبد المطلب- وأسمه عبد مناف وأمه فاطمة (2/ 288) أم عبد الله بن عبد المطلب أيضا- فكان منيعا عزيزا في قريش، قال لعامر ابن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس وأمه أم حكيم بنت عبد المطلب نافر من شئت وأنا خالك. وكانت قريش تطعم فإذا أطعم (أبو طالب) لَمْ يطعم يومئذ أحد غيره [1] . 2- وقال لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بعث-: يا ابن أخي قم بأمرك فلن يوصل إليك، وأنا حي، فلم يزل يذب عَن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ويناوئ قريشا

_ [1] وقال الزبير بن بكار- في كتاب انساب قريش على ما نقله ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من باب الثاني من نهج البلاغة: ج 15/ 219- فأما ابو طالب ابن عبد المطلب واسمه عبد مناف وهو كافل رسول الله صلّى الله عليه وآله وحاميه من قريش وناصره والرفيق به والشفيق عليه ووصي عبد المطلب فيه، فكان سيد بني هاشم في زمانه ولم يكن أحد من قريش يسود في الجاهلية (الا) بمال الا ابو طالب وعتبة بن ربيعة. وأبو طالب أول من سن القسامة في الجاهلية في دم عمرو بن علقمة ثم أثبتها السنة في الإسلام، وكانت السقاية في الجاهلية بيد أبي طالب، ثم سلمها الى العباس بن عبد المطلب.

إلى أن مات، فلما حضرته الوفاة، عرض النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ قول: لا إله إلا الله فأبى أن يقولها وقال: يا ابن أخي. إِنِّي لأعلم أنك لا تَقُولُ إلا حقا، ولكني أكره مخالفة دين عبد المطلب، وأن يتحدث نساء قريش بأني جزعت عند الموت ففارقت ما كَانَ عَلَيْهِ. فمات عَلَى تِلْكَ الحال. وأتى علي عليه السلام (النبي) فأخبره بموته فقال: واره فقال عَليّ أنا أواريه وهو كافر [1] قَالَ: فمن يواريه إِذَا؟ فلما واراه أَمَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسل، وَقَالَ (رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى جنازته [: وصلتك رحم [2]] .

_ [1] هذا وما يأتي بعده من قوله: «ويقال ... » مجرد ادعاء واظهار عقيدة لا حجية لهما بنفسهما، فإن كان لهما سند او دليل فلينظر فيهما، والا فليضربا عرض الجدار، وبما ان سند ما ذكر هنا، هو الأخبار الآنية فليلاحظ ما تكلمنا عليها في التعليقات القادمة. [2] وقال ابن عدي في ترجمة ابراهيم بن هانئ من الكامل: ج 1/ الورق 90: حدثنا محمد بن هارون بن حميد، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، حدثنا الفضل بن موسى الشيباني، عن ابراهيم بن عبد الرحمان، عن ابن أبي جريج، عن عطاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عارض جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم وجزت خيرا يا عم. وقال الخطيب: - في ترجمة معاوية بن عبيد الله الخير الفاضل العابد، من تاريخ بغداد: ج 13/ 196- أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي، أخبرنا احمد بن نصر بن عبد الله الذراع، حدثنا سعيد بن معاذ الابلي، حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثني ابو عبيد الله صاحب المهدي، قال: حدثني المهدي عن ابيه، (قال:) حدثني عطاء، قال: سمعت ابن عباس يقول: عارض النبي صلّى الله عليه وسلم جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم جزاك الله خيرا يا عم. وقال ابن سعد في عنوان: «ذكر أبي طالب وضمه رسول الله ... » من سيرة رسول الله من الطبقات: ج 1/ 124، ط بيروت: أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال: قال العباس يا رسول الله اترجو لأبي طالب؟ قال: كل الخير أرجو من ربي. اقول: كذا ذكره في طبعة بيروت من الطبقات، والصواب: «ما ترجو لأبي طالب» كما ذكره غيره، وهو يناسب جوابه صلى الله عليه وآله دون ما في النسخة، ولعله من الأخطاء المطبعية. ومما يدل أيضا على ايمان أبي طالب ما ذكره في ترجمة عقيل من الطبقات: 4/ 44 قال: أخبرنا لفضل ابن دكين، حدثنا عيسى بن عبد الرحمان السلمي، عن أبي إسحاق ان رسول الله قال لعقيل: يا أبا يزيد اني احبك حبين: حبا لقرابتك وحبا لما كنت اعلم من حب عمي إياك. ورواه في ترجمة عقيل من الزوائد: 9/ 373 عن الطبراني.

3- ويقال: إنه قيل لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ استغفر لَهُ. فنزلت فِيهِ: «مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ» والآية التي بعدها [1] . 4- وكانت لأبي طالب أشعار فِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شاعرا [2] 5- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا هشام بن يوسف، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ [3] قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا طالب إلى كلمة

_ [1] والتي ذكرها هي الآية: (113) من سورة البراءة: 9، وإليك لفظ الآية التي بعدها: «وما كان استغفار ابراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها اياه، فلما تبين له انه عدو لله تبرء منه، ان ابراهيم لأواه حليم» . اقول: هذا القول أيضا لم يعلم له مستند، ولم يعلم انه لأي شيطان مارد فلا يعبأ به. [2] وتقدم تحت الرقم: (554) من ترجمة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من ج 1/ 232 ط مصر، قطعة من قصيدته اللامية، وكذلك من الميمية، وتمامها في شرح النهج: 3/ 313 وديوانه ص 32. [3] هذا الخبر في حد ذاته- ولو لم يكن له معارض- غير صالح للحجية، بل هو ضعيف من جهات: الجهة الأولى ان سعيد بن المسيب لم يدرك القضية، فلا بد اذن ان يكون رواها عمن أدركها، ولم يذكره في الخبر، فيحتمل انه كان ممن يشاقق الرسول وذويه صلوات الله عليهم!! الجهة الثانية من جهات ضعف الخبر: ان سعيد بن المسيب عد من المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام على ما ذكره ابن أبي الحديد وغيره. الجهة الثالثة ان الزهري المسكين كان من عمال بني أمية ومرتزقة مائدة أعداء أهل البيت في أيام تجبرهم وتنمرهم وانى يتيسر له بيان الحق والاعتراف بالصدق في شأن أهل البيت، ومن كان هذا حاله، كيف يوثق به ويؤخذ عنه؟ ولذا كانت اخته تنهى من الأخذ منه والرواية عنه بأنه باع دينه بالدنيا وعمل لبني أمية!! الجهة الرابعة ان بكر بن الهيثم شيخ البلاذري مجهول ولم يعرف انه أي حي بن بي.

الإِخْلاصِ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: إِنِّي لأَكْرَهُ أَنْ تَقُولَ قُرَيْشٌ: إِنِّي قُلْتُهَا جَزَعًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَرَدَدْتُهَا فِي صِحَّتِي. وَدَعَا بَنِي هَاشِمٍ فَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونصرته والمنع عن ضيمه فنزلت فيه: «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ» (26/ الأنعام) وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ حَتَّى نَزَلَتْ: «مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ» الآيتان. 6- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ: «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ» [1] .

_ [1] وهذا أيضا باطل من وجوه: الأول ان الثابت بعدة طرق عن ابن عباس خلاف هذا وان الآية الكريمة نزلت في المشركين الذين كانوا ينهون الناس عن محمد ان يؤمنوا به، وينأون- أي ويتباعدون- عنه، كما في تفسير الطبري: 7/ 109، والدر المنثور: ج 3 ص 2 و 8- 9، وكما في تفسير الالوسي: 7/ 126، وتفسير القرطبي: 6 ص 382، وتفسير ابن كثير: 2 ص 122، وتفسير الشوكاني: ج 3 ص 91- 92، كذا روى عنهم جميعا في الغدير الثاني ان هذا خلاف الظاهر من سياق الآية الكريمة، إذ المستفاد منه انهم كانوا قد جمعوا بين التباعد عن النبي وعدم الإيمان به، وبين نهي الناس عن متابعته والإيمان بما جاء به، وأين هذا من أعمال أبي طالب وأقواله، أليس هو أول من نبذ القرابات وما كان بينه وبين المشركين من الصلة والجوار والصداقة محاماتا للنبي ونصرة له، وتحصن مع من تبعه من عشيرته واهل بيته في الشعب سنين؟! وتحملوا الجوع والعطش ومضض الهجران والانقطاع عن التمتع بالحياة، وكانت ضجة أطفالهم قد بلغت عنان السماء من الجوع وقد مات بعضهم من ذلك!! أهذا نأي وبعد عن النبي؟! فإن كان هذا بعدا فما القرب والدنو؟ أليس من قول أبي طالب ما رووه: والله لا أخذل النبي ولا ... يخذله من بني ذو حسب الثالث من جهات بطلان الحديث ان حبيب بن أبي ثابت الواقع في سلسلة سنده، كان مدلسا بتصريح ابن حبان، وابن خزيمة في صحيحه كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 2 ص 179. الرابع ان ابن مباركهم صرح بأن الثوري- أحد رجال الحديث- كان يدلس كما في ترجمة سفيان من تهذيب التهذيب: 4/ 115. وفي ميزان الاعتدال: 1/ 396: انه كان يكتب عن الكذابين. الخامس ان الواقدي عندهم ضعيف جدا، فراجع ترجمته من تهذيب التهذيب. السادس ان ابن سعد أيضا غير مرضي عند سلفهم والا فما باله لم يرو ولم يأخذ منه ابن حنبل وهو معه في بغداد، وكان يأخذ منه أجزاء الواقدي فيطالعها، ثم يردها عليه!! فما بال أرباب السنن لم يرووا عنه شيئا؟! نعم روى منه ابو داود في مورد واحد من سننه، ولكنه لا ينفع لأنه عند أبيه غير مقبول وهو أعرف الناس به!! فراجع ترجمته من كامل ابن عدي. ثم ان الحديث ذكره أيضا ابن سعد في سيرة رسول الله من الطبقات: ج 1/ 123، الى قوله: «وينأون عنه» ولم يذكر قوله هنا: «عن يحيى بن جعدة» في سلسلة السند فراجع ط بيروت منها.

7- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ (سفيان) الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن الحرث بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي

أَبِي طَالِبٍ «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» (56/ القصص) [1] .

_ [1] هذا الحديث أيضا ضعيف السند والمتن، وقد تبين ضعف سنده مما تقدم، في التعليقات المتقدمة، ونزيد هنا ما قالوا في يزيد بن أبي زياد- أحد رجال السند- قال في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 11/ 330: قال ابو يعلى الموصلي عن ابن معين: ضعيف. وقال ابو ذرعة: لين يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال الجوزجاني: سمعتهم يضعفون حديثه. وقال ابن قانع: ضعيف. وقال الدارقطني ضعيف يخطئ كثيرا. وللحاكم الجشمي حول الآية الكريمة كلام نهديه الى أرباب البحث والتنقيب ونكتفي به، قال الدكتور عدنان زرزور في مقدمته على تفسير الحاكم الجشمي ص 264 ط 1-: قال الحاكم في تفسير الآية الشريفة من سورة القصص من تفسيره الورق 54. قيل: نزلت في أبي طالب، وذلك ان رسول الله صلى الله عليه أحب اسلامه واسلام أهل بيته وكان يغمه كفرهم ففي ذلك نزلت الآية. وروي عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد: انه كان يحب اسلام أبي طالب فنزلت هذه الآية، وكان يكره اسلام وحشي قاتل حمزة فنزلت هذه: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله» . وذكروا ان أبا طالب لم يسلم وأسلم وحشي. وهذه رواية غير صحيحة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب ايمانه، والله تعالى كان يحب ايمانه لأن رسول الله لا يخالف في ارادة الله كما لا يخالف في أوامر الله، وكان لأبي طالب عند النبي صلّى الله عليه وسلم أيادي مشكورة عند الله تعالى. وقد روي انه أسلم وفي اسلامه اجماع أهل البيت عليهم السلام وهم أعلم بأحواله. ومن حديث الاستسقاء انه صلّى الله عليه وسلم قال: لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه. ولا يجوز لكافر (ان يقال فيه) لله دره!! وكيف تقر عينا كافر بمعجز رسول الله صلّى الله عليه وآله؟! وقد روي ان النبي دعاه فأسلم. وما يروون ان عليا قال: ان عمك الضال قد مات. وقال (له) النبي (اذهب) فواره. فإنه لا يليق بكلام النبي فيه، ولا بكلام علي في ابيه، فهو من روايات النواصب، فالقوم يقولون: انه لم يرد ايمان أبي طالب واراد كفره، والنبي أراد ايمانه!! - وهذا مخالفة بين الرسول والمرسل؟! - فنزلت الاية، فعلى روايتهم واعتقادهم الفاسد كأنه تعالى يقول: انه يحيل ايمانه ... مع محبته لك وعظم نعمته عليك، وتكره ايمان وحشي- لقتله عمك حمزة- ولكن خلقت فيه الايمان!! وهذا نوع مغالطة واستخفاف لا يليق بالرسول، فإذا بطل أن يكون هذا سببا لنزول الآية، فالصحيح أنها نزلت في جميع المكلفين، كان صلّى الله عليه وسلم يحب هدايتهم وكان حريصا على ايمانهم ويغمه كفرهم فنزلت الآية.

8- قَالُوا: وَمَاتَ أَبُو طَالِبٍ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ، وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَدُفِنَ بِمَكَّةَ فِي الْحَجُونِ. 9- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا يزيد ابن أبي زياد، حدثني عبد الله بن الحرث بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: قَالُوا: كَانَ أَبُو طَالِبٍ يُعَضِّدُ مُحَمَّدًا وَيَنْصُرُهُ فَمَاذَا نَفَعَهُ؟! فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: [لَقَدْ نَفَعَهُ اللَّهُ كَانَ فِي دَرَكٍ مِنْ جَهَنَّمَ فَأُخْرِجَ مِنْ أَجْلِي فَجُعِلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَهُ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي منهما دماغه [1]] .

_ [1] هذا الحديث أيضا ضعيف أما ضعفه من جهة يزيد بن أبي زياد، فقد تقدم، وأما ضعفه من أجل علي بن عاصم فإليك بيانه: قال في تهذيب التهذيب: ج 7 ص 347: قال البخاري: قال وهب بن بقية: سمعت يزيد بن زريع (قال:) حدثنا علي عن خالد بسبعة عشر حديثا، فسألنا خالدا عن حديث فأنكره، ثم (عن) آخر فأنكره، ثم (عن) ثالث فأنكره، فأخبرناه فقال: كذاب فاحذروه!! وروي عن شعبة انه قال لا تكتبوا عنه. وقال ابن محرز عن يحيى بن معين: كذاب ليس بشيء. وقال يعقوب بن شيبة عن يحيى ليس بشيء ولا يحتج به. قلت: ما أنكرت منه، قال: الخطاء والغلط ليس ممن يكتب حديثه. وقال ابن أبي خيثمة: قيل لابن معين: إن أحمد يقول: إن علي بن عاصم ليس بكذاب. فقال: لا والله ما كان عنده قط ثقة، ولا حدث عنه بشيء فكيف صار اليوم عنده ثقة؟! وفي ترجمته من هذا النمط كلمات أخر عن أئمة القوم فراجع. وأما ضعفه من جهة الدورقي فقد قال الخطيب في ترجمته تحت الرقم: (1585) من تاريخ بغداد: 4/ 7: قيل ليحيى بن معين: إن ابن الدورقي يزعم أنك كتبت عنه؟ قال: ما كتبت عنه حديثا قط. وكان يقول: هو في حد المجانين!! وفي تتمة ترجمته أيضا شواهد على ما أفاده ابن معين فراجع.

10- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ (سُفْيَانَ) الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن الحرث بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا أَغْنَيْتَ عَنْ/ 291/ عَمِّكَ؟ قَالَ: [كَانَ فِي دَرَكٍ مِنَ النَّارِ فَأُخْرِجَ مِنْ أَجْلِي فَجُعِلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَهُ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ [1]] . 11- حَدَّثَنِي سَعْدُوَيْهِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أَهْوَنُ النَّاسُ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَبُو طالب وانه لَمُنْتَعِلٌ نَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ [2]] . 12- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عبد الله بن الحرث عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمُّكَ أَبُو طَالِبٍ قَدْ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَمْنَعُكَ وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ. فَقَالَ: [إِنَّهُ لَفِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، ولولا أنا كان في الدرك الأسفل [3]] .

_ [1] قد تبين مما سلف ضعف هذا الحديث أيضا، ويزيد على ضعفه وقوع عبد الملك بن عمير في سنده، قال في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 6 ص 411: قال علي بن الحسن عن أحمد: عبد الملك بن عمير مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته، ما أرى أن له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: مخلط. وقال أيضا: ضعفه أحمد جدا. [2] هذا الحديث أيضا ضعيف من أجل وقوع سعدويه: سعد بن سعد الجرجاني في سلسلة سنده قال البخاري: لا يصح حديثه. وقال ابن عدي: له عن الثوري ما لا يتابع عليه؟ دخلته غفلة الصالحين، ولم أر للمتقدمين فيه كلاما، وهو من أهل بلدنا، ونحن أعلم به. [3] ومما تقدم قد انكشف لك ضعف هذا الحديث أيضا، لوقوع ابن عمير والثوري والدورقي في سنده، ولو عد الوكيع رافضيا- على ما قاله بعضهم- ليزيد ضعفه أضعافا مضاعفة هذا إجمال الكلام حول ضعف هذه الأحاديث وما بسياقها، ومن أراد تفصيل القول فعليه بكتاب الغدير: ج 7 ص 33- 409 ط 2، فإنه فصل الكلام فيه وله حول حديث ضحضاح تحقيقات أثبت فيها مخالفة حديث الضحضاخ للكتاب والسنة فليضرب به عرض الجدار.

13- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَلَّمَ وُجُوهُ قُرَيْشٍ- وَهُمْ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَمُطْعِمٌ وَطُعَيْمَةُ ابْنَا عَدِيٍّ، وَمُنَبِّهٌ وَنُبَيْهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَالأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيُّ- أَبَا طَالِبٍ فِي أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْفَعُوا إِلَيْهِ عُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ المخزومي، فأبا ذلك! وقال أتقتلون ابن أخي وأغدوا لَكُمُ ابْنَكُمْ إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟! فَقَالُوا: مَا لنا خير من أن نغتال (كذا) مُحَمَّدًا فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ فَقَدَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَافَ أَنْ يَكُونُوا قَدِ اغْتَالُوهُ فَجَمَعَ فِتْيَانًا مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي زُهْرَةَ وَغَيْرَهُمْ وَأَمَرَ كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ حَدِيدَةً وَيَتْبَعُهُ، وَمَضَى، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال له: اين كنت يا بن أَخِي؟ أَكُنْتَ فِي خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَالِبٍ دَارَ عَلَى أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ وَالْفِتْيَانُ مَعَهُ وَقَالَ: بَلَغَنِي كَذَا وَكَذَا، وَاللَّهِ لَوْ خَدَشْتُمُوهُ خَدْشًا مَا أَبْقَيْتُ مِنْكُمْ أَحَدًا إِلا أَنْ أُقْتَلَ قَبْلَ ذَلِكَ!! فَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا فِي أَنْفُسِنَا. 14- وقال أَبُو طالب: منعنا الرسول رسول المليك ... ببيض تلألأ مثل البروق أذب وأحمي رسول الإله ... حماية عم عَلَيْهِ شفيق 15- وقال أَبُو طالب حين أكلت الصحيفة الأرضة: ألا هل أتى بحرينا صنع ربنا [1] ... عَلَى نأيهم والأمر بالناس اورد [2]

_ [1] أي من ركب البحر منا، إلى الحبشة فرارا بدينه. [2] وفي بعض المصادر: «والله بالناس أورد» أي هو أرفق بهم من أنفسهم.

ألم يأتهم أن الصحيفة أفسدت ... وكل الَّذِي لم يرضه الله مفسد وكانت أحق رقعة بأثيمة [1] ... يقطع فيها ساعد ومقلد فمن يك ذا عز بمكة مثله [2] ... فعزتنا فِي بطن مكة أتلد نشأنا بها والناس فيها أقلة [3] ... فلم ننفكك [4] نزداد خيرا ونمجد جزى الله رهطا بالحجون تتابعوا ... بنصر امرئ يهدي لخير ويرشد [5] 16- وقال أيضا: لزهرة كانوا أوليائي وناصري ... وأنتم إذا تدعون فِي سمعكم وقر تداعى علينا موليانا فأصبحوا (ظ) ... إِذَا استنصروا قالوا: إلى غيرنا النصر وأعني خصوصا عبد شمس ونوفلا ... فقد نبذ انا مثل ما ينبذ الجمر

_ [1] كذا في النسخة، وفي بعض المصادر هكذا: وكانت كفاء وقعة بأثيمة ... ليقطع منها ساعد ومقلد [2] كذا في النسخة، وفي بعض المصادر: «فمن ينش من حضار مكة عزه» و «ينش» مخفف ينشأ، وحذف الهمزة منها للضرورة. وأتلد: أقدم. [3] الأقلة: جمع القليل، كالأذلة في جمع الذليل. [4] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فلم نتوكك» . وفي بعض المصادر: نشأنا بها والناس فيها قلائل ... فلم ننفكك نزداد خيرا ونحمد [5] وهذا أيضا من لوازم الاعتراف بنبوته صلّى الله عليه وآله وسلم وبمعنى التصديق برسالته أي تصديق بالالتزام لا بالمطابقة، وإن قيل: إنه تصديق بالتضمن فهو أيضا صواب، ومما هو صريح في ايمانه ويدل بالمطابقة على اعترافه بنبوة رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله رضوان الله عليه في هذه القصيدة بعد أبيات: ألا إن خير الناس نفسا ووالدا ... إذا عد سادات البرية أحمد نبي الإله والكريم بأصله ... وأخلاقه وهو الرشيد المؤيد

هما مكنا للقوم فِي أخويهما [1] ... فقد أصبحت أيديهما منهما صفر فو الله لا تنفك منا عداوة ... ومنهم لنا ما دام من نسلنا شفر [2] 17- وقال فِي أمر الصحيفة: ألا أبلغ أبا وهب رسولا ... فإنك قد ذابت لما تريد [3] ليئس (ظ) الله ثُمَّ لعون قوم ... بلا ذنب ولا دخل أصيدوا [4] وآزره/ 292/ أَبُو العاصي بحزم ... وَذَلِكَ سيد بطل مجيد ومن يمشي أبو العاصي أخاه ... فلا مبزي [5] أخوه ولا وحيد شبيه أبي أمية غير خاف [6] ... إذا أما العود خدامة الجليد [7]

_ [1] رسم الخط في قوله: «هما مكنا» غير واضح، وروى ابن أبي الحديد اثنا عشر مصرعا من هذه القصيدة في شرح المختار: 28 من النهج: 15/ 233 مع مغايرة في جل الألفاظ فراجع. وفي بعض المصادر هكذا: هما أغمزا للقوم في أخويهما ... فقد أصبحا منهم أكفهما صفر [2] أي أحد، يقال: ما في الدار شفر- كفلس وقفل- وشفرة: أحد. وتتمة القصيدة: فقد سفهت أحلامهم وعقولهم ... وكانوا كجفر بئسما صنعت جفر وما ذاك إلا سؤدد خصنا به ... إله العباد واصطفاتاله الفخر رجال تمالوا حاسدين وبغضة ... لأهل العلى فبينهم أبدا وتر وليد أبوه كان عبدا لجدنا ... إلى علجة زرقاء جال بها السحر [3] كذا. [4] كذا. [5] كذا. [6] كلمة «خاف» رسم خطها غير جلي. [7] كذا.

18- وقال أيضا: وما إن جنينا فِي قريش عظيمة ... سوى أن منعنا خير من وطيء التربا فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ... فإياكم أن تسعروا بيننا حربا في أبيات. 19- وقال: (أيضا) يحرض أبا لهب عَلَى نصرة رَسُول اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم [1] : وان امرأ أمسى عتيبة عمه ... لفي نجوة من أن يسام المظالما أقول لَهُ وأين مِنْه نصيحتي (كذا) ... أبا معتب أثبت سوادك قائما ولا تقربن الدهر ما عشت لحظة ... تسب بِهَا أما هبطت المواسما وحارب فإن الحرب نصف ولن ترى ... أخا الحرب يعطي الخسف حتى يسالما 20- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ قِيلَ لَهُ: لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَى ابْنِ أَخِيكَ فَأَتَاكَ بِعُنْقُودٍ مِنْ جَنَّتِهِ لَعَلَّهُ يُشْفِيكَ؟! فَأَتَاهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-: إِنَّ اللَّهَ، حرمهما (كذا) عَلَى الْكَافِرِينَ. قَالَ: فَأَحْسَبُهُ قَالَ: لَيْسَ هَذَا جواب ابن اخي [2] .

_ [1] ورواها بعضهم عن سيرة ابن هشام: ج 1/ وعن كتاب ابن كثير: ج 3 ص 93. [2] هذا الحديث أيضا دال على ايمان أبي طالب- مع ما في سنده من الضعف والانقطاع- سواء قلنا إن معنى قوله: «فأتاه الرسول بذلك» أي أتى رسول الله أبا طالب بعنقود من جنته، أو إن معناه: أتى رسول أبي طالب برسالته إلى نبي الله في استدعائه عنقود الجنة منه صلى الله عليه وآله أما على الأول فواضح، وأما على المعنى الثاني فلدلالته على انه كان معتقدا بالجنة وان الله جعل في عنقودها الشفاء، وان ابن أخيه بما انه صادق فيما يدعيه على الله من الرسالة وتوحيد الله تعالى، وبما انه كريم ووجيه عند الله يجيبه الله في مسألته عنقود الجنة لشفاء عمه، وبما ان الرب واحد فلا مانع ولا راد لما يريده الله من اجابة رسوله. وأما ما قاله بعض الحاضرين فعلى تقدير تجهيل لله ولرسوله، وعلى تقدير آخر تقدم بين يدي الله ورسوله وقد نهى الله عنه بقوله عز وجل: «يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورسوله» (1/ الحجرات) . وقريب منه في الحديث: (274) من باب فضائل علي عليه السلام من كتاب الفضائل- لابن حنبل- قال: حدثنا محمد بن يونس القرشي قال: حدثنا شريك بن عبد الحميد الحنفي، قال: حدثنا الهيثم البكاء قال: حدثنا ثابت، عن أنس قال: لما مرض أبو طالب مرضه الذي مات فيه، أرسل إلى النبي صلّى الله عليه ادع ربك عز وجل أن يشفيني فإن ربك يطيعك، وابعث إلي بقطاف من قطاف الجنة. فأرسل إليه النبي صلّى الله عليه: وأنت يا عم إن أطعت الله عز وجل أطاعك.

أحاديث حول فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب

21- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عن ابيه قال: لما حضرت ابو طَالِبٍ الْوَفَاةَ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَأَبُو جَهْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يَا عَمِّ قُلْ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.] فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَابْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ دين عبد المطلب؟ فلم يقل شيئا. [أحاديث حول فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب] 22- وَكَانَتْ أُمُّ أَوْلادِ أَبِي طَالِبٍ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَيُقَالُ: إِنَّهَا، أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِمَكَّةَ، ثُمَّ لَمْ تَلْبَثْ أَنْ مَاتَتْ [1] فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ إِلَى عَلِيٍّ فَكَفَّنَهَا فِيهِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهَا. 23- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ أشياخه.

_ [1] ظاهره أنها صلوات الله عليها ماتت بمكة، وهذا سهو من قائله، والأخبار متضافرة على انها رضوان الله عليها هاجرت وماتت بالمدينة، وبعضها صريح أو ظاهر في تأخر وفاتها عن زواج علي بفاطمة صلوات الله عليهم كما يأتي.

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يتعهد منزل عمه بعد موته فيدعوا فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ إِلَى الإِسْلامِ فَتَأْبَاهُ وَتَقُولُ: إِنِّي لأَعْلَمُ مِنْكَ صِدْقًا وَخَيْرًا، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَمُوتَ إِلا عَلَى دِينِ عَمِّكَ، فَيَقُولُ: [يَا أُمَّهْ إِنِّي مُشْفِقٌ عَلَيْكِ مِنَ النَّارِ] . فَتُلِينُ لَهُ الْقَوْلَ وَلا تُجِيبُهُ إِلَى الإِسْلامِ فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ يَقُولُ: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً، ثُمَّ إِنَّهَا أَسْلَمَتْ فِي مَرَضِهَا وَكَفَّنَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قَمِيصِهِ [1] . 24- وَحَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ: عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: أُهْدِيَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حلة حرير فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ وَقَالَ: [إِنِّي لَمْ أَبْعَثُهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا إِنِّي أَكْرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُ لنفسي ولكن أقطعها خمرا [2] واكسها فاطمة ابنتي] .

_ [1] والحديث ضعيف من أجل ان أشياخ الحسن بن صالح غير معلومين، ولعلهم غير موثوقين، وأيضا شيخ البلاذري الحسين بن علي بن الأسود ضعفوه، قال في ترجمته من كتاب تهذيب التهذيب: قال أحمد: لا أعرفه. وقال ابن عدي: (كان) يسرق الحديث، وأحاديثه لا يتابع عليها. وقال الأزدي: ضعيف جدا يتكلمون في حديثه. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «اقطعنا حمرا» . ورواه باختلاف طفيف في ترجمة فاطمة بنت حمزة من أسد الغابة: ج 5 ص 518، وقال: أخرجها ابن مندة وابو نعيم. وقال احمد ابن عمرو بن أبي عاصم النبيل- في باب فضائل امير المؤمنين من كتاب الآحاد والمثاني الورق 14/ ب-: حدثنا المقدمي وابن كاسب، قالا: حدثنا عمران بن عيينه، أنبأنا يزيد بن أبي زياد، عن أبي فاخته: عن جعدة بن هبيرة عن علي- رضي الله عنه- قال: أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسبرة بحرير، إما سداها وإما لحمتها، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بها إلي فقلت ما اصنع بها ألبسها؟ قال: (لا) ارضى لك ما اكره لنفسي (بل) اجعلها خمرا بين الفواطم. (قال:) فشققت منها اربعة اخمرة: خمارا لفاطمة بنت أسد- وهي أم علي- وخمارا لفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وخمارا لفاطمة بنت حمزة. وذكر فاطمة اخرى فنسيتها. وقال أيضا: حدثنا ابو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي فاختة (قال:) حدثني هبيرة (كذا) . عن علي رضي الله عنه قال: اهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فقال لي رسول الله صلى الله عليه: (لا تلبسها) ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم. اقول: والحديث الأول رواه عنه في ترجمة فاطمة بنت حمزة تحت الرقم: (832) من الإصابة: ج 8 ص 161، وساقه الى ان قال: ولم يذكر الرابعة، ولعلها امرأة عقيل. ورواه أيضا في الحديث: (103) من باب فضائل علي عليه السلام في ترجمته من سمط النجوم: ج 2/ وقال: اخرجه الضحاك.

25- وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَوْنٍ، عن ما هان أبي صالح قال. سمعت عليا (عليه السلام) يَقُولُ: [أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلّم حلة سيراء [1] فأرسل إلى بها فلبستها، وعرفت الغضب في وجهه، وقال: إني لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا وَأَمَرَنِي، فَطَرَرْتُهَا بَيْنَ النِّسَاءِ [2]- أو قال: نسائي-] . 36- وحدثني مظفر بن مرجا، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْفَرْوِيُّ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ. عن علي (عليه السّلام) أَنَّهُ قَالَ لأُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ: [اكْفِي فاطمة بنت

_ [1] السيراء: مخططة او مخلوطة بالحرير، اما سداها او لحمتها. [2] يقال: «طررت الشيء او الثوب طرا» - من باب مد- قطعته وشققته. والصواب ما تقدم في رواية ابن أبي عاصم، دون ما في هذا المتن وما يشبهه، لأن مع عدم بيان كراهية لبس المخطوط او الممزوج بالحرير للرجال، لا يظن بالنبي الغضب، ومع بيان كراهيته لا يظن بأمير المؤمنين لبس المنهي عنه وما يكرهه النبي صلى الله عليه وآله!!

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ خَارِجًا مِنَ السَّقْيِ وَغَيْرِهِ، وَتَكْفِيكِ مَا كَانَ دَاخِلا مِنَ الْعَجْنِ وَالطَّحْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ [1]] . 27- وَحَدَّثَنِي أَبُو بكر الأعين، قَالَ/ 293/ سألت أَحْمَد بن حنبل، وَيَحْيَى بن معين، عَن حديث هبيرة بن يريم فقالا: قد روي (نرى «خ» ) ما رووا [2] وليست هجرة أم عَليّ وإسلامها عندنا بمشهور والله أعلم.

_ [1] وهذا رواه أيضا في ترجمة فاطمة بنت أسد، من الإصابة: ج 7 وفي أسد الغابة: ج 5 ص 517، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أبي البختري ... باختلاف في التعبير. ورواها أيضا في ترجمتها من مجمع الزوائد: ج 9 ص 256 بسندين عن الطبراني وقال: ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح. [2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «قد روي (قد نرى «خ» ) ما رواه» . ولعل المراد من حديث هبيرة بن يريم الذي قالا: قد روي.. هو ما تقدم في المتن والهامش من قصة اعطائه صلّى الله عليه وآله الحلة السيراء لعلي وامره ان يقطعها خمرا للفواطم الدال على اسلام فاطمة بنت اسد وهجرتها. وما قالا: من ان هجرة أم علي وإسلامها ليست عندنا بمشهور. كلام جاهل او متجاهل، كيف وفي كل واحد منهما وردت اخبار معتمدة مستفيضة واختارهما المحققون، قال في ترجمتها من اسد الغابة: 5/ 517: قيل: انها توفيت قبل الهجرة. وليس بشيء والصحيح: انها هاجرت الى المدينة وتوفيت بها، قال الشعبي: أم علي فاطمة بنت اسد، اسلمت وهاجرت الى المدينة وتوفي بها ... وقال في ترجمتها من الإصابة: 8/ 160، تحت الرقم: (827) ، والصحيح انها هاجرت وماتت بالمدينة، وبه جزم الشعبي قال: اسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة. ورواه أيضا ابو نعيم في أول ترجمة امير المؤمنين من كتاب معرفة الصحابة: ج 1/ الورق 19/ أ. ورواه في الحديث: (10- 13) من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق بأسانيد، وقال في الحديث: (1456) من الترجمة: قال ابو اليقظان: وأمه فاطمة بنت اسد بن هاشم ابن عبد مناف اسلمت قديما، وهي أول هاشمي ولدت لهاشمي، وهي ربت النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم ماتت صلى النبي عليها، وتمرغ في قبرها وبكى وقال: جزاك الله من أم خيرا فقد كنت خير أم. اقول: وقريبا منه جدا رواه الزبير بن بكار، كما في أول باب مناقب علي من الزوائد: 9/ 100، وقال رواه الطبراني وهو صحيح. وأيضا روى في ترجمتها- رحمها الله- منه ص 256، اخبارا تدل على هجرتها ونهاية جلالتها عند رسول الله. وكذلك في مستدرك الحاكم: 3/ 108، وسمط النجوم: ج 2 ص 429 والحديث: (116) من مناقب ابن المغازلي.

28- وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: وَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ أَسِيرًا مِنْ سَبْيِ بَنِي الْعَنْبَرِ، فَوَهَبَتْهُ لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: فَذَكَرَ صَالِحٌ مَوْلَى آلِ عَقِيلٍ: إِنَّهُ جَدُّهُمْ ذَكْوَانُ. 29- وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يُنَادِمُ مُسَافِرَ بْنَ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ فَمَاتَ بالحيرة فرثاه أبو طالب بشعر أوله: [1] :

_ [1] قال الزبير بن بكار في كتاب انساب قريش: وكان ابو طالب شاعرا مجيدا، وكان نديمه في الجاهلية مسافر بن عمرو بن امية بن عبد شمس، وكان قد حبن، فخرج ليتداوى بالحيرة، فمات بهبالة، فقال ابو طالب يرثيه: لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أَبِي عَمْرٍو ... وَلَيْتَ يقولها المحزون كيف كانت مذاقة الموت إذ ... مت وماذا بعد الممات يكون رحل الركب قافلين إلينا ... وخليلي فِي مَرْمَسٍ مَدفونُ بوركَ الميت الغريب كما ... بورك نصر الريحان والزيتون رزء ميت على هبالة قد خا ... لت فياف من دونه وحزون مدره يدفع الخصوم بأيد ... وبوجه يزينه العرنين كم خليل وصاحب وابن عم ... وحميم قفت عليه المنون فتعزيت بالجلادة والصبر ... واني بصاحبي لضنين فلما هلك مسافر نادم ابو طالب بعده عمرو بن عبد بن أبي قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لوي، ولذلك قال عمرو لعلي عليه السلام يوم الخندق حين بارزه: ان أباك كان لي صديقا. كذا نقله عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (28) من كتب النهج: ج 15/ 219.

أسماء ولد أبي طالب وتعدادهم وترجمة مختصرة لطالب بن أبي طالب

لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أَبِي ... عَمْرٍو وَلَيْتَ يَقُولُهَا الْمَحْزُونُ وَهُوَ شِعْرٌ مَعْرُوفٌ. ثُمَّ نادم عمرو بن عبد بن أبي قيس (كذا) فلما كَانَ يوم الخندق دعاه عَليّ عَلَيْهِ السلام إلى البراز فقال لَهُ: إن أباك كان لي صديقا ونديما. [أسماء ولد أبي طالب وتعدادهم وترجمة مختصرة لطالب بن أبي طالب] 30- فولد أَبُو طالب طالبا- وَكَانَ مضعوفا لا عقب لَهُ- وعقيلا وجعفرا وعليا، فبين كل واحد منهم والأخر- فِي قول هِشَام بن الكلبي عشر سنين [1] . وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي. 31- وقال الهيثم بن عدي:، قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد: كَانَ بين جَعْفَر وَعَليّ عليهما السلام تسع سنين، جَعْفَر أكبرهما، وبين جَعْفَر وعقيل أربع

_ [1] ومثله معنى في أول ترجمة عقيل من طبقات ابن سعد: 4/ 42 وقال في أول ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من مروج الذهب: ج 2 ص 350 ط بيروت: وولد أبي طالب بن عبد المطلب اربعة ذكور وابنتان، طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، وفاختة وجمانة، لأب وأم، أمهم فاطمة بنت اسد بن هاشم. وبين كل واحد من البنين عشر سنين، فطالب الأكبر، وبينه وبين عقيل عشر سنين، وبين عقيل وجعفر سنتان (كذا) ، وبين جعفر وعلي عشر سنين. واخرج مشركوا قريش طالب بن أبي طالب يوم بدر الى حرب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كرها، ومضى ولم يعرف له خبر، وحفظ من قوله في هذا اليوم: يا رب اما خرجوا بطالب ... في مقنب من تلكم المقانب فاجعلهم المغلوب غير الغالب ... والرجل المسلوب غير السالب وقريبا منه رواه ابن سعد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله من الطبقات: ج 1/ 121، ط بيروت، كما ان أبا الفرج أيضا رواه في اخبار حسان بن ثابت من الأغاني: 4/ 183، كما ان الذيل رواه أيضا ثقة الاسلام الكليني في الحديث: (563) من روضة الكافي ص 375.

سنين، وعقيل أكبرهما، وطليق بن أبي طالب [1] لا عقب لَهُ، درج، وأمه أمة لبني مخزوم غشيها فحملته [2] فادعاه (أبو طالب) وادعاه أيضا رجل من حضر موت فأرادوا بيعه من الحضرمي فقال أَبُو طالب: أعوذ بخير الناس عَمْرو بن عائذ ... أبي وأبيكم أن يباع طليق أخو حضر موت كاذب لَيْسَ فحله ... ولكن كريم قد نماه عتيق هبوني كد باب وهبتم لَهُ ابنه ... وإني بخير منكم لحقيق وَكَانَ دباب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِر بْن الحرث بْن حارثة بْن سَعْد بْن تيم بْن كعب وقع عَلَى أمة لبني مخزوم أيضا فأولدها ولدا فوهبوه لَهُ. وأم هانئ، تزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي، فولدت لَهُ جعدة بن هبيرة، فهرب هبيرة يوم الفتح إلى اليمن فمات كافرا بِهَا. وقيل هرب حين أسلمت أم هانئ- واسمها فاخته- إلى نجران ولها يقول [3] : وإن كنت قد تابعت دين محمد ... وقطعت الأرحام منك حبالها

_ [1] أي وولد ابو طالب طليق ... [2] ان صح هذا فمحمول على الوطي والغشيان بالشبهة. [3] وقال ابن أبي الحديد- في شرح المختار: (64) من الباب الثاني من النهج: ج 18، ص 8 نقلا عن الواقدي في قصة طويلة-: وأسلمت أم هانئ فقال هبيرة حين بلغه إسلامها- يوم الفتح- يؤنبها شعرا من جملته: «وان كنت ... » - الى قوله: فكوني على أعلى سحوق بهضبة ... ململمة حمراء يبس بلالها وقال في الهامش: (هي) من قصيدة له في ابن هشام: 4/ 42 وأولها: أشاقتك هند أم أتاك سؤالها ... كذاك النوى أسبابها وانفتالها

ترجمة إجمالية لجعفر بن أبي طالب

فكوني عَلَى أعلى سحوق بهضة ... ممنعة لا يستطاع منالها وإن كلام المرء فِي غير كنهه ... لكالنبل يهوي لَيْسَ فيها نصالها وجمانة ولدت لأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب. فأما طالب فأقام عَلَى دين أبيه ولم يسلم بعده، وحضر بدرا مع المشركين وقال بعد انصرافه معهم. فجعتني المنون بالجنة الحمس ... (كذا) ملوك لذي الحجون صباح 3/ 297 إن كعبا وعامرا قد أبيحت ... يوم بدر ويوم ذات الصفاح ويقال: إن هَذِه الأبيات لغيره [1] . وقد اختلفوا فِي أمر طالب فقائل يقول: رجع من بدر إلى مكة، فمات بعد قليل. وقائل يقول: أتى اليمن فهلك فِي طريقه وقال بعضهم: أخرج طالب إلى بدر مكرها فقال: يا رب إما يخرجن طالب ... من مقنب من تلكم المقانب فليكن المغلوب غير الغالب ... وليكن المسلوب غير السالب فزعموا أَنَّهُ لَمْ يوجد فِي القتلى، ولا كَانَ فِي الأسرى، ولا مع المسلمين، ولا أتى مكة، ولكنه أتى الشام فمات بِهَا أو في طريقها. [ترجمة إجمالية لجعفر بن أبي طالب] وأما جَعْفَر بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- وَكَانَ يكنى أبا عبد الله- فإنه أتى النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مع أخيه عَليّ عَلَيْهِ السلام وقد كان يسمع عليا يذم عبادة

_ [1] قال في سيرة رسول الله تحت الرقم: (675) ج 1، ص 306، وقَالَ طَالِب بْن أَبِي طَالِب فِي يَوْم بدر- وقوم يزعمون أنها لأمية بْن أَبِي الصلت- وكان طَالِب قَدْ شهد بدرًا ثُمَّ انصرف راجعًا فلم يسمع لَهُ بذكر مَعَ قريش: «فجعتني المنون بالجلة الحمس» ... وراجع الأبيات فإن هناك زيادة ومغايرة عما ذكره ههنا.

الأوثان فوقع فِي نفسه ذمها/ 294/ فلما دعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قبل دعا (ء) وشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله وأن المبعث حق. وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته أسماء ابنة عميس الخثعمية- وهي أخت أم الفضل لبابة بنت الحرث بن حزن الهلالية، لأمها هند بنت عوف الحميرية- فلم يزل مقيما بالحبشة فِي جماعة تخلفوا معه من المسلمين. ثُمَّ قدم عَلَى رَسُول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سنة سبع من الهجرة بعد فتح خيبر فاعتنقه رَسُول اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وقال: [لست أدري أي الأمرين أسر إلي أفتح خيبر أم قدوم جَعْفَر [1]] . وقدم معه المدينة، ثم وجهه في جيش إلى مؤتة من بلاد الشام فاستشهد وقطعت يداه فِي الحرب فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلم: [لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما فِي الجنة.] فسمي ذا الجناحين وسمي الطيار فِي الجنة. ودخل رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ- حين أتاه نعي جَعْفَر- عَلَى أسماء بنت عميس فعزاها بِهِ، ودخلت فاطمة عليها السلام تبكي وهي تقول: وا عماه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [عَلَى مثل جَعْفَر فلتبك البواكي.] ثُمَّ انصرف إلى أهله وقال: [اتخذوا لآل جَعْفَر طعاما فقد شغلوا عَن أنفسهم.] وضم عبد الله بن جَعْفَر إِلَيْهِ ومسح رأسه وعيناه تدمعان [وقال: اللهم أخلف جعفرا فِي ذريته بأحسن ما خلفت بِهِ أحدا من عبادك الصالحين] . واستشهد جَعْفَر، وهو ابن نحو من أربعين سنة، وَذَلِكَ فِي سنة ثمان من الهجرة.

_ [1] ورواه أيضا ابن سعد في ترجمة جعفر من الطبقات: ج 4 ص 35 ط بيروت، ورواه أيضا في ترجمته من مجمع الزوائد: 9/ 272 وقال: رواه الطبراني في الثلاثة، وفي رجال الكبير أنس بن سلم ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. ثم رواه بسند آخر وقال: رواه الطبراني مرسلا ورجاله رجال الصحيح.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أشبهني جَعْفَر فِي خلقي وخلقي [1]] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلا رَكِبَ الْمَطَايَا رَجُلٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ مِنْ جَعْفَرٍ. وقال أَبُو طالب وجعفر بالحبشة. لقد ضل عني جَعْفَر متنائيا ... وأعدى الأعادي معشري والأقارب فهل نال معروف النجاشي جعفرا ... وأصحابه أم غاله عنه شاغب (كذا) تعلم بأن الله زادك بسطة ... وأسباب خير كلها لك لازب وأنك عز والملوك أذلة ... كريم فلا يشقى لديك المجانب [2] وقالوا: اختط رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفر إلى جانب المسجد فلما استشهد وزيد بن حارثة بكى وقال: [أخواي ومونساي ومحدثاي] . وَكَانَ لجعفر من الولد عبد الله الجواد، ويكنى أبا جَعْفَر، ولد بالحبشة، وعون بن جَعْفَر، وَمُحَمَّد بن جَعْفَر، وأمهم أسماء بنت عميس بن معد الخثعمية. وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الأخوات الأربع مؤمنات أحبهن لإيمانهن: أسماء بنت عميس، وسلمى وأم الفضل وميمونة.] وأمهن هند بنت عوف بن حماطة بن حرش. فأما عون وَمُحَمَّد فذكر أبو اليقظان النصري أنهما استشهدا جميعا بتستر فِي خلافة عمر بن الخطاب. وذلك غلط.

_ [1] ورواه في ترجمة جعفر من مجمع الزوائد: ج 9/ 272، وكذلك في ترجمته من الطبقات الكبرى: 4 ص 36 بطرق، كما ذكر أيضا الحديث التالي وجل ما تقدم. [2] قال البلاذري في المتن: ويروى (يعني بدلا عن المجانب) : «المضاقب» (كذا) .

ترجمة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

وذكر غيره أنهما قتلا بصفين. وقيل: إنهما قتلا بالطف مع الْحُسَيْن وحمل ابن زياد رءوسهما مع رأس الْحُسَيْن عليهم السلام إلى يزيد بن معاوية. والله أعلم. ولم يكن لعون عقب. وأتى عبد الله بن جَعْفَر رجل يقال لَهُ المسور، فذكر أَنَّهُ ابن عون بن جَعْفَر، فوهب لَهُ عشرة آلاف درهم وزوجه ابنة لَهُ عمياء فماتت ولم يجتمعا، ثُمَّ إن ولد عبد الله بن جَعْفَر نفوه وطردوه، وَكَانَ لَهُ ولد بالمدائن لا ينسبون إلى قريش ولا تنكحهم الأشراف، وَكَانَ ممن حمل عَنْهُ الحديث أَبُو جَعْفَر الْمَدَائِنيّ، وَكَانَ يقال لَهُ عبد الله بن مسور بن عون بن جَعْفَر وقد ذكره مُحَمَّد بن سعد كاتب الواقدي فِي كتابه الَّذِي ألفه فِي الطبقات من المحدثين والفقهاء [1] إلا أَنَّهُ قَالَ: مسور بن مُحَمَّد بن جَعْفَر. ولم يلد مُحَمَّد بن جَعْفَر إلا القاسم بن مُحَمَّد بن جَعْفَر وأم مُحَمَّد، وأمهما أمة الله بنت قيس بْن/ 295/ مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف. [ترجمة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب] وأما عبد الله بن جَعْفَر فكان جوادا، جعل معاوية بن أبي سفيان عطاءه فِي كل سنة ألف ألف درهم، فلما قام يزيد بن معاوية صيرها ألفي ألف درهم، فلم يكن الحول يحول حَتَّى ينفقها ويستدين، لسعة بذله وعطاياه. 1- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ خَرَّبُوذَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كُلِّمَ فِي تَزْوِيجِ يَتِيمٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَوَهَبَ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِمُعَاوِيَةَ فَقَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْهَاشِمِيُّ سَخِيًّا لَمْ يُشْبِهْ مَنْ هُوَ منه.

_ [1] ذكره في ج 7 ص 319 ط بيروت من الطبقات الكبرى قال: وكان بالمدائن من المحدثين والفقهاء (جماعة منهم) ابو جعفر المدائني واسمه عبد الله بن المسور بْنِ مُحَمَّد بْنِ جَعْفَر بْنِ أَبِي طَالِبٍ وكان معروفا قليل الحديث.

2- وقال الكلبي: مدح نصيب أبو مجن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَأَجْزَلَ لَهُ الْعَطَاءَ فَقِيلَ لَهُ: أَتُعْطِي مِثْلَ هَذَا الْعَبْدِ الأَسْوَدِ مَا أَعْطَيْتَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ جِلْدُهُ أسود، إن شِعْرَهُ لأَغَرُّ أَبْيَضُ وَلَقَدِ اسْتَحَقَّ بِمَا قَالَ أفضل مما قال، وإنما أخذ رواحل تنضى، وثيابا تبلى ومالا يفنى، وأعطى مدائح تروي وثناءا تبقى. 3- وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ قَالَ: ابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَائِطًا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الانصار بمأتي أَلْفِ دِرْهَمٍ فَرَأَى ابْنًا لَهُ يَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي وَأَبِي نَمُوتُ قَبْلَ خُرُوجِ هَذَا الْحَائِطِ مِنْ أَيْدِينَا، لَقَدْ غَرَسْتُ بَعْضَ نَخْلِهِ بِيَدَيَّ. فَدَعَا أَبَاهُ ورد عليه صكه وسوغه الملك. 4- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودِ بْنُ الْعَتَّابِ [1] عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: عَجَبًا لِمَنْ يَشْتَرِي الْعَبِيدَ بِمَالِهِ كَيْفَ لا يَسْتَعْبِدُ الأَحْرَارَ بِمَعْرُوفِهِ. 5- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، عَنِ ابْنِ أبي الزياد، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مِنَ الشَّامِ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ قَدْ تَحَارَبُوا وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ قتلى فوادهم بِثَلاثِ مِائَةِ أَلْفٍ وَكَسْرٍ، وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وَهَيَّأَ طعاما أنفق عَلَيْهِ مَالا ثُمَّ أَطْعَمَهُمْ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ: مَا الْبَحْرُ أَجْوَدُ مِنْ كَفَّيْكَ حِينَ طَمَا ... وَلا السحاب إذا ما راح محتفلا أغاثنا الله بالمحمود شميته ... شبه النبي الذي قفى به الرسلا

_ [1] ويحتمل ضعيفا ان يقرء: «عقاب» . وكلام ابن جعفر هذا مقتبس من كلام عمه أمير المؤمنين علي بن طالب عليه السلام كما في الحديث: (10) من المجلس: (46) من أمالي الصدوق (51) .

أَعْطَى فَحَازَ الْمُنَى مِنَّا وَأَطْعَمَنَا ... كُومَ الذُّرَى [1] غَيْرَ مَنَّانٍ بِمَا فَعَلا 6- وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أعراب بني كنانة فأنشده وهو في سفره: إنك يا بن جَعْفَرُ نِعْمَ الْفَتَى ... وَنِعْمَ مَأْوَى طَارِقٍ إِذَا أتى ورب ضيف طرف الْحَيَّ سُرَى ... صَادَفَ زَادًا وَحَدِيثًا مَا اشْتَهَى إذ الحديث طرف من القوى وَيُقَالُ: إِنَّ الأَبْيَاتَ فِي غَيْرِهِ، وَقَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الأَبْيَاتَ فِيهِ: أَنَّهُ أَعْطَاهُ خَمْسِينَ ناقة [2] . 14- وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، غُلامٌ فَارِسِيٌّ سَقَطَ إِلَيْهِ يُقَالُ لَهُ نَشِيطٌ، وَكَانَ يُغَنِّي بِالْفَارِسِيَّةِ وَيَضْرِبُ عَلَى غِنَائِهِ بِالْعُودِ، ثُمَّ فصح فغنّى بالعربية، وعنه (عن) سائب خاثر (ظ) أَخْذُ مَعْبَدٌ الْغِنَاءَ، وَلِنَشِيطٍ أَغَانٍ نُسِبَتْ إِلَى مَعْبَدٍ. 15- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، عن أبي مسكين (كذا) وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَتَذْكُرُ حِينَ لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَجَعَلَ حَسَنًا بَيْنَ يَدَيْهِ وأردفني وتركك تعسل (كذا) . 86- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لابْنِ جَعْفَرٍ: أتذكر يوم لقينا رسول الله عليه السلام؟ فقال: نعم فحملني وابن عباس وتركك.

_ [1] يقال: ناقة كوماء: ضخمة السنام. وبعير أقوم، والجمع: كوم من باب أحمر. ويقال: ذريت الطعام تذرية: خلصته من تبنه. والذرى- (على) وزان الحصى) -: كل ما يستتر به الشخص. والذروة- بالكسر والضم- من كل شيء أعلاه. [2] وبعده قد ضاع من مخطوطي ورقة فيها سبعة أحاديث.

17- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ الله ابن جَعْفَرٍ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ وَمَعَهُ عَلِيٌّ فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ مَعَنَا. فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ دَيْنَكَ سَيُقْضَى بَعْدَكَ. فَلَمَّا مَاتَ دَعَا ابْنَهُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّاسَ إلى شراء ماله فقالوا به (كذا) وَأَمَرَ غُرَمَاءَهُ فَحَضَرُوا فَقَضَى دَيْنَهُ. 18- وَحَدَّثَنِي عَافِيَةُ السعدي عن الربيع بن مسلم قال: مررت بعبد الله بن جعفر وهو في مجلسه مع أصحابه (ومرت بهم) [1] نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ سَعِيدِ بن العاص (كذا) بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَعْجَبَتْهُمْ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَشْتَهِي وَاللَّهِ أَنْ آكُلَ مِنْ لَحْمِهَا وَسَنَامِهَا فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ رَائِضَهَا وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَيُشَاغِلُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِنَحْرِهَا فَجَزِعَ الرَّائِضُ فَقَالَ: لا بَأْسَ عَلَيْكَ وَأَرْسَلَ إِلَى سَعِيدٍ فَعَرَّفَهُ خَبَرَ النَّجِيبَةَ وَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ جُلَسَائِنَا اشْتَهَى أَنْ يَأْكُلَ من شحمها ولحمها فأمرت بنحرها. قال سعيد: قد وفقت فلا تخلنا [2] من أطائبها، وأمر عبد الله للرائض بمأتي دِينَارٍ، وَمَا بَقِيَ مِنَ النَّاقَةِ بَعْدَ الَّذِي طبخ لهم وحمل إلى سعيد من أطائبها. 19- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم، عَن أبيه، عن يونس بن يزيد الا يلى، عن الزهري ان علي ابن أَبِي طَالِبٍ أَعْطَى عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- يَوْمَ الْجَمَلِ حِينَ أَشْخَصَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا/ 297/ فَاسْتَقَلَّ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- فَزَادَهَا وقال: إن أجازها علي هذه الزيادة، وإلا فهي من مالي.

_ [1] بين المعقوفين زيادة تستدعيها السياق. [2] والكلمة كانت في النسخة بالحاء المهملة.

20- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هشام الكلبي، عن أَبِيهِ: أَنَّ عَنْبَسَةَ بْنَ مِرْدَاسٍ- أَحَدَ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ فَسْوَةَ- أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جئتني (كذا) لِتُعِينَنِي عَلَى مُرُوءَتِي. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وهل لامرء يعصي الرحمن ويطيع الشيطان ويقول البهتان (من) مُرُوءَةٌ!! فَقَالَ: أُتِيحَ لِعَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ لَقِيتُهُ ... شُمَيْلَةَ تَرْمِي بِالْحَدِيثِ الْمُفَتَّرِ فَلَيْتَ قَلُوصِي عُرِّيَتْ أو رحلتها ... إلى حسن في داره وابن جعفر إلى ابن رسول الله يأمر بالتقى ... ويقرء آيَاتِ الْكِتَابِ الْمُطَهَّرِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ جَعْفَرٍ: أَنَا أُعْطِيكَ مَا تُرِيدُ، عَلَى أَنْ تُمْسِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلا تَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذِهِ الكلمة. فأعطاه وأرضاه. 21- قال (الكلبي) : وشميلة هذه ابنة أبي جنادة ابن أبي أزيهر (كذا) الدوسي، كانت عند مجاشع بن مسعود (ظ) السُّلَمِيِّ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ الْجَمَلِ فَخَلَفَ عَلَيْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ. 22- قَالَ: وَقَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ دَعَا عَلَى ابْنِ فَسْوَةَ فَخَرِسَ وَأَصَابَهُ خَبَلٌ مَاتَ مِنْهُ. 23- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، قَالَ: جَرَى بَيْنَ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَبَيْنَ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كَلامٌ فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: كَيْفَ تَرَكْتَ الْخَبِيثَةَ- يَعْنِي الْمَدِينَةَ؟!!؟ - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَةَ وَتُسَمِّيهَا خَبِيثَةً؟!!! قَدِ اخْتَلَفْتُمَا فِي الدُّنْيَا، وَسَتَخْتَلِفَانِ فِي الآخِرَةِ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَنْ أَمُوتَ وَأُدْفَنَ بِالشَّامِ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدْفَنَ بِهَا!!! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اخْتَرْتَ مُجَاوَرَةَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى عَلَى مُجَاوَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ. قَالَ يَحْيَى: مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ؟!! قَالَ: أَقُولُ مَا قَالَ مَنْ هُوَ

خَيْرٌ مِنِّي لِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُمَا «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (118/ المائدة) . 24- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ بِمِثْلِهِ. 25- وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يُعْطِي الْمَالَ الْجَلِيلَ، وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا مَاكَسَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ. أَمَّا مَا أَعْطَيْتُ فَهُوَ شَيْءٌ أَجُودُ بِهِ، وَأَمَّا ابْتِيَاعِي الشَّيْءَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ فَهُوَ عَقْلِي أَغْبِنُهُ. 26- وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ: مِنْ أَعْظَمِ الْخِرَقِ الدَّالَةِ عَلَى السُّلْطَانِ. 27- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، قَالَ: قَالَ عبد الله ابن جَعْفَر لابْنَتِهِ: يَا بُنَيَّةِ إِيَّاكِ وَالْغَيْرَةَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ الطَّلاقِ، وَإِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْمُعَاتَبَةِ فَإِنَّهَا تُورِثُ الضَّغِينَةَ، وَعَلَيْكِ بِالزِّينَةِ وَالطِّيبِ، وَاعْلَمِي أَنَّ أَزْيَنُ الزِّينَةِ الْكُحْلَ، وَأَطْيَبُ الطِّيبِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ. 28- وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي، عَنِ ابن عباس (كذا) ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ: ما صار إليّ مَالٌ فَصَدَّقْتُ أَنَّهُ لِي حَتَّى أَنْفَقْتَهُ. 29- وَقَالَ لرجل من ذوى الحرمة به (كذا) : إِنْ لَمْ تَجِدْ بُدًّا مِنْ صُحْبَةِ الرِّجَالِ فعليك بمن إذا صحبته زانك وإن حففت لَهُ صَانَكَ، وَإِنْ وَعَدَكَ صَدَقَكَ وَإِنْ غِبْتَ عَنْهُ لَمْ يَرْفُضْكَ، وَإِنْ رَأَى بِكَ خُلَّةً سدّ خلّتك يتعديك (ظ) إِذَا سَكَتَّ، وَيُعْطِيكَ إِذَا سَأَلْتَ. 30- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن زياد الأعرابي الرواية (قال) : رفع وكيل لعبد الله ابن جعفر حسابا إليه، حسابا ينقص خمسمائة درهم، فقال:

مَا هَذِهِ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ خَرَجَتْ؟ فَقَالَ: في ثمن جمل اشتريته لعبد الله ابن جعفر. فضحك وقال: ويحك (أ) يُشْتَرَى جَمَلٌ بِخَمْسِ مِائَةِ دِرْهَمٍ،! فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ أَبْرَقَ!! فَقَالَ: أَمَا إِذَا كَانَ أَبْرَقَ فنعم [1] . 32- وحدثت عَن هِشَام بن الكلبي قَالَ: تنازع قوم بالمدينة، فقال بعضهم: أسخى الناس عبد الله بن جَعْفَر. وقال آخرون: عرابة الأوسي. وقال آخر: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري. وشيخ يسمع كلامهم فقال: والله ما منك إلا من يصف [2] رجلا شريفا سخيا فليقم كل رجل منكم إلى من فضله، فليسأله لنعرف جماله (كذا) فقام صاحب عبد الله بن جَعْفَر فأتاه وقد قربت لَهُ راحلة ليركب، وقد وضع رجله في غرزها فقال: يا بن عم رسول الله إني رجل حاج ايدع بي (كذا) وقد بقيت متحيرا [3] فأعني فِي زاد وراحلة. فقبض رجله ثُمَّ قَالَ: دونك الراحلة فاقتعدها وانظر ما عليها من فضل أداة فبعه واجعله فِي نفقتك. فوثب بعض غلمان عبد الله إلى سيف فِي مؤخر الرحل ليأخذه فقال عبد الله: مه ثُمَّ قَالَ: يا هَذَا لا تخدعن عَن هَذَا السيف فإنه يقوم عَلَي بألف دينار. فأخذ الراحلة بما عليها والسيف، وأتى القوم فقالوا: لقد أحسن العطية. ثُمَّ قام صاحب عرابة، فأتاه وقد خرج من داره يريد المسجد، وغلامان لَهُ أسودان يأخذان بيده وقد كف بصره فقال لَهُ: يا هَذَا إِنِّي رجل من الحاج منقطع بي فأعني فِي زاد وراحلة فقال: أوه أوه والله لقد أتيت عرابة وما يملك صفراء ولا بيضاء وما يملك إلا هَذِه الأرض العريضة وعبديه

_ [1] وبعده قد ضاعت صحيفة من مخطوطي. [2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: «من يضل رجلا» ؟ ويحتمل أيضا بقرينة قوله فيما بعد: «فضله» ان الأصل كان: «من فضل رجلا ... » فصحف. [3] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: «مستحير (ا) » ؟

هذين [1] خذهما فبعهما واجعل ثمنهما فِي زاد وراحلة!!! فقال الرجل: سبحان الله آخذ قائديك وسمعك وبصرك؟! فقال: هما حران إن لَمْ تأخذهما؟؟ فأخذهما الرجل وجاء بهما إلى القوم فقالوا: جهد من مقل، ولقد أحسن وكرم. ثُمَّ مضى صاحب قيس بن سَعْدٍ، وهو نائم فقالت جاريته من هَذَا؟ قَالَ: رجل يطلب قيسا قالت: هُوَ الآن نائم أفلك حاجة؟ قَالَ نعم أنا رجل من الحاج انقطع بي فجئته ليعينني فِي زاد وراحلة. فقالت لَهُ: يا سبحان الله ألا تكلمت ابنة قيس فِي هَذَا القدر؟! يا غلام امض مع الرجل إلى دار النجائب، فليأخذ أي نجيب شاء، وامض معه إلى بيت الرجال فليأخذ أي رجل أحب وأت معه فلانا الصيرفي فليعطه ألف درهم. فأعجبهم من قيس حكم جاريته فِي ماله (ظ) بغير علمه. وقال صاحب عبد الله بن جَعْفَر يمدحه: حباني عبد الله نفسي فداؤه ... بأعيس مياد سياط مشافره وأبيض من صافي الحديد كأنه ... شهاب بدا والليل داج عساكره فيا خير خلق الله عما ووالدا ... وأكرمهم للجار حين يجاور (هـ) سأثني بما أوليتني يا بن جعفر ... وما شاكر عرفا كمن هو كافر (هـ) 33- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الكوفي، عَن الكلبي، قَالَ: قالت بنو أمية لمعاوية يا أمير المؤمنين أتعطي أحدنا مائة ألف درهم إِذَا أسنيت (ظ) لَهُ، وتعطي ابن جَعْفَر ما تعطيه؟ فقال: لست أعطي ابن جَعْفَر ما أعطيه لَهُ وحده وإنما أعطيه وأعطي الناس لأنه يقسم ما يصير إليه ويجود به،

_ [1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «وما يملك من هذه الأرض العريضة إلا عبدية هذين» .

وأنتم تأخذون المال فتحبسونه وتدخرونه [1] وإنما نعطي كل امرئ عَلَى قدر مروءته وتوسعه. 34- العمري، عن الهيثم (بن عدي) قَالَ: كلم عبد الله بن جَعْفَر عَليّ بن أبي طالب فِي حاجة لبعض الدهاقين،، فقضاها فحمل (الدهقان) إِلَيْهِ أربعين ألف درهم ورقا، فردها وقال: إنّا قوم لا نأخذ عَلَى معروف ثمنا. 35- الْمَدَائِنيّ، عَن غير واحد قَالَ: وَفَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَلَى معاوية فأعطاه صلته/ 299/ لوفادته خمسمائة ألف درهم، وقضى حوائجه. ثُمَّ إن عبد الله وقف بين يديه فقال: يا أمير الْمُؤْمِنِين اقض ديني. قَالَ: أو لَمْ تقبض وفادتك وتقض حوائجك (ظ) الخاصّ والعام يا بن جَعْفَر؟ قَالَ: بلى. قَالَ: فليس كل قريش أسعه بمثل ما أعطيك، وقد أجحفت النوائب ببيت المال؟! قَالَ: إن العطية يا معاوية محبة والمنع بغضة ولأن تعطيني وأحبك أحب إلي من أن تحرمني فأبغضك ثُمَّ قَالَ: عودت قومك عادة فاصبر لها ... (و) اغفر لجاهلها ورد سجالها فقال معاوية: اعلم يا بن جَعْفَر أن ما من قريش أحد (أحب) أن يكون ولدته هند غيرك ولكني إِذَا ذكرت ما بينك وبين علي، و (ما) بين عليّ وبيني اشمأزّ قلبي!!! فكم دينك؟ قال: ثلاثون ألف دينار.

_ [1] وإلى هذا أشار الإمام ريحانة رسول الله الحسين بن علي عليهما السلام في كتابه الى معاوية- على ما رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (178) من قصار النهج ج 18/ 409- قال: أما بعد فإن عيرا موت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا، وعنبرا وطيبا إليك لتودعها خزائن دمشق، وتعل بها بعد النهل بني أبيك واني احتجت إليها فأخذتها.

فقال: كيف أبخل بما لا يغيب عَن بيت مالي إلا أشهرا يسيرة حَتَّى يعود إليه، اقضها يا سعد [1] . 37- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عَن مُحَمَّد بن يزيد الكناني قَالَ: كَانَ سائب مولى لبني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وَكَانَ تاجرا موسرا يبيع الطعام، وَكَانَ يغني مرتجلا ويوقع عَلَى غنائه بقضيب، وَكَانَ انقطاعه إلى عبد الله بن جعفر، وكان عبد الله يحسن سائب هَذَا، قَالَ عبد الله رجل من أهل المدينة من موالي بني ليث بن حذافة فأدخله إلى أمير الْمُؤْمِنِين؟ قَالَ نعم فأدخله إليه فلما قام [2] . فقال معاوية أشهد لقد حسنه ثُمَّ وصله وقضى حاجته. قال: وسمع معاوية صوته سائب خاثر من منزل يزيد ابنه. فلما دخل عليه يزيد قال: مات جليسك [3] يا بني البارحة؟ قَالَ: سائب خاثر. قال: فاختر له فما رأيت بنشيده بأسا [4] .

_ [1] وبعده أيضا قد ضاعت صحيفة فيها حديث واحد. [2] كذا كان في الأصل بياض سترا على معاوية!!! [3] كذا هنا، وقال في ترجمة معاوية: ج 2/ الورق 52/ أ: الْمَدَائِنِيّ قَالَ: سمع مُعَاوِيَة غناء سائب خاثر عند يزيد بْن مُعَاوِيَة، فلما أصبح قَالَ: من كان جليسك فِي ليلتك يا بني؟ إلخ. [4] وقال في ترجمة معاوية: ج 2/ الورق 53 ب: الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم مُعَاوِيَة المدينة وعبد اللَّه بْن جعفر بْن أبي طالب عليل، فركب إليه مُعَاوِيَة فِي الناس، فَقَالَ رجل من قريش لسائب خاثر: مطرفي لك إن غنيت ومشيت بين أيديهم- وقيل: إن ذلك كان في وليمة- فغنى: «لنا الجفنات» إلخ.

41- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن عدة من أهل الحجاز، قالوا: قدم معاوية المدينة، فأمر حاجبه أن يأذن للناس، فخرج (الآذن) فلم ير أحدا فأعلمه قَالَ: فأين الناس؟ قيل: عَند عبد الله بن جَعْفَر فِي مأدبة لَهُ، فأتاه معاوية، فلما جلس قَالَ بعض المدنيين للسائب خاثر: لك مطرفي إن غنيت ومشيت بين السماطين، ففعل وغنى/ 300/ بشعر حسان بن ثابت: لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما فأعجب معاوية ذَلِكَ واستحسنه وأخذ السائب المطرف [1] . 42- وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَن ابن جعدبة، قَالَ: قَالَ: عبد الملك بن مروان لعبد الله بن جعفر: يا (أ) با جَعْفَر بلغني انك تسمع الغناء عَلَى المعازف والعيدان، وأنت شيخ؟! قَالَ: أجل يا أمير الْمُؤْمِنِين، وإنك لتفعل أقبح من ذَلِكَ؟! قَالَ: وما هُو؟ قَالَ: يأتيك أعرابي أهلب العجان، منتن الريح فيقذف عندك المحصنة ويقول البهتان، ويطيع الشيطان، فتعطيه عَلَى ذَلِكَ المائة من الإبل وأكثر، وأنا أشتري الجارية بمالي حلالا، ثُمَّ أتخير لَهَا جيد الشعر فترجعه بأحسن النغم، فما بأس بذلك. 43- ومر عبد الله بالحزين في غداة باردة وعليه خزّ مطادر [2] فقال لَه: أقول لَهُ حين واجهته ... عليك السلام أبا جعفر

_ [1] وقبله قد سقطت ورقة فيها ثلاثة أحاديث. [2] هذه الكلمة رسم خطه غير واضح، ويمكن ان يقرء «مطامر» .

فقال: وعليك السلام. قَالَ: فأنت المهذب من غالب ... وَفِي البيت منها الَّذِي يذكر قَالَ: (ظ) كذبت يا عدو الله ذاك نبي الله صلى الله عليه. قَالَ: فهذي ثيابي قد أخلقت ... وقد عضني منكم منكر فأمر لَهُ بما كَانَ عَلَيْهِ من الثياب. 44- وقال ابن الكلبي كَانَ مالك بن أبي السمح من طيّئ من ساكني المدينة، وَكَانَ أخواله من بني مخزوم، وَكَانَ يتيما فِي حجر عبد الله بن جَعْفَر، فأخذ الغناء عَن معبد، وَكَانَ يغني مرتجلا، وعاش حَتَّى أدرك دولة بني العباس. 45- وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ عن مشايخ من المدنيين وغيرهم قالوا: كَانَ عُبَيْد بن ثريح (كذا) مولى بني ليث من كنانة، ويكنى أبا يَحْيَى ويلقب وجه الباب لأنه كَانَ متركا (كذا) وَكَانَ منقطعا إلى عبد الله بن جَعْفَر، وهو الذي تغنى (بقول) : تعدت بي الشبهاء نحو ابن جَعْفَر ... سواء عليها ليلها ونهارها قال هشام: وكان موسى شهوات منقطعا إلى (عبد الله) بن جَعْفَر أيضا، وإنما سمي شهوات لأنه قَالَ فِي يزيد بن معاوية شعرا لَهُ: يا مضيع الصلاة للشهوات وقال غير هِشَام: كَانَ يتشهى على عبد الله الشهوات فلقب شهوات. 46- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَخِيهِ أُنَيْفِ [1] ابن هشام، عن

_ [1] ويحتمل رسم الخط ضعيفا ان يقرء «أليف بن هشام» .

أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ قَالُوا: مَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَمَعَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمَنْزِلِ رَجُلٍ قَدْ أَعْرَسَ وَإِذَا مُغَنِّيهِمْ يَقُولُ: قل لكرام ببابنا يلج ... من قبل ما أن تغلق الدبج فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: لُجُّوا فَقَدْ أَذِنَ لَنَا الْقَوْمُ فَنَزَلَ وَنَزَلُوا فَدَخَلُوا، فَلَمَّا رَآهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ تَلَقَّاهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى الْفُرُشِ فَاسْتَمَعَ طَوِيلا ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: كَمْ أَنْفَقْتَ؟ فِي وليمتك (هذه) ؟ قال: مأتي دِينَارٍ. قَالَ وَكَمْ مَهْرُ امْرَأَتِكَ؟ قَالَ: كَذَا. فأمر له بمأتي دينار وبمهر امْرَأَتِهِ وَبِمِائَةِ دِينَارٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَعُونَةً لَهُ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفَ. 47- الْمَدَائِنيّ، عَن ابن جعدبة، قال: (قَالَ) بديح: أتى ابن قيس الرقيات منزل عبد الله بن جَعْفَر عليهما السلام، فقال: يا بديح استأذن لي. قال: فوجدنه نائما فجئت فوضعت وجهي بين قدميه، ثُمَّ نبحت نباح الكلب الهرم!!! فقال: ما لك ويلك؟ قلت: جعلني الله فداك ابن قيس (الرقيات) بالباب وكرهت أن يرجع حَتَّى يدخل إليك. فقال: أحسنت أدخله فدخل فأنشده: تغدت بي الشهباء نحو ابن جَعْفَر ... سواء عليها ليلها ونهارها تزور فتى قد يعلم الله أنه ... تجود له كفّ يزجي أنهارها فإن مت لم يوصل صديق ولم يقم ... طريق من المعروف أنت منارها فقال: يا بديح أجر عَلَى الشهباء وصاحبها نزلا واسعا، وأمر لابن قيس بسبع مائة دينار ومطرف/ 301/ خز مملوء ثيابا من خز ووشي. ثُمَّ قَالَ لَهُ ابن قيس: إن أمير الْمُؤْمِنِين قد حبس عنّي (ظ) عطائي فِي بيت قلته. فركب ابن جَعْفَر، وكلم عبد الملك فِيهِ وَكَانَ منعه إياه عطاءه لقوله:

كيف نومي عَلَى الفراش ولما ... يشمل الشام غارة شعواء فلما كلمه أنشده عبد الملك هَذَا البيت فقال من حضره من الشاميين: يا أمير الْمُؤْمِنِين ائذن لنا نطهر بدمه (كذا) قَالَ: إِنِّي قد أمنته فأدخله إِلَيْهِ فأنشده شعره الَّذِي يقول فِيهِ: ينعقد التاج فوق مفرقه [1] ... علي جبين كأنه ذهب فقال (عبد الملك إنه) يقول فِي مصعب: إنما مصعب شهاب من اللَّه ... تجلت عَن وجهه الظلماء ويقول فِي: عَلَى جبين كأنه ذهب والله لا يقبض مني عطاء أبدا. فضمن لَهُ ابن جَعْفَر عطاءه من ماله، فكان جاريا عَلَيْهِ حَتَّى مات. 47- عباس بن هِشَامٍ، عَن أبيه قال: عشق عبد الرحمان بن أبي عمار، قينة فعذله عطاء وطاووس ومجاهد، فقال: يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا فابتاعها عبد الله بن جَعْفَر، فلما لقيه قَالَ: ما فعل حب فلانة؟ قَالَ: مخالط اللحم والدم والمخ والعصب. فوهبها لَهُ، وأمر لَهُ بمائه ألف درهم وقال: إنما أمرت لك بِهَا ليلا تهتم بها وتهتم (هي) بك. 49- الْمَدَائِنيّ عَن أبي الْحَسَن الأنصاري قَالَ: قدم على معاوية عبد الله ابن جعفر، وعدة من قومه (من قريش «خ» ) فوصلهم وفضّل عبد الله بن

_ [1] كذا في متن الأصل، وفي الهامش هكذا: ويروى: «يعقد له التاج» .

جَعْفَر، أعطاه ألف أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ إنما صغرت أمورنا عندك وخفت حقوقنا عليك لأَنَّا لَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ غَيْرُنَا، وَلَوْ كُنَّا فَعَلْنَا كُنَّا كَابْنِ جَعْفَر!!! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ إِنِّي أعطيكم فتكونون بين رجلين: إما معدّ ما أعطيه لحربي، وإما مطم لَهُ [1] بخيل بِهِ، وإن عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر يعطي أكثر مما يأخذ، ثُمَّ لا يأتيني حَتَّى يدان أكثر مما أخذ. فخرج ابن صفوان فقال: إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَيَحْرِمُنَا حَتَّى نَيْأَسَ، وَيُعْطِينَا حَتَّى نطمع [2] . 50- قالوا: وكانت لعبد الله بن جَعْفَر ابنة يقال لَهَا: أم أبيها تزوجها عبد الملك بن مروان، فعض يوما تفاحة فألقاها إليها- وكان فاسدة الفم وغمور الأسنان [3] ولذلك لقب أبا الذبان لاجتماع الذباب عَلَى فِيهِ- فدعت بسكين وقطعت موضع عضته فقال: ما تصنعين؟ قالت أميط الأذى عنها فطلقها. ويقال: إنها قالت لَهُ: يا أمير الْمُؤْمِنِين لو استكت بالصبر؟! فقال: أما منك فسأستاك. فطلقها فتزوجها بعده عَلَي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، فدس عبد الملك عجوزا من حواضن ولده وكانت برزة طريفة [4] فقال لَهَا: ائت أم أبيها مسلمة عليها،

_ [1] من قوله: «اما معد- الى قوله: - واما مطم له» رسم خطه غير جلي. [2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل هكذا: «ويطعمنا ويعطينا حتى يطمع» بالياء المثناة التحتانية في الجميع، ولكن كلمة: «يطعمنا» كأنها ضرب عليها، ومن أجله حذفناها من المتن. [3] كذا في الأصل، قال في اللسان: والغمر- بالتحريك-: السهك وريح اللحم وما يعلق باليد، من دسمه، وقد غمرت يده من اللحم غمرا فهي غمرة أي زهمة، كما تقول: من السهك: سهكة، ومنه منديل الغمر، ويقال لمنديل الغمر: المشوش. وفي الحديث: من بات وفي يده غمر- هو الدسم- بالتحريك- وهو الزهومة من اللحم كالوضر من السمن. [4] قال في المصباح: وبرز الشخص برازة فهو برز، والأنثى برزة- مثل ضخم ضخامة فهو ضخم وضخمة- والمعنى عفيف جليل. وقيل: امرأة برزة: عفيفة تبرز للرجال، وتتحدث معهم وهي المرأة التي أسنت وخرجت عن حد المحجوبات.

ثُمَّ الطفي بكشف رأس عَليّ بن عبد الله حَتَّى تراه- وَكَانَ عَليّ أصلع يرد شعر مؤخر رأسه عَلَى مقدمه وكانت القلنسوة لا تفارقه- فأتت العجوز عليا فسلمت عَلَيْهِ وأقبلت تضاحكه وتضاحك أم أبيها، ثُمَّ قالت لعلي: يا سيدي ما هَذَا على قلنسوتك؟ فأمكنها من أخذها، فأخذتها بيديها تنفضها، فنظرت أمّ أبيها إلى رأس عليّ لعجوز أمير المؤمنين إليها ووضعت إصبعها عَلَى رأسها خير من هذا (كذا) ووضعت إصبعها بفمها- تعني انّ الأصلع خير من البخر-. وماتت (أم أبيها) عند علي ابن عبد الله. وقال بعض البصريين عَليّ بن عبد الله، فقالت هَذَا القول، أم كلثوم بنت عبد الله بن جَعْفَر، وانها كانت تزوجها فطلقها، وقد دخل بِهَا أو لَمْ يدخل بِهَا، فتزوجها عبد الملك ثُمَّ عَليّ بن عبد الله (ثُمَّ) الحجاج فكتب إِلَيْهِ عبد الملك يشتمه لإقدامه على تزوجها، فطلقها (ثُمَّ تزوجها) القاسم بن مُحَمَّد، ثُمَّ (أبان) ابن عثمان بن عفان/ 302/ قَالَ: ولم تكن عند عبد الملك قط، وأن التي تزوجها عبد الملك ثُمَّ عَليّ بعده أم أبيها أختها [1] . 51- وَحَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، عَن غسان بن عبد الحميد، قَالَ: أراد عبد الله بن جَعْفَر أن يزوج الحجاج، فأرسل إلى عمر بن علي ابن أبي طالب أن أحضر حَتَّى تزوجه؟! فأرسل إِلَيْهِ عمر: أن أخر ذَلِكَ إلى الليل فإني أكره أن يراني الناس فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أزوج الحجاج!! فأرسل إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يبق أحد يستحيا منه، ولو كان أحد يستحيا مِنْه لَمْ نفعل هَذَا!!! قَالَ: وَكَانَ عمر ذا عقل ونبل:

_ [1] موضع البياض كان في النسخة بياضا في جميع الموارد، وانظر ما يأتي في تسمية بنات عبد الله بن جعفر، قبل ترجمة معاوية بن عبد الله.

وَكَانَ عبد الله بن جَعْفَر، قد أضاق وأخل فِي آخر عمره، فأتاه رجل فسأله فقال: إن حالي متغيرة لفوت السلطان وحوادث الزمان، ولكني أعطيك ما أمكن. فأعطاه رداء كَانَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دخل منزله ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ استرني بالموت. فما مكث بعد ذَلِكَ إلا أياما حَتَّى مرض ومات رضي الله تعالى عَنْهُ. وتوفي عبد الله بن جَعْفَر سنة تسعين وله تسعون سنة. وقال بعضهم: توفي في سنة ثمانين، وصلى عَلَيْهِ والي المدينة من قبل عبد الملك. والأول أثبت.

خبر عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جعفر

خبر عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جَعْفَر قالوا: ومن ولد عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طالب عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بن جَعْفَر، وَكَانَ سخيا شجاعا شاعرا، إلا أن أباه معاوية كَانَ مبخلا. وَكَانَ من شعر عبد الله بن معاوية قَوْله: الْعَين تبدي الَّذِي فِي قلب صاحبها ... من الشناءة أو ودا إِذَا كانا إن العدو لَهُ عين يقلبها ... لا يستطيع لِمَا فِي القلب كتمانا وعين ذي الود ما تنفك مقلتها ... تبدي لَهُ محجرا بشا وإنسانا فالعين تنطق والأفواه صامتة ... حتى يرى من ضمير القلب تبيانا ومن شعره: رأيت حميدا كَانَ شيئا مزملا [1] ... فلَمْ يزل التكشف حَتَّى بدا ليا فأنت أخي ما لم يكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا

_ [1] ويحتمل رسم الخط ضعيفا ان يقرء «شيئا مؤملا» .

فلا ازداد (ما) بيني وبينك بعد ما ... بلوتك فِي الحاجات إلا تنائيا وعين الرضا من كل سوء غيبة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا وقال للحسين بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن العباس: قل لذي الْوُدِّ والصفاء حُسَيْن ... أقدر الود بيننا قدره ليس للدابغ المقرط بد ... من عتاب الأديم ذي البشرة وحدثت عَن جويرية بن أسماء، قَالَ: قَالَ لي عبد الله ابن معاوية (بن عبد الله بن جعفر) : هل بلغك خبر زيد ابن عَليّ بالكوفة؟ فقلت: نعم. قَالَ: والله لقد قَالَ لي ذات ليلة: ألا أحدثك عَن عَليّ بن الْحُسَيْن أتاه رجل من أهل الكوفة فقال: فعل بنو مروان وفعلوا، فما تقول فيهم؟ قَالَ: أَقُولُ مَا قَالَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مني فيمن هُوَ شر منهم «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (118/ المائدة) فكيف يخرج زيد بعد هَذَا. قالوا: فلما ولى يزيد بْن الوليد بْن عَبْد الملك وهو يزيد الناقص الخلافة، وولى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ بن مروان العراق، خرج عبد الله بن معاوية عَلَيْهِ بالكوفة، ودعا لنفسه، فقاتله عبد الله بن عمر فهزمه فأتى المدائن فلحقه قوم انضموا إِلَيْهِ، فسار إلى حلوان، فغلب عليها وَعَلَى نواح من الجبل، وضرب الدراهم وكتب عليها: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » (23/ الشورى) . ثُمَّ غلب عَلَى أصبهان وعامة فارس/ 303/ والأهواز، وَكَانَ عَلَى الأهواز من قبل عبد الله ابن عمر، سُلَيْمَان بن حبيب بن المهلب، وصار أَبُو جَعْفَر المنصور إِلَيْهِ مع من صار إِلَيْهِ من بني هاشم، فولاه ايذرج من الأهواز، فجبا خراجها، وَكَانَ ابن معاوية بفارس وقد وهن أمره وقوي أمر سليمان ابن حبيب، فهرب المنصور يريد البصرة، وأذكى ابن حبيب عَلَيْهِ العيون حَتَّى أخذ وأتي بِهِ فأغرمه المال، ويقال: إنه ضربه أربعين سوطا وشتمه

ومن هُوَ مِنْه، ثُمَّ حبسه وأراد قتله فمنعه من ذَلِكَ سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة بْن يَزِيد بْن المهلب، ويزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب، وقالا: إِنَّمَا أفْلَتْنَا من بَنِي أميَّة بالأمس أفَتُريدُ أن تجعل لبني هاشم عندنا دما، فخلى سبيله. وقال بعضهم: إن أبا أيوب سُلَيْمَان المورياني كَانَ كاتبا لسليمان بن حبيب فقال له: إنك إن أحدثت فِي هَذَا الرجل حَدثَا لَمْ ترض بنو عبد مناف بذلك، ويحسبك ما نلته مِنْه بِهِ. وولى مروان بن محمد الجعدي العراق يزيد ابن عمر بن هبيرة الفزاري، فسار من قرقيسيا حَتَّى أتى الكوفة، وَبِهَا رجل من الخوارج يقال له: المثنى ابن عمران من عائذة قريش فلقيه بالروحاء فوق الكوفة سنة تسع وعشرين ومائة فقتله، وأتى واسطا وَبِهَا عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ فحصره ثُمَّ أخذه وبعث بِهِ إلى مروان فحبسه فِي السجن بحران ثُمَّ قتله غيلة. ووجه ابن هبيرة بنانة بْن حنظلة أحد بَنِي بَكْر بْن كلاب بن ربيعة بن عَامِر، لمحاربة سُلَيْمَان بن حبيب بالأهواز، فوجه إِلَيْهِ سُلَيْمَان داود بن حاتم ابن قبيصة، فالتقوا بالموريان عَلَى شاطئ دجيل، فأنهزم أصحاب ابن داود، وقتل داود فقال خلف بن خليفة يرثيه: نفسي لداود الغرى والحمى [1] ... إِذْ أسلم الجيش أبا حاتم مهلبي مشرق وجهه ... لَيْسَ عَلَى المعروف بالنادم في أبيات. وهرب سليمان بن حبيب من بنانة فلحق بفارس وصار مع عبد الله بن معاوية في طاعته، ثم أتى ما سبذان (كذا) وصار منها إلى إلى عمان فدعا إلى نفسه فاجتمعت عَلَيْهِ جماعة ثُمَّ إنهم خافوا أن يلحقهم بسببه مكروه

_ [1] كلمة: «الغرى» غير واضحة ويمكن أن يقرء «الفدي» .

وتنالهم معرّة فطردوه، فأتى البصرة واستخفى بِهَا، وبلغ أمير الْمُؤْمِنِين أبا العباس خبره فكتب فِي طلبه وأذكى العيون عَلَيْهِ ودس لذلك حَتَّى عرف المنزل الَّذِي كَانَ مستخفيا فِيهِ، فلما أحس بإحاطة الجند بِهِ نزل فِي بئر، فاستخرج منها وكتب بذلك إلى (أبي) العباس فقال لخالد بن صفوان: إن سُلَيْمَان بن حبيب وجد فِي بئر فأخذ فقال: يا أمير المؤمنين سمعت بالذي هرب رفضا ودخل فقصا (كذا) وحمل سليمان إلى (أبي) العباس وَكَانَ المنصور يومئذ بناحية الموصل والجزيرة، فكتب يسأله حمله إِلَيْهِ، فلما قدم بِهِ عَلَيْهِ وبَّخه بما كَانَ مِنْه وقال: لَمْ ترض بما صنعت حَتَّى شتمتني ومن أنا مِنْه. ثُمَّ قتله. وسمعت بعض آل المهلب ينكر أن يكون (سليمان) وجد في بئر (فأخذ) ويزعم أن أبا العباس آمنه حَتَّى ظهر، فلما صار إليه كتب (إليه) المنصور يسأل أن يحمل إلى ما قبله (كذا) وأخبر انه إن لَمْ يبعث به إِلَيْهِ لَمْ يدخل العراق أبدا، فلما قدم بِهِ عَلَيْهِ قتله، وأن أبا مسلم كتب (إليه) ينكر ذَلِكَ. وكتب يزيد بن عمر بن هبيرة إلى بنانة بن حنظلة يأمره بالمسير إلى نصر ابن سيار وهو بخراسان مددا لَهُ، فأتى أصبهان ثُمَّ الري وقتل (ظ) بجرجان، ولقي قحطبة فِي أهل خراسان، ووجه يزيد بن عمر بن (هبيرة) عَامِر بن ضبارة المري فِي أهل الشام إلى الموصل، فسار حَتَّى أتى السن فلقي بِهَا الجون بن كلاب الخارجي الشيباني وقتله، وَكَانَ الجون مرتبا (كذا) بالسن من قبل شيبان الأكبر الخارجي الَّذِي استخلفته الخوارج بعد قتل الضحاك، وَكَانَ منصور بن جمهور الكلبي إِذْ ذاك بالجبل قد خلع/ 304/ مروان قبل ذلك ما كان (كذا) مع عبد الله بن عمر، فجعل يجبي خراج الجبل ويمد بِهِ شيبان، ثُمَّ سار إلى السند فغلب عليها وهلك بِهَا، وقوى مروان أمر ابن ضبارة وكتب إِلَيْهِ فِي الصمد لشيبان الأصغر بن عبد

العزيز، فمر عَلَى الجبل وسار حَتَّى أتى بيضا (ء) إصطخر، وقد صار شيبان إلى جيرفت كرمان فلقي عبد الله بن معاوية، ابن ضبارة في عمل اصطخر، وقاتله، فهزم ابن معاوية وهرب إلى هراة، وتوجه ابن ضبارة بعد هرب ابن معاوية، إلى شيبان فواقعه وفض عسكره واستباحه فهرب إلى سجستان. وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أخذ أصحاب أبي مسلم عبد الله بن معاوية بهراة وأتوه بِهِ فحبسه. وقال الهيثم بن عدي: هرب ابن معاوية إلى هراة فعرفه عامل أبي مسلم عليها فكتب إلى أبي مسلم فِي أمره فكتب إِلَيْهِ يأمره بأخذه وحمله إِلَيْهِ (فأخذه وحمله إِلَيْهِ) فلما وافاه حبسه فكتب إِلَيْهِ: «أما بعد فالبيت مودع وداع، ومولى شائع، وإن الودائع مردوده، والصنائع عارية، فاذكر القصاص واطلب الخلاص، ونبه الفكر قلبك واتق ربك» . فلم يزل فِي حبسه حَتَّى مات. وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه قَالَ: أخذ عبد الله بن معاوية بهراة فحمل إلى أبي مسلم فحبسه فكان يقول لأهل الحبس (يا) بن معاوية ما فِي الأرض قوم أحمق من أهل خراسان أطاعوا رجلا لا يدرون (عَلَى) الحق هُوَ (أم) أَنَّهُ مبطل لقد قَالَ الله تبارك وتعالى لملائكته: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فزادوا [1] «قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» . فبلغ قَوْله أبا مسلم فقال: ما ظنكم برجل يتكلم بهذا وهو أسير، والله لو أطلق لأفسد كور خراسان، فدس إِلَيْهِ من قتله وكتب إلى أبي العباس أمير المؤمنين بموته. وقال [2] في عبد الله بن معاوية:

_ [1] بعد كلمة «فزادوا» في النسخة بياض بقدر كلمة. [2] وبعد قوله: «وقال» في الأصل بياض قدر كلمتين.

ترجمة إجمالية لعلي بن عبد الله بن جعفر وإخوتها

أحب مدحا أبا معاوية الماجد ... لا تلقه حصورا عييا بَلْ كريما يرتاح للحمد بساما ... إذا هزّه لسؤال حييا ذو وفاء عند العداة ... وأوصاه أبوه إذ لا يزال وفيّا في أبيات. [ترجمة إجمالية لعلي بن عبد الله بن جعفر وإخوتها] قالوا: وَكَانَ عَليّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طالب من الأجواد، فلما كانت السنيات البيض وكن سنيات اشتدت (ظ) على أهل المدينة وجهدوا فيها بالقحط [1] وَذَلِكَ فِي زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فكان (عَليّ) يحمل لَهُم المؤن العظام، وأطعم ووصل وقام بأمورهم، فقال مساحق ابن عبد الله بن مخرمة: أبا حسن إِنِّي رأيتك واصلا ... لهلكى قريش حين غير حالها سعيت لَهُم سعي الكريم ابن جَعْفَر ... أبيك وهل من غاية لا تنالها فما أصبحت فِي ابني لوي فقيرة ... مدقعة إلا وأنت ثمالها وَحَدَّثَنِي الحرمازي، قَالَ: أخذ الْحَسَن بن معاوية ابن عبد الله بن جَعْفَر، وحمل إلى المنصور فحبسه حبسا طويلا. فقال الْحَسَن: ارحم صغار بني يزيد فإنهم ... يتموا لفقدي لا لفقد يزيد وارحم كبيرا سنه متهدما ... فِي السجن (بين) سلاسل وقيود قد عدت بالرحم القريبة بيننا ... ما جدنا من جدكم ببعيد [ولدعبد الله بن جعفر] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زياد الأعرابي قَالَ: ولد عبد الله ابن جَعْفَر محمدا [2] وبه كَانَ يكنى، وأمه محشية (كذا) من بني أسد. وعليا وعون الأكبر، وجعفر الأصغر، وعباسا وأم كلثوم، أمهم زينب بنت علي بن أبي طالب،

_ [1] بعده بياض في النسخة قدر كلمتين. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «جعفر بن محمدا» .

المعقبون من ولد عبد الله بن جعفر

وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومحمدا وعُبَيْد اللَّهِ وأبا بكر، قتل [1] مع الْحُسَيْن عليهم السلام، وأمهم الخوصاء/ 305/ من ربيعة، وصالحا وموسى وهارون، وَيَحْيَى وأم أبيها، أمهم ليلى بنت مسعود النهشلية، خلف عليها بعد عَليّ عَلَيْهِ السلام، ومعاوية، وإسحاق وَإِسْمَاعِيل والقاسم لأمهات شتى. والحسن، وعون الأصغر، قتل يوم الحرة- ويقال: بَلْ قتل الأكبر وأمهما جمانة بنت المسيب الفزارية. فأما أم كلثوم فكانت عند الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّد بْنِ جَعْفَر بْنِ أَبِي طالب، ثُمَّ تزوجها الحجاج، ثُمَّ أبان بن عثمان. وأما أم أبيها فكانت عند عبد الملك بن مروان ثُمَّ عند علي بن عبد الله. [المعقبون من ولد عبد الله بن جعفر] قال: والعقب من ولد عبد الله بن جَعْفَر لمعاوية، وإسحاق وَإِسْمَاعِيل. وكانت ابنة عبد الله بن إِسْمَاعِيل عند يزيد بن منصور الحميري، ثُمَّ تزوجها بعده ابن أيوب بن سَلَمَةَ المخزومي. وأما معاوية بن عبد الله فكان بخيلا قَالَ الشاعر: معاوي ما أشبهت شيخك قاعدا ... ولا قائما أشبهته يا معاوية فولد معاوية عبد الله ومحمدا، أمهما أم عون بنت عون ابن العباس بن ربيعة ابن الحرث بن عبد المطلب. قَالَ حُسَيْن بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن العباس لأحدهما: فلا وأبيك لا تأتي بخير ... وأمك أخت يعقوب بن عون

_ [1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «قتلوا» .

ترجمة عقيل بن أبي طالب

ويزيد بن معاوية، والحسن لا عقب لَهُ (كذا) . وصالحا وأمهم فاطمة بنت الْحَسَن بن الْحَسَن بن عَليّ عليهم السلام. وعليا لأم ولد. وَكَانَ عمر بن عبد العزيز جد إسحاق بن عبد الله، فقال لَهُ أَبُو عك: لا يبقى قرشي عَلَى وجه الأرض إلا جددته (كذا) وذلك إن عبد العزيز ابن مروان كان جد (كذا) . فولد إسحاق القاسم، أمه أم حكيم بنت القاسم ابن مُحَمَّد بن أبي بكر الصديق، وأمها أسماء بنت عبد الرحمان بن أبي بكر، وله عقب. وقال غير ابن الأعرابي: بأن (ظ) لعلي ابن عبد الله بن جعفر عقب أيضا. [ترجمة عقيل بن أبي طالب] وأما عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب فكان يكنى أبا يزيد- باسم ابن لَهُ- وَكَانَ من نساب قريش وعلمائها بِهَا، وَكَانَ سريع الجواب لا يبالي من بده بِهِ [1] . وأسر يوم بدر مع قريش ففداه عمه العباس بأربعة آلاف درهم. وَكَانَ إسلامه بعد الفتح. وولد عقيل مسلما وعبد الله الأصغر وعبيد الله (كذا) وأم عبد الله ومحمدا ورملة لأم ولد يقال لها: حلية [2] .

_ [1] أي كان حاضر الجواب يجيب ارتجالا كل من يسأله ولو كان أعظم أهل الدنيا، بلا حشمة وهيبة له. [2] كذا في النسخة، وقال ابن سعد في ترجمة عقيل من الطبقات: ج 4 ص 42 ط بيروت: وكان لعقيل بن أبي طالب من الولد يزيد- وبه كان يكنى- وسعيد، وأمهما أم سعيد بنت عمرو بن يزيد بن مدلج من بني عامر بن صعصعة. وجعفر الأكبر وابو سعيد الأحول- وهو اسمه- وأمهما أم البنين بنت الثغر- وهو عمرو بن الهصار بن كعب بن عامر بن عبد بن أبي بكر، وهو عبيد بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة- وأم الثغر أسماء بنت سفيان أخت الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومسلم بن عقيل ... وعبد الله بن عقيل وعبد الرحمان وعبد الله الأصغر، وأمهم خليلة (كذا) أم ولد. وعلي (بن عقيل) لا بقية له وأمه أم ولد. وجعفر الأصغر وحمزة وعثمان لأمهات أولاد. ومحمد ورملة وأمهما أم ولد. وأم هانئ وأسماء وفاطمة وأم القاسم وزينب وأم النعمان لأمهات أولاد شتى.

وعبد الرحمان وَحَمْزَة وعليا وجعفر الأصغر، وعثمان وزينب، وفاطمة- تزوجها علي (ظ، بن) يزيد بن ركانة من بني عَبْد المطلب بن عبد مناف-. وفاطمة وأسماء- تزوجها عمر بن عَلِيِّ بْنِ أبي طالب- وأم هانئ لأمهات شتى. ويزيد وسعيد، أمهما أم عمر بنت عمر الكلابية. وأبا سعيد وجعفر الأكبر، وعبد الله الأكبر، أمهم أم البنين كلابية. وبعضهم يقول: أم أنيس. فقتل من بني عقيل مع الْحُسَيْن عَلَيْهِ السلام جَعْفَر الأكبر، ومسلم، وعبد الله الأكبر، وعبد الرحمان وَمُحَمَّد بن عقيل. ويقال: إن الَّذِينَ قتلوا (مع الحسين) ستة، قَالَ الشاعر: عين جودي بعبرة وعويل ... واندبي إن ندبت آل الرسول تسعة منهم لصلب عَليّ ... قد أبيدوا وستة لعقيل ويروى «وخمسة لعقيل» . وولد مسلم بن عقيل عبد الله وعليا- أمهما رقية بنت عَليّ بن أبي

طالب- ومسلم بن مسلم- أمه من بني عَامِر بن صعصعة- وعبد الله لأم ولد- وَمُحَمَّدا. وولد مُحَمَّد بن عقيل القاسم، وعبد الله وعبد الرحمان- أمهم زينب الصغرى بنت عَليّ بن أبي طالب-. فأما عبد الله بن مُحَمَّد، فكان فقيها يروى عَنْهُ، وَكَانَ أحول. وأما عبد الله بن/ 306/ عقيل فولد محمدا ورقية- (و) كانت عند قدامة بن مُوسَى الجمحي- وأم كلثوم- أمهم ميمونة بنت عَليّ بن أبي طالب عَلَيْهِ السلام. وأما أَبُو سعيد بن عقيل فولد محمدا لأم ولد. واما عبد الرحمان بن عقيل، فولد سعيدا- أمه خديجة بنت عَليّ بن أبي طالب. وأما الباقون فلا عقب لَهُم ولا بقية. قالوا: ولما كَانَ يوم حنين أصاب عقيل إبرة وخيوطا فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي فِي الغلول أن يرد. فقال: ما أرى إبرتنا إلا مأخوذة منا. وَكَانَ ربما ضعف. ولما هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلي عَلَيْهِ السلام، وَكَانَ جَعْفَر قد صار إلى الحبشة، أقبل عقيل عَلَى منازلهم فباعها، فروي عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يوم فتح مكة: [وهل ترك لنا عقيل من رباع] . حدثني عمير بن بكير بن هِشَام بن الكلبي، عَن عوانة بن الحكم، قَالَ: دخل عقيل بن أبي طالب عَلَى معاوية والناس عنده وهم سكوت فقال: تكلمن (أيها) الناس فإنما معاوية رجل منكم فقال معاوية: يا (ا) با يزيد أَخْبَرَنِي عَن الْحَسَن بن عَليّ؟ فقال: أصبح قريش وجها وأكرمها حسبا.

قَالَ: فابن الزبير؟ قَالَ: لسان قريش وسنانها إن لَمْ يفسد نفسه. قَالَ. فابن عمر؟ قال: ترك الدنيا مقبلة وخلاكم وإياها واقبل على الآخرة وهو يعد ابن الفاروق. قَالَ: فمروان [1] قَالَ: أوه ذَلِكَ رجل لو أدرك أوائل قريش فأخذوا برأيه صلحت دنياهم. قَالَ: فابن عباس؟ قَالَ: أخذ من العلم ما شاء. وسكت معاوية فقال عقيل: يا معاوية أأخبر عنك فإني بك عالم؟ قال: أقسمت عليك يا (أ) بايزيد لِمَا سكت. وَحَدَّثَنِي عباس بن هِشَام الكلبي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دخل عقيل عَلَى معاوية فقال له: يا (أ) با يزيد أي جداتكم فِي الجاهلية شر؟ قَالَ حمامة. فوجم معاوية. قَالَ هِشَام: وحمامة جدة أبي سفيان وهي من ذوات الرايات فِي الجاهلية المدائني، عن ابن أبي الزناد (ظ) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَا أَبْيَنَ الشَّبَقَ فِي رِجَالِكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ؟!! قَالَ: لَكِنَّهُ فِي نِسَائِكُمْ يَا بَنِي أُمَيَّةَ أَبْيَنُ!!! قَالَ: وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَقِيلٍ وَهُوَ مَعَهُ بِصِفِّينَ [2] : أَنْتَ مَعَنَا يَا (أ) با يَزِيدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَقَدْ كُنْتُ أيَضًا مَعَكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ!!! أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، عَن عَليّ بن مجاهد،: أن عليا رأى عقيلا يوما ومعه تيس يقوده فقال لَهُ عَليّ عَلَيْهِ السلام: إن أحد الثلاثة لأحمق. قَالَ: أما أنا وتيسي فلا!!!

_ [1] كلمة: «مروان» رسم خطها غير جلي. [2] السند ضعيف، مع انه مع قطع النظر عن ضعف سنده معارض بما ذكره ابو عمر في الاستيعاب من ان عقيلا كان مع أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل وصفين والنهروان.

وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: قَالَ رجل لعقيل بن أبي طالب: يا (ا) با يزيد إنك لجابن [1] تترك اخاك (و) تصير مع معاوية؟! فقال: اجبن مِنِّي مَنْ سَفَكَ دَمَهُ بَيْنَ أَخِي وَمُعَاوِيَةَ لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا أَمِيرًا. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَقِيلٍ: مَرْحَبًا بِمَنْ عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ!!! فَقَالَ عقيل: ومرحبا بِمَنْ عَمَّتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فَإِذَا دَخَلْتَ النَّارَ فاطلبهما تجدهما متصاحبين [2] . المدائني، عن ابن معربة (كذا) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قال لعقيل: يا (ا) با يَزِيدَ أَنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَخِيكَ عَلِيٍّ. فَقَالَ: إِنَّ أَخِي آثَرَ دِينَهُ عَلَى دُنْيَاهُ، وَأَنْتَ آثَرْتَ دُنْيَاكَ عَلَى دِينِكَ، فَأَخِي خَيْرٌ لِنَفْسِهِ مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَأَنْتَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وأبا الجهم بن حذيفة العدوي ومحرمة بْنَ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيَّ اتَّخَذُوا مَجْلِسًا فَكَانَ لا يمرّ بهم احد إلّا عابوه وذكروا مَثَالِبَهُ فَشَكَوْا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الطَّائِف. وَيُقَالُ: إِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجَالِسِ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: وَقَعَ بَيْنَ عَقِيلٍ وَرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَلامٌ فَقَالَ عقيل/ 307/ والله لقد رايت من لهبني (كذا) بِعَمَّتِكَ لَيْلَةً بِنِصْفِ بُرْدِ حِبْرَةٍ وَرُبُعِ جِلْدِ بقرة. فقدمه إلى عمر فقال:

_ [1] كذا في النسخة بالجيم ثم الألف ثم الباء، ومقتضى ذلك أن يكون الثاني أيضا «أجبن» أي أشد جبنا، ولكن ذكره أي الثاني بالحاء المهملة ثم الياء المثناة التحتانية ومقتضى الثاني ان يكون الأول أيضا بالحاء المهملة بعدها الألف، وبعدها الهمزة المقلوبة عن الياء المثناة التحتانية؟ [2] كذا في الأصل، وفيه حذف بين، وذكره ابن أبي الحديد من غير حذف.

نَعَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ عُمَرُ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-: هَدَمَ الإِسْلامُ مَا قَبْلَهُ. أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ، عَن مسلمة وغيره ان عقيلا قال للمسيب بْن حزن أَبِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ: يا بن الزانية وقد كانت أمه أسلمت فرفعوا إلى عمر- رضي الله تعالى عَنْهُ- فقال: هات بينتك. فأتى بمخرمة بن نوفل وبأبي جهم بن حذيفة العدوي فقالا: نشهد أن أمه زانية. قَالَ: وبأي شيء علمتما ذَلِكَ؟ قَالا: نكناها فِي الجاهلية. فجلدهم عمر ثمانين ثمانين. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ وَالْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ أبي الزياد، عَنْ أَبِيهِ قَالَ. كَانَتْ لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ طَنْفِسَةٌ يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَيَتَحَدَّثُ النَّاسُ إِلَيْهِ فلا يقوم حتى يغشاه الشَّمْسُ فَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: وَقْتُ الْجُمُعَةِ حين يبلغ الشَّمْسُ طَنْفِسَةَ أَبِي يَزِيدَ. وَحَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي مخنف عن سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، أَنَّ عَقِيلا كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ: أَمَّا بَعْدُ كَانَ اللَّهُ جَارَكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَعَاصِمُكَ مِنَ الْمَكْرُوهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. إِنِّي خَرَجْتُ- يا بن أُمِّ- مُعْتَمِرًا وَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ ابن أَبِي سَرْحٍ فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَابًّا مِنْ أَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ، فَقُلْتُ لَهُمْ- وَعَرَفْتُ الْمُنْكَرَ-: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا بَنِي الطُّلَقَاءِ؟ أَبِمُعَاوِيَةَ تَلْحَقُونَ عَدَاوَةً لَنَا غَيْرَ مُسْتَنْكَرَةٍ مِنْكُمْ تُحَاوِلُونَ تَغْيِيرَ أَمْرِ اللَّهِ وَإِطْفَاءَ نُورِ الْحَقِّ!!! فَأَسْمَعُونِي وَأَسْمَعْتُهُمْ ثُمَّ إِنِّي قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَهْلُهَا يَتَحَدَّثُونَ بِأَنَّ الضحاك ابن قَيْسٍ أَغَارَ عَلَى الْحِيرَةِ وَمَا يَلِيهَا، فَأُفٍّ لِدَهْرٍ جَرَّا عَلَيْنَا الضَّحَّاكَ، وَمَا الضَّحَّاكُ (إِلا) فقع بقرقر، فاكتب إليّ يا بن أُمَّ بِرَأْيِكَ وَأَمْرِكَ، فَإِنْ كُنْتَ الْمَوْتَ تُرِيدُ تَحَمَّلْتُ إِلَيْكَ بِبَنِي أَخِيكَ وَوَلَدِ أَبِيكَ فَعِشْنَا مَعَكَ مَا عِشْتَ، وَمِتْنَا (مَعَكَ) إِذَا مِتَّ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ:

إِنَّ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ وَغَيْرَهُ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِ أَخِيكَ الْيَوْمَ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ ابْنِ عَمِّكَ قَبْلَ الْيَوْمِ، وَإِنَّ الضَّحَّاكَ أَقَلُّ وَأَذَلُّ مِنْ أَنْ يَقْرَبَ الْحِيرَةَ، وَلَكِنَّهُ أَغَارَ عَلَى مَا بَيْنَ الْقُطْقُطَانَةِ وَالثَّعْلَبِيَّةِ [1] . وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ عن عَوَانَةَ قَالَ دَخَلَ عَقِيلٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فَلَمْ يَسْمَعْ كَلامًا، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةَ: أَمَا فِي مَجْلِسِكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا لَهُمْ لا يَتَكَلَّمُونَ؟ فَتَكَلَّمَ الضَّحَّاكُ بن قيس فقال (عقيل) : من هذا؟ فقال له (معاوية: هذا) الضحاك بن قيس. قال (عقيل: كان) أبوه (من) خَاصِي الْقِرَدَةِ، مَا كَانَ بِمَكَّةَ أَخْصَى لِكَلْبٍ وَقِرْدٍ مِنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ موسى بن طاعة [2] قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ تَسَانَدَ بَعْضُنَا إِلَى الأُسْطُوَانِ، فَجَاءَ عَقِيلٌ فَأَوْسَعْنَا لَهُ، فتساند إلى الأسطوان، ثم قال: أنتم خير لكبير كم من مهرة وذلك إن مهرة إذا اسس [3] فِيهِمُ الرَّجُلُ عَقَلُوا رِجْلَهُ ثُمَّ قَالُوا لَهُ: قُمْ فَإِنْ قَامَ تَرَكُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ قَتَلُوهُ وَقَالُوا: أَنْتَ إِنْ طَلَبْتَ لَمْ تُدْرِكْ، وَإِنْ طُلِبْتَ أُدْرِكْتَ. وتزوج عقيل بالبصرة ابنة سنان بن الحوتكة من بني سعد بْن زيد (بْن) مناة بْن تميم فقيل له: بالرفاء والبنين. فقال: لا تقولوا كذا، ولكن قولوا كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [بارك الله لكم] .

_ [1] وللكتاب زيادات جيدة ومصادر، وقد ذكرناه عن كتاب الغارات، في المختار: (161) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 297 ط 1. [2] كذا في النسخة، والظاهر انه مصحف، وأن الصواب: «موسى بن طلحة» . [3] كذا في النسخة، والصواب: «إذا أسن» .

حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَعْرُوفٍ السَّدُوسِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقِيلَ لَهُ: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ. فَقَالَ: لا تَقُولُوا هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [على الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ] . قالوا: وتزوج عقيل فاطمة بنت عُتْبة بْن رَبِيعَة بْن عَبْدِ شمس، وَكَانَ عَليّ خطبها فأبته فشكى ذَلِكَ إلى عثمان فعاتبها عثمان/ 308/ فقال: رددت عليا وتزوجت عقيلا؟ فقالت: إن عليا قتل الأحبة يوم بدر، وإن عقيلا كَانَ معهم يومئذ. وقالت فاطمة لعقيل يوما: يا بني هاشم أين شيبة، أين الوليد بن عتبة؟ فقال: إِذَا دخلت النار فاطلبيهم يسرة. فغضبت ونشزت عَلَيْهِ، فبعث عمر عبد الله بن العباس ومعاوية بن أبي سفيان حكمين من أهله وأهلها فقال عبد الله بن العباس: لأحرصن عَلَى أن أفرق بينهما، فلما دخلا الدار قالت: والله ما أريد بأبي يزيد بدلا. فانصرفا. الْمَدَائِنيّ قَالَ: كَانَ عقيل يقول: لا يختر أحدكم ولدا، فأني كنت أعز ولد أبي فصرت أخسهم. وتوفي عقيل فِي أيام معاوية.

مقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليهم السلام)

مقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليهم السلام) قالوا: وَكَانَ مسلم بن عقيل أرجل ولد عقيل [1] وأشجعها فقدّمه الحسين ابن عَليّ عليهما السلام إلى الكوفة حين كاتبه أهلها ودعوه إليها وراسلوه فِي القدوم ووعدوه نصرهم ومناصحتهم وذلك بعد وفات الْحَسَن بن علي، وموت معاوية بن أبي سفيان، وأمره أن يكتم أمره ويعرف طاعة الناس له. فأتى (مسلم) الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عُبَيْد الثقفي، واختلفت إِلَيْهِ الشيعة، والنعمان بن بشير الأنصاري يومئذ عامل يزيد بن معاوية عَلَى الكوفة، وَكَانَ رجلا حليما يحب العافية، فلما بلغه خبر قدوم مسلم خطب الناس فدعاهم إلى التمسك بالطاعة والاستقامة، ونهاهم عَن الفرقة والفتنة، وقال: إِنِّي والله لا أقاتل إلا من قاتلني ولا آخذ أحدا بظنة وقرف وإحنة. فكتب وجوه أهل الكوفة: عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ومحمد ابن الأشعث الكندي وغيرهما إلى يزيد بن معاوية بخبر مسلم بن عقيل،

_ [1] اي كان من اكمل رجال آل عقيل راشدهم واقواهم.

وتقديم الْحُسَيْن إياه إلى الكوفة أمامه، وبما ظهر لهم من ضعف النعمان بن بشير، وعجزه ووهن أمره. فكتب يزيد إلى عُبَيْد اللَّهِ بْن زياد بْن أَبِي سُفْيَان بولاية الكوفة إلى ما كَانَ يلي من البصرة، وبعث بكتابه فِي ذَلِكَ مع مسلم بن عَمْرو الباهلي- أبي قُتَيْبَة بن مسلم- وأمر عُبَيْد اللَّهِ بطلب ابن عقيل ونفيه إِذَا ظفر بِهِ أو قتله، وأن يتيقظ فِي أمر الْحُسَيْن بن عَليّ ويكون عَلَى استعداد لَهُ. وقد كَانَ الْحُسَيْن بن عَليّ عَلَيْهِ السلام كتب إلى وجوه أهل البصرة يدعوهم إلى كتاب الله، ويقول لَهُم: «إن السنة قد أميتت، وإن البدعة قد احييت ونعشت» [1] و (كلهم) كتموا كتابه إلا المنذر بن الجارود العبدي فإنه خاف أن يكون عُبَيْد اللَّهِ بن زياد، دسه إِلَيْهِ، فأخبره بِهِ وأقرأه إياه، فخطب عُبَيْد اللَّهِ بن زياد الناس بالبصرة، فأرعد وأبرق وتهدد وتوعد، وقال: أنا نكل لمن عاداني وسمام لمن حاربني وأعلمهم أَنَّهُ شاخص إلى الكوفة، وأنه قد ولى عثمان بن زياد أخاه خلافته عَلَى البصرة، وأمرهم بطاعته والسمع له، ونهاهم عن الخلاف والمشاقة. وشخص إلى الكوفة ومعه المنذر بن الجارود العبدي، وشريك بن الأعور الْحَارِثِيّ ومسلم بن عَمْرو الباهلي، وحشمه وغلمانه، فوردها متلثما بعمامة سوداء، وَكَانَ الناس بالكوفة يتوقعون ورود الحسين، فجعلوا يقولون: مرحبا بابن رَسُول اللَّهِ، قدمت خير مقدم وهم يظنون أَنَّهُ الْحُسَيْن، فساء ابن زياد تباشير الناس بالحسين وغمه، وصار إلى القصر فدخله وأمر فنودي الصلاة جامعة وخطب الناس فأعلمهم أن يزيد ولاه مصرهم وأمره بإنصاف مظلومهم وإعطاء محرومهم، والإحسان إلى سامعهم ومطيعهم والشدة عَلَى عاصيهم ومريبهم، ووعد المحسن واوعد المسيء.

_ [1] وذكره بكماله في كتاب الأخبار الطوال ص 131، وتاريخ الطبري.

وبلغ مسلم بن عقيل قدوم عُبَيْد اللَّهِ بن زياد الكوفة، فأقبل حَتَّى أتى دار هانئ بن عروة ابن نمران المرادي فدخل من بابه ثُمَّ أرسل إِلَيْهِ/ 309/ أن أخرج إلي. فخرج إِلَيْهِ فقال له مسلم: يا هاني إِنِّي أتيتك لتجيرني وتضيفني. فقال هانئ: والله لقد سألتني شططا، ولولا دخولك داري وثقتك لي لأحببت أن تنصرف عني ولكنه قد وجب عَليّ ذمامك!!! فأدخله داره. وكانت الشيعة تختلف إِلَيْهِ فيها. ودس ابن زياد مولى يقال لَهُ معقل، وأمره أن يظهر أَنَّهُ من شيعة عَليّ، وأن يتجسس من مسلم ويتعرف موضعه، واعطاه ما لا يستعين بِهِ عَلَى ذَلِكَ، فلقي معقل مولى ابن زياد مسلم بن عوسجة الأسدي فقال لَهُ: إِنِّي رجل محب لأهل بَيْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد بلغني أن رجلا منهم بعث بِهِ الْحُسَيْن بن عَليّ صلوات الله عَلَيْهِ إلى شيعته من أهل الكوفة، ومعي مال أريد أن أدفعه إِلَيْهِ يستعين بِهِ عَلَى أمره وأمركم، فركن ابن عوسجة إِلَيْهِ، وقال لَهُ الرجل القادم من قبل الحسين (بن علي هو) مسلم بن عقيل وهو ابن عمه وأنا مدخلك إِلَيْهِ. ومرض هانئ بن عُرْوَةَ المرادي فأتاه عُبَيْد اللَّهِ بن زياد عائدا، فقيل لمسلم بن عقيل: اخرج إليه فاقتله. فكره هانئ أن يكون قتله فِي منزله فأمسك مسلم عَنْهُ. ونزل شريك بن الأعور الْحَارِثِيّ أيضا عَلَى هانئ بن عُرْوَةَ، فمرض عنده فعاده ابن زياد، وَكَانَ شريك شيعيا شهد الجمل وصفين مع عَليّ فقال لمسلم: إن هَذَا الرجل يأتيني عائدا فأخرج إليه فاقتله. فلم يفعل (مسلم) لكراهة هانئ ذَلِكَ: فقال شريك: ما رأيت أحدا أمكنته فرصة فتركها إلا أعقبته ندما وحسرة وأنت أعلم؟! وما عَلَى هانئ فِي هَذَا لولا الحصر؟!!! ومات شريك بن الأعور، فِي دار هانئ من مرضه ذَلِكَ. واسم الأعور الحرث.

وجعل معقل مولى ابن زياد يختلف إلى ابن عوسجة يقتضيه ما وعده من إدخاله إلى مسلم ابن عقيل، فأدخله إليه، وأخذ (منه) مسلم بيعته وقبض المال الَّذِي كَانَ أعطاه إياه عُبَيْد اللَّهِ بن زياد، مِنْه وَذَلِكَ بعد موت شريك بن الأعور. فأتى معقل ابن زياد، فحدثه بما كَانَ مِنْه وبقبض مسلم بن عقيل المال فِي منزل هانئ بن عُرْوَةَ بن نمران المرادي فقال: افعلها هانئ؟! ووجه (ابن زياد) مُحَمَّد بن الأشعث الكندي وأسماء بن خارجة بن حصين الفزاري إلى هانئ بن عُرْوَةَ، فرفقا بِهِ حَتَّى أتى ابن زياد، فأنبه عَلَى إيوائه مسلم بن عقيل، وقال لَهُ: إن أمر الناس مجتمع وكلمتهم متفقة أفتعين عَلَى تشتيت أمرهم بتفريق كلمتهم وألفتهم رجلا قدم لذلك؟ فاعتذر إِلَيْهِ من إيوائه وقال: اصلح الله الأمير دخل داري عن غير مواطاة مني له، وسألني ان اجيره فأخذتني لذلك ذمامه. قَالَ: فأتني بِهِ لتتلافى الَّذِي فرط من سوء رأيك [1] فأبي فقال: والله لئن لَمْ تأتني بِهِ لأضربن عنقك. قَالَ: والله لئن ضربت عنقي لتكثرن البارقة حول دارك. فأمر بِهِ فأدنى مِنْه فضرب وجهه بقضيب أو محجن كَانَ معه فكسر أنفه وشق حاجبه ثُمَّ أمر بِهِ فحبس فِي بعض بيوت الدار. وأتى مسلما خبر هانئ فأمر أن ينادي فِي أصحابه وقد تابعه ثمانية عشر ألف رجل، وصاروا فِي الدور حوله، فلم يجتمع إِلَيْهِ إلا أربعة آلاف رجل، فعبأهم ثُمَّ زحف نحو القصر، وقد أغلق عُبَيْد اللَّهِ بن زياد أبوابه وليس معه فِيهِ إلا عشرون من الوجوه وثلاثون من الشرط، فوجه مُحَمَّد بن الأشعث بن قيس وكثير بن شهاب الْحَارِثِيّ وعدة من الوجوه ليخذلوا الناس عَن مسلم بن عقيل والحسين بن علي، ويتوعدونهم بيزيد بن معاوية وخيول

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «من سوء رأيت» .

أهل الشام وبمنع الأعطية وأخذ البريء بالسقيم والشاهد بالغائب (كذا) فتفرق أصحاب/ 310/ ابن عقيل عَنْهُ، حَتَّى أمسى وما معه إلا نحو من ثلاثين رجلا، فلما رأى ذَلِكَ خرج متوجها نحو أبواب الكندة، وتفرق عَنْهُ الباقون حَتَّى بقي وحده يتلدد فِي أزقة الكوفة لَيْسَ معه أحد!!! ودفع إلى باب امرأة يقال لَهَا طوعة، فاستسقى ماء فسقته ثم قَالَ: يا أمة الله أنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب كذبني هؤلاء القوم وغروني فآويني. فأدخلته منزلها وآوته وجاء ابنها فجعل ينكر كثرة دخولها إلى مسلم وخروجها من عنده، فسألها عَن قصتها فأعلمته إجارتها مسلما، فأتى عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن الأشعث فأخبره بذلك، وَكَانَ ابن زياد، حين تفرق عَنِ ابْنِ عقيل الناس فتح باب القصر، وخرج إلى المجلس (كذا) فجلس فِيهِ، وحضره أهل الكوفه، فجاء عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن الأشعث إلى أبيه وهو عند ابن زياد، فأخبره خبر ابن عقيل فأعلم مُحَمَّد بن الأشعث ابن زياد بذلك، فوجه ابن زياد من الوجوه من يأتيه بِهِ، وفيهم مُحَمَّد بن الأشعث، فلما أحس مسلم برسل ابن زياد، خرج بسيفه، واقتحموا عَلَيْهِ الدار، فاختلف هُوَ وبكير بن حمران الأحمري ضربتين، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا، وأسرع في شفته السفلى، فنصلت ثنيّتاه، وضرب (مسلم) بكيرا ضربة عَلَى رأسه وأخرى عَلَى حبل عاتقه. (وأخذ مسلم) فأتي به ابن زياد، وقد آمنه (محمد) ابن الأشعث فلم ينفذ أمانه، فلما وقف مسلم بين يديه نظر إلى جلسائه فقال لعمر بن سعد بن أبي وقاص: إن بيني وبينك قرابة أنت تعلمها، فقم معي حَتَّى أوصي إليك. فامتنع!! فقال ابن زياد: قم إلى ابن عمك. فقام (إليه) فقال (له مسلم) : إنّ عليّ بالكوفة (دينا) سبعمائة درهم (أخذته) مذ قدمتها فاقضها عنّي، وانظر (إذا ما قتلت) جثتي فاطلبها من ابن زياد، فوارها، وابعث إلى الْحُسَيْن من يرده. فأخبر عمر بن سعد ابن زياد بما قَالَ لَهُ؟! فقال: أما

ما لك فهو لك [1] تصنع فِيهِ ما شئت، وأما حسين فإنه إن لَمْ يردنا لَمْ نرده، وأما جثته فإنا لا نشفعك (فيها) لأنه قد جهد أن يهلكنا، ثُمّ قَالَ: وما نصنع بجثته بعد قتلنا إياه [2] . وقال الهيثم بْن عدي: حدثني ابن عياش (ظ) عَن مجالد، عَنِ الشعبي قَالَ: أدخل مسلم بن عقيل رحمة الله تعالى عَلَى ابن زياد، وقد ضرب على فمه، فقال: يا بن عقيل أتيت لتشتيت الكلمة؟ فقال: ما لذلك أتيت، ولكن أهل المصر كتبوا أن أباك سفك دماءهم وانتهك أعراضهم فجئنا لنأمر بالمعروف وننهى عَن المنكر. فقال: وما أنت وذاك، وجرى بينهما كلام فقتله. وقال هِشَام بن الكلبي: قَالَ أَبُو مخنف فِي إسناده: قَالَ ابن زياد لابن عقيل: أردت أن تشتت أمر الناس بعد اتفاقه، وتفرق ألفتهم بعد اجتماعهما (كذا) وجرى بينهما كلام حَتَّى قَالَ لَهُ قتلني الله إن لَمْ أقتلك قتلة لَمْ يقتلها أحد فِي الإسلام. فقال لَهُ مسلم: أما إنك أحق من أحدث فِي الإسلام ما لم يكن فيه من سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة (ظ) . ثُمَّ قَالَ ابن زياد: اصعدوا بِهِ فوق القصر، واضربوا عنقه فأتبعوا رأسه جسده.

_ [1] من هذا يستفاد انه سلام الله عليه، قال لابن سعد: خذ كذا وكذا من مالي فأد ديني. والأمر كذلك فإنه صلوات الله عليه قال: خذ سيفي ودرعي فبعهما وأد ما علي من الدين، وقد ذكرنا تفصيل القصة في كتاب عبرات المصطفين في مآتم الحسين عليه السلام فراجع. [2] ولكن ليس لعاهرة ولا لابنها وفاء، فأمر اللعين يجرها في الأسواق ثم صلبها مع جثة الهانئ بن عروة.

فقال (مسلم) يا بن الأشعث فو الله لولا أمانك ما استسلمت. فكان الَّذِي تولى ذَلِكَ مِنْه بكير بن حمران الأحمري أشرف بِهِ عَلَى موضع الحذائين وهو يسبح ويدعو عَلَى من غره وخذله، فضرب عنقه ثُمَّ اتبع رأسه جسده. وطلب ابن الأشعث إلى ابن زياد فِي هانئ بن عُرْوَةَ فأبى أن يشفعه، فأمر بِهِ فأخرج من محبسه إلى السوق وهو مكشوف الرأس يقول: وامذ حجاه ولا مذ حج (لي) اليوم!! فضرب عنقه مولى لعُبَيْد اللَّهِ بن زياد، تركيّ يقال له: رشيد. (و) هذا يوم الخارز بالموصل قتله عبد الرحمان بن الحصين المرادي، وفي يوم/ 311/ الخارز قتل (أيضا) عُبَيْد اللَّهِ بن زياد، وقال عبد الرحمان (في ذلك اليوم) : إِنِّي قتلت راشد التركيا ... وليته أبيض مشرفيا أرضي بذاك الله والنبيا وقال عبد الله بن الزبير (الأسدي) ويقال: (بل قاله) الفرزدق ابن غالب: (ف) إن كنت لا تدرين بالموت فانظري ... إلى هانئ فِي السوق وابن عقيل إلى بطل قد هشَّم السيف وجهه ... وآخر يهوي من طمار قتيل تري جسدا قد غير الموت لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل أصابهما أمر الإله فأصبحا [1] ... أحاديث يهوي بكل سبيل

_ [1] فض الله فاه بمقامع خزنة الجحيم، وبوأ مقعده في اسافل النار فان كان هذا امر الإله فما كان امر الطاغوت والشياطين؟! والخبيث من اكمل افراد الغاوين اراد بقوله هذا اخماد الثائرين لثار آل النبي صلى الله عليه وآله، والتماس صلة الشجرة الملعونة في القرآن، وله أيضا من هذا النمط ابيات أخر. قال البلاذري في عنوان: «مقتل من شرك في دم الحسين» من الجزء الخامس المطبوع ص 241: وَكَانَ أسماء بْن خارجة مستخفيا، فَقَالَ المختار- ذَات يَوْم وعنده أَصْحَابه-: أما ورب الأَرْض والسماء، والضياء والظلماء، لينزلن من السماء نار دهماء او حمراء او سحماء، فلتحرقن دار أسماء. فأتى الْخَبَر أسماء فَقَالَ: سجع أَبُو إِسْحَاق بنا، لَيْسَ عَلَى هَذَا مقام. فخرج هاربًا حَتَّى أتى البادية، فلم يزل بِهَا ينزل مرة فِي بَنِي عبس، ومرة فِي غيرهم حَتَّى قتل المختار، وهدم المختار لَهُ ثلاثة آدر، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر الأسدي فِي قصيدة لَهُ: تركتم أبا حسان تهدم داره ... منبذة أبوابها وحديدها فلو كَانَ من قحطان أسماء شمرت ... كتائب من قحطان صعر خدودها فأجابه أيوب بن سعنة النخعي وَقَالَ: رمى اللَّه عين ابْن الزبير بلقوة ... فخلخلها حتى يطول سهودها بكيت على دار لأسماء هدمت ... مساكنها كانت غلولا وشيدها ولم تبك بيت الله إذ دلفت له ... أمية حتى هدمته جنودها وأيضا قال البلاذري- في أواخر ترجمة مصعب من انساب الاشراف: ج 5 ص 286-: المدائني وغيره قالوا: لما قدم مصعب الكوفة، دخل اليه عبد الله بن الزبير الأسدي فقال له مصعب: أنت القائل: إلى رجب او ذلك الشهر قبله ... توافيكم بيض المنايا وسودها ثمانون ألفا دين عثمان دينهم ... مسومة جبريل فيها يقودها فخافه (أولا) ثم قال: نعم أنا قلته!!

وقال الأخطل بن زياد: ولم يك عَن يوم ابن عروة غائبا ... كما لم يغب عن ليلة بن عقيل أخو الحرب صرّاها فليس بنا كل ... جبار ولا وجب الفؤاد ثقيل وقال أَبُو الأسود الدؤلي:

أقول وذاك من جزع ووجد ... أزال الله ملك بني زياد هم جدؤا الأنوف وكن شما ... بقتلهم الكريم أخا مراد قتيل السوق يا لك من قتيل ... بِهِ نضح من احمر كالجساد وأهل مكارم بعدوا وكانوا ... ذوي كرم وروسا فِي البلاد [1] قالوا: وخرج عمارة بن صلحب الأزدي (كذا) وكان ممن أراد نصرة مسلم فأخذه أصحاب ابن زياد، فأتوه به) فأمر به فضربت عنقه فِي الأزد، وبعث برأسه مع رأس مسلم وهانئ (بن عروة) إلى يزيد بن معاوية، وَكَانَ رسوله بهذه الرؤس هانئ بن أبي حية الوادعي من همدان. ووجه مُحَمَّد بن الأشعث إلى الْحُسَيْن من الحيرة بخبر ابن عقيل، وسأله الانصراف، فلم يلتفت إلى قوله وأبا إلا القدوم إلى العراق، وقد كَانَ مسلم كتب إِلَيْهِ يعلمه كثرة من بايعه من الناس وإظهار أهل الكوفة السرور بمقدمه، ويسأله تعجيل القدوم. قالوا: ولما كتب ابن زياد، إلى يزيد بقتل مسلم وبعثته إِلَيْهِ برأسه ورأس هانئ بن عُرْوَةَ ورأس ابن صلحب وما فعل بهم: كتب إِلَيْهِ (يزيد) : إنك لَمْ تعد أن كنت كما أحب، عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع، وحققت ظني بك، وقد بلغني أن حسينا توجه إلى العراق، فضع المناظر والمسالخ وأذك العيون [2] واحترس كل الاحتراس، فاحبس عَلَى الظنة، وخذ بالتهمة، غير أن لا تقاتل إلا من قاتلك، واكتب إلي فِي كل يوم بما يحدث من خير إن شاء الله.

_ [1] لم نظفر بعد على تمام الأبيات، ولكن ذكرناها بزيادة عما ها هنا في كتاب عبرات المصطفين في مآتم الحسين عليه السلام. [2] لعل هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فاذاك العيون» .

وقال عبيدة بن عَمْرو البدي (فِي غدر) مُحَمَّد بن الأشعث: وقتلت وافد آل أحمد غيلة ... وسلبت أسيافا لَهُ ودروعا وَحَدَّثَنَا خلف ابن سالم المخزومي، وزهير بن حرب أَبُو خيثمة، قالا: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم قَالَ: لِمَا بلغ عُبَيْد اللَّهِ بن زياد، مسير الْحُسَيْن بن عَليّ من الحجاز يريد الكوفة، وعُبَيْد اللَّهِ بن زياد بالبصرة، خرج عَلَى بغاله هُوَ واثنا عشر رجلا حَتَّى قدم الكوفة، فحسب أهل الكوفة أَنَّهُ الْحُسَيْن بن عَليّ، وهو متلثم فجعلوا ينادونه: مرحبا بابن ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دخل الدار. وَكَانَ الْحُسَيْن قدم مسلم بن عقيل بين يديه، فنزل عَلَى هانئ بن عُرْوَةَ المرادي وجعل/ 312/ يبايع أهل الكوفة، فبعث ابن زياد إلى هانئ فقال: ائتني بمسلم. فقال: ما لي بِهِ علم. قَالَ: فاحلف بالطلاق والعتاق. قَالَ: إنكم يا بني زياد لا ترضون إلا بهذه الأيمان الخبيثة!! فأمر مكانه فضرب رأسه ثُمَّ رمى بِهِ إلى الناس، وبعث إلى مسلم بن عقيل فجيء بِهِ فأمر بِهِ فدفع (ظ) بين شرفتين من شرف القصر فقال لَهُ ناد: أنا مسلم ابن عقيل أمير العاصين. فنادى [1] ثُمَّ ضرب رأسه فسقط. وأقبل الْحُسَيْن حَتَّى نزل نهر كربلا، وقد بلغه خبر الكوفة. وقال القائل (كذا) : (و) إن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ فِي السوق وابن عقيل تري رجلا قد جدع السيف أنفه ... ونضح دم قد سال كل مسيل أصابهما أمر الإله فأصبحا ... أحاديث من يهوي بكل سبيل

_ [1] هذا كذب بحت وفرية بينة، وجميع ثقات المؤرخين من أهل نحلته على خلافه.

قَالَ خلف: وسمعت من يزيد فِي هَذَا الشعر: أيركب أسماء الهمالج آمنا ... وقد طلبته مذحج بقتيل [1] حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: جَرَى بَيْنَ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ زِيَادٍ كَلامٌ فَقَالَ له (ابن زياد) : ايه يا بن حُلَيَّةَ. فَقَالَ لَهُ (ابْنُ) عَقِيلٍ: حُلَيَّةَ خَيْرٌ من سميّة وأعف.

_ [1] وفي بعض المصادر: «وقد طلبته مذحج بذحول» .

(قبسات من ترجمة أمير المؤمنين وغرر مناقبه عليه السلام [1] )

بسم الله الرّحمن الرّحيم (قبسات من ترجمة أمير المؤمنين وغرر مناقبه عليه السّلام [1] ) 1- وأما أمير الْمُؤْمِنِين عَليّ بن أبي طالب عليه السّلام فكان يكنى أبا الحسنين [2] . ويقال إن أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ابن عبد مناف لقبته وهو صغير حيدرة. [مناقب شتى] [أحب الكنى إليه أبو تراب كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم به] 2- وكناه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا تراب، وَكَانَ يقول: [هي أحب كنيتي إلي.] وقد اختلفوا فِي سبب تكنيته بأبي تراب، فقال بعضهم [3] : مرّ

_ [1] بدأنا بكتابة ترجمته عليه السلام في اليوم 6 من شهر رجب المرجب من سنة 1391. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة تصحيف. [3] ويدل على هذا القول أخبار وردت في مصادر كثيرة، فرواه أحمد بن حنبل في مسند عمار من كتاب المسند: ج 4 ص 263، ورواه أيضا النسائي في الحديث: (149) من كتاب الخصائص ص 129، ط 2، ورواه أيضا الحسكاني بسندين في تفسيره سورة الشمس الحديث: (1090) وتاليه من تفسير شواهد التنزيل الورق 190/ ب ورواه أيضا ابن عساكر، في الحديث: (1377) وتاليه من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق بسندين، كما رواه بسندين في الحديث: (324) في الباب (70) من فرائد السمطين ومجمع الزوائد ج 9/ 137 وكنز العمال ج 6/ 399.

رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وَكَانَ هُوَ وعمار بن ياسر نائمان عَلَى الأرض، فجاء ليوقظهما فوجد عليا قد تمرغ فِي البوغاء [1] فقال لَهُ: [اجلس يا أبا تراب] 3- وقيل: إن عليا غاضب فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعد أن دخلت عَلَيْهِ، فخرج وهو مغتاظ فنام عَلَى التراب فرآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأيقظه وجعل يمسح ظهره من التراب ويقول: [ (قم) يا أبا تراب [2]] . 4- وروي أيضا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أسمعته فاطمة رضي الله تعالى عنها (كلاما) وأغلظت لَهُ، أكرمها عَن أن يجيبها بشيء ووضع عَلَى رأسه ترابا، فرآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم والتراب على رأسه فمسحه عنه وقال: [أنت أَبُو تراب] . 5- قالوا: وَكَانَ أَبُو طالب قد أقل وأقتر [3] فأخذ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا ليخفف عَنْهُ مؤنته فنشأ عنده. 6- وصلى مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن إحدى عشرة [4] سنة. وذلك

_ [1] البوغاء: الغبار ودقاق التراب. أو ما ثار منهما. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «أبا ترابة» . والحديث أيضا رواه جماعة فرواه ابن عساكر في الحديث: (30- 33) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق ورواه الروياني في مسند الصحابة 28/ الورق 186/ ب وابو نعيم في معرفة الصحابة: 1/ 19/ ب وعنه في كنز العمال: 15/ 93 ط 2 والحاكم في النوع (45) من معرفة علوم الحديث 261 والبخاري ومسلم. [3] يقال: «اقتر فلان إقتارا» : قل ماله وصار في ضنك وضيق. [4] قال عبد الرزاق- في كتاب المغازي في الحديث: (9719) من المصنف: ج 5 ص 325-: قال معمر: وأخبرنا قتادة، عن الحسن وغيره فقال: كان أول من آمن به علي ابن أبي طالب- رضي الله عنه- وهو ابن خمس عشر أو ست عشرة. ورواه أيضا أحمد في الحديث: (120) من الفضائل. قال: وأخبرني عثمان الجزرى عن مقسم، عن ابن عباس قال: علي أول من أسلم. وقال في عنوان: «فضائل علي» من العقد الفريد: 3 ص 94: قال أبو الحسن: أسلم علي وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو أول من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وفي الحديث 117، وتواليه من كتاب الفضائل شواهد. وقال أحمد في أواخر مسند عبد الله بن العباس من كتاب المسند: ج 1، ص 373 ط 1: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا ابو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال: أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة علي. وقال مرة: (أول من) أسلم.

مؤاخاته مع رسول الله وكونه صاحب اللواء ببدر

(هو) الثبت. ويقال: ابن عشرة. ويقال: ابن تسع. ويقال: ابن سبع. [مؤاخاته مع رسول الله وكونه صاحب اللواء ببدر] 7- ولما هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، أمر عليا بالمقام بعده بمكة حَتَّى أدى ودائع كانت عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناس، فأقام ثلاثا ثُمَّ لحق بِهِ فنزل معه عَلَى كلثوم بن الهدم الأنصاري [1] فآخى بينه وبين نفسه، وآخى بينه [2] وبين سهل بن حنيف الأنصاري. 8- وكان صاحب اللواء، يوم بدر، وكان معلما بصوفة بيضاء وثبت مع

_ [1] وتقدم ذكره أيضا في ترجمة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم تحت الرقم: (606) ص 261 من المطبوعة بمصر، والورق 122/ من المخطوطة. [2] أي فآخا بين علي وبين نفسه، وآخا بين كلثوم بن عمرو، وبين سهل بن حنيف الأنصاري. ويحتمل اللفظ أيضا: انه صلّى الله عليه وآله وسلم آخا بين نفسه وكلثوم بن عمرو، وآخا بين علي وسهل بن حنيف، ويؤيد الثاني انه مر تحت الرقم: (626) من ترجمة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ص 270 ومن المخطوطة الورق 127/ انه قال: (وممن آخا بينهم) علي بن أبي طالب وسهل بن حنيف. ولكن يبعده انه قال قبله: وآخا بين حمزة بن عبد المطلب وكلثوم بن الهدم أو غيره؟ وكيف كان والثابت من طريق شيعة أهل البيت انه صلّى الله عليه وآله وسلم لم يعقد المواخات بين علي وغيره سوى نفسه صلى الله عليه وآله وسلم.

كونه عليه السلام أول من آمن بالله ورسوله

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد حين انكشف الناس، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَن غَزَاةٍ غَزَاهَا/ 313/ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا فِي تبوك فإنه خلفه على أهله وقال (له) : [أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من مُوسَى يعني حين خلفه [1]] . وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجوه كثيرة. [كونه عليه السلام أول من آمن بالله ورسوله] 9- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطيالسي، أنبأنا شعبة، عن سلمة بن كهيل عن حبة الْعُرَنِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: [أَنَا أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2]] .

_ [1] هذا الحديث مما تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جمعه وخرجه الحافظ ابو حازم العبدوي المتوفى (417) بخمسة آلاف اسناد، كما في تفسير الآية: (59) من سورة النساء من شواهد التنزيل ص 152 المطبوع الحديث: (205) منه، وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في الحديث (140) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق من طرق كثيرة، وبالمراجعة إليها والتدبر فيها يعلم ان صدوره منه صلّى الله عليه وآله وسلم لا ينحصر في قصة تبوك، وان معناه أيضا غير موقت بوقت، وإلا لغى قوله: «غير انه لا نبي بعدي» وحاش نبي الله من اللغو!! [2] لأنه لم يسلم من الرجال غيره في مدة خمس- أو سبع- سنين من بدء بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال ابو يعلى في مسنده الورق 31/ أ: حدثنا ابو هشام، وعثمان بن أبي تشيبة، قالا: حدثنا يحيى بن يمان، حدثنا سليمان بن قرم، عن مسلم، عن حبة، عن علي قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلمت يوم الثلاثاء. وقال أيضا: حدثنا ابو هشام الرفاعي حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الأجلح، عن سلمة بن كهيل، عن حبة بن جوين، عن علي (عليه السلام) قال: ما أعلم أحدا من هذه الأمة بعد نبيها عبد الله قبلي، لقد عبدته قبل ان يعبده احد منهم، خمس سنين أو سبع سنين. أقول فليراجع إلى الحديث (72) وتواليه من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق فانه يشفي كل غليل.

حديث لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله

10- وحدثنا عفان، حدثنا شعبه، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَوْلَى الأَنْصَارِ عَنْ زَيْدِ [1] بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أول من صلى مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي ابن أبي طالب. [حديث لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ] 11- حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ [2] عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ [3] عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: [لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله] . فَدَعَا عَلِيًّا فَبَعَثَهُ وَقَالَ: [قَاتِلْ حَتَّى يَفْتَحَ الله عليك ولا تلتفت.] قال: فمشى (علي) مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَقَفَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: [قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ] : 12- حَدَّثَنِي رَوْحُ بن عبد المؤمن المقري، حدثنا ابو عوانة، عن أبي بلج ابن عمرو بن جواب [4] عن ابن عباس قال:

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «زياد بن أرقم» . [2] كذا في ظاهر رسم الخط. [3] ورواه في الحديث: (215) وتواليه من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37 ص 52 وفي جميعها: «عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ عن أبي هريرة» إلخ. ورواه أيضا في الحديث: (244) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل تأليف أحمد بن حنبل. [4] كذا في النسخة، ويجيء أيضا مع الزيادة في الحديث: (41) بسند آخر، عَنْ أَبِي بَلْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عن ابن عباس وبسند آخر في الحديث: (142) كما رواه عنه بأسانيد، في الحديث: (244) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: 37/ 61، وفي جميع الموارد التي ظفرنا عليها: «عَنْ أَبِي بَلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ» . واسم أبي يلج يحيى بن سليم فالظاهر ان ما هنا مصحف.

كونه عليه السلام صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وحديث المنزلة

قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رجلا يجب اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ] . فَأُتِيَ بِعَلِيٍّ فدفعها إليه فجاء بصفية بنت حيّي بْنِ أَخْطَبَ. 13- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، وَعَفَّانُ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بَلْجٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهما بمثله. [كونه عليه السلام صاحب راية رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بدر وحديث المنزلة] 14- حَدَّثَنَا خلف بن هِشَام البزار، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ [1] عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَن قَتَادَةَ أَنَّ عليا كَانَ صاحب (راية) رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بدر. 15- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ الفضيل بن مرزوق، عن عطية (قال:) حدثني أبو سَعِيدٍ [2] قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ وَخَلَّفَ عَلِيًّا فِي أَهْلِهِ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: مَا مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يُخْرِجَهُ إِلا أَنْ كَرِهَ صُحْبَتَهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: [يا بن أَبِي طَالِبٍ أَمَا تَرْضَى بِأَنْ تَنْزِلَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لا نبي بعدي] .

_ [1] ورواه عنه- إلى آخر السند- ابن سعد في الطبقات: ج 3 ص 23 ط بيروت، وقال: كان صاحب لواء رسول الله صلى الله وسلم يوم بدر وفي كل مشهد. ورواه أيضا في الحديث: (228) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل لأحمد ابن حنبل. [2] كذا في الطبقات- لابن سعد- ج 3 ص 23 ط بيروت، وفي النسخة: «عن عطية ابن أبي سعيد» .

16- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ [1] ، حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن رقيم قال: قدمنا الْمَدِينَةَ فَلَقِينَا سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ فَحَدَّثَنَا قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى تَبُوكَ وَخَلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ وَخَلَّفْتَنِي؟ فَقَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي] . 17- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ. عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قُلْتُ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلُكَ عَنْ حَدِيثٍ وَأَنَا أَهَابُكَ. قَالَ: لا تَفْعَلْ فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ عِنْدِي عِلْمًا فَسَلْنِي عَنْهُ. فَقُلْتُ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ حِينَ خَلَّفَهُ فِي غَزَاةِ تَبُوكٍ. فَقَالَ: قَالَ [لَهُ عَلِيٌّ: أتخلفني مع الخالفة في النساء (كذا) وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى [3]] . 18- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ محمد الناقد، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا عوف/ 314/ عن ميمون: عن البراء (بن عازب) وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالا: لَمَّا كَانَتْ غَزَاةُ تَبُوكَ- وَهِيَ جَيْشُ الْعُسْرَةِ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: [لا بُدَّ من أن أقيم أو

_ [1] ورواه عنه- إلى آخره- ابن سعد في الطبقات: ج 3 ص 24 ط بيروت. [2] رواه في الطبقات: ج 3 ص 24 ط بيروت، وفيه: «أتخلفني في الخالفة في النساء والصبيان؟» . [3] ورواه أيضا في الحديث: (163) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل لأحمد. وراه أيضا في الحديث: (167) منه.

عرفان المؤمنين بحبه والمنافقين ببغضه

تقيم] قالا: (ظ) فَخَلَّفَهُ فَلَمَّا مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم غازيا قال: ناس مَا خَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا إلا بشيء كرهه (منه) فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَاتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ سَمِعْتُ نَاسًا يَقُولُونَ: (ما خلفه إلا لشيء كرهه منه. [فقال رسول الله) [1] لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلا أنه لا نبي بعدي.] [عرفان المؤمنين بحبه والمنافقين ببغضه] 19- حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل (كذا) حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: إِنَّا كُنَّا لَنَعْرِفُ مُنَافِقِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ بِبُغْضِهِمْ عَلِيَّ بن أبي طالب [2] . 20- حدثنا إسحاق الفروي (كذا) عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بن ثابت:

_ [1] بين المعقوفين كان ساقطا من النسخة، وهو موجود في الطبقات الكبرى: ج 3/ 24، قال أخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا عون، عن ميمون، عن البراء بن عازب وزيد أرقم قالا: لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي بن أبي طالب: انه لا بد من ان أقيم أو تقيم. فخلفه فلما فصل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَازِيًا قال ناس: ما خلف عليا إلا لشيء كرهه منه!! فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَاتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ فَقَالَ له: ما جاء بك يا علي؟ قال: لا يا رسول الله (كذا) إلا أني سمعت ناسا يزعمون انك إنما خلفتني لشيء كرهته مني. فتضاحك (إِلَيْه) رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: يا علي اما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قال: فانه كذلك. [2] ورواه أيضا بأسانيد، في الحديث: (712- 719) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 27، ورواه أيضا في الحديث: (71) من باب فضائل امير المؤمنين من كتاب الفضائل- لأحمد- وقريب منه في الحديث 84 منه.

كونه عليه السلام أقضى الأمة

عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السّلام، قال: [إنه لعهد النبي الأمي ألا (كذا) أَنْ لا يُحِبَّنِي إِلا مُؤْمِنٌ وَلا يُبْغِضَنِي، إلا منافق [1] .] [كونه عليه السلام أقضى الأمة] 21- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلِيٌّ أَقْضَانَا، وأبي أقرأنا [2] . 22- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بن (ظ) جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عبد الرحمان بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عَلِيًّا مِنْ أَقْضَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ [3] . 23- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سماك ابن حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ عُمَرُ: عَلِيٌّ أقضانا وأبي أقرأنا، وَإِنَّا لَنَرْغَبُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ لَحْنِ أُبَيٍّ. (أ) وقال بعض: لحن أبي.

_ [1] وذكره بأسانيد كثيرة في الحديث: (676- 691) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38 ص 23 وما بعدها. [2] ورواه أيضا ابن سعد- في عنوان: «من كان يفتي بالمدينة في أيام رسول الله» من الطبقات: ج 2 ص 339- قال: أخبرنا وهب بن جرير بن حازم، قال: أخبرنا شعبة، عن حبيب بن الشهيد إلخ. [3] ورواه في العنوان المتقدم من الطبقات: ج 2 ص 338 قال: أخبرنا وهب بن جوير ابن حازم، وعمرو بن الهيثم ابو قطن، قالا: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق إلخ.

كونه عليه السلام أكثر أصحاب رسول الله علما

24- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس بنحوه [1] . [كونه عليه السلام أكثر أصحاب رسول الله علما] 25- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هَارُونَ الْعَبْدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ لِعَلِيٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخْلَةٌ لَمْ تَكُنْ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ [2] . 26- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: مَا بَالُكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا؟ فَقَالَ: [لأَنِّي كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُهُ أَنْبَأَنِي، وَإِذَا سَكَتُّ [3] ابْتَدَأَنِي] . 27- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بكر بن عياش،

_ [1] رواه في العنوان المتقدم الذكر: ج 2 ص 339، ثم قال: أخبرنا عبد الله بن نمير، أخبرنا اسماعيل، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: عَلِيٌّ أَقْضَانَا وَأُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا. [2] وهذا رواه في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 33/ أو 53 في الحديث 974 وتواليه، وكذا في الحديث الثالث من المجلس (27) من امالي ابن الشيخ ص 33. [3] هذا الصواب، وفي النسخة: «وإذا سيلت» . وأيضا كان فِيهَا: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عمر، عن علي» . ورواه في الحديث: (980) من ترجمته من تاريخ دمشق على وجه الصواب. ورواه في الحديث: (222) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد ابن حنبل- قال: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا جدي، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا ابن جريج، حدثنا ابو حرب بن أبي الأسود، عن أبي الأسود ورجل آخر عن زاذان قال: سئل علي عن نفسه فقال: إني أحدث بنعمة ربي، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، فبين الجوانح مني علم جم.

قوله عليه السلام ما نزلت على رسول الله آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت

عَنْ نُصَيْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْمَسِيِّ [1] عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَا نَزَلَتْ وَأَيْنَ نَزَلَتْ، إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبًا عَقُولا وَلِسَانًا سؤلا.] [قوله عليه السلام ما نزلت على رسول الله آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَا نَزَلَتْ وَأَيْنَ نزلت] 28- حدثني هاشم بن الحرث الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ أَبِي دُبَيٍّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [سَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَيْسَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَرَفْتُ أَبِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ فِي سَهْلٍ أو جبل.] [قول عُمَرَ لا أَبْقَانِي اللَّهُ لِمُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أبو حسن] 29- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أبي شيبة، عن مؤمل ابن إِسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بن سعيد

_ [1] كذا في النسخة، وقال في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من حلية الأولياء: ج 1، ص 67: حدثنا الحسن بن علي بن الخطاب، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ نُصَيْرِ، عن سليمان الأحمسي، عن أبيه عن علي قال: وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فيم أنزلت، وأين أنزلت، إِنَّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبًا عَقُولا وَلِسَانًا سئولا. ورواه مثله في الحديث (37) من مقدمة شواهد التنزيل الورق 7/ أ/ ص 33 عن أبي بكر الحارثي، عن الرزاق، عن إسحاق بن جميل، أبي زرعة، عن أحمد بن يونس إلخ. وقال ابن سعد- في عنوان: «من كان يفتى بالمدينة عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم من الطبقات الكبرى: ج 2 ص 338 ط بيروت-: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أخبرنا أبو بكر بن عياش، عن نصير، عن سُلَيْمَانَ الأَحْمَسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ آيَةٌ إِلا وَقَدْ عَلِمْتُ فيما نزلت وأين نزلت، وعلى من نزلت! إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طلقا. ورواه عنه في الحديث: (1037) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38. ورواه أيضا في الحديث (168) من فرائد السمطين بسند آخر ينتهي إلى يونس عن أبي بكر بن عياش إلخ.

قول ابن عباس إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لم نعدها

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرَ: لا أَبْقَانِي اللَّهُ لِمُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حَسَنٍ. 30- وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ ابْنِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد بنحوه [1] . [قول ابن عباس إِذَا حَدَّثَنَا ثِقَةٌ عَنْ عَلِيٍّ بِفُتْيَا لَمْ نعدها] 31- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عباس/ 315/ رضي اللَّه تعالى عنهما أَنَّهُ قَالَ: إِذَا حَدَّثَنَا ثِقَةٌ عَنْ عَلِيٍّ بفتيا لم نعدها [2] . [قوله عليه السلام لما أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وضع يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قلبك] 32- حدثنا أبو نصر التمار [3] وخلف البزار، حدثنا شريك، عن سماك ابن حرب

_ [1] وقال ابن سعد- في العنوان المتقدم الذكر من الطبقات: ج 2 ص 339-: أخبرنا عبيد الله بن عمر القواريري، أخبرنا مؤمل بن اسماعيل، أخبرنا سفيان بن عيينة، أخبرنا يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها ابو حسن!!. ورواه بأسانيد في الحديث: (1072) من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق. ورواه أيضا في الحديث: (216) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد ابن حنبل. [2] ورواه أيضا ابن سعد- في العنوان المتقدم من الطبقات: ج 2 ص 338- قال: أخبرنا سليمان ابو داود الطيالسي، قال: أخبرنا شعبة إلخ. ورواه بأسانيد في الحديث: (1075) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 25. [3] هذا هو الصواب الموافق لما يأتي تحت الرقم: (109) ص 53 ولما تقدم تحت الرقم: (486 و 851 و 1171) من ج 1، ط مصر، وفي النسخة «ابو نصر النمارا» .

عَنْ حَنَشٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاضِيًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَنِي إِلَى قَوْمٍ ذَوِي أَسْنَانٍ وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ لا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: [إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُكَ، إِذَا جَاءَكَ الْخَصْمَانِ فَلا تَقْضِ عَلَى الأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ، فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ لَكَ القضاء.] قال (عليّ) : [فَمَا أُشْكِلَ عَلَيَّ الْقَضَاءُ بَعْدُ [1]] . 33- وَحُدِّثْتُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: [بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْيَمَنِ فَقُلْتُ: أَتَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ وَلا أَدْرِي ما القضاء (قال) فضرب صدري بيده ثم قال:

_ [1] قال ابن سعد- في العنوان المتقدم الذكر من كتاب الطبقات: ج 2 ص 337-: أخبرنا الفضل بن عنبسة الخزاز الواسطي، قال: أخبرنا شريك، عن سماك، عن حنش بن المعتمر، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الى اليمن قاضيا، فقلت: يا رسول الله إنك ترسلني الى قوم يسألونني ولا علم لي بالقضاء! فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا قعد الخصمان بين يديك، فلا تقض حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى ان يتبين لك القضاء. (قال علي:) فما زلت قاضيا، او ما شككت في قضاء بعد. ثم قال ابن سعد: أخبرنا عبيد الله بن موسى العبسي، أخبرنا شيبان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، عن حارثة عن علي. وأخبرنا عبيد الله بن موسى، وحدثني إسرائيل (كذا) عن أبي إسحاق: عن حارثة، عن علي قال: بعثني النبي صلّى الله عليه وسلم الى اليمن فقلت: يا رسول الله انك تبعثني الى قوم شيوخ ذوى اسنان واني اخاف ان لا اصيب! فقال: ان الله سيثبت لسانك ويهدي قلبك. ورواه أيضا في الحديث: (1017) وما قبله من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38/ 16.

قوله صلى الله عليه وسلم إن وليتموها عليا فهاد مهتد يقيمكم على طريق مستقيم

اللهم اهد قلبه وثبت لسانه، فو الله ما شككت في قضاء بين اثنين [1] .] [قوله صلّى الله عليه وسلم إن وَلَّيْتُمُوهَا عَلِيًّا فَهَادٍ مُهْتَدٍ يُقِيمُكُمْ عَلَى طَرِيقٍ مستقيم] 34- وَحُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنِ النعمان ابن أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ: لا أَدْرِي أَذَكَرَ حُذَيْفَةَ أَمْ غَيْرَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنْ وَلَّيْتُمُوهَا أَبَا بَكْرٍ فَزَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا، رَاغِبٌ فِي الآخِرَةِ، وَفِي جِسْمِهِ ضَعْفٌ، وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عُمَرَ فَقَوِيٌّ أَمِينٌ لا تَأْخُذُهُ لَوْمَةُ لائِمٍ، وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عَلِيًّا فَهَادٍ مُهْتَدٍ يُقِيمُكُمْ عَلَى طَرِيقٍ مستقيم [2]] .

_ [1] وأيضا قال ابن سعد- في العنوان المتقدم الذكر-: أخبرنا يعلى بن عبيد، أخبرنا الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَنِي وأنا شاب أقضي بينهم وَلا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ!! فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ! فو الذي فلق الحبّة ما شككت في قضاء بين اثنين. [2] ورواه أيضا في الحديث: (1112) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38 ص 32 قال: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد، قالت: أنبأنا سعيد بن أحمد بن محمد، أنبأنا الحسن بن احمد بن محمد المخلدي، أنبأنا ابو حامد بن الشرقي، أنبأنا حمدان السلمي، أنبأنا عبد الرازق، أنبأنا النعمان بن أبي شيبة إلخ. ثم ان الخبر ضعيف من جهات: 1- انه لم يعلم انه ذكر حذيفة او غيره، فإن كان غيره فلعله ما بينه الله تعالى في قوله: «ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم» . 2- ان يزيد بن ينبع مجهول عند القوم لا ترجمة له، فإن كان مصحفا، وان صوابه: «زيد» فهو أيضا مجهول عندنا، لا نعلم اي حي بن بي هو؟ 3- انه لا يعلم ان الذي حدث عن عبد الرزاق للبلاذري من هو فلعله بعض أعداء اهل البيت!! هذا كله مع قطع النظر عما قال بعضهم في عبد الرزاق، والثوري وأبي إسحاق. وفوق ذلك ان الذهبي حكم في تلخيص المستدرك: ج 3 ص 70 بأنه منكر. ونعم ما قال فإنهما لو كان متصفين بما نطق به الخبر لم يتخلفا عن جيش اسامة، ولم يحرما عن الصلاة على النبي والحضور عند دفنه باشتغالهما لتمهيد الرئاسة، الى غير ذلك مما سجله احاديث القوم.

قول عمر لئن ولوها الأجيلح ليركبن بهم الطريق

[قول عمر لَئِنْ وَلَّوْهَا الأُجَيْلِحَ لَيَرْكَبَنَّ بِهِمُ الطَّرِيقَ] 35- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: لَمَّا وَلَّى عُمَرُ السِّتَّةَ فَقَامُوا أَتْبَعَهُمْ بَصَرَهُ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ وَلَّوْهَا الأُجَيْلِحَ لَيَرْكَبَنَّ بهم الطريق [1] . [قول جابر علي خير البشر] 36- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ أَنْبَأَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ رَجُلٍ كَانَ عَلِيٌّ. قَالَ: فَرَفَعَ بَصَرَهُ ثُمَّ قَالَ: أَوَ ليس ذاك من خير البشر [2] . [قول عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَاللَّهِ مَا تَقَدَّمْتُ عَلَيْهَا إِلا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْزُوَ عَلَى الأَمْرِ تَيْسٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فَيَلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل] 37- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: [وَاللَّهِ مَا تَقَدَّمْتُ عَلَيْهَا إِلا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْزُوَ عَلَى الأَمْرِ تَيْسٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فيلعب بكتاب الله عز وجل] .

_ [1] ورواه بسندين في الحديث: (1127) وتاليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38، ورواه بسند آخر في الحديث: (9761) من كتاب المصنف- للعبد الرازق: ج 5 ص 446. [2] ويجيء أيضا تحت الرقم: (50) . وذكره أيضا بأسانيد وألفاظ أخر في الحديث: (954) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 52 «عن جماعة» .

مرور النبي صلى الله عليه وسلم ببيت فاطمة عليها السلام ستة أشهر وقوله الصلاة أهل البيت

[مرور النبي صلّى الله عليه وسلم ببيت فاطمة عليها السلام ستة أشهر وقوله الصلاة أهل البيت] 38- حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ محمد، حدثنا حماد ابن سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُرُّ بِبَيْتِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ أَشْهُرٍ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى صَلاةِ الصُّبْحِ فَيَقُولُ: [الصلاة أهلا لبيت «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (33- الأحزاب [1] ) ] 39- حدثنا عبد الرحمان بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوَّجْتَنِي ضَخْمَ الْبَطْنِ أعمش العين؟،] قال: [أو ما تَرْضِينَ أَنْ زَوَّجْتُكِ أَوَّلَ أُمَّتِي إِسْلامًا، وَأَكْثَرُهُمْ عِلْمًا وَأَعْظَمُهُمْ حِلْمًا [2]] . 40- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عن مطرف، عن أبي إسحاق:

_ [1] ورواه بأسانيد ثلاثة عن أبي سعيد الخدري وأبي الحمراء في الحديث: (316- 318) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37 ص. ورواه أيضا في ترجمة الإمام الحسن: ج 12/ 19، في الحديث (106) وتواليه بطرق كثيرة، وكذلك في الحديث: (134) وتواليه من ترجمته عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 125، وهذا هو الحديث (144) منه، ورواه بأكثر من الجميع في تفسير الآية الكريمة من شواهد التنزيل الورق 110- 134، في الحديث: 643- 744، كما رواه أيضا احمد بن حنبل في الحديث: (19- 20) من فضائل فاطمة من كتاب الفضائل الورق 144. [2] وقريب منه جدا في الحديث: (303) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 37، ورواه أيضا عبد الرزاق في الحديث: (9783) في كتاب المغازي: ج 5 ص 490 عن وكيع بن الجراح إلخ. ورواه أيضا في الحديث- 5- من ترجمة امير المؤمنين من المعجم الكبير ج 1/ الورق 9 ب عن إسحاق بن ابراهيم الدبري، عن عبد الرزاق إلخ. ورواه أيضا ابن أبي شيبة في المصنف الورق 160/ ب/ قال: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أبي إسحاق قال: قالت فاطمة إلخ.

عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَعْلَمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْفَرَائِضِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [1] . 41- حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا إِلَى بَنِي جُذَيْمَةَ الَّذِينَ قَتَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ، بِدُرْجٍ [2] فِيهِ ذَهَبٌ فَأَعْطَاهُمْ دِيَاتِ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَمَا أُصِيبَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَفَضَلَ فِي الدُّرْجِ شَيْءٌ مِنَ الذَّهَبِ فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ: [هَلْ لَكُمْ فِي أَنْ أُعْطِيَكُمْ هَذَا الْفَضْلَ عَلَى ان تبرءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أُصِيبَ لَكُمْ مِمَّا لا تَعْلَمُونَهُ وَلا يَعْلَمُهُ رَسُول اللَّهِ/ 316/ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟] قَالُوا: نَعَمْ فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ الْفَضْلَ، فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ قَالَ: [لَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ] . 42- حَدَّثَنَا محمد بن سعد، حدثنا روح بن عبادة، حَدَّثَنَا بسطام بن مسلم، عَن مالك بن دينار قال:

_ [1] وقال أحمد في الحديث: (11) من باب فضائل علي عليه السلام من كتاب الفضائل: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا مندل، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عن عبد الله قال: ما تقولون؟ ان أَعْلَمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِالْفَرَائِضِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب. أقول: ورواه بعض أجلة المعاصرين عن كتاب أخبار القضاة: ج 1/ 89 بطرق ثلاثة، ولم يتيسر لي الرجوع إليه، والخرس مع أخدانه كانوا بودائع العلماء يلعبون، وفي المكتبة يرقصون. [2] الدرج- على زنة برد وبرج-: سفيطة صغيرة تدخر فيه النفائس.

قلت لسعيد بن جبير: من كَانَ يحمل راية رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: إنك لرخو الليث [1] . قال (مالك) : وقال لي معبد الجهني: أنا أخبرك كَانَ يحملها في المسير ميسرة العبسي- أو قَالَ: ابن ميسرة- فإذا كَانَ القتال أخذها عَليّ بن أبي طالب. 43- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ أَبُو قِلابَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ فَهْدُ بْنُ عَوْفٍ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بَلْجٍ: عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ عَشَرَةٌ، فَقَالُوا لَهُ: نَخْلُوا مَعَكَ. قَالَ: فَخَلا مَعَهُمْ سَاعَةً ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: أُفٍّ أُفٍّ وَقَعُوا فِي رَجُلٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ. وَقَالَ لَهُ: مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ.] وَقَالَ لَهُ: [أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي.] وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَالَ: [لأَدْفَعَنَّ الرَّايَةَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.] وَسُدَّتِ الأَبْوَابُ إِلا بَابَ عَلِيٍّ. وَنَامَ مَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الغار، فكان يرمى

_ [1] كذا في النسخة، ورواه ابن سعد- في ترجمة علي عليه السلام من الطبقات: ج 3 ص 25 ط بيروت- وقال: «انك لرخو اللبب» . يقال: فلان في لبب رخي أي حال واسعة. والكلام اشارة الى شدة تقيتهم من طواغيت عصرهم. وفيه أيضا: «كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي» . ورواه الحاكم في الحديث (69) من باب مناقب امير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 137، بسند آخر. ورواه أيضا في الحديث (285) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل لابن حنبل، وفيه: كأنك رخي البال.. وقال الطبراني في الأوسط والكبير: وصاحب راية المهاجرين في المواطن كلها علي بن أبي طالب كما في مجمع الزوائد: ج 5/ 321.

وَيَتَضَوَّرَ [1] . وَبَعَثَ بِسُورَةِ بَرَاءَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ (ثُمَّ) أَرْسَلَ عَلِيًّا فَأَخَذَهَا (مِنْهُ) فَقَالَ [لا يُؤَدِّي عَنِّي إِلا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي [2]] . 44- حَدَّثَنِي إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثني (أ) بو زكريا يحيى ابن مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الأَشْقَرُ، عَنْ جَعْفَرٍ الأَحْمَرِ، عن مخول عن منذر (الثوري) . عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يُكَلِّمَهُ غَيْرُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ [3] .

_ [1] التضور: التلوي من ألم الضرب أو الجوع. [2] ورواه بأبسط مما هنا في الحديث: (248) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق، بطرق، ورواه أيضا في أواخر مسند ابن عباس من مسند أحمد بن حنبل: ج 1/ 331 ط 1، ورواه عنه في مجمع الزوائد: ج 9 ص 119، وفي مستدرك الحاكم: ج 3 ص 132، وقال هو والذهبي في تلخيصه: صحيح. ورواه أيضا في مسند ابن عباس من المعجم الكبير: ج 3 الورق 168، كما رواه أيضا في الحديث: (291) من باب فضائل أمير المؤمنين من كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل، ورواه عنه وعن أربعين الطوال لابن عساكر، في الباب: (62) من كفاية الطالب ص 241. ورواه أيضا النسائي في الحديث: (23) من كتاب الخصائص ص 61 قال: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا الوضاح- وهو أبو عوانة- قال: حدثنا أبو بلج (يحيى) بن أبي سليم، قال: حدثنا عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس الى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط ... ورواه في تعليقه عن الرياض النضرة: 2/ 203، وذخائر العقبى ص 87، والبداية والنهاية: ج 7/ 337، والإصابة: ج 2/ 509، والغدير: 1/ 50، وفضائل الخمسة: 1/ 230، وعن غيرها. [3] ورواه أيضا الحاكم في باب مناقب أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3/ 130، عن أحمد بن مكرم، عن جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، عن يحيى بن معين ...

(حديث الولاية، وما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غدير خم من إمامة علي عليه السلام) .

(حديث الولاية، وما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غدير خم من إمامة عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ) . 45- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: نَظَرْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِغَدِيرِ «خُمٍّ» وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ وَعَلِيٌّ إِلَى جَنْبِهِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ وَقَالَ: [مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذَا مَوْلاهُ [1]] . 46- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ: عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجته فَكُنَّا بِغَدِيرِ خُمٍّ نُودِيَ أَنَّ الصَّلاةَ جَامِعَةٌ وَكُسِحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شجرتين فأخذ بيد علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَوَ لَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَوَ لَيْسَ أَزْوَاجِي أُمَّهَاتُهُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: هَذَا وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عاداه [2] .

_ [1] ورواه ابن عساكر- في الحديث: (572) وما قبله من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج 38 ص 13- بطرق ثمانية عن أبي هريرة بتفصيل كثير في بعضها وهذا هو حديث الغدير الذي أفرده بالتأليف جماعة كثيرة من الحفاظ منهم ابن جرير صاحب التاريخ، ومنهم ابن عقدة ومنهم الحسكاني ومنهم الذهبي ومنهم مسعود السجستاني فانه الف كتاب الدراية في حديث الولاية في سبعة عشر جزءا، وألف وثلاث مائة أسانيد، وعليك بحديث الغدير من عبقات الأنوار فإن فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. [2] ورواه في الحديث: (545) وما قبله من تاريخ دمشق: ج 38 ص 9 وما قبلها، عن البراء بن عازب بستة طرق. ورواه أيضا في الحديث: (547) منه عن سعد بن أبي وقاص، وذكرنا في تعليقه رواية سعد عن جماعة آخرين من الحفاظ، منهم الهيثم بن كليب في مسند سعد من كتاب مسند الصحابة الورق 17، ومنهم الحاكم في المستدرك: 3/ 116، ومنهم البزار، رواه عنه في مجمع الزوائد: ج 9/ 107، وقال: ورجاله ثقات، ومنهم الحافظ ابن عقدة كما في كفاية الطالب الباب الاول منه، ص 62، ومنهم المصنف البلاذري في ترجمة معاوية من هذا الكتاب. ج 2/ الورق 64 ب س 5- قال: حَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيُّ، عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَوَانَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ لمعاوية في كلام جرى (بينهما) : قَاتَلْتَ عَلِيًّا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالأَمْرِ مِنْكَ؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: لأَنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول (فيه) من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ولفضله في نفسه وسابقته. قال: فما كنت قط أصغر في عيني منك الآن. قال سعد: ولم؟ قال: لتركك نصرته وقعودك عنه وقد علمت هذا من أمره. ومنهم النسائي قال في الحديث: (77) من كتاب الخصائص ص 95-: أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الله بن داود، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه ان سعدا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. وقال في الحديث: (90) وتواليه ص 110: أخبرني أبو عبد الرحمان زكريا بن يحيى السجستاني، حدثني محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا إبراهيم، حدثنا معن، حدثني موسى بن يعقوب، عن مهاجر بن مسمار، عن عائشة بنت سعد، وعامر بن سعد عن سعد، ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم خطب فقال: أما بعد أيها الناس فإني وليكم. قالوا: صدقت، ثم أخذ بيد علي فرفعها ثم قال: هذا وليي والمؤدي عني، وال اللهم من والاه، وعاد اللهم من عاداه. وقال أيضا: أخبرنا أحمد بن عثمان البصري أبو الجوزاء، حدثنا ابن عثمة- وهو محمد بن خالد البصري- حدثنا موسى بن يعقوب، عن المهاجر بن مسمار البصري عن عائشة بنت سعد عن سعد، قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيد علي فخطب فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: ألستم تعلمون اني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم صدقت يا رسول الله. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: من كنت وليه فهذا وليه، وان الله تعالى يوالي من والاه ويعادي من عاداه. وقال أيضا: أخبرنا زكريا بن يحيى، حدثنا يعقوب بن جعفر بن أبي كثير، عن مهاجر بن مسمار، قال: أخبرتني عائشة بنت سعد عن سعد، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق مكة وهو متوجه إليها، فلما بلغ غدير خم وقف الناس ثم رد من سبقه (ظ) ولحقه من تخلف، فلما اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد- ثلاث مرات يقولها- ثم قال: أيها الناس من وليكم؟ قالوا: الله ورسوله- ثلاثا- ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. اقول ورواه في هامشه عن مسند أحمد: ج 4/ 372 وكنز العمال: 6/ 154، ومجمع الزوائد: ج 9/ 104.

47- حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ: عن البراء (بن عازب) قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَمَّا كُنَّا بِغَدِيرٍ خُمٍّ أَمَرَ بِشَجَرَتَيْنِ فَكُسِحَ مَا تَحْتَهُمَا، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ مَوْلايَ وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه. ثم (قال:) اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ) . 48- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَبِي الطُّفَيْلِ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فلما كنا بغدير خم أمر بِدَوْحَاتٍ فَقُمِمْنَ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: [كَأَنِّي قَدْ دعيت فأجبت (و)

إِنَّ اللَّهَ مَوْلايَ/ 317/ وَأَنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فإنهما (ظ) لَنْ يَفْتَرِقَا [1] حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ.] ثُمَّ أخذ بيد علي فقال: من كنت (ظ) وَلِيُّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ [2] . قال (أبو الطفيل) : قُلْتُ لِزَيْدٍ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا كَانَ فِي الدَّوْحَاتِ أَحَدٌ إِلا وَقَدْ رَأَى بعينه وسمع بأذنه ذلك!!!.

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «وانهما لن يفرقا» ورواه أيضا ابن حرير، كما في الحديث الأول من فضائل علي عليه السلام من كنز العمال ج 15/ ط 2 ص 91 وفيه: «فإنهما لن يتفرقا» . ثم قال: (وروى أيضا) عطية العوفي عن أبي سعيد الخدرى مثل ذلك. ورواه أيضا النسائي في الحديث: (73) من الخصائص ص 93 عن محمد بن المثنى عن يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ سليمان، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الطفيل عن زيد ... وقال الدولابي- في آخر كتاب الذرية الطاهرة بحديث-: حدثنا ابراهيم بن مرزوق حدثنا ابو عامر العقدي، حدثني كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي (عن ابيه) عن علي ان النبي صلى الله عليه وسلم حضر الشجرة بخم، قال: فخرج آخذا بيد علي (كذا) فقال: يا ايها الناس ألستم تشهدون ان الله ورسوله اولى بكم من انفسكم؟ وان الله ورسوله مولياكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فان عليا مولاه- او قال: هذا مولاه- اني تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله واهل بيتي. [2] ورواه عنه ابن عساكر- في الحديث: (527- 538) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 29، مع زيادات في بعض طرقه، ورواه أيضا الحاكم في الحديث الخامس وتاليه من مناقب علي من المستدرك: ج 3 ص 109، وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم. واقره الذهبي في الأول، وقال في الثاني: لم يخرجا لمحمد (بن سلمة بن كهيل) وقد وهاه السعدي. اقول: لو صدق الذهبي في هذا، ولم يكن حكم السعدي بوهيه ووهنه عن العصبية العمياء لم يضر ذلك، لأن فيما عداه من الطرق الصحيحة كفاية، فانظر الى ما علقناه على الحديث: (528) وتواليه من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق.

49- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ، عَنْ أَبِي نعيم عن أبي غنيّة عن الحكم بن سعد، عن جُبَيْرٍ [1] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ] . 50- وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. 51- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يزيد في إسناده قال: قال علي (عليه السّلام) : [كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة من الليل يقوم فيها، فقام (في ليلة) فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عليّ فإنّي لم أسأل الله (لنفسي) شيئا إلا سألت لك بمثله!! [2]] .

_ [1] كذا في النسخة، والصواب: «عن ابن أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير» كما في الحديث: (453 و 455) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق. اقول وابن أبي غنية هو يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية- كعطية- الخزاعي. ثم ان حديث بريدة رواه أيضا تحت الرقم: (70) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل تأليف احمد بن حنبل. [2] ورواه ابن عساكر بأسانيد كثيرة في الحديث: (800) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 34. ورواه أيضا ابو نعيم في معرفة الصحابة كما في الحديث: (283) من باب الفضائل من كنز العمال: ج 15/ ط 2 ص 98، ورواه أيضا المحاملي بسند آخر في الجزء- 7- من أماليه الورق 154، ورواه أيضا ابن المغازلي في الحديث: (137) من مناقبه. ورواه أيضا في الباب (43) في الحديث: (180) وتاليه من فرائد السمطين ورواه أيضا ابن جرير- وصححه- وابن أبي عاصم، والطبراني في الأوسط وابن شاهين في السنة، كما في الحديث (428) من كنز العمال: ج 15/ 150، باب مناقب علي عليه السلام.

نبذة من أقوال علي بن أبي طالب وسيرته

50- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَيُّ رَجُلٍ كان فيكم عليّ؟ قال: وكان (كذا) وَاللَّهِ خَيْرَ الْبَرِيَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] . [نبذة من أقوال علي بن أبي طالب وسيرته] 51- حدثني بعض الطالبيين عن آبائه أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: [مَنْ أَرَادَ عِزًّا بِلا عَشِيرَةٍ، وَهَيْبَةً بِلا سُلْطَانٍ، وَغِنًى بِلا مَالٍ فَلْيَخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلى عزّ طاعته] .

_ [1] وتقدم أيضا تحت الرقم: (34) وأشرنا في تعليقه إلى تعدد طرقه ومصادره، ورواه أيضا في تفسير سورة البينة: (98) من كتاب شواهد التنزيل الورق 195/ ب، وروي ما في معناه عن طرق ثم قال: حدثنا السيد أبو الحسن الحسني إملاء، حدثنا عبد الله بن محمد النصر آبادي حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا وكيع بن الجراج، حدثنا الأعمش عن عطية العوفي قال: دخلنا على جابر بن عبد الله الأنصاري وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقلنا: أخبرنا عن علي فرفع حاجبيه بيده ثم قال: ذاك من خير البرية. وقال أحمد بن حنبل- في الحديث: (72) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن عطية بن سعد العوفي قال: دخلنا على جابر بن عبد الله وقد سقط حاجباه على عينيه، فسألناه عن علي فقلت: أخبرني عنه، قال: فرفع حاجبيه بيده فقال: ذاك من خير البشر. وقال في الحديث: (268) منه: حدثنا عبد الله، حدثنا الهيثم بن خلف، حدثنا عبد الملك ابن عبد ربه أبو إسحاق، حدثنا معاوية بن عمار عن أبي الزبير، قال: قلت: لجابر: كيف كان علي فيكم؟ قال: ذاك من خير البشر ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم إياه.

53- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِحِ بْن مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [لا يَكُونُ الرَّجُلُ قَيِّمَ أَهْلِهِ حَتَّى لا يُبَالِي أَيَّ ثَوْبَيْهِ ابْتَذَلَ، وَلا مَا سَدَّ بِهِ فَوْرَةَ الْجُوعِ] . 53- حَدَّثَنِي عَمْرو بن مُحَمَّدٍ النَّاقِد، حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَد الزبيري، عَنِ الْحَسَن بْن صَالِح، عَنْ أَبِي الجحاف: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر شاعرا، وَكَانَ عمر شاعرا وَكَانَ عَليّ شاعرا. 54- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّالِبِيُّ، عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ: طُولُ الأَمَلِ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى فَإِنَّ (كذا) طُولَ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ، وَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يُضِلُّ عَنِ الْحَقِّ] . [أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ مُدْبِرَةً، وَالآخِرَةُ مُقْبِلَةً [1] وَلِكُلِّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، فإن اليوم عمل والآخرة حِسَابٌ] . 55- وَرُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: [لا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لا خَيْرَ في القول بالجهل] [2] .

_ [1] كذا في النسخة، وفي غير واحد من المصادر: «والاخرة قد دنت مقبلة» . والحديث هو المختار (42) من نهج البلاغة بمغابرة طفيفة، ورواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث- 4- من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل. ورواه أيضا ابن المبارك في الحديث (255) من كتاب الزهد. وقريبا منه أيضا رواه في الحديث (36) من الجزء الرابع من أمالى الطوسي وكذلك في الحديث الأول من الجزء- 9- منه. [2] وهذا هو المختار: (182) و (471) من الباب- 3- من نهج البلاغة.

56- قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: [الْفُرَصُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ] [1] . 57- وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: [قِيمَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ عِلْمُهُ] [2] . 58- الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يقول: [يا بن آدَمَ مَا كَسَبْتَ فَوْقَ قُوَّتِكَ فَأَنْتَ فِيهِ خَازِنٌ لِغَيْرِكَ [3]] وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنِ الغوغاء فقال: [ (هم) الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا، وَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا] [4] . 60- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْرَائِيلَ يُحَدِّثُ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ قال: [إن للقلوب شهوة وإقبالا وإدبارا، فأتوا بها مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ مَلَّ] [5] . 61- وَأَتَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِجَانٍ وَمَعَهُ غَوْغَاءُ فَقَالَ: [لا مَرْحَبًا بِوُجُوهٍ لا تُرَى إلا عند سوء] [6] . 62- وقال (عليه السّلام) : [اليأس غنى والطمع فقر حاضر] .

_ [1] وفي المختار: (20) من قصار النهج: «الفرصة تمر مر السحاب» ... [2] وله مصادر جمة لا تحصى. [3] وهذا ذكرناه في المختار: (32) من وصايا نهج السعادة: ج 2/ 235. [4] رواه في المختار: (199) من قصار النهج بوجهين. [5] وقريب منه في المختار: (193) و (312) من قصار نهج البلاغة. [6] ورواه أيضا في ترجمته عليه السلام من تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 185، كما رواه في المختار: (200) من الباب الثالث من نهج البلاغة، وفيه: «عند كل سوأة» .

63- حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير بن عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: بَنَى عَلِيٌّ سِجْنًا مِنْ قَصَبٍ وَسَمَّاهُ نَافِعًا ثُمَّ بَنَاهُ بِلَبِنٍ فَقَالَ: [أَلا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيِّسًا ... بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيِّسًا سِجْنًا/ 318/ حَصِينًا وَأَمِيرًا كَيِّسًا ] 64- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نعيم، عَن زهير، عَنْ أَبِي إسحاق أَنَّهُ صلى الجمعة مع عَليّ حين مالت الشمس فقال: رأيته أبيض اللحية أجلح [1] . 65- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: جَاءَ عَلِيٌّ وَأَنَا مَعَ أَبِي فَقَالَ لِي: قُمْ يَا عَمْرُو فَانْظُرْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَرَأَيْتُهُ ضَخْمَ اللِّحْيَةِ وَلَمْ أَرَهُ يَخْضِبُهَا. 66- وحدثت عَن خلف بن هِشَام البزار، عَن شريك: عَنْ أَبِي إسحاق قَالَ: رأيت عليا أصلع أبيض الرأس واللحية. 67- وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عبد الله ابن عَبَّاسٍ: أَمَّا بَعْدُ [فَإِنَّهُ يَسُرُّ الْمَرْءَ دَرْكُ ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ،] [فَلْيَكُنْ [2] سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ فِي آخِرَتِكَ، وَأَسَفُكَ عَلَى مَا فاتك منها،] [فأما (ظ) مَا نِلْتَ مِنَ الدُّنْيَا فَلا تُكْثِرْ بِهِ فرحا، وما فاتك منها فلا تأس

_ [1] يقال: «جلح الرجل من باب علم- جلحا» : انحسر شعره عن جانبي رأسه فهو أجلح، وجمعه جلح وجلحان- كرمح وفرقان- وأجلاح. وهي جلحاء. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فيكن» .

عَلَيْهِ جَزَعًا، وَلْيَكُنْ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ] [1] . 68- الْمَدَائِنِيُّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: كَانَت غَلَّةُ عَلِيٍّ أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِينَارٍ [2] فَجَعَلَهَا صَدَقَةً وَبَاعَ سَيْفَهُ وقال: لو كان عندي عشاء ما بعته. وأعطته الخادم في بعض الليالي قطيفة فأنكر دفأها [3] فقال: ما هذه؟ قالت الخادم: هذه من فضل (ظ) الصَّدَقَةِ. فَأَلْقَاهَا وَقَالَ: [أَصْرَدْتُمُونَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا] . 69- حَدَّثَنَا عبد الله بن صالح الأَزْدِيّ، عَن يَحْيَى بن آدم، عن الحسن ابن صالح، عَنْ أَبِي حيان، قَالَ: كانت قلنسوة عَليّ لطيفة بيضاء مضربة [4] . 70- حَدَّثَنِي هدبة بن خالد، حَدَّثَنَا أَبُو هلال الراسبي، عَن سوادة بن حنظلة القشيري قَالَ: رأيت عليا أصفر اللحية [5] .

_ [1] وللحديث مصادر كثيرة، ورواه ثعلب في أواسط الجزء الأول من مجالسه ص 186، مرسلا، كما رواه في المختار: (23) من باب الكتب من نهج البلاغة، وفي ترجمته عليه السلام من تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 181، والحكمة الخالدة ص 179، وقوت القلوب: ج 1/ 158، وكتاب صفين. وأدب الدنيا والدين للماوردي. [2] هذا المعني رواه في الحديث: (968) وتواليه من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق بطرق ثلاثة، ورواه أيضا في آخر ترجمته من حلية الأولياء: ج 1/ 85، وعنه وعن مسند أحمد، والدورقي والضياء في المختارة، رواه تحت الرقم: (448) من كنز العمال: ج 15/ 159/ ط 2. [3] الدفئ- كنبأ-: إحساس الحرارة ووجدانها. وقوله- في الذيل-: «أصردتمونا» كأبردتمونا أي جعلتمونا في برودة وحملتموها علي، وأصل الكلمة فارسية والصاد بدل من السين أصلها «سرد» ضد «كرم» . [4] ورواه ابن سعد بسند آخر في الطبقات: ج 3/ 30 وقال: مصرية. [5] ورواه أيضا مع التالي في الطبقات: ج 3/ 26 قال: أخبرنا الفضل بن دكين، وعفان ابن مسلم، وسليمان بن حرب، قالوا: أخبرنا أبو هلال ... وقال أيضا: أخبرنا عبد الله بن نمير، واسباط بن محمد، عن إسماعيل بن سلمان الأزرق، عن أبي عمر البزاز عن محمد بن الحنفية، قال: خضب علي بالحناء مرة ثم تركه.

71- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سلمان، عن ابن عمر البزار (كذا) عَن مُحَمَّد بن الحنفية، قَالَ: خضب عَليّ بالحناء ثُمَّ تركه. 73- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَنْبَأَنَا جرير بن حازم، قَالَ: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: رأيت عليا أصلع كَثِير الشعر، كأنما اجتاب إهاب شاة. 73- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] حَدَّثَنَا قَبِيصَة بْن عقبة، عَن سُفْيَان عَنْ أَبِي إسحاق قَالَ: رأيت عليا أبيض الرأس واللحية. 74- حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ أَبِي دُبَيٍّ: عَنْ أَبِي سُخَيْلَةَ قَالَ: مَرَرْتُ أَنَا وَسَلْمَانَ بِالرَّبَذَةِ عَلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: إِنَّهُ سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهَا فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [عَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي وأول من يصافحني يوم

_ [1] ورواه أيضا في ترجمة امير المؤمنين من الطبقات: ج 3 ص 26 وفيه هكذا: أخبرنا وهب بن جرير بن حازم، قال: أخبرنا أبي، قال: سمعت أبا رجاء قال: رأيت عليا أصلع كَثِير الشعر كأنما اجتاب إهاب شاة. اقول: اجتاب: لبس. وإهاب- كإياب-: الجلد. وقيل هو غير المدبوغ منه. [2] ورواه أيضا في الطبقات: ج 3/ 25 وقال: أخبرنا مؤمل بن إسماعيل، وقبيصة بن عقبة، قالا: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق ...

الْقِيَامَةِ وَهُوَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ] [1] . 75- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: لَمَّا زَوَّجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة أُرْعِدَتْ [فَقَالَ: اسْكُتِي فَقَدْ زَوَّجْتُكِ سَيِّدًا فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ] [2] . 76- حَدَّثَنَا أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، حدثنا هشام ابن حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: عَنْ مَوْلًى لِعَلِيٍّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَمُبْغِضٌ مُفْرِطٌ [3]] . 77- وَحُدِّثْتُ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شِهَابٍ مَوْلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِمِثْلِهِ وَزَادَ فِيهِ: [وَإِنَّكُمْ مستعرضون على سبّي والبراءة مني (أما السب) فسبّوني ولا تبرءوا مني] [4] .

_ [1] ورواه بثلاثة أسانيد، في الحديث: (118) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق. ورواه أيضا في الباب الثاني من كتاب الارشاد، ص 21 ورواه أيضا البزار، كما في تلخيص زوائد مسنده لابن حجر. ورواه أيضا الطبراني، قال في مجمع الزوائد: ج 9 ص 102: رواه الطبراني، ورواه البزار، عن أبي ذر وحده، وفيه عمرو بن سعيد المصري وهو ضعيف. اقول: وعلى هذا فهو غير ما رواه في تلخيص زوائد مسند البزار، وقد ذكرناه في تعليق الحديث: (120) من ابن عساكر، وليس فيه من عمرو بن سعيد عين ولا اثر. [2] وقريب منه جدا في الحديث: (308) وما حوله من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37 ص. [3] ورواه بسندين آخرين في الحديث: (769) وتاليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 32/ أو 173. [4] وقريبا منه رواه ابن عساكر في الحديث (1504) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 112، عن أبي عياض مولى أسد بن ربيعة الأسدي عنه عليه السلام، وقريب منه أيضا في المختار: (57) من خطب نهج البلاغة.

78- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عاصم، عن هشام عن محمد (كذا) بِمِثْلِهِ. 78- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الضُّبَعِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: [لَيُحِبُّنِي أَقْوَامٌ حَتَّى يُدْخِلَهُمْ حُبِّي النَّارَ، وَلَيُبْغِضُنِي أَقْوَامٌ حَتَّى يُدْخِلَهُمْ بُغْضِي النَّارَ] [1] . 79- حَدَّثَنَا/ 319/ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا الحكم بن عبد الملك، عن الحرث بن حصيرة عن أبي صادق [2] :

_ [1] وقال ابن الأعرابي في معجم الشيوخ: ج 2/ الورق 18/ وفي نسخة 151/ ب/: أنبأنا يحيى بن أبي طالب، أنبأنا عمرو بن عبد الغفار، أنبأنا شعبة بن الحجاج، عن أبي التياح، عن أبي السوار العدوي قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ إلخ. ثم قال: أنبأنا عباس الدوري أنبأنا شبابة، أنبأنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ العدوي قال: سمعت عليا قال مثله. اقول: ورواه عنه بالسند الأول في الحديث (750) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق. ورواه أيضا في الحديث (75) من باب فضائله من كتاب الفضائل لأحمد، قال عبد الله بن احمد حدثني أبي، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة إلخ. ورواه عنه في الحديث 12، من الباب (181) من غاية المرام ص 525. وقال ابن أبي شيبة في المصنف: ج 6/ او 7/ الورق 160/ ب/: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي التياح، عن أبي السوار العدوي قال: قال علي: ليحبني قوم حتى يدخلوا النار في حبي وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضبي. [2] كذا هنا، ورواه ابن عساكر، في الحديث: (737) وما بعده من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 169/ او 29 بطرق كثيرة وزاد بعد أبي صادق: «عن ربيعة بن ناجد، عن علي بن أبي طالب» مع زيادة في بعض طرقه. ورواه أيضا الحسكاني في تفسير الآية: (147) من شواهد التنزيل الورق 148/ ب/ بطرق كثيرة عن جماعة.

عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: [يَا عَلِيُّ إِنَّ فِيكَ مِنْ عِيسَى مَثَلا، أَحَبَّهُ النَّصَارَى حَتَّى أَفْرَطُوا (في حبّه) ، وأبغضته اليهود حتى بهتوا أمه] . قال (ابو صادق) : فكان (علي) يَقُولُ: [يَهْلِكُ فيَّ رَجُلانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ، وَمُبْغِضٌ مُفْرِطٌ] . 81- حَدَّثَنَا أَبُو هاشم الرفاعي، عَن عمه عن عبد الله بن عباس (كذا) قَالَ: قَالَ الشعبي: كان عَليّ أشجع الناس تقر لَهُ العرب بذلك، قتل يوم بدر الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شمس، وأعان عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب عَلى شيبة بن ربيعة، ثُمَّ حمل عَلَى الكتيبة مصمما وحده وهو يقول: لن يأكلوا العتر [1] ببطن مكة ... من بعدها حتى يكون الدكة 82- حدثني مظفر بن مرجا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَكْحُولا يَقُولُ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ » (12/ الحاقة) فَقَالَ: يَا عَلِيُّ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهَا أُذُنَكَ.] قَالَ عَلِيٌّ: [فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا أَوْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] .

_ [1] العتر والعتيرة: ما كانوا يذبحونه من الشياة في رجب لآلهتهم. وقرأه بعض المعاصرين «الصر» ؟. والدكة: التدافع والتزاحم. [2] ورواه ابن عساكر بسندين آخرين في الحديث: (923) وتاليه من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 202/ او 49، وقال ابو نعيم في ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من حلية الأولياء: ج 1، ص 67: حدثنا محمد بن عمر بن سلم، حدثني ابو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب، حدثني أبي، عن ابيه جعفر، عن ابيه محمد بن عبد الله عن ابيه محمد، عن ابيه عمر: عن ابيه عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: يا علي إن الله أمرني ان أدنيك ولا أقصيك واعلمك لتعي وانزلت هذه الآية: «وتعيها اذن واعية» فأنت اذن واعية لعلمي. وهذا رواه أيضا في تفسير الآية الكريمة في الحديث: (1009) من كتاب شواهد التنزيل الورق 173/ ب. وأيضا قال ابو نعيم- في ترجمة علي عليه السلام من معرفة الصحابة الورق 22 ب-: حدثنا ابو الحسن علي بن احمد بن محمد المقدسي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الغزي القاضي، حدثنا ابو عمير حدثنا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَوْشَبٍ، عن مكحول عن علي في قوله (تعالى) : «وتعيها اذن واعية» قال علي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوت الله ان يجعلها اذنك يا علي. اقول: ورواه الطبري أيضا بطرق، وكذلك ابن المغازلي وكذلك الحموئي وإن راجعت الى تفسير الآية الكريمة من شواهد التنزيل، وما علقناه عليه يغنيك عن الجميع.

83- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّالِبِيُّ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ لَنَا، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: [مَتَى أُشْفِي غيظي إذا غضبت، أم حين أعجز (كذا) عَنِ الانْتِقَامِ فَيُقَالُ لِي: لَوْ صَبَرْتَ، أَمْ حِينَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لِي: لَوْ غَفَرْتَ] [1] . 84- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن فادم، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلاثَةٍ: عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وسلمان] [2] .

_ [1] ورواه أيضا في المختار: (194) من قصار نهج البلاغة، وفيه: «احين أَعْجَزُ عَنِ الانْتِقَامِ فَيُقَالُ لِي: لَوْ صَبَرْتَ، أَمْ حِينَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لِي: لَوْ عفوت» . [2] ورواه بلفظ «ثلاثة» بأسانيد سبعة في ترجمة سلمان من تاريخ دمشق ج 21/ 182، ورواه بطرق اربعة في ترجمة المقداد بن الأسود- ج 57/ 100- بلفظ تشتاق الجنة إلى اربعة: علي وأبي ذر، وعمار، والمقداد، ورواه أيضا في ترجمة عمار. ورواه الحاكم في المستدرك: ج 3 ص 137، عن أبي بكر بن إسحاق، عن محمد بن عيسى بن السكن الواسطي عن شهاب بن عباد، عن محمد بن بشر، عن الحسن بن حي، عن أبي ربيعة ... وقال هو والذهبي: صحيح. ورواه أيضا الترمذي في باب مناقب سلمان من كتاب المناقب في الحديث: (3797) ج 5 ص 667 قال: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبي، عن الحسن بن صالح ... إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان. ثم قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح. اقول: وقد عرفه غيره عن غير الحسن بن صالح فليرجع إلى ما أشرنا إليه، ورواه عنه وعن غيره في ترجمة أبي ربيعة الأيادي من باب الكنى من تهذيب الكمال: ج 12/ الورق 125/ ب. ورواه أيضا في الباب: (55) في الحديث: (247) من فرائد السمطين، كما رواه في الباب (26) من كفاية الطالب ص 131، ورواه في هامشه عن مصادر، منها اسد الغابة: ج 2/ 330، والرياض النضرة: 2/ 209، وكنوز الحقائق ص 60، وحلية الأولياء: ج 1/ 190، 142، وكنز العمال: ج 6 ص 163، والاستيعاب: ج 2/ 423.

85- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا شهاب بن عباد، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيم بن حميد، عَن إِسْمَاعِيل، عَن عَامِر الشعبي قَالَ: ما رأيت رجلا قط أعرض لحية من علي قد ملئت ما بين منكبيه بياضا. 85- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أبي طاووس عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، لوفد ثقيف حين جاؤه-: [وَاللَّهِ لَتُسْلِمَنَّ أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلا مِنِّي- أَوْ قَالَ: مِثْلَ نَفْسِي- فَلَيَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَكُمْ، وَلَيَسْبِيَنَّ ذراريكم وليأخذنّ أموالكم [1]] .

_ [1] ورواه ابن أبي شيبه في المصنف الورق 161/ أ، عن أبي الجواب، عن يونس، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن أبي ذر إلخ. ورواه أيضا بسند آخر، في الورق 156/ أ، بلا ذيل المذكور هنا. ورواه أيضا أحمد، في الحديث (227) من باب فضائل علي من كتاب الفضائل بسند آخر، وكذلك في الحديث: (130) منه.

قال عمر: فو الله: مَا اشْتَهَيْتُ الإِمَارَةَ إِلا يَوْمَئِذٍ فَجَعَلْتُ أَنْصِبُ صَدْرِي لَهُ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ: هَذَا، فَالْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخَذَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ هَذَا هُوَ هَذَا. 86- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السامي، حدثنا عبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فُلَيْتٍ الذُّهْلِيِّ، عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دِجَاجَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: إِنَّ عَلِيًّا يَأْمُرُ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَتْ: هُوَ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالسُّنَّةِ [1] . 87- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَشْرَسَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: [لَوْ أَنَّ حَمَلَةَ الْعِلْمِ حَمَلُوهُ بِحَقِّهِ لأَحَبَّهُمُ اللَّهُ وَمَلائِكَتُهُ، وَلَكِنَّهُمْ حَمَلُوهُ لِطَلَبِ الدُّنْيَا فَمَقَتَهُمُ اللَّهُ وَهَانُوا عَلَيْهِ] . 88- حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَن مغيرة: عَن عَليّ بن ربيعة قَالَ: رأيت عليا مؤتزرا وتحت إزاره تبان. 89- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنَا عفان، حَدَّثَنَا أَبُو عوانة، عَن مغيرة، عَن قدامة بن عتاب، قَالَ: كَانَ عَليّ ضخم البطن، ضخم مشاشة المنكب، ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها، ضخم عضلتي الساقين دقيق مستدقها.

_ [1] ورواه أيضا بسند ينتهي الى جسرة، في الحديث: (1078) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 26/ او 62. [2] ورواه أيضا في عنوان: «ذكر صفة علي بن أبي طالب» من الطبقات: ج 3 ص 26 ط بيروت.

(قال:) ورأيته يخطب فِي يوم من أيام الشتاء وعليه قميص قهز [1] وإزاران قطريان، معتمّا بسبّ كان ينسج (في سوادكم «خ» ) بسوادكم هَذَا [2] . 90- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [3] حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ: عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَطْرُدُنَا مِنَ الرَّحْبَةِ وَنَحْنُ صِبْيَانٌ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. 91- حَدَّثَنَا/ 320/ عمرو بن محمد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا رزام الضبعي [4] قَالَ: نعت أبي عليا فقَالَ: كَانَ فوق الربعة، ضخم المنكبين

_ [1] رسم الخط غير واضح ويمكن ان يقرء «قهيز» و «قهز» . وعلم بعد قوله: «عليه» علامة وكتب في الهامش «قميص» . وما صححناه وجدناه موافقا لما ذكره ابن سعد في الطبقات: ج 3 ص 26 غير ان فيه: «معتما بسب كتان مما ينسج في سوادكم» . قال في النهاية: وفي حديث علي: ان رجلا أتاه وعليه ثوب من قهز. قال: القهز- بالكسر-: ثياب بيض يخالطها حرير، وليست بعربية محضة. وقال الزمخشري: القهز- بفتح القاف وكسره-: ضرب من الثياب يتخذ من صوف كالمرعزي وربما خالطه الحرير. اقول: والقهيز- كأمير- القز. [2] الإزار: الملحفة او ما يستر الأسافل الى السرة. والقطريان تثنية القطري- بالكسر- ضرب من البرود فيه حمرة ولها اعلام فيها بعض الخشونة. وقيل: هي حلل جياد تحمل من قبل البحرين. وقال الأزهري: في اعراض البحرين قرية يقال لها: «قطر» واحسب الثياب القطرية نسبت إليها فكسروا القاف للنسبة وخففوا. والأصل قطري محركة. والسب- كضد وند- العمامة. شقة كتان رقيقة. [3] ورواه أيضا في العنوان السالف الذكر من الطبقات: ج 3 ص 25. [4] كذا في النسخة، ورواه ابن سعد في الطبقات: ج 3/ 26 وقال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا رزام بن سعد الضبي ...

طويل اللحية، إن شئت قلت إِذَا نظرت إِلَيْهِ: هُوَ آدم [1] ، وإن تبينته من قرب قلت: هُوَ إلى أن يكون أسمر أدنى مِنْه أن يكون آدم. 92- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بُشَيْرِ بن ارام (أراك «خ» ) : عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: قَالَ: أَتَى حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ أَنَّ الْحَسَنَ وَعَمَّارًا قَدِمَا الْكُوفَةَ يَسْتَنْفِرَانِ النَّاسَ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّ الْحَسَنَ وَعَمَّارًا قَدِمَا يَسْتِنْفِرَانِكُمْ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يلبي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا حَقًّا فَلْيَأْتِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. 93- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، عَنِ الواقدي، عن ابن أبي سبرة: عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (أَبِي) فروة، قَالَ: سألت أبا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ فقلت: ما كانت صفة عَليّ، فقال: [كان آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما ذا بطن أصلع إلى القصر أقرب] . 94- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عن محمد ابن جُحَادَةَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيدٍ بَيَّاعُ الْكَرَابِيسِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْتِي السُّوقَ فِي الأَيَّامِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا رَأَوْهُ قَالُوا: «بزرك اشكنب آمد» . فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّكَ ضَخْمَ الْبَطْنِ. فيقول: [أعلاه علم وأسفله طعام [3]] .

_ [1] الآدم: الأسمر. والمؤنث: الأدماء. والجمع: ادم كأسد. [2] ورواه أيضا في ترجمة امير المؤمنين من الطبقات: ج 3 ص 27 ط بيروت، وببالي انه رواه أيضا في الحديث: (59) من باب فضائله من فضائل احمد. [3] ورواه أيضا ابن سعد، في ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من الطبقات: ج 3 ص 27. ورواه أيضا في الحديث: (85) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل، لأحمد بن حنبل.

95- 96- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: أَمْلَى علينا عنثر مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ: [إِنَّ هَذِه الْفُرَصَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوهَا] . قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: [ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَوْجَبَ بِهِنَّ أَرْبَعًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ النَّاسَ لَمْ يَكْذِبْهُمْ، وَإِذَا وَعَدَهُمْ لَمْ يُخْلِفْهُمْ، وَإِذَا خَاطَبَهُمْ لَمْ يَظْلِمْهُمْ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ، وَكَمُلَتْ مُرُوءَتُهُ وَحَرُمَتْ غِيبَتُهُ وَظَهَرَ عَدْلُهُ] [1] . 97- وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: [قِيمَةُ الرجل علمه] . 98- حدثني المدائني، عن أبي جعدبة (ظ) قال: قال علي عليه السّلام: [زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةَ- يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ- أَنِّي تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ [2] وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ خَوْفَ الْمَوْتِ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ، ويحلف فيحنث وإنه لمن الظالمين لأنفسهم [3]] . 99- حَدَّثَنِي عَمْرو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ [4] ، قَالا: حَدَّثَنَا ابو نعيم

_ [1] كذا في النسخة، وفي غير واحد من مصادر الكلام: «وظهرت عدالته» وهو أظهر. [2] تلعابة- بكسر التاء-: كثير اللعب. أعافس: أعالج الناس واضاربهم مزاحا. وقيل: هي معالجة النساء بالمغازلة. والممارسة كالمعافسة. [3] وذكره في المختار: (81) من نهج البلاغة بصورة أطول مما هنا، كما يجيء أيضا تحت الرقم: (145) كما رواه أيضا في أواسط الباب: (54) من جواهر المطالب الورق 81، والحديث: (20) من الجزء- 5- من امالي الطوسي. ورواه أيضا في عيون الاخبار: ج 1/ 184، والامتاع والمؤانسة ج 3/ 183، والعقد الفريد ج 2 ص 287. [4] ورواه في الطبقات: ج 3/ 27 وفيه: عن مدرك أبي الحجاج ...

حَدَّثَنَا سلمة بن رجاء التميمي، عَن مدرك بن الحجاج قَالَ: رأيت فِي عيني عَليّ أثر الكحل. 100- حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ: عَنْ أَبِي الوضيء القيني [1] قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا يَخْطُبُنَا وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ- مُرْتَدِيًا بِهِ غَيْرَ مُلْتَحِفٍ- وَعِمَامَةٌ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ صَدْرِهِ وَبَطْنِهِ. 101- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنَا وكيع، عَن أبي مكين، عَنْ (خالد) أَبِي أمية قَالَ: رأيت عليا وقد لحق إزاره بركبتيه. 102- حَدَّثَنَا عَمْرو، حَدَّثَنَا عبد الله بن نمير، عَنِ الأجلح عَن عبد الله بن أبي الهذيل قَالَ: رأيت عليا وَعَلَيْهِ قميص رازي إِذَا مد كمه بلغ الظفر، وَإِذَا أرخاه بلغ نصف الذراع [3] . 103- حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه بْن موسى [4] عَن عَليّ بْن صالح: عَن عطاء أبي مُحَمَّد قَالَ: رأيت عَلى عَليّ قميصا كسكريا من هذه

_ [1] كذا في النسخة، ورواه في الطبقات: ج 3/ 27 وقال أخبرنا يزيد بن هارون ... أخبرنا ابو الرضي القيسي ... [2] ورواه أيضا في الحديث الأول من عنوان: «ذكر لباس علي عليه السلام» من الطبقات ج 3 ص 27 ط بيروت. [3] ورواه أيضا ابن سعد، في عنوان: «ذكر لباس علي عليه السلام» من الطبقات ج 3/ 27 وقال: أخبرنا يعلي بن عبيد، وعبد الله بن نمير ... [4] ورواه عنه أيضا ابن سعد في العنوان المتقدم الذكر من الطبقات: ج 3/ 29، وفيه: رأيت عليا خرج من الباب الصغير فصلى ركعتين حين ارتفعت الشمس، وعليه قميص كرابيس كسكري فوق الكعبين ...

الكرابيس فوق الكعبين كمه إلى الأصابع- أو أصل الأصابع- غير مغسول. «104» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] ، حَدَّثَنَا أنس بن عياض أَبُو ضمرة حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن يَحْيَى عَنْ أَبِي العلاء مولى الأسلميين قَالَ: رأيت عليا يأتزر فوق السرة «105» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [2] وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَليّ، قالا: حَدَّثَنَا وكيع عَن سفيان: عَن عَمْرو بن قيس أَنَّهُ رأى عَلى عَليّ إزارا مرقوعا فقيل لَهُ فِيهِ فقال: [يخشع لَهُ القلب ويقتدي بِهِ المؤمن] . «106» حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْحُرُّ بْنُ جُرْمُوزٍ: عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْقَصْرِ وَعَلَيْهِ قِطْرِيَّتَانِ إِلَى نصف الساق، ورداء مشمر، ومعه دِرَّةٌ يَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنِ الْبَيْعِ وَيَقُولُ: [أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ. وَلا تنفخوا في اللحم [3]] .

_ [1] ورواه أيضا في العنوان المشار إليه آنفا من الطبقات: ج 3 ص 28. [2] ورواه أيضا في العنوان الذي أشير إليه من الطبقات: ج 3 ص 28، ورواه أيضا في الحديث: (16) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد- قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبو عبد الله السلمي، قال: حدثنا إبراهيم بن عيينة، عن سفيان الثوري: عن عمرو بن قيس قال: قيل لعلي عليه السلام: يا علي لم ترفع قميصك؟ قال: يخشع القلب، ويقتدي به المؤمن. ورواه أيضا في كتاب الزهد، ص 131. [3] ورواه ابن سعد في الطبقات: ج 3 ص 28 قال: أخبر الفضل بن دكين، قال: حدثنا الحر بن جرموز ... ورواه عنه في والحديث: (1242) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق، وفيهما: «أوفوا الكيل والميزان. ولا تنفخوا اللحم» .

«107» حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا أبو نعيم، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ (عَبْدِ اللَّهِ) الأَصَمُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَوْلًى لِبَنِي الأَشْتَرِ النَّخَعِيَّ [1] قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا وَأَنَا غُلامٌ فَقَالَ: أَتَعْرِفُنِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ/ 321/ أنت أمير المؤمنين (فتركني) ثم أتى آخر وقال (له) : أَتَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: لا. فَاشْتَرَى مِنْه قَمِيصًا فَلَبِسَهُ فَمَدَّ الْقَمِيصَ فَإِذَا هُوَ مَعَ أَصَابِعِهِ، فَقَالَ لَهُ: كُفَّهُ فَلَمَّا كَفَّهُ لَبِسَهُ وَقَالَ: [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ] . «108» حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أبي سليمان الأودي: عن أبي أمية (ظ) قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَتَى شط هذا الفيض (كذا) عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْبَاءِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ قَدِ ائْتَزَرَ بِهِ، ورداء وعمامة وخفّين (كذا) فَنَزَلَ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَخُفَّيْهِ [2] قَالَ: فَإِذَا رَأْسُهُ مِثْلُ الرَّاحَةِ وَبَيْنَ أُذُنَيْهِ شعر مثل خط الإصبع.

_ [1] كلمة: «لبني» غير واضحة في النسخة، والحديث رواه أيضا في ترجمة أمير المؤمنين من الطبقات الكبرى- لابن سعد-: ج 3 ص 28 ط بيروت قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصَمُّ قَالَ: سَمِعْتُ فروخ مولى لبني الأشتر، قال: رأيت عليا في بني ديوار وأنا غلام فقال: أتعرفني؟ فقلت: نَعَمْ أَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ: أَتَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: لا. فَاشْتَرَى مِنْه قَمِيصًا زابيا (كذا) فلبسه فمد كم الْقَمِيصَ فَإِذَا هُوَ مَعَ أَصَابِعِهِ فَقَالَ لَهُ: كفه، فلما كفه قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالب. ورواه عنه في الحديث: (1242) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق. [2] إن صح هذا- وهيهات منها- فمحمول على ان خفيه لم يكونا مانعين من المسح على ظهر القدمين، وذلك لما استقر عليه مذهب أهل البيت عليهم السلام من وجوب المسح على ظهر القدم وعدم مشروعية غيره، كما هو المستفاد من الآية الكريمة: «يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين» الآية السادسة من سورة المائدة، حيث انه قرأ قوله: «وارجلكم» بالجر والنصب، أما على الجر فوجوب المسح جلي لا يكاد يخفى على ذي شعور من أهل اللسان والعارف بالعربية، وأما على النصب فعلى انه عطف أيضا على قوله: «برؤسكم» ولوحظ إعرابه محلا حيث انه منصوب المحل بقوله: «امسحوا» فالثقلان الذان خلفهما رسول الله صلّى الله عليه واله وسلم في أمته وقال إن تمسكتم بها لن تضلوا- في قوله المتواتر بين المسلمين- يوجبان المسح، فمن ترك المسح وقال بغيره خالف الله ورسوله وطلب الهدى من حيث يأتي الضلال!!! ولله در ابن العباس حيث قال- على ما رواه في الحديث: (1180) من مسنده في مسند أحمد بن حنبل: ج 1/ 323 ط 1-: فاسألوا هؤلاء الذين يزعمون ان النبي صلى الله عليه مسح (أمسح) قبل نزول المائدة أو بعد المائدة؟ والله ما مسح بعد المائدة، ولأن أمسح على عابر بالفلات أحب إلى من أن أمسح عليهما؟!! وقريبا منه رواه عنه أيضا في الحديث (1667) من مسنده ص 366، ورواه أيضا عنه غيره، كالطبراني في مسند ابن عباس من المعجم الكبير: ج 3/ الورق 111، ولكن صحف الكاتب بعض كلماته فراجع. فمن أراد المزيد فعليه بمبحث الوضوء من فقه الإمامية أو الرجوع إلى تفسير التبيان أو مجمع البيان. أو المسائل الفقهية- لآية الله الشرف الدين العاملي- ص 69.

«109» حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ «عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَامِرٍ: عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: [أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ؟ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ؟] «110» حدثنا شيبان بن أبي شيبة الا بلي (كذا) حدثنا فزعة بن سويد الباهلي: حدثنا مسلم صاحب الحنا، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ من أهل

الْجَمَلِ أَتَى الْكُوفَةَ فَدَخَلَ بَيْتَ مَالِهَا فَأَضْرَطَ به [1] ثم قال: [يا مال غري غَيْرِي.] ثُمَّ قَسَّمَهُ بَيْنَنَا، ثُمَّ جَاءَتِ ابْنَةٌ لِلْحَسَنِ- أَوْ لِلْحُسَيْنِ- فَتَنَاوَلَتْ مِنْهُ شَيْئًا، فَسَعَى وَرَاءَهَا فَفَكَّ يَدَهَا وَنَزَعَهُ مِنْهَا، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ لَهَا فِيهِ حَقًّا!! قَالَ: إِذَا أَخَذَ أَبُوهَا حَقَّهُ فَلْيُعْطِهَا مَا شَاءَ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِسْمَتِهِ قَسَّمَ بَيْنَنَا حِبَالا جَاءَتْ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَأَبَيْنَا قَبْضَهَا فَأَكْرَهَنَا عَلَيْهَا، فَخَرَجَتْ كِتَّانًا جَيِّدًا فَتَنَافَسْنَا فِيهَا فَبَلَغَتْ دَرَاهِمَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ فَكَسَحَهُ وَنَضَحَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَوَسَّدَ رِدَاءَهُ وَقَالَ: [يَنْبَغِي لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لا يَأْتِي عَلَيْهِ يَوْمٌ- أَوْ جُمُعَةٌ- إِلا كَانَ هَكَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ أَخَذَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ] . «111» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: اسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ عَلَى بَيْتِ مَالِهِ حمله بْنَ حوية من ولد جدل الطِّعَانِ مِنْ كِنَانَةَ. «112» وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ غَيْلانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا كَلامٌ شَدِيدٌ، حَتَّى رَفَعَ عُثْمَانُ عَلَى عَلِيٍّ الدِّرَّةَ، فَقُلْتُ لِعُثْمَانَ: عَلِيٌّ وَسَابِقَتُهُ وقرابته، ثم قلت:

_ [1] هذا كناية عن عدم اعتنائه عليه السلام بما كان فيه وكونه حقيرا لديه صغيرا عنده لا شأن له ولا قدر. وقال أحمد- في الحديث: - 5- من باب فضائل أمير المؤمنين من كتاب الفضائل-: حدثنا سريج بن يونس، قال: حدثنا هارون بن مسلم، عن أبيه مسلم بن هرمز، قال: أعطى علي الناس في سنة ثلاث عطيات، ثم قدم عليه مال من إصبهان، فقال: هلموا إلى عطاء رابع فخذوا، ثم كنس بيت المال وصلى فيه ركعتين وقال: يا دنيا غري غيري. قال: وقدم عليه حبال من أرض فقال: أيش هذا؟ (أي أي شيء هذا؟) قالوا: حبال جيء بها من أرض كذا وكذا. قال: أعطوها الناس، قال: فأخذ بعضهم وترك بعض، فنظروا فإذا هو كتان يعمل، فبلغ الحبل (منه) آخر النهار دراهم.

يا أبا الحسن أمير المؤمنين، فلم أزل بِهِ حَتَّى سَكَنَ وَصَلُحَ الَّذِي بَيْنَهُمَا وَجَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ. «113» وَحُدِّثْتُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه: أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَمَّا قَدِمَ الْبَصْرَةَ بَعَثَ إِلَيَّ وَإِلَى نَفَرٍ، وَدَخَلَ بَيْتَ الْمَالِ فَإِذَا هُوَ بِصَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ، فَقَرَأَ «وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ» (20/ الفتح 48) وَقَالَ: فَهَذِهِ لَنَا، وَهَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ [1] . (قال أبو الأسود:) ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ دَخَلَ بَيْتَ الْمَالِ فإذا صفراء وبيضاء فأصر مَا بِهَا [2] [وَقَالَ غُرِّي غَيْرِي غُرِّي غَيْرِي] . «114» حدثني الحسين بن علي بْنُ الأسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا دَخَلَ بَيْتَ الْمَالِ فَرَأَى فِيهِ مَالا فَقَالَ: هذا ههنا وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ؟ فَأَمَرَ بِهِ فَقُسِّمَ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَمَرَ بِالْبَيْتِ فَكُنِسَ فَنُضِحَ وَصَلَّى فِيهِ. «115» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قالا: حدثنا

_ [1] لله دره لو صدقته الأماني الكاذبة؟! [2] كذا في النسخة، والظاهر انه عين اللفظ المتقدم: «فأضرط بها» عبر به الراوي على مقتضى طبيعة سواد الناس حيث انهم يضرطون لما لا يبالون به ولا وقع له عندهم، والكلام كناية عن كون المال موهونا عند امير المؤمنين غير موقر عنده ولا مقدر لديه، ولم يرد به المعنى المطابقي حاش امير المؤمنين من عمل الأجلاف.

أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ البكراوي، عن أبيه، عن عبد الرحمان: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عَلِيٌّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ دَخَلَهُ فَقَالَ: خُذْ خُذْ. فَقَسَّمَ مَا فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَبَقِيَ مُطْرَفٌ فَقَالَ: [انْظُرُوا لِي رَجُلا: مُحْتَاجًا أُعْطِيهِ هَذَا الْمُطْرَفَ.] فَقُلْتُ/ 322/ فُلانٌ رَجُلٌ مِنْ مَوَالِي بَنِي عِجْلٍ، 4/ 372 فَأَرْسَلَنِي بِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ يَعْرِفُنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقُلْتُ: ذَكَرْتُكَ لَهُ. فَقَالَ: جَزَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا، فَقَدْ وَافَقَ مِنِّي حَاجَةً. فَبَاعَهُ بِمَالٍ سَمَّاهُ، وَصَلَّى عَلِيٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَأَمَرَ بِهِ فَكُنِسَ وَقَالَ: [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَنِي مِنْهُ كَمَا دَخَلْتُهُ] . «116» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ المجالد، عَنْ أَبِيهِ: عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا مَرَّ عَلَى قَذَرٍ بِمَزْبَلَةٍ فَقَالَ: [هَذَا مَا بَخِلَ بِهِ الْبَاخِلُونَ [1]] . «117» وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا وَصَعِدَ المنبر (ظ) يَقُولُ: [مَا أَصَبْتُ مِنْ عَمَلِي شَيْئًا سِوَى هذه المقويريرة [2] أهداها إلى دهقان.] نَزَلَ إِلَى بَيْتِ الطَّعَامِ فَقَالَ: خُذْ خُذْ. ثم قال:

_ [1] ورواه أيضا في المختار: (195) من قصار النهج فقال: وروي في خبر آخر انه قال: «هذا ما كنتم تتنافسون فيه بالأمس» !!! [2] كذا في النسخة، ولعل الصواب «القويريرة» قال في مادة «قرر» من النهاية: وفي حديث علي: «ما اصبت منذ وليت عملي إلا هذه القويريرة، أهداها إلي الدهقان» . هي تصغير قارورة، وهي وعاء يجعل فيه المائعات، وقال الأصمعي: يريد قارورة الغالية. اقول: والكلام مصادر، فذكره السيد الرضي (ره) بمغايرة طفيفة في الخصائص، ص 54، ورواه أيضا في ترجمة الأصمعي من نور القبس ص 168، ورواه أيضا ابو نعيم في ترجمة امير المؤمنين من حلية الأولياء: ج 1، ص 81، ورواه أيضا في مادة «قرن» من الفائق. ورواه أيضا في الحديث: (1227) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق، ورواه أيضا في باب فضائله من كنز العمال: ج 15/ 148/ ط 2 تحت الرقم: (425) نقلا عن عبد الرزاق في الجامع، وأبي عبيد في الأموال، ومسدد، والحاكم في الكنى وابن الأنباري في المصاحف وأبي نعيم في الحلية. وكلهم انهوا الكلام إلى قوله: «دهقان» .

أفلح من كانث لَهُ قَوْصَرَّةٌ ... يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً «118» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسماعيل، حدثنا سكين ابن عبد العزيز، عن جعفر بْنِ خَالِدٍ، عَنْ جَابِرٍ: عَنْ أَبِيهِ جَابِرٍ (كذا) قال: أنا شاهد عليا والأموال تأتيه فيضرط بِهَا وَيَقُولُ: [غُرِّي غَيْرِي غُرِّي غَيْرِي. وَقَالَ: هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ ... وَكُلُّ جَانٍ يَدَهُ إِلَى فِيهِ ] «119» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ: عَنْ عَمْرِو بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَسَّمَ شَيْئًا جَاءَهُ مِنَ السَّوَادِ فَقَالَ: [هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ: إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ إِلَى فِيهِ] 120- 121- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: مِمَّا عَلِمْنَا مِنْ كَلامِ عَلِيٍّ قَوْلِهِ: [إِنَّ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ] . وَقَوْلُهُ: [لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِكَ مَا وَعَظَكَ] . «122» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا مُؤَمِّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،

عن سعيد، عن عبيد (ظ) عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: الْحَكَمُ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَأُتِيَ بِزِقَاقٍ مِنْ عَسَلٍ، فدعا اليتامى وقال: ذبوا وَالْعَقُوا [1] حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي يَتِيمٌ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَقِيَ مِنْهُ زِقًّا فَأَمَرَ أَنْ يُسْقَاهُ أهل المسجد. قال: وَشَهِدْتُهُ وَأَتَاهُ رُمَّانٌ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَأَصَابَ (أهل) مسجدنا عشر رمانات. «123» حدثني عمرو بْنُ شَبَّةَ [2] حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا سِنَانٌ أَبُو عَائِشَةَ قَالَ: كُنْتُ أَرَى عَلِيًّا يُقَسِّمُ هَذَانِ الدَّنَّانَ الصِّغَارَ مِنْ هَذَا الطِّلاءِ بَيْنَ أَهْلِ الكوفة قال: وَهُوَ خَاثِرٌ كَأَنَّهُ عَسَلٌ [3] . «124» حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ علي ابن مُسْهِرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ: عَنْ أبي جحيفه (ظ) قال: قسم على عسلا بين الناس بفجن [4] فَبَعَثَ إِلَيْنَا بَدَنَ طِلاءٍ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا كَانَ؟ قَالَ كُنَّا نَأْتَدِمُ بِهِ وَنَخْتَاضُهُ بِالْمَاءِ [5] .

_ [1] كذا في الأصل ولعل الصواب: «ذوقوا والعقوا» . [2] ومثله في كثير مما قبله، وفي بعض الموارد: «عمر بن شبه» . وهو الصواب. [3] الطلاء- بكسر الطاء-: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه. وقوله: «خاثر» اي غليظ ثخين. [4] كلمة: «بفجر» رسم خطها غير مبين وكتبناها على الظن. [5] نأتدم به اي نجعله إداما، وهو ما يؤكل مع الخبز كي يشهيه ويطيبه ويجعله مريئا. و «نختاضه» : نخلطه.

«125» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الطَّائِيِّ. عَنِ الْحَكَمِ أَنَّ عَلِيًّا قَسَّمَ فِيهِمُ الرُّمَّانَ حَتَّى أَصَابَ مَسْجِدَهُمْ سَبْعُ رُمَّانَاتٍ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ يأتينا أشياء نستكثرها إذا رأينا (ها) وَنَسْتَقِلُّهَا إِذَا قَسَّمْنَاهَا وَإِنَّا قَدْ قَسَّمْنَا كُلَّ شَيْءٍ أَتَانَا. قَالَ: وَأَتَتْهُ صَفَائِحُ فِضَّةٍ فَكَسَرَهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَنَا. «126» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النبيل، حدثنا خارجة (ظ) بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ (عَلِيٌّ) يقسم بيننا كل شيء حتى (كان) يقسم العطور (ظ) بَيْنَ نِسَائِنَا. «127» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَنْبَأَنَا عُمَارَةُ [1] الْمُقْعَدُ: عَنْ أُمِّ الْعَلاءِ قَالَتْ: قَسَمَ عَلِيٌّ فِينَا وَرْسًا وَزَعْفَرَانًا. «128» حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا يعلى ابن الحرث، حدثنا الربيع بن زياد: عن الحرث قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ وَهُوَ يَخْطُبُ: [قَدْ أمرنا لنساء المهاجرين بورس وإبر] . قال (الحرث) : فَأَمَّا الإِبَرُ فَأَخَذَهَا مِنْ نَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ، مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ. «129» حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ

_ [1] كلمة: «أنبأنا» غير واضحة بحسب رسم الخط.

ابن دكين، حدثنا فطر بن خليفة، عن حكيم بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: [أُمِرْتُ بِقِتَالِ الناكثين (وو القاسطين وَالْمَارِقِينَ) [1] .] وَحُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ قَالَ لَنَا: النَّاكِثُونَ أَهْلُ الْجَمَلِ، وَالْقَاسِطُونَ أَصْحَابُ صِفِّينَ وَالْمَارِقُونَ أَصْحَابُ النَّهْرِ. «130» حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسحاق ابن سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ ابن أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الحرث أَلا تُخْبِرُنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ إِنِّي بِهِ لخبير. قلت: وما خبرتك [2] ؟

_ [1] بين المعقوفين قد سقط من الأصل ولا بد منه كما يستفاد جليا مما بعده، وكما رواه بسندين آخرين في ترجمة امير المؤمنين من مستدرك الحاكم: ج 3 ص 139، وكما رواه أيضا بأسانيد في الحديث: (1021) وتوالية من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق، وله مصادر وأسانيد اخر. وما رواه عن أبي نعيم من تفسير الحديث هو التفسير الذي ورد عن رسول الله وامير المؤمنين وكثير من الصحابة فارجع إلى ما رواه في الموضوع في تاريخ دمشق من ترجمة امير المؤمنين ومستدرك الحاكم وغيرهما تجد الفرق الثلاثة موصوفا على لسان رسول الله كما ذكره ابو نعيم. [2] وقال في الحديث: (99) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد- عن سعيد بن عمرو القرشي، عن عبد الله بن عياش الزرقي، قال: قلت: له: أخبرنا عن هذا الرجل علي بن أبي طالب. قال: إن لنا اخطارا وأحسابا، ونحن نكره ان نقول فيه ما يقول بنو عمنا. قال: كان على رجلا تلعابة- يعني مزاحا- قال: وإذا فزع فزع إلى ضرس حديد. قال: قلت ما ضرس حديد؟ قال: قراءة القرآن، وفقه في الدين وشجاعة وسماحة. اقول: اما ما في ذيل الكلام فلا شبهة ان امير المؤمنين كان موصوفا به على اكمل ما يمكن، وان اكثر الصحابة كانوا فاقدين لها، وبعضهم كان واجدا لبعضها، واما ما ذكره في صدر الكلام فسيرة امير المؤمنين قولا وعملا تكذبه، اما قوله فيكفيك ما ذكره البلاذري تحت: 145، و 153، من هذه الترجمة- وذكره أيضا جماعة آخرين- واما سيرته عليه السلام فتصفح عنها من طرق الثقات فإن وجدت نسبة مزاحه عليه السلام بالنسبة الى مزاح غيره كنسبة الواحد الى الألف، فعمرو بن العاص ومن على رايه يكونوا من الصادقين!! والله يعلم- وكذا جميع من شاهد امير المؤمنين ومن مارس سيرته بتعمق وتدقيق- ان القوم كاذبين في نسبة هذا المعنى اليه عليه السلام، وهم أيضا يعلمون انهم هم الكاذبون؟! ولكن لن يجدوا لدفع دعاوي امير المؤمنين- من مظلوميته وانه هو وصي رسول الله والمترشح من الله ورسوله للخلافة- مدفعا احسن مما خرقوا له وبهتوه به، وسيعلم الكاذبين لمن عقبى الدار!!! وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون؟!!

قَالَ كَانَ رَجُلا تِلْعَابَةً [1] وَكَانَ إِذَا شَاءَ أن يقطع فعل (كان) له ضرس قاطع [2] . قُلْتُ: وَمَا ضِرْسُهُ الْقَاطِعُ؟ قَالَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَعِلْمٌ بِالْقَضَاءِ وَبَأْسٌ وَجُودٌ. «131» حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَوْفٍ أَبِي الْجَحَّافِ [3] . عَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ والحسين عليهما السلام يأكلون خُبْزًا وَخَلا وَبَقْلا، فَقُلْتُ: أَتَأْكُلانِ هَذَا وَفِي الرَّحْبَةِ مَا فِيهَا؟ فَقَالا: مَا أَغْفَلَكَ عَنْ أمير المؤمنين [4] .

_ [1] وقد سبقه في هذا القول ابن النابغة ومن على شاكلته!!! [2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة هكذا: «وكان إذا شاء ان يقطع له خبر بين قاطع فعل» . وقريبا مما هنا، ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب: ج 7/ 338 والطبرى في ذخائر العقبى ص 79. [3] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «عن أبي الجعاف» . [4] وقال احمد بن حنبل- في الحديث: (24) من باب فضائل امير المؤمنين من كتاب الفضائل-: عن أبي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: عن أبي صالح قال: دخلت على أم كلثوم بنت علي عليه السلام فإذا هي تمتشط في ستر بيني وبينها، فجاء حسن وحسين، فدخلا عليها وهي جالسة تمتشط، فقالا: الا تطعمون أبا صالح شيئا؟ قال: فأخرجوا إلي قصعة فيها مرق بحبوب!!! قال: فقلت: تطعموني هذا وأنتم الأمراء؟!! فقالت أم كلثوم: يا (أ) با صالح كيف لو رأيت أمير المؤمنين- تعني عليا عليه السلام- أتي بأترج فذهب حسن يأخذ منه اترجة فنزعها من يده، ثم امر به فقسم بين الناس. وقريبا منه رواه مرسلا القاضي عبد الجبار في القسم الثاني من المجلد العشرين من المغني: ج 20/ 141.

«132» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَنَا أَيُّوبَ بْنِ دِينَارٍ الْمُكْتِبُ: عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا يَمْشِي فِي السُّوقِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ وَبُرْدُهُ عَلَى ظَهْرِهِ. «133» حَدَّثَنَا أَحْمَد بن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، عَن أبي نعيم عن عبد الجبار ابن المغيرة الأزدي قال: حدثني أم كثِير أنها رأت عليا ومعه مخفقة وَعَلَيْهِ رداء سنبلاني وقميص كرابيس وإزار كرابيس هما إلى نصف ساقه. «134» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَطُوفُ فِي السُّوقِ وَمَعَهُ دِرَّةٌ، فَأُتِيَ لَهُ بِقَمِيصٍ سُنْبُلانِيٍّ فَلَبِسَهُ فَخَرَجَ كُمَّاهُ عَنْ أَصَابِعِهِ فَأَمَرَ بِهِمَا فَقُطِعَا حَتَّى اسْتَوَيَا بِأَصَابِعِهِ، ثُمَّ أَخَذَ دِرَّتَهُ وَجَعَلَ يَطُوفُ. قَالَ: وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ: وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّهُ اشْتَرَى قَمِيصًا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ سُنْبُلانِيًّا، فَفَضَلَ عَنْ أَصَابِعِهِ فَقَطَعَهُ.

«136» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ جَنَّادٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عن أبي إسحاق: عن الحرث قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ فَأَتَتْهُ امْرَأَتَانِ فَقَالَتَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (إِنَّنَا) فَقِيرَتَانِ مِسْكِينَتَانِ. فَقَالَ: [قَدْ وَجَبَ حَقُّكُمَا عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ ذِي سَعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كُنْتُمَا صَادِقَتَيْنِ؟!! ثُمَّ أمر رجلا فقال: انطلق بهما (ظ) إِلَى سُوقِنَا فَاشْتَرِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُرًّا من طعام [1] وثلاثة أثواب- فذكر رداء وخمارا وَإِزَارًا- وَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ عَطَائِي مِائَةَ دِرْهَمٍ!!!] فَلَمَّا وَلَّتَا سَفَرَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَضِّلْنِي بِمَا فَضَّلَكَ اللَّهُ بِهِ وَشَرَّفَكَ. قَالَ: وَبِمَاذَا فَضَّلَنِي اللَّهُ وَشَرَّفَنِي؟ قَالَتْ: بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: صدقت وما أنت؟ قالت: (أَنَا) امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ وَهَذِهِ مِنَ الْمَوَالِي!!! قال (الحرث) ، فتناول (أمير المؤمنين عليه السّلام) شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: قَدْ قَرَأْتُ ما بين اللوحين فَمَا رَأَيْتُ لِوَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وَلَدِ إِسْحَاقَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ فَضْلا وَلا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. «137» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ ابْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ وَمَعَهُ الدِّرَّةَ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ عَلَى بَابِ الْقَصْرِ فَضَرَبَهُمْ بِالدِّرَّةِ حَتَّى أَفْرَجُوا لَهُ عَنِّي وَأَنَا جَالِسٌ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ!! قُلْتُ/ 324/ وعليك

_ [1] الكر- بالضم-: مكيال لأهل العراق. وستة اوقار حمار، وهو عند اهل العراق ستون قفيزا، (و) القفيز: ثمان مكاكيك، والمكوك صاع ونصف وهو ثلاث كيلجات. قال الأزهري: والكر من هذا الحساب اثنا عشر وسقا، كل وسق ستون صاعا أو أربعون اردبا بحساب اهل مصر.

السَّلامُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: [مَا فِي هؤلاء (من) خَيْرٌ، كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الأُمَرَاءَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ فَإِذَا النَّاسُ يَظْلِمُونَ الأُمَرَاءَ] [1] . «138» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَكْتُومِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ لَنَا قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا يَمْشِي بِالْكُوفَةِ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، ضخم البطن أصلع ذات عضلات ذَا مَنَاكِبَ أَشْعَرَ، فِي أُذُنَيْهِ شَعْرٌ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ وَأَنَا غُلامٌ أَشْتَدُّ بِجَانِبَيْهِ إِذْ جَاءَ غُلامٌ فَلَطَمَنِي فَأَسِفْتُ [2] فَلَطَمْتُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السّلام: [حرّا انتصر] . «139» المدائني عن ابن حزي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ عَمْرٍو الأَصَمِّ قَالَ: قُلْتُ، لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ أُنَاسًا مِنَ الشِّيعَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا دَابَّةُ الأَرْضِ، وَأَنَّ اللَّهُ بَاعِثُهُ إِلَى الدُّنْيَا. فَقَالَ: [كذبوا ليس أولئك بشيعة، أُولَئِكَ أَعْدَاؤُهُ، لَوْ عَلِمْنَا ذَلِكَ مَا قَسَّمْنَا مِيرَاثَهُ وَلا أَنْكَحْنَا نِسَاءَهُ] [3] . «140» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَصَمِّ بِمِثْلِهِ. «141» الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ طَائِرٌ فَقَالَ: [يَا رَبِّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَيَّ يأكل منه. (قال أنس:) فجاء علي فأكل معه] [4] .

_ [1] وفي المختار: (95) من النهج: «ولقد اصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، واصبحت أخاف ظلم رعيتي» . [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فاعلمني» . وقوله: «فأسفت» : فغضبت. كما في قوله تعالى: «فلما اسفونا انتقمنا» . وقريبا منه رواه في الحديث: «52» من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق ولكن قال: في قصر المدائن. [3] وذكره أيضا في الحديث: (1506) من تاريخ دمشق: ج 38 ص 112، بأسانيد. [4] ورواه في الحديث: (607- 633) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 16، عن انس بمتن اصوب مما هنا. وقال ابو يعلى الموصلي- في مسنده الورق 187/ ب-: حدثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع- ثقة- حدثنا عيسى بن عمر، عن اسماعيل السدي، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عنده طائر، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك بأكل معي من هذا الطير فجاء ابو بكر فرده، تم جاء عمر فرده، ثم جاء علي فأذن له. ورواه بسندين اخرين في المستدرك: ج 3/ 130، وقال: وقد رواه عن انس جماعة من اصحابه زيادة على ثلاثين نفسا، تم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة. أقول: وهذا الحديث له طرق كثيرة جدا قلما يوجد مثله في الأخبار مع الدواعي الكثيرة على اخفائه واعدامه، وقد افرده جماعة بالتأليف وإليك بعض من عثرنا عليهم: 1- منهم الطبري. 2- ومنهم ابن مردويه الحافظ. 3- ومنهم ابو طاهر محمد بن احمد ابن حمدان، قال ابن كثير في البداية والنهاية: ج 7 ص 350 ط 1: وهذا الحديث قد صنف الناس فيه، وله طرق متعددة- وساق الكلام في ذكر بعض طرقه الى ان قال: - وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة، منهم ابو بكر بن مردويه الحافظ، وابو محمد بن احمد بن حمدان فيما رواه الذهبي (في ترجمة الرجل من تذكرة الحفاظ: ج 3/ 1112) وذكره أيضا السيوطي في طبقاته. ورايت مجلدا في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المفسر صاحب التاريخ. وأيضا ذكر ابن تيمية في منهاجه وابن حجر في اللسان وابن حجر المكي في منح المكية بان ابن مردويه افرد حديث الطير بالتأليف. الرابع ممن افرد الحديث الشريف بالتصنيف الحافظ الكبير ابو العباس احمد بن محمد بن سعيد ذكره عنه الحافظ السروي في كتاب المناقب. الخامس محمد بن عبد الله الحافظ الحاكم صاحب المستدرك كما ذكره السبكي في ترجمته من الطبقات الشافعية: ج 4/ 165، ط 2، وذكره أيضا الكنجي في كفاية الطالب ص وابن تيمية في منهاجه وابن حجر في اللسان. السادس احمد بن عبد الله أبو نعيم الاصبهانى كما ذكره ابن تيمية في منهاجه. السابع شمس الدين محمد بن احمد الذهبي، قال في ترجمة الحاكم من تذكرة الحفاظ: ج 3/ 1043: واما حديث الطير فله طرق كثيرة جدا، قد أفردتها بمصنف، ومجموعها هو يوجب ان يكون له اصل. وقال في تاريخ الاسلام: ج 3/ 197: ولحديث الطير طرق كثيرة عن انس متكلم فيها وبعضها على شرط السنن ومن أجودها حديث قطن بن نسير- شيخ مسلم- (قال) : حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن انس بن مالك. اقول: وهذا الحديث رواه أيضا ابن المغازلي في الحديث (205) من كتاب المناقب. ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث- 6- من طرق حديث الطير عن أبي يعلى، كما رواه أيضا عن أبي يعلى حرفيا، في البداية والنهاية: ج 7/ 350. ثم ان جل ما ذكرناه هنا مأخوذ من الفائدة الثالثة من حديث الطير من عبقات الأنوار، ص 46 ط 1، غير ان بعض مصادره كان عندي فراجعته واثبت رقم صفحاته. ثم ان جميع ما ذكرناه هنا من تأليفات الحفاظ مما قد اخفوه او اتلفوه، ولكن كفى الله المؤمنين القتال بما رواه ابن عساكر في ترجمة امير المؤمنين من الحديث: (604- 638) وبما ذكره ابن المغازلي في الحديث (188- 212) من مناقبه وبما رواه في الباب (11) من غاية المرام ص 471، وبما ذكره في البداية والنهاية: ج 7/ 350- 353.

«142» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَعَزَّنَا بِدِينِهِ، وَأَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، فَأَنَّى تَصْرِفُونَ الأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بني مخزوم.. يا بن سُمَيَّةَ وَمَا أَنْتَ وَإِمْرَةُ قُرَيْشٍ؟! فَقَالَ سَعْدٌ: افرغ يا عبد الرحمان بْنَ عَوْفٍ قَبْلَ أَنْ يَنْتَشِرَ أَمْرُ النَّاسِ [1] . «143» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبِي حرب، عن أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ [2] عَنْ زَيْدِ بْنِ أرقم قال: آخى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ

_ [1] هذا مما شجر بينهم في يوم الشورى. [2] كذا في النسخة، والصواب: «عَنْ أَبِي حَرْبٍ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ ابيه» والحديث قد تقدم بطرق آخر، تحت الرقم (16) وما بعدها من هذه الترجمة، ورواه ابن عساكر في الحديث: (428) وما حوله من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق.

عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَتَرَكْتَنِي؟ فَقَالَ: [أَنْتَ أَخِي أَمَا تَرْضَى أَنْ تدعى إذا دعيت، وتكسى إِذَا كُسِيتُ وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِذَا دَخَلْتُ؟. قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ] . «143» الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ عليا لما بنى بفاطمة عليها السَّلامُ أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [أَيْنَ أَخِي؟ فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: أَتُزَوِّجُ أخاك ابنتك؟ فدعا لهما (بخير) [1]] . «144» المدائني عن يونس بن أرقم، عن ابن أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: رَفَعَ عَلِيٌّ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ خَفَضَهُ وَقَالَ: [صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.] فَقَالَ يوم [2] مَا هَذَا؟ قَالَ: [إِنِّي رَجُلٌ مُحَارِبٌ وَالْحَرْبُ خدعة ولأن أقع من السماء فيخطفني الطَّيْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سمعتموني أروي شيئا (ظ) فَخُذُوا بِهِ] . «145» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَكْتُومٍ قَالَ: قَالَ علي (عليه السّلام) : [زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ [3] ، إنه يمنعني من ذلك ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ، وَإِنَّهُ لَيَعِدُ فَيُخْلِفَ، وَيَحْلِفُ فيحنث، ويؤتمن فيخون، ويقول فيكذب [4]] .

_ [1] وقريب منه بسند آخر، في الحديث: (307) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37، وللحديث طرق ومصادر، ومتن اطول من هذا، وقد ذكره عبد الرزاق في كتاب المغازي من المصنف: ج 5 ص 485 وابن سعد في ترجمة فاطمة صلوات عليها من الطبقات: ج 8 ص 23 ط بيروت. [2] كذا في النسخة، والصواب: «فقال: قوم» . [3] أعافس: أعالج النساء. وتلعابة: كثير اللعب. وأمارس: أزاول. [4] ويجيء أيضا تحت الرقم: «153» .

«146» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الطَّحَّانُ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ أَبِي فَاطِمَةَ: عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَلِيًّا عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: [أَنَا الصِّدِّيقُ الأَكْبَرُ، آمَنْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَسْلَمْتُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ [1]] . «147» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ آذَى عليا فقد آذاني [2]] .

_ [1] ورواه أيضا في الحديث: «88» من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 47 ص 26. ورواه أيضا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل المتوفي سنة 287 في كتاب الآحاد والمثاني الورق 86/ أ. ورواه أيضا العقيلي في ترجمة سليمان بن عبد الله من كتاب الضعفاء الورق 81، وكذلك البخاري ذكره إشارة في ترجمة الرجل، وكذلك ابن عدي في ترجمة الرجل من كتاب الكامل: ج 2/ الورق 4، ورواه أيضا الدولابي في عنوان: «من كنيته أبو فاطمة» من كتاب الكنى والأسماء: ج 2 ص 81، ورواه أيضا في الباب الثاني من كتاب الإرشاد، ص 21 وذكره أيضا ابن قتيبة في عنوان: «اسلام أبي بكر» من كتاب المعارف ص 169، ط مصر. وجلها ذكرناه حرفيا في تعليق الحديث: «88» من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق. [2] ورواه بطرق وأسانيد آخر، في الحديث: (487) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 4، وكذلك في: الحديث (745) وتواليه من تفسير الآية: (131) من شواهد التنزيل الورق 136، وذكر عن طريق أم سلمة وجابر، وزيد الشهيد ثلاثة أحاديث بنصها، وقال: و (ورد أيضا) في الباب عن عمر، وسعد، وعمرو بن شاس، وأبي هريرة، وابن عباس وأبي سعيد الخدري والمسور بن مخرمة.

«148» حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بن عَمْرو المنقري، حَدَّثَنَا عبد الوارث، عَن مُحَمَّد بن ذَكْوَان، عَن مجالد بن سعيد: عَن عَامِر الشَّعْبِيّ قَالَ: قدمنا عَلَى الحجاج البصرة، وقدم عَلَيْهِ قراء أهل المدينة فدخلنا عَلَيْهِ فِي يَوْم صائف شديد الحر، فقال للحسن: مرحبا بأبي سعيد، إلي [1]- وذكر كلاما- قَالَ: ثُمَّ ذكر الحجاج عليا فنال مِنْه، وقلنا قولا مقاربا لَهُ/ 325/ فرقا من شره، والحسن ساكت عاضٌّ عَلَى إبهامه، فَقَالَ: يا أبا سعد (كذا) ما لي أراك ساكتًا؟ فَقَالَ: ما عسيت أن أقول. قَالَ: أَخْبَرَنِي برأيك فِي أبي تراب. قَالَ: أفي علي؟ (كذا) سَمِعْتُ اللَّه يَقُولُ: «وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ، وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ» . (143/ البقرة) فعليٌّ ممن هدى اللَّه ومن أهل الْإِيمَان، وأقول: إنه ابْن عم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وختنه عَلَى ابنته وأحب النَّاس إِلَيْهِ، وصاحب سوابق مباركات سبقت لَهُ من الله (ما) لا يستطيع أنت ولا احد من الناس ان يحصرها عنه [2] ولا يحول بينها وبينه، ونقول: إنه إن كانت لعلي ذنوب فالله حسيبه، والله ما أجد قولا أعدل فِيهِ من هَذَا القول. (قَالَ الشعبي) فبسر الحجاج وجهه [3] وقام عن السرير مغضبا- قال: - وخرجنا.

_ [1] أي تقدم إلي او اجلس إلي. [2] كلمة: «أن يحصرها» غير واضحة في النسخة. [3] كلمة: «فبسر» رسم خطه غير واضح، ثم إن هذا الحديث- كالحديث التالي- يدل على حسن حال حسن البصري حيث واجه أخبث الأولين والآخرين- باعتراف أوليائه- بالقول الحق، مع أنه لم يسلم من سوطه وسيفه بر ولا فاجر، وكان يضرب به المثل في الفتك بأولياء أمير المؤمنين ومن يحم حول مناقبه وفضائله فمن جاهر بمحضر شخص مثل هذا الشقي بمناقب أمير المؤمنين وفضائله فهو من المتقين، وعليه اعتماد الشريف المرتضى (ره) في أماليه. ومثل الحديث المذكور في المتن ما رواه في كتاب الأوائل ص 5 قال: أخبرنا أبو أحمد، قال: أخبرنا الجوهري، عن أبي مرثد، عن يوسف بن موسى القطان عن حكام بن سلم: عن أبي درهم: ان الحجاج بعث إلى الحسن، فلما حضر قال له يزيد بن مسلم: إن الأمير يريد أن يدفع إلى التجار ألف درهم على أن يردوا عليه عند الحول «ده دوازده» قال فما ترى؟ قال ذا كم محض الربا، قال: لا تفسد على الأمير عمله قال: إن الله لم يجعل هذا الدين هوى للملوك واتباعا (لهم) !!! قال فاستوى الحجاج فقال: ما تقول في أبي تراب؟ قال (الحسن: و) من أبو تراب؟ قال: ابن أبي طالب، قال: أقول: إن الله جعله من المهتدين. قال: هات برهانا! قال: قال الله تعالى: «وما جعلنا القبلة التي كنت عليها- (وساق الآية) إلى قولُه-: وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الذين هداه الله» (143/ البقره) فكان على أول من هدى الله مع النبي صلى الله عليه!! قال (الحجاج) رأي عراقي!! قال (الحسن) : هو ما تسمع. ثم خرج. قال المحمودي والمستفاد من كلام الحجاج- خذ له الله- ان العراقيين جميعا كانوا يرون أن أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام أول من آمن بالله ورسوله والأمر كذلك.

«149» الْمَدَائِنيّ، عَن النضر بن إِسْحَاقَ الهذلي أن الحجاج سأل الحسن عَن عَليّ فذكر فضله، فقال: لا تحدثن في مسجدنا. فخرج (الحسن) فتوارى.. «150» (حَدَّثَنَا) حُرَيْثٌ [1] عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ قَالَ لِعَلِيٍّ: أَنَا أَسْلَطُ مِنْكَ لسانا، واحدّ سنانا وأربط جنانا واملأ حشوا للكتيبة. فقال (له علي عليه السّلام) : اسْكُتْ يَا فَاسِقُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً، لا يَسْتَوُونَ» (18/ السجدة) يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ [2] .

_ [1] بين المعقوفين قد كان سقط من النسخة. [2] ورواه أيضا أبو الفرج في أخبار الوليد بن عقبة من كتاب الأغاني: ج 5 ص 140 وفي ط: ج 4 ص 182، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (62) من باب كتب النهج: ج 17/ 238. وقال ابن عساكر- في ترجمة الوليد من تاريخ دمشق: ج 60/ 199-: أخبرنا أبو العباس عمر بن عبد الله بن أحمد بن الفقيه، حدثنا أبو الحسين علي بن أحمد بن محمد الواحد (كذا) أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الإصبهاني أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، أخبرنا إسحاق بن ثنان الأنماطى حدثنا حبيش بن مبشر الفقيه، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب: أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتيبة منك (حشوا) . فقال له علي: اسكت فإنما أنت فاسق. فنزلت «افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون» . قال: يعني بالمؤمنين عليا، وبالفاسق الوليد بن عقبة. ورواه أيضا في الحديث: (165) من باب فضائل علي من كتاب الفضائل لأحمد. وقال ابن عدي في ترجمة محمد بن السائب من كامله: ج 2/ الورق 33: أخبرنا ابو يعلى حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد بن سلمة، عن الكلبي، عن أبي صالح: عن ابن عباس ان الوليد بن عقبة قال لعلي بن أبي طالب: انا ابسط منك لسانا واحد منك سنانا واملأ منك جسدا (كذا) في الكتيبة. فقال له على: اسكت فإنك فاسق. فأنزل الله عز وجل «افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون» يعنى (بالمؤمن) عليا، والوليد الفاسق. ورواه عنه- مع ثلاثة عشر حديثا آخر عن غيره- في تفسير الآية الكريمة من كتاب شواهد التنزيل الورق 106/ أ. ورواه أيضا ابن عساكر في ترجمة الوليد، قال: أخبرنا ابو منصور ابن خيرون، أخبرنا وابو الحسن بن سعيد، حدثنا ابو بكر الخطيب، أخبرنا محمد بن احمد بن رزق، أخبرنا نوح بن خلف البجلي حدثنا ابو مسلم الكجي حدثنا حجاج، حدثنا حماد. وأخبرنا ابو القاسم ابن السمرقندي أخبرنا ابو القاسم ابن مسعدة، أخبرنا ابو القاسم السهمي أخبرنا ابو احمد بن عدي أخبرنا ابو يعلى- هو الموصلي- حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد بن سلمة (عن الكلبي) عن أبي صالح: عن ابن عباس: ان الوليد بن عقبة قال: لعلي بن أبي طالب: ألست ابسط منك لسانا وأحد منك سنانا واملأ منك حشوا؟! - وفي حديث ابى يعلى: جسدا في الكتيبة. فقال له علي: اسكت فإنك فاسق. ثم اتفقا فقالا: - فأنزل الله: «افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا، لا يستوون» . زاد ابو يعلى: يعني (بالمؤمن) عليا، والوليد الفاسق. قال ابن عساكر: وقيل: إنها نزلت في أبيه: أخبرنا ابو منصور بن زريق، أخبرنا ابو بكر الخطيب، أخبرنا ابو الحسن ابن رزقويه أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي حدثنا ابو إسماعيل الترمذي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا ابو لهيعة (كذا) عن عمرو بن دينار: عن عبد الله بن عباس في قوله: «افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون» قال: اما المؤمن فعلي بن أبي طالب والفاسق عقبة بن أبي معيط وذلك لسباب كان بينهما فأنزل الله ذلك. ومن اراد المزيد فعليه بتفسير الآية الكريمة من شواهد التنزيل، والباب: (85) من غاية المرام ص 38.

«151» وَحُدِّثْتُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» (55/ المائدة) [1] . «152» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: كَانَ خيرا كله على حين كانت فيه وشك غضب [2] (ظ) . قُلْتُ: فَعُمَرُ قَالَ: كَانَ كَأَنَّهُ طَائِرٌ حَذِرٌ قَدْ نَصَبْتَ لَهُ أُحْبُولَةً، فَهُوَ يُعْطِي كُلَّ يَوْمٍ بِمَا فِيهِ عَلَى عُنْفِ السِّيَاقِ. قُلْتُ: فَعُثْمَانُ؟ قَالَ: كَانَ وَاللَّهِ صَوَّامًا قَوَّامًا يَخْدَعُهُ نومه عن يقظته

_ [1] ورواه بسندين آخرين في الحديث: (907) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 48. [2] وفي النسخة: «وشدة خضب» .

قلت: فصاحبكم. قال: كان مركوزا حِلْمًا وَعِلْمًا، وَغَرَّهُ مِنْ أَمْرِهِ اثْنَتَانِ: سَابِقَتُهُ وزالته (كذا) قُلْتُ: أَكَانَ مَحْدُودًا؟ قَالَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ ذَاكَ. «153» قَالُوا: وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَقُولُ إِنَّ في علي دعابة وهزّة [1] [فَقَالَ عَلِيٌّ. زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تِلْعَابَةٌ تِمْزَاحَةٌ ذُو دُعَابَةٍ أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ، هَيْهَاتَ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَاكَ خَوْفُ الْمَوْتِ وَذِكْرُ الْبَعْثِ، وَالْحِسَابِ،] و [من كَانَ ذَا قَلْبٍ فَفِي هَذَا لَهُ وَاعِظٌ وزاجر،] أما [وشرّ القول الكذب، (و) إِنَّهُ لَيُحَدِّثُ فَيَكْذِبَ، وَيَعِدُ فَيُخْلِفَ، وَيَحْلِفُ فَيَحْنَثَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْبَأْسِ فَأَيُّ] آمِرٍ وَزَاجِرٍ مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا مِنْ هَامِ الرِّجَالِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَعْظَمُ مَكِيدَتِهِ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَوْمَ اسْتَهُ [2] . «154» حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جُعْتُ فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ عَرَضْتُ لأَبِي بَكْرٍ فَجَعَلْتُ أَسْتَقْرِيهِ وَمَا أُرِيدُ بِذَلِكَ إِلا أَنْ يُدْخِلَنِي بيته فيعشيني، فلما بلغ الباب أرسل يدي ودخل (ظ) فَعَرَضْتُ لِعُمَرَ فَفَعَلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَفَعَلَ بِي كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيًّا فَاسْتَقْرَأْتُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ قَالَ: لَوْ دَخَلْتَ يا أبا هريرة فتعشيت. فدخلت فقال (علي) : يا فاطمة عشي أبا هريرة. فجاءت بحروقه [3] فَأَكَلْتُهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِشَرْبَةِ سَوِيقٍ فَشَرِبْتُهَا وَبَلَغَ ذلك عمر فقال:

_ [1] الدعابة: المداعبة والمزاح. وهزة- بكسر الهاء-: الخفة والنشاط. تحريك الفتن والبلايا. [2] الاست- بكسر اوله-: الدبر. [3] قال في مادة «حرق» من التاج مزجا بلفظ القاموس: الحريق والحروقة: طعام اغلظ من الحساء، والجمع: الحرائق، ومنه قولهم: وجدت بني فلان ما لهم عيش إلا الحريق. او هو: ماء حار يذر عليه دقيق قليل فينتفخ عند الغليان ويتقافز فيلعق وهي النفيتة أيضا، كانوا يستعملونها في شدة الدهر وغلاء السعر وعجف المال وكلب الزمان. وروى الأزهري عن ابن السكيت: الحريق والنفيتة: ان يذر الدقيق على ماء او لبن حليب حتى ينفت ويتحسى من نفتها، فيوسع صاحب العيال على عياله إذا غلبه الدهر.

لئن كنت ولّيت منه (ظ) مَا وُلِّيَ عَلِيٌّ (كَانَ) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حمر النعم. أو قال: (كان أحب إلي) مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ [1] . «155» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صباح البزار، حَدَّثَنَا هشيم قَالَ: أَخْبَرَنِي عمر بن أبي زائدة: عَنِ الشعبي قَالَ: كَانَ أَبُو بكر يقول الشعر، وَكَانَ عمر يقول الشعر، وَكَانَ عَليّ أشعر الثلاثة. «156» حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ: أَنَّ عَلِيًّا آجَرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، فَجَمَعَ

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة، «كما طلعت عليه الشمس» . وبين المعقوفات زيادة منا. قال في أواخر الفرع الثاني من كتاب الزكاة من منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 520 نقلا عن عبد بن حميد، عن جعفر بن برقان قال: بلغنا ان عمر بن الخطاب أتاه مسكين وفي يده عنقود من عنب فناوله منه حبة ثم قال: فيها مثاقيل ذر كثير. وقال في ص 521 منه نقلا عن العسكري عن عبد الله بن محمد بن عائشة قال: وقف سائل على امير المؤمنين علي فقال للحسن او الحسين: اذهب إلى أمك فقل لها: تركت عندك ستة دراهم فهات منها درهما. فذهب ثم رجع فقال: قالت: إنما تركت ستة دراهم للدقيق. فقال علي: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله اوثق منه بما في يده، قل لها: ابعثي بالستة دراهم فبعثت بها إليه فدفعها إلى السائل، قال: فما حل (علي) حبوته حتى مر به رجل معه جمل يبيعه، فقال علي: بكم الجمل؟ قال: بمائة واربعين درهما. قال علي فاعقله علي، (و) إنا نؤخرك بثمنه شيئا. فعقله الرجل ومضى ثم اقبل رجل فقال: لمن هذا البعير؟ فقال علي: لي فقال: اتبيعه؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال بمأتي درهم. قال: قد ابتعته. فأخذ البعير واعطاه المأتين، فأعطى (علي) الرجل الذي اراد ان يؤخره مائة واربعين درهما وجاء بستين درهما إلى فاطمة فقالت: ما هذا؟ قال: هذا ما وعدنا الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» (160/ الانعام) .

نحوا من المسك [1] فَجَاءَ بِهِ/ 326/ فَنَثَرَهُ فِي حِجْرِ فَاطِمَةَ وَقَالَ كُلِي وَأَطْعِمِي صِبْيَانَكِ. «157» الْمَدَائِنيّ عَن غسان بن عبد الحميد قَالَ: سألت زيد بن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن: أعلي أفضل أم جَعْفَر؟ فقال: إن جعفرا لذو الجناحين وأشبه الناس بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلقا وخلقا، ولكنه لَيْسَ من أصحاب الكساء. «158» حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ: [وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لا يُحِبُّنِي مُنَافِقٌ وَلا يُبْغِضُنِي مُؤْمِنٌ [2]] . «159» وكان الْحَسَنُ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ عَلِيًّا مَا اسْتَطَاعَ عَدُوُّهُ وَلا وَلِيُّهُ أَنْ يَنْقِمَ عَلَيْهِ فِي (حُكْمٍ) حَكَمَهُ وَلا قَسْمٍ قَسَمَهُ. «160» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَصْنَعِ الَّذِي صَنَعَ، ثُمَّ كَانَ فِي غَارٍ بِالْيَمَنِ لأتاه الناس حتى يستخرجوه منه [3] .

_ [1] كذا. [2] وتقدم مثله بسند آخر، تحت الرقم: (21) وفي معناه ما تقدم تحت الرقم: (78) ، ورواه بنحو التواتر عن زر بن حبيش في الحديث: (673) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 24. [3] هذا تمويه وتدليس منه على أجلاف الشام والحافين حوله من الطغام اللئام، ويشهد الله وجميع من احاط خبرا بسيرة امير المؤمنين ان معاوية كاذب في كلا الدعويين.

«161» حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ قَيْسٍ الْحَارِمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: [سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ وَثَلَّثَ عُمَرُ] . «162» وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ: ان عليا قال يوما: وأبردها عَلَى الْفُؤَادِ [1] [ (لَوْ) سَأَلَنِي رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ لا أَعْرِفُهُ فَقُلْتُ: لا أَدْرِي] . «163» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مُؤَذِّنَ عَلِيٍّ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَرَاءَةَ إِلَى مَكَّةَ قَالَ: فَنَادَيْتُ حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي. قُلْتُ بِمَاذَا نَادَيْتَ؟ قَالَ نَادَيْتُهُمْ إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد فأجله أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر ف أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ.

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «ما بردها» . ولكن كلمة: «ما» رسم خطها غير جلية، ورواه أيضا الدارمي في سننه تحت الرقم (181) من ج 1، ص 57 أخبرنا عمر بن عون، عن خالد بن عبد الله، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وزاذان قالا: قال علي: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا اعلم ان اقول: الله اعلم. وقال أيضا: أخبرنا ابو نعيم، حدثنا شريك، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عن علي قال: يا بردها على الكبد ان تقول لما لا تعلم: الله اعلم. وقال في جواهر المطالب الورق 109 (قال علي عليه السلام) : وأبردها على القلب إذا سئل احدكم عما لا يعلم أن يَقُول: اللَّه اعلم، فإن العالم من عرف ان ما يعلم فيما لا يعلم قليل. ورواه أيضا في الحديث: (1284) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق.

«164» حدثني القاسم بن سالم (كذا) حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ: عَنْ يَزِيدَ بْنِ يُثَيْعٍ (كذا) قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ بِبَرَاءَةٍ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: [لا وَلَكِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُبَلِّغَهَا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي [1]] . «165» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ تَدُقُّ الدَّرْمَكَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى مَجِلَتْ (يداها) [2] فَقُلْتُ لَهَا: اذْهَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم فاسأليه خادما. فأتت (فَاطِمَةُ) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ تُصَادِفْهُ، وَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ ابْنَتِي جَاءَتْ تَلْتَمِسُنِي مَرَّتَيْنِ، فَمَا كَانَتْ حَاجَتُكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَاسْتَحْيَيَتْ أَنْ تُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَتْ تَدُقُّ الدَّرْمَكَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى مجلت يدها فقلت (لها) : ائتي رسول الله فاسأليه خادما.

_ [1] وقال في الحديث: (212) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل- لأحمد بن حنبل-: حدثنا الفضل، قال: حدثنا محمد بن عبد الله (بن عثمان) الخزاعي قال: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه بعث ببراءة مع أبي بكر الى اهل مكة، فلما بلغ ذا الحليفة بعث اليه فرده، وقال: لا يذهب بها الا رجل من اهل بيتي. فبعث عليا عليه السلام. ورواه أيضا في الحديث: (321) منه بصورة تفصيلية، وفيه أيضا تصريح برجوع أبي بكر الى المدينة. [2] بين المعقوفين قد سقط عن النسخة. والدرمك كالدرمق- على زنة جعفر فيهما-: الدقيق.

فَقَالَ: أَمَا يَدُومُ لَكُمَا أَحَبُّ إِلَيْكُمَا أَمْ ما تسألا؟. قُلْتُ: مَا يَدُومُ لَنَا!!! [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا الله ثلاثا وثلاثين (مرة) واحمداه ثلاثا وثلاثين (مرة) وَكَبِّرَاهُ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ، فَذَالِكُمَا مِائَةٌ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا تَسْأَلانِ!!] وَقَالَ عَلِيٌّ: [مَا تَرَكْتُهَا مُذْ أَوْصَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا. قَالَ: ابْنُ الْكَوَّاءِ: وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ (قَالَ:) وَلا لَيْلَةَ صِفِّينَ [1] !!] . «166» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: الَّذِينَ لا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ، آلُ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ. «167» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [آلُ مُحَمَّدٍ مَعْدَنُ الْعِلْمِ وَأَصْلُ الرَّحْمَةِ] . «168» الْمَدَائِنيّ/ 327/ عن عمرو بن المقدام (كذا) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شهدت [2] عند المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل رجلا أقطع فلقيته (كذا) فقلت: من قطعك؟ فقال: من رحمه الله وغفر لَهُ عَليّ بن أبي طالب!! فقلت: أظلمك؟ قَالَ: لا والله ما ظلمني. «169» حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عن غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ عُرْفَانَ الأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ: [نَشَدْتُ اللَّهَ رَجُلا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ. إِلا قَامَ فشهد.]- وتحت

_ [1] وللحديث طرق كثيرة بين الخاصة العامة. [2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة «شهد عند المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل رجل» إلخ.

(القول فيما كتبه صلى الله عليه وسلم إلى ولاته وغيرهم)

الْمِنْبَرِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- فَأَعَادَهَا فَلَمْ يُجِبْهُ أحد (منهم) [فَقَالَ: اللَّهُمَّ مَنْ كَتَمَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَهُوَ يَعْرِفُهَا فَلا تُخْرِجْهُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَجْعَلَ به آية يعرف بها] . قال (أبو وائل) : فبرص أنس، وعمي البراء، ورجع جرير أعرابيا بعد هجرته، فأتى السراة فمات فِي بيت أمّه بالسراة. (القول فيما كتبه صلّى الله عليه وسلم إلى ولاته وغيرهم) «170» قالوا: وكتب عَلَيْهِ السلام إلى سهل بن حنيف عامله عَلَى المدينة: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا من أهل المدينة يخرجون إلى معاوية، فلا تأسف عليهم، فكفى لَهُم غيا، ولك منهم شافيا فرارهم من الهدى والحق، وإيضاعهم [1] إلى العمى والجهل، وإنما هم أهل دنيا مقبلون عليها، قد علموا أن الناس مقبلون (كذا) فِي الحق أسوة، فهربوا إلى الأثرة، فسحقا لهم وبعدا [2] [ () أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ، واجتمعت الخصوم وقضى الله بين العباد بالحق، لقد عرف القوم ما (كانوا) يكسبون،] وقد أتاني كتابك تسألني الإذن لك فِي القدوم، فأقدم إِذَا شئت عفا الله عنّا وعنك والسلام.

_ [1] الايضاع: الاسراع، ومنه قوله تعالى في الآية: (47) من سورة التوبة في صفة المنافقين: «ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة» . [2] كذا في النسخة، وفي المختار: (70) من الباب الثاني من نهج البلاغة: «وانما هم اهل دنيا، مقبلون عليها ومهظعون إليها، وقد عرفوا العدل ورأوه وسمعوه ووعوه، وعلموا ان الناس عندنا في الحق اسوة فهربوا الى الأثرة» ... وهو الظاهر، ورواه أيضا اليعقوبي في ترجمة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 178، باختصار، وذكرناهما في المختار: (111- 112) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 2 ص 17- 20.

«171» وكتب عليه السّلام إلى عبد الله بن العباس: أتاني كتابك تذكر ما رأيت من أهل البصرة بعد خروجي عنهم، وإنما هم مقيمون لرغبة يرجونها أو عقوبة يخافونها، فأرغب راغبهم واحلل عقدة الخوف عن راهبهم بالعدل والإنصاف لَهُ إن شاء الله [1] . «172» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى سعد بن مسعود الثقفي عامله على المدائن وحوخى (ظ) [2] : أما بعد فقد وفرت عَلَى المسلمين فيئهم وأطعت ربك ونصحت إمامك فعل المتنزه العفيف، فقد حمدت أمرك ورضيت هديك وأبيت رشدك [3] غفر الله لك والسلام. «173» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى عمر بن أبي سلمة حين عزله عَن البحرين واستعمل النعمان بن عجلان الزرقي: إني قد وليت النعمان بن عجلان البحرين من غير ذم لك ولا تهمة فيما

_ [1] ورواه بأطول مما هنا، في كتاب صفين لنصر بن مزاحم، ط مصر، ص 105، كما رواه أيضا في المختار: (43) من لمع كلامه عليه السلام من كتاب نزهة الناظر. [2] قال في معجم البلدان: «جوخا» بالضم والقصر- وقد يفتح-: اسم نهر عليه كورة واسعة في سواد بغداد، بالجانب الشرقي، منه «الراذانان» وهو بين خانقين وخوزستان. قالوا: ولم يكن ببغداد مثل كورة جوخا، كان خراجها ثمانين الف الف درهم حتى صرفت دجلة عنها فخربت وأصابهم بعد ذلك طاعون شيرويه فأتى عليهم ولم يزل السواد وفارس في ادبار منذ كان طاعون شيرويه. [3] كذا في النسخة، والظاهر انه مصحف وان الصواب واحببت رشدك. والكتاب رواه أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 176، وفي ط ص 190، وليس فيه بعض الألفاظ المذكور في رواية البلاذري.

تحت يدك، ولعمري لقد أحسنت الولاية وأديت الأمانة، فأقبل إلي غير ظنين ولا ملوم فإني أريد المسير إلى ظلمة أهل الشام، وأحببت أن تشهد معي أمرهم فإنك ممن أستظر بِهِ عَلَى إقامة الدين، وجهاد العدو، جعلنا الله وإياك من الَّذِينَ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يعدلون [1] . «174» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى النعمان بن عجلان: أما بعد فإن من أدى الأمانة، وحفظ حق الله فِي السر والعلانية، ونزه نفسه ودينه عن الخيانة، كان جديرا بأن يرفع الله درجته فِي الصالحين، ويؤتيه أفضل ثواب المحسنين، ومن لَمْ ينزه نفسه ودينه عن ذلك (فقد) أخل بنفسه فِي الدُّنْيَا وأوبقها فِي الآخرة [2] فخف الله في سرّك وجهرك، ولا تكن من الغافلين عَن أمر معادك، فإنك من عشيرة صالحة ذات تقوى وعفة وأمانة، فكن عند صالح ظني بك والسلام. «175» وكتب إلى الأشعث بن قيس الكندي وهو بأذربيجان وَكَانَ عثمان ولّاه إيّاها، فأقره (عليه السّلام) عليها يسيرا ثُمَّ عزله: إنما غرك من نفسك إملاء الله لك، فما زلت تأكل رزقه وتستمتع بنعمته وتذهب طيباتك فِي أيام حياتك، فأقبل واحمل ما قبلك من الفيء ولا تجعل عَلَى نفسك سبيلا [3] . ويقال: ولاه بعد قدومه من أذربيجان حلوان ونواحيها، فكتب إليه هذا الكتاب وهو فيها.

_ [1] ورواه السيد الرضي (ره) في المختار: (42) من الباب الثاني من نهج البلاغة. [2] هذا هو الظاهر الموافق لرواية اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 190، وفي النسخة: « (فقد) اجل بنفسه» . وأوبقها: أهلكها. [3] ورواه أيضا اليعقوبي في ترجمة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 189.

«176» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى قدامة بن عجلان عامله عَلَى كسكر: أما بعد فاحمل ما قبلك من مال الله فإنه فيء للمسلمين، لست بأوفر/ 328/ حظا فيه من رجل فيهم (كذا) ولا تحسبنّ يا بن أم قدامة أن مال كسكر مباح لك كمال ورثته عَن أبيك وأمك، فعجل حمله وأعجل فِي الإقبال إلينا إن شاء الله. «177» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى يزيد بن قيس الأرحبي: أوصيك بتقوى الله وأحذرك أن تحبط أجرك وتبطل جهادك، فإن خيانة المسلمين مما يحبط الأجر ويبطل الجهاد، فاتق الله (ظ) ربك «وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» [1] . «178» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني- وكان على «أردشير خرّة» من قبل ابن عباس-: بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أتيت شيئا إدّا [2] بلغني أنك تقسم فيء المسلمين فيمن اعتناك ويغشاك [3] من أعراب بكر بن وائل، فو (الله) الذي فلق الحبّة وبرء النسمة وأحاط بكل شيء علما، لئن كَانَ ذلك حقا

_ [1] بين القوسين اقتباس من الآية: (77) من سورة القصص: 28، والكتاب رواه أيضا اليعقوبي في ترجمة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 176، وفي ط ص 189. [2] الاد- كضد-: الأمر المنكر العظيم، ومنه قوله تعالى في الآية (89) من سورة مريم: «لقد جئتم شيئا ادا» . [3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فيمن اعنتاك وتعناك» . وذكره أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 190، بغير اللفظين، وذكره أيضا في المختار: (66) من كتب النهج وفيه: «فيمن اعتامك» .

لتجدنّ بك عليّ هوانا فلا تستميتنّ بحق ربك [1] ولا تصلحن دنياك بفساد دينك ومحقه فتكون من الأخسرين أَعْمَالا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. «179» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري- وهو بأذربيجان-: أما بعد فإن العالمين بالله العاملين لَهُ خيار الخلق عند الله، وإن المسلمين لغير الرياء والسمعة [2] لفي أجر عظيم وفضل مبين. وقد سألني عبد الله ابن شبيل الأحمسي الكتاب إليك فِي أمره، فأوصيك بِهِ خيرا فإني رأيته وادعا متواضعا حسن السمت والهدي، فألن حجابك واعمد للحق [3] وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ والسلام. «180» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى عَمْرو بن سَلَمَةَ الأرحبي [4] : أما بعد فإن دهاقين بلادك شكوا منك قسوة وغلظة، واحتقارا (وجفوة) فنظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم، ولم أر أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لَهُم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة، في غير ما أن يظلموا (كذا) ولا ينقض لهم عهد، ولكن تقرعوا بخراجهم [5] ويقاتل

_ [1] المستميت: المسترسل للأمر. الذي يتجانُّ وليس بمجنون. الذي يتواضع ويتخاشع لأن يطعم ويشبع فإذا شبع كفر النعمة. الذي لا يبالي في الحرب من الموت. [2] اي ان الذين أسلموا لله- او سلموا الأمر لأهله- لغير الرياء والسمعة، بل قربة الى الله لفي اجر عظيم، وفضل مبين. ورسم الخط في قوله: «ان» غير واضح. [3] وفي النسخة: «وألن حجابك» . واعمد الحق: اقصده واطلبه. [4] كذا في النسخة، وفي تاريخ اليعقوبي. «الى عمر بن أبي سلمة» . [5] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «ولا ينقض لهم عهدا، ولكن تفرعوا لخراجهم» . ورواه أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 102، وفيه: «وقرعهم بخراجهم وقاتل من وراءهم» . وقريبا مما هنا جدا ذكره في المختار (20) من باب الكتب من نهج البلاغة. وما بين المعقوفين مأخوذ منه.

(بهم) من وراءهم، ولا يؤخذ منهم فوق طاقتهم فبذلك أمرتك، والله المستعان والسلام. «181» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى قرظة بن كعب: أما بعد فإن قوما من أهل عملك أتوني فذكروا أن لَهُم نهرا قد عفا ودرس، وأنهم إن حفروه واستخرجوه عمرت بلادهم وقووا عَلَى كل (ظ) خراجهم وزاد فيء المسلمين قبلهم، وسألوني الكتاب إليك لتأخذهم بعمله وتجمعهم لحفره والإنفاق عَلَيْهِ، ولست أرى أن أجبر أحدا عَلَى عمل يكرهه، فادعهم إليك، فإن كَانَ الأمر فِي النهر عَلَى ما وصفوا، فمن أحب أن يعمل فمره بالعمل، والنهر لمن عمله دون من كرهه، ولأن يعمروا ويقووا أحب إلي من أن يضعفوا والسلام [1] . «182» ووجه عَلَيْهِ السلام إلى زياد رسولا ليأخذه لحمل ما اجتمع عنده من المال، فحمل زياد ما كَانَ عنده وقال للرسول: إن الأكراد قد كسروا من الخراج وأنا أداريهم فلا تعلم أمير الْمُؤْمِنِين ذَلِكَ فيرى أَنَّهُ اعتلال مني. فقدم الرسول فأخبر عليا بما قَالَ زياد، فكتب إِلَيْهِ: قد بلغني رسولي عنك ما أخبرته بِهِ عَن الأكراد، واستكتامك إياه ذَلِكَ، وقد علمت أنك لَمْ تلق ذَلِكَ إِلَيْهِ إلا لتبلغني إياه، وإني أقسم بالله عَزَّ وَجَلَّ قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدّنّ عليك شدة يدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر والسلام [2] .

_ [1] ورواه أيضا في سيرة امير المؤمنين من تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 192. [2] ورواه أيضا اليعقوبي في سيرة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 147، وفي ط ص 180، وذيل الكلام رواه السيد الرضي (ره) في المختار: (20) من باب الكتب من نهج البلاغة.

«183» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى المنذر بن الجارود وبلغه أَنَّهُ يبسط يده فِي المال ويصل من أتاه وكان عَلَى اصطخر: إن صلاح أبيك غرني منك وظننت أنك تتبع هديه وفعله، فإذا أنت/ 329/ فيما رقي إلي عنك لا تدع الانقياد لهواك، وإن أزرى ذَلِكَ بدينك، ولا تسمع (قول) الناصح وإن أخلص النصح لك، بلغني أنك تدع عملك كثيرا وتخرج لاهيا متنزها متصيدا، وأنك قد بسطت يدك فِي مال الله لمن أتاك من أعراب قومك، كأنه تراثك عَن أبيك وأمك، وإني أقسم بالله لئن كان ذلك حقا الجمل أهلك وشسع نعلك خير منك، [وأن اللعب واللهو لا يرضاهما الله، وخيانة المسلمين وتضيع أعمالهم مما يسخط ربك،] ومن كَانَ كذلك فليس بأهل لأن يسد بِهِ الثغر، ويجبى بِهِ الفيء ويؤتمن عَلَى مال المسلمين، فأقبل حين يصل كتابي هذا إليك. فقدم (المنذر) فشكاه قوم ورفعني عَلَيْهِ [1] أَنَّهُ أخذ ثلاثين ألفا، فسأله فجحد فاستحلفه فلم يحلف، فحبسه. ومرض صعصعه بن صوحان العبدي فعاده عَليّ فكلمه صعصعه وقال: أنا أضمن ما عَلَى المنذر. قَالَ عَليّ: كيف تضمن ذَلِكَ وهو يزعم أَنَّهُ لَمْ يأخذ شيئا، فليحلف. فقال صعصعة: هُوَ يحلف. قَالَ عَليّ: وأنا أظنه سيفعل، [إنه نظار فِي عطفيه، مختال فِي برديه تفال فِي شراكيه.] فأخرجه عَليّ فخلى سبيله [2] وقال عَليّ لصعصعة: [إنك ما علمت لخفيف المؤنة، حسن المعونة]

_ [1] كذا النسخة، ولعل الصواب: «ورفعوا اليه» . وذكره اليعقوبي أيضا في تاريخه: ج 2 ص 192، وليس فيه هذان اللفظان. [2] وفيه اختصار اي فأخرجه فحلفه فحلف فخلى سبيله. كما يدل عليه صدر الكلام، وكذا ما ذكره اليعقوبي.

قال (صعصعة) : والله وأنت يا أمير الْمُؤْمِنِين ما علمت بالله لعالم وله خائف. فلم يشكر المنذر لصعصعة ما صنع فِي أمره، فقال الأعور الشني [1] : هلا سألت بني الجارود أي فتى ... عند الشفاعة والثار ابن صوحانا هَلْ كَانَ إلا كأم أرضعت ولدا ... عقت فلم تجز بالإحسان إحسانا لا تأمنن على سوء فتى ذمرا ... تجزي المودة من ذي الود كفرانا «184» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى زياد، وهو خليفة عبد الله بن العباس بالبصرة- يستحثه بحمل مال مع سعد مولاه، فاستحثه (سعد) فأغلظ له زياد وشتمه، فلما قدم سعد على علي شكا إليه وعابه عنده وذكر منه تجبرا وإسرافا، فكتب عَليّ عَلَيْهِ السلام إِلَيْهِ: إن سعدا ذكر لي أنك شتمته ظالما وجبهته تجبرا وتكبرا، وقد قَالَ رَسُولُ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الكبرياء والعظمة منه [2] فمن تكبر سخط الله عَلَيْهِ. وَأَخْبَرَنِي] أنك مستكثر من الألوان فِي الطعام، وأنك تدهن فِي كل يوم. فماذا عليك لو صمت لله أياما، وتصدقت ببعض ما عندك محتسبا، وأكلت طعامك فِي مرة مرارا [3] أو أطعمته فقيرا، أتطمع- وأنت متقلب [4] فِي النعيم تستأثر به

_ [1] كذا في النسخة، وقال في ترجمته من الاصابة: وانشد له المرزباني: هلا سألت بني الجارود أي فتى ... عند الشفاعة والبان ابن صوحانا كنا وكانوا كأم ارضعت ولدا ... عق ولم نجز بالإحسان احسانا [2] أي من الله مختصان به، غير لائقين لغيره. [3] كذا في النسخة، وفي رواية ابن أبي الحديد: «وأكلت طعامك مرارا قفارا» أي غير مأدوم. [4] ورواه أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 177، وفيه: «وأنت متهوع في النعيم» . وقطعة منه ذكرها أيضا في المختار: (22) من كتب النهج وفيه: «وأنت متمرغ» .

عَلَى الجار المسكين، والضعيف الفقير والأرملة واليتيم- أن يجب لك أجر الصالحين المتصدقين!!! وَأَخْبَرَنِي انك تتكلم بكلام الأبرار، وتعمل عمل الخاطئين [1] فإن كنت تفعل ذَلِكَ فنفسك ظلمت، وعملك أحبطت، [فتب إلى ربك وأصلح عملك، واقتصد فِي أمرك وقدم الفضل ليوم حاجتك إن كنت من المؤمنين وادهن غيّا ولا تدهن رفها،] فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ادهنوا غبا ولا تدهنوا رفها [2]] والسلام. فكتب إِلَيْهِ زياد: إن سعدا قدم عَليّ فعجل فانتهرته وزجرته، وَكَانَ أهلا لأكثر من ذَلِكَ، فأما ما ذكر من الاسراف في الأموال والتنعم واتخاذ (ألوان) الطعام فإن كَانَ صادقا فأثابه الله ثواب الصادقين، وإن كَانَ كاذبا فلا آمنه الله عقوبة الكاذبين، وأما قَوْله: أني أتكلم بكلام الأبرار وأخالف ذَلِكَ فِي بالفعل. فإني إِذَا من الأخسرين عملا، فخذه بمقام واحد قلت فِيهِ عدلا ثُمَّ خالفته إلى غيره، فإن أتاك عَلَيْهِ بشهيد عدل، وإلا تبين لك كذبه وظلمه. «185» وكتب عَلَيْهِ السلام إلى مالك بن كعب الأرحبي: إِنِّي/ 330/ وليتك معونة البهقباذات [3] ، فآثر طاعة الله، واعلم أن

_ [1] هذا هو الصواب الموافق لرواية ابن أبي الحديد، وفي النسخة: «الخطاييين» . [2] الرفه- كحبر-: التدهين والترجيل كل يوم. والغب- كضد-: التدهين يوما، وتركه يوما. [3] قال في باب الباء من معجم البلدان: ج 1/ 516: البهقباذ- بالكسر، تم السكون وضم القاف وباء موحدة والف وذال معجمة-: اسم لثلاث كور ببغداد، من أعمال سقي الفرات، منسوبة إلى قباذ بن فيروز، والد أنوشروان بن قباذ العادل، منها: بهقباذ الأعلى، سقيه من الفرات، وهو ستة طساسيج: طسوج خطرنية، وطسوج النهرين، وطسوج عين التمر، والفلوجتان: العليا والسفلى وطسوج بابل. والبهقباذ الأوسط وهي أربعة طساسيج: طسوج سورا، وطسوج باروسما، والجبة، والبدأة، وطسوج نهر الملك. والبهقباذ الأسفل خمسة طساسيج: الكوفة، وفرات بادقلي والسيلحين وطسوج الحيرة، وطسوج نستر (تستر «خ» ) وطسوج هرمزجرد. أقول: وقريبا منه ذكره في البحار: ج 6/ 628 ط 1، عن كتاب الممالك والمسالك لابن خرداد به.

الدُّنْيَا فانية، والآخرة آتية [1] [واعمل صالحا تجز خيرا، فإن عمل ابن آدم محفوظ عَلَيْهِ وإنه مجزي] بِهِ، فعل الله بنا وبك خيرا. «186» وكتب (عَلَيْهِ السلام) إلى سُلَيْمَان بن صرد وهو بالجبل: ذكرت ما صار فِي يديك من حقوق المسلمين، وأن من قبلك وقبلنا فِي الحق سواء، فأعلمني ما اجتمع عندك من ذلك، فأعط كل ذي حق حقه وابعث إلينا بما سوى ذلك لنقسمه فيمن قبلنا إن شاء الله. «187» وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: ارْتَدَّ قَوْمٌ بِالْكُوفَةِ فقتلهم علي عليه السلام (و) أَحْرَقَهُمْ وَقَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ الأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا ... جَرَّدْتُ سَيْفِي وَدَعَوْتُ قَنْبَرَا ثُمَّ احْتَفَرْتُ حُفَرًا وَحُفَرًا ... وَقَنْبَرٌ يَحْطِمُ حَطْمًا مُنْكَرًا أَحْرَقْتُ بِالنِّيرَانِ مَنْ قَدْ كَفَرَا «188» قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: وَقَالَ أَبُو زيد الطَّائِيُّ يَمْدَحُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ: إن عليا ساد بالتكرّم ... والحلم عند غاية التحلم هداه ربي للصراط الأقوم ... بأخذه الحل وترك المحرم

_ [1] ورواه أيضا في كتاب الخراج وقال: «وأن الآخرة باقية» . ورويناه عنه وعن اليعقوبي في المختار: (58) و (117) من باب كتبه عليه السلام من نهج السعادة: ج 4 ص 137، وج 5 ص 26 بلفظهما فراجع.

«189» الْمَدَائِنيّ (عَن) سفيان، عَن مسلم بن يزيد بن مذكور، قَالَ ازدحم الناس فِي المسجد فقتل رجل فوداه عَليّ من بيت المال. «190» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: كَانَ شيث [1] بْنُ عَمْرِو بْنِ كُرَيْبٍ الطَّائِيُّ يُصِيبُ الطَّرِيقَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ أَحْمَرَ بْنَ شُمَيْطٍ وَأَخَاهُ فَنذر بِهِمْ فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: العصا وهرب وقال: ولما أن رأيت ابن شُمَيْطٍ ... بِسِكَّةِ طَيِّئٍ وَالْبَابُ دُونِي تَجَلَّلْتُ الْعَصَا وَعَلِمْتُ أَنِّي ... رَهِينُ مُخَيَّسٍ إِنْ يَثْقَفُونِي فَلَوْ أَنْظَرْتُهُمْ شَيْئًا قَلِيلا ... لَسَاقُونِي إِلَى شَيْخٍ بَطِينٍ شَدِيدِ مَجَالِزِ الْكَتِفَيْنِ صُلْبٍ [2] ... عَلَى الْحَدثَانِ مُجْتَمِعِ الشُّئُونِ «191» وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِي ابْنُ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ: عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ حَمَلْتُ إِلَيْكُمْ دِرَّةَ عُمَرَ لأَضَرِبْكُمْ بِهَا فَتَنْتَهُوا فَأَبَيْتُمْ حَتَّى أَخَذْتُكُمْ بِالْخَيْزُرَانَةِ [3] فَلَمْ تَنْتَهُوا، وَقَدْ عَلِمْتُ الَّذِي تُرِيدُونَ، وَإِنِّي لا أُصْلِحُكُمْ بِفَسَادِي [4] وَسَيَلِيكُمْ قَوْمٌ يَجْزُونَكُمْ وَيَجْزِيهِمُ اللَّهُ] . «193» الْمَدَائِنيّ قَالَ: قيل لعلي: أي القباثل وحدت أشد حربا بصفين؟ قَالَ: [الشعر الأذرع من همدان، والزرق العيون من شيبان] .

_ [1] كذا في النسخة، ويحتمل رسم الخط ان يقرأ أيضا «شبث أو شبيب» . [2] كذا. [3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «أخذتم الخيزرانة» . [4] والذي كانوا يريدون لإصلاحهم هو السيف، واستعمال السيف فيهم مع عدم بلوغ جنايتهم إلى حده إفساد للإمام عليه السلام فلا يريده وإن كان فيه إصلاحهم.

«193» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ من آل رافع (كذا) قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ [إِنَّا أَهْلَ بَيْتٍ فِينَا زَكْنٌ [1] فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ ابْنِي هَذَا سَيَخْرُجُ مِنَ الأَمْرِ، وَأَشْبَهُ أَهْلِي بِي الْحُسَيْنُ] . «194» أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنيّ عَن جويرية بن أسماء، قَالَ: خطب عَليّ فقال: هَذَا الأعور وابنه- يعني المغيرة بن شعبة وعروة ابنه- فقال المغيرة: مالك ومالنا. «195» هِشَام الكلبي عَن أبيه قَالَ: كَانَ عَليّ يطعم الطعام فِي الرحبة فاقتتلت كندة فيما بينها فبلغه ذلك فخرج يمشي ومعه الدرة فرأى حمارا عَلَيْهِ إكاف فركبه وأتاهم فتوسطهم عَلَى الحمار، ثُمَّ جعل يضرب الأشعث وعمه عفيفا ويقول: أصلحا أمر قومكما. قَالَ: ودخل رجل/ 331/ المسجد يوما وَعَليّ يخطب فقال: يا أمير الْمُؤْمِنِين قد قتلت همدان تميم الكناسة. فمضى فِي خطبته، ودخل رجل آخر فقال: يا أمير الْمُؤْمِنِين قد قتلت تميم همدان فأدركها. فقال: الآن. فانحدر مسرعا عَن المنبر فأتاهم فحجز بينهم. «196» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ ابْنِ اشوع (كذا) قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ صَاحِبَ شُرْطَةٍ وَقَالَ: [أَبْعَثُكَ إِلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَدَعَنَّ قَبْرًا إِلا سَوَّيْتَهُ] . «197- 198» حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ سِمَاكٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [ثَلاثَةٌ يَبْغَضُهُمُ اللَّهُ: الشَّيْخُ الزَّانِ، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ، والفقير المختال] .

_ [1] كذا في النسخة، وكأنه بمعني الفهم والعلم. والحديث ضعيف.

بين علي وعبد الله بن عباس

وقال: [قيمة كل امرئ ما يعلمه (علمه «خ» [1] ) ] . «199» قالوا: وأهدى رجل من عمال عَليّ إلى الْحُسَن والحسين عليهم السلام هدية وترك ابن الحنفية، فخطا عَليّ عَلَى كتفي ابن الحنفية ثُمَّ تمثل: وما شر الثلاثة أم عَمْرو ... بصاحبك الَّذِي لا تصحبينا فرجع (الرجل) إلى منزله فبعث إلى ابن الحنفية بهدية. (قال الراوي:) و (كان) العامل يزيد بن قيس الأرحبي. [بين علي وعبد الله بن عباس] «200» قالوا: واستعمل عَليّ عبد اللَّه بْن عباس- رضي اللَّه تعالى عنهما- عَلَى البصرة، واستعمل أبا الأسود عَلَى بيت مالها، فمر ابن عباس بأبي الأسود فقال لَهُ: يا أبا الأسود لو كنت من البهائم كنت جملا، ولو كنت لَهُ راعيا ما بلغت بِهِ المرعى، ولا أحسنت مهنته (ظ) فِي المشتى. فكتب أَبُو الأسود إلى عَليّ عَلَيْهِ السلام: أما بعد فإن الله جعلك واليا مؤتمنا وراعيا مسئولا [2] وقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة، ناصحا للرعية توفر لهم (ظ) وتظلف نفسك عَن دنياهم [3] فلا تأكل أموالهم ولا ترتشي فِي أحكامهم، وإن عاملك وابن عمك قد أكل ما تحت يده بغير علمك ولا يسعني كتمانك ذَلِكَ، فانظر رحمك الله فيما قبلنا من أمرك واكتب إلي برأيك إن شاء الله والسلام.

_ [1] كان لفظ النسخة هكذا: (قيمة كل امرئ ما يعلمه «خ» علمه) . وعليه فكلمة: «ما يعلمه» بدل لأن لفظة الخاء التي يراد منها: «في نسخة» وضعت في الأصل فوقها. [2] ومثله في العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم من كتاب العقد الفريد: ج 3 ص 120، ط 1، وفي تاريخ الطبري: «وراعيا مستوليا» . [3] ومثله في تاريخ الطبري، وتظلف- كتضرب-: تمنع وتكف. وفي العقد الفريد: «وتكف نفسك عن دنياهم» .

فأجابه علي (عليه السلام) : أما بعد فقد فهمت كتابك، ومثلك نصح الإمام والأمة، ووالي عَلَى الحق، وفارق الجور، وقد كتبت إلى صاحبك فيما كتبت إلي فِيهِ من أمره ولم أعلمه بكتابك إلي فيه، فلا تدع إعلامي ما يكون بحضرتك مما النظر فِيهِ للأمة صلاح، فإنك بذلك محقوق وهو عليك واجب والسلام. وكتب إلي ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أما بعد فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك وأخربت أمانتك [1] وعصيت إمامك وخنت المسلمين. بلغني أنك جردت الأرض [2] وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلي حسابك واعلم أن حساب الله أشد من حساب الناس والسلام. فكتب إِلَيْهِ عبد الله بن عباس: أما بعد فإن الذي بلغك (عني) باطل، وأنا لِمَا تحت يدي أضبط وأحفظ [3] فلا تصدق عَليّ الأظناء رحمك الله والسلام. فكتب إِلَيْهِ عَليّ: أما بعد فإنه لا يسعني تركك حَتَّى تعلمني ما أخذت من الجزية؟ ومن أين أخذته وفيما وضعت ما أنفقت منه [4] فاتق الله فيما ائتمنتك عليه واسترعيتك

_ [1] ومثله في العقد الفريد، وفي المختار: (43) من كتب النهج: «وأخزيت أمانتك» . [2] كذا في النسخة، ومثله في المختار: (43) من الباب الثاني من نهج البلاغة، وفي العقد الفريد: «بلغني أنك خربت الأرض» . [3] كذا في النسخة، وفي العقد الفريد: «وأنا لما تحت يدي ضابط وعليه حافظ، فلا تصدق علي الضنين والسلام» . [4] وفي العقد الفريد: «حتى تعلمني ما أخذت من الجزية من أين أخذته وما وضعت منها أين وضعته» ،

حفظه، فإن المتاع بما أنت رازي منه قليل [1] وتباعة ذلك شديدة والسلام. (قالوا) فلما رأى ابن عباس أَنَّهُ غير مقلع عَنْهُ كتب إِلَيْهِ: أما بعد فقد فهمت تعظيمك علي مرزأة ما (ل) بلغك أني رزأته [2] من أهل هذه البلاد، وو الله لأن ألقى الله بما فِي بطن هَذِه الأرض من عقيانها ولجينها، وبطلاع ما عَلَى ظهرها أحب إلي من أن ألقاه وقد سفكت دماء الأمة لأنال بذلك الملك والإمارة [3] فابعث إلى عملك من أحببت. وأجمع/ 332/ (ابن عباس) عَلَى الخروج. قالوا: فلما قرأ عَليّ الكتاب قَالَ: أو ابن عباس لَمْ يشركنا فِي هَذِه الدماء؟!! ولما أراد ابن عباس الخروج دعا أخواله من بني هلال ليمنعوه فجاءه الضحاك بن عبد الله الهلالي- وهو كَانَ على شرطة البصرة- وعبد الله بن

_ [1] كذا في النسخة، وفي العقد الفريد: «فإن المتاع بما أنت رازمه قليل، وتباعته وبيلة لا تبيد، والسلام» . والظاهر ان قوله: «رازي منه» مصحف. [2] المرزأة: إصابة مال الغير، وانتقاصه من أربابه ومستحقيه. [3] الظاهر ان هذا الكتاب وضعه بعض اتباع الأموية كي يكثروا سواد معاوية وأمثاله ممن باع الآخرة بالدنيا، وأذهب طيباته في نيل الأرذل الأدنى، ويلقوا في روع الناس وأذهانهم أن حروب أمير المؤمنين وقيامه بالأمر، لم تكن دينية، وإنما كانت دنيوية محضة كي يتفرد بالملك وينال السلطة والرئاسة!!! وكيف يمكن أن يكتب ابن عباس هذا إلى امير المؤمنين ويعتقده مع ان احتجاجاته الكثيرة على النواصب والخوارج مشحونة بتبرير عمل امير المؤمنين عليه السلام وانه كان في جميع أعماله على الحق وان اعداءه على الباطل. ويجيء تحت الرقم: (375) ص 357، انه كتب بصفين في جواب عمرو بن العاص: «اردت الله واردت مصر» .

رزين الهلالي، وقبيصة بن عبد عون الهلالي وغيرهم من الهلاليين، فقال الهلاليون: لا غناء بنا عَن إخواننا من بني هوازن ولا غناء بنا عَن إخواننا من بني سُلَيْم. فاجتمعت قيس كلها [1] ، وصحب ابن عباس أيضا سنان بن سلمة ابن المحبق الهذلي، والحصين ابن أبي الحر العنبري، والربيع بن زياد الْحَارِثِيّ، فلما رأى عبد الله من معه حمل المال وهو ستة ألاف ألف فِي الغرائر [2] ثم سار، واتبعه أخماس البصرة كلهم فلحقوه بالطف عَلَى أربعة فراسخ من البصرة، إرادة أخذ المال مِنْه، فقالت قيس: والله لا يصلون إِلَيْهِ ومنا عين تطرف. فقال صبرة بن شيمان بن عكيف (كذا) وهو رأس الأزد: يا قوم إن قيسا إخواننا وجيراننا فِي الدار، وأعواننا عَلَى العدو، ولو رد عليكم هَذَا المال كَانَ نصيبكم مِنْه الأقل فانصرفوا. وقالت بكر بن وائل: الرأي والله ما قَالَ صبرة بن شيمان، واعتزلوا أيضا، فقالت بنو تميم: والله لنقاتلنهم عَلَيْهِ. فقال لَهُم الأحنف: أنتم والله أحق أ (ن) لا تقاتلونهم وقد ترك قتالهم من هُوَ أبعد منهم رحما. فقالوا: والله لنقاتلنهم عَلَيْهِ. فقال الأحنف: والله لا أساعدكم وانصرف عنهم، فرأسوا عليهم رجلا يقال لَهُ: ابن الجذعة [3] وهو من بني تميم وبعضهم يقول: ابن المخدعة، فحمل عليهم

_ [1] كذا في النسخة، وفي العقد الفريد: ج 3/ 121، ط 1: «فقالت بنو هلال: لا غنى بنا عن هوازن، فقالت هوازن: لا غنى بنا عن بني سليم. ثم اتتهم قيس» . [2] الغرائر: جمع الغرارة- بكسر الغين كرسائل في رسالة-: الجوالق. ويقال: هو شبه العدل. اقول: وهو إلى الآن مستعمل في بلادنا- إلا انهم يبدلون الغين بالخاء- وهو وعاء من الشعر او الصوف ذات عدلين متصلين- كالخرجين- يملأ من الحبوب ونحوها ويحمل على الدابة وهي بنفسها حمل، وهذا بخلاف الجوالق- معرب جوال- فإنه إذا ملئ يكون نصف الحمل وبآخر مثله يتم الحمل. [3] وفي العقد الفريد: «ابن محدبة» .

الضحاك بن عبد الله الهلالي فطعن ابن الحذعة فصرعه، وحمل سلمة بن ذويب عَلَى الضحاك فطعنه فاعتنقه عبد الله بن رزين الهلالي فسقطا إلى الأرض يعتركان، وَكَانَ ابن إدريس (كذا) شجاعا وكثرت الجرحى بينهم ولم يقتل من الفريقين أحد، فقال من اعتزل من الأخماس: والله ما صنعتم شيئا حَيْثُ اعتزلتم وتركتموهم يتناحرون، فجاؤا حَتَّى صرفوا وجوه بعضهم عَن بعض وحجزوا بينهم وقالوا لبني تميم: والله لنحن أسخى أنفسا منكم، تركنا لبني عمكم شيئا أنتم تقاتلونهم عَلَيْهِ، فخلوا عَن القوم وعن ابن أختهم. ففعلوا ذلك. وقال ابن الكلبي: الحذعة بِنْت مُعَاوِيَة بْن مالك بْن زَيْد مناة، وهي أم جشم وعبشمس (كذا) ابني كعب بن سعد، ويقال لهم: بنو الحذعة. ومضى عبد الله بن عباس ومعه من وجوههم نحو من عشرين سوى مواليهم ومواليه، ولم يفارقه الضحاك بن عبد الله، وعبد الله بن رزين حتى وافا مكة، وقال قائل أهل البصرة: صبح من كاظمة الحض الغضب [1] ... سبع دجاجات وسنور جرب مع ابن عباس بن عبد المطلب. وبعضهم ينشده:

_ [1] كذا في النسخة، وفي العقد الفريد: فجعل راجز لعبد الله بن عباس يسوق له في الطريق ويقول: «صبحت من كاظمة القصر الخرب» إلخ. ثم قال: وجعل ابن عباس يرتجز ويقول: «آوي إلى اهلك يا رباب ... آوي فقد حان لك الإياب» وجعل أيضا يرتجز ويقول: وهن يمشين بنا هميسا ... إن يصدق الطيرننك لميسا فقالوا له: يا أبا العباس امثلك يرفث؟ قال: إنما الرفث ما يقال عند النساء.

«يتبعن عباس بن عبد المطلب» . عَلَى الغلط [1] وَكَانَ ابن عباس يعطي فِي طريقه من سأله ومن لَمْ يسأله من الضعفاء حَتَّى قدم مكة. ويقال: إنه كَانَ استودع حصين بن الحرّ مالا فأداه إليه. قالوا: ولما قدم ابن عباس مكة ابتاع من حبيرة مولى بني كعب (ظ) من خزاعة ثلاث مولدات: حورا (ء) وفنور [2] وشادن بثلاثة آلاف دينار، فكتب إِلَيْهِ عَليّ بن أبي طالب: أما بعد فإني كنت أشركتك فِي أمانتي ولم يكن فِي أهل بيتي رجل أوثق منك في نفسي لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة إلي، فلما رأيت الزمان عَلَى ابن عمك قد كلب، والعدو عَلَيْهِ قد حرب، وأمانة الناس قد خربت [3] وهذه الأمة قد فتنت قلبت لَهُ ظهر/ 333/ المجن، ففارقته مع القوم المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين، وخنته مع الخائنين، فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أديت، كأنك لَمْ تكن الله تريد بجهادك؟! وكأنك لَمْ تكن عَلَى بينة من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد أمة مُحَمَّد عَن دنياهم وتطلب غرتهم عَن فيئهم!! فلما أمكنتك الشرة (الشدة «خ» ) [4]

_ [1] اي ينشد ذلك البعض الشعر على الغلط. [2] كلمتا: «حبيرة- وفنور» رسم خطهما غير واضح من النسخة، وكتبناهما على الظن، وفي العقد الفريد هكذا: «قال ابو محمد: فلما نزل (ابن عباس) مكة اشترى من عطاء بن جبير مولى بني كعب من جواريه ثلاث مولدات حجازيات يقال لهن: شادن وحوراء وفنون بثلاثة آلاف دينار» . [3] ومثله في غير واحد من مصادر الكلام، وفي المختار: (44) من باب الكتب من نهج البلاغة: «وامانة الناس قد خزيت» . [4] كذا في النسخة، وفي النهج: «فلما امكنتك الشدة في خيانة الأمة، اسرعت الكرة وعاجلت الوثبة» .

أسرعت العدوة، و (أ) غلظت الوثبة وانتهزت الفرصة، واختطفت ما قدرت عَلَيْهِ من أموالهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الهذيلة، وظالعها الكسير [1] فحملت أموالهم إلى الحجاز رحيب الصدر، تحملها غير متأثم من أخذها كأنك- لا أبا لغيرك- إنما حزت لأهلك تراثك عَن أبيك وأمك، سبحان الله أفما تؤمن بالمعاد؟!! (أ) ولا تخاف سوء الحساب؟! أما تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما؟! أو ما يعظم عليك وعندك أنك تستثمن الإماء [2] وتنكح النساء بأموال اليتامى والأرامل والمجاهدين الَّذِينَ أفاء الله عليهم البلاد!!! فاتق الله وأد أموال القوم، فإنك والله إ (ن) لا تفعل ذَلِكَ ثُمَّ أمكنني الله منك أعذر إِلَيْهِ فيك حَتَّى آخذ الحق وأرده، وأقم الظالم [3] وأنصف المظلوم والسلام. فكتب إِلَيْهِ عبد الله: أما بعد فقد بلغني كتابك تعظم عَليّ إصابة المال الَّذِي أصبته من مال البصرة، ولعمري إن حقي فِي بيت المال لأعظم مما أخذت مِنْه والسلام. فكتب إِلَيْهِ عَليّ عَلَيْهِ السلام: أما بعد فإن من أعجب العجب تزيين نفسك لك أن لك فِي بيت المال من الحق أكثر مما لرجل من المسلمين، ولقد أفلحت إن كَانَ ادعاؤك ما لا يكون وتمنيك الباطل ينجيك من الإثم، عمرك الله إنك لأنت السعيد إِذَا!

_ [1] كذا في النسخة، وفي النهج ورجال الكشي: «اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الكسيرة» . [2] كذا في النسخة، وفي رجال الكشي: «اما تؤمن بالمعاد؟! او لا تخاف من سوء الحساب، او ما يكبر عليك ان تشتري الإماء وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين (كذا) الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد» . وقريب منه في تذكرة الخواص. [3] كذا في النسخة.

ولاة علي على الأمصار

وقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا، وصيرتها عطنا، واشتريت مولدات المدينة والطائف، تتخيرهن عَلَى عينك [1] وتعطي فيهن مال غيرك، والله ما أحب أن يكون الَّذِي أخذت من أموالهم لي حلالا أدعه ميراثا [2] فكيف لا أتعجب من اغتباطك بأكله حراما!!! فضحّ رويدا فكأنك قد بلغت المدى، حَيْثُ ينادي المغتر بالحسرة، ويتمنى المفرط التوبة، والظالم الرجعة، وَلاتَ حِينَ مَناصٍ والسلام. وقد زعم بعض الناس أن عبد الله لَمْ يبرح البصرة حَتَّى صالح الْحَسَن معاوية، وليس ذَلِكَ بثبت، والثبت أَنَّهُ، لِمَا قتل أمير الْمُؤْمِنِين عَليّ عَلَيْهِ السلام كتب إلى الْحَسَن كتابه- الَّذِي نذكره إن شاء الله فِي خبر صلح الْحَسَن ومعاوية- من الحجاز [3] . «201» قالوا: وَكَانَ من عماله عليه السلام ربعي بن كاس العنبري ولاه سجستان وَكَانَ قد ولا قبله عون بن جعدة (جعد «خ» ظ) فلقيه بهذا [4] اللص فقتله، فطلب عقيل بْن جعدة بدمه فحبس لَهُ وقتل بالمدينة. [ولاة علي على الأمصار] وولى عَليّ بن أبي طالب عبيدة السلماني من مراد الفرات، وولى الأشتر نصيبين، وولى عبد الله بن الأهتم كرمان.

_ [1] وفي العقد الفريد: «قد بلغني انك اتخذت مكة وطنا، وضربت بها عطنا تشترى المولدات من المدينة والطائف، وتختارهن على عينك وتعطي بها مال غيرك» . [2] وفي العقد: «وإني اقسم بالله ربي وربك رب العزة، ما أحب ان ما أخذت من أموالهم لي حلالا أدعه ميراثا لعقبي، فما بال اغتباطك به تأكله حراما» . [3] انظر ترجمة ابن العباس في اخر القسم الأول من ص 274/ او 272 من الأنساب: ج 1. [4] كذا في النسخة.

«202» حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي عوانة، عن خالد الحذاء عن عبد الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرَةَ [1] : أَنَّ عَلِيًّا أَتَاهُمْ عَائِدًا فقال: [ما لقي أحد من هَذِه الأُمَّةَ مَا لَقِيتُ، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الأَمْرِ، فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَاسْتَخْلَفَ عُمَرَ فَبَايَعْتُ وَرَضِيتُ وَسَلَّمْتُ، ثُمَّ بَايَعَ النَّاسُ عُثْمَانَ فَبَايَعْتُ وَسَلَّمْتُ وَرَضِيتُ، وَهُمُ الآنَ يَمِيلُونَ بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ] . «203» حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَن إسرائيل عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيم قَالَ: أن لَمْ ينفع حب عَليّ سرا لَمْ ينفع علانيته [2] . «204» الْمَدَائِنيّ عَن أبي مُحَمَّد الناجي عَن قتادة قَالَ: مر سعد بن مالك برجل شتم عليا فقال: ويحك ما تَقُولُ؟ قَالَ: أقول ما تسمع. فقال: اللَّهُمَّ إن كَانَ كاذبا فأهلكه فخبطه جمل حَتَّى قتله. «204» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ/ 334/ بْنُ سَعْدٍ [3] حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ سَيْفِ بْنِ هَارُونَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ الثقفي:

_ [1] عبد الرحمان بن أبي بكرة كان من عمال عمه الذي افتخر بزنا أبي سفيان بأمه، وانتسب إلى غير مواليه وظاهر معاوية في بغيه وعدوانه وقد بالغ في سب أمير المؤمنين كل المبالغة، وقتل الصلحاء من شيعته بكل فرية وبهتان، وقتلهم تحت كل حجر ومدر، فلا يعتبر حديثه إلا ما دلت القرائن على صدقه وكونه مطابقا للواقع، فما رواه عنه عليه السلام هنا من قوله: «رضيت» كذب بحت، ويكفي في ذلك المراجعة إلى احتجاجاته عليه السلام وما جرى بينه وبينهم في يوم البيعة وبعده!!! [2] هذا من جملة الشواهد على ان ابراهيم كان على تقية من اهل عصره. [3] قال في عنوان: «من كان يفتي بالمدينة في عهد رسول الله» من الطبقات الكبرى: ج 2 ص 339 ط بيروت- بعد عنوان علي بن أبي طالب-: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا سيف بن سليمان، عن قيس مولى ابن علقمة، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ سعيد بن المسيب قال: خرج عمر بن الخطاب على أصحابه يوما فقال: أفتوني في شيء صنعته اليوم!! فقالوا: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: مرت بي جارية لي فأعجبتني فوقعت عليها وأنا صائم! قال: فعظم عليه القوم وعلي ساكت، فقال: ما تقول يا بن أبي طالب؟ فقال: جئت حلالا، ويوما مكان يوم. (كذا) فقال: أنت خيرهم فتوى. وفي الرقم: (22) من نوادر الأثر من الغدير: ج 6 وترجمة زرعة بن ابراهيم من تاريخ دمشق: 18، ص 91 شواهد، وانظر أيضا مقتل ابن أبي الدنيا 14/ 1 و 41.

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ صَائِمًا فَعَرَضَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَعْجَبَتْهُ فَوَاقَعَهَا وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَعْظَمَ مَنْ حَضَرَهُ مَا صَنَعَ، فَقَالَ عَلِيٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ [أَتَيْتَ حَلالا، يَوْمًا مكان يوم. فقال (عمر) : أَنْتَ خَيْرُهُمْ فُتْيَا] . «205» الْمَدَائِنِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ بَعْضَ عُمَّالِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- بَاعَ خَنَازِيرَ وَجَعَلَ ثَمَنَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: [إِمَّا أَنْ تَعْزِلَهُ وَإِمَّا أَنْ تَكْتُبَ إِلَيْهِ أَنْ لا يَعُودَ] . «206» حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَمْرٌ فَبَعَثَ إِلَيْهَا عُمَرُ يَدْعُوهَا فَارْتَاعَتْ فولدت غلاما فاستهل [1] فبلغ ذلك من عُمَرُ كُلَّ مَبْلَغٍ فَجَمَعَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ؟ قَالُوا: مَا نَرَى عَلَيْكَ شَيْئًا!! فَقَالَ عَلِيٌّ: [أَرَى أَنَّكَ قَدْ ضَمِنْتَ ديته قال:] صدقتني فأقسمت عليك أ (ن) لا تبرح حتى تقسمها على بني أبيك يَعْنِي قُرَيْشًا. «207» حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوَارِزْمِيُّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَوْلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ قال:

_ [1] أي صاح ورفع صوته ثم مات. ورواه العلامة الاميني رفع الله درجاته تحت الرقم: (22) من نوادر الأثر، من الغدير: ج 6 ص 109، ط 1، بمغايرة يسيرة عن مصادر.

سَبَّ أَمِيرٌ مِنَ الأُمَرَاءِ عَلِيًّا فَقَامَ إِلَيْهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ سَبِّ الْمَوْتَى أَفَتَسُبُّ عَلِيًّا وَهُوَ مَيِّتٌ؟! [1] . «208» حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَكِيمٍ: عَنْ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: لَوْ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَعْمَلْ عَمَلا وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا إِلا أَنَّهُ أَحْيَا التَّكْبِيرَتَيْنِ عِنْدَ السُّجُودِ لَكَانَ قَدْ أَصَابَ بِذَلِكَ فَضْلا عَظِيمًا. «209» حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ابن مُوسَى، أَنْبَأَنَا كَامِلٌ أَبُو الْعَلاءِ: عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أَجِدُنِي آسَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إلا قتالي مع الفئة الباغية [2] .

_ [1] ورواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث: (27) من مسند زيد بن أرقم من كتاب المسند: ج 4 ص 369 ط 1، قال: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا مسعر، عن الحجاج مَوْلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ عم زياد بن علاقة، قال: نال المغيرة بن شعبة من علي فقال زيد بن أرقم: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن سب الموتى فلم تسب عليا وقد مات؟!! [2] وقال الحاكم في الحديث: (28) من باب مناقب أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 115: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، حدثنا أحمد بن مهدي بن رستم، حدثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة القرشي، حدثني أبي، عن الزهري (قال:) أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر، انه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر، إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال: يا أبا عبد الرحمان إني والله لقد حرصت أن أتسمت بسمتك واقتدي بك في أمر فرقة الناس وأعتزل الشر ما استطعت، وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي فأخبرني عنها، أرأيت قول الله عز وجل: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (8/ الحجرات) أخبرني عن هذه الآية. فقال عبد الله: مالك ولذلك؟ انصرف عني!! فانصرف (الرجل) حتى توارى عنا سواده، فأقبل علينا عبد الله بن عمر وقال: ما وجدت في نفسي من شيء في أمر هذه الآية (كذا) ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل. قال الحاكم: هذا باب كبير، قد رواه عن عبد الله بن عمر جماعة من التابعين، وإنما قدمت حديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري واقتصرت عليه لأنه صحيح على شرط الشيخين. أقول: وأقره الذهبي. وقال في ترجمة أمير المؤمنين من أسد الغابة: ج 4 ص 33: أنبأنا أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة الحلبي، قال: حدثني عمي أبو المجد عبد الله بن محمد بن أبي جرادة، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة، حدثنا أبو الفتح عبد الله بن إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن سعيد بحلب، حدثنا الأستاذ أبو النمر الحارث بن عبد السلام بن زغبان الحمصي حدثنا أبو عبد الله الحسين بن خالويه، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزار، حدثنا محمد بن الحسن بن موسى الكوفي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن حبيب، أخبرني أبي قال: قال ابن عمر حين حضره الموت: ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية. وقال أبو عمر: روي من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر أنه قال: ما آسي على شيء إلا أني لم أقاتل مع علي بن أبي طالب الفئة الباغية.

«210» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا غَيْلانُ: عَنْ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حصين خلف علي ابن أَبِي طَالِبٍ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي فَقَالَ: لَقَدْ صَلَّى صَلاةَ مُحَمَّدٍ، وَلَقَدْ ذَكَّرَنِي صَلاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «211» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ: عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ عَلِيٍّ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ مَا كَانَتْ مَنْزِلَتُهُ من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَانْظُرْ إِلَى بَيْتِهِ مِنْ بُيُوتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنِّي أُبْغِضُهُ. قَالَ: أَبْغَضَكَ اللَّهُ [1] . «212» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الأَعْوَرِ، عَنْ جَوَّابٍ التَّيْمِيِّ: عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عَلِيًّا قتل الزّنادقة (وأ) حرقهم بعد ما قَتَلَهُمْ. «213» حَدَّثَنَا يوسف بن مُوسَى، حَدَّثَنَا جرير بن عبد الحميد، عَنْ أَبِي إسحاق الشيباني: عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قَالَ: عَليّ أحب إلي من عثمان، ولأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتناول عثمان بسوء. «214» حَدَّثَنِي الحسين بن الأسود، حدثني يجي بن آدم، حَدَّثَنَا أَبُو معاوية الضرير: حَدَّثَنَا الأعمش قال: رأيت عبد الرحمان أبي ليلي وقفه الحجاج فقال (له) : العن الكذابين عليا وعَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، والمختار بْن (أَبِي) : عُبَيْد. فقال: لعن الله الكذابين. ثُمَّ ابتدأ فقال عَليّ بْن أَبِي طَالِب وعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر، والمختار بن أبي عُبَيْد. قَالَ: فعلمت أَنَّهُ حين ابتدأهم ورفعهم انه لم يلعنهم. (و) حَدَّثَنِي عَمْرو بن مُحَمَّدٍ النَّاقِد، عَن أبي معاوية، عَن الأعمش بمثله. «215» حَدَّثَنِي خَلَفٌ الْبَزَّارُ/ 335/ وهبار بن بقية (ظ) قَالا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ رَجُلٍ أخبره

_ [1] وقريبا منه رواه في الحديث: «12» من مقدمة شواهد التنزيل- للحسكاني- والحديث: «1098» من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق.

قَالَ: ذَكَرْتُ شِيعَةَ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: مَا تَذْكُرُونَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَهُمُ الْفَائِزُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [1] . «216» حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكُمْ وَأَنْتُمْ أَحْيَاءٌ؟!! قُلْتُ: مَعَاذَ اللَّهِ. قَالَتْ: أَلَيْسُوا يسبّون عليا ومن أحبه!!! [2] قلت: بلى.

_ [1] ورواه في الحديث: (851) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38 ص 41: عن ابن السمرقندي، عن ابن النقور، عن ابن اخي ميمي، عن احمد بن محمد بن سعيد الهمداني، عن علي بن الحسين بن عبيد، عن اسماعيل بن ابان، عن سعد بن طالب أبي علام الشيباني، عن جابر بن يزيد، عن محمد بن علي قال: سألت أم سلمة زوج النبي عن علي فقالت: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إن عليا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة. [2] ورواه بطرق عنه وعن غيره في الحديث: (659) وما حوله من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمصق: ج 38 ص 22. وقال ابن أبي شيبة في المصنف: ج 6- او 7- الورق 158/ ب/: حدثنا عبد الله بن نمير، عن فطر، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الله الجدلي قال: قالت أم سلمت: يا أبا عبد الله ايسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ثم لا تغيرون؟ قلت: ومن يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يسب علي ومن يحبه وقد كان رسول الله يحبه. اقول: ورواه عنه في الحديث (375) من باب فضائل علي من كنز العمال: ج 15/ 128. ورواه أيضا احمد في اخر مسند أم سلمة من مسنده 5: ج 6 ص 323، ورواه أيضا في مجمع الزوائد: ج 9 ص 130، عن احمد وأبي يعلى والطبراني في الثلاثة، وقال: رجال احمد والطبراني رجال الصحيح غير الجدلي وهو ثقة. ثم قال: ورواه أيضا الطبراني مثله برجال ثقات. ورواه أيضا الحاكم في الحديث (46، 47) من ترجمة علي من المستدرك: ج 3/ 121. بسندين، وصححه والذهبي. وذكر نبذا وافيا منه، في شرح المختار: (231) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13/ 220، نقلا عن أبي جعفر الاسكافي في رده على الجاحظ.

«217» حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: مرّ رجل على سلمان فَقَالَ: أَرَى عَلِيًّا يَمُرُّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَلا تقومون فتأخذون بحجزته، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُخْبِرُكُمْ أَحَدٌ بِسِرِّ نَبِيِّكُمْ بعده [1] . «218» حدثنا سريح بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حماد ابن زَيْدٍ، حَدَّثَنَا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا كَلامٌ شَدِيدٌ، حَتَّى رَفَعَ عُثْمَانُ الدِّرَّةَ عَلَى عَلِيٍّ، فَقُلْتُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ مِنْ حاله وحاله (كذا) ثم قلت: يا (أ) با الحسنين أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى سَكَنَ وصلح الذي كان بينهما، وقعدا يَتَحَدَّثَانِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ. «219» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بن زيد عن مجالد:

_ [1] وقال ابن عساكر- في الحديث: (815) من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 36-: أخبرنا ابو طاهر محمد بن الحسين الحنائي، أنبأنا ابو علي وابو الحسين ابنا أبي نصر، قالا: أنبأنا ابو بكر ابن يوسف بن قاسم، أنبأنا ابو عبد الله الحسين ابن محمد بن مصعب البجلي الكوفي بالكوفة، أنبأنا احمد بن عثمان، أنبأنا علي بن ثابت، أنبأنا محمد بن إسماعيل ومندل، عن كثير بن (عن «خ ت) أبي السفير النميري: عن انس بن مالك، عن سلمان الفارسي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: صاحب سري علي بن أبي طالب.

عن عمير بن وردي قَالَ: قَامَ عَلِيٌّ يَوْمًا يَخْطُبُ فَقَامَ أُولَئِكَ الْخَوَارِجُ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ كَلامَهُ، فَنَزَلَ فَدَخَلَ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَقَالَ: أَلا إِنَّمَا أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الأبيض. ثم قال: إن هذا بمثل ثَلاثَةِ أَثْوَارٍ [1] وَأَسَدٍ، اجْتَمَعْنَ فِي أَجْمَةٍ، أَحْمَرُ وَأَسْوَدُ وَأَبْيَضُ، فَكَانَ يُرِيدُ أَخْذَهَا فَتَمْتَنِعُ مِنْهُ، فقال الأسود وَالأَحْمَرِ إِنَّمَا يَفْضَحُنَا فِي هَذِهِ الأَجْمَةِ، وَيَشْهَرُنَا وَيَدُلُّ عَلَيْنَا الأَبْيَضُ فَخَلِّيَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَسَدِ فَأَكَلَهُ، ثُمَّ جَلَسُوا فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهُمَا عَلَى شيء، فقال الأسد لِلأَحْمَرِ: لَوْنِي مِثْلُ لَوْنِكَ وَمَا يُشْهِرُنَا وَيَفْضَحُنَا فِي هَذِه الأَجْمَةِ إِلا الأَسْوَدَ، فَخَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ آكُلْهُ فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ لِلأَحْمَرِ: إِنِّي آكُلُكَ. قَالَ: فَدَعْنِي [2] أُصَوِّتُ ثَلاثَةَ أَصْوَاتٍ. قَالَ: افْعَلْ. فَجَعَلَ يَصِيحُ: أَلا إِنِّي مَا أُكِلْتُ إِلا يَوْمَ أُكِلَ الأَبْيَضُ، [أَلا وَأَنِّي إِنَّمَا وُهِيتُ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانَ] . «220» الْمَدَائِنيّ، عَن شريك، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ، عَن عمر بن عَليّ قَالَ: قَالَ مروان لعلي بن الْحُسَيْن: ما كَانَ أحد أكف عَن صاحبنا من صاحبكم. قَالَ: فلم تشتمونه عَلَى المنابر؟!! قَالَ: لا يستقيم لنا هذا إلا بهذا!! [3] .

_ [1] كذا. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «قال: فدعني قال: فدعني» . [3] قال في شرح المختار (231) من النهج وروى الاسكافي، عن محمد بن سعيد الاصفهاني، عَن شريك، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ، عَن عمرو بن علي بن الحسين، عن ابيه علي بن الحسين قال: قال لي مروان: ما كان في القوم ادفع عن صاحبنا من صاحبكم!! قلت: فما بالكم تسبونه على المنابر؟ قال: إنه لا يستقيم الأمر إلا بذلك. وقال ابن عساكر- في الحديث: (1139) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق ج 38 ص-: أخبرنا ابو طاهر محمد بن محمد، وابو الفضل محمد بن سليمان بن الحسن بن عمرو العبدي، قالا: أنبأنا ابو بكر محمد بن علي ابن حامد الشاشى الفقيه، أنبأنا منصور بن نصر بن عبد الرحيم، أنبأنا الهيثم بن كليب، أنبأنا ابو بكر ابن أبي خيثمة، أنبأنا ابن الإصبهاني- وهو محمد بن سعيد- أنبأنا شريك، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ، عَن عمر بن علي بن الحسين: عن علي بن الحسين قال: قال مروان بن الحكم: ما كان في القوم احد ادفع عن صاحبنا من صاحبكم- يعني عليا عن عثمان!!! - قال: قلت (له) : فما لكم تسبونه على المنابر؟! قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك.

«221» حَدَّثَنَا عبد الله بن صالح، أَنْبَأَنَا شريك بن عبد الله، عَن جابر: عَن هرمز مولى جَعْفَر قَالَ: رأيت عليا وَعَلَيْهِ عمامة سوداء قد أرخاها من بين يديه ومن خلفه [1] . «222» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ [2] . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ علي قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذَا كَانَ إِزَارُكَ وَاسِعًا فَاتَّشِحْ به، وإذا كان ضيقا فاتزر به (ظ) ] . «223» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: [أَن عليا تختم في يساره [3]] .

_ [1] ورواه أيضا محمد بن سعد في ترجمته عليه السلام من الطبقات: ج 3/ 29، قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا شريك، عن جابر، عن مولى لجعفر يقال له هرمز ... [2] ورواه أيضا بهذا السند في الطبقات: ج 3 ص 30، ولكن قال: ابراهيم بن عبد الله بن حنين ... وفيه أيضا: «فتوشح به، وإذا كان ضيقا فاتزر به» . [3] رواه أيضا في الطبقات: ج 3 ص 30، وفيه: «ان عليا تختم في اليسار» . نعم رواه أيضا قبله بسند آخر وقال: «تختم في يساره» . والأمر سهل.

«224» حدثني محمد ابن سعد، حدثنا محمد بن ربيعة (الكلابي) عن كيسان (بن أبي عمر) عن يزيد بن الحرث (بن بلال) الفزاري قال: رأيت على علي قلنسوة بيضاء مضرية [1] . «225» حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، قَالا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَرَأْتُ نَقْشَ خَاتَمِ عَلِيٍّ فِي صُلْحِ أَهْلِ الشَّامِ بعد صفين (كذا) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [2] . «226» حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ومظفر بن مرجا/ 336/ قَالا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، عَنْ زهير، عن جابر (الجعفي) : عن (الامام) محمد بن علي (الباقر) قال: [ (كان) نَقْشُ خَاتَمِ عَلِيٍّ: اللَّهُ الْمَلِكُ [3]] . «227» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيِّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الأَعْمَشِ: عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ فِي إزار أصفر، وخميصة سوداء شبه البرنكاني [4] .

_ [1] كذا في النسخة بالضاد المعجمة، وذكره في الطبقات: ج 3 ص 30، بالصاد المهملة. [2] ورواه أيضا في الطبقات: ج 3 ص 30 قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: أخبرنا معتمر، عن ابيه، عن أبي إسحاق الشيباني قال: قرات نقش خاتم علي بن أبي طالب في صلح اهل الشام: محمد رسول الله (كذا) . [3] ورواه أيضا في الطبقات: ج 3 ص 31، قال: أخبرنا الحسن بن موسى الاشيب وعمرو بن خالد المصري، قالا: أخبرنا زهير ... وكلمتا: «الجعفي- وكان» مأخوذتان منه. ورواه أيضا بعده عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَن جابر، عن «الإمام» محمد بن علي مثله. [4] كذا في النسخة، وفي الطبقات بالسند المذكور: «خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ فِي إِزَارٍ أَصْفَرَ، وَخَمِيصَةٍ سوداء، الخميصة شبه البرنكان» . قال في مادة «برك» من التاج مزجا بكلام القاموس: ويقال للكساء الأسود: البركان والبركاني مشددتين وبياء النسبة في الأخير نقلهما الفراء، وزاد الجوهري فقال: والبرنكان- كزعفران- والبرنكاني بياء النسبة- وأنكرهما الفراء- وقال ابن دريد: البرنكاء- بالمد- يقال: كساء برنكاني بزيادة النون عند النسبة، قال: وليس بعربي، وقد تكلمت به العرب، والجمع: برانك.

«228» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ أَيُّوبَ الْمُكْتِبِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عَلَى عَلِيٍّ بُرْدَيْنِ نَجْرَانِيَّيْنِ. «229» أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يُطْعِمُ النَّاسَ بِالْكُوفَةِ بِالرَّحْبَةِ، فَإِذَا فَرَغَ أَتَى مَنْزِلَهُ فَأَكَلَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: أَظُنُّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْكُلُ فِي مَنْزِلِهِ طَعَامًا أَطْيَبَ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ، فَتَرَكْتُ الطَّعَامَ مَعَ الْعَامَّةِ، وَمَضَيْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: أَتَغَدَّيْتَ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَانْطَلِقْ مَعِي. فَمَضَيْتُ مَعَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فنادى: يا فضّة. فجاءت خادم سوداء (كذا) فَقَالَ: غَدِّينَا. فَجَاءَتْ بِأَرْغِفَةٍ وَبِجَرَّةٍ فِيهَا لَبَنٌ فصبّتها في صحفة وثردت الخبز (قال) فَإِذَا فِيهِ نِخَالَةٌ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ بِالدَّقِيقِ فَنُخِلَ. [فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ كَانَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْخَلٌ قَطُّ] . «230» حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ، عَنْ أَشْيَاخِهِمْ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: [مَا لَبِسَ رَجُلٌ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ لِبَاسًا أَحْسَنَ مِنْ فَصَاحَةٍ، وَلا تحلّت امرأة بأزين من شحم [1]] .

_ [1] وله مصادر، وذكره أيضا في الحديث: (107) من باب فضائله عليه السلام من كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل.

«231» وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلا أَثْنَى عَلَى عَلِيٍّ فِي وَجْهِهِ- وَكَانَ عَلِيٌّ اتَّهَمَهُ- فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: [أَنَا دُونَ وَصْفِكَ وَفَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ.] ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ فَأَطْرَاهُ فَقَالَ عَلِيٌّ [اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْلَمُ بِنَفْسِي وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِي مِنِّي، فَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُهُ النَّاسُ مِنِّي [1]] . «232» حدثنا يوسف بن موسى، عن حكام (ظ) الرَّازِيِّ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَعْرُوفٍ، عَنْ لَيْثٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْكُوفَةِ: [كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا أَتَاكُمْ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ؟ قَالُوا: نَفْعَلُ وَنَفْعَلُ. قَالَ: فَحَرَّكَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: بَلْ تُورِدُونَ ثُمَّ تعرّدون (او تعودون) فلا تصدرون، ثم تطلبون البراة ولا براة لكم [2]] : «233» (قال:) وَفِي عَليّ عَلَيْهِ السلام يقول الشاعر: فِي كلّ مجمع غاية أخزاكم ... جذع أشرّ (ظ) عَلَى المذاكي القرح هَذَا ابن فاطمة الَّذِي أفناكم ... بالسيف (ظ) يعمل حده لَمْ يصفح ابن الكهول وابن كل دعامة ... فِي المعضلات وابن زين الأبطح في أبيات [3] .

_ [1] وقريب منهما في المختار: (83، 100) من باب قصار كلامه عليه السلام من نهج البلاغة. والأول رواه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (57) من نهج البلاغة: ج 4/ 104، عن الإمام السجاد عليه السلام. [2] وقريبا منه رواه الطبراني في الحديث (57) من ترجمة الإمام الحسين من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 237/ ا/ ورواه عنه في ترجمته عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9/ 191. [3] ورواه أيضا في الباب- 3- من تيسير المطالب ص 29. قال ابن عساكر- في الحديث العاشر، من ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 37 ص 15-: وله يقول اسيد بن أبي اياس بن زنيم بن محمية بن عبد بن عدي ابن الديل وهو يحرض مشركي قريش على قتله ويعيرهم: في كل مجمع غاية أخزاكم ... جذع امر على المذاكي الفرح «كذا» لله دركم ألما تنكروا؟! ... قد ينكر الحي الكريم ويستحي هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ... ذبحا وقتلة قعصة لم يذبح افناهم «كذا» قعصا وضربا يفتري ... بالسيف يعمل حده لم يصفح اعطوه خرجا واتقوا بمضيعة ... فعل الذليل وبيعة لم تربح ابن الكهول وابن كل دعامة ... فِي المعضلات وابن زين الأبطح اقول: ورواها أيضا الزبير بن بكار، كما في ترجمة امير المؤمنين عليه السلام من كتاب اسد الغابة: ج 4/ 20.

ولد علي بن أبي طالب عليه السلام

ولد عَليّ بن أبي طالب عَلَيْهِ السلام «234» ولد عَليّ بن أبي طالب الْحَسَن والحسين، ومحسن درج صغيرا [1] وزينب الكبرى تزوجها عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طالب فولدت لَهُ. وأم كلثوم الكبرى تزوجها عمر بن الخطاب [2] وأمهم (جميعا) فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسمى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل واحد من الْحَسَن والحسين يوم سابعه، ووزنت فاطمة عليها السلام شعرهما فتصدقت بوزنه فضّة. «235» حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (من علي) أم كلثوم- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- فَقَالَ: [إِنَّهَا صَغِيرَةٌ.] فقال: يا (أ) با حسنين (ظ) إِنَّمَا حِرْصِي عَلَيْهَا لأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [مَا سَبَبٌ ولا صهر إلا وهو مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا سَبَبِي وَصِهْرِي. فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا مُرْسِلُهَا إِلَيْكَ لِتَرَاهَا.] فَلَمَّا جَاءَتْهُ قال لها: قولي

_ [1] اي مات صغيرا. [2] والحديث- كالتالي- منقطع السند، غير ناهض للحجية.

لأَبِيكِ: إِنِّي قَدْ رَضِيتُ الْحُلَّةَ فَأَدَّتِ الرِّسَالَةَ، فَزَوَّجَهُ عَلِيٌّ إِيَّاهَا/ 337/ وَأَصْدَقَهَا عُمَرُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمٌ: أَنَّهُ أَصْدَقَهَا مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. «236» حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: زُفُّونِي بِابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا سَبَبِي وَنَسَبِي] . «237» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ فَضْلِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا ابْتَنَى عُمَرُ بِأُمِّ كُلْثُومٍ، دَخَلَ عَلَى مَشْيَخَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانَت تُحْفَتُهُ إِيَّاهُمْ أَنْ صَفَّرَ لِحَاهُمْ بِمَلابٍ [1] . وقال ابن الكلبي: ولدت أم كلثوم بنت عَليّ لعمر، زيد بن عمر، ورقية بنت عمر، فمات زيد وأمه فِي يوم واحد، وَكَانَ موته من شجة أصابته. وخلف عَليّ أم كلثوم بعد عمر، عون بن جَعْفَر بن أبي طالب، ثُمَّ مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثم عبد الله بن جعفر. و (ولد عليه السلام) عبيد اللَّهِ بن عَليّ، قتله المختار فِي الوقعة يوم المذار [2] .

_ [1] الملاب- كسحاب-: ضرب من الطيب كالخلوق والزعفران. [2] فيه تسامح بين، والصواب انه كان في جيش مصعب في يوم المذار وقتل، وأما قتله بيد المختار أو أصحابه فغير معلوم ولعل الأقرب ان بعض أعداء آل البيت من نواصب البصرة أو من فرّ من المختار من أهل الكوفة كابن الأشعث وشبث بن ربعي قتلوه غيلة!!! ويؤيد ما قلناه بل يدل عليه ما رواه في إثبات الوصية ص 125، انه أوصى أمير المؤمنين بنيه فقال: إني أوصي الى الحسن والحسين فاستعموا لهما وأطيعوا أمرهما. فقام اليه عبيد الله فقال: يا امير المؤمنين أدون محمد بن الحنفية؟ فقال له امير المؤمنين: اجراة في حياتي؟ كأني بك قد وجدت مذبوحا في خيمتك!!! ورواه أيضا في معجزات امير المؤمنين من كتاب الخرائج، ص 18، وفيه: كاني بك ... لا يدرى من قتلك. وان قيل: ان مصعبا امر باغتياله كان قريبا جدا، وذلك لما روى في ترجمة عبيد الله من الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 5 ص 117، ط بيروت وملخصه: ان عبيد الله قدم على المختار بالكوفة، وسأله فلم يعطه، فخرج الى مصعب بالبصرة، فنزل على خاله نعيم بن مسعود التميمي فأمر له مصعب بمائة الف درهم، ثم امر مصعب الناس بالتهيؤ لعدوهم ثم عسكر ثم انقلع من معسكره متوجها الى الكوفة، فلما سار تخلف عبيد الله في أخواله وسار خاله نعيم بن مسعود مع مصعب، فجاء بنو سعد بن زيد الى عبيد الله فقالوا: نحن أيضا أخوالك فتحول إلينا فإنا نحب كرامتك. فتحول اليهم فانزلوه وسطهم وبايعوا له بالخلافة وهو كاره، فبلغ ذلك مصعبا فكتب الى عامله يلومه على غفلته عن هذا الأمر، ثم دعا نعيم بن مسعود فقال: ما حملك على ما فعلت في ابن أختك؟ فحلف انه ما علم من قصته شيئا، فقبل منه مصعب، فقال نعيم: فلا يهيجه احد انا اكفيك امره واقدم به عليك، فاتى البصرة فاجتمعت عليه بنو حنظلة وبنو عمرو بن تميم فسار بهم حتى اتي بني سعد فقال: والله ما أردتم الا هلاك تميم، فادفعوا الي ابن اختي فتلاوموا ساعة ثم دفعوه اليه، فخرج به حتى قدم على مصعب فقال له: يا اخي ما حملك على ذلك؟ فحلف له انه لم يكمن به علم حتى فعلوا ما فعلوا وانا كاره، فصدقة مصعب ثم امر صاحب مقدمته ان يسير الى جمع المختار، فسار وتقدم معه عبيد الله فنزلوا المذار، وتقدم جيش المختار فنزلوا بإزائهم فبيتهم اصحاب مصعب فقتلوا ذلك الجيش الا الشريد منهم وقتل عبيد الله في تلك الليلة. ولقد أجاد ابن أبي الدنيا حيث قال في مقتل امير المؤمنين عليه السلام: كان عبيد الله بن علي قدم على المختار، فقتل عبيد الله مع مصعب بن الزبير، كان مصعب ضمه اليه و (كان) لم ير عند المختار ما يحبه.

و (ولد عليه السلام) أبا بكر، وأمهما ليلى بنت مسعود النهشلية من بني تميم لا بقية لهما. و (ولد عليه السلام أيضا) العباس الأكبر، وهو السقاء، كان حمل قربة ماء للحسين بكر بلاء، ويكنّى أبا قربة [1] . و (ولد أيضا) عثمان، وجعفر الأكبر، وعبد الله، قتلوا مع الْحُسَيْن رضي الله تعالى عنهم، ولا بقية لَهُم إلا العباس فإن له بقية. وأمهم (جميعا) أم البنين بنت حزام بن ربيعة أخي لبيد بن ربيعة الشاعر، وأخوها مالك بن حزام الذي قتل مع المختار بالكوفة. و (ولد عليه السلام) محمد الأصغر بن عَليّ، قتل مع الْحُسَيْن، وأمه ورقاء أم ولد. و (ولد أيضا) يحيي وعون ابني (ظ) عَليّ، أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية، وَكَانَ عَليّ خلف عليها بعد أبي بكر- رضي الله تعالى عنهما-. و (ولد) عمر الأكبر، وَكَانَ لَهُ عقل ونبل وَكَانَ يشبه أباه فيما يقال. وولد لَهُ مُحَمَّد وأم مُوسَى من أسماء بنت عقيل، وَكَانَ مُحَمَّد بن عمر نهى زيدا عما فعل، فلما أبى عَلَيْهِ تركه وخرج إلى المدينة. وَكَانَ عمر بن الخطاب سمى عمر بن عَليّ باسمه ووهب له غلاما سمّي مورقا. و (ولد عليه السلام) رقية (و) أمها الصهباء- وهي أم حبيب بنت حبيب بن بجير التّغلبي سبيت (ظ) من ناحية عين التمر- تزوَّجها مسلم بن عقيل بن أبي طالب.

_ [1] ومثله في مقتل امير المؤمنين عليه السلام لابن أبي الدنيا الورق 248/ أ.

ومحمد الأوسط، وأمّه أمامه بنت أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «237» حدثت عَن هشيم بن بشير، عَن داود بْن أَبِي هِنْد: عَنِ الشعبي قَالَ: كتب معاوية إلى مروان أن زوّجني أمامة بنت أبي العاص، فأرسل (ظ) إليها، فولت أمرها المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب فقال لَهَا المغيرة: يا أمامة ألست قد وليتني أمرك ورضيت بمن أزوجك؟ قالت نعم. قَالَ: اشهدوا أني قد تزوجتها. فكتب مروان بذلك إلى معاوية فكتب إليه أن أعرض عنها. و (ولد أيضا عليه السلام) أم الحسن بنت عَليّ، كانت عند جعدة بن هبيرة المخزومي، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا جَعْفَر بْن عقيل، فقتل مع الْحُسَيْن فخلف عليها عبد الله بن الزبير. ورملة الكبرى، وأمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي. وعمر الأصغر، وأمه أم سعيد هَذِه. ويقال: إن أمه أم ولد، وَكَانَ صاحب نبيذ. وميمونة تزوجها عبد الله بن عقيل. وأم هانئ. وزينب الصغرى تزوجها مُحَمَّد بن عقيل، ثُمَّ خلف عليها كَثِير بن العباس. ورملة الصغرى. وأم كلثوم الصغرى تزوجها كَثِير بن العباس قبل أختها أو بعدها. وفاطمة، تزوجها سعيد بن الأَسْوَدِ بن أبي البختري من ولد الحرث بن أسد ابن عبد العزى [1] .

_ [1] وقال في آخر مقتل أمير المؤمنين- لابن أبي الدنيا- الورق 249: وكانت فاطمة ابنة علي عند أبي سعيد بن عقيل فولدت له حميدة، ثم خلف عليها سعيد بن الأسود بن أبي البختري فولدت له برة وخالدة، ثم خلف عليها المنذر بن عبيدة بن الزبير بن العوام، فولدت له عثمان وكثيرة درجا.

سكينة بنت الحسين

ورملة [1] وأمامة وخديجة، تزوجها/ 338/ عبد الرحمان بن عقيل. وأم الكرام، وأم سلمة، وأم جعفر، ونفيسة [2] تزوجها تمام بن العباس عبد المطلب، وهن لأمهات أولاد شتى. وأم يعلى هلكت وهي جارية لَمْ تبرز، وأمها كلبية، وَكَانَ يقال لَهَا: من أخوالك يا أم يعلى؟ فتقول: أو أو. أي كلب. [سكينة بنت الحسين] «238» حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه عن جده عن عبد الله ابن حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مَنْظُورِ بْنِ رَيَّانَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ حَارِثَةَ الْمُرِّيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ عُمَرَ إذا قيل إمرئ الْقَيْسِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ أَوْسِ بْنِ جَابِرِ بن كعب ابن عليم بن جناب الكلبي فإذا رجل امعر أَجْلَى [3] فَوَقَفَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَحْبَبْتُ الإِسْلامَ فَاشْرَحْهُ لِي. قَالَ: ومن أنت؟ قال: أنا إمرئ الْقَيْسِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ أَوْسٍ الْعُلَيْمِيُّ مِنْ كَلْبٍ. فَقَالَ عُمَرُ: أَتَعْرِفُونَهُ؟ قَالُوا: هَذَا الَّذِي أَغَارَ عَلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُوَ أَسَرَ الدعاء بن عمرو. أخا مفروق بْنِ عَمْرٍو. فَشَرَحَ لَهُ عُمَرُ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَعَقَدَ لَهُ عَلَى جُنُودِ قُضَاعَةَ، فَلَمْ يَرَ رَجُلٌ قَبْلَهُ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ عَقَدَ لَهُ عَلَى مُسْلِمِينَ- فَخَرَجَ يَهْتَزُّ لِوَاؤُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فأدركه عليّ

_ [1] كان في النسخة ضرب الخط على «رملة» . [2] وهنا في الهامش كلمتان أولاهما غير مقروءة- لوقوعها تحت الخياطة- وثانيتها تقرء «تقية» وكتب فوقهما «خ» . [3] يقال: معر الرجل معرا- من باب فرح-: سقط شعره أو قل، فهو معر- ككتف- وأمعر. وأجلى: خفيف الشعر.

فَأَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ وَقَالَ: [يَا عَمِّ أَنَا عَلِيُّ ابن أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَانِ ابْنَايَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ أُمُّهُمَا فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَحْبَبْتُ مُصَاهَرَتَكَ لِنَفْسِي وَلَهُمَا فَزَوِّجْنَا.] قَالَ: نَعَمْ وَنِعْمَةُ عَيْنٍ وَكَرَامَةٍ، قَدْ زَوَّجْتُكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ الْمُحَيَّاةَ بِنْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَزَوَّجْتُ حَسَنًا زَيْنَبَ، وَزَوَّجْتُ حُسَيْنًا الرَّبَابَ بِنْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ. قَالَ: فَوَلَدَتِ الْمُحَيَّاةُ لِعَلِيٍّ أُمَّ يَعْلَى وَكَانَتْ تَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ فِي إِزَارٍ فَيُقَالُ لَهَا: مَنْ أَخْوَالُكِ؟ فَتَقُولُ أَوْ أَوْ. وَلَمْ تَلِدْ زَيْنَبُ لِلْحَسَنِ، وَوَلَدَتِ الرَّبَابُ لِلْحُسَيْنِ سُكَيْنَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ أَبَا عذرها فَمَاتَ عَنْهَا، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَوَلَدَتْ لَهُ فَاطِمَةَ مَاتَتْ صَغِيرَةً، فَقُتِلَ عَنْهَا، وَكَانَتْ تَقُولُ: لَعَنَكُمُ اللَّهُ يا أهل الكوفة أيتمتموني صَغِيرَةً وَأَرْمَلْتُمُونِي كَبِيرَةً. وَخَطَبَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فَأَبَتْهُ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْن عَبْد اللَّه بْن حكيم ابن حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، ثُمَّ الأَصْبَغُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ فَفَارَقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ نَهَاهُ عَنْهَا. وَيُقَالُ: بَلْ حُمِلَتْ إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا قَدِمَتْهَا وَجَدَتْهُ قَدْ مَاتَ، فَتَزَوَّجَهَا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عثمان، ثم إبراهيم بن عبد الرحمان بْنِ عَوْفٍ، لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا وَلَمْ تَرْضَ بِهِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَمُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، اجْتَمَعُوا فَتَمَنَّوْا، فَتَمَنَّى ابْنُ عُمَرَ الْجَنَّةَ، وَتَمَنَّى مُصْعَبٌ أَنْ يَلِيَ الْعِرَاقَ وَيَتَزَوَّجَ سُكَيْنَةَ وَعَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ، وَتَمَنَّى عُرْوَةُ الْفِقْهَ وَالْعِلْمَ- وَكَانَ معهما (ظ) عَبْدُ الْمَلِكِ فَتَمَنَّى الْخِلافَةَ- فَأُعْطِيَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا تَمَنَّى. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام [1] :

_ [1] وذكره أيضا في الأغاني: ج 14 ص 163. وحكي أيضا عن المعارف.

[لَعَمْرُكَ إِنَّنِي لأُحِبَّ أَرْضًا ... تَحُلُّ بِهَا سُكَيْنَةُ وَالرَّبَابُ أُحِبُّهُمَا وَأَبْذُلُ جُلَّ مَالِي ... وَلَيْسَ لِلائِمٍ فيهم عتاب ] وقال أيضا: [أحب لحبها (ظ) زيدا جَمِيعًا ... وَنَتْلَةَ كُلَّهَا وَبَنِي الرَّبَابِ وَأَخْوَالا لَهَا من آل لام (ظ) ... أحبهم وطرّ بني جناب ] والرباب هذه (هي) بِنْتُ أُنَيْفَ بْنِ حَارِثَةَ (بْنِ) لامٍ الطَّائِيِّ، وَهِيَ أُمُّ الأَحْوَصِ وَعُرْوَةَ ابْنَيْ عَمْرِو بْنِ ثعلبة بن ثعلبة بن الحرث بن حصين (ظ) بن ضمضم ابن عَدِيِّ بْنِ جَنَابِ بْنِ هُبَلَ، وَبِهَا يُعْرَفُونَ/ 339/ وزيد (هي) بِنْتُ مَالِكِ بْنِ عميت بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرٍ، مِنْ كَلْبٍ وَهِيَ أُمُّ جَابِرٍ وَقَيْسٍ وَعَدِيِّ بَنِي كعب بن عليم وإليها ينسبون. ونتلة (هي) بِنْتُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثُمَامَةَ مِنْ طَيِّئٍ، وَهُيَ أُمُّ حِصْنٍ وَمصَادٍ، وَمَعْقِلٍ بَنِي كعب بن عليم وبها يعرفون. «239» وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه عن حلف (كذا) الزهري قَالَ: كنت فِي سلطان هِشَام بن عبد الملك بالمدينة وعليها خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم بن أبي العاص، ويقال: إن خالدا كان خياطا فادعاه عبد الملك بعد ما كبر. قَالَ: فماتت سكينة فِي يوم صائف شديد الحر فقال: لا تخرجوها حَتَّى أرجع. ومضى إلى الغابة (كذا) وتركها إلى نصف النهار حَتَّى تغيرت فاشترى لها طيب بثلاثين دينارا، ثُمَّ رجع ممسيا فأمر شيبة بن نصاح مولى أم سلمة- وَكَانَ يقرأ فِي مَسْجِدِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يصلي عليها، فصلى شيبة عليها ودفنت. «240» وَحَدَّثَنِي عَليّ بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَانَ النوفلي، حَدَّثَنِي أبي عَن عمه قَالَ:

فاطمة بنت الحسين

لِمَا ماتت سكينة أمر خالد بن عبد الملك أن لا يحدث فِي دفنها حدث حَتَّى يرجع من ركوبه، فتأخر أمرها إلى الليل فقال أخوها عَلَي بن الْحُسَيْن: رحم الله من أعان ببخور، فاشترى لَهَا ابن أختها مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو ابن عثمان بن عفان- وأمه فاطمة بنت الْحُسَيْن- بخورا وأتى بالمجامر فجعلت حول نعشها، فلم تزل العود توقد فيها إلى أن دفنت وصلى الناس عليها بعد العشاء الآخرة بغير إمام. «241» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ أشياخه: قالوا: توفيت سكينة بنت الْحُسَيْن بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة وَعَلى المدينة من قبل هِشَام، خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم بن أبي العاص، وكانت أم عبد الملك ابنة الزبرقان في لون (كذا) فأرسل أ (ن) لا تصلوا عليها حَتَّى أشهدها وركب إلى الغابة قبل الظهر، ووضعت جنازتها بالبقيع قبل الظهر، واجتمع الناس فصليت الظهر ولم يأت ثُمَّ العصر ثُمَّ المغرب، واشترى مُحَمَّد بن عبد الله المطرف (كذا) بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان- وأمه فاطمة بنت الحسين بن عَليّ أختها- تِلْكَ الساعة بثلاثين دينارا عودا، وأمر بالمجامر فوضعت حول النعش وَذَلِكَ فِي يوم شديد الحر، فسطعت تِلْكَ المجامر خوفا من أن تتغير ويشم من نعشها رائحة مكروهة، فلما صلى الناس العشاء الآخرة أتى خالد فأمر شيبة بن نصاح المقرئ أن يصلي عليها ففعل ثم دفنت. [فاطمة بنت الحسين] «242» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَن أبي عبد الله محمد بن عمر قال: ولّى يزيد بن عبد الملك، عبد الرحمان بن الضحاك بن قيس الفهري المدينة، فخطب فاطمة بنت الحسين بن عَليّ فأبته وقالت: ما النكاح من حاجتي وأنا مشبلة مقيمة عَلَى ولدي. فألح فِي الخطبة فأبت أن تجيبه فقال: والله لئن لَمْ تفعلي لأخذن أكبر ولدك- يعني عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن بْن عَليّ- فِي شراب

ثم لأضربنّه على رؤس الناس ولأفعلن حَتَّى أفضحك. - وكانت فاطمة بنت الْحُسَيْن عند الْحَسَن بن الْحَسَن، فولدت لَهُ عبد الله بن الْحَسَن بن الْحَسَن، وحسن بن حسن بن حسن، وإبراهيم بن الْحَسَن بن الْحَسَن، ثُمَّ خلف عليها عبد الله ابن عَمْرو بْن عثمان بْن عفان، وعَبْد اللَّهِ هُوَ المطرف، فولدت لَهُ محمدا- فلما رأت أنه غير مقلع عنها بعثت إلى يزيد (بن عبد الملك) رسولًا وكتبت معه كتابا تصف فِيهِ قرابتها وماس رحمها، وتشكو عبد الرحمن بن الضحاك، وتذكر ما تلقى مِنْه وما يتهددها بِهِ وتقول: إنما أنا حرمتك وإحدى نسائك، والله لو كَانَ التزويج من شأني ما كَانَ لي بكفؤ، فإنّ عمر ابن الخطاب قَالَ عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأمنعن من ذوات الأحساب من أن يتزوجهنّ إلا الأكفاء. وكان عبد الرحمان بن هرمز عَلَى الديوان، فأراد الشخوص إلى يزيد، فأرسلت/ 340/ إِلَيْهِ وأخبرته بقصتها وقصة ابن الضحاك، وسألته أن ينهي ذَلِكَ إلى يزيد فلما قدم (عبد الرحمان) عَلَى يزيد، جعل يسائله عَن المدينة وأهلها فبينا هو يخبره بذلك إذا استأذن الحاجب لرسول فاطمة، فذكر ابن هرمز ما كانت حملته من الرسالة، ودخل الرسول فقرأ يزيد الكتاب الَّذِي معه، فغضب واستشاط ونزل عَن سريره إلى الأرض وضرب بقضيب معه الأرض حَتَّى أثار الغبار، وقال: ابن الضحاك يتزوج امرأة من بني عبد مناف، ثُمَّ قَالَ: من يسمعني صراخه من العذاب وأنا عَلَى فراشي؟ فقال ابن هرمز: عبد الواحد بن عبد الله الْبَصْرِيّ وهو بالطائف فولّه المدينة ومره بأمرك. فكتب (يزيد) إلى عبد الواحد بولايته وأمره أن يغرم ابن الضحاك ما يدعى عَلَيْهِ إِذَا أقامه للناس وما صار إليه من المال، فلما مر رسول يزيد بالمدينة، أحس ابن الضحاك بالشر فأعطى الرسول ألف دينار عَلَى أن يتحبس في طريقه، وركب رواحله فأتي سلمة بن عبد الملك فقال له: يا (أ) با سعيد جئتك مستجيرا بك. فركب سلمة إلى يزيد ليلا فكلمه فِيهِ، فقال: لا تريني وجهه حَتَّى يأتي المدينة ويغرم ما يلزمه.

تنازع زيد بن علي بن الحسين مع عبد الله بن الحسن

فرجع فأخذه عبد الواحد بالمال وقد كَانَ أودعه (كذا) فأحضر وجعل يطيف بالمدينة فِي جبة صوف ويقيمه للناس حَتَّى خرج من أربعين ألف دينار سأل الناس فِي بعضها. [تنازع زيد بن علي بن الحسين مع عبد الله بن الحسن] قَالَ فتنازع زيد بن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن وعبد الله بن الحسن في صدقات علي بن طالب ووصيته فقال حسن لزيد: يا ابن السندية الساحرة. فقال لَهُ زيد: إنها لسندية وما كانت- بحمد الله- ساحرة ولكنها بقية عين التقية [1] ولقد صبرت بعد وفاة سيدها فما تعيب بأنها إِذْ لَمْ تصبر مثل غيرها (كذا) ولكن تذكر ابن الضحاك وأمك تبعث إِلَيْهِ معك بالعلك الأحمر والأصفر والأخضر فتقول لَهُ: فمك فتطرح ذَلِكَ فِيهِ. فأتاها بنوها فأخبروها بقوله، فقالت: كنتم فتيانا فكنت أداريه فيكم وأمنيه أن أتزوجه حَتَّى كتبت إلى يزيد (بن عبد الملك) فعزله. «243» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَن الواقدي قَالَ: اجتمع زيد وعبد الله بن حسن عَند هِشَام، فأعان عمر بن عَليّ الأصغر بزيد ابن علي (كذا) فقال لَهُ هِشَام: ما بالك تخاصم عَن غيرك ولا تتكلّم عن نفسك؟ فقال الحسن يمنعه من ذلك خولة والرباب جرّتاه (ظ) اللتان صب أبان ابن عثمان ما فيهما من نبيذ عَلَى رأسه فِي ولايته المدينة لعبد الملك ابن مروان. «244» وذكر الْمَدَائِنيّ أن أبان حد عمر بن عَليّ بالنبيذ، ضربه ثمانين، وقدم عمر مع أبان عَلَى الوليد بن عبد الملك يسأله أن يوليه صدقة عَليّ. فقال: أنا لا أدخل عَلَى ولد فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرهم. ووصله فلم يقبل (عمر) صلته.

_ [1] كذا.

محمد بن الحنفية

«245» وقال الواقدي: لما عزل عبد الرحمان بن الضحاك عَن المدينة بكى ثُمَّ قَالَ: والله ما أبكي جزعا من العزل، ولا أسفا عَلَى الولاية، ولكني أربأ بهذه الوجوه أن يمتهنها [1] من لا يعرف لَهَا مثل الَّذِي أعرف ثُمَّ أنشد. فما السجن أضناني ولا القيد شفني ... ولكنني من خشية النار أجزع بلى إن أقواما أخاف عليهم ... إِذَا خفت أن يعصوا الذي كنت أمنع [2] [محمد بن الحنفية] وولد لعلي بن أبي طالب مُحَمَّد، وأمه خوله بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عُبَيْد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة من الدؤل بن حنيفة بالجيم [3] . «246» قَالَ عَليّ بن مُحَمَّد الْمَدَائِنيّ بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا إلى اليمن فأصاب خولة فِي بني زبيد، وقد ارتدوا مع عَمْرو بن معدي كرب، وصارت فِي سهمه، وَذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن ولدت منك غلاما فسمه باسمي وكنه بكنيتي،] فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام غلاما فسماه مُحَمَّدا وكناه/ 341/ أبا القاسم. «247» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَنْبَأَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةَ، عَنْ عَلِيٍّ [عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ وُلِدَ لِي غُلامٌ اسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال نعم] .

_ [1] كذا. [2] وفي نسخة: «إذا غبت أن يعصوا الذي كنت أمنع» . [3] كذا في النسخة، ومثله في مقتل أمير المؤمنين- عليه السلام- لابن أبي الدنيا، وفي الحديث العاشر من ترجمة محمد بن الحنفية من تاريخ دمشق: ج 51 ص 66، نقلا عن الزبير بن بكار: ثعلبة بن الدول بن حنفية ابن خيم (كذا) إلخ. وفي الحديث 13 منه، نقلا عن ابن سعد: الدول بن حنفية بن لحيم إلخ. والصواب: «بلجيم» كما في مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا.

«348» قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ الأَثْرَمِ وَعَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ خِرَاشِ بْنِ إِسْمَاعِيل الْعِجْلِيِّ قَالَ: أَغَارَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ فَسَبَوْا خَوْلَةَ بِنْتَ جَعْفَرٍ ثُمَّ قَدِمُوا بِهَا الْمَدِينَةَ فِي أَوَّلِ خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَبَاعُوهَا مِنْ عَلِيٍّ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ قَوْمَهَا فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى عَلِيٍّ فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم، فأعتقها (علي) وَمَهَرَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدًا ابْنَهُ، وَقَدْ كَانَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [أتأذن لي إن ولد لي بِأَنْ أُسَمِّيَهُ بِاسْمِكَ وَأُكَنِّيَهُ بِكُنْيَتِكَ؟ فَقَالَ نَعَمْ. فَسَمَّى ابْنَ الْحَنَفِيَّةَ مُحَمَّدًا وَكَنَّاهُ أَبَا الْقَاسِمِ] . (قال البلاذري) : وهذا أثبت من خبر المدائني. «249» وقال الواقدي: مات ابن الحنفية سنة اثنتين وثمانين وله خمس وستون سنة، وصلى عَلَيْهِ أبان بن عثمان وَهُوَ والي الْمَدِينَة وَقَالَ لَهُ أَبُو هاشم بن مُحَمَّد بن الحنفية: أن الإمام أولى بالصلاة، ولولا ذَلِكَ مَا قدمناك. وقال بعضهم: إن أبا هاشم أبى ان يصلي عليه أبان، فَقَالَ (أبان) : أنتم أولى بميتكم فصلى عَلَيْهِ أَبُو هاشم. وكانت الشيعة تسمي محمد بن علي (با) لمهدي [1] وقال فيه كثير (عزة) - وكان يزعم أنّ الأرواح تتناسخ [2] وتحتجّ بقول الله عَزَّ وَجَلَّ: «فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ» (8/ الانفطار: 82) -:

_ [1] هذه مقالة شرذمة قليلة من الشيعة الكيسانية، وكان حق العلم أن ينسب هذه المقالة إلى بعض الشيعة- لا الى كلهم المستفاد من إطلاق اللفظ- كما قال بعد ذلك: «وشيعة محمد» . [2] هذا أخذه من شيوخه المتجاهرين بنسبة البهت والبهتان إلى الشيعة فلا يقبل إلا إذا أذعن به خصمه ودونه خرط القتاد.

أقر الله عيني إذ دعاني ... أمين الله يلطف فِي السؤال وأثنى فِي هواي عَليّ خيرا ... وساءل عَن بني وكيف حالي هُوَ المهدي خبرناه كعب ... أخو الأحبار فِي الحقب الخوالي [1] فقال لَهُ عَليّ بن عبد الله بن جعفر: يا (أ) با صخر ما تثني عليك فِي هواك خيرا إلا من كَانَ عَلَى مثل رأيك. فقال: أجل بأبي أنت. وشيعة مُحَمَّد بن الحنفية يزعمون أَنَّهُ لَمْ يمت ولذلك قَالَ السيد: ألا قل للوصي فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المناما [2] (قال البلاذري:) يعني (جبل) رضوى. وقال كَثِير: ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة الحق أربعة سواء عَليّ والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط لَيْسَ بهم خفاء فسبط سبط ايمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء

_ [1] والأشعار ذكرها المسعودي- بتقديم وتأخير- في عنوان: «ابن الزبير وال بيت الرسول» من كتاب مروج الذهب: ج 3/ 71 ط بيروت نقلا عن الزبير بن بكار، في كتاب أنساب قريش وأنساب ال أبي طالب، وقال: قال فيه أشعارا هذه أولها. [2] وهذا أيضا ذكره في مروج الذهب عن المصدر المتقدم وزاد عما هنا: أضرّ بمعشر والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما وعادوا فيك أهل الارض طرا ... مغيبك عنهم سبعين عاما وما ذاق ابن خولة طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما لقد أمسى بمردف (بمورق «خ» ) شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما

وسبط لا تراه الْعَين حَتَّى ... يقود الخيل يقدمها اللواء [1] تغيب لا يرى فيهم زمانا ... برضوى عنده عسل وماء وقال السيد: أيا شعب رضوى ما لِمَن بك لا يرى [2] ... ويهيج قلبي الصبابة أولق حَتَّى متى وإلى متى وكم المدى؟ ... يا بن الوصي وأنت حي ترزق وزعم بعضهم أن اخت محمد بن عليّ لأمه (هي) عوانة بنت أبي مكمل من بني عفان.

_ [1] وكانت كلمة لواء في النسخة منكرة وذكرها أيضا في مروج الذهب عن المصدر المتقدم وفيه هكذا: يقود الخيل يتبعها اللواء. وقال في هامشه: وفي نسخة: «يقود الخيل يقدمها اللواء» . [2] وفي مروج الذهب نقلا عن المصدر المتقدم هكذا: يا شعب رضوى ما لِمَن بك لا يرى ... وبنا إليه من الصبابة أولق حتى متى؟ والى متى؟ وكم المدي إلخ. ومثله في الحديث: (11) من ترجمة ابن الحنفية من تاريخ دمشق.

بيعة علي بن أبي طالب عليه السلام

بسم الله الرّحمن الرّحيم بيعة عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام «250» حَدَّثَنَا خلف بْن سالم المخزومي، حَدَّثَنَا وَهْب بن جرير بن حازم، حدثنا أبو جعدبة (كذا) : عن صالح بن كيسان قال: قتل عثمان بن عفان باثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، فدعا عَلِيّ بْن أَبِي طالب النَّاس إِلَى بيعته [1] فبويع يوم السبت لإحدى عشرة ليلة/ 342/ بقيت من ذي الحجة، وَكَانَ أول من بايعه طلحة ابن عبيد اللَّه، وكانت إصبعه أصيبت يوم أحد، فشلت، فبصر بِهَا أعرابي حين بايع، فَقَالَ: ابتدأ هذا الأمر أشل لا يتم (كذا) ثُمَّ بايعه النَّاس بعد طلحة فِي المسجد، ثُمَّ خرج حَتَّى أتى مسجد بني عَمْرو بْن مبذول [2] من الأنصار فبويع فِيهِ أيضًا.

_ [1] فيه تسامح بين فإنه ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام وغيره بطرق كثيرة أنهم ألجئوه الى البيعة فراجع كلماته في أول الجزء الأول من نهج السعادة، وكذلك ما ذكره تحت الرقم: 8- من العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم من العقد الفريد: ج 3 ص 93 ط 1. [2] بدأنا في تحرير هذا الباب وما يليه في أوائل صباح يوم الجمعة «26 من شهر رجب المرجب سنة 1391 هـ» .

«251» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ: عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، قَالَ: قُتِلَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ بِأَرْضٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: الْبُغَيْبِغَةُ فَوْقَ الْمَدِينَةِ بِأَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ، فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: لَتُنَصِّبَنَّ لَنَا نَفْسَكَ أَوْ لَنَبْدَأَنَّ بِكَ، فَنَصَّبَ لَهُمْ نَفْسَهُ فَبَايَعُوهُ. «252» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَام بْن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ، عَن لوط بْن يَحْيَى أَبِي مخنف، عَن أَبِي روق الهمداني، وعن المجالد بْن سعيد: عَن الشَّعْبِيّ أن عُثْمَان بْن عَفَّان- رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ- لما قتل أقبل النَّاس إِلَى علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ليبايعوه ومالوا إِلَيْهِ فمدوا يده فكفها، وبسطوها فقبضها وَقَالُوا: بايع فإنا لا نرضى إِلا بك وَلا نأمن من اختلاف النَّاس وفرقتهم. فبايعه النَّاس وخرج حَتَّى صعد المنبر. وأخذ طلحة بْن عُبَيْد اللَّه وَالزُّبَيْر بْن العوام مفتاح بيت المال، وتخلفا عَن البيعة [1] فمضى الأشتر حَتَّى جاء بطلحة يتله تلا عنيفًا [2] وَهُوَ يقول: دعني حَتَّى أنظر مَا يصنع النَّاس فلم يدعه حَتَّى بايع عليًا فَقَالَ رجل من بني أسد يقال لَهُ: قَبِيصَة بْن ذويب: أول يد بايعت هَذَا الرجل من أصحاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شلاء والله مَا أرى هذا الأمر يتم.

_ [1] وفيه تسامح أيضا، فإن مفاتيح بيت المال قد أخذها طلحة في أيام حصار عثمان وتأليبه عليه، وأما تخلفهما عن بيعته عليه السلام فإن كان بمعنى انهما لم يكونا من المهاجمين عليه في بداية الأمر بعد قتل عثمان ليبايعوه فهو صحيح، وإن كان بمعنى انهما تخلفا عن بيعته بعد ما بايعه المهاجرون والأنصار، فهو خلاف الأدلة حتى ذيل الحديث نفسه فإنه يدل على أن أول من بايعه من أصحاب رسول الله هو طلحة، ولذا تشأم الأسدي بها. [2] اي يدفعه دفعا شديدا. وهذا أيضا خلاف ما يظهر من كلمات امير المؤمنين عليه السلام وغيره من انهما بايعاه طوعا، ولو انهما اظهرا الكراهة لم يك يكرههما كما لم يكره العثمانية الذين أبوا ان يبايعوه طوعا، والظاهر ان هذا التسامح في التعبير من الشعبي والمجالد مداراة لبني امية!!!

وَكَانَ طلحة أول من بايع مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعث عَلِيّ بْن أَبِي طالب من أخذ مفاتيح بيت المال من طلحة. وخرج حكيم ابن جبلة العبدي إِلَى الزُّبَيْر بْن العوام حَتَّى جاء به فبايع، فكان (الزبير) يقول: ساقني لص من لصوص عبد القيس حتى بايعت مكرها. قال (الشعبيّ) : وأتي علي بعبد اللَّه بْن عمر بْن الخطاب ملببًا والسيف مشهور عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: بايع. فَقَالَ: لا أبايع حَتَّى يجتمع النَّاس عليك. قَالَ: فأعطني حميلا ألا تبرح. فَقَالَ: لا أعطيك حميلا. فَقَالَ الأشتر: إن هَذَا رجل قد أمن سوطك وسيفك فأمكني منه. فقال عليّ: [دعه أنا حميله فو الله ما علمته [1] إلا سيئ الخلق صغيرًا وكبيرًا] . قَالَ: وجيء بسعد بْن أَبِي وقاص فقيل لَهُ: بايع. فَقَالَ: يَا (أ) با الحسن إذا لم يبق غيري بايعتك. فَقَالَ علي: [خلوا سبيل أَبِي إِسْحَاق] . وبعث علي إِلَى مُحَمَّد بْن مسلمة الأَنْصَارِيّ ليبايع فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أمرني إذا اختلف النَّاس أن أخرج بسيفي فأضرب بِهِ عرض (أحد) حَتَّى ينقطع فَإِذَا انقطع أتيت بيتي فكنت فِيهِ لا أبرح حَتَّى تأتيني يد خاطفة أو ميتة قاضية. قَالَ: فانطلق إذا. فخلي سبيله. وبعث إِلَى وهب بْن صيفي الأَنْصَارِيّ ليبايعه فَقَالَ: إن خليلي وَابْن عمك قَالَ لي قاتل المشركين بسيفك فَإِذَا رأيت فتنة فأكسره واتخذ سيفا من خشب واجلس في بيتك!!! فتركه.

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فو الله ما عممته» .

قال: ودعا أسامة بن يزيد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى البيعة، فَقَالَ: أنت أحب النَّاس إلي وآثرهم عندي ولو كنت بين لحيي أسد لأحببت أن أكون معك ولكني عاهدت اللَّه أن لا أقاتل رجلا يقول: لا إله إلا الله. قال: فبايع أهل المدينة عَلِيًّا فأتاه ابْن عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: يَا علي اتق اللَّه وَلا تنتزين [1] عَلَى أمر الأمة بغير مشورة. ومضى إِلَى مَكَّة. «253» حَدَّثَنَا أَبُو قلابة عبد الملك بْن محمد الرقاشي حدثني محمد بن عائشة، حَدَّثَنَا معتمر بْن سُلَيْمَان قَالَ: قلت لأبي: إن النَّاس يقولون: إن بيعة علي لم تتم. قَالَ: يَا بني بايعه أهل الحرمين وإنما البيعة لأهل الحرمين. «254» حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْرَائِيلَ يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِهِ: أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ لَقِيَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَقَالا لَهُ: بَايَعْتَ عَلِيًّا وَآزَرْتَهُ فَقَالَ/ 343/ نَعَمْ أَلَمْ تَأْمُرَانِي بِذَلِكَ. فَقَالا لَهُ: إِنَّمَا أَنْتَ ذُبَابُ طَمَعٍ وَتَابِعٌ لِمَنْ غَلَبَ. فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمَا. «255» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: قَالَ علي لعبد اللَّه بْن عَبَّاس: سر إِلَى الشَّام فقد بعثتك عليها. فقال (ابن عباس) : مَا هَذَا برأي، مُعَاوِيَة ابْن عم عُثْمَان وعامله والناس بالشام مَعَهُ وفي طاعته، ولست آمن إن يقتلني بعثمان عَلَى الظنة، فَإِن لم يقتلني تحكم علي وحبسني، ولكن اكتب إِلَيْهِ فمنه وعده فَإِذَا استقام لك الأمر بعثتني إن أردت. «256» وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أبو عثمان، حدثنا الأسود ابن شيبان، أنبأنا خالد بن سمير قال:

_ [1] أي لا تثبن ولا تركبن.

غَدَا عَلِيٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ صَبِيحَةَ قُتِلَ عثمان فقال: أيّم أبو عبد الرحمان أَيْمَ الرَّجُلُ [1] اخْرُجْ إِلَيْنَا فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ كُتُبُنَا قَدْ فَرَغْنَا مِنْهَا فَارْكَبْ بِهَا إِلَى الشام. فقال (ابن عمر) : أُذَكِّرُكَ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَكُنْ فِي أَوَّلِهِ وَلا آخِرِهِ، فَلَئِنْ كَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُرِيدُونَكَ لَتَأْتِيَنَّكَ طَاعَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا لا يُرِيدُونَكَ فَمَا أَنَا بِرَادٍّ مِنْهُمْ عَنْكَ شَيْئًا فَقَالَ: لَتَرْكَبَنَّ طَائِعًا أَوْ كَارِهًا. ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمَّا أَمْسَى دَعَا بِنَجَائِبِهِ أَوْ قَالَ: بِرَوَاحِلِهِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ فَرَمَى بِهَا مَكَّةَ وَتَرَكَ عَلِيًّا يَتَذَمَّرُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ. «257» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: قَالَ المغيرة بْن شعبة (لعلي) : أرى أن تقر مُعَاوِيَة عَلَى الشَّام وتثبت ولايته وتولي طلحة والزبير المصرين (كي) يستقيم لك النَّاس. فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن العباس: إن الْكُوفَة والبصرة عين المال وإن وليتهما إياهما لم آمن أن يضيقا عليك، وإن وليت مُعَاوِيَة الشَّام لم تنفعك ولايته. فَقَالَ المغيرة: لا أرى لك أن تنزع ملك معاوية فإنّه الآن يتّهمكم (كذا) بقتل ابْن عمه، وإن عزلته قاتلك فوله وأطعني. فأبى وقبل قول ابْن عَبَّاس. «258» حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بن كهيل، عن سالم ابن أَبِي الْجَعْدِ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ عَلِيٍّ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ائْتِ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ. فَذَهَبَ لِيَقُومَ فَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ وَقُلْتُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ تأته، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: قَدْ قُتِلَ فَقَامَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالُوا: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْكَ. فَقَالَ: [لا، أَنَا لَكُمْ وزير خير مني

_ [1] كذا في النسخة، والظاهر أن فيها التصحيف والحذف، وصوابه: مهيم أبو عبد الرحمان مهيم الرجل؟ اخرج إلينا. فخرج (ابن عمر) إليه فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ كُتُبُنَا قَدْ فَرَغْنَا مِنْهَا ... ومهيم- كمقعد-: ما الذي أنت فيه؟ وما أمرك وشأنك؟

لَكُمْ أَمِيرٌ.] فَأَبَوْا فَقَالَ: [أَمَا إِذْ أَبَيْتُمْ فَإِنَّ بَيْعَتِي لا تَكُونُ سِرًّا فَاخْرُجُوا إِلَى الْمَسْجِدِ فَخَرَجُوا] . «259» وَحَدَّثْتُ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الأَزْرَقِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ سَالِمٍ: عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيٍّ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَقْتُولٌ السَّاعَةَ. قَالَ: فَقَامَ وَأَخَذْتُ بِسَوْطِهِ فَقَالَ: خَلِّ لا أُمَّ لَكَ. فَانْطَلَقَ إِلَى الدَّارِ وَقَدْ قُتِلَ الرَّجُلُ، فَأَتَاهُ النَّاسُ فَقَالُوا: إِنَّهُ لا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ خَلِيفَةٍ وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ. فَقَالَ لَهُمْ: [لا تُرِيدُونِي فَإِنِّي لَكُمْ وَزِيرًا خَيْرٌ مِنِّي أميرا!!] قالوا: والله ما نعلم (أحدا) أحقّ بها منك. قال: [فإذ أَبَيْتُمْ فَإِنَّ بَيْعَتِي لا تَكُونُ سِرًّا، وَلَكِنْ أَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَنْ شَاءَ بَايَعَنِي] . فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ. «260» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قُتِلَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ، فَمَالَ النَّاسُ قِبَلَ طَلْحَةَ لِيُبَايِعُوهُ، وَانْصَرَفَ عَلِيٌّ يُرِيدُ مَنْزِلَهُ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ قَتَلَ ابْنَ عَمَّتِهِ وَسَلَبَ ملكه، فولّى (علي) رَاجِعًا فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقِيلَ: هَذَا عَلِيٌّ (عَلَى) الْمِنْبَرِ. فَتَرَكَ النَّاسُ طَلْحَةَ وَمَالُوا إِلَيْهِ فَبَايَعُوهُ. «261» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ. عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ عَلِيًّا كَتَبَ إلى خالد ابن العاص

ابن هشام بن المغيرة يأمّره على مكة، وأمره بأخذ البيعة (له) ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، فَأَخَذَ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بن الوليد بن زيد ابن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس الصَّحِيفَةَ [1] فَمَضَغَهَا/ 344/ وَأَلْقَاهَا فَوُطِئَتْ فِي سِقَايَةِ زَمْزَمَ، فَقُتِلَ ذَلِكَ الْفَتَى يَوْمَ الْجَمَلِ مَعَ عَائِشَةَ. قَالَ: وَسَارَ عَلِيُّ بْنُ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ- وَكَانَ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ أَمِيرَ مَكَّةَ- إِلَى الْبَصْرَةِ فَقُتِلَ بِهَا وَلَهُ يُقَالُ: يَا رَبِّ فَاعْقِرْ لِعَلِيٍّ جَمَلَهُ ... وَلا تُبَارِكْ فِي بَعِيرٍ حَمَلَهُ إِلا عَلِيَّ بْنَ عَدِيٍّ لَيْسَ لَهُ «262» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: وجه علي عَلَيْهِ السلام المسور ابن مخرمة الزُّهْرِيّ إِلَى مُعَاوِيَةَ- رحمه اللَّه [2]- لأخذ البيعة عَلَيْهِ، وكتب إِلَيْهِ مَعَهُ: إن النَّاس قد قتلوا عُثْمَان عَن غير مشورة مني وبايعوا لي (عن مشورة منهم واجتماع [3] ) فبايع رحمك اللَّه موفقا وفد إلي فِي أشراف أَهْل الشَّامِ. ولم يذكر لَهُ ولاية، فلما ورد الكتاب عليه، أبا البيعة لعلي واستعصى، ووجه رجلا مَعَهُ صحيفة بيضاء، لا كتاب فِيهَا وَلا عَلَيْهَا خاتم- ويقال كانت رجلا مَعَهُ صحيفة بيضاء، لا كتاب فِيهَا ولا عليها خاتم- ويقال كانت مختومة- وعنو (ا) نها: من مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَانَ إِلَى عَلِيّ بْن أَبِي طالب فلما رآها علي قَالَ: ويلك مَا وراؤك؟ قَالَ: أخاف أن تقتلني. قَالَ: [ولم اقتلك وأنت رَسُول.] فَقَالَ: إني أتيتك من قبل قوم يزعمون أنك قتلت

_ [1] يعني كتاب أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا الكتاب إلى الان لم أجد من يذكر لفظه وقد بحثت عن أشكاله ستة عشر سنة. [2] انظر إلى المساكين وما يصنعون!!! [3] بين المعقوفين مأخوذ من شرح المختار الثامن من نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج 1، ص 230 ط مصر.

عُثْمَان وليسوا براضين دون أن يقتلوك بِهِ. فَقَالَ علي: [يَا أهل المدينة والله لتقاتلن أو ليأتينكم من يقاتلكم] . فبايع عَلِيًّا أهل الأمصار إِلا مَا كَانَ من مُعَاوِيَة وأهل الشَّامِ وخواص من النَّاس. «263» «وَحَدَّثَنَا» خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ ابْنِ جُعْدُبَةَ: عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قال: قُتِلَ عُثْمَانُ وَبُويِعَ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ فِي الْحَجِّ فَأَقَامَتْ بِمَكَّةَ، وَخَرَجَ إِلَيْهَا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَقَدْ نَدِمَا عَلَى الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا فِي أَمْرِ عُثْمَانَ، وَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنْ كَانَ عُثْمَانُ ابْنَ عَمِّكَ فَأَنَا ابْنُ عَمِّكَ، وَإِنْ كَانَ وَصَلُكَ فَإِنِّي أَصِلُكَ وَقَدْ أَمَّرْتُكَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، فَاعْمَلْ فِيهِ بِالَّذِي يحق عَلَيْكَ [1] . فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى مُعَاوِيَةَ دَعَا بِطُومَارٍ لا كِتَابَ فِيهِ ثُمَّ كَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَطْ، ثُمَّ طَوَاهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ وَكَتَبَ عِنْوَانَهُ: مِنْ مُعَاوِيَةَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَبَعَثَ بِهِ مَعَ رَجُلٍ من عبس يقال له: يزيد ابن الْحُرِّ، فَقَدِمَ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ فَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَجِرْنِي. قَالَ: [قَدْ أَجَرْتُكَ إِلا مِنْ دَمٍ.] فَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا نَظَرَ فِيهِ عَرَفَ ان معاوية مباعداه [2] . ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ بْنَ الْحُرِّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ الْخَيْلَ الْخَيْلَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ليدخلنها اليوم [3] عَلَيْكُمْ أَرْبَعَةُ آلافِ فَارِسٍ- أَوْ قَالَ: فَرَسٍ-

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «لحق عليك» ثم إن ما في هذا الحديث من قوله: «وقد أمرتك على ما أنت عليه» كذب اختلق على أمير المؤمنين في الأعصار المتاخرة وقد تراكمت الشواهد على خلافه، منها ما دار بينه عليه السلام وبين ابن شعبة، ومنها ما كتبه عليه السلام في غير واحد من كتبه إلى معاوية، ومنها ما كتبه معاوية في صفين إليه فانظر باب الكتب والخطب من نهج السعادة. [2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: مباعده أو مباعد إياه. [3] كلمة: «اليوم» كأنما ضرب عليها الخط في النسخة.

«264» المدائني أَبُو الحسن عَن أشياخ ذكرهم، وعلي من مجاهد [1] . قَالُوا: لما بويع علي أتى الْكُوفَة الخبر فبايع هِشَام بْن عتبة [2] لعلي وَقَالَ: هَذِهِ يميني وشمالي لعلي وَقَالَ: أبايع غير مكتتم عَلِيًّا ... وَلا أخشى أميري الأشعريا وقدم ببيعته عَلَى أهل الْكُوفَة يزيد بْن عاصم المحاربي فبايع أَبُو مُوسَى لعلي فَقَالَ: عَمَّار- حين بلغته بيعته لَهُ-: والله لينكثن عهده ولينقضنّ عقده وليغرن جهده وليسلمن جنده [3] . فلما كَانَ من طَلْحَةَ وَالزُّبَيْر مَا كَانَ قَالَ أَبُو مُوسَى: الإمرة مَا أمر فِيهِ والملك مَا غلب عَلَيْهِ. فلم يزل واليا عَلَى الْكُوفَة حَتَّى كتب إليه عليّ من «ذيقار» يأمره ان تستنفر النَّاس فثبطهم وَقَالَ: هَذِهِ فتنة. فوجه علي حينئذ عمار بن ياسر، مع الحسن ابن علي إِلَى الْكُوفَةِ لاستنفار النَّاس. «265» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ مَا دَخَلْتُ فِيهِ] . «266» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ:

_ [1] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «وعلي بن مجاهد» . [2] كذا في النسخة، والصواب: «هاشم بن عتبة» وهو شهيد صفين، ابن أخي سعد بن أبي وقاص. [3] كذا في النسخة، ولعل الكلام مصحف في الأخيرتين، والكلام أخذه عمار (ره) من معدن الوحي أو من وصيه صلوات الله عليهم.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرحمان، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُنَاجِي رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ، مِنْ بَنِي حَارِثَةَ فَقَالَ: مَنْ تُحَدِّثُونَ أَنَّهُ/ 445/ يُسْتَخْلَفُ مِنْ بَعْدِي؟ فَعَدَّ الأَنْصَارِيُّ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَيْنَ أنتم عن علي، فو الله إِنِّي لأَرَى أَنَّهُ إِنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِكُمْ سَيَحْمِلُكُمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَقِّ [1] . «267» حَدَّثَنِي رُوحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْجَلِيلِ الْقَيْسِيِّ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ مَنْ يُسْتَخْلَفُ بَعْدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ. فَقَالَ: أَيْمُ اللَّهِ لا يَسْتَخْلِفُونَهُ، وَلَئِنِ اسْتَخْلَفْتُمُوهُ أَقَامَكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَإِنْ كَرِهْتُمُوهُ. «268» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ حَارِثَةَ قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ، فَسَمِعْتُ حَادِيَ عُمَرَ يحدو: إن الأمير بعده ابن عفان. (قال) وَسَمِعْتُ الْحَادِي يَحْدُو فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ: إِنَّ الأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ ... وَفِي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيٌّ. «269» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عياض، عن محمد ابن أَبِي لَيْلَى مَوْلَى الأَسْلَمِيِّينَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَطِيَّةَ الثَّقَفِيِّ: أَنَّ عَطِيَّةَ أَخْبَرَهُ قَالَ لَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ عُثْمَانَ، أَقْبَلْتُ مَعَ عليّ

_ [1] وتقدم ما في معناه في الحديث: (33) ، وكذلك ذكر ما في معناه بأسناد اخر، في الحديث: (1127) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38/ 68، وله شواهد جمة من طريق القوم، فويل للذين يعرفون الحق ويرونه وهم عنه معرضون؟!!

فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدْتُ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ قَدِ اجتمعوا على طلحة، فخرج أبو جهم ابن حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى طَلْحَةَ وَأَنْتَ غَافِلٌ. فَقَالَ: أَيُقْتَلُ ابْنُ عَمَّتِي وَأُغْلَبُ عَلَى مُلْكِهِ، ثُمَّ أَتَى بَيْتَ الْمَالِ فَفَتَحَهُ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ بِذَلِكَ تَرَكُوا طَلْحَةَ وَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ. «270» حدثني مُحَمَّد بْن حاتم المروزي، وروح بْنِ عَبْدِ المؤمن، قَالا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل، عَن مُحَمَّد بْن راشد صاحب مكحول، عَن عوف قَالَ: كنت عند الحسن فَقَالَ لَهُ أَبُو جوشن الغطفاني: مَا أزرى بأبي مُوسَى إِلا إتباعه عَلِيًّا. قَالَ: فغضب الحسن ثُمَّ قَالَ: ومن يتبع؟ قتل عُثْمَان مظلوما فعمدوا إِلَى أفضلهم فبايعوه، فجاء مُعَاوِيَة باغيا ظالمًا، فَإِذَا لم يتبع أَبُو مُوسَى عَلِيًّا فمن يتبع؟. «271» حَدَّثَنِي إبراهيم بن محمد اليثامي [1] وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ قَدْ خَلَّى بَيْنَ طَلْحَةَ وَبَيْنَ عُثْمَانَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بَرَزَ عَلِيٌّ لِلنَّاسِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَشِيَ أن يبايع الناس طلحة، فلما دعا (هم) إِلَى الْبَيْعَةِ لَمْ يَعْدِلُوا بِهِ طَلْحَةَ وَلا غَيْرَهُ. «272» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عَوْفٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ جَعَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَ عَلِيًّا: قَالَ: فَجَاءَ طَلْحَةُ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: [هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ.] فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مِنِّي. «273» وحدثت عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن السائب، عَن صهبان مولى الأسلميين قَالَ: جاء علي والناس مَعَهُ والصبيان يعدون ومعهم الجريد الرطب، فدخل حائطا فِي بني مبذول، وطرح الأشتر النخعي خميصته عليه ثم قال:

_ [1] كذا في النسخة بالياء المثناة التحتانية، والثاء المثلثة، ولم أجده في تهذيب التهذيب ولسان الميزان.

مَا تنتظرون؟ يَا علي أبسط يدك. فبسط يده فبايعه ثُمَّ قَالَ: قوموا فبايعوا، قم يا طلحة قم يا زبير (فقاما) فبايعا وبايع النَّاس. «274» حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا هَشِيمُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: رَأَيْتُ الزُّبَيْرَ بَايَعَ عَلِيًّا فِي حَشٍّ مِنْ أَحْشَاشِ الْمَدِينَةِ. «275» الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ بَايَعَا عَلِيًّا. «276» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ الْعَلاءِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ: حدثني أبو راسد [1] قال: انتهت بيعة عليا إلى حذيفة وهو من مدائن، فَبَايَعَ بِيَمِينِهِ شِمَالَهُ ثُمَّ قَالَ: لا أُبَايِعُ بَعْدَهُ لأَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ، مَا بَعْدَهُ إِلا أَشْعَرُ أَوْ أَبْتَرُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَرُوِيَ عَن حُذَيْفَةَ (أَنَّهُ) قَالَ: مَنْ أَرَادَ أن يلقي (كذا) أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا فَلْيَأْتِ عَلِيًّا. «277» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا محمد ابن أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: أَنَّ/ 346/ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُكَلِّمَكَ وَبَكَى فَقَالَ عَلِيٌّ: تَكَلَّمْ وَلا تَحِنَّ حَنِينَ الْمَرْأَةِ. فَقَالَ: [إِنَّ النَّاسَ حَصَرُوا عُثْمَانَ فَأَمَرْتُكَ أَنْ تَعْتَزِلَهُمْ وَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ حتى تؤب إلى العرب عوازب أحلامها

_ [1] كذا في النسخة بالسين المهملة، ورواه أيضا الحاكم في الحديث: (26) من ترجمة أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 115، قال: حدثنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا العلاء بن صالح، عن عدي ابن أبي ثابت. عن أبي راشد قال: لما جاءت بيعة علي إلى حذيفة قال: لا أبايع بعده إلا أصعر أو أبتر.

فَأَبَيْتَ، ثُمَّ قَتَلَهُ النَّاسُ فَأَمَرْتُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ النَّاسَ فَلَوْ كُنْتَ فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَضَرَبَتْ إِلَيْكَ الْعَرَبُ أَبَاطَ الإِبِلِ حَتَّى يَسْتَخْرِجُوكَ، فَغَلَبْتَنِي، وَأَنَا آمُرُكَ الْيَوْمَ أَنْ لا تَقْدَمَ الْعِرَاقَ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تُقْتَلَ بِمَضْيَعَةٍ!!] فَقَالَ عليّ: [أما قولك تأتي مكة فو الله مَا كُنْتُ لأَكُونَ الرَّجُلَ الَّذِي تَسْتَحِلُّ بِهِ مَكَّةُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ حَصَرَ النَّاسُ عُثْمَانَ فَمَا ذَنْبِي إِنْ كَانَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ عُثْمَانَ مَا كَانَ (وَأَمَّا قَوْلُكَ) اعْتَزِلِ (النَّاسَ وَلا تقدم) العراق [1] فو الله لا أَكُونُ مِثْلَ الضَّبُعِ أَنْتَظِرُ اللَّدْمَ] . «278» حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عن أَبِي مِخْنَفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو يُوسُف الأَنْصَارِيُّ [2] : أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْمَدِينَةَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ النَّاسَ لَمَّا بَايَعُوا عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْمَدِينَةِ بَلَغَ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- أَنَّ النَّاسَ بَايَعُوا لِطَلْحَةَ، فَقَالَتْ: إِيهْ ذَا الإِصْبَعِ لِلَّهِ أنت، لقد وجدوك لها

_ [1] بين المعقوفات كان ساقطا من النسخة، وأثبتناه على وفق السياق. والكلام مما دار بين أمير المؤمنين والسبط الأكبر عليهما السلام في الربذة أو ذي قار، بعد استيلاء طلحة والزبير على البصرة واخراج ابن حنيف منها، ورواه جماعة منهم ابن أبي شيبة- كما في حديث الثقلين من العبقات ج 6/ 1021- ورواه أيضا الطبري في سيرة أمير المؤمنين من تاريخه: ج 3 ص 474، و 475 بسندين، ورواه أيضا في الحديث (37) من الجزء الثاني من امالي الطوسي واشار إليه في ابيات الحية من كتاب معاني الكبير: ج 1/ 67 وكذلك ابو عبيد القاسم بن سلام في كتاب غريب الحديث كما ذكره ابن أبي الحديد بعيد المختار: (266) من قصار النهج من شرحه: ج 19/ 117، ورواه بطرق في ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38/ 52، وقطعة منه- هي احسن مما ذكره الجميع- ذكرها في المختار السادس من نهج البلاغة. [2] وفي النسخة: «حدثني أبي يوسف الأنصار» ولكن رسم الخط في «أبي» ليس جليا ويمكن ان يكون الأصل هكذا: «حدثني أبي عن يوسف الأنصاري» .

مِحَشًّا [1] وَأَقْبَلَتْ جَذِلَةً مَسْرُورَةً حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ إلى سرف [2] استقبلها عبيد ابن مَسْلَمَةَ اللَّيْثِيُّ الَّذِي يُدْعَى ابْنَ أُمِّ كِلابٍ فَسَأَلَتْهُ عَنِ الْخَبَرِ، قَالَ: قَتَلَ النَّاسُ عُثْمَانَ. قالت: نعم ثم صنعوا ماذا؟. قال (صنعوا) خَيْرًا، حَارَتْ بِهُمُ الأُمُورُ إِلَى خَيْرِ مَحَارٍ (كذا) بايعوا ابن عم نبيهم عليا. فقالت: أو فعلوها؟ وَدِدْتُ أَنَّ هَذِهِ أَطْبَقَتْ عَلَى هَذِهِ إِنْ تَمَّتِ الأُمُورُ لِصَاحِبِكَ الَّذِي ذَكَرْتَ!!! فَقَالَ لَهَا: وَلِمَ؟ وَاللَّهِ مَا أَرَى الْيَوْمَ فِي الأَرْضِ مِثْلَهُ فَلِمَ تَكْرَهِينَ سُلْطَانَهُ؟!! فَلَمْ تُرْجِعْ إِلَيْهِ جَوَابًا وَانْصَرَفَتْ إِلَى مَكَّةَ فَأَتَتِ الْحِجْرَ فَاسْتَتَرَتْ فِيهِ وَجَعَلَتْ تَقُولُ: إِنَّا عَتَبْنَا عَلَى عُثْمَانَ فِي أُمُورٍ سَمَّيْنَاهَا لَهُ وَوَقَفْنَاهُ عَلَيْهَا فَتَابَ مِنْهَا وَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَبِلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ وَلَمْ يَجِدُوا مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، فَوَثَبَ عَلَيْهِ مِنْ إِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْهُ فَقَتَلَهُ، فَقُتِلَ- وَاللَّهِ- وَقَدْ مَاصُّوهُ كَمَا يُمَاصُّ الثَّوْبُ الرَّحِيضُ [3] وَصَفَّوْهُ كَمَا يُصَفَّى الْقَلْبُ. «279» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم، عَن يُونُسَ بْن يَزِيدَ الأَيْلِيِّ: عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ سَأَلَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَلِيًّا أَنْ يُوَلِّيَهُمَا الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ [فَقَالَ تَكُونَانِ عِنْدِي فَأَتَجَمَّلُ بِكُمَا فَإِنِّي أستوحش لفراقكما] .

_ [1] المحش والمحشة- كالمجن والمجنة- ما تحرك به النار من حديدة أو عود. ويستعار لغيره فيقال: فلان محش حرب: موقدها ومؤرثها. [2] والقصة رواها أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (79) من نهج البلاغة: ج 6 ص 215 وفيه في موضعين: «شراف» ، والظاهر ان ما هنا هو الصواب، قال في معجم البلدان: هو (ككتف) موضع على ستة أميال من مكة. وقيل: سبعة. (وقيل) تسعة. و (قيل:) اثنا عشر. قال القاضي: وأما الذي حمى فيه عمر فجاء فيه انه حمى السرف والربذة. كذا عند البخاري- بالسين المهملة-، وفي موطأ ابن وهب: الشرف بالشين المعجمة وفتح الراء، وكذا رواه بعض رواة البخاري وأصلحه وهو الصواب. [3] الرحيض: المغسول، فعيل بمعنى مفعول، تريد انه تطهر من الذنب وخرج من وسخ الآثام بالتوبة.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَهُمَا: [إِنْ أَحْبَبْتُمَا أَنْ تُبَايِعَانِي فَافْعَلا، وَإِنْ أَحْبَبْتُمَا بَايَعْتُ أَيُّكُمَا شِئْتُمَا؟] فَقَالا: بَلْ نُبَايِعْكَ. ثُمَّ قَالا بَعْدُ: إِنَّمَا صَنَعْنَا ذَلِكَ خَشْيَةً على أنفسنا، وقد عرفنا أن لَمْ يَكُنْ لِيُبَايِعَنَا. ثُمَّ طَمَرَا [1] إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. «280» حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: دَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِمَا بِهَا وَقَالَ: لِي بِهَا صَنَائِعُ. وَكَانَ وَالِيهَا مِنْ قِبَلِ عُثْمَانَ بَعْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَدْ أَتَاكُمْ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ كَرِيمُ الأُمَّهَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالاتِ، يَقُولُ بِالْمَالِ فيكم كذا وكذا [2] .

_ [1] أي ذهبا إليها، وهو من باب قعد، والمصدر الطمور كالقعود. [2] كناية عن بذله وجوده على الناس.

خبر (حرب) الجمل

بسم الله الرّحمن الرّحيم خبر (حرب) الْجَمَلِ «281» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَخَلَفُ بْنُ سالم، قالا: حدثنا وهب ابن جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدٍ الأَيْلِيِّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: صَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إلى مَكَّةَ وَابْنُ عَامِرٍ بِهَا بِحَرِّ الدُّنْيَا [1] قَدْ قَدِمَ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَبِهَا يَعْلَى بْنُ مَنِيَّةَ- وَهِيَ أُمُّهُ وَأَبُوهُ أُمَيَّةُ تَمِيمِيٌّ- وَمَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ قَدِمَ بِهِ مِنَ الْيَمَنِ، وَزِيَادَةٌ عَلَى أربعمائة بَعِيرٍ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ عَائِشَةَ فَأَدَارُوا الرَّأْيَ فَقَالُوا: نَسِيرُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنُقَاتِلُ عَلِيًّا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَتْ لَكُمْ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ طَاقَةٌ. قَالُوا: فَنَسِيرُ إِلَى الشَّامِ فِيهِ الرِّجَالُ وَالأَمْوَالُ وَأَهْلُ الشَّامِ شِيعَةٌ لِعُثْمَانَ، فَنَطْلُبُ بِدَمِهِ وَنَجِدُ عَلَى ذَلِكَ أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا وَمُشَايِعِينَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: هُنَاكَ مُعَاوِيَة وَهُوَ/ 347/ وَالِي الشَّامِ وَالْمُطَاعُ بِهِ، وَلَنْ تَنَالُوا مَا تُرِيدُونَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْكُمْ بِمَا تُحَاوِلُونَ لأَنَّهُ ابْنُ عَمِّ الرَّجُلِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نسير إلى العراق، فلطلحة بالكوفة شيعة،

_ [1] كذا في النسخة كتبه مشددا.

وَلِلزُّبَيْرِ بِالْبَصْرَةِ مَنْ يَهْوَاهُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَأَعْطَاهُمْ مَالا كَثِيرًا قَوَّاهُمْ بِهِ، وَأَعْطَاهُمْ يَعْلَى بْنَ مَنِيَّةَ التَّمِيمِيُّ مالا كثيرا وإبلا، فخرجوا في تسعمائة (سبعمائة «خ» ) . رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَلَحِقَهُمُ النَّاسُ حَتَّى كَانُوا ثَلاثَةَ آلافِ رَجُلٍ. فَبَلَغَ عَلِيًّا مسيرهم، ويقال: إن أم الفضل بنت الحرث بْنِ حَزَنٍ كَتَبَتْ بِهِ إِلَى عَلِيٍّ، فَأَمَرَ عليّ سهل بن حنيف الأنصاري (على المدينة) وشخص حتى نزل ذاقار. «282» حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أَبِي مِخْنَفٍ: أَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ اسْتَأْذَنَا عَلِيًّا فِي الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: لَعَلَّكُمَا تُرِيدَانِ الشَّامَ أَوِ الْعِرَاقَ؟ فَقَالا: اللَّهُمَّ غُفْرًا إِنَّمَا نَوَيْنَا الْعُمْرَةَ. فَأَذِنَ لَهُمَا فَخَرَجَا مُسْرِعِينَ وَجَعَلا يَقُولانِ: لا وَاللَّهِ مَا لِعَلِيٍّ فِي أَعْنَاقِنَا بَيْعَةٌ، وَمَا بَايَعْنَاهُ إِلا مُكْرَهِينَ تَحْتَ السَّيْفِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عليّا فقال: [أخذهما الله (أبعدهما لله «خ» ) إِلَى أَقْصَى دَارٍ وَأَحَرِّ نَارٍ] . وَوَلَّى عَلِيٌّ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ الأَنْصَارِيَّ الْبَصْرَةَ، فَوَجَدَ بِهَا خَلِيفَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَهُوَ ابْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَحَبَسَهُ وَضَبَطَ الْبَصْرَةَ. «283» وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، حدثنا ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَجْمَعُوا عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْبَصْرَةِ للطلب بدم عثمان، وكان يعلى بن منية قد قدم من اليمن فحملهم على أربعمائة بَعِيرٍ، فِيهَا عَسْكَرَ جَمَلُ عَائِشَةَ الَّذِي رَكِبَتْهُ. «284» وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ وَهْبِ بن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ.

وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ، عن أبي مخنف في اسناده- فسقت حديثهما ورددت من بعضه على بعض-: قَالُوا: قَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عَلَى عَائِشَةَ فَدَعَوَاهَا إلى الْخُرُوجِ، فَقَالَتْ: أَتَأْمُرَانِي أَنْ أُقَاتِلَ؟ فَقَالا: لا وَلَكِنْ تُعْلِمِينَ النَّاسَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا، وَتَدْعِيهُمْ إِلَى أَنْ يَجْعَلُوا الأَمْرَ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُوا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي تَرَكَهُمْ عَلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَتُصْلِحِينَ بَيْنَهُمْ. وَكَانَ بِمَكَّةَ سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْنِ أُمَيَّةَ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي العاص بْن أُمَيَّة، وعبد الرحمان بن عتّاب بن أسيد ابن أبي العاص ابن أُمَيَّةَ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ قَدْ شَخَصُوا مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَجْمَعُوا عَلَى فِرَاقِ عَلِيٍّ وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَالْمُغِيرَةُ يُحَرِّضُ النَّاسَ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ [1] ثُمَّ صَارَ إِلَى الطَّائِفِ مُعْتَزِلا للفريقين جميعا.

_ [1] قال في ترجمة سعيد بن العاص من الطبقات الكبرى: ج 5 ص 34- ومثله في ترجمته من تاريخ دمشق: ج 20 ص 32-: قالوا: فلما خرج طلحة والزبير، وعائشة من مكة يريدون البصرة، خرج معهم سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الرحمان بن عتاب ابن أسيد، والمغيرة ابن شعبة، فلما نزلوا مر الظهران- ويقال ذات عرق- قام سعيد بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن عثمان عاش في الدنيا حميدا وخرج منها فقيدا وتوفي سعيدا شهيدا، فضاعف الله حسناته وحط سيئاته ورفع درجاته مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وقد زعمتم أيها الناس أنكم إنما تخرجون تطلبون بدم عثمان فإن كنتم ذلك تريدون فإن قتلة عثمان على صدور هذه المطي وأعجازها فميلوا عليهم بأسيافكم!!! وإلا فانصرفوا الى منازلكم ولا تقتلوا في رضا المخلوقين أنفسكم ولا يغني الناس عنكم يوم القيامة شيئا. فقال مروان بن الحكم: لا بل نضرب بعضهم ببعض فمن قتل كان الظفر فيه، ويبقى الباقي فنطلبه وهو واهن ضعيف!!! وقام المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه وقال: ان الرأي ما رأى سعيد بن العاص، من كان من هوازن فأحب أن يتبعني فليفعل، فتبعه اناس منهم وخرج حتى نزل الطائف فلم يزل بها حتى مضى الجمل وصفين. ورجع سعيد الى مكة فلم يزل بها حتى مضى الجمل وصفين.

فَجَعَلَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ وَإِعَادَةِ الأَمْرِ شُورَى. وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَكَانَتْ تَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ آمُرُكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَابَعْتُمْ عَلِيًّا فَارْضَوْا بِهِ فو الله مَا أَعْرِفُ فِي زَمَانِكُمْ خَيْرًا مِنْهُ. وَسَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ فِيمَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّاسِ فَخَرَجُوا فِي ثَلاثَةِ آلافٍ، مِنْهُمْ مِنْ أهل المدينة ومكة تسعمائة. وَسَمِعَتْ عَائِشَةُ فِي طَرِيقِهَا نُبَاحَ كِلابٍ فَقَالَتْ: مَا يُقَالُ لِهَذَا الْمَاءِ الَّذِي نَحْنُ بِهِ؟ قَالُوا: الْحَوْأَبُ. فَقَالَتْ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون ردّوني رُدُّونِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَعِنْدَهُ نِسَاؤُهُ: [ «أَيَّتُكُنَّ يَنْبَحُهَا كِلابُ الْحَوْأَبِ» [1]] وَعَزَمَتْ عَلَى الرُّجُوعِ فَأَتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ الْحَوْأَبُ، وَجَاءَ بِخَمْسِينَ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَشَهِدُوا وَحَلَفُوا عَلَى صِدْقِ عَبْدِ الله [2] .

_ [1] قال في معجم البلدان: الحوأب (ككوكب) : موضع في طريق البصرة- وساق كلاما طويلا الى ان قال: - وقال ابو منصور: الحوأب: موضع بئر نبحت كلابه على عائشة عند مقبلها الى البصرة ... وفي الحديث: ان عائشة لما ارادت المضي الى البصرة في وقعة الجمل مرت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب فقالت: ما هذا الموضع؟ فقيل لها: هذا موضع يقال له: الحوأب: فقالت: انا لله ما أراني الا صاحبة القصة!!! فقيل لها: واي قصة؟ قالت: سمعت رسول الله يقول: - وعنده نساؤه-: ليت شعري ايتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة الى الشرق في كتيبة!!! وهمت بالرجوع فغالطوها وحلفوا لها انه ليس بالحوأب!!! [2] ورواه في باب الفتن الحديث: (20753) من كتاب المصنف- للعبد الرزاق-: ج 11/ 365 عن معمر، عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال لنسائه: ايتكن تنبحها كلاب ماء كذا وكذا- يعني الحوأب- فلما خرجت عائشة إلى البصرة نبحتها الكلاب، فقالت: ما اسم هذا الماء؟ فأخبروها فقالت: ردوني. وابى عليها ابن الزبير. وقال الحاكم في المستدرك: ج 3 ص 120: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب العبدي، حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا إسماعيل بْن أَبِي خالد: عن قيس بْن أبي حازم قال: لما بلغت عائشة- رضي الله عنها- بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب. قالت: ما أظننى إلا راجعة. فقال الزبير: لا بعد (كذا) تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم!! قالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب. أقول: الحديث من أعلام النبوة وذكره ابن قتيبة في غريب حديث أم سلمة من كتاب غريب الحديث كما في شرح المختار: (79) من نهج البلاغة من ابن أبي الحديد: ج 6 ص 220، ونقله في كتاب كفاية الطالب في الباب: (37) منه ص 170، بسندين. ورواه أيضا في مجمع الزوائد ج 7 ص 234 عن أحمد والبزار- كما في هامش المصنف-. وله مصادر أخر كثيرة، وقلما يوجد كتاب تعرض لحرب الجمل وهو خال عنه، والقول بتواتره في محله.

وَكَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مُؤَذِّنُهُمْ فَقَالَ: مَنْ أدعو للصلاة؟ فقال عبد الله ابن الزُّبَيْرِ: ادْعُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ: ادْعُ أَبَا مُحَمَّدٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا لَنَا وَلَكَ يَا مَرْوَانُ أَتُرِيدُ أَنْ تُغْرِيَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَتَحْمِلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ؟ لِيُصَلِّ/ 348/ أَكْبَرُهُمَا فَصَلَّى الزُّبَيْرُ. وَلَمَّا قَرُبَتْ عَائِشَةُ وَمَنْ مَعَهَا مِنَ الْبَصْرَةِ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ الْخُزَاعِيَّ أَبَا نجيد، وأبا الأسود الدئلي فَلَقِيَاهُمْ بِحَفْرِ أَبِي مُوسَى فَقَالا لَهُمْ: فِيمَا قَدِمْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ وَأَنْ نَجْعَلَ (ظ) الأَمْرَ شُورَى فَإِنَّا غَضِبْنَا لَكُمْ مِنْ سَوْطِهِ وَعَصَاهُ أَفَلا نَغْضَبُ لَهُ مِنَ السَّيْفِ؟!!. وَقَالا لِعَائِشَةَ: أَمَرَكِ اللَّهُ أَنْ تَقَرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّكِ حَبِيسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلِيلَتُهُ وَحُرْمَتُهُ. فَقَالَتْ لأَبِي الأَسْوَدِ: قَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ يَا أَبَا الأَسْوَدِ مَا تَقُولُ في!!

فَانْصَرَفَ عِمْرَانُ وَأَبُو الأَسْوَدِ إِلَى ابْنِ حَنِيفٍ وجعل أبو الأسود يقول: يا بن حَنِيفٍ قَدْ أُتِيتَ فَانْفِرِ ... وَطَاعِنِ الْقَوْمَ وَضَارِبْ وَاصْبِرِ وَابْرُزْ لَهُمْ مُسْتَلْئِمًا وَشَمِّرِ فَقَالَ عُثْمَانُ (بن حنيف) : أَيْ وَرَبِّ الْحَرَمَيْنِ لأَفْعَلَنَّ. وَنَادَى عُثْمَانُ (بْنُ حَنِيفٍ فِي النَّاسِ) فَتَسَلَّحُوا، وَأَقْبَلَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ حَتَّى دَخَلُوا الْمِرْبَدَ مِمَّا يَلِي بَنِي سُلَيْمٍ، وَجَاءَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مَعَ عُثْمَانَ رُكْبَانًا وَمُشَاةً، وَخَطَبَ طَلْحَةُ فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّابِقَةِ وَالْفَضِيلَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَأَحْدَثَ أَحْدَاثًا نَقَمْنَاهَا عَلَيْهِ فَبَايَنَّاهُ وَنَافَرْنَاهُ، ثُمَّ أُعْتِبَ حِينَ اسْتَعْتَبْنَاهُ، فَعَدَا عَلَيْهِ امرؤ ابتزّ هذه الأمة أمرها بغير رضا ولا مشورة فقتله، وساعده على ذَلِكَ رِجَالٌ غَيْرُ أَبْرَارٍ وَلا أَتْقِيَاءَ، فَقَتَلُوهُ بَرِيئًا تَائِبًا مُسْلِمًا فَنَحْنُ نَدْعُوكُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ فَإِنَّهُ الْخَلِيفَةُ الْمَظْلُومُ. وَتَكَلَّمَ الزُّبَيْرُ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْكَلامِ، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فَقَالَ قَائِلُونَ: نَطَقَا بِالْحَقِّ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَذَبَا وَلَهُمَا كَانَا أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى عُثْمَانَ!!! وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ. وَأُتِيَ بِعَائِشَةَ عَلَى جَمَلِهَا فِي هَوْدَجِهَا فَقَالَتْ: صَهٍ صَهٍ فَخَطَبَتْ بِلِسَانٍ ذَلِقٍ وَصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ فَأُسْكِتَ لَهَا النَّاسُ فَقَالَتْ: إِنَّ عُثْمَانَ خَلِيفَتُكُمْ قُتِلَ مَظْلُومًا بَعْدَ أَنْ تَابَ إِلَى رَبِّهِ وَخَرَجَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَاللَّهِ مَا بَلَغَ مِنْ فِعْلِهِ ما يستحلّ به بدمه، فَيَنْبَغِي فِي الْحَقِّ أَنْ يُؤْخَذَ قَتَلَتُهُ فَيُقْتَلُوا بِهِ وَيُجْعَلَ الأَمْرُ شُورَى. فَقَالَ قَائِلُونَ: صَدَقَتْ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَذَبَتْ حَتَّى تَضَارَبُوا بِالنِّعَالِ وَتَمَايَزُوا فَصَارُوا فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً مَعَ عَائِشَةَ وَأَصْحَابِهَا، وَفِرْقَةً مع

ابْنِ حَنِيفٍ، وَكَانَ عَلَى خَيْلِ ابْنِ حَنِيفٍ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ فَجَعَلَ يَحْمِلُ وَيَقُولُ: خَيْلِي إليّ أنها قريش ... ليردينها (ظ) نَعِيمُهَا وَالطَّيْشُ وَتَأَهَّبُوا لِلْقِتَالِ فَانْتَهَوْا إِلَى الزَّابُوقَةِ، وأصبحوا (كذا) عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ فَزَحَفَ إِلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ أَشَدَّ قتال، فكثرت منهم الْقَتْلَى وَفَشَتْ فِيهِمُ الْجِرَاحُ. ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ تَدَاعَوْا إِلَى الصُّلْحِ فَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا بِالْمُوَادَعَةِ إِلَى قُدُومِ عَلِيٍّ عَلَى أَنْ لا يَعْرِضَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي سُوقٍ وَلا مَشْرَعَةٍ، وَأَنَّ لِعُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ دَارُ الإِمَارَةِ وَبَيْتُ الْمَالِ وَالْمَسْجِدُ، وَأَنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرُ يَنْزِلانِ وَمَنْ مَعَهُمَا حَيْثُ شَاءُوا، ثُمَّ انْصَرَفَ النَّاسُ وَأَلْقَوُا السِّلاحَ. وَتَنَاظَرَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالَ طَلْحَةُ: وَاللَّهِ لَئِنْ قدم علي البصرة ليأخذن (ظ) بِأَعْنَاقِنَا. فَعَزَمَا عَلَى تَبْيِيتِ ابْنِ حَنِيفٍ وَهُوَ لا يَشْعُرُ، وَوَاطآ أَصْحَابَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى إذا كانت ليلة ريح وظلمة جاؤا إِلَى ابْنِ حَنِيفٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ فَأَخَذُوهُ وَأَمَرُوا بِهِ فَوُطِئَ وَطْئًا شَدِيدًا، ونتفوا لحيته وشاربيه فقال لهما: إن (أخي) سَهْلا حَيٌّ بِالْمَدِينَةِ وَاللَّهِ لَئِنْ شَاكَنِي شَوْكَةٌ لَيَضَعَنَّ السَّيْفَ [1] فِي بَنِي أَبِيكُمَا. يُخَاطِبُ بِذَلِكَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ فَكَفَّا عَنْهُ وَحَبَسَاهُ. وَبَعَثَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى بَيْتِ المال وعليه قوم/ 349/ من السبايحة [2] يكونون أربعين، ويقال: أربعمائة، فامتنعوا من تسليمه دون

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «إن سهلا حيا بالمدينة ... ليقعن السيف في بني أبيكما» . [2] قال ابن السكيت: السبايحة: قوم من السند يستأجرون ليقاتلوا فيكونون كالمبذرقة. وقال الجوهري: هم قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن، والهاء للعجمة والنسب.

قُدُومِ عَلِيٍّ، فَقَتَلُوهُمْ وَرَئِيسَهُمْ أَبَا سَلَمَةَ الزُّطِّيُّ [1] وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا. وَأَصْبَحَ النَّاسُ وَعُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ مَحْبُوسٌ، فَتَدَافَعَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ الصَّلاةَ وَكَانَا بُويِعَا أَمِيرَيْنِ غَيْرَ خَلِيفَتَيْنِ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ مُقَدَّمًا، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُصَلِّي هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا. وَرَكِبَ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِيُّ حتى انتهي إلى الزابوقة، وهو في ثلاثمأة، منهم من قومه سبعون، وقال (كذا) إخوة له وهم الأشرف وَالْحَكِيمُ وَالزِّعْلُ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالا: يَا حَكِيمُ مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَحُلُّوا عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ وَتُقِرُّوهُ فِي دَارِ الإِمَارَةِ وَتُسَلِّمُوا إِلَيْهِ بَيْتَ الْمَالِ، وَأَنْ تَرْجِعَا إِلَى قُدُومِ عَلِيٍّ. فَأَبَوْا ذَلِكَ وَاقْتَتَلُوا فَجَعَلَ حَكِيمٌ يَقُولُ: أَضْرِبُهُمْ بِالْيَابِسِ ... ضَرْبَ غُلامٍ عَابِسِ مِنَ الْحَيَاةِ آيِسِ فَضُرِبَتْ رِجْلُهُ فَقُطِعَتْ فَحَبَا وَأَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا ضَارِبَهُ فَصَرَعَهُ وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا نَفْسُ لا تُرَاعِي ... إِنْ قَطَعُوا كُرَاعِي إن معي ذراعي. وجعل يقول أيضا:

_ [1] قال في اللسان: الزطّ: جيل أسود من السند اليهم تنسب الثياب الزطية. وقيل: هو معرب «جت» بالهندية، وهم جيل من أهل الهند. وقيل: هم جنس من السودان والهنود، والواحد: زطيّ، مثل الزنج والزنجي والروم والرومي. وقيل: الزط: السبايحة، وهم قوم من السند (كانوا) بالبصرة.

لَيْسَ عَلَيَّ فِي الْمَمَاتِ عَارُ ... وَالْعَارُ فِي الْحَرْبِ هُوَ الْفِرَارُ وَالْمَجْدُ أَنْ لا يُفْضَحَ الذِّمَارُ فَقُتِلَ حَكِيمٌ فِي سَبْعِينَ مِنْ قَوْمِهِ وَقُتِلَ إِخْوَتُهُ الثَّلاثَةُ. «375» وحدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ الدورقي، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم، عَنْ أَبِيهِ، عَن الزُّبَيْر بْن الخريت: عَن أَبِي لبيد قَالَ: قَالَ حكيم لامرأة من الأزد: لأعملن بقومك اليوم عملا يكونون بِهِ حديثًا. فقالت: أظن قومي سيجعلونك حديثا. فضربه رجل من الحدار (كذا) يقال لَهُ: سحيم ضربة فبقي رأسه متعلقا وصار وجهه مقبلا عَلَى دبره. «286» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ: عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَتْ: عَائِشَةُ: لا تُبَايِعُوا الزُّبَيْرَ عَلَى الْخِلافَةِ وَلَكِنْ عَلَى الإِمْرَةِ فِي الْقِتَالِ، فَإِنْ ظَفِرْتُمْ رَأَيْتُمْ رَأْيَكُمْ. «287» وَقَالَ أَبُو مخنف: خطب طَلْحَةُ بْن عبيد اللَّه النَّاس بالزابوقة فَقَالَ: يَا أهل الْبَصْرَةِ توبة بحوبة، إنما أردنا أن نستعتب عُثْمَان ولم نرد قتله فغلب السفهاء الحكماء حتى قتلوه. فقال ناس للطلحة: يا (أ) با مُحَمَّد قد كانت كتبك تأتينا بغير هَذَا من ذمه والتحريض عَلَى قتله؟!!. «288» وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ الْبَصْرَةَ، أَتَاهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ التَّمِيمِيُّ بِكُتُبٍ كَتَبَهَا طَلْحَةُ إِلَيْهِمْ يُؤَلِّبُهُمْ فِيهَا عَلَى عثمان، فقال له:

يا طلحة [1] أَتَعْرِفُ هَذِهِ الْكُتُبَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى التَّأْلِيبِ عَلَيْهِ أَمْسِ وَالطَّلَبِ بِدَمِهِ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ شيئا (ظ) إِلا التَّوْبَةَ وَالطَّلَبَ بِدَمِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَ عَلِيًّا خَبَرُ حَكِيمِ بْنِ جَبَلَةَ، وَعُثْمَانَ بْنِ حنيف، فأقبل في اثنا عَشَرَ أَلْفًا حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ وَجَعَلَ يَقُولُ: والهفتياه (كذا) عَلَى رَبِيعَةْ ... رَبِيعَةَ السَّامِعَةِ الْمُطِيعَةْ نُبِّئْتُهَا كَانَتْ بِهَا الْوَقِيعَةُ «289» وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ: عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: بَلَغَ سَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ- وَهُوَ وَالٍ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ- مَا كَانَ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ إِلَى أَخِيهِ عُثْمَانَ وَحَبْسُهُمَا إِيَّاهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا: «أُعْطِي اللَّهَ عَهْدًا لَئِنْ ضَرَرْتُمُوهُ بِشَيْءٍ وَلَمْ تُخَلُّوا سَبِيلَهُ لأَبْلُغَنَّ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْكُمَا مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَتَصْنَعُونَ بِهِ» . فَخَلُّوا/ 350/ سَبِيلَهُ حَتَّى أتى عليا. قال (صالح) : ووجه علي من ذي قار إِلَى أهل الْكُوفَة- لينهضوا إِلَيْهِ- عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس [2] وعمار بْن ياسر، وَكَانَ عَلَيْهَا من قبل عليّ أبو موسى، وقد كان عليها (قبل ذلك) من قبل عثمان، فتكلّم الأشتر فِيهِ عَلِيًّا فأقره، فلما دعا ابْن عَبَّاس وعمار النَّاس إِلَى علي واستنفراهم لنصرته قام أبو موسي خطيبا فقال:

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فقاله الحكيم أتعرف هذه الكتب؟» . والقصة رواها جماعة ذكرناها في تعليق المختار: (156) من كتب نهج السعادة: ج 5/ 232. [2] هذا هو الصواب الموافق لما يأتى هنا بعد أسطر، ولما في كثير من المصادر، وفي النسخة: «عبيد الله بن عباس» .

أيها النَّاس إنكم قد سلمتم من الفتنة إلى يومكم (هذا) فتخلفوا عَنْهَا وأقيموا إِلَى أن يكون النَّاس جماعة فتدخلوا فِيهَا. وجعل يثبط النَّاس، فرجع عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس وعمار إِلَى علي فأخبراه بِذَلِكَ، فكتب إِلَيْهِ: «يَا ابْن الحائك» [1] وبعث الحسن بْن علي ليندب النَّاس إِلَيْهِ، وأمر بعزل أَبِي مُوسَى فعزله، وولى الْكُوفَة قرظة بْن كعب الأَنْصَارِيّ فانتدب مَعَهُ عشرة آلاف أَوْ نحوهم فخرج بهم إِلَى أَبِيهِ. ثُمَّ سار علي عَلَيْهِ السلام حَتَّى نزل الْبَصْرَةَ فقال ما تقول الناس؟ قالوا (ظ) : يقولون: يا لثارات عُثْمَان. فرفع يده ثُمَّ قَالَ: [اللَّهُمَّ عليك بقتلة عثمان.]

_ [1] هذه جملة من كتاب له عليه السلام الى الأشعري وقد ذكرنا له صورا عن مصادر في المختار: (19) وتواليه من باب كتب نهج السعادة: ج 4/ 47- 52، ولعل المؤلف اتقى من أهل نحلته، وبما ان هذا السفر الجليل كامل بالنسبة الى غيره من كتب التواريخ، وعدم ذكر هذا الكتاب يعد نقصا له، فنحن نتمم هذا النقص بذكر صورة من الكتاب فنقول: روى أبو مخنف قال: وبعث علي عليه السلام من الربذة، عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، ومحمد بْن أَبِي بكر الى أبي موسى وكتب معهما اليه: من عَبْد اللَّهِ علي أمير الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عبد الله بن قيس، أما بعد يا ابن الحائك يا عاض أير أبيه!!! فو الله اني كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا، ولا جعل لك فيه نصيبا سيمنعك من رد امري والانتزاء علي (كذا) وقد بعثت إليك ابن عباس وابن أبي بكر، فخلهما والمصر، واهله واعتزل عملنا مذؤما مدحورا، فإن فعلت والا فإني قد أمرتهما ان ينابذاك على سواء، ان الله لا يهدي كيد الخائنين، فإذا ظهرا عليك قطعاك اربا اربا، والسلام على من شكر النعمة، ووفي بالبيعة، وعمل برجاء العاقبة. كذا رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار الأول من كتب نهج البلاغة: ج 14/ 10، وقريب منه جدا- ولعله اصح- في الدر النظيم الورق 115، وكذا في كتاب الجمل ص 131.

«290» وحدثني عَمْرو بْن مُحَمَّد، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن إدريس بن حصين، عن عمر بن جاوان [1] : عَن الأحنف أن طَلْحَةَ وَالزُّبَيْر دعواه إِلَى الطلب بدم عُثْمَان، فَقَالَ: لا أقاتل ابْن عمّ رسول الله ومن أمر تماني ببيعته، وَلا أقاتل أَيْضًا طائفة فِيهَا أم الْمُؤْمِنِينَ وحواري رَسُول اللَّهِ، ولكن اختاروا مني إحدى ثلاث: إما أن تفتحوا لي الجسر فالحق بأرض الأعاجم، أَوْ بِمَكَّةَ، أَوْ أعبر فأكون قريبا. فأتمروا فرأوا أن يكون بالقرب وَقَالُوا: نطأ صماخه. فاعتزل بالجلحا (ء) من الْبَصْرَةِ عَلَى فرسخين، واعتزل مَعَهُ ستة آلاف. ثُمَّ التقى القوم فكان أول من قتل طلحة وكعب بْن سور، ولحق الزُّبَيْر بسفوان [2] فلقيه النعر المجاشعي [3] فَقَالَ لَهُ: إلي فأنت في ذمّتي لا يوصل

_ [1] كذا في النسخة، قال في باب عمرو، من تهذيب التهذيب: ج 8/ 12: عمرو بن جاوان التميمي السعدي البصري- ويقال: عمر- روى عن الأحنف بن قيس، وعنه حصين بن عبد الرحمان. وروى سيف بن عمر التميمي عن ابن صعصعة، عن عمرو بن جاوان، عن جرير بن شرس في الأخبار. قال ابن معين: كلهم يقولون: عمر بن جاوان إلا أبو عوانة فانه قال: عمرو. وقال علي ابن عاصم: قلت لحصين: (من هو) عمرو بن جاوان؟ قال: شيخ صحبني في السفينة. وذكره ابن حبان في الثقات. وذكر البخاري في تاريخه: ان هشيما قال: (و) عن حصين، عمرو ابن جاوان. [2] قال في معجم البلدان: قال أبو منصور: سفوان ماء على قدر مرحلة من باب المربد بالبصرة، وبه ماء كثير السافي وهو التراب. [3] كلمة: «النعر» هنا غير واضحة بحسب رسم الخط، ويحتمل أن يقرء «النعم» ولكن يأتي هذه اللفظة تحت الرقم: (317) ص 271 وظاهر رسم خطها هناك «النعر» كما انه ذكر ابن سعد في ترجمة الزبير من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 111، ط بيروت، القصة بسند آخر، وقال: فلقيه رجل من بني تميم يقال له: النعر بن زمام المجاشعي ... ورواه أيضا الطبري قبيل عنوان: «بعثة علي من ذي قار ابنه الحسن وعمارا الى الكوفة» من وقعة الجمل من تاريخه: ج 4 ص 497 ط الحديث بمصر، قال: حدثني يعقوب بن ابراهيم، قال: حدثنا ابن ادريس، قال: سمعت حصينا يذكر عن عمرو بن جاوان عن الأحنف- وساق حديثا طويلا الى ان قال: - ولحق الزبير بسفوان (وهو) من البصرة كمكان القادسية منكم- فلقيه النعر- رجل من مجاشع- فقال: اين تذهب يا حواري رسول الله؟ الي فأنت في ذمتي لا يوصل إليك ...

إليك. قال: فأقبل مَعَهُ، فأتى الأحنف فقيل لَهُ: ذاك الزُّبَيْر بسفوان فما تأمر؟ قَالَ: جمع بين غارين من المسلمين حَتَّى ضرب بعضهم وجوه بعض بالسيوف ثُمَّ يلحق ببيته بالمدينة. فسمعه ابْن جرموز، وفضالة ونفيع- أَوْ نفيل- فركبوا فِي طلبه فقتلوه. «291» وَقَالَ أَبُو مخنف فِي اسناه: لما بلغ عَلِيًّا- وَهُوَ بالمدينة- شخوص طلحة وَالزُّبَيْر وعائشة إِلَى الْبَصْرَةِ، استنفر النَّاس بالمدينة، ودعاهم إِلَى نصره فخفت مَعَهُ الأنصار [1] وجعل حجّاج بْن غزية يقول: سيروا أبابيل وحثوا السيرا ... كي تلحقوا التَّيْمِيّ والزبيرا فخرج علي من المدينة في سبعمائة من الأنصار (كذا) وورد الربذة، فقدم عليه المثنى بن محربة (كذا) العبدي [2] ، فأخبره بأمر طلحة والزبير، وبقتل

_ [1] أي ارتحلوا معه مسرعين وأجابوا دعوته من غير تثاقل بل بنشاط وانبساط. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «المثنى بن مخرمة» . قال في الإصابة: محربة- بمهملة وراء وموحدة بوزن مسلمة-: ابن الرباب الشني، قال أبو الفرج الإصبهاني في ترجمة عبد يغوث بن حداد: يقال: كان يتكهن. وذكر أبو اليقظان انه تنصر في الجاهلية، وان الناس سمعوا مناديا ينادي في الليل قبل مبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم: خير اهل الأرض ثلاث: رباب الشني، وبحيرا الراهب وآخر. قال: وكان من ولده محربة، سمي بذلك لان السلاح حربه لكثرة لبسه إياه، وقد ادرك النبي صلى الله عليه واله وسلم وأرسله الى ابن الجلندى صاحب عمان. وكان ابنه المثنى بن محربة صاحب المختار، وجه به الى البصرة في عسكر ليأخذها، فهزمه عباد بن الحصين.

حكيم بْن جبلة العبدي فيمن قتل من عبد القيس وغيرهم من ربيعة، فَقَالَ علي عَلَيْهِ السلام: يا لهف أماه عَلَى الربيعة ... ربيعة السامعة المطيعة قد سبقتني بهم الوقيعة ... دعا حكيم دعوة سميعة نال بِهَا المنزلة الرفيعة وَقَالَ أَبُو اليقظان: هُوَ المثنى بْن بشير بن محربة (كذا) واسم محربة مدرك ابن حوط، وإنما حربته السلاح لكثرة لبسه إياه (كذا) وقد وفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ (أبو مخنف) : وبعث علي من الربذة هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص الزُّهْرِيّ إِلَى أَبِي مُوسَى عَبْد اللَّهِ بْن قَيْس الأَشْعَرِيّ- وَكَانَ عامله عَلَى الْكُوفَة، بكتاب منه يأمره فِيهِ بدعاء الناس واستنفار هم إِلَيْهِ، فجعل أَبُو مُوسَى يخذلهم ويأمرهم بالمقام عَنْهُ، ويحذرهم الفتنة، ولم ينهض مَعَهُ أحدًا وتوعّد هاشما بالجيش [1] فلما قدم (هاشم) عَلَى علي/ 351/ دعا عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس ومحمد بْن أَبِي بكر، فبعثهما إِلَيْهِ وأمرهما بعزله، وكتب إِلَيْهِ معهما كتابا ينسبه وأباه إِلَى الحياكة، فعزلاه وصيرا مكانه قرظة بْن كعب الأَنْصَارِيّ. وارتحل عَلِيّ بْن أَبِي طالب (من الربذة) حتى نزل بفيد، فأتته جماعة طيّئ، ووجه ابنه الحسن بْن علي وعمار بْن ياسر إلى الكوفة لاستنفار

_ [1] كذا في النسخة، والصواب: «بالحبس» .

أهلها، فلما قدما انصرف ابن عباس ومحمد بْن أَبِي بكر الصديق، ويقال: بل أقاما حَتَّى كَانَ انصرافهم جميعا. وَقَالَ قوم: كان قيس بن سعد بْن عبادة مَعَ الحسن وعمار. والثبت أن عَلِيًّا ولي قيسا مصر- وَهُوَ بالمدينة- حين ولّى عبيد الله ابن العباس بْنِ عَبْدِ المطلب اليمن، ثُمَّ إنه عزله عَن مصر، وقدم الْمَدِينَةَ وشخص هُوَ وسهل بن حنيف إلى الكوفة، فشهدوا صفين والنهر وان مَعَهُ، وانه لم يوجه مَعَ الحسن إِلا عَمَّار بْن ياسر. «292» وَقَالَ أَبُو مخنف: وغيره: لما دعا الحسن وعمار أهل الْكُوفَة إِلَى إنجاد علي [1] والنهوض إِلَيْهِ، سارعوا إِلَى ذَلِكَ، فنفر مَعَ الحسن عشرة آلاف عَلَى راياتهم، ويقال: اثنى عشر ألفًا، - وكانوا يدعون فِي خلافة عُثْمَان وعلي أسباعا، حَتَّى كَانَ زياد بْن أَبِي سُفْيَانَ فصيرهم أرباعا- فكانت همدان وحمير سبعا عليهم سعيد بْن قَيْس الهمداني- ويقال: بل أقام سعيد بالْكُوفَة وَكَانَ عَلَى السبع غيره. وإقامته بالكوفة أثبت-. وكانت مذحج والأشعريون (ظ) سبعا عليهم زياد بْن النضر الحارثي، إِلا أن عديّ بن حاتم، كان على طيّئ مفردًا، دون صاحب سبع مذحج والأشعرين. وكانت قَيْس عيلان وعبد القيس سبعا عليهم سعد بْن مسعود، عم المختار بْن أَبِي عبيد الثَّقَفِيّ. وكانت كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة، سبعا عليهم حجر بن عدي الكندي.

_ [1] أي الى اعانته واجابة دعوته في الزحف معه الى الناكثين.

وكانت الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار سبعا عليهم مخنف بْن سليم الأزدي. وكانت بكر بْن وائل وتغلب، وسائر ربيعة- غير عبد القيس- سبعا عليهم وعلة بن محدوح (كذا) الذهلي. وكانت قريش وكنانة وأسد، وتميم وضبة (ظ) والرباب ومزينة سبعا عليهم معقل بْن قَيْس الرياحي. فشهد هؤلاء الجمل وصفين والنهر (ان) وهم هكذا. «293» حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي قَبِيصَةَ: عمرو بن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ [1] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لِعَلِيٍّ بِالرَّبَذَةِ وَقَدْ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَعَلَيْهَا رَحْلٌ لَهُ رَثٌّ: إِنِّي لأَخْشَى أَنْ تُقْتَلَ بمضيعة. فقال: [إليك عنّي فو الله مَا وَجَدْتُ إِلا قِتَالَ الْقَوْمِ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ- أَوْ قَالَ: بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] . وَحَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ محمد العمي، عن يحي بن عبد الحميد، عن شريك، عن أمي الصيرفي [2] عن أبي قبيصة عمر بْنِ قَبِيصَةَ، عَن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِهِ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: [أَوِ الْكُفْرَ بِمَا أُنْزِلَ على محمد] .

_ [1] كذا في النسخة، والظاهر ان فيها حذفا وتصحيفا، والصواب: «عن أبي الصيرفي، عن أبي قبيصة عمر، عن طارق بن شهاب» . [2] ويحتمل رسم الخط بعيدا ان يقرئ: «أبي الصيرفي» . وقال الحاكم- في الحديث: (27) من ترجمة أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 115-: حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد السكوني بالكوفة، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ أَبِي قَبِيصَةَ عمر بْنِ قَبِيصَةَ: عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: رأيت عليا- رضي الله عنه- على رحل رث بالربذة وهو يقول للحسن والحسين: ما لكما تحنان حنين الجارية؟ والله لقد ضربت هذا الأمر ظهرا لبطن فما وجدت بدا من قتال القوم أو الكفر بما أنزل (الله) على محمد صلى الله عليه واله وسلم!!

«294» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: سار الحسن بالناس من الْكُوفَة إِلَى أَبِيهِ وعلى الْكُوفَة قرظة بن كعب، فوافاه بذيقار، فخرج عليّ بالناس من ذيقار، حَتَّى نزل بالبصرة، فدعاهم إِلَى الجماعة ونهاهم عَن الفرقة وخرج إِلَيْهِ شيعته من أهل الْبَصْرَةِ من ربيعة، وهم ثلاثة آلاف، عَلَى بكر بْن وائل شقيق بْن ثور السدوسي، وعلى عبد القيس عَمْرو بْن مرحوم العبدي. وانخزل مالك بْن مسمع أحد بني قَيْس بن ثعلبة بن عكاية عن علي. وبايعت أفناد [1] قيس من سليم، وباهلة وغني أصحاب الجمل، وبايعهم أَيْضًا حنظلة وبنو عمرو ابن تميم، وضبة والرباب وعليهم هلال بْن وكيع بن بشر بن عمر بن عدس (ظ) بْن زيد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم، وقتل يوم الجمل. وبايعهم الأزد (و) رئيسها صبرة بن سليمان [2] الحداني فَقَالَ لَهُ كعب بْن سور بْن بكر أطعني واعتزل بقومك وراء هَذِهِ النطفة، ودع/ 352/ هذين الغارين من مضر، وربيعة يقتتلان. فأبي وَقَالَ: أتأمرني أن أعتزل أم الْمُؤْمِنِينَ وأدع الطلب بدم عُثْمَان، لا أفعل. وبعث الأحنف بْن قَيْس إِلَى علي: إن شئت أتيتك فكنت معك، وإن شئت اعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة آلاف سيف. - أَوْ قَالَ أربعة آلاف سيف. - فاختار اعتزاله فاعتزل بناحية وادي السباع. قَالَ وَكَانَ علي يقول: [منيت بفارس العرب- يعني الزبير- وبأيسر

_ [1] الأفناد كأفراد لفظا ومعنى. والأظهر- هنا- أن يراد بها: الجماعة أو الجماعات. [2] كذا في النسخة، والصواب: «صبرة بن شيمان» .

العرب- يعني يعلى بْن منية التَّمِيمِيّ- وبفياض العرب- يَعْنِي طَلْحَةَ- وَبِأَطْوَعِ النَّاس فِي النَّاس- يَعْنِي عَائِشَةَ-] . «295» وحدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي الجلد بن أيّوب (كذا) عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أتاني كعب بْن سور فركبت مَعَهُ فجعل يطوف فِي الأزد ويقول: ويحكم أطيعوني واقطعوا هَذِهِ النطفة فكونوا من ورائها وخلوا بين الغارين. فجعلوا يسبونه ويقولون:: نصراني صاحب عصا- وذلك لأنه كَانَ فِي الجاهلية نصرانيا- فلما أعيوه رجع إِلَى منزله وأراد الخروج من الْبَصْرَةِ، فبلغ عَائِشَةَ الخبر وهي نازلة في مسجد الحدّان وعنده (كذا) فجا (ء) ت عَلَى بعيرها فلم تزل بِهِ حَتَّى أخرجته ومعه راية الأزد. قَالَ وهب: وَكَانَ كعب قاضيا عَلَى الْبَصْرَةِ من قبل عمر بْن الخطاب ولاه القضاء بعد أَبِي مريم الحنفي وأقره عُثْمَان بعد ذَلِكَ. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: أتاه سهم فقتله وفي عنقه مصحف. «269» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: أرسل عمران بْن الحصين إِلَى بني عدي يأمرهم بالقعود عَن الفريقين، وقال: لأن أرعى غنما عفرا (ء) فِي جبل حضن [1] أحب إِلَى من أن أرمي فِي الفريقين بسهم. فَقَالُوا: أتأمرنا أن نقعد عَن ثقل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وحرمته؟ لا نفعل. وقال الحرث بْن حوط الليثي لعلي: أترى أن طَلْحَةَ وَالزُّبَيْر، وعائشة اجتمعوا عَلَى باطل؟ فَقَالَ علي: [يَا حار أنت ملبوس عليك، إن الحق

_ [1] العفراء: خالصة البياض. والحضن- كسبب-: جبل بنجد.

والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، وبإعمال الظن، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله [1]] . قَالُوا: وزحف عَلِيّ بْن أَبِي طالب بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وعلى ميمنته مالك بْن الحارث الأشتر النخعي، وعلى ميسرته عَمَّار بْن ياسر العنسي وعلى الرجال أَبُو قتادة النعمان بْن ربعي الأَنْصَارِيّ وأعطى رايته ابنه محمدًا- وَهُوَ ابْن الحنفية- ثُمَّ واقفهم من صلاة الغداة إِلَى صلاة الظهر، يدعوهم ويناشدهم ويقول لعائشة: إن اللَّه أمرك أن تقري فِي بيتك فاتقي اللَّه وارجعي، ويقول لطلحة والزبير: خبأتما نسا (ء) كما وأبرزتما زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلم واستفززتماها؟!! فيقولان: إنما جئنا للطلب بدم عُثْمَان، وأن ترد الأمر شورى. وكان (على) ميمنة أصحاب الجمل الأزد، وعليهم صبرة بْن شيمان، وعلى ميسرتهم تميم وضبة والرباب، وعليهم هلال بْن وكيع بْن بشر بْن عَمْرو ابن عدس. وأتي بالجمل فأبرز وعليه عَائِشَةُ فِي هودجها وقد ألبست درعا، وضربت عَلَى هودجها صفائح الحديد. ويقال: إن الهودج ألبس دروعا. فخطبت عَائِشَةُ النَّاس فقالت: إنا كنا نقمنا عَلَى عُثْمَان رحمه اللَّه ضرب السيوط، وإمرة بني أمية وموقع السحابة المحماة، وأنكم استعتبتموه فأعتبكم من ذَلِكَ كله، فلما مصتموه كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عَلَيْهِ فركبتم منه الفقر الثلاث [2] :

_ [1] ورواه أيضا اليعقوبي في سيرة امير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 199، كما رواه أيضا في المختار: (262) من الباب الثالث من نهج البلاغة، ورواه أيضا في الحديث: (33) من الجزء الخامس من امالي الطوسي 83، ويجيء أيضا تحت الرقم: (357) هنا بسند آخر. [2] قال في اللسان: قال الأزهري: والروايات الصحيحة: الفقر الثلاث- بضم الفاء- على ما فسره ابن الأعرابي وابو الهيثم، وهو الأمر الشنيع العظيم.

سفك الدم الحرام فِي البلد الحرام فِي الشهر الحرام، وأيم اللَّه لقد كَانَ من أحصنكم فرجا وأتقاكم لله. «297» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ ابراهيم الدورقي، والحسين بن/ 353/ علي ابن الأَسْوَدِ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ: عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: خَطَبَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: اسْمَعُوا نُحَاجِّكُمْ عَمَّا جِئْنَا لَهُ: إِنَّا عَتَبْنَا- أَوْ نَقَمْنَا- عَلَى عُثْمَانَ فِي ثَلاثٍ: إِمْرَةِ الْفَتَى وَمَوْقِعِ الْغَمَامَةِ، وضرب السيوط والعصا، حتى إذا مصتموه كَمَا يُمَاصُّ الثَّوْبُ الصَّابُونَ عَدَوْتُمْ عَلَيْهِ الْفَقْرَ الثَّلاثَ: حُرْمَةَ الْبَلَدِ، وَحُرْمَةَ الْخِلافَةِ، وَحُرْمَةَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ عُثْمَانُ لَمِنْ أَحْصَنِهِمْ فَرْجًا وَأَوْصَلِهِمْ لِلرَّحِمِ. «298» وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَغَيْرُهُ: وَأَمَرَ عَلِيٌّ أَصْحَابَهُ أَنْ لا يُقَاتِلُوا حَتَّى يُبْدَءُوا، وَأَنْ لا يُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلا يُمَثِّلُوا وَلا يَدْخُلُوا دَارًا بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلا يَشْتُمُوا أحدا، ولا يهيّجوا امْرَأَةً وَلا يَأْخُذُوا إِلا مَا فِي عَسْكَرِهِمْ. ثُمَّ زحف النَّاس ودنا بعضهم من بعض. وأمر علي رجلا من عبد القيس أن يرفع مصحفا، فرفعه وقام بين الصفين فَقَالَ: ادعوكم إِلَى مَا فِيهِ، أدعوكم إِلَى ترك التفرق وذكر نعمة اللَّه عليكم فِي الألفة والجماعة. فرمي بالنبل حَتَّى مات، ويقال: بل قطعت، فأخذه بأسنانه فرمى حَتَّى قتل، فَقَالَ علي: [هَذَا وقت الضراب] . وَقَالَ بعضهم: قطعت يده فأخذ المصحف بأسنانه وَهُوَ يقاتل باليد الباقية، فرمي حَتَّى قتل، فَقَالَ علي: [الآن طاب الضراب] . وأخذ المصحف بعد قتل هَذَا الرجل رحمه اللَّه رجل من بَنِي تَمِيمٍ يقال لَهُ: مسلم فدعاهم إِلَى مَا فِيهِ فقتل فقالت أمه:

يَا رب إن مسلمًا دعاهم ... يتلو كِتَاب اللَّهِ لا يخشاهم فرملوه رملت لحاهم قَالُوا: وسمع علي أصوات أصحاب الجمل وقد علت فَقَالَ: مَا يقولون؟ قَالُوا: يدعون عَلَى قتلة عُثْمَان ويلعنونهم. قَالَ: [نعم فلعن اللَّه قتلة عثمان فو الله مَا قتله غيرهم وما يلعنون إِلا أنفسهم وَلا يدعون إِلا عَلَيْهَا] . ثُمَّ قَالَ علي لابن الحنفية- ومعه الراية-: أقدم. فزحف برايته نحو الجمل، وأمر عَلَى الأشتر أن يحمل فحمل وحمل النَّاس، فقتل هلال بْن وكيع التَّمِيمِيّ واشتد القتال، فضرب مخنف بْن سليم عَلَى رأسه فسقط وأخذ الراية منه الصقعب بْن سليم أخوه فقتل، ثُمَّ أخذها عَبْد اللَّهِ بْن سليم فقتل. ثُمَّ أمر علي مُحَمَّد بْن الحنفية أن يحمل فحمل وحمل النَّاس فانهزم أهل الْبَصْرَةِ، وقتلوا قتلا ذريعا، وذلك عند المساء، فكانت الحرب من الظهر إِلَى غروب الشمس. وَكَانَ كعب بْن سور ممسكا بزمام الجمل، فأتاه سهم فقتله، وتعاود النَّاس زمام الجمل فجعل كلما أخذه أحدهم قتل، واقتتل النَّاس حوله قتالًا شديدًا. وسمعت عبد الأعلى النرسي يقول: بلغني أنه قطعت عَلَيْهِ سبعون يدًا. وروي عَن أَبِي عبيدة معمر بْن المثنى أنه كَانَ يقول: قتل ممن أخذ بزمام الجمل سبعون. وَقَالَ أَبُو مخنف وعوانة: أقبل رجل من بني ضبة ومعه سيف وهو يخطر ويقول: نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... والموت أحلى عندنا من العسل ننعى ابْن عفان بأطراف الأسل ... ردوا علينا شيخنا ثُمَّ بجل

وجعل هانئ بْن خطاب الهمداني يقول: أبت سيوف مذحج وهمدان ... بأن ترد نعثلا كما كان خلقا جديدا بعد خلق الرحمان «299» وحدثني/ 354/ خَلَف بْن سَالِمٍ، وأحمد بْن إِبْرَاهِيمَ، قالا: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عون: عَن أَبِي رجاء العطاردي قَالَ: رأيت ابْن يثربي يرتجز ويقول: نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... ننزل بالموت إذا الموت نزل والقتل أحلى عندنا من العسل ... ننعى ابْن عفان بأطراف الأسل ردوا علينا شيخنا ثُمَّ بجل وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: واقتتل مالك الأشتر وعبد اللَّه بْن الزُّبَيْرِ، فاختلفا ضربتين ثُمَّ تعانقا حَتَّى خرا إِلَى الأرض يعتركان، فحجز بينهما أصحابهما وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ يقول حين اعتنقا: اقتلوني ومالكًا. وَكَانَ الأشتر يقول: اقتلوني وعبد اللَّه. فيقال: إن ابْن الزُّبَيْر لو قَالَ: اقتلوني والأشتر. وإن الأشتر لو قَالَ: اقتلوني وَابْن الزُّبَيْر. لقتلا جميعا. وكان الأشتر يقول ما سرّني بإمساكه عَن أن يقول الأشتر حمر النعم وسودها. وقيل لعائشة: هَذَا الأشتر يعارك عَبْد الله. فقالت: وا ثكل أسماء!! ووهبت لمن بشرها بسلامته مالًا. وروي عَن عاصم بن كليب أن المعانق للأشتر عبد الرحمان بن عتاب ابن أسيد، فجعل يقول: اقتلوني ومالكا، وجعل الأشتر يقول: اقتلوني وَابْن عتاب. والأول أشهر. وحدثت عَن أَبِي بكر بْن عياش، عَن مغيرة (كذا) عَن إِبْرَاهِيم بْن

علقمة أنه قَالَ: سالت الأشتر فقلت: أنت عاركت ابْن الزُّبَيْر؟ فَقَالَ: والله مَا وثقت بقوتي حَتَّى قمت لَهُ فِي الركابين [1] ثُمَّ ضربته، وكيف اصارعه؟ أما ذلك عبد الرحمان بْن عتاب. «300» وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي عبيدة، عن أبي عمرو ابن الْعَلاءِ قَالَ: أَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِزِمَامِ الْجَمَلِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: ابْنُ أُخْتِكِ. قالت: وا ثكل أَسْمَاءَ، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا تَنَحَّيْتَ فَفَعَلَ فَأَخَذَهُ بَعْضُ بَنِي ضَبَّةَ فَقُتِلَ. «301» قَالُوا: وجاء مُحَمَّد بْن طلحة بْن عبيد اللَّه، وَكَانَ يدعى السجاد فأخذ بزمام الجمل فحمل عَلَيْهِ رجل فقتله، فيقال: انه من أزد الْكُوفَة يقال له: مكيسر. ويقال: بل حمل (عليه) مُعَاوِيَة بْن شداد العبسي. ويقال: إن الَّذِي حمل عليه عصام بن المقشعر النمري حمل عليه بالرمح فقال محمد: أذكرك «حم» [2] فطعنه برمحه فقتله وَقَالَ فِي ذَلِكَ: وأشعث قوام طويل سهاده [3] ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت لَهُ بالرمح جيب قميصه ... فخرّ صريعا لليدين وللفم

_ [1] كذا. [2] كذا في النسخة، وقال ابن سعد في ترجمة محمد بن طلحة من الطبقات: ج 5 ص 54 ط بيروت: فأقبل عبد الله بن مكعبر- رجل من بني عبد الله بن غطفان حليف لبني أسد- فحمل عليه بالرمح فقال له محمد: أذكرك «حم» . فطعنه فقتله، ويقال: الذي قتله ابن مكيس الأزدي. وقال: بعضهم: معاوية بن شداد العبسي. وقال بعضهم: عصام بن المقشعر النصري. [3] ورواه في ترجمة محمد بن طلحة من الطبقات: ج 5/ 55 وقال: «واشعث قوام بايات ربه» .

يناشدني حاميم والرمح دونه [1] ... فهلا تلاحم قبل التقدم عَلَى غير شَيْء غير أن ليس تابعا ... عَلِيًّا ومن لا يتبع الحق يظلم [2] قَالُوا: وجعل بعض بني ضبة يقول: نحن بنو ضبة لا نفر ... حَتَّى نرى جماجما تخر صبرا فما يصبر إِلا الحر وقتل عمرو ابن يثربي الضبي ثلاثة من أصحاب علي: زيد بن صوحان العبدي و (كان) يكنى أبا عائشة، وعلياء بْن الْهَيْثَم السدوسي من ربيعة، وهند بْن عمرو بن جدراة الجملي من مراد، وَهُوَ الَّذِي يقول: إني لمن أنكرني ابْن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي ثُمَّ ابْن صوحان عَلَى دين علي وَكَانَ هند الجملي يقول وَهُوَ يقاتل حَتَّى قتل: أضربهم جهدي بحد المنصل ... والموت دون الجمل المجلل إن تحملوا/ 355/ قدما علي أحمل وقتل يومئذ ثمامة بن المثنى بن حازمة الشيباني فقال الأعور الشني: يا قاتل اللَّه أقواما هم قتلوا [3] ... يوم الخريبة علباء وحسانا وَابْن المثنى أصاب السيف مقتله ... وخير قرائهم زيد بن صوحانا

_ [1] وفي الطبقات: «يذكرني حم والرمح شارع» . [2] وفي الطبقات: «ومن لا يتبع الحق يندم» وهو أظهر. [3] هذا هو الظاهر من السياق وفي النسخة: «ما قاتل الله ... » .

وكانت وقعة الجمل بالخريبة، وحسان الَّذِي ذكره (هو) حسّان بن محدوح بن بشر بن حوط، كَانَ مَعَهُ لواء بكر بْن وائل، فقتل فأخذه أخوه حذيفة بن محدوح فأصيب، ثم أخذه بعده عدة من الحوطيين فقتلوا حَتَّى تحاموه. وبعضهم ينشد: «علباء وسيحانا» يعني سيحان بْن صوحان. «302» حَدَّثَنِي الواقدي، عَن هشام بْنَ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مخول بْن راشد، عَن العيزار بْن حريث قَالَ: قَالَ زيد بْن صوحان يوم الجمل: لا تغسلوا عني دما وَلا تنزعوا عني ثوبا، وانزعوا الخفين وأرمسوني فِي الأرض رمسا فإني محاج أحاج. وقاتل طَلْحَةُ بْن عبيد الله يومئذ قتالا شديدا، فشدّ عليه حندب بْن عَبْدِ اللَّهِ الأزدي فلما أمكنه أن يطعنه تركه كراهة لأن يقتله. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: جعل جندب بْن زهير يرتجز يومئذ ويقول: يَا أمنا أعق أم تعلم ... والأم تغذو ولدها وترحم وجعل أَيْضًا يرتجز- أَوْ غيره- ويقول: قلنا لَهَا: وهي عَلَى مهواة ... إن لنا سواك أمهات فِي مسجد الرسول ثاويات وشد رجل من الأزد عَلَى ابْن الحنفية وَهُوَ يقول: يَا معشر الأزد كروا. فضربه ابْن الحنفية فقطع يده وَقَالَ: يَا معشر الأزد: فروا. «303» حَدَّثَنِي عَمْرو بْن محمد الناقد، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا أَبُو نعامة العدوي عَن شيخ منهم قَالَ:

مقتل طلحة بن عبيد الله

أخذ رجل منا بخطام الجمل وَهُوَ يقول: نحن عدي نبتغي عَلِيًّا ... نحمل ماديا [1] ومشرفيا وبيضة وحلقا ملويا ... نقتل من يخالف الوصيا [2] مقتل طلحة بْن عبيد اللَّه قَالُوا: أحيط بطلحة عند المساء ومعه مروان بْن الحكم يقاتل فيمن يقاتل، فلما رأى مروان النَّاس منهزمين قَالَ: وَاللَّه لا أطلب ثأري بعثمان بعد اليوم أبدًا، فانتحى لطلحة بسهم فأصاب ساقه فأثخنه والتفت إلى أبان ابن عُثْمَان فَقَالَ لَهُ: قد كفيتك أحد قتلة أبيك [3] . وجاء مولى لطلحة ببغلة لَهُ فركبها وجعل يَقُول لمولاه: أما من موضع نزول؟ فيقول: لا قد رهقك القوم. فيقول: مَا رأيت مصرع شيخ أضيع، مَا رأيت مقتل شيخ أضيع، اللَّهُمَّ أعط عُثْمَان منى حَتَّى يرضى. وأدخل دارًا من دور بني سعد بالبصرة فمات فِيهَا. «304» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [4] ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ مَرْوَانُ يَوْمَ الْجَمَلِ: لا أَطْلُبُ بِثَأْرِي بَعْدَ الْيَوْمِ. فَرَمَى طَلْحَةُ بِسَهْمٍ (ظ) فأصاب ركبته فكان الدم يسيل (منها) فإذا أمسكوا ركبته انتفخت

_ [1] المادي: الرمح سمي به لأنه يميد أي يتحرك ويضطرب. [2] كذا. [3] هذا مما لا يختلف فيه أحد وهو من ضروريات فن التاريخ، وله شواهد غير محصورة من طريق القوم. [4] ورواه أيضا عن ابن أبي شيبة، في عنوان: «مقتل طلحة» من العقد الفريد: ج 3 ص 99، ط 1، لكن لا بهذا اللفظ بل بمعناه.

فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ سَهْمٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ، اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي الْيَوْمَ حَتَّى تَرْضَى. «305» حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد النَّاقِد، وَأَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أسامة، عَن إِسْمَاعِيل: عَن قَيْس قَالَ: رمى مروان طَلْحَةَ يوم الجمل فِي ركبته فمات فدفنوه عَلَى شاطئ الكلا [1] فراى بعض أهله (في منامه) أنه قَالَ: ألا تريحوني من هَذَا الماء فإني قد غرقت. فنبشوه فَإِذَا قبره أخضر كأنه السلق [2] فنزفوا عَنْهُ الماء ثُمَّ استخرجوه واشتروا/ 356/ لَهُ دارًا بعشرة آلاف درهم ودفنوه فِيهَا. «306» وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، عَنْ سَعِيد بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أُصِيبَتْ ثَغْرَةُ نَحْرِ طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ بِسَهْمٍ فَجَعَلَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مَصْرَعَ شَيْخٍ أَضْيَعَ، اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي الْيَوْمَ حَتَّى تَرْضَى. «307» وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَعَوَانَةُ وَغَيْرُهُمَا: قُتِلَ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ مَعَ عَائِشَةَ أَصَابَهُ سهم.

_ [1] كذا في النسخة، وقريبا منه في العقد الفريد: ج 3 ص 100، ط 1، وقال ابن سعد في ترجمة طلحة من الطبقات: ج 3 ص 223 ط بيروت: أخبرنا أبو أسامة، عن إسماعيل ابن أبي خالد، قال: أخبرني قيس بن أبي حازم قال: رمى مروان بن الحكم طلحة يوم الجمل في ركبته فجعل الدم يغذ ويسيل، فإذا امسكوه استمسك وإذا تركوه سال- قال: والله ما بلغت إلينا سهامهم بعد- ثم قال: أمسكوه فإنما هو سهم ارسله الله. فمات فدفنوه على شط الكلاء، فرأى بعض أهله أنه قَالَ: أَلا تريحونني من هذا الماء فإني قد غرقت- ثلاث مرات يقولها- فنبشوه من قبره أخضر كأنه السلق، فنزفوا عَنْهُ الماء ثم استخرجوه فإذا ما يلى الأرض من لحيته ووجهه قد أكلته الأرض، فاشتروا دارا من دور أبي بكرة فدفنوه فيها. [2] كذا في الأصل.

«307» حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب، حدثني أبو بكر ابن الفضل عن أبيه (قال:) أن راية العتيك كانت يوم الجمل مَعَ عَمْرو بْن الأشرف فقتل يومئذ وعشرة من بيته (كذا) . «308» وقال هشام بن الكلبي: التقى الحرث بن زهير بن عبد الشارق ابن لعط بن مظة العامدي (كذا) وَهُوَ من أصحاب علي، وعمرو بْن الأشرف العتكي فقتل كل واحد مِنْهُمَا صاحبه. قَالُوا: فمال الناس (ظ) بعد مقتل طلحة إِلَى عائشة فاقتتلوا حول الجمل، فكان أول من أخذ زمامه زفر بن الحرث الكلابي أخذه وجعل يقول: يَا أمنا عائش لا تراعي ... كل بنيك بطل شجاع واشتد القتال فقتل من الأزد ألفان وخمسمائة واثنان وخمسون رجلًا، ومن بكر بْن وائل ثمانمأة، ومن ضبة خمسمائة، ومن بني تميم (ظ) سبعمائة. ولما رأى علي أن القتال حول الجمل قد اشتد قَالَ: [اعقروا الجمل] . فشد نحوه عدي بْن حاتم الطائي أَبُو طريف، ومالك الأشتر وعمار بن ياسر والمثنى بن مخرمة (ظ) العبدي- من شيعة عَلِيّ بْن أَبِي طالب من أهل الْبَصْرَةِ- وعمرو بْن دلجة الضبي من أهلها، وأبو حية بْن غزية الأَنْصَارِيّ، وَقَالَ بعض العبديين: نحن ضربنا ساقه فانخزلا ... وضربة بالعنق كانت فيصلا لو لم تكوني للنبي ثقلا ... وحرمة لاقيت أمرًا معضلا وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيهِ: الَّذِي عرقب جمل عَائِشَةَ المسلم بْن معدان من ولد شزن بْن نكرة بْن لكيز بْن أفصى.

قالوا: وجاء أعين بن ضبيعة- أبو البوار [1] امرأة الفرزدق- إِلَى الهودج وكأنه فرخ مقصب مما فِيهِ من النبل فاطلع فِيهِ فَقَالَ: والله مَا أرى إِلا حميراء. فقالت: هتك اللَّه سترك وأبدى عورتك وقطع يدك. وانتهى علي إِلَى الهودج فضربه برمحه وَقَالَ: [كيف رأيت صنيع اللَّه بك. يَا أخت إرم [2]] فقالت: ملكت فأسجح. ثُمَّ قَالَ لمحمد بْن أَبِي بكر: انطلق بأختك فأدخلها الْبَصْرَةَ. فأنزلها محمد في دار صفية بنت الحرث بن طلحة ابن أبي طلحة العبدري وهي أم طلحة الطلحات بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن خلف الخزاعي فمكثت بِهَا أيامًا، ثُمَّ أمرها علي بالرحلة فاستأجلته أيامًا فأجلها، فلما انقضى الأجل أزعجها فخرجت إِلَى الْمَدِينَةِ فِي نساء من أهل الْبَصْرَةِ ورجال من قبله حَتَّى نزلت الْمَدِينَةَ، وكانت تقول إذا ذكرت يوم الجمل: وددت أني مت قبله بِكَذَا وكذا عاما. «309» وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ الدَّوْرَقِيِّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَسَّانٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ: لَقَدْ شَكَّتِ السِّهَامُ الْهَوْدَجَ حَتَّى كَأَنَّهُ جَنَاحُ نِسْرٍ، وَفَقَدَ عَلِيٌّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: مَا أَرَاهُ يُقَاتِلُكُمْ غَيْرُ هَذَا الْهَوْدَجِ. فَكَشَفَ عَمَّارٌ عُرْقُوبَ الْجَمَلِ فَقَالَ عَلِيٌّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَدْخِلْ رَأْسَكَ وَانْظُرْ أَحَيَّةٌ هِيَ؟ وَهَلْ أَصَابَهَا شَيْءٌ؟ فَفَعَلَ ثُمَّ أَخْرَجَ رَأْسَهُ فَقَالَ: خُمُوشٌ فِي عَضُدِهَا أَوْ قَالَ فِي جَسَدِهَا. «310» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النصر، حدثنا

_ [1] كذا في النسخة، والصواب: أبو النوار. [2] كذا.

إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو: عَنِ ابْنِ حَاطِبٍ قَالَ: [أَقْبَلْتُ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ إِلَى الْهَوْدَجِ وَكَأَنَّهُ شَوْكُ قُنْفُذٍ مِنَ النَّبْلِ، فَضَرَبَ/ 357/ الْهَوْدَجَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ حُمَيْرَاءَ إِرَمَ هَذِهِ أَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلَتْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. فَقَالَ] لَهَا أَخُوهَا مُحَمَّدٌ: هَلْ أَصَابَكِ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ: مِشْقَصٌ فِي عَضُدِي. فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ جَرَّهَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ. «311» وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جرير ابن حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: احْتَمَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَائِشَةَ، فَضَرَبَ عَلَيْهَا فُسْطَاطًا، فَوَقَفَ عليها (عليّ) فقال: [استفززت الناس وقد أقروا [1] حَتَّى قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِتَأْلِيبِكِ.] فَقَالَتْ: يَا بن أَبِي طَالِبٍ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ. فَسَرَّحَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَجَهَّزَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. «312» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ- وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْجَمَلَ مَعَ عَلِيٍّ- قَالَ: قَالَ لي علي: يا بن حَاطِبٍ هَلْ فِي قَوْمِكَ جِرَاحٌ؟ قُلْتُ: أَيْ وَاللَّهِ. قَالَ: [مُرْهُمْ بِالسَّمْنِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ علولا [2] مثل السمن للجرح] .

_ [1] كلمة: «علي» قد كانت ساقطة من النسخة، وكلمة: «أقروا» غير واضحة بحسب رسم الخط، ويحتمل رسم الخط أن يقرء: «وقد افترقوا» أو «وقد أفزوا» . [2] قال في التاج في مادة علل مستدركا على القاموس: العلول- كصبور-: ما يعلل به المريض من الطعام الخفيف، والجمع علل بضمتين.

مقتل للزبير بن العوام

مقتل للزبير بْنِ الْعَوَّامِ «313» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: رَأَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَلِيًّا فَقَالَتْ: كَأَنَّهُ قَدْ كُسِرَ ثُمَّ جُبِرَ، وَرَأَتْ طَلْحَةَ فَقَالَتْ: كَأَنَّ وَجْهَهُ دِينَارٌ هِرَقْلِيٌّ، وَرَأَتِ الزُّبَيْرَ فَقَالَتْ: كَأَنَّهُ أَرْقَمُ يَتَلَمَّظُ. فَلَمَّا تَوَاقَفُوا قَالَ عَلِيٌّ لِطَلْحَةَ: [خَبَّأْتَ عِرْسَكَ فِي خِدْرِهَا وَجِئْتَ بِعِرْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُقَاتِلُ بِهَا، وَيْحَكَ أَمَا بَايَعْتَنِي؟] قَالَ بَايَعْتُكَ والسيف على عنقي. ثم قال (علي للزبير) : يا زبير قف بنا حجرة [1] فَتَوَاقَفَا حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ فَرَسَيْهِمَا فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا زُبَيْرُ أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِي: [أَمَا إِنَّ ابْنَ عَمَّتِكَ هَذَا سَيَبْغِي عَلَيْكَ وَيُرِيدُ قِتَالَكَ ظَالِمًا؟] قَالَ: اللَّهُمَّ بَلَى. فَخَرَجَ مِنَ الْعَسْكَرِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَتَلَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ بِوَادِي السباع [2]

_ [1] الحجرة- كبصرة-: الناحية وموضع الانفراد. قال الحاكم في ترجمة أبي جرد المازني من كتاب الكنى: ج 5/ 10/ ب: حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني أنبأنا عمي (ظ) أنبأنا محمد بن عبد الله الرقاشي قال: حدثني أبي عن جدي عن أبي جرد المازني قال: شهدت عليا والزبير تواقفا فقال علي للزبير: نشدتك بالله يا زبير هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (وَسَلَّمَ) يقول: أنك تقاتلني (ظالما) ؟ قال: اللهم نعم ما ذكرت قبل موقفي هذا. ثم ولى منصرفا. [2] قال في معجم البلدان: وادي السباع الذي قتل فيه الزبير بن العوام بين البصرة ومكة، وبينه وبين البصرة خمسة أميال. كذا ذكره أبو عبيد.

«314» حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ إِيَاسٍ أَبُو الْعَلاءِ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي عن أبيه (قال:) : أَنَّ عَلِيًّا دَعَا الزُّبَيْرَ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ آمِنٌ ابْرُزْ إِلَيَّ أُكَلِّمُكَ. فَبَرَزَ لَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ دَابَّتَيْهِمَا، فَقَالَ: يَا زُبَيْرُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ يَمْشِي وَخَرَجْنَا مَعَهُ فَقَالَ [لَكَ: يَا زُبَيْرُ تُقَاتِلُهُ ظَالِمًا [1] وَضَرَبَ كَتِفَكَ؟!!! فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَفَجِئْتَ تُقَاتِلُنِي؟] فَرَجَعَ عَن قِتَالِهِ وَسَارَ مِنَ الْبَصْرَةِ لَيْلَةً فَنَزَلَ مَاءٍ لِبَنِي مُجَاشِعٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ وَجَاءَ بِسَيْفِهِ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ [ (له) : بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ] . «315» حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ [2] : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَتَى الزُّبَيْرَ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتُقَاتِلُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ فَقَتَلَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ.

_ [1] الحديث من اعلام النبوة وله مصادر غير محصورة. [2] وقال في ترجمة الزبير، من تاريخ دمشق: ج 18/ 67- وفي تهذيبه: ج 5 ص 364-: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه، أنبأنا ابو العباس احمد بن منصور، أنبأنا ابو محمد عبد الرحمان بن عثمان بن القاسم، أنبأنا محمد، أنبأنا ابو علي، أنبأنا احمد بن علي القاضي، أنبأنا ابو الربيع الزهري (كذا) أنبأنا ابو شهاب الخياط، عن هلال بن خباب، عَنْ عِكْرِمَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ للزبير يوم الجمل: يا بن صفية هذه عائشة تملك الملك لطلحة، فأنت على ماذا تقاتل قريبك؟!!

«316» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ أَنْبَأَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ: عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلا قَامَ إِلَى الزُّبَيْرِ فَقَالَ: أأقتل عليا؟ قال: كيف تقتله ومعه الجنود والناس؟ قَالَ: أَكُونُ مَعَهُ ثُمَّ أَفْتِكُ بِهِ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: لا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [إِنَّ الإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، فلا يفتك مؤمن [1]] .

_ [1] الحديث مشهور مستفيض من طريق القوم عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، ولكن كون الزبير عاملا به غير معلوم- أو معلوم عدمه- وذلك لما ورد من طريق القوم ان الزبير أراد الفتك بأمير المؤمنين عليه السلام وبالمؤمنين معه من المهاجرين والأنصار، غير مرة، قال أبو جعفر الطبري في أوائل سيرة أمير المؤمنين من تاريخه: ج 3 ص 454 وفي ط: ج 1/ 3072-: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله، قال: حدثني أبي عبد الله ابن مصعب، عن موسى بن عقبة: عن أبي حبيبة مولى الزبير، قال: لما قتل الناس عثمان وبايعوا عليا، جاء علي إلى الزبير فاستأذنه فأعلمته به، فسل السيف ووضعه تحت فراشه ثم قال: ائذن له. فأذنت له فدخل فسلم على الزبير وهو واقف بنحوه ثم خرج، فقال الزبير: لقد دخل المرء ما أقصاه، قم في مقامه فانظر هل ترى من السيف شيئا؟! فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته فقال: ذاك أعجل الرجل!!! فلما خرج علي سأله الناس فقال: وجدت أبر ابن أخت وأوصله فظن الناس خيرا، فقال علي: إنه بايعه (كذا) . وأيضا قال الطبري في تاريخه: ج 1، ص 3127، وفي ط: ج 3 ص 491 وفي ط الحديث: ج 4 ص 475 حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن قال: حدثنا سليمان بن أرقم، عن قتادة: عن أبي عمرة مولى الزبير، قال: لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة، قال الزبير: ألا ألف فارس اسير بهم إلى علي فإما بيته وإما صبحته لعلي اقتله قبل ان يصل إلينا!!! فلم يجبه احد، فقال: إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها!! فقال له مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟ قال: ويحك إنا نبصر ولا نبصر (كذا) ما كان امر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإني لا ادري امقبل انا فيه أم مدبر؟!!. اقول: ورواه أيضا الشيخ المفيد في كتاب الجمل، كما رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار الأول من باب كتب نهج البلاغة: ج 14/ 14.

«317» وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَغَيْرُهُ: مَضَى الزُّبَيْرُ حِينَ هُزِمَ النَّاسُ، يُرِيدُ الْمَدِينَةَ حَتَّى مَرَّ بِالأَحْنَفِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَقَالَ الأَحْنَفُ- رَافِعًا صَوْتَهُ-: مَا أَصْنَعُ إِنْ كَانَ الزُّبَيْرُ، لَفَّ بَيْنَ غَارَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [1] فَضَرَبَ أَحَدَهُمَا بِالآخَرِ، ثُمَّ يُرِيدُ اللِّحَاقَ بِقَوْمِهِ. فَأَتْبَعَهُ (عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ، وَفُضَيْلُ بْنُ عَابِسٍ وَنُفَيْلُ بْنُ حَابِسٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَرَكَضُوا أَفْرَاسُهُمْ فِي إِثْرِهِ، وَقَدْ كان النعر (ظ) ابن زمامٍ الْمُجَاشِعِيُّ لَقِيَهُ فَأَجَارَهُ، وَأَجَارَهُ أَيْضًا رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدٍ يُكْنَى أَبَا الْمَضْرَحِيِّ، فَلَمَّا لَحِقَهُ/ 358/ ابْنُ جُرْمُوزٍ وَصَاحِبَاهُ خَرَجَا هَارِبَيْنِ، فَقَالَ لَهُمَا الزُّبَيْرُ: إِلَى أَيْنَ؟ إِلَيَّ إِنَّمَا هُمْ ثَلاثَةٌ وَنَحْنُ ثَلاثَةٌ. فَأَسْلَمَاهُ وَلَحِقَهُ الْقَوْمُ فَعَطَفَ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَ عَلَيْهِ ابْنُ جُرْمُوزٍ، فَنَصَبَ لَهُ الزُّبَيْرُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الاثْنَانِ مِنْ وَرَائِهِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمَا وَحَمَلَ عَلَيْهِ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَطَعَنَهُ فَوَقَعَ فَاعْتَوَرُوهُ فَقَتَلُوهُ. واحتز ابْن جرموز رأسه فجاء بِهِ إِلَى الأحنف، ثُمَّ أتاه عَلِيًّا فَقَالَ قولوا لأمير الْمُؤْمِنِينَ: قاتل الزُّبَيْر بالباب. فَقَالَ: [بشروا قاتل ابْن صفية بالنار] . وأمر علي برأسه فحمل إِلَى وادي السباع فدفن مَعَ بدنه، وجاءه ابْن جرموز بسيفه فَقَالَ علي: [سيف طال مَا جلي بِهِ الكرب عَن وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه الحين ومصارع السوء.] ثُمَّ أقبل علي وولده يبكون فَقَالَ ابْن جرموز: ظننت أني قتلت عدوًا لَهُ، ولم أظن أنّي انما قتلت لَهُ وليا وحميما. «318» المدائني فِي إسناد لَهُ: إن مصعب بْن الزُّبَيْرِ دعا النَّاس إِلَى العطاء فَقَالَ مناديه: أين ابْن جرموز؟ فقيل: إنه ساح فِي الأرض فَقَالَ: أظن أني قاتله بأبي عَبْد اللَّهِ، ليظهر آمنا وليأخذ عطاءه سالمًا. «319» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:

_ [1] وفي النسخة: «فكف بين غارين» إلخ.

لَمَّا وَقَفَ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُ الْجَمَلِ، خَرَجَ عَلِيٌّ (عَلَى) فَرَسِهِ فَدَعَا الزُّبَيْرَ فَتَوَاقَفَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جَاءَ بِي أَنِّي لا أَرَاكَ لِهَذَا الأَمْرِ أَهْلا وَلا أَوْلَى بِهِ مِنَّا. فَقَالَ عَلِيٌّ: [لَسْتَ أَهْلا لَهَا بَعْدَ عُثْمَانَ؟ قَدْ كُنَّا نَعُدُّكَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى نَشَأَ ابْنُكَ ابْنَ السُّوءِ فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ [1] وَعَظُمَ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ] وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم [مَرَّ عَلَيْهِمَا فَقَالَ لِعَلِيٍّ: مَا يَقُولُ ابْنُ عَمَّتِكَ؟ لَيُقَاتِلَنَّكَ وَهُوَ لَكَ ظَالِمٌ. فَانْصَرَفَ] عَنْهُ الزُّبَيْرُ وَقَالَ: فَإِنِّي لا أُقَاتِلُكَ. وَرَجَعَ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: مَا لي في هذا الحرب (من) بَصِيرَةٌ!! فَقَالَ: لا وَلَكِنَّكَ جَبُنْتَ عَنْ لِقَاءِ عَلِيٍّ حِينَ رَأَيْتَ رَايَاتِهِ فَعَرَفْتَ أَنَّ تَحْتَهَا الْمَوْتُ. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ حَلَفْتُ أَنْ لا أُقَاتِلَهُ قَالَ: فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ بِعِتْقِ غُلامِكَ سرجس. فأعتقه وقام في الصف معهم [2] .

_ [1] وقريب منه معنى في ترجمة الزبير، من تاريخ دمشق: ج 18، ص 66، وكذلك في المختار: (453) من الباب الثالث من نهج البلاغة، قال في الأول: أخبرنا ابو طالب على بن عبد الرحمان، أنبأنا ابو الحسن على بن الحسن بن الحسن، أنبأنا ابو محمد ابن النحاس أنبأنا ابو سعيد بن الاعرابي أنبأنا ابو رفاعة عبد الله بن محمد بن حبيب أنبأنا ابراهيم ابن سعيد الجوهري أنبأنا ابراهيم بن مهدي أنبأنا عيسى بن يونس: عن قيس قال: (قال علي) ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فقلبه. [2] وقال في ترجمة الزبير، من تاريخ دمشق: ج 18/ 67- وفي تهذيبه: ج 5 ص 364-: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفرضي، أنبأنا أبو العباس بن قيس، أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر، أنبأنا عمي ابو علي، حدثني علي بن بكر، عن احمد بن الخليلي، أنبأنا بن عبيدة بن زيد (كذا) أنبأنا علي، عن أبي بكر المقدمي: عن قتادة، قال رجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا اعرف فيه امري غير موطني هذا!!! قالت: فما تريد ان تصنع؟ قال: ادعهم واذهب. فقالت، يا (ا) با عبد الله جمعت بين هذين الغارين حتى إذا أخذ بعضهم ببعض اردت ان تذهب وتتركهم!! اجبنت حين رايت رايات ابن أبي طالب، وعلمت انه يحملها قتية امجاد؟!! فقال: إني حلفت ان لا اقاتله: (قالت: كفر عن يمينك) . فدعا مكحولا فأعتقه. اقول: بين المعقوفين زيادة منا يقتضيها السياق، وما ذكر هنا في المتن.

«320» وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ الْحَارِثِ [1] : عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: قُرَّةُ بْنُ الْحَارِثِ: كُنْتُ مَعَ الأَحْنَفِ، وَكَانَ جَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ ابْنَ عَمِّي مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَحَدَّثَنِي جَوْنٌ قَالَ: إِنِّي لَمَعَ الزُّبَيْرِ حَتَّى جَاءَهُ فَارِسٌ وَكَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِالإِمْرَةِ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، هَؤُلاءِ الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْا إِلَى مَكَانِ كَذَا فَلَمْ أَرَ قَوْمًا أَرَثَّ سِلاحًا وَلا أَقَلَّ عُدَّةً وَلا أَرْعَبَ قُلُوبًا مِنْهُمْ. ثُمَّ انْصَرَفَ وَجَاءَ فَارِسٌ آخَرُ فَقَالَ: سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ. قَالَ: وَعَلَيْكَ. قَالَ: جَاءَ الْقَوْمُ إِلَى مَكَانِ كَذَا فَسَمِعُوا بِمَا جَمَعَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. فقال ابن الزبير (كذا) : ايها عنك الآن فو الله لَوْ لَمْ يَجِدِ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلا الْعَرْفَجَ لَدَبَّ إِلَيْنَا فِيهِ [2] . قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ فَجَاءَ فَارِسٌ فَسَلَّمَ بِالإِمْرَةِ ثُمَّ قَالَ: هَؤُلاءِ الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْكَ وَقَدْ لَقِيتُ عَمَّارًا فَقُلْتُ لَهُ وَقَالَ لِي. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ. قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَفِيهِمْ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَى أَنَّ الرَّجُلَ ثَابِتٌ عَلَى قَوْلٍ لا يُخَالِفُهُ قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ: ارْكَبْ مَعَهُ فَانْظُرْ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ فَانْطَلَقَا ثُمَّ رَجَعَا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ لِصَاحِبِهِ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: صَدَقَكَ

_ [1] والحديث رواه أيضا ابن سعد في ترجمة الزبير، من الطبقات: ج 3 ص 111، ط بيروت قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق، قال: حدثني سفيان بن عقبة (كذا) عَنْ قُرَّةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَوْنِ بْنِ قتادة، قال: كنت مع الزبير يوم الجمل وكانوا يسلمون عليه بالإمرة، فجاء فارس يسير فقال: السلام عليك أيها الأمير، ثم اخبره بشيء، ثم جاء آخر ففعل مثل ذلك، ثم جاء آخر ففعل مثل ذلك، فلما التقى القوم وراى الزبير ما راى قال: واجدع انفياه ... [2] العرفج- بفتح العين وكسره كعسكر وزبرج-: قيل: هو ضرب من النبات سهلي سريع الانقياد، ومنه سمي الرجل.

الرجل فقال الزبير: يا حدع أَنْفَاهُ يَا قَطَعَ ظَهْرَاهُ. ثُمَّ أَخَذَهُ أَفْكَلُ [1] حتى جعل السلاح ينتقض عَلَيْهِ، فَقَالَ جَوْنٌ: ثَكَلَتْنِي أُمِّي أَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ أَوْ أَعِيشَ مَعَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا هَذَا إِلا لأَمْرٌ سَمِعَهُ وَهُوَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (كذا) فَلَمَّا تَشَاغَلَ النَّاسُ انْصَرَفَ فَجَلَسَ عَلَى دَابَّتِهِ ثُمَّ ذَهَبَ، قَالَ: ثُمَّ/ 359/ انْصَرَفَ جَوْنٌ فَجَلَسَ عَلَى دَابَّتِهِ فَلَحِقَ بِالأَحْنَفِ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ فَارِسَانِ إِلَى الأَحْنَفِ فَأَكَبَّا عَلَيْهِ يُنَاجِيَانِهِ فَرَفَعَ الأَحْنَفُ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ يَا فُلانٌ. فَأَتَيَاهُ فَأَكَبَّا عَلَيْهِ فَنَاجَاهُمَا سَاعَةً ثُمَّ انْصَرَفَا، ثُمَّ جَاءَ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ إِلَى الأَحْنَفِ فَقَالَ: أَدْرَكْتُهُ فِي وَادِي السِّبَاعِ فقتلته. فكان قرة بن الحرث يَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ صَاحِبُ الزُّبَيْرِ إلا الأحنف. (و) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بِمِثْلِهِ. «321» حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الزُّبَيْرِ: أَنْ أَقْبِلْ إِلَيَّ أُبَايِعْكَ وَمَنْ يحضرني [2] . فكتم (الزبير) ذلك (عن) طلحة وعائشة، ثم بلغها فكبر

_ [1] اي ارتعاد وارتعاش. ولعله علم انه ما خرج عمار من الكوفة إلا بالجند، وفيه كانت مظنة لانهزامهم، او لما شاع بين المسلمين بلا قدح ومعارض من انه يقتله الفئة الباغية، وانه يدور مع الحق اين ما دار. لا من باب ان الزبير استكشف حقانية امير المؤمنين بكون عمار معه فعلم انه على الباطل ولذلك أخذته الرعدة وقال ما قال، وذلك لأن هذا العلم كان حاصلا للزبير على كل حال، وذلك لأن مناقب عمار بالنسبة إلى مناقب علي ومزاياه وخصائصه كالقطرة إلى البحر باعتراف أولياء الزبير، نعم مناقب علي وخصائصه خدشها المتقدمون بالدعابة وأمثالها كي يتيسر لهم الاستيلاء على حقه، فكان التلبيس على الناس فيها سهلا هينا، ولكن عمارا بما انه لم يكن مدعيا لمقام شامخ ولم يكن في مظنة الارتقاء على القوم والرئاسة عليهم بقيت مناقبه سليمة، وكانت محاولة التدليس والتمويه فيها عسرة، فلذلك اخذه افكل!!! [2] والظاهر ان هذا الكتاب غير ما ذكره ابن أبي الحديد، في شرح المختار- 8- و (193) من النهج: ج 1، ص 231 وج 10، 235.

ذلك عليها، وَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ بِهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لأَبِيهِ: أَتُرِيدُ أَنْ تَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَلَمْ لا أَفْعَلْ وَابْنُ الْحَضْرَمِيَّةِ يُنَازِعُنِي فِي الأَمْرِ!! ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَحْسَبُهُ كَانَ حلف ليفعلنّ فدعا غلاما له فأعتقه وعاد إلى الحرب. «322» وحدثني بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا اقْتَتَلُوا يَوْمَ الْجَمَلِ كَانَتِ الدَّبْرَةُ عَلَى أَصْحَابِ الْجَمَلِ، فَأَفْضَى عَلِيٌّ إِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا الزُّبَيْرُ، فلما واجهه قال له: يا (أ) با عبد الله أتقاتلني بعد بيعتي، و (بعد) ما سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قتالك لي ظالما؟ فاستحيا (الزبير) وَانْسَلَّ عَلَى فَرَسِهِ مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا صَارَ بِسَفَوَانَ، لَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ مُجَاشِعٍ يُقَالُ لَهُ: النعرُ بْنُ زمامٍ [1] فَقَالَ لَهُ: أَجِرْنِي. قَالَ النعرُ: أَنْتَ فِي جِوَارِي يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ الله. فقال الأحنف: وا عجبا الزُّبَيْر لَفَّ بَيْنَ غَارَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَدْ نَجَا بِنَفْسِهِ وَهُوَ الآنَ يُرِيدُ أَهْلَهُ. فَأَتْبَعَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ يَقُولُ: أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ يَفُوتَكُمْ. فَشَدُّوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَأَتَى ابْنُ جُرْمُوزٍ عَلِيًّا بِرَأْسِهِ فَأَمَرَ أَنْ يُدْفَنَ مع جسده بوادي السباع.

_ [1] قال ابن عساكر- في ترجمة الزبير من تاريخ دمشق: ج 18/ 72- أخبرنا أبو محمد السلمي، أنبأنا أبو بكر الخطيب. وأخبرنا أبو القاسم السمرقندي، أنبأنا أبو بكر بن الطبري قالا أنبأنا أبو الحسين بن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، أنبأنا الحجاج- يعني ابن المنهال- أنبأنا أبو عوانة، عن حصين بن عمرو بن جاوان قال: لما التقوا قام كعب بن سور معه المصحف ينشره بين الفريقين ينشدهم والإسلام في دمائهم فلم يزل بذلك المنزل حتى قتل. فلما التقي الفريقان كان طلحة من أول قتيل رأيته. قال: وانطلق الزبير على فرس له يدعى ذات الحمار حتى أتى سفوان، فتلقاه النعر المجاشعي فقال: يا حواري رسول الله (إليّ) أين تذهب؟ تعال فأنت في ذمتي، قال فجاء يسير مع النعر، وجاء رجل إلى الأحنف بن قيس (و) قال: لقد لقي الزبير بسفوان. قال: فما يأمران جاء فحصل (كذا) بين المسلمين حتى إذا ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيف أراد أن يلحق بيته، قال: فسمعه عمير بن جرموز (كذا) وفضالة بن حابس ورجل يقال له: نفيع، فانطلقوا حتى لقوه مقبلا مع النعر، وهم في طلبه فأتله عمير من خلفه فطعنه طعنة ضعيفة، فحمل عليه الزبير، فلما (ظ) استلحمه وظن انه قاتله قال: يا فضالة يا نفيع. فحملا عليه حتى قتلوه.

«323» المدائني، عَن عامر بْن أَبِي مُحَمَّد، وسعيد بن عبد الرحمان السلمي عَن أَبِيهِ: أن الزُّبَيْر بْن العوام قال حين طعنه ابْن جرموز: مَا لَهُ قاتله اللَّه يذكر بالله وينساه، ثُمَّ قَالَ الزُّبَيْر: ولقد علمت لو انّ علمي نافعي ... ان الحيات من الممات قريب قَالَ: وَقَالَ: طلحة يوم الجمل: صرف الزبير جوداه ... إما لتدركه وفاته «324» وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، وأحمد (بْن إِبْرَاهِيمَ) الدَّوْرَقِيُّ، أَنْبَأَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الزُّبَيْرَ حَيْثُ وَلَّى وَلَمْ يَكُنْ بَسَطَ يَدَهُ بِسَيْفٍ اعْتَرَضَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالرُّمْحِ وَقَالَ: إِلَى أَيْنَ تريد يا (أ) با عَبْدِ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِجَبَانٍ وَلَكِنِّي أَحْسَبُكَ شَكَكْتَ. قَالَ: هُوَ ذَلِكَ، وَمَضَى حَتَّى نَزَلَ بِوَادِي السِّبَاعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ. «325» حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، عن أبيه، عَن لوط بْن يَحْيَى فِي إسناده قَالَ:

لما قتل الزُّبَيْر، قَالَت عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ- وكانت تحت عَبْد الله ابن أبي بكر كذا) فخلف عَلَيْهَا عمر بْن الخطاب، ثُمَّ الزُّبَيْر-: غدر ابْن جرموز بفارس بُهْمَةٍ ... يوم اللقاء وَكَانَ غير معرّد يَا عَمْرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعش اللسان وَلا اليد هبلتك أمك أن قتلت لمسلمًا ... حلت عليك عقوبة المتعمد وَقَالَ جرير بْن عطية بْن الخطفي: إن/ 360/ الرزية من تضمن قبره ... وادي السباع (و) لكل جنب مصرع لما أتى خبر الزُّبَيْر تضعضعت ... سور المدينة والجبال الخشع وَقَالَ سحيم بن وثيل اليربوعي: لحا الله جيران الزُّبَيْر مجاشعا ... عَلَى سفوان مَا أدق وأخورا وقال جرير: لو كنت حرّا يا بن قين مجاشع ... شيعت ضيفك فرسخا أَوْ ميلا قتل الزُّبَيْر وأنتم جيرانه ... غيًا لِمن قتل الزُّبَيْر طويلا «326» المدائني عَن أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَن الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ خطيبهم يوم الجمل: كان عثمان يلبس خفين ساذجين (كذا) . «327» المدائني عَن رجل عَن الحسن قَالَ: باع طَلْحَةُ أرضا من عُثْمَان بسبع مائة ألف فحملها إليه فقال: إن رجلا تبيت (ظ) هَذِهِ عنده وَلا يدري مَا يطرقه من أمر الله لغرير بالله. فبات ورسله تفرقونها وتختلفون فِي سكك الْمَدِينَةِ، حَتَّى أصبح وما عنده درهم منها، ثم جاء هاهنا يطلب الصفراء والبيضاء.

«328» وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: كَانَ عدي بْن حاتم الطائي يقول: والله لاحبقت فِي قتل عُثْمَان عناق أبدًا [1] فلما كَانَ يوم الجمل قتل ابنه طريف- وبه كَانَ يكنى- وفقئت عينه وجرح فقيل لَهُ: يَا (أ) با طريف هل حبقت فِي عُثْمَان عناق؟ قَالَ: إي والله والَّتِيس الأعظم. «329» وحدثني حفص بْن عمر، عَن الْهَيْثَم قَالَ: مر علي عَلَى عبد الرحمان بْن عتاب بْن أسيد بْن أَبِي العيص- وَهُوَ صريع يوم الجمل فِي جماعة من قريش صرعى- فَقَالَ: [يَا حسن هَذَا يعسوب قريش، جدعت أنفي وشفيت نفسي وأدركت ثأري وأفلتتني الأغيار من بني جمح [2]] . يعني ناسا منهم كَانَ يأتيه عنهم الأذى. «330» حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله، حدثنا سفيان بن عيينة، أنبأنا عاصم ابن كُلَيْبٍ الْجَرْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُخَمِّسْ أَهْلَ الْجَمَلِ. «331» حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ.

_ [1] حبقت- من باب ضرب-: ضرطت. والعناق- كسحاب-: الأثنى من أولاد المعز، والكلام كناية عن هو ان عثمان وقتله عند الناس في تلك الأيام. [2] كذا في النسخة، وفي المختار: (214- أو- 216) من نهج البلاغة: أدركت وترى من بني عبد مناف، وأفلتتني اعيار بني جمح» قال ابن أبي الحديد: قال الراوندي: «اغيار» بالغين المعجمة. اقول: «اعيار» «جمع عير- بفتح فسكون-: الحمار، او الوحشي منه خاصة. و «وأفلتتنى» : فاتتني وخلصت عني فجأة. والكلام خرج مخرج الذم لمن حضر منهم الجمل مع عائشة. وقال ابن أبي الحديد فإن صحت الرواية: «وأفلتتني اعيان بني جمح» بالنون، فالمراد رؤساؤهم وساداتهم.

عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا نَزَلَ بِذِي قَارٍ بَعَثَ الْحَسَنَ وَعَمَّارًا فَاسْتَنْفَرَا أَهْلَ الكوفة، فنفر معهما بتسعة آلاف (كذا) وكنّا عشرة آلاف إِلا مِائَةً، وَلَحِقَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفَيْنِ فَكُنَّا اثْنَيْ عشر ألفا إلا مائة (كذا) ، فراى (أمير المؤمنين عليه السلام) مِنِّي نُكُوصًا، فَلَمَّا دَنَا بَعْضُ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ أَخَذَ الرَّايَةَ مِنِّي فَقَاتَلَ بِهَا، فَلَمَّا هُزِمُوا قَالَ: [لا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلا تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ. وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَا قُوتِلَ بِهِ مِنْ سِلاحٍ وَكُرَاعٍ] . «332» وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ، عَن أَبِي نعيم، عَن قَيْس بْن عاصم عَن زر وشقيق قَالا: قسم علي يوم الجمل مَا تقووا عَلَيْهِ بِهِ من سلاح وكراع. «333» عَبَّاسُ بن هشام، عن أبيه عن جده عن أَبِي صَالِحٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا أَخَذَ يَوْمَ الْجَمَلِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَمُوسَى بْنَ طَلْحَةَ فَأَرْسَلَهُمَا. «334» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ [1] . أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ- وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ- قَالَ: لَمَّا تَوَاقَفْنَا يَوْمَ الْجَمَلِ لَمْ يَلْبَثْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ أَنِ انْهَزَمُوا فَقَامَ صَائِحٌ لِعَلِيٍّ فَقَالَ: لا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ، ولا يدفّف عَلَى جَرِيحٍ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ومن طرح السلاح فهو آمن. قال (مروان:) فَدَخَلْتُ دارًا ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وابن

_ [1] ورواه أيضا البيهقي في السنن الكبرى: ج 8 ص 181.

جَعْفَرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ: [هُوَ آمِنٌ فليتوجه حيث ما شَاءَ.] فَقُلْتُ: لا تَطِيبُ نَفْسِي حَتَّى أُبَايِعَهُ، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ: [اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ] . «335» حدثنا محمد بن سعد، حدثنا روح بن عبادة قَالَ: بلغني أن مروان صار يوم الجمل إِلَى قوم من ربيعة. «336» وَقَالَ أَبُو مخنف فِي إسناده: ارتث/ 361/ مروان يوم الجمل فصار إِلَى قوم من عنزة، وبعث إِلَى مالك بْن مسمع يستجيره فأشار عَلَيْهِ أخوه مقاتل أن يفعل فأجاره وسأل عَلِيًّا لَهُ الأمان فآمنه، وعرض عَلَيْهِ أن يبايعه حين بايعه النَّاس بالبصرة، فأبى وَقَالَ: ألم تؤمني؟ قَالَ: بلى. قَالَ: فإني لا أبايعك حَتَّى تكرهني. قال علي: [فإني لا أكرهك، فو الله أن لو بايعتني بأستك لغدرت [1]] . ثُمَّ إنه مضى إِلَى مُعَاوِيَةَ. وصار ابْن الزُّبَيْر إِلَى دار رجل من الأزد، وبعث بالأزدي إِلَى عائشة

_ [1] كذا في النسخة، والصواب: «لو بايعتني بكفك لغدرت باستك» كما يدل عليه المختار: (70) من نهج البلاغة، وإليك نصه فإنه الفصل والمعول عليه: قالوا: وأخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين عليهما السلام إلى امير المؤمنين عليه السلام فكلماه فيه فخلى سبيله فقالا له: يبايعك يا امير المؤمنين. قال عليه السلام: او لم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته، انها كف يهودية!! لو بايعني بيده لغدر بسبته!!! أما ان له إمرة كلعقه الكلب انفه، وهو ابو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما احمو. قال ابن أبي الحديد: قد روي هذا الخبر من طرق كثيرة، ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب نهج البلاغة وهي قوله عليه السلام في مروان: «يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وإن له إمرة» الى آخر الكلام.

ليعلمها مكانه، فبعثت إِلَيْهِ مُحَمَّد بْن أَبِي بكر، فجاءها بِهِ وقد تغالظا فِي الطريق. وصار إِلَيْهَا أيضًا عتبة بْن أَبِي سُفْيَانَ بعد أن أجاره عصمة بن الزبير (أبير «خ» ) فبلغ عَلِيًّا مكانهما عند عَائِشَةَ فسكت ولم يعرض لهما. «337» قَالُوا: وقام علي حين ظهر وظفر (على القوم) خطيبا فَقَالَ: يَا أهل الْبَصْرَةِ قد عفوت عنكم فإياكم والفتنة، فإنكم أول الرعية (كذا) نكث البيعة وشق عصا الأمة. ثُمَّ جلس وبايعه النَّاس وكتب إِلَى قرظة بْن كعب بالفتح، وجزى أهل الْكُوفَة عَلَى نصرة آل نبيهم خيرًا [1] . «338» حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْب بْن جَرِير، عَنْ أَبِيهِ: عَن مُحَمَّد بْن أَبِي يعقوب قَالَ: قتل يوم الجمل ألفان وخمس مائة من أهل الْبَصْرَةِ، منهم من الأزد ألف وثلاثمأة وخمسون، ومن بني ضبّة ثمانمأة، ومن أفناء الناس ثلاثمأة وخمسون. «339» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: قتل مَعَ عائشة عبد الرحمان ابن عتاب ابن أسيد، وعلي بْن عدي بْن ربيعة بْن عبد شمس، ومسلم بْن قرظة من بني نوفل بْن عبد مناف، وعبد اللَّه بْن حكيم بْن حزام، ومعبد بْن المقداد بْن

_ [1] وإليك نص كتابه عليه السلام على سبيل الاختصار على ما في المختار الثاني من باب كتبه عليه السلام من نهج البلاغة: وجزاكم الله من اهل مصر عن اهل بيت نبيكم احسن ما يجزى العاملين بطاعته، والشاكرين لنعمته فقد سمعتم وأطعتم ودعيتم فأجبتم. اقول: وذكرناه بصورة تفصيلية ووجوه في المختار: (36) وما قبله من باب كتب نهج السعادة ج 4 ص 76.

الأسود، وأمه ضباعة بنت الزُّبَيْر بْنِ عَبْدِ المطلب، وَهُوَ الَّذِي مر بِهِ علي فَقَالَ: لا جزاك اللَّه من ابْن أخت خيرًا. في آخرين (كذا) . «340» وَقَالَ أَبُو مخنف: قتل يوم الجمل، من بني ناجية أربعمائة، ومن الأزد أربعة آلاف، ومن بني عدي الرباب سبعون كلهم قد قرءوا الْقُرْآن، ومن بني عقيل سبعون كلهم لَهُ ضربان (كذا) . وَكَانَ جميع من قتل من النَّاس من أهل البصرة عشرين ألفا (كذا) . «341» حدثني إبراهيم الدَّوْرَقِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ: عَنْ جَمِيعِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: أَخَرَجْتِ عَلَى عَلِيٍّ؟ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي افْتَدَيْتُ ذَلِكَ الْمَسِيرَ بِمَا عَرَضَ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنَّهُ قُدِّرَ. «342» وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ قالا: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: (يا لَيْتَنِي) كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا قَبْلَ أَمْرِ عُثْمَانَ، فو الله مَا أَحْبَبْتُ لِعُثْمَانَ شَيْئًا إِلا أُصِيبَ مِنِّي مِثْلَهُ، حَتَّى لَوْ أَحْبَبْتُ أَنْ يُقْتَلَ لَقُتِلْتُ. «343» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العقدي (ظ) عَن الأسود بن شيبان: عَن خالد بن سَمِينٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لا تُبَايِعُوا الزُّبَيْرَ إِلا عَلَى الإِمَارَةِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّمَا تُرِيدُ هَذِهِ أَنْ تَجْعَلَ حَارَّ أمر الناس بك، وبارده

لابن عمها. قَالَ: ثُمَّ كَانَتْ تَقُولُ: مَا أَنَا وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَبَيْعَةُ [1] مَنْ بُويِعَ وَحَرْبُ مَنْ حُورِبَ، يَا لَيْتَنِي قَرَرْتُ فِي بَيْتِي، وَلَكِنَّهَا بَلِيَّةٌ جَاءَتْ بِمِقْدَارٍ!!! «344» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ لأَنْ أَكُونَ جَلَسْتُ عن مسيري (كان) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي عَشْرَةُ بَنِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ وَلَدِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ. «345» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، وَرَوْحُ بْنُ عبد المؤمن، قالا: حدثنا عبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ/ 362/ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَائِشَةَ تقرء: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» (33/ الأحزاب) فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا. «346» المدائني عَن أَبِي خيران الحماني، عَن عوف الأعرابي: عَن أَبِي رجاء العطاردي قَالَ: رأيت رجلا مصطلم الأذن فقلت لَهُ: أخلقة أم حادث؟ قَالَ: بل حادث، بينا أنا يوم الجمل أجول فِي القتلى إذ مررت برجل فيهم صريع وَهُوَ ينشد: لقد أوردتنا حومة الموت أمنا ... فما صدرت إِلا ونحن رواء أطعنا قريشا ضلة من حلومنا ... ونصرتنا أهل الحجاز عناء

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «ربيعة من بويع» ، وكان كلامها مكتوبة في النسخة بصورة النظم، ومعلوم انه ليس من منظوم الكلام.

لقد كَانَ عَن نصر ابْن ضبة أمه ... وشيعتها مندوحة ومباء أطعنا بني تيم بْن مرة شقوة ... وما الَّتِيم [1] إِلا أعبد وإماء فقلت: من أنت؟ قَالَ: أدن مني أخبرك. فدنوت منه فأزم أذني فقطعها وَقَالَ: إذا أتيت أمك فأخبرها أن عمير بْن الأهلب فعل هذا بك. (قال هذا) ومات [2] . «347» حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، وَعَمْرُو بْنُ محمد قالا: حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم، عن منصور بن عبد الرحمان قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ يَشْهَدِ الْجَمَلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ غَيْرُ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ، وَطَلْحَةَ والزبير، فإن جاؤا بخامس فأنا كذاب [3] .

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «وما اليتم» . والقصة رواها أيضا في أواخر وقعة الجمل من مروج الذهب: ج 2 ص 370 ط بيروت نقلا عن المدائني، وكذلك في تاريخ الطبري: ج 4 ص 523 بسندين ورواه أيضا في سمط النجوم وغيره. [2] وقال في ترجمة سعيد بن شمر، من تاريخ دمشق: ج 20 ص 25 وفي تهذيبه: ج 6 ص 130، عَن أَبِي رجاء العطاردي قَالَ رأيت رجلا قد اصطلمت أذنه فقلت: يا عبد الله ما الذي فعل بك ما أرى؟ قال: كنت مع علي أيام الجمل، فلما انهزم اهل البصرة خرجت فإذا برجل يفحص برجله ويقول: لقد أوردتنا حومة الموت أمنا ... فلم ننصرف إلا ونحن رواء واورد الأبيات بمغايرة طفيفة إلى أن قال فقلت لَهُ: قل لا إله إلا اللَّه. فَقَالَ: أوص بها أمك فهى أحق بها؟! أتأمرني بالجزع عند الموت؟ فلما وليت ناداني فقال: قد قبلتها فادن مني ولقنيها وأسمعني فإن في اذني وقرا. فدنوت منه فجعلت القنه إياها، فالتقم اذني فقطعها ثم قال لي: اخبر أمك ان الذي فعل هذا بك عمير بن الأهلب الضبي!!! [3] قال المسعودي في وقعة الجمل من مروج الذهب: ج 2/ 359 ط ببيروت: حدث ابو خليفة الفضل ابن الحباب الجمحي، عن ابن عائشة، عن معن بن عيسى، عن المنذر بن الجارود، قال لما قدم علي البصرة دخل مما يلي الطف فأتى الزاوية فخرجت أنظر اليه، فورد موكب في نحو ألف فارس يتقدمهم فارس على فرس أشهب، عليه قلنسوة وثياب بيض متقلد سيفا ومعه راية وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة مدججين في الحديد والسلاح فقلت من هذا؟ فقيل: هذا أبو أيوب الانصاري صاحب رسول الله وهؤلاء الأنصار وغيرهم، ثم تلاهم فارس آخر عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلد سيفا متنكب قوسا معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين (وقد كان لحق عليا في الربذة) ثم مر بنا فارس آخر ... في نحو ألف فارس من الناس ومعه راية فقلت: من هذا؟ فقيل لي أبو قتادة بن ربعي ثم مر بنا فارس آخر ... حوله مشيخة وكهول وشباب كأنما قد أوقفوا للحساب اثر السجود قد اثر في جباههم فقلت: من هذا؟ فقيل عمار بن ياسر في عدة من الصحابة من المهاجرين والأنصار ... وقال في ترجمة زيد بن صوحان من تاريخ دمشق: ج 19/ 130: أخبرنا أبو عبد الله البلخي أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني، أنبأنا علي بن شاذان، أنبأنا أحمد بن إسحاق بن ينخاب (كذا) أنبأنا إبراهيم بن الحسين الكسائي، أنبأنا عقبة بن مكرم الكوفي، أنبأنا يونس، عن عمر بن شمر، عن جابر: عن محمد بن علي ومحمد بن المطلب وزيد بن الحسن قالوا: شهد مع على بن طالب في حر (و) به من أصحاب (رسول الله يوم) بدر سبعون رجلا، وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة سبعمائة رجل فيما لا يحصى من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وشهد معه من التابعين ثلاثة بلغنا ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهد لهم بالجنة: أويس القرني وزيد بن صوحان وجندب الخير فاما أويس القرني فقتل في الرجالة يوم صفين، واما زيد بن صوحان فقتل يوم الجمل. ورواه أيضا في تهذيبه: ج 6/ 14. وقال الذهبي في وقعة الجمل من كتاب تاريخ الإسلام: ج 2 ص 149: قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثنا رجل من اسلم قال: كنا مع على اربعة آلاف من اهل المدينة. وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمأة من الأنصار، وسبعمائة ممن شهد بيعة الرضوان (كذا) رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد. وقال الطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع على يوم الجمل مائة وثلاثون بدريا وسبعمائة من اصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم، وقتل بينهما ثلاثون ألفا، لم تكن مقتلة اعظم منها. وقال ابن كثير، في اوائل وقعة صفين من البداية والنهاية: ج 8 ص 255 قال ابو إسرائيل عن الحكم بن عيينة: وكان في جيشه ثمانون بدريا، ومائة وخمسون ممن بايع تحت الشجرة. رواه ابن ديزيل، وروى قبله ص 253 عن الامام أحمد: ان امية بن خالد قال لشعبه: ان أبا شيبه روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى انه شهد صفين من اهل بدر سبعون رجلا ... وقال في الحديث الثاني من المجلس (44) من الجزء الثاني من امالي الطوسي ص 90: أخبرنا احمد بن محمد بن موسى بن الصلت قال: حدثنا احمد بن محمد بن سعيد، عن محمد بن جبارة، عن سعاد بن سلمان، عن يزيد بن أبي زياد: عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: شهد مع علي عليه السلام يوم الجمل ثمانون من اهل بدر، والف وخمسماة من اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله.

«348» وَحَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عدة حدثوه عن الزبير ابن مُسْلِمٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الْحُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِيِّ أَبِي سَاسَانَ قَالَ: [اخْتَصَمْتُ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ فِي الرَّايَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ فَدَعَانِي عَلِيٌّ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ فَتًى شَابٌّ فَقَالَ: يَا حُضَيْنُ دُونَكَ هذه الراية فو الله ما أخفقت قط فيما مضى ولا يخفق فِيمَا بَقِيَ رَايَةٌ هِيَ أَهْدَى مِنْهَا إِلا رَايَةً خَفَقَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: وفي ذلك يقول الشاعر [1]] :

_ [1] وهو امير المؤمنين عليه السلام كما في وقعة صفين من تاريخ الطبري: ج 4 ص 26 وكتاب صفين- لنصر بن مزاحم- ص 289 ط مصر، بسندين آخرين، وكما في ايام معاوية من كتاب مروج الذهب: ج 3 ص 48، وكما في عنوان: «يوم صفين» من العقد الفريد: ج 3 ص 110، ط 1، تحت الرقم (12) من كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم، ولكن يجيء تحت الرقم: (374) التصريح من المؤلف بانه عليه السلام تمثل بقول رجل منهم يوم الجمل: «لمن راية سوداء يخفق» ...

لمن راية سوداء يخفق ظلها ... إذا قيل: قَدِّمْهَا حُضَيْنُ تَقَدَّمَا يُقَدِّمُهَا لِلْمَوْتِ حَتَّى يُزِيرَهَا ... حِيَاضَ الْمَنَايَا يَقْطُرُ الْمَوْتَ وَالدَّمَا جَزَى اللَّهُ قَوْمًا قَاتَلُوا عَنْ إِمَامِهِمْ ... لَدَى الْمَوْتِ قُدْمًا مَا أَعَفَّ وَأَكْرَمَا وَأَطْيَبُ أَخْبَارًا وَأَكْرَمُ شِيمَةً ... إِذَا كَانَ أَصْوَاتُ الرِّجَالِ تَغَمْغَمَا رَبِيعَةُ أَعْنِي إِنَّهُمْ أَهْلُ نَجْدَةٍ ... وَبَأْسٍ إِذَا لاقَوْا خَمِيسًا عَرَمْرَمَا وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي يَوْمِ الْجَمَلِ وَيُقَالُ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ: شَهِدْتُ الْحُرُوبَ فَشَيَّبْنَنِي ... فَلَمْ أَرَ يَوْمًا كَيَوْمِ الْجَمَلْ أَشَدَّ عَلَى مُؤْمِنٍ فِتْنَةً ... وَأَقْبَلُ مِنْهُ لِخَرْقِ بَطَلْ فَلَيْتَ الظَّعِينَةَ فِي بَيْتِهَا ... وَيَا لَيْتَ عَسْكَرَ لَمْ يَرْتَحِلْ [1] «349» حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: عَنْ أَبِي نضرة قال: قَالَ رَجُلٌ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ: إِنَّ لَكُمَا صُحْبَةً وفضلا، فأخبراني عن مسير كما هذا وقتالكما أشيء أمر كما بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] قال في مروج الذهب: ج 2 ص 369 ط بيروت: وخرجت امراة من عبد القيس تطوف في القتلى فوجدت ابنين لها قد قتلا، وقد كان قتل زوجها وإخوان لها فيمن قتل قبل مجيء علي البصرة، فأنشأت تقول: شَهِدْتُ الْحُرُوبَ فَشَيَّبْنَنِي ... فَلَمْ أَرَ يَوْمًا كَيَوْمِ الجمل أضر على مؤمن فتنة ... واقتله لشجاع بطل فليت الظعينة في بيتها ... وليتك (كذا) عسكر لم ترتحل

أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتُمَا؟ فَأَمَّا طَلْحَةُ فَسَكَتَ وَأَمَّا الزبير فقال: حدثنا ان ها هنا بَيْضَاءَ وَصَفْرَاءَ- يَعْنِي دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ- فَجِئْنَا لِنَأْخُذَ مِنْهَا. «350» وَحُدِّثْتُ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ. «351» قَالُوا: ولما بايع علي أهل البصرة، أراد الشخوص إِلَى الْكُوفَةِ، فاستخلف عَبْد اللَّهِ بْن العباس عَلَى البصرة، وخطب فأمر أهلها بالسمع والطاعة لَهُ [1] ، وضم إِلَيْهِ زياد بْن أَبِي سُفْيَانَ كاتبًا، وَكَانَ يقال لَهُ يومئذ: زياد بْن عبيد/ 363/ وسار مَعَ علي وجوه أهل البصرة فشيعوه إِلَى موقوع [2] وَهُوَ موضع قريب من البصرة، منه يرجع المشيعون- ثُمَّ رجعوا، ومضى الأحنف بْن قَيْس وشريك بْن الأعور إِلَى الْكُوفَةِ، ويقال: إنهما لم يبلغاها. «352» قَالُوا: وتلقى سُلَيْمَان بْن صرد الخزاعي عَلِيًّا وراء نجران الْكُوفَة [3] فصرف علي وجهه عَنْهُ حَتَّى دخل الْكُوفَة، وذلك إنه كَانَ ممن تخلف عَنْهُ، فلما دخل الْكُوفَة عاتبه وَقَالَ لَهُ: كنت من أوثق النَّاس فِي نفسي. فاعتذر وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ استبق مودتي تخلص لك نصيحتي. «353» حَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرحمان بن مهدي،

_ [1] وقد ذكرنا خطبته عليه السلام في المختار: (100) من نهج السعادة باب الخطب منه. [2] قال في معجم البلدان: هو اسم مفعول من «وقع يقع» إذا سقط، وهو ماء بناحية البصرة قتل به أبو سعيد المثني الخارجي العبدي ... [3] قال في معجم البلدان: نجران أيضا موضع على يومين من الكوفة فيما بينها وبين واسط على الطريق، يقال: ان نصارى نجران (اليمن) لما أخرجوا (من بلدهم) سكنوا هذا الموضع وسمي باسم بلدهم.

حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نضيلة (كذا) : عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيًّا حِينَ فَرَغَ مِنَ الْجَمَلِ فَقَالَ: [لِي: تَرَبَّصْتَ وَتَنَأْنَأْتَ [1] فَكَيْفَ تَرَى صُنْعَ اللَّهِ؟] قَالَ: فَقُلْتُ: الشَّوْطُ بَطِينٌ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الأُمُورِ مَا تعرف به صديقك من عدوك [2] . «354» حدثنا عفان (ظ) بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بن محمد بن المنتشر، عن أبيه عن عبيد بن نضلة: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيًّا بعد الجمل فقال: [يا بن صُرَدٍ تَنَأْنَأْتَ وَتَرَبَّصْتَ وَتَأَخَّرْتَ فَكَيْفَ تَرَى صُنْعَ اللَّهِ؟] فَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ عَنْكَ. قُلْتُ: إِنَّ الشَّوْطَ بَطِينٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الأُمُورِ مَا تَعْرِفُ بِهِ صَدِيقَكَ مِنْ عَدُوِّكَ، فَلَمَّا قَامَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ: مَا أَرَاكَ عَذَرْتَنِي عِنْدَهُ وَقَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَشْهَدَ مَعَهُ. فَقَالَ [يَلُومُكَ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: يَا حَسَنُ هَبَلَتْكَ أُمُّكَ، مَا ظَنُّكَ بأمر قَدْ جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَارَيْنِ مَا أَرَى أن بعد هذا

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «وثأنات» . وفي التالي: تأنأت» ، قال في مادة «نانا» من اللسان: ورجل نانا وناناء- بالمد والقصر-: عاجز جبان ضعيف. وتنانا الرجل: ضعف واسترخى، قال أبو عبيد: ومن ذلك قول علي لسليمان بن صرد وكان قد تخلف عنه يوم الجمل ثم أتاه فقال له: تنانات وتراخيت فكيف رايت صنع الله؟! يريد ضعفت واسترخيت. ويحتمل- بعيدا- ان يكون اللفظ في الأول- هنا- في الأصل: «ثأثأت» فصحف، من قولهم: «ثأثأ عن الشيء» إذا اراده ثم بدا له. [2] قال في مادة: «شوط» من اللسان: وفي حديث سليمان بن صرد قال لعلي: يا امير المؤمنين إن الشوط بطين البطين: البعيد، اي إن الزمان طويل يمكن ان استدرك فيه ما فرطت.

خَيْرًا.] قَالَ: فَقُلْتُ: أَمْسِكْ لا يَسْمَعُكَ أَصْحَابُكَ فَيَقُولُوا: شَكَكْتَ فَيَقْتُلُوكَ [1] . «354» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا عبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عن أبي الضحى مسلم ابن صُبَيْحٍ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: أَعْذِرْنِي عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنَ الْجَمَلِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ الْحَسَنُ: [لَقَدْ رَأَيْتُهُ- يَعْنِي أَبَاهُ حِينَ اشْتَدَّ الْقِتَالُ- يَقُولُ: لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَ هَذَا بِعِشْرِينَ سَنَةً] . «355» حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةُ الرَّقَاشِيُّ، عَن مُسَدَّدِ بْنِ مُسَرْهَدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عن شعبة «عن أبي عون، عن أبي الضُّحَى عَنْ سُلَيْمَانَ بِمِثْلِهِ [2] . «356» المدائني عَن عوانة، قَالَ: قَالَ علي: [سرت فِي أهل البصرة سيرة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أهل مَكَّة] . «357» وَقَالَ أَبُو مخنف: قدم علي من البصرة إِلَى الْكُوفَةِ فِي رجب سنة ست وثلاثين. وَقَالَ غيره: فِي رمضان سنة ست وثلاثين [3] . ولما قدمها خطب فَقَالَ: إن قوما تخلفوا عني فأنبوهم وأسمعوهم المكروه. وسلم عليه قيس بن سعيد الهمداني [4] فَقَالَ [وعليك وإن كنت من المتربصين] . فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لست من أولئك.

_ [1] الحديث ضعيف جدا، فلا يعول عليه ومثله التالي. [2] ويجي، أيضا في أواخر وقعة صفين تحت الرقم: (393) ص 377، وانظر نقده هناك. [3] كما يأتي ذلك تحت الرقم: (367) ص برواية العسكري عن المدائني عن الزهري. [4] كذا في النسخة، والصواب: «سعيد بن قيس الهمداني» كما يشهد به ما يذكره عن بعضهم. وكما ذكره أيضا نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 7 ط مصر.

وقال بعضهم: قد كان سعيد بالبصرة. وليس ذَلِكَ بثبت. «358» وحدثني الحرمازي، عَن العتبي قال: قام الحرث بْن حوط الليثي إِلَى علي فَقَالَ لَهُ: أتراني أظن طلحة [1] وَالزُّبَيْر وعائشة اجتمعوا عَلَى باطل؟!! فقال له علي (عليه السلام) : [يَا حار إنك ملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف من أتاه] .

_ [1] وفي هامش الكتاب هكذا: «أترى أن طلحة «خ» إلخ. وقد تقدم مصادر الكلام تحت الرقم: (296) ص 239 فراجع، ورواه أيضا السيد أبو طالب في أماليه كما في الباب الثالث من تيسير المطالب ص 46 قال: روى أصحاب الأخبار (عن) الحارث بن حوط (انه) قال: اتيت عليا عليه السلام حين ورد البصرة، فقلت إني أعتزلك كما اعتزل سعد بن مالك وعبد الله بن عمر. فقال: إن سعدا وعبد الله لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل. ثم أنشد متمثلا: وا ثكلها فقد ثكلت أروعا ... أبيض يحمي الشرب أن يفزعا قال السيد أبو طالب: أراد به عليه السلام أن اختيارهما ما اختارا مصيبة أصابتهما كمصيبة الثكلاء التي فقدت من صفته ما ذكر في البيت.

أمر (حرب) صفين

أمر (حرب) صفين «359» قَالُوا: كَانَ جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ البجلي بهمدان، فلما قدم علي عَلَيْهِ السلام الْكُوفَة عزله عَنْهَا ووجهه إِلَى مُعَاوِيَةَ يدعوه إِلَى طاعته، وأن يسلم لَهُ الأمر، ويدخل مَعَهُ فيما دخل فِيهِ أهل الحرمين والمصرين/ 364/ وغيرهم، فأتى جرير مُعَاوِيَة، ودعاه إِلَى مَا أمره علي بدعائه إِلَيْهِ، فانتظر مُعَاوِيَة قدوم شرحبيل بْن السمط الكندي عَلَيْهِ [1] فَقَالَ لَهُ جرير: إني قد رأيتك توقفت بين الحق والباطل وقوف رجل ينتظر رأي غيره.

_ [1] وينبغي لنا أن نذكر ها هنا كيفية تخديع معاوية الشرحبيل- أحمق أهل الدنيا باعترافه نفسه- لأن البلاذري قد أخل بهذه الجهة إخلالا فاحشا، والقصة ذكرها ابن عساكر في ترجمة الشرحبيل من تاريخ دمشق، وذكرها أيضا نصر بن مزاحم في أواخر الجزء الأول من كتاب صفين، ورواها أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (26) و (43) من شرح النهج: ج 2/ 71، ج 3/ 79، وبما ان الخرس قد أتى سوق العلم وأوتمن على ذخائر العلماء فشتت جمع سلالة البشر والروحانيين بمقتضى المباينة الطبيعية، فلا سبيل لنا الآن من نقل القصة عن تاريخ ابن عساكر، فلنذكر تلخيص ما ذكره ابن مزاحم في كتاب صفين وهو منشور في الآفاق والمراجعة إليه أو الى شرح ابن أبي الحديد ميسور لكل أحد، فنقول: قال في كتاب صفين ص 44: لما تم المواعدة بين ابن العاص ومعاوية وكتب له بها كتابا، قال ابن العاص: إن رأس أهل الشام شرحبيل ابن السمط الكندي وهو عدو لجرير، فأرسل إليه ووطيء له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان، فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب، وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبدا. فكتب معاوية اليه: ان جرير ابن عبد الله قدم علينا من عند علي بأمر فظيع فاقدم، ثم ان معاوية دعا يزيد بن أسد، وبسر ابن أرطاة وعمرو بن سفيان ومخارق بن الحارث وحمزة بن مالك وحابس الطائي- وكانوا ثقات معاوية وخاصته وبني عم الشر حبيل- فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان. فلما قدم كتاب معاوية إلى شرحبيل استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه، فسار إلى معاوية فتلقاه الناس وأعظموه، ولما دخل على معاوية تكلم معاوية وقال يا شرحبيل ان جريرا يدعونا الى بيعة علي، وعلي خير الناس لولا انه قتل عثمان، وقد حبست نفسي عليك، وإنما أنا من أهل الشام أرضى ما رضوا واكراه ما تكرهوا. فقال شرحبيل: أخرج فأرى فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له فأخبروه ان عليا قتل عثمان!! فدخل مغضبا على معاوية فقال: أبى الناس إلا ان عليا قتل عثمان!!! وو الله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام ولنقتلنك فقال معاوية: ما كنت إلا رجلا من أهل الشام. قال: قال: فرد جريرا الى صاحبه إذا فقال له معاوية ان هذا الأمر الذي عرفته لا يتم إلا برضا العامة فسر في مدائن الشام وناد فيهم بأن عليا قتل عثمان وانه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه. فسار شرحبيل في مدائن الشام يستنهضهم لا يأتى على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به، إلا نساك أهل حمص فإنهم قاموا اليه فقالوا: بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى. اقول: هذا تلخيص القضية، فراجع تفصيلها في كتاب صفين أو شرح النهج فإن فيه فوائد جمة، وذكرها أيضا ابن الأثير في الكامل: ج 3/ 142، ولكن لم يذكر كتاب معاوية إلى شرحبيل وكيفية التمويه عليه. فائدة اقتطفناها من ترجمة الشرحبيل من تاريخ دمشق- قبل أن ينيخ عليه الخروش- بالفارسية- بكلكله- وذكرها أيضا في تهذيبه: ج 6 ص 299 قال: كان شرحبيل يساير معاوية يوما، فقال له معاوية: ان الهامة إذا عظمت دل ذلك على وفور الدماغ وصحة العقل. قال: نعم يا أمير المؤمنين إلا هامتي فإنها عظيمة وعقلي ضعيف ناقص؟!! فتبسم معاوية وقال: كيف ذاك لله أنت؟ قال: لإطعامي هذه البارحة مكوكي شعير!!!.

وقدم شرحبيل فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: هَذَا جرير يدعونا إِلَى بيعة علي. فقام شرحبيل فَقَالَ: أنت عامل أمير الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان، وَابْن عمه وأولى النَّاس بالطلب بدمه وقتل من قتله. ولم ير جرير عند مُعَاوِيَة انقيادًا لَهُ وَلا مقاربة لذلك، فانصرف يائسًا منه. فلما قدم جرير عَلَى علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما أسمعه مالك بن الحرث بن الأشتر (كذا) وقال (له) : أنا أعرف غروراتك (كذا) وغشك، وأن عُثْمَان اشترى منك دينك بولاية همدان! فخرج!! جرير فلحق بقر قيسيا، ولحق بِهِ قوم من قومه من قسر، ولم يشهد صفين من قسر غير تسعة عشر رجلا، وشهدها من أحمس سبعمائة. وأتى علي دار جرير فشعث مِنْهَا وحرق مجلسه حَتَّى قَالَ لَهُ أَبُو زرعة بْن عَمْرو بْن جرير [1] أصلحك اللَّه إن فِي الدار أنصباء لغير جرير. فكف (عليّ عليه السلام) . وقام أبو مسلم الخولاني- واسمه عبد الرحمان. ويقال: عَبْد اللَّهِ بْن مشكم- إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: عَلَى مَا تقاتل عَلِيًّا وليس لك مثل سابقته وقرابته وهجرته؟! فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا أقاتله وأنا أدعي فِي الإسلام مثل الَّذِي ذكرت أنه لَهُ، ولكن ليدفع إلينا قتلة عُثْمَان فنقتلهم بِهِ، فَإِن فعل فلا قتال بيننا وبينه، فقد يعلمون (كذا) أن عُثْمَان (قتل) مسلما محرمًا. قَالَ: فاكتب إليه كتابا تسأله فيه أن يسلم (إليك) قتلة عثمان. فكتب إليه (معاوية) فيما ذكر الْكَلْبِيّ عَن أَبِي مخنف، عَن أَبِي روق الهمداني: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَانَ، إِلَى عَلِيّ بن أبي طالب.

_ [1] وهنا في النسخة وضع علامة على قوله: «زرعة» وكتب في الهامش كلمة وقعت تحت الخياطة، وكأنها: «هرم» .

أما بعد فَإِن اللَّه اصطفى محمدًا بعلمه، وجعله الأمين عَلَى وحيه، والرسول إِلَى خلقه، ثُمَّ اجتبى لَهُ من المسلمين أعوانا أيده بهم فكانوا فِي المنازل عنده عَلَى قدر فضائلهم فِي الإسلام، وَكَانَ أنصحهم لله ورسوله خليفته ثُمَّ خليفة خليفته ثُمَّ الخليفة الثالث المقتول ظلما عُثْمَان، فكلهم حسدت وعلى كلهم بغيت، عرفنا ذَلِكَ فِي نظرك الشزر، وقولك الهجر، وتنفسك الصعداء، وإبطائك عَن الخلفاء، فِي كل ذَلِكَ تقاد كما يقاد الجمل المخشوش [1] ، ولم تكن لأحد منهم أشد حسدًا منك لابن عمتك، وَكَانَ أحقهم أن لا تفعل بِهِ ذَلِكَ لقرابته وفضله، فقطعت رحمه وقبحت حسنه وأظهرت لَهُ العداوة وبطنت لَهُ بالغش وألبت النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى ضربت آباط الإبل إليه من كلّ وجه، وقيدت (اليه الخيل من كل أفق، وشهر عَلَيْهِ السلاح فِي حرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتل معك فِي المحلة وأنت تسمع الهائعة [2] ، لا تدرأ عَنْهُ بقول وَلا فعل، ولعمري يا بن أَبِي طالب لو قمت فِي حقه مقاما (واحدا) تنهى النَّاس فِيهِ عَنْهُ، وتقبح لهم مَا ابتهلوا منه [3] مَا عدل بك من قبلنا من النَّاس أحدًا، ولمحى ذَلِكَ عندهم مَا كانوا يعرفونك به من المجانية له والبغي عليه (ظ) . وأخرى أنت بِهَا عند أولياء ابْن عفان ظنينا [4] إيواؤك قتلته فهم عضدك ويدك وأنصارك، وقد بلغني أنك تتنصل من دم عُثْمَان وتتبرأ منه، فَإِن كنت صادقا فادفع إلينا قتلته (كي) نقتلهم بِهِ، ثُمَّ نحن أسرع النَّاس إِلَيْك، وإلا فليس بيننا وبينك إلا السيف، وو الذي لا إله غيره لنطلبن قتلة عُثْمَان فِي الجبال والرمال والبر والبحر حَتَّى نقتلهم أَوْ تلحق أرواحنا بالله والسلام.

_ [1] المخشوش: الذي جعل في انفه الخشاش- بكسر الخاء- وهو عويد يجعل في عظم انف الجمل يشد به الزمام ليكون سريع الانقياد. [2] الهائعة: الصيحة والضجة. [3] كذا في النسخة، ولعل الصواب «ما استحلوا منه» . [4] من الظنة وهي الإتهام وسوء الظن.

فدفع الكتاب إِلَى أَبِي مسلم الخولاني وأمره أن يسير بِهِ إِلَى علي، فصار بِهِ إِلَى الْكُوفَةِ فأوصله إِلَى علي واجتمع النَّاس فِي المسجد، وقرئ عليهم/ 365/ فَقَالُوا: كلنا قتلة عُثْمَان وكلنا كَانَ منكرًا لعمله، ولم يجبه علي إِلَى مَا أراد، فجعل أَبُو مسلم يقول: الآن طاب الضراب. وكتب (علي عليه السلام) إِلَيْهِ فِي جواب كتابه [1] : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْد اللَّهِ علي أمير الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ. أَمَّا بَعْدُ فَإِن أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فِيهِ محمدا وما أكرمه اللَّه بِهِ من الهدى والوحي، فالحمد لله الَّذِي صدق لَهُ الوعد، ومكن لَهُ فِي البلاد، وأظهره عَلَى الدين كله، وقمع بِهِ أهل العداوة والشنآن من قومه الذين كذبوه وشنعوا لَهُ [2] وظاهروا عَلَيْهِ وعلى إخراج أصحابه، وقلبوا لَهُ الأمور حَتَّى ظهر أمر اللَّه وهم لَهُ كارهون، فكان أشد النَّاس عَلَيْهِ الأدنى فالأدنى من قومه إِلا قليلا ممن عصم الله (كذا) . وذكرت أن اللَّه جل ثناؤه وتباركت اسماؤه اختار لَهُ من الْمُؤْمِنِينَ أعوانا أيده بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدم (قدر «خ» ) فضائلهم فِي الإسلام، فكان أفضلهم خليفته وخليفة خليفته من بعده، ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم، وان المصاب بهم (كذا) لرزء جليل [3] وذكرت

_ [1] وهذا هو المختار (70) من كتب نهج السعادة: ج ص 174، ونبذا منه ذكره في المختار (10) من كتب نهج البلاغة. [2] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «فشنفوا له» ، يقال: «شنف فلانا- من باب تعب- ولفلان» : ابغضه. [3] هذا مما خرج مخرج التقية فإن جل اهل الكوفة كانوا يعتقدون حسن حالهما، ومراجعة ترجمة الخوارج شاهد صدق لما قلناه، واما معاوية واتباعه فكلهم كانوا يرون انهما كانا على الحق، وما كتب معاوية الكتاب المتقدم اليه عليه السلام إلا رجاء ان يظفر في جوابه بما يؤاخذه به عند العامة.

أن ابْن عفان كَانَ فِي الفضل ثالثًا (لهما) فَإِن يكن عُثْمَان محسنا فسيلقى ربا شكورا يضاعف الحسنات ويجزي بِهَا، وان يكن مسيئا فسيلقى ربا غفورًا رحيما لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، وإني لأرجو إذا أعطى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَلَى قدر أعمالهم أن يكون قسمنا أوفر قسم أهل بيت من المسلمين. إن اللَّه بعث محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعا إِلَى الإيمان بالله والتوحيد لَهُ، فكنا أهل البيت أول من آمن وأناب [1] ، فمكثنا وما يعبد اللَّه فِي ربع سكن من أرباعي العرب أحد غيرنا [2] فبغانا قومنا الغوائل وهمّوا بنا الهموم، وألحقوا بنا الوشائط [3] واضطرونا إلى شعب ضيق، (و) وضعوا علينا فِيهِ المراصد، ومنعونا من الطعام والماء العذب، وكتبوا بينهم كتابا أن لا يواكلونا وَلا يشاربونا وَلا يبايعونا وَلا يناكحونا ولا يكلمونا (أ) وندفع إِلَيْهِمْ نبينا فيقتلوه أَوْ يمثلوا بِهِ، وعزم اللَّه لنا عَلَى منعه والذب عَنْهُ، وسائر من أسلم من قريش أخلياء مما نحن فِيهِ منهم من حليف ممنوع وذي عشيرة لا تبغيه [4] كما بغانا قومنا، فهم من التلف بمكان نجوة وأمن، فمكثنا بذلك

_ [1] وقد ورد في سبق ايمانه عليه السلام من طريق القوم اخبار كثيرة قلما يوجد مثلها في أبواب فضائله عليه السلام، فانظر الحديث (69) : وتواليه من ترجمته من تاريخ دمشق. [2] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا» . [3] كذا في النسخة بالطاء المهملة، ولم أجد هذه اللفظة في غيره مما بيدي من المصادر، ولا من كتب اللغة ولعلها بالمعجمة. [4] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: فأما من اسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء، فمنهم حليف ممنوع، او ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه احد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف، فهم من القتل بمكان نجوة وامن» . وفي المختار: (10) من باب نهج البلاغة: «ومن اسلم من قريش خلوا مما نحن فيه، بحلف يمنعه او عشيرة تقوم دونه، فهو من القتل بمكان امن» .

مَا شاء اللَّه، ثُمَّ أذن اللَّه لرسوله فِي الهجرة وأمره بقتال المشركين، فكان إذا حضر البأس ودعيث نزال [1] قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه، فقتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد وجعفر يوم مؤتة، وتعرض من لو شئت أن اسميه سميته لمثل مَا تعرضوا لَهُ من الشهادة، لكن آجالهم حضرت ومنيته أخرت. وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي لهم، فأما الحسد فمعاذ اللَّه أن أكون أسررته أو أعلنته، وأما الإبطا (ء عنهم) فما أعتذر إِلَى النَّاس منه، ولقد أتاني أبوك حِينَ قُبِضَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايع النَّاس أبا بكر، فَقَالَ: أنت أحق النَّاس بهذا الأمر فأبسط يدك أبايعك. قد علمت ذَلِكَ من قول أبيك، فكنت الَّذِي أبيت ذَلِكَ مخافة الفرقة، لقرب عهد النَّاس بالكفر والجاهلية، فَإِن تعرف من حقي مَا كَانَ أبوك يعرفه تصب رشدك، وإلا تفعل فسيغني اللَّه عنك. وذكرت عُثْمَان وتأليبي النَّاس عَلَيْهِ، فَإِن عُثْمَان صنع مَا رأيت فركب النَّاس منه مَا قد علمت وأنا من ذَلِكَ بمعزل إِلا أن تتجنى فتجنّ ما بدا لك [2] . وذكرت قتلته- بزعمك- وسألتني دفعهم إِلَيْك وما أعرف/ 366/ لَهُ قاتلا بعينه، وقد ضربت الأمر أنفه وعينيه (ظ) فلم أره يسعني دفع من

_ [1] وفي النهج: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا احمر البأس واحجم الناس قدم اهل بيته فوقى بهم اصحابه حر الأسنة والسيوف» . اقول: الباس: الحرب. ووصفه بالاحمرار لما يسيل فيه من الدماء، وحر الأسنة والسيوف: شدة وقعهما ودعيت نزال- في رواية البلاذري وكتاب صفين- اي دعت الدعاة او كل واحد من المتحاربين الآخر الى النزول عن الدواب والحرب راجلا. [2] تتجنى- من باب التفعل-: ادعاء الجناية على البريء. او تحمل الإثم والجناية بالفرية، وبهتان البريء ورميه إلى الجناية التي لم يفعلها، وهذا استثناء منقطع، ومحل «ما» منصوب على المفعولية،

قبلي ممن اتهمته وأظننته (ظ) إِلَيْك، ولئن لم تنزع عَن غيك وشقائك [1] ، لتعرفنّ الذين تزعم أنهم قتلوه طالبين (لك) لا يكلفونك طلبهم فِي سهل وَلا جبل والسلام [2] : وأنفذ علي الكتاب إِلَى مُعَاوِيَةَ مَعَ أَبِي مسلم الخولاني. وقد قَالَ بعض الرواة: إن أبا هريرة الدوسي كَانَ مَعَ أَبِي مسلم. (في علة انحراف عمرو بن العاص عن عثمان واتصاله بمعاوية) . «360» وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: عن عبد الوارث (الواحد «خ» ) بْنِ مُحَرَّرٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَمَّا عَزَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَنْ مصر، قال له: (يا) أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَعَلِمْتَ أَنَّ اللِّقَاحَ بِمِصْرَ دَرَّتْ بَعْدَكَ أَلْبَانُهَا؟ فَقَالَ: لأَنَّكُمْ أَعْجَفْتُمْ أَوْلادَهَا. فَكَانَ كَلامًا غَلِيظًا. فَلَمَّا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي أَمْرِهِ أَتَاهُ فَقَالَ: لَقَدْ رَكِبْتَ بِالنَّاسِ النَّهَابِيرَ، فَأَخْلِصِ التَّوْبَةَ وَرَاجِعِ الْحَقَّ. فَقَالَ لَهُ: وَأَنْتَ أيضا يا بن النويبغة تؤلب عليّ! لأن عزلتك عن مصر، لا ترى (لي) طاعتك؟ فَخَرَجَ إِلَى فِلَسْطِينَ فَنَزَلَ ضَيْعَةً لَهُ بِهَا يُقَالُ لَهَا: عَجْلانُ، وَبِهَا لَهُ قَصْرٌ، فَكَانَ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى عُثْمَانَ حَتَّى الرُّعَاةِ، فَلَمَّا بلغه أنه محصور قال: العير يضرط

_ [1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين ونهج البلاغة: «وشقاقك» وهو اظهر. [2] وللكتاب مصادر وثيقة، فقد رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 85، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار العاشر من كتب نهج البلاغة،: ج 15/ 73 ط مصر، ورواه باختصار السيد الرضي في المختار العاشر من كتب نهج البلاغة، ورواه قبله ابن عبد ربه في العقد الفريد في كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم: ج 3 ص 108، ط 1، كذلك الخوارزمي في مناقب امير المؤمنين ص 175، واشار اليه ابن عساكر في ترجمة معاوية من تاريخ، دمشق وقد ذكرناه في ختام المختار: (70) من كتب نهج السعادة: ج 4/ 185، فراجع.

وَالْمِكْوَاةُ فِي النَّارِ. ثُمَّ بَلَغَهُ قَتْلُهُ فَقَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، إِنِّي إِذَا حَكَكْتُ قُرْحَةً أَدْمَيْتُهَا- أَوْ قَالَ: نَكَأْتُهَا- ثُمَّ دَعَا ابنيه عبد الله ومحمدا فقال (لهما) : مَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ سَلِمَ دِينُكَ وَعِرْضُكَ إِلَيَّ الْيَوْمَ، فَاقْعُدْ بِمَكَانِكَ. وَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: أَخْمَلْتَ نَفْسَكَ وَأَمَتَّ ذِكْرَكَ فَانْهَضْ مَعَ النَّاسِ فِي أَمْرِهِمْ هَذَا وَلا تَرْضَ بِالدَّنِيَّةِ فِي الْعَرَبِ. فَدَعَا (عمرو) وَرْدَانَ مَوْلاهُ فَأَمَرَهُ بِإِعْدَادِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وشخص إلى معاوية فكان معه (وهو) لا يُشْرِكُهُ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَصَدْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَعْرِفُ مَوْضِعَ الْحَقِّ لِتَجْعَلَ لِي فِي أَمْرِكَ هَذَا حَظًّا إِذَا بَلَغْتَ إِرَادَتَكَ، وَلأَنْ تُشْرِكَنِي فِي الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ. فَقَالَ له (معاوية) : نَعَمْ وَنِعْمَةُ عَيْنٍ، قَدْ جَعَلْتُ لَكَ وِلايَةَ مِصْرَ. فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ قَالَ لابْنَيْهِ: قَدْ جَعَلَ لِي وِلايَةَ مِصْرَ. فَقَالَ لَهُ: مُحَمَّدٌ ابْنُهُ: وَمَا مِصْرُ فِي سُلْطَانِ الْعَرَبِ. فَقَالَ: لا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَ مَنْ لَمْ تُشْبِعْهُ مِصْرُ. «361» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ عُقْبَةَ أَبُو عَقِيلٍ: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ مَا كَانَ، دَعَا مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى قِتَالِ عَلِيٍّ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا أُظَاهِرُكَ عَلَى قِتَالِهِ حَتَّى تُطْعِمَنِي مِصْرَ، فَأَبَي عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُغْضَبًا. ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ نَدِمَ وَقَالَ: رجل طلب إليّ في شيء (كذا) على هذا الْحَالِ فَرَدَدْتُهُ؟ فَأَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ. «362» وَحَدَّثَنَا خلف بْن سالم، وأحمد بْن إِبْرَاهِيمَ، قالا حدثنا وهب ابن جَرِيرٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ: عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالُوا: لَمَّا وَقَعَتِ الفتنة لم يكن أحد من قريش أعفا فِيهَا مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ [1] أَتَى مَكَّةَ فأقام بها، فلم يزل كافا

_ [1] ورواه أيضا ابن عساكر- في ترجمة عمرو من تاريخ دمشق: ج 42 ص 97 قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد، أنبأنا احمد بن الحسن بن خيرون، أنبأنا الحسن بن احمد بن ابراهيم، أنبأنا احمد بن إسحاق بن منجاب، أنبأنا ابراهيم بن الحسين بن علي، أنبأنا يحي ابن سليمان الجعفي. قال: وحدثني زيد بن حباب العكلي، اخبرني جويرية بن أسماء الضبعي حدثني عبد الوهاب ابن يحي بن عبد الله بن الزبير (قال:) أنبأنا أشياخنا: أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش إلخ.

حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ، فَقَالَ لابْنَيْهِ: إِنِّي قد ألقيت نَفْسِي بَيْنَ جَزَارِي مَكَّةَ [1] وَمَا مِثْلِي رَضِيَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَإِلَى مَنْ تَرَيَانِ أَنْ أَصِيرَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: صِرْ إِلَى عَلِيٍّ. فقال: إن عليا يقول (لي إذا أتيته) : أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَكَ مَا لَهُمْ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ وَمُعَاوِيَةُ يَخْلِطُنِي بِنَفْسِهِ وَيُشْرِكَنِي في أمره!!! قالوا: فأت معاوية. فأتاه فما خير له (كذا) . «363» المدائني، عَن سلمة بْن محارب: كتب مُعَاوِيَة إِلَى عَمْرو بْن العاص وَهُوَ بفلسطين، بخبر طَلْحَة وَالزُّبَيْر، وأن جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ قد أتاه يطلب بيعته لعلي. فقدم/ 367/ عَلَيْهِ. «364» المدائني، عَن عيسى بْن يزيد الكناني أن عَلِيًّا لما بعث جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ ليأخذ لَهُ البيعة عَلَيْهِ، قدم (جرير) عَلَيْهِ وَهُوَ جالس والناس عنده فأعطاه كتاب علي فقرأه ثُمَّ قام جرير فَقَالَ: يَا أَهْل الشَّامِ إن من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، قد كانت بالبصرة ملحمة إن يسفح البلاء [2] بمثلها فلا بقاء للإسلام بعدها فاتقوا الله ورووا في علي ومعاوية [3] وانظروا

_ [1] هذا إما سهو من كاتب النسخة او من الراوي، فإن عمرا لم يأت مكة، بل أتى فلسطين كما تقدم، وكما يأتي أيضا. [2] كذا في النسخة، والصواب: «ان يشفع» . [3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «ورؤيوا» .

أين مُعَاوِيَة من علي، وأين أَهْل الشَّامِ من المهاجرين والأنصار، ثُمَّ انظروا لأنفسكم فلا يكون أحد أنظر لَهَا مِنْهَا. ثُمَّ سكت وسكت مُعَاوِيَة فلم ينطق وَقَالَ: أبلعني ريقي يا جرير. فأمسك (جرير) فكتب (معاوية) من ليلته إِلَى عَمْرو بْن العاص- وَهُوَ عَلَى ليال منه- فِي المصير إِلَيْهِ- وصرف جريرا بغير إرادته (كذا) - وَكَانَ كتابه إِلَى عَمْرو: أما بعد فقد كَانَ من أمر علي وطلحة وَالزُّبَيْر، مَا قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان فِي جماعة من أهل الْبَصْرَة ممن رفض عَلِيًّا وأمره، وقدم علي جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ في بيعة علي، وحبست (ظ) نفسي عليك حَتَّى تأتيني، فاقدم علي عَلَى بركة اللَّه وتوفيقه. فلما أتاه الكتاب دعا ابنيه عَبْد اللَّهِ ومحمدًا فاستشارهما، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ: أيها الشيخ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وَهُوَ عنك راض ومات أَبُو بكر وعمر، وهما عنك راضيان، فإياك أن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها من مُعَاوِيَة، فتكب كبا فِي النار. ثم قال (عمرو) لمحمد: مَا ترى؟ فَقَالَ: بادر هَذَا الأمر تكن فِيهِ رأسا قبل أن تكون ذنبا. فروّى (عمرو) فِي ذَلِكَ: رأيت ابْن هند سائلي أن أزوره ... وتلك التي فيها انتياب البواثق أتاه جرير من علي بخطة ... أمرت عليه العيش مع كل ذائق فو الله مَا أدري إِلَى أي جانب ... أميل ومهما قادني فهو سائقي أأخدعه والخدع فِيهِ دناءة ... (ظ) أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق وقد قَالَ عَبْد اللَّهِ قولا تعلقت ... بِهِ النفس إن لم تعتلقني غلائقي وخالفه فِيهِ أخوه مُحَمَّد ... وإني لصلب العود عند الحقائق فلما سمع عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو هَذَا الشعر، قَالَ: بال الشيخ عَلَى عقيبه وباع

دينه، فلما أصبح عَمْرو دعا مولاه وردان فَقَالَ: ارحل بنا يَا وردان فرحل، ثُمَّ قَالَ: حط. فحط ففعل ذَلِكَ مرارًا، فَقَالَ لَهُ وردان: أنا أخبرك بما فِي نفسك، اعترضت الدنيا والآخرة فِي قلبك فلست تدرى أيتهما تختار!!! قَالَ: لله درك مَا أخطأت، فما الرأي؟ قَالَ: تقيم فِي منزلك فَإِن ظهر أهل الدين عشت فِي دينهم وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغن [1] عنك!!! فَقَالَ عَمْرو: ارحل يَا وردان عَلَى عزم وأنشأ يقول:

_ [1] كذا في النسخة، وفي تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 75: «فإن ظهر اهل الدين عشت في عفو دينهم، وان ظهر اهل الدنيا لم يستغنوا عنك» وهو الظاهر: ورواه أيضا- باختلاف طفيف في بعض الألفاظ- في ترجمة عمرو بن العاص من تاريخ دمشق: ج 42 ص 97 قال: أخبرنا ابو عبد الله الحسين بن محمد، أنبأنا احمد بن الحسن بن خيرون، أنبأنا الحسن بن احمد بن ابراهيم، أنبا احمد بن إسحاق بن منجاب، أنبأنا ابراهيم بن الحسين ابن علي، أنبأنا عبد الله بن عمر، أنبأنا عمرو بن محمد، قال: سمعت الوليد البلخي قال: فلما انتهى كتاب معاوية الى عمرو بن العاص استشار ابنيه عبد الله ومحمدا ابني عمرو فقال (لهما) : انه قد كانت مني في عثمان هنات لم أسخطها (ظ) بعد، وقد كان مني ومن نفسي (كذا) حيث ظننت انه مقتول ما قد احتمله، وقد قدم جرير على معاوية فطلب البيعة لعلي وقد كتب إلي معاوية يسألني ان اقدم عليه فما تريان؟ فقال عبد الله من عمرو: يا ابه ان رسول الله قبض وهو عنك راض، والخليفتان من بعده (كذا) وقتل عثمان وأنت عنه غائب، فاقم في منزلك فلست مجعولا خليفة، ولا تريد ان تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة فانية. فقال محمد: يا ابة أنت شيخ قريش وصاحب امرها، وان تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل خملت، فالحق بجماعة اهل الشام واطلب بدم عثمان. فقال عمرو: اما أنت يا عبد الله فامرتني بما هو خير لي في ديني، واما أنت يا محمد فامرتني بما هو خير لي في دنياي، فلما جن عليه الليل رق في فراشه ذلك (كذا) وجعل يتفكر اي الأمرين يأتي ثم أنشأ يقول: تطاول ليلي للهموم الطوارق ... وخوف التي تجلو وجوه العوائق معاوي بن هند يسألني ازره ... وتلك التي فيها عظام البوائق أتاه جرير من علي بخطة ... امرت عليه العيش مع كل ذائق (فإن نال مني ما يؤمل رده ... وان لم ينله ذل ذل المطابق) فو الله ما ادري وما كنت هكذا ... أكون ومهما ان ارى فهو سائقي اخادعه والخدع فيه دنية ... أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق أم اقعد في بيتي وفي ذاك راحة ... لشيخ يخاف الموت في كل شارق وقد قال عبد الله قولا تعلقت ... به النفس ان لم تعتقلني عوائقي وخالفه فيه اخوه محمد ... واني لصلت الرأي عبد الحقائق فلما اصبح دعا غلامه وردان فقال (له) : ارحل يا وردان، حط يا وردان- مرتين او ثلاثا- فقال له وردان: خلطت يا أبا عبد الله، اما انك ان شئت أنبأتك بما في نفسك؟ قال، هات. قال: اعترضت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت: علي معه الآخرة، وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بلا آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، فأنت متحير بينهما. فقال له عمرو: قاتلك (الله) يا وردان والله ما أخطأت فما ترى؟ قال: ارى ان تقيم في منزلك، فإن ظهر اهل الدين عشت في عفو دينهم (ظ) وان ظهر اهل الدنيا لم يستغنوا عنك! فقال له عمرو: الآن- حين شهرني الناس بمسيري (ظ) - اقيم؟! فارتحل الى معاوية.

يا قاتل اللَّه وردانا وفطنته ... أبدى لعمرك مَا فِي النفس وردان [1] ثُمَّ قدم عَلَى مُعَاوِيَةَ فذاكره أمره، فَقَالَ: أما علي فلا تسوي العرب بينك وبينه فِي شَيْء من الأشياء، وإن لَهُ فِي الحرب لحظا مَا هُوَ لأحد من قريش. قَالَ صدقت، وإنما نقاتله عَلَى مَا فِي أيدينا ونلزمه دم عُثْمَان. فَقَالَ عَمْرو: وإن أحق النَّاس أن لا يذكر عُثْمَان لأنا وأنت، أما أنا فتركته عيانا وهربت إِلَى فِلَسْطِين، وأما أنت فخذلته ومعك أَهْل الشَّامِ حَتَّى استغاث بيزيد بْن أسد البجلي فسار إِلَيْهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَة: دع ذا وهات

_ [1] كذا في جل المصادر، وقال في مادة «قدح» من النهاية نقلا عن الهروي: استشار (عمر بن العاص) وردان غلامه- وكان حصيفا- في امر علي ومعاوية إلى أيهما يذهب؟ فأجابه بما في نفسه وقال له: الآخرة مع علي، والدنيا مع معاوية، وما أراك تختار على الدنيا!!! فقال عمرو: يا قاتل الله وردانا وقدحته ... ابدى لعمرك ما في القلب وردان

فبايعني. قَالَ: لا لعمرو اللَّه لا أعطيك ديني حَتَّى آخذ من دنياك؟!!! فَقَالَ مُعَاوِيَة: سل/ 368/ قَالَ: مصر تطعمني إياها. فغضب مروان بن الحكم وقال: ما لي لا أستشار؟ فَقَالَ مُعَاوِيَة: أسكت فما يستشار إِلا لك. فقام عَمْرو مغضبا فَقَالَ لَهُ معاوية يا (أ) با عَبْد اللَّهِ أقسمت عليك أن تبيت الليلة عندنا. وكره أن يخرج فيفسد عَلَيْهِ النَّاس، فبات (عمرو) عنده وَقَالَ: معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل ... بِهِ منك دنيا فانظرن كيف تصنع فَإِن تعطني مصرا فأربح صفقة [1] ... أخذت بِهَا شيخا يضر وينفع وما الدين والدنيا سواء وإنني ... لآخذ مَا تعطي ورأسي مقنع ولكنني أعطيك هَذَا وإنني ... لأخدع نفسي والمخادع يخدع فلما أصبح مُعَاوِيَة دخل عَلَيْهِ عتبة بْن أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَة مَا تصنع؟ أما ترضى أن تشتري من عَمْرو دينه بمصر. فأعطاه إياها وكتب لَهُ كتابا: (أن) لا ينقض شرط طاعة. فمحا عَمْرو ذَلِكَ وقال: اكتب: لا ينقض طاعة شرطا. فَقَالَ لَهُ عتبة بْن أَبِي سُفْيَانَ: أيها المانع سيفا لم يهز ... إنما ملت إِلَى خز وقز إنما أنت خروف واقف ... بين ضرعين [2] وصوف لم يجز أعط عمروا إن عمروا باذل ... دينه اليوم لدنيا لم تحز أعطه مصرًا وزده مثلها ... إنما مصر لمن عز فبز إن مصرًا لعلي أَوْ لنا ... يغلب اليوم عليها من عجز

_ [1] كذا في النسخة، وفي تاريخ اليعقوبي وكتاب صفين: «فاربح بصفقة» إلخ. [2] وهنا في النسخة تصحيف، وصححناه على وفق كتاب صفين غير ان فيه: «انما أنت خروف ماثل» إلخ.

وَقَالَ مُعَاوِيَة فيما جاء بِهِ جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ: تطاول ليلي واعترتني وساوسي ... لآت أتى بالترهات البسابس أتانا جرير من علي بحمقه [1] ... وتلك التي فيها اجتداع المعاطس يكاتنبي والسيف بيني وبينه ... ولست لأثواب الذليل بلابس وقد منحتني الشَّام أفضل طاعة ... تواصى بِهَا أشياخها فِي المجالس وإني لأرجو خير ما نال طالب ... وما أنا من ملك الْعِرَاق بيائس وَكَانَ هِشَام بْن عَمَّار يقول: هَذَا حديث مصنوع، الشعر أتانا من ناحية الْعِرَاق. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي لما كتب مُعَاوِيَة إلى عليّ يطلب (منه) قتلة عُثْمَان، كتب الوليد بْن عقبة بْن أبي معيط إلي معاوية- والوليد بالرّقة-: معاوية إن الشَّام شامك فاعتصم ... بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا وحام عليه بالقبائل والفنا (كذا) ... ولا تك ذا عجز وَلا تلف وانيا فَإِن كتابا يا بن حرب كتبته ... عَلَى طمع يجني عليك الدواهيا

_ [1] كذا في النسخة، وفي كتاب الفتوح لأحمد بن اعثم نسخة «د» : أتاني جرير والحوادث جمة ... بتلك التي فيها اجتداع المعاطس اكابده والسيف بيني وبينه ... ولست لأثواب الدناءة بلابس وبالشام عندي عصبة يمنية ... تواصفها اشياخها في المجالس فإن يجمعوا اصدم عليا بمهجة ... أمر عليه من كل رطب ويابس (كذا) واني لأرجو خير ما نال نائل ... وما انا من ملك العراق بيائس وانظر كامل للمبرد، ص 184.

سألت عَلِيًّا فِيهِ مَا لا تناله ... ولو نلته لم يبق إلا لياليا وإن عليا ناظر مَا تريغه ... فأوقد لَهُ حربا تشيب النواصيا وكتب الوليد بن عقبة (أيضا) إِلَى مُعَاوِيَةَ يحرضه عَلَى قتال علي وأهل الْعِرَاق: ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فإنك من أخي ثقة مليم [1] يمنيك الخلافة كل ركب ... لأنقاض الْعِرَاق بهم رسيم [2] فإنك والكتاب إِلَى علي ... كحالية وقد حلم الأديم [3] طويت الدهر كالسدم المعنى ... تهدر فِي دمشق وما تريم لك الخيرات فابعثنا عليهم ... فخير الطالبي الترة الغشوم [4] وقومك بالمدينة قد أصيبوا ... فهم صرعى كأنهم الهشيم [5] هم/ 369/ جدعو الأنوف فأوعبوها ... ولم يتقوا فقد بلغ الصميم [6]

_ [1] مليم من قولهم: الأم الرجل: أتى ما يلام عليه. والأبيات ذكرها ابن ديزيل في كتاب صفين كما في شرح المختار: (43) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد-: ج 3 ص 94 ورواها أيضا الطبري في تاريخه: ج 5 ص 236 وابن منظور في اللسان: ج 15/ 36. [2] وفي اللسان والطبري: «يهنيك الإمارة كل ركب من الآفاق سيرهم الرسيم» . [3] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين لابن ديزيل: «كدابغة وقد حلم الأديم» . [4] هذا هو الظاهر الموافق لما في كتاب صفين لابن ديزيل، غير أن المصرع الأول فيه هكذا: «لك الويلات أقحمها عليهم» . وفي نسخة الأنساب هكذا: «فخير الطالبي التؤدة الغشوم» . [5] وفي اللسان والطبري: «فقومك بالمدينة قد تردوا» . [6] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «ولم يبقوا» . وهذان المصرعان غير موجودين في رواية ابن ديزيل والطبري واللسان.

فلو كنت القتيل وكان حيا [1] ... لشمّر لا ألفّ ولا سؤم وكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة ببيت أوس بْن حجر التميمي: ومستعجم لا ترعوي من إيابنا [2] ... ولوز بنته الحرب لم يترمرم وَقَالَ النجاشي الحارثي [3] معاوي قد كنت رخو الخناق ... فسعرت حربا تضيق الخناقا فَإِن يكن الشَّام قد أصفقت ... عليك ابْن حرب فَإِن العراقا أجابت عَلِيًّا إِلَى دعوة ... تعز الهدى وتذل النفاقا «364» قَالُوا: وكانت أم حبية بنت أَبِي سُفْيَانَ زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثت بقميص عُثْمَان إِلَى مُعَاوِيَةَ، فأخذه أَبُو مسلم الخولاني من مُعَاوِيَة، فكان يطوف بِهِ فِي الشَّام فِي الأجناد، ويحرض النَّاس عَلَى قتلة عُثْمَان. وَكَانَ كعب بْن عجرة الأَنْصَارِيّ أَيْضًا ممن بالغ فِي الحث على الطلب بدم عثمان.

_ [1] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: «فلو كنت الحقيل- أو- العقيل» . وفي اللسان والطبري: فلو كنت المصاب وكان حيا» ... وزاد الطبري بعده: ولا نكل عن الأوتار حتى ... يبيء بها ولا برم جثوم قال في هامش شرح النهج: وذكر الضبي في الفاخر، ص 30 بعض هذه الأبيات ونسبها إلى مروان بن الحكم. [2] كذا في النسخة، وفي شرح النهج واللسان: 15/ 147. ومقاييس اللغة: ج 2/ 380 وديوان أوس بن حجر ص 27- علي ما في هامش شرح النهج-: ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولوز بنته الحرب لم يترمرم [3] ونسبها في كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم: ج 2 ص 441، إلى قيس بن سعد بن عبادة رحمه الله مع زيادات فيها.

«365» وحدثني العمري، عَنِ الهيثم بْن عدي، عَنِ ابْن عياش وعوانة قَالا: قَالَ علي: [لأصبحن العاصي بْن العاصي ... تسعين ألفا عاقدي النواصي مستحقبين حلق الدلاص ... آساد غيل حين لا مناص مجنّبين الخيل بالقلاص [1] ] فبلغ عمرو (بن العاص) ذلك، فقال مجيبا له: خوّفتني بلابس الدلاص ... والقائدي الخيل مَعَ القلاص أهون بقوم في الوغى نكاص ... لو قد رأوها ينقض النواصي لقال كل أرني خلاص وَقَالَ مُعَاوِيَة- حين بلغه جد علي فِي النهوض نحوه وَهُوَ فِي طريق صفين-: لا تحسبني يَا علي غافلا ... لأوردن الْكُوفَة القنابلا والمشرفي والقنا الذوابلا ... من عامنا هَذَا وعاما قابلا فقال علي (عليه السّلام) : [أصبحت عني يا بن هند غافلا ... إني لرام منكم الكواهلا بالحق والحق يزيل الباطلا ... هَذَا لك العام وعاما قابلا ]

_ [1] كذا في تاريخ الطبري: ج 3 ص 562، وفي كتاب صفين: «قد جنبوا الخيل مع القلاص» . وفي نسخة أنساب الأشراف «مجنبين الخيل بلا فلاص» .

«366» قَالُوا: ولما أجمع أمير الْمُؤْمِنِينَ عَلَى المسير إِلَى مُعَاوِيَةَ، كتب إِلَى عماله عَلَى النواحي فِي القدوم عَلَيْهِ، فاجتمعوا عنده، واستخلف عَبْد الله بن عباس أبا الأسود الدئلي عَلَى صلاة الْبَصْرَة، وزيادًا عَلَى الخراج، ثُمَّ قدم الْكُوفَة وجعل علي يخطب النَّاس ويحضهم على محاربة معاوية وأهل الشَّامِ، فقام رجل من فزارة يقال لَهُ: أربد بْن ربيعة، فَقَالَ: يَا علي أتريد أن تغزو بنا أَهْل الشَّامِ فنقتلهم كما قتلنا إخواننا من أهل الْبَصْرَة؟ هَذَا والله مَا لا يكون!! فوثب إِلَيْهِ الأشتر، وعنق من النَّاس فخرج هاربا فلحقوه بمكان كانت الدواب تباع فِيهِ، فوطئوه وضربوه حَتَّى مات، فَقَالَ أَبُو علاقة التَّيْمِيّ تيم ربيعة: معاذ إلهي أن تكون منيتي ... كما مات فِي سوق البراذين أربد تعاوره قراؤنا بنعالهم ... إذا رفعت عَنْهُ يد وقعت يد «367» وفي رواية مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يسار: أن عَلِيًّا كتب إِلَى مُعَاوِيَةَ يدعوه إِلَى بيعته وحقن دماء المسلمين. وبعث بكتابه مَعَ ضمرة بْن يزيد، وعمرو بن زرارة النخعي (كذا) فقال (معاوية) : إن دفع إلي قتلة ابْن عمي وأقرني عَلَى عملي بايعته، وإلا فإني لا أترك قتلة ابن عمي وأكون/ 370/ سوقة؟ هذا ما لا يكون ولا أقار عليه [1] .

_ [1] قال أبو هلال العسكري- في ذيل المثل المعروف: «كدابغة وقد حلم الأديم» من كتاب جمهرة الأمثال: ج 2 ص 158-: أخبرنا أبو القاسم، عن العقدي، عن أبي جعفر، عن المدائني، عن عوانة، ويزيد بن عياض: عن الزهري قال: ورد علي عليه السلام الكوفة بعد الجمل في شهر رمضان، سنة ست وثلاثين، فعاتب قوما لم يشهدوا معه الجمل، فاعتذر بعضهم بالغيبة، وبعضهم بالمرض. ثم استعمل عماله فكتب إلى معاوية مع ضمرة بن يزيد الضمري وعمرو بن زرارة النخعي يريده على البيعة، فقال لهما معاوية: إن عليا آوى قتلة ابن عمي وشرك في دمه.

«368» وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: قام علي خطيبا فأمر النَّاس بالمسير إِلَى الشَّام، فَقَالَ لَهُ: يزيد بْن قَيْس الأرحبي: إن النَّاس عَلَى جهاز وهيئة وأهبة وعدة، وأكثرهم أهل القوة، وليست لهم علة، فمر مناديك فليناد فِي النَّاس أن يخرجوا إِلَى معسكرهم بالنخيلة. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء الخزاعي: إنّ أخا الحرب غير السؤم ولا النؤم وَلا الَّذِي إذا أمكنته الفرص أملى واستشار فِيهَا، وَلا من أخر عمل اليوم إِلَى غد. ويقال: إن الَّذِي. قَالَ هَذَا القول يزيد بْن قَيْس الأرحبي. وتكلم زياد بْن النضر الحارثي فصدق هَذَا القول. وتكلم النَّاس بعد. فدعا علي الحارث الأعور- وهو الحرث بْن عَبْدِ اللَّهِ الهمداني- فأمره أن ينادي فِي النَّاس أن يغدوا إِلَى معسكرهم بالنخيلة- وَهُوَ عَلَى ميلين من الْكُوفَة- ففعل، وعسكر علي والناس مَعَهُ. وَكَانَ عبيد اللَّه بْن عمر بْن الخطاب لما قتل أبوه، اتهم الهرمزان، ورجلا من أهل الحيرة- نصرانيا كَانَ سعد بن أبي وقاص أقدمه المدنية معه فكان يعلم ولده (و) الناس الكتاب والحساب يقال له: جفينة- بالموالات لأبي لؤلؤة، فقتلهما وقتل ابنه أَبِي لؤلؤة، فوقع بينه وبين عُثْمَان فِي ذَلِكَ كلام حتى تغاضبا [1] ثُمَّ بويع علي فَقَالَ: لأقيدن منه من قتل ظلما. فهرب إِلَى الْكُوفَةِ [2] فلما قدمها علي نزل الموضع الَّذِي يعرف بكويفة ابْن عمر، وإليه

_ [1] هذا هو الظاهر من السياق،، في النسخة هكذا: «حتى تناضيا» . [2] بل الحق أن عثمان أرسله إليها- وأقطعه له منها أرضا سميت بعد ذلك بكويفة ابن عمر- لما رأى إصرار أمير المؤمنين علي عليه السلام بإجراء الحد عليه والقصاص منه. قال اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 142: أكثر الناس في دم هرمزان وامساك عثمان عن عبيد الله بن عمر، فصعد عثمان المنبر فخطب الناس ثم قال: ألا إني ولي دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر، وتركته لدم عمر!!! فقام المقداد بن عمرو فقال: إن الهرمزان مولى لله ولرسوله وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله. قال: فننظر وتنظرون. ثم أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة، وأنزله دارا فنسب الموضع إليه (وسمي ب) كويفة ابن عمر. وقال في معجم البلدان- بعد ذكر مادة «الكوفة» بقليل-: الكويفة تصغير الكوفة، يقال لها كويفة ابن عمر (وهي) منسوبة إلى عبيد الله بن عمر بن الخطاب، نزلها حين قتل بنت أبي لؤلؤة والهرمزان وجفينة العبادي، وهي بقرب بزيقيا.

ينسب- ودس من طلب لَهُ من علي الأمان، فلم يؤمنه وَقَالَ: لئن ظفرت بِهِ فلا بد لي من أن أقيد منه وأقتله بمن قتل. فأتاه الأشتر- وَكَانَ أحد من طلب لَهُ الأمان- فأعلمه بما قَالَ علي، فهرب إِلَى مُعَاوِيَةَ. وَكَانَ مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس- حين قدم من الْبَصْرَة- خالد بن المعمر الذهلي ثُمَّ السدوسي عَلَى بني بكر بْن وائل [1] ، وعمرو بن مرحوم العبدي ثم الحصري (أو العصري) عَلَى عبد القيس، وصبرة بْن شيمان الأزدي عَلَى الأزد. وقيل: إنه لم يحضر من أزد البصرة إلا عبد الرحمان بْن عبيد، وأقل من عشرة نفر. وشريك بْن الأعور الحارثي عَلَى أهل العالية والأحنف ابن قَيْس عَلَى بَنِي تَمِيمٍ وضبة والرباب. وقد كَانَ الأحنف وشريك قدما الْكُوفَة مَعَ علي، فردهما إلى البصرة ليستنفرا هما ولا الذين ساروا معهما إلى الكوفة [2] .

_ [1] وله في تاريخ دمشق: ج 15، ص 112، ترجمة قال في بدئها: شهد صفين مع علي ثم غدر بالحسن بن علي ولحق بمعاوية، وقال فيه الشني: معاوي اكرم خالد بن معمر ... فإنك لولا خالد لم تؤمر وله أيضا مخاز أخر ذكره في ترجمة بشير بن منقذ الشني من تاريخ دمشق: ج 8 ص 18. [2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «هَؤُلاءِ الَّذِينَ ساروا معهما إِلَى الْكُوفَةِ» .

ويقال: إنهما شيعاه فردهما قبل أن يبلغا الْكُوفَة ليستنفرا النَّاس إِلَيْهِ ففعلا، ثُمَّ أشخصهما ابْن عَبَّاس مَعَهُ. وقدم علي أمامه زياد بْن النضر، وشريح بْن هانئ الحارثيين، ثُمَّ اتبعهما. وخلف عَلَى الْكُوفَة أبا مسعود عقبة الأنصارى. وولّى المدائن أخا عدي ابن حاتم الطائي لأمه، واسمه لأم بْن زياد بن عطيف بن سعيد (كذا) بن الحشرح الطائي. ووجه معقل (بْن قَيْس) الرياحي فِي ثلاث آلاف لتسكين النَّاس وأمانهم، وأمره أن يأخذ عَلَى الموصل ونصيبين ورأس العين حَتَّى يصير إِلَى الرقة، ففعل ذَلِكَ. وسار علي حَتَّى عبر الصراة [1] ، ثُمَّ أتى المدائن ثُمَّ الأنبار، وعلى طلائعه سعد بْن مسعود الثَّقَفِيّ عم المختار بْن أَبِي عبيد، وقصد قصد الرقة، وأخذ عَلَى شاطئ الفرات من الجانب الجزري. وَكَانَ الأشعث بْن قَيْس بأذربيجان، فلما قدم عَلَى الْكُوفَة، عزله وأمر بمحاسبته فغضب وكاتب مُعَاوِيَة، فبعث إِلَيْهِ من طريقه قبل أن ينفذ من الْكُوفَة [2] حجر بْن عدي الكندي، وأمره أن يوافيه بِهِ بصفين، فوافاه بِهَا وقد صار علي إِلَيْهَا أَوْ قبل ذَلِكَ. وقوم يقولون: إن عُثْمَان ولى الأشعث آذربيجان فأقرّه عليّ عليها

_ [1] قال في معجم البلدان: صراة (بفتح الصاد) جاماسب تستمد من الفرات (كذا) بنى عليها الحجاج بن يوسف مدينة النيل التي بأرض بابل. وقيل: هي نهر يأخذ من نهر عيسى من بلدة يقال لها المحول بينها وبين بغداد فرسخ. [2] كذا.

يسيرا (ثم عزله عنها) وولاه حلوان [1] ونواحيها، فكتب إِلَيْهِ فِي القدوم، فقدم الكوفة [2] من حلوان، فحاسبه على مالها ومال آذربيجان، فغضب (الأشعث) وكاتب مُعَاوِيَة، والله أعلم. «369» قَالُوا: وكتب علي من طريقه إِلَى مُعَاوِيَةَ ومن قبله كتابا يدعوهم/ 371/ فِيهِ إِلَى كِتَاب اللَّهِ وسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحقن دماء الأمة [3] فكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة: ليس بيني وبين قَيْس عتاب ... غير طعن الكلي وضرب الرقاب فَقَالَ علي: قاتلت الناكثين، وهؤلاء القاسطون وسأقاتل المارقين [4] . ووافا علي الرقة وبها جماعة ممن هرب إِلَيْهَا من الكوفة من العثمانية الذين أهواؤهم مَعَ مُعَاوِيَة، مثل الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وسماك بْن مخرمة بْن حمين (ظ) الأسدي الَّذِي مدحه الأخطل فَقَالَ: إن سماكا بني مجدا لأسرته ... حَتَّى الممات وفعل الخير يبتدر و (مثل) المحتمل بْن سماعة بْن حصين بْن دينار الْجُعْفِيّ، وشمر بن الحرث

_ [1] بين المعقوفين زيادة مستفادة من السياق، وقد سقط من الأصل. قال في معجم البلدان: حلوان العراق: هي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد ... قال أبو زيد: إنها مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد، وسر من رأى، أكبر منها، وأكثر ثمارها التين، وهي بقرب الجبل، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها، وربما يسقط بها الثلج، وأما أعلى جبلها فإن الثلج يسقط به دائما ... [2] بين المعقوفين زيادة مستفادة من السياق، وقد سقط من الأصل. قال في معجم البلدان: حلوان العراق: هي في آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد ... قال أبو زيد: إنها مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد، وسر من رأى، أكبر منها، وأكثر ثمارها التين، وهي بقرب الجبل، وليس للعراق مدينة بقرب الجبل غيرها، وربما يسقط بها الثلج، وأما أعلى جبلها فإن الثلج يسقط به دائما ... [3] وذكرنا الكتاب بنصه في المختار: (78) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4 ص 216. [4] وهذا المعنى متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانه أمر عليا بقتال الطوائف الثلاث، ورواه ابن عساكر- في الحديث: (1195) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 38 ص 55/ أو 76 بأحد عشر طريقا، وذكرناه أيضا في تعليقها عن مصادر جمة.

ابن البراء الْجُعْفِيّ [1] والقشعم بْن عَمْرو بْن نذير (أو تدير) بْن البراء الْجُعْفِيّ وسلمان بْن ثمامة بْن شراحيل الجعفي وغيرهم، فأمر (عليّ) أهل الرقة أن يتخذوا لَهُ جسرًا يعبر عَلَيْهِ، فأبوا، فسار يريد جسر منبج للعبور عليه، وأقام مالك بن الحرث الأشتر النخعي بعده فَقَالَ: أقسم بالله يَا أهل الرقة لئن لم تتخذوا لأمير الْمُؤْمِنِينَ جسرًا عند مدينتكم حَتَّى يعبر عَلَيْهِ، لأجردن فيكم السيف. فعقدوا الجسر، وبعث الأشتر إِلَى علي فرده من دون المنزل، فعبرت الأثقال والرجال، وأمر علي الأشتر أن يقف فِي ثلاثة آلاف حَتَّى لا يبقى من النَّاس أحد إِلا عبر، ثُمَّ عبر أمير الْمُؤْمِنِينَ علي والأشتر آخر النَّاس. ودعا علي بزياد بْن النضر، وشريح بْن هانئ فأمضاهما أمامه عَلَى هيئتهما، وكانا قد أخذا عَلَى طريق هيت، ثم عبرا منها ولحقاه بقرقيسيا وسارا معه إلا أنهما يقدمان عسكره، وجعل الأشتر أميرا عَلَيْهِمَا [2] ، فلقيهم أَبُو الأعور السلمي وَهُوَ عَلَى مقدمة مُعَاوِيَة- واسم أَبِي الأعور: عَمْرو بْن سُفْيَان بْن سَعِيد بْن قانف بْن الأوقص بْن مرة بْن هلال بن فالح- فحاربوه ساعة عند المساء ثُمَّ انصرفوا. ونزل مُعَاوِيَة ومن مَعَهُ عَلَى الفرات عَلَى شريعة سبقوا إِلَيْهَا لم يكن هناك شريعة غيرها، وَقَالَ: لا تسقوا [3] أصحاب علي الماء كما منعوه أمير المؤمنين عثمان.

_ [1] وبعد كلمة غير مبينة بنحو القطع وكأنها: «القشعم» وعليه فهو مكرر وما بعدها يغني عنها. [2] كذا هنا، والذي في كتاب صفين ص 153، وتاريخ الطبري إنهما بعد ملاقاتهما أبا الأعور ودعائهما إياه إلى طاعة أمير المؤمنين وإبائه، بعثا إلى أمير المؤمنين بالخبر فأرسل الأشتر أميرا عليهما. [3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «لا يسقوا أصحاب علي» .

وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: لما نزل مُعَاوِيَة صفين قَالَ بعض الشعراء: أيمنعنا القوم ماء الفرات ... وفينا السيوف وفينا الجحف وفينا علي لَهُ سورة ... إذا خوفوه الردى لم يخف ونحن الَّذِينَ غداة الزُّبَيْر ... وطلحة خضنا غمار التلف فما بالنا أمس أسد العرين ... وما بالنا اليوم فينا الضعف وَكَانَ الوليد بْن عقبة قد صار إِلَى مُعَاوِيَةَ، فكان أشد النَّاس فِي ذَلِكَ. وقوم يقولون: إن الوليد كَانَ معتزلا بالرقة. والثبت أنه صار إِلَى صفين. قَالُوا فقاتل أصحاب علي وَمُعَاوِيَة عَلَى الماء أشد قتال حَتَّى غلبوا عَلَى الشريعة، وجعل عَبْد اللَّهِ بْن أحمر يقول. خلوا لنا عَن الفرات الجاري ... وأيقنوا بجحفل جرار [1] . بكل قرم مستميت شار ... مطاعن برمحه كرار [2] وأقبل أمير الْمُؤْمِنِينَ علي فكان نزوله صفين لليالٍ بقين من ذي الحجة سنة ست وثلاثين، فغلب وأصحابه عَلَى الماء، فأمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أصحابه أن لا يمنعوا أصحاب مُعَاوِيَة الماء، فجعل السقاة يزدحمون عَلَيْهِ. ويقال: إن مُعَاوِيَة- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ!!! - لما رأى شدة قتالهم على

_ [1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «أو اثبتوا للجحفل الجرار» . وهو أظهر. والجحفل- كجعفر-: الجيش الكثير. [2] وزاد بعده في كتاب صفين ص 172: «ضراب هامات العدى مغوار» . أقول: القرم- كفلس-: السيد المعظم. والمستميت: المقاتل على الموت طالبا له. و «شار» : الذي يبيع نفسه لله. كما في قوله تعالى: «ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة» . والمغوار: المقاتل الذي يكثر الغارات على أعدائه.

تلك الشريعة أرسل إِلَى أصحابه/ 372/ أن خلوا عَن الماء ليشربوا وتشربوا [1] . «370» وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنِي ابْن جُعْدُبَةَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلَ الشَّامِ قَتْلُ الزُّبَيْرِ، وَطَلْحَةَ، وَظُهُورُ عَلِيٍّ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، دَعَا مُعَاوِيَةُ أَهْلَ الشَّامِ إِلَى الْقِتَالِ عَلَى الشُّورَى وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ أَمِيرًا غَيْرَ خَلِيفَةٍ، فَخَرَجَ عَلَى رَأْسِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرِ مِنْ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى الْتَقَوْا بِصِفِّينَ. «371» وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الحكم (كذا) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عُمَّالِهِ في القدوم عليه واستخلاف مَنْ يَثِقُونَ بِهِ، وَكَتَبَ إِلَى سَهْلِ بْنِ حنيف في القدوم (عليه) وولّي مكانه قثم بن العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَا كَانَ يَلِي مِنْ مكة [2] . وكان قيس بن سعد بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ بِالْمَدِينَةِ، قَدْ قَدِمَ مِنْ مِصْرَ، وَفِي قَلْبِهِ عَلَى عَلِيٍّ شَيْءٌ لِعَزْلِهِ إِيَّاهُ عَنْهَا، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ مُتَخَلِّفًا عَنْهُ [3] . وَكَانَ مَرْوَانُ وَالأَسْوَدُ بْنُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هَاشِمِ بن الحرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي- صَاحِبَيْ مُعَاوِيَةَ- بِالْمَدِينَةِ، وَالْمُكَاتِبِينَ لَهُ، وَالْمُثَبِّطِينَ عَنْ عليّ، فلقيا قيسا بماكره، وَتَوَعَّدَاهُ بِالْقَتْلِ، فَلَمَّا أَرَادَ سَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ

_ [1] وهذا مما تبرع به بعض أذناب آل أمية، ولا شاهد له، بل الشواهد على خلافه. [2] وقد ذكرنا صور كتبه عليه السلام إلى عماله، في المختار: (82) وتواليه من كتب نهج السعادة: ج 4 ص 222- 242. [3] الثابت عن قيس (ره) انه رجع عن مصر، وأتى أهله بالمدينة، وأما التخلف عن أمير المؤمنين عليه السلام فهو أتقى من أن ينسب إليه ذلك.

الشُّخُوصَ إِلَى عَلِيٍّ خَافَ قَيْسٌ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ فَيَقْتُلاهُ أَوْ يَنَالاهُ بِمَكْرُوهٍ فِي نَفْسِهِ، فَشَخَصَ مَعَ سَهْلٍ إِلَى عَلِيٍّ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَالأَسْوَدِ، يَلُومُهُمَا وَيَقُولُ: لَوْ أَمْدَدْتُمَا عَلِيًّا بِعَشْرَةِ آلافِ فَارِسٍ مَا كَانَ ذَلِكَ بأغيظ لي من إمداد كما إياه بقيس بن سعد، وَهُوَ فِي رَأْيِهِ وَقُوَّةِ مَكِيدَتِهِ عَلَى مَا تَعْلَمَانِ. وَكَانَ قَيْسُ جَوَّادًا حَازِمًا ذَا مَكِيدَةٍ. «372» حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن ابْنِ جُعْدُبَةَ: عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: عَزَلَ عَلِيٌّ قيس بن سعد، عَنْ مِصْرَ، فَلَحِقَ بِالْمَدِينَةِ، وَبِهَا مَرْوَانُ وَالأَسْوَدُ بْنُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، فَبَلَغَهُ عَنْهُمَا أَمْرٌ خَافَهُ وخشي أن يأخذاه فَيَقْتُلاهُ أَوْ يَحْبِسَاهُ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَأَتَى عَلِيًّا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَالأَسْوَدِ، يُعَنِّفُهُمَا وَيَقُولُ: أَمْدَدْتُمَا عَلِيًّا بِقَيْسٍ وَرَأْيِهِ وَمَكِيدَتِهِ، وَاللَّهِ لَوْ أَمْدَدْتُمَاهُ بِمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ مَا كَانَ ذَلِكَ بِأَغْيَظَ لِي مِنْ إِخْرَاجِكُمَا قَيْسًا إِلَيْهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ قَيْسٌ يُدَارِي لِعَلِيٍّ أُمُورًا يَقْصُرُ رَأْيُ عَلِيٍّ عَنْهَا [1] . قَالَ: فَشَهِدَ قَيْسٌ مَعَهُ صِفِّينَ ثُمَّ وَلاهُ أَذْرَبِيجَانَ. «373» وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَعَوَانَةُ وَغَيْرُهُمَا: مَكَثَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ فِي عَسْكَرَيْهِمَا يَوْمَيْنِ، لا يُرْسِلُ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ إن عليا دعا سعيد بن

_ [1] صدور هذا الكلام من معاوية وأشباهه ليس بعجيب بل هذا من أخف موبقاته ومختلقاته، ولكن العجيب ممن يصدق معاوية في أمثال هذه الافتراءات والأكاذيب، ولذا قال أمير المؤمنين عليه السلام تبرما منهم كما في المختار (40) من النهج: ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم؟ قاتلهم الله! قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأى عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجه له في الدين!!!

قَيْسٍ الْهَمْدَانِيَّ، وَبَشِيرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ أَبَا عَمْرَةَ الأَنْصَارِيَّ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَشَبَثُ بن ربعي الرياحي من بني غنم [1] وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ وزياد بن خصفة فقال (لهم) : ائْتُوا هَذَا الرَّجُلَ وَادْعُوهُ إِلَى اللَّهِ وَكِتَابِهِ وإلى الجماعة والطاعة، ففعلوا فقال (معاوية) : وَأَنَا أَدْعُو صَاحِبَكُمْ إِلَى أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ قِبَلِهِ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلَيَّ لأَقْتُلَهُمْ بِهِ، ثُمَّ يَعْتَزِلَ الأَمْرَ حَتَّى يَكُونَ شُورَى. «374» قَالُوا: فَتَقَاتَلَ الْقَوْمُ بَاقِي ذِي الْحِجَّةِ، فَكَانَ هَذَا يُخْرِجُ وُجُوهَ أَصْحَابِهِ وَيُخْرِجُ ذَاكَ وُجُوهَ أَصْحَابِهِ نَوَائِبَ فَيَقْتَتِلُونَ. ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ تَرَاسَلا فِي الْمُحَرَّمِ- وَهُمَا مُتَوَادِعَانِ- فَقَالَ حَابِسُ بْنُ سَعْدٍ الطَّائِيُّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: كَأَنَّكَ بِالتَّذَابُحِ بَعْدَ سَبْعٍ [2] ... بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ أَوْ ثَمَانٍ تكون دماؤنا حلقا حَلالا ... لأَهْلِ الْكُوفَةِ الْحُمْرِ السِّمَانِ وَكَانَ قَوْلُ مُعَاوِيَةَ قَوْلا وَاحِدًا لا يَنْثَنِي عَنْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ: لا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ/ 373/ وَلا أَرْعَى عَلَيْكِ إِنْ رَعَيْتَ. فلما أهلّ هلال صفر (من) سنة سبع وثلاثين، أمر علي فنودي فِي أَهْل الشَّامِ بالإعذار إِلَيْهِمْ، وحرض النَّاس وأوصاهم أن يغضوا الأبصار ويخفضوا الأصوات، ويقلوا الكلام، ويوطنوا أنفسهم عَلَى المجالدة والمنازلة ويستشعروا الصبر [3] .

_ [1] كذا في النسخة، والظاهر انه مصحف، والصواب: «من بني تميم» . كما في كتاب صفين ص 187، [2] كذا في ظاهر رسم الخط. وذكرها في كتاب صفين ص 202 بألفاظ آخر. والمصراع الأول من الأبيات في مروج الذهب هكذا: «فما دون المنايا غير سبع» . [3] وقد ذكرناها بألفاظها في المختار: (149) من خطب نهج السعادة عن كتاب صفين ص 204 وغيره. وقال في العقد الفريد- تحت الرقم: (12) من كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم ج 3 ص 109، ط 1 قال ابو الحسن: كان منادي علي يخرج كل يوم وينادي: ايها الناس لا تجهزن على جريح ولا تتبعن موليا ولا تسلبن قتيلا، ومن القى سلاحه فهو آمن.

وجعل عَلَى ميمنته عَبْد اللَّهِ بْن العباس بْنِ عَبْدِ المطلب، وعلى ميسرته مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وعلي خيل الْكُوفَة مالك بن الحرث الأشتر، وعلى رجالتهم عَمَّار بْن ياسر، وعلى خيل أهل الْبَصْرَةِ سهل بْن حنيف، وعلى رجالة أهل الْبَصْرَةِ قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وهاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص- وَهُوَ المرقال- وَكَانَ أعور أصيبت عينه يوم اليرموك بالشام. وَكَانَ شمر بْن ذي الجوشن فِي كتيبة فيما يقول بعضهم. وَكَانَ مسعر بْن فدكي عَلَى القراء. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كانت راية علي يوم صفين مَعَ عَمْرو بْن الحرث بْن عبد يغوث بْن قشر الهمداني. وبعث عليّ إلى معاوية: أن اخرج إليّ أبا رزك. فلم يفعل [1] وَكَانَ القتال فِي أول يوم- وَهُوَ يوم الأربعاء فِي صفر- بين حبيب بْن مسلمة الفهري والأشتر، فانصرفا عَلَى انتصاف. ثُمَّ كَانَ القتال فِي اليوم الثاني بين هاشم بْن عتبة المرقال وأبي الأعور السلمي. وفي (اليوم) الثالث بين عَمْرو بْن العاص وعمار بْن ياسر.

_ [1] وقال أيضا في ترجمة معاوية تحت الرقم: (299) من ج 2 ص 73/ ب/ او 743-: الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: قَالَ عَلِيٌّ بِصِفِّينَ: يَا مُعَاوِيَةُ مَا قَتْلُكَ النَّاسُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ؟ ابْرُزْ لِي فَإِنْ قَتَلْتَنِي كَانَ الأَمْرُ إِلَيْكَ، وَإِنْ قَتَلْتُكَ كَانَ الأَمْرُ إِلَيَّ فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرٍو كالمستشير له (وقال له: ما تقول؟) فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: مَا أَرَى الرَّجُلَ إِلا مُنْصِفًا، وَلَنْ تُبَلَّ لَكَ بَالَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ إِنْ لَمْ تُبَارِزْهُ. فَحَقَدَهَا عَلَيْهِ وَأَمْسَكَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَقَالَ: يَا عَمْرُو إِنَّكَ قَدْ قَشَرْتَ لِي الْعَصَا ... بِرِضَاكَ لِي وَسْطَ الْعَجَاجِ بِرَازِي مَا لِلْمُلُوكِ وَلِلْبِرَازِ وَإِنَّمَا ... حَظُّ الْمُبَارِزِ خَطْفَةٌ مِنْ بَازِ وَلَقَدْ أَعَدْتَ فَقُلْتُ مُزْحَةَ مَازِحٍ وَالْمَرْءُ يُفْحِمُهُ مَقَالُ الْهَازِي فَقَالَ عَمْرٌو: مُعَاوِيَ إِنْ ثَقُلْتَ عَنِ الْبِرَازِ ... لَكَ الْخَيِّرَاتُ فَانْظُرْ مَنْ تُنَازِي وَمَا ذَنْبِي إذا نادى علي ... وكبش القوم القوم يدعو للبراز أجبنا في العجاجة يا بن هند ... وعند السلم كالتيس الحجازي وقال في العقد الفريد: ج 3 ص 110، ط 1- تحت الرقم: (12) من كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم- قال ابو الحسن: كان علي بن أبي طالب يخرج كل غداة بصفين في سرعان الخيل فيقف بين الصفين ثم ينادي: يا معاوية علام يقتتل الناس، ابرز الي وابرز إليك فيكون الأمر لمن غلب!!! فقال له عمرو بن العاص: انصفك الرجل؟! فقال له معاوية أردتها يا عمرو والله لأرضيت عنك حتى تبارز عليا. فبرز اليه متنكرا فلما غشيه علي بالسيف رمى بنفسه على الأرض وابدى له سوأته فضرب علي وجه فرسه وانصرف عنه!!! فجلس معاوية يوما (بعد ما استقر له الأمر، وحضره عمرو) فنظر اليه فضحك فقال عمرو: اضحك الله سنك ما الذي اضحكك؟ قال: من حضور ذهنك يوم بارزت عليا إذ اتقيته بعورتك!!! اما والله لقد صادفت منانا كريما، ولولا ذلك لخرم وفغيك بالرمح!! فقال عمرو: اما والله اني (كنت) عن يمينك إذ دعاك الى البراز فأحولت عيناك وربا سحرك وبدا منك ما اكره ذكره لك. وقريبا منه رواه في مروج الذهب: ج 2 ص 386 ط بيروت، وكذلك في أواخر الجزء العاشر من بشارة المصطفى ص 332.

وفي (اليوم) الرابع بين مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وعبيد اللَّه بْن عمر بْن الخطاب، فنادى أهل الشام: معنا الطيب ابن الطيب ابن عمر بْن الخطاب. فرد أصحاب علي عليهم: معكم الخبيث بْن الطيب. وَكَانَ القتال فِي اليوم الخامس بين عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس (بن عبد المطلب) ، والوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، فجعل الوليد يسب بني عبد المطلب ويقول: قطعتم الأرحام وطلبتم مَا لم تدركوه. ومن قَالَ: إن الوليد اعتزل القتال قَالَ: كَانَ القتال فِي اليوم الخامس بين عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، وملحان بْن حارثة بْن سعد بْن الحشرج الطائي، وهو من الشَّام وفيه يقول الشاعر: لبيك عَلَى ملحان ضيف مدقع ... وأرملة تزجي مَعَ الليل أرملا وفي اليوم السادس (كان القتال) بين سعيد بن قيس (ظ) أَوْ قَيْس بْن سَعْدٍ، وبين ابْن ذي الكلاع. وفي اليوم السابع بين الأشتر أَيْضًا وحبيب بن مسلمة. فلما كَانَ اليوم الثامن عبأ علي النَّاس عَلَى مَا كَانَ رتبهم عَلَيْهِ، وعبأ مُعَاوِيَة أَهْل الشَّامِ واقتتلوا قتالا شديدًا، وجعل علي يقول لكل قبيلة من أهل الكوفة: [كفوني قبيلتكم من أَهْل الشَّامِ] . ثُمَّ غدوا يوم الخميس فاقتتلوا أبرح قتال [1] وانتهت الهزيمة إِلَى علي فقاتل مَعَ الحسن والحسين، وقتل زياد بْن النضر الحارثي، وعبد اللَّه بْن بديل بْن ورقاء الخزاعي، وانهزمت ميمنة علي ثُمَّ ثابوا فأهمّت أهل الشام أنفسهم [2]

_ [1] أي أشدّ قتال وأجهده. [2] أي أوقعتهم أنفسهم في الهموم. أو ما نابهم الا هم أنفسهم وخلاصها من الهلاك، كما في الآية، (149) من سورة آل عمران: «وطائفة قد أهمتهم أنفسهم» .

وكثر القتل والجراح فيهم وركب مُعَاوِيَة فرسه وجعل ينشد شعر ابْن أطنابة الأَنْصَارِيّ- وَهُوَ عَمْرو بْن عامر الخزرجي، وأمه الأطنابة بنت شهاب من بلقين-: وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي فكان مُعَاوِيَة يقول بعد ذَلِكَ: ركبت فرسي ومن شأني الهرب حَتَّى ذكرت شعر ابْن الأطنابة: أبت لي عفّتي وأبا حيائي ... وإقدامي عَلَى البطل المشيح [1] وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي (قال:) فأمسكني عَن الهرب. وقتل حابس بْن سعد الطائي من أَهْل الشَّامِ، قتله الحمارس من أهل الْكُوفَة/ 374/ فشد عَلَيْهِ زيد بْن عدي بْن حاتم فقتله ولحق بمعاوية، ثُمَّ رجع بعد إِلَى الْكُوفَةِ، فخرج فِي جماعة يصيب الطريق فقتلته خيل للمغيرة بْن شعبة، وَهُوَ عامل مُعَاوِيَة عَلَى الْكُوفَة. وَقَالَ بعضهم: قتل مَعَ الخوارج بالنهروان. وَقَالَ شقيق بْن ثور السدوسي: يَا معشر ربيعة لا عذر لكم إن قتل علي ومنكم رجل حي. فتمثل علي قول رجل منهم [2] يوم الجمل:

_ [1] المشيح: المجد. والأبيات ذكرها في كتاب صفين ص 449 والكامل: ج 4/ 68، وفي الطبري: ج 5/ 24 هكذا: أبت لي عفتي وحياء نفسي ... واقدامي على البطل المشيخ وإعطائي على المكروه مالي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح. [2] صريح هذه العبارة أن الأبيات لغير أمير المؤمنين وانما هو عليه السلام تمثل بها، وتقدم أيضا تحت الرقم: (348) ص 361 من الأصل، ومن المطبوع ص 270 قوله: وفي ذلك يقول الشاعر ...

[لمن راية سوداء يخفق ظلها ... إذا قيل: قدّمها حضين فقدما [1] ] / 375/ الْمَدَائِنِيُّ، عَن عِيسَى بْن يَزِيدَ، قَالَ: لَمَّا قامت الحرب بين علي وَمُعَاوِيَة بصفين فتحاربوا أياما قَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو بْن الْعَاصِ فِي بعض أيامهم: إن رأس النَّاس مَعَ علي عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس، فلو القيت إِلَيْهِ كتابا تعطفه بِهِ، فإنه إن قَالَ قولا لم يخرج منه علي وقد أكلتنا هَذِهِ الحرب. فَقَالَ عَمْرو: إن ابْن عَبَّاس أريب لا يخدع ولو طمعت فِيهِ لطمعت فِي علي. قَالَ: صدقت إنه لأريب ولكن اكتب إليه على ذلك. فكتب إليه (عمرو) : من عَمْرو بْن العاص إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن العباس، أما بعد فَإِن الَّذِي نحن وأنتم فِيهِ، ليس بأول أمر قاده البلاء، وساقه سفه العاقبة، وأنت رأس هَذَا الأمر بعد علي، فانظر فيما بقي بغير مَا مضي، فو الله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حيلة، واعلم أن الشَّام لا يملك إِلا بهلاك الْعِرَاق، وأن الْعِرَاق لا يملك إِلا بهلاك الشَّام، فما خيرنا بعد إسراعنا فيكم وما خيركم بعد إسراعكم فينا، ولست أقول: ليت الحرب عادت ولكن أقول: ليتها لم تكن، وإن فينا من يكره اللقاء كما أن فيكم من يكرهه، وإنما هُوَ أمير مطاع [2] أَوْ مأمور مطيع أَوْ مشاور مأمون وَهُوَ أنت، فأما السفيه فليس بأهل أن يعد من ثقات أهل الشورى وَلا خواص أهل النجوى وكتب فِي آخر كتابه: طال البلاء فما يرجى لَهُ آس ... بعد الإله سوى رفق ابن عباس

_ [1] كذا هنا، وفي كتاب صفين وتاريخ الطبري: ج 4/ 26- ومثلهما تحت الرقم المتقدم الذكر هنا-: «تقدما» . [2] كلمة «الأمير» مسحوقة في الأصل، وإنما استفدناها من السياق.

قولا لَهُ قول مسرور بحظوته ... لا تنس حظك إن التارك الناسي كل لصاحبه قرن يعادله ... أسد تلاقي أسودًا بين أخياس انظر فدى لك نفسي قبل قاصمة ... للظهر ليس لها راق ولا آس [1] أهل الْعِرَاق وأهل الشَّامِ لن يجدوا ... طعم الحيات لحرب ذات أنفاس والسلم فِيهِ بقاء ليس يجهله ... إِلا الجهول وما النوكى كأكياس فاصدع بأمرك أمر القوم إنهم ... خشاش طير رأت صقرا بحسحاس فلما قرأ ابْن عَبَّاس الكتاب والشعر أقرأهما عَلِيًّا، [فَقَالَ علي: قاتل اللَّه ابْن العاص مَا أغره بك، يَا ابْن عَبَّاس أجبه، ولتردّ عَلَيْهِ شعره فضل بْن عَبَّاس بْن أَبِي لهب.] فكتب إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس: أما بعد فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل حياءا منك، إنه مال بك إِلَى مُعَاوِيَةَ الهوى وبعته دينك بالثمن اليسير، ثُمَّ خبطت للناس فِي عشواء طخياء طمعا فِي هَذَا الملك، فلما لم تر شَيْئًا أعظمت الدماء إعظام أهل الدين، وأظهرت فِيهَا زهادة أهل الورع، وَلا تريد بِذَلِكَ إِلا تهييب الحرب وكسر أهل الْعِرَاق، فَإِن كنت أردت اللَّه بِذَلِكَ، فدع مصر وارجع إِلَى بيتك، فَإِن هَذِهِ حرب ليس مُعَاوِيَة فِيهَا كعلي، بدأها علي بالحق وانتهي فِيهَا إِلَى العذر، وابتدأها مُعَاوِيَة بالبغي فانتهى مِنْهَا إِلَى السرف، وليس أَهْل الشَّامِ فِيهَا كأهل الْعِرَاق، بايع عَلِيًّا أهل الْعِرَاق وهو خير منهم، وبايع أَهْل الشَّامِ

_ [1] وفي كتاب صفين ص 412: «ولا آسي» ، وقبله أيضا فيه مصرعان غير مذكورين هنا، وكذا بعد الأولين أيضا مصرعان غير موجودين هنا، كما أن آخر الأبيات فيه أيضا لم يوجد هنا، وعدده في كتاب صفين (22) مصراعا، كما ان بين المشترك فيه أيضا اختلاف في التعبير.

مُعَاوِيَة وهم خير منه، ولست وأنا فِيهَا سواء [1] أردت اللَّه، وأردت مصر، فَإِن ترد شرًا لا يفتنا وإن ترد خيرًا لا تسبقنا (إليه) [2] . ثُمَّ دعا الفضل بْن العباس بْن عتبة/ 375/ (كذا) فَقَالَ: يَا ابْن عم أجب عَمْرو بْن العاص. فقال (الفضل) : يا عمرو حسبك من خدع ووسواس ... فاذهب فمالك في ترك الهدى أس [3] الابواد (ر) يطعن فِي نحوركم [4] ... ووشك ضرب يفزي جلدة الراس هَذَا لكم عندنا فِي كل معركة ... حَتَّى تطيعوا عَلِيًّا وَابْن عَبَّاس أما علي فَإِن اللَّه فضله ... فضلا لَهُ شرف عال علي النَّاس [5] لا بارك اللَّه فِي مصر فقد جلبت ... شرًا وحظك مِنْهَا حسوة الحاسي [6] فلما قرأ مُعَاوِيَة الكتاب قَالَ مَا كَانَ أغنانا عن هذا.

_ [1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين «ولست أنا وأنت فيها بسواء، أردت الله وأردت أنت مصر، وقد عرفت الشيء الذي باعدك مني ولا أعرف (ظ) الشيء الذي قربك من معاوية، فإن ترد شرا لا نسبقك به، وإن ترد خيرا لا تسبقنا إليه» . [2] كذا في كتاب صفين، وهو الصواب، وفي النسخة: وإن ترد خيرا لا سبقنا» . [3] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «فاذهب فليس لماء الجهل من آسى» . [4] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين. إلا تواتر طعن في نحوركم ... يشجي النفوس ويشفي نخوة الراس هذا الدواء الذي يشفي جماعتكم ... حتى تطيعوا عليا وابن عباس [5] وفي كتاب صفين: «بفضل ذي شرف عال على الناس» . وبعده: إن تعقلوا الحرب نعقلها مخيسة ... او تبعثوها فإنا غير انكاس قد كان منا ومنكم في عجاجتها ... مالا يرد وكل عرضة البأس قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة ... هذا بهذا وما بالحق من بأس [6] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: لا بارك الله في مصر لقد جلبت ... شرا وحظك منها حسوة الكاس يا عمرو انك عار من مغارمها ... الراقصات ومن يوم الجزا كاسي

مقتل عمار بن ياسر العنسي أبي اليقظان بصفين رضي الله تعالى عنه

وَكَانَ هِشَام بْن عَمْرو الدمشقي يقول: هَذَا الحديث مما صنعه ابْن دابكم هَذَا. «376» وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي الطائي: قاتل عَبْد اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء يوم صفين فقتل وَهُوَ يقول: لم يبق إِلا الصبر والتوكل ... وطعنة وضربة المنصل فقتل فَقَالَ مُعَاوِيَة هَذَا والله كما قَالَ الشاعر: أخو الحرب إن عضت بِهِ الحرب عضّها ... وإن شمرت يوما بِهِ الحرب شمرا «377» وَقَالَ هِشَام بْن الكلبي عن أبيه: وقد زمل بن عمرو بن العنز العذري عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعقد له لواء فشهد بِهِ صفين مَعَ مُعَاوِيَة، وَهُوَ أحد شهوده عَلَى القضية. مقتل عَمَّار بْن ياسر العنسي أَبِي اليقظان بصفين رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «378» قَالُوا: جعل عَمَّار بْن ياسر يقاتل يوم صفين وَهُوَ يقول: نحن ضربناكم عَلَى تنزيله ... ثُمَّ ضربناكم عَلَى تأويله [1] ضربا يزيل الهام عَن مقيله ... ويذهل الخليل عَن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله

_ [1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين ص 341، ومروج الذهب: ج 2 ص 381: «فاليوم نضربكم على تأويله» وهو أظهر.

فقتله أَبُو الغادية [1] . قَالَ أَبُو مخنف: هُوَ عاملي. وَقَالَ: هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: هُوَ مري (ظ) . حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّد بْن السائب قَالَ: رأيت أبا الغادية المري أيام الحجاج بواسط وعليه قباء (ظ) مكتوب من خلفه: شهدت فتح الفتوح يعني صفين [2] . «379» المدائني عَن أَبِي عمرو، عن أمية (أو منبه) بْن عَمْرو المخزومي قَالَ: شهدت موت أَبِي الغادية بواسط فَقَالَ الحجاج: لا يتخلف عَن جنازة أَبِي الغادية المري إِلا منافق. فحضرت جنازته. وأهل الشَّامِ يقولون: قتل عمارًا حوي بن ماتع بن زرعة بن بيحص السكسكي [3] .

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة في بعض الموارد ذكره بالمهملة، قال ابن الأثير في أول حرف الغين من أسد الغابة: ج 5 ص 267: ابو الغادية الجهني بايع النبي صلى الله عليه وسلم وجهينة بن زيد قبيلة من قضاعة، اختلف في اسمه فقيل: بشار بن ازيهر. وقيل اسمه مسلم. سكن الشام وانتقل (بعد) الى واسط ... وكان من شيعة عثمان، وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول: قاتل عمار بالباب ... [2] قال في اسد الغابة: ج 5/ 267: روى ابن أبي الدنيا، عن محمد بن أبي معشر، عن ابيه قال: بينا الحجاج جالسا إذ اقبل رجل مقارب الخطو، فلما رآه الحجاج قال: مرحبا بأبي غادية واجلسه على سريره وقال: أنت قتلت ابن سمية؟ قال: نعم. قال: كيف صنعت؟ قال: صنعت كذا حتى قتلته. فقال الحجاج لأهل الشام: من سره أن ينظر الى رجل عظيم الباع يوم القيامة فلينظر الى هذا!!! تم ساره ابو غادية يسأل شيئا، فأبى عليه، فقال ابو غادية: نوطئ لهم الدنيا، ثم نسألهم فلا يعطوننا ويزعم اني عظيم الباع يوم القيامة؟! اجل والله ان من ضربته مثل احد، وفخذه مثل ورقان، ومجلسه مثل ما بين المدينة والربذة لعظيم الباع يوم القيامة!!! والله لو ان عمارا قتله اهل الأرض لدخلوا النار!!! [3] هذا هو الصواب الموافق لما يأتي تحت الرقم (388) وغيره، وفي النسخة هنا: «المسكسي» ،

«380» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا عمرو بْنُ عَوْنٍ [1] أَنْبَأَنَا هَشِيمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ العوام بن حوشب، عن الأسود بن مسعود، عن حنظلة ابن خويلد [2]- وكان يأمن (كذا) عِنْدَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ- قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ

_ [1] الظاهر ان هذا هو الصواب، وفي النسخة: عمرة بن عون» . [2] هذا الصواب الموافق لما رواه ابن سعد في الطبقات: ج 3/ 253 ولما في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 3/ 59 وزادا: «العنزي» وفي النسخة «عن خويلد» . وقال ابن أبي شيبة في المصنف: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حوشب، حدثني اسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد العنزي قال اني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، كل واحد منهما يقول: انا قتلته. قال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال معاوية: الا تغني عن مجنونك (كذا) يا عمرو؟ فما بالك معنا؟ قال: اني معكم ولست أقاتل. ان أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه فقال: أطع اباك ما دام حيا ولا تعصه. فأنا معكم ولست اقاتل. ورواه بأسانيد في مسند عبد الله بن عمرو، وعمرو، من مسند احمد بن حنبل ج: 2/ 164، وفي مسند أم سلمة: ج 6/ 289 كما نقله عنهما، وعن غيرهما في آخر الجزء الثاني من حديث الثقلين من عبقات الأنوار ص 370- 398 ط 2 وقال أيضا: قال ابن حجر في فتح الباري: فائدة: روى حديث: «تقتل عمارا الفئة الباغية» جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان- كما تقدم- وأم سلمة عند مسلم (واحمد في مسندها) وابو هريرة عند الترمذي وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان، وحذيفة وابو أيوب، وابو رافع وخزيمة ابن ثابت، ومعاوية وعمرو بن العاص وابو اليسر (كعب بن عمرو) وعمار نفسه. وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة او حسنة. وفيه عن جماعة آخرين يطول ذكرهم وفي هذا الحديث علم من اعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، ورد على النواصب الزاعمين ان عليا لم يكن مصيبا في حروبه!!! اقول، الحديث متواتر عن النبي صلّى الله عليه وآله من طريق القوم وذكره البخاري أيضا في باب: «مسح الغبار عن الناس في السبيل» من كتاب الجهاد: ج 4/ 25، وقلما يكون كتب الحديث والتاريخ فارغا عنه، فذكره النسائي في الحديث 152- 160، من الخصائص ص 134، وابو داود في مسنده: ج 3/ 90 على ما نقله عنه بعضهم وفي ترجمة طاووس وزيد بن وهب من حلية الأولياء: ج 4 ص 20 و 172، وترجمة عبد ألرحمان بن أبي ليلى ص 361، ورواه في باب فضائل عمار من مجمع الزوائد: ج 9 ص 295 عن مصادر كثيرة وبصور عديدة تربو على عشرين وحكم بصحة جل طرقها، ورواه أيضا في ترجمة الحسن بن محمد بن سليمان من تاريخ بغداد: ج 7/ 414، وج 13/ 187، في ترجمة معلي بن عبد الرحمان، وذكره أيضا في تاريخ الطبري: ج 5/ 39، 41 وذكره الحاكم في كتاب قتال أهل البغي من المستدرك: ج 2 ص 148، و 149، وقال: هذا حديث له طرق بأسانيد صحيحة ... وكذا في ترجمة عمار: ج 3/ 386 وتواليها، وفي كنز العمال: ج 7 ص 72 وفي ترجمته من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 260 وقد اخرج الحافظ ابن عساكر طرقه في ترجمة عمار من تاريخ دمشق على وجه بديع، وما اشار إليه ابن حجر جميعه ذكره وزاد رواية زيد بن أبي أوفي الاسلمي وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وأبي قتادة وعمرو بن حزم وزياد بن العرد وكعب بن مالك وأنس بن مالك وأبي امامة الباهلي وعائشة.

لِتَطِبْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا لِصَاحِبِهِ بِرَأْسِ عَمَّارٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [تَقْتُلُ عَمَّارٌ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.] فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ أَلا تَغْبِي عَنَّا مَجْنُونَكَ هَذَا [1] ؟ فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِطَاعَةِ أَبِي، فَأَنَا مَعَكُمْ وَلَسْتُ أُقَاتِلُ. «381» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عبد الله بن الحرث بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ: عَنْ عِمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: شَهِدَ خُزَيْمَةُ الْجَمَلَ فلم يسلّ سيفا،

_ [1] كذا في النسخة، وذكره- مع اكثر ما يأتي- في الحديث: (400) وما حوله من ترجمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المجلد الأول المطبوع بمصر، ص 168، وفيه: «الا تثني عنا مجنونك هذا؟» وهو اظهر. وفي الطبقات: «الا تغني» .

وَشَهِدَ صِفِّينَ فَقَالَ: لا أُقَاتِلُ أَبَدًا حَتَّى يُقْتَلَ عَمَّارٌ فَأَنْظُرُ مَنْ يَقْتُلُهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ 376/ يقول: [تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.] قَالَ: فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ قَالَ خُزَيْمَةُ: قَدْ أَبَانَتِ الضَّلالَةُ. ثُمَّ اقْتَرَبَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ: وَكَانَ الَّذِي قَتَلَ عَمَّارًا أَبُو غَادِيَةَ الْمُرِّيُّ طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ فَسَقَطَ. قَالَ: وَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةٍ، فَلَمَّا وَقَعَ أَكَبَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ فَاخْتَصَمَا فِيهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: مَا يَخْتَصِمَانِ إِلا فِي النَّارِ!!! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَتَقُولُ هَذَا؟ لِقَوْمٍ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ دُونَنَا؟!!! فَقَالَ عَمْرٌو: هُوَ والله ذاك وإنك لتعلمه، ولوددت أني مت قَبْلَ هَذَا بِعِشْرِينَ سَنَةً [1] . وَقَالَ الواقدي: ويقال: إن عمارًا قتل وَهُوَ ابْن إحدى وتسعين سنة. والثبت أنه قتل ابن ثلاث وتسعين سنة. وَقَالَ الواقدي فِي إسناده: قاتل عَمَّار يوم صفين فأقبل إِلَيْهِ ثلاثة نفر: عقبة بن عامر الجهني، وعمرو بن الحرث الخولاني وشريك بن سلمة المرادي فحملوا عَلَيْهِ فقتلوه. وقد قيل: إن عقبة بْن عامر قتله وَهُوَ الَّذِي كَانَ ضربه حين أمر بِهِ عُثْمَان. «382» حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأنا كلثوم ابن جَبْرٍ: عَنْ أَبِي غَادِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقَعُ فِي عُثْمَانَ وَيَشْتُمُهُ بِالْمَدِينَةِ، فَتَوَعَّدْتُهُ بِالْقَتْلِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ جَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ فَقِيلَ: هَذَا عَمَّارٌ. فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَوَقَعَ فَقَتَلْتُهُ فَأُخْبِرَ عَمْرُو بن العاص فقال:

_ [1] وهذا مع تالي التالي رواه أيضا في ترجمة عمار من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 259 ط بيروت، وكذلك في ترجمته من مستدرك الحاكم: ج 3/ 386 مع اخبار آخر في الموضوع.

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ فِي النَّارِ.] فَقِيلَ لِعَمْرٍو: هَا أَنْتَ تُقَاتِلُهُ: قَالَ: إِنَّمَا قَالَ قَاتِلُهُ وَسَالِبُهُ. «383» وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنِي عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: كُنْتُ بِوَاسِطِ الْقَصَبِ عِنْدَ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ، فَقَالَ الآذِنُ: أَبُو الْغَادِيَةِ بِالْبَابِ. فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ رَجُلٌ ضرب من الرجال كأنه ليس من هذه الأُمَّةِ، فَلَمَّا قَعَدَ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: بِيَمِينِكَ هَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم (و) قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِينَا حنانا [1] فبينا أنا في مسجد قباء إذا هو يقول: إن نعثل هَذَا [2] فَعَلَ وَفَعَلَ. فَقُلْتُ: لَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا لَوَطِئْتُهُ حَتَّى أَقْتُلَهُ وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ تُمَكِّنَنِي مِنْ عَمَّارٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ أَقْبَلَ فِي أَوَّلِ الْكَتِيبَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ طَعَنَهُ رَجُلٌ فِي رُكْبَتِهِ بِالرُّمْحِ فَعَثَرَ فَانْكَشَفَ الْمِغْفَرُ عَنْهُ فَضَرَبْتُهُ فَإِذَا رَأْسُ عَمَّارٍ بِالأَرْضِ أَوْ كَمَا قَالَ. فَلَمْ أَرَ رَجُلا أَبْيَنَ ضَلالَةٍ مِنْ أَبِي غَادِيَةَ إِنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَمَّارٍ مَا سَمِعَ ثُمَّ قَتَلَهُ قَالَ: وَدَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِهِ فِي كُوزِ زُجَاجٍ فَلَمْ يَشْرَبْهُ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي خَزَفٍ فشربه

_ [1] كذا في النسخة، ومثله في ترجمة عمار، من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 260 ط بيروت: ورواه في الحديث الأخير من باب فضائله (ره) من مجمع الزوائد: ج 9/ 298 عن الطبراني بسندين وعن عبد الله باختصار، وفيه: «كنا نعد عمارا من خيارنا» إلخ. ثم قال صاحب الزوائد ورجال أحد أسنادي الطبراني رجال الصحيح، وقد تقدم في كتاب الفتن (الجزء السابع) أحاديث، أقول ومثل ما في مجمع الزوائد رواه في ترجمة عمار من مستدرك الحاكم: ج 3 ص 386. [2] هذا هو الصواب وأريد منه عثمان كانوا يشبهونه برجل يهودي كان مثله طويل اللحية. وفي النسخة: إن نعت هذا» وهو مصحف.

فَقَالَ رَجُلٌ بِالنَّبَطِيَّةِ: تَوَرَّعَ عَنِ الشُّرْبِ فِي الزُّجَاجِ وَلَمْ يَتَوَرَّعْ عَنْ قَتْلِ عَمَّارٍ [1] . «384» وَحَدَّثَنِي وهب بن بقية وشريح [2] بْنُ يُونُسَ وَأَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ بِصِفِّينَ وَعِنْدَهُ شاعر ينشده هجاءا في معاوية وعمرو، وعمار يَقُولُ لَهُ: أَلْصِقْ بِالْعَجُوزَيْنِ [3] فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَيُقَالُ الشِّعْرُ عِنْدَكمْ وَيُسَبُّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ويسبّ أصحاب بدر [4] فقال (له عمار) : إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ وَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرًا قَعَدَا بِسَبِيلِ اللَّهِ يَصُدَّانِ عَنْهُ [5] فالله سابّهما وكل مسلم، إنه لَمَّا هَجَانَا الْمُشْرِكُونَ شَكَوْنَا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [قُولُوا لَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ لَكُمْ فَإِنْ كُنَّا لَنُعَلِّمُهُ الإماء بالمدينة [6]] .

_ [1] وللذيل مصادر كثيرة. [2] رسم الخط غير واضح ويحتمل أيضا: سريح» - بالسين المهملة- أو «مزرع» . ورواها أيضا في الحديث: (401) من ترجمة رسول الله من المجلد الأول ص 169، المطبوع وقال: حدثنا احمد بن إبراهيم الدرقي ووهب بن بقية الواسطي قالا: حدثنا يزيد بن هارون إلخ. [3] كذا في النسخة. [4] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «واسم اصحاب رسول الله ويسم أصحاب بدر» . وفي الحديث (401) من ج 1/ 169: أَيُقَالُ عِنْدَكُمُ الشِّعْرُ وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأهل بدر؟» ... [5] كذا. [6] وفي النسخة: «فإن كنا لنعمله الإماء بالمدينة» ، وفي الحديث: (545) من شواهد التنزيل الورق 94 ب/ وج 1 ص 392 شاهد لما هنا.

«385» حدثنا عمرو بن محمد، وإسحاق الهروي (كذا) / 377/ قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عن عبد الرحمان بن زياد، عن عبد الله ابن الحرث قَالَ: إِنِّي لأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ صِفِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَةِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لِعَمَّارٍ: [وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ] فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَلا تَسْمَعُ مَا يقول هذا؟ فقال معاوية: ما تزال تأتينا بِهَنَّةٍ تَدْحَضُ بِهَا فِي بَوْلِكَ [1] أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ إنما قتله الذين جاؤا بِهِ!!! يَعْنِي عَلِيًّا وَأَهْلَ الْعِرَاقِ. «386» حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ النَّضْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَوْمَ صِفِّينَ شَيْخًا آدَمَ فِي يَدِهِ الْحَرْبَةُ وَإِنَّهَا لَتُرْعَدُ فَقَالَ- وَرَأَى مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَايَةً- لَقَدْ قَاتَلَتْ هَذِهِ الرَّايَةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَاللَّهِ لَوْ ضربونا حتى تبلغوا بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَلِمْتُ أَنَا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الضَّلالِ. «387» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَنْبَأَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أُصِيبَ فيه عمار، إذا رَجُلٌ جَسِيمٌ عَلَى فَرَسٍ ضَخْمٍ يُنَادِي يَا عِبَادَ اللَّهِ رَوِّحُوا إِلَى الْجَنَّةِ- بِصَوْتٍ مُوجِعٍ- الجنة تحت ضلال السيوف والأسل. وإذا هو عمار (قال:) فلم يلبث أن قتل.

_ [1] هذا هو الصواب الموافق لما ذكره ابن سعد في ترجمة عمار، من الطبقات: ج 3 ص 260 وفي النسخة: «ما يزال يأتينا بهنة تدحض بها في قولك» . وقال في مادة «دحض» من النهاية في حديث معاوية (انة) قال لابن عمرو «لا تَزَالُ تَأْتِيَنَا بِهَنَّةٍ تَدْحَضُ بِهَا فِي بَوْلِكَ» اي تزلق ويروى بالصاد، أي تبحث فيها برجلك. ومثله في لسان العرب.

«388» وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ الْقِتَالُ الشَّدِيدُ بِصِفِّينَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ آخِرُهُنَّ لَيْلَةُ الْهَرِيرِ، شُبِّهَتْ بِلَيْلَةِ الْقَادِسِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ عَمَّارٌ لِهَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ الْمِرْقَالُ- وَمَعَهُ اللِّوَاءُ- احْمِلْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي. فَقَالَ هَاشِمٌ: يا (أ) با الْيَقْظَانِ إِنَّكَ رَجُلٌ تَسْتَخِفُّكَ الْحَرْبُ، وَإِنِّي إِنْ خَفَفْتُ لَمْ آمَنِ الْهَلَكَةَ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى حَمَلَ فَنَهَضَ عَمَّارٌ فِي كَتِيبَةٍ وَنَهَضَ إِلَيْهِ ابْنُ ذِي الْكِلاعِ فَاقْتَتَلُوا وَحَمَلَ عَلَى عَمَّارٍ حُوَيُّ بْنُ مَاتِعِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ بَيْحَصٍ السَّكْسَكِيُّ وَأَبُو الْغَادِيَةِ الْمُرِّيُّ فَقَتَلاهُ وَقُتِلَ هَاشِمٌ. «389» فَحَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى عَمَّارِ بْنِ ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عمار (أ) مِمَّا يَلِيهِ، وَهَاشِمًا أَمَامَهُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِمَا تَكْبِيرًا واحدا [1] (و) قالوا: ذوا الكلاع الأكبر (هو) يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْحِمْيَرِيُّ مِنْ وُحَاظَةَ بْنِ سَعْدٍ، تَكَلَّعَتْ عَلَيْهِ قَبَائِلُ مِنْ حِمْيَرَ- أَيْ تجمعت- والذي كان مع معاوية سميقع بن باكور وقد تكلع على سميقع وناكور جميعا (كذا) وناكور ابن عمرو بن يعفو (كذا) من يَزِيدَ بْنِ النُّعْمَانِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَرِيرَ بْنِ عَبْدِ الله إلى سميقع هَذَا. وَيُقَالُ: إِلَى نَاكُورٍ فَأَعْتَقَ أَرْبَعَةَ آلافٍ كانوا قنّا له، وقتل شرحبيل بن سميقع ذي الْكِلاعِ يَوْمَ الْخَازرِ فِي أَيَّامِ الْمُخْتَارِ. «390» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمِ بْنَ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ: عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ يَوْمَ صفين: ائتوني بشربة من لبن

_ [1] كذا.

فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: [إِنَّ آخِرَ شَرْبَةٍ تَشْرَبُهَا شَرْبَةُ لَبَنٍ.] فَشَرِبَهَا وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. «391» وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ بعض أصحابنا يقول: حضر أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ صِفِّينَ، فَلَمَّا رَأَى عَمَّارًا قَدْ قُتِلَ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَدَفَنَهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ الْهَيْثَمُ بن مالك وهو التيهان (كذا) سَنَةَ عِشْرِينَ وَهُوَ مِنْ بَلِيٍّ حَلِيفٌ [1] . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ مِنَ الأَوْسِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيٍّ. قَالُوا: وَكَانَ هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص يقاتل يوم صفين وهو يقول: أعور/ 378/ يبغي آهلا محلا ... قد أكثر القول وما أقلا لا بد أن يفل أَوْ يفلا [2] ... قد عالج الحياة حَتَّى ملا أشلهم بذي الكعوب شلا [3]

_ [1] كذا في النسخة وقال ابن سعد في ترجمته من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 447 ط بيروت: أبو الهيثم بن التيهان اسمه: مالك بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة حليف لبني عبد الأشهل أجمع على ذلك موسى بن عقبة وَمُحَمَّد بن إسحاق وابو معشر ومحمد بن عمر، وخالفهم عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري وذكر ان أبا الهيثم من الأوس من انفسهم ... [2] الفل: العزيمة: [3] أشلهم: اطردهم، وذي الكعوب: الرمح وفي رواية الطبري: ج 6/ 24: يتلهم بذى الكعوب تلا يقال: تله يتله تلا- من باب «مد يمد» -: صرعه، فهو متلول وتليل. ثم إن الأبيات ذكرها أيضا في مروج الذهب: ج 2 ص 382 وفي موضعين من كتاب صفين فذكرها باختصار في ص 355، وبصورة مطولة في ص 327 هكذا: قد اكثرا (أكثروا «خ» ) لؤمي وما اقلا ... اني شريت النفس لن اعتلا اعور يبغي نفسه محلا ... لا بد أن يفل أَوْ يفلا قد عالج الحياة حتى ملا ... اشدهم (كذا) بذي الكعوب شلا قال نصر: (وعن) عمرو بن شمر: أشلهم بذي الكعوب شلا ... مع ابن عم احمد المعلى فيه الرسول بالهدى استهلا ... أول من صدقه وصلى فجاهد الكفار حتى ابلى

فحمل عليه الحرث بْن المنذر التنوخي فقتله فَقَالَ الحجاج بْن غزية الأَنْصَارِيّ: فَإِن تفخروا بابني بديل وهاشم [1] ... فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا يعني حوشب بْن القباعي الألهاني من ولد الهان أخي همدان. وابنا بديل عَبْد اللَّهِ أَبُو علقمة. وعبد الرحمان أَبُو عمرة [2] . وطعن بسر بْن أَبِي أرطاة [3] القرشي قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيّ فما شواه (كذا) . وبعض الرواة يزعم أن أويسا القرني العابد قتل مَعَ علي بصفين [4] . ويقال: بل مات بسبحستان.

_ [1] وفي النسخة: «ان تفخروا يا بني بديل» . [2] هذا- يعنى قوله: «وابنا بديل» إلى آخره- كان مؤخرا عن الجملة التالية والصواب تقديمه. [3] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «بسر بن أبي ارطأة» . ثم ان هذا كان مقدما، والظاهر انه سهو من الكاتب. [4] وهذا هو الشائع المعروف بين العلماء، لم يتردد فيه إلا بعض النواصب، وقد ذكر الكثيرون من منصفي أهل السنة استشهاد أويس بصفين، وذكره ابن عساكر بطرق في ترجمة أويس من تاريخ دمشق: ج 6 ص 69، وفي ترجمة زيد بن صوحان: ج 19، ص 131، وفي تهذيبه: ج 6 ص 14، قال في مجمع الزوائد: ج 10/ 22 وعن ابن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل (الشام) يوم صفين أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم. قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد (بن حنبل) واسناده جيد. وقال ابن مسكويه في الحكمة الخالدة ص 134: وذكر ابن أبي ليلى الفقيه أن أويسا وجد في قتلى رجالة علي بن أبي طالب يوم صفين. وقال الحاكم في ترجمة أويس من المستدرك: ج 3 ص 402: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب قال: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم صفين. وبالسند المتقدم عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن عباس بن الدوري، حدثنا أبو نعيم، حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: ولما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول: خير التابعين أويس القرني. واخبرني احمد بن كامل القاضي ببغداد، حدثنا عبد الله بن روح المدائني، حدثنا عبيد الله ابن محمد العبسي، حدثني إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي العنزي عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال: شهدت عليا رضى الله عنه يوم صفين وهو يقول: من يبايعني على الموت؟ - أو قال: على القتال؟ - فبايعه تسع وتسعون قال: فقال: اين التمام؟ اين الذي وعدت به؟ قال: فجاء رجل عليه اطمار صوف محلوق الراس فبايعه على الموت والقتل (كذا) قال: فقيل: هذا اويس القرني. فما زال يحارب بين يديه حتى قتل رضي الله عنه. وقال في تاريخ الخميس: ج 2 ص 277: وقتل مع علي خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين واويس القرني زاهد التابعين. وقال في المختصر الجامع: قتل من اهل العراق خمسة وعشرون ألفا، منهم عمار بن ياسر، واويس القرني وخمسة وعشرون بدريا. وقال ابن عساكر- قبل ختام ترجمة اويس بحديث-: أنبأنا ابو الغنائم محمد بن علية (كذا) بن الحسن الحسيني، حدثنا القاضي محمد بن عبد الله الجعفي، حدثنا الحسين بن محمد ابن الفرزدق، أنبأنا الحسن بن علي بن بزيع، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن أذينة البصري، عن ابان بن أبي عباش: عن سليمان (كذا) بن قيس العامري: قال رأيت اويسا القرني بصفين صريعا بين عمار، وخزيمة ابن ثابت. وتقدم في تعليق الحديث: (347) ص 286 عن ترجمة زيد بن صوحان من تاريخ دمشق: ج 19/ 130/ وفي تهذيبه: ج 6 ص 14، بسند آخران اويس القرني قتل في الرجالة يوم صفين.

قَالُوا: وَكَانَ علي عَلَيْهِ السلام بصفين فِي خمسين ألفا. ويقال: (بل) فِي مائة ألف. وَكَانَ مُعَاوِيَة رحمه اللَّه!!! فِي سبعين ألفا. ويقال: فِي مائة ألف فقتل من أَهْل الشَّامِ خمسة وأربعون ألفا، ومن أهل الْعِرَاق خمسة وعشرون ألفا، والله أعلم. قَالُوا: وطعن سعيد بْن قَيْس الهمداني ابن الحضرمي [1] فقتله فقال علي: [(و) لو كنت بوّابا على باع جنة ... لقلت همدان ادخلوا بسلام ] ويقال: إن عون بْن جعفر بْن أَبِي طالب وأخاه محمدًا قتلا مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طالب بصفين. ويقال: إنهما قتلا مَعَ الْحُسَيْن عليهم السلام. وبعض البصريين يزعم أنهما قتلا بتستر من الأهواز حين فتحت.

_ [1] كذا في النسخة، وإن صح هذا فلا بد ان يكون غير الذى احرقه جارية بن قدمة بالبصرة.

وَكَانَ عَمْرو بْن العاص يقاتل بصفين وَهُوَ يقول: الموت يغشاه من القوم الأنف ... يوم لهمدان ويوم للصدف وفي سدوس نحوه ما ينخرف (كذا) ... نضربها بالسيف حتى ينصرف ولتميم مثلها أو يعترف قَالُوا: ولما كَانَ صبيحة ليلة الهرير- وهي ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين- اقتتلوا إِلَى ارتفاع الضحى ثُمَّ إن عَمْرو بْن العاص أشار برفع المصاحف حين خاف أن ينقلع أَهْل الشَّامِ ورأى صبر أهل الْعِرَاق وظهورهم، فرفعوها بالرماح ونادوا: هذا كتاب اللَّه بيننا وبينكم!!! من لثغور الشَّام بعد أَهْل الشَّامِ؟ ومن لثغور الْعِرَاق بعد أهل الْعِرَاق؟ فَقَالَ علي: [والله مَا هم بأصحاب قرآن ولكنهم جعلوها مكيدة وخدعة، بلغهم مَا فعلت من رفع المصحف لأهل الجمل ففعلوا مثله، ولم يريدوا مَا أردت فلا تنظروا إلى فعلهم [1] وامضوا على تقيتكم (كذا) ونياتكم] . فمال كثير من أصحاب علي إِلَى مَا دعوا إِلَيْهِ وحرموا القتال واختلفوا وبعث علي [2] الأشعث بْن قَيْس الكندي إِلَى مُعَاوِيَةَ يسأله عن سبب رفعهم

_ [1] هاتان الجملتان: «بلغهم ما فعلت من رفع المصاحف- إلى قوله: - ولم يريدوا ما أردت» لم أجدهما في غيره ممن كتب وقعة صفين. [2] بل الصواب: انهم لما أبوا من قبول قول أمير المؤمنين من إدامة القتال وأبى القراء والأشعث منه، استأذنه الأشعث في الذهاب إلى معاوية، فقال: إذهب إن شئت. كما في مروج الذهب: ج 2 ص 391 وكتاب صفين ص 499، وتاريخ الطبري: ج 4 ص 34، وفي ط ج 5 ص 51، فارجع إلى الكتب المذكورة فإن البلاذري هنا قد أخل في ذكر القضية اخلالا فاحشا.

المصاحف فَقَالَ: رفعناها لتبعثوا رجلا ونبعث رجلا فيكونا حكمين، فما اتفقا عَلَيْهِ عملنا بِهِ. «392» حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صالح العجلي، قَالَ: حدثت عَن الأعمش عَن شقيق بْن سلمة أَبِي وائل أنه سئل: أشهدت صفين؟ قَالَ: نعم وبئست الصفوف (كانت) أشرعنا الرماح فِي صدورهم وأشرعوها فِي صدورنا حَتَّى لو مشت الرجال عَلَيْهَا مَا اندقت أَوْ كما قَالَ. «393» المدائني عَن شعبة، عَن أبي الأعور [1] ، عن أبي الضحى (مسلم ابن صبيح) عَن سُلَيْمَان، عَن الحسن بْن علي قَالَ: لقد رأيت أَبِي حين اشتد القتال يقول: [يَا حسن وددت أني مت قبل هَذَا بعشرين سنة] .

_ [1] كذا في النسخة، والظاهر انه مصحف أو ان فيها حذفا، والصواب: «عن أبي عون الأعور» كما تقدم تحت الرقم: (354) وتاليه ص 273. والحديث باطل ولعله من مفتريات أبي عون الأعور الشامي وكيف يتمني أمير المؤمنين الموت وقد امتثل ما أمره الله ورسوله من قتال الناكثين والقاسطين كإخوانهما المارقين؟! وهل يعقل أن يكون هذا الكلام من أمير المؤمنين؟ وهو القائل في مقام الافتحار والمباهات: أنا فقأت عين الفتنة ولو لم أك فيكم ما قوتل الناكثون والقاسطون ولمارقون؟! سبحان الله هل يمكن أن أمير المؤمنين يظهر الضجر والندم والأسف من قتال الفئة الباغية والذين ركنوا إلي الدنيا، وأضلوا كثيرا من عباد الله، وأضلوا عن سواء السبيل؟! يا للعجب أمير المؤمنين يتمني أن يموت كراهة أن يبتلي بمقاتلة باعة الخمر وشاربيها والمتهالكين في شهوات الدنيا واللاحقين العهر بالنسب وقاتلى الأبرار بالظنة وقول الزور؟!

مقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب بصفين

مقتل عبيد اللَّه بْن عمر بْن الخطاب بصفين «394» قَالَ أَبُو مخنف وغيره: قاتل عبيد اللَّه بْن عمر بصفين حَتَّى حمي القتال، وذلك في آخر أيامهم فقتله هانئ بْن الخطاب، ويقال: مجرز بْن الصحصح من بني/ 379/ تيم اللَّه بْن ثعلبة. ويقال حريث بْن جابر الحنفي، وأخذ سيفه ذو الوشاح- وَكَانَ سيف عمر بْن الخطاب- فلما ولي مُعَاوِيَة أخذ السيف من قاتله ورده عَلَى آل عمر. «395» حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ فِي صِفِّينَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ عَبَّأَ رَبِيعَةَ لِلْيَمَنِ [1] وَكَانَتْ رَبِيعَةُ قَوْمًا أَدْرَكَهُمُ الإِسْلامُ وَهُمْ أَهْلُ حُرُوبٍ، فَكَانُوا يُصَفُّونَ صَفَّيْنِ فَيُقَاتِلُ صَفٌّ وَيَقِفُ صَفٌّ، فَإِذَا مَلُّوا الْقِتَالَ وَقَفَ هَؤُلاءِ وَقَاتَلَ هَؤُلاءِ، وَكَانَتِ الْيَمَنُ تَحْمِلُ بِأَجْمَعِهَا فَأُفْنِيَتِ الْيَمَنُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لأَصْحَابِهِ: مَنْ لِرَبِيعَةَ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ الله بن عمر بن الخطاب: أنالهم إن

_ [1] أي لليمانيين من أصحاب معاوية.

أَعْطَيْتَنِي مَا أَسْأَلُكَ. قَالَ: سَلْ. قَالَ: الْغَمَامَةُ تَصْرِفُهَا مَعِي- وَهِيَ كَتِيبَةُ مُعَاوِيَةَ كَانَ يُقَالُ لَهَا: الْغَمَامَةُ وَالْخَضْرَاءُ وَالشَّهْبَاءُ- فَقَالَ (مُعَاوِيَةُ لِلْغَمَامَةِ) : انْصَرِفُوا مَعَهُ. فَمَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى فُسْطَاطِهِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ بَحْرِيَّةُ بِنْتُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ الشَّيْبَانِيِّ فَدَعَا بِدِرْعٍ فَظَاهَرَهَا عَلَى دِرْعِهِ، قَالَتْ: ما هذا يا ابن عُمَرَ؟ قَالَ: عَبَّأَنِي مُعَاوِيَةُ لِقَوْمِكَ فِي الْغَمَامَةِ فَمَا ظَنُّكِ؟ قَالَتْ: ظَنِّي أَنَّهُمْ سَيَدْعُونِي أَيِّمًا مِنْكَ. فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ قُتِلَ. فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ وَتَرَاجَعَ النَّاسُ أَقْبَلَتْ بَحَرِيَّةُ عَلَى بَغْلٍ لَهَا وَعَلَيْهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ وَمَعَهَا غِلْمَةٌ لَهَا حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى رَبِيعَةَ فَسَلَّمَتْ ثُمَّ قَالَتْ: يَا مَعْشَرَ رَبِيعَةَ لا يُخْزِي اللَّهُ هَذِهِ الوجوه، فو الله مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَخْزَى. قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَتْ: أَنَا بَحْرِيَّةُ. قَالُوا: بِنْتُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا وَأَهْلا بِسَيِّدَةِ نِسَائِنَا وَابْنَةِ سَيِّدِنَا مَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: جِيفَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالُوا: قَدْ أَذِنَّا لَكِ فِيهَا وَأَشَارُوا إِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي صُرِعَ فِيهَا، وَكَانَتِ الرِّيحُ هَاجَتْ عَلَيْهِمْ عِنْدَ زوال الشمس فقلعت أوتاد أبنيتهم فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ قَدْ أَوْثَقَ طُنُبًا مِنْ أَطْنَابِ خِبَائِهِ بِرِجْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِذَا هُوَ مَسْلُوبٌ فَلَمَّا رَأَتْهُ رَمَتْ بِخَمِيصَتِهَا عَلَيْهِ، وَأَمَرَتْ غِلْمَانَهَا فَحَفَرُوا لَهُ ثُمَّ أَجْنَتْهُ وَانْصَرَفَتْ وَأَنْشَدَتْ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ جُعَيْلٍ فِيهِ: أَلا إِنَّمَا تَبْكِي الْعُيُونُ لِفَارِسٍ ... بِصِفِّينَ أَجْلَتْ خَيْلُهُ وَهُوَ وَاقِفُ تَرَكْنَ عُبَيْدَ اللَّهِ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... تَمُجُّ دَمًا مِنْهُ الْعُرُوقُ النَّوَازِفُ قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: لَمَّا قُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِصِفِّينَ كَلَّمَ نِسَاؤُهُ مُعَاوِيَةَ فِي جُثَّتِهِ فأمر فبذلت لربيعة فيها عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَاسْتَأْمَرُوا عَلِيًّا [1] فَقَالَ: [لا وَلَكِنْ هَبُوهَا لابْنَةِ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ.] فَفَعَلُوا.

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «عليها» .

«396» وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَمْرُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُمَا، دعا أهل التسليم إِلَى الْقِتَالِ عَلَى الشُّورَى وَالطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فبايعوه أميرا غير خليفة، وخرج علي (كذا) . فَاقْتَتَلُوا بِصِفِّينَ قِتَالا لَمْ يَكُنْ فِي الإِسْلامِ مِثْلُهُ قَطُّ، فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عُبَيْدُ الله ابن عُمَرَ، وَذُو الْكِلاعِ وَحَوْشَبٌ وَحَابِسُ بْنُ سَعْدٍ الطَّائِيُّ. وَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَمَّارٌ، وَهَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ، وَابْنَا بديل الخزاعي وخزيمة ابن ثَابِتٍ وَابْنُ التَّيِّهَانِ. فَلَمَّا خَافَ أَهْلُ الشَّامِ ظُهُورَ الْقَوْمِ عَلَيْهِمْ قَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: - وَهُوَ عَلَى الْقِتَالِ-: هَلْ أَنْتَ مُطِيعٌ فِي أَمْرٍ أُشِيرُ بِهِ؟ مُرْ رَجُلًا فَلْيَنْشُرِ الْمُصْحَفَ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، نَدْعُوكُمْ إِلَى مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ وَخَاتِمَتِهِ، فَإِنَّكَ/ 380/ إِنْ تَفْعَلْ ذَلِكَ يَخْتَلِفُوا، وَلا يَزْدَدْ أهل الشام إلا اجتماعا وطاعة. فأمر (معاوية) رَجُلا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ لُهَيَةَ فَنَادَى بِذَلِكَ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَرِهَتِ الْقِتَالَ: أَجَبْنَا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَلَسْنَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وبيعتنا وطلب الحق (كذا) فإن كانت ها هنا شُبْهَةٌ أَوْ شَكٌّ فَلِمَ قَاتَلْنَا؟!!! فَوَقَعَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ مَا فِيهِ أَصْحَابُهُ وَمَا عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الْخِلافِ وَالتَّنَازُعِ، وَرَأَى وَهَنَهُمْ وَكَرَاهَةَ مَنْ كَرِهَ مِنْهُمُ الْقِتَالَ، قَارَبَ مُعَاوِيَةَ فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ [1] فَقَالَ: [قبلنا كتاب الله، فمن بيننا وبينكم كتاب الله (كذا) ] فَقَالَ مُعَاوِيَةُ تَخْتَارُونَ مِنْكُمْ رَجُلا وَنَخْتَارُ مِنَّا رَجُلا. فَاخْتَارَ أَهْلُ الشَّامِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، واختار

_ [1] لكن بعد خطب ومحاورة كثيرة أظهر فيها عدم الرضا إلى وقوف الحرب، وان صنيعهم هذا هو الخديعة والمكر فلا تجيبوهم. كما تقدمت الإشارة إليه وذكره تفصيلا في مروج الذهب وتاريخ الطبري وغيرهما.

أَهْلُ الْعِرَاقِ أَبَا مُوسَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ الأَشْعَرِيَّ [1] ، وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا أَنْ يَحْكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ. «397» وَحَدَّثَنِي أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جَرِيرٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: عن عتبة (ظ) قَالَ: تَنَازَلْنَا بِصِفِّينَ فَاقْتَتَلْنَا بِهَا أَيَّامًا فَكَثُرَتِ الْقَتْلَى بَيْنَنَا وَعُقِرَتِ الْخَيْلُ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى عمرو (كذا) إِنَّ الْقَتْلَى قَدْ كَثُرُوا، فَأَمْسِكْ حَتَّى يَدْفِنَ الجميع قتلاهم. فأجابهم فَاخْتَلَطَ بَعْضُ الْقَوْمِ بِبَعْضٍ حَتَّى كَانُوا هَكَذَا: - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ- وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ يَشُدُّ فَيُقْتَلُ فِي عَسْكَرِهِ [2] فَيُسْتَخْرَجُ مِنْهُ، وَكَانَ عَمْرٌو يَجْلِسُ بِبَابِ خَنْدَقِهِ فَلا يَخْفَى عَلَيْهِ قَتِيلٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَمَرَّ عَلَيْهِ بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ قَدْ قُتِلَ فِي عَسْكَرِ مُعَاوِيَةَ فَبَكَى عَمْرٌو [3] وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ مُجْتَهِدًا، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ أَخْشَنَ فِي أَمْرِ اللَّهِ قَدْ قُتِلَ يَرَى عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ أَنَّهُمَا بَرِيئَانِ من دمه.

_ [1] هذا أيضا لم يكن برضا أمير المؤمنين عليه السلام وجرى بينه وبين الأشعث ومن على رأيه من قومة ومن القراء الذين صاروا خوارج بعد كلام كثير أظهر فيه التبرم والضجر إلى أن قال لهم: أبيتم إلا أبا موسى؟ قالوا: نعم. قال: فاصنعوا ما شئتم!!! فراجع كلماته عليه السلام في ذلك أو تاريخ الطبري أو مروج الذهب أو ما يأتي هنا تحت الرقم: (404) ص 393 من الأصل. [2] أي في عسكر الشام او معاوية. [3] عجبا لهؤلاء المساكين كيف حسن ظنهم بابن الأبتر عدو محمد وآله في الجاهلية والاسلام الذي اشرب في قلبه حب الشهوات فكان دائرا معها أينما دارت وكان لسلب الحياء والمروءة عنه يصرح بما في خلده غير مبال بما يترتب عليه!!! سبحان الله ابن العاص يبكي من قتل المجتهدين والذين كانوا في امر الله اخشن؟ وا عجبا ابن النابغة يتبرم من ان عليا ومعاوية يريان انهما بريئان من دماء قتلى صفين، اليس له القدح المعلى في إراقة تلك الدماء؟ وإن تعمقت النظر فيما مر تحت الرقم: (363) ص 385 وتواليهما- وهو من ضروريات فن التاريخ قد اكتنفته الشواهد الغير محصورة- لحكمت حكما باتا بأنه لولا ابن العاص وحيله لم يتم لمعاوية امر ولما قامت لملك آل امية دعامة، وانه ومعاوية كفرسي رهان في الاشراك في دماء قتلى صفين وما يترتب على اراقة تلك الدماء إلى يوم القيامة، لما ثبت عن النبي صلّى الله عليه واله وسلم من انه: من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير ان ينقص من اوزارهم شيئا. وإن اردت ان تطلع على قليل من مخازي ابن العاص التي سجلته أقلام شيعته ومن يهوى هواه فانظر إلى ما رواه عنهم العلامة الأميني (ره) في الغدير: ج 2 ص 114- 176، ويكفيك قوله في القصيدة الجلجلية: ولما عصيت امام الهدي ... وفي جيشه كل مستفحل أبا لبقر البكم اهل الشآم ... لأهل التقى والحجى ابتلي فقلت: نعم قم فإني ارى ... قتال المفضل بالأفضل فبي حاربوا سيد الأوصياء ... بقولي دم طل من نعثل وكدت لهم ان أقاموا الرماح ... عليها المصاحف في القسطل وعلمتهم كشف سوآتهم ... لرد الغضنفر المقبل فقام البغاة على حيدر ... وكفوا عن المشعل المصطلي نسيت محاورة الأشعري ... ونحن على دومة الجندل الين فيطمع في جانبي ... وسمهي قد خاص في المقتل خلعت الخلافة من حيدر ... كخلع النعال من الأرجل وألبستها فيك بعد الأياس ... كلبس الخواتيم بالأنمل ورقيتك المنبر المشمخر ... بلا حد سيف ولا منصل ... فلولا موازرتي لم تطع ... ولولا وجودي لم تقبل ولولاي كنت كمثل النساء ... تعاف الخروج من المنزل نصرناك من جهلنا يا ابن هند ... على النبإ الأعظم الأفضل وحيث رفعناك فوق الرؤس ... نزلنا الى اسفل الأسفل وكم قد سمعنا من المصطفى ... وصايا مخصصة في علي وفي يوم خم رقى منبرا ... يبلغ والركب لم يرحل وإنا وما كان من فعلنا ... لفي النار في الدرك الأسفل وما دم عثمان منج لنا ... من الله في الموقف المخجل ...

«398» وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن بُكَيْر، عَنِ الهيثم بْن عَدِيٍّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَيَّاشٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: أَتَذْكُرُ إِذْ غَشِيَكَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ فَاتَّقَيْتَهُ بِسَوْءَتِكَ!!! فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْمَوْتَ مُقْبِلا إِلَيَّ مَعَهُ فَاتَّقَيْتُهُ كَمَا رَأَيْتُ، وَكَانَ وَرِعًا فَصَرَفَهُ عَنِّي حَيَاؤُهُ وَلَكِنِّي أَذْكُرُكَ حِينَ دَعَاكَ لِلْمُبَارَزَةِ فَقَلَّصْتَ شَفَتَكَ وَرَعَدَتْ فَرَائِصُكَ وَامْتَقَعَ لَوْنُكَ. «399» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ لَمَّا رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ يَوْمَ صِفِّينَ فَرَكِنَ إِلَى ذَلِكَ مَنْ رَكِنَ، كَانَ الأَشْتَرُ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ، حَتَّى بَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ يَعْزِمُ عَلَيْهِ لَيَنْصَرِفَنَّ. فَقَالَ: أَحِينَ طَمِعْتُ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ أَنْصَرِفُ؟ فَقَالَ الَّذِينَ أَحَبُّوا الْمُوَادَعَةَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ تَأْمُرُهُ بِالْحَرْبِ!!! فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِعَزِيمَةٍ مُؤَكَّدَةٍ فَكَفَّ وَقَالَ: خُدِعْتُمْ وَاللَّهِ [1] . «400» حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْن حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي يَعْقُوبَ يُحَدِّثُ أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ لِعَلِيٍّ- حِينَ أَرَادَ أَنْ يُحَكِّمَ أَبَا مُوسَى-: إِنَّكَ تبعث رجلا من أهل القرى رقيق الشفرة، قَرِيبَ الْقَعْرِ، فَابْعَثْنِي مَكَانَهُ آخُذُ لَكَ بِالْوَثِيقَةِ وَأَضَعُكَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ بِحَيْثُ أَنْتَ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: دَعْنَا يَا أَحْنَفُ فَإِنَّا أعلم بأمرنا منك [2] .

_ [1] هذا اجمال القصة، وتفصيلها في تاريخ الطبري وكتاب صفين وشرح نهج البلاغة. [2] كذا في النسخة، ولم أجد جواب ابن عباس هذا في غير الكتاب، ومما يبعدان يجيب ابن عباس احنفا بهذا الجواب انه كان حاضرا وراى الحاح الأشعث والقراء على خلاف امير المؤمنين والاخيار من اصحابه، فهذا ليس جوابا لسؤاله، وجوابه ان امير المؤمنين مقهور في هذا الأمر، لا يقبلون منه غيره.

«401» حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: حَدَّثَنَا وهب بن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: سَارَ عَلِيٌّ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى نَزَلا بِصِفِّينَ، وَخَلَّفَ عَلِيٌّ عَلَى الْكُوفَةِ أَبَا مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ، فَمَكَثُوا بِصِفِّينَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ وعبد الرحمان ابْنَيْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ دَخَلا عَلَى عَلِيٍّ فَقَالا: حَتَّى مَتَى لا تُقَاتِلُ الْقَوْمَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لا تَعْجَلا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ: مَا تَنْتَظِرُ بِهِمْ وَمَعَكَ أَهْلُ الْبَصَائِرِ وَالْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: اهْدَأْ أَبَا عَلْقَمَةَ. قَالَ: إِنِّي أَرَى أَنْ تُقَاتِلَ الْقَوْمَ وَتَتْرُكَنَا نُبَيِّتُهُمْ. فَقَالَ: [يا (أ) با علقمة لا تبيّت القوم ولا تدفّف عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلا تَطْلُبْ هَارِبَهُمْ [1]] . ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اقْتَتَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ فَحَرَّضَ مُعَاوِيَةُ أَصْحَابَهُ وَهُوَ يَقُولُ: فِدًى لَكُمْ أَبِي وَأُمِّي شُدُّوا فَإِنَّ عَلِيًّا يَزْعُمُ أَنَّهُ لا حَقَّ لكم في/ 381/ هذا الْفَيْءِ وَمُعَاوِيَةُ يَتَمَثَّلُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ الأَطْنَابَةِ: وَقُولِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ ... مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحِي وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَمَامَهُ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْزَمْ ظَهْرِي، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ عَمْرٌو لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ ثُمَّ لَتَلْتَزِمَنَّهَا أَبَدًا، فَكَثُرَتِ الْقَتْلَى وَطَفِقَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ لِعَمْرٍو: الأَرْضَ الأَرْضَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُ الْقَوْمِ. قَالَ وَقَالَ: عياض بْن خليفة: خرجت أطوف في القتلى فإذا رجل معه

_ [1] هذه المحاورة بينه عليه السلام وبين عبد الله بن بديل لم ارها في غير الكتاب مما عثرت عليه من كتب التاريخ.

إداوة مملوءة ماء، وإذا رجل آخر مرمل بالدماء يقول: أنا عبد الرحمان بْن حنبل حليف بني جمح- وَكَانَ من أهل اليمن- اقرؤا علي أمير الْمُؤْمِنِينَ السلام وقولوا لَهُ: الغلبة لمن جعل القتلى منه بظهر أي غيبهم [1] (ثم قال:) ما سعي (أ) با عياض. قَالَ قلت: أبتغي أصحابي أخي وَابْن بديل قَالَ: هيهات قتل أولئك أمس أول النهار. فعرضت عَلَيْهِ الماء الَّذِي مَعَ الرجل فِي الإداوة، فَقَالَ: سلني عما شئت قبل أن تسقيني فإني إذا شربت مت. قَالَ: فسألته عما بدا لي ثُمَّ سقيته فما عدا أن شرب حتى مات، (قال:) وأتيت عَلِيًّا فأخبرته بما قَالَ فَقَالَ: صدق، وأذن في الناس بالخروج وأمرهم أن يجعل القتل منهم بظهر وغيب قتلاه حَتَّى لا يرى رجل منهم. ثُمَّ اقتتلوا قتالا شديدًا حَتَّى قيل: انكشف مُعَاوِيَة وأقبل ابْن لهية مَعَهُ مصحف بين أذني فرس (كذا) وأقبل ناس معهم المصاحف بين أيديهم عَلَى خيلهم فِي رماحهم قد نشروها يقولون: بيننا وبينكم مَا فِيهَا. فقام فَقَالَ [2] : قد قبلت ودعا بعضهم بعضا إِلَى أن يحكم بينهم حكمان. فزعموا أنهم دعوا إِلَى رجلين من الأنصار: عبادة بن الصامت، وشداد ابن أوس بْن ثابت، فقيل لمعاوية: أجعلت أنصاريين، والله ليحكمان عليك فَقَالَ مُعَاوِيَة عَمْرو. وَقَالَ علي أبو موسى الأشعري [3] وتراضيا بذلك، وكتب كتابا وأشهد فيه (كذا) من كل جند عشرة، وتمثل علي عَلَيْهِ السلام: [وا عجبا من أي يومي أفر ... أيوم لم يقدر أم يوم قدر ]

_ [1] كذا. [2] كذا في النسخة، وفيه سقط ظاهر. [3] قد تقدم ويأتي أيضا تحت الرقم: (404) انه عليه السلام لم يرض بأبي موسى أولا بل قال: ابن عباس، فأبى عليه الأشعث والقراء، قال: فالأشتر. فأبوا عليه حتى تضارب بعضهم بالنعال والسياط وكاد ان تقع الحرب بينهم فاضطر عليه السلام الى قبول قول الأشعث ومن يحذو حذوه من القراء دفعا للفساد النازل عليهم من اختلافهم!!! فراجع الطبري او كتاب صفين او مروج الذهب او تاريخ الكامل او ما رواه الثقات مما ورد عنه عليه السلام في الموضوع ترى الأمر جليا. وانظر أيضا ما يأتي في ذيل الرقم: (405) وتواليه، وكذا احتجاجاته عليه السلام مع الخوارج.

وَقَالَ مُعَاوِيَة رحمه اللَّه!!!: ثكلتك أمك إن تمطمط بحرهم ... زيد غواربه وبحرك ساجي «402» وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، حدثنا يزيد بن هارون، عن عمران ابن جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: عَابُوا عَلَى عَلِيٍّ تَحْكِيمَ الْحَكَمَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ: [جَعَلَ اللَّهُ فِي طَائِرٍ حَكَمَيْنِ وَلا أُحَكِّمُ أَنَا فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَكَمَيْنِ؟] . «403» وَحَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، أَنْبَأَنَا الأَعْمَشُ، أَنْبَأَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: قَالَ علي. [يا (أ) با موسى أحكم (بالقرآن) وَلَوْ فِي حَزِّ عُنُقِي] . وَقَالَ أَبُو مُوسَى الفروي (ظ) سَمِعْتُ ابْنَ نُمَيْرٍ يَقُولُ: لَوْ حَكَمُوا بِحُكْمِ الْقُرْآنِ نَظَرُوا أَيَّ الْفِئَتَيْنِ أَبْغَى. «404» وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: لَمَّا صَارَ النَّاسُ إِلَى الْحُكُومَةِ وَأَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ قَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ رَضِيتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ. وَقَالَ عَلِيٌّ قَدْ رَضِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ. فقال الأشعث: ابن عباس وأنت سواء لا ترضي الْقَوْمُ!!! قَالَ فَاخْتَارَ الأَشْتَرَ. قَالَ: إِذًا وَاللَّهِ يُعِيدُهَا جَذَعَةً وَهَلْ نَحْنُ إِلا فِي بَلِيَّةِ الأشتر!!! قال: فشداد بن الأوس. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا يَحْكُمُ فِيهَا يَثْرِبِيٌّ. فَقَالَ الأَشْعَثُ وَجَمِيعُ الْقُرَّاءِ: فَأَبُو مُوسَى فَإِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ حَرْبَنَا!!! فَقَالَ عَلِيٌّ: [إِنَّهُ قَدْ خَذَلَ النَّاسَ عَنِّي وَفَعَلَ مَا فَعَلَ؟!!] فَأَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا إِلا بِهِ. فَكَتَبَ إِلَى

ما تقاضى عليه علي ومعاوية في صفين

أَبِي مُوسَى فِي الْقُدُومِ وَكَانَ بِبَعْضِ الْبَوَادِي حَذِرًا مِنَ الْفِتْنَةِ [1] فَقَالَ (لَهُ) الرَّسُولُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اصْطَلَحُوا وَقَدْ حَكَّمُوكَ. فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ/ 382/ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ الأَشْعَثُ: لَوْ لَمْ يَأْتِكَ مَا طعن معك برمح ولا ضرب بسيف. [ما تقاضى عليه علي ومعاوية في صفين] قَالُوا: وَكَانَتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا تَقَاضَى عَلَيْهِ علي بن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان، وقاضى عَلِيٌّ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَنْ كَانَ مِنْ شيعته مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَقَاضَى مُعَاوِيَةُ عَلَى أَهْلِ الشام ومن كان من شيعتهم (كذا) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّا نَنْزِلُ عِنْدَ حُكْمِ اللَّهِ وَبَيْنَنَا كِتَابُ اللَّهِ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، نُحْيِي مَا يَحْيَى وَنُمِيتُ مَا أَمَاتَ فَمَا وَجَدَ الْحَكَمَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُمَا يَتَّبِعَانِهِ، وَمَا لَمْ يَجِدَاهُ مما اختلفنا فيه فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصًّا فَمَا لَمْ يَجِدَاهُ في كتاب الله (كذا) أَمْضَيَا فِيهِ السُّنَّةَ الْعَادِلَةَ الْحَسَنَةَ الْجَامِعَةَ غَيْرَ المفرقة. والحكمان (هما) عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص، وَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَيَحْكُمَانِ بِمَا وَجَدَا فِي كِتَابِ اللَّهِ نَصًّا، فَمَا لَمْ يَجِدَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُسَمًّى عَمِلا فِيهِ بالسنه الجامعة غير المفرقة. (و) أخذا مِنْ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَمِنَ الْجُنْدِ كِلَيْهِمَا وَمِمَّنْ تأمّر عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ عَهْدَ اللَّهِ لَيَقْبَلُنَّ مَا قَضَيَا بِهِ عَلَيْهِمَا وَأَخَذَا لأَنْفُسِهِمَا الَّذِي يَرْضَيَانِ بِهِ مِنَ الْعَهْدِ وَالثِّقَةِ مِنَ النَّاسِ، أَنَّهُمَا آمِنَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَأَهْلِيهِمَا وَأَمْوَالِهِمَا وَأَنَّ الأُمَّةَ لَهُمَا أَنْصَارٌ عَلَى مَا يَقْضِيَانِ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَأَنَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ أَنْ يصلحا بين الأمة،

_ [1] بزعمه الفاسد، وبعقيدته المنحرفة عن اهل بيت النبوة وودائع الرسالة واعدال القرآن الكريم، الا وفي الفتنة سقط، وعن امام الحق عدل، وعن قتال الفئة الباغية نكل، وان جهنم لمحيطة بالكافرين والمنافقين!!!

وَلا يَرُدَّاهَا إِلَى فُرْقَةٍ وَلا حَرْبٍ، وَأَنَّ أَجَلَ الْقَضِيَّةِ إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَعْجَلاهَا دُونَ ذَلِكَ عَجَّلا، وَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يُؤَخِّرَاهَا مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ مِنْهُمَا أَخَّرَاهَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّ أمير شيعته وشيعته يختارون مكانه رجلا، لا يَأْلُونَ عَنْ أَهْلِ الْمَعْدِلَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالإِقْسَاطِ وَأَنْ يَكُونَ مَكَانُ قَضِيَّتِهِمَا الَّتِي يَقْضِيَانِهَا فِيهِ مَكَانَ عَدْلٍ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ وَالْحِجَازِ، وَلا يَحْضُرُهُمَا فِيهِ إِلا مَنْ أَرَادَا، فَإِنْ رَضِيَا مَكَانًا غَيْرَهُ فَحَيْثُ أَحَبَّا أَنْ يَقْضِيَا، وَأَنْ يَأْخُذَ الْحَكَمَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْ شَاءَا مِنَ الشُّهُودِ ثُمَّ يَكْتُبُوا شَهَادَتَهُمْ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ أَنَّهُمْ أَنْصَارٌ عَلَى مَنْ تَرَكَ مَا فِيهَا اللَّهُمَّ نَسْتَنْصِرُكَ عَلَى مَنْ تَرَكَ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَرَادَ فِيهَا إِلْحَادًا أَوْ ظُلْمًا. وشهد من كل جند عَلَى الفريقين عشرة، من أَهْل الْعِرَاق عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس. الأشعث بن قيس. (و) سعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ. وقاء بْن سمي. - وبعضهم يقول: ورقاء ابن سميّ. ووقا أصح ذَلِكَ. - وعبد اللَّه بْن طفيل وحجر بْن يزيد الكندي وعبد اللَّه بْن حجل البكري [1] . وعقبة بْن زياد. ويزيد بْن حجية التيمي ومالك ابن كعب الأرحبي [2] . ومن أَهْل الشَّامِ أَبُو الأعور عمرو بن سفيان السلمي. (و) حبيب مسلمة الفهري (و) المخارق بن الحرث الزبيدي. (و) زمل بْن عَمْرو العذري. حمزة بْن مالك الهمداني. (و) عبد الرحمان بن خالد بن الوليد المخزومي.

_ [1] وفي تاريخ الطبري: «وعبد الله بن محل العجلي» . [2] وقريب منه جدا- بل عينه معنا- رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 510 عن عمر بن سعد (الأسدي) عن أبي إسحاق الشيباني، ولكن رواه قبله ص 504 بسند آخر، وفيه زيادات كثيرة غير موجودة هنا. ورواه أيضا الطبري في تاريخه ج 4/ 36 وفي ط: ج 6/ 130، وفي ط: ج 5 ص 54 بسنده عن أبي مخنف باختلاف يسير في بعض الألفاظ.

(و) سبيع بن يزيد الحضرمي (و) علقمة بن يزيد أخو سبيع هذا. (و) عتبة بن أبي سفيان. (و) يزيد بن الجز العبسي [1] . قَالُوا: فلما كتبت القضية خرج بِهَا الأشعث ليقرأها عَلَى النَّاس فمر بِهَا عَلَى طائفة من بَنِي تَمِيمٍ فيهم عروة بْن أدية- (و) هي أمّه (و) أبو (هـ) جدير أحد بني ربيعة بْن حنظلة، وَهُوَ أخو مرداس بْن أدية، وأدية محاربية- فَقَالَ عروة: أتحكمون فِي أمر اللَّه الرجال؟ أشرط أوثق من كِتَاب اللَّهِ وشرطه، أكنتم فِي شك حين قاتلتم؟ لا حكم إلا لله. وهو أول من حكم ثم اعترض الأشعث وَهُوَ عَلَى بغلة لَهُ ففاته فضرب بسيفه عجز البغلة. - ويقال: إن أول من حكم يزيد بْن عاصم المحاربي. - وَقَالَ البرك الصريمي- من بَنِي تَمِيمٍ ثُمَّ من بني مقاعس بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بن زيد منات-: أتريدون حكما أقرب عهدا بحكم فِي أطراف الأسنة [2] ؟ ثُمَّ شد عروة بسيفه فضرب عجز دابة الأشعث بْن قَيْس، فغضب الأشعث (و) قومه فمشى إِلَيْهِ الأحنف/ 383/ بْن قَيْس، وجارية بْن قدامة ومعقل بْن قَيْس ومسعر بْن فدكي العنبري، وشبث بْن ربعي فِي جماعة من بَنِي تَمِيمٍ واعتذروا إِلَيْهِ فرضي وصفح. وَكَانَ سيف عروة أول سيف شهر فِي التحكيم. وقيل لعلي: إن الأشتر لم يرض بالصحيفة، ولم ير إِلا قتال القوم. فَقَالَ: [ولا أنا والله رضيت و (لكن) لن يصلح الرجوع بعد الكتاب [3]] .

_ [1] كذا في النسخة، وفي الطبري ج 5 ص 54: «وسبيع بن يزيد الأنصاري وعلقمة بن يزيد الانصاري ... ويزيد بن الحر العبسى» . [2] يعني لا حكم الا الحرب والطعان بالأسنة. [3] لأنه تم العهد وأمضاه اكابر الفريقين ودخل تحت قوله تعالى: «وأوفوا بالعهد، ان العهد كان مسئولا» . وكذا شمله قوله تعالى: «أوفوا بالعقود» . وهنا قد اجمل القصة، وتفصيلها في كتاب صفين، ص 514.

المحكمة

«405» المدائني، عن عيسى بن عبد الرحمان، عَن أَبِي إِسْحَاق، عَن علقمة بْن قَيْس قَالَ: قلت لعلي: أتقاضي مُعَاوِيَة عَلَى أن يحكم حكمان؟ فَقَالَ: [مَا أصنع أنا مضطهد!!!] [المحكمة] «406» المدائني عَن سُلَيْمَان بْن دَاوُد بْن الحصين، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قيل لابن عَبَّاس: مَا دعا عَلِيًّا إِلَى الحكمين؟ فَقَالَ: إن أَهْل الْعِرَاق ملوا السيف وجزعوا منه جزعًا لم يجزعه أَهْل الشَّامِ، واختلفوا بينهم فخاف علي لمّا رأى من وهنهم أن ينكشفوا (منه) ويتفرقوا عَنْهُ، فمال إِلَى القضية، مَعَ أنه أخذ بكتاب الله حين أمر (با) لحكمين فِي الصيد والشقاق [1] ولو كَانَ مَعَهُ من يصبر عَلَى السيف لكان الفتح قريبًا. وَقَالَ أَبُو مخنف: كَانَ الكتاب يوم الجمعة فِي صفر، والأجل لشهر رمضان عَلَى رأس ثمانية أشهر إِلَى أن يلتقي الحكمان. ثُمَّ إن النَّاس دفنوا قتلاهم، وأطلق علي وَمُعَاوِيَة من كَانَ فِي أيديهما من الأسرى وارتحلوا بعد يومين من القضية، فسلك علي طريقه الَّتِي بدا فِيهَا، حَتَّى أتى هيت وصندودا، وصار إِلَى الْكُوفَةِ فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين. «407» حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن المغيرة الأثرم، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدة، عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء، قَالَ: كتبت القضية بين علي وَمُعَاوِيَة يوم الجمعة لإحدى

_ [1] كما في قوله تعالى- في الآية: (95) من سورة المائدة-: «يا ايها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ منكم» . وكما في قوله جل شأنه- في الاية: (40) من سورة النساء-: «وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من أهلها، ان يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما» .

عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين، فأتى رجل من بني يشكر عليا فَقَالَ: يَا علي ارتددت بعد إيمان، وشككت بعد يقين، اللهم إني ابرء إِلَيْك من صحيفتهم وما فِيهَا. فطعن رجلا من أصحاب علي فقتله، وشد عَلَيْهِ رجل من همدان فقتله فَقَالَ بعض شعرائهم: مَا كَانَ أغنى اليشكري عَن الَّتِي ... يصلي بِهَا حرًا من النار حاميا عشية يدعو والرماح تنوشه [1] ... خلعت عليا باديا ومعاوية «408» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عن الحسن بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ لِلْحَكَمَيْنِ: [أَوَ تَحْكُمَا بِمَا في كتاب الله لي؟ ولا تَحْكُمَا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلا حُكْمَ لَكُمَا [2]] . «409» حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، حدثنا ابن كناسة (كذا) الأَسَدِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ عَلَى أَنْ يُحَكِّمَا رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ فَكَانَ عِظَمُهُمْ وَجُمْهُورُهُمْ مُقِرِّينَ بِالتَّحْكِيمِ رَاضِينَ به، وكانت فرقة منهم- وهم زهاء أربعة آلاف من ذوي بصائرهم وَالْعُبَّادِ مِنْهُمْ- مُنْكِرَةً لِلْحُكُومَةِ، وَكَانَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ مُتَوَقِّفِينَ، فَأَتَتِ الْفِرْقَةُ الْمُنْكِرَةُ عَلِيًّا فَقَالُوا: عُدْ إِلَى الْحَرْبِ- وَكَانَ عَلِيٌّ يُحِبُّ ذَلِكَ- فَقَالَ الَّذِينَ رَضُوا بِالتَّحْكِيمِ: وَاللَّهِ مَا دَعَانَا الْقَوْمُ إِلا إِلَى حَقٍّ وَإِنْصَافٍ وَعَدْلٍ. وكان الأشعث ابن قَيْسٍ وَأَهْلُ الْيَمَنِ أَشَدَّهُمْ مُخَالَفَةً لِمَنْ دَعَا إِلَى الْحَرْبِ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلَّذِينَ دَعَوْا إِلَى الْحَرْبِ: [يَا قَوْمُ قَدْ تَرَوْنَ خِلافَ أَصْحَابِكُمْ وَأَنْتُمْ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ، وَلَئِنْ عُدْتُمْ إِلَى الحرب ليكوننّ

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «الرياح» . [2] كذا في النسخة، ولعل الأصل: «وإن لا تَحْكُمَا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلا حُكْمَ لكما» .

(هؤلاء) أَشَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ [1] فَإِذَا اجْتَمَعُوا وَأَهْلُ الشَّامِ عَلَيْكُمْ أَفْنَوْكُمْ، وَاللَّهِ مَا رَضِيتُ مَا كَانَ وَلا هَوِيتُهُ، وَلَكِنِّي مِلْتُ إِلَى الْجُمْهُورِ مِنْكُمْ خَوْفًا عَلَيْكُمْ. ثُمَّ أَنْشَدَ: وَمَا أَنَا إِلا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدُ ] فَفَارَقُوهُ وَمَضَى بَعْضُهُمْ إِلَى الْكُوفَةِ قَبْلَ كِتَابِ الْقَضِيَّةِ، وَأَقَامَ الْبَاقُونَ مَعَهُ عَلَى إِنْكَارِهِمُ التَّحْكِيمَ نَاقِمِينَ عَلَيْهِ يَقُولُونَ: لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ، فَلَمَّا كُتِبَتِ الْقَضِيَّةُ خَرَجَ بها الأشعث/ 384/ فقال عروة بن جدير: يَا أَشْعَثُ مَا هَذِهِ الدَّنِيَّةُ؟ أَشَرْطٌ أَوْثَقُ مِنْ شَرْطِ اللَّهِ؟ وَاعْتَرَضَهُ بِسَيْفٍ فَضَرَبَ عَجُزَ بغلته وحكم: فغضب الأشعث (و) أَهْلُ الْيَمَنِ حَتَّى مَشَى الأَحْنَفُ وَجَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَمَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ وَشَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَوُجُوهُ تَمِيمٍ إِلَيْهِمْ فَرَضُوا وَصَفَحُوا. «410» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير حَدَّثَنَا الأسود بْن شيبان قَالَ سمعت الحسن يقول- وذكر الفتنة-: إن القوم نعسوا نعسة فِي دينهم. «411» وَحَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ زِيَادُ ابن الأَشْهَبِ بْنِ وَرْدٍ الْجَعْدِيُّ أَتَى عَلِيًّا بَعْدَ مقتل عثمان وبيعة الناس عليا

_ [1] وهذا ظاهر جليّ، والشاهد ما فعله أهل النهروان وسائر الخوارج، مع العراقيين عامة، ومع شيعة أمير المؤمنين خاصة، ولولاهم لكان أمير المؤمنين في الخروج الثاني إلى معاوية يقطع دابر القاسطين ويسعر بهم سريعا نار الجحيم، ولكن المارقين سعوا في العراق بالفساد، وقطعوا الطريق وقتلوا الأبرياء وأوقدوا نار الفتنة، حتى اضطر أمير المؤمنين إلى الانصراف عن حرب معاوية والرجوع إليهم، وبعد الرجوع وفيصل أمرهم تفرق أهل الكوفة أشد تفرق فلم يجتمعوا للخروج إلى معاوية حتى استشهد أمير المؤمنين بيد أشقى الأولين والآخرين ابن ملجم المرادي.

لِيَدْخُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَجَابَهُ إِلَى الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُوَلِّيَهُ [1] فَلَمَّا نَقَضَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ نَقَضَ مَعَهُمَا فَقَالَ الْجَعْدِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ: مَقَامَ زِيَادٍ عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ ... يريد صلاحا بينكم وتقربا «412» وحدثني عَبَّاس بْن هشام، عن أَبِيهِ عن جده عن العريان بن الهيثم (وكان) عثمانيا [2] وكان شبث بن ربعي علويا [3] (قال:) فلما مرض شبث ابن ربعي مرضه الذي مات فيه، بعثني (أبي) إِلَيْهِ فقلت لَهُ: أَبِي يقرئك السلام ويقول لك: كيف تجدك؟ - قَالَ: وَكَانَ أَبِي يعيب عَلَيْهِ مشهده يوم صفين كثيرًا- فَقَالَ: أنا في آخر يوم من الدنيا، فأقرأ أباك السلام وقل لَهُ: أني لم أندم عَلَى قتال مُعَاوِيَة يوم صفين، ولقد قاتلت بالسلاح كله إِلا الهراوة والحجر. قَالَ: فأتيت أبي فأخبرته ومات شبث فقال أبي:

_ [1] هذا القول مردود بما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام على ما رواه جماعة من انه عليه السلام قال للمغيرة- حيث طلب منه أن يولي معاوية الشام إلى أن يستقر له الأمر-: «ما كنت لاتخذ المضلين عضدا» . [2] قال ابن أبي الحديد- في شرح المختار: (57) من نهج البلاغة: ج 4/ 92: قال معاوية للهيثم بن الأسود أبي العريان- وكان عثمانيا، وكانت امرأته علوية الرأي تكتب بأخبار معاوية في أعنة الخيل وتدفعها إلى عسكر على عليه السلام بصفين فيدفعونها إليه- فقال معاوية بعد التحكيم: يا هيثم أهل العراق كانوا أنصح لعلي في صفين أم اهل الشام لي، فقال: اهل العراق قبل ان يضربوا بالبلاء كانوا انصح لصاحبهم. قال: كيف، قال: لأن القوم ناصحوه على الدين، وناصحك اهل الشام على الدنيا، واهل الدين اصبر، وهم اهل بصيرة وانما اهل الدنيا اهل طمع، ثم والله ما لبث اهل العراق ان نبذوا الدين وراء ظهورهم ونظروا الى الدنيا، فالتحقوا بك. فقال معاوية: فما الذي يمنع الاشعث ان يقدم علينا فيطلب ما قبلنا؟! قال: ان الاشعث يكرم نفسه ان يكون راسا في الحرب وذنبا في الطمع. [3] ان صح ذلك فمعناه انه كان يرى عليا على الحق والمنحرفين عنه على الباطل، لا انه كان من محبيه والمنقادين له، كما كان الشيطان يعلم ان كل ما يأمر الله تعالى به يكون حقا وصوابا وله مصلحة ولكن مع ذلك لم يطع الله وتمرد عن امره، وكيف يمكن ان يقال ان شبث علوي بمعنى انه من محبي امير المؤمنين- ومعنى المحبة والمودة ولوازمها امر جلي عند كل ذي شعور- وقد حضر كربلا واشترك في دماء ريحانة رسول الله واهل بيته وشيعته، وبعد ما رجع الى الكوفة بني مسجدا شكرا لقتل الحسين!!!

إني اليوم وإن أملي لي ... لقليل العمر من بعد شبث عاش تسعين خريفا همه ... جمع مَا يكسب من غير خبث غير جار فِي تميم سنة ... تنكس الرأس [1] وَلا عهدًا نكث ولقد زل هواه زلة ... يوم صفين فأخطأ وحنث فلعل اللَّه أن يرحمه ... بقيام الليل والصوم اللهث وتقى كَانَ عَلَيْهَا دائما ... وبكاء ودعاء في الملث

_ [1] كذا في النسخة، ويحتمل رسم الخط بعيدا: «تنكس الأمر» . وأبعد منه: «تنكس الراي» . وأيضا قال البلاذري- في عنوان: «عمال ابن الزبير» من الجزء الخامس المطبوع ص 275-: قال الهيثم بن عدي (او المدائني) : وَكَانَ شبث علويا والهيثم بْن الأسود- أَبُو العريان- عثمانيا، وكانا متصافيين فَقَالَ الهيثم لشبث: اني اخاف عليك من يوم صفين. قال العريان بن الهيثم ابن الأسود: فمرض شبث فأتيته فقلت له: يقول لك أبي: كيف تجدك؟ قال: انا في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فاخبر أباك اني لم اندم على قتال معاوية يوم صفين وتمثل قول لبيد: تمنى ابنتاي ان يعيش أبوهما ... وهل انا إلا من ربيعة او مضر (قال العريان:) ولم يلبث شبث ان مات، فلم ابلغ الى أبي حتى سمعت الصياح، فقال أبي يرثي شبثا: انني اليوم وان أملتني ... لقليل المكث من بعد شبث عاش تسعين خريفا همه ... جمع ما يملك من غير خبث لم يخلف في تميم سبة ... تنكس الراس ولا عهدا نكث

«413» وَقَالَ أَبُو مخنف فِي إسناده: خرج النَّاس إِلَى صفين وهم أحباء متوادون، ورجعوا وهم أعداء متباغضون يضطربون بالسياط، يقول الخوارج: أدهنتم فِي أمر اللَّه وحكمتم فِي كتابه وفارقتم الجماعة. ويقول الآخرون: فارقتم إمامنا وجماعتنا. فغم عَلِيًّا تباغضهم واختلافهم فجعل ينشد: [لقد عثرت عثرة لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها واستمر وأجمع الأمر الشتيت المنتشر ] فلما دخل علي الْكُوفَة فِي شهر ربيع الأول لم يدخلوا مَعَهُ وأتوا حَرُورَاء فنزلوها، وقد كانوا تتاموا اثنا عشر ألفا، ونادى مناديهم: إن أمير القتال شَبَث بْن رَبْعِيّ، وأمير الصلاة عَبْد الله بن الكواء اليشكري والأمر بعد الشورى، والبيعة لله عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر. فسموا الحرورية لمصيرهم إِلَى حَرُورَاء، وعسكر علي بالنخيلة فيمن أطاعه، وَكَانَ شبث قد مال إِلَى الحرورية، ثُمَّ آب فرجع إِلَى علي عَلَيْهِ السلام. «414» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ: أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَتَبَ كِتَابَ الْقَضِيَّةِ نَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ، فَحَكَمَ مَنْ حَكَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ افْتَرَقُوا ثَلاثَ فِرَقٍ: فَرَجَعَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ إِلَى أَمْصَارِهِمْ وَمَنَازِلِهِمُ الأُولَى فَأَقَامُوا بِهَا، فَكَانَ/ 385/ مِمَّنْ رَجَعَ الأَحْنَفُ وَشَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَأَبُو بِلالٍ مِرْدَاسُ بْنُ أُدَيَّةَ، وَابْنُ الْكَوَّاءِ، بَعْدَ أَنْ نَاشَدَهُمْ عَلِيٌّ وَقَالَ: [اصْبِرُوا عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَإِنْ رَأَيْتُمُونِي قَابِلا الدنية فعند ذلك ففارقوني (كذا) ] فرجعوا (فرجع من رجع «خ» ) إِلَى الْعِرَاقِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَأَقَامَتِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ وَقَالُوا: لا نَعْجَلُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَمَضَتِ الْفِرْقَةُ الَّتِي شَهِدَتْ عَلَى عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بِالشِّرْكِ، وَهُمْ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ الَّذِينَ قاتلوه.

(القول في) أمر الحكمين وما كان منهما

(القول في) أَمْرُ الْحَكَمَيْنِ وَمَا كَانَ مِنْهُمَا «415» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قال: لما تَقَاضَوْا وَانْصَرَفُوا إِلَى بِلادِهِمْ مَكَثُوا بَقِيَّةَ السَّنَةِ الَّتِي اقْتَتَلُوا فِيهَا بِصِفِّينَ، حَتَّى إِذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ- أَوْ سَبْعٍ- وَثَلاثِينَ، خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمَعَهُمَا مِنْ جُنْدِهِمَا مَنْ أَحَبَّا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَاضِي عَلِيٍّ- أَوْ قَالَ: خَلِيفَةُ عَلِيٍّ- حَتَّى نَزَلا بَتَدْمُرَ شَهْرًا يَتَرَاجَعَانِ وَيَكْتُبَانِ إِلَى صَاحِبَيْهِمَا، وَيَكْتُبُ صَاحِبَاهُمَا إِلَيْهِمَا حَتَّى دَخَلا فِي السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ، ثُمَّ تَحَوَّلا مِنْ تَدْمُرَ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَأَقَامُوا بِهَا شَهْرًا، ثُمَّ تَحَوَّلا مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ إِلَى أَذْرُحَ، وَكَتَبَا إِلَى صَاحِبَيْهِمَا وَمَنْ أَرَادَا مِنَ النَّاسِ، وَأَنْفَذَا إِلَى عَلِيٍّ كِتَابًا مَعَ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ (بْنِ) الأَخْنَسِ السُّلَمِيِّ، وَجَاءَ مُعَاوِيَةُ لِلْمِيعَادِ، في رجال (من) أهل الشام فيهم عبد الرحمان بن الأسود بن عبد يغوث، وعبد الرحمان بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَحَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ. وَكَتَبُوا إِلَى نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْهُمْ: سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل، فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، فَكَتَبُوا إِلَى سَعْدِ ابن أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وعبد الرحمان بن الأرقم الزهري، وعبد الرحمان بن الحرث بن هشام. ويقال إن عبد الرحمان بن الحرث بْنِ هِشَامٍ أَتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْتَبَ إليه.

وَأَتَاهُمْ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ وَهُمْ بِأَذْرُحَ، وَرَجَعَ الرَّسُولُ الْمُوَجَّهُ إِلَى عَلِيٍّ وَلَمْ يَقْدُمْ عَلِيٌّ مَعَهُ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَا أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الأَمْرِ لَمْ أُشْرِكْ في دم عثمان، ولم أحضر شيئا من هذه الأمور الفتنة (كذا) . وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لابْنِ عُمَرَ: اشْدُدْ لِي ضَبُعَكَ فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيكَ. وَلَمْ يَشُكَّ النَّاسُ فِي ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ أَبُو موسى الأشعري مع ابن عباس (كذا) . فَتَحَاوَرَ الْحَكَمَانِ فِي أَمْرِهِمَا فَدَعَا أَبُو مُوسَى إلى عبد الرحمان بن الأسود ابن عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيِّ فَاخْتَلَفَا، فَقَالَ عَمْرٌو: هَلْ لك في أمر لا يختلف معه؟ قال: وما هو؟ قال: تجعل أَيُّنَا وَلاهُ صَاحِبُهُ الأَمْرَ إِلَى مَنْ رَأَى، وَعَلَيْهِ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَيَجْهَدَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ أبو موسى: نعم. قال عمرو: ذلك إِلَيْكَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ. قَالَ أَبُو مُوسَى لا. قَالَ عَمْرٌو: فَهُوَ إِلَيَّ بِذَلِكَ. قَالَ مُوسَى: قَدْ أَعْطَيْتُكَ إِيَّاهُ. قَالَ عَمْرٌو: نَعَمْ قَدْ قَبِلْتُ. ثُمَّ نَدِمَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: أَلا تَدْرِي مَا مَثَلُكَ يَا عَمْرُو؟ مَثَلُكَ مَثَلُ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا. يَقُولُ: إِنَّكَ لا تنظر لدين ولا ترعا الَّذِي حَمَلْتَ مِنَ الأَمَانَةِ وَالْعَهْدِ. فَقَالَ عَمْرٌو: مَثَلُكَ مَثَلُ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ، إِنْ جَعَلْتُ الأَمْرَ إِلَيَّ أَبَيْتَ، وَإِنْ جَعَلْتُهُ إِلَيْكَ أَبَيْتَ [1] . ثُمَّ خَلا عَمْرٌو بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: اجْتَمَعَ أَمْرُ النَّاسِ عَلَيْكَ وَأَنْتَ أَحَقُّهُمْ بِهَذَا الأَمْرِ، فَإِنَّ عَلِيًّا قَدْ تَخَلَّفَ عَنَّا، وَتَرَكَ مَا افْتَرَقْنَا عَلَيْهِ، وَلا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ إِمَامٍ يَلِي أُمُورَهُمْ وَيَحُوطُهُمْ وَيُقَاتِلُ مِنْ وَرَائِهِمْ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أَنَا بِالَّذِي أُقَاتِلُ النَّاسَ فَتُؤَمِّرُونِي عَلَيْهِمْ وَلا حَاجَةَ لِي فِي الإمرة. فزعموا أن عمروا قَالَ لَهُ: أَتَجْعَلُنِي عَلَى مِصْرَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ وُلِّيتُ مِنَ الأَمْرِ شَيْئًا مَا اسْتَعْمَلْتُكَ على شيء.

_ [1] هذا هذ الظاهر، وفي النسخة: «وإن جعلته إليك اتيت» . ثم ان في الرواية اخلالا من جهات يعرف مما يأتي.

قَالَ: وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ حِينَ خَلا عَمْرٌو/ 386/ بِابْنِ عُمَرَ لِيُبَايِعَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ بِالْبَابِ: لا تَعْجَلْ فَإِنَّهُمَا قَدِ اخْتَلَفَا، وَابْنُ عُمَرَ يَأْبَاهَا. فرجع معاوية فلما أبا ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَقْبَلَهَا تَفَرَّقَ النَّاسُ وَرَجَعُوا إِلَى أَرْضِيهِمْ وَرَجَعَ أَبُو مُوسَى إِلَى مَكَّةَ وَلَمْ يَلْحَقْ بِعَلِيٍّ، وَانْصَرَفَ مُعَاوِيَةُ وَلَمْ يُبَايِعْ لَهُ، وَكَانَ تَفَرَّقَ النَّاسُ وَالْحَكَمَيْنِ عَنِ أَذْرُحَ فِي شَعْبَانَ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ التَّغْلِبِيُّ: كأن أبا موسى عشية أذرح ... يضيف بلقمان الحكيم يواربه (كذا) وَلَمَّا الْتَقَيْنَا فِي تُرَاثِ مُحَمَّدٍ ... عَلَتْ بِابْنِ هِنْدٌ فِي قُرَيْشٍ مَضَارِبُهْ «416» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعُوا بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ قَالَ عَمْرٌو لابْنِ عُمَرَ: إِنَّا قَدْ رَأَيْنَا أَنْ نُبَايِعَكَ فَهَلْ لَكَ أَنْ نُعْطِيَكَ مَالا وَتَدَعَهَا لِمَنْ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهَا مِنْكَ؟ فَوَثَبَ ابْنُ عُمَرَ مُغْضَبًا فَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِثَوْبِهِ فَجَلَسَ وَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عمرو بعت (ظ) آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ، إِنِّي وَاللَّهِ لا أُعْطِي عَلَيْهَا مَالا وَلا أَقْبَلُ عَلَيْهَا مَالا وَلا أَقْبَلُهَا إلا هي رضا جَمِيعِ النَّاسِ. «417» حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ. عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ شَهِدَ مُجْتَمَعَهُمْ بِأَذْرُحَ لِلْحُكُومَةِ وَأَنَّ عَمْرًا قَالَ لَهُ مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ صَرَفْتُهَا إِلَيْكَ؟ قَالَ: لا أَجْعَلُ لَكَ وَاللَّهِ شَيْئًا وَلا أَقْبَلُهَا حَتَّى لا يَخْتَلِفَ عَلَيَّ فِيهَا اثْنَانِ. «418» حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ، عن محمد بن صالح، عن محمد ابن السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ قَالَ:

قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ مِنْ صِفِّينَ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَجْبِي الْمَالَ وَيَبْعَثُ الْعُمَّالَ وَيَنْظُرُ فِي أُمُورِ النَّاسِ فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وَالْخَوَارِجُ مُقِيمُونَ عَلَى إِنْكَارِ الْحُكُومَةِ، إِذْ قَدِمَ عَلَيْهِ مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الأَخْنَسِ السُّلَمِيُّ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ وفاه فينبغي لك أن تفي كما وفاه. فبعث علي عبد الله بن عباس وأربعمائة وَأَبَا مُوسَى مَعَهُمْ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي بِهِمْ وَيَلِي أُمُورَهُمْ وَكَانَ أَبُو مُوسَى الْحَكَمَ، فَنَزَلُوا دُومَةَ الْجَنْدَلِ، وَحَضَرَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر، وعبد اللَّه بْن الزبير، وعبد الرحمان بن الأسود الزهري، وعبد الرحمان بن الحرث بن هشام المخزومي، وأبو الجهم ابن حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ وَكَانَ مُعْتَزِلا لأَوَّلِ الأَمْرِ. وَالثَّبْتُ أَنَّ سَعْدًا لَمْ يَحْضُرَ، وَقَدْ حَرَصَ ابْنُهُ عُمَرُ أَنْ يَشْخَصَ فَلَمْ يَفْعَلْ. «419» المدائني عَن أَبِي الفضل التنوخي، عمن سمع ميمون بْن مهران يحدث عمر بن عبد العزيز، قال: لما أهل هلال شهر رمضان سنة سبع وثلاثين، خرج مُعَاوِيَة من دمشق في أربعمائة حَتَّى نزل دومة الجندل وسرح يزيد بْن الحر العبسي إِلَى علي يعلمه نزوله دومة الجندل ويسأله الوفاء، فأتى عَلِيًّا فحثه عَلَى الشخوص [1] وقال: إن فِي حضورك هَذَا الأمر صلاحا ووضعا للحرب وإطفاء للنائرة. فقال علي: [يا بن الحر، إني آخذ بأنفاس هَؤُلاءِ فَإِن تركتهم وغبت عنهم كانت الفتنة فِي هَذَا المصر أعظم من الحرب بينهم وبين أَهْل الشَّامِ ولكني أسرح أبا مُوسَى فقد رضيه النَّاس وأسرح ابْن عَبَّاس فهو يقوم مقامي ولن أغيب عما حضره،] ففعل ذَلِكَ فبعث إِلَى ابن عباس فأقدمه من البصرة،

_ [1] اي اتى يزيد بن الحر عليا فحثه على الشخوص الى دومة الجندل او المحل الذي نزل فيه الحكمان.

وأقدم أبا مُوسَى وَكَانَ توجه إِلَى بعض النواحي فقدما عَلَيْهِ فوجههما فِي خيل وأقام. «420» حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ وَالشَّرْقِيِّ بْنِ الْقُطَامِيِّ قَالا: سَمِعْنَا النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَلا بِعَلِيٍّ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ أَبَا مُوسَى فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَخْدَعَ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرٌو أَبَا مُوسَى فَابْعَثْنِي حَكَمًا وَلا تَبْعَثْهُ وَلا تَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِ الأَشْعَثِ وَغَيْرِهِ/ 387/ مِمَّنِ اختاره [1] فأبا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِي مُوسَى وَخَدِيعَةِ عَمْرٍو لَهُ مَا كَانَ قَالَ عَلِيٌّ: [لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كَانَ لَيَنْظُرُ إِلَى الغيب من ستر رقيق [2]] .

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «ولا تلتفت إلي قول الأشتر» إلخ. ولا ريب انه مصحف فإن كل من له أدني المام بقصة صفين يعلم بأن الأشتر (ره) لم يكن له ناقة ولا جمل في أختيار أبي موسى في هذه القضية، نعم كان للأشعث وقومه ومردة القراء وضعفاء الناس- وهم جل جنده علية السلام- القدح المعلى في اختيار أبي موسى، ومنه يعلم وجه إبائه عليه السلام فإنه لو أخر أبا موسي عن الأمر- وقد اختاره جل جنده- وقدم ابن عباس للحكومة، لكانت البلية مطبقة عليه وعلى خواص أصحابه من جميع الجهات. ثم الظاهر ان ابن السائب وابن القطامي سمعوا الكلام من معطلة السوقية الذين يقولون بالحدس ورجما للغيب، وكيف يلتمس ابن عباس عن أمير المؤمنين أن يرسله حكما دون أبي موسى وقد كان حاضرا بصفين قبل كتابة العهد وتعيين الحكمين وقد راى اصرار امير المؤمنين على تعيينه او الأشتر للحكومة فأبى عليه الأشعث وجهلة القراء والذين لم تكن لهم فيه في جهاد البغاة. [2] هذا الكلام مما قرظ به ابن عباس في موارد وفي جلها غير صحيح، منها هذا المورد فإن سوق الحديث دال على أن أمير المؤمنين عليه السلام- بناء على صدق الحديث- كان جاهلا بالواقع ومزايا الأشعري وعلمه ابن عباس بالفراسة!!! وهذا باطل من وجوه منها ان علم أمير المؤمنين مأخوذ من معلم مثل النبي صلّى الله عليه وسلم وكان حريصا على تعليمه بحيث أنه إذا كان حاضرا وكان يعجز عن السؤال وإدامة الاستفادة، كان هو صلّى الله عليه وآله يبتده بالافادة، وإذا كان غائبا فمجرد حضوره واستئذانه يأذن له ويقول له: جاءني جبرئيل بعدك بكذا وكذا، وأما ابن عباس والذي علمه عن غير أمير المؤمنين عليه السلام فجلة اخذه عن نعسان مثله، فإنه كان يحضر باب المهاجرين والانصار للتعلم- مع ما في كثير منهم من القصور علما- فربما قيل له: ان صاحب البيت نائم، فكان (ره) لحرصه على التعلم وتعظيمه للمطلوب منه، يتنعس على باب البيت حتى يقوم صاحبه من منامه ويفيد له حديثا وهو نعسان!!!

أمر الحرورية

«421» وحدثني عبد الله بن صالح المقري، عَن يَحْيَى بْن آدم، عَن شريك، عَن الأعمش، عَن أَبِي وائل قَالَ: قَالَ سهل بْن حنيف الأَنْصَارِيّ بصفين حين حكم الحكمان: مَا وضعنا سيوفنا عَلَى عواتقنا لأمر إِلا أسهل بنا إِلَى مَا نعرفه إِلا أمرنا هَذَا [1] . «422» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ لُوطِ بْنِ يَحْيَى، وَعَنْ عَوَانَةَ فِي إِسْنَادِهِمَا قَالُوا: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ وَقَدْ فَارَقَتْهُ الْمُحَكِّمَةُ- وَهُمُ الْخَوَارِجُ- وَثَبَ إِلَيْهِ شِيعَتُهُ فَقَالُوا: بَيْعَتُكَ فِي أَعْنَاقِنَا فَنَحْنُ أَوْلِيَاءُ مَنْ وَالَيْتَ وَأَعْدَاءُ مَنْ عَادَيْتَ فَقَالَ الْخَوَارِجُ: تَسَابَقَ هَؤُلاءِ وَأَهْلُ الشَّامِ إِلَى الْكُفْرِ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ بَايَعَ أَهْلُ الشَّامِ مُعَاوِيَةَ عَلَى مَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا وَبَايَعَ هَؤُلاءِ عَلِيًّا عَلَى أنهم أولياء من والا، وأعداء من عادى. [أمر الحرورية] وَبَعَثَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ إِلَى الخوارج وهم معتزلون بحروراء وبها سمعوا الْحَرُورِيَّةَ. فَقَالَ: أَخْبِرُونِي مَاذَا نَقِمْتُمْ مِنَ الْحَكَمَيْنِ؟ وَقَالَ اللَّهُ فِي الشِّقَاقِ: «فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ» الآية: (40/ النساء) وَقَالَ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (95/ المائدة) قَالُوا: مَا جَعَلَ اللَّهُ حُكْمَهُ إِلَى النَّاسِ وَأَمْرِهِمْ بِالنَّظَرِ فِيهِ فَهُوَ إِلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَا حَكَمَ بِهِ وَأَمْضَاهُ فِي الشَّرَائِعِ وَالسُّنَنِ وَالْعَزَائِمِ فَلَيْسَ لِلْعِبَادِ ان ينظروا فيه، ألا ترى

_ [1] كذا هنا، وقال ابن الأثير- في مادة «خصم» من كتاب النهاية-: خصم كل شيء- (كقفل) -: طرقه وجانبه، ومنه حديث سهل بن حنيف يوم صفين- لما حكم الحكمان- «هذا أمر لا يسد منه خصم إلا انفتح علينا خصم آخر» . (قال ابن الأثير) : أراد الإخبار عن انتشار الأمر وشدته وأنه لا يتهيأ إصلاحه وتلافيه، لأنه بخلاف ما كانوا عليه من الاتفاق.

أن الحكم (ان حكمه «خ» ) فِي الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَالْمُرْتَدِّ وَأَهْلِ الْبَغْيِ مِمَّا لا يَنْظُرُ الْعِبَادُ فِيهِ وَلا يَتَعَقَّبُونَهُ. وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (95/ المائدة) فَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَدْلٌ؟ وَحُكْمُ اللَّهِ فِي مُعَاوِيَةَ وَأَتْبَاعِهِ أَنْ يُقَاتَلُوا بِبَغْيِهِمْ حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ. فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَيُقَالُ أَجَابَهُ أَلْفَا رَجُلٍ. وَيُقَالُ: أَرْبَعَةُ آلافِ رَجُلٍ. ثُمَّ إن عَلِيًّا سأل عَنْ يَزِيدَ بْن قَيْس الأرحبي فقيل: إنهم يطيفون بِهِ ويعظمونه، فخرج علي حَتَّى أتى فسطاطه فصلى فِيهِ ركعتين ثُمَّ خاطبهم فَقَالَ: نشدتكم اللَّه هل تعلمون أني كنت أكرهكم للحكومة فيما بيننا وبين القوم، ولوضع الحرب، وأعلمتكم أنهم إنما رفعوا المصاحف خدعة ومكيدة، فرد علي رأيي وأمري فشرطت فِي الكتاب عَلَى الحكمين أن يحييا مَا أحيا الكتاب، ويميتا مَا أمات، فَإِن حكما بحكم الْقُرْآن فليس لنا أن نخالف مَا حكما بِهِ، وإن أبيا وزاغا فنحن من حكمهما براء، وإنما حكمنا الْقُرْآن ولم نحكم الرجال، لأن الرجال إنما ينطقون بما بين اللوحين. قَالُوا: فلم كتبت اسمك ولم تنسب نفسك إِلَى إمرة الْمُؤْمِنِينَ؟ أكنت مرتابا فِي حقك؟ فَقَالَ: [إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما كتب القضية بينه وبين قريش قَالَ (لي) : اكتب: هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ وسهيل بْن عَمْرو. فَقَالَ أَهْلُ مَكَّة: لو كنا نعلم أنك رَسُول اللَّهِ مَا قاتلناك. فكتب مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ.] قَالُوا: إنما قلت لنا ما قلت وقد تاب إِلَى اللَّه من كَانَ منا مائلا إِلَى الحكومة، وعادلهم إِلَى المنابذة ونصب الحرب (ظ) فَإِن تبت وإلا اعتزلناك. قَالَ: [فإني أتوب إِلَى اللَّه وأستغفره من كل ذنب. وَقَالَ لهم: ادخلوا مصركم رحمكم اللَّه. فدخلوا] من عند آخرهم وبايعوه عَلَى إعادة حرب القوم وَقَالُوا: نجبي الخراج ونسمن الكراع ثُمَّ نسير إِلَيْهِمْ.

وقدم معن بْن يزيد بْن الأخنس بْن حبيب السلمي عَلَى علي من قبل مُعَاوِيَة، يستبطيه فِي الحكومة، وَقَالَ: إن مُعَاوِيَة قد وفى ففه (أنت) وَلا يلفتنك عَن رأيك أعراب تميم وبكر. فبعث (علي) أربعمائة من أصحابه عليهم شريح بْن هانئ، وبعث ابْن عَبَّاس عَلَى صلاتهم والقضاء بينهم وولاية أمورهم وبعث معهم أبا مُوسَى الأَشْعَرِيّ. وبعث معاوية عمرا في أربعمائة من أَهْل الشَّامِ فتوافوا بدومة/ 388/ الجندل والتقى الحكمان فقال عمرو: يا (أ) با مُوسَى ألست تعلم أن عُثْمَان قتل مظلومًا؟ قَالَ: أشهد قَالَ: أفلست تعلم أن مُعَاوِيَة ولي عُثْمَان؟ قَالَ: بلى. قَالَ: فَإِن اللَّه يقول: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» (33/ الإسراء) فما يمنعك من مُعَاوِيَة مَعَ موضعه وشرفه، وإنه فِي صواب تدبيره ورفق سياسته عَلَى مَا ليس عَلَيْهِ غيره، وإن ولي كنت المقدم عنده وبسط يدك فيما أحببت من ولايته!!! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إن هَذَا الأمر لا يكون بالشرف، وغيره مما ذكرت، وإنما يكون لأهل الدين والفضل والشدة فِي أمر اللَّه، مَعَ أني لو أعطيته أعظم قريش شرفا أعطيته عَلِيًّا!!! وأما الولاية فلو إن مُعَاوِيَة خرج إلي من سلطانه كله إذا ولي مَا وليت، مَا كنت لأرضى بالدنية فِي دين اللَّه وحقه، ولكن ان شئت احيينا ذكر عمر فَقَالَ عَمْرو: فَإِن كنت تريد بيعة ابْن عُمَرَ، فما يمنعك من ابني عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو؟!!! وأنت تعرف فضله وصلاته. قَالَ: إن ابنك لرجل صدق لكنك قد غمسته فِي الفتنة، ولكن إن شئت ولينا الطيب ابن الطيب عَبْد اللَّهِ بْن عمر. فَقَالَ عَمْرو: إن هَذَا الأمر لا يصلح إِلا لرجل لَهُ ضرس يأكل بِهِ ويطعم. فَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرو ويحك إن العرب قد أسندت إِلَيْك أمرها بعد أن تقارعت بالسيوف وتناكزت بالرماح فلا تردنهم إِلَى مثل ذَلِكَ. وأخذ عَمْرو بْن العاص يقدم أبا مُوسَى فِي الصلاة والكلام ويعظمه ويوقره ويقول (له) : أنت صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلي ولك سنك وفضلك فَإِذَا تكلم (أبو موسى تكلم عمرو) بعده حتى عوّده ذلك، (و) قال أبو

مُوسَى لعمرو: مَا رأيك؟ قَالَ رأيي أن يخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى فيختار المسلمون لأنفسهم وينقطع الحرب. قَالَ أَبُو مُوسَى: نعم مَا رأيت. قَالَ عَمْرو: فتقدم رحمك اللَّه فإنك صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال أَبُو مُوسَى: أيها النَّاس إن رأينا قد اتفق عَلَى أمر أرجو أن يصلح اللَّه بِهِ شأن هَذِهِ الأمة. فَقَالَ عَمْرو: صدق وبرّ، تكلّم يا (أ) با مُوسَى بما تريد فدعاه ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ: ويحك أظنه قد خدعك، إن كنتما اتفقتما عَلَى أمر فقدمه قبلك فليتكلم ثُمَّ تكلم أنت فإنه رجل غدار. وَكَانَ أَبُو مُوسَى مغفلا، فَقَالَ: إنا قد اتفقنا وَلا خلاف بيننا. وتكلم أَبُو مُوسَى فَقَالَ- بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ- إنا نظرنا فِي هَذَا الأمر فلم نر شَيْئًا أصلح من خلع هذين الرجلين ثُمَّ تستقبل الأمة أمورها فيكون أمورهم شورى يولون من اختاروا، إني قد اختلعت عَلِيًّا وَمُعَاوِيَة فاستقبلوا أموركم وولوا من رأيتم أنتم. وتنحى، وأقبل عَمْرو فَقَالَ: إن هَذَا قد قَالَ: مَا سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلعه كما خلعه وأثبت صاحبي مُعَاوِيَة فإنه ولي عُثْمَان والطالب بدمه وَهُوَ أصلح سياسة وأحزم رأيا من غيره. ويقال: إنه قَالَ: إن أبا مُوسَى قد خلع صاحبه وقد خلعته كما خلعت نعلي هذه، و (أ) ثبت صاحبي معاوية!!! فقال له أبو موسى: ما لك لا وفقك اللَّه غدرت وفجرت إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عَلَيْهِ يلهث، أَوْ تتركه يلهث. فَقَالَ عَمْرو: مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا. وحمل شريح بْن هانئ عَلَى عَمْرو فقنعه بالسوط، وحمل مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن العاص- أَوْ غيره من ولده- عَلَى شريح فضربه بسوطه وقام النَّاس فحجزوا بينهما. وطلب أَهْل الْكُوفَةِ أبا مُوسَى فركب راحلته ولحق بِمَكَّةَ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: قبحا لرأي أَبِي مُوسَى لقد حذرته وأمرته بالرأي فما عقل وَلا قبل. وَكَانَ أَبُو مُوسَى يقول: لقد حذرني ابْن عَبَّاس غدر الفاسق ولكن اطمأننت إِلَيْهِ. وانصرف أَهْل الشَّامِ إِلَى مُعَاوِيَةَ فسلموا عَلَيْهِ بالخلافة وبايعوه، ورجع ابْن عَبَّاس وشريح بْن هانئ إِلَى علي بالخبر، فكان علي إذا صلى الغداة

قنت فَقَالَ: [اللَّهُمَّ/ 389/ العن مُعَاوِيَة وعمرًا وأبا الأعور، وحبيب بن مسلمة وعبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد، والضحاك بْن قَيْس والوليد بْن عقبة] . فبلغ ذَلِكَ مُعَاوِيَة فكان يلعن عَلِيًّا والأشتر، وقيس بْن سَعْدٍ والحسن والحسين وابن عباس وعبد اللَّه بْن جعفر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم. «423» حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَرَّةَ الحنفي عَلِيًّا خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فَخَطَبَ فَإِنَّهُ لَفِي خُطْبَتِهِ إِذْ حَكَمَتِ الْمُحَكِّمَةُ فِي جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: [كَلِمَةُ حَقٍّ يُعَزَّى بِهَا- أَوْ قال: يراد بها- باطل (نعم) إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ،] وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ لا إِمْرَةً وَلا بُدَّ مِنْ أَمِيرٍ يعمل في امرته المؤمن ويستمتع الْفَاجِرُ [1] فَإِنْ سَكَتُوا تَرَكْنَاهُمْ- أَوْ قَالَ: عَذَرْنَاهُمْ- وَإِنْ تَكَلَّمُوا حَجَجْنَاهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ. فَقَامَ يَزِيدُ بْنُ عَاصِمٍ الْمُحَارِبِيُّ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ إِعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ فِي دِينِنَا، فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْهَانٌ وَذَا يَرْجِعُ إِلَى سَخَطِ اللَّهِ فَخَرَجَ هُوَ وَأَخُوهُ فَقُتِلُوا بِالنَّهْرَوَانِ. «424» حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حَدَّثَنَا وهب بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ راسد (كذا) [2] :

_ [1] كذا في الهامش عن نسخة، ومثله في المختار: (40) من نهج البلاغة غير أن فيه «الكافر» . وفي متن أنساب الأشراف: «ويستمع الفاجر» . [2] كذا في النسخة، وقال ابن عساكر- في ترجمة ابن الكواء، من تأريخ دمشق: ج 37/ 217-: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الاكفاني شفاها وعبد الله بن أحمد السمرقندي في كتابه، قالا: أنبأنا عبد العزيز بن أحمد، أنبأنا أبو محمد ابن أبي نصر، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سعيد بن عبيد الله بن قطمر الوراق، أنبأنا أبو عبد الملك أحمد بن ابراهيم القرشي، أنبأنا محمد بن عائد. قال: وأخبرني الوليد بن محمد، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، قال خاصمت الحرورية عليا ستة أشهر إلخ. ومثله في تهذيب تاريخ دمشق ج 7 ص 350 ترجمه عبد الله ابن الكواء غير انه لم يذكر فيه السند.

عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْكُوفَةِ مِنْ صِفِّينَ خَاصَمَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَقَالُوا: شَكَّكْتَ فِي أَمْرِكَ وحكمت عدوك ودهنت فِي الْجِهَادِ، وَتَأَوَّلُوا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ [1] فَقَالُوا: قَالَ الله: «وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ» الآية: (20/ غافر) وَطَالَتْ خُصُومَتُهُمْ لِعَلِيٍّ، ثُمَّ زَالُوا بِرَايَاتِهِمْ وَهُمْ خَمْسَةُ آلافٍ عَلَيْهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَصَعْصَعَةَ بْنَ صُوحَانَ فَدَعَوَاهُمْ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَنَاشَدَاهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ إِنَّا نُوَادِعُكُمْ إِلَى مُدَّةٍ نَتَدَارَسُ فِيهَا كِتَابَ اللَّهِ لَعَلَّنَا نَصْطَلِحُ، وَقَالَ لَهُمْ: [أَبْرِزُوا مِنْكُمُ اثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا، وَابْعَثْ مِنَّا مِثْلَهُمْ وَنَجْتَمِعُ بِمَكَانِ كَذَا فَيَقُومُ خُطَبَاؤُنَا بِحُجَجِنَا وَخُطَبَاؤُكُمْ بِحُجَجِكُمْ.] فَفَعَلُوا وَرَجَعُوا فَقَامَ عَلِيٌّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَصَكُمْ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَعَلَى التَّحْكِيمِ، وَلَكِنَّكُمْ وَهَنْتُمْ فِي الْقِتَالِ، وَتَفَرَّقْتُمْ عَلَيَّ وَخَاصَمَنِي الْقَوْمُ بِالْقُرْآنِ وَدَعَوْنَا إِلَيْهِ، فَخَشِيتُ إِنْ أَبَيْتُ الَّذِي دَعَوْا إِلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحُكْمِ، أَنْ يَتَأَوَّلُوا عَلَيَّ قَوْلَ اللَّهِ: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ» الآية: (23/ آل عمران) . ويتأولوا (علي قوله) : «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [2] (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ) ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» . الآية: (95/ المائدة) . ويتأولوا (علي) قوله:

_ [1] كذا في النسخة، وفي ترجمة عبد الله بن الكواء من تاريخ دمشق: ج 37 ص 317: «وتأولوا على علي وأصحابه: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ» (57/ الانعام) . وتأولوا قول الله: «وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ» (20/ غافر) إلخ. [2] وبعده في النسخة هكذا: «إلى قوله: «ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» . وقد ذكرنا ما أسقطه من الآية ووضعناه بين المعقوفين.

«وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا (حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما) الآية (35/ النساء) فَلَمْ آبَ عَلَيْهِمُ التَّحَاكُمَ، وَخَشِيتُ أَنْ تَقُولُوا: فَرَضَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْحُكُومَةَ فِي أَصْغَرِ الأَمْرِ فَكَيْفَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ سَفْكُ الدماء، وقطع الأرحام وانهتاك الْحَرِيمِ، وَخِفْتُ وَهَنَكُمْ وَتَفَرُّقَكَمْ. ثُمَّ قَامَتْ خُطَبَاءُ الْحَرُورِيَّةِ، فَقَالُوا: دَعَوْتَنَا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ به فأجبناك وبايعناك، (و) قد قُتِلَتْ فِي طَاعَتِكَ قَتْلانَا يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، ثُمَّ شَكَكْتَ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَحَكَّمْتَ عَدُوَّكَ، وَنَحْنُ عَلَى أَمْرِكَ الَّذِي تَرَكْتَ، وَأَنْتَ الْيَوْمَ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَسْنَا مِنْكَ إِلا أَنْ تَتُوبَ مِنْهُ وَتَشْهَدَ عَلَى نَفْسِكَ بِالضَّلالَةِ!!! فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ: قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا أَنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِي بِالضَّلالَةِ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَكُونَ ارْتَبْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، أَوْ ضَلَلْتُ مُنْذُ اهْتَدَيْتُ، بَلْ بِنَا هَدَاكُمُ اللَّهُ مِنَ الضَّلالَةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ، وَعَصَمَكُمْ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَإِنَّمَا حَكَّمْتُ الْحَكَمَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ، فَإِنْ حَكَمَا بِكِتَابِ اللَّهِ كُنْتُ أَوْلَى بِالأَمْرِ مِنْ حُكْمِهِمَا، وَإِنْ حَكَمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يكن لهما علي وعليكم حُكْمٌ. ثُمَّ تَفَرَّقُوا فَأَعَادَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بن عباس وصعصعة (بن صوحان) فَقَالَ لَهُمْ صَعْصَعَةُ: أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَجْعَلُوا فِتْنَةَ الْعَامِ مَخَافَةَ فِتْنَةِ عَامٍ قَابِلٍ. فَقَالَ ابن الكواء: أكنتم تَعْلَمُونَ إِنِّي دَعَوْتُكُمْ إِلَى هَذَا الأَمْرِ؟ فَقَالُوا: بلى. قال: فَإِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَطَاعَ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ وَاعِظٌ شَفِيقٌ. فَخَرَجَ مَعَهُ مِنْهُمْ نَحْوٌ مِنْ خمسمائة فدخلوا في جملة علي (كذا) وَجَمَاعَتِهِ، وَبَقِيَ مِنْهُمْ نَحْوٌ/ 390/ مِنْ خَمْسَةِ آلافِ رَجُلٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: [اتْرُكُوهُمْ حَتَّى يَأْخُذُوا، وَيَسْفِكُوا دما حراما (كذا] ) فَفَعَلَ ذَلِكَ. «425» حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن الصلت بْن بَهْرَام قَالَ: لما قدم علي الْكُوفَة من صفين جعل يخطب الناس وجعلت

الخوارج تقول- وَهُوَ عَلَى المنبر-: قبلت الدنية بالقضية، وجزعت عن البلية (ظ) لا حكم إلا لله. فيقول: [حكم اللَّه انتظر فيكم.] فيقولون: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. فيقول علي: [ «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ] » . «426» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَنْكَرَتِ الْحُكُومَةَ عَلَى عَلِيٍّ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدِمَتْ إِلَى بِلْدَانِهَا مِنْ صِفِّينَ، وَانْحَازَ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا- وَيُقَالُ سِتَّةُ آلافٍ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: حَرُورَاءُ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَصَعْصَعَةَ، فَوَعَظَهُمْ صَعْصَعَةُ وَحَاجَّهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَبَقِيَ الآخَرُونَ عَلَى حَالِهِمْ حِينًا، ثُمَّ دَخَلُوا الْكُوفَةَ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ فِي الْقَضِيَّةِ وَأَرَادَ عَلِيٌّ تَوْجِيهَ أبي موسى أتاه حرقوص بْنُ زُهَيْرٍ التَّمِيمِيُّ وَزَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ الطَّائِيُّ وَزُرْعَةُ بْنُ الْبُرْجِ الطَّائِيُّ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْحَرُورِيَّةِ، فَقَالُوا: اتَّقِ اللَّهَ وَسِرْ إِلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنَا، وَتُبْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْخَطِيئَةِ، وَارْجِعْ عَن الْقَضِيَّةِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [أَمَّا عَدُوُّكُمْ فَإِنِّي أَرَدْتُكُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ وَأَنْتُمْ فِي دَارِهِمْ فَتَوَاكَلْتُمْ وَوَهَنْتُمْ وَأَصَابَكُمْ أَلَمُ الْجِرَاحِ فَجَزَعْتُمْ وَعَصَيْتُمُونِي، وَأَمَّا الْقَضِيَّةُ فَلَيْسَتْ بِذَنْبٍ وَلَكِنَّهَا تَقْصِيرٌ وَعَجْزٌ أَتَيْتُمُوهُ وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ، وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ.] فَقَالَ لَهُ زُرْعَةُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَدَعِ التَّحْكِيمَ فِي أَمْرِ اللَّهِ لأُجَاهِدَنَّكَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: [بُؤْسًا لَكَ مَا أَشْقَاكَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ غَدًا صَرِيعًا تَسْفِي عَلَيْكَ الرِّيَاحُ.] قَالَ: وَدِدْتُ ذَلِكَ قَدْ كَانَ. فَانْصَرَفُوا وَهُمْ يُظْهِرُونَ التَّحْكِيمَ وَيَدْخُلُونَ الْكُوفَةَ، فَإِذَا صَلَّى عَلِيٌّ وَخَطَبَ حَكَمُوا فَيَقُولُ عَلِيٌّ: [كَلِمَةُ حَقٍّ يُعْتَزَى بِهَا بَاطِلٌ] . وَبَلَغَ يَزِيدَ بْنَ عَاصِمٍ الْمُحَارِبِيَّ قَوْلَ عَلِيٍّ لِزُرْعَةَ بْنِ الْبُرْجِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَتُخَوِّفُنَا بِالْقَتْلِ، إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نَضْرِبَكُمْ بِهَا عَنْ قَلِيلٍ غَيْرِ مُصْفِحَاتٍ، ثُمَّ تَعْلَمُ أَيَّنَا أَوْلى بِها صِلِيًّا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ إِعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ فِي دِينِكَ فَإِنَّهَا إِدْهَانٌ وَذُلٌّ.

وقام رجل إِلَى علي عَلَيْهِ السلام فَقَالَ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. [فَقَالَ علي: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ] » . «427» حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ، عن عوانة (و) عن أبي مخنف قالا أقال عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: [يَا شَاهِدَ اللَّهِ عَلَيَّ فاشهد ... آمنت بالله ولي أحمد من شك فِي اللَّهِ فَإِنِّي مُهْتَدِ ] «428» حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ علي بْن الأسود، عَنْ يحي بن آدم، عن الحسن ابن صَالِحٍ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا حَاجَّ عَلِيٌّ أَهْلَ حَرُورَاءَ دَخَلُوا جَمِيعًا الْكُوفَةَ: فَنَظَرَ عَلِيٌّ إِلَى حُصَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الطَّائِيِّ فخطأ عَلِيٌّ عَلَى كَتِفِهِ وَقَالَ: [ذَبِّي حَجَلٌ [1]] فَقَالَ زَيْدٌ: حَقًّا لَقَدْ ذَبَّتْ بِأَطْرَافِ الأَسَلِ ... فِي يَوْمِ صِفِّينَ وَفِي يَوْمِ الْجَمَلِ فَقَالَ عَلِيٌّ: إنها لجيدة. قال زيد: وهل يَنْفَعُ عِنْدَكَ الْجُنْدُ [2] . وَلَمَّا دَخَلُوا الْكُوفَةَ جَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: تَابَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْحُكُومَةَ كُفْرٌ وَضَلالٌ. وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ أَنْ يَسْمَنَ الْكُرَاعُ ثُمَّ نَشْخَصُ إِلَى الشَّامِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ: إِنِّي رَجِعْتُ عَنِ الْقَضِيَّةِ وَقُلْتُ: إِنَّ الْحُكُومَةَ ضَلالٌ. وَكَانَتِ الحرورية قد سكنت فعادت بعد إلى التَّحْكِيمِ. «429» المدائني فِي إسناده قَالَ: لما دخل المحكمة الْكُوفَة، ونزلوا حَرُورَاء وذهب عنهم كلال السفر، مشت عصبة منهم إِلَى علي فَقَالُوا: علام

_ [1] كذا. [2] كذا في الأصل، ولعله كان: «إنها لجنيدة» .

كنا نقاتل يوم الجمل؟ قَالَ: عَلَى الحق. قالوا (ظ) : فأهل البصرة؟ قَالَ: / 391/ عَلَى النكث والبغي. قَالُوا: فأَهْل الشَّامِ؟ قَالَ هم وأهل البصرة سواء. قالوا: فلم أجبت معاوية على وضع الحرب؟ قَالَ: [خالفتموني وخفت الفتنة.] قَالُوا: فعد إِلَى أمرك. قَالَ: [قد أعطيتهم ميثاقا إِلَى مدة فلا يحل قتالهم حَتَّى تنقضي المدة، وقد أخذنا عَلَى الحكمين أن يحكما بكِتَاب اللَّهِ، فَإِن حكما بِهِ فأنا أولى الخلق بالأمر.] فَقَالُوا: إن مُعَاوِيَة يدعي مثل الذي تدعي. ففارقوه. «430» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرحمان بْنُ غَزْوَانَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مصرف، عن زبيد اليامي انه قال: (قال قيل «خ» ) المرّة بن شراحيل الطبيب: أَلا تَلْحَقُ بِعَلِيٍّ بِصِفِّينَ؟ فَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا [1] سَبَقَنِي بِخَيْرِ عَمَلِهِ فِي بَدْرٍ وَذَوَاتِهَا وَأَنَا أكره أن أشركه فيما صار فيه!!!

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «إن علي» .

أمر وقعة النهروان

أَمْرُ وَقْعَةِ النَّهْرَوَانِ «431» حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْن مُسْلِمٍ الْعَجَلِيِّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: خَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ حَرُورَاءَ فَكَلَّمَهُمْ وَحَاجَّهُمْ وَذَلِكَ بَعْدَ بَعْثَتِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَيْهِمْ فَدَخَلُوا جَمِيعًا إِلَى الْكُوفَةِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَذْكُرُ الْقَضِيَّةَ فَيَخْرُجُ فَيَحْكُمُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: [إِنَّا لا نَمْنَعُهُمُ الْفَيْءَ وَلا نَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ دُخُولِ مَسَاجِدِ اللَّهِ، وَلا نَهْيِجهِمْ مَا لَمْ يَسْفِكُوا دَمًا وَمَا لَمْ يَنَالُوا مَحْرَمًا] . «432» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ إِمْضَاءَ أَمْرِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ [1] أَتَاهُ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ التَّمِيمِيُّ، وَشُرَيْحُ بْنُ أَوْفَى الْعَبْسِيُّ، وَفروَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن شجزة السلمي، وحمزة بن سنان الأسدي وعبد الله ابن وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ- وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ذُو الثَّفِنَاتِ لأَثَرِ سُجُودِهِ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِثَفِنَاتِ الْبَعِيرِ- فَسَأَلُوهُ أَنْ لا يُوَجِّهَ أَبَا مُوسَى، وأن يسير إلى الشام، فأبا (علي) ذَلِكَ وَقَالَ: [فَارَقَنَا الْقَوْمُ عَلَى شَيْءٍ فَلا يَجُوزُ نَقْضُهُ] . فَانْصَرَفُوا إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ مِنْ فَوْرِهِمْ- أَوْ مَنْزِلِ زَيْدِ بن حصين

_ [1] يعني بعثه للحكومة والاجتماع مع ابن النابغة.

يذكروا مَنْ أُصِيبَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ مِثْلَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَهَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ [1] وَأَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ وَأَشْبَاهَهُمْ وَذَكَرُوا أَمْرَ الْحَكَمَيْنِ، وَكَفَّرُوا من رضي بالحكومة، وبرءوا مِنْ عَلِيٍّ. ثُمَّ مَشَى بَعْضُ الْحَرُورِيَّةِ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَجَرَةَ: يَا قَوْمُ اخْرُجُوا إِلَى الْمَدَائِنِ فَأَقِيمُوا بِهَا حتى يجتمع لكم ما تحاولون أن يجتمع، وَفَارِقُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ الظَّالِمُ أَهْلُهَا. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ مَسْعُودٍ عَلَى المدائن وهو يمنعنّها منكم وَيَحُولُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا. وَعَرَضُوا رِئَاسَتَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ فَلَمْ يَقْبَلُوهَا وَدَفَعُوهَا حَتَّى قَبِلَهَا ذُو الثَّفِنَاتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا آخُذُهَا رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا وَلا أَتْرُكُهَا جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ. ثُمَّ إِنَّهُمْ مَضَوْا إِلَى النَّهْرَوَانِ. «433» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاس إِلَى الْحَرُورِيَّةِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ مَاذَا نَقِمْتُمْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: ثَلاثًا: حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَاتَلَ فَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، وَمَحَا مِنِ اسْمِهِ حِينَ كَتَبُوا الْقَضِيَّةَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاقْتَصَرَ عَلَى اسْمِهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجَالَ. فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ صَيَّرَ حُكْمَهُ إِلَى الرِّجَالِ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهُ رُبُعُ دِرْهَمٍ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ. وَفِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فَنَشَدْتُكُمُ اللَّهَ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي بِضْعِ الْمَرْأَةِ وَأَرْنَبٍ بِرُبُعِ دِرْهَمٍ أَفْضَلُ؟ أَمْ حُكْمُهُ فِي صَلاحِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ؟ قَالُوا: بَلْ هذا. قال: وأما قولكم (قاتل) وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ. أَفَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؟ قَالُوا: لا. قَالَ: وأما قولكم: محا من

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «وحربي بن ثابت» .

اسْمِهِ إِمْرَةَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نُقَاتِلْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [امْحُ/ 392/ يَا عَلِيُّ وَاكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ.] وَرَسُولُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ. فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَأَقَامَ الآخَرُونَ عَلَى حَالِهِمْ، فَلَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ تَوْجِيهَ الأَشْعَرِيِّ إِلَى الشَّامِ لإِمْضَاءِ الْقَضِيَّةِ، أَتَاهُ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ السَّعْدِيُّ وَزَيْدُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَزُرْعَةُ بْنُ الْبُرْجِ الطَّائِيَّانِ فِي جَمَاعَةٍ فَسَأَلُوهُ أَنْ لا يُوَجِّهَ أَبَا مُوسَى وَأَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى الشَّامِ فَيُقَاتِلُوا معاوية وعمرو بن العاص، فأبا ذَلِكَ. وَسَارَ أَبُو مُوسَى فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَاجْتَمَعَ الْمُحَكِّمَةُ فِي مَنْزِلِ زَيْدِ بْنِ حُصَيْنٍ الطائي فبايعوا عبد الله بن وهب (الراسبي) وكان يدعى ذات الثَّفِنَاتِ- شُبِّهَ أَثَرُ سُجُودٍ بِجَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ بِثَفِنَاتِ الْبَعِيرِ- وَكَانَتْ بَيْعَتُهُمْ لَهُ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ. ثُمَّ خَرَجُوا فَتَوَافَوْا بِالنَّهْرَوَانِ وَأَقْبَلُوا يَحْكُمُونَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ: لا إمرة. [ولا بد من أمير يعمل فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ الْفَاجِرُ، وَيَبْلُغُ الْكِتَابُ الأجل،] [وإنها لكلمة حتى يَعْتَزُونَ بِهَا الْبَاطِلَ، فَإِنْ تَكَلَّمُوا حَجَجْنَاهُمْ وَإِنْ سكتوا عممناهم] . فلما تفرق الحكمان كتب علي إليهم وهم مُجْتَمِعُونَ بِالنَّهْرَوَانِ: إِنَّ الْحَكَمَيْنِ تَفَرَّقَا عَلَى غَيْرِ رِضًا، فَارْجِعُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، وَسِيرُوا بِنَا إِلَى الشَّامِ لِلْقِتَالِ. فَأَبَوْا ذَلِكَ وَقَالُوا: لا حَتَّى تَتُوبَ وَتَشْهَدَ عَلَى نَفْسِكَ بِالْكُفْرِ. فأبا. وَكَانَ مسعر بْن فدكي توجه إِلَى النَّهْرَوَان في ثلاثمأة من المحكمة، فمر ب «بهر سير» وعليها عدي بن الحرث بْن يزيد بْن رويم الشيباني فخرج إِلَيْهِمْ ليمنعهم فقتله أشرس بْن عوف الشيباني، فطعنه فقال: خذها (إليك) من ابْن عم لك مفارق، لولا نصرة الحق كان بك ظنينا. ويقال إنه سلم من طعنته وبقي بعد علي. وولاه الحسن بهر سير، وَكَانَ فيمن أتى

أشرس بْن عوف- حين خرج بعد النَّهْرَوَان- فضربه وَقَالَ: خذها من ابْن عم لك شان. ولقوا عَبْد اللَّهِ بْن خباب بْن الأرت ومعه أم ولد لَهُ يسوق بِهَا. فأخذوه وذبحوه وأم ولده، فأرسل إِلَيْهِمْ علي: أن ابعثوا إليّ بقاتل ابن الحرث وَابْن خباب حَتَّى أترككم وأمضي إِلَى الشَّام. فأبوا وقالوا: كلنا قتله. فسار إليهم (علي) فِي محرم سنة ثمان وثلاثين فدعاهم فاعتزل بعضهم فلم يقاتلوه، وبقي الآخرون فقاتلهم بالنهروان فقتلوا لتسع خلون من صفر، سنة ثمان وثلاثين وقتل عَبْد اللَّهِ بْن وهب الراسبي قتله زياد بن خصفة وهانئ ابن الخطاب الْهَمْدَانِيّ جميعا. ويقال: إن شَبَث بْن رَبْعِيّ شاركهما فِي قتله، وَكَانَ شبث عَلَى ميسرة علي، وَكَانَ فيمن رجع عَن التحكيم بعد محاجة ابْن عَبَّاس المحكمة. وقتل شريح بْن (أَبِي) أوفى. واعتزل ابْن الكواء فلم يقاتل عَلِيًّا، وقتل حُرْقُوص بْن زهير. وقتل ذو الثدية وكانت فِي عضده شامة كهيئة الثدي. «434» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبيه عن أبي مخنف لوط بن يحي عَن عَبْد الملك بْن أَبِي حرة الحنفي: أن وجوه الخوارج اجتمعوا عند عَبْد اللَّهِ بْن وهب الراسبي فخطبهم ودعاهم إِلَى الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر، والقول بالحق وإن أمر وضر، وَقَالَ: أخرجوا بنا معشر إخواننا من هَذِهِ القرية الظالم أهلها إِلَى بعض السواد وبعض كور الجبل منكرين لهذه البدع المكروهة. ثُمَّ قام حُرْقُوص بْن زُهَيْرٍ السَّعْدِيّ فتكلم وتكلموا جميعا بذم الدنيا والدعاء إِلَى رفضها والجد فِي طلب الحق وإنكار البدع والظلم وعرضوا رئاستهم عَلَى غير واحد منهم فأبوها وقبلها عَبْد اللَّهِ بْن وهب الراسبي فبايعوه

وذلك ليلة الجمعة لعشر ليال بقين من شوال سنة سبع وثلاثين، فِي منزل زيد بن حصين [1] . وَقَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي النضر بْن صَالِح أن الْحَرُورِيَّة اجتمعوا فِي منزل شريح بْن أوفي العبسي بعد أن ولوا أمرهم عَبْد اللَّهِ بْن وهب، وبعد شخوص/ 393/ أَبِي مُوسَى للحكومة، فَقَالَ ابْن وهب: إن هَؤُلاءِ القوم قد خرجوا لإمضاء حكمهم حكم الضلال، فأخرجوا بنا رحمكم اللَّه إِلَى بلدة نبعد بِهَا عن مكاننا هذا، فإنكم أصبحتم بنعمة ربكم أَهْل الحق. فَقَالَ شريح: فما تنتظرون؟ أخرجوا بنا إلى المدائن لننزلها ونبعث إِلَى إخواننا من أَهْل الْبَصْرَةِ فيوافونا. فأشار عليهم زيد بن حصين أ (ن) لا يعتمدوا (كذا) دخول المدائن، وأن يخرجوا وحدانا مستخفين لئلا يرى لهم جماعة فيتبع، وأن ينزلوا بحصن المدائن [2] فعملوا عَلَى ذَلِكَ وكتبوا إِلَى من بالبصرة من إخوانهم يستنهضونهم وبعثوا بالكتاب مَعَ رجل من بني عبس. وخرج زيد بْن حصين وشريح بن أوفى من منزلهما على دابتيهما وخرج الناس وترافدوا بالمال والعتاق وخرج عتريس بْن عرقوب الشيباني صاحب عَبْد اللَّهِ بْن مسعود، مَعَ الخوارج فاتبعه صيفي بن فشيل الشيباني (كذا) فِي رجال من قومه فطلبوه ليردوه فلم يقدروا عَلَيْهِ. «435» وَحَدَّثَنِي حفص بْن عمر، عَن الْهَيْثَم، عَن المجالد وغيره، قَالُوا: كَانَ أول من خرج شريح بْن أوفى صلاة الغداة (كذا) وَهُوَ يتلو «رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها» (75/ النساء: 4) فخرج قومه من المسجد ليمنعوه، فَقَالَ والله لا يعرض لي احد منكم إِلا أنفذت رمحي فِيهِ. فَقَالُوا: أبعدك اللَّه إنما أشفقنا عليك. وخرج زيد بْن حصين وهو يقرأ «فَاخْرُجْ إِنِّي

_ [1] في جميع الموارد مما هنا وتقدم في النسخة: «زيد بن حصن» والصواب: حصين. [2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: «بحسن» ولعله كان «بجسر» فصحف.

لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ، قالَ: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (21/ القصص) فلما عبر الفرات قرأ «وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ: عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ» (22/ القصص) ثُمَّ تتابعوا يخرجون، وخرج القعقاع بْن نفر الطائي فاستعان عَلَيْهِ أخوه حكم بن نفر بن قيس بن ححدر بن ثعلبة برجال فحبسوه- وحكم هذا جد (ظ) الطرماح الشاعر ابْن حكيم بْن حكم- وَكَانَ يقال للقعقاع الطرماح الأكبر فقال: (و) إني لمقتاد جوادي فقاذف ... بِهِ وبنفسي اليوم إحدى المتالف فيا رب إن كانت وفاتي فلا تكن ... عَلَى شرجع تعلوه خضر المطارف ولكن اجن يومي شهيدا بعصبة ... يصابون فِي فج (من ا) لأرض خائف ليصبح لحدي بطن نسر مقيلة ... بجو السماء في نسور عواكف يوافون من شتى ويجمع بينهم ... تقى اللَّه نزالون عند التزاحف فِي أبيات. وقوم يقولون: إن هَذَا الشعر للطرماح الأصغر. وذلك باطل. وخرج عتريس بْن عرقوب الشيباني، وخرج في طلبه صيفي بْن فشيل الشيباني ابْن عمه فِي جماعة من قومه ليردوه، ففاتهم. وخرج زيد بْن عدي بْن حاتم فاتبعه أبوه عدي بْن حاتم ففاته فلم يقدر عَلَيْهِ، فانصرف عدي إِلَى علي بخبرهم. وقوم يقولون: إن الذي خرج فاتبعه عدي ابنه (ظ) طريف. وذلك باطل، قتل طريف مَعَ علي يوم الجمل وفقئت (فيه) عين أَبِيهِ وقتل طرفة مَعَ علي يوم النهروان والذي خرج مع الحرورية (هو) زيد بْن عدي. وخرج كعب بْن عميرة فاشترى فرسا وسلاحا وَقَالَ:

هَذَا عتادي للحروب وإنني ... لآمل أن ألقى المنية صابرا وبالله حولي واحتيالي وقوتي ... إذا لقحت حرب يشيب الحزاورا وما زلت مذ كنت ابْن عشرين حجة ... أهم بأن ألقى الكماة مغاورا وأصنع للهيجاء محبوكة القزا (كذا) ... معقربة الا نساء تحسب طائرا إذا عضها سوطي تمطت ملحة ... بأروع مختال يروق النواظرا فِي أبيات. فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن وهب: جزيت خيرا، فربّ سريعة موت تنجيك من النار/ 394/ وتوردك موردًا لا تظمأ بعده. فأخذه أَهْل بيته فحبسوه حَتَّى قتل أهل النهروان، فقال (في) محبسه (كذا) : أعوذ بربي أن أعود لمثل مَا ... هممت بِهِ يَا عَمْرو مَا حنت الأبل فيا عمرو ثق بي اتق اللَّه وحده ... فقد خفت أن أردى بما عضني الكبل فِي أبيات. وخرج عبيدة بْن خالد المحاربي وَهُوَ يتمثل بشعر شعبة بْن عريض: إن امرأ أمن الحوادث سالما ... ورجا الحياة كضارب بقداح فأراد عمّه ردّه فأبا. «436» وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أَبِي مِخْنَفٍ، عَن أَبِي رَوْقٍ الْهَمْدَانِيِّ عَن عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ. وَعَنِ الْمُعَلَّى بْنِ كُلَيْبٍ، عَن أَبِي الْوَدَّاكِ جَبْرِ بْنِ نَوْفٍ وَغَيْرِهِمَا: قَالُوا: لَمَّا هَرَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالِيًا عَلَى الْبَصْرَةِ، وَأَتَتِ الْخَوَارِجُ النَّهْرَوَانَ، خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ بالْكُوفَةِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ، وَتَعْقُبُ النَّدَمَ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَهَذِهِ الْحُكُومَةِ بِأَمْرِي، وَنَخَلْتُ لكم رأيي لَوْ يُطَاعُ لَقَصِيرُ رَأْيٍ، وَلَكِنَّكُمْ أَبَيْتُمْ إِلا مَا أَرَدْتُمْ فَكُنْتُ وَأَنْتُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ [1] . أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَا ... فَلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إِلا ضُحَى الْغَدِ إِلا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ الذين اخْتَرْتُمُوهُمَا حَكَمَيْنِ قَدْ نَبَذَا حُكْمَ الْكِتَابِ وَرَاءَ ظهورهما، وارتأيا الرأي (من) قَبْلَ أَنْفُسِهِمَا، فَأَمَاتَا مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ، وَأَحْيَيَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي حُكْمِهِمَا، فكلاهما لا يرشد ولا يسدد، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، فاستعدوا للجهاد، وتأهّبوا اللمسير، وَأَصْبِحُوا فِي مُعَسْكَرِكُمْ يَوْمَ الاثْنَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [2] . «437» حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أَنَّ عَلِيًّا نَهَى أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْطُوا عَلَى الْخَوَارِجِ حَتَّى يُحْدِثُوا حَدَثًا، فَمَرُّوا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ فَأَخَذُوهُ، فَمَرَّ بَعْضُهُمْ بِتَمْرَةٍ ساقطة من نخلة فأخذها واحد (منهم) فَأَدْخَلَهَا فَمَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِمَا اسْتَحْلَلْتَ هَذِهِ التَّمْرَةَ. فَأَلْقَاهَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَرُّوا بِخِنْزِيرٍ فقتله بعضهم فقالوا له: بما

_ [1] وهو دريد الصمة، قال في أخباره من كتاب الأغاني: ج 10، ص 10: حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي، قال: حدثنا حسين بن نصر بن مزاحم، قال: حدثنا عمر بن سعيد (كذا) عن أبي مخنف عن رجاله أن عليا عليه السلام لما اختلفت كلمة أصحابه في أمر الحكمين وتفرقت الخوارج وقالوا له: ارجع عن أمر الحكمين وتب واعترف بأنك كفرت إذ حكمت. ولم يقبل ذلك منهم وخالفوه وفارقوه، تمثل بقول دريد: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد [2] ورواها أيضا بزيادة طفيفة في آخرها، في كتاب الإمامة والسياسة: ج 1، ص 143.

استحللت قتل هذا الخنزير وهو (لشخص) مُعَاهَدٌ. فَقَالَ لَهُمُ ابْنُ خَبَّابٍ: أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ الْخِنْزِيرِ؟ قَالُوا: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا. فَقَتَلُوهُ، فَبَعَثَ علي إليهم: [ (أن) ابْعَثُوا إِلَى بِقَاتِلِ ابْنِ خَبَّابٍ] . فَقَالُوا: كُلُّنَا قتله. فأمر بقتالهم. (قال أبو مجلز:) وبعث علي إلى الخوارج أَنْ سِيرُوا إِلَى حَيْثُ شِئْتُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ فَإِنِّي غَيْرُ هَائِجِكُمْ مَا لَمْ تُحْدِثُوا حَدَثًا. فَسَارُوا حَتَّى أَتَوُا النَّهْرَوَانَ، وَأَجْمَع عليّ على إتيان صفين، وبلغ (ذلك) مُعَاوِيَةُ فَسَارَ حَتَّى أَتَى صِفِّينَ. وكتب عَلَى إِلَى الخوارج بالنهروان: «أما بعد فقد جاءكم ما كنتم تريدون، قد تفرق الحكمان عَلَى غير حكومة وَلا اتفاق فارجعوا إِلَى مَا كنتم عَلَيْهِ فإني أريد المسير إِلَى الشَّام» . فأجابوه أنه لا يجوز لنا أن نتخذك إماما وقد كفرت حَتَّى تشهد عَلَى نفسك بالكفر وتتوب كما تبنا، فإنك لم تغضب لله، إنما غضبت لنفسك. فلما قرأ جواب كتابه إِلَيْهِمْ يئس منهم، فرأى أن يمضي من معسكره بالنخيلة وقد كَانَ عسكر بِهَا حين جاء خبر الحكمين (ليسير) إِلَى الشَّام، وكتب إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِي النهوض مَعَهُ، فأتاه الأحنف بْن قَيْس فِي ألف وخمسمائة، وأتاه جارية بْن قدامة فِي ثلاثة ألاف. ويقال: إن ابْن قدامه جاء فِي خمسة آلاف. ويقال: فِي أكثر من ذَلِكَ. فوافاه بالنخيلة، فسار بهم علي إِلَى الأنبار، وأخذ عَلَى قرية «شاهي» ثُمَّ عَلَى «دباها» من الفلوجة، ثُمَّ إِلَى «دمما» . وَكَانَ الخوارج الَّذِينَ/ 395/ قدموا من الْبَصْرَةِ مَعَ مسعر بْن فدكي استعرضوا النَّاس فِي طريقهم، فَإِذَا هم برجل يسوق بامرأته على حمار له، فدعوه (ظ) وانتهروه ورعبوه وَقَالُوا لَهُ: من أنت؟ فَقَالَ: رجل مؤمن. قَالُوا: فما اسمك؟ قَالَ: أنا عَبْد اللَّهِ بْن خباب بْن الأرت صاحب رسول

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكفوا عَنْهُ ثُمَّ قَالُوا لَهُ: مَا تقول فِي علي؟ قَالَ: أقول: إنه أمير الْمُؤْمِنِينَ، وإمام المسلمين، وقد حَدَّثَنِي أَبِي عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: [ستكون فتنة يموت فِيهَا قلب الرجل فيصبح مؤمنا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرًا.] فَقَالُوا: والله لنقتلنك قتلة مَا قتلها أحد، وأخذوه فكتفوه ثُمَّ أقبلوا بِهِ وبامرأته وهي حبلى متم حَتَّى نزلوا تحت نخل مواقير فسقطت رطبة منها فقذفها بعضهم في فِيهِ، فَقَالَ لَهُ رجل منهم: أبغير حلها ولا ثمن لَهَا؟ فألقاها من فِيهِ واخترط سيفه وجعل يهزه فمر بِهِ خنزير لذمي فقتله بسيفه، فقال له بعض أصحابه: إن هذا لمن الفساد فِي الأرض. فطلب صاحب الخنزير حَتَّى أرضاه، فَقَالَ ابْن خباب: لئن كنتم صادقين فيما أرى وأسمع إني لآمن من شرّكم. قال: فجاؤا بِهِ فأضجعوه عَلَى شفير نهر وألقوه عَلَى الخنزير المقتول فذبحوه عَلَيْهِ، فصار دمه مثل الشراك قد امذ قرّ فِي الماء وأخذوا امرأته فبقروا بطنها وهي تقول: أما تتقون اللَّه؟!! وقتلوا ثلاث نسوة كن مَعَهَا. فبلغ عَلِيًّا خبر ابْن خباب وامرأته والنسوة، وخبر سوادي لقوه بنفر فقتلوه، فبعث عليّ إليهم الحرث بن مرّة العبدي ليتعرف حقيقة مَا بلغه عنهم، فلما أتى النَّهْرَوَان وقرب منهم خرجوا إِلَيْهِ فقتلوه، وبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا ومن مَعَهُ، فَقَالُوا لَهُ: مَا تركنا هؤلاء وراءنا يخلفونا فِي أموالنا وعيالاتنا بما نكره، سر بنا إِلَيْهِمْ فَإِذَا فرغنا منهم سرنا إِلَى عدونا من أَهْل المغرب، فَإِن هَؤُلاءِ أحضر عداوة وأنكى حدّا. - والثبت: انه بعث ابن الحرث رجلا من أصحابه، لأن الحرث بْن مرة قتل بالقيقان من أرض السند في سنة اثنتين (ظ) وأربعين- وقام الأشعث بْن قَيْس فكلمه بمثل ذَلِكَ، فنادى علي بالرحيل، فأتاه مسافر بْن عفيف الأزدي فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا تسر فِي هَذِهِ الساعة. فَقَالَ لَهُ: ولم أتدري مَا فِي بطن هَذِهِ الفرس؟ قَالَ: إن نظرت علمت. فَقَالَ علي: [إن من صدقك فِي هَذَا القول يكذب بكِتَاب اللَّهِ لأن

اللَّه يقول فِي كتابه: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» (34/ لقمان: 31) وتكلم فِي ذَلِكَ بكلام كثير، وَقَالَ: لئن بلغني أنك تنظر فِي النجوم لأخلدنك الحبس مادام لي سلطان، فو الله ما كان محمد منجم وَلا كاهن أَوْ كما قَالَ] . «438» حَدَّثَنَا شريح بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أيوب عن حميد بن هلال، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مَعَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ أَنَّهُمْ دَخَلُوا قَرْيَةً فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ مَذْعُورًا فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ ابْنُ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ حَدِيثًا؟ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [يكون فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي فَإِذَا أَدْرَكْتَ ذَلِكَ فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ.] قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ أَبِيكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَدَّمُوهُ فَقَتَلُوهُ فَسَالَ دَمُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ شِرَاكُ نَعْلٍ قَدِ امْذَقَرَّ فِي الْمَاءِ وَبَقَرُوا بَطْنَ أُمِّ وَلَدِهِ. وَأَتَى عَلِيٌّ الْمَدَائِنَ وَقَدْ قَدِمَهَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدَّمَهُ إِلَيْهَا. ثُمَّ أَتَى عَلِيٌّ النَّهْرَوَانَ فَبَعَثَ إِلَى الْخَوَارِجِ أَنْ أَسْلِمُوا لَنَا قَتَلَةَ ابْنِ خَبَّابٍ وَرَسُولِي وَالنِّسْوَةَ لأَقْتُلَهُمْ ثُمَّ أَنَا تَارِكُكُمْ إِلَى فَرَاغِي مِنْ أَمْرِ أَهْلَ الْمَغْرِبِ فَلَعَلَّ اللَّهَ يَقْبَلُ بقلوبكم (كذا) وَيَرُدُّكُمْ إِلَى/ 396/ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَمْلَكُ بِكُمْ. فَبَعَثُوا إِلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ إِلا السَّيْفَ إِلا أَنْ تُقِرَّ بِالْكُفْرِ وَتَتُوبَ كَمَا تُبْنَا!!! فَقَالَ عَلِيٌّ: [أَبَعْدَ جِهَادِي مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِيمَانِي أشهد على نفسي بالكفر؟ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ!!! ثُمَّ قَالَ: يَا شَاهِدًا لِلَّهِ عَلَيَّ فَاشْهَدِ ... آمنت بالله ولي أحمد من شك في اللَّهِ فَإِنِّي مُهْتَدِ ]

وكتب إِلَيْهِمْ: «أما بعد فإني أذكركم أن تكونوا من الَّذِينَ فارقوا دينهم وكانوا شيعا بعد أن أخذ اللَّه ميثاقكم عَلَى الجماعة، وألف بين قلوبكم عَلَى الطاعة، وأن تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات» . ودعاهم إِلَى تقوى اللَّه والبر ومراجعة الحق. فكتب إِلَيْهِ ابْن وهب الراسبي «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، إن اللَّه بعث محمدا بالحق وتكفل لَهُ بالنصر كما بلغ رسالاته، ثُمَّ توفاه إِلَى رحمته، وقام بالأمر بعده أَبُو بكر بما قد شهدته وعاينته متمسكًا بدين اللَّه مؤثرًا لرضاه حَتَّى أتاه أمر ربه، فاستخلف عمر، فكان من سيرته مَا أنت عالم بِهِ، لم تأخذه في الله لومة لائم، (و) ختم اللَّه لَهُ بالشهادة، وَكَانَ من أمر عُثْمَان مَا كَانَ حَتَّى سار إِلَيْهِ قوم قتلوه لما آثر الهوى وغير حكم اللَّه، ثُمَّ استخلفك اللَّه عَلَى عباده فبايعك المؤمنون وكنت لذلك عندهم أهلا، لقرابتك بالرسول وقدمك فِي الإسلام ووردت صفين غير مداهن وَلا وان، مبتذلا نفسك فِي مرضاة ربك فلما حميت الحرب وذهب الصالحون عَمَّار بْن ياسر وأبو الْهَيْثَم بْن التَّيِّهَان وأشباههم أشتمل عليك من لا فقه له في الدين ولا (له) رغبة فِي الجهاد، مثل الأشعث بْن قَيْس وأصحابه واستنزلوك حَتَّى ركنت إِلَى الدنيا حين رفعت لك المصاحف مكيدة فتسارع إِلَيْهِمُ الَّذِينَ استنزلوك وكانت منا فِي ذَلِكَ هفوة ثُمَّ تداركنا اللَّه منه برحمته، فحكمت فِي كِتَاب الله وفي نفسك، فكنت في شك من دينك وضلال عدوك وبغيه عليك، كلا والله يا ابن أبي طالب، ولكنكم ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً، وقلت: لي قرابة من الرسول وسابقة فِي الدين فلا يعدل النَّاس بي مُعَاوِيَة، فالآن فتب إِلَى اللَّه وأقر بذنبك، فَإِن تفعل نكن يدك عَلَى عدوك، وإن أبيت ذَلِكَ فالله يحكم بيننا وبينك. «439» قَالُوا: وخرج إِلَيْهِمْ قَيْس بن سعد بن عبادة فناداهم فقال: يا عباد اللَّهِ اخرجوا إلينا طلبتنا وانهضوا إِلَى عدوكم وعدونا معا. فَقَالَ لَهُ: عَبْد اللَّهِ بْن شجرة السلمي: إن الحق قد أضاء لنا فلسنا متابعيكم أبدًا أَوْ

تأتونا بمثل عمر. فقال (له قيس) : والله مَا نعلم عَلَى الأرض مثل عمر إِلا أن يكون صاحبنا. وَقَالَ لهم علي: [ «يَا قوم إنه قد غلب عليكم اللجاج والمراء وأتبعتم أهواءكم فطمح بكم تزيين الشيطان لكم وأنا أنذركم أن تصبحوا صرعى بأهضام هذا الغائط وأثناء هذا النهر [1] » ] . (قالوا:) فلم يزل يعظهم ويدعهم فلما لم ير عندهم انقيادًا- وَكَانَ فِي أربعة عشر ألفا- عبأ النَّاس فجعل عَلَى ميمنته حجر بْن عدي الكندي وعلى ميسرته شَبَث بْن رَبْعِيّ وعلي الخيل أبا أيوب خالد بْن زيد الأَنْصَارِيّ، وعلى الرجال أبا قتادة الأَنْصَارِيّ- واسمه النعمان بْن ربعي بْن بلدمة الخزرجي- وعلى أهل المدينة وهم سبعمائة- أو ثمان مائة- قيس بن سعد ابن عُبَادَةَ الأَنْصَارِيّ. ثُمَّ بسط لهم علي الأمان ودعاهم إِلَى الطاعة، فَقَالَ فروة بْن نوفل الأشجعي: والله مَا ندري عَلَى مَا نقاتل عليا؟ فانصرف في خمسمائة فارس حتى نزل البند نيجين والدسكرة. وخرجت طائفة منهم أخرى متفرقين/ 397/ إِلَى الْكُوفَةِ، وأتى مسعر بْن فدكي التَّمِيمِيّ راية أَبِي أيوب الأَنْصَارِيّ- فِي ألف، واعتزل عَبْد اللَّهِ بْن الحوساء- ويقال: ابْن أَبِي الحوساء الطائي- في ثلاثمأة (و) خرج إلى عليّ منهم ثلاثمأة فأقاموا مَعَهُ، وكانوا أربعة آلاف فارس ومعهم خلق من الرجالة. واعتزل حوثرة بْن وداع في ثلاثمأة، واعتزل أبو مريم السعدي في مأتين، واعتزل غيرهم، حَتَّى صار مَعَ ابْن وهب الراسبي ألف وثمان مائة فارس، ورجالة يقال: إنهم ألف وخمسمائة. وقال علي لأصحابه: [كفوا عنهم حتى يبدؤكم.] ونادى جمرة بْن سنان: روحوا إِلَى الجنة. فَقَالَ ابْن وهب: والله مَا ندري أنروح إلى الجنة أم إلى

_ [1] هذا هو الصواب الموافق لما في كل المصادر وفي النسخة: «وايثار هذا النهر» .

النار!!! وتنادى الْحَرُورِيَّة: الرواح إِلَى الجنة معاشر المخبتين [1] وأصحاب البرانس المصلين. فشدوا عَلَى أصحاب علي شدة واحدة، فانفرقت خيل علي منفرقين: فرقة نحو الميمنة وفرقة نحو الميسرة. وأقبلوا نحو الرجالة فاستقبلت الرماة وجوههم بالنبل حَتَّى كأنهم معزى يتقي المطر بقرونها، ثُمَّ عطفت الخيل عليهم من الميمنة والميسرة، ونهض علي إليهم من القلب بالرماح والسيوف فما لبثوا أن أهمدوا فِي ساعة. وقتل أَبُو أيوب الأَنْصَارِيّ زيد بْن حصين الطائي. ويقال: بل قتله قَيْس بْن سعد، واختصم هانئ بْن خطاب وزيد بْن خصفة التَّمِيمِيّ فِي قتل عَبْد اللَّهِ بْن وهب الراسبي فادّعى كل واحد منهما قتله، وقتل حنش بْن ربيعة حُرْقُوص بْن زُهَيْرٍ السَّعْدِيّ، وقتل عَبْد اللَّهِ بْن دجن الخولاني عَبْد اللَّهِ بْن شجرة السلمي. وَكَانَ عَلَى ميمنة الخوارج زيد بْن حصين، وعلى ميسرتهم عَبْد اللَّهِ بْن شجرة. ووقف جمرة بْن سنان الأسدي فِي ثلاث مائة، فوقف عليّ بإزائه الأسود ابن يزيد المرادي فِي ألفين. ويقال: أقل من ذلك. وصار شريح بن أوفى العبسي إِلَى جانب جدار فقاتله عَلَى ثلمته قوم من همدان مليا من النهار، وَهُوَ يرتجز ويقول: قد علمت جارية عبسية ... ناعمة فِي أهلها مكفيّة أني سأحمي ثلمتي العشية

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «وينادى الحرورية الرواح إلى الجنة معاشر المخبنين» .

فشد عَلَيْهِ قَيْس بْن مُعَاوِيَة المرهبي فضربه فقطع رجله، فأقبل يضاربهم ويقول: الفحل يحمي شوله معقولا ... تمنعني نفسي أن أزولا ثُمَّ شد عَلَيْهِ أيضًا قَيْس بن معاوية فقتله، فقال الشاعر (ظ) : اقتتلت همدان يوما ورجل ... اقتتلوا من غدوة حَتَّى الأصل ففتح اللَّه لهمدان الزجل وَكَانَ من رجز ابْن أوفي يومئذ: أضربهم ولو أرى أبا حسن ... ضربته بالسيف حَتَّى يطمئن ومن رجزه أَيْضًا: أضربهم ولو أرى عَلِيًّا ... جلأت (هـ) أبيض مشرفيا «440» حَدَّثَنِي روح بْنِ عَبْدِ المؤمن حدثني عارم بن الفضل، حدثنا حماد ابن زيد، عَن عاصم قَالَ: قَالَ رجل يوم النَّهْرَوَان وَهُوَ يرتجز: أضربهم وَلا أرى عَلِيًّا ... ولم أكن عَن قتلهم ونيا أكسوهم أبيض مشرفيا قَالَ: وَقَالَ آخر: أضربهم وَلا أرى أبا حسن ... ها إن هَذَا حزن من الحزن قَالَ: ولم يقتل من أصحاب علي إِلا عشرة نفر أَوْ أقل [1] ، وَكَانَ ممن

_ [1] هذا هو الصواب دون الاول، وذلك لاستفاضة النقل من طريق الثقات انه قال عليه السلام: لا يقتل منكم عشرة، ولا يفلت منهم عشرة. ورواه أيضا الدارقطني في كتاب الحدود، من سننه ص 343.

قتل مَعَهُ عروة بْن إناف بْن شريح/ 398/ الطائي. والصلت بْن قتادة بْن سلمة بْن خلادة الكندي من ولد حوت بن الحرث. وروى بعضهم أن الَّذِي قاتل عَلَى الثلمة (هو) عبد الرحمان بْن قَيْس الحداني. والثبت: أن شريح بْن أوفى (هو) الذي (كان) قاتل عليها. وقاتل عدان بن المعذّذ (ظ) وَهُوَ يقول: ليس من الموت نجاة للفتى ... صبرًا أبا المنهال صبرًا للقضا إن مصير الخلق طرًا للبلى ... وليس ينجيك حذار من ردى فاركب لك الخيرات أطراف القنى ... واصبر فَإِن الصبر أولى بالفتى فقتل. وقتل مع علي أيضا زائدة بن سمير بن عبد الله بن نهار المرادي [1] . «441» قَالُوا: ووجد علي عَلَيْهِ السلام ممن به رمق أربعمائة فدفعهم إلى

_ [1] وقال في الإصابة ج 6 ص 348: وأخرج الخطيب في تاريخه من طريق إسحاق بن إبراهيم ابن حاتم بن اسماعيل المدني قال: كان أول قتيل قتل من أصحاب علي (عليه السلام) يوم النهروان رجل من الأنصار يقال له يزيد بن نويرة شهد له رسول الله بالجنة مرتين الحديث. وستة منهم ذكره أحمد بن أعتم الكوفي، في كتاب الفتوح: ج 4 ص 127، ط الهند، وذكر ابن أبي الحديد في شرح من النهج: ج 2 ص 29 خمسة منهم، وذكر في هامشه نقلا عن ابن شهر اشوب في مناقبه: قال: قال اعثم: المقتولون من أصحاب أمير المؤمنين: 1- روبية وبر البجلي. 2- سعد بن خالد السبيعي. 3- عبد الله بن حماد الارحبي (ظ) 4- الفياض بن الخليل الازدي- 5- كيسوم بن سلمة الجهني- 6- عبيد بن عبيد الخولاني 7- جميع بن جشم الكندي- 8- حبيب بن عاصم الاسدي. كذا ذكره بعضهم.

عشائرهم ولم يجهز عليهم، ورد الرقيق عَلَى أهله حين قدم الْكُوفَة وقسم الكراع والسلاح وما قوتل بِهِ بين أصحابه. ووجد عدي بْن حاتم ابنه الَّذِي خرج مَعَ الْحَرُورِيَّة قتيلا فدفنه بالنهروان. وقتل جواد بْن بشر- وَهُوَ أخو الزبرقان بْن بدر- مَعَ الخوارج، وقتل يزيد بْن عاصم المحاربي وأربعة إخوة لَهُ مَعَهُ، وقتل جمرة بْن سنان الأسدي. وشهد ابن الكواء النهروان وَكَانَ ممن اعتزل. ويقال: إنه اعتزل قبل أن يصيروا إِلَى النَّهْرَوَان. وَكَانَ مقتل أَهْل النَّهْرَوَان لتسع خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين. «442» وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: استعمل علي عَلَى الكوفة حين شخص عَنْهَا وحارب أَهْل النَّهْرَوَان، هانئ بْن هوذة بْن عبد يغوث بْن عَمْرو بْن عدي النخعي. «443» قَالُوا: وطلب علي ذا الثدية فوجد في حفيرة ذالية (كذا) مَعَ القتلى وكانت فِي عضده شامة تمتد كهيئة الثدي عَلَيْهَا شعر كشعر شارب السنور وَكَانَ مخدجا وَكَانَ يسمى نافعا. «444» وروي عَن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم، عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) قال: [إن قوما يقرؤن الْقُرْآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، علامتهم (ان) فيهم رجل مخدج اليد] . وَقَالَ أَبُو مريم: والله إن كَانَ المخدج لمعنا يومئذ فِي المسجد، وَكَانَ يجالس عَلِيًّا فِي الليل والنهار، ولقد كَانَ فقيرًا يشهد طعام علي.

«445» وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأَسْوَدِ، عَن يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ طَارِقِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قَامَ عَلِيٌّ بِالنَّهْرَوَانِ فَقَالَ: [إِنَّ نَبِيَّ الله قال: (لي) : سَيَخْرُجُ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلامِ الْحَقِّ لا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَقِّ خُرُوجَ السَّهْمِ- أَوْ مُرُوقَ السَّهْمِ- سِيمَاهُمْ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا مُخْدَجُ الْيَدِ، فِي يَدِهِ شَعَرَاتٍ سُودٍ. فَإِنْ كَانَ فيهم فقد قتلتم شر الناس] . (قال طارق:) فَطَلَبَ فَوَجَدَ فَخْرَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ سُجُودًا [1] . «449» وروى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عن غلام لأبي جحيفة السوائي قَالَ: لما قتل علي أَهْل النَّهْرَوَان جعل لا يستقر جالسا ويقول: ويحكم أطلبوا رجلا ناقص اليدين فِي يديه (في يده «خ» ) عظم طرفها حلمة كحلمة الثدي من المرأة، عَلَيْهَا خمس شعرات- أَوْ سبع شعرات- رءوسها معقفة. قَالُوا: قد طلبناه فلم نجده. فَقَالَ: أليس هذا النهروان؟

_ [1] ورواه أيضا أحمد بن حنبل تحت الرقم (848) في مسند علي من كتاب المسند: ج 2 ص ط 2 قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا الوليد بن القاسم الهمداني، حدثنا إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ طارق بن زياد إلخ وساق الحديث باختلاف في بعض الألفاظ، ثم قال: ورواه عبد الله بن شداد، عن علي كما تقدم قريبا إيراده بطوله. وكذا رواه عنه في البداية والنهاية: ج 7 ص 291، وأيضا رواه أحمد تحت الرقم: (1254) من المسند، قال: حدثنا ابو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم ... اقول: وقريبا منه جدا رواه النسائي في الحديث: (174) من كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ص 141، عن احمد بن بكار الحراني، عن مخلد، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عن طارق بن زياد. ورواه أيضا نقلا عن أحمد في ترجمة طارق بن زياد الكوفي من تاريخ بغداد: ج 9 ص 366 قال: أخبرنا الحسن بن على التميمي، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا الوليد بن القاسم بن الوليد الهمداني..

قالوا: بلى. قال: [فو الله ما كذبت ولا كذبت فاطلبوه!!!] (قال:) فطلبناه فوجدناه قتيلا فِي ساقية، ففرح علي فرحا شديدًا. «447» وَقَالَ الأخنس بْن العيزار الطائي ثُمَّ السنبسي يرثي أَهْل النَّهْرَوَان من الخوارج ويذكر زيد بْن حصين: إِلَى اللَّه أشكو ان كل قبيلة ... من الناس فدافنى الجلاد خيارها سقى اللَّه زيدا كلما ذر شارق ... وأسكن من جنات عدن قرارها وَقَالَ حبيب بن حذرة فِي قصيدة لَهُ طويلة: يَا رب إنهم عصوك وحكموا ... فِي الدين كل ملعن جبار يدعو إِلَى سبل الضلالة والردى ... والحق أبلج مثل ضوء نهار فهم/ 399/ يرون سبيل طاغيهم هدى ... وأرى سبيلهم سبيل النار يَا رب باعد فِي الولاية بيننا ... إني عَلَى مَا يفعلون لزار وسبيل يوم النهر حين تتابعوا ... متوازرين عَلَى رضا الجبار وَقَالَ فِي قصيدة لَهُ (أيضا) : ألا ليتني يا أم صفوان لم أوب ... وغودرت في القتلى بصفين ثاريا فو الله رب النَّاس مَا هاب معشر ... عَلَى النهر فِي اللَّه المنايا القواضيا تذكرت زيدًا منهم وابن حاتم ... فتى كان يوم الروح أروج ماضيا «448» وروي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ دنانير فسأله المخدج فلم يعطه فَقَالَ: والله مَا عدلت فِي القسم. فَقَالَ: [ويلك فمن يعدل؟] «449» حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمًا يَقُولُ: إِنَّ حَرُورِيَّةً عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ قَالُوا: لا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [إِنَّهُ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لا إِمْرَةَ. وَلا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ الْكَافِرُ وَيَبْلُغُ الْكِتَابُ أَجَلَهُ.]

أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد النهروان

أمر عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بعد النَّهْرَوَان «450» قَالُوا: وأمر علي عَلَيْهِ السلام النَّاس بالرحيل من النَّهْرَوَان فَقَالَ لهم: [إن اللَّه قد أعزكم وأذهب مَا كنتم تخافون عنكم فامضوا من وجهكم هَذَا إِلَى الشَّام] . فَقَالَ الأشعث بْن قَيْس: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نفدت سهامنا وكلت سيوفنا ونصلت رماحنا، فلو أتينا مصرنا حَتَّى نريح ونستعد ثُمَّ نسير إِلَى عدونا. فركن النَّاس إِلَى ذَلِكَ، وَكَانَ الأشعث طنينا [1] وسماه علي عرف النار. «451» قَالُوا: وسار علي حَتَّى أتى المدائن ثُمَّ مضى حَتَّى نزل النخيلة، وجعل أصحابه يدخلون الكوفة حتى بقي في أقل من ثلاثمأة، فلما رأي ذَلِكَ دخل الْكُوفَة وقد بطل عَلَيْهِ مَا دبر من أتيان الشَّام قاصدًا إِلَيْهَا من النَّهْرَوَان، فخطب النَّاس فَقَالَ: «أيها النَّاس استعدوا للمسير إِلَى عدوكم ففي جهاده القربة إِلَى اللَّه ودرك الوسيلة عنده، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ وتوكلوا على الله وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا* وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً» فلم

_ [1] أي رفيع الصوت فسمع الناس قوله هذا فركنوا إليه.

يصنعوا شَيْئًا، فتركهم أياما حَتَّى إذا يئس منهم خطبهم فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «يَا عباد اللَّه مَا بالكم إذا أمرتكم أن انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ بدلا [1] وبالذل والهوان من العزّ والكرامة خلفا، أكلما دعوتكم إِلَى الجهاد دارت أعينكم فِي رؤسكم كأنكم من الموت فِي سكرة، وكأن قلوبكم قاسية [2] فأنتم أسود الشرى عند الدعة، وحين تنادون للبأس ثعالب رواغة، تنتقص أطرافكم فلا تتحاشون وَلا ينام عدوكم عنكم وأنتم فِي غفلة ساهون. إن لكم علي حقا، وإن لي عليكم حقا، فأما حقكم فالنصيحة لكم مَا نصحتم، وتوفير فيئكم عليكم، وأن أعلمكم كيلا تجهلوا، وأؤدبكم كيما تعلموا [3] وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصح فِي المغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم [4] . «452» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن أبي مخنف، عن الحرث بْنِ حَصِيرَةَ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيِّ أَنَّ عَلِيًّا خَطَبَهُمْ حِينَ اسْتَنْفَرَهُمْ إِلَى الشَّامِ بَعْدَ النَّهْرَوَانِ، فَلَمْ يَنْفِرُوا فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمُ الْمُخْتَلِفَةُ قلوبهم وأهواؤهم ما عزّت دعوة من

_ [1] وفي نهج البلاغة: «من الآخرة عوضا» . [2] وفي النهج: «إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة، يرتج عليكم حواري فتعمهون، فكان قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون» . [3] هذا هو الصواب الموافق لما في النهج، وفي النسخة: «كيلا تعلموا» . [4] وقريب منه في المختار: (34) من خطب النهج والإمامة والسياسة ج 1/ 150، وكتاب الغارات- كما في البحار: ج 8 ص 679 وكتاب سليم بن قيس، ص 110، وروى عنه في البحار: ج 8 ص 154.

دَعَاكُمْ، وَلا اسْتَرَاحَ قَلْب مَنْ قَاسَاكُمْ [1] كَلامُكُمْ يوهن الصّم الصلاب [2] وفعلكم يطمع فِيكُمْ عَدُوَّكُمْ، إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْجِهَادِ قُلْتُمْ: كَيْتَ وَكَيْتَ وَذَيْتَ وَذَيْتَ [3] أَعَالِيلَ بِأَبَاطِيلَ [4] وَسَأَلْتُمُونِي التَّأْخِيرَ فِعْلَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ/ 400/ [5] حِيدِي حِيَادَ [[6] لا يَدْفَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ، وَلا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلا بِالْجِدِّ وَالْعَزْمِ وَاسْتِشْعَارِ الصَّبْرِ،] أَيُّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ، وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ، الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَازَ بِالسَّهْمِ الأَخْيَبِ، أَصْبَحْتُ لا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأَبْدَلَنِي بِكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْكُمْ. أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلا شَامِلا وَسَيْفًا قَاطِعًا، وَإِثْرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً، فَيُفَرِّقُ جَمَاعَتَكُمْ وَيُبْكِي عُيُونَكُمْ وَيَدْخُلُ الْفَقْرُ بُيُوتَكُمْ وَتَتَمَنَّوْنَ عَنْ قَلِيلٍ أَنَّكُمْ رَأَيْتُمُونِي فَنَصَرْتُمُونِي فستعلمون حق ما أقول (لكم) وَلا يُبْعِدُ اللَّهُ إِلا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ.

_ [1] هذا هو الصواب الموافق لجميع ما عثرت عليه من مصادر الكلام، وفي النسخة «من قاسكم» . [2] وفي المختار: (69) من النهج: «يوهي الصم الصلاب» . وهو أظهر، والصم: جمع أصم وهو من الحجارة الصلب المصمت. والصلاب: جمع صليب: الشديد. ويوهيها يضعفها ويفتتها، يقال: «وهي الثوب- من باب ضرب وحسب- وهيا» : تخرق وانشق. وأوهاه إيهاء: شقه وخرقه. [3] هذه الكلم بكسر آخرها ولا تستعمل إلا مكررة وتكنى بها عن الفعل والقول. [4] أي إنكم تتعللون بالأباطيل التي لأجدوى لها، وفي النهج: «أعاليل بأضاليل» . [5] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فعل ذي الزمن المطول» ، والمطول- كصبور-: الكثير المطل: الذي يؤخر أداء دينه بلا عذر. وفي النهج: «دفاع ذي الدين المطول» . [6] وفي النهج: «تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد» . و «حياد» مبني على الكسر، و «حيدي حياد» كلمة كان الهارب من الحرب يقولها، كأنه يسأل الحرب أن تنحرف وتتنحى عنه.

«453» قَالُوا وخطبهم بعد ذَلِكَ خطبا كثيرة، وناجاهم وناداهم فلم يربعوا إِلَى دعوته [1] وَلا التفتوا إلى شيء من قوله (ظ) وَكَانَ يقول لهم كثيرًا: [ «إنه مَا غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا] . وقال أَبُو أيوب الأَنْصَارِيّ وذلك قبل تولية علي إياه المدينة بيسير فَقَالَ: إن أمير الْمُؤْمِنِينَ قد أسمع من كانت لَهُ أذنان وقلب حفيظ، إن اللَّه قد أكرمكم بِهِ كرامة بينة فاقبلوها حق قبولها، إنه أنزل ابْن عم نبيكم بين ظهرانيكم يفقهكم ويرشدكم ويدعوكم إِلَى مَا فِيهِ الحظ لكم. وأما حجر بْن عدي الكندي وعمرو بْن الحمق الخزاعي [2] وحبة بْن جوين البجلي ثُمَّ العرني وعبد اللَّه بْن وهب الْهَمْدَانِيّ- وَهُوَ ابْن سبأ-[3] (فإنهم أتوا) عَلِيًّا عَلَيْهِ السلام فسألوه عَن أَبِي بكر وعمر رَضِيَ اللَّهُ عنهما فَقَالَ: [أوقد تفرغتم لهذا؟ وَهَذِهِ مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت!!] وكتب

_ [1] أي لم يعطفوا إليها ولم يجيبوا قوله. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «عمرة بن الحمق الخزاعي» . [3] كذا في النسخة، والقصة ذكرها جماعة ولم يذكروا فيها ابن سبأ، وذكرها ابن قتيبة في عنوان: «ما كتب علي لأهل العراق» من الإمامة والسياسة ص 154، وقال: عبد الله بن وهب الراسبي ... أقول: وهذا يلائم إذا كان الأمر قبل قصة النهروان وقبل النفر الأخير للخوارج، وأما إذا كان بعده فلا، لان ابن وهب الراسبي كان رئيس الخوارج وهلك في يوم النهروان واصلاه الله النار، وكيف كان فابن السبأ لم يرد ذكره في هذه القضية الا في رواية البلاذري هذه، وأصحابنا في هذا الرجل فرقتان: فرقة تذكره كما تذكر النمرود وفرعون والشيطان مقرونا له باللعن والويل والخزي، وفرقة لا تعرفه انه أي حي بن بي!!! وقد كتب بعض السادة المعاصرين أعزه الله ودام توفيقه رسالة أنكر فيها أصل وجوده، فراجع إليها فإنها مبذولة ومفيدة.

كتابا يقرأ عَلَى شيعته فِي كل أيام [1] فلم ينتفع (علي) بِذَلِكَ الكتاب وَكَانَ عند ابْن سبأ منه نسخة حرفها. «454» وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْيَاخِهِمْ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بُويِعَ وَبَلَغَهُ قِتَالُ عَلِيٍّ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ، كَاتَبَ وُجُوهَ مَنْ مَعَهُ مِثْلَ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَغَيْرِهِ، وَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ وَبَذَلَ لَهُمْ حَتَّى مَالُوا إِلَيْهِ وَتَثَاقَلُوا عَنِ الْمَسِيرِ مَعَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَكَانَ يَقُولُ فَلا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِهِ وَيَدْعُو فَلا يُسْمَعُ لِدَعْوَتِهِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ: لَقَدْ حَارَبْتُ عَلِيًّا بَعْدَ صِفِّينَ بِغَيْرِ جَيْشٍ وَلا عَنَاءٍ أَوْ قَالَ: وَلا عَتَادٍ. «455» حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَوَضَعَ الْمُصْحَفَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى سَمِعْتُ تَقَعْقُعَ الْوَرَقِ فَقَالَ: [ «اللَّهُمَّ إِنِّي سَأَلْتُهُمْ مَا فِيهِ فَمَنَعُونِي ذَلِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلَلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَأَبْغَضْتُهُمْ وَأَبْغَضُونِي وَحَمَلُونِي عَلَى غَيْرِ خُلُقِي وَعَلَى أخلاق لم

_ [1] والكتاب رواه حرفيا جماعة وذكرناه برواية ثقة الاسلام الكليني في المختار: (157) من باب كتب أمير المؤمنين من نهج السعادة: ج 5 ص 194، فراجع. ورواه أيضا ابراهيم بن محمد الثقفي (ره) في كتاب الغارات كما في بحار الأنوار: ج 8 ص 615 في عنوان: «الفتن الحادثة بمصر، وشهادة محمد بن أبي بكر» . ورواه بسند آخر محمد بن جرير بن رستم الطبرى- المتوفي أواسط القرن الرابع- في آخر الباب الرابع من المسترشد، ص 77، ورواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (67) من النهج: ج 6 ص 94. ورواه أيضا في الإمامة والسياسة ص 154. ورواه السيد ابن طاوس (ره) في الفصل: (155) من كتاب كشف المحجة، ص 173، نقلا عن رسائل الكليني (ره) .

تَكُنْ تُعْرَفُ لِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْرًا لِي مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرًّا مِنِّي، وَمَثَّ قُلُوبَهُمْ مَيْثَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ] . «456» حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لُوطِ بْنِ يَحْيَى أَبِي مِخْنَفٍ أَنَّ عِمَارَةَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ مِنَ الْكُوفَةِ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى عَلِيٍّ أَصْحَابُهُ وَنُسَّاكِهِمْ فَسَارَ إِلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ فَقَدْ فَسَدَ عَلَيْهِ جُنْدُهُ وَأَهْلُ مِصْرِهِ وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةُ وَتَفَرَّقُوا أَشَدَّ الفرقة. فقال معاوية للوليد ابن عُقْبَةَ أَتَرْضَى أَخُوكَ بِأَنْ يَكُونَ لَنَا عَيْنًا- وَهُوَ يَضْحَكُ- فَضَحِكَ الْوَلِيدُ وَقَالَ: إِنَّ لَكَ فِي ذَلِكَ حَظًّا وَنَفْعًا، وَقَالَ الْوَلِيدُ لأَخِيهِ عمارة: إن يَكُ ظَنِّي بِابْنِ أُمِّي صَادِقًا ... عِمَارَةُ لا يطلب بذحل ولا وتر مقيم واقبال ابْنِ عَفَّانَ حَوْلَهُ ... يُمَشَّى بِهَا بَيْنَ الْخَوَرْنَقِ وَالْجِسْرِ وَتَمْشِي رَخِيَّ الْبَالِ مُنْتَشِرَ الْقُوَى ... كَأَنَّكَ لَمْ تَشْعُرْ بِقَتْلِ أَبِي عَمْرٍو أَلا إِنَّ/ 401/ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ ثَلاثَةٍ ... قَتِيلٌ التُّجِيبِيُّ الَّذِي جَاءَ مِنْ مِصْرِ «457» وَحَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَوَانَةَ وغيره قَالُوا: لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَلِيًّا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى غَزْوِهِ وَإِعَادَةِ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ هَالَهُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ مُعَسْكِرًا وَبَعَثَ إِلَى نَوَاحِي الشَّامِ الصُّرَخَاءَ يُنَادُونَ إِنَّ عَلِيًّا قد أقبل إليكم (ظالما ناكثا باغيا، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه فتجهزوا رحمكم الله للحرب بأحسن الجهاز) [1] وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ كُتُبًا قَالَ فِيهَا: إِنَّا كُنَّا كَتَبْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَلِيٍّ كِتَابًا وَاشْتَرَطْنَا فِيهِ شُرُوطًا، وَحَكَّمْنَا الرَّجُلَيْنِ [2] لِيَحْكُمَا بِحُكْمِ الْكِتَابِ عَلَيْنَا، وإن حكمي أثبتني (ظ)

_ [1] بين المعقوفين كان في النسخة قد ضرب عليه الخط: [2] كذا،

وَخَلَعَهُ حَكَمُهُ، وَقَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ ظَالِمًا نَاكِثًا بَاغِيًا، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، فَتَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ لِلْحَرْبِ بِأَحْسَنِ الْجِهَازِ، وَاسْتَعِدُّوا لها بأكمل العدّة وانفروا خفافا وثقالا. فَاجْتَمَعُوا لَهُ مِنْ كَلِّ أَوْبٍ، وَأَرَادُوا الْمَصِيرَ إِلَى صِفِّينَ ثَانِيَةً حَتَّى بَلَغَهُمُ اخْتِلافُ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ عِمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ، فَعَسْكَرَ يَنْتَظِرُ مَا يَكُونُ، إِلَى أَنْ جَاءَهُ خبر مقتله رحمه الله [1] .

_ [1] فعليه فليس هنا محل هذا الخبر.

أمر مصر في خلافة علي

أمر مصر فِي خلافة علي ومقتل مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر 2/ 159 وَمُحَمَّد بْن أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم «458» قَالَ أَبُو مخنف وغيره: استشهد أَبُو حُذَيْفَة بْن عتبة بْن ربيعة ابن عبد شمس يوم اليمامة (ظ) وترك ابنه محمد بن أبي حذيفة، فكفّله عُثْمَان بْن عفان ومانه وأحسن تربيته، وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي حُذَيْفَةَ قد تنسك وأقبل عَلَى العبادة وذلك بعد أن حده عُثْمَان فِي الشراب فيما يقال فَقَالَ لعثمان: إني قد رغبت فِي غزو البحر، فاذن لي فِي إتيان مصر. فإذن لَهُ، فلما قدمها رأي النَّاس عبادته فلزموه وأعظموه ومالوا إِلَيْهِ، وكان خروجه إليها مع عبد الله ابن سعد بْن أَبِي سرح القرشي- أَوْ بعده فِي السنة الَّتِي شخص عَبْد اللَّهِ فِيهَا- وغزا مُحَمَّد بْن أَبِي حُذَيْفَةَ فِي البحر مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح في سنة أربع وثلاثين، فصلى (عَبْد اللَّهِ) بْن سَعْد بْن أَبِي سرح يوما، فكبّر محمد بن أبي حُذَيْفَة من خلفه تكبيرة أفزعته فنهاه وَقَالَ: إنك حدث أحمق ولولا ذَلِكَ لقاربت بين خطاك (ما قاربت بين خطاك «خ» ) وَكَانَ ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ يعيبه ويعيب عُثْمَان بتوليته إياه، ويقول: استعمل عُثْمَان رجلا أباحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يَوْم الفتح ونزل فِيهِ «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً، أَوْ قالَ: أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنْ قالَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ» (93/ الأنعام: 6) ، وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي بكر شخص إِلَى

مصر، مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، فكان يعين ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ عَلَى ذَلِكَ ويساعده عَلَيْهِ، فكتب عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سرح إِلَى عُثْمَان بْن عفان يشكوهما ويذكر أنهما قد أنغلا عَلَيْهِ المغرب وأفسداه. فقال (عُثْمَان) : اللهم إني ربيته رحمة لَهُ وصلة لقرابته حَتَّى لقد كنت أنكث المخ فأخصه بِهِ دون نفسي وولدي. «وكتب إِلَى ابْن سعد فِي جواب مَا كتب إليه (ظ) : «أما مُحَمَّد بْن أَبِي بكر فإنه يوهب لأبي بكر ولعائشة أم الْمُؤْمِنِينَ، وأما ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ فإنه ابني وَابْن أخي وتربيتي وَهُوَ فرخ قريش» . فكتب إِلَيْهِ ابْن أَبِي سرح:: «إن هَذَا الفرخ قد استوى ريشه ولم يبق إِلا أن يطير» . فبعث عُثْمَان إِلَى ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ بثلاثين ألف درهم، و (أمر أن) يحمل إِلَيْهِ كسوة، فأمر بِذَلِكَ أجمع فوضع فِي المسجد ثُمَّ قَالَ: يَا معشر الْمُسْلِمِينَ، ألا ترونَ إِلَى عُثْمَان يُخادعني عَن ديني ويرشوني عليه (كذا) . فازداد أَهْل مصر طعنا عَلَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وإعظاما لابن أَبِي حُذَيْفَةَ، واجتمعوا إِلَيْهِ فبايعوه عَلَى رئاستهم فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان يذكره بره بِهِ وتربيته إياه وقيامه بشأنه ويقول لَهُ: إنك كفرت إحساني أحوج ما كنت إليّ بشكرك ومكافاتك (كذا) فلم يزل ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ يحرض أَهْل مصر، ويؤلبهم/ 402/ عَلَى عُثْمَان حَتَّى سَرَّبَهُم [1] إلى المدينة، فاجتمعوا عليه مع أَهْل المصرين، وكانوا أشدهم فِي أمره، وشخص مُحَمَّد بْن أَبِي بكر معهم، فلما حوصر عُثْمَان وثب مُحَمَّد بْن أَبِي حُذَيْفَةَ عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْدٍ، فطرده عَن مصر، وصلى بالناس وتولى أمر مصر.

_ [1] قال في التاج مزجا بلفظ القاموس: ومن المجاز قولهم: «سرب علي الأبل» أي أرسلها قطعة قطعة، قاله الأصمعي، ويقال: سرب عليه الخيل: بعثها عليه سربة بعد سربه، وفي حديث علي: إني لأسربه عليه. أي أرسله قطعة قطعة، ويقال: سربت إليه الشيء إذا أرسلته واحدا واحدا. وقيل: سربا سربا. وهو الأشبه.

فصار عَبْد اللَّهِ بْن سعد إِلَى فِلَسْطِين ثُمَّ لحق بمعاوية، ثُمَّ إنه صار بعد ذَلِكَ إِلَى إفريقية فقتل بِهَا. ويقال: مات بفلسطين وَكَانَ قد أقام بِهَا وَكَانَ موته فِي آخر خلافة علي. وبويع عَلِيّ بْن أَبِي طالب بعد مقتل عُثْمَان- رَضِيَ اللَّهُ عنهما- فولى قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأنصاري مصر، وكان رجلا جوادا أديبا، فقال ابن أبي سرح: أبعد الله بن أبي حذيفة، بغا عَلَى ابْن عمه وسر أَهْل بيته [1] وسعى عَلَيْهِ حَتَّى ولي بعده من لم يمتّعه بسلطان بلده حولا وَلا شهرًا ولم يره لذلك أهلا. «459» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عن أبيه عن أبي مخنف لوط بن يحيى في اسناده قال: لَمَّا بُويِعَ عَلِيٌّ دَعَا قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ فَوَلَّاهُ الْمَغْرِبَ، فَشَخَصَ إِلَى مِصْرَ وَمَعَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ حَتَّى دَخَلَهَا فَقَرَأَ عَلَى أَهْلِهَا كِتَابًا مِنْ عَلِيٍّ إِلَيْهِمْ: ذَكَرَ فِيهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ وَأَكْرَمَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَتْبَاعِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَوَصَفَ فَضْلَهُمَا وَعَدَّلَهُمَا وَحَسَّنَ سيرتهما وعلمهما وترحم عليهما (ثم) قَالَ: ثُمَّ وُلِّيَ بَعْدَهُمَا وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثًا وَجَدَ النَّاسُ بِهَا عَلَيْهِ مَقَالا، فَلَمَّا نَقَمُوا غيّروا، ثم جاؤني فَبَايَعُونِي فَأَسْتَهْدِي اللَّهَ بِالْهُدَى [2] وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى التَّقْوَى. وَأَعْلَمَهُمْ تَوْلِيَتِهِ قَيْسَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لِمَا ظَنَّ عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَرَجَا مِنْ قَصْدِهِ وَإِيثَارِهِ الْحَقَّ فِي أُمُورِهِ، وَتَقَدُّمِهِ إِلَيْهِ فِي الْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ، وَالشِّدَّةِ عَلَى الْمُرِيبِ، وَالرِّفْقِ بالخاصة والعامة،

_ [1] يقال: رجل بر وسر: يبر ويسر. [2] كذا في النسخة ومثله في تاريخ الطبري، وفي الغارات: «وأنا استهدي الله الهدى» .

وأمرهم بموازرته ومكانفته ومعاونته على الحق والعمل به [1] . (قال:) فَقَامَ النَّاسُ فَبَايَعُوا عَلِيًّا وَاسْتَقَامُوا لِقَيْسٍ إِلا رجلا يقال له: يزيد بن الحرث، وَكَانَ مُعْتَزِلا فِي قَرْيَةٍ هُنَاكَ، فَبَعَثَ إِلَى قَيْسٍ: إِنَّا لا نُبَايِعُكَ وَلا نَنْتَزِي عَلَيْكَ فِي سُلْطَانِكَ، فَابْعَثْ عَامِلَكَ فَإِنَّ الأَرْضَ أَرْضُكَ، وَلَكِنَّا نَتَوَقَّفُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُ النَّاسِ. ووثب مسلمة بْن مخلد الساعدي من الأنصار، فنعا عُثْمَان ودعا إِلَى الطلب بدمه، فأرسل إِلَيْهِ قيس ويحك أعليّ تثب؟ فو الله مَا أحب أن أقتلك ولي ملك مصر والشام. فكفّ فتاركه، وجبا قَيْس الخراج وليس أحد ينازعه. وسار علي إِلَى الجمل وقيس بمصر، وصار من البصرة إِلَى الْكُوفَةِ وَهُوَ بمكانه، فكان أثقل خلق اللَّه عَلَى مُعَاوِيَةَ، فكتب إِلَيْهِ قبل خروجه إِلَى صفين «إنكم نقمتم عَلَى عُثْمَان إثرة رأيتموها وأشياء سوى ذَلِكَ أنكرتموها وأنتم تعلمون أن دمه لم يكن لكم حلالا، فركبتم عظيما وجئتم أمرًا إدًا، فأما صاحبك فقد استيقنا أنه الَّذِي ألب النَّاس عَلَيْهِ وأغراهم بِهِ وحملهم عَلَى قتله، فهو ينتفي من ذَلِكَ مرة ويقربه أخرى» . ودعاه إِلَى الطلب بدم عُثْمَان، فكتب إِلَيْهِ قَيْس: «قد فهمت كتابك، وأما قتل عُثْمَان فإني لم أقاربه ولم انظف بِهِ [2] وأما صاحبي فلم أطلع منه عَلَى مَا ذكرت، وأما مَا دعوتني إِلَيْهِ فَإِن لي فيه نظرا وفكرة، وأنا كاف (عنك) وإن يأتيك عني شيء تكرهه [3] .

_ [1] والكتاب رواه الثقفي (ره) في الغارات، والطبري في تاريخه: ج 4/ 548، وذكرناه في المختار (10) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4 ص 27، فارجع إليه او إلى الطبري فإن البلاذري قد تسامح في بعض الألفاظ كقوله: «علمهما» فانه غير موجود في الكتاب كعدم وجوده في متن الواقع ونفس الأمر. [2] كذا في النسخة، وفي الطبري: ج 4/ 551: «ولم أطف به» . [3] كذا في الأصل، وفي الطبري: «ولن يأتيك من قبلي شيء تكرهه» .

ثُمَّ كتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة كتابًا آخر، فأجابه قَيْس عَنْهُ ولم يقاربه فيما أراد من الالتواء عَلَى علي، والطلب بدم عُثْمَان، فكتب إليه معاوية: «يا يهودي ابن اليهودي» [1] . فأجابه قيس: يا وثن ابْن الوثن، دخلتم فِي الإسلام كارهين، وخرجتم منه طائعين» . فلما يئس (معاوية) منه، كتم مَا كتب بِهِ إِلَيْهِ وأظهر أن قيسا قد أجابه إِلَى المبايعة، ومتابعته عَلَى مَا أراد، والدخول مَعَهُ فِي أمره، فكتب عَلَى لسانه: للأمير مُعَاوِيَة، من قَيْس بْن سَعْدٍ، أما بعد فَإِن قتل عُثْمَان كَانَ حدثا فِي الإسلام عظيما/ 403/ وقد نظرت لنفسي وديني فلم أره يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برّا تقيا، فنستغفر اللَّه لذنوبنا ونسأله العصمة لديننا، وقد ألقيت إِلَيْك بالسلم، وأجبتك إِلَى قتال قتلة إمام الهدى المظلوم. فشاع فِي النَّاس أن قيسا قد صَالِح مُعَاوِيَة وسالمه، وسار بِهِ الركبان إِلَى الْعِرَاق، وبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا، فاستشار عَبْد اللَّهِ بْن جعفر بْن أَبِي طالب فِي أمره فأشار عَلَيْهِ بعزله، فإنه ليروى فِي ذَلِكَ ويصدق بما بلغه مرة، ويكذب أخرى حَتَّى ورد عَلَيْهِ كتاب من قَيْس بخبر الكناني وأهل القرية الَّتِي هُوَ فِيهَا، وبخبر ابْن مخلد، وما رأى من متاركتهم والكف عنهم. فَقَالَ لَهُ ابْن جعفر: مره يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بقتالهم لتعرف حاله فِي مواطأة القوم على

_ [1] ورواه أيضا تحت الرقم: (75) من ترجمة معاوية: ج 2 ص 703/ او الورق 53 قريبا منه مرسلا عن المدائني، ولكن قال: كتب إليه وكان مع الحسن بْن علي عليهما السلام. وكذلك رواه عن المدائني بنحو الإرسال تحت الرقم (46) من ترجمة الامام الحسن عليه السلام الورق 223/ أ/ وهو اطول مما هنا، ومما يأتي في ترجمة معاوية.

ما تركوا من بيعتك، ويضح لك حق مَا بلغك أَوْ غير ذَلِكَ. ففعل وكتب إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فأجابه قَيْس: إني قد عجبت من سرعتك إِلَى محاربة من أمرتني بمحاربته من عدوك، ومتى فعلت ذَلِكَ لم آمن أن يتساعد أعداؤك ويترافدوا ويجتمعوا من كل مكان فيغلظ الأمر، وتشتد الشوكة. فَقَالَ لَهُ ابْن جعفر: ألم يضح لك الآن الأمر؟ فول مُحَمَّد بْن أَبِي بكر، مصر يكفك أمرها، واعزل قيسا فإنه بلغني أنه يقول: إن سلطانا لا يقوم إِلا بقتل مسلمة بْن مخلد لسلطان سوء. - وَكَانَ ابْن جعفر أخا مُحَمَّد بْن أَبِي بكر لأمه أسماء بنت عميس تزوجها جعفر ثم خلف عليها أبو بكر- فعزل (عليّ) قيسا وولى محمدًا، فلما ورد مُحَمَّد مصر، غضب قَيْس وَقَالَ: والله لا أقيم معك طرفة عين، وانصرف إِلَى المدينة، وقد كَانَ مر فِي طريقه برجل من بني القين فقراه وأحسن ضيافته وأمر لَهُ بأربعة آلاف درهم فأبا أن يقبلها وقال: لا (آ) خذ لقراي ثمنا. وَكَانَ قَيْس أحد الأسخياء الأجواد. فلما ورد (قيس) المدينة أتاه حسان بْن ثابت شامتا- وَكَانَ عثمانيا- فَقَالَ لَهُ: نزعك علي وقد قتلت عُثْمَان فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر. فَقَالَ لَهُ: يَا أعمى القلب والعين لولا أن أوقع بين قومي وقومك شرًا لضربت عنقك، اخرج عني. وَكَانَ حسان من بني النجار من الخزرج. ثُمَّ أن قَيْس بْن سَعْدٍ، خرج وسهل بْن حنيف جميعا حَتَّى قدما عَلَى علي بالْكُوفَة، فخبره الخبر وصدقه (علي) وشهد معه صفين وشهدها سهل أيضًا. ولما قدم مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما- (مصر) قرأ عهده على أهلها، ونسخته (هذا) :

هَذَا مَا عهد عَبْد اللَّهِ علي أمير الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر حين ولاه مصر، أمره بتقوى اللَّه وطاعته فِي خاص أمره وعامه سره وعلانيته، وخوف اللَّه ومراقبته في المغيب والمشهد، وباللين للمسلم والغلظة عَلَى الفاجر، وإنصاف المظلوم والتشديد عَلَى الظالم، والعفو عَن النَّاس والإحسان (إِلَيْهِمْ) مَا استطاع فَإِن اللَّه يجزي المحسنين، ويثيب المصلحين. وأمره أن يجبي خراج الأرض عَلَى مَا كَانَ يجبى عَلَيْهِ من قبل، وَلا ينقص منه وَلا يبتدع فِيهِ. وأمره أن يلين حجابه ويفتح بابه، ويواسي بين النَّاس فِي مجلسه ووجهه ونظره، وأن يحكم بالعدل ويقيم القسط وَلا يتبع الهوى وَلا يأخذه فِي اللَّه لومة لائم. وكتب عبيد اللَّه بْن أَبِي رافع [1] . «460» قَالُوا: وكتب مُحَمَّد بْن أَبِي بكر إِلَى مُعَاوِيَةَ: «من مُحَمَّد بْن أَبِي بكر إِلَى الغاوي مُعَاوِيَة بْن صخر- وبعضهم يقول: العاوي. والغاوي أثبت. - سلام عَلَى أَهْل طاعة اللَّه ممن هُوَ سلم لأهل ولاية اللَّه. أما بعد فإن اللَّه بجلاله وقدرته وعظمته خلق خلقا بلا ضعف كَانَ منه وَلا حاجة بِهِ إِلَى خلقه، ولكنه خلقهم عبيدًا وجعل منهم شقيا وسعيدًا وغويا ورشيدا، ثُمَّ اختارهم بعلمه واصطفاهم بقدرته فانتحل (أو: فأنخل) منهم وانتجب محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعثه رسولا وهاديا ودليلا/ 404/ ونذيرًا وبشيرًا وسراجًا منيرًا، فدعا إِلَى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أول

_ [1] ورويناه في المختار: (49) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 4/ 99 عن الطبري والثقفي في الغارات وابن شعبة في تحف العقول ص 118.

من أجاب وأناب وأوفق [1] وأسلم وسلم أخوه وَابْن عمه عَلِيّ بْن أَبِي طالب، فصدقه بالغيب المكتوم وآثره عَلَى كل حميم، ووقاه كل هول (و) واساه بنفسه فِي كل حال وحارب حربه وسالم سلمه [2] حَتَّى برز سابقا لا نظير لَهُ ممن اتبعه، وَلا مشارك لَهُ فِي فضله، وقد أراك تساميه وأنت أنت، وَهُوَ السابق المبرز فِي كل خير، أطيب النَّاس ذرية وأفضل النَّاس زوجة، وخير النَّاس ابْن عم، أخوه الشاري نفسه يوم مؤته، وعمه سيد الشهداء يوم أحد،

_ [1] رسم الخط من هذه الكلمة لم يكن جليا، ولعل ما ذكر هو الظاهر منه، وأظهر منه ما في كتاب صفين «ووافق» . [2] وبعده في كتاب صفين هكذا: «فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل، ومقامات الروع حتى برز سابقا لا نظير له في جهاده ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك ... » . وفي مروج الذهب: «فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار: والخوف والجوع والخضوع حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو ... » . ورواه أيضا ابن ظهير- تلميذ ابن حجر العسقلاني، في كتاب الفضائل الباهرة، في محاسن مصر، والقاهرة، لكنه اختصره- قال: وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن أبي بكر، إلى معاوية (بن) صخر، أما بعد نازعت أمير المؤمنين عليا ووثبت على حقه، وأنت طليق بن طليق، وقد علمت انه أكبر المهاجرين والأنصار، وله من رسول الله صلى الله عليه وسلم سوابق مباركات، قتل فيها أخاك وقسر على الاسلام أباك، فوثبت عليه واغتصبت حقه وقمت بهذا الأمر دونه وقلت: ولاني عثمان وأنا طالب بدمه!!! فكتب إليه معاوية: بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن أبي سفيان، إلى محمد بن أبي بكر العاق بأبيه أما بعد فقد قرأت كتابك ولم أزل من توقيرك (عليا) على حسب ما يجب لك، وعلي ذو سوابق مباركات كما ذكر (ت) وما زال راسا مروسا حتى كان أول خليفة وثب عليه واقتسره حقه أبوك، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن لم يكن خطأ فأبوك سببه، فدونك افعل في حق أبيك ما شئت أودع والسلام. كذا في حديث الغدير، من عبقات الأنوار، ص 266.

وأبوه الذاب عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين اللَّه ورسوله الغوائل، وتحالفان عَلَيْهِ القبائل، وتبذلان فِيهِ المال، وتحالفان فِيهِ الرجال، عَلَى ذَلِكَ مات أبوك، وعليه خلفته وأنت (كذا) . والشاهد عليه [1] من تؤوي وتلحي من رؤس أَهْل النفاق وبقية، الأحزاب وذوي الشناءة لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته، والشاهد لعلي سبقه القديم وفضله المبين، وأنصار الدين الذين ذكروا في القرآن فهم حوله عصائب، ونجبتيه كنائب [2] يرجون الفضل فِي اتباعه ويخافون الشقاء فِي خلافه، فكيف تعدل نفسك بعلي [3] وَهُوَ كَانَ أول النَّاس لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إتباعًا وأخرهم بِهِ عهدًا يشركه فِي أمره ويطلعه عَلَى سره، وأنت عدوه وَابْن عدوه فتمتع بباطلك وليمدد لك عَمْرو فِي غوايتك، فكأن قد انقضى أجلك، ووهاكيدك فتستبين لمن يكون العاقبة. واعلم أنك يا معاوية إنما تكائد ربك الَّذِي قد أمنت كيده ومكره ويئست من روحه، وَهُوَ لك بالمرصاد، وأنت منه فِي غرور؟ وبالله ورسوله وأهل بيته عنك الغنى، والسلام على من تاب وأناب.

_ [1] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب، ورؤس النفاق والشقاق لرسول الله صلّى الله عليه ... » . وفي مروج الذهب: «والشهيد عليك من تدفى ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق ... » . [2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «ويجنبه- أو يجنبيه- كتائب» وهذه الكلمة لم توجد في كتاب صفين ومروج الذهب. [3] وفي كتاب صفين، ومروج الذهب: «فكيف- يا لك الويل- تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه وأبو ولده وأول الناس له اتباعا، وآخرهم به عهدا، يخبره بسرّه ويشركه في أمره ... » .

فأجابه مُعَاوِيَة: من مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَانَ إِلَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر الزاري عَلَى أَبِيهِ، سلام عَلَى من اتبع الهدى وتزود التقوى. أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فِيهِ مَا اللَّه أهله وما اصطفى لَهُ رسوله مع كلام لفقته وصنعته لرايك فِيهِ تضعيف ولك فِيهِ تعنيف، ذكرت حق ابْن أَبِي طالب وسوابقه وقرابته من رسول الله ونصرته إياه، واحججت علي بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد إلها صرف عنك ذَلِكَ الفضل وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا فِي حياة من نبينا نرى حق ابْن أَبِي طالب لنا لازما وفضله علينا مبرزًا، فلما اختار اللَّه لنبيه ما عنده وأتمّ له وعده وافلج حجته وأظهر دعوته، قبضه اللَّه إِلَيْهِ، فكان أبوك- وَهُوَ صديقه- وعمر- وَهُوَ فاروقه- أول من أنزله منزلته عندهما [1] فدعواه إِلَى أنفسهما فبايع لهما لا يشركانه فِي أمرهما وَلا يطلعانه عَلَى سرهما حَتَّى مضيا وانقضى أمرهما، ثُمَّ قام عُثْمَان ثالثًا يسير بسيرتهما ويهتدي بهديهما فعبته أنت وصاحبك حَتَّى طمع فِيهِ الأقاصي من أَهْل المعاصي وظهرتما لَهُ بالسوء وبطنتما [2] حتى

_ [1] كلمة: «عندهما» رسم خطها غير جلي، وكتبناها على الظن، وكذلك كلمة: «لهما» في قوله: «فبايع لهما» . وفي مروج الذهب: «فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا: تم انهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم، ثم إنه بايع لهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ... » . وفي كتاب صفين: «فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم ... » . [2] كذا في النسخة، وفي كتاب صفين: «وبطنتما له وأظهرتما عداوتكما وغلكما، حتى بلغتما منه منا كما» . وفي مروج الذهب: «فطلبتما له الغوائل، وأظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مناكما» .

بلغتما فيه مناكما، فخذ- يَا ابْن أَبِي بكر- حذرك وقس شبرك بفترك [1] تقصر عَن أن تسامي أَوْ توازي من يزن الجبال حلمه، ويفصل بين أَهْل الشك علمه، وَلا تلين عَلَى قسر قناته (فإن) أبوك مهّد مهاده وثنا لملكه وساده [2] فَإِن كَانَ مَا نحن فِيهِ صوابا فأبوك أوله، وإن كَانَ خطأ فأبوك أسّسه ونحن شركاؤه، برأيه اقتدينا وفعله (كذا) احتذينا [3] ، ولولا مَا سبقنا إِلَيْهِ أبوك وأنه لم يره موضعا للأمر، مَا خالفنا عَلِيّ بْن أَبِي طالب ولسلمنا إِلَيْهِ، ولكنا رأينا أباك فعل أمرًا اتبعناه واقتفونا أثره [4] فعب أباك ما بدا لك أودع، والسلام عَلَى من أجاب، ورد غوايته وأناب [5] .

_ [1] الشبر- كحبر-: ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر. والفتر- على زنة الشبر-: ما بين طرف السبابة والإبهام إذا فتحتهما. [2] وفي كتاب صفين: «وبنى ملكه وشاده» . وفي مروج الذهب: «وبنى لملكه وساده» . [3] وفي كتاب صفين: «فإن يك مَا نحن فِيهِ صوابا فأبوك أوله، وإن يك جورا فأبوك أسسه ونحن شركاؤه، وبهديه أخذنا، وبفعله اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب وأسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله واقتدينا بفعاله» . وفي مروج الذهب: «فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا اباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله» . [4] كلمة: «اقتفونا» غير واضحة بحسب رسم الخط. [5] ورواه أيضا في أواخر الجزء الثاني من كتاب صفين ص 118، ط مصر، بتحقيق عبد السلام محمد هارون. ورواه عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (46) من النهج: ج 3 ص 188، ط مصر. ورواه أيضا في ايام معاوية من كتاب مروج الذهب: ج 3 ص 10، ط بيروت. ورواه أيضا في تاريخ سمط النجوم العوالي: ج 2 ص 465 وقال: كذا ذكره المسعودي وهو من كبار الجماعة، كذا اورد هذه المكاتبة ومد بها باعه فقبح الله من كان اختراعه. كذا. اقول وأنت بعد وعي ما هنا قل: قبح الله من لم يبذل في العلم وسعه وباعه، ولم يدر ما رواه سلفه واشاعه، واهمل ما ذكره ثقاته واضاعه.

مقتل الأشتر

«461» قَالُوا: ولم يمكث مُحَمَّد بْن أَبِي بكر إِلا يسيرًا حَتَّى بعث إِلَى أولئك القوم/ 405/ المعتزلين الَّذِينَ كَانَ قَيْس وادعهم فَقَالَ لهم: إما أن تبايعوا وتدخلوا فِي طاعتنا، وإما أن ترحلوا عنا. فامتنعوا وأخذوا حذرهم وكانوا له هائبين، حتى أتى خبر الحكمين فاجترءوا عليه ونابذوه، فبعث ابن جمهاز البلوي [1] إلى يزيد بن الحرث الكناني، ومن قبله من أَهْل القرية الَّتِي كَانَ بِهَا، فقاتلوه فقتلوه، فبعث إِلَيْهِمُ ابْن أَبِي بكر، رجلا من كلب فقتلوه أيضًا. وخرج مُعَاوِيَة بْن حديج الكندي ثُمَّ السكوني فدعا إِلَى الطلب بدم عُثْمَان، وذلك أن مُعَاوِيَة دس إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وكاتبه فيما يقال وأرغبه، فأجاب ابْن حديج بشر كثير، وفسدت مصر عَلَى مُحَمَّد بْن أَبِي بكر، وبلغ عليا فساد أمره وانتشاره. [مقتل الأشتر] وَكَانَ علي قد ولى قَيْس بْن سعد- بعد أمر النَّهْرَوَان- أذربيجان وولي الأشتر الجزيرة فكان مقامه بنصيبين، فَقَالَ: مَا لمصر إِلا أحد هذين الرجلين، فكتب إِلَى مالك الأشتر: «إنك ممن أستظهر بِهِ عَلَى إقامة الدين، وأقمع ببأسه ونجدته نخوة الأثيم، وأسد بِهِ وبحزم رأيه الثغر المخوف» . وأخبره بأمر ابْن أَبِي بكر، وشرحه لَهُ [2] ، وأمره أن يستخلف على عمله بعض ثقاته وتقدم عَلَيْهِ، ففعل فولاه مصر. وأتت مُعَاوِيَة عيونه بشخوص الأشتر واليا عَلَى مصر، فبعث إِلَى رأس أَهْل الخراج بالقلزم فَقَالَ لَهُ: إن الأشتر قادم عليك، فَإِن أنت لطفت لكفايتي إياه لم آخذ منك خراجًا مَا بقيت، فاحتل له بما قدرت عليه.

_ [1] كذا هنا «جمهاز» بالزاء المعجمة. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة ذكره بالسين المهملة، ثم إن لكتابه عليه السلام هذا مصادر، ذكرناها في ختام المختار: (124) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 47 ط 1.

فخرج الأشتر حَتَّى إذا أتى القلزم- وَكَانَ شخوصه من الْعِرَاق فِي البحر- استقبله الرجل فأنزله وأكرمه وأتاه بطعام، فلما أكل قَالَ لَهُ: أي الشراب أحب إِلَيْك إيها الأمير؟ قَالَ: العسل. فأتاه بشربة منه قد جعل فِيهَا سما، فلما شربها قتلته من يومه أَوْ من غده. وبلغت مُعَاوِيَة وفاته فَقَالَ: كانت لعلي يدان- يعني قَيْس بْن سعد (بن عبادة) والأشتر- فقد قطعت إحداهما [1] وجعل يقول: إن لله لجندًا من عسل. «462» وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا وهب بن جرير، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: وَجَّهَ عَلِيٌّ الأَشْتَرَ إلى مصر واليا عليها حين وهن أَمْرِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا صَارَ بِعَيْنِ شَمْسٍ [2] شَرِبَ شَرْبَةً مِنْ عَسَلٍ- يُقَالُ: إِنَّهُ سُمَّ فِيهَا-، فَمَاتَ فَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يقول: إن لله لجندا من عسل.

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «قطعتا إحداهما» ولعلها «قطعنا» . وفي تاريخ الطبري: واقبل الذي سقاه (السم) إلى معاوية فأخبره بمهلك الأشتر، فقام معاوية في الناس خطيبا فحمدا الله واثنى عليه، وقال: اما بعد فانه كانت لعلي بن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفين- يعني عمار بن ياسر- وقطعت الأخرى اليوم يعنى الأشتر. [2] قال في حرف العين من معجم البلدان: عين شمس- بلفظ الشمس التي في السماء-: اسم مدينة فرعون موسى بمصر، بينها وبين الفسطاط ثلاثة فراسخ (و) بينه وبين بلبيس من ناحية الشام قرب المطرية، وليست على شاطئ النيل، وكانت مدينة كبيرة وهي قصبة كورة اتريب، وهي الآن خراب وبها آثار قديمة واعمدة تسميها العامة مسال فرعون سود طوال جدا، تبين من بعد كأنها نخيل بلا رؤس.

ولاية عمرو بن العاص مصر

«463» قَالُوا: وَلَمَّا وَرَدَ عَلَى عَلِيٍّ خَبَرُ الأَشْتَرِ، كَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [1] وَقَدْ كَانَ وَجَدَ مِنْ تَوْلِيَةِ الأَشْتَرِ مَكَانَهُ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لَمْ أُوَلِّ الأَشْتَرَ عَمَلَكَ اسْتِبْطَاءً لَكَ فِي الْجَهْدِ، وَلا اسْتِقْصَارًا لأَمْرِكَ فِي الجند [2] وَلَوْ نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ سُلْطَانِكَ لولّيتك ما هو أيسر عليك مؤنة وَأَحَبُّ إِلَيْكَ وِلايَةً مِنْهُ، وَإِنَّ الرَّجُل الَّذِي وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ، كَانَ لَنَا نَصِيحًا، وَعَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنَا شَدِيدًا، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ وَلاقَى حِمَامَهُ وَنَحْنُ رَاضُونَ عَنْهُ، فَأَصْحِرْ لِلْعَدُوِّ، وَشَمِّرْ للحرب، وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاسْتَكْفِهِ يُعِنْكَ وَيَكْفِكَ إِنْ شَاءَ الله. [ولاية عمرو بن العاص مصر] «464» قَالُوا: ولما انصرف الحكمان وتفرقا وبويع مُعَاوِيَة بالخلافة، قوي أمره واستعلى شأنه، واختلف أَهْل الْعِرَاق عَلَى علي، فلم يكن لمعاوية همة إِلا مصر، وقد كَانَ لأهلها هائبا، لقربهم منه وشدتهم عَلَى من كَانَ يرى رأيه فدعا عَمْرو بْن العاص فولاه إياها عَلَى ما كانا افترقا عليه (كذا) ويقال: إنه دعا عَمْرو بْن العاص وحبيب بْن مسلمة، والضحاك بْن قَيْس الفهري وبسر ابن أبي أرطاة وعبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد، وأبا الأعور السلمي ومرّة ابن مالك الهمداني وشرحبيل بن للسمط الكندي فعرض ولايتها وحرب ابْن أَبِي بكر عليهم فكرهوا ذَلِكَ إِلا عَمْرو بْن العاص. ويقال: إن عمرًا استبطأ مُعَاوِيَة فِي أمر مصر، وما كَانَ وعده من توليته/ 406/ إياها فدسّ إليه من أنشده هذين البيتين:

_ [1] ولهذا الكتاب أيضا مصادر ذكرناها في ذيل المختار: (128) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 128، ط 1. [2] وفي رواية الطبري: «ولا ازديادا مني لك في الجد» .

يَا لك الخير انتهزها فرصة ... واشبب النار لمقرود يكز أعطه مصر وزده مثلها ... إنما مصر لمن عز فبز فلما أراد الشخوص إِلَى مصر تقدم إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فِي محاربة مُحَمَّد بْن أَبِي بكر وكتب ابْن أَبِي بكر إِلَى علي، يعلمه ولاية عَمْرو بْن العاص مصر، من قبل مُعَاوِيَة ويقول لَهُ: إنه توجه فِي جيش لجب، وبمن قبلي من الفشل والوهن ما لا انتفاع بهم معه، فإن كانت لك (في) مصر حاجة فأمدّني بالأموال والرجال. فكتب (علي عليه السلام) إليه [1] يأمره بالتحرز والاحتراس، واذكا (ء) العيون وجمع شيعته إِلَيْهِ، وأن يندب كنانة بْن بشر بْن عتاب بْن عوف السكوني- وَهُوَ الَّذِي ضرب عُثْمَان بْن عفان بعمود عَلَى رأسه- إِلَى عدوه، ويعلمه أنه باعث إِلَيْهِ بالرجال عَلَى كل صعب وذلول، فَإِن اللَّه قد يعز أقل الفئتين بالحق ويذل أكثرهما بالباطل. وخطب علي أَهْل الْكُوفَةِ [2] ودعاهم إِلَى إغاثة مُحَمَّد بْن أَبِي بكر ومن مَعَهُ من أهل مصر، فتقاعدوا (عنه) ثم انتدب منهم جنيد (كذا) أنفذهم إِلَى مصر، مَعَ كعب بْن مالك الْهَمْدَانِيّ، فلم يبلغوا حَتَّى أتى عَلِيًّا مقتل محمد ابن أَبِي بكر، فردهم من بعض الطريق وخطب فقال:

_ [1] وكتابه عليه السلام هذا ذكرناه في المختار: (128) من باب كتبه عليه السلام من نهج السعادة: ج 5 ص 130، نقلا عن كتاب الغارات. [2] وخطبته عليه السلام هذه ذكرها في كتاب الغارات كما في شرح المختار: (67) من النهج لابن أبي الحديد: ج 6 ص 89، وكما في بحار الأنوار: ج 8 ص 650، ورواها أيضا الطبري في تاريخه: ج 4/ 81 ط مصر.

الحمد لله الَّذِي ابتلاني بمن لا يطيعني إذا أمرت، وَلا يجيبني إذا دعوت. فِي كلام لَهُ [1] . وكتب معاوية إلى محمد ابن أَبِي بكر كتابا يأمره فِيهِ بالتنحي والاعتزال. وشخص عَمْرو بْن العاص من قبل مُعَاوِيَة فِي ستة آلاف ضمهم إِلَيْهِ فلما دنا من مصر، كتب إِلَى ابْن أَبِي بكر: «أن تنح عني بدمك فإني أكره أن يصيبك مني ظفر، وقد صح عندي ووضح لي أن أهل البلد قد شنئوك ورفضوا رأيك وندموا عَلَى اتباعك» . فكتب مُحَمَّد بْن أَبِي بكر إِلَى مُعَاوِيَةَ وعمرو جواب كتابيهما بالتكذيب لهما فيما ادعيا لو ترك إجابتهما إِلَى مَا أرادا وعزم عَلَى لقاء عَمْرو، فقدم كنانة بْن بشر- وَهُوَ التُّجِيبِيّ نسب إِلَى تجيب بنت ثوبان بْن سليم من مذحج وهي أم ولد أشرس بْن شبيب بن السكون- وضمّ إليه زهاء ألفي رجل، واتبعه فِي مثل أولئك، وورد عَمْرو فسرح الكتائب إِلَيْهِ كتيبة بعد كتيبة، وجعل كنانة يستقدم فلا يلقى كتيبة إِلا صبر عَلَى قتالها فيمن مَعَهُ، حَتَّى جاء مُعَاوِيَة بْن حديج بْن جفنة بْن قتير السكوني فِي الدهم فأحيط بكنانة ومن معه من خلفهم وأمامهم فأصيبوا (ظ) ونزل كنانة فجالد بسيفه حَتَّى قتل، وأقبل الجيش نحو محمد ابن أَبِي بكر فتفرق عَنْهُ أصحابه حَتَّى بقي وما مَعَهُ أحد فلما رأي ذَلِكَ خرج متعجلا فمضى عَلَى الطريق حَتَّى انتهى إِلَى خربة فآوى إِلَيْهَا، وجاء عَمْرو فدخل القصر، وخرج ابْن حديج فِي طلب ابْن أَبِي بكر، فانتهى إِلَى أعلاج من القبط عَلَى قارعة الطريق فسألهم هل مر بهم أحد ينكرونه ويستريبون بِهِ؟ فَقَالَ أحدهم: لا والله ولكني دخلت تلك الخربة فوجدت فِيهَا رجلا جالسا فَقَالَ ابْن حديج: هُوَ هُوَ ورب الكعبة، فانطلقوا يركضون دوابهم حتى

_ [1] وهذه الخطبة ذكرها أيضا في كتاب الغارات وتاريخ الطبري مرتبة على الخطبة الأولى التي مرت الاشارة إلى مظان ذكرها.

مقتل محمد بن أبي بكر

دخلوا عَلَيْهِ فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا، فأقبلوا بِهِ نحو الفسطاط، ووثب أخوه عَبْد الرحمان ابن أَبِي بكر إِلَى عَمْرو وَكَانَ مَعَهُ فَقَالَ: أيقتل أخي صبرا؟ ابعث إِلَى ابْن حديج فانهه عَن قتله. فبعث إِلَيْهِ عَمْرو أن يأتيه بمحمد ابن أَبِي بكر، فَقَالَ: قتلتم كنانة بْن بشر وَهُوَ ابْن عمي وأخلي عَن مُحَمَّد، هيهات هيهات. [مقتل محمد بن أبي بكر] واستسقي محمد (ابن أبي بكر) ماء فَقَالَ لَهُ ابْن حديج: منعتم عُثْمَان أن يشرب حَتَّى قتلتموه صائما فتلقاه اللَّه بالرحيق المختوم، والله لأقتلنك ظمآن حَتَّى يلقاك اللَّه بالحميم والغساق. فَقَالَ لَهُ: ليس هَذَا إِلَيْك لا أم لك، أما والله لو أن سيفي فِي يدي مَا بلغتم بي هَذَا- وَكَانَ ألقى سيفه ليختلط بالناس فلا يعرف/ 407/ فَقَالَ مُعَاوِيَة بْن حديج: إني قاتلك بعثمان الخليفة المظلوم. فَقَالَ مُحَمَّد: إن عُثْمَان عمل بالجور وترك حكم الكتاب فنقمنا ذَلِكَ عَلَيْهِ. فقدمه فقتله وجعله فِي جوف حمار وحرقه بالنار. فلما بلغ ذَلِكَ عائشة- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- جزعت عَلَيْهِ وقبضت عياله وولده إليها، ولم تأكل مذ ذاك شواء حَتَّى توفيت، ولم تعثر قط إِلا قَالَت: تعس مُعَاوِيَة بْن حديج. وفي بعض رواية الواقدي: أن كنانة بْن بشر قتل يوم الدار. وذلك باطل. «465» قَالُوا: وكتب عَمْرو بْن العاص إلى معاوية ابن أبي سفيان: «إنا لقينا محمد ابن أَبِي بكر، وكنانة بْن بشر وهما فِي جموع أَهْل مصر، فدعوناهم إِلَى الهدى والتنبه فغمطوا الحق وتهوكوا فِي الضلال فجاهدناهم واستنصرنا اللَّه عليهم فضرب اللَّه وجوههم وأدبارهم ومنحنا أكتافهم (ظ) فقتل الله محمد ابن أَبِي بكر، وكنانة بْن بشر، وأماثل من كَانَ معهما والحمد لله رب العالمين والسلام» .

وبلغ عليا مقتل (محمد) ابْن أَبِي بكر، فخطب النَّاس فَقَالَ: «ألا إن محمد ابن أبي بكر رحمه الله (قد) قتل، وتغلب ابْن النابغة- يعني عَمْرو بْن العاص- عَلَى مصر، فعند اللَّه نحتسب محمدًا، فقد كَانَ ممن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء» . فتكلم بكلام كثير وبخ فيه أصحابه واستبطاءهم وَقَالَ لهم: دعوتكم إِلَى غياث أصحابكم بمصر مذ بضع وخمسون ليلة فجرجرتم جرجرة البعير الأسر، وتثاقلتم إِلَى الأرض تثاقل من ليست لَهُ نية فِي الجهاد وَلا اكتساب الأجر فِي المعاد، ثُمَّ خرج إِلَيْهِ منكم جنيد ضعيف «كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» (6/ الأنفال) [1] . وقيل لعلي: لشدّ مأجزعت عَلَى ابْن أَبِي بكر؟! فَقَالَ: [رحم اللَّه محمدًا أنه كَانَ غلاما حدثا، ولقد أردت تولية مصر، هاشم [2] بْن عتبة ولو وليته إياها مَا خلا لهم العرصة بلا ذم لمحمد، فقد كان لي ربيبا وكان (من) ابني أخي جعفر أخا، وكنت أعده ولدا] .

_ [1] والخطبة رواها أيضا الزبير بن بكار في الحديث: (202) من النسخة المنقوص الأول من كتاب الموفقيات ص 348 من المطبوعة، ورواها أيضا نقلا عنه في ترجمة عبد الرحمان بن شبيب الفزاري من تاريخ دمشق: ج 32/ 157، ورواها أيضا في كتاب الغارات كما في شرح المختار: (67) من النهج من ابن أبي الحديد: ج 6/ 92، وكما في البحار: ج 8/ 651، ورواها أيضا في المختار: (39) من نهج البلاغة. ورواها أيضا في تاريخ الطبري: ج 4/ 82، وفي ط: ج 5 ص 108، وفي تاريخ الكامل: ج 3 ص 180. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «هشام بن عتبة» . والكلام رواه أيضا في المختار (67) من نهج البلاغة، ورواه ابن أبي الحديد في شرحه: ج 6/ 93 عن المدائني، ورواه أيضا الطبري في تاريخه: ج 4 ص 83، وقريبا منه رواه في مروج الذهب: ج 2 ص 409 ط بيروت.

وكانت أم عَبْد اللَّهِ بْن جعفر أسماء بنت عميس فخلف عَلَيْهَا أَبُو بكر، ثُمَّ علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما، وَكَانَ مُحَمَّد ربيب علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما. «466» وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قال سمعت محمد بن سيرين (انه) قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ وعمرو بن العاص كتابا أغلظا فيه وشتما (هـ) . فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا بِكِتَابٍ لَطِيفٍ قَارَبَهُمَا فِيهِ، فَكَتَبَا إِلَيْهِ يَذْكُرَانِ شَرَفَهُ وَفَضْلَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا بِمِثْلِ جَوَابِهِ كِتَابَهُمَا الأَوَّلَ، فَقَالا: إِنَّا لا نُطِيقُ مَكْرَ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَكِنَّا نَمْكُرُ بِهِ عِنْدَ عَلِيٍّ، فَبَعَثَا بِكِتَابِهِ الأَوَّلِ إِلَى عَلِيٍّ فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ غَدَرَ وَاللَّهِ قَيْسٌ فَاعْزِلْهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: [وَيْحَكُمْ أَنَا أَعْلَمُ بقيس إنه والله (ظ) مَا غَدَرَ وَلَكِنَّهَا إِحْدَى فِعْلاتِهِ.] قَالُوا: فَإِنَّا لا نَرْضَى حَتَّى تَعْزِلَهُ. فَعَزَلَهُ وَبَعَثَ مَكَانَهُ محمد ابن أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: إِنَّ معاوية وعمرو سَيَمْكُرَانِ بِكَ، فَإِذَا كَتَبَا إِلَيْك بِكَذَا فَاكْتُبْ بِكَذَا، فَإِذَا فَعَلا كَذَا فَافْعَلْ كَذَا وَلا تُخَالِفْ مَا آمُرُكَ بِهِ فَإِنْ خَالَفْتَهُ قُتِلْتَ. «467» قَالُوا: وَكَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس بمقتل محمد ابن أَبِي بَكْرٍ [1] وَعَبْدِ اللَّهِ بِالْبَصْرَةِ، قَبْلَ أَنْ يكتب أبو الأسود الدئلي إلى علي فيه، وقبل أن يقع بَيْنَهُمَا الْمُنَافَرَةُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ نَافَرَ عليا بالنهروان [2] ولحق بمكة.

_ [1] والكتاب ذكرناه في المختار: (129) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5/ 131- 132، عن مصادر. [2] كذا.

(في بيان أسر محمد - بن أبي حذيفة وقتله)

(في بيان أسر محمد- بن أبي حذيفة وقتله) وأما محمد ابن أبي حذيفة، فإن محمد ابن أَبِي بكر خلفه حين زحف إِلَى 3/ 174 عَمْرو بْن العاص (عَلَى مَا) تحت يده، فلما قتل ابْن أَبِي بكر، جمع من النَّاس مثل مَا كَانَ مَعَ ابْن أَبِي بكر (فزحف إلى) عَمْرو وأصحابه [1] فآمنه عَمْرو، ثُمَّ غدر بِهِ وحمله إِلَى مُعَاوِيَةَ/ 408/ وَمُعَاوِيَة بفلسطين، فحبسه فِي سجن لَهُ، فمكث غير طويل ثُمَّ إنه هرب وَكَانَ مُعَاوِيَة يحب نجاته، فَقَالَ رجل من خثعم يُقال لَهُ عبيد اللَّه بْن عَمْرو بْن ظلام- وَكَانَ عثمانيًا-: أنا أتبعه، فخرج فِي خيل فلحقه بحوران وقد دخلَ غارًا فدل عَلَيْهِ فأخرجه وخاف أن يستبقيه مُعَاوِيَة- إن أتاه بِهِ- فضرب عنقه. ويقال: أَيْضًا: إن ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ توارى فطلبه عَمْرو بْن العاص حَتَّى قدر عَلَيْهِ وحمله إِلَى مُعَاوِيَةَ فحبسه ثُمَّ هرب من حبسه فلحق فقتل. وقوم يقولون: إن ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ حين أخذ لم يزل فِي حبس معاوية إلى

_ [1] بين المعقوفات كان غير مقروء بنحو اليقين ولأجله وضعنا بينها، نعم إن سيدنا الأجل الطباطبائي قرأه بنحو القطع.

بعد مقتل حجر بْن عدي، ثُمَّ إنه هرب فطلبه مالك بْن هبيرة بْن خالد الكندي ثُمَّ السكوني، ووضع الأرصاد عَلَيْهِ، فلما ظفر بِهِ قتله غضبا لحجر وقد كَانَ مالك بْن هبيرة هَذَا التمس خلاص حجر حين قدم بِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فألفاه قد قتل، فأمر لَهُ مُعَاوِيَة بمائة ألف درهم حتى رضي. «468» وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْن الْهَيْثَم، حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صالح، عن الليث ابن سعد، قال: بلغنا أن محمد ابن أَبِي حُذَيْفَةَ لما ولي قَيْس بْن سعد شخص عَن مصر [1] يريد المدينة- أَوْ يريد عَلِيًّا- وبلغ مُعَاوِيَة خبر شخوصه فوضع عَلَيْهِ الأرصاد حتى أخذ (و) هـ وحمل إِلَيْهِ فحبسه فتخلص من الحبس واتبعه رجل من اليمانية فقتله. «469» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير ابن حازم، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: خرج ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ من مصر، يريد مُعَاوِيَة، فحبسه فأفلت ودخل مغارة بفلسطين، فأقبل رجل عَلَى دابة لَهُ وَهُوَ لا يشعر بمكانه، فدخلت نعرة فِي منخر دابته [2] فنفرت حَتَّى دخلت المغارة، فأراد بعض من مَعَ ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ قتله وقد عرفوه فنهاهم ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْهُ، فمضى حَتَّى دل عليهم، فقتل ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ يومئذ. «470» وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ، وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قال: لما اجْتَمَعَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بَعْدَ الْجَمَلِ وَقَبْلَ صِفِّينَ، سَارَ عَمْرٌو فِي جَيْشٍ إلى مصر، فلما قرب

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «بلغنا ان محمد ابن أبي حذيفة قال لما ولي قيس بن سعد، وشخص عن مصر، يريد المدينة» . [2] النعرة- كصردة-: ذبابة ضخمة زرقاء تسقط على الدواب فتؤذيها، وتدخل في انوف الخيل والحمير، والجمع نعر ونعرات على زنة صرد وصردات.

منها لقيه محمد ابن أَبِي حُذَيْفَةَ فِي النَّاسِ، فَلَمَّا (رَأَى) عَمْرٌو كَثْرَةَ مَنْ مَعَهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَالْتَقَيَا وَاجْتَمَعَا، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّهُ قَدْ كَانَ مَا تَرَى وَقَدْ بَايَعْتُ هَذَا الرَّجُلَ وَتَابَعْتُهُ، وَمَا أَنَا رَاضٍ بِكَثِيرٍ مِنْ أَمْرِهِ وَلَكِنَّ لَهُ سَنًّا، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ عَلِيًّا أَفْضَلُ مِنْ مُعَاوِيَةَ نَفْسًا وَقَدَمًا، وَأَوْلَى بِهَذَا الأَمْرِ، وَلَكِنْ وَاعِدْنِي مَوْعِدًا أَلْتَقِي أَنَا وَأَنْتَ [1] فِيهِ عَلَى مَهَلٍ فِي غَيْرِ جَيْشٍ تَأْتِي فِي مِائَةِ رَاكِبٍ لَيْسَ مَعَهُمْ إِلا السُّيُوفَ فِي الْقِرَبِ وَآتِي فِي مِثْلِهِمْ. فَتَعَاقَدَا وَتَعَاهَدَا عَلَى ذلك، واتعدا العريش (ظ) لِوَقْتٍ جَعَلاهُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَفَرَّقَا وَرَجَعَ عَمْرٌو إلى معاوية، فأخبره الخبر، فلما حل الأَجَلُ، سَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ فِي مِائَةِ رَاكِبٍ، وَجَعَلَ عَمْرٌو لَهُ جَيْشًا خَلْفَهُ، وَكَانَ ابْنُ (أَبِي) حُذَيْفَةَ يَتَقَدَّمُهُ فَيَنْطَوِي خبره (كذا) فَلَمَّا الْتَقَيَا بِالْعَرِيشِ قَدِمَ جَيْشُ عَمْرٍو عَلَى إِثْرِهِ، فَعَلِمَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ قَدْ غَدَرَ بِهِ، فَانْحَازَ إِلَى قَصْرٍ بِالْعَرِيشِ فَتَحَصَّنَ فِيهِ، فَرَمَاهُ عمرو بالمنجنيق حتى أخذ (هـ) أَخْذًا فَبَعَثَ بِهِ عَمْرٌو إِلَى مُعَاوِيَةَ فَسَجَنَهُ عِنْدَهُ، وَكَانَتِ ابْنَةُ قَرَظَةَ امْرَأَةِ مُعَاوِيَةَ ابْنَةُ عمة محمد ابن أَبِي حُذَيْفَةَ- أُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ- تَصْنَعُ لَهُ طَعَامًا وَتُرْسِلُ بِهِ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ، فَلَمَّا سَارَ مُعَاوِيَة إِلَى صِفِّينَ، أَرْسَلَتِ ابْنَةُ قَرَظَةَ بِشَيْءٍ فِيهِ مَسَاحِلُ مِنْ حَدِيدٍ [2] إِلَى ابْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَطَعَ بِهَا الْحَدِيدَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاخْتَبَأَ فِي مغارة بجبل الذيب بفلسطين فدك [3] ينظر عليه

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «التقي فيه انا وأنت» ويحتمل أيضا ان يقرء: «التقي فيم انا وأنت» . [2] هذا هو الصواب، وهو بالحاء المهملة: جمع المسحل: آلة النحت. وذكره في النسخة بالجيم. [3] ويحتمل أيضا ان يقرء: «فدل» . ولعل الصواب: «فظل ينظر» او فدل على مكانه بحيث ينظر إليه» .

رِشْدِينَ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَبِيهِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ خَلَّفَهُ عَلَى فِلَسْطِينَ فَأَخَذَهُ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد: أَنْشُدُكَ اللَّهَ لَمَا خَلَّيْتَ سَبِيلِي فَقَالَ لَهُ: أُخَلِّي سَبِيلَكَ فَتَذْهَبُ إِلَى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ وَتُقَاتِلُ مَعَهُ ابْنَ عَمَّتِكَ/ 409/ وَابْنَ عَمِّكَ مُعَاوِيَةَ (كذا) ، وَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ شَايَعَ عَلِيًّا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ. فَقَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. «471» وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: وَقَدْ قيل: إن محمد ابن أبي حذيفة كان في جيش (محمد) ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَخَذَ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

أمر الخريت بن راشد السامي في خلافة علي عليه السلام [1]

أمر الخريت بْن راشد السامي فِي خلافة علي عَلَيْهِ السلام [1] «472» قَالَ أَبُو مخنف وغيره: كَانَ الخريت بْن راشد السامي- من ولد سامة بن لويّ- مع عليّ بن أبي طالب في ثلاثمأة من بني ناجية، فشهد مَعَهُ الجمل بالبصرة، وشخص مَعَهُ إِلَى صفين فشهد مَعَهُ الحرب، فلما حكم الحكمان مثل بين يدي علي بالْكُوفَة فَقَالَ لَهُ: والله لا أطعت أمرك وَلا صليت خلفك. فَقَالَ [لَهُ علي ثكلتك أمك إذا تعصي ربك وتنكث عهدك وَلا تضر إِلا نفسك، ولم تفعل ذَلِكَ؟ قَالَ:] لأنك حكمت فِي الكتاب، وضعفت عَن الحق حين جد الجد، وركنت إِلَى القوم الَّذِينَ ظلموا أنفسهم، فأنا عليك زار وعليهم ناقم!! فدعاه علي إِلَى أن يناظره ويفاتحه فَقَالَ: أعود إليك غدا.

_ [1] والقصة رواها مسندة في كتاب الغارات، ورواها عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (44) من النهج: ج 3 ص 128، كما رواها عنه في البحار: ج 8 ص 615، ورواها أيضا الطبري بسند آخر، - في حوادث سنة (38) من تاريخه: ج 4 ص 86، وفي ط: ج 5/ 113- نقلا عن أبي مخنف.

ثُمَّ أتى قومه فأعلمهم مَا جرى بينه وبين علي، ولم يأت عَلِيًّا وسار من تحت ليلته من الْكُوفَة ومعه قومه، وتوجه نحو كسكر، فلقيه رجل من المسلمين فِي طريقه فسأله وأصحابه عَن قوله فِي علي؟ فَقَالَ فِيهِ خيرًا، فوثبوا عَلَيْهِ بأسيافهم فقطعوه، فكتب قرظة بْن كعب وَكَانَ عَلَى طساسيج السواد، إِلَى علي: أن يهوديا سقط إلينا فأخبرنا أن خيلا أقبلت من ناحية الْكُوفَة، فأتت قرية يقال لَهَا: «نفر» [1] فلقيت بِهَا رجلا من أَهْل تلك القرية يقال لَهُ: زذان فروخ [2] فسألته عَن دينه قَالَ: أنا مسلم. ثم سألوه عن أمير المؤمنين. فقال: (هو) إمام هدى. فقطعوه بأسيافهم وانهم سألوا اليهودي عَن دينه فَقَالَ: أنا يهودي. فخلوا سبيله فأتانا فأخبرنا بهذه القصة. فكتب علي إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ [3] : إني كنت أمرتك بالمقام في دير

_ [1] هي على زنة «قنب» : قرية على نهر النرس من نواحي بابل من اعمال الكوفة. [2] كذا في النسخة، وفي الطبري: «زاذان فروخ» . والظاهر انه من الأسماء العجمية. وان اصله: «فرخ» . [3] وهذا سهو من قائله، لأن أمير المؤمنين عليه السلام عزل أبا موسى عند ما توجه إلى البصرة لما تحقق لديه انه يخذل الناس عنه ويأمرهم بالقعود والتخلف عنه، فلم يزل مطرودا عن امير المؤمنين إلى ان انخدعت نوكى القراء ومن كان في قلوبهم مرض من اصحاب امير المؤمنين بخدعة معاوية وابن العاص بصفين، لما رفعوا المصاحف على الرماح ودعوا إلى التحكيم فحينئذ نوه الأشعث والقراء بذكر أبي موسى وأكرهوا عليا عليه السلام على تعيينه للحكومة كما اجبروه على اصل قبول التحكيم، فلم يزل الرجل معزولا عن كل شيء إلى ان بعث الى دومة الجندل والأذرح للاجتماع مع ابن العاص للنظر في حكم القرآن وما يدعو اليه، فانسلخ من آيات الله واتبع الشيطان وكان من الغاوين، وإذا فالصحيح ما يذكره بعده من انه كتب الى زياد بن خصفة- دون أبي موسى- وهكذا ذكره الثقفي في كتاب الغارات والطبري في تاريخه.

أبي موسى فيمن ضمت إليك إلى أن يضح خبر القوم الظالمي أنفسهم الباغين عَلَى أَهْل دينهم، وقد بلغني أن جماعة مروا بقرية يقال لَهَا: «نفر» فقتلوا رجلا من أَهْل السواد مصليا، فانهض إِلَيْهِمْ عَلَى اسم اللَّه، فَإِن لحقتهم فادعهم إِلَى الحق فَإِن أبوه فناجزهم واستعن بالله عليهم. ففاتوه ولم يلقهم وذلك قبل خروج أَبِي مُوسَى للحكم (ظ) . ويقال: إن عَلِيًّا لم يكتب إِلَى أَبِي موسى في هذا بشيء، وَكَانَ علي قد وجه زياد بْن خصفة وعبد الله بن وال التيمي في طلبهم نحو الْبَصْرَة فِي كثف [1] فلحقهم زياد بالمزار، وقد أقاموا هناك ليستريحوا ويرتحلوا، فكره زياد حربهم عَلَى تلك الحال- وَكَانَ رفيقا حازما مجربا- ثُمَّ دعا زياد الخريت إِلَى أن ينتبذا ناحية فيتناظرا، فتنحيا حجرة [2] مَعَ كُلّ واحد مِنْهُمَا خمسة من أصحابه، فسأل زياد الخريت عَن الَّذِي أخرجه إِلَى مَا فعل؟ (كذا) فَقَالَ: لم أرض صاحبكم وَلا سيرته فرأيت أن أعتزل وأكون مَعَ من دعا إِلَى الشورى فسأله أن يدفع إِلَيْهِ قتله الرَّجُل المصلي، فأبي ذَلِكَ وَقَالَ: مَا إِلَيْهِ سبيل، فهلا أسلم صاحبك قتلة عُثْمَان؟ فدعا كُلّ واحد أصحابه فاقتتلوا أشد قتال حَتَّى تقصفت الرماح وانفتت السيوف وعقرت عامة خيلهم وحال بينهم الليل فتحاجزوا. ثُمَّ إنهم مضوا من ليلتهم إِلَى الْبَصْرَةِ، واتبعهم زياد بْن خصفة حين أصبح، فلما صار إِلَى الْبَصْرَةِ بلغه مضيهم إِلَى الأهواز، فلما صاروا إِلَيْهَا تلاحق بهم قوم كانوا بالْكُوفَة من أصحابهم اتبعوهم بعد شخوصهم وانضم إِلَيْهِمْ أعلاج وأكراد، فكتب زياد إِلَى علي بخبرهم، وبما كَانَ بينه وبينهم بالمزار، فكتب إليه علي بالقدوم.

_ [1] الكثف- كضرب-: الجماعة. [2] الحجرة- كحربة وغرفة-: الناحية والجانب.

وقام معقل بْن قَيْس الرياحي فَقَالَ: أصلح اللَّه أمير الْمُؤْمِنِينَ إن لقاءنا هَؤُلاءِ بأعدادهم/ 410/ إبقاء عليهم، إن القوم عرب، والعدة تصبر للعدة فتنتصف مِنْهَا، والرأي أن توجه إِلَى كل رجل (منهم) عشرة من المسلمين ليجتاحوهم [1] فأمره بالشخوص وندب معه أهل الكوفة الأكبر [2] وفيهم يزيد بْن المغفل الأزدي، وكتب إِلَى ابْن عَبَّاس أن يشخص جيشا إِلَى الأهواز ليوافوا معقلا بِهَا وينضموا إِلَيْهِ [3] فوجه إِلَيْهِ خالد بْن معدان الطائي فِي ألفي رجل من أهل البصرة فلحقوا به فلما و (افوا) [4] معقلا نهض لمناجزة الخريت (الباغي) وقد بلغه أنه يريد قلعة برامهرمز، فأجد السير نحوه حَتَّى لحقه بقرب الجبل، فحاربه وعلى ميمنته يزيد بْن المغفل، وعلى ميسرته منجاب بْن راشد الضبي من أَهْل الْبَصْرَةِ، فما لبث السامي وأصحابه إِلا قليلا حَتَّى قتل من بني ناجية سبعون رجلا، ومن أتباعه من العلوج والأكراد ثلاثمأة، وولوا منهزمين حَتَّى لحقوا بأسياف البحر، وبها جماعة من قومهم من بني سامة ابن لوي، ومن عَبْد القيس، فأفسدهم الخريت عَلَى علي ودعاهم إِلَى خلافه، فصار مَعَهُ بشر كثير منهم وممن والاهم من سائر العرب وَقَالَ: إن حكم علي الَّذِي رضي بِهِ قد خلعه، والأمر بين المسلمين شورى، وَقَالَ لمن يرى رأي عُثْمَان: إنه قتل مظلوما وأنا أطلب بدمه.

_ [1] هذا هو الصواب، وهو من الاجتياح: الإهلاك والاستيصال. وفي النسخة «ليحتاجوهم» . [2] كلمة: «الأكبر» غير مقطوعة وكتبناها على الاحتمال، وهنا قد طغى قلم كاتب النسخة فسال منه الحبر على ثلاثة أسطر منها فجعل جل الكلمات منها غير مقروءة الا بمؤنة الكبرة وملاحظة السياق. [3] كلمة: «ليوافوا» غير مقطوعة، بل كتبناها على الظن. [4] بين المعقوفات غير مقروء، وأثبتناه بمناسبة السياق.

وكتب علي إِلَى أَهْلِ الأسياف يدعوهم إِلَى الطاعة، وأمر معقل ابن قَيْس أن ينصب لهم راية أمان، فنصبها فانقضّ عَن الخريت عامة من اتبعه من النَّاس، وَكَانَ مَعَهُ قوم من النصارى أسلموا فاغتنموا فتنته فارتدوا وأقاموا مَعَهُ، وارتد قوم ممن وراءهم. وَقَالَ الخريت لقومه: امنعوا يَا قوم حريمكم. فَقَالَ لَهُ رجل منهم: هَذَا مَا جنيته علينا. فقال: سبق السيف العذل وقد صابت بقر [1] . وَكَانَ الخريت يوهم للخوارج أنه عَلَى رأيهم، ويوهم للعثمانية أنه يطلب بدم عُثْمَان. ثُمَّ إن معقلا عبأ أصحابه وانشب الحرب بينه وبين الخريت ومن مَعَهُ، فصبروا ساعة، وحمل النعمان بْن صهبان عَلَى الخريت فطعنه طعنة فصرعه ونزل إِلَيْهِ فوجده قد استقل، فحمل الخريت عَلَيْهِ فاختلفا ضربتين فقتله النعمان بضربته، وقتل أكثر ذَلِكَ الجمع وهرب فلهم يمينا وشمالا. وبعث معقل الخيل فِي مظان بني ناجية فأتى منهم برجال ونساء وصبيان، فأما من كَانَ منهم مسلما فإنه من عَلَيْهِ وخلى سبيله، وأما من كَانَ نصرانيا أَوْ مرتدًا فإنه عرض عليهم الإسلام فمن قبله تركه ومن لم يقبله وَكَانَ نصرانيا سباه. وكتب معقل إِلَى علي: أما بعد فإني أخبر أمير الْمُؤْمِنِينَ أنا دفعنا إِلَى عدونا بالأسياف فوجدناهم قبائل ذات عدد وحدّ وجدّ، قد جمعوا لنا وتحازبوا علينا، فدعوناهم إِلَى الجماعة وبصرناهم الرشد، ورفعنا لهم راية أمان ففاءت منهم إلينا طائفة وبقيت طائفة أخرى منابذة فقاتلناهم فضرب الله

_ [1] كذا في النسخة، وفي تاريخ الطبري: «سبق السيف العذل، إيها والله لقد أصابت قومي داهية» .

وجوههم ونصرنا عليهم، فأما من كان منهم مسلما فمننا عَلَيْهِ وأخذنا بيعته وقبضنا صدقة ماله، وأما من ارتد فإنا عرضنا عَلَيْهِ الإسلام فأسلموا إِلا رجلا واحدًا فقتلناه، وأما النصارى فإنا سبيناهم وأقبلنا بهم ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أَهْل الذمة، كيلا يمنعوا الجزية ويجترءوا عَلَى قتال أَهْل القبلة. وَكَانَ مصقلة بْن هبيرة الشيباني عاملا على أرد شير خرة من فارس، فمر بهم عَلَيْهِ وهم خمسمائة إنسان فصاحوا إليه يا (أ) با الفضل يَا فكاك العناة وحمال الأثقال وغياث المعصبين أمنن علينا وافتدنا فأعتقنا- وكانت كنية مصقلة أَبُو الفضيل ولكنهم كرهوا تصغيرها- فوجه مصقلة إِلَى معقل بْن قَيْس من يسأل بيعهم منه، فسامه معقل بهم [1] ألف ألف درهم، فلم يزل يراوضه وتستنقصه حتى سلمهم إليه/ 411/ بخمسمأة ألف درهم، ويقال: بأربعمائة ألف درهم ودفعهم إِلَيْهِ، فلما صاروا إِلَى مصقلة قال له معقل: علي بالمال. فَقَالَ: أنا باعث منه فِي وقتي هَذَا بصدر ثُمَّ متبعه صدرًا حَتَّى لا يبقى علي شَيْء منه. وقدم معقل عَلَى علي فأخبره الخبر، فصوبه فيما صنع، وامتنع مصقلة من البعثة بِشَيْءٍ من المال وكسره وخلى سبيل الأسرى فكتب علي فِي حمله وأنفذ الكتاب مَعَ أَبِي حرة الحنفي وأمره بأخذه بحمل ذَلِكَ المال فَإِن لم يفعل أشخصه إِلَى ابْن عَبَّاس ليأخذه بِهِ، لأنه كَانَ عامله عَلَى الْبَصْرَة والأهواز وفارس، والمتولى لحمل مَا فِي هَذِهِ النواحي من الأموال إِلَيْهِ، فلم يدفع إِلَيْهِ من المال شَيْئًا، فأشخصه إِلَى الْبَصْرَةِ، فلما وردها قيل لَهُ: إنك لو حملت هَذَا الشيء قومك لاحتملوه، فأبي أن يكلفهم إياه، ودافع ابْن عَبَّاس بِهِ، وَقَالَ: أما والله لو أني سألت ابْن عفان أكثر منه لوهب لي، وقد كان أطعم الأشعث خراج آذربيجان.

_ [1] يقال: «سام السلعة- من باب قال- سوما وسواما» : عرضها وذكر ثمنها. و «سام المشترى السلعة» : طلب بيعها أو ثمنها.

ثُمَّ إنه احتال حَتَّى هرب فلحق بمعاوية، فقال عليّ: [ما له ترحه اللَّه فَعَلَ فِعْلَ السيد وفر فرار العبد [1]] . وقد يقال: إن أمر الخريت كَانَ قبل شخوص ابْن عَبَّاس إِلَى الشَّام فِي أمر الحكومة. ويقال: أيضًا: أنه كَانَ بعد انصرافه من الحكومة. «473» وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الطُّفَيْلِ: أَنَّ عَلِيًّا سَبَى بَنِي نَاجِيَةَ وَكَانُوا نَصَارَى قَدْ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا: فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وسبا الذُّرِّيَّةَ فَبَاعَهُمْ مِنْ مَصْقَلَةِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَأَدَّى خَمْسِينَ وَبَقِيَتْ خَمْسُونَ فَأَعْتَقَهُمْ وَلَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَأَجَازَ عَلِيٌّ عِتْقَهُمْ. قَالَ عَمَّارٌ: وَأَتَى عَلِيٌّ دَارَهُ فَشَعَّثَهَا. «474» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ فَلَقِيتُ أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا سَبَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ. فَقَالَ: إِنَّ مَعْقِلَ ابن قَيْسٍ الرِّيَاحِيَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ حَرْبِ الْخِرِّيتِ بْنِ رَاشِدٍ الْحَرُورِيِّ سَارَ عَلَى أَسْيَافِ فَارِسَ، فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ مِنْ بَنِي نَاجِيَةَ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: قَوْمٌ مُسْلِمُونَ. فَتَخَطَّاهُمْ ثُمَّ أَتَى قَوْمًا آخَرِينَ مِنْ بَنِي نَاجِيَةَ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَصَارَى وَقَدْ كُنَّا أَسْلَمْنَا ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ لِعِلْمِنَا بِفَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الأَدْيَانِ. فَوَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ فَقَتَلَ وسبا، وهم الَّذِينَ بَاعَهُمْ عَلِيٌّ مِنْ مَصْقَلَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الشيباني [2] .

_ [1] ورواه أيضا في ترجمة مصقلة من تاريخ دمشق: ج 55 ص 822، وكذلك في تاريخ الطبري ومروج الذهب، ورواه بلفظ احسن من الجميع في المختار: (44) من نهج البلاغة. [2] وقال في عنوان: «الارتداد عن الاسلام» من منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد: ج 1، ص 60- نقلا عن البيهقي: عن أبي الطفيل قال: كنت في الجيش الذين بعثهم علي بن أبي طالب إلى بني ناجية، فانتهينا إليهم فوجدناهم على ثلاث فرق، فقال الأمير لفرقة منهم: ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا فثبتنا على إسلامنا، وقال للثانية: ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فثبتنا على نصرانيتنا. وقال للثالثة ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا فرجعنا على نصرا نيتنا، فلم نر دينا أفضل من ديننا. فقال لهم: أسلموا. فأبوا، فقال (أميرنا) لأصحابه: إذا مسحت رأسي ثلاث مرات فشدوا عليهم. ففعلوا فقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية، فجيء بالذراري إلى علي (كذا) وجاء مصقلة بن هبيرة فاشتراهم بمأتي الف، فجاء بمائة الف إلى علي فأبي أن يقبل، فانطلق مصقلة بدراهمه، وعمد مصقلة إليهم فأعتقهم ولحق بمعاوية، فقيل لعلي: ألا تأخذ الذرية؟ فقال: لا. فلم يعرض لهم. ورواه أيضا الطبري في ختام قصة الخريت من تاريخه: ج 5 ص 125، عن علي بن الحسن الأزدي، عن عبد الرحمان بن سليمان، عن عبد الملك بن سعيد بن حاب، عن الحر، عن عمار الدهني، عن أبي الطفيل ...

«475» قَالُوا: وكتب وجوه بكر بْن وائل إِلَى مصقلة يذمون رأيه فِي لحوقه بمعاوية وتركه عَلِيًّا، فأقرأ مُعَاوِيَة الكتاب فَقَالَ لَهُ: إنك عندي لغير ظنين فلا عليك أن لا تقرئني مثل هَذَا. وَكَانَ نعيم بْن هبيرة أخو مصقلة من شيعة علي فكتب إِلَيْهِ (أخوه مصقلة:) أن صر إلي فقد كلمت مُعَاوِيَة فِي تأميرك واختصاصك ووطأت لك عنده ما تحب. وبعث بالكتاب مع نصراني من نصارى بني تغلب يقال له: جلوان، فظهر علي عَلَيْهِ وعلى الكتاب، ورفع إِلَيْهِ أيضًا أنه يتجسس فأمر بِهِ فقطعت يده فمات، فَقَالَ نعيم بْن هبيرة:

لا تأمنن هداك اللَّه عَن ثقة ... ريب الزمان وَلا تبعث كجلوانا [1] ماذا أردت إِلَى إرساله سفها ... ترجو سقاط امرئ [2] مَا كَانَ خوانا عرضته لعلي إنه أسد ... يمشي العرضنة [3] من آساد خفانا قد كنت فِي منظر عَن ذا ومستمع ... تأوي الْعِرَاق [4] وتدعى خير شيبانا لو كنت أديت مال القوم مصطبرا ... للحق أحييت بالإفضال موتانا لكن لحقت بأَهْل الشَّامِ ملتمسا ... فضل ابْن هند وذاك الرأي أشجانا فالآن/ 412/ تكثر فرع السن من ندم [5] ... وما تقول وقد كَانَ الَّذِي كانا وظلت [6] تبغضك الأحياء قاطبة ... لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا

_ [1] وفي تاريخ الطبري ذكره بالحاء المهملة وقال: لا ترمين هداك الله معترضا ... بالظن منك فما بالي وحلوانا ذاك الحريص على ما نال من طمع ... وهو البعيد فلا يحزنك إذ خانا [2] وفي النسخة: «ترجو اسقاط أمرى ما كان خوانا» . وفي تاريخ الطبري: «ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا» . [3] ومثله في تاريخ الطبري، وقيل معناه: يعدو ليسبق غيره. [4] وفي الطبري: «تحمى العراق» ... وبعده: حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه ... للراكبين له سرا وإعلانا [5] وفي النسخة: «فالآن يكثر قرع السن موتدم ... وما يقول وقد كان الذي كانا» وفي الطبري: فاليوم تقرع سن الغرم من ندم ... ماذا تقول وقد كان الذي كانا [6] ظلت: ظللت: صرت. وفي الطبري: «أصبحت تبغضك الأحياء ... » .

ثُمَّ إن مُعَاوِيَة بعد ذَلِكَ ولي مصقلة طبرستان وبعثه فِي جيش عظيم، فأخذ العدو عَلَيْهِ المضائق فهلك وجيشه، فقيل فِي المثل: حَتَّى يرجع مصقلة من طبرستان. وقالت بنو تغلب لمصقلة حين بلغها فعل عَلي بجلوان: عرضت صاحبنا للقتل؟ فوداه. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: هدم علي دار مصقلة حين هرب إِلَى مُعَاوِيَةَ، وتمثل قول الشاعر: أرى حربا مفرقة وسلما ... وعقدًا ليس بالعقد الوكيع وَقَالَ مصقلة حين بلغه قتل علي: قضى وطرا مِنْهَا علي فأصبحت ... إمارته فينا أحاديث راكب وَقَالَ مصقلة: أحمرى لئن عاب أهل العراق ... عليّ لتنعاشي بني ناجية [1] لأعظم من عتقهم رقهم ... وكفى بعتقهم عالية وزايدت فيهم لإطلاقهم ... وغاليت إن العلى غالية «476» وقالوا لعلي حين هرب مصقلة: اردد سبايا بني ناجية إِلَى الرق فإنك لم تستوف أثمانهم. فقال: ليس ذاك في القضاء، قد عتقوا (أ) وَقَالَ: [أعتقهم مبتاعهم وصارت أثمانهم دينا عَلَى معتقهم (ظ) ] .

_ [1] كذا في النسخة، غير ان لفظة: «أحمرى» غير واضحة الكتابة.

وَقَالَ الشاعر فِي بني ناجية: سما لكم بالخيل قودا عوابسا ... أخو ثقة مَا يبرح الدهر غازيا فصبّحكم (ظ) فِي رجله وخيوله ... بضرب يري منه المدجج هاويا فأصبحتم من بعد كبر ونخوة ... عبيد العصا لا تمنعون الذراريا

أمر عبد الله بن عامر الحضرمي في خلافة 2/ 185 أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

أمر عَبْد اللَّهِ بْن عامر الْحَضْرَمِيّ فِي خلافة 2/ 185 أمير المؤمنين عليّ بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام «477» قَالُوا: لما قتل مُحَمَّد بْن أَبِي بكر مُعَاوِيَة بْن حديج من قبل عَمْرو ابن العاص وظهر مُعَاوِيَة عَلَى مصر، وذلك بعد الجمل وصفين والحكمين، بعث مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْبَصْرَةِ وَقَالَ لَهُ: إن جل أهلها يرون رأينا فِي عُثْمَان وقد قتلوا فِي الطلب بدمه، فهم يودون أن يأتيهم من يجمعهم وينظم أمرهم وينهض بهم فِي الطلب بثارهم ودم إمامهم، فتودد الأزد، فإنّ الأزد كلها سلمك، ودع ربيعة (ظ) فلن ينحرف عنك أحد سواهم لأنهم ترابية كلهم. وكتب إِلَى عَمْرو بْن العاص: إني نظرت في أمر (أهل) الْبَصْرَةِ، فوجدت جل أهلها لنا أولياء، ولعلي وشيعته أعداء، وقد أوقع بهم الوقعة الَّتِي قد علمت، فأحقاد تلك ثابتة فِي صدورهم، والغل بِهَا غير مزايل لقلوبهم، وقد أطفأ اللَّه بقتل ابْن أَبِي بكر وفتح مصر، نيرانا كانت بها الآفاق مشتعلة مشبوبة (ظ) مستقرّة، ورفع بذلك رؤس أنصارنا وأشياعنا حيث كانوا من البلاد، وقد رأيت أن أبعث إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَبْد اللَّهِ بْن عامر الْحَضْرَمِيّ فينزل الْبَصْرَةَ

ويتودد إِلَى الأزد، وينعي دم عُثْمَان، ويذكرهم وقعة علي فإنها أتت عَلَى صالحيهم من إخوتهم وآبائهم وأبنائهم. فكتب إليه عمرو: إنه لم يكن منك مذ نهضنا فِي هَذِهِ الحرب، وانتضينا لها ونابذنا أهلها رأي هُوَ أضر لعدوك وأسر لوليك من رأيك هَذَا الَّذِي ألهمته ووفقت لَهُ، فأمضه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مسددا، فإنك توجه الصليب الأريب النصيح غير الظنين. فلما جاء (هـ) كتاب عَمْرو، سرح ابْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْبَصْرَةِ، وأوصاه أن ينزل فِي مضر، ويحذر ربيعة، ويتودد إِلَى الأزد. فسار حَتَّى قدم الْبَصْرَةَ ونزل فِي بَنِي تَمِيمٍ، فأتاه العثمانية مسلمين عَلَيْهِ معظمين لَهُ مسرورين بِهِ، فخطبهم فَقَالَ/ 413/ إن إمامكم إمام الهدى قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب ظلما فطلبتم بدمه وقاتلتم من قتله، فجزاكم اللَّه من أَهْل مصر خيرا. فقام إِلَيْهِ الضحاك بْن قَيْس بْن عَبْدِ اللَّهِ الهلالي- وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس ولاه شرطته أيام ولايته- وَقَالَ: قبح اللَّه مَا جئتنا بِهِ وما تدعونا إِلَيْهِ أتيتنا والله بمثل ما أتانا به طلحة والزبير، وإنهما جاءانا وقد بايعنا عَلِيًّا وبايعاه، واستقامت أمورنا فحملانا على الفرقة حتى ضرب بعضنا يعضا، ونحن الآن مجتمعون عَلَى بيعة، هَذَا الرَّجُل أيضا وقد أقال العثرة وعفى عَن المسيء، فتأمرنا الآن أن ننتضي أسيافنا ثُمَّ نضرب بِهَا بعضنا بعضا ليكون مُعَاوِيَة أميرًا، والله ليوم من أيام علي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير من مُعَاوِيَة وآل مُعَاوِيَة. ثُمَّ قام عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي فَقَالَ للضحاك: أسكت فلست بأهل

أن تتكلم فِي أمور العامة، ثُمَّ أقبل عَلَى أبن الْحَضْرَمِيّ فَقَالَ: نحن أنصارك ويدك، القول قولك. ثُمَّ أمر ابْن الْحَضْرَمِيّ بقراءة كتاب كَانَ مَعَهُ من مُعَاوِيَة يذكرهم فِيهِ آثار عُثْمَان فيهم وحبه العافية لهم وسده لثغورهم واعطا (ؤ) هـ إياهم حقوقهم ويصف حاله وقتل من قتله مسلما محرما صائما بغير دم انتهكه، ويدعوهم إِلَى الطلب بدمه ويضمن لهم أن يعمل فيهم با (لكتاب و) السنة، ويعطيهم عطاءين فِي كُلّ سنة، وَلا يحمل عنهم فضلا من فيئهم أبدًا [1] . فلما فرغ من قراءة الكتاب قام الأحنف بْن قَيْس وَقَالَ: لا ناقتي فِي هَذَا وَلا جمل واعتزل القوم. وقام عَمْرو بْن مرحوم العبدي فَقَالَ: أيها النَّاس الزموا طاعتكم وجماعتكم وَلا تنكثوا بيعتكم فتقع بكم الواقعة، وتصيبكم القارعة. وقد كانت جماعة من العثمانية كتبوا إِلَى مُعَاوِيَةَ يهنونه بفتح مصر، وقتل مُحَمَّد بْن أَبِي بكر، ويسألونه أن يوجه إِلَى الْبَصْرَةِ رجلا يطلب بدم عُثْمَان ليسمعوا لَهُ ويطيعوا. فيقال: إن ذَلِكَ حدا [2] مُعَاوِيَة عَلَى توجيه ابْن الْحَضْرَمِيّ. وَكَانَ عَبَّاس بْن صحار العبدي مخالفا لقومه فِي حب علي، فلما دعا ابن الحضرمي الناس إلى ربيعة مُعَاوِيَة والطلب بدم عُثْمَان قام إِلَيْهِ فَقَالَ: إني وَالَّذِي لَهُ أسعى وإياه أخشى لننصرنك بأيدينا وألسنتنا [3] .

_ [1] ويساعد رسم الخط على ان يقرء: «فضلة من فيهم» . [2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة: «ويطيعوا فيهال ان» . وحدا: دعا. [3] كذا.

فقال له المثنى بن محرمة العبدي. والله لئن لم ترجع إِلَى المكان الَّذِي جئت منه لنجاهدنك بأسيافنا ونبالنا وأسنة رماحنا، فلا يغرنك قول هَذَا- يعني عَبَّاس بْن صحار- أترانا ندع طاعة ابْن عم نبينا وندخل فِي طاعة حزب من الأحزاب. ثُمَّ أقبل ابْن الْحَضْرَمِيّ عَلَى صبرة بْن شيمان العبدي فَقَالَ: يَا صبرة أنت ناب من أنياب العرب وأحد الطلبة بدم عُثْمَان فانصرني. فَقَالَ: لو نزلت فِي داري لنصرتك. «478» قَالُوا: وكثرت غاشية ابْن الْحَضْرَمِيّ وأتباعه فهال [1] ذلك زياد ابن أَبِي سُفْيَانَ ورعبه وراعه- وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس حين شخص إِلَى مَكَّة مغاضبا لعلي خلفه عَلَى الْبَصْرَةِ، فلم ينزعه علي، وَكَانَ يكاتبه عَن ابْن عَبَّاس عَلَى أنه خليفته، ثُمَّ كاتبه علي دون ابْن عَبَّاس- فكاتب زياد عَلِيًّا، فلما رأى زياد مَا صار إِلَيْهِ أمر ابْن الْحَضْرَمِيّ، بعث إِلَى مالك بن مسمع وغيره من وجوه أَهْل الْبَصْرَةِ فدعاهم إِلَى نصرته فلم يبعدوا ولم يحققوا (ظ) وقال ابن مسمع (كذا) فبعث زياد إلى صبرة بن شيمان فاستجاربه فقال له: إن تحملت حتى تنزل (عليّ) فِي داري أجرتك وحميتك. ففعل وانتقل إِلَى دار صبرة فِي الحدان ليلا وحمل مَعَهُ مَا كَانَ فِي بيت المال من المال ويقال: إن أبا الأسود الدؤلي أشار إلى زياد، بالبعث (ظ) إلى صبرة والاستجارة به. - ولم يقلّد (ظ) ابْن عَبَّاس أبا الأسود شَيْئًا من الْبَصْرَةِ حين شخص، لأنه كَانَ كتب فِيهِ إِلَى علي. - وكتب زياد بالخبر إِلَى علي عَن نفسه. وَقَالَ/ 414/ بعضهم: كتب بِهِ إِلَى علي عن ابن عباس. وقيل بل

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فهلك ذلك زيادة» .

كان ابن عباس إلى علي [1] وكتب بِهِ زياد إِلَى ابْن عَبَّاس فأنهاه إِلَى علي ومن قَالَ هَذَا قَالَ: إن ابْن عَبَّاس قد كَانَ قدم عَلَى علي بعد مقتل ابْن أَبِي بكر، ثُمَّ عاد إِلَى الْبَصْرَةِ. وليس ذَلِكَ بثبت. «479» قَالُوا: وأشار العثمانية عَلَى ابْن الْحَضْرَمِيّ بنزول دار الإمارة حين خلاها زياد، فلما تهيأ لذلك ودعا أصحابه بنزولها ركبت الأزد، وَقَالُوا: والله لا ينزلها. وركب الأحنف بْن قَيْس فَقَالَ لأصحاب ابْن الْحَضْرَمِيّ: لستم والله أحق بالقصر من القوم. فأمسكوا. وَكَانَ نزول ابْن الْحَضْرَمِيّ فِي بَنِي تَمِيمٍ فِي دار سنبيل، وبعض البصريين يقول: صنبيل. قَالُوا: واتخذ صبرة بْن شيمان لزياد فِي مسجدهم- وَهُوَ مسجد الحدان- منبرًا وسريرًا فصلى بهم ابن زياد (كذا) الجمعة، وغلب ابْن الْحَضْرَمِيّ عَلَى مَا يليه، وخطب زياد فأثنى عَلَى الأزد وحضهم عَلَى نصرته وَقَالَ: قد أصبح دمي فيكم مضمونا وصرت (ظ) عندكم أمانة مؤداة، وقد رأينا فعلكم يوم الجمل، فاصبروا مَعَ الحق كصبركم عَلَى الباطل، فإنكم حيّ لا تخمدون على نجدة [2] ولا تعذرون بعذر وختر [3] . وقام أبو صفرة- ولم يكن شهد الجمل فَقَالَ: يَا قوم إنكم كنتم أمس عَلَى علي فكونوا اليوم لَهُ، واعلموا أن ردكم جوار جاركم عَلَيْهِ ذل، وخذلانكم إياه عار، وأنتم قوم عادتكم الصبر، وغايتكم الوفاء.

_ [1] كذا. [2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «لا تغمزون» أي لا تعابون ولا تذمون على نجدتكم. [3] الختر- كضرب-: أقبح الغدر وأشنعه، ثم إن رسم خط هذه الكلمة لم يكن في الأصل جليا، وكان يمكن أن يقرء «حنز» . ولكن لم أجد لها معنى يناسب المقام.

وقوم يزعمون أن المتكلم بهذا الكلام غير أَبِي صفرة، وأن أبا صفرة كَانَ توجه مَعَ ابْن عَبَّاس إِلَى صفين فمات فِي الطريق. «480» قَالُوا: وقام صبرة فَقَالَ: يَا قوم هبوا لنا أنفسكم وامنعوا جاركم. وبعث تميم إِلَى الأزد: أن أخرجوا صاحبكم ونخرج صاحبنا فنبلغ كُلّ واحد مِنْهُمَا مأمنه، ثُمَّ يكون لنا أمير ولكم أمير حَتَّى تتفق النَّاس عَلَى إمام. فأبت الأزد ذَلِكَ وَقَالُوا: قد أجرنا زيادًا ولن نخذله وَلا نسلمه وَلا نصير إِلَى شَيْء دون إرادته. فكتب زياد إِلَى علي بخبر بَنِي تَمِيمٍ، فلما وصل إِلَيْهِ كتابه دعا أعين بْن ضبيعة المجاشعي فَقَالَ لَهُ يَا أعين أما بلغك ميل قومك مَعَ ابْن الْحَضْرَمِيّ عَلَى عاملي ونصرتهم له التماسا بشقاقي ومشايعة للقاسطين إليّ؟!!! قَالَ: فابعثني إِلَيْهِ أكفك إياه. فبعث بِهِ وكتب مَعَهُ إِلَى زياد يعلمه أنه وجهه ليفرق قومه عَن ابْن الْحَضْرَمِيّ فَإِن تفرقوا عنه وخذلوه (فهو) وإلا انهض إلى ابن الحضرمي بمن أطاعك وتبعك منهم ومن غيرهم [1] فحاكمه إِلَى اللَّه وحده لا شريك لَهُ وحاربه. فلما قدم أعين بْن ضبيعة الْبَصْرَةَ، اجتمع إِلَيْهِ وجوه قومه فوعظهم ثُمَّ خرج بجماعة منهم فلقيت جماعة من أصحاب ابْن الْحَضْرَمِيّ فناوشوهم ثُمَّ تحاجزوا، ورجع أعين إِلَى منزله وتبعه عشرة يظن الناس أنهم خوارج- وكانوا من قيس (ظ) - فلما آوى إِلَى فراشه بكعوه بأسيافهم عَلَى الفراش [2] فخرج عريانا يعدو فلحقوه فقتلوه بالطريق.

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «وإلا نهض إِلَى ابْن الْحَضْرَمِيّ بمن أطاعه وتبعه» إلخ. [2] يقال: «بكعه- من باب منع- بكعا» : ضربه ضربا عنيفا على مواضع متفرقة من الجسد. بكته. استقبله بما يكره.

وأراد زياد محاربة ابن الحضرمي حيث أصيب أعين بْن ضبيعة فأرسلت تميم إِلَى الأزد: إنا والله مَا أردنا بجاركم مكروها فعلام تريدون المكروه بجارنا؟ فكفوا وأمسكوا. وكتب زياد إِلَى علي: أن أعين بْن ضبيعة قدم علينا بجد ومناصحة وصدق يقين فجمع إِلَيْهِ من أطاعه ونهض بهم- وفسر لَهُ خبر وقعته، ثُمَّ قَالَ: - وإن قوما من هَذِهِ الْحَرُورِيَّة المارقة البريئة من اللَّه ورسوله اتبعوه فلما آوى إِلَى فراشه أصابوه. «481» حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الأثرم، عَن معمر بْن المثنى قَالَ: دس ابْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى أعين بْن ضبيعة النفر الَّذِينَ قتلوه. ويقال: إنه كَانَ معهم متنكرا فطرقوه ليلا، فجعل يقول- حين ضربوه- يا تميم ولا تميم، (و) يَا حنظلة وَلا حنظلة، يَا مجاشع وَلا مجاشع وحمل إِلَى الأزد، فدفن هناك فقبره فِي الأزد. «482» قَالُوا ولما أتى/ 415/ عَلِيًّا كتاب زياد، بمقتل أعين بْن ضبيعة، دعا جارية بْن قدامه التَّمِيمِيّ- وَكَانَ قبله أشخصه ابْن عَبَّاس إِلَيْهِ لمحاربة أَهْل النَّهْرَوَان، فلم ينصرف إِلَى الْبَصْرَةِ- فَقَالَ لَهُ: إن قومك بدلوا ونكثوا ونقضوا بيعتي، ومن العجب أن تمنع الأزد عاملي وتشاقني مضر، وتنابذني؟ فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين ابعثني فبعثه. فلما قدم (جارية) الْبَصْرَةَ بدأ بزياد، فسلم عَلَيْهِ، فحذره زياد مَا لقي صاحبه، فخرج جارية فقام فِي الأزد فجزاهم الخير، وَقَالَ: عرفتم الحق إذ جهله غيركم وحفظتموه إذ ضيعوه، وقرأ كتابا كتبه علي إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ مَعَهُ يوبخهم فِيهِ أشد التوبيخ ويعنفهم أشد التعنيف، ويتوعدهم بالمسير إليهم

إن ألجأوه إِلَى ذَلِكَ حَتَّى يوقع بهم وقعة تكون وقعة يوم الجمل عندها لقعه ببعرة [1] . وَكَانَ صبرة حاضرًا لقراءة الكتاب فَقَالَ: سمعا وطاعة، نحن لمن حارب أمير الْمُؤْمِنِينَ حرب، ولمن سالم سلم. وقام أَبُو صفرة فَقَالَ لزياد: والله لو أدركت الجمل مَا قاتل قومي عليا، وهم (كذا) يوم بيوم، وأمر بأمر، والله إِلَى الجزاء بالحسنى أسرع منه إلى المكافات بالسوء، والتوبة مَعَ الحوبة [2] والعفو مَعَ الندم. وَقَالَ صبرة- أَوْ غيره-: إنا والله نخاف من حرب علي فِي الآخرة، أعظم مما نخاف من حرب مُعَاوِيَة فِي الدنيا. فلما أصبحوا سارت الأزد بزياد بْن أَبِي سُفْيَانَ- وَكَانَ يومئذ ينتسب إِلَى عبيد- وسار جارية بمن قدم مَعَهُ ومن سارع إِلَيْهِ من بَنِي تميم، ودلفوا [3]

_ [1] كذا في النسخة، ولعل الأصل كان: «كلقعة لقاع ببعرة» . واللقع- كالضرب-: اللدغ واللسع. واللقاع- كغراب وشداد-: الذباب الأخضر الذي يلسع الناس. ثم ان كتابه- عليه السلام- هذا ذكره في المختار: (29) من الباب الثاني من نهج البلاغة، وذكرناه أيضا عن كتاب الغارات في المختار: (143) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 165 وإليك لفظة: «وأيم الله لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق ... » . [2] هذا هو الصواب، والحوبة- بالحاء المهملة-: الذنب. وفي النسخة ذكره بالخاء المعجمة. [3] يقال: دلف فلان- من باب ضرب-: مشى وتقدم. ودلف زيد: مشى كالمقيد وقارب الخطوفي مشيه.

إلى ابن الحضرمي، وعلى خيل ابن الحضرمي عبد الله بن حازم السلمي فاقتتلوا ساعة، وأقبل شريك بْن الأعور الحارثي فصار مع جارية، فما لبثوا (كذا) ابْن الْحَضْرَمِيّ وأصحابه أن هزموهم واضطروهم إِلَى دار سنبيل السعدي فحصروهم فِيهَا يومهم، وَكَانَ فِي الدار مَعَ ابْن الْحَضْرَمِيّ عَبْد اللَّهِ بن حازم، فجاءت أمه- وكانت اسمها عجلا (ء) وكانت حبشية- فنادته فأشرف عَلَيْهَا، فأخرجت ثدييها وقالت: أسالك بدريهما لما نزلت. فأبى، فقالت: والله لتنزلن أَوْ لأتعرن فأهوت بيدها إِلَى ثيابها، فلما رآها نزل فمضت بِهِ إِلَى منزلها. ويقال: إنها حسرت قناعها فَإِذَا شعرها أبيض، ثم قالت: لئن (لا) تنزل لأتعرن. قَالُوا: وأحاط جارية بْن قدامة بالدار الحطب والنار [1] فقالت الأزد (لجارية) : لسنا من النار في شيء، وهم قومك وأنت أعلم. فحرقها (عليهم) فهلك فِيهَا ابْن الْحَضْرَمِيّ فِي سبعين رجلا أحدهم عبد الرحمان بْن عمير، وسمي جارية محرقا. فلما هلك ابن الحضرمي قالت الأزد لزياد: أبقي لك علينا حق؟ قال لا. قالوا: فبرينا من جوارك؟ قَالَ: نعم. فانصرفوا إِلَى رحالهم، واستقام لزياد أمره ونزل القصر وحول إِلَيْهِ بيت المال، وكتب بالفتح إِلَى علي مَعَ ظبيان بْن عمارة: «أما بعد فَإِن العبد الصالح جارية بْن قدامة قدم من عندك فيمن أنهدت مَعَهُ، فناهض جمع ابْن الْحَضْرَمِيّ فقضه ثُمَّ اضطر ابْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى دار من دور الْبَصْرَةِ فِي عدة من أصحابه، فمنهم من حرق بالنار، ومنهم من ألقي عَلَيْهِ جدار، ومنهم من هدم عَلَيْهِ البيت من أعلاه سوى من قتل بالسيف، فبعدًا لمن عصا وغوى والسلام.

_ [1] كذا في النسخة، والصواب: وأحاط جارية بن قدامة بالدار بالحطب والنار. أن، وأمر بإحضار الحطب والنار.

«483» وَحَدَّثَنِي أَبُو الحسن المدائني قَالَ: كانت دار سنبيل- ويقال: - صنبيل- قصرا قديما للفرس فِي الجاهلية، وحوله خندق. «484» وحدثني الغنوي الدلال [1] عَن أَبِي اليقظان، عَن أشياخه قَالُوا: اقتتل أصحاب/ 416/ ابْن الْحَضْرَمِيّ وأصحاب علي عند الجسر قتالا شديدًا، فانهزم أصحاب ابْن الْحَضْرَمِيّ حَتَّى دخلوا قصر سنبيل، فطلب ابْن الْحَضْرَمِيّ الأمان من جارية بْن قدامة فلم يؤمنه، وطلب الأمان من زياد فلم يجبه إِلَيْهِ، وكان معه عبد الله بن حازم فنادته أمه لينزل فأبي فكشفت رأسها كأنها ثغامة [2] ، وثديين كأنهما دلوان، وأرادت التعري فنزل حين رأى ذَلِكَ، وأحرق جارية الدار فاحترق ابن الحضرمي، وذراع بن بدر الغّداني (ظ) أخو حارية بن بدر (كذا) ورجع زياد إِلَى إمرته. «485» وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْمُغِيرَةِ الأثرم، عَن أَبِي عُبَيْدَة، قَالَ: قدم جارية بْن قدامة من عند علي فِي ألف- أو ألف وخمسمائة- فلما بلغ ذَلِكَ ابْن الْحَضْرَمِيّ أعد طعاما وشرابا للحصار، ورم حصنا كَانَ لفارس فِي الجاهلية عَلَى نشز [3] وَكَانَ مُعَاوِيَة قد وعده أن يبعث إِلَيْهِ بالأمداد، فلما اقتتل وجارية بْن قدامة عند الجسر، انهزم حَتَّى دخل الحصن، وهو يومنذ لرجل يقال لَهُ: صنبيل، فحصره فِيهِ وَكَانَ معه عبد الله بن حازم بن أسماء (ظ) ابن الصلت السلمي- وأمه حبشية يقال لها: عجلاء- فكشفت رأسها وثدييها وأرادت أن تتعرى، فلما رأى ذَلِكَ من شأنها نزل، فوهن أمر ابن

_ [1] ويحتمل رسم الخط أيضا: «العتوي الدلال» . [2] رسم خط هذه الكلة غير جلي ههنا، ويمكن أن يقرء «نعامة» ولكن يجيء في الحديث «486» ما لفظه: «فإذا شعرها مثل الثغامة» . أقول: الثغامة واحدة الثغام، وهو شجر أبيض الزهر. ويقال: «أثغم الراس» : صار ثاغما، يعني أبيض. [3] هذا ظاهر رسم الخط بعد غور وتعمق. والنشز: المرتفع من الأرض.

الْحَضْرَمِيّ فِي نفسه، وطلب الأمان فلم يعطه وأمر جارية بجمع الحطب حول الدار، فنقل (من الحطب) ما بلغ أعلا الحيطان ثُمَّ أشعل فِيهِ النار وأعان ذَلِكَ بالهدم [1] فاحترق ابْن الْحَضْرَمِيّ، ومن كَانَ مَعَهُ، وعاد زياد إِلَى دار الإمارة، فَقَالَ بعض الأزد- وقال المدائني: قالها العرندس (كذا) -: أجرنا زيادًا وقد أصفقت ... عَلَيْهِ تميم وخاف العطب فلما رأوا أننا دونه ... وقد خام عَنْهُ جميع العرب عوى الْحَضْرَمِيّ عواء الكلاب ... وبصبص من خوفنا بالذنب ومن كانت الأزد أنصاره ... أصاب بنصرتهم مَا طلب رددنا زيادًا إلى داره ... ودار تميم (كذا) رماد (ا) ذهب وقال أبو الأسود الدؤلي: أبى اللَّه إِلا أن للأزد فضلها ... وأنهم أوتاد كُلّ بلاد أجاروا زيادًا حين أسلم نفسه ... إِلَيْهِمْ وَكَانَ الرأي رأي زياد فأصبح فِي الحدان والأزد دونه ... بسمر كأشطان الجرور حلاد [2] لَهُ منبر يرقاه فِي كُلّ جمعة ... وآلة ملك شرطة وحشاد (ظ) [3] «486» وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ، حَدَّثَنَا قرة بْن خالد السدوسي، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمان بن أبي

_ [1] كذا. [2] كذا. [3] وكتب في هامش الأصل- من غير تعيين المحل-: «والمؤذن» . ولكن لعل الصواب: «وآلة ملك شرطة ومناد» .

بكرة قَالَ: لما كَانَ يوم الدار- يعني دار ابْن الْحَضْرَمِيّ- أشرفوا عَلَى ابْن أَبِي بكرة فجعلوا يسبونه، فَقَالَ لهم جارية بْن قدامه: لا تؤذوا أبا بكرة وَلا تقولوا لَهُ إِلا خيرا، قَالَ: فأخبرتني أمي أن أبا بكرة قَالَ: لو دخلوا إِلَى مَا بهشت إِلَيْهِمْ بقضيب [1] . «487» وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير، حدثنا أبي قال: سمعت مُحَمَّد بْن الزُّبَيْرِ الحنظلي، يحدث قَالَ: لما قدم ابْن الْحَضْرَمِيّ وقدم جارية بْن قدامة الْبَصْرَةَ نزل ابْن الْحَضْرَمِيّ دار الحداني (ظ) فِي جانب دار أَبِي بكرة، فأتاه أصحاب علي فأحاطوا بالدار، وَكَانَ فِي الدار، رجل قد سماه فأتته أمه- وَكَانَ يقال لَهَا: عجلاء وكانت حبشية/ 417/ راعية (كذا) - فقالت لابنها: إن أنت نزلت وإلا ألقيت قناعي. قَالَ: فالقت قناعها فَإِذَا شعرها مثل الثغامة (كذا) فلم ينزل فقالت: إن نزلت وإلا ألقيت ردائي فألقت ردا (ء) ها فلم ينزل، فقالت: إن نزلت وإلا ألقيت قميصي فلم ينزل، فألقت قميصها وكانت في إزار- فقالت: إن نزلت وإلا ألقيت إزاري. فنزل، وجاء أصحاب علي فأحاطوا بالدار وحرقوها بمن فِيهَا. «488» وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ، قَالَ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيَّ- وَكَانَ ابْنَ خَالَةِ عُثْمَانَ أُمُّهُ أُمُّ طَلْحَةَ بِنْتُ كُرَيْزٍ- إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَانَ جَارِيَةُ (بن) قدامة قدم على معاوية (كذا) فَقَالَ لَهُ: ابْعَثْ مَعِي رَجُلا، فَإِنَّ لَكَ بِالْبَصْرَةِ شِيعَةً، فَبَعَثَ مَعَهُ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ الْبَصْرَةَ أَتَتْهُ الأَزْدُ فَقَالُوا (له) : انْتَقِلْ إِلَى دُورِنَا لِنَمْنَعَكَ فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يغدر بك بنو سعد.

_ [1] يقال: «بهش بيده إليه» : مدها ليتناوله. والفعل من باب «منع» .

فقال: أخرجوا زيادا فإني غير مجامعه فِي قَوْمٍ. وَكَانَ زِيَادٌ عَامِلا لابْنِ عَبَّاسٍ بِفَارِسَ فَأَصَابَ مَالا فَلَجَأَ إِلَى الأَزْدِ فَأَلْجَأَهُ [1] صبرة بن شيمان (الأزدي) الحدانيّ وأنزل معه (منزله) فَأَبَوْا أَنْ يُخْرِجُوهُ، وَأَبَى ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهِمْ إِلا بِإِخْرَاجِ زِيَادٍ، وَأَنْزَلَهُ جَارِيَةُ فِي دَارٍ فِي مَرْبَعَةِ الأَحْنَفِ وَأَتَاهُ نَاسٌ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ، ثُمَّ تَرَكَهُ جَارِيَةُ فَسَارَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ عَلِيٍّ وَأَحَاطُوا بِدَارِهِ وَقَالُوا: مَنْ خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ آمِنٌ. فَخَرَجَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ وَلَمْ يَخْرُجِ ابْنُ خَازِمٍ فَأَتَتْهُ أُمُّهُ- وَكَانَتْ حَبَشِيَّةً رَاعِيَةً اسْمُهَا عَجْلَى- فنادته فأشرف عليها فقالت: انزل. فأبى فَأَلْقَتْ دِرْعَهَا وَقَامَتْ فِي إِزَارٍ، وَقَالَتْ: لَتَنْزِلَنَّ أَوْ لأُلْقِيَنَّ إِزَارِي فَأَفْضَحَكَ!!! فَنَزَلَ وَاشْتَعَلَتِ النِّيرَانُ فِي دَارِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، فاحترق هو ومن معه فيها، فقال ابن أبي العرندس (كذا) : رددنا زيادا إِلَى داره ... وجار تميم دخانا ذهب لحي اللَّه قوما شووا جارهم ... ولم يدفعوا عنه حرّ اللهب (قال البلاذري) : والثبت: إن جارية لم يأت مُعَاوِيَة، والخبر (الصواب) هو الأول.

_ [1] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «فأجاره» .

أمر الغارات بين علي ومعاوية

أمر الغارات بين علي ومعاوية (منها) غارة الضحاك بْن قَيْس الفهري [1] «489» قَالُوا: وجه مُعَاوِيَة الضحاك بْن قَيْس الفهري- ويكنى أبا أنيس حين بلغه أن عَلِيًّا يدعو النَّاس إِلَى الخروج إِلَيْهِ وأن أصحابه مختلفون عَلَيْهِ- في جيل كثيفة جريدة، وأمره أن يمر بأسفل واقصة فيغير عَلَى الأعراب ممن كَانَ عَلَى طاعة علي وعلى غيرهم ممن كَانَ فِي طاعته ممن لقيه مجتازا، وأن يصبح فِي بلد ويمسي فِي آخر، وَلا يقيم لخيل إن سرحت إِلَيْهِ، وإن عرضت لَهُ قاتلها، وكانت تلك أول غارات مُعَاوِيَة. فأقبل الضحاك إِلَى القطقطانة فيما بين ثلاثة آلاف إِلَى أربعة آلاف، وجعل يأخذ أموال النَّاس من الأعراب وغيرهم ويقتل من ظن أنه عَلَى طاعة عليّ أو

_ [1] وذكرها مع غارة ابن عوف الغامدي وبسر بن أبي أرطاة في أخبار أم حكيم زوجة عبيد الله بن العباس من كتاب الأغاني: ج: 16، ص 266، ورواه أيضا في كتاب الغارات كما في شرح المختار: (29) من النهج لابن أبي الحديد: ج 2 ص 117، وكما في البحار: ج 8/ 674. ورواه أيضا اليعقوبي في تاريخه: ج 2/ 171، ورواه أيضا في المختار: (39) من كلامه عليه السلام في الإرشاد، ص 145.

كَانَ يهوى هواه حَتَّى بلغ الثعلبية، وأغار عَلَى الحاج فأخذ أمتعتهم، ثُمَّ صار إِلَى القطقطانة منصرفا، ولقيه بالقطقطانة عَلَى طريق الحاج عمرو بن عميس ابن مسعود، (ابن) أخي عبد الله ابن مسعود فقتله- فلما ولاه مُعَاوِيَة الْكُوفَة كَانَ يقول: يَا أَهْل الْكُوفَةِ أنا أَبُو أنيس قاتل ابْن عميس. يعلمهم بِذَلِكَ أنه لا يهاب القتل وسفك الدماء- وأخذ طريق السماوة منصرفا، فلما بلغ عَلِيًّا خبره قام فِي أَهْل الْكُوفَةِ خطيبا فدعاهم إِلَى الخروج لقتال عدوهم ومنع حريمهم، فردوا عَلَيْهِ ردًا ضعيفا ورأى منهم فشلا وعجزًا، فَقَالَ، «وددت والله أن لي بكل عشرة منكم رجلا من أَهْل الشَّامِ وأني صرفتكم كما يصرف الذهب، ولوددت أني لقيتهم عَلَى بصيرتي فأراحني اللَّه من مقاساتكم ومداراتكم كما يداري البكار/ 418/ العمدة والثياب المنهرمة [1] كلما خيطت من جانب تهتكت من جانب. ثُمَّ خرج يمشي إِلَى نحو الغريين، حَتَّى لحقه عَبْد اللَّهِ بْن جعفر، بدابة فركبها ولحقه النَّاس بعد، فسرح لطلبه حجر بْن عدي الكندي فِي أربعة آلاف أعطاهم خمسين درهما خمسين درهما. فسار حجر حَتَّى لحق الضحاك نحو تدمر فقاتله فأصاب من أصحابه تسعة عشر رجلا- ويقال: سبعة عشر رجلا- وقتل من أصحاب علي رجلان يقال: إنهما عبد الله وعبد الرحمان ابنا حوزة- وهما من الأزد- وحجز الليل بينهم فهرب الضحاك فِي الليل، وأقام حجر يوما أَوْ يومين فلم يلق أحدا فانصرف. «490» وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الله بن صالح المقري، حدثني أبو بكر ابن عَيَّاشٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو حُصَيْنٍ قَالَ: خَطَبَ الضَّحَّاكُ بن قيس بالكوفة- وكان معاوية ولاه

_ [1] وفي المختار: (67) من نهج البلاغة: «كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة، والثياب المتداعية، كلما حيصت من جانب تهتكت من آخر» ...

إِيَّاهَا حِينَ مَاتَ زِيَادٌ- فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ فِيكُمْ رِجَالا يَشْتُمُونَ أَئِمَّةَ الْهُدَى وَيَنْتَقِصُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهُوا لأَضَعَنَّ فِيكُمْ سَيْفَ زِيَادٍ وَقُلُوسَهُ [1] ثُمَّ لا تَجِدُونِي ضَعِيفَ السَّوْرَةِ، وَلا كَلِيلَ الشَّفْرَةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَوَّلُ مَنْ غَزَا بِلادَكُمْ وَأَغَارَ عَلَيْهَا فِي الإِسْلامِ، أَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو أُنَيْسٍ، قَاتِلَ ابْنِ عُمَيْسٍ فَاتَّقُونِي. «491» قَالُوا: وَخَطَبَ عَلِيٌّ وَبَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا يَنْتَقِصُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ مَنْ بَقِيَ شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِمِيكَائِيلَ رَحْمَةً وَبِإِبْرَاهِيمَ حِلْمًا وَوَقَارًا، فَسَارَ سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَضَى [2] رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ الأَمْرَ بَعْدَهُ واستشار المسلمين

_ [1] كذا في النسخة، والظاهر انه أراد به السوط. [2] هذا الحديث في حد ذاته ومع قطع النظر عن وجود معارض له، غير حجة فضلا عما لو كان له معارض أقوى منه أو كان له القوة دونه، أما عدم حجيته في نفسه فمن أجل أن لا سند له، ولم يعلم القائلون من هم؟ ولا الذين رووه عنهم، ولعلهم بعض شياطين بني أمية أو العفاريت من أذنابهم!!؟ والسند الذي يذكره بعد الختام أيضا غير مفيد، أما أولا فمن أجل أن أبا حصين لم يدرك أمير المؤمنين حتى يسمع منه بنفسه، فإذا لا بد انه أخذه من غيره، ولم يبين ان ذلك أي شيطان أوحى إليه!!! وثانيا ان أبا حصين نفسه عده العجلي- على ما في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 7/ 127- عثمانيا، وكل عثماني منحرف عن أمير المؤمنين وكل منحرف عن امير المؤمنين ضال قوله غير مقبول بدليل قوله صلّى الله عليه وآله وسلم: اللهم أدر الحق حيث ما دار عليّ، وقوله: اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ. وقوله: إني خلفت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي. إلى غير ذلك مما تواتر عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في حق علي وأحبائه وأعاديه. وثالثا ان أبا مسعود الكوفي وأبيه مجهولان لم يعرنا من هما؟ فقد تحقق مما ذكر ان الحديث لا سند له يثبت صدوره عن امير المؤمنين، وان السند المذكور وجوده كعدمه!!! فإذا نحن في غنى عن التكلم في معارضاته وركاكة بعض فصوله وألفاظه.

فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ رَضِيَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ [1] فَكُنْتُ فِيمَنْ رَضِيَ فَلَمْ يُفَارِقِ الدُّنْيَا حَتَّى رَضِيَ بِهِ مَنْ كَانَ كَرِهَ فَأَقَامَ الأمر على منهك (كذا) صَاحِبَيْهِ، يَتَّبِعُ آثَارَهُمَا كَاتِّبَاعِ الْفَصِيلِ أُمَّهُ، وَكَانَ وَاللَّهِ رَحِيمًا لِلضُّعَفَاءِ نَاصِرًا لِلْمَظْلُومِينَ شَدِيدًا عَلَى الظَّالِمِينَ، قَوِيًّا فِي أَمْرِ اللَّهِ لا يَأْخُذُهُ فيه لَوْمَةُ لائِمٍ ضَرَبَ اللَّهُ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِهِ حتى كنا نظنّ ان ملكا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ [2] ، شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم بجبرئيل في غلظته في (كذا) الأَعْدَاءِ وَلِلْغَيْظِ عَلَى الْكُفَّارِ فَمَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبُّهُمَا ولكنه (كذا) وإن مَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَى الْقَائِلِ مَا قَالَ لِعَاقِبَتِهِ فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي الْعُقُوبَةُ قَبْلَ التَّقْدِمَةِ، فَمَنْ أَتَيْتُ بِهِ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ أبيه، عن أبي بكر ابن عياش، عن أبي حصين بمثله:

_ [1] هذا أيضا من شواهد اختلاقه، فان أبا بكر لم يستشر أحدا في اخلاف عمر، بل هو خلفه لما تواطيا عليه قبل، ولذا قال امير المؤمنين عليه السلام لعمر- لما ساقوه ليبايع أبا بكر-: اشدد امره اليوم ليرد عليك غدا!!! وقال له أيضا: احلب حلبا لك شطره. [2] وبأدنى مراجعة إلى اقوال الرجل وافعاله يتبين ان هذا كذب صريح، والمسألة الحمارية بانفرادها تغنيك عن مراجعة غيرها، فانظر مادة «شرك» من القاموس او عنوان: «نوادر الأثر» من كتاب الغدير: ج 6 كي يتبين لك ان امير المؤمنين منزه عن التفوه بهذه الفرية البينة، وان هذا كلام من لا حياء له، وقول من لا يبالي ما يقول وما يقال فيه!!!

(الثاني من الغارات) غارة سفيان بن عوف بن المغفل الأزدي ثم الغامدي

(الثاني من الغارات) غارة سفيان بن عوف بن المغفل الأزدي ثُمَّ الغامدي «492» قَالُوا: ودعا مُعَاوِيَة سُفْيَان بن عوف (بن المغفل) الأزدي ثُمَّ الغامدي، فسرحه فِي ستة آلاف من أهل الشام ذوي بأس وإناءة (كذا) وأمره أن يلزم جانب الفرات الغربي حَتَّى يأتي هيت فيغير عَلَى مسالح علي وأصحابه بِهَا، وبنواحيها، ثُمَّ يأتي الأنبار فيفعل بِهَا مثل ذَلِكَ حَتَّى ينتهي إِلَى المدائن، وحذره أن يقرب الْكُوفَة، وَقَالَ لَهُ: إن الغارة تنخب قلوبهم [1] وتكسر حدهم وتقوي أنفس أوليائنا ومنتهم. فشخص [2] سفيان في

_ [1] يقال: «نخب الشيء- من باب نصر- نخبا» : نزعه. ونخب زيد- من باب فرح- نخبا: كان منزوع الفؤاد جبانا. [2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة «فشحن- او- فشحز» . والمنة- بالضم-: القوة، والجمع: منن، كسنة وسنن.

الستة آلاف المضمومين إِلَيْهِ، فلما بلغ أَهْل هيت قربه منهم قطعوا الفرات إِلَى العبر الشرقي (كذا) فلم يجد (سفيان) بِهَا أحدًا، وأتي الأنبار فأغار عَلَيْهَا فقاتله من بِهَا من قبل علي فأتى عَلَى كثير منهم وأخذ أموال النَّاس وقتل أشرس بْن حسان البكري عامل علي ثُمَّ انصرف. وأتى عَلِيًّا علج، فأخبره الخبر، وَكَانَ عليلا لا يمكنه الخطبة، فكتب كتابا قرئ عَلَى النَّاس وقد أدني علي من السدة الَّتِي كَانَ يخرج مِنْهَا ليسمع القراءة، وكانت نسخة الكتاب (هكذا) : أما بعد فَإِن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه ألبس ثوب الذلة، وشمله البلاء، وديث بالصغار، وسيم الخشف [1] ومنع النصف، وقد دعوتكم إِلَى جهاد هَؤُلاءِ القوم ليلا ونهارًا، وعلانية وسرًا [2] وأمرتكم أن تغزوهم قبل أن يغزوكم فإنه مَا غزي قوم فِي عقر دارهم إِلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم/ 419/ وثقل عليكم قولي وعصيتم أمري واتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا، حَتَّى شنت عليكم الغارات من كُلّ ناحية، هَذَا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، فقتل ابْن حسان البكري، وأزال مسالحكم عَن مواضعها، وقتل منكم رجالا صالحين. (و) لقد بلغني أن الرَّجُل من أَهْل الشَّامِ كَانَ يدخل بيت المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فيأخذ حجلها وقلبها ورعاثها وقلادتها، فيا عجبا عجبا يميت القلب، ويجلب الهم، ويسعر الأحزان من جد هَؤُلاءِ القوم فِي باطلهم، وفشلكم عن حقكم فقبحا وترحا (حيث) صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم وَلا تغيرون، ويعصى اللَّه فترضون، إذا قلت لكم: اغزوا عدوكم فِي الحر، قلتم هَذِهِ حمارة القيظ من يغزوا فيها؟!! أمهلنا ينسلخ

_ [1] كذا في النسخة، والخشف- كفلس-: الذلة. وفي المختار: (27) من النهج وغير واحد من المصادر: «وسيم الخسف» اي اولي الذل. [2] كذا في النسخة، وفي النهج: «وسرا وإعلانا» .

(عنا) الحر، وإذا قلت: أغزوهم فِي أنف الشتاء، قلتم الصر والقر [1] أفكل هَذَا منكم فرار من الحر والقر؟! فأنتم والله من السيف أفر؟! يَا أشباه الرجال- وَلا رجال- يَا أحلام الأطفال وعقول ربات الحجال لوددت أني لم أركم وأن اللَّه أخرجني من بين أظهركم فلقد وريتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسًا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش (إن) ابْن أَبِي طالب شجاع ولكنه لا علم لَهُ بالحرب. لله أبوهم وهل منهم أحد أشد لَهَا مراسا ومقاساة مني، لقد نهضت فيها وقد بلغت العشرين [2] فها أنا ذا قد ذرفت عَلَى الستين [3] [ولكنه لا رأي لمن لا يطاع والسلام] [4] . ثُمَّ إن عَلِيًّا أتبعه سعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ. ويقال: قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيّ ويقال هانئ بْن خطاب، فبلغ صفين ثُمَّ انصرف. ويقال: إن سعيدًا- أَوْ قيسا- وجه هانئ بْن خطاب فأتبعه حَتَّى بلغ أداني أرض قنسرين.

_ [1] كذا في النسخة، وفي النهج: «فإذا امرتكم بالسير إليهم في ايام الصيف قلتم هذه حمارة القيظ أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا امرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد» . [2] كذا في النسخة، وفي نهج البلاغة: «لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين» . [3] وفي النسخة: «فهانذا» . وقوله: «ذرفت على الستين» : زدت عليها. [4] ولكلامه- عليه السلام- هذا مصادر كثيرة فذكره في المختار: (27) من نهج البلاغة، وكذا في كامل المبرد: ج 1/ 19، ورواه أيضا القاضي نعمان في دعائم الاسلام: ج 1/ 390 ط مصر، كما رواه ابو الفرج في اخبار أم حكيم من الأغاني: ج 5 ص 43 وفي ط: ج 15/ 266، ورواه أيضا في العقد الفريد: ج 2 ص 353، وفي ط: ج 4 ص 136، ورواه أيضا في الحديث: (11) من الباب الأول من كتاب الجهاد من التهذيب: ج 6 ص 123 كما رواه قبله الكليني وكذلك في الباب: (12) من كتاب معاني الأخبار- للصدوق- ص 309، كما رواه أيضا في كتاب الأخبار الطوال ص 211 قبيل مقتلة عليه السلام.

(الثالث من الغارات) غارة النعمان بن بشير الأنصاري

(الثالث من الغارات) غارة النعمان بْن بشير الأَنْصَارِيّ «493» قَالُوا: وبعث مُعَاوِيَة النعمان بْن بشير الأَنْصَارِيّ، وأبا هريرة الدوسي بعد أَبِي مسلم الخولاني إِلَى علي يدعوانه إلى أن يسلّم (لمعاوية) قتلة عُثْمَان بْن عفان ليقتلوا بِهِ فيصلح أمر النَّاس ويكف الحرب، وَكَانَ مُعَاوِيَة عالما بأن عَلِيًّا لا يفعل ذَلِكَ، ولكنه أحب أن يشهد عَلَيْهِ عند أَهْل الشَّامِ بامتناعه من إسلام أولئك، والتبري منهم فيشرع لَهُ أن يقول: إنه قتله فيزداد أَهْل الشَّامِ غيظا عَلَيْهِ وحنقا وبصيرة فِي محاربته وعداوته، فلما صارا إِلَيْهِ فأبلغاه مَا سأله مُعَاوِيَة [1] امتنع من إجابتهما إِلَى شَيْء مما قدما لَهُ [2] فانصرف أَبُو هريرة إِلَى الشَّام فأمره مُعَاوِيَة بأن يعلم النَّاس مَا كَانَ (بينه و) بين علي [3] وأقام النعمان بعد أَبِي هريرة أشهرًا وهو يظهر لعليّ انه معه، ثم

_ [1] هذا هو الظاهر وفي النسخة: «فأبلغاه وسأله معاوية» . [2] وفي النسخة: «امتنع من اجابتهما الى موسى مما قد ماله» . [3] بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.

خرج فمر بعين التمر وعليها مالك بْن كعب الْهَمْدَانِيّ فحبسه ليكتب إِلَى علي بخبره، فركب إِلَيْهِ قرظه بْن كعب الأَنْصَارِيّ- وَكَانَ على جباية الخراج بالنهرين والفلاليح [1] ونواحيها وما والا ذَلِكَ من الطساسيج فكلمه فِيهِ فخلى سبيله فأتى مُعَاوِيَة، فأخبره ومن قبله بمثل مَا أخبرهم بِهِ أَبُو هريرة. وَهَذَا فِي أول الأمر. قَالُوا: ثُمَّ إن مُعَاوِيَة ندب أصحابه لغارة نحو الْعِرَاق فانتدب لَهَا النعمان بْن بشير، فسرحه فِي ألفين وأمره بتجنب المدن والجماعات، وأن لا يغير عَلَى مسلحة [2] وأن يكون إغارته على من بشاطئ الفرات ثم تعجل الرجعة. فسار النعمان حَتَّى دنا من عين التمر، وبها مالك بْن كعب فِي مائة وقد كَانَ فِي أكثر مِنْهَا [3] إِلا إنه أذن لأصحابه فِي الانصراف إِلَى الْكُوفَةِ فِي حوائج لهم فانصرفوا، فكتب (مالك) إِلَى قرظة يستنجده فَقَالَ قرظة: إنما أنا صاحب خراج وليس معي إِلا من يقوم بأمري فقط [4] . ووجّه إليه مخنف ابن سليم الأزدي عبد الرحمان بن مخنف في خمسين رجلا واليا عَلَى الحرب فيما يليه/ 420/ قرظة [5] فقاتل مالك بْن كعب النعمان حَتَّى دفعه عَن القرية، فظن أَهْل الشَّامِ حين رأوا عَبْد الرحمان بْن مخنف بْن سليم ومن مَعَهُ أنه قد أتى مالكا مدد كثيف، فانهزموا حَتَّى لحقوا بمعاوية، وقتل منهم ثلاثة نفر، ومن أصحاب علي رجل.

_ [1] كذا. [2] كذا. [3] وهذا هو الظاهر وفي النسخة: «وقد كان في اكثره منها» . [4] يا ويحه اما كانت له قدرة على ما كان يقدر عليه كل ضعيفة!!! [5] كذا.

وَقَالَ النعمان: سرت ليلة فضللت، ثُمَّ إني دفعت إِلَى ماء لبنى القين وإذا امرأة تطحن فِي خباء لَهَا وهي تقول: شربت عَلَى الجوزاء كأسًا روية ... وأخرى عَلَى الشعراء إذا ما استقلّت [1] مشعشعة كانت قريش نفافها [2] ... فلما استحلّت قتل عثمان حلّت (قال النعمان:) فعلمت أني في حد الشام (ظ) وأنه قد بلغت مأمني واهتديت. ويقال: إن هذه الغارة (كانت) قبل غارة سُفْيَان بْن عوف. وقد كَانَ عَلَى حين أتاه خبر النعمان بالْكُوفَة، خطب الناس فحمد اللَّه واثني عليه ثم قَالَ: عجبا لكم يا أهل الكوفة (أ) كلما أطلت عليكم سرية وأتاكم منسر من (مناسر) أَهْل الشَّامِ أغلق كُلّ امرئ منكم بابه قد انجحر فِي بيته انجحار الضب فِي جحره [3] والضبع في وجارها، الذليل والله من نصرتموه، ومن رضي بكم رمى بأفوق ناصل [4] فقبحا لكم وترحا، قد ناديتكم وناجيتكم

_ [1] قال البلاذري- في المتن-: ويروي: «واخرى على الشعرى العبور استقلت» . [2] كذا. [3] هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (67) من نهج البلاغة، وما في تاريخ اليعقوبي ج 1/ 171، وفي ط ص 184، وبين المعقوفات أيضا مأخوذ منهما، وفي نسخة انساب الأشراف: «انجحار الصلب وحجره» . وقبله أيضا كانت فيها تصحيفات صححناها على الكتابين. [4] كذا في النسخة، والأظهر ما في المختار (68) من النهج: «ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل» .

فلا أحرار عند النداء، وَلا إخوان عند النجا (ء) [1] قد منيت منكم بصم لا يسمعون، وبكم لا يعقلون، وكمه لا يبصرون. فيقال: إن عَلِيًّا أتبع النعمان عدي بْن حاتم الطائي فمضى حَتَّى شارف قنسرين ثُمَّ انصرف. ويقال: إن عبد الرحمان (بْن) حوزة الأزدي قتل مَعَ مالك بْن كعب يومئذ، وإن أخاه عَبْد اللَّهِ قتل حين لقي حجر بْن عدي الضحاك بْن قيس الفهري. ويقال: إن عبد الرحمان بن حوزة قاتل الحسين مع من قاتله. والثبت أن الَّذِي قاتل الْحُسَيْن رجل من بَنِي تَمِيمٍ يقال لَهُ: عَبْد الله بن حوزة، وهو غير هذا.

_ [1] النجاء: الخلاص. وبكسر النون: المناجات وإفضاء السر.

(الرابع من غارات معاوية على أطراف بلاد المسلمين) غارة ابن مسعدة الفزاري

(الرابع من غارات معاوية على أطراف بلاد المسلمين) غارة ابن مسعدة الفزاري «494» قَالُوا: ودعا مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بْن مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْن حُذَيْفَة الفزاري فبعثه إِلَى تيماء، وضم إِلَيْهِ ألفا (الفين «خ» ) وسبع مائة (و) أمره أن يصدق من مر بِهِ من العرب، ويأخذ، البيعة لَهُ عَلَى من أطاعه، ويضع السيف عَلَى من عصاه، ثُمَّ يصير إِلَى الْمَدِينَة ومكة وأرض الحجاز، وأن يكتب إِلَيْهِ فِي كُلّ يوم بما يعمل بِهِ ويكون منه، فانتهى ابْن مسعدة إِلَى أمره وبلغ خبره عليا فندب المسيّب بن نجبة الفزاري في كنف من الناس في طلبه [1] فقال لَهُ: إنك يَا مسيب من أثق بصلاحه وبأسه فسار (المسيّب) حَتَّى أتى الجناب، ثُمَّ أتى تيماء وانضم إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن مسعدة قوم من رهطه من بني فزارة، وانضم إِلَى ابْن نجبة قوم من رهطه أيضًا، فالتقى هُوَ وَابْن مسعدة فاقتتلوا قتالا شديدًا، وأصابت ابْن مسعدة جراحات

_ [1] هذه العبارة قد وقعت تحت الخياطة فليست جلية كما هو حقها فيحتمل هكذا: «فندب المسيب بن نجبة الفزاري في كثف من الناس كي يطلبه» إلخ. والكثف- على زنة الفلس-: الجماعة. وذكره في النسخة: «الكنف» بالنون.

ومضى قوم من أصحابه إِلَى الشَّام منهزمين لا يلوون عَلَيْهِ، وبقي مَعَهُ قوم منهم فلجأ (ابن مسعدة) ولجأوا (معه) إِلَى حائط حول حصن تيماء محيط بِهِ قديم، فجمع المسيب حوله الحطب وأشعل فِيهِ النار، فناشدوه أن لا يحرقهم وكلم فِيهِمْ، فأمر بإطفاء تلك النار. وَكَانَ عَلَى الثلمة الَّتِي يخرج مِنْهَا إِلَى طريق الشَّام عَبْد الرحمان بْن أسماء الفزاري وَهُوَ الَّذِي كَانَ يقاتل يومئذ ويقول: أنا ابْن أسماء وَهَذَا مصدقي ... أضربهم بصارم ذي رونق فلما جن عَلَيْهِ الليل (كذا) خلى سبيلهم فمضوا حَتَّى لحقوا بمعاوية، وأصبح المسيب فلم يجد فِي الحصن أحدا، فسأله بعض أصحابه أن يأذن لَهُ فِي اتباع القوم فأبى ذَلِكَ. وقدم المسيب/ 421/ عَلَى علي وقد بلغه الخبر، فحجبه أياما ثُمَّ دعا به فوبخه وقال (له: يا مسيب) حابيت [1] قومك وداهنت وضيعت؟! فاعتذر إِلَيْهِ، وكلمه وجوه أَهْل الْكُوفَةِ فِي الرضاء عَنْهُ، فلم يجبهم وربطه إِلَى سارية من سواري المسجد، ويقال: إنه حبسه ثُمَّ دعا بِهِ فَقَالَ لَهُ: إنه قد كلمني فيك من أنت أرجى عندي منه، فكرهت أن يكون لأحد منهم عندك يد [2] دوني وأظهر الرضا عَنْهُ، وولاه قبض الصدقة بالكوفة، فأشرك

_ [1] هذه الكلمة رسم خطها غير واضح والمحاباة والمداهنة بمعنى، وهي المساهلة في الشيء وعده هينا، ويقال أيضا: «حابى الرجل» : نصره. و «حابى القاضي فلانا» : مال إليه منحرفا عن العدل. [2] اليد- هنا-: النعمة والإحسان.

في ذلك بينه وبين عبد الرحمان بْن مُحَمَّد الكندي، ثُمَّ إنه حاسبهما فلم يجد عليهما شيئا، فوجّهها بعد ذَلِكَ فِي عمل ولاهما إياه، فلم يجد عَلَيْهِمَا سبيلا، فَقَالَ: [لو كَانَ النَّاس كلهم مثل هذين الرجلين الصالحين، مَا ضر صاحب غنم لو خلاها بلا راع، وما ضر المسلمات لا تغلق عليهن الأبواب، وما ضر تاجر لو ألقي تجارته بالعراء.]

(الخامس من غارات معاوية الشعواء علي المؤمنين الابرياء) غارة بسر بن أبي أرطاة القرشي

(الخامس من غارات معاوية الشعواء علي المؤمنين الابرياء) غارة بسر بْن أَبِي أرطأة القرشي «495» قَالُوا: كَانَ عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- عامل علي عَلَى اليمن- أشتد عَلَى أَهْل صنعاء فيما يجب عليهم، وطرد قوما من شيعة عُثْمَان عَنْهَا، وَكَانَ سعيد بْن نمران الْهَمْدَانِيّ عَلَى الجند، فصنع مثل ذَلِكَ، فتجمعت العثمانية وادعت أن الأمر قد أفضى إِلَى مُعَاوِيَةَ واجتمع النَّاس عَلَيْهِ، فكتبا بِذَلِكَ إِلَى علي فوجه إليهما جبر بْن نوف أبا الوداك بكتاب ينسبهما فِيهِ إِلَى العجز والوهن، فأرجف عبيد اللَّه وسعيد بْن نمران بأن يزيد بْن قَيْس الأرحبي قد فصل من عند علي فِي جيش عظيم يريدهم وسألا أبا الوداك أن يحدث بِذَلِكَ ويشيعه ففعل فكتبوا إلى معاوية. معاوية إِلا تسرع السير نحونا ... نبايع عَلِيًّا أَوْ يزيد اليمانيا وإن كَانَ فيما عندنا لك حاجة ... فأرسل أميرا لا يكن متوانيا فبعث مُعَاوِيَة بسر بْن أَبِي أرطأة بْن عويمر- أحد بني عامر بْن لوي- فِي ألفين وستمائة انتخبهم بسر، وَقَالَ لَهُ: يَا بسر إن مصر قد فتحت فعز ولينا وذل عدونا، فسر عَلَى اسم اللَّه فمر بالمدينة فأخف أهلها وأذعرهم

وهوّل عليهم [1] حتى تروا أنك قاتلهم، ثُمَّ كف عنهم وصر إِلَى مَكَّة فلا تعرض فِيهَا لأحد [2] ثُمَّ امض إِلَى صنعاء فَإِن لنا بِهَا شيعة فانصرهم واستعن بهم عَلَى عمال علي وأصحابه فقد أتاني كتابهم، واقتل كُلّ من كَانَ فِي طاعة علي إذا امتنع من بيعتنا، وخذ ما وجدت لهم من مال. فلما دخل بسر الْمَدِينَة أخاف أهلها وَقَالَ: إن بلدكم كَانَ مهاجر نبيكم ومحل أزواجه والخلفاء الراشدين بعده، فكفرتم نعمة اللَّه عليكم ولم تحفظوا حق أئمتكم حَتَّى قتل عُثْمَان بينكم فكنتم بين خاذل لَهُ ومعين عَلَيْهِ، ولم يزل يرهبهم حَتَّى ظنوا أنه موقع بهم، ثُمَّ دعا النَّاس إِلَى بيعة مُعَاوِيَة فبايعه قوم وهرب منه قوم فهدم منازلهم [3] . وَكَانَ عامل علي عَلَى الْمَدِينَة يومئذ أبا أيوب خالد بْن زيد الأَنْصَارِيّ فتوارى فأمر بسر أبا هريرة أن يصلي بالناس. ولما قرب بسر من مَكَّة توارى قثم بن العباس، وكان (عامل علي)

_ [1] جملتا: «وأذعرهم وهو عليهم» غير بينة بحسب الكتابة. [2] لان جلهم كانوا منحرفين عن علي، ومن باب إن كل شيء يحن إلى جنسه كان هواهم مع معاوية. [3] قال في ترجمة بسر، من تاريخ دمشق: ج 10/ 10- وفي تهذيبه: ج 3 ص 222 بحذف السند-: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد، قالت: أنبأنا أبو طاهر ابن محمد، أنبأنا ابو بكر ابن المقري، أنبأنا ابو الطيب محمد بن جعفر، أنبأنا عبيد الله بن سعد الزهري قال: بعت معاوية بسر بن أبي ارطاة من بني سعد بن معيص، تلك السنة يعني سنة تسع وثلاثين فقدم المدينة ليبايع الناس، فأحرق دار زرارة بن جرول اخي بني عمرو بن عوف بالسوق، ودار رفاعة بن رافع، ودار عبد الله بن سعد من بني عبد الأشهل. ثم انشمر الى مكة واليمن فقتل عبد الرحمان بن عبيد الله بن عباس وقثم بن عبيد الله، وعمرو ابن أم اراكة الثقفي. اقول: وقريبا منه ذكره قبله بسند آخر.

عَلَيْهَا فكان شيبة بْن عُثْمَان العبدري يصلي بالناس حَتَّى قدم بسر، فلما قدم لم يهج أَهْل مَكَّة ولم يعرض لهم. وقدم عَلَى عَلِيّ بْن أَبِي طالب عين لَهُ بالشام فأخبره بخبر بسر- يقال (له) قيس بن زرارة ابن عَمْرو (بْن) حطيان الْهَمْدَانِيّ، وَكَانَ قَيْس هَذَا عينا لَهُ بالشام يكتب إِلَيْهِ بالأخبار- ويقال: إن كتابه ورد عَلَيْهِ بخبر بسر، فخطب علي النَّاس ووبخهم وندبهم للشخوص إِلَيْهِ، فانتدب جارية بْن قدامة التَّمِيمِيّ فأمره أن ياتي الْبَصْرَة فيكون شخوصه لطلب بسر مِنْهَا. ووجه إِلَيْهِ وهب بْن مسعود الخثعمي من الْكُوفَة. ثم لما قرب بسر من الطائف تلقاه المغيرة بْن شعبة- وَكَانَ مقيما بالطائف معتزلا لأمورهم لم يشخص إِلَى الْبَصْرَة/ 422/ وَلا حضر صفين، إِلا إنه شخص مَعَ من شهد أمر الحكمين ثُمَّ انصرف إِلَى الطائف- فَقَالَ لَهُ: أحسن اللَّه جزاك فقد بلغتني شدتك عَلَى العدو، وإحسانك إِلَى الولي، فدم عَلَى صَالِح مَا أنت عَلَيْهِ فإنما يريد اللَّه بالخير أهله. فقال (له بسر:) يَا مغيرة إني أريد أن أوقع بأهل الطائف حَتَّى يبايعوا لأمير الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَة. فَقَالَ: يَا بسر ولم؟ أتثب عَلَى أولياءك بما تثب على أعدائك؟ لا تفعل (ذلك) فيصير النَّاس جميعا أعداؤك. فَقَالَ: صدقتني ونصحت لي. وقتل بسر كعب بْن عبدة وَهُوَ ذو الحبكة- بتثليث-. ومضى بسر حَتَّى إذا شارف اليمن، هرب عبيد اللَّه وسعيد- وذلك الثبت- ويقال: أقاما حَتَّى قدم فتحصنا، ثُمَّ خرجا ليلا فلحقا بعلي، وخلف عبيد اللَّه بْن العباس عَلَى اليمن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المدان الحارثي، فلما قدمها بسر قتله وقتل ابنه مالك بْن عَبْدِ اللَّهِ. ثُمَّ دعا النَّاس إِلَى بيعة مُعَاوِيَة فبايعوه لَهُ، وقتل جماعة من شيعة علي.

«496» وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: حَدَّثَنِي يعقوب بْن دَاوُد: أن عبيد اللَّه كَانَ عاملا لعلي علي اليمن فخرج إِلَى علي وخلف عَلَى صنعاء عَمْرو بْن أراكة الثَّقَفِيّ فقدم عَلَيْهِ بسر من قبل مُعَاوِيَة فقتله، فخرج عَلَيْهِ أخوه عبد الله فقال أبوه أراكة: لعمري لقد أردى ابْن أرطاة فارسا ... بصنعاء كالليث الهزبر إِلَى أجر فقلت لعبد اللَّه إذ حن باكيا ... تعز وماء العين منحدر يجري فإنك إن تبعث عينك لما مضى [1] ... من الدهر أَوْ ساق الحمام إِلَى القبر لتنفدن ماء الشئون (منها) بأسره [2] ... وإن كنت تمريهن من ثبج البحر تبين فإن كان البكاء رد هالكا ... عَلَى أحد فاجهد بكاك عَلَى عَمْرو وَلا تبك ميتا بعد ميت أجلة [3] ... علي وعباس وآل أَبِي بكر وَكَانَ عبيد اللَّه بْن العباس قد جعل ابنيه عَبْد الرحمان وقثم فِي قوم أمهما- وهي أم حكيم واسمها جويرية بنت قارض الكناني- فلما انتهى بسر إِلَى بلاد قومها قَالَ: ائتوني بابني عبيد اللَّه فلما أتى بهما قدمهما له

_ [1] لعل هذا هو الصواب، وفي النسخة: «عينيك» . [2] قوله: «لتنفدن» كان في النسخة بالذال المعجمة، والصواب هو المهملة، وهو إما من باب فرح مؤكدا بالنون الخفيفة فمعناه: لتفرغن ولتفنين. أو من الإفعال فمعناه: لتذهبن. والشئون- مهموزا وغير مهموز- مخفف الشئون: جمع الشأن- كعيون في جمع عين- وهو العرق الذي تجرى منه الدموع. [3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «أجكة» وقوله: «علي وعباس ... » بيان لقوله: «أجلة» . والميت: مخفف الميت- كسيد وسيد- والمراد من قوله: «ميت الأجلة علي وعباس ... » هو رسول الله صلّى الله عليه واله وسلم.

فقتلهما (ظ) فخرج نسوة من بني كنانة فقلن: هب الرجال يقتلون فما بال الولدان؟!! والله مَا كانوا يقتلون فِي الجاهلية؟!!! وإن سلطانا لا يسدد إِلا بقتل الأطفال لسلطان سوء!!! فأراد أن يوقع بهن ثم أمسك. و (كان بسر قد) غيّب الغلامين أياما طمعا فِي أن يأتيه أبوهما، ثُمَّ قتلهما: ذبحهما ذبحا، فرثتهما أمهما بأبيات [1] وهي: ها من أحس بنيي اللذين هما [2] ... كالدرتين تشظّا عنهم الصدف ها من أحس بنيي اللذين هما ... قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف ها من أحس بنيي اللذين هما ... مخ العظام فمخي اليوم مزدهف نبئت بسرا وما صدقت مَا زعموا ... من قولهم ومن الإفك الَّذِي اقترفوا أنحى عَلَى ودجي طفلي مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف من دل والهة حراء ثاكلة [3] ... على صبيين ضلا إذا غدا السلف وقالت أَيْضًا: ألا من أبصر الأخوين أمهما هي الثكلى ... تسائل من رأى ابنيها وتستبغي فما تبغى [4]

_ [1] ورواها أيضا في الحديث (15) من الجزء الثالث من أمالى الطوسي بسند آخر، ورواها بسند آخر في الحديث (19) من ترجمة عبيد الله من تاريخ دمشق: ج 36 ص 23، كما رواها أيضا في ترجمة بسر منه: ج 10، ص 10، وفي تهذيبه: ج 3 ص 222، بسند آخر. [2] ومثلها في ترجمة بسر من تاريخ دمشق، غير ان فيه: «تجلى عنهم الصدف» . وفي بعض المصادر: «بابني الذين هما» في جميع الفقرات. [3] وفي ترجمة بسر: «من ذالوالهة حرا (ء) مفجعة» . [4] جملتا: «وتستبغي فما تبغى» رسم خطهما غير واضح.

وسار جارية بْن قدامة السعدي حَتَّى أتى اليمن فحرق بِهَا وقتل قوما من شيعة عثمان، وطلب بسرا فهرب (منه) فاتبعه إِلَى مَكَّة، وظفر بقوم من أصحابه فقتلهم. وَقَالَ جارية لأهل مَكَّة. يَا عباد اللَّه بايعوا أمير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا. فَقَالُوا: إنه قد هلك. قَالَ: فبايعوا لمن/ 423/ بايعه أصحاب علي ففعلوا ذَلِكَ. ثُمَّ أتى الْمَدِينَة وقد اصطلح أهلها (على) أن يصلي بهم أَبُو هريرة، فَقَالَ لهم جارية: يَا عباد اللَّه بايعوا للحسن بْن علي. فبايعوه ثُمَّ أقبل نحو الْكُوفَة وتركهم فردوا أبا هريرة فصلى بهم حَتَّى اصطلح النَّاس. وأما وهب بْن مسعود الخثعمي فسار فلم يلحق بسرًا، ولم يظفر بأحد من أصحابه ويقال: إن عَلِيًّا رده من الطريق. «497» وَحَدَّثَنَا أَبُو مسعود الْكُوفِيّ، عَن عوانة، أن وائل بْن حجر الْحَضْرَمِيّ، كَانَ عثمانيا فاستأذن عَلِيًّا فِي إتيان اليمن ليصلح لَهُ مَا هناك، ثُمَّ تعجل الرجوع فأذن لَهُ فِي ذلك (فذهب) فمالأ بسرًا وأعانه عَلَى شيعة علي. «498» وَحَدَّثَنِي عباس بن هشام الكلبي عن أبيه، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ فِي إِسْنَادِهِ: أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ بُسْرِ بْنِ أَبِي أَرْطَاةَ، وَتَوْجِيهِ مُعَاوِيَةَ إِيَّاهُ صَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي دَعَوْتُكُمْ عودا وبدءا (ظ) وَسِرًّا وَجَهْرًا، فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، فَمَا زَادَكُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا، وَإِدْبَارًا، أَمَا يَنْفَعُكُمُ الْعِظَةُ وَالدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى؟!! وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لا أَرَى إِصْلاحَكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي، إِنَّ مِنْ ذُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَهَلاكِ هَذَا الدِّينِ أَنَّ ابْنَ أَبِي سفيان يدعوا الأَشْرَارَ فَيُجَابُ [1] وَأَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمُ الأَفْضَلُونَ الأَخْيَارُ فَتُرَاوِغُونَ وتدافعون» .

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «إن بني أبا سفيان يدعو الأشرار فيجاب» . ولكن كلمة «يجاب» رسم خطها غير واضح. ثم إن خطبته عليه السلام هذه ذكرها في كتاب الارشاد، والغارات وتاريخ اليعقوبي وذكرناها بلفظ كتاب الغارات في باب الخطب من نهج السعادة.

«499» وولي عَلِيّ بْن أَبِي طالب يزيد بْن حجية بن عامر بن بني تميم الله (كذا) بن ثعلبة، الري ودستبي (وتستر «خ» ) [1] فكسر الخراج فبعث إِلَيْهِ فحبسه ثُمَّ خرج فلحق بمعاوية. «500» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَن أَبِيهِ: أن عبيد اللَّه بْن العباس لما صار إِلَى مُعَاوِيَةَ، وفارق الحسن بْن علي، رأى بسرًا، فَقَالَ لَهُ: أنت أمرت هَذَا اللعين بقتل ولدي؟ فَقَالَ: والله مَا فعلت ولقد كرهت ذَلِكَ. فغضب بسر لقولهما وألقى سيفه إِلَى مُعَاوِيَةَ وَقَالَ لَهُ: خذه عني (ظ) ولكن أمرتني أن أخبط بِهِ النَّاس فانتهيت إِلَى أمرك، ثُمَّ أنت تقول لهذا مَا تقول وَهُوَ بالأمس عدوك، وأنا نصيحك دونه وظهيرك عَلَيْهِ!!! فَقَالَ: خذ سيفك فإنك ضعيف الرأي حين تلقي سيفا بين يدي رجل من بني هاشم وقد قتلت ابنيه!!! فأخذ سيفه وَقَالَ عبيد اللَّه مَا كنت لأقتل بسرا، بأحد ابني هُوَ ألأم وأوضع وأحقر من ذَلِكَ، والله مَا أرى أني أدرك ثارهما إلا بيزيد وعبد الله بني مُعَاوِيَة [2] . فضحك مُعَاوِيَة وَقَالَ: مَا ذنب يزيد وعبد الله

_ [1] كلمة: (وتستر «خ» ) كانت في الهامش ولم تعلم بعلامة والظاهر ان محلها هو الذي أثبتناها فيه. [2] ولكن الكلام شقشقة جبان اخلد إلى الشهوات وحب الحيات، وعدل عن روية أسرته من إيثار العز على الذل، والقتل على العار، ثم العار على النار- لو دار الأمر بينهما- ففر أولا من بسر، وتركه واليمن يفعل فيها ما يشاء وما يريد معاوية، ثم ترك الجند بلا استئذان من إمامه ولحق بمعاوية ليلا- عند ما امره الامام الحسن عليه السلام على مقدمته وارسله لأن يحبس معاوية عن المسير إلى ارض العراق حتى يلحقه بالجنود- فلو كان للرجل عرق ديني او هاشمي لما كان يلحق بمعاوية لا سيما مع كون بسر في مقدمة معاوية مستعدا لمباشرة القتال، وهلا لم يكتف بالفعال عن المقال في هذا المجلس فيقوم إلى السيف كي يقتل بسرا فيأخذ بثأره او يحجز بينه وبين ذلك الجالسون فيكون قد ابدى عذره وميزة عشيرته، ولكن الناس أبناء الدنيا وحبها راس كل خطيئة!!!

فو الله مَا أمرت وَلا علمت وَلا هويت. - وَكَانَ مُعَاوِيَة مائلا إِلَى ولد العباس لأن جدته أم أَبِيهِ كانت صفية بنت حزن وكانت أم بني العباس لبابة بنت الحرث بْن حزن- فقال ابْن لعبيد اللَّه من سرية تدعى جمانة: والله لا نرضى إِلا بيزيد وعبد اللَّه. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لا أم لك فلولا كرامة أبيك لأطلت حبسك. ثُمَّ إن بسرًا بعد ذَلِكَ وسوس، وَكَانَ يهذي بالسيف، فجعل لَهُ سيف من خشب أَوْ من عيدان، وكانت الوسادة تدنى إِلَيْهِ فيضربها حَتَّى يغشى عَلَيْهِ وربما أدني إِلَيْهِ زق فيضربه، فلم يزل كذلك حَتَّى مات فِي خلافة عبد الملك ابن مروان، ولم يزل مُعَاوِيَة يصل عبيد اللَّه بالمال العظيم بعد المال حَتَّى سل مَا فِي قلبه. «501» وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: أغار البياغ الْكَلْبِيّ عَلَى بكر بْن وائل، فأخذ سبيهم، فبعث إِلَيْهِ علي الأسود بْن عميرة بن جزء النهدي فردّ عليه البياع السبي فَقَالَ: رهنت يميني عَن قضاعة كلها ... فأبت حميدا فيهم غير مغلق [1]

_ [1] هذه الكلمة غير واضحة من النسخة.

قدوم يزيد بن شجرة الرهاوي مكة (بأمر معاوية)

قدوم يزيد بن شجرة الرهاوي مكة (بأمر معاوية) «502» قَالُوا/ 424/ بعث مُعَاوِيَة يزيد بْن شجرة الرهاوي، من مذحج إِلَى مَكَّة لإقامة الحج، وَكَانَ عَلَى الموسم من قبل علي قثم بْن العباس بْنِ عَبْدِ المطلب [1] وَكَانَ يزيد بْن شجرة متألها متوقيا، فلما أمره مُعَاوِيَة بالمسير،

_ [1] قال المصنف في أول ترجمة قثم بن العباس من هذا الكتاب القسم الأول من ج 1/ الورق 277/ او ص 557-: وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ولي عَلِي بْن أَبِي طَالِب قثم بْن الْعَبَّاس مَكَّة، وَهُوَ كَانَ عامله عَلَيْهَا وعلى الموسم فِي سنة تسع وثلاثين حِينَ وجه مُعَاوِيَة يَزِيد بْن شجرة الرُّهاوي لاقامة الحج وأخذ البيعة له، فقام قثم خطيبا حين بلغه اقبال ابن شجرة، فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: «اما بعد فإنه قد اقبل إليكم جيش من الشام عظيم وقد اظلكم، فإن كنتم على طاعتكم وبيعتكم فانهضوا معي اليهم حتى اناجزهم، وان كنتم غير فاعلين فأبينوا لي امركم ولا تغروني فإن الغرور حيف يضل معه الراي ويصرع به الأريب» . فلم يجبه احد، فأراد التنحي، ثم (بدا له و) اقام، واصطلح الناس على ان اقام الحج شيبة بن عثمان بن طلحة العبدري. وقال هشام بن الكلبي: من زعم ان أحدا من ولد العباس كان على الموسم في تلك السنة، عبيد الله او معبدا او تماما فقد غلط.

قَالَ لَهُ: إن كَانَ لا يرضيك إِلا الغشم، وإخافة البريء فابعث غيري فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: سر راشدًا، فقد رضيت رأيك. وَكَانَ عثمانيا ممن شهد صفين مَعَ مُعَاوِيَة. فمضى (ابن شجرة) وكتم أمره فأتى وادي القرى ثُمَّ الجحفة، ثُمَّ قدم مَكَّة، فِي غرة من ذي حجة [1] فأراد قثم بْن العباس التنحي عَن مكة، إذ لم يكن في منعة (ظ) وَكَانَ أَبُو سعيد الخدري حاجًا وَكَانَ لَهُ ودا، فأشار عَلَيْهِ أن لا يفعل، وبلغه أن معقل بْن قَيْس الرياحي موافيه فِي جمع بعث بهم علي حين بلغه فصول ابن شجرة من الشام. قالوا: [2] وأمر ابْن شجرة مناديه فنادى فِي النَّاس بالأمان، وَقَالَ: إني لم آت لقتال وإنما أصلي بالناس، فَإِن شئتم فعلت ذَلِكَ، وإلا فاختاروا من يقيم لكم الحج، والله مَا مَعَ قثم منعة، ولو أشاء أن آخذه لأخذته، ولكني لا أفعل، وَلا أصلي مَعَهُ، وأتى أبا سعيد فقال له: إن (ظ) رأيت والي مَكَّة كره مَا جئنا لَهُ ونحن للصلاة مَعَهُ كارهون، فَإِن شاء اعتزل الصلاة وأعتزلها وتركنا أَهْل مَكَّة يختارون من أحبوا. فاصطلحوا علي شيبة بْن عُثْمَان بْن أبي طلحة العبدري، فقال: أبو سعيد: مَا رأيت فِي أَهْل الشَّامِ مثل هَذَا؟ ذهب إلينا قبل أن نطلب إِلَيْهِ [3] . وقدم معقل يريد يزيد بْن شجرة، فلقي أخريات أصحابه بوادي القرى فأسر منهم ولم يقتل، ثُمَّ صار إِلَى دومة الجندل وانصرف إِلَى الْكُوفَةِ.

_ [1] كذا في ظاهر رسم الخط غير ان نقطة الغين كانت ساقطة. [2] هذا مقتضى السياق، وفي النسخة: «فأدم وامر ابن شجرة مناديه» . إلخ. [3] كلمة: «ذهب» رسم خطها غير جلي، ويمكن ان يقرء: «وهب» .

«503» حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، (عن أبيه) عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا تَوْجِيهُ مُعَاوِيَةِ يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ، دعا معقل بن قيس الرياحي فقال (له) : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُرْسِلَكَ إِلَى مَكَّةَ لِتَرُدَّ عَنْهَا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَدْ وُجِّهَ إليها. فقال (معقل) : أنا (لهم فوجهني إليها) فاستنفر عَلِيٌّ النَّاسَ مَعَهُ [1] ، فَخَطَبَ فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا يَعِزُّ مَنْ غَالَبَهُ، وَلا يُفْلِحُ مَنْ كَايَدَهُ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ خَيْلا وُجِّهَتْ نَحْوَ مَكَّةَ، فِيهَا رَجُلٌ، قَدْ سُمِّيَ لِي، فَانْتَدِبُوا إِلَيْهَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مَعَ مَعْقِلِ بْنِ قَيْسٍ، وَاحْتَسِبُوا فِي جِهَادِكُمْ وَالانْتِدَابُ مَعَهُ أَعْظَمُ الأجر، وصالح الذخر. فسكتوا (ولم يجيبوه بشيء) فَقَامَ مَعْقِلٌ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ انْتَدِبُوا فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلائِلُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ لَوْ قَدْ سَمِعُوا بنفيركم إليهم تفرقوا تفرق معزى الغز [2] فو الله إِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الْمُقَامِ تَحْتَ سُقُوفِ الْبُيُوتِ، وَالتَّضْجِيعِ خَلْفَ أَعْجَازِ النِّسَاءِ!!! فَقَامَ الرَّبَابُ بْنُ صَبْرَةَ بْنِ هَوْذَةَ الْحَنَفِيُّ فَقَالَ: أَنَا أَوَّلُ مُنْتَدِبٍ. ثُمَّ وَثَبَ طعين بن الحرث الكندي، فقال: وإنك (كذا) منتدب وانتدب الناس. فشخص (معقل) لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة في ألف وتسعمائة. - وَيُقَالُ: سَبْعِ مِائَةٍ- وَأَعْطَاهُمْ عَلِيٌّ مِائَةِ مِائَةٍ.

_ [1] بين المعقوفين كان غير مقروء من النسخة واثبتناه بحسب المعنى ومناسبة السياق. [2] ويحتمل رسم الخط ان يقرء «الغزر» . ولعله بمعنى القطيع.

وَشَخَصَ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ مِنْ مَكَّةَ لَلْيَلَتْيِن بَقِيَتَا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَغَذَّ السَّيْرَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَرْضِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَمَامِ حَجِّهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ فِي الْحَرَمِ. ولحق معقل أخريات أصحاب يزيد، دون وادي القرى فأصاب منهم عشرة نفر، وكره ابْن شجرة أن يرجع للقتال فمضى إلى معاوية.

أمر ابن العشبة وأصحابه مع زهير وأصحابه الذين بعثهم معاوية لأخذ الصدقات) بالسماوة

أمر ابن العشبة وأصحابه مع زهير وأصحابه الذين بعثهم معاوية لأخذ الصدقات) بالسماوة «504» قَالُوا: وبعث مُعَاوِيَة رجلا من كلب يقال لَهُ: زهير بْن مكحول، من بني عامر الأجدار، إِلَى السماوة، فجعل يصدق النَّاس، فبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا فبعث ثلاثة نفر: جعفر بْن عَبْدِ اللَّهِ الأشجعي، وعروة بْن العشبة من كلب، من بني عبد ودّ، والجلاس بْن عمير، من بني عدي بْن خباب (ظ) الْكَلْبِيّ، وجعل الجلاس كاتبا لَهُ ليصدقوا من كان في طاعته/ 425/ من كلب، وبكر ابن وائل، فأخذوا عَلَى شاطئ الفرات حَتَّى وافوا أرض كلب، ووافوا زهير الأجداري فاقتتلوا، فهزم زهير أصحاب علي، وقتل جعفر بْن عَبْدِ اللَّهِ وأفلت الجلاس، وأتى ابْن العشبة عَلِيًّا فعنّفه وقال (له) : جبنت وتعصبت (ظ) فانهزمت، وعلاه بالدرة، فغضب ولحق بمعاوية، فهدم علي داره، وَكَانَ زهير حمل ابْن العشبة عَلَى فرس فلذلك اتهمه علي. وَقَالَ ابْن العشبة: أبلغ أبا حسن إذا مَا جئته ... يدنيك منه الصبح والإمساء لو كنت أبينا عشية جعفر (كذا) ... جاشت إليك النفس والأحشاء

إذا نحسب الشجرات خلف ظهورنا ... خيلا وأن أمامنا صحراء إنا لقينا معشرا قبض الخصا ... فكأنهم يوم الوغى شجراء ومر الجلاس براع فأعطاه جبة خز، وأعطاه الراعي عباءة، وأخذ العلبة فِي يده وأدركته الخيل فَقَالَ: أين أخذ هؤلاء الترابيون؟ فأشار إليه أخذوا ها هنا، ثُمَّ أقبل إِلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ الجواس بْن المعطل: ونجّى جلاسا علبة وعباءة ... وقولك إني جيد الصر [1] حالب ولو ثقفته بالسنب خيولهم [2] ... لأودي كما أودي سمير وحاطب وصار لقى بين الفريقين مسلما ... جبارًا ولم يثأر بِهِ الدهر طالب قَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: هُوَ عروة بْن العشبة، وسمي عوف بْن عَمْرو بْن عبدود العشبة، لأنه كَانَ كالعشب لقومه، وعروة من ولده، وبعضهم يقول عَمْرو بن العشبة وذلك باطل [3] .

_ [1] الصر- كشر-: شد ضرع الناقة لئلا ترضع ولدها. [2] كذا في الأصل، ولعله مرخم- للضرورة- عن سنبك وهو طرف الحافر. ويحتمل أيضا انه مصحف عن «صبب» وهو ما انحدر من الأرض. ما انصب من الرمل. [3] وأصل القصة مذكور في كامل ابن الأثير: ج 3 ص 191.

أمر مسلم بن عقبة المري بدومة الجندل

أمر مسلم بْن عقبة المري بدومة الجندل «505» قالوا: وبعث معاوية (مسلم) بن عقبة المري إِلَى أَهْلِ دومة الجندل- وكانوا قد توقفوا عَن البيعة لعلي وَمُعَاوِيَة جميعا- فدعاهم إِلَى طاعة مُعَاوِيَة وبيعته، وبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا فبعث إِلَى مالك بْن كعب الْهَمْدَانِيّ أن (ا) خلف على عملك من تثق بِهِ وأقبل إلي. ففعل واستخلف عَبْد الرحمان بْن عَبْدِ اللَّهِ الكندي فبعثه علي إِلَى دومة الجندل فِي ألف فارس، فلم يشعر مسلم إِلا وقد وافاه فاقتتلوا يوما ثُمَّ انصرف مسلم منهزما، وأقام مالك أياما يدعو أَهْل دومة الجندل إِلَى البيعة لعلي فلم يفعلوا وَقَالُوا: لا نبايع حَتَّى يجتمع النَّاس على إمام. فانصرف (مالك إلى الكوفة) [1] .

_ [1] وذكرها مع ما تقدم وما يأتي في الكامل: ج 3 ص 191، وقبلها وبعدها.

غارة الحرث بن نمر التنوخي (على أهل الجزيرة)

غارة الحرث بن نمر التنوخي (على أهل الجزيرة) «506» قَالُوا: لما قدم يزيد بْن شجرة عَلَى معاوية، وجّه الحرث بْن نمر التنوخي عَلَى خيل مقدحة [1] فأمره أن يأتي الجزيرة فيسأل عمن كَانَ فِي طاعة علي فيأتيه (به فأخذ من أهل داراة [2] سبعة نفر من بني تغلب ثُمَّ أقبل بهم [3] (إلى معاوية) وشبيب بن عامر (ظ) الأزدي عامل علي عَلَى نصيبين- وَهُوَ جد الكرماني صاحب خراسان- وقد كانت جماعة من بني تغلب انحازت عَن علي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فكلموه فِي السبعة النفر [4] فلم يجبهم إِلَى إطلاقه، فاعتزلوه أيضًا. فكتب مُعَاوِيَة إِلَى علي إن في أيديكم (رجال) ممن أخذهم (معقل بن قيس) بناحية وادي القرى [5] ممن كَانَ مَعَ يزيد بن شجرة، وفي

_ [1] المقدحة: المضمرة، يقال: قدحت الفرس- من باب التفعيل-: ضمرته. [2] كذا هنا وما يأتي، وفي الكامل لابن الأثير: «دارا» . [3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «تم اقبل به» ... [4] هاتان الكلمتان رسم خطهما غير واضح. [5] ومن قوله: «رجال- إلى قوله: - أخذهم» سطر غير مقروء، كتبنا بعضه ظنا، وزدنا ما بين المعقوفين بقرينة سياق القصة.

أيدينا رجال من شيعتك أصبناهم، فان أحببت خلينا من فِي أيدينا وخليتم من فِي أيديكم. فأخرج علي النفر الَّذِينَ قدم بهم معقل بْن قَيْس من أصحاب ابْن شجرة الرهاوي وكانوا محتسبين [1] فبعث بهم إِلَى مُعَاوِيَةَ مَعَ سعد مولاه، وأطلق معاوية السبعة/ 426/ الذين أخذوا بداراة. «507» قَالُوا: وبعث علي رجلا من خثعم يقال له: عبد الرحمان إِلَى ناحية الموصل والجزيرة لتسكين النَّاس، فلقيه أولئك التغلبيون الَّذِينَ اعتزلوا عَلِيًّا وَمُعَاوِيَة فتشاتموا ثُمَّ تقاتلوا فقتلوه، فأراد علي أن يوجه إِلَيْهِمْ جيشا، فكلمته ربيعة فِيهِمْ، وَقَالُوا: هم معتزلون لعدوك داخلون فِي أَهْل طاعتك، وإنما قتلوا الخثعمي خطأ. فأمسك عنهم. وَكَانَ عَلَى هذه الجماعة من بني تغلب قرثع بن الحرث التغلبي [2] .

_ [1] كذا في ظاهر رسم الخط، ولعل الصواب: محتبسين- أو- محبوسين. [2] كذا في النسخة، وفي تاريخ الكامل: ج 3/ 191 «قريع بن الحرث» .

غارة مالك الأشتر وهو عامل علي على الجزيرة - قبل شخوصه إلى مصر - واستخلافه شبيب بن عامر على الجزيرة

غارة مالك الأشتر وَهُوَ عامل علي عَلَى الجزيرة- قبل شخوصه إِلَى مصر- واستخلافه شبيب بْن عامر عَلَى الجزيرة «507» قَالُوا: بعث مُعَاوِيَة الضحاك بْن قَيْس الفهري [1] عَلَى مَا كَانَ من سلطانه (من) الجزيرة والرقة، وحزان، والرها، وقرقيسيا، فبلغ ذَلِكَ الأشتر، فسار من نصيبين يريد الضحاك واستمد الضحاك أَهْل الرقة- وَكَانَ جل من بِهَا عثمانية هربوا من علي- فأمدّوه (و) عليهم سماك بْن مخرمة الأسدي، فعسكروا جميعا بين الرقة وحزان، وأقبل إِلَيْهِمُ الأشتر فاقتتلوا قتالا شديدا وفشت فِيهِمُ الجراح، وأسرع الأشتر فِيهِمْ، فلما حجز الليل بينهم سار الضحاك من ليلته فنزل حزان، وأصبح الأشتر فأتبعهم حتى حاصرهم بحزان، وأتى الصريخ معاوية، فدعا عبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد المخزومي، فأمره بالمسير لإنجاد الضحاك، فلما بلغ الأشتر ذَلِكَ كتب كتائبه ليعاجل الضحاك، ثم نادى (أ) لا إن الحي عزيز، ألا إن الذمار

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «بعث معاوية على الضحاك بن قيس ... » .

منيع [1] ألا تنزلون أيتها الثعالب الرواغة، ثُمَّ مضى فمر بالرقة فتحصنوا منه وأتى قرقيسيا فتحصنوا منه، وبلغ عبد الرحمان بْن خالد انصرافه فأقام [2] وَقَالَ أيمن بْن خريم بن فاتك الأسدي: ألا (ترين) عشيرتي وطعانهم [3] ... وجلادهم بالسيف أيّ جلاد ألا (تر) ى أشتر مذحج لا ينثني ... بالسيف ذا حنق وذا إرعاد

_ [1] هذا هو المناسب للسياق، وفي الأصل: «ألا إن الذمار صنع..» . [2] وقريبا منه ذكره أحمد بن أعثم الكوفي- المتوفى حدود (314) - في كتاب الفتوح: ج 3 ص 350 ط 1. [3] بين المعقوفات من الأبيات كان غير مقروء، وأثبتناه بمناسبة السياق.

(السابع من غارات معاوية) غارة عبد الرحمان بن قباث بن أشيم [1] الكناني على الجزيرة

(السابع من غارات معاوية) غارة عبد الرحمان بن قباث بن أشيم [1] الكناني على الجزيرة «508» قَالُوا: وَكَانَ كميل بْن زياد النخعي عَلَى هيت في جند من شيعة علي (عليه السلام) فلما أغار سُفْيَان بْن عوف عَلَى الأنبار، كَانَ كميل قد أتى ناحية قرقيسيا لمواقعة قوم بلغه أنهم قد أجمعوا عَلَى أن يغيروا على هيت ونواحيها، فقال: أبدؤهم قبل أن يبدؤني فإنه يقال: ابدأهم بالصراخ يفر [2] فاستخلف علي هيت وشخص بجميع أصحابه، فلما قربهم [3] جيش سُفْيَان عبر أَهْل هيت ومن بقي بِهَا من أصحاب كميل وكانوا خمسين رجلا، فأغضب ذلك عليا وأحفظه (كذا) فكتب إِلَيْهِ: «إن تضييع المرء مَا ولي وتكلفه ما كفي عجز (حاضر) وإن تركك عملك وتخطيك إياه إِلَى قرقيسيا خطأ

_ [1] كذا في تاريخ الكامل، وعبارة أنساب الأشراف هنا كان بعضها غير مقروء. [2] كذا. [3] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فلما مر بهم» .

وجهل ورأي شعاع» [1] . ووجد عَلَيْهِ وَقَالَ: إنه لا عذر لك عندي. فكان كميل مقيما على نجوم وغمّ (كذا) لغضب علي، فبينا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إذ أتاه كتاب شبيب بْن عامر الأزدي من نصيبين فِي رقعة كأنها لسان كلب يعلمه فِيهِ أن عينا لَهُ كتب إِلَيْهِ يعلمه أن معاوية قد وجّه عبد الرحمان بْن قباث نحو الجزيرة وأنه لا يدري أيريد ناحيته أم ناحية الفرات وهيت. فَقَالَ كميل إن كَانَ ابْن قباث يريدنا لنتلقينه، وإن كَانَ يريد إخواننا بنصيبين، لنعترضنه فَإِن ظفرت أذهبت/ 427/ موجدة أمير المؤمنين فأعتبت عنه [2] وإن استشهدت فذلك الفوز العظيم، وإني لممن رجوت الأجر الجزيل [3] فأشير عليه، باستيمار علي [4] فأبي ذَلِكَ ونهض يريد ابْن قباث فِي أربع مائة فارس، وخلف رجالته وهم ستمائة فِي هيت، وجعل يحبس من لحقه ليطوي الأخبار عن عدوه، وأتاه الخبر بانحيازه من الرقة نحو رأس العين، ومصيره إِلَى كفرتوثا وَكَانَ ينشد فِي طريقه كثيرًا: يَا خير من جر لَهُ خير القدر ... فالله ذو الآلاء أعلى وأبر يخذل من شاء ومن شاء نصر [5] ثُمَّ أغذ السير نحو كفرتوثا، فتلقاه ابْن قباث ومعن بْن يزيد السلمي [6] بها

_ [1] والكتاب رواه بأتم مما هنا في المختار: (61) من باب الكتب من نهج البلاغة، والمختار: (163) من كتب نهج السعادة: ج 5 ص 320. [2] كذا في ظاهر رسم الخط، ويحتمل أيضا أن يقرء «فأغنيت عنه» ولعله الصواب، [3] لفظة «لممن» غير مقروءة على اليقين، وكتبناها على الظن. [4] الاستئمار: الاستشارة. [5] كذا في كتاب الفتوح، والمصرعان الأولان كانا غير مقروئين من نسخة أنساب الأشراف، والأخير كان هكذا: «فخذل من تشاء ومن تشاء انصر» . [6] كلمة: «معن» رسم خطها غير واضح ويمكن أن يقرء: «ومعه ابن يزيد السهمي» . وفي النسخة هكذا: «ابن يزيد الس» .

في أربعمائة وألفين فواقعهما كميل ففض عسكرهما وغلب عَلَيْهِ وقتل من أصحابهما بشرًا، فأمر أن لا يتبع مدبر وَلا يجهز عَلَى جريح، وقتل من أصحاب كميل رجلان، وكتب بالفتح إلى عليّ، فجزاه الخير وأجابه جوابا حسنا [1] . «509» قَالُوا: وأقبل شبيب بْن عامر، من نصيبين فِي ست مائة فارس ورجالة، ويقال: فِي أكثر من هَذَا العدد، فوجد كميلا قد أوقع بالقوم واجتاحهم فهناه بالظفر وَقَالَ: والله لأتبعن القوم فَإِن لقيتهم لم يزدهم لقائي ألا هلاكا وفلا، وإن لم ألقهم لم أثن أعنة الخيل حَتَّى أطأ أرض الشام وطوى

_ [1] وإليك نص كتابه عليه السلام- على ما رواه في كتاب الفتوح: ج 4 ص 52-: أما بعد فالحمد لله الذي يصنع (للمرء «خ» ) كيف يشاء، وينزل النصر على من يشاء إذا شاء، فنعم المولى ربنا ونعم النصير، وقد أحسنت النظر للمسلمين ونصحت إمامك، وقدما كان حسن ظني بك ذلك، فجزيت والعصابة التي نهضت بهم إلي حرب عدوك خير ما جزي الصابرون والمجاهدون. فانظر لا تغزون غزوة ولا تخطون (ظ) إلى حرب عدوك خطوة بعد هذا حتى تستأذنني في ذلك، كفانا الله وإياك تظاهر الظالمين، إنه عزيز حكيم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. قال: ثم كتب (عليه السلام) إلى شبيب بن عامر بمثل هذه النسخة وليس فيها زيادة غير هذه الكلمات: واعلم يا شبيب أن الله ناصر من نصره وجاهد في سبيله، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. أقول: وصريح عبارة البلاذري أن في كتابه عليه السلام إلى شبيب كان نهيه عن أخذ اموال الناس ومواشيهم عدى الخيل والسلاح، وهذا غير موجود في رواية كتاب الفتوح كما ترى فعليك بالتنقيب لعلك تظفر بالكتاب بأسره ومن غير نقص.

خبره عَن أصحابه فلم يعلمهم أين يريد، فسار حَتَّى صار إِلَى جسر منبج فقطع الفرات، ووجه خيله فأغارت ببعلبك وأرضها، وبلغ مُعَاوِيَة خبر شبيب، فوجه حبيب بْن مسلمة للقائه، فرجع شبيب فأغار عَلَى نواحي الرقة فلم يدع للعثمانية بِهَا ماشية إِلا استاقها وَلا خيلا وَلا سلاحا إِلا أخذه، وكتب بذلك إلى على حين انصرف (إلى) نواحي نصيبين فكتب إليه (عليّ) ينهاه عَن أخذ مواشي النَّاس وأموالهم إِلا الخيل والسلاح الَّذِي يقاتلون بِهِ، وَقَالَ: [رحم اللَّه شبيبا لقد أبعد الغارة وعجل الانتصار.]

غارة زياد بن خصفة بن ثقيف التميمي على نواحي [1] الشام واستشارة علي أهل الكوفة لقتال معاوية

غارة زياد بن خصفة بن ثقيف التميمي على نواحي [1] الشام واستشارة علي أَهْل الْكُوفَةِ لقتال مُعَاوِيَة «510» قَالُوا: لما استنفر عليّ أهل الكوفة فتثاقلوا وتباطئوا، عاتبهم ووبخهم، فلما تبين منهم العجز وخشي منهم التمام عَلَى الخذلان [2] جمع أشراف أَهْل الْكُوفَةِ ودعا شيعته الَّذِينَ يثق بمناصحتهم وطاعتهم (فخطبهم) فقال: الحمد لله، وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله أما بعد أيها النَّاس فإنكم دعوتموني إِلَى هَذِهِ البيعة فلم أردكم عَنْهَا، ثُمَّ بايعتموني عَلَى الإمارة ولم أسألكم إيّاها فتوثب عليّ متوثبون، كفى الله مؤنتهم وصرعهم لخدودهم وأتعس جدودهم وجعل دائرة السوء عليهم، وبقيت طائفة تحدث فِي الإسلام أحداثا، تعمل بالهوى، وتحكم بغير الحق، ليست بأهل لما ادعت، وهم إذا قيل لهم: تقدموا قدمًا تقدموا، وإذا قيل لهم أقبلوا (أقبلوا) لا يعرفون الحق كمعرفتهم الباطل، وَلا يبطلون الباطل كإبطالهم الحق أما إني قد سئمت من عتابكم وخطابكم فبينوا الي ما أنتم فاعلون، فإن

_ [1] كلمة «النواحي» غير مقروءة بنحو البقين من الأصل. [2] أي الاستمرار والمداومة عليه.

كنتم شاخصين معي إِلَى عدوي فهو مَا أطلب وأحب، وإن كنتم غير فاعلين فاكشفوا لي عن أمركم أرى رأيي فو الله لئن لم تخرجوا معي بأجمعكم إِلَى عدوكم فتقاتلوهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم- وهو خير الحاكمين- لأدعون اللَّه عليكم، ثُمَّ لأسيرن إِلَى عدوكم ولو لم يكن/ 428/ معي إِلا عشرة، أأجلاف أَهْل الشَّامِ وأعرابها أصبر عَلَى نصرة الضلال، وأشد أجتماعا عَلَى الباطل منكم عَلَى هداكم وحقكم؟ ما بالكم؟ مَا دواؤكم؟ إن القوم أمثالكم لا ينشرون إن قتلوا إِلَى يوم القيامة. فقام إِلَيْهِ سعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المؤمنين أمرنا بأمرك، والله مَا يكبر جزعنا عَلَى عشائرنا إن هلكت، وَلا عَلَى أموالنا إن نفدت فِي طاعتك ومؤازرتك. وقام إِلَيْهِ زياد بْن خصفة فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أنت والله أحق من استقامت لَهُ طاعتنا، وحسنت مناصحتنا، وهل ندخر طاعتنا بعدك لأحد مثلك، مرني بما أحببت مما تمتحن بِهِ طاعتي. وقام إليه سويد بن الحرث التَّيْمِيّ من تيم الرباب فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مر الرؤساء من شيعتك فليجمع كُلّ امرئ منهم أصحابه فيحثهم عَلَى الخروج معك وليقرأ عليهم الْقُرْآن، ويخوفهم عواقب الغدر والعصيان، ويضم إِلَيْهِ من أطاعه وليأخذهم بالشخوص. فلقي النَّاس بعضهم بعضا، وتعاذلوا وتلاوموا، وذكروا مَا يخافون من استجابة دعائه عليهم إن دعا، فأجمع رأي النَّاس عَلَى الخروج وبايع حجر ابن عدي أربعة آلاف من الشيعة علي الموت، وبايع زياد بن خصفة البكري نحو من ألفي رجل، وبايع معقل بْن قَيْس نحو من ألفي رجل، وبايع عَبْد اللَّهِ بْن وهب السمني (كذا) نحو من ألف رجل. وأتي زياد بْن خصفة عَلِيًّا فَقَالَ لَهُ: أرى النَّاس مجتمعين على المسير

معك، فأحمد اللَّه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فحمد اللَّه ثُمَّ قَالَ: [ألا تدلوني عَلَى رجل حسيب صليب يحشر النَّاس علينا من السواد ونواحيه،] فَقَالَ سعيد بْن قَيْس: أنا والله أدلك عليه (هو) معقل بْن قَيْس الحنظلي فهو الحسيب الصليب الَّذِي قد جربته وبلوته، وعرفناه وعرفته! فدعاه علي وأمره بتعجيل الخروج لحشر النَّاس، فَإِن النَّاس قد انقادوا للخروج. ثُمَّ قَالَ زياد بْن خصفة: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قد اجتمع لي من قد اجتمع فأذن لي أن أخرج بأهل القوة منهم، ثُمَّ ألزم بشاطئ الفرات حتى أغير على جانب من الشَّام وأرضها، ثُمَّ أعجل الانصراف قبل وقت الشخوص واجتماع من بعث أمير الْمُؤْمِنِينَ فِي حشره، فَإِن ذَلِكَ مما يرهبهم ويهدهم. قَالَ: [فامض عَلَى بركة اللَّه، فلا تظلمن أحدًا، وَلا تقاتلن إِلا من قاتلك، وَلا تعرضن للأعراب.] فأخذ (زياد) عَلَى شاطئ الفرات فأغار عَلَى نواحي الشَّام، ثم انصرف، ووجه معاوية عبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد فِي طلبه ففاته، وقدم زياد هيت فأقام بِهَا ينتظر قدوم علي. وخرج معقل لما وجه لَهُ، فلما صار بالدسكرة بلغه أن الأكراد قد أغارت على شهر زور، فخرج فِي آثارهم فلحقهم حَتَّى دخل الجبل فانصرف عنهم، ثم لما فرغ من حشر النَّاس وأقبل راجعا فصار إِلَى المدائن بلغه نعي علي فسار حَتَّى دخل الْكُوفَة، ورجع زياد من هيت. «511» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ وَدَعَاهُمْ إلى الخفوق [1] إلى غزو أهل الشام، وأمر الحرث الأَعْوَرَ بِالنِّدَاءِ فِيهِمْ فَلَمْ يُوَافِهِ إِلا نَحْوٍ من ثلاثمأة، فخطبهم ووبخهم

_ [1] الخفوق- بضم الخاء-: السير والذهاب. يقال: «خفق في البلاد- من باب ضرب ونصر- خفقا وخفوقا» : ذهب.

فَاسْتَحْيَوْا [1] فَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ أُلُوفٌ فَتَعَاقَدُوا عَلَى الشُّخُوصِ مَعَهُ وَأَجْمَعَ رَأْيَهُمْ عَلَى الإِقَامَةِ شَتْوَتَهُمْ ثُمَّ الخروج في الفصل [2] فإنهم على ذلك إذا أُصِيبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ. «512» وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الكوفي، عن عوانة: أن عليا (عليه السلام) كتب إلى قيس ابن سعد (بن عبادة) وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى أَذْرَبِيجَانَ: «أَمَّا بَعْدُ فَاسْتَعْمِلْ على عملك عبيد اللَّهِ بْنَ شُبَيْلٍ الأَحْمَسِيَّ [3] وَأَقْبِلْ فَإِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ مَلأُ الْمُسْلِمِينَ وَحَسُنَتْ طَاعَتُهُمْ، وَانْقَادَتْ لِي جَمَاعَتُهُمْ وَلا يَكُنْ/ 429/ لَكَ عَرْجَةٌ وَلا لُبْثٌ، فإنا جادّون معدّون، وَنَحْنُ شَاخِصُونَ إِلَى الْمُحِلِّينَ، وَلَمْ أُؤَخِّرِ الْمَسِيرَ إِلا انْتِظَارًا لِقُدُومِكَ عَلَيْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسَّلامُ. «513» وَقَالَ أَبُو مسعود: قَالَ عوانة: قَالَ عَمْرو بْن العاص- حين بلغه مَا عَلَيْهِ علي من الشخوص إِلَى الشَّام وأن أَهْل الْكُوفَةِ قد انقادوا لَهُ-: لا تحسبني يَا علي غافلا ... لأوردن الْكُوفَة القبائلا ستين ألفا فارسا وراجلا فَقَالَ: علي: لأبلغن العاصي بْن العاصي ... ستين ألفا عاقدي النواصي مستحقبين حلق الدلاص

_ [1] وبعده كلمة كأنها: «ووبخهم» وكأنها قد شطب عليها. [2] الشتوة- كسطوة وضربة-: الشتاء. والمراد من الفصل- هنا- هو أيام الربيع أو بعد الشتاء. [3] وفي تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 178: «عبد الله بن شبيل الأحمسي» . والكتاب ذكرناه في المختار: (133) من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 148.

أمر أشرس بن عوف الشيباني في خلافة علي عليه السلام

أمر أشرس بْن عوف الشيباني فِي خلافة علي عَلَيْهِ السلام «514» قَالُوا: أول من خرج على عليّ بعد مقتل أَهْل النَّهْرَوَان أشرس بْن عوف الشيباني خرج بالدسكرة في مأتين ثُمَّ صار إِلَى الأنبار، فوجه إِلَيْهِ علي الأبرش بن حسان في ثلاثمأة فواقعه فقتل أشرس فِي شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين. وكان الأشرس لما توجه يريد النهر لقيه عَلِيّ بْن الحرث بْن يزيد بْن رويم ليمنعه فطعنه وَقَالَ، خذها من ابْن عم لك مفارق لولا نصرته الحق كَانَ بك ضنينا. فيقال: إنه قتله: والثبت أنه بقي وَكَانَ فيمن لقيه فضربه وَقَالَ: خذها من ابْن عم لك شان.

امر هلال بن علقمة

امر هلال بن علقمة «515» قالوا: ثم خرج هلال بن علقمة من تيم الرباب ومعه أخوه مجالد، وَقَالَ بعضهم: إن الرئاسة كانت لمجالد، ومعه هلال، فأتى ماسبذان يدعو إِلَى ماربه رأيه [1] ويقاتل من قاتله، فوجه إِلَيْهِ علي معقل بْن قَيْس الرياحي فقتله وقتل أصحابه وهم أكثر من، مأتين، وكان مقتلهم في جمادي الأولى سنة ثمان وثلاثين.

_ [1] كذا في الأصل،

أمر الاشهب بن بشير القرني (ظ) وبعضهم يقول: الاشعث (وكان) من بجيلة وهو كوفي

أمر الاشهب بن بشير القرني (ظ) وبعضهم يقول: الاشعث (وكان) من بجيلة وَهُوَ كوفي «516» قَالُوا: ثُمَّ خرج الأشهب فِي جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين في مائة وثلاثين (وثمانين «خ» ) فأتى المعركة التي أصيب ابن علقمة وأصحابه فِيهَا فصلى عَلَيْهِ، وأجن من قدر عَلَيْهِ منهم فوجه إِلَيْهِ علي جارية بْن قدامة التَّمِيمِيّ، ويقال: حجر بْن عدي الكندي فأقبل إِلَيْهِمُ الأشهب فالتقوا بجرجرايا من أرض جوخا، فقتل الأشهب وأصحابه فِي جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين.

امر سعيد بن قفل (ظ) التيمي من تيم الله بن ثعلبة بن عكاية -

امر سعيد بن قفل (ظ) التيمي من تيم الله بن ثعلبة بن عكاية- «517» قَالُوا: ثُمَّ خرج سعيد بْن قفل التَّيْمِيّ في رجب بالبند نيجين، وَكَانَ مَعَهُ مائتا رجل، فأقبل حَتَّى أتى قنطرة الدرزيجان وهي عَلَى فرسخين من المدائن، فكتب علي إِلَى سعد بْن مسعود الثَّقَفِيّ [1] عم المختار بن أبي عبيد ابن مسعود- وَكَانَ عامله عَلَى المدائن- فِي أمره، فخرج إِلَى ابْن قفل وأصحابه فواقعهم فقتلهم فِي رجب سنة ثمان وثلاثين. وبعضهم يقول: هو سعد ابن قفل.

_ [1] إلى الآن وهو يوم الجمعة: (26) من ربيع الأول من سنة (1394) لم أعثر على هذا كتاب، وقد باشرنا لطبع هذا الجزء من أنساب الأشراف ونشر منه مائة صحيفة.

امر أبي مريم السعدي (من) سعد مناة بن تميم

امر أبي مريم السعدي (من) سعد مناة بْن تميم «518» قَالُوا: رجع علي إلى الكوفة من النهر (وان) وبها ثلاثة آلاف من الخوارج، وألف فِي عسكره ممن فارق ابْن وهب وجاء إِلَى راية أَبِي أيوب الأَنْصَارِيّ، ومن كَانَ بالنخيلة ممن خرج يريد أَهْل الشَّامِ قبل النهر (وان) ، فلما قاتل عليّ أهل النهر (وان) ، أقاموا ولم يقاتلوا أهل النهر معه، وقوم بالْكُوفَة لا يرون قتاله، وَلا القتال مَعَهُ. فأتى/ 430/ أبو مريم (بعد وقعة النهر (وان) شهر زور في مأتين، جلهم موال، فأقام بشهر زور أشهرا يحض أصحابه ويذكرهم أمر النهر (وان) ، واستجاب لَهُ أَيْضًا قوم من غير أصحابه، فقدم المدائن في أربعمائة، ثُمَّ أتى الْكُوفَة، فأقام عَلَى خمسة فراسخ مِنْهَا، فأرسل إِلَيْهِ علي يدعوه إِلَى بيعته وأن يدخل المصر، فيكون فِيهِ مَعَ من لا يقاتله وَلا يقاتل مَعَهُ، فَقَالَ: مَا بيني وبينك إِلا الحرب. فبعث إِلَيْهِ علي شريح بن هانئ في سبعمائة فدعاه إِلَى بيعة علي أَوْ دخول المصر، لا يقاتله ولا يقاتل معه. فقال (أبو مريم) : يَا أعداء اللَّه أنحن نبايع عَلِيًّا ونقيم بين أظهركم يجور علينا إمامكم [1] وقد قتلتم عَبْد اللَّهِ بْن وهب وزيد بن حصين، وحرقوص بن زهير، وإخواننا

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «ويقيم بين أظهركم يجوز علينا إمامكم» .

الصالحين، ثُمَّ تنادوا بالتحكيم وحملوا عَلَى شريح وأصحابه فانكشفوا، وبقي شريح في مأتين، فانحاز إِلَى بعض القرى وتراجع إِلَيْهِ بعض أصحابه فصار في خمسمائة، ودخل الباقون الْكُوفَة، فأرجفوا بقتل شريح، فخرج علي بنفسه وقدم أمامه جارية بْن قدامة في خمسمائة ثم أتبعه في ألفين. فمضى جارية (بن قدامة) حَتَّى صار بإزاء الخوارج فَقَالَ لأبي مريم: ويحك أرضيت لنفسك أن تقتل مَعَ هَؤُلاءِ العبيد؟ والله لئن وجدوا ألم الحديد ليسلمنك. فقال: «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا (أَحَداً) . ولحقهم علي فدعاهم إلى بيعته فأبوها وحملوا عَلَى علي فجرحوا عدة من أصحابه ثُمَّ قتلوا إِلا خمسين رجلا استأمنوا فآمنهم علي. وَكَانَ فِي الخوارج أربعون جريحا، فأمر عليّ بإدخالهم الكوفة ومداواتهم ثم قال (لهم) : الحقوا بأي البلاد شئتم. وَكَانَ مقتل أَبِي مريم فِي شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين. وَقَالَ أَبُو الحسن المدائني: كَانَ أَبُو مريم في أربعمائة من الموالي والعجم ليس فِيهِمْ من العرب إِلا خمسة من بني سعد، وأبو مريم سادسهم.

أمر ابن ملجم وامر اصحابه ومقتل امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

أمر ابْن ملجم وأمر أصحابه ومقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام «519» المدائني عَن مسلمة بْن محارب، عَن دَاوُد بْن أَبِي هِنْد: عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: حج ناس من الخوارج سنة تسع وثلاثين وقد اختلف عامل علي وأصحاب مُعَاوِيَة، فاصطلح النَّاس عَلَى شيبة بْن عُثْمَان، فلما انقضى الموسم أقام الخوارج مجاورين فَقَالُوا: كَانَ هَذَا البيت معظما فِي الجاهلية، جليل الشأن فِي الإسلام، وقد انتهك هَؤُلاءِ حرمته، فلو أن قوما شروا أنفسهم فقتلوا هذين الرجلين اللذين قد أفسدوا في الأرض، واستحلا حرمة هذا البيت استرحنا واستراحت الأمة، واختار النَّاس لأنفسهم إماما، فقال عبد الرحمان بْن ملجم: أنا أكفيكم عَلِيًّا، وَقَالَ الحجاج بن عبيد الله الصريميّ- وهو البركة (كذا) -. أنا أقتل معاوية. وقال داذويه مولى بني حارثة بْن كعب بْن العنبر- واسمه عَمْرو بْن بكر-: والله مَا عَمْرو بْن العاص بدونهما، فأنا لَهُ فتعاقدوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إنهم اعتمروا عمرة رجب. فقدم ابْن ملجم الْكُوفَة وجعل يكتم أمره، فتزوج قطام [1] بنت علقمة

_ [1] هذا هو الصواب الموافق لما في المصادر بأسرها، وفي النسخة: هنا «حطام» . ويجيء أيضا في موضعين من الحديث: (534) على نحو الصواب: «قطام» .

من تيم الرباب- وَكَانَ علي قتل أخاها- فأخبرها بأمره، وَكَانَ أقام عندها ثلاث ليال، فقالت له في الليلة الثالثة: لشد مَا أحببت لزوم أهلك وبيتك وأضربت عَن الأمر الَّذِي قدمت لَهُ!! فَقَالَ: إن لي وقتا واعدت عَلَيْهِ أصحابي ولن أجاوزه. ثُمَّ إنه قعد لعلي فقتله، ضربه عَلَى رأسه، وضرب ابْن عم لَهُ عضادة الباب، فَقَالَ علي- حين وقع بِهِ السيف-[فزت ورب الكعبة [1]] . «520» وقال الكلبي: هو عبد الرحمان بن عمرو بن ملجم بن المكشوح ابن نفر بن (كذا) كلدة من حمير، وَكَانَ كلدة أصاب دما فِي قومه من حمير، فأتى مراد فَقَالَ/ 431/ أتيتكم تجوب بي ناقتي الأرض فسمي تجوب. «521» وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، وعمرو بن محمد الناقد، قال: (كذا) حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْمَوْا رِجْلَهُ فَقَالَ: [اللهم إني قد كرهتهم وكرهوني فأرحني منهم وأرحهم مني] (قال عبيد الله بن أبي رافع:) فَمَا بَاتَ إِلا تِلْكَ اللَّيْلَةَ. «522» وَحَدَّثَنَا زهير بْن حرب أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا ابْنِ جُعْدُبَةَ: عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: مكث معاوية بالشام وعلي بالعراق وعمرو ابن الْعَاصِ بمصر، بعد أن قتل ابْن حديج مُحَمَّد بْن أَبِي بكر الصديق بمصر. ثُمَّ إن نفرًا اجتمعوا عَلَى أن يعدوا عليهم فِي ساعة واحدة فيقتلوهم ليريحوا الأمة منهم زعموا (ذلك) . فأما صاحب علي فقتله حين خرج لصلاة الصبح، وأما صاحب مُعَاوِيَة فطعنه وَهُوَ دارع- فلم يضره، وأما عمرو بن العاصي فخرج أمامه خارجة

_ [1] ويجيء مثله في الحديث: (541) بسند آخر،

ابن أَبِي خارجة من بني عدي بْن كعب، فظن الرَّجُل أنه عَمْرو بْن العاص، فشد عَلَيْهِ فقتله، ورجع عَمْرو وراءه. فلما قتل علي تداعى أَهْل الشَّامِ إِلَى بيعة مُعَاوِيَة، فقال عبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد: نحن المؤمنون وَمُعَاوِيَة أميرنا وَهُوَ أمير الْمُؤْمِنِينَ [1] فبايع لَهُ أَهْل الشَّامِ وَهُوَ بإيليا لخمس ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة أربعين، فكان مَا بين قتل عُثْمَان وبيعة النَّاس لمعاوية أربع سنين وشهرين وسبع عشرة ليلة. «523» وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمْ يَزَلِ النَّاسُ خَائِفِينَ لهذه الخوارج على علي مذ حكم الحكمين وَقُتِلَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ حَتَّى قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ- لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مُلْجَمٍ-. «524» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْدٍ، عَن الواقدي [2] . وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الكلبي عن أبيه، عن لوط بن يحيى، وعوانة ابن الحكم وغيرهما قَالُوا: اجتمع ثلاثة نفر من الخوارج بمكة، وهم عبد الرحمان بْن ملجم الحميري- وعداده فِي مراد، وَهُوَ حليف بني جبلة من كندة، ويقال: إن مراد أخواله- والبرك بْن عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيّ (ظ) ثم

_ [1] وبمقتضي ما اشتهر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من انه قال: من أعان ظالما سلط الله عليه. لما استولى معاوية على الأمر وأراد أن يحمل الناس على بيعة يزيد، وراي من عبد الرحمان الكراهة، أناح له ابن آثال الطبيب النصراني فسمه بشربة والحقة بسلفه وقدمه إلي محكمة الحكم العدل. ثم أن الحديث (رواه أيضا تحت الرقم: (1340) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج 38 ص 97. [2] وذكره أيضا في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 35 ط بيروت ولكن لم يذكو الواقدي في الإسناد، بل قال: قالوا: انتدب ثلاثة نفر من الخوارج: عبد الرحمان ابن ملجم المرادي ...

الصريمي، صريم مقاعس (كذا) بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن زَيْد مناة ابن تميم- ويقال: إن اسم البرك الحجاج- وعمرو بْن بكير- ويقال: بكر أحد بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم- فتذاكروا أمر إخوانهم الَّذِينَ قتلوا بالنهروان، وَقَالُوا: والله مَا لنا خير فِي البقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال والفتنة فأرحنا العباد منهم ثائرين بإخواننا لرجونا الفوز عند اللَّه غدا، فتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وَمُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرو بْن الْعَاصِ، ثُمَّ توجه كُلّ رجل منهم إِلَى البلد الذي فيه صاحبه، فقدم عبد الرحمان بْن ملجم الْكُوفَة، وشخص البرك إِلَى الشَّام وشخص عَمْرو بْن بكير- ويقال: بكر- إِلَى مصر وجعلوا ميعادهم ليلة واحدة وهي ليلة سبع عشرة من شهر رمضان [1] . فأما البرك فإنه انطلق فِي ليلة ميعادهم فقعد لمعاوية، فلما خرج ليصلي الغداة شد عَلَيْهِ بسيفه، فأدبر مُعَاوِيَة فضرب طرف إليته ففلقها ووقع السيف في لحم كثير، وأخذ (البرك) فَقَالَ: إن لك عندي خبرًا سارًا: قد قتل فِي هَذِهِ الليلة عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وحدثه بحديثهم. وعولج مُعَاوِيَة حَتَّى برأ وأمر بالبرك فقتل. وقيل: ضرب البرك مُعَاوِيَة وَهُوَ ساجد، فمذ ذاك جعل الحرس يقومون علي رؤس الخلفاء في الصلاة، واتخذ معاوية (بعد ذلك) المقصورة. وروى بعضهم أن مُعَاوِيَة لم يولد (له) بعد الضربة، وأن مُعَاوِيَة كَانَ أمر بقطع يد البرك ورجله ثُمَّ تركه فصار إِلَى الْبَصْرَة فولد لَهُ فِي زمن زياد فقتله وصلبه وَقَالَ لَهُ: ولد لك وتركت أمير الْمُؤْمِنِينَ لا يولد لَهُ. وأما عَمْرو بْن بكير- ويقال: بكر- فرصد عَمْرو بْن العاص في ليلة

_ [1] كذا في كثير من أخبارهم، ولكن الشائع في أخبار شيعة أهل البيت عليهم السلام انه ضربه في ليلة التسع عشرة من شهر رمضان وهي ليلة ميعادهم لعنهم الله.

سبع عشرة من شهر رمضان «فلم يخرج فِي تلك الليلة لعلة وجدها فِي بطنه/ 432/ وصلى بالناس خارجة بْن حذافة العدوي فشد عَلَيْهِ وَهُوَ يظنه عمرًا فقتله، وأخذ فأتي بِهِ عَمْرو فقتله وَقَالَ. أردت عمرا وأراد اللَّه خارجة. فذهبت مثلا. وأما ابْن ملجم قاتل علي فإنه أتى الْكُوفَة، فكان يكتم أمره، وَلا يظهر الَّذِي قصد لَهُ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يزور أصحابه من الخوارج فلا يطلعهم على إرادته، ثم إنه أتى يوما (قوما) من تيم الرباب فرأى امرأة منهم جميلة يقال لها: قطام بنت شيحنة- (و) كَانَ علي قتل أباها شجنة بْن عدي، وأخاها الأخضر بن شجنة يوم النهروان- فهواها حَتَّى أذهلته عَن أمره فخطبها، فقالت لا أتزوجك إِلا عَلَى عبد وثلاثة آلاف درهم وقينة وقتل عَلِيّ بْن أَبِي طالب. فَقَالَ: أما الثلاثة الآلاف والعبد والقينة فمهر، وأما قتل عَلِيّ بْن أَبِي طالب. فما ذكرته وأنت تريدينه [1] فقالت بلى تلتمس غرته فَإِن أصبته وسلمت شفيت نفسي ونفعك العيش معي وإلا فما عند اللَّه خير لك مني. فَقَالَ: والله ما جاءني إِلا قتل علي. ولقي ابْن ملجم رجلًا من أشجع يقال لَهُ شبيب بْن بجرة فدعاه إِلَى مظاهرته عَلَى قتل علي. فَقَالَ: أقتل عليا مع سابقته وقرابته مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!!! فَقَالَ: إنه قتل إخواننا فنحن نقتله ببعضهم. فأجابه. وجاء ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين- وَهَذَا (هو) الثبت. وبعضهم يقول: جاء لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ويقال: لإحدى عشرة ليلة خلت من غيره. وذلك باطل. - وكانت

_ [1] هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة: «وأنت تريد شي هـ» .

تلك الليلة الميعاد الذي ضربه (ابن ملجم) وصاحباه فِي قتل علي وَمُعَاوِيَة وعمرو، فجلس ابْن ملجم مقابل السدة الَّتِي كَانَ علي يخرج مِنْهَا- ولم يكن ينزل القصر إنما نزل في أخصاص فِي الرحبة الَّتِي يقال لَهَا رحبة علي- فلما خرج لصلاة الصبح وثب ابْن ملجم فَقَالَ: الحكم لله يَا علي لا لك فضربه على قرنه [1] فجعل علي يقول: لا يفوتنكم الرَّجُل. وشد النَّاس عَلَيْهِ فأخذوه. ويقال: إن المغيرة بْن نوفل بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب استقبله بقطيفة فضرب بِهَا وجهه ثم اعترضه فصرعه واوثقه.

_ [1] وقد وردت روايات على انه عليه السلام ضرب وهو في الصلاة، كما رواه في الحديث: (18) من الجزء الثالث من امالي الطوسي مسندا عن الإمام على بن الحسين قال: لما ضرب ابن ملجم امير المؤمنين عليه السلام، كان معه آخر فوقعت ضربته على الحائط، واما ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد، على الضربة التي كانت ... وقال في الحديث: (497) في باب فضائل علي عليه السلام من كنز العمال: ج 15/ 170، ط 2 عن عبد الرازق في اماليه (عن معمر) عن الزهري ان ابن ملجم طعن (كذا) عليا حين رفع راسه من الركعة، فانصرف وقال: أتموا صلاتكم. ولم يقدم أحدا. وقال ابن عساكر- في الحديث (1397) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق-: أخبرنا ابو القاسم إسماعيل بن احمد، أنبأنا احمد بن محمد بن احمد، أنبأنا عيسى بن علي، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي، أنبأنا احمد بن منصور، أنبأنا يحي بن بكير المصري، اخبرني الليث بن سعد: ان عبد الرحمان بن ملجم ضوب عليا في صلاة الصبح على دهش بسيف كان سمه ... وقال في الحديث: (63) من فضائل امير المؤمنين- من كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل-: حدثنا عبد الله بن احمد، حدثنا احمد بن منصور، حدثنا يحي بن بكير المصري حدثني الليث بن سعد: ان عبد الرحمان بن ملجم ضرب عليا في صلاة الصبح على دهش بسيف كان سمه بالسم، ومات من يومه ودفن بالكوفة. وقال ابن أبي الدنيا- في مقتل امير المؤمنين- حدثني أبي، عن هشام بن محمد، قال: حدثني رجل من النخع، عن صالح بن ميثم، عن عمران بن ميثم، عن ابيه (قال:) إن عليا خرج فكبر في الصلاة، ثم قرأ من سورة الأنبياء احدى عشرة آية، ثم ضربه ابن ملجم من الصف على قرنه ... وقال أيضا: حدثني أبي، عن هشام بن محمد، قال: حدثني عمر بن عبد الرحمان بن نفيع بن جعدة بن هبيرة (عن ابيه عن جده) . انه لما ضرب ابن ملجم عليا عليه السلام وهو في الصلاة، تأخر فدفع في ظهر جعدة فصلى بالناس ...

وضرب شبيب بْن بجرة ضربة أخطأت عَلِيًّا ووقعت بالباب، ودخل بين النَّاس فنجا- ثُمَّ إنه بعد ذَلِكَ خرج يعترض النَّاس بقرب الْكُوفَة، فبعث إِلَيْهِ المغيرة بْن شعبة وَهُوَ واليها، خيلا فقتله. وَكَانَ مَعَ ابْن ملجم وشبيب رجلًا يقال لَهُ: وردان بْن المجالد التَّيْمِيّ- وَهُوَ ابْن عم قطام بنت شجنة- فهرب وتلقاه عَبْد اللَّهِ بْن نجبة بْن عبيد، أحد بني تيم الرباب أَيْضًا، فَقَالَ لَهُ: مالي أرى السيف معك- وَكَانَ معصبا بالحرير لكي يفلت إذا تعلق بِهِ- فلما سأله عَن السيف لجلج وَقَالَ: قتل ابْن ملجم وشبيب بْن بجرة أمير الْمُؤْمِنِينَ. فأخذ السيف منه فضرب به عنقه فأصبح قتيلا في الرباب. وكان علي شديد الأدمة ثقيل العينين ضخم البطن أصلع ذا عضلات ومناكب، فِي أذنيه شعر قد خرج من أذنه، وَكَانَ إِلَى القصر أقرب. «525» قَالُوا: لم يزل ابْن ملجم تلك الليلة عند الأشعث بْن قَيْس يناجيه حَتَّى قَالَ لَهُ الأشعث: قم فقد فضحك الصبح. وسمع ذلك من قوله حجر ابن عدي الكندي فلما قتل علي قَالَ لَهُ حجر: يا أعور أنت قتلته [1] .

_ [1] ورواه ابن أبي الدنيا، بسندين في مقتل امير المؤمنين مع الحديث: (532) الآتي.

«526» وقال المدائني قال مسلمة بن المحارب: سمع الكلام عفيف عم الأشعث فلما قتل علي قَالَ عفيف: هَذَا من عملك وكيدك يا أعور. ويقال: إن رجلا من حضرموت لحق ابن بجرة فصرعه وأخذ سيفه فَقَالَ النَّاس: خذوا صاحب السيف. فخاف أن ينقاوؤا عَلَيْهِ [1] وَلا يسمعوا منه، فألقى السيف ومضى وهرب ابْن بجرة. «527» وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ، وغيره أن عوانة بْن الحكم حدث/ 433/ أن ابْن ملجم كَانَ فِي بكر بْن وائل، فمرت بِهِ جنازة أبجر بْن جابر العجلي- وَكَانَ نصرانيا ونصارى الحيرة يحملونه- ومع ابنه حجار بْن أبجر شقيق بْن ثور، وخالد بْن المعمر، وحريث بْن جابر وجماعة من المسلمين يمشون في ناحية إكراما لحجار، قلما رآهم ابْن ملجم أعظم ذَلِكَ وأراد غيرًا منهم، ثُمَّ قَالَ. لولا أني أعد سيفي لضربة هي أعظم عند اللَّه أجرًا وثوابا من ضرب هَؤُلاءِ، لاعترضتهم فإنهم قد أتوا أمرًا عظيما،! فأخذ وأتي بِهِ (إِلَى) علي فَقَالَ: [هل أحدث حدثا؟] قَالُوا: لا. فخلى سبيله [2] . «528» قالوا: وكان بن ملجم يعرض سيفه فَإِذَا أخبر أن فِيهِ عيبا أصلحه، فلما قتل علي قَالَ: لقد أحددت سيفي [3] بكذا وسمعته بِكَذَا، وضربت بِهِ عَلِيًّا ضربة لو كانت بأهل المصر، لأتت عليهم. «529» وروي عَن الحسن بْن علي قَالَ. أتيت أَبِي سحيرًا فجلست إليه

_ [1] رسم الخط في هذه الكلمة غير جلي، يمكن ان تقرء «ان يتغاووا» . ولعل الصواب: «ان يتفيئوا عليه» اي يتوجهون ويميلون عليه محاربا له بظن انه ممن ضرب امير المؤمنين عليه السلام. [2] ورواه إلى قوله: «لاستعرضتهم بالسيف» في مقتل ابن أبي الدنيا. [3] هذا هو الصواب، وفي الأصل: «لقد أخذ ذنب» .

فَقَالَ: [إني بت الليلة أرقا، ثُمَّ ملكتني عيني وأنا جالس فسنح لِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له: يا رَسُول اللَّهِ ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فَقَالَ: ادع عليهم فقلت: اللَّهُمَّ أبدلني بهم خيرًا لي منهم وأبدلهم بي شرًا لهم مني.] ودخل ابْن النباح عَلَيْهِ فَقَالَ: الصلاة. فأخذت بيده فقام ومشى ابْن النباح بين يديه ومشيت خلفه، فلما خرج من الباب نادى أيها النَّاس الصلاة الصلاة، وكذلك كَانَ يصنع فِي كُلّ يوم، ويخرج (كذا) ومعه درته يوقظ النَّاس، فاعترضه الرجلان، فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول: الحكم يَا علي لله لا لك. ثُمَّ رأيت سيفا ثانيا، فأما سيف ابْن ملجم فأصاب جبهته إِلَى قرنه ووصل إِلَى دماغه، وأما سيف ابْن بجرة فوقع فِي الطاق وَقَالَ علي: [لا يفوتنكم الرَّجُل.] فشد النَّاس عَلَيْهِمَا من كُلّ جانب، فأما شبيب بْن بجرة فأفلت، وأما ابْن ملجم فأخذ وأدخل عَلَى علي، فَقَالَ [أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فَإِن أعش فأنا ولي دمي فإما عفوت وإما اقتصصت، وإن امت فألحقوه بي وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. *] «530» قَالُوا: وبكت أم كلثوم بنت علي وقالت لابن ملجم- وَهُوَ أسير-: يَا عدو اللَّه قتلت أمير الْمُؤْمِنِينَ؟! قَالَ: لم أقتل أمير الْمُؤْمِنِينَ ولكني قتلت أباك!!! فقالت: والله إني لأرجو أن لا يكون عَلَيْهِ بأس. قَالَ فلم تبكين إذًا أعلي تبكين؟ والله لقد أرهقت السيف ونفيت الخوف وخنثت الأجل [1] وقطعت الأمل وضربته ضربة لو كانت بأهل عكاظ- ويقال: بربيعة ومضر- لأتت عليهم، والله لقد سمعته شهرًا فَإِن أخلفني فأبعده اللَّه سيفا وأسحقه. «531» ويقال: إن أمامة بنت أَبِي العاص بْن الريبع وليلى بنت مسعود

_ [1] كذا في النسخة، وقريبا منه رواه ابن أبي الدنيا بسندين في مقتل أمير المؤمنين عليه السلام.

النهشلية، وأم كلثوم بكين عَلَيْهِ، وقلن: يَا عدوا اللَّه لا بأس عَلَى أمير الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ فعلى من تبكين إذا أعلي تبكين؟!! «532» قَالُوا: وبعث الأشعث بْن قَيْس ابنه قَيْس بْن الأشعث صبيحة ضرب علي فَقَالَ أي بني أنظر كيف أصبح الرَّجُل وكيف تراه، فنظر إِلَيْهِ ثُمَّ رجع فَقَالَ: رأيت عينيه داخلتين فِي رأسه. فَقَالَ الأشعث: عينا دميغ ورب الكعبة. «533» قَالُوا: ومكث علي يوم الجمعة ويوم السبت، وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين، وغسله الحسن والحسين وعبد اللَّه بْن جعفر وَابْن الحنفية، وكفن فِي ثلاثة أثواب ليس فِيهَا قميص، ونزل فِي قبره هَؤُلاءِ جميعا، ودفنه معهم عبيد اللَّه بْن العباس، وحضره جماعة من أَهْل بيته والناس بعد، وصلى عَلَيْهِ الحسن ابنه وكبر عَلَيْهِ أربعا [1] «534» وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، وَغَيْرُهُ قَالُوا: حَدَّثَنَا وكيع، عن يحي بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أبيه. وحدثني

_ [1] جميع ما ذكره هنا في انه صلى الإمام الحسن على أبيه صلوات الله عليهما وكبر عليه أربع تكبيرات ضعيف ومعارض بما هو أقوى منه، مما رواه علماء الشيعة وجماعة من أهل السنة، من أن صلاة الميت ذات خمس تكبيرات وأن أول من جمع الناس على أربع هو عمر بن الخطاب كما رواه العسكري في كتاب الأوائل ص 83 من المصورة ورواه عنه في الطرائف ص 175، وقد ذكرنا شطرا صالحا من أخبار القوم في تعليق الحديث: (1407) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق، وإليك الإشارة إلى مظانها، فقد رواه أحمد بن حنبل في مسند زيد بن أرقم من مسنده ج 4 ص 367، و 370، و 372، ورواه أيضا في عنوان: «الصبر على الحمى» من منتخب كنز العمال بهامش مسند: ج 1/ 221، ورواه أيضا المحاملي في الجزء الثالث من أماليه الورق 28، ورواه أيضا في ترجمة عيسي البزار، من تاريخ بغداد: ج 11/ 143.

عَمْرٌو النَّاقِد، عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ الْحَسَنَ/ 434/ بْنِ عَلِيٍّ صَلَّى عَلَى عَلِيٍّ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. «535» حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنُ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ صَلَّى عَلَيْهِ الْحَسَنُ وَإِلَيْهِ أَوْصَى وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. «536» وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وأبو بكر ابن الأَعْيَنِ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ إِلْيَاسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابن عمرو بن سعيد بْنِ الْعَاصِ بِمِثْلِهِ. «537» قَالُوا: ودفن علي بالْكُوفَة عند مسجد الجماعة فِي الرحبة مما يلي أبواب كندة، قبل انصراف النَّاس من صلاة الفجر. ويقال: دفن فِي الغري [1] ويقال فِي الكناسة. ويقال: بالسدة. وغمي قبرة مخافة أن ينبشه الخوارج [2] فلم يعرف. وروي عَن شريك بْن عَبْدِ اللَّهِ انه قال: حمل الحسين بن علي (كذا) بعد صلح الحسن مُعَاوِيَة أباه فِي تابوت فدفن بالمدينة عند فاطمة عَلَيْهِمَا السلام. «538» قَالُوا: وَكَانَ الْحُسَيْن بالمدائن قد قدمه أبوه إِلَيْهَا وَهُوَ يريد المسير إِلَى الشَّام، فكتب إِلَيْهِ الحسن بما حدث من أمر أَبِيهِ مَعَ زجر (كذا) بن

_ [1] وهذا مما أجمعت عليه أئمة أهل البيت ورواه عنهم شيعتهم خلفا عن سلف، وهو عندهم من الضروريات الثابتة بالتواتر مثل كون بيت الله الحرام بمكة، وقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيته بمسجد المدينة. [2] بل الخوف من النواصب معاوية وأشياعه كان أكثر، بل منه ليس غيره لأنه عليه السلام علم بأخبار من النبي أنه سيستولي على الأمر، بخلاف الخوارج فإنهم كانوا مطرودين منكوبين وإخباره عليه السلام بهذا المعنى كثير جدا.

قيس الجعفي فلما أتاه زحر (كذا) بالكتاب (ظ) انصرف بالناس إِلَى الْكُوفَةِ. وَقَالَ بعضهم: إن الْحُسَيْن كَانَ حاضرًا قتل أَبِيهِ. وكانت خلافة علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أربع سنين وتسعة أشهر. ويقال: عشرة أشهر. وَكَانَ لَهُ يوم توفي ثلاث وستون سنة- وذلك (هو) الثبت-. ويقال: إنه توفي وله تسع وخمسون سنة. «539» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [1] عَن الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عقيل، قَالَ: سمعت ابْن الحنفية يقول حين دخلت سنة إحدى، وثمانون- وهي سنة الجحاف- ونوه (كذا) : لي خمس وستون، قد جاوزت عمر أَبِي. قلت فكم كانت سنة يوم قتل؟ قَالَ: قتل وله ثلاث وستون سنة. «540» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: تُوُفِّيَ عَلِيٌّ وَلَهُ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. «541» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ربيعة الكلابي، عَن طلق الأعمى، عَن جدته قَالَت كنت أنوح أنا وأم كلثوم بنت علي على علي.

_ [1] ورواه أيضا- مع الحديث التالي- في الطبقات: ج 3/ 38- قال: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا علي بن عمر، وأبو بكر بن أبي سبرة، عن عبد الله ... قال: سمعت محمد بن الحنيفة يقول سنة الجحاف- حين دخلت إحدى وثمانون-: هذه لي خمس وستون سنة، وقد جاوزت سن أبي ... قال محمد بن عمر: وهو الثبت عندنا. ورواه أيضا في الحديث (49) من مقتل ابن أبي الدنيا بنحو الاختصار، ولم يذكر ابن أبي سبرة في السند. ورواه عنه في ترجمته عليه السلام من تاريخ بغداد: ج 1/ 136، ورواه أيضا في الحديث (1445) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق نقلا عن الخطيب.

«542» حدثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ أَبُو مُوسَى قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَخْطُبُ فَذَكَرَ أَبَاهُ وَفَضْلَهُ وَسَابِقَتَهُ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكَ صَفْرَاءَ وَلا بَيْضَاءَ إلا سبع مائة درهم فضلت من عطائه أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِي بِهَا خَادِمًا. «543» الْمَدَائِنِيُّ عَن يَعْقُوبَ بْن دَاوُد الثَّقَفِيّ، عَن الحسن بْن بزيع: ان عليا خرج (في) الليلة الَّتِي ضرب فِي صبيحتها فِي السحر وهو يقول: [أشدد حيازيمك للموت ... فَإِن الموت لاقيك ولا تجزع من الموت ... إذا حل بواديك ] فلما ضربه ابْن ملجم قَالَ: [فزت ورب الكعبة.] وَكَانَ أخر مَا تكلم بِهِ: [ «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ] » . «544» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن موسى، عن موسى ابن عبيدة، عن أبي بكر ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ- أَوْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ أَوْ كِلَيْهِمَا- شَكَّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [أَشْقَى الأَوَّلِينَ عَاقِرُ النَّاقَةِ، وَأَشْقَى الآخِرِينَ مَنْ هَذِهِ الأُمَّةُ [1] الَّذِي يَطْعَنُكَ يَا عَلِيُّ وأشار إلى حيث طعن] .

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «من هذه اللحية» . ورواه أيضا في ترجمة امير المؤمنين من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 35، ط بيروت وفيه: «واشقي الآخرين الَّذِي يَطْعَنُكَ يَا عَلِيُّ. وَأَشَارَ إِلَى حَيْثُ يطعن» . وللحديث مصادر كثيرة، وأسانيد جمة، ذكر بعضها في تفسير سورة الشمس من شواهد التنزيل، والحديث: (1368) وتواليه من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق.

«545» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، [1] عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ فِطْرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ: دَعَا علي الناس للبيعة فجاءه عبد الرحمان بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَتَاهُ وَقَالَ: [مَا يَجْلِسُ أَشْقَاهَا لَيَخْضِبَنَّ/ 435/ أَوْ قَالَ: لَيَصْبِغَنَّ هَذِهِ اللِّحْيَةَ مِنْ جَبْهَتِهِ ثُمَّ تَمَثَّلَ: أشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيك ولا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ ... إِذَا حَلَّ بِوَادِيكَ ] وَقَالَ محمد: (و) فِي حَدِيثٍ آخَرَ: [وَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ إِلَيَّ [2]] . «546» حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إسماعيل بن إبراهيم الاسري [3] عن عمارة ابن أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ إِلَى عَلِيٍّ وَهُوَ فِي المسجد فقال: احترس فإن ها هنا قَوْمًا مِنْ مُرَادٍ يُرِيدُونَ قَتْلَكَ. فَقَالَ: [إِنَّ مع كل إنسان ملكين موكلين يَحْفَظَانِهِ، فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وإن الأجل جنّة حصينة] .

_ [1] ورواه أيضا في الطبقات ج 3/ 33 ط بيروت مع خلاف في بعض الألفاظ. ورواه أيضا- عدا ما في الذيل- ابن أبي الدنيا في مقتل امير المؤمنين، عن خلف بن سالم عن أبي نعيم ... وفيهما معا: «فإن الموت اتيك» . ورواه أيضا بسند ينتهي إلى أبي الطفيل واصبغ بن نباتة، في اخبار عمرو بن معدي كرب من الأغاني: ج 14/ 33 ط ساسي. [2] وفي الطبقات هكذا: قال محمد بن سعد: وزادني غير أبي نعيم في هذا الحديث بهذا الاسناد: عن علي بن أبي طالب: «والله إنه لعهد النبي الأمي- صلّى الله عليه وسلم- إلي» . [3] كذا في النسخة، وقال ابن سعد- في ترجمة امير المؤمنين من الطبقات: ج 3 ص 34 ط بيروت-: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية، عن عمارة ابن أبي حفصة ... اقول: وهكذا رواه عنه في الحديث: (1389) من ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق، كما رواه عنه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، ص 183، وله مصادر اخر.

«547» حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْقَاسِمِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ سَرِيَّةَ عَلِيٍّ، قَالَتْ: إِنِّي لأَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ الْمَاءَ إِذْ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَرَفَعَهَا إِلَى أَنْفِهِ ثُمَّ قَالَ: [وَاهًا لَكِ لَتُخَضَّبَنَّ بِدَمٍ.] قَالَتْ فَأُصِيبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ [1] . «548» حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: رفع علي لحيته إِلَى أنفه ثُمَّ قَالَ: [لتخضبن هَذِهِ بدم هذه يعني (لحيته من دم) جبهته] . «549» حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنِ ابْنِ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [مَا يَحْبِسُ أَشْقَاكُمْ أَنْ يَجِيءَ فَيَقْتُلَنِي اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ سئمتهم وسأموني فَأَرِحْنِي مِنْهُمْ وَأَرِحْهُمْ مِنِّي.] «550» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [2] ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصلت قال (كذا) : حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا ابْنُ مُلْجَمٍ الْحَمَّامَ، وَأَنَا وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ جُلُوسٌ فِي الْحَمَّامِ فَكَأَنَّهُمَا اشْمَأَزَّا مِنْهُ فَقَالا: مَا أَجْرَأَكَ مَا أَدْخَلَكَ عَلَيْنَا؟ فَقُلْتُ لَهُمَا: دَعَاهُ عَنْكُمَا فَلَعَمْرِي إنّ

_ [1] ورواه أيضا ابن أبي الدنيا- في عنوان: موت علي بن أبي طالب من مقتله الورق 8- في الحديث (42) منه قال: أنبأنا خلف بن سالم، أنبأنا ابو نعيم، أنبأنا سليمان بن قاسم ... ورواه أيضا ابن سعد في ترجمة علي عليه السلام، من الطبقات ج 3 ص 35 ط بيروت، عن الفضل بن دكين ... وروى قريبا منه قبله بسند آخر. [2] ورواه أيضا في الطبقات: ج 3 ص 35، ورواه عنه في الحديث: (1399) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق. وكذا في الحديث: (501) في باب فضائله عليه السلام من كنز العمال: ج 15/ 175، ط 2، ورواه أيضا في الحديث: (81) من مقتل ابن أبي الدنيا الورق 243 ب/ بسند آخر على وجه آخر.

مَا يُرِيدُ بِكُمَا لأَجْسَمُ مِنْ هَذَا. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُتِيَ بِهِ أَسِيرًا قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: مَا أَنَا الْيَوْمَ بِأَعْرَفَ بِهِ مِنِّي يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا الْحَمَّامَ!!! فَقَالَ عَلِيٌّ: [إِنَّهُ أَسِيرٌ فَأَحْسِنُوا نُزُلَهُ وَأَكْرِمُوا مَثْوَاهُ، فَإِن بَقِيَتْ قَتَلْتُ أَوْ عَفَوْتُ، وَإِنْ مُتُّ فَاقْتُلُوهُ قَتْلَتِي وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] . «551» حدثنا محمد بن سعد، حدثنا عفان [1] ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّسْتُرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْمُرَادِيِّ: [أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك مِنْ مُرَادِ ] «552» حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَصَمِّ قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ نَاسًا مِنْ شِيعَةِ أَبِي الْحَسَنِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ دَابَّةُ الأَرْضِ وَأَنَّهُ سَيُبْعَثُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ: [كَذَبُوا لَيْسَ أُولَئِكَ شِيعَتُهُ وَلَكِنَّهُمْ أَعْدَاؤُهُ، وَلَوْ عَلِمْنَا ذَلِكَ مَا قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ وَلا أَنْكَحْنَا نِسَاءَهُ] . «553» حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ الْفَلاسُ، قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ قُثَمَ مَوْلَى عَلِيٍّ قَالَ: كَتَبَ عَلِيٌّ فِي وَصِيَّتِهِ: إِنَّ وَصِيَّتِي إِلَى أَكْبَرِ وَلَدِي غَيْرَ طَاعِنٍ عَلَيْهِ فِي بَطْنٍ وَلا فَرْجٍ. «554» حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ أتيت المدائن فلقيني رجل

_ [1] كذا في النسخة، ورواه في الطبقات ج 3/ 34 وقال: أخبرنا ابو اسامة حماد بن اسامة، عن يزيد بن ابراهيم ... ورواه أيضا ابن أبي الدنيا، في مقتل امير المؤمنين عن خلف بن سالم، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: كان علي إذا راى ابن ملجم قال ... ورواه أيضا في اخبار عمرو بن معدي كرب من كتاب الأغاني: ج 14/ 32 ط ساسي.

وصية علي بن أبي طالب

فَسَأَلَنِي عَنِ الْخَبَرِ فَأَعْلَمْتُهُ بِمَقْتَلِ عَلِيٍّ فَقَالَ: لَوْ جِئْتَنَا بِدِمَاغِهِ فِي صُرَّةٍ لَعَلِمْنَا أَنَّهُ لا يموت حتى يذودكم بعصا (هـ) [1] . [وصية عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ] «555» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الطَّحَّانُ، عَنْ أَبِيهِ، عن ابن أبي ليلى عن عبد الرحمان بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: لَمَّا ضُرِبَ عَلِيٌّ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُبَايِعُ حَسَنًا؟ قَالَ: [لا آمُرُكَ وَلا أَنْهَاكَ] . ثُمَّ دَعَا وَلَدَهُ فَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ/ 436/ لا يَأْسَوْا عَلَى مَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنْهَا [2] . «556» المدائني، عَن عَلِيّ بْن هاشم، عَن الضحاك بْن عميرة (أو عمير) قَالَ: رأيت قميص علي الَّذِي أصيب فِيهِ كرابيس سنبلاني، ورأيت أثر دمه فِيهِ كالذي قال علي (كذا) . وَحَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سمعت زيد بْن علي يقول: البراءة من أَبِي بكر وعمر وعلي سواء [3] . «557» حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ يَحْيَى بْن آدم، عَنْ شريك

_ [1] وقريبا منه ذكره ابن أبي الدنيا في مقتل امير المؤمنين عليه السلام. [2] والوصية ذكرها بنصها في المختار (47) من الباب الثاني من نهج البلاغة، ولكنه ذيلها بالوصية الطويلة، ونقلناها بحيالها في المختار- 7- من باب وصايا نهج السعادة مع كثير من مصادرها، ولقد قصر البلاذري عن ذكر وصايا امير المؤمنين بعد ما ضربه اللعين مع كثرتها واستفاضة جلها في كتاب المسلمين بطرق عديدة، ومن اراد الإطلاع على شيء من ذلك فعليه بالمختار- 5 وتواليه والمختار (36) وتواليه من باب الوصايا من كتاب نهج السعادة. [3] الحديث مع انقطاعه ضعيف، والأدلة الخاصة والعامة امثال قوله تعالى: «هل يستوي الأعمى والبصير» حاكمة عليه على فرض اعتباره، وكيف يستوي البراءة من نفس النبي وغيرها؟! وكيف يستوي البراءة ممن حبه إيمان وبغضه نفاق ومن هو من اناس عاديين؟!!!

وَغَيْرِهِ، قَالَ: أَوْصَى عَلِيٌّ: هَذَا مَا وَقَفَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْصَى بِهِ أَنَّهُ (أ) وقف أرضه القا (ئمة) بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبَحْرِ أَنْ يُنْكَحَ مِنْهَا الأَيِّمُ، وَيُفَكَّ الْغَارِمُ، فَلا تُبَاعُ وَلا تُشْتَرَى وَلا تُوهَبُ حَتَّى يَرِثَهَا اللَّهُ الَّذِي يَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَأُوصِي إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ غَيْرَ طَاعِنٍ عَلَيْهِ فِي بَطْنٍ وَلا فَرْجٍ. «558» قَالُوا: وَأَوْصَى أَنْ يَقُومَ فِي أَرْضِهِ ثَلاثَةٌ مِنْ مَوَالِيهِ وَلَهُمْ قُوتُهُمْ، وَإِنْ هَلَكَ الْحَسَنُ قَامَ بِأَمْرِ وَصِيَّتِي الأَكْبَرُ فَالأَكْبَرُ مِنْ وَلَدِي مِمَّنْ لا يُطْعَنُ عَلَيْهِ [1] . «559» قَالُوا: وَكَانَ ابْن ملجم رجلا أسمر حسن الوجه أبلج، شعره من شحمة أذنيه، مسجدا- يعنون أن فِي وجهه أثر السجود- فلما فرغ من أمر علي ودفنه، أخرج إِلَى الحسن ليقتله، فاجتمع الناس وجاؤا بالنفط والبواري والنار فَقَالُوا: نحرقه. فَقَالَ ولده وعبد اللَّه بْن جعفر دعونا نشف أنفسنا منه. فقالت أم كلثوم بنت علي: يَا عدو اللَّه قتلت أمير الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لو كَانَ أمير الْمُؤْمِنِينَ مَا قتلته. ثُمَّ بدر عبد الله بن جعفر فقطع يديه ورجليه وَهُوَ ساكت لا يتكلم ثُمَّ عمد إِلَى مسمار محمي فكحل بِهِ عينيه فلم يجزع وجعل يقول: كحلت عمك بملول له مضّ [2] (بملمول ممضّ «خ» ) ، ثُمَّ قرأ: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» حتى فرغ مِنْهَا وعيناه تسيلان، ثُمَّ عولج عَن لسانه ليقطع فجزع ومانعهم فقيل لَهُ: أجزعت؟ قَالَ: لا ولكني أكره أن أبقى فواقا- أو قال: رفغا [3]- لا أذكر الله فيه بلساني.

_ [1] لصدر هذا الحديث- كوسط الحديث السالف- مصادر وأسانيد من كتب المسلمين، وقد ذكرنا كثيرا من مصادره في تعليق المختار: (63) من وصايا نهج السعادة، ص 435، وكذلك في ذيله، وكذا في المختار (35) منها، ص 33. [2] كذا في النسخة، وفي الطبقات الكبرى: «بملول مض» وفي الحديث: (73) من مقتل ابن أبي الدنيا: «ممض» . [3] هذه الكلمة رسم خطها غير واضح: ويمكن أن يقرأ «رفتا» . والفواق- بضم الفاء وفتحه-: ما بين الحلبتين من الوقت. وقيل: ما بين فتح يد الحالب وقبضها على الضرع.

فقطعوا (لسانه) ثُمَّ إنهم جعلوه فِي قوصرة كبيرة ويقال: فِي بواري وأحرق بالنار، والعباس بن علي يومئذ صغير لا يستأن بلوغه. ويقال: إن الحسن ضرب عنقه وَقَالَ: لا أمثل بِهِ [1] . ومضى إِلَى الحجاز بمقتل علي سُفْيَان بْن أمية بْن أَبِي سُفْيَانَ بْن أميّة بن عبد شمس ولا عتب له [2] فلما بلغت عائشة خبره أنشدت قول البارقي (معقر ابن حمار) : فألقت عصاها واستقرت بِهَا النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر

_ [1] وهذا القول هو الصواب الموافق لما فطر الله عليه أهل بيت النبوة من علو النفس وتجنبهم عن سفاسف الأخلاق العامية، وانقيادهم لقوانين الشريعة غاية الانقياد. نعم بناءا على اعتبار ما ورد في غير واحد من الأخبار من أن أمير المؤمنين قال: «اصنعوا به ما صنع رسول الله لمن أراد قتله، أمر بقتله ثم بإحرافه» - كما رواه الحاكم في ترجمة امير المؤمنين من المستدرك: ج 3/ 144، ورواه أيضا في الحديث: (1401) من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق، نقلا عن أحمد في مسند علي عليه السلام من كتاب المسند: ج 1/ 93 ط 1، ورواه عنه في مجمع الزوائد: ج 9 ص 145، قال: وفيه عمران بن ظبيان وثقة ابن حبان وبقية رجاله ثقات. ورواه أيضا في الحديث: (1390) عن غير أحمد، كما رواه أيضا في الحديث: (23) من مقتل ابن أبي الدنيا. - نلتزم بإحراقه لأنه عقوبة خاصة لمن أراد قتل النبي أو قتل الوصي، لله الخلق والأمر وله الخيرة دون الخلق، وأما غيره من العقوبات فأهل البيت أتقى وأعدل من أن يحوموا حولها، لا سيما مع نهي امير المؤمنين عليه السلام عن المثلة بالرجل. [2] وذكره أيضا في ترجمته عليه السلام من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 40 وليس فيه قوله- هنا-: «ولا عتب له» . وهذا اللفظ رسم خطه غير جلي من أنساب الأشراف، فإن صح اللفظ فمعناه: انه لا عتب على سفيان بن أمية لمجيئه بالبشارة لقتل علي، لأنه أموي. كما لا عتب على أم المؤمنين بقراءتها قول البارقي لأن «كل إناء بالذي فيه ينضح» . وقال الطبري في تاريخه: ج 5/ 150: ولما انتهى إلى عائشة قتل على- رضي الله عنه- قالت: فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر (ثم قالت:) من قتله؟ فقيل رجل من مراد. فقالت: فإن يك نائيا فلقد نعاه غلام ليس في فيه التراب!!! فقالت زينب ابنة أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟! فقالت: إني انسي فإذا نسيت فذكروني!!! اقول: ورواه أيضا في ترجمة امير المؤمنين من مقاتل الطالبيين ص 38 مسندا، وذكر قبله بسند آخر ما هو اعجب من هذا،

أبيات في قتل علي بن أبي طالب

وروى بعضهم أن سيف ابْن ملجم وقع فِي الحائط، وأن سيف ابْن بجرة وقع بعليّ. وذلك باطل. [أبيات في قتل علي بن أبي طالب] «560» وَقَالَ المدائني فِي بعض روايته: ذكر بنو ملجم عبد الرحمان وقيس ويزيد أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر وعمر وعثمان، وما بعدهم وأمر الحكمين فأجمعوا عَلَى قتل علي وَمُعَاوِيَة وعمرو بن العاصي (كذا) فنهاهم أبوهم عَن ذَلِكَ وأمرتهم أمهم بِهِ (ظ) فَقَالَ أبوهم: ودعوا أهلكم فإنكم غير راجعين. فمضوا فخرج عبد الرحمان إِلَى الْكُوفَةِ، وقيس إِلَى الشَّام ويزيد إِلَى مصر، فتولوا أمرهم، ووثب رجل من كلب عَلَى قَيْس فقتله. وَهَذَا خبر شاذ لا يرويه إلا قوم من الخوارج، وزعم من روى هَذَا الخبر أن ملجم قَالَ: لقد حملتكم أمكم بجهالة ... عَلَى لمة (ظ) شنعاء من كُلّ جانب فما تركت فيكم لَهَا من مؤمّل ... يؤمّله إلا باس رجع غائب [1]

_ [1] كذا في النسخة غير ان رسم الخط من حرف السين غير واضح.

وَقَالَ الشاعر فِي قتل ابْن ملجم عَلِيًّا عليه السلام: تضمّن للحسناء لا درّ دره ... فلاقى عقابا عزها غير مضرم [1] وَلا مهر أغلا من علي وإن غلا ... وَلا فتك إِلا دون فتك ابْن ملجم ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المصمم وقالت/ 437/ أم العريان بنت الهيثم (ظ) فِي علي: وكنا قبل مقتله بخير ... نرى مولى رسول الله فينا يقيم الحد لا يرتاب فِيهِ ... بعدل فِي البعيد والاقربينا [2] وَقَالَ الكميت يذكر قتل علي: والوصي الذي أمال التجوبي ... به عرش أمّة الانهدام قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه ... حكما لا كسائر الحكام يعني بالتجوبي ابْن ملجم لأن جده تجوب، وَالَّذِي قتل عُثْمَان التُّجِيبِيّ وقد ذكرنا خبره. «562» حدثني عبد الرحمان بْن صَالِح الأزدي، عَن من حدثه، عَن الشعبي، عن من سمع النادبة تندب عَلِيًّا بشعر كعب بْن زهير وهو: إنّ عليّا لميمونة نقيبته ... بالصالحات من الأعمال محصور صهر النَّبِيّ وخير النَّاس كلهم ... فكل من رامه بالفخر مفخور

_ [1] جملة: «عزها غير مضرم» ليست مقطوعة من رسم الخط، وكتبناها على الاحتمال. [2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «يعدل في البعيد وحد الأقربينا» . ورواه عنها في مقتل ابن أبي الدنيا، مع زيادات في أولها، وقال: «ويقضي بالفرائض مستبينا» .

صلى الإله عَلَى الأمي أولهم ... قبل العباد ورب النَّاس مكفور بالعدل قام صليبا حين فارقه ... أَهْل الهوى من ذوي البهتان والزور يا خير من حملت نعلا لَهُ قدم ... الأنبياء لديه البغي مهجور [1] وَقَالَ أَبُو الأسود الدؤلي [2] : ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فلا قرت عيون الشامتينا قتلتم خير من ركب المطايا ... وأكرمهم ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا وقد علمت قريش حيث كانت ... بأنك خيرهم حسبا ودينا وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: قَالَ ابن ميناس المرادي [3] : (و) نحن ضربنا يا ابنة الخير حيدرا ... (أ) بأحسن مأمومة فتفطرا ونحن خلعنا ملكه عَن نصابه ... بضربة فصل إذ علا وتجبرا وعادتنا قتل الملوك وعزنا ... صدور القنا لما لبسنا السنورا ونحن كرام فِي الصباح أعزة ... إذا الموت بالموت ارتدا وتأزّرا وقال النجاشي الشاعر:

_ [1] كذا. [2] ورواه أيضا في تاريخ الطبري مع زيادة في الوسط، ونقله في هامشه عن ديوان أبي الأسود، ص 32. [3] كذا في النسخة، وذكره في تاريخ الطبري ج 5/ 150، وقال: قال ابن أبي مياس المرادي في قتل علي: «ونحن ضربنا يا لك الخير حيدرا» ...

وكنا إذا ماحيّة أعيت الرتا ... وآبت بصر يقطر السم نابها دسسنا لَهَا تحت العجاج ابن ملجم ... جرباء [1] إذا ما جا (ء) نفسا كتابها «563» وحدثني (عَبَّاس بْن) هشام، عن أَبِيهِ، عن عَوَانَةَ، عَن عَبْد الملك بْن عمير أن الحجاج بْن يُوسُف عمل فِي القصر بالْكُوفَة عملا فوجد شيخا أبيض (ظ) الرأس واللحية مدفونا فَقَالَ: أَبُو تراب والله وأراد أن يصلبه فكلمه عنبسة بْن سعيد فِي ذَلِكَ وسأله أن لا يفعل فأمسك. وَقَالَ مصقلة بْن هبيرة: قضى وطرأ منها علي فأصبحت ... إمارته فينا أحاديث راكب [2]

_ [1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: جريئا إذ ما جاء ... » . [2] قال محمد باقر المحمودي: هذا تمام ترجمة امير المؤمنين من كتاب انساب الأشراف- ويليه قوله: «أمر الحسن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب عليهما السلام» وقد فرغت منها في مساء اليوم 8- وهو يوم السبت قبيل الغروب من شهر ذي القعدة الحرام من عام: (1391) الهجري حينما كان اهل العلم في بلبلة وزلزلة وكانوا يجمعون اثقالهم للمهاجرة والارتحال عن دار العلم، وكان تمام همي وغاية املي إتمام هذا السفر الجليل- وأخيه من ترجمة سيدي شباب اهل الجنة من المعجم الكبير- وقد من الله علي بإتمامه- وإتمام ترجمة الإمامين من المعجم الكبير- ثم من على بالتوفيق لتحقيقه والفراغ منه في اليوم (17) من شهر رمضان المبارك من سنة (1393) في مسكني وهي دار اية الله الحاج ميرزا احمد ادام الله ايام بركاته، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، وله الشكر أولا وآخرا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. ثم إن الله تعالي من علينا بتسهيل نشره فبدانا به في اوائل شهر ربيع الأول من عام: (1394) واتممناه في اليوم: (20) من جمادى الأولى منه فالحمد لله أولا وآخرا. ثم إنا قد ذكرنا في أول الكتاب ص 11، ان هذا كتاب جمع وليس بكتاب تحقيق، ونحن إنما قاسينا تعب نشره تحفظا على حقائقه لا معتقدا لجميع ما فيه، فإنا معاشر الإمامية ابنا، الدليل لا اتباع ما روي وقيل، ومن اراد حقائقه خاليا عن الأباطيل فعليه بكتاب أنباء الأسلاف للمحمودي، وانما قدمنا نشر هذا ليكون الأصل بمتناول العموم كي لا يمكن للخصم الجحود عند الاستدلال بحقائقه، وكان بناؤنا ان تزيف اباطيله في التعليقات ولكن نظام المكتبة صار بيد الخرمن واخدانه فانقطع عنا مواد العلم، وليعلم ان في بعض الموارد زدنا في المتن حرفا او كلمة او جملة او ما شابهها، ووضعناها بين المعقوفين قرينة على زيادتها وتمييزا بينها وبين ما كان ثابتا في الأصل، وقد ابدل الطابع بعض المعقوفات بالقوس، فجميع ما اثبت بين المعقوفات أر الاقواس زيادة منا وليس من اصل المتن والمصدر، وانما فعلنا ذلك اما لأجل وجود تلك الزيادة في اصل آخر غير كتاب الأنساب الاشراف او من اجل توقف صحة الكلام او وضوحه او تزيينه عليها، نعم إذا عقبنا بين المعقوفين بقوسين مزدوجين بينهما حرف «خ» فهو من الأصل. ثم انا أدرجنا ارقام الصحائف من الأصل المخطوط- على وفق ما اشار اليه في ج 1، ط مصر، - في متن الكتاب لأمور، منها تسهيل التصحيح على المراجعين في الموارد غير المقروءة من نسختنا، ومنها إيقاف الباحثين على ادائنا لحق العلم والامانة، وقد نشرنا من ترجمة الزبير بن عبد المطلب الى ختام ترجمة امير المؤمنين جميع ما في أصلنا من نسخة استنبول حرفيا عدا عدة احاديث من ترجمة عبد الله بن جعفر فإنها قد ضاعت من مخطوطي في ايام البلوى وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

الجزء الثالث

الجزء الثالث أمر الحسن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِمَا السلام . 1- وَكَانَ الحسن بْن علي يكنى أبا مُحَمَّد [1] ، وَكَانَ يشبه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعلى رأسه إِلَى سرته، وَكَانَ الْحُسَيْن يشبه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سرته إِلَى قدميه. ويقال: إنه كانت فِيهِ مشابه من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجهه/ 438/ إِلا أن الحسن كَانَ أشبه النَّاس فِيهِ وجها [2] . وكانت فاطمة عَلَيْهَا السلام إذا زفنته- أي رقصته- قَالَت [3] :

_ [1] والمحكي عن تهذيب الأسماء: ج 1، ص 158، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كناه بذلك. [2] قال في الحديث: (10) من باب مناقب الحسن عليه السلام من مجمع الزوائد، ج 9 ص 176، نقلا عن الطبراني عن علي عليه السلام قال: أشبه النَّاس برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بين رأسه إلى نحره الحسن. قال: وإسناده جيد. وقال الترمذي- في الحديث: (3779) من سننه: ج 5 ص 659: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمان، أخبرنا عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إسحاق، عن هانئ بن هانئ عن علي قال: الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم أسفل من ذلك. ورواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث (19) من باب مناقب الحسن والحسين من كتاب الفضائل الورق 147/ ب/ عن حجاج، عن إسرائيل ... [3] يقال: «زفنت الأم ولدها تزفينا، ونقزته تنقيزا» : رقصته. والحديث رواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث الأخير، من مسند فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما وآلهما من كتاب المسند: ج 6 ص 283 ط 1 قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا زمعة، عن ابن أبي مليكة قال: كانت فاطمة تنقز الحسن بن علي وتقول: بأبي شبه النبي ليس شبيها بعلي ورواه عنه في الحديث: (29) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12، ص 7، ورواه أيضا عنه في باب مناقب الإمام الحسن عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9 ص 176، قال: وفيه زمعة بن صالح وهو لين. وأيضا قال أحمد بن حنبل في الحديث: (40) من مسند أبي بكر من كتاب المسند: ج 1، ص 171. حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا عمر بن سعيد بن أبي مليكة حدثني عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبي بكر من صلاة العصر بعد وفات النبي صلى الله عليه وسلم بليال وعلي يمشي إلى جنبه فمر بحسن بن علي بلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته وهو يقول: وا بأبي شبه النبي ... ليس شبيها بعلي أقول: وببالي انه رواه أيضا في الحديث: (9) من باب فضائل الحسن والحسين صلوات الله عليهما من كتاب الفضائل الورق/ 146/ ب/ ولكن لا يحضر في الآن نسخته.

[وابأبي شبه النَّبِيّ ... غير شبيه بعلي ] 2- وَحَدَّثَنِي الأَعْيَنُ، عَنْ روح بن عبادة بن عبادة (ظ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ لَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: لِي عَشْرَةٌ مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَطُّ!!! [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ!!! [1]] . 3- وَكَانَ الحسن سيدًا سخيا حليما، [فروى عَن علي أنه قَالَ: أنا أخبركم عَن أهلي أما الحسن ففتي من الفتيان صاحب جفنة وخوان [2] وأما عَبْد اللَّهِ بْن جعفر فصاحب لهو، وأما الْحُسَيْن ومحمد فهما مني وأنا منهما] .

_ [1] وما في معناه رواه الحاكم في الحديث (10) من باب مناقبه من المستدرك: ج 3 ص 170، ورواه أيضا في مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 25 نقلا عن فضائل عبد الملك. [2] هذا الحديث لم يثبت من طريق شيعة أهل البيت والمتمسكين بهم عليهم السلام.

4- وَقَالَ المدائني عَن أَبِي معشر، عَن الضمري [1] عَن زيد بْن أرقم أن الحسن خرج وعليه بردة لَهُ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب فعثر الحسن فسقط [فنزل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر، وابتدر الناس فحملوه إليه وتلقاه صلى الله عليه وسلم فحمله ووضعه فِي حجره وَقَالَ: إن الولد فتنة] . 5- حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: [عَقَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ [2] . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سيدا شباب أهل الجنة [3]] .

_ [1] كذا في الأصل ورواه أيضا في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 27 عن المدائني. ورواه أيضا ابن سعد، في الحديث: (10) من ترجمة الإمام الحسن من الطبقات. ج 1/ الورق ... وقال: أنبأنا علي بن محمد، عن أبي معشر، عن محمد الصيرفي عن زيد بن أرقم قال: خرج الحسن ابن علي وعليه بردة ... ورواه عنه في الحديث: (145) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 26 وقال في آخره: ولقد نزلت إليه وما أدر أين هو!!! ورواه بمعناه في الحديث: (98) من ترجمته عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1. [2] وهذا رواه في الحديث (41) وتواليه من ترجمة الإمام الحسن من المعجم الكبير ج 1/ الورق 124، بطرق. [3] وللحديث مصادر وأسانيد، وذكره بهذا اللفظ في الحديث (414) من فرائد السمطين بسند طويل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال: ورواه بزيادة ابن ماجة في مسنده. ثم نقله في الحديث (415) من فرائد السمطين عن ابن ماجة القزويني محمد بن يزيد بإسناد طويل، عن ابن عمر، وزاد في آخره: «وأبوهما خير منهما» . ورواه أيضا في الحديث (379) منه بسند آخر عن أبي سعيد الخدري بزيادة: «إلا ابني الخالة يحيى وعيسى، وأمهما سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران» . ورواه الطبراني في الحديث (71) وتواليه من ترجمة الإمام الحسن من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 121، بطرق. ورواه أيضا في الحديث: «19- 31» من باب فضائل الحسن والحسين من مجمع الزوائد: ج 9 ص 18، بطرق ومصادر. ورواه أيضا ابن الأعرابي في معجم الشيوخ: ج 5/ الورق 183/ أو 234 ب/ قال: أنبأنا الفضل أنبأنا الحسن بن علي الخلال الحلواني، أنبأنا المعلى بن عبد الرحمان، عن ابن أبي ذئب، عن نافع: عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما. ورواه أيضا محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجة في الحديث: (118) من كتاب السنن: ج 1، ص 42، قال: حدثنا محمد بن موسى الواسطي، حدثنا المعلى بن عبد الرحمان ... ورواه في هامشه عن المستدرك وعن الترمذي والنسائي عن حذيفة بحذف: «وأبوهما خير منهما.» ورواه أيضا أبو نعيم في ترجمة الإمام الحسن من كتاب معرفة الصحابة الورق 144/ أ/ قال: حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبد الرحمان بن أبي نعم (ظ) حدثني أبي: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. (ثم قال: و) رواه أبو نعيم عن الحكم بن عبد الرحمان بن أبي نعم عن أبيه عن أبي سعيد. ورواه أبو نعيم عن يزيد بن مردانبه، عن عبد الرحمان بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري. ورواه صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري. ورواه الأعمش عن عطية، عن أبي سعيد الخدري. أقول: ورواه أحمد بن حنبل في الحديث (13، 21 و 37) من باب مناقب الحسن والحسن من كتاب الفضائل الورق 146/ ب و 149/ أ/ ومثل الأخيرين رواه أيضا في الحديث: (15، و 542 و 824) من مسند أبي سعيد من كتاب المسند: ج 3 ص 3 و 62 و 82 ط 1. ورواه أيضا البغوي في معجم الصحابة ج 22/ الورق 42 ب/ قال: أخبرنا عبد الله، قال أنبأنا محمد بن إشكاب، أنبأنا عمران بن اماث (كذا) أنبأنا مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث قال: حدثني أبي عن جدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

وَقَالَ رجل من بني أسد فِي الحسن (عليه السلام) : كأن جفانه أحياض نهي ... إذا وضعت عَلَى ظهر الخوان ويبذل مَا يفيد وكل شَيْء ... من الأشياء إِلا الأجوفان 6- المدائني عَن خلاد بْن عبيدة عَن عَلِيّ بْن زيد قَالَ: حج الحسن رحمه اللَّه خمس عشرة حجة ماشيا، والنجائب لتقاد مَعَهُ، وخرج من ماله لله مرتين وقاسم الله ما له ثلاث مرات حَتَّى أن كَانَ ليعطي نعلا، ويمسك نعلا، ويمسك خفا ويعطي خفا [1] . [7- وروي أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابق بين الحسن والحسين فسبق الحسن فأجلسه عَلَى فخذه اليمني، ثُمَّ جاء الْحُسَيْن فأجلسه عَلَى اليسرى فقيل لَهُ: يَا رَسُول اللَّهِ أيهما أحب إِلَيْك؟ فَقَالَ: أقول كما قَالَ إِبْرَاهِيم وقيل لَهُ: أي ابنيك أحب إِلَيْك؟ فَقَالَ: أكبرهما وَهُوَ الَّذِي يلد محمدًا. يعني إسماعيل عليهما السلام [2]] .

_ [1] وروى مثله محمد بن حبيب في أماليه كما في شرح المختار: (31) من نهج البلاغة: ج 16، ص 10، وكما في الحديث: (228) وما قبله من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 40، ولكن روى قبله وبعده في الحديث: (226) و (229) انه عليه السلام حج خمسا وعشرين حجة ماشيا. ومثلهما في الحديث: (5) من باب مناقبه عليه السلام من مستدرك الحاكم: ج 3 ص 169، ورواه أيضا ابن سعد كما رواه عنه في الباب (27) من فرائد السمطين. [2] ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من النهج: ج 16، ص 26 نقلا عن المدائني. وروى السيد أبو طالب في أماليه- كما في الباب: (6) من تيسير المطالب ص 92 ط 1- قال: أخبرنا أبي رحمه الله قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى العقيقي قال: حدثنا جدي قال: حدثنا زيد بن الحسن، عن عبيد الله بن موسى العبسي عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق، عن الحرث: عن علي عليه السلام قال: اصطرع الحسن والحسين عليهما السلام بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ايه حسن فخذ حسينا. فقالت فاطمة: (يا رسول الله) أتستنهض الكبير على الصغير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا جبرئيل يقول: ايه حسين خذ الحسن. (قال) : فاصطرعا (ظ) فلم يصرع واحد منهما صاحبه.

8- المدائني عَن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد، عَن زيد بْن أسلم قَالَ: دخل رجل عَلَى الحسن بالمدينة وفي [يده صحيفة فَقَالَ لَهُ: ما هذه بأبي أنت وأمي؟ قَالَ هَذِهِ من مُعَاوِيَة يعد فِيهَا ويتوعد!! فَقَالَ: قد كنت تقدر عَلَى النصف منه. قَالَ: أجل ولكني خفت أن يأتي يوم القيامة سبعون أَوْ ثمانون ألفا أَوْ أكثر من ذَلِكَ أَوْ أقل كلهم تنضح أو داجه دما يقول: يا رب فيم (أ) هريق دمي؟! [1]] . 9- المدائني، عَن قَيْس بْن الربيع، عَن بدر بْن الخليل، عَن مولى للحسن بن علي أنه قال (له) : أتعرف مُعَاوِيَة بْن حديج إذا رأيته؟ قَالَ: نعم. قال: فأرنيه إذا لقيته. فرآه خارجا من دار عَمْرو بْن حريث بالْكُوفَة فَقَالَ (له) : هُوَ هَذَا. فَقَالَ لَهُ: ادعه فدعاه فَقَالَ [لَهُ الحسن: أنت الشاتم عَلِيًّا عند ابْن آكلة الأكباد؟ أما والله لئن وردت الحوض- ولن ترده!!! - لترينه مشمرًا عَن ساقيه يذود عنه المنافقين [2]] .

_ [1] ورواه أيضا ابن سعد، عن المدائني كما في الحديث: (320) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12 ص 58 وكما في شرح المختار: (30) من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 16، ص 17، ولكن الحديث ضعيف سندا ومتنا. [2] ورواه في شرح المختار: (30) من نهج البلاغة: ج 16، ص 18، أولا عن المدائني عن أبي الطفيل، ثم قال قال أبو الحسن: وروى هذا الخبر أيضا قَيْس بْن الربيع عَن بدر بْن الخليل عن مولى الحسن عليه السلام. ورواه أيضا الطبراني في الحديث (198) من ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 131، وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل وعبد الرحمان بن سلم الرازي قالا: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي حدثنا علي بن عابس، عن بدر بن الخليل أبي الخليل، عن أبي كبير قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي رضي الله عنه فجاء رجل فقال: لقد سب عند معاوية عليا- رضي الله عنه- سبا قبيحا رجل يقال له معاوية- يعني ابن حديج- (قال: أ) تعرفه؟ قال: نعم. قال: إذا رأيته فأتني به. قال: فرآه عند دار عمرو بن حريث فأراه إياه (ف) قال له: أنت معاوية بن حديج؟ فسكت فلم يجبه ثلاثا، ثم قال (له) : أنت الساب عليا عند ابن آكلة الأكباد؟ أما لئن وردت عليه الحوض- وما أراك ترده- لتجدنه مشمرا حاسرا ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تذاد غريبة الإبل عن حياضها (ظ) قول الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه. ورواه أيضا في الحديث: (229) من الترجمة الورق 133/ قال: حدثنا علي بن إسحاق الوزير الإصبهاني حدثنا إسماعيل بن موسى السدي حدثنا سعيد بن حنتم الهلالي (كذا) عن الوليد ابن يسار الهمداني، عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال: حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه معاوية بن حديج- وكان من أسب الناس لعلي- فمر في المدينة في مسجد الرسول صلى الله عليه والحسن بن علي جالس في نفر من أصحابه فقيل له: هذا معاوية بن حديج الساب لعلي رضي الله عنه. فقال: علي بالرجل. فأتاه الرسول فقال: أجب. قال: من؟ قال: الحسن بن علي يدعوك، فأتاه فسلم عليه فقال الحسن بن علي رضي الله عنه: أنت معاوية بن حديج؟ قال: نعم. فردد عليه ثلاثا فقال له الحسن: (أنت) الساب لعلي؟ فكأنه استحيا فقال له الحسن- رضي الله عنه-: أم والله لئن وردت عليه الحوض- وما أراك أن ترده- لتجدنه مشمرا الإزار على ساق يذود المنافقين ذود غريبة الإبل قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وقد خاب من افترى. ورواه عنه في مجمع الزوائد: ج 9 ص 130، قال: وعن أبي كثير (كذا) قال: كنت جالسا عند الحسن بن علي ... وساق الخبرين إلى أن قال: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما علي بن أبي طلحة مولى بني أمية ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات والآخر ضعيف. أقول: ورواه أيضا بطرق أربعة في ترجمة معاوية بن حديج من تاريخ دمشق: ج 56 ص 924. ورواه أيضا الحاكم في الحديث: (100) من ترجمة أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 138.

10- المدائني عَن سُلَيْمَان بْن أيوب، عَن الأسود بْن قَيْس العبدي قَالَ:

[لقي الحسن يوما حبيب بْن مسلمة الفهري فقال له: يا حبيب رب مسير لك فِي غير طاعة اللَّه. قَالَ: أما مسيري إِلَى أبيك فلا!!! قَالَ: بلى/ 439/ ولكنك أطعت مُعَاوِيَة عَلَى دنيا قليلة زائلة، فلئن قام بك في دنياك، لقد قعد بك فِي آخرتك، ولو كنت إذا فعلت شرا قلت [1] خيرا كَانَ ذَلِكَ كما قَالَ اللَّه عز وجل: «خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً» (102/ التوبة: 9) ولكنك كما قَالَ: «بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ» (14/ المطففين: 83) .] 11-[وقال عليّ لابنه الحسن- ورآه يتوضأ [2]-: أسبغ الوضوء. فَقَالَ: قد قتلتم أمس رجلا (كذا) كَانَ يسبغ الوضوء. فَقَالَ علي: لقد أطال الله حزنك على عثمان!!!] .

_ [1] ومثله رواه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (30) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 18. [2] ورواه أيضا في ترجمة عثمان ج 5 ص 81 في السطر 3 عكسا قال: (روى) الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جَزِيٍّ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: رَأَى عَلِيُّ الْحَسَنَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ له: أسبغ الوضوء. فقال الحسن: لقد قتلت رَجُلا كَانَ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلاةٍ. فَقَالَ علي: لقد طال حزنك على عثمان!!! أقول: المشهور ان هذه المحاورة قد جرت بين أمير المؤمنين عليه السلام والحسن البصري حينما مر عليه بالبصرة وهو يتوضأ، فقال له: أسبغ الوضوء ... ولكن كلاهما باطل لا سيما ما ذكره البلاذري ها هنا، وفي ترجمة عثمان، أما أولا فلأن ما ذكره في الموردين غير واجد لشرائط الحجية والقبول، لأن ما ذكره هنا مرسل لا يعلم أن رواته أية رهط، ولعلهم من عفاريت النواصب!!! وكذا ما ذكرناه عن ترجمة عثمان أيضا مختل القواعد، لأن قتادة المولود في سنة (61) لم يدرك المحاورة بشخصه، فلو صدق انه ذكر هذا، فلا بد أن يكون ناقلا عمن كان حضر المحاورة أو ممن سمع ممن حضرها، ولم يذكره في السند، فلعله بعض نماردة بني أمية الذين أسسوا سب أمير المؤمنين وأهل بيته ثمانين سنة في أرجاء العالم الإسلامي ويؤيد ذلك انه عاش في أيام اهتضام أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وأيام ارتقاء آل أمية ومن يهوى هو أهم- على أريكة التفر عن والجبروت فكانوا بالجبروت واستخدام دعات السوء يشوهون الحقائق ويموهون الأباطيل بلا مزاحم ولا معارض، ودام ذلك إلى أوائل دولة بني العباس فاشتبه الأمر على كثير من أهل البصر والبصيرة فكيف بقتاده المسكين الذي ولد أكمه؟! ويؤيد ذلك ما نقله في ترجمة قتادة من تهذيب التهذيب ج 8 ص 353، عن الشعبي انه قال: قتادة حاطب ليل. وكذا ما نقله عن عمرو بن العلاء قال: كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغث عليهما شيء يأخذان عن كل أحد!!! وإن تأملت ما ذكره أيضا في الترجمة عن ابن حبان من انه قال: كان مدلسا على قدر فيه؟! تستيقن انه لا قيمة لما يرويه أمثاله إلا في صورة تشهد القرائن الخارجية بصدقه!!! ثم إن أبي جزي الراوي عن قتادة أيضا لم يعرف من هو؟ كما ان المدائني أيضا غير مقبول عند بعضهم. وأما ثانيا فلأن الحسن عليه السلام كان شاهدا أن أباه كان ينهى عن قتل عثمان وكان بمعزل عن قاتليه، ورووه عنه انه أرسل الحسن والحسين لنصر عثمان، فكيف يصح مع هذا أن يقال: إن الحسن قال لأبيه: قد قتلتم أمس رجلا كان يسبغ الوضوء!!! لا سيما قوله- بزعم المختلق- المذكور في ترجمة عثمان: «لقد قتلت رجلا كان يسبغ الوضوء» ؟ وهذه قرينة قطعية على ان الرواية من مفتريات آل أمية وشيعتهم!!!! وأما ثالثا فلأن إسباغ الوضوء بنفسه غير مانع من القتل إذا كان المتوضئ ممن قلب الشريعة ظهرا لبطن وأعطى قيادة الأمة بيد بني أبيه أغصان الشجرة الملعونة الذين كانوا يلعبون بالدين ونواميس المسلمين وكانوا يأكلون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع وجعلوا مال الله دولا وعباده خولا، حتى أجمع على خلعه وقتله عظماء المهاجرين والأنصار، وكانت أم المؤمنين عائشة تصيح: اقتلوا نعثلا. يعني عثمان؟! إلى غير ذلك مما هو مبثوث في طيات كثير من كتب القوم فعلى هذا فالذي قتل عثمان هو أعماله وأعمال بني أبيه لا أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان في معزل عن قتله وكان قد بذل غاية وسعه لنصح عثمان ودفع الثائرين عنه؟ والشاهد كتب القوم وما تواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام، ويكفيك في هذا مراجعة إجمالية إلى الكلمات الواردة عن أمير المؤمنين، أو إلمام بما كتبه البلاذري في ترجمته عليه السلام، أو مرور عجلان بما سطره الطبري في تاريخه مع كثرة أباطيله!!!

12- وَقَالَ سعيد بْنِ عَبْدِ العزيز التنوخي، عَن الزُّهْرِيّ: تفاخرت قريش عند مُعَاوِيَة، وعنده الحسن وهو ساكت، فقال معاوية: ما يمنعك (يا) أبا محمد من الكلام؟ فو الله مَا أنت بكليل اللسان وَلا مأشوب الحسب [1] فَقَالَ: [والله مَا ذكروا مكرمة وَلا فضيلة إلا ولى محضها ولبابها، ثم قال: فيم الكلام وقد سبقت مبرزًا ... سبق الجياد من المدى المتنفس [2] ] 13- المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْنِ عبد الرحمان، عَن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو، قَالَ: [خطب الحسن بْن علي امرأة من بني شيبان، فقيل لَهُ: إنها ترى رأي الخوارج فَقَالَ: أكره أن أضمّ إلى صدري جمرة من جمر جهنم!!!] 14- المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري قَالَ: خطب علي إِلَى سعيد بْن قَيْس ابنته أم عمران، لابنه الحسن، فشاور (سعيد) الأشعث، فَقَالَ: زوجها ابني محمدًا فهو ابْن عمها. فزوجه إياها [3] ثُمَّ دعا الأشعث الحسن فغداه فاستسقى ماء فَقَالَ لابنته: اخرجي فاسقيه فسقته فَقَالَ الأشعث: لقد سقتك جارية مَا خدمت الرجال وهي ابنتي. فأخبر الحسن أباه فَقَالَ تزوجها. قَالَ المدائني: ويقال: إن عَلِيًّا قَالَ للأشعث: اخطب على الحسن ابنة

_ [1] كذا. [2] ورواه أيضا ابن سعد في الطبقات كما في الحديث: (234) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 41. [3] وهذا رواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 21.

سعيد بن قيس. فأتى (الأشعث) سعيدًا فخطبها عَلَى ابنه فزوجه!!! فَقَالَ علي: خنت. فَقَالَ: أزوجه من ليس بدونها، فزوجه جعدة بنت الأشعث فسمت الحسن فخلف عَلَيْهَا يعقوب بن طلحة، ثم العباس (ظ) ثُمَّ عَبْد اللَّهِ بْن العباس. 15- وَقَالَ المدائني قَالَ ابْن فسوة التَّمِيمِيّ للحسن بْن علي عَلَيْهِمَا السلام: فليت قلوصي عريت أَوْ رحلتها ... إلى حسن في داره وابن جعفر إلى ابن رسول الله يأمر بالتقى ... ويقرأ آيات الكتاب المطهر 16- الْمَدَائِنِيُّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلامٍ، عَن عَمْرو بْن ميمون بْن مهران قَالَ: تنازع عَمْرو بْن سعيد والحسن بْن علي فقال عمرو: أما والله لطالما سلكتم مسلكا صعب المنحدر، طلبا للفتنة والفرقة!! فلم يركم اللَّه فِيهَا مَا تحبون!! [فَقَالَ لَهُ الحسن: إنك لو كنت تسمو بفعلك مَا سلكت فجّ قصد، ولا حللت براية مجد، ولتوشك آن تقع بين لحبي ضرغامة من قريش قروش الأعادي [1] فلا ينجيك الروغان إذا التقيا علفك حلقتا البطان [2]] . 17- المدائني عن عبد الرحمان العجلاني (ظ) عن سعيد بن عبد الرحمان قَالَ: تفاخر رجال من قريش فذكر كُلّ امرئ مَا فِيهِمْ فَقَالَ مُعَاوِيَة للحسن: يَا (أ) با مُحَمَّد مَا يمنعك من القول فما أنت بكليل اللسان؟!

_ [1] كذا. [2] ويحتمل رسم الخط أن يقرأ: «علنك حلقتا البطان» .

[قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذكر مكرمة ولا فضيلة إلا ولى محضها ولبابها، ثم قَالَ: فيم الكلام وقد سبقت مبرزًا ... سبق الجياد إِلَى المدى المتنفس ] 18- المدائني عَن الهذلي عَن ابْن سيرين قَالَ: خطب الحسن بْن علي إِلَى رجل فزوجه فَقَالَ: إني لأزوجك وأنا أعلم أنك غلق [1] طلقة ولكنك خير الناس نسبا وأرفعهم جدًا وبيتا. 19- المدائني عَن أَبِي اليقظان قال: نعا الحسن بالبصرة- عبد الله ابن سلمة بْن/ 440/ المحبق- أخو سنان بْن سلمة- نعاه إِلَى زياد، فخرج الحكم بْن أَبِي العاص فنعاه إِلَى النَّاس فبكوا وأبو بكرة مريض فسمع البكاء فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فقالت امرأته ابنة سحابة [2] : مات الحسن بْن علي، فالحمد لله الَّذِي أراح النَّاس منه!! فَقَالَ أَبُو بكرة: ويحك اسكتي فقد والله أراحه اللَّه من شر طويل وفقد النَّاس منه خيرًا كثيرًا. وَقَالَ الجارود ابن أَبِي سبرة: إذا كَانَ شر سار يوما وليلة ... وإن كَانَ خير قصد السير أربعا

_ [1] كذا في الأصل، ورواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 21 عن المدائني وفيه: وأعلم أنك ملق طلق غلق، ولكنك خير الناس نسبا، وأرفعهم جدا وأبا. [2] رسم خط هذه اللفظة خفية، ويحتمل أن يقرأ «سحامة» . والحديث رواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 11- نقلا عن أبي الحسن المدائني وقال: فقالت امرأته ميسة بنت سخام الثقفية ...

إذا مَا يريد الشر أقبل نحونا ... لإحدى الدواهي الربد جاء فأسرعا [1] 20- حَدَّثَنَا بَسَّامٌ الْجَمَّالُ (ظ) حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ: عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهو

_ [1] ورواه أيضا عن المدائني في شرح المختار: (31) من الباب (2) من نهج البلاغة ج 16، ص 14. ورواه أيضا في الحديث: (366) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12، ص 68 قال: أخبرنا أبو الحسين ابن الفراء، وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء، قالوا: أنبأنا أبو جعفر، أنبأنا أبو طاهر، أنبأنا أحمد بن سليمان، أنبأنا الزبير. قال: وحدثني أبو الحسن المدائني أنبأنا أبو اليقظان قال: قدم البصرة بوفات الحسن بن علي عبد الله بن سلمة بن سنان أبو المحبق (ظ) الهذلي- وكان سنان ولد أيام خيبر، فبشر به أبوه فقال: لسنان أطعن به في سبيل الله أحب إلي منه!!! فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنانا- فقال الجارود بن (أبي) سبرة الهذلي: إذا ما بريد (الشر) أقبل نحونا ... بإحدى الدواهي الربد سار فأسرعا فإن يك شرا سار يوما وليلة ... وإن كان خيرا قسط السير أربعا فنعاه زياد لجلسائه فخرج الحكم بن أبي العاص الثقفي فنعاه للناس فبكوا، فسمع أبو بكرة (البكاء) فقال لميسة بنت شحام (كذا) امرأته- وهو مريض-: ما هذا؟ قالت: نعي الحسن بن علي فاستراح الناس من شر كثير!! قال: ويحك بل أراحه الله من شر كثير وفقد الناس خيرا كثيرا. ورواه أيضا ابن عساكر- في ترجمة بشير بن عبد الله البصري من تاريخ دمشق: ج 10، ص 157 وفي تهذيبه: ج 3 ص 265- قال: أخبرنا ابو بكر الأنصاري أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو عمرو بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن فهم، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا علي بن محمد المدائني، عن سحيم بن حفص وعبد الله بن فائد: عن بشير بن عبد الله قال: أول من نعى الحسن بن علي بالبصرة، عبد الله بن سلمة بن المحبق- أخو سنان- نعاه لزياد، فخرج الحكم بن أبي العاص الثقفي فنعاه فبكى الناس وأبو بكرة مريض فسمع الضجة فقال: ما هذا؟ فقالت امرأته عبسة بنت سحام (كذا) من بني ربيع: مات الحسن بن علي فالحمد لله الذي أراح الناس منه!!! فقال أبو بكرة: اسكتي ويحك فقد أراحه الله من شر كثير وفقد الناس خيرا كثيرا. أنساب الأشراف (م 2)

سَاجِدٌ فَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ أَخَذَهُ فَأَقْعَدَهُ فِي حِجْرِهِ [1] . 21- قَالَ المدائني: ولقي أَبُو هريرة الحسن بْن علي فقال له: ائذن لي (أن) أقبل منك حيث رأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقبّل منك. فرفع قميصه عن سرّته فقبّلها [2] .

_ [1] وقال الهيثم الشاشي في مسند ابن مسعود من كتاب مسند الصحابة الورق 114/: حدثنا عباس الدوري، حدثنا عبيد الله، أنبأنا علي بن صالح، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أراد (وا) أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما أن صلى وضعهما في حجره ثم قال: من يحبني فليحب هذين. ورواه ابن عساكر في الحديث: (100) وتواليه من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12 ص 18، بطرق. [2] ورواه أيضا أحمد بن حنبل في الحديث: (28) من باب فضائل الحسن والحسين من كتاب الفضائل الورق 147/ أ/ قال: حدثنا (محمد) بن أبي عدي، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كنت مع الحسن بن علي فلقينا أبو هريرة فقال (له) : أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل. قال: فقال بقميصه قال: فقبل سرته. ورواه أيضا الطبراني في الحديث: (53) من ترجمة الإمام الحسن من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 120/ قال: حدثنا أبو مسلم الكشي، حدثنا أبو عاصم، عن ابن عون، عن عمير ابن إسحاق (قال) : إن أبا هريرة لقي الحسن بن علي- رضي الله عنهما- فقال: ارفع ثوبك حتى أقبل حيث رأيت النبي صلى الله عليه يقبل. فرفع (الحسن) عن بطنه ووضع يده على سرته. ورواه بعينه في الحديث ما قبل الأخير من ترجمته عليه السلام، من المعجم الكبير ثم قال: حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا ابن الإصبهاني حدثنا شريك، عن ابن عون ... ورواه أيضا في باب مناقب الإمام الحسن من مجمع الزوائد: ج 9 ص 177، وقال: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير عمير بن إسحاق وهو ثقة. ورواه أيضا في الحديث: (39) من كتاب فضائل الصحابة الورق 149/ أ/ قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله أبو مسلم البصري، حدثنا أبو عاصم- وهو الضحاك بن مخلد- عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق ... ورواه أيضا في مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 25 نقلا عن مسند العشرة وإبانة العكبري وشرف النبي وفضائل السمعاني. ورواه أيضا الحاكم بسند آخر، في الحديث الثاني من باب مناقب الحسن عليه السلام من المستدرك: ج 3 ص 168، وقال: صحيح. وأقره الذهبي ولم يتكلم عليه. ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث: (162) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق بطرق.

22- وروي عن البهي (ظ) مَوْلَى الزُّبَيْر، عَن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ ان الحسن (بن علي) كان يجيء والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع فيفرج لَهُ بين رجليه حَتَّى يخرج من الجانب الأخر [1] . 23- وروى بعض المدنيين أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ [: الحسن ريحانتي من الدنيا وهو سيّد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين، اللَّهُمَّ إني أحبه وأحب من يحبه] . 24- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدمشقي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: سمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ فَقَامَ فَزِعًا [فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لَقَدْ قُمْتُ وَمَا أَعْقِلُ] . 25- حَدَّثَنِي أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حسين (كذا) قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: [حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ

_ [1] ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث: (29) وتاليه من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 7 مسندا.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلِيمَهُ إِيَّايَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ،] وَقَوْلَهُ لِي: قُلْ إِذَا صَلَّيْتَ: [ «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شرّ ما قضيت، إنه لا يذلّ من واليت، تباركت وَتَعَالَيْتَ» [1]] . 26- المدائني قَالَ: بلغنا أن الحسن كَانَ إذا أراد أن يطلق امرأة جلس إِلَيْهَا فقال: [أيسرّك أن أهب لك كَذَا. فتقول: مَا شئت [2] أَوْ تقول: نعم. فيقول: هُوَ لك. فَإِذَا قام أرسل إِلَيْهَا بمالها الَّذِي سماه وبالطلاق] . قَالَ: وتزوج الحسن هند بنت سهيل بْن عَمْرو، وكانت عند عبد الله ابن عامر، فطلقها فكتب مُعَاوِيَة إِلَى أَبِي هريرة أن يخطبها عَلَى يزيد، فلقيه الحسن فَقَالَ: أين تريد؟ قَالَ: أخطب هند بنت سهيل عَلَى يزيد بْن مُعَاوِيَة. قَالَ: اذكرني لَهَا. فأتاها أَبُو هريرة فأخبرها الخبر، فقالت: خر لي. فقال: اختار لك الحسن. فتزوجها (الحسن) فقدم ابن عامر المدينة، فقال

_ [1] والحديث رواه جماعة، منهم الطبراني في مسند الإمام الحسن عليه السلام برواية أبي الحوراء عنه عليه السلام، فإنه رواه في ترجمته عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 130/ بطرق كثيرة جدا. ورواه أيضا في الحديث (17) وتاليه من باب مناقب الإمام الحسن عليه السلام من المستدرك: ج 3 ص 172. ورواه أيضا بسند آخر مع زيادات في آخره السيد أبو طالب في أماليه كما في الباب: (19) من ترتيبه تيسير المطالب ص 236، ط 1. ورواه أيضا في الحديث الأول وما يليه من ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق. [2] ومثله رواه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة ج 16، ص 12، نقلا عن محمد بن حبيب. وروى أيضا الحديث التالي نقلا عن المدائني.

للحسن: إن لي عندها وديعة. فدخل إِلَيْهَا والحسن مَعَهُ، فجلست بين يديه فرق ابْن عامر حين نظر إِلَيْهَا، فَقَالَ الحسن: ألا أنزل لك عَنْهَا، فلا أراك تجد محللا لكما خيرًا مني؟ قَالَ: وديعتي. فأخرجت سفطين فيهما جوهر ففتحهما وأخذ من كُلّ واحد قبضة وترك الباقي عَلَيْهِمَا (كذا) . وكانت (هند) عند عبد الرحمان بن عتاب بن أسيد قبل أن يكون عند ابن عامر، وهو أبو عذرها، فكانت تقول: سيدهم جميعا الحسن، وأسخاهم ابْن عامر، وأحبهم إليّ عبد الرحمان بن عتاب. 27- المدائني، عن محمد بن فرا (ء) العبدي [1] عَن أَبِي سعيد: أن مُعَاوِيَة قَالَ لرجل من أَهْل الْمَدِينَةِ من قريش: أخبرني عَن الحسن. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذا صلى الغداة جلس/ 441/ فِي مصلاه حَتَّى تطلع الشمس، ثُمَّ يساند ظهره فلا يبقى فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أحد لَهُ شرف إِلا أتاه، فيتحدثون عنده حَتَّى إذا ارتفع النهار، صلى ركعتين ثُمَّ ينهض فيأتي أمهات الْمُؤْمِنِينَ فيسلم عليهن فربما أتحفنه [2] ثُمَّ ينصرف إِلَى منزله ثُمَّ يروح إِلَى المسجد فيصلي ويتحدث النَّاس إِلَيْهِ. فَقَالَ (معاوية) : ما نحن معه في شيء [3] .

_ [1] كلمة: «فراء» رسم خطها غير واضح، ويساعد أن يقرء «عمر العبدي» ورواه أيضا في الحديث: (222) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12، ص 39 نقلا عن ابن سعد، عن محمد بن علي، عن محمد بن عمر العبدي (ظ) ... [2] هذا هو الظاهر، وذكره في الأصل بالمثناة الفوقانية. [3] كلمة: «شيء» هنا غير واضحة وكأنها ضرب عليها الخط. وهي واضحة في الحديث 222 من ترجمته من تاريخ دمشق ج 12، ص 39. نقلا عن ابن سعد، عن المدائني.

28- حدثني بعض أصحابنا عَن الزُّبَيْر بْن بكار، عَن عمه مصعب بلغه أن حسنا لم ينل لأحد سوء قط فِي وجهه وَلا (فِي) غيبته، فَقَالَ يوما- وكانت بين الْحُسَيْن وعمرو بن عثمان خصومة-: ما له عندنا إلّا ما يسوؤه ويرغم أنفه [1] . 29- المدائني عَن سعيد بْن عُثْمَان- ولم يكن بالحصيف- أنه قَالَ للحسن: مَا بال أصداغنا تشيب قبل عنافقنا؟ وعنافقكم تشيب قبل أصداغكم؟ فَقَالَ [إن أفواهنا عذبة فنساؤنا لا يكرهن لثامنا، ونساؤكم يكرهن لثامكم فتصرف وجوهها فتتنفس فِي أصداغكم فتشيب] . 30- المدائني، عَن سحيم، عَن حفص، عَن عيسى بْن أَبِي هارون (ظ) قَالَ: تزوج الحسن حفصة بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر، وَكَانَ المنذر بْن الزُّبَيْرِ هواها، فأبلغ الحسن عَنْهَا شَيْئًا فطلقها الحسن- وَكَانَ مطلقا- فخطبها عاصم بْن عمر بْن الخطاب فتزوجها، فرقا إِلَيْهِ المنذر شَيْئًا فطلقها، ثُمَّ خطبها المنذر، فأبت أن تتزوجه وقالت: شهرني. فخطبها [2] المنذر (مرارا) فقيل لَهَا: تزوجيه فيعلم النَّاس أنه كَانَ يعضهك بباطل [3] : فتزوّجته فعلم

_ [1] هذا الحديث رسم خطة غير مبين كما هو حقه. [2] من قوله: «المنذر- إلى قوله: - فخطبها» كان في هامش الأصل، وكان بعده حرف «ز» وكأنه إشارة إلى زيادته، ويؤيدها انسجام الكلام واتساقه بدونها. ورواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 13، نقلا عن المدائني باختصار ولم يذكر ذيل الكلام المذكور هنا. [3] يقال: عضه يعضه- من باب منع- عضها: كذب. نم. سحر.

النَّاس مَا أراد وأنه كَانَ كذب عَلَيْهَا، فقال الحسن لعاصم بن عمر (بن الخطاب) انطلق بنا حَتَّى نستأذن المنذر، فندخل عَلَى حفصة. فاستأذناه فشاور أخاه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: دعهما يدخلان عَلَيْهَا، فدخلا فكانت إِلَى عاصم أكثر نظرا مِنْهَا إِلَى الحسن، وكانت إِلَيْهِ أشد انبساطا فِي الحديث، فَقَالَ الحسن للمنذر: خذ بيدها، وقام الحسن وعاصم فخرجا، وَكَانَ الحسن يهواها وإنما طلقها لما رقا إِلَيْهِ المنذر. وَقَالَ الحسن يوما لابن أَبِي عتيق- وحفصة عمته- وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن محمد بن عبد الرحمان بْن أَبِي بكر: هل لك فِي العقيق؟ فقال: نعم. فخرجا فمرّ بمنزل حفصة فدخل إِلَيْهَا الحسن فتحدثا طويلا ثُمَّ خرج، فَقَالَ لابن أَبِي عتيق يوما آخر: هل لك فِي العقيق،؟ قَالَ: نعم. فمرّ بمنزل حفصة فدخل، ثُمَّ قَالَ لَهُ مرة أخرى: هل لك فِي العقيق؟ فَقَالَ لَهُ: يا ابن أم (كذا) ألا تقول: هل لك فِي حفصة!!! 31- المدائني عَن أَبِي أيوب القرشي عَنْ أَبِيهِ: أن الحسن بْن علي أعطى شاعرًا مالا [فَقَالَ لَهُ رجل: سبحان اللَّه أتعطي شاعرًا يعصى الرحمن ويقول البتهان؟ فَقَالَ: إن خير مَا بذلت من مالك مَا وقيت بِهِ عرضك، وإن من ابتغاء الخير اتقاء الشرّ [1]] . 32- قالوا: وتدار (أ) الحسن وَمُعَاوِيَة [2] فِي أمر فَقَالَ الحسن: بيني وبينك سعد بْن أَبِي وقاص. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لا أحكم رجلا من أهل

_ [1] ورواه أيضا محمد بن حبيب البغدادي في أماليه كما في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة لأبن أبي الحديد: ج 16، ص 10. [2] أي تعارضا وتنازعا.

بدر!!! قَالَ الحسن: فترضى عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة بالعراق؟ قَالَ مُعَاوِيَة: لا أرضى بِهِ. 33- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةَ الأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: مَدَحَ شَاعِرٌ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَأَعْطَاهُ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ!!! فَقِيلَ: أَتُعْطِيهِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ؟ قال: [إن خير المال ما وقي (به) الْعِرْضَ، وَاكْتُسِبَ بِهِ حُسْنُ الأُحْدُوثَةِ، وَاللَّهِ مَا أَخَافُ أَنْ يَقُولَ: لَسْتَ بِابْنِ رَسُولِ اللَّهِ وَلا ابْنِ عَلِيٍّ وَلا ابْنِ فَاطِمَةَ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّكَ لا تُشْبِهُ رَسُولَ اللَّهِ، وَلا عَلِيًّا وَلا فَاطِمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لخير مني، وأخرى إن الرجل أملني ورجاني] . 34- المدائني، عن أبي جُعْدُبَةَ، عَن ابْن أَبِي مليكة قَالَ: تزوج الحسن بْن علي خولة بنت منظور بْن زبان بن سيّار بن عمرو الفزاريّ (ظ) فبات ليلة عَلَى سطح لَهُ أجم لا ستر لَهُ، فشدت خمارها برجله والطرف الأخر بخلخالها، فقام من الليل فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قالت: خفت أن تقوم بوسنك فِي الليل [1] فتسقط فأكون أشأم سخلة على/ 442/ العرب!!! فأحبها وأقام عندها سبعة أيام، فَقَالَ ابْن عُمَرَ: لم نر أبا مُحَمَّد منذ أيام فانطلقوا بنا إِلَيْهِ، فأتوه فقالت خولة: احتبسهم حَتَّى نهيء لهم غداء. قال: نعم. قَالَ ابْن عُمَرَ: فابتدأ الحسن حديثا ألهانا بالاستماع إعجابا بِهِ حَتَّى جاءنا بالطعام. فكانت خولة عند مُحَمَّد بْن طَلْحَة، فخلف عَلَيْهَا (الحسن) وكانت

_ [1] الوسن- كسبب-: الحاجة، والجمع: أوسان. وهذا المعنى رواه أيضا في الحديث: (245) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق ج 12، ص 43 من طريق الخطيب نقلا عن المدائني.

أختها عند عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، فعبد اللَّه زوجه إياها، واسم أختها «تماضر» بنت منظور، فغضب أبوها، ثُمَّ رضي. وَقَالَ قوم: التي (ظ) شدّت خمارها برجله هند بنت سهيل. والأول أثبت. 35- قَالُوا: وتزوج الحسن امرأة من أَهْل اليمن فبعث إِلَيْهَا بعشرة آلاف درهم وطلاقها فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق. فَقَالَ الحسن: [لو راجعت امرأة راجعت هَذِهِ] . 36- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: أَحْصَنَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تِسْعِينَ امْرَأَةٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: [لَقَدْ تَزَوَّجَ الْحَسَنُ وَطَلَّقَ حَتَّى خِفْتُ أَنْ يجيء بِذَلِكَ عَلَيْنَا عَدَاوَةَ أَقْوَامٍ] . 37- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا المعتمر، عن قرّة ابن خَالِدٍ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَقُولُ: [الطَّعَامُ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يُقْسَمَ عَلَيْهِ إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ إِلَى أَكْلِهِ فَلَمْ يَأْكُلْ] . 38- المدائني عَن أَبِي زَكَرِيَّا العجلاني قَالَ: قَالَ مخرمة بْن نوفل بنو هاشم أكمل سخاء من بني أمية. وَقَالَ جبير بن مطعم بنو أمية أسخا. فَقَالَ لَهُ مخرمة: امتحن ذَلِكَ ونمتحنه. فأتي جبير سعيد بن العاصي (كذا) وَابْن عامر ومروان فسألهم فأعطاه كُلّ امرئ منهم عشرة آلاف، وأتى مخرمة الحسن والحسين وعبد اللَّه بْن جعفر فأعطاه كُلّ واحد منهم مائة ألف درهم فردها وَقَالَ: إنما أردت امتحانكم!!!

39- وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْطَأَ كَلامُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ [1] وَهُوَ مَعَهُ فَلَمَّا كَبَّرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ الْحَسَنُ، فَسَرَّ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَبَيَّنَّا السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ الْحَسَنُ إِلَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ فَوَقَفَ الْحَسَنُ عِنْدَ السَّابِعَةِ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعَ ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرَ الْحَسَنُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَمْسِ تَكْبِيرَاتٍ فَوَقَفَ الْحَسَنُ عِنْدَهَا، وَتِلْكَ سَنَةُ الْعِيدِ [2] . 40- المدائني عَن الهذلي عَن الحسن، أن فاطمة أتت النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم بالحسن والحسين عليهم السلام فقالت: [انحلهما. فَقَالَ: قد نحلت الحسن الحلم والحياء، وقد نحلت الْحُسَيْن الجود والمهابة. وأجلس حسنا عَلَى فخذه اليمني وحسينا عَلَى اليسرى] . 41- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حماد بن سلمة، عن هشام ابن عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ [3] قَالَ: [خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ يوما فجاء الحسن فقال

_ [1] كذا في النسخة، ولعل الصواب: «العيد» . أو ان المرار من البيت هو مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أو ان إلى بمعنى «من» . [2] ورواه أيضا ابن المغازلي في الحديث: (89) من مناقبه بسند آخر عن جابر. ورواه أيضا أبو المفضل الشيباني في أماليه وابن الوليد في كتابه كما في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 13. [3] هذا هو الصواب، وفي الأصل ذكر الأول بالعين المهملة ثم الزاء المعجمة، والثاني بالغين المعجمة ثم الراء المهملة. والحديث صحيح السند عندهم ورجاله رجال الصحاح!!! وقد اتفق هذا المعنى للحسين عليه السلام مع عمر بن الخطاب ورواه ابن عساكر، في الحديث (178) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 13، ص 51/ أو 110، بأسانيد قال: أخبرنا أبو البركات الأنماطي وأبو عبد الله البلخي قالا: أنبأنا أبو الحسين ابن الطيوري وثابت بن بندار، قالا: أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر، وأبو نصر محمد بن الحسن قالا، أنبأنا الوليد بن بكر، أنبأنا علي بن أحمد بن زكريا، أنبأنا صالح بن أحمد، حدثني أبي أحمد: أنبأنا سُلَيْمَان بْن حرب، أَنْبَأَنَا حماد بْن زَيْد، عن يحيى بن سعد: عن عبيد بن حنين، عن حسين بن علي قال: صعدت إلى عمر وهو على المنبر فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك!!! فقال: من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد. قال: منبر أبيك والله، منبر أبيك والله، وهل أنبت على رءوسنا الشعر إلا أنتم!!! (لو) جعلت تأتينا وجعلت تغشانا. ورواه أيضا بعده بسندين آخرين.

انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي!!! فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ هذا من ملاء مِنَّا؟!] 42- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا جرير، عن قابوس ابن أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَقَعَ مُغَيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ في الحسن بن علي وشتمه فقال رجل معنا [1] يَا أَبَا ظَبْيَانَ وَقَعَ الْمُغِيرَةُ فِي الْحَسَنِ وسبّه. فقال: ولم- قلّ خيره- فو الله لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَرِّجُ رِجْلَيْهِ وَيُقَبِّلُ زَبِيبَهُ. 43- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ/ 443/ بْنُ هِشَام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف وَعَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي إِسْنَادِهِمَا وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْن صالح العجلي عن الثقة (كذا) عن ابن جعدبة:

_ [1] كلمة «معنا» غير جلية من النسخة، وكتبناها على الأحتمال. وذيل الحديث رواه ابن عساكر في الحديث: (169) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق بسند آخر.

عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالُوا: لَمَّا قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِالْكُوفَةِ، قَامَ قَيْسُ بن سعد بن عبادة الأنصاري فخطب فحمد اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ وَصَفَ فَضْلَ عَلِيٍّ وَسَابِقَتَهُ وَقَرَابَتَهُ وَالَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي هَدْيِهِ وَعَدْلِهِ وَزُهْدِهِ، وَقَرَّظَ الْحَسَنَ وَوَصَفَ حَالَهُ وَمَكَانَهُ من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ فِي هَدْيِهِ وَحِلْمِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ الأمر بعد أبيه، ورغّبهم (ظ) فِي بَيْعَتِهِ وَدَعَاهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَكَانَ قَيْسٌ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ، ثُمَّ ابْتَدَرَ النَّاسُ بَيْعَتَهُ وَقَدْ كَانَ قَيْسٌ عَامِلَ عَلِيٍّ عَلَى آذْرَبِيجَانَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي الْقُدُومِ لِلْغَزْوِ مَعَهُ، فَقَدِمَ فَشَهِدَ مَقْتَلَهُ. وخرج عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى النَّاس بعد وفاة علي ودفنه فَقَالَ: إن أمير الْمُؤْمِنِينَ رحمه اللَّه تَعَالَى قد توفي برًا تقيا عدلا مرضيا، أحيا سنة نبيه وَابْن عمه وقضى بالحق فِي أمته، وقد ترك خلفا رضيا مباركا حليما، فَإِن أحببتم خرج إليكم فبايعتموه، وإن كرهتم ذَلِكَ فليس أحد عَلَى أحد (كذا) فبكى النَّاس وَقَالُوا: يخرج مطاعا عزيزًا. فخرج الحسن فخطبهم فَقَالَ: [اتقوا اللَّه أيها النَّاس حق تقاته فإنا أمراؤكم وأضيافكم ونحن أَهْل البيت الذين قال الله: « (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ) ] لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ (أَهْلَ الْبَيْتِ) وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (33/ الأحزاب) [والله لو طلبتم مَا بين جابلق وجابرس مثلي فِي قرابتي وموضعي مَا وجدتموه!!!] ثُمَّ ذكر مَا كَانَ عَلَيْهِ أبوه من الفضل والزهد والأخذ بأحسن الهدي وخروجه من الدنيا خميصا لم يدع إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه فأراد أن يبتاع بها خادما [1] .

_ [1] وهذا الذيل رواه ابن عساكر في الحديث: (1473) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 330 ط 1.

فبكى النَّاس ثُمَّ بايعوه، وكانت بيعته الَّتِي أخذ عَلَى النَّاس أن يحاربوا من حارب، ويسالموا من سالم. فَقَالَ بعض من حضر: والله ما ذكر السلم إِلا ومن رأيه أن يصالح معاوية أو كما قال!!! ثم مكث أياما ذات عدد- يقال: خمسين ليلة ويقال: أكثر مِنْهَا- وَهُوَ لا يذكر حربا وَلا مسيرًا إِلَى الشَّام. وكتب إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس كتابا يعلمه فِيهِ أن عَلِيًّا لم يجب إلى الحكومة إلا وهو ير (ى) في انه إذا حكم بالكتاب تردّ الأمر إِلَيْهِ، فلما مال القوم إِلَى الهوى فحكموا بِهِ ونبذوا حكم الكتاب، رجع إِلَى أمره الأول فشمر للحرب ودعا إِلَيْهَا أَهْل طاعته فكان رأيه الَّذِي فارق الدنيا عَلَيْهِ جهاد هَؤُلاءِ القوم. ويشير عَلَيْهِ أن ينهد إِلَيْهِمْ وينصب لهم وَلا يعجز وَلا يهن [1] .

_ [1] ليت البلاذري ذكر الكتاب حرفيا مع سنده إليه ولم يضن بذكره هنا مع انه محله، نعم ذكره في ترجمة عبد الله بن العباس من أنساب الاشراف: ج 1، الورق 274/ أ/ أو ص 550، وإليك نص الكتاب بخصوصياته: (قال البلاذري:) حدثني عباس بن هشام، عن أبيه عن عَوَانَةَ، قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ وَلَّوْكَ أُمُورَهُمْ بعد علي فشمر لحربك (كذا) وَجَاهِدْ عَدُوَّكَ، وَدَارِ أَصْحَابَكَ وَاشْتَرِ مِنَ الظَّنِينِ دينه ولا تسلم دينك (ظ) وَوَالِ أَهْلَ الْبُيُوتَاتِ وَالشَّرَفِ تَسْتَصْلِحْ عَشَائِرَهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّكَ تُحَارِبُ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلا تَخْرُجَنَّ مِنْ حَقٍّ أَنْتَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ حال الموت دون ما تحب. وقال ابن أعثم في كتاب الفتوح: ج 4 ص 148: أقام الحسن بالكوفة بعد وفاة أبيه شهرين كاملين لا ينفذ إلى معاوية أحدا ولا ذكر المسير إلى الشام، وإذا بكتاب عبد الله بن عباس قد ورد عليه من البصرة وإذا فيه: لعبد الله الحسن أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس، أما بعد يا ابن رسول الله فإن المسلمين ولوك أمرهم بعد أبيك رضي الله عنه، وقد أنكروا أمر قعودك عن معاوية وطلبك لحقك، فشمر للحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك، ووال أهل البيوتات والشرف ما تريد من الأعمال فإنك تشتري بذلك قلوبهم، واقتد بما جاء عن أئمة العدل من تأليف القلوب، والإصلاح بين الناس واعلم بأن الحرب خدعة، ولك في ذلك سعة ما كنت محاربا، ما لم ينتقص مسلما حقا هو له، وقد علمت أن أباك عليا إنما رغب الناس (عنه) وصاروا إلى معاوية لأنه واسى بينهم في الفيء، وسوى بينهم في العطاء، فثقل ذلك عليهم. واعلم بأنك إنما تحارب من قد حارب الله ورسوله حتى أظهره الله (على) أمره، فلما أسلموا ووحد الرب ومحق الله الشرك وأعز الدين، أظهروا الإيمان وقرءوا القرآن وهم بآياته مستهزؤن وقاموا إلى الصلاة وهم كسالى وأدوا الفرائض وهم لها كارهون فلما رأوا أنه لا يعز في هذا الدين إلا الأبرار والعلماء الأخيار، وسموا أنفسهم بسيما الصالحين ليظن بهم المسلمون خيرا، وهم عن آيات الله معرضون، وقد منيت أبا محمد بأولئك القوم وأبنائهم وأشباههم والله ما زادهم طول العمر إلا غيا، ولا زادهم في ذلك لأهل الدين إلا غشا، فجاهدهم رحمك الله ولا ترض منهم بالدنية، فإن أباك عليا رضي الله عنه لم يجب إلى الحكومة في حقه حتى غلب على أمره فأجاب وهو يعلم أنه أولى بالأمر ان حكم القوم بالعدل، فلما حكم بالهوى رجع إلى ما كان عليه، وعزم على حرب القوم حتى وافاه أجله فمضى إلى ربه رحمه الله، فانظر رحمك الله أبا محمد، لا تخرجن من حق أنت أولى به من غيرك، وإن أتاك (الموت) دون ذلك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ورواه أيضا أبو الحسن المدائني عن أبي بكر بن الأسود كما في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 4 ص 12، ط بيروت، وفي ط مصر: ج 16، ص 23. وقطعة منه ذكرها في فصل صلحه عليه السلام من مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 31.

44- قَالُوا: وأتى أَهْل الشَّامِ قتل علي فقام مُعَاوِيَة خطيبا فذكر عَلِيًّا وَقَالَ: إن اللَّه أتاح لَهُ من قتله بقطيعته وظلمه، وقد ولي الْكُوفَة بعده ابنه وَهُوَ حدث غر لا علم لَهُ بالحرب، وقد كتب إلى وجوه من قبله يلتمسون الأمان!!! فانتدب مَعَهُ أَهْل الأجناد فاقبل عَمْرو بْن العاص فِي أهل فلسطين، وعبد الرحمان بْن خالد بْن الوليد فِي أَهْل الأردن. فكتب الحسن إِلَى مُعَاوِيَةَ يعلمه أن النَّاس قد بايعوه بعد أَبِيهِ ويدعوه إِلَى طاعته [1] .

_ [1] ولما بخل البلاذري بذكر نص الكتاب- أو خاف من أذناب الرجس والارتياب- فلا بد لنا من ذكره والدلالة على مظان ذكره، فنقول رواه حرفيا في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من مقاتل الطالبين ص 55، ورواه عنه في شرح المختار: (31) من كتب نهج البلاغة ج 4 ص 12، وفي ط الحديث بمصر: ج 16، ص 33. ورواه باختصار أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 4 ص 151، ط 1، وإليك نصه: من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر، أما بعد فإن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، فأظهر به الحق، وقمع به أهل الشرك وأعزبه العرب عامة وشرف من شاء منهم خاصة، فقال تبارك وتعالى: «وإنه لذكر لك ولقومك» (44/ الزخرف: 43) فلما قبضه الله عز وجل تنازعت العرب الأمر من بعده فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. فقالت قريش: نحن أولياؤه وعشيرته فلا تنازعونا سلطانه. فعرفت العرب ذلك لقريش ثم جاحدتنا قريش ما عرفه العرب لهم!!! وهيهات ما أنصفتنا قريش!! وقد كانوا ذوي فضيلة في الدين وسابقة في الإسلام!! فرحمة الله عليهم، والآن فلا غرو إلا منازعتك إيانا بغير حق في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، والموعد الله بيننا وبينك، ونحن نسأله أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا به في الآخرة. وبعد فإن أمير المؤمنين أبي طالب لما نزل به الموت ولاني هذا الأمر من بعده (وولاني المسلمون الأمر بعده) فاتق الله يا معاوية وانظر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما تحقن به دماء هم وتصلح به أمورهم والسلام. ورواه أيضا مثله باختصار أبو الحسن المدائني كما في شرح المختار (31) من الباب الثاني نهج البلاغة: ج 4 ص 13، ط بيروت، وفي ط الحديث بمصر، ج 16، ص 24:. ورواه بصورة أطول منهما في مقاتل الطالبين ص 55، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار المتقدم الذكر: ج 4 ص 17، ط بيروت، وفي ط الجديد بمصر: ج 16، ص 33، وما وضعناه بين المعقوفين مأخوذ من مقاتل الطالبين ورواية المدائني في شرح النهج: ج 16، ص 24. وقطعة منه رواها ابن شهر آشوب رحمه الله في فصل صلحه عليه السلام مع معاوية من مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 31 ط 2.

فكتب إليه (معاوية) فِي جواب ذَلِكَ يعلمه أنه لو كَانَ يعلم أنه أقوم بالأمر، وأقسط للناس وأكيد للعدو، وأحوط عَلَى المسلمين وأعلم بالسياسة وأقوى عَلَى جمع المال منه لأجابه إِلَى مَا سأل- لأنه يراه لكل خير أهلا- وَقَالَ لَهُ فِي كتابه: إن أمري وأمرك شبيه بأمر أَبِي بكر وأمركم بعد وفاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم!!!

ووعده أن يسوغه مَا فِي بيت مال الْعِرَاق/ 444/ وخراج أي الكور شاء يستعين بِهِ عَلَى مؤنة ونفقاته!!! وَكَانَ رَسُول الحسن بكتابه إِلَى مُعَاوِيَةَ جندب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن صنب [1] وَهُوَ جندب الخير الأزدي. فلما قدم جندب عَلَى الحسن بجواب كتابه، أخبره باجتماع أَهْل الشَّامِ وكثرتهم وعدتهم وأشار عَلَيْهِ بتعجيل السير إليهم قبل أن يسيروا إِلَيْهِ، فلم يفعل حَتَّى قيل لَهُ: أن معاوية قد شخص إليك وبلغ جسر منبج. فتحرك عند ذَلِكَ ووجه حجر بْن عدي الكندي إلى العمال يأمرهم بالجد والاستعداد إِلَى أن يمر بهم وأتاه سعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ فَقَالَ لَهُ: أخرج فعسكر نسر معك فخطب الحسن النَّاس فحضهم عَلَى الجهاد، وعرفهم فضله وما فِي الصبر عَلَيْهِ من الأجر وأمرهم أن يخرجوا إِلَى معسكرهم فما أجابه أحد!!! فَقَالَ لهم عدي بْن حاتم الطائي: سبحان اللَّه ألا تجيبون إمامكم؟ أين خطباء مضر؟ ثُمَّ قَالَ عدي للحسن: أصاب اللَّه بك سبيل رشده يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فقد سمعنا وأطعنا وَهَذَا وجهي إلى المعسكر. ومضى (إليه) . ثُمَّ قام قَيْس بْن سَعْدٍ، وزياد بْن خصفة، ومعقل بن قيس الهمداني [2] فأحسنوا القول وأخبروا بمسارعتهم إلى أمرهم (كذا) وخفوفهم للجهاد مَعَهُ وأنهم لا يخذلونه فصدق مقالتهم وردّ عليهم خيرا.

_ [1] كذا في الأصل، وفي شرح النهج: ج 16، ص 25 نقلا عن المدائني: وبعث بالكتاب مع الحارث بن سويد التيمي (من) تيم الرباب وجندب الأزدي. [2] كلمة «الهمداني» كأنها ضرب عليها الخط. والموضوع رواه في مقاتل الطالبين ص 61 بألفاظ أجود مما ها هنا، وفيه: «معقل بن قيس الرياحي» .

ثم إنه دعا بعبد اللَّه بْن عَبَّاس وَهُوَ بمعسكره فَقَالَ لَهُ: يا ابن عم إني باعث معك اثنا عشر ألفا من فرسان العرب، ووجوه أَهْل المصر، فسربهم [وألن (لهم) كنفك وابسط لهم وجهك وأدنهم في مجلسك، وسر عَلَى شاطئ الفرات] حَتَّى تقطع الفرات إِلَى أرض الأنبار ومسكن، ثُمَّ تمضى فتستقبل مُعَاوِيَة وتحبسه حَتَّى آتيك، وليكن خبرك عندي كُلّ يوم، واستشر قَيْس بْن سَعْدٍ وسعيد بْن قَيْس الْهَمْدَانِيّ واسمع مِنْهُمَا وَلا تقطع أمرا دونهما، وإن قاتلك مُعَاوِيَة قبل قدومي فقاتله، فَإِن أصبت فالأمير قَيْس بْن سَعْدٍ، فَإِن أصيب فسعيد بْن قَيْس. فأخذ عبيد اللَّه عَلَى قرية شاهي ثُمَّ لزم الفرات [1] حَتَّى قطع الفلوجة وجاز الفرات إِلَى دمما، ثم أتى الأخيوثية [2] .

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «الفراني» . وفي مقاتل الطالبين ص 63: «وسار عبيد الله حتى انتهي إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات والفالوجة حتى أتى مسكن» . [2] كذا بالثاء المثلثة- ها هنا، ومثله في الحديث (45) الآتي في ص 37- ولم أجد اللفظة في مظانها من معجم البلدان، والظاهر انها مصحفة، والصواب: «الأخنونية» كما ذكرها في تاريخ بغداد ج 1، ص 208. وقال في معجم البلدان: الأخنونية- بالضم ثم السكون وضم النون وواو ساكنة، ونون أخرى مكسورة وياء مشددة-: موضع من أعمال بغداد، قيل: هي حربى. وقال أيضا: حربى- مقصورة، والعامة تتلفظ به مما لا-: بليدة في أقصى دجيل بين بغداد وتكريت مقابل الحظيرة، تنسج فيها الثياب القطنية الغليظة وتحمل إلى سائر البلاد. وقال في تاريخ بغداد: ج 1 ص 207: ولما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام سار معاوية من الشام إلى العراق فنزل بمسكن ناحية حربى إلى أن وجه إليه الحسن بن علي فصالحه، وقدم معاوية الكوفة ... وأيضا قال في تاريخ بغداد: ج 1، ص 208: أخبرنا الحسن بن محمد الخلال قال: نبأنا أحمد بن إبراهيم قال: نبأنا أبو أحمد الجريري قال: نبأنا أحمد بن الحارث الحزاز قال: نبأنا أبو الحسن المدائني- في قصة الحسن بن علي لما بايع له الناس بعد قتل علي- قال: وأقبل معاوية إلى العراق في ستين ألفا، واستخلف علي الشام الضحاك بن قيس الفهري والحسن مقيم بالكوفة لم يشخص حتى بلغه أن معاوية قد عبر جسر منبج فعقد لقيس بن سعد بن عبادة على اثني عشر ألفا وودعهم وأوصاهم لي فأخذوا على الفرات وقرى الفلوجة، وسار قيس إلى مسكن ثم أتى الأخنونية- وهي حربى- فنزلها. وأقبل معاوية من جسر منبج إلى الأخنونية، فسار عشرة أيام معه القصاص يقصون في كل يوم يحضون أهل الشام عند وقت كل صلاة فقال بعض شعرائهم: من جسر منبج أضحى غب عاشرة ... في نخل مسكن تتلى حوله السور قال: ونزل معاوية بإزاء عسكر قيس بن سعد، وقدم بسر بن أرطاة إليهم فكانت بينهم مناوشة ولم تكن قتلى ولا جراح ثم تحاجزوا. وساق بقية الحديث.

وروى بعضهم أن قَيْس بْن سعد كَانَ عَلَى الجيش، وأن عبيد اللَّه كَانَ مَعَهُ. والأول أثبت. فلما شخص عبيد اللَّه بْن العباس صار الحسن بعده واستخلف عَلَى الْكُوفَة المغيرة بْن نوفل بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب، وذلك بعد شهرين- ويقال: ثلاثة أشهر- من بيعته [1] ثم صار الحسن فأتى دير كعب [2] فبات بِهِ، ثُمَّ سار حَتَّى أتى ساباط المدائن، فنزل دون جسرها مما يلي ناحية الْكُوفَة فخطب النَّاس فقال: [ «إني أرجو أن أكون أنصح خلقه لخلقه، وما أنا محتمل عَلَى أحد ضغينة وَلا حقدًا، وَلا مريد بِهِ غائلة وَلا سوءًا] . [ألا وإن مَا تكرهون فِي الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة] .

_ [1] هذا هو الظاهر لي وفي الأصل: من تبعته ... [2] وفي مقاتل الطالبين ص 63: وأخذ الحسن على حمام عمر حتى أتى دير كعب (ثم بكر) فنزل ساباط دون القنطرة، فلما أصبح نادي في الناس: الصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فحمد الله فقال ...

ألا وإني ناظر لكم خيرًا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري، وَلا تردوا علي غفر اللَّه لي ولكم» . فنظر بعض النَّاس إِلَى بعض وَقَالُوا: عزم والله عَلَى صلح معاوية وضعف وحار. فشدّوا عَلَى فسطاطه فدخلوه وانتزعوا مصلاة من تحته وانتهبوا ثيابه!!! ثم شدّ عليه عبد الرحمان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي جعال الأزدي فنزع مطرفه عَن عاتقه [1] فبقي متقلدا سيفه، فدهش ثم رجع (إليه) ذهنه فركب فرسه وأطاف بِهِ النَّاس، فبعضهم يعجزه ويضعفه!!! وبعضهم ينهى أولئك عنه ويمنعه منه، وانطلق رجل من بني أسد بْن خزيمة- من بني نضر بن تعين بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد [2] يقال له/ 445/ الجراح ابن سنان، وَكَانَ يرى رأي الخوارج- إِلَى مظلم ساباط فقعد له فِيهِ ينتظره، فلما مر الحسن بِهِ دنا من دابته فأخذ بلجامها، ثم أخرج معولا كَانَ مَعَهُ وَقَالَ: أشركت يَا حسن- كما أشرك أبوك من قبل- وطعنه بالمعول فِي أصل فخذه فشق فِي فخذه شقا كاد يصل إِلَى العظم، وضرب الحسن وجهه ثم اعتنقا وخرّا إلى الأرض، ووثب عبدل (بن) لاهز بن الحصل [3]- وبعضهم يقول: عَبْد اللَّهِ بْن الحصل- فنزع المعول من يد الجراح، وأخذ ظبيان ابن عمارة التَّمِيمِيّ بأنفه فقطعه وضرب بيده إِلَى قطعة آجرة فشدخ بِهَا وجهه ورأسه حَتَّى مات. وحمل الحسن إِلَى المدائن وعليها سعد بن مسعود- عمّ المختار بن أبي

_ [1] وفي مقاتل الطالبين ص 63: عبد الرحمان بن عبد الله بن جمال الأزدي ... [2] وفي مقاتل الطالبين ص 64: فقام إليه رجل من بني أسد من بني نصر بن قعين ... [3] والأظهر بحسب رسم الخط: «عبد لام بن الحصيل» . وفي نسخة من مقاتل الطالبين: فوثب عبد الله بن الخصل ... وفي مطبوعة منه: فوثب عبد الله بن الخطل ... وفي شرح المختار: (30) من الباب الثاني من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 4 ص 15: «فوثب عبد الله بن الأخطل» .

عبيد الثقفي، وكان عليّ ولّاه إياها- فأدخلوه منزله، فأشار عَلَيْهِ المختار أن يوثقه ويسير بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ [1] عَلَى أن يطعمه خراج جوخى سنة!!! فأبى ذلك (سعد) وقال للمختار: قرّ اللَّه رأيك، أنا عامل أَبِيهِ وقد ائتمنني وشرّفني، وهبني نسيت يد أبيه علي [2] أأنسى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أحفظ في ابن بنته وحبيبه؟!! ثُمَّ إن سعد بْن مسعود أتى الحسن بطبيب وقام عليه حتى برأ وحوله إِلَى أبيض المدائن. وتوجه مُعَاوِيَة إِلَى الْعِرَاق واستخلف الضحاك بْن قَيْس الفهري وجد في

_ [1] وأيضا قال البلاذري في الجزء (5) المطبوع ص 214 في عنوان: «أمر المختار» : وَكَانَ المختار مَعَ عمه بالمدائن حِينَ جرح الحسن بن علي في مظلم ساباط، فلما أشار عَلَى عمه بدفعه إِلَى مُعَاوِيَة والتقرب إِلَيْهِ بِهِ، طلبه قوم من الشيعة. مِنْهُم الْحَارِث الأعور، وظبيان بْن عُمَارَةَ التميمي ليقتلوه فكلم عمه الْحَسَن فسألهم الإمساك عَنْهُ فأمسكوا ... أقول: قصة المختار هذه لم تثبت من طريقنا، فإن ثبتت من طريق معتمد فلا تعارض ما فعله أخيرا من تفاديه في سبيل أهل البيت وشفاء صدورهم وصدور المؤمنين بقتل المنافقين والغادرين قتلة ريحانة رسول الله وذويه، وذلك يدل على أنه إن صدر منه كلام في قصة الإمام الحسن فقد تاب منه، كما تاب كثير من الفاسقين بل وكذا كثير من الكافرين من سالف ذنوبهم ثم تداركوا واستقاموا ولم يغيروا ولم يبدلوا وعملوا بالحق ثم جاهدوا في سبيل الله حتى استشهدوا في سبيله فألحقهم الله بالشهداء والصديقين، والعبرة بخاتمة الأمر، وهو رضوان الله عليه قتل في سبيل أهل البيت عليهم السلام، مع أن ما قاله في قصة الإمام الحسن- إن صج- لعله قاله امتحانا لعمه وسائر من أحدق بالإمام الحسن كي يستكشف نواياهم!!! وعلى فرض انه قال جدا وحقيقة فهو نية سيئة تدل على سوء سريرته في تلك الحال، والنية المجردة ما لم يتبعها عمل غير مأخوذ بها، وما فعله أخيرا وفي سن الكمال عمل يجزى به ويدل على شدة نكيره على أعداء الله وغاية اهتمامه ومفاداته في سبيل الله ونصرة أوليائه فشتان بين الأمرين. [2] ويجوز قريبا أن يقرء: «بلاء أبيه علي» .

المسير، وَقَالَ: قد أتتني كتب أَهْل الْعِرَاق يدعونني إلى القدوم إليهم فأومن بريئهم ويدفعون إلي بغيتي وأتتني رسلهم فِي ذَلِكَ!!! فسيروا إِلَيْهَا أيها النَّاس فَإِن كدر الجماعة خير من صفو الفرقة. وكانوا يدعونه أمير الْمُؤْمِنِينَ. ولما رأى عَمْرو جد معاوية في المسير واخدامه إياه [1] قَالَ: قد علم مُعَاوِيَة- والله- أن الليث عليا قد هلك وغالته سغوب!!! 45- قَالُوا: ومر مُعَاوِيَة بالرقة، ثُمَّ بنصيبين وَهُوَ يسكن النَّاس ويؤمن من مر بِهِ، ثُمَّ أتى الموصل ثم صار إلى الأخيوثية [2] فنزل بإزاء عبيد اللَّه بْن العباس، وأرسل عبد الرحمان بْن سمرة بْن حبيب بْن عَبْد شمس إِلَى عبيد اللَّه وأصحابه أن كتب الحسن قد أتتني مع رسله تسألني فِيهَا الصلح، وإنما جئت لذلك [3] وقد أمرت أصحابي بالكف عنكم فلا تعرضوا لهم حَتَّى أفرغ مما بيني وبين الحسن!!! فكذبوه وشتموه!!! ثم بعث معاوية بعد ذلك عبد الرحمان بْن سمرة إِلَى عبيد اللَّه فخلا بِهِ وحلف لَهُ أن الحسن قد سأل مُعَاوِيَة الصلح وجعل لعبيد اللَّه ألف ألف درهم إن صار إِلَيْهِ، فلما علم عبيد اللَّه رأي الحسن [4] وأنه إنما يقصد قصد الصلح

_ [1] الكلمة غير جلية بحسب رسم الخط، وظاهر النسخة: «أخذ أمه إياه» . [2] كذا في الأصل، وتقدم في تعليق الحديث: (44) ص 33 من هذا الجزء أن الصواب «الأخنونية» . [3] هذا أقل وأصغر حيلة من حيل معاوية في اجلاب خيله ورجله ومن على شاكلته إليه، وبهم وأمثالهم قد لعب ابن الحرب بالدين والمسلمين، فلو كان للرجل شيء من الإنسانية والغيرة لما صار إلى معاوية بلا استفسار من إمامه. [4] لم يكن مسير الرجل إلى معاوية لعلمه برأي الإمام الحسن، وانه يقصد قصد الصلح، إنما صار إليه جبنا وحرصا على الدنيا!!! كما صنع في أيام أمير المؤمنين عليه السلام حين فر من اليمن لما توجه إليه بسر بن أبي أرطاة.

وحقن الدماء، صار إِلَى مُعَاوِيَةَ!!! فأكرمه وبره وحفظ لَهُ مسارعته إِلَيْهِ. وقام بأمر النَّاس- بعد عبيد اللَّه- قَيْس بْن سَعْدٍ، وَقَالَ فِي عبيد اللَّه قولا قبيحا، وذكر أخاه وما كَانَ بينه وبين علي [1] ونسب عبيد اللَّه إِلَى الخيانة والغدر والضعف والجبن. فبايع قيسا أربعة آلاف عَلَى الموت. وظن مُعَاوِيَة أن مصير عبيد اللَّه قد كسر الحسن، فأمر بسر بْن أَبِي أرطاة- وَكَانَ عَلَى مقدمته- وناسا مَعَهُ فصاحوا بالناس من جوانب العسكر، فوافوهم وهم عَلَى تعبئة فخرجوا إِلَيْهِمْ فضاربوهم!! واجتمع إِلَى بسر خلق فهزمهم قَيْس وأصحابه، وجاءهم بسر من الغد فِي الدهم [2] فاقتتلوا فكشف بسر وأصحابه!!! وقتل بين الفريقين قتلى (ظ) . وعرض مُعَاوِيَة عَلَى قَيْس مثل الَّذِي عرضه على عبيد الله فأبى (قيس) ثُمَّ بعث إِلَيْهِ ثانية فَقَالَ لَهُ: عَلَى ماذا تقتل نفسك وأصحاب الحسن قد اختلفوا عليه وقد جرح (ظ) في مظلم ساباط فهو لما به؟!! فتوقف (قيس) عن القتال ينتظر ما يكون من أمر الحسن.

_ [1] يعني ذكر للناس ما ارتكبه عبيد الله وأخوه عبد الله من الأمور القبيحة: من فرار عبيد الله من بسر بن أرطاة وتخلية اليمن له يفعل ما يشاء بالمؤمنين!!! ثم انحيازه في هذه القصة إلى معاوية من غير استفسار واستئذان عن إمامه وعمن أمره بالمشورة عنهم والاستعانة برأيهم ونجدتهم!!! وذكر أيضا قبح ما أرتكبه عبد الله بن عباس عند تفرق الناس عن أمير المؤمنين وتخاذلهم له من التصرف في بيت مال البصرة وصرف بعض نقوده زائدا عن حقه في جهاته الشخصية، ثم إصراره على معصيته وعدم ارتداعه عنها لما كاتبه أمير المؤمنين عليه السلام ثم ذهابه إلى مكة المكرمة وترك عمله من غير استئذان عن إمامه!!! وقد ذكر في مقاتل الطالبين ص 65 كلام قيس حرفيا، وأضاف على ذكر عبيد الله وأخيه عبد الله، ذكر ابيه العباس وقال: أيها الناس لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع «أي الجبان» إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط!!! إن أباه عم رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم) خرج يقاتله ببدر ... [2] أي في جماعة يكثر عددهم وسوادهم.

وجعل وجوه أَهْل الْعِرَاق يأتون مُعَاوِيَة فيبايعونه!!! فكان أول من أتاه خالد ابن معمر، فَقَالَ: أبايعك عَن ربيعة كلها ففعل!!! وبايعه عفاق/ 446/ بن شرحبيل بن أبي رهم التَّيْمِيّ [1] فلذلك يقول الشاعر: معاوي أكرم خالد بن معمّر ... فإنك لولا خالد لم تؤمر وبلغ ذَلِكَ الحسن فَقَالَ: يَا أَهْل الْعِرَاق أنتم الَّذِينَ أكرهتم أَبِي عَلَى القتال والحكومة ثُمَّ اختلفتم عَلَيْهِ!!! وقد أتاني أن أَهْل الشرف منكم قد أتوا مُعَاوِيَة فبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني فِي ديني ونفسي!!! [2] . 46- قَالَ المدائني وكتب مُعَاوِيَة إِلَى قَيْس يدعوه إِلَى نفسه- وَهُوَ بمسكن فِي عشرة آلاف- فأبى أن يجيبه، ثم كتب إليه: إنما أنت يهودي ابن يهودي، إن ظفر أحب الفريقين إِلَيْك عزلك واستبدل بك، وإن ظفر

_ [1] وهو من مبغضي أمير المؤمنين وأوليائه، وله كشف سريرة في قصته يزيد بن حجية كما ذكره في كتاب الغارات ج 2 ص 528 وذكره أيضا في شرح المختار (36) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 1 ص 365 ط مصر. [2] ويساعد رسم الخط على أن يقرء: «فلا تغروني في ديني أو نفسي» . وقال في كتاب الفتوح: ج 4 ص 157: وجعل أهل العراق (الذين كانوا مع قيس بن سعد) يتوجهون إلى معاوية قبيلة بعد قبيلة، حتى خف عسكره!!! فلما رأى ذلك قيس كتب إلى الحسن بخبره بما هو فيه، فلما قرأ الحسن الكتاب أرسل إلى وجوه أصحابه فدعاهم ثم قال: يا أهل العراق ما أصنع بجماعتكم معي وهذا كتاب قيس بن سعد يخبرني بأن أهل الشرف منكم قد صاروا إلى معاوية!!! أما والله ما هذا بمنكر منكم لأنكم أنتم الذين أكرهتم أبي يوم صفين على (تحكيم) الحكمين، فلما أمضى الحكومة وقبل منكم اختلفتم (عليه!!!) ثم دعاكم إلى قتال معاوية ثانية فتوانيتم (عنه) حتى (ظ) صار إلى ما صار إليه من كرامة الله إياه، ثم إنكم بايعتموني طائعين غير مكرهين، فأخذت بيعتكم وخرجت في وجهي هذا، والله يعلم ما نويت فيه، فكان منكم إلى ما كان!!! يا أهل العراق فحسبي منكم لا تغروني في ديني ...

المراسلات بين الحسن ومعاوية في أمر الصلح

أبغضهما إِلَيْك قتلك ونكل بك، وقد كَانَ أبوك أوتر غير قوسه ورمى غير غرضه فأكفر الحز [1] وأخطأ المفصل، فخذله قومه وأدركه يومه، فهلك بحوران طريدًا، والسلام. فكتب إِلَيْهِ قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: أما بعد يَا معاوية فإنما أنت وثن ابن وثن من أوثان مَكَّة!!! دخلت فِي الإسلام كرها وخرجت منه طوعا، لم يقدم إيمانك ولم يحدث نفاقك!!! وقد كان أبي أوتر قوسه ورمى غرضه فاعترض عَلَيْهِ من لم يبلغ كعبه ولم تشق غباره، وَكَانَ أمرًا مرغوبا عَنْهُ مزهودًا فِيهِ!!! ونحن أنصار الدين الَّذِي خرجت منه، وأعداء الدين الذي صرت إليه (ظ) . فَقَالَ لَهُ عَمْرو: أجبه. فَقَالَ: أخاف أن يجيبني بما هو أشر من هذا. [المراسلات بين الحسن ومعاوية في أمر الصلح] 47- قَالُوا: ووجه مُعَاوِيَة إِلَى الحسن، عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز بْن ربيعة بن حبيب بْن عبد شمس. فَقَالَ ابْن عامر: اتق اللَّه فِي دماء أمة مُحَمَّد، أن تسفكها لدنيا تصيبها وسلطانا تناله بعد أن يكون متاعك بِهِ قليلا، إن مُعَاوِيَة قد لج!!! فنشدتك اللَّه أن تلج فيهلك النَّاس بينكما، وَهُوَ يوليك الأمر من بعده ويعطيك كذا. وكلمه عبد الرحمان بْن سمرة بمثل كلام عَبْد اللَّهِ أَوْ نحوه، فقبل ذَلِكَ مِنْهُمَا، وبعث معهما عَمْرو بْن سلمة الْهَمْدَانِيّ ثُمَّ الأرحبي، ومحمد بْن الأشعث الكندي ليكتبا عَلَى مُعَاوِيَةَ الشرط ويعطياه الرضا.

_ [1] كلمة: «فأكفر» غير جلية في النسخة. ولعلها فأكثر. والكتاب تقدم في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام تحت الرقم (459) ص 400- أو الورق 201 من ج 1، من النسخة المخطوطة، - وفي ط 1: ج 2 ص 391 نقلا عن عباس بن هشام ... ويجيء أيضا مرسلا نقلا عن المدائني تحت الرقم (75) من ترجمة معاوية ص 703 باختصار، ومغايرة عما هاهنا. ورواه أيضا في ترجمة الإمام الحسن من كتاب مقاتل الطالبيين ص 66.

فكتب مُعَاوِيَة كتابا نسخته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كتاب للحسن بْن علي من معاوية ابن أبي سفيان. إني صالحتك عَلَى أن لك الأمر من بعدي ولك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأشد مَا أخذه الله على أحد من خلفه من عهد وعقد (أن) لا أبغيك غائلة وَلا مكروها، وعلى أن أعطيك فِي كُلّ سنة ألف ألف درهم من بيت المال، وعلى أن لك خراج «فسا» و «درابجرد» [1] تبعث إليهما عمالك وتصنع بهما ما بدا لك» . شهد عبد الله بن عامر، وعمرو بن سلمة الهمداني [2] وعبد الرحمان ابن سمرة، ومحمد بْن الأشعث الكندي وكتب فِي شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين. فلما قرأ الحسن الكتاب قال: يطمعني في أمر لو أردته لم أسلمه إِلَيْهِ. ثُمَّ بعث الحسن عَبْد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب- وأمه هند بنت أَبِي سُفْيَانَ- فَقَالَ لَهُ: ائت خالك فقل لَهُ: إن آمنت بالناس بايعتك (كذا) . فدفع معاوية إليه صحيفة بيضاء وقد ختم في أسفلها وقال له: اكتب فِيهَا مَا شئت. فكتب الحسن: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا صَالِح عَلَيْهِ الحسن بن علي معاوية ابن

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «نسا- ودرانجزد» . أقول: البلدتان في زماننا هذا معمورتان ومعروفتان ب: «فسا» - وداراب» . [2] هذا هو الصواب الموافق لما تقدم ولما يأتي أيضا، وفي الأصل هاهنا: «عبد بن مسلمة» .

أَبِي سُفْيَانَ، صالحه عَلَى أن يسلم إِلَيْهِ/ 447/ ولاية أمر المسلمين عَلَى أن يعمل فِيهَا بكِتَاب اللَّهِ وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين؟! وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى [1] والناس آمنون حيث كانوا عَلَى أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وعلى أن لا يبغي للحسن ابن علي غائلة سرا ولا علانية، و (على أن) لا يخيف أحدًا من أصحابه. شهد عَبْد اللَّهِ بن الحرث، وعمرو بن سلمة. وردهما إلى معاوية ليشهد (بما في الكتاب) ويشهدا عَلَيْهِ. 48- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: [رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ فَقَالَ: سَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ] . 49- قَالُوا: وَشَخَصَ مُعَاوِيَة من مسكن إلى الكوفة، فنزل بين النخيلة ودار الرزق، مَعَهُ قصاص أَهْل الشَّامِ وقراؤهم فَقَالَ كعب بْن جعيل التغلبي: من جسر منبج أضحى غب عاشرة ... في نخل مسكن تتلى حوله السور. 50- قالوا: ولما أراد الحسن المسير من المدائن إِلَى الْكُوفَةِ- حين جاءه ابْن عامر، وَابْن سمرة بكتاب الصلح وقد أعطاه منه مُعَاوِيَة مَا أراد- خطب فَقَالَ فِي خطبته: «فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» .

_ [1] كذا في الأصل.

تفويض الحسن أمر الخلافة إلى معاوية

وسار إِلَى الْكُوفَةِ. فلقي مُعَاوِيَة بالْكُوفَة، فبايعه وبايعه عَمْرو بْن سلمة الْهَمْدَانِيّ، فَقَالَ لَهُ معاوية: يا حسن- أو يا (أ) با مُحَمَّد- قم فاعتذر!!! فأبي فأقسم عَلَيْهِ، فقام فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: [ «إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور.] أيها النَّاس انكم لو طلبتم بين جابلق وجابرس رجلا جده رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وجدتموه غيري وغير أخي الْحُسَيْن، وإن اللَّه قد هداكم بأولنا مُحَمَّد، وإن معاوية نازعني حقا هو لي فتركته لصلاح الأمة وحقن دمائها، وقد بايعتموني عَلَى أن تسالموا من سالمت، وقد رأيت أن أسالمه وقد بايعته، ورأيت أن مَا حقن الدماء خير مما سفكها، وأردت صلاحكم وأن يكون مَا صنعت حجة عَلَى من كَانَ يتمنى هَذَا الأمر، «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» . ثُمَّ سكت وتفرق النَّاس. 51- ويقال: أن مُعَاوِيَة قال للحسن: يا (أ) با مُحَمَّد انك قد جدت بِشَيْءٍ لا تطيب أنفس الرجال بمثله، فاخرج إِلَى النَّاس فأظهر ذاك لهم. فقام (الحسن) فَقَالَ: [إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، إن] هَذَا الأمر الَّذِي سلمته لمعاوية إما أن يكون حق رجل كَانَ أحق بِهِ مني فأخذ حقه، وإما أن يكون حقي فتركته لصلاح أمة مُحَمَّد وحقن دمائها، فالحمد لله الذي أكرم بنا أولكم (كذا) وحقن (بنا) دماء آخركم. [تفويض الحسن أمر الخلافة إلى معاوية] 52- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ [1] عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: خطب الحسن حين

_ [1] هو أبو يونس القشيري واسم أبيه مسلم، وأبو صغيرة كنية أبي أمه، وقد ترجمه تحت الرقم: (1149) من تهذيب التهذيب ونقل توثيقه عن أحمد بن حنيل وابن معين وغيرهما.

صَالِحَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَكْرَهُ النَّاسِ لأَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ، وَإِنِّي أَصْلَحْتُ آخِرَهُ إِمَّا لِذِي حَقٍّ أَدَّيْتُ إِلَيْهِ حَقَّهُ، وإما لجودي بحق لي (ظ) الْتَمَسْتُ بِهِ صَلاحَ أَمْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّكَ قد وليت هذا الأمر يا معاوية (إما) لِخَيْرِ عَلِمَهُ اللَّهُ مِنْكَ، أَوْ شَرٍّ أَرَادَهُ بِكَ، «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» . 53- قالوا: وجاء هانئ بن الخطاب الْهَمْدَانِيُّ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى كِتَابِ الله وسنة نبيه. فقال (معاوية) : لا شَرْطَ لَكَ!! قَالَ: وَأَنْتَ أَيْضًا فَلا بيعة لك؟!! ثم قال معاوية: أدن فَبَايِعْ فَمَا خَيْرَ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ كِتَابُ الله وسنة نبيه؟! فبايعه وقيده [1] . وقيل: إن الذي قال هذا القول (هو) سَعِيدُ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ جَبَلَةِ الْكِنْدِيُّ. 54- قَالُوا: ثُمَّ قام مُعَاوِيَة فخطب النَّاس فَقَالَ فِي خطبته: ألا إني كنت شرطت فِي الفتنة شروطًا أردت بِهَا الألفة ووضع الحرب ألا وإنها تحت قدمي!!! [2] . فَقَالَ المسيب بْن نجبة الفزاري للحسن/ 448/ بايعت مُعَاوِيَة ومعك أربعون ألفا فلم تأخذ لنفسك منه ثقة؟! قد سمعت كلامه، والله ما أراد بما

_ [1] أي وقيد قوله: بأني أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه. وفي النسخة هكذا: وكيده تقول إن الذي قال هذا القول (هو) سعيد بن الأسود بن جبلة الكندي. [2] وهذا شأن جميع الغادرين والمبطلين الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر!!! يعاهدون مع الناس ويؤكدون عهودهم بأشد أنحاء التأكيد حتى إذا استقلوا بالأمر ووجدوا مجالا للغدر ونكث العهد ينكثونه ويظلمون من عاهدوا معه!!!

قال غيرك!! [1] . وقام سفيان بن يغل الهمداني [2] إِلَى الحسن فَقَالَ لَهُ: يَا مذل الْمُؤْمِنِينَ!!! وعاتبه حجر بْن عدي الكندي وَقَالَ: سودت وجوه الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ الحسن: مَا كُلّ أحد تحب ما تحب، ولا رأيه رأيك، وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم!!!

_ [1] ورواه أيضا ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة ج 16 ص 15، قال: قال المدائني: قال المسيب بن نجبة للحسن عليه السلام: ما ينقضي عجبي منك بايعت مُعَاوِيَة ومعك أربعون ألفًا، ولم تأخذ لنفسك وثيقة وعقدا ظاهرا!!! أعطاك أمرا فيما بينك وبينه ثم قال ما قد سمعت، والله ما أراد بها غيرك. قال: فما: ترى؟ قال أرى ترجع إلى ما كنت عليه فقد نقض ما كان بينه وبينك. فقال: يا مسيب إني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية يأصبر عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب مني ولكني أردت صلاحكم وكف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله وقضائه حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر. وقريبا منه رواه في مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 35. [2] كذا في الأصل، وهذا قد رواه أيضا الحاكم في الحديث (13) من ترجمة الإمام الحسن من المستدرك: ج 3 ص 170، وفيه: سفيان بن الليل ... ورواه أيضا في ترجمة الرجل من كتاب ميزان الاعتدال: ج 1، ص 397 ولسان الميزان: ج 3 ص 53 وقالا: سفيان بن الليل، ورواه أيضا ابن عساكر في الحديث: (316) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 57 قال: فلما قدم الحسن بن على الكوفة قال له رجل منا يقال له أبو عامر سفيان بن ليلى- وقال ابن الفضل: سفيان بن الليل-: السلام عليك يا مذل المؤمنين ... ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 16، ولكن قال: سفيان بن أبي ليلى النهدي ... ومثله بحذف «النهدي» في الحديث: (404) من فرائد السمطين. ورواه أيضا في ترجمته من مقاتل الطالبين ص 67 ومناقب ابن شهرآشوب: ج 4 ص 35 عن تفسير الثعلبي ومسند الموصلي وجامع الترمذي. أقول: ورواه أيضا نعيم بن حماد، في أول الجزء الثاني من كتاب الفتن المورق 26/ أ/ والورق 29 ب و 40 ب.

ويقال: إنه قال له: سمعت أبي (ظ) يقول: يلي هَذَا الأمر رجل واسع البلعوم، كثير الطعم (كذا) وَهُوَ مُعَاوِيَة. ثُمَّ إن الحسن شخص إِلَى الْمَدِينَة، وشيعه مُعَاوِيَة إِلَى قنطرة الحيرة، وخرج عَلَى مُعَاوِيَةَ خارجي فبعث إِلَى الحسن من لحقه بكتاب يأمره فِيهِ أن يرجع فيقاتل الخارجي وَهُوَ ابْن الحوساء الطائي فَقَالَ الحسن: تركت قتالك وَهُوَ لي حلال لصلاح الأمة، وألفتهم افتراني أقاتل معك؟!! وَكَانَ لحاقه إياه بالقادسية [1] . 55- قَالُوا: وخطب مُعَاوِيَة أَيْضًا بالنخيلة فَقَالَ: إني نظرت (ظ) فعلمت أنه لا يصلح النَّاس إِلا ثلاث خصال: إتيان العدو فِي بلاده فإنكم إن لم تأتوه أتاكم، وَهَذَا [2] العطاء والرزق أن تقسم فِي أيامه، وأن يقيم البعث القريب ستة أشهر، والبعيد سنة [3] وأن تستحم بلاد ان جهدت خربت (كذا) وقد كنت شرطت شروطا ووعدت عدات ومنيت أماني لما أردت من إطفاء نار الفتنة وقطع الحرب ومدارات الناس وتسكينهم [4] .

_ [1] ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من النهج: ج 16، ص 14، بمغايرة طفيفة نقلا عن المدائني ثم قال: فخطب معاوية أهل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون. الا أن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول!!! وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين!!! ولا يصلح الناس إلا ثلاث إخراج العطاء عند محله وإقفال الجنود لوقتها وغزو العدو في داره فإنهم إن لم تغروهم يغزوكم. ثم نزل. [2] كلمة: «هذا» غير جلية في النسخة وتحتمل بعيدا أن تقرأ: «وكذا» . [3] يحتمل اللفظ أن يقرأ: «والبعيد ستة» . [4] ألا وإن ابن حرب أوقد نار الفتنة وإن الناس بتهاونهم وخذلانهم ايحانة رسول الله في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين والغادرين وأتباعهما وسيعلم الذين ظلموا أبي منقلب ينقلبون؟!!

ثم نادى بأعلا صوته: ألا إن ذمة اللَّه بريئة ممن لم يخرج فيبايع ألا وإني طلبت بدم عُثْمَان قتل اللَّه قاتليه ورد الأمر إِلَى أهله عَلَى رغم معاطس أقوام [1] ألا وإنا قد أجلنا ثلاثا فمن لم يبايع فلا ذمة لَهُ وَلا أمان لَهُ عندنا. فأقبل النَّاس يبايعون من كُلّ أوب. وَكَانَ زياد يومئذ عاملا لعلي، فلما بلغه (أن) ابْن عامر قد ولي الْبَصْرَة هرب فاعتصم بقلعة بفارس [2] . 56- قَالُوا: وولي مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بْن عامر الْبَصْرَة، والمغيرة بْن شعبة الْكُوفَة ومضى إِلَى الشَّام، فوجه الحسن عماله إلى «فسا» و «درابجرد» [3] وَكَانَ مُعَاوِيَة قد أمر ابْن عامر أن يغري أَهْل الْبَصْرَة بالحسن [4] فضجوا وجعلوا يقولون: قد انفضت [5] أعطياتنا بما جعل مُعَاوِيَة للحسن!!! وَهَذَا المال ما لنا فكيف نصرف إلى غيرنا (ظ) . ويقال: إنهم طردوا عمّاله على الكورتين فاقتصر معاوية بالحسن على ألفى ألفى درهم. ويقال: على ألف ألف درهم من خراج أصبهان وغيرها. فكان حصين بْن المنذر الرَّقَاشِيّ أَبُو ساسان يقول: مَا وفا معاوية للحسن بشيء مما جعل (له!!!) قتل حجرًا وأصحابه، وبايع لابنه ولم يجعلها

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «معاطنين أقوام» ولا ريب أن اللفظ مصحف. والمعاطس: جمع المعطس- كمرحب ومجلس-: الأنف. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «بقطعه بفارس» . وهذه القطعة- أي من قوله: «وكان- إلى قوله: - بفارس» حقها أن تكون مؤخرة عن الحديث التالي. [3] هذا هو الصواب، وفي النسخة «درانجرد» . [4] ولابن هند غدرات وحيل ومكر كثيرة لا يعلم عددها إلا الله!!! ولم يستكشف للناس الانزر يسير منها!!! لشدة حرص أوليائه والمتبعين لخطواته على إخفائها!!!. [5] ومثله رواه عن المدائني في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 17.

موقف الشيعة من صلح الحسن ومعاوية

شورى وسمّ الحسن [1] . [موقف الشيعة من صلح الحسن ومعاوية] 57- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه عن أبي مخنف، عن أبي الكنود: عبد الرحمان بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ أَقْبَلَتِ الشِّيعَةُ تَتَلاقَى بِإِظْهَارِ الأَسَفِ وَالْحَسْرَةِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ بَعْدَ سنين مِنْ يَوْمِ بَايَعَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ ابن صُرَدٍ الْخُزَاعِيُّ: مَا يَنْقَضِي تَعَجُّبُنَا مِنْ بَيْعَتِكَ مُعَاوِيَةَ وَمَعَكَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كُلُّهُمْ يَأْخُذُ الْعَطَاءَ، وَهُمْ عَلَى أَبْوَابِ مَنَازِلِهِمْ وَمَعَهُمْ مِثْلُهُمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ سِوَى شِيعَتِكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ، ثُمَّ لَمْ تَأْخُذْ لِنَفْسِكَ ثِقَةً فِي الْعَقْدِ، وَلا حظا من العطية (ظ) فلو كنت إذا فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَشْهَدْتَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وُجُوهَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَكَتَبْتَ/ 449/ عَلَيْهِ كِتَابًا بِأَنَّ الأمر لك بَعْدِهِ، كَانَ الأَمْرُ عَلَيْنَا أَيْسَرُ! وَلَكِنَّهُ أَعْطَاكَ شيئا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ثُمَّ لَمْ يَفِ بِهِ، ثُمَّ لم يلبث أن قال على رؤس الناس: إني كنت شرطت شروطا ووعدت عدة إِرَادَةً لإِطْفَاءِ نَارِ الْحَرْبِ، وَمُدَارَاةً لِقَطْعِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ، فَأَمَّا إِذَا جَمَعَ اللَّهُ لَنَا الْكَلِمَةَ والألفة، وآمنّا من الفرقة فإن ذلك تحت قدمي!!! فو الله ما أغيرني [2] بِذَلِكَ إِلا مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَقَدْ نقض، فإذا شئت فأعد الحرب جذعة، وائذن لِي [3] فِي تَقَدُّمِكَ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَخْرِجْ عَنْهَا عامله وأظهر خلعه وننبذ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ. وَتَكَلَّمَ الْبَاقُونَ بِمِثْلِ كَلامِ سُلَيْمَانَ. فَقَالَ الْحَسَنُ: [أنتم شيعتنا وأهل

_ [1] كذا في ظاهر رسم الخط. [2] كذا. [3] هذا هو الصواب، وفي النسخة: فأعد الحرب خدعة وانذر لي ...

مودتنا، فلو كنت بالجزم في أمر الدنيا أعمل، ولسلطانها أربض وألحب [1] مَا كَانَ مُعَاوِيَةُ بِأَبْأَسِ مِنِّي بَأْسًا، وَلا أَشَدِّ شَكِيمَةً وَلا أَمْضَى عَزِيمَةً، وَلَكِنِّي أَرَى غَيْرَ مَا رَأَيْتُمْ وَمَا أَرَدْتُ فِيمَا فَعَلْتُ إلا حقن الدماء،] [فَارْضَوْا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَسَلِّمُوا لأَمْرِهِ وَالْزَمُوا بُيُوتَكُمْ وَأَمْسِكُوا- أَوْ قَالَ: كُفُّوا- أَيْدِيَكُمْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ] . 58- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن أبراهيم الدور في، ومحمد بن حاتم المروزي قالا: حدثنا أَبُو دَاوُدَ- صَاحِبُ الطَّيَالِسَةِ- عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يزيد بن حمير، عن عبد الرحمان بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّكَ تُرِيدُ الْخِلَافَةَ. فَقَالَ: [كَانَتْ جَمَاجِمُ الْعَرَبِ بِيَدِي يُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ، وَيُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ، فَتَرَكْتُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، ثُمَّ أُرِيدُهَا بِأَهْلِ الْحِجَازِ؟ وَقَالَ أحدهما: يا أتياس الحجاز؟ [2]] 59- حدثنا أحمد بن إبراهيم الدور في حدثنا وهب بن جرير، عن أبي جعدبة (كذا) عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: لما قتل عَلِيّ بْن أَبِي طالب وبايع أَهْل الشَّامِ مُعَاوِيَة بالخلافة، سار مُعَاوِيَة بالناس إِلَى الْعِرَاق، وسار الحسن بْن علي بمن مَعَهُ من أَهْل الْكُوفَةِ، ووجه عبيد اللَّه بْن العباس وقَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي جيش عظيم حَتَّى نزلوا مسكن من أرض الْعِرَاق، وقد رق أمر الحسن وتواكل فِيهِ أَهْل العراق، فوثبوا

_ [1] يقال: «ربض الأسد على فريسته- من باب ضرب-: وثب وبرك. وألحب- من باب- منع-: أسرع وأسعى. [2] ورواه أيضا في الحديث: (318 و 319) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 12، ص 58. ورواه أيضا في ترجمته عليه السلام من البحار: ج 44 ص 15، ط 2 نقلا عن الصدوق عن محمد بن بحر الشيباني وقال: «يا تياس أهل الحجاز» : قال: والتياس: بياع عسيب الفحل. أنساب الأشراف (م 4)

عَلَيْهِ فانتزع رداؤه عَن ظهره، وأخذ بساطه من تحته ومزق (ظ) سرادقه!!! فأرسل عبيد اللَّه بْن عَبَّاس إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عامر يأمره أن يأتيه إذا أمسى بأفراس حَتَّى يصير مَعَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فيصالحه!!! ففعل (ابن عامر) فلحق عبيد اللَّه بمعاوية وترك جنده لا أمير لهم!! وفيهم قَيْس بْن سعد، فقام بأمر أولئك الجند، وجعل مُعَاوِيَة يرسل إِلَيْهِ أربعين ليلة يسأله أن يبايعه فيأبي حَتَّى أراد مُعَاوِيَة قتاله، فَقَالَ لَهُ عَمْرو بْن العاص: إنك لن تخلص إِلَى قتل هَؤُلاءِ حَتَّى تقتل أعدادهم من أَهْل الشَّامِ. فصار إِلَى أن أعطاه مَا أراد من الشروط لنفسه ولشيعته، ثُمَّ دخل قَيْس فِي الجماعة ومن مَعَهُ وبايعه، ولم يزل مُعَاوِيَة بالحسن حَتَّى بايعه وأعطاه كُلّ مَا ابتغي حَتَّى قيل: إنه أعطاه عيرا أولها بالمدينة وآخرها بالشام؟! فصعد معاوية منبر الكوفة فقال للوليد بن عتبة، يذكر قوله حين استبطأه فِي حرب علي: ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فإنك من أخي ثقة مليم يَا أبا وهب كيف رأيت أهل لمت؟! 60- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن سيرين يقول: لما بايع الحسن معاوية، ركب الحسن إليه إلى عسكره، وأردف قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ خلفه، فلما دخلا العسكر قَالَ النَّاس: جاء قيس جاء قَيْس، فلما دخلا عَلَى مُعَاوِيَةَ بايعه الحسن ثُمَّ قَالَ لقيس: بايع. فَقَالَ قَيْس بيده هذا وجعلها فِي حجرة ولم يرفعها إِلَى مُعَاوِيَةَ!!! وَمُعَاوِيَة عَلَى السرير، فبرك مُعَاوِيَة عَلَى ركبتيه ومد يده حَتَّى مسح عَلَى يد قَيْس وهي في حجره.

قال (وهب بن جرير: قال) : أبي: وحكى/ 450/ أو 225/ أ/ لنا مُحَمَّد صنيعه [1] وجعل يضحك، وَكَانَ قَيْس رجلا جسيما. 61- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ (بْنُ جرير) قال: قال أبي- وأحسبه رواه عن الحسن البصري- قال: لما بلغ أهل الكوفة (بيعة) الْحَسَنَ أَطَاعُوهُ وَأَحَبُّوهُ أَشَدَّ مِنْ حُبِّهِمْ لأَبِيهِ، وَاجْتَمَعَ لَهُ خَمْسُونَ أَلْفًا، فَخَرَجَ بِهِمْ حَتَّى أتى المدائن، وسرح بين يديه قيس ابن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيَّ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا، فَنَزَلَ بِمَسْكَنٍ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ مِنَ الشَّامِ فِي جيش. ثم إن الحسن خلا بأخيه الحسين فقال [ (له: يَا) هَذَا إِنِّي نَظَرْتُ فِي أَمْرِي [2] فَوَجَدْتُنِي لا أصل إلى الأمر، حتى تقتل مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ مَنْ لا أُحِبُّ أَنْ أَحْتَمِلَ دَمَهُ،] وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُسْلِمَ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأُشَارِكَهُ فِي إِحْسَانِهِ [3] وَيَكُونُ عليه إساءته (ظ) . فَقَالَ الْحُسَيْنُ: [أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تَكُونَ أَوَّلَ مَنْ عَابَ أَبَاكَ وَطَعَنَ عَلَيْهِ وَرَغِبَ عَنْ أمره.] فقال: إني لا (أ) رى ما تقول [4] ووالله لئن لم تتابعني لأسندتك فِي الْحَدِيدِ فَلا تَزَالُ فِيهِ حَتَّى أَفْرَغَ مِنْ أَمْرِي. قَالَ: فَشَأْنُكَ. فَقَامَ الْحَسَنُ خَطِيبًا فَذَكَرَ رَأْيَهُ فِي الصُّلْحِ وَالسِّلْمِ لِمَا كَرِهَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَإِقَامَةِ الْحَرْبِ. فَوَثَبَ عَلَيْهِ أهل الكوفة وانتهبوا ماله وحرقوا سُرَادِقَهُ وَشَتَمُوهُ وَعَجَزُوهُ ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ وَلَحِقُوا بالكوفة!!!

_ [1] وقريبا منه رواه أيضا بسندين في مقاتل الطالبين ص 72 وليس فيه هذا الذيل. [2] ما بين المعقوفين زيادة منا لتصحيح الكلام. [3] الرواية ضعيفة، وهذا المضمون من اختلافات أشياع الشجرة الملعونة في القرآن وتزويراتهم!!! ومعاوية بمعزل عن الحسنات بل هو معدن السيئات ومركز الموبقات. [4] لعل ما زدناه بين المعقوفين هو الصواب الموافق للواقع، وفي الأصل: «لأرى» ؟

فَبَلَغَ الْخَبَرُ قَيْسًا فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمُ إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا وَكَفَرُوا بِهِ مَا وَجَدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلا!!! فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ دَخَلُوا فِي الإِسْلامِ كُرْهًا، وَفِي أَنْفُسِهِمْ مَا فِيهَا مِنَ النِّفَاقِ!!! فَلَمَّا وَجَدُوا السَّبِيلَ إِلَى خِلافِهِ، أَظْهَرُوا مَا فِي أَنْفُسِهِمْ!!! وَإِنَّ الْحَسَنَ عَجَزَ وَضَعُفَ وَرَكَنَ إِلَى صُلْحِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تُقَاتِلُوا بِغَيْرِ إِمَامٍ فَعَلْتُمْ؟! وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي الْفِتْنَةِ دَخَلْتُمْ؟ قَالُوا: فَإِنَّا نَدْخُلُ في الفتنة!!! فأعطى مُعَاوِيَةُ حَسَنًا مَا أَرَادَ، فِي صَحِيفَةٍ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مَخْتُومَةً، اشْتَرَطَ الْحَسَنُ فِيهَا شُرُوطًا، فَلَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ لَمْ يُعْطِهِ مِمَّا كَتَبَ شيئا (ظ) !!! فَانْصَرَفَ الْحَسَنُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمُعَاوِيَةُ إِلَى الشَّامِ. 62- قَالُوا: وَلَمَّا صَالَحَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ، وَثَبَ حُمْرَانُ بن أبان (و) أخذ الْبَصْرَةَ، وَأَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهَا رَجُلا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ بَلْقَيْنِ، فَكَلَّمَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ فَأَمْسَكَ. وولي عتبة بْن أَبِي سُفْيَانَ الْبَصْرَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْن عامر: إن لي بِهَا أموالا وودائع، فإن لم تولّينها ذهبت بولاة الْبَصْرَةِ [1] . 63- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عون عن أبيه قال: لمّا ادّعى مُعَاوِيَةُ زِيَادًا وَوَلَّاهُ، طَلَبَ زِيَادٌ رَجُلا كَانَ دَخَلَ فِي صُلْحِ الْحَسَنِ وَأَمَانِهِ، فَكَتَبَ الْحَسَنُ فيه إلى زياد، ولم ينسبه إلى أب [2] فكتب إليه زياد:

_ [1] والقصة قد ذكرها في آخر كتاب الغارات ص 645، بأبسط مما هاهنا، كما أن قصة تغلب حمران ابن أبان على البصرة مذكورة في كتاب الفتوح- لابن أعثم-: ج 4 ص 168، ط الهند. [2] ورواه أيضا ابن أبي الحديد، عن المدائني في شرح المختار: (31) من كتب نهج البلاغة: ج 16 ص 18:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ فِي فَاسِقٍ تؤوي مثله الفسّاق من شيعتك وشيعة أبيك!!! فأيم اللَّهِ لأَطْلُبَنَّهُ وَلَوْ بَيْنَ جِلْدِكَ وَلَحْمِكَ، فَإِنَّ أحبّ لحم إليّ (أن) آكُلُهُ لَلَحْمٌ أَنْتَ مِنْهُ!!! فَلَمَّا قَرَأَ الْحَسَنُ الْكِتَابَ قَالَ: [كَفَرَ زِيَادٌ،] وَبَعَثَ بِالْكِتَابِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا قَرَأَهُ غَضِبَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ يَا زِيَادُ، فَإِنَّ لَكَ رَأْيَيْنِ: رَأْيُ (من) أبي سفيان، ورأي (من) سُمَيَّةَ، فَأَمَّا رَأْيُكَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فَحَزْمٌ وَحِلْمٌ، وَأَمَّا رَأْيُكَ مِنْ سُمَيَّةَ فَمَا يُشْبِهُهَا [1] فَلا تَعْرِضْ لِصَاحِبِ الْحَسَنِ، فَإِنِّي لَمْ أَجْعَلْ لَكَ عَلَيْهِ سَبِيلا، وَلَيْسَ الْحَسَنُ مِمَّا يَرْمِي (به) الرجوان [2] وقد عجبت من تركك نسبته إلى أبيه أو إلى أمّه فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ [3] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فالآن (حين) اخترت له والسلام.

_ [1] كذا. [2] أي ليس ممن يستهان به. والرجوان تثنية الرجاء: ناحية البئر. [3] وفي النسخة بين كلمة: «أمه» و «فاطمة» كلمتان غير مقروءتان. ولعلهما هكذا: «وقد عجبت من تركك نسبته إلى أبيه أو إلى أمه وكلمته وهي فاطمة بنت رسول الله» ؟. ثم أن هذه القصة رواها ابن عساكر في ترجمة زياد من تاريخ دمشق: ج 18، ص 187- وفي تهذيبه: ج 5 ص 42- وإليك نصها قال: أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله إذنا ومناولة وقرأ علي إسناده، أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين، أنبأنا المعافى بن زكريا، أنبأنا أحمد ابن الحسن الكلبي، أنبأنا محمد بن زكريا، أنبأنا عبد الله بن الضحاك: أنبأنا هشام بن محمد، عن أبيه قال: كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب، فلما قدم زياد الكوفة واليا عليها، أخافه وطلبه زياد، فأتى (سعيد الإمام) الحسن بن علي، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم وأخذ ماله وهدم داره!!! فكتب (الإمام) الحسن إلى زياد: من الحسن بن علي إلى زياد، أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت داره وأخذت ماله وعياله فحبستهم، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره واردد عليه عياله وماله فإني قد أجرته فشفعني فيه. فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان، إلى الحسن بن فاطمة، أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة؟!! وأنا سلطان وأنت سوقة!!! كتبت إلي في فاسق لا يؤويه إلا مثله!!! وشر من ذلك توليه أباك وإياك!!! وقد علمت أنك أدنيته إقامة منك على سوء الرأي ورضى منك بذلك!!! وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك، وإن فلت بعضك فغير رفيق بك ولا مرع عليك، فإن أحب لحم إلي (أن) آكله للحم الذي أنت منه!!! فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك؟! فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، وإن قتلته لم أقتله إلا بحبه إياك!!! فلما قرأ الحسن عليه السلام الكتاب تبسم وكتب إلى معاوية يذكر له حال ابن سرح، وكتابه إلى زياد فيه وإجابة زياد إياه، ولف كتابه وبعث به إلى معاوية، وكتب ثانيا إلى زياد: من الحسن بن فاطمة، إلى زياد بن سمية (أما بعد) الولد للفراش وللعاهر الحجر؟!! فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية، وقرأ معاوية الكتاب ضاقت به الشام وكتب إلى زياد: أما بعد فإن الحسن بن علي بعث بكتابك إلي جواب كتابه إليك في ابن سرح، فأكثرت التعجب منك، وعلمت أن لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان، والآخر من سمية، فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأما رأيك من سمية فما يكون (من) رأي مثلها؟! ومن ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري لأنت أولى بالفسق من الحسن، ولأبوك إذ كنت تنسب إلى عبيد أولى بالفسق من أبيه، وإن الحسن بدء بنفسه ارتفاعا عليك، وان ذلك لم يضعك، وأما تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك، فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أول به منك، فإذا أتاك كتابي فخل ما في يدك لسعيد بن سرح، وابن له داره ولا تعرض له، واردد عليه ما له فقد كتبت إلى الحسن أن يخير صاحبه إن شاء أقام عنده وإن شاء رجع إلى بلده. وليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان. وأما كتابك إلى الحسن باسم أمه (ظ) ولا تنسبه إلى أبيه، فإن الحسن- ويلك- من لا يرمى به الرجوان، أفإلى أمه وكلته (كذا) لا أم لك؟ (و) هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلك أفخر له إن كنت تعقل. وكتب في أسفل الكتاب: تدارك ما ضيعت من خيرة ... وأنت أريب بالأمور خبير أما حسن فابن الذي كان قبله (كذا) ... إذا سار سار الموت حيث يسير وهل يلد الرئبال إلا نظيره ... فذا حسن شبه له ونظير ولكنه لو يوزن الحلم والحجى ... برأي لقالوا فاعلمن ثبير قال العلاء قرأت هذا الخبر على ابن عائشة فقال: كتب إليه معاوية وصل كتاب الحسن (و) في أول الكتاب (ذكر) الشعر، و (ذكر) الكلام.

فترة خلافة الحسن بن علي

[فترة خلافة الحسن بن علي] 64- وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: بُويِعَ الْحَسَنُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَصَالَحَ مُعَاوِيَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، فَكَانَ أَمْرُهُ (كذا) سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا.

وقال الواقدي وغيره: وكان صالح الحسن (معاوية) فِي سنة إحدى وأربعين واجتمع النَّاس عَلَى معاوية في هذه السنة/ 451/ أو 225 ب/. 65- قَالُوا: وطال مرض الحسن بعد قدومه الْمَدِينَةَ من الْعِرَاق حَتَّى قيل: إنه السل ثُمَّ إنه شرب شربة عسل فمات مِنْهَا. 66- ويقال: إنّه سمّ أربع دفعات فمات في آخرهن، وأتاه الْحُسَيْن وَهُوَ مريض فَقَالَ لَهُ: [أخبرني من سقاك السم؟ قَالَ: لتقتله؟ قَالَ: نعم. قَالَ: مَا أنا بمخبرك، إن كَانَ صاحبي الذي أظن فالله أشدّ له نقمة (ظ) وإلّا فو الله لا يقتل بي بريء] [1] . 67- وقد قيل: أن مُعَاوِيَة دس إِلَى جعدة بنت الأشعث بْن قَيْس امرأة الحسن وأرغبها حتى سمّته وكانت شانئة له [2] .

_ [1] وقريبا منه جدا رواه ابن أبي الحديدة في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16، ص 10، نقلا عن المدائني. [2] ولهذا القول شواهد قطعية من طريق رواة آل أبي سفيان وأعداء أهل البيت، وكفى بها حجة ودليلا، وتقدم في ذيل الحديث (56) قول حصين بن المنذر الرقاشي أن معاوية لم يف للحسن بشيء وأنه سمه. وقال في الحديث: (165) من ترجمة الإمام الحسن من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 130 حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا يحي ابن أبي بكير، حدثنا شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ (قَالَ) : إن سعدا والحسن بن علي- رضي الله عنهما- ماتا في زمن معاوية، فيرون انه سمه؟. وقال الحاكم في الحديث (35) من باب مناقب الإمام الحسن من المستدرك: ج 3 ص 176: أخبرني محمد بن يعقوب الحافظ، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا زهير ابن العلاء، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: سمت (جعدة) ابنة الأشعث ابن قيس، الحسن بن علي وكانت تحته، ورشيت على ذلك مالا. وقال ابن أبي الحديد- في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من النهج: ج 16، ص 11: قال أبو الحسن المدائني: وكانت وفاته في سنة تسع وأربعين، وكان مرضه أربعين يوما، وكانت سنه سبعا وأربعين سنة، دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن وقال لها: إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف وأزوجك يزيد ابني!!! فلما (سمت الحسن) ومات (به) وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد (و) قال (لها) : أخشى أن تصنع بابني كما صنعت بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم!!! وقريبا منه رواه سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص، ص 211 ط الغري. وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص 50: ومات (الحسن عليه السلام) شهيدا مسموما دس معاوية إليه وإلى سعد بن أبي وقاص- حين أراد أن يعهد إلى يزيد ابنه بالأمر بعده- سما فماتا منه في أيام متقاربة!!! وكان الذي تولى ذلك من الحسن عليه السلام زوجته جعدة بنت الأشعث ابن قيس بمال بذله لها معاوية!!! ويقال: ان اسمها سكينة. ويقال: عائشة. ويقال: شعثا (شيثا «خ» ) . والصحيح أن اسمها جعدة. ورواه أيضا في آخر ترجمته عليه السلام من الكتاب ص 73 بأسانيد. ورواه عنه أبن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16 ص 29. وقال محمد بن سعد: أنبأنا موسى بن إسماعيل أنبأنا أبو هلال عن قتادة قال: قال الحسن للحسين: إني قد سقيت السم غير مرة وإني لم أسق مثل هذه إني لأضع كبدي!!! قال: فقال: من فعل ذلك بك؟ قال: لم لتقتله؟ ما كنت لأخبرك (به) !!! أنبأنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور، قالت: كان الحسن ابن علي سقي مرارا كل ذلك يفلت حتى كان المرة الآخرة التي مات فيها فإنه كان يختلف كبده؟! فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا. أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن حسن قال: كان الحسن بن علي رجلا كثير النكاح للنساء، وكن قل ما يحظين عنده وكان قل أمرأة يتزوجها إلا احبته وضنت به!!! فيقال: انه كان سقي فأفلت ثم كانت الآخرة (التي) توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب- وهو يختلف إليه-: هذا رجل قد قطع السم أمعاءه!!! فقال الحسين: يا أبا محمد خبرني من سقاك السم؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله والله قبل أن أدفنك أو لا أقدر عليه أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه. فقال: يا أخي انما هذه الدنيا ليالي فانية، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله. فأبى أن يسميه!!! وقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما. أقول هكذا رواه عنه في الحديث: (325) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 59 وفيما قبلها وما بعدها أيضا شواهد. وقال في الحديث: (347) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 64: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الشيرازي أنبأنا أبو عمر محمد بن العباس، أنبأنا أحمد بن معروف بن بشر، أنبأنا الحسين بن محمد بن فهم أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا عبيد الله بن مرداس، عن أبيه: عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال: لما مرض الحسن بن علي مرض أربعين ليلة، فلما استعز به (كذا) وقد حضرت بنو هاشم فكانوا لا يفارقونه يبيتون عنده بالليل، وعلى المدينة سعيد بن العاص، وكان سعيد يعوده فمرة يأذن له، ومرة يحجبه، فلما استعز به بعث مروان بن الحكم رسولا إلى معاوية يخبره بثقل الحسن بن علي، وكان حسن رجل قد سقي وكان مبطونا، إنما كان تختلف أمعاؤه. فلما حضر (و) كان عنده إخوته، عهد أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان استطيع ذلك، فإن حيل بينه وبينه، وخيف أن يهراق فيه محجمة من دم، دفن عند أمه بالبقيع، وجعل حسن يوعز إلى الحسين: يا أخي إياك أن تسفك الدماء في فإن الناس سراع إلى الفتنة. فلما توفي الحسن ارتجت المدينة صياحا، فلا يلفى أحد إلا باكيا. وأبرد مروان إلى معاوية يخبره بموت حسن، وانهم يريدون دفنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنهم لا يصلون إلى ذلك أبدا وأنا حي!!! فانتهى حسين بن علي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احفروها هنا فنكب عنه سعيد ابن العاص فاعتزل ولم يحل ببينه وبينه. وصاح مروان في بني أمية ولفها (كذا) وتلبسوا السلاح وقال مروان: لا كان هذا أبدا؟!! فقال له الحسين: يا ابن الزرقاء مالك ولهذا أوال أنت؟ قال: لا كان هذا ولا يخلص إليه وأنا حي!!! فصاح حسين بحلف الفضول فاجتمعت (بنو) هاشم وتيم وزهرة وأسد، وبنو جعونة (ظ) بن شعوف (كذا) من بني ليث (و) قد تلبسوا السلاح، وعقد مروان لواء وعقد حسين لواء، فقال الهاشميون: يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت بينهم المرامات بالنبل، وابن جعونة بن شعوب (كذا) يومئذ شاهر سيفه، فقام في ذلك رجال من قريش عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والمسور بن مخرمة ابن نوفل، وجعل عبد الله بن جعفر يلح على حسين وهو يقول: يا ابن عم ألم تسمع إلى عهد أخيك؟: إن خفت أن يهراق في محجمة من دم فادفني بالبقيع مع أمي. أذكرك الله أن تسفك الدماء. وحسين يأبى دفنه إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ويعرض إلى مروان (ظ) ما له ولهذا؟!! قال: فقال المسور بن مخرمة: يا أبا عبد الله اسمع مني قد دعوتنا بحلف الفضول فأجبناك، تعلم أني سمعت أخاك يقول قبل أن يموت بيوم: يا ابن مخرمة إني قد عهدت إلى أخي أن يدفني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجد إلى ذلك سبيلا، فإن خاف أن يهراق في ذلك محجم من دم فليدفني مع أمي بالبقيع. وتعلم أني أذكرك الله في هذه الدماء ألا ترى ما هاهنا من السلاح والرجال والناس سراع إلى الفتنة؟!! وجعل الحسين يأبى وجعلت بنو هاشم والحلفاء يلغطون ويقولون: لا يدفن إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحسن بن محمد: سمعت أبي يقول: لقد رأيتني يومئذ وإني لأريد أن أضرب عنق مروان ما حال بيني وبين ذلك أن لا أراه مستوجبا لذلك، إلا أني سمعت أخي يقول: إن خفتم أن يهراق في محجم من دم فادفنوني بالبقيع. فقلت لأخي: يا أبا عبد الله- وكنت أرفقهم به- إنا لا ندع قتال هؤلاء جبنا منهم، ولكنا إنما نتبع وصية أبي محمد، إنه لو قال والله: ادفنوني مع النبي صلى الله عليه وسلم لمتنا من آخرنا أو ندفنه مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه خاف ما قد ترى فقال: إن خفتم أن يهراق في محجم من دم فادفنوني مع أمي. فإنما نتبع عهده وننفذ أمره؟! قال: فأطاع حسين بعد أن ظننت أنه لا يطيع، فاحتملناه حتى وضعناه بالبقيع ... قال: وأنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا هاشم بن عاصم، عن المنذر بن جهضم قال: لما اختلفوا في دفن حسن بن علي نزل سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة من أرضهما فجعل سعد يكلم حسينا (و) يقول: الله الله. فلم يزل بحسين حتى ترك ما كان يريد.

وفاة الحسن بن علي عليه السلام

68- وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي دس مُعَاوِيَة إِلَى ابنة سهيل بْن عَمْرو امرأة الحسن مائة ألف دينار عَلَى أن تسقيه شربة بعث بِهَا إِلَيْهَا ففعلت [1] . 69- وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ المؤمن، حدثني عمي عن أزهر، عن ابن عَوْنٍ قَالَ: خَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى مَنْ كَانَ يُجَالِسُهُ فَقَالَ: [لَقَدْ لَفَظْتُ السَّاعَةَ طائفة من كبدي أقلبها بهذا الْعُودُ، وَلَقَدْ سُقِيتُ السُّمَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمَا سُقِيتُهُ أَشَدَّ مِنْ مَرَّتِي هَذِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ] [2] . [وفاة الحسن بْن علي عَلَيْهِ السلام] 70- المدائني عَن سلام بن مسكين، عن عمران الجذّاء (الخذاء «خ» ) [3] قال:

_ [1] ولا تنافي بين هذا الحديث وما يدل على أن معاوية دس إلى ابنة الأشعث وانها سمته. فإنهما مثبتان دالان على أن معاوية دس إليهما معا!!! [2] كذا في النسخة، والظاهر أنه مصحف، ورواه أيضا في الحديث (322) وتالييه من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 58 بطرق ثلاثة وقال في الأول منها: «ثم عدت إليه من غد وقد أخذ في السوق» . وقال في الثاني منها: «فلما كان الغد أتيته وهو يسوق» . وقال في الثالث منها: «ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه» . وقال الحاكم في آخر باب مناقب الإمام حسن من المستدرك: ج 3 ص 176. حدثنا علي ابن عيسى، حدثنا الحسين بن محمد بن زياد، حدثنا الفضل بن غسان الأنصاري حدثنا معاذ بن معاذ، وأشهل بن حاتم، عن ابن عون: عن عمير بن إسحاق أن الحسن بن علي قال: لقد بلت طائفة من كبدي ولقد سقيت السم مرارا فما سقيت مثل هذا. [3] رسم خط هذه الكلمة غير واضح ويحتمل أن يقرأ (الخزاعي «خ» ) . وقال الحاكم في الحديث الأخير من باب فضائل الحسن عليه السلام من المستدرك: ج 3 ص 176: حدثنا أبو علي الحافظ، حدثنا عبد الله بن قحطبة، حدثنا الحسين بن أبي كبشة، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا سلام بن مسكين، عن عمران بن عبد الله قال: رأى الحسن بن علي فيما يرى النائم بين عينيه مكتوبا «قل هو الله أحد» فقصها على سعيد بن المسيب فقال: ان صدقت رؤياك فقد حضر أجلك. قال: فسم في تلك السنة ومات رحمة الله عليه.

رأى الحسن فِي منامه كأنه كتب عَلَى جبهته: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ» السورة، فَقَالَ أهله: هَذِهِ الخلافة. فسئل سعيد بْن المسيب فَقَالَ: يموت، لأن الْقُرْآن حق فهذا مصير (كذا) إِلَى الحق. فمات بعد ثلاث. 71- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الدُّورِيُّ الْمُقْرِئُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ- حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ-: [ادْفِنُونِي عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنْ تَخَافُوا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ شَرٌّ، فَإِنْ خِفْتُمُ الشَّرَّ فَادْفِنُونِي عِنْدَ أمي] . وتوفي (الحسن) فَلَمَّا أَرَادُوا دَفْنَهُ أَبَى ذَلِكَ مَرْوَانُ، وَقَالَ: لا يدفن (مع النبي!!! أيدفن) عثمان في حش كوكب ويدفن الحسن هاهنا؟!! فاجتمع بنو هاشم وَبَنُو أُمَيَّةَ، فَأَعَانَ هَؤُلاءِ قَوْمٌ وَهَؤُلاءِ قَوْمٌ، فجاؤا بالسلاح فقال أبو هريرة المروان: يَا مَرْوَانُ أَتَمْنَعُ الْحَسَنَ أَنْ يُدْفَنَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؟ وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ لَهُ وَلأَخِيهِ حُسَيْنٍ: هُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.] فَقَالَ مَرْوَانُ: دَعْنَا عَنْكَ، لَقَدْ ضَاعَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ لا يَحْفَظُهُ غَيْرُكَ وَغَيْرُ أَبِي سَعِيدٍ الخدري وانما أَسْلَمْتَ أَيَّامَ خَيْبَرَ!!! قَالَ: صَدَقْتَ أَسْلَمْتُ أَيَّامَ خيبر، ولكني لَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِمَ أكن أفارقه وكنت أسأله وعنيت (ظ) بِذَلِكَ حَتَّى عَلِمْتُ وَعَرَفْتُ مَنْ أَحَبَّ وَمَنْ أَبْغَضَ، وَمَنْ قَرَّبَ وَمَنْ أَبْعَدَ، وَمَنْ أَقَرَّ وَمَنْ نَفَى، وَمَنْ دَعَا لَهُ وَمَنْ لَعَنَهُ!!!

فَلَمَّا رَأَتْ عَائِشَةُ السِّلاحَ وَالرِّجَالَ، وَخَافَتْ أَنْ يَعْظُمَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ وَتُسْفَكَ الدِّمَاءُ قَالَتْ: الْبَيْتُ بَيْتِي وَلا آذَنُ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ أَحَدٌ!!! [1] .

_ [1] وقال ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة: ج 16 ص 13: وروى المدائني عن يحيى بن زكريا، عن هشام بن عروة، قال: قال الحسن عند وفاته: ادفنوني عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن تخافوا أن يكون في ذلك شر. فلما أرادوا دفنه قال مروان بن الحكم: لا يدفن عثمان في حش كوكب ويدفن الحسن هاهنا!!! فاجتمع بنو هاشم وبنو أمية، وأعان هؤلاء قوم وهؤلاء هوم وجاءوا بالسلاح!!! فقال أبو هريرة: أتمنع الحسن أن يدفن في هذا الموضع؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. قال مروان: دعنا منك لقد ضاع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كان لا يحفظه غيرك وغير أبي سعيد الخدري وإنما أسلمت أيام خيبر!!! قال أبو هريرة: صدقت أسلمت أيام خيبر، ولكنني لزمت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم أكن أفارقه وكنت أسأله وعنيت بذلك حتى علمت من أحب ومن أبغض، ومن قرب ومن أبعد، ومن أقر ومن نفى، ومن لعن ومن دعا له!!! فلما رأت عائشة السلاح والرجال وخافت أن يعظم الشر بينهم وتسفك الدماء قالت: البيت بيتي ولا آذن لأحد أن يدفن فيه!!! وأبي الحسين عليه السلام أن يدفنه إلا مع جده، فقال له محمد بن الحنفية: يا أخي إنه لو أوصى أن ندفنه (عند جده بلا استثناء) لدفناه أو نموت قبل ذلك!!! ولكنه قد استثنى وقال: «إلا أن تخافوا الشر» . فأي شر يرى أشد مما نحن فيه؟!! فدفنوه في البقيع. ثم ان في آخر ترجمته عليه السلام من مقاتل الطالبيين ص 74 شواهد أخر. وبالسند المتقدم عن الحسين بن فهم قال: وأنبأنا ابن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا علي ابن محمد العمري، عن عيسى بن معمر: عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون أبدا؟! يدفن ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعا، والله انه لبيتي أعطانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته!!! وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري وما آثر علي عندنا بحسن (كذا) . أقول: ما في هذا الحديث هو الملائم لما انطوت عليه جوانح عائشة بالنسبة إلى آل النبي!!! وتشهد له أيضا سيرتها، وأما ما في المتن فإنه من اختلاقات عروة وأمثاله، وأما البيت فإن عائشة أجنبية عنه على كل حال، بشهادة عائشة وأبيه، فإنهما أجابا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما جاءت بعد وفاة رسول الله إلى أبي بكر تطلب ميراثها من رسول الله بأنه لا نحلة لرسول الله!!! وقال أبو بكر: سمعت النبي يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. وأقرته عائشة!! فإن صدقا فالبيت للفقراء، وان كذبا فالبيت للزهراء وورثته، وعلى فرض الإرث دون النحلة لا نصيب للعائشة إلا ثمنا من تسع ولا يكون إلا بقدر ذراع!!! وبما أنه كان مشتركا بين الورثة ولم يأذنوا للعائشة التصرف فيه فجميع تصرفاتها عدوان وباطل!!! فأين كان لها البيت حتى لا يستأذن لأحد أن يدفن فيه؟!!

فقال مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ لأَخِيهِ: يَا أَخِي إِنَّهُ لَوْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ لَدَفَنَّاهُ أَوْ نَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ!!! وَلَكِنَّهُ قَدِ اسْتَثْنَى فَقَالَ: [إِلا أَنْ تَخَافُوا الشَّرَّ فَأَيُّ شَرٍّ أَشَدُّ مِمَّا تَرَى؟!!] فَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ إِلَى جَنْبِ أُمِّهِ. 72- ويقال: إن الحسن أوصى أن يدفن مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الحسين فأظهر الْحُسَيْن ذَلِكَ قبل موت الحسن، فأنكره مروان بن الحكم وكتب بقول إِلَى مُعَاوِيَةَ، فكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة: إذا مات الحسن فامنع من ذَلِكَ أشد المنع كما [1] منعنا من دفن عُثْمَان مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!! فأتى الْحُسَيْن الحسن فأخبره بذلك فقال: [يا أخي اجتنبت القتال فِي حياتي أفتريد أن يكون ذَلِكَ عند سريري؟] فضمن له أ (ن) لا يفعل. 73- ويقال: إنه لم يجر بينه وبين الْحُسَيْن فِي ذَلِكَ شَيْء، فلما توفي أراد الْحُسَيْن دفنه مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنعه مروان من ذَلِكَ، وكاد (أن) يكون بين الْحُسَيْن وبينه فِي ذَلِكَ شر!!! فأمسك (الحسين عن دفنه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم) . 74- حدثني عباس بن هشام، عن أبيه عن جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ مكة/ 452/ أو 226/ أ/ فلقيه ابن عباس فقال له معاوية:

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: فما منعنا ...

عجبا للحسن شرب عسلة طائفية بماروحة فمات منها [1] . فقال ابن عباس: لَئِنْ هَلَكَ الْحَسَنُ فَلَنْ يُنْسَأَ فِي أَجَلِكَ. قَالَ: وَأَنْتَ الْيَوْمَ سَيِّدُ قَوْمِكَ. قَالَ: أَمَّا مَا بَقِيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَلا!! [2] . 75- الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ، عَن صَالِحِ بْن كيسان، قال [3] :

_ [1] كذا في النسخة، ولعله حذف منه الهمزة، والأصل: «بماء روحة» أي عشية ومساء. وكذا في التالي. واحتمال التصحيف قوي جدا. [2] وقال في ترجمة ابن عباس من المعجم الكبير للطبراني: ج 3/ الورق 90 متصلا بقوله: «باب ما أسند عنه» : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، أنبأنا محمد بن عبادة الواسطي، أنبأنا يعقوب بن محمد الزهري، أنبأنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: كان ابن عباس لما كف بصره يقول لقائده: إذا أدخلتني إلى معاوية فسددني لفراشه ثم أرسل يدي لا يشمت بي معاوية. ففعل به ذلك يوما فقال معاوية لبعض جلسائه: ليغتمن (كذا) فلما جلس معه على فراشه قال: يا أبا عباس آجرك الله في الحسن بن علي. فقال: أمات؟ قال: نعم. قال: رحمة الله ورضوانه عليه وألحقه بصالح سلفه، أما والله يا معاوية (إنه) لا يسد حفرتك ولا تأكل رزقه ولا تخلد بعده، ولقد رزئنا بأعظم فقدا منه، (وهو) رسول الله صلى الله عليه وسلم فما خذلنا الله بعده. ورواه عنه في آخر باب مناقب الإمام الحسن من مجمع الزوائد: ج 9 ص 179، وقال: رواه الطبراني وفيه يعقوب بن محمد الزهري وقد وثق- وضعفه جماعة- وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في الحديث: (360) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12 ص 66: أخبرنا أبو بكر الفرضي أنبأنا أبو محمد الجوهري أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن فهم (ظ) أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا عفان بن مسلم، أنبأنا سلام أبو المنذر قال: قال معاوية لابن عباس: مات الحسن بن علي- ليبكته بذلك- قال: فقال ابن (عباس) لئن كان مات فإنه لا يسد بجسده حفرتك، ولا يزيد موته في عمرك؟! ولقد أصبنا بمن هو أشد علينا فقدا منه فجبر الله مصيبتنا!!! [3] ورواه أيضا في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة- لابن أبي الحديد-: ج 16، ص 11، نقلا عن المدائني. ثم إن هذا الكلام الذي أجاب به ابن عباس معاوية في هذا الحديث يشبه كلام المادي عبيد الله، ولا يشبه كلام حبر الأمة عبد الله، ولا يلائم نزعته!!

لقي مُعَاوِيَة ابْن عَبَّاس بِمَكَّةَ فعزاه عَن الحسن، فقال: لا يسوءك الله سوءا يَا أبا العباس. فَقَالَ: لن يسوءني اللَّه مَا أبقاك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!!! فأمر لَهُ بمائة ألف درهم- قالوا- وبأكثر من ذَلِكَ وبكسوة. وسمعت من يحدث أن وفاة الحسن أتت مُعَاوِيَة وعنده ابْن عَبَّاس، فقال له: عجبت للحسن شرب عسلا بما رومة (كذا) فمات. وعزى ابْن عَبَّاس عَنْهُ فَقَالَ: لا يسوءك الله. فقال ابن عباس: لا يسوؤني اللَّه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أبقاك. فأمر لَهُ بألف ألف درهم. 76- قَالُوا: وكانت وفاة الحسن في سنة تسع وأربعين. 77- ويقال: في سنة خمسين لخمس خلون من شهر ربيع الأول. 78- وزعم بعضهم أنه توفي سنة إحدى وخمسين. 79- قَالُوا: ودفن الحسن بالبقيع وصلى عَلَيْهِ سعيد بن العاص بن سعيد ابن العاص بْن أمية، وَكَانَ واليا عَلَى الْمَدِينَةِ [1] . 80- وَقَالَ أَبُو مخنف: منع مروان من دفن الحسن مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] حَتَّى كاد يكون بين الْحُسَيْن وبينه قتال، واجتمع بنو

_ [1] الرواية غير واجدة لشرائط الحجية، وقرائن الأحوال أيضا تشهد بكذبها، وحضور ابن العاص منفي بما نذكره بعد من رواية ابن حماد، وقرائن الأحوال أيضا تصدقها، إذ ابن العاص بما انه كان غير راض عن معاوية، أو لم يكن له خبث مروان، لم يمنع بني هاشم عن دفن الحسن، ولكنه خلى العرصة للمروان وانزوى في مخبأه وأخفى شخصه كالكلب الممطور. [2] وهذا المعنى قد تقدم أيضا تحت الرقم: (69) برواية هشام بن عروة عن أبيه، وقد وردت به من طريقهم أخبار كثيرة مع شدة احتياطهم واجتنابهم عن أمثالها!!! ورواه في الحديث: (337) وتواليه من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق بما ينيف على عشرة طرق، كما رواه أيضا في ترجمة أبي هريرة من تاريخ دمشق: ج 64 ص 99 قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا أبو عمر ابن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحسين بن الفهم، أخبرنا محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمر، حدثني كثير بن زيد: عن الوليد بن رباح قال: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت وال وان الوالي لغيرك فدعه- يعني حين أرادوا أن يدفنوا (ظ) الحسن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- ولكنك تدخل فيما لا يعنيك، إنما تريد بهذا إرضاء من هو غائب عنك؟! يعني معاوية. ورواه أيضا في ترجمة سعيد بن العاص: ج 21 ص 38 قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا الحسن بن علي، أنبأنا أبو عمر ابن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين ابن الفهم، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا موسى بن محمد بن ابراهيم ابن الحارث التيمي عن أبيه قال: لما مات الحسن بن علي بعث مروان بن الحكم إلى معاوية يخبره أنه مات. قال: وبعث سعيد ابن العاص رسولا آخر يخبره بذلك. وكتب مروان يخبره بما أوصى به حسن من دفنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن ذلك لا يكون وأنا حي!!! - ولم يذكر ذلك سعيد- فلما دفن حسن ابن علي بالبقيع، أرسل مروان بريدا آخر يخبره بما كان من ذلك ومن قيامه ببني أمية ومواليهم (وقال:) فإني يا أمير المؤمنين عقدت لوائي وتلبسنا السلاح وأحضرت معي ممن اتبعني ألفي رجل!!!، فلم يزل الله بمنه وفضله يدرأ ذلك أن يكون مع أبي بكر وعمر ثالثا أبدا، حيث (ظ) لم يكن أمير المؤمنين عثمان المظلوم رحمه الله، وكانوا هم الذين فعلوا بعثمان ما فعلوا!!! فكتب معاوية إلى مروان يشكره له ما صنع!! واستعمله على المدينة، ونزع سعيد بن العاص وكتب إلى مروان: إذا جاءك كتابي هذا فلا تدع لسعيد بن العاص قليلا ولا كثيرا إلا قبضته ... ورواه أيضا في الحديث: (346) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق: ج 12، ص 63 قال: أخبرنا أبو الحسين ابن أبي يعلى (ظ) وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء، قالوا: أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنبأنا محمد بن عبد الرحمان، أنبأنا أحمد بن سليمان (كذا) ... قال: أنبأنا الزبير، قال: وحدثني محمد بن الضحاك الحرامي قال: لما بلغ مروان بن الحكم انهم قد أجمعوا أن يدفنوا الحسن بن علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعيد بن العاص وهو عامل المدينة، فذكر ذلك له فقال: ما أنت صانع في أمرهم؟ فقال: لست منهم في شيء ولست حائلا بينهم وبين ذلك. قال: فخلني وإياهم. فقال: أنت وذاك!!! فجمع لهم مروان من كان هناك من بني أمية وحشمهم ومواليهم!! وبلغ ذلك حسينا فجاء هو ومن معه في السلاح ليدفن حسنا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل مروان في أصحابه وهو يقول: «يا رب هيجا هو خير من دعة» أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن حسن في بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ والله لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف!!! فلما صلوا على الحسن، خشي عبد الله بن جعفر أن يقع في ذلك ملحمة عظيمة فأخذ بمقدم السرير ثم مضى نحو البقيع فقال له الحسين ما تريد؟ قال: عزمت عليك بحقي أن لا تكلمني كلمة واحدة!! فصار به إلى البقيع فدفنه هناك رحمه الله، وانصرف مروان ومن معه. وبلغ معاوية ما كانوا أرادوا في دفن حسن في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما: أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى البقيع؟! ان يك ظني بمروان صادقا لا يخلصون إلى ذلك، وجعل يقول: ويها مروان أنت لها!!!

هاشم وبنو المطلب ومواليهم إِلَى الْحُسَيْن، وَقَالَ أبو سعيد الخدري وأبو هريرة لمروان: أتمنع الحسن من أن يدفن مع جده (رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟) وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.] فَقَالَ مروان: لقد ضاع حَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن كَانَ لا يرويه إِلا مثلك ومثل أَبِي هريرة!!

فدفن بالبقيع، وَكَانَ للحسن يوم توفي سبع وأربعون سنة وأشهر. 75- وَقَالَ الواقدي: توفي الحسن في شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وَهُوَ ابْن سبع وأربعين سنة، ودفن بالبقيع وصلى عَلَيْهِ سعيد بْن العاص. 76- وحدثت عَن جويرية بْن أسماء قَالَ: لما مات الحسن بن علي

أخرجوا جنازته فحمل مروان سريره [1] فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: أتحمل سريره؟ أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ؟! فقال مروان: اني قد (كنت) أفعل بمن يوازن حلمه الجبال. 77- وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب بْن جَرِير بْن حازم، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سمعت النعمان بن راشد يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بُويِعَ الْحَسَنُ بَعْدَ أَبِيهِ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ فِي بَيْعَتِهِ: [تُسَالِمُونَ مَنْ سالمت وتحاربون

_ [1] ومثله في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 16، ص 13 نقلا عن المدائني عن جويرية بن أسماء. والحديث مرسل، والقرائن قائمة على أنه اختلاق فإن مروان حينئذ كان يتجول بين شياطينه يحمسهم ويثورهم على معارضة بني هاشم ومنعهم عن دفن الإمام الحسن عند جده رسول الله!!! وكان رافعا عقيرته ويقول: يا رب هيجا هي خير من دعة. وكان قد جمع ألفي مقاتل من خيل آل أمية ورجلهم لمحاربة بني هاشم وقد احتوشوا حوله مستلئمين!!! فأين كان؟ وما كان شأنه حتى يحمل جنازة الإمام الحسن؟!! ومما يدل على اختلاق الرواية ما ذكره نعيم بن حماد في أواخر الجزء الثاني تحت الرقم: (411) من كتاب الفتن الورق 40/ ب/ قال: حدثنا هشيم، أنبأنا حصين، حدثنا أبو حازم قال: لما احتضر الحسن بن علي رضي الله عنهما أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون في ذلك تنازع أو قتال فيدفن في مقابر المسلمين!!! فلما مات جاء مروان بن الحكم في بني أمية ولبسوا السلاح وقال: لا يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم!! منعتم عثمان فنحن نمنعكم!!! فخافوا أن يكون بينهم قتال. قال أبو حازم قال أبو هريرة: أرأيت لو أن ابنا لموسى أوصى أن يدفن مع أبيه فمنع ألم يكن ظلموا؟ قلت: بلى. قال: فهذا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنع أن يدفن مع أبيه!!! ثم انطلق أبو هريرة إلى الحسين رضي الله عنهما فكلمه وناشده الله وقال: قد أوصى أخوك إن خفت أن يكون قتال فردوني إلى مقابر المسلمين. فلم يزل به حتى فعل وحمله إلى البقيع!!! فلم يشهده أحد من بني أمية إلا خالد بن الوليد بن عتبة، فإنه ناشدهم الله وقرابته فخلوا عنه فشهد دفنه مع الحسين رضي الله عنه.

مَنْ حَارَبْتُ.] فَلَمَّا سَمِعُوا شَرْطَهُ ارْتَابُوا، فَطَعَنَهُ رَجُلٌ طَعْنَةً أَشْوَتْهُ فَازْدَادَ لَهُمْ بُغْضًا، وَمِنْهُمْ ذُعْرًا، وَأَرْسَلَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِكِتَابِ شَرْطٍ اشْتَرَطَهُ، وَفِيهِ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي مَا فِيهِ بَايَعْتُكَ. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بَعَثَ إِلَى الْحَسَنِ بِصَحِيفَةٍ بَيْضَاءَ مَخْتُومَةٍ فِي أَسْفَلِهَا فَقَالَ: اكْتُبْ فِيهَا مَا شِئْتَ. فَكَتَبَ الْحَسَنُ فِيهَا مَا أَرَادَ. ثُمَّ إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَمَرَ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَأْمُرَ الحسن بالخطبة!! فأمره بها، فَقَالَ الْحَسَنُ- بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ-: أما بعد [فإن الله هداكم بأولنا وحقق دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا،] [وَإِنَّ لِهَذَا الأَمْرِ مُدَّةً، وَالدُّنْيَا دار زوال،] و (قد) قال اللَّهُ: «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ. ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ/ 453/ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: اكْفِنِي الْكُوفَةَ. قَالَ: فَكَيْفَ تَرَى فِي مِصْرَ؟ قَالَ ابْعَثْ عَلَيْهَا ابْنَكَ. وَقَدِمَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ عَلَيْهِ- وَكَانَ مُقِيمًا بِالطَّائِفِ مُعْتَزِلًا أَمْرَ النَّاسِ- فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَتُؤَمِّرُ عَمْرًا عَلَى الْكُوفَةِ وَابْنَهُ عَلَى مِصْرَ؟ فَتَكُونُ كَالْقَاعِدِ بَيْنَ لَحْيَيِ الأَسَدِ!!! قَالَ: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَنَا أَكْفِيكَ الْكُوفَةَ. قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. وَبَلَغَ عَمْرًا ذَلِكَ فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: ألا أدلك على أمير الكوفة قَالَ: بَلَى. قَالَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَلَهُ واستعن برأيه وقوة مَكِيدَتِهِ، وَاعْزِلْهُ عَنِ الْخَرَاجِ وَالْمَالِ!! فَقَدْ كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَعَلا بِهِ ذَلِكَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ كُنْتُ جَمَعْتُ لَكَ الْجُنْدَ وَالْمَالَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ أَنَّ الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلِي كَانَا يُولِيَانِكَ الْجُنْدَ، وَيَعْزِلانِ عَنْكَ الْخَرَاجَ، فَخَرَجَ الْمُغِيرَةُ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: قَدْ عُزِلْتُ عَنِ الْخَرَاجِ! وهذا رأي لم يغب عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ العاص، ويقول: انه من مشورته!!!

مرثية الإمام حسن

(بعض ما قاله الشعراء في رثاء الإمام الحسن عليه السلام) . [مرثية الإمام حسن] 78- قال بعض الرواة: رثى سُلَيْمَان بْن قتة [1] الحسن فَقَالَ: يَا كذّب الله من نعا حسنا [2] ... ليس لتكذيب قوله ثمن أجول فِي الدار لا أراك وفي الدا ... ر أناس جوارهم غبن كنت خليلي وكنت خالصتي ... لكل حي من أهله سكن [3] بدلتهم منك ليت أنهم ... أمسوا وبيني وبينهم عدن [4] وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: هَذَا لعلي بْن ثابت بْن يزيد بْن وديعة الأَنْصَارِيّ فِي ابنه. 80- وَقَالَ النجاشي الحارثي الشاعر [5] :

_ [1] هذا هو الصواب، وفي الأصل: «قبة» - بالباء الموحدة-. قال في آخر ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من مقاتل الطالبيين ص 77: قال محمد بن علي بن حمزة: وفي الحسن ابن علي يقول سليمان بن قتة ... ومثله في شرح النهج: ج 16، ص 52. وقال في تاج العروس: ج 1، ص 571: وقتة- كضبة-. اسم أم سليمان بن حبيب المحاربي التابعي المشهور ... [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «من بفاحسنا» ورواها أيضا عنه في ترجمته عليه السلام من مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 45 ط قم وقال: «ليس لتكذيب نعيه حسن» . ومثله رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من الباب الثاني من شرح نهج البلاغة: ج 16، ص 52. [3] وهذان الشطران قد مهما في مقاتل الطالبين ص 77 على الشطرين السالفين هاهنا، والسياق أيضا يستدعي تقديمهما على سابقيه أو تأخيرهما عن ما بعدهما. [4] وفي المحكي من شرح شافية أبي فراس ص 132، وشرح ابن أبي الحديد: ج 4 ص 18: «أضحوا وبيني وبينهم عدن» . [5] ورواه أيضا في الحديث: (367) من ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق ج 2 وفي نسخة: ج 12، ص 67 قال: قال الزبير: وأخبرني عمي مصعب بن عبد الله أن النجاشي قال (وهو) يرثي الحسن ... ثم ذكر قريبا مما هاهنا.

يَا جعد بكيه وَلا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل عَلَى ابْن بنت الطاهر المصطفى ... وابن ابن عم المصطفى الفاضل كَانَ إذا شبت لَهُ ناره ... يوقدها بالشرف القابل كيما يراها بائس مرمل ... أوذوا اغتراب ليس بالآهل لن تغلقي بابا علي مثله ... فِي النَّاس من حاف وَلا ناعل نعم فتى الهيجاء يوم الوغى ... والسيد القائل والفاعل 81- وَقَالَ رجل من غطفان: بنو حسن كانوا مناخ ركابنا ... قديما وَمَا كنا ابْن عمران نتبع [1] 82- وَقَالَ أَبُو اليقظان: قَالَ شاعر من همدان [2] : أتاني فوق العال [3] من أرض مسكن ... بأن إمام الحق أمسى مسالما

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: يتبع. [2] كذا هاهنا، ورواها أيضا ابن أعثم في سيرة الإمام الحسن من كتاب الفتوح: ج 4 ص 160، ط 1، ولكن نسب الأبيات إلى قيس بن سعد بن عبادة رحمه الله، قال: فانصرف قيس بن سعد بن عبادة فيمن بقي من أصحابه نحو العراق وهو يقول: أتاني بأرض العال من أرض مسكن ... بأن إمام الحق أضحى مسالما فما زلت مذ نبئته متلدما ... أراعي نجوما خاشع الطرف واجما ورواها أيضا رشيد الدين ابن شهر أيوب في ترجمة الإمام الحسن من مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 34. [3] يقال لناحية «الأنبار» و «قطربل» العال لكونها في أعالي العراق. راجع معجم البلدان: ج 6 ص 99.

فما زلت مذ نبّئته بكآبة [1] ... أراعي النجوم خاشع الطرف واجما 3/ 304 فراجعت نفسي ثُمَّ قلت لَهَا اصبري ... فَإِن الإمام كَانَ بالله عالما 83- وقالت أم الْهَيْثَم بْن الأسود: أقر عيني أن جاءت مقلدة ... خيل الشبامين في أعناقها الخرق تحملن كُلّ فتى حلو شمائله ... بمثله تدرك الأوتار والحنق

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة هاهنا تصحيف.

ولد الحسن بن علي عليهما السلام

(ولد الإمام الحسن عليهم السلام وسلسلة نسبهم من قبل أمهاتهم ونبذة من سيرتهم وما جرى عليهم من أمراء عصرهم وممن جاورهم) [ولد الحسن بن علي عليهما السلام] 84- قَالَ أَبُو اليقظان وغيره: ولد الحسن بْن علي عليهما السلام حسنا 3/ 304 (و) أمه خولة بنت منظور بن ذبان بْن سيار الفزاري- وأمها مليكة بنت خارجة بْن سنان المرية- وَهُوَ الَّذِي قَالَ: إن أطعنا اللَّه فأحبونا، وإن عصيناه فابغضونا، فلو كَانَ اللَّه نافعا أحدًا بقرابته من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفع بِذَلِكَ أباه وأمه [1] قولوا فينا الحق ودعوا الغلو. وزيد بْن الحسن الَّذِي يقول فِيهِ الشاعر/ 454/ وزيد ربيع النَّاس فِي كُلّ شتوة ... إذا أخلفت أنواؤها ورعودها حمول لا سياق الديات كأنه ... سراج الدجا إذ قارنته سعودها وفيه يقول قدامه أحد بني جمح [2]

_ [1] الحديث ضعيف، وإن ثبت من طريق آخر صدوره منه فمحمول على التقية وإلزام مخالفيه بما يزعمونه ويعتقدونه، وقد أجمعت سادات أهل البيت عليهم السلام على أن والدي النبي من أهل الجنة. وللعلامة السيوطي تأليف في ذلك موجود في دار الكتب المصرية. [2] قال ابن عساكر- في ترجمة زيد بن الحسن من تاريخ دمشق: ج 6/ الورق 302 ب/ أخبرنا أبو الحسين ابن أبي يعلى وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا أبي علي قالوا أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنبأنا أبو طاهر المخلص أنبأنا أحمد بن سليمان الطبراني (ظ) أنبأنا الزبير بن بكار، قال: وقال قدامة بن موسى يرثي زيد بن حسن: (و) إن يك زيد عالت الأرض شخصه ... فقد بان معروف هناك وجود وإن يك أمسى رهن رمس فقد ثوى ... به وهو محمود الفعال فقيد سموع إلى المعتر يعلم أنه ... سيطلبه المعروف ثم يعود وليس بقوال وقد حط رحله ... المتمس المعروف اين يريد إذا قصر الوغل الذي (قد) نما به ... إلى المجد آباء له وجدود مباذيل للمولى محاشيد للقرى ... وفي الروع عند النائبات أسود إذا انتحل العز الطريف فإنهم ... هم ارث مجد لا يرام تليد إذا مات منهم سيد قام منهم ... كريم يبني بعده ويسود ثم قال: وقال محمد بن بشير الخارجي يرثيه: أعيني جودي بالدموع واسعدي ... بني رحم ما كان زيد يهينها أقول: ثم ذكر خمسة عشر بيتا، ولا يوجد فيه ما ذكره المصنف هاهنا من البيتين المتقدمين.

(و) إن يك زيد غالت الأرض شخصه ... فقد بان معروف بذاك وجوده وأم الحسن- كانت عند عَبْد اللَّهِ بْن الزبير- وأمّهما أم بشير بنت أَبِي مسعود البدري. وحسينا الأثرم، وعبد اللَّه، أمهما ظمياء أم ولد. وأبا بكر وعبد الرحمان والقاسم، أمّهم أم ولد، ولا بقية (ظ) لهم. وطلحة بْن الحسن أمه أم إِسْحَاق بنت طَلْحَة بْن عبيد اللَّه، وأمها ابنة قسامة طائية. وعمرو بْن الحسن، أمه ثقفية، ويقال: أم ولد. وأم عَبْد اللَّهِ لأم ولد، تزوجها عَلِيّ بْن الْحُسَيْن. 85- وَكَانَ الحسن بن الحسن بْن علي وصي أَبِيهِ، وولي صدقة علي فسأله الحجاج بْن يُوسُف- وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَة- أن يدخل عمر بْن علي فِي

(ولد الحسن بن الإمام الحسن عليهما السلام)

الوصية فأبى، ثُمَّ قدم الحسن عَلَى عَبْد الملك بْن مروان فرحب بِهِ، وَكَانَ الحسن قد أسرع إِلَيْهِ الشيب فَقَالَ لَهُ عَبْد الملك (بن مروان) : لقد أسرع إليك الشيب. فقال: يحي بن الحكم: (قد) شيبته أماني أَهْل الْعِرَاق الَّذِينَ يقدمون عَلَيْهِ كل عام يمنّونه الخلافة!!! فقال له (الحسن) : ليس كما قلت، ولكنا أَهْل بيت يسرع إلينا الشيب. فسأله (عبد الملك) عما قدم لَهُ فأخبره بما سأله الحجاج فكتب إِلَيْهِ أن يمسك عَنْهُ ووصله، فلقي يحي بْن الحكم فَقَالَ لَهُ: مَا حملك عَلَى مَا قلت؟ [1] فَقَالَ: النظر لك، والله لولا فرقه منك ما قضى حاجتك!!! (ولد الحسن بن الإمام الحسن عليهما السلام) فولد الحسن بْن الحسن بْن على، عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن، وحسن بْن حسن بن حسن [2] وإبراهيم بن (حسن بْن) حسن، مات ببغداد [3] . وأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي.

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: ما حملت علي ما قلت؟ ... [2] قال في ترجمته من مقاتل الطالبيين ص 185: وكان متألها فاضلا ورعا يذهب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى مذهب الزيدية ... ثم قال: وتوفي الحسن بن الحسن بن الحسن في محبسه بالهاشمية في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة وهو ابن ثمان وستين سنة. وقد عقد له ترجمة في الطبقات الكبرى: ج 5 ص 235 وفي تاريخ بغداد: ج 7 ص 294. [3] قال في ترجمته من مقاتل الطالبيين ص 188: وتوفي ابراهيم بن الحسن بن الحسن في الحبس بالهاشمية في ربيع الأول سنة (145) وهو أول من توفي منهم في الحبس وهو ابن (67) سنة. أقول: وله أيضا ترجمة في تاريخ بغداد ج 6 ص 54 وكذلك في لسان الميزان: ج 1، ص 47 وقال روى عنه الفضيل بن مرزوق حديث رد الشمس لعلي، ذكره المؤلف في المغنى وروي عنه أيضا أبو عقيل يحي بن المتوكل المترجم في تهذيب التهذيب ج 11، ص 370. وطبقات ابن سعد ج 5 ص 235.

(ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن المعروف بعبد الله المحض) .

86- وقدم عَلَى الحسن بْن الحسن بعض أخواله فقال له: من عندك من النساء؟ قَالَ: ابنة عمي الْحُسَيْن. قال: وما لك ولبنات العم إنّهن يضوين (ظ) وإن الغرائب أنجب!! اعرض علي بنيك. فدعا بعبد اللَّه فَقَالَ: هَذَا سيد. ثُمَّ دعا بالحسن بْن الحسن فَقَالَ: وَلا بأس. ثُمَّ دعا بإبراهيم بْن الحسن فلما رآه قَالَ: حسبك مِنْهَا [1] . وجعفر بْن الحسن بْن الحسن، وداود، أمّهما أمّ ولد. ومحمد بْن الحسن بْن الحسن، أمه رملة بنت سَعِيد بْن زيد بْن عَمْرو ابن نفيل. (ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن المعروف بعبد الله المحض) . 87- فولد عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن علي، محمدا وإبراهيم، وإدريس- مات بإفريقية- وموسى. أمهم هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله ابن زمعة بْن المطلب بْن أسد بْنِ عَبْدِ العزى. و (ولد أيضا) عيسى أمّه عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث بن خالد المخزومي. و (ولد أيضا) يحي أمه ركيح بنت أَبِي عبيدة بْن عَبْدِ الله بن زمعة.

_ [1] ورواه أيضا في الأغاني: ج 18، ص 205 ومقاتل الطالبيين ص 182، قال: حدثني أحمد بن سعيد، قال: أخبرنا يحي عن القاسم بن عبد الرزاق قال: جاء منصور بن زيان الفزاري إلى الحسن بن الحسن وهو جده- أبو أمه- فقال له: لعلك أحدثت بعدي أهلا؟ قال: نعم تزوجت بنت عمي الحسين بن علي. فقال: بئس ما صنعت أما علمت أن الأرحام إذا التقت أضوت؟ كان ينبغي لك أن تتزوج في الغرب. قال: فإن الله قد رزقني منها ولدا. قال: فأرنيه. فأخرج إليه عبد الله بن الحسن ...

موقف عبد الله بن حسن من خلافة بني العباس

88- وحدثت أن حسن بْن إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن، كَانَ متغيبا من المهدي أمير المؤمنين، فحجّ المهدي فبينا هُوَ يطوف إذ عرضت لَهُ فاطمة بِنْت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن فِي ستارة فقالت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أسألك بقرابتك من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أمنت زوجي. قَالَ: ومن أنت؟ قَالَت: فاطمة بنت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ وزوجي الحسن بْن إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: وأين هُوَ؟ قالت: معي. فآمنه فأخذ بيده حين فرغ من طوافه ثُمَّ خلا به. [موقف عبد الله بن حسن من خلافة بني العباس] 89- فأما عَبْد اللَّهِ بْن حسن فكان ذا عارضة ونفس أبيّة، وكان يسأل الوالي (ظ) الحاجة، فَإِذَا رده عَنْهَا لم يزل يعمل فِي أمره حَتَّى يعزله، ولم يمت/ 455/ حَتَّى بلغت غلته مائة ألف، وَكَانَ يقال لولد الحسن ابن حسن: طلى البلاد [1] . 90- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ قَالَ: كَانَ عبد الله بن الحسن يقول لابنه: إيّاك ومعادات الرجال فإنك لن تعدم فِيهَا مكر حليم أو مبارات (ظ) جاهل. [خلافة المنصور] 91- وَكَانَ عَبْد اللَّهِ يرشح ابنيه محمدًا وإبراهيم للخلافة، من قبل أن يستخلف أمير المؤمنين أَبُو العباس، ويسمي محمدًا ابنه المهدي والنفس الزكية [2] .

_ [1] رسم خط هذه اللفظة غير واضح ويمكن أن يقرأ «خلي البلاد» والطلى: الشربة من اللبن. والخلى- بفتح الخاء كعلى-: العشب. [2] قال السيد أبو طالب: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني إملاء، قال: أخبرنا أبو زيد عيسى بن محمد العلوي قال: حدثنا محمد بن منصور قال: حدثنا شعيب، عن طاهر ابن عبيد: عن إبراهيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن عليهم السلام أنه سئل عن أخيه محمد عليه السلام أهو المهدي الذي يذكر؟ فقال (إبراهيم) : المهدي عدة من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعده أن يجعل من أهله مهديا، لم يسمه بعينه ولم يوقت زمانه، وقد قام أخي لله بفريضة عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أراد الله تعالى أن يجعله المهدي الذي يذكر فهو فضل من الله يمن به على من يشاء من عباده، وإلا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره!!! هكذا رواه عنه في الباب: (8) من تيسير المطالب ص 132، ط 1.

ويروي ذلك المغيرة مولى بجيلة [1] الذي ينسب إِلَيْهِ المغيرية، وبيان التبان [2] وكانا يكفران أصحاب مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن!!! فَقَالَ أَبُو هريرة العجلي- وَكَانَ أَبُو هريرة من شيعة مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن-: أبا جعفر أنت الإمام نحبّه ... ونرضى الذي ترضى به ونتابع أتتنا رجال يحملون عليكم ... أحاديث قد ضاقت بهن الأضالع أحاديث أفشاها المغيرة عنكم ... وشر الأمور المحدثات البدائع وَكَانَ بيان خرج عَلَى خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري- داعيا لمحمد بن عبد الله ابن الحسن، وخالد عَلَى الْعِرَاق- فأدهشه خروجه فَقَالَ: أطعموني ماء!!! ووجّه إليه بخيل فأخذ بيان وأتي به خالد فقتله وصلبه، ثُمَّ خرج المغيرة عَلَيْهِ بعد بيان فأخذه (هـ) فقتله وصلبه بحيال (ظ) بيان فَقَالَ الشاعر لخالد: وقلت لما أصابك أطعموني ... شرابا ثمّ بلت على السرير

_ [1] هذا هو الصواب، وصحفه في النسخة بالخاء المعجمة- وهو المغيرة بن سعيد البجلي أبو سعيد الكوفي المترجم في لسان الميزان: ج 6 ص 75. [2] كذا في ظاهر رسم الخط، وترجمه في لسان الميزان: ج 2 ص 68 وقال: بيان بن زريق، قال ابن نمير قتله خالد بن عبد الله القسري وأحرقه بالنار، (قال ابن حجر) : قلت: هذا بيان بن سمعان النهدي من بني تميم ظهر بالعراق بعد المائة ...

إذا ذكر الكرام بيوم خير ... فابن فِي حرامك من أمير [1] وقد قيل أَيْضًا: أن المغيرة استخفى بعد قتل بيان فدل خالد عَلَيْهِ، فأخذه وصلبه فَقَالَ الشاعر: طار التجاور من بيان واقفا ... ومن المغيرة عند جسر العاشر 92- قَالُوا: ولما قتل الْوَلِيد بْن يَزِيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِك وكانت الفتنة، كتب الفضل بن عبد الرحمان بن عياش بن ربيعة بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الحسن: دونك أمر قد بدت أشراطه ... وريثت من نبله ضراطه إن السبيل (ظ) واضحا صراطه ... لم يبق إِلا السيف واختراطه فدعا عَبْد اللَّهِ بْن الحسن قوما من أَهْل بيته إِلَى بيعة ابنه مُحَمَّد، وأتى جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ فأراده على أن يبايع محمدا فأبى وَقَالَ: [اتق اللَّه يَا أبا مُحَمَّد وأبق عَلَى نفسك وأهلك، فَإِن هَذَا الأمر ليس فينا [2] وإنما هُوَ فِي ولد عمنا العباس، فَإِن أبيت فادع إِلَى نفسك فأنت أفضل من ابنك!!!] فأمسك ولم يجبه. واستتر مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، وقد بايعه قوم من أهل بيته ومن قريش [3]

_ [1] كذا في النسخة. [2] أي إن التأمر على الناس والحكومة عليهم بعد بني أمية لا يتحقق فينا أهل البيت، بل ينتقل الملك من بني أمية إلى ولد العباس!!! فمن تصدى له يتعرضون لاستيصاله أشد مما تعرض له بنو أمية!!! فأبق لنفسك ولا تطلب ما يوجب الهلاك. [3] منهم السفاح والمنصور وبقية آل العباس!!! ويدل عليه أخبار كثيرة، مع أن طبع الحال كان يقتضي زوال هذا المعنى وفناؤه من عرصة الوجود في أول يوم تسنم السفاح منبر الرئاسة والقيادة، لشدة ركونهم على الدنيا وإكبابهم عليها واهتمامهم باستيصال من يتوهم منه منازعتهم فيها أو اشتراكه لهم فيها حتى قطعوا الأرحام ولم يراقبوا في مؤمن استشموا منه ذلك إلا ولا ذمة!! وها أنا أشير إلى نموذج قليل منه، إيقاظا للقراء، وتحريكا لهمم المحققين والباحثين إلى التوسع والتعمق في الموضوع فنقول: قال في ترجمة محمد من مقاتل الطالبيين ص 233: وكان (محمد) من أفضل أهل بيته وأكبر أهل زمانه في علمه بكتاب الله وحفظه له، وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه، وكل أمر يجمل بمثله، حتى لم يشك أحد أنه المهدي وشاع ذلك له في العامة. وبايعه رجال من بني هاشم جميعا من آل أبي طالب وآل العباس وسائر بني هاشم، ثم ظهر من جعفر بن محمد قول في أنه لا يملك!!! وان الملك في بني العباس فانتبهوا من ذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه!!! وخرجت دعاة بني هاشم إلى النواحي عند مقتل الوليد بن يزيد، واختلاف كلمة بني مروان فكان أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب وولده وما لحقهم من القتل والخوف والتشريد، فإذا استتب لهم الأمر ادعى كل فريق منهم الوصية لمن يدعو إليه!!! فلما ظهرت الدعوة لبني العباس وملكوا حرص السفاح والمنصور على الظفر بمحمد وإبراهيم لما في أعناقهم من البيعة لمحمد!!! وتواريا فلم يزالا ينتقلان في الاستتار، والطلب يزعجهما من ناحية إلى أخرى حتى ظهرا فقتلا صلوات عليهما ورضوانه. وأيضا قال أبو الفرج في أواسط ترجمة محمد من مقاتل الطالبيين ص 253: أخبرنا علي بن العباس، قال: حدثنا يحي بن الحسن بن محمد بن عبد الواحد، قال: حدثنا يحي بن الحسن بن الفرات، عن غالب الأسدي قال: سمعت عيسى بن زيد يقول: لو أنزل الله على محمد- صلى الله عليه وآله- أنه باعث بعده نبيا لكان ذلك النبي محمد بن عبد الله بن الحسن!!! فقال يحي بن الحسن- فيما حدثني ابن سعيد عنه- قال يعقوب بن عربي: سمعت أبا جعفر المنصور يقول في أيام بني أمية- وهو في نفر من بني أبيه (عند محمد بن عبد الله ابن حسن) قال: ما في آل محمد- صلى الله عليه وآله- أعلم بدين الله ولا أحق بولاية الأمر من محمد بن عبد الله. وبايع له!!! وكان يعرفني بصحبته والخروج معه. قال يعقوب بن عربي: فلما قتل محمد حبسني بضع عشرة سنة. وأيضا قال أبو الفرج في ص 256 من الكتاب بعد ما ذكر شواهد لما مر: أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدثنا الخزار، قال: حدثني المدائني: عن سحيم بن حفص أن نفرا من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء من طريق مكة فيهم ابراهيم الإمام والسفاح والمنصور وصالح بن علي وعبد الله بن الحسن وابناه محمد وابراهيم ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقال لهم صالح بن علي: إنكم القوم الذين تمتد أعين الناس إليهم فقد جمعكم الله في هذا الموضع فاجتمعوا على بيعة أحدكم فتفرقوا في الآفاق وادعوا الله لعل الله أن يفتح عليكم وينصركم. فقال أبو جعفر (المنصور) لأي شيء تخدعون أنفسكم؟ والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أميل أعناقا ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى- يعني محمد بن عبد الله- قالوا: قد والله صدقت إنا لنعلم هذا. فبايعوا جميعا محمدا وبايعه ابراهيم الإمام والسفاح والمنصور وسائر من حضر. فذلك الذي أغرى القوم لمحمد بالبيعة التي كانت في أعناقهم!!! أقول: ومثله رواه بأسانيد، في عنوان: «ذكر السبب في أخذ عبد الله بن الحسن وأهله وحبسهم ... » في ص 206 فراجع. ورواه أيضا عنه وعن الإرشاد، وإعلام الورى في بحار الأنوار: ج 46 و 47 ص 187 و 276 ط 2.

وَكَانَ يخرج إِلَى البادية فيطيل المقام بِهَا، ثُمَّ يظهر أحيانا ويستتر أحيانا، فلم يزل عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بويع أَبُو العباس أمير المؤمنين، ومحمد يومئذ في بلاد عطفان عند آل أرطاة بن شبهية (كذا) وجعل ينتقل بالبادية وتسمى المهدي. وَكَانَ مروان بْن مُحَمَّد بْن مروان يخوف من مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، فيقول: لا تهيجوه فليس هُوَ بالذي يخاف ظهوره علينا.

93- قَالُوا: ولما بويع أَبُو العباس وظهر أمره استخفى مُحَمَّد، وتمارض أبوه وأظهر أن ابنه محمدا قد مات، فكتب أَبُو العباس إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الحسن بأمره بالقدوم عليه، فقدم (عليه) في رجال من أهله فأكرمهم (ظ) أَبُو العباس وبرهم ووصلهم وَقَالَ لَهُ: يَا أبا مُحَمَّد إني أرضى من ابنك مُحَمَّد

بأن يبايع بالمدينة/ 456/ وَلا يشخص إلي. فَقَالَ: والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أدري أين مستقره. فقال: أما إني لا أطلبه وو الله ليقتلن مُحَمَّد، وليقتلن إبراهيم، فلما خرج من عنده قال لأخيه حسن بن حسن بن حسن: ما يمتنا [1] بإكرام هَذَا الرَّجُل لنا مَعَ كثرة ذكره محمدا وإبراهيم [2] . وسمعه أبو العباس (يوما) يقول: مَا رأيت ألف ألف درهم قط مجتمعة. فدعا لَهُ بألف ألف درهم فوصله بِهَا، فَقَالَ: إنما أعطانا بعض حقنا [3] وَكَانَ لا يمتنع من إظهار حسده [4] فأطافه ذات يوم في مدينة يريد بنا (ء) ها فجعل ينشد: ألم تر حوشبا أمسى يبني ... منازل نفعها لبني بقيلة [5]

_ [1] كلمة «يمتنا» غير مبينة، ويحتمل رسم الخط أن يقرأ: «ما يمننا» أو «ما نتمنى» . [2] ورواه مع زيادة في الذيل في ترجمة حسن بن حسن من تاريخ بغداد: ج 7 ص 294 وكذا في مقاتل الطالبيين ص 173. [3] وقريبا منه رواه الصولي في كتاب الأوراق كما في تذكرة الخواص ص 217. [4] ما كان يظهره عبد الله وبنو أبيه لم يكن من باب الحسد، بل من باب التظلم وإظهار اغتصاب حقهم وحرمانهم عنه، لأن الحسد هو تمني زوال نعمة الغير وإرادة إزالتها عنه، وبنو العباس كإخوانهم بني أمية لم يكونوا مستحقين لنعمة الخلافة وما يتبعها كي تكون إرادة إزالتها عنهم وتمني حرمانهم عنها حسدا، وإنما هي حق لبني طالب للأخبار المتواترة الدالة على استخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب وإيصائه إليه، ولقوله تعالى في الآية: (72) من سورة الأنفال: «والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا» وقوله صلى الله عليه: لا هجرة بعد الفتح!! وهذا غير خفي على البلاذري ولكن المسكين تفوه بالباطل حذرا من أن يجازى بمثل ما جازوا نصر بن علي الجهضمي وغيره!!! [5] وفي مقاتل الطالبيين ص 175: «بيوتا نفعها لبني نفيلة» . وفي تذكرة الخواص، ص 216 نقلا عن الواقدي: «قصورا نفعها لبني نفيلة» .

يؤمل أن يعمر ألف عام ... وأمر اللَّه يطرف كُلّ ليله [1] فتطير أَبُو العباس من إنشاده وقال: أفّ لك قلّ ما يملك الحسود لسانه. فَقَالَ: أقلني يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فإني لم أرد سوءًا. فَقَالَ: لا أقالني اللَّه إذا. وهجره أياما واشتد عَلَيْهِ في طلب ابنيه، فَقَالَ: تغيبا فما أدري أين هما، فَقَالَ: أنت غيبتهما. ثُمَّ أظهر الرجوع لَهُ وبره فدخل عَلَيْهِ ذات يوم وبين يديه مصحف. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اعطنا ما في هذا المصحف نجوما. فَقَالَ: أعطيك مَا أعطاك أبوك حين ولي الأمر. ثُمَّ إنه استأذنه فِي إتيان الْمَدِينَة، فأذن لَهُ فِي ذَلِكَ، ووصله ومن مَعَهُ وقضى حوائجهم، وأقطع عَبْد اللَّهِ قطائع، وأقطع أخاه الحسن بْن الحسن بْن الحسن عين مروان بذي خشب، ولم يمت عَبْد اللَّهِ حَتَّى بلغت غلته مائة ألف درهم. وَكَانَ عثمان بن حيان المري من قبل الوليد عَلَى الْمَدِينَة، فأساء بعبد اللَّه والحسن، فلما عزل أتياه فعرضا عَلَيْهِ الحوائج فجزاهما خيرًا وَقَالَ: «اللَّه أعلم حيث يجعل رسالاته» [2] . وكان الحسن إذا كلم عاملا فِي حاجة فلم يقضها عمل فِي عزله!!! وَقَالَ لبنيه: إياكم ومعاداة الرجال فإنكم لن تعدموا فِيهَا أمرًا من أمرين: مكر حليم أو مبارات جاهل.

_ [1] ومثله في مقاتل الطالبيين ص 175، ولكن ذكر ذيل الكلام على وجه آخر، وفي الأغاني: ج 18، ص 206 وزهر الآداب ج 1 ص 122: «يؤمل أن يعمر عمر نوح» . ومثلهما في تذكرة الخواص غير أن فيه: «وأمر الله يأتي كل ليلة» . وذكرها أيضا في تاريخ الطبري: ج 9 ص 184، والمعارف ص 93. [2] كذا في الأصل.

وقال عبد الله بن الحسن: آنس حرائر ما هممن بريبة [1] ... كظباء مَكَّة صيدهن حرام يحسبن من أنس الحديث زوانيا ... ويصدهن عَن الخنا الإسلام وولي أَبُو العباس الْمَدِينَة دَاوُد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس عمه، فألفى [2] بِهَا دَاوُد دعاة لمحمد فتغيبوا. وتوفي دَاوُد بالمدينة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وقام بأمر الْمَدِينَة مُوسَى بْن دَاوُد بْن علي بعد أَبِيهِ، ثُمَّ قدم زياد بْن عبيد اللَّه الحارثي من قبل أَبِي العباس عَلَى الْمَدِينَة، فِي شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وداهن (زياد) بأمر المدينة [3] فقدمها مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ من البادية، فدعا زياد الناس للبيعة ودعاه معهم ليبايع (ظ) مَعَ النَّاس. وأراد أن يحضر النَّاس بيعة مُحَمَّد وحده [4] فطلب لذلك فاستخفى فتكلم النَّاس فَقَالَ قائل: بايع. وَقَالَ آخر: لم يبايع. وكتب أَبُو العباس إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الحسن [5] :

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «غرائر» . ومثله في ترجمة عبد الله بن الحسن من تاريخ دمشق: ج 9/ الورق 65/ أ/ نقلا عن الزبير بن بكار، إلا ان فيه: «ويكفهن عن الخنا ... » . [2] ويحتمل رسم الخط أن يقرأ: «فأنفى» . [3] جملة: «وداهن بأمر المدينة» كأنها ضرب عليها الخط، وكلمة «داهن» أيضا غير مقرءوة على سبيل القطع واليقين. [4] كذا. [5] ورواه مسندا في الأغاني: ج 18، ص 206 ومقاتل الطالبيين ص 176، ورواه أيضا في ترجمة عبد الله بن الحسن من تاريخ دمشق: ج 9/ الورق 66/ أ/ من النسخة الظاهرية.

أريد حبا (ء) هـ ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد فكتب إليه (عبد الله) : وكيف أريد ذاك وأنت مني ... وزندك حين يقدح من زناد؟! وكيف أريد ذاك وأنت مني ... بمنزلة النياط من الفؤاد؟! وكيف أريد ذاك وأنت مني ... وأنت لغالب رأس وهاد؟! وَقَالَ بعضهم: كتب بهذا البيت إِلَى مُحَمَّد حين ظهر، فكتب إِلَيْهِ (محمّد) بهذه الأبيات، ثُمَّ كَانَ بين الظاهر والمستخفي [1] . 94- حَدَّثَنِي الأثرم، عَن الأصمعي عَن نافع بْن أَبِي نعم قال: قدم عبد الله بن الحسن عَلَى عمر بْنِ عَبْدِ العزيز فَقَالَ لَهُ عمر: إنك لن تغنم غنيمة ولا يغنمها أهلك خير من نفسك. فرجع (عبد الله) فأتبعه حوائجه. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ يقول لبنيه: اصبروا فإنما هي غدوة أَوْ روحة حَتَّى يأتي الله بالفرج.

_ [1] قال السيد أبو طالب أخبرنا أبو العباس الحسني، قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن عطية الصفار، قال: حدثني جعفر بن محمد السدوسي قال: حدثني أبو خالد الواسطي قال: لقيت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الحسن عليهم السلام قبل ظهوره فقلت: يا سيدي وسر (ني) بأمر تجري به متى يكون هذا الأمر؟ فقال لي: وما يسرك منه يا أبا خالد؟ فقلت له: يا سيدي وكيف لا أسر بأمر يخزي الله به أعداءه وينصره به أولياءه؟ فقال: يا أبا خالد أنا خارج وأنا والله مقتول!! والله ما يسرني أن الدنيا بأسرها لي عوضا عن جهادهم!!! يا أبا خالد إن امرأ مؤمنا لا يصبح حزينا و (لا) يمسي حزينا مما يعاين من أعمالهم إنه لمغبون. قال: قلت: يا سيدي والله إن المؤمن لكذلك!!! ولكن كيف بنا ونحن مقهورون مستضعفون خائفون لا نستطيع تغييرا. فقال: إذا كنتم كذلك فلا تكونوا لهم جميعا وانفذوا من أرضهم.

95- قَالُوا: ولما توفي أَبُو العباس واستخلف أمير الْمُؤْمِنِينَ المنصور كتب إِلَى زياد بْن عبيد اللَّه يأمره بالتشدد عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن الحسن حَتَّى يأتيه بابنه مُحَمَّد، فلم يفعل وجعل يعذر، وَكَانَ كاتب زياد يتشيع. فبلغ ذَلِكَ المنصور فكتب إِلَيْهِ: أن نح كاتبك حفصًا. فنحاه عَنْهُ ثُمَّ كتب زياد إِلَى عيسى بْن مُوسَى فكلم المنصور فِي رده فرده، واستبطأ المنصور زيادًا وشخص إِلَى الْمَدِينَة سنة أربعين ومائة، فأعطى اهل المدينة إعطاء كاملا، وقسم فيه مالا، وتحول زياد حين قدم المنصور عَن دار الإمارة، ونزل داره الَّتِي أقطعه إياها أَبُو العباس، وهي بالبلاط وهي الَّتِي يقال لَهَا دار مُعَاوِيَة. ودخل زياد عَلَى المنصور فلم يأمره بالجلوس ولم يرد عليه السلام!! فلم يزل قائما حَتَّى انتصف الليل ثُمَّ رفع رأسه إِلَيْهِ فَقَالَ: قتلني اللَّه إن لم أقتلك!!! حذرت ابني عَبْد اللَّهِ حَتَّى هربا من بعد ما ظهرا، وقلت لمحمد: اذهب إِلَى حيث شئت. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وجهت عقبة بْن سلم فِي أمرهما فشخص من الْكُوفَة، فلم ينزل منزلا إِلا أظهر فِيهِ سفطا مَعَهُ فيه سكاكين وقال: أمرني أمير المؤمنين أن أذبح فلانا وفلانا. فلما بلغهما ذَلِكَ حذرا، فلو تركتني لرجوت أن أترفق بهما حَتَّى يظهرا. ثُمَّ إنه أمر زيادًا بأخذ عبد الله بن الحسن، فأخذه وحبسه في دار مروان. وكان منصور قبل قدومه الْمَدِينَة بعث عقبة بْن سلم بن الملة [1] إلى المدينة ليعلم علم محمد، فقد مها متنكرا فجعل يبيع العطر [2] ويدس غلمانا

_ [1] رسم الخط في هذه الكلمة غير واضح، ولعله يساعد على ان يقرء: الملد. ثم إن هذا المعنى ذكره مسندا في مقاتل الطالبيين ص 211. [2] لعل هذا هو الصواب، ولكن ظاهر رسم الخط: «الفطر» وكذا فيما بعده. وقال السيد أبو طالب: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسيني قال: أخبرنا أبو علي الحسين بن علي بن بزرج (ظ) قال: سمعت محمد بن يحيى الصولي يقول: سمعت محمد بن القاسم أبا العيناء يقول- وقد تذاكرنا ذهاب بصره- قال: كان أبو جعفر- يعني الدوانيقي- دعا جدي وكان في نهاية الثقة به والعقل عنده، فقال له: قد ندبتك لأمر عظيم عندي موقعه كما قال أبو ذويب: ألكني إليها وخير الرسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبر ثم عرفه ما يريد منه وأطلق له مالا خطيرا، وقال: كل شيء تريده من المال بعد هذا فخذه وصر إلى المدينة فافتح بها دكان عطار، وأظهر أنك من خراسان (وأنك) شيعة لعبد الله بن الحسن بن الحسن وأنفق على أقربائه واهدلهم وله ما يقربك منهم وكاتبني مع ثقاتك بأنفاسهم وتعرف لي خبر ابنيه محمد وإبراهيم. فمشى جدي ففعل ذلك كله، فلما أخذ أبو جعفر عبد الله بن الحسن وإخوته جعل يوبخ عبد الله على شيء من قوله وفعله ويأتيه بما ظن عبد الله أنه ليس أحد يعلمه، فقال عبد الله لبعض ثقاته: من أين أتينا؟ قال: من جهة العطار. قال: اللهم أبله في نفسه وولده بما يكون نكالا له وردعا لغيره وبلاءا ليشهر به. قال: فعمي جدي وعمي بعده أبي وولده!!! وأنا على الحال التي ترون وكذلك ولدي من دعاء عبد الله بن الحسن إلى يوم القيامة. هكذا ارواه عنه في الباب «8» من تيسير المطالب ص 117.

يبيعون العطر ويسألون عَن الأخبار، وَكَانَ يبذل ويعطي فِي طلبه ويكتب بالأخبار. وَكَانَ المنصور يدس قوما يتجرون فِي البلدان ويتعرفون الأخبار، ودس رجلا أعطاه مالا، فأتى عَبْد اللَّهِ بن الحسن، فأظهر (له) التشيع وَقَالَ: إن معي مالا أدفعه أليكم. فوثق بِهِ!!! وبعث مَعَهُ من أوصله إِلَى مُحَمَّد وَهُوَ فِي جبل جهينة، ثُمَّ علم عَبْد اللَّهِ بعد ذَلِكَ أنه عين فبعث إِلَى مُحَمَّد رجلا من مزينة يحذره إياه، فقيده محمد وحبسه عند بعض الجهنيين (ظ) ثم إنه احتال فهرب في عزارة محيطة [1] ولم يعرف ذَلِكَ العين اسم الرسول المزني فبعث

_ [1] كذا في الأصل، والظاهر ان في الكلام تصحيفا، وقال ابن الأثير، في حوادث سنة 144، من كتاب الكامل: ج 5 ص 515: فمر به الأعراب معهم حمولة إلى المدينة فقال لبعضهم فرغ هذه الغرارة وأدخلنيها أكن عدلا لصاحبها ولك كذا وكذا. ففعل وحمله حتى أقدمه المدينة ...

أَبُو جعفر المنصور من حمل إِلَيْهِ مائة رجل من المزنيين، فكان صاحبه فِيهِمْ فلما رآه أشار إِلَيْهِ، فضرب تسع مائة سوط. وأراد المسيب الضبي (ظ) ضرب عنق عَبْد اللَّهِ فمنعه المنصور من ذَلِكَ [1] . 96- قَالُوا: وشخص المنصور من الْمَدِينَة إِلَى الْكُوفَةِ راجعا وعبد اللَّه محبوس، وأمر زيادًا بطلب محمد وإبراهيم فعبب [2] وقصر، وبلغ ذَلِكَ المنصور فعزله، ويقال: إنه أغرمه مالا وولي الْمَدِينَة عَبْد العزيز بْنِ عَبْدِ المطلب من آل كثير بْن الصلت، ثُمَّ عزل عَبْد العزيز واستعمل مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري عَلَى الْمَدِينَة، فقدمها فِي رجب سنة/ 457/ إحدى وأربعين ومائة، فاستبطأه [3] فِي أمر مُحَمَّد، وبلغه أنه وجد فِي بيت مال الْمَدِينَة ألف ألف درهم وسبعين ألف دينار فأسرع فِي إنفاقها، فعزله فِي سنة أربع وأربعين ومائة، وولي الْمَدِينَة رباح بْن عُثْمَان بْن حيان المري [4] فأخذ كاتب محمد ابن خالد- وَكَانَ يقال لَهُ رزام فضربه وعذبه، وحبس محمدا. (واختفى محمد بن عبد الله) فبعث بابنه عَلِيًّا داعية إِلَى مصر، فدل عَلَيْهِ وحمل إِلَى المنصور فأمر بحبسه [5] . وَكَانَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ قدم إِلَى الْبَصْرَة، فأرسل إلى عَمْرو بْن عبيد صاحب الحسن فلقيه فطالت النجوى بينهما فلم يجبه عَمْرو إِلَى شَيْء، ووعظه وحذره

_ [1] وهذا لذيل ذكره في مقاتل الطالبيين ص 213 في قصة أخرى. [2] كذا في ظاهر رسم الخط ويمكن أن يقرأ: «فعيب» . [3] وهنا كان تكرار في العبارة قد ضرب الخط على بعضها دون بعض فحذفناها كلها، والأمر جلي في كون ما حذفناه زائدا. [4] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: رباح بن عفان ... [5] ما بين المعقوفين زيادة تقتضيها السياق، ويجيء في أواخر ترجمة أولاد الإمام الحسن ان علي بن محمد بن عبد الله مات في حبس المنصور ببغداد.

الدماء وسوء العواقب [1] . وقدم المنصور الْبَصْرَة، فأرسل إِلَى عَمْرو أن النَّاس مجمعون عَلَى أنك قد بايعت محمدًا. فَقَالَ عَمْرو: والله لو قد قلدني النَّاس أمرهم عَلَى أن أختار لهم إماما مَا اخترته فكيف أبايع محمدًا؟! وكتب المنصور عَلَى لسان مُحَمَّد كتابا إِلَى عَمْرو بْن عبيد، فلما قرأه قَالَ للرسول ليس لَهُ جواب عَلَى ذاك، قل لَهُ: دعنا عافاك اللَّه نعيش فِي هَذَا الظل ونشرب هَذَا الماء البارد حَتَّى يأتينا الموت. فلما رجع الرسول إلى المنصور (و) أخبره فقال: هذه ناحية قد كفيناه. 97- قالوا: وضيق رباح عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن الحسن، وأخذ أخاه حسن ابن حسن، وعدة من أهلهما فحبسهم، وحج المنصور سنة أربع وأربعين ومائة فتلقاه رباح بالربذة، فأخبره بما صنع بعبد اللَّه ومن مَعَهُ، وقد كَانَ حملهم يتلقى المنصور بهم، فدعا المنصور بعبد اللَّهِ فأغلظ عَبْد اللَّهِ لَهُ، فأمر ببيع متاعه واصطفاه ماله فبيع متاعه وصير فِي بيت المال بالمدينة، فأخذ مالك بْن أنس الفقيه رزقه من ذَلِكَ المال بعينه اختيارًا منه [2] . ودعا المنصور بعقبة بْن سلم (ظ) فَقَالَ لعبد اللَّه: أتعرف هَذَا؟ فسقط فِي يده

_ [1] قال في مقاتل الطالبيين ص 209: أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني غير واحد من أصحابنا: أن محمدا دعا عمرو بن عبيد فاعتل عليه، وكان عمرو حسن الطاعة في المعتزلة، خلع نعله فخلع ثلاثون ألفا نعالهم!!! وكان أبو جعفر يشكر ذلك له، وكان عمرو يقول: لا أبايع رجلا حتى أختبر عدله. [2] وبهذا العمل ونظائره أصبح الرجل من فقهاء الأمة!!! وسعى العباسيون وراء نشر كتبه وفتاويه في ارجاء العالم الإسلامي لا سيما في الآفاق البعيدة عن أهل الخبرة والتحقيق!!!

وَكَانَ يراه فلا يدري أنه عين عَلَيْهِ وعلى ولده. وأمر المنصور بحمل عَبْد اللَّهِ ومن أخذ مَعَهُ- ومحمد يومئذ بجبال رضوى- وَكَانَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ المطرف بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عفان، قد زوج ابنته من إبراهيم بْن عَبْدِ اللَّهِ، فأخذه المنصور بأن يدله عَلَى إبراهيم فأبي، فضربه بالربذة ستين سوطًا، فَقَالَ لَهُ قولا غليظا تعدى فِيهِ، فضربه مائة وخمسين سوطًا، وحمل مع القوم، وكان يقال لمحمد هَذَا الديباج. وبعث المنصور عيسى بْن علي عمه إِلَى عَبْد اللَّهِ- وَهُوَ بالربذة- فَقَالَ لَهُ: أذكرك اللَّه فِي نفسك وأهل بيتك أظهر ابنيك وخذ عَلَى أمير الْمُؤْمِنِينَ مَا شئت من عهد وميثاق! فَقَالَ إني لا أجيب بِشَيْءٍ إِلا أن يأذن لي أمير الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ فأكلمه. فأبي المنصور أن يأذن لَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يسحرني بلسانه كما سحر غيري!!! 98- وَقَالَ بعض الرواة: إن عَبْد اللَّهِ وأهل بيته لم يكونوا مَعَ رياح بالربذة، ولكن المنصور وجه أبا الأزهر فحملهم من الْمَدِينَة إِلَى الربذة، ومضى بالقوم ومضى مَعَهُ إلى مكة، ثم انصرف إلى العراق وهم مَعَهُ، فلم يزل عَبْد اللَّهِ بْن حسن محبوسا عنده حَتَّى مات فِي محبسه بهاشمية الكوفة، وهو يومئذ ابْن اثنتين وتسعين سنة [1] ودفن عندها بقرب قنطرة الْكُوفَة عَلَى الفرات. 99- وتوفي حسن بْن حسن بْن حسن بْن علي بالهاشمية أَيْضًا فِي حبس أَبِي جعفر سنة خمس وأربعين ومائة [2] وكان حسن صاحب جد فقدم

_ [1] كذا في الأصل، وفي مقاتل الطالبيين ص 184: «وهو ابن خمس وسبعين» . وانظر الاغاني ج 18، ص 205 والإصابة ج 5 ص 133. [2] ومثله في ترجمة الحسن من الطبقات الكبرى: ج 5 ص 235 وتاريخ بغداد: ج 7 ص 294 ومقاتل الطالبيين ص 186، وقال كان الحسن بن الحسن بن الحسن متألها فاضلا ورعا، يذهب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى مذهب الزيدية.

السيالة [1] فِي أيامه وبها إِبْرَاهِيم بْن هرمة فيشرب/ 458/ فِي أصحاب لَهُ وقد نفد مَا مَعَهُ [2] فكتب إِلَيْهِ يعلمه أن قوما أتوه وأنه لا شَيْء عنده وكتب فِي أسفل كتابه: إني أجلك أن أقول لحاجتي ... فَإِذَا قرأت صحيفتي فتفهّم وعليك عهد الله إن أخبرتها ... أَهْل السيالة إن فعلت وإن لم قَالَ: وعلي عهد اللَّه إن لم أخبرهم!!! فأخبر العامل بخبره وخبر أصحابه، فلما بلغ ابْن هرمة ذَلِكَ فرق أصحابه. 100- ولما بلغ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ حبس أَبِيهِ- ويقال موته- خرج بعد أيام بالمدينة، وصار إِبْرَاهِيم إِلَى البصرة وأتى الأهواز، فأمر المنصور بالعثماني فقتل!!! 101- وقال أبو اليقظان: ضرب المنصور عنقه صبرًا وشهر رأسه وأظهر أنه رأس مُحَمَّد، وبعث بِهِ إِلَى خراسان. 102- وقال المدائني: وجد المنصور كتابا للعثماني إلى محمد بن عبد الله فاحتفظه ذلك (ظ) فدعا به فضربت عنقه وبعث برأسه إِلَى خراسان. 103- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئ قَالَ: مر المنصور بعبد اللَّه بْن حسن وَهُوَ مغلول مقيد فِي محمل بلا وطاء!!! فَقَالَ لَهُ: يا أمير المؤمنين

_ [1] قال في باب السين من معجم البلدان: ج 3 ص 292 ط 2: السيالة- بفتح أوله وتخفيف ثانيه وبعد اللام هاء-: أرض يطؤها طريق الحاج. قيل: هي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة. قال ابن الكلبي: مرتبع بها بعد رجوعه من قتال أهل المدينة، وواديها يسيل فسماها السيالة. [2] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «وقد تقدما معه» .

ما فعل رسول الله هَذَا بأسارى بدر؟! فلم يكلمه بِشَيْءٍ [1] . 104- وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابُنَا عَن الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ، عَن أحمد بن محمد، عن محمد بن حرب (ظ) قال: قال عبد الله بن الحسن لابنه مُحَمَّد حين أراد الاستخفاء من المنصور: يَا بني إني مؤد إِلَى اللَّه حقه فِي نصيحتك فأد إِلَى اللَّه حقه فِي الاستماع والقبول، يَا بني كف الأذى واستعن عَلَى السلامة بطول الصمت، فِي المواطن الَّتِي تدعوك نفسك إِلَى الكلام فِيهَا، فَإِن الصمت خير (حسن «خ» ) عَلَى كُلّ حال إذا لم يكن للكلام موضع، وللمرء أوقات يضر فيها خطا (ؤ) هـ وَلا ينفع صوابه. واعلم أن من أعظم الخطاء العجلة قبل الإمكان، والإناءة بعد الفرصة، واحذر الجاهل وإن كان (لك) ناصحا!!! كما تحذر العاقل إذا كَانَ لك عدوا [2] .

_ [1] وفي تذكرة الخواص ص 219: فناداه عبد الله بن حسن: يا أبا جعفر (أ) هكذا فعلنا بكم يوم بدر؟!! فلم يكلمه (المنصور) . (قال سبط ابن الجوزي) يشير إلى فعل النبي صلى الله عليه وآله بالعباس لما أسر يوم بدر وبات يئن في قيوده أو في قده- فقال: لقد منعني أنين العباس الليلة أن أنام. ثم حل عنه (قيده) . [2] ورواه أيضا ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حسن من تاريخ دمشق ج 9/ الورق 66 ب/ قال: أخبرنا أبو الحسن ابن الفراء، وأبو غالب وأبو عبد الله أبناء البناء، قالوا: أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة، أنبأنا أبو طاهر المخلص أنبأنا أحمد بن سليمان، أنبأنا الزبير بن بكار، قال: وحدثني أحمد بن محمد، عن محمد بن حرب قال: قال عبد الله بن حسن بن حسن لابنه مُحَمَّد بن عَبْد الله بن حسن حين أراد الاختفاء ... وساق الكلام بمغائرة قليلة في بعض الألفاظ وزيادة جمل في آخره.

خروج محمد بن عبد الله بن حسن ومقتله

خروج مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن ومقتله 105- قالوا: وأقبل مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن فِي ولاية رياح [1] ابن عثمان بن حيان بن معبد المري المدينة في مائة وخمسين، وهو على حمار. ويقال: أتى بني سلمة من الأنصار فأقام (فيهم) وتوافى إِلَيْهِ أصحابه [2] ثُمَّ أتى السجن فأخرج من فِيهِ، فأقبل حَتَّى أتى بيت عاتكة بنت يزيد بْن مُعَاوِيَة الَّذِي يقول فِيهِ الأحوص بْن مُحَمَّد الأَنْصَارِيّ: يا بيت عاتكة الذي أَتَغزّلُ ... حذر العِدى وبه الفؤاد موكل فجلس عَلَى بابه وَهُوَ يقول: لا تقتلوا أحدًا وادخلوا المقصورة. فدخلوها وأحرقوا باب الخوخة ودخلوا دار مروان وفيها رياح- وَكَانَ رياح يقول: أبدا هَذِهِ الدار محلال مظعان [3] وأنا أول ظاعن عَنْهَا- فصعد رياح مشربة فِي الدار وهدم الدرجة فصعدوا إليه فأنزلوه، وأمر بحبسه وحبس أم (ولد) لَهُ. وأخرج مُحَمَّد بن (عبد الله بن) خالد القسري من المحبس وَكَانَ المري حبسه وَابْن أخيه نذير بْن يزيد بْن خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ، وأصبح مُحَمَّد فبايعه النَّاس وخطبهم فَقَالَ: يَا أَهْل الْمَدِينَة إني والله مَا خرجت فيكم للتعزز بكم ولغيركم (ظ) أعز منكم وما أنتم بأهل قوة وَلا شوكة ولكنكم أهلي وأنصار جدي فجبوتكم

_ [1] في جل الموارد من الأصل كان لفظ: «رباح» مكتوبا بالباء الموحدة بعد الراء وفي قليل من المواضع كان مكتوبا فيه بالياء المثناة التحتانية بعد الراء. [2] هذا هو الظاهر، من السياق، وفي النسخة: «أصحاب» . [3] كذا في تاريخ الكامل، ورسم خط هذه الكلمة في الأصل غامض وكأنها قد صورت في النسخة بصورة كلمتين وشطب عليهما.

(كذا) بنفسي والله مَا من مصر يعبد اللَّه فِيهِ إِلا وقد أخذت لي دعاتي فِيهِ بيعة أهله، ولولا مَا انتهك مني ووترت به ما خرجت!!! [1] . ووجّه (محمد) حسن بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر [2] إِلَى مَكَّة فقدم حسن بْن معاوية عَلَى مقدمته أبا عدي عَبْد اللَّهِ بْن عدي بْن حارثة بْن ربيعة بْنِ عَبْدِ العزى بْن عَبْد شمس الَّذِي يقول للوليد: إن/ 459/ سيري إليك من قن أرضي ... لمن الحزم والفعال السديد عبد شمس أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكان بعيد والقرابات بيننا واشجات ... محكمات القوى بعقد سديد فأثبني ثواب مثلك مثلي ... تلفني للثواب غير جحود فكان أَبُو عدي يقدم مولى لبعض أَهْل الْمَدِينَة يقال لَهُ: سلجم أمامه حَتَّى قدموا مَكَّة وعليها السريّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن الْعَبَّاس بْنِ عبد المطلب، فكان سلجم ينادي ابرز يا ابن أبي عضل- وكان الحرث بْن العباس يلقب أبا عضل فكانت فِيهِ لكنة- فتنحى السري عن مكة.

_ [1] وقال السيد أبو طالب: أخبرنا أحمد بن محمد البغدادي المعروف بالآبنوسي قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن سليمان بن خالد، قال: حدثنا أبو موسى قال: حدثنا أبو روح، قال: حدثنا مسعدة بن صدقة قال: خطب مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الحسن عليهما السلام عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم فقال: أما والله لقد أحيا زيد بن علي ما دثر من سنن المرسلين وأقام عمود الدين إذ اعوج، ولن ننحو إلا اثره، ولن نقتبس إلا من نوره، وزيد إمام الأئمة، وأولى من دعا إلى الله بعد الحسين بن علي عليهما السلام. [2] وقد عقد له في مقاتل الطالبيين ص 300 ترجمة، كما أن له أيضا ذكر في كتاب المعارف ص 90 وفي تاريخ الطبري ج 9 ص 232 وفي تاريخ الكامل ج 5 ص 222.

وَكَانَ خروج مُحَمَّد ليلة الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة- ويقال لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان فِي عامه ذَلِكَ- سنة خمس وأربعين (ومائة) . وسارع أَهْل الْمَدِينَة إِلَى بيعة مُحَمَّد وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي كنا نسمع بِهِ «العجب كُلّ العجب بين جمادى ورجب» . وأمر مُحَمَّد بْن عبد الله، إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم بْن طَلْحَة بن عمر ابن عبيد اللَّه بْن معمر ببيعته فأباها وَقَالَ: قد بايعت لأبي جعفر المنصور أمير الْمُؤْمِنِينَ!!! فكان المنصور يقول له- بعد قتل مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ-: لو كَانَ بالمدينة آخر مثلك لم يقتل مُحَمَّد نفسه. وَكَانَ الَّذِينَ خرجوا مَعَ مُحَمَّد جهينة ومزينة وأهل الْمَدِينَة. وقدم الْكُوفَة رجل فِي تسع ليال فأخبر بخروج مُحَمَّد، فلما تبين المنصور صدقه أمر له بتسعة آلاف درهم لكل ليلة ألف، ولما ورد ذَلِكَ الرَّجُل الْكُوفَة كتب إِلَى المنصور بخبره وَهُوَ ببغداد يقدر بناء مدينته بِهَا، فشخص من يومه حتى أتى الكوفة وقال أطاء أصمختهم!!! [1] وأقطعهم عن إمداد محمد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن فإنهم سراع إِلَى أَهْلِ هَذَا البيت. وغدر مُحَمَّد بْن خالد القسري بمحمد بْن عَبْدِ اللَّهِ!!! وَقَالَ لَهُ: إن لك (علي) هَذِهِ اليد، بإخراجك إياي من الحبس فسم لي من بايعك من أهل العراق

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «أسمختهم» . والأصمخة- كالأصموخ والصمخ على زنة أرغفة وأسبوع وعنق- جمع الصماخ- بكسر الصاد-: الأنف أو خرق الأذن الباطن الماضي إلى الرأس. وهذا المضمون يأتي أيضا في الحديث: (119) في ص 117.

حَتَّى أكتب إِلَى موالي هناك وأهل بيتي ومعاضدتهم [1] ومكانفتهم فِي أمرهم. فسمى لَهُ من بايعه فكتب إلى المنصور بأسمائهم!!! فظفر مُحَمَّد بالكتاب والرسول وَكَانَ قد قَالَ لَهُ أَيْضًا: إني مطاع بالشام فابعث أخاك مُوسَى بْن عَبْدِ اللَّهِ مَعَ ابْن أخي نذير بن يزيد بن خالد، ومولاي رزام ليدعوا النَّاس بالشام إِلَى طاعتك ويأخذ لك مُوسَى البيعة عليهم. ففعل، فخلفاه بدومة الجندل وقالا لَهُ: انتظرنا حَتَّى نحكم لك الأمور ثُمَّ نشخص!! ثُمَّ مضيا إِلَى المنصور فأخبراه خبره ليوجه إِلَيْهِ من يحمله!!! فلم يقم مُوسَى وانصرف إِلَى الْمَدِينَة، لاسترابته بهما حين فارقاه، وأخذ محمد بن عبد الله، محمد بن خالد القسري فحبسه. 106- قالوا: وكتب المنصور إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ حين خرج: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، عَذابٌ عَظِيمٌ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فا (علموا أ) ن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (32- 34/ المائدة) فَإِن تبت ورجعت من قبل أن أقدر عليك، فلك أن أومنك وجميع إخوتك وولدك وأهل بيتك وأتباعك، وأعطيك ألف ألف درهم [2] .

_ [1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: في معاضدتهم. أو بمعاضدتهم. [2] والكتاب رواه أيضا سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص، ص 127، طبع ايران وفي طبع النجف ص 221، وإليك نصه: قال: قال هشام بن محمد: ولما بلغ أبا جعفر (المنصور) خروج محمد كتب إليه: من أمير المؤمنين أبي جعفر إلى محمد بن عبد الله، قال الله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الأرض فسادا- إلى قوله- إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم» . ولك علي عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله إن تبت ورجعت من قبل أن أقدر عليك فأنت آمن وجميع ولدك وإخوتك وأهل بيتك ومن اتبعك على دمائهم وأموالهم وأعطيك ألف ألف درهم وأنزلك أي البلاد أحببت، وأطلق من في حبسي من أهلك، وإن شئت أن تستوثق لنفسك فابعث إلي من شئت لنأخذ لك الأمان والعهود والسلام. فكتب إليه محمد بن عبد الله: من محمد بن عبد الله المهدي إلى عبد الله بن محمد «طسم تلك آيات الكتاب المبين، نتلو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كانوا يحذرون» . وأنا أعرض عليك من الأمان مثل ما عرضت علي، وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا وخرجتم له بشيعتنا وخطبتم بفضلنا!!! وإن أبانا علي كان الوصي وهو الإمام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء؟ ثم قد علمت أنه لم يطلب هذا الأمر أحد له نسبنا وشرفنا، لسنا من أبناء الطلقاء ولا الطرداء ولا اللعناء ولا يمت أحد من بني هاشم بمثل ما نمت به من القرابة والسابقة والفضل، وإنا بنو أم رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة بنت عمرو في الجاهلية، وبنو فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله في الإسلام، فوالدنا علي أول الناس إسلاما وأول من صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وجدتنا خديجة الطاهرة، وإن هاشما ولد أبانا مرتين مرة من قبل أبيه ومرة من قبل أمه فاطمة بنت أسد، وكذا ولد حسنا مرتين فأنا أوسط بني هاشم نسبا وأشرفهم أبا، لم ينازع في أمهات الأولاد، ولم يعرق في العجم!!! ولك من الأمان على مثل ما ذكرت إن دخلت في طاعتي وأجبت دعوتي أن أؤمنك على نفسك وولدك ومالك وأهلك وعلى كل حدث أحدثته إلا حدا من حدود الله (أ) وحقا لمسلم أو معاهد!!! وأما قولك عن الأمان فأي الأمانات تعطيني؟ (أ) أمان عمك عبد الله بن علي؟ أو أمان أبي مسلم؟ أو أمان ابن هبيرة والسلام؟!!

فكتب إِلَيْهِ مُحَمَّد: طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَ

عَلَى الَّذِينَ/ 460/ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ مَا كانُوا يَحْذَرُونَ» (1- 4/ القصص) . وقال في كتابه: [1] إن اختارنا واختار لنا، فوالدنا من النبيين مُحَمَّد أفضلهم مقاما، ومن السلف أولهم إسلاما (علي) ومن الأزواج خيرهم خديجة الطاهرة، وأول من صلى القبلة، ومن البنات خيرهن فاطمة سيدة نساء أَهْل الجنة، ومن المولودين فِي الإسلام الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أَهْل الجنة. وإن هاشما ولد عليا مرتين، وإن عبد المطلب ولد حسنا مرتين، فأنا أوسط بني هاشم نسبا وأصرحهم أما وأبا، لم تعرّق في العجم [2] وأنا ابن أرفع

_ [1] وقبله في تاريخ الكامل- بعد قوله: «ما كانوا يحذرون» هكذا: «وأنا أعرض عليك من الأمان مثل ما عرضت علي فإن الحق حقا وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا (لنا «خ» ) وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضلنا (ظ) !!! فإن أبانا عليا كان الوصي وكان الإمام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء؟!! ثم قد علمت أنه لم يطلب الأمر أحد (له) مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا، لنا من أبناء اللعناء ولا الطرداء ولا الطلقاء، وليس يمت أحد من بني هاشم بمثل الذي نمت به من القرابة والسابقة والفضل، وإنا بنو أم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة بنت عمرو في الجاهلية، وبنو بنته فاطمة في الإسلام دونكم. إن الله اختارنا واختار لنا ... » . [2] لعل هذا هو الصواب بقرينة ما يأتي في جواب المنصور لهذا الكتاب، وبقرينة رواية الكامل: ج 5 ص 537: «لم تعرق (لم تعرف «خ» ) في العجم، ولم تنازع في أمهات الأولاد» . ورسم الخط من النسخة هاهنا غير واضح وربما يقرأ: «لم نفرق ... » .

النَّاس درجة فِي الجنة، وَابْن أهونهم عذابا فِي النار [1] . ولك الأمان إن دخلت فِي طاعتي فأنا أولى بالأمر منك، وأولى بالوفاء بالعهد، فأي الأمانات- ليت شعري- أعطيتني أأمان ابْن هبيرة؟!! أم أمان عمك عَبْد اللَّهِ بْن علي؟! [2] فكتب إِلَيْهِ المنصور: قد بلغني كتابك فإذا جلّ فخرك بقرابة النساء لتغر [3] (ظ) بِذَلِكَ الجفاة والغوغاء، ولم يجعل اللَّه النساء كالعمومة والعصبة [4] وقد جعل اللَّه العم أبا وبدأ بِهِ قبل الوالد، فَقَالَ: «نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ» (133/ البقرة: 2) فسمى إسماعيل أبا وهم عم يعقوب [5] ولقد بعث اللَّه نبيه محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله عمومة أربعة، فدعاهم وأنذرهم فأجابه

_ [1] هذه الجملة من زيادات دعاة السوء وأيناء السياسة وآكلي الرشاء والأقلام المستأجرة، وشهود الزور، والنفس الزكية أجل وأزكى من أن ينسب إلى جده ما هو مباين لمقام جده وكريم منزلته ومشكور سعيه في تربية رسول الله والدفاع عنه، ومرضي ايمانه بالله وإخلاصه في توحيد الله تعالى. [2] وزاد في تاريخ الكامل بعده: «أم أمان أبي مسلم؟!!» . [3] رسم خط هذه الكلمة في الأصل غامض هكذا: «لما» ؟ وفي تاريخ الكامل: ج 5 ص 538: لتضل به الجفاة ... [4] هذا أحد تقولات المخذول وافترآته على الله، ومنه أخذ قضاة الجور والحاكمون بغير ما أنزل الله!!! وجميع أدلة حقوق القرابة وارث ذوي الأرحام على خلافة منه قوله تعالى: «وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» . ثم إن المخذول تجاهل عن جواب قول محمد: «فإن أبانا عليا كان الوصي وكان الإمام فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء؟» . [5] للشيطان شره يتمسك بدليل لو تم دلالته يكون شموله لخصمه أتم وأجلى فإن أبا طالب كان عم النبي وأخا أبيه من قبل الأب والأم بخلاف العباس فإنه كان أخا لعبد الله أبي النبي من قبل الأب فقط.

أثنان أحدهما أَبِي، وأبى الإسلام اثنان أحدهما أبوك [1] فقطع الله وراثتهما وولايتهما منه.

_ [1] هذا أيضا من أباطيل المخذول، وأبيات أبي طالب المروية من طريق أولياء الدوانيقي تشهد ببطلان ما اختلقه عليه!!! مع أن ما قاله في حد ذاته لا وزن له لأنه ادعاء محض من خصم ألد لم يأت لما ادعاه بشاهد، وأما إسلام أبيه العباس فكان بعد ما فاز أهل السبق بالفضائل ونالوا الفواضل وأسروه ببدر فآمن حذرا من علاء الصمصامة عليه كما يدل عليه ما رواه البلاذري في الحديث (5) من ترجمة العباس من انساب الأشراف: ج 2/ الورق 262 ب/ قال: قال: حدثني أبو مشعر (معشر «خ» ) رجل من أهل اليمن، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن عباس ان رجلا من قريش رأى العباس فقال: هذا عم النبي ما أسلم حتى لم يبق كافر!!! فشكى العباس إلى النبي ... ولو سلم أنه آمن حقيقة لا خوفا فلا ينفع أيضا للمخذول شيئا، لقوله تعالى في الآية: «72» من سورة الأنفال: «والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا» . ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا هجرة بعد الفتح. وأما إسلام أبي طالب وايمانه بالنبي وما جاء به من عند الله تعالى فهو صريح كثير من أبياته وأقواله المروية من طريق أولياء المنصور وشيعته مع شدة حذرهم عن رواية أمثالها!!! أليس من قول أبي طالب ما تقدم عن المصنف تحت الرقم: (14) من ترجمته: ج 2 ص 31: منعنا الرسول رسول المليك ... ببيض تلألأ مثل البروق أذب وأحمي رسول الإله ... حماية عم عليه شفيق أليس من صريح الإيمان قوله: ليعلم خيار الناس أن محمدا ... وزير لموسى والمسيح بن مريم أتانا بهدي مثل ما أتيا به ... فكل بأمر الله يهدي ويعصم أليس من صريح الاعتراف بنبوته وما جاء به قوله: أمين حبيب في العباد مسوم ... بخاتم رب قاهر في الخواتم نبي أتاه الوحي من عند ربه ... ومن قال: لا يقرع بها سن نادم أليس من أوضح الاقرار برسالة النبي قوله: ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا ... رسولا كموسى خط في أول الكتب أليس من أظهر مصاديق الاعتراف بنبوة النبي قوله: وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى ... وأمر أتى من عند ذي العرش قيم أو ليس من خالص الإيمان قوله: ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا أليس من أكد الإيمان والدعوة إلى رسول الله قوله: أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب ... على نبي كموسى أو كذي النون أليس من أقوى أنحاء الاقرار بنبوة النبي قوله: والله لا أخذل النبي ولا ... يخذله من بني ذو حسب نحن وهذا النبي ننصره ... نضرب عنه الأعداء بالشهب أليس من أوثق أقسام التصديق لنبي الله والحث على الإيمان به قوله في حث حمزة لحماية النبي: فصبرا أبا يعلى على دين أحمد ... بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا فقد سرني ان قلت: إنك مؤمن ... فكن لرسول الله في الله ناصرا هذه نبذة قليلة من أقوال أبي طالب الصريحة في إيمانه برسول الله، ومن أراد المزيد فعليه بكتاب الغدير: ج 7 ص 331 وتواليها، وص 370 وما بعدها منه.

وزعمت أنك ابْن أخف النَّاس عذابا يوم القيامة، وَابْن خير الأشرار وليس من الكفر بالله صغير، وما من شيء من عذاب اللَّه بخفيف!!! وليس فِي فِي الشرار خير، وليس ينبغي لمسلم يؤمن بالله أن يفخر بأهل النار [1] . وأما مَا فخرت بِهِ من أن عَلِيًّا ولده هاشم مرتين وأن عَبْد المطلب أبوه أَبُو طالب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ولد حسنا مرتين. فخير الأولين

_ [1] قد تقدمت الإشارة إلى نزاهة النفس الركية عن أمثال هذه الأباطيل، وانها من اختلافات أعداء أهل البيت وأبناء الدنيا الذين يتقربون إلى الملوك والأثرياء بالأكاذيب، واختلاق ما يعاضدهم في استدامة ظلمهم واستمرارهم على العتو واضطهاد المحقين والدليل على الزيادة هو تواتر ابيات أبي طالب الصريحة في إيمانه وإجماع أهل البيت على أن أبا طالب رضوان الله عليه، من أسبق السابقين إلى الإيمان بالله تعالى ورسوله.

والآخرين رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يلده هاشم ولا عبد الله المطلب إلا مرة مرة. وفخرت بأنك لم تلدك العجم ولم تعرق فيك أمهات الأولاد. فقد فخرت عَلَى من هو خير منك نسبا وأبا وأولا وآخرًا إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت أمه مارية القبطية [1] وما ولد (فيكم بعد وفات رسول الله) أفضل من عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وَهُوَ لأم ولد، وهو خير من جدك حسن بْن حسن، وما كَانَ فيكم بعده مثل ابنه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وأمه أم ولد [2] . وأما قولك أنكم بنو رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِن اللَّه تبارك وتعالى يقول: «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» ولكنكم بنو بنته وهي رحمها اللَّه لا تحرز الميراث ولا ترث الولاء ولا يحلها أن تؤمّ فكيف يورث بهذا إمامة [3] .

_ [1] هذا أيضا من جملة تلبيسات المخذول إذا النفس الزكية لم يفخر علي ابراهيم ومن هو بمزاياه، بل فخر على من هو فاقد لمزايا ابراهيم ويريد التقدم على من هو بمزايا ابراهيم ظلما وعدوانا!!! مع أن ما ذكره أيضا غير صحيح حتى بالنسبة إلى ابراهيم لأن نسبهم من طرف الأب واحد، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبوهم كما هو أب لإبراهيم أيضا ويزيدون عليه من جهة الأم وقداستها وسموها، نعم ابراهيم أقرب منهم ولكن أبوه أبوهم وأوله أولهم وهم آخره لا آخر لإبراهيم غيرهم. [2] وفي تاريخ الكامل «ما كان فيكم بعده مثل محمد بن علي وجدته أم ولد ولهو خير من أبيك ولا مثل ابنه جعفر وجدته أم ولد وهو خير منك. أقول تقدم في التعليق السابق أن النفس الزكية محمد بن عبد الله لم يستدل بما ذكره للتقدم على إبراهيم ابن رسول الله أو على علي بن الحسين وأبناءه ممن هو على منزلتهم أولهم خصائص كريمة، بل ذكره ليستدل به على أحقيته بالأمر ممن استولى عليه بالظلم وهو فاقد للمكارم الموجودة فيه، مثل المنصور وذويه الذين ركنوا إلى الدنيا وهضموا حق أهل البيت عليهم السلام، فقد تحقق أن هذا أيضا من تلبيسات المخذول. [3] صدق الله العلي العظيم إن رسول الله ليس أبا حقيقيا لأحد من رجال الأمة ممن لا يتصل ميلاده به، فليس أبا حقيقيا للمنصور ومن على شاكلته، ولكن هو أب حقيقي لرجاله وابنائه ممن تولد منه بلا فصل أو مع الفصل كإبراهيم وفاطمة وابنائها!!! فإن أنكر المنصور وذنابته كون الأولاد مع الواسطة أولادا فاللازم من إنكاره هذا أن لا يكون هو هاشميا بل ولا قرشيا فلا أولوية له على أحد من آحاد الأمة للخلافة، فلماذا يدعي الأولوية؟!! بل لازم إنكاره أن لا يكون هو من البشر ومن بني آدم!! فبأي مبرر يدعي خلافة أشرف ولد آدم والإمامة على ولده وأمته؟!!

وأما مَا ذكرت من أمر علي فقد حضرت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوفاة فأمر غيره بالصلاة [1] . فِي كلام طويل. 107- قَالُوا: وكانت أم عَلِيّ بْن الْحُسَيْن سجستانية تدعى سلافة [2] فزوجها، فكان عَبْد الملك بْن مروان يقول: أن علي بن الحسين ليرتفع من حيث تتضع الناس.

_ [1] هذا أيضا مما اختلقه المخذول ومن على شاكلته وأرباب دعايتهما للقضاء على خصائص أهل البيت عليهم السلام، إن الرجل المشار إليه كان مأمورا بأن يكون في جيش أسامة، فأين كان حتى يؤمر بالصلاة؟! فلو فرض أنه تمرد عن أمر رسول الله وتخلف اعن الجيش فإذا انه كان من المبغوضين والملعونين لقول النبي صلى الله عليه: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة. فكيف يفوض النبي أمر الصلاة إليه؟! ومع الإغماض عن ذلك كله نقول: إن الأمامة في الصلاة بفتوى المنصور ودعاته لا تدل على علو منزلة وفخامة، لأنهم لا يشترطون في إمامة الجماعة والصلاة أي شرط إلا التظاهر بالإسلام وصحة القراءة. [2] والمعروف في أخبار أهل البيت عليهم السلام انها بنت يزدجرد آخر ملوك الساسانية، وان اسمها شهربانو، أو شاه زنان. قال المبرد في الكامل: ج 2 ص 93 ط محمد على صبيح بمصر سنة 1347: كان اسم أم علي بن الحسين عليهما السلام سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب، من خيرات النساء. وقيل: (اسمها) خولة. وقد روى في كتاب عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 128، عن الحسين بن محمد البيهقي عن محمد بن يحيي الصولي عن عون بن محمد، عن سهل بن القاسم النوشجاني قال: قال لي الرضا عليه السلام بخراسان: إن بيننا وبينكم نسب. قلت: وما هو؟ قال: إن عبد الله بن عامر بن كريز لما أفتتح خراسان أصاب ابنتين ليزد جرد ابن شهريار ملك الأعاجم فبعث بهما إلى عثمان بن عفان فوهب إحداهما للحسن والأخرى للحسين عليه السلام فماتتا عندهما نفساوين. وكانت صاحبة الحسين عليه السلام نفست بعلي بن الحسين- عليهما السلام- فكفل عليا بعض أمهات ولد أبيه فنشأ وهو لا يعرف أما غيرها، ثم علم أنها مولاته وكان الناس يسمونها أمه وزعموا أنه زوج أمه ...

108- قَالُوا: وأقام مُحَمَّد بالمدينة حسن السيرة، وبلغه خروج إِبْرَاهِيم أخيه بالبصرة، فكان يقول لأصحابه: ادعوا اللَّه لإخوانكم بالبصرة واستنصروه عَلَى عدوكم. 109- قَالُوا: وكتب المنصور فِي حمل سلم بْن قتيبة (اليه) - وَكَانَ بالري مَعَ المهدي- فلما قدم عَلَيْهِ قَالَ: كيف تركت أبا عَبْد اللَّهِ؟ قَالَ: أكمل النَّاس لو بسطت من يده. قَالَ يا (أ) با قتيبة أَبِي وأباك رجلان، ليس الفساد من شأننا؟!!.

ثُمَّ قَالَ لَهُ: قد خرج مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بالمدينة. قَالَ: ليس بِشَيْءٍ خرج بأرض ليس بِهَا حلقة وَلا كراع/ 462/ أو 231/ أ/ قَالَ: وقد خرج إِبْرَاهِيم بالبصرة. قَالَ: قد خرج بأرض لو شاء أن يقيم بِهَا سنة يبايعه كُلّ يوم ألف رجل، ويضرب لَهُ فِيهَا كُلّ يوم ألف سيف لا يعلم بِهِ أحد لأمكنه ذَلِكَ!!! ثُمَّ قَالَ: انو يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ العفو تظفر. قَالَ هُوَ رأيي. قَالَ: فأبشر يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بالظفر والنصر. 110- قَالُوا: ووجه المنصور عيسى بْن موسى إلى المدينة للقاء محمد ابن عبد الله، فقال له: يا (أ) با موسى إنك تسير إلى حرم الله، وأهله ثلاث طبقات: فطبقة قريش وهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقومه وبيضتي التي تفلقت عني وطبقة المهاجرون (كذا) والأنصار، وطبقة تجار جاوروا قبر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقاموا فِي حرمه، فَإِذَا قتل مُحَمَّد فارفع السيف وَلا تتبعوا موليا وَلا تجهزوا عَلَى جريح وَلا تذبحوا فِيهَا طائرًا، وان طلب مُحَمَّد الأمان فأعطوه إياه، أفهمت يا (أ) با مُوسَى- ثلاث مرات يرددها- قَالَ: نعم. فَقَالَ المنصور: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد [1] .

_ [1] لو صح هذا فهو أيضا من جملة تلبيساته على سواد الناس وأعمامه تشهد بأنه من الكاذبين.

فتوجه (عيسى) فِي أربعة آلاف [1] ومعه مُحَمَّد بْن أمير الْمُؤْمِنِينَ أَبِي العباس، وفي الجيش مُحَمَّد بْن زيد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وغيره من ولد علي عليهم السلام، ثُمَّ قَالَ: أَبُو جعفر لعيسى بْن مُوسَى إني أعيد عليك الوصية إن قتلت محمدًا أَوْ أسرته أسرًا فلا تقتل أحدًا، وإن قتل مُحَمَّد بْن أبي العباس- فضلا عمن سواه- أحدًا بعد قتل مُحَمَّد أَوْ أسره فأقده بِهِ، وإن فاتك مُحَمَّد واشتمل عَلَيْهِ أَهْل الْمَدِينَة، فاقتل كُلّ من ظفرت بِهِ من أَهْل الْمَدِينَة. وَكَانَ مَعَ عيسى بْن موسى حميد بن قحطبة الطائي. فسار عيسى بِذَلِكَ الجيش وبلغ محمدًا خبره فخندق عَلَى الْمَدِينَة، وخندق عَلَى أفواه السكك، فلما كَانَ عيسى بفيد، كتب إِلَى مُحَمَّد يعطيه الأمان، وكتب إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَة يعرض عليهم الأمان أَيْضًا، وبعث بالكتاب مَعَ مُحَمَّد بْن زيد بْن علي، والقاسم بْن حسين بْن زيد، فلما قدما بِهِ قَالَ محمد ابن زيد: يَا أَهْل الْمَدِينَة تركنا أمير الْمُؤْمِنِينَ أصلحه الله حيا معافا، وهذا عيسى ابن موسى قد أتاكم (وآمنكم) فاقبلوا أمانه. فقالوا: اشهد (ا) أنا قد خلعنا أبا الدوانيقي. وأقبل عيسى إِلَى الْمَدِينَة، فكان أول من لقيه إِبْرَاهِيم بن جعفر الزبيري على بنية واقم [2] فعثر بإبراهيم فرسه فسقط فقتل، وسلك عيسى بطن

_ [1] قال في تاريخ الكامل: ج 5 ص 544: وقال المنصور لما سار عيسى: لا أبالي أيهما قتل صاحبه؟!! ... [2] كذا في الأصل، والظاهر أنه مصحف والصواب: «ثنية وأقم» . قال في حرف الواو من معجم البلدان: ج 5 ص 354: وأقم: أطم من آطام المدينة، كأنه سمي بذلك لحصانته، ومعناه: انه يرد عن أهله. وحرة وأقم إلى جانبه نسبت إليه.

قناة [1] حَتَّى ظهر عَلَى الجرف فنزل قصر سُلَيْمَان بْنِ عَبْدِ الملك صبيحة اليوم الثاني عشر من شهر رمضان، سنة خمس وأربعين ومائة وَهُوَ يوم السبت، وأراد تأخير القتال حَتَّى يفطر، فبلغه أن محمدًا يقول: أَهْل خراسان عَلَى بيعتي وحميد بْن قحطبة قد بايعني ولو قد تأنى [2] انقلب إلي. وَكَانَ المنصور أمر القواد أن يكاتبوا محمدًا ويطمعوه فِي أنفسهم لأنه كَانَ على المضي إلى اليمن، فلما فعلوا أقام ولم يبرح الْمَدِينَة. ويقال: أن حميدا خاصة قد كان بايعه بمصر، أَوْ وعده مبايعته. 111- قَالُوا: وعاجله عيسى فلم يشعر أَهْل الْمَدِينَة يوم الاثنين للنصف من شهر رمضان إِلا بالخيل قد أحاطت بهم حين أسفر الصبح، وَقَالَ عيسى لحميد: أراك مداهنا، وأمره بالتجريد لمحمد فالتقوا فقاتلهم عيسى بن زيد،

_ [1] هذا هو الصواب، وفي الأصل: يظن فتاة» ولا ريب انه مصحف. قال في حرف القاف من معجم البلدان: ج 4 ص 401 ط بيروت: قناة: واد بالمدينة وهي أحد أوديتها الثلاثة عليه حرث ومال. وقد يقال: وادي قناة. قالوا: سمي قناة لأن تبعا مر به فقال: هذه قناة الأرض. وقال أحمد بن جابر: أَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ الزُّبَيْرَ مَا بَيْنَ الْجُرْفِ إلى قناة. وقال المدائني: وقناة واد يأتي من الطائف ويصب في الأرحضية وقرقرة الكدر، ثم يأتي بئر معاوية، ثم يمر على طرف القدوم في أصل قبور الشهداء بأحد، قال أبو صخر الهذلي: قضاعية أدنى ديار تحلها ... قناة وأنى من قناة المحصب وقال النعمان بن بشير وقد ولي اليمن يخاطب زوجته: أنى تذكرها وغمرة دونها ... هيهات بطن قناة من برهوت كم دون بطن قناة من متلدد ... للناظرين وسرنح مروت [2] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «ولو قد أتاني» ...

ومحمد جالس بالمصلى واشتد الأمر بينهم ثُمَّ نهض مُحَمَّد فباشر القتال [1] فكان بازاء حميد بْن قحطبة. وَكَانَ بازاء كثير بْن الحصين العبدي يزيد وصالح ابنا مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جعفر، وَكَانَ مُحَمَّد بْن أمير الْمُؤْمِنِينَ أَبِي العباس وعقبة بْن سلم من ناحية جهينة، فطلب صَالِح ويزيد الأمان من كثير فأمنهما وأعلم عيسى ذَلِكَ فلم ينفذ أمانهما!! فَقَالَ لهما كثير: امضيا إِلَى حيث شئتما فهربا- وكانت أم يزيد وصالح فاطمة بنت الحسن (بن الحسن) بْن علي، فكان عَبْد اللَّهِ بْن حسن خالهما، ومحمد ابْن خالهما- واقتتلوا إِلَى قريب من الظهر، ورماهم/ 463/ أو 231 ب/ أَهْل خراسان بالنشاب فأكثروا فِيهِمُ الجراح فتفرق النَّاس عَن مُحَمَّد!!! ورجع إِلَى دار مروان فصلى فِيهَا الظهر، واغتسل وتحنط، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن جعفر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن المسور بْن مخرمة الزُّهْرِيّ: إنه لا طاقة لك بمن ترى فالحق بِمَكَّةَ. فَقَالَ: إن فقدت من الْمَدِينَة قتل أهلها كما قتل أَهْل الحرة!! وأنت مني فِي حل يا (أ) با جعفر فاذهب حيث شئت.

_ [1] قال السيد أبو طالب: حدثنا أبو العباس الحسيني رحمه الله تعالى قال: أخبرنا محمد ابن بلال، قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن مخلد بن أحمد بن أبي راشد قال: لما حمي الوطيس عند قتال محمد بن عبد الله النفس الزكية عليه السلام خرج في قباطاق (كذا) وهو يقول: قاتل فما بك ان جلست بدومة ... في ظل عرقتها إذا لم تخلد أي امرئ يرضى الهوان بأهله ... قصرت مروءته إذا لم يردد وقال أيضا: أخبرنا أبو العباس رحمه الله (قال) وأنشدني سالم بن حسن البغدادي المقرئ لمحمد ابن عبد الله عليه السلام: متى أرى (ظ) للعدل نورا وقد ... أسلمني ظلم إلى ظلم منية طال عذابي بها ... كأنني فيها أخو حلم

وخرج محمد إلى ثنية فقاتلوه، فَقَالَ: يَا حميد أتقاتلني وتنكث بيعتي؟ فهلم أبارزك. فقال حميد: يا (أ) با عَبْد اللَّهِ لا أبارزك وبين يدي هَؤُلاءِ الأغمار إذا فرغت منهم برزت لك. 112- وحدثني بعض ولد حميد بْن قحطبة قَالَ: كانت هَذِهِ المقالة من مُحَمَّد مكيدة لحميد. 113- قَالُوا: وجثا مُحَمَّد عَلَى ركبتيه وجعل يذب بسيفه (عن نفسه) ويقول: ويحكم إني محرج مظلوم. وجعل النَّاس يتفرقون (عنه) !!! فقال له إبراهيم بن خضير- (وخضير) هَذَا هُوَ مصعب بْن مصعب بْن الزُّبَيْرِ، لقب خضيرًا، وكانت أمه أم ولد-: لو شئت لحقت بأخيك إِبْرَاهِيم بالعراق؟ فَقَالَ: ما كنت لأخيف أَهْل الْمَدِينَة مرتين مرة فِي خروجي و (مرة) بعده. ومضى إِبْرَاهِيم بْن خضير إِلَى السجن فذبح رياح بْن عُثْمَان المري ولم يجهز عَلَيْهِ فلم يزل يضطرب حَتَّى مات، وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن خضير عَلَى شرطة مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، ومضى إِبْرَاهِيم بْن خضير إِلَى مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري ليقتله فِي محبسه فنذر بِهِ فردم باب البيت دونه فعالجه ابْن خضير فأعياه فتركه- ونجا مُحَمَّد وقدم الْكُوفَة- ورجع ابْن خضير إِلَى مُحَمَّد فقاتل بين يديه حَتَّى قتل ابْن خضير، وقتل مَعَهُ عَلِيّ بْن مالك بْن خثيم بْن عراك الغفاري وسعيد بْن أَبِي سُفْيَانَ الصيرفي فِي آخرين. وصابرهم مُحَمَّد إِلَى العصر، ثُمَّ جعل النَّاس يتفرقون عَنْهُ!! وَهُوَ يقول: يَا بني الأحرار إِلَى أين؟! وقتل بيده اثنا عشر رجلا، وولي حميد بْن قحطبة قتاله عند المساء، فَقَالَ لَهُ: اتق اللَّه واذكر بيعتك. فيقال: إن حميدًا قَالَ لَهُ: وأنت أَيْضًا فافش سرك إِلَى الصبيان.

وولده يقولون: أنه قَالَ لَهُ: أبهذا يكاد مثلي؟ وَقَالَ غيرهم: قَالَ لَهُ إنما خدعناك. وعرض لمحمد رجل فضرب ذقنه فسقطت لحيته عَلَى صدره فرفعها بيده وَقَالَ ناولوني شَيْئًا أشدها بِهِ. فرمي إِلَيْهِ من سطح هناك بشقة شطوية فشد بِهَا لحيته، ورمى بنشابة فِي صدره وطعنه رجل من خلفه فأرداه عَن دابته، فسقط عَلَى يديه ثُمَّ استقل قائما، ورماه رجل بصخرة فأصابت منكبه فأثخنته، وطعنه حميد فِي صدره فصرعه مثبتا ونزل إليه فاحتز رأسه وأتى به عيسى ابن مُوسَى وعنده القاسم بْن حسن بْن زيد وغيره، فَقَالُوا: هَذَا رأس مُحَمَّد بعينه وانهزم النَّاس!!! وانتهى عيسى إِلَى مَا أمره بِهِ المنصور، وبعث بعدة ألوية فنصبت في مواضع متفرقة ونادى مناديه من أتى لواء من الألوية المنصوبة (المنصورية «خ» ) فهو آمن. وبقي مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ فِي مصرعه بقية يومه وليلته، وأصبح وقد سلب وَهُوَ ملقى عَلَى وجهه، ومطرت السماء تلك الليلة مطرا جودا!!! [1] وأرسلت أخته زينب بنت عَبْد اللَّهِ إِلَى عيسى: قد قضيتم أربكم منه فأذنوا لنا في دفنه، فأذن لهم فدفنوه بالبقيع. وبعث عيسى إلى المنصور برأس مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ مَعَ ابْن أبي الكرام محمد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب، فدخل به على

_ [1] أي غزيرا، يقال: «جاد المطر- من باب قال- جودا وجؤدا» : غرز فهو جائد والجمع جود كصاحب وصحب.

المنصور وَهُوَ عاض عَلَى أنفه [1] . 114- حَدَّثَنِي أَبُو مسعود الكوفي وغيره قالوا: (و) جعل محمد بن عبد الله- ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ- يقول يوم قتل: منخرق الخفين يشكو الوجا [2] ... تنكثه أطراف مرو حداد أفردني/ 464/ أو 232/ أ/ الخوف فلا أمن لي ... كذاك من يكره حر الجلاد قد كَانَ فِي الموت لَهُ راحة ... والموت حتم فِي رقاب العباد 115- وَحَدَّثَنِي مصعب بْن عَبْدِ اللَّهِ الزبيري قَالَ: قَالَ محمد بن عبد الله للغاضري: البشر (ى) : فقد بويع لي بالشام وخراسان والمصرين. فَقَالَ: يَا ابْن أم اجعل الأرض كلها لك وَهَذَا عيسى بالأعوص [3] مَا ينفعك مِنْهَا، والله مَا أصبح قوم يعرفون آجالهم غيرنا!!! 116- قَالُوا: وَكَانَ أَبُو العباس زوج محمدًا ابنه زينب بنت محمد ابن عبد الله، فلما قتل (محمّد) أرسل ابْن أَبِي العباس إِلَى عمتها زينب بنت عبد الله ابن الحسن إني أريد أن أدخل عَلَى أهلي فافرغوا من أمرها [4] فأرسلت عمتها

_ [1] قبح الله قسوة أبناء أبي لهب وتعللهم في استيصال من يستشمون منه الكراهة لملكهم أيؤمر الأرحام لتمشية هذه الأعمال البربرية؟!! [2] كذا. [3] قال في باب الألف من معجم البلدان: ج 1، ص 223 ط بيروت: أعوص- بفتح الواو، والصاد المهملة-: موضع قرب المدينة جاء ذكره في المغازي قال ابن إسحاق: خرج الناس يوم أحد حتى بلغوا المنقي دون الأعوص وهي على أميال من المدينة يسيرة. والأعوص: واد في ديار باهلة لبني حصن منهم ويقال: الأعوصين. [4] للشيطان شر أبناء أبي لهب ما أشد قساوتهم وأسوأ سيرتهم؟ قد بلغوا في قبح السيرة وسوء الروية ما لم يبلغه بنو أمية معشاره!!!

إِلَى عيسى بْن مُوسَى سبحان اللَّه أرسل مُحَمَّد إلي بِكَذَا وقد قتلتم أباها بالأمس ويعرس بِهَا اليوم؟ والله مَا رقأ دم أبيها بعد!!! فأرسل إِلَيْهَا عيسى: يَا ابنة عم مَا علمت بهذا، ولكنه غلام حديث السن سيئ الأدب، وأرسل إِلَى مُحَمَّد بْن أَبِي العباس يسفهّه، ولما لقيه تناوله بسوطه وقال له: يا مائق أما والله ما هي بضعيفة فما كَانَ يؤمنك أن يحضرها عقلها فتطلب بثأرها وتشتمل على سكين فإذا أفضت إِلَيْهَا قتلتك فتكون قد أخذت قود أبيها قبل جفوف دمه!! ثُمَّ تزوجها عيسى بعد، ويقال ضمت إِلَى مُحَمَّد بعد ذَلِكَ، فلما مات تزوجها عيسى بعده، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا محمد بن ابراهيم الإمام ثم إبراهيم ابن إِبْرَاهِيمَ بْن حسن بْن زيد بْن حسن بْن علي، ثُمَّ عَبْد اللَّهِ بْن حسن بن إبراهيم ابن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن فتوفيت عنده. وكان مقتل محمد لأربعة عشر ليلة خلت من شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة. وأمن عيسى النَّاس وخرج يريد مكة صبيحة تسع عشر ليلة من شهر رمضان، فلما كَانَ بملل [1] أتاه كتاب المنصور بخروج إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بالبصرة، وأمره بالقدوم عَلَيْهِ، ويقال: بل أتاه كتاب المنصور

_ [1] قال في حرف الميم من معجم البلدان: ج 5 ص 194، ط بيروت: ملل- بالتحريك ولامين بلفظ الملل- من الملال وهو اسم موضع في طريق مكة بين الحرمين ... وهو منزل على طريق المدينة إلى مكة على ثمانية وعشرين ميلا من المدينة. وملل واد ينحدر من ورقان جبل مزينة حتى يصب في الفرش فرش سويقة وهو مبتدأ ملك بني الحسن بن علي بن أبي طالب وبني جعفر بن أبي طالب ثم ينحدر من الفرش حتى يصب في إضم وإضم واد يسيل حتى يفرغ في البحر فأعلى إضم القناة التي تمر دوين المدينة ... وبين ملل والمدينة ليلتان.

بالعرج، فرجع إلى المدينة فبات بها، ثم استخلف كثير بن حصين العبدي وخرج فبات بالأعوص، ثم سار فقدم على أمير المؤمنين المنصور. وكان حسن بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر بِمَكَّةَ، فلما قتل مُحَمَّد، خرج من مَكَّة، وظهر السري بْن عَبْدِ اللَّهِ. وَكَانَ هشام بن عروة وأيوب بن سلمة المخزومي قد بايعا محمد بن عبد الله، فأومنا حين اعتذراه (كذا) . (و) قال ابْن هرمة الفهري ودعاه مُحَمَّد فلم يجبه: عجبت لأحلام الأولى ضل رأيهم ... وكانوا عَلَى وجه من الحق لاجب دعوني وقد شالت لإبليس راية ... وأوقد للغاوين نار الحباحب فقلت لهم: هَذَا من الشر نفسه ... ثنايا المنايا [1] لست فيها بلاعب أفالليث تغترون يحمي [2] عرينه ... ويلقون جهلا أسده بالثعالب فما أحكمتني السن إن لم يبذكم ... وما يقضنني [3] ماضيات التجارب ولما أتى إِبْرَاهِيم مقتل أخيه محمد قال: يا با المنازل يا زين الفوارس [4] ... من يفجع بمثلك فِي الدنيا فقد فجعا

_ [1] لعل هذا هو الصواب، وفي النسخة: «ثنامني المنايا» . [2] كلمة «يحمى» غير واضحة بحسب رسم الخط، ويمكن أن تقرء «يحمحم» . [3] كذا. تم الظاهر أن إنشاد الأبيات مؤخر عن استشهاد محمد عليه السلام، وانه أنشدها حين ورد على المنصور كي يستعين به على توفير ثمن الخمر، وإباحته له، وأن لا يجعل لأحد عليه سلطانا إذا رآه يشرب أو وجده سكرانا!!! [4] هذا هو الظاهر الموافق لما في تاريخ الكامل، غير أن فيه خير الفوارس. وفي الأصل: «يا أبا المبارك يا زين الفوات من ... » . والأبيات رواها أيضا في أواخر ترجمة إبراهيم بن عبد الله- عليهما السلام- من مقاتل الطالبيين ص 342 و 374، وذكر الشطر الأول هكذا: «أبا المنازل يا خير الفوارس ... » .

اللَّه يعلم أني لو خشيتهم ... وأوجس القلب من خوف لهم فزعا لم يقتلوه [1] ولم أسلم أخي لهم ... حَتَّى نعيش جميعا أَوْ نموت معا وَكَانَ مُحَمَّد يقول: إني لم أخرج حَتَّى بايعني أَهْل الْكُوفَةِ وأهل الْبَصْرَة وواسط، والجزيرة والموصل، ووعدوني أن يخرجوا فِي الليلة التي خرجت فيها. وخرج/ 465/ أو 232 ب/ عُثْمَان بْن إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيّ إِلَى اليمامة ليأخذها لمحمد، فلم يصل إِلَيْهَا حَتَّى بلغه قتل مُحَمَّد. 117- قَالُوا: وَكَانَ مُحَمَّد أسمر أرقط، مخضوب الرأس بصفرة، من أبناء ستين، وكان إبراهيم أخوه شابا قد وحظه الشيب حلوا الوجه خفيف اللحية فأفاء وكان أيّدا [2] شديدا البطش، وكان يكنى أبا إسحاق. ويقال:

_ [1] هذا هو الظاهر من السياق الموافق لما في مقاتل الطالبيين، وفي النسخة: «لم اقتلوه» . [2] الأيد- كسيد-: القوي. قال في أول ترجمة إبراهيم من مقاتل الطالبيين ص 316: أخبرنا عمر (بن عبد الله) قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة العمري وسعيد بن هريم: أن محمدا وإبراهيم كانا عند أبيهما فوردت إبل لمحمد فيها ناقة شرود لا يرد رأسها شيء، فجعل إبراهيم يحد النظر إليها فقال له محمد: كأن نفسك تحدثك أنك رادها؟ قال: نعم. قال: فان فعلت فهي لك. فوثب إبراهيم فجعل يتغير لها ويتستر بالإبل حتى إذا أمكنته جاءها وأخذ بذنبها فاحتملته وأدبرت تمخض بذنبها حتى غاب عن عين أبيه، فأقبل (أبوه) على محمد وقال له: قد عرضت أخاك للهلكة. فمكث هويا ثم أقبل مشتملا بإزاره حتى وقف عليهما فقال له محمد: كيف رأيت؟ (أما) زعمت أنك رادها وحابسها؟ قال: فألقى (ابراهيم) ذنبها وقد انقطع في يده!!! فقال (محمد) : ما أعذر من جاء بهذا. أنساب الأشراف (م 8)

أبا الحسن [1] . 118- وَحَدَّثَنِي بعض أشياخنا قَالَ: أرسل المنصور قبل خروج مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ إِلَى عِيسَى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِي فلما دخل عَلَيْهِ ذكر لَهُ أمر مُحَمَّد وإبراهيم، فَقَالَ: قد بهضني أمرهما وظننت أني إذا أخذت أباهما وعمومتهما وقراباتهما أظهرا لي سلم أو حرب، وقد هدءا في مربضهما وقرّا في مكنسهما يلتمسان لي الغوائل، ويتربصان بي الدوائر، وترك إطفاء جمرة الشيطان قبل تأججها من تضييع أسباب الدولة!!! وفي تضييع أسباب الدولة حلول البلاء، وأنا أريد أن أبعثهما من مربضهما وأستنهضهما من مكنسهما وأنصب الحرب لهما، فإني أرجو أن ينصر الله ورثة نبيه [2] ويعزهم بالحق

_ [1] قال في أول ترجمة إبراهيم من مقاتل الطالبيين ص 315: حدثنا يحي بن علي المنجم قال: سمعت عمر بن شبة يقول: إبراهيم بن عبد الله (كنيته) أبو الحسن، وكل إبراهيم في آل أبي طالب كان يكنى أبا الحسن، أما قول سديف لإبراهيم بن عبد الله: أيها أبا إسحاق هنئتها ... في نعم تترى وعيش طويل أذكر هداك الله وتر الأولى ... سير بهم في مصمتات الكبول فإنما قال ذلك على مجاز الكلام وما يعرف شكلا للأسماء من الكني ولضرورته في وزن الشعر إلى ذلك. قال المحمودي ويحتمل أنه عليه السلام في أيام اختفائه كان يكنى بأبي إسحاق حذرا من شر الخناسين من آل العباس، أو لأنه كان له ابن ولد في أيام اختفائه بالبصرة، فسماه بإسحاق وقتل أو مات ولم ينشر خبره. [2] قد تحقق مما تقدم أن هذا من تحكمات المخذول ومن أجلى موارد تطييب الخواطر بالزور والبهتان، وأن ولاية منصور وآباءه وأبناءه منقطعة بقوله تعالى في الآية: (72) من سورة الأنفال: «والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا» وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا هجرة بعد الفتح» . وإن ولاية على وأبنائه ووراثتهما عن رسول الله ثابتة بخبر يوم الدار المجمع عليه، وحديث الغدير وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: «إن هذا وصيي ووارثي» . وغيرها من الأدلة الحاصرة للوراثة والخلافة في علي وأبناء علي عليهم السلام.

الَّذِي جعله لهم وأكرمهم بِهِ!!! وينتقم لنا أَهْل البيت من الحاسدين الساخطين لما جرى لنا بِهِ قضاؤه فما الرأي فيما ذكرت لك؟ وكيف وجه العمل فيما أعلمتك؟ فَقَالَ عيسى: إن من سوء التدبير ترك (تركك «خ» ) الاستعداد للأمر المخوف قبل وقوعه، فأرشد اللَّه أمير الْمُؤْمِنِينَ وأدام توفيقه، ومن الصواب أن تولي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَدِينَة رجلا من أَهْل بيتك لَهُ مكر ونكر، وتأمره بطلبهما والبحث عنهما وإذكا (ء) العيون عَلَيْهِمَا حَتَّى يظفرك اللَّه بهما. فَقَالَ: يا (أ) با مُوسَى إن عداوتهما لنا باطنة لم يظهروها فَإِن استكفيت أمرهما رجلا من أَهْل بيتي منعته الرحم من مكروههما وحجزته القرابة من طلبهما. قَالَ فول الْمَدِينَة رجلا من أَهْل خراسان كان له حد وجد، ومره يقعد لهما (ظ) بكل مرصد وَلا يفتر عَن طلبهما حَتَّى يظفر بهما. فَقَالَ: يَا أبا مُوسَى إن محبة آل أَبِي طالب فِي قلوب أَهْل خراسان ممتزجة بمحبتنا، وإن ولّيت أمرها رجلا من أَهْل خراسان حالت محبته لهما بينه وبين طلبهما والفحص عنهما!!! ولكن أَهْل الشَّامِ قاتلوا عَلِيًّا عَلَى أن لا يتأمر عليهم لبغضهم إياه، ثُمَّ مات علي وهلك الذين قاتلوه، فقام بنوه من بعده يطلبون الأمر، فقام أبناء أَهْل الشَّامِ الَّذِينَ قاتلوه فمنعوا بنيه الأمر وسفكوا دماءهم للبغض الَّذِي ورثوه عَن آبائهم!!! فالرأي أن أولي الْمَدِينَة رجلا من أَهْل الشَّامِ [1] . فولى رياح بْن عثمان بن حيان المري الْمَدِينَة وشحذه عَلَى طلب مُحَمَّد وإبراهيم، فلما قدم (رياح) الْمَدِينَة صعد المنبر فَقَالَ: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا أنبأ (ءنا) أنا ابْن عم مسلم بْن عقبة، الشديد الوطأة!!! كان عليكم، الوبين الواقعة بكم [2] الخبيث السيرة فيكم وأنتم اليوم (ظ) عقب الَّذِينَ حصدهم السيف، وايم اللَّه لأحصدن منكم عقب الَّذِينَ حصد، ولألبسن الذل عقب من ألبس.

_ [1] للشيطان شره ومكره، ما أشبه صنع من عد الله- بزعمه- أبا لهب أباه بصنيع أبناء أبي سفيان؟!! وما أقر عيني معاوية ويزيد بعمله هذا؟!!. [2] كذا.

ثُمَّ وضع عَلَى مُحَمَّد وإبراهيم الأرصاد، حَتَّى خرج محمّد في أهل المدينة وقتل رباح، فلما قتل فِي محبسه خرج صبيان أَهْل الْمَدِينَة يكبرون حول جثته ويقولون: سلحت أم رباح فأتينا برباح ... فأتينا بأمير ليس من أَهْل الصلاح مَا سمعنا بأمير قبل هَذَا من سفاح 119- قَالُوا: ولما جاء المنصور خبر خروج مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ألا تعجبون لهذا القاطع المشاق؟! ترك هَذَا الأمر وَهُوَ لبني أمية مستقيم، فلما فتقناه عليهم وثلمناه فوهن عراه [1] واسترخى طنبه وضعف عموده فصار لنا شديد العرى/ 466/ أو 233/ أ/ محكم العقد والقوى عرض فِيهِ للحين والردي، وبالله استعين عَلَيْهِ وعلى كُلّ باغ. قَالَ: [2] وَكَانَ المنصور حين أتاه خبر مُحَمَّد نازلا بالدير الَّذِي عَلَى الصراة من بغداد [3] وَهُوَ يرتاد لَهُ منزلا فاختار الموضع الَّذِي يعرف بالخلد،

_ [1] هذا هو الظاهر من رسم الخط في النسخة، ويحتمل أيضا أن يقرأ: «فوهى عراه» . [2] كذا في الأصل هاهنا، ومثله يأتي أيضا في ذيل هذا الحديث، فإن صح فالضمير المستتر في «قال» راجع إلى ما تقدم في قوله: «حدثني بعض أشياخنا» وعلى هذا فما تقدم قبل أسطر بلفظ الجمع «قالوا» : مصحف، وعلى فرض صحته فالتاليان مصحفان، وصحة الجميع بعيد في غاية البعد. [3] قال في حرف الصاد من معجم البلدان: الصراة: نهران ببغداد: الصراة الكبرى والصراة الصغرى ولا أعرف أنا إلا واحدة وهو نهر يأخذ من نهر عيسى- من عند بلدة يقال لها المحول بينها وبين بغداد فرسخ- ويسقي ضياع بادوريا ويتفرع منه أنهار إلى أن يصل إلى بغداد فيمر بقنطرة العباس ثم قنطرة الصبيبات، ثم قنطرة رحا البطريق ثم القنطرة العتيقة ثم القنطرة الجديدة ويصب في دجلة، ولم يبق عليه الآن إلا القنطرة العتيقة، والجديدة يحمل من الصراة نهر يقال له خندق طاهر بن الحسين أوله أسفل من فوهة الصراة يدور حول مدينة السلام مما يلي الحربية، وعليه قنطرة باب الحرب، ويصب في دجلة أمام باب البصرة من مدينة المنصور ...

فلما قرأ الكتاب الوارد عَلَيْهِ بخبره استوى قاعدًا فتلا قول اللَّه عز وجل «وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، كُلَّما أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (64/ المائدة) ثُمَّ أمر فنودي فِي النَّاس بالرحيل، وحملت الأثقال وَقَالَ: آتي الْكُوفَة فأطأ أصمختهم [1] وأنزل عَلَى رقابهم وأكون مكبحة لهم [2] ثُمَّ دعا بثيابه ودابته. فلما قربت ليركبها تمثل قول جذل الطعان الكناني. سيروا إلى القوم بإخزاع ولا ... تأخذكم من لقائهم وجل فالقوم أمثالكم لهم شعر ... فِي الرأس لا ينشرون إن قتلوا ثُمَّ ركب دابته فبات بنهر صرصر، ثُمَّ غدا متوجها إِلَى الْكُوفَةِ فنزل قصر أَبِي الخصيب مولاه. قَالَ: [3] فلما قتل مُحَمَّد بْن عَبْدِ الله بالمدينة، وإبراهيم بالبصرة أقبل (المنصور) إِلَى بغداد، ومعه عَبْد اللَّهِ بْن الربيع الحارثي يسايره، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن الربيع: لقد كَانَ عَبْد الملك حازما. قَالَ: أجل كَانَ رجل قومه فما بلغك عَنْهُ؟ قَالَ عَبْد اللَّهِ: بلغني عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أنه لما أنشد قول الأخطل: قومٌ إِذَا حاربوا شدوا مآزرهم ... دُونَ النِّسَاء ولو باتت بأطهار [4]

_ [1] الأصمخة: جمع الصماخ- بكسر الصاد-: الأنف. وقد جازاهم الرجل وذووه جزاء السنمار!!! فقتلوا كبيرهم أبا سلمة بن الخلال وأوطئوا أصمخة صغارهم مع أنهم هم الذين آووا المخذول وإخوته وبني أبيه ونصروهم واستنقذوهم من بني أمية، فلو كانوا على شيء من الحق والإنسانية لما قتلوا كبيرهم ولما أوطئوا أصمختهم!!! [2] يقال: «كبح الدابة باللجام- واكبحها من باب منع وأفعل- كبحا وإكباحا» جذبها به لتقف ولا تجري. وكبحه عن الحاجة: رده عنها. وكبحه بالسيف: ضربه به. [3] كذا في الأصل، ومثله ما قبله كما أشرنا إليه في التعليق المتقدم. [4] هذا هو الصواب، وفي الأصل: «ولو باتوا بأطهار» .

قَالَ: لا والله مَا أتيت امرأة منذ وقعت حرب عبد الرحمان بن محمد ابن الأشعث حَتَّى انقضت. فَقَالَ المنصور: وأنا والله يا (أبا) الربيع فما كسدت لامرأة كنفا [1] منذ وقعت حرب مُحَمَّد وإبراهيم حَتَّى انقضت. 120- وَقَالَ السندي بْن شاهك: كنت أيام حرب مُحَمَّد وإبراهيم وصيفا [2] أقوم عَلَى رأس المنصور، فلما غلظ أمرهما مكث عَلَى مصلى بضعا وخمسين ليلة لا يتنحى عَنْهُ ولا يجلس وَلا ينام إِلا عَلَيْهِ، وعليه جبة ملونة فتدنست واتسخ جيبها وما تحت لحيته منها (كذا) فما غيرها حَتَّى فتح اللَّه عَلَيْهِ!! وَكَانَ إذا جلس للناس لبس فوقها سوادًا، وَقَالَ: لا أغيرها حَتَّى أدري أهي لمحمد وإبراهيم أم لي [3] . وقال السندي: وأتته ريسانه قيمة جوارية فِي تلك الأيام وأنا قائم عَلَى رأسه- وقد قدم عَلَيْهِ إِسْحَاق الأزرق مولاه بامرأتين من قريش، كَانَ بعثه فِي خطبتهما، إحداهما فاطمة بنت مُحَمَّد من ولد عيسى بْن طَلْحَة بْن عبيد الله، وثانيتهما أمة الكريم بنت عَبْد اللَّهِ، من ولد خَالِد بْن أسيد- فقالت لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن هاتين المرأتين قد خبثت أنفسهما وساءت ظنونهما لما ظهر لهما من جفائك إياهما. فانتهرها وزبرها وَقَالَ: أهذه الأيام من أيام النساء؟ لا سبيل إليهما حَتَّى أعلم أرأس إبراهيم لي أم رأسي له!!!

_ [1] كذا في الأصل، فما كسدت بمعنى ما روجت، والكنف هنا الناحية أي ما لاحظت جانب نسائي بالاستئناس بهن والمباشرة لهن إلا بعد ما انقضت الحرب. [2] الوصيف: الغلام الذي بلغ أو ان الخدمة، وهو دون المراهق. ورسم خط هذه الكلمة من الأصل غير واضح. [3] إن صح هذا عنه، فمن أجل أنه كان يرى شخصه مبتلى إما بملك مسلوب ونار ملهبة، أو بأحدهما. مع أن تقريض ابن شاهك في أمثال المقام كتقريض الزانية بنته المولعة بالفحشاء!!!

121- قَالُوا: وأتي المنصور برجل مَعَهُ كتب إِلَى أهل الكوفة من محمد أو إبراهيم، فأمر بضرب عنقه، فذكر أنه مجبر (كذا) مقهور محتاج كثير العيال، فأمر بتخلية سبيله فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إني استحلفت أن أوصل الكتب إِلَى أصحابها إِلا أن يحاط بي وقد منّ أمير المؤمنين علي. فَقَالَ: خذها هبلتك أمك. فتناول الكتب ومضى فأوصلها. فلم يزل منازل من كتبت إِلَيْهِ بطون الأرض [1] حَتَّى توفي المنصور فبقي منهم بعد ذَلِكَ رجل أَوْ رجلان، 122- قَالُوا: وخرج مُحَمَّد ثُمَّ خرج إِبْرَاهِيم فَقَالَ المنصور: تفرقت الظباء عَلَى خداش ... فما يدري خداش ما يصيد وقال حين قتلا: فألقت/ 467/ عصاها واستقرت بِهَا النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر 123- قَالُوا: ولما قدم إِبْرَاهِيم بْن هرمة عَلَى المنصور، وقد بلغه أن محمدًا دعاه فلم يجبه وَقَالَ فِي ذَلِكَ شعره الَّذِي قاله- قَالَ المنصور: يَا إِبْرَاهِيم سلني حوائجك. فَقَالَ: إن فِي هَذِهِ الأرواح المصنية [2] وإنما دواؤها شرب النبيذ، فَإِن رأى أمير المؤمنين أن يكتب إلى عامله أ (ن) لا يحدني فِيهِ فعل!!! قَالَ: لا سبيل إِلَى هَذَا، ولكن اكتبوا لَهُ أن يجلد من أخذه مائة ويجلده ثمانين [3] فقال: قد قنعت، فكان يقول إذا سكر بالمدينة: من يشتري ثمانين بمائة!!!

_ [1] وهذا كان الغرض من إطلاق الرجل، وإلا من عد- بزعمه- أبا لهب في آبائه لم يكن موصوفا بالصفح، ولعله بعد ذلك قتل الرجل أيضا ونسب قتله إلى الخوارج أو إلى الجن!!! كما فعلوا ذلك في قتل أبي سلمة الخلال وغيره!!! [2] كذا في الأصل، ولعل المصنية- هاهنا- بمعنى الشرهة. [3] وهذا هو التلاعب بالقوانين الإلهية والنواميس الشرعية!!! وهذا برهان ساطع على كون الرجل سرا لعمه أبي لهب وليس من الدين في شيء!!!

124- وَحَدَّثَنِي الحسن بْن علي الحرمازي وأبو العباس الفضل بْن العباس الهاشمي عَن الزُّبَيْر بْن بكار، عَن عمه مصعب بْن عَبْدِ اللَّهِ وغيرهما- فسقْتُ حديثهم ورددت من بعضه عَلَى بعض- أن أبا بكر ابن أبي سبرة، كان عاملا لرباح بن عثمان على مسعاة أسد وطيّئ، فلما خرج مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، دفع إِلَيْهِ مَا كَانَ مَعَهُ من المال، وَقَالَ: أستعن بِهِ عَلَى أمرك، فلما قتل مُحَمَّد، قيل لأبي بكر: (عليك بالفرار) فَقَالَ: ليس مثلي هرب!! فأخذ أسيرًا فطرح فِي حبس الْمَدِينَة، وَكَانَ الحابس لَهُ عيسى بْن مُوسَى- ويقال: خليفته كثير بْن الحصين العبدي- وولي الْمَدِينَة بعد عيسى بْن مُوسَى عَبْد اللَّهِ بْن الربيع الحارثي ويكنى أبا الربيع، فعاث جنده وأفسدوا، فوثب بهم أَهْل الْمَدِينَة فقتلوا منهم وطردوا باقيهم وأخرجوا عَبْد اللَّهِ عن المدينة، وانتهبوا متاعه، فنزل بئر المطلب يريد الْعِرَاق، واجتمع سودان ورعاع وقلدوا أمرهم ورئاستهم أسود يقال لَهُ: أوتيوا، فكان السودان- فيما ذكر الحرمازي- يدعونه أمير الْمُؤْمِنِينَ!!! وجاءوا فكسروا باب السجن وأخرجوا من فِيهِ، وأخرجوا أبا بكر ابن أَبِي سبرة، فأرادوا فك حديده فأبي ذَلِكَ، وقام فخطب ودعا إِلَى طاعة المنصور وحذر الفتنة، فقيل لَهُ: تقدم فصل فَقَالَ: إن الأسير لا يؤم. ورجع إِلَى السجن فأقام بِهِ!!! واجتمع القرشيون فخرجوا إِلَى ابْن أَبِي الربيع مما ذهب لَهُ أَوْ أكثره وأرضوا من بقي من جنده، ورأى ابن أبي ذيب أولئك السودان، فَقَالَ: لبعضهم: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا أوتيوا أميرنا وَهُوَ أمير الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ ابن أبي ذئب- وهو يتبسم-: يَا رب إن كَانَ فِي سابق علمك أن يلي أمرنا أوتيوا هَذَا فارزقنا عدله!!! وأتى مُحَمَّد بْن عمران بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّه أوتيوا وقد خف من معه (كذا) فلم يزل يخدعه حَتَّى أمكنته الفرصة منه، فقبض

عَلَيْهِ وأمر بِهِ فأوثق، وتفرق السودان بعد أن أخذ أوتيوا، وقبض كُلّ رجل عَلَى أسود منهم، ومات أوتيوا فِي السجن وَكَانَ مثقلا بالحديد، ويقال: إنه مات جوعا،. وَقَالَ الحرمازي: قتل قتلا. 125- وَقَالَ: هِشَام بْن الْكَلْبِيّ: ولى المنصور مُحَمَّد بْن عمران بْن إِبْرَاهِيمَ بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة قضاء الْمَدِينَة، ثُمَّ ولي المنصور جعفر بْن سُلَيْمَان الْمَدِينَة، فأمره بإطلاق ابْن أَبِي سبرة، وَقَالَ: ان كان أساء (أوّلا) فقد أحسن (أخيرا) بما كَانَ منه.

أمر إبراهيم بن عبد الله ومقتله [1]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمر إِبْرَاهِيم بْن عبد الله ومقتله [1] 126- قالوا: قدم محمد وابراهيم الْبَصْرَة فنزلا عَلَى أَبِي حفص مولى آل كدير المازني، ثُمَّ رجع مُحَمَّد إِلَى الْمَدِينَة فتحول ابراهيم فنزل عند المغيرة ابن الفزع بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن ربيعة بْن جندب، أحد بني بهدلة بْن عوف بْن كعب ابن سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم، ثُمَّ تحول إِلَى بني راسب ثم جعل ينتقل. وهو الذي (كان) يقول لرجل معلم يقال لَهُ: ابْن مسعدة- وَكَانَ يخدم بعض من استخفى عنده-: زعم/ 468/ ابْن مسعدة المعلم أنه ... سبق الرجال براعة وبيانا وَهُوَ المبين عَن الحمامة شجوها ... وَهُوَ الملحّن بعده الغربانا وَكَانَ يقول: إن الحمامة تقول كَذَا فيفسر معنى تغريدها، ويقول:

_ [1] بدأنا بكتابة ما هاهنا من الأصل المخطوط، في أول ليلة المولود: (17) من شهر ربيع الأول من سنة 1392. ثم ان لإبراهيم عليه السلام هذا ترجمة مفصلة في مقاتل الطالبيين ص 315 والأغاني ج 18، ص 208. وقال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو العباس الحسني قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق ابن جعفر، قال: حدثني أحمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثنا نصر بن حماد، قال: جاء قوم إلى شعبة، فسألوه عن ابراهيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن عليهم السلام!! قال شعبة تسألونني عن ابراهيم وعن القيام معه؟ تسألونني عن أمر قام به ابراهيم بن رسول الله والله لهو عندي بدر الصغرى!!! هكذا رواه عنه في الباب (8) من تيسير المطالب ص 122.

الغراب ملحن إنما ينبغي أن يقول: غاق غاق [1] . فكان خروجه فِي أول يوم من شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، ولم يكن أراد الخروج ذَلِكَ اليوم، ولكنه حذر أن يسعى بِهِ، فقيل: أخرج والا بعث إِلَيْك فأخذت. فخرج في عشرين أو أكثر منهم المغيرة بن الفزع، وعبيد الله بن المسور بن عمر بْن عباد بْن الحصين التَّمِيمِيّ، وعبد الواحد بن زياد بن عمرو العتكي. فأتى مغيرة بني يشكر فأقام بِهَا ساعة، فاجتمع إِلَيْهِ قوم ثُمَّ سار حَتَّى أتى دار الإمارة، وبها سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة بْن يَزِيد بْن المهلب وَهُوَ عامل الْبَصْرَة، وقد كَانَ خاف خروج إِبْرَاهِيم فتحصن واتخذ عدة للحصار، ومع سُفْيَان فِي الدار ستة عشر رجلا، فنزل ابراهيم عند مسجد الأنصار، ثُمَّ عسكر عند مسجد الْحَرُورِيَّة. وقدم البصرة قائد أمد (المنصور) بِهِ سُفْيَان قبل خروج إِبْرَاهِيم بليلة، فبعث إليه إبراهيم المضاه بن القاسم التغلبي فلقي القائد فهزمه المضاه.

_ [1] وقال في ترجمة عبد الله الأشتر بن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الحسن عليهم السلام من مقاتل الطالبيين ص 311: و (عبد الله بن محمد) ابن مسعدة هذا كان مؤدبا لولد عبد الله بن الحسن، وفيه يقول إبراهيم بن عبد الله بن الحسن على سبيل التهكم: زعم ابْن مسعدة المعلم أنه ... سبق الرجال براعة وبيانا وهو الملقن للحمامة شجوها ... وهو الملحن بعده الغربانا وكان ابن مسعدة سمع غرابا ينعق فقال له: أتلحن ويحك يا غراب؟ تقول: غاق غاق. قيل: فكيف (يصح أن) يقول؟ قال: يقول: غاق غاق.

وأرسل إبراهيم لبطة بن الفرزدق إلى نميلة بْن مرة بْنِ عَبْدِ العزيز التَّمِيمِيّ [1] ثُمَّ أحد بني ملادس (ظ) بْن عبد شمس بْن سعد، يدعوه إِلَى بيعته فأباها، فَقَالَ لَهُ لبطة: أمن خوف سياط أَبِي جعفر تمسك عَن مبايعته؟ فأتاه فبايعه. واعتزل سوار بْن عَبْدِ اللَّهِ العنبري (عن) القضاء في أيام إبراهيم، فولاه عباد بْن منصور. 127- قَالُوا: وأخرج جعفر ومحمد ابنا سُلَيْمَان بْن علي سلاحا واجتمعا ومواليهما فِي كتيبة خشناء فقاتلوا أصحاب إِبْرَاهِيم المبيضة، وجعل محمد بن سليمان يعبئ الكراديس (ظ) فِي المربد، فَقَالَ لَهُ عَبْد الجبار بْن قطري مولى باهلة. إن هَذِهِ التعبئة لا يكون فِي السكك، ولكن أقم بمكانك فَإِن رأيت خللا فسده، فلم يقبل منه والتقوا فانهزم مُحَمَّد وجعفر، قبل أن يكون بينهما وبين القوم كبير قتال، وَكَانَ مُحَمَّد يومئذ عَلَى فرس كَانَ لملبد الخارجي يقال لَهُ الملبدي. وأمر إِبْرَاهِيم المغيرة بْن الفزع أن يأتي السجن فيخرج من فِيهِ ففعل. ووقف إِبْرَاهِيم عند القصر، فطلب سُفْيَان منه الأمان، فأمنه فخرج، ثُمَّ أظهر أنه يخافه عَلَى أنه يشغب ويفسد فحبسه، ودخل إِبْرَاهِيم دار الإمارة فنزلها أياما، ثم تحول (عنها) فنزل الخريبة وبيضت القبائل. وبعث إِبْرَاهِيم رجلا (إلى المدينة) فوجد أخاه محمدا قد قتل.

_ [1] الظاهر أن هذا كان في أيام اختفاء ابراهيم قبل الدعوة العلنية والمبايعة العامة، وأما فيها فقد روى في أول ترجمة إبراهيم من مقاتل الطالبيين ص 318، وفي ط ص 215: ان إبراهيم دعا الناس وهو في دار أبي فروة وكان أول من بايعه نميل بن مرة ...

وولي إِبْرَاهِيم شرطه مُعَاوِيَة بْن حرب، ووجه مغيرة بْن الفزع عَلَى حرب الأهواز، وولي خراجها عفو اللَّه بْن سُفْيَان الثَّقَفِيّ فقاتلهم محمد بن الحصين العبدي فغلبوا عَلَى الأهواز وهزموا محمدًا، وغلب محرز الحنفي عَلَى كرمان، فلما قتل إِبْرَاهِيم هرب إِلَى السند. وأقام أَهْل عمان والبحرين عَلَى طاعة المنصور، وأراد قثم بْن الْعَبَّاس بْن عُبَيْد اللَّه بْن العباس أن يخرج عَن اليمامة، فَقَالَ لَهُ أهلها: نحن، فِي طاعة المنصور. فأقام. وبلغ إِبْرَاهِيم قتل مُحَمَّد وَهُوَ يمضغ قصب سكر ويمصه فلم يظهر جزعا وتجلد، ثُمَّ عزاه الناس [1] . وغلب له برد بن لبيد اليثكري على كسكر، وسار إلى واسط ومعه

_ [1] قال في مقاتل الطالبيين ص 309: وقال إبراهيم بن عبد الله يرثي أخاه: أبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الطالب الوترا وإنا أناس لا تفيض دموعنا ... على هالك منا ولو قصم الظهرا ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصرها من جفن مقلته عصرا ولكنني أشفي فؤادي بغارة ... ألهب في قطري كتائبها جمرا وقال في كتاب إشراق النيرين: ولما عزم محمد على الخروج واعد أخاه إبراهيم على الظهور في يوم واحد، فذهب محمد إلى المدينة وإبراهيم إلى البصرة، فاتفق أن ابراهيم مرض بالبصرة، فخرج أخوه بالمدينة وهو مريض، ولما خلص من مرضه وظهر أتاه خبر أخيه أنه قتل، وهو على المنبر يخطب- ويقال: بل إنه متوجه إلى الكوفة لحرب المنصور- فأنشد: سأبكيك بالبيض الصوارم والقنا ... فإن بها ما يدرك الطالب الوترا ولست كمن يبكي أخاه بدمعة ... يعصرها من ماء مقلته عصرا وإنا أناس لا نفيض دموعنا ... أقول: والأبيات ذكرها أيضا عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة.

حفص بن عمر من ولد الحرث بْن هِشَام المخزومي فكان يصلي بالناس والحرب إِلَى برد بْن لبيد، فبعث المنصور حرب بن عبد الله وأسد بن المرزبان، وعمر ابن العلاء مولى بني مخزوم، وبعث إِبْرَاهِيم عَبْد الخالق الخلقاني ومعه المفضل ابن مُحَمَّد الضبي الراوية- وَكَانَ المفضل يراعي إِبْرَاهِيم ويتعرف خبره قبل خروجه، فلما قرب خروجه خرج إِلَى الْبَصْرَة، فجعل النَّاس يتكلمون فِي قدومه أياما [1] ولا يدرون/ 469/ أو 234 ب/ أنه إذا قدمها، حَتَّى خرج إِبْرَاهِيم فخرج مَعَهُ- فقاتل أصحاب المنصور بردًا وعبد الخالق ومن معهما، فانهزم برد وعبد الخالق وأصحابهما وكف الخراسانية عنهم. 129- وَحَدَّثَنِي الأثرم عَن أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ سفيان مد (ا) هنا في أمر إِبْرَاهِيم [2] وجعل أصحاب إِبْرَاهِيم حين خرج ينادون سُفْيَان وَهُوَ محصور: اذكر بيعتك يوم كَذَا. وَقَالَ لَهُ خليفته عَلَى الشرطة: إني مررت بمقبرة بني يشكر فرميت بالحجارة. فَقَالَ: أَوْ مَا كَانَ لك طريق غير مقبرة بني يشكر؟!! وكان كردم السدوسي تعدوا على سفيان وتروح إلى إبراهيم فلا تعرض لَهُ هَذَا وَلا هَذَا. وَقَالَ سُفْيَان لقائد من قواد إِبْرَاهِيم: أقم عندي فليس كُلّ أصحابك يعلم مَا كَانَ بيني وبين إِبْرَاهِيم. وقدم عَلَى المنصور جعفر بْن سُلَيْمَان بْن علي فولاه الْبَصْرَة، وكتب لَهُ عهده عَلَيْهَا، وبعث سلم بْن قتيبة وكتب لَهُ أيضًا عهدا على البصرة، وقال له

_ [1] رسم الخط في الأصل خفي ويصلح أن يقرأ: «في قدومه إياها» . [2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «في ابن ابراهيم» .

سلم: اجعل لي أيمان أَهْل الْبَصْرَة. فَقَالَ: إئمانهم إِلَيْك. وقدم عِيسَى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِي من الحجاز، فسرحه المنصور لحرب إِبْرَاهِيم والمبيضة، فيقال: إنه أمره أن يمضي على سننه وَلا يدخل الْكُوفَة، وأمر المنصور بأعطاء النَّاس أعطياتهم. وبلغ إِبْرَاهِيم الخبر فأجمع عَلَى المسير إلى عيسى فقال له المضاه: لا تفعل وأقم بمكانك ثُمَّ وجه الجنود. (فلم يرتض قوله) فسار واستخلف ابنه الحسن بْن إِبْرَاهِيمَ عَلَى البصرة، وسير (كذا) عَلَى شرطه نميلة بْن مرة، فلما انتهى ابراهيم إلى قناطر ابن دارا، أقام فِي باخمرى وقد اجتمع إِلَيْهِ أصحابه. وَكَانَ إِبْرَاهِيم لما حبس سُفْيَان قيده بقيد خفيف ليترا (ء) [1] عند أبي جعفر من ممالات إِبْرَاهِيم، وَكَانَ ذَلِكَ عَن إرادة من سُفْيَان، وحمل سُفْيَان إِلَى باخمري. 130- قَالُوا: وَكَانَ جعفر بْن سُلَيْمَان، قد جمع الطعام والعلف فِي معسكر لَهُ، ومعه سلم بْن قتيبة، وأبو دفافة العبسي، فارتحل إِبْرَاهِيم يريد عيسى، واتبعه جعفر، فقال المضاه لإبراهيم: سر إلى عسكر جعفر الَّذِي كَانَ فِيهِ فتحصن بِهِ، فأبي ذَلِكَ وأبته الزيدية أيضًا، وَكَانَ مَعَ إِبْرَاهِيم أحد عشر ألفا [2] سبعمائة فارس والباقون رجالة، فجعل إِبْرَاهِيم عَلَى ميمنته عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد بْن عَمْرو العتكي، وعلى ميسرته برد بن لبيد اليشكري

_ [1] هذا ظاهر رسم الخط، ويحتمل بعيدا أن يقرأ: «ليتبرأ» . [2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة: «أحد عشر أخا» .

وحملوا عَلَى أَهْل عسكر عيسى حَتَّى خالطوه، فتضعضع أَهْل عسكر عيسى وجالوا ثُمَّ انهزموا. وجاء جعفر بْن سُلَيْمَان وأصحابه من خلف أصحاب إِبْرَاهِيم، وذلك أنهم عبروا نهرًا كَانَ وراءهم وَكَانَ أول من عبره سلم بْن قتيبة وأصحابه فنادي النَّاس: الكمين الكمين وانهزم أصحاب إِبْرَاهِيم، وكر أصحاب عيسى بْن مُوسَى فوضعوا سيوفهم فِيهِمْ فقتلوا من جهتين، وقتل إِبْرَاهِيم وصبر بعض الزيدية فقتلوا، وقتل برد، وعبد الواحد بْن زياد، وعبد الوارث بْن الحواري. ونادى منادى عيسى: أن من ألقى سلاحه فهو آمن، وأمر برفع السيف عن فلهم، فادعى عقبة ابن مسلم أنه قتل إِبْرَاهِيم- وإنما قتله غيره- وَكَانَ الحر اشتد عَلَى إِبْرَاهِيم فِي الحرب فألقى درعه وقاتل فأصابته نشابة مات مِنْهَا، ويقال إنه نزع ثيابه ليقع فِي الماء فأدرك فقتل، ووجه عيسى من احتز رأسه فبعث بِهِ إِلَى المنصور، فأمر فطيف بِهِ فِي الْكُوفَة، وَقَالَ المنصور: يَا أَهْل الْكُوفَةِ يا أهل المدرة الخبيثة- يقولون إنه سمع فِي عسكر إِبْرَاهِيم قائل يقول: أقدم حيزوم. تشبهونه بعسكر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووبخهم وَقَالَ: لعنك اللَّه من بلدة ولعن أهلك [1] والله للعجب لبني أمية كيف لم يقتلوا مقاتلتكم و (لم) يسبوا ذريتكم!!! [2] .

_ [1] هذا جزاء أهل الكوفة ومكافاتهم على إحسانهم على المنصور وذويه حيث نصروهم وآووهم ونجوهم من الاستيصال عند فرارهم من بني أمية؟!! وقد جزاهم كما يجزى السنمار!!! [2] ولعل الله صرفهم عن ذلك، ومكن من هو أخبث منهم لينظر كيف يعملون، وليعرف الناس أنهم مبطلون في دعاويهم وأنّهم كافرون لنعمة الله، جاحدون لحق الله معادون لأولياء الله، مناصحون لأعدائه، فهم من طواغيت الأمة وفراعنتها!!! قال السيد أبو طالب: أخبرني أبي قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن أحمد بن أدريس، عن سلمة بن الخطاب (ظ) عن معاوية بن الحكم عن محمد بن موسى عن الطيالسي قال: لما قتل أبو جعفر محمدا وإبراهيم وجه شيبة بن عقال إلى الموسم لينال من آل أبي طالب فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إن علي بن أبي طالب شق عصى المسلمين وخالف أمير المؤمنين وأراد هذا الأمر لنفسه فأخر الله أمنيته وأماته بغيظه!!! ثم هؤلاء (ولده) يقتلون وبالدماء يحصون!!! فقام إليه رجل فقال: الحمد لله رب العالمين وصلى الله (ظ) على محمد وأنبيائه المرسلين، أما ما قلت من خير فنحن أهله، وأما ما قلت من شر فأنت به أولى وصاحبك به أحرى يا من ركب غير راحلته وأكل (غير) زاده أرجع مأزورا!!! ثم أقبل على الناس فقال: (ألا) أخبركم بأبخس الناس ميزانا وأبينهم خسرانا؟ من باع آخرته بدنيا غيره وهو هذا!!! ثم جلس فقال الناس: من هذا؟ فقيل: (هو) جعفر بن محمد عليهما السلام. هكذا رواه عنه في الباب الثامن من تيسير المطالب ص 114، وكان فيه تصحيفات أصلحناها.

ولما قتل إِبْرَاهِيم أخرج جعفر عهده، وأخرج سلم عهده، فَقَالَ لَهُ جعفر بْن سُلَيْمَان: عهدي قبل عهدك فدعني أدخل البصرة/ 470/ أو 235/ أ/ أميرًا ثُمَّ تأتي بعدي. فأقام سلم ودخل جعفر فأمن النَّاس، ثُمَّ قدم سلم فأقام أشهرًا، ثُمَّ ولي المنصور الْبَصْرَة مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن علي وَقَالَ: إنما وليت جعفرًا وسلما وإبراهيم بالبصرة ليقاتلاه ويؤمنا النَّاس فتقاعدا عَنْهُ. 131- ويقال: إن المنصور كتب إِلَى سلم فِي قطع نخيل أَهْل الْبَصْرَة ممن خرج مع إبراهيم!!! فغيب عنهم فعزله. 132- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئ قَالَ: لما خرج إِبْرَاهِيم سنة خمس وأربعين ومائة، كتب المنصور إِلَى جعفر ومحمد ابني سُلَيْمَان بْن علي يعجزهما ويوبخهما عَلَى نزول إِبْرَاهِيم مصرًا هما بِهِ لا يعلمان بأمره، وتمثل: أبلغ هديت بني سعد مغلغلة ... فاستيقظوا إن هذا فعل لوام تعدوا الذئاب عَلَى من لا كلاب لَهُ ... وتتقي صولة المستنفر الحامي

ولما جاء المنصور خبر مُحَمَّد وإبراهيم جعل ينكت على الأرض بمحضرته وَيَقُول: ونصبتُ نفسي للرماح دريَّة ... إِن الرئيس لمثل ذاك فعول وَكَانَ المنصور يقول: إنما جد إِبْرَاهِيم عَلَى المسير إِلَى الْبَصْرَة اجتماع أَهْل الْكُوفَةِ وأهل السواد عَلَى الخلاف والمعصية والميل إِلَيْهِ. وقد رميت كُلّ ناحية بحجرها وكل كورة بسهمها، ووجهت إِلَيْهِ الميمون النجد عيسى بْن مُوسَى واستعنت بالله واستكفيته. وَكَانَ هارون بْن سعد العجلي شيعيًا فعاب خروج إِبْرَاهِيم وقال: يَا من لَهُ كَانَ ذو الروية ... والهيئة منا في الدين متبعا أبينما نلت منتهى أمل الأمة ... (كذا) إذ قيل صار مبتدعا يا لهف نفسي على تفرق ما (ظ) ... قد كَانَ مِنْهَا عليك مجتمعا 133- قَالُوا: ووجه المنصور أبا خزيمة خازم بْن خزيمة التَّمِيمِيّ إِلَى المغيرة بْن الفزع وَهُوَ بالأهواز، فواقعه فهزمه وهزم أصحابه، وهرب المغيرة إِلَى الْبَصْرَة فاستخفى بِهَا. وَكَانَ حسان مولى أمير الْمُؤْمِنِينَ على بريدها فافتعل أمانا من المنصور لابن الفزع [1] جعل لَهُ فِيهِ ذمة اللَّه وذمة رسوله أ (ن) لا يهيجه وَلا يروعه وَلا يعرض لَهُ بسوء فِي نفسه وشعره وبشره وماله وولده، وَلا يؤاخذه بما كَانَ منه، وأن يجزل صلته ويرفع قدره، ويقو (د) هـ على من أحب الفريضة من قومه.

_ [1] الظاهر أن الأمان كان من المنصور نفسه، وهذا ليس ببديع منه، وقد فعل مثله بأبي مسلم وعمه عبد الله بن علي وابن هبيرة وابن المقفع!!! وإنما قالوا: افتعله حسان دفعا للعار والشنار، وتقليلا للذم واللوم عن المنصور!!

ودعا رجلا من موالي بني قريع فاقرأه الأمان وكتابا كأنه ورد عَلَيْهِ من المنصور فِي أمره، وَقَالَ لَهُ: أنا أعلم أن المغيرة يسمع منك ويقبل قولك، وأنك إن شئت أن تعرف موضعه واتصل إِلَيْهِ فِيهِ عرفته ولقيته!! فخذ هَذَا الكتاب وَهَذَا الأمان واقرأهما عَلَيْهِ، فلما صار الرَّجُل إِلَيْهِ قرأ عَلَيْهِ الكتاب والأمان، وأشار عَلَيْهِ بالظهور، فدعا المغيرة قومه فناظرهم فكلهم رأى لَهُ أن يظهر، فقبل ذَلِكَ منهم وخرج حَتَّى أتى حسان!!! وقد أعلم حسان مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان أمره فاعترضه رسل مُحَمَّد فأخذوه وأتوه بِهِ، فحبسه وكتب إِلَى المنصور فِي أمره، فوجه المنصور أسد بن مرزبان ومعه الريان مولى أمير الْمُؤْمِنِينَ لقتله، فأخرج من السجن وسلمه مُحَمَّد إليهما، فقطع أسد يديه ورجله (كذا) ثم قتله وصلبه في القافلانين (كذا) . وَقَالَ بعضهم: أخذه مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بأمان ثُمَّ قتله. وأخذ المسيب بْن زهير الضبي الأمان للمفضل الضبي الراوية بعد أن استخفى وتنقل فِي البوادي. 134- وأخذ أصحاب إِبْرَاهِيم وعماله فقتلوا فِي البوادي والنواحي. وقتل هِشَام بْن عَمْرو التغلبي الحسن بْن إِبْرَاهِيمَ بْن الحسن بالسند، وَكَانَ قد هرب إِلَيْهَا. وقتل عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بالسند أيضا. وتوارى المضا (هـ) بن القاسم التغلبي، وَكَانَ نميلة قد أطلق سُفْيَان وأخرجه من محبسه فأومن وصار بعد في أصحابه/ 471/ أو 235 ب/. وبلغ المنصور أن سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة كَانَ يقول: مَا سرني أني شركت فِي دم إبراهيم وأن لي سود النعم وحمرها. فكان المنصور يقول: مَا رأيته إِلا أظلم مَا بيني وبينه.

وولي المنصور سوار بْن عَبْدِ اللَّهِ إيمان النَّاس وتسكينهم ففعل. 135- وحدثت عَن أَبِي عاصم النبيل أنه قَالَ: لما دخل إِبْرَاهِيم الدار وخرج سُفْيَان مِنْهَا، بسط لَهُ حصير فقلبته الريح فتطير له من ذلك [1] . وبعث (إبراهيم) إِلَى مُحَمَّد وجعفر ابني سُلَيْمَان- وكانت أمهما أم الْحَسَن بِنْت جَعْفَر بْن حسن بْن حسن-: يقول لكما خالكما: إن أحببتما جواري ففي الأمن والسعة والرحب، وإن كرهمتماه فاذهبا إِلَى حيث شئتما، وَلا تسفكا بيننا دما. 136- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْعِجْلِيُّ قَالَ: خرج إبراهيم بالبصرة فأخذها، ووجّه إل الأهواز وفارس، وولي خراج الأهواز عفو اللَّه بْن سُفْيَان الثَّقَفِيّ، وحصر سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة، ثُمَّ أمنه فخرج عَن دار الإمارة، فوجه المنصور عامر بن اسماعيل السلمي (المسلى «خ» ) فِي جيش عظيم فنزل واسطا، ووجه إِلَى الْبَصْرَة جيشا، ثُمَّ إن إِبْرَاهِيم خاف غدر أهل البصرة واختلافهم وعصبيتهم فأقبل نحو واسط فحاربه عامر بْن إِسْمَاعِيل، ثُمَّ مضى إِبْرَاهِيم يريد الْكُوفَة وقد قدمها [2] عيسى بْن مُوسَى من الحجاز، ووجهه المنصور لمحاربته، فالتقيا بقرية تدعى باخمري فهزم إِبْرَاهِيم عيسى هنيئة [3] وَكَانَ جل أصحاب إِبْرَاهِيم رجالة، ثُمَّ عطفت عليه خيل عيسى ورجاله فقتل (إبراهيم) ورجع عيسى إِلَى الْكُوفَةِ. 137- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَن أَبِيهِ قَالَ: كَانَ المغيرة

_ [1] وذكره مع التالي مسندا في مقاتل الطالبيين ص 322. [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «وقدومها» . [3] كذا.

ابن الفزع من أشد النَّاس فِي أمر إِبْرَاهِيم فأخذ وقتل، وَكَانَ الَّذِي تولى قتله أَبُو الأعور الكلبي فقال أَبُو زياد الكلبي: (أ) من مبلغ عليا تميم بأننا ... نصبنا عَلَى الكلاد بالمشط معْلَمَا [1] نصبنا لكم رأس المغيرة بائنا ... وجثمانه بالجذع عريان ملحما 138- قَالُوا: تزوج إِبْرَاهِيم بهكنة بنت عمر بْن سلمة الهجيمي، فكان يونس النحوي يقول: جاء إِبْرَاهِيم ليزيل ملكا فألهته امرأة بطيبها وخضابها، وأتي المنصور بالتيميّة فتركها بمزجر الكلب [2] حَتَّى فرغ من أمر إِبْرَاهِيم. وَكَانَ عمر بْن سلمة عَلَى فرس أبلق فَقَالَ إِبْرَاهِيم: أما القتال فلا أراك مقاتلا ... ولئن فررت ليعرفن الأبلق 139- قَالُوا: وحمل رأس مُحَمَّد ورأس إِبْرَاهِيم إِلَى خراسان، ثُمَّ ردا فدفنهما الَّذِي حملهما تحت درجة فِي منزله بدرب أَبِي حنيفة فِي مدينة أَبِي جعفر ببغداد. وَقَالَ بعض بني مجاشع للمنصور: ابرز فقد لاقيت هبرزيا ... أبيض يدعو جده عَلِيًّا وجده من أمه النبيا 140- قَالُوا: وَكَانَ إِبْرَاهِيم يذكر بني العباس فيقول: عظّموا ما صغّر (هـ) الله، وصغّروا ما عظّم الله [3] .

_ [1] كذا. [2] إن يونس المسكين كان مبتلى بشوم النحو فسلبه مشاعره وأوقعه فيما ليس من شأنه. [3] ورواه أيضا في مقاتل الطالبيين ص 336 بسندين والظاهر أن المراد مما عظمه الله هو ما للعلويين من فخامة الرتبة وزعامة الأمة بجعل من الله ورسوله، ومراده مما صغره الله هو قرابة العباس المجردة عن جميع المعالى. أو المراد مما صغره الله هو ما فعله بنو أمية بابراهيم المعروف عند بني العباس وشيعتهم بالإمام، وما عظمه الله هو ما فعلوه بأهل البيت عليهم السلام؟!!

141- وَقَالَ بشار الأعمى فِي إِبْرَاهِيم: أقول لبسام عَلَيْهِ جلالة ... غدا أريحيا فِي الرجال الأكارم من الفاطميين الدعاة إِلَى الهدى [1] ... قياما وما يهديك مثل ابْن فاطم 142- حَدَّثَنِي الحسن بْن علي الحرمازي وغيره قالوا: كان سديف ابن ميمون مولى بني هاشم مائلا إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله، وقبل ذلك كان (ظ) مائلا إِلَى المنصور قبل خلافته، فوصله المنصور حين استخلف بألف دينار، فلما خرج مُحَمَّد دفع الألف الدينار إِلَيْهِ تقوية لَهُ، وخرج مَعَهُ وأجلب عَلَى المنصور، وهجا ولد العباس، فلما قتل مُحَمَّد صار إلى إبراهيم أخيه بالبصرة/ 472/ أو 236/ أ/ فلما قتل خاف سديف على نفسه فهجا بني الحسن فَقَالَ [2] : بني حسن أحدثوا توبة ... فليس الحديث كما تزعمونا أقلتم يكون لنا قائم ... فنحن بقائمكم كافرونا وَقَالَ أَيْضًا: كذبت بنو حسن ورب مُحَمَّد ... مَا العم كابن العم فِي الميراث وَكَانَ المنصور يقول: كأني بسديف يتهكم عند إِبْرَاهِيم. 143- قَالُوا: وَقَالَ سديف وقد صعد إِبْرَاهِيم المنبر: إيها أبا إِسْحَاق هنئتها [3] ... فِي صحة منك وعمر طويل اذكر هداك الله ذحل الأولى ... سير بهم في مصمتات الكبول

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «من الفاطميين من الدعاة إلى الهدى» . [2] الأبيات لا تلائم نزعة سديف فليتثبت. [3] هذا هو الظاهر الموافق لما في ترجمة ابراهيم من مقاتل الطالبيين ص 315، ورسم الخط من مخطوطة أنساب الأشراف غامض ويمكن أن يقرأ «منيتها- أو- ملئتها» .

يعني أباه ومن حمل مَعَهُ. فلما قتل إِبْرَاهِيم هرب سديف واستخفى وكتب إِلَى المنصور: أيها المنصور يا خير العرب ... يا خير من ينميه عَبْد المطلب أنا مولاك وراج عفوكم ... فاعف عني اليوم من قبل العطب واحتال الكتاب (كذا) حتى وصل إليه فوقع (المنصور) فِيهِ: مَا نماني مُحَمَّد بْن علي ... إن تشبهت بعدها بولي [1] ثُمَّ إنه قتل [2] . 144- وَقَالَ إِبْرَاهِيم بْن عَلِيّ بْن هرمة يعتذر إِلَى إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ: يَا ابْن الفواطم خير النَّاس كلهم ... عند الفخار وأولاهم بتطهير إني لحامل عذري ثُمَّ ناشره ... وليس ينفع عذر غير منشور وحالف بيمين غير كاذبة ... بالله والبدن إذ كبت لتنحير لقد أتاك العدى عني بفاحشة ... منهم فروها بإسراف وتكثير لا تسمعن بنا إفكا وَلا كذبا ... يا ذا المعالي ويا ذا المجد والخير ويقال: إنما اعتذر إِلَى غيره منهم فِي أمر بلغه عَنْهُ. 145- وَكَانَ قرة الصيرفي عينا لأبي جعفر المنصور عَلَى إِبْرَاهِيم، فضربه إِبْرَاهِيم وحبسه، فلما قتل إِبْرَاهِيم قَالَ لَهُ أبو جعفر: مرحبا بك يَا قرة، ما زلت أدعو اللَّه لك بالسلامة. ووصله.

_ [1] كذا. [2] سيأتي في ترجمة آل العباس أن المنصور أمر بإلقائه في البئر حيا فألقي فيها فمات فيها رحمه الله!!!

خروج يحيى بن عبد الله بن حسن

(قبسة من ترجمة بقية الشرفاء من أحفاد الإمام الحسن، وما جرى عليهم بعد استشهاد النفس الزكية وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين) [خروج يحيى بن عبد الله بن حسن] 146- قالوا: وخرج يحي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بالجبل وصار إِلَى ناحية الديلم، فتوجه إِلَيْهِ الفضل بْن يحي بْن خالد بْن برمك وزير الرشيد هارون أمير الْمُؤْمِنِينَ، فجعل لملك الديلم ألف ألف فسلمه إِلَيْهِ عَلَى أن أعطاه الرشيد الأمان من القتل، فكان محبوسا عند السندي بْن شاهك فمات فِي الحبس [1] . [خروج الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن حسن بْن حسن بْن الحسن بن علي بفخ] وخرج فِي سنة تسع وستين ومائة الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن حسن بْن حسن بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب بالمدينة تم أتى مكة، فلقيه موسى بن عيسى ابن مُوسَى والعباس بْن مُحَمَّد بْن علي، ومحمد بن سليمان بن علي، وسليمان ابن أَبِي جعفر- وَهُوَ عَلَى الموسم- فقتل بفخ وبعث برأسه إِلَى مُوسَى الهادي أمير الْمُؤْمِنِينَ فنصب على الجسر ببغداد [2] . وصار عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن إلى مصر [3] فحمل منها (إلى أبي جعفر المنصور، فأمر بحبسه مع أهله) فمات ببغداد (في حبس أبي جعفر المنصور) .

_ [1] من الجوع والعطش لأن الشقي أمر بالضيق عليه وحبس الطعام عنه!!! وليحي هذا ترجمة مبسوطة في مقاتل الطالبيين ص 364 وتاريخ الطبري: ج 10، ص 54 والكامل: ج 6 ص 44 وتاريخ بغداد: ج 14، ص 110، والاستقصاء: ج 1، ص 67 والوزراء والكتاب ص 189، والفخري ص 174، وشرح شافية أبي فراس ص 188، وشرح المختار: «300» من الباب 3 من النهج من شرح ابن أبي الحديد: ج 4 ص 352. [2] ولصاحب الفخ هذا ترجمة تفصيلية في مقاتل الطالبيين ص 431. وله أيضا ترجمة في تاريخ الطبري: ج 10، ص 24 وتاريخ الكامل: ج 6 ص 32، ومروج الذهب: ج 2 ص 183، والفخري ص 171، والبداية والنهاية: ج 10، ص 40 والمعارف ص 166، والمحبر ص 37 وشرح شافية أبي فراس ص 169. [3] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «فصار علي بن محمد ... » . ولعلي بن محمد هذا ترجمة في مقاتل الطالبيين ص 201 وفي ط ص 140، وفي تاريخ الطبري ج 9 ص 192.

وَكَانَ إدريس بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن [1] فِي وقعة فخ مَعَ الْحُسَيْن بْن علي فهرب فِي خلافة الهادي إِلَى مصر، وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بن منصور، الَّذِي يعرف بالمسكين، وَكَانَ واضح يتشيع، فحمله عَلَى البريد إِلَى المغرب فوقع إِلَى أرض طنجة، وأتى بعض مدنها فاستجاب لَهُ من بِهَا من البربر، فلما استخلف الرشيد بعد مُوسَى الهادي أعلم ذَلِكَ فضرب عنق واضح، ودس الشماخ مولى المهدي وكتب لَهُ إِلَى ابراهيم ابن الأغنب [2] وَهُوَ عامله عَلَى إفريقية، فأنفذه إِلَى بلاد طنجة، فدعا الشماخ الطب، فدعاه إدريس ليسأله عَن وجع عرض له في أسنانه/ 473/ أو 236 ب/ فأعطاه سنونا [3] فِيهِ سم كَانَ مَعَهُ، ثُمَّ هرب فطلب فلم يقدر عَلَيْهِ، ومات إدريس وصار مكانه ابْن لَهُ يقال لَهُ إدريس أيضا، قال الشاعر [4] : أتظن [5] يَا إدريس أنك مفلت ... كيد الخليفة أَوْ يقيك حذار إن السيوف إذا انتضاها سخطه ... طالت وقصر عندها الأعمار

_ [1] وقد عقد له رضوان الله عليه، ترجمة في مقاتل الطالبيين ص 487، وتاريخ الطبري ج 10، ص 29 وفي البدء والتاريخ: ج 6 ص 100، والاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى: ج 1، ص 67، وشرح شافية أبي فراس ص 171، والدر النفيس في مناقب ادريس ص 99 وتاريخ أبي الفداء: ج 2 ص 12، وابن خلدون: ج 4 ص 12. [2] ويساعد رسم الخط على أن يقرأ: «الأغلب» . ومثله في ط مصر، من مقاتل الطالبيين ص 490. [3] السنون- بفتح السين-: ما يستاك به. أو هو المسحوق الذي تدلك به الأسنان لتنجلي. [4] وفي تاريخ الطبري: ج 10، ص 29: فقال في ذلك بعض الشعراء أظنه الهنازي. وقال في مقاتل الطالبيين ص 491: قال ابن عمار: وهذا الشعر عندي يشبه شعر أشجع بن عمرو السلمى وأظنه له. قال أبو الفرج الإصبهاني: هذا الشعر لمروان بن أبي حفصة، أنشدنيه علي بن سليمان الأخفش له. [5] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «أتضرنا إدريس» .

وَكَانَ مُوسَى بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن ذا عارضة وبيان، فأخذه المنصور (ثُمَّ) عفا عَنْهُ، وفيه يقول الشاعر: [1] إنك أما كنت جونا أنزعا ... أخاف أن تضرهم وتنفعا وتسلك العيش طريقا مهيعا ... فردًا من الأصحاب أَوْ مشيعا وَكَانَ مُوسَى آدم وولدته أمه ولها ستون سنة. وَكَانَ موسى أحدث عينا فكر (هـ) ذَلِكَ أصحاب الأنضاح فَقَالَ: يَا ويحهم من هَذِهِ المسفوحة ... إذا غدت أطباؤها مفتوحة وأصبحت وجوههم مقبوحة فَقَالَ لَهُ رجل من ولد مطيع من بني عدي بْن كعب يقال له: محمد بن إسماعيل: يا (أ) با حسن أذففت [2] فيما صنعت وقلت. فقال له موسى (ظ) : ومن أنت؟ إنما أنت ذنب فِي قريش!! فحلم عَنْهُ المطيعي وسكت فلم يجبه، ثُمَّ التقيا بعد ذَلِكَ فأحد مُوسَى النظر إِلَيْهِ فَقَالَ المطيعي: أتحد النظر إلي وتستطيل بالخيلاء علي؟ أغرك حلمي عنك وعفوي عما كَانَ منك؟ ولخير لك أن تربع عَلَى ظلعك وتقيس فترك [3] بشبرك وتعرف حالك من حال غيرك!!! فقال: له موسى: والله لما أعدك ولا أعتد بك، والله إنك للغوي الغبي القريب من

_ [1] قال في ترجمة موسى من مقاتل الطالبيين ص 390 ما معناه: الأبيات لأمه هند بنت أبي عبيدة ... أقول: ولموسى هذا ترجمة في تاريخ بغداد: ج 13، ص 25، وزهر الآداب: ج 1، ص 129. [2] رسم الخط غير مبين في هذا اللفظ فيحتمل أن يقرأ: «أوقفت» . [3] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «قبرك» . والفتر كحبر-: ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة إذا فتحتها.

كل سوء، البعيد من كل خير، وأما ذكرك شبري وفتري فان فتري من شبري وشبري من فتري من كف رحبة الذراع طويلة الباع، يقيمها مَا يقعدك ويرفعها مَا يخفضك، ومهما جهلت عني فأني عالم بأني خير منك أما وأبا ونفسا وإن رغم أنفك وتصاغرت إِلَيْك نفسك. وكان موسى شاعرا، حظيت [1] عنده أم سلمة بنت محمد بن طلحة ابن عبد الله بن عبد الرحمان بْن أَبِي بكر الصديق وهي الَّتِي يقال لَهَا: يعجبني من فعل كُلّ مسلمه ... مثل الَّذِي تفعل أم سلمة إقصاؤها عَن زوجها كُلّ أمه ... لأنها قدما تسامي المكرمه وكتب موسى إليها يأمرها بالشخوص إليه إلى الْعِرَاق فأبت فكتب إِلَيْهَا: إني زعيم أن أجي بضرّة ... قراسية فراسة للضرائر [2] فَقَالَ الربيع بْن سُلَيْمَان مولى مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن: أبنت أَبِي بكر تكيد بضرة ... لعمري لقد حاولت إحدى الكبائر [3]

_ [1] هذا هو الظاهر، والفعل كفرحت لفظا ومعنى أي صارت ذات حظوة ومكانة عندها. وفي الأصل: «حذيت» . [2] كذا في مقاتل الطالبيين ص 395، وفي الأصل: «فراسية فراصية ... » . وفي مقاتل الطالبيين بعده هكذا: فتكرم مولاها وترضي خليلها ... وتقطع من أقصى أصول الحناجر [3] وبعده في مقاتل الطالبيين هكذا: تغط غطيط البكر شد خناقه ... وأنت مقيم بين صوحى عبائر قال: وعبائر: ما كان لموسى بن عبد الله. أقول: قال في معجم البلدان: ج 6 ص 104: عبائر: نقب منحدر من جبل جهينة سلكه من خرج من اضم يريد ينبع.

فكتب مُوسَى إِلَيْهَا: لا تتركيني فِي الْعِرَاق فإنها ... بلاد بِهَا أَهْل الخيانة والغدر فإني زعيم أن أجيء بضرة ... مقابلة الأجداد طيبة النشر إذا انتسبت من آل شيبان في الذر ... ى ومرة لم تحفل بفضل أَبِي بكر وَكَانَ جعفر بْن الحسن بْن الحسن- أخو عَبْد اللَّهِ بْن الحسن، وعم مُحَمَّد وإبراهيم- من رجال بني هاشم ووجوههم، واختصم ولد الحسن والحسين فِي وصية علي فَقَالَ كُلّ قوم: هي فينا، فكان زَيْد بْن عَلِي بْن الْحُسَيْن بْن عَلِي يخاصم لولد الْحُسَيْن، وَكَانَ جعفر بْن الحسن يخاصم لولد الحسن. وتزوج سُلَيْمَان بْن علي أمّ الحسن بنت جعفر، فولدت محمدا وجعفرا ابني سليمان/ 474/ أو 237/ أ/ ومات جعفر بالمدينة. وَكَانَ بالرقة مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيمَ بْن حسن بن حسن ابن علي، وتلقب إِبْرَاهِيم بْن حسن طباطبا [1] . وقدم أبو السّرايا: السري بن منصور الشيباني مغار [2] والهرثمة بن أعين القائد في سبعمائة من قومه، فدعاه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ فأتاه فبايعه عَلَى الدعاء إِلَى الرضا من آل مُحَمَّد، وشخصا حَتَّى دخلا الْكُوفَة، فصار أَبُو السرايا إلى قصر (الفضل بن) العباس بن موسى فأغلقوا دونه أبوابه وزمي ومن وجه [3] .

_ [1] وتفصيل قصته في مقاتل الطالبيين ص 518 وتاريخ الطبري: ج 10، ص 227 وتاريخ الكامل: ج 6 ص 111، ومروج الذهب ج 2 ص 224. [2] كذا في الأصل، والظاهر ان فيه تصحيفا ولعل الصواب: مفارقا لهرثمة بن أعين ... [3] كذا في الأصل، والظاهر أن فيه حذفا وتصحيفا.

وَكَانَ مَعَ أَبِي السرايا رجل يكنى أبا الشوك فرمي خادما كَانَ بين شرفتين فانقلب عَلَى رأسه ودخلوا القصر، فأخذوا مَا كَانَ فيه وبايعه أهل الكوفة، وذلك في سنة تسع وتسعين ومائة، فوجه إِلَيْهِمُ الحسن بْن سهل- وَهُوَ خليفة المأمون ببغداد-، وَكَانَ ينزل الشماسية- زهير بْن المسيب الضبي فِي أربعة آلاف فهزمه أَبُو السرايا عند قنطرة الْكُوفَة، وأخذ مَا كَانَ مَعَهُ، وصار زهير إِلَى بغداد. ثُمَّ إن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ الطالبي مات بالْكُوفَة بعد قدومه إياها بأقل من شهر، ويقال: بأربعين ليلة [1] .

_ [1] هذا تمام ترجمة ولد الإمام الحسن عليه السلام من النسخة التركية من أنساب الأشراف وتليه ترجمة الإمام الحسين عليه السلام في الورق 237/ أو ص 474، وانتهى بي الكتابة هاهنا وفرغت من كتابة ترجمة الإمام الحسن وولده عليهم السلام بعد ظهر يوم الثلثاء: (18) ربيع الأول من سنة 1392. ومن أراد بقية خبر أبي السرايا، وأخبار بقية من استشهد من آل أبي طالب فعليه بكتاب مقاتل الطالبيين ص 513 وتواليها.

أمر الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام

أمر الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِمَا السلام 1- قَالُوا: كَانَ الحسن أسن من الحسين بسنة. ويقال: بأقل مِنْهَا. وَكَانَ الْحُسَيْن يكنى أبا عَبْد اللَّهِ، وَكَانَ شجاعا سخيا. وَكَانَ يشبّه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أن الحسن كَانَ أشبه وجها بوجه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه. ويقال: إنه كَانَ يشبه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سرته إِلَى قدميه. 2-[وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حسين مني وأنا منه أحب اللَّه من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط] [1] .

_ [1] وقريبا منه رواه الترمذي والطبراني كما في باب: «ما اشترك فيه الحسن والحسين من الفضل» من كتاب مجمع الزوائد: ج 9 ص 181، قال: واسناده حسن. أقول: وللكلام مصادر كثيرة، وقد ورد في شأنه- وشأن أخيه- عليهما السلام عن جده صلى الله عليه وآله وسلم فضائل ومناقب بين فيها صلى الله عليه وآله وسلم مكارمه ومعاليه وما يجري عليه من ناحية الطغاة، وقد أخل البلاذري بذلك إخلالا فاحشا ولعله من أجل خوفه من طواغيت عصره، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا «عبرات المصطفين» ولنتبرك هاهنا بذكر حديثين: قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبي قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحي بن الحسن قال: حدثني محمد بن يحيى بن الحسن العقيقي قال: حدثنا سعيد بن نوح، قال: حدثنا مصعب القرقساني قال: حدثنا الأوزاعي عن عبد الله بن شداد: عن أم الفضل بنت الحرث أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال: وما هو؟ قالت: شديد. قال: وما هو؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خيرا رأيت، تلد فاطمة غلاما فيكون في حجرك!!! (قالت) فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلت به يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم كان مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تهريقان الدموع!!! فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله مالك؟ قال: أتاني جبرئيل فأخبرني بأن أمني ستقتل ابني هذا!!! وأتاني بتربة من تربته حمراء. وقال أيضا: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الأسدي القاضي ببغداد، قال: حدثنا علي بن الحسن العبدي قال: حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحي ابن سفيان، قال: حدثني عاصم، عن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في أذن الحسين عليه السلام حين ولدته فاطمة عليها السلام. هكذا رواهما عنه في الباب: (6) و (8) من تيسير المطالب ص 90 و 126، ط 1.

شبر وشبير ومشبر

3- حدثنا محمد بن مصفى الحمصي حدثنا العباس بن الوليد، عن شعبة عن يزيد بْنِ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ قال: قَالَ: قُلْتُ لِحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ [1] : مَا تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَأَخَذْتُ مِنْهُ تَمْرَةً فَجَعَلْتُ أَلُوكُهَا فَأَخَذَهَا (مني) بِلُعَابِهَا حَتَّى أَلْقَاهَا فِي التَّمْرِ [وَقَالَ: إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ] . قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: [دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لا يُرِيبُكَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ، وَإِنَّ الصِّدْقَ طمأنينة] . [شبر وشبير ومشبر] 4- وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار، حَدَّثَنَا عيسى بْن يونس، حدثنا الأوزاعي عن يحي بن أبي كثير قال:

_ [1] كذا قال، والصواب «الحسن بن علي» كما رواه الدولابي في الحديث (127) من كتاب الذرية الطاهرة ص 24 وكذلك رواه في الحديث: (180) وما بعده من ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1، ص 30 بطرق وفيهما: «بريد بن أبي مريم» بالباء الموحدة التحتانية والراء المهملة. وقوله: «إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ» أيضا له مصادر وأسانيد، وقد ذكره ابن عساكر بسند آخر في ترجمة زينب الكبرى من تاريخ دمشق: ج 19/ الورق 215 ب/ من النسخة الظاهرية.

سمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُكَاءَ حَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَقَامَ فَزِعًا فَقَالَ: [أيها الناس إن الْوَلَدُ فِتْنَةٌ، لَقَدْ قُمْتُ إِلَيْهِ وَمَا أَعْقِلُ!!! [1]] . 5- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هَانِئٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: وُلِدَ لِي ابْنٌ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَقَالَ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: سَمَّيْنَاهُ حَرْبًا. فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ. ثُمَّ وُلِدَ لِي آخَرُ فَسَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: حَرْبًا. قَالَ: هُوَ حُسَيْنٌ. ثُمَّ وُلِدَ لِي ابْنٌ آخَرُ فَسَمَّيْتُهُ حَرْبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: حَرْبًا. قَالَ: هُوَ مُحْسِنٌ إِنِّي سَمَّيْتُ بَنِيَّ هَؤُلاءِ بِأَسْمَاءِ ولد هارون: شبر وشبير ومشبر] [2] .

_ [1] وروى الطبراني عن يزيد بن أبي زياد، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فمر على بيت فاطمة فسمع حسينا يبكي فقال: ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني؟!! ورواه عنه في باب مناقب الإمام الحسين من مجمع الزوائد: ج 9 ص 201. [2] وقال السيد أبو طالب: أخبرنا ابن بندار، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا علي بن الحسن بن سليمان، قال: حدثني يحي الرملي قال: حدثني الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن علي عليه السلام قال: كنت رجلا أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن، فلما ولد الحسين عليه السلام هممت أن أسميه حربا فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسين وقال: إني سميتهما باسم ولدي هارون شبر وشبير. هكذا رواه عنه في الباب: (6) من تيسير المطالب ص 95 ط 1. أقول: أكثر رواة الحديثين وما في معناهما من شيعة آل الحرب، وهم غير موثوقين عندنا، والظاهر أنهم أرادوا تطييب خواطر معاوية وجلب توجهه إليهم بأن عليا كان مولعا بالحرب وقتل الناس لا شأن له غيره!!! وهذا المضمون لم يرد في روايات أهل البيت عليهم السلام، ومعناه بعيد عن سجية أمير المؤمنين عليه السلام لا سيما ما في المتن وما هو بسياقه، فإنه عليه السلام ما كان يسبق رسول الله بشيء من أعماله كما هو مدلول كثير من الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام بعضها يتعرض موضوعنا هذا، كما يتبين ذلك لكل من يراجع أترجمة الإمامين ريحانتي رسول الله من بحار الأنوار وغيره من روايات أهل البيت عليهم السلام. ومما يعاضد روية أمير المؤمنين عليه السلام وسيرته ما رواه في آخر الباب (6) من تيسير المطالب عن السيد أبي طالب قال: أخبرنا محمد بن عمر بن محمد الدينوري قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الله القاضي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا محمد بن طريف، قال: حدثنا محمد بن فضيل عن علي بن مبشر بن عمر بن عبيد، عن عروة بن فيروز: عن سودة قالت: كنت فيمن شهد فاطمة عليها السلام حين أخذها المخاض فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: كيف ترينها؟ فقلنا: إنها لتجهد. قال: إذا وضعت فلا تسبقيني فيه بشيء. قالت: فوضعت غلاما فسددته ولففته في خرقة صفراء، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد ولدت غلاما ولففته في خرقة صفراء. فقال: قد عصيتني ودعا بالخرقة (كذا) فألقى عنه الصفراء ولفه في خرقة بيضاء وبزق فيه بريقه، وجاء علي عليه السلام فقال: بم تسميه؟ فقال: يا رسول الله لو سميته جعفر؟ فقال: لا بل هو حسن وبعده الحسين وأنت أبو حسن وحسين. فالحديث يبطل جميع ما هو بخلافه من روايات آل أمية وشيعتهم إذ يدل بصريحه على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سماه الحسين وعين له هذا الاسم الكريم قبل ولادته عند ولادة أخيه عليه السلام فكيف يمكن مع ذلك أن يقال: إن أمير المؤمنين سماه حربا أو أحب أن يسميه حربا؟!! ورواه الطبراني بإسنادين كما في باب: «ما جاء في الحسن بن علي» من مجمع الزوائد: ج 9 ص 174، قال: وفي أحدهما (أي أحد الإسنادين) عمر بن فيروز، وعمر بن عمير (كذا) ولم أعرفهما، وبقية رجاله وثقوا. وراجع أيضا ما رواه أحمد في أواخر مسند أمير المؤمنين تحت الرقم: (1370) من مسنده: ج 2 ص 352 ط 2، وذكره أيضا تحت الرقم: (337) من باب فضائل علي من كتاب الفضائل، ورواه عنه وعن أبي يعلى والبزار، والطبراني في مجمع الزوائد: ج 8 ص 53 فإن فيهما أيضا شاهد. أنساب الأشراف (م 10)

(أسامي ولد الإمام الحسين عليه السلام)

(أسامي ولد الإمام الحسين عليه السلام) 6- فولد (الحسين) عليا الأكبر- وأمه ثقفية (ظ) - قتل بالطف وَكَانَ يقاتل وَهُوَ يقول: أنا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن علي ... أنا وبيت اللَّه أولى بالنبي من شمر وشبث وَابْن الداعي [1] . و (ولد أيضا) عليا الأصغر- وَهُوَ الَّذِي أعقب- وأمه أم ولد تسمى سلافة [2] . قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا رأيت قرشيا قط/ 475/ أو 237 ب/ أفضل من عَلِيّ بْن الْحُسَيْن. ومات بالمدينة وَهُوَ ابْن ثماني وخمسين سنة. ويقال ابْن ستين. ويكنى أبا مُحَمَّد. وكانت وفاته فِي سنة أربع وتسعين. ودفن بالبقيع. ويقال: مات في سنة اثنتين وتسعين. و (ولد أيضا) فاطمة بنت الْحُسَيْن أمها أم إِسْحَاق بنت طَلْحَة بن عبيد الله. و (ولد أيضا) سكينة أمها الرباب بنت امرؤ القيس وقد ذكرنا أمرها فيما تقدم [3] . وكانت فاطمة بنت الْحُسَيْن عند الْحَسَن بن الْحَسَن بْن علي ثُمَّ خلف عَلَيْهَا عَبْد اللَّهِ بن عمرو بن عثمان بن عفان.

_ [1] وأيضا قال البلاذري في ترجمة معاوية من أنساب الأشراف ج 2/ الورق 77 ب: وروى جرير بْنِ عَبْدِ الحميد، عَن مغيرة، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ بْن أبي سُفْيَان: من أولى الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت!! قَالَ: لا ولكنه علي بن الحسين أمه ابنة أبي مرة بْن مسعود، وأمها بنت أبي سُفْيَان، فيه شجاعة بني هاشم وحلم بني أُمَيَّة ودهاء ثقيف. (قال البلاذري) : كذا روي هذا، والثبت أن غير مُعَاوِيَة قال ذلك. [2] المشهور أنه عليه السلام هو علي الأوسط، وأمه من بنات كسرى تسمى «شهر بانوية» وتقدم في ترجمة نفس الزكية من هذا الجزء، تحت الرقم: (106) ص 102، ما ينفع المقام. وأما علي الأصغر فاستشهد رضيعا في وقعة كربلاء. [3] ذكر نبذا من أمرها وأمر أختها فاطمة، في الحديث: (238) من ترجمة أمير المؤمنين قبيل عنوان: «بيعة عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام» من ج 2 ص 195، ط 1.

(تعداد ولد الإمام علي بن الحسين عليهم السلام وأسماؤهم)

(تعداد ولد الإمام علي بن الحسين عليهم السلام وأسماؤهم) فولد عَلِيّ بْن الْحُسَيْن محمدًا وعبد اللَّه وحسينا، وأمهم أم عَبْد اللَّهِ بنت الحسن بْن علي، وعمرًا وزيدًا لأم ولد. وعليا وخديجة لأم ولد. وأم مُوسَى وأم حسن وكلثم ومليكة لأمهات أولاد شتى. فولد مُحَمَّد بن علي جعفرا وعبد الله أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد ابن أَبِي بكر، فإلى جعفر بْن مُحَمَّد بْن علي تنسب الجعفرية، وهو أبو موسى ابن جعفر. وَكَانَ يكنى أبا عَبْد اللَّهِ ومات بالمدينة. وأما عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد، فكان يلقب دورقا، مات بالمدينة وله عقب. وأما زيد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن فكان يكنى أبا الْحُسَيْن، قتل بالْكُوفَة، وكانت ميمونة بنت حسين بْن زيد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عند المهدي وكان حسين ابن زيد أعمى وَكَانَ لزيد ابْن يقال لَهُ عيسى مات بالْكُوفَة. وأما عَلِيّ بْن علي بْن الْحُسَيْن فكان يلقب الأفطس وله عقب. 7- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَشَارَنِي الْحُسَيْنُ فِي الْخُرُوجِ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْلا أَنْ يُزْرِي ذَلِكَ بِي وَبِكَ لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكَ!!! فَقَالَ: [وَاللَّهِ لأَنْ أُقْتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَحَبُّ إليّ من أن يستحل بي هذه الحرمة غدا] [1] .

_ [1] والحديث رواه الطبراني وزاد في آخره: «قال (ابن عباس) : فذلك الذي سلى بنفي عنه» . كما رواه عنه في باب مناقب الإمام الحسين من مجمع الزوائد: ج 9 ص 192، قال: ورجاله رجال الصحيح. أقول: المراد من الحرمة هي حرمة الكعبة المعظمة، ولهذا الكلام شواهد ذكرناها في كتابنا «عبرات المصطفين» . وهذا يدل على أنه عليه السلام لو كان بقي في مكة المكرمة، لكان قتل فيها ولو كان متعلقا بأستار الكعبة، ويشهد له أيضا سيرة بني أمية وما فعلوه في أيام ابن الزبير من نصب المنجنيق على الكعبة، ورمي اللائذين بالكعبة!!!

موقف الحسين بن علي من صلح الحسن ومعاوية

8- حدثني يوسف بن موسى حدثنا حكام (ظ) أنبأنا عَمْرُو بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: [قَالَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا أَتَاكُمْ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ يَحْمِلُ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ؟ قَالُوا: نَفْعَلُ وَنَفْعَلُ. فَحَرَّكَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: تُورَدُونَ ثم قال: تَعْرِدُونَ [1] ثُمَّ تَطْلُبُونَ الْبَرَاءَةَ وَلا بَرَاءَةَ لَكُمْ!!!] [موقف الحسين بن علي من صلح الحسن ومعاوية] 9- قَالُوا: وَكَانَ الْحُسَيْن بْن علي منكرًا لصلح الحسن مُعَاوِيَة [2] فلما وقع ذَلِكَ الصلح دخل جندب بْن عَبْدِ اللَّهِ الأزدي والمسيب بْن نجبة

_ [1] كذا في ظاهر رسم الخط، ولعل الصواب: «توردون ثم تعردون» . يقال: «عرد زيد- من باب علم- عردا» : هرب وفر. والحديث رواه الطبراني تحت الرقم: (57) من ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 236 بسند آخر وزيادة شعر في آخره. ورواه أيضا في باب مناقب الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9 ص 191، وقال: رواه الطبراني وفيه سعد بن وهب متأخر ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. [2] أي كان شاقا عليه، والاعتراف به والقيام بلوازمه صعبا وعسرا عليه، كتجرع المريض دواء شديدة المرارة الذي لا يشرب عادتا، وكإقدام من وقع في أسفل رجله الأكلة والطبيب الحاذق يأمره بقطع رجله من موضع الكعبين كي لا تسرى إلى ما فوقهما فتهلكه، فيقطع رجله من موضع الداء وهو منكر للقطع متألم منه غاية التألم. وهذا المعنى لم يكن مختصا بالإمام الحسين بل كان موجودا في إمام الحسن عليه السلام أيضا بل ابتلى به قبلهما أبو هما أمير المؤمنين عليه السلام مرارا فانظر إلى ما وقع بينه وبين الخوارج في يوم الهرير من صفين كيف أكرهوه على قبول التحكيم أولا، ثم ألجئوه إلى تعيين أبي موسى للحكومة دون غيره ثانيا!!! وانظر إلى ما يذكره أمير المؤمنين عليه السلام في كلمات كثيرة له يحكى حاله فيما جرى عليه من معاصريه!!! فتارة يقول: فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ... ومرة يقول: فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت وأغضيت على القذى وشربت على الشجى وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم!!! وله عليه السلام أمثال هذه الكلمات كثيرة مذكورة في نهج البلاغة وغيره.

الفزاري وسليمان بْن صرد الخزاعي وسعيد بْن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي عَلَى الْحُسَيْن وَهُوَ قائم في قصر الْكُوفَة يأمر غلمته بحمل المتاع ويستحثهم فسلموا عَلَيْهِ، فلما رأى مَا بهم من الكآبة وسوء الهيئة، تكلم فَقَالَ: [إن أمر اللَّه كَانَ قدرًا مقدورًا، إن أمر اللَّه كان مفعولا. وذكر كراهيّته لذلك الصلح، وقال: لكنت طيّب النفس بالموت دونه! ولكن أخي عزم علي وناشدني فأطعته وكأنما يحز أنفي بالمواسي ويشرّح قلبي بالمدى!!! وقد قَالَ اللَّه عز وجل: «فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» (19/ النساء) وَقَالَ: «وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (215/ البقرة) . فَقَالَ لَهُ جندب: والله مَا بنا إِلا أن تضاموا وتنتقصوا فأما نحن فإنا نعلم أن القوم سيطلبون مودتنا بكل ما قدروا عليه، ولكن حاش لله أن نوازر الظالمين، ونظاهر المجرمين ونحن لكم شيعة ولهم عدو!!! وَقَالَ سُلَيْمَان بْن صرد الخزاعي: إن هَذَا الكلام الَّذِي كلمك بِهِ جندب هُوَ الَّذِي أردنا (أن) نكلمك بِهِ كلنا. فَقَالَ: رحمكم اللَّه صدقتم وبررتم] . وعرض لَهُ سُلَيْمَان بْن صرد، وسعيد بْن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي بالرجوع عَن الصلح!! فَقَالَ: هَذَا مَا لا يكون ولا يصلح. قالوا: فمتى أنت سائر؟ قَالَ:

غدًا إن شاء اللَّه. فلما سار خرجوا مَعَهُ، فلما جاوزوا دير هند، نظر الْحُسَيْن إِلَى الْكُوفَةِ فتمثل قول زميل بْن أبير الفزاري وَهُوَ ابْن أم دينار/ 476/ أو 238/ أ/: [فما عَن قلى فارقت دار معاشر ... هم المانعون باحتي وذماري ولكنّه ما حمّ لا بدّ واقع ... نظار ترقب مَا يحم نظار ] 10- قَالُوا: ولما بايع الحسن مُعَاوِيَة ومضى تلاقت الشيعة بإظهار الحسرة والندم عَلَى ترك القتال والإذعان بالبيعة، فخرجت إليه جماعة منهم فخطّئوه فِي الصلح وعرضوا لَهُ بنقض ذَلِكَ، فأباه وأجابهم بخلاف مَا أرادوه عَلَيْهِ. ثُمَّ إنهم أتو الْحُسَيْن فعرضوا عَلَيْهِ مَا قَالُوا للحسن وأخبروه بما رد عليهم فَقَالَ: [قد كَانَ صلح وكانت بيعة كنت لها كارها، فانتظروا ما دام هَذَا الرَّجُل حيا، فَإِن يهلك نظرنا ونظرتم.] فانصرفوا عَنْهُ، فلم يكن شَيْء أحب إِلَيْهِمْ وإلى الشيعة من هلاك مُعَاوِيَة، وهم يأخذون أعطيتهم ويغزون مغازيهم. 11- قَالُوا: وشخص مُحَمَّد بْن بشر الْهَمْدَانِيّ وسفيان بْن ليلى الْهَمْدَانِيّ [1] إِلَى الحسن وعنده الشيعة الَّذِينَ قدموا عَلَيْهِ أولا فَقَالَ لَهُ سُفْيَان- كما قَالَ لَهُ بالعراق-: السلام عليك يا أمير المؤمنين [2] فَقَالَ لَهُ: [اجلس لله أبوك؟! والله لو سرنا إِلَى مُعَاوِيَةَ بالجبال والشجر مَا كَانَ إِلا الَّذِي قضي] . ثُمَّ أتيا الْحُسَيْن فَقَالَ: [ليكن كل امرئ منكم حلسا من أحلاس بيته ما دام هَذَا الرَّجُل حيا، فَإِن يهلك وأنتم أحياء رجونا أن يخير اللَّه لنا ويؤتينا رشدنا ولا يكلنا إلى أنفسنا، فإنّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ] .

_ [1] كذا في النسخة، وفي كثير من المصادر: «سفيان بن ليل» ؟ [2] كذا في الأصل، وفي كثير من المصادر: «يا مذل المؤمنين» .

12- قَالُوا: وَكَانَ حجر بْن عدي أول من يذم الحسن عَلَى الصلح [1] وَقَالَ لَهُ قبل خروجه من الْكُوفَة: خرجنا من العدل ودخلنا فِي الجور، وتركنا الحق الَّذِي كنا عَلَيْهِ ودخلنا فِي الباطل الَّذِي كنا نذمه؟! وأعطينا الدنية ورضينا بالخسيسة، وطلب القوم أمرًا وطلبنا أمرا، فرجعوا بما أحبوا مسرورين، ورجعنا بما كرهنا راغمين!!! فَقَالَ لَهُ: [يَا حجر: ليس كُلّ النَّاس يحب مَا أحببت، إني قد بلوت النَّاس فلو كانوا مثلك فِي نيتك وبصيرتك لأقدمت] . وأتى الْحُسَيْن فَقَالَ لَهُ: يَا أبا عَبْد اللَّهِ شريتم العز بالذل؟ وقبلتم القليل بترك الكثير؟ أطعني اليوم واعصني سائر الدهر!!! دع رأي الحسن واجمع شيعتك ثُمَّ ادع قَيْس بْن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وابعثه فِي الرجال، وأخرج أنا فِي الخيل فلا يشعر ابْن هند إِلا ونحن مَعَهُ فِي عسكره فنضاربه حَتَّى يحكم اللَّه بيننا وبينه وَهُوَ خير الحاكمين، فإنّهم الآن غارّون. فقال [ (له) : إنا قد بايعنا وليس إِلَى مَا ذكرت سبيل] . 13- قَالُوا: فلما توفي الحسن بْن علي اجتمعت الشيعة، ومعهم بنو جعدة بْن هبيرة بْن أَبِي وهب المخزومي- وأم جعدة أم هانئ بنت أَبِي طَالِب فِي دار سُلَيْمَان بْن صرد، فكتبوا إِلَى الْحُسَيْن كتابا بالتعزية وَقَالُوا فِي

_ [1] لو صح صدور هذا الكلام منه، فمعناه أنه كان يتحسر ويذكر ما يترتب على هذا الصلح من سوء النتيجة ووخامة العاقبة بالنسبة إلى أهل البيت واللائذين بهم عليهم السلام!!! ولكن رضوان الله عليه، كان غافلا عما كان الإمام عليه السلام يعلمه من أن المحاربة بلا ناصر مع الخصم الألد العاري من مزايا الإنسانية، تؤل فورا إلى اجتثاث أهل البيت والمتمسكين بهم كحجر وأمثاله رضوان الله عليهم وأما المصالحة معه فإنها لا تتعقب الفناء الكلي الفوري فرجع الإمام عليه السلام الفناء التدريجي على الفناء الكلي الدفعي الفوري.

كتابهم: إن اللَّه قد جعل فيك أعظم الخلف ممن مضى ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، المنتظرة لأمرك. وكتب إِلَيْهِ بنو جعدة يخبرونه بحسن رأي أَهْل الْكُوفَةِ فِيهِ، وحبهم لقدومه وتطلعهم إِلَيْهِ، وأن قد لقوا من أنصاره وإخوانه من يرضى هديه ويطمأن إِلَى قوله ويعرف نجدته وبأسه، فأفضوا إليهم ما هم عليه من شنآن ابن أَبِي سُفْيَانَ، والبراءة منه، ويسألونه الكتاب إِلَيْهِمْ برأيه. فكتب (الحسين عليه السلام) إِلَيْهِمْ: إني لأرجو أن يكون رأي أخي رحمه الله- في الموادعة، ورأيي فِي جهاد الظلمة رشدًا وسدادًا، فالصقوا بالأرض وأخفوا الشخص واكتموا الهوى [1] واحترسوا من الأظّاء (ظ) مَا دام ابْن هند حيا، فَإِن يحدث بِهِ حدث وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله. وكان رجال من أهل العراق وأشراف (ظ) أَهْل الحجاز يختلفون إِلَى الْحُسَيْن يجلونه ويعظمونه ويذكرون فضله ويدعونه إلى أنفسهم/ 477/ أو 238 ب/ ويقولون: إنا لك عضد ويد. ليتخذوا الوسيلة إِلَيْهِ، وهم لا يشكون فِي أن مُعَاوِيَة إذا مات لم يعدل النَّاس بحسين أحدًا، فلمّا كثر اختلافهم (ظ) إِلَيْهِ، أتى عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عفان، مروان بْن الحكم- وَهُوَ إذ ذاك عامل مُعَاوِيَة عَلَى الْمَدِينَةِ- فَقَالَ لَهُ: قد كثر اختلاف الناس إلى حسين، والله (إني) لأرى أن لكم منه يوما عصيبا. فكتب مروان ذَلِكَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فكتب إِلَيْهِ معاوية: أن اترك حسينا ما تركك ولم يظهر لك عداوته، و (ما لم) يبد (لك) صفحته، واكمن عنه كمون الشّرى [2] إن شاء الله والسلام.

_ [1] أي الذي تهوون وتحبون من إحقاق حقوق أهل البيت وقطع يد الظالمين ومجازاتهم بظلمهم. [2] الظاهر أن هذا هو الصواب أي راقبه في خفاء وموارات كمراقبة الأسد للصيد ونهوضه عليه غفلة. وفي الأصل: «الثرى» .

وكتب مُعَاوِيَة إِلَى الْحُسَيْن: أما بعد فقد أنهيت إِلَى عنك أمور إن كانت حقا فإني لم أكن أظنها بك رغبة عَنْهَا، وإن كانت باطلا فأنت أسعد النَّاس بمجانبتها، وبحظ نفسك تبدأ، وبعهد اللَّه توفي فلا تحملني عَلَى قطيعتك والإساءة إِلَيْك، فإني متى أنكرك تنكرني ومتى تكدني أكدك فاتق اللَّه يَا حسين فِي شق عصا الأمة، وأن تردهم فِي فتنة!!! فكتب إِلَيْهِ الْحُسَيْن كتابا غليظا يعدّد عَلَيْهِ فِيهِ مَا فعل فِي أمر زياد، وفي قتل حجر، ويقول لَهُ: إنك قد فتنت بكيد الصالحين مذ خلقت؟! فكدني مَا بدا لك!!! وكان آخر الكتاب: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى [1] .

_ [1] أقول: وهذا الكتاب قد ذكره جماعة من الأعلام فروى قطعة منه في المحبر الكبير ص 479. وقطعة أخرى منه ذكرها في دعائم الإسلام ج 2 ص 131 ط 1، وذكره أيضا في الأخبار الطوال ص 224، والإمامة والسياسة ص 131، والاحتجاج: ج 2 ص 20 ط النجف، وترجمة الإمام الحسين عليه السلام من عوالم العلوم ص 100، وذكره الكني- رحمه الله- في ترجمة عمرو بن الحمق من رجاله ص 48 ط النجف بالتفصيل، وذكره أيضا ابن سعد في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من الطبقات الكبرى كما في الحديث: (254) من ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق: ج 13، ص 68 وذكره المصنف تفصيلا في الحديث: (303) من ترجمة معاوية من أنساب الأشراف: ج 2/ الورق 73 ب/ أو ص 744، وبالتأمل فيه وما ذكره المصنف هاهنا يعلم أن ما هاهنا مروي بطريق مستقل وبسند مغاير لما رواه في ترجمة معاوية، وحيث أن جل المصادر المتقدمة مطبوع، وبعضها لم يذكر فيه مؤلفه تمام الكتاب بل ذكر منه ما يمس حاجته أو ما لم يناقض منه مذهبه أو غرضه فنحن نذكره برواية المصنف في ترجمة معاوية إنقاذا له من التلف، وإيفاء للفائدة وتعدد الهدف فنقول: قال البلاذري في الحديث: (303) من ترجمة معاوية من أنساب الأشراف ج 2 ص 744: قالوا: وكتب معاوية إلى الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم!!!: أما بعد فقد انتهت إلى أمور أرغب بك عنها، فإن كانت حقا لم أقارك عليها- ولعمري إن من أعطى صفقة يمينه وعهد الله وميثاقه لحري بالوفاء- وإن كانت باطلا فأنت أسعد الناس بذلك وبحظ نفسك تبدأ، وبعهد الله توفي فلا تحملني على قطيعتك والإساءة بك، فإني متى أنكرك تنكرني ومتى تكدني أكدك فاتق شق عصا هذه الأمة، وأن ترجعوا على يدك إلى الفتنة!!! وقد جربت الناس وبلوتهم، وأبوك كان أفضل منك، وقد كان اجتمع عليه رأي الذين يلوذون بك، ولا أظنه يصلح لك منهم ما كان فسد عليه (ظ) فانظر لنفسك ودينك ولا يستخفنك الذين لا يوقنون. فكتب إليه الحسين: أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أنه بلغك عني أمور ترغب (بي) عنها فإن كانت حقا لم تقارني عليها. ولن يهدي إلى الحسنات و (لا) يسدد لها إلا الله، فأما ما نمي إليك، فإنما رقاه الملاقون المشاءون بالنمائم المفرقون بين الجميع، وما أريد حربا لك ولا خلافا عليك، وأيم الله لقد تركت ذلك وأنا أخاف الله في تركه!!! وما أظن الله راضيا مني بترك محاكمتك إليه، ولا عاذري دون الاعتذار إليه فيك وفي أوليائك القاسطين الملحدين، حزب الظالمين وأولياء الشياطين!!! ألست قاتل حجر بن عدي وأصحابه المصلين العابدين؟ - الذين (كانوا) ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله لومة لائم- ظلما وعدوانا بعد إعطائهم الأمان بالمواثيق والأيمان المغلظة!!! أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أبلته العبادة وصفرت لونه وانحلت جسمه؟! أو لست المدعي زياد ابن سمية المولود على فراش عبيد عبد ثقيف؟ وزعمت أنه (ابن) أبيك!!! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. فتركت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفت أمره متعمدا واتبعت هواك مكذبا بغير هدى من الله، ثم سلطته على العراقين فقطع أيدي المسلمين وسمل أعينهم وصلبهم على جذوع النخل!!! كأنك لست من الأمة؟ وكأنها ليست منك؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ألحق بقوم نسبا ليس لهم فهو ملعون. أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب إليك ابن سمية أنهم على دين علي. فكتبت إليه اقتل من كان على دين علي ورأيه. فقتلهم ومثل بهم بأمرك!!! ودين علي دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يضرب عليه أباك، والذي انتحالك إياه أجلسك مجلسك هذا، ولولا همو (كذا) كان أفضل شرفك تجشم الرحلتين في طلب الخمور!!! وقلت: انظر لنفسك ودينك والأمة واتق شق عصا الألفة (كذا) وان ترد الناس إلى الفتنة. فلا أعلم نظرا لنفسي وديني أفضل من جهادك!!! فإن أفعله فهو قربة إلى ربي وان أتركه فذنب استغفر الله منه في كثير من تقصيري وأسأل الله توفيقي لأرشد أموري. وأما كيدك إياي فليس يكون على أحد أضر منه عليك، كفعلك بهؤلاء النفر الذين قتلتهم ومثلت بهم بعد الصلح من غير أن يكونوا قاتلوك ولا نقضوا عهدك، إلا مخافة أمر لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوه، أو ماتوا قبل أن يدركوه، فأبشر يا معاوية بالقصاص، وأيقن بالحساب، واعلم أن لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. وليس الله بناس لك أخذك بالظنة، وقتلك أولياءه على الشبهة والتهمة، وأخذك الناس بالبيعة لابنك غلام سفيه يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ولا أعلمك إلا قد خسرت نفسك وأوبقت (ظ) دينك وأكلت (كذا) أمانتك وغششت رعيتك، وتبوأت مقعدك من النار!!! فبعدا للقوم الظالمين.

فكان مُعَاوِيَة يشكو مَا كتب بِهِ الْحُسَيْن إِلَيْهِ إِلَى النَّاس!! فقيل لَهُ: اكتب إِلَيْهِ كتابا تعيبه وأباه فِيهِ. فَقَالَ: مَا عسيت أن أقول فِي أَبِيهِ إِلا أن أكذب ومثلي لا يعيب أحدًا بالباطل!!! وما عسيت أن أقول فِي حسين ولست أراه

شخوص الحسين بن علي إلى مكة

للعيب موضعا [1] إِلا أني قد أردت أن أكتب إليه فأتوعّده وأتهدّده، ثمّ رأيت أ (ن) لا أجيبه. ولم يقطع مُعَاوِيَة عَن الْحُسَيْن شَيْئًا (ممّا) كَانَ يصله ويبره بِهِ، وَكَانَ يبعث إِلَيْهِ فِي كُلّ سنة ألف ألف درهم وعروض وهدايا من كل ضرب. [شخوص الحسين بن علي إلى مكة] فلما توفي مُعَاوِيَة- رحمه اللَّه!!! - للنصف من رجب سنة ستين وولي يزيد بْن مُعَاوِيَة الأمر بعده، كتب يزيد إِلَى عامله الوليد بْن عتبه بْن أَبِي سُفْيَانَ، فِي أخذ البيعة عَلَى الْحُسَيْن وعبد اللَّه بْن عُمَر، وعبد اللَّه بْن الزُّبَيْرِ، فدافع الْحُسَيْن بالبيعة ثُمَّ شخص إِلَى مَكَّة فلقيه عَبْد اللَّهِ ابن مطيع العدوي مع (من «خ» ) قريش فَقَالَ لَهُ: [جعلت فداك أين تريد؟ قال: أمّا الآن فأريد

_ [1] فويل للذين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها!!!

مَكَّة، وأما بعد أن آتي مَكَّة فإني أستخير اللَّه.] فَقَالَ: خار اللَّه لك يَا ابْن بنت رَسُول اللَّهِ وجعلني فداك، فَإِذَا أتيت مكة فاتّق الله ولا تأتي الكوفة، فإنّها بلدة مشومة بِهَا قتل أبوك وطعن أخوك، وأنا أرى أن تأتي الحرم فتلزمه فإنك سيد العرب، ولن يعدل أهل الحجاز بك أحدا، وو الله لئن هلكت لنسترقن بعدك!!! ويقال: إنه كَانَ لقيه عَلَى ماء فِي طريقه حين توجه إِلَى الْكُوفَةِ من مَكَّة، فَقَالَ لَهُ: إني أرى لك أن ترجع إِلَى الحرم فتلزمه وَلا تأتي الْكُوفَة. ولما نزل الْحُسَيْن مَكَّة، جعل أهلها يختلفون إليه و (كذا) من كَانَ بِهَا من المعتمرين وأهل الآفاق، وَابْن الزُّبَيْر بِمَكَّةَ، قد لزم جانب الكعبة يصلي ويطوف ويأتي الْحُسَيْن وَهُوَ أثقل النَّاس عَلَيْهِ. 14- وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ [1] قَالَ: [رَأَيْتُ حُسَيْنًا يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حِينَ دَخَلَ مَسْجِدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: لا ذعرت السوام في وضح الصب ... ح مغيرا ولا دعيت يزيدا يوم أعطي خافة الْمَوْتِ ضَيْمًا ... وَالْمَنَايَا تَرْصُدْنَنِي أَنْ أَحِيدَا ] فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لا يَلْبَثُ إِلا قَلِيلا حَتَّى يَخْرُجَ، فما لبث أن خرج (حتى) لحق بمكة، ثم خرج منها إلى العراق/ 478/ أو 239/ أ/. 15- وقال العتبي: حجب الوليد بْن عتبة أهل العراق عَنِ الحسين فقال [ (له) الْحُسَيْن: يَا ظالمًا لنفسه عاصيًا لربه علام تحول بيني وبين قوم

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «المقري» .

المراسلات بين الحسين وأهل العراق

عرفوا من حقي مَا جهلته أنت وعمك؟!] فَقَالَ الوليد: ليت حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك، فجناية لسانك مغفورة لك ما سكنت يدك فلا تخطر بها [1] فتخطر بك، ولو علمت مَا يكون بعدنا لأحببتنا كما أبغضتنا. [المراسلات بين الحسين وأهل العراق] 16- وبلغ الشيعة من أَهْل الْكُوفَةِ موت مُعَاوِيَة، وامتناع الْحُسَيْن من البيعة ليزيد فكتبوا إِلَيْهِ كتابا صدوره: من سُلَيْمَان بْن صرد والمسيب بْن نجبة ورفاعة بْن شداد، وحبيب بْن مظهر- وبعضهم يقول: مطهّر (كذا) - وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أَهْل الْكُوفَةِ. أما بعد فالحمد لله الَّذِي قصم عدوك الجبار العنيد الَّذِي انتزى على هذه الأمة، فابتزّها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عَلَيْهَا بغير رضى مِنْهَا ثُمَّ قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال اللَّه دولة بين أغنيائها فبعدًا لَهُ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ، وليس علينا إمام فاقدم علينا لعل اللَّه يجمعنا بك على الحق [2] .

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فلا يخطر بها» بالياء. [2] وقال ابن الجوزي- في كتاب الرد على المتعصب العنيد-: أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أبو محمد ابن السراج، أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف، أنبأنا أبو الحسين ابن أخي ميمي حدثنا أبو علي ابن صفوان، حدثنا أبو بكر ابن أبي الدنيا، حدثني محمد بن صالح القرشي حدثنا علي بن محمد القرشي: عن يونس بن أبي إسحاق قال: لما بلغ أهل الكوفة نزول الحسين بمكة وأنه لم يبايع ليزيد ابن معاوية خرج منهم وفد إليه، وكتب إليه سليمان بن صرد، والمسيب بن نجبة ووجوه أهل الكوفة يدعونه إلى بيعته وخلع يزيد، وقالوا: إنا تركنا الناس متطلعة أنفسهم إليك، وقد رجونا أن يجمعنا الله بك على الحق وأن ينفي عنهم بك ما هم فيه من الجور، فأنتم أولى بالأمر من يزيد (وأبيه معاوية) الذي غصب الأمة فيأها وقتل خيارها. فدعا (الحسين عليه السلام) مسلم بن عقيل وقال (له) : اشخص إلى الكوفة فإن رأيت منهم اجتماعا فاكتب إلي.

واعلم أن النعمان بْن بشير فِي قصر الإمارة، ولسنا نجمع مَعَهُ جمعة وَلا نخرج مَعَهُ إِلَى عيد، ولو بلغنا إقبالك إلينا أخرجناه فألحقناه بالشام والسلام. وَكَانَ مُعَاوِيَة ولي النعمان الْكُوفَة- بعد عبد الرحمان بْن أم الحكم- وَكَانَ النعمان عثمانيا مجاهرًا ببغض علي سيّئ القول فِيهِ!!! وبعثوا بالكتاب مَعَ عَبْد اللَّهِ بن سبيع الْهَمْدَانِيّ وعبد اللَّه بْن وال التَّيْمِيّ فقدما بالكتاب عَلَى الْحُسَيْن لعشر ليال خلون من شهر رمضان بمكة. ثم سرّحوا بعد ذَلِكَ بيومين قَيْس بْن مسهر بْن خليد الصيداوي من بني أسد، وعبد الرحمان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الكدر الأرحبي وعمارة بْنِ عَبْدِ السلولي فحملوا معهم نحوًا من خمسين صحيفة، الصحيفة من الرَّجُل والاثنين والثلاثة والأربعة (ثم لبثوا يومين آخرين ثم سرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي) [1] وكتبوا معهما: أما بعد فحيّهلا [2] فإن الناس منتظرون (لك) لا إمام لهم غيرك فالعجل ثُمَّ العجل ثم العجل والسلام. 17- قالوا: وكتب إليه (من) أشراف الْكُوفَةِ شَبَث بْن رَبْعِيّ اليربوعي ومحمد بْن عمير بن عطارد بن حاجب التميمي (كذا) وحجار بن أبجر العجلي ويزيد بن الحرث بْن يزيد بْن رويم الشيباني وعزرة بْن قيس الأحمسي وعمرو ابن الحجاج الزبيدي: أما بعد فقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار وكلمت الجمام [3] فإذا

_ [1] ما بين المعقوفين لا بد منه كما يدل عليه ما في تاريخ الطبري. ولا أدري أنه سقط من قلمي أو من الأصل المنقول منه، ولا يحضرني الآن نسخة الأصل كي أراجعها. [2] حي هلا- مثل حي وحيهل- اسم فعل بمعنى الأمر مبني على الفتح، ومعناه: أقبل وعجل. [3] هذا هو الظاهر من رسم الخط من الأصل الموجود عندي، ويحتمل أيضا ضعيفا أن يقرء «وكلهت» بالهاء المهملة بين اللام والتاء. ويأتي في الحديث: (34) في 188، من مطبوعتنا هذه، وص 488 من الأصل بخط واضح: «وطمت الجمام» .

شئت فأقدم علينا فإنما تقدم عَلَى جند لك مجند!!! والسلام. فتلاحقت الرسل كلها واجتمعت عنده فأجابهم عَلَى آخر كتبهم وأعلمهم أن قد قدم مسلم بْن عقيل بْن أَبِي طالب ليعرف طاعتهم وأمرهم ويكتب إِلَيْهِ بحالهم ورأيهم. ودعا مسلما فوجهه مَعَ قَيْس بْن مسهر، وعمارة بن عبد (كذا) وعبد الرحمان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن ذي الكدر. فكتب إِلَيْهِ مسلم من الطريق [1] إني توجهت مَعَ دليلين من أَهْل الْمَدِينَةِ فضلا عَن الطريق، واشتد عَلَيْهِمَا العطش حَتَّى ماتا، وصرنا إِلَى الماء فلم ننجو إِلا بحشاشة أنفسنا، وقد تطيرت من وجهي هَذَا، فَإِن رأيت أن تعفيني منه وتبعث غيري فافعل. فكتب إِلَيْهِ الْحُسَيْن أما بعد فقد خشيت أن يكون الَّذِي حملك عَلَى الكتاب إلي بالاستعفاء من وجهك الجبن فامض لما أمرتك به. فمضى (مسلم) لوجهه. وكان من خبر مقتله [2] مَا قد ذكرناه فِي خبر ولد عقيل بْن أَبِي طالب [3] . وَكَانَ مخرج مسلم بالْكُوفَة، يوم الثلاثاء لثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين.

_ [1] وهاهنا في الكلام حذف أي فأخذ مسلم دليلين فساروا، فضل الدليلان عن الطريق فمات عطشا، وانتهى مسلم إلى الماء بعد ما كاد أن يموت من العطش، فكتب إلى الحسين ... [2] كلمة: «خبر» في النسخة مصحفة، وصححناها على مقتضى السياق. [3] وقد ذكره قبل ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام، متصلا بها، في ج 1، ص 308 من النسخة المخطوطة، وفي المطبوعة ج 2 ص 77 ط 1.

ويقال يوم الأربعاء لتسع خلون من ذي الحجة سنة ستين يوم عرفة بعد خروج الْحُسَيْن- من مَكَّة مقبلا إِلَى الْكُوفَةِ- بيوم. وَكَانَ الْحُسَيْن خرج من الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّة يوم الأحد، لليلتين بقيتا من رجب سنة ستين، ودخل مَكَّة ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من شعبان/ 479/ أو 239 ب/ فأقام بمكة شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة، ثم خرج منها يوم الثلاثا (ء) لثمان ليال خلون من ذي الحجة يوم التروية وَهُوَ اليوم الَّذِي خرج فِيهِ مسلم بالْكُوفَة. وقد يقال إنه خرج بالْكُوفَة يوم الأربعاء وَهُوَ يوم عرفة. 18- وَحَدَّثَنِي بعض قريش أن يزيد كتب إِلَى ابْن زياد: بلغني مسير حسين إِلَى الْكُوفَةِ، وقد ابتلى بِهِ زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت بِهِ من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبدا كما يعتبد العبيد [1] .

_ [1] وهذا رواه أيضا في الحديث: (259) من ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق مسندا.

خروج الحسين بن علي (عليهما السلام) من مكة إلى الكوفة

خروج الحسين بن علي (عليهما السلام) من مَكَّة إِلَى الْكُوفَةِ 19- قَالُوا: ولما كتب أَهْل الْكُوفَةِ إِلَى الْحُسَيْن بما كتبوا بِهِ فاستحفّوه للشخوص، جاءه عمر (و) بن عبد الرحمان بن الحرث بْن هِشَام المخزومي بِمَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ: بلغني أنك تريد الْعِرَاق وأنا مشفق عليك من مسيرك؟! لأنك تأتي بلدا فيه عماله وأمراؤه ومعهم بيوت الأموال، وإنما النَّاس عبيد الدينار والدرهم!! فلا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن أنت أحب إِلَيْهِ ممن يقاتلك مَعَهُ!!! [فَقَالَ لَهُ: قد نصحت ويقضي اللَّه] . وأتاه عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن عم إن النَّاس قد أرجفوا بأنك سائر إِلَى الْعِرَاق؟ فقال: نعم. قَالَ ابْن عَبَّاس: فإني أعيذك بالله من ذَلِكَ أتذهب رحمك اللَّه إِلَى قوم قد قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم؟! فَإِن كانوا قد فعلوا فسر إِلَيْهِمْ، وإن كانوا إنما دعوك إِلَيْهِمْ وأميرهم عليهم قاهر لهم، وعماله يجبون خراج بلادهم فإنما دعوك إلى الحرب والقتال!!! فلا آمن أن يغروك ويكذبوك، ويستنفروا إليك فيكونوا أشد الناس عليك!!! ثم عاد ابن عباس (مرة أخرى) إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْن عم إني أتصبر فلا أصبر!!! إني أتخوف عليك الهلاك، إن أَهْل الْعِرَاق قوم غدر فأقم بهذا البلد، فإنك سيد أَهْل الحجاز، فَإِن أرادك أَهْل الْعِرَاق وأحبوا نصرك فاكتب إِلَيْهِمْ أن ينفوا عدوهم ثم سر إِلَيْهِمْ، وإلا فَإِن فِي اليمن جبالا وشعابا وحصونا ليس بِشَيْءٍ من الْعِرَاق مثلها، واليمن أرض طويلة عريضة ولأبيك بها شيعة، فأتها ثم اثبت دعاتك وكتبك يأتك النَّاس.

فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: [يَا ابْن عم أنت الناصح الشفيق ولكني قد أزمعت المسير ونويته [1]] فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَإِن كنت سائرًا فلا تسر بنسائك وأصبيتك، فو الله إني لخائف أن تقتل كما قتل عُثْمَان ونساؤه ينظرن إِلَيْهِ!! ثُمَّ خرج ابْن عَبَّاس من عنده فمر بابن الزُّبَيْر [2] فَقَالَ لَهُ: قرت عينك يَا ابْن الزُّبَيْر بشخوص الْحُسَيْن عنك وتخليته إياك والحجاز ثُمَّ قَالَ: يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري ونفري ما شئت أن تنفري 20- وروي أن ابن عباس خرج من عند حسين وَهُوَ يقول: واحسيناه أنعي حسينا لمن سمع!!

_ [1] قد تقدم في الحديث (7) ص 475 من الأصل المخطوط، وفي مطبوعنا هذا ص 147، انه عليه السلام أجاب ابن عباس بما أقنعه وانه لو لم يخرج لكانوا يستحلون به حرمة الكعبة!!! ولذلك قال ابن عباس: فذلك الذي سلا بنفسي عنه. [2] ورواه أيضا ابن أبي الحديد- في شرح المختار: (400) من الباب الثالث من نهج البلاغة ج 4 ص 491 قال: لما خرج الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق ضرب عبد الله بن عباس بيده على منكب ابن الزبير وقال: يا لك من قبرة بمعمري ... خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري ... هذا الحسين سائر فأبشري خلا الجو- والله- لك يا ابن الزبير وسار الحسين إلى العراق!!! فقال ابن الزبير: يا ابن عباس والله ما ترون هذا الأمر إلا لكم ولا ترون إلا أنكم أحق به من جميع الناس؟! فقال ابن عباس: إنما يرى من كان في شك ونحن من ذلك على يقين!!! ولكن أخبرني عن نفسك بماذا تروم هذا الأمر؟ قال: بشرفي. قال: وبماذا شرفت؟ إن كان لك شرف فإنما هو بنا، فنحن أشرف منك لأن شرفك منا!!! وعلت أصواتهما فقال غلام من آل الزبير: دعنا منك يا ابن عباس فو الله لا تحبوننا يا بني هاشم ولا نحبكم أبدا!!! فلطمه عبد الله بن الزبير وقال: أتتكلم وأنا حاضر؟! فقال ابن عباس: لم ضربت الغلام والله أحق بالضرب منه من مزق ومرق!!! قال: ومن هو؟ قال: أنت!!! واعترض بينهما رجال من قريش فأسكتوهما.

21- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ رَجُلٍ- قَالَ: أَحْسَبُهُ يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الأَزْدِيَّ- عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ الْحُسَيْنُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْكُوفَةِ، قَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ- حِينَ أَرَادَ تَوْدِيعَهُ-: أَطِعْنِي وَأَقِمْ وَلا تَخْرُجْ فو الله مَا زَوَاهَا اللَّهُ عَنْكُمْ إِلا وَهُوَ يُرِيدُ بِكُمْ خَيْرًا. فَلَمَّا وَدَّعَهُ قَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ من مقتول (من قتيل «خ» ) . 22- وحدثني/ 480/ أو 240/ أ/ غير (ظ) أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ يَحْيَى بن إسماعيل: عن الشعبي [1] (قال) إن ابن عمر كان بماء له فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأُخْبِرَ بِخُرُوجِ الْحُسَيْنِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلاثِ لَيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْعِرَاقَ. قَالَ: لا تَأْتِهِمْ لأَنَّكَ بِضْعَةٌ مِنْ رَسُولِ (اللَّهِ) وَاللَّهِ لا يَلِيهَا مِنْكُمْ أَحَدٌ أَبَدًا، وَمَا صَرَفَهَا اللَّهُ عنكم إلا (لما) هو خير لكم. فقال (له الحسين) : هَذِهِ بَيْعَتُهُمْ وَكُتُبُهُمْ. فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ وَبَكَى وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ وَالسَّلامُ. 23- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ: عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: كَتَبَ الأحنف (بن قيس) إلى الحسين وبلغه أنه على الخروج: اصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون [2] . 24- قَالُوا: وَعَرَضَ ابْنُ الزُّبَيْر عَلَى الْحُسَيْنِ أَنْ يقيم بمكة فيبايعه

_ [1] كلمة: «الشعبي» رسم خطها غير واضح من الأصل، وكأنها ضرب عليها الخط. [2] وقال في مادة: «أول» من كتاب الفائق- بتقديم وتأخير منا-: كتب الحسين رضي الله عنه إلى الأحنف فقال (الأحنف) للرسول: قد بلونا فلانا وآل أبي فلان فلم نجد عندهم ابالة للملك ولا مكيدة في الحرب.

ويبايعه الناس. وإنما أراد بذلك أ (ن) لا يَتَّهِمَهُ وَأَنْ يُعْذَرَ فِي الْقَوْلِ!!! [فَقَالَ الْحُسَيْنُ: لأَنْ أُقْتَلَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ بِشِبْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقْتَلَ فِيهَا!!! وَلأَنْ أُقْتَلَ خَارِجًا مِنْهَا بِشِبْرَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقْتَلَ خَارِجًا مِنْهَا بِشِبْرٍ!!! [1]] . 25- قَالُوا: وَاعْتَرَضَتِ الْحُسَيْنَ رُسُلُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الأَشْدَقِ وَعَلَيْهِمْ أخوه يحيى بن سعيد بن العاصي (كذا) بْنِ أَبِي أُحَيْحَةَ، فَقَالُوا لَهُ: انْصَرِفْ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَتَدَافَعَ الْفَرِيقَانِ فَاضْطَرَبُوا بالسياط. ثم إن حسينا وأصحابه امتنعوا منه امْتِنَاعًا قَوِيًّا، وَمَضَى الْحُسَيْنُ عَلَى وَجْهِهِ، فَنَادَوْهُ يا حسين ألا تتقي الله أتخرج من الْجَمَاعَةِ؟!! 26- قَالُوا: وَلَقِيَ الْحُسَيْنُ بِالتَّنْعِيمِ عِيرًا قَدْ أُقْبِلَ بِهَا مِنَ الْيَمَنِ، بَعَثَ بِهَا بُجَيْرُ بْنُ رَيْسَانَ الْحِمْيَرِيُّ إِلَى يَزِيدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ- وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى الْيَمَنِ- وَعَلَى الْعِيرِ وَرْسٌ وَحُلَلٌ وَرُسُلُهُ فِيهَا يَنْطَلِقُونَ إِلَى يَزِيدَ، فَأَخَذَهَا الْحُسَيْنُ فَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ [وَقَالَ لأَصْحَابِ الإِبِلِ: لا أُكْرِهُكُمْ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْضِيَ مَعَنَا إِلَى الْعِرَاقِ وَفَّيْنَاهُ كِرَاهُ وَأَحْسَنَّا صُحْبَتَهُ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفَارِقَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا أَعْطَيْنَاهُ من الكرا (ء) عَلَى قَدْرِ مَا قَطَعَ مِنَ الأَرْضِ. فَأَوْفَى مَنْ فَارَقَهُ حَقَّهُ بِالتَّنْعِيمِ، وَأَعْطَى مَنْ مَضَى مَعَهُ وَكَسَاهُمْ.] فَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ كَرْبَلاءَ مِنْهُمْ إِلا ثَلاثَةُ نَفَرٍ فَزَادَهُمْ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، وَأَعْطَاهُمْ جَمَلا جَمَلا وَصَرَفَهُمْ. ولما صار الحسين إلى الصفاح، لقيه الفرزدق بن غالب الشاعر، فسأله عن

_ [1] هذا الحديث أيضا دال على أنه عليه السلام كان يعلم بأنه يقتل، وإنما خرج من مكة لئلا يقتل فيها فيستحل به حرمة الحرم!!! ولمصالح أخر قد أشير إليها في بعض الأخبار.

أمر النَّاس وراءه، فَقَالَ لَهُ الفرزدق: الخبير سألت، إن قلوب النَّاس معك وسيوفهم مَعَ بني أميّة!!! والقضاء من السماء والله يفعل مَا يشاء. فَقَالَ الْحُسَيْن: صدقت. 27- وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ أَبُو مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ لبطَةَ بْنِ الْفَرَزْدَقِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقِيَنِي الْحُسَيْنُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ فِي جَمَاعَةٍ عَلَيْهِمْ يَلامِقُ الدِّيبَاجِ، فَقَالَ: ما وراؤك؟ فقلت: أَنْتَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى النَّاسِ، وَالسُّيُوفُ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ، وَالْقَضَاءُ مِنَ السَّمَاءِ. 28- حَدَّثَنِي أَبُو مسعود الكوفي عن عوانة بن الحكم، عن لبطة بْن الفرزدق قَالَ: أخبرني أَبِي قَالَ: لقيت الْحُسَيْن فقلت لَهُ: القلوب معك والسيوف مَعَ بني أمية، وإذا فِي لسانه ثقل من برسام كَانَ عرض لَهُ بالعراق. 29- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ قَالَ: سَمِعْتُ الْفَرَزْدَقَ قَالَ: لَقِيتُ الْحُسَيْنَ بِذَاتِ عِرْقٍ وهو يريد الكوفة، فقال له: [مَا تَرَى أَهْلُ الْكُوفَةِ صَانِعِينَ؟ فَإِن مَعِي حملا مِنْ كُتُبِهِمْ!!!] قُلْتُ: يَخْذِلُونَكَ فَلا تَذْهَبْ!!! فَإِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا قُلُوبُهُمْ مَعَكَ وَأَيْدِيهِمْ عَلَيْكَ، فَلَمْ يُطِعْنِي. 30- قَالُوا: ولحق الْحُسَيْن عون بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جعدة بْن هبيرة بذات

(عرق) بكتاب من أَبِيهِ يسأله فِيهِ الرجوع/ 481/ أو 240 ب/ ويذكر ما يخاف عليه في مسيره فلم يعجه [1] . وبلغ ابْن الحنفية شخوص الْحُسَيْن وَهُوَ يتوضأ، فبكى حَتَّى سمع وقع دموعه فِي الطست. 31- وحدّثنا عبّاس بن هشام الكلبي حدثنا معاوية بن الحرث، عَن شمر أَبِي عَمْرو، عَن عروة بْن عَبْدِ اللَّهِ الْجُعْفِيّ قَالَ: كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن يسار- ويسار هُوَ أَبُو عقب- قدم علينا فَقَالَ: إن حسينا قادم فانصروه. وجعل يحض عَلَى القتال مَعَهُ. وَكَانَ يقول: يقتلني رجل يقال لَهُ: عبيد اللَّه. فتطلبه ابْن زياد فتوارى وتزوج امرأة من مراد، فأتاه عبيد اللَّه بْن الحر [2] فاستخرجه ثُمَّ أتى بِهِ السبخة فقتله. 32- قَالُوا: ولما بلغ عبيد اللَّه بْن زياد إقبال الْحُسَيْن إِلَى الْكُوفَةِ، بعث (ظ) الحصين بْن أسامة التَّمِيمِيّ ثُمَّ أحد بني جشيش (ظ) بن مالك ابن حنظلة صاحب شرطة حَتَّى نزل القادسية، ونظم الخيل بينها وبين خفان، وبينها وبين القطقطانة إِلَى لعلع. وكتب الحسين حين بلغ الحاجز مَعَ قَيْس بْن مسهر الصيداوي من بني أسد إلى أهل الكوفة:

_ [1] كذا في الأصل، ولعل الصواب أن يكون بالسين يقال: «عجسه عن حاجته من باب ضرب- عجسا» : حبسه وأبطأه عنها. أو أنها بالباء من قولهم: «أعجب» بالشيء إعجابا سره وارتضاه. [2] كذا.

أما بعد فَإِن كتاب مسلم بْن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم عَلَى نصرنا والطلب بحقنا، فأثابكم اللَّه عَلَى ذلك أعظم الأجر، فأكمشوا (في) أمركم [1] وجدوا فِيهِ فإني قادم عليكم فِي أيامي إن شاء اللَّه والسلام. وقد كَانَ مسلم (بن عقيل) كتب إِلَيْهِ قبل أن يقتل ببضع وعشرين ليلة: أما بعد فَإِن الرائد لا يكذب أهله، إنّ جميع (كذا) أَهْل الْكُوفَةِ معك، فأقبل حين تنظر فِي كتابي [2] . فلما صار قَيْس بْن مسهر بالقادسية، أخذه الحصين بْن تميم فبعث بِهِ إِلَى ابْن زياد، فأمره أن يصعد القصر فيلعن عَلِيًّا ويكذب الْحُسَيْن عَلَى القصر، فلما رقيه قَالَ: أيها النَّاس إن الْحُسَيْن بْن علي خير خلق الله (قادم إليكم) وقد فارقته بالحاجز فأجيبوه وانصروه. ثُمَّ لعن زيادًا وابنه واستغفر اللَّه لعلي فأمر ابْن زياد فرمي بِهِ من فوق القصر فتقطع ومات رحمه اللَّه. 33- قَالُوا: وَكَانَ زهير بْن القين البجلي بِمَكَّةَ- وَكَانَ عثمانيا- فانصرف من مَكَّة متعجلا فضمه الطريق وحسينا، فكان يسايره وَلا ينازله، ينزل الْحُسَيْن فِي ناحية وزهير فِي ناحية، فأرسل الْحُسَيْن إِلَيْهِ فِي إتيانه، فأمرته امرأته ديلم بنت عَمْرو أن يأتيه فأبي فقالت: سبحان الله أيبعث إليك ابن

_ [1] يقال: «أكمش زيد في العمل أو السير إكماشا» : أعجل. و «كمش الحادي تكميشا» : جد في السوق. [2] ولعل الأقرب بحسب رسم الخط أن يقرء: «فأقبل حين النظر في كتابي» .

بنت رسول الله فلا تأتيه؟!! (فصار إليه) فلما صار إِلَيْهِ ثُمَّ انصرف إِلَى رحله، قال لامرأته: أنت طالق فالحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلّا خير!!! ثُمَّ قَالَ لأصحابه: من أحب منكم أن يتبعني (فليتبعني) وإلا فإنه أخر العهد. وصار مَعَ الْحُسَيْن!!! ولقي الْحُسَيْن ومن مَعَهُ رجل يقال لَهُ: بكر بْن المعنقة بْن رود [1] فأخبرهم بمقتل مسلم بْن عقيل وهانئ وَقَالَ: رأيتهما يجران بأرجلهما فِي السوق!!! فطلب إِلَى الْحُسَيْن فِي الانصراف، فوثب بنو عقيل فَقَالُوا: والله لا ننصرف حَتَّى ندرك ثأرنا أَوْ نذوق مَا ذاق أخونا. [فقال الحسين: مَا خير فِي العيش بعد هَؤُلاءِ؟ فعلم أنه قد عزم رأيه عَلَى المسير، فَقَالَ له عبد الله بن سليم والمدرئ بن الشمعل (كذا) الأسديان: خار اللَّه لك. فَقَالَ: رحمكما اللَّه] . ثُمَّ سار إلى زبالة وقد استكثر من الماء، وَكَانَ كلما مر بماء اتبعه منه قوم. وبعث الْحُسَيْن أخاه من الرضاعة- وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن يقطر- إِلَى مسلم قبل أن يعلم أنه قتل، فأخذه الحصين بن تميم وبعث به إلى ابن زياد، فأمر به أن يعلى بِهِ القصر ليلعن الْحُسَيْن وينسبه وأباه إِلَى الكذب، فلما علا القصر قَالَ: (أيها الناس) إني رَسُول الْحُسَيْن ابْن بنت رَسُول اللَّهِ إليكم لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة وابن سمية/ 482/ أو 241/ أ/ الدعي وابن الدعي لعنه الله.

_ [1] أقول: رسم خط هذه الكلمة غير جلي ويحتمل احتمالا ضعيفا أن يقرأ: «المصنقة- أو- المعلقة» . وقرأه الطباطبائي- أعزه الله- «المعنفة» بالفاء.

فأمر بِهِ فألقي من فوق القصر إِلَى الأرض فتكسرت عظامه، وبقي بِهِ رمق فأتاه رجل فذبحه!!! فقيل لَهُ: ويحك مَا صنعت؟ فَقَالَ: أحببت أن أريحه!! فلما بلغ الْحُسَيْن قتل ابن يقطر خطب فَقَالَ: أيها النَّاس قد خذلتنا شيعتنا وقتل مسلم وهانئ وقيس بن مسهر، و (عبد الله بن) يقطر [1] فمن أراد منكم الانصراف فلينصرف. فتفرق النَّاس الذين صحبوه ليرى شيئا، فأخذوا يمينا وشمالا حَتَّى بقي فِي أصحابه الذين جاؤا معه من الحجاز. وأقبل الحسين حتى نزل اشراف [2] فلما كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا، ثُمَّ سار من أشراف فرسموا صدر يومهم [3] حَتَّى انتصف النهار، فما كَانَ بأسرع من أن طلعت عليهم هوادي الخيل [4] فلما رأوها من بعيد حسبوها نخلا ثُمَّ تبينوها (فإذا هي الخيل) فأمر الْحُسَيْن بأبنيته فضربت [5] وجاء القوم وهم ألف فارس مَعَ الحر بْن يزيد التَّمِيمِيّ وذلك فِي حر الظهيرة، فَقَالَ الْحُسَيْن لفتيانه: [أسقوا القوم وارووهم ورشفوا الخيل ترشيفا [6] ففعلوا] .

_ [1] ما بين المعقوفين كان قد سقط من الأصل. [2] كذا في الأصل، ولم أجد الكلمة بهذه الخصوصية في معجم البلدان، لا في باب الشين المعجمة ولا في باب السين المهملة. [3] يقال: «رسم زيد- من باب ضرب- رسما ورسيما» : ذهب ومشى مسرعا. [4] هوادي الخيل: أوائل الخيل أو أعناقها. [5] وفي تاريخ الطبري وغيره ما معناه أنه لما تبين لهم أن الخيل يستقبلهم قال الإمام عليه السلام لأصحابه: هل هاهنا من ملجأ نجعله وراء ظهرنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟ قالوا: نعم هاهنا «ذو حسم» . فتبادر عليه السلام إليه وسبق القوم فأمر بأبنيته فضربت ... [6] أي بالغوا في سقاية الخيل حتى يشرب بهدوء وعلى توءدة، يقال: «رشف وأرشف وترشف وارتشف الماء: بالغ في مصه» .

وَكَانَ مجيء الحر إِلَيْهِ من القادسية، قدمه الحصين بْن تميم بين يديه فِي ألف. فلم يزل (الحر) مواقفا [1] للحسين، وصلّى الحسين فصلّى خلفه!!! ثم (خطب الحسين و) قال للحر وأصحابه: إن تتقوا اللَّه وتعرفوا الحق لأهله يكن ذلك أرضى لله، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا، وَكَانَ رأيكم غير مَا أتتني بِهِ كتبكم وقدمت بِهِ علي رسلكم انصرفت عنكم. فَقَالَ لَهُ (الحر) : أما والله مَا ندري مَا هَذِهِ الكتب الَّتِي تذكرها!!! فأخرج الحسين خرجين مملوئين صحفا فنشرها بين أيديهم!!! فَقَالَ الحر: فإنا لسنا [2] من هَؤُلاءِ الَّذِينَ كتبوا إِلَيْك، وقد أمرنا إن نحن لقيناك أن لا نقاتلك [3] وأن نقدمك الْكُوفَة عَلَى عبيد اللَّه بْن زياد. فَقَالَ الْحُسَيْن: [الموت أدنى إِلَيْك من ذَلِكَ!!!] ثم قال لأصحابه: قوموا فاركبوا. فركبت النساء ثُمَّ أراد الانصراف وأمر بِهِ أصحابه، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين ذَلِكَ، [فَقَالَ الْحُسَيْن للحر: ثكلتك أمك مَا تريد؟ فَقَالَ الحر: والله لو غيرك يقولها ما تركت ذكر أمه، ولكنه والله ما إلي ذكر أمك من سبيل إِلا بأحسن مَا أقدر عَلَيْهِ. فَقَالَ الْحُسَيْن: فما تريد؟ قَالَ: أريد أن أقدمك عَلَى عبيد اللَّه بْن زياد: قَالَ: فإني والله لا أتبعك.] فَقَالَ الحر: وأنا والله لا أدعك!!! فلما تراد الكلام قال له الحر: (إني) لم أومر بقتالك وإنما أمرت أن أقدم بك الْكُوفَة فَإِذَا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الْكُوفَة، وَلا يردك إِلَى الْمَدِينَة، يكون بيني وبينك نصفا حَتَّى أكتب إِلَى الأمير عبيد اللَّه بْن زياد، وتكتب أنت إِلَى يزيد بْن مُعَاوِيَة إن أحببت ذَلِكَ، أَوْ إِلَى ابْن زياد إن شئت

_ [1] ويحتمل رسم الخط على أن يقرأ «موافقا» بتقديم الفاء. [2] هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة: «فإنا ليس من هؤلاء.» [3] كذا في الأصل، وفي بعض المصادر: «أن لا نفارقك ... » .

فلعل اللَّه أن يرزقني العافية من أن أبتلى بِشَيْءٍ من أمرك. فتياسر الْحُسَيْن إِلَى طريق العذيب والقادسية وبينه- حينئذ- وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا. ثُمَّ إن الْحُسَيْن سار فِي أصحابه والحر بْن يزيد يسايره، وخطب الْحُسَيْن عَلَيْهِ السلام فَقَالَ: إن هَؤُلاءِ قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمان، فأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأنا أحق من غير، وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم فَإِن تتموا علي بيعتكم تصيبوا رشدكم. ووبخهم بما فعلوا بأبيه وأخيه قبله. فقام زهير بْن القين فَقَالَ: والله لو كنا فِي الدنيا مخلدين لآثرنا فراقها فِي نصرتك ومواساتك!!! فدعا له الحسين بخير/ 483/ أو 241 ب/. وأقبل الحر بْن يزيد يقول: يَا حسين أذكرك اللَّه فِي نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقاتلن، ولئن قوتلت لتهلكن. فَقَالَ الْحُسَيْن: [أبا الموت تخوفني؟ (أنا) أقول كما قَالَ أخو الأوس: سأمضي فما بالموت عار عَلَى الفتى ... إذا مَا نوى حقا وجاهد مسلما وآسا الرجال الصالحين بنفسه ... وفارق مثبورا وحالف محرما فَإِن عشت لم أذمم وإن مت لم ألم ... كفى لك ذلا أن تعيش وترغما ] فلما سمع ذَلِكَ الحر بْن يزيد تنحى بأصحابه فِي ناحية عذيب الهجانات- وهي الَّتِي كانت هجائن النعمان بْن المنذر ترعى بِهَا- وإذا هم بأربعة نفر مقبلين من الْكُوفَة عَلَى رواحلهم يجنبون [1] فرسا لنافع بْن هلال- يقال له:

_ [1] أي يقودون بجنبهم فرسا لنافع، يقال: «جنب زيد البعير- من باب نصر- جنبا ومجنبا» : قاده بجنبه.

الكامل- وَكَانَ الأربعة النفر: نافع بْن هلال المرادي وعمرو بْن خالد الصيداوي وسعد مولاه، ومجمع بْن عَبْدِ اللَّهِ العائذي من مذحج. فقال الحر: إن هؤلاء ليسوا ممن أقبل معك فأنا حابسهم أورادهم. [فَقَالَ الْحُسَيْن: إذا أمنعهم مما أمنع منه نفسي إنما هَؤُلاءِ أنصاري وأعواني وقد جعلت لي أن لا تعرض لي حَتَّى يأتيك كتاب ابْن زياد.] فكف (الحر) عنهم. وسألهم الحسين عن (ظ) النَّاس فَقَالُوا: أما الأشراف فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم [1] ليستمال ودهم وتستنزل نصائحهم فهم عليك إلبا واحدا [2] وما كتبوا إليك إلا ليجعلوك سوقا ومكسبا!!! وأما سائر النَّاس بعد فأفئدتهم تهوي إِلَيْك وسيوفهم غدًا مشهورة عليك!!! وَكَانَ الطرماح بْن عدي دليل هَؤُلاءِ النفر فأخذ بهم عَلَى الغريين ثم طعن بهم فِي الجوف وخرج بهم عَلَى البيضة [3] إلى عذيب الهجانات، وكان (الطرماح) يقول وَهُوَ يسير: يَا ناقتي لا تذعري من زجري ... وشمري قبل طلوع الفجر بخير ركبان وخير سفري ... حَتَّى تجلي بكريم النجر أتى بِهِ اللَّه بخير أمري ... ثمت أبقاه بقاء الدهر فدنا الطرماح بْن عدي من الْحُسَيْن، فَقَالَ لَهُ: والله إني لأنظر فما أرى معك كبير أحد (كذا) ولو لم يقاتلك إلا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أراهم ملازمين لك مَعَ الحر لكان ذلك بلاءا فكيف وقد رأيت قبل خروجي من الْكُوفَة بيوم

_ [1] غرائر: جمع الغرارة- بكسر الغين المعجمة-: الجوالق. [2] الإلب- كحبر-: القوم تجمعهم عداوة شخص أو تجمعهم وحدة الغرض والهدف. [3] كذا.

ظهر الْكُوفَة مملوءا رجالا، فسألت عنهم فقيل: عرضوا ليوجهوا إِلَى الْحُسَيْن- أَوْ قَالَ: ليسرحوا (إلى الحسين) !!! - فنشدتك اللَّه إن قدرت أن لا تتقدم إليهم شبرا إلا فعلت. وعرض (الطرماح) عَلَيْهِ أن ينزله أجأ أَوْ سلمي أحد جبلي طيّئ فجزاه (الحسين) خيرًا، ثُمَّ ودعه ومضى إِلَى أهله ثُمَّ أقبل يريده فبلغه مقتله فانصرف. 34- حدثنا سعدويه، حدثنا (ظ) عباد بْن العوام، حَدَّثَنِي حضين، حَدَّثَنِي هلال بن إساف قال: أمر ابن زياد فأخذ مَا بين واقصة، إِلَى طريق الشَّام إِلَى طريق الْبَصْرَة، فلا يترك أحد يلج وَلا يخرج، فانطلق الْحُسَيْن: يسير نحو طريق الشَّام يريد يزيد بْن مُعَاوِيَة [1] فتلقته الخيول فنزل كربلاء، وَكَانَ فيمن بعث إِلَيْهِ عمر ابن سعد بن أبي وقاص، وشمر ابن ذي الجوشن، وحصين بْن نمير، فناشدهم الْحُسَيْن أن يسيروه إِلَى يزيد فيضع يده فِي يده فأبوا إِلا حكم ابْن زياد. وَكَانَ ابْن زياد ممن بعث إِلَيْهِ الحر بْن يزيد الحنظلي فَقَالَ: ألا تقبلون مَا يسألكم من إتيان يزيد؟ فو الله لو سألكم هَذَا الترك والديلم مَا كَانَ ينبغي أن تمنعوهم إياه!!! فضرب الحر وجه فرسه وصار مَعَ الْحُسَيْن فلما دنا منه سلم عَلَيْهِ وعلى أصحابه وقاتل أصحاب ابْن زياد/ 484/ أو 242/ أ/ فقتل منهم رجلين ثم قتل.

_ [1] الحديث ضعيف السند غير جامع لشرائط الحجية، فما تفرد به ساقط، ولو لم يكن فيه إلا سعدويه سعد بن سعد الجرجاني لكان كافيا لسقوطه عن درجة الاعتبار والحجية، قال البخاري: لا يصح حديثه. وقال ابن عدي: دخلته غفلة الصالحين ولم أر للمتقدمين فيه كلاما وهو من أهل بلدنا ونحن أعلم به.

35- قالوا: ومضى الحسين إلى قصر بني مقاتل [1] فنزل بِهِ، فَإِذَا هُوَ بفسطاط مضروب فسأل عن صاحبه فقيل له: (صاحبه) عبيد اللَّه بْن الحر الْجُعْفِيّ فبعث إِلَيْهِ رسولا يدعوه، فَقَالَ للرسول: إني والله مَا خرجت من الْكُوفَة إِلا كراهة أن يدخلها الْحُسَيْن وأنابها!!! فَإِن قاتلته كَانَ ذَلِكَ عند اللَّه عظيما، وإن كنت مَعَهُ كنت أول قتيل في غير غناء عنه، وو الله لا أراه ولا يراني. (فرجع الرسول وأخبره بما قال) فانتعل الْحُسَيْن وأتاه فدعاه إِلَى الخروج مَعَهُ. فأعاد عليه القول الذي قاله لرسوله!! [فَقَالَ الْحُسَيْن: فَإِذَا امتنعت من نصرتي فلا تظاهر علي.] فَقَالَ: أما هَذَا فكن آمنا منه. ثُمَّ إنه أظهر الندم عَلَى تركه نصرة الْحُسَيْن، وَقَالَ فِي ذَلِكَ شعرًا سنكتبه في موضعه إن شاء الله تعالى [2] .

_ [1] هذا هو الصواب الموافق لما ذكره المصنف في ج 5 ص 290 ط 1، ومثله في غير واحد من كتب التواريخ والمقاتل، وفي الأصل هاهنا: «ابن مقاتل» . [2] وقال المؤلف في ترجمة عبيد الله بن الحر، من ج 5 ص 290 ط 1: قال أَبُو مخنف: لما أقبل الْحُسَيْن من المدينة وقتل مسلم بْن عقيل، خرج ابْن الحر فنزل قصر بني مقاتل- الَّذِي صار لعيسى بْن علي- متحرجا من أن يتلطخ بشيء من أمر الْحُسَيْن أو يشرك فِي دمه، فلما صار الْحُسَيْن إِلَى قصر بني مقاتل رأى فسطاطا فسأل عنه فقيل: هو لعبيد اللَّه بْن الحر. فبعث إِلَيْهِ الحجاج بْن مسروق الجعفي يدعوه إلى نصرته، فقال (ابن الحر) للحجاج قل لَهُ: إني إنما خرجت إِلَى هاهنا فرارا من دمك ودماء أَهْل بيتك، لأني إن قاتلتك كَانَ ذَلِكَ عظيما، وإن قاتلت معك ولم أقتتل بين يديك فقد قصرت وأنا أحمى أنفا من ذلك!! وليس لك بالكوفة شيعة ولا أنصار يقاتلون معك. فلما أبلغه الحجاج الرسالة تمشى إليه الحسين، فلما رآه قام عن مجلسه (وأجلسه فيه) فسأله (الحسين) الخروج معه، فاستعفاه من ذلك واعتل عليه، وعرض فرسا له يقال له الملحقة- وبعضهم يقول: المحلقة- وقال له: انج عليها حتى تلحق بمأمنك وأنا وأصحابي لك بالعيالات. فانصرف عنه (الحسين) ويقال: إنه دفع الفرس إليه. وقال له ابن الحر: أأنت مختضب أم هو سواد لحيتك؟ فقال: عجل علي الشيب فاختضبت. وخرج ابن الحر فأتى منزله بشاطئ الفرات فنزله حتى أصيب الحسين. وكان ابن الحر رجلا لا يقاتل لديانة، وإنما كان همه الفتك والتصعلك والغارات. ثم إن ابن الحر أتى الكوفة فقال له عبيد الله بن زياد- وكان قد تفقد أهل الكوفة-: أكنت معنا أم مع عدونا؟ قال: لا والله ما كنت مع عدوك ولو كنت معه لبلغك ذلك، ولكني كنت مريضا. قال: مريض القلب!!! قال: ما مرض قلبي قط (و) قد وهب الله لي في بدني العافية. وكان ابن الحر يغير- على مال الخراج فيقتطعه ويعطي منه أصحابه، وكان سخيا متلافا وقد كان من أهل الديون والعطاء. قالوا: فخرج من عند ابن زياد مغضبا فبات عند أحمر بن يزيد بن الكيشم الطائي ثم خرج من عنده فأتى المدائن وقال يرثي الحسين (عليه السلام) : يقول أمير جائر حق جائر ... ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة ونفسي على خذلانه واعتزاله ... وبيعة هذا الناكث العهد سادمة فيا ندمي ألا أكون نصرته ... ألا كل نفس لا تسدد نادمة سقا الله أرواح الذين تآزروا ... على نصره سقيا من الله دائمة. في أبيات. وقال أيضا: أيا لك حسرة ما دمت حيا ... تردد بين حلقي والتراقي. وله فيه شعر غير هذا. أقول: والقصة ذكرها أيضا في ترجمة ابن الحر من تاريخ دمشق وذكرها أيضا في أواخر حوادث سنة 68 من تاريخ الكامل- لابن الأثير-: ج 4 ص 287 مع الأبيات كاملة ومرسلة. وقد ذكرناها في كتابنا «عبرات المصطفين» عن مصادر.

وكان أنس بن الحرث الكاهلي سمع مقالة الْحُسَيْن لابن الحر- وَكَانَ قدم من الْكُوفَة بمثل مَا قدم لَهُ ابْن الحر- فلما خرج من عند ابْن الحر سلم على الحسين وقال: والله مَا أخرجني من الْكُوفَة إِلا مَا أخرج هَذَا من كراهة قتالك أَوِ القتال معك، ولكن الله قد قذف فِي قلبي نصرتك وشجعني عَلَى المسير معك!!! فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن فاخرج معنا راشدًا محفوظًا. وأقبل الْحُسَيْن حَتَّى دخل رحله فخفق برأسه خفقة فرأي فِي منامه قائلا يقول: القوم يسرون والمنايا تسري إليهم.

ثُمَّ سار فلم يزل يتياسر حَتَّى صار إِلَى «نينوى» فَإِذَا راكب قد أقبل عَلَى نجيب لَهُ من الْكُوفَة، فلما انتهى إِلَيْهِمْ سلم عَلَى الحر بْن يزيد، ولم يسلم على الحسين ثم دفع إلى الحر كتابا من ابن زياد (و) فِيهِ: «أما بعد فجعجع بحسين [1] حيث يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي وَلا تنزله إِلا العراء فِي غير حصن وعلى غير ماء» . فقال الحر (للحسين) : هذا كتاب الأمير عبيد الله. وقرأه (عليهم) وأخذهم بالنزول فأنزلهم فِي غير قرية وعلى غير ماء!!! وسألوه أن ينزلوا بنينوى والغاضرية، فأبي ذَلِكَ عليهم!!! فأشار عَلَيْهِ زهير بْن القين بن الحرث البجلي أن يقاتلهم فَقَالَ: هَؤُلاءِ أيسر علينا (ممن يأتي بعد ذلك) فنقاتلهم حَتَّى ننحاز إِلَى بعض هَذِهِ القرى التي على الفرات. فلم يفعل (الحسين) ونزل (في مكانه) وذلك (في) يوم الخميس لليلتين خلتا من المحرم سنة إحدى وستين. فلما كَانَ من الغد قدم عليهم عمر بْن سعد بْن أَبِي وقاص من الْكُوفَة فِي أربعة آلاف. وَكَانَ عبيد اللَّه بْن زياد أراد توجيه عمر بْن سعد إلى الدستبي لأن الديلم كانوا خرجوا إِلَيْهَا وغلبوا عَلَيْهَا، فولاه الري ودستبي فعسكر (عمر) للخروج إليها بحمام أعين. فلما ورد أمر الْحُسَيْن عَلَى ابْن زياد، أمره أن يسير إِلَى الْحُسَيْن، فإذا فرغ

_ [1] قال في مادة: «جعجع» من كتاب الفائق: كتب ابن زياد إلى عمر: أن جعجع بالحسين. أي أنزله بجعجاع وهو المكان الخشن الغليظ، وهذا تمثيل لإلجائه إلى خطب شاق وإرهاق. وقيل: المراد إزعاجه لأن الجعجاع مناخ سوء لا يقر فيه صاحبه، ومنه: جعجع الرجل: قعد على غير طمأنينة.

منه سار إِلَى عمله، فاستعفاه عمر من قتال الحسين، فقال (ابن زياد) : نعم أعفيك عَلَى أن ترد عهدنا عَلَى الري وودستبي. فقال له (عمر) : أنظرني يومي هَذَا. فجاءه حمزة بْن المغيرة بْن شعبة- وَهُوَ ابْن أخته- فَقَالَ لَهُ: يَا خال إن سرت إِلَى الْحُسَيْن أثمت بربك وقطعت رحمك، فو الله لأن تخرج من دنياك وما لك خير من أن تلقى اللَّه بدم الْحُسَيْن!!! ثم أتى عمر بن سعد ابن زياد فقال (له ابن زياد) : إما أن تخرج إِلَى الْحُسَيْن بجندنا، وإما أن تدفع إلينا عهدنا. فألح عليه (عمر) بالاستعفاء وألح ابْن زياد بمثل مقالته. فشخص عمر بْن سعد إِلَى الْحُسَيْن فِي أربعة آلاف حَتَّى نزل بإزائه، ثُمَّ بعث إِلَيْهِ يسأله عن سبب مجيئه!!! فقال (الحسين) : كتب إلي أهل الكوفة في القدوم (إليهم) فأما إذ كرهوني فإني أنصرف (عنهم) . وَكَانَ رَسُول عمر إِلَيْهِ قرة بْن قَيْس الحنظلي فَقَالَ لَهُ حبيب بْن مظهر: ويحك يَا قرة أترجع إِلَى القوم الظالمين؟ فَقَالَ: أسير إِلَى صاحبي بالجواب ثُمَّ أرى رأيي. وكتب عمر بْن سعد إِلَى ابْن زياد بقول الْحُسَيْن فَقَالَ ابْن زياد: الآن إذ علقت مخالبنابه ... ترجو النجاة ولات حين أوان [1] وكتب/ 485/ إِلَى عمر: اعرض عَلَى الْحُسَيْن أن يبايع يزيد بْن مُعَاوِيَة هُوَ وجميع أصحابه، فَإِذَا فعل ذَلِكَ رأينا رأينا!!! فلم يفعله (عمر) .

_ [1] كذا في الأصل، والمعروف في كتب التاريخ: «حين مناص» .

33- قَالُوا: ولما سرح ابْن زياد عمر بْن سعد من حمام أعين، أمر النَّاس فعسكروا بالنخيلة، وأمر أن لا يتخلف أحد منهم، وصعد المنبر فقرّض مُعَاوِيَة وذكر إحسانه وإدراره الأعطيات وعنايته بأمور الثغور، وذكر اجتماع الألفة بِهِ وعلى يده، وَقَالَ: إن يزيد ابنه المتقيل لَهُ [1] السالك لمناهجه المحتدى لمثاله، وقد زادكم مائة مائة فِي أعطيتكم فلا يبقين رجل من العرفاء والمناكب والتجار والسكان إِلا خرج فعسكر معي فأيما رجل وجدناه بعد يومنا هَذَا متخلفا عَن العسكر برئت منه الذمة. ثُمَّ خرج ابْن زياد فعسكر وبعث إِلَى الحصين بْن تميم وَكَانَ بالقادسية فِي أربعة آلاف، فقدم النخيلة فِي جميع من مَعَهُ. ثُمَّ دعا ابْن زياد كثير بْن شهاب الحارثي ومحمد بْن الأشعث ابن قيس والقعقاع بن سويد بن عبد الرحمان المنقري وأسماء بْن خارجة الفزاري وَقَالَ: طوفوا فِي النَّاس فمروهم بالطاعة والاستقامة، وخوفوهم عواقب الأمور والفتنة والمعصية، وحثوهم على العسكرة (كذا) فخرجوا فعزروا وداروا بالْكُوفَة. ثُمَّ لحقوا بِهِ غير كثير بْن شهاب فإنه كَانَ مبالغا يدور بالْكُوفَة يأمر النَّاس بالجماعة، ويحذرهم الفتنة والفرقة ويخذل عَن الْحُسَيْن!!! وسرح ابْن زياد أيضًا حصين بْن تميم فِي الأربعة الآلاف الَّذِينَ كانوا مَعَهُ إِلَى الْحُسَيْن بعد شخوص عمر بْن سعد بيوم أَوْ يومين. ووجه أَيْضًا إِلَى الْحُسَيْن حجار بْن أبجر العجلي فِي ألف. وتمارض شَبَث بْن رَبْعِيّ فبعث إِلَيْهِ فدعاه وعزم عَلَيْهِ أن يشخص إِلَى الْحُسَيْن فِي ألف ففعل.

_ [1] أي المشبه له المتخلق بأخلاقه وسجيته.

وَكَانَ الرَّجُل يبعث فِي ألف فلا يصل إلا في ثلاث مائة وأربع مائة وأقل من ذَلِكَ كراهة منهم لهذا الوجه. ووجه أيضا يزيد بن الحرث بْن يزيد بْن رويم فِي ألف أَوْ أقل. ثُمَّ إن ابْن زياد استخلف عَلَى الْكُوفَة عَمْرو بْن حريث، وأمر القعقاع بْن سويد بن عبد الرحمان بْن بجير المنقري بالتطواف بالْكُوفَة فِي خيل فوجد رجلا من همدان قد قدم يطلب ميراثا لَهُ بالْكُوفَة، فأتى بِهِ ابْن زياد فقتله، فلم يبق بالْكُوفَة محتلم إِلا خرج إِلَى العسكر بالنخيلة. ثُمَّ جعل ابْن زياد يرسل العشرين والثلاثين والخمسين إِلَى المائة، غدوة وضحوة ونصف النهار وعشية من النخيلة يمد بهم عمر بن سعد. وكان عمر يكره أن يكون هلاك الْحُسَيْن علي يده فلم يكن شَيْء أحب إِلَيْهِ من أن يقع الصلح. ووضع ابْن زياد المناظر عَلَى الْكُوفَة [1] لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة لأن يلحق الْحُسَيْن مغيثا لَهُ، ورتب المسالح حولها [2] وجعل على حرس الكوفة زحر بْن قَيْس الْجُعْفِيّ. ورتب بينه وبين عسكر عمر بْن سعد خيلا مضمرة مقدحة [3] فكان خبر مَا قبله يأتيه فِي كُلّ وقت.

_ [1] المناظر: جمع المنظرة: القوم يصعدون إلى أعلى الأماكن ينظرون ويراقبون. ما ارتفع من الأرض أو البناء، ويعبر عن الأول في لسان الفرس ب «ديدبان» . [2] المسالح: جمع المسلحة: المرقب أو قوم ذوو السلاح يحرسون ويراقبون. [3] مقدحة من قولهم: «قدح الفرس» : ضمره. ويقال: «أضمر الفرس إضمارا وضمره تضميرا» أي صيره هزا لا خفيف اللحم كي يكون عند الجري سريعا يسبق أقرانه إلى الهدف أو ينجو براكبه عن محل الخطر والتلف.

وهم عَمَّار بْن أَبِي سلامة الدالاني أن يفتك بعبيد الله ابن زياد فِي عسكره بالنخيلة فلم يمكنه ذَلِكَ، فلطف حَتَّى لحق بالحسين فقتل مَعَهُ. وَقَالَ حبيب بن مظهر للحسين: إن ها هنا حيا من بني أسد أعرابا ينزلون النهرين، وليس بيننا وبينهم إِلا روحه أفتأذن لي في إتيانهم ودعائهم؟! لعل الله أن يجربهم إِلَيْك نفعا أَوْ يدفع عنك مكروها. فإذن لَهُ فِي ذَلِكَ فأتاهم فَقَالَ لهم: إني أدعوكم إِلَى شرف الآخرة وفضلها وجسيم ثوابها أنا أدعوكم إِلَى نصر ابْن بنت نبيكم فقد أصبح مظلوما، دعاه أَهْل الْكُوفَةِ لينصروه، فلما أتاهم خذلوه وعدوا عَلَيْهِ ليقتلوه!!! فخرج معه (ظ) منهم سبعون (فارسا) وأتى/ 486/ عمر بْن سعد رجل ممن هناك يقال لَهُ: جبلة بْن عَمْرو فأخبره خبرهم!! فوجه (عمر) أزرق بن الحرث الصيداوي في جيل [1] فحالوا بينهم وبين الحسين ورجع (حبيب) بن مظهر إلى الحسين فأخبره الخبر [فقال (الحسين) : الحمد لله كثيرًا] . وَكَانَ فراس بْن جعدة بْن هبيرة المخزومي مَعَ الْحُسَيْن، وَهُوَ يرى أنه لا يخالف، فلما رأى الأمر وصعوبته هاله ذَلِكَ، فأذن لَهُ الْحُسَيْن فِي الانصراف فانصرف ليلا!!! وجاء كتاب ابْن زياد إِلَى عمر بْن سَعْدٍ: أن حل بين حسين وأصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي المظلوم عثمان!!! فبعث (عمر بن سعد) خمس مائة فارس فنزلوا عَلَى الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه ومنعوهم أن يستقوا منه!!! وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام.

_ [1] أي في طائفة من الجند. وذكره في النسخة بالباء الموحدة.

وناداه عبد الله بن حصين الأزدي: يَا حسين ألا تنظر إِلَى الماء كأنه كبد السماء؟ والله لا تذوق منه قطرة حَتَّى تموت عطشًا!!! [فَقَالَ الْحُسَيْن: اللَّهُمَّ اقتله عطشا وَلا تغفر لَهُ أبدًا] . فمات (ابن حصين) بالعطش، كَانَ يشرب حَتَّى يبغر فما يروى [1] فما زال ذاك دأبه حَتَّى لفظ نفسه [2] . فلما اشتد عَلَى الْحُسَيْن العطش بعث العباس بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب- وأمه أم البنين بنت حزام من بني كلاب- فِي ثلاثين فارسا وعشرين راجلا وبعث معهم بعشرين قربة فجاؤا حَتَّى دنوا من الشريعة، واستقدم أمامهم نافع ابن هلال المرادي ثُمَّ الجملي فَقَالَ لَهُ عَمْرو بْن الحجاج الزبيدي- وَكَانَ عَلَى منع الماء-: من الرَّجُل؟ قَالَ: نافع بْن هلال. قَالَ: مجيء مَا جاء بك؟ قَالَ: جئنا لنشرب من هَذَا الماء الَّذِي حلأتمونا عَنْهُ [3] قَالَ: اشرب هنيئا. قَالَ: أفأشرب والحسين عطشان؟!! ومن ترى من أصحابه؟!! فقال (عمرو) : لا سبيل إِلَى سقي هَؤُلاءِ إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء. فأمر (نافع بن هلال) أصحابه باقتحام الماء ليملئوا قربهم فثار إِلَيْهِمْ عَمْرو بْن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس ونافع بْن هلال فدفعوهم ثم انصرفوا إلى رحالهم وقد ملئوا قربهم. ويقال إنهم حالوا بينهم وبين ملئها فانصرفوا بشيء يسير من الماء. ونادى المهاجرين أوس التَّمِيمِيّ: يَا حسين ألا ترى إِلَى الماء يلوح كأنه

_ [1] أي كان يشرب إلى أن يمتلئ جوفه من الماء فما يروي ولا يسكن عطشه. [2] أي حتى مات، يقال: «لفظ فلان نفسه- من باب ضرب وعلم- لفظا» : مات [3] يقال: «حلاه عن الماء تحليئا وتحلئة» : طرده عنه ومنعه عن وروده.

بطون الحيات [1] والله لا تذوقه أَوْ تموت!!! فقال (الحسين) : [إني لأرجو أن يوردنيه الله ويحلئكم عَنْهُ] . ويقال أن عَمْرو بْن الحجاج قَالَ: يا حسين هَذَا الفرات تلغ فِيهِ الكلاب وتشرب منه الحمير والخنازير، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم!!! [2] 34- قالوا (ظ) : وتواقف الْحُسَيْن وعمر بْن سعد خلوين، فَقَالَ الْحُسَيْن: [اختاروا مني الرجوع إِلَى المكان الَّذِي أقبلت منه، أَوْ أن أضع يدي فِي يد يزيد فهو ابْن عمي ليرى رأيه فِي [3] وإما أن تسيروني إِلَى ثغر من ثغور المسلمين فأكون رجلا من أهله لي مَا لَهُ وعلي مَا عَلَيْهِ!!!] ويقال إنه لم يسأله إِلا أن يشخص إِلَى الْمَدِينَة فقط. فكتب عمر بْن سعد إِلَى عبيد اللَّه بْن زياد بما سأل (الحسين) فأراد عبيد اللَّه أن يجيبه إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ شمر بْن ذي الجوشن الكلابي ثُمَّ الضبابي: لا تقبلن (منه) إِلا أن يضع يده فِي يدك فإنه إن لم يفعل ذلك كان أولى بالقوة

_ [1] كذا في الأصل، والمضبوط في جل المصادر والمقاتل: «الحيتان» وهو جمع حوت، والكلام كناية عن شعشعة الماء وتموجه. [2] قال في أحوال المختار في أواخر حوادث سنة (66) من كتاب الكامل: ج 4 ص 236: وكان عمرو بن الحجاج الزبيدي ممن شهد قتل الحسين، فركب راحلته وأخذ طريق واقصة فلم ير له خبر حتى الساعة. وقيل: أدركه أصحاب المختار وقد سقط من شدة العطش فذبحوه وأخذوا رأسه. [3] هذا الكلام لو أريد به لازمه- وهو إتمام الحجة على عمر بن سعد، وكشف سرائر شيعة آل أبي سفيان، وخبث ضمائرهم للعالم- يمكن صدوره من الإمام، ولكن المنقول عن عقبة ابن سمعان غلام الرباب زوج الإمام الحسين عليه السلام أنه قال: صحبت الحسين من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى كربلا، ولم أفترق عنه في حال من الحالات إلى أن استشهد فلم أسمع منه الإقرار بوضع يده في يد يزيد أو ما هو بمعناه. ثم الحديث مرسل، ورواته مجهولة فلا يمكن الاستدلال به لضعفه وعدم حجيته.

والعز، وكنت أولى بالضعف والعجز فلا ترض (منه) إِلا بنزوله عَلَى حكمك هُوَ وأصحابه!!! فَإِن عاقبت كَانَ ذَلِكَ لك، وإن غفرت كنت أولى بما يفعله، لقد بلغني أن حسينا وعمر يجلسان ناحية من العسكر يتناجيان ويتحادثان عامة الليل. فَقَالَ له ابْن زياد: نعم مَا رأيت فاخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فلنعرض/ 487/ علي حسين وأصحابه النزول عَلَى حكمي فَإِن فعلوا بعث بهم إلي سلما، وإن هم أبوا قاتلهم فَإِن فعل فاسمع لَهُ وأطعه، وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير النَّاس وثب عَلَيْهِ فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه. وَكَانَ كتابه إِلَى عمر: أما بعد فإني لم أبعثك إلى حسين لتطاوله وتمنيه السلامة وتكون له عندي شافعا، فانظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم (كذا) فابعث بهم إلي سلما، وإن أبوا فازحف إِلَيْهِمْ حَتَّى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون!!! وإن قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره لنذر نذرته وقول قلته!!! فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم، فَإِن فعلت ذَلِكَ جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أنت أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بْن ذي الجوشن وبين العسكر وأمر النَّاس، فإنا قد أمرناه فيك بأمرنا والسلام. فلما أوصل شمر الكتاب إِلَيْهِ قَالَ عمر: يَا أبرص لا قَرَّبَ اللَّه داركَ ولا سهلّ محلّتك وقبحك وقبح مَا قدمت لَهُ، والله إني لأظنك ثنيته عَن قبول مَا كتبت بِهِ إليه، فقال له شمر: أتمضي لأمر الأمير؟ وإلا فخل بيني وبين العسكر وأمر النَّاس. فَقَالَ عمر: لا وَلا كرامة ولكني أتولى الأمر. قَالَ: فدونك. فجعل عمر شمرا على الرجالة ونهض بالناس عشية الجمعة، ووقف شمر (على مخيّم الحسين) فَقَالَ: أين بنو أختنا؟ - يعني العباس وعبد الله

وجعفر وعثمان بني عَلِيّ بْن أَبِي طالب وأمهم أم البنين بنت حزام بن ربيعة الكلابي الشاعر- فخرجوا إِلَيْهِ فَقَالَ: لكم الأمان. فقالوا له: لعنك اللَّه ولعن أمانك!!! أتؤمننا وَابْن بنت رَسُول اللَّهِ لا أمان لَهُ؟!! ثُمَّ إن عمر بْن سعد نادى يا خيل اللَّه اركبي وأبشري!! فركب النَّاس وزحف نحو الْحُسَيْن وأصحابه بعد صلاة العصر، والحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه، فقال (له) العباس بن علي: يا أخي (قد) أتاك القوم. فنهض (الحسين) فَقَالَ: يَا عَبَّاس أركب- بنفسي أنت يَا أخي- حَتَّى تلقاهم فتقول لهم: مَا بدا لكم؟ وما تريدون؟ فأتاهم العباس فِي عشرين فارسا فِيهِمْ زهير بْن القين وحبيب بْن مظهر فسألوهم عَن أمرهم؟! فَقَالُوا: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول عَلَى حكمه أو نناجزكم. فانصرف العباس راجعا فأخبر الحسين بقولهم. (ووقف أصحاب العباس أمام القوم ناصحين لهم) وقال لهم حبيب ابن مظهر: والله لبئس القوم عند الله غدا قوم قتلوا ذرية نبيهم وعترته وعباد أَهْل المصر. فَقَالَ لَهُ عزرة بْن قَيْس: أنك لتزكي نفسك. وَقَالَ عزرة لزهير بْن القين: كنت عندنا عثمانيا فما لك؟! فَقَالَ: والله ما كتبت إِلَى الْحُسَيْن وَلا أرسلت إِلَيْهِ رسولا، ولكن الطريق جمعني وإياه فلما رأيته ذكرت بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرفت ما تقدم إليه من غدركم ونكثكم وميلكم إلى الدنيا، فرأيت أن أنصره وأكون فِي حزبه حفظا لما ضيعتم من حق رَسُول اللَّهِ. فبعث الْحُسَيْن إِلَيْهِمْ يسألهم أن ينصرفوا عَنْهُ عشيتهم حَتَّى ينظر فِي أمره، وإنما أراد أن يوصي أهله ويتقدم إِلَيْهِمْ فيما يريد. فأقبل عمر بْن سعد عَلَى النَّاس فَقَالَ: مَا ترون؟ فقال عمرو بْن الحجاج بْن سلمة الزبيدي:

سبحان الله لو كان هَؤُلاءِ من الديلم ثُمَّ سألوك هَذِهِ المنزلة لكان ينبغي أن تجيبهم إِلَيْهَا. وَقَالَ لَهُ قَيْس بْن الأشعث بْن قَيْس: أجبهم إِلَى ما سألوه، فلعمري ليصبحنك بالقتال غدا. فقال (عمر) : والله لو أعلم أنهم يفعلون ما أخرتهم! فانصرفوا عنه تلك العيشة. وعرض الْحُسَيْن عَلَى أهله ومن مَعَهُ أن يتفرقوا (عنه) ويجعلوا الليل جملا، وقال: [إنما (القوم) يطلبونني وقد وجدوني وما كانت كتب من كتب إلي- فيما أظن- إِلا مكيده لي وتقربا إِلَى ابْن مُعَاوِيَة بي!!!] فَقَالُوا: قبح اللَّه العيش بعدك. وَقَالَ مسلم بْن عوسجة: أنخليك ولم نعذر إلى الله فيك/ 487/ (و) فِي أداء حقك؟! لا والله حَتَّى أكسر رمحي فِي صدورهم وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه فِي يدي ولو لم يكن سلاحي معي لقذفتهم بالحجارة دونك!!! وَقَالَ لَهُ سعيد بن عبد الله الحنفي نحو ذلك، فتلكم أصحابه بشبيه لهذا الكلام. وَكَانَ مَعَ الْحُسَيْن حوي مولى أَبِي ذر الغفاري فجعل يعالج سيفه ويصلحه ويقول: [يا دهر أف لك من خليلي ... كم لك بالإشراق والأصيل من طالب وصاحب قتيل ... والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الأمر إلى الجليل ... وكل حي سالك سبيل ] [1]

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «سبيلي» .

ورددها حَتَّى حفظت، وسمعتها زينب بنت علي فنهضت إِلَيْهِ تجر ثوبها وهي تقول: واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم (مات جدي رسول الله و) ماتت فاطمة أمي وعلي أَبِي والحسن أخي يا خليفة الماضين وثمال الباقين [1] . فَقَالَ الْحُسَيْن: [يَا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان!!!] قالت: أتغتصب نفسك اغتصابا؟! ثُمَّ لطمت وجهها وشقت جيبها، وَهُوَ يعزيها ويصبرها. ثُمَّ أمر أصحابه أن يقربوا بعض بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا بعض الأطناب فِي بعض وأن يقفوا بين البيوت فيستقبلوا القوم من وجه واحد، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وشمائلهم وقد حفت بهم البيوت إِلا الوجه الَّذِي يأتيهم عدوهم منه. ولما جن الليل عَلَى الْحُسَيْن وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويسبحون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون.

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «يا خليفة الماضي وتمال الباقي» . وما بين المعقوفين زيادة مأخوذة من مصادر أخر.

مقتل الحسين بن علي عليهما السلام

مقتل الْحُسَيْن بْن علي عَلَيْهِمَا السلام 34- قَالُوا: فلما صلى عمر بْن سعد الغداة وذلك يوم السبت- ويقال: يوم الجمعة- عاشوراء خرج فيمن مَعَهُ من النَّاس. وعبأ الْحُسَيْن أصحابه (عند) صلاة الغداة وَكَانَ مَعَهُ اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا، فجعل زهير بْن القين فِي ميمنة أصحابه، وحبيب ابن مظهر فِي ميسرة أصحابه وأعطى رايته العباس بْن علي أخاه وجعل البيوت فِي ظهورهم. وَكَانَ الْحُسَيْن أمر فأتي بقصب وحطب إِلَى مكان من ورائهم منخفض كأنه ساقية وكانوا حفروه فِي ساعة من الليل فصار كالخندق ثُمَّ ألقوا فِيهِ ذَلِكَ القصب والحطب وَقَالُوا: إذا غدوا فقاتلو (نا) ألهبنا فِيهِ النار لئلا يأتونا من ورائنا ففعلوا. وجعل عمر بْن سعد عَلَى ميمنته عَمْرو بْن الحجاج الزبيدي وعلي ميسرته شمر بْن ذي الجوشن الضبابي وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وعلى الرجالة شَبَث بْن رَبْعِيّ الرياحي وأعطى الراية دريدًا مولاه. وأمر الْحُسَيْن بفسطاط فضرب فأطلى فِيهِ بالنورة، ثُمَّ أتى بجفنة- أَوْ صحفة- فميث فِيهَا مسك وتطيب منه، ودخل برير بْن خضير الْهَمْدَانِيّ فأطلى بعده ومس من ذلك المسك. وتحنط الْحُسَيْن وجميع أصحابه وجعلت النار تلتهب خلف بيوت الْحُسَيْن وأصحابه فَقَالَ شمر بْن ذي الجوشن: يَا حسين تعجلت النار؟!! فَقَالَ: [أنت تقول هَذَا يَا ابْن راعية المعزى؟ أنت والله أَوْلى بِها صِلِيًّا.] فقال مسلم

ابن عوسجة: يَا ابْن رَسُول اللَّهِ ألا أرميه بسهم فإنه قد أمكنني؟ فَقَالَ الْحُسَيْن: [لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم] . وَكَانَ مَعَ الْحُسَيْن فرس يدعى لاحقا- يقال: إن عبيد اللَّه بْن الحر أعطاه إياه حين لقيه- فحمل عَلَيْهِ أبنه عَلِيّ بْن الْحُسَيْن ثُمَّ دعا براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته: أيها النَّاس اسمعوا قولي. فتكلم بكلام عدد/ 488/ فِيهِ فضل أَهْل بيته ثُمَّ قَالَ: أتطلبوني بقتيل؟ أَوْ بمال استهلكته؟ أَوْ بقصاص من جراحة جرحتها؟ فجعلوا لا يكلمونه، ثم نادى (عليه السلام) : يَا شَبَث بْن رَبْعِيّ يَا حجار بْن أبجر، يَا قَيْس بْن الأشعث يَا يزيد بن الحرث ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار؟! واخضر الجناب وطمت الجمام وإنما تقدم عَلَى جندلك مجند؟!! قالوا: لم نفعل!!! ثم قال (عليه السلام) : [أيها النَّاس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف إِلَى مأمني!!!] فَقَالَ لَهُ قَيْس بْن الأشعث: أولا تنزل عَلَى حكم بني عمك. فإنهم لن يروك إلا ما تحب!!! فقال (له) : إنك أخو أخيك أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بْن عقيل الَّذِي غره أخوك؟!! [والله لا أعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد!!! عباد الله إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ، وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ] فبكين أخواته فسكتهن ثُمَّ قَالَ: لا يبعد اللَّه ابْن عَبَّاس وَكَانَ نهاه أن يخرجهن مَعَهُ. وَقَالَ لهم زهير بْن القين: عباد اللَّه إن ولد فاطمة أحق بالنصر والود

من ابن سمية، فَإِن لم تنصروهم فلا تقتلوهم وخلوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد فلعمري أن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الْحُسَيْن!!! فرماه شمر بسهم وَقَالَ: اسكت أسكت اللَّه نأمتك. فَقَالَ لَهُ زهير: ابشر بالحر في يوم القيامة. فَقَالَ لَهُ شمر: إن اللَّه قاتلك وقاتل أصحابك عَن ساعة. وكلمهم برير بْن خضير وغيره ووعظوهم وذكروا غرورهم الْحُسَيْن بكتبهم. وَقَالَ الحر بْن يزيد اليربوعي- وَهُوَ الذي كان يساير الحسين ويواقفه-: والله لا أختار النار على الجنة. ثم ضرب بفرسه وصار إِلَى الْحُسَيْن فقتل مَعَهُ، وَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن- حين صار إِلَيْهِ-: [أنت والله الحر فِي الدنيا والآخرة] . وفي الحر بْن يزيد يقول الشاعر: لنعمَ الحرُّ حرُّ بني رياح ... وحر عند مختلف الرماح وأقبل الحر عَلَى أَهْل الْكُوفَةِ وَهُوَ عند الْحُسَيْن فَقَالَ: لأمكم الهبل والعبر دعوتموه حَتَّى إذا أتاكم أسلمتموه فصار فِي أيديكم كالأسير!!! قد حلأتموه ونساءه وأصحابه عَن ماء الفرات الجاري الَّذِي يشربه اليهود والنصارى والمجوس ويتمرغ فِيهِ خنازير السواد، لبئسما خلفتم بِهِ محمدًا فِي ذريته، فدعوا هَذَا الرَّجُل يمضي فِي بلاد اللَّه، أما أنتم مؤمنون؟ وبنبوة محمد مصدقون؟ وبالمعاد موقنون؟ فحملت عَلَيْهِ رجالة لهم فرمته بالنبل، فأقبل حَتَّى وقف أمام الْحُسَيْن.

وزحف عمر بْن سعد نحوهم ونادى يَا دريد [1] أدن رايتك، فأدناها، ثُمَّ وضع عمر سهما فِي كبد قوسه ورمى وَقَالَ: اشهدوا أني أول من رمى!!! فلما رمى عمر ارتمى النَّاس. وخرج يسار مولى زياد، وسالم مولى ابن زياد فدعوا إِلَى المبارزة، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن عمير الكلبي (للحسين عليه السلام) : أبا عَبْد اللَّهِ رحمك اللَّه إئذن لي (أن) أخرج إليهما. (فأذن له) فخرج رجل آدم طوال شديد الساعدين بعيد مَا بين المنكبين فشد عَلَيْهِمَا فقتلهما وَهُوَ يقول: إن تنكروني فأنا ابْن كلب ... حسبي بيتي في كليب حسبي إني امرؤ ذو مرة وعصب ... ولست بالخوار عند النكب إني زعيم لك ام وهب ... بالطعن فِيهِمْ مقدما والضرب ضرب غلام مؤمن بالرب فأقبلت إِلَيْهِ امرأته فقالت: قاتل بأبي أنت وأمي عَن الْحُسَيْن ذرية مُحَمَّد. فأقبل (إليها) يردها نحو النساء. وحمل عَمْرو بْن الحجاج الزبيدي- وَهُوَ فِي الميمنة- فلما دنا من الْحُسَيْن وأصحابه/ 489/ جثوا لَهُ عَلَى الركب وأشرعوا الرماح نحوه ونحو أصحابه فلم يقدم خيلهم عَلَى الرماح ورجعت فرشقوهم بالنبل فصرعوا منهم رجالا وجرحوا آخرين. وحمل شمر من قبل الميسرة فِي الميسرة فاستقبلوهم بالرماح فلم يقدم الخيل عَلَيْهَا فانصرفوا فرموهم بالنبل حَتَّى صرعوا منهم رجالا وجرحوا آخرين.

_ [1] هذا هو الظاهر الموافق لما تقدم عن المؤلف في ص 187، وها هنا في النسخة: «يا دويد» بالواو بعد الدال.

وكان رجل من بَنِي تَمِيمٍ يقال لَهُ عَبْد الله بن حوزة [1] فجاء حَتَّى وقف بحيال الْحُسَيْن فَقَالَ: أبشر يَا حسين بالنار!!! فقال (الحسين عليه السلام) : [كلا إني أقدم عَلَى رب رحيم وشفيع مطاع. ثُمَّ قَالَ: من هَذَا؟ قَالُوا: ابْن حوزة. قَالَ: حازه اللَّه إِلَى النار.] فاضطرب به فرسه في جدول فتعلقت به رجله بالركاب ووقع رأسه فِي الأرض ونفر الفرس فجعل يمر برأسه كُلّ حجر وأصل شجرة حَتَّى مات!!! ويقال: بقيت رجله اليسرى فِي الركاب فشد عَلَيْهِ مسلم بْن عوسجة الأسدي فضرب رجله اليمنى فطارت ونفر بِهِ فرسه يضرب بِهِ كُلّ شيء حَتَّى مات. وبارز يزيد بْن معقل برير بْن خضير فضرب بريرًا ضربة خفيفة، وضربه برير ضربة قدت المغفر وجعل ينضنض سيفه فِي دماغه. وحمل رضي بْن منقذ العبدي فاعتنق بريرًا فاعتركا ساعة، ثُمَّ إن بريرًا (صرعه و) قعد عَلَى صدره فَقَالَ رضي: أين أَهْل المصاع والدفاع [2] . فحمل كعب بْن جابر بْن عمرو الأزدي بالرمح (على برير) فطعنه فِي ظهره، فلما وجد برير مس الرمح عض أنف رضي فقطع طرفه، وشد عَلَيْهِ كعب فضربه بسيفه حَتَّى قتله. فلما رجع كعب بْن جابر قَالَت لَهُ أخته النوار بنت جابر: أعنت علي ابْن فاطمة وقتلت بريرا سيد القراء؟!! لقد أتيت (أمرا) عظيما، والله لا

_ [1] وقريبا منه رواه الطبراني ورواه عنه في باب مناقب الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9 ص 193، وفيه: (ابن جويرة أو جويزة» ؟ [2] أي أين المحامي عني والمقاتل دوني؟ والمصاع والدفاع مصدرا باب مفاعلة من «دافعه وماصعه» : حامى عنه ودفع عنه الأذى. وقاتل وجالد قرنه.

أكلمك أبدًا [1] . وخرج عَمْرو بْن قرظة بْن كعب الأنصاري يقاتل دون الْحُسَيْن وَهُوَ يقول: قد علمت كتيبة الأنصاري ... إني سأحمي حوزة الدمار أضرب غير نكس (و) شار وقاتل حَتَّى قتل. وَكَانَ الزُّبَيْر بْن قرظة بْن كعب أخوه مَعَ عمر بْن سَعْدٍ، فنادى: يَا حسين يَا كذاب يَا ابْن الكذاب!!! أضللت أخي وغررته حَتَّى قتلته. فَقَالَ حسين: [إن اللَّه لم يضل أخاك ولكنه هداه وأضلك.] فَقَالَ: قتلني اللَّه إن لم أقتلك!!! وحمل على الحسين فاعترضه نافع بْن هلال المرادي فطعنه فصرعه فاستنقذ وبرأ بعد. وقال بعضهم: اسم ابْن قرظة الَّذِي كَانَ مَعَ عمر بْن سعد علي. والأول قول الْكَلْبِيّ. وقتل الحر بْن يزيد رجلين بارزاه، أحدهما من شقرة من بَنِي تَمِيمٍ يقال لَهُ: يزيد بْن سُفْيَان، والآخر من بني زبيد، ثُمَّ من بني قطيعة (وكان) يقال لَهُ: مزاحم بْن حريث. فَقَالَ عَمْرو بْن الحجاج- حين رأى ذَلِكَ-: يَا حمقى أتدرون من تقاتلون؟ إنما تقاتلون نقاوة فرسان أهل المصر، وقوما معتقين مستقتلين مستميتين!!! فلا يبرزن لهم منكم أحد فإنهم [2] قليل وقل مَا يبقون، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (والله لا أطمك أبدا) . [2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «بأنهم» .

فقال عمر: صدقت هذا (هو) الرأي، ونادى ألا لا يبارزن رجل منكم رجلا من أصحاب الْحُسَيْن. ثُمَّ إن عَمْرو بْن الحجاج حمل عَلَى الْحُسَيْن من نحو ميمنة عمر بْن سعد مما يلي الفرات، واضطربوا ساعة فصرع مسلم بْن عوسجة الأسدي أول أصحاب الْحُسَيْن، فلم يلبث أن مات، فصاحت جارية له: يا ابن عوسجتاه يا سيداه/ 490/ أو 245 ب/. وَكَانَ الَّذِي قتله مسلم بْن عَبْدِ اللَّهِ الضبابي وعبد الرحمان بْن خشكارة البجلي. وسر أصحاب عَمْرو بْن الحجاج بقتل مسلم، فَقَالَ لهم شَبَث بْن رَبْعِيّ: ويحكم أتفرحون بقتل مسلم؟ والله لقد رأيته يوم سلق أذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تتام خيول المسلمين، أفيقتل منكم مثله وتفرحون؟!! 35- وَحَدَّثَنَا عمر بن شبّة، حدثنا أَبُو أَحْمَد الزبيري حَدَّثَنِي عمي الفضيل بْن الزبير، عن عَن أَبِي عمر البزار: عَن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن الحسن بْن علي قَالَ: كنا مَعَ الْحُسَيْن بنهري كربلاء فجاءنا رجل فَقَالَ: أين حسين؟ قال: [ها أنا ذا. قَالَ: أبشر بالنار تردها الساعة!!! قَالَ: بل أبشر برب رحيم وشفيع مطاع، فمن أنت؟ قَالَ: مُحَمَّد بْن الأشعث. ثُمَّ جاء رجل آخر فقال: أين الحسين؟ قال: ها أنا ذا. قَالَ: أبشر بالنار تردها الساعة!!! قَالَ: بل أبشر برب رحيم وشفيع مطاع فمن أنت؟ قَالَ: شمر بْن ذي الجوشن. فَقَالَ الْحُسَيْن: اللَّه أكبر قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني رأيت كان كلبا أبقع يلغ فِي دماء أَهْل بيتي] . قَالَ: ثُمَّ قتل الْحُسَيْن فحمل رأسه إِلَى يزيد وحملنا (إليه) فأقعدني يزيد

فِي حجره وأقعد ابنا لَهُ فِي حجره ثُمَّ قَالَ لي: أتصارعه؟ فقلت: اعطني سكينا وأعطه سكينا ودعني وإياه. فقال: ما تدعوا عداوتنا صغارًا وكبارًا. وحمل شمر فِي الميسرة فثبتوا لَهُ وطاعنوه، ونادى أصحابه فحمل عَلَى الحسين وأصحابه من كُلّ جانب وقتل عَبْد اللَّهِ بْن عمير الْكَلْبِيّ فجعلت امرأته تبكي عند رأسه فأمر شمر غلاما لَهُ يقال (لَهُ) رستم فضرب رأسها بعمود حَتَّى شدخه فماتت مكانها. 36- قَالُوا: وركب الحسين دابة ووضع المصحف فِي حجره بين يديه، فما زادهم ذَلِكَ إِلا إقداما عَلَيْهِ. ودعا عمر بْن سعد الحصين بْن تميم، فبعث مَعَهُ المجففة وخمس مائة من المرامية، فرشقوا الْحُسَيْن وأصحابه بالنبل حتى عقروا (عامة) خيولهم فصاروا رجالة كلهم. واقتتلوا نصف النهار أشد قتال وأبرحه، وجعلوا لا يقدرون عَلَى إتيانهم إِلا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقاربها، ولمكان النار الَّتِي أوقدوها خلفهم. وأمر عمر بتخريق أبنيتهم وبيوتهم فأخذوا يخرقونها برماحهم وسيوفهم. وحمل شمر في المسيرة حَتَّى طعن فسطاط الْحُسَيْن برمحه ونادى علي بالنار حَتَّى أحرق هَذَا البيت عَلَى أهله!! فصحن النساء وولولن وخرجن من الفسطاط، [فَقَالَ الْحُسَيْن: ويحك أتدعو بالنار لتحرق بيتي عَلَى أهلي؟!!] وقال شبث بن ربعي (لشمر) : يَا سبحان اللَّه مَا رأيت موقفا أسوأ من موقفك وَلا قولا أقبح من قولك. فاستحيا شمر منه، وحمل عَلَيْهِ زهير بْن القين في عشرة فكشفه وأصحابه عَن البيوت. وشد الحصين بْن تميم على حبيب بْن مظهر، فشد حبيب عَلَى الحصين فضرب

وجه فرسه بالسيف فشب (الفرس) [1] ووقع (حصين) عَنْهُ فاستنقذه أصحابه، وجعل حبيب يقول: أنا حبيب وأبي مظهر ... فارس هيجاء وحرب تسعر وأنتم منا لعمري أكثر ... ونحن أوفى منكم وأصبر ونحن أعلا حجة وأظهر ... حقا وأبقي منكم وأعذر فقاتل قتالا شديدًا، وحمل عَلَى رجل من بَنِي تميم يقال له: بديل ابن صريم فضربه بالسيف عَلَى رأسه فقتله. وحمل عَلَيْهِ رجل من بَنِي تَمِيمٍ آخر فطعنه فوقع ثُمَّ ذهب ليقوم، فضربه الحصين بْن تميم بالسيف عَلَى رأسه فسقط، ونزل إِلَيْهِ التَّمِيمِيّ فاحتز رأسه وأخذه الحصين فعلقه فِي عنق فرسه ساعة ثُمَّ دفعه إِلَى التَّمِيمِيّ ليتقرب به إلى ابن زياد، فأتى (التميمي) بِهِ الْكُوفَة، فرآه القاسم بْن حبيب بْن مظهر فسأله/ 491/ أو 246/ أ/ أن يدفع إليه رأس أبيه ليدفنه فأبى (أن يدفع إليه) فحقد ذلك عليه حتى قتله في أيام مصعب بْن الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قائل نصف النهار، ضربه بسيفه حَتَّى برد. وقاتل الحر بْن يزيد وَهُوَ يقول: أضرب فِي أعراضهم بالسيف ... عَن خير من حل مني والخيف فقاتل هُوَ وزهير بْن القين قتالا شديدًا، وشدت رجاله عَلَى الحر فقتل. وحضرت الصلاة فصلى الْحُسَيْن بأصحابه صلاة الخوف، فلما فرغوا شد عليهم العدو، فاقتتلوا بعد الظهر قتالا شديدا، ووصل (العدو) إلى الحسين

_ [1] يقال: شب الفرس من باب مد وفر- شبيبا وشبابا وشبوبا» : رفع يديه. وقف مكانه ولم يفارقه..

فاستهدف دونه سعيد بْن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي فما زال يرمي حَتَّى سقط. ويقال إنه استهدف دونه رجل من بني حنيفة غير سعيد بْن عَبْدِ اللَّهِ. وقاتل زهير بْن القين وَهُوَ يقول: أنا زهير وأنا ابْن القين ... أذودهم بالسيف عَن حسين وجعل يقول (للحسين عليه السلام) : أقدم هديت هاديا مهديا ... فاليوم تلقى جدك النبيا وحسنا والمرتضى عَلِيًّا فشد عَلَيْهِ مهاجر بْن أوس التَّمِيمِيّ وكثير بْن عَبْدِ اللَّهِ الشَّعْبِيّ فقتلاه. وقاتل حوي مولى أَبِي ذر بين يدي الْحُسَيْن وَهُوَ يقول: كيف ترى الفجار ضرب الأسود ... بالسيف صلتا عَن بني مُحَمَّد أذب عنهم باللسان واليد ... أرجو بِهِ الجنة يوم المورد فلم يزل يكد [1] حَتَّى قتل. وقاتل بشير بْن عَمْرو الْحَضْرَمِيّ وهو يقول: اليوم يا نفس ألاقي للرحمن ... واليوم تجزين بكل إحسان لا تجزعي فكل شيء (قد) فان ... والصبر أحظى لك عند الديان وجعل عبد الرحمان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الكدن يقول: إني لمن ينكرني ابْن الكدن ... إني عَلَى دين حسين وحسن وقاتل حتى قتل.

_ [1] أي يبذل كده وجهده ويسعى ويجتهد في القتال.

وَكَانَ نافع بْن هلال قد سوم نبله- أي أعلمها- فكان يرمي بِهَا ويقول: أرمي بِهَا معلما أفواقها ... والنفس لا ينفعها إشفاقها فقتل اثنى عشر رجلا من أصحاب عمر بْن سَعْدٍ. ثُمَّ كسرت عضده وأخذ أسيرًا فضرب شمر عنقه. 37- قَالُوا: فلما رأي بقية أصحاب الْحُسَيْن أنهم لا يقدرون عَلَى أن يمتنعوا ولا (على أن) يمنعوا حسينا تنافسوا في أن يقتلوا، فجعلوا يقاتلون بين يديه حَتَّى يقتلوا. وجاء عابس بْن أَبِي شبيب فَقَالَ: يا (أ) با عَبْد اللَّهِ والله مَا أقدر عَلَى أن أدفع عنك القتل والضيم بِشَيْءٍ أعز علي من نفسي فعليك السلام! وقاتل بسيفه فتحاماه النَّاس لشجاعته، ثُمَّ عطفوا عَلَيْهِ من كُلّ جانب فقتلوه [1] . ولما رأى الضحاك بْن عَبْدِ اللَّهِ المشرقي من همدان أنه قد خلص إِلَى الْحُسَيْن وأهل بيته وقتل اصحابه، قال له (يا أبا عبد الله) كنت رافقتك عَلَى أن أقاتل معك مَا وجدت مقاتلا، فأذن لي فِي الانصراف فإني لا أقدر عَلَى الدفع عنك وَلا عَن نفسي!!! فأذن له (الحسين فانصرف) !!! فعرض لَهُ قوم من أصحاب عمر بْن سعد من اليمامة (كذا) ثم خلوا سبيله فمضى. وبرك أبو الشعشاء يزيد بْن زياد بْن المهاصر بْن النعمان الكندي بين يدي الْحُسَيْن فرمى ثمانية أسهم أصاب مِنْهَا بخمسة قتلت خمسة نفر وَقَالَ: أنا يزيد وأبي المهاصر ... أشجع من ليث بغيل خادر يَا رب إني للحسين ناصر/ 492/ وَلابْن سعد رافض مهاجر

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فقتل» .

وكان أبو الشعشاء مَعَ من خرج مَعَ عمر بْن سَعْدٍ، ثم مال إلى الحسين حين ردوا (عليه) ما سأل ولم ينفذوه، فقاتل حَتَّى قتل. وقتل مَعَ الْحُسَيْن زياد بْن عَمْرو بْن عريب الصائدي من همدان، وكان يكنى أبا ثمامة. وقاتل مَعَ الْحُسَيْن جياد بن الحرث السلماني من مراد فقتل. وقتل (أيضا) معه سوار بن أبي خمير أحد بني فهم الجابري من همدان أصابته جراحة فمات منها. (وأيضا قتل مع الحسين عليه السلام) سيف بن الحرث بْن سريع الْهَمْدَانِيّ ومالك بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن سريع وَهُوَ ابْن عمه وأخوه لأمه. وقاتل بدر بْن المغفل بْن جعونة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حطيط بْن عتبة بْن الكداع الْجُعْفِيّ [1] وجعل يقول: أنا ابْن جعفي وأبي الكداع ... وفي يميني مرهف فزاع [2] ومازن ثعلبة لماع

_ [1] قال في مادة: «كدع» من القاموس: الكداع ككتاب- جد لمعشر بن مالك بن عوف الذي قتل مع الحسين (عليه السلام) . وقال في تاج العروس: والذي قاله الليث أن الكداع لقب لمعشر المذكور لا جد له. والذي قتل مع الحسين بن علي بالطف من كربلا إنما هو من ولده (وهو) بدر بن المعقل (كذا) بْن جعونة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حطيط بن عتبة بن الكداع، كما في العباب وهو القائل يوم الطف. أنا ابن جعف (كذا) وأبي الكداع ... وفي يميني مرهف قراع وزاد ابن الكلبي في جمهرة (ظ) نسب جعفي: «ومارن ثعلبة لماع» . [2] وفي يميني مرهف قطاع «خ» . أقول: وهذا كان في المتن بدلا عن قوله: «وفي يميني مرهف فزاع» وإنما أثبتناه في الهامش، لأنه أوفق بالأسلوب الحديث.

فقتل (رحمه الله) . وقتل (أيضا) مَعَ الْحُسَيْن الحجاج بْن مسروق بْن مالك بن كثيف بن عتبة بن الكداع الجعفي. أيضا وقتل (مع الحسين عليه السلام) مجمع بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مجمع، من عائذ الله بن سعد العشيرة. وقتل (أيضا) مَعَهُ عَبْد الأعلى بْن زيد بْن الشجاع الكلبي. وقتل معه (أيضا) عبد الله وعبد الرحمان ابنا عزرة الغفاري.

(مقتل آل أبي طالب وأهل بيت النبي صلى الله عليه وعليهم أجمعين)

(مقتل آل أبي طالب وأهل بيت النبي صلى الله عليه وعليهم أجمعين) 38- قَالُوا: وَكَانَ أول قتيل من آل أَبِي طالب علي الأكبر ابن الْحُسَيْن بْن علي قتله مرة بْن منقذ بْن الشجاع العبدي. ورمى عَمْرو بْن صبيح الصيداوي عَبْد اللَّهِ بْن مسلم بْن عقيل واعتوره النَّاس فقتلوه. ويقال: إن رقاد الجنبي [1] كَانَ يَقُول: رميت فتى من آل الْحُسَيْن ويده عَلَى جبهته فأثبتها فِيهَا وجعلت أنضنض سهمي حَتَّى نزعته من جبهته وبقي النصل فِيهَا!!! وحمل عَبْد اللَّهِ بْن قطبة الطائي عَلَى عون بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طالب فقتله. وشد نشر بن شوط العثماني (كذا) وعثمان بن خالد الجهني على عبد الرحمان بْن عقيل فقتلاه. وحمل عامر بْن نهشل من بني تيم اللَّه بْن ثعلبة عَلَى مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طالب فقتله. ورمى عَبْد اللَّهِ بْن عروة الخثعمي جعفر بن عقيل بسهم ففلق قلبه.

_ [1] وهاهنا في الأصل هامش هكذا: «زياد بن «خ» . والظاهر ان الأصل كان هكذا: «ويقال: إن زياد بن رقاد الجنبي كان يقول» «خ» ... ولكن العلامة التي وضعها الكاتب غير واضحة.

وقتل عمرو بن سعيد (كذا) بْن نفيل الأزدي القاسم بْن الحسن فصاح يا عماه. فوثب الْحُسَيْن وثبة ليث فضرب عمرا فأطن يده، وجاءه أصحابه ليستنقذوه، فسقط بين حوافر الخيل فتوطأته حَتَّى مات. ورمى عَبْد اللَّهِ بْن عقبة الغنوي أبا بكر ابن الحسن بْن علي بسهم فقتله ففي ذَلِكَ يقول ابْن أَبِي عَقَب: وعند غني قطرة من دمائنا ... وَفِي أسد أخرى تعد وتذكر 39- وَقَالَ بعضهم: قتل حرملة بْن كاهل الأسدي ثم الوالبي العباس ابن عَلِيّ بْن أَبِي طالب مَعَ جماعة وتعاوروه [1] وسلب ثيابه حكيم بْن طفيل الطائي. ورمى الْحُسَيْن بسهم فتعلق بسرباله. ورمى حرملة بْن كاهل الوالبي عَبْد اللَّهِ بْن حسين بسهم فذبحه. وشد هانئ بْن ثبيت الْحَضْرَمِيّ عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن علي فقتله وجاء برأسه. وقتل عُثْمَان بْن علي أَيْضًا، رماه خولى بْن يزيد بسهم ثُمَّ شد عَلَيْهِ رجل من بني أبان بْن دارم فقتله. 40- قَالُوا: واشتد عطش الْحُسَيْن بْن علي- عَلَيْهِمَا السلام- فدنا ليشرب من الماء، فرماه حصين بْن تميم بسهم فوقع فِي فمه فجعل يتلقى الدم من فمه ويرمي بِهِ [ثُمَّ جعل يقول: اللَّهُمَّ أحصهم عددًا واقتلهم بددا، وَلا تذر عَلَى الأرض منهم أحدًا] . 41- ويقال: إنه لما فض عسكره مضى يريد الفرات، فرماه رجل من بني أبان بْن دارم فأصاب [حنكه فَقَالَ: اللَّهُمَّ إني أشكو إِلَيْك مَا يفعل بي] . 42- قالوا/ 493/ 247/ أ/: ثُمَّ إن شمر بْن ذي الجوشن أقبل في عشرة أو

_ [1] يقال تعاور القوم الشيء واعتوروه وتعاوروه: تعاطوه وتداولوه.

نحوهم من رجال أَهْل الْكُوفَةِ قبل منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله، فمشى (الحسين) نحوهم فحالوا بينه وبين رحله، فَقَالَ لهم: [ويحكم إن لم يكن (لكم) دين فكونوا فِي أمر دنياكم أحرارًا، امنعوا أهلي من طغامكم وسفهائكم!!!] فَقَالَ لَهُ شمر: ذاك لك يَا ابْن فاطمة، وأقدم عَلَيْهِ بالرجالة [1] منهم أبو الجنوب عبد الرحمان بن زياد بن زهير الجعفي وحولي بن يزيد الأصبحي والقشعم بْن عَمْرو بْن نذير الْجُعْفِيّ- وَكَانَ فيمن اعتزل عَلِيًّا- وصالح بْن وهب اليزني وسنان بْن أنس النخعي فجعل شمر يحرضهم عَلَيْهِ، فَقَالَ لأبي الجنوب: أقدم عَلَى حسين. فَقَالَ له: وما يمنعك أنت من ذلك؟ قال: ألي تقول هذا؟ فقال (له) أَبُو الجنوب: هممت أن أخضخض سناني فِي عينك. وانصرف عَنْهُ شمر، وَكَانَ أَبُو الجنوب شجاعا مقداما. ثُمَّ إن شمرًا أقبل فِي خمسين من الرجالة، فأخذ الْحُسَيْن يشد عليهم فينكشفون عَنْهُ حَتَّى إذا أحاطوا به فضاربهم حتى كشفهم عن نفسه. وشد بحر (كذا) بْن كعب بْن عبيد اللَّه عَلَى الْحُسَيْن، فلما أهوى إِلَيْهِ بالسيف غدا غلام ممن (كان) مَعَ الْحُسَيْن إِلَى الْحُسَيْن فضمه الْحُسَيْن إِلَيْهِ فقال الغلام (لبحر بن كعب) : يا ابن الخبيثة أتقتل عمي؟ فضربه (اللعين) بالسيف فاتقاه الغلام بيده فعلقها بجلدة مِنْهَا. ولما بقي الْحُسَيْن فِي ثلاثة نفر أَوْ أربعة دعا بسراويل محشوة فلبسها!!! فذكروا أن بحر بْن كعب التَّيْمِيّ سلبه إياها حين قتل. فكانت يداه فِي الشتاء تنضحان الماء وفي الصيف ييبسان فكأنهما عودان. وَكَانَ الْحُسَيْن يحمل عَلَى الرجالة عن يمينه وشماله حتى ابذعروا [2] وعليه قميص من خز أَوْ جبة وَهُوَ معتمّ.

_ [1] كذا. [2] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «انذعروا» : فزعوا.

فما رأى النَّاس أربط جأشا وَلا أمضى جنانا منه (كانوا) ينكشفون عَنْهُ انكشاف المعزى إذا شد فِيهَا الذئب!!! 43- قَالُوا: ومكث الْحُسَيْن طويلا كلما انتهى إِلَيْهِ رجل فأمكنه قتله انصرف عَنْهُ كراهة أن يتولى قتله. ثُمَّ إن رجلا يقال لَهُ مالك بْن النسير الكندي- وَكَانَ فاتكا لا يبالي عَلَى مَا أقدم- أتاه فضربه عَلَى رأسه بالسيف وعليه برنس فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه فأدماه حَتَّى امتلأ البرنس دما، فألقى (الحسين) البرنس ودعا بقلنسوة فلبسها و [قال للرجل: لا أكلت بِهَا وَلا شربت وحشرك اللَّه مَعَ الظالمين] . وأخذ الكندي البرنس فيقال: إنه لم يزل فقيرا وشلت يداه. وقالت زينب بنت علي لعمر بْن سعد: يَا عمر أيقتل أَبُو عَبْد اللَّهِ وأنت تنظر؟!! فبكى (عمر) وانصرف بوجهه عَنْهَا. ونادى شمر فِي النَّاس: ويلكم ما بالكم تحيدون عَن هَذَا الرَّجُل؟ ما تنتظرون؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم!!! فحملوا عَلَيْهِ من كُلّ جانب فضربه زرعة بْن شريك التَّيْمِيّ عَلَى كفه اليسرى وضرب علي عاتقه ثُمَّ انصرفوا عَنْهُ وَهُوَ ينوء ويكبوا. وحمل عَلَيْهِ- وَهُوَ فِي تلك الحال- سنان بْن أنس بْن عَمْرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع ثم قال (سنان) : لخولي بْن يزيد الأصبحي: احتز رأسه. فأراد (خولى) أن يفعل فضعف وأرعد، فَقَالَ لَهُ سنان: فت اللَّه فِي عضدك وأبان يدك!!! ونزل إِلَيْهِ فذبحه ثُمَّ دفع رأسه إِلَى خولي. وكان (الحسين عليه السلام) قد ضرب قبل ذلك بالسيوف، وطعن (بالرماح) فوجد بِهِ ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة.

44- ويقال: أن خولي بْن يزيد هُوَ الَّذِي تولى احتزاز رأسه بإذن سنان. وسلب الْحُسَيْن ما كان عَلَيْهِ!!! فأخذ قَيْس بْن الأشعث بْن قَيْس الكندي قطيفة له وكانت من خز- فسمي قيس قطيفة-. وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له الأسود/ 494/ أو 247 ب/ وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بْن دارم. ومال النَّاس عَلَى الورس والحلل والإبل فانتهبوها وأخذ الرحيل (ظ) ابن زهير الْجُعْفِيّ وجرير بْن مسعود الْحَضْرَمِيّ وأسيد بْن مالك الْحَضْرَمِيّ أكثر تلك الحلل والورس. وأخذ أبو الجنوب الجعفي جملا وكان يستقي عَلَيْهِ الماء وسماه حسينا!!! وَكَانَ سويد بْن عَمْرو بْن أَبِي المطاع قد صرع فانجن [1] فسمع قائلا يقول: قتل الْحُسَيْن. فنهض بسكين مَعَهُ فقاتل بِهِ!!! فقتله عزرة بْن بطان التغلبي وزيد بْن رقاد الجنبي فكان آخر قتيل. وجاذبوا النساء ملاحفهن عن ظهورهن!!! فمنع عمر بْن سعد من ذَلِكَ فأمسكوا. ونادى عمر بْن سعد فِي أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه!!! فانتدب عشرة منهم إِسْحَاق بْن حياة الْحَضْرَمِيّ- وَهُوَ الَّذِي سلب الْحُسَيْن قميصه فبرص- فداسوا الْحُسَيْن بخيولهم حَتَّى رضوا ظهره وصدره!!! وَكَانَ سنان بْن أنس شجاعا وكانت بِهِ لوثة. 45- وَقَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ: قَالَ لي أبي محمد بن السائب: أنا

_ [1] كذا في الأصل، ولعله بمعنى: اختلط بالقتلى وخفي عليهم أمره.

رأيته وَهُوَ يحدث فِي ثوبه، وَكَانَ هرب من المختار بن أبي عبيدة الثَّقَفِيّ إِلَى الجزيرة، ثُمَّ انصرف إِلَى الْكُوفَةِ. 46- قَالُوا: وأقبل سنان حَتَّى وقف عَلَى باب فسطاط عمر بْن سَعْدٍ ثُمَّ نادى بأعلى صوته: أوقر ركابي فضة وذهبا ... أنا قتلت الملك المحجبا قتلت خير النَّاس أما وأبا ... وخيرهم إذ ينسبون نسبا وخيرهم في قومهم مركبا فقال عمر بْن سعد: أشهد أنك مجنون مَا صححت قط، أدخلوه إلي، فلما دخل حذفه بالقضيب [1] ثُمَّ قَالَ: يَا أحمق أتتكلم بهذا؟ والله لو سمعك ابْن زياد لضرب عنقك. وَكَانَ مَعَ الْحُسَيْن عَلَيْهِ السلام عقبة بْن سمعان مولى الرباب بنت امرئ القيس الكلبية أم سكينة بنت الْحُسَيْن، فَقَالَ لَهُ عمر بن سعد: من أنت؟ قال: (أنا) مملوك فخلى سبيله. وَكَانَ المرقع بْن قمامة الأسدي [2] مع الحسين فجاء (هـ) قوم من بني أسد فأمنوه فخرج إِلَيْهِمْ!!! فلما قدم به عمر (بن سعد) إلى ابْن زياد أخبره خبره، فسيره إِلَى الزارة من البحرين. 47- قَالُوا: وَكَانَ جميع من قتل مع الحسين من أصحابه اثنتين وسبعين رجلا. ودفن أَهْل الغاضرية من بني أسد، جثه الحسين ودفنوا جثث أصحابه رحمهم الله بعد ما قتلوا بيوم.

_ [1] أي ضربة أو رماه به. والفعل من باب ضرب. [2] كذا.

وقتل من أصحاب عمر بْن سعد ثمانية وثمانون رجلا سوى من جرح منهم فصلى عمر عليهم ودفنهم. وبعث عمر برأس الْحُسَيْن من يومه مَعَ خولي بْن يزيد الأصبحي من حمير، وحميد بْن مسلم الأزدي إِلَى ابن زياد، فأقبلا به ليلا فوجدا باب القصر مغلقا، فأتي خولي بِهِ منزله فوضعه تحت أجانة فِي منزله، وَكَانَ فِي منزله امرأة يقال لَهَا النوار بنت مالك الْحَضْرَمِيّ فقالت لَهُ: مَا الخبر؟ قَالَ جئت بغني الدهر؟!! هَذَا رأس الْحُسَيْن معك فِي الدار!!! فقالت: ويلك جاء النَّاس بالفضة والذهب وجئت برأس ابْن بنت رَسُول اللَّهِ؟ والله لا يجمع رأسي ورأسك شَيْء ابدًا. وأقام عمر بْن سعد يومه والغد، ثُمَّ أمر حميد بْن بكير الأحمري فنادي فِي النَّاس بالرحيل إِلَى الْكُوفَةِ، وحمل مَعَهُ أخوات الْحُسَيْن وبناته ومن كان من الصبيان، وعلي بْن الْحُسَيْن الأصغر مريض. فلطمن النسوة وصحن حين مررن بالحسين، وجعلت زينب بنت علي تقول: يَا محمداه صلى عليك مليك السماء، هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء مقطع الأعضاء/ 495/ أو 248/ أ/ يَا محمداه وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عَلَيْهَا الصبا!!! فأبكت كُلّ عدو وولي. واحتزت رؤس القتلى فحمل إِلَى ابْن زياد اثنان وسبعون رأسا مع شمر ابن ذي الجوشن وقيس بْن الأشعث وعمرو بْن الحجاج الزبيدي وعزرة بن ابن القيس الأحمسي من بجيلة، فقدموا بالرءوس عَلَى ابْن زياد. 48- وَحَدَّثَنِي بعض الطالبيين أن ابْن زياد جعل فِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن جعلا فأتي به مربوطا، فقال له: (ما اسمك؟ قال: علي بن الحسين. قال:) ألم

يقتل اللَّه عَلِيّ بْن الْحُسَيْن؟! فَقَالَ: كَانَ أخي يقال لَهُ: عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وإنما قتله الناس. قال: بل قتله الله (فأمر اللعين بقتله) فصاحت زينب بنت علي يَا ابْن زياد حسبك من دمائنا فَإِن قتلته فاقتلني مَعَهُ!!! فتركه. 49- وروى حماد بن زيد، عن يحي بْنِ سعيد، قَالَ: مَا رأيت قرشيا أفضل من عَلِيّ بْن الْحُسَيْن. قَالَ: وَكَانَ يقول: [يا (أ) يها النَّاس احببتمونا [1] حب الإسلام فما برح حبكم حَتَّى صار علينا عارًا!!!] 50- وَقَالَ أَبُو مخنف. لما قتل الْحُسَيْن جيء برءوس من قتل مَعَهُ من أَهْل بيته وأصحابه إِلَى ابْن زياد، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قَيْس بْن الأشعث. وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم شمر بْن ذي الجوشن. وجاءت بنو تميم بسبعة عشر رأسا. وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا. وجاءت مذحج بسبعة أرؤس. وجاءت قَيْس بتسعة أرؤس. 51- قَالُوا: وجعل ابْن زياد ينكت بين ثنتي الْحُسَيْن بالقضيب فَقَالَ لَهُ زيد بْن أرقم: اعل بهذا القضيب غير هاتين الشفتين فو الله لقد رأيت شفتي رسول الله عليهما يقبلهما. ثم جعل الشيخ يبكي فقال له (ابن زياد) : أبكى الله عينيك فو الله لولا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك!! فنهض (زيد) وَهُوَ يقول للناس: أنتم العبيد بعد اليوم!!! يَا معشر العرب قتلتم ابْن فاطمة وأمرتم

_ [1] الظاهر ان هذا هو الصواب، وفي النسخة ذكرها باليائين المثناتين من تحت. ثم الحديث كأنه وقع فيه الحذف فليحقق. وبالسند المتقدم في تعليق الحديث 15 ص 157- عن ابن الجوزي قال: قال ابن أبي الدنيا: وأخبرني احمد بن عباد الحميري عن هشام بن محمد، عن شيخ من الأزد قال: لما (أ) دخل برأس الحسين وصبيانه وأخواته ونسائه على ابن زياد لبست زينب ابنة علي أرادأ ثيابها وتنكرت وحف بها النساء، فقال ابن زياد: من هذه؟ فلم تكلم. فقال ذلك ثلاثا كل ذلك لا تكلمه! فقال بعض نسائها: هذه زينب ابنة عَلِيّ بْن أَبِي طالب- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم!!! فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وطهرنا تطهيرا، لا ما تقول (و) إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر!!! قال: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قالت: كتب الله عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاكمون عنده. وأيضا بالسند المتقدم قال ابن الجوزي: قال ابن أبي الدنيا: وحدثني عبد الرحمان بن صالح العتكي قال: حدثنا مهدي بن ميمون، عن حرام بن عثمان الأنصاري عن سعيد بن ثابت بن مرداس عن أبيه: عن سعيد بن معاذ، وعمرو بن سهل انهما حضرا عبيد الله بن زياد (حين كان) يضرب بقضيبه (في) أنف الحسين وعينيه، ويطعن به في فمه، فقال زيد بن أرقم: أرقع قضيبك إني (طالما) رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا شفتيه على موضع قضيبك. فقال له: إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك!!! فقال زيد: أحدثك حديثا هو أغلظ عليك من هذا: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعد حسنا على فخذه اليمني وحسينا على فخذه اليسري ثم وضع يده على يافوخ كل واحد منهما ثم قال: اللهم استودعك إياهما وصالح المؤمنين. فكيف كانت وديعتك رسول الله (كذا) صلى الله عليه وسلم؟!! وقريبا منه رواه الطبراني ورواه عنه في باب مناقب الإمام الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9 ص 194 و 195. وقال الخطيب البغدادي في عنوان: «عبد الله بن أبي سلمة» من كتاب المتفق والمفترق: ج 10/ الورق 10: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن سلمة بن عبد الله بن أبي سلمة عن أبيه: عن أم سلمة قالت: دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا يوم توفي فحنا عليهم ثم قال: اللهم إني أستودعكهم وصالح المؤمنين. وهذا رواه أيضا بسند آخر في الحديث: (167) من ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق.

ابْن مرجانة؟!! فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فبعدا لمن رضي بالعار والذل!!! ولما أدخل أَهْل الْحُسَيْن عَلَى ابْن زياد، نظر إِلَى علي بن الحسين فقال: انظروا (أ) أنبت. قيل: نعم. قَالَ أضربوا عنقه. [فَقَالَ (علي بن الحسين) : إن كانت بينك وبين هَؤُلاءِ النسوة قرابة فابعث معهن رجلا يحافظ عليهن؟] فَقَالَ: أنت الرَّجُل!!! فبعث بِهِ معهن.

52- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْن العوام، عَن أَبِي حصين قَالَ: لما قتل الْحُسَيْن مكثوا شهرين أَوْ ثلاثة وكأنما يلطّخ الحيطان بالدم، من حين صلاة الغداة إِلَى طلوع الشمس [1] . 53- وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة، عَن موسى بْن إِسْمَاعِيل، عن حماد ابن سلمة، عَن سالم القاص قَالَ: مطرنا أيام قتل الْحُسَيْن دما. 54- حَدَّثَنِي عمر بْن شبه، عَن عفان، عَن حماد، عَن هِشَام، عَن مُحَمَّد بْن سيرين قَالَ: لم تر هَذِهِ الحمرة فِي آفاق السماء حَتَّى قتل الْحُسَيْن. 55- حَدَّثَنَا عَمْرو، عَن ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ (قَالَ) : أن السماء أظلمت يوم قتل الْحُسَيْن حَتَّى رأوا الكواكب.

_ [1] وقريبا منه- ومما بعده- رواه الطبراني ورواه عنه في باب مناقب الإمام الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9 ص 197. أنساب الأشراف (م 14)

56- قالوا: وخطب ابن زياد فقال: الحمد لله الَّذِي قتل الكذاب ابْن الكذاب الْحُسَيْن وشيعته. فوثب عَبْد اللَّهِ بْن عفيف الأزدي ثُمَّ الغامدي وَكَانَ شيعيا وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل واليمنى يوم صفين، وَكَانَ لا يفارق المسجد الأعظم، فلما سمع مقالة ابْن زياد قَالَ لَهُ: يَا ابْن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه!!! يَا ابْن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين؟! فَقَالَ ابْن زياد: علي بن فنادي بشعار الأزد: مبرور يَا مبرور. وحاضروا الكوفة من الأزد يومئذ سبعمائة فوثبوا/ 496/ أو 248 ب/ فتخلصوه حَتَّى أتوا بِهِ أهله، فَقَالَ ابْن زياد للأشراف: أما رأيتم مَا صنع هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: بلى. قَالَ: فسيروا أنتم يا أهل اليمن حتى تأتوني بصاحبكم- وامتثل صنيع أَبِيهِ فِي حجر حين بعث (إليه) أَهْل اليمن-. وأشار عَلَيْهِ عَمْرو بْن الحجاج بأن يجلس (كذا) كُلّ من كَانَ فِي المسجد من الأزد. فحبسوا وفيهم عبد الرحمان بن مخنف وغيره، فاقتتلت الأزد وأهل اليمن قتالا شديدًا، واستبطأ (ابْن) زياد أَهْل اليمن، فَقَالَ لرسول بعثه إِلَيْهِمْ: انظر ما بينهم؟ (فأتاهم) فرأى أشد قتال فَقَالُوا: قل للأمير إنك لم تبعثنا إِلَى نبط الجزيرة وَلا جرامقة الموصل، إنما بعثتنا إِلَى الأزد إِلَى أسود الأجم ليسوا ببيضة تحسى وَلا حرملة توطأ. فقتل من الأزد عبيد اللَّه بْن حوزة الوالبي ومحمد بْن حبيب البكري [1] وكثرت القتلى بينهم وقويت اليمانية عَلَى الأزد، وصاروا إلى خص في ظهر دار ابن عفيف فكسروه واقتحموا (عليه داره) فناولته ابنته سيفه فجعل يذب به (عن نفسه) وشدوا عليه من كل جانب (حتّى أخذوه) فانطلقوا بِهِ إِلَى ابْن زياد وَهُوَ يقول:

_ [1] هذا هو الظاهر وفي النسخة: الكبرى.

أقسم لو يفسح لي من بصري ... شق عليكم موردي وصدري وخرج سُفْيَان بْن يزيد بْن المغفل ليدفع عَن ابْن عفيف فأخذوه معه، فقتل ابن عفيف وصلب بالسبخة. وأتي بجندب بْن عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ ابْن زياد: والله لأتقربن إِلَى اللَّه بدمك!!! فَقَالَ: إنما تتباعد من الله بدمي؟!! وقال (ابن زياد) لابن المغفل: قد تركناك لابن عمك سُفْيَان بْن عوف فإنه خير منك. وجعل عمر بْن سَعْدٍ يقول: مَا رجع أحد إِلَى أهله بشر مما رجعت بِهِ!!! أطعت الفاجر الظالم ابْن زياد، وعصيت الحكم العدل، وقطعت القرابة الشريفة! 57- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْن شَبَّةَ، عَن أَبِي عَاصِمٍ، عَن قرة بْن خالد، عَن أبي رجاء (العطاردي) قَالَ: قَالَ جار لي حين قتل الْحُسَيْن: ألم تر كيف فعل اللَّه بالفاسق ابْن الفاسق؟!! فرماه الله بكوكبين في عينيه [1] .

_ [1] ورواه أيضا في الحديث: (96) من باب فضائل علي عليه السلام من كتاب الفضائل- تأليف أحمد بن حنبل- قال: عبد الله: حدثني أبي (قال) حدثنا عبد الملك بن عمرو، قال: حدثنا قرة قال: سمعت أبا رجاء يقول: لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت، إن جارا لنا من بلهجيم قدم من الكوفة فقال: ألم تروا إلى هذا الفاسق ابن الفاسق!!! إن الله قتله- يعني الحسين عليه السلام- قال: فرماه الله بكوكبين في عينيه فطمس الله بصره. ورواه أيضا الطبراني في الحديث: (64) من ترجمة الامام الحسين من المعجم الكبير: ج 1/ الورق 237 ب/ قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا بكر بن خلف، حدثنا أبو عاصم. وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا ابراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو عامر العقدي- كلاهما- عن قرة بن خالد قال: سمعت أبو رجاء العطاردي يقول: لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت، فإن جارا لنا من بلهجيم قال: ألم تروا إلى هذا الفاسق الحسين بن علي قتله الله؟!! فرماه الله بكوكبين فطمس الله بصره. ورواه أيضا في الحديث: (309- 310) من ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق بسندين. ورواه أيضا الطبراني ورواه عنه في باب مناقب الحسين من مجمع الزوائد: ج 9 ص 196، قال: ورجاله رجال الصحيح. ورواه أيضا الشيخ المفيد رحمه الله- لكن في قضية اخرى- قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن عمران، حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عيسى حدثنا أبو عبد الرحمان عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي حدثنا عبد الملك بن عمرو، قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت فان جارا لنا من بلهجيم قدم الكوفة بعد قتل هشام بن عبد الملك زيد بن علي عليهما السلام ورآه مصلوبا فقال: ألا ترون إلى هذا الفاسق!!! فرماه الله بقرحتين في عينيه فطمس الله بهما بصره. هكذا رواه عنه في الحديث: (46) من الجزء الثاني من أمالي الطوسي ص 55.

58- قَالُوا ونصب ابْن زياد رأس الْحُسَيْن بالْكُوفَة!!! وجعل يدار بِهِ فِيهَا!!! ثُمَّ دعا زحر بْن قَيْس الْجُعْفِيّ فسرح مَعَهُ برأس الْحُسَيْن ورؤس أصحابه وأهل بيته إِلَى يزيد بْن مُعَاوِيَة، وَكَانَ مَعَ زحر أَبُو بردة بْن عوف الأزدي وطارق بْن أَبِي ظبيان الأزدي. فلما قدموا عَلَيْهِ قَالَ: لقد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين!!! لعن الله بني سمية (كذا) أما والله لو كنت أنا صاحبه لعفوت عَنْهُ!!! رحم اللَّه الْحُسَيْن فقد قتله رجل قطع الرحم بينه وبينه قطعا. ولم يصل زحر بْن قَيْس بِشَيْءٍ. 59- العمري عَن الْهَيْثَم، عن عبد الملك بن عمر (عمير «خ» ) انه قال: رأيت في هذا القصر (يعني قصر الكوفة) عجبا: رأيت رأس الْحُسَيْن عَلَى ترس موضوعا بين يدي ابْن زياد، ثُمَّ رأيت رأس ابن زياد بين يدي

المختار، ثُمَّ (رأيت) رأس المختار بين يدي مصعب، ثُمَّ رأس مصعب بين يدي عَبْد الملك بْن مروان [1] . 60- وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي عَن عوانة: لما وضع رأس الْحُسَيْن بين يدي يزيد تمثل ببيت الحصين بن الحمام المري: يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

_ [1] وها هنا كان في النسخة تصحيفا، وصححناه على الحديث الآتي تحت الرقم: (80) ص 223 وعلى غيره، والقصة مشهورة واضحة. وروى ابن عساكر في ترجمة خالد بن غفران، من تاريخ دمشق ج 15، ص 98 قال: أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن أحمد البيهقي في كتابه- وحدثنا أبو الحسن على بن سليمان ابن أحمد عنه- قال: أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الحسين علي بن محمد الأديب يذكر بإسناد له: أن رأس الحسين بن علي لما صلب بالشام أخفى خالد ابن غفران- وهو من أفاضل التابعين- شخصه عن أصحابه، فطلبوه شهرا حتى وجدوه، فسألوه عن عزلته فقال: أما ترون ما نزل بنا؟ ثم أنشأ يقول. (و) أخبرنا (هـ) أبو عبد الله الفراوي أخبرنا أبو عثمان الصابوني قال: أنشدني الحاكم أبو عبد الله الحافظ في مجلس الأستاذ أبي منصور الحشادي على حجرته (كذا) في قتل الحسين: جاؤا برأسك يا ابن بنت محمد ... متزملا بدمائه تزميلا وكأنما بك يا ابن بنت محمد ... قتلوا جهارا عامدين رسولا قتلوك عطشانا ولم يترقبوا ... في قتلك التنزيل والتأويلا ويكبرون بأن قتلت وإنما ... قتلوا بك التكبير والتهليلا أقول ورواه أيضا في الحديث (3) من الفصل (13) من مقتل الخوارزمي ج 2 ص 125، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي أخبرني شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد البيهقي أخبرني شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي أخبرني أبو عبد الله الحافظ (قال) : سمعت أبا الحسن (كذا) علي بن محمد الأديب يذكر بإسناد له ...

61- حدثني عمرو الناقد، وعمرو بن شبّة، قالا: حدثنا أَبُو أَحْمَد الزبيري عَن عمه فضيل بْن الزُّبَيْرِ، عَن أَبِي عمر البزار عَن مُحَمَّد بن عمرو ابن الحسن قَالَ: لما وضع رأس الْحُسَيْن بْن علي بين يدي يزيد قَالَ متمثلا: يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما 62- قَالُوا: وأمر عبيد اللَّه بْن زياد بعلي بْن الْحُسَيْن فغل بغل إِلَى عنقه، وجهز نساءه وصبيانه/ 497/ أو 249/ أ/ ثُمَّ سرح بهم مَعَ محفز بْن ثعلبة، من عائذة قريش، وشمر ابن ذي الجوشن. وقوم يقولون: بعث مَعَ محفز برأس الْحُسَيْن أَيْضًا. فلما وقفوا بباب يزيد رفع محفز صوته فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا محفز بْن ثعلبة أتاك باللئام الفجرة!!! فَقَالَ يزيد: مَا تحفزت عَنْهُ أم محفز ألأم وأفجر. وبعث يزيد برأس الْحُسَيْن إِلَى نسائه فأخذته عاتكة ابنته- وهي أم يزيد ابن عَبْدِ الملك- فغسلته ودهنته وطيبته فَقَالَ لَهَا يزيد: مَا هَذَا؟ قَالَت: بعثت إلي برأس ابن عمي شعثا فلممته وطيبته (كذا) . ودفن رأس الْحُسَيْن فِي حائط بدمشق، إما حائط القصر، وإما غيره. وَقَالَ قوم: دفن فِي القصر حفر لَهُ وأعمق. 63- قَالُوا: وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحسين [1] حين وضع

_ [1] هذا هو الصواب، وذكره وما بعده في النسخة بالثاء المثلثة. يقال: «نكت الأرض- من باب نصر- بالقضيب نكتا» : ضربها به فأثر فيها. وقال ابن الجوزي- في كتاب الرد على المتعصب العنيد-: أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أنبأنا الحسين بن علي الطناجيري قال: حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن سالم، قال: حدثنا علي بن سهل، قال: حدثنا خالد بن خداس، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن جميل بن مرة: عن أبي الوضيء قال: نحرت الإبل التي حمل عليها رأس الحسين عليه السلام وأصحابه فلم يستطيعوا أكلها كانت لحومها أمر من الصبر. فلما وصلت الرؤس إلى يزيد، جلس ودعا أشراف الشام حوله ثم وضع الرأس بين يديه وجعل ينكت بالقضيب على فيه ويقول: يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما (و) أخبرنا محمد بن ناصر قال: حدثنا جعفر بن أحمد السراج، قال: حدثنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف، قال: أخبرنا أبو الحسين ابن أخي ميمي قال: أنبأنا الحسين ابن صفوان، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي قال: حدثنا محمد بن صالح، قال: حدثنا علي بن محمد، عن خالد بن يزيد بن بشر السكسكي عن أبيه: عن قبيصة بن ذويب الخزاعي قال: قدم برأس الحسين فلما وضع بين يدي يزيد ضربه بقضيب كان في يده ثم قال: يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما قال أبو بكر ابن أبي الدنيا: وحدثني ابراهيم بن زياد، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن حرام بن عثمان، عن أحد ابني جابر بن عبد الله الأنصاري: عن زيد بن أرقم قال: كنت عند يزيد بن معاوية فأتي برأس الحسين بن علي فجعل ينكت بالخيزران على شفتيه وهو يقول: يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقلت له: ارفع عصاك. فقال: (هذا) ترابي!!! فقلت: أشهد لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا حسنا على فخذه اليمنى (و) واضعا حسينا على فخذه اليسرى واضعا يده اليمنى على رأس: الحسن (و) واضعا يده اليسرى على رأس حسين وهو يقول: اللهم اني استودعكهما وصالح المؤمنين. فكيف كان حفظك يا يزيد وديعة رسول الله؟!! قال ابن أبي الدنيا: وحدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا خالد بن يزيد بن أسد، قال: حدثني عمار الدهني: عن أبي جعفر قال: (لما) وضع رأس الحسين بين يدي يزيد وعنده أبو برزة فجعل ينكت بالقضيب على فيه و (هو) يقول: يفلقن هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال أبو برزة: ارفع قضيبك فو الله لربما رأيت فا (هـ) النبي صلى الله عليه وسلم على فيه يلثمه. قال ابن أبي الدنيا: وحدثني سلمة بن شبيب قال: حدثني الحميدي عن سفيان، قال: سمعت سالم بن أبي حفصة يقول: قال الحسن: جعل يزيد بن معاوية يطعن بالقضيب موضع في رسول الله صلى الله عليه وسلم وا ذلاه!!! قال سفيان: وأخبرت أن الحسن في أثر هذا الكلام قال: سمية أمسى نسلها عدد الحصى ... وبنت رسول الله ليس لها نسل وأيضا قال ابن الجوزي: أنبأنا علي بن عبد الله الزاغوني قال: أنبأنا محمد بن أحمد الكاتب قال: أنبأنا عبد الله بن أبي سعد الوراق، قال: حدثنا محمد بن يحي الأحمري قال: حدثنا الليث: عن مجاهد، قال: جيء برأس الحسين بن علي فوضع بين يدي يزيد بن معاوية فتمثل (ب) هذين البيتين: ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل فأهلوا واستهلوا فرحا ... ثم قالوا لي بغيب: لا تشل قال مجاهد: نافق فيها!!! ثم والله ما بقي في عسكره أحد إلا تركه أي عابه وذمه. أقول ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة كتابنا المسمى ب «عبرات المصطفين» في مقتل الإمام الحسين عليه السلام.

رأسه بين يديه!!! فَقَالَ أَبُو برزة الأسلمي أتنكت ثغر الْحُسَيْن؟ لقد أخذ

قضيبك من ثغره مأخذًا!!! ربما رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرشفه [1] أما إنك يَا يزيد تجيء يوم القيامة وشفيعك ابْن زياد، ويجيء الْحُسَيْن وشفيعه مُحَمَّد. ثُمَّ قام (وخرج من مجلس يزيد) . ويقال: إن هَذَا القائل رجل من الأنصار. 64- وَحَدَّثَنِي ابْن برد الأنطاكي الفقيه، عَن أَبِيهِ قال: ذكروا أن

_ [1] يقال: «رشف فلان الماء- من باب ضرب ونصر- رشفا ورشيفا وترشافا، ورشفه من باب علم- رشفا ورشفانا» : مصه بشفتيه. و «رشف وأرشف وترشف وارتشف الماء» : بالغ في مصه.

رجلا من أَهْل الشَّامِ نظر إِلَى ابنة لعلي فَقَالَ ليزيد: هب لي هَذِهِ!!! فأسمعته زينب كلاما فغضب يزيد وَقَالَ: لو شئت أن أهبها لَهُ فعلت أَوْ نحو ذَلِكَ!!! وَقَالَ يزيد- حين رأى وجه الْحُسَيْن-: مَا رأيت وجها قط أحسن منه؟! فقيل: إنه كَانَ يشبه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم. فسكت (يزيد) . وصيح نساء من نساء يزيد بْن مُعَاوِيَة وولولن حين أدخل نساء الْحُسَيْن عليهن وأقمن عَلَى الْحُسَيْن مأتما!!! 65- ويقال: إن يزيد أذن لهن فِي ذَلِكَ [1] وأعطى يزيد كُلّ امرأة من نساء الْحُسَيْن ضعف مَا ذهب لَهَا، وقال: عجل (عليه) ابْن سمية لعنة اللَّه عَلَيْهِ. وبعث يزيد بالنساء والصبيان إِلَى الْمَدِينَة مَعَ رَسُول وأوصاه بهم فلم يزل يرفق بهم حَتَّى وردوا المدينة. وقال لعليّ بن الحسين: إن أحببت أن تقيم عندنا بررناك ووصلناك. فاختار إتيان الْمَدِينَة، فوصله وأشخصه إِلَيْهَا. ولما بلغ أَهْل الْمَدِينَة مقتل الْحُسَيْن كثر النوائح والصوارخ عَلَيْهِ، واشتدت الواعية فِي دور بني هاشم فقال عمرو بن سعيد الأشدق: واعية بواعية عُثْمَان!!! وَقَالَ مروان حين سمع ذَلِكَ: عجت نساء بني زبيد عجة ... كعجيج نسوتنا غدات الأرنب وَقَالَ عَمْرو بْن سعيد: وددت والله أن أمير الْمُؤْمِنِينَ لم يبعث إلينا برأسه فَقَالَ مروان: بئس ما قلت هاته!!! (ثم أخذ الرأس وقال) : يَا حبذا بردك فِي اليدين ... ولونك الأحمر في الخدين 66- وحدثنا عمر بن شبة (قال) : حدثني أبو بكر عيسى بن عبيد الله بن محمد بْن عُمَر بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب عن أبيه قال:

_ [1] ومنه يستنتج ويستفاد أن من منع من إقامة المآتم على الحسين، أو كره الصياح والولولة في عزام ريحانة رسول الله، فهو ألأم من نساء يزيد، وأقسى قلبا وأفظ طبيعة وأشقى من يزيد!!!

رعف عَمْرو بْن سعيد عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بيار الأسلمي- وَكَانَ زاجرًا-: إنه ليوم دم. قَالَ: فجيء برأس الحسين فنصب فصرخ نساء (آل) أبي طالب فقال مروان: عجت نساء بني زبيد عجة ... كعجيج نسوتنا غداة الأرنب ثم صحن أيضا فقال مروان: ضربت دوشر فيهم ضربة ... أثبتت أركان ملك فاستقر [1] وقام ابن أبي حبيش وعمرو يخطب فقال: رحم الله فاطمة. فمضى (عمرو) في خطبته شيئا ثم/ 498/ أو 249 ب/ قال: وا عجبا لهذا الألثغ [2] وما أنت وفاطمة؟ قَالَ: أمها خديجة- يريد أنها من بني أسد ابن عَبْدِ العزى- قَالَ: نعم والله وابنة مُحَمَّد أخذتها يمينا وأخذتها شمالا!! وددت والله أن أمير المؤمنين كان نحاه عني ولم يرسل به إلي، ووددت والله أن رأس الْحُسَيْن كَانَ عَلَى عنقه وروحه كان فِي جسده. 67- وَقَالَ عوانة بْن الحكم: قتل الْحُسَيْن بكربلاء قتله سنان بْن أنس واحتز رأسه خولي بْن يزيد، وجاء بِهِ إِلَى ابْن زياد، فبعث بِهِ إِلَى يزيد مَعَ محفز بن ثعلبة. ويقال إن الحجاج سأله كيف صنع بالحسين؟ فقال: دسرته بالرمح

_ [1] هذا هو الصواب، وذكره في النسخة مصحفا هكذا: ضربت ذو شر فِيهِمْ ضربة ... أثبتت أن كان ملكا فاستقر [2] الألثغ: من كان بلسانه لثغة أي ينطق بالسين كالثاء أو بالراء كالغين أو كالياء أو كاللام. ثم إن من اعتراض ابن أبي حبيش في أثناء خطبة عمرو يستفاد، انه نال من ريحانة رسول الله أو أظهر الفرح والسرور من قتله أو جمع بين الأمرين على ما كان معتادا عند طواغيت بني أمية.

دسرًا وهبرته بالسيف هبرًا [1] فَقَالَ الحجاج: لا يجتمعان فِي الجنة والله أبدًا!!! وَقَالَ: ادفعوا إِلَيْهِ خمس مائة درهم. فلما خرج قَالَ: لا تعطوه شَيْئًا. قَالَ: وَكَانَ الْحُسَيْن يوم قتل ابْن ثمان وخمسين سنة، وذلك فِي سنة إحدى وستين يوم عاشوراء () . 68- وَقَالَ الواقدي: قتل الحسين شمر بن ذي الجوشن وقد فصل خضاب لحيته وَكَانَ يخضب بسواد. وأوطأه شمر فرسه وذلك في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وَهُوَ ابْن ثمان وخمسين سنة. ويقال: ابْن ست وخمسين. 69- وَقَالَ الْكَلْبِيّ: ولد الحسن فِي سنة ثلاث من الهجرة، والحسين في سنة أربع. قال: فبعث يزيد رأسه إِلَى الْمَدِينَة، فنصب عَلَى خشبة ثُمَّ رد إِلَى دمشق فدفن فِي حائط بِهَا. ويقال (دفن) في دار الإمارة. ويقال: (دفن) فِي المقبرة. 70- حَدَّثَنِي شجاع بْن مخلد الفلاس، عَن جرير، عَن مغيرة، قَالَ: قَالَ يزيد- حين قتل الْحُسَيْن-: لعن اللَّه ابْن مرجانة لقد وجده بعيد الرحم منه.

_ [1] يقال: «دسرت زيدا- من باب نصر- دسرا» : طعنته. دفعته. ويقال: «هبرت اللحم- من باب نصر- هبرا» : قطعته. والحديث رواه أيضا الطبراني بمغايرة طفيفة، ورواه عنه في باب مناقب الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9 ص 194، قال: ورجاله ثقات.

71- حَدَّثَنِي هِشَام بْن عَمَّار، حَدَّثَنِي الوليد بْن مسلم عَن أَبِيهِ، قَالَ: لما قدم برأس الْحُسَيْن عَلَى يزيد بْن مُعَاوِيَة، وأدخل أهله الخضراء بدمشق تصايحن بنات معاوية ونساءه فجعل يزيد يقول: يَا صيحة تحمد من صوائح ... مَا أهون الموت عَلَى النوائح إذا قضى اللَّه أمرًا كَانَ مفعولا، قد كنا نرضى من طاعة هَؤُلاءِ بدون هَذَا. ولما أدخل عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَلَى يزيد قَالَ: يَا حبيب إن أباك قطع رحمي وظلمني فصنع اللَّه بِهِ مَا رأيت!!! فَقَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن: « [مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها» (22/ الحديد: 57) .] فَقَالَ يزيد لخالد ابنه: أجبه فلم يدر (خالد) مَا يقول فَقَالَ يزيد: قل لَهُ: «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» (30/ الشورى 42) . 72- وَحَدَّثَنِي العمري عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَن مجالد بْن سعيد، قَالَ: كتب يزيد إِلَى ابْن زياد: أما بعد فزد أَهْل الْكُوفَةِ أَهْل السمع والطاعة فِي أعطياتهم مائة مائة. 73- قال هيثم بن عدي: قال سليمان بن قتة: (و) إن قتيل الطف من آل هاشم ... أذل رقابا من قريش فذلت وكانوا لنا غنما فعادوا رزية ... لقد عظمت تلك الرزايا وجلت وعند غني قطرة من دمائنا ... سنجزيهم يوما بِهَا حيث حلت

مررت عَلَى أبيات آل مُحَمَّد ... فألفيتها [1] أمثالها يوم حلت 74- وَقَالَ أَبُو دهبل [2] الجمحي: يبيت السكارى من أمية نوما ... وبالطف قتلى مَا ينام حميمها [3] 75- وقالت زينب بنت عقيل ترثي قتلى أَهْل الطف وخرجت تنوح بالبقيع: ماذا تقولون إن قَالَ النَّبِيّ لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم بأهل بيتي وأنصاري أما لكم ... عهد كريم أما توفون بالذمم ذريتي/ 499/ وبنو عمي بمضيعة ... منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم مَا كَانَ ذاك جزائي إذ نصحتكم ... أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم فكان [4] أبو الأسود الدؤلي يقول: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» (23/ الأعراف: 7) . وكانت زينب هَذِهِ عند عَلِيّ بْن يزيد بْن ركانة من بني المطلب بْن عبد مناف، فولدت لَهُ ولدا، منهم عبدة ولدت وهب بْن وهب أبا البختري القاضي. 76- وَقَالَ المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب:

_ [1] كذا في الأصل، والظاهر أنها صحفها بعض كتاب آل أمية، إذ لا ملائمة لها مع بقية الأبيات، والصواب ما هو المعروف في كتب المقاتل: «فلم أرها أمثالها يوم حلت» . [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «أبو ذهبل» . [3] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «ما ينام قتيلها» . [4] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «فقال أبو الأسود الدئلي ... » . والحديث رواه أيضا الطبراني. ورواه عنه في باب مناقب الإمام الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9 ص 200.

أضحكني الدهر وأبكاني ... والدهر ذو صرف وألوان يَا لهف نفسي وهي النفس ... لا تنفك من هم وأحزان عَلَى أناس قتلوا تسعة ... بالطفّ أمسوا رهن أكنان وستة مَا إن أرى مثلهم ... بني عقيل خير فرسان 77- وقال عبد الرحمان بْن الحكم أخو مروان بْن الحكم بْن أَبِي العاص: لهام بجنب الطف أدنى قرابة ... من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل سمية أمسى نسلها عدد الحصى ... وبنت رَسُول اللَّهِ ليس لَهَا نسل فذكر أنه أنشد يزيد هَذِهِ الأبيات فضرب صدره فقال: اسكت [1] . 78- وَقَالَ الْهَيْثَم: خرج رجل من الأزد في من وجه إِلَى الْحُسَيْن فنهته امرأته فلما رجع قَالَ: ألم تخبري عني وأنت ذميمة؟ ... غداة حسين والرماح شوارع ألم آت أقصى مَا كرهت؟ ولم أغب ... علي غداة الروع مَا أنا صانع 79- حَدَّثَنِي أحمد بن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا جِيءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ إِلَى ابْنِ زياد، وضع بين يديه في طشت فجعل ينكت في وجهه بقضيب ويقول: ما رأيت مثل هذا

_ [1] وهذا رواه أيضا الطبراني- بزيادة فقرات من الحديث: (71) المتقدم. ورواه عنه في باب مناقب الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد: ج 9 ص 198.

الْوَجْهِ قَطُّ!!! فَقُلْتُ: إِنَّهُ كَانَ يُشْبِهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] . 80- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْن عُمَرَ، عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَن أَبِي يعقوب، عَن عَبْد الملك بْن عمير قَالَ: [2] لقد رأيت فِي قصر الْكُوفَة عجبا: رأيت رأس الْحُسَيْن بين يدي ابْن زياد عَلَى ترس، ثُمَّ رأيت رأس ابْن زياد بين يدي المختار عَلَى ترس، ثُمَّ رأيت رأس المختار بين يدي مصعب عَلَى ترس، ثُمَّ رأيت رأس مصعب بين يدي عَبْد الملك بْن مروان عَلَى ترس. 81- وَقَالَ سراقة البارقي: عين بكي بعبرة وعويل ... واندبي إن ندبت آل الرسول خمسة منهم لصلب علي ... قد أبيدوا وسبعة لعقيل 82- قَالَ المدائني: قتل الْحُسَيْن والعباس وعثمان ومحمد- لأم ولد- بنو علي. وعلي بْن الْحُسَيْن وعبد اللَّه وأبا بكر والقاسم بنو حسين [3] . وعون ومحمد ابنا عَبْد الله بن جعفر.

_ [1] انظر إلى اللئيم كيف يحضر هذا المحضر ثم يرى ما يفعل عدو الله برأس ريحانة رسول الله ثم لا ينكر عليه بما يمكن لكل عاجز أن يستنكر؟! أهذا جزاء النبي على من شرف به وبكونه بوابا له؟ يا ويله أما تمكن من الضجة والولولة؟ أما تمكن من القيام والخروج عن المجلس؟ أما تمكن من تسكاب الدموع والتأوه؟ أكان أعجز وأقل من امرأة؟!! [2] وهذا تقدم أيضا تحت الرقم: (59) ص 212 بسند آخر. [3] كذا في الأصل، ولعل الصواب: بنو حسن وحسين.

وعون وعبد الرحمان وعبد الله بنو عقيل، وعبد اللَّه بْن مسلم بْن عقيل ومحمد بن أبي سعيد ابن عقيل. 83- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْن العوام، عَن حصين: أن أَهْل الْكُوفَةِ كتبوا إِلَى الْحُسَيْن: إنا معك ومعنا مائة ألف سيف. فبعث (الحسين) إليهم مسلم بن عقيل فنزل بالكوفة (في) دار هانئ بْن عروة، فبعث إِلَيْهِ ابْن زياد فأتي به فضربه بقضيب كان معه ثم أمر به فكتف وضربت عنقه، فبلغ/ 500/ أو 250 ب/ ذلك مسلم بن عقيل فخرج في أناس كثير- قَالَ حصين: فحدثني [1] هلال بْن إساف قال: (ثم إنهم) لقد تفرقوا عنه فلما قلت الأصوات فقيل (كذا) لابن زياد: مَا نرى مَعَهُ كبير أحد. فأمر فرفعت جرادي فِيهَا النار [2] حَتَّى نظروا فَإِذَا ليس مَعَ مسلم إِلا قدر خمسين فَقَالَ ابْن زياد للناس: تميزوا أرباعا فانطلق كُلّ قوم إِلَى رأس ربعهم فنهض إِلَيْهِمْ قوم قاتلوا مَعَ مسلم فجرح مسلم جراحة وقتل ناس من أصحابه، ولجأ (مسلم) إِلَى دار من دور كندة، فجاء رجل إِلَى مُحَمَّد بْن الأشعث وَهُوَ جالس عند ابن زياد فأخبره بذلك، فقال (ابن الأشعث) لابن زياد: إنه قَالَ لي: أن مسلما فِي دار فلان. فَقَالَ: ائتوني بِهِ. فدخل (ابن الأشعث) عَلَيْهِ وَهُوَ عند امرأة قد أوقدت نارًا فهي تغسل عَنْهُ الدم، فَقَالُوا لَهُ: انطلق إِلَى الأمير. فَقَالَ عفوا. قَالُوا: مَا نملك ذَلِكَ. فانطلق معهم فلما رآه أمر بِهِ فكتف وَقَالَ: أجئت يَا ابْن حلية لتنزع سلطاني؟ وأمر بِهِ فضربت عنقه. قَالَ: وحلية أم مسلم بْن عقيل وهي أم ولد.

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «يحدثني» [2] كذا في النسخة، ولعل الصواب: الجرائد: جمع الجريدة: قضبان النخل. أو الصواب: الحرادي- بفتح الحاء المهملة على زنة الجواري وهي جمع الحردي بضم الحاء-: أطيان القصب وهو نبطي معرب.

ثم أمر (ابن زياد) بأخذ مَا بين واقصة إِلَى طريق الشَّام إِلَى طريق الْبَصْرَة. وأقبل الْحُسَيْن وَهُوَ لا يشعر بِشَيْءٍ حَتَّى لقي الأعراب فسألهم فَقَالُوا: والله مَا ندري غير أنا لا نقدر عَلَى أن نخرج أَوْ نلج. فانطلق يسير نحو الشام إلى يزيد، فلقيته جنود بكربلاء فناشدهم اللَّه. وَكَانَ بعث إِلَيْهِ عمر بْن سَعْدٍ، وشمر بْن ذي الجوشن وحصين بن تميم، فناشدهم اللَّه أن يسيروه إِلَى يزيد فيضع يده فِي يده [1] فَقَالُوا: لا إِلا عَلَى حكم ابْن زياد! وَكَانَ فيمن بعث إِلَيْهِ الحر بْن يزيد الحنظلي فَقَالَ لهم: يَا قوم لو سألتكم هَذَا الترك والديلم مَا حل لكم أن تمتنعوا منه!!! فأبوا إِلا أن يحملوه عَلَى حكم ابْن زياد، فركب (الحر) وصار مَعَ الْحُسَيْن، ثُمَّ كر عَلَى أصحاب ابْن زياد فقاتلهم فقتل منهم رجلين ثُمَّ قتل. وذكر (وا) أن زهير بْن القين العجلي [2] لقي الْحُسَيْن وكان حاجا فأقبل معه. 84- قالوا: و (أ) خرج إليه ابن زياد، ابن أبي حريرة المرادي وعمرو بْن الحجاج ومعنا السلمي. قَالَ حصين: فحدثني سعد بْن عبيدة، قَالَ: إن أشياخنا من أَهْل الْكُوفَةِ لوقوف عَلَى تل (ظ) يبكون ويقولون: اللَّهُمَّ أنزل عَلَيْهِ نصرك. فقلت: يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه؟!!

_ [1] هذا من مختلقات رواة آل أمية، وقد ذكرنا قبل عن عقبة بن سمعان غلام رباب زوج الإمام الحسين عليه السلام انه قال: صاحبت الحسين من المدينة إلى ان استشهد في كربلاء ولم أفارقه في حال من الحالات، ولم أسمع منه أن يطلب من القوم أن يسيروه إلى يزيد حتى يضع يده في يده. [2] كذا في الأصل. أنساب الأشراف (م 15)

قَالَ: وأقبل الْحُسَيْن يكلم من بعث إِلَيْهِ ابْن زياد، وإني لأنظر إِلَيْهِ وعليه جبة برد، فلما أبوا مَا قَالَ لهم انصرف إلى مصافه وإنهم لمأة رجل أَوْ قريب من مائة، فِيهِمْ من صلب علي خمسة، وستة عشر من الهاشميين، وفيهم رجل من سليم حليفا لهم ورجل من كنانة حليفا لهم. قَالَ حصين: وأخبرني سعد بْن عبيدة، قَالَ: إنا لمستنقعون فِي الماء مَعَ عمر بن سعد إذ أتاه رجل فساره فَقَالَ: بعث إِلَيْك ابْن زياد ابن حويزة ابن بدر التَّمِيمِيّ وأمره إن أنت لم تقاتل أن يضرب عنقك. قَالَ: فخرج فوثب عَلَى فرسه ثم دعا بسلاحه فصار إليهم فقاتلهم فقتلهم فجيء برأس الْحُسَيْن إِلَى ابْن زياد، فوضع بين يديه وجعل ينكته بقضيب لَهُ [1] ويقول: أرى أبا عَبْد اللَّهِ قد كَانَ شمط. وأمر ببناته ونسائه فكان أحسن مَا صنع بهن أن أمر لهن بمنزل في مكان معتزل فأجرى عليهن رزقا وأمر لهن بكسوة ونفقة. ولجأ ابنان لعبد اللَّه بْن جعفر إِلَى رجل من طيّئ فضرب أعناقهما وأتى ابْن زياد برءوسهما!!! فهم (ابن زياد) بضرب عنقه وأمر بداره فهدمت. قَالَ حصين: فلما قتل الحسين لبثوا شهرين أو ثلاثة وكأنما متلطخ الحوائط بالدماء من صلاة الصبح إِلَى ارتفاع الشمس. قَالَ حصين: فحدثني مولى ليزيد بْن مُعَاوِيَة قَالَ: لما وضع رأس

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «وجعل ينتكثه ... » . وقوله بعد ذلك: «شمط» أي خالط سواد شعره بياض. أو انتشر شعره، يقال: «شمط الرجل- من باب فرح- شمطا» . خالط بياض رأسه سواد، فهو أشمط، والمؤنث. شمطاء. و «شمط الشجر- من باب ضرب- شمطا» انتشر ورقه.

الْحُسَيْن بين يدي يزيد رأيته يبكي ويقول: ويلي على ابن مرجانة فعل/ 501/ أو 251/ أ/ اللَّه بِهِ كَذَا، أما والله لو كانت بينه وبينه رحم مَا فعل هَذَا. 85- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الضَّبِّيِّ: عَنِ ابْنِ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ يُصِيبُ الْمُحْرِمَ؟ فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قال: أنا (رجل) من أهل العراق. فقال: وا عجبا مِنْ قَوْمٍ يَسْأَلُونَ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ سفكوا دم ابن بنت نبيهم؟!! 86- وحدثني أبو خيثمة، حدثنا وهب بن جرير، عن أَبِيهِ [1] قَالَ: بعث ابْن زياد عمر بْن سعد عَلَى جيش وبعث مَعَهُ شمر بْن ذي الجوشن وَقَالَ لَهُ: اذهب مَعَهُ فَإِن قتل الْحُسَيْن والا فاقتله وأنت عَلَى النَّاس. فلقوه فِي تسعة عشر من أَهْل بيته فقال (لهم الحسين) : يَا أَهْل الْكُوفَةِ كتبتم إلي فِي القدوم ثُمَّ صنعتم مَا أرى؟ فأنا أنزل عَلَى حكم يزيد؟ قَالُوا: انزل عَلَى حكم الأمير. قَالَ: مَا كنت لأنزل عَلَى حكم ابْن مرجانة. وقاتل (عليه السلام) ومن معه حتى قتلوا. فقال الشاعر: فأي رزيّة عدلت حسينا ... غداة سطت بِهِ كفا سنان 87- وحدثنا عمر بن شبة، حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري حدثنا عاصم بْن قرهد: عَن أَبِي بكر الهذلي عَن الحسن أنه لما قتل الْحُسَيْن بكى حتى اختلج جنباه

_ [1] هذا هو الظاهر الموافق لما يرويه المصنف في هذا الكتاب عن زهير بن حرب أبي خيثمة، وفي الأصل هاهنا هكذا: «حدثنا وهب بن جرير، عن أبيهم أبيه ... » . ويحتمل أيضا أن يكون لفظ: «أبيهم» مصحفا عن «حازم» ؟.

ثُمَّ قَالَ: واذل أمة قتل ابْن دعيها ابن نبيّها [1] . 88- وحدثنا عن أبي عاصم النبيل، عن أبي جريج (كذا) عَنِ ابْنِ شهاب قَالَ: مَا رفع حجر بالشام يوم قتل الْحُسَيْن إِلا عَن دم [2] . 89- حدثنا يوسف بن موسى، عن جرير، عن الأعمش: أن رجلا أحدث عَلَى قبر الْحُسَيْن فجذم وبرص وجنّ، فولده يتوارثون ذلك [3] .

_ [1] ورواه أيضا السيد أبو طالب يحيى بن الحسين الحسني قال: حدثنا القاضي عبد الله بن محمد بن ابراهيم، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن يحيي الصولي قال: حدثنا محمد بن العوام، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سليمان بن سليمان الواسطي قال: حدثنا واضرة، قال: قال أبو بكر الهذلي (ظ) : قيل للحسن- يعني البصري-: يا أبا سعيد قتل الحسين بن علي عليهما السلام- فبكى حتى اختلج جنباه وقال: وا ذلاه لأمة قتل ابن دعيها- يعني ابن زياد لعنه الله- ابن نبيها!!! هكذا رواه عنه في الحديث الأول من الباب (6) من تيسير المطالب ص 98 ط 1. [2] ورواه أيضا الطبراني، وروى عنه في باب مناقب الحسين عليه السلام من مجمع الزوائد ج 9 ص 156، قال: ورجاله رجال الصحيح، وقريبا منه رواه عنه من طريق آخر، وقال: ورجاله ثقات. والحديث التالي رواه أيضا الطبراني بمغايرة قليلة، ورواه عنه في باب مناقب الإمام الحسين من مجمع الزوائد: ج 9 ص 197، وقال: ورجاله رجال الصحيح. [3] هذا تمام ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من أنساب الأشراف- وقد شرعنا في تجديد كتابتها في الكويت في اواسط شهر شوال سنة 1394، وفرغنا منه في طهران في بيت الشيخ محمد جواد سدده الله تعالى في (8) من محرم الحرام سنة 1395- ويليها قوله: «أمر زيد بن علي بن الحسين ابن علي ... » .

أمر زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

أمر زَيْد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب عليهم السلام 1- كَانَ زيد بْن علي لسنا خطيبا [1] دخل عَلَى هِشَام بْنِ عَبْدِ الملك فَقَالَ: إنه ليس أحد بدون أن يوصي بتقوى اللَّه، وَلا أحد فوق أن يوصى بها [2] .

_ [1] وكان رضوان الله عليه سيدا فقيها وعدلا رضيا، وعند رسول الله وأهل بيته حبيبا، وقد ورد في شأنه وعظمته أخبار كثيرة، روى ابن عساكر في ترجمة زيد من تاريخ دمشق: ج 6/ الورق 323 ب/ من النسخة الظاهرية، وفي نسخة: ج 19/ 139- وذكره أيضا في تهذيبه: ج 6 ص 18- قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمان أنبأنا أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين بن الحسن بن القاسم- قدم علينا- أنبأنا علي بن محمد ابن عامر النهاوندي- وأنا سألته- أنبأنا أحمد بن حيان الرقي، عن طارق بن شهاب: عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر يوما إلى زيد بن حارثة وبكى وقال: المظلوم من أهل بيتي سمي هذا، والمقتول في الله والمصلوب من أمتي سمي هذا- وأشار إلى زيد بن حارثة- ثم قال: ادن مني يا زيد زادك الله حبا عندي فإنك سمي الحبيب من ولدي زيد. وقال أيضا: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا محمد بن الحسين القطان، أنبأنا جعفر الخلدي أنبأنا قاسم بن محمد الدلال، أنبأنا إبراهيم ابن الحسن التغلبي أنبأنا شعيب بن راشد، عن محمد بن سالم: عن (الإمام) جعفر (بن محمد) أنه ذكر زيدا فقال: رحم الله عمي كان والله سيدا، لا والله ما ترك فينا لدنيا ولا لآخرة مثله. وقال أيضا: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون في كتابه، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد ابن عبد الله بن برة، أنبأنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن جعفر بن النحاس التيملي، أنبأنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص بن عمر الخثعمي الأشناني، أنبأنا أبو سعيد عباد بن يعقوب الأسدي: أنبأنا عمرو بن القاسم قال: دخلت على جعفر بن محمد، وعنده أناس من الرافضة، فقلت: إن هؤلاء يبرءون من عمك زيد!!! قال: يبرءون من عمي زيد؟! قلت: نعم. قال: برء الله ممن يبرأ منه، كان والله أقرؤنا لكتاب الله وأفقهنا في دين الله وأوصلنا للرحم، والله ما تراء فينا لدنيا (ولا) لآخرة مثله. ومن أراد المزيد فعليه بترجمة الإمام الباقر، والإمام الصادق عليهما السلام من بحار الأنوار. [2] وهذا ذكره مسندا ومفصلا في الباب (7) من تيسير المطالب ص 105، ط 1.

وأقام قبله في خصومة (كذا) فلما شخص عَن بابه كتب إِلَى عامله عَلَى الْمَدِينَةِ: «أما بعد فَإِن زيد بْن علي قدم علي فرأيته رجلا حولا قلبا خليقا لصوغ الكلام وتمويهه» وأمره بتفقده والإشراف عَلَيْهِ وحذره إياه. 2- وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ قَالَ: نازع مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب، عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن فِي صدقات عَلِيّ بْن أَبِي طالب، فوكل مُحَمَّد أخاه زيد بْن علي بالخصومة، فكان مُحَمَّد وعبد اللَّه يتنازعان عند عامل الْمَدِينَة إِبْرَاهِيم بْن هِشَام، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ لزيد- وكانت أمه سندية-: يَا ابْن السندية الساحرة أتطمع فِي الخلافة؟ فانصرف زيد فدخل عَلَى عمته فاطمة بنت الْحُسَيْن بْن علي- وهي أم عَبْد الله ابن حسن وأخويه إِبْرَاهِيم، وحسن بْن حسن بْن حسن- فشكى فبكى إِلَيْهَا فقالت: إن سب أمك فسبني. فعاد للخصومة، فعاد لَهُ عَبْد اللَّهِ فشتم أمه فَقَالَ لَهُ زيد: أو تذكر عَبْد اللَّهِ بْن الضحاك بْن قَيْس حين كانت أمك تبعث إِلَيْهِ بالعلك الأحمر، والأخضر والأصفر، فتجيئه فتقول لَهُ: فمك. فَإِذَا فتح فاه طرحته فِيهِ. فأخبرها بنوها عَبْد اللَّهِ وحسن، وإبراهيم، بنو حسن بْن حسن بْن علي بقول زيد، فغضبت وقالت: كنتم أحداثا فكنت أداريه وأمنّيه (أن) أتزوجه لأنه كَانَ يتوعدني إن لم أفعل!!! حَتَّى كتبت إِلَى يزيد بْنِ عَبْدِ الملك فعزله. قال: وشخص ولد/ 502/ أو 251 ب/ الحسن بْن علي والحسين إِلَى هِشَام بسبب هَذِهِ المنازعة، فاجتمع زيد بْن علي وحسن بْن حسن عنده، فأعان عمر بْن علي زيدًا عَلَى حسن، فَقَالَ هِشَام لعمر: كيف لا تطلب القيام بهذه الصدقة لنفسك؟ فَقَالَ حسن: يمنعه من ذَلِكَ خولة والرباب جرتاه اللتان كَانَ ينتبذ فيهما فصب أبان بْن عُثْمَان مَا فيهما عَلَى رأسه وَهُوَ والي المدينة.

3- وروى بعضهم أن زيدًا رأى فِي منامه أنه أضرم بالعراق نارًا ثُمَّ أطفأها، فقصها على يحي ابنه وقد راعته، وورد عَلَيْهِ كتاب هِشَام فِي القدوم عَلَيْهِ، فلما أتاه قَالَ لَهُ: الحق بأميرك يُوسُف بْن عمر، فقدم عَلَيْهِ وحذره إياه. 4- المدائني عَن ابْن جُعْدُبَةَ، قَالَ: كَانَ جعفر بْن حسن بْن الحسن بْن علي من رجال بني هاشم، فاختصم ولد الحسن والحسين فِي وصية علي فَقَالَ كُلّ قوم: هي فينا، فكان زيد يخاصم لولد الْحُسَيْن، وَكَانَ جعفر يخاصم لولد الحسن. 5- المدائني عَن جويرية بْن أسماء قَالَ: تنازع ولد الحسن والحسين في أموال علي فكان القائم بأمر ولد الحسين زيد، و (كان) الذي يقوم بأمر ولد الحسن جعفر بْن الحسن بْن الحسن بْن علي، فكانا يختصمان، ثُمَّ مات جعفر بْن الحسن بْن الحسن فقام مقامه عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن، ثُمَّ جرى بين زيد وخالد (كذا) كلام بالْكُوفَة، فخرج هُوَ وعبد اللَّه بْن الحسن وعمر بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وَمُحَمَّد بْن عمر إِلَى هِشَام، فلما عذب يوسف ابن عمر طارقًا غلام خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري ادعى أن لَهُ عند زيد بْن علي وعمر، ومحمد بْن عمر، وداودَ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس مالا- وَكَانَ دَاوُد مَعَ خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ في أصحابه- و (أن له) عند أيوب بْن سلمة المخزومي ودائع وأموالا. فكتب يُوسُف بِذَلِكَ إِلَى هِشَام، فحملهم هِشَام إِلَيْهِ، ولم يحمل المخزومي لأن مخزومًا أخواله، وَكَانَ عمر مسنا فأمر بالرفق بِهِ، وكتب هِشَام إِلَى يُوسُف: إن ثبت عليهم حق فخذهم بِهِ وإلا فلا تطالبهم بِشَيْءٍ، وسرح هِشَام معهم رجلا، فلما جمع بينهم وبين طارق، قَالَ: إنما التمست أن يكف عني العذاب إلى أن يذهب الرسول ويحملوا (كذا) وما

لخالد قبلهم شَيْء!!! وَقَالَ عمر بْن علي: كيف يودعنا من كَانَ يلعننا!!! فخلى سبيلهم. فخرج مُحَمَّد بْن عمر، وداود بْن علي إِلَى الْمَدِينَة، وخرج زيد معهما، فاتبعه قوم من أَهْل الْكُوفَةِ فدعوه إِلَى أن يبايعوه، فرجع وأقام بالْكُوفَة، فبلغ يُوسُف أمره فَقَالَ: لا أصدق بِهِ، لقد كلمت زيدًا فرأيت ثُمَّ نبلا وعقلا، ولم يكن ليفسد نفسه. وبلغ هشاما مكان زيد بالْكُوفَة وأنه يدعو الناس (إلى نفسه) فكتب إِلَى يُوسُف أن أحبس النَّاس فِي المسجد وأحلفهم رجلا رجلا عَلَى خبره وأمره حَتَّى تتيقنه. فلما اجتمعوا سد الأبواب إِلا باب الفيل وحده، وأحلف النَّاس وبحثهم عَن أمر زيد، ثُمَّ إن زيدًا قتل فبعث يُوسُف برأسه إِلَى هِشَام فنصبه هِشَام بدمشق، فَقَالَ بعض الشعراء: صلبنا لكم زيدًا عَلَى جذع نخلة ... وما كَانَ مهدي عَلَى الجذع يصلب فلما ظهر عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ بن عباس رضي الله تعالى عنهما عَلَى الشَّام، أخذ ذَلِكَ الشاعر فجعل يضرب رأسه بعمود بيده حَتَّى نثر دماغه وأمر (به) فأحرق بالنار. قَالَ: وَقَالَ الكميت بْن زيد الأسدي: دعاني ابن الرسول فلم أجبه ... (أ) لا يا لهف للقلب الفروق حذار منية لا بد مِنْهَا ... وهل دون المنية من طريق وَقَالَ أَيْضًا: دعاني ابْن الرسول فلم أجبه ... فلهفي اليوم للرأي الغبين عَلَى/ 503/ أن لا أكن [1] عاضدت زيدًا ... حفاظًا لابن آمنة الأمين

_ [1] وفي النسخة هكذا: «فوا ندمي على أن لا أكن عاضدت زيدا» .

6- وقال الشاعر حين أشخص زيد وداود [1] : يأمن الظبي والحمام وَلا ... يأمن أَهْل النَّبِيّ عند المقام طبت بيتا وطاب أهلك أهلا ... أَهْل بيت النَّبِيّ والإسلام 7- حَدَّثَنِي عَبَّاس بن هشام، عن أبيه عن أبي مخنف. وقرأ عَلَى المدائني عَن أشياخ ذكرهم، وأخبرني عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح رحمه اللَّه عَن عبثر بْن القاسم بْن زبيد، وَابْن كناسة قَالُوا: كَانَ زيد بْن علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، مَعَ خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري في أصحابه بالكوفة، وخالد والي الْعِرَاق، وَكَانَ دَاوُد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم مَعَ خالد أيضًا، فلما ولي يوسف بن عمر الثقفي العراق كان بلغه مكان خالد (كذا، و) بلغه أن خالدًا أودع زيد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم، وداودَ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس مالًا، فحلفا عَلَى ذَلِكَ فقبل يمينهما، وانصرفا إِلَى مَكَّة، فلقيهما نصر بْن خزيمة العبسي فدعاهما إِلَى الخروج، فأجابه زيد بْن علي رضي الله تعالى عنهم، فَقَالَ دَاوُد لزيد: يَا ابْن عم لا تفعل فإنهم يغرونك ويسلمونك. (و) قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح فِي حديثه- عَن ابْن كناسة-: وأنشد دَاوُد: أنا ابْن نجدتهم علما وتجربة ... فاسأل بسعد تجدني أعلم النَّاس قَالُوا: فَقَالَ زيد: يَا ابْن عم كم نصبر لهشام؟ قال داود: نصبر يا (أ) با الحسين حَتَّى نجد الفرصة. فَقَالَ: يَا ابْن عم من أحب الحياة ذل.

_ [1] كذا ذكر المصنف هاهنا، وذكره ابن المغازلي في الحديث: (436) من مناقبه ص 385 ط 1، على وجه آخر.

ومضى دَاوُد لوجهه ثُمَّ رجع إِلَى الْكُوفَةِ وقد صلب زيد، فأراد إنزاله فأدركته خيل يُوسُف فتركه. فَقَالَ لَهُ سلمة بْن كهيل [1] إن أباك كَانَ خيرًا منك وقد كَانَ بايعه أكثر ممن بايعك، وكان أولئك خيرا من هؤلاء فامض لوجهك. (فأبى زيد إلّا الخروج، فتركه سلمة وأتى اليمامة) فلما أتى إِلَى اليمامة، كتب هِشَام إِلَى يُوسُف: إن سلمة كَانَ خيرًا لك بالمصر، من عشرة آلاف دارع، وقد كَانَ ينبغي لك أن تحول بينه وبين الشخوص عَن الْكُوفَة [2] . 8- وقد قيل: إنه بايعه هُوَ وحجية بْن الأجلح الكندي. وقيل حجية معه [3] . 9- (وحدثني) عَمْرو بْن مُحَمَّد، عَن ابْن إدريس عَن ليث قال: جاء منصور (بن المعتمر) إلى زبيد اليامي وهو يبكي [4] ويقول: (انصروا) ابن بنت نبيكم. فقال له زبيد [5] : مَا كنت لأخرج إِلا مَعَ نبي وما أنا بواجده!! فأمسك [6] .

_ [1] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «كميل» . والكلام عطف على ما دار بين زيد وبين داود، وما بعده معترضة، وما زدناه بين المعقوفين بعد أربع جمل بعد ذلك، زيادة منا لتصحيح الكلام. وقال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو الحسين ابن علي بن إسماعيل الفقيه، قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي رضوان الله عليه، قال: حدثنا بشر بن هارون، قال: حدثنا جرير بن هارون بن عيسى، قال: حدثني جدي عن مغيرة الضبي قال: كان سلمة بن كهيل أشد الناس على زيد بن علي عليهما السلام، ينهاه عن الخروج، وينهى الناس عن الخروج معه!!! فلما قتل رأيته عند خشبته يبكي وقد انحنى ويقول: لو نصرته لو قاتلت (ظ) معه لو ذببت عنه؟!! هكذا رواه عنه في الباب: (7) من تيسير المطالب ص 107. [2] هذا هو الظاهر من سياق الكلام، وفي الأصل: وقد كان ينبغي لك أن لا تحل بينه وبين الشخوص عن الكوفة. [3] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «وقتل حجية معه» . أو «وقيل: إن حجية كان معه» . [4] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «زياد اليامي» . [5] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «فقلد زبيد» . [6] أي فأمسك عنه ولم يلح عليه، وهذه الجملة كأنها في الأصل قد ضرب عليها الخط، ولكن لا وجه له.

10- قال المدائني عَن أَبِي مخنف وغيره: ادعى يزيد بْن خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري- وقد جلده يُوسُف بْن عمر، وحلقه- مالا قبل زيد بْن عَلِي ومحمد بْن عُمَر بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب وداود بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ، وسعد بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عبد الرحمان بْن عوف الزُّهْرِيّ وأيوب بْن سلمة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن سلمة بْن الوليد المخزومي (وانه) دفعه أبوه إليهم، وكتب يُوسُف بْن عمر فِيهِمْ إِلَى هِشَام بْنِ عَبْدِ الملك، وزيد بْن علي ومحمد بْن عمر يومئذ برصافة هِشَام، يخاصمان عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن علي في صدقة علي ووصيته، فلما ورد كتاب يُوسُف عَلَى هِشَام بعث إليهما فذكر لهما ما كتب به إليه يُوسُف فأنكرا، فأشخص زيدًا ومحمدًا إِلَى يُوسُف وأمره أن ينظر فيما ادعاه ابْن خالد عَلَيْهِمَا وعلى أصحابهما، فَإِن أقام البينة أشخصهم إِلَيْهِ، وإلا أخرجهم بعد العصر إِلَى المسجد وأحلفهم عَلَى صدقهم فَإِن حلفوا/ 504/ أو 252 ب/ خلي سبيلهم. فقدم زيد بْن علي الحيرة، فنزل بِهَا عَلَى رجل يقال لَهُ: عَبْد المسيح، فولد لَهُ غلام فسماه عيسى، وناظر يُوسُف زيدًا ومحمد، بْن عمر وأصحابهما فَقَالَ ابْن خالد: مالي قبلهم شَيْء. فَقَالَ يُوسُف: أَبِي كنت تهزأ أم بأمير الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لا ولكن استرحت إِلَى قولي وقلت تمسك عَن عذابي إِلَى أن يكتب بحمل من حمل. فعذبه حَتَّى ظن أن قد قتله، ثمّ أخرج زيدا وأصحابه إِلَى المسجد بعد العصر، فحلفوا أنه ليس لخالد وَلا ليزيد عندهم شَيْء وغلظ عليهم الأيمان، وكتب بِذَلِكَ إِلَى هِشَام، فأمره بتخلية سبيلهم وإشخاصهم إلى المدينة. 11- وقد روي أن داود (ظ) وزيدا ومحمد بْن عمر، كانوا فِي عسكر هشام، وأن يوسف بن عمر حمل إِلَيْهِ باقيهم فأحلفهم فحلفوا فخلى سبيلهم.

12- قَالُوا: ولقي زيد بْن علي الأبرش الْكَلْبِيّ وَهُوَ خارج من عند هِشَام، فَقَالَ: إنه والله مَا ترك قوم الجهاد إِلا ذلوا، فسمعها خادم لهشام ويقال: سمعها الأبرش فأبلغها الأبرش هشاما فاحتملها عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: يَا زيد أخرج إِلَى حيث شئت وَلا تدخل الْكُوفَة. 13- قَالُوا: ولحق زيدًا بعد شخوصه من الكوفة قوم من الشيعة، فقالوا له: (ارجع معنا إلى الكوفة وادع إلى الحق ف) إنا نرجو أن يكون (الداعي إلى الحق هو) المنصور [1] وأن يكون هَذَا الزمان زمان هلاك بني أمية. فَقَالَ لَهُ دَاوُد- حين أراد المضي إِلَى الْكُوفَةِ وقد أطلع عَلَى أمره-: يَا أبا الْحُسَيْن إن أَهْل الْكُوفَةِ أصحاب علي وأصحاب الحسين فاحذرهم!!! فلم يقبل (منه زيد) ورجع إِلَى الْكُوفَةِ مستترًا، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بْن عمر بْن علي: قد صدقك ابْن عمك فلا تخرج. فلما أبى مضى إِلَى المدينة وتركه [2] .

_ [1] ما بين المعقوفات زيادة منا لتصحيح الكلام أو توضيحه. [2] وقال السيد أبو طالب: أخبرنا أحمد بن محمد الآبنوسي قال: حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا حسين بن حسن الأنصاري قال: حدثنا عيسى بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عمر بن علي عن أبيه (عن جده) قال: كنت مع زيد بن علي عليهما السلام حين بعث بنا هشام إلى يوسف بن عمر، فلما خرجنا من عنده و (سرنا حتى) كنا بالقادسية، قال زيد بن علي: اعزلوا متاعي عن متاعكم. فقال له ابنه (ظ) : ما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أرجع إلى الكوفة، فو الله لو علمت أن رضى الله عز وجل عني في أن أقدح نارا بيدي (حتى) إذا اضطربت رميت نفسي فيها لفعلت!!! ولكن ما أعلم شيئا أرضى لله عز وجل عني من جهاد بني أمية. وقال أيضا: أخبرنا أحمد بن محمد البغدادي قال: أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق الكوفي قال: حدثني محمد بن عيسى قال: حدثني محمد بن بكر المكي قال: حدثنا عمر بن شمر، عن جابر الجعفي قال: قال لي محمد بن علي عليهما السلام: إن أخي زيد بن علي خارج (ظ) ومقتول وهو على الحق، فالويل لمن خذله والويل لمن حاربه والويل لمن يقتله. قال جابر فلما أزمع زيد بن علي عليهما السلام الخروج قلت له إني سمعت أخوك يقول: كذا وكذا. فقال لي: يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله تعالى وتحوكم بالجبت والطاغوت!!! وذلك إني شاهدت هشاما ورجل عنده يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!!! فقلت للساب له: ويلك يا كافر أما إني لو تمكنت منك لاختطفت روحك وعجلتك إلى النار!!! فقال لي هشام: مه جليسنا يا زيد!!! فو الله لو لم يكن إلا أنا ويحي ابني لخرجت عليه وجاهدته حتى أفنى!!! وقال أيضا: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد البغدادي قال: حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق قال: حدثنا هارون بن سعيد، قال: حدثنا هشام بن محمد، قال: حدثني أبو مخنف قال: قيل لجعفر بن محمد عليهما السلام: ما الذي تقول في زيد بن علي وخروجه على هشام؟ قال (فقال) جعفر عليه السلام: قام زيد بن علي مقام صاحب الطف يعني الحسين بن علي عليهما السلام. أقول: جميع ما نقلناه هاهنا عن السيد أبي طالب، رواه عنه في الباب (7) من تيسير المطالب ص 108، و 109.

14- قَالُوا: ولما قدم زيد الْكُوفَة أقبلت الشيعة تختلف إِلَيْهِ، وأتته المحكمة أيضًا فبايعوه جميعا حَتَّى أحصى فِي ديوانه خمسة عشر ألفا، ويقال: اثنا عشر ألفا من أَهْل الْكُوفَةِ خاصة سوى أَهْل المدائن والبصرة وواسط، والموصل، وخراسان، والري وجرجان، والجزيرة، فأقام بالْكُوفَة بضعة عشر شهرًا، وأتى الْبَصْرَة وأقام بِهَا شهرين، وقد كَانَ وجه دعاته إِلَى الآفاق فأجابه ناس من أهل كل ناحية، وقد كان نزل بالْكُوفَة فِي منزل مولى لَهُ يقال لَهُ: حميد بْن دينار، فِي أحمس، وفي منزل نصر بن خزيمة العبسي فبلغ يوسف أنّه بالكوفة في (بني) عبس، فتحوّل إلى بارق فنزل فيها فِي منزل نصر بْنِ عَبْدِ الرحيم البارقي ثُمَّ تحول إِلَى بني يربوع، ثُمَّ إِلَى بكر بْن وائل. وكتب إِلَى هلال بْن خباب (قاضي المدائن) فأجابه، وَكَانَ إذا بويع قَالَ: أدعوكم إِلَى كِتَاب اللَّهِ وسنة نبيه، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين

وإعطاء المحرومين، وقسم هَذَا الفيء عَلَى أهله، وردّ المظالم وإفضال المحمرة [1] ونصرنا أَهْل البيت عَلَى من نصب لنا الحرب، أتبايعون عَلَى هَذَا؟ فيبايعونه ويضع يده عَلَى يد الرَّجُل ثُمَّ يقول: عليك عهد الله وميثاقه لتنبئن ظننا [2] ولتنصحنا فِي السر والعلانية والرخاء والشدة، والعسرة والميسرة. فيبايع على ذلك [3] . 15- وقرأت في كتب سالم كاتب هِشَام كتابا نسخته: أما بعد فقد عرفت حال أَهْل الْكُوفَةِ فِي حبهم أهل البيت ووضعهم إياهم في غير مواضعهم، لافتراضهم عَلَى أنفسهم طاعتهم ونحلتهم إياهم عظيم مَا هو كائن مما استأثر الله بعلمه دونهم حتى حملوه (كذا) على تفريق الجماعة والخروج عَلَى الأئمة، وقد قدم زيد بْن علي عَلَى أمير الْمُؤْمِنِينَ فِي خصومه فرأى رجلا جدلا لسنا/ 505/ أو 253/ أ/ حولا قلبا خليقا بصوغ الكلام وتمويهه، واجترار الرجال بحلاوة لسانه وكثرة مخارجه فِي حججه، وما يدلي بِهِ عند الخصام من العلو عَلَى الخصم بالقوة المؤدية إِلَى الفلج، فعجل إشخاصه إلى الحجاز، ولا تدعه المقام (ظ) قبلك من لين لفظه وحلاوة منطقه، مَعَ مَا يدلي بِهِ من القرابة برسول اللَّه وجدهم سبيلا إليه (كذا) غير متفرقين. 16- وكتب زيد إِلَى أهل الآفاق كتبا يصف فِيهَا جور بني أمية وسوء سيرتهم ويحضهم عَلَى الجهاد، ويدعوهم إِلَيْهِ، وَقَالَ: لا تقولوا: خرجنا غضبا لكم ولكن قولوا: خرجنا غضبا لله ودينه.

_ [1] كذا في النسخة، فإن صحت فالمراد منه إحقاق حقوق مسلمي العجم الذين كانوا بالكوفة والعراق فإنهم كانوا محرومين عن كثير من الحقوق العامة الإسلامية. [2] رسم الخط في قوله: «لتنبئن» غير واضح. واللفظ التالي كان في الأصل هكذا: «ظنا» . [3] هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة هكذا: «فيما سح على ذلك» .

فبعث زيد بْن علي، عطاء بْن مسلم- وَهُوَ ابْن أخت سالم بْن أَبِي الجعد- إِلَى زبيد بن الْيَامِيّ يدعوه إِلَى الجهاد مَعَهُ، فَقَالَ: أخبره أن نصرته حق وحط ولكني أخاف أن يخذل كما خذل جده الحسين!!! وبعث إلى أبي حنيفة فكاد (أن) يغشى عَلَيْهِ فرقا!!! وَقَالَ: من أتاه من الفقهاء؟ فقيل لَهُ: سلمة بْن كهيل ويزيد بن أبي زياد، وهاشم البريد [1] وأبو هاشم الرماني وغيرهم. فَقَالَ: لست أقوى عَلَى الخروج؟! وبعث إِلَيْهِ بمال قواه بِهِ. وقد كَانَ سلمة بْن كهيل- فيما يقال- أشد النَّاس نهيا لزيد عَن الخروج ويقال: إنه بايعه. وبعث زيد إِلَى سُلَيْمَان الأعمش فَقَالَ: قولوا لَهُ: إني لا أثق لك بالقوم!! ولو وثقت لك بثلاث مائة رجل منهم لغيّرنا لك جوانبها!!! وكتب (زيد) إِلَى الزُّهْرِيّ مَعَ رَسُول لَهُ يدعوه إِلَى الجهاد معه فقال أما ما دام هِشَام حيا فلا، فَإِن أخرت الخروج إِلَى ولاية الوليد خرجت معك 17- وَحَدَّثَنَا يُوسُف بْن محمد، حدثنا حكام الرازي عَن عنبسة، قَالَ: سمعت أبا حصين قَالَ لقيس بْن الربيع: يَا قَيْس، قَالَ: لبيك. قَالَ: لا لبيك وَلا سعديك، تبايع رجلا من ولد رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثم تخذله؟! وكان (قيس بن الربيع) ممن بايع زيدًا. 18- قَالُوا وبلغ يُوسُف بْن عمر بيعة من بايع (زيدا) (من) أَهْل واسط، فحصنها وتوثق من أبوابها واشتد عليهم، وكذلك (صنع مع

_ [1] الظاهر ان هذا هو الصواب، وفي النسخة ذكره بالنون: «البرند» . ثم ان أكثر ما ها هنا ذكره في ترجمة زيد من مقاتل الطالبيين ص 107.

أهل) المدائن، وشحن واسطا بالخيول، وَكَانَ خليفته عَلَى الْكُوفَة الحكم بْن الصلت بْن مُحَمَّد بْن الحكم بْن أَبِي عقيل، فقدم يُوسُف الْكُوفَة فصار إِلَى الحيرة فنزل بِهَا. ولما رأى أصحاب زيد المبايعون، أن يُوسُف بْن عمر، قد علم بأمر زيد وصح عنده خبره وأنه يبحث عَنْهُ ويفحص عَن خبره ويدس إِلَيْهِ، اجتمع إِلَى زيد جماعة منهم من الرؤساء فَقَالُوا: يرحمك اللَّه مَا قولك فِي أَبِي بكر وعمر؟ فَقَالَ: كنا أحق البرية بسلطان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأثرا علينا، وقد وليا علينا وعلى النَّاس فلم يألوا عَن العمل بالكتاب والسنة. ففارقوه ورفضوا بيعته وَقَالُوا إن أبا جعفر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن هُوَ الإمام، وجعفر بْن مُحَمَّد إمامنا بعد أَبِيهِ، وَهُوَ أحق بِهَا من زيد، وإن كَانَ زيد أخاه. فسماهم زيد حين رفضوه وبيعته الرافضة [1] وَقَالَ لهم زيد: وجهوا إِلَى أَبِي جعفر رسولا، فَإِن أمركم بالخروج معي فاخرجوا. فاعتلوا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالُوا: لو أمرنا بالخروج معك مَا خرجنا، لأنا نعلم أن ذَلِكَ تقية منه واستحياء منك! فَقَالَ: كفوا أيديكم عني. وَكَانَ زيد يقول: رفضتني الرافضة كما رفضت الخوارج عَلِيًّا!!! ويقال إن طائفة منهم قَالُوا لمحمد بْن علي قبل خروج زيد: إن أخاك زيدًا فينا يبايع. فَقَالَ بايعوه فهو اليوم أفضلنا. فلما قدموا الكوفة (ظ) كتموا زيدا ما سمعوه/ 506/ أو 253/ ب/ من أَبِي جعفر مُحَمَّد بْن علي أخيه. 19- قَالُوا: وكتب عَبْد اللَّهِ بْن حسن إِلَى زيد: يَا ابْن عم إن أَهْل الْكُوفَةِ قوم نفج العلانية خور السريرة [2] هرج (عند) الرخاء، جزع

_ [1] كذا في الأصل. [2] نفج العلانية- بالتحريك-: ثائر العلانية قوي الظاهر. وخور- كضرر وبشر-: الضعيف. والهرج- بالراء المهملة محركة-: المولع بالفتنة والاختلاط. وبالزاء المعجمة: مغن مطرب.

عند اللقاء، تقدمهم ألسنتهم ولا يشايعهم قلوبهم، لا يثبتون [1] بفناء فيرجون وَلا يثبتون عَلَى عداوة فيخافون!!! ولقد تواترت إلي كتبهم فصممت عَن ندائهم وألبست قلبي غطاء عَن ذكرهم يأسا منهم وإطراحا لهم، وإنما هم كما قَالَ علي رحمه اللَّه تَعَالَى: «إن أهملتم خضتم [2] وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع النَّاس عَلَى إمام طعنتم، وإن دعيتم إِلَى مشاقة أجبتم» !!! 20- وَقَالَ عَلِيّ بْن هاشم: إني سمعت زيدًا يقول: البراءة من أَبِي بكر وعمر، البراءة من علي [3] .

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة هكذا «لا يبون بفناء» . [2] كذا في الأصل، وهذه قطعة من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام في ذم أهل الكوفة، وقد ذكرها السيد الرضي رضوان الله عليه في المختار: (179) من نهج البلاغة وإليك لفظه: أحمد الله على ما قضي من أمر وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب!!! إن أمهلتم خضتم وإن حوربتم خرتم وإن اجتمع النَّاس على إمام طعنتم!!! وإن أجئتم إلى مشاقة نكصتم (كذا) لا أبا لغيركم ما تنتظرون بنصركم؟ ... [3] الحديث غير جامع لشرائط الحجية والقبول، إذ المصنف لم يذكر رواته حتى ينظر في شأنهم وعلى فرض صحته وصدوره نقول: كل من دقق النظر في موقف زيد- رضوان الله تعالى عليه- لا يعتريه ريب ولا يختلجه شك في أن زيدا رحمه الله نطق بهذا الكلام فإنما قاله تقية وحذرا من تفرق من اجتمع عليه، لأن بعض القائلين بإمامة أبي جعفر وابنه جعفر بن محمد عليهما السلام قد خذلوه ورفضوه ولم يبق معه الاجماعة قليلة من مستضعفي الشيعة، وإلا المحكمة والخوارج الذين كلهم كانوا معتقدين لكرامة الشيخين وفضيلتهما!! وبقية من كان معه كانت شرذمة من أهل السنة الذين كانوا لمسوا الأثرة وحرموا من حقوقهم بما كانوا يستنكرون أعمال بني أمية وإخلادهم إلى الدنيا وأخذهم عباد الله بأنواع الظلم والعدوان، وصرفهم فيء المسلمين في شهواتهم وملاذهم!!! واشتراء المغنين واقتناء المغنيات، وإباحتهم الخمر والمعازف في أنديتهم ولبسهم الحرير والذهب وتوليتهم أمور المسلمين بيد الفاتكين والخمارين كحجاج بن يوسف ويوسف بن عمر ومن على شاكلتهما ممن يعز في الوثنيين والزنادقة أمثالهم!!! سبحان الله هل يسوغ لذي مسكة أن ينسب هذا الكلام إلى زيد وانه قاله اختيارا واعتقادا؟! وزيد هو الفقيه في دين الله، العالم بكتاب الله المتضلع بالسنن الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلها دالة على تفضيل علي على جميع المسلمين فرادى وجماعة!!! سبحان الله هل يعقل أن يغفل زيد عن قوله تعالى: «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» !!! هل يتصور أن ينسب إلى زيد أنه خفي عليه قوله تعالى: «فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما» والرجلان لا يوجد لهما موقف كريم تجاه العدو في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!!! وهل يعقل أن يخفي على زيد مباهلة النبي نصارى نجران بعلي وفاطمة وابنيهما صلوات الله عليهم دون صديق القوم وفاروقهم وبناتهما وأبنائهما، وان الله عد عليا في تلك القصة نفس رسول الله ولم يعد الشيخين تراب رجل رسول الله!!! وهل يمكن أن يستر على زيد أن جده ربي في حجر رسول الله وكان يرى نور الوحي ويستشم رائحة النبوة فآمن بالنبي قبل كل أحد من الرجال سبع سنوات أو خمس سنوات كما استفاض به الأخبار الصحيحة من طريق شيعة الشيخين!!! هل يتصور أن يحجب عن زيد عمل جده بآية التناجي- مع قصر ذات يده عن مال الدنيا بسبب إنفاقه ما يملكه وعدم إمساكه على المال- وتقاعد الشيخين عن رسول الله بخلا ورغبة عن مجالسة رسول الله وأخذ العلم عنه حتى أنزل الله تعالى في توبيخهما ومن على شاكلتها: «ء أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقة؟» . ولم يعمل بآية الإنفاق قبل التناجي إلا علي بن أبي طالب باتفاق المسلمين!!! وهل يساوي أحب الخلق إلى الله ورسوله بأناس عاديين؟ حضروا غدات الطير فلم يؤذن لهم؟!! وهل يساوي قسيم النار والجنة بمن كان يشك في نجاته ويتمنى بأنه ليت كان دجاجا ذبحه أهله فأكلوه؟!! وهل يساوي زوج سيدة نساء أهل الجنة بأبي سيدة نساء الناكثين والباغين؟!! وهل يساوي أبو السبطين وبقية رسول الله في أمته بغيره؟!! وهل يساوي من كان الحق والقرآن معه يدوران معه حيثما دار بمن كان يقول: إن لي شيطانا يعتريني؟!! هل يساوي من كان حبه إيمان وبغضه كفر بمن ليس لحبه وزن ولا لبغضه وزر!!! وهل يساوي من ردت عليه الشمس كي يفوز بفضيلة الصلاة في الوقت بمن لم يرد له عنز؟!! وجهات الامتياز وكون علي مخصوصا بعناية الله والفضائل الجمة، وحرمان الشيخين عنها كثيرة جدا- ثابتة من طرق شيعة الشيخين مع شدة اهتمامهم على سترها وعدم إشاعتها بين الناس!!! - وزيد الشهيد كان متصلا بينبوع الوحي والحقائق لم يخف عليه شيء منها، وإنما خفي الأمر على البعيدين عن أهل بيت الوحي والتنزيل فلا مجال لعاقل أن ينسب إلى زيد انه قال ما ذكره عنه في المتن اختيارا واعتقادا، وما أشرنا إليه من مكارم جده المخصوصة به، قد ثبت من طريق أوليائه وأعدائه جميعا فهو مجمع عليه يجب الأخذ به، وما تفرد به شيعة آل أبي سفيان، وأرباب الدعوة الأموية والسياسة الدنيوية، لا وزن له عند العقلاء!!! ومن أراد تحقيق الحال فعليه بكتاب شواهد التنزيل وترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق فإنهما متكفلان لإثبات المعالي العلوية من طريق روات أهل السنة، وشيعة الشيخين!!! ويغنيانه عن غيرهما مما كتب في خصائص علي عليه السلام.

21- قالوا: ولما استتب لزيد خروجه واعد أصحابه الزيدية الَّذِينَ وافقوه عَلَى تولي أَبِي بكر وعمر، ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنين وعشرين ومائة، فخرج قبل الأجل، وذلك أنه بلغ يُوسُف بْن عمر أمره فأمر الحكم أن يجمع وجوه أَهْل الْكُوفَةِ فِي المسجد الأعظم ثُمَّ يحصرهم فِيهِ، فبعث الحكم إِلَى العرفاء والشرط والمناكب ووجوه المقاتلة، فأدخلهم المسجد ثُمَّ نادى مناديه: أيما رجل من وجوه العرب والموالي أدركناه فِي رحله الليلة فبرئت منه الذمة!!! ائتوا المسجد الأعظم. فأتوا المسجد. وطلبوا زيدًا فِي دار إِسْحَاق بْن مُعَاوِيَة الأَنْصَارِيّ ثُمَّ الأوسي- وبلغهم أنه تحول إِلَيْهَا- فلم يقدروا عَلَيْهِ، وذلك لأنه هرب مِنْهَا حين بلغه إقبالهم إليها لطلبه. وخرج (زيد) ليلة الأربعاء لسبع ليال بقين من المحرم سنة اثنين وعشرين ومائة فِي جماعة كانوا حوله وآخرين بعث إليهم رسله فوافوه، فأمر (هم بإشعال النار) فأشعلت النيران في الحرادى [1] فكلما أكلت حردينار رففوا آخر [2] فلم يزالوا كذلك إِلَى طلوع الفجر، وكانت ليلة باردة، فلم يتتام إِلَيْهِ فِيهَا إلا أربعمائة، فقال: أين الناس؟ أتراهم (كذا) تخلفوا للبرد؟ فقيل لَهُ: لا ولكنهم جمعوا في المسجد وأغلقت الدروب (عليهم) ليقطعوا عنك.

_ [1] لعل هذا هو الصواب، وفي النسخة «وأمر واشعلت النيران» . والحرادي- كجواري وحواري- بفتح الحاء: جمع الحردي- بضمها-: أطيان القصب. وهو نبطي معرب. [2] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «فكلما أكلت جرديار» . ورففوا: أشعلوا وأوقدوا.

وقد ذكر بعض أَهْل الْكُوفَةِ أنه اجتمع إِلَى زيد أربعة آلاف فلم يصبح إِلا وَهُوَ فِي ثلاث مائة أَوْ أقل مِنْهَا!!! 22- وَقَالَ أَبُو مخنف فيما حَدَّثَنِي بِهِ عَبَّاس بن هشام، عَن أَبِيهِ عَنْهُ: أن زيدًا أصبح فِي مأتين وثمانية عشر رجلا. 23- وَقَالَ عوانة: أصبح فِي مأتين وخمسين. 24- وقيل: إن يوسف دس مملوكا له خراسانيا ألكن وأعطاه خمسة آلاف درهم فأمره أن يلطأ [1] لبعض الشيعة، فيخبره أنه قدم من خراسان حبا لأهل البيت، وأن معه مالا يريد تقويتهم فلم يزل يتدسس حَتَّى أدخل عَلَى زيد، ثُمَّ دل يُوسُف عَلَيْهِ، فوجه إِلَيْهِ الخيل، فخرج زيد ونادى بشعاره فخرج إِلَيْهِ أقل من ثلاثمائة، فَقَالَ: لا تبعد يَا دَاوُد. 25- قَالُوا: وَكَانَ زيد وجه القاسم بْن عَبْدِ اللَّهِ التنعي [2] من حضرموت لينادي بشعار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاس، وَهُوَ: يَا منصور أمت. وَهُوَ كَانَ شعار زيد الَّذِي واطأ إليه أصحابه، فلقيه جعفر بن عباس (ظ) بْن زيد الكندي فشد عَلَيْهِ وعلى أصحابه فقتل من أصحابه رجلا وارتث القاسم فأتي (بِهِ) يُوسُف بْن عمر فضرب عنقه عَلَى باب القصر.

_ [1] أي يتصل ويلصق بهم يقال: «لطأ زيد بفلان- من باب منع وفرح- لطأ» : لصق به لصوقا. [2] هذا هو الظاهر من رسم الخط من الأصل الموجود عندي من أنساب الأشراف، وفي نسخة سقيمة من مقاتل الطالبيين ص 99: وبعث زيد القاسم بن عمر التبعي ورجلا آخر يناديان بشعارهما ...

فأقبل نصر بْن خزيمة العبسي [1] يريد زيدًا فِي جماعة من الزيدية، فلقيه خليفة الحكم بن الصلت (أبو حفص عمر بن عبد الرحمان) فشد/ 507/ أو 254/ أ/ عَلَيْهِ نصر بْن خزيمة فقتله وانهزم من كان معه. وندب يوسف بن عمر لمحاربة زيد، الحكم بن (الصلت الثقفي، و) عبيد اللَّه [2] بْن عَبَّاس بْن يزيد الكندي، والأصبغ بن ذوالة بن لقيم بن لجأ (ء) بْن حارثة بْن زامل الْكَلْبِيّ. وبعث يُوسُف لمحاربته أيضا الريّان بن سلمة الأراشي [3] من (بني) بلي في القيقانية، وهم ألفان وثلاثمائة، وهم من أهل السند- ويقال: إنهم بخارية لقبوا القيقانية- فلما كَانَ من الغد يوم الأربعاء عبأ زيد أصحابه وعليه درع تحت قباء أبيض ومعه سيف ودرقة، فجعل على ميمنته نصر بن خزيمة،

_ [1] والرجل كان مشهورا بالسطوة معروفا بالشهامة، كما رواه ابن عساكر في ترجمة زياد أبي يحي من تاريخ دمشق: ج 19، ص 20 قال أخبرنا أبو نصر غالب بن أحمد بن المسلم، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن أيمن الدينوري أنبأنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسن إجازة، أنبأنا محمد بن عبد الله العبدي أنبأنا أبي عبد الله بن أحمد، حدثني الحسن بن الحسين أبو سعيد السكري، حدثني سليمان بن أبي شيخ، أنبأنا سليمان بن زياد، عن أخيه يحي بن زياد، قال: كان يوسف بن عمر (والي الكوفة) وجه أبي إلى هشام بن عبد الملك، فقدم علينا أبي من الشام ليلا، فقال لنا: هل عندكم خبر؟ قلنا: لا. قال على ذلك. فقلنا: لا إلا أن زيدا مختف بالكوفة يقولون: إنه يريد الخروج. قال: فمن صاحب أمره؟ قلنا: نصر بن خزيمة العبسي. قال: قاتل الله العباس بن الوليد. قلنا: وكيف ذكرت العباس بن الوليد؟ قال: أتيته مودعا فقال لي: يا أبا يحي اتقوا رجلا من أخوالي بني عبس بالكوفة يقال له: نصر بن خزيمة لا يجني عليكم حربا!!! [2] الظاهر أن هذا هو الصواب، وفي الأصل: وندب يوسف بن عمر الحكم لمحاربة زيد ابن عبيد الله بن عباس ... [3] ولا يأبى رسم الخط أن يقرأ: «سليمة الأراشي ... » . وفي مقاتل الطالبيين ص 100: وبعث الريان بن سلمة البلوي في نحو من ألفي فارس وثلاث مائة من القيقانية رجالة ...

وعلى ميسرته مُعَاوِيَة بْن إِسْحَاق الأَنْصَارِيّ ثُمَّ خطب فذكر أبا بكر وعمر فترحم عَلَيْهِمَا [1] وذكر عُثْمَان وما أحدث، وذم مُعَاوِيَة وبني أمية، ثُمَّ انحاز إِلَى جبانة الصائدين من همدان، وبها خمسمائة فارس من أَهْل الشَّامِ، فحمل عليهم فهزمهم، وَكَانَ عَلَى فرس لَهُ جواد فوقف عَلَى باب رجل ممن بايعه يقال لَهُ: أنس بْن عَمْرو فناداه يَا أنس «قد جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ» . فلم يجبه ولم يخرج إِلَيْهِ، فَقَالَ زيد: ما أخلقكم أن تكونوا فعلتموها، الله حسبكم!!! ثُمَّ أتى زيد الكناسة، فحمل عَلَى جماعة من أَهْل الشَّامِ كانوا بِهَا فهزمهم وشلهم إِلَى المقبرة [2] ويوسف عَلَى تل مشرف ينظر إلى زيد وأصحابه وهو ما بين [3] فلو شاء قتل يُوسُف قتله ولكنه صرف عَنْهُ. ودعا زيد النَّاس بالكناسة وناشدهم فلم يجبه إِلا رجلان أَوْ ثلاثة، فَقَالَ لنصر بْن خزيمة: أراها والله حسينية [4] فَقَالَ نصر: إنما علي أن أضرب بسيفي حَتَّى أموت. 26- قالوا: ثم قال نصر [5] لزيد: إن النَّاس محصورون فِي المسجد فامض بنا إليهم. فخرج زيد بمن مَعَهُ يريد المسجد، فمر عَلَى دار خالد بن عرفطة

_ [1] إن ثبت من طريق صحيح انه قرضهما فالوجه في كلامه رضوان الله عليه في تقريضهما ما قدمناه. [2] أي فرقهم وطردهم إليها. والفعل من باب: «مد» . [3] كذا في الأصل، ولعل الصواب: وهو في مأتين ... ويحتمل أيضا وقوع الحذف في النسخة، فقد ذكر القصة في ترجمة زيد في الباب (7) من تيسير المطالب ص 104، على وجه آخر لعله أقرب إلى الصواب. وفي مقاتل الطالبيين ص 101: «ويوسف بن عمر على التل ينظر إلى زيد وأصحابه وهم يكرون ولو شاء زيد ان يقتل يوسف قتله. [4] هذا هو الظاهر، أي أري معاملة أهل الكوفة معي معاملتهم مع جدي الحسين. وفي الأصل: «أراها والله حسيبة» . [5] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: قالوا: لو قال نصر ...

وبلغ عبيد اللَّه بْن عَبَّاس الكندي- وَكَانَ قائدًا من قواد يُوسُف بالْكُوفَة- إقباله فخرج إليه في أهل الشام الذين كانوا بالكوفة، وأقبل زيد إِلَيْهِ فالتقوا عَلَى باب عمر بْن سعد بْن أَبِي وقاص الزُّهْرِيّ فكاع صاحب لواء عبيد اللَّه [1]- وَهُوَ مولي له- فَقَالَ لَهُ: أحمل يَا ابْن الخبيثة. فحمل حَتَّى انصرف وقد خضب لواءه. ويقال: إنهم التقوا بجبانة السبيع. 27- حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، قَالَ: لما التقوا ضرب واصل الحناط الأحول عبيد اللَّه بْن عَبَّاس الكندي ضربة. وَقَالَ: خذها وأنا الغلام الحناط. فَقَالَ: والله لأتركنك لا تكيل بقفيز بعدها، وحمل عَلَيْهِ فضربه فلم يصنع ابن عباس (شيئا) [2] حَتَّى انتهى إِلَى دار عَمْرو بْن حريث. وجاء زيد ومن مَعَهُ إِلَى باب الفيل، وجعل نصر بْن خزيمة ينادي: يَا أَهْل المسجد اخرجوا من الذل إِلَى العز، ومن الضلالة إِلَى الهدى، اخرجوا إِلَى الدين والدنيا فإنكم لستم في واحد منهما!!! وأشرف أَهْل الشَّامِ عليهم يرمونهم بالحجارة من فوق المسجد، وكانت بالْكُوفَة يومئذ مناوشة فِي نواحيها، وَكَانَ منادي زيد ينادي بين يديه: من ألقى سلاحه فهو آمن، وأمر أصحابه أن ينادوا بذلك. وعرض نساء الْكُوفَةِ عَلَى زيد أن يخرجن فيقاتلن مَعَهُ!!! فقال (لهنّ زيد) :

_ [1] أي خاف وجبن من التقدم إلى زيد والالتقاء معه. [2] لعل هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فلم يصغ ابن عباس» .

« (وَ) قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» [1] فو الله ما ترجى رجالكم فكيف النساء؟! ليس عَلَى النساء وَلا عَلَى المرضى قتال. 28- وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَن ابن عياش [2] الهمداني/ 508/ أو 254 ب/ قَالَ: إني لواقف عَلَى رأس يُوسُف قبل قتل زيد، إذ قَالَ لي: يَا ابْن عياش إن هَذَا الزاني ابْن الزانية- يعني زيدا- قد خرج بأجمة سالم، وقال وبلغني أن عَلَى شرطته نصر بْن سيار!!! قلت: نصر بْن خزيمة العبسي. قَالَ: نعم. فوجه رسولا يأتيه بخبرهم (فرجع الرسول) فَقَالَ: قد استقبل نصر بْن خزيمة أبا حفص عمر بن عبد الرحمان خليفة الحكم فقتله. قَالَ: وَكَانَ يُوسُف دهره سكران من الخمر لا يفيق. 29- قَالُوا: ولما نادى زيد أَهْل المسجد، ونودوا لَهُ فلم يخرج إِلَيْهِ أحد منهم، انصرف إِلَى ناحية دار الرزق، فوجه يوسف إليه (جنودا) فجعلت تمر كردوسا كردوسا [3] ونادى مناديه: إن من جاء برأس الفاسق زيد بْن علي فله ألف دينار. فقوتل أشد قتال وصبر أشد صبر. وقدم عامر بْن ضبارة المري عَلَى يُوسُف أمده بِهِ هِشَام، حين بلغه أن زيدًا بويع ومعه ثمانية آلاف، فانتدب رجل من أصحاب ابْن ضبارة من أَهْل الشَّامِ فطلب المبارزة، فبرز لَهُ نصر بْن خزيمة العبسي فَقَالَ الشامي [4] : من أنت؟

_ [1] قبسة من الآية: (33) من سورة الأحزاب. [2] ولعله هو عبد الله بن العباس المنتوف كما في مقاتل الطالبيين ص 100. [3] الكردوس: الكتيبة والطائفة العظيمة من الخيل. ثم العبارة كما ترى كانت ناقصة، وكان نصب في الأصل العلامة على ذلك ولكن لم يذكر شيئا في الهامش، والظاهر ان الساقط هو ما وضعناه بين المعقوفين. [4] هذا هو الظاهر، وفي النسخة هكذا: «فَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ: من أنت» .

قَالَ: نصر بْن خزيمة العبسي. قَالَ: مَا أحد أبغض إلي من أن أصيبه منك- وكان (الرجل) قيسيا (كذا) - فصاح بِهِ الشاميون فعل اللَّه بك وفعل وأنبوه وعيروه فعطف على نصر فتساولا ساعة ثُمَّ ضرب كُلّ واحد مِنْهُمَا صاحبه فأثخنه (ظ) فرجع نصر مثخنًا ورجع الشامي وقد قطع نصر رجله من الفخذ فهو مثخن أَيْضًا، فمات الشامي ومات نصر، وقد عرف مكانه فأتي بِهِ يُوسُف فأمر بصلبه. 30- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ عَن أَبِيهِ، قَالَ: اجتمع إِلَى زيد في أول ليلة أربعمائة، ثم أصبح وهم أقل من ثلاثمأة!!! ثم لم يزل تؤب إِلَيْهِ العدة بعد العدة، ودعا نصر بْن خزيمة قوما من قَيْس فتتام مَعَ زيد ألف رجل فلقي بهم من لقي (من) أصحاب ابن ضبارة، وكانت وقعتهم بجبانة سالم. ويقال: بغيرها. 31- قَالُوا: ولما قتل نصر بْن خزيمة، وأحاطت الخيول بزيد بْن علي قَالَ: إن القيام لهؤلاء الطغاة لغرر، فلو لجأنا إِلَى الحيطان فجعلناها من وراء ظهورنا فلم يأتو (نا) إِلا من وجه واحد. فصوبه أصحابه فعطف برأس دابته، فناداه أَهْل الشَّامِ: يَا ابْن أَبِي تراب يَا ابْن المنافق [1] يَا ابْن السّندية إلى

_ [1] هكذا كان آل أمية تربي الناس وبهذه العقيدة كانوا يغذون الصغير ويمرنون الكبير!!! ردا على الله وعلى رسوله في قوله تعالى: «أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا؟» . وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم المتواتر بين المسلمين: «يا على لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق» إلى غيرهما من الأدلة، وبمشاقة هؤلاء لله ولأوليائه رد المسلمون إلى أسفل السافلين، وأحدقت بهم المذلة والصغار وحفت بهم النكبات من جميع الجهات، فارجع إلى كتاب شواهد التنزيل وترجمة على من تاريخ دمشق كي تعرف منزلة علي عند الله ورسوله، ويتجلى لك محادة بني أمية وحزبهم لله ولرسوله وانقلابهم على أعقاب جاهليتهم وإضلالهم الناس عن دينهم وسوقهم إلى الكفر والإلحاد!!! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقتل زيد بن علي

أين؟!! فلما سمع زيد ذَلِكَ كر عليهم فكشفهم فما رأى النَّاس قط فارسا أشجع منه، وقد كانوا على ذلك كالمتهنين لقتله، وكانت مواقعته إياهم عند دار الرزق بالْكُوفَة، فلما كَانَ المساء رمي زيد بسهم فِي جبهته من يسارها- وذلك الثبت- ويقال: فِي رجله. 32- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ، عَن أَبِيهِ عَن جده قَالَ: تولى حرب زيد بالْكُوفَة عبيد اللَّه بْن العباس الكندي والأصبغ بن ذوالة الْكَلْبِيّ فِي جماعة بعث بهم إِلَيْهِ يُوسُف من الحيرة وَكَانَ بِهَا، وَهُوَ يومئذ عَلَى الْعِرَاق، وَكَانَ الحكم بْن الصلت بْن مُحَمَّد بن الحكيم ابن أَبِي عقيل الثَّقَفِيّ خليفته عَلَى الْكُوفَة فأهل الْكُوفَة يقولون: رمى زيدًا دَاوُد بْن سُلَيْمَان بْن كَيْسَانَ مولى بشر بْن عمارة بْن حسان بْن جبار الْكَلْبِيّ، وكيسان صاحب الباب بدمشق، وأولاد دَاوُد يدفعون ذَلِكَ وينتفون منه (كذا) ويقولون: رماه رجل من القيقانية فأصاب جبهته وذلك عند المساء، فدعي لَهُ بحجام فنزع [1] النشابة فسالت نفسه مَعَهَا. 33- وَقَالَ أَبُو مخنف/ 509/ أو 255/ أ/: رمي زيد بسهم فِي جبهته فبلغ الدماغ فرجع ورجع أصحابه، وأهل الشَّامِ يظنون أنهم إنما رجعوا للمساء والليل، [مقتل زيد بْن علي] وتحامل زيد حَتَّى دخل دار الجزارين الَّتِي بالسبخة، وأوصى يَحْيَى ابنه بتقوى اللَّه وجهاد بني أمية، ومكث هنيئة ثم قضى ليلة الجمعة، فدفن بموضع من دار الجزارين وأجروا عَلَيْهِ ساقية من ماء السبخة كي يخفي قبره وَكَانَ معهم غلام سندي- أتى زيدًا من أول النهار فِي قوم أتوه ليقاتل معه فلم يقبله (زيدا) وَقَالَ: لا يقاتل مملوك بغير إذن مولاه. - فدل على قبره!!!

_ [1] هذا هو الصواب في النسخة: «فنزل النشابة» .

34- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح، عَن حمزة الزيات قال: دخل زيد (بيت) حرار (بن أبي كريمة) [1] فجاءه (فجاؤه «خ» ) بطبيب يقال له سفيان مولى لبني رواس فانتزع النصل الَّذِي رمي بِهِ من جبهته فلم يلبث أن مات. 35- وَقَالَ أَبُو مخنف: أرسل إلى حجام لحميد الرواسي فَقَالَ لَهُ الحجام: إنك إن نزعته مت مَعَ إخراجه. فَقَالَ الموت أيسر مما أنا فِيهِ. فأخذ الكلبتين وانتزعه، فخرجت نفسه مَعَهُ، ودفن فِي حفرة من الحفر الَّتِي يؤخذ مِنْهَا الطين [2] ومضى عبد سندي إِلَى الحكم فأخبره بخبره. 36- وحدثني العمري (ظ) عَن الْهَيْثَم، عَن عوانة، قَالَ: رمي زيد بسهم فأصاب جبهته أَوْ عينه فسقط فحامى عنه يحي ابنه ووجوه من معه [3] حتى جاوزوه إلى عسكرهم وبه رمق وذلك فِي الظلام، ثُمَّ عبروا بِهِ الفرات بالْكُوفَة، وقطعوا الجسر فانتزعوا السهم ففاضت نفسه مَعَهُ!!! ثُمَّ دفنوه وتفرقوا، فلما أصبح الصبح جاء علج- وقد رآه يدفن- فدل الحكم عَلَى قبره فنبشه واحتز رأسه وبعث به إلى يوسف، وحملت جثته إلى الكناسة بالكوفة- وكان عليه قميص أصفر هروي- (فصلب) وصلب مَعَهُ مُعَاوِيَة بْن إِسْحَاق الأَنْصَارِيّ وَكَانَ (قتل) قبل ذلك في المعركة (وكذلك صلب معه) نصر ابن خزيمة العبسي وزياد النهدي، ثُمَّ خلى سبيل أهل المسجد.

_ [1] كلمة «حرار- أو جزار-» غير جلية بحسب رسم الخط، وفي نسخة سقيمة من مقاتل الطالبيين ص 104: «دخل (زيد) بيت حران بن أبي كريمة: في سكة البريد في دور أرحب وشاكر ... » . [2] كذا. [3] وجل ما في هذه الورقة/ 255/ أ/ من الأصل كان غير مقروء فقرأناه بمعونة المكبرة وأصلحنا النواقص بوضعها بين المعقوفات.

وبعث يوسف برأس زيد وسائر رؤس من قتل مَعَهُ إِلَى هِشَام بْنِ عَبْدِ الملك [1] وطلب يحي بن زيد فلم يقدر عليه. 37- وحدثني أَبُو الحسن المدائني قَالَ: لما أتي يُوسُف برأس زيد 3/ 446- وهو بالحيرة [2]- فطرح إِلَيْهِ، ثُمَّ تفرقوا وَهُوَ مطروح فِي ناحية منزله فجاء ديك فنقره فقال الكلبي. اطرد الديك عن ذوابة زيد ... طالما كان لاقطا للدجاج [3] ابن بنت النبي اكرم خل ... ق اللَّه زين الوفود والحجاج حملوا رأسه إِلَى الشام ركضا ... بالسرى والبكور والأدلاج

_ [1] روى ابن عساكر في ترجمة زيد من تاريخ دمشق: ج 6 من النسخة الظاهرية الورق 327/ وفي نسخة ج 19/ الورق 148- وفي تهذيبه: ج 6 ص 24- قال: حدثني أبو القاسم محمود بن عبد الرحمان البستي، أنبأنا أبو بكر ابن خلف، أنبأنا أبو عبد الله الحاكم، أنبأنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي أنبأنا عبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي أنبأنا موسى بن محمد البلغاري (ظ) : أنبأنا الوليد بن محمد الموقري قال: كنا على باب الزهري إذ سمع جلبة فقال: ما هذا يا وليد؟ فنظرت فإذا رأس زيد بن علي يطاف به بيد اللعابين!!! فأخبرته فبكى الزهري ثم قال: أهلك أهل هذا البيت العجلة. قلت: ويملكون؟ قال: نعم حدثني علي بن الحسين، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: أبشري (ظ) المهدي منك. ورواه أيضا في ترجمة زيد الشهيد من مقاتل الطالبيين ص 143، وفي ط ص 105، بسند آخر، عن الموقري عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن فاطمة، عن رسول الله صلى الله عليهم أجمعين. [2] من قوله: «وهو بالحيرة- إلى قوله- اطرد الديك» كأنه ضرب عليه الخط، ولا يكون مقروءا في جميع كلماته بنحو القطع. [3] هذا المصرع غير مقروء على نحو القطع واليقين وكذلك المصرع الأخير.

38- وحدثني محمد بن الأعرابي (ظ) عَن سعد بْن الحسن بْن قحطبة، قَالَ: رمى زيدًا رجل من ولد كيسان مولى كلب، فأخذه عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العباس بالشام فقتله وصلبه (ظ) . 39- وَقَالَ ابْن عَبَّاس الْكَلْبِيّ: حين قتل زيد (قالت) ريطة بنت أَبِي هاشم عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن الحنفية أم يحي بْن زيد: بسيف ابْن عَبَّاس وسيف ابْن زامل [1] حدت ... يعني عبيد الله بن العباس (بن يزيد الكندي) والأصبغ بن ذوالة، تقول: بسيفي هذين غلب أصحاب زيد ودمرت (ظ) حرمته. 40- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنِي أصحابنا [2] قالوا أعطى يوسف الذي جاء برأس نصر بْن خزيمة، ودلهم عَلَى جثته ألف درهم وأعطى الذي جاء برأس مُعَاوِيَة بْن إِسْحَاق الأَنْصَارِيّ ودلهم عَلَى جثته سبعمائة (ظ) درهما. 41- وقال: بعض الهمدانيين [3] في (رثاء) زيد/ 510/ أو 255 ب/: يا أبا الحسين فلو رجال بصيرة [4] ... نصروك كان لوردهم إصدار

_ [1] هذا هو الموافق لما مر في ص 245، وفي الأصل هاهنا: «ابن زمر» والمصرع الثاني من البيت غير مقروء عدى كلمة: «حدت» . [2] كلمة: «أصحابنا» غير مقروءة بنحو القطع. [3] كلمة: «الهمدانيين» غير واضحة بحسب رسم الخط، وإنما كتبناها ظنا. [4] لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: فلو ارجال بصيرة.

يا أبا حسين كيف عذت بمعشر ... غدر لئام [1] أسلموك وطاروا غرّوا أباك وأسلموه وقبله [2] ... غرّوا الوصي وكلّهم غرّار 42- وقال أبو تميلة (الأبار يرثي زيدا) في قصيدة له [3] : يا أبا الحسين أعار فقدك لوعة ... من يلق ما لاقيت منها تكمد كنت المؤمل للعظائم وَالَّذِي ... يرجى لأمر الأمة المتأود أرضيتم فِي دينكم أن تأمنوا ... والخوف (ظ) فِي أبيات آل مُحَمَّد ونساؤكم بغضارة وبشاشة ... ونساؤهم يعولن بين العود يبكين أشيب بالكناسة طيبا [4] ... نبش التراب عَلَيْهِ من لم يوسد 43- وَقَالَ آخر: لعن اللَّه حوشبا ... وخراشا ومزيدا إنهم حاربوا الإله ... وآذوا محمدا يَا خراش بْن حوشب ... أنت أشقى الورى غدا وَكَانَ خراش على شرط يوسف بن عمرو، وَهُوَ تولى نبش زيد وصلبه. 44- وَحَدَّثَنِي يُوسُف بْن مُوسَى عَن جرير بْنِ عَبْدِ الحميد، عن مغيرة قال: كنت كثير الضحك، فلما قتل زيد أنقطع ضحكي. 45- قَالُوا: وبعث يُوسُف بْن عمر، إِلَى أم امرأة لزيد أزدية، فهدم دارها وحملت إِلَيْهِ!!! فَقَالَ لَهَا: أزوجت زيدًا؟ قَالَت: نعم زوجته وَهُوَ سامع

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: غدر ايام أسلموك وطاروا. [2] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «وقبلهم» . [3] والقصيدة طويلة، وذكر منها أربعة عشر بيتا في ترجمة زيد وابنه يحي عليهما السلام من مقاتل الطالبيين ص 110. [4] ويساعد رسم الخط على أن يقرء «طببا» بالموحدتين.

مطيع، ولو خطب إِلَيْك إذ كَانَ كذلك لزوجته [1] فقال: شقوا عليها ثيابها!!! (فشقوا عَلَيْهَا ثيابها) فجلدها بالسياط وهي تشتمه وتقول: ما أنت بعربي!!! أتعريني وتضربني؟! لعنك اللَّه. فماتت تحت السياط، ثُمَّ أمر بِهَا فألقيت فِي العراء!!! فسرقها قومها ودفنوها فِي مقابرهم. 46- قَالُوا: وأخذ امرأة قوت زيدا على أمره فأمر بها أن يقطع يدها ورجلها!!! فقالت: اقطعوا رجلي أولا حَتَّى أجمع علي ثيابي!!! فقطعت يدها ورجلها ولم تحسم (ظ) حتى ماتت [2] وضربت عنق زوجها!!! وضرب امرأة أشارت عَلَى أمها أن تؤوي ابنة زيد، خمس مائة سوط، وهدم دورًا كثيرة. وأتى يُوسُف بعبد اللَّه بن يعقوب السلمي من ولد عقبة بن فرقد، وكان زوج ابنته من يحي بْن زيد، فَقَالَ لَهُ يُوسُف: ائتني بابنتك. قَالَ: وما تصنع بِهَا جارية عاتق فِي البيت!! قَالَ: أقسم لتأتيني بِهَا أَوْ لأضربن عنقك- وقد كَانَ كتب إِلَى هِشَام يصف طاعته- فأبي أن يأتيه بابنته فضرب عنقه، وأمر العريف أن يأتيه بابنة عَبْد اللَّهِ بْن يعقوب فأبي، فأمر بِهِ فدقت يده ورجله!!!

_ [1] انظر إلى قوة حجتها وإعلاء كلمتها لو كان للخصم ضمير، ولآل أمية عرق من الإنسانية والبشرية!!! ولكنهم أبناء إخلاد إلى الدنيا، وأحقاد جاهلية وكفر بالرسالة وإنكار للمعاد، وإذعان بأن الملك عقيم!!! ولولا ذلك لم يفعلوا ما لا يسوغه من له أدنى مشاعر الإنسانية، ولا تجوزه الشريعة حتى بالنسبة إلى المشركات!!! [2] راجع أحكام النساء المشركات المسبيات في الفقه الإسلامي وكذا وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمراء السرايا والغزوات كي يتجلى لك أن آل أمية ومن شايعهم ليسوا من الإسلام في شيء وأنهم بأعمالهم البربرية هدموا الإسلام واجتثوا أس المسلمين، وانحازوا بهم إلى ألقاب الجاهلية الوثنية!!! فعلى الإسلام وسمعته الطيبة فليبك الباكون حيث عوقه وشوه سمعته الميمونة، أبناء المشركين والمنافقون!!! وما أحسن ما قاله عبد الله بن مصعب الزبيري في شأن الدولة الأموية والعباسية: وتنقضي دولة أحكام قادتها ... فينا كأحكام قوم عابدي وثن!!! فكان ما بروا بالجور أعظمنا ... بري الصناع قداح النبع بالسفن

ووكل يوسف بخشبة زيد أربعمائة رجل يحرسونها، ينوب فِي كُلّ ليلة مائة رجل، وبنا حول جذعه [1] بناءا كالدكة من آجر.

_ [1] يعني الجذع الذي صلب عليه زيد رضوان الله تعالى عليه، روى ابن عساكر- في ترجمة زيد من تاريخ دمشق ج 6 من النسخة الظاهرية الورق 330 وفي نسخة: ج 19، ص 15، وفي تهذيبه: ج 6 ص 25- قال: قرأت بخط أبي الحسن ابن نظيف- وأنبأنيه أبو القاسم العلوي وأبو الوحش المقري عنه- أنبأنا إبراهيم بن علي بن إبراهيم، أنبأنا أبو العباس أحمد بن بكران بن ساذان، أنبأنا الحسين ابن علي حدثني محمد بن سلام، أنبأنا إسماعيل: عن الحسن بن محمد بن معاوية البجلي قال: كان زيد بن (علي) صلب بوجه وجهه ناحية الفرات، فيصبح وقد دارت خشبته ناحية القبلة مرارا!!! وعمدت العنكبوت حتى نسجت (ظ) على عورته، وكانوا صلبوه عريانا!!! وقال أيضا: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرفندي، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز أنبأنا أبو الحسين ابن بشران، أنبأنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك، أنبأنا أبو سهل سعيد بن عثمان بن بكر الأهوازي وأبو العباس محمد بن موسى قال: أنبأنا أحمد بن أبي بكر العتكي: أنبأنا جرير بن حازم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم مسندا ظهره إلى خشبة زيد بن علي وهو يبكي ويقول: (أ) هكذا تفعلون بولدي؟!! والحديث على لفظ سعيد بن بكر. كذا قال (الراوي) : أحمد (بن أبي بكر) العتكي. وقال غيره: عبد الله (بن أبي بكر العتكي) . أخبرناه أبو بكر محمد بن الحسين، أنبأنا أبو الحسين ابن المهتدي، أنبأنا عبيد الله بن أحمد ابن علي بن الحسين، أنبأنا محمد بن مخلد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمان بن يونس أنبأنا عبد الله بن أبي بكر العتكي: أنبأنا جرير بن حازم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه متساند إلى خشبة زيد بن علي- في المنام- وهو مصلوب وهو يقول: هكذا تفعلون بولدي؟! وكذا روي من وجه آخر أخبرناه أبو محمد ابن طاوس، أنبأنا أبو الغنائم ابن أبي عثمان، أنبأنا أبو الحسين ابن بشران، أنبأنا أبو علي ابن صفوان، أنبأنا ابن أبي الدنيا، حدثني محمد بن إدريس أنبأنا عبد الله بن أبي بكر ابن الفضل العتكي: أنبأنا جرير حازم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام (وهو) متساند إلى جذع زيد ابن علي وهو مصلوب، وهو يقول للناس: هكذا تفعلون بولدي؟!! ورواه أيضا السيد أبو طالب في أماليه- كما في الباب: (7) من ترتيبه تيسير المطالب ص 104، ط 1- قال: حدثني أبي رحمه الله تعالى قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الآملي. وحدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحميدي قال: حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي قال: حدثنا جرير بن حازم عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وهو مسند ظهره إلى جذع زيد بن علي عليهما السلام وهو مصلوب ويقول للناس: أهكذا تفعلون بولدي؟ - زاد إبراهيم في حديثه- أهذا جزائي منكم؟!

وَكَانَ زهير بْن مُعَاوِيَة أحد من يحرسه [1] . فلما مات هِشَام وولي الوليد بْن يزيد، وفد إِلَيْهِ يُوسُف، فلما رجع من عنده إِلَى الْكُوفَةِ، أمر بإحراق زيد عَلَيْهِ السلام، فجمع الحطب والقصب، وجاء الغوغاء من ذَلِكَ بشيء كثير!!! فأعطاهم دراهم كثيرة ثُمَّ أمر بِهِ فأحرق وألقي رماده فِي الفرات [2] . 47- ويقال: إن الوليد قَالَ لَهُ: انظر عجل أَهْل الْكُوفَةِ، فحرقه ثُمَّ أنسفه فِي اليم نسفا. 48- ويقال: إنه كتب إِلَيْهِ بذلك.

_ [1] وإنما أتى بالتذكير، بملاحظة المعنى أي أحد من يحرس بدن زيد. أو الجذع الذي صلب عليه زيد. وعلى الثاني فالتذكير بلحاظ اللفظ والمعنى جميعا. [2] من تصفح تاريخ السلف يتجلى له أن هذا العمل وما يشابهه من خصائص أعداء أهل البيت لم يصدر من أي طاغية من الوثنيين إلا من أخيهم نمرود.

وكتب يُوسُف بْن عمر إِلَى هِشَام، فِي أم ولد لزيد ومعها ثلاثة أولاد لَهَا صبيان، فأمر أن يدفعوا إِلَى أقرب النَّاس إليه، فدفعوا إلى الفضل بن عبد الرحمان بن/ 511/ أو 256/ أ/ عباس بن ربيعة بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب وَهُوَ الَّذِي يَقُول: إِذَا مَا كنت متخذًا خليلًا ... فلا تجعل خليلك من تميم بلونا حُرّهم والعبدَ مِنْهُم ... فَمَا عُرف العبيدُ من الصميم موالينا إِذَا احتاجوا إلينا ... وسيرٌ قُدَّ من وسط الأديم وأعداءٌ إِذَا مَا النعل زلّت ... وأولُ من يغير عَلَى الحريم وَهُوَ الَّذِي قال- يرثي زيدا في قصيدة طويلة [1]-: ألا يا عين جودي ثُمَّ جودي ... بدمعك ليس ذا حين الجمود وَلا حين التجلد فاستهلي ... وكيف جمود دمعك بعد زيد أبعد ابْن النَّبِيّ أَبِي حسين ... صليبا بالكناسة فوق عود يظل علي عموديه ويمسي ... بنفسي أعظم فوق العمود تعدى المترف الجبار فِيهِ ... فأخرجه من القبر اللحيد دعاه معشر غروا أباه ... حسينا بعد توكيد العهود 47- قَالُوا: ولما فرغ يُوسُف (من) أمر زيد، صعد منبر الْكُوفَة فشتم أهلها وَقَالَ: يَا أَهْل المدرة الخبيثة، والله مَا يقعقع لي بالشنان، وَلا تقرن بي الصعبة [2] لقد هممت أن أخرب بلدكم وأحربكم بأموالكم [3] والله

_ [1] وفي ترجمة زيد رضوان الله عليه من مقاتل الطالبيين ص 109، ذكر خمسة وعشرين بيتا منها. [2] كلمة «تقرن» غير واضحة ويمكن ان تقرء «تقود» . [3] أي أسلبكم أموالكم. والفعل من باب نصر.

مَا أطلت منبري إِلا لأسمعكم عَلَيْهِ مَا تكرهون!! فإنكم أَهْل بغي وخلاف، ولقد سألت أمير الْمُؤْمِنِينَ أن يأذن لي فيكم، ولو فعل لقتلت مقاتلتكم ولسبيت ذريتكم!!! إن يحي بن زيد لينتقل فِي حجال نسائكم كما كَانَ أبوه يفعل، وما فيكم مطيع إِلا حكيم بْن شريك المحاربي وو الله لو ظفرت بيحياكم [1] لعرقت خصيتيه كما عرقت خصيتي أبيه. وكتب (يوسف) إِلَى هِشَام فِي أَهْل الْكُوفَةِ، فكتب إِلَيْهِ (هشام: إن) أَهْل الْكُوفَةِ أَهْل سمع وطاعة فمر لهم بأعطياتهم، فَقَالَ: يَا أَهْل الْكُوفَةِ إن أمير الْمُؤْمِنِينَ قد أمر لكم بأعطياتكم فخذوها لأبارك اللَّه لكم فِيهَا. وَكَانَ شريك بْن حكيم يسعى بزيد [2] . ورأت امرأة عَلَى زيد، بردًا حسنا- وذلك قبل خروجه- فسألت زوجها أن يشتري لَهَا مثله فَقَالَ: تكلفني أبراد زيد ووشيه ... ولست ببيّاع [3] بذي السوق تاجر ويقال: إنه (في قصة) زيد بْن حسن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب [4] . 48- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود، قَالَ: دخل رجل من الأنصار بين زيد وعبد اللَّه بْن حسن، فَقَالَ لَهُ زيد، مَا أنت والدخول بيننا، فأنت ابن قحطان (ظ) . فقال: أنا والله خير منك فانتزى لَهُ رجل من قريش فَقَالَ: كذبت والله هُوَ خير منك نفسا وأما وأبا. وأولا وآخرًا وفوق الأرض وتحتها. فحلف زيد أن لا ينازع عَبْد اللَّهِ بين يدي الوالي. وقاما.

_ [1] هذا هو الصواب في الأصل بالمثناة الفوقانية. [2] لعل هذا هو الصواب. وفي النسخة: «سعى يريد» ولعل ما قبله أيضا فيه تقديم وتأخير، وان الصواب: «حكيم بن شريك» ؟ أو أن ما تقدم قبل خمسة أسطر فيه تقديم وتأخير فليحقق. [3] هذا هو الظاهر وفي النسخة: «بيتاع» . [4] وهذا أقرب إلى الواقع ونفس الأمر، لأن زيد الشهيد صلوات الله عليه كان فقيها عابدا زاهدا في الدنيا وزخارفها، بخلاف زيد بن الحسن بن الحسن فإنه كان مشابها لبني أمية ومجاريا معهم في أمور كثيرة، وقد ولوه المدينة وصاهر معهم وكان غير مرضي عند الطالبيين.

أمر يحيى بن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام

أمر يَحْيَى بْن زيد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عليهم السلام 1- حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن علي الحرمازي، عَن علي القصير مولى قريش قَالَ: لما قتل زيد بْن علي استخفى ابنه يحي، ثُمَّ هرب- حين سكن عَنْهُ الطلب- إِلَى خراسان فقتل بِهَا، رماه رجل من أصحاب نصر بن سيّار، فقتله وأخذ رأسه (إلى نصر بن سيّار) فبعث بِهِ نصر إِلَى يُوسُف بْن عمر. وكان يحي بْن الْحُسَيْن بْن زيد يسمى ذا الدمعة، وكانت عينه لا تكاد تجف من الدموع! فقيل لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: وهل/ 512/ ترك السهمان فيّ مضحكا ... سهم زيد وسهم يحي بْن زيد 2- وَقَالَ الكوفيون: لما قتل زيد أتى يحي جبانة السبيع فلم يزل بِهَا وَهُوَ فِي عشرة، فقيل لَهُ: قد فضحك الصبح وأين تريد؟! [1] فأتى «نينوى» ثم أتى قرية نصر بن هبيرة- ولم يكن القصر يومئذ (كذا) - فنزل عَلَى رجل من أَهْل الْكُوفَةِ يقال لَهُ: سالم فتفرق أصحابه عَنْهُ، ثُمَّ أتى المدائن وهي إذ ذاك طريق النَّاس إِلَى خراسان، فبلغ يُوسُف خبره فسرح فِي طلبه حريث بْن أَبِي الجهم الْكَلْبِيّ فخرج حَتَّى أتى المدائن، ومضى يحي حَتَّى أتى الري فأقام بِهَا أياما، ثُمَّ توجه إِلَى سرخس فأقام بِهَا ستة أشهر، عند يزيد بْن عمر، وأتاه قوم من المحكمة، فسألوه أن يبايعوه على قتال بني أمية، فأعجبه ذَلِكَ منهم، فنهاه يزيد بن عمر، وقال: كيف تقاتل بقوم يتبرءون من علي وأهل بيته، فَقَالَ لهم قولا جميلا وفرقهم عنه، وأتى (يحي) بلخ من سرخس فأقام عند

_ [1] وفي ترجمة يحيى من مقاتل الطالبيين ص 111، عن سلمة بن ثابت قال: فقلت له: أين تريد؟ قال أريد النهرين- ومعه أبو الصبار العبدي- قال: فقلت له: إن كنت تريد النهرين فقاتل هاهنا حتى تقتل. قال: أريد نهري كربلا ...

الحريش- وَهُوَ رجل من ربيعة- فلم يزل عنده حَتَّى مات هِشَام بْنِ عَبْدِ الملك، وكتب يحيى إلى بني هاشم من خراسان: خليلي عني بالمدينة بلغا ... بني هاشم أَهْل النهى والتجارب فحتى متى لا تطلبون بثأركم ... أمية إن الدهر جم العجائب لكل قتيل معشر يطلبونه ... وليس لزيد بالعراقيين طالب 3- قَالُوا: وبلغ يُوسُف بْن عمر خبر يحي فكتب إِلَى نصر بْن سيار أن خذ الحريش بيحي بْن زيد حَتَّى يأتيك بِهِ، فكتب نصر إِلَى عقيل بْن معقل عامله عَلَى بلخ فِي ذَلِكَ، فجحد الحريش أن يكون يعرف مكانه، فحمله إِلَى نصر فلم يقر لَهُ بأنه عنده وَلا أنه يدري أين هُوَ، فضربه ستمائة سوط وهو يقول: دلني على يحي. فيقول: والله لو كَانَ تحت قدمي مَا رفعتها عَنْهُ فاصنع مَا أنت صانع!!! فلما رأى ذَلِكَ ابنه قريش بْن الحريش دل على يحي!! فوجد في بيت جوف بيت فأخذوه ومعه يزيد بْن عمر، ورجل آخر من عَبْد القيس شخص مَعَهُ من الْكُوفَة، فحمله إِلَى نصر، فلما صار إِلَيْهِ حبسه وكتب نصر إلى يوسف يخبره (به) فكتب بِذَلِكَ إِلَى الوليد، فأمر الوليد أن يؤمن يحي ويخلي سبيله وسبيل أصحابه، وَقَالَ: إنما هُوَ رجل هرب واستخفى. فأطلقه نصر وأمره أن يلحق بالوليد، وأعطاه ألفي درهم ونعلين. فخرج (يحي) حَتَّى أتى سرخس فبعث إِلَيْهِ نصر من أزعجه، وكتب إِلَى العمال فِي إزعاجه وأن يسلمه كُلّ عامل إِلَى العامل الَّذِي يليه، وكان (يحي) يبسط لسانه فِي بني أمية والوليد ويوسف بْن عمر، وهشام فيكف عَنْهُ، فلما صار بأبر شهر سلم إِلَى عاملها عَمْرو بْن زرارة، فبره وأمر لَهُ بألف درهم نفقة. ويقال بخمسة آلاف درهم. فلما صار من بيهق خاف أن يصير إلى يوسف فيغتاله وبيهق أقصى عمل خراسان، وكان يحي بن زيد قد اشترى دواب فحمل

أصحابه عَلَيْهَا وهم سبعون رجلا، فرجع إِلَى عَمْرو بْن زرارة، فَقَالَ: إني إنما أريد بلخ ولست أقيم فِي عملك إِلا ريثما أريح وأستريح فإني أجد علة، فأقام بأبر شهر أياما، وكتب عَمْرو بْن زرارة بِذَلِكَ إِلَى نصر، فوجه نصر جيشا أمده بِهِ، فواقعهم يحي وَهُوَ فِي سبعين فهزمهم وقتل عمرًا وعدة من أصحابه وأخذ سلاحهم. وسار (يحيى) حَتَّى أتى هراة، ثُمَّ أتى الجوزجان، فانضم إِلَيْهِ قوم من أهلها وأهل الطالقان والفارياب/ 513/ أو 257/ أ/ وبلخ، فتتام جميع من معه مائة وخمسين رجلا. فلما بلغ نصرًا مقتل عَمْرو بْن زرارة ونزول يحي الجوزجان، وجه سلم ابن أحوز التَّمِيمِيّ من بني كابية بْن حُرْقُوص بْن مازن بْن مالك بن عمرو ابن تميم فِي ثمانية آلاف من أَهْل الشَّامِ وغيرهم من أَهْل خراسان. فخرج سلم فواقعه وقد عبأ أصحابه فجعل سورة بن محمد بن عبد الله ابن عزيز الكندي عَلَى ميمنته، وحماد بْن عَمْرو السعدي على ميسرته. وعبأ يحي أَيْضًا أصحابه فاقتتلوا ثلاثة أيام ينتصف كُلّ من كُلّ وليست تزول قدم رجل من أصحاب يحي!!! فلما كان في اليوم الثالث من آخر النهار رمى رجل من موالي عنزة يحي بنشابة فأصابت جبهته، وحف بِهِ أصحابه فقاتلوا أشد قتال سمع بِهِ، ولم يفارقوه حَتَّى قتلوا عَن آخرهم!!! ووجد سورة بْن مُحَمَّد بن عبد الله يحي قتيلا فاحتز رأسه، وأخذ الَّذِي رماه سلبه حتى قميصه!!! فلما ظفر أبو مسلم أخذ سورة بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بن عزيز الكندي والرجل الذي رمى (يحي) فقطع أيديهما وأرجلهما وصلبهما. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بن عزيز من أصحاب ابن الحنيفة، وقتل يوم عين الوردة مع التوابين. وبعث سلم بن أحوز برأس يحي إِلَى نصر. فبعث بِهِ نصر إِلَى يُوسُف ابن عمر، وبعث بِهِ يُوسُف إِلَى الوليد بْن يزيد.

وصلبت جثته عَلَى باب الجوزجان سنة خمس وعشرين ومائة، فلم يزل جثة يحي مصلوبة إِلَى أن ظهرت المسودة بخراسان، فأنزلوه وغسلوه وكفنوه وصلوا عَلَيْهِ ودفنوه، وتولى ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ خالد بْن إِبْرَاهِيمَ، وخازم بْن خزيمة، وعيسى بْن ماهان. وبلغ أبا مسلم أن إبراهيم بن ميمون الصائغ، كان ممن أعان على يحي فقتله، وتتبع قتلة يحي وأصحابه فجعل يقتلهم فقيل لَهُ: إن أردت استقصاء أمرهم فعليك بالديوان فلم يدع أحدًا ممن وجد اسمه فِي الجيش الموجه إِلَيْهِ ممن قدر عَلَيْهِ إِلا قتله. وَكَانَ إِبْرَاهِيم البيطار (من) أشد الناس على يحي فمر أبو مسلم يوما وغلمان (يلعبون) بالحمام فَقَالَ قائل منهم: سقط حمامي فِي منزل إِبْرَاهِيم البيطار. فسأل عَن منزل إِبْرَاهِيم فوقفوه عَلَيْهِ فأمر بِهِ فاستخرج من منزله فعرفه بالصفة (ظ) وأقرّ بإعانته على يحي فقطع يديه وصلبه فَقَالَ الشاعر: ألا يَا عين ويحك أسعديني ... لمقتل ماجد بالجوزجان وقتل سلم بْن أحوز، بجرجان، حين قدمها قحطبة وَهُوَ يريد الْعِرَاق، وسلم هُوَ الَّذِي قتل جهم بن صفوان صاحب الجهمية بمرو. 4- وحدثني محمد بن الأعرابي قال: قتل يحي بالجوزجان، وصلب فِي طاق بِهَا، فلم يزل مصلوبا حَتَّى ظهر أمر أَبِي مسلم بخراسان، فأمر به فأنزل و (و) وري و (هو الذي) تولى الصلاة عَلَيْهِ ودفنه، وتتبع جميع من قاتله فقتلهم إلا من أعجزه منهم (أ) وسود (من) أهل خراسان. 5- وقال أبو عبيدة: هرب يحي ومعه زهير بْن مُحَمَّد العامري فأخفاه فِي قرية لعبد الملك بْن بشر بْن مروان، فطلب فلم يقدر عليه، فلما سكنت

الافره [1] مضى إِلَى خراسان وَكَانَ مَعَهُ أَبُو نميلة مولى بني عبس وَكَانَ دليل نصر بْن سيار عَلَيْهِ [2] . 6- وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الأثرم، عَن أَبِي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن المثنى عَن أَبِي جنادة العدوي قَالَ: خرج أَبُو مسلم فِي رمضان للطلب بدم يحي بْن زَيْد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أبي طالب عليهما السلام فعقد لواء أسود، وخرج ومن مَعَهُ مسودين/ 514/ أو 257 ب/ كما يلبس للإحداد، وَكَانَ ذَلِكَ أول سواد رأيناه فاقشعررنا منه. 7- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ قال: هرب يحي بْن زيد فاستخفى ولم يقدر يُوسُف بْن عمر عَلَيْهِ وانطوى عَنْهُ خبره، فلما كف عَنْهُ الطلب مضى إِلَى خراسان، فدل نصر بْن سيار عَلَيْهِ، فكتب إِلَى عامله عَلَى بلخ فأخذه وحمله إِلَى نصر فِي الحديد، فَقَالَ لَهُ نصر: ارحل عَن خراسان إِلَى حيث شئت، فَإِن أباك قتل أمس وأنا أكره أن أقتلك اليوم أَوْ أعرضك للقتل. فلم يقبل قوله وأتى نيسابور، فاجتمع إِلَيْهِ قوم فقتل عاملها وَهُوَ رجل من بني سليم وأخذ مَا فِي بيت المال، فوجه نصر بْن سيار إِلَيْهِ سلم بْن أحوز المازني من تميم صاحب شرطته، فقاتله فِي يوم جمعة إِلَى وقت الصلاة، ثم تحاجزوا، ودخل يحي وأصحابه منقلة [3] ليتوضئوا للصلاة ويصلوا، فكرّت عليهم خيل سلم [4] وهم غارون فقتلتهم، وشد رجل من كندة يقال لَهُ سورة بن

_ [1] كذا. [2] كذا في الأصل، والظاهر انه وقع في الكلام حذف وسقط. [3] المنقلة: الطريق في الجبل. أرض ذات حجارة صغيرة. [4] هذا هو الظاهر، أي فعطفت عليهم فوارس جند سلم ... وفي الأصل: «فكررت عليهم سلم الخيل ... » .

محمد على يحي فقتله واحتز رأسه وأتى نصرًا بِهِ، فبعث به إلى وليد بن يزيد فنصبه بدمشق. 8- (و) قال الشاعر في يحي حين حمل مكبلا [1] : أليس بعين اللَّه مَا تصنعونه ... عشية يحي موثق في سلاسل كلاب تعاوت لا هدى اللَّه أمرها ... فجاءت بصيد لا يحل لآكل وبعضهم يقول: صلب (يحي) بالطالقان. وذلك غلط. 9- المدائني قَالَ: كَانَ زيد بْن علي يقول: اطلب مَا يعنيك واترك مَا لا يعنيك، فَإِن فِي ترك مَا لا يعنيك دركا لما يعنيك، وإنما تقدم عَلَى مَا قدمت لا عَلَى مَا أخرت، وآثر مَا تلقاه غدًا عَلَى مَا لا تلقاه أبدا [2] .

_ [1] قال أبو الفرج- في ترجمة يحي من مقاتل الطالبيين ص 113-: فحدثني محمد بن العباس البريدي قال: أخبرني الرياشي قال: قال رجل من بني ليث يذكر ما صنع بيحي بن زيد «أليس بعين الله ... » . [2] وهذا الكلام لأمير المؤمنين عليه السلام، وقد أخذه زيد رضوان الله عليه عنه، وقد ذكرناه في المختار: (200) من باب قصار كلامه عليه السلام من نهج السعادة. ثم إنه كان على المصنف أن يذكر هذا الحديث في ترجمة زيد الشهيد، لا في ترجمة ابنه يحي إلا أن يقال: انه أوصى به إلى ابنه يحي وأن ذكر يحي قد سقط عن قلم الكاتب.

أمر محمد بن محمد بن زيد بن علي بن (الحسين) عليهم السلام

أمر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن زيد بْن علي بن (الحسين) عليهم السلام 1- قَالُوا لما مات ابْن طباطبا [1] عقد أَبُو السرايا لمحمد بْن مُحَمَّد بْن زَيْد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ، وهو يومئذ غلام فخطب فأحسن القول فِي بني العباس وَقَالَ: إن قوما يزعمون أن مال بني العباس فيء لنا (وهؤلاء) جهال ضلال يحكمون بلا علم ويقولون بلا روية. فقام إِلَيْهِ عَبْد العزيز بْن عيسى بْن مُوسَى فجزاه خيرًا وشكره، وَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن رئاب: قد كَانَ هَذَا الكلام يتلجلج فِي صدري حَتَّى أخرجه اللَّه عَلَى لسانك. ووجه الحسن بْن سهل عبدوس بن أبي خالد المروروذي (كذا) أحد قوّاد الأبناء في كنف من النَّاس فقاتله فقتل عبدوس وجميع أصحابه، وأسر هارون أخوه- المقتول بالسند فِي خلافة الواثق بالله- فحبس بالْكُوفَة، ونزل أَبُو السرايا قصر ابْن هبيرة، ثُمَّ نهر صرصر، وبعث إِلَى المدائن من أخذها، فوجه الحسن بْن سهل إِلَيْهِ- بمشورة منصور بْن المهدي وغيره- هرثمة بْن أعين وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي سعيد: هبوا أن هرثمة قد مات أتضيع الخلافة؟ وَكَانَ هرثمة قد شخص يريد خراسان والمأمون بِهَا، فوجه إِلَيْهِ من رده وضم إِلَيْهِ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ الإفريقي وموسى بْن يحي بن خالد بن برمك، فعسكر بالفرك.

_ [1] وهو مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيمَ بن حسن بن حسن بن علي، وقد تقدم تلخيص قصته وبيعة أبي السرايا إياه في ختام ترجمة أولاد الإمام الحسن متصلا بترجمة الإمام الحسين عليه السلام ص 140، من هذا الجزء، وتفصيل ترجمته وترجمة أبي السرايا في مقاتل الطالبيين ص 313 ط مصر.

ومضى إلى نهر صرصر، واتخذ جسرًا ربطه بالسلاسل، فقاتل أبا السرايا فهزمه، ولقيه خيل ابن أبي سعيد بالمدائن فقتل أبا الهرماس (ظ) أحد أصحابه ومضى أبو السرايا يريد قصر ابن هبيرة، وأقحم هرثمة بمهرى (كذا) له في الأجمة، فلم يكن له حيلة فنادى: يا أبا السرايا إني لم آت لمحاربتك، ولكنه بلغنا موت المأمون، فجئت/ 515/ أو 258/ أ/ ليجتمع على رجل يلي الأمر. فريّثه [1] حَتَّى تخلص وتلاحق بِهِ أصحابه فحمل عَلَى أَبِي السرايا وأصحابه وأنشب الحرب فهزمهم هرثمة، وقتل من أَهْل الْكُوفَةِ زهاء ثلاثين ألفا، وصار أَبُو السرايا إِلَى الْكُوفَةِ منهزما، وقدم قوم من أَهْل «قم» فصاروا مَعَ أَبِي السرايا فلقي هرثمة فتضعضع أصحابه للقاء القميين إياهم، ثُمَّ لم يزل هرثمة يغاديهم القتال ويراوحهم إياه أربعين يوما حَتَّى قتل من أَهْل الْكُوفَةِ خلق وفشلوا، فكان يصاح السلاح فلا يخرج منهم احد. وتوجه أَبُو السرايا إلى البصرة، وعامله عليها العباس بن محمد الجعفري فغلبه عَلَيْهَا زيد بْن مُوسَى وسبق عَلِيّ بْن أَبِي سعيد أبا السرايا إِلَى الْبَصْرَة فقاتله أهلها ومن بِهَا من العلوية، وَكَانَ أَحْمَد بْن سعيد بْن سلم عَلَى مقدمة ابْن أَبِي سعيد، فخرج [2] زيد بْن مُوسَى إِلَى الْمَدِينَة، ومال أَبُو السرايا إِلَى الأهواز فلقية الباذ عيسى [3]- وَهُوَ يلقب المأموني، والقطيعة بسر من رأى منسوبة إِلَيْهِ- فقتل أصحاب أَبِي السرايا تحت (كل) حجر.

_ [1] أي عوقه وعطله عن التحصين وإعداد الأمر. ثم ان رسم الخط في هذه الكلمة غير جلي ولكن السياق لا يساعد على غير ما ذكرناه. وكذلك كلمتي «تخلص وتلاحق» ذكرتا بلفظ الغيبة والمثناة التحتانية، والصواب بالفوقانية كما ذكرناه. [2] ويحتمل رسم الخط أيضا أن يقرء: «فهزم» أي هزم أحمد بن سعيد زيد بن موسى. [3] رسم خط هذه اللفظة غير واضح ويمكن أن تقرء «الباذ عيسي» .

واعتل [1] أَبُو السرايا فمضى هُوَ ومحمد بْن مُحَمَّد، وأبو الشوك والطبكي- وَكَانَ الطبكي قد سار مع أبي السرايا- متنكرين حتى صاروا إِلَى ناحية خانقين فأنزلهم رجل هناك. وكان حماد الكندغوش (ظ) عَلَى طريق خراسان، فبعث إِلَيْهِ الَّذِي آواهم إن أردت أبا السرايا، ومحمد بْن مُحَمَّد وأبو الشوك فإنهم عندي، فركب حماد وأحس القوم بالشر فتسوروا حائطا ومضوا فدخلوا الجبل، فطلبهم حماد حَتَّى وقف عليهم فأخذهم وجاء بهم إِلَى الحسن بْن سهل- والحسن بالنهروان- فأدخلهم عليه، فأمر بضرب عنق أبي السرايا [2] فضربه هارون ابن أبي خالد، وبعث بمحمد بن (محمد، و) أبي الشوك إلى المأمون بخراسان فمات محمد بعد ما شاء الله [3] وبقي أبو الشوك حينا ثُمَّ مات [4] . فكان عقب علي من ولده للحسن والحسين، والعباس ابن الكلابية، وعمر ابن التغلبية، ومحمد بن الحنفية عليهم السلام.

_ [1] لعل هذا هو الصواب أي تمسك بعلة فمضى. ويحتمل رسم الخط قويا أن يقرأ: «وأعقل» . [2] هذا هو الصواب، وفي النسخة: «فأمر بضرب عنق ابن أبي السرايا» . [3] قال أبو الفرج في ترجمته من مقاتل الطالبيين ص 361: دست إليه شربة فكان يختلف كبده وحشوته حتى مات. [4] لم يذكر المصنف حال الطبكي ومآل أمره.

أمر محمد بن علي بن أبي طالب وهو ابن خولة الحنفية

أمر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب وَهُوَ ابْن خولة الحنفية 1- حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن علي بْن الأسود العجلي، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك، عَن الحسن بْن عمرو الفقيمي، عَن منذر الثوري: عَن ابْن الحنفية أنه قال: ليس بحكيم [1] من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدًا حَتَّى يجعل اللَّه لَهُ فرجا ومخرجا. 2- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح المقري، عَن ابْن كناسة، حَدَّثَنِي مشايخ لنا، قَالُوا: أهدى يزيد بْن قَيْس إِلَى الحسن والحسين هدية فخطا علي (علي) كتف ابْن الحنفية، ثُمَّ قَالَ متمثلًا: وما شر الثلاثة أم عمر ... بصاحبك الذي لا تصحبينا فأهدى (يزيد بن قيس) إِلَيْهِ كما أهدى إِلَى أحدهما. 3- وَحَدَّثَنَا أَبُو الحسن المدائني [2] قَالَ: قَالَ ابْن الحنفية الكمال فِي ثلاث: الفقه فِي الدين [3] ، والصبر فِي النوائب، وحسن التقدير للمعيشة.

_ [1] هذا هو الصواب، وفي الأصل: «ليس بحليم» . وببالي أن الكلام لأمير المؤمنين عليه السلام وأن محمدا اقتبسه من ينبوع علم أبيه صلوات الله عليهما. [2] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «أبو الحسين المدائني» . [3] هذا هو الظاهر الموافق لغير واحد من طرق الرواية، وفي الأصل: «العفة في الدين» . وببالي أن الكلام قد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام ولكن لا يحضرني الآن باب القصار من كتابنا نهج السعادة كي أراجعه. والنوائب: جمع نائبة: المصائب والمكاره.

ولد محمد بن الحنفية

4- المدائني عَن أَبِي العباس التَّمِيمِيّ قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بْن الحنفية: من كرمت عَلَيْهِ نفسه صغرت الدنيا فِي عينه. 5- وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ خَالِد بْن المهاجر بْن خَالِد بْن الْوَليِد، مَعَ ابْن الحنفية، وَكَانَ المهاجر أبوه قتل مَعَ علي بصفين، فأخذ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ خالد بْن المهاجر فعلق فِي عنقه ركوة مملوءة شرابا [1] ثُمَّ ضربه الحد فَقَالَ ابْن الحنفية: أن ابْن الزُّبَيْر لرحب الذراع بما يضره. 6- وَكَانَ ابْن الحنفية يقول إنما يأمن في غده/ 516/ أو 258 ب/ من خاف اللَّه فِي يومه [2] . وَكَانَ يقول: شر عادات المرء اتباعه هواه. 7- المدائني قَالَ: قَالَ رجل لابن الحنفية وَهُوَ بالشام: أعلي أفضل أم عُثْمَان؟ فَقَالَ: أعفني. فلم يعفه فَقَالَ: أنت شبيه فرعون حين سأل مُوسَى فَقَالَ: «فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى. قالَ: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ» (51- 52 طه) فصاح الناس بالشامي: يا شبيه فرعون. حَتَّى هرب إِلَى مصر. 8- وروي عَن ابْن الحنفية أنه قَالَ: من لم يستعن بالرفق في أمره أضر الخرق بعمله [3] . [ولد محمد بن الحنفية] 9- وولد لمحمد بْن الحنفية- ويكنى أبا القاسم- الحسن بن محمد- (و) لا بقية لَهُ- وأمه جمال بنت قَيْس بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف بْن قصي، وأمها درة بنت عقبة من الأنصار.

_ [1] الركوة- كضربة-: إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء. [2] وهذا مع ما يليه كان في النسخة مكتوبا بصورة النظم، ومعلوم انهما ليسا بشعر ومن منظوم الكلام، بل هما من منثور الكلام. [3] هذا هو الصواب، وهو كقفل: ضد الرفق. وفي الأصل الخلق.

أمر عبد الله بن محمد أبو هاشم

وَهُوَ أول من تكلم فِي الإرجاء وَكَانَ ناسكا، مات في خلافة عمر ابن عَبْدِ العزيز. وأخوه لأمه الصلت بْن سعد بن الحرث بْن الصمة من بني النجار من الأنصار. و (ولد أيضا) عبد اللَّه بْن مُحَمَّد، ويكنى أبا هاشم. وجعفر الأكبر، وحمزة وعلي لأم ولد تدعى نائلة. وجعفر الأصغر، وعون، أمهما أم جعفر بنت مُحَمَّد بْن جعفر بْن أَبِي طالب. والقاسم بن محمد وعبد الرحمان لا بقية لهما. وأم القاسم وأم أبيها ورقية وحبابة، أمهم الشهباء بنت عبد الرحمان ابن الحرث بن نوفل بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب، وأمها ابنة المطلب بْن أَبِي وداعة السهمي. وإبراهيم بْن مُحَمَّد، وأمه مشرعة، ويقال: بسرة بنت عباد بْن شيبان بْن جابر بْن نسيب بْن وهيب، من ولد مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة، وأمها أميمة بنت ربيعة بن الحرث بْنِ عَبْدِ المطلب، وأمها أم الحكم بنت الزبير بنت عبد المطلب. 10- وقال أبو اليقظان: لأعقب لأبي هاشم عبد الله بن (محمد ابن) الحنفية. وَقَالَ غيره: ولد لَهُ هاشم ومحمد الأكبر أمهما من ولد أَبِي اللحم الغفاري. [أمر عبد الله بن محمد أبو هاشم] 11- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ كناسة، عَن قَيْس بْن الربيع

أن الشيعة كانت تزعم أن محمد ابن الحنفية هُوَ الإمام بعد عَلِيّ بْن أَبِي طالب [1] فلما توفي قَالُوا: هُوَ أَبُو هاشم ابنه، فوشى بأبي هاشم رجل [2] إِلَى الوليد

_ [1] هذا ليس بصواب على الإطلاق، لأن جل الشيعة- بل كلهم- قائلون بإمامة السبطين الحسن والحسين عليهما السلام بعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نعم بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام زعم بعضهم- وهم شرذمة قليلة يعرفون بالكيسانية- أن الإمام هو محمد بن الحنفية. [2] ورواه أيضا في ترجمة زيد بن الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق ج 6/ الورق 301/ أ/ من النسخة الظاهرية، وفي نسخة: ج 19 ص 91، وذكره أيضا في تهذيبه: ج 5 ص 46 قال: أخبرنا أبو نصر غالب بن أحمد بن المسلم، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد ابن أيمن الدينوري قراءة عليه، أنبأنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين إجازة، أنبأنا أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد الربعي أنبأنا أبي قال: (أنبأنا) الحسين بن أبي معشر، أنبأنا عن أبيه: عن جده أبي معشر قال: كان علي بن أبي طالب اشترط في صدقته أنها إلى ذي الدين والفضل من أكابر ولده. قال: فانتهت صدقته في زمن الوليد بن عبد الملك إلى زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فنازعه فيها أبو هاشم عبد الله بن محمد، فقال: أنت تعلم أني وإياك في النسب سواء إلى جدنا علي، وإن كانت فاطمة لم تلدني وولدتك فإن هذه الصدقة لعلي وليست لفاطمة، وأنا أفقه منك وأعلم بالكتاب والسنة. حتى طالت المنازعة بينهما (كذا) فخرج زيد من المدينة إلى الوليد ابن عبد الملك وهو بدمشق فكبر عنده على أبي هاشم وأعلمه أن له شيعة بالعراق يتخذونه إماما، وأنه يدعو إلى نفسه حيث كان. فوقع ذلك في نفس الوليد ووقر في صدره وصدق زيدا فيما ذكره وحمله منه على جهة النصيحة، و (كان قد) تزوج ابنته- نفيسة ابنة زيد بن الحسن- «وكتب الوليد إلى عاملة بالمدينة في إشخاص أبي هاشم إليه، وأنفذ بكتابه رسولا قاصدا يأتي بأبي هاشم، فلما وصل إلى باب الوليد أمر بحبسه في السجن، فمكث فيه مدة، فوفد في أمره علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقدم على الوليد فكان أول ما افتتح به كلامه حين دخل عليه أنه قال: يا أمير المؤمنين ما بال آل أبي بكر، وآل عمر، وآل عثمان يتقربون بآبائهم فيكرمون ويحيون وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقربون به فلا ينفعهم ذلك؟! فيم حبست ابن عمي عبد الله بن محمد طول هذه المدة؟! قال: بقول ابن عمكما زيد بن الحسن، فإنه أخبرني أن عبد الله بن محمد ينتحل اسمي ويدعو إلى نفسه وأن له شيعة بالعراق قد اتخذوه اماما. قال له علي بن الحسين: أو ما يمكن أن يكون بين ابني العم منازعة ووحشة كما يكون بين الأقارب فيكذب أحدهما على الآخر؟! وهذان كان بينهما كذا وكذا، فأخبره خبر صدقة على بن أبي طالب وما جرى فيها، حتى زال عن قلب الوليد ما كان قد خامره، ثم قال له: فأنا أسألك بقرابتنا من نبيك صلى الله عليه وسلم لما خليت سبيله. فقال: قد فعلت، فخلى سبيله وأمره أن يقيم بحضرته، فأقام أبو هاشم بدمشق يحضر مجلس الوليد ويكثر (الجلوس) عنده ويسامره حتى إذا كان ذات ليلة أقبل عليه الوليد فقال: يا أبا البنات لقد أسرع الشيب إليك! فقال له أبو هاشم: أتعيرني بالبنات؟ وقد كان نبي الله شعيب أبا بنات وكان نبي الله لوط أبا بنات، وكان محمد خير البرية صلى الله عليه وسلم أبا بنات، فأي عيب علي فيما عيرتني به؟! فغضب الوليد من قوله وقال له: إنك رجل تحب المماراة فارحل عن جواري. قال: نعم والله أرحل عنك، فما الشام لي بوطن ولا أعرج فيها على سجن، ولقد طال فيها همي وكثر فيها ديني، وما أنا لك بحامد ولا إلى جوارك بعائد. ونهض وقد أحفظ الوليد (كلامه) فخرج عن دمشق متوجها إلى المدينة، فدس إليه الوليد إنسانا يبيع اللبن وفيه السم وكان عبد الله يحب اللبن ويشتهيه- فلما سمعه ينادي على اللبن تاقت إليه نفسه فاشترى منه فشربه فأوجعه بطنه واشتد به الأمر، فأمر أصحابه فغدوا به إلى الحميمة، وبها محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فنزل عليه، فمرضه وأحسن إليه، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى محمد بن علي ببنيه وعلمه وأسبابه كلها، وأمر شيعته الكيسانية بالائتمام به (ثم مات) فدفن (بها) . وقد روي ان الذي سم أبا هاشم سليمان بن عبد الملك وسنذكر ذلك في ترجمته.

ابن عَبْدِ الملك بْن مروان، وَقَالَ: إن لَهُ بالعراق شيعة وإنه يتسمى أمير الْمُؤْمِنِينَ!! فقبل الوليد ذَلِكَ، وبعث إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد، فقدم بِهِ عَلَيْهِ، فحبس فِي سجن دمشق، ثُمَّ حول من السجن إِلَى دار حَتَّى قدم عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن علي، عَلَى الوليد- وَكَانَ مرضيا عندهم- فكلمه فِيهِ فأطلقه وأنزله فِي قصره فكان يسمر عنده، فَقَالَ لَهُ ليلة من الليالي: لقد أسرع إليك الشيب يا (أ) با البنات- وَكَانَ أكثر ولده بنات- فَقَالَ لَهُ: أتعيرني بالبنات؟ وقد كَانَ نبي اللَّه لوط، ونبي اللَّه شعيب، ومحمد نبي اللَّه صَلَّى الله عليهم أبا بنات. فغضب الوليد وَقَالَ: إنك لألد!!! وأمره أن يرحل عَنْهُ، فرحل يريد الْمَدِينَة، فلما كَانَ بالبلقاء مرض فمال إِلَى مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس فتوفي عنده وأوصى إِلَيْهِ.

12- المدائني عن غسان بن عبد الحميد، قال: وفد أَبُو هاشم عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن الحنفية، عَلَى سُلَيْمَان بْنِ عَبْدِ الملك فوصله ثُمَّ تجهز فقدم ثقله، وأتى سُلَيْمَان ليودعه، فحبسه سُلَيْمَان حَتَّى تغدى عنده فِي يوم شديد الحر، فخرج نصف النهار وقد عطش عطشا شديدا، فمر/ 517/ أو 259/ أ/ بأخبية فعدل إِلَى خباء مِنْهَا فاستسقى فسقي ففتر وسقط، فأرسل رسولا إِلَى مُحَمَّد بْن علي ابن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس وَقَالَ لَهُ: إن هَذَا الأمر أمر أنت أول من يقوم بِهِ، ولولدك آخره [1] . 13- المدائني قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة، أخا الحسن بْن الحسن لأمه، وَكَانَ جلدًا فغلب عَلَى الأموال التي (كانت) لبني الحسن، فشكوا ذلك إلى أبي هاشم ابن محمد ابن الحنفية، فإنه لعند هِشَام بْن إِسْمَاعِيل المخزومي وَهُوَ والي الْمَدِينَة، إذ دخل إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة، فَقَالَ أَبُو هاشم: أصلح اللَّه الأمير إن أردت الظالم الظالع فهذا- وكان إبراهيم أعرج- فأغلظ لَهُ إِبْرَاهِيم، وَقَالَ: أما والله إني لأبغضك. فَقَالَ: مَا أحقك بِذَلِكَ، ولم لا تبغضني وقد قتل جدي أباك، وناك عمي أمك!!! وأمه خولة بنت منظور. 14- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر، عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَن معن بْن يَزِيد الْهَمْدَانِيّ، قَالَ: لما استخلف سُلَيْمَان بْنِ عَبْدِ الملك، أتاه أَبُو هاشم عَبْد الله بن محمد ابن الحنفية وافدًا فِي عدة من الشيعة، منهم أَبُو ميسرة، وأبو عكرمة مولى قريش، وحيان خال إبراهيم بْن سلمة وغيرهم، وَكَانَ مُحَمَّد ابن الحنفية حين حضرته الوفاة أوصى إِلَيْهِ وقلده أمر الشيعة والقيام بشأنهم، فلما دخل

_ [1] هذا كان في الأصل مكتوبا بصورة النظم مع انه نثر بلا ارتياب.

عَلَيْهِ استبرع بيانه وعقله، وَقَالَ: مَا أظن هَذَا إِلا الَّذِي يحدث عَنْهُ [1] فأجازه وقضى حوائجه ثُمَّ شخص، فبعث سُلَيْمَان مَعَهُ دليلا وأمره أن يخدمه، فحاد بِهِ عَن الطريق وقد أعدّ له أعرابيا فِي خباء ومعه غنم لَهُ ومعه سمّ، فوافاه وقد كاد العطش (أن) يأتي عَلَيْهِ، فاستسقى من الأعرابي فسقاه لبنا قد جعل فِيهِ ذَلِكَ السم، فلما شربه مرض فلما (اشتدّ به المرض) مال إِلَى مُحَمَّد بْن (عَلِيّ بْن) عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس وَهُوَ بالحميمة فمات عنده. 15- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ، عَن عوانة، قَالَ: قدم (أبو) هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية، عَلَى سُلَيْمَان بْنِ عَبْدِ الملك فبره وأكرمه، ثُمَّ صرفه واعد لَهُ فِي طريقه أعرابا فِي أخبية وعندهم أغنام لهم، ووجه مَعَهُ رجلا من خاصته ينزله ويقوم بحوائجه، فلما صار إِلَى الأخبية عرض عَلَيْهِ لبنًا وقد اشتد عطشه، فدعا الرَّجُل لَهُ بِهِ، فأتي بِشَيْءٍ منه فِي قدح نطار [2] فألقى فِيهِ سما دفعه سُلَيْمَان إِلَيْهِ وأبو هاشم لا يدري، فلما شربه أحس بالشرّ، فعدل إِلَى الحميمة فمات هناك عند مُحَمَّد بْن عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ ابْن العباس بْنِ عَبْدِ المطلب، وَقَالَ لَهُ: يَا ابْن عمّ كنّا نظن الإمامة فينا، فقد زال الشك وصرح اليقين بأنك الإمام دون أَبِي رحمه اللَّه [3] . وأعطاه كتبه وسمّى له شيعته.

_ [1] أي الذي يحدث عنه بأنه يسلب ملك بني أمية. [2] ويساعد رسم الخط على أن يقرء: «فطار» . [3] الحديث ضعيف السند، وذيله باطل في باطل.

خبر محمد بن الحنفية، وابن الزبير، وعبد الملك بن مروان

خبر محمد بن الحنفية، وَابْن الزُّبَيْر، وعبد الملك بْن مروان 16- قَالُوا: بايع مُحَمَّد ابْن الحنفية ليزيد بْن مُعَاوِيَة، حين أخذ مُعَاوِيَة لَهُ البيعة عَلَى الناس، غير مغتاض ولا متلوّ (ولا ملتو «خ» ) عَلَيْهِ [1] فكان مُعَاوِيَة يشكر لَهُ ذَلِكَ ويصله عَلَيْهِ، ويقول: مَا فِي قريش كلها أرجح حلما وَلا أفضل علمًا وَلا أسكن طائرًا وَلا أبعد من كُلّ كبر وطيش ودنس من مُحَمَّد بْن علي!! فَقَالَ لَهُ مروان: ذلك يوم (كذا) والله ما نعرفه إلا بخير، فأما كلما يذكر فَإِن غيره من مشيخة قريش أولى بِهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لا تجعلن من يتخلق لنا تخلقا، وينتحل لنا الفضل انتحالا كمن جبّله الله على الخير/ 518/ أو 259 ب/ وأجراه على السداد، فو الله ما علمتك إلا موزعا معزى بالخلاف. [ابن الحنفية وابن الزبير] وَكَانَ يزيد يعرف ذَلِكَ لَهُ أَيْضًا، فلما ولي يزيد، لم يسمع عَن ابْن الحنفية إلا جميلا، وببيعته إلا تمسكا ووفاءا، وازداد لَهُ حمدًا وعليه تعطفا. فلما قتل الحسين بن علي وكان من أمر ابْن الزُّبَيْر مَا كَانَ- مما نحن ذاكروه إن شاء اللَّه- كتب يزيد إِلَى ابْن الحنفية يعلمه أن قد أحب رؤيته وزيارته إياه ويأمره بالإقبال إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ ابنه: لا تأته فإني غير آمنه عليك. فخالفه ومضى إِلَى يزيد، فلما قدم عليه، أمر (به) فأنزل

_ [1] لم يذكر المصنف هؤلاء القائلين بالقضية المذكورة هاهنا، ولا مشايخهم من سلسلة الروات كي ينظر في شأنهم، فالرواية بما أنها بلا سند ومرسلة غير واجدة لشرائط القبول، ولا ناهضة للحجية- لاحتمال كون رواتها أو بعضهم من الكذابين أو ممن يأخذ الجعل من بني أمية لترويج شأنهم واختلاق الأباطيل لتقوية سلطانهم- فما تضمنته مردود على مختلقها، ولعله هو معاوية فإنه دائما كأخيه كان يزور الإفك والبهتان، ويقرض بعض من كان متصلا بخصمه ممن لا استقلال له بالخصومة، تضعيفا لجانب خصمه وتمويها على البسطاء وتجليبا لمن قرضه إليه وفصلا عن عدوه!!!

منزلّا وأجرى عليه ما يصلحه ويسعه، ثُمَّ دعا بِهِ وأدنى مجلسه وقربه حَتَّى صار مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: آجرنا الله وإياك في الحسين بن علي، فو الله لئن كان نقصك لقد نقصني ولئن كان أوجعك فلقد أوجعني، ولو أني أنا الَّذِي وليت أمره ثُمَّ لم استطع دفع الموت عَنْهُ إِلا بجز أصابعي أَوْ بذهاب نواظري لفديته بِذَلِكَ، وإن كَانَ قد ظلمني وقطع رحمي!!! وَلا أحسبه إِلا قد بلغك أنا نقوم بِهِ فننال منه ونذمه وأيم اللَّه مَا نفعل ذَلِكَ لئلا تكونوا (ظ) الأحباء الأعزاء، ولكنا نريد إعلام الناس [1] بأنا لا نرضى إِلا بأن لا ننازع أمرًا خصنا اللَّه بِهِ وانتخبنا اللَّه لَهُ!!! فَقَالَ لَهُ ابْن الحنفية: وصلك اللَّه ورحم حسينا وغفر له، وقد علمنا أن ما نقصنا فهو لك ناقص، وما عالنا فهو لك عائل، وما حسين بأهل أن تقوم به فتنقصه وتجذبه [2] وأنا أسألك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أن لا تسمعني فِيهِ شَيْئًا أكرهه. فَقَالَ يزيد: يَا ابْن عم لست تسمع مني فِيهِ شيئا تكرهه.

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: ولكنا نريد إعلام الناس لنا ... ثم إن صحت الرواية وصدر الكلام من الرجل في غير حال السكر فهذا اقتداء منه بأخيه الشيطان حيث عتا عن أمر الله وجعل نفسه خيرا ممن اختاره الله عليه وعلى جميع البرية فقال ردا على الله: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين!!! ما للطلقاء وأبناء الطلقاء وخلافة رسول الله؟ أما كان يكفيهم قبول الإسلام منهم مع ما فيهم من إبطان الكفر والنفاق وإخلادهم إلى الدنيا وكيدهم بالمؤمنين واعتناقهم بالغدر والخيانة والفسق والفجور، من الزنا وشرب الخمور ولبسهم الذهب والحرير واتجارهم بالخمور والخنزير؟!! ولكن الظاهر- على فرض صدق الرواية- أن الكلام صدر منه في حال السكر فإنه كان دائم الشرب سكيرا، وإلا فإن العالم بأسرهم- أعداء بني أمية وأولياؤهم- كانوا يعرفون أن سلطة بني أمية حصلت بحيلة شيطانين كبيرين وتعاضدهما في المكر وإغواء الناس بعد ما كانت المقدمات ممهدة لهما، وثار معهما غوات أهل الشام وأمهلهم الله ولم يعاجلهم بالعقوبة كي يتم عليهم الحجة، كما انه تعالى أمهل الشيطان وفراعنة الأمم، وإمهاله تعالى للمتمردين ليس لأجل محبته لهم واصطفائه إياهم كما قال تعالى: «فلا يحسبن الذين كفروا انما نملي خير لهم إنما على لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب أليم» !!! [2] يقال: «عال الميزان- من باب باع- عيلا» : نقص. وعالت الناقة ذنبها: رفعته. وتحذ به- من باب ضرب-: تدفعه.

وسأله (يزيد) عَن دينه فَقَالَ: مَا علي دين. فَقَالَ يزيد لابنه خالد بْن يزيد: يَا بني إن عمك هَذَا بعيد من الخب واللؤم والكذب، ولو كان كبعض هَؤُلاءِ لقال: علي كَذَا وكذا. ثُمَّ أمر له بثلاثمائة ألف درهم فقبضها، ويقال: أنه أمر لَهُ بخمس مائة ألف وعروض بمائة ألف درهم. وَكَانَ يزيد يتصنع لابن الحنفية ويسأله عَن الفقه والْقُرْآن، فلما جاء ليودعه قَالَ لَهُ: يا (أ) با القاسم إن كنت رأيت مني خلقا تنكره نزعت عَنْهُ وأتيت الَّذِي تشير بِهِ علي؟! فقال: والله لو رأيت منكرًا مَا وسعني إِلا أن أنهاك عَنْهُ، وأخبرك بالحق لله فِيهِ، لما أخذ الله على أهل العلم عن أن يبينوه (كذا) للناس ولا يكتموه، وما رأيت منك إلا خيرا. وشخص (ابن الحنفية) من الشَّام حَتَّى ورد الْمَدِينَة، فلما وثب النَّاس بيزيد وخلعوه ومالوا إِلَى ابْن الزُّبَيْر، وأتاهم مسلم بْن عقبة المري فِي أَهْل الشَّامِ، جاء عَبْد اللَّهِ بْن عمر بْن الخطاب وعبد اللَّه بْن مطيع فِي رجال من قريش والأنصار فَقَالُوا لابن الحنفية: أخرج معنا نقاتل يزيد. فَقَالَ لهم مُحَمَّد بْن علي: عَلَى ماذا أقاتله ولم أخلعه؟! قَالُوا: إنه كفر وفجر وشرب الخمر وفسق فِي الدين [1] . فَقَالَ لهم مُحَمَّد بْن الحنفية: ألا تتقون الله هل رآه أحد

_ [1] والذي نسبه هؤلاء إلى يزيد من الفجور وشرب الخمر والفسوق في الدين، قد نسبه إليه جماعة كثيرة آخرون، ممن يصدق قوله فيه كأبيه معاوية، وثبت أيضا من سيرته القطعية المروية من طريق شيعته وأوليائه، وما ذكره محمد بن الحنفية في جواب القوم فرار منه عن إجابته إياهم إلى حرب يزيد، وإلا فكل من مارس التاريخ يعلم أن ابن الحنفية لم يعاشر يزيد إلا في سويعات من أيام قليلة زار يزيد في أيام دعوى ابن الزبير الخلافة، بخلاف القوم فإنهم كانوا عاشروه في أيام معاوية وبعده وكانوا يفدون إليهما كثيرا طلبا لما في أيديهما. وقول ابن الحنفية: «أفأطلعكم. أنتم عليه؟» أيضا غير تمام فإن يزيد ما أراد أن يطلع القوم على عمله ولا تعمد يوما أن يعلم الناس ما هو فاعله ومولع عليه، لكن كان غرا غرقا في الشهوات دائم الشرب سكيرا غير مبال في قضاء شهواته ليلا ونهارا، ولهذا كتب إليه أبوه في أبيات له بأن يقتصر في قضاء شهواته بما إذا أرخى الليل سدوله ونامت العيون وخلى الجو عن الرقباء وقال له: فإنما الليل نهار الأريب!!! وأما كفره فيكفيه تمثله بأبيات ابن الزبري في مجمع من الناس لما ضرب بخيزرانه على شفتي ابن رسول الله وريحانته!!! إلى غير ذلك مما ذكره أولياء يزيد، ومعاوية، كما تقرأ جما غفيرا من شواهده في «كتاب الرد على المتعصب العنيد» لابن الجوزي وكتاب «عبرات المصطفين» للمحمودي وسيمثلان للطبع إن شاء الله تعالى.

منكم يعمل مَا تذكرون؟ وقد صحبته أكثر مما صحبتموه فما رأيت منه سوءًا. قَالُوا: إنه لم يكن يطلعك عَلَى فعله. قَالَ: أفأطلعكم أنتم عَلَيْهِ؟! فلئن كَانَ فعل إنكم لشركاؤه؟ ولئن كَانَ لم يطلعكم لقد شهدتم عَلَى غير مَا علمتم. فخافوا أن يثبط قعوده النَّاس عَن الخروج، فعرضوا عَلَيْهِ أن يبايعوه إذ كره أن يبايع لابن الزُّبَيْر، فَقَالَ: لست أقاتل تابعا وَلا متبوعا. قَالُوا: فقد قاتلت مَعَ أبيك. قَالَ: وأين مثل أَبِي اليوم؟!!! فأخرجوه كارها ومعه بنوه متسلحين وَهُوَ فِي نعل ورداء، وَهُوَ يقول: يَا قوم اتقوا الله (و) لا تسفكوا دماءكم. فلما رأوه غير منقاد لهم خلوه، فذهب أَهْل الشَّامِ ليحملوا عَلَيْهِ فضارب بنوه دونه فقتل ابنه القاسم بْن مُحَمَّد، وضرب أبو هاشم/ 519/ أو 260/ أ/ قاتل أخيه فقتله. وأقبل ابْن الحنفية إِلَى رحله فتجهز ثُمَّ خرج إِلَى مَكَّة من فوره ذَلِكَ، فأقام بِهَا حَتَّى حصر عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ حصاره الأول وَهُوَ فِي ذَلِكَ قاعد عَنْهُ لا يغشاه وَلا يأتيه. وسأل قوم من الشيعة من أَهْل الْكُوفَةِ عَن خبره فأعلموا أنه بِمَكَّةَ، فشخصوا إِلَيْهِ وكانوا سبعة عشر رجلا، وهم معاذ بْن هانئ بن عدي ابن أخي حجر ابن عدي الكندي ومحمد بْن يزيد بْن مزعل الْهَمْدَانِيّ ثُمَّ الصائدي ومحمد بْن نشر الْهَمْدَانِيّ [1] وأبو المعتمر حنش بْن ربيعة الكناني، وأبو الطفيل عامر بن واثلة

_ [1] كذا في الأصل.

الكناني وهانئ (بْن) قَيْس الصائدي، وصخير بْن مالك المزني وسرح بْن مالك الخثعمي والنعمان بن الجعد الغامدي وشريح بن حنا الحضرمي (كذا) ويونس ابن عمران الجابري من همدان، وعبد اللَّه بْن هانئ الكندي، وَهُوَ الَّذِي قتل بعد ذَلِكَ مَعَ المختار، وجندب بْن عَبْدِ اللَّهِ الأزدي ومالك بن حزام بن ربيعة- (و) قتله المختار بعد بجبانة السبيع، وَهُوَ ابْن أَخِي لبيد بْن ربيعة الشاعر- وقيس بْن جعونة الضبابي، وعبد الله ابن ورقاء السلولي. فبعث عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ إِلَى ابْن الحنفية- بعد انصراف أَهْل الشَّامِ من مَكَّة مَعَ الحصين بْن نمير السكوني و (بعد) موت يزيد بْن مُعَاوِيَة- أن هلم فبايعني. فأبي عَلَيْهِ، وبايع النَّاس ابْن الزُّبَيْر بالمدينة والْكُوفَة والبصرة، فأرسل إِلَيْهِ أن النَّاس قد بايعوا واستقاموا فبايعني. فَقَالَ لَهُ: إذا لم يبق غيري بايعتك. وبعث (ابن الزبير) إلى السبعة العشر الكوفيين فسألهم عَن حالهم وأمرهم بالبيعة لَهُ، فَقَالُوا: نحن قوم من أَهْل الْكُوفَةِ اعتزلنا أمر النَّاس حين اختلفوا وأتينا هَذَا الحرم لئلا نؤذي أحدًا وَلا نؤذي، فَإِذَا اجتمعت الأمة عَلَى رجل دخلنا معهم فيما دخلوا فِيهِ، وَهَذَا مذهب صاحبنا، ونحن مَعَهُ عَلَيْهِ، وله صحبناه. فوقع (ابن الزبير) في ابن الحنفية وتنقصه وقال: والله ما صاحبكم بمرضي للدين وَلا محمود الرأي وَلا راجح العقل وَلا لهذا الأمر بأهل!!! فقام عَبْد اللَّهِ بْن هانئ فَقَالَ: قد فهمت مَا ذكرت بِهِ ابْن عمك من السوء ونحن أعلم بِهِ وأطول معاشرة لَهُ منك، وأنت تقتل من لم يبايعك وَهُوَ يقول: والله مَا أحب أن الأمة بايعتني كلها غير سعد مولى مُعَاوِيَة فبعثت إِلَيْهِ فقتلته.

وإنما عرض بِهِ لأنه كَانَ بعث إِلَى سعد فقتله!!! وكلمه عَبْد اللَّهِ بْن هانئ بكلام كثير، فقال: ألهزوه. فوجئ فِي قفاه!!! [1] . فَقَالَ: أتفعل هَذَا فِي حرم اللَّه وأمنه وجوار بيته؟!! فَقَالُوا لَهُ: لئن لم يضرك إِلا تركنا بيعتك لا يضرك شيء أبدا، ولا يلحقك مكروه. ودعا بِهِ [2] فَقَالَ: إيه أَبِي تضرب الأمثال، وإياي تأتي بالمقاييس؟ فَقَالَ: «إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ» فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: ادفعوهم عني لعنكم اللَّه من عصابة. فأتوا ابْن الحنفية فأخبروه بما كَانَ بينهم وبين ابْن الزُّبَيْر، فجزاهم خيرًا وعرض عليهم أن يعتزلوه!!! فأبوا وَقَالُوا: نحن معك فِي العسر واليسر، والسهل والوعر لا نفارقك حتى يجعل الله لك فسحة وفرجة. وبايعوه عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ لهم: إني بكم لمتأنس (كذا) كثير. وسأله بعضهم أن يرصدوا ابْن الزُّبَيْر فيقتلوه إذا خرج من الحرم فكره ذَلِكَ وَقَالَ: مَا يسرني أني قتلت حبشيا مجدعا، ثم اجتمع سلطان العرب كله (لي) !!! وقدم عَلَى السبعة العشر الرَّجُل من أبنائهم ثلاثة نفر: بشر بن سرح، والطفيل ابن أَبِي الطفيل عامر بْن واثلة، وبشر بْن هانئ بْن قَيْس. 4/ 474 فلما يئس ابْن الزُّبَيْر من بيعة ابْن الحنفية وأصحابه وقد فسدت عليه الكوفة، وغلب المختار ابن أبي عبيد الثقفي عليها/ 520/ أو 260 ب/ وأخرج ابن مطيع عامله عنها، ودعت الشيعة بِهَا لابن الحنفية، ثقل عَلَيْهِ

_ [1] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: «وجوا في قفاه» . وألهزوه: اضربوه بجمع كفكم، أو اضربوه بجمع كفكم في رقبته ولهزمته. واللهزمة- كشرذمة-: عظم ناتئ في اللحى تحت الأذن. فوجئ: فضرب. [2] كذا.

مكان ابن الحنفية معه، وخشي أن يتداعا الناس إلى الرضابه!! فحبسه وأهل بيته ومن كَانَ مَعَهُ من أصحابه أولئك بزمزم، ومنع النَّاس منهم ووكل بهم الحرس. ثُمَّ بعث إِلَيْهِمْ أعطي اللَّه عهدًا لئن لم تبايعوني لأضربن أعناقكم أَوْ لأحرقنكم بالنار!!! [1] وَكَانَ رسوله بِذَلِكَ عَمْرو بْن عروة بْن الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهُ ابْن الحنفية [2] : قل لعمك لقد أصبحت جريئًا عَلَى الدماء منتهكا للحرمة

_ [1] قال ابن أبي الحديد- في شرح المختار: (400) من قصار نهج البلاغة: ج 4 ص 487 ط القديم بمصر-: جمع عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر مُحَمَّد بْن الحنفية وعبد الله بن عباس في سبعة عشر رجلا من بني هاشم منهم الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن عَلِي بْن أَبِي طالب عليه السلام وحصرهم في شعب بمكة يعرف بشعب عارم وقال: لا تمضي الجمعة حتى تبايعوا لي أو أضرب أعناقكم أو أحرقكم بالنار!!! ثم نهض إليهم قبل الجمعة يريد حرقهم بالنار فالتزمه ابن اسور بن مخرمة الزهري وناشده الله أن يؤخرهم إلى يوم الجمعة!!! فلما كان يوم الجمعة دعا محمد بن الحنفية بغسول وثياب بيض فاغتسل وتلبس وتحنط لا يشك في القتل!! وقد (كان) بعث المختار بن أبي عبيد من الكوفة أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف، فلما نزلوا ذات عرق تعجل منهم سبعون على رواحلهم حتى وافوا مكة صبيحة الجمعة ينادون يا محمد وقد شهروا السلاح حتى وافوا شعب عارم فاستخلصوا محمد بن الحنفية ومن كان معه، وبعث محمد بن الحنفية الحسن بن الحسن ينادي من كان يرى ان لله عليه حقا فليشم سيفه فلا حاجة لي بأمر الناس!!! إن أعطيتها عفوا قبلتها وإن كرهوا لم أنثر بهم أمرهم!!! وفي شعب عارم وحصار ابن الحنفية فيه يقول كثير بن عبد الرحمان: ومن ير هذا الشيخ بالخيف من منى ... من الناس يعلم انه غير ظالم سمي النبي المصطفى وابن عمه ... وحمال أثقال وفكاك غارم تخبر من لاقيت أنك عائذ!!! ... بل العائذ المحبوس في سجن عارم أقول: وذكرها أيضا المبرد في الكامل: ج 2 ص 130، وذكره أيضا في شرح الهاشميات ص 29 وفي تذكرة الخواص ص 302. [2] قال المسعودي في مروج الذهب ط الميمنية: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم يقول: إنما أراد بذلك أن لا تنشر الكلمة ولا يختلف المسلمون كما فعل عمر بن الخطاب بني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار!!! ورواه عنه ابن أبي الحديد، في الجزء العشرين في شرح المختار: (400) من الباب الثالث من نهج البلاغة: ج 4 ص 495 من الطبعة الثالثة لدار الفكر التي جعلها أفستا من النسخة المطبوعة بدار الكتب العربية الكبرى بمصر في سنة 1329.

متلثلثًا فِي الفتنة [1] . وَقَالَ لَهُ: عدة من السبعة العشر الرجل (و) فِيهِمُ ابْن مزعل: إن هَذَا حصرنا بحيث ترى وخوّفنا بما تعلم وو الله مَا ننتظر إِلا أن يقدم!!! وقد ظهر بالْكُوفَة من يدعو إِلَى بيعتك والطلب بدماء أَهْل بيتك، فالطف لبعثة رسل من قبلك يعلمونهم حالك وحال أَهْل بيتك. فَقَالَ: اختاروا منكم نفرا. فاختاروا الطفيل ابن أَبِي الطفيل عامر بْن واثلة- وَهُوَ المقتول مع ابن الأشعث- ومحمد بن نشر (كذا) وأبا المعتمر، وهانئ بْن قَيْس، فأمرهم ابْن الحنفية بكتمان أمرهم وأمر لهم بأربع نجائب وأجلهم لذهابهم ومجيئهم ستًا وعشرين ليلة، فلما هدأت العيون ونام طالع الكلاب ورمق الحرس، فوجدهم نياما مستثقلين، دفع إِلَيْهِمْ كتابا منه إِلَى المختار بْن أَبِي عبيد، ومن قبله من الشيعة يخبرهم فِيهِ بحالهم وما يتخوفون من ابن الزبير ويقول فيه: يا غوثنا بالله يَا غوثنا بالله، وَقَالَ: إن رأيتم منه مَا تحبون حمدتم اللَّه عَلَى ذَلِكَ، وإن رأيتم منه تقصيرًا فاعلموا النَّاس مَا جاء بكم والحال الَّتِي تركتمونا عَلَيْهَا. فلما قرأ المختار الكتاب دعا أصحابه فقرأه عليهم فوثب جميع من فِي القصر يبكون ويضجون ويقولون للمختار: سرحنا إِلَيْهِ وعجل. فخطب المختار الناس وقال: هذا كتاب مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم ومن معه من

_ [1] التلثلث: التمرغ، ومتلثلثا في الفتنة: منهمكا ومتمرغا ومتلطخا بها.

إخوانكم قد تركوا محظورًا عليهم حظار كزرب الغنم [1] ينتظرون القتل والتحريق بالنار فِي آناء الليل ونارات النهار [2] لست بأبي إسحاق إن لم أنصرهم نصرا موزرا، وأسرب إليهم الخيل في آثار الخيل كالسيل يتلو السيل حتى يحل بابن الكاهلية الويل. ويعني بابن الكاهلية عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ وذلك أن أم خويلد أَبِي العوام زهرة بنت عمرو بن حنتر (ظ) من بَنِي كاهل بْن أسد بْن خزيمة. وأنقذ المختار جواب كتاب ابْن الحنفية مَعَ مُحَمَّد بن بشر [3] والطفيل ابن أَبِي الطفيل عامر بْن واثلة، واحتبس قبله أبا المعتمر، وهانئ بن قيس يسرّح معهما جيشا. ثُمَّ وجه أبا عَبْد اللَّهِ بن عبد، من ولد واثلة بْن عَمْرو بْن ناج بْن يشكر بْن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان- وَهُوَ الَّذِي يعرف بأبي عَبْد اللَّهِ الجدلي لأنّ أمّ عدوان بن عمرو بن نهم بْن عَمْرو يقال لَهَا جديلة فهم ينسبون إليها- في سبعين راكبا، وعقبة بن طاهر الجشمي فِي أربعين راكبا، ويونس بْن عَمْرو بْن عمران الجابري فِي أربعين راكبًا، وَكَانَ يونس قد رجع إِلَى الْكُوفَةِ قبل شخوص هَؤُلاءِ الأربعة النفر. فسار هَؤُلاءِ المائة والخمسون ومن عليهم حَتَّى وافوا مَكَّة، وَابْن الحنفية وأهل بيته وأولئك القوم بزمزم، قد أعد لهم عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ الحطب ليحرقهم

_ [1] محظورا عليهم: مبنيا حولهم الحظيرة، والحظار- ككتاب- الحائط وما يبني حول الشيء كي يمنعه من الخروج، ويمنع الخارج من الوصول إليه. والزرب- كحرب وإرب-: مأوى الغنم. [2] كذا بالنون. [3] كذا هاهنا.

بالنار!!! فيما يظهر للناس ولهم حَتَّى يبايعوا، فعقل القادمون رواحلهم بالباب ودخلوا فكبروا ونادوا يَا لثارات الْحُسَيْن. ثُمَّ شدوا عَلَى الحرس الموكلين بابن الحنفية وأصحابه فطردوهم ودخلوا عَلَيْهِ يفدونه بآبائهم وأمهاتهم ويقولون: خل بيننا وبين ابْن الزُّبَيْر، فَقَالَ: لا أستحل القتال فِي حرم الله!!! وقال ابن الزبير: وا عجبا من هذه الخشبية الذين/ 521/ أو 261/ أ/ اعتزلوني في سلطاني يبغون حسينا كأني أنا قاتل حسين، والله لو قدرت عَلَى قتلته لقتلتهم. وَكَانَ دخولهم عَلَى ابْن الزُّبَيْر وفي أيديهم الخشب كراهة أن يشهروا السيوف فِي الحرم والمسجد الحرام!!! وَقَالَ بعضهم: بل وثبوا عَلَى الخشب الَّذِي كَانَ ابْن الزُّبَيْر جمعه حول زمزم لإحراق ابْن الحنفية وأصحابه، فأخذ كُلّ امرئ منهم بيده خشبة فسموا خشبية. وأقبل ابْن الزُّبَيْر عَلَى أَبِي عَبْد اللَّهِ الجدلي وأصحابه فَقَالَ: أتروني أخلي سبيل صاحبكم دون أن يبايع ويبايعوا؟!! فقال الجدلي: وربّ الركن والمقام والحلّ والحرام لتخلين سبيله فينزل من مَكَّة حيث شاء، ومن الأرض حيث أحب، أَوْ لنجالدنك بأسيافنا. فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر- ورأى أن أصحابه قد ملئوا المسجد، وأن أصحاب ابْن الحنفية لا يبلغون مأتين-: وما هَؤُلاءِ والله لو أذنت لأصحابي فِيهِمْ ما كانوا عندهم إلّا مأكلة رأس [1] . فقال صخير بن مالك: أما والله إني (أخاف) إن رمت ذلك أن يوصل إليك (ما تكره) قبل أن ترى فينا مَا تحب [2] وقام الطفيل بْن عامر فَقَالَ: قد علمت ذات الشباب الرود ... والجرم ذي البضاضة الممسود إنا الأسود وبنو الأسود

_ [1] رسم الخط في «مأكلة» غير وضح، ويحتمل أن يقرأ: «كأكلة رأس» ؟ [2] هذا هو الظاهر، وفي الأصل: «قبل أن يرى فينا ما يحب» . وما بين المعقوفات زيادة منا.

فقال ابن الحنفية لعامر: يا (أ) با الطفيل مر ابنك فليسكت. وتكلم ابْن الحنفية (وقال: إني) آمركم بتقوى الله وأن تحقنوا دماءكم إني معتزل لهذه الفتنة حَتَّى تجتمع الأمة إذ اختلفت وتفرقت فأطيعوني (كذا) . وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس بْنِ عَبْدِ المطلب لابن الزُّبَيْر: قد نهيتك عَن هَذَا الرَّجُل وأعلمتك أنه لا يريد منازعتك فاكفف عَنْهُ وعن أصحابه. فَقَالَ: والله لا أفعل حتى يبايع ويبايعوا لي، بايع يزيد وَلا يبايعني؟!! فمكث القوم ثلاثة أيام قد صف بعضهم لبعض فِي المسجد، والمعتمرون يمشون فيما بينهم بالصلح، فلما كَانَ اليوم الثالث قدم عليهم من قبل المختار أَبُو المعتمر فِي مائة، وهانئ بْن قَيْس فِي مائة، وظبيان بْن عمارة التَّمِيمِيّ فِي مأتين- ومعهم مال بعث به المختار، وهو أربعمائة ألف درهم- ثُمَّ أقبلوا جميعا حَتَّى دخلوا المسجد يكبرون وينادون يَا لثارات الْحُسَيْن، فلما رآهم أصحاب ابْن الزُّبَيْر خافوهم، ورأى ابْن الحنفية أنه قد امتنع وأصحابه فَقَالَ لهم: اخرجوا بنا إِلَى الشعب. ولم يقدر ابْن الزُّبَيْر عَلَى حبسهم فخرج فنزل شعب علي وضمّ إليه المال الذي عنده (كذا) وأتته الشيعة من عشرة وعشرين ورجل ورجلين، حتى اجتمع معه أربعة آلاف رجل، ويقال: أقل من أربعة آلاف فقسم بينهم المال الذي أتاه. ولمّا صار ابْن الحنفية فِي هَذَا الجمع، استأذنه قوم ممن كَانَ قدم إِلَيْهِ فِي إتيان الكوفة للإمام بأهليهم ثُمَّ الرجوع إِلَيْهِ، منهم: عَبْد اللَّهِ بْن هانئ الكندي وعقبة بْن طارق الجشمي، ومالك بْن حزام بْن ربيعة الكلابي وعبد الله ابن ربيعة الجشمي، فقدموا الْكُوفَة، فلما كانت وقعة جبانة السبيع قاتلوا المختار!!! إِلا عَبْد اللَّهِ بْن هانئ فيقال: إنه رجع إِلَى ابْن الحنفية.

ثُمَّ إن المختار بعث إِلَى ابْن الحنفية بثلاثين ألف دينار، مع عبد الرحمان ابن أَبِي عمير الثَّقَفِيّ وعبد اللَّه بْن شداد الجشمي والسائب بْن مالك الأَشْعَرِيّ وعبد اللَّه، وَهُوَ عبدل لام [1] بْن الحصل الطائي، وبعث معهم برأس عبيد بْن زياد، وحصين بْن نمير، وَابْن ذي الكلاع، فنصبت هذه الرؤوس عَلَى باب المسجد، وقسم ابْن الحنفية ذَلِكَ المال بين أصحابه فقووا وعزوا. 17- قالوا: ونزل ابْن الحنفية بالشعب عزيزًا منيعًا حَتَّى قتل المختار/ 522/ أو 261 ب/ وظهر مصعب بْن الزُّبَيْرِ عَلَى الْكُوفَة، واشتد أمر عبد الله بن الزبير فتضعضع أمر أصحاب ابْن الحنفية [2] وانقطعت عنهم موادهم واشتدت حاجتهم. وَقَالَ (عَبْد اللَّهِ) بْن الزُّبَيْر لابن عَبَّاس: (أ) لم يبلغك قتل الكذاب؟! قَالَ: ومن الكذاب؟ قَالَ: ابْن أَبِي عبيد. فَقَالَ: قد بلغني قتل المختار. قَالَ: كأنك تكره تسميته كذابا وتتوجع لَهُ؟! فَقَالَ: ذَلِكَ رجل قتل قتلتنا وطلب بدمائنا وشفى غليل صدورنا، وليس جزاؤه منا الشتم والشماتة [3] فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: لست أدري أنت معنا أم علينا؟! ومر ابْن عَبَّاس بعروة بْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ: قد قتل الكذاب المختار، وَهَذَا رأسه. فَقَالَ ابْن عَبَّاس إنه قد بقيت لكم عقبة فَإِن صعدتموها فأنتم أنتم. يَعْنِي عَبْد الْمَلِك وأهل الشام.

_ [1] كذا في ظاهر رسم الخط. [2] هذا هو الظاهر، وفي النسخة: قالوا: ولما نزل ابن الحنفية ... وتضعضع أمر أصحاب ابن الحنفية ... [3] وعلى عقيدة ابن عباس هذه جمهور شيعة أهل البيت عليهم السلام، كما أن أكثر شيعة آل أمية على عقيدة ابن الزبير في الرجل رضوان الله تعالى عليه.

ابن الحنفية وعبد الملك بن مروان

وبعث ابْن الزُّبَيْر إِلَى ابْن الحنفية: إن البلاد قد افتتحت، وإن الأمور قد استوسقت فاخرج إلي فادخل فيما دخل فِيهِ النَّاس وإلا فإني منابذك!!! وَكَانَ رسوله بِذَلِكَ عروة بْن الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهُ ابْن الحنفية: بؤسًا لأخيك مَا ألحه فِي إسخاط اللَّه وأغفله عن ذات الله؟!! و (أيضا) قال (ابن الحنفية) في خطبة خطبها لأصحابه: إنه بلغني أن هَذَا العدو الَّذِي قربت داره وساء جواره واشتدت ضغينته، يريد أن يثور إلينا بمكاننا هَذَا، من يومنا هَذَا، وقد أذنت لمن أحب الانصراف عنا فِي ذَلِكَ، فإنه لا ذمام عَلَيْهِ منا، وَلا لوم!!! فإني مقيم حَتَّى يفتح اللَّه بيني وبينه وَهُوَ خير الفاتحين. فقام إِلَيْهِ (أَبُو) عبد الله الجدلي ومحمد بن نشر (كذا) وعبد الله بن سبع فتكلموا وأعلموه أنهم غير مفارقيه!!! 18- قَالُوا: وجد ابْن الزُّبَيْر فِي قتال ابْن الحنفية!!! وكره ابْن الحنفية أن يقاتله فِي الحرم. وقد كَانَ خبر ابْن الحنفية انتهى إِلَى عَبْد الملك بْن مروان، وبلغه فعل ابْن الزُّبَيْر به، فبعث إِلَيْهِ يعلمه إنه إن قدم عَلَيْهِ أحسن إِلَيْهِ، وعرض عَلَيْهِ أن ينزل أي الشَّام شاء حَتَّى يستقيم أمر النَّاس، وَكَانَ رسوله إليه حبيب بن كره مولاهم. [ابن الحنفية وعبد الملك بن مروان] وكتب عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس إِلَى عَبْد الملك في محمد ابن الحنفية، كتابا يسأله فيه الوصاة بمحمد ابن الحنفية والعناية بشأنه والحيطة عَلَيْهِ إذا صار إِلَى الشَّام. فأجابه عَبْد الملك بكتاب حسن يعلمه فِيهِ قبول وصيته وسأله أن ينزل به حوائجه.

وخرج ابْن الحنفية وأصحابه يريدون الشَّام، وخرج كثير عزة أمامه وَهُوَ يقول: هديت يَا مهدينا ابْن المهتدي ... أنت الَّذِي نرضى بِهِ ونرتجي أنت ابْن خير النَّاس من بعد النبي ... أنت إمام الحقّ لسنا نمتري يا ابن علي سر ومن مثل علي؟! وأتي ابْن الحنفية «مدين» وبها مظهر بْن حبي العكي من قبل عَبْد الملك، فحدثه أصحابه بما كَانَ من غدر عَبْد الملك بعمرو بْن سعيد بن العاص بعد أن آتاه العهود المؤكدة. فحذره ونزل «أيلة» [1] وتحدث النَّاس بفضل مُحَمَّد وكثرة صلاته وزهده وحسن هديه، فلما بلغ ذَلِكَ عَبْد الملك ندم عَلَى إذنه لَهُ فِي قدوم بلده، فكتب إِلَيْهِ: إنك قدمت بلادنا بإذن منا، وقد رأيت أن لا يكون فِي سلطاني رجل لم يبايعني، فلك ألف ألف درهم أعجل لك منها مأتي ألف درهم، ولك السفن الَّتِي أرفأت إِلَيْك من مصر [2] . وكانت سفنا بعث إِلَيْهِ فِيهَا بأمتعة وأطعمة. فكتب إِلَيْهِ ابْن الحنفية: قد قدمنا بلادك بإذنك إذ كَانَ ذَلِكَ لك موافقا، وارتحلنا عنها إذ أنت لجوارنا (كنت) كارها. وقدم ابْن الحنفية فنزل الشعب بِمَكَّةَ، فبعث إِلَيْهِ ابْن الزُّبَيْر: ارتحل عَن هَذَا الشعب فما أراك منتهيًا عَنْهُ [3] أَوْ يشعب الله لك ولأصحابك أصنافا

_ [1] كذا في الأصل، فإن صح فمعناه: ان ابن الحنفية حذر من عبد الملك فلم ينزل عليه بدمشق، بل نزل ايلة ... [2] أي أرسلت إليك من مصر. [3] لعل هذا هو الصواب، والظاهر من رسم خط النسخة: «مقهياد» ؟ ويشعب- كيمنع-: يجمع.

من العذاب، وكتب/ 523/ أو 262/ أ/ إِلَى مصعب بْن الزُّبَيْرِ أخيه يخبره بأسماء رؤساء أصحاب ابْن الحنفية، ويأمره أن يسير نساءهم من الكوفة!!! فسيّر (مصعب) نساء نفر منهم فيهن امرأة طفيل بْن عامر بْن واثلة، وهي أم سلمة بنت عَمْرو الكنانية، فجاءت حَتَّى قدمت عليه، فقال الطفيل في ذلك: (ف) إن يك (قد) سيرها مصعب ... فإني إِلَى مصعب مذنب أقود الكتيبة مستلئما ... كأني أخو عزة أجرب علي دلاص تخيرتها ... وبالكف ذو رونق مقضب سعرت عليهم مع الساعري ... ن نارا إذا أخمدت تثقب فلو أن يحي به قوّة ... فيغزوا مع القوم أو يركب ولكن يحي كفرخ العقا ... ب ريش قوادمه أزغب فكف ابْن الزُّبَيْر عَن ابْن الحنفية حَتَّى إذا حج النَّاس وَكَانَ يوم النفر، أرسل إِلَيْهِ تنح عَن هَذَا المنزل وانفر مَعَ الناس وإلا فإنّي مناجزك. فسأله معاذ ابن هانئ وغيره من أصحابه أن يأذن (لهم) فِي مقارعته وَقَالُوا: قد بدأك بالظلم واضطرك وإيانا إِلَى الامتناع. فَقَالَ لَهُ ابْن مطيع: لا يغرنك قول هَؤُلاءِ فإنهم قتلة أبيك وأخيك. فقال: نصبر لقضاء اللَّه، اللَّهُمَّ ألبس ابْن الزُّبَيْر لباس الذل والخوف وسلط عَلَيْهِ وعلى أشياعه وناصريه من يسومهم مثل الَّذِي يسوم النَّاس، اللَّهُمَّ أبلسه بخطيئته [1] وأجعل دائرة السوء عَلَيْهِ، سيروا بنا عَلَى اسم اللَّه إِلَى الطائف. فقام ابْن عَبَّاس فدخل عَلَى ابْن الزُّبَيْر فَقَالَ لَهُ: مَا ينقضي عجبي من تنزيك [2]

_ [1] أي اجعله مأيوسا من رحمتك وخذه بخطيئته. [2] أي من توثبك وسطوتك.

عَلَى بني عَبْد المطلب تخرجهم من حرم اللَّه وهم والله أولى بِهِ وأعظم نصيبا فِيهِ منك. إن عواقب الظلم لترد إِلَى وبال. فقال ابن الزبير: ما منك عجب ولكن من نفسي حين أدعك تنطق عندي ملأ فيك!!! فَقَالَ ابْن عَبَّاس والله مَا نطقت عند أحد من الولاة أخس منك؟! قد والله نطقت غلاما عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر، ونطقت رجلا عند عمر وعثمان وعلي يروني أحق من نطق، فيستمع لرأيي وتقبل مشورتي وكل هَؤُلاءِ خير منك ومن أبيك!!! فقال (ابن الزبير) : والله لئن كنت لي ولأهلي مبغضا، لقد كتمت بغضك وبغض أهل بيتك مذ أربعون سنة!!! فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ذَلِكَ والله أبلغ إلى حاعريتك [1] بغضي والله ضرك وإثمك إذ دعاك إِلَى ترك الصلاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خطبك، فَإِذَا عوتبت عَلَى ذَلِكَ، قلت: إن لَهُ أهيل سوء!!! فَإِذَا صليت عليه تطاولت أعناقهم وسمت رؤسهم!!! [2] . فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: اخرج عني فلا تقربني. قَالَ: أنا أزهد فيك من أن أقربك. ولأخرجن عنك خروج من يذمك ويقليك. فلحق بالطائف فلم يلبث إلا يسيرًا حَتَّى توفي، فصلى عَلَيْهِ ابْن الحنفية فكبر عَلَيْهِ أربعا وضرب عَلَى قبره فسطاطًا، ولم يزل ابْن الحنفية بالطائف حَتَّى أقبل الحجاج بْن يُوسُف من عند عَبْد الملك إِلَى ابْن الزُّبَيْر، فلما حصره عاد ابْن الحنفية إلى الشعب، فكتب إِلَيْهِ عَبْد الملك بعد مقتل مصعب بْن الزبير، وبعثة الحجاج: أما بعد فَإِذَا أتاك كتابي فاخرج إلى الحجاج عاملي فبايعه.

_ [1] كذا. [2] وللموضوع شواهد كثيرة ذكر بعضها ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (400) من الباب (3) من نهج البلاغة: ج 4 ص 489 و 495 ط القديم بمصر.

فكتب إليه (ابن الحنفية) : إني لا أبايع حَتَّى يجتمع النَّاس عليك، فَإِذَا اجتمعوا كنت أول من يبايع. فلما قتل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، وَهُوَ يومئذ بالشعب أَيْضًا، سرح أبا عَبْد اللَّهِ الجدلي بكتاب منه إِلَى عَبْد الملك يسأله فِيهِ الأمان لنفسه وأصحابه. وبعث إِلَيْهِ الحجاج يأمره بالبيعة، فأبي وَقَالَ: قد كتبت إِلَى عَبْد الملك كتابا فَإِذَا جاءني جوابه بما سألته بايعت. قال: أو تشترط على أمير المؤمنين/ 524/ أو 262 ب/ الشروط؟ لتبايعني طائعا أَوْ كارها!! فأتاه عَبْد الله ابن عمر بْن الخطاب، فَقَالَ لَهُ: مَا تريد من رجل مَا نعلم فِي زماننا مثله؟! أمسك عَنْهُ حَتَّى يأتيه كتاب ابْن عمه. وقد كَانَ كتاب عَبْد الملك أتى الحجاج قبل قتل ابْن الزُّبَيْر يأمره فِيهِ بالكف عَن ابْن الحنفية والرفق بِهِ، فأمسك الحجاج (عنه) حَتَّى قدم عَلَى ابْن الحنفية رسوله أَبُو عَبْد اللَّهِ الجدلي بجواب كتابه ببسط الأمان، وتصديق قوله، ووصف مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي إسلامه وعفافه وفضله وقرابته وعظيم حقه، وَقَالَ لَهُ: لعمري لئن ألجأتك إِلَى الذهاب فِي الأرض خائفا لقد ظلمتك وجفوتك وقطعت رحمك، فبايع الحجاج عَلَى بركة اللَّه. وأمره بالقدوم عَلَيْهِ آمنا مأمونا وفي الرحب والسعة وإلى الكرامة والأثرة والمواساة. فخرج (ابن الحنفية) إِلَى الحجاج فبايعه لعبد الملك، وأشخصه الحجاج إليه معه فِي جماعة منهم عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان، ومحمد بْن سعد بْن أَبِي وقاص، وعروة بْن الزُّبَيْرِ، فلما قدم عَلَى عَبْد الملك أعظمه وأكرمه وبره وأقبل عَلَيْهِ، فحسده الحجاج على ما رأى من اقتفاء عَبْد الملك بِهِ [1] فَقَالَ: والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لقد أردت أن أضرب عنقه لولا تقدمك إليّ في أمره لتأخره وتثاقله عن البيعة. فَقَالَ لَهُ عَبْد الملك مهلا يَا حجاج. فسأله ابن الحنفية

_ [1] يقال: «اقتفى فلان بفلان اقتفاءا» : خص نفسه به. و «اقتفى الشيء» : اختاره. واقتفاه بأمر: آثره به واختصه به.

وفاة محمد ابن الحنفية

أن ينزع عَنْهُ سلطانه. فَقَالَ: إنه لا سلطان له عليك، و (لا) لأحد من النَّاس دوني، ولك فِي كُلّ سنة رحلة إلي ترفع فِيهَا حوائجك فأقضيها لك. ويقال: إنه قَالَ: أخلني يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: إنه ليس دون الحجاج سر. قَالَ: فاعدني عَلَيْهِ فإنه يكلفني الغدو والرواح إِلَيْهِ، ويعدي علي غرمائي قبل بيع الثمرة. فَقَالَ عَبْد الملك: لا سلطان لك عَلَيْهِ دون بلوغ الثمرة، وَلا عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن جعفر فإنهما ينتظران الغلّة أو صلتنا. ثم انصرف (ابن الحنفية) من عند عَبْد الملك، وَكَانَ مَعَهُ جماعة من أصحابه منهم عامر بْن واثلة أَبُو الطفيل [1] ومحمد بْن نشر، ومحمد بْن يزيد بْن مزعل، حَتَّى قدموا الْمَدِينَة. 19- حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ، عَن ابْن كيسان، قَالَ: قَالَ عَبْد الملك لابن الحنفية، حين قدم عَلَيْهِ وهما خلوان: أتذكر فعلتك يوم الدار؟ فَقَالَ: أنشدك اللَّه والرحم يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: والله مَا ذكرتها وَلا أذكرها (كذا) . وَكَانَ مُحَمَّد سمع مروان، قَالَ لعلي يوم الدار: قطع اللَّه الليلة أثرك. فأخذ مُحَمَّد بحمائل سيف مروان، فرجع (علي عليه السلام) ففرق بينهما [2] . 20- ويقال: أن الحجاج وجه ابْن الحنفية إلى عبد الملك وافدا فأكرمه وبرّه ثُمَّ رده إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ: فد إلي فِي كُلّ عام. وإن الحجاج لم يشخصه مَعَهُ. [وفاة مُحَمَّد ابْن الحنفية] 21- وتوفي مُحَمَّد ابْن الحنفية بالمدينة، ودفن بالبقيع سنة إحدى وثمانين. ويقال توفي (سنة) اثنتين وثمانين.

_ [1] هذا هو الصواب، وفي الأصل: عامر بن مر بن واثلة أبو الطفيل ... [2] ما بين المعقوفين كان ساقطا من الأصل وزدناه بقرينة السياق.

22- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قال: أرسل ابن الزبير إلى ابن العباس وابن الحنفية أن بايعا (ني) . فقالا: (لا نبايع أحدا حتى) يجتمع النَّاس عَلَى رجل ثُمَّ نبايع، فإنك فِي فتنة. فغضب من ذَلِكَ ولم يزل الأمر يغلظ بينه وبينهما حتى خافاه خوفًا شديدًا، وحبس ابْن الحنفية فِي زمزم، فبعث (ابن الحنفيّة) إلى الكوفة يخبر (الناس) بما هو فيه من ابْن الزُّبَيْر، فأخرج إِلَيْهِ المختار أربعة آلاف عليهم أَبُو عَبْد اللَّهِ الجدلي، فصاروا إِلَى المسجد الحرام، فلما رأى ابْن الزُّبَيْر ذَلِكَ دخل منزله. وقد كَانَ أَيْضًا ضيق عَلَى ابْن عَبَّاس، وبعث إِلَى حطب فجعله عَلَى باب ابْن عَبَّاس وحول محبس ابْن الحنفية من زمزم!!! فمنعه ذَلِكَ الجيش مما أراد، وصار ابن الحنفية إِلَى الشعب فنزله. ثُمَّ إن ابْن الزُّبَيْر قوي عَلَى ابْن الحنفية، حين قتل المختار، وغلب مصعب/ 525/ أو 263/ أ/ عَلَى الْكُوفَة، فأخرج ابْن عَبَّاس وَابْن الحنفية عَنْهُ، وَقَالَ: لا يجاوراني ولم يبايعاني. فخرجا إِلَى الطائف، فمرض ابْن عَبَّاس ثمانية أيام ثُمَّ توفي بالطائف، فصلى عَلَيْهِ ابْن الحنفية ودفنه وكبر عَلَيْهِ أربعا [1] وَكَانَ الَّذِي تولى حمله ودفنه مَعَ ابْن الحنفية أصحابه الشيعة. 23- وَقَالَ بعض الرواة: مات ابْن الحنفية بأيلة.

_ [1] قد استفاض الأخبار عن أهل البيت عليهم السلام علي انه يكبر على الميت خمس تكبيرات وقد ورد أيضا في ذلك أحاديث من طريق أهل السنة، وقد ذكرنا جملة وافية منها في تعليق الحديث: (1407) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 3 ص 307 ط صيدا، فراجع، فما هاهنا إما سهو من الكاتب أو انه فعل تقية!!!

وذلك غلط، والثبت: أن ابْن الحنفية مات بالمدينة، وله خمس وستون سنة، وصلى عَلَيْهِ أبان بْن عُثْمَان بْن عفان وَهُوَ والي الْمَدِينَة، وَقَالَ لَهُ أَبُو هاشم ابنه: نحن نعلم أن الإمام أولى بالصلاة ولولا ذَلِكَ مَا قدمناك. 24- ويقال: أن أبا هاشم أبى أن يصلي عَلَى أَبِيهِ أبان [1] فَقَالَ أبان: أنتم أولى بميتكم فصلى عَلَيْهِ أَبُو هاشم. 25- وروى الواقدي أن مُحَمَّد بْن الحنفية قَالَ فِي سنة الجحاف- حين دخلت سنة إحدى وثمانين-: هَذِهِ لي خمس وستون سنة، قد جاوزت سني أَبِي بسنتين. وتوفي تلك السنة. 26- حَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ، عَن عيسى بْن يزيد الكناني قَالَ: سمعت المشايخ يتحدثون أنه لما كَانَ من أمر ابْن الحنفية مَا كَانَ، تجمع بالمدينة قوم من السودان غضبا لَهُ، ومراغمة لابن الزُّبَيْر، فرأي ابْن عُمَرَ غلاما لَهُ فيهم وهو شاهر سيفه!!! فقال له: (ما هذا يا) رباح؟ قَالَ رباح: والله إنا خرجنا لنردكم عَن باطلكم إِلَى حقنا!!! فبكى ابْن عُمَرَ وقال: اللهم إن هذا لذنوبنا. وقال غيره: تجمّعوا أيام الحرّة وهم يظهرون نصرة يزيد، عَلَى ابْن الزُّبَيْر، وخرج غلام ابن عمر معهم!!! [2]

_ [1] وهذا هو الملائم لسجية آل أبي طالب في حال الاختيار وعند عدم الخوف والتقية. [2] قال الشيخ محمد باقر المحمودي: هذا تمام تراجم ولد أمير المؤمنين عليه السلام، من كتاب أنساب الأشراف ويليها قول المصنف: «أمر الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ بْن هاشم وولده» ... وقد أدينا حق العلم والأمانة، فذكرنا جميع ما كان في المصدر الذي كان عندي من أول ترجمة الزبير بن عبد المطلب إلى ختام ترجمة محمد ابن الحنفية، وقد كتبنا جميع ما كان في أصلى حرفيا، وطبعناه حرفيا إلا أحاديث من ترجمة عبد الله بن جعفر، فإنها سقطت عن مسودتي في أيام الفتنة، ولم يسقط مما نشرناه شيء إلا الذي ذكرناه، ولم نزد في الكتاب شيئا ولم نغير منه أيضا شيئا، نعم في بعض الموارد كان في الأصل تصحيف فاحش وغلط واضح، فأبدلناه بما هو الصواب، ومع ذلك أشرنا في تعليق تلك الموارد إلى اللفظ الذي كان موجودا في الأصل كي أوفينا أداء حق العلم ولكي ينسد على المبطلين باب الافتراء والبهتان علينا. وفي بعض الموارد لم يكن اللفظ الموجود في الأصل جليا، فذكرناه بحسب استفادتنا الظنية وعقبناه بمعقوفين بينهما حرف ظ هكذا: (ظ) بمعنى ان ظاهر رسم خط الأصل بحسب نظري ظنا هو الذي أثبتناه، وإن احتمل بعيدا أن يكون اللفظ غير ما أثبتناه. وقد كان في بعض الموارد لفظ الأصل قاصرا عن إفادة المعنى فأتممناه بزيادة لفظ أو جملة أو أكثر ووضعنا الزيادة ما بين المعقوفين دلالة على زيادتها، وهذا أمر معتاد في عصرنا قد استقر عليه عمل المحققين والكتاب. ونسخ الكتاب موجودة في استنبول ودار الكتب المصرية وغيرهما، فليراجعها المثقفون ويطبقوها على ما نشرناه كي يعلموا أنا أدبنا حق العلم والأمانة. ثم إنا قد ذكرنا في أول تعليقاتنا وآخرها على الجزء الثاني- ص 11، وص 509- أن الكتاب كتاب جمع وليس بكتاب تحقيق يقتصر مصنفه فيه على الحقائق فقط، بل جمع مصنفه فيه ما سمعه من مشايخه وما رواه له أساتذته، ففيه من الحقائق وأضدادها جوانب واسعة، وقلما تعرض مؤلفه لنقد ما ينقله مما لا مساس له بالواقع والصواب، ونحن أيضا ما كان لنا مجال في تعليقاتنا أن نكشف عن عوار جميع ما فيه الخلل والانحراف، ولو كان طفيفا لا يترتب على الجهل به ضرر كثير وخسارة جسيمة، نعم في الموارد المهمة فندنا أباطيله وأشبعنا الكلام على قدر الواجب، وأما في غيرها فلم نستوف الكلام، فعلى هذا يجب على من يريد الحقائق مجردة عن الأباطيل، إما المراجعة إلى العالم المتخصص أو إلى تلخيص الكتاب المسمى ب «أنباء الاسلاف» وفقنا الله تعالى لإتمامه. ونحن إنما تحملنا كلفة نشر الكتاب حرفيا بما فيه، تسهيلا لتناول حقائقه، وسدا لباب الفرار والانكار على الخصم، لا تصديقا بجميع ما فيه!!! ثم إنا شرعنا في استنساخ هذا الجزء من أول ترجمة الإمام الحسن عليه السلام في أول ليلة الأحد الموافق لليلة (13) من شهر ذي الحجة من عام (1391) الهجري واستمر بنا الكتابة، حتى أتينا إلى آخر ترجمة محمد ابن الحنفية رضوان الله تعالى عليه، وفرغنا منها في اليوم: (10) من شهر ربيع الثاني من سنة (1392) . ثم في طول أيام حققناه وجمعنا شواهد لحقائقه، ونواقض لبعض مزالق مؤلفه إلى أن من الله علينا بالشروع في طبعه في أوائل محرم الحرام من عام (1397) وفرغنا منه واتممناه في يوم الاثنين الموافق لليوم: (29) من ربيع الثاني من العام المذكور، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الجزء الرابع

[الجزء الرابع] أمر الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ بْن هاشم ووَلَده [1] وَأَمَّا الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ فكان محبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مائلًا إِلَيْهِ، وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي منزله فيُقيل فِيهِ، وأسلمت لبابة بنت الْحَارِث امرأته حِينَ بُعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الشاعر: بِهَا ثلث الْإِسْلَام بَعْد مُحَمَّدٍ ... وزوج رَسُول اللَّهِ بِنْت خويلد حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّهُ قِيلَ لِلْعَبَّاسِ أَنْتَ أَكْبَرُ أَمْ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ هُوَ أَكْبَرُ مِنِّي وَأَنَا وُلِدْتُ قَبْلَهُ [2] . وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: أبعد عقلي أَنَّهُ قِيلَ لأُمِّي قَدْ وَلَدَتْ آمِنَةُ غُلامًا فَخَرَجَتْ وَخَرَجْتُ مَعَهَا فَكَأَنِّي أَرَاهُ يَمْصَعُ بِرِجْلَيْهِ فَاجْتَذَبَنِي النِّسَاءُ إِلَيْهِ وَقُلْنَ قَبِّلْ أَخَاكَ [3] . وَأَمَّا عَبْدُ الْكَعْبَةِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَمَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ النّذر الذي نذره عبد المطلب فِي ذبح ولده. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ: أَنَا أَسَنُّ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث، وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ وَوُلِدْتُ قَبْلَ الْفِيلِ بِثَلاثِ سِنِينَ [4] . حَدَّثَنِي أَبُو مَشْعَرٍ [5] ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليمن، عن عبد الرزاق، عن معمر

_ [1] انظر: جمهرة الأنساب لابن حزم، ص 15 وص 18- 19، طبقات ابن سعد، ج 4، ق 1، ص 1- 22، نهاية الارب للنويري ج 18 ص 216- 220، جمهرة النسب لابن الكلبي، ج 1 ص 16، أسد الغابة لابن الأثير ج 3، ص 109- 112، ابن عساكر- تاريخ (خط) ، ج 7، والتهذيب ج 7، ص 226- 250. [2] سقط حديث يحيى بن معين من د. وترد الرواية في ابن عساكر- تاريخ (خط) ، ج 7، ص 454 ب. [3] انظر ابن سعد ج 4، ق 1، ص 1، وابن عساكر- تاريخ (خط) ج 7 ص 454 ب. [4] ترد الرواية عن الزبير بن بكار في ابن عساكر- تاريخ (خط) ، ج 7، ص 455 أ. [5] في هامش ط: معشر؟، وفي هامش د: معشر. أنساب الأشراف- 1!

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ رَأَى الْعَبَّاسَ فَقَالَ: هَذَا عَمُّ النَّبِيِّ وَمَا أَسْلَمَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ كَافِرٌ، فَشَكَا الْعَبَّاسُ قَوْلَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مُغْضَبًا فَقَالَ: [مَنْ آذَى الْعَبَّاسَ عَمِّي فَقَدْ آذَانِي، إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ] . قَالُوا: [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ رِجَالا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ أُخْرِجُوا مُكْرَهِينَ مِنْهُمْ عَمِّيَ الْعَبَّاسُ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلا يَعْرِضَنَّ [1] لَهُ فَإِنَّهُ خَرَجَ مُكْرَهًا، وَمَنْ لَقِيَ أبا البختري [2]- يعني العاص بن هاشم ابن الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ- فَلا يَعْرِضَنَّ [3] لَهُ.] وَكَانَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ [4] مِمَّنْ أَعَانَ عَلَى نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَتَبَتْهَا [5] قريش على (527) بني هاشم وبني المطلب ابن عَبْدِ مَنَافٍ حِينَ دَخَلُوا الشِّعْبَ، فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَنَتْرُكُ الْعَبَّاسَ، لَئِنْ لَقِيتُهُ لأَضْرِبَنَّ وَجْهَهُ بِالسَّيْفِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: [يَا أَبَا حَفْصٍ، أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِالسَّيْفِ؟] فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ أَبِي حُذَيْفَةَ فَقَدْ نَافَقَ، فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ: مَا أَنَا بِآمِنٍ شَرَّ كَلِمَتِي وَلا أَزَالُ خَائِفًا مِنْهَا إِلا أَنْ يُكَفِّرَهَا الله بشهادة، فقتل يوم القيامة [6] . وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَكَمِ الْعَدَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ [7] مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ غُلامًا لِلْعَبَّاسِ وَكَانَ الإِسْلامُ [8] قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، أَسْلَمَ الْعَبَّاسُ وَاعْتَقَدَ الْبَيْعَةَ [9] لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الانصار ليلة العقبة على قنّة [10] وَقُرَيْشٌ تَطْلُبُهُ، وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ فَكَانَتْ ثَالِثَةَ أَوْ قَالَ ثَانِيَةَ النِّسَاءِ بَعْدِ خَدِيجَةَ، وَكَانَ العباس يهاب

_ [1] م: يعرض. [2] م: البحتري. انظر جمهرة الأنساب ص 217، وفهرس الطبري. [3] م: يعرض. [4] م: البحتري. انظر جمهرة الأنساب ص 217، وفهرس الطبري. [5] م: كتبت. [6] انظر نص الرواية، عن ابن عباس، في شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 182- 3، وانظر ابن سعد ج 4، ق 1، ص 5، والطبري س 1، ص 1323. [7] انظر رواية لعكرمة في شرح نهج البلاغة ج 14، ص 180- 181، وابن سعد ج 4، ق 1، ص 5. [8] ط: له اسلام. [9] ط: للبيعة. [10] الأصل: قبة. انظر لسان العرب: «قنن» ..!

قَوْمَهُ فَيَكْتُمُ إِسْلامَهُ وَكَانَ ذَا مَالٍ مُتَفَرِّقٍ عَلَى قُرَيْشٍ وَكَانَ يُحَامِي عَلَى مَكْرُمَتِهِ وَمَكْرُمَةِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنَ السِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ وَيَخَافُ خُرُوجَهُمَا مِنْ يَدِهِ، فَخَرَجَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَطْعَمَ تَجَلُّدًا مَعَ الْمُطْعِمِينَ، وَكَانَ يَكْتُبُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِخَبَرِ الْمُشْرِكِينَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِخَبَرِهِمْ [1] وَمَا أَعَدُّوا لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَحَذَّرَهُ إِيَّاهُمْ كَيْلا يُصِيبُوا غُرَّتَهُ [2] . وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبيه عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَتَبَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَدْرٍ يُعْلِمُهُ السَّبَبَ الَّذِي خَرَجَ لَهُ مِنْ مُدَارَاةِ قُرَيْشٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَاتِلٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَنْهَزِمَ بِهِمْ وَيَكْسِرَهُمْ فَعَلَ، فَلَمَّا أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَلْزِمْنِي مِنَ الْفِدَاءِ أَغْلَظَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَحَدٍ، وَكَانَ كِتَابُهُ مِنْ مَكَّةَ مَعَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَمَعَهُ كِتَابُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْتِعْدَادِ قُرَيْشٍ لِغَزْوِهِ يَوْمَ أُحُدٍ إِشْفَاقًا مِنْ أَنْ يُصِيبُوا غُرَّتَهُ، وَبَلَغَهُ فَتْحُ خَيْبَرَ فَأَعْتَقَ غُلامًا لَهُ يُكَنَّى أَبَا زَبِيبَةَ. قَالُوا: وَكَانَ الْعَبَّاس آخذًا بلجام بغلة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنين، ويقال بحَكمَته، وأقبل يَوْمَئِذٍ نفرٌ من بَنِي ليث من كنانة يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدنا منه أحدُهم فاحتضنه الْعَبَّاس وأحدق بِهِ موالي رَسُول اللَّهِ، فَقَالَ الْعَبَّاس لأقرب الموالي منه: اضرب ولا تتقِ مكاني ولا تبل [3] أيَّنا قتلت، فقتل المولى الليثي وجاء أَخُو المقتول فرفع يده إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضًا فاحتضنه الْعَبَّاس وَقَالَ كَمَا قَالَ أوّلًا فقُتل، حَتَّى فعل ذَلِكَ بستة مِنْهُم، فدعا لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَبّل وجهه. وَفِي يَوْم حنين يَقُول الْعَبَّاس [4] : ألا هَلْ أتى عرسي مكَرِّي ومقدَمي ... بوادي حنينٍ والأسنةُ شرع [5] وقولي إِذَا مَا النفسُ جاشت ألا قري [6] ... وهامٌ تَدَهْدى يَوْم ذاك وأذرع

_ [1] ط: يخبرهم. [2] انظر ابن سعد ج 4، ق 1، ص 5، رواية أبي رافع بسند آخر. [3] ط: تبك. [4] ترد الأبيات في تاريخ ابن عساكر (خط) ، ج 7، ص 459 ب، وتهذيبه ج 7، ص 233. [5] في ابن عساكر- تهذيب: تشرع. [6] ن. م.: لها.!

وكيف رددتُ الْخَيْلَ وَهِيَ مُغيرةٌ ... بزوراءَ تعطي فِي اليدين وتمنعُ وقولي إِذَا مَا الفضلُ شدَّ بسَيْفِه ... عَلَى الْقَوْم: أُخرى يَا بُنيَّ فيرجعُ كأنّ السهامَ المرسلاتِ كواكبٌ ... إِذَا دَبَرَت عَن عَجْسها وَهِيَ تلمع نصرنا رَسُول اللَّهِ فِي الحرب سبعةً ... وَقَدْ فرّ من قَدْ فرّ عَنْهُ فأقْشَعوا [1] يَعْنِي بالسبعة نَفْسه وعلي بْن أَبِي طَالِب والفضل بْن الْعَبَّاس وأبا سُفْيَان [2] بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ وأسامة بْن زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (528) وأبا رافع مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ [3] وأيمن بْن عُبيد أَخَا أسامة لأمه أم أيمن، ويقال إِن السابع مكان أيمن بعضُ ولد الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ، ويقال إنهم الْعَبَّاس وعلي وأبو سُفْيَان بْن الْحَارِث وعقيل بْن أَبِي طَالِب وعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر والزبير بْن الْعَوَّام وأسامة بْن زَيْد، وبنو الْحَارِث يقولون إِن جَعْفَر بْن أَبِي سُفْيَان شهد حُنينًا أيضًا. وَحَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ مُرَجَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ [مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سهيل بن أبي الصالح عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ: فِيكُمُ النُّبُوَّةُ [4] وَفِيكُمُ الْخِلافَةُ.] حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزبيري عن اسماعيل ابن قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمِ [5] بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلا فَقَامَ يَغْتَسِلُ، فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ كِسَاءً فَسَتَرَهُ بِهِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعًا رَأْسَهُ مِنْ جَانِبِ الْكِسَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: [اللَّهُمَّ اسْتُرِ الْعَبَّاسَ مِنَ النَّارِ، أَوْ قَالَ: الْعَبَّاسَ وَوَلَدَهُ مِنَ النَّارِ [6]] . وَحَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ الْمُرَجَّى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْهَرَوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْوَقَّاصِيِّ عَنْ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ مَالِكِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ السَّاعِدِيِّ [7] قَالَ: [دخل رسول الله

_ [1] ط: اتشقوا. ولم يرد البيتان الرابع والسادس في ابن عساكر. [2] اسمه المغيرة. المحبر لابن حبيب ص 46، وانظر جمهرة النسب، ج 1، لوحة 4. [3] زاد في م: صلى الله عليه وسلم. [4] م: النبوءة. انظر ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 243. [5] في هامش د: اسمه «سلمة» . انظر 5- 634. -. [6] الرواية في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 234. [7] ط: الساغدي. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر ج 10، ص 13.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَبَنِيهِ فَقَالَ: تَقَارَبُوا، فَزَحَفَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ بِمُلاءَتِهِ وَقَالَ: يَا رَبُّ هَذَا عَمِّي وَصِنْوُ أَبِي، هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ بِملاءَتِي، فَأَمَّنَتْ أَسْكُفَّةُ الْبَيْتِ [1] وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ [2]] . وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ [3] بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا، وَإِنَّ مَنْزِلِي فِي الْجَنَّةِ تِجَاهَ مَنْزِلِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْزِلُ الْعَبَّاسِ عَمِّي فِيمَا بَيْنَ مَنْزِلِهِ وَمَنْزِلِي، مُؤْمِنٌ بَيْنَ خَلِيلَيْنِ [4]] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا خَلادُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لأَعْرِفُ ضَغَائِنَ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ أَوْقَعَتْ [5] بِهِمْ، فَقَالَ: [أَمَا إِنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا [6] خَيْرًا حَتَّى يُحِبُّوكُمْ، أوَ يَرْجُو سِلْهِمُ شَفَاعَتِي وَلا يَرْجُوهَا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ!] سَلْهَمٌ حَيٌّ مِنْ وَلَدِ حَكَمِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ [7] وَعِدَادُهُمْ فِي مُرَادٍ [8] . حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ [9] عَنْ مُوسَى بْنِ كَرْدَمٍ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: [كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رأى العباس عمه أوسع لَهُ وَقَالَ هَذَا عَمِّي وَبَقِيَّةُ آبَائِي [10]] . وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَن زُبَيْرِ بْن بَكَّارٍ عَن عتيق بن يعقوب عن عبد العزيز ابن مُحَمَّدِ الدَّرَاوَرْدِيِّ [11] عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن الهاد عن عبد الله بن أبي

_ [1] في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 235: الباب، انظر الزمخشري- اساس البلاغة ج 1، ص 451. [2] «وحوائط البيت» ليست في د. [3] م: خيبر. انظر تهذيب التهذيب ج 6، رقم 312. [4] انظر ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 240. [5] م: وقعت. [6] ط: تنالوا. [7] انظر جمهرة الأنساب ص 408. [8] ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 239- 40، عن عائشة. [9] ط، د: الحفاف. انظر تهذيب التهذيب ج 6، ص 450- 453. [10] م، د: لباني. [11] د: الدراوزدي. وجاء في لب اللباب في تحرير الأنساب للسيوطي عن عبد العزيز: «كان أبوه من درابجرد فاستثقلوا فقالوا دراوردي، وقيل هو من اندرابه» ص 103.!

بَكْرٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ: احْفَظُونِي فِي الْعَبَّاسِ عَمِّي فَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ] . حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن جده عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: [قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَمْ أَرَ رَأْيًا قَطُّ أَوْثَقَ فَتْلا وَأَحْكَمَ عَقْدًا مِنْ رَأْيِ عَمِّيَ الْعَبَّاسِ] . حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ حِينَ اخْتَصَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَرَّبَهُ: يَا بُنَيَّ لا تَكْذِبْهُ فَيَطْرَحَكَ، وَلا تَغْتَبْ عِنْدَهُ أَحَدًا فَيَمْقُتَكَ، وَلا تَقُولَنَّ لَهُ شَيْئًا حَتَّى يَسْأَلَكَ، وَلا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا فَيَزْدَرِيَكَ. وَيُقَالُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَدْنَاكَ وَأَكْرَمَكَ فَاحْفَظْ (529) عَنِّي ثَلاثًا: لا يُجَرِّبَنَّ [1] عَلَيْكَ كَذِبًا، وَلا تُفْشِينَّ لَهُ سِرًّا، وَلا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا [2] . حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَعْتَقَ الْعَبَّاسُ عِنْدَ مَوْتِهِ سَبْعِينَ مَمْلُوكًا [3] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الطُّفَاوِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى الْعَبَّاسِ قَالَ: [رَأَيْتُ عَلِيًّا يُقَبِّلُ يَدَ الْعَبَّاسِ وَرِجْلَهُ وَيَقُولُ: يَا عَمِّ ارْضَ عَنِّي] . حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ بْنُ الْجَرَّاحِ عن إسرائيل الملّاي [4] عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مُصَدِّقًا، فَشَكَاهُ الْعَبَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْعَمَّ صِنْوُ الأَبِ وَأَنَّا قَدِ اسْتَسْلَفْنَا زَكَاةَ الْعَبَّاسِ العام [5] عام أول [6]] .

_ [1] م: تجربن. [2] انظر اخبار الدولة العباسية ص 120، الكامل للمبرد، ج 2، ص 312، العقد الفريد، ج 1، ص 11، عيون الاخبار لابن قتيبة ص 19، نسب قريش لمصعب الزبيري ص 26. [3] ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 250. [4] هو إسرائيل بن يونس بن اسحق السبيعي الهمداني. تهذيب التهذيب ج 1، ص 261- 3. [5] م: للعام. [6] انظر ابن سعد ج 4، ق 1، ص 17، وابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 275- 6.!

وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو معاوية الضرير، حدثنا عبد الرحمن ابن عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ يَسْتَسْقِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، فَسُقُوا [1] . وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ [2] قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ يَوْمَ غَدَا لِيَسْتَسْقِيَ عَامَ الرَّمَادَةِ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا عَلَيْهِ بُرْدٌ لا يَبْلُغُ رُكْبَتَيْهِ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالاسْتِسْقَاءِ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ وَالدُّمُوعُ تَجْرِي عَلَى خَدِّهِ وَلِحْيَتِهِ، وَإِنَّ الْعَبَّاسَ لَعَنْ يَمِينِهِ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَعِجُّ إِلَى رَبِّهِ وَأَخَذَ بِيَدِ الْعَبَّاسِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ، وَالْعَبَّاسُ قَائِمٌ إِلَى جَنْبِهِ مُلِحٌّ فِي الدُّعَاءِ وَعَيْنَاهُ تهْمِلانِ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْبُهْلُولِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَسْتَسْقِي فَأَخَذَ بِضَبْعَيِ الْعَبَّاسِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَمُّ نَبِيِّكَ [3] فَاسْقِنَا، فَمَا بَرِحَ النَّاسُ حَتَّى سُقُوا [4] . وَيُرْوَى عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: أَجْدَبَتِ الأَرْضُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ حَتَّى الْتَقَتِ الرِّعَاءُ وَأُلْقِيَتِ [5] الْعِصِيُّ وَعُطِّلَتِ النَّعَمُ، فَقَالَ كَعْبٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ مِثْلُ هَذَا اسْتَسْقَوْا بِعُصْبَةِ الأَنْبِيَاءِ، فَاسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ فَجَعَلَ عُمَرُ يَدْعُو وَالْعَبَّاسُ يَدْعُو. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبيه عن جده محمد بن السائب عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اسْتَسْقَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْعَبَّاسِ عَامَ الرَّمَادَةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلاءِ عِبَادُكَ وَبَنُو إِمَائِكَ أَتَوْكَ رَاغِبِينَ مُتَوَسِّلِينَ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ فَاسْقِنَا سُقْيَا نَافِعَةً تَعُمُّ الْبِلادَ وَتُحْيِي الْعِبَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نستسقيك بعم نبيك

_ [1] انظر ابن سعد ج 4، ق 1، ص 19. [2] د: تريد. ويورد ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 246 هذه الرواية، والمخطوط ج 7، ص 445 ب بنفس الاسناد. [3] في د: نبينا. [4] ترد الرواية في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 238. [5] ط، م: ألقت.!

وَنَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِشَيْبَتِهِ، فَسُقُوا، فَقَالَ فِي ذَلِكَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة بْن أَبِي لَهَبِ [1] بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: بِعَمِّي سَقَى اللَّهُ الْحِجَازَ وَأَهْلَهُ ... عَشِيَّةَ يَسْتَسْقِي بِشَيْبَتِهِ عُمَرُ تَوَجَّهَ بِالْعَبَّاسِ فِي الْجَدْبِ رَاغِبًا [2] ... إِلَيْهِ فَمَا أَنْ رَامَ [3] حَتَّى أَتَى الْمَطَرُ وَمِنَّا رَسُولُ اللَّهِ فِينَا تُراثُهُ ... فَهَلْ فَوْقَ هَذَا لِلْمُفَاخِرِ مُفْتَخَرُ وَقَالَ ابْنُ عَفِيفٍ النَّضرِيُّ [4] : مَا زَالَ عَبَّاسُ بْنُ شَيْبَةَ عَائِلا [5] ... لِلنَّاسِ عِنْدَ تَنَكُّرِ الأَيَّامِ رَجُلٌ تَفَتَّحَتِ السَّمَاءُ لِصَوْتِهِ ... لَمَّا دَعَا بِفَضِيلَةِ [6] الإِسْلامِ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ قَامَ مَقَامَهُ ... فَبِهِ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الأَقْوَامِ (530) وَقَالَ آخَرُ [7] : رَسُولُ اللَّهِ والشُّهَدَاءُ مِنَّا ... وَعَبَّاسُ الَّذِي فَتَقَ [8] الْغَمَامَا وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: لَمَّا كَانَ عَامَ الرَّمَادَةِ، وَهُوَ عَامُ الْجَدْبِ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، اسْتَسْقَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَسْقِيكَ بِنَبِيِّنَا إِذَا قَحِطْنَا، وَهَذَا عَمُّهُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَنَحْنُ نَسْتَسْقِيكَ بِهِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى أَطْبَقَ السَّحَابُ، قَالَ [9] : وَسُقُوا بَعْدَ ثلاثة ايام. وكان عام الرمادة العام الَّذِي كَانَ فِيهِ طَاعُونُ عَمْوَاسٍ بِالشَّامِ. حَدَّثَنَا خلف بن هشام البزار عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ: مَنْ آذَى الْعَبَّاسَ فَقَدْ آذَانِي، إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صنو أبيه] [10] .

_ [1] انظر جمهرة الأنساب ص 72، الاغاني ج 16، ص 119 وما بعدها، جمهرة النسب، لوحة 4. وترد الأبيات في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 246- 7. [2] ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 247: دائما. [3] ن. م.: دام. [4] ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 247. [5] ابن عساكر: غاية. [6] ط: بفصيله، ابن عساكر: بدعاوة. [7] في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 247: وقال الزبير. [8] ن. م.: بعج. [9] م: قالوا. [10] ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 234.!

حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ جَدِّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال لِلْعَبَّاسِ: يَا عَمُّ مَنْ حَفِظَنِي فِيكُمْ حَفِظَهُ اللَّهُ، وَلَنْ يَسْتَكْمِلَ رَجُلٌ الإِيمَانَ حَتَّى يَعْرِفَ لَكَ فَضْلَكَ يَا عَمُّ] . حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ ابيه عن الصلت ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيِّ: بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ، كَيْفَ تُفْلِحُ هَذِهِ الأُمَّةُ وَتَرْجُو شَفَاعَةَ نَبِيِّهَا وَقَدْ تَرَكَ فِيهِمْ عَمَّهُ فَاسْتَأْثِرُوا بِالرَّأْيِ عَلَيْهِ؟ حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، [أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لِلْعَبَّاسِ: مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ مَكْرُوهًا أَوْ رَأَيْتُهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ أَوْ إِسْلامٍ فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْكَ قَطُّ وَلَمْ أَرَهُ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ رَبِّيَ أَنْ يُعَضِّدَنِي بِأَحَبِّ عُمُومَتِي إِلَيْهِ وَإِلَيَّ فَعَضَّدَنِي بِحَمْزَةَ وَبِكَ] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَعْرَابِيُّ، حَدَّثَنِي شَبَابَةُ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَقَعَ رَجُلٌ فِي بَعْضِ آبَاءِ الْعَبَّاسِ فَلَطَمَهُ الْعَبَّاسُ، فَأَخَذَ قَوْمُهُ السِّلاحَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ: [أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ الْخَلْقِ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ؟ قَالُوا: أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ [1] : فَإِنَّ الْعَبَّاسَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، لا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا،] قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِكَ، فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ [2] . وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ أَبِي رِشْدِينَ [3] مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِلُّ الْعَبَّاسَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ إِجْلالَ الْوَلَدِ وَالِدَهُ. وَحُدِّثْتُ أَنَّ كُرَيْبًا قَالَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ ان يجل إلّا أبا او عمّا.

_ [1] سقطت من م. [2] يورد ابن سعد ج 4، ق 1، ص 15 هذه الرواية مع بعض الاختلاف في النص. وانظر ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 234. [3] ط: أبي رشيد بن، د: أبي راشد. وهو كريب بن أبي مسلم ابو رشدين. انظر ابن سعد ج 5، ص 166، وكتاب المجروحين من المحدثين لابي حاتم محمد بن حبان بن احمد التميمي (حيدر آباد الدكن 1973) ، ج 2، ص 259. وترد الرواية في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 239.!

وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ عَن الْوَاقِدِيِّ عَن ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ تَعْظِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسَ عَمَّهُ أَمْرًا عَجِيبًا، أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فَلَدَدْنَاهُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَفَاقَ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ لُدَّ قَالَ: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا لُدَّ سِوَى عَمِّيَ الْعَبَّاسِ.] فَرَأَيْتُهُمْ يُلَدُّونَ رَجُلا رَجُلا وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ يُذْكَرُ فَضْلُهُمْ حَتَّى لَقَدْ لُدَّتِ امْرَأَةٌ صَائِمَةٌ [1] . حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ زُبَيْرِ (بْنِ بَكَّارٍ [2] عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بَكَّارِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ الْخَاصِرَةُ تَأْخُذُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا نَهْتَدِي [3] لاسْمِ الْخَاصِرَةِ وَنَقُولُ [4] عِرْقُ النَّسَا [5] ، فَأَخَذَتْهُ يَوْمًا فَلَدَدْنَاهُ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلا لُدَّ غَيْرَ عَمِّيَ الْعَبَّاسِ، قَالَتْ:] وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ يُذْكَرُ فَضْلُهُمْ فَلُدُّوا رَجُلا رَجُلا [6] . وَحَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ إِبْرَاهِيمِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ نَافِعٍ أَبِي سَهْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: سَمِعْتُ (531) سعد بن أبي وقاص قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَقِيعِ [7] الْخَيْلِ، وَهُوَ مَوْضِعُ سُوقِ النَّخَّاسِينَ الْيَوْمَ، فَطَلَعَ الْعَبَّاسُ، [فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا الْعَبَّاسُ أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفًّا وَأَوْصَلُهَا] . حَدَّثَنِي [8] محمد بن سعد عن الواقدي عن معمر عن الزهري عن أبي بكر ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَكَى الشِّكَاةَ

_ [1] عبارة: «حتى ... صائمة» ليست في ط. [2] اضاف م: ابن بكار، وورد ابن بكار في ط مشطوبا ولم يرد في د. [3] م: يهتدى. [4] م: يقول. [5] في هامش كل من ط، د: الكلية، مع اشارة خ (خطأ) . [6] انظر ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 238. [7] ط: بقيع، وهو تحريف. انظر حمد الجاسر: ابو علي الهجري وابحاثه في تحديد المواقع ص 285- 302. [8] ط: فحدثني.

التي توفي فيها فغمز [1] مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ فَلَدُّوهُ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: خَشِينَا أَنْ تَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ، [فَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَنِي بِهَا، ثُمَّ قَالَ: لا يَبْقَيَنَّ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا الْتَدَّ [2] غَيْرَ عَمِّي الْعَبَّاسِ عُقُوبَةً لَهُمْ، فَالْتَدَّتْ مَيْمُونَةٌ وَهِيَ صَائِمَةٌ] . حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ [3] قَالَ: [خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى بَعْثٍ أَوْ يُجَهِّزُهُ، فَطَلَعَ الْعَبَّاسُ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالَ: هَذَا عَمُّ نَبِيِّكُمْ أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفًّا وَأَوْصَلُهَا لِرَحِمٍ [4]] . حدثني الوليد بن صالح عن عَن الْوَاقِدِيِّ عَن ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَن أَبِيهِ عَنْ الثِّقَاتِ مِنْ آلِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّ الْعَبَّاسَ لَمْ يَمُرَّ بِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَهُمَا راكبان وهو راجل الا نزلا حتى يجوزهما إِجْلالا لَهُ أَوْ يَمْشِيَانِ مَعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَنْزِلَهُ أَوْ مَجْلِسَهُ [5] . حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَفْوَانَ، وَكَانَ صَدِيقًا لِلْعَبَّاسِ، بِأَبِيهِ [6] يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، فَقَالَ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لا هِجْرَةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا بَايَعْتَهُ، فَقَالَ بِيَدِهِ: هَاهْ، أَبْرَرْتُ قَسَمَ عَمِّي وَلا هِجْرَةَ] . حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ الأَحْمَرِيُّ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنِي هشام الكلبي عن ابيه محمد ابن [7] السَّائِبِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَاقَ إِلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ وَقَدْ خَرَجَ إِلَى بَعْضِ بَوَادِي الْمَدِينَةِ فَزَارَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ أَيَّامًا.

_ [1] م: فغمر. [2] د: لد التد. [3] جمهرة النسب ج 1، لوحة 20. [4] في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 237: وأوصلها لها. [5] انظر ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 245 وفي المخطوط ج 7، ص 454: «حتى يجوز بهما» . [6] ط: يأتيه. [7] سقطت من م.!

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هَارُونَ مُوسَى بْنِ عِيسَى قَالَ: كَانَ لِلْعَبَّاسِ مِيزَابٌ يَصُبُّ فِي الْمَسْجِدِ فَكَسَرَهُ عُمَرُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَمَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: لا جَرَمَ وَاللَّهِ لا يَكُونُ لَكَ سُلَّمٌ إِلا ظَهْرِي، فَطَأْطَأَ لَهُ حَتَّى رَكِبَ ظَهْرَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ [1] . وذكروا أَن الْعَبَّاس بنى داره الَّتِي كَانَتْ إِلَى الْمَسْجِد وجعل يرتجز: بنيتُها باللِّبن والحجاره ... فباركنْ لأهلِ هذي [2] الدّارهْ فدعا لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبركة. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ أبي بكر ابن عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بِقَلْعِ الْمَيَازِيبِ الَّتِي تَصُبُّ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَتَاكَ عَمُّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مُسْلِمًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ كُنْتُ أَفْعَلُ بِهِ كَذَا، فَذَكَرَ إِعْظَامًا وَإِجْلالا وَاسِعًا، قَالَ: فَأَنَا عَمُّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اذْهَبْ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ يَأْمُرُهُ فَتُوضَعُ مَائِدَتُهُ فِي السَّفَرِ فَيَأْكُلُ مَنْ حَضَرَهُ وَمَنْ مَرَّ بِهِ ثُمَّ يُلْقِي فَضْلَهَا لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك عَن يونس ابن يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ [3] عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلامُ وَإِنَّ جَفْنَةَ الْعَبَّاسِ لَتَدُورُ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي هَاشِمٍ وَإِنَّ سَوْطَهُ وَقِدَّهُ [4] مَعَهُ لِسُفَهَائِهِمْ، يُطْعِمُ الْجَائِعَ وَيُؤَدِّبُ السَّفِيهَ، وَقَالَ الزهري: هذا والله السّؤدد.

_ [1] ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 237. [2] ط: هذه. وفي ابن عساكر ج 7، ص 237: يا رب باركن باهل الداره. [3] الرواية مع بعض الاختلاف في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 250. [4] ن. م.: قيده.!

قَالَ (532) إِبْرَاهِيم بْن عَلِي بْن هَرْمة [1] : وكانت لعباسٍ ثلاثً يعدّها [2] ... إِذَا مَا شتاءُ [3] النَّاس أصبح أشهبا فسلسلةٌ تنهي [4] الظلومَ وجفنةٌ ... تباح فيكسوها السنامَ المرُعّبا وحلَّة عصبٍ مَا تزال معدةً ... لعارٍ [5] ضريكٍ ثوبهُ قَدْ تهببا حَدَّثَنِي عباس بن هشام عن أبيه عن جده عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ: [كُنْتُ عِنْدَ الْحُسَيْنِ [6] بْنِ عَلِيٍّ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ [7] أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ عِنْدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فأطعم طعامه وأيطب كَلامَهُ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ: إِنَّ أَبَاهُ كَانَ سَيِّدَ قُرَيْشٍ غَيْرَ مُدَافَعٍ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا بَنِي هَاشِمٍ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَأَطْيِبُوا الْكَلامَ، فَأَخَذَهَا وَاللَّهِ الْعَبَّاسُ وَوَلَدُهُ] . حَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ النَّخَعِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ [8] قَالَ: أَقْبَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَهُوَ أَبْيَضُ لَهُ ضَفِيرَتَانِ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ، [فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ تَبَسَّمْتَ؟ قَالَ: مِنْ جَمَالِكَ يَا عَمُّ، قَالَ: وَمَا الْجَمَالُ فِي الرَّجُلِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: اللِّسَانُ. قَالَ أَبُو جعفر، يقول: أعجب من بيانك ولسنك [9]] . حَدَّثَنِي أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] انظر الاغاني ج 4، ص 369 وما بعدها وج 5، ص 234، وترد هذه الأبيات في تهذيب ابن عساكر ج 7، ص 228- 9، ويرد الخبر عن الزبير بن بكار في ابن عساكر (المخطوط) ج 7، ص 455 ب، وفي ديوان ابن هرمة، تحقيق محمد جبار المعيبد، ص 13- 14. [2] ابن عساكر- تهذيب: نعدها، وفي المخطوط ص 455 ب: بعدها. [3] ن. م.: جناب. [4] ط: ينهي. [5] م: لعات. [6] م: الحسن [7] م: من أنت اين. [8] ترد الرواية مع اختلاف في اللفظ في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 242. [9] زاد في م: حد.!

حِينَ فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ: عَلَيْكَ الْعِيرُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا كَبِيرُ شَيْءٍ، فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّهَا لا تَصْلُحُ لَكَ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ اللَّهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ [1] . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مِثْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صَدَقَ عَمِّي] . وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطيالسي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى الْعَبَّاسِ قَالَ: أَرْسَلَنِي الْعَبَّاسُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَدْعُوهُ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يُغَدِّي النَّاسَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ فَقَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ يَا أَبَا الْفَضْلِ، فَقَالَ: وَوَجْهُكَ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ: أَتَانِي رَسُولُكَ وَأَنَا أُغَدِّي النَّاسَ فَمَا زِدْتُ حِينَ غَدَّيْتُهُمْ عَلَى أَنْ أَتَيْتُكَ، وَذَكَرَ كَلامًا. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَلا أَعْلَمُهُ إِلا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الْعَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَبِيتِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فَأَذِنَ لَهُ. حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابُنَا عَن الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ عَن سَاعِدَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عن داود ابن عَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ [2] ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [اللَّهُمَّ إِنَّ عَمِّيَ الْعَبَّاسَ حَاطَنِي بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَأَخَذَ لِي الْبَيْعَةَ عَلَى الأَنْصَارِ وَنَصَرَنِي فِي الإِسْلامِ [3] ، اللَّهُمَّ فَاحْفَظْهُ وَحُطْهُ وَاحْفَظْ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ] . وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار قَالَ: سَمِعْتُ الْوَلِيد بْن مُسْلِم يَقُول: قُرئ عَلَيْنَا كتاب أَبِي جَعْفَر أمِير الْمُؤْمِنيِنَ يذكر فِيهِ سابقة جَدّه الْعَبَّاس فَقَالَ فِيهِ: ومن ذَلِكَ أَنَّهُ جهز فِي جيش العسرة بثمانين الف درهم. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ غُلامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُقَالُ لَهُ كِلابٌ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِأَلْطَافٍ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، وَكَانَ رَسُولُ الله

_ [1] ترد هذه الرواية في تاريخ ابن عساكر (المخطوط) ج 7، ص 457 أ. [2] انظر ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 235. [3] يضيف ابن عساكر: مؤمنا مصدقا بي.!

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَكَا الْقِيَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ، وَكَانَ كِلابٌ نَجَّارًا مُجِيدًا، فَأَمَرَهُ فَعَمِلَ لَهُ مِنْبَرَهُ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ دَرَجَتَيْنِ وَمِقْعَدًا [1] وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ. وَحَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُمَيَّةَ (533) بْنُ يَعْلَى عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ قَالَ [2] : لَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ ضَاقَ بِهِمُ الْمَسْجِدُ، فَاشْتَرَى عُمَرُ مَا حَوْلَهُ مِنَ الدُّورِ إِلا دَارَ الْعَبَّاسِ وَحُجَرَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنيِنَ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ: يَا أَبَا الْفَضْلِ إِنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ ضَاقَ وَقَدِ ابْتَعْتُ مَا حَوْلَهُ مِنَ الْمَنَازِلِ لأُوَسِّعَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَسْجِدَهُمْ إِلا دَارَكَ وَحُجَرَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنيِنَ، فَأَمَّا حُجَرُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنيِنَ فَلا سَبِيلَ إِلَيْهَا، وَأَمَّا دَارُكَ فَإِمَّا أَنْ تَبِيعَنِيهَا بِمَا شِئْتَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِمَّا أَنْ أَخُطَّكَ خُطَّةً حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَبْنِيَهَا لَكَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِمَّا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَتُوَسِّعَ بِهَا مَسْجِدَهُمْ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: لا وَلا وَاحِدَةَ مِنْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَعْلَمُ، اذْهَبْ فَلَنْ أَعْرِضَ لَكَ فِي دَارِكَ، قَالَ الْعَبَّاسُ: أَمَا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَخَطَّ لَهُ عُمَرُ دَارَهُ الَّتِي هِيَ لَهُ الْيَوْمَ وَبَنَاهَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أُسَامَةَ بن محمد بن أسامة ابن زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ [3] قَالَ: [أُهْدِيَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَبِيبًا وَتِينًا مِنَ الشَّامِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَيَّ أَحَبَّ أَهْلِي إِلَيْكَ، فَدَخَلَ العباس فقال: ها هنا يَا عَمُّ، دُونَكَ فَكُلْ] . حَدَّثَنِي [4] عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا صَارَ أَمْرُ السِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ اقْتَرَعُوا فَخَرَجَ سَهْمُ هَاشِمٍ فَوَلِيَ ذَلِكَ وَقَامَ بِهِ، فَلَمَّا مَاتَ هَاشِمٌ بِغَزَّةَ قَامَ بِأَمْرِ السِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ بَعْدَهُ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ أَخُوهُ، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ المطلب قام بذلك عبد المطلب ابن هَاشِمٍ ثُمَّ ابْنُهُ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ثُمَّ أَبُو طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ أَمْعَرَ وَاخْتَلَّتْ حَالُهُ فَعَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ بِأَمْرِ السِّقَايَةِ

_ [1] م: مقعدة. [2] اورد ابن سعد هذه الرواية بصورة اوفى، ج 4، ق 1، ص 13- 14. [3] ترد الرواية في ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 239. [4] م: وحدثني. وانظر رواية ابن سلام في تاريخ ابن عساكر (المخطوط) ج 7، ص 455 أ.

وَالرِّفَادَةِ فَاسْتَسْلَفَ مِنْ أَخِيهِ الْعَبَّاسِ بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِلنَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ سَأَلَهُ سَلَفَ خَمْسَةَ عَشرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ أَرْبَعَةَ عَشرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: إِنَّكَ لَنْ تَقْضِيَنِي مَا لِي عَلَيْكَ فَأَنَا أُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ لَمْ تُؤَدِّ إِلَيَّ مَالِي كُلَّهُ فِي قَابِلٍ فَأَمْرُ هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ مِنَ السِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ إِليَّ دُونَكَ وَالْمَالُ لَكَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْمَوْسِمُ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ ازْدَادَ أَبُو طَالِبٍ عَجْزًا وَضَعْفًا لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ تُمْكِنْهُ [1] النَّفْقَةُ وَلَمْ يَقْضِ الْعَبَّاسُ مَالَهُ، فَصَارَتِ السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ إِلَيْهِ. وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ كَرْمٌ بِالطَّائِفِ يُؤْتَى بِزَبِيبِهِ فَيُنْبَذُ فِي السِّقَايَةِ، فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَخَذَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ وَهَمَّ بِدَفْعِهِ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَنَزَلَتْ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أهلها [2] فَأَقَرَّ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ فِي يَدِ الْعَبَّاسِ وَأَقَرَّ الْحِجَابَةَ فِي يَدِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أبي طلحة ابن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ [3] . [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَتَحَ مَكَّةَ: أَلا إِنِّي قَدْ وَضَعْتُ كُلُّ مَأْثَرَةٍ وَمَكْرُمَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي إِلا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ [4]] . وَحَدَّثَنِي عَلِي الأثرم عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: قام الْعَبَّاس بالسقاية والرفادة، ثُمَّ قام بِذَلِك عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس ثُمَّ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ مُحَمَّد بْن عَلِي ثُمَّ دَاوُد بْن عَلِي ثُمَّ سُلَيْمَان بْن عَلِي ثُمَّ عِيسَى بْن عَلِي، فَلَمَّا استخلف أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَبُو جَعْفَر [5] قَالَ: إنكم تقلدون هَذَا الأمر مواليكم فموالي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أحقّ بالقيام بِهِ، فولى السقاية ونفقاتِ الْبَيْت مَوْلَى لَهُ يُقَالُ لَهُ زَربي، وجُعلت الرفادة من بَيْت المال. المدائني عَنِ ابْن جُعْدُبَة قَالَ: دَخَلَ عُثْمَان بْن عَفَّان عَلَى الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى [6] عَنْهُمَا، وَكَانَ الْعَبَّاس خالَ أمه أروى بِنْت كُرَيز فَقَالَ: يَا خال أوصني، فَقَالَ: أوصيك بسلامة القلب، وترك مُصَانَعة الرجال فِي الحق، وحفظ اللسان، فإنك مَتَى (534) تفعلْ ذلك ترض ربك وتصلح لك رعيتك.

_ [1] ط: يمكنه. [2] سورة النساء (4) ، آية 58. [3] انظر جمهرة النسب ج 1، لوحة 17. [4] انظر فنسنك- المعجم المفهرس ج 2 ص 487. [5] سقط «ابو جعفر» من م. [6] تعالى: ليست في ط.!

الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ: يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَلَّغَكَ شَرَفَ الدُّنْيَا فَاطْلُبْ شَرَفَ الآخِرَةِ، وَامْلِكْ هَوَاكَ وَاحْرِزْ لِسَانَكَ إِلا مِمَّا لَكَ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عن زكريا ابن عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخَذَ كَعْبُ الأَحْبَارِ بِيَدِ الْعَبَّاسِ وَقَالَ: اخْتَبِئْهَا لِي عِنْدَكَ لِلشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: وَهَلْ لِي شَفَاعَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ النَّبِيِّ يُسْلِمُ إِلا كَانَتْ لَهُ شَفَاعَةٌ. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَخَذَ الْعَبَّاسُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَافَاهُ السَّبْعُونَ مِنَ الأَنْصَارِ بِالْعَقَبَةِ فَجَعَلَ يَأْخُذُ لِرَسُولِ اللَّهِ [1] الْبَيْعَةَ وَيَعْتَقِدُهَا عَلَيْهِمْ وَيَشْتَرِطُ لَهُ، قَالَ عُرْوَةُ: وَذَلِكَ فِي غُرَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَوَّلِهِ وَلَيْسَ يُعْبَدُ الله علانية. حدثني علي بن حماد بن كثير، حَدَّثَنَا الْحِزَامِيُّ [2] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيُّ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لَهُ: [عَلَى مَنْ نَزَلْتَ يَا أَبَا وَهْبٍ؟ قَالَ: عَلَى عَمِّكَ الْعَبَّاسِ، قَالَ: نَزَلْتَ عَلَى أَشَدِّ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ حُبًّا [3]] . الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد عن الْحَسَنِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ [4] قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قُرَيْشٌ رُؤَسَاءُ النَّاسِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَدْخُلُ فِي أَمْرٍ إِلا دَخَلَ مَعَهُ فِيهِ [5] طَائِفَةٌ [6] ، فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أَمَرَ صُهَيْبًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَيُطْعِمَهُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنَ السِّتَّةِ، فلما وضعت

_ [1] يضيف م: صلى الله عليه وسلم. [2] ط: الجزامي. انظر ابن الأثير- اللباب ج 1، ص 362. [3] انظر ابن سعد ج 4، ق 1، ص 15. [4] يرد هذا الخبر بهذا الاسناد وباسناد آخر في ابن سعد ج 4، ق 1، ص 19- 20، وفي ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 240. [5] ط: الله. [6] يضيف ابن سعد: «فلم ادر ما تأويل قوله في ذا حتى طعن فلما احتضر امر ... » ج 4، ق 1، ص 19.!

الْمَوَائِدُ كَفَّ النَّاسُ عَنِ الطَّعَامِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ فَأَكَلْنَا بَعْدَهُ وَشَرِبْنَا، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فَأَكَلْنَا بَعْدَهُ وَشَرِبْنَا، وَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الأَكْلِ [1] ، فَأَكَلَ وَأَكَلَ النَّاسُ، قَالَ: فَعَرَفْتُ قَوْلَ عُمَرَ. ومن حَدِيث الْوَاقِدِيِّ وغيره، إِن اللَّه فتح عَلَى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، وَكَانَ الْحَجَّاج بْن عِلاط السُّلَمي قدمَ من غارةٍ لَهُ يَوْم خيبر فأسلم واستأذن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إتيان مَكَّة ليأخذ مالًا لَهُ هناك عِنْدَ زوجته أم شَيْبَة بِنْت عمير أخت مُصْعَب بْن عمير العَبدري، فأذن لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ، فقدم مَكَّة وأهلُها لا يَعْلَمُونَ بخبر خيبر ولا بإسلامه، فَقَالَ لقريش متقربًا إِلَيْهَا: إِن مُحَمَّدًا قَدْ أسِر ونُكب أَصْحَابه، فَلَمَّا بلغ الْعَبَّاس ذَلِكَ اشتد عَلَيْهِ وغمَّه فخرج مُدَلها حَتَّى لقي الْحَجَّاج فِي خلوة [2] فسأله عَنِ الْخَبَر، فَقَالَ: أكتم عليَّ فداك أَبِي وأمي جميعَ مَا أقول لَك ثلاثًا حَتَّى آخذ مالي عندّ زوجتي ثُمَّ أظهر الأمر، إني قد أسلمت وان رسول الله [3] قَدْ ظفر، وجئتك وَهُوَ عروس بابنة ملك خيبر، فَسُرِّيَ عنهُ، فَلَمَّا مضت ثلاثة أَيَّام وخرج الْحَجَّاج يريد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غدا الْعَبَّاس عَلَى قريش وعليه حُلة خز مصبوغة وَهُوَ متعطر [4] فوقف عَلَى بَاب أم شَيْبَة فَقَالَ: أَيْنَ الْحَجَّاج؟ قَالَتْ: خرجَ يبتاعُ مِمَّا غنم أَهْل خيبر من مُحَمَّد وأَصْحَابه، فَقَالَ: ذاك والله الباطل، لَقَدْ خلص ماله، وَإِنَّكَ لا تَحلين لَهُ حَتَّى تتبعي [5] دينه، فَقَالَتْ: صدقت والثواقب، ثُمَّ أتى قريشًا فَقَالُوا: مَا هَذَا التجلد يَا أبا الفضل؟ فأخبرهم الْخَبَر فسيء بِهِمْ واكتأبوا وجعل بَعْضهم يصدق وبعضهم يكذب، حَتَّى ورد عَلَيْهِم الْخَبَر بَعْد يومين أَوْ ثلاثة أَيَّام، وَذَلِكَ [6] فِي سنة سبع. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق بن يسار

_ [1] في ابن سعد: الأجل. [2] «في خلوة» ليست في ط. [3] يضيف م: صلى الله عليه وسلم. [4] ط: يتعطر. [5] م: تبغي. [6] ط، د «وكذلك» .!

عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [1] عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (535) [2] ، أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَأَتْ فِي مَنَامِهَا قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ مَكَّةَ بِرِسَالَةِ أَبِي سُفْيَانَ، حِينَ اسْتَأْجَرَهُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى قُرَيْشٍ، يُعْلِمُهَا طلبُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ الَّتِي قَدِمَ بِهَا أَبُو سُفْيَانَ مِنَ الشَّامِ وَيَأْمُرُهَا بِالْخُرُوجِ لِمَنْعِهَا وَالذَّبِّ عَنْهَا بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ، كَأَنَّ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرِهِ حَتَّى وَقَفَ بِالأَبْطَحِ ثُمَّ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلا انْفِرُوا يَا آلَ غُدَر لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلاثٍ [3] ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يَتْبَعُونَهُ فَمَثُلَ بِهِ بَعِيرُهُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ صَرَخَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ مثُلَ بِهِ [4] بَعِيرُهُ فَوْقَ أَبِي قَبِيسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي حَتَّى [5] ارْفَضَّتْ فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ إِلا دَخَلَتْهُ مِنْهَا فَلْقَةٌ، فَقَالَ لَهَا الْعَبَّاسُ: اكْتُمِي رُؤْيَاكِ يَا اخت، وخرج فلقي الوليد بن عتبة ابن رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا وَنَدِيمًا مَعَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَذَكَرَ لَهُ الرُّؤْيَا فَأَخْبَرَ بِهَا الْوَلِيدُ أَبَاهُ عُتْبَةَ، فَفَشَا الْحَدِيثُ حَتَّى جَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ: امْضُوا بِنَا إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ نَسْأَلُهُ عَنْ رُؤْيَا عَمِّهِ مُحَمَّدٍ، وَلَقِيَ أَبُو جَهْلٍ الْعَبَّاسَ فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَتَى حَدَّثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ! أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبَّأَ رِجَالُكُمْ حَتَّى تَنَبَّتْ [6] نِسَاؤُكُمْ! وَاللَّهِ لَئِنْ مَضَتْ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وَلَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الرُّؤْيَا تَأْوِيلٌ لَنَكْتُبَنَّ عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ [7] الْعَرَبِ. قَالَ الْعَبَّاسُ: فَأَنْكَرْتُ الرُّؤْيَا، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ ضَمْضَمُ وَقَدْ جَدَعَ أَنْفَ بَعِيرِهِ وَحَوَّلَ رَحْلَهُ وَشَقَّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ، أَمْوَالَكُمْ أَمْوَالَكُمْ، فَقَدْ عَرَضَ لَهَا [8] مُحَمَّدٌ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ! فَتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا، وَخَافَ الْعَبَّاسُ عَلَى نفسه فخرج معهم ليوري

_ [1] د، م: اسحق بن محمد. [2] انظر الرواية في سيرة ابن هشام ج 2، ص 258 وما بعدها، وفي الاغاني ج 4، ص 176- 178، وانظر ابن سعد- الطبقات ج 8 ص 29- 30. [3] زاد في م: ايام. [4] سقطت «به» من م. [5] في سيرة ابن هشام ج 2 ص 259، والاغاني ج 4 ص 176: حتى إذا كانت باسفل الجبل ارفضّت ... [6] ابن هشام: تتنبأ. [7] ن. م.: اكذب اهل بيت في العرب. [8] م: لنا.!

بِذَلِكَ عَلَيْهِم، وَأَطْعَمَ مَعَ الْمُطْعِمِينَ تَجَلُّدًا، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا دَخَلُوا فِيهِ لِئَلا يُقَالَ إِنَّهُ مُسْلِمٌ فَيُصِيبُوهُ بِشَرٍّ. وَقَالَتْ عَاتِكَةُ بَعْدَ بَدْرٍ: أَلَمْ تَكُنِ الرُّؤْيَا بِحَقٍّ أَتَاكُمُ ... بِتَأْوِيلِهَا فَلٌّ مِنَ الْقَوْمِ هَارِبُ أَتَى فَأَتَاكُمْ بِالْيَقِينِ الَّذِي رَأَى ... بِعَيْنَيْهِ مَا تَفْرِي السُّيُوفُ الْقَوَاضِبُ فَقُلْتُمْ، وَلَمْ أَكْذِبْ، كَذَبْتِ وَإِنَّمَا ... يُكَذِّبُنِي بِالصِّدْقِ مَنْ هُوَ كَاذِبُ وَسَمِعْتُ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لأَبِي جَهْلٍ، حِينَ قَالَ [1] لَنَكْتُبَنَّ عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ الْعَرَبِ: يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ، أَنْتَ أَوْلَى مِنَّا بِالْكَذِبِ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ قُرَيْشٍ شِعْرًا ذَكَرَ أَنَّهُ قَالَهُ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَيُقَالُ غَيْرُهُ: يَا قَوْمُ كَيْفَ رَأَيْتُمْ ... تَأْوِيلَ رُؤْيَا عَاتِكَهْ قُلْتُمْ لَهَا يَا آفِكَهْ ... جَهْلا وَمَا هِيَ آفِكَهْ حَتَّى بَدَا تَأْوِيلُهَا ... بِكدَاءَ [2] غَيْرَ مُتَارِكَهْ خَصت وَعَمَّتْ مَعْشَرًا ... أَرْحَامُهُمْ [3] مُتَشَابِكَهْ هَلَكُوا بِبَدْرٍ كُلُّهُمْ ... فَابْكُوا النُّفُوسَ الْهَالِكَهْ قَالُوا: وَلَمَّا كَانَتْ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، وَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ، زوّجه عمّه الْعَبَّاسُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أُخْتُ امْرَأَتِهِ أُمِّ الْفَضْلِ لُبَابَةَ [4] بِنْتِ الْحَارِثِ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الهيثم، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: خَرَجَ الْعَبَّاسُ مِنْ مَكَّةَ مُجَاهِرًا بِإِسْلامِهِ فَلَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الحُليفة وَهُوَ يُريدُ مَكَّةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُمْضِيَ ثِقَلَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَيَكُونَ هُوَ مَعَهُ [وقَالَ: هِجْرَتُكَ يَا عَمُّ آخِرُ هِجْرَةٍ كما ان نبوّتي آخر نبوة [5]] .

_ [1] زاد في م: له. [2] ط: بكذا، م: فكراء. انظر ياقوت- بلدان (ن. وستنفلد) ج 4، ص 241، وابن هشام ج 4 ص 37. [3] د: انسابهم. [4] م: لبانة. انظر جمهرة انساب العرب ص 274. [5] انظر ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 232.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسُّقْيَا فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُ مَكَّةَ فَفَتَحَهَا ثُمَّ انْصَرَفَ مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلامَهُ أَبَا رَافِعٍ وَرَسُولُ اللَّهِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ أَبُو رَافِعٍ رَسُولَ اللَّهِ بِقُدُومِهِ مُعْلِنًا لإِسْلامِهِ فَأَعْتَقَهُ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أبي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الْعَبَّاسُ أَكْرَمَ (536) قُرَيْشٍ: لَهُ ثَوْبٌ لِعَارِيهِمْ، وَجَفْنَةٌ لِجَائِعِهِمْ، وَمِقْطَرَةٌ [1] لِجَاهِلِهِمْ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَدِيمًا لأَبِي سُفْيَانَ، فَجَاوَرَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ رَجُلًا لَمْ يَحْمَدْ جِوَارَهُ، فَقَالَ لَهُ [2] عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ [3] : إِنْ كَانَ جَارُكَ لَمْ تَنْفَعْكَ ذِمَّتُهُ ... حَتَّى سُقِيتَ [4] بِكَأْسِ الذُّلِّ أَنْفَاسًا فَأْتِ القباب فكن من أهلها سددا [5] ... تَلْقَى ابْنَ حَرْبٍ وَتَلْقَى [6] الْمَرْءَ عَبَّاسًا قَرْمَيْ قُرَيْشٍ وَحَلَّا فِي ذَوَائِبِهَا [7] ... بِالْمَجْدِ وَالْحَزْمِ مَا حَازَا وَمَا سَاسَا سَاقِي الْحَجِيجِ وَهَذَا مَاجِدٌ أنف [8] ... والمجد يورث أخماسا وأسداسا وحدثني بكر بْن الهيثم، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَبِي أَبْيَضَ بَضًّا رَجِلَ الشَّعْرِ حَسَنَ اللِّحْيَةِ فِي رِقَّةٍ، تَامُّ الْقَامَةِ رَحْبُ الْجَبْهَةِ أَهْدَبَ الأَشْفَارِ، أَوْ قَالَ أَوْطَفَ، أَقْنَى الأَنْفِ [9] عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ [10] سَهْلَ الْخَدَّيْنِ بَادِنًا جَسِيمًا، وَكَانَ قبل ان تكبر سنّه

_ [1] م: مقصرة. انظر ابن عساكر- تهذيب ج 7، ص 228. [2] له: ليست في د، م. [3] ترد ترجمته في الاغاني ج 14، ص 285 وما بعدها. وترد الأبيات في ج 17، ص 211 وفي الديوان (تحقيق يحيى الجبوري) بغداد 1968، ص 75- 76. [4] الديوان والاغاني: وقد شربت. [5] الديوان والاغاني: فأت البيوت وكن ... صددا ... لا تلف ناديهم فحشا ولا بأسا وثمّ كن بفناء البيت معتصما ... تلق ابن حرب وتلق المرء عباسا وانظر لسان العرب مادة: «سدد» ، ومادة «صدد» . [6] ط: يلقى. [7] الديوان: ذؤابتها. [8] الديوان والاغاني: ياسر فلح. [9] م: او قال: اقنى الأنف أوطف. [10] في هوامش ط، د، م: «العرنين» مع اشارة خ.!

فولد [1] العباس بن عبد المطلب

ذَا ضَفِيرَتَيْنِ، وَكُفَّ بَصَرُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَقَدْ كَانَ خَضَّبَ ثُمَّ تَرَكَ الْخِضَابَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وغيره: توفي الْعَبَّاس فِي شَهْر رمضان سنة اثنتين وثلاثين، وَهُوَ ابْن ثمان وثمانين سنة، وَكَانَ معتدل القناة، ودفن بالمدينة بالبقيع، وصلى عَلَيْهِ عُثْمَان بْن عَفَّان، وَكَانَ يَقُول حِينَ نشب الناسُ فِي أمر عُثْمَان: اللَّهُمَّ اسبق بي أمرًا لا أحبّ أَن أدركه. قَالُوا: ونزل فِي حفرة الْعَبَّاس عَلِي بْن أَبِي طَالِب وعبد اللَّه وعبيد اللَّه ابنا الْعَبَّاس والحسن والحسين ابنا عَلِي وقثم بْن الْعَبَّاس، ويقال إِن عُثْمَان بْن عَفَّان نزل فِي قبره. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس: لَقَدْ كُنَّا محتاجين إِلَى نزول أكثَرَ منّا لبدنه وعظمه. فولد [1] الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الفضل وَبِهِ كَانَ يكنى، وعبد اللَّه، وعبيد الله، وقثم، وعبد الرحمن، ومعبد ابن الْعَبَّاس، وأم حبيب، وأمهم لُبابَةُ بِنْت الْحَارِث بْن حَزْن بْن بُجير بْن الهُزَم بْن رُؤيبة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن هلال بْن عَامِر بْن صعصعة [2] وأمها هند بِنْت عَمْرو وَهِيَ خولة، ويقال إِن أباها عوف من حَمامة من جرش. وتَمَّام بْن الْعَبَّاس، وكثَير [3] بْن الْعَبَّاس، وأمهما أم ولد. والحارث بْن العباس وأمه حجيلة بنت جندب ابن الرَّبِيع، هُذَلية [4] . وصفية بِنْت الْعَبَّاس وأمها أم ولد وآمنة بنت العباس، ويقال أمينة، كَانَتْ عِنْدَ الْعَبَّاس بْن عتبة [5] بْن أَبِي لهب فولدت لَهُ الفضل الشاعر وأمها أم ولد. وكانت أم حبيب عِنْدَ الأَسْوَد بْن سُفْيَان بْن عَبْدِ الأسد الْمَخْزُومِيِّ فولدت لَهُ رزق بْن الأَسْوَدِ ولبابة بِنْت الأَسْوَد وَهُمْ يسكنون مَكَّة. وكانت صفية عِنْدَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مسروح واسمه الْحَارِث بْن يعمر أحد بَنِي سَعْد بْن بَكْر. قَالَ عبد الله بن بريد الهلالي:

_ [1] انظر نسب قريش لمصعب الزبيري ص 25- 28، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 6. [2] جمهرة النسب ج 1 لوحة 110، ونسب قريش ص 28. [3] ط: كبير. [4] ط: هذيلة. [5] ط: عيينة. انظر جمهرة الأنساب ص 72.!

فاما الفضل [4] بن العباس

مَا ولدت نجيبةٌ من فحلِ ... بجبلٍ نعلمُهُ أَوْ سهل كستةٍ من بطنِ أمِّ الفضل ... أكرمْ بِهَا مِن كهلةٍ وكهل عمّ النَّبِيّ المصطفى ذي الفضل ... وخاتم الرسل وخير الرسل وَقَالَ أيضًا: ونحن ولدنا الفضلَ والحَبْر [1] بعده ... عنيتُ أبا الْعَبَّاس ذا الدين والندى ألا وعبيدُ اللَّه ثُمَّ ابْن أمه ... ألا قثمًا أعني وذا الباع معبدا (537) غيوثٌ عَلَى العافين خرس عَنِ الخنا ... أسودٌ إِذَا مَا موقد الحرب اوقدا إذا افتخرت يوما قريش رأيتهم ... يفوقونهم [2] حلمًا وجودًا وسؤددا وَقَالَ أيضًا [3] : ألا إنني صهرُ النَّبِيّ مُحَمَّد ... وخالُ بَنِي العباس والخال كالأب فاما الفضل [4] بْن العَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ ويكنى أَبَا مُحَمَّد، فَإِن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع من المُزدَلفة وَهُوَ ردفُه إِلَى منى فسمي الردف، وَكَانَ مِمَّنْ غسَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزل فِي حفرته. [وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا غلام احفظ أمر اللَّه يحفظك، واعلم أَن [5] مَا أصابك لَمْ يكن ليخطئك وأن مَا أخطأك لَمْ يكن ليصيبك،] [وأن الخلائق جميعًا لو اجتمعوا عَلَى إعطائك شيئًا لَمْ يُقدر لَك لَمْ يقدروا عَلَيْهِ، ولو أطبقوا عَلَى مَنعك شيئًا قَدْ قدر لَك لَمْ يستطيعوه.] ويقال أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لعبد اللَّه بْن عَبَّاس. وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمَعْرُوفُ بِالْعَمْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْخُرُوجَ إِلَى الشَّامِ وَدَّعَ أَبَاهُ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَيْ بُنَيَّ إِنَّ عَمُودَ الْجِهَادِ النِّيَّةُ وَتَمَامَهُ الصَّبْرُ والاحتساب، فجاهد صابرا محتسبا فانّ نبيّ

_ [1] ط: الحير. [2] ط: يفرقونهم. [3] ليست في د، م. [4] انظر نسب قريش ص 25- 6. [5] ط، م: انه.!

اللَّهِ قَالَ: [الْجِهَادُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلامِ،] وَإِنَّكَ سَتُسْأَلُ عَنْ حَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَوْضِعِكَ مِنْهُ فَلا تَعْدُ فِي ذَلِكَ الْيَقِينِ وَالْغِ الشَّكَّ، وَاجْعَلْ مَا رَوَيْتَ عَنْهُ تَدَيُّنًا وَلا تَجْعَلْهُ فَخْرًا. وَحَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش الهمداني عَنْ أَبِي عِلاقَةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَضَرْتُ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ فِي سَفَرِهِ إِلَى الشَّامِ فَكَانَ يُطْعِمُ طَعَامَهُ وَيَأْمُرُ فَيُتَصَدَّقُ بِفَضْلَتِهِ وَيَقُولُ: كَثْرَةُ الطَّعَامِ وَسِعَتُهُ فِي السَّفَرِ مِنَ الْمُرُوءَةِ. وَكَانَ إِذَا سَارَ تَعَجَّلَ [1] عَلَى فَرَسِهِ حَتَّى يَسْبِقَ ثِقَلَهُ وَرُفَقَاءَهُ، ثُمَّ لا يَزَالُ يُصَلِّي حَتَّى يَلْحَقُوا بِهِ وَهُوَ مُطَوِّلٌ لِفَرَسِهِ وَفَرَسُهُ يَرْعَى وَعَنَانُهُ فِي يَدِهِ، وَكَانَ يُجَدِّدُ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، وَيَنَامُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي إِلَى وَقْتِ الرَّحِيلِ، وَإِذَا مَرَّ بِرَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ. وَأَتَاهُ مَوْلًى لَهُ وَقَدْ نَالَ النَّاسَ طَاعُونُ عَمْوَاسٍ فَقَالَ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَوِ انْتَقَلْتَ إِلَى مَكَانِ كَذَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَخَافُ أَنْ أَسْبِقَ أَجَلِي، وَلا أُحَاذِرُ أَنْ يَغْلُظَ [2] بِي، وَإِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ لَبَصِيرٌ بِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ. المدائني عَنْ حُبَاب بْن مُوسَى عن جعفر بن محمد، انه ذكر الْعَبَّاس وولده فَقَالَ: كَانَ عَبْد اللَّهِ أعلم النَّاس بكل شَيْء، وَكَانَ عُبَيْد اللَّه أجود النَّاس كفًّا وأوسعهم بذلًا، وَكَانَ الفضل أجمل النَّاس وجهًا وأثبتهم زهدًا وأصدقهم قولًا. حَدَّثَنِي عَلِي بْن مُحَمَّد النوفلي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ يُقَالُ من أراد الجمال والفقه والسخاء فليأت دار الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: الجمالُ للفضلِ، والفقه لعبد اللَّه، والسخاء لعبيد اللَّه [3] . حَدَّثَنِي عَمْرُو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ ربيعة بن الحارث ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [4] قَالَ [5] : مَشَى بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى الْعَبَّاسِ فَقَالُوا لَهُ: تُكَلِّمُ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْنَا مَا يَجْعَلُ إِلَى النَّاسِ مِنْ هذه السّعاية

_ [1] م: يعجل. [2] في ط، م: يغلط. ويغلظ تعني: ينزل. [3] انظر اخبار الدولة العباسية ص 28. [4] جمهرة النسب ج 1 لوحة 7. [5] سوف تتكرر هذه الرواية فيما بعد، انظر ص 295- 296 من هذا الجزء.!

عَلَى الصَّدَقَاتِ، قَالَ: فَبَعَثَ الْعَبَّاسُ ابْنَهُ الْفَضْلَ وَبَعَثَنِي أَبِي رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَأَجْلَسَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِأُذُنِي وَأُذُنِ الْفَضْلِ فَقَالَ: أَخْرِجَا مَا تُسِرَّانِ، فَقُلْنَا: بَعَثَنَا (538) إِلَيْكَ عَمُّكَ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْأَلُونَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي هَذِهِ السِّعَايَةِ، [فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَبَى لَكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يُطْعِمَكُمْ أَوْسَاخَ أَيْدِي النَّاسِ، أَوْ قَالَ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ، وَلَكِنْ لَكُمَا عِنْدِي الْحِبَاءُ وَالْكَرَامَةُ، أما أنت يا فضل فقد زوجتك فلانة، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فَقَدْ زَوَّجْتُكَ فُلانَةً،] فَرَجَعْنَا فَأَخْبَرْنَا بِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو النَّاقِدُ قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعَبَّاسَ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الْفَضْلُ وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ فَكَلَّمَهُ فِي تَوْلِيَتِهِمَا مِمَّا وَلاهُ اللَّهُ وَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ ابْنَا عَمِّكَ، وَقَدْ بَلَغَا وَلَيْسَ لَهُمَا نِسَاءُ فَلَعَلَّهُمَا يُصِيبَانِ مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ فَيَتَزَوَّجَانِ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَمَا أنا بموليهما] . حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ يَقُولُ بِالشَّامِ: وَاللَّهِ مَا بَخِلَ بِالْمَالِ مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ، وَلا اسْتَغْنَى بِالْكَثِيرِ مَنْ لَمْ يُغْنِهِ الْكَفَافُ، وَلا خَافَ الْعَوَاقِبَ مَنْ أَمِنَ شَرَّ النَّاسِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ: قَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ حِينَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ: هَذَا أَمْرُ اللَّهِ الَّذِي لا مَرَدَّ لَهُ، فَصَبْرًا وَاحْتِسَابًا وَتَسْلِيمًا، وَاللَّهِ مَا أَخَافُ الْمَوْتَ الَّذِي لَهُ خُلِقْتُ وَلَكِنِّي أَخَافُ التَّقْصِيرَ فِي الْعَمَلِ. حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الشَّامِيُّ [1] ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ الطَّاعُونَ قَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَكَانَ فَتَى قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ عَقْلا وَجَمَالا وَشَجَاعَةً وَمُرُوءَةً: إِنَّ أَحَقَّ مَا صُبِرَ [2] عليه ما لا سبيل الى تبديله.

_ [1] ط: السلمي. انظر اخبار الدولة العباسية ص 164، وفتوح البلدان للبلاذري ص 109، ص 128، ص 152، ص 162. [2] ط: صير.

وَحَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: نَفَقَ فَرَسٌ لِرَجُلٍ كَانَ مَعَ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي رُفْقَتِهِ، فَأَعْطَاهُ فَرَسًا كَانَ يَجْنِبُهُ [1] ، فَعَاتَبَهُ بَعْضُ الْمُنْتَصِحِينَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَبِتَبْخِيلِي تَنْتَصِحُ إِلَيَّ؟! إِنَّهُ كَفَى لُؤْمًا أَنْ تمنع [2] الفضل وتترك [3] المؤاساة، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ اللَّهَ حَمِدَ فِي كِتَابِهِ الا المؤثرين على انفسهم ولو كانت بِهِمْ خَصَاصَةٌ [4] . قَالُوا: وتوفي الفضل فِي طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة. وَكَانَ لَهُ يَوْمَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثماني عشرة [5] سنة وأشهر. وَلَمْ يولد للفضل إلا أم كلثوم بِنْت الفضل وأمها صفية بِنْت محْمِية بْن جزء الزبيدي [6] حليف بَنِي جمح، وأمها جمحية، فتزوج الْحَسَن بْن عَلِي أم كلثوم [7] وَكَانَ أبا عذرها، وَهِيَ أول من تزوج من النِّسَاء، فولدت لَهُ ثلاثة بنين وابنة درجوا كلهم، وفارقها فخلف عَلَيْهَا أَبُو مُوسَى عَبْد اللَّهِ بْن قَيْس الْأَشْعَرِيّ [8] فولدت لَهُ مُوسَى بْن أَبِي مُوسَى [9] ، ويقال إنها ولدت لَهُ أيضًا ولدين آخرين، وتوفي أَبُو مُوسَى عَنْهَا فخلف عَلَيْهَا عِمْرَانَ بْن طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه ثُمَّ فارقها فرجعت إِلَى دار أَبِي مُوسَى بالكوفة فماتت بِهَا، وَهِيَ أول قرشية دفنت فِي ظهر الكوفة، ويقال بَل دفنت قبلها أم عَمْرو بْن [10] سَعِيد الأشدق. وَكَانَ أول من دُفن بظهر الكوفة من الرجال خباب ابن الأرت فِي سنة سبع وثلاثين أَوْ ست وثلاثين. وَقَالَ بَعْض الرواة: وكانت أم كلثوم بِنْت الفضل عِنْدَ أَبِي مُوسَى فمات عَنْهَا وتزوجها الْحَسَن، فتوفي عَنْهَا فِي سنة تسع وأربعين أَوْ سنة خمسين، فتزوجها عِمْرَان بْن طلحة ولا عقب له.

_ [1] الأصل: بجنبه. [2] م: يمنع. [3] م: يترك. [4] الاشارة الى الآية 9 من سورة الحشر (59) . [5] د، م: عشر. [6] انظر جمهرة الأنساب ص 411- 412. [7] انظر نسب قريش ص 25- 26. [8] جمهرة النسب ج 1 لوحة 273. [9] م: أبي موسى الاشعري. [10] د: ابن، ط: بنت بن.!

واما عبد الله بن عباس [1]

وَأَمَّا عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس [1] فيكنى أبا الْعَبَّاس وَهُوَ حبَر الأمة، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: ولد عبد الله ابن عَبَّاسٍ وَبَنُو (539) عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الشِّعْبِ، وَذَلِكَ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاثِ سِنِينَ [2] ، [فَجَاءَ بِهِ أَبُوهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ امْلأْ جَوْفَهُ فَهْمًا وَعِلْمًا وَاجْعَلْهُ مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَمُّ، هَذَا عَنْ قَلِيلٍ حَبْرُ [3] أُمَّتِي وَفَقِيهُهَا وَالْمُؤَدِّي لِتَأْوِيلِ التَّنْزِيلِ] . قَالَ أَبُو صَالِح: وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس مقدمًا عِنْدَ أَبِي بَكْر وعمر وعثمان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ. وحجَّ بالناس سنة خمس وثلاثين بأمر عثمان وعثمان محصور، وولاه عَلِي بْن أَبِي طَالِب البصرة وشخص مَعَهُ إِلَى صفين ثُمَّ رجع إِلَيْهَا واليًا عَلَيْهَا، ثُمَّ كتب أَبُو الأَسْوَد فِيهِ إِلَى عَلِي فغاضَبَ عليًا وشخص إِلَى الحجاز. وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ إِلْيَاسَ عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدْتُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلاثٍ وَنَحْنُ فِي الشِّعْبِ، وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِي ثَلاثَ عَشْرَةَ [4] سَنَةً [5] . وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ فِي حَجَّةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَاهِقًا لِلْحُلُمِ. وَحَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ الله بن أبي يزيد

_ [1] انظر ابن سعد ج 2 ق 1 ص 119- 125 وق 2 ص 365- 372، ابن حبيب: المحبر ص 289، ابو نعيم: حلية الأولياء ج 1 ص 324- 329، ابن حجر: الاصابة ج 2 ص 802- 813، وتهذيب التهذيب ج 5 ص 276- 279، تذكرة الحفاظ للذهبي ص 40- 42، الشيرازي: طبقات الفقهاء ص 18- 19، اخبار الدولة العباسية ص 25- 134، نسب قريش ص 26- 7، ابن عبد البر: الاستيعاب ج 1 ص 933 وما بعدها، اسد الغابة لابن الأثير ج 3 ص 192- 195. [2] نسب قريش ص 26. [3] م: خير. [4] ط: ثلاثة عشر. [5] انظر اخبار الدولة العباسية ص 25.!

قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَنَا فِي مَنْ قَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مَعَ الثَّقَلِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى [1] . حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، أَوْ قَالَ مَنْكِبَيَّ، [وَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، قَالَ: فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَضَعَ لَكَ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ، [فَقَالَ [2] : اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ [3]] . حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ يحيى بن المهلب البجلي عن أبيه عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: رَأَيْتُ جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ وَدَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] أَنْ يُؤْتِيَنِي اللَّهُ الْحِكْمَةَ مَرَّتَيْنِ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمُقْرِئُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ وَأَبِي عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ كَالْمُعْرِضِ فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ لِي أَبِي: أَيْ بُنَيَّ أَلَمْ تَرَ إِلَى النَّبِيِّ كَأَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنِّي؟ فَقُلْتُ: إِنَّهُ كَانَ يُنَاجِي رَجُلا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قلت لعبد الله كذا فقال كذا

_ [1] وردت هذه الرواية في اخبار الدولة العباسية ص 25. [2] يضيف ط، م: رسول الله صلى الله عليه وسلم. [3] انظر الرواية في اخبار الدولة العباسية ص 26، وفي ابن سعد ج 2 ق 1 ص 119- 120 وانظر جمهرة النسب لابن الكلبي (خط) ق 1 ص 14. [4] (ص) ليست في د.!

أَفَكَانَ مَعَكَ أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ [1]] . وَحُدِّثْتُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَتْ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى (540) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَآهُ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَتَى جِئْتَ يَا حَبِيبِي؟ قَالَ: مُنْذُ سَاعَةٍ. فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَ عِنْدِي أَحَدًا؟ قَالَ: نَعَمْ رَأَيْتُ رَجُلا، [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] : ذَاكَ جِبْرِيلُ لَمْ يَرَهُ خَلْقٌ إِلا عَمِيَ إِلا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا، وَلَكِنْ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي آخِرِ عُمْرِكَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ وَاجْعَلْهُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ] . حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: [ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ كُرَيْبًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَزِيدَنِي اللَّهُ عِلْمًا وَفَهْمًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ عن اسماعيل ابن مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طاووس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: [دَعَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ نَاصِيَتِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحَكْمَةَ وَتَأْوِيلَ الْكِتَابِ [3]] . حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَا يعلمهم الّا قليل [4] قال: أنا من أولئك القليل.

_ [1] انظر اخبار الدولة العباسية ص 127. [2] يضيف د: قال. [3] الرواية في ابن سعد ج 2 ق 1 ص 119. وفي نسب قريش: «اللهم أعطه الحكمة وعلمه التأويل» ص 26. [4] سورة الكهف (18) ، من الآية 22.!

حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ جُوَيْبِرٍ [1] عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ [2] الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طاووس قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ شَيْخًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا تَدَارَءُوا فِي شَيْءٍ أَتَوُا ابْنَ عَبَّاسٍ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَهُمْ وَيُقَرِّرُهُمْ بِهِ فَيَنْتَهُونَ إِلَى قَوْلِهِ. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن ادريس، عن ليث عن طاووس قَالَ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ شَيْخًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَتَرَكْتُهُمْ وَانْقَطَعْتُ إِلَى هَذَا الْفَتَى، يَعْنِي ابْنَ عباس، فاستغنيت به. وحدثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ عن ابن جريج [3] عن طاووس قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا قَطُّ أَعْلَمَ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ طاووس أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَطُّ فَتَرَكَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ حَتَّى يُقَرِّرَهُ مما قَالَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مالك ابن مِغْوَلٍ [4] عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَام الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ أَجْمَلُ النَّاسِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ قُلْتُ أَفْصَحُ النَّاسِ، فَإِذَا حدّث قلت أعلم الناس [5] .

_ [1] ط، م: جوبير. [2] سقطت من م. [3] ط، م: جريح، انظر فهرس الطبري. [4] ط: معول. انظر الطبري س 1 ص 1806 وص 1827، ابن سعد ج 6 266، ص 288. [5] انظر اخبار الدولة العباسية ص 34- 5 وص 127- 8.

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ خُشَيْشِ [1] بْنِ فَرْقَدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا غُلامُ- أَوْ يَا غُلَيْمُ- أَلا أُعَلِّمُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، اذْكُرِ اللَّهَ يَذْكُرْكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ (541) ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الْيَقِينِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، وَأَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ الْخَلائِقُ عَلَى أَنْ يُعْطُوكَ شَيْئًا لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَسْتَطِيعُوا، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَمْنَعُوكَ شَيْئًا قَضَاهُ اللَّهُ لَمْ يَسْتَطِيعُوا [2]] . حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ وَلا أَجْلَدَ رَأْيًا وَلا أَثْقَبَ نَظَرًا مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَيَقُولُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ طَرَأَتْ عَلَيْنَا عُضَلُ أقْضَيةٍ أَنْتَ لَهَا وَلأَمْثَالِهَا، فَإِذَا قَالَ فِيهَا رَضِيَ قَوْلَهُ، وَعُمَرُ مَا عُمَرُ فِي نَظَرِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَدِّهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ [3] . حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالا، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا سَمِعْتُ فُتْيَا أَحْسَنَ مِنْ فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ إِلا أَنْ يَقُولَ [4] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ. حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ [5] ابْنَ عَبَّاسٍ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ أَبْصَرْتُ عَلَى وَجْهِهِ نُورًا. حَدَّثَنَا عَبْد الأَعْلَى بْن حَمَّاد النَّرْسِيُّ أَبُو يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْد الجبار بْن الورد عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رباح قَالَ: مَا رَأَيْت مجلسًا أكرم من مجلس ابْن عَبَّاس، لا أَعْظَم جفنة ولا أَكْثَر علمًا، أَصْحَاب الْقُرْآن فِي ناحية، وأَصْحَاب الفقه فِي ناحية، وأَصْحَاب الشعر فِي ناحية، يوردهم في واد رحب.

_ [1] ط: حشيش. [2] انظر اخبار الدولة العباسية ص 27- 8، اليعقوبي- التاريخ ج 2 ص 313- 314. [3] انظر الرواية باسناد آخر في اخبار الدولة العباسية ص 29. [4] ط: قول. [5] م: رأيت.!

وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ سَعِيد بْن سالم القداح عَنْ عَبْد الجبار بْن الورد عَنْ عَطَاء بِمِثْلِهِ وزاد فِيهِ: وأَصْحَاب الأنساب وأيام [1] العرب فِي ناحية. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بشير عن أبي بشر عن سعيد ابن جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَمَا الْمُحْكَمُ؟ قَالَ: الْمُفَصَّلُ [2] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَيُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْقُرْآنَ فَيَقُولُ: هُوَ كَذَا، أَمَا سَمِعْتُمُ الشَّاعِرَ يَقُولُ كَذَا؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَاحِ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالا، حَدَّثَنَا هشيم عن أبي بشر عن سعيد ابن جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَأْذَنُ لأَهْلِ بَدْرٍ وَيَأْذَنُ لِي مَعَهُمْ، فَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ وَسَأَلَهُمْ فَأَجَابَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ تَلُومُونَنِي عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ مَا تَرَوْنَ؟ حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَدْعُوَانِ ابْنَ عَبَّاسٍ مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ، وَكَانَ يُفْتِي فِي عَهْدِ عُثْمَانَ إِلَى أَنْ مَاتَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أَبِي يَزِيدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا سُئِلَ عَنِ الأَمْرِ فَكَانَ [3] فِي الْقُرْآنِ أَخْبَرَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ وَكَانَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ وَلا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَكَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخْبَرَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اجْتَهَدَ رَأْيَهُ [4] . حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا جرير بن عبد الحميد عن

_ [1] ط: انام. [2] في م: المفضل (خ) . [3] سقطت من م. [4] ط: ابه.!

مُغِيرَةَ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: بِمَ [1] أَصَبْتَ هذا العلم؟ فقال [2] : بلسان سؤول وقلب عقول [3] . وحدثني بكر بْن الهيثم، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: سَلُونِي عَنِ التَّفْسِيرِ فَإِنَّ رَبِّي وَهَبَ لي لسانا سؤولا وَقَلْبًا عَقُولا. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ (542) بْنُ زَيْدٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَ بِالْقُرْآنِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَعْلَمَ بِالْمُبْهَمَاتِ مِنْهُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يُسَمَّى الْبَحْرُ لِكَثْرَةِ عِلْمِهِ [4] . حَدَّثَنِي أَبُو صَالِح الفراء الأنطاكي، حَدَّثَنَا حجاج بْن مُحَمَّد عَنِ ابْن جريج [5] عَنْ عَطَاء أَنَّهُ كَانَ يَقُول: قَالَ البحر كَذَا، وأفتى البحر بكذا، يَعْنِي ابْن عَبَّاس [6] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ وعمرو بن محمد قالا، حدثنا إسحاق ابن يُوسُفَ الأَزْرَقُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَجَدَ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي إِدَنَائِهِ ابْنِ عَبَّاسٍ دُونَهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا أَنِّي سَأُرِيكُمُ الْيَوْمَ مِنْهُ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ فَضْلَهُ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ إِذَا جاء نصر الله والفتح فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا رَأَى النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا أَنْ يَحْمَدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَسْتَغْفِرَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تَكَلَّمْ، فَقَالَ: أَعْلَمُهُ أَنَّهُ مَيِّتٌ، يَقُولُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [7] وَرَأَيْتَ النَّاسَ يدخلون في دين الله أفواجا [8] فَهِيَ آيَتُكَ فِي الْمَوْتِ. ثُمَّ سَأَلَهُمْ عَنْ ليلة القدر فأكثروا

_ [1] الأصل: بما صبت. [2] م: قال. [3] في نسب قريش ان الرسول (ص) قال عنه: «له لسان سؤول وقلب عقول» ص 26. [4] الرواية في ابن سعد ج 2 ق 2 ص 120. [5] د، م: جريح، مع اشارة (خ) . [6] انظر ابن سعد ج 2 ق 2 ص 120. [7] العبارة «فقال بعضهم ... (الى) والفتح» ساقطة من ط. [8] سورة النصر (110) ، آية 1.!

الْقَوْلَ فِيهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: تَكَلَّمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، خَلَقَ السَّمَوَاتِ سَبْعًا وَالأَرْضِينَ سَبْعًا، وَجَعَلَ عِدَّةَ الأَيَّامِ سَبْعَةً، وَجَعَلَ الْإِنْسَانَ مِنْ سَبْعٍ، فَقَالَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [1] ثُمَّ جَعَلَ رِزْقَ الإِنْسَانِ مِنْ سَبْعٍ فَقَالَ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَتَاعًا لَكُمْ ولأنعامكم [2] فَأَمَّا السَّبْعَةُ فَمَتَاعٌ لِبَنِي آدَمَ، وَأَمَّا الأَبُّ فَهُوَ مَا تَنْبُتُ الأَرْضُ لِلأَنْعَامِ، وَمَا نَرَاهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلا لِثَلاثٍ وَعِشْرِينَ تَمْضِي وَلِسَبْعٍ يَبْقَيْنَ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تَلُومُونَنِي عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ؟ حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أبيه عن عوانة بن الحكم عن أبيه قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ [3] : أرَجُلٌ كَثِيرُ [4] الذُّنُوبِ كَثِيرُ الْحَسَنَاتِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ رَجُلٌ قَلِيلُ الذُّنُوبِ قَلِيلُ الْحَسَنَاتِ؟ فَقَالَ: مَا أَعْدِلُ بِالسَّلامَةِ شَيْئًا. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَرَّفَ بِالْبَصْرَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعِلْمِ، قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَفَسَّرَهَا آيَةً آيَةً وَحَرْفًا حَرْفًا. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدْتُ عَامَّةَ حَدِيثِ [5] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ [6] الأَنْصَارِ، فَإِنْ كُنْتُ لآتِي الرَّجُلَ مِنْهُمْ فَأَجِدُهُ نَائِمًا وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ يُوقَظَ لِي [7] اوقظ،

_ [1] سورة المؤمنون (23) ، الآيات 12- 14. [2] سورة عبس (80) ، الآيات 25- 32. [3] سقط «ابن عباس» من ط. [4] م: كبير. [5] م: حدثت. [6] م: ثم عند. [7] سقطت «لي» من ط.!

فَأَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ تَسْفِي الرِّيحُ عَلَى وَجْهِي التُّرَابَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ مَتَى اسْتَيْقَظَ، فَأَسْأَلُهُ عَمَّا أُرِيدُ ثُمَّ أَنْصَرِفُ [1] . حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْقَتَّاتُ، حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحِمْصِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَنْ حَلُمَ سَادَ وَمَنْ تَفَهَّمَ ازْدَادَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا أَحْرَقَ نَاسًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلَامِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: [مَا كُنْتُ لأَحْرِقَهُمْ لأَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَقْتُلُهُمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (543) : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ مِنْكُمْ فَاقْتُلُوهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ عَبَّاسٍ] . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ [2] عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نُعِيَ إِلَيْهِ أَخُوهُ قُثَمُ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ عَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فِيهِمَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا، فَقِيلَ لَهُ: مَا رَأَيْنَا كَمَا فَعَلْتَ، فَقَالَ: أَمَا سَمِعْتُمُ اللَّهَ يَقُولُ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ [3] . حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ ابْنِ طاووس عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ: أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ؟ فَقَالَ: لا وَلا عَلَى مِلَّةِ عُثْمَانَ، وَلَكِنِّي عَلَى مِلَّةِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي قوله: والعاديات ضبحا [4] هُنَّ [5] الإِبِلُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْخَيْلُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: صَدَقَ وَاللَّهِ ابْنُ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

_ [1] الرواية في ابن سعد ج 2 ق 2 ص 121. [2] الأصل: جوش. انظر ابن سعد ج 6 ص 30. [3] سورة البقرة (2) ، الآية 45. [4] سورة العاديات (100) ، الآية 1. [5] م: هي.

وَسَلَّمَ يَصُفُّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ وَكَثِيرًا بَنِي الْعَبَّاسِ وَيَقُولُ: مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا، فَيْسَتْبَقِوُنَ إِلَيْهِ وَيَقَعُونَ عَلَى صَدْرِهِ وَظَهْرِهِ فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْتَزِمُهُمْ. حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمْ يُبَايِعْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغِ الإِمْنَاءَ [1] إِلا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَلَوْلا مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمْنَا وَنَحْنُ أُغَيْلِمَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتِنَا لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْطَحُ [2] عَلَى أَفْخَاذِنَا [وَيَقُولُ: لا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ] . حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ لَيْثٍ عن طاووس قَالَ: مَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مُفْطِرًا جُمُعَةً تَامَّةً قَطُّ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْعِلْمِ بَحْرًا، فَلَمَّا عَمِيَ أَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ مَعَهُمْ عِلْمٌ مِنْ عِلْمِهِ، أَوْ قَالَ كُتُبٌ مِنْ كُتُبِهِ، فَجَعَلُوا يَسْتَقْرِئُونَهُ وَجَعَلَ يُقَدِّمُ وَيُؤَخِّرُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: إِنِّي قَدْ بَلِهْتُ مِنْ مُصِيبَتِي هَذِهِ، فَمَنْ كَانَ عَلِمَ مِنْ عِلْمِي شَيْئًا فَلْيَقْرَأْهُ عَلَيَّ فَإِنَّ إِقْرَارِي له به كقراءتي إياه عليه، قال: فقرءوا عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَجْلِسُ فِي الصُفَّةِ وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّعُونَ عَنْ فُتْيَاهُ، فَيَقُولُ السُّقَاةُ: كَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ.

_ [1] م وهامش د: منا. [2] ط: يلطخ. انظر لسان العرب مادة: «لطح» .!

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ الْعِجْلِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ عَنْ عُمَيْرِ ابن بِشْرٍ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ [1] : ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ النَّاسَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي (544) الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي سَاعِدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَطَاءٍ [2] عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاكَ يَوْمًا فَمَسَحَ رَأْسَكَ وَتَفَلَ فِي فِيكَ [وَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ، فَكَانَ يُقَرِّبُهُ [3]] . حَدَّثَنِي [4] عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِحٍ وَعَمْرٌو قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن يمان عن عبد الملك ابن أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ علمت علما ما علمناه. حدثني الأَعْيَنُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ عَن أَبِي [5] بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَن الْحَسَنِ قَالَ: لَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الإِسْلامِ بِمَكَانٍ، وَمِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ بِمَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ: ذَاكُمْ كَهْلُ الْفِتْيَانِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ منطيقا. حَدَّثَنَا سُرَيْجُ [6] بْنُ يُونُسَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، حَدَّثَنَا سَالِمٌ الأَفْطَسُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ الْحِيرَةِ فَقَالَ [7] : يَا عَبْدَ اللَّهِ [8] أَيَّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لا أَدْرِي، ثُمَّ لَقِيتُ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْدُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: قَضَى أَكْبَرَهُمَا وَأَتَمَّهُمَا، فَلَقِيتُ الْيَهُودِيَّ فَأَعْلَمْتُهُ ذَلِكَ فَقَالَ: صَاحِبُكَ وَاللَّهِ عالم.

_ [1] «ابن عمر» مشطوب في ط. [2] م: عطاء- خ. [3] انظر الرواية عن ابن عباس في ابن سعد ج 2 ق 2 ص 120، والكلمة الاخيرة في الأصل: يقريه. [4] م: وحدثني. [5] م: ابن. [6] م: شريح. انظر ابن خلكان- وفيات الأعيان (ن. احسان عباس) ج 1 ص 67، والطبري س 3 ص 2488، والبلاذري- فتوح ص 31. [7] م: قال. [8] م: أبا عبد الله- خ، وكنيته ابو علي.!

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ فَخَطَبَ ثُمَّ تَلا سُورَةَ النُّورِ وَفَسَّرَهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا رَأَيْتُ كَلامًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، لَوْ سَمِعَهُ التُّرْكُ وَالرُّومُ لأَسْلَمُوا. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ كَهْمَسٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: أَسْمَعَ رَجُلٌ ابنَ عَبَّاسٍ كَلامًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا إِنَّكَ تُسْمِعُنِي وَفِيَّ ثَلاثُ خِلالٍ: إِنِّي لأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ الْعَدْلِ من حكام المسلمين فأفرح به وَلَعَلِّي لا أُقَاضِي إِلَيْهِ أَبَدًا، وَإِني لأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ يُصِيبُ بَلَدًا مِنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ به وما لي بِالْبَلَدِ سَائِمَةٌ، وَإِنِّي لآتِي عَلَى الآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَأَوَدُّ أَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ. حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن الْوَلِيد ورَوْح بْن عَبْدِ المؤمن قَالا: حَدَّثَنَا المعتمر بْن سُلَيْمَان عَنْ شُعَيْب بْن درهم عَنْ أَبِي رجاء العُطاردي قَالَ: رَأَيْت هَذَا المكان من ابْن عَبَّاس مثل الشِّراك البالي من الدموع، ووضع أَبُو رجاء يده عَلَيْهِ، قَالَ عَبَّاس: ووضع معتمر يده عَلَى مجرى الدموع. حدثنا خلف بن هشام، حَدَّثَنَا هشيم عَنِ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: خَلا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا فَفَكَّرَ كَيْفَ تَخْتَلِفُ الأُمَّةُ وَنَبِيُّهَا وَاحِدٌ وَقِبْلَتُهَا وَاحِدَةٌ وَكِتَابُهَا وَاحِدٌ [1] ، فَدَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ [2] عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْنَا فَقَرَأْنَاهُ وَعَلِمْنَا فِيمَا نَزَلَ وَسَيَكُونُ بَعْدَنَا أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَهُ ولا يدرون فيما نَزَلَ فَيَكُونُ لَهُمْ فِيهِ رَأْيٌ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ اخْتَلَفُوا، فَزَبَرَهُ عُمَرُ، ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ قَوْلَكَ، فَأَعَادَهُ فَعَرَفَ عُمَرُ صَوَابَهُ وَأَعْجَبَهُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ [3] الْفَلاسُ قَالا: حَدَّثَنَا يزيد ابن هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بن عوف الشيباني، ان عبد الله ابن عَبَّاسٍ قَالَ لِكَعْبِ الأَحْبَارِ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ، فَلا تُحَدِّثْنِي بِمَا حُرِّفَ مِنَ الْكِتَابِ وَلا بِأَحَادِيثِ الرِّجَالِ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَقُلْ لا أعلم فانه اعلم لك.

_ [1] «وكتابها واحد» ليست في ط. [2] ط: فسأل. [3] ط، د: مجلد. انظر تهذيب التهذيب ج 4 رقم 534.!

حَدَّثَنَا سُرَيْجُ [1] بْنُ يُونُسَ وَالْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو [2] ثَوْبَانَ عَمَّنْ سَمِعَ الضَّحَّاكَ يُحَدِّثُ [عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَدِّثْ إِذَا حُدِّثْتَ، إِلا أَنْ تَجِدَ قَوْمًا تُحَدِّثُهُمْ بِشَيْءٍ لا تَضْبِطُهُ عُقُولُهُمْ فَيَكُونَ ذَلِكَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ،] قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُخْفِي أَشْيَاءَ وَيُفْشِيهَا إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَافَرْتُ (545) مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَانَ يَسِيرُ النَّهَارَ وَيَنْزِلُ اللَّيْلَ، فَيَقُومُ فَيُصَلِّي فِي نِصْفِ اللَّيْلِ، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيُكْثِرُ أَنْ يَقْرَأَ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد [3] ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى نَسْمَعَ [4] لَهُ نَشِيجًا. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أُخْبِرُ النَّاسَ بِبَعْضِ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ لَرَجَمُونِي بِالْحِجَارَةِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ [5] قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ جَاءَ ابْنَ الزُّبَيْرِ مَالٌ أَوَّلَ مَا جَاءَهُ، فَانْطَلَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي قُعَيْقِعَانَ [6] فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ دَعَوْتَ النَّاسَ إِلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ جَاءَكَ مَالٌ وَبِالنَّاسِ حَاجَةٌ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَمَا أَنْتَ وَهَذَا؟ إنك عم [7] ، أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَكَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِفَقِيهٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ لأَنَا أَفْقَهُ مِنْكَ وَمِنْ أَبِيكَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لِقَائِدِهِ: مَنْ عِنْدَهُ؟ قَالَ: ابْنَتُهُ وَامْرَأَتُهُ، قال: فهلا أخبرتني، فو الله لَوْ عَلِمْتُ مَا أَسْمَعْتُهُمَا شَتْمَهُ، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَبَا قَيْسٍ الزُّرَقِيَّ بِأَنَّا لَسْنَا بِأَوَّلِ ابْنَيْ عَمٍّ اسْتَبَّا، فَاكْفُفْ عَنِّي وَأَكُفُّ [8] عَنْكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ كفّ كففت، وإن أذاع أذعت.

_ [1] م: شريح. انظر الطبري س 3 ص 2488. [2] م: ابن أبو. [3] سورة ق (50) ، آية 21. [4] ط: يسمع. [5] م: جريح. [6] هو جبل بمكة. مراصد الاطلاع ج 2 ص 436. [7] ط: عمي. [8] م: اكفف.!

قال ابن جريج: قال ابن أبي ملكية: وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، فَغَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: أَتُرِيدُ أَنْ تُقَاتِلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَتُحِلَّ حَرَمَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ بَنِي أُمَيَّةَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ مُحِلَّيْنَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لا أُحِلُّهُ [1] أَبَدًا، قَالَ النَّاسُ بَايِعْ لابْنِ الزُّبَيْرِ، فقلتُ: وَأَنَّى بِهَذَا الأَمْرِ عَنْهُ، أَمَّا أَبُوهُ فَحَوَارِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الْغَارِ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، وَأَمَّا أُمُّهُ فَذَاتُ النِّطَاقِ، وَأَمَّا خَالَتُهُ فَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا عَمَّتُهُ فَخَدِيجَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةُ فَجَدَّتُهُ، ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الإِسْلامِ قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ، وَاللَّهِ لأُحَاسِبَنَّ نَفْسِي لَهُ مُحَاسَبَةً مَا حَاسَبْتُهَا لأَبِي بَكْرٍ وَلا عُمَرَ، إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَاصِ بَرَزَ يَمْشِي الْقَدَمِيَّةَ، يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ، وَإِنَّهُ لَوَى ذَنَبَهُ، يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: قَاتَلْتَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَوَارِيَّ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَفْتَيْتَ بِتَزْوِيجِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ: أَمَّا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْتَ أَخْرَجْتَهَا وَأَبُوكَ، وَبِنَا سُمِّيَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَكُنَّا لها بخير بنين، فتجاوز الله عنها، وَقَاتَلْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ عَلِيًّا، فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ مُؤْمِنًا فَقَدْ ضَلَلْتُمْ بِقِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَقَدْ بُؤْتُمْ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ لِفَرَارِكُمْ مِنَ الزَّحْفِ، وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِيهَا، وَأَنَّ أَوَّلَ مجمرٍ سَطَعَ فِي الْمُتْعَةِ لَمجمرٌ فِي آلِ الزُّبَيْرِ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَعَنْ أَبِي مِخْنَفٍ وَعَوَانَةَ قَالُوا [2] : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمًا وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ مَكَّةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ حَاضِرٌ: إِنَّ هَاهُنَا رَجُلا أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ [3] كَمَا أَعْمَى بَصَرَهُ، يَزْعُمُ أَنَّ مُتْعَةَ النِّسَاءِ حَلالٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، يُفْتِي فِي الْقَمْلَةِ وَالنَّمْلَةِ وَقَدْ حَمَلَ مَا فِي بَيْتِ مَالِ الْبَصْرَةِ وَتَرَكَ أَهْلَهَا يَرْضَخُونَ النَّوَى، وَكَيْفَ يُلامُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَاتَلَ أُمَّ الْمُؤْمِنيِنَ وَحَوَارِيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ وَقَاهُ بِيَدِهِ، يَعْنِي طَلْحَةَ، فَقَالَ ابن عباس لقائده،

_ [1] الأصل: أجله. [2] انظر الخبر في اخبار الدولة العباسية ص 109- 113، وشرح نهج البلاغة ج 20 ص 129- 131. [3] زاد في ط، د: كما اعمى الله قلبه.

يقال انه سعيد بن جبير مولى بني أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ: اسْتَقْبِلْ بِي ابْنَ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ [1] : إنَّا إِذَا مَا فِئَةٌ نَلْقَاهَا ... نَرُدُّ أُولاهَا عَلَى أُخْرَاهَا حَتَّى يَصِيرَ [2] ضرعًا دَعْوَاهَا ... «قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا» [3] (546) يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ: أَمَّا الْعَمَى فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصدور [4] ، وَأَمَّا فُتْيَايَ فِي الْقَمْلَةِ وَالنَّمْلَةِ فَإِنَّ فِيهِمَا حُكْمَيْنِ لا تَعْلَمُهُمَا [5] أَنْتَ وَلا أَصْحَابُكَ، وَأَمَّا حَمْلُ مَالِ الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ كَانَ مَالا جَبَيْنَاهُ ثُمَّ أَعْطَيْنَا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَبَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ هِيَ دُون حَقِّنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسِهَامِهِ فَأَخَذْنَاهُ بِحَقِّنَا، وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَإِنَّ أَوَّلَ مجمرٍ سَطَعَ فِي الْمُتْعَةِ مجمرٌ فِي آلِ الزُّبَيْرِ، فَسَلْ أُمَّكَ عَنْ بُرْدَيْ عَوْسَجَةَ [6] ، وَأَمَّا قِتَالُ أُمِّ الْمُؤْمِنيِنَ فَبِنَا سُمِّيَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنيِنَ لا بِكَ وَبِآبَائِكَ، وَانْطَلَقَ أَبُوكَ وَخَالُكَ- يَعْنِي طَلْحَةَ- فَعَمدَا إِلَى حِجَابٍ مَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَهَتَكَاهُ عَنْهَا ثُمَّ اتَّخَذَاهَا فِئَةً [7] يُقَاتِلانِ دونها، وصانا حلائلهما في بيوتهما، فو الله مَا أَنْصَفَا اللَّهَ وَلا مُحَمَّدًا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا قِتَالُنَا إِيَّاكُمْ فَإِنْ كُنَّا لَقِينَاكُمْ زَحْفًا وَنَحْنُ كُفَّارٌ فَقَدْ كَفَرْتُمْ بِفِرَارِكُمْ مِنَ الزَّحْفِ، وَإِنْ كُنَّا مُؤْمِنِينَ فَقَدْ كَفَرْتُمْ بِقِتَالِكُمْ إِيَّانَا، وَايْمُ اللَّهِ لَوْلا مَكَانُ خَدِيجَةَ فِينَا وَصَفِيَّةَ فِيكُمْ مَا تَرَكْتُ لَكَ [8] عَظْمًا مَهْمُوزًا إِلا كَسَرْتُهُ. فَلَمَّا نَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ سَأَلَ أُمَّهُ عَنْ بُرْدَيْ عَوْسَجَةَ فَقَالَتْ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَنِي هَاشِمٍ فَإِنَّهُمْ كُعُمُ الْجَوَابِ إذا بدهوا، قال: بلى فعصيتك،

_ [1] انظر اخبار الدولة العباسية ص 120. [2] ط: يصر. وفي اخبار الدولة العباسية ص 120: «حتى تكون صرعا ... » وفي شرح النهج: «حتى تصير حرضا ... » ج 20 ص 130. [3] م: رماها. انظر: ابو هلال العسكري- جمهرة الأمثال ج 1 ص 55- 6، والميداني- مجمع الأمثال ج 2 ص 100. [4] سورة الحج (22) ، آية 46. ويضيف اخبار الدولة العباسية: «وانما كان يوم زوجت صفية بنت عبد المطلب من العوام بن خويلد» . [5] ط: نعلمهما. [6] انظر اخبار الدولة العباسية ص 111، والمسعودي- مروج ج 5 ص 187- 190، والعقد الفريد ج 4 ص 14 وص 414. [7] في شرح النهج ج 20 ص 130: «فتنة» . [8] في ن. م. «لما تركت لبني اسد بن عبد العزى» ج 20 ص 130.!

قَالَتْ فَاتَّقِهِ فَإِنَّ عِنْدَهُ فَضَائِحَ قُرَيْشٍ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ أَيْمَنُ بْنُ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الاسدي [1] : يا ابن الزُّبَيْرِ لَقَدْ لاقَيْتَ بَائِقَةً ... مِنَ الْبَوَائِقِ فَالْطُفْ لُطْفَ مُحْتَالِ [2] لَقَيْتُهُ هَاشِمِيًّا طَابَ مَغْرِسُهُ [3] ... فِي مَنْبَتَيْهِ [4] كَرِيمَ الْعَمِّ وَالْخَالِ مَا زَالَ يَقْرَعُ مِنْكَ الْعَظْمَ مُقْتَدِرًا ... عَلَى الْجَوَابِ بِصَوْتٍ مُسْمِعٍ عَالٍ حَتَّى رَأَيْتُكَ مِثْلَ الْكَلْبِ مُنْجَحِرًا ... خَلْفَ الْغَبِيطِ وَكُنْتَ الْبَادِئَ الْغَالِي [5] إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ الْمَحْمُولَ [6] حِكْمَتَهُ ... حَبْرُ [7] الأَنَامِ لَهُ حَالٌ مِنَ الْحَالِ عيرتَهُ المتعةَ المتبوعَ سُنتها، ... وبالقتالِ وَقَدْ عَيَّرْتَ بالمال لما رماك عَلَى رسلٍ بأسهُمِهِ ... جرى [8] عليك كسوف [9] الحال والبال فاعلم [10] بأنك إِن حاولت نقصته ... عادت عليكَ مخازٍ ذاتِ أذيال وَقَالَ حسان بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ [11] فِي عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس: إِذَا قَالَ لَمْ يترك [12] مقالًا لقائل ... بمنتظماتٍ [13] لا ترى [14] بينها فصلا

_ [1] ترجمته في الاغاني ج 21 ص 269 وما بعدها. [2] الأبيات في شرح النهج ج 20 ص 131، واخبار الدولة العباسية ص 113. [3] شرح النهج: «لاقيته ... منبته» . [4] ن. م.: «مغرسيه» . [5] في شرح النهج: «الباذخ الغالي» ، وفي اخبار الدولة العباسية: «البادئ العالي» . [6] شرح النهج: المعروف. [7] في ن. م. وفي اخبار الدولة العباسية: «خير» . [8] في المصدرين المذكورين: «جرت» . [9] في شرح النهج: «بسيف» . [10] في ن. م.: «واعلم بانك ان عاودت غيبته» ، ويرد فيه وفي اخبار الدولة العباسية بيت قبل هذا نصه: فاحتز مقولك الأعلى بشفرته ... حزا وحيّا بلا قيل ولا قال [11] انظر الاغاني ج 4 ص 138 وما بعدها. وترد الأبيات في اخبار الدولة العباسية ص 121- 122، وفي شرح الديوان للبرقوقي ص 359، وفي نسب قريش ص 26- 27. [12] ط: تترك. [13] في اخبار الدولة العباسية والعقد الفريد ج 2 ص 267 والديوان: بملتقطات، وفي الأصل: بمنتطمات، والتصويب من نسب قريش ص 27. [14] اخبار الدولة العباسية: يرى.!

كفى وشفى ما في النفوس وَلَمْ [1] يدع ... لذي إربةٍ فِي القولِ جدا ولا هزلا سموتَ إِلَى العليا بغير مشقةٍ ... فنلتَ ذراها لا دنيا ولا وغلا ويقال أَنَّهُ قَالَ هَذَا الشعر فِيهِ لأنه كلم عاملًا فِي الأَنْصَار، وكلمه فيهم غيره، فلم يبلغ أحدُ مِنْهُم مبلغه فِي الْكَلام حَتَّى قضيت حاجتهم [2] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الثَّغْرِيُّ [3] عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ [4] عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَعْرُوفُ أَوْثَقُ الْحُصُونِ وَأَرْشَدُ الأُمُورِ، وَلَنْ يَصْلُحَ الْمَعْرُوفُ إِلا بِتَعْجِيلِهِ وَسَتْرِهِ وَتَصْغِيرِهِ، فَإِنَّكَ إِذَا عَجَّلْتَهُ هَنَّأْتَهُ، وَإِذَا سَتَرْتَهُ أَتْمَمْتَهُ، وَإِذَا صَغَّرْتَهُ عَظَّمْتَهُ، وَإِذَا مَطَلْتَهُ نَكِدْتَهُ وَنَغَّصْتَهُ [5] . حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُوسَى، حدثنِي أَبُو رَوْحٍ عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَقَرَأَ مُعَاوِيَةُ: فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ، فَقَالَ كَعْبٌ: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [6] ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَقَالَ: عَلَيَّ بِابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ كَيْفَ تَقْرَءُونَهَا؟ فَوَافَقَ كَعْبًا، فَلَمْ يَرْجِعْ مُعَاوِيَةُ فَغَضِبَ كَعْبٌ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا تَغْضَبْ يَا كَعْبُ فَإِنَّكَ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يُؤْمِنُ بِهِ وَمُعَاوِيَةُ (547) مِنَ الأَحْزَابِ يُنْكِرُ بَعْضَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمُشَاتِمِي [7] أنت يا ابن عباس! قال: إِنْ شِئْتَ، قَالَ: شِئْتُ، فَقَالَ: لَوْلا الْبَيْعَةُ الَّتِي لَكَ عِنْدِي وَلَوْلا السُّلْطَانُ لَفَعَلْتُ، قَالَ: فَلا بَيْعَةَ لِي عَلَيْكَ وَلا سُلْطَانَ فَقُلْ، قَالَ: بَلْ أُجِلُّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ وَأُكْرِمُكَ، فَسَكَنَ بَعْضُ غَضَبِهِ ثُمَّ قَامَ إِلى الصَّلاةِ وَقَالَ: أَطْبِقِ الْمُصْحَفَ يَا غُلامُ فَإِنِّي مَا أَرَى الْحَرْفَ إِلا كَمَا قَالا. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ [8] أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنَا زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عن أبي عصام الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: لَمَّا أَنْكَرَ الْخَوَارِجُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تَحْكِيمَ الْحَكَمَيْنِ فَانْحَازُوا عَنْهُ،

_ [1] في الديوان ونسب قريش ومحاضرات الأدباء ج 1 ص 74: فلم. [2] محاضرات الأدباء: حاجة. [3] ط، د: الثعري. انظر لب اللباب في تحرير الأنساب للسيوطي ص 57. [4] م: جريح. [5] جاء في هامش د: «آخر المجلد الثاني عشر من الأصل ولله كل حمد» . [6] الاشارة الى سورة الكهف (18) ، الآية 86. [7] م: أشاتمني. [8] الأصل: القروي. انظر اللباب ج 2 ص 426، وفهرس الطبري.!

خَرَجَ إِلَيْهِمْ ابْنُ عَبَّاسٍ [1] فَقَالُوا لَهُ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لأُخْبِرَكُمْ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَلَيْسَ فِيكُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لا تُخَاصِمُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خصمون [2] . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبِرُونِي مَا الَّذِي نَقَمْتُمْ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ عَلِيٍّ؟ قَالُوا: نَقَمْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ وَلا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ، وَأَنَّهُ قَتَلَ وَلَمْ يَسْبِ، وَمَحَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ وَكَتَبَ اسْمَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجَالَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِهِ فِي الشِّقَاقِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَفِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبْعُ دِرْهَمٍ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ فَقَالَ: يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ منكم [3] فَالْحُكْمُ فِي حَقْنِ الدِّمَاءِ وَصَلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: قَتَلَ وَلَمْ يَسْبِ، فَأَيُّكُمْ كَانَ يَأْخُذُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنيِنَ فِي سَهْمِهِ وَهِيَ أُمُّكُمْ، فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِأُمِّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ قُلْتُمْ نَأْخُذُهَا [4] ضَلَلْتُمْ، وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَحَا عَلِيٌّ اسْمَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ وَادَعَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ فَكَتَبَ: هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَوْ أَقْرَرْنَا بِأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُخَالِفْكَ، فَقَالَ: امْحُ وَاكْتُبْ: هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ، قَالَ فَاتَّبَعَهُ أَلْفَانِ وَبَقِيَتْ [5] بَقِيَّتُهُمْ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُتِيتُ [6] فِي مَنَامِي فَقِيلَ لِي هَذِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، فَقُمْتُ وَأَنَا نَاعِسٌ فَتَعَلَّقْتُ بِبَعْضِ أَطْنَابِ فُسْطَاطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ. حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّامِيُّ [7] الْمُؤَدِّبُ عَنْ أَبِيهِ عن قرّان بن تمام عن موسى

_ [1] قارن باخبار الدولة العباسية ص 39- 41، والكامل للمبرد ج 3 ص 165 وص 211. [2] سورة الزخرف (43) آية 58. [3] المائدة (5) ، آية 95. [4] م: بأخذها. [5] م: بقت. [6] م: أوتيت. [7] د: السلمي. انظر ابن النديم ص 81.!

ابن عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْدَ أَنْ أُصِيبَ بِبَصَرِهِ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ فَاتَنِي إِلا أَنِّي لَمْ أَحُجّ مَاشِيًا لأَنِّي سَمِعْتُ اللَّهُ يَقُولُ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كلّ ضامر [1] . حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْفَيَّاضِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عِيسَى أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُسْلِيِّ [2] أَنَّهُ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِيَّاكَ وَالْكَلامَ فِيمَا يَعْنِيكَ إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَلا تُمَارِ سَفِيهًا وَلا حَلِيمًا، فَإِنَّ السَّفِيهَ يُؤْذِيكَ وَإِنَّ الْحَلِيمَ يُقْلِيكَ، وَاذْكُرْ أَخَاكَ فِي غِيبَتِهِ بِمَا تُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ بِهِ، وَدَعْهُ مِمَّا تُحِبُّ أَنْ يَدَعَكَ مِنْهُ. المدائني قَالَ، قَالَ ابْن عَبَّاس لوبرة: دعِ الْكَلام فيما لا يعنيك فَإِنَّهُ فضل، ولا تتكلم فيما يعنيك إِذَا لَمْ تصب موضعه فَإِنَّهُ جهل. المدائني عَنْ يَحْيَى الْأَنْصَارِيّ قَالَ: قيل لابن عَبَّاس أَن ابْن الزُّبَيْر يتنقَّصُكَ، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: دِبي حَجل، لو ذاتُ سِوَارٍ لطمتني [3] ، أما والله أني لأعرف دَخلا ودُخيْلًا، وَمَا ساببتُ قرشيًا قط إلا يَحْيَى بْن الحكم، فاشتفى من لحمٍ سمين واشتفيتُ من مثله. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: عَزَّى مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ (548) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَقَالَ: لا يَسُوءُكَ اللَّهُ، فَقَالَ: لا يَسُوءُنِي مَا أَبْقَى اللَّهُ أمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ. ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ رَكِبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَلَسَ مَجْلِسَ الْمُعَزِّي فَلَمَّا قَامَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَكَادُ تُعْدَمُ مِنَ الأُمَوِيِّ عَقْلا وَكَرَمًا. حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْهَدْيُ الصَّالِحُ وَالسَّمْتُ الْحَسَنُ وَالاقْتِصَادُ فِي الأُمُورِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عباد بن العوام، أخبرنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ فَقَدَ غُلامًا لَهُ فَحَلَفَ بالله ليضربنه،

_ [1] سورة الحج (22) ، آية 27. [2] م: المبيكي. وفي هامش «د» : من بني مسلية. [3] انظر: أبو هلال العسكري- جمهرة الأمثال ج 2 ص 192، والميداني- مجمع الأمثال ج 2 ص 174.

فَلَمَّا جَاءَ الْغُلامُ قَالَ لَهُ: أَيْنَ كُنْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي مَوْضِعِ كَذَا، فَعَفَا عَنْهُ ولم يضربه، فقيل: أو لست قد حلفت؟ قال: أو لم أَعْفُ عَنْهُ، إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَا كُفَّ بَصَرُهُ قَالَ أَوْ تَمَثَّلَ: مَا زَالَ عُمْرِي [1] عَلَى الأَيَّامِ مُنْتَقِصًا ... حَتَّى فنيتُ وَحَبْلُ الدَّهْرِ مَمْدُودُ أُقَدِّمُ الْعُودَ قُدَّامِي وَأَتْبَعُهُ ... وَكُنْتُ أَمْشِي وَمَا يَمْشِي بِيَ الْعَوْدُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وإسحاق الفروي قَالا، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو [2] قَالَ: لَمَّا وَقَعَ فِي عَيْنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَاءُ أَرَادَ أَنْ يَتَعَالَجَ مِنْهُ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تَمْكُثُ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا لا تُصَلِّي إِلا مُضْطَجِعًا فَكَرِهَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ الأَنْصَارِيِّ، أَحْسَبُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَتَى ابْنُ عَبَّاسٍ عثمان ابن عَفَّانَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَخَرَجَا جَمِيعًا، فَأَرَادَ زَيْدُ أَنْ يَرْكَبَ فَأَخَذَ ابْنَ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ، فَامْتَعَضَ [3] زَيْدُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: مَا هَذَا فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا، فَقَبَّلَ زَيْدٍ يَدَهُ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا. حَدَّثَنِي أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكلِيُّ جَمِيعًا قَالا، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ [4] عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَبْتَاعُ الرِّدَاءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَمِيصًا سَابِرِيًّا يُتَبَيَّنُ إِزَارُهُ من رقته.

_ [1] هامش د: جيلي. [2] وردت كلمة «الانصاري» في م فقط، واسمه عبد الله. جمهرة الأنساب ص 333. [3] م: فامتعص. [4] د، م: جريح.!

وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أبي صالح، قال: أنشد الأحوص ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ [1] ابْنَ عَبَّاسٍ: اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ قَيِّمِهَا ... يَفِرُّ مِنِّي بِهَا وأتّبعه [2] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنِي وَبَيْنَ قَيِّمِهَا وَبَيْنَكَ. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عُمَرُ بْنُ عِيسَى قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ كِنَاسَةَ يَقُولُ: لَمَّا قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ [3] قَصِيدَتَهُ الَّتِي أَوَّلُهَا «تَشطّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا » أَنْشَدَهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَلَمَّا قَالَ عُمَرُ: تَشطّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَلَلدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أَبْعَدُ» . فَقَالَ: «كَذَا وَاللَّهِ قُلْتُ، جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكَلامُ مُشْتَرَك [4] . فَلَمَّا أَنْشَدَ: «تَحَمَّلَ لِلْبَيْنِ جِيرَانُنَا» ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [5] : «وَقَدْ كَانَ قُرْبهُمُ يُحْمَدُ» ، فَقَالَ عُمَرُ: كَذَا وَاللَّهِ قُلْتُ، وَقَبَّلَ يَدَهُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ لِكُلِّ دَاخِلٍ دَهْشَةً فَآنِسُوهُ بِالتَّحِيَّةِ. حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ حُصَيْنِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَالِسًا فَجَاءَهُ سَائِلٌ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: ألستَ مُسْلِمًا تُصَلِّي وَتَصُومُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ مُوَاسَاتَكَ لَوَاجِبَةٌ، وَنَزَعَ ثَوْبَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى (549) الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: حَجَّ مُعَاوِيَةُ فَوَافَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَرَآهُ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّمَا اسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّكْنَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِهِ شَيْءٌ مَهْجُورٌ. حَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ مُرَجَّى، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عباس قال: منّا المهدي والمنصور والسفاح.

_ [1] انظر الاغاني ج 4 ص 228 وما بعدها، وجمهرة الأنساب ص 333. [2] خزانة الأدب للبغدادي ج 1 ص 233. [3] الاغاني ج 1 ص 71 وما بعدها، والديوان ص 90. ولا يرد فيه البيت الثاني. [4] انظر الخبر في الاغاني ج 1 ص 82. [5] سقط النص من «وللدار» حتى «وقال ابن عباس» من م.!

حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعِكْرِمَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ غَيْرُنَا، فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ابْنَا عَلِيٍّ فَسَلَّمَا عَلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَزْعُمَانِ أَنَّ الْمَهْدِي مِنْ [1] وَلَدِهِمَا، أَلا وَإِنَّ السَّفَّاحَ وَالْمَنْصُورَ وَالْمَهْدِيَّ مِنْ وَلَدِي. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا تَذْهَبَ [2] الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَكُونَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ يُقِيمُ أَمْرَهَا: شَابٌّ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، لَمْ يَلْبَسِ الْفِتَنَ وَلَمْ تَلْبَسْهُ. وَأَرْجُو أَنْ يُخْتَمَ هَذَا الأَمْرُ بِنَا كَمَا فُتِحَ بِنَا، قَالَ فَقُلْتُ: عَجَزَ عَنْهُ شُيُوخُكُمْ [3] وَتَرْجُونَهُ لِشَبَابِكُمْ! قَالَ: يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عن محمد ابن عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: انْتَهَى السَّلامُ إِلَى الْبَرَكَاتِ. حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِرْمَازِيُّ عَنِ الْعُتْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رجلا قال لعبد الله ابن عَبَّاسٍ: بِمَاذَا عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَيْلَكَ مِنْ طَلَبِ الدِّينِ بِالْقِيَاسِ، لَمْ يَزَلِ الدَّهْرُ فِي الْتِبَاسٍ، مَائِلا عَنِ الْمِنْهَاجِ، طَاعِنًا فِي الاعْوِجَاجِ، أَعْرِفُهُ بِمَا عَرَّفَ بِهِ نَفْسَهُ من غير رؤية، وأصفه بما وصفه بِهِ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ صُورَةٍ، لا يُدْرَكُ [4] بِالْحَوَاسِّ، وَلا يُقَاسُ بِالنَّاسِ، حَيٌّ فِي دَيْمُومَتِهِ، لا يَجُورُ فِي أَقْضِيَتِهِ، يَعْلَمُ مَا هُمْ عَامِلُونَ وَمَا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ، فَتَبَارَكَ الَّذِي سَبَقَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمُهُ، وَنَفَذَتْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَشِيئَتُهُ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ الطَّائِفَ حِينَ نَافَرَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ صُلَحَاءُ الطَّائِفِ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، وَيَأْتِيهِ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ يَسْأَلُونَهُ وَيَسْتَفْتُونَهُ، فَكَانَ يَتَكَلَّمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِكَلامٍ لا يَدَعُهُ وَهُوَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلإِسْلامِ وَعَلَّمَنَا الْقُرْآنَ وَأَكْرَمَنَا بمحمد عليه السلام فانتاشنا به من

_ [1] سقطت من ط، م. [2] ط: يذهب. [3] ط: سبق حكم. [4] ط: تدرك.!

الْهَلَكَةِ، وَأَنْقَذَنَا مِنَ الضَّلالَةِ، فَأَفْضَلُ الأَئِمَّةِ أَحْسَنُهَا لِسُنَّتِهِ اتِّبَاعًا، وَأَعْلَمُهَا بِمَا فِي كِتَابِهِ احْتِسَابًا، وَقَدْ عَمِلَ بِكِتَابِ اللَّهِ رَبِّكُمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ عَلَى اللَّهِ جَزَاؤُهُمْ، وَهَلَكُوا فَلَمْ يَدَعُوا بَعْدَهُمْ مِثْلَهُمْ وَلا مُوَازِيًا لَهُمْ، وَبَقِيَ قَوْمٌ يُرِيغُونَ [1] الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، يَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ لِتَحْسَبُوهُمْ مِنَ الزَّاهِدِينَ، يُرْضُونَكُمْ بِظَاهِرِهِمْ وَيُسْخِطُونَ اللَّهَ بِسَرَائِرِهِمْ، إِذَا عَاهَدُوا لَمْ يُوفُوا وَإِذَا حَكَمُوا لَمْ يَعْدِلُوا، يَرَوْنَ الْغَدْرَ حَزْمًا وَنَقْضَ الْعَهْدِ مَكِيدَةً، وَيَمْنَعُونَ الْحُقُوقَ أَهْلَهَا، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُهْلِكَ شِرَارَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَيُوَلِّيَ أُمُورَهَا خِيَارَهَا وَأَبْرَارَهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْلِسُ الْعَصْرَيْنِ فَتُفْتِي بِالْجَهْلِ، وَتَعِيبُ أَهْلَ الْبِرِّ وَالْفَضْلِ، وَأَظُنُّ حِلْمِي عَنْكَ وَاسْتِدَامَتِي إِيَّاكَ جَرَّأَكَ عَلِيَّ، فَاكْفُفْ عَنِّي مِنْ غَرْبِكَ، وَارْبَعْ عَلَى ظَلْعِكَ، وَأَرْعِ عَلَى نَفْسِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَهِمْتُ كِتَابَكَ، وَإِنَّمَا يُفْتِي بِالْجَهْلِ مَنْ لَمْ يُؤْتَ مِنَ الْعِلْمِ شَيْئًا، وَقَدْ آتَانِي اللَّهُ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤْتِهِ إِيَّاكَ، وَزَعَمْتَ أَنَّ حِلْمَكَ عَنِّي جَرَّأَنِي عَلَيْكَ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ الضَّبعِ اسْتَها [2] ، فَمَتَى كُنْتُ لِعرَامِكَ هَائِبًا وَعَنْ حَدِّكَ نَاكِلا؟! ثُمَّ تَقُولُ [3] : إِنِّي أَنْ لَمْ أَنْتَهِ وَجَدْتُ جَانِبَكَ خَشِنًا، وَوَجَدْتُكَ (550) إِلَى مَكْرُوهِي عَجِلا، فَمَا أَكْثَرُ مَا طَرتَ إليَّ بِشُقَةٍ مِنَ الْجَهْلِ، وَتَعَمَّدْتَنِي بِفَاقَرَةٍ من المكروه، فلم تضرر الا نفسك، فلا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ، وَلا أَرْعَى عليك ان أرعيت، فو الله لا انْتَهَيْتَ عَنْ إِرْضَاءِ اللَّهِ بِإِسْخَاطِكَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَمُ النَّاسِ عَلَيَّ جَلِيسِي، إِنَّ الذُّبَابَ لَيَقَعُ عليه فيشقّ ذلك عليّ. حدثنا سريج [4] ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمِّلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَمُ النَّاسِ عَلَيَّ جَلِيسِي، أَوْ قَالَ: رَجُلٌ تَخَطَّى [5] رقاب الناس حتى جلس إليّ.

_ [1] م: يزيغون. [2] في لسان العرب مادة (سته) : «قال ابو زيد، وقالت العرب إذا حدّث الرجل حديثا فخلط فيه: احاديث الضبع استها» . وانظر الأمثال للميداني ج 1 ص 135. [3] ط: يقول. [4] م: شريح. [5] ط، م: يخطى.!

الْمَدَائِنِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْن دِينَارٍ قال، قال ابن عباس: لجليسي عِنْدِي ثَلاثٌ: إِذَا أَقْبَلَ رَحَّبْتُ بِهِ، وَإِذَا قَعَدَ أَوْسَعْتُ لَهُ، وَإِذَا تَحَدَّثَ أُنْصِتُ لِحَدِيثِهِ وَاسْتَمَعْتُ مِنْهُ [1] . حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ عَنِ ابْنِ [2] أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: ثَلاثَةٌ لا أَقْدِرُ عَلَى مُكَافَأَتِهِمْ: رَجُلٌ جِئْتُ ظَمْآنَ فَسَقَانِي، وَرَجُلٌ ضَاقَ بِي مَجْلِسِي فَأَوْسَعَ لِي، وَرَجُلٌ اغبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي الاخْتِلافِ إِلَى بَابِي [3] ، وَرَابِعٌ هُوَ أَعْظَمُهُمْ حَقًّا عَلَيَّ: رَجُلٌ بَاتَ سَاهِرًا يَعْرِضُ النَّاسَ عَلَى نَفْسِهِ فَأَصْبَحَ لا يَجِدُ لهُ فِي حَاجَتِهِ مُعْتَمِدًا سِوَايَ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ عَنِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ الْمَوْصِلِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي ابْنَ عَبَّاسٍ فَيُؤْتِي بِغَدَائِهِ فأقول: إني صائم، فما يزال يقسم عليّ حَتَّى أَدْنُو فَاتَغَدَّى مَعَهُ. حَدَّثَنِي مُصْعَب بْن عَبْدِ اللَّهِ عَن الْوَاقِدِيِّ عَن ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَن مُوسَى بْن عقبة عَنِ القاسم بْن مُحَمَّد قَالَ: مَا رَأَيْتُ فِي مجلس ابْن عَبَّاس باطلًا قط. حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَخِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إِنَّا لَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ عَرَفَةَ إِذَا فِتْيَةٌ يَحْمِلُونَ فَتًى مَعْرُوقَ الْوَجْهِ نَاحِلَ الْبَدَنِ، فَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدِي ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا: اسْتَشْفِ له يا ابن عم رسول الله، فقال: مَا بِهِ؟ فَأَنْشَدَهُ الْفَتَى [4] : بِنَا مِنْ جَوَى الأَحْزَانِ وَالْوَجْدِ [5] لَوْعَةُ ... تَكَادُ لَهَا نَفْسُ الشَّفِيقِ تَذُوبُ وَلَكِنَّمَا أَبْقَى حَشَاشَةُ مُعْوِلٍ ... عَلَى مَا بِهِ عُودٌ هُنَاكَ صَلِيبُ ثُمَّ حَمَلُوهُ فَخَفَتَ فِي أَيْدِيهِمْ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا قَتِيلُ الْحُبِّ لا عَقْلَ وَلا قَوَدَ، وَمَا رَأَيْته سَأَلَ اللَّهَ إِلا الْعَافِيَةَ مِمَّا أَصَابَ ذَلِكَ الرجل حتى امسى.

_ [1] انظر اخبار الدولة العباسية ص 128. [2] سقطت «ابن» من ط، م. [3] م: «إليّ» محل «الى بابي» . [4] انظر الخبر في الاغاني ج 23 ص 316، والفتى هو عروة بن حزام. [5] الاغاني: في الصدر.

حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا بَاحَتُّ [1] أَحَدًا فِي عَقْلِهِ أَشَدَّ [2] عَلِيَّ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنِي عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى الْحَسَنِ [3] بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ وَلَّوْكَ أُمُورَهُمْ بَعْدَ عَلِيٍّ، فَشَمِّرْ لِحَرْبِكَ وَجَاهِدْ عَدُوَّكَ، وَدَارِ أَصْحَابَكَ، وَاشْتَرِ مِنَ الظَّنِينِ دِينَهُ، وَلا تُسْلِمْ دِينَكَ، وَوَالِ أَهْلَ الْبُيُوتَاتِ وَالشَّرَفِ تَسْتَصْلِحْ عَشَائِرَهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ تُحَارِبُ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلا تَخْرُجَنَّ مِنْ حَقٍّ أَنْتَ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ حَالَ الْمَوْتُ دُونَ مَا تُحِبُّ. حَدَّثَنِي عَبَّاسٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنِ الْتَمَسَ الدِّينَ بِالْمُخَاصَمَةِ حَيَّرَتْهُ الْمُنَازَعَةُ، وَلَنْ يَمِيلَ إِلَى الْمُغَالَبَةِ إِلا مَنْ أَعْيَاهُ سُلْطَانُ الْحُجَّةِ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي وَلَكِنِّي أَشَدُّ (551) تَجْرِبَةً لِلأُمُورِ مِنْكَ، وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ- يَعْنِي عُمَرَ- قَدْ قَرَّبَكَ وَقَدَّمَكَ فَلا تُفْشِ لَهُ سِرًّا وَلا تَغْتَبْ عِنْدَهُ مُسْلِمًا وَلا تَبْتَدِئْهُ بِشَيْءٍ [4] حَتَّى يَسْأَلَكَ عَنْهُ. وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَتِيمَةٌ فَخَطَبَهَا إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي لا أَرْضَاهَا لَكَ، قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ نَشَأَتْ فِي حِجْرِكَ وَعِنْدكَ! قَالَ: إِنَّ فِيهَا بَذَاءً وَهِيَ تَتَشَرَّفُ، فَقَالَ: لا أُبَالِي، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّي إذًا لا أَرْضَاكَ لَهَا. وَقَالَ الْهَيْثَمُ: أَخْبَرَنِي عَوَانَةُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ رَجُلا شَكَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ زَوْجَ ابْنَتِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّ مَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ سَفِيهٍ فَقَدْ عَقَّهَا؟ حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَوْلَيْتُهُ مَعْرُوفًا إِلا أَضَاءَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلا رَأَيْتُ رَجُلا فَرَطَ مِنِّي إِلَيْهِ سوء الا اظلم ما بيني وبينه.

_ [1] في هامش د: اي ما خاصمت. وفي اللسان: كاشفت. [2] ط: الا أشد. [3] د: الحسين (خ) . [4] العبارة من: «له» الى «بشيء» ، مشطوبة في ط.!

حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ المساحقي عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: إِذَا تَرَكَ الْعَالِمُ قَوْلَ لا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ. وَحُدِّثْتُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْضَ أَصْحَابِهِ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: لا أَدْرِي، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحْسَنْتَ، كَانَ يُقَالُ: إِنَّ قَوْلَ لا أَدْرِي نِصْفُ الْعِلْمِ. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيِّ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: اسمح يُسْمَحْ لَك. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ [1] عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ] . وذُكر لي [2] أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يُعشي النَّاس بالبصرة فِي شَهْر رمضان ويحدثهم ويفقههم، فَإِذَا كَانَتْ آخر ليلة من الشهر ودعهم [3] ثُمَّ قَالَ: ملاك أُمركم الدين ووصلتكم [4] الوفاء وزينتكم العلم، وسلامتكم في الحكم، وطَوْلكم المعروف، إِن [5] اللَّه كلفكم الوسع فاتقوه مَا استطعتم. وروي عَنِ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول: عالم واحد أشد عَلَى الشَّيْطَان من ألف عابد، غَيْر مرفوع. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَن الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ رَوْح بْنِ أَبِي جَنَاحٍ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَالِمٌ واحد أشد على الشيطان من ألف عابد] . المدائني عَنْ مسلمة قَالَ: دَخَلَ زِيَاد عَلَى مُعَاوِيَة وعنده ابْنُ عَبَّاس، فلم يسلم زِيَاد عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: مَا هَذَا الهجران يا أبا المغيرة؟ فقال: ما ها هنا بحمد اللَّه سوء ولا هجران ولكنه مجلس لا يقضى فيه إلا حق أمير المؤمنين وحده.

_ [1] د، م: جريح. [2] انظر الرواية مسندة في اخبار الدولة العباسية ص 34، وهي هناك اوفى. [3] في ن. م.: «يعظهم ويتكلم بكلام يردعهم ويقول ... » ص 34. [4] في ن. م.: صلتكم. [5] م: فان.!

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَفَدَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَضَى حَوَائِجَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ: لِي مَالٌ وَلا غِلْمَانَ فِيهِ يَقُومُونَ به، فأعطني ما لا أَشْتَرِي بِهِ غِلْمَانًا، فَقَالَ: أَلَمْ أُعْطِكَ لِوِفَادَتِكَ وَأَقْضِ حَوَائِجَكَ فِي خَاصَّتِكَ وَعَامَّتِكِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ سِوَى ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَلا تَفْعَلُ يَا مُعَاوِيَةُ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا: إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً يَا مَعَاشِرَ الأَنْصَارِ فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي [1] ،] قَالَ: فَاصْبِرْ يَا أَبَا أَيُّوبَ، قَالَ: أَقُلْتَهَا يَا مُعَاوِيَةُ؟ وَاللَّهِ لا أَسْأَلُكَ بَعْدَهَا شَيْئًا أَبَدًا. وَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَوْلُ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَافِدٌ عَلَيْهِ وَقَدْ تَيَسَّرَ لِلْخُرُوجِ، فَأَعْطَى أَبَا أَيُّوبَ قِيمَةَ مِائَةِ مَمْلُوكٍ وَأَعْطَاهُ جَمِيعَ مَا كَانَ فِي دَارِهِ ثُمَّ شَخَصَ. قَالُوا: ولما أخرج عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر مُحَمَّد بْن الحنفية عَنْ مَكَّة أغلظ لهُ ابْن عَبَّاس (552) وَقَالَ لَهُ: أتُخرج بَنِي عَبْد الْمُطَّلِبِ عَنْ حرم اللَّه وَهُمْ أحقُّ بِهِ منك! فَقَالَ: وأنت أيضًا فالحقْ بِهِ، فخرج إِلَى الطائف فمات بِهَا، وأوصى عليَّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بإتيان الشام والتنحي عَنْ سلطان ابْن الزُّبَيْر إِلَى سلطان عَبْد الْمَلِك، فكان عَبْد الْمَلِك يحفظ لَهُ ذَلِكَ. قَالُوا: ولما صار عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ إِلَى دمشق ابتنى بِهَا دارًا ثُمَّ صار وولده إِلَى الحميمة وكُداد من عمل دمشق. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصباح البزاز، حَدَّثَنَا هُشَيْم عَنْ أَبِي جمرة قَالَ: توفي ابْن عَبَّاس بالطائف. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس مديد القامة حيد [2] الهامة مستدير الوجه جميله أبيضه، وليس بالمفرط البياض، سبط اللحية، فِي أنفه قنًى، معتدل الجسم، وَكَانَ أَحْسَن النَّاس عينًا قبل أَن يكف بصره، وكفَّ قبل موته بست سنين او نحوها وتوفي بالطائف.

_ [1] انظر فنسنك: المعجم المفهرس لالفاظ الحديث النبوي ج 1 ص 14. [2] ط: خيد، د، م جيّد. انظر لسان العرب مادة (حيد) .!

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وغيره: نزل فِي قبر عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس وتولى دفنه عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ ومحمد بْن الحنفية والعباس بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس، وصفوان وكريب وعكرمة وأبو معبد مواليه، وَكَانَ يخضب بالحناء ثُمَّ صَفّر. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ التوزي [1] عَنْ عِمْرَانَ بْن أبي عطاء قال: أدخل ابن الحنيفة ابنَ عَبَّاس [2] معترضًا وصلَّى عَلَيْهِ فكبر أربعًا وضرب عَلَى قبره فسطاطًا ثلاثة أَيَّام. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الواقدي عن عمير بن عقبة وخالد ابن القاسم الْأَنْصَارِيّ عَنْ شُعْبَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس، قَالَ: مَاتَ ابْن عَبَّاس بالطائف سنة ثمان وستين وَهُوَ ابْن إحدى وسبعين سنة وأشهر، أَوِ اثنتين وسبعين، وَكَانَ يصفر لحيته، وَكَانَ مرضه ثمانية أيام، وصلى عليه ابن الحنيفة. وَقَالَ بَعْض البصريين تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابنُ عَبَّاس ابْنُ عشرٍ وأشهرٍ، وتوفي ابْن عَبَّاس وَلَهُ سبعون سنة، وَالأَوَّل أثبت. حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي شَيْبَة، حَدَّثَنَا وكيع عَنْ سُفْيَان عَنْ سالم بْن أَبِي حفصة عَنْ كلثوم قال: سمعت ابن الحنيفة يَقُول فِي جنازة ابْن عَبَّاس: اليوم مَاتَ [3] رباني العلم. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِي بْن الأَسْوَدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأجلح عَنْ أَبِي الزُّبَيْر قَالَ: توفي ابْن عَبَّاس بالطائف فجاء طائر فدخل فِي نعشه حِينَ حُمل فلم يُر خارجًا منه. حَدَّثَنِي دَاوُد بْن عَبْدِ الحميد قَاضِي الرقة، حَدَّثَنَا مَرْوَان بْن شجاع عَنْ سالم الأفطس عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: توفي ابْن عَبَّاس بالطائف فشهدتُ جنازته، فجاء طائر لَمْ يُرَ عَلَى خلقته فدخل فِي نعشه [4] . قَالَ سالم: وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن عَلِي وعيسى بْن عَلِي: لما دفن تليت هذه الآية

_ [1] ط، م: الثوري. [2] ط، م: ابن العباس. [3] م: مات اليوم. [4] انظر اخبار الدولة العباسية ص 132.!

واما عبيد الله بن العباس

عند قبره وهم لا يرون تاليها: يا أيتها النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي [1] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ [2] عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ [3] أَنَّهُ قَالَ حِينَ أُخْبِرَ بِوَفَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَاتَ وَاللَّهِ مَنْ كَانَ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ وَمَنْ بَيْنَهُمَا يَحْتَاجُونَ إِلَى عِلْمِهِ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاءِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حِينَ بَلَغَتْهُ وَفَاةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ، وَصَفَّقَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى: مَاتَ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَحْلَمُ النَّاسِ، لَقَدْ أُصِيبَتِ الأُمَّةِ بِهِ. وَحَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي سَاعِدَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُزْنِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مُوسَى (553) بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ أَنَّ [النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ مُقْبِلا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أحبّ عبد الله ابن عباس فأحبّه.] وَأَمَّا عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس ويكنى أبا مُحَمَّد، وبينه وبين أَخِيهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس فِي السن سنة أَوْ سنة وأشهر، فكان جوادًا، دعاه عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس إِلَى أَن يقاسمه دارًا كَانَتْ بينهما فمدَّ القاسم الحبلَ بينهما فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: أمَلْتَ الحبلَ عليّ، فَقَالَ عُبَيْد اللَّه: أقم الحبل لأخي، فأقامه، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَك أَن أنحيه شبرا؟ قَالَ: نعم، فنحاه ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَك أَن أنحيه ذراعًا؟ قَالَ: نعم، قَالَ: هَلْ لَك أَن أرفعه؟ قَالَ: نعم، فرفعه ووهب لَهُ [4] حصته من الدار. قَالُوا: وَكَانَ عَبْد اللَّهِ يُوسِعُ الناسَ علمًا، وَكَانَ عبيد الله [5] يوسعهم طعاما [6] .

_ [1] سورة الفجر (89) ، الآيات 27- 30، وانظر اخبار الدولة العباسية ص 132. [2] زاد في م: «عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاءِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زيد عن ابيه» ، وهذا من ارتباك الناسخ. [3] ط: حديج. انظر ابن حجر- الاصابة ج 1 ص 483- 4. [4] ليست في ط، م. [5] م: عبد الله. [6] انظر نسب قريش ص 27.

فدخل أعرابي يومًا دار الْعَبَّاس فرأي عَبْد اللَّهِ فِي ناحية منها يفتي النَّاس ويعلمهم ويسألونه عَنِ الْقُرْآن فيفسره لَهُمْ، ورأى عُبَيْد اللَّه فِي ناحية أُخْرَى يطعم النَّاس، فَقَالَ: من أراد الدنيا والآخرة فليأتِ دار ابني الْعَبَّاس، هَذَا يفسر الْقُرْآن، وَهَذَا يطعم الطعام. وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ عن مشايخه قال: كانت بين الزبير ابن الْعَوَّامِ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ضَيْعَةٌ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا قُتِلَ الزُّبَيْرُ سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ابْنَ جَعْفَرٍ أَنْ يُقَاسِمَهُ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَوَعَدَهُ الْبُكُورَ مَعَهُ إِلَيْهَا. وَمَضَى ابْنُ الزُّبَيْر إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَإِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَحْضُرُوا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَعْفَرٍ، فَأَجَابُوهُ وَغَدَوْا لِمِيعَادِهِ، وَوَافَاهُمُ ابْنُ جَعْفَرٍ، وَجَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مَعَهُ بِجَزُورٍ وَدَقِيقِهُ وَقَالَ لِوَكِيلِهِ: أَنِخِ الْجَزُورَ نَاحِيَةً وَاسْتُرْ [1] أَمْرَهَا وَلا تُحْدِثَنَّ فِيهَا حَدَثًا حَتَّى آمُرَكَ فَإِنِّي لا آمَنَ انْتِقَاضُ هَذَا الأمْرِ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ سَأَلَ الْقَوْمَ أَنْ يَسْأَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ أَخَذَ الْغَامِرِ [2] مِنَ الضَّيْعَةِ وَتَسْلِيمَ الْعَامِرِ [3] لَهُ، فَكَلَّمُوهُ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَجَاعَ [4] الْقَوْمُ حَتَّى تَشَاكُوا الْجُوعَ. فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: لَوْ كَانَتِ الْبَرَاذِينُ تُؤْكَلُ أَطْعَمْتُكُمْ بَرْذُونِي، وَقَالَ الْحُسَيْنُ: لَوْ كَانَتِ الْبِغَالُ تُؤْكَلُ أَطْعَمْتُكُمْ بَغْلِي، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ: لَكِنَّ الْبَخَاتِيَّ تُؤْكَلُ، وَكَانَ تحته بختيّة قد ريضت فَأَنْجَبَتْ فَنَهَضَ إِلَيْهَا فَكَشَطَ عَنْهَا رَحْلَهَا، وَأَخَذَ [5] سَيْفَهُ فَوَجَأَ بِهِ لَبَّتَهَا، وَنَهَضَ النَّاسُ إِلَيْهَا بِكَسْرِ المَرْوِ وَالسَّكَاكِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْلُخُونَهَا، وَأَخَذُوا لَحْمَهَا وَأَوْقَدُوا سَعَفَ النَّخْلِ، وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ فَأَتَوُا بِقُدُورٍ وَخُبْزٍ كَثِيرٍ فَشَوَوْا وَطَبَخُوا، فَلَمْ يَشْعُرِ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلا بِرِيحِ القثاء وَبِالدُّخَانِ، فَظَنَّ أَنْ [6] وَكِيلَهُ نَحَرَ جَزُورَهُ، فَجَعَلَ يَشْتُمُهُ وَيَعْذِلُهُ، فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنَّ جزورك على

_ [1] ط: استتر. [2] ط: العامر. [3] ط: الغامر. [4] ط: جاء. [5] ط: فأخذ. [6] «ان» ليست في ط.!

حالها، ولكن عبيد الله ابن عَبَّاسٍ [1] أَطْعَمَهُمْ بِخْتِيَّتَهُ، فَأَكَلَ الْقَوْمُ وَانْصَرَفُوا، وَأُتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَهَا وَانْصَرَفَ. وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح عَن ابْن كِنَاسَةَ عَن الْقَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ قَالَ: أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُضَارَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ، فَأَتَى وُجُوهَ النَّاسِ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَحْضُرُوا غَدًا، فَأَتَاهُ النَّاسُ حَتَّى ملأوا دَارَهُ، فَلَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَهُمْ أَرْسَلَ إِلَى السُّوقِ فَلَمْ يَتْرُكْ فَاكِهَةً إِلا أَتَى بِهَا، فَأَكَلُوهَا، وَبَعَثَ مَنْ هَيَّأَ لَهُمُ الطَّبِيخَ وَالشِّوَاءَ وَالْخُبْزَ والحلواء، فغدّوا غَدَاءً وَاسِعًا سَرِيًّا، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَلَيْسَ كُلَّمَا أَرَدْنَا مِثْلَ هَذَا وَجَدْنَاهُ؟ مَا أُبَالِي مَنْ هَجَمَ عَلِيَّ بَعْدَ يَوْمِي هذا. وحدثني محمد ابن الأَعْرَابِيِّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَصَحِبَهُ بَشَرٌ كَثِيرٌ فِي الرُّفْقَةِ فَكَانَ يُمَوِّنُهُمْ وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا مِنْهُم يُوقِدُ نَارًا وَلا يَتَكَلَّفُ شَيْئًا حتى ورد الشام [2] . وحدثني محمد ابن الأَعْرَابِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ (554) عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اضْطَرَّتِ السَّمَاءُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ إِلَى مَنْزِلِ أَعْرَابِيٍّ فَذَبَحَ الأَعْرَابِيُّ لَهُ عَنْزًا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا وَقَرَاهُ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لِقَهْرَمَانِهِ مِقْسَمٍ مولاه: كم معك؟ قال: خمسمائة دِينَارٍ، قَالَ: ادْفَعْهَا إِلَى الأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: إِنَّمَا ذَبَحَ لَكَ عَنْزًا قِيمَتَهَا خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ رَجُلٌ لا تَعْرِفُهُ، قَالَ: هَبْنِي لا أَعْرِفُهُ أَمَا أَعْرِفُ نَفْسِي وَقَدْرِي؟ لَقَدْ فَعَلَ بِنَا أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلْنَاهُ بِهِ، بَذَلَ لَنَا مَجْهُودَهُ وَبَذَلْنَا لَهُ مَيْسُورَنَا. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ مَرَّ بِالأَعْرَابِيِّ وَهُوَ مُنْصَرِفٌ مِنْ سَفَرِهِ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا لَهُ نَعَمٌ وَشَاءٌ وَعَبِيدٌ، فَسَأَلَهُ النُّزُولَ بِهِ وَقَالَ: هَذِهِ نِعْمَتُكَ وَفَضْلُكَ، فَأَخْبَرَهُ بِحَاجَتِهِ إِلَى إِغْذَاذِ السَّيْرِ وَالتَّعْجِيلِ ثُمَّ فَكَّرَ فَقَالَ: إِنِّي لأَخَافُ أَنْ يَظُنَّ الأَعْرَابِيُّ إِنَّمَا اعْتَلَلْنَا عَلَيْهِ كَرَاهَةَ أَنْ نَرْفدَهُ، فَرَدَّ وكيله اليه بخمسمائة دينار فقبضها، وأقبل

_ [1] م: العباس. [2] لم يرد هذا الخبر في ط.!

مَعَ الْوَكِيلِ حِينَ رَجَعَ، فَقَالَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ، إِنَّ الْمَدْحَ لَيَقِلُّ لَكَ غَيْرَ أَنِّي أُنْشِدُكَ أَبْيَاتًا كُنْتُ قُلْتُهَا فِيكَ [1] ، فَأَنْشَدَهُ: تَوَسَّمْتُهُ [2] لَمَّا رَأَيْتُ مَهَابَةً ... عَلَيْهِ فَقُلْتُ الْمَرْءُ مِنْ آلِ هَاشِمِ أَوِ الْمرْءُ مِنْ آلِ الْمُرَارِ فَإِنَّهُمْ ... مُلُوكٌ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ الأَكَارِمِ فَقُمْتُ إِلَى عَنْزٍ بَقِيَّةُ أَعْنُزٍ ... فَجَدَلْتُهَا فِعْلُ امْرِئٍ غَيْرِ نَادِمِ فَعَوَّضَنِي مِنْهَا غِنَايَ وَجَادَ لِي ... بِمَا لَمْ يَجُدْ عَفْوًا بِهِ كَفُّ آدَمِي فَقُلْ لِعُبَيْدِ اللَّهِ لا زِلْتَ سَالِمًا ... عَزِيزًا وَمَنْ عَادَيْتَهُ غَيْرَ سَالِمِ وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَقُولُ: ثَوْبُكَ على غيرك أحسن منه عليك. وحدثني بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ عَامِلا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْيَمَنِ، فَأُهْدِيَ إِلَيْهِ عَنْبَرٌ وَحُلَلٌ وَذَهَبٌ، فَبَلَغَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ مَالا عَظِيمًا، فَفَرَّقَ جَمِيعَ مَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ، حَتَّى لَقَدْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ صَانِعٌ يُصْلِحُ دَرَجَةً لَهُ فَأَعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ مَا قِيمَتُهُ مِائَتَا دِينَارٍ. قَالَ بَكْرٌ: وَسَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ أهل اليمن يحدث عن عبيد الله ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْجَوَّادُ مَنْ آسَى مِنَ الْكَثِيرِ وَآثَرَ بِالْقَلِيلِ. قَالَ، وَكَانَ يَقُولُ: أَفْضَلُ الْجُودِ مَا عَدَّهُ الْجَاهِلُ سَرَفًا. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، حَدَّثَنِي خَالِدٌ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ قَالَ: وَفَدَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ قَدْ جَعَلَ لَهُ حِينَ صَارَ إِلَيْهِ وَفَارَقَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَيُقَالُ أَلْفَيْ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ مَا جَعَلَ لَهُ، فَمَا رَامَ دِمَشْقَ حَتَّى قَسَمَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَهُ. فَقِيلَ لَهُ: أَسْرَفْتَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلا لَذَّةُ الإِعْطَاءِ وَاكْتِسَابِ الْمَحَامِدِ مَا بَالَيْتُ أَلا أَكْتَسِبَ الْمَالَ وَأَلا أَرَى مُعَاوِيَةَ وَلا يَرَانِي. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الْوَاقِدِيِّ قَالَ: كَانَ عُبَيْد اللَّه بْن عَبَّاس عاملًا لعلي عَلَى اليمن، وَهُوَ أحد من نزل فِي قبر عَلِي حِينَ قُبر بالكوفة. ولم يزل

_ [1] م: فيه. [2] ط: توسمت.!

مَعَ الْحَسَن بْن عَلِي حَتَّى عرف زهادته في الأمر فصار إِلَى مُعَاوِيَة. قَالَ: ويقال إِن عليًا ولاه الموسم سنة ست وثلاثين فأقام [1] لِلنَّاسِ الحج ثُمَّ شخص إِلَى اليمن واليًا. قَالَ: ويقال إِن عليًا ولاه أيضًا الموسم سنة سبع وثلاثين فقدم من اليمن فأقام الحج ثم رجع [2] . وقال الواقدي حدثني ابن جعدة عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ عُبَيْدُ الله (555) ابن عَبَّاسٍ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَسَقَطَتْ دَارٌ عِنْدَ الصَّفَا، فَارْتَاعَ مَنْ حَضَرَهُ وَنَهَضُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، وَبَقِيَ مَعَهُ فَتًى أَنْصَتَ لِحَدِيثِهِ وَاسْتَمَعَهُ حَتَّى قَضَاهُ، فَقَالَ لِوَكِيلِهِ: مَا بَقِيَ عِنْدَكَ؟ قَالَ: أَلْفُ دِينَارٍ، قَالَ: أَعْطِ [3] الْفَتَى ثُلُثَيْهَا وَاحْبِسْ لَنَا ثُلُثَهَا. قَالُوا: وَكَانَ ينحر ويطعم النَّاس، وكانت مجزرته [4] فِي السوق، وَهِيَ تعرف بمجزرة ابْن عَبَّاس. قَالُوا: وتوفي عُبَيْد اللَّه بْن العباس رضي الله تعالى عَنْهُ بالمدينة فِي أَيَّام مُعَاوِيَة. ويقال إنه كفّ بصره. وَقَالُوا [5] : مرَّ معن بْن أوس المزني [6] بعبيد اللَّه بْن الْعَبَّاس وَقَدْ ضعف بصره [7] فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ حالك؟ قَالَ: قَدْ كثر ديني وضعفت [8] حالي وانشده: خذت بعين المال حَتَّى نهكته ... وبالدَّين حَتَّى مَا أكاد أُدانُ وحتى طلبت [9] القرضَ عِنْدَ ذوي الغنى ... وردَّ فلانٌ حاجتي وفلان فَقَالَ: كم دينك؟ قَالَ عشرة آلاف، فأعطاه إياها، فَقَالَ في عبيد الله:

_ [1] ط: واقام. [2] يكرر ط هذه الرواية مع اختلاف بسيط كما يلي: «وقال الواقدي: حدثني ابن جعدة عن صالح ابن كيسان قال: وكان ... ،... من شرك في قبر ... واقام للناس الحج ... » [3] ط: اعطي. [4] ط: مجزورته. [5] انظر الخبر في الاغاني ج 12 ص 51- 52. [6] د: المري. انظر جمهرة الأنساب ص 202. [7] في الأصل: بصر عبيد الله، والتصويب من الاغاني. [8] ط: ضعف. [9] الاغاني ج 12 ص 52: سألت.!

إنّك فرعٌ من قريش وإنما ... تمجُّ الندى منها البحور الفوارعُ [1] همُ قادة للدين [2] ، بطحاءُ مكةٍ ... لَهُمْ [3] وسقاياتُ الحجيج الدوافع ولما دعوا للموتِ لَمْ تبكِ مثلهم ... عَلَى حدثِ الدهر العيونُ الدوامع وولد لعبيد اللَّه [4] بْن الْعَبَّاس، الْعَبَّاس وعبد اللَّه وَجَعْفَر والعالية، أمهم عَائِشَةُ بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ المدان [5] بْن الديّان الحارثي، والعالية هي أم مُحَمَّد ابْن عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس. وعبد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد اللَّه وقثم بْن عُبَيْد اللَّه، وأمهما أم حَكِيم بِنْت فارط [6] واسمها جويرية، وهما اللذان ذبحهما بسر ابن أبي ارطاة، وقد كتبنا خبرهما في الغارات [7] بَيْنَ عَلِي ومعاوية. وميمونة تزوجها عَبْد اللَّهِ ابن عَلِي بْن أَبِي طَالِب، وقتل مَعَ مُصْعَب بْن الزُّبَيْر، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا أَبُو سَعِيد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الحارث بْن هِشَام المخزومي ثم نافع بن جبير ابن مطعم. ومن ولد عُبَيْد اللَّه بْن عَبَّاس، قثم بْن الْعَبَّاس بْن عُبَيْد اللَّه ولاه أميرُ الْمُؤْمِنيِنَ المنصورُ اليمامة وَكَانَ سخيًا ومدحه ابْن المولى [8] فَقَالَ: عتقِت [9] من حل ومن رحلةٍ [10] ... يَا ناقُ إِن أدنيتني من قثم

_ [1] ط: للفوارع. [2] الاغاني: ثووا قادة للناس. [3] سقطت من ط. [4] انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 6، ونسب قريش ص 31- 32. [5] ط: الدار. انظر جمهرة الأنساب ص 416، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 259، ونسب قريش ص 31. [6] في نسب قريش: قارظ. [7] ط، م: الغازات. [8] انظر جمهرة النسب (خط) ص 18، والمرزباني- معجم الشعراء ص 342. ووردت الأبيات من قصيدة لداود بن سلم في الحماسة البصرية ج 1 ص 123- 4، وفي الاغاني ج 6 ص 21، وورد البيتان الاول والثالث باختلاف في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 341، والكامل للمبرد ج 2 ص 229، وخزانة الأدب ج 1 ص 453، ونسب قريش ص 33، والامالي ج 1 ص 219. [9] في الحماسة البصرية والكامل: نجوت، وفي خزانة الأدب: غنيت. [10] في الاغاني وجمهرة النسب ونسب قريش: من حلي ومن رحلتي، وفي شرح نهج البلاغة: من كور ومن رحلة، وفي خزانة الأدب: من حلي ومن رحلي.

إنكِ إِن بلغِتِنيه [1] غدًا ... عاش لنا [2] اليُسرُ وَمَاتَ [3] العدم فِي باعه طولٌ وَفِي وجهه ... نور [4] وَفِي العِرْنِين منهُ شمم وَقَالَ الراجز [5] : يَا قُثَم الخيرِ جُزِيتَ الجنَّة ... أُكسُ بنياتي وأمّهنّه والله والله [6] لتفعلنّه فَقَالَ: والله لأفعلن وأعطاه مالًا. ومرَّت جارية جميلة الوجه (556) حسنة القد بقثم وَدَاوُد بْن سلم وَهُوَ بالمدينة أَوْ بمكة قبل أَن يملك شيئًا فلم يمكنه ابتياعها لأنه لَمْ يكن عنده ثمنها، فَلَمَّا ولي قثم اليمامة اشترى الجارية رَجُل يُقَالُ لَهُ صَالِح فكتب داود بن سلم [7] إِلَى قثم: يَا صاحبَ العيس ثُمَّ راكبها ... أبلغ [8] إِذَا مَا أتيتَهُ قثما إِن الغزالَ الَّذِي أجاز بنا ... معارضًا إذ توسط الحرما حوّله صالح فصار مع ال ... إنس وخلَّى [9] الوحوشَ والسلما فأرسل قثم فِي طلب الجارية ليشتريها فوجدها قَدْ ماتت. وسمر عِنْدَ قثم ليلة جلساؤه، وكانت ليلة باردة، فأمر فأوقدت نار عظيمة وَقَالَ: من وصفها فَلَه عشرة آلاف درهم [10] ، فأخبرني عَبْد الرَّحْمَن بْن حزورة [11] أَن أَبَاهُ قَالَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ من ولد جرير بن عطيّة:

_ [1] في الاغاني وخزانة الأدب: ان ادنيت منه ... ، وفي الكامل: قربتنيه، وفي الامالي: أبلغتنيه. [2] في الاغاني وخزانة الأدب: حالفني. [3] خزانة الأدب: وزال. [4] في الاغاني وخزانة الأدب: في وجهه بدر وفي كفه بحر ... ، وفي شرح نهج البلاغة وجمهرة النسب: في وجهه نور وفي باعه طول ... [5] انظر نسب قريش ص 33. [6] في نسب قريش: اقسم بالله. [7] انظر الاغاني ج 6 ص 11 وما بعدها، ويرد الخبر في ص 19- 20. [8] سقطت من ط. [9] ط: حلى. [10] يضيف م: «فقال بعض شعرائهم» ، وقد كتبت هذه الاضافة في د وشطبت. [11] كتب في هامش ط، د: حزرة، مع اشارة (خ) .!

لَمْ تر عيني كمثل ليلتنا ... والدهرُ فِيهِ طرائف العجب إذ أُوقدتْ مَوهنًا تُشبُّ لنا ... نارُ فباتت تُحَشُّ بالحطب يحشُّها بالضرام محتَرمٌ ... مطاوعٌ للرفيق ذو أدب رفعها بالوقود فانتصبت ... ثُمَّ سمت للسماء باللهب حمراء زهراء لا نماس لَهَا ... كأن فِيهَا صفائح الذهب تزهر فِي مجلس لدى ملكِ [1] ... عفٍ نجيبٍ من سادة نُجُب عذبِ السجياتِ لا يُرى أبدًا ... يقبض [2] وجهَ الجليس من غضب وزعم بَعْضهم أَن هَذَا الشعر لعبد الأَعْلَى من ولد صفوان بْن أمية الجمحي فِي جَعْفَر بْن سُلَيْمَان [3] بْن عَلِي وَهُوَ بالمدينة وزاد فِيهِ هذين البيتين: يمنعه البرُّ والوفاءُ ونفس ... بِدَنيِّ الأمور لَمْ تُشبِ جيبت [4] لَهُ هاشم فوسطها ... جَوْبَ الرَّحى بالحديد للقُطب ومن ولد عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس [5] أيضًا حُسَيْن بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه الجواد [6] ، وأمه أسماء بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس، وَكَانَ فقيهًا حُمل عَنْهُ الْحَدِيث، وَمَاتَ فِي سنة أربعين أَوْ إحدى وأربعين ومائة، وَكَانَ يكنى أبا عَبْد اللَّهِ. وذكر بَعْضهم أَن الشعر الَّذِي يُقَالُ إنه للوليد بْن يَزِيد لَهُ، وَهُوَ [7] : لا عيشَ إلا بمالك ابْن أَبِي السمح ... فلا تَلْحُني [8] ولا تَلُمِ أبيضُ كالسَيْف أَوْ كَمَا يلمع البرق [9] ... في حالك من الظّلم

_ [1] ط: لذي ملك. [2] ط: بقبض. [3] ط، م: عثمان. انظر جمهرة الأنساب ص 34. [4] ط: جيب، م: جبيت. [5] انظر نسب قريش ص 31. [6] انظر الاغاني ج 12 ص 60 وما بعدها. [7] من قصيدة لحسين بن عبد الله في الاغاني ج 5 ص 101، وترد الأبيات في نسب قريش ص 34. [8] ط: يلحني. [9] في الاغاني: ابيض كالبدر او كما يلمع البارق ... ، وانظر ج 5 ص 92، وفي نسب قريش: البارق.!

والحسن بْن عَبْدِ اللَّهِ أخوه [1] ، وأمه أيضًا أسماء بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس، وأم أسماء أم ولد، وَفِي الْحَسَن يَقُول الراجز: أعني ابْن أسماء الَّذِي توثقا ... من مجده يوما فما تفرّقا كانا حليفين معًا فاتفقا ... عفوًا كَمَا وافق حُقّ طبقا [2] وكانت عِنْدَ الْحَسَن [3] هَذَا لبابةُ بِنْت الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة بْن أَبِي لهب الشاعر [4] فولدت لَهُ أسماء بِنْت حسن بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْن العباس، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تسكن الْمَدِينَةَ، ورفعت السواد عَلَى منارة مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن حِينَ دَخَلَ عِيسَى بْن مُوسَى الْمَدِينَة، فكسر ذَلِكَ المبيضة [5] . وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار: كَانَ حُسَيْن بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس يسكن الْمَدِينَةَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيث، وَكَانَ يَقُول (557) الشعر، وكانت عنده عابدة [6] الحسناء بِنْت شُعَيْب بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرو بْن العاص فقال فيها: أعابد [7] حيّيتم على النّأي [8] عابدا [9] ... سقاك الإله المسبلات الرواعدا أعابد [10] مَا شمسُ النهار إِذَا بدت ... بِأحسن مِمَّا بَيْنَ عينيك عابِدا وهل أَنْتَ إلا دُميةٌ فِي كنيسةٍ ... يظل [11] لَهَا البطريقُ بالليل ساجدا وَكَانَ بَكار بْن عَبْدِ الْمَلِك خطب عابدة هذه فأبته وتزوجت حسينا، فقال

_ [1] انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 6، واخبار الدولة العباسية ص 118. [2] المثل هو: وافق شنّ طبقة، الميداني ج 2 ص 211 وبهامشه جمهرة الأمثال لابي هلال العسكري ج 2 ص 246. [3] د: حسن. [4] سقطت كلمة «الشاعر» من م. [5] انظر نسب قريش ص 33. [6] في الأصل: عائدة، والتصويب من الاغاني ج 12 ص 60 ونسب قريش ص 32 وص 33. [7] م: اعايد. [8] م: المناى. [9] الأصل: عائدا. [10] م: اعايد. [11] في نسب قريش: يبيت.!

لَهُ بكار بْن عَبْدِ الْمَلِك: كَيْفَ تزوجتك عَلَى فقرك؟ فَقَالَ حُسَيْن: أتعيرنا بالفقر وَقَدْ نحلنا اللَّه الكوثر [1] . وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب يعاتب حسينًا، وَكَانَ لَهُ صديقًا ثم تنكّر ما بينهما [2] : إنّ ابنَ عَمِّك وابنَ أمك ... معلم شاكي السِّلاحِ لا تحسبن أذى ابْن عَمّك ... شرب ألبان اللقاح بل (كالشجاة) [3] ورا اللهاةِ إِذَا ... جرعت من القراح [4] يقص [5] العدو وليس يرضى ... حِينَ يبطشُ بالجراح فاحتل [6] لنفسك مَنْ يجيبك [7] ... تَحْتَ أطراف الرماح من لا يزال يسوؤه [8] ... بالغيبِ أنْ يَلْحاك لاح وَقَالَ حُسَيْن بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه: أبرِق لمن يخشى وأر ... عد [9] غَيْرَ قومِكَ بالسلاحِ وَقَالَ عُبَيْد اللَّه بْن مُعَاوِيَة: قل لذي الْوُدِّ والصفاء حُسَيْن ... أقدر الود بيننا قدره لَيْسَ للدابغ المحُلم [10] بد ... من عتاب الأديم ذي البشره

_ [1] انظر الاغاني ج 12 ص 61. [2] انظر الخبر والشعر في الاغاني ج 12 ص 61، ويرد البيتان الاول والأخير في نسب قريش ص 34. [3] الأصل: الشحى، والتصويب من الاغاني. [4] الاغاني ج 12 ص 62: إذا تسوغ بالقراح. [5] م: يقصي. [6] الاغاني: فاختر. [7] م: نجيبك. [8] ط وم: يسوء. [9] في الاغاني: اوعد. وانظر نسب قريش ص 34. [10] ط: المحتم.!

واما قثم بن العباس بن عبد المطلب [4]

لستُ أَن زاغ [1] ذو إخاء وود ... عَن طريق بتابع [2] أثره بَل أُقيمُ القناة والود حتى ... يتبع الحقّ بعد أو أذره [3] وَأَمَّا قثم بْن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [4] فكان يشبه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْعَبَّاس يَقُول لَهُ فِي صغره: أيا بنيَّ يَا قثم ... ويا شبيهَ ذي الكرمْ منا وذي الأنف الأشم وبلغني ان الحسين بْن عَلِي كَانَ أخاه من الرضاع، أرضعته لبابة بِنْت الْحَارِث امْرَأَة الْعَبَّاس، وكانت لبابة رأت كأن عضوًا من أعضاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بيتها، [فَقَالَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تلد فاطمة ولدًا وتكفلينه [5] ، فأتت به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا فبال عَلَيْهِ فقرَصَتْهُ فبكى، فَقَالَ: بكيتِ ابني، وأُتي بماء حدره [6] عَلَى البول حدرًا] . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ولي عَلِي بْن أَبِي طَالِب قثم بْن الْعَبَّاس مَكَّة، وَهُوَ كَانَ عامله عَلَيْهَا وعلى الموسم فِي سنة تسع وثلاثين حِينَ وجه مُعَاوِيَة يَزِيد بْن شجرة الرُّهاوي لإقامة الحج وأخذ البيعة لَهُ، فقام قثم خطيبًا حِينَ بلغه إقبال ابْن شجرة، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: أما بَعْد فَإِنَّهُ قَدْ أقبل إليكم جيش من الشام عظيم، وَقَدْ أظلكم، فَإِن كنتم عَلَى طاعتكم وبيعتكم فانهضوا (558) معي إليهم حَتَّى أناجزهم، فَإِن كنتم غَيْر فاعلين فأبينوا لي امركم ولا تغرّوني من أنفسكم، فَإِن الغرور حيفٌ يضل مَعَهُ الرأي ويصرع بِهِ الأريب. فلم يجبه أحد، فأراد التنحي ثُمَّ أقام، واصطلح الناسُ عَلَى ان اقام الحج شيبة ابن عثمان بن طلحة العبدري.

_ [1] ط ود: راغ. [2] في ط: يتابع. [3] ط، د: اثره. [4] جمهرة النسب ج 1 لوحة 6. [5] م: تكفليه. [6] م: فحدره.

واما معبد بن العباس

وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيِّ: من زعم أَن أحدًا من ولد الْعَبَّاس كَانَ عَلَى الموسم فِي تلك السنة- عُبَيْد اللَّه أَوْ معبدًا أَوْ تمامًا- فَقَدْ غلط. قَالُوا: وشخص قثم إِلَى خراسان غازيًا مَعَ سَعِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ ولي سعيدًا خراسان، فَقَالَ لَهُ سَعِيد فِي بَعْض غزواته: يَا ابْن عم، أضرب لَك بمائة سهم. فَقَالَ: يكفيني سهم واحدٌ لي وسهمان لفرسي أسوةَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَاتَ بسمرقند ويقال استشهد بِهَا ولا عقب لَهُ. وَيُرْوَى عَنْ قثم أَنَّهُ قَالَ: الجواد من إِذَا سُئل أعطى عطية مكافٍ عَلَى يد عظيمة، ورأى مَنْ بَذَلَ وَجْهَهُ إليه متفضّلا عليه. وَأَمَّا معبد بْن الْعَبَّاس فشخَصَ فِي خلافة عُثْمَان غازيًا إِلَى إفريقية، وعلى الجيش عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح العامري من قريش، فقتل بِهَا شهيدًا، وأخذت سرية لَهُ حبلى فولدت جارية يُقَالُ لَهَا أُبيَّة ثُمَّ استنقذت. وتزوج أُبيه بِنْت معبد يريمُ بْن معدي كرب بْن أبرهة الحميري [1] ، فولدت لَهُ النضر [2] بْن يريم. وَكَانَ عم يريم هَذَا وَهُوَ شمر بْن أبرهة مَعَ عَلِي فقتل مَعَهُ بصفين، وَكَانَ متزوجًا بابنة أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وَقَالَ بَعْضهم: أَبِيهِ بِنْت معبد جاريةٌ إفريقية قدمت بِهَا أمها، فأمرهم عَلِي ابن أَبِي طَالِب أَن يقروا [3] بِهَا، فتزوجها يريم [4] بن معدي كرب ويكنى معدي كرب أبا الشعثاء. وَكَانَ معبد يكني أبا عَبْد الرَّحْمَن، ومن ولده عبد الله الاكبر ابن معبد وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيث. ومن ولد معبد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن عبد الله ابن معبد [5] ، والعباس بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن معبد، ولاه [6] أبو العباس امير المؤمنين مكة والطائف، وَكَانَ أول من سود بالحجاز فِي الدولة. وَكَانَ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد وأخوه الْعَبَّاس من رجال بَنِي هاشم، وَكَانَ مُحَمَّد لَسِنًا خطيبًا عالما، ولاه امير المؤمنين

_ [1] م: المخترى. انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 278. [2] ط: النصر. انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 278، وجمهرة الأنساب ص 435. [3] هامش ط، د، م: يقربوها. [4] م: بريم. [5] العبارة «وقد روي ... بن معبد» ليست في ط. [6] ط: ورده.!

وأما عبد الرحمن بن العباس

الْمَأْمُون أصبهان، وَكَانَ مقدمًا عِنْدَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمُعْتَصِم بالله، وَمَاتَ فِي خلافته حاجًا ودفن بالعَرْج، وَهُوَ الَّذِي منزله ببغداد عِنْدَ دار القطن، وكان يكنى أبا عبد الله. وَأَمَّا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْعَبَّاس فلا بقية لَهُ، وَكَانَ أصغر أخوته، مَاتَ فِي طاعون عمواس بالشام، ويقال استشهد يَوْم اليرموك فِي خلافة عُمَر. وَكَانَ قَدْ ولد لعبد الرَّحْمَن عبدُ الرَّحْمَن بْن عَبْدِ الرَّحْمَن سمي باسم أَبِيهِ، درج، وَقَالَ بَعْضهم: قتل عَبْد الرَّحْمَن بإفريقية وَذَلِكَ غلط. وَأَمَّا تمام بْن الْعَبَّاس فكان ذا بطش وأقدام، وَكَانَ يكنى أبا جَعْفَر. وزعم ابْن دأب أَن عليًا ولاه مَكَّة وأنه كَانَ عَلَيْهَا حِينَ قدمها ابْن شجرة من قبل مُعَاوِيَة وليس ذَلِكَ بثبتٍ. فولد تمام جعفرَ بْن تمام وقثم بْن تمام. وكانت ابْنَة لأبي جَعْفَر الْمَنْصُور عِنْدَ يَحْيَى بْن جَعْفَر بْن تمام، ويقال بَل كَانَتْ عِنْدَ ابنٍ لقُثَم بْن تمام. وَكَانَ آخر من بقي من ولد تمام يَحْيَى بْن جَعْفَر، وَكَانَ الْمَنْصُور معجبًا بِهِ محبًا لَهُ، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يكن لَهُ عقب، فورثه بنو عَلِي، فوهبوا ميراثهم منه لعبد الصمد ابن عَلِي. وَأَمَّا كثير بْن الْعَبَّاس فكان فقيهًا صالحا حمل عنه الحديث، وكان ينزل بقريش [1] عَلَى فراسخ [2] من الْمَدِينَةِ، فيأتي الْمَدِينَةَ فِي كل جمعة وينزل دار أَبِيهِ الْعَبَّاس فَإِذَا صلى انصرف. وكتب كثير عَلَى كفنه الَّذِي أمر أَن يكفن فيه: كثير ابن الْعَبَّاس يشهد (559) أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ [3] وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسوله. ووُلد لكثير الْحَسَن بْن كثير، درج. وَقَالَ بَعْضهم: ولد لَهُ يَحْيَى، أمه أم كلثوم الصغرى بِنْت عَلِي بْن أَبِي طَالِب فدرج. واما الْحَارِث بْن الْعَبَّاس وَهُوَ ابْن الهُذلية، وَقَالَ [4] بعضهم أمه أم ولد، فكان

_ [1] د، م: قريش. انظر المغانم المطابة في معالم طابة للفيروز آبادي ص 337- 8، وياقوت (ط. بيروت) ج 4 ص 336. [2] ط: فرسخ. [3] «وحده لا شريك له» سقطت من م. [4] ط: فقال.!

يلقب أبا عضل، وَكَانَ الْعَبَّاس وجد عَلَيْهِ فلحق بالزبير بْن الْعَوَّام وَهُوَ ببعض مغازيه، فانصرف بِهِ مَعَهُ، فكلمه فِيهِ فرضي عَنْهُ. وقال هشام ابن الْكَلْبِيِّ والهيثم بْن عدي: طرد الْعَبَّاسُ الْحَارِث فأتى الشام ثُمَّ صار إِلَى الزُّبَيْر وَهُوَ بمصر، فَلَمَّا قدم الزُّبَيْر قدم بِهِ مَعَهُ وأتى بِهِ الْعَبَّاس فَلَمَّا رآه قَالَ لَهُ: يَا زبير جئتني بأبي عضل لا وصلتك رحمٌ نحَّه عني، فمات الْعَبَّاس وَعمِي الْحَارِث بعده فَقَالَ حِينَ عَمِيَ: كُلا زعمتم أَنَّهُ لَيْسَ أَبِي وأني لست ابنه وَقَدْ عَميتُ كَمَا عَمي. ومن ولد الْحَارِث بْن الْعَبَّاس السري بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَارِث [1] ، ولاه الْمَنْصُور مَكَّة ويقال ولاه الْمَدِينَةَ وولاه اليمامة، ومدحه ابْن هرمة [2] فَقَالَ: فأنتَ من هاشم [3] فِي بيتِ مكرمةٍ ... تنمى إِلَى كُل ضخم المجدِ صنديدِ ومن بَنِي الخزرج الأخيار مولده ... بَيْنَ العَتيكين والبهلولِ مَسْعُود قومٌ همُ أيدوا الاسلام إذ صبروا ... للسيف [4] فالله ذو نصر وتأييد ذاك السري الَّذِي لولا تدفقه ... بالعرف [5] بُدنا [6] حليف المجد والجود وأم السري جمال [7] بِنْت النعمان بْن أَبِي حزم [8] بْن عتيك بْن النعمان بْن عَمْرو بْن عتيك بْن عَمْرو بْن مبذول وهو عامر بن مالك بن النجار [9] ، ومسعود بن أوس ابن زَيْد بْن ثَعْلَبَة أحد بَنِي غَنْم بْن مَالِك بْن النجار. وَكَانَ السري جوادًا ممدوحًا [10] وَلَهُ يَقُول نوح بْن جَرِير بْن عطية:

_ [1] انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 6. [2] لم ترد هذه الأبيات في الديوان. [3] م: بني هاشم. [4] سقطت كلمة «للسيف» من ط. [5] سقطت «بالعرف» من م. [6] م: بدتا. [7] ط: بنت جمال. [8] د: احزم، مع اشارة (صح) ، واسمه سهل. انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 186. [9] سقط «ابن» من ط. [10] م: ممدحا.!

ورثتُ أَبِي قصائدَ محكماتٍ ... وَكَانَ الشَّيْخ شيخًا عُدمُليّا [1] لَقَدْ صدق الَّذِي سماك لما ... تباشرتِ النساءُ بكَ السريا وَلَهُ يَقُول حبيب بْن شوذب حِينَ عزل عَنِ اليمامة: راح السري وراح الجودُ يتبعه ... وإنما النَّاس مذموم ومحمودُ لَقَدْ تروَّحَ إذ راحتْ ركائبُهُ ... من أرض حجرٍ، وربِّ الْكَعْبَة، الجود من كَانَ يضمنُ للسؤال حاجتهم ... ومن يقولُ إِذَا أعطاهم عودوا وله يقول الفزاري [2] : سريُّ لقاك مليكُ الأمر ... الأجرَ ذخرًا وَهُوَ خيرُ ذخِر عافيةَ الدنيا وَيَوْمَ الحشر ... وَشَرُّ مَا تدري وَمَا لا تدري مَا بكَ عَنْ مكرمةٍ من قصر ... وأنت بَعْد اللَّه معطي الوفر [3] ومطعمُ البطنِ وكاسي الظهر وَقَالَ الحنفي: ان السريّ بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لنا ... خيرًا وَكَانَ وفيًا بالذي زعما مَا إِن رأيتُك فِي قوم وإن كثروا ... إلا تبينتُ فِي عرنينك الكرما نلقاك فِي الأمرِ مفضالًا أَخَا كرمٍ ... وَفِي الهزاهزِ ليثًا تضرب [4] البُهما ومن ولد عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن الْعَبَّاس (560) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الزُّبَيْر بْن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن الْعَبَّاس، ولي السند، وَلَهُ يَقُول ابْن هرمة: عمدتُ إِلَى الزُّبَيْر وسيط فهر ... وقد حمد الاقارب والصديق

_ [1] ط: اعد مليا. [2] ط: الفرزدق الفرازي، د: الفرزدق، وفي الهامش الفزاري، م: الفرزدق. والرجز لا يوجد في ديوان الفرزدق ولم اعثر على ذكر لفرزدق فزاري. [3] ط: الوقر. [4] م: يضرب.!

واما عبد الله بن عباس بن عبد المطلب

كريم في الأرومة من قريشٍ ... يزين فعَاله الحسبُ العتيقُ وَقَدْ بُني الزُّبَيْر عَلَى سماحٍ ... وَمَا زالت مكارمُهُ تروق [1] وَأَمَّا عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فولد [2] الْعَبَّاس وَبِهِ كَانَ يكنى. وزعم بَعْضهم أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ لِلْعَبَّاسِ الأعنق [3] ، ومحمد بْن عَبْدِ اللَّهِ، وعلي بْن عَبْدِ اللَّهِ، ويكنى أبا مُحَمَّد وَهُوَ السجاد، ولد ليلة قتل عَلِي بْن أَبِي طَالِب فسماه أَبُوهُ عليًا، وَكَانَ مُعَاوِيَة أراده عَلَى أَن يسميه مُعَاوِيَة فأبى. وَكَانَ عَلِي يصلي فِي كُل يَوْم وليْلة ألف ركعة، ويقال ألف سجدة [4] . وعبيد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ، والفضل، وعبد الرَّحْمَن، ولبابة تزوجها إِسْمَاعِيل بْن طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه وخلف عَلَيْهَا عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر، وأمهُمْ زرعة بِنْت مِشْرَح بْن معد يكرب بْن وليعة [5] بْن مُعَاوِيَة بْن شُرَحْبِيل بْن مُعَاوِيَة بْن حُجر القَرِد بْن الْحَارِث الولادة بْن عَمْرو بْن مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن مُعَاوِيَة بْن ثور، ويقال وليعة بن شرحبيل بن معاوية ابن حُجر، والقَردُ فِي كلامهم الجواد، وثور هُوَ كندي بْن عفير [6] . وأسماء بِنْت عَبْد اللَّهِ بن عباس، أمها أم ولد، تزوجها عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس [7] . فأما الْعَبَّاس بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس فولد [8] لَهُ ابْن يُقَالُ لَهُ عون وَبِهِ كَانَ يكنى وأمه حبيبة بِنْت الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام، فدرج ولا عقب لَهُ. وَأَمَّا مُحَمَّد بْن عَبد اللَّه بْن العباس بن عَبْد الْمُطَّلِبِ فولد لَهُ الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس وَهُوَ المُذهب، وَكَانَ بارع الجمال سخيّا، مدحه الأخطل فقال:

_ [1] لم ترد هذه الأبيات في الديوان. [2] انظر نسب قريش ص 28- 29، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 6. [3] في ط: الأعتق. انظر اخبار الدولة العباسية ص 117، ونسب قريش ص 28. [4] انظر الكامل للمبرد ج 2 ص 217، والعقد الفريد ج 5 ص 103، وشرح نهج البلاغة ج 15 ص 234، وابن خلكان- وفيات الأعيان ج 3 ص 274- 278. [5] ط: وكيعة. [6] انظر اخبار الدولة العباسية ص 117، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 239، وجمهرة الأنساب ص 428، والطبري س 1 ص 2013، والمنتخب من ذيل المذيل س 4 ص 2497، ونسب قريش ص 28- 29. [7] انظر اخبار الدولة العباسية ص 118، نسب قريش ص 29. [8] انظر نسب قريش ص 31.

فولد علي بن عبد الله

ولقد غدوت عَلَى التجار [1] بمُسمحٍ ... هرت عواذله هريرَ الأكلبِ لذٍ يقبله [2] النعيم كأنما ... مُسِحت ترائبه [3] بماء مُذْهب لباسِ أرديةِ الملوك تَرُوقُه [4] ... من كُل مرتقبٍ عيونُ الربرب ينظرن من خلل الستور إِذَا بدا ... نظر الهِجان إِلَى الفنيق المصعب خَضِل الكياس إِذَا تنشى [5] لَمْ يكن ... خلفا مواعده كبرق الخُلب فوهب لَهُ ألف دِينَار فقضى بِهَا دينه. وإنما سمي مذهبًا [6] لجماله وحسن لونه، وَقَالَ بَعْضهم: المذهب عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقَالَ بَعْضهم: هُوَ الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ، وَالأَوَّل اثبت. وَكَانَ الْعَبَّاس المذهب ركب فرسًا فصرعه فمات، وأمه أم إِبْرَاهِيم بِنْت المسور بْن مخرمة بْن نوفل الزُّهْرِيّ ولا عقب لَهُ ولا لأحدٍ من ولد عبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس سِوَى عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس السجاد [7] . وذكروا أَنَّهُ كَانَ لعَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس أيضًا ابْن يُقَالُ لَهُ عُثْمَان، درج، وأمه أم ولد. فولد عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ [8] ، مُحَمَّد بْن عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ذو الثفنات، شُبِّه أثر السجود بجبهته وأنفه ويديه [9] بثفنات البعير، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ وأمه العالية بِنْت عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس، وَكَانَ بينه وبين أَبِيهِ أربع عشرة سنة وأشْهُر، فَلَمَّا شابا خَضب عَلِي بالسواد (561) وخضَب مُحَمَّد بْن عَلِي بالحناء فلم يكن يفرق [10] بينهما

_ [1] ط، م: البحار، والتصويب عن شرح ديوان الأخطل ص 328. [2] ن. م.: لذ تقبله. [3] م: ترابيه. [4] شرح الديوان ص 328: يروقه. [5] د: إذ انثنينا، وفي شرح الديوان ص 329: تشتى. [6] ط: مذهب الحملة. [7] انظر اخباره في اخبار الدولة العباسية ص 134 وما بعدها، والكامل للمبرد ج 2 ص 217 وما بعدها وج 1 ص 260. [8] نسب قريش ص 29. [9] في د: بيديه، وفي ط: يبديه. [10] في ط: تفرق، د: نفرق.

الا بخضابهما لتشابههما وقرب سن بعضهما من بَعْض [1] . وَدَاوُد وعيسى لأم ولد، وسليمان وصالحًا لأم ولد اسمها سُعْدَى. وإسماعيل وعبد الصمد لأم ولد. ويعقوب لأم ولد [2] . وعبد اللَّه الأكبر لأم ولد، ويقال لأم أبيها ابْنَة عَبْد اللَّهِ بْن جعفر ابن أَبِي طَالِب. وعبيد اللَّه وأمه حرشية. وعبد الْمَلِك وعثمان وعبد الرَّحْمَن، درجوا، وَهُمْ لأمهات شتى. وعبد اللَّه الأصغر الخارج بالشام وبعضهم يسميه الشماخ [3] وَلَهُ عقب. وَيَحْيَى وإسحاق ويعقوب وعبد الْعَزِيز وإسماعيل الأصغر وعبد اللَّه الأوسط وَكَانَ أحنف، درجوا وَهُمْ لأمهات شتى. وأمينة وأم عِيسَى تزوجها ابْن حسن بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبَّاس، ولبابة تزوجها ابْن قثم بْن الْعَبَّاس بْن عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس وهن لأمهات أولاد. وذكر أَبُو اليقظان، أَن أمينة ماتت وَلَمْ تزوج. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عَوَانَة بْن الحكم عَنْ أَبِيهِ قَالَ [4] : دَخَلَ عَبْد الْمَلِك بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن نُديرة [5] العذري عَلَى الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك فسأله حمالة لزمته فمنعه إياها وزبره وَقَالَ: أَنْتَ صهر لطيم الشَّيْطَان، يَعْنِي عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق، فَقَالَ: أَنَا صهر أَبِي أمية عَمْرو بْن سَعِيد، وكانت عِنْدَ عَمْرو أم حبيب بِنْت حُرَيْث بْن سُليم العذري من بَنِي رزاح [6] فولدت لَهُ أمية وسعيدًا، فأنشأ العذري ينشد شعر يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص: وَمَا [7] كَانَ عَمْرو عاجزًا غَيْر أَنَّهُ ... أتته المنايا بغتةً وَهُوَ لا يدري فلو أَن عمرًا كَانَ بالشام زرته ... بأغوارها أَوْ حلَّ يومًا عَلَى مصر [8] فَقَالَتْ أم البنين بِنْت عَبْد الْعَزِيز امْرَأَة الْوَلِيد، وَهِيَ جالسة خلف الستر: يا امير

_ [1] انظر اخبار الدولة العباسية ص 161، وابن خلكان- وفيات الأعيان ج 4 ص 186. [2] كلمة «ولد» سقط من م. [3] في هامش ط، د: السفاح (خ) . [4] انظر الرواية في اخبار الدولة العباسية ص 143- 4، وترد الأبيات في المسعودي ج 6 ص 218- 9. [5] في م: نذيرة، وكذلك في اخبار الدولة العباسية ص 143. [6] م: رزاخ. [7] اخبار الدولة العباسية: فما. [8] لا يرد هذا البيت في المسعودي، وفي اخبار الدولة العباسية: بأعوازها أو كان يوما ...

الْمُؤْمِنيِنَ، من هَذَا الأحمق؟ فَقَالَ العُذري يعرض بأبيها [1] عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان وَكَانَ ضربه فِي الخمر: وددت وَبَيْت اللَّه أني فديته ... وعبد العزيز يوم يضرب فِي الخمر فَقَالَتْ: أجُرْأةً عليك؟ قَالَ: كُفّي قبل أَن يَأْتِي بخيط باطل، وَكَانَ قَدْ قيْل فِي هَذَا الشعر: غدرتُم بيحيى [2] يَا بَنِي خيط باطلٍ ... وكلكمُ يبني البيوت عَلَى غدرٍ [3] فأمر بِهِ الْوَلِيد فأخرج عَنْهُ فصار ابْن نديرة [4] إِلَى عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ [5] فَأَخْبَرَه [6] خبره، فَقَالَ عَلِي: عَلَيْنَا المعول وعندنا المحتمل، فأعطاه حمالته وأجازه وكساه، فَقَالَ العذري: شهدت عليكم أنكم خير قومكم ... وأنكم آلُ النَّبِيّ [7] محمدِ فنعم أَبُو الأضياف والطالبي [8] القرى ... عليُّ حليف الجود فِي كُل مشهد فَإِن الَّذِي يرجو سواكم وأنتمُ ... بنو الوارث الزاكي لغيرُ مُسدَّدِ وإني لأرجو أَن تكونوا [9] أئمة ... تسوسون من سستم [10] بملك مؤيد وإني لمن والاكم لألوقة [11] ... وإني لمن عاداكم سمُّ أسود وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأَعْرَابِيِّ عَنْ إِسْحَاق بْن عِيسَى بْن عَلِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُول لبنيه: يَا بَنيَّ إِن اسعد الرجلين بالمعروف مصطنعه فلا

_ [1] ط: ابنها. [2] في اخبار الدولة العباسية ص 144: بحيّ. [3] ن. م.: على الغدر. [4] م: نذيرة. [5] م: عبد الله بن علي، وهو سهو من الناسخ. [6] ط: فاخبر. [7] اخبار الدولة العباسية: رهط النبيّ. [8] ن. م.: والطالب ص 144. [9] ط: يكونوا. [10] في م واخبار الدولة العباسية ص 144: شئتم. [11] الأصل: الوفة، والتصويب من اخبار الدولة العباسية ص 144.

تُخدعوا عَنْهُ. وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْحَارِث عَنِ المدائني عن مسلمة بن محارب (561) قال: دخل عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس عَلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان فِي يَوْم شديد البرد وَقَدْ حال بينه وبينه دخانُ العود فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ احْمدِ اللَّه عَلَى مَا أَنْتَ فِيهِ من الدفء مَعَ مَا النَّاس [1] فِيهِ من البرد، ودعا لَهُ، فَقَالَ عبد الملك: يَا أبا مُحَمَّد أَبَعْدَ ابْن هند وَكَانَ أميرًا عشرين سنة وخليفة مثلها أصبَحَتْ تهتز عَلَى قبره يَنْبُوتة! مَا هُوَ إلا مَا قَالَ الشاعر: وَمَا الدهر والأيام إلا كَمَا أرى ... رزية مال أَوْ فراق حبيب وإن امرأ قَدْ [2] جرب الدهر لَمْ ... يخف تصرف عَصْريه لغيرُ أريب [3] ثُمَّ دعا عَبْد الْمَلِك بغدائه فأكل عَلِي مَعَهُ، ودعا بشربة عسل فأتي بِهَا فِي عسٍّ فسقاه ثُمَّ شربَ بَعْد عَلِي. حَدَّثَنِي الحَرْمازي عَنِ العتبي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وقف عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس وخالد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة (562) بباب عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان فجرى بينهما قَوْل تغالظا [4] فِيهِ فَقَالَ لَهُ عَلِي: مَا الظَّالِم بسالم، ولا السَيْف عَنْهُ [5] بنائم. قَالَ: وخرج إذن عَبْد الْمَلِك، فدعا بخالد فقالَ لَهُ عَبْد الْمَلِك: مَا لي أراك كالغضبان؟ قَالَ: لست بغضبان ولكني محجوج، قَالَ: ومن حجَّكَ، وبيانُك بيانُك ولسانك لسانك؟ قَالَ: عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ، مَت بحرمةٍ اعرفُها وذكر القرابة الَّتِي لا أدفعها، وأعْلمني أَن عَلَيْهِ دَيْنًا وأن لَهُ عيالًا وَمَا للصنيعة عِنْدَ مثله مَترك، فأمر لَهُ عَبْد الْمَلِك بمائة ألف درهم، فخرج إِلَيْهِ خَالِد وَهُوَ يضحك وَيَقُول: تخطينا مَا تكره إِلَى مَا تحب، قَدْ أمر لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بمائة ألف درهم، فَقَالَ لَهُ خيرًا. حَدَّثَنِي أَبُو أيوب سُلَيْمَان الرقي المؤدب، حَدَّثَنِي [6] الْحَجَّاج بْن الرصافي عَنْ

_ [1] ط: الباس. [2] «قد» ليست في م. [3] ط، د: اديب. [4] ط: فتغلظا. [5] في د، م: عنده. [6] في ط، د: يحدثني.

ابيه [1] : كَانَ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بالشراة من أرض دمشق لازمًا لمسجده يصلي فِيهِ كُل يوم خمسمائة ركعة ويسجد عَلَى لوح أتى بِهِ من زمزم، وَكَانَ لا يمر بِهِ أحد يريد الشام من الحجاز أَوْ يريد الحجاز من الشام إلا أضافهُ ووصله، إِن كَانَ مِمَّنْ يلتمس صلته، فَقِيلَ لَهُ إِن المؤونة تعظم عليك، فتمثَّل قَوْل السلولي [2] : وماذا عَلَيْنَا إِن يُوافيَ نارَنا ... كريم المحيا شاحب المتحسر [3] فيخبرنا [4] عما يريدُ ولو خلت [5] ... لنا القدر لَمْ نُخبر [6] وَلَمْ نتخبر حَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَم بْن عدي عن عوانة قَالَ: لقيتْ عجوز من قريش عليَّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس فشكت إِلَيْهِ الخلة فأمر غلامه فأعطاها مائتي دِينَار، فَقَالَتْ: جعلني اللَّه فداك أَنْتَ كَمَا قَالَتْ أم جميل بِنْت حرب بْن أمية [7] : زينُ العشيرة كلها ... فِي [8] البدو منه وَالْحَضَرْ وكريمها فِي النائبات [9] ... وَفِي الرِّحال وَفِي السَّفَرْ [10] ضخمُ الدسيعة ماجد ... يعطي الجزيل بلا كدر [11]

_ [1] انظر الرواية في اخبار الدولة العباسية ص 145. [2] هو العجير بن عبد الله السلولي، وترجمته في الاغاني ج 13 ص 56 وما بعدها. [3] في اخبار الدولة العباسية ص 142: وماذا علينا ان تجيء ركائب ... كريموا ... شاحبوا ... وفي الأغاني ج 13 ص 63: وماذا علينا ان يخالس ضوءها ... كريم نثار شاحب المتحسر [4] اخبار الدولة العباسية: فتخبرنا، الأغاني: فيخبرنا عما قليل ... [5] ط: حلت. [6] الاغاني: له القدر لم نعجب ... [7] انظر اخبار الدولة العباسية ص 380. [8] د: من. [9] م: الناتيات. [10] لم يرد هذا البيت في اخبار الدولة العباسية وجاء محله: ورث المكارم كلها ... وعلا على كل البشر [11] في ن. م.: يعطى الكثير بلا ضجر.

وَحَدَّثَنِي أَبُو عدنان، حَدَّثَنَا ابْن الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّد بْن السائب قَالَ: ساير عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ، الْحَارِث بْن خَالِد بْن العاص بْن هِشَام الْمَخْزُومِيُّ، فأصابَ ساقَه ركابُ عَلِي فَقَالَ: سبحان اللَّه مَا رَأَيْت أحدا يسايرُ الناسَ بمثل هَذَا الركاب، فَقَالَ عَلِي: إنه من عمل قين لنا بمكة، يُعرض بالعاص ابن هِشَام حِينَ أسلمه أَبُو لهب بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قينًا [1] . (563) قَالَ أَبُو عدنان: وأخبرني الهيثم بْن عدي ومعمر بْن المثنى، قَالا: لاعب العاص بْن هِشَام أبا لهب عَلَى إمرة [2] مطاعة فقمره ابو لهب فجعله قينًا، ثُمَّ لاعبه فقمره أيضًا فبعث بِهِ مكانه يَوْم بدر بديلًا فقتله عُمَر بْن الخطاب. وفي الحارث ابن خَالِد بْن العاص يَقُول الشاعر: أبا فاضل ركب عِلاتك [3] والتمس ... مكاسبها إِن اللئيمَ كسوبُ وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمْ يزل عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس أثيرا عِنْدَ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان كريمًا عَلَيْهِ حَتَّى طلق عَبْد الْمَلِك أم أبيها بِنْت [4] عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب، فتزوجها عَلِي فتغير لَهُ وثقلُ عَلَيْهِ، فبسط لسانَه بذمه وَقَالَ: إِنَّمَا صلاته رياء، وَكَانَ الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك يسمع ذَلِكَ من أَبِيهِ فَلَمَّا ولي أقصاه وعابه وتجنى عَلَيْهِ حَتَّى ضربه وسيره. حَدَّثَنِي [5] عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ [6] : كَانَتْ لعبد اللَّه بْن عَبَّاس جارية صفراء مولدة تخدمه، فواقعها مرةً وَلَمْ يطلب ولدها [7] فاغتنمت ذَلِكَ واستنكحت عبدًا من عَبِيدِ أهل الْمَدِينَةِ، فوقع عَلَيْهَا حَتَّى حبلت وولدت غلامًا. فحدَّها عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس واستعبد ولدها وسماه سليطًا، فنشأ ظريفًا جلدا، وَلَمْ يزل يخدم علي بْن عَبْدِ اللَّهِ وشخص مَعَهُ إِلَى الشام فكان لَهُ من بني اميّة

_ [1] هامش د: القين الحداد. [2] ط: امرأة. [3] في هامش د: العلاة السندان. [4] م: ابنة. [5] د: فحدثني. [6] انظر اخبار الدولة العباسية ص 149- 150، ويبدو ان ابن الأثير أخذ هذه الرواية ج 5 ص 256- 7 مع اختلاف بسيط أحيانا في العبارات. [7] يضيف ابن الأثير: ثم تركها دهرا.

موقع ومن الوليد بن عبد الملك خاصة، فادعى أَنَّهُ ابْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس ودسَّ إِلَيْهِ الْوَلِيد- لما كَانَ فِي نَفْسه عَلَى عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ- أَن خاصِمْ عليا، فخاصمه واحتال شهودًا عَلَى إقرار عَبْد اللَّهِ بأنه ابنه فشهدوا لَهُ بِذَلِك عِنْدَ قَاضِي دمشق، وعرف الْوَلِيد قاضيه رأيه فِي تثبيت نسب سليط فتحامل مَعَهُ عَلَى عَلِي وألحقهُ بعبْدِ اللَّه بْن عَبَّاس، وَكَانَ الْوَلِيد شريرًا. ثُمَّ إِن سليطًا جعل يخاصم عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ فِي الميراث حَتَّى لقي منه غما وأذى، وَكَانَ مَعَ عَلِي رَجُل من ولد أَبِي رافع مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] يُقَالُ لَهُ عُمَر الدن لَمْ يزل منقطعًا إِلَيْهِ، فَقَالَ لعلي يومًا: ألا أقتل هَذَا الكلب ابْن الكلب وأريحك منه؟ فزبره عَلِي وَقَالَ [2] : هممت والله ان لا تدخل [3] إليّ رحلًا [4] ... ولا أكلمك بذات شفة أبدًا. ثُمَّ إِن عليًا رفق بسليط حَتَّى كف عَنْهُ، فَإِنَّهُ لفي بستان لَهُ يدعى الْجَنِينة عَلَى فرسخ من دمشق، ومساحةُ البستان [5] أربعة أجربة أَوْ أشف، إذ أتى عُمَر الدن ومعه سليط فجعلا يخدمان عليًا حَتَّى أكل وقام يصلي [6] ، ثُمَّ انحاز عُمَر بسليط إِلَى ناحية من البستان فجعلا يأكلان من الفاكهة، وجرى بينهما كلام فوثب الدّن إِلَى ناحية من البستان فجعلا يأكلان من الفاكهة، وجرى بينهما كَلام فوثب الدَّن عَلَى سليط بصخرة فدمغه بِهَا وحفر لَهُ فدَفنه وأعانه عَلَى دفنه مَوْلَى لعلي يُقَالُ لَهُ فايد أَبُو المُهنا، ويقالُ عروة أَبُو راشد، ثُمَّ عَفيا موضعَ قبره، وهرب الدن وصاحبه الَّذِي أعانه وعلي مقبل عَلَى صلاته لا يعلم بشيءٍ مِمَّا كَانَ. وَكَانَ لسليط صاحب قَدْ عرف دخولَه البستان فطلبه [7] فلم يجده، فصار إِلَى أم سليط فأخبرها بأنه دَخَلَ البستان ولم يخرج منه، وافتقد عَلِي الدن وصاحبَه وسليطًا فلم يجد مِنْهُم أحدًا، وخرج من البستان وَقَدْ أتي بدابته فركبها وَهُوَ يسأل عَنِ الدن وصاحبه وسليط، وغدت أم سليط إِلَى بَاب الوليد مستعدية على عليّ فأتى

_ [1] زاد في م كلمة «رجل» وهي زائدة. [2] ط: فقال. [3] ط: يدخل. [4] ط: رجلا. [5] ط: للبستان. [6] في ابن الأثير ج 5 ص 256: «ثم ان سليطا دخل مع علي بستانا له بظاهر دمشق، فقام علي فجرى بين عمر الدن وسليط كلام فقتله عمر ... » . [7] يضيف م: فيه.

الْوَلِيد من ذَلِكَ مَا أحب وأراد، فدَعَا بعلي بْن عَبْدِ اللَّهِ وسأله عَنْ خبر سليط فحلف أَنَّهُ لا يعلم من خبره شيئًا بَعْد قيامه (563) للصلاة، وأنه لَمْ يأمر فِيهِ بأمر، فسأله إحضار عُمَر الدن، فحلف أَنَّهُ لا يعرف موضعه، فوجه الْوَلِيد إِلَى الجُنينة من سرح فِيهَا الماء، فَلَمَّا انتهى إِلَى موضع الحفرة الَّتِي دفن فِيهَا سليط دخلها فانخسفت، فأمر الْوَلِيد بعلي بْن عَبْدِ اللَّهِ فأقيمَ فِي الشَّمْس، وَجَعَلَ عَلَى رأسه الزيت، وضربه ستين أَوْ أحدًا وستين سوطًا، وألبَسَهُ جبة صوف وحَبَسه ليخبره خبر سليط ويدله عَلَى الدن وصاحبه، وَكَانَ يُخرج فِي كُل يَوْم فيقامُ فِي الشَّمْس، وَكَانَ عباد بْن زِيَاد لَهُ صديقًا، فجاءه فألقى عَلَيْهِ ثيابه، وكلم الْوَلِيد فِي أمره فأمر أَن يسير إِلَى دهلك، وَهِيَ جزيرة فِي البحر، فكلمه سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِك فِيهِ وسأله ردَّه، فأرسل من يحبسه حيث لحقه. ثُمَّ كلم الْوَلِيد عبادُ [1] بْن زِيَاد فِي عَلِي وَقَالَ: إنه لَيْسَ بالفلاة [2] موضع، فأذن لَهُ فنزل الحجر [3] ، فلم يزل بالحجر حَتَّى هلك الْوَلِيد سنة ست وتسعين وولي سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِك فرده إِلَى دمشق. وَكَانَ عَلِي يَرْوِي فِي نزول الشراة أثرًا فانتقل إِلَيْهَا. وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار، حَدَّثَنَا مشايخنا قَالُوا: تولى ضرب عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بَيْنَ يدي الْوَلِيد أَبُو الزعيزعة البربري مولاه فجزع (564) فَقَالَ لَهُ مَوْلَى لَهُ يكنى أبا نزار: لا تجزع [4] ، فَقَالَ: إِن كرام الْخَيْلِ تجزع من السوط، ثُمَّ قَالَ: لا تُساكني، فنزل الشراة. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: ضربه خمس مائة سوط وَقَالَ: لا تُساكني، فنزل الحميمة. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي ابْن القتات عَنْ إسحاق بن عيسى بن علي عن أبيه، قَالَ: كَانَ الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك ينتقص عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ ويشتمه، فرأى عَبْد الْمَلِك أَبَاهُ فِي منامه يَقُول لَهُ: يَا هَذَا مَا تريد من عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ فَقَدْ ظلمته، والله لا يبتزكم أمركم ولا يسلب ملككم إلا ولده، فازداد بِذَلِك بغضة له

_ [1] في ابن الأثير ج 5 ص 257: عباس. [2] م: في الفلاة. [3] في ابن الأثير ج 5 ص 257: فاخرج الى الحميمة وقيل الى الحجر. [4] ط: يجزع.

وحنقًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا ضربه كتبَ إِلَى الآفاق يشنع عَلَيْهِ وَيَقُول إنه قتل أخاه. قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَكَانَ مِمَّا عدده الْمَنْصُور أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عَلَى أَبِي مُسْلِم أَن قَالَ: وزعمتَ أنك ابْن سليط فلم ترض حَتَّى نسبت إِلَى عَبْد اللَّهِ غيرَ وَلَده، لَقَدِ ارتقيت مرتقًى صعبًا. وَقَالُوا: لما فرغ مُسْلِم بْن عقبة المري من أمر الحرة أَخَذَ النَّاس بأن يبايعوا ليزيد بْن مُعَاوِيَة [1] عَلَى أنهم عبيد قن، وبعث إِلَى عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بالمدينة، وَذَلِكَ قبل موت أَبِيهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس بأربع سنين، فمر فِي العسكر بفسطاط عَلَى بابه جَمَاعَة فسأل عَنْ صاحبه فَقِيلَ لَهُ: هَذَا الحصين بْن نمير السكوني، فَقَالَ لمولي لَهُ: ائته فأخبره بمكاني، فأتاه فَقَالَ لَهُ: أَن ابْن أختك عَلِي ابن عبد الله [2] قد أخرج من منزله يُراد [3] بِهِ مُسْلِم بْن عقبة، فأرسل ناسًا فانتزعوه من أيدي الحرس فجاذبوهم فَقَالَ الحصين: ميلوا عَلَيْهِم بالسياط، فضربوا حَتَّى فروا، وانطلق الحصين مَعَهُ إِلَى مُسْلِم حَتَّى بايعه ليزيد كَمَا يبايع السلطان ثُمَّ انصرف [4] . الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي الْوَلِيد الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِي نزار مَوْلَى عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كنت مَعَ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ يومًا وعنده ابنه مُحَمَّد بْن عَلِي وأبو هاشم عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب، فَقَالَ: يَا أبا هاشم إِن أَهْل المغرب يؤملونك، وَقَالَ لابنه مُحَمَّد: إِن أَهْل المشرق يؤملونك، ثُمَّ نظر إِلَى حمارٍ بَيْنَ [5] شجرتين فَقَالَ: والله لا تليان حَتَّى يلي هَذَا الحمار، كبرتما عَنْ تبين صاحب هَذَا الأمر. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: توفي عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ فِي سنة ثماني عشرة ومائة وَلَهُ ثمان وسبعون سنة وَإِنَّهُ [6] لمعتدل القناة. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: توفي عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بالحميمة من عمل دمشق فِي سنة سبع عشرة ومائة وَلَهُ ثمان وسبعون سنة، وَذَلِكَ فِي أَيَّام هِشَام بْن عبد الملك.

_ [1] في د: «لمعاوية» وهو سهو. [2] يضيف م: ابن عباس. [3] ط: تراد. [4] انظر اخبار الدولة العباسية ص 136. [5] ط: حمارتين. [6] انظر الطبري س 2 ص 1592.

(565) فاما محمد بن علي بن عبد الله

وَقَالَ أَبُو اليقظان: مَاتَ بالحميمة فِي سنة سبع عشرة ومائة وَقَدْ بلغ ثمانين سنة [1] . (565) فأما مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس [2] وَهُوَ ذو الثفنات، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ، فَقَدْ أَخْبَرَنَا بقرب سنة من سن أَبِيهِ وَكَانَ بينهما فِي الْمَوْت، فِي قَوْل هِشَام بْن الْكَلْبِيِّ، خمس سنين أَوْ نحوها، مَاتَ سنة اثنتين [3] وعشرين ومائة. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثبت أَنَّهُ توفي سنة خمس وعشرين ومائة، قبل قتل الْوَلِيد بْن يَزِيد بقليل، وَكَانَ لَهُ يَوْم مَاتَ سبعون سنة. وولد الْمَهْدِي أميرُ الْمُؤْمِنيِنَ فِي السنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا مُحَمَّد بْن عَلِي فسمي باسمه وكني أبا عَبْد اللَّهِ بكنيته، وكانت وفاة الْمَهْدِي سنة تسع وستين ومائة وَلَهُ ثَلاث وأربعون سنة. وَقَالَ أَبُو اليقظان: مَاتَ وَلَهُ ثمان وثلاثون سنة، وولد مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن عَلِي والمهدي فِي سنة واحدة. وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: توفي مُحَمَّد بْن عَلِي سنة أربع وعشرين ومائة وقتل الْوَلِيد بْن يَزِيد سنة ست وعشرين ومائة [4] . قَالُوا: وكانت الشيعة تروي أَن الْإِمَام محمدُ بْن عَلِي، فيظن [5] أَنَّهُ ابْنُ الحنفية، فلما مات ابن الحنيفة قَالُوا: الْإِمَام ابنه عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بن علي، وهو ابو هاشم، فلما سمّم أَبُو هاشم فِي طريقه وَهُوَ يريد الحجاز عَدَلَ إِلَى مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس بالحُميمة فأوصى إِلَيْهِ وأعطاهُ كتُبه وجمع بينه وبين قوم من الشيعة، فَقَالَ: إنا كُنَّا نظن أَن الإمامة والأمر فينا فَقَدْ زالت الشبهة وصرح اليقين بأنك الْإِمَام والخلافة فِي ولدك، فمال إِلَيْهِ النَّاس فثبتوا إمامته وإمامة ولده [6] . حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُود الكوفي، حَدَّثَنِي بَعْض آل خَالِد بْن عَبْدِ الله القسري قال:

_ [1] انظر اخبار الدولة العباسية ص 159. [2] انظر اخبار الدولة العباسية ص 160- 239، الكامل للمبرد ج 2 ص 220- 221، العقد الفريد ج 5 ص 105. [3] م: اثنين. [4] انظر اخبار الدولة العباسية ص 239، والطبري س 2 ص 1769. [5] م: فتظن. [6] انظر اخبار الدولة العباسية ص 186 وص 188- 189، وابن خلكان- وفيات ج 2 ص 187، والعيون والحدائق ج 3 ص 181.

لَمْ يكن خَالِد يشك فِي إمامة مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس فكان إِذَا بعث إِلَى وجوه النَّاس بالهدايا مَعَ مَا يبعث بِهِ إِلَى هِشَام بعث إِلَى مُحَمَّد بْن عَلِي بدنانير، فبعث إِلَيْهِ مرة من المرات بثلاثة آلاف دِينَار وَلَمْ يبعث بغير ذَلِكَ كراهة الشُّهرة، وكتبَ إِلَيْهِ كتابًا عنوانه: من خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّد بْن عَلِي، وَفِي باطنه: لأبي عَبْد اللَّهِ أصلحه اللَّه من خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ مُحَمَّد: وَصَلَ اللَّه أبا الهيثم وحفظه فو الله مَا زال يبرنا مذ ولي. وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِي الحرمازي عَنْ أَبِي سُلَيْمَان مَوْلَى بني هاشم قَالَ [1] : كَانَ الخراسانيون الَّذِينَ قدموا لطلب الْإِمَام يقولون: هَذَا أمر لا يصلح إلا لذي شرف ودين وسخاء، فيتبعه قوم لشرفه وأخرون لدينه وآخرون لسخائه، وأتوا [2] رجلا من ولد علي بن أبي طَالِب فدلهم عَلَى مُحَمَّد بْن عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ: هُوَ صاحبكم وَهُوَ أفضلنا فأتوه [3] . وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَن مُحَمَّد بْن عَلِي اختار خراسان وَقَالَ: لا أرى [4] بلدًا إلّا وأهله يميلون عنا إِلَى غيرنا، أمَّا أَهْل الكوفة فميلهم إِلَى ولد عَلِي بْن أَبِي طَالِب، وَأَمَّا أَهْل البصرة فعثمانية، وَأَمَّا أَهْل الشام فسفيانية مروانية، وَأَمَّا أَهْل الجزيرة فخوارج، وَأَمَّا أَهْل الْمَدِينَةِ فَقَدْ غلب عَلَيْهِم حب أَبِي بَكْر وعمر وَمِنْهُم من يميل إِلَى الطالبيين، ولكن أَهْل خراسان قوم فيهم الكثرة والقوة والجلد وفراغ القلوب من الأهواء، فبعث إِلَى خراسان. وَقَدْ كَانَ أَبُو هاشم عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن الحنيفة سمي لَهُ قومًا من أَهْل الكوفة [5] . (566) وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَم بْنِ عدي عَنْ معن بْن يَزِيد، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد ابن الأَعْرَابِيِّ عَنْ بَعْض ولد قحطبة قَالُوا: قدم على محمد بن علي

_ [1] انظر اخبار الدولة العباسية ص 170- 1، والعيون والحدائق ج 3 ص 179- 180. [2] م: فأتوا. [3] ط: فاقره. انظر العيون والحدائق ج 3 ص 179- 180. [4] ط: ادري. [5] انظر اخبار الدولة العباسية ص 206- 207، الجاحظ- مناقب الترك، في رسائل الجاحظ تحقيق عبد السلام هارون ج 1 ص 16- 17، المقدسي- البدء والتاريخ ج 4 ص 59، مختصر كتاب البلدان لابن الفقيه ص 315.

ناسٌ من أَهْل خراسان من الشيعة بَعْد مولد أَبِي الْعَبَّاس، فأخرجه إليهم فِي خرقة وَقَالَ: هَذَا صاحبكم الَّذِي يتم الأمر عَلَى يده، فقبلوا أطرافه. وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي، والمدائني عَنِ ابْن فايد وغيره، وأبو اليسع الأنطاكي عَنْ أشياخه قَالُوا: كَانَتْ رَيْطَة بِنْت عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبْدِ المدان الحارثي عِنْدَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الْمَلِك بْن مَرْوَان فمات عَنْهَا فتزوجها بعده الحجاج ابن عَبْدِ الْمَلِك بْن مَرْوَان فطلقها، فقدم مُحَمَّد بْن عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ من الشراة وَهُوَ يريد الصائفة فسأل عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خليفة، أَن يأذن لَهُ فِي تزوجها، فَقَالَ: ومن يمنعك رحمك اللَّه من ذَلِكَ إِن رضيَت، هِيَ أملكُ بنفسها، فتزوجها بحاضر قنسرين فِي دار طَلْحَةَ بْن مَالِك الطائي، واشتملت عَلَى أَبِي الْعَبَّاس وولدته فِي سنة مائة، وقيل فِي سنة إحدى ومائة. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْحَسَن بْن رشيد وَيَحْيَى بْن الطفيل، أَن الْإِمَام مُحَمَّد بْن عَلِي قَالَ: لنا ثلاثة أوقات: موتُ الطاغية يَزِيد، ورأس المائة، وفتقٌ بإفريقية، فعند ذَلِكَ يدعو لنا الدعاة ثُمَّ يقبل [1] أنصارنا من المشرق حَتَّى يوردوا خيولهم أرض [2] المغرب ويستخرجوا مَا كنز الجبارون فِيهَا. فَلَمَّا قتل يَزِيد بْن أَبِي مُسْلِم بإفريقية وانتقضت البربر بعث رجلًا إِلَى خراسان فأمره أَن يدعوا إِلَى الرضا من آل مُحَمَّد ولا يسمي أحدًا، ومثل لَهُ مثالًا يعمل بِهِ، فأجابه ناسٌ، فلما صاروا سبعين جعل مِنْهُم اثني عشر نقيبًا [3] . وحْدثتُ عَنْ أمية بْن خَالِد الْبَصْرِيّ عَنْ ابيه عَنْ وضاح بْن خيثمة قَالَ: لما استُخلف عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز دفع إليَّ يَزِيد بْن أَبِي مُسْلِم فحبسته [4] ، فنذر دمي، وولي إفريقية وكنت بِهَا فجعلتُ أتفار [5] منه، ثُمَّ إنه ظفر بي فَقَالَ: طال مَا نذرت دمك، قُلْت [6] : وأنا والله طال مَا استعذت بالله منك، قال:

_ [1] ط: يقتل. [2] م: من ارض. [3] انظر ابن الأثير ج 5 ص 53- 54. [4] م: «إلي يزيد فحبسته أبي مسلم فحبسته» . وهو من ارتباك الناسخ. [5] د: افتان. انظر الجهشياري- الوزراء ص 57. [6] م: فقلت.

فو الله مَا أعاذك، والله لو أَن ملك الْمَوْت يسابقني إِلَى قبض روحك لسبقته. قَالَ وأمر بالنطع فبسط وكُتِّفتُ وقدم السَيْف لتضرب عنقي، وأقيمت صلاة العصر فوثب ليصلي، فو الله مَا فرغ من صلاته حَتَّى قطع إربًا إربًا ثُمَّ جاءوا فحلوا كتافي. قَالَ: وَكَانَ جنده من البر بر فوسمهم عَلَى أيديهم، فِي إحدى يدي الرجل اسمه وَفِي الأخرى حَرَسيّ، وأساء سياستهم فوثبوا فقتلوه. حَدَّثَنِي أَبُو حَفْص الشامي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي معن الكدادي قَالَ [1] : مرَّ قومٌ من سفهاء بَنِي أمية بالحميمة فتكلموا فِي مُحَمَّد بْن عَلِي وولده بكلام قبيح، فَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِي: دعوهم فربما كَانَ السكوت جوابًا والحلم أبلغ فِي رَضِيَ اللَّه من الانتقام، وجعل يَقُول: ومن بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ الله [2] . حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب عَنْ أبي عبيد الله قال: كان مُحَمَّد بْن عَلِي الْإِمَام يَقُول: الصدق محمود فِي كُل موطن إلا صدق ذي السعاية والنميمة فَإِنَّهُ شر مَا يَكُون أصْدق مَا يَكُون. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ غالب بْن سَعِيد عَنْ زِيَاد بْن أَبِي عامر الشروي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن عَلِي يَقُول: كَانَ يُقَالُ إِذَا سمعتَ العَوْراء فتطأطأ [3] لَهَا تُخْطِك [4] . قَالَ: وسمعته يَقُول، أَوْ يحدث عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: طاعةُ المحبة أفضلُ من طاعةِ الهيبة. حَدَّثَنِي ابْن القتات عَنْ إِسْحَاق بْن عِيسَى بْن عَلِي [5] قَالَ: كَانَ مُحَمَّد بْن عَلِي يَقُول: لَنْ يبلغ الرجل غاية الحلم حَتَّى يُعَد ذليلًا [6] . قَالَ، وَكَانَ يَقُول: كفاك من حظ البلاغة أَن تقول فتُفهِم، وتصفَ فتُوجز [7] . وَحَدَّثَنِي ابْن القتات قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بْن عَلِي: لا يدرك الشباب بالخضاب،

_ [1] ورد الخبر في اخبار الدولة العباسية ص 164 نقلا عن البلاذري. [2] الاشارة الى سورة الحج (22) ، آية 60. [3] ط: نتطاطاه. [4] في اخبار الدولة العباسية ص 163: «تخطئك» ، وروايته عن البلاذري. [5] «ابن علي» لم يرد في م. [6] وردت الرواية في اخبار الدولة العباسية ص 163 وص 229 نقلا عن البلاذري. [7] وردت الرواية في اخبار الدولة العباسية ص 229 نقلا عن البلاذري.

ولا الغنى بالمنى، ولا العلم بالادّعاء [1] . قَالَ، وَكَانَ مُحَمَّد بْن عَلِي يَقُول: شر الآباء من دعاه البر إِلَى الإفراط، وشر الأبناء من دعاه التقصير إِلَى العقوق. (567) وَحَدَّثَنِي بَعْض الهاشميين أَن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِي غزا مَعَ أَبِيهِ فِي غزاة ذي الشامة المعيطي فمات ببلاد الروم فقدَّم مُحَمَّد بْن عَلِي ذا الشامة فلم يتقدم، فصلى عَلَيْهِ ووقف ذو الشامة عَلَى قبره حَتَّى دُفِن، فشكر ذَلِكَ لَهُ بنو الْعَبَّاس فلم ينالوا مُعَيْطيًا بمكروه. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود بْن القتات عَنْ زهير بْن الْمُسَيِّب الضَّبِّيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وفد مُحَمَّد بْن عَلِي الْإِمَام عَلَى هِشَام بْن عَبْدِ الْمَلِك فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: مَا جاء بك؟ قَالَ: حاجة يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، قَالَ: انتظر بِهَا دولتكم الَّتِي تتوقعونها [2] وتروون [3] فِيهَا الأحاديث وترشحون لَهَا أحداثكم، فَقَالَ: أعيذك بالله يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، ثُمَّ نظر إِلَى حاجبه نظرة مُغضَبٍ لإذنه لهُ، فدنا الحاجب منه فَقَالَ: أُصدقُك والله يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، إني رَجُل عقيم فسمعني أشكو ذَلِكَ فَقَالَ إِن عندي دعوات رويتها عَنْ أَبِي عَنْ أَبِيهِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بِهَا مثلك فيرزق الولد، فَإِن علمتك إياها تأذن لي؟ فضمنتَ لَهُ فعلمنيها ووفيتُ لَهُ، فَقَالَ: قبحك اللَّه فَمَا أعجز رأيك، لهَمَمتُ أَن أضرب عنقك، إِن هَؤُلاءِ قوم [4] جعلوا رَسُول اللَّهِ لَهُمْ سوقًا. ثُمَّ قالَ لمحمد بْن عَلِي: إِن عامل ناحيتكَ كتب يُعلمنا أَن الولاة قَبْله تركوا لكم من الخراج مائة ألف درهم فِي سنين لغير حقّ واجب فَأَدِّ ذَلِكَ، وأمر أَن يؤخذ بالمائة الألف فيقام فِي الشَّمْس ويُبسط عَلَيْهِ العذاب، وَكَانَ فِي عسكر هِشَام يَوْمَئِذٍ عِيسَى بْن إِبْرَاهِيمَ أَبُو مُوسَى السراج الَّذِي كَانَ أَبُو مُسْلِم يتعلم منه السراجة ويخدمه، وأبو مُسْلِم يَوْمَئِذٍ مَعَهُ، وَكَانَ عِيسَى يَوْمَئِذٍ من أَهْل الكوفة ورئيسًا من رؤساء الشيعة وَكَانَ موسرًا يَأْتِي بالسروج إِلَيْهَا وإلى أصبهان والجبال والرقّة ونصيبين وآمد ونواحي البلاد فيبيعها بِهَا [5] ، فجمع نفرًا من الشيعة

_ [1] ن. م.: ص 229. [2] ط: يتوقعونها. [3] ط: ترون. [4] لا ترد كلمة «قوم» في م. [5] انظر رواية اخبار الدولة العباسية ص 254.

ذوي يسار وانطلق بِهِمْ إِلَى سالم كاتب هِشَام فضمنوا مَا [1] عَلَى مُحَمَّد بْن عَلِي وجعلوا يؤدون عَنْهُ الأوّل فالأوّل منه، وأبو مُسْلِم يَأْتِي مُحَمَّد بْن عَلِي برسالة صاحبه وألطافه وَمَا يجب [2] معرفته من الْخَبَر، فَلَمَّا أديت المائة الألف كُلِّم هِشَام فِي مُحَمَّد بْن عَلِي فخلّى سبيله، فرجع إِلَى الحميمة، ورجع أَبُو مُوسَى السراج إِلَى الكوفة وأبو مُسْلِم مَعَهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْن عشرين سنة. وكان ابو مسلم يسمى ابراهيم ابن حَيَّكان [3] فتسمى عَبْد الرَّحْمَن بْن مُسْلِم، ويقال إِن الَّذِي سماه عَبْد الرَّحْمَن وكناه أبا مسلم ابراهيم بن محمّد الامام. حدّثني هشام بْن عمار عَنْ أشياخهم أن هِشَام بْن عَبْدِ الْمَلِك هَمَّ بحبس مُحَمَّد بْن عَلِي وَوَلده وَقَالَ إنهم يزعمون أَن الخلافة تصير إليهم [4] فَقَدِ استشرف [5] النَّاس لَهُمْ [6] ، فَقَالَ لَهُ الأبرش الْكَلْبِيُّ، واسمُه سَعِيد بْن الْوَلِيد بْن عَبْدِ عَمْرو: إِن كَانَ فِي المقدور أَن ينالوا [7] الخلافة فلا بد والله أَن ينالوها، فلا تقطع [8] أرحامهم وتأثم بربّك فيهم، وصانعهم فان مصانعتك إياهم لعقبك لَهُوَ الرأي والحزم، وإلّا يكونوا [9] من هَذَا الأمر فِي شَيْء فَمَا خوفك لما ليس بمقدور؟ على ان إظهارك الخوف [10] لَهُمْ تنبيه لِلنَّاسِ عَلَيْهِم، فأمسك. وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَان المؤدب الرقي عَنِ الْحَجَّاج الرُّصافي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ [11] : نظر عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان إِلَى مُحَمَّد بْن عَلِي وَهُوَ غلام، وَكَانَ جميلًا [12] ، فَقَالَ: هَذَا والله يفتن المرأة الشريفة، فَقَالَ خَالِد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة: أما والله إِن ولده لأَصْحَاب هَذَا الأمر، فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: كلا، فَقَالَ خَالِد: هُوَ والله ذاك، انّ تبيعا

_ [1] لا ترد «ما» في ط. [2] م: يحب. [3] جاء الاسم مشكولا في د. [4] ط: اليه. [5] ط: انشرف. [6] م: اليهم. [7] ط: ينال. [8] ط: يقطع. [9] ط: يكون. [10] م: التخوف. [11] ترد الرواية في اخبار الدولة العباسية ص 168 عن البلاذري. [12] في ن. م.: «وهو غلام من اجمل اهل زمانه» .

أخبرني عَنْ كعب أن هَذَا الأمر يصير إِلَى بَنِي الْعَبَّاس وأنه لا يليه [1] رَجُل من آل أَبِي طَالِب إلا أن يخرج عَلَى وال فيقتل، وأنها لولد [2] الْعَبَّاس (568) إِلَى أن ينزل المسيح. قَالَ: وتبيع ابْن امْرَأَة كعب. وَكَانَ مُحَمَّد بْن عَلِي يقدم الْمَدِينَةَ فِي كُل سنة فيقيم بِهَا الشهر والشهرين ويؤتى بالمال [3] فيفرقه، وَكَانَ يمر بمولى لبني أمية يبيع الحديد فَإِذَا رآه ومعه أَهْل بيته قَالَ: هَؤُلاءِ الزنادقة الَّذِينَ يتمنون [4] الباطل، والله لا يخرج هَذَا الأمر من موضعه أبدًا. فَقَالَ مُحَمَّد لابن شُعْبَة مولاه: امض فترفق بِهِ حتى تدخله [5] إليّ، فأتاه فجالسه أياما ثُمَّ لطف بِهِ حَتَّى أدخله الدار ثم امر ببابها فأغلق واحتمله وغلمانٌ مَعَهُ حَتَّى أُدخل عَلَى مُحَمَّد بْن عَلِي، ومعه قوم من أَهْل بيته وغيرهم يأكلون، فرحبَ بِهِ وأدناه وأجلسه بينه وبين عَبْد اللَّهِ بْن حسن، وجعل يلقمه بيده، ثم خلع عليه وأعطاه ثلاثمائة دِينَار وثيابًا لعياله. فَلَمَّا مر بِهِ بَعْد ذَلِكَ فِي أَهْل بيته قَالَ: هَؤُلاءِ أقمار الدجي، وأهل النبوة والخلافة والهدي، فَقَالَ مُحَمَّد لابن شُعْبَة: قل لَهُ عليك بالقصد لا هَذَا كله ولا الَّذِي كَانَ قبله [6] . وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَان، حَدَّثَنَا الْحَجَّاج الرصافي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ هِشَام بْن عَبْدِ الْمَلِك بالرصافة قاعدًا فِي منظرة لَهُ فرفع لَهُ رَكبٌ، فَقَالَ يَا غلام: ائتني بخبر هَؤُلاءِ، فمضى بَعْض من كَانَ بَيْنَ يديه حَتَّى تلقاهم فَقَالَ: من أنتم؟ قالوا: هذا مُحَمَّد ابْن عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عباس واخوته، قال: فما اقدمكم؟ قَالُوا: قدمنا نشكو إِلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ حالنا ودَيْننا. فرجع إِلَى هِشَام فَأَخْبَرَه، فَقَالَ: ارجع فقل لمحمد ارجع من حيث جئت وانتظر أَن يقضي دينك ودينَ أخوتك ابْنُ الحارثية، يَعْنِي أبا الْعَبَّاس. فَقَالَ مُحَمَّد بْن عَلِي: قل لأمير الْمُؤْمِنيِنَ إِن كَانَ الأمر صائرًا إِلَى ابْن الحارثية فَمَا عليك أَن يَكُون لكم عنده يد وإلا يكن ذَلِكَ فعلام تحرمنا فضلك

_ [1] اخبار الدولة العباسية: يلي. [2] ن. م.: لا تزال لولد. [3] ط، د: الملك. [4] ط: يقيمون. [5] ط: تدخل. [6] انظر اخبار الدولة العباسية ص 163- 164.

وأما داود بن علي

وصلتك وعائدتك! فَقَالَ هِشَام للرسول: قل لَهُ مَا قُلْت لَك وأزعجهم حَتَّى يرجعوا عودهم على بدئهم. فقال محمد: دعونا لنريح فَقَدْ نصبنا وتعبنا، فابلغوا قولهم هشامًا فأذن لَهُمْ فأراحوا. فَلَمَّا جن عَلَيْهِم الليل أتى محمدًا بَعْض جلساء هِشَام [1] يعرض [2] عَلَيْهِ مالًا فلم يقبله، وسأله عَنِ ابْن الحارثية فأراه أبا الْعَبَّاس وَهُوَ صبي ثُمَّ رجع إِلَى الشراة وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن هَذَا بعينك [3] . قَالُوا: وكانت لمحمد بْن عَلِي بالحميمة خمس مائة شجرة فكان يصلي تَحْتَ كُل شجرة ركعتين. وتوفي مُحَمَّد فِي سنة أربع وعشرين ومائة. وأمّا داود بن عليّ فيكنى أبا سُلَيْمَان وَكَانَ لسنًا خطيبًا وَلِيَ مَكَّة والمدينة لأبي [4] الْعَبَّاس وأقطعه قطائع، وَهُوَ كَانَ المتكلم يَوْم استخلف أَبُو الْعَبَّاس. وَكَانَ دَاوُد فِي أَيَّام بَنِي أمية مَعَ خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسُري وَكَانَ خَالِد مكرمًا لَهُ. ولما قدم دَاوُد مَكَّة واليًا عَلَيْهَا قام خطيبًا فَقَالَ بَعْد حمد اللَّه والثناء عَلَيْهِ: والله مَا قمنا إلّا لإحياء الكتاب والسنة والعمل بالحق والعدل، ورَبّ هَذِهِ البنية، ووضع يده عَلَى الْكَعْبَة، لا نُهيجُ منكم أحدًا إلّا أَن يُحدثَ بَعْد يومه هَذَا حدثًا، أمِنَ الأسودَ والأبيضُ مِمَّنْ لَمْ يأت بَعْد [5] هَذَا اليوم سوءًا وَلَمْ يُحاول لأمرنا نَقْضًا ولا عَلَيْنَا بغيًا، مَا بال الوحوش والطير تأمنُ فِي حرم اللَّه ويخاف من آمنَّاه عَلَى سالف [6] مَا كَانَ منه؟ حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاق بْن عِيسَى بْن عَلِي قَالَ: و [7] لم يكن مِنَّا من يرتجل الْكَلام ويبلغ حاجته فِي الخطب إلّا الْمَنْصُور وَدَاوُد بْن عَلِي [8] ، فَلَمَّا رقي دَاوُد منبر الكوفة، حِينَ [9] ظهر أَبُو الْعَبَّاس بالكوفة وقام دونه عَلَى المنبر ليخطب، خفنا

_ [1] ط: هشاما. [2] م: فعرض. [3] ط: يعينك. [4] ط: أبي. [5] ط: بعض. [6] ط: سالفي. [7] الواو ليست في م، د. [8] ط: عدي. [9] د، م: يوم.

أَن يتكلم بحلاوة لسانه وتصاريف لفظه ولطف حيلته فيدعو إِلَى نَفْسه، وليس بوقتِ خلافٍ، فتكلم فِي بيعه أَبِي الْعَبَّاس وبلغ لَهُ مَا كُنَّا نريد. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن إِسْحَاق بْن عِيسَى قَالَ: (569) لما أراد أَبُو الْعَبَّاس قتل أَبِي سلمة الداعية لميله إِلَى آل أَبِي طَالِب قَالَ لَهُ دَاوُد: لا تَتَوَلَّ قتله فيحتج عليك أَبُو مُسْلِم بِذَلِك، ولكن اكتب إِلَيْهِ فليُوجه من يقتله، ففعل، فكان ذَلِكَ أصوب رأي. ومدحه ابْنُ هَرمة وفيه [1] يَقُول: دَاوُد دَاوُد لا تُفْلِت حبائله ... واشدُد يديك بباقي الود وصال [2] فِي أبيات. قَالُوا: ولما بلغ دَاوُد قتلُ ابْن هبيرة وقتلُ مَرْوَان وَهُوَ بالحجاز التقط قومًا من بَنِي أمية فقتلهم ببطن مُر، ووجه (أبا) [3] حَمَّاد إِبْرَاهِيم بْن حسان الأبرص إِلَى المثنى بْن يَزِيد بْن عُمَر [4] بْن هبيرة وَهُوَ باليمامة فقتله، ويقال بَل بعث به اليه من العراق. وتوفي دَاوُد بالمدينة سنة ثَلاث وثلاثين ومائة فولي مكانه مُوسَى بْن دَاوُد ثُمَّ صُرف، وولي أَبُو الْعَبَّاس مكانه زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه الحارثي. وسيب بَنِي دَاوُد ببغداد نُسِب إِلَى بَنِي دَاوُد بْن عَلِي. حدثني العمري عن الهيثم عن ابن عياش [5] ، قَالَ: قدم دَاوُد بْن عَلِي وزيد بْن عَلِي ومحمد بْن عَلِي ومحمد بْن عُمَر بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَلَى خَالِد القسري وَهُوَ بالعراق فأجازهم ورجعوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ولي يُوسُف بْن عُمَر كتب إِلَى هِشَام بخبرهم وكتب يذكر أَن خالدًا ابتاع من زَيْد أرضًا بالمدينة بعشرة آلاف درهم ثُمَّ رد الأرضَ عليْه. فكتب هِشَام إِلَى عامله بالمدينة أَن يشخصهم إِلَيْهِ ففعل، فسألهم هِشَام عما كتب بِهِ يُوسُف فأقروا بالجائزة وأنكروا مَا سِوَى ذَلِكَ، وأنكر زَيْد أمر الأَرْض وحلفوا فصدقهم، وَقَالَ هِشَام لداود: أَنْتَ اصدق من ابن النصرانية

_ [1] زاد في ط: فقال. [2] الديوان (ن. المعيبد) ص 178، وابن عساكر ج 5 ص 206. [3] اضافة. انظر الطبري س 3 ص 73. [4] م: عمرو. انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 100 والطبري س 3 ص 73. [5] الأصل: ابن عباس. انظر ابن حجر- تقريب ج 2 ص 399.

وأما عيسى بن علي،

فصر إِلَى يُوسُف فأكذِبْهُ فِي وجهه. قَالَ ابْن هرمة فِي شعر لَهُ يمدح دَاوُد [1] : أروع لا يُخلفُ العدات ... ولا يمنع منه نواله [2] العلل لكنه سابغ عطيته ... يدركُ منه السؤال مَا سألوا يسبق بالفعل [3] ظنَّ صاحبه ... ويُذهِبُ الريث [4] عُرْفُه العَجلُ حَلَّ مِنَ المجد والمكارم ... فِي خير محل يحله [5] رجُل وَأَمَّا عِيسَى بْن عَلِي، ويكنى أبا الْعَبَّاس، فَإِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أبا الْعَبَّاس ولاه فارس فَلَمَّا قدمها وجد بِهَا مُحَمَّد بْن الأشعث الخزاعي من قبل أَبِي مُسْلِم، وجَّهه من خراسان، فلم يسلمها وأراد قتله ثُمَّ أحلْفَه أَن لا يلي عملًا أبدًا [6] ولا يتقلد سَيْفًا إلا لغزوٍ. وَكَانَ عِيسَى أثيرًا عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاس وأبي جَعْفَر، ونهر عِيسَى وقطيعة عِيسَى ببغداد عِنْدَ فُرضَة [7] الركاب إِلَى واسط والبصرة يُنسبان إِلَيْهِ. وقصر عِيسَى معروف وفيه توفي إِسْحَاق بْن عِيسَى، ثُمَّ نزلته أم جَعْفَر زبيدة بنت جعفر ابن الْمَنْصُور، ثُمَّ صار بعدها لولد أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَأْمُون. سمعتُ إِبْرَاهِيم بْن السندي بْن شاهك يحدث عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ولاني الْمَنْصُور الشرقية ببغداد فمر بي عِيسَى بْن عَلِي فقمت اليه فقبّلت يده، فقال: يا سيدي أقلل الضرب والحبس [8] وأهنِ السبال فِي الشفاعات، ففعلتُ مَا أمرني بِهِ، فكنت محمودًا عِنْدَ الْمَنْصُور. وَأَمَّا سُلَيْمَان بْن عَلِي، ويكنى أبا أيوب، فَإِنَّهُ كَانَ مُقدَّمًا عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاس وأبي جَعْفَر، ووَليَ البصرة وكور دجلة والأهواز والبحرين وعمان للمنصور بعد أبي العباس. وكان

_ [1] انظر ابن عساكر ج 5 ص 205- 206. ولم ترد الأبيات في الديوان. [2] ن. م.: تمنع منه سؤاله. [3] ن. م.: بالفضل. [4] ن. م.: ويقبل الرتب. [5] د: يحيله. [6] لم ترد كلمة «ابدا» في م. [7] ط: قرضة. [8] د: أطل الحبس.!

كريمًا جوادًا مر برجل قَدْ حمل عشر ديات فَهُوَ يسأل فِيهَا فأمر لَهُ بِهَا كلها، وسمع وَهُوَ فِي سطحٍ لَهُ نسوة كنّ يغزلن فِي سطح لهنّ بقُرْبه (570) يقلن ليت الأمير اطلع عَلَيْنَا فأغنانا، فقام فجعل يدور فِي قصره فجمع حليًا من ذهب وفضة وجوهر [1] وصير ذَلِكَ فِي منديل ثُمَّ أمر فالقي إليهن فماتت إحداهن فرحًا، ويقال إنه أُخبر بقول النسوة ففعل ذَلِكَ. وكانت لَهُ بالبصرة آثار [2] جميلة، كَانَ النَّاس بِهَا يستعذبون الماء منَ الأُبلة حَتَّى قدم سُلَيْمَان بْن عَلِي فاتخذ المغيثة وضرب مسناتها عَلَى البطيحة وسكر القِنْدَل [3] فعذب ماء أَهْل البصرة، وأنفق عَلَى المغيثة ألف ألف درهم حَتَّى استخرجها من بطن البطيحة، وَبَنِي مساجد كثيرة فَقَالَ الشاعر: كم من يتيمٍ ومسكينٍ وأرملةٍ ... جبرتَه بَعْد فقرٍ يَا سُلَيْمَان ومسجد خَرِبٍ لِلَّهِ تَعمرُه ... فِيهِ كهول وأشياخٌ وشُبان واحتفر الحوض الَّذِي فِي رحبة بَنِي هاشم واتخذ منارًا بَيْنَ البصرة ومكة، فَقَالَ الراجز: إِن الأمير قَدْ [4] بنى المنارا ... واضحة يهدي بِهَا السفارا وجرى وادي العقيق بالبصرة فأخرب دورًا من دور العتيك [5] فدفع إِلَى جَرِير بْن حازم [6] مائة ألف درهم فعمر بِهَا مَا خرب من دورهم. وكتب عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن عَلِي إِلَى سُلَيْمَان يستميحه، فأرسل إِلَيْهِ [7] بألف دِينَار وأمر كاتبه غسان بْن عَبْدِ الحميد أَن يكتب إِلَيْهِ فيعلمه أَن البقيا عَلَيْهِ وعلى نَفْسه منعته من ان يزيده.

_ [1] العبارة من «قصره» الى «جوهر» ساقطة من د. [2] ط، د: آبار. [3] انظر البلاذري- فتوح ص 371، وفي ص 363: «والقندل خور من أخوار دجلة سده سُلَيْمَان بن علي» . [4] سقطت كلمة «قد» من ط. [5] في هامش ط: العتيق. انظر جمهرة الأنساب ص 367 وما بعدها، والبلاذري- فتوح ص 348. [6] د: خازم. انظر جمهرة الأنساب ص 380. [7] ط، د: إليها.

وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة: كُلم سُلَيْمَان فِي أَهْل عسْقلان فأمر لَهُمْ بثلاثين ألفًا، فيقال إنه سُلَيْمَان بْن عَلِي ويقال إنه سُلَيْمَان بن عبد الملك. وقدم سليمان بْن عَلِي واليًا عَلَى البصرة والحجاج بْن أرطاة يلي قضاءها فعَزلهُ وولي عباد بْن مَنْصُور ثُمَّ عزله وولي سوار بْن عَبْدِ اللَّهِ فاستعفى فأعفاه وأعاد عبادًا وفيه يَقُول الشاعر: ألا يا أيها الْقَاضِي الَّذِي ... الجور لَهُ عاده أعادوك لكي تقضي [1] ... لمعروف بحماده وَكَانَ سُلَيْمَان أول من قدم الصلاة قبل الخطبة فِي العيد من عُمال أَبِي الْعَبَّاس فضج النَّاس وَقَالُوا: ذهبت السنة. قَالُوا: وَكَانَ سُلَيْمَان حليمًا رفيقًا لَمْ يعرض لمن كَانَ بالبصرة من بَنِي أمية فلم يسلموا فِي بلد سلامتهم بالبصرة. وكتب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى سُلَيْمَان بْن عَلِي فِي قبض أَمْوَالِ بَنِي زِيَاد بْن أَبِي سُفْيَان، فأرسل إِلَى مسلمة بْن محارب بْن سلم بْن زِيَاد وغيره: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ كتب إلي فِي قبض كُل خضراء وبيضاء لكم فإني (إِن) [2] كتبتُ أني لَمْ أجد لكم خضراء ولا بيضاء لَمْ آمن أَن يأتيكم من يقبض ذَلِكَ، فَإِن أحببتم فحدوا لي من أموالكم شيئًا ظاهرًا أقطع بِهِ عني قالته وسوء ظنه، فحدوا لَهُ ثماني مائة جريب أظهروها فقبضها. ولما صار عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي إِلَى سُلَيْمَان رَأَى رجلًا عَلَى بغل أَوْ برذون فأره وَلَهُ سرج نظيف [3] ، ولجامه محلى، فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالَ لَهُ سُلَيْمَان: هَذَا سلم [4] بْن حرب بْن زِيَاد، فَقَالَ: أوَ قَدْ بقي من آل زياد مثل هذا؟ فقال سُلَيْمَان: نعم لَمْ أجد إليهم [5] سبيلًا، منعني مِنْهُم الحق، قَالَ: أما والله لئن بقيت لَهُمْ لأبيدنهم، فبلغ ذَلِكَ سلْمًا فهرب عَنِ البصرة فلم يدخلها حَتَّى شُخِصَ بعبد اللَّه عنها.

_ [1] ط: يقضي. [2] اضافة يقتضيها السياق. [3] كلمة «نظيف» لم ترد في ط. [4] ط: قد اسلم. [5] م: لهم.

قَالُوا: وقدم الحكم ومحمد وعمر بنو الصلت بْن يُوسُف بْن عُمَر البصرة فنزلوا فِي بَنِي سَعْد مستخفين فظهرت لَهُمْ هيئةٌ فِي لباسهم ومطعمهم فحسدهم [1] بَعْض جيرانهم أَصْحَاب الدار الَّتِي نزلوها فسعوا بِهِمْ (571) إِلَى سُلَيْمَان بْن عَلِي فأرسل إليهم من أتاه بِهِمْ فِي ستر، فَقَالَ: من أنتم؟ فانتسبوا لَهُ، فَقَالَ: يَا بَنِي أَخِي كَانَ ينبغي لكم إذ [2] اخترتم [3] هَذِهِ الناحية أَن تستخفوا فِي الزط والأندغار [4] وإلا ففي عَبْد القيس أَوْ بَنِي راسب، ثُمَّ أطلقهم. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبه عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد بْن عُمَر [5] ، وأخبرني طارق بْن الْمُبَارَك عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لي عَمْرو بْن مُعَاوِيَة بْن عَمْرو بْن عتبة [6] بْن أَبِي سُفْيَان: جاءت هَذِهِ الدولة وانا حديث السن منتشر الأحوال فكنت لا أكون فِي قبيلة إلا شُهر أمري، فلما رَأَيْت ذَلِكَ عزمت عَلَى أَن أفدي حرمي بنفسي، قَالَ: فأرسل إلي أَن القني [7] عَلَى بَاب الأمير سُلَيْمَان بْن عَلِي، فانتهيت إِلَيْهِ فَإِذَا عَلَيْهِ طيلسان مطبق جديد وسراويل وشي مسدولة، فَقُلْتُ: يَا سبحان اللَّه مَا تصنع [8] الحداثة! أهذا لُبْسُ هَذَا اليوم؟ فَقَالَ: لا ولكنه لَيْسَ عندي ثوب إلا وَهُوَ أشهر مِمَّا ترى. قَالَ: فأعطيته طيلساني وأخذت طيلسانه وشمرتُ سراويلَه إِلَى ركبتيه، قَالَ فدخل عَلَى سُلَيْمَان ثُمَّ خرج مسرورًا، فَقُلْتُ لَهُ: حَدَّثَنِي بِمَا جرى، فَقَالَ: دخلت عَلَى أكرم النَّاس وأحلمهم وأنبلهم، فَلَمَّا وصلتُ إِلَيْهِ وَلَمْ يرني قط قلتُ: أصلح اللَّه الأمير لفظتني البلاد إليك ودلني فضلُك عليك فإما قبلتني غانمًا أَوْ رددتني سالمًا. قَالَ: ومن أنت؟ فانتسبت لَهُ، فَقَالَ: مرحبا بك، اقعد فتكلّم آمنا، ثم اقبل علي فقال: حاجتك يَا ابْن أَخِي، قُلْت: إِن الحُرَم اللائي أنت اقرب

_ [1] ط: فحسد. [2] م: إذا. [3] ط: اخبرتم. [4] م: الانذعار. انظر فتوح البلدان ص 375 وص 376 وص 391. [5] في م: محمد بن عمير بن عبد بن عبيد بن عمرو، وفي فتوح البلدان ص 299، محمد بن عبيد وفي الطبري س 2 ص 225: محمد بن عبيد بن عمير. [6] ط: عيينة. انظر جمهرة الأنساب ص 112. [7] ط: الفتى. [8] ط: يصنع.

النَّاس إليهن معنا وأنت أولى النَّاس بهن بعدنا وَقَدْ خفْنَ لخوفنا ومن خافَ خيفَ عَلَيْهِ. قَالَ: فبكي ثُمَّ قَالَ: يَا ابْن أَخِي يحقن [1] اللَّه دَمَكَ ويحفظك [2] فِي حرمك ويوفر [3] عليك مَالِك ولو أمكنني ذَلِكَ فِي جَمِيع أهلك لفعلت، فكن متواريًا كظاهر ولتأتني رقاعك فِي حوائجك وأمورك. قَالَ: فكنت والله أكتب إِلَيْهِ كَمَا يكتب الرجل إِلَى أَبِيهِ وعمه. قَالَ: فَلَمَّا فرغ من حَدِيثه رددتُ عَلَيْهِ طيلسانُه، فَقَالَ: مهلًا فَإِن ثيابنَا إِن فارقتنا لَمْ ترجع إلينا. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي لسليمان: اخرج بنا إِلَى بَعْض المتنزهات، فخرجا ومعهما حميد الطويل فمرا بمنزل عَطَاء السليمي فدخلوا عَلَيْهِ فلم يزل يعظهم حَتَّى بكى سُلَيْمَان وأمر بِمَا حمل مَعَهُ من الطعام أَن يتصدق بِهِ عَلَى فقراء الخريبة [4] وانصرف، فجعل عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي يَقُول: مَا لنا ولعطاء السليمي. وحدثت أَن سُلَيْمَان بْن عَلِي أعتق خلقًا، كَانَ يعتق فِي كُل عشية عَرَفَة مائة نسمة، فَهُمْ متفرقون بالبصرة، فَإِذَا كَانَتْ كتب [5] لعطاء: اكتبوا فِي الموالي، وكانوا يُشترون لَهُ فِي سائر السنة فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ اليوم أعتقهم. ويقال إنه أنفق فِي الموسم فِي صِلاتِ قريش والأنصار وسائر النَّاس فِي الصدقات خمسة آلاف ألف درهم ويقال ألف ألف درهم. وتوفي فِي سنة اثنتين وأربعين ومائة وَهُوَ ابْن ثَلاث وستين سنة وصلى عَلَيْهِ عَبْد الصمد بْن عَلِي. وَقَالَ أَبُو نخيلة [6] فِي سُلَيْمَان بْن عَلِي: جاورتُ بالبصرة [7] قرما ماجدًا ... أمسى لسادات الرجال سائدا بنو عَلِي فرجوا الشدائدا ... أكرم بِهِمْ وبعلي والدا يَا خير خلق مُقدمًا وصافدا

_ [1] م: تحقن. [2] م: تحفظك. [3] م: توفر. [4] في د، م: الحربية، وهذا تحريف. انظر الطبري س 1 ص 2378، والبلاذري- فتوح ص 347، ص 350. [5] ط، م: كتبه. [6] انظر الاغاني ج 20 ص 361 وما بعدها. [7] ط: في البصرة.

فِي أبيات. وَقَالَ أَبُو القوافي الأعرابي يمدح سُلَيْمَان فِي أرجوزة طويلة [1] : يطلبن بالمدح عجالًا شُرَّبا ... جدوى سُلَيْمَان فلا مستجدبا خير قريش من قريش منصبا ... وخيرها خالًا وعمًّا وأبا وخير ذي قربى لمن تقربا ومدحه رؤبه [2] وغيره. (572) قَالُوا: وَكَانَ الْمَنْصُور جعل لسليمان جَمِيع [3] مَا يجتبي من عمله، فكان يقسم فِي السنة أموالًا عظامًا. فولد سُلَيْمَان بْن عَلِي جعفرًا ومحمدًا وإبراهيم وهارون وموسى وعليا وعبد الرَّحْمَن وعبد الرحيم وعيسى وعبد اللَّه وإسحاق لأمهات شتى. وَكَانَ لَهُ بنات منهن عَائِشَةُ بِنْت سُلَيْمَان تزوجها عَبْد الْوَهَّاب بْن إِبْرَاهِيمَ الْإِمَام، ومنهن زينب بِنْت سُلَيْمَان تزوجها مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ الْإِمَام. وَكَانَ جَعْفَر ومحمد ابنا سُلَيْمَان بْن عَلِي لأم الْحَسَن بِنْت جَعْفَر بْن حسن بْن حسن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب. وَوَلِيَ عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان، ويكنى أبا الفضل، للرشيد السند. وَوَلِيَ عَبْد اللَّهِ بْن سُلَيْمَان، ويكنى أبا الْعَبَّاس، للمهدي اليمن، وفيه يَقُول الشاعر: قل لعبد اللَّه يَا حلف الندى ... وربيع النَّاس فِي قحط الزمن أشرقت بغداد لما جئتها ... واقشعرت حزنا أرض اليمن وولي إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان، ويكنى أبا يعقوب، المدينة والبصرة والسند ومصر ولهارون الرشيد وولي حمص وأرمينية لمحمد بْن الرشيد. وَأَمَّا مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ، فَإِنَّهُ ولي الكوفة والبصرة لأبي جَعْفَر الْمَنْصُور، وَكَانَ عَلَيْهَا قبله سلم بْن قُتَيْبَة، فكتب إِلَيْهِ فِي هدم دور من خرج مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن، فكتب اليه يسأله الصّفح

_ [1] كلمة «طويلة» ليست في ط. [2] ط: روية. [3] «جميع» ليست في م.

عَنْهُمْ، فَقَالَ: لو كتبتُ إِلَيْهِ فِي شربة ماء لراجعني، فعزله وولي محمدًا مكانه. ثُمَّ ولي البصرة وكور دجلة وفارس والأهواز واليمامة وعُمان والبحرين للمهدي ولموسى وهارون وَمَاتَ وَهُوَ ابْن إحدى وخمسين سنة. قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح الْمُقْرِئ: ولي مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الكوفة لأبي جَعْفَر فولى شرطته المساور بْن سوار الجَرْميّ واستخلف المساور زهدمًا، فَقَالَ الشاعر: قل للمساور إن زهدم [1] جائر ... فخفِ الاله وأَعْفِنَا من زهدم مَا أَن يبالي [2] ويحه من لامه ... من خَلق ربك كلهم فِي الدرهم وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي النحوي، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَة عَنْ أَبِي سُفْيَان بْن العلاء قَالَ: كُنَّا بالكوفة مَعَ مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان فسأل عَنْ إِبْرَاهِيم النخعي أعَرَبيُّ هوَ أم مَوْلَى؟ فاختلفوا عَلَيْهِ فِيهِ فأرسل إِلَى عرفاء النخع فأتوه بديوانهم فُوجِد فِي الديوانِ مَوْلَى. وَقَالَ التوزي [3] : وَقَدْ سألتُ ابْن الْكَلْبِيِّ عَنْهُ فَقَالَ: هُوَ إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد بْن الأَسْوَدِ بْن عَمْرو بْن ربيعة بْن حارثة بْن سَعْد بْن مَالِك بْن النخع [4] ويكنى أبا عِمْرَانَ وَكَانَ أعور. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ أَبِي زبيد عبَثْر قَالَ: ولي أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن عَلِي الكوفة بمشورة عِيسَى بْن عَلِي فشهدت جَمَاعَة من أَهْل السوق عَلَى عَبْد الكريم بْن نويره- وَهُوَ ابْن أَبِي العوجاء الذهلي [5]- أَنَّهُ رَأَى عدلًا قَدْ كتب عَلَيْهِ صاحبه [6] آية الكرسي فَقَالَ لَهُ: لَمْ كتبت هَذَا؟ قَالَ: لئلا يسرق، فَقَالَ عَبْد الكريم: فَقَدْ رأينا مصحفًا سرق. وشهد عَلَيْهِ أَنَّهُ صلى فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ لا تؤمن بِمَا جاء به محمد فلم تصلّي؟ فقال: هي عادة

_ [1] في ط، د: جعفر، وفي م: زهدما. [2] يضيف م: وحده. [3] م: التوزي، والنسبة الى توز. انظر مراصد الاطلاع ج 1 ص 218، والاشتقاق لابن دريد ص 81. [4] ط: ابن النخعي. [5] انظر جمهرة الأنساب ص 316. [6] في م: كتب صاحبه عليه.

الجسد [1] وسنة البلد وإرضاء الأهل والولد. فأمر بحبسه، فكلم فِيهِ فَقَالَ [2] : أذكرتموني 130/ 1 أمره ودعا بِهِ فضرب عنُقُه. قَالَ عَبْثَر: فزعموا أَنَّهُ لما أيقن بالقتل قَالَ: لئن قتلتموني لَقَدْ وضعتُ فِي أحاديثكم أربعة آلاف حَدِيث. قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح: وأنكر الْمَنْصُور عَلَى مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان قتله ابْن أَبِي العوجاء من غَيْر مؤامرة لَهُ وَقَالَ: أيُقتل رجلٌ من العرب بغير علمي، وأغضبه ذَلِكَ. وَكَانَ معن بْن زائدة يشكو فعل مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان إِلَى الْمَنْصُور وَيَقُول: قتل رجلًا بريئًا ممّا قرف به، انما قتله لأنه قَالَ: أَنَا [3] تلميذ الْحَسَن، فَقَالَ: «تلميذ» من قَوْل الزنادقة. (573) وبعث الْمَنْصُور إِلَى عِيسَى بْن عَلِي فَقَالَ لَهُ: أيقتل [4] مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان رجلًا بشهادة قوم رعاع لا يدرى من هُمْ؟ لَقَدْ هممتُ أَن أقيده بِهِ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: إِن محمدًا قتله عَلَى زندقة هُوَ ينسب إِلَيْهَا، فَإِن كَانَ قتله صوابًا [5] فَهُوَ لَك وإن كَانَ خطأ فَهُوَ عَلَى مُحَمَّد، والله لئن عذلت محمدًا عَلَى مَا صنع ليذهبن بالثناء والذكر ولترجِعنّ القالةُ من العامة عليك. وَقَدْ كَانَ الْمَنْصُور أمر بعزل مُحَمَّد وكُتبت الكتب، فدعا بِهَا فمزقت، وَقَالَ لعيسى: أغررتني [6] من هَذَا الغلام. وَقَالَ أَبُو اليقظان: أتى أَبُو الزحف بْن عَطَاء بْن الخطفي مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان فأمره أَن ينشده وَهُوَ سكران فَقَالَ: يَا ابْن سُلَيْمَان أقلني عثرتي ... يَا ابْن الملوك وأَسِغْني [7] ربقتي [8] حَتَّى تجلي عَنْ فؤادي غمتي ... ثُمَّ أجمع الرجاز عِنْدَ صولتي كُل فزاري دهين اللمة ... او بدوي ودعٍ ذي ثُلَّة وحدثت، أَن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن عَلِي وَلِيَ الْمَدِينَةَ بَعْد قتل محمد بن عبد الله ابن الْحَسَن بْن الْحَسَن. وَكَانَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي سبرة، وَهُوَ أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ الله بن

_ [1] الأصل في ط، د: البدن، وصلحت في كليهما في الهامش ب «الجسد» . [2] «فقال» ليست في ط. [3] في ط: انما. [4] ط: أتقتل. [5] العبارة: «له عيسى» الى «صوابا» ليست في ط. [6] م: اغريتني. [7] م: أسعني. [8] ط: ريقتي.

مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي سبرة بن أبي رهم [1] ، أحد [2] بني عامر بن لؤي، الفقيه، عاملًا عَلَى الصدقات من قبل عامل الْمَنْصُور، فلما خرج مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ أتاه بِمَا اجتمع عنده من المال فقواه بِهِ فحبسه عِيسَى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِي حِينَ قتل محمدًا، وخرج سودان بالمدينة وعليهم رَجُل مِنْهُم يُقَالُ لَهُ أويتوا فكسروا بَاب السجن وأخرجوه فيمن أخرجوا وأرادوا فك حديده فأبى وعاد إِلَى محبسه [3] . وقيل لَهُ حِينَ أخرج: صلِّ بالناس، فَقَالَ: كَيْفَ يُصلي بالناس أسير! وبلغ ذَلِكَ أبا جَعْفَر الْمَنْصُور فرضي عَنْهُ وأوصى [4] بِهِ جعفرًا وَقَالَ: أطلقه وارفعه فَقَدْ أَحْسَن بَعْد أَن أساء ولعله فعل مَا فعل إبقاءً عَلَى نفسه وحقنا لدمه. فلما قدم جعفر المدينة أخرج ابْن أَبِي سبرة وأطلقه وبره وأكرمه، فَقَالَ لَهُ: أصلح اللَّه الأمير إِن حالي مختلة ودَيْني كثير لما نالني، وبيني وبين معن بْن زائدة مودة فاكتب لي إِلَيْهِ بالوَصاة والصلة فَإِنَّهُ إِذَا قرأ كتابك بِذَلِك لَمْ يستوحش مني، فكتب لَهُ بِمَا سَأَلَ. فلقي الراتجي فدعاه إِلَى الخروج مَعَهُ وأعطاه دنانير خلفها نفقةً لعياله، وسار إِلَى مَكَّة فاعتمرا ثُمَّ مضيا جميعًا إِلَى اليمن. فَقَالَ معن لابن أَبِي سبرة: إِن جعفرًا أقدر عَلَى صلتك مني، وكيف قدمت عَلِي وَقَدْ عرفت مَا كَانَ منك ومن غضب أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عليك! فَأَخْبَرَه خبره وحلف لَهُ عَلَى رَضِيَ الْمَنْصُور عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: كم دَينك [5] ؟ قَالَ: أربعة آلاف دِينَار، فأمر لَهُ بسبعة آلاف دِينَار وَقَالَ: إني إِنَّمَا كلمتك بِمَا كلمتك به على رؤوس الناس وما كنت لأخيبك ولو استمحتني وأنت فِي محبسك لوصلتك، وأخبره بخبر الراتجي، فَلَمَّا راح إِلَى معن أدخله مَعَهُ، فأنشد الراتجي معنا: الراتجي يَقُول فِي مدحٍ ... لأبي الْوَلِيد أَخِي الندى الغَمرْ ملك بصنعاء الملوك لَهُ ... مَا بَيْنَ بَيْت الله والشحر [6]

_ [1] ط: زهم. انظر جمهرة الأنساب ص 169. [2] ط: أخذ. [3] ط: حبسه. [4] م: ارضى. [5] ط: بينك. [6] ط: النحر.

لو جاودته الريحُ مُرسَلة ... لجرى [1] بجودٍ فَوْقَ مَا تجري (574) حَمَلَتْ بِهِ أمٌ مباركة ... فكأنها بالحمل لَمْ تدري فَقَالَ معن: فكان ويحك ماذا؟ قَالَ: حَتَّى إِذَا مَا تمَّ تاسِعُها ... ولدتهُ أول ليلة القدر فَقَالَ معن: ثُمَّ ماذا ويحك؟ قَالَ: وأتت بِهِ بيضًا أسرته ... يُرجَى [2] لحمل نوائب الدهر مسح القوابلُ وجهه فبدا ... كالبدر أَوْ أبهى من البدر فنذرنَ حِينَ رأينَ غرتهُ ... إنْ عاشَ أنْ سَيفِين بالنُّذر لِلَّهِ صومًا شكرَ نعمته ... والله أَهْل الحمد والشكر قَالَ معن: ويحك ثُمَّ ماذا؟ قَالَ: فأتى بحمد اللَّه حِينَ أتى ... حسن المروءة باقي الذكر حَتَّى إِذَا مَا طَر شاربُه ... خشع الملوك لسيد قَهر فَإِذَا وَهِيَ ثغرٌ يُقَالُ لَهُ ... يَا معنُ أَنْتَ سدادُ ذا الثغر فأمر لَهُ بألف دِينَار فأخذها وانصرف مَعَ ابْن أَبِي سبرة، فأعطاه ابْن أَبِي سبرة ألف دِينَار أُخْرَى. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: سمعت عَبْد الرَّزَّاقِ يحدث، قَالَ: قدم ابْن أَبِي سبرة عَلَى مَعْنٍ فأعطاه وكساهُ، فَقَالَ ابْن أَبِي سبرة: إِن اللَّه جعل من عباده معادن الخير، ومعن بْن زائدة من أفضلهم. وبلغ الْمَنْصُور خبرُ ابْن أَبِي سبرة، فكتب إِلَى جَعْفَر بْن سُلَيْمَان: مَا حَمَلك عَلَى أَن أذنت لابن أبي سبرة في الشخوص إلى اليمن فاستوصلت [3] معنا؟ فكتب إِلَيْهِ: أوصيتني بِهِ وقلتَ أطلقه وأرفقه،

_ [1] ط: جرى. [2] م: ترجى. [3] د، م: واستوصلت.

فكان عندي من الاستيصاء بِهِ وإرفاقه أَن كتبتُ لَهُ إِلَى معن، فكتب إِلَى معن: مَا حملك عَلَى مَا صنعت بابن أَبِي سبرة؟ فكتب إِلَيْهِ: إِن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان كتب إليّ برضا [1] أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عَنْهُ واستماحَني لَهُ، فظننت أَنَّهُ لَمْ يكن ليفعل ذَلِكَ إلّا بأمر أمِير الْمُؤْمِنيِنَ. ومدح إِبْرَاهِيم بْن عَلِي بْن هَرْمة جعفرَ بْن سُلَيْمَان بأبيات [2] يَقُول فِيهَا: إِذَا هاشم قادت لفخرٍ جيادها ... أتوه فقادوه أغر محَجّلا فأحرز غايات الرهان ونحتها ... مُريحًا [3] بأدنى شأوه متمهّلا إِذَا كسد الجودُ الربيح بسوقه ... أتى جعفرٌ فابتاعه ثُمَّ أجزلا أرى جعفرًا والله جار [4] لجعفر ... تجوّد [5] في كسب العلا [6] وتعمّلا [7] وَقَالَ فِيهِ أيضًا: وإن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ برأفةٍ ... علينا وخصيصاه [8] أمّر جعفرا ووثقنا بخير منك لا شرّ بعده ... فَأَسْهَلَ منّا [9] آمنًا من توعّرا فِي أبيات، ومدحه شعرًا فأعطاه [10] . وَقَالَ فِيهِ ابْن المولي: أَوحشتِ الجماء [11] من جَعْفَر ... وطال مَا كَانَتْ بِهِ تعمرُ كم صارخ يدعو وذي كُرْبَةٍ ... يَا جَعْفَر الخيرات [12] يا جعفر

_ [1] «برضا» ليس في ط. [2] لم ترد هذه الأبيات في الديوان. [3] ط: مرتحا. [4] ط: جاز. [5] ط: يجود. [6] ط، د: العلاء. [7] ط: تغملا. [8] ط، د: خصيصا. [9] ط: ما. [10] د، م: فأعطاهم. [11] الجماء: جبل من المدينة على ثلاثة اميال من ناحية العقيق الى الجرف. مراصد الاطلاع ج 1 ص 263. [12] ط: الخير أنت.

وأما صالح بن علي،

وَأَمَّا صَالِح بْن عَلِي، ويكنى أبا الفضل، فهو المتوجه الى مصر لمحاربة مروان ابن مُحَمَّد وعلي مقدمته عامر بْن إِسْمَاعِيلَ المُسلي، فقتل مَرْوَان وفتح مصر، وَلَمْ يحل عَنْ طاعة أَبِي الْعَبَّاس ولا مال إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي، وقدم معهُ ابْن لَهِيعة والليث بْن سَعْدٍ. (575) وَكَانَ قَدْ أَخَذَ خصيًّا لمروان فدلهم عَلَى البُرْد والقَعْب والمخضب [1] والقضيب. ويقال: إِن البرد لَمْ يكن فيما دُلّ عليْه. وَحَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ الْعَزِيز [2] من ولد صَالِح بْن عَلِي قَالَ: لما أُتي صَالِح برأس مَرْوَان وأمر بأن يُنتف [3] وينفض [4] انقطع لسانه فتناوله هر، فَقَالَ صَالِح: ماذا ترينا الأيام من العجائب، هَذَا لسان مروان في فم هرّ. وقال الشاعر: قَدْ فَتّح اللَّه مصرًا عنوةً لكُم ... واهلك الفاجر الجعديّ إذ ظلما فلاكَ مِقوَله هر يجرره ... وَكَانَ ربُّك من ذي الكفر مُنتقما وإنما قيل لمروان «الجعدي» لأنه نُسب إِلَى الجَعْد بْن درهم معلّمه وأليفه، والجعد بْن درهم مَوْلَى لسويد بْن غفلة الجُعفي. ويقال، إنه مَوْلَى لآل مَرْوَان، وَكَانَ زنديقًا أَوْ دهريًا فَقِيلَ لهشام بْن عَبْدِ الْمَلِك: أَن الجعد كافر، وشهد عَلَيْهِ أَن ميمون بْن مهران وعظه فَقَالَ: لشَاةُ قياد أحَبّ إلي مِمَّا تدين بِهِ، فَقَالَ لَهُ: قتلك اللَّه وَهُوَ قاتِلُك. ويقال إِن ميمون بْن مهران شهد عَلَيْهِ، فطلبه فهرب إِلَى حران، ثُمَّ إنه ظفر بِهِ فحمل إِلَى هِشَام فأخرجه [5] من الشام والجزيرة إِلَى العراق، وكتب إِلَى خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري يأمره بحبسه، فلم يزل محبوسًا حينًا ثُمَّ رفعت امرأته إِلَى هِشَام قصة فِي أمره، فَقَالَ هِشَام: أوَ حَيُّ هُوَ؟ قالوا: نعم، فكتب إِلَى خَالِد يلومه عَلَى حبسه ويعزم عَلَيْهِ أَن يقتله. فَقَالَ خَالِد فِي يَوْم أضحى بعد فراغه من خطبته: ايها

_ [1] ط: المخصب. [2] ط: عبد الله بن العزيز. [3] د: ينقف. [4] م: ينقض. [5] م: واخرجه.

واما اسماعيل بن علي،

النَّاس انصرفوا إِلَى أضاحيكم فَإِنِّي مُضَحٍّ بعدو اللَّه الجعد بْن درهم، فَلَمَّا انصرفوا [1] قتله، فيقال أَنَّهُ ذبحه ويقال إنه ضرب عنقه. وقوم يزعمون إِن الجعد كَانَ يَقُول بقَوْل غيلان وَقَدْ كذبوا. وَأَمَّا إِسْمَاعِيل بْن عَلِي، ويكنى أبا الْحَسَن، فولاه الْمَنْصُور فارس والبصرة وكسكر. ولما توفي أَبُو الْعَبَّاس تزوج امرأته أم سلمة بِنْت يعقوب فغضب عَلَيْهِ الْمَنْصُور وَقَالَ: أتنكح امْرَأَة أمِير الْمُؤْمِنيِنَ! فطلقها، ويقال إنه خطبها فَلَمَّا غضب عَلَيْهِ أمسك، ثُمَّ إنه رَضِيَ عَنْهُ. وَقَالَ ابْن الدمينة الخثعمي [2] لأحمد بْن إِسْمَاعِيلَ [3] : يَا أَحْمَد الخير ابْن إسماعيلا ... إليك أشكو الغلّ والكبولا وغشم ظلم من بَنِي سلولا ... أزجي إليك شارفًا نسولا [4] أَظلُّ فَوْقَ رَحلها معدولا [5] وَأَمَّا عَبْد الصمد بْن عَلِي، ويكنى أبا مُحَمَّد، فكان مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي بالشام، فَلَمَّا خَلَع عبد الله صيّره ولي عهده، فحارب أَهْل خراسان [6] فظُفِر بِهِ، وكلّم المنصورَ فِيهِ إسماعيلُ بْن عَلِي فرضي عَنْهُ. وأنشد الْمَنْصُور: قل لإسماعيل لولا أَنْتَ لَمْ ... ينج مني سالِمًا عَبْد الصّمَد وَهُوَ شعر قيل فِي عَبْد الصمد بْن عَبْدِ الأَعْلَى الشيباني، وَذَلِكَ أَن سَعِيد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن حسان بْن [7] ثابت وَفد عَلَى الشام وَكَانَ غلامًا فكان يختلف إِلَى عَبْد الصمد بْن عَبْدِ الأَعْلَى، وَهُوَ يؤدب الْوَلِيد بْن يَزِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك بسبب الأدب، فراوده عَبْد الصمد عَلَى نَفْسه، فدخل عَلَى هِشَام مغضبًا فَقَالَ [8] :

_ [1] ط، د: انصرف. [2] ترجمته في الاغاني ج 17 ص 47 وما بعدها. [3] انظر اخبار الدولة العباسية ص 147- 8. [4] ن. م. ص 148: إليك أزجي عنسا نسولا. [5] في ن. م. شطر قبله: صائبة الرجل بها زجولا. [6] زاد في ط: وكلم. [7] «ابن» ليست في ط. [8] انظر الراغب الاصبهاني- محاضرات الأدباء ج 1 ص 54- 5.

(576) إنه والله لولا أَنْتَ لَمْ ... ينجُ مني سالِمًا عبدُ الصمد قَالَ هِشَام ولَم ذاك؟ قَالَ: إنه قَدْ رام مني خطة ... لَمْ يَرُمْهَا قبله مني أحد فَهُوَ فيما كَانَ منه كالذي ... يبتغي الصّيد لدي خيس الأسد [1] وَقَدْ [2] وَلِيَ عَبْد الصمد للمنصور وغيره ولايات، وحج بالناس غَيْر مرة. وتوفي عَبْد الصمد بغداد فِي سنة خمس وثمانين ومائة، وإلى عَبْد الصمد تُنسب [3] هَذِهِ القباب الَّتِي يُقَالُ لَهَا العبدُ الصَّمَدية. وَكَانَ مولد عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بن عبد الْمُطَّلِبِ بْن هاشم الَّذِي يُقَالُ لَهُ بَبَّة [4] عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومولد عَبْد الصمد فِي سنة تسع ومائة وهما فِي القُعدُد إِلَى هاشم سواء. وحج عَبْد الصمد سنة خمسين ومائة، وحج يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فِي سنة خمسين وهما فِي القُعْدُد إِلَى عَبْد مناف سواء. وبين عَبْد الصمد وبين خالد ابن عَبْدِ اللَّهِ ذي الجدين بْن عَمْرو بْن الْحَارِث بْن هَمام بْن مُرة بْن ذُهْلِ ابن شَيْبَان بْن ثَعْلَبَة بْن عُكابة بْن صَعب بْن عَلِيِّ بْنِ بَكْر بْن وائل بْن قاسط بن يقنب بْن أفصى بْن دعمى بْن جديلة بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار من الآباء إِلَى نزار سواء، وذو الجدين جاهلي. وبين طرفة بْن العبد بْن سُفْيَان بْن سَعْد بن مالك ابن ضبيعة بْن قيس بْن ثعلبة بْن عكابة [5] وبين نزار من الآباء أقل مِمَّنْ بَيْنَ عَبْد الصمد ونزار من الآباء بأب واحد. وبين عَبْد الصمد وسعيد بْن زَيْد بْن عمرو ابن نفيل بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح بْن عدي بن كعب [6]

_ [1] يرد البيت في الاغاني ج 8 ص 270: رام جهلا بي وجهلا بأبي ... يدخل الأفعى الى خيس الأسد ويبدأ الشطر الثاني في محاضرات الأدباء: يولج العصفور. [2] «قد» ليست في ط. [3] ط: ينسب. [4] انظر جمهرة الأنساب ص 70. [5] انظر الاشتقاق لابن دريد ص 357. [6] انظر جمهرة الأنساب ص 150- 151.

وأما يعقوب بن علي

إِلَى كعب من الآباء سواء، وسعيد من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ فِي عصر عَبْد الصمد مَنْ بينه وبين عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ خمسة آباء وَهُوَ جَعْفَر بْن الفضل بْن الْعَبَّاس بْن عِيسَى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِي. وَقَالَ بَعْضهم إِن عَبْد الصَمد وإسماعيل بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قَيْس بْن مخرمة [1] وعبد اللَّه بْن عُروة [2] بْن الزُّبَيْر ورثوا آخر من بقي من بَنِي عَبْد قصي بالقُعْدُد. وَقَالَ الشاعر يمدحه: استمع مدحةً أتتك ابتدارًا ... جمعت شدةً وعنفًا ولينا فاغرِ بَيْنَ الأبيات لا مكرهات ... مثل مَا يُكرِهُ السباق الحرونا فتغنّي يا طيب [3] عَنْ كُل قطر ... بالأمير الَّذِي بِهِ تُغبطينا وأما يعقوب بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ وَهُوَ أَبُو الأسباط فلا عقب لَهُ. وَأَمَّا عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي الأصغر، فيكنى أبا مُحَمَّد، ولاه أَبُو الْعَبَّاس محاربة مَرْوَان بْن مُحَمَّد وضمّ إِلَيْهِ وجوه قواد خراسان، فلقي مَرْوَان بالزابي نَحْو الموصل ومروان فِي مائة ألف فقاتله [4] وهزمه، وقتل من أَصْحَابه خلقًا كثيرًا فكان من [5] غرق فِي الزابي أَكْثَر مِمَّنْ قتل، وَكَانَ مِمَّنْ غرق إِبْرَاهِيم بْن الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك المخلوع فيما يُقَالُ. ويقال إِن إِبْرَاهِيم لَمْ يحضر هَذِهِ الحرب وأن مَرْوَان كَانَ قتله وصلبه. ويقال أيضًا إِن عَبْد اللَّهِ [6] بْن عَلِي قتله بنهر أَبِي فطرس مَعَ من قتل من بَنِي أمية، وقتل فِي هَذِهِ الوقعة سَعِيد بْن هِشَام بْن عَبْدِ الْمَلِك، (577) ويقال: قتله عَبْد اللَّهِ بالشام. ومضى مَرْوَان إِلَى حران ثُمَّ إِلَى دمشق، فاقتطع أَهْل حمص بعض ثقله،

_ [1] انظر جمهرة الأنساب ص 73. [2] ط: عرمرة. [3] في هامش د: «يعني طيبة مدينة رسول الله (ص) » . [4] م: فقتله. [5] ط: ممن. [6] م: علي بن عبد الله.

ومضى من دمشق الى مصر وخلف بدمشق الوليد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك ابن مَرْوَان [1] فحصره عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي وافتتحها وقتل الْوَلِيد بْن مُعَاوِيَة، ويقال بَل بعث به الى أبي الْعَبَّاس فقتله وصلبه بالحيرة. ومكث النَّاس يقتتلون بالمدينة ساعات [2] وهدم عَبْد اللَّهِ سور مدينة دمشق. ثُمَّ توجه عَبْد اللَّهِ إِلَى فلسطين وصار إِلَى نهر أَبِي فطرس، ووجه أخاه صَالِح بْن عَلِي إِلَى مصر فِي طلب مَرْوَان وعلى مقدمته عَامِر بْن إِسْمَاعِيلَ بْن عامر بْن نَافِع أحد بَنِي مُسْلِيَة، وَهُوَ عمرو ابن عامر بْن عَمْرو بْن علة بْن خَالِد [3] فقتل مَرْوَان ببوصير من مصر. ويقال إِن أبا الْعَبَّاس كتب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي يأمره بتوجيه صَالِح إِلَى مصر. وبعث صالح برأس مَرْوَان إِلَى عَبْد اللَّهِ فأنفذه إِلَى أَبِي الْعَبَّاس وَهُوَ بالكوفة فنُصب بِهَا، ويقال: بَل بعث بِهِ صَالِح إِلَى أَبِي الْعَبَّاس. ولما صار عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي إِلَى نَهر أَبِي فطرس أمر فنودي فِي بَنِي أمية بالأمان فاجتمعوا إِلَيْهِ فعجلت الخراسانية إليهم بالعمد فقتلوهم، وقتل عَبْد اللَّهِ جماعةً مِنْهُم ومن أشياعهم، وأمر بنبش قبر مُعَاوِيَة فَمَا وُجِد من مُعَاوِيَة إلّا خط، ونبش قبر يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فوجد من يَزِيد سلاميات رجلَة ووُجِد من عبد الملك ابن مَرْوَان بَعْض شؤون رأسه، وَلَمْ يوجد من الْوَلِيد وسليمان إلّا رفات، ووجد هِشَام صحيحًا إلّا شيئًا من أنفه وشيئًا من صدغه، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ طلي بالزئبق والكافور وماء الفوة، ووُجدت جمجمة مسلمة فاتخذت غرضًا حَتَّى تناثرت، وَلَمْ يعرض لعمر بْن عَبْدِ الْعَزِيز، وجمع مَا وجد فِي القبور فأحرق. ولما توفي أَبُو الْعَبَّاس كتب إِلَيْهِ عِيسَى بْن عَلِي وعيسى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بوفاته وتوليته عَهْدَه [4] أبا جَعْفَر عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد وعيسى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد إِن كَانَ بعده. وَكَانَ أَبُو جَعْفَر حاجًا فشخص إِلَيْهِ بالكتاب بِذَلِك أَبُو غسان حاجب أَبِي الْعَبَّاس ومولاه واسمه زِيَاد، ويقال يَزِيد، والهيثم بن زياد الخزاعي،

_ [1] انظر جمهرة الأنساب ص 88. [2] م: عدة ساعات. [3] انظر جمهرة الأنساب ص 414، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 58 ولوحة 62 وآخر اسم في السلسلة «جلد» بدل «خالد» ، وانظر السويدي- سبائك الذهب ص 36. [4] ط: بعده.

فَلَمَّا قرأ الكتاب قَالَ: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ نَدَب [1] النَّاس إِلَى مَرْوَان فتثاقلوا عَنْهُ فَقَالَ: من انتدَبَ لَهُ من أَهْل بَيْتِي فَهُوَ الخليفة بعدي، فانتدبتُ لَهُ، فصدقه أَبُو غسان وسلم عَلَيْهِ بالخلافة، ووعظه الهيثم فَقَالَ لَهُ: نشدتك اللَّه أَن تهيج الْفِتْنَة وتعرض نفسك وأهل بيتك للهلكة وزوال النعمة. وخطب عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي فَقَالَ: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ رحمه اللَّه استخلفني، فصدقه [2] أَبُو غسان وكذبه الهيثم فأمر بِهِ فضربت عنقه. وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: كتب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن علي يأمره بغزو الصّائفة، فوافاه خبر وفاته وَهُوَ مِمَّا يلي درب الحَدَث يريد دخول بلاد الروم فدعا عبد الحميد ابن ربعي الطائي وخُفاف بْن مَنْصُور الْمَازِنِيّ ونصير بن المحتفر [3] المزني وحبّاش [4] ابن حبيب الطائي صاحب جوبة حَبّاش ببغداد فِي ظهر ربض حميد بْن قحطبة، فَقَالَ: إِن أبا الْعَبَّاس وجهني إِلَى مروان على ان ألي [5] الأمر بعده، فقاموا لَهُ [6] فسلموا عَلَيْهِ بالخلافة. وأرسل إِلَى الحكم بْن ضبعان الجذامي وزفر بْن عَاصِم الهلالي وبكار بْن مُسْلِم العُقيلي وعثمان بْن سراقة بْن عَبْدِ الأَعْلَى بْن سراقة (578) الْأَزْدِيّ فَقَالَ لَهُمْ مثل مقالته لأبي غانم وأَصْحَابه، فَقَالَ بكار: أَنَا سهمك، وَقَالَ زفر: انكم اهل البيت لم تطمعوا [7] فِي بَنِي أمية حَتَّى اختلفوا فأنا أحذرك الاخْتِلاف فَإِن اجتمع أمرك وأمر من بالأنبار عزَزَتْم وإن اختلفتم فَهِيَ الْفِتْنَة، وَقَالَ ابْن ضبعان: إن كَانَ عهد إليك وعقَدَ لَك عِنْدَ وفاته فَقَدْ كُفيتَ الأمر وإلا فلسْتَ من الأمر عَلَى ثقة، وَقَالَ ابْن سراقة: إِن بلاءك عِنْدَ أَهْل الشام غَيْر جميل فلن ينفعك إلا مثلي مِمَّنْ لَك عنده بلاء حسن وأيادي متظاهرة [8] أَوْ رَجُل صاحب فتنة

_ [1] ط: يدب. [2] ط: وصدقه. [3] ط: المختفر، د: المخنفر، م: المحتفر وكذا في جمهرة الأنساب ص 202، وفي الطبري س 3 ص 38. [4] في الطبري س 3 ص 38: حيّاش. [5] ط: في، م: لي. [6] «له» ليست في م. [7] ط: يطمعوا. [8] ط: متطاهرة.

يلتمس أَن يُدرك فِيهَا شرفًا. فعزم عَلَى ادعاء الخلافة وخطب النَّاس بَيْنَ دُلُوك ورَعْبان [1] ، وَقَدْ كَانَ قدم عَلَيْهِ أَبُو غسان والهيثم بْن زِيَاد فاستشهدهما فأما أَبُو غسان فشهد لَهُ وَأَمَّا الهيثم فَقَالَ: أشهد أَن أبا الْعَبَّاس ولي الخلافة أبا جَعْفَر، فقتله. وبايع النَّاس عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي وبايعه حُميد بْن قحطبة، وسار فنزل قنسرين فاستعمل عَلَيْهَا زُفَر بْن عَاصِم، وَوَلِيَ عُثْمَان بْن عَبْدِ الأَعْلَى دمشق والحكم بْن ضبعان فلسطين، وكتب إِلَى الْحَسَن بْن قحطبة وَهُوَ بأرمينية وإلى مَالِك بْن الهيثم وَهُوَ بأذربيجان وإلى مُحَمَّد بْن صول وَهُوَ بشمشاط مقيم فِي خمسة آلاف يدعوهم فلم يجيبوه، فسار إِلَى حران وعليها مقاتل بْن حَكِيم العكي وَهُوَ فِي أربعة آلاف وَهُوَ عَلَى الجزيرة فحصره ووضع عَلَيْهَا المجانيق، ثُمَّ طلب مقاتل الصلح فصالحه ودخل مدينة حران فِي صفر سنة سبع وثلاثين ومائة، ثُمَّ إِلَى الرقة. واستعمل عَلَى الجزيرة عَبْد الصمد بْن عَلِي أخاه ولّاه عَهدَه وصير عَلَى شرطته مَنْصُور بْن جعونة [2] ابن الحارث احد بني عامر بن ربيعة، وبعث بالعكي إِلَى ابْن سُراقة وأمره أَن يقتله وابنه خالدًا، فلم يفعل وحبسه. واستعمل حميد بْن قحطبة عَلَى قنسرين وعزل زفر بْن عَاصِم فِي الظاهر وكتب إِلَى زفر: إِذَا ورد عليك حميد فاقتله ومن مَعَهُ، فعلم حميد بِذَلِك فسار إِلَى الْمَنْصُور حَتَّى قدم عليْه، فأمره أَن يلحق بأبي مُسْلِم. وَكَانَ أَبُو مُسْلِم كتب إِلَى أَبِي الْعَبَّاس يستأذنه فِي الحج فأذن لَهُ فقدم فحج، وَكَانَ الْمَنْصُور حاجًا أيضًا، فَلَمَّا قدما الأنبار قَالَ أَبُو مُسْلِم لأبي جَعْفَر: إِن شئتَ جمعتُ ثيابي فِي منطقتي وخدمتك وإن [3] شئت أتيت خراسان فأمددتك بالجنود وإن شئت شخصت إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي فحاربته، فوجهه لمحاربة عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي وشيعه [4] إِلَى عكبرا. وَكَانَ الْحَسَن بْن قحطبة بأرمينية فكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور فِي اللحاق بأبي مُسْلِم فوافاهُ بالكحيل من أرض الموصل فِي ألفٍ، فصيره أَبُو مُسْلِم عَلَى مقدمته، ووافي مَالِك بْن الهيثم أبا مُسْلِم بالموصل لكتاب الْمَنْصُور إِلَيْهِ فِي اللحاق بِهِ والسمع والطاعة لَهُ، ودس الْمَنْصُور مُحَمَّد بْن صول إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن علي ليفتك

_ [1] عن دلوك ورعبان انظر البلاذري- فتوح ص 132، ص 150. [2] د: جحونه. وفي الطبري س 3 ص 129: منصور بن جعونة بن الحارث العامري. [3] ط: إذا. [4] الأصل: شيعته.

بِهِ إِن أمكنه ذَلِكَ ويكتب إِلَيْهِ بأخباره فأتاه وصار مَعَهُ، فكتب بَعْض عيون عَبْد الله ابن عَلِي فِي عسكر الْمَنْصُور: صل بابن صول قبل ان يصول بك، فقتله ابْنُ عَلِي وابنين لَهُ. وَقَالَ غيرُ أَبِي الْحَسَن: وقدم أَبُو جَعْفَر الكوفة فولاها طلحة بن إسحاق بن محمد ابن الأشعث وسار إِلَى الأنبار فوجد أبا مُسْلِم بِهَا فولاه حرب ابْن عَلِي وأعطى الجند الَّذِينَ أنهضهم مَعَهُ اثني عشر ألف ألف درهم [1] ، ويقال ثمانية عشر الف الف. وكان ابو العباس خط الأرزاق فِي سنة خمس وثلاثين إِلَى ستين ستين فصيرها أَبُو جَعْفَر ثمانين ثمانين وسوغهم عطاءً أعطاهم إياه عِيسَى بْن مُوسَى، فشكروا ذَلِكَ، ووهب الْمَنْصُور لكل رَجُل من عمومته ألف ألف درهم فكان أول خليفة أعطى ألف ألف بصك إِلَى بَيْت المال يجري فِي الدواوين. وَلَمْ يقم بالأنبار إلا جمعة، وعزل جهور ابن مرار الْعِجْلِيَّ عَنْ شرطته وولاها عَبْد الجبار بْن عَبْدِ الرَّحْمَن ووجه جَهْور بْن مرار إِلَى قرقيسيا فتلقى أَصْحَاب ابْن عَلِي، وخرج الْمَنْصُور فعسكر بدير الجاثليق (579) عَلَى دجلة ووجه عِيسَى بْن عقيل إِلَى هيت، وعبد الْعَزِيز أَخَا عَبْد الجبار، إِلَى بلد وَقَالَ لَهُ: إِن بلغك أَن ابْن عَلِي انهزم فلا تبرح مكانك ولا تخل بمركزك، ووجه قائدًا إِلَى تكريت، وكتب إِلَى مُوسَى بْن كعب: أَن استخلف ابنك عُيَيْنة وأقدم وَقَدْ أمرتُ لَك بخمس مائة ألف درهم فاقبضها، وكتب إِلَى الْحَسَن بْن قحطبة وَهُوَ بأرمينية فقدم. وَقَالُوا: قدم ابْن عَلِي نصيبين فخندق وجمع الأطعمة واستعد للحرب. وَكَانَ هِشَام بْن عَمْرو التغلبي [2] مَعَ أَبِي مُسْلِم فأشار عَلَيْهِ أَن يعسكر دُونَ نصيبين لئلا يَكُون بينه وبين الْمَنْصُور عدو فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بشيء، ونزل أَبُو مُسْلِم بإزاء ابْن عَلِي وكايده لينزل منزله فغرب وأظهر أَنَّهُ يريد الشام لتوليه أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إياه الجزيرة والشام، وأن قادمًا يقدم [3] لمحاربة ابْن عَلِي مكانه، فضج أَهْل الجزيرة والشام وَقَالُوا: الآن يقدم أَبُو مُسْلِم بلادنا فيجتاح أموالنا ويسبي نساءنا وذرارينا ويقتل

_ [1] م: اثني عشر الف درهم. [2] في ط، م: التعلبي. وفي الطبري س 3 ص 47: التغلبي، وفي الازدي- تاريخ الموصل ص 133: الزهيري. انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 165. [3] ط: تقدم.

من وراءنا من رجالنا ونحن مِنْ مُلك الدنيا وسعتها فِي خندق. فرحل عَبْد اللَّهِ من خندقه، ونزل أَبُو مُسْلِم رأس العين ثُمَّ انكفأ راجعًا حَتَّى نزل خندق عَبْد اللَّهِ، ونزل عَبْد اللَّهِ خندقه وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ مكيدة من العبد. وكاتَبَ أَبُو مُسْلِم أهل خراسان فانحاز إِلَيْهِ بشر مِنْهُم، ووقعت فِي نفس ابْن عَلِي تهمتهم وسوء الظن بمن بقي مَعَهُ مِنْهُم فأمر حباش بْن حبيب صاحب شرطته فقتل مِنْهُم خلقًا. وحارب أَبُو مُسْلِم ابْن عَلِي أربعة أشهر، ثُمَّ إنهم اقتتلوا ذَات يَوْم قتالًا شديدًا وَقَدْ خَف أَصْحَاب ابْن عَلِي وأتت أبا مُسْلِم الأمداد وأبو مُسْلِم يَقُول: فرَّ من الْمَوْت وَفِي الْمَوْت وقعْ ... من كَانَ ينوي أهلَهُ فلا رجع فانهزم أَصْحَاب ابْن عَلِي أقبح هزيمة، وهرب فصار إِلَى ناحية حران ثُمَّ إِلَى الرقة وعبر إِلَى جسر الرقة ثُمَّ أحرقه وسار فِي البر حَتَّى أتى البصرة فنزل عَلَى سُلَيْمَان بْن عَلِي أخيه، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ أوصاه بِهِ فيما يُقَالُ. وَكَانَ أَبُو مُسْلِم لما قدم مقدمته وعليها حميد بْن قحطبة من الموصل لقوا عَبْد الصمد بْن عَلِي ببلد فقاتله حميد فهزمه ثُمَّ أخذه أسيرًا. ويقال إِن أبا مُسْلِم وجه فِي أَيَّام محاربته ابْن عَلِي حُمَيْدًا إِلَى عَبْد الصمد وَهُوَ بالجزيرة فقاتله وهزمه حَتَّى لحق بالرصافة فأُخِذ بِهَا وأُتيَ بِهِ أَبُو مُسْلِم، فوجه الْمَنْصُور مرزوقًا أبا الخصيب مولاه فحمله إِلَيْهِ فِي سلسلة، فكلمه فِيهِ إِسْمَاعِيل بْن عَلِي فعفا عَنْهُ وأمر لَهُ بألف دِينَار. وَقَالَ بَعْضهم: قدم بِهِ أَبُو مُسْلِم مَعَهُ. وَقَالَ بَعض وَلده: أتى الكوفة فاستخفى بِهَا حَتَّى كُلّم الْمَنْصُور فِيهِ فأمنه [1] ووصله. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ فِي بَعْض روايته: هُزم عَبْد الصمد فهرب إِلَى الرصافة، ووافاه ابْن عَلِي منهزمًا هاربًا فمضى وأقام عَبْد الصمد لأمرٍ أراده وعزم عَلَى أَن يتبع [2] ابْن عَلِي من يومه وَلَمْ ير أنه مطلوب فوافاه زبارة ابن جَرِير، وَكَانَ مِمَّنْ رُتب بقرقيسيا، فجر برجله ثُمَّ أوثقه وحمله إِلَى أَبِي مُسْلِم وَهُوَ بتل مَذايا [3] . وقدم صَالِح بْن عَلِي بْن عبد الله من مصر متمسكا

_ [1] «فآمنه» ليست في ط. [2] ط: يتتبع. [3] ط: مدايا. انظر البلاذري- فتوح ص 181.

بطاعة الْمَنْصُور مقيمًا عَلَيْهَا، فحارب ابْن ضبعان فِي اليوم الَّذِي هُزِم فِيهِ عَبْد اللَّهِ ابن عَلِي، وحوى أَبُو مُسْلِم أَمْوَالَ ابْن عَلِي وَجَمِيع مَا كَانَ فِي عسكره وأطلق الأسرى ووهب لكل أسير أربعة دراهم وَلَمْ يقتل إلا أبا غسان لشهادته بِمَا شهد بِهِ لابن عَلِي. ولما بلغ عاملُ ابْن عَلِي [1] دمشق، قتل العكّي وخالدا ابنه وكانا فِي حبسه. وكتب أَبُو مُسْلِم إِلَى الْمَنْصُور يعلمه أَن أَهْل الجزيرة والشام بمواضع من الثغور مشحنة (580) للعدو وأنها لا تُسَدُّ إلا بِهِمْ، وسأله الصفح عَنْهُمْ، وأشار عَلَيْهِ باستصلاح وجوههم واصطناعهم، ووفد مَعَهُ إِلَيْهِ عدة من اشرافهم. وكان عبد الله ابن عَلِي لما توجه لغزو الصائفة بلغه أَن أبان بْن مُعَاوِيَة بْن هِشَام بْن عَبْدِ الْمَلِك قَدِ اقبل يريده فِي أربعة آلاف فقصد لَهُ ووجه عَلَى مقدمته حميد بْن قحطبة والعباس بن زبيد، فلم يكن بينهم كبير قتال حَتَّى انهزم أبان وأَصْحَابه وتحصنوا فِي حصن كيسوم، فنزل عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ، فطلبوا الأمان فأمنهم وهرب أبان فدلّ عبد الله عليه وَكَانَ فِي غار فقطع عَبْد اللَّهِ يديه ورجليه ثُمَّ ضرب عنقه وأتى دابق فبلغه خبر وفاة أبي العباسي. قَالُوا: وكانت عِنْدَ ابْن عَلِي أمةُ الحميد، ويقال أختها أمّ البنين بِنْت مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن ربيعة بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هاشم [2] فَقَالَتْ لَهُ: قتلت أَهْل الشام فأسرفت ثُمَّ قتلت أَهْل خراسان وكانوا أنصاركم وأولياء دعوتكم ثُمَّ انتحلْتَ الخلافة وقاتلت ابْن أخيك وَهُوَ الخليفة فلم تبقِ غاية وَلَمْ تدع جُهْدًا ثُمَّ هربت إِلَى غَيْر ملجأ ولا حرز فهلا متّ كريما، اما والله لنُقاسين ذلًا طويلًا، فغضب فطلقها، وَكَانَ لَهُ منها مُحَمَّد وعيسى وأم مُحَمَّد وأم عبد الله، بنو عبد الله ابن عَلِي. ولما هرب ابْن عَلِي بلغ الْمَنْصُور أَن عَبْد الحميد بْن ربعي أبا غانم بالرها، وَكَانَ صديقًا لأبي الأزهر المهلب بْن العبيثر [3] المهري فوجهه لطلب الشراة وأهل الفساد من الأعراب ويُسكن النَّاس فجعل يقتل الأعراب من أَهْل الدعارة حَتَّى أتى الرُّها فبعث إِلَى أَبِي غانم: إني مشتاق إليك وَقَدْ وَجِّهتُ فِي أمر فتركتُه وملتُ إليك لأحدث بك عهْدًا. فخرج إِلَيْهِ وجعلا يتنادمان ثُمَّ ذاكره الخروج

_ [1] يضيف د، م، كلمة «على» وهي زائدة. [2] انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 7. [3] ن. م. ج 2 ص 328.

إِلَى أَبِي جَعْفَر، فَقَالَ: أَنَا مُستوحش ولا عذر لي ولا حُجة فيما كَانَ مني. ثُمَّ إنه خرج إِلَيْهِ يومًا فِي خف فأسكره وحمله وارتحل فأورده عَلَى حميد بْن قحطبة وَهُوَ وال عَلَى الجزيرة فأنفذه إِلَى الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور [1] : ويحك مَا حملك عَلَى مَا صنعت؟ قَالَ: لا عذر لي فأتكلم. فَقَالَ: أَنَا أكره قتل رَجُل من آل قحطبة ولكني أهبُ مسيئهم لمحسنهم وَقَدْ وهبتك لابني [2] قحطبة حميْد والحسن. فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِن لَمْ يكن فِي مصطنع فاقتلني. قَالَ: إنك أحمق أهوج، اخرج فأنت عتيقُ لَهُمْ أبدًا. وَحَدَّثَنِي الغاضري [3] الرقي قَالَ: نزل أَبُو غانم بالهني [4] فِي بَعْض أيامه فتهدد أَهْل الرقة وَقَالَ: قولوا لنسائكم يحلقن [5] يتهيأن للجماع، وأساء اللفظ، فعبر إِلَيْهِ مُصْعَب بْن الضحضح الأسدي وعبد اللَّه بْن البختري العقيلي فِي جَمَاعَة فقتلا من أَصْحَابه بشرًا، فَقَالَ ابْن الضحضح: الحمد لِلَّهِ المنزل [6] نصره ... يَوْم الخميس عليك يَا ابْن الضحضحِ عبر الفرات على فظاعة [7] هوله ... بالدراعين عَلَى الجياد القُرحِ مستشعري حلق الحديد كأنهم ... بُزل [8] الجمال تخاطرت فِي مسرحِ وَفِي ذَلِكَ يَقُول الشاعر وَهُوَ ربيعة [9] يحرض ابْن الضحضح: الا ترى المعشر السودان قد جمعوا ... لا بني نزار فماذا بَعْد ينتظر شمِّر فَإِن حروبَ النَّاس قَدْ لقحت ... وجمع الأمر إِن الأمر منتشر وَكُنْ من الحربِ إذ شبَّت عَلَى حذر ... مَا صاحب الحرب إلا الحازم الحذر في ابيات.

_ [1] عبارة: «فقال له المنصور» ساقطة من ط. [2] ط: لابن. [3] ط: العاصري. انظر اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير ج 2 ص 372. [4] انظر البلاذري- فتوح ص 180. [5] «يحلقن» ليست في ط. [6] ط: منزل. [7] في الأصل: فضاعة. [8] ط: نزل. [9] انظر تاريخ ابن عساكر ج 5 ص 300- 303، وهو ابن أنيف بْن شريح بْن عمرو بْن عدس بن زيد ولقبه مسكين.

قَالُوا: ولما أقام عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي بالبصرة خرج سُلَيْمَان بْن عَلِي (581) إِلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور فطلب لَهُ أمانًا وَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِن [1] عفوك لا يضيق عَنْهُ وَهُوَ ابْن أبيك وفيه مستصلح، فَقَالَ: هُوَ آمن إِذَا رَأَيْته، واستأذن لَهُ فِي الحج فَقَالَ: إِن حج ظاهرًا فَقَدْ أذنت لَهُ، فلم يحج. وَمَاتَ يُونُس بْن عُبَيْد [2] الفقيه مَوْلَى عَبْد القيس فمشى عَبْد اللَّهِ وسليمان فِي جنازته. وأراد الْمَنْصُور استخراج مزارع من البطيحة فضج أَهْل البصرة وَقَالُوا: إِنَّمَا نستعذب الماء من البطيحة، وأتوا عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي فَقَالُوا: انزل يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إلينا نبايعك، فكفهم سُلَيْمَان وفرقهم. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ يجمع بالبصرة ويقعد فِي حلقة الرقاشي. ووجه الْمَنْصُور سُلَيْمَان بْن مجالد وأمره بإبلاغ سُلَيْمَان بْن عَلِي أَن يشخص عَبْد اللَّهِ مَعَهُ وكتب إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فلم يفعل وَقَالَ: قَدْ جعلت لَهُ عهد اللَّه أَن أتوثق لَهُ. فولى الْمَنْصُور سُلَيْمَان بْن مجالد بريد [3] البصرة وأخبارها ووجه روح بْن حاتم بْن قَبِيصَة [4] بْن المهلب إِلَى البصرة فِي أربعة آلاف من أَهْل البأس والنجدة والطاعة وأظهر أَنَّهُ قَدْ ولاه عُمان ونواحيها. ثُمَّ وجه سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة واليًا عَلَى البصرة فِي جيش كثيف وبعث أبا الأسد القائد صاحب النهر فِي جيش وأمر أبا الأسد أَن يقيم على آخر البطيحة فعسكر على فم النهر المنسوب إِلَيْهِ. ودخل سُفْيَان البصرة فتسلمها من سُلَيْمَان بْن عَلِي، فوهن أمر سُلَيْمَان ووجد الْمَنْصُور عَلَيْهِ لما كَانَ منه فِي أمر عَبْد اللَّهِ، وتتام بالبصرة أَكْثَر من اثني عشر ألفًا من أَهْل خراسان. وكتب سليمان الى عيسى بن علي يسأله ان يستأذن لَهُ الْمَنْصُور فِي القدوم عَلَيْهِ منفردًا، فقدم ودخل مَعَ عيسى إِلَى الْمَنْصُور فكلماه فِي أَيْمان عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي فأجابهما إِلَى ذَلِكَ. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن المقفع كاتب عِيسَى بْن عَلِي، فأمره فكتب لَهُ أمانًا تعدّى فِيهِ مَا يكتب الخلفاء من الأمانات وكتب: فَإِن لَمْ يَفِ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بِمَا جعل لَهُ فِيهِ فَهُوَ بريء من اللَّه ورسوله، والأمةُ فِي حل وسعةَ من خلعه. ثُمَّ شخص عِيسَى وسليمان ابنا عَلِي من البصرة واشخصا عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي [5] منها وشخصا مَعَهُ ووكّل بهم سفيان قائدا

_ [1] «إنّ» ليست في ط، د. [2] ط: يونس بن عبيد الله الفقيه. انظر تهذيب التهذيب ج 11 رقم 855. [3] ط: يريد. [4] في م: روح بن قبيصة بن حاتم. انظر جمهرة الأنساب ص 37. [5] «ابن علي» ليست في م.!

يُقَالُ لَهُ عقبة بْن عازب فِي ألف، وسار أَبُو الأسد أيضًا معهم، فَلَمَّا صاروا إِلَى واسط تسلم عاملها عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي ثُمَّ سلمه إِلَى أَبِي الأسد فأورده الكوفة. وَكَانَ الْمَنْصُور قَدْ وقع فِي الأمان: هَذَا الأمانُ نافذ إِن رأيتُ عَبْد اللَّهِ، فَلَمَّا قدم بِهِ وأتى بابه قَالَ لأبي الأزهر المهلب بْن العبيثر: إِذَا أمرتك بإدخال عَبْد اللَّهِ عَلِي فلا ترني وجهه وأدخله المقصورة، ففعل ذَلِكَ ووكل بِهِ الحرس، فكلمه فِيهِ بنو عَلِي فجعل يَقُول: أقسمتُ عليكم لما لَمْ تكلموني فِيه فَإِنَّهُ أراد أَن يفسد علينا وعليكم أمرنا. ومكث محبوسًا تسع سنين، ثُمَّ حوله من عنده الى عيسى ابن مُوسَى وأمره بقتله خفية، فحبسه وأراد قتله فقال له أبو عون يونس بن فروة الأنباري وَكَانَ كاتبه: إِن قتلته قتلك بِهِ، فأمسك عَنْ قتله. ثُمَّ إِن الْمَنْصُور سَأَلَ عِيسَى بْن مُوسَى عَنْهُ فَقَالَ: قتلتهُ، فأظهر غضبًا وَقَالَ: أتقتل عمي! لأقتلنّك بِهِ. فَقَالَ: إني والله خفت منك فاستبقيته. قَالَ: فادفعه إِلَى المهلب بْن العبيثر، فدفعه إِلَيْهِ فغمَّهُ وجاريةً لَهُ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ جعلها إِلَى جانبه فكأنها تعانقه [1] ثُمَّ عرقب الْبَيْت فسقط عليهما. ودفن عَبْد اللَّهِ ببغداد فِي مقابر أَبِي سُوَيْد بباب الشام بَعْد أَن أدخل عَلَيْهِ ابْن علاثة [2] الْقَاضِي وعدوله فنظروا إِلَيْهِ وَمَا بِهِ كدمه [3] . وبعث الْمَنْصُور إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عياش الهمداني المنتوف أَن أخبرني عَنْ خلفاء ثلاثة أول اسم كُل امرئ مِنْهُم عين قتل رجلًا من أقربية (582) أوّل اسم كُل رَجُل مِنْهُم عين، فَقَالَ: عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر قتل عَمْرو بن الزبير وعبد الملك قتل عمرو ابن سَعِيد بْن العاص وعبد اللَّه بْن عَلِي سقط عليْه الْبَيْت، فَقَالَ الْمَنْصُور: فَإِذَا سقط عَلَيْهِ الْبَيْت فَمَا ذنبي! وَحَدَّثَنِي حَمَّاد بْن بَغْسل الوراق قَالَ: حبس عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي فِي مقصورة مَعَ الْمَنْصُور ووكل بِهِ فَقَالَ لَهُ بنو عَلِي: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ سجنتَ عَبْد اللَّهِ، فَقَالَ إِن أَهْل خراسان متسرعون إِلَيْهِ لما كَانَ منه إليهم ولا آمن أَن يفتكوا بِهِ فَقَدْ بلغني أنهم مجمعون عَلَى ذَلِكَ فجعلته عندي إِلَى أَن أدعو به، فيئس سليمان

_ [1] م: معانقة له. [2] ط: غلانه. وهو محمد بن عبد الله بن علاثة القاضي. انظر كتاب المجروحين من المحدثين لابي حاتم محمد بن حبان بن احمد التميمي ج 2 ص 275 (حيدر آباد الدكن 1973) ، والخطيب البغدادي- تاريخ بغداد ج 12 ص 307، والطبري س 3 ص 462. [3] م: كلمة.

ابن عَلِي منه فمضى إِلَى البصرة فمات فِي سنة [1] اثنتين وأربعين ومائة. قَالَ: وَقَدْ كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر فأسره ابْن ضبارة وبعث بِهِ إِلَى مَرْوَان، فَقَالَ: إِنَّمَا أتيته طالبًا لرفده، فخلى سبيله، فَلَمَّا حاربه قيل لَهُ: هَذَا الرجل الشديد البياض الْحَسَن الوجه المصفر [2] الدقيق الذراعين الفصيح اللهجة الَّذِي كنت أُتيتَ بِهِ فعفوتَ عَنْهُ، فَقَالَ مَرْوَان: رب معروف يخبئ لصَاحبه شرًا [3] . وَكَانَ عَبْد اللَّهِ إِذَا ضحك انقلبت شفته العليا. وَمَاتَ فِي سنة سَبْع وأربعين ومائة وهو ابْن اثنتين وخمسين سنة. قَالُوا: وهدم عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي قصر مَرْوَان بْن مُحَمَّد بحران وَكَانَ أنفق عَلَيْهِ عشرة آلاف ألف درهم [4] . قَالَ رؤبة بْن العجاج [5] فِي عَبْد الله بن علي: يا أيها القائل قولًا أحنفا [6] ... سفاهةٍ من رأيه [7] وصلفا [8] مَا قام عَبْد اللَّهِ إلا أنفا ... خوفًا عَلَى الْإِسْلَام أَن يُستضعفا وَمِنْ صلاحِ الدين أَن يُستخلفا ... أشجع من ليث عرين اغضفا [9] وقال أيضًا: أَن لعبد اللَّه عندي أثرًا ... ونعمًا جزاؤها أَن تشكرا وَقَالَ ابْن شبرمة [10] : أقول لذي [11] مكاشرة وضغن ... سعرتَ الحرب بَيْنَ بَنِي أبيكا

_ [1] «سنة» ليست في ط. [2] ط: الصقر. [3] ط: سرا. [4] انظر المسعودي ج 6 ص 75. [5] ترجمته في الاغاني ج 20 ص 311 وما بعدها. وترد الأبيات في الصولي- اشعار اولاد الخلفاء ص 306. [6] ط: احتفا، وفي اشعار اولاد الخلفاء: أجنفا. [7] اشعار اولاد الخلفاء: قوله. [8] ط: متلفا. [9] الأصل: «اسجع ... اغصفا» والتصويب من اشعار اولاد الخلفاء والبيت فيه: عمّ بعهد ابن أخ تلحّفا ... اشجع من ليث عرين أغضفا [10] انظر الصولي- اشعار اولاد الخلفاء ص 301- 302. [11] ن. م. قل لاخي ...

أمر ولد محمد بن علي بن عبد الله بن العباس

وأورثت [1] الضغائن من بنيهم [2] ... بَنِي أبنائهم وَبَنِي بنيكا (كأنك) [3] قَدْ أصابك سهم حتف ... وأسلمك العداة لأقربيكا وَقَالَ ابْن شبرمة فِي أَبِي مُسْلِم: سما بالجياد وفرسانها ... إِلَى الشام كالأسد الأزور أمر ولد مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس ولد مُحَمَّد بْن عَلِي [4] ، وَهُوَ الْإِمَام، إِبْرَاهِيم الْإِمَام [5] وأمه جان أم ولد، وعبد اللَّه أبا الْعَبَّاس وأمه ريطة الحارثية، وعبد اللَّه أبا جَعْفَر وأمه سلامة بربرية، وموسى لأم ولد، ويقال أَنَّهَا أم إِبْرَاهِيم، وَيَحْيَى بْن مُحَمَّد أمّه أم الحكم بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث من ولد نوفل بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وهو ببّة، والعباس ابن مُحَمَّد لأم ولد، ولُبابَة تزوجها جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن عَلِي، ويقال إنه كَانَ لَهُ دَاوُد وعبيد اللَّه ويعقوب (583) فلم يُعقبوا. فأما إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد فَإِن أباه مُحَمَّد بْن عَلِي قَالَ لميسرة وأبي عكرمة مَوْلَى قريش وغيرهما [6] مِمَّنْ كَانَ مَعَ أَبِي هاشم بْن مُحَمَّد بْن الحنفية، حِينَ عدل أَبُو هاشم إِلَى مُحَمَّد بْن عَلِي فأعلمه أَنَّهُ الْإِمَام: هَذَا ابني ووصيي والإمام بعدي، فبايعوا محمدًا وإبراهيم عَلَى ذَلِكَ. ووجه مُحَمَّد أبا رياح [7] ميسرة مَوْلَى بَنِي أسد إِلَى الكوفة، بمشورة أَبِي هاشم، فصيره صاحبه بِهَا. وَكَانَ أَبُو هاشم قَالَ لَهُ: عليك بالكوفة فَبِها [8] شيعتك وأهل مودتك،

_ [1] ط: اورث، اشعار اولاد الخلفاء: فاورثت. [2] ط: بينهم. [3] الأصل: كأن، والتصويب من اشعار اولاد الخلفاء ص 302. [4] انظر نسب قريش ص 31. [5] الأصل: ابن الامام. [6] ط: غيرهم. [7] في اخبار الدولة العباسية: رباح. انظر ص 188 وص 192، ويرد أحيانا رياح، انظر ص 183، 194، 196 منه. [8] م: فيها.

واجتنب الشام فَلَيْس ببلد يحتمل [1] دعاتك [2] ولا يصلح لَهُمْ، وعليك بخراسان، فوجه إِلَى خراسان رجلًا أمره أَن يدعو إِلَى الرضا من آل مُحَمَّد ولا يسمي أحدًا. ويقال: إِن ميسرة وجهه من الكوفة وَهُوَ مُحَمَّد بْن خُنَيس [3] فأجابه من أجابه فَلَمَّا صاروا سبعين جعل مِنْهُم اثني عشر نقيبًا وَهُمْ: سُلَيْمَان بْن كثير مَوْلَى خزاعة ويكنى أبا عَلِي ويقال هُوَ سُلَيْمَان بْن كثير بْن أمية [4] بْن إِسْمَاعِيلَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن المؤتنف من أنفسهم، وموسى بن كعب التميمي ويكنى أبا عيينة [5] ، وو مالك بْن الهيثم ويكنى أبا نصر [6] ، والقاسم بْن مجاشع التميمي ويكنى أبا حامد [7] ، ولا هز ابن قريط [8] ويكنى أبا النضر، وعيسى بْن أعين ويكنى أبا الحكم [9] ، وعمرو ابن أعين الخزاعي ويكنى أبا حَمْزَةَ [10] ، وقحطبة بْن شبيب الطائي واسمه زِيَاد ويكنى أبا عَبْد الحميد [11] ، وشبل بْن طهمان الرَّبَعي ويكنى أبا اسماعيل [12] ، وعمران بن

_ [1] د: يحمل. [2] ط: دعايك. [3] حنيش. انظر الطبري س 2 ص 1358، وابن الأثير ج 5 ص 53، والبداية والنهاية لابن كثير ج 9 ص 189. [4] في جمهرة النسب: سليمان بن كثير بن امية بن سعد بن عبد الله بن المؤتنف ج 1 لوحة 200 وكذا في جمهرة الأنساب ص 242. وفي اخبار الدولة العباسية ص 216 يكنى «ابو محمد» . وانظر الطبري س 2 ص 1358 وص 1988، ورسائل الجاحظ ج 1 ص 22- 23. [5] انظر اخبار الدولة العباسية ص 216، الطبري س 2 ص 1358 وص 1988، ورسائل الجاحظ ج 1 ص 22- 23، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 80. [6] اخبار الدولة العباسية ص 216، وجمهرة الأنساب ص 236، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 199. [7] في اخبار الدولة العباسية ص 217 «ابو سهل» . انظر المحبر ص 465، وتاريخ الموصل للازدي ص 26، والطبري ص 2 ص 1358، وجمهرة الأنساب ص 214، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 80. [8] في الطبري س 3 ص 1358 ورسائل الجاحظ ج 1 ص 22 وجمهرة انساب العرب ص 214: لاهز بن قريظ. وفي اخبار الدولة العباسية ص 217: لاهز بن قرط وكنيته ابو جعفر. وفي الازدي ص 26: لاهز بن قرط. وفي جمهرة النسب ج 1 لوحة 80: لاهز بن قريط، وفي ابن اعثم الكوفي ج 2 ص 219 ب و 222 ب: لاهز بن قريط. [9] انظر اخبار الدولة العباسية ص 216، والازدي ص 26، والجاحظ- رسائل ج 1 ص 22، والطبري س 2 ص 1358. وفي ابن الأثير ج 5 ص 54: عيسى بن اعين مولى خزاعة. [10] اخبار الدولة العباسية ص 216، الطبري س 2 ص 1358. [11] انظر المحبر ص 465، وتاريخ خليفة بن خياط ص 413، وجمهرة الأنساب ص 404، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 257، واخبار الدولة العباسية ص 216. [12] انظر اخبار الدولة العباسية ص 216، والطبري س 2 ص 1358، والمحبر ص 465، والازدي ص 26. وفي ابن الأثير ج 5 ص 54: شبل بن طهمان ابو علي الهروي مولى لبني حنيفة.

إِسْمَاعِيلَ مَوْلَى آل أَبِي معيط ويكنى أبا النجم [1] ، وخالد بْن إِبْرَاهِيمَ ويكنى أبا دَاوُد [2] ، وطلحة بن رزيق ويكنى أبا مَنْصُور [3] ، وَمِنْهُم من يجعل زِيَاد بْن صَالِح [4] مكان أَبِي النجم عِمْرَانَ بْن إِسْمَاعِيلَ، ويجعل العلاء بْن حُرَيث [5] مكان عِيسَى بْن أعين. فلم يزل الرجل مقيمًا بخراسان حَتَّى توفي بِهَا، فقدم قحطبة وسليمان بْن كثير بْن أمية [6] إِلَى الكوفة فلم يعرفا الامام فأتيا المدينة فسألا محمد ابن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَنِ الْإِمَام فَقَالَ: هُوَ مِنَّا وَهُوَ بالشام، فمضيا إِلَى الشام فلقيا مُحَمَّد بْن عَلِي فذاكراه أمرهم وسألاه [7] أَن يبعث إلي خراسان رجلًا معهما. وكتب إِلَى أَبِي عكرمة الصّادق، واسمُه زِيَاد بْن درهم [8] وَهُوَ بالكوفة، فخرج معهما إِلَى خراسان. ويقال بَل كتب إِلَى ميسرة [9] فِي توجيه [10] رَجُل يثق بِهِ فوجه أبا عكرمة، فَلَمَّا صار بخراسان اكتنى بأبي مُحَمَّد وتسمى ماهان، فلم يزل بِهَا حَتَّى قدم أسد بْن عَبْدِ اللَّهِ أَخُو خالد من عَبْدِ اللَّهِ القسري واليًا عَلَى خراسان من قبل أَخِيهِ وَذَلِكَ فِي أَيَّام هِشَام فسعى إِلَيْهِ جبلة بْن أَبِي رَوّاد، وأسم أَبِي رَوّاد حُسَيْن، بأبي [11] عكرمة وأَصْحَابه فقتل أسد أبا عكرمة وضرب أبا دَاوُد ألفًا، ويقال ثلاثمائة، وأمر بِهِ فضرب عَلَى رأسه حَتَّى عمش، ثُمَّ كلم فيهم ورَشا بعضهم حَتَّى تخلصوا [12] . ومكث مُحَمَّد لا يبعث أحدا سنة، ثُمَّ بعث أبا الْحَسَن كثير بْن سَعْد، فأقام ثَلاث سنين ثُمَّ قدم، فبعث مُحَمَّد بْن علي عمار بن يزداد فتسمى بخداش

_ [1] انظر اخبار الدولة العباسية ص 216. [2] ن. م. ص 216، ورسائل الجاحظ ج 1 ص 22، والازدي ص 26، والمحبر ص 465، والطبري س 2 ص 1988. [3] يرد اسمه طلحة بن زريق في اخبار الدولة العباسية ص 216، والطبري س 2 ص 1358 وص 1988، والمحبر ص 465، والازدي ص 26، ورسائل الجاحظ ج 1 ص 22، ويرد رزيق في طبعة الطبري تحقيق أبي الفضل ابراهيم- دار المعارف ج 6 ص 562 وج 7 ص 110. [4] انظر اخبار الدولة العباسية ص 218. [5] ن. م. ص 216. [6] في الأصل: الحسن. [7] ط: فسألاه. [8] انظر اخبار الدولة العباسية ص 203 وص 191 و 192. [9] ن. م. ص 183 وص 189. [10] ط: توجيهه. [11] ط: يأتي. [12] انظر الطبري س 2 ص 1488.

ابن يَزِيد [1] . ويقال إِن عمارًا هَذَا كَانَ فاخرانيًا من أَهْل الحيرة نصرانيًا ثُمَّ أظهر الْإِسْلَام وصار [2] معلمًا بالكوفة، فَلَمَّا مَاتَ ميسرة صير مُحَمَّد بْن عَلِي بُكَيْر بْن ماهان أبا هاشم مكانه. ويقال: بَل صير سالمًا الأعمى [3] أبا الفضل بالكوفة بوصية ميسرة، وصار بُكَيْر بعده بالكوفة، فوجه بُكَيْر عمارًا هَذَا فغير سنن الْإِمَام وبدل مَا كَانَ فِي سيرة من قبله وحكم بأحكام منكرة مكروهة فوثب بِهِ أَصْحَاب مُحَمَّد بْن عَلِي فقتلوه [4] ، ويقال بَل قتله أسد بْن عَبْدِ اللَّهِ وصلبه. (584) وَكَانَ هِشَام عزل خالدًا فانصرف أسد عَنْ خراسان معزولًا وولى هِشَام الجنيد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن. ثُمَّ ولى هِشَام أشرس بْن عَبْدِ اللَّهِ السلمي ثُمَّ عَاصِم بْن عَبْدِ اللَّهِ الهذلي. ثُمَّ أعيدت خراسان إِلَى خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ فولّاها أسدًا، وَكَانَ لا يظفر بداعية ولا مدعوّ إلا ضرب عنقه وصلبه حتى أخذ سليمان ابن كثير وَمَالِك بْن الهيثم وموسى بْن كعب ولاهز بن قريط وخالد بن ابراهيم وطلحة ابن رزيق فأتي بِهِمْ فَقَالَ: يَا فسقة! ألم اظفر بكم فِي إمرتي الأولى فأعفو عنكم؟ فَقَالُوا: والله مَا نعرف إلّا طاعة أمِير الْمُؤْمِنيِنَ هِشَام وَإِنَّهُ لمكذوب عَلَيْنَا. فدعا بموسى ابن كعب فَقَالَ: يَا ذا الثنايا [5] أعلي تتوثب وَفِي سلطاني تُدغل ثُمَّ تدعو هَذِهِ السفلة إِلَى هَذِهِ الدعوة الضالة! فألجمه بلجام حمار، ويقال بإيوان، ثُمَّ أمر بِهِ فجذِب حَتَّى حطمت أسنانه ثُمَّ أمر بِهِ فرُتم أنفه، وأمر بلاهز فضرب ثلاث مائة سوط وحُبس، ثُمَّ طلب فيهم نَفَرٌ من الأزد وشهدوا لَهُمْ بالبراءة فخلى سبيلهم [6] . وَقَالَ الهيثم بْن عدي: ضرب أبا دَاوُد وَكَانَ معهم. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي قَالَ: لما غَيْر خداش سيرة الْإِمَام ونكب عَنِ الحق قيل خدش خداش الدين، فقال ابو السريّ الأعمى:

_ [1] انظر الطبري س 2 ص 1503، وابن الأثير ج 5 ص 144، وابن كثير ج 9 ص 320. [2] ط: فصار. [3] انظر اخبار الدولة العباسية ص 191 وص 194 وص 205. [4] عن خداش انظر الطبري س 2 ص 1588 وص 1640، والمقدسي- البدء والتاريخ ج 4 ص 61، وابن الأثير ج 5 ص 196- 197. [5] ط: الثينا. [6] انظر الطبري س 2 ص 1586- 8، وابن الأثير ج 5 ص 189- 190.

وخداش المحلّ إذا خدش الدي ... ن وأوفي بدعوة الضلال دانَ بالرفض والتخرم [1] حينًا ... وبقتل النِّسَاء والأطفال أيُّ شيءٍ يكونُ أعجبُ من ذا ... أزرقي ورافضٌ فِي حال وشخص بُكَيْر إِلَى خراسان فأصلح مَا كَانَ خداش أفسده ورد النَّاس إِلَى أمر الْإِمَام وسنته [2] . قَالُوا: واحتُضر بُكَيْر فأوصى إِلَى سُلَيْمَان بْن حَفْص أَبِي سلمة الداعية مَوْلَى همدان [3] وَهُوَ صهره وَكَانَ صيرفيًا ويقال خلالًا، وكتب إِلَى مُحَمَّد بْن عَلِي الْإِمَام باستخلافه إياه لرضاه مذهبه ونيته ونصيحته فكتب إِلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَلِي بالقيام بِمَا كَانَ بُكَيْر بْن ماهان يقوم [4] بِهِ، وَكَانَ سُلَيْمَان بْن كثير القائم بأمر خراسان. وَمَاتَ أسد بخراسان فولى خَالِد أمرها جَعْفَر بْن حنظلة البهراني ثُمَّ عزل خَالِد عَنِ العراق ووليه يُوسُف بْن عُمَر فولى هِشَام خراسان نصر بْن سيار وأمره بمكاتبة يُوسُف ومعاملته. وقدم عَلَى الْإِمَام مُحَمَّد بْن علي سليمان بن كثير ولاهز بن قريط وقحطبة بْن شبيب فِي رجالٍ آخرين ومعهم أَمْوَالٌ وكسًى فأوصلوا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: مَا أظنكم تلقوني بَعْد عامي هَذَا فَإِن حدث بي حدث فصاحبكم ابراهيم ابن مُحَمَّد وأنا أوصيكم بِهِ خيرًا فَقَدْ أوصيته بكم [5] . وَمَاتَ مُحَمَّد بْن عَلِي فصار الأمر إِلَى إِبْرَاهِيم الْإِمَام. وَكَانَ أَبُو مُسْلِم عَبْد الرَّحْمَن بْن مُسْلِم من أَهْل ضياع بَنِي معقل الْعِجْلِيين بأصبهان أَوْ غيرها من الجبل، وَكَانَ يسمى إِبْرَاهِيم بْن حيكان [6] وإنما سماه عَبْد الرَّحْمَن وكناه أبا مُسْلِم إبراهيمُ الْإِمَام [7] . وكان ادريس وعيسى

_ [1] الأصل: التحرم، وهو سهو والاشارة الى مذهب الحرمية. [2] انظر اخبار الدولة العباسية ص 208 وما بعدها وخاصة ص 212- 213، وابن الأثير ج 5 ص 218- 219، وابن كثير ج 9 ص 326. [3] اخبار الدولة العباسية ص 191 وص 248- 250، وفي العيون والحدائق ج 3 ص 181: مولى الحارث بن كعب. [4] انظر الطبري س 2 ص 1916- 1917. [5] انظر الطبري س 2 ص 1769، واخبار الدولة العباسية ص 237. [6] في د: جيّكان، وفي اخبار الدولة العباسية ص 255: ختكان. [7] ترد هذه الرواية في ابن الأثير ج 5 ص 255 مع اختلاف واحد، إذ يقول: «كان اسمه ابراهيم ويلقب حيكان» .

ابنا معقل محبوسين بالكوفة مَعَ قوم حبسهم يُوسُف بْن عُمَر من أَهْل الجبل بسبب الخراج، فكان أَبُو مُسْلِم يخدمهما ويقضي حوائجهما وَهُوَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَبِي مُوسَى السراج صاحبه يخرز الأعنَّة ويعمل السروج وَلَهُ بضاعة في الادم. وكان [1] عاصم ابن يُونُس الْعِجْلِيُّ محبوسًا بسبب فسادٍ فكان يخدمه أيضا وكان شيعيا. فقدم سليمان ابن كثير ولاهز وقحطبة الكوفة يريدون الحج، فدخلوا عَلَى عَاصِم مسلمين فرأوا أبا مُسْلِم عنده فأعجبهم عقله وظرفه وأدبه وشدة نَفْسه وذهابه بِهَا، ومال إليهم فعرف أمرهم فَقَالَ: أنا أصحبكم وأكون معكم، فسألوا أبا مُوسَى (585) السراج أَن يعينهم بِهِ وَكَانَ من كبار الشيعة، ففعل وكتب مَعَهُ كتابًا إِلَى إِبْرَاهِيم الْإِمَام وَقَدْ كَانَ علم أَن إِبْرَاهِيم عَلَى الحج فِي سنته وأن الْقَوْم واعدوه الالتقاء بمكة. فشخص أَبُو مُسْلِم معهم ووجدوا إِبْرَاهِيم بمكة فأعطوه عشرين ألف دِينَار ومائتي ألف درهم وأوصلوا إِلَيْهِ كسًى حملوها لَهُ، ورأى إِبْرَاهِيم الْإِمَام فعرفه وأثبته لأنه كَانَ يراه أَيَّام اخْتِلافه إِلَى أَبِيهِ فِي محبسه [2] وتأمل أمره وأخلاقه فأعجبه منطقه ورأيه [3] وجزالته فَقَالَ: هَذَا عضلة من العضل، ومضى بِهِ فكان يخدمه. ثُمَّ إِن هَؤُلاءِ النقباء قدموا عَلَى إِبْرَاهِيم يطلبون رجلًا يتوجه معهم إِلَى خراسان، فعرض عَلَى سُلَيْمَان بْن كثير أَن يَكُون ذَلِكَ الرجل فأبى وعرض مثل ذَلِكَ عَلَى قحطبة فأبى فأراد توجيه رَجُل من أَهْل بيته فكره ذَلِكَ وذكر أبا مسلم فأطرياه ووصفا عقله وعلمه بِمَا [4] يَأْتِي ويذر، فاستخار اللَّه ووجهه إِلَى خراسان [5] فنزل عَلَى سُلَيْمَان بْن كثير فكان والشيعة جميعًا لَهُ مُكرمين مبجلين سامعين مطيعين وجعل أمرهم ينمو حَتَّى كَانَ منه مَا كَانَ [6] . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الصمد بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ الْإِمَام قَالَ: كَانَ أَبُو مُسْلِم لبعض أَهْل هراة أَو بوشنج فقدم مولاه على الإمام وقدم به معه فأعجبه عقله فابتاعه منه بألفين وعشرين درهمًا وأعتقه ومكث عنده سنين ثُمَّ وجهه إِلَى خراسان.

_ [1] يرد مضمون هذه الرواية في ابن الأثير ج 5 ص 255. [2] م: مجلسه. [3] كلمة «رأيه» ليست في م. [4] ط: كما. [5] انظر هذا الخبر في اخبار الدولة العباسية ص 255- 6، وانظر الطبري س 2 ص 1937، والازدي ص 52، وابن اعثم ج 2 ص 219 ب- 220 ا، وابن الأثير ج 5 ص 347- 8. [6] انظر ابن خلكان- وفيات ج 3 ص 146- 7.

وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيِّ: كَانَ أَبُوهُ من خول آل معقل فأُسلم إِلَى أَبِي مُوسَى السراج فكان [1] مَعَهُ، وقدم أَبُو مُوسَى الكوفة [2] فبينا أَبُو مُسْلِم يخرز شيئًا فِي يده إذ رَأَى النَّاس يتعادون، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قالوا: ها هنا فيل ينظر النَّاس إِلَيْهِ، فَقَالَ: وأي عجب فِي الفيل؟ إِنَّمَا العجب أَن تروني وَقَدْ قلبت دولة وقمت بدولة. وَقَالَ غَيْر ابْن الْكَلْبِيِّ: كَانَتْ أُمُّه أمَةً لبني معقل وَكَانَ أَبُوهُ من أَهْل ضياعهم فأتى الكوفة معهم فابتيع للإمام. وذكر بَعْضهم أَنَّهُ من أَهْل أصبهان وأن رجلًا من ضبة اختدعه وَهُوَ صبي فأقدمه الكوفة. وقيل أيضًا إِن أَبَاهُ كَانَ من أَهْل بابل أَوْ خطرنية [3] وكيلًا للعجليين وَكَانَ اسمه زاذان بْن بنداد هرمز وأمه وشيكة [4] فقدم العراق مَعَ عِيسَى بْن معقل فكان يخدمه فِي سجن الكوفة ويسمع قَوْل الشيعة [5] فمال إليهم. وقوم يزعمون أَنَّهُ كَانَ يسمى إِبْرَاهِيم وَكَانَ يُقَالُ لأبيه عُثْمَان [6] وأنه من ولد كسرى وأن الْإِمَام كَانَ يبعثه إِلَى خراسان. وذكر بَعْض ولد قحطبة أَنَّهُ كَانَ عبدًا للعجليين فأسلموه إِلَى أَبِي مُوسَى فتعلم منه السراجة فابتيع للإمام بسبع مائة درهم وأهدي إِلَيْهِ وإن اللذين أهدياه سليمان بن كثير ولاهز بن قريط. وَحَدَّثَنَا الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شهاب بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ أَبُو مُسْلِم يختلف إِلَى خراسان يبعثه الإمام بكتبه إِلَى سُلَيْمَان بْن كثير فيشخص [7] عَلَى حمارٍ لَهُ، فَقَالَ خادمٌ لسليمان: لَقَدْ جاءنا مرة فلم نعرض عَلَيْهِ الطعام فلامنا سُلَيْمَان عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ أصغر عندنا من أَن نلتفت اليه.

_ [1] م: وكان. [2] انظر الخطيب البغدادي ج 10 ص 207. [3] في ط، د: خطر بنية وفي م: خطرنييه. انظر الطبري س 2 ص 1960 وسهراب- عجائب الأقاليم السبعة ص 125. [4] الأصل: وسيكه، وفي المقدسي- البدء ج 4 ص 93، وابن خلكان- وفيات ج 3 ص 145: وشيكة. كما انها جاءت بعدئذ «وشيكة» ، انظر ص 185. [5] العبارة من «مع عيسى» الى «الشيعة» ليست في د. [6] انظر اخبار الدولة العباسية ص 257، وفي ابن الأثير ج 5 ص 254: «فقيل ... واسمه ابراهيم بن عثمان بن بشار بن سدوس بن جودزده من ولد بزرجمهر» . وانظر ابن خلكان- وفيات ج 3 ص 145. وفي الخطيب البغدادي: ابراهيم بن عثمان بن يسار بن شيدوس بن جودرن من ولد بزرجمهر ج 10 ص 207. [7] م: فشخص.

قَالُوا: ووجه إِبْرَاهِيم أبا مُسْلِم إِلَى خراسان وكتب إِلَى من بِهَا من أوليائه بالسمع والطاعة لَهُ وإلى أَبِي حَفْص سُلَيْمَان بْن سلمة الداعية يعلمه توجيهه إياه [1] ويأمره بإنفاذه إِلَى خراسان، فشخص فنزل عَلَى سُلَيْمَان بْن كثير فكان يجله ويوقره ويعظم أمره، حَتَّى إِذَا ظهر أمر أَبِي مُسْلِم والدعاة بخراسان، وعليها نصر بْن سيار، دس نصر رجلًا استأمن إِلَى أَبِي مُسْلِم [2] وأظهر الدخول مَعَهُ في أمره فعرف أن الذي يكاتبهم ويكاتبونه ويدعون لَهُ إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس، فكتب (586) بِذَلِك إِلَى مَرْوَان بْن مُحَمَّد فكتب مَرْوَان إِلَى الْوَلِيد بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ الملك بن مروان- ومن قَالَ الْوَلِيد بْن مُعَاوِيَة بْن مَرْوَان باطل، لَمْ يكن لمعاوية بْن مَرْوَان ابْن يُقَالُ لَهُ الْوَلِيد- وَهُوَ عامله عَلَى دمشق يأمره أَن يكتب إِلَى عامله عَلَى البلقاء فِي المسير إِلَى كداد والحميمة وأخذ إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَلِي وشدة وثاقًا وحمله إِلَيْهِ فِي خيل كثيفة يحتفظ بِهِ فَإِذَا وافى إِلَى مَا قبله أنفذه إِلَيْهِ مَعَ من يقوم بحفظه وحراسته، فأُتي إِبْرَاهِيم وَهُوَ فِي مَسْجِد القرية فأُخذ وَلُفَّ رأسه وحمل الى دمشق، فأنفذه الوليد ابن مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان، وَكَانَ مَعَهُ عدة من أهله قَدْ شيعوه فيهم عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي وعيسى بْن عَلِي وعيسى بْن مُوسَى، فانصرفوا من حرّان، ووبّخ مروانُ إِبْرَاهِيم حِينَ دَخَلَ إِلَيْهِ فاشتد لسان إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ [3] فيما خاطبه بِهِ، وَقَالَ لَهُ مَرْوَان: أيَرْجو [4] مثلك أَن ينال الخلافة؟ فَقَالَ: رجوتَها وقُلدّتَها وأنت ابْن طريد رَسُول اللَّهِ ولعينه، وكيف لا أرجوها وأنا ابْن عمّه ووليه! وَقَالَ: لَقَدْ علمنا أَن الَّذِي يذكر من بغضك بَنِي هاشم ومن به [5] شرفوا الحق [6] ، فأمر بِهِ [7] إِلَى الحبس فحبس بحران فِي سجنها وفيه عبد الله ابن عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز. ثُمَّ بعث مَرْوَان فِي بَعْض الليالي إِلَى حاجبه صقلاب ومعه عشرون من مواليه خزر وصقالبة وروم إِلَى السجن ومعهم صاحب السجن ففتح لَهُمْ ودخلوا ثُمَّ خرجوا فأصبح إِبْرَاهِيم وعبد اللَّه بْن عُمَر ميتين، فيقال ديست بطونهما،

_ [1] م: اليه. [2] سقط «مسلم» من ط. [3] انظر المسعودي ج 6 ص 70. [4] ط: أترجو. [5] م: له. [6] سقطت كلمة «الحق» من ط. [7] ط: فار به.

ويقال غُمّا، ويقال سُمّا، ويُقال عُصِر مَا تَحْتَ سراويلهما حَتَّى ماتا. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: غُمَّ إِبْرَاهِيم الْإِمَام فِي جراب نورة وغم [1] الآخر بمرفقة [2] فِيهَا ريش. وَكَانَ مهلهل مولاه [3] يَقُول: كنت أخدمه وَهُوَ محبوس بحران وأشتري حوائجه، وَكَانَ شراحيل بْن مُعَاوِيَة بْن هِشَام بْن عَبْدِ الْمَلِك محبوسًا فِي حجرة غَيْر حجرة إِبْرَاهِيم الَّتِي كَانَ محبوسًا فِيهَا، وَكَانَ صديقًا لإِبْرَاهِيم فكانا يتلاطفان ويتهاديان فِي محبسهما فأتي إِبْرَاهِيم بلبن مسموم أَوْ غَيْر لبن وقيل لَهُ: بعث إليك بِهِ أخوك شراحيل، وَلَمْ يكن شراحيل بعث بِهِ، فشربه فتوفي. قَالَ: فأنا الَّذِي صليت عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مَسْعُود الكوفي: بلغني أَن إِبْرَاهِيم أخرج فوضع عَلَى بَاب السجن فأخذه رَجُل من بَنِي سَهْم فكفنه وصلى عَلَيْهِ ودفنه. قَالَ: وبلغني أَن أبا الْعَبَّاس كَانَ أشبه النَّاس بأخيه إِبْرَاهِيم الْإِمَام، فَلَمَّا جاء الرَّسُول لحمل إِبْرَاهِيم وجد إِبْرَاهِيم متغيبًا [4] فأخذ أبا الْعَبَّاس، فَلَمَّا علم إِبْرَاهِيم بأخذه قَالَ: مَا من الْمَوْت مَفَرٌّ ولا لأمر اللَّه مدفع، فخرج فَقَالَ للرسول: أَنَا بغيتك فَخَلِّ عَنْ أَخِي، فحمله. وكان لإبراهيم يوم مات فيما يُقَالُ تسع وأربعون سنة، وَقَالَ بَعْضهم أربع وثلاثون سنة. وهرب أَبُو الْعَبَّاس بَعْد مقتل إِبْرَاهِيم إِلَى الكوفة ومعه أَهْل بيته فأخفاهم أَبُو سلمة الداعية فِي سرداب فِي دار بَنِي أودٍ حَتَّى قدم المسوِّدَة. فكان يُقَالُ: مَا رَأَى النَّاس أبعد همَمًا [5] ولا أكبر نفسًا من قوم خرجوا عَلَى تلك الحال يطلبون الخلافة. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: رَأَى إبراهيم الإمام رجلا من ولد زياد بْن أَبِي سُفْيَان يجر ثيابه، وإن إِبْرَاهِيم لفي محملٍ عَلَى غَيْر وطاءٍ يُؤتى بِهِ مروان، فقال: أطلها فما طول الثياب بنَافِع ... إِذَا كَانَ فرع الوالدين قصيرا وَقَالَ الهيثم: لما وقعت العصبية بخراسان وتحرك أمر الدعاة كتب إِبْرَاهِيم الْإِمَام إِلَى أَبِي مسلم [6] :

_ [1] انظر اخبار الدولة العباسية ص 392- 3، والمسعودي ج 6 ص 71- 2. [2] ط: برقعة. [3] انظر اخبار الدولة العباسية ص 395- 6، والطبري س 2 ص 43- 44. [4] ط: متعنيا نقيبا. [5] ط: هما. [6] ابن اعثم- فتوح (مخطوط) ج 2 ص 220 آ، المسعودي- مروج ج 6 ص 72.

دونك أمر [1] قَدْ بدت [2] أشراطه ... وريشت من نبله مراطه [3] (587) إِن الهدى [4] لواضح صراطه [5] ... لَمْ يبق إلا السَيْف واختراطه إِن السبيل واضح صراطه [6] حَدَّثَنِي دَاوُد بْن عَبْدِ الحميد قَاضِي الرقة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم الْإِمَام يدعو وَهُوَ فِي حبس مَرْوَان: اللَّهُمَّ رب السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبع ورب العرش العظيم والآيات والذكر الحكيم صل عَلَى نَبيك ونجيبك مُحَمَّد وعلى آله وخلفه، عَلَيْنَا وعلى أَهْل [7] ملتنا ودعوتنا بِمَا ينعش العاثر ويبرئ السقيم ويفك الأسير ويشفى المريض، اللَّهُمَّ العن أَهْل بَيْت اللعنة وأَنزل بِهِمُ النقمة وحقق فيهم الرواية واحصدهم بالسَيْف حصدًا إنك عَلَى كُل شَيْء قدير وبكل شَيْء عليم. وَحَدَّثَنِي دَاوُد عَنْ أَبِيهِ، قَالَ [8] : كَانَ ابراهيم الإمام يصلي في كل يوم خمسائة ركعة وَيَقُول: هَذِهِ صلاة أَبِي وجدي. وَحَدَّثَنِي دَاوُد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَحَين إِبْرَاهِيم غفلةَ من كَانَ وُكّل بِهِ حِينَ حمل فكتب كتابًا إِلَى أَخِيهِ أَبِي الْعَبَّاس ودفعه إِلَى سابق مولاه وأمره أَن يوصله إِلَيْهِ، فَلَمَّا وقف بباب مَرْوَان بحران أسَرَّ إِلَى سابق شيئًا سُئل عَنْهُ سابق بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ: أمرني أَن أقرأ عَلَى [9] أَبِي الْعَبَّاس السَّلام وأعلمه أَنَّهُ وصيه بأمر الْإِمَام مُحَمَّد بْن عَلِي. وكانت نسخة الكتاب. بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم. حفظك اللَّه يَا أَخِي بحفظ أَهْل الْإِيمَان وتولاك بالخير والإحسان. كتابي إليك وَقَدْ وَرَدْتُ حران، والرجل قاتلي لا محالة فَإِذَا أنا هلكت

_ [1] ابن اعثم: امرا. [2] ن. م.: دنا. [3] ن. م.: «وألبنت مرسله امراطه» . ولم يرد هذا الشطر في المسعودي. [4] ط: اهدى. وقد اورد المسعودي وابن اعثم الشطر الأخير محل هذا الشطر. [5] ط: بقراطه. [6] ابن اعثم: مراطه. [7] د: آل. [8] ترد هذه الرواية، نقلا عن البلاذري، في اخبار الدولة العباسية ص 402- 3. [9] ط: الى.

فأنت [1] الْإِمَام الَّذِي يقيم أمرنا ويرعى حرمة أوليائنا و [2] دعاتنا ويُتِم اللَّه بِهِ وعلى يديه مَا أثلنا وأُثّل لنا. فعليك أي أَخِي بتقوى اللَّه وطاعته فِي قولك وفعلك وإصلاح نيتك ليصلح لك عملك، واستوص بأهل دعوتنا وشيعتنا (خيرا) [3] فاحفظ عَبْد الرَّحْمَن أميننا [4] والساعي فِي أمورنا وعرّف أَهْل خراسان مَا توجبه لنا بإيثار [5] طاعتنا، ولا يكونن لَك رأي ولا لأهلنا إلا الشخوص عَنِ الحميمة وكداد إِلَى أوليائنا وشيعتنا بالكوفة مخفين [6] لأشخاصكم مستترين عمن تخافون [7] غيلته لكم وسعيه بكم إِن شاء اللَّه، وأنا [8] أستودعكم اللَّه وحده [9] وأسأله لكم الصنع والكفاية وعليكم السَّلام ورحمة اللَّه وبركاته. وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي الْحَسَن الْمَدَائِنِيِّ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم الْإِمَام جوادًا معطاءً فوفد عَلَيْهِ رجلٌ من الأَنْصَار فأعطاه كُل دِينَار كَانَ عنده، فلقيه رَجُل فحدثه بِمَا أَعْطَاه إِبْرَاهِيم وقال: هو والله كما قال الشاعر: يرى البخل مُرًّا والعطاء كأنما ... يلذ بِهِ عذبًا من الماء [10] باردا قَالُوا: وقدم إِبْرَاهِيم الْإِمَام الْمَدِينَةَ فأتته عجوز من ولد الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فشكت الحاجة، فَقَالَ: نَحْنُ عَلَى سفر وَمَا يحضرنا لَك الكثير ولا نرضى بالقليل فاقبلي بِمَا [11] حضر وتفضلي بالعذر، فأعطاها ناقة لَهُ برحلها وعبدًا ومائة دِينَار. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: كَانَ إِبْرَاهِيم الْإِمَام يَقُول: إنَّا قوم لا نخشو [12] عند السؤال وو لا

_ [1] ط: وأنت. [2] ط: أو. [3] اضافة من اخبار الدولة العباسية. [4] ط: لساننا، وفي اخبار الدولة العباسية: اميننا. [5] في اخبار الدولة العباسية: «ما توجبه له بإيثاره» ، وفي كتاب التاريخ ص 287 ب: ما يوجبه لنا. [6] ط: مخفينا، م: مختفين باشخاصكم. [7] ط: يخافون، وفي اخبار الدولة العباسية: تخافون. [8] ط: إذ. [9] في كتاب التاريخ واخبار الدولة العباسية: «وانا استودعك الله خاصة ومن قبلك (اخبار: قبلكم) من أهلنا عامة» . اخبار ص 403، التاريخ 287 ب. [10] ط: ماء. [11] د: ما. [12] ط: نخسنوا. وخشت النخلة اثمرت الخشو اي الحشف، انظر القاموس المحيط مادة خشي.

نجفو [1] عِنْدَ الاستعطاف. قَالَ: وَكَانَ يَقُول: السخاء من رقة القلب والرحمة أصل كُل حسنة. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ هِشَام بْن الْكَلْبِيِّ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم الْإِمَام يَقُول: الكامل المروءة من حصن دينه، ووصل رحمه واجتنب ما يلام عليه. (588) وحدثنا عَلِي بْن المغيرة الأثرم عَنْ أَبِي عُبَيْدَة، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم الإِمَام يَقُول: سَمِعْتُ أَبِي يقول: لا يزال الرجل يزاد فِي رأيه مَا نصح لمن استشاره. قَالَ: وأنا أقول نُصح المستشير قضاء لحق النعمة فِي صواب الرأي [2] . الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن حَفْص، قَالَ: أتى رَجُل إِبْرَاهِيم الْإِمَام فسأله فأعطاه وكساه وحمله، فَقَالَ: أنتم والله أحق بِهَذَا الْبَيْت مِمَّنْ قيل [3] فِيهِ: زينت أحسابَهم أحلامُهم ... وكذاك الحلم زين للحسب وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأَعْرَابِيِّ، قَالَ: سَأَلَ أَبُو مُسْلِم إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الْإِمَام عَنِ البلاغة فَقَالَ: معرفة الوصل من الفصل وإصابة المعنى واختصار الطريق إِلَى الغاية الَّتِي يريد [4] . قَالُوا: قدم [5] إِبْرَاهِيم المدينة فشكى إِلَيْهِ عبيدٌ مواليهم فابتاعهم وأعتقهم ورَفَدهم، وسأل عَنِ ابْن هَرْمة فَقِيلَ مُستخفٍ من دينٍ عليه، فقضاه عنه، فقال ابن هرمة فيه قصيدته [6] الَّتِي يَقُول فِيهَا. كريم إِذَا مَا أوجب اليوم نائلًا ... عَلَيْهِ جزيلًا بث أضعافه غدا أغرَ كضوء البدر [7] يستمطر الندى ... ويهتز [8] مرتاحًا إِذَا هُوَ أنفدا وأولها: جزى اللَّه إِبْرَاهِيم عَنْ جُل قومه ... رشادًا بكفيه ومن شاء أرشدا

_ [1] ط: تخفوا، م: نخفوا. [2] انظر اخبار الدولة العباسية ص 385. [3] ط: قتل. [4] يرد الخبر في اخبار الدولة العباسية ص 385 نقلا عن البلاذري. [5] د، م: وقدم. [6] انظر الديوان (ن. المعيبد) ص 90- 95، واخبار الدولة العباسية ص 380- 2، وابن عساكر ج 2 ص 289- 290. [7] الديوان: الصبح. [8] اخبار الدولة العباسية ص 380: ويهتاش.

وَقَالَ ابْن هرمة فِي الْإِمَام إِبْرَاهِيم: ناعٍ نعى لي إِبْرَاهِيم قلتُ لَهُ ... شلت يداك وعشت الدهر خزيانا [1] ولا رجعت إِلَى مال ولا ولد ... مَا كنت حيًّا وَمَا سميت إِنْسَانًا تنعي [2] الْإِمَام وخير النَّاس كلهم ... أخنت [3] عَلَيْهِ يد الجعدي مروانا فاستدرج اللَّه مروانا بقدرته [4] ... سبحان مستدرج الجعدي سبحانا فأصبح الْقَوْم [5] لم تطلل دماؤهم ... وَكَانَ حين بَنِي مَرْوَان قَدْ حانا وَقَالَ سديف بْن ميمون [6] : كَيْفَ بالعفو عَنْهُمْ وقديما [7] ... قتلونا [8] وهَتكوا الحرمات قتلوا سبط أَحْمَد لا عفا ... الرَّحْمَن عَنْهُمْ مكفر السيئات [9] أين زَيْد وأين يَحْيَى بْن زَيْد ... يَا لَهَا من مصيبة وتراتِ والإمامُ الَّذِي أصيب بحران ... إمام الهدى ورأسُ الثِّقات وَقَالَ ابْن هرمة، ويقال سديف: قَدْ كنت أحسبني جلدًا فضعضعني ... قبر بحران أمسى عصمة الدين [10]

_ [1] ط: حزنانا، اخبار الدولة العباسية: عريانا. [2] العيون والحدائق ج 3 ص 190: نعى. [3] الأصل: احنت. انظر اخبار الدولة العباسية ص 406، والديوان (ن. المعيبد) ص 225- 7 و (ن. محمد نفاع وحسين عطوان) ص 217، والعيون والحدائق ج 3 ص 190. [4] اخبار الدولة العباسية ص 406: بغرته، العيون والحدائق: لعزته، الديوان ص 227: بقوته. [5] اخبار الدولة العباسية ص 406، والديوان (المعيبد) ص 227: فاعتز بالقوم. [6] ترجمته في الأغاني ج 16 ص 86- 7، وج 4 ص 347 وما بعدها، وفي الشعر والشعراء ص 761، وطبقات ابن المعتزّ ص 37، والعقد الفريد ج 4 ص 485. ووردت الأبيات التالية في الأغاني ج 4 ص 352، وشرح نهج البلاغة ج 7 ص 143، بترتيب مختلف إذ يرد البيت الثاني في الأخير. [7] الأصل: قدما، والتصويب من الأغاني وشرح نهج البلاغة. [8] ن. م.: قتّلوكم. [9] في ن. م.: قتلوا آل احمد لا عفا الذنب لمروان غافر السيئات. [10] الأبيات في اخبار الدولة العباسية ص 405- 6، وترد في الطبري س 3 ص 44، في الديوان (المعيبد) ص 327- 8، (عطوان) ص 221 منسوبة لابن هرمة.

قبر الامام وخير الناس كلهم ... بَيْنَ الصفائح والأحجار والطين قبر الْإِمَام الَّذِي عمّت [1] مصيبته ... وعيّلت كُل ذي وفر [2] ومسكين فلا عفا اللَّه عَنْ مَرْوَان مظلمة ... فَإِنَّهُ كَانَ ملعونًا لملعونِ [3] فولد إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الْإِمَام [4] : عَبْد الْوَهَّاب ومحمدًا وأخوة لهما درجوا، وأم حبيب تزوجها عِيسَى بْن مُوسَى فولدت لَهُ [5] مُوسَى بْن عِيسَى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد. والعقب من ولد إِبْرَاهِيم لعبد الْوَهَّاب، ومحمد الأصغر. وَكَانَ الْمَنْصُور ولي عَبْد الْوَهَّاب بْن إِبْرَاهِيمَ (589) الشام فمات هناك. فولد عَبْد الْوَهَّاب مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْوَهَّاب وأمّه عَائِشَةُ بِنْت سُلَيْمَان بْن عَلِي، فولد مُحَمَّد إِبْرَاهِيم ويكنى أبا إِسْحَاق وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ابْن عَائِشَةَ، نُسِبَ إِلَى جدته، وَكَانَ أَبُوهُ أيضًا ينسب إِلَى أمه عَائِشَةَ. وَكَانَ إِبْرَاهِيم هَذَا أراد الخروج عَلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَأْمُون [6] وبايعه عَلَى ذَلِكَ قومٌ من أَهْل الحضرة ببغداد منهم محمد بن إبراهيم الافريقي وفرح البغواري مَوْلَى أم جَعْفَر بِنْت جَعْفَر بْن الْمَنْصُور، وَمَالِك بْن شاهي الكاتب، ودَبُّوا مَعَهُ فِي أمره، فاطلع الْمَأْمُون عَلَى من كَانَ يسعى لَهُ فحبسه فِي المطبق [7] ببغداد، فأفسد أهله حَتَّى شغبوا فركب الْمَأْمُون ليلًا إِلَى بَاب المطبق فأخرج إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم هَذَا فأمر بضرب عنقه وصلبه فضربت عنقه والمأمون واقفُ وصلب فِي صبيحة تلك الليلة ثُمَّ أنزل من يومه. ووّلّد مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ الْإِمَام عَبْد اللَّهِ، وأمه زينب بِنْت سُلَيْمَان بْن عَلِي، فإليها نُسب الزينبي مُحَمَّد [8] بْن سُلَيْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ الْإِمَام. وَكَانَ الْمَنْصُور ولي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ مَكَّة والمدينة واليمن ثُمَّ ولاه الجزيرة فلما توفي أخوه عَبْد الْوَهَّاب بالشام ولاه الشام مكانه. ولمحمد بن ابراهيم يقول العنبري:

_ [1] اخبار الدولة العباسية: عزّت. [2] ن. م. والديوان والطبري: مال. [3] يرد الشطر الثاني في المصادر السابقة «لكن عفا الله عمن قال آمين» . وانظر شرح نهج البلاغة ج 7 ص 140. [4] انظر جمهرة الأنساب ص 30- 31. [5] سقطت «له» من ط. [6] سقط اسم «المأمون» من ط. [7] زاد في ط: «وولد محمد بن ابراهيم الامام ببغداد» . [8] في جمهرة الأنساب ص 30- 31: عبد الله بن محمد بن سليمان.

وأما عبد الله بن محمد بن علي أبو العباس،

اقضِ عني يَا ابْن عم المصطفى ... أَنَا بالله من الدين وبك [1] من غريم فاحش يقذعُني [2] ... أشوه الوجه لِعرضي منتهك [3] لَيْسَ بالمقلع عني دهرهُ [4] ... حيثْ ما [5] زلت من الأَرْض سلك وَقَالَ: ورَهَن مصحفه: مَا أن عمدت كتاب اللَّه ارهنه ... إلا وَلَمْ يبق هَذَا الدهر لي نشبا فافتكّ طه وياسينًا فانهما ... والسبع من محكم الآيات قَدْ نشبا وَأَمَّا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَلِي أَبُو الْعَبَّاس، فحدثني [6] غَيْر واحد أَنَّهُ لما قتل إِبْرَاهِيم الْإِمَام خرج من الحميمة يريد الكوفة، وَكَانَ أول بَنِي أَبِيهِ خروجًا لخوفه عَلَى نَفْسه لمصير الإمامة إِلَيْهِ، فلقيه عمه دَاوُد بْن عَلِي بدومة الجندل فَقَالَ: يَا ابْن أَخِي أَيْنَ تريد؟ قَالَ: الكوفة، قَالَ: أتأتي الكوفة وشيخ بَنِي مَرْوَان بحران مطل عَلَى العراق في خيل العرب ورجالها! فَقَالَ: يَا عم إِن اللَّه إِذَا أراد أمرًا بلغه، ومن أحبَّ الحياة ذل، وتمثل [7] : وَمَا موتة إِن متُّها غَيْر عاجز ... بعارٍ إِذَا مَا غالت النفس غولها فالتفت دَاوُد إِلَى ابنه مُوسَى، وأمه أم مُوسَى بِنْت عَلِي بْن الْحُسَيْن بْن عَلِي [8] فَقَالَ: صدق ابْن عمك فارجع بنا مَعَهُ نحيا أعزاء أَوْ نموت [9] كرامًا، فلم يزل أَبُو العباس بالكوفة حتى ولي الخلافة.

_ [1] انظر اخبار الدولة العباسية ص 405. [2] ن. م.: واخز يقعدني. [3] ن. م.: ينتهك. [4] ن. م.: يورد هذا الشطر: انا والظل وهو ثالثنا. [5] ن. م.: أينما. [6] ط: حدثني. [7] في اخبار الدولة العباسية ص 411: وتمثّل قول الأعشى. انظر الطبري س 3 ص 24، والمسعودي ج 6 ص 91- 92، وفي ديوان الأعشى: فما ميتة ... ص 177. [8] لم يرد «ابن علي» في ط. [9] الأصل: ونموت. انظر اخبار الدولة العباسية ص 411.

وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ معن بْن يَزِيد الهمداني، قَالَ: كُنَّا نتحدث أَن الجعدي قتيل ابْن الحارثية. قَالُوا: وَكَانَ مِمَّا زاد أمر أَبِي مُسْلِم بخراسان قوة العصبية الَّتِي [1] وقعت بَيْنَ مضر وربيعة واليمن بسبب تقديم نضر بْن سيار الكناني بَنِي تميم وتوليته إياهم [2] وتعصبه عَلَى ربيعة واليمن حَتَّى غضب جُديع بْن سَعِيد ويقال ابْن عَلِي الْأَزْدِيّ المعروف بالكرماني، وإنما قيل لَهُ الكرماني [3] لأنه ولد بجيرفت من كرمان. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيِّ: هُوَ جديع [4] بْن سَعِيد بْن قُبيصة بْن سراق. وكلم نصرًا مرة بَعْد مرة فأغلظ لَهُ حَتَّى أمر بحبسه، وأخرجه غلام لَهُ من مجرى ماء وَهُوَ متسلخ [5] فاجتمعت إِلَيْهِ اليمن وربيعة فلم يزل نصر يحاربه ثُمَّ انفرد بمحاربته الْحَارِث بْن سريج بْن يَزِيد المجاشعي فقتله الْحَارِث، وصلبه نصر وعلق مَعَهُ سمكة، يعيره بعمان وصيد السمك. وقام عليُّ بْن جديع مقام أَبِيهِ فقاتله الْحَارِث فقتل الْحَارِث. ويقال إِن الْحَارِث قاتل جديعًا فقتله [6] جديع ثُمَّ وثبت تميم وفيهم حاتم بْن الْحَارِث بْن سريج فقتلوا جديعًا والله أعلم. وَقَالَ نصر بن سيار للحارث: يا مُدخِل الذُّلّ عَلَى قومه ... بُعْدًا وَسُحْقًا لَك من هالك (590) مَا كَانَت الأزد وأشياعها ... تطمع فِي عَمْرو ولا مَالِك [7] فِي أبيات. وَكَانَ تشاغل [8] نصر فُرصَة [9] لأبي مُسْلِم فقوى أمره حتى أظهر دعوته

_ [1] ط: أن. [2] ط: اياه. [3] «وإنما قيل له الكرماني» سقطت من ط. [4] م: جديع بن قبيصة. ويوجد اختلاف في نسب الكرماني. ففي جمهرة النسب لابن الكلبي يرد: جديع بن علي بن شبيب بن عامر، ج 1 لوحة 13. وانظر الطبري س 2 ص 1858، وتاريخ خليفة بن خياط (ن. اكرم العمري) ص 410، وجمهرة الأنساب ص 381، وابن اعثم (مخطوط) ج 2 ص 217 أ، والعيون والحدائق ج 3 ص 186. [5] انظر الطبري س 2 ص 1861- 2، وابن اعثم (مخطوط) ج 2 ص 217 ب. [6] ط: فقتل. [7] انظر الطبري س 2 ص 1935. [8] زاد في ط: على. [9] ط: قرضة.

وكتب إِلَى دعاته فِي الكور بإظهارها. فَلَمَّا قتل الكرماني قام بأمر عسكره عليُّ ابنه، فأظهر خلع مَرْوَان فانضم إِلَيْهِ خلق. وَكَانَ شَيْبَان بْن عَبْدِ الْعَزِيز الخارجي، وَهُوَ شَيْبَان الصغير، قَدْ صار من سجستان إِلَى خراسان، فكتب إِلَيْهِ الكرماني: إنك ونحن خالعون لمروان، فَصِرْ إليّ لنجتمع عَلَى محاربة أوليائه أولياء الشيطان، فصار إليه فكانا يُحاربان نَصْر بْن سيار. ومال أَبُو مُسْلِم فيما [1] أظهر إِلَى ابْن الكرماني وسلّم عَلَيْهِ بالإمرة وَقَالَ لَهُ: قَدْ قوي أمرك ووهن أمر نصر فابعث عمالك إِلَى النواحي، فكان يبعث بالرجل إِلَى الناحية فِي جَمَاعَة ويبعث أَبُو مُسْلِم إِلَيْهَا مَعَ صاحبه بأضعافها [2] فيدعون إِلَى الرضا من آل مُحَمَّد. ثُمَّ إِن أبا مُسْلِم أنفرد بعسكره وبعث إِلَى نصرٍ وابن الكرماني وشيبان: إني [3] رَجُل أدعو إِلَى الرضا من آل مُحَمَّد ولستُ أعرض لكم ولا أعين منكم أحدًا عَلَى صاحبه. ولما رَأَى نصر قوة أمر أَبِي مُسْلِم بعث إِلَيْهِ [4] يسأله مُوادعته وأن يدخل مرو فقصد لدخولها وزّوى أَصْحَاب ابْن الكرماني وأَصْحَاب نصرٍ عَنْهَا، فدخلها فِي شَهْر ربيع الأَوَّل سنة ثلاثين وَهُوَ يقرأ: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ من أهلها [5] ، فَلَمَّا استولى عَلَيْهَا قَالَ نصر: لا مقام لنا مَعَ مَا أرى من إقبال أمر هَذَا الرجل وإدبار أمرنا، فبعث إِلَى ابْن الكرماني: هَذَا رَجُل يظهر الميل إليك وإنما يريد ختَلْك فصالحِني، فصالحه عَلَى أَن يَكُون أمرهما واحدًا، وإن حاربه أَبُو مُسْلِم رجعا إِلَى ناحية مرو. وَكَانَ أَبُو مُسْلِم يظهر لابن الكرماني إعظامًا وإجلالًا حَتَّى إِذَا ضبط أمر خراسان وغلب أَصْحَابُه ودعاته عَلَيْهَا ومال النَّاس إِلَيْهِ من كُل أوب واشتد حجابه وغلظ أمرُه واستفحل بعث رسُلَه إِلَى نصر بْن سيار وَقَدْ آنسه وبسطه وضمن لَهُ أَن يكف عَنْهُ ويقوم بشأنه عِنْدَ الْإِمَام وأعلمه أَن كتابًا أتاه من عِنْدَ الْإِمَام يعدُه فِيهِ ويُمنيه [6] ويضمن لَهُ الكرامة. وَكَانَ رسله لاهز بن قريط [7] وسليمان بْن كثير وعمران بْن إِسْمَاعِيلَ وَدَاوُد بن كرّاز

_ [1] ط: فما. [2] ط: باضعافه. [3] ط، د: الى. [4] ط: اليهم. [5] سورة القصص (28) ، الآية 15. [6] ط: تمنيه. [7] ط: قريظ.

وقال لَهُمْ: أعلموه أني أريد مشافهته وقراءة كتاب الْإِمَام عَلَيْهِ، فَلَمَّا أتوه تلا لاهز قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ليقتلوك [1] ، فتنبه نصر لما أراد من تحذيره فَقَالَ: أَنَا صائر معكم إِلَى الأمير أَبِي مُسْلِم، ودخل بستانًا لَهُ كَأَنَّهُ يريد أَن يلبس ثيابه ثُمَّ ركب دابته وهرب [2] إِلَى الري فمات [3] بقِسْطانة [4] . وسأل أَبُو مُسْلِم (591) عَنْ نصر وهل أنذره أحد، فَأَخْبَرَه [5] بتلاوة لاهز الآية، فَقَالَ لَهُ: يَا لاهز أعصبية فِي الدين! قوما فاضربا عنقه، فضربت عنق لاهز. ويقال إِن نصرًا سار إِلَى الري فَلَمَّا دخلها مرض فحمل إِلَى ساوة بقرب همذان فمات بِهَا. ووجه أَبُو مُسْلِم إِلَى ابْن الكرماني رُسُله وَقَالَ لَهُمْ: ائتوني بابن الكرماني عَلَى الحال التي [6] تجدونه [7] عليها، فجاءوا به فحبسه. وكان أخوه عثمان [8] بناحية هراة فكتب إِلَى أَبِي دَاوُد فِي أمره، فَقَالَ لَهُ أَبُو دَاوُد: إِن أبا مُسْلِم كتب إلي فِي عبور النهر لأمر ستعْرفُه فَإِذَا عدنا خليتُ مَا بينك وبين مَا وراء النهر وانصرفتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لا يعبرن أحد إلا أَصْحَاب عُثْمَان، فعبروا حَتَّى إِذَا بقي فِي [9] نفر وثب بِهِ فقتله وبعث برأسه إِلَى أَبِي مُسْلِم، فأخرج عليًّا عِنْدَ ذَلِكَ فقتله. وَكَانَ أَبُو مُسْلِم قَدْ وادعَ [10] شَيْبَان إِلَى مدة فوجه إِلَيْهِ جيشًا فواقعوه فكشفوه [11] ، وصار إِلَى ناحية أبيورد وأهلها أول من سَوَّد فكتب أَبُو مُسْلِم إِلَيْهِ أَن بايع للرضا من آل مُحَمَّد حَتَّى لا أعرض لَك [12] ، فبعث إِلَيْهِ: بَل بايعني أَنْتَ. فكتب أَبُو مُسْلِم إِلَى بسام بْن إِبْرَاهِيمَ مولى بني

_ [1] سورة القصص (28) ، آية 28. [2] انظر الخبر في ابن اعثم ج 2 ص 222 ب- 223 آ. [3] ط: الذي مات. [4] ط: فسطاية، د، م: فسطانة. وفي ابن اعثم (مخطوط) ج 2 ص 223 آ: قسطانة ويجعلها على تسعة فراسخ من الري. وانظر ياقوت ج 4 ص 347، ومراصد الاطلاع ج 2 ص 411. [5] ط: فاخبره. [6] ط: الذي. [7] ط: يجدونه. [8] «عثمان» ليس في ط. [9] «في» ليست في م. [10] ط: اودع. [11] ط، د: فكسفوه. [12] «لك» سقطت من ط.

ليث بْن بُكَيْر، وَهُوَ بأبيورد، فِي مناهضته فناهَضَهُ فقتله وأَصْحَابه إلا عدة تفرقوا فِي البلاد، ويُقال بَل صاروا إِلَى نصر قبل هربه [1] . حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود عَنْ أشياخه قَالَ: لما ظهر أبو مسلم بعث نصر إليه عرفجة ابن الورد فَقَالَ: القَهُ فأسأله من هُوَ وَمَا أمره، فأتاه فَقَالَ لَهُ: مَا اسمك؟ فنظر إِلَيْهِ شزرًا. ثُمَّ قَالَ: عَبْد الرَّحْمَن بْن مُسْلِم. فَقَالَ: مِن مَن؟ فنظر إِلَيْهِ حَتَّى قيل سيقتله، ثُمَّ قَالَ: علمُ خبري خير لَكَ من علم نسبي. فَقَالَ أَبُو نُخيلة: نفّستَ عَنْ عرفجة بْن الورد ... غياطلًا من كرب وجهد ثُمَّ إِن عرفجة أتى البصرة وَمَاتَ بِهَا بَعْد حِينَ. قَالُوا: وأتى أبا مُسْلِم قومُ من أَصْحَاب الْحَدِيث فسألوه عَنْ شَيْء من الفقه، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بوقت فتيا، نحن مشاغيل عن هذا ومثله [2] . وحدثني أَبُو مَسْعُود وغيره، قَالَ: لما ظهر أمر أَبِي مُسْلِم كتب نصر بْن سيار بْن رافع بْن جري [3] أحد بَنِي جندع بْن ليث بن بكر بن (عبد) [4] مناة بن كنانة، قَالَ نصر بْن سيار: أبْلِغ ربيعة فِي مروٍ وذا يمن [5] ... أَن اغضبوا [6] قبل ان لا ينفع الغضب ما بالكم تنشبون [7] الحرب بينكم ... كأنّ أَهْل الحجى عَنْ رأيكم [8] غيب

_ [1] م: هروبه. [2] انظر الطبري س 2 ص 1965. [3] جمهرة الأنساب: حريّ، انظر ص 183- 4، وفي جمهرة النسب: جديّ ج 1 لوحة 40. [4] الأصل: عبلة. [5] في اخبار الدولة العباسية ص 313: واخوتهم، وفي الدينوري ص 361- 2 وابن اعثم (مخطوط) ج 2 ص 221 ب: وإخوتها، وفي ابن الأثير ج 5 ص 367- 8: وفي يمن. [6] اخبار الدولة العباسية: ليغضبوا، الدينوري: يغضبوا، ابن اعثم: فليغضبوا. ويضيف ابن اعثم البيت التالي: ولينصبوا الحرب ان القوم قد نصبت ... حربا يحرق من حافاتها حطب [7] اخبار الدولة العباسية: تنصبون، الدينوري وابن اعثم: تلقحون. [8] الدينوري وابن اعثم: فعلكم.

وتتركون عدوًّا قَدْ أحاط بكم [1] ... مِمَّنْ تأشب لا دين ولا حسب [2] لا عُرْب مثلكم [3] فِي النَّاس نعرفهم [4] ... ولا صريح موالٍ [5] إِن هُمُ نُسِبوا من كَانَ يسألني [6] عَنْ أصل دينهم ... فَإِن دينهم أن تهلك [7] العرب قوم يقولون قولًا [8] مَا سمعت بِهِ ... عَنِ النَّبِيّ [9] ولا جاءت بِهِ الكتب [10] قَالُوا: وكتب نصر إِلَى يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة عامل مَرْوَان عَلَى العراق حِينَ ظهرت المسودة: أبلغ يَزِيد [11] وخيرُ القولِ أَصْدَقُه ... وَقَدْ تيقَّنتُ [12] أَن لا خير فِي الكذب بِأن [13] خراسان أرض قَدْ رَأَيْت بِهَا ... بيضا لو افرخ قَدْ حُدِّثت [14] بالعجب وَقَدْ وجدنا فراخًا بَعْد قَدْ كثرت [15] ... لما يَطِرن وَقَدْ سربلن بالزغب إلَّا تُدارك بخيل اللَّه مُعلمة [16] ... ألهبنَ [17] نيران حرب أيّما لهب

_ [1] اخبار الدولة العباسية: اطاف بكم، الدينوري وابن اعثم: اظلكم. [2] في اخبار الدولة العباسية: فأين غاب الحجى والرأي والأدب. [3] ط: منكم. [4] في الدينوري يرد الشطر: ليسوا الى عرب منا فنعرفهم. [5] ن. م.: ولا صميم الموالي، وفي ابن اعثم: ولا صميم الموالي إذ هم نصب، والتحريف واضح. [6] في ن. م.: فمن يكن سائلي. [7] ن. م.: تقتل. [8] ن. م: قوما يدينون دينا. [9] ن. م.: الرسول. [10] يضيف ابن اعثم: ويقسم الخمس من أموالكم اسر (الأصل: اسرا) من العلوج ولا يبقى لكم نشب (الأصل: نسب) وينكحوا فيكم قسرا بناتكم ... لو كان قومي أحرارا لقد غضبوا [11] ابن اعثم (مخطوط) ج 2 ص 220 ب: إليك. [12] ن. م. والمسعودي ح 6 ص 65: تبينت. [13] الأصل وابن الأثير ح 5 ص 366: ان، والتصويب من المسعودي ج 6 ص 66، ابن اعثم: هذي. [14] الأصل: «حدثت» بدل «قد حدثت» والتصويب من المسعودي، ابن اعثم: لو افرخت حدثت. [15] يرد الشطر في ابن اعثم وابن الأثير: فراخ عامين الا انها كبرت. [16] يرد الشطر في المسعودي وابن اعثم: فان يطرن ولم يحتل لهن (ابن اعثم: لعن) بها. [17] المسعودي: يلهبن.

أمر قحطبة

فَقَالَ يَزِيد: لا عَلَيْهِ فَمَا عندي رَجُل واحد أمده بِهِ، وَكَانَ مبغضًا لَهُ مستثقلًا (592) لولايته خراسان. قَالُوا: وكتب نصر إِلَى مَرْوَان يستمده فأمده بنباتة بْن حنظلة الكلابي فقتل بجرجان. وكتب إِلَى مَرْوَان: أرى خلل الرماد وميض [1] جمر ... حرى [2] أَن يَكُون لَهُ ضرام فقلتُ من التعجب ليت شعري [3] ... أأيقاظ أمية أم نيام فإلّا تطفئوه يجرّ حربا [4] ... يكون وقودها قصر [5] وهام [6] وقتل ابْنُ لِنصرٍ فِي العصبية يُقَالُ لَهُ تميم، فَقَالَ نصر: نَأى [7] عني العزاء وكنت جلدا ... لأن أجلي [8] الفوارس عَنْ تميم أمر قحطبة قَالُوا: وجه أَبُو مُسْلِم فِي ذي القعدة سنة ثلاثين ومائة قحطبة بْن شبيب بْن خالد ابن معْدان [9] بْن شمس بْن قَيْس بْن أكلب بْن سَعْد بْن عَمْرو [10] بْن الصامت بْن

_ [1] ط، د: وبيض، محاضرات الأدباء ج 3 ص 177: وميض نار. [2] الاغاني ج 7 ص 55: واحر، ابن اعثم (مخطوط) ج 2 ص 220 ب: احاذر، الحماسة البصرية ومحاضرات الأدباء ج 3 ص 177: ويوشك. [3] «ليت شعري» سقطت من ط، وفي محاضرات الأدباء ج 3 ص 177: اقول من التعجب. [4] ابن اعثم: فان لا تخمدوها تجر حربا، وفي الحماسة، فان لم يطفه عقلاء قوم. [5] في الحماسة البصرية: فان وقوده جثث. [6] انظر الطبري س 2 ص 1973، ابن خلكان ج 3 ص 150، المسعودي- مروج ج 6 ص 62، الدينوري ص 357، العيون والحدائق ج 3 ص 189، اخبار الدولة العباسية ص 304- 5، الحماسة البصرية ج 1 ص 107- 108، ابن الأثير ج 5 ص 365، الاغاني ج 7 ص 55، ابن اعثم (مخطوط) ج 2 ص 220 آ- ب، العقد الفريد ج 1 ص 111. [7] ابن اعثم (مخطوط) ج 2 ص 222 ب: نفى. [8] ن. م.: لاجلاء. وفي اخبار الدولة العباسية ص 326: نأى عني العزاء وكنت جلدا ... نكوب فجائع الحدث العظيم وهمّ اورث الأحشاء وجدا ... لاجلاء الفوارس عن تميم [9] ط: معذان. انظر اخبار الدولة العباسية ص 216، والمحبر ص 465. [10] في جمهرة الأنساب ص 401، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 257: عمرو بن عمرو بن الصامت.

غنم بن مالك بن سَعْد بن نبهان وَهُوَ أسودان بْن عَمْرو بْن الغوث [1] بْن طيّئ إِلَى العراق، ومعه أَبُو غانم عَبْد الحميد بْن رِبْعي بْن خَالِد بْن مَعْدان [2] ، والمسيب بْن زهير بْن عَمْرو بْن حميل [3] الضَّبِّيّ، وعبد الجبار بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ [4] ، وموسى ابن كعب بْن عُيَيْنَة بْن عَائِشَة بْن سري [5] التميمي ثُمَّ أحد امرئ القيس بْن زَيْد مناة بْن تميم، وحية بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن خلدة [6] بْن النطاق من بَنِي العصبة بْن امرئ القيس، وَمَالِك بْن الطواف بْن حضرمي بْن مَالِك بْن كنانة [7] من ولد العصبة أيضًا، والقاسم بْن مجاشع بْن تميم بْن حبيب [8] من ولد عرعرة بْن عادية بْن الْحَارِث بْن امرئ القيس، وأبو عون عَبْد الْمَلِك بْن يَزِيد [9] ، ومُقاتل بْن حَكِيم بْن عَبْدِ الرَّحْمَن العكي [10] وغيرهم، وحمل معهم مالًا عظيمًا لأعطيتهم وكانوا فِي ستين وَفِي ثمانين وَفِي مائة من العطاء [11] . وَكَانَ عَلَى مقدمة قحطبة ابنه الْحَسَن بْن قحطبة، فَلَمَّا وافى جرجان قَالَ [12] : يَا أَهْل خراسان إِن النصر مَعَ الصبر والتنازع فشل وإنكم تقاتلون بقية قوم حرقوا بَيْت اللَّه وكتابه واغتصبوا هَذَا الأمر فانتزوا عَلَيْهِ بغير حق. وَكَانَ مَرْوَان قَدْ أمر ابْن هبيرة أَن يمد نصر بْن سيار بنباته بْن حنظلة أحد بَنِي بَكْر بْن كلاب بْن ربيعة بْن عامر [13] . وَكَانَ نباته قَدْ لقي سليمان ابن حبيب بْن المهلب بْن أَبِي صفرة بالأهواز وسليمان واليها من قبل عَبْد اللَّهِ بْن

_ [1] ط: الغوف. [2] انظر جمهرة الأنساب ص 404، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 257، واخبار الدولة العباسية ص 268. [3] في جمهرة الأنساب: خميل، وقد جاء الاسم مشكولا ومدققا في د: حميل، وهو كذلك في جمهرة النسب ج 1 لوحة 89. وانظر اخبار الدولة العباسية ص 220. [4] جمهرة النسب ج 1 لوحة 217. [5] في جمهرة النسب ج 1 لوحة 80: ابن عائشة بن عمرو بن سري. انظر اخبار الدولة العباسية ص 216، ورسائل الجاحظ ج 1 ص 22. [6] في جمهرة النسب ج 1 لوحة 80: حدره، وانظر اخبار الدولة العباسية ص 217. [7] في جمهرة النسب ج 1 لوحة 80: كباثة. انظر اخبار الدولة العباسية ص 218. [8] انظر جمهرة الأنساب ص 214. [9] اخبار الدولة العباسية ص 219، الطبري س 2 ص 2001. [10] الحلة السيراء ص 89، الطبري س 2 ص 2001 و 2005، واخبار الدولة العباسية ص 218. [11] وفي مائة من العطاء» ليست في م. [12] انظر ابن اعثم (مخطوط) ج 2 ص 223 ب، والطبري س 2 ص 2004- 5، والعيون والحدائق ج 3 ص 192- 3. [13] جمهرة النسب ج 1 لوحة 94.

مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب حِينَ خرج عَبْد اللَّهِ ودعا لنفسه، فهرب منه سُلَيْمَان بَعْد قتال وصار إِلَى فارس، فكتب ابْن هبيرة إِلَيْهِ [1] في المصير [2] الى خراسان مددا لنصر بْن سيار فأتى أصبهان ثُمَّ الري ومضى إِلَى قومس فلم تحمله وأَصْحَابه فصار إِلَى جرجان، وسار قحطبة إِلَيْهِ فالتقيا فِي مستهل ذي الحجة سنة ثلاثين ومائة يَوْم جمعة، وقال قحطبة: هذا يوم يرجى فِيهِ النصر ونزول الرحمة، وجعل يدعو إِلَى الرّضا من آل محمد، ونادى أهلُ خراسان: يَا مُحَمَّد يَا مَنْصُور، ونادي أَهْل الشام: يَا مَرْوَان يَا مَنْصُور، فاقتتلوا طويلًا فقتل نباته بْن حنظلة وانهزم أَهْل الشام أقبح هزيمة، فوضع السَيْف فيهم فقتل مِنْهُم عشرة آلاف ويقال ستة آلاف وبعث قحطبة برأس نباته إِلَى أَبِي مُسْلِم فأمر فطيف بِهِ فِي كور خراسان. وَقَالَ بَعْض شعراء طي: لما رمتنا مُضّرٌ بالقبّ ... قَرضبهم قحطبةٌ القرَضب يدعون مروانَ وأدعو ربي (593) قَالَ الحرمازي: أخبرني علماء من أَهْل خراسان أَن نصر بْن سيار كَانَ يتضجع فِي طريقه حَتَّى قُتل نباته فأتي الري فمرض بِهَا وحمل إِلَى ساوة فمات بِهَا. قَالُوا: وقدم قحطبة الري وكتب إِلَى أَبِي مُسْلِم يستمده فأمده بأبي الجهم ابن عطية [3] مَوْلَى بأهلة فِي سبع مائة، ويقال في الف وسبع مائة. وكان عامر ابن ضبارة المري قَدْ وُجه لمحاربة شَيْبَان الخارجي ففاته ولحق بكرمان فأتى كرمان فأوقع بِهِ واستباح عسكره، فأتى شَيْبَان سجستان ثُمَّ صار إِلَى خراسان. وواقَع عامرٌ عَبْد اللَّهِ [4] بْن مُعَاوِيَة قبل ذَلِكَ بفارس فهزمه، فكتب ابْن هبيرة إِلَيْهِ يأمره بالمسير إِلَى قحطبه ووجه مَعَهُ ابنه دَاوُد بْن يَزِيد بْن هبيرة فسارا فِي خمسين ألفًا حَتَّى نزلا أصبهان وانضم إليهم بِهَا ولد نصر بْن سيار وجماعة من المروانية من أهل خراسان ووافي قحطبة فاقتتلوا، وعلى ميمنة قحطبة خَالِد بْن برمك والعكّي [5] ، وعلى ميسرته

_ [1] «إليه» ليست في ط. [2] ط: المصر. [3] انظر اخبار الدولة العباسية ص 219، والطبري س 2 ص 1853، 1968، 2001. [4] ط: ابن عبد الله. [5] ط، م: العلي.

أَبُو غانم عَبْد الحميد بْن ربعي الطائي ومعه مَالِك بْن الطواف التميمي، وقحطبة يَوْمَئِذٍ فِي اثني عشر ألفًا فلم يلبث أَهْل الشام أَن انهزموا فقتلوا قتلًا ذريعًا وقتل عامر ابن ضبارة، وقتل مساور وقديد ومبشر بنو نصر بن سيار، وخالد بن الحارث ابن سريج المجاشعي وعامر بْن عميرة السمرقندي وَكَانَ مَعَ قحطبة فانقلب إِلَى ابْن ضبارة وبعث برأسه إِلَى أَبِي مُسْلِم مَعَ عِيسَى بْن ماهان مَوْلَى خزاعة فاحتبسه أَبُو مُسْلِم فلم يخرج من خراسان حَتَّى قتله، وهرب دَاوُد بْن يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة إِلَى أَبِيهِ. وَكَانَ مَالِك بْن أدهم بْن محرز الْبَاهِلِيُّ عَلَى الري فَلَمَّا قدمها قحطبة هرب فصار إِلَى نهاوند فأمنه قحطبة وفتح نهاوند، وَقَالَ قوم كَانَ بنو نصر بْن سيار بِهَا فقتلهم، والثبت أنهم قتلوا بأصبهان. وبلغ عامل حلوان وهو عبيد الله ابن الْعَبَّاس الكندي خبر أصبهان ونهاوند فهرب فلم يلق كيدًا. ووجه قحطبة عَبْد الْمَلِك [1] بْن يَزِيد [2] الْأَزْدِيّ أبا عون وَمَالِك بْن الطواف فِي أربعة آلاف إِلَى شهرزور وبها عُثْمَان بْن سُفْيَان وَهُوَ عَلَى مقدمة عَبْد اللَّهِ بْن مَرْوَان بْن مُحَمَّد فناهضا عُثْمَان فقتلاه وَذَلِكَ فِي العشر من [3] سنة إحدى وثلاثين ومائة. وبلغ قحطبة أَن ابْن هبيرة بالدسكرة يريده، فعدلَ إِلَى راذان فعبر القاطول ثُمَّ أتى العلث فعبر فِي السفن ثُمَّ أتى أوانا ثُمَّ الأنبار ثُمَّ مليقيا [4] من الفلوجة. ثُمَّ قدم قحطبة أمامه الْحَسَن بْن قحطبة وَهُوَ يريد الكوفة فواقعه ابْن هبيرة ومعه محمد بن نباتة ابن حنظلة وحوثرة بْن سهيل الْبَاهِلِيُّ فهزمهم أَهْل خراسان وفُقِد قحطبة، فيقال إِن قومًا من الطائيين دلوه عَلَى مخاضة فغرق فِيهَا، ويقال بَل وُجد مقتولًا فدفنه أَبُو الجهم بْن عطية. وكانت الواقعة بفم الزابي من الفلوجة. ويقال: وجد مقتولًا وإلى جانبه حرب بْن سلم بْن أحوز وَقَدِ اختلفا ضربتين فقتل كُل واحد منهما [5] صاحبه. وَقَالَ أحلم بْن إِبْرَاهِيمَ بْن بسام: أَنَا قتلت قحطبة، نظرت اليه واقفا فذكرت

_ [1] الأصل: عبد الله، وقد ورد «عبد الملك» في ص 135، وفي الطبري س 2 ص 2001- 2 وفي اخبار الدولة العباسية ص 220. [2] د: مزيد. [3] ط: في. [4] ط، د: مليتيا. انظر البلاذري- فتوح ص 254. [5] «منهما» ليست في ط ود. انظر العيون والحدائق ج 3 ص 195.

شيئًا كَانَ فِي نفسي عَلَيْهِ فقتلته. ويقال أَنَّهُ سقط من جرف وَقَدِ اعترم بِهِ فرسه فغرق. وَقَالَ سلم مَوْلَى قحطبة: جزنا المخاضة الَّتِي دلنا الطائيون عَلَيْهَا فقاتل ليلًا فوجد فرسه عائرًا فلم يُدْرَ مَا خبره. وزعموا أَن معن بْن زائدة ضرب قحطبة عَلَى حبل عاتقه فأسرع فِيهِ السَيْف وسقط إِلَى الماء فأخرجوه. وَكَانَ قحطبة أوصى إِن حدث بِهِ حدث فالأمير الْحَسَن بْن قحطبة، (594) فبعثوا إِلَيْهِ فردوه من قرية شاهي فبويع، وسار بالناس حَتَّى نزل النُّخيلة وواقع ابْن هبيرة فقتل من أَهْل الشام أَكْثَر من ثلاثة آلاف. وسود مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري بالكوفة وخرج [1] فِي أحد عشر ألفًا فدعا النَّاس إِلَى الرضا من آل مُحَمَّد وضبط الكوفة وهرب عاملها فدخل الْحَسَن بْن قحطبة والناس فِي السواد وسألوا عَنْ أَبِي سلمة وزير آل مُحَمَّد فدلوا عَلَى منزله فَخَرَج إليهم فقدموا إِلَيْهِ دابة من دواب الْحَسَن بْن قحطبة فركبها وجاء حَتَّى وقف بجبانة السبيع فبايعه أَهْل خراسان والناس. ثُمَّ وجه أَبُو سلمة الْحَسَن بْن قحطبة إِلَى ابْن هبيرة، وَقَدْ صار إِلَى واسط، وضم إِلَى الْحَسَن خازمَ بْن خزيمة التميمي والعكي [2] وَزِيَاد بْن مشكان صاحب المشكانية ببغداد وعثمان بْن نوفل وغيرهم، وولى الكوفة مُحَمَّد بْن خَالِد، ووجه حميد بْن قحطبة إِلَى المدائن، ووجه خَالِد بْن برمك والمسيب بْن زهير إِلَى دير قُنى، وبعث يَزِيد بْن حاتم فِي أربع مائة إِلَى عين التمر، وبعث بسام بْن إِبْرَاهِيمَ إِلَى الأهواز وعليها عَبْد الْوَاحِد بْن عُمَر [3] بْن هبيرة فخرج عَنْهَا إِلَى البصرة. واقتتل أَهْل خراسان وأهل الشام بواسط مرات، هُزم أَهْل الشام فيهن كلهن. وجعل محمد ابن خَالِد عَلَى شُرَطِهِ طَلْحَةَ بْن إِسْحَاق الكندي، وَكَانَ قبله عَلَى شرطة زِيَاد بْن صَالِح الحارثي عامل الكوفة من قبل ابْن هبيرة، وكان يقال لزياد أبا الصواعق. 183/ 4 ومدح محمدا بْن خَالِد حويص الأشجعي فلم يرضه فَقَالَ: أرى كُل جار يفيد الغنى ... وجار بجيلة لا يفلح محَضتُ بجيلة حسن الثناء ... فما أحسنوا بي ولا انجحوا

_ [1] «وخرج» ليست في ط. [2] ط: العلي. [3] م: عمرو.

ولو انصرفوني لقالوا ثناه ... عنا فَمَا مثلنا يمدح وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس وأهل بيته بالكوفة قَدْ أخفاهم أَبُو سلمة فِي دار فِي بَنِي أوْدٍ [1] ، فكان إِذَا بعث إِلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس يسأله عن خبرهم عنده يَقُول: لَمْ يأْن ظهوركم بَعْد. فلم يزل قبل ظهوره كَذَلِكَ أربعين ليلة وَهُوَ يريد أَن يَعْدِلَها عَنْهُمْ إِلَى ولد فاطمة، وَكَانَ أَهْل خراسان يسألونه عَنِ الْإِمَام فَيَقُولُ: نَحْنُ نتوقعه وَلَمْ يَأْن لظهوره. ثُمَّ أرسل أَبُو الْعَبَّاس إِلَى أَبِي سلمة: إني عَلَى إتيانك الليلة فَقَدْ عرفت أني صاحب هَذَا الأمر، فَقَالَ لسَلْمٍ مولى قحطبة والأسد بْن المرزبان: إِن رجلًا يأتيني الليلة فَإِن قمتُ وتركته فاقتلوه فَإِنَّهُ يحاول فساد مَا نَحْنُ فِيهِ. فَلَمَّا صار أَبُو الْعَبَّاس إِلَيْهِ ناظره فغضب أَبُو سلمة وأراد القيام فعلق أَبُو الْعَبَّاس بثوبِهِ وضاحكه ثُمَّ خرج فركب وَلَمْ يعرض لَهُ، فَلَمَّا لقي أَهْل بيته حدثهم حَدِيثه وَقَالَ: والله مَا أفلتُّ منه حَتَّى ساعدتُه عَلَى مَا يريد وأنه [2] لعلى صرف الأمر عنا. فَقَالَ دَاوُد بْن عَلِي: الرأي أَن نرجع [3] إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي: اخرج فاعلم النَّاس أنك ها هنا. وخرج صَالِح بْن الهيثم رضيع أَبِي الْعَبَّاس [4] ومعه مَوْلَى لَهُمْ أسود يُقَالُ لَهُ سابق فلقيهما أَبُو حميد السمرقندي فعرفهما لأنه كَانَ يَأْتِي الْإِمَام فَقَالَ لصالح: ألسْتَ رضيع ابْن الحارثية؟ وقال لسابق: ألست مولى الإمام؟ فقالا [5] : بلى، قال: فما تصنعان [6] ههنا! قالا: ابو العباس (595) ابن الحارثية ورجال من أهل بيته بالكوفة مذ كَذَا وكذا. فأتى أَبُو حميد أبا الجهم بْن عطية بهما فصارا معهما إِلَى بَنِي أود فِي جَمَاعَة ثُمَّ دَخَلَ دار الْوَلِيد فَقَالَ: أيكم أَبُو الْعَبَّاس عَبْد اللَّهِ بْن الحارثية؟ فَقَالُوا: هُوَ هَذَا، فسلم عَلَيْهِ أَبُو الجهم بالخلافة ثُمَّ بكى فَقَالَ [7] لَهُ: تركنا ابو سلمة ها هنا وأنتم حضور فلم يعلمكم خبرنا. وبعث أَبُو الجهم إِلَى وجوه النَّاس فأتى عَبْد الحميد بْن ربعي وإبراهيم بْن سلمة وشبيب بن راح، صاحب مربعة

_ [1] في العيون والحدائق ج 3 ص 196: دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني أود. [2] ط: أره. [3] ط: يرجع. [4] انظر اخبار الدولة العباسية ص 318، وانظر العيون والحدائق ج 3 ص 197- 199. [5] ط، د: فقال. [6] ط: يصنعان. [7] م: فقالوا.

شبيب ببغداد فَوْقَ بَاب الشام، فِي جَمَاعَة فسلموا عَلَيْهِ بالخلافة وبايعوه. وبلغ الْخَبَر أبا سلمة فسقط فِي يده، ثُمَّ أتى أبا الْعَبَّاس وسلم [1] عَلَيْهِ بالخلافة [2] ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حميد: عَلَى رغم أنفك يَا ابْن الخلالة، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: مَهْ، وجعل أَبُو سلمة يَقُول: إِنَّمَا أردتُ إظهار أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بَعْد أَن أحكم لَهُ الأمور، ومنع أَبُو الجهم وأَصْحَابه أبا سلمة من الدخول عَلَى أَبِي الْعَبَّاس إلا وَحْدَه. وأتى أَبُو الجهم أَوْ غيره أبا الْعَبَّاس ببرذون أبلق، وأتى أَهْل بيته بدواب، فركب وركبوا وداود ابن عَلِي يسايره وَهُوَ عَنْ [3] يساره، فجعل النَّاس يقولون لداود: هَذَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، وَهُمْ لا يعرفونه، فقصر دُونَ أَبِي الْعَبَّاس حَتَّى عُرف أَنَّهُ الخليفة، وَكَانَ أَبُو الجهم وعبد اللَّه بْن بسام يمشيان بَيْنَ يديه، وأبو سلمة يسير خلفه عَلَى فرس لَهُ والوجوم يتبين فِيهِ. وصار أَبُو الْعَبَّاس إِلَى الْمَسْجِد فصعد المنبر وصعده دَاوُد بْن عَلِي فصار دونه بمرقاة وأمره أَبُو الْعَبَّاس بالكلام فَقَالَ [4] : شكرًا شكرًا شكرًا [5] ، إنا والله مَا خرجنا فيكم لنحفر [6] نهرًا ولا نبني قصرًا ولا نسير سير الجبارين الَّذِينَ ساموكم الخسفَ ومنعوكم النصف، أظَنَّ عدو اللَّه أَن لَنْ يُقدّر [7] عَلَيْهِ؟ أرخي لَهُ فِي زمامه حَتَّى عثر فِي فضل خطامه. ثُمَّ ذكر العرب فاستبطأهم وقرظ أَهْل خراسان، ثُمَّ قَالَ: الآن عادَ الأمرُ إِلَى نصابه، الآن طلعت الشَّمْس من مطلعها، الآن أَخَذَ القوس باريها وصار [8] الأمر إِلَى النزعة، ورجع الحق إِلَى مستقره فِي أَهْل بَيْت نبيكم وورثته [9] أَهْل الرأفة والرحمة، والله لَقَدْ كُنَّا نتوجع لكم ونحن عَلَى فرشنا، أمِنَ الأبيضُ والأسود بأمان اللَّه وذمته وذمة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذمة الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه والله مَا بينكم وبين

_ [1] م: فسلم. [2] زاد م: ثم. [3] ط: على. [4] انظر الطبري س 3 ص 31- 33، وشرح نهج البلاغة ج 7 ص 154- 5، والعيون والحدائق ج 3 ص 200- 201 وبين الروايات اختلاف في التفاصيل. [5] زاد د، م: شكرا. [6] م: لنحتفر. [7] ط: نقدر، وكذا في الطبري س 3 ص 32. وفي شرح نهج البلاغة ج 7 ص 155: يظفر به. [8] ط: فصار. [9] ط: ورثة.

رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خليفة إلّا عَلِي بْن أَبِي طَالِب وأمير الْمُؤْمِنيِنَ، وَمَا بايعتم قط بيعة هِيَ أهدى من بيعتكم هَذِهِ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صالح قَالَ: قَالَ دَاوُد بْن عَلِي فِي خطبته: إِن العرب قَدْ أطبقت عَلَى إنكار حقنا ومعاونة الظالمين من بَنِي أمية حَتَّى أتاح اللَّه لنا بِهَذَا الجند من أَهْل خراسان فأجابوا دعوتنا وتجردوا لنصرنا قَالُوا: ثُمَّ أجلس أَبُو الْعَبَّاس مُوسَى بْن كعب لأخذ البيعة عَلَى النَّاس، وبات أَبُو الْعَبَّاس ليلة الجمعة فِي قصر الكوفة ثُمَّ صلى بالناس يَوْم الجمعة. وَقَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيِّ: وُلِد أَبُو الْعَبَّاس فِي أوّل أَيَّام يَزِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك وظهر بالكوفة عشية يَوْم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شَهْر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وملك أربع سنين وتسعة أشهر، وتوفي يَوْم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وهو ابْن ست وثلاثين سنة. (596) قَالَ ابْن هِشَام: وبعضهم يَقُول ظهر يَوْم الأربعاء بالعشيّ وبويع فِي يومه ويوم الخميس وصلى بالناس يَوْم الجمعة. وَحَدَّثَنِي ابْن القتات عَنِ المفضل الضَّبِّيّ قَالَ: خطب أَبُو الْعَبَّاس بَعْد قيامه بأيام بَيْنَ الكوفة والحيرة فَقَالَ فِي خطبته [1] : والله لأعملنّ اللين حَتَّى لا تنفع [2] إلا الشدة ولأكرمنّ الخاصَّة مَا أمِنتهم عَلَى العامة ولأغمدنّ سَيْفي إلّا أَن يسلَّه الحق ولأعطين حَتَّى لا أرى للعطية موضعًا. إِن أهلَ بيتِ اللعنة كَانُوا عليكم عذابًا، ساموكم الخسف ومنعوكم النصف، وأخذوا الجار منكم بالجار، وسلطوا شراركم عَلَى خياركم، وَقَدْ محا اللَّه جورهم وأزهق باطلهم وأصلح بأهل بيْت نبيه مَا أفسدوا منكم، ونحن متعهدوكم بالأعطية والصدقة والمعروف غَيْر مُجمّرين لكم بعثًا ولا راكبين بكم خطرًا. وَقَالَ ابْن القتات: خطب أَبُو الْعَبَّاس [3] يَوْمَ ظهر فَقَالَ: الحمد لِلَّهِ الَّذِي اصطفى الْإِسْلَام دينًا لنفسه فكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا وأيَّده بنا وجعلنا

_ [1] انظر شرح نهج البلاغة ج 7 ص 156- 7. [2] ط: ينفع. [3] انظر نص الخطبة في شرح نهج البلاغة ج 7 ص 154، والطبري س 3 ص 29- 30، والعيون والحدائق ج 3 ص 199- 200.

أهله وكَهْفهُ وحصْنه والقوّام بِهِ والذابين عَنْهُ والناصرين لَهُ، وألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أحق بها وأهلها [1] (و) [2] خصّنا برحم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرابته، ونسلنا [3] من آبائه وأنشأنا [4] من شجرته واشتقنا من نبعته، وجعله من أنفسُنا [5] فوضعنا من الْإِسْلَام وأهله بالموضع الرفيع وذكرنا [6] فِي كتابه المُّنزل فَقَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت ويطهركم تطهيرا [7] . ثُمَّ جعلنا ورثته وعصبته فزعمت السبئية الضُلّال والمروانيَّةُ الجُهّال أَن غيرنا أحق بالأمر منَّا، فشاهت وجوههم! بمَ ولَم وبنَا [8] هُدي الناسُ بَعْد ضلالهم وبُصِّروا بَعْد جهالتهم وأنقذوا بَعْد هلكتهم، فظهر الحق وأدحض الباطل ورفعت الخسيسة وتممت النقيصة وجُمعت الفُرقة وَذَلِكَ بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قبض اللَّه نبيه قام بالأمر من بعده أَصْحَابُه فحووا مواريثَ الأمم فعدلوا فِيهَا ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها وخرجوا من الدنيا خماصًا، ثُمَّ وثب بنو حرب وبنو مَرْوَان فابتزوها أهلها فجاروا فِيهَا وأساءوا وظلموا فأملى اللَّه لَهُمْ حَتَّى آسفوه فانتقم مِنْهُم بأيدينا وردّ عَلَيْنَا حقّنا وتدارك أمّتنا ووّلي نُصرتنا والقيام بأمرنا كَمَا قَالَ: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين [9] وإني لأرجو أَن يتم [10] لنا مَا افتتح بنا، وسيأتيكم الْعَدْلُ والخير بَعْد الجور والشر وما توفيقنا الا

_ [1] العبارة «والزمنا ... وأهلها» لم ترد في شرح نهج البلاغة. [2] اضافة من الطبري والعيون والحدائق. [3] الطبري والعيون والحدائق: انشأنا. [4] الطبري وشرح النهج والعيون: أنبتنا. [5] يضيف الطبري والعيون والحدائق: عزيزا عليه ما عنتنا، حريصا علينا، بالمؤمنين رءوفا رحيما. [6] ط: ذكر. [7] سورة الأحزاب (33) ، الآية 33. ويضيف الطبري وصاحب العيون والحدائق: وقال: «قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ في القربى» ، وقال: «وانذر عشيرتك الأقربين» ، وقال: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى» ، وقال: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى» فاعلمهم جل ثناؤه فضلنا واوجب عليهم حقنا ومودتنا واجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا وفضلا علينا والله ذو الفضل العظيم. وهناك بعض الاختلاف في التعابير في باقي الخطاب. [8] ط: دينا. [9] سورة القصص (28) ، الآية (5) . [10] ط: تم.

بالله. يَا أَهْل الكوفة إنكم محلّ [1] دُعاتنا وأوليائنا وأهل محبتنا، فأنتم أسعد النَّاس بنا وأكرمهم عَلَيْنَا وَقَدْ زدتكم فِي أعطياتكم مائة مائة، فاستعدوا فَإِنِّي السفّاح المُبيح والثائر المُبير. وَكَانَ مَوْعوكًا فجلس عَلَى المنبر وقام دَاوُد دونه فتكلم. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح قَالَ: كَانَ المُسْتَخفون بالكوفة أَبُو الْعَبَّاس، وأبو جَعْفَر، وَدَاوُد بْن عَلِي، وموسى ابنه، وعيسى، وإسماعيل، وعبد الصمد، وعبد اللَّه، وسليمان، وصالح بْن عَلِي، والعباس بْن مُحَمَّد، وَيَحْيَى بْن مُحَمَّد، وعبد الْوَهَّاب بْن إِبْرَاهِيمَ الْإِمَام، وعيسى بْن مُوسَى، وَيَحْيَى بْن جَعْفَر بْن تمام ابن الْعَبَّاس [2] ، ومحمد بْن جَعْفَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس، وَبَعْض ولد معبد بْن الْعَبَّاس. قَالَ وَحَدَّثَنَا عبثر أَبُو زبيد [3] قَالَ: أقرّ أَبُو سلمة مُحَمَّد بْن خَالِد القسري عَلَى صلاة الكوفة، وولي طَلْحَةُ بْن إِسْحَاق (597) شرطها، فَلَمَّا بويع أَبُو الْعَبَّاس ولي دَاوُد بْن عَلِي الكوفة فأقر طَلْحَةَ عَلَى شُرطها، ثُمَّ صرف دَاوُد وولّاه الحجاز وولّى يَحْيَى بْن جَعْفَر بْن تمام بْن الْعَبَّاس الكوفة، ثُمَّ عزله وولّى عِيسَى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد، قَالَ: فكان الرَّبِيع بْن رُكَيْن أَوْ غيره يختار لعيسى الرجال فيوليهم فَقَالَ خلو بْن خليفة أَوْ غيره: أصبح ديني ودين الرَّبِيع ... عَلَى مثل دين أَبِي مُسْلِم وأصبحت تطلب أَهْل الصلاح ... فهل لَك فِي شاعر مُحرم [4] يُقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ... وَقَدْ حلقَ الرأس بالموسم قَالُوا: وَكَانَ عِيسَى يستشير عَبْد اللَّهِ بْن شبرمة ومحمد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن أَبِي ليلى فيمن يوليه عمله فسميا لَهُ، أَوْ أحدهما، نفرًا فخانوا [5] وكسروا الخراج، فأمر بِهِمْ عِيسَى البطين صاحب استخراجه فحبسوا وعذبوا فقال مساور الوراق [6] :

_ [1] م: ان محلكم. [2] جمهرة النسب ج 1 لوحة 6، جمهرة الأنساب ص 19. [3] م: عنثر ابو زيد. في هامش د: «ابو» مع اشارة خ. انظر ابن حجر- تهذيب ج 5 ص 136، الذهبي- تذكرة الحفاظ ج 5 ص 136. [4] ط: محزم. [5] ط، م: فحابوا. [6] انظر الاغاني ج 18 ص 85 وما بعدها.

رَأَيْت نواهض البقال خيرًا [1] ... من الشبوط والجدي السمين وَأَحْمَد فِي [2] العواقب حِينَ تُبلى ... إِذَا كَانَ المردُّ إِلَى البطين [3] فيا هَذَا [4] اللطيف بقاضيينا ... فكن [5] من علم ذاك عَلَى يقين بأنك [6] طال مَا بهرجت فِيهَا ... بمثل الخنفساء على الجبين وقل لهما إِذَا عرضا لصك [7] ... برئت إِلَى عُرَينة من عرين [8] وحدثني غير واحد أَن عِيسَى تزوج امْرَأَة من آل جَرِير بْن عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: من يحملها إليّ؟ فَقَالَ لَهُ ابْن شبرمة. يحملها أَبُو السمح، وَهُوَ رَجُل كَانَ يدخل فِي أعمال الخراج، فَقَالَ مساور: بينما نَحْنُ نرتجي لأبي السمح ... طساسيج تستر والفراتا إذ أتانا على الزفاف بعهد ... ليته قبل مدة كَانَ ماتا ولقي عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد بْن أنعم عِيسَى فَقَالَ لَهُ: مَا يمنعك من إتياني؟ قال: وَمَا أصنع عندك؟ إِن أدنيتني [9] فتنتني وإن أقصيتني حزنتني، وليس عندك مَا أرجوه ولا عندي مَا أخافك عَلَيْهِ. وَكَانَ عامل عِيسَى على الصدقات الجرّاح ابن مليح وعلى بْيت ماله حميد الرواسي، وَكَانَ ابْن أَبِي ليلى عَلَى قضاء الكوفة وابن شبرمة عَلَى قضاء الحيرة. قَالُوا: لما بويع أَبُو الْعَبَّاس ندب أَهْل بيته إِلَى قتال مَرْوَان فلم ينتدب لَهُ إلا عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي فوجههُ لحربه فكان من أمره ما كان.

_ [1] في الاغاني: وجدت دواهر البقال اهنى من الفرني. [2] ن. م.: وخيرا. [3] ن. م.: بطين. [4] ن. م.: فكن يا ذا. [5] ن. م.: غدا. [6] ن. م.: فإنك. [7] ن. م.: بعهد. [8] الشطر الثاني مقتبس من بيت جرير: عرين من عُرينة لَيس مِنَّا ... برئتُ إِلَى عرينة من عرين. انظر الموشح للمرزباني ص 22. [9] ط: اويتني.

أمر ابن هبيرة ومقتله

أمر ابْن هبيرة ومقتله قَالُوا: ووجه أَبُو سلمة الْحَسَن بْن قحطبة إِلَى ابْن هبيرة وَقَدْ تحصن بواسط فحاصره، وكتب أَبُو سلمة إِلَى أَبِي نصر مَالِك بْن الهيثم [1] وَهُوَ بسجستان من قبل أَبِي مُسْلِم يأمره بالمصير إِلَى البصرة، فَلَمَّا قدمها وجد عَلَيْهَا سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة قَدْ سود بِهَا ودعا إِلَى بَنِي هاشم، فكتب أَبُو سلمة إِلَى نصر [2] يأمره بالمصير إِلَى الْحَسَن بواسط ففعل وواقع الحسنُ ابنَ هبيرة فهزم أَهْل الشام وغرق منه خلق ثُمَّ واقعهم أيضًا فهزمهم ابْن هبيرة، وقاتل عُمَر بْن حَفْص بْن عُثْمَان بْن قَبِيصَة بْن أَبِي صفرة قتالًا شديدًا وثابَ الناسُ فهزم ابْن هبيرة. ثُمَّ إِن أبا الْعَبَّاس رَأَى توجيه أَبِي جَعْفَر الْمَنْصُور إِلَى واسط، وَذَلِكَ أَن قومًا من أَهْل خراسان كَانَ فِي أنفسهم عَلَى الْحَسَن أشياء فكرهوه وسألوا أبا الْعَبَّاس أَن يوجه مكانه رجلًا [3] من أَهْل بيته ليسكنوا [4] إِلَيْهِ ويقاتلوا مَعَهُ، فَلَمَّا قدم الْمَنْصُور واسطًا تحول لَهُ الْحَسَن بْن قحطبة عَنْ مضربه. وكتب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى الْحَسَن: إِنَّمَا وجهتُ أَخِي إِلَى مَا قبلك ليسكن النَّاس إِلَيْهِ (598) ويثق ابْن هبيرة بأمانه إِن طلب الأمان وأنتَ عَلَى أمرك وجيشك والتدبير لَك. ثُمَّ التقوا وأهل الشام فانهزم أَهْل الشام، وثبت معن بْن زائدة الشيباني وَكَانَ مَعَ ابْن هبيرة فقاتل، وترجل أَبُو نصر مَالِك بْن الهيثم ثُمَّ افترقوا. ومكثوا أياما، فخرج معن بْن زائدة ومحمد بْن نباتة بْن حنظلة فقاتلوا أَهْل خراسان فهزموهم إِلَى دجلة، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو نصر: يَا أَهْل خراسان، ويلكم إِلَى أَيْنَ تفرون، إِن الْمَوْت بالسَيْف خيرٌ منه غرقًا، فثابوا وحملوا فهزموا [5] أَهْل الشام، فكانوا عَلَى ذَلِكَ أحد عشر شهرًا. فَلَمَّا طال عَلَيْهِم الحصار وجاءهم قتل مَرْوَان ببوصير، من أرض مصر طلبوا الصلح، وأتاهم إِسْمَاعِيل بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري فَقَالَ: علامَ تقتلون أنفسكم وَقَدْ قتل مَرْوَان! فطلب معن بْن زائدة الأمان فأمنه الْمَنْصُور، ثُمَّ طلب ابْن هبيرة الأمان فأمنه الْمَنْصُور أيضًا، وكتب لَهُ كتابًا، واشترط عَلَيْهِ أَنَّهُ ان نكث او غدر فلا أمان

_ [1] سقط «مالك بن الهيثم» من ط. [2] العبارة بين «وهو بسجستان» الى «نصر» لم ترد الا في م. [3] ط: رجل. [4] ط: ليستكنوا. [5] ط: وهزموا.

لَهُ. وَكَانَ مقيمًا بواسط يغدو ويروح إِلَى الْمَنْصُور فِي جَمَاعَة كثيرة، ويتغدى عنده ويتعشى إذا حضر في وقت غدائه وعشائه، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يدس إِلَى مُحَمَّد ابن عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب وغيره ويهم بالدعاء لآل أَبِي طَالِب وخلع أَبِي الْعَبَّاس، فتيقن أَبُو الْعَبَّاس ذَلِكَ من أمره. وَكَانَ أَبُو مُسْلِم يكتب إِلَيْهِ فيشير عَلَيْهِ بقتله. وَيَقُول: إِن الطريق إِذَا كثرت حجارتهُ فسد، وصعب سلوكه، فكتب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى أَبِي جَعْفَر يأمره بقتل ابْن هبيرة فأبى ذَلِكَ وكرهه للذي أَعْطَاه من الأمان. فكتب إِلَيْهِ: إِن هَذَا الرجل قَدْ غدر ونكث وَهُوَ يريد بنا العظمى. وَمَا لكتاب عَبْد الرَّحْمَن فِيهِ اقتله ولكن لما أبان لي [1] من نكثه وفجوره، فلا تُراجعني فِي أمره فَقَدْ أحل لنا دمه. فأمر المنصور الحسن ابن قحطبة بأن يقتله فأبى فَقَالَ خازم بْن خزيمة: أَنَا أقتله، وساعده عَلَى ذَلِكَ الأغلب بْن سالم التميمي والهيثم بْن شُعْبَة وغيرهما، فداروا فِي القصر ثُمَّ دخلوا عَلَى ابْن هبيرة وعليه قميص مصري وملاءة موردة أَوْ صفراء ومعه ابنه دَاوُد وكاتبه عُمَر بْن أيوب فِي عدة من مواليه، وَكَانَ قَدْ دعا بحجام ليحتجم فَلَمَّا رآهم مقبلين خر ساجدًا فضرب بالسيوف حَتَّى مَاتَ، وقتل ابنه ومن كَانَ مَعَهُ، وأراد عمر ابن أيوب الخروج فقتل، ويقال إنهم جروه برجله حتى انزلوه عن فراشه ثم قتلوه وجاؤوا برأسه ورؤوس من كَانَ مَعَهُ إِلَى الْمَنْصُور. وأخذ عُثْمَان بن نهيك سيف حوثرة ابن سهيل فضرب به عنقه، وفعل بمحمد بْن نباتة مثل ذَلِكَ، وفعل بيحيى بْن حُضين بْن المنذر مثل ذَلِكَ. وَكَانَ معن بْن زائدة الشيباني قَدْ وفد إِلَى أَبِي الْعَبَّاس ببيعة ابْن هبيرة، وأقام بالكوفة، فقتل ابْن هبيرة وَهُوَ بالكوفة فسلم. حَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ: كَانَ ابْن هبيرة إِذَا رَأَى وهنًا وضعفًا من أمره أنشد: والثوب إِن أسرع فِيهِ البلى ... أعيا عَلَى ذي الحيلة الصانع كُنَّا نداريها فَقَدْ مزقت ... واتسع الخرق عَلَى الراقع قَالَ الهيثم: وَكَانَ زِيَاد بْن صَالِح الحارثي مَعَ ابْن هبيرة فكتب اليه أبو [2]

_ [1] م: لي فيه. [2] ط: أبي.

الْعَبَّاس: إِن لَك قرابة وحقًا، وأرغَبَه فخرج إِلَيْهِ، فانكسر ابْن هبيرة وطلب [1] الأمان. قَالَ الهيثم: لما أُومن ابْن هبيرة ونزل بواسط كتب أَبُو مُسْلِم: أَنَّهُ قل طريق سهل فِيهِ حجارة إلا أضرت بأهله، ولا يصلحُ والله لكم أمر دونه [2] ابْن هبيرة فاقتلوه عاجلًا فلست آمنُ أَن يكيدكم، فوجه أَبُو الْعَبَّاس رسولًا إِلَى الْمَنْصُور بكتاب منه يعزم عَلَيْهِ فِيهِ ليقتلنه، [3] فوجه الْمَنْصُور أبا خزيمة والهيثم ابن شُعْبَة والأغلب بْن سالم وسليمان بْن سلام الحاجب فِي جَمَاعَة فدخلوا رحبةَ القصر وأرسلوا إِلَى ابْن هبيرة: إنا نريد حمل مَا فِي الخزائن، فَقَالَ: افعلوا، فدخلوا الخزائنِ فوكلوا بكل بَاب خزانة جَمَاعَة ودخلوا عَلَيْهِ فقتلوه، ونادى منادي الْمَنْصُور: أمِنَ خلق اللَّه إلّا عُمَر بْن ذر والحكم بْن بشر وخالد بْن سلمة المخزومي. وقتل [4] من وجوه أَصْحَاب ابْن هبيرة خمسون رجلًا، ونودي: يَا [5] أَهْل الشام ألحقوا بشامكم فاشهدوا أسماءكم هناك، ووجه إِلَى (المثنى) [6] بْن يَزِيد بْن عُمَر [7] أبا حَمَّاد الأبرص، وَهُوَ ابراهيم ابن حسان، فقتله ويقال إِن دَاوُد بْن عَلِي وجهه. واستخلف أَبُو جَعْفَر بواسط الهيثم بْن زِيَاد الخزاعي وانصرف هُوَ والحسن ومن معهم إِلَى أَبِي الْعَبَّاس. قَالَ أَبُو عَطَاء السندي [8] يرثي ابْن هبيرة [9] : ألا إنّ عينًا لَمْ تجد [10] يَوْمَ واسطٍ ... عليكَ بجاري دمعها لجمودُ عشيَّةَ قام النائحاتُ وصُفِّقت [11] ... جيوب [12] بأيدي مأتمٍ وخدود

_ [1] ط: فطلب. [2] ط: دونه امر. [3] ط: ليقتله. [4] ط: قيل، د: قبل. [5] «يا» ليست في ط. [6] ط، م: المبنى. انظر الطبري س 3 ص 73. [7] ط: عمرو. وهو المثنى بْن يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة. الطبري س 3 ص 73. [8] انظر الاغاني ج 17 ص 245 وما بعدها. [9] انظر الطبري س 3 ص 70، وخزانة الأدب ج 4 ص 167، والشعر والشعراء لابن قتيبة ج 2 ص 653، والعيون والحدائق ج 2 ص 210، وزهر الآداب ج 2 ص 797، وسمط اللآلي ج 1 ص 268، ونتف من شعر ابن عطاء السندي ص 12. [10] ط: يجد. [11] الطبري وخزانة الأدب والشعر والشعراء والعيون والحدائق ونتف من شعره: شققت. [12] الأصل: خدود، والتصويب من المصادر اعلاه.

فَإِن [1] تُمسِ مهجور الفناء فربما ... أقام بِهِ بعد الوفود وفودُ يقولون لا تبعد [2] عَلَى متعهدٍ ... بلى كلُّ من تَحْتَ التراب بعيدُ (599) أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِم بْن المغيرة قَالَ: كنت مَعَ أَبِي أيوب الخوزي فِي عسكر أَبِي جَعْفَر، وَكَانَ لأبي جَعْفَر بَيْت قَدْ بَنِي لَهُ ومضربُه [3] يحيط بِهِ وَكَانَ فِي ستارة المضرب [4] خلل، فكنت أنظر منه فرأيت الْحَسَن بْن قحطبة إِلَى جانب الْمَنْصُور يحدثه، ثُمَّ دعا بحوثرة [5] بْن سهيل فجاء عُثْمَان فأخذ سَيْفه فأراد أَن يتكلم ثُمَّ سكت فأدخل الْبَيْت وأغلق عَلَيْهِ. ثُمَّ خرج سلام صاحب أَبِي جَعْفَر فدعا بمحمد بْن نباتة فصنع به مثل ذلك، ثُمَّ خرج فَقَالَ: أَيْنَ يَحْيَى بْن الحضين [6] ؟ ثُمَّ دُعي ببشر بْن عَبْدِ الْمَلِك بْن بشر، أَوْ قَالَ بالحكم بْن عَبْدِ الْمَلِك، فقام ومعه أخوه أبان فَقَالَ: مَا فرق بيني وبينه شَيْء قط، فَقَالَ لَهُ سلام: اجلس فإنما نفعل مَا نؤمر بِهِ فجلس. ثُمَّ دعا بخالد بْن سنان المري وَكَانَ عَلَى شرطة ابْن هبيرة، ثُمَّ قتل خَالِد بْن سلمة المخزومي وابنه، ثُمَّ قتل حرب بْن قطن الهلالي، ثُمَّ خرج سلام فَقَالَ للناس: انصرفوا. قال مسلم ابن المغيرة: فسألت عُثْمَان بْن نُهيك عَنِ السبعة النفر، فَقَالَ: أما حوثرة فَإِنِّي أدخلت [7] السَيْف بَيْنَ ضلعين من أضلاعه وقلتُ: يَا عدو اللَّه أَنْتَ الكاتب إِلَى مَرْوَان إِن اللَّه مخزيهم، ثُمَّ لَمْ يُرضك إلّا شتمنا! وَلَمْ يكن في القوم اجزع من ابْن نباتة كَانَ يصيح كَمَا يصيح الصبيان عَلَى شجاعته وبأسه. وَأَمَّا خَالِد بْن سنان فَقَالَ: يَا مجوس قتلتمونا غدرًا، والله لَقَدْ قتلنا سيدكم قحطبة. وقتل مَعَ ابْن هبيرة رباح بْن أَبِي عُمَارَةَ مَوْلَى هِشَام، وَكَانَ هِشَام اشتراه بعشرة آلاف فأعتقه، فَلَمَّا جرى الصلح بَيْنَ ابْن هبيرة وبين أَبِي جعفر قال له ابو جعفر:

_ [1] ط: وان. [2] خزانة الأدب والشعر والشعراء والعيون والحدائق ونتف من شعره: فإنك لم تبعد. [3] م: مضربة. والمضرب: الفسطاط. [4] م: المضربة. [5] ط: بحوبرة. [6] انظر الطبري س 2 ص 1445، 1505، 1571. [7] ط: دخلت.

أعربي أم مَوْلَى؟ قَالَ: إِن كَانَت العربية لسانًا فَقَدْ نطقنا بِهَا وإن كَانَتْ دينًا فَقَدْ دخلنا فِيهِ، فاستبرعه [1] فسأل عَنْهُ فَقِيلَ قتل، ويقال إنه أمر أَن يُستبقى فعجل عَلَيْهِ. وهرب ابْن علاثة وَهِشَام بْن هُشَيم بْن صفوان الفزاريان فلُحقا فقتلا عَلَى الفرات. وقتل أَبُو عُثْمَان الحاجب وَهُوَ يتغدى بلحم بقر [2] ، دعا به خازم فضرب وسطه. وقتل الحكم بْن عَبْدِ الْمَلِك أَخُو بشر بْن عَبْدِ الْمَلِك وابنان لَهُ وقيل إنه هرب، وأبو علاثة الفزاري وَكَانَ عَلَى حلوان، ويوسف بْن مُحَمَّد بْن القاسم الثقفي. ودعي بحرب [3] بن قطن فطلب فِيهِ الْحَسَن بْن قحطبة وَقَالَ: خالكم، فَقَالَ أَبُو جَعْفَر: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ (600) كتب [4] يؤمنك لرحمك وحقن دمك. قَالَ بَعْض الرواة: قام سَعْد الْمَوْصِلِيّ، ويقال سَعِيد، خليفة عُثْمَان الحاجب دُونَ ابْن هبيرة فَقَالَ: وراءكم، فضربه الهيثم عَلَى حبل عاتقه فصرعه، وقام دَاوُد دُونَ أَبِيهِ فقتل [5] . قَالُوا: وَكَانَ عُمَر بْن ذر يَقُول: ضاقت عليَّ الأَرْض، فخرجت عَلَى دابتي أقرأ آية الكرسي فَمَا عرض لي أحد فاستأمن لي زياد بن عبيد الله الحارثي فآمنني أَبُو الْعَبَّاس، وَكَانَ عُمَر يقص ويحرض عَلَى المسوِّدة. وَكَانَ أَبُو جَعْفَر قَدْ آمن خالد ابن سلمة، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس، لو كَانَتْ لَهُ ألف نفس لأتيت عَلَيْهِ، فقتله. قَالُوا: وَكَانَ خازم يَقُول: والله مَا بدرت إِلَى قتل ابْن هبيرة إلّا مخافة أَن يُدفع إِلَى رَجُل من اليمانية فيفخر عَلَيْنَا بقتله. وطلب سليمان بن علي الأمان لعقال ابن شبة بْن عقال المجاشعي، فأمنوه فذكر بَنِي الْعَبَّاس ففضلهم وذمّ بَنِي أمية وتنقصهم، وتكلم ثمامة بْن الرحيل الحنفي، وَكَانَ خطيبًا، فَقَالَ: ألا ليت أم الجهم سقيا لذكرها ... ترى حيث قمنا بالفراق مقامي عشية بذ النَّاس جهدي ومنظري ... وبذ كَلام الناطقين كلامي وحُدثت أَن ابْن هبيرة لما بَنِي مدينته هُمْ بأن يسميها الجامعة فقال له سلم

_ [1] د: فاستبرقه، م: استبرحه. [2] «بقر» ليست في م. [3] ط: بحرث. انظر الطبري س 2 ص 1980. [4] ط: كنت. [5] ط: ابنه فقيل.

ابن قُتَيْبَة، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَهُ: أرأيت إِن قيل أَيْنَ الأمير، أيقال فِي الجامعة! فتطير فسماها المحفوظة، فلما قام أَبُو الْعَبَّاس سماها الهاشمية وأتم بناءها. قَالُوا: وَكَانَ يَزِيد سخيًا وَكَانَ يطعم النَّاس طعامًا واسعًا ويؤتون قبل الطعام بعساس اللبن وبأنواع الأشربة. وَكَانَ جلساؤه وسُماره دَاوُد بْن أَبِي هند وابن شبرمه وابن أَبِي ليلى [1] ، فَقَالَ ابْن شبرمه: إِذَا نَحْنُ أعتمنا وماد بنا الكرى ... أتانا باحدى الركعتين عياضُ يعني حاجبه. وَكَانَ يقضي فِي كُل ليلة عشر حوائج فَإِذَا أصبح أنفذها. وَكَانَ رُبَّمَا لحن فِي كلامه، فَقَالَ لَهُ سلم بْن قُتَيْبَة فِي ذَلِكَ فتحفظ. حَدَّثَنَا الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: كتب أَبُو مُسْلِم إِلَى أَبِي الْعَبَّاس: إِن أَهْل الكوفة قد شاركوا شيعة أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فِي الاسم وخالفوهم فِي الفعل، ورأيهم فِي آل عَلِي الرأي الَّذِي يعلمه أمِير الْمُؤْمِنيِنَ يؤتى فسادهم من قبلهم بإغوائهم إياهم وإطماعهم فيما لَيْسَ لَهُمْ، فالحظهم يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بلحظة بوار ولا تؤهلهم لجوارك فليست دارهم لَك بدار [2] ، وأشار عَلَيْهِ أيضًا عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي بنحو من ذَلِكَ، فابتنى مدينته بالأنبار وتحول إِلَيْهَا وبها توفي. وأخذ يومًا بيد عَبْد اللَّهِ بْن حسن فجعل يطوف بِهِ فِيهَا وَكَانَ لَهُ مكرمًا، وَكَانَ ذَلِكَ لا يمنعه من حسد فجعل يتمثل قَوْل الشاعر: أَلَم تَرَ حوشبا أضحى [3] يُبَنّي ... منازل [4] نفعُها لبني بقيلَهْ يؤمَّل أَن يعمر عُمَر نوحٍ ... وأمرُ اللَّه يَأْتِي كُل ليله فتطير أَبُو الْعَبَّاس وَقَالَ: أُفٍّ، لقل مَا يملك الحسود نَفْسه ولسانه، فَقَالَ عَبْد الله: اقلني، فقال: لا أقالني اللَّه إذًا، اخرج عني، فخرج إِلَى الْمَدِينَةِ. ويقال إنه أنشد هَذَا الشعر وَقَدْ طوفه الهاشمية حِينَ استتم بناءها. قَالُوا: واستعمل أَبُو الْعَبَّاس أبا جَعْفَر الْمَنْصُور عَلَى الجزيرة وأرمينية وأذربيجان فِي ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومائة وولي يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِي الموصل، فقدم

_ [1] م: ابن أبي شبرمة وابن ليلى، وهو سهو. [2] العبارة في م: بلحظة جوار ولا ترسلهم بجواري فليست دراهم الي بدار. [3] الطبري س 3 ص 153: أمسى. [4] ن. م.: بيوتا.

أَبُو جَعْفَر قرقيسيا وعليها المنذر بْن الزُّبَيْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن هبار بْن الأَسْوَدِ (601) ابن المطلب بْن أسد بْن عَبْدِ العزي، فدعاه إِلَى الطاعة فأبى فخلّف عَلَيْهَا مَالِك بْن الهيثم فقتل المنذر وصلبه وَذَلِكَ فِي سنة ثَلاث وثلاثين ومائة، وَفِي تلك السنة وُلد عَبْد اللَّهِ بْن مَالِك. ومضى الْمَنْصُور إِلَى الرقة فدعاهم فلم يجيبوه، فخلف عَلَيْهَا مُوسَى بْن كعب ففتحها وغلب عَلَيْهَا، وسار الْمَنْصُور في مدن الجزيرة يصالح من دَخَلَ فِي طاعته ويخلف [1] عَلَى من التوى عَلَيْهِ حَتَّى فتحها، فكان مِمَّنْ صَالِح أَهْل الرها وأهل نصبين وأهل دارا. قَالُوا: وخرج عَلَى أَبِي الْعَبَّاس، والمنصور عامُله عَلَى الجزيرة، قومٌ من الخوارج وأميرهم بَكْر بْن حميد الشيباني، فوجه إليهم محقن بْن غزوان [2] فهزموهم فأتى رأس عين، وبلغ [3] ذَلِكَ أبا جَعْفَر فوجه إليهم مقاتل بْن حَكِيم العكّي [4] وأتبعه أَبُو جَعْفَر من كفرتوثي إِلَى بَعْض قرى دارا فالتقوا فقتل مُحَمَّد بْن سَعِيد خدينة [5] بْن عَبْدِ الْعَزِيز بْن الْحَارِث بْن الحكم بْن أَبِي العاص، وَكَانَ مَعَ الخوارج، وانهزمت الخوارج، واعتصم بَكْر بجبل دارا، فتوجه إِلَيْهِ العكي [6] فقتله. وأمر أَبُو جَعْفَر بهدم مدائن الجزيرة إلا حران [7] ، واستعمل عَلَى أرمينية يزيد بن اسيد ابن زافر السلمي [8] ، ثُمَّ شخص أَبُو جَعْفَر فِي جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة إِلَى أرمينية فدوخها، واستأمَنَ إِلَيْهِ جَمَاعَة كَانُوا فِي قلعة الكلاب، وقفل منها سنة ست وثلاثين ومائة، وعزل يَزِيد بْن أسيد ووَلّى أرمينية الْحَسَن بْن قحطبة. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: وجه أَبُو الْعَبَّاس حِينَ استخلف أبا جَعْفَر فِي ثلاثين من بَنِي هاشم وَالْفُقَهَاء فيهم الْحَجَّاج بْن أرطاة، إِلَى أَبِي مُسْلِم ليهنؤوه بظهور الْإِمَام وَمَا فتح اللَّه عَلَى يديه ويعلموه مَا كَانَ لَهُ من الأثر الجميل عِنْدَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وَالَّذِي هُوَ عَلَيْهِ من شكره، فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَر وقف على بابه محجوبا ساعات. ثم

_ [1] ط: يحلف، م: تخلف. [2] م: عزون. انظر الطبري س 2 ص 1972. [3] م: فبلغ. [4] ط: العلي. [5] م: جذينة. انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 10. [6] ط: العلي. [7] ط: حراز. [8] م: المسلمي. انظر الطبري س 3 ص 81 وص 100.

أذن لَهُ وَلَمْ يُظهر لَهُ من التبجيل مَا كَانَ يستحقه وَلَمْ يؤمره، فحقد عَلَيْهِ، فلما قدم عَلَى أَبِي الْعَبَّاس قَالَ: إنه لا مُلك ولا سلطان حَتَّى تقتل [1] أبا مُسْلِم [2] فَقَدْ أفْرَط فِي الدالة وعدا طَوْره، فأشار إِلَيْهِ أَن أسكت. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ إِسْحَاق بْن عِيسَى بْن عَلِي عَنِ الْمَنْصُور، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح عَنِ الهيثم بْن عدي وغيره قَالَ: أرسل يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة وَهُوَ محصور بواسط إِلَى الْمَنْصُور وَهُوَ بإزائه: إني خارج إليك يَوْم كَذَا وداعيك إِلَى المبارزة فَقَدْ بلغني تجبينك إياي. فكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور: يَا ابْن هبيرة انك امرؤ متعدٍّ لطورك جارٍ فِي عنان غَيّك، يَعدُك [3] الشَّيْطَان مَا اللَّه مُكذّبُه وَيُقَرِّبُ لَك مَا اللَّه مُباعِدهُ، أفصح رُوَيْدًا تَتمَّ الكلمةُ ويَبْلُغ الكتابُ أجلَه وَقَدْ ضريت لي، مثلي ومثلك أَن أسدًا لقي خنزيرًا فَقَالَ الخنزير: قاتلني، فَقَالَ الأسد: إِنَّمَا أَنْتَ خنزير ولست لي بكفؤ ولا نظير، ومتى فعلت الَّذِي دعوتني إِلَيْهِ فقتلتك قيل قتل خنزيرًا، فلم أعتقد بِذَلِك فخرًا ولا ذكرًا وإنْ [4] نالني منك شَيْء كَانَ سُبةً [5] عَلِي وإنْ قَلّ، فَقَالَ: إِن أَنْتَ لَمْ تفعل رجعتُ فأعلمت السباع أنك نَكَلْتَ عني وجبنت عَنْ قتالي، فقال الأسد: احتمال عار كذبك أيسر عَلِي [6] من لَطْخِ شاربي بدمك. وَلَمْ يمكث ابْن هبيرة بَعْد ذَلِكَ إلا أياما حَتَّى طلب الأمان وضرع إِلَيْهِ. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ بَعْض أَهْل خراسان لبعض الفزاريين: مَا كَانَ أَعْظَم رأس صاحبكم! فَقَالَ: أمَانُكم لَهُ كَانَ أَعْظَم. وَقَالَ أَبُو الْحَسَن: حصره أَبُو جَعْفَر تسعة أشهر، ولما قتل أخرج الى باب المضمار بواسط فصبّ النّفط عَلَى جثته وأحرق، وأمر أَبُو جَعْفَر بهدم مدينة واسط. وَقَالَ: حُصر ابْن هبيرة وَمَا فِي رأسه بيضاء فَمَا قتل إلا وقد شاب.

_ [1] ط: يقتل. [2] م: أبا سلمة. [3] ط: بعدك. [4] ط: وان الذي. [5] م: شبة. [6] م: علي ايسر.

قَالُوا: وَكَانَ ابْن هبيرة يَقُول حِينَ حُصر [1] : والله لو كَانَ أَبُو جَعْفَر (602) أعزّ من كليب وائل مَا قدر عَلِي، ولو كَانَ أشجع من شبيب مَا هِبتُه. وَقَالَ الْمَنْصُور لإسحاق بْن مُسْلِم العقيلي: كَيْفَ رَأَيْت صنيعي [2] بابن هبيرة؟ قَالَ: تغرير [3] وَقَدْ سلّم اللَّه، كنت [4] في خرق وحولك [5] من يعطيه ويموت دونه ويتعصب لَهُ من قَيْس وغيرها فلو ثاروا لذهب النَّاس ولكن أمركم جديد والناس بَيْنَ راجٍ وهائب. وَقَالَ هِشَام: خرج ابْن هبيرة حِينَ خرج إِلَى أَبِي جَعْفَر فِي جَمَاعَة فيهم جَعْفَر بْن حنظلة البهراني [6] فألقى لَهُ الحاجب وسادة وَقَالَ: اجلس راشدًا يَا أبا خَالِد، وَقَدْ أطاف بالحجرة عشرة آلاف من أَهْل خراسان، ثُمَّ أذن لَهُ فدخل عَلَى أَبِي جَعْفَر فألقيت لَهُ وسادة فحدث أبا جَعْفَر ساعة. وَكَانَ يركب فِي خمس مائة فارس وثلاث مائة راجل، فَقَالَ يزيد ابن حاتم: مَا ذهب سلطان ابْن هبيرة بعدُ، إنه ليأتينا فيتضعضع لَهُ العسكر، فليت [7] شعري ما يقول في هذا عبد الجبار وجمهور بْن مرار وأشباههم! فَقَالَ سلام لابن هبيرة [8] : يَقُول لَك الأمير لا تسر فِي هَذِهِ الْجَمَاعَةِ. فَلَمَّا ركب ركب فِي ثلاثين، فَقَالَ سلام: كأنك تريد المباهاة! فَقَالَ: إِن أحببتم أَن نمشي إليكم فَعَلنا، فَقَالَ: مَا هَذَا باستخفاف ولكن أَهْل العسكر كرهوا هَذَا الجمع فأمر الأمير بِهَذَا نظرًا لَك، فكان يركب فِي رجلين [9] وغلامه. وختمت خزانته وَبَيْت ماله ودار الرزق وفيها طَعَام كثير. وعزم أَبُو الْعَبَّاس عَلَى قتله ووُجد لَهُ كتاب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن حسن فأمر أَبُو جَعْفَر عُثْمَان بْن نَهيك [10] بقتله فَقَالَ: ليقتله رَجُل من العرب، فندب لَهُ خازمًا [11] والأغلب والهيثم بن شعبة.

_ [1] ط: حصروه. [2] م: صنعي. [3] ط: نفزيز. [4] ط: كتب. [5] م: حوله. [6] ط، م: النهراني. انظر الطبري س 2 ص 1612، وجمهرة الأنساب ص 441، وفي جمهرة النسب انه من بهراء ج 2 ص 328. [7] م: ليت. [8] العبارة من «بعد» الى «لابن هبيرة» لم ترد في ط. [9] ط: رحلين. [10] انظر جمهرة النسب ج 2 لوحة 219، واخبار الدولة العباسية ص 218. [11] م: حازما. انظر ابن الأثير ج 5 ص 441.

أمر أبي سلمة

قَالُوا: وسأل الْمَنْصُور ابْن هبيرة عَنْ أدمٍ كَانَ قسمه، فَقَالَ: أيها الرجل توسّع توسعًا قرشيًا ولا تضق [1] ضيقًا حجازيًا فَمَا مثلي يسأل عَنْ أدم ولا يعاتب عَلَيْهِ، وَهَذَا ضربُ أخماسٍ لأسداس. وَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور يومًا: يَا أبا خَالِد حَدَّثَنَا [2] ، فَقَالَ: والله لأمحضنك النصيحة إمحاضًا ولأخلصنها [3] لَك إخلاصًا، إنّ عهد اللَّه لا يُنكث وعقده لا يُحل وإن أمارتكم حَدِيثه وخلافتكم بَكْر [4] فأذيقوا النَّاس حلاوتها وجنبوهم مرارتها، ثُمَّ نهض ونهض مَعَهُ سبع مائة من القيسية، فَقَالَ الْمَنْصُور: لا يعزّ ملكٌ هَذَا فِيهِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرو [5] الْقُرَشِيّ قَالَ: دَخَلَ ابْن هبيرة عَلَى أَبِي جَعْفَر فجعل يحدثه وأبو جَعْفَر مزْوَرُّ عَنْهُ فجعل ابن هبيرة يقول: عليّ، وأقبل [6] أيها الرجل، فَلَمَّا خرج قَالَ أَبُو جَعْفَر: ألا تعجبون من ابْن اللخناء وقوله لي. حَدَّثَنِي ابْن القتات [7] قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَر لسلم بْن قُتَيْبَة: مَا كلمت عربيًا قط أَعْظَم نخوة من ابْن هبيرة ولا أَحْسَن عقلًا، قَالَ لي يومًا وَهُوَ يكلمني: اسمع لِلَّهِ أبوك، ثُمَّ تداركها فَقَالَ: إِن عهدنا بالإمرة والولاية قريب فلا تلمني [8] فإنها خرجت مني عَلَى غَيْر تقدير فاغفرها، فَقُلْتُ: قَدْ غفرتها. أمر أبي سلمة قال ابن القتّات قال المنصور: دعاني ابو العباس فذاكرني أمر أَبِي سلمة، فَقَالَ: والله مَا أدري لعل الَّذِي كَانَ منه عَنْ رأي أَبِي مُسْلِم وَمَا لَهَا غيرُك، اخرج إِلَى أَبِي مُسْلِم مهنّئًا بِمَا وهب اللَّه لنا وبِنُجْحِ سعيه فيما قام بِهِ من أمرنا وخذ البيعة عَلَيْهِ وأعلمه بِمَا كَانَ من أمر أَبِي سلمة واعِرف رأيه، وعرفه الَّذِي نَحْنُ عليه من شكره ومعرفة حقّه.

_ [1] ط: تضيق. [2] ط: حذينا. [3] ط، د: لأتخلصنها. [4] م: نكر. [5] ط: ابن عمرو. [6] م: فاقبل. [7] ط: الفتات. انظر اخبار الدولة العباسية ص 229. [8] ط: يلمني.

قَالَ: فخرجت إِلَى خراسان ومعي ثلاثون رجلًا منهم إسحاق بن الفضل الهاشمي والحجاج ابن أرطاة وتحن عَلَى وَجَلٍ، فَلَمَّا شَارَفْتُ مرو تلقاني أَبُو مسلم فلما دنا مني نزل وقبّل يدي، فَقُلْتُ: اركب، فركب وقدمت [1] مرو فنزلتُ (603) دارًا ومكث ثلاثة أَيَّام لا يَسألني [2] عَنْ شيء، ثم قال [3] : ما اقدمك يا أبا جعفر؟ وأخبرته [4] ، فَقَالَ: قَدْ تقدمت بيعتي وأخذتها لأمير الْمُؤْمِنيِنَ قبل قدومك عليّ ولكني أماسحك له، فماسحني ثُمَّ قَالَ: أفَعَلها أَبُو سلمة؟ قُلْت: قَدْ فعلها، فَقَالَ: أكفيكموه، ودعا [5] بمرار بْن أَنَس الضَّبِّيّ فَقَالَ: انطلق إِلَى حَفْص بْن سُلَيْمَان بالكوفة فاقتله حيث لقيته [6] . فقدم مرار الكوفة، وَكَانَ أَبُو سلمة يسمر عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاس فقعد له في بَعْض الليالي عَلَى طريقه فَلَمَّا خرج قتله، فَقَالُوا قتلته [7] الخوارج. وَكَانَ أَبُو جَعْفَر يَأْتِي دهليز أَبِي مُسْلِم فيجلس فِيهِ ويستأذن لَهُ الحاجب، ثُمَّ أمره بَعْد ذَلِكَ أن يرفع لَهُ الستور إِذَا جاء ويفتح لَهُ الأبواب. وَحَدَّثَنَا ابْن القتات عَنْ إِسْحَاق بْن عِيسَى قَالَ: أراد أَبُو الْعَبَّاس قتل أَبِي سلمة فَقَالَ لَهُ عمه دَاوُد بْن عَلِي: لا تتولّ قتله فتخبث نفس أَبِي مُسْلِم ويحتج بِذَلِك عليك ولكن أكتب إِلَيْهِ فليوجه من يقتله، ففعل. وَقَالَ أَبُو اللفائف الأسدي [8] : ويح من كَانَ مذ ثلاثون حَوْلًا ... يبتغي [9] حتف نَفْسه غَيْر آل لَمْ يزل ذاك داب كفيه حَتَّى ... عضه حدُّ صارم فِي القذال كاده الهاشمي منه بكيدٍ ... حيلة غَيْر حيلة الخلال وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود عَنِ المفضل [10] الضَّبِّيّ قَالَ: كتب أبو العباس بخطه

_ [1] ط: فقدمت. [2] ط: تسألني. [3] م: قال لي. [4] م: فاخبرته. [5] م: فدعا. [6] انظر العيون والحدائق ج 3 ص 212. [7] «فقالوا قتلته» ساقطة من ط. [8] م: السدّي. [9] ط: تبتغي. [10] م: الفضل.

أَوْ بإملائه إِلَى أَبِي مُسْلِم كتابًا مَعَ أَبِي جَعْفَر حِينَ وجهه إِلَى خراسان: إنه لم يزل من رأي أمير المؤمنين وأهل بيته الإحسان إِلَى المحسن والتجاوز عَنْ المسيء مَا لَمْ يكد دِينًا [1] ، وإن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ وهب جرم حَفْص بْن سُلَيْمَان لَك وترك إساءته لإحسانك إِن أحببتَ ذَلِكَ. فَلَمَّا قرأ أَبُو مُسْلِم الكتاب وجه مرار بْن أَنَس إِلَى الكوفة لقتل حَفْص حيث ثَقِفه، وكتب: انه لا يتم إحسان أحد حَتَّى لا تأخذه [2] في الله لومة لائم وقد قبلت مِنَّةَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وآثرت الانتقام لَهُ، فقتل مرار أبا سلمة غيلةً، فَقِيلَ قتلته [3] الخوارج، وأمر أَبُو الْعَبَّاس أخاه يَحْيَى بْن مُحَمَّد بالصلاة عَلَيْهِ. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: كَانَ أَبُو مُسْلِم يكتب إِلَى أَبِي سلمة: لوزير آل مُحَمَّد من عَبْد الرَّحْمَن بْن مُسْلِم أمين آل مُحَمَّد. فكتب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى أَبِي مُسْلِم يعلمه الَّذِي كَانَ من تدبيره فِي صرف الأمر عَنْهُ ونكث [4] بيعة الْإِمَام، فكتب أَبُو مُسْلِم يشير بقتله، فكتب إِلَيْهِ: أَنْتَ أولى بالحكم فِيهِ فابعث من يقتله، فوجه مرار بْن أَنَس الضَّبِّيّ فلقيه ليلًا فأنزله عَنْ دابته ثُمَّ ضرب عنقه. ثُمَّ جمع [5] أَبُو الجهم بْن عطية، وَكَانَ عينًا لأبي مُسْلِم، يكتب [6] إِلَيْهِ بالأخبار، جميعَ القواد، فَقَالَ: إِن حفصًا كَانَ غاشًا لِلَّهِ ورسوله والأئمة فالعنوه، فلعن. فَقَالَ سُلَيْمَان بْن مهاجر البجلي. إِن الوزير وزير آل مُحَمَّد ... أودى فَمَنْ يشناك كَانَ وزيرا [7] قَالُوا: وَقَالَ الْمَنْصُور حِينَ قتل أَبُو سلمة: دوي العبد وأصاب [8] أمير المؤمنين دواه [9] .

_ [1] م: دنيا. [2] ط، م: يأخذه. [3] ط: قتله. [4] م: نكثه. [5] م: تجمع. [6] ط، د: فكتب. [7] انظر الطبري س 3 ص 60، والعيون والحدائق ج 3 ص 213، والمسعودي ج 6 ص 136 وقد اورد قبله البيت التالي: ان المساءة قد تسر وربما ... كان السرور بما كرهت جديرا [8] م: فأصاب. [9] م: دما.

وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي حِينَ بلغه قتله: كلب أصابه قدر فطاح. قَالَ: وسمع أَبُو الْعَبَّاس الصراخ [1] عَلَى أَبِي سلمة فتمثل قَوْل الشاعر: أفي أَن أحشَّ الحرب فيمن يحشّها ... أُلامُ وَفِي أَن لا أقر المخاويا (604) ألم آلُ نارًا يتقي الناسُ حرّها ... فترهبُني إِن لَمْ تكن لي راجيا وَكَانَ بقاء أَبِي سلمة فِي الدولة ثلاثة أشهر أَوْ أربعة أشهر. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عباد، حَدَّثَنِي رَجُل من ولد جَرِير بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أعطى أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري ضياع أَبِيهِ، فأعطى مُحَمَّد [2] ولد أَخِيهِ [3] يَزِيد نصفها، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس: إنا إِنَّمَا سلّمنا هَذِهِ الضياع إليك لبلائك ومخاطرتك بنفسك وَلَمْ نعطك إياها لتقسمها بينك وبين ورثة أبيك. قَالَ: وَقَالَ قوم إِنَّمَا أَعْطَاه نصف ضياع أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ دَاوُد بْن عَلِي: مَا جزاؤه معما فعل إلا أن تعطيه إياها كملًا، فَقَدْ أحسن وأجمل، فأعطاه جميعها. وقال المدائني: حضر عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي إِسْحَاق بْن مُسْلِم العقيلي بسميساط أو بسروج أو غيرها أَيَّام ولايته لأبي الْعَبَّاس، فَقَالَ: إِن فِي عنقي بيعة فأنا لا أنكثها ولا أزال متمسكًا بِهَا حَتَّى أعلم أن صاحبها قَدْ هلك، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ: إِن مَرْوَان قَدْ [4] قتل، فَلَمَّا تيقن ذَلِكَ طلب الصلح والأمان فأومن وحمل إِلَى أَبِي الْعَبَّاس فكان أثيرًا عنده وعند الْمَنْصُور. وكانوا ينسبونه إِلَى الوفاء وَكَانَ فِيهِ جفاء يُداري لَهُ، فلما خالف عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي أبا جَعْفَر وصار بكار بْن مُسْلِم مَعَهُ فكان أشد النَّاس عَلَى أَهْل [5] خراسان قَالَ أَبُو جَعْفَر: يَا إِسْحَاق ألا تكفينا أخاك! قَالَ: اكفني عمك حَتَّى أكفيك أَخِي، فضحك لقوله. قَالُوا: وَكَانَ أَبُو نخيلة [6] يومًا عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاس وإسحاق بن مسلم حاضر، وذلك

_ [1] م: بالصراخ. [2] الأصل: محمدا. [3] م: اخته. [4] «قد» ليست في ط، د. [5] «اهل» ليست في م. [6] الاغاني ج 20 ص 360 وما بعدها. وانظر هذا الخبر في ص 385- 6، وانظر ابن خرداذبه- المسالك ص 42.

ذكر برد رسول الله صلى الله عليه وآله وقضيبه وقعبه ومخضبه

بَعْد قتل ابْن هبيرة وهدم مدينة واسط وبناء أَبِي الْعَبَّاس مدينته بالأنبار، فأنشده [1] : أصبحت [2] الأنبار دارا تعمر ... وخربت من النفاق أدْوُر حمص وقنسرينها وتدمر ... أَيْنَ أَبُو الورد وأين الكوثر [3] وأين مَرْوَان وأين الأشقر ... وأين أجسادُ رجالٍ قبروا [4] هيهات لا نَصر لمن لا ينصر ... وواسط لَمْ يبق إلا القرقر [5] بِهَا وإلا الديدبان الأخضر ... منازلٌ كَانَتْ بهن العُهر [6] فغضب إِسْحَاق وَقَالَ: والله لَقَدْ سمعته يَقُول فيكم مثل هَذَا القول، فَقَالَ الْمَنْصُور: إِنَّمَا أَنْتَ يَا أبا نخيلة مَعَ كُل ريح، وَكَانَ فِي إِسْحَاق جفاء، وأمر أَبُو الْعَبَّاس لأبي نخيلة بخمسين ألف درهم. وَحَدَّثَنَا الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: جلس أَبُو الْعَبَّاس لِلنَّاسِ ذَات يَوْم، فقام رَجُل فذمَّ أَهْل الشام والجزيرة، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: كذبت يَا ابْن الزانية، فَقَالَ زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه: خذ للرجل بحقه يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ. فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أترى قيسًا ترضى بأن يُضرب سيدها حدًا! لو دعوته بالبينه لجاء مائة من قَيْس يشهدون أن القول قَوْله، فترك [7] الرجل مطالبته. [ذكر برد رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وقضيبه وقعبه ومخضبه] وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ بُرْدًا لَهُ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ النَّصَارَى مِنْ أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ أَوْ [8] أَهْلِ مَقْنا أَمَانًا لَهُمْ فَاشْتَرَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ أمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ مِنْ أَوْلادِهِمْ بِأَرْبَعِ مِائَةِ دِينَارٍ، فَهُوَ الَّذِي يَلْبَسُهُ الْخُلَفَاءُ. قَالَ عَبْد الله، وذكر الواقدي،

_ [1] ترد القصيدة في الاغاني ج 20 ص 386. [2] الاغاني: وأمست. [3] ن. م.: حمص وباب التين والموقر ... ودمرت بعد امتناع تدمر [4] ن. م.: أَيْنَ أَبُو الورد وأين الكوثر ... وأين مَرْوَان واين الاشقر ولا يرد الشطر الثاني في الاغاني [5] ن. م.: وواسط لم يبق الا القرقر ... منها والا الديدبان الأخضر [6] لا يرد الشطر الثاني في الاغاني. [7] ط: فتركنا. [8] م: و.

أَن الَّذِينَ دفع البرد إليهم أَهْل تبوك. قَالَ: وَقَالَ الهيثم بْن عدي: (605) هُمْ أَهْل أيلة. وَقَالَ بَعْضهم: دفن مَرْوَان البرد والقعب والقضيب والمخضب لئلا يصير إِلَى بَنِي الْعَبَّاس فدلهم عَلَيْهِ خصي لمروان. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الرَّبِيع بْن أَبِي الجهم بْن عطية عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَبُو الْعَبَّاس: إِذَا عظمت القدرة قلّت الشهوة وقل تبرع إلا ومعه حق مضاع. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الرَّبِيع عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: إِن من أدنياء النَّاس ووضعائهم من عد البخل حزمًا [1] والحلم ذلًا. حَدَّثَنِي (عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عَيَّاشٍ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: دخلتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاس أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بَعْد مقتل مَرْوَان، فَقُلْتُ: الحمد لِلَّهِ الَّذِي أبدلنا بحمار الجزيرة وابن أمة النخع ابْن عم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن عَبْد الْمُطَّلِبِ. قَالَ الهيثم: وَكَانَ مُحَمَّد بْن مَرْوَان بْن الحكم أَخَذَ جارية لإبراهيم بْن الأشتر النخعي حِينَ حاربه أَيَّام مُصْعَب، فولدت مَرْوَان بْن مُحَمَّد. وَكَانَ الجعد بْن درهم قَدْ أفسد دين مَرْوَان، وَكَانَ مَرْوَان عاتيًا لا يبالي مَا صنع، فكان يُقَالُ: مَرْوَان أَكفر من حمار الأزد، وَهُوَ حمار بْن مَالِك بْن نصر بْن الأزد، وَكَانَ جبارًا قتالًا لا يبالي مَا أقدم عَلَيْهِ، فسمي حمار الجزيرة. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح، عَنْ رَجُل [2] ، عَنْ عُمَارَةَ بْن حَمْزَةَ، قَالَ: كَانَ أَبُو الْعَبَّاس يَقُول، أَوْ قَالَ كتب: إِذَا كَانَ الحلم مفسدةً كَانَ العفو معجزةً، والصبر حسن إلا عَلَى مَا أوتغ [3] الدين وأوهن السلطان، والأناة محمودة إلا عِنْدَ إمكان الفرصة. وَحَدَّثَنِي عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قال: دَخَلَ عَلِي أَبِي الْعَبَّاس مشيخة من أَهْل الشام فَقَالُوا: والله مَا علمنا أنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابة يرثونه إلا بَنِي أمية حَتَّى وليتم. فَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مهاجر:

_ [1] م: غرما. [2] كرر م «عن رجل» . [3] ط، م: اوقع.

أيها الناس اسمعوا أخبركم [1] ... عجبًا زاد عَلَى كُل عجب عجبًا من عَبْد شمس أنهم ... فتحوا لِلنَّاسِ أبواب الكذب ورثوا أَحْمَد فيما زعموا ... دُونَ عَبَّاس بْن عبد المطلب كذبوا والله مَا نعلمه ... يحرز الميراث ألَّا من قَرُب وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح، أخبرني الثقة، قَالَ: وَجِد أَبُو الْعَبَّاس عَلَى إِبْرَاهِيم بْن جبلة بْن مخرمة الكندي، وَكَانَ من صحابته وسماره فحجبه، فذكر عنده وقيل إنه لحسن العلم والحَدِيث، فَقَالَ عِيسَى بْن عَلِي: إنه لكذلك أفلا تصفح عَنْهُ يَا أمِير المؤمنين [2] وتعيده الى مجلسك وسمرك! فقال: مَا يمنعني من ذَلِكَ إلا أني لا أحب أَن [3] يتبين النَّاس أَن رضاي قريبٌ من سخطي، وسوف أدعو بِهِ. الْمَدَائِنِي قَالَ: قَالَتْ أم سلمة، امْرَأَة أَبِي الْعَبَّاس: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مَا أَحْسَن الْمَلِك لو كَانَ يدوم، فقال: لو كَانَ يدوم [4] لدام لمن قبلنا فلم يصل إلينا. حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِي الحرمازي عَنِ العُتبي وغيره، قَالُوا: كَانَ أَبُو الْعَبَّاس يَقُول: إِن أردنا علم الحجاز وتهامة فعند سَعِيد بْن عَمْرو بْن الغسيل [5] الْأَنْصَارِيّ، وإن أردنا علم تميم وعلوم فارس والعجم فعند خَالِد بْن صفوان، وإن أردنا علم الدنيا والآخرة والجن والأنس فعند أَبِي بَكْر الهذلي، وَكَانَ هَؤُلاءِ سمارة وحُدَّاثه. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ: ركب أَبُو الْعَبَّاس بالأنبار [6] فمر بقوم من الفعلة فَقَالَ لعيسى بْن عَلِي: يَا أبا الْعَبَّاس إِن السعيد لمن سلم من الدنيا [7] ، وددت أني لَمْ أتقلد شيئًا مِمَّا تقلدت، أهؤلاء [8] أَحْسَن حالًا وأخف ظهورا في معادهم

_ [1] ط: خبركم. [2] سقطت كلمة «المؤمنين» من ط. [3] م: ان لا. [4] العبارة «فقال ... يدوم» سقطت من ط. [5] م: الغسل. [6] ط: بالانبات. [7] ط: الدينار، د: الدينار. [8] ط: هؤلاء، د: لهؤلاء.

(606) أم أَنَا؟ فَقَالَ عِيسَى: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ أَحْسَن اللَّه إليك وإلى الأمة بك وأنقذهم ببركتك من جور بَنِي أمية وجبروتهم. الْمَدَائِنِي قَالَ: كتب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ الحارثي وَهُوَ عامله عَلَى الْمَدِينَةِ أَن يخرج المخنثين [1] عَنْهَا، فأمر بإخراجهم، فَقَالَ لَهُ صاحب شُرَطِه: إِن فِي دارنا مخنثًا، فَإِن رَأَى الأمير [2] أَن يدعه، فَقَالَ: دع فِي كُل دار مخنّثا، فقال: إذا يحتاج إِلَى أَن نجلبهم من الآفاق. وَكَانَ زِيَاد بخيلًا حقن بادهان لعلة كَانَتْ بِهِ فأراد غلمانه هراقة مَا خرج منه، فَقَالَ: صفوا هَذِهِ الأدهان واستصبحوا بِهَا ولا تهريقوها. وأكل مَعَهُ رجلٌ يومًا فأتي بجدي فجعل الرجل يتناول منه تناولًا شديدًا، فَقَالَ لَهُ: إني أراك تأكل لحم هَذَا الجدي كأن أمه نطحتك، فَقَالَ: وأراك أيها الأمير تشفق [3] عَلَيْهِ كأن أمه أرضعتك. وأكل عنده الغاضري، ويقال أشعب، فِي شَهْر رمضان فقدمت إِلَيْهِ مضيرة فجعل يأكل منها أكلًا شديدًا، فَقَالَ لَهُ: إِن أَهْل السجن يحتاجون فِي هَذَا الشهر إِلَى إمام يصلي بِهِمْ فأدخلوا فلانًا ليصلي بِهِمْ، فَقَالَ: أَوْ غَيْر ذَلِكَ أصلح اللَّه الأمير، أحلف بالطلاق أَن لا آكل مضيرة أبدًا. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي قَالَ: كَانَتْ أم سلمة بِنْت يعقوب المخزومية امْرَأَة أَبِي الْعَبَّاس عِنْدَ مسلمة بْن هِشَام المعروف بأبي شاكر، وَكَانَ أَبُو شاكر صاحب شراب فشكته أم سلمة إِلَى الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك فعاتبه فطلقها، فصارت إِلَى فلسطين فتزوجها أَبُو الْعَبَّاس أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فكلمته فِي سُلَيْمَان بْن هِشَام وَقَالَتْ إنه كَانَ مباينًا لمروان فأمر أَن لا يعرض لَهُ، فكان يدخل عَلَيْهِ. فبينا هُوَ ذات يوم عنده [4] إذ دَخَلَ عَلَيْهِ سديف بْن ميمون مَوْلَى بَنِي هاشم، وكان طويلا أحنى، فأنشده [5] :

_ [1] ط: المختفين. [2] ط: للأمير. [3] ط: يشفق. [4] «عنده» ليست في ط، د. [5] انظر الاغاني ج 4 ص 347- 8، وشرح نهج البلاغة ج 7 ص 125 وص 127، والكامل ج 4 ص 8- 9، والحماسة البصرية ج 1 ص 91- 2، وطبقات الشعراء لابن المعتز ص 39..

أصبح الدين [1] ثابت الآساس ... بالبهاليل من بَنِي الْعَبَّاس يَا كريم المطهرين من الرجس ... ويا رأس كُل قرم وراس [2] أنتَ مهديُّ هاشم ورضاها [3] ... كم أُناس رجوك بَعْد أناس [4] لا تقيلنَّ عَبْد شمس عثارًا ... واقطعن كُل رقلة [5] وغراس [6] انزلوها بحيث انزلها اللَّه ... بدار الهوان والاتعاس [7] فلقد غاظني وأوجع قلبي [8] ... قربها [9] من نمارق وكراسي اذكروا [10] مصرع الْحُسَيْن وزيد ... وقتيلًا [11] بجانب المهراس والإمام [12] الَّذِي بحران أمسى [13] ... رهن رمس مجاور الأرماس [14] وأنشد [15] : لا يغرنك مَا ترى من رجالٍ [16] ... إِن تَحْتَ [17] الضلوع داءً دويّا

_ [1] الاغاني ج 4 ص 354: الدين، وفيه ص 347 وفي شرح النهج والكامل وطبقات الشعراء والحماسة البصرية: الملك. [2] الاغاني: يا أمير المطهرين من الذم ويا رأس منتهى كل راس، وفي الحماسة البصرية: رأس كل طود ... [3] الاغاني والحماسة البصرية: هداها، شرح النهج: فتاها. [4] ن. م.: اياس. [5] د: زقلة، والرقلة: النخلة. [6] الكامل: أواسي. ويرد هذا الشطر في الحماسة البصرية: وارمها بالمنون والاتعاس. [7] كذلك في الاغاني والكامل. وفي ط، د: الانفاس، وفي شرح النهج ج 7 ص 126، وص 127. الانعاس، وفي الحماسة البصرية: الانكاس. [8] طبقات الشعراء والحماسة البصرية وشرح النهج ص 126: فلقد ساءني وساء سوائي، في الكامل وشرح النهج ص 127: ولقد غاظني وغاظ سوائي. [9] طبقات الشعراء والاغاني والكامل وشرح النهج ص 126: قربهم. [10] الكامل وشرح النهج والحماسة البصرية: واذكروا، طبقات الشعراء: فاذكروا. [11] الاغاني: قتيل. [12] طبقات الشعراء وشرح النهج ص 126 والحماسة البصرية والكامل: القتيل. [13] المصادر نفسها (شرح النهج ص 127) : أضحى. [14] الاغاني: رهن قبر في غربة وتناس. وفي الكامل وشرح النهج والحماسة البصرية: ثاويا بين غربة وتناسي، والشعر في الكامل لشبل بن عبد الله. طبقات الشعراء: رهن رمس وغربة وتناسي. [15] شرح نهج البلاغة ج 7 ص 128، والكامل للمبرد ج 4 ص 8، وطبقات ابن المعتز ص 40. [16] الكامل: اناس. [17] ط: ارتجت.

فضع السَيْف فِي ذوي الغدر حَتَّى [1] ... لا ترى فَوْقَ ظهرها أمويا وأنشد [2] : علامَ وفيمَ تتُرك عَبْد شمسٍ ... لَهَا فِي كُل ناحية [3] ثُغاء فَمَا بالرمس من حران فِيهَا [4] ... وان قُتلت بأجمعها، وفاءُ وَكَانَ أَبُو مُسْلِم يكتب إِلَى أَبِي الْعَبَّاس فِي أمر سُلَيْمَان: إِذَا كَانَ عدوك ووليك عندك سواء، فَمَتَى يرجوك المطيع لَك المائل إليك ومتى يخافك عدوك المتجانف [5] عَنْك! فَلَمَّا خرج سُلَيْمَان من عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاس قَالَ لسديف: قتلتني قتلك اللَّه. (607) قَالَ: ثُمَّ [6] دعا أَبُو الْعَبَّاس أبا الجهم بْن عطية فَقَالَ لَهُ: قَدْ بلغني عَنْ سُلَيْمَان بْن هِشَام أمر أكرهه فاقتله، فأخرجه إِلَى الغريين فقتله وابنًا لَهُ وصلبهما، وحضر غلام لَهُ أسود فجعل يبكي عَلَى مولاه وَيَقُول: هكذا الدنيا تصبح [7] عليك مقبلة وتمسي [8] عَنْك مدبرة. وَقَالَ غَيْر الهيثم: دُفع سُلَيْمَان إِلَى عَبْد الجبار صاحب شرط أَبِي الْعَبَّاس فأمر الْمُسَيِّب بْن زهير فقتله. ويقال، إِن سديفًا لما أنشد الشعر قام سُلَيْمَان فَقَالَ: إِن هَذَا يشحذك عَلِي، فَقَدْ بلغني أنك تريد اعتيالي، فَقَالَ: يَا جاهل، ومن يمنعني منك حَتَّى أقتلك اغتيالًا، خذوه، فأخذ فقتل. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب وغيره، قَالُوا: ضم سالم بْن عَبْدِ الرَّحْمَن كاتب هِشَام بْن عَبْدِ الْمَلِك عَبْد الحميد بْن يَحْيَى إِلَى مَرْوَان حِينَ شخص إِلَى أرمينية، وَكَانَ عَبْد الحميد من حَدِيثه النورة من الأنبار، وأتى [9] الشام فتخرج هناك. وقوم يقولون إنه مَوْلَى لبني أمية، وقوم يقولون إنه [10] مَوْلَى لغيرهم من قريش، فلم يزل عَبْد الحميد مَعَ مروان

_ [1] في الاغاني ج 4 ص 351: جرد السيف وارفع العفو حتى، وفي الكامل وطبقات ابن المعتز: فضع السيف وارفع السوط حتى. [2] يرد البيتان في اشعار اولاد الخلفاء للصولي ص 298- 299. [3] ن. م.: راعية. [4] ن. م.: فما في القبر في حران منها. [5] ط: المتحايف. [6] «ثم» ليست في ط. [7] ط: فتصبح. [8] ط: قبى. [9] م: فأتى. [10] ط: انهم.

حَتَّى نزل بمروان [1] الأمر فَقَالَ لَهُ: إِن الْقَوْم محتاجون إِلَى مثلك، فاستأمن إليهم فلعلك تنفعني [2] فِي حياتي أو تحفظني [3] فِي حرمتي بَعْد وفاتي، فأنشأ عَبْد الحميد يَقُول أَوْ ينشد: أُسِرُّ وفاءً ثُمَّ أُظهر غدرةً ... فَمَنْ لي بعذرُ يُوسع النَّاس ظاهره [4] وأنشد أيضًا: فلومي ظاهر لا شك فِيهِ ... لِلَائِمَةٍ وعذري بالمغيب ثُمَّ قَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، إِن الَّذِي أمرتني بِهِ أنفع الأمرين لَك وأقبحهما لي، ولكني أصبر [5] حَتَّى يفتح اللَّه عليك أَوْ أقتل معك [6] ، فأخذ فحبس ثُمَّ قتل. وَحَدَّثَنِي عدة من ولد عَبْد الحميد بْن يَحْيَى أَن عبد الحميد استخفى فوجد بالشام أو بالجزيرة، فدفعه أَبُو الْعَبَّاس إِلَى عَبْد الجبار بن عبد الرحمن وكان على شرطته [7] ، فكان يحمى طستًا ويضعه عَلَى رأسه حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ يَقُول: ويحكم إنا [8] خطباء كُل دولة. وسُئل عَنْ أَمْوَالِ [9] مَرْوَان فَقَالَ: والله مَا أعلم منها إلا مَا تعلمون. وَحَدَّثَنِي بَعْض ولد عَبْد الحميد أَنَّهُ كَانَ يكنى أبا يَحْيَى وأنه كَانَ يَقُول: من كَانَ منطقه أَكْثَر من عقله كَانَ منطقه عَلَيْهِ، ومن كَانَ عقله أَكْثَر من منطقه كَانَ منطقه لَهُ. وَحَدَّثَنِي ابْن القتات قَالَ: لما وَلِيَ أَبُو الْعَبَّاس مدح أَبُو عَطَاء السّندي [10] بَنِي الْعَبَّاس فَقَالَ: إِن الخيار من البرية هاشم ... وبنو [11] أمية أرذل الأشرار

_ [1] م: مروان. [2] ط: ينفعني. [3] ط: يحفظني. [4] انظر شرح نهج البلاغة ج 7 ص 132، والمسعودي ج 6 ص 82. [5] ط: اصبح. [6] م: بعدك. [7] م: شرطه. [8] ط: إذا، وسقطت منه «ويحكم» . [9] «عن اموال» ليست في ط. [10] انظر الاغاني ج 17 ص 245 وما بعدها، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص 654، وخزانة الأدب ج 4 ص 167، وسمط اللآلي ص 602- 3، ونتف من شعر أبي عطاء السندي ص 15. [11] ط: بني. وانظر هامش رقم (5) في سمط اللآلي ص 602.

وبنو أُمية عودهم من خِرْوَعٍ ... ولهاشم فِي المجد عودُ نُضار أما الدعاةْ إِلَى الجنان فهاشمٌ ... وبنو أُمية من دُعاه النار فلم يصله بشيء، فَقَالَ: يَا ليت [1] جور بَنِي مَرْوَان عاد لنا ... وإن [2] عدل بَنِي الْعَبَّاس فِي النّار وَقَالَ أَبُو عَطَاء أيضًا [3] : بَنِي هاشم عودوا إِلَى نخلاتكم ... فَقَدْ عاد سعر [4] التمر صاعا بدرهم فَإِن قلتُمُ رهطُ النَّبِيّ مُحَمَّد [5] ... فَإِن [6] النصارى رهط عِيسَى بْن مريم حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال: دفع ابْن عياش المنتوف إِلَى أَبِي الْعَبَّاس حوائج لَهُ وَكَانَ فِيهَا أَن يجز لحية عَلِي بْن صفوان ليسويه بِهِ، وَكَانَ عَلِي طويل اللحية، فلما دخل أَبُو الْعَبَّاس المقصورة وصعد المنبر [7] رَأَى ابْن عياش وابن صفوان قبالته ورأى طول لحية ابْن صفوان فاستضحك فوضع كمه عَلَى وجهه فَلَمَّا انصرف قَالَ لابن عياش: ويلك (608) كدت تفضحني، فَقَالَ: والله مَا أردت إلا أَن تذكر حاجتي. حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بْن عدي عَنِ ابْن عياش قَالَ: ابتدأ أَبُو الْعَبَّاس آل أَبِي طَالِب بالبر والتكرمة، فكان ذَلِكَ لا يزيدهم إلا التواءً عَلَيْهِ، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن أشدهم لَهُ حسدًا وأقلهم لَهُ شكرًا، فَقَالَ يومًا [8] : لَقَدْ صدق مُعَاوِيَة حِينَ قَالَ مَا أحَدٌ [9] من الناس إلا [10] وانا [11] استطيع رضاه

_ [1] الاغاني ج 17 ص 250: فليت. وانظر الشعر والشعراء ص 654، ونتف من شعر أبي عطاء ص 16. [2] الاغاني: وليت. [3] انظر المسعودي ج 5 ص 150، والاغاني ج 17 ص 250، والشعر والشعراء ص 654، وخزانة الأدب ج 4 ص 170، وسمط اللآلي ص 603. [4] الاغاني: صار هذا، الشعر والشعراء ونتف من شعره وسمط اللآلي: فقد قام. [5] الشعر والشعراء ونتف من شعره: وقومه، سمط اللآلي: صدقتم. [6] سمط اللآلي: فهذي. [7] «وصعد المنبر» ليست في م. [8] يضيف ط: معاوية. [9] ط: أجد. [10] ط: وإلا. [11] م: فانا.

إلا حاسد نعمة لا يرضيه عني إلا زوال نعمتي فلا أرضاه اللَّه عني أبدًا، وَهَؤُلاءِ بنو أَبِي طَالِب قَدْ وصلت أرحامهم واحسنت برّهم وهم يأبون لحسدهم [1] وسوء نياتهم إلا القطيعة وإني لأتخوف أَن يعود حلمي عَلَيْهِم بِمَا يكرهون فِي عواقب الأمور والله المستعان. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح عَنْ عَلِي بْن صَالِح [2] صاحب المصلي قَالَ: أقدم أَبُو الْعَبَّاس عَبْد اللَّهِ بْن حسن عَلَيْهِ فبره وأكرمه وأعطاه ألف ألف درهم، فَلَمَّا انصرف إلي الْمَدِينَةِ أتاه أهلها مُسلّمين عَلَيْهِ وجعلوا يدعون لأبي الْعَبَّاس لبره به واجزاله صِلَتَهُ، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: يَا قوم مَا رَأَيْت أحمق منكم تشكرون رجلًا أعطانا بَعْض حقنا وترك أكثره. فبلغ ذَلِكَ أبا الْعَبَّاس فدعا إخوته وأهل بيته وجعل يعجبهم من قَوْل عَبْد اللَّهِ، فَقَالُوا: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِنَّمَا يتم [3] إحسانك إِلَيْهِ وإنعامك عَلَيْهِ بالصفح عَنْهُ، وتكلم أَبُو جَعْفَر فِيهِ بكلام شديد وَقَالَ: إِن الحديد بالحديد يفلح. [4] فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: من تشدد أنفر ومن لان تألّف والجاهل تكفيكَه مساوئه. حَدَّثَنِي عُمَر [5] بْن بُكَيْر عَنِ الهيثم عَنِ ابْن عياش، قَالَ: كَانَ أَبُو الْعَبَّاس أسخي النَّاس، مَا وعد عدة قط فأخرها عَنْ وقتها أَوْ قام من مجلسه حَتَّى يقضيها، ولقد سمعناه يَقُول: إِن المقدرة تصغر الأمنية، لَقَدْ كُنَّا نستكثر أمورًا أصبحنا نستقلّها [6] لأخس من صحبنا، ثُمَّ يسجد [7] لِلَّهِ شكرًا. الْمَدَائِنِي قَالَ: سمر خَالِد بْن صفوان عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاس، ففخر قوم من بَنِي الْحَارِث بْن كعب وخالد ساكت، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس: تكلم يَا خَالِد، فَقَالَ: هَؤُلاءِ أخوال أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، قَالَ: وأنت من أعمامه وليس الأعمام بدون الأخوال، فَقَالَ: وَمَا أكلم من قوم إِنَّمَا هم على افتخارهم بين ناسج برد

_ [1] م: بحسدهم. [2] «عن علي بن صالح» سقطت من ط. [3] ط: نتم. [4] انظر الأمثال للميداني ج 1 ص 8. [5] م: عمرو. انظر فتوح البلدان ص 294، قارن ابن خلكان- وفيات ج 6 ص 178. [6] م: نستثقلها. [7] م: سجد.

وسائس قرد ودابغ جلد دل عَلَيْهِم هدهد وغرّقتهم فأرة وملكتهم امْرَأَة، فجعل أَبُو الْعَبَّاس يضحك. أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي مُحَمَّد المغربي [1] قال، قال أبو العباس الخالد بْن صفوان حِينَ أَخَذَ سُلَيْمَان بْن حبيب: أشعرت أَن سُلَيْمَان أَخَذَ من بئر، فَقَالَ: هذا الذي خرج رقصا ودخل قفصًا. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ عَبْد الجبار الكاتب قَالَ: دَخَلَ بخالد [2] بْن صفوان عَلَى أَبِي الْعَبَّاس أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فَقَالَ لَهُ: لقد وليتَ الخلافة فكنت أهلها وموضعها، رعيت الحق فِي مسارحه وأوردته موارده فأعطيت كلًا بقسطه من نظرك وعدلك ورأيك ومجلسك حَتَّى كأنك من كُل أحد وكأنك لست من أحد، فأعجبه قَوْله وأمر لَهُ بمال. الْمَدَائِنِي قَالَ: دَخَلَ خَالِد بْن صفوان عَلَى أَبِي الْعَبَّاس فَقَالَ لَهُ: مَا تقول فِي أخوالي [3] بَنِي الْحَارِث بْن كعب؟ قَالَ هنالك هامة الشرف وخرطوم الكرم وغرس الجود، إِن فيهم لخصالًا مَا اجتمعت فِي غيرهم من قومهم، إنهم لأطولهم أممًا وأكرمهم شيمًا [4] وأطيبهم طعمًا وأوفاهم ذممًا وأبعدهم هممًا، هُم الجمرة (609) فِي الحرب والرفد فِي الجدب والرأس فِي كُل خطب، وغيرهم بمنزلة العجب، فَقَالَ: لَقَدْ وصفت أبا صفوان فأحسنت. حَدَّثَنِي أَبُو دُهمان بْن أَبِي الأسوار [5] قَالَ: كَانَ أَبُو الْعَبَّاس يسمع الغناء فَإِذَا قَالَ للمغني «أحسنت» لَمْ ينصرف من عنده إلّا بجائزه وكسوة. وقيل لَهُ: أَن الخلافة جليلة، فلو حجبت عَنْك من يشاهدك عَلَى النبيذ، فاحتجب عَنْهُمْ، وكانت صلاته [6] قائمة لَهُمْ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب قَالَ: لما بلغ أبا جَعْفَر استئذان أَبِي مُسْلِم للحج وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بالجزيرة، وَكَانَ والي الجزيرة وأرمينية لابي العباس، كتب الى

_ [1] ط: المعربي. [2] م: خالد. [3] ط: احوال. [4] ط: سيما. [5] ط: الأسود. [6] ط: صلاتهم.

أمر زياد بن صالح

أَبِي الْعَبَّاس يسأله توليته الموسم [1] فكتب إِلَيْهِ يأمره بالقدوم ليقلده الموسم، ووافى أَبُو مُسْلِم فدخل عَلَى أَبِي الْعَبَّاس وأبو جَعْفَر عنده فسلم عَلَى أَبِي الْعَبَّاس وَلَمْ يسلم عَلَى أَبِي جَعْفَر فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس: هَذَا أَبُو جَعْفَر أَخِي، فَقَالَ: إِن مجلس أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لا تُقضي [2] فِيهِ الحقوق. قَالُوا: وَكَانَ سُلَيْمَان بْن كثير الخزاعي من النقباء، فلما قدم الْمَنْصُور خراسان عَلَى أَبِي مُسْلِم قَالَ لَهُ: إِنَّمَا كُنَّا نحب تمام أمركم وَقَدْ تم بحمد اللَّه ونعمته، فَإِذَا شئتم قلبناها عَلَيْهِ. وَكَانَ مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن كثير خداشيًّا فكره تسليم أَبِيهِ [3] الأمر إِلَى أَبِي مُسْلِم، فَلَمَّا ظهر أَبُو مُسْلِم وغلب عَلَى الأمر قتل محمدًا. ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَان للكفية، وَهُم الَّذِينَ بايعوا عَلَى أَن لا يأخذوا مالًا وأن تؤخذ أموالهم إِن احتيج إِلَيْهَا ويدخلوا الْجَنَّةَ، ويقال إنهم أُعطوا كفًا كفًا من حنطة فسموا الكفية: حفرنا نهرًا بأيدينا فجاء غيرنا فأجرى فِيهِ الماء، يَعْنِي أبا مُسْلِم، فبلغ قَوْله أبا مُسْلِم [4] فاستوحش منه، وشهد عَلَيْهِ أَبُو تراب الداعية ومحمد بْن علوان المروزي وغيرهما فِي وجهه بأنه أَخَذَ عنقود عنب فَقَالَ: اللَّهُمَّ سود وجهَ أَبِي مُسْلِم كَمَا سودت هَذَا العنقود واسقني دمه، وشهدوا أَن ابنه كَانَ خداشيًا وأنه بال عَلَى كتاب الْإِمَام، فَقَالَ لبعضهم: خذه بيدك فألحقهُ بخوارزم، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُول لمن أراد قتله، فقتل سُلَيْمَان، وكتب إِلَى أَبِي الْعَبَّاس بخبره وقتله إياه، فلم يجبه عَلَى كتابه، فكان مِمَّا عاتبه عَلَيْهِ الْمَنْصُور أَن قَالَ: قتلت سُلَيْمَان بْن كثير نقيب نقبائنا، ورئيس شيعتنا، وشيخ دعوتنا، وابنه، وقتلت لاهزًا. أمر زِيَاد بْن صَالِح وحَدَّثَنِي أَبُو الصلت الْخُرَاسَانِيُّ وغيره، قَالُوا: بلغ أبا مُسْلِم عَنْ زِيَاد بْن صَالِح تنقص [5] لَهُ وذم، وأنه كَانَ يَقُول: إِنَّمَا بايعنا عَلَى إقامة العدل وإحياء السنن،

_ [1] ط: المسلم. [2] ط: يقضى. [3] ط، د: ابن. [4] عبارة «فبلغ ... مسلم» ليست في ط. [5] ط: ينقص.

أمر السفياني

وَهَذَا جائر ظَالِم يسير سير الجبابرة، وَإِنَّهُ مخالف لَهُ قَدْ أفسد عَلَيْهِ قلوب أَهْل خراسان، فدعا بِهِ فقتله. وَكَانَ عِيسَى بْن ماهان مَوْلَى خزاعة صديقًا لَهُ ومطابقًا عَلَى بَعْض أمره، فَقَالَ لِلنَّاسِ: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ أَعْظَم قتل زِيَاد، وذم أبا مُسْلِم وأنكر فعله وَقَالَ إنه قتل رجلًا ذا قَدَمٍ وبلاء حسن فِي دولتنا، وبريء منه، وَقَدْ بعث إلي بعهدي عَلَى خراسان، ودعا قومًا إِلَى حرب أَبِي مُسْلِم فأجابوه سرًا وخالفه أقوامٌ قتلهم [1] . وَكَانَ عِيسَى يَوْمَئِذٍ بإزاء قرية وجهه أَبُو دَاوُد إِلَيْهَا ليحارب أهلها، وقدم رَسُول أَبِي الْعَبَّاس وَهُوَ أَبُو حميد إِلَى أَبِي مُسْلِم بخلعٍ وبزٍّ [2] وبكتاب يلعن فِيهِ (610) زِيَاد بْن صَالِح وأشياعه ويصوب رأي أَبِي مُسْلِم فِي قتله، فأمر أَبُو مُسْلِم أبا دَاوُد بقتل عِيسَى بْن ماهان فكتب إِلَيْهِ: إِن رَسُول أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ قدم عَلَى الأمير بخلع وبز لَهُ وللأولياء، وذكرناك لَهُ فصر إلينا لتشركنا فِي أمرنا وسرورنا وترى رَسُول أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فتعرفه حالك، فقدم عَلَى أَبِي دَاوُد فَقَالَ: خذوا ابْن الفاعلة، وأمر بِهِ فأدخل فِي جوالق ثُمَّ ضرب بالخشب حَتَّى مَاتَ، فكتب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى أَبِي مُسْلِم يعظم قتل عِيسَى ويأمره أَن يقتل أبا دَاوُد بِهِ، فكتب فِي جواب ذَلِكَ يعذر [3] أبا دَاوُد خَالِد بْن إِبْرَاهِيمَ ويذكر أَن ابْن ماهان لو ترك لكان منه مثل الَّذِي كَانَ من زِيَاد بْن صَالِح من إفساد النَّاس وحملهم عَلَى المعصية والخلاف. أمر السفياني قَالُوا: ونزل عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي عَلَى نهر أَبِي فطرس، وكانت ببالس ابْنَة لمسلمة بْن عَبْدِ الْمَلِك، فخطبها عامل عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي وَهُوَ رَجُل من أَهْل خراسان فأنعمت لَهُ وَقَالَتْ: أتهيأ لَك، وكتبت إِلَى أَبِي الورد مجزأة بْن الهذيل بْن زفر الكلابي [4] تستجير بِهِ، فخرج أَبُو الوازع أَخُو أَبِي الورد فِي جَمَاعَة فأتوا بالس والخراساني فِي الحمام فدخلوا عَلَيْهِ فقتل، ولحق بِهِمْ أَبُو الورد [5] ودعا النَّاس فأجابه من قيس وغيرها

_ [1] ط: قبلهم. [2] ط، م: بر. [3] ط: بعذر. [4] في الطبري: مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي. ويرد خبره في س 3 ص 52- 55. [5] العبارة «مجزأة بن الهذيل ... ولحق بهم ابو الورد» ساقطة من ط.

زهاء سبعة ألاف، أكثرهم من قَيْس. وبلغ أبا مُحَمَّد زِيَاد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن يزيد ابن مُعَاوِيَة [1] ، وَذَلِكَ الثبت- وقيل أَن اسم هَذَا [2] السفياني الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، وإن زيادًا كَانَ خرج طالبًا بدم الْوَلِيد بْن يَزِيد وليس هُوَ بالخارج أَيَّام عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي، والثبت أَنَّهُ زِيَاد- فطمع وَقَالَ: أَنَا السفياني الَّذِي يروى أَنَّهُ يردّ دولة بَنِي أمية، ونزل دير حنينا، وبايعه الْوَلِيد والناس وكتب إِلَى هِشَام بْن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط يدعوه إِلَى الخروج مَعَهُ فاعتل عَلَيْهِ. وبلغ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي الْخَبَر فقتل جَمِيع من كَانَ مَعَهُ من بَنِي أمية ومن يهدي هداهم، ووجه عَبْد الصمد إِلَى السفياني وأَصْحَابه وَهُمْ بقنسرين فِي سبعة آلاف فاقتتلوا فانهزم النَّاس عَنْ عَبْد الصمد حَتَّى أتوا حمص، وأقبل ابْن عَلِي حَتَّى نزل عَلَى أربعة أميال من حمص ووجه بسام بْن إِبْرَاهِيمَ وخفافًا الْمَازِنِيّ بَيْنَ يديه إِلَى حمص، وكتب إِلَى حُميد بْن قحطبة فقدم عَلَيْهِ. وصار السفياني وأبو الورد إِلَى مرج [3] الأخرم، وأتاهم عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي ومعه عبد الصمد وحميد ابن قحطبة فاقتتلوا فِي آخر ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وعلى ميمنة أَبِي مُحَمَّد أَبُو الورد وعلى ميسرته الأصبغ بْن ذؤالة الْكَلْبِيِّ، فانهزم أَهْل الشام وهرب السفياني وجرح أَبُو الورد فحمل إِلَى أهله فمات، ولجأ قوم من أَصْحَاب أَبِي الورد إِلَى أجمه فأحرقت عَلَيْهِم. وبلغ ابْن عَلِي أنّ أبا مُحَمَّد لبس الحُمرة ودعا النَّاس، فأجابه خلقٌ، فسار إِلَيْهِ فهزمه فتوارى، ثُمَّ أتى الْمَدِينَة وعليها زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه الحارثي فاستدل عَلَيْهِ حَتَّى عرف الدار الَّتِي هُوَ فِيهَا فوجه إِلَيْهِ من يأخذه، فخرج من الدار فقاتل ورماه رَجُل بسهم فأصاب ساقه فصرعه واعتوروه فقتلوه وكبروا، فسمع التكبير ابْنُ لَهُ يُقَالُ لَهُ مَخْلد فخرج فقاتل حَتَّى قتل، وصلب أَبُو مُحَمَّد وابنه. قَالَ الحرمازي: خرج السفياني فِي أَيَّام أَبِي الْعَبَّاس ثُمَّ انهزم وتوارى حينًا فقتل فِي أول خلافة الْمَنْصُور.

_ [1] انظر الطبري س 3 ص 53، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 8، وجمهرة الأنساب ص 112. [2] «هذا» ليست في م. [3] ط: مرح. انظر الطبري س 3 ص 53.

أمر بسام بن إبراهيم

أمر بسام بْن إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْمَدَائِنِي وغيره: كَانَ بسام بْن إِبْرَاهِيمَ مَعَ نصر بْن سيار فَلَمَّا ظهر أَبُو مُسْلِم صار إِلَيْهِ وترك نصرًا فقدم مَعَ قحطبة وشخص مَعَ ابْن عَلِي إِلَى الشام، فَلَمَّا خلع أَبُو الورد وبايع أبا مُحَمَّد السفياني ثُمَّ هرب السفياني واستخفى، صار بسام إِلَى تدمر وعزمه عَلَى الخلاف لأشياء أنكرها من سيرة ابْن عَلِي، فمنعه أَهْل تدمر من دخولها فقاتلهم وهزمهم وقتل منهم جماعة بعث برؤوسهم إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي ليُوهمه أَنَّهُ عَلَى طاعته. وأظهر بسام الخلاف فانصرف عَنْهُ عامة [1] جنده (611) وأتى قرقيسيا، فكتب (ابْن) [2] عَلِي بخبره إِلَى أَبِي الْعَبَّاس، ثُمَّ أتى المدائن فِي جمع فوجه إليْه أَبُو الْعَبَّاس خازم بْن خزيمة فقاتله فانهزم بسام وصار إِلَى السوس وتفرق عَنْهُ أَصْحَابه، ثُمَّ مضى إِلَى ماه [3] وخازم يتبعه، ثُمَّ توارى وكتب إِلَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن: إِن أجبتني ضربت بَيْنَ أَهْل خراسان وبايعتُ لَك، فخاف جَعْفَر أَن يَكُون أَبُو الْعَبَّاس دس الكتاب إِلَيْهِ فأتى أبا الْعَبَّاس بكتاب بسام، فَقَالَ: أَحْسَن اللَّه جزاءك يَا ابْن عم، اكتب إِلَيْهِ فواعده مكانًا يلقاك فِيهِ، فواعده الحيرة ووجه إِلَيْهِ بِذَلِك ابنه 225/ 4 إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر، وأمر أَبُو الْعَبَّاس أبا غسان مولاه وحاجبه بتفقده ومراعاته، فلما رآه أَبُو غسان مَعَ إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر عرف أَنَّهُ بسام وَكَانَ عَلَيْهِ سواد بلا سَيْف، فَقَالَ لَهُ: من أَنْتَ؟ قَالَ لَهُ: رَجُل من أَهْل الجزيرة من الْعِبَاد، فرفع أَبُو غسان عَلَيْهِ العمود، فشتمه بسام وَقَالَ: لو كَانَ معي سَيْفي مَا اجترأت أَن ترفع عَلِي عمودك، فأخذه وأتى بِهِ أبا الْعَبَّاس، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ثم صلب. [شريك بن شيخ المهري] وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ: خرج على أبي مسلم ببخارى شريك ابن شيخ المهري وَقَالَ: إِنَّمَا بايعناكم عَلَى العدل وَلَمْ نبايعكم عَلَى سفك الدماء والعمل بغير الحق، فاتبعه أَكْثَر من ثلاثين ألفًا. فبعث إِلَيْهِ أَبُو مُسْلِم زِيَاد بْن صَالِح الخزاعي قبل قتله بسنة أَوْ نحوها، ويقال بعث غيره، فحاربه وأوقع بأصحابه وقتله.

_ [1] ط: عام. [2] اضافة. [3] ط: مكة.

أمر سلم بن قتيبة بن مسلم

أمر سلم بْن قُتَيْبَة بْن مُسلم حَدَّثَنِي عَلِي بْن المغيرة الأثرم عَنْ مَعْمَر بْن المثنى، وحدثني غيره: أن يزيد ابن عمر بن هبيرة قدم واليًا عَلَى العراق من قبل مَرْوَان بْن مُحَمَّد، فكتب ابْن هبيرة إِلَى مَرْوَان يستأذنه فِي تولية سلم بْن قُتَيْبَة البصرة، فنهاه عَنْ ذَلِكَ للذي كَانَ من قُتَيْبَة بْن مُسْلِم فِي خلع سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِك والخلاف عليه، فلم يزل يراجعه فِي أمره ويصف لَهُ دينه وفضله ومذهبه حَتَّى أذن لَهُ فِي توليته البصرة. وكان سلم يجالس مُحَمَّد بْن سِيرِينَ، وَمَاتَ ابْن سِيرِينَ وَلَهُ عَلَيْهِ خمسة آلاف درهم جعله منها فِي حل، وَكَانَ يجالس بعده أيوب السختياني فَقَالَ بَعْض أَهْل البصرة حِينَ ولي سلم: ترفقي تصيدي [1] . ولما ولي سلم، بعث إِلَيْهِ آل المهلب عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه أبا النضر [2] النحوي الْأَزْدِيّ، وَكَانَ خلًا لَهُ [3] ، يستأذنونه فِي قدوم البصرة، وَكَانَ آل المهلب مَعَ عَمْرو بْن سهيل فهربوا، فأذن لَهُمْ، وكتب إِلَيْهِ ابْن هبيرة يأمره بأخذهم والجد فِي طلبهم فغيب عَنْهُمْ وعذر فِي أمرهم وأمر النَّاس، وبعث إِلَيْهِ بنو المهلب بثلاثين ألف درهم، ويقال أَكْثَر من ذَلِكَ، فلم يقبلها وردها وَقَالَ: يَا سبحان اللَّه، أبيعُ المعروف بيعًا! وكانوا رُبَّمَا أتوا سلمًا لَيْلًا فِي حوائجهم، فلم يزالوا كَذَلِكَ حَتَّى ظهرت المسودة وحصر الحسنُ بْن قحطبة يَزِيد بْن عُمَر [4] بْن هبيرة بواسط. وولي سلم بْن قُتَيْبَة شرطته الحكم بْن يَزِيد بْن عُمير الأسيِّدي، فاستخلف ابْن رَالان الْمَازِنِيّ، من بَنِي مازن بْن مَالِك بْن عَمْرو واسمه الفضل بْن عَاصِم بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن شداد بْن أَبِي محياة بْن جَابِر بْن رُويل [5] بْن رَالان [6] وَهُوَ يعرف بابن رَالان [7] ، ثُمَّ إِن ابْن هبيرة ولّي الحكم بْن يَزِيد كرمان فقتل بها، قتله تميم بن عمر

_ [1] ط: بصيدي، والمثل: تلبّدي تصيدي. انظر مجمع الأمثال للميداني ج 1 ص 180. [2] ط: النصر. [3] ط: حلا له. [4] ط: عمرو. [5] ط: زويل. [6] د: زالان. انظر الاشتقاق لابن دريد ص 203 وفيه: رألان، وفي جمهرة النسب ج 1 لوحة 82: رالان. [7] د: زالان. انظر الاشتقاق لابن دريد ص 203 وفيه: رألان، وفي جمهرة النسب ج 1 لوحة 82: رالان.

التميمي وأقر ابْن رَالان عَلَى شرطه، فَقَالَ سلمة بْن عياش [1] يهجوه: أتيتُ ابنَ رَالان فِي حاجة ... فلم أرَ خيرًا وَلَمْ أحْمد وَقَدْ جاءنا عاقدًا نخوةً ... يضيق لَهَا شكة المربد فيا ليت أني غرمتُ الَّذِي ... أصبْت وَإِنَّكَ لَمْ تشهد حَدَّثَنَا إِسْحَاق حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عُلية عَنِ (ابْن) [2] عون قَالَ: مَاتَ مُحَمَّد بن سيرين ولسلم (612) عليه خمسة آلاف درهم فجعله منها فِي حِل وَقَالَ: أترون عبد الله ابن مُحَمَّد مستعديًا إِن لَمْ آخذها! قَالَ: وأتى سلم بْن قُتَيْبَة رَجُل فَقَالَ لَهُ: إني كنت فِي نعمة من اللَّه فزالت وَلَمْ أجد أحدًا أولى بأن [3] أفزع إِلَيْهِ منك فافعل مَا يشبهك، فَقَالَ سلم: يرى بدهات الحمد لا يستطيعها ... فيجلس وسط الْقَوْم لا يتكلمُ ثُمَّ نهض، وَقَالَ: الرجل لا يبرحُ، فدخل إِلَى أهله ثُمَّ جمع ملء كمه دنانير وحلى من ذهب وجوهر، ثُمَّ خرج إِلَى الرجل فنبذ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَقَالَ: استمتع بِهَذَا. وَكَانَ يَقُول: عجبًا لمن يضن بِمَا يصيرُ إِلَى هَذِهِ المزابل. وَقَالَ لَهُ رَجُل: لي إليك حاجة لا مرزئة عليك فِيهَا ولا عناء، فَقَالَ: مَا مثلي يسألُ عَنْ [4] هَذِهِ الحاجة. وَقَالَ سلم: مَا أعرف قافية يستغنى عَنْ صدرها إلا قَوْل الحطيئة «لا يذهب العرف بَيْنَ اللَّه والناس» [5] . الْمَدَائِنِي قَالَ: قَالَ عَمْرو بْن هَدّاب: إِنَّمَا كُنَّا نعرف سؤدد سلم بأنه كَانَ يركب [6] وحده ثُمَّ يرجع فِي خمسين. قَالَ: واستنشد سلم أبا عَمْرو بْن العلاء شعر الفرزدق [7] : تحن بزوراء المدينة ناقتي ... حنين عجول تبتغي البوّ رائم

_ [1] انظر الاغاني ج 20 ص 255 وما بعدها. [2] الأصل: أبي. انظر ص 35 من هذا الكتاب، والطبري س 1 ص 2774 وص 2889، والبسوي- كتاب المعرفة والتاريخ ج 2 ص 248 وما بعدها. [3] «بأن» سقطت من ط. [4] «عن» سقطت من ط. [5] ديوان الحطيئة ص 284. [6] ط: يركب كان. [7] الموشح للمرزباني ص 108، ديوان الفرزدق ج 2 ص 307.

ونسي أَبُو عَمْرو مَا فِيهَا من هجاء قَيْس، فوقف، وعرف سلم مَا سبب وقوفه فَقَالَ: هات لِلَّهِ أبوك، فَقَالَ: اعفني أصلح اللَّه الأمير، قَالَ: والله لتسلسلنها فِي آذانهم فِي سواد هَذَا الليل. الْمَدَائِنِي قَالَ: قيل لسلم بْن قُتَيْبَة: قَدْ ساءت آداب حشمك لحسن خلقك، فَقَالَ: لأن ينسب حشمي إِلَى سوء الأدب أحبّ إليّ من أنسب إِلَى سوء الخلق. وَكَانَ أَهْل طستنجان قطعوا الطريق فِي عمل سلم، ففرض فرضًا بالبصرة ووجهه إليهم فقاتلوهم ثُمَّ اصطلحوا فكتب عَلَيْهِم كتابًا وَكَانَ أول من فعل ذَلِكَ. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: قسم يَزِيد الرَّشك بَيْنَ سلم وإخوته، أرضًا بالطف، فجار عَلَى سلم، فَلَمَّا ولي تجنَّى عَلَيْهِ فضربه، وَكَانَ يَزِيد قاسم أَهْل البصرة فِي زمانه. وتكلم رَجُل بكلام حسن، فَقَالَ بعض من حضر: هذا كلام نعلمه [1] ، فَقَالَ سلم: قَدْ أَحْسَن من تعلم كلامًا حسنًا من غيره فأداه فِي موضعه. قَالُوا: ولما حُصر ابْن هبيرة وظهر أمر المسودة كتب سفيان بن معاوية ابن يَزِيد بْن المهلب إِلَى أَبِي سلمة حَفْص بْن سُلَيْمَان الداعية: إنك إِن وليتني البصرة أخذتها لَك، فكتب إِلَيْهِ بولايتها، فسود وأرسل الى سلم: اني لَك شاكر مَا سلف من بلائك عندنا وَقَدْ ولاني هَؤُلاءِ الْقَوْم البصرة فأخرج من دار الإمارة وأنزل حيث شئت فِي الرحب والسعة. فأرسل إِلَيْهِ سلم: إني غَيْر خارج منها، ولكن وادِعْني حَتَّى ننظر مَا يصنع ابْن هبيرة فَإِن خرج عن واسط وقتل خرجت لَك عَنْ دار الإمارة فإنك تعلم إِن مَرْوَان وابن هبيرة لَمْ يُقتلا وَلَمْ يُهزما، فأبى سُفْيَان أن يفعل، فأرسل سلم إِلَى بَنِي تميم يستنصرهم، فحثهم عَلَى نصرته جيهان بْن محرز المنقري وأَذكرهم خذلانهم عدي بْن أرطاة فأجابوه. وسفر بَيْنَ سلم وَسُفْيَان اسماعيل بن مسلم المكي وعباد بْن مَنْصُور وعثمان البتي مَوْلَى ثقيف، وابو سفيان بن العلاء ومعاوية ابن عُمَر بْن غلاب ومسلمة بْن علقمة، وَقَالَ أَبُو النضر [2] النحوي: أنشدك اللَّه فِي نفسك فَإِن تميمًا لا تناصحك وَقَدْ ذهبت دولة أَهْل الشام، فنهره وزبره، وكلْم هَؤُلاءِ الَّذِينَ سميناهم سُفْيَان وحذروه الْفِتْنَة، فَقَالَ سُفْيَان لابن العلاء: أترى سلما

_ [1] م: تعلمه. [2] م: النصر.

مقاتلي؟ فَقَالَ: أي والله ولو كنت فِي تسعة آلاف وتسع مائة وتسعة وتسعين وَهُوَ وحده حَتَّى تخرج نَفْسه، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن المهلب حاضرًا فصوب قَوْل ابن العلاء وَقَالَ: صدقته ونصحته، فوادعه سُفْيَان وكتب بينهما كتابا عَلَى أن يقيما عَلَى هيئتهما (613) حَتَّى ينظرا مَا يصنع ابْن هبيرة والمسودة. وبلغ الْخَبَر أبا سلمة، فكتب إِلَى بلج بْن المثنى بن مخرّبة العبْدي: أن قاتل سُفْيَان سلمًا وإلا فأنت أمِير البصرة، فأعلم بلج سُفْيَان ذَلِكَ، فَقَالَ: لا بَل أقاتل سُفْيَان، وأمسك بلج عَنْ تولي البصرة. وكتب أَبُو سلمة إِلَى الصمة بْن دريد بْن حبيب بْن المهلب بعهده عَلَى البصرة، فحرك ذَلِكَ سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة تحريكًا شديدًا وعزم عَلَى محاربة سلم، فأرسل إِلَى المشارع فأخذ كُل دابة وجدها. وبلغ ذَلِكَ سلمًا فأبرز سريره وأرسل إِلَى أَصْحَابه فجاءته قَيْس وتميم وبنو مسمع من بَكْر بْن وائل وأتاه تسنيم بْن الحواري، واجتمع إِلَى سُفْيَان أَصْحَابه الأزد وبكر بْن وائل وعبد القيس، فعقد سلم لأبان بْن مُعَاوِيَة بْن هِشَام بْن عَبْدِ الْمَلِك بْن مَرْوَان عَلَى أَهْل العالية ومن كَانَ من قريش وثقيف، ولعمر بْن المسور بْن عُمَر بْن عباد عَلَى بَنِي عَمْرو وحنظلة، وعمر بْن المسور الَّذِي يقول فِيهِ غيلان بْن حُرَيْث التميمي: يَا عُمَر بْن مسور بْن عباد ... أَنْتَ الجواد ابْن الخيار الأجواد وجعل سُفْيَان عَلَى ميمنته مُعَاوِيَة ابنه، وعلى ميسرته مُحَمَّد بْن المهلب، وعقد لعبد الْوَاحِد بْن زِيَاد بْن عَمْرو عَلَى طائفة من أَصْحَابه، وصار سُفْيَان فِي أَصْحَابه إِلَى موضع بالبصرة يعرف بسقاية ابْن بُرثُن وأتته بنو حَنِيفَة وبنو هزان من عنزة بْن أسد بْن ربيعة. وخرج دريد بْن الصمة بْن حبيب بْن المهلب فِي أَحْسَن من عدة سُفْيَان، وقدم عَلَى سلم مددٌ من أَهْل الشام فالتقوا فِي يَوْم أربعاء وأمر سُفْيَان فنودي: من جاء برأس فلهُ خمس مائة درهم ومن جاء بأسير فَلَه ثلاث مائة، ووجه عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد بْن عَمْرو العتكي فحرق ظلال السوق. ووجه سلم ابان ابن مُعَاوِيَة ومعه أمية بْن خَالِد بْن أَبِي عُثْمَان، من ولد خَالِد بْن أسيد، وعبد الله بن ابن مُعَاوِيَة ومعه أمية بْن خَالِد بْن أَبِي عُثْمَان، من ولد خَالِد بْن أسيد، وعبد اللَّه بْن عَمْرو الثقفي إِلَى ناحية من النواحي فمرّ بقوم لهم صنيع فأخرجوا إليه فالوذج فإنه [1]

_ [1] م: وانه.

ليأكل إذ حُمل عَلَى أَصْحَابه فانهزموا، فمسح يده ووضع بيضته عَلَى رأسه وركب فهزم أولئك الَّذِينَ حملوا عَلَى أَصْحَابه وهزم أَصْحَاب سُفْيَان أقبح هزيمة، وقاتل سُفْيَان سلمًا فِي يَوْم الخميس فهزم سُفْيَان وأَصْحَابه حَتَّى خرج من بَاب البصرة ومعه عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن المهلب، وقتل مُعَاوِيَة ابنه. وَكَانَ عَلَى الشاميين الَّذِينَ أُمدّ سلم بِهِمْ جَابِر بْن تَوبة الكلابي، فانتهبوا دور العتيك، حَتَّى أخذوا الشاء والدجاج، وأرادوا استعراض ربيعة حَتَّى كُلم جَابِر فكفهم. وصار سُفْيَان إِلَى ناحية ميسان أو كسكر، وأقام سلم بالبصرة نحوًا من شهرين فَلَمَّا رَأَى علوًا من المسودة شخص عن البصرة إِلَى البادية واستخلف عَلَى البصرة مُحَمَّد بْن جَعْفَر أحد بَنِي نوفل بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فكان أول من سود بَعْد سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة، ولما هرب سُفْيَان سود مسمع بْن مَالِك بْن مسمع الأبرص وضبط البصرة، وقدم بسام وَهُوَ والي الأهواز فأقام بالبصرة [1] حَتَّى ولي سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة البصرة ثانية. ولما قدم بسام بْن إِبْرَاهِيمَ البصرة هدم دار عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عُثْمَان وَهُوَ ابْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد ودار مُحَمَّد بْن واسع بْن عُبَيْد بْن عَاصِم بْن قَيْس بْن الصلت بْن حبيب السلمي ودار ابْن رالان ودار بشر بْن هلال بْن أحوز ودورًا من دور المضرية. وكان بسّام قد ولي الأهواز من قبل أَبِي سلمة الداعية. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: هدم هَذِهِ الدور سُفْيَان حِينَ ولي البصرة بعد أن سكنت الْفِتْنَة. وقدم عَبْد الصمد بْن عَلِي فأخذ بيعة أهلها. ولما خرج سلم من البصرة كتب أَبُو العباس الى داود ابن عَلِي وَهُوَ عامله عَلَى الحجاز يأمره بطلبه فوجه فِي طلبه فلم يقدر عَلَيْهِ، وبعث سلم إِلَى أَبِي الْعَبَّاس (614) ببيعته مَعَ مُحَمَّد بْن سَعْد الْأَنْصَارِيّ وكتب يذكر طاعته وأنه استخلف عَلَى البصرة رجلًا من بَنِي هاشم لميله إليهم فَقَالَ: لو أقام لنفعه ذَلِكَ، وكتب لَهُ أمانًا وأمره بالظهور والقدوم. وكتب سُفْيَان إِلَى أَبِي الْعَبَّاس مَعَ سُلَيْمَان بْن أَبِي عُيَيْنَة يعلمه مَا كَانَ من مبادرته إِلَى الطاعة والتسويد ويشكو اجتماع مضر عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو سلمة: يُكتب عهد سُفْيَان عَلَى البصرة، فكُتب لَهُ عهد من أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَبِي الْعَبَّاس بولايتها، فَلَمَّا قتل أَبُو سلمة أمر أَبُو الْعَبَّاس بعزل سُفْيَان وَقَالَ: هُوَ من عمال الناكث أَبِي سلمة، وَوَلَّى البصرة عمر

_ [1] م: البصرة.

ابن حفص هزار مرد، ثُمَّ وَلَّى سُلَيْمَان بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أتى سلم البادية فأقام فِي قومه وولد لَهُ، ثُمَّ أتاه أمان أَبِي الْعَبَّاس عَنْ غَيْر طلب منه لَهُ فَأَقْبَلَ إِلَى البصرة حَتَّى نزل فِي دار أَبِي [1] سُفْيَان بْن العلاء ليلًا وبعث إِلَى سُلَيْمَان بْن عَلِي يعلمه مكانه، وَقَدْ كَانَ كتاب أَبِي الْعَبَّاس ورد عَلَيْهِ بإيمانه وأخذ البيعة عَلَيْهِ، فغدا عَلَى سُلَيْمَان فأمنه وأخذ عَلَيْهِ البيعة، فاعترضه مُحَمَّد ابن أَبِي عُيَيْنَة بْن المهلب فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير أتؤمنه وسَيْفه يقطر من دماء أنصاركم! فلم يكلمه، فَقَالَ سُلَيْمَان: كلمه، فَقَالَ سلم: إِن آل المهلب فراش قين وذبان طمع شرابون بأنقع لا يوثق مِنْهُم بثقة ولا يحامون عَلَى حرمه وَهُمْ أَصْحَاب يَزِيد بالعقر أسلموه، وأَصْحَاب سُلَيْمَان بْن حبيب بالأمس خذلوه، وَهَذَا بَعْد فِي نَفْسه فَإِنَّمَا هُوَ نطفة سكران فِي رحم صناجة. فَقَالَ مُحَمَّد: أصلح اللَّه الأمير خذ لي بحدي، فأمر سُلَيْمَان بإخراجه فأخرج، ثُمَّ غدا عَلَى سُلَيْمَان مستعديًا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: ويحك مَا كَانَ سلم ليقول شيئًا إلّا شهد عليْه ألف نزاري، فأمسك. وَقَالَ يُونُس النحوي: نظرت إِلَى رؤبة بْن العجاج فِي مربعة بَاب عُثْمَان وَذَلِكَ فِي الحرب بَيْنَ سلم وَسُفْيَان وَهُوَ عَلَى فرس متقلدا سيفه ومتنكبًا قوسه يَقُول: يَا معشر الفتيان، يَعْنِي بَنِي تميم، أطلقوا لساني بجميل ذكركم، فَإِذَا أتى رَجُل بأسير أَوْ رأس قتيل قَالَ: لا شلل ولا عمى. وَقَالَ ابْن المقفع، ويقال يَحْيَى بْن زِيَاد الحارثي: مَا كنت أعجب مِمَّنْ نال ميسرة ... حَتَّى مررت عَلَى دار لسفيان لا تعجبن، فَقَدْ يُلفى الكريم له ... جد عثور ويضحي الوغد ذا شأن ان كنت لا تدعي بيتًا لَهُ قدم ... إلا بقصرك لَمْ تنهض بأركان سام الرجال بآباءٍ لَهُمْ شرف ... تلك الفضيلةُ لا مَا شيد الباني وإن سموتَ بيوم العقر مفتخرًا ... فذلك العار للباقي وللفاني واذكر ليالي سلم إذ تركتَ لَهُ ... مَا فِي رحالك من مال ونسوان فظل يفري أديم الأزد ضاحية ... فريًا وامعنت منه ايّ إمعان

_ [1] العبارة «سليمان بن علي ... نزل في دار» سقطت من م.

وفاة السفاح

وَكَانَ سلم لا يؤتي بأسير إلا حبسه، حَتَّى أُتي [1] بابن عم لَهُ يكنى أبا عصام فأمر بضرب عنقه وَقَالَ: دقّك بالمنحاز حبّ القلقل [2] وَكَانَ عُمَر بْن مسور يأخذ أسلحة الأسارى ويخلي سربهم. قَالُوا: ولما ولي سُفْيَان دعا بخالد بْن صفوان وَكَانَ قَدْ قتل لَهُ ولد أيضًا فِي الحرب فَقَالَ لَهُ: عزني، فَقَالَ أَنَا وأنت كَمَا قَالَتْ الباكية: أسعدنني أخواتي فالويل لي ولكُنَّه فغضب وَقَالَ: جددت لي حزنًا، فَقَالَ: ليسل عَنْك مَا تجد من اللوعة عَلَيْهِ علمُك بأنك غَيْر باقٍ. [وفاة السفاح] حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود عَنْ مشايخ الكوفيين قَالُوا: كَانَ أَبُو (615) الْعَبَّاس طويلًا أبيض أقنى ذا شعر أسود جعد حسن اللحية جعدها. قدم من الشام ثُمَّ قدم أهله بعده، فجاءته الخلافة ومعه دَاوُد بْن عَلِي وموسى بْن دَاوُد والمنصور وعيسى بْن مُوسَى ومحمد وعبد الْوَهَّاب ابنا إِبْرَاهِيم الْإِمَام والعباس بْن مُحَمَّد وَيَحْيَى بْن مُحَمَّد وسليمان وصالح وعبد اللَّه وعبد الصمد وإسماعيل وعيسى بنو عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ، وَيَحْيَى بْن جَعْفَر بْن تمام ومحمد بْن جَعْفَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس ورجل من بَنِي معبد بْن الْعَبَّاس. قَالَ: وَكَانَ قاضياه ابْن أَبِي ليلى وابن شبرمة. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود عَنْ زهير بْن الْمُسَيِّب الضَّبِّيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اجتمع لأبي الْعَبَّاس فِي سنة ست وثلاثين فتح السِّنْد وإفريقية ومكاتبة صاحب الأندلس فَقَالَ لبعض عمومته: سمعت أنه إِذَا فتح السند وإفريقية مَاتَ القائم من آل مُحَمَّد، فَقَالَ لَهُ: كلا، فَمَا برح حَتَّى دعا بدواج لقشعريرة أصابته. الْمَدَائِنِي وأبو مَسْعُود قَالا: كَانَ الدم قَدْ هاج بأبي الْعَبَّاس فأشار عَلَيْهِ الأطباء بالفصد فلم يقدم عَلَيْهِ فحُم، ثُمَّ خرج به المُوم [3] فمات بالأنبار. وَكَانَ أراد البيعة لابنه مُحَمَّد ثُمَّ قَالَ: ابني حدث فَمَا عذري عند ربي، فقالت له أم سلمة

_ [1] ط: بان. [2] ط: دقك بالمنجار حب الفلفل. انظر مجمع الأمثال للميداني ج 1 ص 178، ولسان العرب مادة قلل. [3] جاء في هامش د: الموم: البرسام.

وولد لأبي العباس

بِنْت يعقوب امرأته وَهِيَ أم مُحَمَّد: وَلِّ غيره واجعله ثانيًا، وكلمت أخواله فِي أَن يسألوه ذَلِكَ، فَقَالَ: أخاف أَن يقصر عُمَر من اجعله قبله فتدركه الخلافة وَهُوَ صَغِير فيصير الأمر إِلَيْهِ قبل أَن يستحقه ولكني أصيره إِلَى رجل من أهلي أثق بفضله واحتماله، فاثبت اسم أَبِي جَعْفَر الْمَنْصُور وعيسى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد من بعده فِي كتاب وخُتم الكتاب وجُعل فِي منديل وجُمعت أطرافه وخُتم عَلَيْهِ بخاتم أَبِي الْعَبَّاس وأخذه عِيسَى بْن عَلِي إِلَيْهِ. وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي قَالَ: كَانَ أَبُو الْعَبَّاس يتقلب فيبقى جلده عَلَى الفراش، وخرج رجيع دَاوُد بْن عَلِي من فمه، وسُقي بطن يَحْيَى بْن مُحَمَّد. وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن [1] الْمَدَائِنِي قَالَ: قَالَ لأبي الْعَبَّاس بَعْض عمومته: كَيْفَ أصبح أمِير الْمُؤْمِنيِنَ؟ فَقَالَ الطبيب: أصبح صالحًا، فسَلَتَ ذراعه بيده فتناثر لحمه وَقَالَ: كَيْفَ يَكُون صالحًا [2] من هَذِهِ حاله؟ وكانت خلافة أَبِي الْعَبَّاس أربع سنين وثمانية أشهر وأياما، وتوفي بالأنبار سنة ست وثلاثين ومائة ودفن بالأنبار، وصلى عَلَيْهِ عِيسَى بْن عَلِي عمه، وَقَالَ بَعْضهم عِيسَى بْن مُوسَى ابْن [3] أَخِيهِ، وَكَانَ لَهُ يَوْم توفي ست وثلاثون سنة، ويقال أقل من ذَلِكَ. وَكَانَ آخر مَا تكلم بِهِ أَن تشهد، ثُمَّ قَالَ: إليك ربي لا إِلَى النار. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح قَالَ: بلغني أَن عِيسَى بْن عَلِي قَالَ لأبي الْعَبَّاس: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ اذكر رجلًا يمد الناسُ إِلَيْهِ أعناقهم بعدك، فَإِن ذَلِكَ لا يقدم ولا يؤخر، فَقَالَ: كنت وعدت عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي إِن قام بِهَذَا الأمر أَن أوليه الخلافة بعدي، فَقَالَ لَهُ سَعِيد بْن عَمْرو بْن جعدة الْمَخْزُومِيُّ: لا تخرجها من ولد مُحَمَّد بْن عَلِي، فقبل قَوْله. وولد لأبي الْعَبَّاس مُحَمَّد [4] والعباس وعلي وإبراهيم وإسماعيل، درج هَؤُلاءِ الأربعة، وريطة، وأمهم

_ [1] «ابو الحسن» ليست في د، م. [2] العبارة «فسلت ... صالحا» سقطت من ط. [3] «ابن» سقط من م. [4] انظر ترجمته في الصولي- اشعار اولاد الخلفاء ص 3 وما بعدها.

أم سلمة بِنْت يعقوب بْن سَلَمَةَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْوَلِيد بْن الْوَلِيد [1] بْن المغيرة الْمَخْزُومِيِّ. فأما ريطة فتزوجها مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَلِي المخالف لأبي جَعْفَر فتوفي قبل أَن يجتمعا، فتزوجها مُحَمَّد فولدت له عليّا وعبد الله ابني المهدي، وكانت ريطة من أشد النَّاس قوةً وبطشًا. وأمّا مُحَمَّد بْن أَبِي الْعَبَّاس فكان أشد النَّاس أيضًا بطشًا عابثة الْمَهْدِي وَهُوَ أمِير فغمز [2] ركابه حَتَّى ضاق وضغط رجله فلم يقدر (616) عَلَى إخراجها منه حَتَّى رده فأخرجها. وأغزى الْمَنْصُور مُحَمَّد بْن أَبِي الْعَبَّاس الديلم فِي سنة إحدى وأربعين ومائة فِي أَهْل البصرة والكوفة والجزيرة والسواد، ووجهه فِي سنة سبع وأربعين ومائة عاملًا عَلَى البصرة، فاشتكى واستعفى فأعفاه واستخلف عَلَى البصرة عقبة بْن سلم فأقره الْمَنْصُور بعده إِلَى سنة إحدى وخمسين ومائة. وَكَانَ مُحَمَّد يَقُول الشعر ويتغنى بِهِ الحكم الوادي المغني، فَمَنْ شعره [3] : زينب مَا ذنبي وماذا الَّذِي ... غضبتم فِيهِ وَلَمْ تُغضبوا والله مَا أعرف لي عندكم ... ذنبًا، ففيم العتب يَا زينب ويقال إِن حمادًا المعروف بعجرد قَالَ لَهُ هَذَا الشعر، وَقَالَ لَهُ: يَا ساكن [4] المربد قَدْ هجت لي ... شوقًا فَمَا أَنْفَكُّ بالمربد سوف أوافي حفرتي عاجلًا ... يَا منيتي إِن أَنْت لَمْ تسعدي وحدثني عباس بن هشام عن أبيه قال: دَخَلَ دحمان الأشقر المغني وحكم الوادي عَلَى مُحَمَّد بْن أَبِي الْعَبَّاس بالبصرة فدعا بكيس فِيهِ أربعة آلاف درهم فَقَالَ: من غنى صوتًا يطربني فالكيس لَهُ، فغني دحمان صوتًا قديمًا ثقيلًا [5] فلم يطرب لَهُ، فغنى حكم هزجًا فطرب لَهُ وحرّك رجليه ورأسه، وأمر بالكيس فدفع إِلَيْهِ. قَالَ: والحكم منسوب إِلَى وادي القرى. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب قَالَ: كَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي الْعَبَّاس يلوي

_ [1] سقط «ابن الوليد» من م. انظر جمهرة الأنساب ص 148. [2] ط: فعمر. [3] انظر اشعار اولاد الخلفاء ص 4. [4] ن. م. ص 6: قمر. [5] م: ثقيلا قديما.

العمود ويلقيه إِلَى أخته ريطة فترده، قَالَ: وولاه الْمَنْصُور البصرة، فكان يخضب لحيته بالغالية فكنوه أبا الدبس. قَالَ: وَكَانَ مَعَهُ حكم الوادي وَكَانَ ضاربًا [1] ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْته فِي خلافة الرشيد جسيمًا أحول. قَالَ الْمَدَائِنِي: ومن غناء الحكم شعر حَمَّاد عجرد [2] فِي مُحَمَّد بن أبي العباس: أرجوك [3] بعد أبي العباس إذ بانا ... يَا أكرم النَّاس أعراقًا وعيدانا [4] فأنت أكرم من يمشي عَلَى قدم ... وأنضر النَّاس عِنْدَ المحل أغصانا لو مَج عودٌ عَلَى قوم غضارته [5] ... لمج عودك فينا المسك والبانا وَقَالَ الْمَدَائِنِي: قَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي الْعَبَّاس: قولا لزينب لو رَأَيْت ... تشوفي لَك واشترافي [6] وتلدّدي كيما أراك ... وَكَانَ شخصك غَيْر جاف [7] ووجدت ريحك ساطعًا ... كالبيت جُمِّر للطواف وتركتني وكأنما ... قلبي يوجّأ بالأشافي قَالَ: وفيه غناء ليونس الكاتب. قَالَ: ويقال ان زينب هذه زينب بنت سليمان، ويقال زينب بِنْت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن [8] وَكَانَ قَدْ زُوّجها فأراد الابتناء بِهَا فِي الْمَدِينَةِ حِينَ قتل أبوها فمنعه عِيسَى بْن مُوسَى من ذَلِكَ ولامه عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا جاهل، مَا يؤمنك أَن تقتلك بأبيها! فيقال إِن عِيسَى بْن مُوسَى تزوجها بَعْد وفاته، وَلَمْ يدخل بِهَا مُحَمَّد حَتَّى توفي. وَكَانَ موت مُحَمَّد بْن أَبِي العباس ببغداد.

_ [1] الأصل: ضاريا. [2] ترجمته في الاغاني ج 14 ص 304 وما بعدها، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص 663 وما بعدها، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 424- 25، وطبقات الشعراء لابن المعتز ص 67 وما بعدها. [3] في طبقات ابن المعتز: أدعوك. [4] في الشعر والشعراء ص 665: اغطانا. [5] في ن. م. وابن عساكر والاغاني وطبقات ابن المعتز: عصارته. انظر لسان العرب مادة: غضر. [6] انظر الخبر في الاغاني ج 4 ص 405. [7] في اشعار اولاد الخلفاء: وتلفّتي خوف الوشا ... ة وكان حبك غير خاف [8] «ابن حسن» الثانية ليست في ط.

وَقَالَ الحرمازي: كَانَ حَمَّاد عجرد [1] يَقُول الشعر لمحمد بْن أَبِي الْعَبَّاس فِي زينب بِنْت سُلَيْمَان بْن عَلِي، فطلب مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان عجردًا فاستجار عجرد بقبر [2] سُلَيْمَان بْن عَلِي فلم ينفعه ذَلِكَ عنده. وقيل إِن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان لما ولي الكوفة طلب عجردًا فشخص إِلَى البصرة فاستجار بقبر [3] سُلَيْمَان بْن عَلِي، وَقَالَ فِي أبيات لَهُ [4] : إِن أكن مذنبا فأنت ابن ... من كان لمن كان مذنبا غفارا (617) يا بن بِنْت النَّبِيّ إني لا أجعل [5] ... إلَّا إليك منك الفرارا غير اني جعلت قبر أبي أيو ... ب (لي) [6] من حوادث الدهر جارا لَمْ أجد لي من الأنام [7] مجيرًا ... فاستجرت التراب [8] والأحجارا فألح فِي طلبه فأتى قبر سُلَيْمَان فكتب عَلَيْهِ [9] : قل لوجه الخصي ذي العار إني ... سوف أُهدي لزينب الأشعارا قَدْ لعمري فررتُ من شدّة الخو ... ف وأنكرت صاحبيّ جهارا [10] وظننت القبول يمنع جارا [11] ... فاستجرت التراب والأحجارا فاذا [12] القبر لَيْسَ لي بمجير ... فحشا اللَّه ذلك القبر نارا [13]

_ [1] انظر الاغاني ج 14 ص 304 وما بعدها. [2] ط: بغير. [3] ط: بغير. [4] القصيدة في الاغاني ج 14 ص 360 مع اختلاف في تسلسل الأبيات، وانظر طبقات الشعراء لابن المعتز ص 67، واشعار اولاد الخلفاء ص 5. [5] في الاغاني: يا ابن بنت النبي احمد لا اجعل. [6] الاضافة من الاغاني وطبقات ابن المعتز. [7] ن. م.: العباد. [8] طبقات ابن المعتز: القبور. [9] الأبيات في الاغاني ج 14 ص 361، والبحث الاول في اشعار اولاد الخلفاء ص 5. [10] ن. م.: نهارا. [11] ن. م.: وظننت القبور تمنع جارا. [12] ط: فانا. [13] يورد الاغاني بيتين محل هذا البيت: كنت عند استجارتي بابي أي ... وب ابغي ضلالة وخسارا لم يجرني ولم أجد فيه حظا ... اضرم اللَّه ذَلِكَ القبر نارا

وأما عبد الله بن محمد أبو جعفر وهو المنصور

وكانت أم سلمة بِنْت يعقوب عِنْدَ مسلمة بْن هِشَام المعروف بأبي شاكر فطلقها فخلف أَبُو الْعَبَّاس عَلَيْهَا، ويقال كَانَتْ عِنْدَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الْمَلِك، ويقال عِنْدَ مسلمة بْن عَبْدِ الْمَلِك، والثبت عِنْدَ أَبِي شاكر. وَكَانَ إِسْمَاعِيل بْن عَلِي تزوج أم سلمة بَعْد أَبِي الْعَبَّاس فغضب الْمَنْصُور من ذَلِكَ فطلقها، وَقَالَ بَعْضهم: خطبها فَلَمَّا أنكر الْمَنْصُور ذَلِكَ أمسك. وَأَمَّا عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد أَبُو جَعْفَر وَهُوَ الْمَنْصُور فكان يعرف بعبد اللَّه الطويل، وَلَمْ يزل مشهورًا بطلب العلم والفقه والآثار. حَدَّثَنِي ابْن الأَعْرَابِيِّ الراوية عَنْ سَعِيد بْن سلم قَالَ: وجه مُحَمَّد بْن عَلِي عَبْد اللَّهِ ابنه أبا جَعْفَر إِلَى البصرة ليزور من بها ويدعو إِلَى الرضا من آل مُحَمَّد، فكان يَأْتِي عَمْرو بْن عُبَيْد ويألفه، فَلَمَّا صار إِلَى الشام سمعه أَبُوه يتكلم بشيء يقايس فِيهِ فأنكره عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا من كَلام مَوْلَى بَنِي تميم، يَعْنِي عَمْرو بْن عُبَيْد. وَحَدَّثَنِي جَمَاعَة من المشايخ قَالُوا: لما خرج عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز، عامل يَزِيد بْن الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك، سار إِلَيْهِ الْمَنْصُور فيمن أتاه من بَنِي هاشم فولاه ايذج [1] من الأهواز، فأخذه سُلَيْمَان بْن حبيب بْن المهلب وَكَانَ عامل عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر عَلَى الأهواز فحبسه وشتمه ومن هُوَ منه وأراد قتلَه، فَقَالَ لَهُ سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة ويزيد بْن حاتم: إِنَّمَا أفْلَتْنَا من بَنِي أميَّة بالأمس أفتريد ان يكون لبني هاشم عندنا دم! فخلى سبيله، ويقال إنه كَانَ ضربه، فَلَمَّا خلصا [2] الْمَنْصُور من يد سُلَيْمَان بْن حبيب صار الى عمرو ابن عُبَيْد فأقام عنده ثُمَّ سار مستترًا إِلَى الحميمة من أرض الشراة. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود عَنْ إِسْحَاق بْن عِيسَى قَالَ: لما شخص ابو جعفر يريد عبد الله ابن معاوية مرّ بالراوي [3] فقيل له: ان ها هنا منجمًا يُقَالُ لَهُ نوبخت [4] ، فعدل إِلَيْهِ وسأله عما يؤول إِلَيْهِ حاله فِي وجهه فيما بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ نوبخت: أما أَنْتَ فسيصير إليك

_ [1] ط: انذح، د، م: انذح. وتدعى الآن مالمير 53 49 شرق، 52 31 شمال 59. -. [2] الأصل: خلصه. [3] كذا، ولعل الكلمة (الزاوية) وهي على فرسخين من البصرة، انظر الاصطخري ص 88، ياقوت- بلدان ج 2 ص 911، والروض المعطار للحميري ص 283. [4] م: توبخت.

ملك العرب وَأَمَّا وجهك هَذَا فسينالك فِيهِ مكروه، فلحق بعبد اللَّه وَكَانَ من أمره مَا كَانَ. حَدَّثَنِي عُمَرُ [1] بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي وغيره، أَن أبا مُسْلِم كتب إِلَى أَبِي الْعَبَّاس يستأذنه فِي الحج، فكتب إِلَيْهِ: إِن الجهاد أفضل من الحج، فكتب: إنه لا بد لي من الحج فَإِنِّي حججت وأنا تابع بغير مالي وعلى غَيْر ظهري وَفِي نفسي من ذَلِكَ شَيْء. فكتب إِلَيْهِ يأمره بالقدوم فِي ألف وَيَقُول [2] : إِنَّمَا تسير فِي سلطان أهلك، وطريق مَكَّة طريق لا يحتمل العساكر، فأما المال فلا تستكثر منه وعول عَلَيْنَا فِيهِ، فأقبلَ فِي الرجال ومعه الأَمْوَالُ حَتَّى نزل الري وخلف بِهَا ثمانية آلاف فارس وخلف الأَمْوَالَ وأتى الأنبار فِي ألف وَقَالَ [3] : أني لأرجو أَن يموت أَبُو الْعَبَّاس فأكون مَعَ أقوى (618) من يَأْتِي بعده ثُمَّ أغلب عَلَى الأمر ويكون لي شأن من الشأن فلا يبقى بلد [4] إلا وطئته برجلي هاتين. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاس أظهر أَبُو الْعَبَّاس لَهُ جفوة لما بلغه عَنْهُ، ثُمَّ أظهر مبرته وَقَالَ لَهُ: لولا أَن أَخِي عَلَى الحج فِي عامه هَذَا لوليتك الموسم فإنك رجلٌ منّا أَهْل الْبَيْت. وَكَانَ الْمَنْصُور لما بلغه أَن أبا مُسْلِم عَلَى الحج كتب من الجزيرة يسأل [5] أَن يُوَلّى الموسم، ويقال: بَل كره أَبُو الْعَبَّاس أَن يسأله أَبُو مُسْلِم ولاية الموسم فلا يجد بدًا من توليته إياه. فكان أَبُو مُسْلِم يتقدم أمام أَبِي جَعْفَر باديًا وراجعًا خوفًا عَلَى نَفْسه لما كَانَ حقد عليْه حِينَ أتاه بخراسان من إجلاسه إياه فِي دهليزه وكتابه إِلَيْهِ يبدأ بنفسه، مَعَ أشياء كَانَتْ تبلغه عَنْهُ، فكان أَبُو مُسْلِم يَقُول: أما وجد أَبُو جَعْفَر سنة يحج فِيهَا إلا هَذِهِ السنة الَّتِي حججت فيها! فلما قضيا [6] حجهما فَأَقْبَلَ أَبُو مُسْلِم فكان بَيْنَ البستان وذات عِرْق جاء الْمَنْصُور خبر وفاة أَبِي الْعَبَّاس، وأبو مُسْلِم متقدمه بمرحلة، فكتب إلي أَبِي مُسْلِم إنه قَدْ حدث حدث لَيْسَ مثلك غاب عَنْهُ فصر إلي، فلم يقدم عليه وكتب إلي الْمَنْصُور كتابًا بدأ فِيهِ بنفسه، فقال المنصور:

_ [1] م: عمرو. [2] د: يقول له. [3] ط: فقال. [4] م: ولد. [5] د، م: يسأله. [6] ط: قضينا.

أنا بريء من الْعَبَّاس إن لَمْ أقتل ابْن وشيكة. وَكَانَ أَبُو مُسْلِم يصلح العقاب ويكسو الأعراب فِي كُل منزل فكان ذَلِكَ يغيظ أبا جَعْفَر ويرى أَنَّهُ استطالة منه عَلَيْهِ. فَلَمَّا ورد أَبُو جَعْفَر الأنبار وجد عِيسَى بْن مُوسَى بِهَا وَقَدْ حوى الخزائن والأموال وحفظها، فسلمها إِلَيْهِ. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي قَدْ خلع، فندب الْمَنْصُور أبا مُسْلِم لحربه، فسارع إِلَى ذَلِكَ ليتخلص من يده. وذكروا أَن أبا مُسْلِم لما ورد الأنبار أراد عِيسَى بْن مُوسَى عَلَى خلع الْمَنْصُور ومخالفته، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وصي الْإِمَام وأحق بالأمر من أَبِي جَعْفَر، فَقَالَ لَهُ: الأمر لعمي ولو قدمني أَبُو الْعَبَّاس لقدمتُه عَلَى نفسي. وَحَدَّثَنِي ابْن الأَعْرَابِيِّ عَنِ المفضل قَالَ: أَتَتْ أبا مُسْلِم وفاة أَبِي الْعَبَّاس وَلَمْ يعلم أَنَّهُ قَدْ ولى الْمَنْصُور الخلافة بعده، فكتب إِلَى الْمَنْصُور: عافاك اللَّه وأمتع بك، أتاني خبر وفاة أمِير الْمُؤْمِنيِنَ رحمه اللَّه فبلغ مني أَعْظَم مبلغ وأمسّهُ وَجَعًا وألمًا، فأعظم اللَّه أجرك وجبر مصيبتك، ورحم اللَّه أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وغفر لَهُ وجزاه بأحسن من عمله. فَلَمَّا قرأ الْمَنْصُور كتابه استشاط غضبًا، وكتب إِلَيْهِ: من عَبْد اللَّهِ عَبْد اللَّهِ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِلَى عَبْد الرَّحْمَن، وصل إليّ كتابك فرأيتك غَيْر موفق فِيهِ للرشد ولا مسدد للصواب، ولكني ذكرت مَا تقدم من طاعتك فعطفني عليك، وَقَدْ وليتك مقدمتي فسر عَلَى اسم اللَّه وبركته حَتَّى توافي الأنبار، ومن أنكرت من أمره شيئًا من عمالنا فصرفُه والاستبدال بِهِ إليك، فحقد كُل واحد منهما عَلَى صاحبه. قَالَ ابْن الأَعْرَابِيِّ، وَحَدَّثَنِي سَعْد بْن الْحَسَن، أَن الْمَنْصُور لما قرأ كتابه أجابه عَلَيْهِ وَقَدِ استشاط فَقَالَ لعطية بْن عَبْدِ الرَّحْمَن التغلبي: لمثلها كنت أحسيك الحسى، إِن العبد كتب إلي بِمَا ترى وَقَدْ أجبته فانطلق بالكتاب إِلَيْهِ، فَإِذَا أَخَذَ فِي قراءته فاضرب عنقه، فَإِن قُتِلْتَ فشهادة والله خليفتك عَلَى من تخلف وَهُمْ عندي عدل ولدي، وإن سلمتَ فلك من المكافأة مَا تطأ العرب بِهِ عقبك، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق بْن مُسْلِم: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إنه لا يؤمن أَن ينَبو سَيْفُه فيقتل باطلًا ويكرّ العلج عَلَيْنَا، وَقَالَ لَهُ يَزِيد بْن أسيد اذكر قَوْل القطامي: قَدْ يُدرك المتأنّي بعضَ حاجِته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل [1]

_ [1] انظر الاغاني ج 23 ص 180، ديوان القطامي (ن. ابراهيم السامرائي واحمد مطلوب) ص 25.

وَقَالَ لَهُ أَبُو أيوب كاتبه: أخَّر الأمر حَتَّى تقدم [1] إِلَى شيعتك وأهل بيتك. فأنفذ الْمَنْصُور كتابه مَعَ غَيْر عطية. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن خلف الوراق عَنْ عدة من آل حميد بْن قحطبة قَالُوا: لما بلغ أبا مُسْلِم موت أَبِي الْعَبَّاس كتب بِهِ إلى أبي جعفر وهو لا يعلم باستخلافه إياه، (619) فَلَمَّا أتاه أَنَّهُ قَدِ استخلفه كتب إِلَيْهِ [2] : أصلحك اللَّه يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ صلاحًا ناميًا باقيًا، بلغني هَذَا الأمر الذي أفظعني وأتاني به كتاب عيسى ابن مُوسَى مَعَ مُحَمَّد بْن الحُصين، إلا أَنَّهُ سرى [3] عني الغمّ ولوعة المصيبة مَا صار إليك من الأمر، فنسأل اللَّه أَن يعظم أجرك ويحسن الخلافة عليك فيما ولاك وأن يبارك لَك فيما قلدته، اعلم أَنَّهُ لَيْسَ أحد يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أشد تعظيمًا لحقك وحرصًا عَلَى مسرتك مني والله اسأل لَك السلامة فِي الدين والدنيا. وَكَانَ ورود الكتاب بصُفينة، ثُمَّ بعث أَبُو مُسْلِم بالبيعة بَعْد يومين، وإنما أراد أَن يرهبه. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ إِسْحَاق بْن عِيسَى بْن عَلِي، أَن أبا الْعَبَّاس توفي والمنصور بمكة وأبو مُسْلِم حاج أيضًا، فقام أَبِي، عِيسَى بْن عَلِي، فخطب النَّاس بالأنبار فَقَالَ: الحمد لِلَّهِ أَهْل الحمد ووَليه، ذي المجد والعظمة والكبرياء والقدرة الَّذِي كتب الْمَوْت عَلَى خلقه وَسِوَى فِيهِ بَيْنَ عباده فلم يعزّ [4] منه ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا ولا خليفة هاديًا، جعلهم فِيهِ شرعًا وجعله عَلَيْهِم حتمًا، فَقَالَ لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الخالدون [5] وقال: إنك ميّت وإنهم ميّتون فتبارك الله رب العالمين [6] . ثُمَّ إِن خليفتكم عَبْد اللَّهِ أبا الْعَبَّاس أمِير الْمُؤْمِنيِنَ رحمة اللَّه عَلَيْهِ كَانَ عبدًا من عباد اللَّه الَّذِينَ كتب عَلَيْهِم الْمَوْت ونقلهم إِلَى دار الثواب، أكرمه بخلافته وأحيا به سنّة

_ [1] ط: يقدم. [2] انظر الطبري س 3 ص 90. [3] م: صري. [4] ط: يفر. [5] سورة الأنبياء (21) ، آية 34. [6] سورة الزمر (30) ، آية 39.

نبيه وردَّ بِهِ حقّ أَهْل هَذَا الْبَيْت إليهم حَتَّى استقر فِي مقره وحل محله وخرج من أيدي الفجرة الظلمة أَهْل بَيْت اللعنة الَّذِينَ أخذوه اغتصابًا وظلمًا وابتزازًا بالتمويه والشَّبه وادّعاء الأباطيل، ثُمَّ استعمله اللَّه بطاعته الى انقضاء مدته وأثره ونفاذ أجَلِه وأكله، وقبضه إِلَيْهِ حميدًا رشيدًا قَدْ رَضِيَ سَعْيَه وأقام بِهِ حقّه، فرحمةُ اللَّه عَلَيْهِ وبركاته وصلواته. وَقَدِ استخلف أخاه أبا جَعْفَر أصلحه اللَّه وأمتع الخاصة والعامة بِهِ لكمال [1] سنة وفضل رأيه وصحة عزمه ونفاذ بصيرته، وجعل وليّ العَهد بعدّه عِيسَى بْن مُوسَى بْن عَلِي، وَهُوَ من قَدْ عرفتم جَزالَتَهُ وبراعته وفضله. فعند اللَّه نحتسب [2] أبا الْعَبَّاس أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وإياه نسألُ أَن يعظم أجورنا وأجوركم فِيهِ، وأن يبارك لأمير الْمُؤْمِنيِنَ فيما ولاه واسترعاه ويحضره الرشد والسداد فِي أموره. فبايعوا [3] رحمكم اللَّه لأمير الْمُؤْمِنيِنَ عَبْد اللَّهِ أمتع اللَّه بِهِ، ولعيسى بْن مُوسَى ابن مُحَمَّد بْن عَلِي إِن كَانَ من بعده، بيعة صادقة عَنْ طوع واعتقاد ونية حسنة بيعةً تنشرح بِهَا صدوركم وتخلص فِيهَا نياتكم لتنالوا بِهَا عاجل المكافأة وآجل الثواب إِن شاء اللَّه، أَحْسَن اللَّه عليكم الخلافة وتولاكم بالكفاية. ثُمَّ بكى وبكى 249/ 3 النَّاس، فَلَمَّا نزل كتب إِلَى عِيسَى بْن مُوسَى بالقدوم وَكَانَ بالكوفة فقدم الأنبار وأعطى النَّاس أرزاقهم. وكتب عِيسَى بْن عَلِي إِلَى أَبِي جَعْفَر: أما بَعْد، أصلح اللَّه أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، وأصلح بِهِ [4] وعلى يديه، فَإِن أقل المصائب يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ نكاية وإن عظُمت بِهَا الرزية وجل الخطب وأفظع الأمر مُصيبةٌ جبرت بحسن العوض فِي الدنيا وجزيل الثواب فِي الآخرة، وإن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أبا الْعَبَّاس رحمةُ اللَّه وصلاته عَلَيْهِ كَانَ من عباد اللَّه الَّذِينَ حتم عَلَيْهِم الْمَوْت وخلقهم للفناء فقبضه اللَّه حميدًا سعيدًا قائمًا بالحق جميل النظر للخاصة والعامة مشفقًا عَلَيْهِم مُعَفِّيًا بعدله عَلَى جور الظلمة من أَهْل بَيْت اللعنة وبإحسانه عَلَى إساءتهم وشرارتهم [5] ، وقد استخلفك يا أمير المؤمنين بعده وجعل وليّ عهدك (620) عيسى بن موسى بن محمد،

_ [1] ط، د: اكمال. [2] ط: يحتسب. [3] ط: فبايعوها. [4] م: اصلح رأيه به. [5] ط، د: سوء ارثهم، وصلحت في هامش د: شرارتهم.

فأعظم الله أجر أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عَلَى الرزِيَّة الفاجعة وبارك لَهُ فِي العطية الفاضلة، فلا مصيبة أجل من مصيبته ولا عُقبى أَحْسَن من عقباه، ورحم اللَّه أبا الْعَبَّاس وغفر لَهُ وضاعف لَهُ حسناته، وجعل اللَّه أمِير الْمُؤْمِنيِنَ خير خليفة وإمام، أعْمَله بعدل وأقومَهَ بحق وأنظرهُ لعامَّة وأحناه عَلَى خاصة بَمَنّه وقُدرته، وَقَدْ دعوت النَّاس إِلَى بيعتك يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فسارعوا إليها واحتسبوا الخير فِيهَا، حقِّقَ اللَّه آمالهم وبَلّغهم لَك وفيك أمانيهم يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فاشكر اللَّه يزدك واستعنه يُعنِك واستكفِهِ يكفك، أسأل اللَّه لأمير الْمُؤْمِنيِنَ أَحْسَن الحفظ وأدوم العافية والسلامة فِي الدنيا والآخرة. قال: وكتب رقعة أدرجها ني الكتاب لَمْ يُدر مَا فِيهَا، وبعث بالكتاب مَعَ مُحَمَّد بْن الحصين العَبْدي، فَلَمَّا قرأه أَبُو جَعْفَر بكى. وحمل عِيسَى بْن عَلِي [1] وعيسى بْن مُوسَى [2] مُحَمَّد بْن الحصين كتابين إِلَى أَبِي مُسْلِم بالتعزية والتهنئة بولاية أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَبِي جَعْفَر وَقَالَ مُحَمَّد بْن الحصين لأبي جَعْفَر حِينَ قرأ كتاب عِيسَى بْن عَلِي إِلَيْهِ: قَدْ أعقب اللَّه المصيبة الجليلة بالنعمة العظيمة، فأحسنَ اللَّه يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ من المصيبة عقباك وبارك لَك [3] فيما ولاك وأعطاك، فأمر لَهُ بخمس مائة دِينَار ويقال بألف دِينَار، وكتب إِلَى عِيسَى بْن عَلِي بأبرّ كتاب وألطفهِ وجزاه الخير عَلَى مَا كَانَ منه [4] ، وكتب إِلَى عِيسَى بْن عَلِي وعيسى بْن مُوسَى فِي القيام بأمر النَّاس وضبط مَا قبلهما إِلَى قدومه. قَالَ: وكتب عِيسَى بْن عَلِي إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي بالخبر وعزاه عَنْ أَبِي الْعَبَّاس وهنأه بولاية أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَبِي جَعْفَر، وأنفذ الكتاب مع أبي غسّان حاجب أبي غسان والهيثم بْن زِيَاد الخزاعي فَلَمَّا دخلا عليْه سلم الهيثم بالإمرة وسلم أبي العباس بالخلافة، فَقَالَ الهيثم: مَهْ فَإِن أبا الْعَبَّاس قَدِ استخلف أبا جَعْفَر أخاه، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: أَنَا أحق بالأمر منه، إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ رحمه اللَّه ندب النَّاس إِلَى الجَعْدي فتثاقلوا عَنْهُ فَقَالَ: من انتَدَبَ إِلَيْهِ فَهُوَ الخليفة بعدي، فانتدبتُ. فَقَالَ الهيثمُ: نشدتُك اللَّه أَن تهيج الْفِتْنَة وتعرض أَهْل بيتك لزوال النعمة. فقال: اسكت لا

_ [1] يضيف م: «ومحمد» . [2] يضيف ط: ابن، وهو سهو. انظر الطبري س 3 ص 89. [3] ط، د: له. [4] عبارة: «وكتب الى عيسى ... ما كان منه» ليست في م.

أمّ لك، وقام فخطب [1] فنعى أبا الْعَبَّاس وادعى أَنَّهُ ولّاه الخلافة بعده، فصدقه أَبُو غسان وكذبه الهيثم ورجل [2] آخر مَعَهُ، فأمر بالهيثم والرجل فضربت أعناقهما. وخرج ابْن عَلِي من دابق، وَكَانَ متوجهًا إِلَى بلاد الروم للغزو فِي مائة ألف، فَقَالَ لَهُ ابْن حنظلة البهراني: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، الرأي أَن توجه ألف [3] رَجُل وتبعث عَلَيْهِم رجلًا تثق بصرامته وبأسه ونصيحته، وتأمره أَن يأخذ طريق المساوة فلا يشعر أَبُو جَعْفَر وأبو مُسْلِم إِلا بموافاته إياهما، وتغذ أَنْتَ السير [4] حَتَّى تنزل الأنبار، فلم يقبل مشورته لأنه من أَهْل الشام. وَقَدْ كَانَ أَبُو جَعْفَر خاف هَذَا الفعل من عَبْد اللَّهِ فأسرع السير وأغذه حَتَّى نزل الأنبار فسأل عَنِ ابْن عَلِي فأخبر أنه بحران [5] قد صمد صمد مقاتل [6] بْن حَكِيم العكي لإبائه بيعته حتى يجتمع النَّاس فحمد اللَّه عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ بلغه أَنَّهُ قَدْ أخذه وبعث بِهِ إِلَى عُثْمَان بْن سُراقه فحبسه بدمشق [7] فَقَالَ: لِلَّهِ العكي ماذا يذهب منه. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود قَالَ: لما أتى أبا جَعْفَر [8] خبر وفاة أبي العباس دعا إسحاق ابن مُسْلِم العقيلي، وَكَانَ قَدْ حجّ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: ماذا ترى أَن نصنع [9] ؟ فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، إِن كَانَ ابْن عَلِي حازمًا فسيوجه خيلًا تلقانا فِي هَذِهِ البراري فتحول بيننا وبين دار الخلافة ويأخذنا أسراء فاقُعد عَلَى دوابك فَإِنَّمَا هِيَ لَيَالٍ حَتَّى نقدم [10] الأنبار. قَالَ: فَإِن هُوَ لَمْ يخالف؟ قَالَ: فلا حياة بِهِ، والرأي إغذاذ السّير عَلَى حال. قَالَ: فارتحل أَبُو جَعْفَر وقدّم أبا مُسْلِم أمامه يطوي المراحل إِلَى الأنبار، وندب أبا مُسْلِم لعبد اللَّه (621) بْن عَلِي فسارع إلى محاربته. حدثني محمد ابن الأَعْرَابِيِّ قَالَ: لَقِيَتِ الْمَنْصُور أعرابيةٌ فِي طريقه، وقد توفي أبو العباس

_ [1] م: فخطب الناس. [2] ط، د: «دخل» . [3] م: الى. [4] م: وتغذ ابنا نسير، ط: تغد. [5] تقع حران في الجنوب الغربي من اورفة على بعد حوالي 35 كم. انظر 51. -. [6] م: مقابل. [7] م: «بدابق» . [8] ط: جعفر بدل «أبا جعفر» . [9] ط: تصنع. [10] ط: يقدم.

والمنصور مقبل إِلَى الأنبار، فَقَالَتْ لَهُ: أَعْظَم اللَّه أجرك يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فِي أخيك فَإِنَّهُ لا مصيبةَ أَعْظَم من مصيبتك ولا عوض أفضل من خلافتك، فَقَالَ: بلى، الأجر، فَقَالَتْ: هُوَ لَك مذخور إِن شاء اللَّه، فوهب لَهَا ألف درهم. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود قَالَ: حجّ الْمَنْصُور أمِير [1] الْمُؤْمِنيِنَ فِي السنة الَّتِي استخلف فِيهَا، وَفِي سنة سبع وأربعين ومائة أَوْ ثمان وأربعين ومائة، وَفِي السنة الَّتِي توفي فِيهَا. وكانت وفاته بمكة. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: حج مَعَ الْمَنْصُور إِسْحَاق بْن مُسْلِم العقيلي فكان عديله فَقَالَ الْمَنْصُور ذَات يوم: لقد أبطأنا عن الحج وإني لا خاف فَوْتَهُ، فَقَالَ إِسْحَاق، وَكَانَ فِيهِ جفاء: اكتب فِي تأخير الحج إِلَى قدومك، فَقَالَ: ويحك أوَ يَكُون أَن يؤخر الحج عَنْ وقته! فَقَالَ: أوَ تريدون شيئًا فلا يَكُون! وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: كَانَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور يَقُول: الملوك تحتمل كُل شَيْء إلا ثَلاث خلال: إفشاء السر، والتعرض للحرم، والقدح فِي الْمَلِك. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ، قَالَ إِسْحَاق بْن مُسْلِم العقيلي: حججت مَعَ أَبِي جَعْفَر فَقَالَ: قل للحادي احْدُ، فَقُلْتُ: يَا عَاصِم احْدُ، فحدا فأجاد. فَقَالَ: قل لَهُ: قَدْ أمر لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بألف [2] درهم فدعا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: قل لَهُ احد أيضًا، فأعاد فأجاد، فَقَالَ: قل لَهُ: قَدْ أمر لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بكسوة، فدعا لَهُ. ثُمَّ قَالَ: قل لَهُ احد أيضًا [3] فحدا فأجاد، فَقَالَ: قل لَهُ: أمر لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بخادم، فَقُلْتُ: يَا عَاصِم قَدْ أمر لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بخادم، فَقَالَ لي مُسرًا لقوله: بأبي أَنْتَ مُسه [4] فلعله موعوك، فأعطى ذَلِكَ الَّذِي أمر لَهُ بِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عباد البجلي، حَدَّثَنِي زهير بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جرى عند المنصور وما كَانَ من مداراته إياه، فَقَالَ الْمَنْصُور: إِذَا مدّ عدوك إليك يده فَإِن أمكنك أَن تقطعها وإلا فقبلها. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئ قَالَ: حَدَّثَنِي من أثق بِهِ قَالَ: كَانَ أَبُو الجهم بْن عطية مَوْلَى باهلة من أَعْظَم الدعاة قدرًا وغَنَاء، وَهُوَ الَّذِي أخرج أبا الْعَبَّاس من موضعه الَّذِي أخفاه فِيهِ أَبُو سلمة وخزيمة وقام بأمره حتى بويع،

_ [1] م: وأمير. [2] ط: بخادم بألف درهم. في هامش د: بألفي. [3] العبارة «فاعاد فأجاد ... احد أيضا» ساقطة من م. [4] «مسه» ليست في ط.

وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس يعرف لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ أَبُو مُسْلِم يثق بِهِ ويكاتبه من خراسان ويأمره أَن يكاتبه بالأخبار. فَلَمَّا استخلف الْمَنْصُور بلغه أَنَّهُ يكتب إِلَى أَبِي مُسْلِم بخبره، وأنه قَالَ: مَا عَلَى هَذَا بايعناهم وإنما بايعناهم عَلَى العدل، فدعاه ذَات يَوْمٍ فتغدى عنده ثُمَّ سُقي شربة عسل فَلَمَّا وقعت فِي جوفه هاج بِهِ وجع فتوهم أَنَّهُ قَدْ سم فوثب، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: إِلَى أَيْنَ يَا أبا الجهم؟ قَالَ [1] : إِلَى حيث أرسلتني، وَمَاتَ بَعْد يَوْم أَوْ يومين. وَحَدَّثَنِي بَعْض ولد أَبِي الجهم أَنَّهُ سُقي شربة من سويق لوز، فَقَالَ الشاعر: احذر سويق اللوز لا تشربنه ... فشرب سويق اللوز أردى أبا الجهم قَالُوا: وسار أَبُو جَعْفَر فِي جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة إِلَى أرمينية فدوّخها واستخلف الْحَسَن بْن قحطبة عَلَيْهَا، ثُمَّ قفل منها إِلَى الجزيرة فِي سنة ست وثلاثين ومائة، وأذن لَهُ أَبُو الْعَبَّاس فِي القدوم عَلَيْهِ وولاه الموسم فحج بالناس ومعه إِسْحَاق بْن مُسْلِم فكان عديله. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: أُهديت إِلَى ولد الْمَنْصُور حملان [2] من هَذِهِ البربرية فَقَالَ لقهرمانه: خذها إليك فاذبح لنا كُل يَوْم منها حملًا [3] فَإِن الصبيان يكتفون بالصّعو. قَالَ: وَقَالَ الْمَنْصُور لعيسى بْن عَبْدِ اللَّهِ النوفلي [4] لما مَاتَ أَبُو الْعَبَّاس: قَدْ عرفتني فِي (622) السلطان وقبله فهل رَأَيْت لي لذة فِي مطعم أَوْ مركب أَوْ ملبس، ولقد أتتني الخلافة وَمَا طلبتها، فَقَالَ: ما زلت والله أعرفك بالزْهد والفضل وطلب العلم. وَحَدَّثَنِي عَلِي بْن الْمَأْمُون عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرشيد قَالَ: أُدخلت عَلَى الْمَنْصُور وأنا صبي فرأيته جالسًا على حصير متكئا على مسورة جلود فدعا بعشرة دنانير جدد فوهبها لي، وأخذني فقبلني وصرفني. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: كَانَ الْمَنْصُور يخرج من مقصورة النِّسَاء ليلًا يريد الْمَسْجِد ومعه جارية حبشية، أَوْ قَالَ صفراء، تحمل لَهُ سراجًا. وَحَدَّثَنِي قَالَ: كَانَ الْمَنْصُور يقول: الملوك

_ [1] م: فقال. [2] م: جملان. [3] م: جملا. [4] ط: المنوفلي.

ثلاثة: مُعَاوِيَة وكفاهُ زِيَاد، وعَبْد الْمَلِك وكفاه الْحَجَّاج، وأنا ولا كافي لي. وَكَانَ يذكر بَنِي أمية فَيَقُولُ: رجلهم هِشَام. وَكَانَ يَقُول: الخلفاء أربعة والملوك أربعة، فالخلفاء: أَبُو بَكْر وعمر وعلي وعثمان عَلَى مَا نال وَقَدْ نيل منه أَعْظَم، والملوك: مُعَاوِيَة وعبد الْمَلِك وَهِشَام وأنا، ولنعم الرجل كَانَ عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز، كَانَ أعور بَيْنَ عميان. وَكَانَ يَقُول: نعم صاحب الحرب حمار الجزيرة من رجل لم يكن على طابع الخلافة، يَعْنِي مَرْوَان. الْمَدَائِنِي، قَالَ: أتى ابن ليوسف ابن عُمَر الْمَنْصُور فوصله بثلاثة آلاف درهم، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أمّلتُ منك أَكْثَر من هَذَا، فَقَالَ: هَذِهِ كَانَتْ صلة أبيك لنا، قَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فأين فضل قريش عَلَى ثقيف، وفضل الخلافة عَلَى الإمارة! فضحك وأمر لَهُ بعشرة آلاف درهم. وَحَدَّثَنِي ابْن الأعربي قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور: مُعَاوِيَة للحلم والأناة، وعبد الْمَلِك للإقدام والإحجام، وَهِشَام لتقسيط الأمور ووضعها مواضعها، قَالَ: وشاركتُ عَبْد الْمَلِك فِي قَوْل كثير: يصدُّ ويَرْضى وَهُوَ لَيْثُ عرينه ... وإن أمكنْته فرصةٌ لا يقيلُها [1] حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: بلغني أن الْمَنْصُور قَالَ ذَات يَوْم فِي كلامه: إِن الحلم يَزِيد الْعَزِيز عزًا والذليل ذلًا. الْمَدَائِنِي، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَر لسفيان بْن مُعَاوِيَة: مَا أسرع النَّاس إِلَى قومك، فقال: إن العرانين تلقاها محسدة ... ولن ترى للئام النَّاس حُسادا قَالَ: صدقت. قَالَ: وبينا المنصور يخطب إذ قام رجل فقال: يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [2] ، فأخذ، فلما قضى المنصور صلاته ودخل القصر دعا بِهِ فَقَالَ: طالت صلاتك وكثر صومك، فضجرت من الحياة وقلت: أعترضُ هَذَا الرجل فأعظه فَإِن قتلني دخلت الْجَنَّةَ، وهيهات أن تدخلها بي، خلوا سبيله. وَحَدَّثَنِي أَبُو فراس الشامي عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خطب الْمَنْصُور فِي بَعْض

_ [1] الديون ص 261. يصد ويغضي وهو ليث خفية ... إذا امكنته عدوة لا يقيلها [2] «ما لا تفعلون» سقطت من م. سورة الصف (61) ، الآية 2.

الجمع، فقام رجل من الصّوفيين فقال: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [1] ! فأُخذ، فَلَمَّا فرغ الْمَنْصُور من خطبته وقضى كلامه أمر أن يضرب أربعين درة فضرب، ثُمَّ دعا بِهِ فَقَالَ: إنا لَمْ نضربك لقولك، إِنَّمَا ضربناك لكلامك فِي الخطبة فلا تَعْد، وأمر بتخلية سبيله. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود وغيره قَالَ: خطب الْمَنْصُور فَلَمَّا قَالَ: وأشهد أن لا إله إلا اللَّه، قام إِلَيْهِ رَجُل كَانَ فِي أخريات النَّاس فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إني أذكرك من ذكرت، فَقَالَ: سمعًا سمعًا لمن ذكر بالله وأيامه وأعوذ بالله أن أكون جَبّارًا عنيدًا وأن تأخذني العزةُ بالإثم لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا من المهتدين [2] ، وأنتَ فَمَا أردتَ اللَّه بِهَا إِنَّمَا أردت أن يُقال قامَ فَقَالَ فعوقب فصبر، وأهوِنْ عليّ بقائلها لو هممت، فاهتبلها ويلك إذ عفوتُ وإياك وإياكم أيها النَّاس وَمَا أشبهها فَإِن الموعظة عَلَيْنَا نزلت [3] ومن عندنا انتشرت وعنا أخذت وحملت، ثُمَّ عاد فِي خطبته [4] . حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود، قَالَ: قدم عَلَى الْمَنْصُور (623) قوم من أَهْل الشام بَعْد هزيمة عَبْد الله بن علي وفيهم الْحَارِث بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الحرشي، فقام عدة مِنْهُم فتكلموا، ثُمَّ قام الْحَارِث فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لسنا وفد مباهاة ولكن وفد توبة، ابتلينا بفتنةٍ استفزت شريفنا واستخفت حليمنا فكنا بِمَا قدمنا معترفين ومما فرط منّا معذورين فإن تعاقبنا فبجرمنا وإن تعفُ عنا فبفضلك عَلَيْنَا، فاصفح يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِذَا ملكت وأمنُن إذ قدرت وأحسن فطال مَا أحسنت، فَقَالَ الْمَنْصُور: أَنْتَ خطيبهم، وأمر برد قطائعه بالغوطة عَلَيْهِ. فقال: ووجه الْمَنْصُور إِسْحَاق الأزرق مولاه فأتاه بامرأتين وُصفتا لَهُ، أحداهما من ولد خَالِد بْن أسيد والأخرى فاطمة بنت محمد ابن مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه، فجيء بهما وَقَدْ خرج إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بالبصرة، فَقِيلَ لَهُ إِن هاتين الجاريتين قَدِ استوحشتا إذ لَمْ ترهما، فَقَالَ: والله لا كشفتُ ثوب امْرَأَة عني حَتَّى أدري أرأسي لإبراهيم أَوْ رأس

_ [1] سورة البقرة (2) ، الآية 44. [2] سورة الانعام (6) الآية 56: «قل لا اتبع أهواءكم قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» . [3] ط: نزلت علينا. [4] انظر الخبر في الخطيب البغدادي ج 10 ص 56.

إِبْرَاهِيم لي. ومحمد بْن عِيسَى بْن طَلْحَة الَّذِي يَقُول [1] : فلا [2] تعجل عَلَى أحد بظلم ... فَإِن الظلم مرتَعُه وخيمُ ولا تفحِش وإن مُلِّئتَ غيظًا ... عَلَى أحدٍ فَإِن الفحش لوم ولا تقطع أخًا لَك عِنْدَ ذنبٍ ... فَإِن الذنب يغفرهُ الكريم وَمَا [3] جزعُ بمغنٍ عَنْك شيئًا ... ولا مَا فات تُرجعه الهموم وَقَالَ [4] : اجعل قرينك من رضيتَ فَعَاله ... واحذر مقارنة القرين الشائن وَقَالَ [5] : لا تلُم المرء عَلَى فعله ... وأنت منسوبُ إِلَى مثله من ذَمّ شيئًا وأتى مثله ... فَإِنَّمَا يُزري عَلَى عقله فزعموا أن أَبَا جَعْفَر كَانَ يَقُول: كَانَ مُحَمَّد بْن عِيسَى عاقلًا، وينشد شعره وَيَقُول: كَانَ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد عاقلًا أيضًا، وإن [6] صاحبتنا لعاقلة. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عباد، حَدَّثَنِي أزهر بْن زهير عَنْ أَبِيهِ زهير بْن الْمُسَيِّب قَالَ: بعث أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور إِلَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن فَقَالَ: إني أريد مشاورتك فِي أمر، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: إني قَدْ تأنيت أهلَ الْمَدِينَةِ [7] مرة بَعْد أُخْرَى، وثانية بَعْد أولى، فلا أراهم ينتهون ولا يَرْجِعُونَ، وَقَدْ رَأَيْت ان أبعث اليهم من يعقر نخلهم ويعور عيونهم. قَالَ: فسكت جَعْفَر، فَقَالَ لَهُ: مَا لَك لا تتكلم! قَالَ: إِن أذِن لي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ تكلمتُ، فَقَالَ: قل، قَالَ: إِن سليمان عليه السلام

_ [1] ترد القصيدة في معجم الشعراء للمرزباني رواية الزبير بن بكار ص 347، وانظر خزانة الأدب ج 2 ص 147. [2] معجم الشعراء: ولا. [3] ن. م.: فما. [4] انظر معجم الشعراء ص 347. [5] ن. م. ص 347- 8. [6] ط: فان. [7] ط: الذمة.

أعطي فشكر وإن أيوب ابتُليَ فصبر وإن يُوسُف قدر فغفر وَقَدْ وضعك اللَّه فِي البسطة من بَيْت النبوة وفضلك بالخلافة وآتاك علمًا كاملًا فأنت حقيق بالعفو عَنْ المسيء والصفح عَنْ المجرم، قَالَ: ففثأ [1] غضبه وسكنه. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الأَعْرَابِيِّ عَنْ عَلِي مَوْلَى قريش قَالَ: دَخَلَ رجلٌ من قَيْس [2] أحسبه أَبَا الهيذام، وَقَالَ غيرُ عَلِي: دَخَلَ ابْن شبرمة عَلَى الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: ألَكَ حاجة؟ قَالَ: نعم بقاؤك يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فَقَالَ: ويحك سلني قبل أن لا يمكنك مسألتي، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، والله مَا أَستقصر عمرك، ولا أخاف بخلك، ولا أغتنم مَا لَك، وإن سؤالك لشرف وعطاك لفخر، وَمَا بامرئ بذل وجهه إليك شَيْن ولا نقص، وعندي من فضل اللَّه خير كثير. وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْحَارِث عَنِ الْمَدَائِنِي قَالَ: مَاتَ إِسْحَاق بْن مُسْلِم من [3] بثرةٍ خرجت بِهِ فِي ظهره فحضر الْمَنْصُور جنازته وحمل سريره حَتَّى وضعه وصلى عَلَيْهِ وجلس عِنْدَ قبره، فَقَالَ لَهُ مُوسَى بْن كعب أَوْ غيره: يَا أمِير (624) الْمُؤْمِنيِنَ، أتفعل هَذَا بِهِ، وَكَانَ والله مبغضًا لَك كارهًا لخلافتك! قَالَ: مَا فعلت هَذَا إلّا شكرًا لِلَّهِ إذ قدمه أمامي، قَالَ: أفلا أخبر أَهْل خراسان بِهَذَا من رَأَيْك، فَقَدْ دخلتهم وحشةٌ لما فعلت، قَالَ: بلى، فأخبرهم فكبروا. وَكَانَ مَرْوَان بْن مُحَمَّد أودع يَزِيد بْن أسيد جاريتين يُقَالُ لهما سبيكة وزنبرة، فلما صار يَزِيد إِلَى الْمَنْصُور استوهبهما منه فوهبهما لَهُ، وفيهما يَقُول إِسْحَاق بْن سماعة المعيطي فِي شعر لَهُ: لعن اللَّه أَحْمَد بْن يَزِيد ... بْن زافرٍ حيث كانا فضح اللَّه أَحْمَد بْن يَزِيد ... وكَساهُ مذلة وهوانا شان قيسًا بخونه [4] وأبوه ... لَمْ يزل شانيًا لَهَا خوانا خان مروانَ فِي سبيكةً لمّا ... زال ظلُّ السلطان عَنْ مروانا

_ [1] في هامش د: فثأ اي سكن. [2] ط: قريش. وعن أبي الهيذام انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 127، وجمهرة الأنساب ص 252. ويرد هذا الخبر، برواية المبرد، وفي الخطيب البغدادي ج 1 ص 58. وانظر ابن عساكر- تهذيب ج 7 ص 176 وما بعدها. [3] ط: بن. [4] ط: يخونه.

فأتتني [1] بأحمدٍ من حلال ... أَوْ حرامٍ من التّقى عريانا يشتهي مَا اشتهت سبيكةُ ... بالأمس وإن كَانَ فِي الحروب جبانا هُوَ دان الزبير دين غديّ ... راح من سورة الهوى سكرانا وابنُه فِي الفعال لَيْسَ بمحمودٍ ... إذا الفضل زين الفتيانا وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود قَالَ: حَدَّثَنِي من سمع الْمَنْصُور يَوْم مَاتَ إِسْحَاق بْن مُسْلِم وَكَانَ موتُه بالهاشمية يتمثل: كفاك عديًّا موتُه ولربما ... تُغيظك [2] أيامٌ لَهُ وليال وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود، حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن عِيسَى قَالَ: ولّى الْمَنْصُور عبدًا لَهُ يُقَالُ لَهُ طارق ضيعةً من ضياعه بالشام فاستقصى عَلَى أهلها، فقدم مِنْهُم قوم عَلَى الْمَنْصُور فشكوه فَقَالَ: إنما نقمتم عليه ما [3] اخترتُه [4] لَهُ وأحمدتُه عَلَيْهِ، قَالُوا: أَنَّهُ عبدٌ وربما صلى بنا، قَالَ: هُوَ حرّ فصلوا خلفه، فقام متكلمهم فَقَالَ: بت بخير يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فضحك وكتب إِلَى صاحبهم بالرفق بِهِمْ. وَحَدَّثَنِي جَمَاعَة من بَنِي الْعَبَّاس وغيرهم أَن الْمَنْصُور كَانَ رُبَّمَا علق البواري عَلَى أبوابه فِي الشتاء، وَقَالَ هِيَ أوقى. حَدَّثَنِي بَعْض ولد إِسْحَاق بْن عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه، قَالَ: قُدّمتْ إِلَى الْمَنْصُور عصيدة فَقَالَ: لَيْسَ هَذِهِ بالعصيدة الَّتِي نعرف [5] ، ليعمل لنا تمرها بنواه. فَلَمَّا كَانَ الغد من ذَلِكَ اليوم حضرتُ غداهُ فأتينا بقصعةٍ فِيهَا ثردة صفراء وعليها عُراق وأكلنا [6] منها ثُمَّ رفعت وأتينا بلونين فَلَمَّا رفعا أتي بالعصيدة فأكل منها أكلًا صالحًا وَقَالَ: هَذِهِ هِيَ [7] ، فَلَمَّا رُفِعتَ المائدة غَسَلَ يده ودعا ببخور فبخرها ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا فعلتُ هَذَا لأني أريد الجلوس لِلنَّاسِ وَمِنْهُم من يقبل يدي. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور لعبد الله بن الربيع: قد عرفتني سوقة

_ [1] ط: فايتني. [2] ط: يغيظك. [3] ط، د: كما. [4] ط: اخبرته. [5] ط: يعرف. [6] م: فأكلنا. [7] يكرر م: «هذه هي» .

وخليفة، فهل رأيتني كلِفًا بأمر مطعم أَوْ مشرب أَوْ ملبس؟ فَقَالَ: لا ولكني رَأَيْتك تلد حُسن الذكر وتنفي الضيم وتضع الأمور مواضعها. وحدثني الرَّبِيع بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبْدِ المدان وأخوه زِيَاد، وَحَدَّثَنِي بَعْض ولد الْمَنْصُور، أَنَّهُ كَانَ إِذَا ولد لرجل [1] من أَهْل بيته مولود ذكر أمر لَهُ من دار الرقيق بظئر وجارية تخدمه ووصيف، وأمر لأمه بجاريتين ومائتي دِينَار وطيب، وَإِذَا كَانَ المولود أنثى بعث نصف ذَلِكَ. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود وغيره قَالُوا: قدم إِسْحَاق الأزرق، صاحب الدار ببغداد عِنْدَ القنطرة العتيقة وَهُوَ مَوْلَى الْمَنْصُور، عَلَيْهِ بامرأتين كَانَ أشخصه لحملهما، (625) إحداهما فاطمة بِنْت مُحَمَّد الطلحية والأخرى أمةُ الكريم بِنْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّهِ من ولد خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العاص، ويقال العالية بِنْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْدِ اللَّهِ [2] بْن خَالِد بْن أسيد، فَقَالَتْ لَهُ ريسانة قيّمة نسائه: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ان الطليحة قد استحفتك [3] واستبطأت برك وأنكرت وصاحبتها تركك الدعاء لهما، فقال: أما ترين مَا نَحْنُ فِيهِ، وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ قَدْ خرج بالبصرة، ثُمَّ أنشد: قومٌ إِذَا حاربوا شدوا مآزرهم [4] ... دُونَ النِّسَاء ولو باتت بأطهار وَقَالَ: مَا أَنَا بناظر إِلَى امْرَأَة حَتَّى أدري أرأسي لإبراهيم أَوْ رأس إِبْرَاهِيم لي، وكانت عَلَيْهِ جبة قَدِ اتسخَ جيبها، فَقِيلَ لَهُ: لو نزعتها وغيرتها، فَقَالَ: لا والله أَوْ أدري أهي لي أم لإبراهيم. الْمَدَائِنِي قَالَ، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الرَّبِيع الحارثي: قَالَ لي أَبُو الْعَبَّاس ذَات يَوْم: إني أريد أَن أبايع لأبي جَعْفَر أَخِي، فأخبرت أَبَا جَعْفَر بِذَلِك فأمر لي بكسوة ومال، فَقُلْتُ: أصلح اللَّه الأمير، إن لك مؤنة ولعله أَن يأتيك من أَنَا أعذر لَك منه، فأمر برد ذَلِكَ وقمتُ فانصرفتُ وراح ورحت إِلَى أَبِي الْعَبَّاس، فدخل عَلَيْهِ وجلست غَيْر بعيد، فطال تناجيهما ثُمَّ ارتفعت أصواتهما

_ [1] م: الرجل. [2] يضيف د، م: ابن عبد الرحمن بن عبد الله. انظر جمهرة الأنساب ص 113- 114. [3] ط: استخفتك. [4] ط، د: ما آزرهم.

بقول أبي الْعَبَّاس: بلى والله، وبقول الْمَنْصُور: لا والله، ثُمَّ خرج أَبُو جَعْفَر فأخذ بيدي فسألته عَنْ تحالفهما، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا وقت إخبارك وغمز بيدي، فَلَمَّا أفضى الأمر إِلَيْهِ وقتل أَبَا مُسْلِم دخلت عَلَيْهِ وَهُوَ طيب النفس فَقَالَ: ألقوا لأبي الرَّبِيع وسادة، فثنيت لي وسادة وجلست، فَقَالَ: ألا أخبرك بالأمر الَّذِي سألتني عَنْهُ يَوْم دخلتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاس فتحالفنا؟ فقلتُ: أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أعلم، قَالَ: تذاكرنا الدعوة، فقلتُ: أتذكر إذ كُنَّا نرمي وأبو مُسْلِم يردّ عَلَيْنَا النبل، فَقَالَ إِبْرَاهِيم [1] : مَا أكيسه ويقتله عَبْد اللَّهِ! فقلتُ: بلى، قَالَ: فأنت عَبْد اللَّهِ وأنت تقتله، فَقُلْتُ: لا والله، قَالَ: بلى والله، فَلَمَّا خالف عَبْد الله ابن عَلِي وجهته إِلَيْهِ فَقُلْتُ هُوَ يقتله، فَلَمَّا سلم منه وصنع مَا صنع قُلْت أَنَا عبد الله، أقتله، فقتلته. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي، حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن عِيسَى وجماعة من العباسيين، أَن الْمَنْصُور قَالَ: رأيت فيما يرى النائم، وأنا بالشراة، كأنّا حول الْكَعْبَة فنادى منادٍ من جوف الْكَعْبَة: أَبُو الْعَبَّاس، فنهض فدخل الْكَعْبَة ثُمَّ خرج وبيده لواء قصيرٌ عَلَى قناة قصيرة فمضى، ثُمَّ نودي: عَبْد اللَّهِ، فنهضت أَنَا وعبد اللَّه بْن عَلِي نبتدر، فلما صرنا عَلَى درجة الْكَعْبَة دفعتُه عَنِ الدرجة فهوى ودخلت الْكَعْبَة، وَإِذَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس فعقد لي لِوَاءً طويلًا عَلَى قناة طويلة وَقَالَ خذه بيدك حَتَّى تقاتل بِهِ الدجال [2] . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن أَبِي هَارُون الكاتب قَالَ: وردت عَلَى الْمَنْصُور خريطة من صاحب أرمينية ليلًا فلم يوصلها الرَّبِيع الحاجب [3] إلا مصبحًا، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن اللخناء، والله لهممت أَن أضرب عنقك، أتحبس عني خريطة صاحب الثغر الأعظم ساعة واحدة فضلًا عَنْ ليلة! وسخط عَلَيْهِ يومًا، ثُمَّ رَضِيَ عَنْهُ وَقَالَ: لا تعد. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور من أحب أَن يحمد بغير مرزئة فليحسن خلقه ولينبسط بشره.

_ [1] د: ابرهم. [2] ط: الرجال. [3] يضيف م: اليه.

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الواقدي، قَالَ: قدم وفد من أَهْل الْمَدِينَةِ عَلَى أَبِي جَعْفَر، وفيهم عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حزم، فدخلوا عَلَيْهِ فساءل عَبْد الرَّحْمَن عَنْ حالهم فأخبره بما كان من الوليد من (626) أخذ أموالهم، فأمر بردّها عليهم. حدّثني الحرمازي، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح، عَنْ شيخ لَهُ، قَالَ: كَانَ زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه الحارثي، خال أَبِي الْعَبَّاس، مَعَ خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري بالعراق وولي شرطته، ثُمَّ كَانَ مَعَ يُوسُف بْن عُمَر بعده، ومع يزيد ابن عُمَر بْن هبيرة، فَلَمَّا ولي أَبُو الْعَبَّاس قَالَ لَهُ يَزِيد بْن عُمَر: والله لأضربن عنقك فَقَدْ سررتَ بأمر بَنِي الْعَبَّاس ودولة ابْن أختك، وَكَانَ مَعَهُ بواسط، فَلَمَّا وقع الصلح خرج حَتَّى قدم عَلَى أَبِي الْعَبَّاس فَقَالَ لَهُ: أبطأت عني يَا خال، فَأَخْبَرَه بقصته، ثُمَّ ولاه مَكَّة والمدينة بَعْد دَاوُد بْن عَلِي وابنه مُوسَى بْن دَاوُد، فلما توفي ابو العباس بعث إليه المنصور بعهده فعذر [1] فيما كَانَ يأمره بِهِ فِي عَبْد اللَّهِ بْن حسن وَفِي طلب ابنه، فعزله وأغرمه ثُمَّ ضمه إِلَى الْمَهْدِي حِينَ وجهه إِلَى الري، فلما سار ثَلاث مراحل تغدى الْمَهْدِي ثُمَّ صار إِلَى فسطاطه فأتي بقدح فِيهِ عسل قَدْ خيض لَهُ فشربه ونام، فطلبه الْمَهْدِي فوُجد ميتًا فبكى عَلَيْهِ وأمر فحفر لَهُ وصلى عَلَيْهِ ودفنه، فكان يُقَالُ أَنَّهُ سم ووجد منتفخًا، وَذَلِكَ باطلٌ والثبتُ أَنَّهُ مَاتَ فجأة. حَدَّثَنَا الْمَدَائِنِي قَالَ: حُدّث الْمَنْصُور بأن عجلان بْن سهيل الْبَاهِلِيَّ سمع رجلًا قَالَ، وَقَدْ مر هِشَام بْن عَبْدِ الْمَلِك: قَدْ مر الأحول، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن اللخناء أتسمّي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بالنَّبز، وعلاه بسوطه، ثُمَّ قَالَ: لولا رحمتي لَك لضربتُ عنقك، فَقَالَ الْمَنْصُور: هَذَا والله الَّذِي ينفع مَعَهُ المحيا والممات. وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن أَبِي شيخ قَالَ: قدم ابْن أنعُم المحدُث عَلَى الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: لَقَد استرحت من وقوفك بباب هِشَام وذوي هِشَام، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مَا رَأَيْت فِي تلك المواضع شيئًا يكره إلّا وَقَدْ رَأَيْت فِي طريقي إليك مَا هُوَ أَعْظَم منه، فَقَالَ الْمَنْصُور: ويحك إنا لا نجد من نوليه أعمالنا مِمَّنْ نرتضيه، فَقَالَ: بلى والله يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لو طلبتهم لوجدتهم، إِنَّمَا الْمَلِك بمنزلة السوق

_ [1] د: فغدر. وعذر تعني قصر.

يجلب إليها مَا ينفق فِيهَا. قَالَ: وأقبل الْمَنْصُور يومًا راجعًا من ركوبه يريد قصره، فَلَمَّا صار عَلَى بابه رَأَى فرج بْن فضالة المحدث جالسًا فلم يقم لَهُ، فلما دَخَلَ القصر دعا بِهِ فَقَالَ: مَا منعك من القيام حِينَ رأيتني؟ قَالَ: منعني من ذَلِكَ أني خفت أَن يسألني اللَّه لَمْ فعلتُ ويسألك لِمَ رضيتَ وَقَدْ كره رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فسكت الْمَنْصُور وخرج فرج. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حبيب عَنْ أَبِي فراس قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور لهشام بْن عروة: أتذكر يَا أَبَا المنذر حِينَ دخلتُ إليك أَنَا وإخوتي مَعَ أَبِي الخلائف وأنت تشرب سويقًا، فإنّا لما خرجنا قَالَ لنا أبونا: يَا بَنِي استوصوا بِهَذَا الشَّيْخ فَإِنَّهُ لا يزال فِي قومكم عمارة مَا بقي مثله، فَقَالَ: مَا أذكر ذَلِكَ. فَلَمَّا خرج هِشَام قيل لَهُ: ذكرّك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ شيئًا يتوسل بدونه، فَقَالَ: لَمْ أذكر مَا ذكرني، وَلَمْ يعودني اللَّه فِي الصدق إلّا خيرًا. قَالُوا: ودخل عَلَيْهِ سوار بْن عَبْدِ اللَّهِ العنبري فَقَالَ: السَّلام عليك أمِير الْمُؤْمِنِين وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلام ورحمة اللَّه وبركاته [1] ، ادن يا عَبْد اللَّهِ، فَقَالَ: أَدنو عَلَى مَا مضى عَلَيْهِ النَّاس أم عَلَى مَا أحدثوا؟ قَالَ: عَلَى مَا مضى، فدنا ومد يَدَهُ، فصافحه ثُمَّ جلس. قَالَ: وكتب الْمَنْصُور إِلَى سوار فِي بَعْض الأمور فكان فِي ذَلِكَ إضرار بقوم فلم ينفذ سوار الكتاب، فاشتد ذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُور، فكتب إِلَيْهِ سوار: إنّ عدْلَ سوّار مضاف إليك وزين لخلافتك، فسكن غضبه وأمسك عَنْ (627) ذَلِكَ الأمر. وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِي الحرمازي قَالَ: نظر الْمَنْصُور إِلَى بَعْض القضاة، وبين عينيه سجادة فَقَالَ لَهُ: لئن كنت أردتَ اللَّه بالسجود فَمَا ينبغي لنا أَن نشغلك [2] عَنْهُ، وأن كنت إِنَّمَا أردتنا بِهَذِهِ السجادة فينبغي لنا أَن نحترس منك. وَحَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُود الكوفي قَالَ: كَانَ يَحْيَى بْن عروة رضيع الْمَنْصُور، وَهُوَ مَوْلَى لَهُمْ، فصيرهُ أَبُو جَعْفَر عَلَى ثقله عام حَجَّ، فَلَمَّا دعا عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي إِلَى نَفْسه حمل ثقل أَبِي جَعْفَر وجواريه وصار إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي، فَلَمَّا هرب استخفى يَحْيَى ثُمَّ ظفر بِهِ المنصور فأمر فقطع بالسيوف.

_ [1] عبارة «فقال ... وبركاته» سقطت من ط. [2] ط: يشغلك.

أمر أبي مسلم في خلافة المنصور

حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي قَالَ: كَانَتْ عبدة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة عِنْدَ هِشَام، وكانت أجمل النَّاس، وكانت إِذَا رأت أم حكيم بنت يوسف ابن يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص امْرَأَة هِشَام أيضًا عنده قَالَتْ لَهَا: كَيْفَ أَنْتَ يَا أمه! فيضحك [1] هِشَام من قولها ويعجبه ظرفها. وأم حَكِيم هَذِهِ الَّتِي يَقُول فِيهَا الْوَلِيد بْن يَزِيد [2] : علِّلاني بعاتِقاتِ [3] الكروم ... واسقياني بكأس أُمِّ حَكِيم فَلَمَّا صار عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي الى الشام خطب عبدة، فأبت عليه التزويج فأمر بِهَا فبقر بطنها، فكان الْمَنْصُور إِذَا ذكر فعله بِهَا لعنَهُ. قَالَ: وجعلت عبدة حِينَ أتي بِهَا ليبقر بطنها وتقتل تنشد: فقُل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كَمَا لقينا أمر أَبِي مُسْلِم فِي خلافة الْمَنْصُور حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عباد الكاتب، عَنْ أزهر بْن زهير، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُسْلِم مُستخفًّا بمواليه، فَإِذَا أتاه كتابُ الْمَنْصُور فقرأه لوى شدقه ثُمَّ ألقاه إِلَى أَبِي نصر مَالِك بْن الهيثم فيتضاحكان، ويبلغ [4] أَبَا جَعْفَر ذَلِكَ فَيَقُولُ: إنا لنخاف من أَبِي مُسْلِم أَكْثَر مِمَّا كُنَّا نخاف من حَفْص بْن سُلَيْمَان. قَالَ: ولما فرغ أَبُو مُسْلِم من محاربة عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي وحوى عسكره وَمَا فِيهِ بعث الْمَنْصُور مرزوقًا أَبَا الخصيب لإحصاء ذَلِكَ فغضب أَبُو مُسْلِم وَقَالَ: مَا لأبي جَعْفَر ولهذا، إِنَّمَا لَهُ الخمس! فَقَالَ مرزوق: هَذَا مالُ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ دُونَ النَّاس، وليس سبيل هَذَا سبيل مَا لَهُ منهُ الخمس، فشتمه وَهَمَّ بقتله ثُمَّ أمسك. وَحَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح، وذكره الْمَدَائِنِي، قَالَ: بعث الْمَنْصُور يقطين بْن مُوسَى الى أبي مسلم

_ [1] م: فضحك. [2] انظر الاغاني ج 7 ص 1 وما بعدها، والديوان: (ن. غابريلي) ، دار الكتاب الجديد، بيروت 1970 ص 66. [3] انظر الاغاني ج 16 ص 213. [4] ط: بلغ.

بَعْد هزيمة عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي ليحصي مَا كَانَ فِي عسكره، فَقَالَ أَبُو مُسْلِم: أفَعَلها ابْنُ سلامة الفاعلة، لا يُكَنِّي، فَقَالَ يقطين: عجِلتَ أيها الأمير، إِنَّمَا أمرني أَن أحصي مَا وجد فِي عسكر الناكث ثُمَّ أسلمه إليك لتعمل فِيهِ برأيك وتصنع بِهِ [1] مَا أردتَ ويكون قَدْ عرفَ مبلغه. فلما ورد يقطين عَلَى الْمَنْصُور أعلمه مَا قَالَ وَمَا قَالَ هُوَ لَهُ، فخاف أَن يمضي أَبُو مُسْلِم إِلَى خراسان فكتب إِلَيْهِ: إني قَدْ وليتك الشام ومصر فهما أفضل من خراسان ومنزلك بالشام أقرب إلي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فَمَتَى أحببت لقاءه لقيته. وأنفذ الكتاب إِلَيْهِ مَعَ يقطين أيضًا، فَلَمَّا قرأه قَالَ: أهو يوليني الشام ومصر مكان خراسان وخراسان لي! وعزم عَلَى إتيان خراسان، فنزل الْمَنْصُور المدائن وأخذ أَبُو مُسْلِم، طريق حلوان، فَقَالَ الْمَنْصُور: رُبَّ أمرٍ لِلَّهِ دُونَ حلوان، وأمر عمومته ومن حضر من بَنِي هاشم أَن يكتبوا إِلَيْهِ فيعظموا (628) عَلَيْهِ حق الطاعة ويحذروه سوء عواقب الغدر والتبديل والنكث ويسألوه الرجوع ويشيروا عَلَيْهِ بِهِ. وكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور: إني أردت مذاكراتك أشياء لَمْ يحتملها الكتاب فأقبل فَإِن مقامك قبلي يسير [2] ، فلم يلتفت إِلَى الكتاب، فبعث إِلَيْهِ جَرِير بْن يَزِيد البجلي، وَكَانَ صديقًا لأبي مُسْلِم راجحًا عنده، فلم يزل يمسح [3] جوانبه ويرفق بِهِ ويعرفه قُبح مَا ركب وأن النعمة إِنَّمَا دامت عَلَيْهِ بالطاعة، وَقَالَ لَهُ: إِن أمر الْقَوْم [4] لَمْ يبلغ بك مَا تكره وإنما لَك إِن عصيتهم خراسان ولا تدري مَا ينباق عليك من شيعتهم من أَهْل خراسان مِمَّنْ ترى أَنَّهُ معك، وإن اطعتهم فخراسان وغيرها من البلاد لك، فانصرفَ راجعًا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عباد عَنْ أزهر بْن زهير، وَحَدَّثَنِي شيخ لنا أيضًا، أَن الْمَنْصُور كتب إِلَى أَبِي مُسْلِم كتابًا لطيفًا مَعَ أَبِي حميد المروروذي وَقَالَ: إِن أجاب إِلَى الانصراف وإلّا فقل لَهُ، يَقُول لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ: نُفيتُ من الْعَبَّاس لئن مضيتَ وَلَمْ تلقني لا وكلتُ أمرك إِلَى أحدٍ سواي ولو خضتْ إليك البحر الأخضر

_ [1] م: فيه. [2] ط، د: يستر. [3] م: يمنح. [4] ط: القدوم.

حَتَّى أموت أَوْ أقتلك [1] . فَلَمَّا قرأ الكتاب عزم عَلَى المضي لوجهه، فأدّى إِلَيْهِ أَبُو حميد الرسالة فكسرته وعزم عَلَى الانصراف إِلَى الْمَنْصُور، وخلّف ثقله بحلوان وعليه مَالِك بْن الهيثم وَقَالَ: لئن أمكنني قتله لأقتلنّه ثُمَّ لأبايعن من أحببت، وتمثل بَعْض من مَعَهُ: مَا للرجالِ مَعَ الْقَضَاء محالةُ ... ذهبَ القضاءُ بحيلة الأقوامِ [2] وَحَدَّثَنِي بَعْض ولد يقطين بْن مُوسَى قَالَ: كَانَ أَبُو مُسْلِم آنس النَّاس بيقطين، فَلَمَّا قدم الكوفة وَهُوَ يريد الحج قَالَ لَهُ: يَا يقطين بلغني أَنَّهُ نشأ بالكوفة رَجُل يُقَالُ لَهُ جحا ظريف مليح، وأن أهلها عملوا بعدنا جُوذابة تنسب [3] إِلَى رَجُل يكنى أَبَا جَرِير، فأطعمني من الجوذابة وأرني جحا كم، فاتُّخذتْ جوذابات وأتي بِهَا مَعَ طَعَام كثير، فَلَمَّا تغدى أَبُو مُسْلِم قَالَ: أرني الآن جُحا هَذَا، فطُلب حَتَّى وجد وأُتي بِهِ يقطين وأبو مُسْلِم وهما فِي غرفة لَيْسَ فِيهَا غيرهما، فأخذ بعضادة الباب ثُمَّ قَالَ: يَا يقطين، أيكم أَبُو مُسْلِم؟ فضحك أَبُو مُسْلِم وكلمه فاستملحه فوهب لَهُ خمسة آلاف درهم. قَالَ: ثُمَّ شخص أَبُو مُسْلِم إِلَى مَكَّة، وقدم فمضى لمحاربة عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي، فَلَمَّا هزمه بعث الْمَنْصُور إِلَيْهِ يقطينًا فكلمه بكلام شتم الْمَنْصُور فِيهِ لأُنْسِه كَانَ بيقطين، فأداه يقطين إِلَى الْمَنْصُور، فكان [4] أَبُو مُسْلِم يَقُول والله لأقتلن يقطينًا. قَالَ: ولما قدم أَبُو مُسْلِم عَلَى الْمَنْصُور وَهُوَ بالرومية الَّتِي عِنْدَ المدائن أمر النَّاس بتلقيه وقام إِلَيْهِ فعانقه وأكرمه، وَقَالَ: كدت تمضي قبل أَن نلتقي فألقي إليك مَا أريد، وأمره أَن ينصرف إِلَى منزله فيستريح ويدخل الحمام ليذهب عَنْهُ كلال السفر ثُمَّ يعود، وجعل يزيده برًا وإعظامًا وَهُوَ ينتظر الفرصة فِيهِ حَتَّى قتله. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي قَالَ: لما أراد أَبُو مُسْلِم الشخوص إِلَى خراسان عاصيًا كتب إِلَى الْمَنْصُور [5] : من عَبْد الرَّحْمَن بْن مُسْلِم إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد،

_ [1] انظر الطبري س 3 ص 105- 6. [2] الطبري س 3 ص 108، وسمط اللآلي ج 2 ص 908- 9. [3] ط، م: ينسب. [4] ط، د: وكان. [5] انظر الطبري س 3 ص 105 رواية المدائني، والخطيب البغدادي ج 10 ص 208- 209.

أما بَعْد فَإِنِّي اتخذت أخاكَ [1] إمامًا وَكَانَ في قرابته برسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ومحله من العلم عَلَى مَا كَانَ، ثُمَّ استخفَّ بالقرآن وخرقه [2] طمعًا فِي قليل من الدنيا قد نعاه الله لأهله [3] ومثلت لَهُ ضلالته عَلَى صورة العدل فأمرني أَن أجرد السَيْف وآخذ بالظنة ولا أقبل معذرةً وأن اسقّم البريء وأبرئ السقيم وآثر أَهْل الدين فِي دينهم وأوطأني فِي [4] غيركم من أَهْل بيتكم العُشوة بالأفك والعدوان، (629) ثُمَّ إِن اللَّه بحمده ونعمته استنقذني بالتوبة وكرّهَ إِلَيّ الحوبة فَإِن يعفُ فقديمًا عرف ذَلِكَ منه وإن يُعاقب فبذنوبي وَمَا اللَّه بظلام للعبيد. فكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور: قَدْ فهمت كتابك وللمدل عَلَى أهله بطاعته ونصيحته ونصرته ومحاماته وجميل بلائه مقال، وَلَمْ يُرِك اللَّه فِي طاعتنا إلّا مَا تُحب، فراجع أَحْسَن نيتك وعملك ولا يدعونّك مَا أنكرته إِلَى التجني فَإِن المغيظ رُبَّمَا تعدى فِي القول فأخبرَ بِمَا لا يعلم والله وَلِيُّ توفيقك وتسديدك. فأَقْبَلَ رحمك اللَّه مبسوط اليد فِي أمرنا محكمًا فيما هويت الحكم فِيهِ ولا تُشمت الأعداء بك وبنا [5] إِن شاء اللَّه. قَالَ: فَلَمَّا قدم بَرَّه وأكرمه وَهُوَ يريد أَن تمكنه [6] الفرصة، ثُمَّ صرفه إِلَى منزله ليستريح. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عباد عَنْ أزهر بْن زهير بْن الْمُسَيِّب الضَّبِّيّ قَالَ: ندم الْمَنْصُور عَلَى انصراف أَبِي مُسْلِم حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو أيوب المورياني أشار عَلَيْهِ بالإذن لَهُ، فَلَمَّا أصبح غدا إِلَى الْمَنْصُور فتلقاه أَبُو الخصيب فَقَالَ لَهُ: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مشغول فانصرِفْ ساعةً حَتَّى يفرغ، فأتى منزل عِيسَى بْن مُوسَى وَكَانَ يحبه وَكَانَ عِيسَى شديد التعظيم لَهُ، فدعا لَهُ عِيسَى بالغداء، فبينا هُوَ عَلَى [7] ذَلِكَ إذ أتاه الرَّبِيع، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَ مرزوق أَبِي الخصيب، فَقَالَ لَهُ: يدعوك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فركب وشغل عِيسَى بْن مُوسَى بالوضوء، وَقَدْ كان ابو

_ [1] الطبري: رجلا. وفي الخطيب البغدادي: «فقد كنت اتخذت اخاك» ، ونصه يختلف عن النص التالي. [2] الطبري: فحرقه عن مواضعه، ابن الأثير ج 5 ص 450: فحرفه. [3] الطبري: قد تعافاه الله الى خلقه، وفي د، م: بغاه، وفي ابن الأثير ج 5 ص 470: نعاه. [4] سقطت «في» من ط. اوطأه العشوة: اركبه على غير هدى، اللسان: وطأ. [5] ط: لا تشمت اعداءك وبنا. [6] ط: يمكنه. [7] سقطت «على» من م.

مُسْلِم قَالَ لَهُ: اركب معي فَقَدْ أحسست بالشر، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي ذمتي فتقدم فَإِنِّي لاحِقُك. فَلَمَّا صار أَبُو مُسْلِم إِلَى الرواق قيل لَهُ إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ: يتوضأ فلو جلست، فجلس، وأبطأ عَلَيْهِ عِيسَى فجعل يسأل عَنْهُ، وأعد لَهُ الْمَنْصُور عُثْمَان بْن نهيك، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى حرسه، وعدةً مِنْهُم شبيب بن واج صاحب المربّعة ببغداد وأبو حَنِيفَة صاحب الدرب فِي الْمَدِينَةِ ببغداد ورجلين من الحرس، وَقَالَ لعثمان، إِذَا عاتبتُه فَعَلا صوتي فلا تخرجوا، وَكَانَ وأَصْحَابه وراء سترٍ خلف أَبِي مُسْلِم، فَإِذَا أَنَا صفقتُ فدونكم العلج. ثُمَّ قيل لأبي مُسْلِم: قَدْ جلس أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فقم، فَلَمَّا قام ليدخل نزع سَيْفه فَقَالَ: مَا كَانَ يصنع بي مثل هذا، فقيل: ليس ذاك إلا لخير. وَكَانَ عَلَيْهِ قباء خز أسود وتحته جُبَّة خز بنفسجي فدخل فسلم [1] وجلس عَلَى وسادة لَيْسَ فِي الْبَيْت غيرها والقوم خلف ظهره، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ استُخف بي وأخذ سَيْفي، قَالَ: ومن فعل ذَلِكَ قبحه اللَّه! ثُمَّ قَالَ: هيه، قتلت أَهْل خراسان وفعلت وفعلت، ثُمَّ جعلت تقول بمكة أيُصلي هَذَا الغلام بالناس، وألقيتُ نعلي من رجلي فرفعت نفسك عَنْ مناولتي إياها حَتَّى ناولنيها [2] مُعَاذِ بْن مُسْلِم، وأعجبُ من هَذَا إقعادك [3] إياي فِي دهليزك بخراسان مستخفًا بحقي حَتَّى أشير عليك بخلاف ذَلِكَ فتكارهتَ عَلَى تسهيل إذني وفتح الأبواب لي، ثُمَّ كتابُك إليّ تبدأ بنفسك، وخطبتُك إليّ أمينة بِنْت عَلِي، وقولك أنك ابْنُ سليط بْن عَبْدِ اللَّهِ، لَقَد ارتقيت يَا ابْن اللخناء مرتقًى صعبًا، ثُمَّ ذمّك أَخِي وسيرته وقولك إنه أوطأك العشوة وحملك عَلَى الإثم، ثُمَّ أَنْتَ صاحبي بمكة تنادي: من أكل طَعَام الأمير فَلَه درهم، ثُمَّ كسوتك الأعراب وقولك: لأتخذنكم دُونَ أَهْل خراسان. وأعجب من هَذَا أني دفعت فِي صدر حاجبك [4] بخراسان فقلتَ لي أيضرب حاجبي، رُدّوه عنا إِلَى العراق. فَقَالَ أَبُو مُسْلِم: إنه لا يُقَالُ لي هَذَا القول بَعْد بلائي وعنائي. فَقَالَ: يَا ابْن الخبيثة إِنَّمَا عملت مَا عملت بدولتنا ولو كَانَ الأمر إليك مَا قطعت فتيلًا، ثُمَّ فتل شاربه وفرك يده. فَلَمَّا رَأَى أَبُو (630) مسلم

_ [1] ط: وسلم. [2] م: ناولني إياها. [3] ط: لقعادك. [4] ط: حاجتك.

فعله قَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لا تدخلنَّ عَلَى نفسك مَا أرى فَإِن قدري أصغر من أَن يبلغ [1] شَيْء من أمري منك هَذَا المبلغ. وصفق الْمَنْصُور بإحدى يديه عَلَى الأخرى، فضرب عُثْمَان بْن نهيك أَبَا مُسْلِم ضربة خفيفة، فأخذ برجل الْمَنْصُور فدفعه برجله، وضربه شبيب بْن واج عَلَى حبل عاتقه ضربة أسرعت فِيهِ فَقَالَ: وانفساه، ألا قوة ألا مغيث! فَقَالَ الْمَنْصُور: اضربوا ابْن اللخناء، فاعتوره الْقَوْم بأسيافهم، وأمر بِهِ فلفّ فِي مسحٍ ويقال فِي عباءة وصُير ناحية. وَكَانَ الطعام قَدْ وضع للحرس فِي وقت دخول أَبِي مُسْلِم فكانوا قَدْ شغلوا بِهِ فلم يعلم أحد [2] بمقتله. ووافى عِيسَى الباب فاستؤذن لَهُ فَقَالَ الْمَنْصُور: أدخلوه، فَلَمَّا وقف بَيْنَ يديه قَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَين أَبُو مُسْلِم؟ قَالَ: كَانَ هنا آنفًا، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ عرفتَ طاعته ومُناصحته ورأي الامام كان فيه. فقال: اسكت يا ابن الشاة، وكانت أم عيسى توفيت وَهُوَ صَغِير أو مرضت فأرضع لبن شاة، فو الله مَا كَانَ فِي الأَرْض عدوُّ أعدى لَك منه، ها هُوَ ذا فِي البساط، والله مَا تم سلطانك إلّا اليوم. ودخل إِسْمَاعِيل بْن عَلِي وَهُوَ لا يعلم الْخَبَر فَقَالَ: إني رَأَيْت يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فِي ليلتي هَذِهِ كأنك قتلتَ أَبَا مُسْلِم وكأني وطئته برجلي، فَقَالَ: قم فصدّق رؤياك فها هُوَ ذا فِي البساط. فوطئه ثُمَّ رجع فرمى بخفه وَقَالَ: لا ألبس خفًا وطئت بِهِ مشركًا، فأتي بخف فلبسه. وأنشد الْمَنْصُور: وَمَا العجز الّا أن تؤامر عاجزًا ... وَمَا الفتكَ إلا أَن تهم فتفعلا وَقَالَ أَبُو مَسْعُود: بلغني أَن الْمَنْصُور سَأَلَ أَبَا مُسْلِم عَنْ نصلين أصابهما فِي متاع عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي، فَقَالَ: أحدهما سَيْفي الَّذِي كَانَ عَلِي. قَالَ أَبُو دُلامة مَوْلَى بَنِي أسد [3] : أَبَا مُسْلِم [4] مَا غَيْر اللَّه نعمةً ... عَلَى عبدهِ حَتَّى يغيرها العبد

_ [1] ط: تبلغ. [2] يضيف م: منهم. [3] انظر الاغاني ج 10 ص 247 وما بعدها. [4] الشعر والشعراء ج 2 ص 664، وطبقات ابن المعتز ص 62: أبا مجرم، ويرد البيت في الاغاني ج 10 ص 247، والخطيب البغدادي ج 10 ص 210، واخبار الدولة العباسية ص 256.

أفي دولة الْمَنْصُور [1] حاولت غدرة ... ألا إِن أَهْل الغدر آباؤك الكرد فلا يقطع اللَّه اليمين الَّتِي بِهَا ... علاكَ صقيل الشفرتين لَهُ حَدُّ فَمَا كَانَ إلا الْمَوْت فِي غمد سَيْفه ... وَمَا خلت أَن الْمَوْت يضبطه غمد أَبَا مُسْلِم [2] خوفتني القتل فانتحى ... عليك بِمَا خوفتني الأسد الوَرْد [3] فأصبحتُ فِي أهلي وأصبحتَ ثاويا ... بحيث تلاقي فِي ذرى دجلة المد وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مُوسَى الخوارزمي الحاسب، عَنْ بَعْض آل الْحَسَن بْن قحطبة وغيرهم، قَالَ: قتل أَبَا مُسْلِم عُثْمَان بْن نهيك وشبيب بْن واج وأبو حَنِيفَة ورجلان من الحرس ضربوه بأسيافهم فلم يمت وجر برجله فألقي في دجلة وكان يومئذ ابن ثمان وثمانين سنة. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: لما قتل أَبُو مُسْلِم حمل أَبُو حَنِيفَة جيفته فِي صندوق حَتَّى توسط بدجلة ثُمَّ ألقاه. وسار أَبُو جَعْفَر بَعْد ذَلِكَ بثلاث إِلَى الحيرة. وحدثني أَبُو مَسْعُود قَالَ: تمثل الْمَنْصُور بَعْد قتل أَبِي مُسْلِم ببيت الشماخ [4] : وَمَا أَن شفي نفسًا كأمرِ صريمةٍ [5] ... إِذَا حاجةٌ فِي النفس طال اعتراضها وَقَالَ بشار [6] الأعمى: أَبَا مُسْلِم مَا طيبُ [7] عيشٍ بدائمٍ ... وَمَا [8] سالمٌ عمّا قليلٍ بسالم كأنّك لَمْ تسمع بقتل متوجٍ ... عزيز ولم تعلم بقتل الأعاجم [9]

_ [1] الشعر والشعراء واخبار الدولة العباسية: المهدي. [2] الشعر والشعراء وطبقات ابن المعتز واخبار الدولة العباسية: أبا مجرم. [3] «الورد» سقطت من م. انظر الاغاني ج 10 ص 247، والخطيب البغدادي ج 10 ص 210. [4] ترجمته في الاغاني ج 9 ص 154 وما بعدها. [5] في الديوان ص 215. ولم يسل امرا مثل امر صريمة. [6] م: ابن بشار. انظر ترجمته في الاغاني ج 3 ص 129 وما بعدها. انظر ديوان شعر بشار ابن برد (جمع محمد بدر الدين العلوي) دار الثقافة، بيروت، ص 204 وما بعدها والديوان (ن. محمد الطاهر بن عاشور) ج 4 ص 169. [7] الديوان (دار الثقافة) : أبا جعفر ما طول، الديوان (ابن عاشور) : أبا مسلم ما طول ... [8] ن. م.: ولا. [9] يرد هذا الشطر في الاغاني ج 3 ص 150، والديوان: عظيم ولم تسمع بفتك الأعاجم.

لحي اللَّه قومًا شَرفوك [1] عَلَيْهِم ... وَقَدْ كنت مشروفًا [2] خبيثَ المطاعم (631) قَالُوا: وَكَانَ الْمَنْصُور يَقُول: أخطأت مرّات وقاني اللَّه شرها، قتلتُ أَبَا مُسْلِم وحولي من يقدّم طاعته عَلَى طاعتي فلو وثبوا بي وأنا فِي خرق [3] لذهبتُ ضياعًا، وخرجتُ يَوْم الراوندية ولو أصابني سهم غَرب لذهبت ضياعًا، وخرجتُ إِلَى الشام ولو اختلف بالعراق سَيْفان لذهبت الخلافة ضياعًا. قَالُوا: وأمر الْمَنْصُور حِينَ قتل أَبَا مُسْلِم بوضع الإعطاء فِي النَّاس، فجعلوا يأخذون ويبايعون ويلعنون أَبَا مُسْلِم. وَقَالَ أَبُو دلامة أيضًا: أَبُو مُسْلِم عبدٌ لعيسى بْن معقلٍ ... أَخِي دلف لا قَوْل من يتكذب حمدت إلهي حِينَ قيل [4] عدوكم ... أَبُو مجرم [5] أمسى عَلَى الوجه يسحب فَإِن يكُ عبدًا ذاق حتفًا بجرمه ... فَقَدْ صادف المقدار والحين يجلب [6] بكت عين من تبكيه ميتا ولا رأى ... من اللَّه روحًا من لَهُ يتغضب وَقَالَ أَبُو عَطَاء السندي [7] : زعمتَ أنّ الدَّيْن لا يقتضى [8] ... كذبت والله أبا مجرم [9] سقيت كأسًا [10] كنتَ تسقي بِهَا ... أمر فِي الحلق من العلقم الْمَدَائِنِي قَالَ: كَانَ أفلح بْن مَالِك بْن أسماء بْن خارجة الفزاري بخراسان وَكَانَ صديقًا لأبي مُسْلِم يلاعبه بالشطرنج ويؤانسه، وَكَانَ ذا قدرٍ بخراسان، فلما ظهرت الدعوة قدم على أبي مسلم وقال:

_ [1] الاغاني ص 151، والديوان: رأسوك. [2] الاغاني والديوان: وما زلت مرءوسا. [3] الخرق: الثغر والارض الواسعة. المحيط مادة: خرق. [4] ط: قتل. [5] ط: مجزم. [6] ط، د: يحلب. [7] انظر المسعودي ج 6 ص 184- 5، والطبري س 3 ص 115. [8] المسعودي: ينقضي. [9] المسعودي والطبري: فاستوف بالكيل أبا مجرم. [10] ن. م.: اشرب بكأس.

قل للأمير أمين الْإِمَام ... وصيُّ وصيِّ وصيّ الوصيّ أتيتك لا طالبا حاجة ... وما لي فِي أرضكم من كفي وَكَانَ أَبُو مُسْلِم يبره [1] ويكرمه ثُمَّ أمر بقتله، فَقِيلَ لَهُ: صديقك وأنيسك، فَقَالَ: رَأَيْته ذا همة وأبهة فقتلته مخافة أَن يحدث حدثًا، وَكَانَ لا يقعد عَلَى الأَرْض إِذَا قعدتُ عَلَى السرير، ولقد كَانَ عليّ كريمًا وكنت لَهُ محبًا. قَالَ: فعير الْمَنْصُور أَبَا مُسْلِم بقتله فيما عيره بِهِ. حَدَّثَنِي الأثرم عَنْ أَبِي عَمْرو الشيباني الرواية قَالَ: لما قتل الْمَنْصُور أَبَا مُسْلِم دعا بجعفر بْن حنظلة البهراني فأراه [2] إياه مقتولًا، فَقَالَ: وفقك اللَّه يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وسددك، عُدّ خلافتك مُذ اليوم. وَحَدَّثَنِي الأثرم عَنِ الأصمعي قَالَ: قَالَ رؤبة بْن العجاج [3] : كَانَ أَبُو مُسْلِم فصيحًا عَلَى غلظ وفصح كَانَ فِي لسانه، دخلت عَلَيْهِ فأنشدته: لبيك إذ دعوتني لبيكا ... أحمد ربًا ساقني إليكا أصبح سَيْفُ اللَّه فِي يديكا [4] فأمر لي بكسوة ومال وَقَالَ لي: يَا رؤبة، إِن لَك إلينا [5] عودة وَعَلَيْنَا معوّلا والدهر اطرف مستتب، فَإِذَا أتيت خراسان فصر إليّ أغنِك. فَقُلْتُ لَهُ: إني أريد أَن أسألك وأنا أفرقُ منك، فَقَالَ: سَلْ آمنا، قُلْت: أرى لسانا عضبا وكلاما فصحا [6] ، فأين نشأت أيها الأمير؟ قَالَ: بالكوفة والشام. قُلْت: بلغني أنك لا ترحم، قَالَ: كذبوا إني لأرحم، قُلْت: فَمَا هَذَا القتل؟ قَالَ: إنما أقتل من يريد [7] قتلي.

_ [1] د: بنزه. [2] م: وأراه. [3] انظر الاغاني ج 20 ص 312 وما بعدها. [4] العقد الفريد ج 2 ص 99: الحمد والنعمة في يديكا. [5] «إلينا» ليست في ط، د. [6] م: فصيحا. [7] د: يزيد.

قَالُوا: ولمّا قتل أَبُو مُسْلِم كتب الْمَنْصُور إِلَى أَبِي نصر مَالِك بْن الهيثم، وَكَانَ أَبُو مُسْلِم خلّفَهُ فِي ثقله [1] بحلوان وَهُوَ يرى أَنَّهُ يرجع إِلَى خراسان، كتابًا عَنْ لسان أَبِي مُسْلِم فِي القدوم بثقله وَمَا خلّف مَعَهُ، وختم الكتاب بالخاتم الَّذِي أخذه من إصبع أَبِي مُسْلِم، وكانت بينهما علامة فلم يعرفها فيكتب بِهَا، فامتنع أَبُو نصر (632) من القدوم. فكتب الْمَنْصُور إِلَى عامله بهمذان يأمره بمنعه من النفوذ، فأخذه وحبسه فِي القصر وَقَالَ لمن مَعَهُ: والله لا يتحرك متحرك إلّا رميت إليكم برأسه [2] ، ثُمَّ حمله إِلَى [3] الْمَنْصُور فعفا عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الراونديّة [4] قام عَلَى الباب فَذَبَّ وأبلى، فرضي عَنْهُ وصارت لَهُ مكانة عنده وولّاه الموصل. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ، قَالَ ابْن شبرمة: دخلت عَلَى أَبِي مُسْلِم وَفِي حجره مصحف وإلى جانبه سَيْف، فسلمت عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا شبرمة إِنَّمَا هما أمران: زهدٌ فِي الدنيا أَوْ سَيْف يضرب بِهِ أَهْل العناد. وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن القاسم أَبُو الفضل قَالَ: سمعت مشايخنا يذكرون أَن أَبَا مُسْلِم كَانَ رجلًا رَبْعَةً وكانت لَهُ شعرة وَكَانَ أسمر اللون حسن الوجه جيّد الألواح قليل اللحم تعلوه صفرة. وَحَدَّثَنِي الحرمازي قَالَ: استشار الْمَنْصُور إِسْحَاق بْن مُسْلِم العقيلي. أَوْ سلم بْن قُتَيْبَة، فِي أمر أَبِي مُسْلِم فَقَالَ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [5] . حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن عتاب، حَدَّثَنِي سلام الأبرش قَالَ: أرِق الْمَنْصُور ذَات ليلة فَقَالَ للربيع: انظر من فِي الدار من الصَّحَابَة فأدخله إلّا أَن يَكُون عَبْد اللَّهِ بْن عياش فَإِنَّهُ سائل ملحف، فنظر فلم يجد فِي الدار غيره، فَقَالَ: أدخله وتقدم إِلَيْهِ (632) فِي ترك مسألتي شيئًا، فضمن لَهُ أَن لا يسأل ليلته شيئًا، فَلَمَّا دَخَلَ أقبل يحدث بأمر السواد وفتوحه وَمَا كَانَ يرتفع من جباياته، ثُمَّ قَالَ: فطول السواد يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ كَذَا وعرضه كَذَا ولا والله مَا لعبدك منه شبر فِي شبر، فضحك الْمَنْصُور وقال: قد أقطعتك غلة ثلاثين

_ [1] ط: نقله. [2] ط: برأسه إليكم. [3] «الى» سقطت من م. [4] ط: التروندية. [5] سورة الأنبياء (21) ، آية 22.

ألف درهم من حيث تختار من السواد. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب، عَنِ الرَّبِيع قَالَ: جلس الْمَنْصُور يومًا بالنجف بالكوفة يشرف عَلَى الخورنق وظهر الكوفة، فَقَالَ: يَا ربيع أبغني رجلًا يحدثني، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بالباب عَبْد اللَّهِ بْن الرَّبِيع الحارثي وأنت تحب حَدِيثه، فَقَالَ: نعم لولا كثرة سؤاله الحوائج، فَقَالَ: أَنَا أقطع عَنْك حوائجه فِي هَذَا اليوم، فخرج إِلَيْهِ فاشترى منه مسألته الحوائج بمائتي دِينَار، فَلَمَّا دَخَلَ ورأى طيب نفس الْمَنْصُور جعل يعرض بالسخاء وينشد شعر حاتم الطائي، فَقَالَ: يَا ربيع لا تفِ لَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يفِ لَك، كفى بالتعريض مسألة. وَقَالَ: أنشدني قَوْل كثير: إِذَا المال لَمْ يوجب عليك، فأنشده [1] : إِذَا المال لَمْ يوجب عليك عطاءه ... صَنيعةُ تقوى [2] أَوْ صديق تخالقه [3] مَنَعت وَبَعْض المنع حزمٌ وقوةٌ ... فلم يفتِلذك [4] المال إلّا حقائقه فكان عَبْد اللَّهِ بْن الرَّبِيع يَقُول خرجت من عِنْدَ الْمَنْصُور وأنا أحب النَّاس إِلَيْهِ. الْمَدَائِنِي، قَالَ: دَخَلَ الْمَنْصُور الْمَدِينَةَ فَقَالَ للربيع: ائتني برجل يسامرني ويحدثني، فأتاه برجل ظريف كَانَ منقطعًا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: من أَنْتَ وأين منزلك؟ قَالَ: مَا لي منزل وإني لمغمور النسب لا تبلغني [5] معرفتك. وحدثه فاستظرفه وأمر لَهُ بخمسة آلاف درهم، فلما انصرف قَالَ للربيع: تنجز لي صلتي بأبي أَنْتَ وأمي، فَقَالَ الرَّبِيع: هيهات احتل لنفسك، فَلَمَّا ركب الْمَنْصُور من الغد دعا بِهِ فحدثه ثُمَّ أنشده قصيدة الأحوص [6] : يَا بَيْت [7] عاتكة الَّذِي أَتَغزّلُ [8] ... حذر العِدى وبه الفؤاد موكّل

_ [1] ديوان كثير عزة ص 309، تاج العروس واللسان مادة «فلذ» . [2] ط: يقوى. [3] م: تخالعه. [4] ط: مقليذك. د: مقليدك. م: فلا يقتلذك. في الديوان والتاج: فلم يفتلذك، وفي اللسان: ولم ... [5] ط: يبلغني. [6] الاغاني ج 15 ص 234 وما بعدها وج 4 ص 228 وما بعدها، وترد القصيدة في ج 21 ص 110- 112، وديوان الأحوص ص 152 وما بعدها، وذيل زهر الآداب للحصري ص 59- 60، وانظر خزانة الأدب ج 1 ص 248، والحماسة البصرية ج 1 ص 128، وسمط اللآلي ج 1 ص 259. [7] ط: بنت. [8] م: اتغزل.

باب في أخبار الربيع

حَتَّى انتهى إِلَى قَوْله: وأراك تفعلُ مَا تقول [1] وبعضهم ... مذق الْحَدِيث يَقُول مَا لا يفعل فَقَالَ الْمَنْصُور: وأبيك لَقَد اقتضيت [2] فأحسنت ولطفت، يَا ربيع يُعطى جائزته. بَاب [فِي أخبار الرَّبِيع] حَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي وَهِشَام بْن مُحَمَّد وغيرهما، قَالُوا: كَانَ عيسى ابن روضة [3] وَهِيَ أَمَة وأبوه نجيح عَبْد لآل طَلْحَةَ، فرآه الْمَنْصُور بالكوفة فِي حَلقَةَ الْمَسْجِد وَذَلِكَ قبل خلافة أَبِي الْعَبَّاس، فَقَالَ: لئن ملكنا لنشترينه فَإِنِّي لَمْ أرَ ألسن ولا أظرف منه مَعَ عقل كامل، فَلَمَّا ولي أَبُو الْعَبَّاس سَأَلَهُ أَن يشتريه فاشتراه بمائة ألف درهم، فكان حاجب الْمَنْصُور حَتَّى ظهر منه عَلَى تشيع [4] فعزله عَنْ حجابته. حَدَّثَنِي أَبُو فراس الشامي قَالَ: كَانَ حاجب الْمَنْصُور عِيسَى بْن روضة مولاه ومعه مرزوق أَبُو الخصيب مولاه، فَلَمَّا نحّي ابْن روضة أَوْ مَاتَ صير أَبَا الخصيب مكانه، وَكَانَ الرَّبِيع مَعَ أَبِي الخصيب يَكُون [5] فَلَمَّا مَاتَ أَبُو الخصيب صار الرَّبِيع مكانه. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَبُو فروة من أراشة من بليّ سبّيًا أَخَذَ من جبل الخليل بالشام فيما يُقَالُ، قَالَ: والثبت أَنَّهُ كَانَ [6] من سبي عين التمر فأعتقه رجلٌ من بَنِي ضبَّة. وَقَالَ الهيثم والمدائني: كَانَ أَبُو فروة من سبي عين التمر فابتاعه ناعم الأسدي، ثُمَّ ابتاعه منه عثمان ابن عَفَّان فأعتقه وجعله يحفر القبور، فَلَمَّا وثب النَّاس بعثمان قَالَ لَهُ: يَا أثمان ردّ المذالم [7] ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان أَنْتَ أوَّلها، ابتعتُك من مال الصدقة لتحفر القبور

_ [1] ط: يقول. [2] ط: اقضيت. [3] ط: روضاه. [4] م: شنيع. [5] د: يلون. [6] «كان» ليست في م. [7] اي: «يا عثمان رد المظالم» والتحريف بسبب العجمة.

فتركت ذَلِكَ. وكنى أَبَا فَرْوَةَ لأنه أدخل المدينة وعليه فروة. فحدثت عَنْ أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّد بْن صبيح الأبيضي، قَالَ: كَانَ يُونُس بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي فروة يتيمًا فِي حجر جدته وكانت لجدته جارية نفيسة فغشيها يُونُس يومًا بغير علم جدته فأحبلها فولدت الرَّبِيع، أَبَا الفضل بْن الرَّبِيع، وربيع هُوَ صاحب الْمَنْصُور، فجحدته جدته وجحده يُونُس، فَلَمَّا شبَّ باعته جدته فاشتراه زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه [1] الحارثي عامل أَبِي الْعَبَّاس عَلَى الْمَدِينَةِ وأهداه إِلَى أبي العباس، ثم صار الى المنصور، فلما استحجبه استمال بَنِي أَبِي فروة وبرّهم وأرغبهم فشهدوا أَنَّهُ ابْن يُونُس وأنه كَانَ قَدْ أقر بِهِ. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: كَانَ لهشام بْن عَمْرو مَوْلَى قبيصة ابن ذؤيب قدر فِي نَفْسه وفعالٌ جميل، وكانت بنو أمية تجيزهُ [2] وَكَانَ سخيًا مطعامًا للطعام، فطلب عِينَةً فِي بَعْض أيامه وبلغ ذَلِكَ عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة مَوْلَى عُثْمَان فَقَالَ لقهرمان هِشَام هَذَا: بلغني أَن أَبَا عَمْرو يطلب عينة وعندنا مال فخذ حاجتك منه قرضًا إِلَى مَتَى شئت واكتمه اسمي، فأخبر القهرمان هشامًا بِذَلِك وَلَمْ يزل يقسم عَلَيْهِ فَأَخْبَرَه بأن أَبَا فروة صاحبه، فَقَالَ: إنا نحضر أبواب السلطان وغيره فنتساوى [3] وإن كَانَ لَهُ عَلِي دينٌ ذللتُ لَهُ وعلاني فخذ لي [4] من غيره مالًا. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ كاتب مُصْعَب بْن الزُّبَيْر وأنيسهُ، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة سريًا يفعل أفعالًا شريفة ويعم بمعروفه من انقطع إِلَيْهِ وغيرهم فشهد [5] بَعْض دور السلطان ومطرت السماء فنظر إِلَى جلسائه فَقَالَ: يَا غلام هاتِ لنا مماطر، فأتى بمماطر خز بعدتهم وكانوا نحوًا من عشرين. قَالَ: وأمسك رَجُل بركابه يومًا، فَقَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: لَك عَلَى أَبِي ألف دِينَار وَقَدْ ترك مالًا ولي إخوة، فَقَالَ: صدقت قَدْ عرفتك، أعطوه الصك، والمال لَك دُونَ إخوتك. وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِي الحرمازي عَنِ القاسم بْن سهل النوشجاني [6] ، (634) ان

_ [1] ط، د: عبد الله. انظر جمهرة النسب ص 259. [2] ط: بحيزه. [3] م: فنساوي. [4] ط: يخذلني، م: خذ لي. [5] ط: فنشهد. [6] ط: التوشجاني.

زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه الحارثي، خال أَبِي الْعَبَّاس، ابتاع الرَّبِيع فِي خمسين غلامًا بالمدينة وَهُوَ عامل الْمَنْصُور عَلَيْهَا وأهداهم إِلَيْهِ فصيره مَعَ أَبِي الخصيب ثُمَّ ضمه إِلَى ياسر صاحب وضوئه، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْن ثمان عشرة سنة. وحج الْمَنْصُور فِي تلك السنة فكان ياسر إِذَا وضع للمنصور الماء عِنْدَ نزوله لحاجته لَمْ يَرُمْ حَتَّى يفرغ الْمَنْصُور من الاستنجاء، واعتل ياسر فصير الرَّبِيع يقوم مقامه فِي الخدمة، فكان إِذَا وضع الماء للمنصور تنحى عَنْهُ فَإِذَا تحرك صار إِلَى الإبريق فأخذه، فَقَالَ لَهُ: ويحك يَا غلام مَا أكيسك وأخفك عَلَى قلبي، وسأله عَنْ سنيه فزاد فِيهَا ليتكبر بِذَلِك، فأعجبه مَا رَأَى منه. ورأى الْمَنْصُور فِي طريقه كتابًا عَلَى حائط فقرأه فَإِذَا هُوَ: وَمَا لي لا أبكي وأنشد فاقتي ... إِذَا صدر الرعيانُ عَنْ كُل منهل وَفِي أسفله: آه، آه، آه، فجعل الْمَنْصُور يردد نظره فِي ذَلِكَ وينكره، فَقَالَ الرَّبِيع: أَن أذن لي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ تكلمتُ، فَقَالَ: تكلم، فَقَالَ: اتبع الْبَيْت تأوهًا وحكايةً للبكاء، فأعجبه مَا رَأَى من فطنته فَقَالَ: قاتلك اللَّه، وأعتقه وصيره مكان ياسر ثُمَّ رَأَى تقليده أمر حجابته فكان مَعَ أَبِي الخصيب فَلَمَّا مَاتَ صيره مكانه. قَالَ: فدخل بَعْض الهاشميين عَلَى الْمَنْصُور يومًا فذكر أَبَاهُ فترحم عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الرَّبِيع: مَهْ، أتترحمّ عَلَى أبيك وأنت تخاطب أمِير الْمُؤْمِنيِنَ! فَقَالَ: إنك لو عرفت حلاوة الآباء ومواقعهم من القلوب لَمْ تنكر عليّ مَا قُلْت. وكان الفضل ابن الرَّبِيع حاجب الرشيد، وَكَانَ يدعوه الْعَبَّاسِيَّ. وَحَدَّثَنِي الحرمازي أَوْ غيره أَن الْمَنْصُور أمر رجلًا ولاه عملًا بالقصد، فَقَالَ: عليك بالقصد والسداد فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ الظمأ الفاضح خيرٌ من الري الفاضح. وحدثني العمري قَالَ: مرَّ الْمَنْصُور فِي بَعْض السكك وكانت مضيقة بالبناء فأمر بهدم مَا ضيقت بِهِ من ذَلِكَ البناء وبلغ الهدم دار أَبِي دلامة فدخل عَلَى الْمَنْصُور فَقَالَ [1] : يَا ابْن عم النَّبِيّ زارك زور [2] ... قَدْ دنا هدم داره وبواره [3]

_ [1] الأبيات في الاغاني ج 10 ص 272، ومرآة الجنان ج 1 ص 345. [2] الاغاني: دعوة شيخ. [3] ن. م.: دماره.

فهو كالماخض التي اعتا ... دها الطلق فقرت وَمَا يقرُّ قرارهُ كَيْفَ يخشى البوار [1] شاعر [2] قوم ... هرمت [3] فِي مديحهم أشعاره لكم الأَرْض كلها فأعيروا ... عبدكم [4] مَا احتوى عَلَيْهِ جداره وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود قَالَ: أمر الْمَنْصُور الرَّبِيع أَن يحضر أَبَا دلامة القصر ويأخذه بصلاة الظهر والعصر والمغرب فأنشأ يَقُول [5] : ألم تريا أَن الْإِمَام ألزني [6] ... بمسجده والقصر مالي وللقصر [7] يكلفني [8] الأولى جميعًا وعصرنا ... فويلي [9] من الأولى وويلي من العصر لَقَدْ كَانَ فِي أهلي [10] مساجد جمة ... ولكنّ هَذَا الأمر قدر من القدر [11] ويحبسني عَنْ مجلسٍ [12] استلذّه ... وأكرمُ [13] فِيهِ بالسماع وبالخمر وماذا عَلَيْهِ أرشد اللَّه أمره [14] ... لو أَن خطايا [15] العالمين عَلَى ظهري فقال: صدق لعنه الله، دعوه.

_ [1] ن. م.: هل يخاف الهلاك. [2] ط، د: ساعر. [3] الاغاني: قدمت. [4] ن. م.: شيخكم. [5] القصيدة في الاغاني ج 10 ص 259- 260 مع اختلاف في تسلسل الأبيات، وترد في ذيل زهر الآداب (المطبعة الرحمانية) ص 91، وفي طبقات الشعراء لابن المعتز ص 61. [6] ط: للزني، الاغاني: ... ان الخليفة لزني، ذيل زهر الآداب: الم تعلموا ان الخليفة لزني، وفي طبقات ابن المعتز: الم تعلمي ان الخليفة لزني. [7] ط، د: القصر. [8] الاغاني: وكلفني، ذيل زهر الآداب: اصلي به الاولى مع العصر آيسا، ومثله في طبقات ابن المعتز مع «دائبا» بدل «آيسا» . [9] الاغاني: عولي. [10] ن. م.: قومي. [11] يرد الشطر في الاغاني: ولم ينشرح يوما لغشيانها صدري. ويورد طبقات ابن المعتز محل هذا البيت: وو الله ما بي نية في صلاته ... ولا البر والاحسان والخير من امري [12] ن. م.: فقد صدني عن مسجد ... [13] ن. م.، وطبقات ابن المعتز: اعلل. [14] ذيل زهر الآداب وطبقات ابن المعتز: وما ضره والله يصلح امره. [15] طبقات ابن المعتز: ذنوب.

قَالَ الْمَدَائِنِي: وماتت ابْنَة للمنصور، فرأى الْمَنْصُور أَبَا دلامة عِنْدَ قبرها فَقَالَ: مَا [1] أعددت لِهَذَا المضجع؟ قَالَ: الَّتِي حفر لَهَا يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فَقَالَ: ويلك ألا قُلْت كَمَا قَالَ الفرزدق حِينَ سَأَلَهُ الْبَصْرِيّ ورآه عِنْدَ قبر النوار امرأته عَنْ مثل مَا سألتك فَقَالَ: شهادة أَن لا إله إلا اللَّه مُذ ثمانون سنة! فَقَالَ أَبُو دلامة: إنّا لا نحب المعاد من الْكَلام. وَحَدَّثَنِي الحرمازي، قال: دخل (635) أبو دلامة على المنصور فأنشده [2] : لو كَانَ يقعدُ فوقَ الشَّمْس من كرم ... قومٌ لقيل اقعدوا يَا آل عَبَّاس ثُمَّ ارتقوا فِي شعاع الشَّمْس كلكم [3] ... إِلَى السماء فأنتم أكرم [4] النَّاس فَقَالَ الْمَنْصُور: لَقَدْ غدا بك أمر، قَالَ: نعم، ولدت لي [5] البارحة ابْنَة [6] فَقُلْتُ [7] فِيهَا: فَمَا ولّدتكِ مريم أمُّ عِيسَى ... وَلَمْ يكفلك [8] لقمانُ الحكيم ولكن قَدْ تضمُّك أمُّ سوء ... إِلَى لَبّاتها وأب لئيم [9] فتبسم الْمَنْصُور وأمر لَهُ بأربعة آلاف درهم. وَحَدَّثَنِي أَبُو العالية الْبَصْرِيّ قَالَ: أنشد الْمَنْصُور ابو دلامة قوله [10] :

_ [1] م: ماذا. [2] الأبيات في الاغاني ج 1 ص 251، وفي طبقات الشعراء لابن المعتز ص 61- 2. [3] طبقات ابن المعتز: وارتفعوا. [4] الاغاني: اظهر، طبقات ابن المعتز: سادة. [5] «لي» ليست في ط. [6] ط: أمة. [7] ط، م: وقد قلت، وانظر رواية الاغاني ج 10 ص 251. ويرد البيتان في طبقات الشعراء لابن المعتز ص 62. [8] الاغاني: ولا رباك. [9] في ذيل زهر الآداب ص 83 يرد البيت: ولكن قد ولدت لقام سوء ... يقوم بأمرها بعل لئيم [10] انظر الاغاني ج 10 ص 249- 250، وذيل زهر الآداب ص 82، وطبقات الشعراء لابن المعتز ص 62.

قَالَتْ تبغٌ لنا نخلًا [1] ومزرعة ... كَمَا لجيراننا نخل [2] ومزدرع خادع خليفتنا عَنْ ذاك فِي لطف [3] ... إِن الخليفة للسؤال ينخدع فَقَالَ لعبد الْمَلِك بْن حميد: أقطعه ألف جريب نصفها عامر ونصفها غامر، فَقَالَ: بأبي أَنْتَ وَمَا الغامر؟ قَالَ: الَّذِي لا يناله الماء إلا بالكلفة والنفقة، قَالَ: أَبُو دلامة: فَإِنِّي قَدْ أقطعت عَبْد الْمَلِك بْن حميد بادية بَنِي أسد وصحراء بزيقيا وصحراء القفّ [4] ، فضحك الْمَنْصُور وأمر أَن تجعل الألف جريب عامرة كلها، فَقَالَ لَهُ: جعلني اللَّه يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فداك ايذن لي فِي تقبيل رجلك، فَقَالَ: لستُ أفعل، فَقَالَ: والله أصلحك الله ما منعت عيالي شيئا أهون عَلَيْهِم من هَذَا. وَحَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَد سلمويه بْن عَمْرو النحوي قَالَ: أشار أَبُو عَبْد اللَّهِ الكاتب عَلَى الْمَهْدِي بنزول الرافقة وأراد أَن يبعده من الْمَنْصُور فكتب أَبُو دلامة. ان الخليفة والمهدي إذ نأيا ... فنحن فِي حيث لا ماء ولا شجرُ ولا نهارُ ولا ليل يطيب لنا ... ولا تضيءُ لنا شمسُ ولا قمر اللَّه يعلم أني ناصح لكم ... فيما أقول وأني حية ذكر [5] أرى وأسمع مَا لا تسمِعان بِهِ ... من الحسود وَفِي فِي الحاسد الحجر فرد الْمَنْصُور الْمَهْدِي إِلَيْهِ وَلَمْ يأذن لَهُ فِي نزول الرافقة. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب، قَالَ: كَانَ الْمَنْصُور يَقُول: مَا شَيْء أجلب لقلب من كَلام يصاب بِهِ موضعه، وَيُرْوَى ذَلِكَ أيضًا عَنِ ابْن المقفع. حَدَّثَنَا العمري، عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور لابن عياش المنتوف: لو تركت لحيتك لطالت، أما ترى عَبْد اللَّهِ بْن الربيع ما أحسنه، فقال: يا

_ [1] الأغاني ج 210 ص 250: اخرج لتبغ لنا مالا، وفي ذيل زهر الآداب: قم كي تبيع لنا نخلا ومزدرعا، وفي طبقات ابن المعتز: اذهب. [2] ذيل زهر الآداب: كما لجارتنا نخل ... ، وفي الأغاني: كما لجيراننا مال. [3] الاغاني وذيل زهر الآداب: واخدع (زهر الآداب: خادع) خليفتنا عنها بمسألة، وفي طبقات ابن المعتز: ايت الخليفة فاخدعه بمسألة. [4] الأصل: انقف. انظر الاصبهاني- بلاد العرب ص 302- 3، وياقوت- معجم البلدان (ن. وستنفلد) ج 1 ص 455. [5] ط: واحيه ذكر.

أمر ابن المقفع

أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَنَا أَحْسَن منه، فَقَالَ ابْن الرَّبِيع: إِمَّا ترى هَذَا الشَّيْخ يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مَا أكذبه! فَقَالَ ابْن عياش: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مُرْ بجزّ لحيته ويقام إِلَى جانبي حَتَّى ينظر أيّنا أَحْسَن. وَحَدَّثَنِي عُمَر [1] بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ ابْن عياش، قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور للأعلم الهمداني: مَا مالُك؟ قَالَ: مَا أكف بِهِ وجهي ولا أعود بفضله على صديق، فقال: لقد ألطفت المسألة، وأمر لَهُ بخمسة آلاف درهم. وَحَدَّثَنِي عُمَر [2] عَنِ الهيثم، قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور لسفيان: مَا أسرع النَّاس إِلَى قومك، فَقَالَ: إن العرانين تلقاها محسدة ... ولن ترى للئام النَّاس حُسّادا أمر ابْن المقفع كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن داذبة [3] ، وَهُوَ المقفّع، من أشراف أَهْل فارس وَكَانَ أَبُوهُ دَخَلَ فِي عمل للحجاج فخرج عَلَيْهِ مال فضرب بِهِ حَتَّى تقفعت يده، فغلب عَلَى اسمه المقفع، واحتال حَتَّى اقترض من صاحب العذاب مالًا، (636) فكان يُبقى عَلَيْهِ من القتل. وَكَانَ منزله البصرة وَكَانَ حريصًا عَلَى تأديب عَبْد اللَّهِ ابنه يجمع إِلَيْهِ الأدباء ويأخذه بمشاهدة مجالسهم، وألزمه أَبَا الغول الأعرابي وأبا الخاموش وكانا فصيحين، فَلَمَّا مَاتَ المقفع كتب لعامر بْن ضبارة. ثُمَّ لما جاءت الدولة صحب بَنِي عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ فكان يكتب لَهُمْ كتبهم، وَكَانَ أَكْثَر ميله إِلَى عِيسَى بْن عَلِي وعلى يده أسلم، فحدثني مُحَمَّد بْن قادم النحوي، عَنْ بَعْض الهاشميين، أَن عَبْد اللَّهِ بْن المقفع دَخَلَ عَلَى عِيسَى ليلًا فَقَالَ لَهُ: إني أريد الْإِسْلَام فَقَدْ خامر قلبي حبه وكرَهتُ المجوسية، فَقَالَ لَهُ: إِذَا أصبحنا جمعت أخوتي ووجوهًا من وجوه النَّاس فشهدوا إسلامك. وحضر عشاء عِيسَى فدعاه ليأكل فامتنع فعزم عَلَيْهِ، وَكَانَ نظيفًا حسن المؤاكلة، فلم يَدْنُ من الطعام إلّا عَلَى زمزمة فَقِيلَ: أتزمزم وأنت عَلَى الْإِسْلَام غدًا؟ فَقَالَ: إني أكره أَن أبيت غدًا عَلَى غَيْر دين، فَلَمَّا أصبح أسلم. وَكَانَ يكنى أَبَا عَمْرو فتكنى أبا محمد.

_ [1] م: عمرو. [2] م: عمر بن بكير. [3] ط: داذية.

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب قَالَ: كَانَتْ لعبد اللَّه بْن المقفّع حال جميلة وغلَّة تأتيه من فارس كافية، وكانت لَهُ مروج تقاد إِلَيْهِ منها البراذين والبغال فيهديها ويحمل عَلَيْهَا. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي، قَالَ: حضر سلم بْن قُتَيْبَة ومعن بْن زائدة وعبد اللَّه بْن المقفّع منزل [1] ابْن رامين، وَكَانَ لَهُ قيان وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ الشاعر: إِن ابْن رامين قَدْ أضحى لَهُ بقر ... عين وليس لنا غَيْر البراذين لو شئت أعطيته مالا على قدر ... ترضى [2] بِهِ منك دُونَ الربرب العين قَالَ: فتغنت [3] الزرقاء أم سعدة جارية ابْن رامين صوتًا أعجب سلما فبعث إِلَى خازنه فحمل إِلَيْهِ عشرة آلاف درهم فدفَعَها إِلَيْهَا، ثُمَّ غنت إحداهما صوتًا اقترحه معن، فبعث إِلَى وكيله فحمل إِلَيْهِ ألف دِينَار، وغنت صوتًا لعبد اللَّه بْن المقفّع، وَكَانَ قَدِ ابتاع ضيعة بمائة ألف درهم فأمر غلمانه فأتوه بصك الضيعة فدفعه إِلَيْهَا، فَقَالَ معن: لِلَّهِ [4] الفارسي لَقَدْ برز عَلَيْنَا. وَكَانَ مَا بَيْنَ ابْن شبرمة وابن أَبِي ليلى متباعدًا فحاول ابْن المقفّع أَن يصلح بينهما فأبى ذَلِكَ ابْن أَبِي ليلى. وَكَانَ ابْن شبرمة صديقًا لابن المقفع، فَقَالَ ابْن المقفع: تنوّقت فِي الإحسان لَمْ آل جاهدًا ... إِلَى ابْن أَبِي ليلى فصيره ذمَّا وو الله مَا آسي عَلَى فوتِ شكره ... ولكن سوء الرأي يحدث لي غمّا وماذا يضرّ المرء من قَوْل قائل ... إِذَا هُوَ لَمْ يغش الدناءة والإثما وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك، قَالَ: أُخبرت أَن عَبْد اللَّهِ بْن المقفّع كان إذا أقبل يريد منزله يقدم غلام لَهُ مجيئه، فَمَنْ كَانَ من غلمانه عَلَى غَيْر هيئة تهيأ، ويفتح لَهُ أبوابه فيدخل منزله ومعه عدة من إخوانه فَإِذَا حضر طعامه وقف قهرمانه فَقَالَ: قَدْ هُيئ فِي المطبخ كَذَا وكذا وكذا، ليعلموا مَا يؤتون [5] به من الطعام فيبقي

_ [1] ط: فنزل. [2] م: يرضى. [3] م: فتغيبت. [4] العبارة «فبعث الى وكيله ... معن: لله» ساقطة من م وترد محلها كلمة «فيه» . [5] م: تؤتون.

الرجل نَفْسه لما يشتهيه، وكانت أيديهم تغسل بالأشنان [1] قبل الأكل وَيَقُول: إِن الأيدي تقع فِي [2] الحار والبارد ولا [3] يؤمن أَن يتحلل فِي ذَلِكَ شَيْء من وسخها مِمَّا لا ينقيه الغسل بالماء وحده. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن جابان، قَالَ: كَانَ ابْن المقفّع ظريفا مزّاحًا ذا دُعابة، فكان بَعْض من يحسده يَقُول: إِن أدبه أَكْثَر من عقله. وَقَالَ ابْن المقفّع يومًا لغلامه، وسمعه يَقُول: مَا أَكْثَر الدُخّان، فَقَالَ: ويلك لا تقل الدُخّان إِنَّمَا هُوَ الدُخَان [4] . ثُمَّ سمع يومًا كلامًا فَقَالَ: مَا هَذَا (637) الَّذِي أسمع؟ فَقَالَ الغلام: هَذَا كلامُ قومٍ جلوس عَلَى الدُكان [5] ، فضحك وَقَالَ: أَنَا كنت أعجب منك يَا بُني. وسمع يومًا بَعْض ولد إِسْمَاعِيل بْن عَلِي يَقُول: أعطوني برذوني الأَسْوَد، فَقَالَ لَهُ: لا تقل هَذَا وقل برذوني الأدهم، فَلَمَّا أتي ببرذَوْنِهَ قَالَ: هاتوا طيلساني الأدهم، فَقَالَ لَهُ: إنّ عناءً تقويم مَا لا يستقيم. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي، قَالَ: كَانَ ابْن شبرمة يَقُول: فِي النَّاس رائدان كاذب وصادق، فأمّا الكاذب منهما فسلم بْن قُتَيْبَة، رآني ملزومًا بدين عليّ فسألني عَنْ خبري فأعلمته إياه فمضى وَلَمْ يكن عنده مَا يرجوه الصديق من صديقه، وَأَمَّا الصادق فابن المقفع مر بي وأنا عَلَى حالي تلك فصفحني واسرع السير، فلم ألبث أَن جاءني رسوله بحُقٍّ فِيهِ حلي وجوهر فقال لي: يقريك أبو محمد السالام وَيَقُول: إني مررتُ بك وَلَمْ أكن عَلَى ثقة من أَن يتهيأ لي مَا بعثت بِهِ إليك فيسرهُ اللَّه وهيأه فاقض من ثمنه دينك واستعن بباقيه عَلَى دهرك. ومرّ ابْن المقفع برجل يقاد فَقَالَ لخصمائه: إِن عزمكم أَن تقتلوا هَذَا الرجل متعمدين لقتله ولعله ألا يَكُون أراد قتل صاحبكم فخذوا مني ديته وهبوه لِلَّهِ، فلم يزل يطلب إليهم ويزيدهم حَتَّى أخذوا منه ثَلاث ديات وأطلقوا. وحدثت عَنْ عُثْمَان البتي [6] أَنَّهُ ذكر ابْن المقفع فقال: اخاؤه عقده.

_ [1] د: الأسنان. [2] «في» سقطت من ط. [3] م: فلا. [4] يضيف م: «يعني بتخفيف الخاء» . [5] هامش ط ونص م: «يعني بتخفيف الكاف» . [6] ط: التني.

الْمَدَائِنِي قَالَ: عاد ابْن المقفع شبيبَ بْن شَيْبَة فصادَفه فِي دهليز فنزل إِلَيْهِ فَإِنَّهُ ليحدثه إذ جاءت جارية لبعضهم وَقَدْ ودى بَعْضهم بغل ابْن المقفع فَقَالَتْ: يَا أَبَا مَعْمَر مولاي يقريك السّلام وَيَقُول كَيْفَ أصبح أير بغلكم؟ فَقَالَ ابْن المقفع: كَمَا ترين عافاك اللَّه، فتسورت الجارية، وكانت فِيهِ دُعابة. وَكَانَ ابْن المقفع يَقُول: اللسان ترجمان عَنِ القلب فذلله بأسهل اللفظ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب وغيره، أَن الْمَنْصُور ولي سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة البصرة، وَكَانَ بنو عَلِي أمروا ابْن المقفع أَن يكتب لعبد اللَّه بْن عَلِي أمانًا حِينَ أجابهم الْمَنْصُور إِلَى أيمانه، فكان فِيهِ: إِن عَبْد اللَّهِ عَبْد اللَّهِ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لَمْ يف بِمَا جعل لعبد الله ابن عَلِي فَقَدْ خلع نَفْسه والناس فِي حل وسَعَةٍ من نقض بيعته، فأنكر الْمَنْصُور ذَلِكَ وأكبره واستبدّ بِهِ [1] غيظُهُ عَلَى ابْن المقفع، وكتب إِلَى سُفْيَان أَن اكفني ابْن المقفع، ويقال إنه شافهه بِذَلِك عِنْدَ توديعه إياه. وَكَانَ ابْن المقفع يهزأ بسفيان ويستجهله وَيَقُول لَهُ: مَا تقول [2] فِي زوج وامرأة، كم لكل واحد منهما من الميراث؟ وأنشد يومًا: لَهُ إطلا ظبي وساقا نعامةٍ فَقَالَ ابْن المقفع: مَا هَذَا الطائر الَّذِي تصفه! وسمع سفيان يَقُول يومًا: مَا ندمت عَلَى سكوت قط، فَقَالَ لَهُ: والله مَا تؤجر عَلَى الخرس لأنه زين لَك، فكيف تندم عَلَى سكوتك. وَكَانَ يلقي عَلَيْهِ مسائل من النحو ثُمَّ يَقُول لَهُ أخطأت ويتضاحك بِهِ. وَكَانَ أنف سفيان عظيما فكان يقول له: السلام عليكما، كَيْفَ أنتما، يعنيه وأنفه. وجرى [3] بينهما كَلام فَقَالَ لَهُ ابْن المقفع: يَا ابْن المغتلمة، والله مَا رضيت أمّك برجال العراق ولا اكتفت بِهِمْ حَتَّى نكحها رجال الشام. وكانت أم سُفْيَان، ميسون بِنْت المغيرة بْن المهلب، تزوجها القاسم بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن عِضاه [4] الأشعري، وغيره، بهربه من سلم بْن قُتَيْبَة بالبصرة، فكان سفيان أشد

_ [1] ط: استبدله، د، م: استدله، ولعل الصواب ما أثبتنا. [2] ط، د: يقول. [3] ط: يجري. [4] ط: عصاة، د: عصاه.

النَّاس بغضًا لابن المقفع، فَلَمَّا أمره الْمَنْصُور بِمَا أمره رَأَى أَن الفرصة قَدْ أمكنته، فجاءه ذَات (638) يَوْم فِي حاجة لعيسى بْن عَلِي، وعيسى بالبصرة وَكَانَ قدمها مَعَ سُلَيْمَان فِي أمر عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي، فقتله أشَرّ قتلة. عَبْد اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب، والمدائني، قَالا: وجه عِيسَى بْن عَلِي ابنَ المقفع إِلَى سُفْيَان فِي حاجة، فَقَالَ لَهُ: أرسل فِي حاجتك غيري، فأبى وَقَالَ: لَنْ يقدم عليك بمكروه وأنا حاضر، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سُفْيَان ثُمَّ أراد الخروج قَالَ لَهُ حاجب سُفْيَان: اصبر، قَالَ [1] : ويلك إِن الصبرّ لا يَكُون إلا عَلَى بلاء ولكن قل انتظر فَقَالَ: اجلس فِي هَذِهِ الحجرة فَإِن للأمير [2] إليك حاجة، وأومأ إِلَى حجرة معتزلة، ثُمَّ سجرّ لَهُ تنّور وأتاه الحاجب فدق عنقه، فكأنما قصف قثاءة [3] ، ثُمَّ ألقاه فِي التنور وابن المقفع يَقُول: يَا أعوان الظلمة! وَهَذَا الثبت. ويقال إنه ألقي فِي بئر وأطبق عَلَيْهِ حجر [4] ، ويقال بَل أدخل حمامًا فلم يزل فِيهِ حَتَّى مَاتَ. وَقَالَ عَبَّاس بْن الْوَلِيد النرسي: بلغني أَن عنقه دقّت بَعْد أَن قطّع عضوًا عضوًا وألقيت أعضاؤه فِي النار وَهُوَ يراها ويصيح صياحًا شديدًا. وَقَالَ بَعْضهم: ألقي فِي بئر النورة فِي الحمام وأطبق عَلَيْهِ الحاجب صخرة فمات. وَكَانَ الهيثم بْن درهم مَوْلَى بَنِي قَيْس صديقًا لابن المقفع، فَقَالَ: اعمد إِلَى بظرِ ميسون فعض بِهِ ... لعل ذَلِكَ منه سوف يشفيكا أردت ذمَّة عِيسَى أَن تُدنّسها ... فَقَدْ فعلت فرب النَّاس يجزيكا قَالُوا: وشكا بنو عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ مَا صنع سُفْيَان بابن المقفع إِلَى الْمَنْصُور، فأمر بحمل سُفْيَان إِلَيْهِ فحمل وشخص مَعَهُ أَهْل بيته، وجاء عِيسَى بْن عَلِي بقوم يشهدون أَن ابْن المقفع دَخَلَ داره فلم يخرج وصرفت دوابه وغلمانه يصرخون وينعونه، وبآخرين يبُثّون الشهادة أَنَّهُ قتله، فَقَالَ الْمَنْصُور: أرأيتكم إِن أخرجتُ ابْن المقفع

_ [1] م: قال له. [2] ط: الأمير. [3] ط: قناءة. [4] الأصل: حجرا.

إليكم ماذا تَقُولُونَ؟ فانكسروا عَنِ الشهادة وكف عِيسَى عَنِ الطلب بدمه. وَقَالَ أَبُو الغول الأَعْرَابِيُّ يرثي عبدَ اللَّه بْن المقفع: وجمتَ وراعكَ الخطبُ الجليلُ ... وأجرى دمعَك الحزنُ الدخيل كأنّ دموع عينك إذ تداعَتْ ... جمانٌ خانه سلك سحيل عشيَّةَ قلتَ للداعي ينادي ... بعبد اللَّه ويحك مَا يَقُول فَقَالَ ابنَ المقفع فاحتسبهُ ... فَلَيْس إِلَى لقائكهُ [1] سبيلُ قتيلُ مَغالةٍ فِي السِّر غدرًا ... وَقَدْ يغتال ذا العز الذليلٌ لَقَدْ أودى بِهِ كرمٌ وبر ... وعلم زانَهُ رأيٌ أصيل وجود يد بمنفسها إِذَا مَا ... نفيس المال ضن بِهِ البخيل أَبُو الأضياف يغمرهم قراه ... رحيبٌ بالعظيم لَهُ حَمول وَقَالَ أيضًا، ويقال غيره: لعمري لمن أوفى لجارٍ إجارةً ... لَقَدْ غرّ عِيسَى جارَهُ ابْن المقفع فلو بابن مُوسَى كَانَ شد حباله ... لعاذَ بمشبوح [2] الذراع سميدعِ دعا [3] دعوةً عِيسَى وَهُمْ يسحبونه ... برُمّته سحب الفصيل المقرّعِ فلو كابن حرب كَانَ أَوْ كابن ظالمٍ ... لما اغتيل عبدُ اللَّه فِي شرّ مصرعِ ولو كابن مُوسَى كَانَ أوفى لجاره ... فآب سليمًا لحمهُ لَمْ يقطعِ فإذْ لَمْ تكن مثل السموأل وافيًا ... فعش غادرًا ما عشت في الناس أو دع أهابوا بِهِ حَتَّى إِذَا قيل قَدْ علا ... مَعَ النجم خلّوه وَقَالُوا لَهُ قَعِ (639) وَكَانَ إذا ما راح راحت بغاله ... بدي كرم جم الفضائل أروعِ فعيني إِن أنزفتما الدمع منكما ... فسُحّا دمًا يَا مقلتي بأربعِ حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صالح عن أَبِي بَكْر بْن عياش، قَالَ: كَانَ مِمَّا يعد من

_ [1] ط: لقائه. [2] ط: بمشوج. [3] ط: دعاء.

أمر سديف

دهاء الْمَنْصُور أَنَّهُ لما وجه جيشه [1] إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَسَن بلغه أَنَّهُ يريد اليمن فأمر كبار قواده الَّذِينَ فِي الجيش أَن يكتبوا إِلَى مُحَمَّد فيعلموه أنهم إذا صاروا الى المدينة فوافقوه انقلبوا إِلَيْهِ، فأقام طمعًا فِي ذَلِكَ فَلَمَّا لقوه كَانَتْ إياها. أمر سديف حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْحَارِث عَنْ عَلِي بْن صَالِح قَالَ: كَانَ سديف مَوْلَى لآل أَبِي لهب وَكَانَ مائلًا إِلَى الْمَنْصُور، فَلَمَّا استخلف وصله بألف دِينَار فدفعها إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَسَن [2] تقوية لَهُ، فَلَمَّا قتل مُحَمَّد صار مَعَ أَخِيهِ إِبْرَاهِيم بالبصرة حَتَّى إِذَا قتل إِبْرَاهِيم أتى الْمَدِينَةَ فاستخفى بِهَا، فيقال إنه طلب لَهُ الأمان من عَبْد الصمد بْن عَلِي وَكَانَ واليها فأمنه وأحلفه أَن لا يبرح الْمَدِينَةَ. وقدم الْمَنْصُور الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: قَدْ رأينا سديف بْن ميمون ذاهبًا وجائيًا، فبعث فِي طلبه وأخذ عَبْد الصمد بِهِ أشدّ أَخَذَ ووجد عَلَيْهِ فِي أمره، فَلَمَّا أُتي بسديف أمر فجعل فِي جوالق ثُمَّ خيط عَلَيْهِ وضرب بالخشب حَتَّى كسر ورمي بِهِ فِي بئر وَبِهِ رمق حَتَّى مَاتَ. وَقَالَ غَيْر عَلِي بْن صَالِح، كتب الْمَنْصُور إِلَى عَبْد الصمد فِي طلب سديف، فظفر [3] بِهِ وحبسه حَتَّى قدم الْمَنْصُور، فَقَالَ لعبد الصمد: مَا فعل سديف؟ قَالَ: محبوس، فَقَالَ إنه لطويل الحياة، فَقَالَ عَبْد الصمد لصاحب شرطته: اكفناه [4] ، فقتله. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب [5] ، قَالَ: كَانَ أحب الطيب إِلَى الْمَنْصُور المسك [6] ، فكان يبتاع لَهُ منه فِي كُل سنة اثنا عشر ألف مثقال من غلة ضياعه فيستعمل منه فِي كُل يَوْم عشرين مثقالًا ينفح منها فِي ثيابه ويغير شيبه ويمسح جسده ويصرف باقي المسك فيما يهبه.

_ [1] ط: جيبته. [2] د، م: حسن. [3] م: وظفر. [4] ط: الفناه. [5] سقطت كلمة «الكاتب» من م. [6] م: الى المسك.

أمر ابن هرمة [1]

أمر ابْن هَرْمة [1] وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِي الحرمازي، عَنْ أَبِي مَسْعُود الكوفي، قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور: مَا رَأَيْت ابْن هرمة قط فَذَكَرَتْ أبياته فِي عَبْد الْوَاحِد [2] بْن سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِك إلا هممتُ بأن أسوءَهُ، والأبيات [3] : إذا قيل من خير من يرتجى ... لمعتزّ فِهرٍ ومحتاجها ومن يعجل الْخَيْلَ عِنْدَ اللقاء ... بألجامها قبل إسراجها أشارت نساء بَنِي مَالِك ... إليك بِهِ قبل أزواجها فَقَالَ عِيسَى بْن عَلِي: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فَهُوَ الَّذِي يَقُول فيك [4] : كريمٌ لَهُ وجهان وجهٌ لدى [5] الرضا ... أسيل ووجهٌ فِي الكريهة باسل لَهُ لحظات عَنْ حفافي [6] سريره ... إِذَا كرّها [7] فِيهَا عقاب ونائل يقاتل عَنْهُ النَّاس مجلود رأيه ... عَلَى الحق والرأي الجليد مقاتل [8] الْمَدَائِنِي قَالَ: مدح إِبْرَاهِيم بْن عَلِي بْن هرمة الْمَنْصُور فأعطاه عشرة آلاف درهم فاستقلّها وَقَالَ: لي حاجة يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فَإِن قضيتها كنتَ قَدْ كافأتني، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تأذن لي فِي شرب النبيذ بالمدينة فَإِن لي هَذِهِ الأرواح والماء يضرني، فَقَالَ: وكيف أفعل وأنت تعرف كراهة أَهْل الحجاز للشرب! قَالَ: احتل لي يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فأمر الوالي هناك أَن ينظر فَمَنْ أتاه بابن هرمة وَهُوَ سكران ضربه مائة وضرب ابْن هرمة ثمانين، فكان الشرطي يراه سكران بالمدينة فَيَقُولُ: من يشتري

_ [1] تاريخ بغداد ج 6 ص 127، تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 2 ص 234، خزانة الأدب ج 1 ص 204، الاغاني ج 2 ص 367. [2] ط: عبد الصمد. انظر جمهرة الأنساب ص 90، والطبري س 2 ص 1981. [3] لم ترد هذه الأبيات في الديوان. [4] انظر الديوان ص 165- 169، والحماسة البصرية ج 1 ص 146. [5] الأصل: لذي، والتصويب من الحماسة البصرية. [6] الأصل: خفافي، والتصويب من الديوان والحماسة البصرية. [7] الأصل: لرها، والتصويب من الديوان والحماسة البصرية. [8] لا يرد هذا البيت في الديوان ولا في الحماسة البصرية.

أمر أبي داود خالد بن إبراهيم

الثمانين بالمائة [1] (640) ويدعه. وَحَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى المديني [2] مولى الانصار قال: لم يجبه المنصور الى الإذن فِي شرب النبيذ ولكن بَعْض عمال الْمَدِينَةِ كَانَ أمر فِيهِ بِهَذَا. وَكَانَ ابْن هرمة مستهترًا بالنبيذ لا يصبر عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَقُول: أسأل اللَّه سكرة قبل موتي ... وصياحَ الصبيانِ يا سكرانُ الْمَدَائِنِي قَالَ: وَعَظ سوّارٌ الْمَنْصُور فوصله فأبى قبول صلته، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: كرهت أَن أكون مثل سَعِيد بْن الفضل وعظ هشامًا ثُمَّ سَأَلَهُ فأعطاه، فَقَالَ هِشَام: إِلَى هَذَا أُجري الْحَدِيث! أمر أَبِي دَاوُد خَالِد بْن إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي، وأخبرنا الْمَدَائِنِي، قَالا: استخلف أبو مسلم خَالِد بْن إِبْرَاهِيمَ أَبَا دَاوُد الذهلي حِينَ سار للحج عَلَى خراسان، فَلَمَّا توفي أَبُو الْعَبَّاس بايع أَبُو دَاوُد للمنصور فكان متخوفًا من أَبِي مسلم إذ فعل ذَلِكَ بغير أمره فلم يكتب بالبيعة إِلَى أَبِي مُسْلِم إلا بَعْد حِينَ، فَلَمَّا قتل أبو مسلم إذ فعل ذلك البريد بخبر مقتله فأنكر قتله وذكر الْمَنْصُور ذكرًا قبيحًا ونسبه إِلَى الغدر. فكتب الْمَنْصُور إِلَيْهِ يأمره بغزو مَا وراء النهر، ثُمَّ كتب إِلَيْهِ فِي القدوم عَلَيْهِ ووجّه بكتابه إِلَيْهِ رسولًا مفردًا، فَقَالَ: مَا يقدمني عَلَيْهِ إلا لمسألتي عَنْ أمور أَبِي مُسْلِم وأمواله ثُمَّ قتلي بَعْد ذَلِكَ، ثُمَّ قام يفرقع أَصَابِعه ويرقص [3] وَيَقُول: يَا أَبَا جَعْفَر غُرَّ غيري، والرسول [4] يراه [5] ، فرجع إِلَى الْمَنْصُور فَأَخْبَرَه بِمَا عاين، وَلَمْ يجب الْمَنْصُور عَلَى كتابه. فكتب الْمَنْصُور إِلَى أَبِي عصام عَبْد الرَّحْمَن بْن سليم مَوْلَى عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز: إِن قتلتَ أبا دَاوُد فأنت أمِير خراسان، فخرج أَبُو عصام إِلَى كُشماهن [6] وَقَدْ دسّ

_ [1] م: المائة بالثمانين. [2] م: أيوب المدني، وفي هامش ط، د اضيف: أيوب مع اشارة (خ) . [3] ط: يرفض. [4] ط: للرسول. [5] ط: نزله. [6] م: كتماهين. وهي اليوم كشمين تبه، على بعد 46 كم من مرو الحالية، وتقع على 07 62 شرق، 07 37 شمال 103. -، ويقول الاصطخري- صور الأقاليم ص 111. «من مرو الى كشمهن مرحلة» .

أمر عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي

إِلَى أهلها من هيجهم ليخرج أَبُو دَاوُد فيفتك بِهِ، وسمع أَبُو دَاوُد الضجة فصعد لينظر فمشى عَلَى جناح فِي داره وَكَانَ ضعيف البصر فسقط عَلَى وتد، فَقَالَتْ لَهُ امرأته: من ذا؟ قَالَ: أَنَا أَبُو دَاوُد قَدْ نزل بي مَا يريد أَبُو جَعْفَر، واحتمل فمات ودفن وَذَلِكَ فِي سنة تسع وثلاثين ومائة وو كتب أَبُو عصام بموته إِلَى الْمَنْصُور واجتمع النَّاس إِلَى أَبِي عصام فبايعوه للمنصور، ثُمَّ لَمْ يلبث إلا قليلا حَتَّى قدم عَبْد الجبار ابن عَبْدِ الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ خراسان واليًا عَلَيْهَا عَلَى أربع من دواب البريد. أمر عَبْد الجبّار بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي، وغيره، قَالُوا: دعا الْمَنْصُور عَبْد الجبار فَقَالَ لَهُ: قَدْ وليتك خراسان فأطع اللَّه فِي معصيتي ولا تطِعني فِي معصية اللَّه وَلِنْ للمُحسن وكن خشنًا عَلَى المسيء. وَكَانَ عبد الجبار عَلَى شرط أَبِي الْعَبَّاس، ثُمَّ عَلَى شرط الْمَنْصُور إِلَى أَن ولاه خراسان، ثُمَّ ولى الشرطة بعده عُمَر بْن عَبْدِ الرَّحْمَن أخاه، ثُمَّ عزله وولى مُوسَى بْن كعب التميمي حتى مات، ثم ولى بعده المسيب ابن زهير الضَّبِّيّ. فكان الْمُسَيِّب يسعى فِي فساد حال [1] عَبْد الجبار عِنْدَ الْمَنْصُور ويوحشه منه ويغريه بِهِ، وكتب إِلَى عَبْد الجبار إِن الْمَنْصُور قَالَ ذَات يَوْم: من ولّي خراسان فأصلح ثغورها وأحسن السيرة فِي أهلها ورزق جنودها وَكَانَ فِي بَيْت ماله بَعْد ذَلِكَ [2] عشرة آلاف ألف فَهُوَ الكامل، فكتب إِلَى الْمَنْصُور يعلمه أَن عنده بَعْد سد الثغور وإعطاء (641) المقاتلة عشرة آلاف ألف، فكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور فِي حملها وَلَمْ تكن [3] عنده وإنما كَذَبه، وألح الْمَنْصُور فِيهَا، فكتب يسأل الإذن لَهُ فِي إشخاص عياله إِلَيْهِ فلم يأذن لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ يبلغه فسادُ قلبه عَلَيْهِ بِمَا يكيده بِهِ الْمُسَيِّب عنده وَيَقُول لَهُ فِيهِ، فخلع وَقَالَ: إِن أَبَا جَعْفَر دعاني إِلَى عبادته وأسرف فِي القول، فأشخص المنصور إليه المهدي ومعه خازم ابن خزيمة فقاتله خازم فظفر به.

_ [1] ط: فسادا وخال. [2] م: وكان بعد ذلك في بيت ماله. [3] ط: يكن.

الْمَدَائِنِي قَالَ: لما مَاتَ أَبُو دَاوُد خَالِد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن قَعْبَل ابن ثابت بْن سالم بْن حذلم بْن الْحَارِث بْن عَمْرو بْن سالم بْن الْحَارِث بْن عَمْرو بْن شَيْبَان بْن ذهل بْن ثَعْلَبَة بْن عكابة [1] ، كتب الْمَنْصُور إِلَى أَبِي عصام عَبْد الرَّحْمَن بْن سليم بولاية خراسان ثُمَّ عزله بَعْد أربعين يومًا واستعمل عَبْد الجبار ابن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن فيل بْن قَيْس بْن زَيْد بْن جَابِر بْن رافد ابن سَبالة بْن عامر بْن عَمْرو بْن كعب بْن الْحَارِث وَهُوَ الغطريف الأصغر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الغطريف الأكبر، واسمه عامر بْن بَكْر بْن يشكر بْن مبشر بْن صعب ابن دهمان بْن نصر [2] بْن زهران بْن كَعْبِ بْن الْحَارِث بْن كَعْبِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مَالِك بْن نَصْرِ بْن الأزد واسمه ذر بْن الغوث بْن نبت بْن مَالِك بْن زيد بْن كهلان ابن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان. وَكَانَ عَبْد الجبار يتشيع فسار سيرة حسنة ونظر فِي أمر الخراج وقوّى الدعوة، ثُمَّ كتب إِلَى الْمَنْصُور يسأله الإذن فِي حمل عياله فلم يأذن لَهُ فِي ذَلِكَ فدس إِلَى قوم من عمال أَبِي دَاوُد وغيرهم ممن كان مخالصا للعباسيين فقتلهم. وصار إِلَيْهِ علْجٌ ينظر فِي النجوم، فَقَالَ لَهُ: إنك ستغلب عَلَى خراسان وغيرها وتنال ملكًا عظيمًا، فكتب رَجُل من عيون الْمَنْصُور ونصحائه [3] إِلَى الْمَنْصُور إنه قَدْ نغل الأديم، فَقَالَ لأبي أيوب المورياني، كاتبه ووزيره: مَا تراه يَقُول؟ قَالَ: يخبرك أَن عَبْد الجبار عَلَى الخلع، فَقَالَ: مَا ترى؟ قَالَ: تكتب إِلَيْهِ أنك تريد الغزو برجال خراسان ووجوه أهلها وتأمره بتوجيههم إليك، ففعل. فكتب إِلَيْهِ عَبْد الجبار: إِن الترك قَدْ جاشت وخراسان محتاجة إِلَى رجالها، فكتب الْمَنْصُور إِلَيْهِ: إني بخراسان أعني منيّ بغيرها فَإِن أحببت أَن يوجه إليك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ رجالًا مِمَّنْ قبله فعل، وإنما أراد أَن يوجه إِلَيْهِ من الجند من يلطف لأخذه. فكتب: إِن خراسان مجدبة فليتها تقوم [4] بمن فِيهَا من الرجال وتحملهم [5] . وأظهر الخلع وَقَالَ: إِن أَبَا جَعْفَر دعاني إِلَى عبادته، وشتمه، وحض على طاعة آل

_ [1] انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 152. [2] جمهرة النسب ج 1 لوحة 217: عبد الجبار بن عبد الرحمن بن يزيد بن قيل. وانظر الطبري س 2 ص 203، واخبار الدولة العباسية ص 218. [3] م: ونصا ونصحائه. [4] ط: يقوم. [5] ط: يحملهم.

أبي طالب ووجه الى إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن وَهُوَ مُستخف يسأله أَن يشخص إِلَيْهِ فلم يفعل، فنصب رجلًا قَالَ [1] إنه إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ اسم الرجل يَزِيد. فولى الْمَنْصُور الْمَهْدِي خراسان ووجه مَعَهُ خازم بْن خزيمة، فأقام الْمَهْدِي بالري ووجه خازمًا إِلَى خراسان. وخرج عَلَى عَبْد الجبار، الْحَسَن بْن حمران مَوْلَى مطر بْن وساج أَخِي بُكَيْر بْن وساج، ودعا إِلَى الْمَنْصُور وحضّ عَلَى التمسك بطاعته والوفاء ببيعته، ثُمَّ إنه غَيْر وبدّل فبعث إِلَيْهِ خازم بْن خزيمة مَنْ حاربه فقتله وأتى خازمًا برأسه. وخرج عَلَى عَبْد الجبار، الأشعث أَبُو جَابِر بْن الأشعث الطائي باشتيخن [2] ثُمَّ أتى بخارى فقتل عامل عَبْد الجبار عَلَيْهَا واصطفى أموال من قتل. وَكَانَ عَبْد الجبار حبس حرب بْن زِيَاد الطالقاني من عجمها ثم خلاه ووجهه الى بلخ وكتب الى عاملها فِي حبسه فحبسه فهرب ودعا إِلَى خلاف عبد الجبار وأتى بداعية الطالبين فقتله بالطالقان. ولبس (642) عَبْد الجبار البياض ومعه يَزِيد المدّعي أَنَّهُ إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ وكان مولى لبجيلة وعمّه بعمامة سوداء، فخطب المدّعي فِي يَوْم جمعة ودعا عَلَى الْمَنْصُور وخطب أيضًا يَوْم السبت وذكر قتل الْمَنْصُور من قتل من آل أَبِي طَالِب وبكى فأبكى النَّاس مِمَّنْ كَانَ معه. وناهض عبد الجبار حربُ بْن زِيَاد فقُتل المدعي وهزم عَبْد الجبار فِي عُصيبة بقيت مَعَهُ، وَكَانَ لَهُ دليل فغدر وفر عَنْهُ، ثُمَّ تفرق من مَعَهُ إلا خمسة نفر ووقع فِي مقطنة ومعه كاتبه، فطلب وأتاه عَبْد الغفار بْن صَالِح الطالقاني فَقَالَ: ألقِ سَيْفك، فألقاه، ثُمَّ أتاه الجنيد بْن خَالِد بْن هريم فحمله عَلَى برذون تركي وَقَدْ شدت يده إِلَى عنقه وَهُوَ عريان قَدْ مزق النَّاس ثيابه وأرادوا قتله وتسرّعوا إِلَيْهِ فمنعهم حرب من ذَلِكَ وأنفذه إِلَى خازم وَهُوَ بسرخس، فحمله خازم إِلَى الْمَهْدِي مَعَ نضلة بْن نعيم بْن حازم، والمهدي بنيسابور، وَكَانَ المنجم مَعَهُ وعدة غيره فأمر المهدى بقطع أيديهم وأرجلهم وقتلهم، وحمل عَبْد الجبار إِلَى الْمَنْصُور، ورجع إِلَى الري. فَلَمَّا صار عَبْد الجبار إِلَى الْمَنْصُور قَالَ لَهُ: استبقني يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ولا تذهبن زلتي بحسن بلائي وحرمتي وَمَا كَانَ مني فِي هَذِهِ الدولة والدعوة، فَقَالَ: يَا ابْن اللخناء قتلتَ نظراء قحطبة وطبخت أوليائنا طبخا، وكانت له قدر عظيمة

_ [1] ط: قالوا. [2] وهي تقع على 54 66 شرق و 3 40 شمال 112. - وفي ط: اشتيجز.

كَانَ أَبُو مُسْلِم أصابها فكان يغلي فِيهَا الدهن ثُمَّ يقيم الرجل من العباسية فِيهِ حَتَّى يتفسّخ، ثُمَّ أمر بِهِ أَن تقطع [1] يده ورجله، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قتلةً كريمةً، فَقَالَ: يَا ابْن اللخناء تركتها بخراسان، فقتل وصلب بالكوفة عِنْدَ باع الْمُخْتَار [2] . وَكَانَ خلع عَبْد الجبار فِي سنة إحدى وأربعين ومائة. وَقَدْ قَالَ قوم إِن حرب بْن زِيَاد بعث بعبد الجبار إِلَى الْمَهْدِي، وَالأَوَّل أثبت. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: لما خلع عَبْد الجبّار كتب إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن يسأله أَن يتوجه إِلَيْهِ أَوْ يوجه بَعْض ولده وَذَلِكَ قبل خروجه وظهوره، فأراد الشخوص إِلَيْهِ بنفسه فِي أربعين من أَهْل بيته، فَلَمَّا بلغته هزيمته رجع إِلَى الْمَدِينَةِ فخرج فِي سنة خمس وأربعين. قَالُوا: ولما قتل عَبْد الجبار أمر الْمَنْصُور بتسيير عياله إِلَى دهلك فسبتهم الحبشة فاشتراهم قومٌ من التجّار وأرادوا إدخالهم الْمَدِينَةَ فمنعهم عَبْد الصمد بْن عَلِي من ذَلِكَ، وَكَانَ عاملًا للمنصور عَلَيْهَا، وكتب إِلَى الْمَنْصُور يعلمه خبرهم، فكتب إِلَيْهِ أَن اشترهم مِنْهُم، فاشتراهم وبعث بِهِمْ إِلَى العراق. وَكَانَ عَبْد الْعَزِيز أَخُو عَبْد الجبار واليًا عَلَى البصرة فَلَمَّا خلع أخوه وجه الْمَنْصُور أَبَا الخصيب مولاه فقدم بِهِ وولى الْمَنْصُور سوار بْن عَبْدِ اللَّهِ بن قدامة العنبري البصرة مكانه، ثم ولاها هزار مرد وَهُوَ عُمَر [3] بْن حَفْص بْن عُثْمَان بْن قَبِيصَة بْن أَبِي صفرة، وجعل سوّارًا عَلَى الصلاة والقضاء. قَالَ الْمَدَائِنِي: وكانت بِنْت عَبْد الجبار عِنْدَ روح ابن حاتم بْن قَبِيصَة بْن المهلب. وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: كَانَ يطعن فِي نسب عَبْد الجبار وَكَانَ شيعيًا، وَكَانَ أخوه عَبْد الْعَزِيز قاصًّا يرى الاعتزال، وَكَانَ لَهُ أخ يرى رأي الْجَمَاعَةِ، فقتلوا جميعًا. قَالُوا: قدم حرب بْن زِيَاد عَلَى الْمَنْصُور فِي وجوه أَهْل خراسان فردّه الْمَنْصُور إِلَى خراسان واليًا، فَهُمْ بالخلع وأطلق لسانه بقول شيء، فبلغ ذَلِكَ الْمَنْصُور فكتب إِلَى وجوه أهل خراسان في أمره فقتل ببلخ.

_ [1] ط: يقطع. [2] انظر الطبري س 2 ص 742. [3] م: عمرو وكذا في جمهرة الأنساب ص 368 والصواب عمر. انظر البيان والتبيين ج 3 ص 314، والطبري س 3 ص 139، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 204.

أمر عمرو بن عبيد في خلافة المنصور

أمر عَمْرو بْن عُبَيْد فِي خلافة الْمَنْصُور حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح ومسلم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب وغيرهما فسقت حَدِيثهم، (643) قَالُوا: أحرم الْمَنْصُور فِي سنة أربعين ومائة من الحيرة وحج بالناس ثُمَّ أتى الْمَدِينَةَ ومضى إِلَى بَيْت المقدس زائرًا لَهُ، ثُمَّ انصرف منه فِي سنة إحدى وأربعين ومائة إِلَى الرقة فأتي بمنصور بْن جعونة العامري فقتله، ثُمَّ قدم إِلَى الْمَدِينَةِ الهاشمية بالكوفة. وتوجه فِي سنة اثنتين وأربعين ومائة إِلَى البصرة فولى عُمَر بْن حَفْص السند، ودعا بعمرو بْن عُبَيْد مَوْلَى بَنِي تميم فوصله فلم يقبل صلته، فَقَالَ لَهُ: بلغني أَن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن كتب إليك يدعوك إِلَى طاعته فأجبته، وَكَانَ مُحَمَّد مستخفيًا يبث دعاته، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ والله لو قلدتني الأمة اختيار إمام لَهَا مَا وجدته فكيف أجيب محمدًا وأبايعه، لَقَدْ كتب إلي فَمَا أجبتُه، فَقَالَ: صدقت يَا أَبَا عُثْمَان وبررت، فَلَمَّا ولّى قَالَ: من مثلك يَا عُمَرو! وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قدم الْمَهْدِي من خراسان فبنى بامرأته ريطة بِنْت أَبِي الْعَبَّاس بالحيرة فِي شَهْر رمضان سنة أربع وأربعين ومائة وحج مَعَ الْمَنْصُور فِي هَذِهِ السنة فأُخبر الْمَنْصُور أَن عَمْرو بْن عُبَيْد حاج فدعاه واستدناه وأكرمه وسأله أَن يعظه فوعظه. وقضى عَمْرو بْن عُبَيْد حجته وانصرف فمات فِي طريقه فِي آخر السنة، فبلغ الْمَنْصُور موتُه فَقَالَ: يرحم اللَّه عمرًا هيهات أَن يُرى مثل عَمْرو. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الْهَيْثَم بْن عدي، قَالَ: لما بايع [1] الْمَنْصُور للمهدي كتب إِلَى عَمْرو بْن عُبَيْد كتابًا لطيفا يستزيُره فِيهِ وكتب إِلَى عامله عَلَى البصرة فِي إشخاصه مكرّمًا، فَلَمَّا صار إِلَيْهِ بالكوفة ودخل عَلَيْهِ استدناه وَقَالَ: كَيْفَ كنت بعدي أَبَا عُثْمَان؟ فَقَالَ: أَحْمَد اللَّه وأذُمّ عملي، فتغرغرت عينا الْمَنْصُور ثُمَّ قَالَ لَهُ: عظني يَا أَبَا عُثْمَان، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِن اللَّه أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببَعْضهَا واعلم أَن الأمر الَّذِي صار إليك لو بقي لمن قبلك لَمْ يصل إليك واعلم أنك لست أول خليفة تموت فاحذر يا أمير المؤمنين ليلة

_ [1] م: بلغ.

صبيحتها الْقِيَامَة، ليلة تتمخض [1] بيوم الفزع الأكبر، إِن اللَّه يَقُول: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ... إِلَى قَوْله: لبالمرصاد [2] ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا تخويف لمن سلك جادتهم واتبع آثارهم. فبكى الْمَنْصُور ونزل عَنْ فرشه ثُمَّ سكن، فَقَالَ: يَا أَبَا عُثْمَان ناولني هَذِهِ الدواة، فأبى أَن يناوله، فَقَالَ: أقسمت لتفعلنّ، فَقَالَ: والله لا ناولتك إياها، فَقَالَ لَهُ الْمَهْدِي، وَكَانَ حاضرًا: يحلف عليك أمِير المؤمنين فتردّاه باليمين! فَقَالَ: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ [3] أقدر عَلَى الكفارة مني، ثُمَّ قَالَ: من هَذَا الفتى يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ: هَذَا ابْن أخيك هَذَا مُحَمَّد الْمَهْدِي ولي عهد الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: أرى شبابًا وجمالًا ونشاطًا وَقَدْ رشحته لأمر يصير إِلَيْهِ إِن صار وأنت عَنْهُ فِي شغل وَقَدْ وطأت لَهُ الدنيا وأنت منتقل عَنْهَا إِلَى الآخرة فهناك الحساب، إِن اللَّه قَدْ جعلك فَوْقَ كُل أحد فلا ترضى أَن يَكُون فوقك فِي طاعته أحَدٌ. ثُمَّ سكت عَمْرو، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: سلني حوائجك، فَقَالَ: حاجتي أَن لا تبعث [4] إليّ حَتَّى أجيئك ولا تعطني شيئًا حَتَّى أسألَك، ثُمَّ نفض ثوبه وقام، فاتبعه الْمَنْصُور بصرهُ وَقَالَ: شُغِلَ والله الرجل بِمَا هُوَ فِيهِ عما نَحْنُ فِيهِ، وَقَالَ: كلكم طَالِب صيد ... وَهُوَ ذو مشي رُوَيْدِ غَيْر عَمْرو بْن عُبَيْد وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب، عَنِ الفضل (644) بْن الرَّبِيع عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ عَمْرو بْن عُبَيْد عَلَى الْمَنْصُور وعليه طيلسان مخرق فأخذ الْمَنْصُور طيلسانًا كَانَ عَلَيْهِ طبريًا فألقاه فَوْقَ ظهره وَقَالَ لَهُ: عظني، فوعظه حَتَّى بكى، ثُمَّ قَالَ لَهُ: سلني حوائجك، قَالَ: أولها أَن تأمر برفع الطيْلسان عني وأن لا تعطني شيئًا حَتَّى أسألك ولا تبعث إليّ حَتَّى أجيئك فَإِنَّهُ إِن جمعني وإياك بلد صرت إليك فِيهِ، ثُمَّ مضى. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو نعيم الفضل بن دكين،

_ [1] ط: يتمخض. [2] سورة الفجر (89) ، الآيات 6- 14. [3] سقطت كلمة «المؤمنين» من ط، د. [4] ط: يبعث.

حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلام بْن حرب، قَالَ: قدم أَبُو جَعْفَر البصرة فنزل عِنْدَ الجسر الأكبر وبعث إِلَى عَمْرو بْن عُبَيْد فجاءه فأمر لَهُ بمال فَقَالَ: والله لا أقبله، فَقَالَ الْمَنْصُور: لتقبلنه، فَقَالَ لَهُ الْمَهْدِي يوهمه: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ حلف لتقبلنه [1] ، فَقَالَ عَمْرو: أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أقوى عَلَى الكفارة عَنْ يمينه من عمك، قَالَ لَهُ الْمَنْصُور: يَا أَبَا عُثْمَان، أعلمت أني قَدْ جعلت محمدًا وليّ عهد الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: يأتيه الأمر يَوْم يأتيه وأنت مشغول عَنْهُ، قَالَ: يَا أَبَا عُثْمَان ذكَّرنا، قَالَ: أذكرك ليلة تمخض عَنْ صبيحة يَوْم الْقِيَامَة. حَدَّثَنِي عَلِي بْن الْمَأْمُون قَالَ: حُدث الْمَأْمُون أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بأن الْمَنْصُور كَانَ يكني عَمْرو بْن عبيد، فقيل لَهُ: إن أمير الْمُؤْمِنيِنَ يكنّيك، فَقَالَ: مَا ذكرتُ ذَلِكَ إلا دخلتني لَهُ غضاضة، فَقَالَ الْمَأْمُون: هَذَا باطل كَانَ عَمْرو أعقل وأحلم من أَن يَقُول هَذَا القول. حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي النحوي عَنْ أَبِي زَيْد الْأَنْصَارِيّ، قَالَ: مشى شبيب ابن شَيْبَة ونفرٌ مَعَهُ إِلَى عَمْرو بْن عُبَيْد فَقَالُوا لَهُ: يَا أبا عُثْمَان إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور قَدْ قدم ولا نراه قدم إلّا لمكانك لينظر فيما بلغه من كتاب مُحَمَّد إليك فتنحّ عَنْهُ، فأطرق ثُمَّ قَالَ: لا يَكُون والله ذاك حَتَّى أقوم بِمَا يجب لِلَّهِ [2] عَلِي استحياني أَوْ قتلني. قَالَ أَبُو زَيْد [3] : فَقَالَ الْمَنْصُور لعمرو: أبايعت مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لو قلدتني الأمة أَن اختار لَهَا رجلًا مَا وجدته، فكيف أبايع محمدًا. قَالَ: وكتب أَبُو جَعْفَر إِلَى عَمْرو كتابًا عَنْ لسان مُحَمَّد، فَلَمَّا قرأه خرقه، فطلب الرَّسُول جواب الكتاب فلم يجبه، فألح الرَّسُول عَلَيْهِ، فَقَالَ: دعونا نشرب من الماء البارد وننتقل [4] فِي هَذَا الظل إِلَى أَن يَأْتِي الْمَوْت، فَقَالَ أَبُو جَعْفَر: هَذَا ثغر قَدْ أمنّاه. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب، عَنِ الفضل بْن الرَّبِيع، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ عَمْرو بْن عُبَيْد عَلَى الْمَنْصُور ودخل رَجُل حسن الأدب كأنما لَمْ يزل مَعَ الملوك فأجلسه الْمَنْصُور إِلَى جانبه فأبى إلّا أَن يجلس بَيْنَ يديه، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِن اللَّه واقفك وسائلك عَنْ مثاقيل الذر من الخير والشر وأن أمَّة مُحَمَّد خصماؤك

_ [1] ط: ليقبلنه. [2] «لله» ليست في م. [3] سقط النص «استحياني ... قال ابو زيد» من م. [4] ط: ينتقل.

يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّكَ لا ترضى لنفسك إلا بأن يعدل عليك فَإِن [1] اللَّه لا يرضى منك إلّا بالعدل عَلَى رعيتك يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، إِن عَلَى بابك نيرانًا تأجج من الجور، فبكى الْمَنْصُور ونشج فَقَالَ سُلَيْمَان بْن مجالد: يَا عَمْرو قَدْ شققتَ [2] عَلَى أمِير المؤمنين، فقال: ويحك إنّ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ميّت ومُخلٍّ مَا فِي يديه من هَذِهِ الدنيا ومرتهن بعمله، وأنت غدًا جيفة بالعراء لا تغني عَنْهُ شيئا، ولقرب هذا [3] الجوار منه خير لَهُ من قربك، يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ! إِن هَؤُلاءِ اتخذوك سلمًا إِلَى درك إرادتهم وصفاء دنياهم لَهُمْ فكلهم يوقد عليك، قَالَ: فكيف أصنع يَا أَبَا عُثْمَان، ادعُ لي أَصْحَابك (645) استعملهم، قَالَ: أدعهم أَنْتَ وأطرد هَؤُلاءِ الشياطين عَنْ بابك فَإِن أَهْل الدين لا يأتون بابك وَهَؤُلاءِ محيطون بك لأنهم إِن باينوهم وَلَمْ يعملوا بأهوائهم أرشوك بِهِمْ وحملوك عَلَيْهِم والله لئن رأوك عُمّالك لا تقبل [4] مِنْهُم إلا العدل ليتقربنّ إليك بِهِ من لا نيّة لَهُ فِيهِ. حَدَّثَنِي التوزي عَنْ أَبِي زَيْد قَالَ: قدم الْمَنْصُور البصرة قبل الخلافة فَقَالَ عَمْرو بْن عُبَيْد لبحر بْن كثير السقاء: قَدْ قدم هَذَا الرجل وَكَانَ زوّارًا إِذَا قدم بلدنا فامض بنا إِلَيْهِ، فأتياه فَلَمَّا وقفا ببابه نادى عَمْرو: يَا [5] جارية، فأجابته جارية، فَقَالَ [6] : قولي لأبي جَعْفَر: أَبُو الفضل وأبو عُثْمَان، فأذن لهما فدخلا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلَى مصلّى مخلق دارس وإذا بَيْنَ يديه طبق عَلَيْهِ قصعة فِيهَا مرق لا لحم فِيهِ، فَقَالَ: يَا جارية أعندكِ شَيْء تزيديناه؟ قَالَتْ: لا، قَالَ: أفعندكِ درهم نشتري بِهِ فاكهة لأبي عُثْمَان؟ قَالَتْ: لا، قَالَ: ارفعي، عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ في الأرض فينظر كيف تعملون [7] . وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي عَنْ أَبِي عُبَيْدَة، قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور لعمرو بْن عبيد: أكاتبت عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن [8] ؟ فَقَالَ: جاءني كتاب يشبه أَن يَكُون كتابه فأجبتُه

_ [1] م: وإن. [2] م: شفقت. [3] ط: هذه. [4] ط: يقبل. [5] «يا» سقطت من م. [6] د: قال. [7] سورة الأعراف (7) ، الآية 129. [8] د: حسين.

أمر الراوندية ومعن بن زائدة

بخلاف مَا أحبّ، وأنت تعرف رأيي فِي الخروج، قَالَ: أفتُبرئ صدري بيمين؟ قَالَ: وَمَا تصنع باليمين، لئن كذبتُ تقية لاستجيزنّ أَن أحلف لَك تقية. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب، عَنِ الفضل بْن الرَّبِيع عَنْ أبيه قَالَ: دعا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور بعمرو بْن عبيد فَلَمَّا استأذنتُ لَهُ وكانت عَلَيْهِ جبَّةُ وَشي دعا بمبطنة مروية فلبسها ثُمَّ نزل عَنْ فرشه، فَقُلْتُ: يَا نفس مَا كنت أظن أَبَا جَعْفَر يداري أحدًا. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: كَانَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور يَقُول: الندم عَلَى السكوت خير من الندم عَلَى الْكَلام. أمر الراوندية ومعن بْن زائدة حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود والعمري عَنِ الهيثم وغيره، أَن قومًا من أَصْحَاب أَبِي مُسْلِم من أَهْل خراسان كَانُوا يقولون بتناسخ الأرواح، فيزعمون أَن روح آدم عَلَيْهِ السَّلام فِي عُثْمَان بْن نهيك، ويقولون إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ يرزقنا ويطعمنا ويسقينا فَهُوَ ربنا، وأنه لو شاء أَن يسير الجبال لسارت ولو أمرنا أَن نستدبر القبلة لاستدبرناها، وكانوا يطوفون حول قصر الْمَنْصُور فيقولون قولًا عظيمًا، فحبس الْمَنْصُور مِنْهُم نحوًا من مائتين من رؤسائهم فغضب أَصْحَابهم. وَكَانَ الْمَنْصُور أمر أَن لا يجتمعوا، فاتخذوا نعشًا وأظهروا أَن فِيهِ امْرَأَة ميتة وملأوه سلاحًا ثُمَّ حملوه ومروا إِلَى بَاب السجن فأخرجوا أَصْحَابهم وَهُمْ مائتان وكانوا أربع مائة فتتاموا ست مائة، وقصدوا القصر فتنادى الناس وأغلقت أَبُواب الْمَدِينَةِ. وخرج الْمَنْصُور يمشي من القصر وَلَمْ يكن عنده دابة، فَمَنْ ذَلِكَ اليوم ارتبط فرسًا فِي القصر يَكُون مَعَهُ، فلما برز أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أُتي بدابة فركبها وقصد قصدهم، فجاء معن بْن زائدة الشيباني حَتَّى دنا منه ثُمَّ ترجل وأخذ أسافل ثيابه فجعلها فِي منطقته وأخذ بلجام دابة أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وَقَالَ: أنشدك اللَّه إلّا رجعت فإنك تُكفى إِن شاء اللَّه. ونودي فِي أَهْل السوق والعامة فرموهم بالحجارة وقاتلوهم وفتح بَاب الْمَدِينَةِ (646) فدخل النَّاس، وجاء خازم عَلَى فرس محذوف فحمل عَلَيْهِم فكشفهم، وقاتل معن يَوْمَئِذٍ قتالا [1] لم ير مثله فكان المنصور

_ [1] زاد في م: شديدا.

يَقُول: كنتُ اسمع أنّ رجلًا يقاتل ألفًا فلم أصدق حَتَّى رَأَيْت معنًا، فقتلوا عَنْ آخرهم وَهُمْ ست مائة. ورُمي عُثْمَان بْن نهيك بْنشابة مرض منها فمات، فصار أَبُو الْعَبَّاس الطوسي عَلَى الحرس مكانه. وَكَانَ أمرُ الراوندية بالمدينة الهاشمية بالكوفة فِي سنة تسع وثلاثين ومائة أَوْ فِي أول سنة أربعين وجاء الرَّبِيع فأخذ بلجام دابة الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ معن: تنحّ يَا بَنِي فَلَيْس هَذَا من أيامك. ولما صار الْمَنْصُور إِلَى القصر دعا بالعشاء وأمسك يده حَتَّى أتي بمعن، وأمر بَعْض أَهْل بيته فتزحزح لَهُ حَتَّى جلس مكانه، فَلَمَّا فرغوا من العشاء قَالَ الْمَنْصُور لعيسى بْن عَلِي: يَا أَبَا الْعَبَّاس أَسمعتَ بأسَد الرجال، هُوَ والله معن بْن زائدة، فَقَالَ معن [1] : والله مَا قوّي مُنتي [2] إلّا مَا رأيتُ من شجاعتك ولقد وردتُ وَجِلَ القلب حَتَّى أبصرتك، فَقَالَ: أخبرهم عني بِمَا رَأَيْت. وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور لمعن بْن زائدة: يَا أَبَا الْوَلِيد لَقَدْ كبُرتْ سنك، قَالَ: فِي طاعتك، قَالَ: وإنّ [3] فيك لبقية، قَالَ: هِيَ لَك، قَالَ: وَإِنَّكَ لتتجلّدُ، قَالَ: عَلَى أعدائك. قَالَ: وَقَالَ لَهُ: أني لأعدّك لأمر جسيم، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إنّ اللَّه قَدْ أعدّ لَك مني قلبًا معقودًا بنصيحتك وَيَدًا مبسوطةً بطاعتك وَسَيْفًا مشحوذًا عَلَى أعدائك، قَالَ: ويقال إِن هَذَا قَوْل جَرِير بْن يَزِيد بْن خَالِد. وَحَدَّثَنِي العمري، حَدَّثَنِي الهيثم، قَالَ: كَانَ معن مَعَ ابْن هبيرة فاستأمن هُوَ وطارق بْن قدامة، فَلَمَّا قتل ابْن هبيرة كَانَ معن بالكوفة قَدْ وجه ببشارة فتح واسط وصلح ابن هبيرة فأقدم فِي أهله فنجا وقتل طارق، ثُمَّ ظهر من مناصحة معن مَا قدّم بِهِ عَلَى جَمِيع القواد فولاه الْمَنْصُور مصر. وَكَانَ كاتبه مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن المقفع وَكَانَ جوادًا حلوًا ظريفًا أتاه رجلٌ بكتاب مزور لَمْ يجفّ طينه فقرأه ثُمَّ كلم فِيهِ معنًا فولاه ولاية سنيَّة أفاد فِيهَا مالًا، فَلَمَّا انصرف أتى محمدًا فَقَالَ لَهُ: أني أريد العراق، فأمر لَهُ بألف دِينَار وَقَالَ له: ان كان من رأيك العودة

_ [1] سقطت كلمة «معن» من م. [2] م: متني. [3] م: فان.

إلينا فافعل وإن كتب لَك صديقنا إلينا كتابًا فانتظر أَن يجف طينهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِن حسن ظنك والله بنا أَعْظَم الوسائل لَك عندنا [1] ، وَمَاتَ مُحَمَّد بمصر. وولي معن اليمن فأعطى عطايا لَمْ يعط مثلها أحد، وقدم عَلَيْهِ أعرابي من بَكْر بْن وائل فأنشده: أصلحك اللَّه قلَّ مَا بيدي ... فما أطيق العيال [2] إذ [3] كثروا ألَجَّ دهرٌ أنحى [4] بكلكلهِ ... فأرسلوني إليك وانتظروا فَقَالَ: لا جَرمَ، لأعجلنّ أوبتك إليهم، يَا غلام أعطه ألف دِينَار وناقتي الفلانية. ومدحه رَجُل فَقَالَ: أَنْتَ امرؤُ همك المعالي ... وفيضُ معروفك الربيعٌ وأنت من وائل صميمٌ ... كالقلبِ تحنو لَهُ الضلوعُ فِي كُل يَوْم تزيد خيرًا ... يُشيعُهُ عَنْك [5] مَا يشيعُ فَقَالَ [6] : لأصلنك صلة شائعة الذكر، وأمر لَهُ بمائة ألف درهم. وَحَدَّثَنِي العمري عَنْ غَيْر الهيثم، قَالَ: كَانَ معن يَقُول: لَمْ أرَ كالشعر، لا يؤاتيني جيدهُ ولا يدعني ردّيهُ. (647) قَالَ: ونظر معن إِلَى الْخَطَّاب بْن يَزِيد يخطر فِي دار الْمَنْصُور، وَكَانَ قَدْ وُجّه إِلَى بَعْض الشراة فهرب منهزمًا، فَقَالَ: هلَّا مشيتَ كَذَا غداةَ لقيتهم ... وصبرتَ عِنْدَ الْمَوْت يَا خطابُ نجّاك [7] خوّار العنان كَأَنَّهُ ... فوت الرماح إِذَا استحث عُقاب وَحَدَّثَنِي الحرمازي عَنْ أَبِي اليقظان، قَالَ: ولد لمعن زرارة وكان خليفته على

_ [1] سقطت «لك عندنا» من ط. [2] ط: العبال. [3] ط: إذا. [4] ط: دهرا يحي. [5] م: منك. [6] زاد في م: له. [7] د، م: فجاك، ط: فجاءك. ولعل الصواب ما أثبتنا.

اليمن، والوليد وشراحيل وجسّاس و [1] يزيد، ويكنى أَبَا دَاوُد، ومزيد وغيرهم فَقَالَ معن: لا تسألنّ أَبَا دَاوُد شبعته ... عوّل عَلَى مزيدٍ فِي الخبز واللبن وَفِي النبيذ إِذَا مَا جزرة نحرت ... فَإِنَّهُ بقرى [2] الأضياف مرتهن وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حَفْص الكاتب عَنْ خَالِد بْن يَزِيد، أَن معن بْن زائدة قَالَ: يحتاج الخطيب إِلَى تخليص المعاني وتلخيصها مَعَ قلة حصر وجرأة عَلَى البشر، وَقَالَ: الصمتُ عَنِ الْكَلام فِي موضعه عيُّ يضع الشريف ويُهجنّهُ. قَالَ: وَكَانَ معن فِي دار الْمَنْصُور فسقط حائط او حدث أمر تقوّض [3] النَّاس لَهُ وَكَانَ يحدث ورجل يستمع حَدِيثه لَمْ يقم عَنْهُ مَعَ من قام، فَلَمَّا انصرف إِلَى منزله وكل بالرجل من أتاه بِهِ [4] فأمر لَهُ بكسوة وألف دِينَار، وَقَالَ لَهُ: هَذَا لحَسَن استماعك حَدِيثي [5] وإيناسك إياي. حدثني العمري عن الهيثم بن عدي، قال: بعث معن إِلَى ابْن عَبَّاس: بعني دينك بألف دِينَار، فبعث إِلَيْهِ: قَدْ بعتك إياه إلا شهادة أَن لا إله إلا اللَّه ولو كَانَتْ من شأنك لسامحتك فِيهَا. وولي معن سجستان للمنصور، فاندس لَهُ قوم من الخوارج مَعَ قوم من الصناع كَانُوا يعملون فِي داره ففتكوا بِهِ وَهُوَ يحتجم، فقتلهم يَزِيد بْن مزيد فلم يفلت مِنْهُم أحدٌ، فرثاه الشعراء، وفيه يَقُول حُسَيْن بْن مطير الأسدي فِي قصيدة لَهُ [6] : ألا بكِّ معنا ثُمَّ قُل لدياره [7] ... سقتكِ الغوادي مربعًا ثُمَّ مربعا

_ [1] ط: ابن. [2] ط، م: يقري. [3] ط: يقوض. [4] سقطت «به» من ط. [5] ط: حدثني. [6] انظر الاغاني ج 15 ص 336، والحماسة البصرية ج 1 ص 209، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 363، والحماسة لابي تمام ج 1 ص 388، والامالي للقالي ج 1 ص 275، وشعره ص 172- 3، وسمط اللآلي ج 1 ص 609. [7] الاغاني وشعر الحسين بن مطير الاسدي: ألمّا بمعن ثم قولا لقبره، الامالي: ألمّا على معن وقولا لقبره.

فيا قبرَ معنٍ كنتَ أول بقعة [1] ... من الأَرْض حُطت للمكارم [2] مضجعًا ويا قبر معنٍ حلّك الجودُ كله ... وَمَا ضمّ قبرٌ قبلكَ الجودَ اجمعا [3] ولما [4] مضى معن مضى الجودُ كله [5] ... وأصبح [6] عرنين المكارم أجدعا فتًى عِيشَ فِي معروفه بَعْد موتهِ ... كَمَا عاد [7] بَعْد السيل مجراهُ مرتعا وَقَدْ كَانَ معنٌ فِي المواقفِ غُرَّةً ... لآل نزار سامِيَ الطرفِ أروعا ومدح شاعر الْوَلِيدَ بْن معن، فَقَالَ: تعزَّ أَبَا الْعَبَّاس بالصبر لا يكن [8] ... نصيبك من معن الندى ان تضعضعا [9] فَمَا مَاتَ من كنتَ ابنه لا ولا الَّذِي ... لَهُ مثلُ مَا أسدى أبوك وَمَا سعى وَمَا كَانَ مسبوقًا بوتر وَلَمْ يدع ... إِلَى الغرض الأقصى من المجد منزعا وَحَدَّثَنِي العمري قَالَ: كَانَ بَعْض [10] الأعراب يَأْتِي [11] معنًا فيعطيه، ويغيب عَنْهُ فيبعث إِلَيْهِ بصلته، فأبطأت عَلَيْهِ صلته مرةً فقدم من البادية فألفاه قَدْ جاء نعيه وأتى ولده فلم يجد عندهم مَا أحب فوقف عَلَى مجلسٍ هُمْ فِيهِ مجتمعون فَقَالَ: لِلَّهِ درك يَا معن، رحمك اللَّه أَبَا الْوَلِيد إِن كنت لمنتهى فخر عشيرتك وبدْع الكرام فِي أَهْل دهرك، فلو كنتَ إذ مُتَّ أبقيتَ لنا خلفًا منك سليتنا [12] عَنْك ببعضك فكيف العزاء وَقَدْ ذهب كلك، (648) إنا لِلَّهِ وإنا إِلَيْهِ راجعون، وأنشأ يقول:

_ [1] يرد الشطر في الاغاني والحماسة: أيا (الحماسة وشعر الحسين: فيا) قبر معن أنت (شعر الحسين: كنت) أول حفرة، ابن عساكر والامالي: بقعة. [2] الاغاني والامالي وشعر الحسين: للسماحة. [3] الحماسة وشعر الحسين والامالي: ... كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا. [4] ابن عساكر: فلما. [5] ابن عساكر: والندى، الحماسة لابي تمام: ... مضى الجود فانقضى (الامالي وشعره: وانقضى) . [6] ابن عساكر: فاصبح. [7] الاغاني وشعره: كان. [8] سمط اللآلي ج 1 ص 609: ... عنه ولا يكن. [9] يرد الشطر في سمط اللآلي: عزاؤك من معن بان تتضعضعا. [10] سقطت «بعض» من ط. [11] ط: تأتي. [12] ط: سلينتا.

باب في تلطيف الحرارة

يَا معنُ كنت بداءة الكرم ... وغنى المُقلِّ وطاردَ العدم فسطا عليك الدهرُ مقتدرًا ... بصوائب من صرفه غُشُم وأراك لَمْ تترك لنا خلفًا ... يأوي إِلَى فضل ولا كرم فعليك يَا معن السَّلام فَمَا ... أبقيت معتصمًا لمعتصم وأنشدني الفضل بْن زِيَاد من ولده لبعضهم: كَانَتْ سحائب معن الخير تمطرنا ... فَقَدْ تولى فلا معنٌ ولا مطرُ مَن للجفانِ إِذَا عز القِرى رذما ... وللطعان إِذَا مَا استشعر الحصرُ وبلغني أَن رجلًا مدح مَعْنًا فَقَالَ [1] : أتيتُكَ إذ لَمْ يبقَ غيرك جَابِر ... ولا واهبٌ يعطي اللهى والرغائبا فَقَالَ معنٌ: يَا أَخَا بَنِي أسد لَيْسَ هَذَا بمديح إِنَّمَا المديح قول اخي بني تميم مسمع بْن مَالِك حِينَ قَالَ: قَلَّدَتْه عرى الأمور نزار ... قبل أَن يَهلِك [2] السُّراةُ البحورُ بَاب [فِي تلطيف الحرارة] حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب قَالَ: أصاب عِيسَى بْن عَلِي فِي بَعْض الليالي حر شديد فبُل لَهُ إزار فنام فِيهِ، فَلَمَّا أصبح قَالَ لَهُ الْمَنْصُور: يَا عم كَيْفَ كنت فِي ليلتك من هَذَا الحر؟ فَقَالَ: بللت إزارًا ونمت فِيهِ فكنتُ بخير ونمتُ أطيب نوم، فَقَالَ: وأنا والله أمرت فبُلّ لي ثوبٌ فنمتُ فِيهِ ثُمَّ لَمْ أزل أرَوِّح. ثُمَّ إِن الْمَنْصُور فكّر فأمر فأتي بكرابيس غلاظٍ ثخانٍ فبُلّت وجعلت عَلَى ثلاثة أعواد مثل السبائك ونام تحتها، ثُمَّ أخبر عِيسَى بْن عَلِي بِمَا صنع واتخذ عِيسَى مثل ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ عِيسَى: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لو اتخذت قبة ثم غشيت بمثل هذه الكرابيس

_ [1] انظر الخبر في الموشح للمرزباني ص 231، والبيت للحسين بن مطير الاسدي. انظر ديوانه ص 139. [2] في الموشح: تهلك.

المبلولة وجعلت طاقات كَانَ ذَلِكَ أنفى [1] للحر وأوسع فِي المبيت والمقيل، فَقَالَ الْمَنْصُور: أَوْ غَيْر ذَلِكَ يَا عم، يعمد إِلَى هَذَا الخيش الَّذِي يَأْتِي فِيهِ القند والأمتعة من مصر فيغسل وينظف ثُمَّ يبل [2] وتغشى بِهِ القبة مخيطًا عَلَيْهَا فَإِنَّهُ أحبس لرطوبة الماء وأبطأ جفوفًا، فأمر الْمَنْصُور بِذَلِك وتتبع الخيش فاشتري من التجار، وأمر فكتب إِلَى مصر فِي اتخاذ شقاق الخيش ووجه فِي ذَلِكَ رسولًا حمله فاستعمله ثُمَّ استعمله النَّاس. وكانت للمهدي فِي أَيَّام أَبِيهِ قبة تنقل من مقيله إِلَى مبيته ومن مبيته إِلَى مقيله، وَكَانَ أول من اتخذ لَهُ الخيش الأبيض المهدي في خلافته. قال: وكانت الخيزران أول من اتخذ السرايح. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك قَالَ: كَانَ أول من اتخذ الشمع الغلاظ الَّتِي فِيهَا الأمناء الْوَلِيد بْن يَزِيد ثُمَّ صَالِح بْن عَلِي بمصر، وإنما كَانَتْ لبني أميَّة وَمَنْ قبلَهم من الملوك بالشام سِوَى الْوَلِيد شمعٌ فِي الشمعة منها الرطلان والثلاثة الأرطال وكانت لَهَا أتوار صغار فِي التور منها شوكة ترزّ الشمعة فِيهَا أَوْ [3] مسرجة عَلَيْهَا شوكة. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ جُوَيْرِيَةَ، قَالَ: كتب أَبُو بكر بن محمد ابن عَمْرو بْن حزم [4] إِلَى عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز، وَهُوَ عامله عَلَى الْمَدِينَةِ: إِن من قبلي من الأمراء كَانَ يجري عَلَيْهِم رزق للشمع [5] ، فكتب إِلَيْهِ: إنك طال مَا مشيت فِي طرق الْمَدِينَةِ (649) بلا شمع يُمشى بِهِ [6] بَيْنَ يديك فأعرض عَنْ هَذَا ولا تعاودني فِيهِ. وَحَدَّثَنِي أَبُو اليسع الأنطاكي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ ملوك بَنِي أمية تستصبح بالزيت فِي القناديل ويُمشى بَيْنَ أيديها بالشمع الطوال التي طول الواحدة منها ثلاثة أشبار وَكَانَ من دونهم يستعملون من الشمع الفتايل المثني بَعْضهَا عَلَى بَعْض، فلما كَانَ يَزِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك اتخذ لَهُ من الشمع الطوال مَا فِيهِ ستة أرطال أَوْ أَكْثَر من ذَلِكَ، ثُمَّ أسرف الوليد في استعمال الشمع في مجالسه.

_ [1] م: أتقى. [2] ط: تبل. [3] م: و. [4] ط، د: حرم. انظر الذهبي- تراجم رجال روى عنهم ابن إسحاق (ن. فيشر) ص 89 وص 90، وص 91، الطبري س 2 ص 1191 وس 3 ص 1346 وص 1358. [5] ط، م: الشمع. [6] سقطت «به» من ط.

أمر أبي أيوب المورياني كاتب أمير المؤمنين المنصور

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك قَالَ: مَا كَانَ الْمَنْصُور يستصبح إلا بالزيت فِي القناديل وربما خرج إِلَى الْمَسْجِد ومعه من يحمل سراجًا بَيْنَ يديه، ثُمَّ إنه حمل بَيْنَ يديه من الشمع ما فِيهِ الرطل والمَنَا [1] وَكَانَ إِذَا أراد قراءة الكتب أَوْ كتابها [2] أحضر شمعة فِي تور ثُمَّ يرفع إِذَا فرغ. حَدَّثَنِي أَبُو هِشَام الرفاعي، عَن عمه، عَن عَبْد اللَّهِ بْن عياش، قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور لأبي أيوب كاتبه فِي أمر قطيعة أراد أَن يقطعها [3] بَعْض ولده: التمسوا حدودها فِي ديوان الأحول فَإِنَّهُ كَانَ ضابطًا لأمره، يَعْنِي هشامًا. أمر أَبِي أيوب المورياني كاتب أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور الْمَدَائِنِي قَالَ: كَانَ أَبُو أيوب سُلَيْمَان بْن أَبِي سُلَيْمَان المورياني، مَوْلَى بَنِي سليم فيما يُقَالُ، فِي مجلس من مجالس ديوان يُوسُف بْن عُمَر، فَلَمَّا قدم يَزِيد بْن عُمَر ابن هبيرة العراق واليًا عَلَيْهَا استعمل الفضل بْن زهير الضَّبِّيّ عَلَى مناذر، فَقَالَ لَهُ أَبُو أيوب: أَنَا خليفتك بباب ابْن هبيرة فِي حوائجك فلا تهتم بِهَا واستوص بخالد أَخِي خيرًا واحفظه وأرفقه، فوليها سنة. ثُمَّ وَجَّهَ ابْن هبيرة رجلًا من أَهْل الشام إِلَى مناذر عاملًا عَلَيْهَا فزور أَبُو أيوب إِلَيْهِ كتابًا فِي ترك مناظرة الفضل بْن زهير فيما جرى عَلَى يده [4] والتخليه بينه وبين الانصراف، فاطلع ابْن هبيرة عَلَى ذَلِكَ من فعل أَبِي أيوب فأمر بطلبه فهرب إِلَى سوق الأهواز فاستخفى بِهَا حَتَّى قدم المسودة العراق فأتى أَبُو أيوب واسطًا والحسن بْن قحطبة محاصر لابن هبيرة والمنصور بعدُ بخراسان حِينَ وجَّهه أَبُو الْعَبَّاس إِلَيْهَا أول مَا استخلف لتهنئة أَبِي مُسْلِم وأخذ البيعة عَلَيْهِ، فَلَمَّا قدم الْمَنْصُور ووجَّهه أَبُو الْعَبَّاس إِلَى واسط اتى أبو أيوب ابراهيم ابن جبلة بْن مخرمة الكندي، وَكَانَ كريمًا عَلَى المنصور، فسأله أن يضمه إِلَى أَبِي جَعْفَر ليجعله كاتبه، فكلمه فِيهِ وأعلمه نفاذه وأنه كَانَ يقوم بديوان يوسف بن عمر،

_ [1] ط: المناه. [2] م: كتابتها. [3] م: يقتطعها. [4] د: يديه.

فلما رآه أعجب بِهِ فاستكتبه فغلب عَلَى الأمر فِي خلافته. فكان أول من أفسد [1] حال أَبِي أيوب عِنْدَ الْمَنْصُور حَمْزَةُ بْن زُنَيم وَذَلِكَ أَنَّهُ ولي الأهواز فعذب رجلًا من أهلها فِي الخراج وَكَانَ كاتب البلد حَتَّى قتله، فكلم الْمَنْصُور أَبُو أيوب فِي أمره حَتَّى عزله، فَلَمَّا قدم ودخل عَلَى الْمَنْصُور وَكَانَ خبيث اللسان قَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِن لَك بالأهواز شريكًا فِي ملكك، قَالَ: ومن هُوَ ويلك؟ قَالَ: خَالِد أَخُو أَبِي أيوب لَهُ بَيْت مال ولك بَيْت مال فَمَا يحمل إليك درهم إلا حمل إِلَى خَالِد مثله، فَقَالَ أَبُو أيوب: إِن هَذَا قَدِ اختلط، ومن اختلاطه قتله كاتب البلد، فَقَالَ: مَا اختلطتُ ولكني صدقتُ فادفع إليّ خالدا حَتَّى ادفع إليك خمسين ألف ألف درهم، فَقَالَ الْمَنْصُور: قُمْ، وَقَدْ وقر قولُه (650) فِي قلبه. ومكث الْمَنْصُور حينًا ثُمَّ قَالَ لأبي أيوب: اكتب إِلَى أخيك خَالِد أَن يحمل [2] إلينا مالًا من بَيْت ماله، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، إِن ذاك [3] بَيْت مال مشهور صيره خَالِد للمهدي من ضياع استخرجها وابتاعها ومن أشياء كَانَ العمال يرتفقون بِهَا، فرأى أَن الْمَهْدِي أحق بِهَا، قَالَ: فكم اجتمع فِيهِ؟ قَالَ: عشرون ألف ألف درهم، قَالَ: فاكتب إليْه أَن يحملها، فحُملت، وكفّ عَنْ خَالِد أَخِي أَبِي أيوب. قَالَ: وحَسَد مخلد بْن خَالِد أبان بْن صدقة، وَكَانَ أبان عَلَى أمر أَبِي أيوب كُلِّهِ وعلى الرسائل من قبله فرفع [4] عَلَيْهِ مائة ألف دِينَار، فأمر الْمَنْصُور بأخذها من أبان، فأدخل بيتًا وطينّ عَلَيْهِ بابه. ثُمَّ ندم مخلد بْن خَالِد عَلَى رفيعته ولامَه عمّه أَبُو أيوب، فَقَالَ مخلد: أَنَا أؤدي عَنْهُ عشرة آلاف دِينَار، وَقَالَ أَبُو أيوب: وأنا أَحْمِلُ عَنْهُ خمسين ألف دِينَار، فتوزعها آل أَبِي أيوب فيما بينهم وأدوها وأخرجوا أبان بْن صدقة من محبسه. فعاد أبان إِلَى أَبِي أيوب وَفِي نَفْسه مَا فِيهَا، فكان يَأْتِي أَبَا أيوب نهاره ثُمَّ ينصرف إلي منزله، فإذا كَانَ الليل صار إِلَى الرَّبِيع الحاجب فأطلعه عَلَى أخبار أَبِي أيوب وأسراره وكتبها لَهُ فيعرضها الرَّبِيع عَلَى الْمَنْصُور فيأمره الْمَنْصُور أَن يمنّيه

_ [1] د: اقتصد. [2] ط: خالدا ويحمل. [3] ط: ذلك. [4] ط: فوقع.

ويعده، ففطن أبو أيوب بأمر أبان فوبخه وَقَالَ: ويلك يرفع عليك مخلد فتقصد [1] لقتلي وأنت تعلم أني داويت الجرح الَّذِي جرحَكه مخلد بمالي حَتَّى أصلحت شأنك، اذهب عني، قَالَ: نعم والله يَا أَبَا أيوب ثُمَّ لا أعود أبدًا، وخرج حَتَّى أتى الرَّبِيع وكاشف أَبَا أيوب. ومرض أَبُو أيوب فاستمكنوا منه، فأرسل الْمَنْصُور ابنه صالحًا المعروف بالمسكين إِلَى أَبِي أيوب يعوده [2] التماسًا لأن يصله، فأرسل أَبُو أيوب إِلَى خَالِد أَخِيهِ: أبعث إليّ بمائة ألف درهم لصالح، فلم يفعل، فانصرف صَالِح وَقَدْ أبطأ عَلَى الْمَنْصُور فسأل عَنْ سبب إبطائه فَأَخْبَرَ بِهِ، فبعث إِلَى خَالِد فأتي بِهِ فأمر بخنقه فخنق حَتَّى بال ثُمَّ أمر بِهِ فحبس وطلب كُل من عنده مال لأبي أيوب [3] وأهل [4] بيته ومن كَانَ منه بسبب، فتتبع التجار وغيرهم وحُبس أَبُو [5] أيوب فِي دار ثُمَّ حُمل إِلَى السجن وَهُوَ مريض فمات فِيهِ. ويقال إِن أَخَا السجّان كَانَ مَعَ خالد أَخِي أَبِي أيوب بالأهواز فضربه ضربًا مرض منه وَمَاتَ، فوضع السجّان عَلَى وجه أَبِي أيوب مرفقة غمّه بِهَا حَتَّى مَاتَ. فَلَمَّا مَاتَ أَبُو أيوب أخرج أخوه خَالِد من محبسه وَهُوَ مقيد عَلَى حمار حَتَّى [6] صلى عَلَيْهِ ودفن، ثُمَّ رُدَّ إِلَى الحبس واستودى [7] آل أَبِي أيوب وعذبوا. وخرج الْمَنْصُور إِلَى الشام وَقَدِ استخلف الْمَهْدِي بمدينة السَّلام فأمره باستيداء [8] آل أَبِي أيوب من كَانَ لَهُ وَلَهُمْ عنده مال وديعة، فسألوه أَن يكفلهم ويخرجوا فيضطربوا فِي المال فأجابهم الْمَهْدِي إِلَى ذَلِكَ. وتوجه منارة مَوْلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِلَى الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ أَبُو عبيد اللَّه كاتب الْمَهْدِي: احطِب عَلَيْهِم وقل لأمير الْمُؤْمِنيِنَ إِن مخلدًا وغيره مِنْهُم يقولون إنك لا تعود إِلَى العراق ولا تُرى فِيهِ أبدًا، فَلَمَّا وصل منارة إِلَى الْمَنْصُور سَأَلَهُ عَنْهُمْ فَأَخْبَرَه بِمَا فارق أَبَا عُبَيْد اللَّه عَلَى أَن يَقُول للمنصور، فَقَالَ لَهُ: أما الرجوع فَإِنِّي أرجو ان يكون سريعا ان

_ [1] د: فبقصد. [2] م: يعوذه. [3] زاد في ط، د: عنده مال. [4] د: فأهل. [5] م: أبا. [6] م: حتى انتهى. [7] م: استوذي. [8] ط، م: باستيذاء.

شاء اللَّه، وَأَمَّا وجهي فلن يروه [1] أبدًا. وكتب إِلَى الْمَهْدِي بخطه يعنّفه عَلَى الترفيه عَنْ آل أَبِي أيوب ويأمره أَن يجمعهم فيقطع أيديهم وأرجلهم ويقتلهم، وختم الكتاب بخاتمه الَّذِي كَانَ فِي يده وَكَانَ نقشُه: اللَّه ثقة (651) عَبْد اللَّهِ وَبِهِ يؤمن، فقتلوا وقطعت أيديهم وأرجلهم ووضع رأس كُل امرئ مِنْهُم إِلَى جثته ويداه ورجلاه عَلَى صدره عَلَى بَاب الْمَدِينَةِ، ثُمَّ حملوا فدفنوا وَقَدْ أخذت أموالهم وضياعهم، وحيز عَنْ أَبِي أيوب وحده ثمانية آلاف وقيل ثمانية عشر ألف جريب بالبصرة وأخذت أَمْوَالٌ عظام بلغت مائة ألف ألف درهم. حَدَّثَنَا الْمَدَائِنِي قَالَ: دعا الْمَنْصُور ذَات يَوْم بأبي أيوب فامتقع لونه، فَلَمَّا صار إِلَيْهِ ثُمَّ عاد إِلَى مجلسه قَالَ لَهُ رَجُل كَانَ يأنس بِهِ: إني رَأَيْت بك منظرًا غمّني، فَقَالَ لَهُ [2] أَبُو أيوب: سأضرب لَك مثلًا، بلغني أنّ بازيًا عاتب ديكًا فَقَالَ لَهُ أَنَا طائرٌ وَحشي أوخذ من وكري فآنسُ بأَصْحَابي حَتَّى أصيد لَهُمْ وأحبس صيدي عَلَيْهِم وأنت تؤخذ بيضة فتحضن وتربي عَلَى الأيدي وَإِذَا رأيُت إِنْسَانًا نفرتَ، فَقَالَ: أما والله لو رَأَيْت من البزاة فِي سفافيدهم مثل مَا رأيتُ من الديوك فِي التنانير لكنت أشد وحشةً وروعة مني، فَهَذِهِ قصتي، مَا صرتُ إِلَيْهِ قط فظننت أني أرجع إِلَى مجلسي ومن كَانَ من رجال السلطان وَلَمْ يكن هكذا فَهُوَ جاهل مغتر. وَكَانَ ابْن المقفع كتب إِلَى أَبِي أيوب رسالة منه وعظه فِيهَا، فَقَالَ فِي فصل منها: أذمّ إليك السلطان فَإِن إقبالَه تعبٌ وأعراضه مذلَّة، فكان يَقُول حِينَ حُبس: لِلَّهِ درّك يَا ابْن المقفع. وَحَدَّثَنِي الحرمازي، عَنْ أَبِي عَمْرو الجاباني، قَالَ: ولّي الْمَنْصُور عقبة بْن سلم الْأَزْدِيّ البحرين وعمان، فقتل سُلَيْمَان بْن حَكِيم العبدي وَكَانَ مخالفًا، وأسر من أَهْل البحرين بشرًا كثيرًا [3] وحملهم إِلَى الْمَنْصُور فقطع عدة مِنْهُم ووهب باقيهم للمهدي فمنَّ عَلَيْهِم وكسى كُل إِنْسَان مِنْهُم ثوبين هرويّين وأعطاه دينارين. وَكَانَ أسد بْن المرزبان صاحب المربعة ببغداد بقرب الجسر مع عقبة فكان كثير

_ [1] الأصل: تروه، ولعل الصواب ما أثبتنا. [2] «له» ليست في ط. [3] د، م: كبيرا.

أمر سنفاذ

الخلاف عَلَيْهِ وبلغه عَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الخلع، فكتب عقبة إِلَى الْمَنْصُور بخبره فأمر بقتله فولي ذَلِكَ منه أَبُو سُوَيْد صاحب المقبرة ببغداد عِنْدَ بَاب الشام، ولما صار عقبة إِلَى مدينة السّلام قدم جَمَاعَة من الخوارج تريد الفتك بِهِ لقتله من قتل مِنْهُم فكمن لَهُ بَعْضهم فِي الجسر فلما مرّ به خرج عليه فوجأه بخنجر لَهُ رأسان فقتله وقتل، ويقال بَل ألقي نَفْسه فِي الماء فغرق فَقَالَ النَّاس هُوَ أجرأ من قاتل عقبة بْن سلم. وَكَانَ عقبة يكنى أَبَا الملد، وَهُوَ الَّذِي مدحه بشار بأرجوزته الدالية [1] . أمر سنفاذ قَالَ الْمَدَائِنِي وغيره: قُتل أَبُو مُسْلِم وسنفاذ [2] بحلوان فحمل [3] أموالًا كَانَتْ مَعَهُ ومضى يريد خراسان، فَلَمَّا كَانَ بالري منعه عاملها من النفوذ وَكَانَ قَدْ أُمر أَن لا يدع أحدًا من أَصْحَاب أَبِي مُسْلِم يجوزه، وَكَانَ مُعَاذِ بْن مُسْلِم عَلَى بريد الري فَقَالَ سنفاذ: عَلامَ أُحبس ولست بذي ديوان وإنّما صحبتُ أَبَا مُسْلِم عَلَى المودة فَلَمَّا قتل انصرفت أريدُ أهلي! ثُمَّ إنه خرج كالمتنزه وهرب بالليل فبلغ ذَلِكَ عامل الري فاتبعه حَتَّى لحقه فاقتتلا قتالًا شديدًا وهزم سنفاذُ العاملَ إِلَى الري ودخلها فحصره فِي بَعْض القصر، وَكَانَ يكنى أَبَا عبدة وَكَانَ جبانًا، فطلب منه الأمان فأمنه فَلَمَّا صار فِي يده قتله سنفاذ وغلب عَلَى الري وعاد إِلَى المجوسية فلم يأته مجوسي يدعي عَلَى مُسْلِم شيئًا إلا قضى لَهُ بِهِ، وأخذ صبيًا فذبحه وشواه وأطعم أَبَاهُ لحمه، وَكَانَ يقتل العرب بالخشب. وكتب إِلَى ملك الديلم أَنَّهُ قَدِ انقضى (652) ملك العرب، فخفّ إِلَيْهِ فِي ديالمته، واجتمع المسلمون فقاتلوهم فقتل من الْمُسْلِمِينَ بشر كثير [4] ، وقاتله والي دستُبى وَقَدْ جمع لَهُ جمعًا فهزمه سنفاذ. وأقبل صاحب قومس يريده، فوجه إِلَيْهِ سنفاذ خيْلًا فهزمها ثُمَّ لقيه سنفاذ فهزمه إِلَى قومس، فوجّه الْمَنْصُور. جهور بْن مرار الْعِجْلِيَّ لمحاربة سنفاذ فَلَمَّا صار إِلَيْهِ حضّ أَصْحَابه عَلَى الصبر فَقَالَ: إنكم تريدون قتال قوم يريدون محق دينكم

_ [1] الديوان (ن. ابن عاشور) ج 2 ص 218 وما بعدها. [2] في ط: سنفاد، وورد فيه أيضا: سنفاذ. [3] ط: فحملوا. [4] م: كبير.

وإخراجكم من دنياكم، فَلَمَّا التقوا وعدوّهم اقتتلوا قتالًا شديدًا فهزم اللَّه سنفاذ [1] ومن مَعَهُ ونادى جمهور بالنهي عن التعرض للغنيمة قبل الإثخان، فقتل من أَصْحَاب سنفاذ زهاء ثلاثين ألفًا وحوى المسلمون عسكرهم. وهرب سنفاذ إِلَى الأصبهبذ بطبرستان ومعه أخوه [2] فِي عدة يسيرة فقتلهما صاحب طبرستان وتقرب برأسيهما إِلَى جهور وصلب جثتيهما [3] . وَكَانَ عُمَر بْن العلاء جزارًا بالري فجمع جمعًا حِينَ قدم جهور وقاتل معه سنفاذ [4] ، فقال له جمهور: من أَنْتَ؟ قَالَ: رجلُ خرجتُ متطوعًا، فأبلى وعظم غناؤه، فأوفده جهور إِلَى الْمَنْصُور وكتب يحمده ويثني عَلَيْهِ فقوّده [5] الْمَنْصُور وعظم شأنه عنده ثُمَّ ولي طبرستان فاستشهد بِهَا، وَكَانَ بعده مُوسَى ابنه ومحمد بْن مُوسَى مَعَ السلطان. قَالُوا: وَكَانَ جهور شجاعًا سخيًا فقسم مَا صار إِلَيْهِ من مال سنفاذ عَلَى الجند فكتب الْمَنْصُور إِلَيْهِ يخوّنه وعزله عَنِ الري وولاها مجاشع بْن يَزِيد الضبعي وَكَانَ عَلَى شرطة عِيسَى بْن مُوسَى بالكوفة، فلما قدم الري أَبِي جهور أَن يسلم إِلَيْهِ العمل فكلمه فأمر بِهِ [6] فضربت عنقه وبعث إِلَى الْمَنْصُور برأسه وأظهر الخلع، فوجّه الْمَنْصُور إليه هزار مرد ثُمَّ مُحَمَّد بْن الأشعث فِي قواد مِنْهُم شبيب بْن واج فاجتمعوا بأصبهان، فوجّه إليهم جهور، زبارة الْبُخَارِيَّ فلقوه فكسروا عسكره وفضوه ورجع إِلَى الري جريحًا. وسار [7] جهور يريد أصبهان فلقيه محمد بن الأشعث وهزار مرد فقاتلاه أشدّ قتال فهزم جهور وهرب وأخوه وأرادا اللحاق بملبد الخارجي فلم يبعدا حَتَّى بلغهما خبر مقتله، فمضى جهور يريد أذربيجان وعليها يَزِيد بْن حاتم ليأخذ لَهُ ولأخيه أمانًا فَلَمَّا صار ببعض الطريق وثب بعضُ من كَانَ مَعَهُ من أَصْحَابه بِهِ وبأخيه فقتلوهما وأتوا يَزِيد برءوسهما، فَقَالَ لَهُمْ يَزِيد: ويحكم وثق بكم الرجل وأمِنكم فغدرتم بِهِ وقتلتموه! وأمر بِهِمْ

_ [1] سقطت كلمة «اخوه» من ط. [2] سقطت كلمة «اخوه» من ط. [3] م: برءوسهما جثتهما. [4] كلمة «سنفاذ» ليست في ط. [5] زاد في م: مع. [6] «فامر به» سقطت من ط. [7] ط: صار.

أمر ملبد [1] بن حرملة بن معدان بن سيطان بن قيس بن حارثة، أحد بني أبي ربيعة [2] بن ذهل بن شيبان

فقتلوا وبعث برؤوسهم ورأس جهور ورأس أَخِيهِ إِلَى الْمَنْصُور فنصبت بالحيرة، ووضعت عَلَى زبارة العيون والأرصاد حَتَّى أَخَذَ وحمل إِلَى الْمَنْصُور فأمر بقتله فقتل بالكوفة وصلب. أمر مُلبّد [1] بْن حرملة بْن معدان بْن سيطان بْن قَيْس بْن حارثة، أحد بَنِي أَبِي ربيعة [2] بْن ذهل بْن شَيْبَان الْمَدَائِنِي عَنْ سلمة بْن سُلَيْمَان وغيره، وَحَدَّثَنِي أَبُو الكردي عَنْ أشياخهم، قَالُوا: لما أقبل أَبُو مُسْلِم مراغمًا بَعْد هرب عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي إِلَى الرصافة ثُمَّ منها إِلَى البصرة، بعث الْمَنْصُور إِلَى الجزيرة أَبَا الأزهر المهلب بن العبيثر المهدي وصالح بْن صبيح مَوْلَى كندة وغيرهما إِلَى الكور بالجزيرة ليتبع أَهْل الْفِتْنَة والفساد من الأعراب والشراة وغيرهم وتسكين النَّاس. فنزل رَجُل من قواد أَهْل خراسان منزل ملبد بْن حرملة بالجزيرة وَذَلِكَ فِي (653) سنة سبع وثلاثين ومائة. فرأى ابنته ويقال ابْنَة أَخِيهِ فَقَالَ لَهُ: يَا ملبد مُر هَذِهِ الجارية أَن تغسل رأسي، فَقَالَ ملبد: بَل تغسل هَذِهِ الأمة رأسك، فَقَالَ: إنكم تأتون خراسان فلا ترضون أن يغسل رؤوسكم إلّا نساؤنا، فأمر ملبد تلك الجارية أَن تغسل رأسه، وَكَانَ ذا شعرة فأومأ إِلَيْهَا أَن ارفعي شعرته [3] عَنْ قفاه، ففعلت، وخرج إِلَيْهِ ملبد بسَيْفٍ قاطع فأندر [4] بِهِ رأسه، ثُمَّ حكّم وتتبع بيوت داره وفيها عدة من الجند فقتلهم هُوَ وابن عم لَهُ. وسمع الخوارج بخبره فأتاه عشرون مِنْهُم فبايعوه فأتى مسلحة فِيهَا بكار المروزي فقتله وأخذ سلاحًا ودواب، ثُمَّ صار فِي مائتين فأتى الموصل فطرد عاملها عَبْد الحميد بْن ربعي، ولقيه المهلب أَبُو الأزهر بقرب تكريت بَعْد حمله عَبْد الحميد وانصرافه فهزم أَبَا الأزهر، وبعث إليه زياد ابن مشكان فلقيه بباجَرمى فهزم زيادًا وقتل تسعين من أَصْحَابه وَزِيَاد فِي خمسة آلاف. فكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور: العجب كُل العجب لمن يخاف [5] ما لم يقض عليه

_ [1] انظر الطبري س 3 ص 120 وص 122- 4. [2] ط: بني ربيعة. انظر جمهرة الأنساب ص 323- 4. [3] م: شعره. [4] ط: فانذر. [5] م: خاف.

أَوْ يفرّ مِمَّا هُوَ مُصيبهُ وإني رأيتك هبتَ قتال [1] عدوك وأنت فِي أضعاف رجاله وظننت أَن فرارك يؤخر يومك ويزيد فِي عمرك أفما علمتَ أنّ للعباد آجالًا لا يستقدمون عَنْهَا ولا يستأخرون! فيا سبحان اللَّه مَا أعجزك وأضعف رأيك ورويتك، أطَمِعتَ فِي البقاء بعد نفاذ عمرك أم تخوفت القتل قبل فناء مدتك حَتَّى آثرت العار واخترت الفرار ورضيت بالشين فِي ضعف اليقين؟ ويقال إنه وجه الريان مولاه فانهزم، فكتب إِلَيْهِ بِهَذَا الكتاب. وكتب الْمَنْصُور إِلَى صَالِح بْن صبيح يأمره بالمسير إِلَى ملبد فسار إِلَيْهِ وَكَانَ عَلَى مقدمته ابراز خذاه فِي ألفين واتبعه صَالِح فِي أربعة آلاف، فواقع ملبد ابراز خذاه فقتله بَيْنَ نصيبين ورأس العين وانهزم أَصْحَابه وهجم ملبد عَلَى عسكر صَالِح فحوى مَا فِيهِ. وولى الْمَنْصُور إِسْمَاعِيل بْن عَلِي عمه الموصل، فوجه إِسْمَاعِيل إِلَى ملبد قائدًا فِي رابطة الموصل فقتله وهزم أَصْحَابه. ثُمَّ ولى الْمَنْصُور يَزِيد بْن حاتم أذربيجان فعرض لَهُ ملبد فِي طريقه فقاتله فقتل من أَصْحَاب يَزِيد ثمان مائة ونجا يَزِيد فِي قميصه راجلًا حَتَّى أتاه بَعْض من مَعَهُ بدابة فركبها، وبعث إِلَيْهِ الْمَنْصُور بمال فسار يَزِيد حَتَّى أتى أردبيل. وأتى ملبد أذربيجان فبعث إِلَيْهِ الْمَنْصُور روح بْن حاتم فِي ثلاثة آلاف والشمر بْن عُبَيْد الخزاعي فِي ألفين وسمال بْن الشحاج الأزدي فِي خمس مائة، ووجه مهلهل بْن صفوان وعبد الْعَزِيز بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ فِي عشرة آلاف، فلقيهم ملبد فقتل مِنْهُم ألفًا. وَمَاتَ ناس كثير عطشًا وانهزموا وأصاب ملبد متاعًا كثيرًا، فكانوا يبيعون [2] الخرجة مقفلة لا يدرون مَا فِيهَا. فَلَمَّا رَأَى الْمَنْصُور ذَلِكَ جد فِي أمر ملبد فعقد لخازم بْن خزيمة ووجهه فِي ستة آلاف منتخبين، فسار خازم حَتَّى نزل الموصل، وبلغ ملبدًا خبره فتوجه نحوه وعبر دجلة بريد الموصل، وعلى طلائع خازم ومقدمته نضلة بْن نعيم النهشلي، فلقيهم ملبد فهزمه أَصْحَاب خازم واتبعوهم، ثُمَّ عطف عَلَيْهِم ملبد فكشفهم فألقوا الحسك، وأمر خازم أَصْحَابه بالنزول فنزلوا فَلَمَّا رآهم الخوارج نزلوا أيضًا، فَلَمَّا اشتغلوا عَنِ القتال أمر خازم أَصْحَابه بالركوب فلم يشعر الخوارج إلا بالرماح فِي أكتافهم فقتلوا جميعًا

_ [1] ط: فقال. [2] ط: يتبعون.

أمر ظبي بن المسيب بن فضالة العبدي

فلم ينج مِنْهُم أحدٌ، وَكَانَ بَيْنَ عسكر خازم وعسكر الخوارج مقدار ألفي ذراع. (654) قَالَ [1] الشاعر: لم يغن عن ملبّد تلبيده ... إذ خازم فِي بأسه [2] يكيده أمر ظبي بْن الْمُسَيِّب بْن فُضالة العَبْدي قَالُوا: خرج ظبي بن المسيّب في ثلاثة وعشرين رجلا وثلاث نسوة، ابنتين لَهُ وجارية سوداء، وعبد أسود فأتوا موقوع [3] ونزلوا الجلحاء، فوجه إليهم سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم فوعظهم فبينا هُوَ كَذَلِكَ إذ طلعت عَلَيْهِم الْخَيْلُ مَعَ عِيسَى بْن عَمْرو بْن أَبِي الجمل ومعهم ناس من الزط وعليهم العاقب الْأَزْدِيّ فاقتتلوا فقتلوا جميعا، وبعث برؤوسهم إِلَى [4] سُفْيَان فبعث بِهَا إِلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور فِي سفينة فغرقت السفينة بالبطيحة [5] . خبر عطية بْن بعثر التغلبي خرج عطية بالموصل فِي مائة ومعهم ابْن الْوَلِيد بْن طريف، فأخذ عَلَى راذان وأتى أبراز الروز والنهروان وأتى مهرجانقذق، وصار الى الكلبية ليتعرض مالًا قَدِ اجتمع بالسوس يريدون حمله، وبلغ ذَلِكَ أَهْل الأهواز فبعث مُحَمَّد بْن الحصين ابْن أَخِيهِ ثابت بْن كثير بْن حصين بالمال فحمله ثابت فلم يقدروا عَلَيْهِ. وأقبل [6] الخوارج وهم مائة فنزلوا السوس [7] فلم يؤذوا أحدًا حَتَّى وقع بَيْنَ رَجُل من أَهْل السوس وبين رَجُل من الخوارج كَلام فاستعرض عطيةُ أَهْل السوس، وَكَانَ منارة مَوْلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بناحية الأهواز فقاتله عطية فقتل من أصحابه أكثر من مائتين

_ [1] كرر ط «قال» . [2] م: رأسه. [3] انظر ياقوت (ن. وستنفلد) ج 4 ص 688. [4] سقطت «إلى» من ط. [5] م: البطيخة. [6] م: أقبلوا. [7] د، م: المسوس.

خبر حسان بن غسان الهمداني

وانهزم منارة. وتوجه عطية إِلَى الموصل فِي طريقه الَّتِي ابدأ فِيهَا فوجه إِلَيْهِ الْمَنْصُور أَبَا حَمْيد المروروذي فوافقه بكلبانية مهرجانقذق نائمًا وأَصْحَابه فِي غفلة فأمر أَبُو حميد أَصْحَابه فرموهم بالنشاب فقتل عطية وأَصْحَابهُ فلم يبق مِنْهُم أحدٌ. خبر حسان بْن غسان الهمداني خرج حسان فِي خلافة الْمَنْصُور فلقي قومًا يريدون مَكَّة فقتلهم، فسرّح إِلَيْهِ الْمَنْصُور جميل بن عبيد اللَّهِ الضَّبِّيّ وَهُوَ ابْن عم الْمُسَيِّب فِي سبعة آلاف فلم يزل حسان يتنقل [1] حَتَّى صار إِلَى أذربيجان وصار جميل إِلَى أذربيجان، فرأى الخوارج تتبعهم، وَكَانَ الحرشي [2] مَعَهُ فكتب إِلَى أَبِي جَعْفَر بِذَلِك، فكتب أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور إِلَيْهِ: قَدْ بلغني يَا ابْن اللخناء أنك رَأَيْت حسانًا فتركته وَلَمْ تناجزه، وأمره بقتاله إذا لقيه. ونزل الخوارج قصر الجراح فبيت جميل حسان وَهُوَ حذر فخرج عَلَيْهِم وأَصْحَابهُ فهزموهم. ثُمَّ أتي حسان الحنّاية [3] فلقيه سَعِيد الحرشي [4] فِي شعب حِبْتُون [5] فعطف عَلَيْهِ حسان فقتله وأَصْحَابه ومضى إِلَى نصيبين. فوجه إليه المنصور أبا قرّة صاحب المربّعة ببغداد فِي أربعة آلاف من أَصْحَاب حميد بْن قحطبة فكانت بينهم وقعة. ثُمَّ مضى حسان يريد الزابي فلحقه أَهْل خراسان مِمَّنْ وجه إِلَيْهِ وَقَدْ عبر أَصْحَابه وبقي فِي ستين، فقتلوه ومن مَعَهُ ومضى الآخرون فتتبع بَعْضهم فقتلوا. خبر عيسى مولى بني شيبان وخرج عَلَى الْمَنْصُور عِيسَى مَوْلَى بَنِي شَيْبَان فِي خمسين، فوجه إِلَيْهِ زِيَاد بْن مشكان مَوْلَى بني مازن فقتله وأصحابه.

_ [1] ط، م: ينتقل. [2] الأصل: الخرسي. انظر في فهرس الطبري: سعيد بن عمرو الحرشي. [3] ط: الحنابة، وفي ياقوت: ج 2 ص 310: الحنّانة. [4] الأصل: الخرسي. انظر في فهرس الطبري: سعيد بن عمرو الحرشي. [5] ياقوت- بلدان ج 2 ص 211: جبل بنواحي الموصل.

خبر الضحضح الشيباني [1]

خبر الضحضح الشيباني [1] حَدَّثَنِي أَبُو الكردي الإباضي قَالَ: نزل رجلٌ من الجند فِي أَيَّام الْمَنْصُور عَلَى آل الضحضح فأعطوه وأحسنوا قراه، فمدّ يده (655) إلى امرأة منهم فولولت [2] ونادت قومها فشدّ عَلَيْهِ الضحضح فقتله، ودعا واعتقد فاتبعه خلق يُقَالُ إنهم ألف وَذَلِكَ بسنجار [3] ، فقتل بسنجار [4] من الجزيرة، قتله دَاوُد بْن إِسْمَاعِيلَ الزندي [5] وقائد آخر. وَقَالَ غَيْر أَبِي الكردي: هُوَ عامر بْن الضحضح. أمر بيعة الْمَهْدِي حَدَّثَنِي مشايخ لنا، والمدائني، قَالُوا: استخلف أَبُو العباس المنصور وعيسى ابن مُوسَى [6] بَعْد الْمَنْصُور لأنه كَانَ غائبًا بمكة فلم يأمن عَلَيْهِ الحدثان فِي سفره فيضطرب النَّاس وينتشر أمرهم. فلما قام الْمَنْصُور جعل يُرشح ابنه محمدًا الْمَهْدِي للخلافة لما رَأَى فِيهِ من أمارات الخير، وقدم أَبُو نخيلة عَلَى الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْد اللَّه مُعَاوِيَة بْن عُبَيْد اللَّه كاتب الْمَهْدِي: قُلْ شعرًا تدعو فِيهِ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِلَى البيعة للمهدي، فَقَالَ [7] : قل للأمين الْوَاحِد الموحد [8] ... إنّ الَّذِي ولَّاك ربُّ الْمَسْجِد لَيْسَ وَلِيُّ عهدها بالأرشد [9] ... عِيسَى فزحلفها إِلَى مُحَمَّد [10] فَلَمَّا أنشد أَبُو نخيلة أرجوزته هَذِهِ وَهِيَ طويلة رَوّاها الخدم والبطانة وأبلغوها الْمَنْصُور فدعا بِهِ وعنده أهلُ بيته وقواده والناس وعيسى بْن مُوسَى عن يمينه

_ [1] م: الغساني. [2] م: لوقت. [3] م وهامش د: بسجستان. [4] م: بسجستان. [5] د: الرندى، م: الرندي. [6] م: عيسى بن علي موسى. [7] انظر الطبري س 3 ص 348- 9، والصولي- اشعار اولاد الخلفاء ص 310. [8] الطبري: بل يا أمين الواحد المؤيّد، واشعار اولاد الخلفاء، قل للأمير ... [9] الاغاني ج 20 ص 388: ليس ولي عهدنا بالاسعد، الطبري: امسى وليّ ... [10] في اشعار اولاد الخلفاء: وهي على جور وبعد مقصد ... مهّد لها قصد السبيل تهتدي عيسى فرحّلها الى محمد

فاستنشده فأنشده إياها، وخرج فلحقه عقال بْن شبه فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا نخيلة، أما أَنْتَ فَقَدْ [1] سررت أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فلئن تمّ الأمر لتصيبن خيرًا ولئن لَمْ يتم فابتغ نفقًا فِي الأَرْض أَوْ سُلَّمًا فِي السماء [2] . وكتب الْمَنْصُور لأبي نخيلة بصلة إِلَى الري، فوجه عِيسَى من لحقه فقتله وسلخ وجهه، ويقال إنه قتل بَعْد رجوعه من الري. وَكَانَ المنصورُ يُظهر لعيسى تكرمةً وبرًّا وإجلالًا، فيوضع لَهُ [3] نمارق عَنْ يمينه وشماله ثُمَّ يدعى بعيسى فيجلس عَنْ يمينه ثُمَّ يدعى بالمهدي فيجلس عَنْ يساره، فكلمه فِي العقد للمهدي ألين كَلام وأرفقه، فَقَالَ لَهُ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ كَيْفَ بالأيمان والعهود والمواثيق، ولئن فعلتَ هَذَا لتكوننّ حجةً لمن ترك الوفاء وخاس بالعهد، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قدّم الْمَهْدِي عَلَيْهِ فكان يجلسه عَنْ يمينه. قَالُوا: ولما سمع الجند بِمَا يحاول الْمَنْصُور فِي أمر الْمَهْدِي تكلموا فكان عِيسَى إذا ركب عُرض لَهُ بِمَا يكره وأسمع الْكَلام وينغص [4] ، فشكا ذَلِكَ إِلَى الْمَنْصُور، فَقَالَ للمسيب: تقدم إِلَى القواد والجند فِي أَن يمسكوا [5] عَنِ ابْن أَخِي ولا يؤذوه فَإِنَّهُ ثمرة قلبي وجلدةُ مَا بَيْنَ عيني، ودعا بقوم من الحرس فشتمهم فكفوا، وكانوا محبين للمهدي لما نشأ عَلَيْهِ من العقل والفضل والسخاء. وكتب الْمَنْصُور إِلَى عِيسَى كتابًا يذكر فِيهِ مَا قذف اللَّه فِي قلوب أَنْصَار الدعوة وأهل المشايعة عَلَى الحق وأشربها من محبة المهدي ومودته وتفضيله حَتَّى صاروا لَهُ صاغين ولأعناقهم مادين لا يذكرون إلا فضله ولا يعرفون إلا حقه ولا ينوّهون إلّا باسمه، وأنه لما رَأَى ذَلِكَ علم أَنَّهُ أمر تولاه اللَّه لَهُ ليس للعباد فيه [6] صنع وأنه لا بد من استصلاحهم ومتابعتهم، ويعلمه أَنَّهُ يرى لَهُ إِذَا اجتمع النَّاس عَلَى ابْن عمه أَن يَكُون أوّل من يبدرُ [7] إِلَى البيعة لَهُ وأن يعرف لَهُ مَا عرفوه ويؤمل فِيهِ مَا أمّلوه. فكتب إِلَيْهِ فِي جواب ذَلِكَ يذكره الوفاء ويعلمه أَن كثيرًا من النَّاس قَدْ نازعتهم أهواؤهم ودعتهم أنفسهم إِلَى مثل الَّذِي همَّ بِهِ فِي ولده (656) فآثروا اللَّه وحقّه وكرهوا الغدر وعاره وسوء

_ [1] م: فلقد. [2] إشارة إلى الآية 35 من سورة الأنعام (6) . [3] سقطت «له» من م. [4] ط: ينقص. [5] ط: تمسكوا. [6] د: منه. [7] ط: يبذر.

عواقبه فِي الدنيا والآخرة فأمسكوا عَنْ ذَلِكَ وكرهوه. فَلَمَّا قرأ المنصورُ كتابهَ غضب وقرأه عَلَى النَّاس، فعاد القواد والجند لأشدِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَكَانَ أشد النَّاس فِي ذَلِكَ قولًا أسد بْن المرزبان ونصر بْن حرب وعقبة بْن سلم، وكانوا يأتون بَاب عِيسَى فيمنعون من أَن يدخل إِلَيْهِ أحدٌ ويمشُونَ حوله ويسيرون إِذَا ركب ويقولون: أَنْتَ البقرة الَّتِي قَالَ اللَّه: «فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ» [1] . فشكاهم إِلَى الْمَنْصُور فَقَالَ: إِن هَؤُلاءِ قومٌ قَدْ غلب عَلَيْهِم حبّ هَذَا الفتى حَتَّى سيط بدمائهم واجتمعت عَلَيْهِ آراؤهم، وأنا والله يَا ابْن أَخِي وحبيب قلبي أخافهم عليك وعلى نفسي فلو قدّمته بَيْنَ يديك حَتَّى يَكُون بيني وبينك لكفوا وأنا لَك ناصحٌ وأنت أعلم. وذكروا أنه دسّ الى عِيسَى شربة سمّ فافلت منها، فَقَالَ يَحْيَى بْن زِيَاد بْن أَبِي حُزابة [2] البرجمي الشاعر: أفلتّ من شربة الطبيب كَمَا ... أفلت ظبيُ الصريم من قبره من قانص يقنص الفريص [3] إِذَا ... ركّب سهم الحتوف فِي وتره دافع عنك المليك صولته [4] ... بكفّ [5] ليث يزمر فِي خمره حِينَ أتانا وفيه شربته [6] ... تعرف فِي سمعه وَفِي بصره أزعر قَدْ طار عَنْ [7] مفارقه ... وحف أثيثُ النبات من شعره ودخل سلم بْن قُتَيْبَة عَلَى عِيسَى فَقَالَ لَهُ: أيها الرجل بايع هَذَا الأمير وقدّمه فإنك لَنْ تخرج من الأمر وأَرضِ عمك، قَالَ: أوَ ترى أَن أفعل! قَالَ: نعم، قَالَ: فَإِنِّي أفعل، فأتى سلم الْمَنْصُور فأعلمه بِذَلِك فسُرّ بِهِ وعظم لَهُ قدرُ سلم عنده. ودعا الْمَنْصُور النَّاس إِلَى البيعة فتكلم عِيسَى وسلّم الأمر إِلَى الْمَهْدِي وصار بعده، وخطب الْمَنْصُور فشكر عِيسَى عَلَى مَا كَانَ منه وذكر أَنَّهُ التالي للمهدي عنده فِي موضعه من قلبه وحاله عنده، ووهب لَهُ مالًا عظيمًا وأقطعه قطائع خطيرة نفيسة وولّاه الأهواز والكوفة وطساسيجها. فَلَمَّا استخلف أمِير الْمُؤْمِنيِنَ المهدي ورأى

_ [1] سورة البقرة (2) ، الآية 71. [2] في اشعار اولاد الخلفاء ص 309: جراية، وترد فيه الآيات. [3] م: يقبض، وفي اشعار اولاد الخلفاء: من قابض يقبض العريض. [4] اشعار اولاد الخلفاء: دافع عنه العظيم قدرته. [5] ن. م.: صولة. [6] ن. م.: حتى أتانا ونار شربته. [7] ط: من.

تولية مُوسَى وهارون ابنيه عهده، قَالَ لَهُ الْمَهْدِي: يَا أَبَا مُوسَى إني آمرك بأمر إِن أطعتني فِيهِ سعدتَ ورشدتَ بطاعتي وإن عصيتني استحللت منك مَا يستحلُّ من العاصي المخالف، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إني قَدْ عزمت عَلَى تولية مُوسَى وهارون العهدّ بعدي فاخلع العهد وأنا أعوضك منه مَا هُوَ خيرٌ لَك من الخلافة ولا سيما مَعَ كراهة القواد والجند لَك، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ حلفت بصدقة جَمِيع مَا أملك وبعتق غلماني وجواريّ أَن لا أخلع هَذَا الأمر حَتَّى يؤتى عَلَى نفسي، قَالَ لَهُ الْمَهْدِي: فلكّ بكل [1] درهم اثنان وبكل مملوكٍ مملوكان وبكل ضيعة ضيعتان فرضي وسلم. وبايع الْمَهْدِي لموسى وهارون بَعْد مُوسَى ووفى لعيسى بِمَا شرط لَهُ فأعطاه عشرين ألف ألف درهم وأقطعه وأقطع ولده، فَقَالَ مَرْوَان بْن أَبِي حفصة [2] : بمحمدٍ [3] بَعْد النَّبِيّ مُحَمَّد ... حيي الحلالُ وماتَ كلُّ حرام عُقدت لموسى بالرصافة بيعةٌ ... شدَّ الإله بِهَا عُرى الْإِسْلَام مُوسَى ولي عصا الخلافةِ بعدهُ ... جَفّت بِذَاك مواقُع الأقلام مُوسَى الَّذِي عرفت قريشٌ فضَله ... وَلَهَا فضيلتُها عَلَى الأقوام وَقَالَ قومٌ من ولد مُوسَى بْن عِيسَى: أمر الْمَنْصُور بعيسى فخنق بحمائل سَيْفه فخَلع، (657) وضمن لَهُ الْمَنْصُور رضاه فوفى لَهُ بِهِ. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود قَالَ: خرج، فِي ولاية عِيسَى بْن مُوسَى للمنصور، الكوفة رجلٌ يكنى أبا الْخَطَّاب، وَكَانَ رافضيًا مسرفًا يدعي علم الغيب، وَكَانَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد يَقُول: كَانَ أَبُو الْخَطَّاب يأتيني ويخرج من عندي فيكذّب عليّ وَيَقُول إِن السلاح لا يعمل فيَّ، فوجه عِيسَى من حاربه فقتله وأَصْحَابه وأراحني اللَّه منه. وَفِي أَبِي الْخَطَّاب يَقُول الشاعر: أَوْ مثل أَصْحَاب أَبِي الْخَطَّاب ... القائل الزور العمي الكذب قَالَ لَهُمْ وقوله فضاحُ ... مَا أَن يحيك فيكم [4] السلاح

_ [1] ط: كل. [2] انظر الاغاني ج 10 ص 74 وما بعدها. [3] ط، د: لمحمد. [4] ط: فيهم.

فصدقوه للعمى والحين ... وربما صدِّق أَهْل المين فأصبحوا قتلى ذوي غرور ... بقوله والويل للمغرور وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود قَالَ: أراد الْمَنْصُور أَن يبايع لصالح المسكين بَعْد الْمَهْدِي ويجعل عِيسَى تاليًا، فركب الْمَهْدِي إِلَى عِيسَى بْن عَلِي فَقَالَ لَهُ [1] : يَا عم قل لأمير الْمُؤْمِنيِنَ أنشدك اللَّه أَن تحملني عَلَى قطيعة أَخِي وعقوقه فإنك إِن فعلتَ فعلتُ وإن كنتَ لا بدّ مولّيه فقدّمه قبلي لتبقى الخلافة لعقبي، فأدّى قَوْله إِلَيْهِ فأعفاه من ذَلِكَ وَقَالَ: صدق ابني لو فعلتُ لفعلَ. قَالَ: وَكَانَ الْمَنْصُور يحب صالحًا وَيَقُول: هَذَا ابني المسكين، ويأمر النَّاس أَن يَهبَوا لَهُ ويعرضه للجوائز وَيَقُول: هَذَا لابني المسكين، فُسمّي المسكين. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك عَنِ الْمُبَارَك [2] الطبري قَالَ: لما بايع [3] الْمَنْصُور للمهدي كتب إِلَى إِسْمَاعِيل بْن عَلِي، وَهُوَ عامله عَلَى واسط ونواحيها فِي ذَلِكَ، فكتب إِلَيْهِ يذكر بيعة عِيسَى بْن مُوسَى وَمَا فِي عنقه منها، فكتب اليه لمنصور فِي القدوم فَأَقْبَلَ حَتَّى نزل كلواذي فلم يلقَه من أَهْل بيته أحد، ثُمَّ أرسل إِلَيْهِ الْمَنْصُور فِي الدخول فَلَمَّا صار إِلَيْهِ برّه وأدنى مجلسه ثم قال: مَا بالك تلّويت وتثنيتَ فِي بيعة ابْن أخيك! قَالَ: ظننت [4] أَن الكتاب الَّذِي أتاني كَانَ اختيارًا، فَإِن كَانَ عزمًا بايعتُ، قَالَ: فبايعْ فَقَدْ بايع أَهْل بيتُك والناس، وبسط لَهُ يده فبايعهُ وصار إِلَى الْمَهْدِي فبايعه. وحدثتُ أَنَّهُ لما بويع للمهدي بعث الْمَنْصُور، الأعلم الهَمداني ببيعته إِلَى الحجاز، فخطب بمكة عَلَى منبرها فَقَالَ فِي خطبته: وَقَدْ بايع أمير المؤمنين لمحمد ابن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وَهُوَ عباسي النسبة، يثربي التربة، حجازي الأسرة، شامي المولد، عراقي المنبت، خراساني الْمَلِك، يملك فلا يأشر ويقدر فلا يبطر [5] ، إِن سئُل أعطى وإن سُكت عَنْهُ ابتدأ، جاءت به الروايات وظهرت فيه

_ [1] «له» ليست في م. [2] م: أبي المبارك. انظر الطبري س 3 ص 403 وص 404. [3] ط: بلغ. [4] ط: طنيت. [5] ط، م: ينظر.

أمر سوار بن عبد الله العنبري

العلامات وأحكِمته الدراسات، فِي كَلام كثير [1] . وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: لما بويع الْمَهْدِي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ جعل النَّاس يدخلون عَلَيْهِ فيسلمون وَقَدْ جلس لهم، فكان فيمكن دَخَلَ عَلَيْهِ شبيب بْن شَيْبَة التميمي [2] فَلَمَّا خرج من عنده سُئل فَقَالَ: رأيتُ الداخل راجيًا والخارجَ راضيًا. وحُدّثنا أنّ شريك بْن عَبْدِ اللَّهِ النخعي لقي عِيسَى بْن مُوسَى فَقَالَ لَهُ عِيسَى: يَا أَبَا عَبْد اللَّهِ مَا رأيتُ قاضيًا عُزل، فَقَالَ: بلى تعزل القضاة وتخلع ولاة العهد، ويقال إنه قَالَ: مَا رأيتُ قاضيًا عزل، قَالَ: ولا ولّي عهد خُلع. أمر سوار بْن عَبْدِ اللَّهِ العنبري قَالُوا: كَانَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن قدم البصرة مستخفيًا ثُمَّ خرج عَنْهَا، وبلغ الْمَنْصُور ذَلِكَ فقدم البصرة فنزل عِنْدَ الجسر الأكبر، ويقال بَل قدم فِي أمر القطائع والمسائح، وأمير البصرة عُمَر [3] بْن حفص، فولى عُمَر بْن حَفْص السّند وشهاب بْن عَبْدِ الْمَلِك بْن مسمع البحرين [4] وولّي عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ، أَخَا عَبْد الجبّار بْن عَبْدِ الرَّحْمَن، البصرة وولى سوّار بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قدامة [5] بْن عنَزَةِ بْن نَقَب- عَلَى مثال فَعَل- بْن عَمْرو بْن الْحَارِث بْن خلف بْن مُجَفّر بْن كعب بْن العنبر بْن عَمْرو بْن تميم الْقَضَاء. فكان عَبْد الْعَزِيز يكتب إِلَى أَبِي جَعْفَر الْمَنْصُور يذمَهُ فيدرج الْمَنْصُور كتبَه بِذَلِك فِي كتب منه إِلَى سوّار فلم يزل عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خالف عَبْد الجبار وحُمل عَبْد الْعَزِيز إِلَى الْمَنْصُور، فولى الْمَنْصُور سوّارًا صلاة البصرة. وَكَانَ عَبْد الْعَزِيز صاحب شراب ولهو فأخرج لَهُ من دار الإمارة شراب فأمر سوّار بكسر آنيته وهراقته. وَفِي سوّار يَقُول الشاعر: (658) فَمَنْ كَانَ لا يرضى أميرًا فإننا ... رضينا بسوّارٍ أميرًا وقاضيا

_ [1] ط: كبير. [2] ط: اليهم. [3] م: عمرو. انظر الطبري س 3 ص 139. [4] ط: البحر، م: التحرين. [5] «بن قدامة» ليس في ط. انظر جمهرة الأنساب ص 209..

وتقدم إِلَى سوار رجلان [1] أحدهما من [2] عَبْد القيس فتحفّز العبدي فضرط فَقَالَ لَهُ سوار: أفسادٌ فِي الجاهلية وضراط فِي الْإِسْلَام! وَقَالَ رَجُل لسوّار وكانت أمّه أم ولد: إنك لقليل الخالات بالدهناء، فَقَالَ: ولكني كثير العمّات هناك. وقضى عَلَى أعرابي فَقَالَ: رَأَيْت رؤيا ثُمَّ عبّرتها ... وكنت للأحلام عَبّارا رأيتني أخنق فِي نومتي ... ضبًا فكان الضبّ سوّارا ثُمَّ أقبل يدعب خلفه [3] ورمى بنفسه عَلَيْهِ فوثب النَّاس إِلَيْهِ فنحوه عَنْهُ، فكلمه كلامًا رفيقًا وَلَمْ يعاقبه. وخرج فِي أيامه عُبَيْد سودان يُقَالُ إنهم كَانُوا أربعين أَوْ أَكْثَر وَكَانَ اجتماعهم عِنْدَ دار عقبة بْن سلم، فاستشار فِي أمرهم فقائل يَقُول اقتلهم، وقائل يَقُول عُبَيْد أضرّ بِهِم الجوع والضر وإن تركوا تفرقوا، وقائل يَقُول وجِّه إليهم من يفرقهم من الجند، فوجه السري بْن الحصين الْبَاهِلِيَّ وعبد الله بن حي [4] بن حصين الرقاشي فلقياهم عِنْدَ دار عقبة أَوْ نهر سُلَيْمَان بالبصرة فقتل مِنْهُم أربعة عشر عبدًا، ويقال عشرة [5] ويقال سبعة عشر ويقال أقل من عشرة، فأعطى مواليهم أثمانهم وبعث برؤوسهم إِلَى الْمَنْصُور، ويقال إنه كَانَ يتصدّق فِي كُل سنة من ماله بمثل أثمانهم. وَقَالَ له السري بن الحصين [6] : مَا بالك أعظمت قتل هَؤُلاءِ؟ والله لو [7] لَمْ تقتلهم لقتلوك [8] . قَالُوا: وتفرّق من بقي من أولئك السودان فلم يعرض لَهُمْ. قَالُوا: وَكَانَ سوّار يخذِّل النَّاس عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ وعن أَخِيهِ، وسوّد بَعْد خروج ابراهيم وتمثّل وهو على المنبر:

_ [1] ط: رجلا. [2] ط: بين. [3] د: طبقه، ط: حلفة. [4] م: حيي. [5] «ويقال عشرة» سقطت من ط. [6] د، م: حصين. [7] م: «انه لو» . [8] ط: يقتلوك.

أَيْنَ الرجال الَّتِي عَنْ حظها غفلت ... حَتَّى سقاها بكأس الْمَوْت ساقيها وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك الكاتب، قَالَ: لما حُبس أَبُو أيوب أمر [1] الْمَنْصُور الرَّبِيع الحاجب بتقلد ديوان الرسائل والنفقات إِلَى مَا كَانَ يقوم بِهِ من الحجابة ففعل. ثُمَّ عزله عَنِ الرسائل وصيرها إِلَى أبان بْن صدقة وأقره عَلَى النفقات مَعَ الحجابة فشخص أبان مَعَهُ إِلَى الشام وَهُوَ كاتبه عَلَيْهَا. وَحَدَّثَنِي أَبُو عَلِي الحرمازي عن الفضل بْن الرَّبِيع قَالَ: كَانَ الْمَنْصُور معجبًا بمحمد بْن جَعْفَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس، وَكَانَ كريمًا يسأله الحوائج لِلنَّاسِ حَتَّى ثقل ذَلِكَ عَلَيْهِ فحجبه أيامًا ثُمَّ أذن لَهُ عَلَى أَن لا يسأله حاجة لأحد، فدخل عَلَيْهِ يومًا وكمُّه مملوءٌ رقاعًا فَلَمَّا جلس تناثرت من كمه فجعل يردها وَيَقُول: ارجعن خاسئات، (659) فَقَالَ الْمَنْصُور: مَا هَذِهِ الرقاع؟ قَالَ: فِيهَا حوائج لِلنَّاسِ، فضحك وَقَالَ: لا تبرح حَتَّى تُقضى كلها، فقضاها لَهُ. قَالَ الحرمازي: وبعضهم يزعم أَن الرجل يَحْيَى بْن جَعْفَر بْن تمام، وَهُوَ آخر من بقي من ولد تمام، وَكَانَ الْمَنْصُور لَهُ محبًا. وَحَدَّثَنِي ابْن الأَعْرَابِيَّ قَالَ: قَالَ الْمَنْصُور لرجل: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: من يَشكُر، فتمثل: ويشكُرُ لا تستطيعُ [2] الوفاء ... وتعجز يشكرُ أَن تُشكرا [3] وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود، قَالَ: أقدم الْمَنْصُور، عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْن حفص بْن عاصم ابن عُمَر بْن الْخَطَّاب من الْمَدِينَةِ بسبب مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن، ويقال لأمر بلغه عَنْهُ غَيْر ذَلِكَ، فَلَمَّا أُدخل إِلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا عدو اللَّه، قَالَ: لست بعدو اللَّه وليس الأمر عَلَى مَا بلغك [4] واذكر إدناء أَبِي أباك وتقديمه إياه عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فَقَالَ: قبحك اللَّه، أفَمَا [5] كَانَ لي عليك من

_ [1] سقطت «امر» من ط. [2] ط: يستطيع. [3] في د، كتب «تعذرا» فوق «تشكرا» مع اشارة صح. [4] م: بلغوك. [5] ط: إذا.

الحق [1] مَا كَانَ لأبي عَلَى أبيك! ثُمَّ أمر بِهِ إِلَى المطبق، فوقع بينه وبين قوم من الرافضة مُلاحاة فوثب إِلَى خشبة فاقتلعها ثُمَّ ضربهم بِهَا، فبلغ ذَلِكَ الْمَنْصُور فأمر أَن يؤتى بِهِ. فَلَمَّا وقف بَيْنَ يديه قَالَ لَهُ: أما نهتك أولاك عَنْ أُخراك؟ فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إني كنت أسمع شَيْئًا لو سمعته لأنكرته، سمعت هَؤُلاءِ يشتمون عمومتك من المهاجرين أبا بَكْر وعمر وعثمان، فَقَالَ: ردوه إِلَى الْمَدِينَةِ. حَدَّثَنِي الْحَسَن الحرمازي قَالَ: حبس المستهل بْن الكميت بسبب تهمة فِي أمر الطالبيين، فَقَالَ: لئن نَحْنُ خفنا فِي زمانِ عدوِّكم ... وخفناكم إِن البلاء لراكد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن دَاوُد الكاتب قَالَ: ولي القنجز الشيباني عملًا فألزم مالًا، فأمر الْمَنْصُور أَن يؤخذ بِهِ فحبس فِي دار العذاب وكانت إِلَى جانب المطبق، فكان يعذب فلا يُقر بشيء، فَلَمَّا طال ذَلِكَ كلم معن فِيهِ الْمَنْصُور فَقَالَ: إني عزمت أَن لا يخرج من محبسه وَهُوَ مقيم عَلَى هَذِهِ المراغمة ولكني أبعث إِلَيْهِ بمال يؤديه، فبعث إِلَيْهِ بمقدار مَا كَانَ يطالب بِهِ وَهُوَ مائة ألف درهم فَلَمَّا صار ذَلِكَ إِلَيْهِ حمله إِلَى منزله، فَقَالَ لَهُ المستخرج: احمل المال، فَقَالَ: أيّ مال، وجحد، فعُذِّب فلم يقر بشيء، فبلغ ذَلِكَ الْمَنْصُور فَقَالَ: هَذَا شَيْطَان، فخلوا سبيله، واصطنعه وَقَالَ: لا تولوه جباية، فكان يُقَالُ: أصبر من القنجز. حَدَّثَنِي أَبُو دهمان قَالَ: عرضت عَلَى الْمَنْصُور قينة فتغنت [2] : مَا نقموا من بَنِي أمية إلا ... أنهم يحلمون [3] إِن غضبوا وإنهم صفوةُ [4] الملوكِ فَمَا ... تصلُحُ إلا عَلَيْهِم العربُ فغضب وأمر بِهَا فأخرجت سحبًا. قَالَ: ويقال أَنَّهَا ألقيت من الخضراء، وَذَلِكَ باطل. وَكَانَ الْمَنْصُور لا يُرى شاربًا نبيذًا وَلَمْ يعطِ مُغنيًا شيئا قط ولا اجرى عليه

_ [1] م: الحي. [2] انظر شرح نهج البلاغة ج 7 ص 139، والاغاني ج 15 ص 259- 260، وسمط اللآلي. ج 1 ص 294- 5، والشعر لابن قيس الرقيات. [3] م: يحملون. [4] الاغاني وشرح النهج وسمط اللآلي: معدن.

رزقًا يثبت فِي ديوان أَوْ يخرج بِهِ أمر وكتاب. وحدّثني المدائني قال: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الكاتب: كَانَ الْمَنْصُور أعْطى الناس في حقّ [1] وأعلمهم بحزم وأشدهم شكيمة عَلَى عدو. حَدَّثَنِي عبدوس مَوْلَى جَعْفَر بْن جَعْفَر، عَنْ جَعْفَر بْن جَعْفَر، قَالَ: أقبل الْمَهْدِي من داره يريد الْمَنْصُور والمنصور جالس فِي الخضراء فِي قصره بالمدينة ببغداد، فلما وقعت عينه عَلَيْهِ جعل يعوذه ويدعو لَهُ حَتَّى إِذَا تبينه غضب وقال: ردّوه ردوه، أما رأيتم عَلَيْهِ خفًا أحمر كَأَنَّهُ من عُبَيْد الروم، أهذا لبس من كَانَ مثلَه! فألزمه منزله أيامًا ثُمَّ دعا بِهِ وعاتبه. (660) قَالَ: وَكَانَ أمر الْمَنْصُور جدًا كله. وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي قَالَ: كاتب [2] العبسيون من أَهْل حيار بَنِي القعقاع ومن معهم مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حُسن. وكاتبهم مُحَمَّد، وَكَانَ مِمَّنْ كاتبه أَبُو ذفافة. فَلَمَّا شخص الْمَنْصُور إِلَى بَيْت المقدس فِي سنة أربع وخمسين ومائة وغزا الصائفة وتتبع الأجناد [3] والكور أقدم أَبَا ذفافة مَعَهُ فأصحبه الْمَهْدِي فخص بِهِ وَكَانَ يطلعه عَلَى أسراره وأموره، فَقَالَ لَهُ الرَّبِيع: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ غلب ابو ذفاقة عَلَى الْمَهْدِي ورأيُه مَا تعلم، فَقَالَ: يَا بَنِي إِن الْمَهْدِي [4] قدم من الري فِي زي أَهْل خراسان فجهدتُ أَن أنقله عَنْ ذَلِكَ بكل حيلة يُحتال بِهَا فِي مواجهة وتعريض فلم ينتقل عَنْهُ، فَلَمَّا صحبه أَبُو ذفاقة لَمْ أشعر بِهِ ذَات يَوْم إلا وَقَدْ طلع عليّ معتمًا عَلَى قلنسوته وَفِي رجليه خفّان اسودان، فو الله لو ضُمّ إِلَى ملكي مثلّه مَا كَانَ ذَلِكَ بأسر [5] إليّ من هيئته، وإنما أَبُو ذفافة رَجُل أراد أَن ينال شَيْئًا من الدنيا فَقَدْ ناله وأكثر منه وَهُوَ رَجُل شريف وللشريف شكر فلا يسوْءنكم مكانه. حَدَّثَنِي الحرمازي قَالَ: قَالَ الرَّبِيع الحاجب: دخلتُ عَلَى الْمَنْصُور يومًا وعليّ خفُّ أبيض محكوك مكعب، فَقَالَ: لولا أني لَمْ أتقدم إليك لأدّبتك، مالك ولخفاف الزفّانين!

_ [1] م: حي. [2] في ط، د: وردت «كتب» في النص، و «كاتب» في الهامش للتصويب، وفي م وردت: كتب كاتب. [3] ط: الاخبار. [4] ط: للمهدي. [5] م: بايسر.

حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: دَخَلَ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ بِالْجِسْرِ الأَكْبَرِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ قَالَ: [بَلَغَنَا عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ فَلْيَقُمْ، فَمَا يَقُومُ إِلا الْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ،] فَقَالَ الْمَنْصُورُ: قَدْ عَفَوْتُ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْبَصْرَةَ. وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ: كَانَ الْمَنْصُور وَهُوَ بالبصرة قبل أمر المسوِّدة يجلس فِي حلقة فِيهَا أزهر السمّان، فَلَمَّا أفضت إِلَيْهِ الخلافة وَفَدَ إِلَيْهِ أزهر فَقَالَ لَهُ: مَا جاء بك يَا أزهر؟ قَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ داري مستهدمة وعليّ دين مبلغهُ أربعة آلاف درهم وأريد أَن أزوج ابني محمدًا، فَقَالَ: قَدْ أمرنا لَك باثني عشر ألف درهم فخذها ولا تأتنا طالبًا، فأخذها وانصرف. فَلَمَّا كَانَ العام المقبل أتاه، فَلَمَّا رآه قَالَ: مَا جاء بك يَا أزهر؟ قَالَ: أتيتك يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مسلمًّا، فَقَالَ: إنه ليقع فِي خلد أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أنك أتيت طالبًا، قَالَ: مَا أتيت إلا مسلّما، فَقَالَ: قَدْ أمرنا لَك باثني عشر ألفًا فخذها ولا تأتنا طالبًا ولا مسلّمًا. فَلَمَّا كَانَت السنة الثالثة عاد إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا جاء بك يَا أزهر؟ قَالَ: أتيتك عائدًا، فَقَالَ: قَدْ أمر لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ باثني عشر ألف درهم فخذها ولا تأتنا طالبًا ولا مسلّمًا [1] ولا عائدًا. فلما كَانَت السنة الرابعة قدم عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا جاء بك يَا أزهر؟ فَقَالَ: سمعتك تدعو بدعاء فجئت لأكتبه عَنْك، قَالَ: إنه غَيْر مستجاب، قَدْ دعوت اللَّه بِهِ ألا أراك فلم يجب، وأمر لَهُ باثني عشر ألفًا، وَقَالَ: تعال مَتَى شئت فَقَدْ أعيت فيك الحَيلُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ، قَالَ: بعث أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور إِلَى مسعر بْن كدام الهلالي فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سلمة هَلْ لَك فِي أَن أوليك؟ فَقَالَ: والله يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مَا أُرضي نفسي لأن اشتري لأهلي حاجة بدرهم حَتَّى أستعين بغيري، عَلَى أَن الثقات قليل فكيف أغرك [2] من عملك، وانا الى ان تصل [3] قرابتي

_ [1] م: سلما ولا طالبا. [2] زاد في م: وآني التي. [3] ط: نصل.

ورحمي أحوج مني إِلَى الولاية، فَقَالَ: قَالَ النابغة الجعدي [1] : وشاركنا قريشا في نقاها [2] ... وفي أنسابها [3] شرك العنان (661) بما ولدت نساء بني هلال ... وما ولدت نساء بني أبان يَعْنِي لُبابة جدّتك فإنها هلالية، فأمر لَهُ بأربعة آلاف درهم وكساه وَلَمْ يزل يتعهده ويصله. وكانت آمنة بِنْت أبان بْن كليب بْن ربيعة بْن عامر [4] أم العاص وأبي العاص والعيص وأبي العيص بَنِي أمية بْن عَبْدِ شمس، وكانت صفية بِنْت حزن عمَّة أم الفضل وَهِيَ لبابة بِنْت الْحَارِث بْن حزن أم أبي سفيان بن حرب ابن أميَّة وَهِيَ هلاليَّة. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر الهذلي يجالس الْمَنْصُور، قَالَ: فرأى الْمَنْصُور فِي بَعْض قصره الجديد قومًا فِي ثياب بيض، قَالَ: مَا هَؤُلاءِ؟ قُلْت: جهابذتك وقوم يعملون فِي خزائنك، فتمثل قَوْل الشاعر: كَمَا قَالَ الحمارُ لسهم رامٍ ... لَقَدْ جُمّعتَ من شتَى لأمرِ أراكَ حديدةً فِي رأس قدح ... ومتن جلالة مَعَ ريش نسرِ ثُمَّ قَالَ: يَا ربيع تفقد هَؤُلاءِ وانظر من كَانَ مِنْهُم فِي غَيْر عمل فأخرجه. وَحَدَّثَنِي العُقوي الدلال الْبَصْرِيّ قَالَ: بلغ الْمَنْصُور أَن عِيسَى بْن زَيْد بْن علي ابن الْحُسَيْن بْن عَلِي بالبصرة، فخرج إِلَى البصرة وأظهر أَنَّهُ يريد أَن يُقطع صالحًا المسكين بابقليا ويقطع سُلَيْمَان الهنيئة [5] ، وَكَانَ عِيسَى مستخفيًا عِنْدَ رَجُل يقالُ لَهُ يَزِيد، فبينا الْمَنْصُور يخطب في يوم جمعة إذ وقعت عينه عَلَى عِيسَى وعرف عِيسَى أَنَّهُ قَدْ عاينه، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَنْصُور فِي الصّلاة انسلّ عِيسَى ويزيد صاحبه فاستعرض النَّاس بَعْد الفراغ من الصّلاة فلم يوجدا. ثُمَّ إِن عيسى مات عند يزيد فأتى يزيد

_ [1] الاغاني ج 5 ص 3 وما بعدها، وشعر النابغة الجعدي (منشورات المكتب الاسلامي بدمشق 1964) ص 160 وما بعدها. [2] ط، د: نفاها، وفي الاغاني ج 1 ص 28، وفي «شعر النابغة الجعدي» ص 164: تقاها. [3] شعر النابغة الجعدي: احسابها. [4] انظر جمهرة الأنساب ص 280. [5] م: المسيئة.

الرَّبِيع فَقَالَ لَهُ: اطلب لي الأمان من أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وأدخلني إِلَيْهِ حَتَّى أخبره من أمر عِيسَى بِمَا يسر بِهِ، فطلب لَهُ الرَّبِيع الأمان فأمنه الْمَنْصُور فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ مَاتَ عِيسَى بْن زَيْد وأراحك اللَّه منه، فخر الْمَنْصُور ساجدًا ووجّه من نظر إِلَيْهِ ميتًا، فوفى ليزيد بأمانه. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مُوسَى الخوارزمي أَن الْمَنْصُور حج فكان يَأْتِي الطواف ليلًا فيطوف مستخفيًا متنكرًا لا يعلم أحدٌ من هُوَ، فَإِذَا طلع الفجر عاد إِلَى دار الندوة فَإِذَا حضرت الصلاة خرج فصلى بالناس، فسمع رجلًا يَقُول فِي بَعْض الليالي: اللَّهُمَّ إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد فِي الأَرْض وَمَا يحول بَيْنَ الحق وأهله من الطمع، فوقف عَلَى الرجل ثُمَّ خلا بِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ عمّا قَالَ فَقَالَ لَهُ: أتُؤَمني؟ قَالَ: نعم لَك الأمان، قَالَ: مَا عنيت سواك، فقال: كيف تنسبني إِلَى الطمع والصفراء والبيضاء فِي قبضتي والحلو والحامض بيدي! قَالَ: وهل دَخَلَ أحدًا من الطمع من دخلك! احتجبت عَنِ الضعفاء فلم يصلوا إليك، ثُمَّ أوعبت الأموال وجمعتها فلم تقسمْها فِي أهلها ورآك الْقَوْم الَّذِينَ استعنت [1] بِهِمْ خائنًا [2] فخانوك وأنت متغافلٌ [3] عَنِ الأمور كأنك لا تعلم وعلمك حجةٌ عليك، ثُمَّ أَنْتَ تطمع فِي السلامة فِي دينك ودنياك، ووعظه فاحتمل لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ: جزيت عَنِ النصيحة خيرًا. وأقيمت الصلاة فصلى الْمَنْصُور بالناس وطلب [4] الرجل فلم يوجد. حَدَّثَنَا الذيّال مَوْلَى بَنِي هاشم، قَالَ: سمع الْمَنْصُور جلبة فِي داره فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَإِذَا خادمٌ لَهُ قَدْ جلس وغلمةٌ حوله وَهُوَ يضرب لَهُمْ بطنبور وَهُمْ يضحكون منه، فأخبر بِذَلِك فَقَالَ: وَمَا الطنبور؟ فوصفه لَهُ حَمَّاد التركي، فَقَالَ لَهُ: وأنت فَمَا يدريك مَا الطنبور؟ قَالَ: رَأَيْته بخراسان، (662) فَقَالَ: نعم، فدعا بنعله وقام يمشي رويدًا حَتَّى أشرف عَلَى الغلمان فرآهم فَلَمَّا أبصروه تفرقوا، فقال: خذوا الخادم

_ [1] م: استغنيت. [2] ط: علينا. [3] م: مغافل. [4] د، م: فطلب.

فاكسروا مَا مَعَهُ عَلَى رأسه، ثُمَّ قَالَ: يَا ربيع أَخْرَجَهُ من قصري وابعث بِهِ إِلَى حمران النخاس حَتَّى يبيعه [1] ، فوجه بِهِ الرَّبِيع من ساعته فبيع بالكرخ. وَحَدَّثَنِي رَجُل من ولد حَمَّاد التركي عَنْ حَمَّاد قَالَ: ولاني الْمَنْصُور المدائن ثُمَّ عزلني، فَقَالَ لي ذَات يَوْمٍ: يَا ابْن الخبيثة كم عندك من المال؟ فقلتُ: أصدقه فَإِنَّهُ لا ينفعني عنده إلا الصّدق، فأخبرتُه بمبلغ المال، فَقَالَ: ادفعه إِلَى الرَّبِيع، ففعلت، ثُمَّ رحت [2] بالعشي فَإِنِّي لبين يدي الْمَنْصُور واقف لا أشك في ذهاب المال إذ دَخَلَ الرَّبِيع فَقَالَ لَهُ: يَا ربيع أحَمَلَ حمادٌ إليك ذَلِكَ المال؟ قَالَ: نعم، قَالَ: أفعرفت وزنه؟ قَالَ: نعم، قَالَ: احتفظ بِهِ فَإِذَا تزوج حَمَّاد فادفعه إِلَيْهِ. وَحَدَّثَنِي بَعْض الهاشميين عَنْ رَجُل من حشم الْمَنْصُور، قَالَ: كَانَ الْمَنْصُور يقسم عَلَيْنَا الأرزاق وَمَا فِي الخزائن حَتَّى الفانيد والترياق، وَكَانَ مشايخ أهله يدخلون عَلَيْهِ بالعشيات فِي النعال والأردية. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مُوسَى الخوارزمي قَالَ: بلغني أَن الْمَنْصُور خرج يومًا نَحو بَاب قَطْرَبُّل حَتَّى دَخَلَ من ناحية بَاب حرب فأساء بَعْض أحداث مواليه الأدب، وسار في ناحية أمراز لا يسير فِيهَا أحدٌ كراهة للغبار، فالتفت إِلَى عِيسَى بْن عَلِي وَهُوَ يسايره فَقَالَ: والله مَا ندري يَا أَبَا الْعَبَّاس مَا نصنع [3] بهؤلاء الأحداث لئن حملناهم عَلَى الأدب وأخذناهم بِمَا يجب ليقولن جاهل إنّا لَمْ نحفظ آباءهم فيهم ولئن تركناهم وركوب أهوائهم ليفسدن عَلَيْنَا غيرهم. حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: لما خرج ابنا عَبْد اللَّهِ بْن حسن عَلَى الْمَنْصُور وجاءه فتق من ناحية غَيْر ناحيتيهما جعل ينكث بقضيب مَعَهُ وَيَقُول: ونصبتُ نفسي للرماح دريَّة ... إِن الرئيس لمثل ذاك فعول [4] قَالَ: وَقَالَ الْمَنْصُور فِي آل أَبِي طَالِب: فلولا دفاعي عنكم إذ عجزتم ... وبالله أحمي عنكم وأدافع

_ [1] م: تبيعه. [2] ط: رحلت. [3] ط: يصنع. [4] اخبار الدولة العباسية ص 319.

وما زال مِنَّا قَدْ علمتم عليكم ... عَلَى الدهر أفضال يرى ومنافع وما زال منكم أَهْل غدر وجفوة ... وبالله مغتر وللرحم قاطع قَالُوا: وركب الْمَنْصُور وأهل بيته حوله وَقَدْ بلغه خبر مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عُثْمَان بْن عُمَارَةَ المريّ: إِن حشوَ أثواب هَذَا الرجل لمكر ودهاء ونكر وَمَا هُوَ إلا كَمَا [1] قَالَ جذل الطعان: فكم من غارة ورعيل خيل ... تداركها وَقَدْ حمي اللقاءُ فرد رعيلها حَتَّى ثناها ... باسمر مَا يرى فِيهِ التواءُ وَقَالَ إِسْحَاق بْن مُسْلِم: لَقَدْ سبرتُه فوجدتُه بعيدَ الغور وعجمت عوده فوجدتُه صلبَ المكسر ولمسته فوجدته خشن الملمس وذقته فوجدته مرّ المذاق وَإِنَّهُ ومن حوله لكما [2] قَالَ ربيعة بْن مكدم: سما لي فرسان كأن وجوههم ... مصابيح تبدو فِي الظلام زواهرُ يقودهم كبش أَخُو مُصمئلَّة ... حليف سرى قَدْ لوحته الهواجر وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الرَّبِيع الحارثي: هُوَ والله ليث خيسٍ [3] شرس، وللأقران [4] مفترس، وَإِنَّهُ لكما قَالَ أَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: (663) فَإِن لنا شيخًا إِذَا الحرب شمّرت ... بديهته الإقدامُ قبل التزاحف أَخُو الحرب قَدْ عضت بِهِ فتفللت ... نواجذُ من أنيابها فِي المزاحف وَحَدَّثَنِي الحرمازي قَالَ: لما مَاتَ جَعْفَر الأكبر ابْن الْمَنْصُور اشتد جزعه عَلَيْهِ، فَلَمَّا قُبر وسُوّي عَلَيْهِ التراب قَالَ: يَا ربيع كَيْفَ قَالَ مطيع بْن إياس [5] فِي يَحْيَى بْن زِيَاد؟ فأنشده:

_ [1] ط: ما. [2] ط: لكنا كما. [3] م: خيش. [4] ط: الاقران. [5] انظر الاغاني ج 13 ص 275 وما بعدها وص 290، والحماسة لابي تمام ج 1 ص 353، وطبقات الشعراء لابن المعتز ص 94- 96.

يَا أَهْلِ بكّوا [1] لقلبي القرِحِ ... وللدموعِ الذوارف [2] السُّفُح راحوا بيحيى فلو [3] تطاوعني ... الأقدار لَمْ يبتكر وَلَمْ يَرُح [4] يَا خير من يحسُنُ البكاء لَهُ ... اليوم، ومن كَانَ أمس للمِدَح أعقبتَ حزنًا من السرور وَقَدْ [5] ... أدلتَ [6] مكروهنا من الفرح قَالَ: فبكى الْمَنْصُور وَقَالَ: صاحب هَذَا القبر أحقّ بِهَذَا الشعر. وَحَدَّثَنِي بَعْض مشايخنا أَن الْمَنْصُور قَالَ للمهدي: يَا بنيَّ، استدم النعمة بالشكر، والقدرة بالعفو، والطاعة بالتألّف، والنصر بالتواضع لِلَّهِ والرحمة لِلنَّاسِ. وَحَدَّثَنِي الحرمازي قَالَ: لما أتى الْمَنْصُور مخرجُ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ شن عليْه درعه ولبس خُفّه وصعد الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ما لي أُكفكف عَنْ سعدٍ ويشتمُني ... ولو شتمتُ بَنِي سعدٍ لَقَدْ سكنوا جهلًا عَلَيْنَا وجُبنًا عَنْ عدوهم ... لبئست الخلّتان الجهل والجبن أما والله لَقَدْ عجزوا عما [7] قمنا بِهِ فَمَا عضدوا الكافي ولا شكروا المنعم [8] فماذا حاولوا، أشرب رَنْقًا [9] عَلَى غصص وأبيتُ مِنْهُم عَلَى مضض، كلام [10] والله إني لا أصِلُ ذا رحم بقطيعة نفسي، ولئن لَمْ يرضَ بالعفو مني ليطلبنّ ما لا يوجد عندي، ولأنْ أُقتل معذورًا أحبّ إليّ من أَن أحيا مُستذلًا، فليبقِ ذو نفسٍ عَلَى نَفْسه قبل أَن يقضي نحبه، ثُمَّ لا أبكي عَلَيْهِ [11] ولا تذهب نفسي حسرة لما ناله. حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابُنَا عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عِيسَى الهاشمي قَالَ: خطب الْمَنْصُور يَوْم

_ [1] الاغاني ج 13 ص 290: يا اهلي ابكوا. [2] الحماسة: السواكب. [3] الاغاني: ولو. [4] الحماسة: لم تبتكر ولم ترح. [5] ن. م.: قد ظفر الحزن بالسرور وقد ... [6] ن. م.: اديل. [7] في هامش د، م: عن ثأر. [8] سقطت كلمة «المنعم» من ط. [9] م: رفقا. [10] «كلا» ليست في م. [11] «عليه» ليست في ط.

عرفة فَقَالَ: أيها النَّاس إِنَّمَا أَنَا سلطانُ اللَّه فِي أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وإرشاده، وخازنُه عَلَى ماله وفَيْئِه أعمل فِيهِ بمشيئتهِ وأقسمه بإرادته وأعطيه باذنه، وَقَدْ جعلني اللَّه عَلَيْهِ قفلًا فَإِذَا شاء أَن يفتحني فتحني، فارغبوا إِلَى اللَّه واسألوه [1] فِي هَذَا اليوم الشريف الَّذِي وهب لكم فِيهِ من فضله مَا أعلمكم فِي كتابه إذ يقولُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [2] ، أَن يوفقني للصواب ويسددني للرشاد ويلهمني الرأفة بكم وقسم أرزاقكم فيكم بالعدل عليكم والإحسان إليكم. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك، أخبرني إِسْحَاق بْن عِيسَى بْن عَلِي، قَالَ: بعث الْمَنْصُور فِي سنة خمس وأربعين ومائة رجالًا يطلبون لَهُ موضعًا يبنى لَهُ [3] فِيه مدينة، فكانوا يأخذون تربة كُل أرض فَإِذَا عفنت خرجت منها العقارب والخنافس، فَلَمَّا عفنت تربة بغداد خرجت منها بنات وردان فَقَالَ: هَذِهِ، هَذِهِ، فنزل الدير الَّذِي عَلَى الصراة وَقَالَ: بغداد بلد يأتيه الميرة من الفرات ودجلة. فاختط الْمَدِينَةَ وفرغ من أساسها، فَإِنَّهُ لنائم فِي يَوْم صائف إذ أقبل سُلَيْمَان بْن مجالد وسُليم الْمَكِّيّ فاستأذنا عَلَى الْمَنْصُور فدخل الرَّبِيع فاحتال (664) لَهُ حَتَّى استيقظ ودخلا عَلَيْهِ ومعهما كتاب صَغِير من مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري يخبر فِيهِ بخروج مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ الْمَنْصُور: نكتبُ إِلَى مصر الساعة أَن تقطع [4] الميرة عَنْ أَهْل الحرمين وإنهم فِي مثل الحرجة إِذَا لَمْ تأتهم الميرة من مصر. وأمر أَن يكتب إِلَى الْعَبَّاس بْن [5] مُحَمَّد أَخِيهِ وَهُوَ عَلَى الجزيرة أَن يمده بمن [6] قدر عَلَيْهِ ولو أَن يبعث إِلَيْهِ فِي كُل يَوْم رجلًا واحدًا لينكسر بِهِمْ أَهْل خراسان فَإِنَّهُ لا يؤمن فسادُهم مَعَ دالتهم. ونادى بالرحيل من ساعته فخرج فِي حر شديد حَتَّى عسكر بنهر صَرْصَر وصلى العصر هناك، وأتى الكوفة وعسكر وخندق عليه، ودعا بعيسى

_ [1] ط: اسأله. [2] سورة المائدة (5) ، آية 3. [3] سقطت «له» من م. [4] ط: يقطع. [5] ط: من. [6] ط: من.

ابن مُوسَى فَقَالَ لَهُ: إمّا أَن تخرج وأقيم فأمدك وإمّا أَن أخرج وتقيم فتمدني، فَقَالَ: بَل أقيك بنفسي وأكفيك هَذَا الوجه إِن شاء اللَّه، فشخص. ثُمَّ خرج إِبْرَاهِيم فِي عقب خروج أَخِيهِ مُحَمَّد، فجمع الْمَنْصُور ولد أَبِيهِ فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ وَمَا ترون؟ فَقَالُوا: توجه إِلَيْهِ مُوسَى بْن عِيسَى، فَقَالَ: والله يَا ولد عَلِي مَا أنصفتم، وجهتُ أَبَاهُ وأوجّهه فأكون قَدْ وجهتُ من ولد مُحَمَّد بْن عَلِي رجلين، فَقَالُوا: توجه عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي وتصطنعه، فَقَالَ: أبعثُ عليَّ حربًا أُخْرَى، إِن خافني مالأ عدوي عَلِي وإن ظفر أعاد الحرب بيني وبينه جذعة، وَقَدْ سمعتكم تذكرون أَن لَهُ أربعة آلاف مَوْلَى يموتون تَحْتَ ركابه فأي رأيٍ هَذَا؟ والله لو دَخَلَ عَلِي إِبْرَاهِيم بسَيْف مسلول لكان آمن عندي من عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي. وَحَدَّثَنِي الحرمازي قَالَ: لما قُتل إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ وبعث عِيسَى بْن مُوسَى برأسه أمر الْمَنْصُور أَن يُطاف بِهِ بالكوفة، ثُمَّ خطب الْمَنْصُور بالكوفة فَقَالَ: يَا أَهْل الكوفة عليكم لعنةُ اللَّه وعلى بلد أنتم فِيهِ، للعجب لبني أمية وصبرهم عليكم كَيْفَ لَمْ يقتلوا [1] مقاتلتكم ويَسبْوا ذراريكم ويخربوا منازلكم، سبئية خشبيّة، قائل يقول جاءت الملائكة قائل يَقُول جاء جبريل وَهُوَ يَقُول أقدم حيزوم، ثُمَّ عمدتم إِلَى أَهْل هَذَا الْبَيْت وطاعتهم حسنة فأفسدتموهم وانغلتموهم فالحمد لِلَّهِ الَّذِي جعل دائرة السوء عليكم، أما والله يَا أَهْل المدرة الخبيثة لئن بقيت لكم لأذِلنّكم. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك وغيره، قَالُوا: أتم الْمَنْصُور بناء مدينته بغداد [2] ونزلها فِي سنة ست وأربعين ومائة، وبنى قصره فِي الخلد عَلَى دجلة سنة سبع وخمسين، وتولى ناحيةً منه الرَّبِيع وناحيةً أُخْرَى أبان بْن صَدقَة. قال عبد الله ابن مَالِك: وأنا يَوْمَئِذٍ مَعَ أبان، وَكَانَ الْمَنْصُور يعاقب من سماه الخلد وَيَقُول: الدنيا دار فناء وإنما الخلد فِي الْجَنَّةِ. حَدَّثَنِي الحرمازي قال: ولي المنصور الحسن ابن زَيْد الْمَدِينَّة بَعْد جَعْفَر بْن سُلَيْمَان فعبث بجلساء جعفر وأصحابه وأضرّ بإسماعيل ابن أيوب المخزومي، فقال:

_ [1] ط: تقتلوا. [2] م: ببغداد.

(و) إنّ بَنِي الْعَبَّاس لَنْ نستطيعهم ... فلا ذنب لي فانظرهم حسرات هُمُ ورثوا ميراثَ أَحْمَد كُلَّهُ ... وَلَمْ يدعوه باطلًا لبنات حَدَّثَنِي العمري عَنْ إِبْرَاهِيم بْن السندي، أَن الْمَنْصُور لما أراد الحج فِي السنة الَّتِي توفي فِيهَا أتى قصر عبدويه فأقام بِهِ، ثُمَّ دعا بالمهدي فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْد اللَّهِ اقرأ هَذَا الكتاب وأعمل بِمَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ: أوصيك بتقوى اللَّه ومراقبته، وعليك بإكرام أَهْل بيتك وإعظامهم ولا سيما من استقامت طريقته وطهرت سيرته وحسُنت مودتُه مِنْهُم فإنّ أقرب الوسائل المودة (665) وأبعد النسب البغضة. وانظر أَهْل الجزالة والفضل والعقل مِنْهُم فشرّفهم وأوطئ الرجال أعقابَهم فَإِنَّهُ لا يزال لأمر الْقَوْم نظام مَا كَانَتْ لَهُمْ أعلام، وأجزل لَهُم الإعطاء ووسعّ عَلَيْهِم فِي الأرزاق فَإِن أَكْثَر النَّاس مؤنة أعظمهم مروءةً، ثُمَّ ليكن معروفك لغيرهم بعدهم فَإِن الصلة تزيد الألْفة، وصنهم ينبلوا ولا تَبتِذلهم فيخلقوا، وأعلم أَن رَضِيَ [1] النَّاس غاية لا تدرك فتحبَّبْ إليهم بالإحسان جهدك وتثبت فيما يرد من أمورهم عليك، ووكل همومك بأمورك وتفقد الصغير تفقُّدك الكبير، وخذ أهبة الأمر قبل حلوله فَإِن ثمرة التواني الإضاعة، وكن عِنْدَ رأس كُل أمر [2] لا عِنْدَ ذَنَبه فَإِن المستَقبل لأمره سابقٌ والمستدبِرَ لَهُ مسبوق. وَوَلِّ أمورك الفاضلَ تكن [3] مستعليًا ولا تولِّ المفضول فَإِنَّهُ مُزرٍ باختيارك، وانظر الأَمْوَالَ فإنها عدة الملوك وبهاءُ السلطان ونظام التدبير فوفرها بولايةِ أَهْل العفافِ عَنْهَا والحيطة عَلَيْهَا ولا تبتذلها إلّا فِي إصلاح أمور السلطان والرعية وثواب أَهْل الطاعة والنصيحة، وأحسن إِلَى نصحائك [4] واستدِم مودتهم ومحبتهم بجميل التعهد لَهُمْ والتفقد لأمورهم [5] ولا تعط عطيّة تبطر الخاص وتوسف العام واجعل لكل إليك حاجة واجعل لَهُمْ من فضلك مادة واسمع من أَهْل التجارب ولا تردّنّ عَلَى ذوي الرأي، وعودّ نفسك الصبرَ عَلَى التّعب فِي إصلاح الرعيَّة وترك الهوينا والدّعة، وأعلم أَن ذهاب السلطان يؤتى من ثلاثة

_ [1] ط، م: رضاء. [2] في هامش د، ط: «أمرك» مقابل «كل امر» . [3] ط: يكن. [4] في هامش ط، د: أصحابك. [5] ط: بأمورهم.

أمور: قلة الحزم وضعف العزم وفقد صالحي الأعوان وأنّ ثباته بأربع [1] خلال: المعرفة وحسن التخير وإمضاء الاختيار وتنكبّ أَهْل الحرص فَإِن الحريص يبيعك باليسير من حظّه، وشره الوزراء أضرُّ الأعداء، ومن خانَك كَذَبك ومن كذبك غشَّك، وأعلم أنّ مادَّة الرأي المشاورة فاختر لمشاورتك أهل اللب والرأي والصدق وكتمان السّر، وكافِ بالحسنة وتجاوز عَنِ السيئة مَا لَمْ يكن فِي ذَلِكَ ثلم دين ولا وهن سلطان، ودع الانتقام فَإِنَّهُ أسوأ أفعال القادر، وَقَدِ استغنى عَنِ الحقد من عظم عَنِ المجازاة، وعاقب بقدر الذنب، وأعفُ عَنِ الخطأ وأقِل العثرات من أَهْل الحرمة والبلاء. وعليك بتلاد نعمتك ومواليك من أَهْل خراسان وغيرها من الآفاق فإنهم أنصحُ النَّاس لَك وأشدهم سعيًا فِي بقاء دولتك فَإِنَّمَا عزّهم بعزك، وتجنب دقيق أخلاق أَهْل العراق فإنهم نشأوا عَلَى الخبّ ومذموم الأخلاق، وإذا اطلعت من خاصتك وأهل نعمتك عَلَى هوى مفسدٍ لنصيحتك فلا تُقله عثرةً ولا تَرْعَ لَهُ حُرْمة ودع الاغترار بِهِ فإنك إِذَا اغتررت بِهِ كنت كمدخل الحية دُونَ شعاره، إِن شاء اللَّه. ولما [2] قرأ الكتاب قَالَ: أفهمتّهُ [3] يَا بُنّي؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فاتخذه لَك إمامًا ومثالًا، ثُمَّ قَالَ: أستودعك اللَّه يَا بَنِي وأنشد: المرءُ يأمل أَن يعيشَ ... وطولُ عيشٍ قَدْ يَضُرّه تبلى بشاشته ويبقى [4] ... بَعْد حلوِ العيش مُرُّه وتخونه الأيام حَتَّى ... لا يرى شيئًا يَسرُّه (666) كم شامتٍ بي إِن ... هلكتُ وقائلٍ لِلَّهِ دَرّه قَالَ العمري: وقرأتُ [5] هَذَا الكتابَ بعدُ عِنْدَ قومٍ من الكُتاب فوجدتهم قَدْ كثروه. حَدَّثَنِي عزّون بْن سَعْد مَوْلَى الأَنْصَار، عَنْ أَبِيهِ سَعْد بْن نصر، قَالَ: حج الْمَنْصُور سنة ثمان وخمسين ومائة فودّع الْمَهْدِي فَقَالَ: يَا أبا عَبْد الله إني ولدت

_ [1] ط: اربع، م: اربعة. [2] م: فلما. [3] م: افهمت. [4] ط: تبقى. [5] ط: فقرأت.

فِي ذي الحجة وَوُلِّيتُ الخلافة فِي ذي الحجة وَقَدْ هجس فِي نفسي أني [1] أموتُ فِي ذي الحجة من سنتي وَذَلِكَ حداني عَلَى الحج، فَإِذَا أفضى إليك الأمر فَإِن استطعت أَن تكون [2] حَدِيثًا حسنًا فافعل. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك وغيره عَنِ [3] الفضل بْن الرَّبِيع عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إني لَمَع الْمَنْصُور فِي حجته الَّتِي توفي فِيهَا، فَلَمَّا دنا من مَكَّة اشتد بِهِ الوجع فَقَالَ [4] ذَات ليلة وأنا زميله: أنزلني [5] ، وكانت بِهِ خلفة فعدلنا [6] بِهِ عَنِ الطريق فأنزلناه، فأبطأ ثُمَّ أقبل متكئًا عَلَى رجلين من مواليه وأبو الْعَبَّاس الطوسي والمسيب بْن زهير مَعَ وجوه أَهْل خراسان وقوف [7] فقلتُ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أبطأتَ فهل حدث شَيْء؟ فَقَالَ: أَنَا صَالِح، وصاحَ بي فَلَمَّا صرنا فِي المحمل قَالَ: ويحك أترى هَؤُلاءِ الخراسانية وَهُمْ هُمْ وتسألني عَنْ هَذِهِ المسألة! أتذكر [8] رؤياي الَّتِي أخبرتكم بِهَا إني رأيت كأن الْكَعْبَة انصدعت فجئت بحبل فقممتها بِهِ حَتَّى التَأمَتْ ثُمَّ دفعت الحبل إِلَى رَجُل من مواليّ لَمْ أسمه لكم، فَقُلْتُ لَهُ: شُد، أفتدري مَن مولاي ذَلِكَ؟ قُلْت: لا، قَالَ: أَنْتَ هُوَ ولكني كرهتُ أَن أخبرك بِذَلِك [9] فاتقِ اللَّه وانظر كَيْفَ تكون طاعتك للمهدي. وحدثني عَلِي بْن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَأْمُون، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَأْمُون يحدث عَنْ عصيمة سرية الْمَنْصُور، وكانت مَعَهُ فِي حجته الَّتِي توفي فِيهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: ما زال يَقُول: أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له لَهُ الملكُ وَلَهُ الحمد يُحيى ويُميت وَهُوَ حي لا يموت بيده الخير وَهُوَ عَلَى كل شيء قدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يعيد ذَلِكَ ويهلل ويكبر ويُلبّي حَتَّى قبض، فغمضه الرَّبِيع وشد لحيته بعصابة ثُمَّ قَالَ: والله لأملأن سَيْفي مِمَّنْ صاح حَتَّى أحكم مَا أمرني به مولاي،

_ [1] ط: من اني. [2] ط، م: يكون. [3] ط: على. [4] م: فقال لي. [5] يكرر م: انزلني. [6] ط: فعدلن. [7] ط: فوقف. وصححت في هامش د: وقوف. [8] ط: أيذكر، م: تذكر. [9] ط: بذاك.

فخرج إِلَى النَّاس فأَحكم [1] مَا أراد. قَالَ، وَقَالَتْ عصيمة: كَانَ الْمَنْصُور فِي تسبيحه وتهليله وتشهيده فكلمته فَقَالَ: كفي عني ساعة، فَمَا قطع ذَلِكَ حَتَّى شخص. حَدَّثَنِي [2] عَبْدُ اللَّهِ بْن مَالِك [3] الكاتب عَنْ جَمَاعَة مِمَّنْ حضر وفاة الْمَنْصُور بمكة قَالُوا: خرج الرَّبِيع إِلَى من حضر من بَنِي الْعَبَّاس وغيرهم فَقَالَ: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ يأمركم بتجديد (667) البيعة للمهدي، فَقَالَ عِيسَى بْن مُوسَى: أحبّ أَن أسمع ذاك من أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فدخل ثُمَّ خرج فَقَالَ: عِنْدَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ حرمه وَهُوَ لا يستُرُهنّ من عمه عِيسَى بْن عَلِي فليقم فيدخل [4] عَلَيْهِ ويخبركم [5] عَنْهُ بِمَا أعلمتكم، فَقَالَ عِيسَى بْن مُوسَى: لا بأس قم يَا عم، فقام عِيسَى فدخل فَقَالَ لَهُ الرَّبِيع: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ قضى وَكَانَ أمر بتجديد البيعة للمهدي وأنا أريد تجديدها وأنت أعلم، فخرج عِيسَى بْن عَلِي إِلَى عِيسَى بْن مُوسَى فَقَالَ [6] : يأمرك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بتجديد البيعة، فبايع عِيسَى بْن مُوسَى للمهدي وبايع النَّاس، ثُمَّ عرف عِيسَى بْن مُوسَى القصة بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ لعيسى بْن عَلِي: أَنْتَ الفاعل مَا فعلتَ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي قَالَ: عرض للمنصور اخْتِلافٌ فكان يحتاج إِلَى الخلاء فِي اليوم الخمس مرات وأكثر ثُمَّ أسرف [7] ذَلِكَ حَتَّى كَانَ يقوم فِي اليوم والليلة خمسين مرة فتوفي بَعْد [8] التروية أَوْ قبله بيوم، وفرغ من جهازه عِنْدَ العصر وصلى عَلَيْهِ عِيسَى بْن مُوسَى ويقال عِيسَى بْن عَلِي، ويقال إِبْرَاهِيم بْن يَحْيَى [9] بْن مُحَمَّد بْن عَلِي وَهُوَ ابْن أَخِيهِ وَهُوَ قائم بالموسم عامئذ، وَلَمْ يغطّ رأس

_ [1] ط: احلم. [2] د، م: وحدثني. [3] لم يرد «ابن مالك» في ط. [4] د: فندخل. [5] د: فنخبركم. [6] م: فقال له. [7] م: اشرف. [8] م: في يوم. [9] م: ابراهيم بن محمد بن يحيى. انظر جمهرة الأنساب ص 20- 21.

الْمَنْصُور لأنه كَانَ مُحْرمًا ودفن عِنْدَ بئر ميمون بْن الْحَضْرَمِيّ. وَكَانَ الْمَنْصُور لما بلغ ثلاثًا وستين سنة يَقُول: إنه كَانَ يُقَالُ [1] لهذه السنة داقَّة الأعناق، قبض بِهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر وعمر رَضِيَ اللَّه تَعَالَى [2] عَنْهُمَا، فقبض وَلَهُ أربع وستون سنة. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: دُفن الْمَنْصُور فِي شعب نَافِع الخوزي [3] فِي المقبرة الَّتِي تطل عَلَيْهَا ثنية المعلاة وَهِيَ الَّتِي صُلب عَلَيْهَا عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، ونزل فِي حفرته عِيسَى بْن عَلِي والعباس بْن مُحَمَّد وعيسى بْن مُوسَى والربيع ويقطين والريان مولاه، وجعل فِي صندوق وأطبقت عَلَيْهِ ألواح، وتوفي وَلَهُ أربع وستون سنة إلا أيّامًا. وَحَدَّثَنِي عمر بْن عِيسَى أَبُو مَسْعُود قَالَ: توفي الْمَنْصُور بمكة فِي سنة ثمان وخمسين ودفن بَيْنَ الحجون وبئر ميمون بْن الْحَضْرَمِيّ وصلى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بْن يَحْيَى بْن مُحَمَّد بوصية منه، وَكَانَ يَوْم توفي ابْن أربع وستين سنة وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرًا وأيامًا، وحجّ بالناس فِي تلك السنة ابراهيم ابن يَحْيَى بْن مُحَمَّد. وَقَالَ بَعْضهم: مَاتَ وَلَهُ ثمان وستون سنة، وأثبت مَا روي فِي عمره أربع وستون سنة. وَقَالَ الْحَسَن بْن عَلِي [4] الحرمازي، وَهُوَ مَوْلَى لقريش غَيْر أَنَّهُ كَانَ ينزل فِي بَنِي الحرّماز، قَالَ سلم الخاسر [5] يرثي الْمَنْصُور، وإنما قيل لَهُ الخاسر لأن أَبَاهُ كَانَ تاجرًا فمات وترك مالًا فأنفقه فِي طلب العلم وابتياع الدفاتر فَقِيلَ هُوَ خاسر: أَيْنَ ربُّ الزوراء إذ سوّغتهُ ... الملكّ عشرين حجة واثنتان قَالَ: وَقَالَ آخر: قَفَل الحجيجُ وخلّفوا ابْن مُحَمَّد ... رهنًا بمكة فِي الضريح الملحد شهدوا المناسك كلها وإمامُهم ... تحت الصفائح محرم لم يشهد

_ [1] ط: يقول. [2] «تعالى» ليست في د. [3] ط، د: الحوزي. انظر المغانم المطابة في معالم طابة ص 288. [4] سقط «الحسن بن علي» من ط. [5] انظر طبقات الشعراء لابن المعتز ص 99- 106.

خلافة المهدي بن المنصور

وأنشدني غَيْر الحرمازي: لقيَ اللَّه مُحرِمًا وشهيدًا ... فهنيئًا لَهُ هنيئًا مريئا وأُنشدت لبعضهم: ببئر ميمون ثوى قراره ... فِي ملحد اسلمه أنصاره خلافة الْمَهْدِي بْن الْمَنْصُور فولد أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، وَهُوَ عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ، محمدًا الْمَهْدِي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ويكنى أَبَا عَبْد اللَّهِ وأمّه أم مُوسَى بِنْت مَنْصُور بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن شَهْر بْن يَزِيد بْن مثوّب بْن الْحَارِث بْن شمر ذي الجناح الحميري، (668) ولي الخلافة فِي سنة ثمان وخمسين ومائة، وَفِي ذي الحجة، وكانت خلافته عشر سنين وشهرين وأيامًا. وَكَانَ من أسخى النَّاس وأجملهم وتوفي بماسبذان [1] في سنة تسع وستين مائة ودفن بِهَا وصلى عَلَيْهِ ابنه هَارُون الرشيد أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وَكَانَ مَعَهُ بماسبذان [2] . وَفِي الْمَهْدِي يَقُول الشاعر: أكرِم بقرم [3] أمين اللَّه والده ... وأمّه أم مُوسَى بِنْت مَنْصُور وَجَعْفَر بْن الْمَنْصُور وَهُوَ الأكبر ويكنى أَبَا الفضل وأمه أم مُوسَى أيضًا، ولاه أَبُوهُ [4] الموصل وأعمالها والجزيرة وتوفي ببغداد. فولد جَعْفَر بْن أَبِي جعفر عيسى ابن جَعْفَر وَجَعْفَر بْن جَعْفَر وزبيدة بِنْت جَعْفَر. فأمّا عِيسَى بْن جَعْفَر فولي للرشيد [5] أعمال البصرة وكور دجلة والأهواز واليمامة والبحرين والسند، وَكَانَ أليف الرشيد وأنيسه وعديله إِذَا ركب جملًا أَوْ بغلًا عَلَيْهِ قُبَّة، وَكَانَ جسيمًا فَإِذَا ركب مَعَ الرشيد ثُقِّلت ناحية الرشيد بحجر أَوْ بمثقلات رصاص. وأمّا جَعْفَر بْن جَعْفَر فَقَدْ ولي البصرة للرشيد وولايات [6] ، وَهُوَ صاحب الدار التي ببغداد عند الباب

_ [1] م: ما سبذان. [2] م: ما سبذان. [3] ط: بقوم. [4] سقط «أبوه» من م. [5] ط: الرشيد. [6] «وولايات» سقطت من م.

المعروف بباب النَّقْب وَهِيَ مُطلَّة عَلَى دجلة. وأمّا زبيدة وَهِيَ أم جَعْفَر فتزوجها الرشيد فولدت لَهُ مُحَمَّد الأمين قتل ببغداد وَهُوَ خليفة، ثُمَّ ولي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَأْمُون بعده. وأنشدني أَبُو الأحوص المؤدب فِي الرشيد: أَبُو أمين ومأمون ومؤتمن ... أكرِم بِهِ وَالِدًا برًّا وبالولد والمؤتمن وَهُوَ القاسم بْن الرشيد كَانَ الثالث فِي ولاية العهد بَعْد مُحَمَّد وعبد اللَّه الْمَأْمُون، فتوفي فِي خلافة الْمَأْمُون، وَكَانَ مُحَمَّد بْن زِيَاد الأَعْرَابِيُّ مؤدبًا لهارون ابنه. وإبراهيم بْن أَبِي جَعْفَر الْمَنْصُور وأمه الحميرية أيضًا، توفي بالهاشمية ولا عَقِب لَهُ. وسليمان بْن أَبِي جَعْفَر الْمَنْصُور ويكنى أَبَا أيوب وَلِيَ الموسم للرشيد، وولي البصرة والجزيرة والشام، وأمه فاطمة من ولد طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه التَّيْمِيِّ صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنِي من أثق بِهِ أَن إِسْحَاق بْن سماعة المعيطي قَالَ قصيدة طويلة يفخر بني أميّة وبظفر معاوية وإسحاق بْن سماعة المعيطي قَالَ قصيدة طويلة يفخر ببني أميّة وبظفر معاوية بيوم الحرة، وَقَالَ، وَقَدْ غزا الرشيد الروم وخلف بالرافقة ابنه الْمَأْمُون ومعه سُلَيْمَان بْن أَبِي جَعْفَر، شعرًا [1] وَهُوَ: يَا طالبًا من بَنِي الْعَبَّاس فُرصته ... فِي الأمر دونكها إِن كنت يقظانا أما ترى الرقة البيضاء شاغرةً ... إلا شراذم شذاذًا وخصيانا مَا ترتجي بَعْد هَذَا اليوم لا [2] ظفرت [3] ... (كفاك) [4] إِن لَمْ تنلها من سُلَيْمَانا لا عيب بالمرء إلا أَنَّهُ رَجُل ... يحكي [5] الخرائد تانيثًا وتِلْيانا فبلغت [6] الأبيات سُلَيْمَان فحبسه وحلقه وضربه، فتكلم [7] فِيهِ سَعِيد الجوهري فخلى سبيله، ثُمَّ كلم [8] الْمَأْمُون فأذن لَهُ فِي حبسه فحبسه فَقَالَ فِي الحبس: تعفو الكلوم وينبت الشعر ... ولكل [9] وارد منهلٍ [10] صدر

_ [1] انظر الخبر والشعر في اشعار اولاد الخلفاء ص 15- 16. [2] ط: ما. [3] د: خفرت [4] (كفاك) ساقطة هنا، والتصويب من اشعار اولاد الخلفاء. [5] ط: خلي. [6] ط: وبلغت. [7] ط، د: فكلم. [8] م: فكلم. [9] د: كل. [10] ط: منها.

والعار فِي أبواب منبطح ... لعبيده مَا أورق الشجر وَقَالَ أيضًا [1] : قل لسليمان عَلَى مَا أرى ... من طول حبسي واقتراب الأجل حبستني فِي غَيْر جرمٍ سِوَى ... حكايتي عَنْك مقال الخطل (669) قولك مَا أعرف من لذة ... لَمْ أشفِ منها النفس إلا الحبل وَمَاتَ فِي الحبس، وَلَهُ شعر يهجو بِهِ البرامكة، وَيَقُول فِي يَحْيَى بْن خَالِد: يَتبعُ الزنديق يَحْيَى وابنه ... إنه للغي قِدما مُتّبع [2] ويعقوبُ بْن أَبِي جَعْفَر، وأمّه فاطمة أيضًا وَلَهُ عقب، وَقَدْ حج بالناس سنة اثنتين وسبعين، سقط عَنْ فرسه فاندقت عنقه. وعيسى بْن أَبِي جَعْفَر، وأمه فاطمة. وصالح بْن أَبِي جَعْفَر، وأمه أم ولد وَكَانَ يسميه صالحًا المسكين لرقّته عَلَيْهِ وَيَقُول: مَا أشبعُ لصالح من حال ولا بر، وَيَقُول: ادعوا ابني المسكين، وَيَقُول لقوّاده: بُرّوه، فكانت الأَمْوَالُ تُهدى إِلَيْهِ. وَقَدْ ولي صَالِح بْن أَبِي جَعْفَر الموسم سنة خمس وستين ومائة للمهدي. والقاسم بْن أَبِي جَعْفَر توفى فِي خلافة أَخِيهِ الْمَهْدِي، وثب من قُبة إِلَى قُبة فسقط بينهما فمات، وأمه أم ولد. وعبد الْعَزِيز بْن أَبِي جَعْفَر درج، والعباس درج وأمهما أم ولد. وعلي بْن أَبِي جَعْفَر، وأمه أم عَلِي من أَهْل وادي القرى مَاتَ ابْن سبع سنين. وَجَعْفَر الأصغر وَهُوَ ابْن الكردية، واسم الكردية صغيرة. والعالية وأمها من ولد خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص بْن أمية، تزوجها إسحاق ابن عِيسَى بْن عَلِي. وعبيدة، توفيت فِي حياة أبيها. وفاطمة، زوَّجها [3] الْمَنْصُور يَحْيَى بْن جَعْفَر بْن تمام بْن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. ووُلد لأمير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَهْدِي مُوسَى ويكنى أَبَا مُحَمَّد وَهُوَ الهادي، وهارون ويكنى أَبَا جَعْفَر وَهُوَ الرشيد، والبانوقة، أمهم الخيزران جُرشية ويقال الخيزرانة، وعيسى وَهِيَ أمه أيضًا وإليه نسبت عيساباذ ببغداد. وعيسى وعبيد اللَّه، أمهما ريطة

_ [1] الأبيات في اشعار اولاد الخلفاء ص 16. [2] م: تبع. [3] م: فزوجها.

بِنْت أَبِي الْعَبَّاس. ومنصور بْن الْمَهْدِي، وأمه ابنة الأصبهبد صاحب طبرستان وتسمى البخترية، وقيل إنها ولدت للمهدي أيضًا العالية. وسليمة وَهِيَ أسماء. والعباسة بِنْت الْمَهْدِي لأم ولد. ويعقوب وإسحاق لأم ولد. وإبراهيم لأم ولد اسمها شكلة وَهِيَ من سبي دنباوند [1] . فأما مُوسَى فولي الخلافة سنة تسع وستين ومائة وَكَانَ يَوْم وَليها ابْنُ خمس وعشرين سنةً، وأتاه خبر [2] وفاة المهدي وهو بجرجان فقدم الرشيد من ما سبذان مسرعًا إِلَى بغداد فضبط الأمور هُوَ والربيع الحاجب إِلَى أَن قدم الهادي. وَكَانَ الْمَهْدِي حين شخص إلى ما سبذان استخلف الرَّبِيع عَلَى بغداد. وتوفي مُوسَى بعيساباذ من بغداد وصلى عليه [3] الرشيد، فكانت خلافة سنة وشهرين، وفيه [4] يَقُول الشاعر: لما أَتَتْ خيرَ بَنِي هاشمٍ ... خلافةُ اللَّه بجرجان شَمّر بالحزم سرابيله ... تشمير لا غمر ولا وان وأمّا هَارُون، فولي الخلافة فِي سنة سبعين ومائة، وَمَاتَ بطوس من خراسان فِي سنة ثَلاث وتسعين ومائة وَهُوَ ابْن خمس وأربعين سنة. وَقَالَ أَبُو مَسْعُود الكوفي: ولي هَارُون الرشيد الخلافة وَلَهُ ثَلاث وعشرون سنة وكانت خلافته ثلاثًا [5] وعشرين سنة وتوفي ابْن ست وأربعين [6] . وَأَمَّا البانوقة فتوفيت صغيرة. وَأَمَّا عَلِي بْن الْمَهْدِي فحج بالناس غَيْر مرة وَمَاتَ ببغداد، والقصرُ الَّذِي يعرف بقصر ابْن رَيْطة بقرب سوق يَحْيَى نُسب إِلَيْهِ، ووَليَ البصرة. وَأَمَّا عِيسَى فمات صغيرًا. وَأَمَّا عبيد الله ابن الْمَهْدِي فولى أرمينية وولي الجزيرة. وَأَمَّا مَنْصُور بْن الْمَهْدِي فولي فلسطين وغيرها (670) وحَجّ بالناس ووَليَ البصرة، ومال الناسُ إِلَيْهِ فِي أَيَّام فتنة محمّد الأمين ابن الرشيد ببغداد فأبى أَن يدخل فِيهَا أَوْ في شيء من أمرهم. وأما ابراهيم ابن الْمَهْدِي فَإِن ابنه هِبَة اللَّه حَدَّثَنِي أَن مُحيّاة الطائفيَّة أم ولد الْمَنْصُور كَانَتْ بعثت بشكلة أم إِبْرَاهِيم إِلَى الطائف فنشأت هناك ففصحت

_ [1] ط، م: دباوند. انظر ياقوت ج 2 ص 436- 7 وفيه دباوند ودنباوند. [2] سقط النص «وأتاه خبر» من م. [3] ط: عليها. [4] «وفيه» سقطت من م. [5] د: ثلاث. [6] م: ... واربعين سنة.

وَقَالَت الشعر، وأنشدني لَهَا شعرًا فِي أخ كَانَ لَهُ يُقَالُ لَهُ أَحْمَد وَهُوَ [1] : أَحْمَدُ يفديه شبابُ فهرِ ... من كُل ما ريب وأمرٍ نُكرِ قَدْ جاء مثل الشَّمْس غب قَطِر ... فِي حُسن بدرٍ واعتدالِ صَقْرِ [2] بُني احشايَ [3] وذخر ذخري ... شد الهي بأخيك ظهري وزاده ربُّ العلى من [4] عمري ... وذبَّ عَنْهُ من مخوف [5] الدهرِ وعنك مَا أدري وَمَا لا أدري وَكَانَ إِبْرَاهِيم [6] شاعرًا عالمًا بالغناء بايعه أَهْل بغداد بَعْد قتل مُحَمَّد بْن الرشيد، فلما ظهر قُوّاد أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَأْمُون وأَصْحَابُه وعلا أمرهم استخفى فمكث حينًا مستخفيًا ثُمَّ خرج من موضع إِلَى موضع فأنكر أمرُه وأُخذ فعفا الْمَأْمُون عَنْهُ، فَقَالَ فِيهِ شعرًا كثيرًا، منه قَوْله [7] : رددتَ مالي وَلَمْ تبخل [8] عَلِي بِهِ ... وقبل ردّك مالي مَا حقنتَ [9] دمي ففزت منك وَمَا استحققتها [10] بيد ... هِيَ الحياتان من موت ومن عدم ومن قَوْله: فلو وُزنت بحلمك هضبُ رضوى ... لخف بحلمك الجبل الصلود مننتَ ولو تشاءُ إذًا أسالت ... يداك دمي وَقَدْ قطع الوريد وقوله بَعْد أبيات [11] : وعفوتَ عمن لَمْ يكن عَنْ مثله [12] ... عفو ولم يشفع إليك بشافع

_ [1] يرد الشعر في اشعار اولاد الخلفاء ص 17. [2] ن. م.: صدر. [3] ن. م.: احشائي. [4] م: العرش عن. [5] اشعار اولاد الخلفاء: خائفات. [6] انظر الاغاني ج 10 ص 101 وما بعدها، واشعار الخلفاء ص 17 وما بعدها. [7] الاغاني ج 10 ص 125، واشعار الخلفاء ص 19. [8] ن. م.: تمنن. [9] ن. م.: قد حقنت. [10] اشعار اولاد الخلفاء: كافأتها. [11] انظر الاغاني ج 10 ص 123- 4، واشعار الخلفاء ص 19. [12] د: قتله.

وأما موسى بن محمد بن علي

الا العلوّ عن العقوبة بعد ما ... ظفرت يداك بمستكين خاضع ورحمت أولادًا [1] كأفراخ القطا ... وعويل باكية [2] كقوس النازع وَأَمَّا العباسة بِنْت الْمَهْدِي فزوجها الرشيد من هَارُون بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان فمات عَنْهَا فزوّجها بعده من إِبْرَاهِيم بْن صَالِح بْن عَلِي. وَأَمَّا موسى بن محمّد بْن علي ابن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس فغزا مَعَ أَبِيهِ فتوفي ببلاد الروم، ووُلد لَهُ عِيسَى بْن مُوسَى، ولاه أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَبُو الْعَبَّاس عهده وَكَانَ من خبره مَا قَدْ ذكرناه. وولي دَاوُد بْن عِيسَى الْمَدِينَةَ ومكة، فأقام بمكة فكتب إِلَيْهِ يَحْيَى بْن هِشَام [3] : ألا قُل لداود ذي المكرمات ... والعدل فِي بلد المصطفى أقمت بمكة مستوطنًا ... فهاجر لهِجرةِ من قَدْ مضى وَقَدْ وليّ ابنه مُوسَى بْن عِيسَى، وأمه بِنْت إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد ويكنى أَبَا عِيسَى، الْمَدِينَةَ للرشيد، وولي الكوفة وسوادها للمهدي وموسى والرشيد، وولي أرمينية لهارون الرشيد وولي الموسم للرشيد، ولي مصر للرشيد، وولي أيضًا أَحْمَد بْن مُوسَى ابن عِيسَى اليمامة للرشيد. ومدح ابْن هرمة عِيسَى بْن مُوسَى بالأبيات الَّتِي يَقُول فِيهَا [4] : أتتك الرواحل والملجما ... ت بعيسى بْن مُوسَى فلا تعجل وَقَالَ لي الناسُ إِن الحباء ... أتاك مَعَ المَلِكِ المقبل (671) فدونكها يَا ابْن ساقي الحجيج ... فَإِنِّي بِهَا عَنْك لَمْ أبخلِ أبوك الوصيُّ وأنتَ ابنُه ... وصيُّ نَبِيَّ الهدي المرسل وَكَانَ عِيسَى إِذَا حج حجَّ ناس يتعرضون لمعروفه فيصلهم ويعطيهم، فَقَالَ: أَبُو الشدائد الفزاري [5] : عصابةُ إِن حج عيسى حجّوا ... وإن اقام بالعراق دجّوا [6]

_ [1] الاغاني: اطفالا. ويأتي هذا البيت فيه قبل البيتين السابقين، وفي اشعار اولاد الخلفاء: فرحمت اطفالا. [2] ن. م.: عانسة. [3] ط، د: هسكير، وفي اشعار اولاد الخلفاء ص 312: مسكين. [4] انظر الديوان (ن. المعيبد) ص 185- 186، واشعار اولاد الخلفاء ص 312. [5] يرد الخبر والشعر في الاغاني ج 16 ص 179، وفي اشعار اولاد الخلفاء ص 311. [6] سقط من ط بعض الخبر، من «وكان عيسى» الى نهاية البيت الاول «دجوا» .

وأما يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله

قد نالهم نائله [1] فلجّوا ... فالقوم قوم حجُّهم معوجُّ مَا هكذا كَانَ يَكُون الحج فَقِيلَ لَهُ: أتهجوا الحاج؟ فَقَالَ: إني ورب الْكَعْبَة المبنَّية ... والله مَا هجوتُ من ذي نيّه ولا امرئ ذي رعةٍ [2] تقيه ... لكنني أُبقي [3] عَلَى البّريّه من عصبة أغْلَوْا عَلَى الرعية ... أسعار ذي مشيٍ وذي مَطِيّه [4] وَأَمَّا يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ فَإِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَبَا الْعَبَّاس ولاه الموصل فجرد فِي أهلها السَيْف وهدم حائطًا كَانَ عَلَيْهَا. وَكَانَ أَهْل الموصل ثلاثة أصناف: خوارج ولصوصًا وتجارًا، فنادى منادي يَحْيَى: الصّلاة جامعة، فاجتمع النَّاس فأمر بقتلهم جميعًا وفيهم تجار وَكَانَ العامل عَلَى الموصل قبله محمد ابن صول ثُمَّ صار خليفته. وَقَدْ كَانَ ابْن صول يقتل وجوه أَهْل الموصل ليلًا ويلقيهم فِي دجلة، فَلَمَّا ولي يَحْيَى أمَره بمكاشفتهم وكانت ولايته فِي سنة ثَلاث وثلاثين ومائة، وَكَانَ أَهْل الموصل لشرارتهم يسمون خزر العرب. وولي الْمَنْصُور يَحْيَى فارس. وَحَدَّثَنِي معافى بْن طاووس الْمَوْصِلِيّ قَالَ: هرب رَجُل من أَهْل الموصل من يحيى ابن مُحَمَّد فدخل غارًا ومعه ابْن لَهُ، فبعث ابنه ذَات يَوْم ليتعرف لَهُ الْخَبَر فعرفه ثُمَّ انصرف فدلى رجليه ليدخل الغار وذهب عَنِ الرجل أَنَّهُ ابنه وظن أَنَّهُ رَجُل جاء ليأخذه فضربه بالسَيْف فقطع رجله فنزف حَتَّى مَاتَ فَذَهَبَ عقل الرجل. قَالَ المعافي، قَالَ أَبِي: فأنا رَأَيْته بَعْد ذَلِكَ بحين يجلس فيفكر ثُمَّ يسقط فيبكي عَلَى ابنه. وَحَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الفروي عَنْ أَبِي الفضل الْأَنْصَارِيّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى بْن مُحَمَّد عجولًا قليل الروية فيما يصنع، وَكَانَ أَهْل الموصل يسمونه الحتف. وأما العباس بن محمد بن عَلِي فَهُوَ صاحب العباسية ببغداد، ولاه الْمَنْصُور الجزيرة وأعمالًا سواها وَمَاتَ ببغداد، وَكَانَ يكنى أبا الفضل. وكان الأعراب قد

_ [1] الاغاني: قد لعقوا لعيقة. [2] الاغاني: رغبة. [3] ن. م.: ارعي، وفي اشعار اولاد الخلفاء: لكني أبقى على البقية. [4] الأصل: اسعاد، والتصويب من اشعار اولاد الخلفاء، وفيه: اسعار ذي مشرى وذي عطيّه.

امر ضرار بن عبد المطلب:

كثروا ببغداد فِي حُطمة فأجرى الْعَبَّاس عَلَى بَعْضهم خبزًا كَانَ يفرق فيهم فَقَالَ شاعرهم حِينَ قطع ذَلِكَ عَنْهُمْ: إِن يقطع الْعَبَّاسُ عني رغيفه ... فَمَا فاتني من نعمة اللَّه أكثرُ وفيه يَقُول سَعِيد بْن سلم المساحقي: ألا قُل لعباسٍ عَلَى نأي داره ... عليك السلامُ من أخٍ لَك حامدِ أتاني ولمّا [1] ينس مَا كَانَ بينه [2] ... وبيني [3] من ود فكنت كشاهد فِي أبيات. وَقَدْ حج عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بالناس. وولي الفضل بْن الْعَبَّاس مَكَّة للرشيد، وحج بالناس. بسم اللَّه الرحمن الرحيم امر ضرار بن عبد المطلب: وَأَمَّا ضرار بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَخُو الْعَبَّاس لأمه فَإِنَّهُ لَمْ يولد لَهُ وَلَمْ يتزوج وماتَ قبل الْإِسْلَام وَهُوَ حدث. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ يُكنى أَبَا عَمْرو. وذكر بَعْضهم أَنَّهُ كَانَ أسن من الْعَبَّاس بسبع سنين. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ ضرار يَقُول الشعر ولا عقب لَهُ. (672) وَأَمَّا حَمْزَةُ بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ [4] فيكنى أَبَا يَعْلَى وأبا عُمَارَةَ وَهُوَ أسد اللَّه وأسد رسوله، وأمه هالة بِنْت أهيب الزُّهْرِيّ [5] . [وروي أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نفسي بيده أَنَّهُ المكتوب فِي السماء «حَمْزَةُ بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أسد اللَّه وأسد رسوله] » [6] . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ لحمزة بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ من الولد يَعْلَى وبكر وعامر درج، وأمهم بنت الملّة ابن مَالِك من الأوس، وَقَالَ غَيْر الْكَلْبِيِّ هِيَ من بَنِي سليم. وعمارة بْن حَمْزَةَ وأمه خولة

_ [1] الأصل: لم، ولعل الصواب ما أثبتنا. [2] ط، د: بيننا. [3] ط، د: بينه. [4] انظر طبقات ابن سعد ج 3 ص 3 وما يليها. [5] في نسب قريش ص 17: هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وفي جمهرة الأنساب ص 15: بنت وهيب. [6] سقط النص من (وأمه هاله) الى (اسد رسوله) من م.

بِنْت قَيْس بْن قَهد من الأَنْصَار من بَنِي النجار. وأمامة بِنْت حَمْزَةَ وأمها سلمى بِنْت عُميس الخثعمية [1] . قَالَ: وَكَانَ ليعلى بْن حَمْزَةَ أولاد وَهُمْ عُمَارَةُ وَيَعْلَى والفضل والزبير وعقيل ومحمد درجوا فلم يبق لَهُمْ عقب. وَقَالَ هِشَامٌ الْكَلْبِيُّ، زوّج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم امامة بنت حمزة، سلمة بن أم سلمة [2] زوجته، وأبوه [3] أَبُو سلمة بْن عَبْدِ الأسد فهلك قبل أَن يجتمعا، وأخوا [4] أمامة لأمها عَبْد اللَّهِ وعبد الرَّحْمَن ابنا شداد بْن الهاد [5] الكناني. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَت ابْنَة حَمْزَةَ بمكة فَقَالَ عَلِي لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عمرة الْقَضَاء: علام نترك ابْنَة عمنا حَمْزَةَ يتيمة بَيْنَ ظهراني الْمُشْرِكِينَ، فأخرجها فتكلم فِيهَا زَيْد بْن حارثة فَقَالَ: أَنَا أحق بِهَا لأني وصي أبيها، وَقَالَ عَلِي: أَنَا أحق بِهَا هِيَ ابْنَة عمي وأنا أخرجتها، وَقَالَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب: أَنَا أحق بأن تكون عندي هِيَ ابْنَة عمي وخالتها عندي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [: الخالة والدة،] وقضى بِهَا لجعفر. وَبَعْض الرواة يَقُول إِن اسم بِنْت حَمْزَةَ أمة اللَّه وبعضهم يَقُول أم أبيها، وَقَالَ بَعْضهم اسمها عُمَارَةُ، والثبت أَن اسمها أُمَامة. وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر العمري، حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن عِيسَى بْن عَلِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه، أَن عُمارة بْن حَمْزَةَ قدم العراق مَعَ الْمُسْلِمِينَ فجاهد وقتل دهقانًا ثُمَّ انصرف فتوفي. وَحَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمامة بنت حمزة مِنْ [6] سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فَلَمْ يَضُمَّهَا إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَصَابَهُ خَبَلٌ وَإِكْسَالٌ وَمَاتَ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَكَانَ عُمَرُ أَخُوهُ أَسَنَّ مِنْهُ فَتَزَوَّجَ أُمَامَةَ وَمَاتَ أَيْضًا فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ. قَالُوا: وَكَانَ إسلام حَمْزَةَ عَلَيْهِ السَّلام غضبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَن أَبَا جهل بْن هِشَام آذى رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم واسمعه وشتمه،

_ [1] انظر ابن سعد ج 3 ص 3. [2] يكرر م: ابن أم سلمة. [3] م: أبو. [4] الأصل: أخو. [5] م: الهادي. انظر جمهرة الأنساب ص 182. [6] ط: ابن.

فأخبرتْ حَمْزَةَ بِذَلِك مولاة لابن جُدعان التَّيْمِيِّ، ويقال سلمى مولاة صفية بِنْت عَبْد الْمُطَّلِبِ، وقد انصرف من قنيصة [1] وَكَانَ صاحب صيد، فقصد إِلَى أَبِي جهل فضربه بقوسه فشجه وَقَالَ: أتشتم ابْن أَخِي وتضيمه وأنا عَلَى دينه، وشهد بشهادة الحق. وقال: الواقدي [2] : نال ابو جهل وابن الاصد [3] الهذلي وابن الحمراء ذَات يَوْم من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآذوه، فبلغ ذَلِكَ حَمْزَةَ فدخل الْمَسْجِد مغضبًا فضرب رأس أَبِي جهل بقوسه ضربة أوضحت فِي رأسه ثُمَّ أسلم فعز بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ بَعْد دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم بْن أَبِي الأرقم (673) وفيها جدد البيعة عَلَى حَمْزَةَ وعلى أخته صفية بِنْت عَبْد الْمُطَّلِبِ وَكَانَ أسلم قبلها، وَكَانَ حَمْزَةُ أَسَنَّ من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحو من أربع سنين. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عن أبيه عن جده عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُعَضِّدَنِي بِأَحَبِّ عُمُومَتِي اليه فعضدني بحمزة والعباس.] و [روي أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَنِي بِإِسْلامِ خِيَارِ أَهْلِ بَيْتِي فَيَمِينِي حَمْزَةٌ وَشِمَالِي جَعْفَرٌ.] وَحَدَّثَنِي عَلِي بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِي قَالَ: بلغني أَن هالة بِنْت أُهيب كَانَتْ تقول، وَهِيَ تعني حَمْزَةَ: والله مَا حملته وضعًا ولا وضعته يَتْنًا ولا أرضعته غيلًا [4] ولا أنمته عَلَى مأَقة، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا القول عَنْ أم تأبط شرًا الفهمي. الوضعُ والتُّضْعُ جميعا أَن تحمله [5] عَلَى استقبال الحيض، واليَتْنُ أَن تخرج [6] رجلاه قبل رأسه، والغَيْلُ: أَن تسقيه لبنها وَهِيَ حامل، والمأقة البكاء. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لما هاجر حَمْزَةُ نزل مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مكتوم ابن الهدم، وَيُقَال عَلَى سَعْد بْن خيثمة، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين زَيْد بْن حارثة مولاه، وإليه أوصى يَوْم أُحد عِنْدَ القتال. وَكَانَ أوّل لواءٍ عقده رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لواء حَمْزَةَ ويقال كَانَ لواؤه ثانيًا [7] . وَكَانَ حمزة يوم بدر

_ [1] ط: قبيصة، م: قنصه. [2] ترد الرواية في ابن سعد ج 3 ص 4. [3] ابن سعد: الأصدا. [4] م: خيلا. [5] م: يحمله. [6] م: يخرج. [7] انظر ابن سعد ج 3 ص 4.

معلمًا بريشة نعامة، ويقال بصوفة بيضاء فِي صدره، وبارز يَوْمَئِذٍ عتبة بْن ربيعة بْن عَبْدِ شمس فَقَالَ حَمْزَةُ: أَنَا أسد اللَّه ورسوله فَقَالَ عتبة: أَنَا أسد الحلفاء، فقتله حَمْزَةُ. وبارز عَلِي عَلَيْهِ السَّلام، الْوَلِيد بْن عتبة بْن ربيعة فقتله، وبارز عُبَيْدَة بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، شَيْبَة بْن ربيعة فاختلفا ضربتين فارتُث عُبَيْدَة وكر حَمْزَةُ وعلي جميعًا عَلَى شَيْبَة فأجهزا عَلَيْهِ وتخلصا عُبَيْدَة فمات بالصفراء، وَقَالَ بَعْضهم أَن الَّذِي بارز حَمْزَةَ شَيْبَة وأن المبارز لعبيدة عتبة. وقتل حَمْزَةُ وعلي يَوْمَئِذٍ حنظلة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حرب وغيره ونكيا فِي العدو نكاية شديدة فَقَالَتْ قريش: مَا فعل الأفاعيل إلا أَخُو صفية وابنها وابن أخيها يعنون حَمْزَةَ والزبير وعلي بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه [1] عَنْهُمْ. وَرَوَى مُحَمَّد بْن إِسْحَاق أَن حَمْزَةَ قتل يَوْم بدر، الأَسْوَد بْن عَبْدِ الأسد الْمَخْزُومِيَّ وطعيمة بْن عدي النوفلي بأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبرًا. عَلِي بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِي عَنْ أشياخه قَالُوا: انصرف حَمْزَةُ يَوْم بدر، ولعلي شارف فنظر حَمْزَةُ إِلَيْهَا وَهُوَ يشرب وَذَلِكَ قبل تحريم الخمر وقينة تغنيهم، فَقَالَت القينة [2] : ألا يَا حمز للشَّرفِ النواء ... وهنَ [3] مُعقّلاتٌ بالفِناء ضع السكين فِي اللبات منها ... فضرجهن [4] حمزةُ بالدماء وعجل من أطايبها لشرب [5] ... كرام من طبيخ [6] أَوْ شواء فقام حَمْزَةُ إِلَى الشارف [7] فنحرها وجبّ سنامها، فشكى عَلِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكى، فَقَالَ حَمْزَةُ: [لَقَدْ أنكرت غيرَ منكر، ومتى لَمْ أكن لَك [8] سيدًا!]

_ [1] زاد في ط: تعالى. [2] انظر تاج العروس مادة: شرف. [3] ن. م.: فهن. [4] ط: فضرجوهن. تاج العروس: وضرجهن. [5] ن. م.: لشرف. [6] د: طبخ. في تاج العروس: طعاما من قديد او شواء. [7] د: السارف (خ) . [8] «لك» ليست في م.

قَالُوا: وحمل حَمْزَةُ لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة بَنِي قينقاع وَلَمْ تكن [1] الرايات يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ اللواء ابيض. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ (674) بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ [2] عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أمية ابن خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا عَبْدَ الإِلَهِ مَنِ الْمُعَلَّمُ بِرِيشِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ؟ قَالَ: ذَلِكَ حَمْزَةُ عَمُّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ذَاكَ الَّذِي فَعَلَ الأَفَاعِيلَ. قَالُوا: وَبَارَزَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ أَبَا نِيَارٍ سِبَاعَ بْنَ عَبْدِ العزى ابن نَضْلَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غُبْشَانَ الْخُزَاعِيُّ، وَكَانَتْ أُمُّهُ قَابِلَةً [3] بِمَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ قَطَّاعَةِ الْبُظُورِ [4] ، فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ وَأَكَبَّ لِيَأْخُذَ دِرْعَهُ فَزَرَقَهُ وَحْشِيٌّ فَقَتَلَهُ. وَقَالَ الكلبي والواقدي: أم انمار [5] بِنْت سباع هَذَا هِيَ مولاة خباب بْن الأرت. واستشهد حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّه [6] عَنْهُ يَوْم أحد عَلَى رأس اثنين [7] وثلاثين شهرًا من الهجرة وَهُوَ ابْن تسع وخمسين سنة [8] ، وَكَانَ رجلًا ربعة لَيْسَ بالطويل ولا القصير [9] قتله وحشي بْن حرب الأَسْوَد عَبْد جُبَيْر بْن مطعم، وَذَلِكَ أَن جبيرًا ضمن لَهُ إِن أصاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [10] أَوْ حَمْزَةَ أَوْ عليًا أَن يعتقه، ويقال إنه كَانَ مولاه وَلَمْ يكن عنده فجعل لَهُ جعلًا، ويقال إنه كَانَ عبدًا لطعيمة بْن عدي. وروي أَن وحشيًا كَانَ عبدًا لابنة الْحَارِث بْن عَامِر بْن نوفل بْن عَبْدِ مناف وَكَانَ أبوها قتل يَوْم بدر فَقَالَتْ لَهُ: إِن قتلت أحد هَؤُلاءِ الثلاثة فأنت عتيق، فلما قتل حَمْزَةَ عتق. ويقال إِن هندًا بِنْت عتبة بن (ربيعة) [11] قَالَتْ لوحشي: إِن قتلت حَمْزَةَ أَوْ عليًا فلك

_ [1] ط، د: يكن. [2] م: سعيد. انظر الطبري س 1 ص 1788. [3] ط: قايلة. [4] م: البطون، ط: البطوذ. وفي شرح نهج البلاغة ج 15 ص 12، ونهاية الارب ج 17 ص 100، ومغازي الواقدي ج 1 ص 285: مقطعة البظور. وانظر لسان العرب مادة: بظر. [5] ط: انما. [6] يضيف ط: تعالى. [7] ط: اثنتين. [8] ابن سعد ج 3 ص 4. [9] م: ليس بالقصير ولا الطويل جدا. [10] «صلى ... وسلم» ليست في د. [11] الأصل: معاوية، والتصويب من جمهرة الأنساب ص 76.

حكمك، فَلَمَّا قتل حَمْزَةَ أعطته سلبها وَمَا كَانَ عَلَيْهَا من حلي وزادته عَلَى ذَلِكَ وكانت فِي رجليها خواتيم فدفعتها إِلَيْهِ. وروي أيضًا أَن حَمْزَةَ لما قتل سباعًا وأكبّ ليأخذ درعه سقط فِي جرف فرماه وحشي بمزراقه فوقع فِي ثنّته [1] حَتَّى خرج من بَيْنَ رجليه فقتله ثُمَّ شقّ بطنه وأخرج كبده فجاء بِهَا إِلَى هند فمضغتها ثُمَّ لفظتها، وجاءت فمثلت به واتخذته مِمَّا قطعت منه مسكتين [2] ومعضدين وخدمتين فقدمت بِذَلِك وبكبده إِلَى مَكَّة فسميت آكلة [3] الأكباد. وعمد مُعَاوِيَة بْن المغيرة بْن أَبِي العاص ابن أمية إِلَى حَمْزَةَ فجدع أنفه فقُتِل عَلَى أحد بَعْد انصراف قريش، وليس لَهُ عقب إلا عَائِشَةَ بِنْت مُعَاوِيَة أم عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان. قَالُوا: وفقد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ فَقَالَ للحارث بْن الصمة الْأَنْصَارِيّ: ألا تعلم لي علم عمي حَمْزَةَ، فمر بِهِ مقتولًا فكره أَن يخبر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِك، فَقَالَ لعلي: ألا تعلم لي علم حَمْزَةَ، فمر بِهِ مقتولًا فكره أَن يخبر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِك، فَقَالَ لسهل بْن حُنيف الْأَنْصَارِيّ: ألا تعلم لي علم حَمْزَةَ، فلقي عليًا والحارث بْن الصمة فأخبراه بخبر حَمْزَةَ فأقام معهما. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمار بْن ياسر: ائتني بخبر حَمْزَةَ، فلم يجد بدًا من أَن يأتيه بِهِ فَأَخْبَرَه بمصابه فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم [وقال: لا أصاب بِمِثْلِهِ فعند اللَّه أحتسبه. وتصفح رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القتلى فوجده فِي بطن الوادي قَدْ مُثِّلَ بِهِ فبكى وَقَالَ: لولا أَن أغمَّ صفية أَوْ تكون سُنة [4] بعدي أَن لا يُدفن القتلى لتركته حَتَّى يُحشر من حواصل الطير وبطون السباع، ولئن أظهرني اللَّه عَلَيْهِم لأمثّلنّ بقتلاهم، فانزل اللَّه: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ (675) به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين [5] فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَل نصبر] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي روايته: وجاءت صفية وكانت أخته لأمه وأبيه تسأل عَنْ خبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخبر حَمْزَةَ فقالت لعلي: كيف رسول الله؟ [6]

_ [1] في هامش د، م: الثنّة: ما بين السرة والعانة. [2] انظر ابن سعد ج 3 ص 5، ومغازي الواقدي ج 1 ص 274. [3] ط: واكلت. [4] الأصل: سبة، والتصويب من نهاية الإرب للنويري ج 17 ص 102. [5] سورة النحل (16) ، آية 126. [6] زاد في م: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ: سالم صَالِح، فسألته عَنْ حَمْزَةَ فلم يبين لَهَا شيئًا من خبره فجعلت تطلبه وَقَدْ تزاحمت الأَنْصَار عَلَيْهِ فلم تره، فَأَمَرَ [1] رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنها الزبير ابن الْعَوَّام فردها فانصرفت. وكفن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ فِي بردة قصُرت عَنْهُ فغطى وجهه وجعل الحرمل عَلَى رجليه. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: [أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَرَآهُ قَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ [2] : لَوْلا أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا لَتَرَكْتُهُ تَأْكُلُهُ الطَّيْرُ الْعَافِيَةُ حتى يحشر من بطونها،] ثم دعى بِنَمِرَةٍ فَكَفَّنَهُ فِيهَا فَكَانَتْ إِذَا مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلاهُ وَإِذَا مُدَّتْ عَلَى رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ. قَالَ: وكثرت القتلى وقلت الثياب فكفّن الرجلان والثلاثة فِي ثوب واحد ودفنوا فِي قبر واحد جميعًا، وجعل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل عَنْهُمْ أيهم أَكْثَر قرآنا فيقدمه [3] إِلَى اللحد، ودفنهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يصلِّ عَلَيْهِم. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو [4] الْوَلِيدِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أقْبَلْتِ امْرَأَةٌ تَسْعَى حَتَّى كَادَتْ تُشْرِفُ عَلَى الْقَتْلَى، قَالَ: فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرَاهُمْ فَقَالَ: الْمَرْأَةَ الْمَرْأَةَ! قَالَ الزُّبَيْرُ: فَتَوَسَّمْتُ فَإِذَا هِيَ أُمِّي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَخَرَجْتُ أَسْعَى إِلَيْهَا فَأَدْرَكْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِي إِلَى الْقَتْلَى قَالَ: فَلَدَمَتْ [5] فِي صَدْرِي، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلِدَةً وَقَالَتْ: إِلَيْكَ لا أَرْضَ لَكَ، قَالَ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَيْكِ، قَالَ: فَوَقَفَتْ وَأَخْرَجَتْ ثَوْبَيْنِ مَعَهَا فَقَالَتْ: هَذَانِ ثَوْبَانِ جِئْتُ بِهِمَا لأَخِي حَمْزَةَ فَقَدْ بَلَغَنِي مَقْتَلُهُ فَكَفِّنُوهُ فِيهِمَا، قَالَ: فَجِئْتُ بِالثَّوْبَيْنِ لِيُكَفَّنَ فِيهِمَا حَمْزَةُ فَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بَحَمْزَةَ فَوَجَدْنَا غَضَاضَةً وَحَيَاءً أَنْ يُكَفَّنَ حَمْزَةُ [6] فِي ثَوْبَيْنِ وَالأَنْصَارِيُّ بِلا كَفَنٍ

_ [1] د، م: وامر. [2] ط: وقال. [3] ط: فيقدمهم. [4] سقط «ابو» من م. [5] انظر لسان العرب مادة «لدم» . [6] سقط «حمزة» من م.

فَقُلْنَا: لِحْمَزَةَ ثَوْبٌ وَلِلأَنْصَارِيِّ ثَوْبٌ، فَقَدَّرْنَاهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنَ الآخَرِ فَاقْتَرَعْنَا [1] بَيْنَهُمَا فَكَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ فِي الثَّوْبِ الَّذِي طَارَ لَهُ [2] . قَالُوا: ودفن حَمْزَةُ وعبد اللَّه بْن جحش بن دياب الأسدي، وأمه أُميمة بِنْت عَبْد الْمُطَّلِبِ وَهُوَ أَخُو زينب بِنْت جحش فِي قبر واحد. وَكَانَ حَمْزَةُ أول من صلى عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشهداء يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ جعل يؤتى بشهيد بَعْد شهيد فيوضع إِلَى جنب حَمْزَةَ فيصلي عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى الشهيد حَتَّى صلى عَلَى حَمْزَةَ سبعين مرة، ونزل فِي قبره أَبُو بَكْر وعمر وعلي والزبير، [وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شفير القبر وَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْت الملائكة غسلت حَمْزَةَ] . [قَالُوا [3] : وانصرف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أُحُد فسمع [4] بكاء النِّسَاء عَلَى قتلاهن فَقَالَ: لكن حَمْزَةَ لا بواكي لَهُ،] فجمع سَعْد بْن مُعَاذِ نساء بَنِي عَبْد الأشهل بْن الأوس إِلَى بَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبكين عَلَى حَمْزَةَ حَتَّى سمع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكاءهن (676) فَقَالَ: قَدْ آسيتن وأحسنتن، ودعا لهن وردهن، فَلَيْس تبكي امْرَأَة من الأَنْصَار مُذْ ذاك ميتها حَتَّى تبدأ بالبكاء عَلَى حَمْزَةَ ثُمَّ تتبع ذَلِكَ بالبكاء عَلَى ميتها. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْوَرْدِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُجْرِيَ عَيْنَهُ الَّتِي بِأُحُدٍ كَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُجْرِيَهَا إِلا عَلَى قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، فَكَتَبَ: انْبِشُوهُمْ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُمْ يُحْمَلُونَ عَلَى أَعْنَاقِ الرِّجَالِ كَأَنَّهُمْ قَوْمٌ نِيَامٌ، وَأَصَابَتِ الْمَسْحَاةُ طَرْفَ رِجْلِ حَمْزَةَ فَانْبَعَثَتْ دَمًا [5] . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَمَرَ بِكَظَامَةٍ [6] تُصْنَعُ لَهُ فَمَرَّتْ بِقَتْلَى أُحُدٍ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا تَنْثَنِي أَطْرَافُهُمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غياث،

_ [1] ط: فزعنا. [2] انظر ابن سعد ج 3 ص 8- 9. [3] انظر ابن سعد ج 3 ص 10 وص 11. [4] ط: فسمعت. [5] الرواية في ابن سعد ج 3 ص 5. [6] الأصل: كطامة. الكظامة: القناة التي تكون في حوائط الأعناب. لسان العرب مادة «كظم» .

حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا [1] أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ الْمَسْحَاةَ أَصَابَتْ قَدَمَ حَمْزَةَ فَدَمِيَتْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ كعب بْن مَالِك الْأَنْصَارِيّ [2] يرثي حَمْزَةَ بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: ولقد هُدِدْتُ لفقد حَمْزَةَ هَدَّةً ... ظلّت [3] بنات القلب [4] منها ترعدُ ولو أَنَّهُ فجع الجبال [5] بِمِثْلِهِ ... ظلت رواسي [6] صخرها تتهدد [7] قرمٌ [8] تمكن فِي ذؤابة هاشم ... حيثُ النبوة والتُّقى والسؤدد التاركُ [9] القِرن الكمي مجدلًا ... يَوْم الكريهة والقنا يتقصد وتراه يرفل فِي الحديد كَأَنَّهُ ... ذو لبدةٍ شثن [10] البراثن أربد عم النَّبِيّ مُحَمَّد وصفية ... ورد الحمام فطاب ذاك المورد وأتى الْمَدِينَةَ [11] معلمًا فِي أُسرة ... نصروا الإله وحقَّه فاستشهدوا [12] ولقد أتاني أنّ [13] هندًا بشرت ... لتميت عاجل [14] غصةٍ لا تبرد مِمَّا صبحنا بالعقنقل [15] قومها ... يومًا تغيَّب فِيهِ عَنْهَا الأسعد

_ [1] د: حدثنا، م: أنبأنا. [2] ترجمته في الاغاني ج 16 ص 165 وما بعدها، وترد القصيدة في سيرة ابن هشام ج 2 ص 165- 6، والديوان ص 189، وفي عيون الاثر ج 2 ص 33، وفي البداية والنهاية ج 4 ص 45. [3] م: ظنت. [4] الديوان وابن هشام: الجوف. [5] ن. م.: فجعت حراء. [6] ن. م.: لرأيت راسي صخرها يتبدد. [7] ط، د: تبدهد، م: تدهد، والتصويب من عيون الاثر. [8] ط: قوم. [9] ابن هشام: والتارك. [10] ط: شئن. [11] ابن هشام والديوان: المنية. [12] ن. م.: ومنهم المستشهد. [13] ن. م.: ولقد اخال بذاك هندا. [14] ن. م.: داخل. [15] ط: العنقا.

وقال أيضا [1] : صفيّة قومي (و) [2] لا تعجزي ... وبكي النساءَ عَلَى حَمْزَة ولا تسأمي أَن تطيلي البكاء ... عَلَى أسد اللَّه فِي الهِزَّة فَقَدْ كَانَ ركنًا [3] لنا راسيًا ... وليث الملاحم فِي البزَّة يريد بذاك رَضِيَ أَحْمَد ... ورضوان ذي العرش والعزة وَقَالَ حسان [4] ويقال كعب بْن مَالِك: بكت عيني وحُقّ لَهَا بكاها ... وَمَا يُغني البكاءُ ولا العويل [5] عَلَى أسد الإله غداة قَالُوا ... أحمزة [6] ذاكم [7] الرجل القتيل أصيب المسلمون بِهِ جميعًا ... هناك وَقَدْ أصيب بِهِ الرَّسُول فِي أبيات. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ حَمْزَةُ مُعَلَّمًا يَوْمَ أُحُدٍ بِرِيشَةِ نِسْرٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ يَهِدُّ النَّاسَ هَدًّا فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المطلب، قال: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلا أَسْرَعَ فِي قَوْمِهِ [8] . حدثني محمد ابن سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ فِيمَنْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ مِنَ ابْنِ خَطَلٍ وَغَيْرِهِ فَهَرَبَ إِلَى الطَّائِفِ، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا هُنَاكَ حَتَّى قَدِمَ فِي وفد اهل الطائف (677) فدخل على

_ [1] انظر سيرة ابن هشام ج 3 ص 166. [2] «و» اضافة من ابن هشام. [3] ابن هشام والديوان: فقد كان عزا لايتامنا. [4] الاغاني ج 4 ص 138 وما بعدها وج 15 ص 120 وما بعدها، وانظر الحماسة البصرية ج 1 ص 201، وسيرة ابن هشام ج 2 ص 171 وقد نسب القصيدة لعبد الله بن رواحة. [5] انظر الكامل للمبرد ج 2 ص 221، والديوان ص 252، والموشح للمرزباني ص 293. وابن هشام ج 3 ص 171. [6] ط: حمزة. [7] الحماسة البصرية: ذلك. [8] انظر مغازي الواقدي ج 1 ص 290.

رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول أشهد أن لا إله إلا اللَّه وَأَشْهَدُ أَن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، [فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَحْشِيٌّ، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ، فَأَخْبَرَه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ قَاتَلَكَ اللَّهُ.] قَالَ وَحْشِيٌّ: فَكُنْتُ إِذَا رَأَيْتُهُ تَوَارَيْتُ، ثُمَّ خَرَجَ النَّاسُ إِلَى مُسَيْلِمَةِ الْكَذَّابِ وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ فَزَرَقْتُهُ بِالْحَرْبَةِ وَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ. وَحَدَّثَنِي الْوَلِيد وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ [1] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنِ الزُّهْرِيّ عَنْ عروة عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عدي بْن الخيار قَالَ: غزونا الشام فِي زمن عُثْمَان فمررنا بحمص فقلنا: وحشي، قَالُوا: لا تقدرون عَلَيْهِ هُوَ الآن يشرب الخمر حَتَّى يصبح، فبتنا من أجله ونحن ثمانون رجلًا فلما صلينا الصبح أتيناه فقلنا لَهُ: حَدَّثَنَا عَنْ قتلك حَمْزَةَ، فكره ذَلِكَ فألححنا عَلَيْهِ فَقَالَ: كنت عبدًا لمطعم بْن عدي فورثني جُبَيْر بْن مطعم فَلَمَّا خرج إِلَى أُحد دعاني فَقَالَ: قَدْ رَأَيْت مقتل عمي طعيمة ابن عدي قتله حَمْزَةُ بَيْنَ يدي مُحَمَّد فَإِن قتلته فأنت حر، ومررتُ بهند بِنْت عتبة فَقَالَتْ: إيه أَبَا دسمة اشتفِ واشف. فَلَمَّا وردنا أُحد رَأَيْت حَمْزَةَ يقدم النَّاس ويهدُّهم هدًّا فكمنت لَهُ خلف شجرة ومعي مزراقي، وعرض لَهُ سباع الخزاعي وكانت أمه ختّانة بمكة وَهِيَ مولاة لشريق بْن عَمْرو الثقفي فقتله، وأزرقه زرقة وقعت فِي ثنته حَتَّى خرجت من بَيْنَ رجليه فقتلته وأمر بهند فأعطتني حليها وثيابها. وَأَمَّا مسيلمة [2] فَإِنِّي زرقته وضربه رَجُل من الأَنْصَار فالله أعلم أينا قتله، إلا أني سمعت امْرَأَة تصيح: قتله العبد الحبشي. قَالَ عُبَيْد اللَّه: فَقُلْتُ أتعرفني؟ فأكرّ [3] بصره ينظر [4] إليّ ثُمّ قَالَ: ابْن عدي لعاتكة بِنْت أَبِي العيص؟ قُلْت: نعم، قَالَ: أما والله مَا لي بك عهد بَعْد أن [5] رأيتك فِي محفتك الَّتِي أرضعتك فِيهَا فعرفت قدميك. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن

_ [1] ترد الرواية في مغازي الواقدي ج 1 ص 286- 7، وفي شرح نهج البلاغة ج 15 ص 12- 13. [2] م: مسيلمة. [3] م: فأحدّ. [4] ط: تنظر. [5] شرح نهج البلاغة: بعد ان دفعتك الى أمك في محفتك التي كانت ترضعك فيها، وفي مغازي الواقدي: بعد ان رفعتك الى أمك في محفتها التي ترضعك فيها.

جَعْفَر: بلغني أن هندًا أعطته خدمتين من جزع ظفار كانتا فِي رجليها ومسكتين من ورق وخواتيم من ورق. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إبراهيم الدورقي، حدثنا أَبُو دَاوُد صاحب الطيالسة، حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سلمة الماجشون، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بن الفضل الهاشمي عن سليمان ابن يسار عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عدي بْن الخيار بْن عدي بْن نوفل قَالَ: أقبلنا من الروم فَلَمَّا كُنَّا بحمص قُلْنَا [1] نأتي وحشيًا فنسأله عَنْ قتل حَمْزَةَ، فانطلقنا فرأينا رجلًا فسألناه عَنْهُ فَقَالَ: هُوَ رَجُل قَدْ غلب عَلَيْهِ شرب الخمر فَإِن أنتم أدركتموه شاربًا فلا تسألوه عَنْ شَيْء وإن وجدتموه صاحيًا فسيخبركم عما تسألونه عَنْهُ. فمضينا نريده فَإِذَا هُوَ قاعد عَلَى بابه، فَلَمَّا رفعنا لَهُ نظر فَقَالَ: ابْن الخيار؟ قُلْت: نعم، قَالَ: والله مَا رأيتك مذ ولدتك أمك بذي طوى فَإِنِّي حملتك إِلَيْهَا فَلَمَّا رُفعت لي قدماك عرفتهما. فَقُلْتُ: جئنا نسألك عَنْ قتلك حَمْزَةَ. فَقَالَ: سأحدثكم كما حدثت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سألني، إني كنت غلامًا عبدًا لآل مطعم بْن عدي فَقَالَ لي ابنهُ: إِن قتلت عمَّ مُحَمَّد بعمّي فأنت عتيق. فخرجت وَمَا لي حاجة إلّا قتل حَمْزَةَ فأخذتُ حربتي وأنا من الحبشة ألعب بالحربة لعبَهم وَذَلِكَ يَوْم أُحد، فنظرتُ إِلَى حَمْزَةَ وَهُوَ مثل البعير الاورق ما يرفُع لَهُ أحد إلا قمعه بالسَيْف فهبتهُ هيبة شديدة ونظرت كَيْفَ أصنع فبدرني إِلَيْهِ سباع فَلَمَّا رآه حَمْزَةُ قَالَ: هلم إليّ يَا ابْن مقطّعة البظور [2] ، وكانت أمه ختّانة، (678) فدنا منه فضربه ضربة بالسَيْف ففرغ [3] منه، فهبتُه وفرقته فاستترت بشجرة وأمَلتُ حربتي حَتَّى إِذَا رضيتُ موقعها أرسلتها فوقعت بَيْنَ ثندوتيه فَذَهَبَ ليقوم فلم يستطع، ثُمَّ أخذت الحربة وجلست فَمَا قاتلت أحدًا قبل ولا بَعْد ولا قتلته، فلما قدمت مكة عتقت. وقال الْكَلْبِيُّ: قتل وحشي حَمْزَةَ وشرك فِي قتل مسيلمة فكان يَقُول: قتلت خير النَّاس وشر النَّاس. قَالَ: وَقَالَتْ صفية بِنْت عَبْد الْمُطَّلِبِ: أشرفت من الأطم فرأيت رجلًا زرق أَخِي بمزراق فَقُلْتُ: أَوْ من سلاحهم المزاريق، وَلَمْ ادر انه انما وقع

_ [1] ط: فكنا. [2] م: البطون. [3] ط: ففزع.

واما المقوم بن عبد المطلب،

بأخي حَمْزَةَ [1] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ ميمون وعمرو بن محمد قالا، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ تَأْتِي قَبْرَ حَمْزَةَ فَتَرُمُّهُ وَتُصْلِحُهُ. وَحَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ الْمُرَجَّى عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: لَمَا نَاحَ نِسَاءُ الانصار على حمزة قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يَتَسَمَّعُ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ مِنَ الْغَدِ يَنْهَى عَنِ النِّيَاحَةِ كَأَشَدّ مَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ قَطُّ وَقَالَ: [كُلُّ نَادِبَةٍ كَاذِبَةٌ إِلا نَادِبَةَ حَمْزَةَ.] وَأَمَّا المقوم بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ أَخُو حَمْزَةَ لأمه، فكان يكنى أَبَا بَكْر، وَمَاتَ عَبْد الْمُطَّلِبِ وَهُوَ ابْن خمس [2] عشرة سنة، وَمَاتَ هُوَ قبل المبعث بست سنين. وَكَانَ للمقوم ابْنَة تزوجها عَمْرو ابن محصن أحد بَنِي مبذول بْن مَالِك بْن النجار من الخزرج يُقَالُ لَهَا هند فولدت لَهُ بشيرًا، وَهُوَ أَبُو عمرة بْن محصن قتل مَعَ عَلِي يَوْم صفين. وكانت عِنْدَ مَسْعُود بْن معتب الثقفي فأخته بِنْت المقوم، وفاخته لقب وكانت تكنى أم عَمْرو. وكانت عِنْدَ أَبِي سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أروى بِنْت المقوم فلها منه بنات. وأم ولد المقوم بِنْت عَمْرو بْن جعونة بْن عربة من بَنِي سهم. وَأَمَّا حجل بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ أَخُو حَمْزَةَ أيضًا لأمه، فكان اسمه المغيرة والحجل لقب وَهُوَ اليعسوب، وَكَانَ أصغر من المقوم بسنة مَاتَ بَعْد المقوم بسنة فاستكمل عمره، قَالَ ابْن الأَعْرَابِيِّ: أخبرني بِذَلِك المسيبي. قَالَ: وَكَانَ لحجل ابن يقال له قُرَّةُ بْن حجل وَبِهِ كَانَ يكنى وَهُوَ القائل: اذكر ضرارا إِن عددتَ فتى ندًى ... والصتم حجلًا والفتيّ الرآسا واذكر زبيرا والمقوّم بعده ... والليث حَمْزَةَ واذكر العباسا وَقَدْ كتبنا أبياته عَلَى تأليفها فيما تقدم. وَأَمَّا الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبِهِ كَانَ يكنى، فأن كنيته أَبُو ربيعة ويقال أَبُو المغيرة. وَمَاتَ قبل مولد

_ [1] انظر مغازي الواقدي ج 1 ص 288. [2] ط: خمسة.

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أكبر أخوته وأمه صفية بِنْت جُنيدب [1] من بَنِي سُواءة [2] بْن عامر بْن صعصعة. وَكَانَ لَهُ من الولد [3] ربيعة وَهُوَ أسنّ من عمه الْعَبَّاس بسنتين ويقال أربع، أسر يَوْم بدرِ كافرًا ففداه الْعَبَّاس ثُمَّ أسلم، وَقَدْ روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يكنى أَبَا أروى وداره بالمدينة فِي بَنِي جَدِيلة وَمَاتَ فِي خلافة عُمَر بْن الْخَطَّاب. [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الرجل ربيعة لو قصَّ من شعره وشمّر من ثوبه.] وَكَانَ لربيعة ابْن يُقَالُ لَهُ آدم قتلته بنو ليث فِي حرب كَانَتْ بينهم وبين هذيل، وَكَانَ مسترضعًا لَهُ فِي هذيل فأصابه حجر وَهُوَ يحبو فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمه مع ما وضع من الدماء فِي الجاهلية (679) يَوْم الفتح. قَالَ أَبُو عَمْرو الشيباني وغيره: خرج حذيفة بْن أَنَس الشاعر بقومه غازيا لبني الدّيل وبكر ابن كنانة فوجدهم قَدِ انتقلوا عَنِ المنزل الَّذِي عهدهم فِيهِ ونزله بنو سَعْد بْن ليث فأغار عَلَيْهِم فقتل آدم بْن ربيعة وَكَانَ مسترضعًا لَهُ فيهم وَهُوَ صَغِير. ومن ولد ربيعة، مُحَمَّد بْن ربيعة بْن الْحَارِث ويكنى أَبَا حمزة وَكَانَ فقيهًا. ومن ولد ربيعة عَبْد الْمُطَّلِبِ بْن ربيعة. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ [4] : مَشَى بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى الْعَبَّاسِ فَقَالُوا: كَلِّمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْنَا مِنَ هَذِهِ السِّعَايَةِ [5] عَلَى الصَّدَقَاتِ مَا يَجْعَلُ إِلَى النَّاسِ. قَالَ: فَبَعَثَ الْعَبَّاسُ ابْنَهُ الْفَضْلَ وَبَعَثَنِي أَبِي رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ فَأَجْلَسَنِي وَالْفَضْلُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِي وَأُذُنِ الْفَضْلِ فَقَالَ: أَخْرِجَا مَا تصرِّرانِ [6] ، فَقُلْنَا: بَعَثَنَا إِلَيْكَ عَمُّكَ وَاجْتَمَعَ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْأَلُونَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي هَذِهِ السِّعَايَةِ [7] ، [فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَبَى لَكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يُطْعِمَكُمْ أَوْسَاخَ أَيْدِي النَّاسِ، أَوْ قَالَ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ، وَلَكِنْ لكما عندي الحباء والكرامة،

_ [1] في نسب قريش لمصعب الزبيري ص 18: جندب. [2] ط: سوادة. انظر جمهرة النسب ج 1 لوحة 92، وجمهرة الأنساب ص 273. [3] انظر نسب قريش 2 85. [4] وردت هذه الرواية من قبل، انظر ص 24- 25 من هذا الجزء. [5] ط: السقاية. [6] ط: تسرران، وكذا في الرواية نفسها ص 25. وانظر لسان العرب مادة «صرر» . [7] وردت هذه الرواية من قبل، انظر ص 24- 25 من هذا الجزء.

أما أنت يا فضل فقد زوجتك فلانة وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ رَبِيعَةَ فَقَدْ زَوَّجْتُكَ فُلانَةً،] فَرَجَعْنَا فَأَخْبَرْنَا بِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رُوِيَ أيضًا أَنَّ الْعَبَّاسَ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم ومعه الفضل و (عبد) الْمُطَّلِبِ فَكَلَّمَهُ فِي تَوْلِيَتِهِمَا الصَّدَقَةَ وَقَالَ: قَدْ بَلَغَا وَلا نِسَاءَ لَهُمَا، [فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَمَا أَنَا بِمُوَلِّيهِمَا] . ومن ولد ربيعة، مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن ربيعة كَانَ ناسكًا فاضلًا. من ولده عَبْد اللَّهِ بْن سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ولي اليمن، ومحمد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن سُلَيْمَان ولاه الرشيد الْمَدِينَةَ، والمغيرة بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ أَبُو سُفْيَان الشاعر الَّذِي كَانَ يهاجي حسان بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ وفيه يَقُول: أبوك أَبُو سوءٍ وخالك مثله ... ولست بخير من أبيك وخالكا وَكَانَ يَقُول فِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أسلم فِي الفتح فحسن إسلامه، وَمَدَحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الَّذِي يَقُول: لعمرك إني يَوْمَ أحملُ راية ... لِتغْلِبَ خيلُ اللاتِ خيلَ محمدِ لكالمدلج الحيران أظلمَ ليلُه ... فهذا أواني اليوم أهدي وأهتدي فِي أبيات. وأسلم أَبُو سُفْيَان بْن الْحَارِث فِي الفتح فحسن إسلامه وصبر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين، [وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ ابْن أمي ومن خير أهلي، وَقَالَ: إني لأرجو أَن تكون [1] خلفًا من حَمْزَةَ.] وَمَاتَ أَبُو سُفْيَان بالمدينة سنة عشرين وصلى عَلَيْهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب ودفن فِي دار عقيل بْن أَبِي طَالِب. وأم أَبِي سُفْيَان (و) [2] ربيعة ونوفل وعبد شمس وعبد اللَّه وأميَّة بَنِي الْحَارِث غُزَيَّة [3] بِنْت قَيْس بْن طريف بْن عَبْدِ العُزي بْن عَامِر [4] من بَنِي الْحَارِث ابن فهر. ومن ولد أَبِي سُفْيَان، جَعْفَر بْن أَبِي سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يذكر أهله أَنَّهُ أدرك مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنينًا وَمَاتَ فِي وسطٍ من ايام

_ [1] ط: يكون. [2] م: ابن. انظر جمهرة الأنساب ص 70. [3] نسب قريش ص 85، وجمهرة النسب ج 1 لوحة 35: عديّة. [4] نسب قريش ص 85: عامرة.

مُعَاوِيَة. ومن ولد الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (680) نوفل بْن الْحَارِث وَكَانَ يكنى أَبَا الْحَارِث، ويقال إنه مُحَمَّد، ثبت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين وَمَاتَ لسنتين من خلافة عُثْمَان [1] . ومن ولده المغيرة بْن نوفل ولاه الْحَسَن بْن عَلِي الكوفة حِينَ سار إِلَى مُعَاوِيَة، وسعيد بْن نوفل كَانَ فقيهًا، والصلت بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن نوفل كَانَ فقيهًا، وعبد اللَّه بْن المغيرة بْن نوفل بْن الْحَارِث أَبُو مُحَمَّد هلك فِي زمن عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز. وَكَانَ لوط بْن إِسْحَاق بْن المغيرة بْن نوفل بْن الحارث، ويكنى أَبَا المغيرة، عابدًا عالمًا فقيهًا مَاتَ فِي خلافة أَبِي جَعْفَر أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، وَمَاتَ ابنه مُحَمَّد بْن لوط فِي خلافة أَبِي جَعْفَر أيضًا. ومن بَنِي [2] نوفل يَزِيد بْن عَبْدِ الملك بن المغيرة ابن نوفل ويكنى أَبَا خَالِد، وَكَانَ فقيهًا مَاتَ بالمدينة سنة سبع وستين ومائة. وَمِنْهُم الزُّبَيْر بْن سَعِيد بْن سُلَيْمَان بْن نوفل بْن الحارث، يكنى أَبَا القاسم، مَاتَ فِي أَيَّام الْمَنْصُور أَبِي جَعْفَر. ومن ولد جَعْفَر بْن الْحَارِث، الْحَارِث بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - واستعمله عَلَى بَعْض أعمال مَكَّة، وولاه أَبُو بَكْر وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّه [3] عَنْهُمْ مَكَّة ثُمَّ انتقل إِلَى البصرة واختط بِهَا دارًا ونزلها فِي ولاية عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كُريز وَمَاتَ فِي آخر خلافة عُثْمَان. وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب أول من ولي الْقَضَاء بالمدينة فِي زمن مَرْوَان بْن الحكم وَمَاتَ فِي سنة أربع وثمانين. وَقَالَ أَهْل بيته مَاتَ فِي زمن مُعَاوِيَة، وَكَانَ يشبّه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنكروا أَن يَكُون ولي الْقَضَاء. ومن ولد نوفل، عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن نوفل بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ بَبَّة، وإنما سمي ببة لأن أمه هند بِنْت أَبِي سُفْيَان بْن حرب وأمها أم عمرو ابنة أبي عمرو بن امية [4] كانت تزفنه صغيرًا أي ترقصه فتقول: لأُنِكحن بَبه ... جارية خدبّه [5] عظيمة كالقبه ... إِذَا بدت فِي نقبه تمشطُ رأس لعبه ... تجب أَهْل الكعبه كريمة في النسبه

_ [1] هامش ط، د: عمر مع اشارة خ. (2) بن امية» سقطت من م. [2] م: ولد. [3] زاد في ط: تعالى. [4] «بن امية» سقطت من م. [5] الطبري س 2 ص 451: جارية في قبة.

وَكَانَ مِمَّنْ سفر بَيْنَ الْحَسَن بْن عَلِي وبين مُعَاوِيَة فِي الصلح ونزل مَعَ أَبِيهِ بالبصرة. وَكَانَ سَأَلَ مُعَاوِيَة توليته فَقَالَ: لام آلف، يَعْنِي لا، وولاه عُبَيْد اللَّه بْن زِيَاد أمر مدينة الرزق وأعطاء النَّاس، وحبسه ابْن زِيَاد ثُمَّ خلى سبيله. ولما هاج أَهْل البصرة [1] بابن زِيَاد بَعْد موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَة واستخفى ابْن زِيَاد فِي منزل مَسْعُود بْن عَمْرو الْأَزْدِيّ، التمس أَهْل البصرة من يقوم بأمرهم فقلدوا الاختيار لَهُم النعمان بْن صهبان الراسبي وقيس بْن الهيثم السُّلمي. وَكَانَ رأي قَيس فِي بَنِي أمية ورأي النعمان فِي بَنِي هاشم، فخلا النعمان بْن صهبان بقيس فَقَالَ لَهُ: الرأي أَن نقيم رجلًا من بَنِي أمية، فَقَالَ: نِعْمَ مَا رأيت، فخرجا إِلَى النَّاس فَقَالَ قَيس: قَدْ رضيت بمن رَضِيَ بِهِ النعمان وسماه لكم، فَقَالَ النعمان: قد اخترت لكم عبد الله ابن الْحَارِث بْن نوفل بْن الْحَارِث الهاشمي، فَقَالَ لَهُ قَيس: لَيْسَ هَذَا بالذي أعلمتني أنك تختاره، فَقَالَ: بلى لعمري مَا ذكرتُ غيره أفَبَدَا لَك وَقَدْ مضى الأمر! فرضوا بِهِ وبايعوه إِلَى [2] أَن يجتمع [3] النَّاس عَلَى إمام [4] ومكث عَلَيْهِم أشهرًا. ثُمَّ إِن (681) الأمور انتشرت واضطربت فَقِيلَ لبّبه: قَدْ أكل بَعْض النَّاس بعضًا وظهر الفساد حَتَّى أَن المرأة لتؤخذ فتفضح فلا يمنعها أحد، وَقَدِ انتشرت الخوارج بالمصر، قَالَ: فماذا ترون؟ قَالُوا: تبسط يدك وتشهر سَيْفك، قَالَ: مَا كنت لأصلحكم بفساد نفسي وديني، يَا غلام هات نعلي، فأعطاه نعله فلبسها ومضى إِلَى أهله [5] ، وَقَالَ: ولّوا أمركم من شئتم، فأمّروا عَلَيْهِم عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي من قريش. وقدم بعده القباع من قبل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، وَكَانَ عُمَر قَدْ أَخَذَ البيعة لابن الزُّبَيْر فزعم بَعْضهم أَنَّهُ كتب إِلَيْهِ بولايته ثُمَّ بعث بالقباع بعده. ثُمَّ إِن ببّة خرج مع عبد الرحمن ابن مُحَمَّد بْن الأشعث فَلَمَّا هزم ابْن الأشعث خاف ببّه الْحَجَّاج فهرب إِلَى عمَان فمات بِهَا بَعْد دخولها بقليل وَهُوَ شيخ كبير. وَكَانَ فِي أذن ببّه ثقل. ويقال إِن

_ [1] انظر الطبري س 2 ص 446- 7. [2] ط: على. [3] ط: يجتمعوا. [4] انظر الطبري س 2 ص 444- 5، وص 446- 7. [5] انظر الطبري س 2 ص 465- 6.

أَهْل البصرة ولّوا بَعْد ببَّة عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن مَعْمَر أَوْ أخاه (عُبَيْد الله بن عبيد الله) ابن مَعْمَر [1] ثُمَّ ولى ابْن الزُّبَيْر عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه فأستخلف أخاه عُبَيْد اللَّه. وَكَانَ ببّه قَدْ تناول من مال عمله أربعين ألفًا من بَيْت المال واستودعها رجلًا فأخذه بِهَا عُمَر وحبسه وعذب مَوْلَى لَهُ فأدّاها. وَقَالَ يَزِيد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الشخير لببة: أصبت من المال وزعمت أنك اتقيت الدّم، فَقَالَ: تبعة المال أهون من تبعة الدم. وَقَالَ الهيثم بْن عدي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عياش، إِن أَهْل البصرة كتبوا إِلَى ابْن الزُّبَيْر: إنّا قَدِ اصطلحنا عَلَى ببَّة، فأقره عَلَيْهِم سنة ثُمَّ ولّى القباع الْمَخْزُومِيَّ، والخبر الأَوَّل أثبت، فَقَالَ الشاعر الحنظلي: وبايعتُ أقوامًا وفيتُ بعهدهم ... وبايعتُ عَبْد اللَّهِ أَهْل المكارم وفيتُ لَهُ لما عقدتُ وَلَمْ يكن ... أمية لولا العهد عندي كهاشم وَكَانَ أَهْل البصرة يقولون: قَدْ خطبَ الجمعةَ بانكويه ... أميرُنا ببَّة لا لُبَيّه وَقَالَ الفرزدق: وبايعتُ أقوامًا وفيتُ بعهدهم ... وببَّةَ قَدْ بايعتُه وَهُوَ نائم [2] وَكَانَ من ولد ببة الأرجوان وَهُوَ عبيد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ ببة بْن الحارث بن نوفل ابن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَحُدَّ فِي الشراب مرتين. وَكَانَ من ولد ببة عَبْد اللَّهِ ابن عَبْدِ اللَّهِ ببة بْن الْحَارِث أَبُو يَحْيَى، قتلته [3] الشموس والسموم بالأبواء سنة تسع وتسعين وهو مع سليمان بن عَبْد الْمَلِك وَهُوَ صَلَّى عَلَيْهِ. وَكَانَ من ولد الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَبْد الرَّحْمَن بن العباس بن ربيعة بن

_ [1] في د، م: أو أخاه عبد الله بن معمر ولم يرد هذا في ط. وليس لعمر أخ بهذا الاسم والتصويب من الطبري س 2 ص 465 وص 580. انظر نسب قريش ص 288- 290 وجمهرة النسب ج 1 لوحة 21. [2] في الطبري س 2 ص 147: بايعته غير نادم. ولم يرد البيت في الديوان. [3] م: قتله.

الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وأخوه الفضل بْن الْعَبَّاس، وابنه الفضل بْن عَبْدِ الرَّحْمَن الَّذِي يَقُول: إِذَا مَا كنت متخذًا خليلًا ... فلا تجعل خليلك من تميم [1] بلونا حُرّهم [2] والعبدَ مِنْهُم ... فَمَا عُرف [3] العبيدُ من الصميم موالينا إِذَا احتاجوا إلينا [4] ... وسيرٌ قُدَّ من وسط الأديم وأعداءٌ إِذَا مَا النعل زلّت ... وأولُ من يغير عَلَى الحريم وَهُوَ الَّذِي رثي زَيْد بْن عَلِي، وَقَدْ كتبنا شعره مَعَ مقتل زَيْد. وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَن مَعَ ابْن الأشعث وشخص مَعَهُ إِلَى سجستان فتأمّر بِهَا عَلَى فلّه حِينَ لجأ ابْن الأشعث إِلَى رتبيل، وصار إِلَى خراسان فغلب عَلَى هراة فزحف إِلَيْهِ يَزِيد بْن المهلب فهزمه (682) يَزِيد وأمر أَن لا يتبع وأن يمسك عَنْهُ فمضى إِلَى السند فمات بِهَا. وَكَانَ يُقَالُ لعبد الرَّحْمَن هَذَا روّاض البغال وَكَانَ يتخذها ويجيد ركوبها، وقاتل أيضًا بأهل البصرة وأهل الكوفة مِمَّنْ كَانَ مَعَ ابْن الأشعث بالمربد حَتَّى هزم، وَكَانَ يَقُول: أَنَا ابْن عَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ... للاجر يَوْم المربد من [5] محتسب ابيض شارٍ بالدماء [6] مختضب ثُمَّ هرب فلحق بسجستان، فَقَالَ الفرزدق: وأفلت روّاض البغال ولم تدع ... له الخيل في (عرسيه) [7] اذفرّ مشغرا وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود بْن القتات قَالَ: لما بلغ عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن موت الفضل بْن عَبْدِ الرَّحْمَن وجم حَتَّى عرف ذَلِكَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ مَا الخبر فقال:

_ [1] انظر الكامل للمبرد ج 3 ص 176، ومعجم الشعراء للمرزباني ص 310، ونسب قريش ص 89. [2] الكامل ونسب قريش: بلوت صميمهم، معجم الشعراء ص 310: بلوت العبد والصرحاء منهم. [3] معجم الشعراء: ... فما ادري، نسب قريش: فما ادني العبيد. [4] في هامش معجم الشعراء: فاخوتنا إذا ما كان أمنا. [5] ط: ابن. [6] م: شاربا بالدماء. [7] د: عريسة، ط، م: غرسية، ولعل الصواب ما أثبتنا. ويرد الشطر الثاني في الديوان ج 1 ص 240: له الخيل من اخراج زوجيه معشرا.

رؤيا عبد المطلب

مَاتَ سيدنا بالعراق الفضل بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن الْعَبَّاس بْن ربيعة بْن الْحَارِث. وَكَانَ الفضل زَيْديًا وَمَاتَ فِي سنة تسع وعشرين ومائة. [رؤيا عَبْد الْمُطَّلِبِ] حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ عَبْدِ مَنافٍ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَحْتَفِيَ زَمْزَمَ وَيَحْفُرَهَا، وَدُلَّ مَوْضِعَهَا، وَكَانَتْ جُرْهُمُ دَفَنَتْهَا عِنْدَ إِخْرَاجِ خُزَاعَةَ إِيَّاهَا عَنْ مَكَّةَ، فَنَازَعَتْهُ قُرَيْشٌ حِينَ حَفَرَ زَمْزَمَ فِي حَفْرِهَا وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْوَلَدِ إِلا الْحَارِثُ وَحْدَهُ فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَتَسْتَطِيلُ عَلَيْنَا وَأَنْتَ فَذٌّ لا وَلَدَ لَكَ إِلا الْحَارِثَ! فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: أَأَنْتَ تَقُولُ هَذَا؟ وَإِنَّمَا كَانَ نَوْفَلٌ أَبُوكَ فِي حِجْرِ هَاشِمٍ، وَكَانَ هَاشِمٍ خَلَفٌ عَلَى أُمِّهِ وَافِدَة نِكَاحِ مقت، ابالقلة تعيرني؟ فو الله لَئِنْ آتَانِي اللَّهُ عَشرَةً مِنَ الذُّكُورِ لأَنْحَرَنَّ أَحَدُهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ. فَآتَاهُ عَشرَةُ فَأَقْرَعَ [1] بَيْنَهُمْ فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هُوَ أَمْ مِائَةٌ مِنْ تَلادِ إِبِلِي، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِائَةٍ مِنْ إِبِلِهِ فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةِ عَلَى الْمِائَةِ فَنَحَرَهَا وَقَسَّمَهَا فِي فُقَرَاءِ مَكَّة وَمَنْ وَرَدَهَا مِنَ الاعراب. وقال الواقدي: تكاءد عَبْد الْمُطَّلِبِ حفر زمزم فَقَالَ: لئن تمّ حفرها لأنحرنّ بَعْض ولدي، فوقعت القرعة عَلَى عَبْد اللَّهِ فاقرع بينه وبين مائة [2] ناقةٍ من إبله فوقعت القرعة عَلَى الإبل فنحرها. وَمَاتَ الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي السنة الَّتِي نحر فِيهَا عَبْد الْمُطَّلِبِ الإبل وَكَانَ لابنه ربيعة بْن الْحَارِث حِينَ مَاتَ أَبُوهُ سنتان. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ نحر الإبل قبل الفيل بخمس سنين، فكان ربيعة أسنّ من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبع سنين لأَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد فِي عام الفيل. وَكَانَ ربيعة أسن من عمه الْعَبَّاس بأربع سنين. وَكَانَ الْعَبَّاس أسن من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين. وكانت لمحمد بْن ربيعة بْن الْحَارِث شعرة حسنة فذهبت، فكان أَبُو هُرَيْرَةَ الدوسي يَقُول: إِنَّمَا مثل الدنيا مثل جُمَّة [3] أَبِي حَمْزَةَ مُحَمَّد بْن ربيعة. وكانت للحارث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَة يُقَالُ لها

_ [1] ط: وأقرع. [2] زاد في ط: من. [3] ط: حمة.

أروى تزوجها أَبُو وداعة بْن صُبيرة السهمي. (683) وَكَانَ لأبي سُفْيَان بْن الْحَارِث من الولد جَعْفَر وأبو هياج، أمهما جمانة بِنْت أَبِي طَالِب ولا عقب لهما، ويقال أَن جَعْفَرًا شهد وقعة حنين مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت عنده [1] أروى بِنْت المقوّم فولدت لَهُ بنات. وَكَانَ من ولد الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لصلبه عَبْد شمس فولده قليل يُقَالُ لَهُمْ المّوْزة بالشام، وَهُمْ بالشام وَلَهُمْ عدة لا يزيدون عَلَيْهَا، وَقَالَ بَعْض الرواة إنهم لَمْ يزيدوا عَلَى اثنين قط، وَقَالَ بَعْض المدنيين هُوَ عَبْد شمس بْن ربيعة بن الحارث. وكانت عِنْدَ تميم الداري أم حَكِيم من ولد نوفل بْن الْحَارِث. وكانت رقية ابْنَة سَعِيد بْن نوفل بْن الْحَارِث عِنْدَ بَكْر بْن حصين بْن ربيعة بْن أُويس بْن سَعِيد [2] بْن أَبِي سرح، من بَنِي عامر بْن لؤي، وكانت تقدمت إِلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان وَهُوَ بالمدينة فتكلمت فِي أمر زوجها فَقَالَ: ومن زوجك؟ قَالَتْ [3] : بَكْر بْن حُصين، قَالَ: اذكري أبًا آخر، قَالَتْ: عهدي بالقوم [4] حَدِيث إلا أَنَّهُ يُنسب إِلَى أويس، فَقَالَ: ويحك أوَ تنكح [5] الحرة عبدها! فَقَالَتْ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ: إن القبور تنكح الأيامى ... النسوة الأرامل اليتامى المرء مَا تبقى لَهُ السُّلامى فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: لعن اللَّه هِشَام بْن إِسْمَاعِيلَ، وَكَانَ عامله عَلَى الْمَدِينَةِ، وقضى حاجتها. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن المغيرة بْن نوفل بْن الْحَارِث ويكنى أَبَا مُحَمَّد محدَّثًا هلك فِي أَيَّام عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز. وَكَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن نوفل ويكنى أَبَا يَحْيَى محدِّثًا قتلتهُ السموم [6] بالأبواء سنة تسع وتسعين وَهُوَ مَعَ سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِك وصلى عَلَيْهِ سُلَيْمَان وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيّ. وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: كَانَ يُقَالُ للحارث

_ [1] كرر ط، د النص من «اروى تزوجها» الى «وكانت عنده» . [2] ط، د: سعد. انظر جمهرة الأنساب ص 170. [3] م: قال. [4] ط: با اقوم. [5] ط: ينكح. [6] د، م: الشموم.

واما قثم بن عبد المطلب،

الأرَت، وكانت ابنته بُحينة عِنْدَ مَالِك الْأَزْدِيّ حليفهم، وعبد اللَّه بْن بُحينة أحد المحدثين. وَأَمَّا قثم بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وأمه صفية بِنْت جنيدب [1] أم الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فدرج صغيرًا. وَقَالَ غَيْر الْكَلْبِيِّ: مَاتَ قبل مولد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين وَهُوَ ابْن تسع سنين فوجد عَلَيْهِ عَبْد الْمُطَّلِبِ [2] وجدًا شديدًا وَكَانَ لَهُ محبًّا يتبرك بِهِ، فَلَمَّا ولد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماه عَبْد الْمُطَّلِبِ قثم فأخبرته أمه آمنة أَنَّهَا أُرِيت فِي منامها أَن تُسَميه محمدًا فسماه محمدًا. وَأَمَّا أَبُو لهب، فاسمه عَبْدُ الْعُزَّى بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ فائق الجمال فكناه أَبُوهُ أَبَا لهب لِذَلِكَ، وكانت كنيته أَبَا عتبة ويقال أَبَا [3] عتيبة، وأمه لُبْنَى بِنْت هاجر بْن عَبْدِ مناف بن ضاطر ابن حبشيَّة بْن سلول من خزاعة [4] . وَكَانَ جوادًا وفيه يَقُول حذافة بْن غانم العدوي [5] : أَبُو عتبة الملقي إليّ حباله ... أغر هجان اللون من نفرٍ غر [6] وَمَاتَ بَعْد وقعة بدر بسبعة أَيَّام وَلَمْ يشهدها لأنه وجه العاص بْن هِشَام الْمَخْزُومِيَّ مكانه، وَكَانَ لاعَبه عَلَى إمرةٍ مطاعة فقمره فبعثه إِلَى بدر بديلًا منه فقتله عمر ابن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه [7] عَنْهُ. وَكَانَ لأبي لهب من الولد [8] عُتْبة ومُعَتِّب وعُتيبة [9] . وَكَانَ عتيبة سمع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: والنجم إذا هوى [10] فَقَالَ: كفرت برب النجم، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (684) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كلبًا من كلابك] فَإِنَّهُ لبحوران من أرض الشام إذ اقبل اسد فجعل يتشمّم اصحابه

_ [1] في نسب قريش: بنت جندب بن حجير بن رئاب ص 18. [2] م: المطلب خ. [3] ط: ابو. [4] انظر نسب قريش ص 18. [5] م: العذري. [6] م: غد، ط: غز. [7] زاد في ط: تعالى. [8] انظر نسب قريش ص 89. [9] ط: عيينة. انظر جمهرة الأنساب ص 72، ونسب قريش ص 89. [10] سورة النجم (53) ، آية 1.

واحدًا واحدًا حَتَّى بلغ إِلَيْهِ فضمغه ضمغة فجعل يَقُول، وَهُوَ بآخر رمق: ألم أقل لكم إِن محمدًا أصدق النَّاس، ثُمَّ مَاتَ. وَقَالَ بَعْضهم احتمله الأسد فأكله. وأم أولاد أبي لهب أم جميل بنت حرب بْن أمية، أمها أزدية. وَكَانَ موت أَبِي لهب بداء يعرف بالعَدّسة. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه وغيره، قَالُوا: أُرِيَ عَبْد الْمُطَّلِبِ أَن يحتفر [1] زمزم وكانت جرهم دفنتها وطمّتها، فَلَمَّا احتفرها وجد غزالا من ذهب وفضة مقرّطا مشنّفا فصيره فِي الْكَعْبَة. وَكَانَ لمقيس [2] بْن قَيْس بْن عدي السهمي قينتان يُقَالُ لهما أسماء وعثمة، وَكَانَ بيته مألفًا لرجال من قريش وَكَانَ أَبُو لهب بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ والحكم بْن أَبِي العاص بْن أمية والحارث بْن عامر بْن نوفل بْن عَبْدِ مناف وأبو إهاب بْن عزيز بْن قَيْس بْن سُوَيْد بْن ربيعة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم بْن مَالِك بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم حليف بَنِي نوفل بْن عَبْدِ مناف وديك ودُييك موليا خزاعة يجتمعون [3] عنده، فَإِن هَؤُلاءِ جميعًا لعنده إذ نفدت خمرهم وأقبلت ضافطة من الشام فَقَالَ أَبُو لهب: مَا أعلم موضع شَيْء نبتاع بِهِ خمرًا إلا غزال أَبِي الَّذِي فِي الْكَعْبَة، فأعظم الْقَوْم ذَلِكَ وأبوه فَقَالَ: أَنَا أحق النَّاس بِهِ قوموا بنا، فقاموا مَعَهُ فسرقوا الغزال واشتروا ببعضه خمرًا وحلّى أَبُو لهب منه القينتين وحلاهما الْحَارِث بْن عامر بْن نوفل من قسمه قرط الغزال أَوْ شنفه، فَقَالَ فِيهِ أَبُو إهاب بْن عزيز: أبلغ منافًا إِذَا جئتها ... فأيّ فتى ولدت نوفل إِذَا شرب الخمر أغلَى بِهَا ... وإن جهدت جهدها العذل دعاه إِلَى الشنف شنف ... الغزال هواه لخصمانة عيطل

_ [1] ط، د: يحتفي. [2] ط: ذقيس. انظر المحبر لابن حبيب ص 437. [3] م: مجتمعون.

وَقَالَ حسان بْن ثابت لأبي إهاب بْن عزيز: أَبَا إهاب أَبِنْ لي عَنْ حَدِيثكم ... اين الغزال عليه القرط من ذهب [1] فطلب قريشٌ سَرَقَةَ الغزال فقطعوا بَعْضهم وهرب بَعْض ولجأ أَبُو لهب إِلَى أخواله من خزاعة فمنعوه ودفعوا قريشًا عَنْهُ، وَكَانَ أشدّ قريش طلبا لسرقة الغزال عبد الله ابن جُدعان التَّيْمِيُّ، فَقَالَ الشاعر فِي منع خزاعة من أَبِي لهب: هُمُ منعوا الشَّيْخ المنافيّ بعد ما ... رَأَى الشفرة الحجناء فَوْقَ البراجم [2] وَقَدْ كتبنا لأبي لهب أخبارًا فيما تقدم من كتابنا فلم يحتج إِلَى إعادتها. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَت ابْنَة زرارة بن عدس بن زيد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم عِنْدَ سُوَيْد بْن ربيعة جدّ أَبِي إهاب بْن عزيز، وَكَانَ المنذر بْن ماء السماء- وَهِيَ أمه وَهِيَ من ولد النمر بْن قاسط- وضع ابنًا لَهُ عِنْدَ زرارة يُقَالُ لَهُ مَالِك، فمرّ مَالِك بإبِل لسويد فأعجبته بكرةٌ منها فأمر بِهَا فنحرت وأكل منها وأطعم باقيها. وَكَانَ سُوَيْد قَدْ خرج يتصيّد فَلَمَّا جاء أُخبر بخبر البكرة فاستشاط غضبًا فوثب عَلَى مَالِك بْن المنذر فضربه فأَمّه فلم يلبث أَن مات، فحلف عمرو ابن المنذر ليحرقن من بَنِي حنظلة مائة، فأحرقهم، وهرب سُوَيْد فلحق بمكة فحالف بَنِي نوفل بْن عَبْدِ مناف واختط بمكة دارًا فولده بِهَا، وسمي عَمْرو محرقًا. ومن ولد أَبِي لهب الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة بْن أَبِي لهب الشاعر وأمه ابْنَة الْعَبَّاس بْن (685) عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. حَدَّثَنِي مَنْصُور بْن أَبِي مزاحم عَنْ شُعَيْب بْن صفوان قَالَ: كَانَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة [3] أنِسًا بالوليد بْن عَبْدِ الْمَلِك فحج الْوَلِيد فبينا هُوَ مسند ظهره إِلَى زمزم قَالَ لَهُ الفضل: ألا آتيك بماء من زمزم تشربه وتغسل منه وجهك، فقال: افعل، فجعل يستقي [4] ويقول [5] :

_ [1] في الديوان (وليد عرفات) ج 1 ص 135، وشرح الديوان للبرقوقي ص 52: سائل بني الحرث المزري بمعشره ... اين الغزال عليه الدر من ذهب [2] ط: البراحم. [3] الاغاني ج 16 ص 119 وما بعدها. [4] د: استقى. [5] يرد الشعر في اخبار الدولة العباسية ص 152، وفي الاغاني ج 16 ص 126 بروايتين لعمر ابن شبة وعلي بن محمد النوفلي.

يَا أيها السائل عَنْ عليِّ ... تسأل [1] عَنْ بدرٍ لنا بدري مردّد [2] فِي المجد أُبطحيِّ ... سائلة غُرَّتُه مضيّ زمزمُ يَا بوركت من طوي [3] ... بوركت للساقي وللمسقيِّ اسقي عَلَى ماثرة النَّبِيّ فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد، مَا أَكْثَر لغطك، فَقَالَ: إِن هَذَا الشعر فِي عَلِي بْن عبد الله بن عبد الله ابن الْعَبَّاس، ويُروى: تسأل عَنْ قرم [4] لنا بدري نسبة إِلَى البدر، ويقال هُوَ فِي عَلِي بْن أَبِي طَالِب، يريد أَنَّهُ شهد بدرًا. وحدثنا محمد بن زياد الاعرابي الرواية عن المفضل الضبي قال: كان الفضل ابن عَبَّاس بْن عتبة بْن أَبِي لهب يُعّيِّن [5] فَإِذَا حلّت دراهمه عَلَى غرمائه ركب حمارًا لَهُ كَانَ يسميه شارب الريح فيقف عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُول: بَنِي عمنا رُدُّوا الدراهم إنه ... يفرق بَيْنَ النَّاس حبُّ الدراهم قَالَ: وَكَانَ رَجُل من بَنِي الديل بْن بَكْر بْن عَبْدِ مناة بْن كنانة يُقَالُ لَهُ عقرب عَسر [6] الْقَضَاء فَإِذَا تعلّق بِهِ غرماؤه أفلتهم وهرب عَنْهُمْ وَقَالَ: فلو كنتُ الحديد لكسروني ... ولكني أشدّ من الحديد فعيّنه الفضل مالًا، فَلَمَّا كَانَ قبل محله جاء فبنى عَلَى بَاب عقرب [7] معلفًا لحماره وأتى بشيء فبسطه فلقي كُل واحد منهما من صاحبه شرًّا، فهجاه الفضل فقال [8] :

_ [1] الاغاني: سألت. [2] الاغاني، رواية النوفلي: مقدم، وفي اخبار الدولة العباسية: من نسّك في العيص ابطحي. [3] الاغاني: ركي. [4] ط، د: قزم. [5] اي يبيع بيع العينة. انظر لسان العرب مادة: عين. [6] م: عسير. [7] في هامش م: التاجر. [8] يضيف ط: الفضل. والشعر في الاغاني ج 16 ص 128 مع اختلاف في توالي الأبيات.

قَدْ تَجَرَتْ عقرب فِي سوقنا [1] ... لا مرحبًا بالعقرب التّاجِره [2] إِن عادت العقربُ عُدنا لَهَا [3] ... وكانت النّعلُ لَهَا حاضره كُل عدو يُتّقى مقبلًا ... وتُتّقى لسعتُها دابره [4] إنّ عدوَّا كيدهُ فِي استه ... لغير ذي كيد ولا نائره قَدْ خابت [5] العقرب واستيقنت ... أنْ مَا لَهَا دنيا ولا آخره الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي اليقظان قَالَ: وفد الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة عَلَى الْوَلِيد فوصله وأجازه، فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لا تنس شارب الريح، يَعْنِي حماره، فَقَالَ: وَلَمْ لا نحملك عَلَى خير منه، قَالَ: إِن لَهُ بي حُرمة وَهُوَ أحب إليّ من غيره فارزقه، فأجرى عَلَيْهِ فِي كُل شَهْر عشرة دنانير فكان يقبضها مَعَ رزق كَانَ أجراه عَلَيْهِ، وَكَانَ لا ينفق عَلَى حماره شيئًا إِنَّمَا كَانَ يتطلب لَهُ العلف والحشيش من النَّاس، فكتب بَعْض أَهْل الْمَدِينَةِ قصة وجعلها فِي عنق الحمار وساقه إِلَى صاحب الشرطة بالمدينة، وَكَانَ فِي القصة: إني بالله وبالمسلمين فَإِن صاحبي يقبض رزقي ولا يعلفني منه بشيء. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مسكين قَالَ: دخل الفضل بن عباس ابن عتبة عَلَى الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك فأنشده [6] : أتيتُك خالًا وابنَ عمّ وعمةٍ ... وَلَمْ أكُ شعبًا ناطني [7] بك مُشْعب فَصِلْ واشجاتٍ بيننا من قرابةٍ ... أَلا صلةُ الأرحام أدنى [8] وأقرب (686) وَكَانَ عِنْدَ الْوَلِيد، الْحَارِث بْن الْوَلِيد بْن عُقبة بْن أَبِي مُعيط الدعي فهمس إِلَى الْوَلِيد فِيهِ بشيء، فَقَالَ الفضل: يَا أمِير المؤمنين إن نوحا عليه السلام حمل

_ [1] م: في سوقنا عقرب. [2] الاغاني: يا عجبا للعقرب التاجره. [3] ن. م.: فان تعد عادت لما ساءها. [4] ن. م.: وعقرب تخشى من الدابره. [5] ن. م.: ضاقت. [6] ترد الرواية في الأغاني ج 16 ص 255 عن عبد الملك بن مروان. [7] الأغاني: شعبا لاطله. [8] ن. م.: أبقى.

فِي سفينته من كُل زوجين اثنين وَلَمْ يكن مَعَهُ [1] فِيهَا دعيّ، فامتقع لون الْحَارِث واطرق. وحُدّثت عَنِ المسيبي أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة عَلَى الْوَلِيد ابن عَبْدِ الْمَلِك، وعنده عباد بْن زِيَاد، وَكَانَ بينه وبين عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز شَيْء، فأنشد الفضل شعره الَّذِي يَقُول فِيهِ: وَلَمْ أكُ شعبا ناطني [2] بك مُشْعب فَقَالَ عباد: ينبغي والله يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَن توصل رحمه، فَقَالَ عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز: النخس يكفيك البطيء المحثل [3] الْمَدَائِنِي قَالَ: لما مَاتَ الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك وَقَدْ كَانَ مسيئًا إِلَى أَخِيهِ سُلَيْمَان وفد الفضل إِلَى سُلَيْمَان ورثي الْوَلِيد فَقَالَ [4] : أمررْ عَلَى قبر الْوَلِيد فقل لَهُ ... صلى الإله عليك من قبر يَا واصل الرحم الَّتِي قطعت ... وأصابها الجفوات في الدهر فقال سليمان: تصل [5] رحمك وتقطع [6] رحمي! ثُمَّ أمر بِهِ فوجئت عنقه وأخرج من بَيْنَ يديه. قَالُوا: وهاجى [7] الفضلُ الحارثَ بْن خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةَ فاجتمع النَّاس لحضور إنشادهما فأنشد الفضل [8] : وأنا الأخضرُ من يَعرفُني ... أخضرُ الجلدةِ فِي بيتِ العرب من يُساجِلْني يُساجِلْ ماجدًا ... يملأ الدّلو الى عقد الكرب

_ [1] سقطت «معه» من ط. [2] ر: ناظني. [3] ط: المحنشل. انظر مجمع الأمثال للميداني ج 2 ص 346. [4] انظر الأغاني ج 16 ص 121. [5] م: يصل. [6] م: يقطع. [7] ط: هاج. [8] الأغاني ج 16 ص 119، ونسب قريش ص 90.

فَلَمَّا فرغ قَالَ الْحَارِث: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لهب وتب [1] فصاح النَّاس بالفضل وضحكوا، وانهزم عَنْهُ وأنشأ يَقُول بَعْد ذَلِكَ [2] : ماذا يريد إِلَى شتمي ومنقصتي ... أم مَا يريد إِلَى حمّالةِ الحطبِ [3] غرّاء سائلةٌ فِي المجد فضلها ... فِي الجاهلية فضلُ السادة النجب ويروى: غراءٌ سائلةٌ فِي المجد غُرتّها [4] ... كَانَتْ سلالة [5] شيخ ثاقب النسب وَكَانَ أَبُو خداش [6] بْن عتبة من جلساء مُعَاوِيَة وَكَانَ ذا لسن. وَحَدَّثَنِي عافية التميمي عَنْ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أنشد الأحوص الشاعر الْأَنْصَارِيّ الفضل شعرًا من شعره فَقَالَ: مَا أَحْسَن شعرك إلا أنك لا تأتي من غريب الْكَلام بشيء، فَقَالَ: وكيف وأنا أقول: مَا ذاتُ حبلٍ يراهُ الناسُ كلُّهم ... وسط الجحيمِ فلا [7] يخفى عَلَى أحد ترى الحبال [8] حبال النَّاس من شَعرٍ ... وحبلُها وَسطَ أهلِ النّارِ مِنْ مَسَد وَكَانَ مُسْلِم بْن معتب بْن أَبِي لهب يشبّه بالنبي [9] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ جميلًا وَقَدْ شهد وقعة حنين مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ من ولد أَبِي لهب، حَمْزَةُ بْن عتبة بْن إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ جميلًا، وَكَانَ حَمَّاد البربري رفعه [10] إِلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ هَارُون الرشيد فِي قوم من القرشيين من أَهْل مَكَّة ذكر أنهم يتشيعون فِي آل أَبِي طَالِب، فَلَمَّا رآه الرشيد رَأَى جمالًا ونبلًا فقال: يا حمزة أتتشيّع في آل

_ [1] سورة المسد (111) ، آية 1. [2] انظر الأغاني ج 16 ص 127، ونسب قريش ص 90 [3] الأغاني: ماذا تعيّر من ... ، نسب قريش: أما تغير من ... [4] هكذا ورد الشطر في الأغاني وفي نسب قريش. [5] الأغاني: حليلة. [6] م: خداس. [7] في نسب قريش: ولا. [8] ن. م.: كل الحبال. [9] م: يشبه النبي. [10] ط: دفعه.

واما الغيداق بن عبد المطلب،

أَبِي طَالِب؟ فَقَالَ: والله مَا أعرف من أتشّيع لَهُ من نظرائي خيرًا مني لأني رَجُل من بَنِي هاشم، (687) فأعجب ذَلِكَ الرشيد وجعله فِي صحابته وَأَمَّا الغيداق بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، واسمه نوفل، والغيداق العام الكثير المطر، يُقَالُ جاء فِي عام غيداقٍ [1] ويقال هُوَ مطر غيداق إِذَا كَانَ كثير الماء. والغيداق أيضًا [2] الغلام قبل بلوغ الحُلم، ويقال أيضًا لفرخ الضب غيداق. وَمَاتَ الغيداق بَعْد وفاة أَبِيهِ بخمس سنين. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الغيداق من أكابر ولد عَبْد الْمُطَّلِبِ، تزوج أمه أَيَّام حالفته خزاعة وَهِيَ ممتعة [3] بِنْت عَمْرو بْن مَالِك بْن مؤمل من خزاعة. وَأَخُو الغيداق لأمه عوف بْن عَبْدِ عوف أَبُو عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف الزُّهْرِيّ. وزعم بَعْضهم أَن الغيداق هُوَ حجل وَذَلِكَ غلط ولا عقب الغيداق. وَقَالَ أَبُو اليقظان قَالَ حسان بْن ثابت يهجو أَبَا لهب [4] عَليك سماهيجًا فأنت ابْن نوفها ... مَتَى كنت ترجو أَن تنال الأَعاظما فَإِن أباك اللؤم لحيان فانتسب ... إِلَيْهِ ودع عَنْك الأكارم هاشما ذكر أَن سماهيج جدة لَهُ يعاب [5] بِهَا ونسبها إِلَى لحيان بْن هذيل بن مدركة. قال خذافة بْن غانم العدوي لابنه [6] : أخارج أما أهلكن فلا تزل ... لَهُمْ شاكرًا حَتَّى تُغيّب فِي القبر بَنِي شَيْبَة الحمد الَّذِي كَانَ وجهه ... يضيء ظلام الليل كالقمر البدر كهولهمُ خيرُ الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك كلهم طيب النشر [7]

_ [1] يضيف م: وهو. [2] «أيضا» ليست في ط. [3] م: ممنعة. [4] لم يرد البيتان في الديوان (نشر هرشفيلد) ص 89 ولا في شرح الديوان (نشر البرقوقي) ص 407، وجاء البيت الثاني في الديوان (تحقيق وليد عرفات) ج 1 ص 390: ولكنّ لحانا ابوك ورثته ... ومأى الخنا منهم فدع عنك هاشما [5] ط: يعار. [6] انظر الأغاني ج 8 ص 268. [7] ن. م.: ... لا يبور ولا يجري. ويليه: ابو عتبة الملقي إليك جماله ... أغرّ هجان اللون من نفر زهر

بنات عبد المطلب:

لساقي الحجيج ثُمَّ للشيخ [1] هاشم ... وعبدِ منافٍ ذَلِكَ السيد الفهر [2] أَبُوكم قصيُّ كَانَ يدعى مُجَمِّعًا ... بِهِ جمع اللَّه القبائلَ من فِهر وأنتم بنو زَيْد أبوكم بِهِ ... زيدت البطحاءُ فخرًا عَلَى فخر وَقَدْ سَمِعْتُ من ينشد منها بيتًا مفردًا فَيَقُولُ: «وعبد مناف ذَلِكَ السيد القمر» ، ويذكر أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ لعبد مناف القمر. بنات عَبْد الْمُطَّلِبِ: أمُّ حَكِيم البيضاء توأمة أَبِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وُلِد ثُمَّ وُلِدت بعده، وَهِيَ الصنَّاع لا تعلم والحَصان لا تكلم [3] ، يُقَالُ إنها قَالَتْ هَذَا القول لنفسها، تزوجها كُرَيز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس فولدت لَهُ أروى بِنْت كريز، فتزوج أروى عفّان بْن أَبِي العاص بْن أمية فولدت لَهُ عُثْمَان بْن عفّان، فأم حَكِيم جدة عُثْمَان لأمّه. ثُمَّ خلف عَلَى أروى بَعْد عَفَّان عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عَمْرو بْن أمية فولدت لَهُ الْوَلِيد بْن عقبة وعُمارة بْن عقبة وخالد بْن عقبة [4] ، وأم حَكِيم جدتهم لأمهُمْ أيضًا. وبقيت أروى إِلَى خلافة عُثْمَان فصلى عَلَيْهَا وانصرف من قبرها وجعل يَقُول: اللَّهُمَّ اغفر لأمي. وماتت أم حَكِيم بَعْد المبعث وَلَهَا سبعون سنة أَوْ قريب منها. وَقَالَتْ أم حَكِيم وَهِيَ ترقص عُثْمَان ابْن بنتها فِي صغره: ظني بِهِ صدق وبر ... يأمره ويأتمر من فتية بيض زهر ... يحمون عورات الدبر ويضرب الكبش النعر ... يضربه حَتَّى يخر من قُبُلٍ ومن دبر وعاتكة [5] هي أم عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أمية وزهير بْن أَبِي أمية الْمَخْزُومِيِّ أَخُو أم سلمة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبيها، وأم عاتكة أيضًا أم أَبِي رَسُول اللَّهِ

_ [1] ن. م.: للخير. [2] ن. م.: الغمر. [3] انظر نسب قريش ص 17 وفيه: هي التي يقال لها الحصان. [4] انظر نسب قريش ص 18. [5] ن. م. ص 18.

وأميمة [6] بنت عبد المطلب

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعاتكة صاحبة الرؤيا الَّتِي رأتها، فَقَالَ أَبُو جهل لِلْعَبَّاسِ: أما رضيتم يَا بَنِي عَبْد الْمُطَّلِبِ بأن (688) تتنبأ رجالكم حَتَّى تنبّت نساؤكم! وَقَدْ كتبنا خبرها فِي أخبار الْعَبَّاس، وَقَدْ أسلمت وماتت قبل الهجرة. وَبَرَّةُ [1] وَهِيَ أم أَبِي سلمة بْن عَبْدِ الأسد بْن هلال الْمَخْزُومِيِّ زوج أم سلمة قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ أيضًا أم أَبِي سبرة بْن أبي رهم أحد بني عامر بن لؤي، وَكَانَ أَبُو رهم خلف عَلَيْهَا بَعْد عَبْد الأسد، وأمها أم أَبِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأروى وَهِيَ أم طُلَيب بْن عُمير بْن وهيب [2] بْن عَبْدِ بْن قصي، ويكنى أَبَا عدي [3] ، واستشهد طُليب يَوْم أجنادين بالشام وَهُوَ ابْن خمسٍ وثلاثين سنة. وَكَانَ طليب لقي أَبَا إهاب بْن عزيز التميمي، وَقَدْ دُسّ للفتَّك برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضربه بلحي جمل فشجه فضرب وحمل إِلَى أمه فَقَالَتْ: مُحَمَّد ابْن خاله وَهُوَ أولى من دافع عَنْهُ وغضب لَهُ. وَقَالَتْ أروى: إن طُليبًا نَصْر ابنَ خاله ... آساهُ فِي ذي دَمِهِ ومَاله [4] وَكَانَ المسلمونَ يصلونَ فِي شعبٍ فهجم عَلَيْهِم أَبُو جهل وعقبة بْن أَبِي معيط وجماعة من سفهائهم، فعمد طليب إِلَى أَبِي جهل فشجه فأوثقوه، فقام أَبُو لهب دونه فتخلصه وشُكي إِلَى أروى فَقَالَتْ: خير أيامه أَن ينصر محمدًا، وكانَت قَدْ أسلمت. ورأى طليب عقبة بْن أَبِي معيط يومًا ومعه مكتل فِيهِ مَذر قَدْ [5] نثره عَلَى بَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السحر فأخذ المكتل وأخذ بأذنيه فجعل يضرب بِهِ رأس عقبة فتشبث بِهِ عقبة وذهب بِهِ إِلَى أمه فَقَالَ: ألا ترين مَا صنع طليب؟ فَقَالَتْ: أنفسنا وأموالنا دونه. وأميمة [6] بِنْت عَبْد الْمُطَّلِبِ وَهِيَ أخت أَبِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لأمه وابيه،

_ [1] ن. م.: ص 18- 19. [2] في ن. م.: وهب. [3] ط: عبدي. [4] يرد البيت في نسب قريش ص 20. [5] ط، د: تكررت «قد» . [6] انظر نسب قريش ص 9.

وصفية [1] بنت عبد المطلب

وَهِيَ أم زينب بِنْت جحش وعبد اللَّه بْن جحش وأبي أَحْمَد وعبيد اللَّه وجحش من بَنِي أسد بْن خزيمة. وصفية [1] بِنْت عَبْد الْمُطَّلِبِ وَهِيَ أخت حَمْزَةَ لأمه وأبيه وأخت المُقَوّم وحَجل، وَهِيَ أم الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام والسائب بْن الْعَوَّام بْن خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بْن قصي، وكانت قبل الْعَوَّام عِنْدَ الْحَارِث بْن حرب بْن أمية فولدت لَهُ جارية. وتوفيت صفية فِي سنة عشرين وَهِيَ ابْنَة ثَلاث وسبعين سنة. حدثني بعض أصحابنا عن الزبير بن بكار قَالَ: أَقطع عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه [2] عَنْهُ المغيرة بْن شُعْبَة داره الَّتِي بالبقيع، فأخذ الزُّبَيْر سَيْفه، والمغيرة يحدُّها، فجعل يذود بِهِ عَنْ قبر أمه صفية. وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بن صالح عن الواقدي عن محمد ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيّ أَن عليًا والزبير رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا اختصما فِي ولاء موالي صفية فَقَالَ عَلِي: [أَنَا أحق بولاء موالي عمتي وأنا أعقل عَنْهُمْ،] وَقَالَ الزُّبَيْر: أَنَا أحق بولاء موالي أمي وميراثهم، فقضى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَن الزُّبَيْر أحق بميراثهم بالولاء. قَالُوا: فَإِن عقلهم عَلَى عَلِي وَبَنِي عَبْد الْمُطَّلِبِ. وذكر أَبُو اليقظان أَن عَبْد الْمُطَّلِبِ كَانَ يسمى عامرًا. انقضى نسب بَنِي عَبْد الْمُطَّلِبِ [3] . بسم اللَّه الرحمن الرحيم وَأَمَّا نضلة بْن هاشم وَبِهِ كَانَ يكنى، وأمه أميمة، وَكَانَ قَدْ ولد لَهُ الارقم ابن نضلة فلم يبق له عقب [4] . وولد الأرقم نساءً إحداهن زينب تزوجها عَبْد يغوث ابن وهب الزُّهْرِيّ، وهند تزوجها جميل بْن مَعْمَر ذو قلبين [5] الجمحي، (689) والشفاء [6] ولدت

_ [1] ن. م. ص 20. [2] يضيف ط: تعالى. [3] ورد في هامش ط، د: رجع الى ذكر اولاد هاشم بن عبد مناف المذكور خبره في اوائل هذا الكتاب. [4] انظر نسب قريش ص 16. [5] م: قليبين. انظر جمهرة الأنساب ص 161. [6] انظر نسب قريش ص 16- 17.

واما اسد بن هاشم،

السائب بْن عُبَيْد بْن عَبْدِ يَزِيد بْن هاشم بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن عَبْدِ مناف، وَكَانَ السائب يُشبّه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا صيفي بْن هاشم فدرج وَلَمْ يولد لَهُ قط. وَأَمَّا أَبُو صيفي واسمه عَمْرو وسماه أَبُوه باسمه فِي حياته، وَكَانَ اسم هاشم عَمْرًا، فولد لَهُ الضحاك ورقيقة وَهِيَ أم مخرمة بْن نوفل الزُّهْرِيّ، وَهَذَا قَوْل الْكَلْبِيِّ. وَقَالَ بَعْضهم: ولد لَهُ صيفي وعمرو فسماهما باسمه واسم أَبِيهِ، وأمهما كنانية، ورقية أمها هالة بِنْت كلدة من بَنِي عَبْد الدار بْن قُصي، تزوجها نوفل بْن عَبْدِ مناف بْن زهرة، ولا عقب لصيفي وعمرو [1] . وَأَمَّا أسد بْن هاشم، وأمه قيلة وَهِيَ الحزوز [2] بِنْت عامر الخزاعية، فولد فاطمة بنت اسد أم علي ابن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام وأخوته وأمها حُبّى [3] بِنْت هرم بْن رواحة [4] من بَنِي عامر بْن لؤي، وخالدة بِنْت أسد، تزوجها الأرقم ابن نضلة بْن هاشم. ويقال أَن رجلًا يُقَالُ لَهُ حنين، وأُمّه أَمَةٌ رومية تسمى سميَّة ويقال مارية، ادعى أَنَّهُ ابْن أسد بْن هاشم فلم يثبت نسبه فأتى القافة فأنكروه فرجع إِلَى مَكَّة وخُفَّاهُ عَلَى عاتقه فَقِيلَ: رجع حنين بخفيه خائبًا، وضرب بِذَلِك المثل فَقِيلَ لكل مخفق وراجع بغير طلبته: رجع بخُفَّيْ حنين، وَهَذَا الثبت. ومن النَّاس من يَقُول إِن حنين بْن بَلّوع العَبادي المغنيّ سافر سفرًا فقطع عَلَيْهِ الطريق فدخل الحيرة وَهُوَ عريان قَدْ علّق خُفّيه فَقِيلَ لمن أخفق: رجع بخفي حنين. وقيل أيضًا إِن أعرابيًا قدم الحيرة ومعه راحلة فوقفها ناحية ودخل السوق فرأى عِنْدَ إسكاف يُقَالُ لَهُ حنين خفين فابتاعهما منه ثُمَّ مضى يريد راحلته فوجدها قَدْ سُرقت، فانصرف إِلَى قومه راجلًا فقَالُوا: أَيْنَ راحلتك؟ فَقَالَ: سرقت، وأراهم الخفين فاستحسنوهما فَقَالَ: إنهما من عمل إسكاف بالحيرة يُقَالُ لَهُ حنين فارِه [5] سهل البيع، فضحكوا بِهِ وَقَالُوا: رجع بخفّي حنين، فمضت مثلًا. وَكَانَ لحنين المدّعي إنه ابْن أسد بن هاشم من الولد عمرو

_ [1] نسب قريش ص 16. [2] ط: الحزور، م: الخزور. وفي نسب قريش: الجزور. [3] م: حيي. [4] م: رواعة. [5] د، م: فانه، الفاره: الحاذق بالشيء، اللسان مادة «فره» .

وعبد الرَّحْمَن، وأمهما سخطي بِنْت عَبْد عوف بْن عَبْدِ الْحَارِث الزُّهْرِيّ. وولد عَبْد الرَّحْمَن ابن حنين امْرَأَة تزوجها المثلّم بْن جبار الفزاري [1] فولدت لَهُ. وولد عَمْرو بْن حنين امْرَأَة ولدت فِي آل سَعْد بْن أَبِي وقاص. ويقال إنه كَانَ لحنين ابْن يُقَالُ لَهُ عَبْد اللَّهِ فوُلدت لَهُ ابْنَة يُقَالُ لَهَا أم هَارُون كَانَتْ عِنْدَ مُوسَى بْن سَعْد بْن أَبِي وقاص. الْمَدَائِنِي عَنْ شريك قَالَ: [سئل عَلِي عَنْ بَنِي أمية وَبَنِي هاشم فَقَالَ: هُمْ أَكْثَر وأنكر وأمكر ونحن أفصح وأصبح وأنصح.] قَالَ: وقيل لمعاوية أنتم أشرف أم بنو هاشم؟ قَالَ: كَانُوا أشرفَ واحدًا ونحن أَكْثَر عددًا حَتَّى جاء مزبد الأولين والآخرين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انقضى نسب بني هاشم بن عبد مناف.

_ [1] ط، د: الفراري.

الجزء الخامس

[الجزء الخامس] بسم الله الرحمن الرحيم نسب بني عبد شمس بْن عبد مناف «1» 1- وولد عبد مناف بْن قصي أيضًا عبد شمس وبه كان يكنى، وأمه عاتكة بنت مرة «2» أم هاشم، فولد عبد شمس بْن عبد مناف أُمَيَّة الأكبر، وحبيب بْن عبد شمس وبه كان يكنى، وأمهما (690) تعجز «3» بنت عبيد بْن رؤاس بْن كلاب بْن ربيعة بْن عَامِر بْن صعصعة واسمها أيضا عاتكة، وإياها عني ابن همام السلولي بقوله «4» : فجالت بنا ثم قلت اعطفي ... بنا «5» يا صفي ويا عاتكا يعنى بصفية بنت حزن بْن بجير الهلالية أم أبي سُفْيَان بْن حرب بْن أُمَيَّة وهي عمة لبابة بنت الحارث أم عبد اللَّه بْن عباس بْن عبد المطلب، وربيعة بْن عبد شمس، وأمه آمنة بنت وهب بْن عمير بْن نَصْر بْن قعين بْن الحارث بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد بْن خزيمة، وأمية الأصغر، وعبد أُمَيَّة، ونوفل بْن عبد شمس، وأم هؤلاء الثلاثة عبلة بنت عبيد بْن جاذل من بني تميم بْن مر ثم من البراجم، فأمية الأصغر وعبد أُمَيَّة ونوفل يدعون العبلات بها يعرفون،

_ (1) راجع نسب قريش للمصعب: 97 والمعارف: 72 والحذف: 30 والاشتقاق: 73 وما بعدها وابن حزم: 67 ومختصر الجمهرة: 4/ أوما بعدها والجمهرة: 19 وما بعدها. (2) هي أولى العواتك اللواتي يشير اليهن الرسول بقوله: «أنا ابن العواتك من سليم» ، انظر المحبر: 47- 48، 399. (3) ط م: تعجر (في هذا الموضع) ، المصعب: نعجة، الأغاني (19: 73) : تفخر. (4) البيت من قصيدة طويلة سيوردها البلاذري ف: 786، وانظر المصعب: 122 وابن الكلبي (الجمهرة) : 19 (5) في البلاذري: فجاد بنا، المصعب: فحلت بنا ثم قلت اعطفيه، لنا، الجمهرة: فجالت، والصواب فيما أقدره: فجاذبنا ثم قلت اعطفيه لنا، إذ الشاعر يتحدث عن لجوئه إلى أبي خالد يزيد بن معاوية، «فقلت أجرني أبا خالد» ، فجاذبه يزيد الأمر، واعتلّ عليه، فذكره ابن همام النسب «ثم قلت اعطفيه لنا يا صفيّ ويا عاتكا» وعند ذلك أسمح يزيد ورضي أن يؤمنه بسبب الرحم الشابكة وذلك حيث يقول: «فأطّت لنا رحم برّة» .

ولد أمية الأكبر بن عبد شمس

فبنو أُمَيَّة الأصغر بمكة، وبنو عبد أُمَيَّة ونوفل بالشام، وعبد العزى بْن عبد شمس، وأمه فَاطِمَةُ «1» من حدجنة الأزد، وعبد اللَّه الأعرج بْن عبد شمس، وأمه عمرة كندية «2» ، وبالحيرة قوم من العباد يقال لهم بنو الغميني «3» يدعون أنهم من بني عبد اللَّه الأعرج بْن عبد شمس وذلك زور وباطل. وكان لعبد شمس من تعجز أميمة، تزوجها حارثة بْن الأوقص السلمي ثم خلف عليها عمرو بْن ثعلبة الكناني، وكان له من آمنة بنت وهب الأسديّة سبيعة، تزوّجها مسعود بن معتّب، وكانت له رقية، وأمها عمرة بنت كرب الكندية تزوجها أَبُو الصلت بْن ربيعة الثقفي. [ولد أمية الأكبر بن عبد شمس] 2- فولد أُمَيَّة الأكبر «4» حرب بْن أُمَيَّة ويكنى أبا عمرو، وأبا حرب درج، وسفيان، وأبا سُفْيَان واسمه عنبسة لا عقب له، وعمرو بْن أُمَيَّة، لا عقب له «5» ، وأمهم أمة بنت أبي همهمة من ولد الحارث بْن فهر، وأبا عمرو بْن أُمَيَّة وأمه من لخم، والعاص، وأبا العاص، وكان حليما، قَالَ له قومه: اهج بني أسد بْن عبد العزي فَقَالَ «6» : أنى أعادي معشرًا ... كانوا لنا حصنًا حصينًا خلقوا مع الجوزاء إذ ... خلقوا ووالدهم أبونا أبلغ «7» لديك بني أم ... ية آية نصحا مبينا أنّا خلقنا مصلحي ... ن وما خلقنا مفسدينا والعيص درج، وأبا العيص، وقال غير الكلبي: ولد العويص أيضًا درج، وهم الأعياص الذين يَقُول فيهم فضالة بْن شريك الأسدي «8» :

_ (1) المصعب: وعبد العزّى بن عبد شمس ورقية بنت عبد شمس، وأمهما عمرة بنت واثلة. (2) المصعب: وأمه أمامة بنت الجودي من كندة، ابن الكلبي: وأمه أمامة من كندة. (3) المصعب: بنو العمي. (4) في هذا النسب انظر المعارف: 73 وابن الكلبي: 20 والاشتقاق: 73 ونسب قريش: 98 وجمهرة ابن حزم: 78 والموفقيات: 176- 177 (5) وعمرو ... له: سقط من م. (6) الأبيات في نسب قريش والزبير بن بكار 1: 431 (7) س: بلّغ. (8) هو في الجمهرة، ومختصر الجمهرة 4/ ألفضالة، وفي الأغاني 1: 16، 2: 77 والخزانة 2: 65 لعبد الله ابن فضالة، وفي ابن عساكر 7: 424 والحصري: 474 لابن الزبير الأسدي وانظر ديوانه: 147 ومزيدا من التخريج ص: 146.

من الأعياص أو من آل حرب ... أغر كغرة الفرس الجواد 3- وأم الأعياص آمنة بنت أبان بْن كليب بْن ربيعة بْن عامر بْن صعصعة، ولها يَقُول النابغة الجعدي «1» : وشاركنا قريشا في تقاها ... وفي أنسابها شرك العنان بما ولدت نساء بني هلال ... وما ولدت نساء بني أبان وكانت أم سُفْيَان بْن حرب وعبد اللَّه بْن العباس هلاليتين. 4- قَالَ ابن الكلبي: فالعنابس «2» من بني أُمَيَّة: حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سُفْيَان واسمه عنبسة، والعنبس «3» الأسد، وقال غيره: صبروا على الحرب فسموا العنابس. 5- وكان حرب شريفًا وكان ينادم عبد المطلب، ثم جرى بينهما كلام فتنافرا فنفر عليه عبد المطلب، وزعم رجل من أهل المدينة: أن حربًا لما مات كانت نساء قريش (691) تبكيه فِي كل مأتم ويقلن واحرباه واحرباه «4» ، فمكثن بذلك حينًا، ثم إن امرأة أصيبت بابنها فجعلن النساء يقلن «5» : واحرباه، فقالت: وما أصنع بحرب؟ بل واحرباه، فقلن: واحرباه، من الحرب، واللَّه أعلم. 6- وقد كتبنا ما كان بين عبد المطلب وحرب فيما تقدم مشروحًا، وقال الشاعر فِي حرب وأبي عمرو ابني أُمَيَّة: إما سألت من أهل مَكَّة ماجدًا ... فاسأل أبا عمرو وحرب الفاضلا أعطى وقد بخل الجواد بماله ... هوجاء تحسبها مهاة خاذلا

_ (1) ديوان الجعدي: 117 والمفضليات: 169 وشرح النقائض: 1018 واللسان والتاج (شرك، عنن) والحذف: 31 ومختصر الجمهرة: 4 ب والجمهرة: 20 وفيهما الثاني وحده. (2) في تحديد العنابس انظر نسب قريش: 100 وابن الكلبي: 20 ومختصر الجمهرة: 4 ب والأغاني 1: 14 والاشتقاق: 103 والمعارف: 73 وشرح النهج 3: 499، وقد زاد فيهم ابن قتيبة: عمرا وأبا عمرو. (3) م: والعنبسة. (4) واحرباه: غير مكررة في س. (5) هامش ط: أصيبت بابنها فقلن.

ولد حرب بن أمية

أخوان مثل أبيهما للمعتفي ... قد أحرزا مجدًا قديمًا كاملا 7- وقال ابن الكلبي «1» : اختط القرية وهى فِي حرة بني سليم مرداس بْن أبي عامر، قَالَ «2» ، وقال أَبُو السائب: ابتاع حرب ومرداس القرية من خويلد بْن مطحل الهذلي «3» ، وقال أبي: اختطها مرداس وكليب بْن عهمة «4» الظفري من بني سليم فلم يكن عندهما نفقة فجعلا لحرب ثلثها على أن ينفق عليها فَقَالَ مرداس «5» : إني انتجبت لها حربا وإخوته ... وكان حرب لما قد عالنا آس إني أقدم قبل الأمر حجته ... كيما يقال ولي الأمر مرداس «6» ومات حرب ومرداس فغلب على القرية كليب بْن عهمة فَقَالَ عباس بْن مرداس «7» : أكليب ما لك كل يَوْم ظالمًا ... والظلم أنكد وجهة ملعون قَدْ كَانَ قومك يحسبونك سيدًا ... وإخال أنك سيد مفتون «8» إن القرية قد تبين أمرها ... إن كان ينفع عندك التبيين [ولد حرب بن أمية] 8- فولد «9» حرب بْن أُمَيَّة أبا سُفْيَان بْن حرب، واسمه صخر، والفارعة، أمهما صفية بنت حزن بْن بجير بْن الهزم الهلالي، وعمرو بن حرب، وأمّ جميل بنت حرب، هي حمالة الحطب، أمها فاخته بنت عامر بن معتّب الثقفي، وأميمة، وأمّ الحكم،

_ (1) معجم ما استعجم: 1071 (2) اختط.. قال: سقط من م وهو بهامش ط. (3) في شعراء الهذليين: أبو خويلد معقل بن خويلد بن واثلة بن مطحل، وانظر الشعر والشعراء: 556 والتاج (طحل) والمنمق: 159 وفيه خويلد بن واثلة بن مطحل. (4) شرح النقائض: 907 كليب بن أبي عهمة. (5) الأغاني 6: 322 والمنمق: 160 وتهذيب ابن عساكر 7: 265 (6) المنمق: ثم المقدم دون الناس حاجته ... إني لعقد شديد العقد دساس (7) ديوان العباس بن مرداس: 108 وفيه التخريج. (8) ترد في المصادر: «معيون» وفي بعضها: «مغبون» . (9) انظر المصعب: 123 والمعارف: 73

ولد أبو سفيان صخر بن حرب

وفاختة، لأمّهات شتّى، والحارث، أمّه يمانية، فدرج عمرو والحارث، وكانت الفارعة عند شيبة بْن ربيعة بْن عبد شمس ثم خلف عليها الأسود بْن المطلب بْن أسد بْن عبد العزى، وكانت أم جميل عند أبي لهب بْن عبد المطلب، وكانت فاختة عند جثامة الليثي «1» ثم تزوجها عتبة بْن غزوان من ولد مازن بْن منصور أخي سليم بْن منصور، وكان لحرب الضهياء «2» ، تزوجها بشر بن عبد الملك السكوني «3» . [ولد أبو سفيان صخر بن حرب] 9- فولد أَبُو سُفْيَان صخر بْن حرب مُعَاوِيَة، وعتبة بْن أبي سُفْيَان «4» ، وكان يضعف، وشهد الجمل مع عَائِشَة رَضِيَ اللَّه تعالى عنها وهرب فحمله عصمة بْن أبير من تيم الرباب «5» حتى أتى المدينة، ثم ولاه مُعَاوِيَة مصر، وقال جرير: وفي ابن أبير والرماح شوارع ... لآل أبي العاصي وفاء مشهرا ولابن أبي سفيان عتبة بعد ما ... رأى الموت قد أنحي عليه فعسكرا وجويرية «6» ، تزوجها السائب بْن أَبِي حُبيش بْن المطلب بْن أسد بْن عَبْد العُزى ثم عبد اللَّه «7» بْن الحارث بْن أُمَيَّة الأصغر، وأم الْحَكَمِ «8» ، تزوجها عبد اللَّه بْن عثمان الثقفي فولدت لَهُ عبد الرحمن بْن أم الحكم، ولاه مُعَاوِيَة الكوفة وولّاه الجزيرة والموصل «9»

_ (1) جثامة واسمه زيد بن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الليثي وعند الآمدي: جثامة بن قيس بن عبد الله، (وانظر ابن حزم: 181) ويعمر هو الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث، ومن ولد جثامة: الصعب بن جثامة وله رواية وصحبة (ابن حزم: 181 والاصابة: 3: 243) ، وجاء في نسب قريش عند ذكر فاختة: ثم خلف عليها غزوان بن جابر بن نسيب المازني فولدت له فاختة بنت غزوان اخت عتبة بن غزوان. (2) في ط م: الصهباء، س: الضهباء. (3) بشر بن عبد الملك: هو أخو اكيدر صاحب دومة الجندل، ويقال إنه هو الذي علم أبا سفيان ورجالا بمكة الخطّ (الاشتقاق: 372 والمحبر: 475) . (4) في عتبة هذا انظر الطبري 1: 3219 والاصابة 5: 79 والمصعب: 125 وقد عده ابن حبيب في الحمقى الذين لم ينجبوا (المحبر: 379) ولم يرد الشعر منسوبا لجرير في المصادر، كما لم يرد في ديوانه أو في شرح النقائض. (5) انظر ابن حزم: 199. (6) المحبر: 104 والمصعب: 125 واسم أبي حبيش أهيب بن المطلب بن أسد. (7) المصعب: عبد الرحمن. (8) م س: حكيم. (9) قوله الجزيرة والموصل مما يستحق التوقف، إذ الجزيرة كانت أقساما ثلاثة أحدها دياربكر ومدينتها الموصل (لسترانج: 87) ، وأما ولايته مصر فلم تتمّ لأنّ معاوية بن حديج لقيه قبل وصوله إليها وحثه على العودة إلى الخليفة، انظر النجوم الزاهرة 1: 151 وأسد الغابة 3: 287 (من تعليقات طبعة القدس) .

ومصر، وأمهم جميعا هِنْد بنت عُتْبة (692) بْن رَبِيعَة بْن عَبْدِ شمس بْن عَبْد مَناف، وحنظلة ابن أبي سُفْيَان، قتل يوم بدر كافرًا «1» ، وأم حبيبة، واسمها رملة الكبرى، وهي زوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كتبنا خبرها فِي الأزواج، وآمنة «2» ، تزوجها حويطب بْن عبد العزى العامري من قريش «3» ثم صفوان بْن أميَّة الجُمَحي ثم المُغيرة بْن شُعْبة الثقفي، أمهم صَفيَّة بنت أبي العاص بْن أُمَيَّة، وعمرو بْن أبي سُفْيَان «4» ، أسر يوم بدر فأطلق برجل من المسلمين أسره المشركون فأطلقوه، ولا عقب له، وهندًا، تزوجها الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، وصخرة، أمهم أم عمرو بنت أبي عمرو بْن أُمَيَّة، وعنبسة بْن أبي سُفْيَان، ومحمدًا، أمّهما عاتكة بنت أبي أزيهر «5» الدوسي، ومحمد بْن أبي سُفْيَان القائل: أؤمل هندًا «6» أن يموت ابن عامر ... ورملة يومًا أن يطلقها عمرو يعني رملة بنت مُعَاوِيَة وهند بنت مُعَاوِيَة ويعني عمرو بْن عثمان بْن عفان. وكانت لعثمان بْن محمد بْن أبي سُفْيَان ابنة عند الوليد بْن يزيد بْن عبد الملك فولدت له عثمان بايع له بالعهد، وكانت هِنْد بنت مُعَاوِيَة عند عبد اللَّه بْن عامر بْن كريز، ويزيد الخير ابن أبي سُفْيَان، أمه من كنانة، ولاه أَبُو بَكْر بْن أبي قحافة بعض الشام ولا عقب له، ورملة الصغرى، أمها أميمة بنت الأشيم الكنانية، تزوجها سَعِيد بْن عثمان بْن عفان ثم عمرو بْن سَعِيد الأشدق بْن سَعِيد بْن العاص، وميمونة، أمها شمسة، هلالية «7» . 10- وقال الكلبي «8» وغيره: كان أَبُو سُفْيَان قائد قريش في حروبها للنبيّ صلّى الله

_ (1) قارن بابن حزم: 111، والعثمانية: 71 والمصعب: 123. (2) المصعب: وأميمة، وذكر في الاصابة 8: 3 أن اسمها أميمة أيضا. (3) خ بهامش ط س: من قيس، وانظر المحبر: 91 (ابن أبي قيس) . (4) انظر الطبري 1: 1345 والمصعب: 126. (5) ط س م: أزيهير. (6) هكذا وردت الرواية هنا، وسيورده المؤلف رقم: 243: «أيرجو ابن هند» وينسب البيت إلى عبد الرحمن ابن أم الحكم، وانظر تهذيب ابن عساكر 2: 232 حيث نسب لابان بن عثمان بن عفان، وروايته: «تربص بهند» ، وكذلك نسب لابان في ربيع الأبرار: 392 ب. (7) المصعب: أمها لبابة بنت أبي العاصي بن أمية. (8) المصعب: 122 والطبري 1: 1983 واليعقوبي 2: 81، 136

عليه وسلم ثم أسلم، وقد ورد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة قبل أن يدخلها ويفتحها، وولاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نجران فقبض وهو عليها، وقال أَبُو اليقظان: ولاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقات الطَّائِف. 11- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة بْن محارب قَالَ: كانت هِنْد بنت عتبة قبل أبي سُفْيَان عند حفص بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، ثم خلف عليها الفاكه بْن المغيرة فقتلته بنو كنانة بالغميصاء «1» فِي الجاهلية، ويقال: بل تزوجها الفاكه بْن حفص «2» ثم خطبها أَبُو سُفْيَان وسهيل بْن عمرو فأخبرها أبوها بذلك، وقال: خطبك من قومك كفآن كريمان، فقالت: صفهما لي، فَقَالَ: أحدهما سهيل بْن عمرو وهو موسر سخي سيد مفوض يحكم فِي ماله، والآخر أَبُو سُفْيَان بْن حرب وهو شريف سيد حازم، قالت: الحازم أحبهما إلي، فتزوجها أَبُو سُفْيَان فولدت له مُعَاوِيَة، وعتبة، وأم الحكم، ويقال «3» إنه قَالَ لها: قد خطبك رجلان، أما أحدهما فخضم تخالين به غفلة للينه، ليس بالغضبة الغلق ولا المغيار النزق، وأما الآخر ففي الحسب الحسيب والرأي الأريب، شديد الغيرة سريع الطيرة، مكرم للكريمة حسن الصحبة وكيد العهد، فاختارته. 12- حَدَّثَنَا الْمَدَائِنِيّ قَالَ: مر حمزة بْن عبد المطلب على نفر من بني مخزوم فلاحاه رجل منهم فذكر المخزومي نساء من نساء بني عبد مناف فضربه حمزة فقتله، وأتى أبا سُفْيَان فأخبره، فأتى أَبُو سُفْيَان بني مخزوم فعرض عليهم ثلاث ديات بصاحبهم «4» فلم يقبلوها، فانصرف عنهم يومه، فلما كان من الغد جاءوا يطلبون الديات الثلاث، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: القوم يأبون أنْ يعطوا أكثر من ديتين، فأبوا ورجعوا، فلما كان الغد جاءوا يطلبون الديتين فَقَالَ: (693) إن القوم أبوا أن يعطوا إلا دية واحدة، فأبوا ورجعوا، فلما كان الغد عادوا فطلبوا الدية فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: إن القوم قد أَبُو الدية، وهذا قتيل لا دية له، فطلّ دمه.

_ (1) م ط: بالعميصاء، وانظر البكري: 1006. (2) م: الفاكه ثم حفص. (3) قارن بالاصابة 8: 205 وأمالي القالي 2: 104 وابن بدرون: 170. (4) م: لصاحبهم.

13 [13]- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أتى أَبُو سُفْيَان عُمَر بْن الخطاب فسأله شيئًا فَقَالَ: أتسألني وأنت حميت ينطف؟) 14 [14]- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ مِنَ الشَّامِ وَمَعَهُ هِنْدٌ «1» وَمُعَاوِيَةُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ مَكَّةَ لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِمُعَاوِيَةَ: انْزِلْ يَرْكَبْ مُحَمَّدٌ، فَقَالَتْ هِنْدٌ: أَيَنْزِلُ ابْنِي لِهَذَا الصَّابِئِ؟! قَالَ: نَعَمْ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْكِ وَمِنِّي وَمِنَ ابْنِكِ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلِمْ يَا أَبَا سُفْيَانَ، وَأَنْتِ يَا هِنْدُ فَأَسْلِمِي، فَإِنِّي أَضِنُّ بِكُمَا عَنِ النَّارِ] . 15 [15]- قَالَ: وَأُصِيبَتْ عَيْنُ أَبِي سُفْيَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّائِفِ فَقَالَ [لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لَكَ بِهَا عَيْنًا فِي الْجَنَّةِ،] وَعَمِيَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ. 16 [16]- قَالَ: وَلَطَمَ أَبُو جَهْلٍ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَتْ أَبَا سُفْيَانَ فَشَكَتْ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ مَعَهَا إِلَيْهِ وَقَالَ: الْطُمِيهِ قَبَّحَهُ اللَّهُ، فَلَطَمَتْهُ، فَقَالَ: أَدْرَكَتْكُمُ «2» الْمُنَافِيَةُ يَا أَبَا سُفْيَانَ. وَأَخْبَرَتْ فَاطِمَةُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ مِنْ أَبِي جَهْلٍ وَمِنْ أَبِي سُفْيَانَ [فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تَنْسَهَا لأَبِي سُفْيَانَ] . 17 [17]- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّة قَالَ: أَفَاضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ يَمِينِهِ أَبُو سُفْيَانَ وَعَنْ يَسَارِهِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ يَزِيدُ وَمُعَاوِيَةُ ابْنَا أَبِي سُفْيَانَ عَلَى فَرَسَيْنِ. 18 [18]- وقالوا: لما حج أَبُو بَكْر رضي اللَّه عنه حج معه أَبُو سُفْيَان، فكلمه أَبُو سُفْيَان فرفع أَبُو بَكْر صوته، فَقَالَ أَبُو قحافة لأبي بَكْر: يا بني اخفض صوتك عند ابن حرب،

_ [13] هذه الفقرة زيادة من ط وحدها، وفي الحاشية: الحميت: الزق الذي لا شعر عليه، ينطف: يقطر. [14] قارن بابن عساكر 6: 394 وكنز العمال 7: 94. [15] فتوح البلدان: 66 والمعارف: 175 والاستيعاب 2: 714 وابن عساكر 6: 393، 406 والاصابة 3: 238 [16] ابن عساكر 6: 394 [17] إمتاع الأسماع 1: 524. [18] ابن عساكر 6: 406 وشرح النهج 1: 222 والمروج 4: 179 ومشاكلة الناس: 2

فَقَالَ أَبُو بَكْر: إن اللَّه قد هدم بالإسلام بيوتًا، وبيت أبي سُفْيَان مما هدم، وبنى بالإسلام بيوتًا مهدومة فِي الجاهلية، وبيتك مما بناه. 19 [19]- قالوا: واستعدى رجل من بني مخزوم عُمَر بْن الخطاب على أبي سُفْيَان وقال: ظلمني في حدّ فحجّ عمر ووقف على الحد، فَقَالَ لأبي سُفْيَان: ضع العلامة هاهنا، فَقَالَ: واللَّه لا أفعل، فَقَالَ عُمَر: واللَّه لتفعلن، فأبى فضربه بالدرة حتى حوله، فاستقبل أَبُو سُفْيَان القبلة ثم قَالَ: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أدخل قلبي من الإسلام ما ذللني لعمر بْن الخطاب، فكأن عُمَر تذمم مما فعل بأبي سُفْيَان، رضي اللَّه عنهما. 20 [20]- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ نَازَعَ عُمَرَ فِي أَرْضٍ فَنَادَى أَبُو سُفْيَانَ يَا لِقُصَيٍّ، فَخَفَقَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: أَتَدْعُو بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ!! فَقَالَتْ هِنْدٌ: يَا عُمَرُ أَتَضْرِبُ ابْنَ حَرْبٍ؟! أَمَا لَرُبَّمَا رُمْتَ ذَلِكَ مِنْهُ فَاقْشَعَرَّتْ بُطُونُ الْبَطْحَاءِ، فَقَالَ عُمَرُ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَبْدَلَنَا بِذَلِكَ الْيَوْمِ خَيْرًا مِنْهُ. 21 [21]- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ عَنِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قال: لَمَّا هَلَكَ عُمَرُ وَجَدَ عُثْمَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَلْفَ دِينَارٍ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا: عَزْلٌ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ لأَبِي سُفْيَان: اقْبِضْهَا، فَأَبَى وَقَالَ: لَوْ رَآهَا عُمَرُ وَاجِبَةً لِي لَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ. 22 [22]- وحدثت عَنْ مالك بْن أنس قَالَ: رأى مُعَاوِيَة عُمَر بْن الخطاب يحبس الناس فبعث إليه من الشام بأدهم، أو أداهم، وبعث معه بدنانير وقال للرسول: ادفع ذلك إلى أبي سُفْيَان حتى يتولى إيصاله إلى أمير المؤمنين، فأوصل الأدهم، أو الأداهم، واختزل الدنانير، فسأله عُمَر عنها فَقَالَ: إني احتجت إليها فقضيت منها دينًا وأنفقت الباقي، فَقَالَ عُمَر: ضعوا رجل أبي سُفْيَان فِي الأدهم، فوضع فيه حتى أتى بالدنانير، فبلغ مُعَاوِيَة ذلك فَقَالَ: واللَّه لو أنه الخطاب لفعل به مثل (694) ما فعل بأبي سفيان.

_ [19] ألف باء 1: 539 وكنز العمال 6: 356 ونكت الهميان: 173 وسيرة عمر لابن الجوزي: 72 [20] قارن بتاريخ مكة للأزرقي 1: 442 وابن عساكر 6: 407 والعقد 1: 50 والفائق 2: 124 واللسان ونهاية ابن الأثير (قشعر) . [21] ابن عساكر 6: 407 وقارن بالعقد 1: 49، والطبري 1: 2766. [22] انظر ابن عساكر (الحاشية السابقة) والعقد 1: 48- 49.

23- حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بْن عدي عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَذَكَرْتُ لَهُ حَاجَتِي ثُمَّ قُلْتُ: فَمَا مَنَعَكَ مِنْ أَنْ تَدْعُوَنِي إِلَى غَدَائِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا وُضِعَ الطَّعَامُ لِيُؤْكَلَ، فَإِنْ كَانَتْ بِكَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ فَكُلْ. 24- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لعكرمة بْن أبي جهل: أقاتلتني وأنت تعلم أني رسول اللَّه؟ قَالَ: لا، وقال لأبي سُفْيَان مثل ذلك فَقَالَ: علمت أنك صدوق لا تكذب، وإنما قاتلناك لأنك تعلم حالي فِي قريش وجئت بأمر لا يبقى معه شرف، فقاتلناك حمية وكراهة لأن تذهب شرفي] . [25 [25]- المدائني عَنْ مسلمة بْن محارب قَالَ: أذن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا وأبطأ الإذن لأبي سُفْيَان، فلما دخل قَالَ: يا رسول اللَّه ما كدت تأذن لي حتى تأذن لحجارة الجلهتين، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا سُفْيَان كل الصيد فِي جنب الفراء،] والفراء حمار الوحش. 26- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أناخ رجل من أهل اليمن ناقته بالحزورة وقال: لا ينحرها إلا أعز أهل الوادي، فَقَالَ عتبة بْن ربيعة بْن عبد شمس لأبي سُفْيَان: أنت أعز أهل الوادي، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: من تكن عمه يا أبا الوليد يكن أعز أهل الوادي. 27- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي سُفْيَانَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ: أَلَمْ يُتَمِّمِ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ وَأَنْتَ كَارِهٌ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَمَا هَاجَتْكَ بِحَمْدِ اللَّهِ جَمَّاءُ وَلا ذَاتُ قَرْنٍ] . 28 [28]- قالوا «1» : قدم «2» أَبُو سُفْيَان من الشام، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم يدعو سرّا،

_ [25] فصل المقال: 10 والميداني 2: 54، 107 والعسكري 1: 165، 2: 162 والعقد 2: 289 والأغاني 6: 324 وتمام المتون: 337 والبيان 2: 16 والحيوان 1: 164 والكامل 1: 319 والمجتنى: 14 وشرح السبع الطوال: 451 والنهاية (فرأ، جلهم) والفائق (جلهم) وياقوت 2: 108 واللسان (فرأ، جله، جلهم) ومقاييس اللغة 4: 498 وسرح العيون: 314 ويقال إن المثل إنما قيل في أَبِي سُفْيَان بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. [28] ابن كثير، السيرة 1: 127- 128

ومع أبي سُفْيَان بضاعة للنبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلم يسأله عنها، فتعرض له أَبُو سُفْيَان فَقَالَ: يا ابْن عبد اللَّه أما تريد بضاعتك لا أراك تذكرها، [قَالَ: يا أبا سفيان إنه لا بدّ من أن يكون فيها ربح أو وضيعة، وأي ذلك كان فأنت مؤد فيه الأمانة إن شاء الله] . 29 [29]- وقال الهيثم بن عدي كان أَبُو سُفْيَان تحت راية ابنه بالشام، فخفيت الأصوات وأبو سُفْيَان يَقُول: يا نصر اللَّه اقترب. 30 [30]- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى السَّبْيِ يَوْمَ حُنَيْنٍ. 31 [31]- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما توفي أَبُو بَكْر وولي عُمَر ولى يزيد بْن أبي سُفْيَان بعد وفاة أبي عبيدة بْن الجراح الشام، فقدم مُعَاوِيَة من الشام على عُمَر وقد حج عُمَر، فدخل عليه مُعَاوِيَة فَقَالَ له عُمَر: متى قدمت؟ قَالَ: الآن، وبدأت بك، قَالَ: فأت أبويك وابدأ بهند، فانصرف مُعَاوِيَة فبدأ بهند، فقالت له: يا بني إنه واللَّه قل ما ولدت حرة مثلك، وقد استنهضكم هذا الرجل فاعملوا بما يوافقه واجتنبوا ما يكرهه «1» ، وقال له أَبُو سُفْيَان: إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقوا «2» وتأخرنا، فرفعهم سبقهم وقصر بنا تخلفنا، وصاروا قادة وصرنا أتباعًا، وقد ولوكم «3» جسيمًا من أمرهم فلا تخالفوهم، وإنك تجري إلى أمد لم تبلغه وستبلغه. 32- قالوا: ومشى مُعَاوِيَة بمكة مع عُمَر يومًا، وعمر راكب، فقلن نسوة من قريش: ابن حنتمة راكب وابن هِنْد راجل. 33 [33]- قَالَ الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة: شخص أَبُو سُفْيَان إلى مُعَاوِيَة وهو على الشام بعد يزيد أخيه ومعه عتبة وعنبسة، فكتبت هِنْد إليه: قد قدم عليك أبوك وأخواك، فاحمل

_ [29] قارن بالطبري 1: 2095 وابن عساكر 6: 406 وأسد الغابة 5: 216 وربيع الأبرار: 285/ أو نكت الهميان: 173 والاصابة 2: 238 وابن كثير 7: 14 والاستيعاب: 714 [30] ابن عساكر 6: 405 وامتاع الأسماع 1: 415. [31] بعضه في العقد 1: 12، 4: 365 وابن كثير 8: 118 [33] القول في البغال: 113

أباك على فرس وأعطه أربعة آلاف درهم، واحملْ عُتْبة على بَغل وأعطِه ألَفْي درهم (695) واحمل عنبسة على حمار وأعطه ألف درهم، ففعل، فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: أشهد أن هذا عن رأي هِنْد. 34 [34]- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ: قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأبو سُفْيَان على صدقة نجران فَقَالَ: من قام بالأمر؟ قالوا: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَبُو الْفَصِيلِ؟! أَنِّي لأَرَى أمرًا لا يسكنه إلا الدم. 35 [35]- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: [أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِلا فَأَثْنَى وَشَكَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: لكن أبو سُفْيَانَ لَوْ أُعْطِيَ لَمْ يُثْنِ وَلَمْ يَشْكُرْ] . 36 [36]- حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: [أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَعْطَى هَؤُلاءِ وَتَرَكَ جُعَيْلا، فَقَالَ: أُعْطِي هَؤُلاءِ لأَتَأَلَّفَ قُلُوبَهُمْ وَأَكِلُ جُعَيْلا إِلَى مَا جَعَلَ الله عنده] «1» . 37 [37]- وَرَوَى هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بن أبي حَازِمٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَكْفُوفٌ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: تَلَقَّفُوهَا يَا بَنِي أُمَيَّةَ «2» تَلَقُّفَ الْكُرَةِ فما الأمر على ما تقولون «3» .

_ [34] قارن بالعقد 2: 51، والطبري 1: 1827، 1983 وابن الأثير 2: 246 واليعقوبي 2: 140 والاستيعاب: 714. [35] سيرد فيما بعد رقم: 414، وانظر قوت القلوب 4: 99 [36] ابن هشام 1: 268 والأغاني 14: 290 والطبري 1: 1679 [37] الطبري 3: 2170 والمروج 4: 274 والأغاني 6: 334 (برواية مختلفة) 335 وشرح النهج 3: 443، 1: 130 والفائق 1: 535 واللسان والنهاية (زقف) .

وأما معاوية بن أبي سفيان

38- حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْن مُحَمَّد عَن ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: لَمَّا ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا لِغَالِبِ «1» الدِّينِ الْعَتِيقِ. 39- وَرُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَلَقَّفُوهَا الآنَ تَلَقُّفَ الْكُرَةِ فَمَا مِنْ جَنَّةٍ وَلا نَارٍ. 40 [40]- قَالُوا: وَحَجَبَ عُثْمَانُ أَبَا سُفْيَانَ فَقِيلَ لَهُ: حَجَبَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: لا عَدِمْتُ مِنْ قَوْمِي مَنْ إِذَا شَاءَ حَجَبَ «2» . 41 [41]- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلاثِينَ قَبْلَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِخَمْسِ سِنِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ، وُلِدَ قَبْلَ الْفِيلِ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ أَسَنَّ مِنْهُ بِثَلاثِ سِنِينَ، وَقَالَ غَيْرُ الْوَاقِدِيِّ «3» : مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاثِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَيُقَالُ: إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ. 42 [42]- وأما مُعَاوِيَة بْن أبى سُفْيَان ويكنى أبا عبد الرحمن فأسلم فِي الفتح، وقال: لقد دخل الإسلام قلبي ولكن أبوي كانا يقولان لئن أسلمت لنمنعنك القوت. وولاه عُمَر الشام بعد أخيه يزيد، وولاه عثمان الشام فِي خلافته فلما قتل أظهر الطلب بدمه، وقد كتبنا خبر محاربته عليًا حين طلب قتله عثمان وصلحه الحسن. 43- وَحَدَّثَنِي «4» الْمَدَائِنِيُّ عَن سُحَيْمِ بْنِ حَفْص «5» قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لِي سِنًّا وَسَابِقَةً وَقَرَابَةً، فَقَالَ: أَمَّا السِّنُّ فَبَيِّنَةُ الأَثَرِ عَلَيْكَ، وَأَمَّا سَابِقَتُكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْقَرَابَةُ؟ قَالَ: ولدتني وولدتك فلانة، فقال: صدقت، وأنشد:

_ [40] عيون الأخبار 1: 83 ومحاضرات الراغب 1: 102 وبهجة المجالس 1: 266 وربيع الأبرار: 377 ب وشرح النهج 4: 143 ونهاية الأرب 6: 88 والعقد 1: 71. [41] انظر ما يلي رقم: 386 وفتوح البلدان: 160 والطبري 1: 2871 وابن الأثير 3: 102 والاصابة 3: 238 وابن عساكر 6: 407 [42] المعارف: 177 والاصابة 6: 113.

قَبَّحَ الإِلَهُ عَدَاوَةً لا تُتَّقَى ... وَقَرَابَةً يُدْلَى بِهَا لا تَنْفَعُ «1» وَوَصَلَهُ. 44 [44]- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جَعْدَبَةَ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ حَاجًّا فَأَتَاهُ سعية بن عريض «2» فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ بِالْحَقِّ الَّذِي كَانَ بَيْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَبَيْنَ أَبِي إِلا نَزَلْتَ عِنْدِي، فَأَتَاهُ، فَلَمَّا حَضَرَ الْغَدَاءُ جَاءَ الطَّبِيبُ فَجَعَلَ يَقُولُ: كُلْ ذَا وَدَعْ ذَا حَتَّى أُتِيَ بحيس، فقال ابن عريض: هَذَا أَقِطُ جُهَيْنَةَ وَسَمْنُ مُزَيْنَةَ وَتَمْرُ نَاعِمَةَ، فَقَالَ: طَيِّبَاتٌ جُمِعْنَ مِنْ شَتَّى، وَأَكَلَ. 45 [45]- قالوا: واستعمل مُعَاوِيَة النعمان بْن بشير على الكوفة فكتب إليه مُعَاوِيَة يأمره أن يلحق لأهل الكوفة فِي أعطياتهم زيادة (696) عشرة دنانير عشرة دنانير فكان ينفذ بعضًا ويرد بعضًا ويقول: أنا قفل مفتاحه بالشام، وكان يكثر تلاوة القرآن على المنبر ويقول: إن فقدتموني لم تجدوا أحدًا يحدثكم عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى الله عليه وسلم. ثم جاءوا بكتب من مُعَاوِيَة فعمهم بالزيادة، فَقَالَ ابن همام السلولي: أفاطم قد طال التدلل والمطل ... أجدك لا صرم جلي ولا وصل زيادتنا نعمان لا تحبسنها «3» ... تق اللَّه فينا والكتاب الذي تتلو

_ [44] انظر بعضه في المستطرف 1: 165. [45] انظر ما يلي رقم: 398 والأغاني 14: 120، وأبيات ابن همام السلولي وردت متفرقة في المصادر، فالأبيات 2، 4، 6- 8 في الحماسة البصرية 2: 271 و 2- 9 في الاغاني 14: 120 والبصائر 2: 177- 179 والبيتان 2، 10 في نوادر أبي زيد: 4 وأمالي القالي 2: 279 وفاضل المبرد: 79، والبيتان 4، 5 في مجموعة المعاني: 110، والبيتان 8- 9 في الكامل 1: 55 ونهاية الرتبة: 7 وألف باء 2: 181 والسمط: 923 والبيت الثاني في السمط: 923 ولسان العرب 5: 90، 20: 282 وطفيل: 45 ومعاني الفراء 2: 410 ونوادر أبي زيد: 27 والرماني: 43 وأمالي ابن الشجري 1: 205 وجامع الشواهد 2: 37 والبيت الثامن في مجالس ثعلب: 515 وياقوت 1: 927 ولسان العرب 9: 484، 12: 193، 13: 88 والأصمعي: 82 والمسائل والأجوبة: 24 والمخصص 1: 25، 7: 191 وشرح السبع الطوال: 270 وشمس العلوم 1: 250 والتاسع في أضداد ابن الانباري: 40 واللسان 13: 58 والسمط: 108 والبيت العاشر في اللسان 13: 58 والاتباع: 86، 87 وأضداد أبي الطيب 1: 34- 35.

فإنك قد حملت فينا أمانة ... وقد عجزت عنها الصلادمة البزل فلا تك باب الشر تحسن فتحه ... علينا وباب الخير أنت له قفل وقد نلت سلطانًا عظيمًا فلا تكن ... لغيرك جمات الندى ولك البخل «1» وأنت امرؤ حلو اللسان بليغه ... فما باله عند الزيادة لا يحلو وقبلك ما كانت علينا أئمة ... يهمهم تقويمنا وهم عصل يذمون دنيانا «2» وهم يرضعونها ... أفاويق حتى ما لنا منهم سجل «3» إذا نطقوا بالقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول خالفه الفعل أينفذ ما زيدوا وتمحى زيادتي ... فما إن دمي (إن) ساغ هذا «4» لكم بسل أبى لي كتاب اللَّه والدين والتقى ... وبالشام إن حكمته الحكم العدل أريد أمير المؤمنين فإنه ... على كل أنحاء الرجال له الفضل مهاجرة الأقوام يرجون فضله ... وهلاك أعراب أضر بها المحل «5» 46 [46]- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كتب مُعَاوِيَة إلى زياد: إن حولك مضر وربيعة واليمن، فأمّا مضر فوَلِّهِم الأعمال واحمل بعضَهم على رقاب بعض، وأمّا ربيعة فأكرم أشرافهم فإن أتباعهم منقادون لهم، وأما اليمن فأكرمهم فِي العلانية وتجاف عنهم فِي السر. 47 [47]- وقال هشام بْن عمار: سأل بعض قريش مُعَاوِيَة شيئًا فأعطاه إياه، ثم سأله شيئًا آخر فأعطاه، ثم سأله شيئا ثالثًا فمنعه، فلم يزل ملحًا عليه حتى أعطاه ذلك، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين إن الضجور تحلب العلبة، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نعم وربما زبنت الحالب وكسرت أنفه.

_ [46] سيرد فيما يلي رقم: 552 [47] انظر محاضرات الراغب 1: 261 واللسان والتاج والأساس (ضجر) والنهاية (عصب، زين) والمستقصى 1: 407 والفائق 2: 158

48 [48]- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الزِّيَادِيِّ قَالَ: ذُكِرَ النِّسَاءُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مَنْ أَرَادَ النَّجَابَةَ فَعَلَيْهِ بِالْمَشْرِقِ، وَمَنْ أَرَادَ الْخِدْمَةَ فَعَلَيْهِ بِالْمَغْرِبِ، ومن أَرَادَ اللَّذَاذَةَ فَعَلَيْهِ بِالْبَرْبَرِ، قِيلَ فَالْمُوَلَّدَاتُ؟ قَالَ: إِذَا شَبِعَتْ إِحْدَاهُنَّ فَلَيْسَ هِمَّتُهَا إِلا التَّشَرُّفَ. 49- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَدِمَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مسلم ابن الْحَارِثِ بْنِ الْمُخَصَّفِ السَّكُونِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَ قَوْمِي بِالْحِجَازِ؟ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ فَرَأَيْتُهُ رَجُلَ نَفْسِهِ، وَرَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَرَأَيْتُه «1» ظَاهِرَ الْجَمَالِ طَاهِرَ الْقَلْبِ، وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ الْعَدَوِيَّ فَرَأَيْتُ سَفِيهًا يُرِيدُ أَنْ يُعَدَّ فَقِيهًا، وَرَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَرَأَيْتُ رَجُلا تَكْفِيهِ وَاحِدَةٌ «2» فَيُصَيِّرُهَا عَشْرًا وَهُوَ يُحَاوِلُ أَمْرًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَنْ سَيِّدُ قَوْمِكَ؟ قَالَ: مَنْ سَوَّدْتَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَنْتَ سَيِّدُهُمْ، قَالَ: فَقَرِّبْ مَجْلِسِي وَاقْضِ حَاجَتِي وَالْقَنِي بِبِشْرٍ حَسَنٍ. 50 [50]- وقال هشام بْن عمار: قَالَ مُعَاوِيَةُ لعمرو بن العاص رضي الله عنهما: من أبلغ الناس؟ قَالَ: أتركهم للفضول «3» ، قَالَ: فمن أصبر الناس؟ قَالَ: أردهم لهواه برأيه «4» ، قَالَ: فمن أسخاهم؟ قَالَ: من بذل دنياه لدينه «5» ، قَالَ: فمن أشجع الناس؟ قَالَ: من رد جهله بحلمه، قال: فمن (697) أعلم الناس؟ قَالَ: من آثر دينه، قَالَ: صدقت. 51 [51]- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب لمعاوية: أنا

_ [48] انظر العقد 6: 103 ومحاضرات الراغب 2: 89 وفي كلا المصدرين ينسب القول لعبد الملك، وانظر أيضا محاضرات الراغب 1: 159 [50] المجتنى: 64، 65 وبهجة المجالس 1: 615 وديوان المعاني 2: 87 والعمدة 1: 162، ولباب الآداب: 336، 348 ورسائل ابن أبي الدنيا: 20 ومجالس ثعلب: 187 وانظر بعض أجزاء هذا الخبر في البيان 2: 188، 3: 154 ومحاضرات الراغب 1: 108، 2: 174 وسرح العيون: 149 وعيون الاخبار 1: 11 [51] المجتنى: 38 وابن كثير 8: 138 والمروج 5: 56 وقد جاء البيت فيه منسوبا لعمرو بن العاص.

أكرم أم أنت؟ قَالَ مُعَاوِيَةُ: أنا، قَالَ: فأنا أكرم من يبقى بعدك، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أترجو «1» أن أموت وأنت حي ... ولست بميت حتى تموتا 52 [52]- الْمَدَائِنِيّ وابن الكلبي قالا «2» قَالَ مُعَاوِيَة لابن الكواء اليشكري: نشدتك اللَّه كيف تعلمني؟ فقال: أمّا إذ نشدتني الله فإنّي أعلمك واسع الدنيا ضيّق الآخرة، قريب الرشا بعيد المدى «3» ، تجعل الظلمة نورًا والنور ظلمة. 53 [53]- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ، قَالَ: مُعَاوِيَةُ: أُعِنْتُ عَلَى عَلِيٍّ بِكِتْمَانِي سِرِّي وَنَشْرِهِ أَسْرَارَهُ، وَبِطَاعَةِ أَهْلِ الشَّامِ لِي وَمَعْصِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ، وَبَذْلِي مَالِي وَإِمْسَاكِهِ إِيَّاهُ. 54 [54]- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ، قَالَ عبد الرحمن بْن حسان وقد قدم على مُعَاوِيَة وقد طال مقامه ببابه: طال ليلي وبت جد حزين ... ومللت الثواء فِي جيرون ولذاك اغتربت بالشام حتى ... ظن أهلي مرجمات الظنون 55 [55]- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: شَبَّبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حسان بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ بِأُخْتِ مُعَاوِيَةَ، فَغَضِبَ يَزِيدُ فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتُلْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانٍ، قَالَ: وَلِمَ يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: لأَنَّهُ شَبَّبَ بِعَمَّتِي، قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قال: قال:

_ [52] ابن عساكر 7: 298 والعقد 4: 366 والمروج 5: 98 [53] البيان 2: 115 والعقد 4: 366 والمحاسن والمساوئ: 403 ومحاضرات الراغب 2: 214 والمحاسن والأضداد: 30 والاستيعاب: 1422 والبكري: 1046 [54] تنسب إلى أبي دهبل الجمحي أيضا، انظر ديوانه: 67- 72 وانظر أيضا: الأغاني 7: 124- 125 والخزانة 3: 281، 280 والعقد 5: 322 وتاريخ الاسلام 3: 42، 4: 142 والكامل 1: 297 وأمالي القالي 3: 192 وفي ديوان أبي دهبل مزيد من التخريجات، وكذلك في ديوان عبد الرحمن بن حسان: 53، 68. [55] تنسب إلى أبي دهبل الجمحي أيضا، انظر ديوانه: 67- 72 وانظر أيضا: الأغاني 7: 124- 125 والخزانة 3: 281، 280 والعقد 5: 322 وتاريخ الاسلام 3: 42، 4: 142 والكامل 1: 297 وأمالي القالي 3: 192 وفي ديوان أبي دهبل مزيد من التخريجات، وكذلك في ديوان عبد الرحمن بن حسان: 53، 68.

طَالَ لَيْلِي وَبِتُّ كَالْمَحْزُونِ ... وَمَلَلْتُ الثَّوَاءُ فِي جَيْرُونِ قَالَ: وَمَا عَلَيْنَا يَا بُنَيَّ «1» مِنْ طُولِ لَيْلِهِ وَحُزْنِهِ أَبْعَدَهُ اللَّهُ، قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: وَلِذَاكَ اغْتَرَبْتُ بِالشَّامِ حَتَّى ... ظَنَّ أَهْلِي مُرْجِمَاتِ الظُّنُونِ قَالَ: وَمَا عَلَيْنَا مِنْ ظَنِّ أَهْلِهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: هِيَ زَهْرَاءُ مِثْلَ لُؤْلُؤَةِ الْغَوَّاصِ ... مِيزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونِ قَالَ: صَدَقَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا لَمِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونٍ، قَالَ: وَإِنَّهُ يَقُولُ: وَإِذَا مَا نَسَبْتَهَا لَمْ تَجِدْهَا ... فِي سَنَاءٍ مِنَ الْمَكَارِمِ دُونِ قال: صدق وهي بحمد الله كذاك، قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: ثُمَّ خَاصِرَتُهَا إِلَى الْقُبَّةِ الخض ... راء «2» نمشي فِي مَرْمَرٍ مَسْنُونِ قَالَ: وَلا كُلُّ هَذَا، ثُمَّ ضَحِكَ وَقَالَ: مَا قَالَ أَيْضًا؟ قَالَ: قَالَ: قُبَّةٌ مِنْ مَرَاجِلَ ضَرَبُوهَا ... عِنْدَ حَدِّ الشِّتَاءِ فِي قَيْطُونِ عَنْ يَسَارِي إِذَا دَخَلْتُ من البا ... ب وَإِنْ كُنْتُ خَارِجًا عَنْ يَمِينِي تَجْعَلُ النِّدَّ والألوّة والعو ... د صَلاءً لَهَا عَلَى الْكَانُونِ وَقِبَابٌ قَدْ أُشْرِجَتْ وَبُيُوتٌ ... نَطْفُوهَا بِالآسِ وَالزَّرَجُونِ قَالَ: يَا بُنَيَّ لا يَجِبُ الْقَتْلُ فِي هَذَا، وَالْعُقُوبَةُ دُونَ الْقَتْلِ تُغْرِيهِ فَيَزِيدُ فِي قَوْلِهِ، وَلَكِنَّا نَكُفُّهُ بِالتَّجَاوُزِ وَالصِّلَةِ، فَوَصَلَهُ وَصَرَفَهُ. 56 [56]- الْمَدَائِنِيّ وغيره قالوا، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ثلاث «3» من السؤدد: الصلع واندحاق البطن وترك الإفراط في الغيرة.

_ [56] عيون الأخبار 1: 223 ومحاضرات الراغب 2: 103 والبرصان: 323 وأخبار النساء: 40.

57- حَدَّثَنِي التُّوزِيُّ النَّحْوِيُّ «1» عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَالٍ لَهُ بِمَكَّةَ، وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيُّ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ غَرَسَ فِي ذَلِكَ الْمَالَ غُرُوسًا وَزَرَعَ «2» ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ صَفْوَانَ كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ إبراهيم: 37) وَقَدْ زَرَعْتَ فِيهِ كَأَنَّكَ تُرِيدُ الْخِلافَ (698) فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَتَى قَرَأْتَ هذه الآية يا ابن صَفْوَانَ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَحْرَقْتُ قَلْبَكَ بِهَا فَلا عَلَيْكَ أَنْ تَعْلَمَ مَتَى قَرَأْتُهَا. 58 [58]- حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ شَيْخٍ مِنْ حِمْيَرَ قَالَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: وَاللَّهِ مَا تُقَاتِلُ عَلِيًّا وَلا يُقَاتِلُكَ لِيَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَغْلَبُكُمَا لِصَاحِبِهِ، وَمَا تُقَاتِلانِ إِلا عَلَى الدُّنْيَا، فَأَطْعِمْنَا مِمَّا تَأْكُلُ لِنُنَاضِلَ عَنْكَ نِضَالَ مَنْ يُرِيدُ الأَكْلَ. 59 [59]- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم عبد اللَّه بْن جعفر على مُعَاوِيَة فأنزله معه فِي قصره «3» ، فدخل عليه مُعَاوِيَة يومًا وبديح يسمعه: إنك ما أعلمك «4» ذو ملة ... يذهلك الأدنى عَنِ الأبعد وعبد اللَّه يتخلج، فَقَالَ: ما هذا؟ قَالَ: أريحية تعتريني عند الطرب. 60- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ للأحنف: أتراني نسيت قولك حسن بأبي «5» حسن، ورضاك بأن تذبح قريش بالبصرة كما تذبح الحيران «6» ؟! ولكني أستصلحك وقومك، فقد كفيتك ما قبلي فاكفني ما قبلك، فكان الأحنف يَقُول: لقد كلمني مُعَاوِيَة بكلام ما بعده نغل ولا دغل.

_ [58] تاريخ الاسلام 2: 237 والنجوم الزاهرة 1: 72. [59] ابن عساكر 7: 327 والعقد 6: 19، وبيت الشعر في اللسان والتاج (ملل) .

61- قَالَ، وقال الأحنف لِمُعَاوِيَةَ: واللَّه ما أتيناك يا أمير المؤمنين لتهدينا من ضلالة، ولا لتغنينا من عيلة، ولا لتمنعنا من ذلة، ولكن للسمع وللطاعة. 62 [62]- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ: اسْتَعِينُوا عَلَى الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ. 63 [63]- وَحَدَّثَنِي «1» مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: الأَرْضُ للَّهِ وَأَنَا خَلِيفَةُ اللَّهِ فَمَا أَخَذْتُ فَلِي، وَمَا تَرَكْتُهُ لِلنَّاسِ فَبِالْفَضْلِ مِنِّي، فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ: مَا أَنْتَ وَأَقْصَى الأُمَّةِ فِي ذَلِكَ إِلا سَوَاءٌ، وَلَكِنْ مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: لَهَمَمْتُ، قَالَ صَعْصَعَةُ: مَا كُلُّ مَنْ هَمَّ فَعَلَ، قَالَ: وَمَنْ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ ذَلِكَ؟ قال: الذي «2» يحول بين المرء وقلبه، وَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ بَيْتَ الشَّمَّاخِ «3» : أَرِيدُونِي إِرَادَتَكُمْ فَإِنِّي ... وَحَذْفَةُ كَالشَّجَا تَحْتَ الْوَرِيدِ 64 [64]- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: أَغْلَظَ رَجُلٌ لِمُعَاوِيَةَ وَأَسْرَفَ فَحَلُمَ عَنْهُ فَقِيلَ: أَتَحْلُمُ عَنْ هَذَا؟! فَقَالَ: إِنِّي لا أَحُولُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَلْسِنَتِهِمْ مَا لم يحولوا بيننا وبين ملكنا.

_ [62] يرد قوله: «استعينوا على حوائجكم ... » منسوبا إلى الرسول، انظر بهجة المجالس 1: 319 والبصائر 7 رقم: 781 ومجمع الزوائد 8: 195 وإتقان الغزي: 25 وعيون الاخبار 1: 38، 3: 119 والمحاسن والمساوئ: 403 والمجتنى: 23 ومحاضرات الراغب 1: 58 وروضة العقلاء: 165 والمستطرف 1: 207، 213 وأدب الصحبة: 45 ولباب الآداب: 238، 333 واللسان 3: 67 والجامع الصغير 1: 39 وكشف الخفا 1: 123 وأدب الوزير للماوردي: 53. [63] مروج الذهب 5: 104- 105، والبيت المنسوب للشماخ لم يرد في ديوانه، وانما ورد في الخيل لأبي عبيدة: 10 ونسب الخيل: 21- 22 والطبري 2: 1459 وجمهرة ابن دريد 2: 128 والخزانة 4: 377 وهو ينسب في بعضها إلى خالد بن جعفر بن كلاب أو إلى زهير بن جذيمة العبسي أو شدّاد بن معاوية العبسي. [64] عيون الاخبار 1: 9، 283 ومحاضرات الراغب 1: 111 والمجتنى: 40 والطبري 2: 214 ونهاية الارب 6: 16 وابن الأثير 4: 8 وفاضل المبرد: 87 وسراج الملوك: 219 وشرح النهج 3: 417 وتذكرة ابن حمدون: 55/ أ.

65 [65]- المدائني عن علي بن مالك قال، قال معاوية: لا أضع لساني حيث يكفيني مالي، ولا أضع سَوْطي حيث يكفيني لساني، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، فإذا لم أجد من السيف بدًا ركبته. 66 [66]- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لعبد الرحمن بْن الحارث بْن أُمَيَّة الأصغر وقد كف بصره: كيف أصبحت؟ قَالَ: أصبحت وقد ذهب خيري وبقي شري، قَالَ: هذا من مقدمات أفاعيك، ووصله. 67 [67]- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِدَغْفَلٍ النَّسَّابَةِ: ابْغِنِي رَجُلا عَالِمًا يَكُونُ مَعَكَ أفرّ منه إليك ومنه اليه، وليكن كتوما فإنّ الرجل إذ أَنِسَ بِالرَّجُلِ وَوَثِقَ بِهِ أَلْقَى إِلَيْهِ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. 68- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَغْلَظَ أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ لِمُعَاوِيَةَ وَقَالَ: أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْكَ يَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِلَى مَنْ: إِلَى بَنِي زُهْرَةَ فَمَا عِنْدَهُمْ نَصْرٌ وَلا فَضْلٌ، أَمْ إِلَى بني مخزوم فو الله لَوْ نَالُوا مِنَ الأَمْرِ شَيْئًا مَا كَلَّمُوكُمْ كبرا، أم الى بني هاشم فو الله لَوْ نَالُوهَا لاسْتَأْثَرُوا عَلَيْكُمْ، وَإِنَّا عَلَى مَا فِينَا لَنُعْطِي السَّائِلَ وَنَجُودُ بِالنَّائِلِ، وَلا تَزَالُ الْعَرَبُ غُلْبَ الرِّقَابِ مَا رَأَوْا أَشْيَاخَنَا عَلَى الْمَنَابِرِ. 69 [69]- حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَ أَبُو الْجَهْمِ: أَمَرَ لِي مُعَاوِيَةُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَذَمَمْتُهُ وَقُلْتُ: أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْكَ، فَلَمَّا وُلِّيَ يَزِيدُ أَعْطَانِي خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْن الزُّبَيْرِ فَأَعْطَانِي أَلْفًا فَقُلْتُ: أَبْقَاكَ اللَّهُ فَإِنَّا لا نزال

_ [65] عيون الاخبار 1: 9 وتذكرة ابن حمدون 109/ أوالمجتنى: 40 والعقد 1: 25 واليعقوبي 2: 283 ونهاية الأرب 6: 44 وسراج الملوك: 115 وبهجة المجالس 1: 96 والبيان 1: 214 وشرح النهج 3: 417 [66] انظر ما يلي رقم: 179 وابن عساكر 7: 346 والاصابة 2: 713 وفيهما تروى القصة عن عبد الله بن الحارث بن أمية. [67] البيان 1: 333، 2: 89 (للنخار العذري) والصناعتين: 14 وشرح النهج 4: 242، وجامع بيان العلم 1: 89 [69] انظر ربيع الأبرار: 326/ أ، وهناك وجه آخر للقصة في المنمق: 387 وتاريخ الاسلام 3: 97

بِخَيْرٍ مَا بَقِيتَ، فَقِيلَ لِي: أَتَدْعُو لابْنِ الزُّبَيْرِ بِالْبَقَاءِ وَلَمْ تَدْعُ بِهِ (699) لِمُعَاوِيَةَ وَلا يَزِيدَ؟ فَقُلْتُ: أَخْشَى وَاللَّهِ أَنْ لا يَأْتِيَ بَعْدَهُ إِلا خِنْزِيرٌ. 70- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: حَجَّ مُعَاوِيَةُ فَلَمَّا كَانَ بِالأَبْوَاءِ خَرَجَ يَسْتَقْرِي مِيَاهَ كِنَانَةَ حَتَّى صَارَ إِلَى عَجُوزٍ عَشْمَةٍ «1» فَقَالَ لَهَا: مِمَّنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: من الذين يَقُولُ لَهُمُ الشَّاعِرُ: هُمُ مَنَعُوا جَيْشَ الأَحَابِيشِ عُنْوَةً ... وَهُمْ نَهْنَهُوا عَنَّا غُوَاةَ بَنِي بَكْرِ فقال معاوية: كوني دئليّة «2» ، قالت: فإنّي دئلية، قَالَ: أَعِنْدَكِ قِرًى؟ قَالَتْ: عِنْدِي خَبْزٌ خَمِيرٌ وَحَيْسٌ فَطِيرٌ وَلَبَنٌ ثَمِيرٌ «3» وَمَاءٌ نَمِيرٌ، فَأَنَاخَ، وَجَعَلَ يَأْخُذُ الْفَلْذَةَ مِنَ الْخُبْزِ بِمِثْلِهَا مِنَ الْحَيْسِ فَيَغْمِسُهُ فِي اللَّبَنِ ثُمَّ قَالَ: حَاجَتُكِ، قَالَتْ: حَوَائِجُ الْحَيِّ، فَأَمَرَ فَنُودِيَ فِيهِمْ، فَأَتَاهُ أَعْرَابٌ فَرَفَعُوا حَوَائِجَهُمْ فَقَضَاهَا لَهُمْ، وَامْتَنَعَتِ الْعَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا لِنَفْسِهَا وَقَالَتْ: أَآخُذُ لِقِرَايَ ثَمَنًا؟! 71- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ: مَاتَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِمِصْرَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ حِينَ أَتَاهُ خَبَرُ مَوْتِهِ لامْرَأَتِهِ ابْنَةِ قَرَظَةَ: قَدْ مَاتَ رَجُلٌ كَانَ الأَمْرُ بِمِصْرَ أَمْرُهُ، هَلَكَ عَمْرٌو وَأَتَتْكِ قَبَاطِيُّ مِصْرَ. 72- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سُكَيْنٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: إِنَّكَ قَدْ لَهَجْتَ بِالشِّعْرِ فَإِيَّاكَ وَالتَّشْبِيبَ بالنساء

_ 70- انظر البيان 2: 275 وأمالي القالي 2: 196 وعيون الأخبار 3: 208 وربيع الأبرار: 218 ب وجمهرة ابن دريد 1: 117 ونهاية ابن الأثير (ثمر، فطر، تمر) واللسان (هجر) وشرح السبع الطوال: 145 وبلاغات النساء: 130 والتمام في تفسير أشعار هذيل: 167 71- ابن عساكر 4: 39. 72- العقد 5: 281 وثعلب: 479 والبصائر 7 رقم: 325 ومحاضرات الراغب 1: 37 وتذكرة ابن حمدون: 106/ أوربيع الأبرار: 379 ب والطبري 2: 213 وابن الأثير 4: 8 والمحاسن والمساوى: 362

فَتُعِرَّ الشَّريِفةَ، وَإِيَّاكَ وَالْهِجَاءَ فَإِنَّكَ تَهْجُنُ بِهِ كَرِيمًا أَوْ تَسْتَثِيرَ لَئِيمًا، وَإِيَّاكَ وَالْمَدْحَ فَإِنَّهُ طُعْمَةُ الدَّنِيءِ الْوَقَّاحِ، وَلَكِنِ افْخَرْ بِمَفَاخِرِ قَوْمِكَ وَقُلْ مِنَ الأَمْثَالِ السَّائِرَةِ مَا تُزَيِّنُ بِهِ نَفْسَكَ وَتَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عَقْلِكَ وَتُؤَدِّبُ بِهِ غَيْرَكَ. 73- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: نَظَرَ مُعَاوِيَةُ إِلَى النَّخَّارِ «1» فِي عَبَاءَةٍ فَازْدَرَاهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْعَبَاءَةَ لا تُكَلِّمُكَ إِنَّمَا يُكَلِّمُكَ مَنْ فِيهَا. 74- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَيُّ النَّاسِ أَفْصَحُ؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ حَضَرَهُ: قَوْمُكَ مِنْ قُرَيْشٍ، ارْتَفَعُوا عَنْ لَكْنَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَكَسْكَسَةِ بكر وكشكشة أسد «2» ، قال: فممّن أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ جُرْمٍ. 75- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ وَسُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ قَالا: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَظْهَرَ شَتْمَ عَلِيٍّ وَتَنَقُّصَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: مَا أُحِبُّ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ كُلَّمَا عَتَبْتَ تَنَقَّصْتَ، وَكُلَّمَا غَضِبْتَ ضَرَبْتَ، لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَاجِزٌ مِنْ حِلْمِكَ وَلا تَجَاوُزٌ بِعَفْوِكَ. 76- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: اتَّقِ اللَّهَ فإنّك إذ اتَّقَيْتَهُ كَفَاكَ النَّاسَ، وَإِذَا اتَّقَيْتَ النَّاسَ لَمْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. 77- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لأَبِي هَوْذَةَ بْنِ شَمَّاسٍ الْبَاهِلِيِّ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَحْمِلَ جَمْعًا مِنْ بَاهِلَةَ فِي سَفِينَةٍ ثُمَّ أغرقهم، قال: إذا لا

_ 73- الطبري 2: 214 وعيون الاخبار 1: 297 والبيان 1: 237 والكامل 2: 169 ومحاضرات الراغب 1: 157 وربيع الأبرار: 203 ب وتاج العروس 3: 559 والمشتبه: 519 وابن كثير 8: 141 ونور القبس: 348. 74- البيان 3: 212 وانظر ربيع الأبرار: 384 ب والعقد 2: 475 والكامل 2: 223 ودرة الغواص: 183 ومفصل الزمخشري: 156 والفائق 2: 458 ونهاية ابن الأثير (كسكس، كشكش) ومحاضرات الراغب 1: 28 واللسان 8: 234. 75- قارن بما يلي، رقم: 648 77- البرصان: 69- 70 والحيوان 3: 427.

نَرْضَى بِعُدَّتِهِمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ: اسْكُتْ أَيُّهَا الْغُرَابُ الأَبْقَعُ «1» ، قَالَ: إِنَّ الْغُرَابَ رُبُّمَا درج «2» الى الرُّخْمَةِ حَتَّى يَنْقُرَ دِمَاغَهَا وَيَقْتَلِعَ عَيْنَيْهَا «3» ، فَقَالَ يَزِيدُ: اقْتُلْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: مَهْ، ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ وَجَّهَهُ بَعْدُ فِي سَرِيَّةٍ فَقُتِلَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيدَ: يَا بُنَيَّ هَذَا أَخْفَى «4» . 78- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: دَخَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَيْكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ رَحِمَكَ اللَّهُ لَوْ قلت أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: أَتَقُولُهَا جَذْلانَ ضَاحِكًا؟! وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي وُلِّيتُهَا (700) بِمَا وُلِّيتَهَا بِهِ. 79- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ وُزِنْتُ بِالدُّنْيَا لَرَجَحْتُ بِهَا وَلَكِنِّي وُزِنْتُ بِالآخِرَةِ فَرَجَحَتْ بِي. 80- الْمَدَائِنِيُّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، وَمَنْ أَفْشَاهُ كَانَ الْخِيَارُ عَلَيْهِ. 81- حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: قَدِمَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ «5» عَلَى مُعَاوِيَةَ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمِثْلُ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ فِي سِنِّهِ وَمَوْضِعِهِ لَمْ تَصِلْهُ فِي بَلَدِهِ حتى جاءت به الحاجة إليك؟!

_ 78- انظر ابن عساكر 6: 106 وشرح النهج 1: 201. 79- محاضرات الراغب 2: 173. 80- روضة العقلاء: 168 ونسب الثعالبي القول لعمر في الاعجاز والايجاز: 26 وفي النهج (القاهرة: 1913) 2: 184 نسب لعلي، وانظر عيون الاخبار 1: 40 وأربع رسائل للثعالبي: 4 وزهر الآداب 1: 35 حيث نسب لعمر، وورد في أدب الدنيا والدين: 23 ونهاية الأرب 6: 82 منسوبا للوليد بن عتبة وفي كنز العمال: 23 (رقم 3687) منسوبا لعمر.

فَقَالَ: عَزَّ وَاللَّهِ عَلَيَّ، لَوْ عَلِمْتُ بِمَكَانِهِ لَكُنْتُ إِلَى صِلَتِهِ أَسْرَعَ مِنَ الْمَاءِ إِلَى قَرَارِهِ، ثُمَّ أَعْطَاهُ مَالا وَقَضَى حَوَائِجَهُ. 82- وقال هشام بْن عمار، قَالَ مُعَاوِيَةُ لعمرو بْن العاص: من للعراق؟ قَالَ: رجل رفيق لا يهمطهم «1» فِي الجباية ولا يعنف عليهم فِي الرعاية، يحلب فيهم حلب الشاة العزوز «2» ، يعني الضيقة الإحليل. 83- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: إني لأرفع نفسي عَنْ أن يكون ذنب أعظم من عفوي، وجهل أكبر من حلمي، وعورة لا أواريها بستري، وإساءة أكبر من إحساني. 84- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ «3» قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنَا أَعْرِفُ أَغْلَى شَيْءٍ فِي السُّوقِ وَأَرْخَصَهُ، أَعْلَمُ أَنَّ الْجَيِّدَ رَخِيصٌ وَالرَّدِيءَ غَالٍ. 85- قالوا: وقدم زياد على مُعَاوِيَة فَقَالَ مضحك لِمُعَاوِيَةَ: ألا أمازح زيادًا؟ قَالَ: شأنك، فَقَالَ: يا أبا المغيرة أيسرك «4» أنك من الحور العين، فَقَالَ: مه، كل ما دخلت به الجنة فحسن، ويقال: إن زيادًا افتدى جوابه بعشرة آلاف درهم. 86- عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِزُرْعَةَ بْنِ ضَمْرَةَ الْهِلالِيِّ: مَا أَنْزَلَكَ «5» بَيْنَ هَذَيْنِ الْجُفَّيْنِ «6» ؟ قَالَ: إِنَّ لَنَا وَلَهُمْ مَثَلا يَا أَمِيرَ

_ 82- قارن برقم: 100 في ما يلي، وفي العزوز انظر اللسان والنهاية (عزز) 83- الطبري 2: 212 وابن الأثير 4: 8 وعيون الاخبار 1: 283 والمجتنى: 42 (منسوبا لعلي فيه) وألف باء 1: 465 وربيع الأبرار: 103/ أوالمستطرف 1: 261 وأربع رسائل للثعالبي: 16 والتمثيل والمحاضرة: 133 وسراج الملوك: 141 وابن كثير 8: 135 ونهاية الأرب 6: 8 وسير الذهبي 3: 102 وديوان المعاني 1: 134 والحيدة (دمشق: 1964) : 160. 85- ابن عساكر 5: 467

الْمُؤْمِنِينَ، نَحْنُ كَالأَيْرِ أَيْرٌ «1» شَدِيدٌ صَادَفَ اسْكَتَيْنِ خَوَّارَتَيْنِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا يَلْبَثَانِ حَتَّى يَمُصَّا مَاءَهُ وَيَلِينَا مِنْهُ مَا اشْتَدَّ «2» وَاسْبَطَرَ. 87- وقال مُعَاوِيَة للأحنف: يا أبا بحر ما المروة «3» ؟ قَالَ: الفقه فِي الدين والعفاف وبر الوالدين، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هو ذاك. 88- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ: الْعِيَالُ أَرَضَةُ الْمَالِ، يَذْهَبُ الْمَالُ وَيَبْقَى الْعِيَالُ، وَمَا فِي الأَرْضِ تَبْذِيرٌ إِلا إِلَى جَانِبِهِ حَقٌّ مُضَاعٌ «4» . 89- وقال هشام حَدَّثَنِي شيخ لنا قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ ليزيد: يا بني اتخذ المعروف عند ذوي الأحساب لتستميل به مودتهم وتعظم به فِي أعينهم وتكف به عنك عاديتهم، وإيّاك والمنع فإنه مفسدة للمروة «5» وإزراء بالشريف. 90- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل أبو الأسود الدؤلي على مُعَاوِيَة فإنه ليحدثه إذ حبق، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين أنا عائذ باللَّه وبسترك، ثم خرج ودخل عمرو بْن العاص فحدثه، وبلغ ذلك أبا الأسود فأتاه فَقَالَ: يا مُعَاوِيَة إن الذي كان مني قد كان مثله منك ومن أبيك، وإن من لم يؤتمن على ضرطة لجدير ألا يؤتمن على أمر الأمة. 91- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: سمع مُعَاوِيَة غناء سائب خاثر عند يزيد بْن مُعَاوِيَة فلما

_ 87- ابن عساكر 7: 19 (الضحاك بن قيس بن معاوية) وقارن بما يلي رقم: 213 88- عيون الأخبار 1: 245 وأربع رسائل: 4 ومحاضرات الراغب 1: 238 والميداني 2: 21 والبصائر 1: 228 وربيع الأبرار: 351/ أ، وانظر أيضا العيون 1: 332 والبيان 3: 267 90- الأغاني 2: 314 ومحاضرات الراغب 2: 125 وروض الاخيار: 257 91- الأغاني 8: 326 والكامل 2: 258 وربيع الأبرار: 95/ أ، وانظر العقد 6: 49 ونهاية الأرب 4: 238

أصبح قَالَ: من كان جليسك فِي ليلتك يا بني؟ قَالَ: سائب خاثر، قَالَ: فأخثر لَهُ «1» فما رأيت بنشيده «2» بأسًا. 92- قالوا: وأدخل عبد اللَّه بْن جعفر سائبًا أو بديحًا على مُعَاوِيَة، فأخذ بحلقة باب البيت وجعل يوقع بها ويغنى مُعَاوِيَة، وَمُعَاوِيَة يحرك رجله، فَقَالَ: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فَقَالَ: إن الكريم طروب. 93- وَحَدَّثَنِي الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ عَن عمه مصعب بْن عبد الله قال (701) : كَانَ مُعَاوِيَةُ يُفَضِّلُ مُزَيْنَةَ فِي الشِّعْرِ وَيَقُولُ: كَانَ أَشْعَرَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ زُهَيْرٌ وَابْنُهُ بَعْدَهُ، وَأَشْعَرَ أَهْلِ الإِسْلامِ مَعْنُ بْنُ أَوْسٍ الْمُزَنِيُّ. 94- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ ابْنِ كُنَاسَةَ قَالَ: دَخَلَتْ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةُ عَلَى معاوية فوصلها وأمر فأدخلت عَلَى نِسَائِهِ فَوَهَبْنَ لَهَا ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرِينِي عَنْ مُضَرٍ، فَقَالَتْ: قُرَيْشٌ سَادَتُهَا وَقَادَتُهَا وَتَمِيمٌ كَاهِلُهَا وَقَيْسٌ «3» فُرْسَانُهَا وَخَطَاطِيفُهَا. 95- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ: وَفَدَ زِيَادٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَحَدَا بِهِ الْحَادِي: قَدْ عَلِمَتْهُ الضُّمْرُ الْجِيَادُ «4» ... أَنَّ الأَمِيرَ بَعْدَهُ زِيَادٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَغَضِبَ وَلَمْ يذكر لزياد شيئا منه، فقال يوما لحضين بْنِ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِيِّ بِحَضْرَةِ زِيَادٍ: يَا أَبَا سَاسَانَ إِنَّ لَكَ رَأْيًا وَعَقْلا، فَمَا فَرَّقَ أمر هذه الأمّة حتى

_ 92- انظر الطبري 2: 214 وابن الأثير 4: 9 والكامل 2: 259 والعقد 6: 17- 19 وشرح النهج 4: 60 ومجالس ثعلب 1: 59. 93- الأغاني 12: 51 وانظر أمالي القالي 2: 102 (حيث يذكر عبد الملك معن بن أوس) 94- قارن بزهر الآداب: 932 وثمار القلوب: 127 ولسان العرب ونهاية ابن الأثير (كهل) والمنمق: 9 95- انظر ابن عساكر 5: 417 (وينسب البيت فيه لابن حنين العبادي) والهفوات النادرة: 75 واليعقوبي 2: 262

سفكت دماؤها واختلف ملأها «1» وَسُفِّهَتْ أَحْلامُهَا «2» ؟ فَقَالَ: قَتْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، وَالْخِلافَةُ لا تَصْلُحُ لِمُنَافِقٍ وَلا ذِي دُعَابَةٍ- يُعَرِّضُ بِعَلِيٍّ وَأَنَّ زِيَادًا كَانَ مِنْ أَعْوَانِهِ- فَفَطِنَ زِيَادٌ فَقَالَ: رَاجِزٌ رَجَزَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرِي وَلَقَدْ زَجَرْتُهُ وَنَهَرْتُهُ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ. 96- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزناد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا صَارَ مُعَاوِيَةُ بِالأَبْوَاءِ فِي حَجَّتِهِ اطَّلَعَ فِي بِئْرٍ «3» فَأَصَابَتْهُ اللِّقْوَةُ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لبعرضِ خَيْرٍ، إِمَّا ابْتُلِيَ فأجر، وإمّا عُوفِيَ فَشَكَرَ، وَإِمَّا عُوقِبَ بِذَنْبٍ فَمُحِّصَ، وَلَئِنِ ابْتُلِيتُ لَقَدِ ابْتُلِيَ الصَّالِحُونَ، وَلَئِنْ مَرِضَ عُضْوٌ مِنِّي فَمَا أُحْصِي صَحِيحِي «4» ، وَلَمَّا عُوفِيتُ أَكْثَرُ، وإنّي اليوم ابن بضع وسبعين سنة، وما لي عَلَى رَبِّي أَكْثَرُ مِمَّا أَعْطَانِي، فَرَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا دَعَا لِي «5» بِالْعَافِيَةِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: جَزِعْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: يَا مَرْوَانُ إِنِّي قَدْ رَقَقْتُ وَذَكَرْتُ مَا كُنْتُ عَنْهُ عَزُوفًا، وَقَدِ ابْتُلِيتُ فِي أَحْسَنِي، وَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ عُقَوبَةً مِنْ رَبِّي، وَلَوْلا هَوَايَ فِي يَزِيدَ لأَبْصَرْتُ رُشْدِي «6» . 97- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْصَى بِنِصْفِ مَالِهِ أَنْ يُرَدَّ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَطِيبَ لَهُ الْبَاقِي لأَنَّ عُمَرَ قاسم عمّاله «7» .

_ 96- عيون الأخبار 3: 46 ومحاضرات الراغب 1: 155 وابن كثير 8: 118 وسير الذهبي 3: 103، 104 والبصائر 1: 19 وانظر أيضا معجم البكري: 955 وتاريخ الاسلام 2: 323، وانظر بعضه في محاضرات الراغب 2: 22 وفاضل المبرد: 123 97- الطبري 2: 202 وابن الأثير 4: 4 وسيرد فيما يلي رقم: 432 وانظر اليعقوبي 2: 264 ومحاضرات الراغب 1: 239 وطبقات ابن سعد 3/ 1: 221

98- وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ أن الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحَقُّ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ معاوية، فقال: إذا لم يقل الوليد هذا فَمَنْ يَقُولُهُ. 99- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ للنخار العذري «1» : أي العرب أكرم بعد قريش؟ فَقَالَ: بيت زرارة بْن عدس، قَالَ: فأيهم أشجع؟ قَالَ عبسي طالبك بذحل أو طالبته «2» ، قَالَ: فأيهم أفصح؟ قَالَ: أسدي وصف سحابًا وغيثًا، قَالَ: فأيهم أفرس؟ قَالَ: رجل من بني عامر يلعب على فرسه لعب الصبي على زحاليف الرمل، قَالَ: فأيهم أدهى؟ قَالَ: أريمص من ثقيف مارسته فِي أمر ومارسك. 100- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الزِّيَادِيِّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِمَرْوَانَ: مَنْ تَرَى لِلْعِرَاقِ؟ قَالَ: مَنْ لا يَفْحَجُ «3» الْحَلُوبَ قَبْلَ الدَّرَّةِ، وَلا يُدْنِي الْعُلْبَةَ حَتَّى يَمْسَحَ الضُّرَّةَ «4» . 101- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُفْيَانُ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنهما أَنْ عِظِينِي وَلا تُطِيلِي، فَكَتَبَتْ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: [مَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَعُودَ حَامِدُهُ ذَامًّا، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ إيّاهم] .

_ 98- ابن كثير 8: 141 وابن الأثير 4: 9. 100- محاضرات الراغب 1: 80 وقارن بما سبق رقم: 82 ونهاية ابن الأثير (عصب) . 101- البيان 2: 303 والعقد 1: 59 ومحاضرات الراغب 2: 172 وروضة المحبين: 437 وأدب الوزير للماوردي: 47 ووكيع 1: 38 وسراج الملوك: 47 وقد نسب القول في محاضرات الراغب والماوردي للرسول، وفي العقد لأبي الدرداء.

102- حَدَّثَنِي هشام بْن عمار قَالَ: لما حج مُعَاوِيَة مر بالمدينة فأتى سقيفة بني ساعدة فَقَالَ: مارس بعود أو دع «1» إن كان أَبُو بَكْر هاهنا لعلى أعظم (702) الخطر. 103- الْمَدَائِنِيُّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري قال، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: أَيُّنَا أَدْهَى؟ قَالَ: أَمَّا فِي الْبَدِيهَةِ فَأَنَا، وَأَمَّا فِي الأَنَاةِ فَأَنْتَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَصْغِ إِلَي أُسَارُّكَ بِشَيْءٍ، فَأَدْنَى عمرو رأسه وكانا خلوين يتسارّان «2» ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: غَلَبْتُكَ أَيُّهَا الدَّاهِيَةُ، هَلْ هَاهُنَا أَحَدُ أُسَارُّكَ دُونَهُ. 104- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَشْيَاخِهِمْ قَالُوا، قَالَ مُعَاوِيَةُ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ: مَا أَحَدٌ تَرَكَ تَقْوَى اللَّهِ إِلا عَادَ حَامِدُهُ ذَامًّا. 105- وكتب مُعَاوِيَة إلى زياد يشكو قرابته، فكتب إليه: عليك بالموالي فإنهم أنصر وأغفر وأشكر. 106- الْمَدَائِنِيّ عَنْ سُحيم بْن حَفْص قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لو أن النجوم تساقطت لسقط قمرها فِي حجور بني يربوع. 107- وقالوا: قدم الأحنف والمنذر بْن الجارود الشام، فرشا المنذر حاجب مُعَاوِيَة بأربعة آلاف درهم على أن يدخله قبل الأحنف، فدخل المنذر قبل الأحنف، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ للحاجب: كيف قدمت منذرًا على الأحنف؟! فحدثه الحديث، فضحك مُعَاوِيَة وقال: لا تعد. 108- الْمَدَائِنِيّ عَنْ سحيم قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَة: من أكرم الناس أبا وأمّا وجدّا وجدّة وعمّا وعمّة وخالًا وخالة؟ فَقَالَ صعصعة بْن صوحان، ويقال عبد الله بن

_ 103- انظر محاضرات الراغب 1: 27، 39 وبهجة المجالس 1: 424 والنجوم الزاهرة 1: 132 وانظر تاريخ الاسلام 2: 238 وسراج الملوك: 127 وشرح النهج 1: 137 وقارن بالدينوري: 168 106- عيون الاخبار 1: 124 108 ابن عساكر 4: 211، 213 وقارن بالعقد 5: 87 وصبح الأعشى 1: 317 والمحاسن والمساوئ: 85

عجلان «1» ، هذا الجالس بين يديك، يعني الحسن بْن علي، جده رسول اللَّه، وجدته خديجة بنت خويلد الطاهرة، وأبوه علي بْن أبي طالب، وأمه فَاطِمَةُ بنت رسول اللَّه، وعمه جعفر بْن أبي طالب، وعمته أم هانئ بنت أبي طالب، وخاله القاسم ابن رسول اللَّه، وخالته زينب بنت رسول اللَّه. 109- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: وَفَدَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَمَعَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ فَأَمَرَهُمْ إِذَا دَخَلُوا أَنْ يَقِفُوا وَلا يُسَلِّمُوا بِالْخِلافَةِ، فَلَمَّا دَخَلُوا قَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَتَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: اغْرُبُوا وَزَجَرَهُمْ، فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لَهُمْ عَمْرٌو: نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَنْ تُسَلِّمُوا بِالْخِلافَةِ فَسَلَّمْتُمْ بِالنُّبُوَّةِ؟! عَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ. 110- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ أَنَّ بُسْرَ بْنِ أَبِي أَرْطَاةَ نَالَ مِنْ عَلِيٍّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، وَزَيْدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَاضِرٌ، فَعَلاهُ بِعَصَا فَشَجَّهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: عَمَدْتَ إِلَى شَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِ أَهْلِ الشَّامِ فَضَرَبْتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى بُسْرٍ فَقَالَ: شَتَمْتَ عَلِيًّا وَهُوَ جَدُّهُ، وَهُوَ أَيْضًا ابْنُ الْفَارُوقِ أَفَكُنْتَ تَرَى أَنَّهُ يَصْبِرُ لَكَ؟ قَالَ: وَأُمُّ زَيْدِ بْنِ عُمَرَ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَرْضَاهُمَا جَمِيعًا وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا. 111- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَعَوَانَةَ قَالا، قَالَ مُعَاوِيَةُ: (مَعْرُوفُ) زماننا منكر زمان قد مضى، و (منكره) «2» مَعْرُوفُ زَمَانٍ قَدْ بَقِيَ. 112- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما قدم أَبُو موسى للحكومة دس مُعَاوِيَة رجلًا الى عمرو

_ 109- الطبري 2: 206 وابن الأثير 4: 7 وابن كثير 8: 140 وانظر ما تقدم، رقم: 78. 110- الطبري 2: 212 وابن الأثير 4: 8 والعقد 4: 365، وانظر عيون الأخبار 1: 200 وابن عساكر 6: 26. 111- البصائر 4: 223 ومحاضرات الراغب 2: 168 (لأبي الدرداء) وفيه 2: 12 (لعدي بن حاتم) وبديع ابن المعتز: 37 وربيع الأبرار: 82/ أوالامامة والسياسة 1: 267 (للأحنف بن قيس) والصناعتين: 309 (لابي الدرداء) وكنز العمال 3: 392 (لعديّ) 112- عيون الأخبار 2: 206، وانظر أربع رسائل: 208

ليعرف رأيه وعزمه، فأتاه الرجل فكلمه بما أراد مما أمره مُعَاوِيَة، فعض عمرو على إبهامه ولم يجبه، فأتى الرجل مُعَاوِيَة فأخبره فَقَالَ: قاتله اللَّه أعلمك أنك تفر قارحًا «1» . 113- الْمَدَائِنِيّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَشَدُّ الْعَرَبِ طِعَانًا عَنْ نِسَائِهِمْ بَنُو ضَبَّةَ، وَأَشَدُّ الْعَرَبِ بَأْسًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، كَانُوا يَغْزُونَ وَلا يُغْزَوْنَ. 114- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: قَدِمَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: قَدِمْتَ خَيْرَ مَقْدَمٍ قَدِمْتَ أَرْضَ الْمَحْشَرِ «2» ، فَقَالَ صَعْصَعَةُ: إِنَّ خَيْرَ الْمَقْدَمِ لَمَنْ قَدِمَ عَلَى اللَّهِ آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا أَرْضُ الْمَحْشَرِ فَلَيْسَ يَنْفَعُ الْكَافِرَ قُرْبُ الْمَحْشَرِ وَلا يَضُرُّ الْمُؤْمِنَ بُعْدُهُ. 115- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِصَعْصَعَةَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ قَلَّدْتُمْ أَمْرَكُمْ غُلامًا مِنَ النَّخَعِ، يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ بْنَ الأَشْتَرِ، (703) فَقَالَ: لَوْ كَانَ مَعَكَ لَقَلَّدْتَهُ أَمْرَكَ، إِنَّهُ شُجَاعٌ نَجِيحٌ نَصِيحٌ يَعْلَمُ ما يأتي ويذر، وَمَا رَأَيْنَا بَعْدَ أَبِيهِ مِثْلَهُ. 116- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: أَتَى مُعَاوِيَةَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ بِالرَّحِمِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ذَكَّرْتَنِي رَحِمًا بَعِيدَةً، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الرحم شجنة «3» إِنْ بَلَلْتَهَا ابْتَلَّتْ وَإِنْ تَرَكْتَهَا تَقَصَّفَتْ، قَالَ لَهُ: سَلْ، قَالَ: مِائَةُ نَاقَةٍ مُتْبِعٌ وَمِائَةُ شَاةٍ رُبَّى «4» ، فَأَمَرَ لَهُ بِذَلِكَ. 117- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْن عمار عَنِ الوليد بْن مسلم قال: بلغني أنّ معاوية صارع

_ 114- قارن بابن عساكر 6: 425 ولباب الآداب: 350 وحلية الأولياء 1: 205 وانظر أيضا ابن عساكر 6: 207 115- بعضه في طبقات ابن سعد 6: 198. 116- قارن بابن وهب: 12 (منسوبا للرسول) وأمالي القالي 1: 198 والميداني 1: 290 (منسوبا لنصر بن سيار يحدث بدويا) ونهاية ابن الأثير (عود، بلل) واللسان (بلل) وكنز العمال (في عدة مواطن) ومجازات القرآن للرضي: 110 وميزان الاعتدال 2: 109 (منسوبا للرسول) وقنسنك (شجنة) . 117 انظر كنز العمال 6: 190 (رقم 3275) .

رَجُلا عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم فصرعه، فقال: أو ما عَلِمْتُمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَجُلٌ لا يُصَارِعُ أَحَدًا إِلا صَرَعَهُ. 118- وقال الواقدي: كان مُعَاوِيَة يغري بين سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْن أُمَيَّة وبين مروان بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، فكتب إلى سَعِيد وهو على المدينة يأمره بهدم دار مروان فلم يفعل، فأعاد عليه فلم يفعل، فلما ولي مروان المدينة كتب إليه بهدم دار سَعِيد، فأرسل الفعلة وركب مروان ليهدمها، فَقَالَ له سَعِيد: يا أبا عبد الملك أتهدم داري؟! قَالَ: كتب أمير المؤمنين إلي فِي هدمها، فبعث سَعِيد فجاء بكتب مُعَاوِيَة إليه فِي هدم دار مروان، فَقَالَ مروان: يا أبا عثمان كتب إليك بهذه الكتب فلم تعلمني؟! قَالَ: ما كنت لأمرر عليك عيشك، وإنما أراد أن يغري بيننا، فَقَالَ مروان: فداك أبي وأمي فإنك أكرمنا ريشًا وعقبًا، وأمسك عَنْ هدم داره. 119- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم مُعَاوِيَة المدينة وعبد اللَّه بْن جعفر بْن أبي طالب عليل فركب إليه مُعَاوِيَة فِي الناس، فَقَالَ رجل من قريش لسائب خاثر: مطرفي لك إن غنيت ومشيت بين أيديهم، وقيل: إن ذلك كان فِي وليمة، فغنّى: لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما «1» فنصت مُعَاوِيَة حتى فرغ، وأخذ سائب المطرف وقتل سائب يوم الحرة. 120- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كتب مُعَاوِيَة إلى قيس بْن سعد بْن عبادة حين أبى المصير إليه، وكان مع الحسن بن عليّ عليهما السلام: يا يهوديّ ابن اليودي إنما أنت عبد من عبيدنا، فكتب إليه: يا وثن يا ابْن الوثن دخلتم فِي الإسلام كارهين وخرجتم منه طائعين. 121- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: رَحِمَ الله

_ 118- الطبري 2: 164 وتذكرة ابن حمدون: 125/ أوانظر ابن عساكر 6: 140 وابن كثير 8: 66. 120- البيان 2: 87 والكامل 2: 117 وعيون الأخبار 2: 212 وربيع الأبرار: 402 ب والعقد 4: 338 والمروج 5: 45 وابن كثير 8: 99 واليعقوبي 2: 217 وكتاب التاج: 109 121- سير الذهبي 2: 362

أُمَّ أَيْمَنَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَاقَيْهَا وَكَأَنَّهُمَا ظنبوبا نَعَامَةٍ خَرْجَاءَ، فَقَالَ: هِيَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أُمِّكَ وَأَكْرَمُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَكْرَمَ أَيْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (الحجرات: 13) . 122- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: كَانَ سُلَيْمٌ مَوْلَى زِيَادٍ مِنَ الدُّهَاةِ فَسَايَرَ مُعَاوِيَةَ وَمُعَاوِيَةُ عَلَى نَاقَةٍ وَسُلَيْمٌ عَلَى جَمَلٍ قَرَاسِيٍّ «1» فَعَلا مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا سَلِيمُ انْزِلْ عَنْ بَعِيرِكَ، فَنَزَلَ وَرَكِبَهُ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ قَالَ: يَا سُلَيْمُ تَزْعُمُ أَنَّكَ مِنَ الدُّهَاةِ وَقَدْ غَبَنْتُكَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ خَرَجْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ مَا أَمْلِكُ بِتَحْوِيلِي إِيَّاكَ عَنْ مَرْكَبِكَ وَرُكُوبِي إِيَّاهُ كُنْتُ قَدْ غَبَنْتُكَ. 123- قَالَ «2» عُمَر بْن بكير: أنشد مُعَاوِيَة: لا يبعد اللَّه جيرانًا لنا فقدوا «3» ... ماتوا «4» لوقت مناياهم فقد بعدوا قبر بمصر وقبر بالحجاز وقب ... ر بالعراق منايا بينهم بدد كانت لهم همم فرقن بينهم ... إذا المقاريف «5» عَنْ أمثالها قعدوا فهم رهائن للأجداث ليس لهم ... من العوائد إلّا الهامة القرد «6» فَقَالَ مُعَاوِيَةُ «7» : من كرم الحي بدد قبورهم. 124- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ (704) لعبد الرحمن بْن زيد بْن الخطاب: لقد هممت بأن أوليك الكوفة غير مرة فما منعني من ذلك إلّا أنّي قلت: أوليّه فيقول أنا

_ 123- وردت الأبيات 1- 3 في أمالي القالي 2: 97- 98، والبيتان 1، 3 في المنازل والديار: 223 والحماسة البصرية 1: 257 (ومعهما أبيات أخرى) والبيت 2 في حماسة البحتري: 274 (رقم: 1447) والأنساب الورقة: 286/ أ، وهي للشاعرة أم معدان الأنصارية.

ابن زيد بْن الخطاب أحد أبناء المهاجرين البدريين وعمي الفاروق أمير المؤمنين، وأنا أحق بالأمر من مُعَاوِيَة، قَالَ: لو وليتني لقلت ذلك «1» ، وأنا أقوله الآن، فضحك مُعَاوِيَة. 125- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ دَأْبٍ قَالَ: نَظَرَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَوَدُّ أَنَّ هِنْدًا وَلَدَتْهُ غَيْرَ هَذَا وَعَبْدِ اللَّه بْنِ جَعْفَرٍ. 126- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم صعصعة بْن صوحان على مُعَاوِيَة قَالَ: نحن أهل البيضاوين «2» لم يتعبد فيهما قط غير اللَّه، ولم يضرب فيهما بناقوس، ولا كانت فيهما بيعة ولا كنيسة. 127- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ عمرو بْن العاص لِمُعَاوِيَةَ: غلبتك امرأتك، فَقَالَ: إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام. 128- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: ذكر الأشتر النخعي عند مُعَاوِيَة، فَقَالَ رجل من النخع للذي ذكره: اسكت فإن موته أذل أهل العراق، وإن حياته أذلت أهل الشام، فسكت مُعَاوِيَة ولم يقل شيئًا. 129- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ: رجل لِمُعَاوِيَةَ يا أمير المؤمنين البر أهون أم الفجور؟ فَقَالَ: هما يتنازعانك، يروح عليك أحدهما ويغدو الآخر، فأهونهما ما لم يغالب عليه هواك ونفسك. 130- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ وَغَيْرِهِ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ لَوْ كَانَ قَتَلَ الطَّعَّانِينَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ، فَمَا الَّذِي يَقُولُ قَائِلُهُمْ؟ فَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ: يَقُولُ قَائِلُهُمْ أَنْكَرْنَا مُنْكَرًا فَقَتِيلُنَا شَهِيدٌ وَحَيُّنَا ثائر، فسكت معاوية.

_ 125- انظر ما يلي رقم: 755 وابن عساكر 7: 328. 127- خمس رسائل للثعالبي رقم 1 ص: 16 ومحاضرات الراغب 2: 95 والميداني 2: 257 وأخبار النساء: 94 وابن عساكر 4: 230 128- قارن بعيون الأخبار 1: 186

131- المدائني عن عبد الله بن فائد قال: تَمَضْمَضَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ فَاسْتَرْجَعَ، وَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنَا أَنَّهَا كَانَتْ بِغَيْرِكَ لِعِظَمِ الأَجْرِ لَكَ، وَمَا بَلَغَ رَجُلٌ مَبْلَغَكَ مِنَ السِّنِّ إِلا زَايَلَهُ بَعْضُ مَا كَانَ مُشْتَدًّا «1» مِنْهُ. 132- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْوَقَّاصِيِّ قَالَ: قَدِمَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَنْتَقِصُنِي، فَمَاذَا نَقِمْتَ فِيهِ عَلَيَّ؟ هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُقَاتِلُ عَدُوَّ الْمُسْلِمِينَ وَأَجْبِي فَيْئَهُمْ وَأُعْنَى «2» بِأُمُورِهِمْ وَأَصِلُ وَافِدَهُمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَنَشَدْتُكَ اللَّهَ أَتُذْنِبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا جَعَلَكَ أَحَقُّ بِرَجَاءِ الْمَغْفِرَةِ مِنِّي؟ قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. 133- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ إِنِّي لَمْ أُشْرِكْ فِي دَمِ عُثْمَانَ فَقَالَ: بَلَى لَقَدْ شَرَكَ فِي دَمِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدَ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ: الرَّجُلُ كَانَ أَعْلَمَ بِنَفْسِهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنْتَ أَيْضًا قَدْ شَرَكْتَ فِي دَمِهِ بِطَعْنِكَ عَلَيْهِ وَخُذْلانِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنْهَى عُثْمَانَ عَمَّا قِيلَ فِيهِ وَكُنْتَ تَأْمُرُهُ بِهِ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الأَمْرُ وَالْتَقَتْ حَلَقَتَا الْبِطَانِ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَنْصِرُكَ، فَأَبْطَأْتَ عَنْهُ حَتَّى قُتِلَ. 134- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَامِلُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِصْرِ مِنَ الأَمْصَارِ «3» إِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ نَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ يَكْتُبْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَيُقَالُ أَيْمَنُ بْنُ خُرَيْمٍ، كِتَابًا لَطِيفًا وَرَمَى بِهِ في الكتب وكان فيه:

_ 131- في سقوط ثنايا معاوية أو مقاديمه انظر البيان 1: 60، 2: 341 ولم يتكلم على منبر في جماعة منذ سقطت ثناياه في الطست، والذي خاطبه هو يزيد بن معن السلمي، وانظر عيون الأخبار 3: 52 وربيع الأبرار: 177 ب. 132- قارن بما في تاريخ بغداد 1: 208 ومصنف عبد الرزاق 11: 344- 345 ومنها نصّ مسهب في تاريخ الاسلام 3: 80 وسير الذهبي 3: 100 133- سيرد فيما يلي رقم: 290، وقول حذيفة رقم: 1487 واتهام معاوية بالتباطؤ في نصرة عثمان سيرد رقم: 300، 315 134- الطبري 2: 213 وانظر ابن كثير 8: 141، والأشطار في الوحشيات رقم 251 منسوبة لعبدة بن الطبيب، وحلية الأولياء 4: 184 وابن يعيش: 699 والعقد 3: 426 وأدب الدنيا والدين: 94 ومعجم الأدباء 6: 86 وجمهرة العسكري 2: 246 (وفي كلها دون نسبة) .

إِذَا الرِّجَالُ وَلَدَتْ أَوْلادَهَا ... وَجَعَلَتْ أَسْقَامَهَا تَعْتَادُهَا فَهِيَ «1» زُرُوعٌ قَدْ دَنَا حَصَادُهَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْتَ شِعْرِي (705) مَنْ ذَا الَّذِي نَعَى إِلَيَّ نَفْسِي، لَقَدْ أَبْلَغَ فِي مَوْعِظَتِي. 135- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ الأَثْرَمُ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الْحُصَيْنِ بْنِ حَمَامٍ الْمُرِّيِّ على معاوية فقال: ايذنوا لابْنِ آبِي الضَّيْمِ، ثُمَّ قَالَ لآذِنِهِ: إِنْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ حُصَيْنٍ أَوْ مِنْ وَلَدِ خِدَاشِ بْنِ زُهَيْرٍ فَاسْتَأْذِنْ لَهُ وَإِلا فَاغْرُبْ. 136- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْثَرَ «2» بْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: رَبُّ «3» الْمَعْرُوفِ أَفْضَلُ مِنَ ابْتِدَائِهِ. 137- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ما شيء أعجب إلي «4» من غيظ أتجرعه أرجو بذلك ثواب اللَّه. 138- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لابْن الزُّبَيْرِ: ألا تعجب من الحسن وتثاقله عني؟ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: مثلك ومثل الحسن «5» كما قَالَ الشاعر: أجامل أقوامًا حياء وقد أرى ... قلوبهم تأرى «6» عليّ مراضها

_ 135- قارن بالأغاني 14: 4. 136- سيرد في ما يلي رقم: 250 وعيون الاخبار 3: 176 (منسوبا لسلم بن قتيبة) والعقد 1: 233 وأدب الدنيا والدين: 145 وابن عساكر 6: 238 137- الطبري 2: 213 ونهاية الأرب 6: 50 وانظر العقد 2: 279 وشرح النهج 1: 322 (منسوبا للأحنف بن قيس) 138- الأغاني 9: 167 وفيه البيت، وهو للشماخ، ديوانه: 215 وابن عساكر 6: 165 ومحاضرات الراغب 1: 121 وأخبار العباس: 58 ولباب الآداب: 285

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: واللَّه ما جامل ولقد أعلن، قَالَ: بلى واللَّه لقد جامل، ولو شاء أن يطلق عليك عقال حرب زبون لفعل، فَقَالَ: أراك يا ابْن الزبير تجول فِي ضلالتك، أما واللَّه لو ظفر بك لقتلك كما قتل أبوه أباك أو لغربك ونفاك. 139- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ازْدِحَامُ الكلام فِي السمع مضلة لِلْفَهْمِ. 140- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلِيمٍ «1» قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةَ: رَجُلانِ إِنْ مَاتَا فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَمُوتَا، وَرَجُلٌ إِنْ مَاتَ مَاتَ، أَنَا إِنْ مِتُّ فَخَلِيفَتِي ابْنِي يَزِيدُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ إِنْ مَاتَ فَخَلِيفَتُهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ عُمَرَ إِنْ مَاتَ مَاتَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: أَمَا ذكر ابني عبد الملك فو الله مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِابْنِي ابْنَيْهِمَا. 141- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أبي عمر «2» قَالَ: وَفَدَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرِّيَاحِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِّنِي خُرَاسَانَ، فَقَالَ: ما هجا ما لا هَجَا لَهُ «3» ، قَالَ: فَشُرْطَةُ الْبَصْرَةِ، قَالَ: لا يُمْكِنُ «4» ، قَالَ: فَاحْمِلْنِي عَلَى بَغْلَةٍ وَأَعْطِنِي قَطِيفَةً، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ، فَوَهَبَ لَهُ بَغْلَةً وَقَطِيفَةَ خَزٍّ، فَلامَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَخَذْتُ شَيْئًا وَأَنْتُمْ لَمْ تَأْخُذُوا. 142- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَالٍ فَدَعَا بِصَحِيفَةِ دَيْنِهِ فَقَضَى مَا فِيهَا، ثُمَّ دَعَا بِصَحِيفَةِ الْعِيَالِ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ

_ 139- محاضرات الراغب 1: 23 والبيان 2: 57 (ونسب فيها لعتبة بن أبي سفيان) والمحاضرات 1: 22 (دون نسبة) وجامع بيان العلم 1: 148 وقد ورد قبله في توصية المؤدب: ولا تخرجهم من علم إِلَى علم حَتَّى يفهموه فان ازدحام ... إلخ. 140- الطبري 2: 214 والتمثيل والمحاضرة: 168. 141- البيان 2: 259- 260 والقول في البغال: 111 (وفيه: المغيرة بن عبد الرحمن) ، وانظر نصّا مشابها في عيون الاخبار 3: 131 ومحاضرات الراغب 1: 266 142- ابن كثير 8: 137 وقارن بما في عيون الاخبار 3: 40.

بِصَدَقَةٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا، وَقَسَّمَ فِي أَصْحَابِهِ قِطْعَةً مِنَ الْمَالِ، وَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَالٍ فَدَعَا بِصُنْدُوقٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةَ رَسُولُهُ بِفِعْلِهِمَا فَقَالَ: هَكَذَا هُمَا لَوْ وُلِّيَا. 143- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَ: زَارَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جَبَلَةَ بْنَ الأَيْهَمِ الْغَسَّانِيَّ بِجَلْقٍ فَجَفَاهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ لَقِيَهُ جَبَلَةُ مُتَنَكِّرًا فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الَّذِي قَدِمْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَصْدُقُ فِي ذَمِّهِ لَذَمَمْتُهُ، وَلَكِنِّي أَسْكُتُ فَلا أَذُمُّ وَلا أَحْمَدُ، قَالَ: فَارْجِعْ، ثُمَّ وَصَلَهُ وَقَالَ: لا يَأْتِيكَ مِنِّي تَحِيَّةً إِلا وَمَعَهَا صِلَةٌ، فَلَمَّا ظَهَرَ الإِسْلامُ وَلَحِقَ جَبَلَةُ بِالرُّومِ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ «1» رَجُلا يَفْدِي مَنْ فِي أَيْدِي الرُّومِ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، فَرَآهُ جَبَلَةُ فَسَأَلَهُ عَنْ حَسَّانَ فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ بَاقٍ وَأَنَّهُ خَلَّفَهُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: أَقْرِئْهُ السَّلامَ وأعطه هذه الخمس المائة «2» الدِّينَارِ، فَقَدِمَ الرَّجُلُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَحَسَّانُ عِنْدَهُ، فقال له: جَبَلَةُ يُقْرِئُكَ السَّلامَ يَا حَسَّانُ، قَالَ: هَاتِ مَا مَعَكَ، قَالَ: مَا مَعِي شَيْءٌ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَعْطِهِ، فَأَعْطَاهُ الدَّنَانِيرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ هَذَا لَعَهْدٌ كَرِيمٌ. 144- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ حين مات عتبة أخوه: لولا أن الدنيا بنيت على نسيان الأحبة لظننت أني لا أنسى أخي عتبة أبدًا. 145- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ (706) بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَلَّى مُعَاوِيَةُ عنبسة ابن أَبِي سُفْيَانَ، وَأُمُّهُ ابْنَةُ أَبِي أُزَيْهِرٍ «3» ، الطَّائِفَ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّى الطَّائِفَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأُمُّهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَ لَهُ عَنْبَسَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّهِ مَا نَزَعْتَنِي عَنْ ضَعْفٍ وَلا خِيَانَةٍ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ عُتْبَةَ ابْنُ هِنْدٍ، فَوَلَّى عَنْبَسَةُ وَهُوَ يَقُولُ:

_ 143- قصة حسان وجبلة في الشعر والشعراء: 170 والمحاسن والمساوئ: 74- 76 والأغاني 15: 122 (واسم الرسول: عبد الله بن مسعدة الفزاري) والعقد 2: 56- 62 144- العقد: 3: 244 145- الجمهرة: 29 ومختصر الجمهرة: 5 ب (وفيهما البيت الأول) والمصعب: 125 والطبري 2: 210 (وفيهما الأبيات) .

كنّا لحرب «1» صَالِحًا ذَاتُ بَيْنِنَا ... جَمِيعًا فَأَمْسَتْ «2» فَرَّقَتْ بَيْنَنَا هند فإن تك هِنْدٌ لَمْ تَلِدْنِي فَإِنَّنِي ... لِبَيْضَاءَ يُنَمِّيهَا غَطَارِفَةٌ مُجدُّ أَبُوهَا أَبُو الأَضْيَافِ فِي كُلِّ شِتْوَةٍ ... وَمَأْوَى ضِعَافٍ قَدْ أَضَرَّ بِهَا الْجَهْدُ 146- الْمَدَائِنِيُّ عن سحيم بْن حَفْص قَالَ، قَالَ معاوية: إِذَا ذَهَبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ الْوَرَعُ، وَإِذَا ذَهَبَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ذَهَبَ الْحِلْمُ. 147- حَدَّثَنِي هشام بن عمّار حدثنا صدقة عن زيد بْنِ وَاقِدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَفْضَلُ مَا أعطيه الرجل العقل والحلم، فإن ذكّر ذُكِّر، وَإِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِنْ غَضِبَ كَظَمَ، وَإِنْ قَدَرَ غَفَرَ، وَإِنْ أَسَاءَ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ وَعَظَ ازْدَجَرَ «3» . 148- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مَا بَلَغَ مِنْ دَهْيِكَ «4» ؟ قَالَ: لَمْ أَدْخُلْ فِي أَمْرٍ قَطُّ إِلا خَرَجْتُ مِنْهُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَكِنِّي لَمْ أَدْخُلْ فِي أَمْرٍ قَطُّ فَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ مِنْهُ. 149- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: أَكَلَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَبْعَدْتَ النَّجْعَةَ «5» ، قَالَ: مَنْ أَجْدَبَ انْتَجَعَ. 150- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِمُعَاوِيَةَ بْن حديج: ما جرأك على قتل محمد بْن أبي بَكْر؟ قَالَ: الذي جرأك على قتل حجر بْن عدي «6» ، أفتقتل حلماءنا وتلومنا على قتل سفهائكم؟!

_ 147- الطبري 2: 214 والمجتنى: 40 وزهر الآداب: 49 وابن كثير 8: 141 148- العقد 2: 242 وعيون الأخبار 1: 280 ومحاضرات الراغب 1: 8 149- البيان 2: 181 والبخلاء: 137 والمحاسن والمساوئ: 486 والميداني 2: 184 ومحاضرات الراغب 1: 301 150- البيان 2: 108 وسيرد في رقم: 704

151- حدثني العمري عن الهيثم عن ابن عياش قَالَ: دَخَلَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّكُونِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا طَلَعَ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ هَذَا مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: وَمَا يَهُولُكَ مِنْهُ؟ قَالَ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَوْ كَانَ مِنْهُمْ لأَهَمَّتْكَ نَفْسُكَ وَمَا خَلَوْتَ بِمِصْرَ، فَلَمَّا دَنَا سَلَّمَ وَجَلَسَ، قَالَ: وَخُدَرْت رِجْلُهُ فَمَدَّهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ وَدَدْتُ أَنَّ لِي جَارِيَةٌ لَهَا مِثْلُ سَاقَيْكَ، قَالَ: فِي مِثْلِ عَجِيزَتِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: حَبْجَةٌ بِلَبْجَةٍ وَالْبَادِئُ أَظْلَمُ «1» ، فَلَمَّا نَهَضَ قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ بِكَ إِذْ جَعَلَ هَذَا مِنْ كِنْدَةَ. 152- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَفَّانَ «2» عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى «3» قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ حِينَ أصابته قرحته فقال: هلمّ يا ابن أَخِي فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا وَقَدْ سَبُرَتْ فَقُلْتُ: لَيْسَ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَأْسٌ، وَدَخَلَ يَزِيدُ فَقَالَ لَهُ: إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَوْصِ بِهَذَا فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ أَخًا لِي وَخَلِيلا، غَيْرَ أَنِّي رَأَيْتُ فِي الْقِتَالِ غَيْرَ رَأْيِهِ «4» . 153- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ شَرِيكٍ قَالَ: كَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي قَتْلِ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: أَمَّا بَعْدُ فَلا يَغُرَّنَّكَ يَا مُعَاوِيَةُ حِلْمُ اللَّهِ عَنْكَ فَيَزِيدُكَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا «5» ، فَإِنَّهُ بِالْمِرْصَادِ، وَإِنَّمَا يُعَجِّلُ مَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ. 154- حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ عوانة عن عبد الملك بن عمير

_ 151- قارن بعيون الاخبار 2: 230 والعقد 1: 54، 4: 31 وابن عساكر 5: 131 (عن خريم بن فاتك) ونهاية الأرب 6: 52 والبصائر 3: 322، 628. 152- طبقات ابن سعد 4/ 1: 83 والطبري 2: 209 والفائق 1: 143 (ط 1945) وتاريخ الاسلام 2: 323 وسير الذهبي 2: 287، 3: 106 153- قارن بابن عساكر 4: 86 وانظر ما يلي رقم: 695 والنصوص المشابهة 154- قارن بابن عساكر 6: 137، وانظر فيما يخصّ الحسن ما تقدّم رقم: 108 وانظر بعض النصّ في اللسان 9: 131 والتاج 5: 109 ونهاية ابن الأثير 1: 103 والفائق 1: 102 وانظر كذلك جمهرة الزبير 1: 525

قَالَ: سَأَلَ قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ مُعَاوِيَةَ عَنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: أَمَّا سَيِّدُهَا غَيْرُ مُدَافَعٍ فسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَأَمَّا رَجُلُهَا فَمَرْوَانُ مَعَ غَلَقٍ فِيهِ وَحَدٍّ، وَأَمَّا فَتَاهَا نَائِلا وَتَوَسُّعًا فَعَبْدُ الله بن عامر ابن كريز، وأمّا (707) أكرمها أبا وأمّا وجدّا وَجَدَّةً وَعَمًّا وَعَمَّةً وَخَالا وَخَالَةً فَالْحَسَنُ، وَأَمَّا رَجُلُ نَفْسِهِ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَمَّا مَنْ يَرِدُ «1» مَعَ دَوَاهِي السِّبَاعِ وَيَرُوغُ رَوَغَانَ الثَّعْلَبِ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَمَّا سَيِّدُ النَّاسِ جَمِيعًا فَمَنْ يَقْعُدُ هَذَا الْمَقْعَدَ بَعْدِي، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ نَفْسِكَ، قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي أَشَدُّهَا ثَبَاتَ قَدَمَيْنِ فِي بُعْثُطِ «2» البطحاء. 155- المدائني عن عوانة قال: تغدّى مَعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ وَمَعَهُ ابْنُهُ بَشِيرُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِهِ فَأَكْثَرَ مِنَ الأَكْلِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَكُولا نَهِمًا، فَلَحَظَهُ مُعَاوِيَةُ، فَلَمَّا خَرَجَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ لامَهُ أَبُوهُ عَلَى مَا صَنَعَ، ثُمَّ عَادَ ابْنُ أَبِي بَكْرَةَ مِنَ الْغَدِ وَلَيْسَ ابْنُهُ مَعَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا فَعَلَ ابْنُكَ التِّلِقَّامَةُ؟ قَالَ: اشْتَكَى، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنْ أَكْلَهُ سَيُورِثُهُ دَاءً. 156- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَحْسُدُ النَّاسَ عَلَى النِّكَاحِ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ جُلَسَائِهِ مِنْ كَلْبٍ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا: كَيْفَ أَنْتَ وَالنِّسَاءُ؟ قَالَ: مَا أَشَاءُ أَنْ أَفْعَلَ إِلا فعلت، فجفاه وَحَرَّمَهُ صِلَتَهُ، فَدَسَّ الْكَلْبِيُّ امْرَأَتَهُ إِلَى ابْنَةِ قرظة امرأة معاوية فشكت «3» وقالت: ما أنا وَهُوَ فِي اللِّحَافِ إِلا بِمَنْزِلَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَدَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى ابْنَةِ قَرَظَةَ فَقَالَ: مَنِ الْمَرْأَةُ «4» الَّتِي عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: امْرَأَةُ فُلانٍ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: وَمَا قَالَتْ؟ قَالَتْ: شَكَتْ حَالَهَا وَكَبِرَ زَوْجِهَا وَأَنَّهُ لا يَنَالُ مِنْهَا شَيْئًا وَلا يَقْدِرُ عليه،

_ 155- الطبري 2: 208 والبخلاء: 139 وعيون الأخبار 3: 228 والبصائر 4: 242 وربيع الأبرار: 219/ أوالعقد 6: 299 وابن الأثير 4: 7- 8 وقوت القلوب 4: 79 وما يلي رقم: 357 وابن كثير 8: 141 وتاريخ ابن عساكر 10: 157 156- المختار من شعر بشار: 210 وانظر الأغاني 20: 269 (حيث القصة عن عبد الملك وأيمن خريم) .

فَقَالَ: مَا كَذَا يَزْعُمُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَتَوَارَتِ امْرَأَتُهُ عِنْدَ النِّسَاءِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا فُلانُ كَيْفَ قُوَّتُكَ عَلَى الْجِمَاعِ؟ فَقَالَ: مَا أَشَاءُ أَنْ أَفْعَلَ إِلا فَعَلْتُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: كَذَبَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ الشَّيْخُ: أَقِلْنِي هَذِهِ الْكِذْبَةَ، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَمَرَهُ فَانْصَرَفَ، وَعَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ بِرِّهِ وَصِلَتِهِ. 157- قَالُوا: وَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ رُومِيٌّ لَمْ يُرَ قَطُّ أَطْوَلَ مِنْهُ، فَدَعَا مُعَاوِيَةُ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَطَالَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِقَيْسٍ: أَعْطِهِ سَرَاوِيلَكَ، فَلَبِسَهَا الرُّومِيُّ فَكَادَتْ تَبْلُغُ عُنُقَهُ، فَقَالَ: اتْرُكْهَا عَلَيْهِ، فَتَرَكَهَا، وَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ لِقَيْسٍ بِسَرَاوِيلَ مِنْ سَرَاوِيلاتِهِ فَوَجَدَهُ قَصِيرًا عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّمَا أَمَرْتَ لِي بِتُبَّانٍ، يُعَيِّرُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَّا قُرَيْشٌ فَأَشْيَاخٌ مُسْرَوْلَةٌ ... وَالْيَثْرِبِيُّونَ أَصْحَابُ التُّبَّابِينَ فَقَالَ قيس: تلك اليهود التي تغنى «1» بِقَرْيَتِنَا ... أَضْحَتْ قُرَيْشٌ هُمْ أَهْلُ السَّخَاخِينَ «2» 158- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: قَدِمَ أَبُو مُوسَى عَلَى مُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِي بُرْنُسٍ أَسْوَدَ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ: قَدِمَ الشيخ لأوليه وو الله لا وَلَّيْتُهُ. 159- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ الْعِجْلِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لا يَزَالُ يَكُونُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَرْوَانَ الشَّيْءُ فَتَقْهَرُهُ وَتَسْتَعْلِيهِ وَتَظْفَرُ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ «3» عَامِرٍ: إِنَّهُ يَجِدُنِي عَضَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إنّك لو

_ 157- قارن بالمعارف: 593 وابن رسته: 225 واللسان 13: 355 والتاج 7: 375 والكامل 2: 115 وابن خلكان 4: 170- 171 (ترجمة ابن الحنفية) والاقتضاب: 265 والمستطرف 2: 32 ومحاضرات الراغب 2: 129 وربيع الأبرار: 116 ب وابن كثير 8: 101 والنجوم الزاهرة 1: 108 وثمار القلوب: 480 (ولم تورد المصادر البيت الذي قاله معاوية، وأوردت أبياتا لقيس غير الذي ورد هنا) وذكر في أسد الغابة 4: 216 أن الخبر باطل لا أصل له. 158- الطبري 2: 208 وابن الأثير 4: 8 وانظر طبقات ابن سعد 4/ 1: 83.

لَقِيتَ رَجُلا عَرَّفَكَ نَفْسَكَ، قَالَ: فَكُنْ أَنْتَ ذَلِكَ الرَّجُلَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنَا ابْنُ هِنْدٍ، قَالَ ابْنُ عَامِرٍ: أَنَا ابْنُ أُمِّ حَكِيمٍ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ارْتَفَعْتُ جِدًّا، قَالَ ابْنُ عَامِرٍ: وَانْخَفَضْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ دُجَاجَةُ بنت (أسماء ابن) «1» الصلت وأخت «2» أَبِيهِ أَرْوَى بِنْتُ كُرَيْزٍ وَأُمُّهَا أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. 160- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التَّمِيمِيِّ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْقُدُومِ، فَقَدِمَ عَمْرٌو مِنْ مِصْرَ وَالْمُغِيرَةُ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ عَمْرٌو لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: (708) مَا جَمَعَنَا إِلا لِيَعْزِلَنَا، فَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ فَاشْكُ الضَّعْفَ وَاسْتَأْذِنْهُ فِي إِتْيَانِ الْمَدِينَةِ أَوِ الطَّائِفِ، فَإِنِّي سَأَسْأَلُهُ إِتْيَانَ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ «3» ، فَسَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّا إِنَّمَا نُرِيدُ إِفْسَادَ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ عَمْرٌو فَسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إِتْيَانِ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: قَدْ تَوَاطَأْتُمَا عَلَى أَمْرٍ وَإِنَّكُمَا لَتُرِيدَانِ شَرًّا فَارْجِعَا إِلَى عَمَلِكُمَا «4» . 161- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: نظر مُعَاوِيَة إلى فتيان من بني عبد مناف فتمثّل: بنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم ... وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا ونظر إلى فتيان من بني أسد بْن عبد العزى بْن قصي فَقَالَ: شربن حتى نفد القليب ... أكلن حمضًا «5» فالوجوه شيب «6» 162- الْمَدَائِنِيّ عَنْ سَعِيد بْن عامر الخزرجي عَنْ عبادة بن نسيّ قال: خطب

_ 160- محاضرات الراغب 1: 83 ونهاية الأرب 6: 178. 161- الاصابة 2: 60 (رقم: 1968) والبيت الأول في أمالي القالي 3: 81 والشعر والشعراء: 407 وديوان علي: 14، وهو لحريث بن محفض. 162- أمالي القالي 2: 311 وتاريخ الاسلام 2: 323 وسير الذهبي 3: 106 وانظر ما يلي رقم: 180 وابن عساكر 7: 212، وقوله: من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه في الجامع الصغير 2: 159 وقنسنك (أحبّ) .

مُعَاوِيَة فَقَالَ: إني كزرع مستحصد، وقد طالت إمرتي عليكم حتى مللتكم ومللتموني، وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي، ولن يأتيكم بعدي إلا من أنا خير منه كما أن من كان قبلي كان خيرًا مني، وقد قيل: من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، اللَّهم إني أحببت لقاءك فأحب لقائي وبارك لي فيه. 163- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عياش عن صفوان بن عمرو عن الأَزْهَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَوْزَنِيِّ «1» عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أُخْبِرَ بِرَجُلٍ قَاصٍّ يَقُصُّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ مَوْلًى لِبَنِي مَخْزُومٍ «2» ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أُمِرْتَ بِالْقَصَصِ؟ فَقَالَ: لا، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَقُصَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ «3» ؟ قَالَ: إِنَّمَا نَنْشُرُ عِلْمًا عَلَّمْنَاهُ اللَّهُ، قَالَ: لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَقَطَعْتُ طَابِقًا «4» مِنْكَ. 164- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: خَطَبَ رَبِيعَةُ بْنُ غُسْلٍ- وَذَلِكَ الثَّبْتُ، وَيُقَالُ عَسَلٌ- الْيَرْبُوعِيُّ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اسْقُوهُ سُوَيْقًا «5» ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْنِي فِي بِنَاءِ دَارِي بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ جِذْعٍ، قَالَ: وَكَمْ دَارُكَ؟ قَالَ: فَرْسَخَانِ فِي فَرْسَخَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ، قَالَ: فَدَارُكَ بِالْبَصْرَةِ أَمِ الْبَصْرَةُ فِي دَارِكَ؟! قال: فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِهِ عَلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي خَطَبَ أَبِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَزَوَّجَهُ مُعَاوِيَةُ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَمَا صَنَعَ «6» شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لِسَلَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُ أَحْمَقِ قَوْمِهِ، قَالَ: وانّ الحمق لبيّن فيه أيضا.

_ 163- المستدرك 1: 128. 164- الطبري 2: 209 والبيان 2: 259- 260 والعقد 4: 207 والاشتقاق: 139 وابن كثير 8: 140 وبعض الخبر في عيون الاخبار 4: 13

165- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: ذكر مروان يومًا لِمُعَاوِيَةَ كثرة عدد آل أبي العاص وقلة عدد آل حرب، فتمثل مُعَاوِيَة: تفاخرني بكثرتها قريط ... وقبلك طالت الحجل الصقور فإن أك فِي عدادكم قليلًا ... فإني فِي عدوكم كثير بغاث الطير أكثرها فراخًا ... وأم الصقر مقلات نزور 166- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: زَوَّجَ مُعَاوِيَةُ ابْنَتَهُ رَمْلَةَ مِنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَسَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَقُولُ لَهُ وَقَدْ عَادَهُ: إِنَّمَا وَلِيَ مُعَاوِيَةُ الْخِلافَةَ بِذِكْرِ أَبِيكَ، فَمَا يَمْنَعُكَ مِنَ النُّهُوضِ لِطَلَبِ حَقِّكَ، فَنَحْنُ أَكْثَرُ مِنْ آلِ حَرْبٍ عَدَدًا، مِنَّا فُلانٌ وَفُلانٌ، وَحَجَّ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَخَرَجَتْ إِلَى أَبِيهَا فَقَالَ لها: مالك، أطلّقك زوجك؟ قَالَتِ: الْكَلْبُ أَضَنُّ بِشَحْمَتِهِ، وَحَدَّثَتْهُ حَدِيثَ مَرْوَانَ وَاسْتِكْثَارِهِ آلَ أَبِي الْعَاصِ وَاسْتِقْلالِهِ آلَ حَرْبٍ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ: أَوَاضِعٌ رِجْلٍ فَوْقَ رِجْلٍ «1» يَعُدُّنَا «2» ... كَعَدِّ «3» الْحَصَا مَا أَنْ يَزَالَ يُكَاثِرُ (709) وَأُمُّكُمْ تُزْجِي تُؤَامًا لِبَعْلِهَا ... وَأُمُّ أَخِيكُمْ نَزْرَةُ الْوَلَدِ «4» عَاقِرُ 167- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ «5» قَالَ: لمّا بلغ معاوية موت زياد قال:

_ 165- قال البكري (السمط: 190) اختلف العلماء في عزو هذا الشعر فأنشده أبو تمام لعباس بن مرداس السلمي ونسبه ابن الاعرابي وأبو رياش الى معود الحكماء. وقد نسب الى ربيعة الرقي والصحيح أنه لمعود الحكماء، وتنسب الأبيات لكثير عزة، انظر تخريجها في ديوانه: 530- 531 وديوان العباس بن مرداس: 58. 166- المصعب: 109 وبرنستون 906 الورقة 37/ أوالسمط: 512- 513 وانظر الأغاني 12: 73 وبلاغات النساء: 153 وترد الأبيات في النقائض: 392 وياقوت 2: 579 والثاني في الحيوان 5: 31 ويقول شارح النقائض إن الشاعر هو عباس بن ريطة الرعلي وفي ياقوت: أنس بن عباس الرعلي وفي الحيوان: هياش (لعلها مصحفة عن عباس) الرعلي. وقولها: «الكلب أضن بشحمته» سيرد في ما يلي رقم: 323 وانظر أمالي القالي 1: 222. 167- الكامل 4: 27 ومحاضرات الراغب 2: 217 والبيت في الأغاني 15: 117 والفقرة: 750، وحماسة ابن الشجري: 141 والمعارف: 341 وابن عساكر 7: 202 وسير الذهبي 3: 310 وقائله هو: أبو الطفيل عامر بن واثلة (وقافيته في س وبعض المصادر: كاسر- دون هاء-) .

وَأُفْرِدْتُ «1» سَهْمًا فِي الْكِنَانَةِ وَاحِدًا ... سَيُرْمَى بِهِ أَوْ يَكْسِرُ السَّهْمَ كَاسِرُهُ 168- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ وَابْنِ جَعْدَبَةَ قَالا، قَالَ مُعَاوِيَةُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ عُثْمَانَ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا وَأَصَابَتْ مِنْهُ، وَإِنَّهَا قَدْ مَالَتْ بِي وَمِلْتُ بِهَا، فما ترى يا أبا عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَمْكَنَتْكَ فَهِيَ فِي يَدِكَ وَلَكَ دُرُّهَا، وَإِنَّ الآخِرَةَ مُمْكِنَةٌ لَكَ إِنْ أَرَدْتَهَا، وَلَمَا نَقَصَكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَزَادَكَ فِي آخِرَتِكَ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا نَقَصَكَ مِنْ آخِرَتِكَ وَزَادَكَ فِي دُنْيَاكَ. 169- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَمْرٌو عِنْدَهُ بِدِمَشْقَ: قَدْ جَاشَتِ الرُّومُ، وَهَرَبَ عَامِلٌ مِنْ عُمَّالِنَا «2» ، وَخَرَجَ أَهْلُ السِّجْنِ، قَالَ: فَلا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ذَلِكَ، أَمَّا الرُّومُ، فَأَرْضِهِمْ بِشَيْءٍ تَرُدُّهُمْ بِهِ عَنْكَ، وَأَمَّا أَهْلُ السِّجْنِ فَإِنَّمَا خَرَجُوا حُفَاةً عُرَاةً فَابْعَثْ فِي طَلَبِهِم تُؤْتَ بِهِمْ، وَأَمَّا عَامِلُكَ فَأَظْهِرْ أَنَّكَ قَدْ تَرَكْتَ لَهُ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَيَرْجِعُ فَإِذَا رَجَعَ فَطَالِبْهُ، قَالَ: فَفَعَلَ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ. 170- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ جعفر بن عبد الرحمن بن المسور ابن مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ (عَنْ جَدِّهِ الْمِسْوَرِ) قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَحْسَنَ مَا قُلْتَ فَكَيْفَ طَعْنُكَ عَلَى الأُمَرَاءِ؟ فَلَمْ أَدَعُ شَيْئًا إِلا بَكَّتْهُ بِهِ، فَقَالَ: يَا مِسْوَرُ إِنَّا غَيْرُ مُتَبَرِّئِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَنَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ، إِنِّي لَعَلَى شَرِيعَةِ يَقِينٍ يَقْبَلُ اللَّهُ مَعَهَا الْحُسْنَى وَيَتَجَاوَزُ عَنِ السَّوْءَى، وَلَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ اللَّهِ وَمَا سِوَاهُ لاخْتَرْتُهُ، ثُمَّ قَضَى حَوَائِجَهُ. 171- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الملك بن عمير أنّ أبا موسى

_ 168- قارن بالطبري 2: 211 وما يلي رقم: 221، 329 169- قارن بالطبري 2: 210 والدينوري: 167 وشرح النهج 2: 26 170- انظر ابن كثير 8: 133 وتاريخ بغداد 1: 208 وتاريخ الاسلام 3: 80 وقد تقدم ذكر المسور رقم: 132

الأَشْعَرِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: بَايِعْ يَا أَبَا مُوسَى، وَبَسَطَ يَدَهُ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أُبَايِعُ عَلَيْنَا وَلَنَا، فَقَبَضَ مُعَاوِيَةُ يَدَهُ وَانْصَرَفَ أَبُو مُوسَى، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَضَاهٍ الأَشْعَرِيُّ: يَا أَبَا مُوسَى إِنَّكَ رَأَيْتَ رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ يَقُولُونَ لِمُعَاوِيَةَ فَيَحْلُمُ عَنْهُمْ، فَفَعَلْتَ كَمَا فَعَلُوا، وَإِنَّهُ يَهُونُ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ يَقْتُلَكَ فَيُؤَدِّبُ بِكَ غَيْرَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ «1» : إِنَّ السُّلْطَانَ يَضْحَكُ ضَحِكَ الصَّبِيِّ وَيَصُولُ صَوْلَةَ الأَسَدِ، فَرَاحَ أَبُو مُوسَى إِلَى مُعَاوِيَةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ وَقَالَ: مَا أَنْكَرْتَ مِنْ تَسْلِيمِي عَلَيْكَ بِالإِمْرَةِ فَقَدْ كُنَّا نَقُولُهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَيَرَاهَا وَغَيْرَهَا سَوَاءً، وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ قَوْلِي أُبَايِعُكَ عَلَيْنَا وَلَنَا؟ عَلَيْنَا الْوَفَاءُ بِهَا وَلَنَا أَجْرُهَا، فَتَبَسَّمَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: بَايَعَ أَبَا مُوسَى فَلَعَمْرِي مَا أَخْرَجْتُهَا حَتَّى زَمَمْتُهَا وَخَطَمْتُهَا، وَلَئِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْتُ خَيْرًا لَقَدْ أَرَدْتُ شَرًّا. 172- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَحَقَّ بِالْمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، للَّهِ دَرُّهُ إِنْ كَانَ لَحَلِيمًا وَإِنْ كَانَ النَّاسُ لَيَنْزِلُونَ مِنْهُ بِأَرْجَاءِ وَادٍ خِصْبٍ، لَمْ يَكُنْ بِالضَّيِّقِ اللَّيِّقِ الْمُتَصَعِّبِ الْحَصُوصِ «2» ، يَعْنِي الَّذِي يُحَاصُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. 173- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «3» عَنْ يَزِيدَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: أَذِنَ مُعَاوِيَةُ لِلأَحْنَفِ ثُمَّ لِمُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَجَلَسَ مُحَمَّدٌ فَوْقَ الأَحْنَفِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي لَمْ آذَنْ لَهُ قَبْلَكَ لِتَكُونَ دُونَهُ إِلَيَّ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِعْلَ مَنْ أَحَسَّ مِنْ نفسه بذلّ، إِنَّا كَمَا نَمْلِكُ أُمُورَكُمْ نَمْلِكُ تَأْدِيبَكُمْ، فَأَرِيدُوا مِنَّا مَا نُرِيدُ بِكُمْ «4» (710) فَإِنَّهُ أَبْقَى لَكُمْ،

_ 172- مصنف عبد الرزاق 11: 453 والطبري 2: 215 وابن الأثير 4: 9 وانظر تاريخ الاسلام 2: 321 وسير الذهبي 3: 101 وتاريخ البخاري 4: 327 وابن كثير 8: 135 واللسان: 5: 269، 8: 321 ونهاية ابن الأثير 1: 233، 3: 102، 116 173- الطبري 2: 209 والبيان 2: 156 وانظر عيون الاخبار 1: 90 والعقد 1: 68، وشرح النهج 4: 144

فقال محمد: إنّا لم نأتك ليقضى «1» مَكَانُنَا مِنْكَ، وَلَمْ نَعْدَمِ الأَدَبَ فَنَحْتَاجُ إِلَى تأديبك، فَخُذْ مِنَّا عَفْوَنَا تَسْتَوْجِبْ مَوَدَّتَنَا، وَإِنَّا عَنْكَ لَفِي غِنًى وَسِعَةٍ، ثُمَّ خَرَجَ. 174- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ سَلامٍ عَنْ مُجَالِدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: كَمْ وَلَدُكَ؟ فَذَكَرَ عَشْرَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَهَبُ لِمَنْ يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذّكور، فقال سعيد: ويؤتي الملك من يشاء وينزع «2» الملك ممن يشاء. 175- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: إنّي رمت سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَمْ أُطِقْهَا، فَسَلَكْتُ طَرِيقَةً لَكُمْ فِيهَا حَظٌّ وَنَفْعٌ، عَلَى بَعْضِ الأَثَرَةِ، فَارْضَوْا بِمَا أَتَاكُمْ مِنِّي وَإِنَّ قَلَّ، فَإِنَّ الْخَيْرَ إِذَا تَتَابَعَ وَإِنْ قَلَّ أَغْنَى، وَإِنَّ السَّخَطَ يُكَدِّرُ الْمَعِيشَةَ، وَلَسْتُ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلا إِلَى مَنْ بَسَطَ يَدَهُ، فَأَمَّا الْقَوْلُ يَسْتَشْفِي بِهِ ذُو غَمْرٍ فَهُوَ دُبُرَ أُذُنِي وَتَحْتَ قَدَمِي حَتَّى يَرُومَ الْعَوْجَاءُ. 176- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بْن صالح عن أَبِي بكر بن عيّاش قال: حدّثت عن الشّعبي أنّ عمر بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: احْذَرُوا آدَمَ قُرَيْشٍ «3» وَابْنَ كَرِيمِهَا فَإِنَّهُ لا يَنَامُ إِلا عَلَى الرِّضَا وَيَضْحَكُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَيَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَهُ مِنْ تَحْتِهِ. 177- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي قُحَافَةَ عَنْ أَبِي قُرَّةَ «4» مَوْلَى عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ وَمُعَاوِيَةُ يَخْطُبُ فَقَالَ: أيّها المعظّم «5» اسكت أنشد جملي، فسكت

_ 174- ابن عساكر 6: 144 وانظر ما تقدم رقم: 165 وما يلي رقم: 199. 175- انظر العقد 4: 81- 82 وابن كثير 8: 132 والصيغة المسهبة للقصة في تاريخ الاسلام 2: 320- 321 وسير الذهبي 3: 98. 176- عيون الأخبار 1: 9 والعقد 1: 25، 4: 363 (منسوبا لعمرو بن العاص) وابن كثير 8: 124 وكنز العمال 7: 87 (رقم: 743)

مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ دَعَا إِلَى جَمَلٍ عَلَيْهِ قَتَبٌ، فَرَدَّدَ الْقَوْلَ مِرَارًا، فقال معاوية: أيّها الأعرابي حلّه حلية سِوَى الْقَتَبِ فَلَعَلَّ الْقَتَبَ قَدْ ضَاعَ، ثُمَّ مَضَى فِي خُطْبَتِهِ. 178- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِسْوَرٍ قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَافِدًا فَأَمَرَ ابْنَهُ يَزِيدَ أَنْ يَأْتِيَهُ مُسَلِّمًا فَأَتَى يَزِيدُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَرَحَّبَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَحَدَّثَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا ذَهَبَ بَنُو حَرْبٍ ذَهَبَ حُلَمَاءُ النَّاسِ. 179- قالوا: دخل عبد اللَّه بْن الحارث بْن أُمَيَّة الأصغر على مُعَاوِيَة وكان بذيئًا «1» ، فجرى بينه وبين مُعَاوِيَة كلام، فَقَالَ عبد اللَّه: واللَّه لقد شججت أخاك حنظلة «2» فما أعطيتم عقلًا ولا سألتم فدى «3» ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: إنك هربت إلى أخوالك بالطائف، فَقَالَ: إني إذا مال أحد شقي عدلته بالآخر. 180- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: مَرِضَ مُعَاوِيَةُ «4» فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَكَأَنَّهُمَا عَسِيبَانِ ثُمَّ قَالَ: هَلِ الدُّنْيَا إِلا مَا جَرَّبْنَا وَذُقْنَا، وَلَوَدَدْتُ أَنِّي لَمْ أُعَمَّرْ فِيكُمْ فَوْقَ ثَلاثٍ «5» حَتَّى أَلْحَقَ بِرَبِّي، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ: بِمَاذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ لِي، فَقَدْ عَلِمَ أَنِّي لَمْ أَهْوَ مَا كَرِهَ. 181- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل على مُعَاوِيَة عدي بْن حاتم فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وهو

_ 178- بعضه في العقد 4: 362 179- انظر ابن عساكر 7: 346 180- قارن بما تقدم رقم: 162 181- سترد في ما يلي رقم: 295 وانظر الميداني 2: 117 والعقد 4: 35 وبهجة المجالس 1: 95

حاضر: إن عند هذا الأعور جوابًا، فأحركه «1» ؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ: يا عدي أين ذهبت عينك؟ قَالَ: يوم قتل أبوك هاربًا وضربت أنت على قفاك موليًا «2» ، وأنا يومئذ مع الحق وأنت مع الباطل. 182- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ قَالَ: رَكِبَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا مَعَهُ، فَبَيْنَا نحن نسير إذ طلع رجل بَاذِّ الْهَيْئَةِ فَلَمْ أَرَهُ أَكْبَرَ مُعَاوِيَةَ وَلا اكْتَرَثَ لَهُ، وَأَعْظَمَهُ مُعَاوِيَةُ إِعْظَامًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ: أَجِئْتَ زَائِرًا أَمْ طَالِبَ حَاجَةٍ؟ فَقَالَ: لَمْ آتِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنِّي جِئْتُ مُجَاهِدًا وَأَرْجِعُ زَاهِدًا، (711) فَمَضَى مُعَاوِيَةُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ «3» ، قُلْتُ: مَا أَدْرِي مَا أراد بقوله أخيرا أم شَرًّا، قَالَ: دَعْهُ فَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ أَرَادَ الشَّرَّ إِنَّ الشَّرَّ عَائِدٌ بِالسُّوءِ عَلَى أَهْلِهِ، قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا وَلَدَتْ قُرَشِيَّةٌ قُرَشِيًّا أَذَلَّ مِنْكَ، فَقَالَ: يَا حَبِيبُ أَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْتَمِعُونَ خَيْرٌ أَمْ أَجْهَلُ وَيَتَفَرَّقُونَ؟ قَالَ، قُلْتُ: بَلْ تَحْلُمُ وَيَجْتَمِعُونَ، قَالَ: امْضِ فَمَا وَلَدَتْ قُرَشِيَّةٌ قُرَشِيًّا لَهُ مِثْلُ قَلْبِي، قَالَ، قُلْتُ: إِنِّي لأَخَافُ «4» أَنْ يَكُونَ مَا تَصْنَعُ ذُلا، قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ قَاتَلْتُ عَلِيًّا فَصَبَرْتُ عَلَى مُنَاوَأَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي هَذَا عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قيس. 183- حدثني عُمَرُ «5» بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا مَعْشَرَ بَنِي أُمَيَّةَ إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَدَعْ مِنَ الْمَجْدِ شَيْئًا إِلا حَازَهُ لأَهْلِهِ، وَقَدْ أُعِنْتُمْ عَلَيْهِمْ بِخُلَّتَيْنِ: فِي أَلْسِنَتِهِمْ ذَرَبٌ وَفِي الْعَرَبِ أنف، وهم محدودون «6» ، فأوسعوا الناس حلما فو الله إِنِّي لأَلْقَى الرَّجُلَ أَعْلَمُ أَنَّ فِي نَفْسِهِ عليّ شيئا فأستثيره فَيَثُورُ عَلَيَّ بِمَا يَجِدُ فِي قَلْبِهِ، فَيُوسِعُنِي شَتْمًا وَأُوسِعُهُ حِلْمًا، ثُمَّ أَلْقَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ أخا أستنجده فينجدني.

_ 183- بعضه في عيون الأخبار 1: 30 وانظر ابن كثير 8: 136 ورسائل ابن أبي الدنيا: 21 (رقم: 28) .

184- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْن عُمَرَ عَن الْهَيْثَم بْن عَدِيٍّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يُخَاطِبُ مُعَاوِيَةَ إِذْ قَالَ: وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَتَسْتَقِيمَنَّ أَوْ لَنُقَوِّمَنَّ صَعْرَكَ «1» ، قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: وَمَا كَانَ عَلَيْكَ لَوْ كَانَ كَلامُكَ أَلْيَنَ مِنْ هَذَا؟ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ نَكَّلْتَ بِهَذَا تَأَدَّبَ بِهِ غَيْرُهُ فَقَالَ: يا بنيّ لربّ غيظ قد تحطّم بَيْنَ جَوَانِحِ أَبِيكَ لَمْ يَكُنْ وَبَالُهُ إِلا عَلَى مَنْ جَنَاهُ. 185- وقال ابن أم الحكم ليزيد: خالي من قريش «2» وخالك من كلب فجئني بخال مثل خالي، فشكاه يزيد إلى مُعَاوِيَة فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قل له هات أبًا مثل خالك. 186- حَدَّثَنِي عبد اللَّه بْن صالح قَالَ، بلغنا أن مُعَاوِيَة قَالَ: أحب الناس إلي أشدهم تحبيبًا لي إلى الناس. 187- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ، [قَالَ عَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه: لا تمنّوا موت «3» معاوية فإنّكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تَنْدُرُ عَنْ كَوَاهِلِهَا] . 188- قَالَ العتبي: وقع بين هدبة بْن خشرم العذري وبين آخر من عذرة كلام عند مُعَاوِيَة، فَقَالَ العذري: إنه لا يقال فِي مجلس أمير المؤمنين الكذب، فَقَالَ هدبة: إنه لا مجلس يدخله من الكذب أكثر مما يدخل مجلس أمير المؤمنين، ولكن فيه عزًا نيل بالصدق، يعني الإسلام.

_ 184- المجتنى: 41 185- سيرد في ما يلي رقم: 298 186- الطبري 2: 214 وابن الأثير 4: 8 وأدب الدنيا والدين: 124 وقارن بالعقد 2: 316 187- ابن كثير 6: 228، 8: 131 وتاريخ الاسلام 2: 320 وسير الذهبي 3: 96 والكنز 11 رقم 1336، 1344 وشرح النهج 4: 10

189- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ «1» عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سُوَيْدٍ «2» قَالَ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا رَأَيْتُ أَكْرَمَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، خَرَجَ حَاجِبُهُ يَوْمًا فَلَمْ يَرَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِي فَرَجَعَ، ثُمَّ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَتَوَكَّأَ عَلَيَّ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَجْرَى الْخَيْلَ فَسَبَقَ فِي الثَّنِيَانِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ غَدَوْتُ إِلَيْهِ وَخَرَجَ فَصَنَعَ بِي كَمَا صَنَعَ أَوَّلا، ثُمَّ أَجْرَى الْخَيْلَ فَسَبَقَ فِي الرِّبْعَانِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ يَوْمًا ثَالِثًا «3» وَخَرَجَ الْحَاجِبُ فَاسْتَتَرْتُ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَتَشَاءَمَ بِي فَقَالَ لِحَاجِبِهِ: اطْلُبْهُ، فَرَآنِي، فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَتَوَكَّأَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: أجر القرّح، فسبق، فقال: يا ابن مَرْوَانَ، هَكَذَا الْقَرْحُ تَسْبِقُ لَهَا الْقُرْحَ، هَاتِ حَاجَتِكَ، فَمَا سَأَلْتُ حَاجَةً إِلا أَمَرَ بِهَا فعجّلت. 190- الْمَدَائِنِيّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَن بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةَ لآذِنِهِ: ابْغِنِي قَوْمًا يَتَحَدَّثُونَ عِنْدِي وَيُحَدِّثُونِي، فَأَدْخَلَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةً مِنْ سُلَيْمٍ فِيهِمْ نَصْرُ بْنُ الْحَجَّاجِ «4» ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَتَدْرُونَ لِمَ دَعَوْتُكُمْ؟ فَقَالَ نَصْرٌ (712) : دَعَوْتَنَا لأَمْرٍ حَزَبَ «5» وَنَازِلَةٍ نزلت، فأردت أهل النَّصِيحَةَ وَالرَّأْيَ، قَالَ: مَا كَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ إِلا خَيْرٌ وَلا جَاءَنَا إِلا مَا نُحِبُّ، قَالَ: فَدَعَوْتَنَا لأَنَّكَ رَوَأْتَ فَقُلْتَ مَا تَرَكْتُ رَحِمًا إِلا وَصَلْتُهَا وَزَيَّدْتُهَا «6» إِلا رَحِمَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ سُلَيْمٍ، فَدَعَوْتَنَا لِلصِّلَةِ وَقَضَاءِ الْحَقِّ، قَالَ: إِنَّكُمْ لِذَلِكَ لأَهْلٌ وَمَا لِذَلِكَ دَعَوْتُكُمْ، قالوا: فدعوتنا «7» لأَمْرٍ عَرَاكَ فَأَرَدْتَ أَنْ نُحَدِّثَكَ لِيَذْهَبَ غَمُّكَ، فَإِنْ أَرَدْتَ حَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَيَّامَ الْعَرَبِ وَأَنْسَابَهَا فَنَحْنُ بَنُوهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ حَدِيثَ الإِسْلامِ فَنَحْنُ أَهْلُهُ، قَرَأْنَا كِتَابَ اللَّهِ وَفَقِهْنَا فِي الدِّينِ، وإن أردت علم

_ 189- بعضه في ابن كثير 8: 135

الْعَجَمِ فَقَدْ غَزَوْنَاهُمْ وَلَنَا بِأُمُورِهِمْ عِلْمٌ «1» ، قَالَ: فَأَطْرَقَ مُعَاوِيَةُ طَوِيلا ثُمَّ قَالَ «2» : أَنَا خَيْرُ قُرَيْشٍ لَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، قَالَ نَصْرٌ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَدَاهَا اللَّهُ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ، وَبَصَّرَهَا بَعْدَ الْحِيرَةِ، وَأَعَزَّهَا بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَأَغْنَاهَا مِنَ الْفَقْرِ، وَجَمَعَ لَهَا بِهِ الْحُسْنَيَيْنِ الْخِلافَةَ فِي الدُّنْيَا وَحُسْنَ الثَّوَابِ فِي الآخِرَةِ، وَأَوْرَثَهَا كِتَابَ اللَّهِ فَصِرْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا أَرْبَابًا، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْنَاكَ أَنَّكَ شَرُّ قُرَيْشٍ لَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: لانَتْ لَهَا أَكْنَافُكَ، وَانْثَنَتْ لَهَا أَعْطَافُكَ، وَجَادَتْ لَهَا كَفُّكَ، وَعَوَّدْتَهَا بِحِلْمِكَ «3» عَادَةً لا يَحْمِلُهَا لَهَا مَنْ بَعْدَكَ، فَأَطْغَيْتَ بَرَّهَا وَأَكْفَرْتَ «4» فَاجِرَهَا، فَكَأَنِّي بِهِمْ إِذَا فَقَدُوا مَا عَوَّدْتَهُمْ قَدْ ثَارُوا إِلَى الْقَنَا فَعَقَدُوا فِيهَا خُمُرَهُمْ، فَأَصْبَحُوا مُصَرَّعِينَ شَائِلَةً أَرْجُلُهُمْ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَقَامَ مُعَاوِيَةُ وَخَرَجُوا، فَدَعَا آذِنَهُ فَقَالَ: وَاللَّه مَا اسْتَرَحْتُ مِنْ هَؤُلاءِ إِلَى مُسْتَرَاحٍ، وَيْحَكَ أَرَدْتُ قَوْمًا يُحَدِّثُونِي «5» حَدِيثًا سَهْلا فَجِئْتَنِي بِشَيْطَانٍ. 191- ويروى أن مُعَاوِيَة قَالَ لسعد «6» مولاه: إن جلسائي قد ثقلوا علي ونازعوني الكلام فأدخل إلي غيرهم، فأدخل إليه أبا الأعور السلمي ورجلا آخر، فجرى بينه وبين مُعَاوِيَة ما نسب إلى نصر بْن الحجاج، قالوا: فلما قَالَ أَبُو الأعور: وأضحوا شائلة أرجلهم بأفواه السكك، قَالَ مُعَاوِيَةُ: وأبو الأعور فيهم، فَقَالَ: أغضبت يا مُعَاوِيَة أن صدقتك؟ ذلك إلى اللَّه فإن شاء كنت فيهم. 192- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَرْضٌ إِلَى جَانِبِ أَرْضٍ لِمُعَاوِيَةَ «7» ، فَاقْتَتَلَ غِلْمَانُ مُعَاوِيَةَ وَغِلْمَانُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَتَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ غَلَبْتَنَا بِحُمْرَانِكَ وَسُودَانِكَ، وَلَوْ قد التقت حلقتا

_ 192- المستجاد: 34 والمستطرف 1: 263

الْبِطَانِ وَاسْتَوَتْ بِنَا وَبِكَ الأَقْدَامُ عَلِمْتَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ سُودَانَكَ وَحُمْرَانَكَ لا يُغْنُونَ عَنْكَ شَيْئًا، فَقَرَأَ مُعَاوِيَةُ الْكِتَابَ ثُمَّ رَمَى بِهِ إِلَى ابْنِهِ يَزِيدَ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: تَبْعَثُ إِلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ فَتَسْتَرِيحَ مِنْ حُمْقِهِ وَعُجْبِهِ، قَالَ: يَا بُنَيَّ لَهُ بَنُونَ وَعَشِيرَةً تَمْنَعُهُ، إِنْ بَعَثْتَ بِمِائَةِ رَجُلٍ وَأَعْطَيْتَ كُلَّ رَجُلٍ أَلْفًا بَلَغَ ذَلِكَ مِائَةَ أَلْفٍ، وَلا أَدْرِي عَلَى مَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ، فَإِنْ غَلَبُوا بَعَثْتَ أَلْفًا «1» وَأَعْطَيْتَهُمْ أَلْفَ أَلْفٍ، وَلَكِنِّي أَكْتُبُ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ مُعَاوِيَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ أَنَّا غَلَبْنَاكَ بِحُمْرَانِنَا وَسُودَانِنَا وَأَنَّهُ إِنِ الْتَقَتْ حَلْقَتَا الْبِطَانِ وَاسْتَوَتْ بِنَا وَبِكَ الأَقْدَامُ عَلِمْنَا أَنَّ حُمْرَانِنَا وَسُودَانَنا لا يُغْنُونَ عَنَّا شَيْئًا، وَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَهَبَ لَكَ ذَلِكَ المال بحمرانه وسودانه فخذه خضرا مضرا «2» وَالسَّلامُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لِعَبْدِ اللَّهِ مُعَاوِيَةُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَمَّا (713) بَعْدُ، فَقَدْ غَلَبْتَنَا بِحِلْمِكَ وَجُدْتَ لَنَا بِمَالِكَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرَ جَزَاءٍ، فَلَمَّا أَتَى مُعَاوِيَةَ الْكِتَابُ قَالَ لِيَزِيدَ: يَا بُنَيَّ أَهَذَا خَيْرٌ أَمْ مَا أَرَدْتَ؟ 193- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ، قال معاوية لأبي الجهم بن حذيفة: أيّنا «3» أَسَنُّ أَنَا أَمْ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَذْكُرُ دُخُولَ أُمِّكَ عَلَى زَوْجِهَا، قال: أيّ أزواجها؟ فو الله إِنْ كَانَتْ لَكَرِيمَةَ الْمَنَاكِحِ، فَإِيَّاكَ يَا أَبَا الْجَهْمِ وَالإِقْدَامِ بَعْدِي عَلَى السُّلْطَانِ بِمِثْلِ هَذَا، فَإِنَّمَا أَمْرُ السُّلْطَانِ كَاللَّعِبِ وَصَوْلَتُهُ كَصَوْلَةِ الأَسَدِ، فَاحْذَرْ أَنْ يُؤْمَرَ بِكَ فَيُؤْتَى «4» عَلَى نَفْسِكَ. 194- وَحَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ الرَّحَبِيِّ عَنِ ابْنِ عَضَاهٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: دَخَلَ أَبُو الْجَهْمِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فأجلسه معه على سريره وأكرمه ثم

_ 193- 194: - تتشابه الروايتان، وانظر عيون الاخبار 1: 283 والعقد 1: 52 ومحاضرات الراغب 1: 92 والمستطرف 1: 127 وروض الأخيار: 37 وراجع ما تقدم رقم: 171 وانظر ابن كثير 8: 135 وسير الذهبي 3: 102

قَالَ لَهُ: أَيُّمَا أَسَنُّ أَنَا أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: لَقَدْ أَكَلْتُ فِي عُرْسِ أُمِّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَبُوكَ، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَتْ تَسْتَكْرِمُ الأَزْوَاجَ، فَفِي عُرْسِ أَيِّ أَزْوَاجِهَا أَكَلْتَ؟ قَالَ: فِي عُرْسِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ذَاكَ سَيِّدُ قَوْمِهِ. ثُمَّ قَالَ: إِيَّاكَ وَالسُّلْطَانَ فَإِنَّهُ يَغْضَبُ غَضَبَ الصِّبْيَانَ وَيَصُولُ صَوْلَةَ الأَسَدِ. 195- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ الْعَجْلانِيِّ عَن سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دَخَلَ قَوْمٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قُرَيْشٌ لَكُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ لَهَا، فَإِنْ يَكُ ذَلِكَ لِقَتْلَى أُحُدٍ فَقَدْ نِلْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَهُمْ، وَإِنْ يَكُنْ لِلأَثَرَةِ «1» فو الله مَا تَرَكْتُمْ لَنَا إِلَى صِلَتِكُمْ سَبِيلا، لَقَدْ خَذَلْتُمْ عُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ وَقَتَلْتُمْ أَنْصَارَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصَلَّيْتُمْ بِالأَمْرِ يَوْمَ صِفِّينَ، فَتَكَلَّمَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ «2» فَقَالَ: أَمَّا مَا قُلْتَ مِنْ أَنَّ قُرَيْشًا خَيْرٌ لَنَا مِنَّا لَهُمْ فَإِنْ يَفْعَلُوا فَقَدْ أَسْكَنَّاهُمُ الدَّارَ وَقَاسَمْنَاهُمُ الأَمْوَالَ وَبَذَلْنَا لَهُمُ الدِّمَاءَ وَدَفَعْنَا عَنْهُمُ الأَعْدَاءَ، وَأَنْتَ زَعَمْتَ سَيِّدَ قُرَيْشٍ فَهَلْ لَنَا عِنْدَكَ جَزَاءٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنْ يَكُنْ ذَلِكَ لِقَتْلَى أُحُدٍ فَإِنَّ قَتِيلَنَا شَهِيدٌ وَحَيُّنَا ثَائِرٌ «3» ، وَأَمَّا ذِكْرُكَ الأَثَرَةَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا خُذْلانُ عُثْمَانَ فَإِنَّ الأَمْرَ فِي عُثْمَانَ كَانَ الأَجْفَلَى «4» ، وَأَمَّا قَتْلُ أَنْصَارِهِ يَوْمَ الْجَمَلِ فَمَا لا نَعْتَذِرُ مِنْهُ وَبِوُدِّكَ أَنَّ الْجَمِيعَ اصْطَلَمُوا، وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا صَلَّيْنَا بِالأَمْرِ يَوْمَ صِفِّينَ فَإِنَّا كُنَّا مَعَ رَجُلٍ لَمْ نَأْلُهُ خَيْرًا «5» ، ثُمَّ قَامُوا فَخَرَجُوا، فقال معاوية: لله درّهم فو الله مَا فَرَغَ كَلامُهُ حَتَّى ضَاقَ الْمَجْلِسُ عَلَيَّ وَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ يُجِيبُهُ، ثُمَّ تَرَضَّاهُمْ وَوَصَلهم. 196- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ الْعَجْلانِيِّ عَن سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: دَخَلَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الأَنْصَارِيُّ مَعَ رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى مُعَاوِيَةَ

_ 195- البصائر 3: 168 وقارن بالفقرة التالية. 196- العقد 4: 34 والمروج 5: 46 والبصائر 3: 169، وسير الذهبي 3: 73

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا مَعْشَر الأَنْصَارِ بِمَاذَا تَطْلُبُونَ مَا قِبَلِي؟ وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُمْ قَلِيلا مَعِي كَثِيرًا عَلَيَّ «1» ، وَلَقَدْ فَلَلْتُمْ حَدِّي يَوْمَ صِفِّينَ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَنَايَا تَلَظَّى فِي أَسِنَّتِكُمْ، وَهَجَوْتُمُونِي بِأَشَدَّ مِنْ وَخْزِ الأَشَافِي، حَتَّى إِذَا أَقَامَ اللَّهُ مَا حَاوَلْتُمْ مَيْلَهُ قُلْتُمُ ارْعَ فِينَا وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَأْبَى الْحَقِينُ الْعُذْرَةَ «2» ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّا نَطْلُبُ مَا عِنْدَكَ بِالإِسْلامِ الْكَافِي بِهِ اللَّهُ فَقْدَ مَا سِوَاهُ لا بما تمتّ به إِلَيْكَ الأَحْزَابُ، وَأَمَّا عَدَاوَتُنَا لَكَ فَلَوْ شِئْتَ كَفَفْتَهَا عَنْكَ، وَأَمَّا هِجَاؤُنَا إِيَّاكَ فَقَوْلٌ يَزُولُ بَاطِلُهُ وَيَثْبُتُ حَقُّهُ، وَأَمَّا اسْتِقَامَةُ الأَمْرِ لَكَ فَعَلَى كُرْهٍ كَانَ مِنَّا، وَأَمَّا فَلُّنَا حَدَّكَ يَوْمَ صِفِّينَ فَإِنَّا «3» كُنَّا مَعَ رَجُلٍ نَرَى طَاعَتَهُ للَّهِ طَاعَةً، وَأَمَّا وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَا فَإِنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ رَعَاهَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ يَأْبَى الْحَقِينُ الْعُذْرَةَ فَلَيْسَ دُونَ اللَّهِ يَدٌ تَحْجِزُكَ، فَشَأْنُكَ يَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: سَوْءَةٌ (714) ارْفَعُوا حَوَائِجَكُمْ، فَرَفَعُوهَا فَقَضَاهَا. 197- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة بْن محارب قال: هجا عقيبة الأسدي أبا بردة بْن أبي موسى فَقَالَ: أنت امرؤ فِي الأشعرين مقابل ... وبالبيت والبطحاء أنت غريب وما كنت من حداث أمك بالضحى ... ولا من يزكيها «4» بظهر مغيب فشخص أَبُو بردة إلى مُعَاوِيَة فشكا عقيبة، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لم يهجك، قَالَ أنت بالبطحاء غريب وقد صدق، وجعلك مقابلًا فِي قومك وأنه لم يكن من حداث أمك، وقد قَالَ لي أشد مما قَالَ لك: أكلتم «5» أرضنا فجردتموها «6» ... فهل من قائم أو من حصيد

_ 197- ابن عساكر 7: 174 وانظر العقد 1: 52، 5: 390- 391 والخزانة 1: 343 ووكيع 2: 409 وما يلي رقم: 310 والبيتان 3 و 4 في العقد 3: 171، 4: 33 والشعر والشعراء: 32، 33 وشرح شواهد المغني: 294 (ط 1322) والسمط: 149 والبيت 3 في الرماني: 90 (رقم 76) والشنتمري على سيبويه 1: 34 وقد سمّي الشاعر عقبة الأزدي أو عتبة أو عقيبة في بعض المصادر.

فهبها «1» أمة هلكت «2» ضياعا ... يزيد يسوسها «3» وأبو يزيد فهلم ندعو اللَّه عليه. 198- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مُسَافِعِ بْنِ شَيْبَةَ قَالَ: حَجَّ مُعَاوِيَةُ فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الرَّدْمِ «4» ، أَخَذَ الْحُسَيْنُ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ فَأَنَاخَ بِهِ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ سَارَّهُ طَوِيلا ثُمَّ انْصَرَفَ، وَزَجَرَ مُعَاوِيَةُ رَاحِلَتَهُ وَسَارَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: يُنِيخُ بِكَ الْحُسَيْنُ وَتَكُفُّ عَنْهُ وَهُوَ ابن (علي بن) أَبِي طَالِبٍ وَتُسْرِعُهُ عَلَى مَا تَعْلَمُ، فَقَالَ معاوية: دعني من عليّ فو الله مَا فَارَقَنِي حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَقْتُلَنِي، وَلَوْ قَتَلَنِي مَا أَفْلَحْتُمْ، وَإِنَّ لَكُمْ مِنْ بَنِي هاشم ليوما عصيبا. 199- حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيُّ عَنْ جَهْمِ «5» بْنِ حَسَّانَ قَالَ: أَخْبَرَتْ رَمْلَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَبَاهَا بِقَوْلٍ قَالَهُ مَرْوَانُ لِزَوْجِهَا فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا مَرْوَانُ سَمِعْتُ رَسُولَ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «6» : إِذَا بَلَغَ وَلَدُ الْحَكَمِ ثَلاثِينَ رَجُلا اتَّخَذُوا مَالَ اللَّهِ دُولا وَدِينَ اللَّهِ دَخَلا وَعِبَادَ اللَّهِ خَوَلا، فَكَتَبَ] إِلَيْهِ مَرْوَانُ: فَإِنِّي أَبُو عَشْرَةٍ وَأَخُو عَشْرَةٍ وَعَمُّ عَشْرَة وَالسَّلامُ. 200- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: دَعَا مُعَاوِيَةُ بِجَارِيَةٍ لَهُ خُرَاسَانِيَّةٍ فَخَلا بِهَا، وَعَرَضَتْ لَهُ وَصِيفَةٌ مُوَلَّدَةٌ فَتَرَكَ الْخُرَاسَانِيَّةَ وَخَلا بِالْوَصِيفَةِ فَنَالَ مِنْهَا وَخَرَجَ، فَقَالَ لِلْخُرَاسَانِيَّةِ: مَا اسْمُ الأَسَدِ بِالْفَارِسِيَّةِ؟ فَقَالَتْ: كفتار، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الْكفتار، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَدْرِي مَا الكفتار؟ قَالَ: نَعَمُ الأَسَدُ، قَالُوا: لا وَلَكِنَّهُ الضَّبُعُ الْعَرْجَاءُ، فَقَالَ: مَا لَهَا للَّهِ دَرُّهَا مَا أَسْرَعَ مَا أدركت بثأرها.

_ 198- انظر سير الذهبي 3: 198 199- انظر ما يلي رقم: 342 وابن حنبل 3: 80 والمستدرك 4: 479 وشرح النهج 2: 56 واللسان (دخل) والكنز 11: 148- 149، 349- 354 وتاريخ الاسلام 3: 73 وسير الذهبي 3: 315 وانظر ما تقدم رقم: 165 والأغاني 12: 74 وصبح الأعشى 1: 441 200- ربيع الأبرار: 420/ أوالحيوان 6: 452

201- العمرى عَنِ الْهَيْثَم عَنْ عوانة قَالَ، قَالَ عبد الرحمن بْن حسان: ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فقد أبلغتم الحنق الصدورا تقون بنا نفوسكم المنايا ... عست بكم الدوائر أن تدورا بحرب لا يرى القرشي «1» فيها ... ولا الثقفي إلا مستجيرا فبلغ مُعَاوِيَة الشعر فَقَالَ: لئن استجار القرشي إنه لأسوأ الحالات «2» . 202- الْمَدَائِنِيّ عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: وَفَدَ الزَّعْلُ بْنُ مَنَّانٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، فَقَالَ معاوية: أوتنعى إِلَيَّ نَفْسِي، بِكَ الْوَجْبَةُ، وَضَحِكَ. 203- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عن مَرْوَانِ بْنِ جَنَاحٍ قَالَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَذَكَرَ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ بِمِصْرَ: إِنَّ إِمَامَكُمْ لَمِمَّنْ سَهَّلَ اللَّهُ خَلِيقَتَهُ، وَقَوَّمَ طَرِيقَتَهُ، وَأَحْسَنَ صيغته، فمن كانت النعمة تبطره إنّها لتذلّله وَتُوَقِّرُهُ. 204- وَحَدَّثَنِي هِشَامٌ عَنْ صَدَقَةَ الْقُرَشِيِّ قَالَ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: يَا أَمِيرَ (715) الْمُؤْمِنِينَ مَا أَدْرِي أَتَخْدَعُ النَّاسَ أَمْ يَتَخَادَعُونَ لَكَ، فَقَالَ: مَنْ تَخَادَعَ لَكَ لِيَخْدَعَكَ فَقَدْ خَدَعْتَهُ. 205- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَيْنٍ خَرَّارَةٍ فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: مَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبَيِّتَ عَرُوسًا بِعَقِيلَةٍ مِنْ عَقَائِلِ الْعَرَبِ، فَقَالَ وَرْدَانُ مَوْلَى عَمْرٍو: مَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الإِفْضَالِ عَلَى الإِخْوَانِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنَا أَوْلَى بِهَذَا منك، قال: قد ملكت فافعل.

_ 202- انظر رقم: 242 في ما يلي. 203- انظر الموفقيات: 153 204- المجتنى: 42 ومحاضرات الراغب 1: 10 والكامل 2: 110 205- الطبري 2: 212 والكامل 1: 135 والمحاسن والمساوئ: 294 والمعمرين: 41 والمصون: 208 وشرح النهج 4: 354

206- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ «1» عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ وَهُوَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ: مَا بَقِيَ مِنْ لَذَّتِي إِلا الْحَدِيثُ وَأَنْ يَأْتِينِي مِنْ ضَيْعَتِي مَا أُحِبُّ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا وَاللَّهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ وَرْدَانُ: مَا بَقِيَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَدِيثٍ حَسَنٍ أَسْمَعُهُ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَنِي رجل في حاجة قد عيّ بِهَا وَضَاقَ ذَرْعُهُ فَأُفَرِّجَ كُرْبَتَهُ وَأَقْضِي حَاجَتَهُ، فَأَنَالُ بِذَلِكَ ذِكْرًا فِي الدُّنْيَا وَأَجْرًا فِي الآخِرَةِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَيْنَ كُنَّا عَنْ هَذِهِ يا عمرو؟ قال وردان: أنما وَاللَّهِ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ مِنِّي. 207- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ (أَبِي الْهَيْثَمِ) «2» الرَّحْبِيِّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيدَ: مَا أَلْقَى اللَّهُ بِشَيْءٍ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنَ اسْتِخْلافِكَ. 208- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ «3» عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ قَالَ: إِنَّمَا بِيعَتْ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، قُلْتُ: فَأَكْتُبُهَا؟ قَالَ: اسْتَعْمِلْ يَدَكَ بِمَا شِئْتَ. 209- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَتَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ أَنْ يُوَلِّيَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَهُ مِصْرَ بَعْدَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَرَادَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يكت فهدر «4» . 210- وروي عَنْ عمرو بْن العاص أنه قَالَ: ما رأيت مُعَاوِيَة قط متكئًا واضعًا إحدى رجليه على الأخرى كاسرًا عينه يَقُول لمن يكلمه إيه «5» إلا رحمت الذي يكلمه. 211- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ، قَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان: ما رأيت مثل ابن

_ 206- ياقوت 3: 195 وعيون الأخبار 3: 181 والبصائر 3: 456 والمروج 5: 58 ومحاضرات الراغب 1: 282 وربيع الأبرار: 335/ أ. 209- الطبري 2: 212. 210- الطبري 2: 212 والبيان 2: 302، وانظر عيون الاخبار 2: 171 وأمالي القالي 2: 121 (حيث يقول معاوية ذلك في عمر) وشرح النهج 4: 74 وحماسة الخالديين 1: 71 (وفي العيون وشرح النهج يقال ذلك في زياد) .

هِنْد فِي حلمه وكرمه، وما رحمت أحدًا قط رحمتي لرجل رأيت ابن هِنْد قد اجتنح «1» على يده اليسرى ثم قَالَ: يا هذا قل. 212- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: اشترى مُعَاوِيَة من حُوَيْطِب بْن عبد العُزّى داره بخمسة وأربعين ألف دينار «2» ، فهنّأه قوم فَقَالَ: وما خمسة وأربعون ألف دينار بالحجاز «3» مع سبعة من العيال. 213- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لرجل من قريش: ما المروة؟ قَالَ: إطعام الطعام وضرب الهام، ثم قَالَ لرجل من ثقيف: ما المروة؟ فَقَالَ: تقوى اللَّه وإصلاح المال، فبلغ ذلك عمرو بْن العاص فَقَالَ: أما قول القرشي فهو الفتوة، وأما الثقفي فأصاب «4» فِي قوله تقوى اللَّه ولم يصنع بعد ذلك شيئًا، ولكنّ المروّة أن تعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك «5» وتسلط الحقوق على مالك. 214- وقال مُعَاوِيَة لصعصعة بْن صوحان: ما المروة؟ قَالَ: الصبر على النوائب والصمت حتى يحتاج إلى الكلام. 215- وزعموا أنّ معاوية قال للحسن «6» بْن علي: ما المروة؟ فَقَالَ: فقه الرجل فِي دينه وإصلاحه معاشه وحسن مخالقته للناس، قَالَ: فما النجدة؟ قَالَ: الذب عَنِ الجار والإقدام على الكريهة، قَالَ: فما الجود؟ قَالَ: التبرّع بالإفضال والإعطاء قبل السؤال والإطعام عند الإمحال، فقال معاوية: أشهد بالله لقد صدقت.

_ 212- البخلاء: 137 والمعارف: 312 والاستيعاب: 399 ومشاكلة الناس لزمانهم: 17 وتاريخ الاسلام 2: 278 وسير الذهبي 3: 32 وابن عساكر 5: 15 213- محاضرات الراغب 1: 145 وأدب الدنيا والدين: 213 وانظر ما تقدم رقم: 87 214- فاضل الوشاء: 31 وابن عساكر 6: 426 وانظر محاضرات الراغب 1: 31 215- اليعقوبي 2: 268 وانظر المروج 5: 32 والعقد 1: 239 وما تقدم رقم: 87 وألف باء 1: 157 ووكيع 2: 64.

216- المدائني (716) عن أَبِي الْيَقْظَانِ وَغَيْرِهِ قَالُوا: وَفَدَ إِلَى مُعَاوِيَةَ الأَحْنَفُ وَجَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَالْحَتَّاتُ بْنُ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيُّ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِجَارِيَةَ: أَأَنْتَ السَّاعِي مَعَ عَلِيٍّ وَالْمُوقِدُ النَّارَ فِي نُصْرَتِهِ؟ فَقَالَ جَارِيَةُ: يا معاوية دع عنك عليا وذكره، فو الله مَا أَبْغَضْنَاهُ مُذْ أَحْبَبْنَاهُ، وَلا غَشَشْنَاهُ مُذْ نَصَحْنَاهُ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا جَارِيَةُ مَا كَانَ أَهْوَنَكَ عَلَى أَهْلِكَ إِذْ سَمَّوْكَ جَارِيَةَ، فَقَالَ: أَنْتَ كُنْتَ أَهْوَنَ عَلَى أَهْلِكَ إِذْ سَمَّوْكَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اسْكُتْ لا أُمَّ لَكَ، قَالَ: أُمٌّ لَمْ تَلِدْنِي، إِنَّ قَوَائِمَ السُّيُوفِ الَّتِي لَقِينَاكَ بِهَا «1» بِصِفِّينَ لَفِي أَيْدِينَا، قَالَ: إِنَّكَ لَتُوعِدُنِي، قَالَ: إِنَّكَ لَمْ تَمْلِكْنَا قَسْرًا وَلَمْ تَفْتَحْنَا عُنْوَةً وَلَكِنَّا أَعْطَيْنَا «2» عُهُودًا وَمَوَاثِيقَ، فَإِنْ وَفَّيْتَ لَنَا وَفَّيْنَا، وَإِنْ نَزَعْتَ «3» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكْنَا وَرَاءَنَا رِجَالا أَنْجَادًا وَأَذْرُعًا شِدَادًا وَأَسِنَّةً «4» حِدَادًا، فَإِنْ بَسَطْتَ لَنَا فَتْرًا مِنْ غَدْرٍ دَلَفْنَا إِلَيْكَ بِبَاعٍ مِنْ خَتْرٍ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: اسْكُتْ فَلا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي النَّاسِ أَمْثَالَكَ، فَقَالَ: قُلْ مَعْرُوفًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ بَلَوْنَا قُرَيْشًا فَوَجَدْنَاكَ اليوم أوراها زندا وأكثرها زبدا وأحسنها رفدا، فارعنا رويدا فإنّ شرّ الرّعاء الْحُطَمَةُ. 217- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِرَجُلٍ مِنْ سَبَإٍ: مَا كَانَ أَجْهَلَ قَوْمِكَ حِينَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمُ امْرَأَةً ثُمَّ قَالُوا (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) (سبأ: 19) فَقَالَ: قَوْمُكَ أَجْهَلُ مِنْ قَوْمِي حِينَ قَالُوا وَرَسُولُ اللَّهِ يَدْعُوهُمْ (إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (الأنفال: 32) . 218- الْمَدَائِنِيُّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا لِلْحُسَيْنِ: يَا حُسَيْنُ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَا

_ 216- المستطرف 1: 84 وسرح العيون: 109 وتاريخ الاسلام 3: 132 ونهاية الأرب 7: 237 وسراج الملوك: 51 وانظر أيضا بعضه في ما يلي رقم: 316، 337 وفي المثل «شر الرعاء الحطمة» انظر قنسنك (حطمة) وأساس البلاغة (حطم) والمستقصى 2 رقم: 442 وتاريخ الاسلام 3: 44، 45 وسير الذهبي 3: 357 وزوائد ابن حجر 5: 212 217- بهجة المجالس 1: 102 والعقد 4: 27 والمستطرف 1: 84 والاكليل 2: 228 وابن حنبل 5: 43

أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِيَّاكَ يَعْنِي، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يا ابن الزُّبَيْرِ أَتُرِيدُ أَنْ تُغْرِيَهُ بِي إِذْ سَمَّيْتُهُ وَكَنَّيْتُهُ؟! أَمَا وَاللَّهِ مَا أُوِلَع شَيْخُ قَوْمٍ قَطُّ بِالرِّتَاجِ وَالْبَابِ إِلا مَاتَ بَيْنَهُمَا. 219- حَدَّثَنِي عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شُعْبَةَ قَالَ: أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَدَّعِي جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الأَزْدِيَّ «1» ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: [سَمِعْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَرِيحُ رِيحَ الْجَنَّةِ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ،] فَقَالَ جُنَادَةُ: أَنَا سَهْمُكَ فِي كِنَانَتِكَ، فَأَمَّا الدَّعْوَةُ فَلا. 220- حَدَّثَنَا الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ حدثني ابن زعبان عَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ قَالَ: كُنْتُ أَحْمِلُ كُتُبَ كَاتِبِ مُعَاوِيَةَ وَأَدْخُلُ بِهَا مَعَهُ إِلَيْهِ، فَدَخَلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مِنِّي مَا يُعْجِبُ الْمَلِكُ مِنْ خَادِمِهِ فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زِيَادٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ الْحَارِثِيِّ، قَالَ: صَاحِبُنَا بِصِفِّينَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَرْحَمُهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى كَاتِبِهِ فَقَالَ: عَلَيْكَ أَبَدًا بِصَاحِبِكَ الأَوَّلِ فَإِنَّكَ تَلْقَاهُ عَلَى مَوَدَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ طَالَ الْعَهْدُ وَشَطَّتِ الدَّارُ، وَإِيَّاكَ وَكُلَّ مُسْتَحْدَثٍ فَإِنَّهُ يَسْتَطْرِفُ قَوْمًا وَيَمِيلُ مَعَ كُلِّ رِيحٍ. 221- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ مِنْ دِمَشْقَ هَارِبًا مِنَ الطَّاعُونِ، فَلَمَّا كَفَّ الطَّاعُونُ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ وَقَدْ قَرُبَ مِنَ الْغُوطَةِ وَقَيْسُ بْنُ ثَوْرٍ الْكِنْدِيُّ وابن زمل السّكسكي يسايرانه أَقْبَلَ هَمَّامُ بْنُ قَبِيصَةَ النُّمَيْرِيُّ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَهُمَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَدْرِنَا، قَالُوا بَلَى، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فَضْلُهُ لا يُوصَفُ وَلا يُبْلَغُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ثُمَّ وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا وَلَمْ تُرِدْهُ ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ فَأَرَادَتْهُ الدُّنْيَا وَلَمْ يُرِدْهَا ثُمَّ وَلِيَ عُثْمَانُ فَأَرَادَتْهُ الدُّنْيَا وَأَرَادَهَا حَتَّى قُتِلَ، ثم صار الأمر إليّ فو الله (717) مَا بَلَغَ مِنْ حُسْنِ عَمَلِي مَا يَكُونُ مثل سيّئ

_ 219- قارن بابن عساكر 7: 409 وفي الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو انظر ابن حنبل 2: 194 والكنز 7 رقم: 731، 737، 741 وكذلك راجع ابن كثير 8: 28 ومختصر تهذيب الألفاظ: 297 220- بعضه في محاضرات الراغب 2: 10 وروض الأخيار: 126 وانظر ابن عساكر 7: 154 221- بعضه في ابن كثير 7: 134 وبهجة المجالس 1: 345 وانظر ما تقدم رقم: 168 وما يتلو رقم: 329

عُثْمَانَ الَّذِي قُتِلَ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ هَمَّامُ بْنُ قَبِيصَةَ: مَا بُكَاؤُكَ مِنْ أَمْرٍ أَنْتَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لا تُنْزَعُ عَنْهُ؟! فَلَمْ يُكَلِّمُهُ مُعَاوِيَةُ وَمَضَى حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْغُوطَةِ فَقَالَ: أَيُّ بُسْتَانِ رَجُلٍ، فَقَالَ هَمَّامٌ: يَا مُعَاوِيَةُ مَلَكْتَ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ فَلَمْ تَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتَّى أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ أَمْوَالَنَا، لا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَكَ. فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ ثُمَّ حَرَّكَ دَابَّتَهُ فَقَالَ: حَتَّى نُمَيْرٍ تَحَاقَّنِي «1» فِي الْغُوطَةِ. 222- الْمَدَائِنِيّ عَنْ علي بْن سليم قَالَ، قَالَ عبد اللَّه بْن همام السلولي: فإن تأتوا ببرة «2» أو بهند ... نبايعها أميرة مؤمنينا وكلّ بنيك نرضاهم جميعًا «3» ... وإن شئتم فعمهم البطينا «4» إذا ما مات كسرى قام كسرى ... نعد «5» ثلاثة متناسقينا «6» أيا لهفا لو أن لنا رجالا ... ولكنا نعود «7» كما عنينا إذا لضربتم حتى تعودوا ... بمكة تلعقون بها السخينا حشينا «8» الغيظ حتى لو سقينا ... دماء بني أُمَيَّة ما روينا لقد ضاعت رعيتكم وأنتم ... تصيدون الأرانب غافلينا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ما ترك ابن همام شيئًا، عيرنا بالسخينة وذكرنا أمهاتنا وتهددنا وذكر أنّه لو شرب دماءنا ما اشتفى، اللَّهم اكفناه. 223- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لعبد الرحمن (بن

_ 222- الأبيات في الوحشيات: 102 (وفيه بيت زائد) ، و 1، 3- 7 في المروج 5: 71، و 1، 3، 6 في البدء والتاريخ 6: 8 والبيتان 1، 6 في ابن كثير 8: 328، 329 وتاريخ الاسلام 3: 186 والبيت 5 في البخلاء: 214 والبيت: 6 سيرد في ما يلي رقم: 786 والبيت 7 في المعاني الكبير: 210 223- العقد: 469 والأغاني 13: 261 وانظر الشعر والشعراء: 189 وعيون الأخبار 2: 198 ومحاضرات الراغب 2: 78 وأبو عبيدة: 162، والبيت الأول في اللسان 8: 161، 16: 92 وجمهرة ابن دريد 1: 52 وحماسة البحتري: 54 وعيون الاخبار 1: 163 وأبو عبيدة: 135 وحماسة ابن الشجري: 34 وشرح النهج 4: 89 والاشتقاق: 294 والحماسة البصرية 1: 15 والتنبيه لحمزة: 162 ومعاهد التنصيص 4: 209- 210

الْحَكَمِ) بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَخِي مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَا أَبَا مُطَرِّفٍ أَلا أَعْرِضُ عَلَيْكَ خَيْلا؟ قَالَ: بَلَى، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَفْرَاسًا فَقَالَ: هَذَا سَابِحٌ وَهَذَا أَجَشُّ وَهَذَا هَزِيمٌ، فَقَالَ معاوية: إنّ صاحبها لا يشبّب بكنّاته «1» وَلا يَتَّهِمُ بِرِيبَةٍ، أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلَ النَّجَاشِيِّ لِمُعَاوِيَةَ: وَنَجَّى ابْنَ حَرْبٍ سَابِحٌ ذُو عِلالَةٍ ... أَجَشُّ هَزِيمٌ وَالرِّمَاحُ دَوَانِ فَعَيَّرَهُ بِالْفِرَارِ يَوْمَ صِفِّينَ، وَأَرادَ مُعَاوِيَةُ تَشْبِيبَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِامْرَأَتَيْ أَخِيهِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ عُثْمَانَ «2» وَقَطِيَّةَ بِنْتِ بِشْرِ بْنِ عَامِرِ مُلاعِبِ الأَسِنَّةِ: قَطِيَّةُ كَالدِّينَارِ أُحْسِنَ نَقْشُهُ ... وَأُمُّ أَبَانٍ كَالشَّرَابِ الْمُبَرَّدِ 224- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ عَنْ حَرْبِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَرَادَ مُعَاوِيَةُ عَزْلَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ عَنِ الْمَدِينَةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَقَالَ: لا آذَنُ لَهُ إِلا مَعَ جَمَاعَةِ النَّاسِ، فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ!! وَتَهَدَّدَهُ، فَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ فَأَذِنَ لَهُ وَتَعَوَّذَ مِنْ شَرِّهِ، فَدَخَلَ فَقَالَ: يَا أمير المؤمنين علام تعزلني؟ فو الله لَقَدْ أَمَّرْنَاكَ فَمَا عَزَلْنَاكَ، وَوَصْلَنَاكَ فَمَا قَطَعْنَاكَ، وَلا حَرْمَنَاكَ مُذْ أَعْطَيْنَاكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَعْزِلُكَ لِثَلاثٍ لَوْ لَمْ تَكُنْ إِلا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَوَجَبَ أَنْ تُقْتَلَعَ اقْتِلاعَ الصَّمْغَةِ، قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: أَتَيْتَنِي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فِي يَدِي وَقَدْ أَقَرَّ لِي بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَانْتَزَعْتَهُ مِنِّي، وَاسْتَصْرَخَتْكَ ابْنَتِي عَلَى زَوْجِهَا فَلَمْ تُصْرِخْهَا، وَرَأَيْتُ أَنَّكَ قَدْ ذَهَبْتَ فِي السَّمَاءِ عَالِيًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ مِنْكَ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا ابْنُ عَامِرٍ فَقَرَابَتُهُ مِنِّي وَمِنْكَ سَوَاءٌ، فَلَسْتُ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْكَ، فَإِنْ تَطِبْ نَفْسُكَ بِمَا عَلَيْهِ وَإِلا فَإِنِّي ضَامِنٌ لَكَ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَأَمَّا ابْنَتُكَ فَإِنَّ أُخْتَ زَوْجِهَا عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عِنْدِي، وَأَنَا أُغَيِّرُهَا وَأُمْضِهَا فَلَمْ أَكُنْ لأَنْهَى عَمْرًا عَنْ شَيْءٍ أَصْنَعُ مِثْلَهُ بِأُخْتِهِ، وَأَمَّا ذَهَابِي فِي السَّمَاءِ فَأَنَا ابْنُ عَمِّكَ وَشَرَفِي شَرَفُكَ وَزَيْنِي زَيْنُكَ، قَالَ: صَدَقْتَ أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ، فَارْجِعْ إِلَى عَمَلِكَ وَأَزِرْنِي رَمْلَةَ ابْنَتِي «3» . (718) فَرَجَعَ مروان إلى

_ 224- الأغاني 13: 261- 262 ومعاهد التنصيص 4: 210 وبعضه في أمالي القالي 1: 222 والمصعب: 109 والسمط: 512- 513 وبلاغات النساء: 153

الْمَدِينَةِ وَحَمَلَ رَمْلَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ كَيْفَ رِضَاكِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ زَوْجِكِ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا يَزَالُ بَنُو أَبِي الْعَاصِ يَتَكَثَّرُونَ عَلَيْنَا بِعَدَدِهِمْ «1» حَتَّى لَوَدِدْتُ أَنَّ ابْنَيَّ هَذَيْنِ مِنْهُمْ فِي الْبَحْرِ، قَالَ: يَا بُنَيَّةُ إِنَّ هَذَا مِنْكِ كَبِيرٌ، وَلَنَحْنُ كُنَّا أَشْقَى بِمُنَاوَأَةِ الرَّجُلِ مِنْ أَنْ تَكُونِي رَجُلًا. 225- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يمان عَنْ سُفْيَان قَالَ: ذكر الأعمش مُعَاوِيَة فَقَالَ: لقد كان مستصغرًا لعظيم ما يجبه به من القول الغليظ مغتفرًا له إذا قيل له يا أمير المؤمنين. 226- حَدَّثَنِي محمد بن سعد عن الواقدي عن مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا مِنْ عَدُوٍّ إِلا وَأَنَا أَقْدِرُ عَلَى مداراته واستصلاحه، إلّا عدوّ نعمة وحاسدها، فإنّه «2» لا يُرْضِيهِ مِنِّي إِلا زَوَالَ نِعْمَتِي، فَلا أَرْضَاهُ اللَّهُ أَبَدًا. 227- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: أَرَادَ مُعَاوِيَةُ ابْتِيَاعَ ضَيْعَةٍ مِنْ بَعْضِ الْيَهُودِ، وَذُكِرَتْ لَهُ، فَبَعَثَ إِلَى صَاحِبِهَا فَأُتِيَ بِهِ، وَهُوَ شَارِبُ نَبِيذٍ، فَلَمَّا رَآهُ مُعَاوِيَةُ طَمِعَ فِي غَبْنِهِ، فَقَالَ لَهُ: بِعْنِي ضَيْعَتَكَ، فَضَحِكَ الْيَهُودِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا وَقْتُ بَيْعٍ وَلا شِرَاءٍ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ غَنَّيْتُكَ صَوْتًا، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ فَمَا أشَدَّ عُقْدَتَهُ وَأَثْبَتَ عُكْدَتَهُ!! 228- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرَ مُعَاوِيَةَ حَوَائِجَ فَمَنَعَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ يَا مُعَاوِيَةُ، إِنِّي لَخَلِيقٌ أَنْ أَخْرُجَ فَأَقْعُدَ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ فَلا أَشْتُمُ لَكَ عِرْضًا وَلا أَقْصُبُ لَكَ حَسَبًا، وَلَكِنِّي أَسْدُلُ عِمَامَتِي بَيْنَ يَدَيَّ ذِرَاعًا وَخَلْفِي ذِرَاعًا، وَأَذْكُرُ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَيُقَالُ هَذَا ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقال معاوية: كفى بذلك، وقضى حوائجه.

_ 226- عيون الأخبار 2: 10 والعقد 2: 319 وبهجة المجالس 1: 414 ومحاضرات الراغب 1: 123 ولطائف المعارف: 53 وابن كثير 8: 138 227- قارن بالأغاني 3: 124- 125 وابن عساكر 6: 157 228- ابن عساكر 7: 406 وابن كثير 8: 338

229- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: طلب عبد اللَّه بْن الزبير الإذن على مُعَاوِيَة هو «1» وعمرو بْن الزبير، وكانت أم عبد اللَّه بْن الزبير أسماء بنت أبي بَكْر، وأم عمرو بنت خالد بن سعيد ابن العاص، فَقَالَ سَعِيد بْن العاص: يا أمير المؤمنين ايذن لعمرو أولًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: دعني من ولادتكم له، فما هما عندي إلا كجنبي شاة لا أبالي أيهما وضع على النار أولًا. 230- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ عوانة قَالَ: دخل الضحّاك بن قيس الفهريّ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ: يَا أَبَا أَنِيسٍ كَيْفَ تَرَى الدَّهْرَ؟ قَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ الأَسَدِيُّ: أَبَى الْخُلْدَ أَنَّ الدَّهْرَ أَفْنَتْ صُرُوفُهُ ... رِجَالًا كِرَامًا مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ فَلا تَأْمَنَنَّ الدّهر إنّي رأيته ... تناول كسرى مجذيا «2» في الكتائب فلم تنجه م الْمَوْتِ حَزْمٌ وَحِيلَةٌ ... وَقَدْ كَانَ مُحْتَالا كَثِيرَ التَّجَارِبِ فَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ- وَكَانَ شِرِّيرًا: كَأَنَّكَ أَرَدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا، قَالَ: كِلَيْكُمَا أَرَدْتُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كُلُّنَا يَجْرِي «3» إِلَى غَايَةٍ وَهُوَ بَالِغُهَا. 231- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ بَكْرِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ لِمُعَاوِيَةَ: وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَوْ لَمْ تَجِدْ إِلا الزَّنْجَ لَتَكَثَّرْتَ بهم علينا قلّة وذلّة، كأننا «4» لَسْنَا بَنِي أَبِيكَ، فَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ: أَلا تُغْنِي عَنَّا أخَاكَ هَذَا الْخَلِيعُ!! فَقَالَ مَرْوَانُ: قَدْ عَلِمْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ لا يُطَاقُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللَّهِ لَوْلا حِلْمِي لَعَلِمْتَ أَنَّهُ يُطَاقُ. 232- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَمَنَعَهُ الْحَاجِبُ، فَكَسَرَ أَنْفَهُ وَمُعَاوِيَةُ يَنْظُرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ له: ما حملك

_ 231- شرح النهج 4: 71. 232- محاضرات الراغب 1: 128

عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: (719) وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ وَأَنَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنَا بِهِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: وَيْحَكَ، أَلا قُلْتَ وَأَنَا بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنَا بِهِ مِنْ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ؟! 233- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأسود الدؤلي قَالَ: وَجَّهَ مُعَاوِيَةُ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ الْجُذَامِيَّ إِلَى بَعْضِ الْمُلُوكِ فِي صُلْحٍ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِيَكْتُبَ بَيْنَهُمَا كِتَابًا، فَلَمَّا قَدِمَ رَوْحٌ عَلَى الْمَلِكِ تَشَدَّدَ «1» فِي الشَّرْطِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا هَذَا التَّشَدُّدُ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ مِنْ صَعَالِيكِ الْعَرَبِ، وَأَنَّكَ تُرِيدُ الرُّكُوبَ إِلَى صَاحِبِكَ فَتَسْتَعِيرَ الدَّوَابَّ، وَأَنَّكَ لَسْتَ تُبْصِرُ أَمْرَكَ وَلا تَقْصِدُ لِمَا فِيهِ الْحَظُّ لَكَ، فَأَصِبْ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ، فَأَعْطَاهُ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَلَيَّنَ لَهُ الشَّرْطَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ نَظَرَ فِي الشَّرْطِ فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا عَمِلْتَ إِلا لَهُ عَلَيَّ، وَلَقَدْ خُنْتَنِي وَغَشَشْتَنِي، وَاللَّهِ لأُعَاقِبَنَّكَ عُقَوبَةً أَجْعَلُكَ فِيهَا نَكَالا لِمَنْ بَعْدَكَ، خُذَاهُ، فَقَالَ رَوْحٌ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تُبْدِيَ مِنِّي خَسِيسَةً أَنْتَ رَفَعْتَهَا، أَوْ تَهْدِمَ مِنِّي رُكْنًا أَنْتَ بَنَيْتَهُ، أَوْ تَنْقُضَ لِي مَرِيرَةً «2» أَنْتَ أَبْرَمْتَهَا، وَأَنْ تُشْمِتَ بِي عَدُوًّا أَنْتَ وَقَمْتَهُ وَكَبَتَّهُ، لِيَأْتِ حِلْمُكَ عَلَى جَهْلِي، وَعَفْوُكَ عَلَى ذَنْبِي، وَإِحْسَانُكَ عَلَى إِسَاءَتِي، فَرَقَّ لَهُ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: خَلُّوهُ: إِذَا اللَّهُ سَنَّى حلّ عقد «3» تيسّرا «4» 234- المدائني عن علي بن مجاهد عن عبد الأَعْلَى بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أُحِبُّ أَنْ تَصْفَحَ لِي عَنِ الوهط «5» ،

_ 233- عيون الاخبار 1: 102 والجهشياري: 30 وأمالي القالي 2: 255 والبيان 1: 358 وابن عساكر 5: 338 والعقد 2: 156 وزهر الآداب: 571 وأمالي الزجاجي: 7 ومحاضرات الراغب 1: 113 234- قارن بالميداني 2: 91 وانظر ما يلي رقم: 240 وفي رغبة معاوية في الوهط انظر رواية أخرى في بهجة المجالس 1: 320

ضيعتك، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُحِبُّ أَنْ تَعْرِضَ لِي عَنْهَا، قَالَ: لا، فَأَبَى عَمْرٌو أَنْ يَفْعَلَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَثَلُكَ يَا عَمْرُو كَمَثَلِ ثَوْرٍ فِي رَوْضَةٍ، إِنْ تُرِكَ رَتَعَ، وَإِنْ هُيِّجَ نَطَحَ، فَقَالَ عَمْرٌو: وَمَثَلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَثَلُ بَعِيرٍ فِي رَوْضَةٍ يُصِيبُ مِنْ أَخْلاطِ الشَّجَرِ فِيهَا، فَرَأَى شَجَرَةً عَلَى صَخْرَةٍ زَلاءَ، فَرَغِبَ عَمَّا هُوَ فِيهِ وَتَعَاطَى «1» الشَّجَرَةَ فَتَكَسَّرَ. 235- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ التَّمِيمِيِّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِقَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: وَاللَّهِ يَا قَيْسُ لَقَدْ كُنْتُ أكره أن تنجلي هذه الغمّة وتنكشف الْهَبْوَةُ وَأَنْتَ حَيٌّ، فَقَالَ قَيْسٌ: وَأَنَا وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَنْجَلِيَ وَأَنْتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. 236- الْمَدَائِنِيُّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلامٍ عَن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: تَنَازَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَمَالَ معاوية مع مروان، فقال ابن الزبير: يا مُعَاوِيَةُ إِنَّ لَنَا حَقًّا وَحُرْمَةً وَطَاعَةً، مَا أَطَعْتَ اللَّهَ نُطِعْكَ، إِنَّا يَا مُعَاوِيَةُ لا نَدَعُ «2» مَرْوَانَ يَرْكَبُنَا فِي جَمَاهِيرِ قُرَيْشٍ بِمَشَاقِصِهِ، وَيَضْرِبُ صِفَاتِهِمْ بِمَعَاوِلِهِ، وَلَوْلا مَكَانُكَ كَانَ أَخَفَّ عَلَى رِقَابِنَا مِنْ فَرَاشَةٍ، وَأَذَلَّ «3» فِي أَنْفُسِنَا مِنْ خَشَاشَةٍ، وَلَئِنْ مَلَكَ أَعِنَّةَ خَيْلٍ تَنْقَادُ لَهُ لَيَرْكَبَنَّ مِنْكَ طَبَقًا تَخَافُهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ يَطْلُبِ الأَمْرَ فَقَدْ يَطْمَعُ فِيهِ مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَإِنْ يَتْرُكْهُ يَتْرُكْهُ لِمَنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَمَا أَرَاكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ بِمُنْتَهِينَ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ لا يَعْطِفُ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ بِقَرَابَةٍ، وَلا يَذْكُرُكُمْ فِي مُلِمَّةٍ، يَسُومُكُمُ الْخَسْفَ وَيُورِدُكُمُ التَّلَفَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِذًا وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ نُطْلِقُ عِقَالَ «4» الْحَرْبِ بِكَتَائِبَ تَمُورُ كَرَجْلِ الْجَرَادِ، لَهَا دَوِيٌّ كَدَوِيِّ الرِّيحِ «5» ، تَتَّبِعُ غِطْرِيفًا مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ بِرَاعِيَةِ ثُلَّةٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنَا ابْنُ هِنْدٍ، (720) أَطْلَقْتُ عِقَالَ الْحَرْبِ، وَأَكَلْتُ عَبِيطَ «6» السَّنَامِ، وَشَرِبْتُ عُنْفُوَانَ الْمَكْرَعِ، فَلَيْسَ لِلآكِلِ بَعْدِي إلّا الفلذة، ولا للشارب

_ 235- ابن كثير 8: 99 236- انظر ما يلي رقم: 252 والبيان 2: 90، 92، والفائق 1: 213 وشرح النهج 4: 493 وقوله «أذل من خشاشة» انظره في اللسان (خشش) .

إِلا الرَّنَقُ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: رُبَّ آكِلِ عَبِيطٍ سَيَغَصُّ، وَشَارِبِ صَفْوٍ سَيَشْرَقُ، وَيُقَالُ قَالَ: رَبُّ آكِلِ عَبِيطٍ سَيُقَدُّ، وَالْقِدَادُ حَرٌّ فِي الصَّدْرِ. 237- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَلَّمَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي حَاجَةٍ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَبَاهَا مُعَاوِيَةُ، فَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِيَدِهِ فَغَمَزَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: خَلِّنِي وَيْحَكَ، قَالَ: لا وَاللَّهِ أَوْ تَقْضِيَ حَاجَةَ الْحُسَيْنِ وَإِلا كَسَرْتُهَا، قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ، فَخَلَّى يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكُنْتَ تَرَى أَنَّنِي أَكْسِرُ يَدَكَ؟ قَالَ: وَمَا يُؤَمِّنُنِي ذلك منك؟ 238- وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَيَّاشٍ عَنْ (أَبِي) الْهَيْثَمِ الرَّحْبِيِّ، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ خَالٍ، فَأَخَذَ يَدَهُ فَغَمَزَها غَمْزَةً شَدِيدَةً تَأَوَّهَ لَهَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ أَقْتُلَكَ؟ قَالَ: لَسْتَ مِنْ قَتَّالِي الْمُلُوكِ، إِنَّمَا يَصِيدُ كُلُّ طَائِرٍ قَدْرَهُ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدِ اسْتَجْفَيْتُكَ، قَالَ: وَلِمَ؟ فَسَأَلَهُ حَوَائِجَ فَقَضَاهَا. 239- وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لَيْلا مُسْتَخْفِيًا، وَبَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ خُرُوجُهُ فَلَحِقَهُ وَسَايَرَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: لَوْ شِئْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَتَلْتُكَ مُذِ اللَّيْلَةِ، قَالَ: كَلا لَسْتَ مِنْ قَتَّالِي الْمُلُوكِ، إِنَّمَا يَصِيدُ كُلُّ طَائِرٍ قَدْرَهُ. 240- قَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: أراد مُعَاوِيَة أن يأخذ أرضا لعمرو بْن العاص فكتب إليه عمرو بشعر (هجي به) خفاف بْن ندبة: أبا خراشة إمَّا كنت «1» ذا نفرٍ ... فإنّ قومي لم تأكلهم الضبع «2» وكل قومك يخشى منك بائقة ... فانظر قليلًا وأبصرها بمن تقع

_ 239- قارن بابن عساكر 7: 407 وابن كثير 8: 338 وشرح النهج 4: 488 240- انظر ما تقدم رقم: 234 حول الوهط، وهذا الشعر للعباس بن مرداس في اكثر المصادر، انظر ديوانه: 128، 86 ففيه البيت الأول والثالث وتخريجهما، وينسب أيضا لغيره.

فالسلم تأخذ منها ما رضيت به ... والحرب يكفيك من أنفاسها الجرع 241- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن العجلاني قال، قال معاوية يوما وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ: مَنْ يكفيني ابن الزبير، فو الله مَا أَرَدْتُ أَمْرًا إِلا عَانَدَ فِيهِ، وَلا تَكَلَّمْتُ فِي شَيْءٍ إِلا اعْتَرَضَ فِي قَوْلِي، وَهُوَ بَعْدُ غُلامٌ مِنْ غِلْمَانِ قُرَيْشٍ، إِلا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالأَفَنِ وَإِنْ كَانَ حَدِيثَ السِّنِّ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: ضَمَنْتُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أُلَيِّنَ عَرِيكَتَهُ، وَأُذْهِبَ نَخْوَتَهُ، وَأُخْرِسَ لِسَانَهُ، وَأَعْدِمَهُ بَيَانَهُ، حَتَّى أَدَعَهُ أَلْيَنَ مِنْ خَمِيرَةِ مَرِيثَةٍ، وَأَذَلَّ مِنْ نَقْدَةٍ «1» ، عَلَى أَنْ تُرْفِدَنِي وَتَقْضِيَ حَوَائِجِي، قَالَ: نَعَمْ، وَجَاءَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَقَدْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، فَنَكَتَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي الأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: وإنّي لَنَارٌ مَا يُرَامُ اصْطِلاؤُهَا ... لَدَى كُلِّ أَمْرٍ مُعْضِلٍ مُتَفَاقِمِ «2» فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مُجِيبًا لَهُ: وَإِنِّي لَبَحْرٌ مَا يُسَامَى عُبَابُهُ ... مَتَى يَلْقَ بَحْرِي حَرَّ نَارِكَ تَخْمَدِ فَقَالَ عَمْرٌو: مَهْلا يا ابن الزُّبَيْرِ فَإِنَّكَ لا تَزَالُ مُتَجَلْبِبًا جَلابِيبَ التِّيهِ «3» ، مُؤْتَزِرًا بِوَصَائِلِ التَّهَكُّمِ، تَعَاطَى الأَقْوَرَيْنِ «4» وَلَسْتَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي لُبَابِ حَسَبِهَا وَلا مُؤْنِقِ جَوْهَرِهَا، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ تجلبي جَلابِيبَ التِّيهِ وَائْتِزَارِي بِوَصَائِلِ التَّهَكُمِّ فَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، لَقَدْ عَرَفَ مَنْ عَرَفَنِي أَنَّ الأُبَّهَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِي، وَإِنَّكَ لأَنْتَ الْمَتُوهُ فِي وَادِي الضَّلالَةِ، (721) الْمُسْتَشْعِرُ جَخَائِفَ «5» الْكِبْرِ، الْلابِسُ لِلسُّبَّةِ، الْمُتَجَرْثِمُ جَرَاثِيمَ الْبَطَالَةِ، السَّاهِي عَنْ كُلِّ مُرُوءَةٍ وَخَيْرٍ، وَايْمُ اللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ تَنَاوُلِكَ القلل الشامخة

_ 241- شرح النهج 4: 493

وَالذُّرَى الْبَاسِقَةَ أَوْ لأَرْمِيَنَّكَ بِلِسَانٍ صَارِمٍ مِنْ أَرِيبٍ مُرَاجِمٍ، يَلْدَغُكَ بِحُسْبَانٍ، فَإِنَّكَ ذُو خِدَعٍ وَمَكْرٍ، قَتَّاتٌ عَيَّابٌ مُغْتَابٌ، تُقَلِّبُ لِسَانَكَ فِي قُرَيْشٍ كَتَقْلِيبِ الْمَحَالَةِ، وَوَاللَّهِ لَتَدَعَنَّ وَقِيعَتَكَ فِي الرِّجَالِ أَوْ لأَسِمَنَّكَ بِسِمَةٍ تَدَعُكَ شَنَارًا وَتُكْسِبُكَ عارا، فقال عمرو: كلا يا ابن الزُّبَيْرِ لَقَدْ أَحْكَمَتْنِي التَّجَارِبُ، وَجَرَّسَتْنِي الدُّهُورُ، وَعَرَفْتُ نَظَائِرَ الأُمُورِ، وَحَلَبْتُ الزَّمَانَ أَشْطُرَهُ، وَرَضَعْتُ أَفَاوِيقَهُ، فَأُغِرَق سَهْمِي نَزْعًا، وَلَمْ تُعْرَفْ لِي نَبْوَةٌ فِي شِدَّةٍ، وَلا جَهَالَةٌ عِنْدَ الْحِدَّةِ، وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أُمُورَ الْبَاطِلِ بِذَرْبِ «1» الْحَقِّ حَتَّى أَقَمْتُ مَيْلَهَا، وَثَقَفْتُهَا بَعْدَ اعْوِجَاجِهَا. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَقَدْ قَرُبَ غَوْرُكَ، وَضَاقَ صَدْرُكَ، فَانْتَفَخَ سَحْرُكَ، وَالْتَوَى عَلَيْكَ أَمْرُكَ، فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ تَعَاطِي مَا أَتَعَاطَاهُ فَإِنِّي امْرُؤٌ سَمَا بِي إلى ذلك ما لا تصول بِمِثْلِهِ: أَنْفِي حَمِيٌّ، وَحَسَبِي زَكِيٌّ، وَقَلْبِي ذَكِيٌّ، وَأَمْرِي سَدِيدٌ، وَرَأْيِي رَشِيدٌ، وَلَقَدْ قَعَدَ بِكَ عَنْ ذَلِكَ ضَعْفُ جَنَانِكَ، وَصَغِيرُ هِمَّتِكَ، وَأَمَّا ذَمُّكَ نَسَبِي وَحَسَبِي فَقَدْ حَضَرَنِي وَإِيَّاكَ النُّظُرَاءُ الأَكْفَاءُ الْعُلَمَاءُ بِي وَبِكَ، وَأَنْشَدَ «2» : تَعَالَوْا فَإِنَّ الْعِلْمَ عِنْدَ ذَوِي النُّهَى ... مِنَ النَّاسِ كَالْبَلْقَاءِ بَادٍ حُجُولُهَا نُنَافِرُكُمْ «3» بِالْحَقِّ حَتَّى تَبَيَّنُوا ... عَلَى أَيِّنَا تُلْقِي الْفُرُوعَ أُصُولُهَا «4» فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَمَنْ حَضَرَ: أَنْصَفَكَ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَا وَاللَّهِ لأَغُصَنَّكَ بِرِيقِكَ، وَلأُلَيِّنَنَّ أَخْدَعَيْكَ، وَلأُقِيمَنَّ صَعْرَ خَدَّيْكَ، وَلأُبَيِّنَنَّ لِلنَّاسِ كَهَامَةَ لِسَانِكَ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَأَنَا فِي نَفْسِي خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟ قَالُوا: أنت، قال: أفأبي خير أم أَبُوهُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَبُوكَ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: أَفَأُمِّي خَيْرٌ أَمْ أُمُّهُ؟ قَالُوا: أُمُّكَ وَاللَّهِ أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، قَالَ: أَفَجَدَّتِي خَيْرٌ أَمْ جَدَّتُهُ؟ قَالُوا: جَدَّتُكَ صَفِيَّةُ عَمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَظَفَرَ بِهِ ابن الزبير فأنشد:

_ (1) م: بدروب. (2) الشعر للأعشى، ديوانه: 123 (رقم: 23) . (3) الديوان: نعاطيكم. (4) الديوان: تؤدي الحقوق فضولها.

قَضَتِ الْغَطَارِفُ مِنْ قُرَيْشٍ بَيْنَنَا ... فَاصْبِرْ عَلَى رُغْمٍ لِفَصْلِ قَضَائِهَا «1» وَإِذَا جَرَيْتَ فَلا تُجَارِ مُهَذَّبًا «2» ... بَذَّ الْجِيَادِ لَدَى احْتِفَالِ جَرَائِهَا ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ يَا عَمْرُو لَوْ أَنَّ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا إِيَّاي وَاجَهَ، لَقَصَرْتُ مِنْ سَامِي طرفه، ولجرجرت الغيظ في صدره، فو الله مَا اسْتَغَاثَ بِكَهْفٍ وَلا لَجَأَ إِلَى وَزْرٍ «3» ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ. فَلَمَّا خَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلاكَ بِخُصُومَتِهِ، وَفَلَّجَ عَلَيْكَ بِحُجَّتِهِ، وَمَا زِدْتَ عَلَى أَنْ فَضَحْتَنَا وَنَفْسَكَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَجَّلَ عَلَيَّ بِالْمَقَالَةِ، فَقَطَعْتُمْ عَلَيَّ الشَّهَادَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: للَّهِ أَبُوكَ أَفَأَرَدْتَ أَنْ نَبَّهْتُهُ لَكَ؟! 242- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم الزعل السلمي من الأزد على مُعَاوِيَة فَقَالَ: الحمد لله الذي لم يمتك حتى رأيتك، فَقَالَ: بك الوجبة «4» ، أتنعاني إلى نفسي لا أم لك؟! وابنه سُفْيَان بْن الزعل كان على شرطة عبد الملك بْن المهلب، وعبد الملك يومئذ خليفة الحكم بْن أيوب. 243- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: قَدِمَتْ رَمْلَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَبِيهَا فَقَالَ: أَطَلَّقَكِ عَمْرٌو؟ فَقَالَتْ: لا، فَقَالَ: لَيْتَهُ فَعَلَ، وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ «5» مُعَاوِيَةَ عِنْدَ ابْنِ عَامِرٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ: أَيَرْجُو ابْنُ هِنْدٍ أَنْ يَمُوتَ ابْنُ عَامِرٍ ... وَرَمْلَةُ يَوْمًا أَنْ يُطَلِّقَهَا عَمْرُو 244- (722) وحدثت عَنْ عيسى بْن يزيد «6» الكناني قَالَ: كان بين الوليد بن

_ 242- انظر عن الزعل السلمي ما تقدم رقم: 202 243- انظر ما تقدم رقم: 9 244- أمالي القالي 2: 37

عقبة بْن أبي معيط وعمرو بْن العاص لحاء بين يدي مُعَاوِيَة، فقصبه «1» عمرو، فَقَالَ له الوليد: اسكت يا عبد السلطان وأخا الشيطان، يا منزوع الحياء وطوع النساء، يا أَلأَم أهل بيته وأذلّ عشيرته، لقد بلغ بك اللُؤم «2» الغاية الْقُصْوَى المُذلة لأهلها فِي الآخرة والأولى، فمنعت الحقوق ولزمت العقوق وماريت «3» أهل الفضل، فَقَالَ عمرو: إنك لتعلم أني مر المذاقة وأن ليس لك بي طاقة، وأني حية الوادي وداهية «4» الأعادي، لا أتبع الأفياء ولا أنتمي إلى غير الآباء، أحمي الذِمار «5» فِي المِضْمار، غير هَيوبة للوعيد ولا فروقة رعديد، أطعم الطعام وأضرب الهام، أفبالبخل تعيرني وإياه حالفت وعليه جبلت؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أقسمت لما سكتما، ثم أنشد: وليد إذا ما كنت فِي القوم جالسًا ... فهن وليكن «6» منك الوقار على بال ولا يأتين «7» الدهر من فيك منطق ... بلا نظر قد كان منك وإعمال «8» لرأيك فيه، خوف ما ليس راجعًا ... فما كل من تلقى ابن عم ولا خال قَالَ لي هشام بْن عمار: نظرت فِي أحاديث مُعَاوِيَة عندكم فوجدت أكثرها مصنوعًا، وذكر هذا الحديث. 245- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ يَزِيدَ بن بشر عن همّام ابن قَبِيصَةَ وَعَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ (أَبِي) الْهَيْثَمِ الرَّحْبِيِّ قَالا: كَانَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَأَغَارَهَا، فَشَكَتْ فِعْلَهُ إِلَى أَخِيهَا، فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ يُسِيءُ إِلَى أُخْتِي، وَلَوْلا مَكَانُكَ لَعَدَلْتُهُ عَنْ طَرِيقَتِهِ «9» ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأقنى العرنين،

_ (1) م: فغضب. (2) أمالي القالي: البخل. (3) قد تقرأ في ط م: وجانبت. (4) م: داهية (دون واو) ، وفي حية الوادي انظر ثمار القلوب: 422 (5) م: الضمار. (6) أمالي القالي: فكن ساكنا. (7) أمالي القالي: يبدرن. (8) أمالي القالي: وإغفال. (9) م: طريقه.

أَصْمَعُ الْكَعْبَيْنِ «1» ، أَحَذُّ الْقَدَمَيْنِ، أَعَزُّ قُرَشِيٍّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَزِدْنِي الإِسْلامُ إِلا عِزًّا، فَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ: لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَدَعَا بِعَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: أَحْسِنْ إِلَى امْرَأَتِكَ. 246- المدائني عن مسلمة بْن محارب قَالَ: كان مُعَاوِيَةُ مُعْجَبًا بِجَارِيَةٍ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَزِيدُ يَوْمًا وَهِيَ جَالِسَةٌ عَلَى السَّرِيرِ، وَمُعَاوِيَةُ عَلَى الأَرْضِ، وَفِي يَدِهَا قَضِيبٌ تَلْوِيهِ عَلَى رَأْسِهِ، فقال يزيد: أو هذا أَيْضًا؟! وَهَمَّ بِهَا، فَبَادَرَتْ فَدَخَلَتْ بَيْتًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَيْحَكَ شُدِّي لِزَازَ الْبَابِ دُونَهُ، وَأَرَادَ يَزِيدُ دَفْعَ الْبَابِ فَنَهَاهُ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْذُرُنَا مِنْ هَذَا، يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَيَضْرِبُ جَوَارِينَا، ارْجِعْ يَا بُنَيَّ فَإِنَّ الْجَوَارِيَ لِعْبٌ، وَالرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ، فَاسْتَحْيَا يَزِيدُ وَخَرَجَ. 247- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ ابْن الزُّبَيْرِ لِمُعَاوِيَةَ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُ عَلِيًّا لِحُبِّ عُثْمَانَ فَلَمْ تُجْزِنِي، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَاتَلْتَ عَلِيًّا مَعَ أَبِيكَ فَغَلَبَكُمَا بشماله، وو الله أَنْ لَوْلا بُغْضُكَ عَلِيًّا لَجَرَرْتَ «2» بِرِجْلٍ مَعَ الضَّبُعِ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّا قَدْ أَعْطَيْنَاكَ عَهْدًا سَنَفِي لَكَ بِهِ، وَلَكِنْ سَيَعْلَمُ مَنْ بَعْدَكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَا إِنِّي لا أَخَافُكَ إِلا عَلَى نَفْسِكَ، وَكَأَنِّي بِكَ قَدْ تَوَرَّطْتَ فِي الْحَبَالَةِ فَعَلَقَتْكَ الأُنْشُوطَةُ، فَلَيْتَنِي عِنْدَكَ فَاسْتَشْلَيْتُكَ مِنْهُمَا «3» ، وَلَبِئْسَ الْمَوْلَى أَنْتَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ. 248- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ قال: حضر ناجد «4» بن سمرة وواثلة ابن الأَسْقَعِ «5» الْكِنَانِيُّ بَابَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لآذِنِهِ، وهو أبو أيّوب يزيد مولاه: ايذن لناجد، فَأَذِنَ لَهُ، فَمَنَعَهُ وَاثِلَةُ، وَوَاثِلَةُ أَحَدُ بَنِي ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وناجد أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بْنِ كِنَانَةَ، فَدَخَلَ الآذِنُ فَأَعْلَمَ مُعَاوِيَةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ

_ 246- التاج: 126 والمحاسن والمساوئ: 171 247- قارن بابن عساكر 7: 407 وشرح النهج 4: 488

يُدْخِلَهُمَا مَعًا، فَقَالَ وَاثِلَةُ. يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَ أَذِنْتَ لَهَذَا قَبْلِي وَلِي صُحْبَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ (723) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِي السِّنُّ عَلَيْهِ؟ قَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي وَجَدْتُ بَرْدَ أَسْنَانِكَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، وَوَجَدْتُ كَفَّ هَذَا تَدْفَعُ ذَلِكَ الْبَرْدَ، يَعْنِي يَوْمَ الْفِجَارِ الَّذِي كَانَ بِسَبَبِ الْبُرَاضِ، وَهُوَ يَوْمُ نَخْلَةَ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَبِثَأْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تُطَالِبُنِي؟! أَفَلا آخَذْتَ الَّذِي قَالَ «1» : أَغَرَّكَ أَنْ كَانَتْ لِبَطْنِكَ عُكْنَةٌ ... وَأَنَّكَ مَكْفِيٌّ بِمَكَّةَ طَاعِمُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِذَا جَاءَكَ الْبَكْرِيُّ يَحْمِلُ قُصْبَهُ ... فَقُلْ قُصْبُ كَلْبٍ صَادَهُ وَهُوَ نائم فقال واثلة «2» : فما منع العير الضَّرُوطَ ذِمَارُهُ ... وَلا مَنَعَتْ مَخْزَاةَ وَالِدِهَا هِنْدُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: سَوْءَةٌ أَجْهَلَتْنَا وَأَجْهَلْنَاكَ، وَأَسَأْنَا إِلَيْكَ وَلَنَا الْمَقْدِرَةُ عَلَيْكَ، ارْفَعْ إِلَيْنَا حَوَائِجَكَ، فَقَضَاهَا وَوَصَلَهُ. 249- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: شَهِدَ أَعْرَابِيٌّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بِشَهَادَةٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ، فقال: الْكَاذِبُ وَاللَّهِ الْمُتَزَمِّلُ فِي ثِيَابِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ عَجَّلَ. 250- حَدَّثَنِي «3» هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: خَيْرُ الصَّنَائِعِ مَا أَبْقَى ذِكْرًا حَسَنًا، وَخَيْرَ الْجُودِ مَا لَمْ يُعَدَّ سَرَفًا، وَخَيْرَ السُّلْطَانِ مَا لَمْ يُوَرِّثْ «4» صَاحِبَهُ كِبْرًا، وَرَبُّ الْمَعْرُوفِ أَفْضَلُ مِنَ ابْتِدَائِهِ «5» .

_ 249- الكامل: 302، 356 وروضة العقلاء: 195 وربيع الأبرار: 95/ أوروض الأخيار: 139

251- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا: مَا أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ؟ فَقَالَ يَزِيدُ ابْنُهُ: أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ هَذَا السَّحَابُ الرَّاكِدُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا يَدْعَمُهُ شَيْءٌ مِنْ تَحْتِهِ وَلا هُوَ مَنُوطٌ بِشَيْءٍ مِنْ فَوْقِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ: أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ إِكْدَاءُ الْعَاقِلِ وَحَظُّ الْجَاهِلِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ: أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ مَا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَعْجَبُ الأَشْيَاءِ غَلَبَةُ مَنْ لا حَقَّ لَهُ ذَا الْحَقِّ عَلَى حَقِّهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إِعْطَاءُ مَنْ لا حَقَّ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ. وَإِنَّمَا عَرَّضَ عَمْرٌو بِمُعَاوِيَةَ وَعَرَّضَ مُعَاوِيَةُ بِعَمْرٍو فِي أَمْرِ مِصْرَ. 252- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ مَرْوَانَ نَازَعَ ابْن الزُّبَيْرِ، فَكَانَ هَوَى مُعَاوِيَةَ مَعَ مَرْوَانَ، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ لَكَ حَقًّا وَطَاعَةً، وَلَنَا بَسْطَةً وَحُرْمَةً، فَأَطِعِ اللَّهَ نُطِعْكَ، فَإِنَّهُ لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ خَالِقٍ، وَلا طَاعَةَ لَكَ عَلَيْنَا إِلا فِي حَقِّ اللَّهِ «1» ، وَلا تُطْرِقْ إِطْرَاقَ الأُفْعُوَانِ فِي أُصُولِ السَّخْبَرِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ صَامِتٌ «2» . 253- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ عَنْ حَرْبِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كَان عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يُنَازِعُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ كَثِيرًا، فَقَالَ معاوية لأبي خداش بن عتبة بْنِ أَبِي لَهَبٍ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لا يَزَالُ يَتَعَرَّضُ لِيَزِيدَ، فَتَعَرَّضْ لَهُ أَنْتَ حَتَّى يَسْمَعَ يَزِيدُ مَا يَجْرِي بَيْنَكُمَا، وَلَكَ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: عَجِّلْهَا، فَحُمِلَتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ الْتَقَيَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ أَبُو خِدَاشٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْدِنِي عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ قَتَلَ مَوْلًى لِي بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كذبت يا ابن المتبوب التابّ، فقال أبو خداش: يا ابن تمدّر «3» يا ابن البريح يا ابن أُمِّ قَدْحٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ رَحِمَكَ اللَّهُ، عَلَيَّ دِيَةُ مَوْلاكَ، فَخَرَجَ أَبُو خِدَاشٍ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَعْطِنِي عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ أخرى وإلا

_ 251- العقد 4: 21 والبصائر 1: 34 252- ابن عساكر 7: 406 وراجع ما تقدم: 236 في المنازعة بين مروان وابن الزبير.

أَعْلَمْتُهُ أَنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالْكَلامِ، فَأَعْطَاهُ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: فَسِّرْ لِيَزِيدَ مَا قُلْتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: هُنَّ أُمَّهَاتٌ لَهُ حَبَشِيَّاتٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُنَّ ابْنُ الْكَلْبِيَّةِ الثَّقَفِيُّ فَقَالَ: ثَلاثٌ قَدْ وَلَدْنَكَ مِنْ حُبُوشٍ ... إِذَا تَسْمُو جذبنك بالزّمام (724) تمدّر والبريح وأمّ قدح ... ومجلوب يُعَدُّ مِنْ آلِ حَامٍ 254- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو نَوْفَلٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ حَجَّ فَدَخَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَبَلَغَ ابْن الزُّبَيْرِ ذَلِكَ فَجَاءَ فَحَرَّكَ الْبَابَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا تَفْتَحُوا لَهُ، ثُمَّ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ فَفُتِحَ لَهُ وَدَخَلَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ دَخَلَ الْبَيْتَ؟ فَذَكَرَ السَّارِيَةَ الْيُسْرَى، ثُمَّ دَخَلَ ابْن الزُّبَيْرِ بَعْدَ خُرُوجِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَمَا هُوَ إِلا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ؟! قال: نعم يا ابن الزُّبَيْرِ، أَمَّا عُرَى الأُمُورِ الَّتِي هِيَ عُرَاهَا فَلَهَا قَوْمٌ سِوَاكَ، وَفِيمَا دُونَ تِلْكَ أُمُورٌ يُسْتَعَانُ «1» بِكَ فِيهَا، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّي أَعْلَمُ مِنَ الَّذِي سَأَلْتَ، وَلَكِنَّكَ حَسُودٌ فَحَسَدْتَنِي، قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَوْ شِئْتَ قُلْتَ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. 255- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ خَالِدِ «2» بْنِ عَجْلانَ قَالَ، قَالَ عَبْدُ الله ابن الزُّبَيْرِ لِمُعَاوِيَةَ: لَقَدْ أَعْظَمَ النَّاسُ وِلادَةَ صَفِيَّةَ إِيَّانَا حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ تَلِدْنَا حُرَّةٌ غَيْرَهَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هِيَ وَاللَّهِ أَدْنَتْكَ مِنَ الظِّلِّ وَلَوْلا ذَلِكَ كُنْتَ ضَاحِيًا، وَيْحَكَ هَلْ وَلَدَكَ مِثْلَهَا أَوْ تَجِدُ مِثْلَهَا إِلا أُخْتَهَا أَوْ عَمَّتَهَا، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّهَا وَبَنِي أَبِيهَا مَعَ قَوْلِكَ لَرَضْفَةٌ بَيْنَ جَنْبَيْكَ يُوشِكُ أَنْ تَطْلُعَ عَلَى قَلْبِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذَلِكَ زَمَانًا وَهُمُ الرَّدِيفُ. 256- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَدَالَنَا على عدوّنا وردّ علينا زماننا، فقال رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَمَا وَاللَّهِ مَا ذاك لكرامتك على الله يا

_ 256- فاضل المبرد: 88

مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِلشَّامِيِّ: مَا أَنْتَ وَالْكَلامُ، وَأَنْتَ مِنْ حُثَالَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَسُقَّاطِهِمْ وَسِفْلَتِهِمْ، فَقَالَ الشَّامِيُّ: يَا عَمْرُو مَا عَدَوْتَ صِفَتَكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي أَرَى الْحِلْمَ مَحْمُودًا مَغَبَّتُهُ ... وَالْجَهْلُ أَرْدَى «1» مِنَ الأَقْوَامِ أَقْوَامَا 257- حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَى رجل من الأنصار بخمسمائة دِينَارٍ «2» فَاسْتَقَلَّهَا، وَأَقْسَمَ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَأْتِيَ معاوية فيضرب بها وجهه، فانطلق حَتَّى دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ما جاء بك يا ابن أَخِي؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لأَبِي طِيَرَةً وَفِيهِ حِدَّةٌ، وَقَدْ قَالَ لِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَعَزَمَهُ الشَّيْخُ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَوَضَعَ مُعَاوِيَةُ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: افْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ أَبُوكَ وَارْفُقْ بِعَمِّكِ، فَرَمَى الدَّنَانِيرَ، وَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ لِلأَنْصَارِيِّ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ يَزِيدَ فَدَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ مُغْضَبًا وَقَالَ: لَقَدْ أَفْرَطْتَ فِي الْحِلْمِ حَتَّى خِفْتُ أَنْ يعدّ ذلك مِنْكَ ضَعْفًا وَجُبْنًا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إِنَّهُ لا يَكُونُ مَعَ الْحِلْمِ نَدَامَةٌ وَلا مَذَمَّةٌ، فَامْضِ لِشَأْنِكَ. 258- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ضَرَبَ غُلامًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا بُنَيَّ كَيْفَ طَوَّعَتْ لَكَ نَفْسُكَ ضَرْبَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ امْتِنَاعًا مِنْكَ؟! 259- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَجْلانِ أَخُو يَعْمُرَ بْنِ الْعَجْلانِ الزُّرْقِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَشَكَا عَمْرًا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ ابْنَ الْعَاصِ بِمِصْرَ يَنْبَعِقُ مِنْهُ كَلامٌ لَهُوَ أَشَدُّ مِنْ وَخْزِ الأَشَافِي، لا يَرْعَوِي عَنْ إِسَاءَةٍ، وَلا يَرْجُو اللَّهَ فِي عَاقِبَةٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ عَمْرًا رجل حديد، فاحمل له قوله فَإِنَّهُ يَفِيءُ إِلَى خَيْرٍ، فَقَالَ: اكْفُفْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ رَاعٍ وَنَحْنُ رَعِيَّةٌ، وَرُبَّمَا ساق السيء الرّعي الثلّة

_ 257- ألف باء 1: 456 258- عيون الاخبار 1: 284 والمجتنى: 37 وابن كثير 8: 227 وفاضل المبرد: 88 والبصائر 1: 266 والفائق 3: 150 وربيع الأبرار: 67 ب والحكمة الخالدة: 160 وشرح النهج 4: 37 وفاضل الوشّاء: 146 (وفي بعض المصادر اختلاف في الرواية) .

إِلَى (725) مَجْزَرِهَا، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَجَلْ ثُمَّ تَفْلِتُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ إِذَا كُنْتَ أَنْتَ الْجَازِرَ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَازِرُ مَنْ قَدْ كَدَحَتْهُ السُّنَّةُ الْحَمْرَاءُ فَمِنْ أَنْيَابِهِ تَفْلِتُ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَوَ يُخَالَفُ «1» أَمْرِي وَتُهْمَطُ رَعِيَّتِي؟ إِنِّي إِذًا لَغَافِلٌ مُضَيِّعٌ، إِلَيَّ تَقُولُ هَذَا يَا عَبْدَ اللَّهِ؟! ثُمَّ تَمَثَّلَ: أَلَمْ تَكُ قَدْ جَرَّبْتَنِي قَبْلَ هَذِهِ ... وَعَضَّكَ مِنِّي حَدُّ نَابٍ وَمِخْلَبِ قَالَ: فَحِلْمًا «2» يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصَفْحًا، فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: ذَاكَ لَكَ، وَتَقَدَّمَ إِلَى عمرو في أمره. 260- حَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ لِمُعَاوِيَةَ فِي كَلامٍ جَرَى: قَاتَلْتَ عَلِيًّا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالأَمْرِ مِنْكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: [لأَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ «3» ، وَلِفَضْلِهِ فِي نَفْسِهِ وَسَابِقَتِهِ، قَالَ: فَمَا كُنْتَ قَطُّ أَصْغَرُ فِي عَيْنِي مِنْكَ الآنَ، قَالَ سَعْدٌ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِتَرْكِكَ نُصْرَتَهُ وَقُعُودِكَ عَنْهُ وَقَدْ عَلِمْتَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ] . 261- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ «وَاللَّهِ لَفُلانٌ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ ذَرَّةٍ، أَوْ كَلْبٍ مِنَ الْحَرَّةِ» ثُمَّ قَالَ لِلْكَاتِبِ: امْحُ الْحَرَّةَ وَاكْتُبْ «مِنْ كَلْبٍ مِنَ الْكِلابِ» . 262- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: رَأَيْتُكَ فِي مَنَامِي وَقَدْ أَلْجَمَكَ الْعَرَقُ وَأَنْتَ تُحَاسَبُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا رَأَيْتُ ثَمَّ دَنَانِيرَ مصر؟

_ 262- عيون الاخبار 1: 318

263- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الحارث «1» بْن نوفل بْن الحارث بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِمُعَاوِيَةَ: وَلِّنِي، فَقَالَ: لامٌ أَلِفٌ. 264- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيدَ قَالَ رَجُلٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِكَ فَشَرُّهَا أَضَرُّ عَلَيْكَ، وَبَايِعْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِي الْكَثْرَةِ «2» خَيْرًا كَثِيرًا. 265- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: مَرِضَ مُعَاوِيَةُ فَأَرْجَفَ بِهِ مِصْقَلَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ وَسَاعَدَهُ قَوْمٌ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَمَاثَلَ مُعَاوِيَةُ وَهُمْ يُرْجِفُونَ بِهِ، فَحَمَلَ زِيَادٌ «3» مِصْقَلَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ مِصْقَلَةَ كَانَ يَجْمَعُ مُرَّاقًا مِنْ مُرَّاقِ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَيُرْجِفُونَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ حَمَلْتُهُ إِلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِتَرَى فِيهِ رَأْيَكَ، وَيَرَى عَافِيَةَ «4» اللَّهِ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا قَدِمَ بِمِصْقَلَةَ جَلَسَ مُعَاوِيَةُ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا دَخَلَ مِصْقَلَةُ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: ادْنُ، فَدَنَا، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ بِيَدِهِ فَجَذَبَهُ فَسَقَطَ مِصْقَلَةُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ للناس: أبقى الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم قد رامني الأقوام قب ... لك فَامْتَنَعْتُ مِنَ الْمَظَالِمِ فَقَالَ: مَصْقَلَةُ: قَدْ أَبْقَى اللَّهُ مِنْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ: حِلْمًا يُزَيِّنُكَ، وَكَلأً وَمَرْعًى لأَوْلِيَائِكَ، وَسُمًّا نَاقِعًا لأَعْدَائِكَ، فَمَنْ يَرُومُكَ وَكَانَ أَبُوكَ سَيِّدَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنْتَ فِي الإِسْلامِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ، وَأَمَرَ بِصِلَتِهِ وَأَذِنَ لَهُ، فَانْصَرَفَ إِلَى الْكُوفَةِ فَقِيلَ لَهُ: كيف تركت معاوية؟ فقال: زعمتم أنّه لما بِهِ، وَاللَّهِ لَغَمْزُ يَدِي غَمْزَةً فَكَادَ يُحَطِّمُهَا، وجبذني جبذة فكاد يكسر منّي عظما.

_ 265- أمالي القالي 2: 315 وعيون الأخبار 3: 50 وزهر الآداب: 49

266- المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ تَذْكُرُ أَبَا سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَذْكُرُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَ هِنْدًا، فَأَطْعَمَنَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ لَحْمَ جَزُورٍ وَسَقَانَا خَمْرًا، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَحْمَ غَنَمٍ وَسَقَانَا نَبِيذَ زَبِيبٍ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَحْمَ طَيْرٍ وَسَقَانَا نَبِيذَ عَسَلٍ، (726) وَإِنْ كَانَتْ لَذَّاتُ أَزْوَاجٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كِرَامٍ. 267- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الأَشَجِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ الْمَلَكِ وَمَعَهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَوَقَفَ عَلَى رَاهِبٍ، فَذَكَرَ الرَّاهِبُ مُعَاوِيَةَ فَأَطْرَاهُ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِنَافِعٍ: لَشَدَّ مَا أَطْرَى هَذَا الرَّاهِبُ ابْنَ هِنْدٍ، فَقَالَ نَافِعٌ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلا، أَصْمَتَهُ الْحِلْمُ وَأَنْطَقَهُ الْعِلْمُ، بِجَأْشٍ رَبِيطٍ، وَكَفٍّ نَدِيَّةٍ. 268- الْمَدَائِنِيُّ «1» قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَتَلَقَّاهُ بَعْضُ سُودَانِهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ وَجْهَكَ وَجْهَ هِنْدٍ، قَالَ: وَأَيْنَ رَأَيْتَهَا؟ قَالَ: فِي مَأْتَمِ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ كَانَتْ لَكَرِيمَةَ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ. 269- قَالَ ابن دأب: خرج نابغة بني جعدة إلى صفين مع علي، فساق به يومًا فَقَالَ: قد علم المصران والعراق ... أن عليًا فحلها العتاق أبيض جحجاح له رفاق ... إن الألى جاروك لا أفاقوا لكم سياق ولهم سياق فلما قدم مُعَاوِيَة الكوفة قام النابغة بين يديه فَقَالَ: ألم تأت أهل المشرقين رسالتي ... وإني «2» نصيح لا يبيت على عتب

_ 267- انظر ما يلي رقم: 352، 354 269- الأغاني 5: 26 وانظر العقد 5: 9 وابن الأثير 3: 231 وديوان النابغة 133- 134 والبيتان 4، 5 في الديوان: 153 وانظر ما يلي رقم: 587 والبيتان «من راكب ... إلخ» في طبقات الجمحي: 130 والخزانة 1: 514 وديوان النابغة: 11

هلكتم وكان الشر آخر عهدكم ... لئن لم تدارككم حلوم بني حرب وكان مروان قد أخذ أهل النابغة وماله، فدخل على مُعَاوِيَة فأنشده: من راكب يأتي ابن هِنْد بحاجتي ... ومروان «1» والأنباء تنمي وتجلب فإن يأخذوا أهلي ومالي بظنة ... فإني إذا ما ريم ظلمي أغضب «2» فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لمروان: ما تقول؟ قَالَ: لا نرد عليه، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وما أهون عليك أن ينجحر هذا فِي غار فيقطع عرضي بشعر ترويه العرب «3» ، فرد عليه ماله وأهله. 270- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ «4» إِسْمَاعِيلَ بْنِ هِشَامٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: للَّهِ دَرُّ مُعَاوِيَةَ إِنْ كَانَ لَيَتَخَادَعُ لَنَا وَإِنَّهُ لأَدْهَى الْعَرَبِ، مَعَ حِلْمٍ لا يُنَادَى وَلِيدُهُ، وَإِنْ كَانَ لَيَتَضَاعَفُ لَنَا وَهُوَ أَنْجَدُ الْعَرَبِ، فَكَانَ كَمَا قَالَتِ النَّادِبَةُ: أَلا يَا عَيْنُ فَابْكِيهِ ... أَلا كُلُّ النُّهَى فِيهِ وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ بَقِيَ لَنَا مَا بَقِيَ أَبُو قُبَيْسٍ. 271- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ عبد اللَّه بْن فائد: كانوا يذكرون عبد الملك وَمُعَاوِيَة فيقولون: مُعَاوِيَة أحلم وعَبْد الْمَلِكِ أحزم. 272- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: للَّهِ دَرُّ ابْنِ هِنْدٍ وَلِيَنَا عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا آذَانَا عَلَى ظَهْرِ مِنْبَرٍ وَلا بِسَاطٍ، صِيَانَةً مِنْهُ لِعِرْضِهِ وَأَعْرَاضِنَا، وَلَقَدْ كَانَ يُحْسِنُ صِلَتَنَا وَيَقْضِي حَوَائِجَنَا. 273- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ وَمَسْلَمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالا: قَدِمَ رَجُلٌ ممّن

_ 270- الأغاني 17: 144 (والبيت منسوب لفاختة بنت قرظة زوجة معاوية) والموفقيات: 517 (والنادبة هي رقيقة أو بنت رقيقة) والكامل 4: 111 وانظر المصعب: 229 وعيون الأخبار 1: 11 273- محاضرات الراغب 2: 215

كَانَ فِي الصَّائِفَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنِ النَّاسِ وَحَالِهِمْ، فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ حَبَقَ الرَّجُلُ فَحُصِرَ وَسَكَتَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: خُذْ أَيُّهَا الرَّجُلُ فِي حَدِيثِكَ فَمَا سَمِعْتُهَا مِنْ أَحَدٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَمِعْتُهَا مِنْ نَفْسِي. 274- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ، قَالَ زياد: لَمْ يَغْلِبْنِي مُعَاوِيَةُ بِالسِّيَاسَةِ إِلا فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ اسْتَعْمَلْتُهُ (727) فَكَسَرَ الْخَرَاجَ وَلَحِقَ بِهِ فَآمَنَهُ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: إِنَّ فِي هَذَا مَفْسَدَةً لِلْعُمَّالِ وَحَمْلا عَلَى سُوءِ الأَدَبِ، فَابْعَثْ بِهِ إِلَيَّ، فَكَتَبَ إِلَيَّ مُعَاوِيَةُ: إِنَّهُ لا يَصْلُحُ أَنْ أَسُوسَ وَتَسُوسَ النَّاسَ سِيَاسَةً وَاحِدَةً، إنّا إن نشتدّ جميعا نهلك الناس ونخرجهم، وَإِنْ نَلِنْ جَمِيعًا نَبْطَرْهُمْ، وَلَكِنْ تَلِينُ وَأَشْتَدُّ وَتَشْتَدُّ وَأَلِينُ، فَإِذَا خَافَ أَحَدُهُمْ وَجَدَ بَابًا فَدَخَلَهُ. 275- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ زِيَادٍ قَالَ: مَا غَلَبَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةُ إِلا بِوَاحِدَةٍ، اسْتَعْمَلْتُ فُلانًا فَكَسَرَ الْخَرَاجَ وَهَرَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ: إِنَّ هَذَا أَدَبُ سُوءٍ لِمَنْ قِبَلِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِي وَلَكَ أَنْ نسوس الناس سياسة واحدة، فنلين جميعا تمرج «1» النَّاسَ فِي الْعَصَبِيَّةِ، وَأَنْ لا نَشْتَدَّ «2» جَمِيعًا فَنَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى الْمَهَالِكِ، وَلَكِنْ تَكُونُ أَنْتَ لِلْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ، وَأَكُونُ أَنَا لِلِّينِ وَالرَّأْفَةِ، أَوْ قَالَ: لِلرَّحْمَةِ. 276- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ عن خالد «3» بْنِ عَجْلانَ قَالَ: دَخَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ أَرَاكَ مُعْجَبًا بِمَا أَنْتَ فِيهِ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي نِلْتُ مَا أَنْتَ فِيهِ وَأَنِّي هرقت محجمة من دم، قال: لكنّني وَابْنَ عَمِّكَ قَدْ هَرَقْنَا مَحْجَمَةً وَمَحْجَمَةً وَمَحَاجِمَ.

_ 274- محاضرات الراغب 1: 80 275- العقد 1: 42، 5: 10 وسير الذهبي 1: 102 276- ابن عساكر 6: 106 وانظر تاريخ الاسلام 2: 284 وشرح النهج 1: 201، 2: 263

277- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنْ لَقِيطٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الزُّهْرِيِّينَ قَالُوا: لَمَّا دَخَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الشَّامَ فِي وِلايَةِ مُعَاوِيَةَ، بَعَثَ مُعَاوِيَةُ قَوْمًا يَنْعَوْنَ عُثْمَانَ وَيَلْعَنُونَ قَتَلَتَهُ وَمَنْ خَذَلَهُ وَقَعَدَ عَنْ نُصْرَتِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا عَمَلُ الْفَاسِقِ مُعَاوِيَةَ، فَأَتَاهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ دَسَسْتَهُمْ، أَفَمَنْ نَهَى عُثْمَانَ عَمَّا فَعَلَهُ ثُمَّ كَفَّ عَنْهُ وَاعْتَزَلَهُ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَمَرَ عُثْمَانَ بِمَا فَعَلَهُ ثُمَّ خَذَلَهُ وَخَذَّلَ عَنْهُ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَاكَ أَبَا إِسْحَاقَ رَحِمَكَ اللَّهُ إِلا مُحْتَاجًا إِلَى عَطَائِكَ، فَقَدْ حُرِمْتَهُ مُذْ وُلِّينَا، فَأَمَرَ لَهُ بِذَلِكَ. 278- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابن أبي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَلِيَ مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُ مُسْتَقِيمًا، وَلَمْ تَزَلِ الأَمْوَالُ عَلَيْهِ دَارَّةً، فَاسْتَمَالَ الْقُلُوبَ بِالْبَذْلِ وَالإِعْطَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ: الْبَذْلُ يَقُومُ مَقَامَ الْعَدْلِ. 279- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَزْهَرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مَوْلًى لأَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَجَلَسَ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا أَيُّوبَ مَنْ قَتَلَ صَاحِبَ الْفَرَسِ الأَشْقَرِ «1» الَّذِي كَانَ يَجُولُ؟ قَالَ: أَنَا قَتَلْتُهُ يَوْمَ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ عَلَى الْجَمَلِ الأَحْمَرِ تَحْمِلانِ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ. 280- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ شَعْرَةٌ مَا انْقَطَعَتْ، قِيلَ: وَكَيْفَ يَا أمير المؤمنين؟ قال: إن جبذوها أرسلتها، وإن خلّوها جبذتها. 281- وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أنه قَالَ: قد علمت بما كان مُعَاوِيَة يغلب الناس، كان إذا طاروا وقع وإذا وقعوا طار، وإذا قعدوا قام وإذا قاموا قعد.

_ 279- ابن عساكر 5: 41 وسير الذهبي 2: 294 280- العقد 1: 25، 4: 364 واليعقوبي 2: 283 وعيون الأخبار 1: 9 وروضة العقلاء: 57 ونهاية الأرب 6: 44 واللسان (عزّ) وألف باء 1: 465 ومحاضرات الراغب 1: 134 281- العقد 4: 364 والبصائر 1: 202 (منسوبا لمعاوية) وسير الذهبي 3: 102

282- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَغْزَى مُعَاوِيَةُ النَّاسَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَعَلَيْهِمْ سُفْيَانُ بْنُ عَوْفٍ وَأَمَرَ يَزِيدَ بِالْغَزْوِ فَتَثَاقَلَ وَاعْتَلَّ فَأَمْسَكَ عَنْهُ، وَأَصَابَ النَّاسَ فِي غَزَاتِهِمْ جُوعٌ وَأَمْرَاضٌ، فَأَنْشَأَ يَزِيدُ يَقُولُ: مَا إِنْ أُبَالِي «1» بِمَا لاقَتْ جُمُوعُهُمْ ... بِالْقَرْقَذُونَةِ «2» مِنْ جُوعٍ وَمِنْ مُومِ إِذَا اتَّكَأْتُ عَلَى الأنماط في غرف ... بدير مران «3» عندي أم كُلْثُومِ (728) وَأُمُّ كُلْثُومٍ امْرَأَتُهُ، وَهِيَ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ، فَبَلَغَ مُعَاوِيَةُ شِعْرَهُ، فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ لَيَلْحَقَنَّ بِسُفْيَانَ فِي أَرْضِ الرُّومِ لِيُصِيبَهُ مَا أَصَابَ النَّاسَ وَلَوْ مَاتَ، فَلَحِقَ بِهِ فِي فَرَسِ أَنْطَاكِيَّةَ وَبَعْلَبَكَ وَجَمَاعَةٌ أَنْهَضَهُمْ مَعَهُ، فَبَلَغَ بِالنَّاسِ الْخَلِيجَ «4» ، وَضَرَبَ بِسَيْفِهِ بَابَ الذَّهَبِ وَهَزَمَ الرُّومَ، وَخَرَجَ وَسُفْيَانُ بِالنَّاسِ. 283- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: وَلَّى مُعَاوِيَةُ رَوْحَ بْنَ زِنْبَاعٍ بَعْلَبَكَّ فَرَجَمَ امْرَأَةً وَرَجُلا، فقال الشاعر: إن الجذامي روحا في إقامته ... حَدَّ الإِلَهِ لِمَعْذُورٍ وَإِنْ عَجَّلا لَوْ كَانَ رَفَّهُ عَنْ حَسْنَاءَ نَاعِمَةٍ ... وَعَنْ أَخِي غَزَلٍ لَمْ يُحْسِنِ الْغَزَلا فَبَلَغَ الشِّعْرُ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ إِلَى رَوْحٍ: لا تُعَجِّلَنَّ بِإِقَامَةِ حَدٍّ حَتَّى تَثْبُتَ فِي أَمْرِهِ، فَتَكُونَ إِقَامَتُكَ إِيَّاهُ بِإِقْرَارٍ ظَاهِرٍ أَوْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ مَسْتُورِينَ. 284- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَن الهيثم بن عدي عَنِ يعقوب بن داود قال: خطب

_ 282- سيرد الشعر في ما يلي رقم: 773 وانظر اليعقوبي 2: 272 والمروج 5: 62 والأغاني 17: 141 والنجوم الزاهرة 1: 151 ومعجم البكري: 586 وياقوت 2: 407، 697، 3: 555، 778 وابن الأثير 3: 38 والمحاسن والمساوئ: 145 ونهاية الأرب 4: 91 والمصعب: 130 283- انظر ما يلي: رقم: 415 284- العقد 4: 30 وابن عساكر 6: 215 وأسد الغابة 2: 335 وقارن بما يلي رقم: 285

مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ وَلانِي مَا وَلانِي من الشام ثم عثمان بعده، فو الله مَا غَشَشْتُ وَلا اسْتَأْثَرْتُ، ثُمَّ وَلانِي اللَّهُ الأَمْرَ فَأَحْسَنْتُ وَأَسَأْتُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ بَلِ اسْتَأْثَرْتَ وَأَسَأْتَ وَلَمْ تُحْسِنْ وَلَمْ تُنْصِفْ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: اجْلِسْ فَمَا أَنْتَ وَالْكَلامُ؟! وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيْتِكَ بفجّ «1» تَهْفُو الرِّيحُ بِجَوَانِبِهِ، بِفِنَائِهِ تَيْسٌ وَبُهْمَةٌ وَأَعْنُزٌ، دَرُّهُنَّ نَزْرٌ يَحْلِبْنَ فِي مِثْلِ مَحَارَةٍ أَلْقَاهَا الْمَوْجُ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي شَرِّ زَمَانٍ، وَكَانَ تَحْتَ مَا رَأَيْتَ حَسَبَ كَرِيمٍ غَيْرَ دَنِسٍ، فَهَلْ رَأَيْتَنِي قَتَلْتُ مُسْلِمًا وَانْتَهَكْتُ «2» مَحْرَمًا؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ حَتَّى أَرَاكَ وَأَنْتَ لا تَبْرُزُ إِلا فِي خِمَارٍ «3» ، وَأَيُّ مسلم تقوى عليه حتى تقتله، اجلس لاجلست، قَالَ: لا أَجْلِسُ وَلَكِنِّي سَأَذْهَبُ عَنْكَ إِلَى أَبْعَدِ أَرْضٍ وَأَسْحَقِهَا، وَقَامَ الرَّجُلُ فَوَلَّى، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: رُدُّوهُ، فَرَدُّوهُ فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَمَا لَقَدْ رَأَيْتُكَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْكَ، وَأَهْدَيْتَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْكَ، وَأَسْلَمْتَ فَحَسُنَ إِسْلامُكَ، وَلَقَدْ غَلُظَ عَلَيْكَ مِنَّا الْقَوْلُ، فَاذْكُرْ حَاجَتَكَ فَإِنِّي أُعْطِيكَ حَتَّى تَرْضَى. 285- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمٍ قَالَ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ النَّاسَ فَذَكَرَ تولية عمر إيّاه ثم قال: فو الله مَا خُنْتُ وَلا كَذَبْتُ، ثُمَّ وُلِّيتُ هَذَا الأَمْرَ فَتَقَدَّمْتُ وَتَأَخَّرْتُ، وَأَصَبْتُ وَأَخْطَأْتُ، وَأَحْسَنْتُ وَأَسَأْتُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ سَلَمَةُ «4» فَرَدَّ قَوْلَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ؟! كَأَنِّي «5» أَنْظُرُ إِلَى حَفْشِ بَيْتِكَ مَرْبُوطًا بِطَنَبٍ مِنْهُ تَيْسٌ، وَبِطَنَبِ بُهْمَةٍ، وَالرِّيحُ تَخْفِقُ «6» بِهِ كَأَنَّهُ جَنَاحُ نَسْرٍ، وَلَكَ أَعْنُزٌ تَحْتَلِبُ فِي مِثْلِ قُوارَةِ حَافِرِ عِيرٍ «7» ، قَالَ: رَأَيْتَ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ عَلَيْنَا لا لَنَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ حَشْوَهُ لَحَسَبٌ غَيْرَ دَنِسٍ، ثُمَّ ذكر باقي الحديث.

_ 285- انظر الفقرة السابقة رقم: 284

286- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ «1» قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَوَصَلَهُمْ وَفَضَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمْ، أعطاه ألف ألف درهم، فَقَالَ عَبْد الله ابن صَفْوَانَ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّمَا صَغُرَتْ أُمُورُنَا عِنْدَكَ لأَنَّا لَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ غَيْرُنَا، وَلَوْ كُنَّا فَعَلْنَا كُنَّا كَابْنِ جَعْفَر، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي (729) أُعْطِيكُمْ فَتَكُونُونَ إِمَّا رَجُلا مُعِدًّا بِمَا أُعْطِيهِ لِحَرْبِي، وَإِمَّا مضمًا لَهُ مَعَ بُخْلٍ بِهِ «2» ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ يُعْطِي أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ، ثُمَّ لا يَلْبَثُ أَنْ يَلْزَمَهُ مِنَ الدَّيْنِ بِتَوَسُّعِهِ أَكْثَرَ مِمَّا نُعْطِيهِ، فَخَرَجَ ابْنُ صَفْوَانَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَيَحْرِمُنَا حَتَّى نَيْأَسَ وَيُعْطِينَا حَتَّى نَطْمَعَ. 287- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ: أَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يَبْلُوَ مَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ في إتيان الحجاز أو المصير إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: إِنْ شِئْتَ فَأْتِ الْحِجَازَ وَإِنْ شِئْتَ فَصِرْ إِلَيْنَا، فَإِنَّكَ كَمَا قَالَ الأَوَّلُ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا بَدَا لَكَ رَاشِدًا ... وَدَعِ الْخِدَاعَ فَقَدْ كَفَاكَ الأَوَّلُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ: إِنَّ الَّذِي يَرْجُو سِقَاطَكَ وَالَّذِي ... سَمَكَ السَّمَاءَ مَكَانَهَا لَمُضَلَّلُ أَجَعَلْتَ مَا أُلْقِي إِلَيْكَ خَدِيعَةً ... حَاشَا الإِلَهِ وَتَرْكُ ظَنِّكَ أَجْمَلُ 288- المدائني عن علي بن سليم قال، قال عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي مَجْلِسِ مُعَاوِيَةَ: احْمَدُوا اللَّهَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ الَّذِي جَعَلَ وَالِي أَمْرِكُمْ مُعَاوِيَةَ، مَنْ يُغْضِي عَلَى الْقَذَى، وَيَتَصَامُّ عَنِ الْعَوْرَاءِ، وَيَجُرُّ ذَيْلَهُ عَلَى الْخَدَائِعِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَشَيْنَا إِلَيْهِ الضَّرَّاءَ وَدَبَبْنَا لَهُ الْخُمُرَ، وَقَلَبْنَا لَهُ ظَهْرَ الْمِجَنِّ، وَرَجَوْنَا أَنْ يَقُومَ بِأَمْرِنَا مَنْ لا يُعْطِيكَ «3» مَالَ مِصْرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ حَتَّى مَتَى لا تنصفون من

_ 286- المجتنى: 37 وقارن بما يلي رقم: 774 288- العقد 4: 21- 22 والموفقيات: 153 والبصائر 3: 181

أَنْفُسِكُمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ عَمْرًا وَذَوِيهِ أَفْسَدُوكَ عَلَيْنَا وَأَفْسَدُونَا عَلَيْكَ، لَوْ أَغْضَيْتَ عَنْ هَذِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ عَمْرًا لِي نَاصِحٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَأَطْعِمْنَا مِصْرَ كَمَا أَطْعَمْتَهُ ثُمَّ خُذْنَا بِمِثْلِ نَصِيحَتِهِ، إِنَّا رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ عَوَامَّ قُرَيْشٍ بِأَيَادِيكَ فِي خَوَاصِّهَا، كَأَنَّكَ تَرَى أَنَّ كِرَامَهَا جَازَوْكَ عَنْ لِئَامِهَا، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُفْرِغُ مِنْ وِعَاءٍ ضَخْمٍ فِي إِنَاءٍ فَعْمٍ «1» ، وَكَأَنَّكَ بِالْحَرْبِ قَدْ حَلَّ عَلَيْكَ عِقَالُهَا ثم لا ينظر «2» إِلَيْك، فَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا ابْن أَخِي مَا أَحْوَجَ أَهْلُكَ إِلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ معاوية: أغرّ رجالا من قريش تتايعوا «3» ... عَلَى سَفَهٍ مِنِّي الْحَيَا وَالتَّكَرُّمُ 289- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ، قَالَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا نَظُنُّ مُعَاوِيَةَ أَغْضَبَهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلَى إِذَا ذُكِرَ مِنْ أُمِّهِ «4» غَضِبَ، فَقَالَ مالك ابن أَسْمَاءَ الْمُنَى الْقُرَشِيُّ وَهِيَ أُمُّهُ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا الْمُنَى لِجَمَالِهَا: وَاللَّه لأُغْضِبَنَّهُ إِنْ جَعَلْتُمْ لِي جُعْلا، فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلا رَضِيَ بِهِ، فَأَتَى مُعَاوِيَةُ وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ فَقَالَ لَهُ فِي جَمَاعَةٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَشْبَهَ عَيْنَيْكَ بِعَيْنَيْ أُمِّكَ، قَالَ: تَانِكَ عَيْنَانِ طَالَ ما أعجبتا أبا سفيان، انظر يا ابن أَخِي إِلَى مَا أُعْطِيتَ مِنَ الْجُعْلِ فَخُذْهُ، وَلا تَتَّخِذْنَا مَتْجَرًا، ثُمَّ دَعَا مُعَاوِيَةُ مَوْلاهُ سَعْدًا فَقَالَ لَهُ: أَعْدِدْ لأَسْمَاءَ الْمُنَى دِيَةَ ابْنِهَا فَإِنِّي قَدْ أَقْتَلته «5» ، فَرَجَعَ مَالِكٌ فَأَخَذَ جعله، فقال له رجل: لك ضعفا جُعْلِكَ إِنْ أَتَيْتَ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ فَقُلْتَ لَهُ كَمَا قُلْتَ لِمُعَاوِيَةَ، وَكَانَ عَمْرٌو ذَا نَخْوَةٍ وَكِبْرٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: مَا أَشْبَهَكَ بِأُمِّكَ يَا عَمْرُو، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ حَتَّى مَاتَ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ بِدِيَتِهِ إِلَى أُمِّهِ وَقَالَ: أَلا قُلْ لأَسْمَاءَ الْمُنَى أُمِّ مَالِكٍ ... فَإِنِّي لعمر الله أقتلت مالكا

_ 289- المحاسن والمساوئ: 553 ومآثر الانافة 3: 343 (وفيهما البيتان) وانظر عيون الأخبار 1: 284 (حيث تروى القصة عن عمرو) والعقد 1: 53 وسيجيء الحديث عن عمرو بن الزبير في ما يلي رقم: 814

290- الْمَدَائِنِيَّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ «1» قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ قَوْلَ حُذَيْفَةَ (730) إِنِّي لَمْ أُشْرِكْ فِي دَمِ عُثْمَانَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ شَرَكَ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ: الرَّجُلُ كَانَ أَعْلَمَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنْتَ قَدْ شَرَكْتَ فِي دَمِهِ، قَالَ: كَلا وَاللَّهِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَنْهَاهُ عَمَّا قِيلَ فِيهِ، وَكُنْتَ تَأْمُرُهُ بِهِ، فَلَمَّا صَعُبَ الأَمْرُ عَلَيْهِ «2» اسْتَغَاثَ بِكَ، فَأَبْطَأْتَ عَنْهُ حَتَّى قُتِلَ. 291- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ: أَوْفَدَ زِيَادٌ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ «3» النُّمَيْرِيَّ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَخْبَرْنِي عَنْ زِيَادٍ، قَالَ: يَسْتَعْمِلُ عَلَى الْجُرْأَةِ «4» وَالأَمَانَةِ دُونَ الْهَوَى وَالْمُحَابَاةِ، وَيُعَاقِبُ فَلا يَعْدُو بِالذَّنْبِ قَدْرَهُ، وَيَسْمُرُ وَيُحِبُّ السَّمَرَ لِيَسْتَجِمَّ «5» بِحَدِيثِ اللَّيْلِ تَدْبِيرَ النَّهَارِ، قَالَ: أَحْسَنَ، إِنَّ التَّثْقِيلَ عَلَى الْقَلْبِ مَضَرَّةٌ بِالرَّأْيِ، فَكَيْفَ رَأْيُهُ «6» فِي حُقُوقِ النَّاسِ؟ قَالَ: يَأْخُذُ مَا لَهُ عَفْوًا وَيُعْطِي مَا عَلَيْهِ عَفْوًا، قَالَ: فَكَيْفَ عَطَايَاهُ؟ قَالَ: يُعْطِي حَتَّى يُقَالَ جَوَادٌ وَيَمْنَعُ حَتَّى يُقَالَ بَخِيلٌ، قَالَ مُعَاوِيَةُ «7» : إِنَّ الْعَدْلَ ضَيِّقٌ وَفِي الْبَذْلِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ، فَكَيْفَ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ فِيهَا بِمَطْمَعٍ، مَا أَرَادَ مِنْ خَيْرٍ جَعَلَهُ لَكَ أَوْ لَهُ. 292- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ رجل من قريش لِمُعَاوِيَةَ: يا مُعَاوِيَة لا تباعدن منا ما قرب اللَّه، ولا تصغرن ما عظم، ولا تقطعن منا ما أمر اللَّه به أن يوصل، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يرحمك اللَّه، واللَّه ما صغرت منكم شيئًا إلا بما أنزلتموه بأنفسكم، وما باعدت منكم إلا ما تباعدتم به مني، ولا قطعت إلا ما بدأتم بقطعة، هذا مروان بن الحكم وسعيد بن

_ 290- راجع ما تقدم رقم: 133. 291- لباب الآداب: 40

العاص وعبد اللَّه بْن عامر وعمرو بْن العاص شرفتهم بالمنابر، ووليتهم معالي الأمور، ثم لا تزال تأتيني منهم هنة «1» كراغية البَكْر «2» . 293- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَا مُعَاوِيَةُ إِذَا اسْتَعْتَبْنَاكَ مِنْ أَمْرٍ فأعتبنا مِنْهُ، وَلا تَحْمِلْنَا عَلَى مَا نَكْرَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ رِجَالَ قُرَيْشٍ عَابُوكَ وَخَذَلُوكَ وَقَاتَلُوكَ، وَإِذَا هَمَمْتَ لَنَا بِخَيْرٍ فَهَنِّئْنَاهُ قَبْل الْمَسْأَلَةِ «3» ، فَإِنَّكَ إِذَا أَلْجَأْتَنَا إِلَى الْمَسْأَلَةِ أَخَذْتَ ثَمَنَ عَطِيَّتِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللَّهِ مَا اسْتَعْتَبْتُمُونِي مِنْ أَمْرٍ قَطُّ إِلا وَجَدْتُمُونِي قَدِ اسْتَعْتَبْتُكُمْ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَأَمَّا إِعْطَائِي إِيَّاكُمْ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ سَأَلَنَا أَعْطَيْنَاهُ وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنَّا وَكَلْنَاهُ إِلَى غِنَاهُ، وَأَحَبُّكُمْ إِلَيْنَا السَّائِلُ، فَاعْتَرِفُوا بِذُنُوبِكُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّه تعالى عنه: ما لنا إليك ذنب فنتعذر «4» مِنْهُ، وَإِنَّ خَيْرَكَ عَلَيْنَا لَقَلِيلٌ «5» فَقَالَ مُعَاوِيَةُ مُتَمَثِّلا «6» : إِذَا الْعَفْوُ لَمْ يَنْفَعْ وَلَمْ يَشْكُرِ امْرِؤٌ ... وَجَاشَتْ صُدُورٌ مِنْكُمُ حَشْوُهَا الْغَمْرُ «7» فَكَيْفَ أُدَاوِي دَاءَكُمْ وَدَواؤُكُمْ ... يَكُونُ لَكُمْ «8» دَاءٌ فَقَدْ عَسِرَ «9» الأَمْرُ 294- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْريَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: ذَكَرَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَتَنَقَّصَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ: إِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَا أَنْتَ فِيهِ مِنْكَ لِمَكَانَةٍ مِنْ عُثْمَانَ، أَخِيهِ لأُمِّهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه، وبلغ الوليد فدخل

_ (1) س: هيت، والنون مشددة في ط. (2) أي شؤم ونحس، وهو مأخوذ من قصة قوم صالح الذين رغا فوقهم البكر (ولد الناقة) أو «سقب السماء» انظر الميداني 2: 58. (3) نسب في الف باء 1: 157 إلى الحسن قوله لمعاوية: «أعطنا من قبل أن نسألك فإنك ان أعطيتنا بعد المسألة كان ثمن وجوهنا ولم نحمدك» . (4) س: فتعتذر. (5) س: لقديم. (6) الشعر في عيون الأخبار 3: 160 والمرزباني: 393 (313) منسوبا لمعاوية نفسه. (7) روايته في المصدرين: إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسى ... وضاقت قلوب منهم حشوها الغمر (8) في المصدرين: يزيدكم. (9) في المصدرين: عظم.

عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ إِذَا دَبَّتِ الرِّجَالُ إِلَيْكَ فِينَا بِالْبَاطِلِ فَلا تَقْبَلْ مِنْهُمْ مَا لا تعرفنا به، وخذ منّا عفو طَاعَتَنَا، وَلا تُجَشِّمْنَا مَا لا نُرِيدُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنِّي لا أَقْبَلُ فِيكُمْ إِلا مَا أَعْرِفُكُمْ بِهِ، وَكُلُّ ذَنْبٍ عَنْكُمْ مَوْضُوعٌ مَا خَلا الْقَدَحَ فِي هَذَا الْمُلْكِ. 295- وَحَدَّثَنِي (731) أَبُو مَسْعُودٍ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: دَخَلَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَا أَبَا طَرِيفٍ مَتَى ذَهَبَتْ عَيْنُكَ؟ قَالَ: يَوْمَ فَرَّ أَبُوكَ وَقُتِلَ خَالُكَ- يَعْنِي طَلْحَةَ لأَنَّهُ مِنْ بَنِي تَيْمٍ- وَضُرِبْتَ عَلَى قَفَاكَ، وَأَنَا مَعَ الْحَقِّ وَأَنْتَ مَعَ الْبَاطِلِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا بَقِيَ مِنْ حُبِّكَ لِعَلِيٍّ؟ قَالَ: هُوَ عَلَى مَا كَانَ وَكُلَّمَا ذُكِرَ زَادَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا طَرِيفٍ مَا نُرِيدُ «1» بِذِكْرِكَ لَهُ إِلا خِلافَهُ، قَالَ: إِنَّ الْقُلُوبَ إِذًا بِيَدِكَ يَا مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ طَيِّئًا كَانُوا لا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ وَلا يُعَظِّمُونَ حُرْمَتَهُ، فَقَالَ عَدِيٌّ: كُنَّا كَمَا قُلْتَ إِذْ كَانَ الْبَيْتُ لا يَنْفَعُ حَجُّهُ وَلا يَضُرُّ تَرْكُهُ «2» ، فَأَمَّا إذ نَفَعَ وَضَرَّ تَرْكُهُ فَإِنَّا نَغْلِبُ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ طَيِّئٌ وَخَثْعَمٌ لا يَحُجُّونَ فَكَانُوا يُدْعَوْنَ الأَفْجَرَانِ «3» . 296- الْمَدَائِنِيُّ عَن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهمداني قَالَ: دَخَلَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ على معاوية فقال له مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ أَنْتَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ قَالَ: لا وَلَكِنِّي مِمَّنْ حَضَرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، قَالَ: وَمَا مَنَعَكَ مِنْ نَصْرِهِ؟ قَالَ: مَنَعَنِي أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ لَمْ يَنْصُرُوهُ، وَلا رأيت أحدا نصره، قال: أو ما طَلَبِي بِدَمِهِ نُصْرَةٌ لَهُ؟ فَضَحِكَ أَبُو الطُّفَيْلِ وَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَنْتَ وَعُثْمَانُ كَمَا قَالَ الشاعر: لألفينّك «4» بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي

_ 295- راجع ما تقدّم: 181 296- الموفقيات: 154 وابن عساكر 7: 200 والأغاني 23: 419 والمروج 5: 44 والعقد 4: 29 وأسد الغابة 5: 234 وانظر: الخزانة 2: 91 وابن عساكر 5: 137 والامامة 1: 179 (دون البيت) ويرد البيت أيضا فيما يلي رقم: 1366 وديوان عبيد: 70 وابن عساكر 3: 433 ومختارات ابن الشجري: 99 وينسب لحارثة بن بدر الغداني في ابن عساكر 3: 433 (ولعله تمثل به) ، وبعض هذه الفقرة في سير الذهبي 3: 310

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ فَمَا بَقِيَ من وجدك بعلي؟ قال: وجد العجوز المقلات وَالشَّيْخِ الرَّقُوبِ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ حُبُّكَ لَهُ؟ قَالَ: حُبُّ أُمِّ مُوسَى لِمُوسَى، وَأَشْكُو إِلَى اللَّهِ التَّقْصِيرَ. 297- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ حَفْصٍ أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ وَجَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ وَالْجَوْنَ بْنَ قَتَادَةَ «1» الْعَبْشَمِيَّ وَالْحُتَاتَ بْنَ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيَّ وَفَدُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ: فَوَصَلَهُمْ وَفَضَّلَ الأَحْنَفَ وَجَارِيَةَ، أَعْطَاهُمَا مِائَةَ أَلْفٍ، وَكَانَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَجَارِيَةُ عَلَوِيَّيْنِ وَكَانَ الْحُتَاتُ مَعَ عَائِشَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَضَّلْتَ مَنْ كَانَ عَلَيْكَ عَلَى مَنْ كَانَ لَكَ، قَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ دِينَهُمْ «2» ، قَالَ: وَمِنِّي «3» فَاشْتَرِ دِينِي، فَأَلْحَقَهُ بِهِمَا، فَعَرَضَتْ لَهُ عِلَّةٌ مَاتَ مِنْهَا قَبْلَ قَبْضِهِ صِلَتَهُ، فَحَبَسَ مُعَاوِيَةُ الْمَالَ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ: أَبُوكَ وَعَمِّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تراثًا فيحتاز التُّرَاثَ أَقَارِبُهْ «4» فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ حَبَسْتَهُ «5» ... وَمِيرَاثُ حَرْبٍ «6» جَامِدٌ لَكَ ذَائِبُهْ وَلَوْ كَانَ إذ كنّا وللكفّ بسطة ... لصمّم عضب فِيكَ مَاضٍ ضَرَائِبُهْ «7» فَلَوْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ فِي جَاهِلِيَّةٍ ... عَلِمْتَ مَنِ الْمَوْلَى الْقَلِيلُ حَلائِبُهْ وَلَوْ كَانَ فِي دِينٍ سِوَى ذَا عَرَفْتُمُ ... لَنَا حَقَّنَا «8» أَوْ غَصَّ بِالْمَاءِ شَارِبُهْ وَكَمْ مِنْ أَبٍ لِي يَا مُعَاوِيَ لَمْ يَزَلْ ... أَغَرَّ يُبَارِي الرِّيحَ مُذْ طَرَّ شَارِبُهْ نَمَتْهُ فُرُوعُ الْمَالِكَيْنِ «9» وَلَمْ يَكُنْ ... أَبُوكَ الَّذِي مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ يُخاطِبُهْ «10» تَرَاهُ كَنَصْلِ السَّيْفِ يَهْتَزُّ للندى ... جوادا منيع الجار جزلا مواهبه

_ 297- انظر الطبري 2: 96 والنقائض: 608 وأسد الغابة 1: 379 والأغاني 21: 392 وابن الأثير 3: 389 والاشتقاق: 148 وجمهرة العسكري 1: 208، 209 وسرح العيون: 464، 465

فَأُنْشِدَ مُعَاوِيَةُ الشِّعْرَ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ: «وَلَمْ يَكُنْ أَبُوكَ الَّذِي مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ يُخَاطِبُهْ» قَالَ: صَدَقَ وَاللَّهِ، مَا كَانَ قَدْرُهُ أَنْ يُخَاطِبَهُ أَبِي. وَزَعَمُوا «1» أَنَّ الْفَرَزْدَقَ كَانَ بَاعَ جَمَلا وَصَرَّ ثَمَنَهُ، فَعَيَّرَهُ رَجُلٌ بَصُرَهُ وَقَالَ: (732) لَوْ كُنْتَ كَرِيمًا مَا صَرَرْتَ هَذَا الصَّرَ، فَرَمَى بِالدَّرَاهِمِ وَنَثَرَهَا حَتَّى انْتَهَبَهَا النَّاسُ، وبلغ ذلك زيادا فقال: هذا أحمق يغري «2» النَّاسَ بِالنَّهْبِ، فَطَلَبَهُ فَلَمْ يُوجَدْ وَبَلَغَهُ هَذَا الشِّعْرُ فَقَالَ: مَنْ صَاحِبُهُ؟ فَقِيلَ: الَّذِي نَثَرَ الدَّرَاهِمَ، فَجَدَّ فِي طَلَبِهِ، فَكَانَ يَهْرُبُ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْكُوفَةِ، وَمِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ زِيَادًا كَانَ يَأْتِي هَذِهِ مَرَّةً وَهَذِهِ مَرَّةً. وَكَانَ الْمَنْصُورُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا ذَكَرَ شِعْرَ الْفَرَزْدَقِ فِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ مُعَاوِيَةَ «3» وَرَأْيَهُ، مَا كَانَ هَذَا لِحِلْمٍ «4» وَمَا كَانَ إِلا ضَعْفًا. 298- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ ابن أم الحكم ليزيد بْن مُعَاوِيَة: خالي من قريش وخالك من كلب، فشكاه يزيد إلى مُعَاوِيَة، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قل له فجئني بأب مثل خالك. 299- ولما مات سَعِيد بْن العاص قَالَ مُعَاوِيَةُ لعمرو بْن سَعِيد: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: أوصى إلي ولم يوص بي، فَقَالَ: إنه الأشدق. 300- حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عَوَانَةَ، وَذَكَرَهُ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: يَا بَنِي هَاشِمَ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَلَّدْتُمْ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ كَفَرْمِ الإِمَاءِ الْعَوَارِكَ، وَأَطَعْتُمْ فُسَّاقَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي عَيْبِهِ، وَأَجْزَرْتُمُوهُ مُرَّاقَ

_ 298- راجع ما تقدم رقم: 185 299- سيرد خبر عمرو بن سعيد فيما يلي رقم: 1132، وانظر البيان 1: 316، 2: 112 والمعارف: 296 وعيون الاخبار 1: 235 والعقد 2: 189- 190 وربيع الأبرار: 143/ أوشرح البسامة: 203 300- تاريخ الاسلام 2: 238 وسير الذهبي 3: 49 وراجع ما تقدم رقم: 133 وانظر ما يلي رقم: 315 وفي تحريض عمرو على عثمان انظر ما يلي رقم: 1438

أَهْلِ مِصْرَ، وَآوَيْتُمْ قَتَلَتَهُ، وَإِنَّمَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى قُرَيْشٍ، وَنَظَرَتْ قُرَيْشٌ إِلَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَنَظَرَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ: مَا تَكَلَّمَ عَمْرٌو إِلا عَنْ رَأْيِكَ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ لا يَتَكَلَّمَ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ لأَنْتُمَا، أَمَّا «1» أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ فَزَيَّنْتَ لَهُ مَا صَنَعَ، حَتَّى إِذَا حُصِرَ طَلَبَ نَصْرَكَ، فَأَبْطَأْتَ عنه وَتَثَاقَلْتَ وَأَحْبَبْتَ قَتْلَهُ، وَتَرَبَّصْتَ لِتَنَالَ مَا نِلْتَ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَمْرُو فَأَضْرَمْتَ الْمَدِينَةَ عَلَيْهِ نَارًا، ثُمَّ هَرَبْتَ إِلَى فِلَسْطِينَ، فَأَقْبَلْتَ تُحَرِّضُ عَلَيْه الْوَارِدَ وَالصَّادِرَ، فَلَمَّا بَلَغَكَ قَتْلُهُ دَعَتْكَ عَدَاوَةُ عَلِيٍّ إِلَى أَنْ لَحِقْتَ بِمُعَاوِيَةَ، فَبِعْتَ دِينَكَ مِنْهُ بِمِصْرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، عَرَّضَنِي لَكَ وَنَفْسَهُ فَلا جُزِيَ خَيْرًا. 301- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَرَادَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مِصْرَ طُعْمَةً وَيُبَايِعَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي لا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ إِنَّكَ إِنَّمَا بَايَعْتَنِي عَلَى تَأْمِيرٍ لَكَ وَشَكْمٍ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِيَوْمِ مَسْأَلَةٍ، وَقَدْ تَدَانَتِ الأُمُورُ بِكَ فَلا تَدْبُرَنَّ بَعْدَ إِقْبَالِهَا، فَقَالَ عَمْرٌو: يَا مَرْوَانُ قَدِمْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَأَمْرُهُ زَلِقٌ دَحْضٌ مُنْفَرِجٌ انْفِرَاجَ الْقَتَبِ «2» ، فَمَا بَرِحْتُ أُبْرِمُهُ قُوَّةً بَعْدَ قُوَّةٍ حَتَّى تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ دَائِرَةِ الْفُلْكَةِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنْ تَرَكْتُهُ وَالشُّبَهَ الْمُشْكِلاتِ لَتَهِنَّنَّ «3» قُوَاهُ حَتَّى يُدْبِرَ عَنْهُ مَا قَدْ تَدَانَى مِنْهُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنْ يَكُنِ اللَّهُ قَدْ سَهَّلَ بِكَ أَمْرًا، فَمِثْلُكَ سَهَّلَ اللَّهُ بِهِ الْوَعْرَ وَأَعَانَ بِهِ عَلَى حُسْنِ الْعَاقِبَةِ، فَقَارِبْهُ فَإِنَّهُ مُؤَاتِيكَ، ثُمَّ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّ الأُمُورَ قَدْ لَزِمَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَاكْمِشْ أَمْرَكَ، وَاكْتُبْ لَهُ بِمَا أَرَادَ، فَلَيْسَ مِثْلُ عَمْرٍو يُبْخَلُ عَلَيْهِ بِالْجَزِيلِ يَطْلُبُهُ، فَكَتَبَ لَهُ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْكَاتِبِ «4» : اكْتُبْ لا يَنْقُضُ «5» شَرْطَ طَاعَةٍ، فَقَالَ عَمْرٌو: لا وَلَكِنِ اكْتُبْ وَلا تَنْقُضُ طَاعَةً شَرْطًا. فَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بمصر، غلب عمرو عليها،

_ (1) س: انما. (2) م: البيت. (3) م: لتهتز. (4) انظر الكامل: 325 والعقد 4: 345 وشرح النهج 2: 67 (5) س م: تنقض (والتاء غير منقوطة في ط) .

وَاسْتَقَامَتِ الأُمُورُ لِمُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يَحْمِلْ عَمْرٌو إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا، فَكَانَ أَهْلُ مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى عَمْرٍو فِي هَدَايَا (733) مِصْرَ فَيَقُولُ: عَمْرٌو «1» جَمُوحٌ طَمُوحٌ مَنُوعٌ، فَاعْفُونِي مِنَ الْكِتَابِ إِلَيْهِ وَاكْتُبُوا أَنْتُمْ، فَكَانُوا يَكْتُبُونَ إِلَيْهِ فَلا يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ، فَقَالُوا لِمُعَاوِيَةَ: اعْزِلْهُ، فَقَالَ: أَمَّا عَزْلُهُ فَلا، وَلَكِنِّي أُرَوِّعُهُ بِالْقُدُومِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالْعَزْلِ لَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فَقَدِمَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا عَمْرُو بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُومُ عَلَى مِنْبَرِ مِصْرَ فَتَذْكُرُ بَلاءَكَ بِصِفِّينَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ للَّهِ فَأَجْرُكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِلدُّنْيَا فَقَدْ أَعْظَمْنَا مُكَافَأَتَكَ، فَهَلْ عَلِمْتَ أَنَّكَ قَدْ نَقَضْتَ شَرْطَكَ لِرَدِّكَ كُتُبِي؟ قَالَ: مَا رَدَدْتُ لَكَ كِتَابًا أَعْلَمُ أَنُّه مِنْكَ، وَلَكِنَّهُ كَانَتْ تَأْتِينِي كُتُبٌ عَلَى لِسَانِكَ، فَأَمَّا قِيَامِي عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ أُرِدْ بِهِ مَنًّا عَلَيْكَ، وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي أَعْظَمْتُ مُكَافَأَتَكَ بِمِصْرَ فَعَلَيْهَا بَايَعْتُكَ، قَالَ: انْصَرِفْ إِلَى رَحْلِكَ، فَانْصَرَفَ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ أَزَلْ أَقْدَحُ فِي غَارِبِ خَيْرٍ بِمِصْرَ حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُحْضِرَكَ مَا قَدِمْتُ بِهِ لِتَرَى فِيهِ رَأْيَكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا دُعِيتَ إِلَى مَأْدُبَةِ قَوْمٍ أَوْ قَالَ مَائِدَةِ قَوْمٍ- فَقَدْ عَدَّكَ أَهْلُهَا مِمَّنْ يَأْكُلُ، فَإِنْ شِئْتَ فَكُلْ وَإِنْ شِئْتَ فَجُعْ، وَمَا أَعْطَيْتُكَ مِصْرَ إِلا لأَنْفَعَكَ، فَارْجِعْ إِلَى عَمَلِكَ. 302- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ الْحَجَّ، [فَلَقِيَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ بَلَغَنِي ذِكْرُكَ وَذِكْرُ ابْنِ النَّابِغَةَ بَنِي هَاشِمٍ بِالْعُيُوبِ، فَارْجِعْ إِلَى نَفْسِكَ وَسَلِّطِ الْحَقَّ عَلَيْهَا، فَإِنَّك تَجِدُ أَعْظَمَ عُيُوبِهَا أَصْغَرُ عَيْبٍ فِيكَ، لَقَدْ تَنَاوَلْتَنَا بِالْعَدَاوَةِ وَأَطَعْتَ فِينَا عمرا، فو الله مَا قَدُمَ إِيمَانُهُ وَلا حَدُثَ نِفَاقُهُ، وَاللَّهُ مَا يَنْظُرُ لَكَ وَلا يُبْقِي عَلَيْكَ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ أَوْ دَعْ] . 303- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: قُمْ فَاذْكُرْ عَلِيًّا وَتَنَقَّصْهُ، فَقَامَ شَدَّادٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي افْتَرَضَ طاعته،

_ 303- عيون الاخبار 1: 56 والبيان 4: 69 وشرح النهج 4: 322 والعقد 4: 135 وقوله «إن الدنيا أجل حاضر ... والفاجر» في ابن عساكر 6: 291 وقوله: «وان الله إذا أراد ... بخلائهم» في الحسن البصري لابن الجوزي: 50

وَجَعَلَ فِي التَّقْوَى رِضَاهُ، عَلَى ذَلِكَ مَضَى أَوَّلُ الأُمَّةِ، وَعَلَيْهِ يَمْضِي آخِرُهُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ، يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ، وَإِنَّ الدُّنْيَا أَجَلٌ «1» حَاضِرٌ، يَأْكُلُ فِيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَإِنَّ السَّامِعَ الْمُطِيعَ لا حُجَّةَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ السَّامِعَ الْعَاصِي لا حُجَّةَ لَهُ «2» ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِالنَّاسِ صَلاحًا عَمَّلَ «3» عَلَيْهِمْ صُلَحَاؤُهُمْ، وَقَضَى بَيْنَهُمْ فُقَهَاؤُهُمْ، وَجَعَلَ الْمَالَ فِي سُمَحَائِهِمْ، وَإِذَا أَرَادَ بِالْعِبَادِ شَرًّا عَمَّلَ عَلَيْهِمْ سُفَهَاؤُهُمْ، وَقَضَى بَيْنَهُمْ جُهَلاؤُهُمْ، وَجَعَلَ الْمَالَ عِنْدَ بُخَلائِهِمْ، وَإِنَّ مِنْ صَلاحِ الْوُلاةِ أَنْ تَصْلُحَ قَرَابِينُهَا «4» وَوُزَرَاؤُهَا، نَصَحَكَ يَا مُعَاوِيَةُ مَنْ أَسْخَطَكَ بِالْحَقِّ، وَغَشَّكَ مَنْ أَرْضَاكَ بِالْبَاطِلِ، فَكَرِهَ معاوية أن يجيء بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ فَقَالَ: اجْلِسْ رَحِمَكَ اللَّهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِمَالٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلَسْتَ مِنَ السُّمَحَاءِ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ مَالِكَ دُونَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا تَعَهَّدْتَهُ عِنْدَ جَمْعِهِ مَخَافَةَ تَبِعَتِهِ، وتعهّده لَكَ مَنْ مَحَضَّكَ النُّصْحَ وَآثَرَ الْحَقَّ، وَإِنْ كُنْتَ أَصَبْتَهُ اقْتِرَافًا وَأَنْفَقْتَهُ إِسْرَافًا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ (الإسراء: 27) . 304- وقال العتبي: دخل عبد الرحمن بن سيحان «5» ، وَكَانَ أَبُوهُ حَلِيفًا لِحَرْبٍ، عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: قُلْتُ: إِنِّي لأَشْرَبُهَا «6» حتى تميل بنا ... كما تمايل وسنان بوسنان قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ وَأَصِفَهَا، وَلَكِنِّي الَّذِي أَقُولُ: عَمَدْتُ بِحِلْفِي لِلطِّوَالِ «7» وَلِلذُّرَى ... ولم تلقني «8» كالنّسي في ملتقى الحرب

_ 304- انظر ما يلي رقم: 389 والأغاني 2: 221، 224، 225 (وقد تنسب الأبيات لعبد الرحمن بن أرطاة) .

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ لأَبِيهِ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ ضَرْبِهِ مِائَةَ سَوْطٍ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ أَضْرِبُهُ وَهُوَ حَلِيفُ مُعَاوِيَةَ؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِسَعِيدٍ: أَمْرُكَ أَحْمَقُكَ أَنْ تَضْرِبَ حَلِيفِي، واللَّهِ لَوْ ضَرَبْتَهُ مِائَةَ سَوْطٍ لَضَرَبْتُكَ مِائَتَين، وَلَوْ قَطَعْتَ يَدَهُ لَقَطَعْتُ يَدَيْكَ، قَالَ: (734) غَفْرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنَّكَ ضَرَبْتَ حَلِيفَكَ عَمْرَو بْنَ جَبَلَةَ، قَالَ: إِنِّي آكُلُ لَحْمِي وَلا أُوكِلُهُ «1» . 305- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: أَنَا أَفْضَلُ أَمْ عَلِيٌّ، وَأَيُّنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَلِيٌّ أَقْدَمُ إِسْلامًا وَهِجْرَةً، وَأَكْرَمُ بَيْتًا وَعِتْرَةً، وَأَقْدَمُ لِنَبِيِّ اللَّهِ نُصْرَةً، وَأَشَدُّ إِلَى الْخَيْرِ سَبْقًا، وَأَشْجَعُ نَفْسًا وَأَسْلَمُ قَلْبًا، وَأَمَّا الْحُبُّ فَقَدْ مَضَى عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَنْتَ الْيَوْمَ عِنْدَ النَّاسِ أَرْجَى مِنْهُ. 306- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لرجل من اليهود: هل تروي من شعر أبيك شيئًا؟ قَالَ: أي شعره أردت؟ قَالَ: أبياتًا كانت قريش تستحسنها، فأنشده: هل أضرب الكبش فِي ملمومة قدمًا ... أم هل سمعت بشر كان لي نشرًا أم هل يلومنني «2» قوم إذا نزلوا ... أم هل يقولن «3» يومًا قائل بسرا نقريهم الوجه ثم البشر «4» يتبعه ... لا يمنع العرف منا قل أو كثرا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أنا أحق بهذا الشعر من أبيك، فَقَالَ اليهودي: لا لعمر اللَّه لأبي أحق بها إذ سبق إليها، فاستلقى مُعَاوِيَة ووضع ساعده على وجهه، فَقَالَ الوليد بْن عقبة وعبد الرحمن بْن أم الحكم: اسكت يا ابْن اليهودية، وشتماه، فَقَالَ: كفا عَنْ شتمي وإلا شتمت صاحب السرير، فرفع مُعَاوِيَة رأسه ضاحكًا ثم قَالَ: كفا عنه يكفّ عنّي، ثمّ قال

_ 305- عيون الأخبار 2: 211 وابن عساكر 6: 291 306- حماسة الخالديين 2: 100 (ونسب الشعر لأعرابي) .

لليهودي «1» : إنكم أهل بيت تجيدون صنعة الهريسة فِي الجاهلية، فكيف صنعتكم لها اليوم؟ قَالَ: نحن اليوم «2» يا أمير المؤمنين لها أجود صنعة، قَالَ: فاغد بها علي، وأمر له بأربعة آلاف درهم. فخرج، فَقَالَ الوليد وعبد الرحمن: كذبك وتأمر له بجائزة؟! قَالَ: أنتما أجزتماه بما شتمتماه، فأردت أن أسل سخيمته، وغدا بالهريسة فأكلها مُعَاوِيَة. 307- حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة قال: أغزى مُعَاوِيَة الناس، فحمل اليمانية فِي البحر، وحمل مضر فِي البر، فَقَالَ رجل من صداء متهدّدا لمعاوية: يا أيّها القوم الذين تجمعوا ... بعكا أناس أنتم أم أباعر أتترك قيس «3» ترتعي فِي بلادكم ... ونحن نسامي البحر والبحر زاخر فو الله ما أدري وإني لسائل ... أكنده تحمي أصلنا «4» أم يحابر «5» أم الغر من حيي قضاعة إنهم «6» هم أصلنا لو تستمر المرائر أما كان في همدان حامي حقيقة ... ولا كان فِي عك ولا فِي الأشاعر فبلغ مُعَاوِيَة الشعر فَقَالَ: حتى صداء تهددني. ويقال إن مُعَاوِيَة غرب قومًا من اليمانية فحملهم فِي البحر، فَقَالَ شاعرهم هذا الشعر، وكان يقال ليزيد بْن يزيد بن حرب بن علة «7» : صداء. 308- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: قَدِمَ زِيَادٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَمَعَهُ شَرِيكُ بْنُ تَمَّامٍ الْحَارِثِيُّ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ يَا أبا المغيرة؟ فقال شريك: لم أر لك هفوة قبل

_ 307- الخزانة 1: 467 والأغاني 20: 172 (والأبيات للنجاشي) وابن عساكر 5: 301 308- عيون الأخبار 1: 90

هذه، قال: وما رَأَيْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: إِنْكَارُكَ مِثْلِي «1» مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: عَسَى أَنْ تَكُونَ مَعْرِفَتِي إِيَّاكَ مُتَفَرِّقَةً، أَعْرِفُ وَجْهَكَ إِذَا حَضَرْتَ فِي الْوُجُوهِ الْحَاضِرَةِ، وَأَعْرِفُ اسْمَكَ إِذَا ذُكِرْتَ فِي الأَسْمَاءِ الْكَافِيَةِ، فَلا أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ هُوَ لِذَلِكَ الاسْمِ، فَمَا اسْمُكَ تَجْتَمِعُ لِي مَعْرِفَتُكَ؟ قَالَ: أَنَا شَرِيكُ بْنُ تَمَّامٍ الْحَارِثِيُّ، فقال معاوية: الآن عرفتك. 309- المدائني عن عَوَانَةُ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيدَ: يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ: أَكْرَمُ أَهْلَ مَكَّةٍ وَالْمَدِينَةَ فَإِنَّهُمْ أَصْلُكَ وَمَنْصِبُكَ، وَمَنْ أَتَاكَ مِنْهُمْ (735) فَأَكْرِمْهُ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِكَ فَابْعَثْ إِلَيْهِ بِصِلَةٍ، وَانْظُرْ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ طَعْنٍ عَلَى أُمَرَائِهِمْ وَمَلالَةٍ لَهُمْ، فَإِنْ سَأَلُوكَ أَنْ تبدل «2» كلّ يوم أميرا فَافْعَلْ، وَانْظُرْ أَهْلَ الشَّامِ فَلْيَكُونُوا عَيْبَتَكَ «3» وَحِصْنَكَ، فَمَنْ رَابَكَ أَمْرُهُ «4» فَارْمِهِ بِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا فَأَقْفِلْهُمْ فَإِنِّي «5» لا آمَنُ النَّاسَ عَلَى إِفْسَادِهِمْ، وَقَدْ كَفَاكَ اللَّهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَيْسَ يُخَالِفُ عَلَيْكَ «6» غَيْرُ الْحُسَيْنِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ- فَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ وَقذه الإِسْلامُ «7» - وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَخَبَّ خَدَعَ، فَإِذَا هُوَ شَخَصَ لَكَ فَالْبَدْ لَهُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ عَلَى الْمُطَاوَلَةِ، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ فَلَسْتُ أَشُكُّ فِي وُثُوبِهِ، ثُمَّ يَكْفِيكَهُ اللَّهُ بِمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ وَجَرَحَ أَخَاهُ، إِنَّ بَنِي أَبِي طَالِبٍ مَدُّوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى غَايَةٍ أَبَتِ الْعَرَبُ أَنْ تُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، وَهُمْ مَحْدُودُونَ «8» . 310- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ عَوَانَةَ قَالَ: هَجَا عُقَيْبَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الأَسَدِيُّ عَمْرَو بْنَ قَيْسٍ الأَسَدِيُّ فَقَالَ:

_ 309- انظر ما يلي رقم: 408، 409، 411 وابن الأثير 4: 3 والبيان 2: 131 والعقد 4: 87 وأبو الفداء 1: 372 310- المجتنى: 38

لعمرك إنّ اللؤم خِدْنٌ وَصَاحِبٌ ... لِعَمْرِو بْنِ قَيْسٍ مَا دَعَا اللَّهَ رَاغِبُ تَرَاهُ عَظِيمًا ذَا رِوَاءٍ وَمَنْظَرٍ ... وَأَجْبَنُ مِنْ مَنْزُوفٍ «1» إِنْ صَاحَ «2» نَاعِبُ شُجَاعٌ عَلَى جِيرَانِهِ وَصَدِيقِهِ ... وَأَجْرَأُ مِنْهُ فِي اللِّقَاءِ الثَّعَالِبُ فَشَكَاهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ هَجَانَا بِأَشَدَّ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: أَرَى ابْنَ أبي سفيان يزجي جياده ... ليغزو عليّا ظلّة وَتَحَامُقَا وَبِئْسَ الْفَتَى فِي الْحَرْبِ يَوْمًا إِذَا بَدَتْ ... بَرَازِيقُ خَيْلٍ يَتَّبِعْنَ بَرَازِقَا فَهَلُمَّ نَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: لا، وَإِنْ شِئْتَ هَجَوْتَهُ. 311- حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: دَخَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ قَالَ مُعَاوِيَةُ: عَجَبًا لِعَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنِّي فِي غَيْرِ مَا أَنَا أَهْلُهُ، وَأَنَّ الَّذِي أَصْبَحْتُ فِيهِ لَيْسَ لِي بِحَقٍّ، مَا لَهَا وَلِهَذَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهَا، إِنَّمَا كَانَ يُنَازِعُنِي فِي هَذَا الأَمْرِ أَبُوكَ، وَقَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ، فقال الحسن: [أو عجب هَذَا «3» يَا مُعَاوِيَةُ؟ قَالَ: أَيْ وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ، قَالَ: أَفَلا أُنَبِّئُكَ بِأَعْجَبَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: جُلُوسُكَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ، وَأَنَا عِنْدَ رِجْلَيْكَ، فَضَحِكَ] مُعَاوِيَةُ ثُمَّ قال «4» : يا ابن أَخِي بَلَغَنِي أَنَّ عَلَيْكَ دَيْنًا، قَالَ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا، قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟ قَالَ: مِائَةُ ألف، قال: فقد أمرنا لك بثلاثمائة أَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ لِقَضَاءِ دَيْنِكَ، وَمِائَةُ أَلْفٍ تُقَسِّمُهَا فِي أَهْلِ بَيْتِكَ، وَمِائَةُ أَلْفٍ لِخَاصَّةِ بَدَنِكَ، فَاقْبِضْ صِلَتَكَ، فَلَمَّا خَرَجَ الْحَسَنُ قَالَ يَزِيدُ: تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلا اسْتَقْبَلَكَ بِمَا اسْتَقْبَلَكَ بِهِ، ثُمَّ أَمَرْتَ لَهُ بثلاثمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ الْحَقَّ حَقُّهُمْ، فَمَنْ أَتَاكَ مِنْهُمْ فَاحْثُ لَهُ وَاحْتَفِلْ.

_ 311- شرح النهج 4: 4

312- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة عن عبد الملك بن عمير قَالَ، قَالَ قبيصة بْن ذؤيب «1» الأسدي: ما رأيت أحدا قط أعلم باللَّه من عُمَر بن الخطاب، ولا رأيت أحدا أطول بلاء فِي اللَّه من علي بْن أبي طالب، ولا رأيت أحدا قط أعطى من طلحة، ولا رأيت أحدًا قط أحمل «2» لأحدٍ من مُعَاوِيَة لمصقلة بْن هبيرة «3» ، ولا رأيت أحدًا قط أظهر جلدًا وظرفًا من عمرو بْن العاص، ولا رأيت أحدًا أيسر «4» لصديق فِي عداوة العامة من المغيرة بْن شعبة، ولا رأيت أحدًا قط أخصب رفيقًا ولا أقل أذًى لجليسه من زياد. 313- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: دَخَلَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَوَّلَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يَبْلُغُهُ عَنْهُ مَا يَكْرَهُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: مِنْ نِزَارٍ، قَالَ: وَمَا نِزَارٌ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا غَزَا احْتَوَشَ «5» ، وَإِذَا انْصَرَفَ انْكَمَشَ، وَإِذَا لَقِيَ «6» افْتَرَشَ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ (736) وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: وَمَا رَبِيعَةُ؟ قَالَ: كَانَ يَغْزُو بِالْخَيْلِ، وَيُغِيرُ بِاللَّيْلِ، وَيَجُودُ بِالنَّيْلِ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ رَبِيعَةٍ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ أَسَدٍ، قَالَ: وَمَا أَسَدٌ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا طَلَبَ أَفْضَى، وَإِذَا أَدْرَكَ أَرْضَى، وَإِذَا آبَ أَنْضَى، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ جُدَيْلَةَ، قَالَ: وَمَا جُدَيْلَةُ قَالَ: كَانَ يُطِيلُ «7» النِّجَادَ وَيُعِدُّ الْجِيَادَ وَيُجِيدُ الْجِلادَ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ (أَنْتَ) «8» ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ دُعْمِيٍّ (قَالَ) : وَمَا دُعْمِيٌّ؟ (قَالَ) : كَانَ نُورًا سَاطِعًا وَشَرًّا قَاطِعًا وَخَيْرًا نَافِعًا، قَالَ: فَمِنْ أيّ ولده أنت؟ قال: من

_ 312- انظر ما يلي رقم: 347 والطبري 2: 215 والنجوم الزاهرة 1: 64، 72 وابن عساكر 5: 413 والتهذيب 8: 345 وابن كثير 8: 135 والعثمانية: 95 وتاريخ الاسلام 2: 239، 3: 60 وسير الذهبي 3: 21، 49 وسراج الملوك: 127 ورقم: 749 في ما يلي. 313- أمالي القالي 2: 226، 3: 25 وابن عساكر 6: 425- 426 والمروج 5: 96 وصبح الأعشى 1: 255

وَلَدِ أَفْصَى، قَالَ: وَمَا أَفْصَى؟ قَالَ: كَانَ يُنْزِلُ الْقَارَاتِ وَيُغِيرُ الْغَارَاتِ وَيَحْمِي الْجَارَاتِ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، قَالَ: وَمَا عَبْدُ الْقَيْسِ؟ (قَالَ) : أَبْطَالُ ذَادَةَ جَحَاجِحَةٌ سَادَةٌ صَنَادِيدُ قَادَة، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ أَفْصَى، قَالَ: وَمَا أَفْصَى؟ (قَالَ) : كَانَتْ رِمَاحُهُمْ مُشْرَعَةً وقدورهم مُتْرَعَةٌ وَجِفَانُهُمْ مُشْبِعَةٌ «1» ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ عَمْرٍو، قَالَ: وَمَا عَمْرٌو؟ قَالَ: كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ السَّيْفَ وَيَكْرِمُونَ الضَّيْفَ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ لُكَيْزٍ، (قَالَ) : وَمَا لُكَيْزٌ؟ (قَالَ) : كَانَ يُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَيُعَانِقُ «2» الأَبْطَالَ ويبذّر «3» الأموال، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ عِجْلٍ، (قَالَ) : وَمَا عِجْلٌ؟ (قَالَ) : اللُّيُوثُ الضراغمة الملوك القماقمة القروم القشاعمة، قَالَ: فَمِنْ أَيِّ وَلَدِهِ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ ذُهْلِ بْنِ عَجْلانَ «4» ، (قَالَ) : وَمَا ذُهْلٌ؟ (قَالَ) : كَانَ يَغْشَى «5» الْحَرْبَ وَيُجِيدُ الضَّرْبَ وَيَكْشِفُ الْكَرْبَ، قال: يا ابن صُوحَانَ مَا تَرَكْتَ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ شَيْئًا، قَالَ: تَرَكْتُ لَهُمْ أَكْثَرُهُ وَأَكْبَرُهُ، تَرَكْتُ لهم الوبر والمدر والأبيض وَالأَصْفَرَ وَالصَّفَا وَالْمَشْعَرَ وَالسَّرِيرَ وَالْمِنْبَرَ وَالْمُلْكَ إِلَى المحشر، قال «6» : يا ابن صُوحَانَ لَقَدْ كَانَ يَسُوءُنِي «7» أَنْ أَرَاكَ خَطِيبًا «8» ، قَالَ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ يَسُوءُنِي أَنْ أَرَاكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ «9» ، فَرَدَّهُ وَوَصَلَهُ. قَالُوا: هُوَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ بْنِ حَجَرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْهَجْرَسِ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ حَدْرَجَانَ بْنِ عَسَّاسِ بْنِ لَيْثِ بْنِ حَدَّادِ بْنِ ظَالِمِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ عِجْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وديعة ابن لُكَيْزِ بْنِ أَفْصَى بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ بْنِ أفصى بْن دعمى بْن جديلة بْن أسد بن ربيعة «10» ابن نزار.

_ (1) الأمالي: مفرغة (2) ابن عساكر: ويعاشر. (3) الأمالي: ويبدد. (4) الأمالي: من كعب وما كعب. (5) الأمالي: يسعر. (6) انظر سير الذهبي 3: 346 وتاريخ الاسلام 2: 293 (7) الذهبي: إن كنت لأبغض. (8) الأمالي: أسيرا. (9) الأمالي وابن عساكر: أن أراك أميرا، الذهبي: خليفة. (10) س: زمعة.

314- المدائني عن عتاب بْن إبراهيم أن مُعَاوِيَة استعمل على الصائفة وقد جاشت الروم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد وكتب لَهُ عهدا ثُمَّ قَالَ له: ما تصنع بعهدي هذا؟ قَالَ: أتخذه إمامًا فلا أتجاوزه، قَالَ: رد علي عهدي، فَقَالَ: أتعزلني ولم تخبرني؟ أما واللَّه لو كنا ببطن مَكَّة عَلَى السواء ما فعلت بي هذا، فَقَالَ: لو كنا ببطن مَكَّة كنت مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حرب، وكنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد، وَكَانَ منزلي بالأبطح، وَكَانَ منزلك بأجياد، أعلاه مدرة وأسفله عذرة. ثُمَّ بعث إِلَى سُفْيَان بْن عوف الغامدي فَقَالَ له: قد وليتك الصائفة وَهَذَا عهدي، فما أنت صانع به؟ قَالَ: اتخذه إماما مَا أم الحزم، فإذا خالفه أعملت رأيي «1» ، وباللَّه التوفيق. قَالَ مُعَاوِيَةُ: أنت لها، فلما ودعه قَالَ: هذا واللَّه الذي لا يدفع عَنْ نطق، وَلا يكفكف من عجلة، وَلا يضرب عَلَى الأمور ضرب الجمل الثفال، فغزا بالناس الصائفة، ثم هلك فاستخلف عبد الرحمن بْن مسعدة الفزاري وَقَالَ لَهُ: احرص عَلَى أن ترجع بالناس سالمين، فغزا بهم فأصيبوا ورجع منهزما، وقد كَانَ الشاعر قَالَ فِيهِ «2» : أقم يا ابْن مسعود قناة قويمة «3» ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عَوْفٍ يقيمها وسمْ يَا ابْن مَسْعُود مدائن قيصر ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عَوْفٍ يسومها (737) فلما قدم عَلَى مُعَاوِيَة قَالَ: «أقم يا ابْن مسعود» فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قرنتني إِلَى رجل قل أشباهه فِي حزمه، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إن من فضلك عندي معرفتك بفضل من هُوَ أفضل منك، ولكنك قلت هذه أول ولا يأتي ومحني فحرصت فغررت، والله يغفر لك.

_ 314- العقد 1: 132 وابن عساكر 6: 182 وبعضه في عيون الأخبار 1: 221 والعقد 4: 47 والبيان 2: 264 والبصائر 3: 165 والموفقيات: 112- 114 ومحاضرات الراغب 1: 96 والاصابة 5: 69، 4: 128 (ترجمة عبد الله بن مسعدة) .

315- المدائني عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكُمْ مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ لَسْتُمْ إِلَى أَحَدٍ بِالْمَسَاءَةِ أَسْرَعُ مِنْكُمْ إِلَى أَنْصَارِ عُثْمَانَ، فَإِنْ يَكُ ذَلِكَ لِسُلْطَانِ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَدْ وَلِيَهَا بَنُو تَيْمٍ وَعَدِيٍّ فَأَظْهَرْتُمُ الطَّاعَةَ، وَقَدْ وَقَعَ مِنَ الأَمْرِ ما ترى معما كَانَ مِنْ وَقْعَةِ الْبَصْرَةِ «1» الَّتِي لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَظِيمِ الْمَصَائِبِ، وَذَهَابِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَأَخْذِ هَذِهِ الْحَرْبِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، حَتَّى اسْتَوَيْنَا فِيهَا، وَقَدْ رَجَوْنَا غَيْرَ الَّذِي كَانَ، وَخَشِينَا دُونَ الَّذِي وَقَعَ، وَلَسْتُمْ بِلاقِينَا «2» الْيَوْمَ بِأَحَدٍ مِنْ حَدِّكُمْ أَمْسَ، وَلا غَدًا بِأَحَدٍ مِنْ حَدِّكُمُ الْيَوْمَ، وَقَدْ مُنِعْنَا بِمَا كَانَ مِنَّا الشَّامَ، وَمُنِعْتُمْ «3» بِمَا كَانَ مِنْكُمُ الْعِرَاقَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ رِجَالِهَا سَبْعَةُ «4» نَفَرٍ: رَجُلانِ بِالشَّامِ وَرَجُلانِ بِالْعِرَاقِ وَثَلاثَةٌ «5» بِالْحِجَازِ، فَأَمَّا الَّذِي بِالْحِجَازِ فَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَمَّا اللَّذَانِ بِالشَّامِ فَأَنَا وَعَمْرٌو، وَأَمَّا اللَّذَانِ بِالْعِرَاقِ فَعَلِيٌّ وَأَنْتَ، وَمِنَ السَّبْعَةِ رَجُلانِ نَاصِبَانِ وَرَجُلانِ مُدْبِرَانِ وَثَلاثَةٌ وُقُوفٌ عَنَّا وَعَنْكَ «6» ، وَأَنْتَ رَأْسُ هَذَا الْجَمْعِ الْيَوْمَ، وَلَوْ بَايَعَ النَّاسُ لَكَ بَعْدَ عُثْمَانَ كُنَّا إِلَيْكَ أَسْرَعُ مِنَّا إِلَى عَلِيٍّ وَالسَّلامُ. فَلَمَّا قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كِتَابَهُ ضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: حَتَّى مَتَى يَخْطُبُ إِلَيَّ مُعَاوِيَةُ عَقْلِي وَأُجَمْجِمُ «7» لَهُ عَمَّا فِي نَفْسِي؟! ثُمَّ كَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْد اللَّهِ ابن عَبَّاسٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ، فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ سُرْعَتِنَا إِلَى أَنْصَارِ عُثْمَانَ بِسُلْطَانِ «8» بَنِي أُمَيَّةَ فَقَدْ أَدْرَكْتَ حَاجَتَكَ بِعُثْمَانَ، لَقَدِ اسْتَنْصَرَكَ فَلَمْ تَنْصُرْهُ «9» حَتَّى صِرْتَ إِلَى مَا صِرْتَ إِلَيْهِ، وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَمِّكَ

_ 315- وقعة صفين: 414 والامامة 1: 183

الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيْكَ «1» ، وَأَمَّا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَإِنَّهُمَا طَلَبَا الْمُلْكَ وَنَكَثَا الْبَيْعَةَ، فَقَاتَلْنَاهُمَا عَلَى النَّكْثِ، وَقَاتَلْنَاكَ عَلَى الْبَغْيِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ لَمْ يَبْقَ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرُ سَبْعَةِ نَفَرٍ، فَمَا أَكْثَرُ رِجَالِهَا وَأَحْسَنُ بَقِيَّتِهَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ، وَقَدْ قَاتَلَكَ مِنْ خِيَارِهَا مَنْ قَاتَلَكَ، وَأَمَّا إِغْرَاؤُكَ إِيَّايَ بِتَيْمٍ وَعَدِيٍّ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ خَيْرٌ مِنْ عُثْمَانَ، كَمَا أَنَّ عُثْمَانَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَمَاذَا تَقِيسُ بِهِ نَفْسَكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا لَنْ نَلْقَاكُمْ بِمِثْلِ مَا لَقِينَاكُمْ «2» بِهِ بِالأَمْسِ، فَقَدْ بَقِيَ لَكَ مِنَّا يَوْمٌ يُنْسِيكَ مَا قبله، ويخيفك مَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّهُ لَوْ بَايَعَنِي النَّاسُ اسْتَقَمْتَ «3» لِي، فَقَدْ بَايَعُوا عَلِيًّا وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ تَسْتَقِمْ «4» لَهُ، وَإِنَّ الْخِلافَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لِمَنْ كَانَ فِي الشُّورَى «5» مِمَّنْ سَمَّاهُ عُمَرُ، فَمَا أَنْتَ وَالْخِلافَةُ يَا مُعَاوِيَةُ، وَأَنْتَ طَلِيقُ الإِسْلامِ «6» ، وَابْنُ رَأْسِ الأَحْزَابِ، وَابْنُ آكِلَةِ الأَكْبَادِ؟! فَلَمَّا أَتَى مُعَاوِيَةَ كِتَابُهُ قَرَأَهُ عَلَى عَمْرٍو فَقَالَ لَهُ عمَرْوٌ: أَنْتَ عَرَّضْتَ نَفْسَكَ لِهَذَا، فَقَالَ: لَسْتُ وَاللَّهِ أَعُودُ لِمِثْلِهَا. 316- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ «7» قَالَ، قَالَتْ فَاخِتَةُ بِنْتُ قَرْظَةَ «8» امْرَأَةُ مُعَاوِيَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لِمَ تُصَانِعُ النَّاسَ وَتَرَى أَنَّهُمْ مُنْصِفُونَ مِنْكَ، فَلَوْ أَخَذْتَهُمْ مِنْ عَلٍ كَانُوا الأَذَلِّينَ وَكُنْتَ لَهُمْ قَاهِرًا، فَقَالَ: وَيْحَكِ إِنَّ في العرب بقيّة بعد، ولولا ذلك لَجَعَلْتُ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلا وَأَنْتَ عَلَيْهِ قَادِرٌ، قَالَ: فَهَلْ لَكِ فِي أَنْ أُرِيَكِ بَعْضَ ذَلِكَ مِنْهُمْ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَدْخَلَهَا بَيْتًا وَأَسْبَلَ عَلَيْهَا سِتْرَهُ، ثُمَّ أَمَرَ حَاجِبَهُ أَنْ (738) يُدْخِلَ عَلَيْهِ رَجُلا مِنْ أَشْرَافِ مَنْ بِالْبَابِ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ رَجُلا مِنْ قَيْسٍ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ، فَقَالَ لَهُ معاوية: يا حويرث، إيه

_ 316- قارن بما جاء في ربيع الأبرار: 291/ أففيه حكاية مشابهة.

أَنْتَ الَّذِي طَعَنْتَ فِي الْخِلافَةِ وَتَنَقَّصْتَ أَهْلَهَا؟ وَاللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ نَكَالا، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّمَا دَعَوْتَنِي لِهَذَا؟ وَاللَّهِ إِنَّ سَاعِدِي لَشَدِيدٌ، وَإِنَّ رُمْحِي لَمَدِيدٌ، وَإِنَّ سَيْفِي لَحَدِيدٌ، وَإِنَّ جَوَابِي لَعَتِيدٌ، وَلَئِنْ لَمْ تَأْخُذْ ما أعطيت بشكر لتنزعنّ «1» عَمَّا نَكْرَهُ بِصِغَرٍ، فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ عَنِّي، فَأُخْرِجَ، فَقَالَتْ فَاخِتَةُ: مَا أَجْرَأَ «2» هَذَا وَأَقْوَى قَلْبَهُ!! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا ذَاكَ إِلا لإِدْلالِهِ بِطَاعَةِ قَوْمِهِ لَهُ، ثُمَّ أَمَرَ الْحَاجِبَ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ رَجُلا مِنْ رَبِيعَةَ يُقَالُ لَهُ جَارِيَةُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: إِيهٍ يَا جُوَيْرِيَةُ، أَنْتَ الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ تَخْبِيبٌ لِلْجُنْدِ وَقِلَّةٌ مِنَ «3» الشُّكْرِ؟ فَقَالَ: وَعَلامَ نَشْكُرُ «4» ؟ مَا تُعْطِي إِلا مُدَارَاةً وَلا تَحْلُمُ إِلا مُصَانَعَةً، فَاجْهَدْ جُهْدَكَ، فَإِنَّ وَرَائِي مِنْ رَبِيعَةَ رُكْنًا شَدِيدًا لَمْ تَصْدَأْ أَدْرُعُهُمْ مُذْ جَلَوْهَا، وَلا كَلَّتْ سُيُوفُهُمْ مُذْ شَحَذُوهَا، فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ، ثُمَّ أَمَر مُعَاوِيَةُ حَاجِبَهُ فَأَدْخَلَ إِلَيْهِ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: إِيهٍ يَا عُبَيْدَ السُّوءِ، أَلْحَقْتُكَ بِالأَقْوَامِ وَأَطْلَقْتُ لِسَانَكَ بِالْكَلامِ، ثُمَّ يَبْلُغُنِي عَنْكَ مَا يَبْلُغُنِي مِنْ سُوءِ الإِرْجَافِ؟! لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُخْرِجَكَ وَأَنْتَ عِبْرَةٌ «5» لأهل الشام، فقال: أيا مُعَاوِيَةَ أَلِهَذَا دَعَوْتَنِي، ثُمَّ صَغَّرْتَ اسْمِي وَلَمْ تَنْسِبْنِي إِلَى أَبِي؟ وَإِنَّمَا سُمِّيتَ مُعَاوِيَةَ بِاسْمِ كَلْبَةَ عَاوَتِ الْكِلابَ «6» ، فَارْبَعْ عَلَى ظِلْعِكَ فَذَلِكَ خَيْرٌ لَكَ، فَقَالَ لِحَاجِبِهِ: أَخْرِجْهُ، فَقَالَتْ فَاخِتَةُ: صَانِعِ النَّاسَ بِجُهْدِكَ، وَسُسْهُمْ بِرِفْقِكَ وَحِلْمِكَ، فَأَخْزَى الله من لامك. 317- حدثني أبو حفص الشامي «7» قَالَ: بلغنا أن يزيد بْن مُعَاوِيَة قَالَ لأبيه: يا أمير المؤمنين متى يكون العلم ضارًا؟ قَالَ: إذا نقصت القريحة وفصلت الرواية «8» .

_ 317- قارن بعيون الأخبار 1: 330

318- وقال مُعَاوِيَة: إذا لم يكن الهاشمي شجاعًا سخيًا لم يشبه قومه ولم يشبه من هو منه، وقال: إذا لم يكن الأموي مصلحًا لماله، حليمًا عند غضبه، لم يشبه من هو منه، ولن تعدم «1» من الهاشمي لسنا أو سخاء أو شجاعة، وربما اجتمع ذلك لبعضهم. 319- المدائني عَنْ أبي إسحاق التميمي قَالَ: سمع مُعَاوِيَة رجلًا يَقُول: ومن رقاش ماجد سميدع ... يأبى الذي يكرهه فيمنع فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ذلك منا، ذاك ابْن الزُّبَيْرِ. 320- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَلامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَرَمَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ابْنًا لِصُهَيْبٍ عَطَاءَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: إِنَّكَ حَفِظْتَ عَلَى ابْنِ صُهَيْبٍ مَا كَانَ مِنْ أَبِيهِ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ، وَنَسِيتَ مَا كَانَ مِنْ سَابِقَتِهِ مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْدُدْ عَلَيْهِ عَطَاءَهُ وَأَكْرِمْهُ وَأَحْسِنْ مُجَاوَرَتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ. 321- وقال مُعَاوِيَة لخالد بْن معمر: كيف حبك لعلي؟ قَالَ: شديد، أحبه لحلمه إذا غضب، وصدقه إذا قَالَ، ووفائه إذا وعد، وجوده إذا سئل. 322- وقال عمرو بْن العاص: عقم النساء أن يلدن مثل مُعَاوِيَة، وما استدر لِمُعَاوِيَةَ كلام قط فقطعه حتى يأمر «2» بخير ويصيب الناس بفضل. 323- حَدَّثَنِي هشام بْن عمار عَنْ أبيه أو غيره قَالَ: قدمت رملة بنت مُعَاوِيَة الشام من المدينة، وكانت عند عمرو بْن عثمان بْن عفان، وكان عمرو لها محبًا إلا أنه كان ربما أغارها، فَقَالَ لها: أطلقك ابن عمي؟ فقالت: كلا، الكلب أضن بالشحمة، قَالَ ويقال: قالت بشحمته.

_ 318- شرح النهج 4: 425 (مع إضافات) وابن عساكر 4: 219 وانظر عيون الأخبار 1: 196 319- سيرد هذا في الجزء التالي وانظر البيان 4: 61 323- راجع ف: 166. فيما تقدم.

324- وقال هشام: كان مُعَاوِيَة يَقُول: زين الشرف العفاف. 325- وقال هشام: (739) أتي مُعَاوِيَة بصريع فَقَالَ ليزيد: أما فِي أخوالك من يصارع هذا؟ قَالَ: بلى، الزبان خالي، فأتي به فصرعه، فَقَالَ يزيد: أقول له والعبد يكبو لوجهه ... لقد فعل الزبان ما كنت أعرف 326- وقال الْمَدَائِنِيّ: قدم بحير بْن ريسان الحميري على معاوية وعنده أبو الأسود الدؤلي فَقَالَ: ألا إن خير الناس بعد نبيهم ... وبعد أمير المؤمنين بحير وإني لأرجو من بحير وليدة ... وذاك على الحر الكريم يسير فَقَالَ بحير: بل وليدة ووليدة، ولو قلت ألف دينار لأعطيتك إياها. 327- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الواقدي قَالَ: توفي خالد بْن الوليد بْن المغيرة بحمص سنة عشرين وأوصى إلى عُمَر بْن الخطاب، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد يلي الصوائف فيبلي ويحسن أثره، فعظم أمره بالشام، فدس إليه مُعَاوِيَة متطّببًا يقال له ابن أُثال «1» ليقتله، وجعل لَهُ خراج حِمْص، فسقاه شربة فمات، فاعترض خالد بْن المهاجر بْن خالد- ويقال خالد بْن عبد الرحمن بْن خالد- ابن أثال فضربه بالسيف فقتله، فرفع أمره إلى مُعَاوِيَة، فحبسه أيامًا وأغرمه «2» ديته ولم يقده به. 328- الْمَدَائِنِيّ وغيره قالوا: غزا عبد العزيز بْن زرارة الكلابي الصائفة مع يزيد بن

_ 324- الطبري 2: 212 326- لم يرد في ديوان أبي الأسود (تحقيق آل ياسين) وانظر ابن عساكر 7: 112 (وفيه البيت الثاني) . 327- الطبري 2: 82 واليعقوبي 2: 265 وابن عساكر 5: 80 والنجوم الزاهرة 1: 131 وابن كثير 8: 31 والميداني 2: 110 وأسد الغابة 3: 289 وانظر أسماء المغتالين: 168- 169 (مع فروق) والمنمق: 449 والمستقصى 2: 261 (رقم: 908) وابن أبي أصيبعة 1: 117، 118 328- النجوم الزاهرة 1: 125 وربيع الأبرار: 189 ب وانظر ابن الأثير 2: 382 وابن عساكر 5: 370 (وفيه الشعر) والاصابة 3: 8 والعقد 2: 69 والخزانة 4: 164 وعيون الأخبار 1: 83 وصبح الأعشى 1: 257

مُعَاوِيَة فمات وبلغ مُعَاوِيَة ذلك فَقَالَ لأبيه: هلك واللَّه فتى العرب، فَقَالَ «1» : ابني أوه، قَالَ: ابنك، فآجرك اللَّه، وأمر فنودي ليعزي الناس أمير المؤمنين عَنْ عبد العزيز بْن زرارة، فقال زرارة «2» : فإن يكن الموت أودى به ... وأصبح مخ الكلابي ريرا «3» فكل فتى شارب كأسه ... فإما صغيرًا وإما كبيرا 329- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ ذات يوم: إن اللَّه بعث رسوله بفضل بين فلم يرد الدنيا ولم ترده، وكان بعده أَبُو بَكْر وعمر فلم ير يداها «4» ولم تردهما، ثم كان عثمان فنال منها ونالت منه، ثم آتانا اللَّه هذا الأمر والمال فأعطينا كل ذي حق حقه «5» ، وفضل مال كثير عاث فيه أهل مُعَاوِيَة، فإن يغفر اللَّه لهم فأهل ذاك هو، وإن يعذبهم فأهل ذاكَ هم. 330- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لسعية بْن عريض اليهودي: أنشدني مرثية أبيك نفسه، فأنشده: يا ليت شعري حين أندب هالكًا ... ماذا تؤبنني «6» به أنواحي «7» ولقد حملت عَنِ العشيرة ثقلها «8» ... ولقد أخذت «9» الحقّ غير ملاح إنّ امرأ أمن «10» الحوادث جاهلًا ... ورجا الخلود كضارب بقداح فَقَالَ معاوية: صدق، وتغرغرت عيناه.

_ 329- راجع ما تقدم ف: 168، 221 330- الأغاني 3: 123، 125 والبصائر 2: 573 وطبقات الجمحي: 285 وابن عساكر 6: 158 ويرد البيت الثالث منسوبا للسموأل (ديوانه: 64 تحقيق شيخو) وحماسة الخالديين 2: 14 وانظر ف: 44، 306.

331- وزعموا أن مُعَاوِيَة كتب إلى علي رضي اللَّه تعالى عنهما: يا أبا الحسن، إن لي فضائل كثيرة، كان أبي سيدًا فِي الجاهلية، وولاني عُمَر فِي الإسلام، وأنا صهر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخال المؤمنين، وأحد كتاب الوحي، فلما قرأ علي كتابه قَالَ: أبالفضائل يفخر علي ابن آكله الأكباد؟! يا غلام اكتب، فكتب: محمد النبي أخي وصهري ... وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي يمسي ويضحي ... يطير مع الملائكة ابن أمي (740) وبنت محمد سكني وعرسي ... مسوط لحمها بدمي ولحمي وسبطا أحمد ولداي منها ... فأيكم له سهم كسهمي سبقتكم إلى الإسلام طرًا ... غلامًا قبل حين أوان حلمي فلما قرأه مُعَاوِيَة قَالَ: يا غلام مزق الكتاب لئلا يقرأه أهل الشام فيميلوا إليه دوني قالوا: وانتحل السيد الحميري هذه الأبيات فأدخلها فِي شعره. 332- ورحل حضين بْن المنذر إلى مُعَاوِيَة فِي وفد من أهل العراق، فتأخر وصوله إليه من بينهم، فَقَالَ: وكل صغير الشأن يسعى مشمرًا «1» ... إذا فتح البواب بابك إصبعًا ويبقى الجلوس الماكثون رزانة ... حياء «2» إلى أن يفتح الباب أجمعا فأمر مُعَاوِيَة أن يدخل أول الناس. 333- وذكروا أن مُعَاوِيَة أقبل على بني هاشم فَقَالَ: يا بني هاشم إن خيري لكم

_ 331- مناقب ابن شهر اشوب 2: 19 والكنز 6: 392 (رقم: 6003) ومعجم الأدباء 5: 266، 14: 47- 48 والمجتنى: 39 وابن كثير 8: 8 وقارن أيضا بابن عساكر 4: 312 والشعر في ألف باء 1: 439 332- عيون الأخبار 1: 88 وابن عساكر 4: 374 وترد الأبيات أيضا في مجموعة المعاني: 176 ونهاية الأرب 6: 87 والمستجاد: 195 333- المستطرف 1: 84 (دون شعر) وأخبار العباس: 54- 56 وفيه الشعر.

ممنوح، وبابي مفتوح، فلا تقطعوا خيري عنكم، ولا تغلقوا بابي دونكم، وقد رأيت أمري وأمركم متفاوتًا، ترون أنكم أحق بما فِي يدي مني، وأنا أرى أني أحق به منكم، فإذا أعطيتكم العطية فيها قضاء حقوقكم قلتم: أخذنا «1» دون حقنا وقصر بنا عَنْ قدرنا، فصرتُ كالمسلوب لا يُحمد على ما أُخذ منه، فبئست المنزلة نزلتُ بها منكم، أعطي فلا أشكر، وأمنع فلا أعذر، ونعمت المنزلة نزلتم بها مني: إنصاف «2» قائلكم، وإعطاء «3» سائلكم، فَقَالَ عبد اللَّه بْن عباس: واللَّه ما منحتنا خيرك حتى طلبناه، ولا فتحت لنا بابك حتى قرعناه، ولئن قطعتَ عنّا خيركَ لَلَّهُ أوسعُ لنا منك «4» ، ولئن أغلقت دوننا بابك لنكفّنّ أنفسنا عنك، فو الله ما أحفيناك في مسئلة ولا سألناك باهظة «5» ، فأما هذا المال فليس لك منه إلا ما لرجل من المسلمين، ولنا فِي كتاب اللَّه حقان: حق الغنيمة وحق الفيء، فالغنيمة ما غلبنا عليه، والفيء ما اجتبيناه، فعلى أي وجه خرج ذلك منك أخذناه وحمدنا اللَّه عليه، ثم لم نخلك من شكر خير جرى على يدك، ولولا حقنا فِي هذا المال ما أتاك منا زائر يحمله خف ولا حافر، أكفاك أم أزيدك؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حسبك يا أبا عباس فإنك تكوي ولا تغوي «6» ، فَقَالَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة بْن أَبِي لهب: ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن صخر «7» ... فإن المرء يعلم ما يَقُول «8» لنا حقان حق الخمس وَافٍ «9» ... وحق الفيء جاء «10» به الرسول فكل عطية وصلت إلينا ... وإن سحبت لخدعتها الذيول

_ (1) المستطرف: أعطانا. (2) المستطرف: مع انصاف. (3) المستطرف: واسعاف. (4) المستطرف: فخير الله أوسع منك. (5) س: باهطة. (6) م س: تعوي (وله وجه بمعنى يثير فتنة) . (7) أخبار العباس: حرب. (8) أخبار العباس: وكل الناس يعلم ما أقول. (9) أخبار العباس: جار. (10) أخبار العباس: وحق قد أثار.

ففي حكم القران لنا مزيد ... على ما كان لا قَالَ وقيل أتأخذ «1» حقنا وتريد حمدًا ... له، هذاك تأباه العقول «2» فَقَالَ له ابن عباس مجيبًا ... فلم يدر ابن هِنْد ما يَقُول فلا تهج ابن عباس مجيبًا ... فإن جوابه جذع «3» أصيل 334- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ عَنِ الْفُرَاتِ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ عَلِيًّا فَنَالَ مِنْهُ وَنَسَبَهُ إِلَى قَتْلِ عُثْمَانَ وَإِيوَاءِ قَتَلَتِهِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَحْتَ الْمِنْبَرِ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ: يَا أَهْلَ الشَّامِ إِنَّ مُعَاوِيَةَ يَخْدَعُكُمْ بِهَذَا الْخَاتَمِ (741) الَّذِي مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ جَازَتْ كُتُبُهُ فِي الآفَاقِ، وَادَّخَرَ «4» لِعِيَالِهِ الذَّخَائِرَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ عَلَى الْحَسَنِ كَلامَهُ فَقَالَ: يَا حَسَنُ قَدْ وَصَفْتَ لَنا مُعَاوِيَةَ، فكيف صفتك للخراءة «5» ؟ فقال الحسن: يا أحيمق أبعد الممشى، وأنفي الأذى، وأستنجي بِالْيُسْرَى، فَغَاظَ قَوْلُهُ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ المدينة، واستشاط الْحَسَنُ، فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ تَخَوُّفًا أَنْ يَأْتِيَ الْحَسَنُ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ، وَأَنْ يَتَشَارَّ النَّاسُ، فَأَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَأَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ وَسَوِيقٍ فَجَدَحَهُ بِيَدِهِ، ثمّ قال: اشرب يا ابن فاطمة فو الله ما جدحته لأحد قبلك، فأخذه الْحَسَنُ فَشَرِبَ مِنْهُ الْحَسَنُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ مُعَاوِيَةَ وقال: اشرب يا ابن هند فو الله مَا نَاوَلَكَ مِثْلِي، وَإِنَّ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ «6» لَبَوْنًا بَعِيدًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَجَلْ وَاللَّهِ وَمَا أَرَدْتُ بما قلت بأسا.

_ 334- عيون الأخبار 2: 172 وألف باء 1: 416 والعقد 4: 19- 20 وبعضه في أمالي الزجاجي: 115 وفصل المقال: 57 وأمالي القالي 2: 168 (منسوبا لغير الحسن) .

335- وقال مُعَاوِيَة لعقيل: إن فيكم لينا قَالَ: أجل فِي غير ضعف، وإن لنا لعزًا فِي غير كبر، وأما أنتم فإن فِي لينكم غدرًا، وإن فِي كبركم كفرًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: دون هذا يا أبا يزيد، فَقَالَ عقيل: لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما «1» فَقَالَ معاوية: إنّ سفاه الشيخ لا حلم بعده ... وإن الفتى بعد السفاه ليحلم «2» فقام عقيل وهو يَقُول «3» : إن السفاهة قدمًا من خلائقكم «4» ... لا قدس اللَّه أخلاق الملاعين 336- الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنِ ابن عباس قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: الرأي الثاقب كهانة، والحلم سؤدد. 337- الْمَدَائِنِيّ وغيره قالوا: دخل شريك الحارثي على مُعَاوِيَة، وكان رجلًا دميمًا آدم شديد الأدمة شريفًا فِي قومه، فلما استقر به المجلس أراد مُعَاوِيَة أن يضع منه فَقَالَ: إنك لشريك وما لله شريك، وإنك لابن الأعور والصحيح خير من الأعور،

_ 335- العقد 4: 5 وشرح النهج 1: 368، وانظر مشابه من هذا الحوار بين معاوية وعقيل في البيان 2: 326 وعيون الأخبار 2: 197 والموفقيات: 334 وبهجة المجالس 1: 97 337- أمالي ابن الشجري 2: 47 والمستطرف 1: 83 والشرواني: 37 والاكليل 2: 229 والأبيات 1- 2، 2- 7 في الحماسة البصرية 1: 70 (رقم 149) والأول في الاشتقاق: 239 ونزهة الجليس للموسوي (النجف: 1968) 2: 139

وإنك لدميم «1» حنزقرة «2» أسود. فكيف سودك قومك؟ فَقَالَ شريك «3» : انك لِمُعَاوِيَةَ، وما مُعَاوِيَة إلا كلبه عاوت فاستعوت «4» فسميت مُعَاوِيَة، وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، فكيف صرت أمير المؤمنين؟ ثم خرج مغضبًا وهو يَقُول: أيشتمني مُعَاوِيَة بْن صخر «5» ... وسيفي صارم ومعي لساني وحولي من ذوي يمن «6» ليوث ... ضراغمة تهش إلى الطعان يعير بالدمامة من سفاه ... وربات الحجال هي الغواني ذوات الحسن، والرئبال جهم ... شتيم وجهه ماضي الجنان فلا تبسط لسانك يا ابْن هِنْد ... علينا أن «7» بلغت مدى الأماني فإن تك للشقاء لنا أميرًا ... فإنا لا نقيم على الهوان وإن تك من أُمَيَّة فِي ذراها ... فإني من بني عبد المدان 338- قالوا: وصعد مُعَاوِيَة المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، فلما أراد الكلام قطع عليه غلام من الأنصار قام فَقَالَ: يا مُعَاوِيَة ما جعلك وأهل بيتك أحق بهذه الأموال منا، وإنما أفاءها اللَّه على المسلمين بسيوفنا ورماحنا، وما لنا عندك ذنب نعلمه إلا أنا قتلنا خالك وليدا وجدك عتبة وأخاك حنظلة «8» ، فَقَالَ مُعَاوِيَة: لا واللَّه يا ابْن أخي، ما أنتم قتلتموهم «9» ولكن اللَّه قتلهم بملائكة (742) بعد ملائكة، على يدي بني أبيهم، وما ذاك بعارٍ ولا منقصة، قَالَ الأنصاري: فأين العار والمنقصة إذًا؟ قَالَ: صدقت، أفلك

_ (1) س: لذميم. (2) س: حترقراه، والحنزقرة: القصير الدميم. (3) راجع ما تقدم ف: 216، 316. (4) م: فاستعرت. (5) في اكثر المصادر: حرب. (6) المستطرف: ذوي يزن. (7) في بعض المصادر: يا ابن حرب فإنك قد. (8) الوليد بن عتبة أخو هند وعتبة بن ربيعة والدها وحنظلة بن أبي سفيان أخو معاوية: قتلوا يوم بدر. (9) س: قتلتموه.

حاجة؟ قَالَ: نعم لي عجوز كبيرة وأخوات عواتق «1» وقد عضنا الدهر «2» وحل بنا الحدثان، فَقَالَ له مُعَاوِيَة: خذ من المال ما استطعت، وكان مالًا ورد من بعض النواحي، فحمل الغلام وقره، ومضى مُعَاوِيَة فِي خطبته حتى فرغ. 339- وقال سَعِيد بْن عثمان لِمُعَاوِيَةَ: وليناك فما عزلناك ولا نازعناك، ووصلناك فما قطعناك، ثم حلأتنا ما نرى كله، فولاه خراسان، ويقال كتب إلى زياد فِي توليته. 340- وحدثت أن مُعَاوِيَة خطب الناس يومًا، فذكر عليًا فتنقصه، فَقَالَ أَبُو الدرداء: كذبت «3» يا مُعَاوِيَة ليس هو كما تقول، فنزل مُعَاوِيَة، فَقَالَ يزيد: أتحتمل هذا كله؟ فَقَالَ: إنه من عصبة عاهدوا اللَّه أن لا يسمعوا كذبة إلا ردوها. 341- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: حج مُعَاوِيَة فلما قرب من المدينة تلقاه الناس، وتلقته الأنصار وأكثرها مشاة، فَقَالَ: ما منعكم من تلقي من بعد «4» كما تلقاني الناس من بعدٍ؟ فَقَالَ ابن لسعد بْن عبادة «5» يقال له سَعِيد: منعنا من ذلك قلة الظهر وخفة ذات اليد بإلحاح الزمان علينا وإيثارك بمعروفك غيرنا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كالمعير لهم: فأين أنتم عَنْ نواضح المدينة؟ قالوا: أحرثناها «6» يوم بدر، يوم قتلنا حنظلة بْن أبي سُفْيَان، فأعرض مُعَاوِيَة عنه وتبسم وقال: حبجة بلبجةٍ «7» ، والبادئ أظلم.

_ 339- انظر ما يلي رقم: 1587 وانظر الطبري 2: 177 والأغاني 18: 187 وابن خلكان 6: 348 وابن عساكر 6: 155 341- أخبار الظراف: 24 ونهاية ابن الأثير (حرث، نضح) والمقاييس 2: 49 (حرث) وابن عساكر 7: 213 والفائق 2: 105 وتاريخ الاسلام 4: 141 ومناقب ابن شهر اشوب 1: 96 وزوائد ابن حجر 10: 38 وغريب أبي عبيد 4: 295 ومصنف عبد الرزاق 11: 60 وربيع الأبرار: 97 ب.

342- وقال القحذمي: يروى أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى الحكم بْن أبي العاص فقال: [إذا بلغ ولده ثلاثين «1» كان الأمر لهم،] فشاجر مُعَاوِيَة مروان يومًا فَقَالَ: أنا أَبُو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لقد أخذتها من عين صافية. 343- الْمَدَائِنِيُّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلَمٍ الْفِهْرِيِّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا: لَقَدْ «2» أَكْرَمَ اللَّهُ الْخُلَفَاءَ أَفْضَلَ الْكَرَامَةِ، أَنْقَذَهُمْ مِنَ النَّارِ وَأَوْجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةَ، وَجَعَلَ أَنْصَارَهُمْ أَهْلَ الشَّامِ، فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ: تَكَلَّمْتَ فَهَجَرْتَ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَ، أَنَّى يَكُونُ خَلِيفَةً مَنْ ضَرَبَ النَّاسَ قَسْرًا، وَخَدَعَهُمْ مكرا، وساسهم جبرا «3» ؟! فَأَمَّا إِطْرَاؤُكَ أَهْلَ الشَّامِ فَلا أَعْلَمُ أَحَدًا أَطْوَعُ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ خَالِقٍ مِنْهُمْ، اشْتَرَيْتَ أَدْيَانَهُمْ بِالْمَالِ، فَإِنْ تُدِرَّهُ عَلَيْهِمْ يَمْنَعُوكَ وَيَنْصُرُوكَ، وَإِنْ تَقْطَعْهُ عَنْهُمْ يَخْذُلُوكَ، فَاسْتَبَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ قَالَ: لَوْلا أَنَّ الْقُدْرَةَ تُذْهِبُ الْحَفِيظَةَ «4» ، وَأَنَّ الْحِلْمَ مَحْمُودُ الْمَغَبَّةِ، مَا عُدْتَ لِقَوْلِكَ يَا صَعْصَعَةُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، ثُمَّ قَالَ: عَفَوْتُ عَنْ جَهْلِهِمْ حِلْمًا وَمَكْرُمَةً «5» ... وَالْحِلْمُ عَنْ قُدْرَةٍ مِنْ أَفْضَلِ الْكَرَمِ «6» 344- قَالُوا: وَاجْتَمَعَ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ بِصِفِّينَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ عُتْبَةُ: إِنَّ أَمْرَنَا وَأَمْرَ عَلِيٍّ لَعَجَبٌ، وَذَكَرَ مَنْ قَتَلَ عَلِيٌّ «7» يَوْمَ بَدْرٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ كَانَ لَيَنْبَغِي أَنْ تَشْجُرُوهُ بِالرِّمَاحِ طَلَبًا لِثَأْرِكُمْ «8» ، فقام الوليد بن عقبة وهو يقول:

_ 342- البصائر 2: 74 وانظر ف: 199 فيما تقدّم. 343- قارن بالمروج 5: 99 344- وقعة صفين: 417 (وفيه الشعر) وشرح النهج 2: 110 والأبيات: 1- 5 في مناقب ابن شهر اشوب 1: 357

يَقُولُ لَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حَرْبٍ ... أَمَا فِيكُمْ لِوِتْرِكُمْ «1» طَلُوبُ يَشُدُّ عَلَى أَبِي حَسَنٍ عَلِيٍّ ... بِأَسْمَرَ لا تُهَجِّنُهُ الْكُعُوبُ فَقُلْتُ لَهُ أَتَلْعَبُ يا ابن هِنْدٍ ... كَأَنَّكَ بَيْنَنَا رَجُلٌ غَرِيبُ أَتَأْمُرُنَا «2» بِحَيَّةِ بَطْنِ وَادٍ ... إِذَا نَكَزَتْ فَلَيْسَ لَهَا طَبِيبُ كَأَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا عَايَنُوهُ ... خِلالَ النَّقْعِ لَيْسَ لهم قلوب (743) لعمر أَبِي مُعَاوِيَةَ بْنِ حَرْبٍ ... وَرَأْيُ الْمَرْءِ يُخْطِئُ أَوْ يُصِيبُ «3» لَقَدْ نَادَاهُ فِي الْهَيْجَا عَلِيٌّ ... فَأَسْمَعَهُ وَلَكِنْ لا يُجِيبُ 345- وحدثني هشام قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ما غضبي على من أملك وأنا قادر عَلَيْهِ، وما غضبي عَلَى من لا أملك ويدي لا تناله. 346- الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا، [قَالَ عَلِيٌّ بِصِفِّينَ: يَا مُعَاوِيَةُ مَا قَتْلُكَ «4» النَّاسُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، ابْرُزْ لِي فَإِنْ قَتَلْتَنِي كَانَ الأَمْرُ إِلَيْكَ، وَإِنْ قَتَلْتُكَ كَانَ الأَمْرُ إِلَيَّ] «5» ، فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَمْرٍو كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: مَا أَرَى الرَّجُلَ إِلا مُنْصِفًا، وَلَنْ تُبَلَّ لَكَ بَالَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ إِنْ لَمْ تُبَارِزْهُ، فَحَقَدَهَا عَلَيْهِ وَأَمْسَكَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو إِنَّكَ قَدْ قَشَرْتَ لِي الْعَصَا «6» ... بِرِضَاكَ لِي «7» وسط العجاج برازي

_ 345- قارن بنهاية الأرب 6: 8 وأربع رسائل للثعالبي: 4 وجمهرة العسكري 1: 63 وراجع ما تقدم في ف: 343 346- وقعة صفين: 275 (وفيه الشعر) والمحاسن والمساوئ: 51 (وفيه الأبيات ما عدا الأول) والطبري 1: 3322 وابن الأثير 3: 259 والامامة 1: 174 (دون شعر) والدينوري: 189 (وفيه البيت الأول) .

مَا لِلْمُلُوكِ وَلِلْبِرَازِ وَإِنَّمَا ... حَظُّ «1» الْمُبَارِزِ خَطْفَةٌ مِنْ بَازِ وَلَقَدْ أَعَدْتَ فَقُلْتُ مُزْحَةَ مَازِحٍ ... وَالْمَرْءُ يُفْحِمُهُ «2» مَقَالُ الْهَازِي فَقَالَ عَمْرٌو: مُعَاوِيَ إِنْ ثَقُلْتَ عَنِ الْبِرَازِ ... لَكَ الْخَيِّرَاتُ «3» فَانْظُرْ مَنْ تُنَازِي وَمَا ذَنْبِي إِذَا نَادَى عَلِيٍّ ... وَكَبْشُ الْقَوْمِ يَدْعُو لِلْبِرَازِ أَجِبْنَا فِي الْعَجَاجَةِ «4» يا ابن هِنْدٍ ... وَعِنْدَ السِّلْمِ «5» كَالتَّيْسِ الْحِجَازِي 347- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ، قَالَ قبيصة بْن جابر: ما رأيت رجلًا أقرأ لكتاب اللَّه ولا أشد فِي دين اللَّه من عُمَر بْن الخطاب، وما رأيت أحدًا أسود من مُعَاوِيَة «6» ، ولا رجلًا أعطى لماله فِي غير ولاية «7» من طلحة بْن عبيد اللَّه، ولا رأيت رجلا أنصع ظَرْفًا ولا أحضر «8» جوابا ولا أكثر صوابًا من عمرو بْن العاص، ولا رأيت رجلًا المعرفة عنده أنفع منها عند المغيرة بْن شعبة، ولا رأيت رجلًا أحلم جليسًا ولا أخصب رفيقًا ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد. 348- وقال مُعَاوِيَة لعدي بْن حاتم ودخل عليه: ما فعل الطرفات يا أبا طريف، طريف وطرفة وطراف؟ فَقَالَ: قتلوا يوم صفين، قَالَ: ما أنصفك عليّ، أخّر بنيه وقدّم بنيك، قال: لئن فعل لقد قتل وبقيت، قَالَ: قد بقيت قَطْرةٌ من دم عثمان عند قوم ولا بدّ من أن نطلب بها، قَالَ عدي: اغمد سيفك، فإنّ السيف إذا سلّ سلّت

_ 347- راجع ف: 312 فيما تقدم وقارن بالبصائر 3: 337- 338. 348- العقد 4: 28 والمحاسن والمساوئ: 46 وانظر المروج 5: 17 وأمالي المرتضى 1: 297- 298.

كتاب معاوية إلى الحسين بن علي

السيوف، قال: فالتفت معاوية إلى عمرو «1» فَقَالَ له: ضعها فِي قرنك فإنها كلمة حكم «2» . 349- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ، قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: إِنَّ لَكَ رَأْيًا، فَمَا فَرَّقَ هَذِهِ الأُمَّةَ وَسَفَكَ دِمَاءَهَا وَشَقَّ عَصَاهَا وَشَتَّتَ مَلأَهَا؟ قُلْتُ: قَتْلُ عُثْمَانَ، قَالَ: صدقت «3» . [كتاب معاوية إلى الحسين بن عليّ] 350- قالوا: وكتب مُعَاوِيَة إلى الحسين بْن علي رضي اللَّه تعالى عنهم: أما بعد، فقد انتهت إلي عنك أمور أرغب بك عنها، فإن كانت حقًا لم أقارك عليها، ولعمري إن من أعطى صفقة يمينه وعهد اللَّه وميثاقه لحري بالوفاء، وإن كانت باطلًا فأنت أسعد الناس بذلك، وبحظ نفسك تبدأ، وبعهد اللَّه توفي، فلا تحملني على قطيعتك والإساءة بك، فإني متى أنكرك تنكرني، ومتى تكدني أكدك، فاتق شق عصا هذه الأمة وأن يرجعوا على يدك إلى الفتنة، فقد جربت الناس وبلوتهم، (744) وأبوك كان أفضل منك، وقد كان اجتمع عليه رأي الذين يلوذون بك، ولا أظنه يصلح لك منهم ما كان فسد عليه فانظر لنفسك ودينك، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الّذين لا يوقنون «4» . [جواب الحسين عليه السلام وسائر ما جرى بينهما] فكتب إليه الحسين: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أنه بلغتك عني أمور ترغب عنها، فإن كانت حقًا لم تقارني عليها، ولن يهدي إلى الحسنات ويسدد لها إلا اللَّه، فأما ما نمي إليك فإنّما رقّاه الملاقون المشّاءون بالنمائم المفرقون بين الجميع «5» ، وما أريد حربًا

_ 349- راجع ف: 95 فيما تقدم. 350- في كتاب معاوية إلى الحسين انظر ابن عساكر 4: 327 وسير الذهبي 3: 198 (مع اختلاف) ومعرفة أخبار الرجال للكشي: 32- 34 وفي جواب الحسين انظر المصادر المذكورة والامامة: 1: 284.

لك ولا خلافًا عليك، وأيم اللَّه لقد تركت ذلك وأنا أخاف اللَّه فِي تركه «1» ، وما أظن اللَّه راضيًا عني بترك محاكمتك إليه، ولا عاذري دون الإعذار إليه فيك وفي أوليائك القاسطين الملحدين «2» ، حزب الظالمين وأولياء الشياطين، ألست قاتل حجر بْن عدي وأصحابه المصلين العابدين، الذين ينكرون الظلم ويستعظمون «3» البدع، ولا يخافون فِي اللَّه لومة لائم، ظلمًا وعدوانًا، بعد إعطائهم الأمان بالمواثيق والإيمان المغلظة «4» ؟ أولست قاتل عمرو بْن الحمق صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أبلته «5» العبادة وصفرت لونه وأنحلت جسمه؟! أولست المدعي زياد بْن سمية المولود على فراش عبيد عبد ثقيف، وزعمت أنه ابن أبيك وقد [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «6» : «الولد للفراش وللعاهر الحجر] » ، فتركت سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخالفت أمره متعمدًا، واتبعت هواك مكذبًا، بغير هدى من اللَّه، ثم سلطته على العراقين فقطع أيدي المسلمين وسمل أعينهم، وصلبهم على جذوع النخل، كأنك لست من الأمة «7» وكأنها ليست منك، [وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من ألحق بقوم نسبًا ليس لهم فهو ملعون «8» ] » ، أولست صاحب الحضرميين الذين كتب إليك ابن سمية أنهم على دين علي، فكتبت إليه: اقتل من كان على دين علي ورأيه، فقتلهم ومثل بهم بأمرك، ودين علي دين محمد صلى اللَّه عليه وسلم الذي كان يضرب عليه أباك، والذي انتحالك إياه أجلسك مجلسك هذا ولولا هو كان أفضل شرفك تجشم الرحلتين فِي طلب الخمور، وقلت: انظر لنفسك ودينك والأمة واتق شق عصا الألفة وأن ترد الناس إلى الفتنة «9» ، فلا أعلم فتنة على الأمة أعظم من ولايتك عليها، ولا أعلم نظرا لنفسي وديني

_ (1) الامامة: واني لأخشى الله في ترك ذلك منك. (2) الامامة: الملحين. (3) الامامة: ويستفظعون. (4) الامامة: الغليظة. (5) الامامة: أبلت وجهه. (6) الحديث في قنسنك: (الحجر) وهو كثير الورود في كتب الحديث، وانظر الطبري 3: 2173 والنجوم الزاهرة 1: 141. (7) الامامة: من هذه الأمة. (8) قارن بالطبري 3: 2173 (9) الامامة: لا تردّ هذه الأمة في فتنة.

أفضل من جهادك، فإن أفعله فهو قربة إلى ربي، وإن أتركه فذنب أستغفر اللَّه منه فِي كثير من تقصيري، وأسأل اللَّه توفيقي لأرشد أموري، وأما كيدك إياي فليس يكون على أحد أضر منه عليك، كفعلك بهؤلاء النفر الذين قتلتهم ومثلت بهم بعد الصلح من غير أن يكونوا قاتلوك ولا نقضوا عهدك، إلا مخافة أمر لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوه، أو ماتوا قبل أن يدركوه، فأبشر يا مُعَاوِيَة بالقصاص، وأيقن بالحساب، وأعلم أن لله كتابًا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس اللَّه بناس لك أخذك بالظنة، وقتلك أولياءه على الشبهة والتهمة، وأخذك الناس بالبيعة لابنك، غلام سفيه يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ولا أعلمك إلا خسرت نفسك، وأوبقت دينك، وأكلت أمانتك، وغششت رعيتك، وتبوأت مقعدك من النار، فبعدا للقوم الظّالمين. 351- المدائني قال، قال معاوية لصحار بن عبّاس «1» العبدي: يا أزرق، قَالَ: البازي أزرق، قَالَ: (745) يا أحمر، قَالَ: الذهب أحمر، قَالَ: يا صحار ما هذه البلاغة فِي عبد القيس؟ قال: شيء يعتلج في صدورنا «2» فنلفظه كما يلفظ البحر الزبد، قَالَ: فما رأس البلاغة؟ قَالَ: أن تقول فلا تخطئ وتعجل فلا تبطئ، ثم قَالَ: يا أمير المؤمنين، ومنا أعقل أهل زمانه «3» ، اشترط على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم الجنة، ومنا الَّذِي [قَالَ لَهُ «4» رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فيك خصلتان يحبهما اللَّه ورسوله الأناة والحلم،] ومنا أزهد أهل زمانه هرم بْن حيان، ومنا أشجع أهل زمانة حكيم بن جبلة «5» العبدي الذي قطعت

_ 351- بعضه في العقد 2: 261، 4: 31 وبهجة المجالس: 72 والاصابة 3: 236 وانظر عيون الأخبار 2: 172 والبيان 1: 96، 4: 46 والحيوان 1: 45، 5: 330 والمعارف: 339 والعمدة 1: 213 والمحاسن والمساوئ: 427 والصناعتين: 32 وقارن بعضه بما في طبقات ابن سعد 1/ 2: 54، 5: 406 ورسائل ابن أبي الدنيا: 19 (رقم: 19) وألف باء 1: 38 والطبراني: 163 وتاريخ خليفة: 61 وربيع الأبرار: 383/ أ.

رجله فرمى بها قاطعه فقتله ثم توسده، فقيل له: من بك يا أبا نجيد؟ فَقَالَ: وسادي، ومنا أبلغ الناس فِي زمانه صعصعة بْن صوحان، ومنا الحارث بْن مرة، حمل فِي غزاة على خمس مائة دابة «1» ، ومنا عبد اللَّه بْن سوار «2» خرج فِي أربعة آلاف إلى ثغر السند ولم يوقد أحد فِي عسكره نارًا لطعام «3» حتى أتى البلاد «4» ، ورأى فِي عسكره نارًا فسأل عنها فقيل امرأة ولدت فاتُّخذ لها خبيص، فأمر أن يُطعم أهل العسكر كلهم الخبيص ثلاثة أيام «5» ، ومنا أرمى أهل زمانه عمرو بْن مساور النكري «6» ، ومنا أيمن الناس فِي زمانه شعرًا: الممزق، غزا النعمان «7» بْن المنذر بلاد عبد القيس فسايره وحدثه وأنشده فأعجبه فكلمه فيهم فعدل عنهم. 352- حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عَنِ ابن عياش عَنْ أبي الْهَيْثَم الرحبي قَالَ، قَالَ لي عَبْد الْمَلِكِ بْن عُمَيْرٍ وأنا أماشيه عند الباب الصغير بدمشق: مررنا بقبر مُعَاوِيَة فوقف عليه عبد الملك بْن مروان فقيل له: لمن القبر؟ فَقَالَ: لرجل كان واللَّه ما علمته يسكته الحلم وينطقه العلم، إذا أعطى أغنى، وإذا حارب أفنى، ثم عجل له الدهر ما أخر لغيره، إنا لله ما يصنع الزمان، هذا قبر مُعَاوِيَة. 353- حَدَّثَنِي حَفْصٌ عَنِ «8» الْهَيْثَمِ وَغَيْرِهِ قَالُوا: أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِشَابٍّ قَدْ سَرَقَ فَأَمَرَ بقطع يده فقال:

_ 352- انظر ما يلي رقم: 443 وابن الأثير 4: 9 وراجع ما تقدم ف: 267 وما سيلي رقم: 354 353- روض الأخيار: 40 والأحكام السلطانية: 216 وانظر عيون الاخبار 1: 99 (وفيه البيتان 1، 2 والقصة مع عبد الملك) وابن عساكر 7: 103 والعقد 2: 167 (وفيه 1، 2) ومحاضرات الراغب 2: 83 (دون شعر) وابن كثير 8: 136 والأذكياء: 139، 140 والمستطرف 1: 267 (مع عبد الملك) والبرصان: 241 والشاعر طهمان ابن عمرو الكلابي، انظر ديوانه: 40

يَدِي يَا أَمِيرَ «1» الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذُهَا ... بِعَفْوِكَ أَنْ تَلْقَى مَكَانًا يَشِينُهَا «2» وَلا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَتْ حَبِيبَةً «3» ... إِذَا مَا شِمَالٌ «4» فَارَقَتْهَا يَمِينُهَا وَلَوْ قَدْ أَتَى الأَخْبَارَ قَوْمِي لَقُلِّصَتْ ... إِلَيْكَ الْمَطَايَا وَهِيَ خُوصٌ عُيُونُهَا وَدَنَتْ أُمُّهُ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاحِدِي «5» اعْفُ عنه، عف اللَّهُ عَنْكَ، فَقَالَ: وَيْحَكِ إِنَّ هَذَا حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: اجْعَلْ تَرْكَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُنُوبِكَ الَّتِي تَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا، فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. 354- وروى الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي بَكْر الهذلي أنه قَالَ: وقف عبد الملك بْن مروان على قبر مُعَاوِيَة ومعه محمد بْن جبير «6» بْن مطعم، فرأى على القبر ثمامة تهتز، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: يرحمك اللَّه أبا عبد الرحمن. ثم قَالَ لابن جبير: يَا أبا سَعِيد مَا كَانَ علمك بِهِ؟ قَالَ: كان واللَّه ممن ينطقه العلم ويسكته الحلم، فَقَالَ عبد الملك: كذلك كان، وولى وهو يَقُول: وما الدهر والأيام إلا كما أرى «7» ... رزيئة مالٍ أو فراق حبيب 355- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالَ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ لِمُعَاوِيَةَ: أَنَّا تَرَكْنَا الْحَقَّ وَعَلِيُّ يَدْعُونَا إِلَيْهِ، وَبَايَعْنَاكَ عَلَى مَا تَعْلَمُ، فَلَمَّا تَسَهَّلَتْ لَكَ الأُمُورُ جَعَلْتَ الدُّنْيَا لأَرْبَعَةٍ: سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ السَّهْمِيُّ وَمَرْوَانُ بْنُ

_ 354- راجع ف: 267، 352 وما يلي رقم: 443 والبيت أيضا في عيون الأخبار 3: 32 والمستطرف 2: 56 (والشاعر هو أبو الأسود) وتاريخ ابن عساكر (ترجمة عبد الملك) والمنتخل للثعالبي: 193 وديوان علي: 11، 8 ونهاية الأرب 3: 73 (والشاعر فيه هو زياد بن سيد) والحماسة البصرية 2: 411

الْحَكَمِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ (746) شُعْبَةَ، وَتَرَكْتَنَا لا فِي عِيرٍ وَلا فِي نَفِيرٍ، فَأَطْرَقَ مُعَاوِيَةُ طَوِيلا ثمّ قال: يا ابن أَخِي إِنِّي مَيَّلْتُ بَيْنَ مُعَاتَبَتِكَ وَتَرْكِكَ فَوَجَدْتُ مُعَاتَبَتِكَ أَبْقَى لَكَ، إِنِّي أَرَاكَ شَدِيدَ التَّقَحُّمِ رَحْبَ الذِّرَاعِ بِالْقَوْلِ، وَلَسْتَ كُلَّمَا شِئْتَ وَجَدْتَ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ سَفَهَكَ. 356- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ دَارَ عُثْمَانَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ عُثْمَانَ بْنِ عفّان وا أبتاه وَبَكَتْ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ابْنَةَ «1» أَخِي إِنَّ النَّاسَ أَعْطُونَا طَاعَةً تَحْتَهَا حِقْدٌ، وَأَظْهَرْنَا لَهُمْ حِلْمًا تَحْتَهُ غَضَبٌ، وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ سَيْفٌ وَهُوَ يَرَى أَنْصَارَهُ، فَإِنْ نَكَثْنَا بِهِمْ نَكَثُوا بِنَا، وَلا نَدْرِي أَعَلَيْنَا يَكُونُ أَوْ لَنَا، وَلأَنْ تَكُونِي ابْنَةَ عَمِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكُونِي امْرَأَةً مِنْ عَرَضِ الْمُسْلِمِينَ. 357- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عُقْبَةَ الأَصَمِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يُؤْتَى بِالثَّرِيدَةِ تَكَادُ تَسْتُرُ الَّذِي يُوَاكِلُهُ فَيَأْكُلُ وَيَدْعُو إِلَى طَعَامِهِ «2» عِدَّةً بَعْدَ عِدَّةٍ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ جَمِيعًا. 358- الْمَدَائِنِيّ عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ أَرْبَعَ أَكْلاتٍ آخِرُهُنَّ أَعْضَلُهُنَّ وَأَشَدُّهُنَّ، وَيَتَعَشَّى فَيَأْكُلُ ثَرْدَةً عَلَيْهَا بَصَلٌ كَثِيرٌ «3» . 359- حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وإسحاق قالوا، حدثنا الحجّاج بن

_ 356- عيون الأخبار 1: 14 والعقد 4: 364 وابن كثير 8: 132 والبصائر 2: 586 وقارن بمحاضرات الراغب 1: 81 357- أخبار الظراف: 24 وانظر في أكل معاوية ف: 44، 155، 358 358- نهاية الارب 3: 343 وانظر ف: 44، 155 والمروج 5: 74 والمستطرف 1: 165 وابن كثير 8: 119 وربيع الأبرار «سبع أكلات» 211/ أ. 359- الاستيعاب: 1421 وسير الذهبي 3: 81 وشرح النهج 3: 444 ومناقب ابن شهر اشوب 1: 140 وانظر مسند أحمد 1: 291، 335، 338 وابن كثير 8: 119 وأسد الغابة 4: 386 وما تقدم ف: 44، 155، 357 وفي قول الرسول «لا أشبع الله بطنه» انظر ابن خلكان 1: 77

محمّد الأعور حدثنا شعبة عن أبي جمرة «1» قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَرَّ بِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ خَلْفَ بَابٍ، فَدَعَانِي فَحَطَأَنِي حَطَأَةً ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ بَعْدُ، [فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أَشْبَعَ اللَّهُ بطنه،] قال أبو جمرة: فَكَانَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لا يَشْبَعُ. 360- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [بَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ لِيَكْتُبَ لَهُ شَيْئًا فَقَالَ الرَّسُولُ: هُوَ يَأْكُلُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فَقَالَ: هُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ: لا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ] . 361- حَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ مُرَجَّى حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [الآنَ يَطْلُعُ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ، فَقُلْتُ: هُوَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ هَذَا] . 362- وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ يَمُوتُ «2» عَلَى غَيْرِ مِلَّتِي، قَالَ: وَكُنْتُ تَرَكْتُ أَبِي قَدْ وُضِعَ لَهُ وَضُوءٌ، فَكُنْتُ كَحَابِسِ الْبَوْلِ مَخَافَةَ أَنْ يَجِيءَ، قَالَ: فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ هَذَا] . 363- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ شريك عن ليث عن

_ 360- انظر الطبري 3: 2171 والفقرة السابقة. 361- قارن بالفقرة التالية. 362- الطبري 3: 2171 وشرح النهج 3: 444. 363- محاضرات الراغب 1: 45.

طَاوُسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِي، قَالَ: وَكُنْتُ تَرَكْتُ أَبِي يَلْبَسُ ثِيَابَهُ فَخَشِيتُ أَنْ يَطْلُعَ، فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ] . 364- وَحَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ مُرَجَّى حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سِوَارٍ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ التَّمِيمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ رُوَيْمٍ اللَّخْمِيِّ قَالَ: [دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاوِيَةَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ وَاهْدِ بِهِ وَعَلِّمْهُ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ.] وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ عَنْ شَبَابَةَ فِي هَذَا الإِسْنَادِ بِنَحْوِهِ. 365- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّوَّاقُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبَانَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ائْتَمَنَنِي اللَّهُ عَلَى وَحْيِهِ وَائْتَمَنَكَ وَائْتَمَنَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ] . 366- وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: [أَهْدَى جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ سَفَرْجَلاتٍ فَأَعْطَى مُعَاوِيَةَ مِنْهُنَّ ثَلاثًا وَقَالَ: الْقَنِي بِهِنَّ فِي الْجَنَّةِ] . 367- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَيَّانَ «1» عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: [دَخَلْتُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاوِيَةُ يَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ الْمَاءَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ أخذ كفّا من ماء فضرب

_ 364- الكنز 6: 190 (رقم: 3276، 3277) ومسند أحمد 4: 216 والترمذي 2: 316 وابن كثير 8: 120- 122 وأسد الغابة 4: 386 وتاريخ بغداد 1: 208 والنجوم الزاهرة 1: 134 وتاريخ البخاري 4/ 1: 327، 328 والاستيعاب: 1420 وتاريخ الاسلام 2: 318- 319 وسير الذهبي 3: 82- 84 والصواعق المحرقة: 133 وزوائد ابن حجر 9: 356 وأخبار أصفهان 1: 180 366- قارن بترتيب المدارك 1: 209

به وجه معاوية ثمّ قال: يا ابن أَبِي سُفْيَانَ كَأَنِّي بِكَ فِي الْجَنَّةِ] . 368- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمِنْقَرِيِّ عن عبد الله بن كثير عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: [أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلِ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي يَوْمِهَا، فَدَقَّ مُعَاوِيَةُ الْبَابَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ وَعَلَى أُذُنِهِ قَلَمٌ لَمْ يُمَطْ «1» بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا عَلَى أُذُنِكَ؟ قَالَ: قَلَمٌ أَعْدَدْتُهُ للَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ «2» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ جَزَاكَ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّكَ خَيْرًا، وَاللَّهِ مَا اسْتَكْتَبْتُكَ إِلا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ] . 369- حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى وَأَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ «3» قَالا حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَالأَعْمَشُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْتُلُوهُ «4» ، فَتَرَكُوا أَمْرَهُ فَلَمْ يُفْلِحُوا ولم ينجحوا] . 370- حدثني خلف بن هشام البزار حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُعَاوِيَةُ فِي تَابُوتٍ مُقْفَلٍ عَلَيْهِ فِي جَهَنَّمَ] . 371- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَأَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ الأَنْطَاكِيُّ قَالا حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة عن علي بن زيد عن أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ أَرَادَ قَتْلَ مُعَاوِيَةَ، فَقُلْنَا لَهُ: لا تَسُلَّ السَّيْفَ فِي عَهْدِ عُمَرَ حَتَّى تَكْتُبَ إِلَيْهِ، قَالَ: [أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا رأيتم معاوية

_ 368- قارن بابن كثير 8: 120 وابن عساكر 6: 399، 404 وطبقات ابن سعد 1/ 2: 21، 34، 35 وراجع ما تقدم ف: 331 369- انظر ما يلي رقم: 378 والطبري 3: 2171 وابن كثير 8: 133 والتهذيب 7: 324 وشرح النهج 3: 444 والعلل لابن حنبل 1: 132 (رقم: 818) وانظر تاريخ الاسلام 2: 321- 322 وسير الذهبي 3: 99 وميزان الاعتدال 2: 613 (رقم 5044) والملاحم والفتن لابن طاوس: 90 370- قارن بالطبري 3: 2171 371- قارن بما يلي رقم: 378.

يَخْطُبُ عَلَى الأَعْوَادِ فَاقْتُلُوهُ،] قَالَ: وَنَحْنُ قَدْ سَمِعْنَاهُ «1» وَلَكِنْ لا نَفْعَلُ حَتَّى نَكْتُبَ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِ فَلَمْ يَأْتِهِمْ جَوَابُ الْكِتَابِ حَتَّى مَاتَ. 372- حَدَّثَنَا خَلَفٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بن سعيد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا فَمَرَّ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى بَعِيرٍ وَمَعَهُ مُعَاوِيَةُ وَأَخٌ لَهُ «2» ، أَحَدُهُمَا يَقُودُ الْبَعِيرَ وَالآخَرُ يَسُوقُهُ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَنَ اللَّهُ الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ وَالْقَائدُ وَالسَّائِقُ] . 373- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ عبيد اللَّه بْن موسى قَالَ: ذكر مُعَاوِيَة عند الأعمش فقالوا: كان حليمًا، فَقَالَ الأعمش: كيف يكون حليمًا وقد قاتل عليًا وطلب- زعم- بدم عثمان من لم يقتله؟ وما هو ودم عثمان، وغيره كان أولى بعثمان منه. 374- وحدثت عَنْ شريك عَنِ الأعمش أنه قَالَ: كيف يعد مُعَاوِيَة حليمًا وقد قاتل علي بْن أبي طالب؟ 375- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأَسْوَدِ عَنْ يحيى عَنْ «3» عبد الله بن المبارك قال: هاهنا قوم يسألون «4» عَنْ فضائل مُعَاوِيَة، وبحسب مُعَاوِيَة أن يترك كفافًا. 376- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ، قَالَ الْحَسَنُ: لَوْ سَلَكَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ غَيْرَ سَبِيلِ الاحْتِمَالِ وَالْبَذْلِ وَالْمُدَارَةِ لاخْتُطِفَ اخْتِطَافًا. 377- وحدثنا يوسف (748) وإسحاق قالا حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي

_ 372- الطبري 3: 2170 وشرح النهج 2: 102 (حيث القصة تروى على صورة حوار بين الحسن ومعاوية) و 3: 443 والامتاع 3: 178. 373- السعادة والإسعاد: 168 374- ميزان الاعتدال 2: 274

وائل قَالَ: كنت مع مسروق بالسلسلة فمرت به سفائن فيها أصنام من صفر تماثيل الرجال، فسألهم عنها فقالوا: بعث بها مُعَاوِيَة إلى أرض السند والهند تباع له، فَقَالَ مسروق: لو أعلم أنّهم يقتلونني لغرّقتها، ولكني أخاف أن يعذبوني ثم يفتنوني، واللَّه ما أدري أي الرجلين مُعَاوِيَة، أرجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتع من الدنيا أم رجل زين له سوء عمله. 378- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلافِ الْبَصْرِيُّ قَالَ، سَمِعْتُ سَلامًا أَبَا الْمُنْذِرِ يَقُولُ، قَالَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ حَدَّثَنِي زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ] . 379- وَرَوَى الْحَكَمُ «1» بْنُ ظَهِيرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِمِثْلِهِ. 380- وحدثني الحرمازي عَنْ محمد بْن الحسن بْن زبالة «2» قَالَ: سمع الزبير بْن خبيب «3» رجلًا من الطالبيين يَقُول أمص مُعَاوِيَة، فَقَالَ له الزبير «4» ، وهو أشد لِمُعَاوِيَةَ بغضًا وعداوة من الطالبيين: أي رحمك اللَّه ليس هكذا يقال، إنما يلعنه من عاداه أو يكفّره، فأمّا أن يمصّه فلا، هو يرتفع عن ذلك. 381- المدائني قال، قال معاوية لابن عبّاس: ما حالت الفتنة بيني وبين أحد كان أعزّ عليّ فقدا وأحبّ إليّ قربا منك، فالحمد لله الذي قتل عليّا، فقال ابن عبّاس: أو غير هذا، تدع لي ابن عمي وأدع لك ابن عمّك، قال: ذاك لك، ثمّ قال: أخبرني عن أبي سفيان، قال: اللهمّ إنّه تجر فأربح وأسلم فأفلح، وكان رأس الشرك حتّى

_ 378- راجع رقم: 369، 371 379- ميزان الاعتدال 1: 572 381- بعضه في طبقات ابن سعد 2/ 2: 122، 123

انقضى، فقال: يا ابن عبّاس في علمك ما تسرّ به جليسك ولولا أن أقارضك الثناء لأخبرتك عن نفسك. 382- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما مات المغيرة بْن شعبة قَالَ زياد «1» : لم يبق للمعضلات إلا مُعَاوِيَة ورجل آخر، يعني نفسه. 383- وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ مُعَاوِيَةُ بْن حُدَيْجٍ: أَتَيْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَقَدْ ثَقُلَ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي أَذُوبُ «2» وَلا أَثُوبُ، وَأَجِدُ نَجْوِي أَكْثَرُ مِنْ رِزْئِي، فَمَا بَقَاءُ الْكَبِيرِ الْفَانِي عَلَى هَذَا؟ فَلَمَّا مَاتَ قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَاتَ رُبُعُ رَأْيِ النَّاسَ وَإِرْبُهُمْ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: ذَهَبَ نِصْفُ دَهَاءِ قُرَيْشٍ، أَرَادَ أَنَّ النِّصْفَ الْبَاقِي مُعَاوِيَةُ وَلَمْ يَعُدَّ زِيَادًا. 384- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عمرو بْن العاص: أنا للبديهة، وَمُعَاوِيَة للأناة، والمغيرة للمعضلات، وزياد لصغار الأمور وكبارها. 385- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما مات المغيرة بْن شعبة قَالَ مُعَاوِيَةُ: لله رأي دفن مع المغيرة، وقال مُعَاوِيَة حين مات ابن عامر بْن كريز: بمن أباهي بعد ابن عامر؟ وقال مُعَاوِيَة حين أتاه موت سَعِيد بْن العاص: ما مات من ترك مثل عمرو بْن سَعِيد، وقال: قد مات من هو أكبر مني ومن أنا أكبر منه وأنشد: إذا سار من خلف امرئ وأمامه ... وأجمع يوما رحلة فهو ظاعن «3»

_ 383- طبقات ابن سعد 4/ 2: 7 والبيان 1: 409 وعيون الأخبار 3: 49 ونهاية ابن الأثير 1: 137 (ثوب) واللسان 1: 79 384- النجوم الزاهرة 1: 72، 116 والعقد 5: 7 وبهجة المجالس 1: 424 وابن عساكر 5: 413 وأمالي القالي 3: 102 وأسد الغابة 4: 407 وانظر طبقات ابن سعد 2/ 2: 110 وسير الذهبي 3: 39 وما يلي رقم: 472 385- قارن بما مرّ في ف: 382 وف: 140 وانظر بعضه في ابن كثير 8: 78 وابن عساكر 6: 143 والبيان 2: 94 والبيت في حماسة ابن الشجري: 141 والكامل 4: 27

386- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي قَالَ: كانوا يقولون إن أبا سُفْيَان بْن حرب رجل شحيح بخيل له مال، وإنما سود لرأيه وعظم لماله. وهلك فِي أيام عثمان وله ثمان وثمانون سنة، وكانوا يقولون: إن مُعَاوِيَة كان ذا رأي وسخاء. 387- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي أَصْحَابُنَا عَنِ ابْنِ جَعْدَبَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَرْضٌ إِلَى جَانِبِ أَرْضٍ لِمُعَاوِيَةَ وَكَانَ وَكِيلُ مُعَاوِيَةَ (749) بِالْمَدِينَةِ النَّضِيرَ مَوْلاهُ، فَعَمَدَ إِلَى أَرْضٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَضَمَّهَا إِلَى أَرْضِ مُعَاوِيَةَ وَقَالَ هَذِهِ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عِنْدِي الْبَيِّنَةُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ قَطَعَهَا لِي مَقْتَلَ أَبِي بِالْيَمَامَةِ، فَقَالَ النَّضِيرُ: هَذِهِ قَطِيعَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَخَاصِمْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ: اصْطَلَحَا، وَكَرِهَ أَنْ يَجْزِمَ الْقَضَاءَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ الشَّامَ فَلَمَّا صَارَ إِلَى بَابِ مُعَاوِيَةَ أَلْفَاهُ جَالِسًا بِالْخَضْرَاءِ بِدِمَشْقَ، فَقَالَ لأَبِي يُوسُفَ «1» : اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَاعْتَلَّ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: مَا لِي بُدٌّ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَإِنَّا «2» إِلَى أن توصل أرحامنا وتثمّر «3» لَنَا أَمْوَالُنَا أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنَّا مَا فِي أَيْدِينَا، فَسَمِعَهُ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: أَدْخِلْهُ، فَدَخَلَ فَسَلَّمَ، «4» وَقَالَ: إِنَّ وَكِيلَكَ بِالْمَدِينَةِ تَعَدَّى عَلَيَّ، وَعَمَدَ إِلَى مَا قَطَعَ لِي خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجَازَهُ لِي عُمَرُ فَأَلْجَأَهُ إِلَى أَرْضِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ عِنْدَهُ كِتَابًا مِنْ عُثْمَانَ بِأَنَّهُ قَطَعَهُ لَكَ، وَكَيْفَ يَقْطَعُ لَكَ عُثْمَانُ حَقًّا هُوَ لِي؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: تَرَكْتَ أَرْضَكَ «5» لَمْ تَعْمُرْهَا حَتَّى عَمِلْتَهَا، فَلَمَّا غُرِسَتْ فِيهَا خَمْسَةُ آلافِ وَدِيَّةٍ قُلْتُ: قَطِيعَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ «6» أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ قَوْمًا يَتَحَجَّرُونَ الأَرْضَ ثُمَّ يَدْعُونَهَا عَطَلا فَيَجِيءُ آخَرُونَ فَيَزْرَعُونَهَا إِنَّهَا لِمَنْ زَرَعَهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا قُلْتُ الْحقُّ يَا مُعَاوِيَةُ فَأَنْصِفْنِي، فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْقَاضِي، وَهُوَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدِ الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الزُّرَقِيُّ، فلم يأته وقال: في بيته

_ 386- قارن بابن عساكر 6: 407 وراجع في تاريخ وفاة أبي سفيان ف: 41

يُؤْتَى الْحَكَمُ «1» ، فَصَارَ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَيْهِ، فَأُلْقِيَتْ لَهُمَا وِسَادَةً وَقِيلَ اجْلِسَا عَلَيْهَا، فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِقَوْلِهِ الأَوَّلِ، وَتَكَلَّمَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ الأَوَّلِ، فَرَأَى فَضَالَةُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْحَقُّ مَعَهُ، فَقَضَى بِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَقْبَلُ مَا قُلْتَ، أَرَأَيْتَ مَا غُرِسَتْ فِيهَا؟ قَالَ: يَقُومُ ذَلِكَ لَكَ «2» ، فَإِنْ شَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ دَفَعَ إِلَيْكَ قِيمَةَ غَرَاسَكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَنَكَ قِيمَةَ الأَرْضِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ أَنْصَفْتَ، فَقَالَ فَضَالَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَ بِمِثْلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ يُفْعَلُ هَذَا بِعَقِبِهِمَا؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: فَالْغِرَاسُ لَهُ، وَمَا مَدَّ إِلَيْهِ يَدَهُ مِنْ أَرْضِي فَهُوَ لَهُ صِلَةٌ لِرَحِمِهِ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ إِلَى وَكِيلِهِ وَقَضَى دَيْنَهُ وَأَلْحَقَهُ فِي شَرَفِ الْعَطَاءِ وَقَالَ: أَنْتَ مستحقّ لذلك يا ابن أَخِي الْفَارُوقِ وَالشَّهِيدِ، وَأَعْطَاهُ مَالا، فَقَالَ فَضَالَةُ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ مَضَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ غَيْرَ هَذَا فَقَدِمَ عَلَى أَهْلِ مَدِينَةِ الْهِجْرَةِ وَبَقِيَّةِ «3» النَّاسِ فَشَكَاكَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ ما لا يحسن ولا يحمل، فقال معاوية: جزاك الله على المعاوية عَلَى الْحَقِّ خَيْرًا، وَانْصَرَفَ ابْنُ زَيْدٍ فَأَخَذَ مَالَهُ. 388- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ وَاللَّهِ لَنَقْلُ «4» الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ أَيْسَرُ مِنَ اتِّبَاعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي سِيرَتِهِمَا، وَلَكِنِّي سَالِكٌ بِكُمْ طَرِيقًا تَقْصُرُ عَمَّنْ تَقَدَّمَنِي وَلا يُدْرِكُنِي فِيهَا مَنْ بَعْدِي. 389- حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيُّ عَنْ جَهْمِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَيْحَانَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ أَأَنْتَ الْقَائِلُ: إِنَّا لَنَشْرَبُهَا حتى تميل بنا ... كما تمايل وسنان بوسنان

_ 388- عيون الأخبار 1: 9 389- انظر ما تقدم ف: 304 والأغاني (دار الثقافة) 2: 224.

فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ وَلَكِنِّي أَقُولُ: عَمَدْتُ بِحِلْفِي لِلْمَعَالِي وَلِلذُّرَى ... وَلَمْ تَلْفَنِي كَالنَّسِيِّ فِي مُلْتَقَى الْحَرْبِ إِذَا مَا حَلِيفُ الذُّلِّ أَقْعَى مَكَانَهُ ... ودبّ كما يمشي الكسير على العتب «1» (750) وَهَصْتُ الْحَصَى لا أَرْهَبُ الذُّلَّ قَائِمًا ... إِذَا أَنَا رَاخَى لِي خِنَاقِي بَنُو حَرْبِ فَقَالَ لَهُ ابْنُه عَمْرٌو الأَشْدَقُ: اضْرِبْهُ، فَقَالَ: هَذَا حَلِيفُ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا لَقِيَ سَعِيدٌ مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَأَمَرَكَ أَحْمَقُكَ أَنْ تَضْرِبَ حَلِيفِي؟! وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبْتَهُ لَضَرَبْتُكَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: اللَّهُمَّ غَفْرًا، قَدْ ضَرَبْتَ حَلِيفَكَ عَمْرَو بْنَ جَبَلَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي آكَلُ لَحْمِي وَلا أُوكِلُهُ، وَكَانَ حَلِيفًا لِحَرْبٍ. 390- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانَ قَالَ: قَدِمَ «2» سَحْبَانُ وَائِلٌ الْبَاهِلِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَخَطَبَ بِبَابِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا سَحْبَانُ أَنْتَ السُّحُّ، فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ الْوَفْدُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّنِي ... إِذَا قُلْتُ عِنْدَ الْبَابِ «3» أَيُّ خَطِيبِ «4» 391- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِجُلَسَائِهِ: أَيُّكُمْ يُنْشِدُ قَصِيدَةً أَنْصَفَ فِيهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَخِفَّ لِقَوْمِهِ؟ فَلَمْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ، فَقَالَ: يَا غُلامُ هَاتِ تِلْكَ الرُّقْعَةَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَصِيدَةٍ لِلْمُفَضَّلِ «5» الْعَبْدِيِّ. بِكُلِّ قَرَارَةٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ ... بَنَانُ فَتًى وَجُمْجُمَةٌ فَلِيقُ فَأَشْبَعْنَا الضِّبَاعَ «6» وَأَشْبَعُوهَا «7» ... فَرَاحَتْ كُلُّهَا تَئِقُّ تَفُوقُ

_ 390- البيت في الخزانة 4: 346 واللسان 1: 444 والتاج 1: 294 وابن كثير 8: 71 والميداني 1: 167 والدرة الفاخرة: 91 391- أبيات المفضل في الأصمعيات: 231 والعيني 2: 236 والحماسة البصرية 1: 53 و 1- 4 في حماسة البختري: 48 والبيتان 1، 5 في الاشتقاق: 200 والمنصفات: 5- 27

قَتَلْنَا الْفَارِسَ «1» الْوَضَّاحَ مِنْهُمْ ... كَأَنَّ فُرُوعَ لُمَّتِهِ الْعُذُوقُ «2» وَقَدْ قَتَلُوا بِهِ مِنَّا غُلامًا ... كَرِيمًا لَمْ تُخَوِّنْهُ «3» الْعُرُوقُ فَأَبْكَيْنَا نِسَاءَهُمْ وَأَبْكَوْا ... نِسَاءَ مَا يَسُوغُ لَهُنَّ رِيقُ «4» 392- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ عَنْ بَقْيَةَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ: بلغنا أنّ عمرو ابن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ: إِلَى مَنْ أَوْصَى بك أبوك؟ قال: أوصى إلي ولم يوص بِي، قَالَ: فَمَا كَانَتْ وَصِيَّتَهُ؟ قَالَ: أَنْ أَقْضِيَ دَيْنَهُ وَأَلا يَفْقِدُ إِخْوَانَهُ «5» مِنْهُ إِلا وَجْهَهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ ابْنَ سَعِيدٍ هَذَا لأَشْدَقَ. 393- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ «6» أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ ابن سيحان المحاربي شاعرًا حلو اللسان «7» ، وهو على ذلك يقارف الشراب، وكان نديمًا للوليد بْن عتبة «8» ، فخرج يومًا سكران، فدس مروان من غلمانه من أخذه وكان له عدوًا وللوليد بْن عتبة، فلما رأى الوليد أن مروان إنما أراد فضيحته ضربه الحد تحسنًا عند الناس بذلك، فكتب مُعَاوِيَة إليه: من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بْن عتبة أما بعد فالعجب من ضربك «9» ابن سيحان فيما تشرب منه، ما زدت على أن أعلمت أهل المدينة أن شرابك الذي تشربه معه يوجب الحد. إذا جاءك كتابي فأبطل الحد عَنِ ابن سيحان، وأطفه على حلق «10» المسجد، وأعلمهم أن صاحب شرطك ظلمه، وأن أمير المؤمنين قد أبطل ذلك الظلم عنه، أو ليس ابن سيحان الذي يقول:

_ 392- راجع ف: 299 وانظر ما يلي ف: 1122 وشرح النهج 3: 478 393- الأغاني 2: 207- 208 والمنمق: 35 وانظر ما يلي رقم: 1580

إني امرؤ أنمي إلى أفضل الربى «1» ... عديدًا إذا ارفضت عصا المتخلف «2» إلى نضد من عبد شمس كأنهم ... هضاب أجا أركانها لم تقصف ميامين يرضون الكفاية إن كفوا ... ويكفون ما ولوا بغير تكلف غطارفة ساسوا البلاد فأحسنوا ... سياستها حتى أقرت لمردف فمن يك منهم موسرًا يفش فضله ... ومن يك منهم معسرا يتعفّف (751) وأمر له بخمسمائة دينار وإبل وغنم، وكتب إلى مروان يلومه على ما فعل. 394- وروى جرير بْنِ عَبْدِ الحميد عَن مغيرة قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ بْن أبي سُفْيَان: من أولى الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت، قَالَ: لا ولكن علي بْن الحسين، أمه ابنة أبي مرة بْن عروة بْن مسعود «3» ، وأمها بنت أبي سُفْيَان، فيه شجاعة بني هاشم، وحلم بني أُمَيَّة، ودهاء ثقيف كذا. روي هذا، والثبت أن غير مُعَاوِيَة قال ذلك. 395- أبو الحسن الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان عُمَر بْن سعد بْن أبي وقّاص ولي خراج كورة همذان فبقي عليه مال، فلما ولى مُعَاوِيَة ابن أم الحكم الكوفة وقدمها أخذ عُمَر بذلك المال فَقَالَ له: إنه لا سلطان لك علي، وكان مُعَاوِيَة كتب له كتابًا بأنه لا سلطان لأحد عليه غيره، فاجتمعا عند مُعَاوِيَة بعد وجرى بينهما كلام، فَقَالَ ابن أم الحكم: أنت الذي ذهبت بمال اللَّه قبلك فَقَالَ عُمَر: اسكت، قَالَ: أنت أحق بالسكوت يا أحمق، فأنا والله خير منك، قال: وكيف وإنّما تعرف بأمك وتنسب إليها كالبغل، يقال له من أبوك فيقول أمي «4» الفرس، وأنا أعرف بأبي وأدعى له فاسكت يا ابْن تمدر، وهي جدة له سوداء «5» ، فقالت أم الحكم، وهي من وراء الستر: أيذكر هذا مني ما يذكر وأنت تسمع؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: من شتم الرجال شتموه، فَقَالَ ابن همام السلولي في ذلك وسأله حاجة فلم يقضها:

_ (1) الأغاني: الورى. (2) الأغاني والمنمق: المتحلف. (3) ينتمي إلى قبيلة ثقيف. (4) م وهامش ط س: خالي. (5) راجع ما تقدّم ف: 253

لعمر أبي تمدر ما بنوها ... بمذكورين إن عد الفخار فإن تفخر بأمك من قريش ... فقد ينزو على الفرس الحمار 396- وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنِ الْقَحْذَمِيِّ قَالَ: اسْتَعْدَى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ مُعَاوِيَةَ عَلَى ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ وَتَظَّلَمَ مِنْهُ فِي وِلايَتِهِ الْكُوفَةَ حَتَّى تَشَاتَمَا، فقال عمر: إنّما كانت أُمُّ الْحَكَمِ مَجْنُونَةٌ فَلَمْ يَرْغَبْ فِيهَا رِجَالُ قُرَيْشٍ، فَزَوَّجَهَا أَبُو سُفْيَانَ أَبَاكَ، فَنَادَتْ أُمُّ الْحَكَمِ: لا وَصَلَتْكَ يَا مُعَاوِيَةُ رَحِمٌ، فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِكَ؟ ابْنُكِ جَنَى هَذَا عَلَيْكِ. 397- قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ وَالْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: كَانَ سَبَبُ عَزْلِ مُعَاوِيَةَ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ، وهو عبد الرحمن بن عبد الله الثَّقَفِيُّ، أَنَّهُ قِيلَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّ ابْنَ أُخْتِكَ «1» خَطَبَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ «2» قَاعِدًا، وَإِنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ رَآهُ فَقَالَ: أَلا تَرَوْنَ هَذَا الأَحْمَقَ وَمَا فَعَلَ، وَاللَّهُ يَقُولُ (انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) الجمعة: 11) وَإِنَّهُ اشْتَدَّ فِي أَمْرِ الخراج «3» حتّى قتل ابن صلوبا، وَكَانَ صَاحِبَ شَرَابٍ يَشْرَبُ مَعَ سَعْدِ بْنِ هَبَّارٍ مِنْ وَلَدِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بن قصيّ، فقال حارثة بن بدر الغداني فِيهِ: نَهَارُهُ فِي قَضَايَا غَيْرِ عَادِلَةٍ ... وَلَيْلُهُ فِي هَوَى سَعْدِ بْنِ هَبَّارِ لا يَسْمَعُ النَّاسُ أَصْوَاتًا لَهُمْ خَفِيَتْ ... إِلا دَوِيًّا دَوِيَّ النَّحْلِ فِي الْغَارِ «4» فَيُصْبِحُ الْقَوْمُ أَطْلاحًا أَضَرَّ بِهِمْ ... سَيْرُ «5» الْمَطِيِّ وَمَا كَانُوا بِسُفَّارِ لا يَرْقُدُونَ وَلا تُغْضِي عُيُونُهُمُ ... لَيْلَ التَّمَامِ وَلَيْلَ الْمُدْلِجِ السَّارِي فَبَلَغَ الشِّعْرُ خَالَهُ مُعَاوِيَةَ، وَقَدِمَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ عَلَى معاوية فقال

_ 397- قارن بأسد الغابة 3: 288 وانظر الشعر في العقد 6: 305.

لَهُ: أَيَشْرَبُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: لا، قَالَ: أَفَيَسْمَعُ الْغِنَاءَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَمَا تَنْقِمُونَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: إِنْكَارَهُ بَيْعَةَ يَزِيدَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَظَنُّهُ أَنَّ الْفَيْءَ لَهُ وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا نَصْنَعُ بِأَبْيَاتِ ابْنِ هَمَّامٍ «1» ؟ قَالَ: كَذَبَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَنْشِدْنِي إِيَّاهَا إِنْ كُنْتَ تَرْوِيهَا، فَأَنْشَدَهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: شَرِبَهَا وَاللَّهِ الْخَبِيثُ، وَعَزَلَهُ (752) وَوَلَّى النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ الْكُوفَةَ. 398- وقال الْهَيْثَم: قدم الفرزدق متعرضًا لمعروف ابن أم الحكم فشرب مع بعض الكوفيين فأخذه صاحب العسس، فقالوا لابن أم الحكم: إن الفرزدق فِي حبسك، فأمر بإطلاقه وأعطاه عشرة آلاف درهم، فَقَالَ: فداك من الأقوام كل مزند ... قصير يد السربال مسترق الشبر فأنت ابن بطحاوي قريش وإن تشأ ... تكن من ثقيف فِي أرومتها الكبر «2» وأنت ابن سوار اليدين إلى العلى «3» ... تلقت بك الشمس المنيرة للبدر «4» فقيل له: فضلت أمه على أبيه، فَقَالَ: إنها بنت قريع البطحاء أبي سفيان، و (هو) ابن أخت أمير المؤمنين. ومدح الفرزدق ابن أم الحكم فَقَالَ: إليك ابن عبد اللَّه حملت حاجتي ... على صبر الأخفاف «5» خوص المدامع نواعج كلفن الذميل فلم تزل ... مقلصة أبصارها «6» كالشراجع

_ 398- الأبيات الرائية في ديوان الفرزدق 179 (الفحام) والعمدة 2: 122 والأبيات العينية في الديوان: 175 (الفحام) .

وما ساقها من خلة «1» أجحفت بها ... إليك ولا من قلة فِي مجاشع ولكنها اختارت بلادك رغبة ... على من سواها من ثنايا المطالع 399- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: خطبت «2» أم الحكم إلى مُعَاوِيَة ابنته على ابنها فأبى تزويجه فقالت: قد زوج أبوك أباه، وأنا خير من ابنتك، وهو خير من أبيه، فَقَالَ: أن أبا سُفْيَان كان سوقة ونحن اليوم ملوك، وكان أَبُو سُفْيَان يحب الزبيب والزبيب عندنا كثير، فَقَالَ ابن أم الحكم: إن عليًا زوج ابنته ابن أخته، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إن عليًا زوج قرشيًا وأنت ثقفي. 400- قالوا: وكانت لابْن الزُّبَيْرِ «3» الأسدي منزلة من ابن أمّ الحكم، فقتل قوم من بني أسد رجلًا من بني عم ابْن الزُّبَيْرِ، فخرج ابن أم الحكم وافدًا إلى مُعَاوِيَة وابْن الزُّبَيْرِ معه، وكان مع ابن أم الحكم قوم من بني أسد، فكلموه فِي فتكة «4» الرجل، فكلم ابن أم الحكم ابْن الزُّبَيْرِ فِي أن يقبل ديتين فأبى، فغضب عليه ابن أم الحكم ورده عَنِ الوفد وتوعده، فاستجار بيزيد بن معاوية، وكان يزيد يتنقّص ابن أم الحكم، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ «5» : أبلغ يزيد ابن الخليفة أنني ... لقيت من الظلم الأغر المحجلا بأن ابن عود قد أناخ مطيتي ... بجو لقد أثويت مثوى مضللا وقال تعلم أن رحلك ماكث ... بجو ونادى وفده فترحلا فلا هو أعطى الحق حين سألته ... ولا هو إذ رس العداوة أجملا فلولا أمير المؤمنين ودفعه ... وراءك كنت العاجز المتذللا عياذًا أمير المؤمنين فلا أكن ... طريد ابن عودٍ أو أسيرًا مكبلا

_ 400- قارن بالأغاني 14: 208

وكان عبد اللَّه أَبُو ابن أم الحكم دخل بستانًا فأفسد فيه فليم على ذلك ومنع من البستان، فَقَالَ: اجعلوني كعودٍ من عيدان البستان. وقال ابن الكلبي: وكان قد كتب فِي هدم داره وحبس أهله فَقَالَ «1» : ألست ببغل أمه عربية ... أبوه حمار أدبر الظهر ينخس أتاني من أهلي كتاب بأننا ... حبسنا ولم يترك من المال منفس وأن بناء الدار فضّ فأصبحت ... أما ليس ما فيها لضيف معرس فلله عينا من رأى من مسير ... كأسماء إذ تمشي قليلًا وتجلس دعت دعوة إذ عض كلبك ساقها ... ومن دونها مستنة الآل بسبس فلو كان أزمان «2» الطعان تركتها ... ذميمًا وقد مارت دماء وأنفس (753) وصدك عنها من خزيمة أسرة ... يقودهم ذو نخوة متغطرس تصاغرت إذ جئت ابن حرب ورهطه «3» ... وفي أرضنا أنت الهمام القلمس فهل يعمرن الأرض ردك رحلتي ... وأسماء محروسًا عليها المخيس فقالت أم الحكم لِمُعَاوِيَةَ: أما تسمع هذا الشاعر يشتمني ويهجوني؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ما شتمك ولا هجاك ولكنه مدحك. وقال ابْن الزُّبَيْرِ «4» : إلا إن ذلًا أن أقيم ببلدة ... مؤمرة فيها على ثقيف فأبلغ بني دودان أن أخاهم ... رهين بأرطال الحديد رسوف يرد عليه الهم باب مضبب ... وذو طنف دون السماء منيف الطنف الإفريز ببعض «5» الحائط ويروى «وأجرد من دون» يعني الحائط.

_ (1) البيتان 1، 8 في العقد 6: 129 والأغاني 14: 234 والبغال: 110 ولم يورد جامع ديوانه غيرهما: 94 (2) س: زمان. (3) البغال: تثعلبت لما أن أتيت بلادهم. (4) لم يوردها أيضا جامع ديوانه. (5) ط م: يعني، س: بعض.

وذو بردة ( ... ) له عجرفية ... عنيف وبواب السجون عنيف 401- المدائني قَالَ: هجا ابْن الزُّبَيْرِ ابن أم الحكم، فَقَالَ له مُعَاوِيَة: ما دعاك إلى هجاء ابن أختي؟ قَالَ: إنه هدم داري، قَالَ: فأنا كنت أبنيها، قَالَ: وأين كنت يومئذ منك؟ فابنها الآن وأنا أكف عنه، فَقَالَ: ومن يعلم أنه هدمها؟ قَالَ: عبد اللَّه بْن عامر. فسأل عبد اللَّه فَقَالَ: ما أدري ولكني أعطيته أربعين ألف درهم فاشترى بها ساجًا. 402- وقال ابْن الزُّبَيْرِ أيضًا: ألا أبلغ مُعَاوِيَة بْن حرب ... فقد خرب السواد فلا سوادا وإن جبالنا خربت وبادت ... فقد تركت لحالبها جمادا فهل لك أن تدارك ما لدينا ... وترفع «1» عَنْ رعيتك الفسادا فإن أمينكم لا اللَّه يخشى ... ولا ينوي لأمتكم سدادا إذا ما قلت أقصر عَنْ هواه ... تمادى فِي ضلالته وزادا 403- وقال الْمَدَائِنِيّ: نازع مروان ابن عامر، فَقَالَ عبد الرحمن بن أم الحكم: أما تجد ريح الفرث من هذا؟ فَقَالَ ابن عامر: أمني تجد ريح الفرث؟ أما إني لو شئت أن أختنك على الصفاة التي ختنت عليها أخاك لفعلت، فغلبه ابن عامر. 404- حَدَّثَنِي الرِّفَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ عن ابن عيّاش الهمداني قَالَ: قَدِمَ وَفَدَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ يَشْكُونَ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ إِلَيْهِ وَزَعِيمَهُمْ هَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ لَعْنَةَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ لا تَرْضَوْنَ عَنْ أَمِيرٍ، فَقَالَ أَبُو بردة: قد سمعتم وأنا أعزله لكم، فدخلوا على يزيد، فَقَالَ هانئ: ما ننقم على عبد الرحمن أن لا نكون أحظى أهل

_ 401- قارن بالأغاني 14: 245 402- الأبيات 1، 3، 5 أيضا في أسد الغابة 3: 287 منسوبة لعبد الله بن همام السلولي، ولم يورد جامع الديوان شيئا منها.

المصر عنده، ولكنا غضبنا لك، وذلك أنه أتي بجام من مها- أي بلور- فَقَالَ: أرفعوها حتى نهديها إلى يزيد يشرب فيها الخمر بماء بردى، فَقَالَ يزيد: ومن سمع ذلك؟ قَالَ أَبُو بردة: أنا، وقال غيره: أنا، فقام يزيد فدخل إلى مُعَاوِيَة فأخبره بقولهم، فَقَالَ: هذا أمر مصنوع، فاللَّه اللَّه فِي ابن عمتك، فَقَالَ: ما شاء فليكن، أليس قد سمع به الناس؟ فعزل ابن أم الحكم وولى النعمان بْن بشير الأنصاري. 405- وَحَدَّثَنِي الرِّفَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: وَلَّى مُعَاوِيَةُ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ مِصْرَ فقال له معاوية بن حديج الكندي: يا ابن أَخِي إِنَّمَا بَعَثَ بِكَ أَهْلُكَ لِيُفَكِّهُوكَ بِهَا، الْحَقْ بِأَهْلِكَ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ حُدَيْجٍ قَدِمَ (754) عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ الْحَكَمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَعْنِي أُكَلِّمُهُ قَالَ: لا تَفْعَلِي، قَالَتْ: بِالْقَرَابَةِ لِمَا فَعَلْتَ، قَالَ: فَأَنْتِ وَذَاكَ، فقالت: يا ابن حُدَيْجٍ، لا جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا عَنْ وَاحِدِي، قَالَ ابْنُ حُدَيْجٍ: مَنْ هَذِهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أُمُّ الْحَكَمِ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: اسْكُتِي أَيَّتُهَا الْوَرْهَاءُ، فَقَدْ تَزَوَّجْتِ فَمَا اسْتَكْرَمْتِ، وَوَلَدْتِ فَمَا أَنْجَبْتِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ وَاللَّهِ نَهَيْتُهَا فَأَبَتْ. 406- محمد عَنِ الواقدي عَنِ ابن أبي الزناد أن خارجة بْن زيد بْن ثابت حدثه أن أباه كتب إلى مُعَاوِيَة فِي آخر كتابه: والسلام عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ ومغفرته. 407- حَدَّثَنِي محمد بن سعد عن الواقدي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بنت الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَنْ يَخْطُبَ أُمَّ كُلْثُومِ «1» بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر، وَأُمُّهَا زَيْنَبُ «2» بِنْتُ عَلِيٍّ. وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم،

_ 405- ابن الأثير 4: 426 والنجوم الزاهرة 1: 151 وأسد الغابة 3: 287 والبيان 2: 108 وابن كثير 8: 82 وانظر الاكليل 2: 231 407- قارن بالكامل 3: 208- 209 وياقوت 1: 697 والبكري: 659 والسمهودي 2: 262- 263 ومناقب ابن شهر اشوب 3: 199 ووكيع 1: 153

عَلَى ابْنِهِ يَزِيدَ وَيَقْضِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ دَيْنَهُ، وَكَانَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَيُعْطِيهِ عَشْرَةَ آلاف دينار، ويصدقها أربعمائة وَيُكَرِّمُهَا بِعَشْرَةِ آلافِ دِينَارٍ، فَبَعَثَ مَرْوَانُ إِلَى ابْنِ جَعْفَرٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: نَعَمْ وَاسْتَثْنَى رِضَاءَ «1» الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَأَتَى الْحُسَيْنَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْخَالَ وَالِدٌ وَأَمْرُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ بِيَدِكَ، فأشهد عليه الْحُسَيْنَ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لِلْجَارِيَةِ: [يَا بُنَيَّةُ إِنَّا لَمْ نُخْرِجْ مِنَّا غَرِيبَةً قَطُّ، أَفَأْمُرُكِ بِيَدِي؟] قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّد بْنِ جَعْفَر بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ، وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ وَغَيْرُهُمْ مُجْتَمِعُونَ، فَحَمِدَ مَرْوَانُ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَحَبَّ أَنْ يَزِيدَ القرابة لُطْفًا وَالْحَقِّ عِظَمًا، وَأَنْ يَتَلافَى مَا كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ بِصِهْرِهِمَا، وَعَائِدَةُ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ عَلَى بَنِي عَمِّهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي ابْنَتِهِ مَا يَحْسُنُ «2» فِيهِ رَأْيُهُ. وَوَلَّى أَمْرَهَا الْحُسَيْنَ خَالَهَا، وَلَيْسَ عِنْدَ الْحُسَيْنِ خِلافُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَكَلَّمَ الْحُسَيْنُ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الإِسْلامَ دَفَعَ الْخَسِيسَةَ وَتَمَّمَ النَّقِيصَةَ وَأَذْهَبَ اللائِمَةَ، فَلا لَوْمَ عَلَى مُسْلِمٍ إِلا فِي أَمْرِ مَأْثَمٍ، وَإِنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي عَظَّمَ اللَّهُ حَقَّهَا وَأَمَرَ بِرِعَايَتِهَا، وَأَنْ يَسْأَلَ نَبِيُّهُ الأَجْرَ لَهُ بِالْمَوَدَّةِ «3» لأَهْلِهَا قَرَابَتِنَا «4» أَهْلَ الْبَيْتِ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أُزَوِّجَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ نَسَبًا وَأَلْطَفُ سَبَبًا، وَهُوَ هَذَا الْغُلامُ، وَقَدْ جَعَلْتُ مَهْرَهَا عَنْهُ الْبُغَيْبَغَةَ «5» ، فَغَضِبَ مَرْوَانُ وَقَالَ: غَدْرًا يَا بَنِي هَاشِمٍ؟! ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: مَا هَذَا بِمُشْبِهِ أَيَادِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنِّي جَعَلْتُ أَمْرَهَا إِلَى خَالِهَا، فَقَالَ الْحُسَيْنُ: رُوَيْدَكَ، أَلا تَعْلَمُ يَا مِسْوَرُ بْنَ مَخْرَمَةَ أَنَّ حُسَيْنَ «6» بْنَ عَلِيٍّ خَطَبَ عَائِشَةَ بِنْتَ عُثْمَانَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجْلِسِ، وَقَدْ أَشْفَيْنَا عَلَى الْفَرَاغِ، وَقَدْ وَلَّوْكَ يَا مَرْوَانُ أَمْرَهَا قُلْتَ: قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُزَوِّجَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ؟ قَالَ مَرْوَانُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، [قَالَ الْحُسَيْنُ: فَأَنْتُمْ أَوَّلُ الْغَدْرِ وَمَوْضِعُهُ، ثُمَّ] نَهَضَ فَقَالَ مَرْوَانُ لِلْمِسْوَرِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ والله لغيظي على

_ (1) م: واستغني، ط: برضا. (2) م: حسن. (3) إشارة إلى الآية «قل لا أسئلكم عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» (الشورى: 23) . (4) قرابتنا خبر إنّ. (5) انظر في تعريفها ياقوت 1: 697 والكامل: 655 (6) م: حسن.

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَشَدُّ مِنْ غَيْظِي عَلَى الْحُسَيْنِ، لِرَأْيِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ وَأَيَادِيهِ عِنْدَهُ، وَلأَنَّ الْحُسَيْنَ وَغَرَ الصَّدْرِ عَلَيْنَا وَعَبْدَ اللَّهِ سَلِيمُ الصَّدْرِ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِصَنَائِعِهِ عِنْدَهُ، فَقَالَ الْمِسْوَرُ: لا تَحْمِلْ عَلَى الْقَوْمِ، فَالَّذِي صَنَعُوا أَفْضَلُ، وَصَلُوا رَحِمًا وَوَضَعُوا كَرِيمَتَهُمْ حَيْثُ أَرَادُوا، فَأَمْسَكَ مَرْوَانُ «1» . 408- قَالَ: وحدثني (755) عبد الحميد بْن حبيب عَنْ أشياخه قالوا: لما أخذ مُعَاوِيَة البيعة ليزيد على أهل الحجاز وقدم الشام قَالَ له: يا بني إني قد وطأت لك الأمور وأخضعت لك أعناق العرب، ولم يبق إلا هؤلاء النفر وهم «2» حسين بْن علي وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْر وعبد اللَّه بْن الزبير، ولست أتخوف أن ينازعك فِي هذا الأمر غيرهم، فأما حسين فإن له رحمًا ماسة وحقًا عظيمًا وقرابة بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه عليك، فإن قدرت عليه فاصفح عنه، فلو أني الذي إلي أمره لعفوت عنه، وأما ابن عُمَر فرجل قد وقذته العبادة وقراءة القرآن وتخلّى من الدنيا، ولا أظنه يرى قتالك على هذا الأمر، ولا يريده ما لم يأته عفوا «3» ، وأما عبد الرحمن فشيخ عشمة «4» هامة اليوم أو غدٍ وهو مشغول عنك بالنساء، وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإن أمكنته فرصة وثب، فهو عبد الله بن الزبير، فإذا فعلها فاستمكنت «5» منه فلا تبق عليه، قطعه إربًا إربًا إلا أن يلتمس منك صلحًا، فإن فعل فاقبل منه، واحقن دماء قومك ما استطعت. ولم يمكث إلا يسيرًا حتى أتاه موت عبد الرحمن بْن أبي بَكْر فدعا يزيد فبشّره بذلك.

_ 408- الطبري 2: 196 والدينوري: 239 وشرح النهج 4: 490 وابن كثير 8: 115 وراجع ما تقدم ف: 309، وما سيلي رقم: 409، 411

409- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لابْنِهِ فِي وَصِيَّتِهِ: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ وَطَّأْتُ لَكَ الأَشْيَاءَ، وَأَذْلَلْتُ لَكَ الأَعْدَاءَ، وَأَخْضَعْتُ أَعْنَاقَ النَّاسِ بِبَيْعَتِكَ، فَانْظُرْ أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَأَكْرِمْهُمْ، فَإِنَّهُمْ أَصْلُكَ وَمَنْصِبُكَ: مَنْ «1» وَرَدَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ فَأَكْرِمْهُ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِكَ فَابْعَثْ إِلَيْهِ بِصِلَتِهِ، وَانْظُرْ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ طَعْنٍ عَلَى الأمراء وملالة لهم، فإن يسألوك أن تبذل «2» لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ عَامِلا فَافْعَلْ، وَانْظُرْ أَهْلَ الشَّامِ فَلْيَكُونُوا بِطَانَتَكَ وَعَيْبَتَكَ وَحِصْنَكَ، فَمَنْ رَابَكَ أَمْرُهُ فَارْمِهِ بِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا فَأَقْفِلْهُمْ إِلَيْكَ فَإِنِّي لا آمَنُ النَّاسَ عَلَى إِفْسَادِهِمْ «3» ، وَقَدْ كَفَاكَ اللَّهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَسْتُ أَخَافُ عَلَيْكَ إِلا حُسَيْنًا وَابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ، فَأَمَّا حُسَيْنٌ فَلَسْتُ أَشُكُّ فِي وثوبه عَلَيْكَ، فَسَيَكْفِيكَهُ مَنْ قَتَلَ أَبَاهُ وَجَرَحَ أَخَاهُ، إِنَّ آلَ أَبِي طَالِبٍ قَدْ مَدُّوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى غَايَةٍ أَبَتِ الْعَرَبُ أَنْ تُعْطِيَهُمُ الْمَقَادَةُ فِيهَا، وَهُمْ مَحْدُودُونَ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ وَقَذَهُ الإِسْلامُ وَشَغَلَهُ عَنْ مُنَازَعَتِكَ، وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَخَبٌّ خَدِعٌ فَإِذَا شَخَصَ إِلَيْكَ فَالْبَدْ لَهُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ عَلَى الْمُطَاوَلَةِ. 410- حَدَّثَنَا هشام بن عمار حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر بِحَبَشِيٍّ «4» - وَهُوَ عَلَى اثْنَيْ عشر ميلًا «5» من مَكَّة- فحمل ودفن بمكة، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ مَكَّة مِنَ الْمَدِينَةِ أَتَتْ قَبْرَهُ فَقَالَتْ: وَكُنَّا كَنَدْمَانِي جُذَيْمَةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدهر حَتَّى قيل لن يتصدّعا

_ 409- راجع ف: 309، 408 وما يلي رقم: 411 ومناقب ابن شهر اشوب 3: 239- 240 410- الأغاني 16: 96 وياقوت 2: 197 وقارن بالكامل 4: 30 وابن كثير 6: 322، 8: 98 والبيت لمتمم بن نويرة من مفضلية له مشهورة، شرح ابن الانباري رقم: 67 وانظر كتاب مالك ومتمم: 111 وانظر تخريجه 120- 122

قالوا: وتوفيت عائشة سنة ثمان وخمسين. وروى بعضهم أن عبد الرحمن كان باقيًا حتى مات مُعَاوِيَة، وذلك باطل. 411- وحدثني عباس بْن هشام الكلبي عن أبيه عن عوانة وغيره قالوا: لما حضرت مُعَاوِيَة الوفاة وذلك فِي سنة (756) ستين كان يزيد غائبًا، فدعا مُعَاوِيَة الضحاك بْن قيس الفهري، وكان على شرطه، ومسلم بن عقبة بن رباح «1» بْن أسعد المري، فأوصي إليهما فَقَالَ: بلغا يزيد وصيتي، وكتب فيها: يا بني انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك فأكرم من قدم عليك منهم، وتعهد من غاب عنك من وجوههم، وانظر أهل العراق وإن «2» سألوك أن تعزل عنهم فِي كل يوم عاملًا فافعل، فإن عزل عامل أهون عليك من أن تشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فإنهم بطانتك وعيبتك فإذا رابك من عدو شيء فانتصر بهم ثم ردهم إلى بلادهم فإن هم أقاموا فِي غيرها فسدت أخلاقهم. 412- حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: جَامَعَ مُعَاوِيَةُ جَارِيَةً لَهُ «3» خُرَاسَانِيَّةً ثُمَّ حُمَّ مِنْ يَوْمِهِ فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ. 413- حَدَّثَنِي هشام بْن عمار قَالَ: مات مُعَاوِيَة وعامله على مصر مسلمة بْن مخلد الأنصاري، وقد كان ولى ابن أم الحكم مصر بعد الكوفة. 414- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى عَنْ بَقْيَةَ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا فَشَكَرَ وَأَثْنَى، فَقَالَ: لَكِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أُعْطِيَ فَلَمْ يُثْنِ وَلَمْ يَشْكُرْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يَرَى له حقّا على الكرام.

_ 411- الطبري 2: 197 وابن الأثير 4: 2 والعقد 4: 87 والبيان 2: 131 وانظر ف 309، 408 وعن وفاة معاوية انظر ما يلي رقم: 435 413- النجوم الزاهرة 1: 153 وراجع ما تقدم ف: 9 عن تولية ابن أم الحكم مصر. 414- قد تقدم في ف: 35

415- قالوا: وولى مُعَاوِيَة روح بْن زنباع الجذامي عملًا، فرجم رجلًا وامرأة فَقَالَ الشاعر: إن الجذامي روحا في إقامته ... حد الإله لمعذور وإن عجلا فبلغ مُعَاوِيَة هذا البيت فَقَالَ: أولى الأمور بالتعجيل أداء حقوق اللَّه. 416- وحدثني هشام بْن عمار قَالَ: بلغنا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه لما أتى الشام رأى مُعَاوِيَة فِي موكب يغدو ويروح فيه، فَقَالَ له: يا مُعَاوِيَة تروح فِي موكب وتغدو فِي مثله، وبلغني أنك تصبح فِي منزلك وذوو الحاجات ببابك، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين إنا بأرض عدونا قريب منها، وله علينا عيون ذاكية، فأردت أن يروا للإسلام عزًا، فَقَالَ عُمَر: أن هذا لكيد لبيب أو خدعة أريب، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يا أمير المؤمنين فأمرني بما شئت أنته إليه، قَالَ: ويحك ما ناظرتك فِي أمر أعتب «1» فيه عليك إلا تركتني منه فِي أضيق سبلي حتى ما أدري أآمرك أم أنهاك. 417- وقال هشام والمدائني: كان عُمَر يرى مُعَاوِيَة فيقول: هذا «2» كسرى العرب. 418- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى الْحِمْصِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَنَى الْخَضْرَاءَ بِدِمَشْقَ مِنْ لَبِنٍ وَطِينٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ صَاحِبِ الرُّومِ فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ تَرَوْنَ بِنَائِي هَذَا؟ قَالُوا: مَا أَحْسَنَهُ إِلا أَنَّكَ تَبْنِيهِ لِنَفْسِكَ وَللْعَصَافِيرِ، يُرِيدُونَ أَنَّ الْعَصَافِيرَ تَحْفُرُه وَتَنْقُرُهُ، وَلَمْ تَبْنِهِ لِيَبْقَى لِمَنْ بَعْدَكَ، فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا بِالْحِجَارَةِ. 419- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: شخص سليمان بْن قتة مولى بني تيم «3» إلى سَعِيد «4» بن عثمان فلم

_ 415- قد تقدم في ف: 283، وهنا النهاية مختلفة. 416- الطبري 2: 207 وانظر الاستيعاب: 1417 417- ابن كثير 8: 125 وأمالي القالي 2: 121 وأسد الغابة 4: 386 والنووي (تحقيق وستنفلد) : 565 وتاريخ الاسلام 2: 320 418- محاضرات الراغب 2: 265 ومطالع البدور 1: 11

يصله، فقيل له: إنه يهجوك فَقَالَ: أو يهجوني وأنا ابن عثمان بن عفّان؟! فبلغ ابن قتة قوله فَقَالَ: صدق والناس كلهم بنو آدم، فمنهم ذهب ومنهم فضة ومنهم نحاس فسَعِيد فلس بني عثمان، وقال «1» : سألت قريشًا عَنْ سَعِيد فأجمعوا ... عليه وقالوا معدن اللؤم والبخل فقلت لنفسي حين أخبرت أنه ... بخيل ألا ليس ابن عثمان من شكلي فكم من فتى كز اليدين مذمم ... وكان أبوه عصمة الناس فِي المحل (757) فأجمعت يأسًا حين أيقنت «2» أنه ... بخيل وقد ألقى على غاربي رحلي «3» فوجهت عنسا نحو عمرو فأسرعت ... مواشكة تهوي مواشكة الفحل إلى ماجد الجدين سبط بنانه ... إذا سئل المعروف يهتز كالنصل يعني عمرو بْن سَعِيد بْن العاص، فشكا سَعِيد حين قدم على مُعَاوِيَة ابن قتة، فَقَالَ له: كان ينبغي لك أن تفتدي منه عرضك، وأعطاه عمرو بْن سَعِيد ألف دينار «4» وجارية فَقَالَ: ودون سَعِيد إن أراد ظلامتي ... أغر كريم الوالدين نجيب سيمنعني من خطة الضيم سيفه ... ورأي إذا حار الرجال صليب فأعطاه سَعِيد بْن عثمان ألفًا وجارية فَقَالَ: لقد نالني سيب ابن عثمان بعد ما ... يئست وكان المرء ترجى فضائله فجاد كما جاد السحاب ولم يكن ... بكيئًا ولكن غرقتنا «5» نوافله وإن عاد عدنا للذي هو أهله ... وأحظى عباد اللَّه بالخير فاعله 420- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده وشرقي بن «6» القطامي

_ (1) في النسخ الثلاث: فسمعه قيس بن عثمان فقال، ولكني آثرت رواية خ بهامش ط، والمعنى أن سعيدا من نحاس، وقوله «وقال» يعني ابن قتة. (2) س: أبقيت. (3) خ بهامش ط: حبلي. (4) خ بهامش ط: درهم. (5) س: يكنى ... عرفتنا. (6) بن: سقطت من م.

قَالا: وَلِيَ مُعَاوِيَةُ الشَّامَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَأَتَاهُ وَهُوَ بِالشَّامِ بَحْدَلُ بْنُ أُنَيْفِ بْنِ دُلْجَةَ مِنْ وَلَدِ حَارِثَةَ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ بِابْنِ أَخٍ لَهُ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ، وَكَانَ ابْنَا أَخِيهِ هَذَانِ خَطَبَا مَيْسُونَ بِنْتَ بَحْدَلٍ جَمِيعًا فَزَوَّجَ الْمَقْتُولَ، فَإِنَّ رَأْسَهُ لَفِي حِجْرِهَا وَهِيَ تُفَلِّيهِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ بِصَخْرَةٍ فَلَقَ بِهَا رَأْسَهُ، فَلَمَّا أَتَى مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ قَتَلْتُهُ لَكَ فَذَهَبَ ابْنَا أَخِيكَ جَمِيعًا، وَإِنْ شِئْتَ فَالدِّيَةُ، فَقَبِلَ الدِّيَةَ. ووجه مُعَاوِيَة «1» بعد ذلك رسولًا إلى بهدل بْن حسان بْن عدي بْن جبلة بْن سلامة ابن عليم بْن جناب الكلبي ليخطب عليه ابنته، وكانت بكرا، فغلط فمضى إلى بحدل ابن أنيف فخطب ابنته، فزوجه ميسون، فَقَالَ عمرو الزهيري «2» من كلب يهجو حسان بْن مالك بْن حدل: إذا ما انتمى حسان يومًا فقل له ... بميسون نلت المجد لا بابن بحدل بخمصانة ريا العظام كأنها ... من الوحش مكحول المدامع عيطل ولولا ابن ميسون لما ظلت عاملًا ... تخمط أبناء الأكارم «3» من عل وما كان يرجو مالك أن يرى ابنه ... على منبر يقضي القضاء بفيصل ألا بهدلا كانوا أرادوا فضللت ... إلى بحدل نفس الرسول المضلل فشتان إن قايست بين ابن بحدل ... وبين ابن ذي الشرط الأغر المحجل وكان لعدي بْن جبلة بْن سلامة شرط فِي قومه: لا يدفنوا ميتًا حتى يكون هو الذي يخط له موضع قبره، وفيه يقول الشاعر «4» طعمة بْن مدفع الكلبي: عشية لا يرجو امرؤ دفن أمه ... إذا هي ماتت أو يخطّ لها قبرا «5»

_ (1) تاج العروس 5: 168 والخزانة 3: 594 (دون شعر) والشاعر هو عرفطة بن عثمان (كما في الجمهرة: 24/ أمن نسخة الاسكوريال) . (2) ط م س: الزهري. (3) ط وهامش س: الأكابر، خ بهامش ط: الأكارم، وقد كتبت الكلمتان إحداهما فوق الأخرى في م. (4) الشاعر: سقطت من ط م. (5) انظر تاج العروس 5: 168، وانظر بيتا مشابها في حماسة البحتري: 202

421- وقال الْمَدَائِنِيّ: طلق مُعَاوِيَة ميسون وهى حامل، وكان زوجها الذي قتل عنها زامل بْن عبد الأعلى فرماه بعض الأعراب، ولم يقل شيئًا، والصحيح أن الذي قتله أخوه. 422- وَحَدَّثَنِي «1» عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أبي السَّائِبِ قَالَ: كَانَ رَأْسُ مُعَاوِيَةَ كَبِيرًا فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَيَسُوَدَنَّ ابْنِي هَذَا قُرَيْشًا، (758) فَقَالَتْ هِنْدٌ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَسُودَ الْعَرَبَ قَاطِبَةً. 423- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ «2» : بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ أَنَّ قُرَيْشًا بِبَابِهِ تَتَبَاشَرُ بِمَوْتِهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ دَعُوا لَهُ، فَقَالَ: أَتَتَبَاشَرُونَ بِمَوْتِي إِذَا خَلَوْتُمْ وَتَدْعُونَ لِي إِذَا حَضَرْتُمْ؟! فَانْتَفُوا مِنْ ذَلِكَ وَاعْتَذَرُوا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ، وَقَالَ: وَهَلْ مِنْ خالدٍ إما هلكنا ... وهل فِي الموت يا لِلنَّاسِ عَارُ 424- حَدَّثَنِي هشام بْن عمار قَالَ: أغمي على مُعَاوِيَة فِي مرضه ثم فتح عينيه فَقَالَ: اتقوا اللَّه فإن من اتقاه وقاه، ولا وقاء لمن لم يتق اللَّه. 425- وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أَبِي السَّائِبِ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: إِنْ تُنَاقِشْ يَكُنْ نقاشك يا ر ... بّ عذابا لا طوق لي بالعذاب

_ 422- عيون الأخبار 1: 224 وابن كثير 8: 118 ومحاضرات الراغب 1: 67 والعقد 2: 287 وبلاغات النساء: 142 وسير الذهبي 3: 80 وشرح النهج 1: 112 وثمة نص مشابه في البصائر 3: 165 423- قارن بابن الأثير 4: 5 وبهجة المجالس 2: 369- 370، وسيرد البيت فيما يلي رقم: 428، 433 وهو لعدي بن زيد، انظر ديوانه: 132 والتخريج هنا لك غير واف. 424- ابن كثير 8: 142 وابن الأثير 4: 4 وفي أنساب الاشراف (896/ أمن نسخة س) نسب القول إلى عمر. 425- ابن الأثير 4: 4 والعمدة 1: 14 وابن كثير 8: 142، 9: 68 والبيتان أيضا في ابن كثير 9: 68 وابن الأثير 4: 415 والفائق (نقش) ورسائل ابن أبي الدنيا: 65 (رقم: 110) ونور القبس 1: 292 وديوان ابن الدمينة: 130 وتذكرة ابن حمدون: 63 ب وبهجة المجالس 2: 369

أَوْ تُجَاوِزْ فَأَنْتَ رَبِّ غَفُورٌ «1» ... عَنْ مُسِيءٍ ذُنُوبُهُ كَالتُّرَابِ 426- حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاوِيَةَ الْوَفَاةُ وَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ رَمْلَةَ ابْنَتِهِ، فَجَعَلَتْ تُقَلِّبُهُ فَقَالَ: إِنَّكَ لَتُقَلِّبِينَهُ حَوْلًا قَلْبًا، ثُمَّ تَمَثَّلَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: لا يَبْعُدَنَّ رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ ... وَسَقَى الْغَوَادِي قَبْرَهُ بِذُنُوبِ 427- وقال الْمَدَائِنِيّ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لابنتيه وهما تقلبانه «2» فِي مرضه: قلباه حولا قلبًا جمع المال من شب إلى دب، فليته لا يدخل النار، ثم تمثل: لقد سعيت لكم سعي امرئ نصب «3» ... وقد كفيتكم التطواف والرحلا 428- الْمَدَائِنِيّ عَنْ بشر بن موسى وأبي طيبة «4» الحماني قالا: أغمي على مُعَاوِيَة فِي مرضه الذي مات فيه فقالت رملة ابنته، أو امرأة من أهله، متمثلة بشعر الأشهب بْن رميلة:

_ 426- الكامل 4: 111 (وفيه البيت) وانظر ما يلي رقم: 427 والميداني 1: 149 والعسكري 1: 409 وتذكرة ابن حمدون: 63 ب واللسان 2: 179، 189 13: 179 ويرد البيت أيضا في أنساب الأشراف (الورقة 943 ب، 960/ أمن نسخة س) والمرزباني: 36 وانظر 438، والمرصع: 161 والفائق (حول) ونهاية ابن الأثير (قلب، كبب) وشرح النهج 1: 113 والحماسة البصرية 2: 231 والمصعب: 444، ونسبته متنازعة فهو عند المصعب عمرو بن شقيق القرشي وعند المرزباني ينسبه قوم لحسان وقوم لمكرز وآخرون لعمرو بن شقيق وعند ابن الأثير لحفص الكناني وفي الحماسة البصرية لمكرز بن حفص بن الأحنف الكناني. 427- الطبري 2: 201 وانظر ابن الأثير 4: (وفيه البيت) وتمام المتون: 61- 62 428- المجتنى: 39 وانظر ما يلي رقم: 430 ويرد البيتان أيضا في المعمرين 2: 91 وديوان الأخطل: 381 وزهر الآداب: 923 وابن عساكر 5: 23 وديوان المعاني 1: 27 والمصون: 64 وينسب البيتان لنصر بن الحجاج بن علاط السلمي (المعمرين) وحي بن هزال السعدي (ابن عساكر) والأخطل (ديوان المعاني وزهر الآداب، وهو خطأ) .

إذا مت مات الجود «1» وانقطع الندى ... من الناس إلا من قليل مصرد وردت أكف السائلين وأمسكوا ... من الدين والدنيا بخلف «2» مجدد ثم أفاق وأغمي عليه فأنشدت «3» : لو دام شيء لها لدام أَبُو ... حيان لا عاجز ولا وكل «4» الحول القلب الأريب وهل ... يدفع زو المنية الحيل ويقال إن مُعَاوِيَة أفاق فأنشد البيتين. وكان مُعَاوِيَة ينشد «5» . وهل من خالدٍ إما هلكنا ... وهل فِي الموت يا للناس عار 429- وحدثت عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِم أنه قَالَ: جعل مُعَاوِيَة يهذي فِي مرضه ويقول: كم بيننا وبين الغوطة؟ فقالت ابنته: واحرباه، فأفاق وقال: إن تنفري فقد رأيت منفرا 430- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ علي بن مجاهد عن عبد الأعلى بن مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَانِي قَمِيصًا فَرَفَعْتُهُ، وقلّم

_ 429- هذا الشطر من الرجز ورد في أنساب الاشراف (الورقة 790/ أمن نسخة س) . 430- الطبري 2: 201 وابن الأثير 4: 4 والعقد 3: 232- 233 وأسد الغابة 4: 387 (والاثنان الاخيران لم يرد فيهما شعر) وابن عساكر 5: 23 وما تقدم ف: 428 والشعر أيضا في مجموعة المعاني: 92 (والشاعر هو الأشهب بن رميلة، ونسب خطا إلى الأخطل في مجموعة المعاني) وانظر الدميري 1: 150 (ط 1321) وفاضل المبرد: 51 وسير الذهبي 3: 107 والسمط: 888 وقارن بالمستطرف 2: 380.

أَظْفَارَهُ فَأَخَذْتُ قِلامَتَهَا فَجَعَلْتُهَا فِي قَارُورَةٍ، فَإِذَا متّ فألبسوني الْقَمِيصَ، وَاسْحَقُوا تِلْكَ الْقِلامَةَ وَذُرُّوهَا فِي عَيْنِي، وَاجْعَلُوا الْقَمِيصَ بَيْنَ جِلْدِي وَكَفَنِي فَعَسَى «1» ، ثُمَّ تَمَثَّلَ: (759) إِذَا مِتُّ مَاتَ الْجُودُ وَانْقَطَعَ النَّدَى ... من الناس إلا من قليل مصرد وردت أكف السائلين وأمسكوا ... من الدين والدنيا بخلف «2» مجدّد فَقَالَتْ رَمْلَةُ أَوْ بَعْضُ أَهْلِهِ: بَلْ يَدْفَعُ الله عنك، فقال «3» : وَإِذَا الْمَنِيَةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنْفَعُ 431- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ حَبِيبٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: كُنْتُ أُوَضِّئُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: أَلا أَكْسُوكَ قَمِيصًا؟ قُلْتُ: بَلَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَنَزَعَ قَمِيصًا كَانَ عَلَيْهِ فَكَسَانِيهِ، وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ فَأَخَذْتُ قِلامَتَهَا، فَإِذَا مِتُّ فَأَلْبِسُونِي الْقَمِيصَ، وَخُذُوا الْقِلامَةَ فَاجْعَلُوهَا فِي عَيْنِي، فَعَسَى اللَّهُ. 432- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَمَرَ بِرَدِّ نِصْفِ مَالِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَطِيبَ لَهُ الْبَاقِي، وَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَاسَمَ عُمَّالَهُ. 433- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ قَالَ: دَخَلَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الأَشْدَقُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ ثَقِيلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ صَالِحًا، قَالَ: لَقَدْ أَصْبَحْتَ عَيْنُكَ غَائِرَةٌ وَلَوْنُكَ كَاسِفًا وَأَنْفُكَ ذَابِلًا، فَاعْهَدْ أَيُّهَا الرَّجُلُ ولا

_ 431- انظر الفقرة السابقة والنووي 2: 103 والاستيعاب: 1419 وسير الذهبي 3: 106 وتاريخ الاسلام 2: 323- 324 ونور القبس: 292 432- مرّ في ف: 97 433- البيان: 2: 242 وقد مرّ البيت في ف: 423، 428

تَخْدَعْ نَفْسَكَ «1» ، فَتَمَثَّلَ مُعَاوِيَةُ «2» : وَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إما هلكنا ... وهل فِي الموت يا للناس عَارُ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا كُنْتُ أُحِبُّ لَكَ أَنْ تُسْمِعَهُ هَذَا الْكَلامَ، فَقَالَ عَمْرٌو: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّهُ سَبَقَنِي بِنَفْسِهِ وَلَمْ أُسْمِعْهُ مَا أَسْمَعْتُهُ مِنْ هَذَا الْكَلامِ. 434- الْمَدَائِنِيّ عَنْ إسحاق بْن أيوب عَنْ خالد بْن عجلان قَالَ: ثقل مُعَاوِيَة ويزيد بحوارين، فأتاه الرسول بخبره، فجاء وقد دفن مُعَاوِيَة، فلم يدخل منزله حتى أتى قبره، فترحم عليه ودعا له ثم انصرف إلى منزله وقال: جاء البريد «3» بقرطاس يخب به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعًا قلنا لك الويل ماذا فِي كتابكم «4» ... قَالَ الخليفة أمسى مثبتًا وجعا فمادت الأرض أو كادت تميد بنا ... كأن أغبر من أركانه انقلعا «5» ثم انبعثنا على خوص مزممة ... نرمي الفجاج بها لا نأتلي سرعا «6» وما نبالي إذا بلغن أرحلنا ... ما مات منهن بالبيداء «7» أو ظلعا من لا تزل نفسه تشفي على تلف «8» ... توشك مقادير «9» تلك النفس أن تقعا

_ 434- قارن الطبري 2: 203 وابن الأثير 4: 5 والأغاني 17: 142- 143 وأسد الغابة 4: 387 والعقد 4: 373 وابن كثير 8: 144 والاستيعاب: 1419 وبما يلي رقم: 437، على تفاوت فيما يورده كل مصدر من الأبيات، والبيت العاشر ومعه آخر مهتدمان من الأعشى كما في العقد والاستيعاب، انظر ديوانه: 86.

لما انتهينا وباب الدار منصفق «1» ... لصوت «2» رملة ريع القلب فانصدعا ثم ارعوى القلب شيئًا بعد طيرته ... والنفس تعلم أن قد أثبتت جزعا أودى ابن هِنْد وأودى المجد يتبعه ... كانا جميعًا خليطًا قاطنين معا «3» أغر أبلج يستسقى الغمام به ... لو قارع الناس عَنْ أحسابهم قرعا «4» 435- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا «5» : تُوُفِّيَ مُعَاوِيَةُ لِلنِّصْفِ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ سَنَةً، فَلَمَّا قُبِضَ صَعَدَ الضَّحَّاكُ ابن قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ عُودَ الْعَرَبِ وَحَدَّهَا وَنَابَهَا، قَطَعَ اللَّهُ بِهِ الْفِتْنَةَ وَجَمَعَ بِهِ الْكَلِمَةَ، وَمَلَّكَهُ خَزَائِمَ الْعِبَادِ «6» وَفَتَحَ لَهُ الْبِلادَ، أَلا وَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ (760) وَهَذِهِ أَكْفَانُهُ وَنَحْنُ مُدْرِجُوهُ فِيهَا ثُمَّ مُدْخِلُوهُ قَبْرَهُ، وَمُخَلُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، ثُمَّ هُوَ الْهَرْجُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْهَدَهُ فَلْيَحْضُرْ عِنْدَ الظُّهْرِ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَتْ أَكْفَانُ مُعَاوِيَةَ فِي يَدِ الضَّحَّاكِ وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ هِشَامٌ: وَيُقَالُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ مَاتَ فِي أَوَّلِ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ، وَكَانَ عَمْرُهُ سَبْعًا وَسَبْعِينَ سَنَةً. 436- أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: خَرَجَ الضَّحَّاكُ حِينَ مَاتَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ أَطْفَأَ اللَّهُ بِهِ الْفِتَنَ وَبَسَطَ بِهِ الدُّنْيَا، فَقَدْ قَضَى نَحْبَهُ، وَنَحْنُ رَائِحُونَ بِهِ مُدْرَجًا فِي أَكْفَانِهِ، وَمُدْخِلُوهُ فِي قَبْرَهُ وَمُخَلُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَعِلْمِهِ، فَإِنْ شاء الله رحمه وإن شاء عاقبه.

_ 435- قارن بما في الطبري 2: 198، 199- 200 وما تقدم ف: 411 وانظر بعضه في الطبري 2: 202 وابن الأثير 4: 5 وأسد الغابة 4: 387 والدينوري: 240 والعقد 4: 87، 374 والأغاني 17: 142 والبيان 2: 131 وابن كثير 8: 142 وانظر الفقرتين التاليتين.

437- حَدَّثَنِي العمرى عَنِ ابن عدي عَنِ ابن عياش قَالَ: كان يزيد بْن مُعَاوِيَة حين مات أبوه بحوارين، فقدم وقد دفن أبوه عند الباب الصغير بدمشق، فأتى قبره فدعا له ثم انصرف فخطب فَقَالَ: إن مُعَاوِيَة كان عبدًا من عبيد اللَّه أنعم عليه ثم قبضه إليه، وهو خير ممن بعده ودون من قبله، ولا أزكيه على اللَّه فهو أعلم، فإن عفا عنه فبرحمته وإن عاقبه فبذنبه، ولن أني «1» عَنْ طلب ولا أعتذر من تفريط، وعلى رسلكم إذا أراد اللَّه شيئًا كان. 438- وحدثني الحسن بْن علي الحرمازي عَنْ علي القصير عَنْ أبي يعقوب الثقفي قَالَ: عزى عطاء بْن أبي صيفي الثقفي يزيد حين مات مُعَاوِيَة فَقَالَ: يا أمير المؤمنين إنك رزئت الخليفة وأعطيت الخلافة، قضى مُعَاوِيَة نحبه فغفر اللَّه له ذنبه، ووليت الرئاسة وكنت أحقّ بالسياسة، فاحتسب عند اللَّه عظيم الرزية، واشكره على حسن العطية، أعظم اللَّه على أمير المؤمنين أجرك وأحسن على الخلافة عونك. 439- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عن عوانة وابن عياش قالا: لما مات مُعَاوِيَة جاء عبد اللَّه بْن همام السلولي أو غيره فَقَالَ: يا أمير المؤمنين أعظم اللَّه أجرك فِي الخليفة وبارك لك فِي الخلافة، ثم أنشد: اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة «2» ... واشكر عطاء «3» الذي بالملك أصفاكا أصبحت لا رزء فِي الأقوام نعلمه «4» ... كما رزئت ولا عقبى كعقباكا

_ 437- عيون الأخبار 2: 238 وابن كثير 8: 143 وانظر المروج 5: 151 والعقد 4: 89 438- انظر ما يلي رقم: 780 والبيان 2: 191 والعقد 3: 309 وعيون الأخبار 3: 68 439- ما يلي رقم 780 والبيان 2: 132، 181 والمروج 5: 154 وزهر الآداب: 54 والعمدة 2: 147 ونهاية الأرب 5: 215- 216 وبديع القرآن: 298 وفاضل الوشاء: 172 ومعاهد التنصيص 1: 258، 287 والكامل 4: 111- 112 وعيون الأخبار 3: 68 (دون شعر) وربيع الأبرار: 302 ب والشعر والشعراء: 546 والعقد 3: 308، 4: 88، 374 والخزانة 3: 639

أعطيت طاعة أهل الأرض كلهم «1» ... فأنت ترعاهم واللَّه يرعاكا وفي مُعَاوِيَة الباقي لنا خلف ... إذا فقدت «2» ولا نسمع بمنعاكا 440- وقال أَبُو الدرداء العنبري يرثي مُعَاوِيَة: ألا أنعى مُعَاوِيَة بْن حرب ... نعاه الحل والشهر الحرام نعته الناعجات لكل حي «3» ... خواضع فِي الأزمة كالسهام فهاتيك النجوم وهن خرسٌ ... يَنُحْنَ عَلَى معاوية الشامي «4» 441- وَقَالَ أيمن بْن خريم بْن فاتك الأسدي: رمى المقدار «5» نسوة آل حرب ... بحادثة سمدن لها سمودا فرد شعورهن السود بيضا ... ورد خدودهن «6» البيض سودا فإنك لو سمعت «7» بكاء هِنْد ... ورملة إذ يلطمن «8» الخدودا بكيت بكاء موجعة «9» بحزن «10» ... أصاب الدهر واحدها الفريدا «11»

_ 440- الأبيات في ابن كثير 8: 144 والثالث في اللسان 15: 208 وأنساب الأشراف (الورقة 1120/ أمن نسخة س) والتاج 8: 353 واسم الشاعر أبو درداء ميسرة (التاج واللسان) واسمه عند ابن كثير أبو الورد العنبري. 441- الحماسة: 427 والمرزباني: 177 وابن عساكر 3: 189 والعيني 2: 417 والخزانة 1: 344 وابن كثير 8: 144 وأمالي القالي 3: 116 والمنازل والديار: 264/ أوالأبيات في مجالس ثعلب 2: 507 وأضداد أبي الطيب 1: 373 والبيتان 1، 2 في عيون الأخبار 3: 67 والتاج 2: 380 واللسان 4: 204 وأضداد ابن الأنباري: 28 وبديع أسامة: 47 والأول في نهاية الأرب 7: 144، ونسبت الأبيات في العيون والمرزباني لفضالة بن شريك وفي أمالي القالي للكميت بن معروف الاسدي، وفي الحماسة والتاج والمنازل: لعبد الله بن الزبير الأسدي.

442- وقال الأحوص (761) : يا أيّها الرجل الموكل بالصبا ... وصبا الكبير إذا صبا تضليل قدم لنفسك قبل يومك صالحا ... واعمل فليس إلى الخلود سبيل إن الحمام لطالب لك لاحق ... والموت ربع إقامة محلول لا بد من يَوْمٍ لكل معمر ... فيه لعدة عمره تكميل والناس أرسال إلى أمد لهم ... يمضي لهم جيل ويخلف جيل إنّ امرأ أمن الزمان وقد رأى ... غير الزمان وريبه لجهول أين ابن هِنْد وهو فيه عبرة ... أفما اقتديت بمن له معقول ملك تدين له الملوك مبارك ... كادت لمهلكه الجبال تزول تجبى له بلخ ودجله كلها ... وله الفرات وما سقى والنيل والشام أجمع داره فبكله ... تلفى كتائب جمة وخيول وبكل أرض للعدى من غزوه ... حصن يخرب أو دم مطلول يقضى فلا خرق ولا متتعتع ... لغباوةٍ فِي القول حين يَقُول لو أنه وزن الجبال بحلمه ... لوفى بها ثقلًا بها ويميل متأثل ما إن يظن لملكه ... عنه «1» ولا لسروره تحويل فأزال ذلك ريب يوم واحد ... عنه وحكم ما له تبديل حتى ثوى جدثًا كأن ترابه ... مما تطيره الصبا منخول وهو الذي لو كان حي خالدًا ... يومًا لكان على المنون يؤول 443- وحدثني هِشَامُ بْن عَمَّارٍ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاشٍ أبي عتبة عَنْ صفوان بْن عمرو أن عبد الملك مر بقبر مُعَاوِيَة فوقف عليه فترحم، فَقَالَ له رجل من قريش: قبر من هذا يا أمير المؤمنين؟ فَقَالَ: قبر رجل كان واللَّه ما علمته ينطق عَنْ علم ويسكت عَنْ

_ 442- لم ترد في ديوانه المجموع سواء بعناية الدكتور السامرائي أو عادل سليمان. 443- ما تقدم ف: 352 وقارن بالفقرة: 267، 354

حلم، إذا أعطى أغنى وإذا حارب أفنى، ثم عجل له الدهر ما أخره لغيره ممن بعده، هذا قبر أبي عبد الرحمن مُعَاوِيَة يرحمه اللَّه. 444- ووجدت فِي كتاب لعبد اللَّه بْن صالح العجلي: ولى مُعَاوِيَة المدينة مروان ابن الحكم ثم عزله وولى سَعِيد بْن العاص، ثم رد مروان ثم عزله وولى الوليد بْن عتبة بْن أبي سُفْيَان. وولى مُعَاوِيَة مَكَّة «1» عتبة بْن أبي سُفْيَان ثم عزله، وولى خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةَ المخزومي ثم عزله، وولى عنبسة بْن أبي سُفْيَان وضم إليه الطَّائِف، فلم يزل عليها حتى مات فِي سنة ثمان وأربعين، فضم مَكَّة إلى مروان أشهرًا، ثم عزله وولى سَعِيد بْن العاص المدينة ومكة والطائف، فولى سَعِيد ابنه عمرًا الأشدق مَكَّة والطائف، فاشتد عليهم وعسفهم، فشكاه عبد اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة، فعزل مُعَاوِيَة سَعِيدا عَنْ عمله وولى مروان المدينة ومكة، فَقَالَ ابن صفوان لعمرو بن سعيد: الحمد لله الذي عزلك عَنْ رقاب قريش، فَقَالَ: عزلني عَنْ رقبتك ووضعني على رأسك ثم عزل مروان وولى الوليد بْن عتبة المدينة ومكة. 445- وقال أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: كان كاتب مُعَاوِيَة سرجون مولاه، وكان على شرطه يزيد بْن الحر العبسي «2» ثم زمل بْن عمرو، وكان مُعَاوِيَة أول من اتخذ حرسًا «3» وولى حرسه الضحاك بْن قيس، ثم ولاه شرطه وصير على حرسه يزيد بْن الحر. 446- قَالَ الْمَدَائِنِيّ، قَالَ مُعَاوِيَةُ للأحنف: من أعز أهل العراق؟ قَالَ: بنو الحارث بْن كعب: الربيع بْن زياد على خراسان، وقطن بْن عبد اللَّه على أذربيجان، وشريك بْن الأعور على فارس وكرمان، وكثير بْن شهاب (762) على الري، والسري ابن وقاص على أعمال الكوفة، وزياد بْن النضر على إصبهان، فكتب معاوية إلى زياد:

_ 445- قارن بعضه بالطبري 2: 205 وابن الأثير 4: 7 واليعقوبي 2: 276 وابن كثير 8: 21، 145 وما يلي رقم: 1006 والدميري 1: 52 وابن عساكر 7: 5 والفهرست: 242.

رأيت جل عمالك بني الحارث بْن كعب، فكتب إليه زياد: وجدت فيهم خلتين لو كانتا فِي الزنج لوليتهم معهما «1» الأمانة «2» والكفاية. 447- وقال المدائني عن جويرية بْن أسماء: كتب مروان إلى مُعَاوِيَة يسأله تولية عبد الملك بْن مروان ديوان المدينة ففعل، فكان عليه إلى آخر أيام يزيد. 448- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيِّ قَالَ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ الْيَهُودِيِّ، فَقَالَ يَهُودِيٌّ «3» كَانَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ: غَدَرَ بِهِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ يَا مُعَاوِيَةُ أَتُمْسِكُ عَنْهُ وَقَدْ نَسَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَدْرِ؟ فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: اخْرُجْ عَنَّا، وَطَلَبَهُ مُحَمَّدٌ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: وَاللَّهِ لا كَلَّمْتُكَ أَبَدًا وَلأَقْتُلَنَّ الْيَهُودِيَّ إِنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ. 449- الْمَدَائِنِيّ قال: كتب عبد الله بن الزبير إلى مُعَاوِيَة: إنك كنت أذنت لي فِي سفينة من الجار «4» ، فكان لنا فِي ذلك مرفق، وقد قطعت ذلك، فإن أذنت لنا فيها فقد أحسنت، وإن أبيت فعسى أن يكون ذلك خيرا، وعندي فلانة وفلانة وفلانة ولهن بك حرمة وبهن إلى صلتك حاجة وهنّ أيتام، فوصلهنّ. 450- وقال مُعَاوِيَةُ: صحبني أربعة من الأنصار: النعمان بْن بشير فوليته حمص، ومسلمة بْن مخلد «5» فوليته مصر، وعمرو بْن سَعِيد فوليته فلسطين، وفضالة بْن عبيد «6» فوليته القضاء، ولو زادوني لزدتهم، ولأنا خير لهم من أبي بَكْر وعمر. 451- حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة وحدّثني العمري عن الهيثم بن

_ 451- قارن بما يلي رقم 742، 753 والطبري 2: 162، 163 وابن الأثير 3: 412 وأمالي القالي 3: 8، 157 وانظر أيضا ابن عساكر 7: 5

عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ وَابْنِ عَيَّاشٍ قَالُوا: وَلَّى مُعَاوِيَةُ زِيَادًا الْعِرَاقَ، فَلَمَّا مَاتَ وَلَّى سَمُرَةَ ثُمَّ وَلَّى بَعْدَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ غَيْلانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ ثُمَّ وَلَّى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، وَوَلَّى الْكُوفَةَ بَعْدَ زِيَادٍ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ، وَكَانَ زِيَادٌ اسْتَخَلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ فَأَقَرَّهُ مُعَاوِيَةُ أَشْهُرًا ثُمَّ وَلَّى الضَّحَّاكَ، ثُمَّ وَلَّى بَعْدَهُ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ، ثُمَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ. 452- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَم عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ وَالْمَدَائِنِيِّ عَنْ مَسْلَمَةَ قَالا: وَلَّى مُعَاوِيَةُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ حضر موت فَكَتَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ: أَبَا خَالِدٍ لا تَتْرُكْنِي بِبَلْدَةِ الْ ... قُرُودِ وَنِيرَانُ الْحَوَادِثِ تَلْمَعُ أَبُوكَ خَلِيلِي وَاصْطَفَيْتُكَ بَعْدَهُ ... عَلَى النَّاسِ مَا كَانُوا مَعًا وَتَصَدَّعُوا فَكَلَّمَ مُعَاوِيَةَ فِي إِعْفَائِهِ، وَوَلاهُ الْكُوفَةَ بَعْدَ ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ

أخبار الخوارج في ايام معاوية رحمه الله

بسم اللَّه الرحمن الرحيم أخبار الخوارج فِي أيام مُعَاوِيَة رحمه اللَّه 1- أمر عبد اللَّه بْن أبي الحوساء الطائي «1» أحد بني ثعل: 453- قالوا: كان فروة بْن نوفل الأشجعي «2» اعتزل يوم النّهروان في خمسمائة- وذلك الثبت، ويقال في ألف وخمسمائة- وقال: واللَّه ما ندري على أي شيء نقاتل عليًا، ومضى حتى نزل بناحية البندنيجين والدسكرة ثم أتى شهرزور، فلما بلغه صلح الحسن وولاية مُعَاوِيَة وقدومه الكوفة قَالَ لأصحابه: قد جاء من لا نشك «3» فِي أمره ولا نرتاب بأنّ الحق فِي قتاله فقالوا: صدقت «4» ، وأقبل من شهر زور وَمُعَاوِيَة بالنخيلة، فعسكر بالنخيلة بالقرب منه، وكان الحسن بْن علي عليهما السلام قد شخص يريد المدينة، فكتب (763) إليه مُعَاوِيَة يدعوه إلى قتال فروة، فلحقه رسوله بالقادسية أو فويقها فلم يرجع، وكتب إلى مُعَاوِيَة: إني لو آثرت «5» أن أقاتل أحدًا من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإني تركته «6» لصلاح أمر الأمة وألفتها وحقن دمائها، فامسك معاوية، وبعث

_ 453- قارن بالطبري 1: 3310 وياقوت 2: 153 واليعقوبي 2: 257 وبعضه انظر فيه ابن الأثير 3: 290، 344 (وفيه الشعر) وانظر أيضا الطبري 1: 3380، 2: 10 والدينوري: 223 وياقوت 2: 153 وابن كثير 8: 22، وقوله: «وكان الحسن بن علي ... إلخ» انظر فيه الكامل: 240 والعقد 1: 216

إليهم جماعة من أهل الشام فهزمهم الخوارج، فندب مُعَاوِيَة أهل الكوفة لقتالهم وقال: لا أمان لكم عندي ولا رزق أو تكفوني أمرهم «1» ، فخرج من أهل الكوفة بشر كثير وعليهم خالد بْن عرفطة العذري، فواقفهم وتراموا بالحجارة والنبل، وجاءت أشجع إلى فروة فقالوا: هلم نكلمك، فاعتزل معهم، فوعظوه ثم حملوه حتّى أدخلوه الكوفة، وأخذت طيّئ القعقاع «2» بْن نفر «3» الطائي فأدخلته، وأخذ بنو شيبان عتريس بْن عرقوب فأدخلوه، وكان فروة جعل خليفته والقائم بأمر أصحابه إن حدث به حدث عبد اللَّه بْن أبي الحوساء الطائي، وكان ممن اعتزل يوم النهر فِي ثلاثمائة، وقدم الكوفة فبايعه الخوارج من أصحاب فروة بعد دخول فروة الكوفة وحبس قومه إياه «4» عندهم، فقاتل خالد بْن عرفطة وأهل الكوفة فقتل ابن أبي الحوساء، قتله رجل من بني تغلب يقال له عبيد بْن جرير، وذلك فِي سنة إحدى وأربعين «5» فِي شهر ربيع الأول «6» ، وَيُقَالُ فِي جمادى الأولى، وقتل جل أصحابه، وكان ابن أبي الحوساء حين ولي أمر الخوارج قد خوّف من السلطان أن يصلبه إذا قتله فَقَالَ «7» : ما إن أبالي إذا أرواحنا قبضت ... ماذا فعلتم بأوصال «8» وأبشار تجري المجرة والنسران عَنْ قدر «9» ... والشمس والقمر الساري بمقدار وقد علمت وخير القول أنفعه «10» ... أن السَعِيد الذي ينجو من النار ويقال: إن الشعر لفروة بْن نوفل حين خرج على المغيرة بن شعبة.

_ (1) الطبري: تكفوا بوائقكم، ابن الأثير: تكفوهم. (2) س: الفاقع، الطبري: القعقع بن قيس الطائي. (3) م س: نقر، ط: تغّر. (4) س: أتاه. (5) في التهذيب (8: 266) أن ذلك تم سنة 45 (6) ابن الأثير: الآخر. (7) شعر الخوارج: 41 والعقد 3: 303 وربيع الأبرار: 283 ب. (8) العقد: بأجساد. (9) العقد: بينهما. (10) خ بهامش ط: أصدقه.

2 - أمر حوثرة بن وداع الأسدي:

2- أمر حوثرة بْن وداع الأسدي: 454- قالوا: لما قتل ابن أبي الحوساء اجتمعت الخوارج فولوا أمرهم حوثرة بن وداع ابن مسعود الأسدي، وكان حوثرة نازلًا ببراز الروز من السواد فلما قتل ابن أبي الحوساء قام فعاب فروة بْن نوفل لشكه «1» فِي قتال علي، ثم دعا الخوارج واعتقد من براز الروز وسار فِي مائة وخمسين حتى قدم النخيلة، وانضم إليه فل ابن أبي الحوساء وهم قليل، فدعا مُعَاوِيَة أبا حوثرة فَقَالَ: اخرج إلى ابنك فلعله يرق إذا رآك، فأتاه أبوه فكلمه وناشده وقال له: ألا أجيئك بابنك فلعلك إذا رأيته كرهت فراقه؟ فَقَالَ: أنا إلى طعنة من يد كافر برمح أتقلب «2» فيه ساعة أشوق مني إلى ابني، فرجع أبوه إلى مُعَاوِيَة فأخبره من يد كافر برمح أتقلب «3» فيه ساعة أشوق مني إلى ابني، فرجع أبوه إلى مُعَاوِيَة فأخبره بقوله، فَقَالَ: هذا عات، ووجه مُعَاوِيَة عبد اللَّه بْن عوف بْن أحمر فِي ألفين، وخرج أَبُو حوثرة فيمن خرج، فدعا ابنه إلى البراز، فَقَالَ: يا أبت «4» لك فِي غيري من القوم سعة فأعفني منك، فقاتلهم ابن أحمر وصبر وصبروا، وبارز حوثرة ابن أحمر فطعنه ابن أحمر فقتله وقتل أصحابه، إلا خمسين رجلًا دخلوا الكوفة، وذلك فِي جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين. ونظر ابن أحمر إلى حوثرة فرأى بوجهه أثر السجود قد غلب على وجهه، وكان صاحب صلاة وعبادة، فندم على قتله وقال: قتلت أخا بني أسد سفاها ... لعمر أبيك ما لقيت «5» رشدي قتلت مصليا محياء ليل ... طويل الحزن ذا بر وقصد قتلت أخا تقى لأنال دنيا ... وذاك لشقوتي وعثار جدي فهب لي توبة يا رب واغفر ... لما قارفت من خطا وعمد ومضي مُعَاوِيَة إلى الشام واستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة.

_ 454- ابن الأثير 3: 345 وقارن بالعقد 1: 216 وانظر بعضه في شرح النهج 5: 98 والكامل 3: 240

3 - أمر فروة بن نوفل ومقتله:

3- أمر فروة بْن نوفل ومقتله: 455- قالوا: ثم إن فروة بْن نوفل الأشجعي اعتقد وخرج على المغيرة بْن شعبة، فوجه إليه المغيرة خيلا عليها شبث بْن ربعي- ويقال معقل بْن قيس- فلقيه بشهرزور فقتله، ويقال بل لقيه ببعض السواد فقتله وقتل أصحابه. 4- أمر شبيب بْن بجرة الأشجعي: 456- كان شبيب مع ابن ملجم حين قتل عليا ثم أنه أتى مُعَاوِيَة وهو بالكوفة كالمتقرّب إليه فَقَالَ له: إني وابن ملجم قتلنا عليا، فوثب مُعَاوِيَة من مجلسه مذعورًا فزعًا حتى دخل منزله، وبعث إلى أشجع فَقَالَ: واللَّه لئن رأيت شبيبًا أو بلغني أنه ببابي لأبيرنكم، أخرجوه عَنْ بلدكم، وكان شبيب إذا جن عليه الليل خرج فلم يلق صبيًا ولا رجلًا ولا امرأة إلا قتله، فلما ولي المغيرة بْن شعبة الكوفة خرج عليه شبيب بالقف «1» ، فبعث إليه المغيرة خيلًا عليها خالد بْن عرفطة- ويقال معقل بْن قيس- فواقعه فقتله وأصحابه. وقال الْهَيْثَم: القف بين باجوا وسورا، وقال الكلبي: القف بين زبارا وتل بونا «2» وذلك كله قريب من الكوفة. وقال رجل من ضبة كان معه «3» : إني أدين بما دان الشراة به ... يوم النّخيلة عند الجوسق الخرب ويقال قيل ذلك بعده: 5- أمر معين المحاربي: 457- قالوا: بلغ المغيرة أن معين بْن عبد «4» المحاربي يريد الخروج عليه،

_ 455- ابن الأثير 3: 346 456- ابن الأثير 3: 346 وقارن بياقوت 2: 265 والنجوم الزاهرة 1: 154، 1: 138 457- ابن الأثير 3: 346 وانظر أسماء المغتالين: 174

6 - أمر أبي مريم مولى بني الحارث بن كعب:

وكان اسمه معنًا فصغر، فأرسل إليه فأتته الخيل وعنده جماعة، فنذروا بها فتفرقوا، وأخذ معين ورجل من بني تميم فحبسهما المغيرة، وكتب إلى مُعَاوِيَة بخبرهما، فكتب إليه إن شهدا أني خليفة فخل سبيلهما، إذ كانا لم يخرجا ولم يقتلا أحدًا، فأما التميمي فشهدت بنو تميم أنه مجنون فخلي سبيله، وأمّا معين فقال له: أشهد أن مُعَاوِيَة خليفة وأنه أمير المؤمنين، فَقَالَ: أشهد أن اللَّه حق وَأَنَّ السَّاعَةَ آتية لا ريب فيها، قَالَ: إنك لمجنون، قَالَ: وددت أني من صالحي الجن، قَالَ: أتشهد «1» ويحك بما قلت لك؟ قَالَ: أشهد أن تميمًا أكرم من محارب، فَقَالَ رجل من بني هلال يقال له قبيصة: اسقني دمه، قَالَ: دونك، فقتله، فلما كانت ولاية بشر بْن مروان وقف رجل من خوارج الكوفة من أهل عمان على حلقةٍ فيها قبيصة وهو فِي صدرها، فَقَالَ: من هذا؟ فقالوا: هذا قاتل معين، فجلس على باب قبيصة حتى إذا خرج من منزله مشى معه ثم ضربه حتى قتله، فلم يعرف له أثر حتى خرج مع شبيب بْن يزيد، فلما قدم الكوفة جعل ينادي: يا أعداء اللَّه أنا قاتل قبيصة. 6- أمر أبي مريم مولى بني الحارث بْن كعب: 458- قالوا: خرج مولى لبني الحارث بْن كعب يقال له أَبُو مريم ومعه امرأتان قطام وكحيلة «2» ، وكان أول من أخرج معه النساء، فعاب عليه ذلك «3» أَبُو بلال مرداس ابن أدية، وكان أول من كره خروج النساء، فَقَالَ: قد قاتلت النساء (765) مع رَسُول اللَّهِ صلّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقاتلن مع المسلمين بالشام، ولكني أردهما، فردهما، فوجه إليه المغيرة جابرًا البجلي «4» فالتقوا ببادوريا «5» ، وجعل جابر يَقُول لهم: يا فسقة، يا أصحاب قطام وكحيلة، يعرض لهم بالفجور، وجعل أصحابه ينادونهم بمثل ذلك، فَقَالَ: ويلكم إنّ الله يقول، ولا

_ 458- ابن الأثير 3: 347 وانظر اليعقوبي 2: 262

7 - أمر أبي ليلى الخارجي:

تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا (الإسراء: 36) وقاتلهم فقتلهم. 7- أمر أبي ليلى الخارجي: 459- قالوا: وأتى أَبُو ليلى، وكان أسود طويلًا، مسجد الكوفة وفيه عدة من الأشراف، فأمسك بعضادتي باب من أبوابه، وحكم بصوت جهير «1» سمعه أهل المسجد، فلم يعرض له أحد، فخرج واتبعه ثلاثون راكبًا من الموالي، فبعث إليه المغيرة ابن شعبة معقل بْن قيس الرياحي أو غيره، فقتله بسواد الكوفة سنة اثنتين وأربعين. وقال أَبُو عبيدة «2» معمر بْن المثنى: جاء أَبُو ليلى مولى بني الحارث فحكم فِي عدة فقتلهم الشرط، وكان قد دبر أمرًا فلم يتم له. 8- أمر حيان بْن ظبيان وأمر المستورد بْن علفة: 460- كان حيان ممن ارتث يوم النهر من الأربع المائة الذين عفا علي عنهم ودفعهم إلى قومهم، وكان مجتهدًا، فمكث فِي منزله شهرًا أو نحوه، ثم خرج إلى الري لقتال الديلم فِي رجال يرون رأيه، فلما بلغه مقتل علي بْن أبي طالب عليه السلام دعا أصحابه إلى الرجوع إلى الكوفة، فأجابوه وفيهم سالم بْن ربيعة العبسي، وقال وكان شاعرًا «3» : خليلي ما بي من عزاءٍ ولا صبر ... ولا إربة بعد المصابين بالنهر سوى نهضات «4» فِي كتائب جمة ... إلى اللَّه ما ندعو ولله ما نفري إذا جاوزت قسطانة الري «5» بغلتي ... فلست بسار نحوها آخر الدهر

_ 459- ابن الأثير 3: 347 460- قارن بالطبري 2: 17، 20، 28 وابن الأثير 3: 352، 353، 356 وبعضه في ابن كثير 8: 24

فلما ولي المغيرة بْن شعبة الكوفة اجتمع سالم بْن ربيعة والمستورد بْن علفة التيمي- تيم الرباب- ومعاذ بْن جوين الطائي وعتريس بْن عرقوب وغيرهم إلى حيان فِي منزله ليتشاوروا فيمن يولّونه أمرهم، ليخرجوا منكرين للجور والظلم، ودعوه إلى تولي أمرهم فأبى، ودعوا معاذ بْن جوين إلى ذلك فأبى، ورضي حيان ومعاذ بالمستورد بْن علفة، فبايعاه وبايعه القوم فِي جمادى سنة ثلاث وأربعين، وعزموا على الخروج فِي غرة شعبان سنة ثلاث وأربعين. وأقبلوا «1» يتجهزون، فأتى شمر بْن جعونة الطائي قبيصة بْن الدمون وهو على شرطة المغيرة فأخبره، فأنهى ذلك إلى المغيرة، فوجه إليهم خيلًا وبلغ المستورد فأمر أصحابه فتفرقوا وغيبوا ما عندهم من السلاح وتغيب، فلما هجم رسل المغيرة فِي منزل حيان لم يجدوا هناك شيئًا من السلاح، ولم يجدوا إلا سالم بْن ربيعة وحيان بْن ظبيان ومعاذ بْن جوين، فَقَالَ المغيرة لحيان: ما هذا الذي بلغني؟ فَقَالَ سالم ومعاذ: كنا نأتي حيان فنقرأ عنده، فحبسهم نحوًا من سنة، وكانت الخوارج تختلف إلى المستورد وهو ينزل فِي عبد القيس، ويقال إنه خرج فنزل قصر العدسيين «2» بالحيرة مستترًا، فاطلع حجار بْن أبجر على بعض أمره، فخافه فنزل على سليم بْن محدوج «3» أحد بني سليمة «4» وهو صهره، وأتى حجار المغيرة فأخبره بما سقط إليه واطلع (766) عليه، فتواعد المستورد وأصحابه سورا، ووافاه ثلاثمائة وعزموا على إتيان المدائن، وبلغ المغيرة خبرهم، فوجه إليهم معقل بْن قيس الرياحي فِي ثلاثة آلاف، وكان المنتدب لهم، فَقَالَ له المغيرة: سر يا أبا زميلة راشدًا حتى تكفيني هذه المارقة، وقال له صعصعة بْن صوحان: ابعث بي إليهم فإني لدمائهم مستحل وبحملها مستقل، فَقَالَ له المغيرة: اجلس فإنك خطيب: وندب المغيرة مع معقل من عرف من الشيعة، وأتى المستورد مدينة بهرسير فمنعه عبيد بْن سماك بْن الحزان بْن حصين العبسي- ويقال بل منعه سماك

_ (1) انظر الطبري 2: 28 وابن الأثير 3: 353 (2) انظر ياقوت 4: 116 (3) الطبري: سليم بن محمد بن محدوج، ط م: محدوح (وفي ط علامة تمييز الحاء المهملة الاولى) . (4) الطبري وابن الأثير: سلمة، وهو منسوب إلى سليمة بن مالك من الأزد انظر تبصير المنتبه 2: 692

ابن عبيد بن سماك بْن الحزان- من العبور إلى المدينة العتيقة، وأمر بالجسر فقطع، وسار المستورد من الجانب الغربي حتى عبر إلى جرجرايا، ثم أتى المذار، وأقبل معقل إلى المدائن على مقدمته أبو الرّواع «1» الشاكريّ من همدان في ثلاثمائة، فالتقى أَبُو الرواع والمستورد فاقتتلا، وأبو الرواع يَقُول «2» : إن الفتى كل الفتى من لم يهل إذا الجبان حاد عَنْ وقع الأسل ... أنا أَبُو رواع الشهم البطل «3» وقاتل قليلًا ثم انهزم فلحق بمعقل، وانحاز المستورد إلى المذار واتبعه معقل، ووجه عبد اللَّه بْن عامر من البصرة شريك بْن الأعور فِي ثلاثة آلاف فيهم خالد بْن معدان لأنه من شيعة علي، فنزل على فرسخ من عسكر المستورد، فَقَالَ المستورد: ليس الرأي أن نقيم بين جندين، فارتحل نحو المدائن، وانصرف شريك إلى البصرة، وواقع معقل الخوارج بجرجرايا فقاتلهم أشد قتال، وكان معه مسكين بْن عامر بن أنيف الدارمي الشاعر، فقاتل يومئذ قتالًا شديدًا عرف به موقفه، وأتى الخوارج ساباط، ونزل معقل ديلمايا «4» فأقام يومين، ثم لقي «5» المستورد وأصحابه فدعاه إلى المبارزة، فبرز له معقل، فاختلفا طعنتين فمات معقل والمستورد جميعًا، ويقال إن المستورد طعن معقلًا فأنفذ رمحه فِي صدره، وضربه معقل بالسيف على رأسه فخرا ميتين. فلما قتل معقل أخذ الراية عمرو بْن محرز بْن شهاب المنقري فقتل أصحاب المستورد فلم ينج منهم إلا خمسة نفر، وكان مقتلهم فِي شعبان سنة ثلاث وأربعين، ويقال فِي شهر رمضان، وكان من رجز مسكين بْن عامر الدارمي يومئذ «6» :

_ (1) الطبري وابن الأثير: أبو الرواغ. (2) الشطران: 1، 2 في الطبري 2: 56 وكلها في ابن الأثير 3: 363 (3) ابن الأثير: أروع يوم الهيج مقدام بطل. (4) عن ديلمايا انظر الطبري 2: 57، 58 (5) قارن بما في الكامل 3: 238 (6) لم يرد في ديوان مسكين المجموع.

أضربهم ولو أرى مستوردا تركته بالقاع يكبو مقصدا وأوفد المغيرة مسكينًا وأبا الرواع إلى مُعَاوِيَة، فوصلهما وزاد فِي إعطائهما، فَقَالَ جرير ابن عطية «1» : ومنا فتى الفتيان والجود معقل ... ومنا الذي أردى «2» بدجلة معقلا يعني المستورد. وقال عُمَر بْن لجأ التيمي: ونحن قتلنا معقلًا يوم دجلةٍ ... بمرهفةٍ تفلى «3» بهن الجماجم وقال أيضا: نحن قتلنا معقلا وتداءكت «4» ... بنا الحرب إذ هاب الجبان وعردا وقال معاذ بْن جوين وهو محبوس فِي أبيات له «5» : ألا أيها الشارون قد آن «6» لامرئ ... شرى نفسه لله أن يترحلا «7» أقيم «8» بدار الخاطئين جهالة ... وكل امرئ منكم يصار ليقتلا (767) ألا فاقصدوا يا قوم للغاية التي ... إذا ذكرت كانت أبر وأعدلا ألا ليتني فيكم على ظهر سابح ... شديد القصيرى دارعا غير أعزلا فلو أنني فيكم وقد قصدوا لكم ... أثرت إذا بين الفريقين قسطلا

_ (1) ديوان جرير: 505 وابن الأثير 3: 365 والكامل: 596 (2) المصادر: لاقى. (3) م: تعلى. (4) س: وقد ألت. وتداءكت: تدافعت. (5) الطبري 1: 36 وابن الأثير 3: 359 وشعر الخوارج: 45 (6) المصادر: حان. (7) س م: يترجلا. (8) المصادر: أقمتم.

9 - أمر معاذ بن جوين الطائي:

9- أمر معاذ بْن جوين الطائي: 461- قالوا: أخرج المغيرة معاذًا، فأشار عليه حيان بْن ظبيان أن يخرج منكرا للجور، فخرج في ثلاثمائة ببانقيا، وهي فِي حد الكوفة، فوجه إليهم المغيرة بْن شعبة أبا الرواع الهمداني ثم الشاكري وعمرو بْن محرز بْن شهاب المنقري في ألف وثلاثمائة، فقتل معاذ وأصحابه بجوخى، وقال معاذ حين دهمه الناس: إنا لقليل عددنا ولكنا نجاهد عدونا فنقتل منهم من قتلنا ثم نستشهد. 10- أمر سهم بن غالب الهجيمي «1» والخطيم وعباد بن حصين «2» : 462- قالوا: خرج على عبد اللَّه بْن عامر بالبصرة سهم بْن غالب الهجيمي فِي أيام مُعَاوِيَة، وكان سهم من المستبصرين «3» فِي رأيه «4» ، وهو أول من سمى أهل القبلة بالكفر، ولم تكن الخوارج قبله تقطع بالشهادة فِي الكفر والإيمان، وكان خروجه فِي سنة أربع وأربعين فِي سبعين رجلًا فيهم الخطيم الباهلي، وهو يزيد بْن مالك أحد بني وائل، وإنما سمي الخطيم لضربة ضربها على وجهه «5» ، فنزلوا بين الجسرين بالبصرة «6» ، فصلى بهم سهم الغداة، ومر بهم عبادة بْن قرص الليثي، ومعه ابنه وابن أخته «7» فأنكروهم فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: قوم مسلمون، قالوا: كذبتم، فَقَالَ عبادة: سبحان اللَّه اقبلوا ما قبل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني، قالوا: وما قبل منك؟ قَالَ: كذبته وقاتلته ثم أتيته فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وأنك رسول الله فقبل ذلك، قالوا: أنت كافر، وقتلوه وقتلوا ابنه وابن أخته،

_ 461- قارن بالطبري 2: 182، 184 وابن الأثير 3: 356، 353، 426 462- ابن الأثير 3: 350 وانظر: 379 والطبري 2: 15، 83

فخرج إليهم ابن عامر بنفسه، فقاتلهم فقتل منهم عدة، وانحازت بقيتهم إلى أجمةٍ، وفيهم سهم والخطيم، فعرض عليهم ابن عامر الأمان فقبلوه فآمنهم فرجعوا، وكتب إليه مُعَاوِيَة يأمره بقتلهم فكتب إليه ابن عامر: إني قد جعلت لهم ذمتك، فلما قدم زياد البصرة في سنة خمس وأربعين خاف سهم والخطيم أن لا ينفذ لهما أمان ابن عامر، فخرجا إلى الأهواز، فاعتقد بها سهم ودعا قومًا فأجابوه، وأقبل يريد البصرة فأخذ قومًا، فقالوا: نحن يهود فخلاهم، وأخذ سعدًا مولى قدامة بْن مظعون الجمحي فقتله، ثم أتى البصرة وقد تفرق عنه أصحابه فاستخفى- ويقال أن أصحابه تفرقوا بعد «1» استخفائه- فطلب الأمان ورجا أن يسوغ له عند زياد ما ساغ له عند ابن عامر، وبعث بأمان ابن عامر إليه فلم يؤمنه، وبحث زياد عنه فدل عليه، فأخذه فقتله وصلبه فِي داره- ويقال أنه استخفى حتى مات زياد فدل عليه عبيد اللَّه بْن زياد فقتله وصلبه- فَقَالَ رجل من الخوارج: فإن يكن الأحزاب باءوا بصلبه ... فلا يبعدن اللَّه سهم بْن غالب وكان قتل سهم فِي سنة أربع وخمسين- ويقال قبل ذلك- وسأل زياد الخطيم وقد أخذ وأتي به عَنْ قتل عبادة بْن قرص فأنكر ذلك، فسيره إلى البحرين، ثم إنه أذن له بعد ذلك لأنه لما أراد رسول زياد الشخوص من البحرين قَالَ له: أبلغ زيادًا أنه لي ظالم. ولما صار «2» الخطيم إلى البصرة قَالَ له زياد: أقم (768) فِي منزلك، وأمر مسلم ابن عمرو أبا قتيبة أن يتفقده وقال: إن غاب عَنْ منزله ولم يبت فيه ليلة واحدة فما فوقها فأعلمني ذلك، فبات عَنْ منزله ليلة من الليالي، وعلم به مسلم بْن عمرو فأتى به زيادًا فسأله أين بات؟ فَقَالَ: أدنني منك أخبرك، فَقَالَ زياد: إن كنت تريد أن تسر إلى شيئًا فأسره إلى مسلم بْن عمرو، فَقَالَ: واللَّه لو أدنيتني لقطعت أنفك لو أمكنني ذلك، فأمر بقتله فقتل وألقي فِي باهلة، فحملته امرأة يقال لها عمرة فدفنته، وأخذ زياد امرأتين أرادتا الخروج مع الخطيم يقال لهما أراكة وأم سريع فقتلهما، فَقَالَ رجل يعيب باهلة: لعمري لقد أخزت أراكة قومها ... وما قصدت للدين أم سريع

_ (1) ابن الأثير: عند. (2) قارن بالطبري 2: 83 وابن الأثير 3: 379

11 - أمر حارثة بن صخر القيني:

واستعمل زياد على المسجد وباب عثمان «1» شيبان بْن عبد اللَّه السعدي صاحب مقبرة شيبان، وهو أحد بني ربيعة «2» بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم، ففتك به قوم من الشراة وهو على باب داره وقتلوا ابنًا له، وكان رئيسهم عباد بْن حصين، وذلك فِي سنة سبع وأربعين، وكان شيبان شديدًا عليهم، فخرج إليهم بشر بن عتبة التميمي فِي الشرط فقاتل الخوارج فقتلهم، فَقَالَ الفرزدق «3» : لعمرك ما ليث بخفان خادر ... بأشجع من بشر بْن عتبة مقدما إباء بشيبان الثؤور «4» وقد رَأَى ... بني فاتك هابوا الوشيج المقوما وبنو فاتك قومه. وكان زياد إذا أخذ رجلًا من الخوارج قَالَ: اقتلوه متكئًا كما قتل شيبان متكئًا، وكان زياد يبعث إلى الرجل من قعد الخوارج فيعطيه ويكسوه ويقول: ما أراه منعك من إتياننا إلا الخلة والرجلة. 11- أمر حارثة بْن صخر القيني: 463- قالوا: كان مُعَاوِيَة سير حارثة بْن صخر إلى مصر، فلقي قومًا من الخوارج فأمالوه إلى رأيهم فصار خارجيّا، وقدم العراق فأراد الخروج على زياد وتأهب لذلك، فبلغ ذلك زيادا فطلبه فهرب وقال: تمنّانا ليلقانا زيادا ... سفاها والمنى طرف «5» الضلال فقلنا يا زياد دع الهوينا ... وشمر لا أبا لك للقتال فإنا لا نفر من المنايا ... ولا ننحاش «6» من ضرب النصال ولكنا نقيم لكم طعانًا ... وضربا يختلي هام الرجال

_ (1) باب عثمان بالبصرة (الطبري 3: 1853) . (2) خ بهامش ط س: زمعة (انظر الطبري 2: 96) . (3) ديوانه: 2: 258 (صادر) وأسماء المغتالين: 170. (4) ط م س: النؤوم. (5) كذا ولعل الصواب: طرق. (6) م: نتحاشى.

12 - أمر قريب بن مرة وزحاف بن زحر الطائي:

فبعث زياد فِي طلبه شعيب بْن زيد بْن السائب، فدخل بلاد قضاعة فلم يقدر عليه لأنّهم منعوه، وكلّم فيه مُعَاوِيَة فآمنه، وكتب إلى زياد فِي الكف عنه فكف، ومضى مع مسلم بْن عقبة إلى المدينة فقتل يوم الحرة، وقال حين هرب: سنلقح حربًا يا ابْن حرب شديدة ... وننتجها يتنًا «1» بسمرٍ ذوابل فما لزياد يحرق الناب ظالمًا ... علي فإن اللَّه ليس بغافل فِي أبيات. 12- أمر قريب بْن مرة وزحاف بْن زحر الطائي: 464- قالوا: ثم خرج قريب بْن مرة الأزدي وزحاف بْن زحر الطائي وهما ابنا (769) خالة فِي ثمانين- ويقال فِي ستين، ويقال فِي سبعين- وأرادوا أن يولوا زحافًا أو قريبًا فلم يفرق لهم الرأي فِي ذلك حتى بلغ زيادًا خبرهم، فبعث إليهم الشرط، فقالوا: نقاتل يومنا هذا، فإن سلمنا أمرنا قريبًا أو زحافًا، فَقَالَ بعضهم: لا قتال إلا مع إمام، فصيروا قريبًا إمامهم. وقال بعض الرواة: صيروا إمامهم زحافًا وخرجوا يستعرضون الناس ويقتلون من لقوا، وكانوا يدينون بالاستعراض، وكان خروجهم بناحية جبانة بني يشكر، وذلك فِي شهر رمضان، فَقَالَ أَبُو بلال مرداس بْن أدية: قريب (لا) قربه اللَّه من كل خير وزحاف (لا) عفا اللَّه عنه، لقد ركباها عشواء مظلمة، يَقُول: لاستعراضهما، فقتلوا رجلًا من بني ضبيعة يقال له حكاك رآهم فظنهم مع صاحب الشرط، وقتلوا غيره، وضربوا رجلا من بني قطيعة فصار أضجم «2» ، وأتوا مسجد بني قطيعة فأخذوا بأبوابه حتى هرب الناس ووثبوا الجدر، وصعد رجل المنارة فنادى: يا خيل اللَّه اركبي، فأنزلوه وقتلوه، وخرج بكير بْن وائل الطاحي من الأزد وقد اتقاهم بطيلسان له فقطعوه بأسيافهم، ثم نجا، وأتوا

_ 464- قارن بالطبري 2: 90 وابن الأثير 3: 385 واليعقوبي 2: 275

بني راسب فقاتلوهم، وكان حجار بْن أبجر العجلي بالبصرة قد قدمها من الكوفة فِي حاجة، فضربوه فصرع، وحامى عليه شقيق بْن ثور السدوسي فنجا، فَقَالَ العديل بْن فرخ العجلي: ونجيت حجار بْن أبجر بعد ما ... بدت للحروريين منه مقاتله وإن بني ثورٍ إذا ما لقيتهم ... لهم زبرتا «1» مجد العراق وكاهله ونادى حجار: يا بني راسب جئت لأنصركم أفأقتل بينكم؟! فقالوا: لا بأس عليك يا أبا الفضل، وحموه حتى ركب، وجاءت الشّرط- وكان الشّرط خمسمائة- فقاتلوهم مع بني راسب حتى اضطروهم إلى دار فحصروهم فيها، وكان عبّاد ابن الحصين الحبطي مستخفيًا لأن زيادًا غضب عليه، فأتاهم مع الفجر فدخل الدار ودخل الناس معه، وقصد لقريب فاجتلدا، وضربه عباد فصرعه وقتله، وقتل الباقون فِي الدار، وبعث عباد برأس قريب إلى زياد فرضي عنه، وكان خليفة زياد يومئذ بالبصرة عبيد اللَّه بْن أبي بَكْرة، وكان زياد بالكوفة يومئذ، فلما قدم زياد البصرة رأى مع الشرط رماحًا قصارًا فَقَالَ: أراكم تحضرون برماح كأنها أيدي الجداء. وصلب قريب وزحاف وناس من أصحابهم، فجاءت جارية لقوم من الخوارج فقالت: سلام اللَّه ورحمته عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خالدين، فأمر زياد فصلبت معهم، وقال زياد: أي خارجة خرجت فِي قبيلة فلم تقاتلها كما فعلت بنو راسب حرمتهم العطاء وأجليتهم. وسير زياد أهل قريب وزحاف، وحمل نساء من نساء من خرج معهما فِي البحر، ووهب امرأة زحاف لشقيق بْن ثور، وامرأة قريب لعباد بْن الحصين، فردها عباد إلى أهلها وكساها. ومرض بكير بْن وائل من جراحه فكان الناس يعودونه، ويدخل النساء على أهله يسألن «2» به، فَقَالَ: غناء قليل عَنْ بكير بن وائل ... ترمّز «3» أستاه النساء العوائد «4»

_ (1) س: ثبجا. (2) ط: يسألون. (3) ط: تزمّر. (4) انظر البيت في المخصص 12: 107 وجمهرة ابن دريد 2: 325

13 - أمر زياد بن خراش العجلي:

وقال أيضًا: عشية لولا الطيلسان لقطعت ... طوابق مني أو يميني لشلت عشية قالوا إنما القوم شرطة ... وتلك حروريو البلاد استقلت (770) وهل هي إلا عصبة سبئية ... دعاها مضل للهوى وأضلت وأتي زياد «1» بامرأة فصلبها وعراها وقال: أيّما امرأة خرجت فعلت بها مثل هذه، فكف النساء عَنِ الخروج خوفًا من أن يعرين. وحدثني بعض البصريين عَنْ أبي عبيدة قَالَ: مر أصحاب قريب وزحاف ببني علي وفيهم رماة فرموهم فقالوا لهم: يا بني علي لم ترمونا؟ خلوا لنا طريقنا، فَقَالَ رجل من أهل عمان: يقول لنا الزحّاف خلّوا طريقنا ... فقلنا له لا والإله نريم 13- أمر زياد بْن خراش العجلي: 465- قالوا: وخرج على زياد بالكوفة زياد بْن خراش العجلي فِي سنة اثنتين وخمسين في ثلاثمائة، فأتى الأخنونيّة «2» من أرض مسكن بالسواد، فسرح إليه زياد خيلًا عليها سعد «3» بْن حذيفة أو غيره، فقتلوا وصاروا إلى ماه «4» . 14- أمر معاذ الطائي الثاني: 466- قالوا: وخرج على زياد رجل من طيّئ يقال له معاذ، فأتى نهر عبد الرحمن ابن أم الحكم فِي ثلاثين رجلًا، فِي سنة اثنتين وخمسين، فبعث إليه زياد من قتله

_ 465- ابن الأثير 3: 409 والنجوم الزاهرة 1: 143 466- ابن الأثير 3: 409 والنجوم الزاهرة 1: 143

15 - خبر طواف بن علاق وعقبة بن الورد الجاوي وأصحاب الجدار في ولاية ابن زياد:

وأصحابه- وقال بعض الرواة: بل حل لواءه واستأمن- ويقال لهم أصحاب نهر عبد الرحمن بن أم الحكم. 15- خبر طواف «1» بْن علاق وعقبة بْن الورد الجاوي وأصحاب الجدار فِي ولاية ابن زياد: 467- قالوا: كان قوم من الخوارج يجتمعون إلى جدار فيتحدثون عنده ويعيبون «2» السلطان، فأخذهم عبيد اللَّه بْن زياد فحبسهم، ثم دعا بهم فعرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضًا ويخلي سبيلهم «3» ، فقتل اثنا عشر رجلًا منهم اثني عشر رجلًا من أصحابهم، قتل كلّ رجل رجلا، وكان ممن قتل طواف بْن علاق وأوس بْن كعب، فعذلهم أصحابهم وقالوا: قتلتم إخوانكم، قالوا: أكرهنا وقد يكره الرجل على الكفر وهو مطمئن بالإيمان، وكان حجير الباهلي «4» أتى الحي وقد أصابه نضح دم من دماء الخوارج المقتولين، فقيل له: ما هذا؟ فَقَالَ: قتل الأمير اليوم هؤلاء الكلاب فأصابني من دمائهم، فأتى عقبة بْن الورد الباهلي منزله واشتمل على سيفه، وكان يري رأي الخوارج، فحكم وقتل حجيرًا فأخذ فقتل. وندم طواف وأصحابه فَقَالَ طواف: أما من توبة؟ فكانوا يبكون، وعرض وأصحابه على أولياء من قتلوا القود فأبوا، وعرضوا الدّيات فأبوها، ولقي طوّاف الهثهاث بْن ثور السدوسي فَقَالَ له: يا ابْن عم أما ترى لنا من توبة؟ قَالَ: ما أجد لك إلا آية من كتاب اللَّه قوله ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لغَفُورٌ رَحِيمٌ (النحل: 110) فدعا طواف أصحابه إلى الخروج وإلى أن يفتكوا بابن زياد فبايعوه وذلك فِي سنة ثمان وخمسين، وكانوا سبعين رجلًا فِي عبد القيس، فسعى بهم رجل من أصحابهم إلى ابن زياد، وبلغ طوافًا ذلك فَقَالَ: إنا مأخوذون فعجلوا الخروج، فخرجوا من ليلتهم فقتلوا رجلا من بني

_ 467- ابن الأثير 3: 427

ضبيعة ومضوا إلى الجلحاء «1» ، فندب عبيد اللَّه الشرط «2» والبخارية، فأتوهم وواقعوهم، فهزموا الشرط والبخارية (771) حتى دخلوا البصرة واتبعوهم، وذلك فِي يوم الفطر، فكثرهم الناس فقاتلوا فقتلوا، وبقي طواف فِي ستة، وعطش فرسه فاحتمله واقتحم «3» به الماء، فرماه البخارية بالنشاب حتى قتلوه، فأمر به ابن زياد فصلب، وجاء عند المساء ابن لأخيه بيهس وبعض آل علاق فاحتملوه ودفنوه، فَقَالَ شاعر منهم بعد ذلك: يا رب هب لي التقى والصدق فِي ثبتٍ ... واكف المهم فأنت الرازق الكافي حتى أبيع الذي يفنى «4» بآخره ... تبقى، على دين مرداس وطواف وكهمس وأبي الشعثاء إذ نفروا ... إلى الإله وذي الإخبات زحاف فِي قصيدة. وقال عيسى الخطي للهثهاث فِي قصيدة له: فجهلت طوافا وزينت فعله ... فأصبح طواف يمزق بالنبل فقل لعبيد اللَّه إن كنت طالبا ... ذوي الغش والبغضاء واللؤم والبخل فدونك أقوامًا سدوس أبوهم «5» ... فإن سدوسًا آفة الدين والعقل وطلب ابن زياد بعض أولئك الخوارج، فترك مجالسة إخوانه وقال: ما زال بي صرف الزمان وريبه ... حتى رفضت مجالس الفتيان وألفت أقوامًا لغير مودةٍ ... وهجرت غير مفارق إخواني وأفضت فِي لهو الحديث وهجره ... بعد اعتياد تلاوة القرآن 468- وحدثني الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم بْن عدي قَالَ: كان قوم يجتمعون إلى جدار فِي بني حنيفة، فإذا أتاهم رجل ليس منهم قالوا له: يا عبد اللَّه الحق بإخوانك «6» ، فبلغ ذلك

_ (1) م: الحلجاء، وانظر ياقوت 2: 98 (2) س: للشرط. (3) س: وأضخم. (4) س: يغنى. (5) م: أباهم. (6) س: بأخوالك.

16 - أمر أبي بلال مرداس بن أدية:

ابن زياد فبعث قومًا فأخذوهم، وفيهم نافع بن الأزرق الحنفي، فأخذوا فحبسوا وقتل بعضهم، وكلم فِي بعض فأخرجهم فَقَالَ بعد ذلك رجل منهم: ما كان فِي دين طوّاف وإخوته ... أهل الجدار حراث القطن والعنب 16- أمر أبي بلال مرداس بْن أدية: 469- قالوا: كان أَبُو بلال مرداس بْن أدية، وهي أمه، وأبوه حدير «1» بْن عمرو بْن عبيد بْن كعب، أحد بني ربيعة بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم، وأمه من محارب بْن خصفة، وكان عابدًا مجتهدًا عظيم القدر في الخوارج، وشهد مع علي صفّين فأنكر التحكيم، وشهد مع الخوارج النهروان، وكانت الخوارج كلها تتولاه، وسمع زيادًا يَقُول: لآخذن البريء بالسقيم والجار بالجار، فَقَالَ: يا زياد إن اللَّه يَقُول وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (الأنعام: 6) فحكم اللَّه خير من حكمك، فَقَالَ زياد: إنا لا نصل إلى ما نريد إلا ببعض الإغماض. وكان غيلان بْن خرشة ذكر الخوارج فعابهم، فقال له مرداس: ما يؤمنك يا غيلان أن يلقاك بعض من عبت وتنقصت فيندر أكثرك شعرًا، فَقَالَ له: أذكرك اللَّه يا أبا بلال واللَّه لا أذكرهم بسوء أبدًا. ورأى مرة ابن عامر وعليه قباء أنكره فَقَالَ: هذا لباس الفساق، فَقَالَ أَبُو بَكْرة: لا تقل هذا للسلطان فإن من أبغض السلطان أبغضه اللَّه. وكان أَبُو بلال لا يدين «2» بالاستعراض، ويحرم خروج النساء ويقول: لا نقاتل إلا من يقاتلنا ولا نجبي إلا ما حمينا، ورد امرأة خرجت معه. وكانت الثبجاء «3» إحدى بنات حرام

_ 469- ابن الأثير 3: 428 والكامل 3: 249 والعقد 1: 217 وشرح النهج 1: 448 وقارن أجزاء منه بالطبري 2: 76 وابن الأثير 3: 276، 428 وعيون الأخبار 2: 242 وامالي القالي 3: 185 وما يلي رقم: 506

ابن يربوع من تميم تحرض على عبيد اللَّه بْن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته وفعله، وكانت من مخابيت «1» الخوارج، فذكر «2» ابن زياد الثبجاء، فأعلم غيلان (771) بْن خرشة أبا بلال بذلك، فَقَالَ لها أَبُو بلال: إن اللَّه قد جعل لأهل الإسلام سعة فِي التقية، فإن شئت فتغيبي فإن هذا الجبار المسرف على نفسه قد ذكرك، فقالت: أكره أن يلقى أحد مكروهًا بسببي إن طلبني، فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها، ومر أَبُو بلال فنظر إليها فِي السوق فعض على لحيته وقال: هذه أطيب نفسًا بالموت منك يا مرداس، ما من ميتة أموتها أحب إلي من ميتة الثبجاء، كل منية سوى منية الثبجاء ظنون. ومر أَبُو بلال «3» ببعير قد هنيء فلما رأى القطران غشي عليه ثم أفاق ثم تلا سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ (إبراهيم: 50) . وألح ابن زياد فِي طلب الشراة فملأ منهم السجن، وأخذ الناس بسببهم، وحبس أبا بلال، فكان السجان يأذن له فِي الانصراف إلى منزله بالليل لما رأى من عبادته. وعزم ابن زياد على قتل من فِي السجن وأخذ الناس بسببهم «4» لوثوب بعضهم على رجل من الحرس وقتله إياه، وكان أَبُو بلال فِي منزله، فتنكر حتى عاد إلى محبسه وقال: ما كنت لأغدر بصاحبي وقد ائتمنني، وأصبح ابن زياد فدعا بالخوارج فقتل بعضهم وكلّم في بعض. وكان مرداس ممن كلم فيه فصفح عنه وخلى سبيله. وألح ابن زياد «5» فِي طلب الخوارج بعد ذلك وأخافهم، فعزم أَبُو بلال على الخروج، ودعا قومه فأجابوه، وقال فِي قصيدة له: وقد أظهر الجور الولاة وأجمعوا ... على ظلم أهل الحق بالغدر والكفر وفيك إلهي إن أردت مغير ... لكل الذي يأتي إلينا بنو صخر وقال لأصحابه: إن الإقامة على الرضى (بما يرى) «6» لذنب، وإن تجريد السيف وقتل

_ (1) في الأصول: مخانيث، وهو خطأ واضح. (2) س: فذكرها. (3) قارن بالكامل: 249 وشرح النهج 1: 448 (4) العبارة مكررة، وموضعها هنا قلق. (5) قارن بالكامل: 249 والعقد 1: 217 وشرح النهج 1: 448 وشعر الخوارج: 51 (6) بما يرى: بياض في ط م.

الناس «1» لعظيم، ولكنا نخرج من بين أظهرهم ولا نهيج أحدًا، ونمنع من قدرنا على منعه من الظلم، فإن أرادنا قوم بظلمهم امتنعنا منهم. وأتوا قدامة جد سوار بْن عبد الله بن قدامة بن عنزة بن نقب العنبري فقالوا: أما ترى ما نحن فيه من الجور؟ فلو خرجنا على هؤلاء القوم فمنعناهم من الظلم، فَقَالَ: أنا معكم منكر لما تنكرون، فإذا جردتم السيف فلا أنا ولا أنتم. وقال الحسن البصري لأبي بلال: أخبرني عَنْ رجلين خرجا فِي أمر فغشيتهما ظلمة، فوقف أحدهما حتى انجلت الظلمة فمضى، وتقحم الآخر الظلمة، أيهما أصوب رأيًا؟ قَالَ: أصوبهما عندي أخطأهما عندك. وبايعوا «2» أبا بلال فخرج من البصرة فِي ثلاثين، فمروا بعبد اللَّه بْن رباح الأنصاري وكان على الجسر من قبل عبيد اللَّه بْن زياد، فخوفهم السلطان فأبوا الرجوع، وأتوا الأهواز فأصابوا بها ما لا يحمل إلى ابن زياد، فأخذ منه أَبُو بلال ما أعطى أصحابه ولم يعرض لما سوى ذلك، وقال للرسل: لا بأس عليكم، وبلغ ابن زياد خبرهم فندب لقتالهم أسلم ابن زرعة الكلابي فِي سنة ستين، وندب الناس معه، وبلغ الخبر أبا بلال فنزل بآسك فيما بين رامهرمز وأرجان، وكان معه أربعون رجلًا منهم عشرة صاروا معه بعد خروجه من البصرة، وكان مع ابن زرعة عبد اللَّه بْن رباح «3» الأنصاري، فقيل لأبى بلال: إن فيهم صديقك ابن رباح، فَقَالَ: اللَّه المستعان، هم أعوان الظلمة، وقال أصحاب ابن زرعة لأصحاب أبي بلال: اتقوا اللَّه وارجعوا، فقالوا: تردوننا إلى ابن زياد الفاسق الذي أخذ دية المسلم أربع مرات؟! والتقى أسلم وأبو بلال فرمى أصحاب ابن زرعة رجلًا من الخوارج فقتلوه، فَقَالَ أَبُو بلال: استعينوا باللَّه واصبروا، إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يشاء من عباده وقد بدا لكم القوم، فشد الخوارج «4» على أسلم وأصحابه شدّة رجل واحد، فهزموهم

_ (1) شرح النهج: وإخافة الناس. (2) قارن بالكامل: 3: 251- 252 والعقد 1: 217 وياقوت 1: 61 واليعقوبي 2: 279 وشرح النهج (نفسه) . وابن الأثير 3: 429 وفرق البغدادي: 71 (3) س: رياح. (4) قارن بعيون الأخبار 1: 163 والعقد 1: 148- 149 وديوان المعاني 2: 230

حتى قدموا (773) البصرة، فغضب ابن زياد على ابن زرعة وقال: هزمك أربعون رجلًا وأنت فِي ألفين؟! ما عندك خير، فَقَالَ ابن أسلم: لأن يذمني ابن زياد وأنا حي أحب إلي من أن يمدحني وأنا ميت، إني لقيت ناسًا ليسوا كالناس، فكان أسلم بْن زرعة إذا مر صاح الصبيان: يا أسلم، أَبُو بلال خلفك، حتى بعث ابن زياد الشرط فضربوا من صاح به فكفوا، فَقَالَ عيسى الخطي «1» . أألفا مؤمن «2» فيما زعمتم ... ويهزمهم «3» بآسك أربعونا كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ... ولكن الخوارج مؤمنونا هم الفئة القليلة قد علمتم ... على الفئة الكثيرة ينصرونا فوجه «4» إليهم ابن زياد عباد بْن أخضر المازني وأخضر زوج أمه نسب إليه، وكان خلف عليها بعد أبيه- وهو عباد بْن علقمة بن عبّاد بن جعفي بْن حزابة بْن صعير بْن خزاعي بْن مازن بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم- فسار عباد إليهم فِي أربعة آلاف، فلقيهم بناحية درابجرد «5» من فارس فِي يوم جمعة، فدعا أبا بلال وأصحابه إلى طاعة السلطان، فَقَالَ أَبُو بلال: أتدعونا إلى طاعة من يسفك الدماء وينتهك المحارم، والرجوع إلى الفاسق ابن زياد الذي يقتل على الظنة ويأخذ بالشبهة؟! فقاتلهم حتى دخل وقت العصر، وكان القعقاع «6» بْن عطية قدم من «7» خراسان يريد الحج، فرآهم يقتتلون فقاتل معهم، حتى إذا علم أنهم خوارج كر على الخوارج حينئذ وقال:

_ (1) الطبري 2: 187 وعيون الأخبار 1: 163 والكامل 3: 253 وياقوت 1: 62 واليعقوبي 2: 279 وديوان المعاني 2: 230 والدينوري: 269 وشعر الخوارج: 54 و 1، 2 أيضا في ابن الأثير 3: 430 والبكري: 123 وشطر الأول وعجز الثاني والثالث في العقد 1: 149 والأول في ياقوت 1: 61، 2: 454 ومعرب الجواليقي: 21 (2) ياقوت: مسلم. (3) شرح النهج: ويهزمكم. (4) انظر ابن الأثير 4: 81 وقارن بالطبري 2: 391 والكامل 3: 253 (5) انظر درابجرد في ياقوت 2: 560 والكامل 3: 253 (6) قارن بالكامل 3: 254 وشرح النهج 1: 448، 450 (7) من: سقطت من م.

غزوتهم «1» وليس علي بعث ... نشاطًا أو أشد من النشاط «2» أكر على الحروريين مهري ... لأحملهم على وضح الصراط فقتل، قتله كهمس بْن طلق التميمي. وقال أَبُو بلال «3» : انكم فِي يوم عظيم، وهذا آخر أوقات العصر، فوادعونا حتى نصلي، فأجابهم ابن أخضر وتحاجزوا، فعجل عباد وأصحابه الصلاة- ويقال قطعها والقوم يصلون صلاتهم- ثم شد عباد وأصحابه فقتلوهم وهم بين قائم وراكع وساجد، لم ينثن «4» أحد منهم عَنْ حاله التي كان عليها حتّى أتوا عليهم، وأخذ رأس أبي بلال: بشر بْن حجل أحد بني تيم اللات وجاء به، وقتل مع أبي بلال حبيبة «5» بْن همام النكري من عبد القيس، فَقَالَ عمران بْن حطان السدوسي فِي قصيدة له أولها «6» : أصبحت من وجل مني وإيجاس «7» ... أشكو كلوم جراح ما لها آسي يا لهف نفسي لمرداس وصحبته «8» ... يا رب مرداس الحقني بمرداس «9» وله شعر كثير، وكان من قعد الخوارج، وكان يبوح برأيه. وقالت أم الجراح العدوية: وما بعد مرداس وعروة بيننا ... وبينكم شيء سوى عطر منشم فلست بناجٍ من يد اللَّه بعد ما ... هرقت دماء المسلمين بلا دم وقعد قوم «10» من الخوارج لابن أخضر فِي يوم جمعة عند مسجد بني كليب بالبصرة، فخرج على بغلة له وابنه ردفه، فظفروا به فِي موضع يخفى فيه أمره فقتلوه، ومسحوا

_ (1) شرح النهج: أقاتلهم. (2) الكامل وشرح النهج: نشاطا ليس هذا بالنشاط. (3) ابن الأثير: 3: 81 (4) س: ينبن. (5) ط م س: خبية. (6) الكامل: 3: 256 والعقد 1: 219 وشعر الخوارج: 141 وفيه مزيد من التخريج. (7) س: وايحاس. (8) الكامل والعقد وشرح النهج: يا عين بكي لمرداس ومصرعه. (9) الكامل: اجعلني كمرداس. (10) قارن بالكامل 3: 256 وديوان الفرزدق: 149 (يوسف هل) وأسماء المغتالين: 170

سيوفهم بفخذه، وحكموا، ولم يعرضوا لابنه فهرب. وجاء معبد بْن علقمة أخو عباد فقاتل الخوارج فقتلوا، ولم ينج منهم أحد إلا عبيدة بْن هلال، فإنه خرق خصًا وخرج منه فمضى، فلقيه رجل من الشرط يقال له يحيى فتهدد (774) عبيدة فَقَالَ: قولوا ليحيى يستعد كتيبة ... تجالد عَنْ حوبائه حين يحضر فعما قليل سوف يلقى حمامه ... كمثل الذي لاقاه عباد فاحذروا وقال معبد بْن علقمة: ولقد قلت لخيلي والقنا ... تمتري الحرب سمامًا منقعا انزلوا صبرًا إلى أقرانكم ... فاصطلوا الموت على الأرض معا انزلوا نظفر بهم فِي حربنا ... أو نمت لم نبد منا جزعا وقال الشاعر «1» : لقد كان قتل ابني سمير خيانة ... كما غال ذؤبان العراق ابن أخضرا ابنا سمير رجلان من بني نهشل. وقال الرهين فِي قصيدة له طويلة: كزيد ومرداس وعمرو وكهمس ... وكابن عقيل فِي الكتيبة عامر أقاموا بدار الخلد لا يرتجيهم ... حميم كما يرجى إياب المسافر وقال الفرزدق يذكر قتل عباد فِي بني كلب «2» : لقد طلب الأوتار «3» غير ذميمة ... إذا ذمّ طلّاب الترات «4» الأخاضر أراد لقد طلب الأخاضر غير ذميمة

_ (1) سيرد البيت في أنساب الاشراف، الورقة 1064 ب (نسخة س) . (2) ديوان الفرزدق: 150 (يوسف هل) وبعضها في الكامل 3: 257 والأول في أسماء المغتالين: 171 (3) الكامل: لقد أدرك الأوتار، الديوان والمغتالين: لقد طلبت بالذحل. (4) الديوان والمغتالين: الذحول.

هم جردوا الأسياف يوم أخيضر «1» ... فنالوا التي ما فوقها نال «2» ثائر وخاست كليب يوم مات ابن أخضر «3» ... وقد شرعت «4» فيه الرماح الشواجر هم شهدوه عاتمين «5» بنصرهم ... ونصر المليم عاتم غير حاضر «6» فما لكليب فِي المكارم أول ... وما لكليب فِي المكارم آخر وقالت امرأة من بني سليط فِي أبيات: سقى اللَّه مرداسًا وأصحابه الألي ... شروا معه غيثا كثير الزماجر فكلهم قد جاد لله مخلصًا ... بمهجته عند التقاء العساكر 470- وحدثني أَبُو خيثمة زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا غسان بْن مضر عَنْ سَعِيد بْن يزيد قَالَ: خرج أَبُو بلال بالبصرة فِي أربعين فأتوا بعض كور الأهواز فلم يقاتلوا إلا من قاتلهم ولم يجبوا مالًا. وقال كعب بْن عمير السمني «7» : شرى ابن حدير نفسه اللَّه فاحتوى ... جنانًا من الفردوس جمًا نعيمها وأسعده قوم كأنّ وجوههم ... نجوم دجنّات تجلّت غيومها مضوا بسيوف الهند قدمًا وبالقنا ... على مقربات باديات سهومها في أبيات «8» .

_ 470- الطبري 2: 187

أمر زياد ودعوته:

أمر زياد ودعوته: 471- قالوا: كان من خبر زياد- ويكني أبا المغيرة- أن سمية أمه كانت لرجل من بني يشكر ينزل بناحية كسكر «1» . فأصاب اليشكري وجع شديد أعيا من حوله من الأطباء، فبلغه مكان الحارث بْن كلدة بْن عَمْرو بْن علاج بْن أبي سلمة بن عبد العزّى ابن غيرة بْن عوف بْن ثقيف الثقفي بالطائف، فحج ثم أتاه، فعالجه حتى برئ، فوهب له سمية فوقع الحارث عليها فولدت على فراشه نافع بْن الحارث، ثم ولدت له نفيعًا وهو أَبُو بَكْرة، فأنكره الحارث ونسبه إلى غلام له يقال له مسروح، وكان أشبه الناس بمسروح، فكان أَبُو بَكْرة يَقُول: أنا نُفَيْع بْن مسروح، وقيل للحارث: إن جاريتك فاجرة لا تدفع كفّ لامس، فزوجها الحارث من عبدٍ لامرأته صفية بنت عبيد ابن أسيد «2» بْن علاج (775) الثقفي، رومي يقال له عبيد، كان ساقه فِي مهرها، فولدت له زيادًا على فراشه، وتزوج عتبة «3» بْن غزوان أحد بني مازن بْن منصور أزدة «4» بنت الحارث بْن كلدة، فلما ولاه عُمَر بْن الخطاب البصرة قدمها ومعه نافع بْن الحارث بْن كلدة ونفيع أَبُو بَكْرة وزياد، وهو يومئذ ينسب إلى عبيد فيقال له زياد بن عبيد، وكان له فهم وذكاء وفطنة، ولم يكن مع عتبة بْن غزوان من يكتب ويحسب كتاب زياد وحسابه، فلما فتح اللَّه على المسلمين ما فتح على يد عتبة ولاه قسمة الغنائم، وأمره فكتب له كتابًا إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالفتح، ثم ولى عُمَر المغيرة بْن شعبة البصرة بعد عتبة بْن غزوان، فكان زياد كاتبه، ثم لم يزل «5» فِي علو يدبر أمر كل عامل يكون على البصرة ويكتب له، فلما ولي أَبُو موسى البصرة استكتبه، ثم خرج غازيًا فاستخلفه على البصرة، فبلغ ذلك عُمَر فكتب إلى أبي موسى: بلغني أنّك استخلفت على البصرة غلاما

_ 471- قارن بالاصابة 8: 114 وأنساب البلاذري 1: 489

حديث السن ليس له قدم ولا هجرة ولا تجربة، فإذا أتاك كتابي فأشخصه إلي، فلما قرأ أَبُو موسى الكتاب بعث بزياد إليه، فكلمه عُمَر وسأله فرد عليه رد فهم عاقل، فَقَالَ له عُمَر: أتخبر الناس بما أخبرتني؟ فَقَالَ: إذا أخبرتك أنت «1» فالناس علي أهون، فخرج عُمَر آخذًا بيده وهو يَقُول: هذا ممن يرفع اللَّه به خسيسة أهله، فَقَالَ زياد «2» : أيها الناس أنفقنا فِي عام كذا كذا وبقي كذا، وفى عام كذا كذا وبقي كذا، فتعجب الناس من حفظه وعقله، ثم أمر له عُمَر بألف درهم، فاستأذن على عُمَر فِي بعض الأيام فبعث إليه: انتظر أخرج إليك، فغلبته عينه فنام «3» وعليه خفان جديدان، فلما رآه عُمَر علاه بالدرة، فلما انتبه قَالَ: إنما أخذته بدرهم واحد، فَقَالَ عُمَر: فلا بأس إذًا، وعجب من فطنته، فأمره عُمَر أن يكتب فِي بعض الأمر فكتب كتابًا بليغًا فَقَالَ: غيره، فكتب فِي ذلك المعنى كتابًا آخر، فقال غيّره، فكتب كتابا ثالثا بارعا، فعجب عُمَر من سعة معرفته وتصرفه فِي بلاغته، ثم رده إلى البصرة فاشترى بالألف أباه عبيدًا فعتق، فلما كان من قابلٍ وفد على عُمَر فسأله عَنْ الألف، فَقَالَ: ابتعت بها عبيدًا أبي من صفية بنت (عُبَيْد بْن) «4» أسيد بْن علاج، فَقَالَ له: نعم الألف كان ألفك. ثم لما قدم «5» علي بْن أبي طالب البصرة فأخذها «6» فاستعمل عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، استكتب ابن عباس زيادًا، ثم ولاه فارس، فسأل زياد «7» عَنْ أمثل سيرة الفرس، فقيل له سيرة أنوشروان كسرى بْن قباذ، كان يضع عَنْ أهل فارس من خراج كل عشر سنين خراج سنة، ففعل زياد مثل ذلك حتى عمرت فارس عمارة لم يعمر مثلها قطّ.

_ (1) أنت: زيادة من م. (2) فتوح البلدان: 464 (3) قارن بالطبري 1: 2712 وابن عساكر 5: 407 والجهشياري 16، 17 (4) زيادة لازمة اعتمادا على ما تقدم. (5) قارن بمروج الذهب 5: 22 وابن عساكر 5: 408 (6) س: فأخذ بها. (7) قارن بالطبري 1: 3449

واستخلف «1» ابن عباس حين غاضب عليًا وشخص إلى مَكَّة زيادًا، فكتب مُعَاوِيَة «2» إلى زياد يتوعده ويتهدده، فخطب الناس فَقَالَ: أيها الناس كتب إلي ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق وبقية الأحزاب «3» يتوعدني، وبيني وبينه ابن عم رسول اللَّه «4» فِي سبعين «5» ألفًا، قبائع «6» سيوفهم عند أذقانهم، لا يلتفت أحد منهم حتى يموت، أما واللَّه لئن وصل هذا الأمر إليه ليجدني «7» ضرابًا بالسيف، فلما قُتل علي وصالح الحسن مُعَاوِيَة رضي اللَّه تعالى عنهم، واستقام الناس «8» له، تحصن زياد فِي قلعة بفارس هي تدعى قلعة زياد. وبعث مُعَاوِيَة «9» بسر بْن أبي أرطاة إلى البصرة، وأمره بقتل من خالفه، وكان هواه مع علي، فلما قدم بسر البصرة أخذ بني زياد وهم عبيد اللَّه وسلم وعبد الرحمن والمغيرة و (أبو) حرب «10» ، وكانوا غلمانًا، فَقَالَ: لأقتلنكم أو ليأتيني زياد، فشخص أَبُو بَكْرة إلى مُعَاوِيَة (776) فكلمه فِي تخلية أولاد زياد وقال: أحداث ولا ذنب لهم «11» ، فكتب إلى بسر بتخلية سبيلهم، وكتب لزياد أمانًا، ويقال أن أبا بَكْرة طلب إلى بسر أن يؤجله أيامًا سماها ليأتي مُعَاوِيَة فيكلمه فِي بني زياد، فأجابه إلى ذلك، فلما كان آخر يوم من الأجل وقد طلعت الشمس أخرج بني زياد ليقتلهم، فبينا هو ينظر غروب الشمس إذ أقبل أَبُو بَكْرة وأعين الناس طامحة «12» ينتظرون قدومه، وهو على دابة له قد جهدها، حتّى أعطى

_ (1) قارن بالتنبيه: 206. (2) الطبري 2: 14 واليعقوبي 2: 259 والدينوري: 232 وابن عساكر 5: 411 والدرجات الرفيعة: 318 وانظر شرح النهج 4: 68. (3) الطبري: رئيس الأحزاب. (4) الطبري: ابنا عم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اليعقوبي: ابنا بنت رسول الله. (5) الطبري: تسعين. (6) اليعقوبي: واضعي قبائع، الطبري: واضعي سيوفهم على عواتقهم. (7) م: لتجدني (والتاء غير معجمة في ط) . (8) خ بهامش ط س: الأمر. (9) قارن بالطبري 2: 11، 13 وابن الأثير 3: 348 وابن كثير 8: 22 (10) ابو حرب كنية عباد بن زياد. (11) الطبري: غلمانا بلا ذنب. (12) س: طافحة.

بسرًا الكتاب من مُعَاوِيَة بالكف عنهم، فكبر الناس. وقال بعضهم: كان مقام بسر بالبصرة ستة أشهر. وكان المغيرة بْن شعبة صديقًا لزياد لكتابته له، ولأنه لما وجد «1» مع المرأة فشهد عليه الشهود كان زياد رابعهم، فلما نظر إليه عُمَر قَالَ: أرى رجلًا لا يفضح اللَّه- أو لا يخزي- به رجلًا من أصحاب محمد، فأحجم عَنْ قطع الشهادة حتى درأ عُمَر الحد عَنِ المغيرة، فدخل المغيرة «2» على مُعَاوِيَة فَقَالَ مُعَاوِيَةُ حين رآه. إنما موضع سر المرء إن ... باح بالسر أخوة المنتصح فإذا بحت بسر فإلى ... ناصح يستره «3» أو لا تبح فَقَالَ له المغيرة: يا أمير المؤمنين إن تستودعني سرك تستودعه ناصحًا شفيقًا ووعاء «4» وثيقًا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: شر الوطاء «5» العجز، أترضى أن يكون زياد وهو داهية العرب وقريع ذوي الرأي والحزم بمكانه؟ ما يؤمنني أن يبايع لبعض أهل هذا البيت فيعيدها «6» جذعة، واللَّه لقد بت ليلتي ساهرًا لذكري زيادًا واعتصامه بقلعة بأرض فارس، قَالَ المغيرة: فأذن لي فِي إتيانه آتك به، قَالَ: نعم فمضى جوادًا «7» حتى قدم على زياد، فلما رآه قَالَ: أفلح رائد، قَالَ: إليك ينتهي الخبر يا أبا المغيرة، أن الوجل منك قد استخف مُعَاوِيَة حتى بعثني إليك، وقد بايعه الحسن واجتمع عليه الناس، قَالَ: فأشر علي فإن المستشار مؤتمن «8» ، وارم الغرض الأقصى، قَالَ المغيرة: إن فِي محض الرأي بشاعة ولا خير فِي

_ (1) قارن بفتوح البلدان: 344 والأغاني 14: 145 واليعقوبي 2: 166 (2) الطبري 2: 23 وابن الأثير 3: 354 والعقد 5: 6، والشعر أيضا في المرزباني: 368 منسوبا إلى المغيرة نفسه. (3) المرزباني: يكتمه. (4) الطبري والعقد: ورعا. (5) س: الوطء. (6) العقد: أعادها. (7) جوادا: أي سريعا كالفرس الجواد (اللسان) . (8) المستشار مؤتمن: ورد هذا في لباب الآداب: 333 وكنز العمال 3: 233 والجامع الصغير 2: 185 وأربع رسائل للثعالبي: 4 والطبري 2: 159 وأدب الدنيا والدين: 202.

التمذيق، أرى أن تصل حبلك بحبله وتشخص إليه، قَالَ: أرى ويقضي اللَّه، وانصرف المغيرة، ومضى زياد بعد يوم أو يومين من مضي المغيرة فسار حتى صار إلى مُعَاوِيَة، فسأله مُعَاوِيَة عَنِ المال فضمن له أن يحمل إليه ألفي ألف درهم، فرضي بذلك. 472- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: قَالَ المغيرة لِمُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَة بالكوفة: أترضى بأن يكون زياد وهو في دهائه ورأيه وحزمه متحصنًا فِي قلعة بفارس؟ قَالَ: فما ترى؟ قال: أرى أن أشخص اليه فآتيك به، قَالَ: افعل. 473- قالوا: وشخص زياد إلى العراق لحمل «1» الألفي ألف إلى مُعَاوِيَة، فلقيه مصقلة بْن هبيرة الشيباني فَقَالَ له: أين تريد يا أبا الفضيل «2» ؟ قَالَ: مُعَاوِيَة، قَالَ: فلك عشرة آلاف درهم معجلة ومثلها مؤجلة إن ألقيت إليه ما أقول لك، إذا لقيته فقل له: يا أمير المؤمنين كان زياد عندك وقد أكل العراق بره وبحره، فخدعك حتى رضيت منه بألفي ألف درهم، ما أرى ما تقول «3» الناس من أن زيادًا «4» ابن أبي سُفْيَان إلا حقًا، فضمن له ذلك، فلما لقي مُعَاوِيَة ألقي إليه ما قَالَ له زياد، قَالَ: أو قالوها؟ قَالَ: نعم، فبعث مُعَاوِيَة إلى زياد فقدم عليه فادعاه، وقال مُعَاوِيَة للمغيرة: يا أبا عبد الله سبقك زياد إلي وقد خرجت قبله، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين أن الأريب إذا كتم «5» الأريب شامه (777) ، خذ حذرك واطو عني شرك «6» ، إن زيادًا قدم يرجو الزيادة وقدمت أتخوف النقصان، فكان سيرنا على حسب ذلك.

_ 472- قارن بما مرّ ف: 384. 473- قارن بالأغاني 20: 17 وبعضه يقارن بابن الأثير 3: 371 وابن عساكر 5: 409 وبعضه في الطبري 2: 25 وانظر ابن كثير 8: 24

474- قالوا: فلما قدم زياد على مُعَاوِيَة فِي مرته الثانية صعد المنبر، وأمر زيادًا فصعد معه، فحمد مُعَاوِيَة اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إني قد عرفت شبهنا أهل البيت فِي زياد، فمن كانت عنده شهادة فليقمها، فقام الناس فشهدوا أنه ابن أبي سُفْيَان، أقر به قبل موته ثم مات. وقام أَبُو مريم السلولي- وكان خمارًا فِي الجاهلية- فَقَالَ: أشهد أن أبا سُفْيَان قدم علينا يا أمير المؤمنين الطَّائِف، فأتاني فاشتريت له لحمًا وأتيته بخمر وطعام، فلما أكل قَالَ يا أبا مَرْيَم أصب لي بَغيا، فخرجت فأتيته بسُمَيَّة وقلت لها: أن أبا سُفْيَان من قد عرفت شرفه وحاله، وقد أمرني أن أصيب له عرسًا فقالت: يجيء عبيد زوجي من غنمه، فإذا تعشّى ووضع رأسه أتيته، فلم تلبث أن جاءت تجُر ذيلها فدخلت معه، فلم تزل معه حتى أصبحت، فقلت له: كيف رأيتها؟ قَالَ: خير صاحبة لولا ذفر إبطيها ونتن رفغيها «1» ، فَقَالَ زياد من فوق المنبر: مه يا أبا مريم، لا تشتم أمهات الرجال فتشتم أمك. ثم جلس أَبُو مريم وقام آخر فَقَالَ «2» : أشهد أن عُمَر بْن الخطاب أخذ بيد زياد فأخرجه يوم أخرجه إلى الناس، فَقَالَ رجل ممن كان حاضرًا: لله أبوه من رجل لو كان له عنصر. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان وهو إلى جانبي: أنا واللَّه وضعته فِي رحم أمه سمية وما له أب غيري. 475- وقال هشام بْن الكلبي: قَالَ مُعَاوِيَةُ لأبي البيضاء النهدي، وزياد حاضر: ما عندك فِي أمر زياد؟ قَالَ: شهدت أبا سُفْيَان واقعها فِي الجاهلية، ورجع وذكره يقطر، وهو يَقُول: لعنها اللَّه فما أنتنها! فَقَالَ زياد: أد شهادتك ولا تفحش، فإنما دعيت شاهدًا ولم تدع شاتمًا. 476- قالوا: فلما تكلم مُعَاوِيَة على المنبر تكلم زياد فَقَالَ: أيها الناس إنّ أمير

_ 474- في شهادة أبي مريم السلولي انظر المروج 5: 24 وشرح النهج 4: 69- 70 وكذلك انظر المروج 5: 21 واليعقوبي 2: 259 وابن الأثير 3: 371 وابن عساكر 5: 409 والعقد 5: 4 وأخبار النساء: 110. 476- المروج 5: 25 والموفقيات: 302 وفاضل الوشاء: 52 وانظر اليعقوبي 2: 260 والعقد 5: 4- 5 وابن كثير 8: 28

المؤمنين والشهود قد قالوا ما سمعتم، ولست أدري ما حق هذا من باطله، وهو وهم أعلم، وإنما عبيد أب مبرور ووال مشكور «1» ، ثم نزل. وقد كان مُعَاوِيَة بعث إلى سَعِيد «2» بْن عبيد أخي صفية بنت عبيد، فأرضاه حتى أقر ورضي بما صنع مُعَاوِيَة، وأبي يونس ابنه أن يرضى، وطلب الدخول على مُعَاوِيَة فلم يصل إليه، فلما كان يوم الجمعة وَمُعَاوِيَة يخطب على المنبر، أقبل يونس بْن سَعِيد حتى قام بين يديه فَقَالَ: [يا مُعَاوِيَة قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن الولد للفراش وللعاهر الحجر،] وإنك قضيت بالولد للعاهر وجعلت للفراش الحجر، فاتّق «3» الله فو الله لئن كان زياد ابن أبي سُفْيَان إنه لعبدي ومولاي أعتقته عمتي، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: واللَّه لتكفن يا يونس أو لأطيرن نعرتك- ويقال أنه قَالَ له: واللَّه لتكفن يا يونس أو لأطيرن بك طيرة بطيئًا وقوعها- فَقَالَ يونس بن سعيد: أو ليس المرجع بي وبك بعد إلى اللَّه؟ وقال الشاعر: وقائلة إما هلكت «4» وقائل ... قضى ما عَلَيْهِ يونس بْن سَعِيد «5» قضى ما عَلَيْهِ ثُمَّ ودع ماجدًا ... وكل فتى سمح الخليقة مودي 477- وقال ابن الكلبي، قَالَ يونس بْن سَعِيد العلاجي: رد علي ولاء عمتي من زياد، فَقَالَ: أتركت شرب ما فِي الدنان؟ قَالَ: نعم، وترك أبي الزنا «6» فِي الجاهلية. 478- حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أسلم زياد بالطائف وهو ابن خمس سنين فِي كتاب جبير بْن حية الثقفي، فحفظ له زياد ذلك وولاه أصبهان، وكان يكنى أبا (778) فرتنا «7» . 479- وزعم أَبُو اليقظان عَنْ آل زياد أن زيادًا لأبي سُفْيَان وأمه أسماء بنت الأعور من بني تميم ثمّ من بني عبشمس، وذلك باطل.

_ 478- قارن بالاصابة 3: 43 وفتوح البلدان: 442 479- قارن بالاشتقاق 1: 185

480- قالوا: ووقع بين زياد وأبي الأسود حين ولى ابن عباس أبا الأسود الصلاة وولى زيادا الخراج تدارؤ «1» ، فَقَالَ أَبُو الأسود: رأيت زيادًا باديًا لي شره ... وأعرض عنه «2» وهو بادٍ مقاتلة وكنت امرأ بالدهر والناس عالمًا ... له عادة قامت عليها «3» شمائله تعودها فيما مضى من شبابه ... كذلك يدعو كل أمر أوائله ويعجبه صفحي له وتحملي «4» ... وذو الجهل يجزي الفحش من لا يعاجله «5» فِي أبيات، وقال أيضًا: نبئت أن زيادًا ظل يشتمني ... والقول يكتب عند اللَّه والعمل وقد لقيت زيادًا ثم قلت له ... وقبل ذلك ما جاءت «6» به الرسل حتام تشتمني «7» فِي كل مجتمع ... حتى إذا ما التقينا ظلت تنتقل «8» ! وقال أَبُو الأسود الدؤلي أيضًا: ألا أبلغا عني زيادًا رسالة «9» ... تخب «10» إليه حيث كان «11» من الأرض فما لك تلقاني «12» إذا ما لقيتني ... وتصرف «13» عني طرف عينك كالمغضي

_ 480- الأغاني 12: 316 والانباه 1: 18 والقصائد الثلاث في ديوان أبي الأسود: 39- 43، 44- 45، ولباب الآداب: 414 وقارن بالطبري 1: 3448.

أمر زياد بعد الدعوة:

أمر زياد بعد الدعوة: 481- قالوا: وولى مُعَاوِيَة زيادًا البصرة، فلما قدمها كان بينه وبين أقوام عداوة صعد المنبر فَقَالَ: الحمد لله الذي رفع مني ما وضع الناس، وعظم ما صغروا، ألا وإنه قد كان بيني وبين أقوام منكم أشياء «1» قد جعلتها دبر أذني وتحت قدمي، ألا إن القدرة تذهب الحفيظة «2» ، ألا وإني لو اطلعت على بعضكم وقد ورّاه بغضي لما هتكت له سترًا ولا كشفت له قناعًا حتى يبدي صفحته، فإذا فعل لم أناظره «3» ، فأعينوني على أنفسكم يرحمكم اللَّه، ألا ورب مغتبطٍ بقدومنا سييأس مما قبلنا، وآيس مما قبلنا سيغتبط بنا، ثم نزل، فلما كان الغد من يومه دعا رجلًا من الشرط فَقَالَ له «4» : انطلق إلى سنان بْن مشنوء «5» المزني فادعه، فانطلق إليه فوجده متصبحًا، فرجع إلى زياد فأعلمه، فَقَالَ: انطلق إلى ابن أبي الحر فادعه فإنك ستجده متحزمًا، وكان بينهما شيء، فانطلق فوجده فِي داره متحزمًا، بين يديه رواحل تعلف، فَقَالَ: أجب الأمير، فَقَالَ: إنا لله وإنا إليه راجعون ما لي وللأمير، ثم ذكر قوله على المنبر فانطلق مع الرسول، فاستعمله على دستميسان «6» فمكث عليها حينًا. 482- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: جاء قوم من أهل ميسان أو دستميسان فقالوا: البصرة من أرضنا، فحط عنا من خراجنا بقدر ما فِي أيدي العرب، فدعا بني الشعيراء «7» ، وكانوا أشعب أهل البصرة فأخبرهم بقولهم، فشتموهم وضربوهم حتى تركوا خصومتهم وهربوا.

_ 481- انظر ما يلي رقم: 491، 524 والكامل 1: 268 والبيان 2: 62 والدينوري: 233 وأمالي القالي 3: 185 وبهجة المجالس 1: 337 وعيون الأخبار 2: 241 وفي الموفقيات: 302- 308 صور من هذه الخطبة.

483- قالوا: وسمع زياد حين قدم البصرة تكبيرًا فِي بعض الليالي، فَقَالَ: ما هذا؟ قيل هذه دار عبيد بْن عمير تحرس لأن الناس من البيات والسرق فِي أمرٍ عظيم، وإن المرأة لتستغيث فما يغيثها أحد، فَقَالَ زياد: ما كل الناس يقدر على ما يقدر عليه عبيد، ما قدومي ها هنا إلا باطل، فلما أصبح جمع الناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا الناس انّه بلغني ما لا صبر عليه، إني قد أجلتكم فِي أن يبلغ شاهدكم غائبكم ثلاثًا، إنا إن وجدنا أحدا (779) بعد صلاة العتمة ضربنا عنقه، ثم نزل. وجعلوا يتحدّثون بقوله فيهزؤون، فلما مضى الأجل دعا عباد بْن الحصين الحبطي، وكان قد ولاه شرطه، فأمره فطاف فلم يجد أحدًا بعد العتمة إلا ضرب عنقه، فاصبح في الرحبة خمسمائة رأس، وفعل ذلك ليالي متوالية، فجعل الناس إذا سلم الإمام فِي العتمة نهض الرجل من خلفه مبادرًا فربما ترك نعليه من العجلة. ثم نادى مناديه: برئت الذمة من رجل أغلق بابه، ومن ذهب له شيء فأنا له ضامن، ففتح الناس أبوابهم لا يخافون سرقًا. 484- قَالَ هشام بْن الكلبي: وبعث زياد بقطيفة ديباج منسوجة بذهب فألقيت بالخريبة «1» ، فمكثت ليالي وأياما «2» ما يمسها أحد، فبعث إليها بعد فأتي بها. 485- قَالَ: وقدم أعرابي ذات ليلة بغنم له يريد بيعها، فلما استوحش من الجبانة دخل البيوت، فأخذه عباد بْن الحصين فَقَالَ: ويحك أما علمت بنداء الأمير؟ قَالَ: لا واللَّه، فرحمه عباد. فلما أصبح دفعه إلى زياد فسأله عَنْ قصته فأخبره، فقال: لا أراك الّا صادقا ولكنّي أكره أن أكذب نفسي فِي وعدي ووعيدي، اضربوا عنقه. فقتل.

_ 483- قارن بعضه بما في الطبري 2: 77 وبعضه الآخر بما في الطبري 2: 74، 76 وابن الأثير 3: 376 ونفحة اليمن: 58 وشرح النهج 4: 76 484- قارن بالمحاسن والاضداد: 52 ونفحة اليمن: 59 485- قارن بالطبري 2: 76 وابن الأثير 3: 376 ونفحة اليمن: 58- 59

486- قَالَ هشام بْن الكلبي: وأتي زياد بنباشين فأمر بهم فدفنوا أحياء، وأتي برجل غرق زرعًا فغرقه فِي الماء، وأمر برجل أحرق دارًا فأحرق بالنار. 487- قالوا: ونبش قبر فَقَالَ زياد لنافع بْن الحارث: اخرج فانظر قبرًا دفن صاحبه اليوم فكن قريبًا منه، فإنك ستجد الذي نبش «1» القبر ينبشه، ففعل، وجاء النباش على ما ظن زياد، فأخذه بعد أن رماه رمية أثخنته، فأمر زياد بدفنه فِي القبر. 488- وقال ابن الكلبي: قدم زياد وهو يريد البصرة، فلما صار ببعض الطريق أتاه موت المغيرة بْن شعبة بالكوفة، فخاف أن يستعمل ابن عامر «2» على الكوفة وقال: إن وليها لم آمن أن يضرنا «3» جواره ويلجأ أهل خراجنا إليه، فكتب إلى مُعَاوِيَة: كتبت إليك وقد مات المغيرة وترك بحمد الله ونعمته من عروة بْن المغيرة خلفًا صالحًا عفيفًا أمينًا مسلمًا طيبًا، وأرى أن يوليه «4» أمير المؤمنين عمل والده فيصطنعه ويرعى حق والده فيه، فإني أرجو أن يعرف فِي ذلك الخيرة إن شاء اللَّه، فلما قرأ مُعَاوِيَة الكتاب ضحك وعرف ما أراد، فكتب اليه: ليفرخ روعك يا أبا المغيرة، لست بمول عبد اللَّه بْن عامر، وبعث إليه بعهده على الكوفة، فجمع له المصرين وأعمالهما، فكان أول من ضما إليه. 489- وقال ابن الكلبي: قدم زياد الكوفة حين أتته ولايتها وهو بالبصرة، فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إن هذا الأمر أتاني وأنا بالبصرة، فأردت أن آتيكم فِي ألف من الشرط «5» ثم نظرت فوجدتكم أهل حق، ووجدت حقكم طال ما دمغ الباطل،

_ 486- قارن بالطبري 2: 74 والمحاسن والمساوئ: 507 والمحاسن والأضداد: 52 وما يلي رقم: 524، 618 488- في كتاب زياد إلى معاوية انظر لسان العرب 4: 12، 9: 495 489- الطبري 2: 88 وعيون الأخبار 2: 241 وما تقدم ف: 481 وما يلي رقم: 491

فجئتكم فِي أهل بيتي، فالحمد لله الذي رفع مني ما وضع الناس وحفظ ما ضيعوا. 490: الْمَدَائِنِيّ أن جماعة قَالَ بعضهم لبعض: أزياد أفضل أم عبيد اللَّه؟ فَقَالَ شيخ منهم: إن لم يولد لعبيد اللَّه ابن مثله فزياد أفضل من عبيد اللَّه. 491- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ زِيَادًا، حِينَ هَلَكَ الْمُغِيرَةُ، عَلَى الْكُوفَةَ جَاءَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الذي رفع مني ما وضع الناس وحفظ مِنِّي مَا ضَيَّعُوا، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ سُسْنَا وَسَاسَنَا السَّائِسُونَ، فَوَجَدْنَا هَذَا الأَمْرَ لا يَصْلُحُ إِلا بِالشِّدَّةِ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، وَاللِّينِ في غير ضعف، ألا فلا أفتحنّ بَابًا فَتُغْلِقُوهُ، وَلا أُغْلِقُ بَابًا فَتَفْتَحُوهُ، وَلا أَعْقِدُ عُقْدَةً فَتَحُلُّوهَا وَلا أَحُلُّهَا فَتَعْقِدُوهَا، أَلا وَإِنِّي لا أَعِدُكُمْ خَيْرًا وَلا شَرًّا إِلا وَفَّيْتُ بِهِ، فَمَتَى وَجَدْتُمْ عَلَيَّ خُلْفًا أَوْ كَذِبًا فَلا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، وَأَيُّ رَجُلٍ مَكْتَبُهُ بَعِيدٌ (780) فَأَجَلُهُ سَنَتَانِ ثُمَّ هُوَ أَمِيرُ نَفْسِهِ، وَأَيُّ رَجُلٍ مَكْتَبُهُ قَرِيبٌ فَأَجَلُهُ سَنَةٌ ثُمَّ هُوَ أَمِيرُ نَفْسِهِ، وَأَيُّ عِقَالٍ ذَهَبَ فِيمَا بَيْنَ مَقَامِي هَذَا وَخُرَاسَانَ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ، إِنَّا لَكُمْ قَادَةٌ وَعَنْكُمْ ذَادَةٌ، وَمَهْمَا قَصَّرْتُ فِيهِ فَلَنْ أُقَصِّرَ فِي ثَلاثٍ: لَنْ أَحْبِسَ لَكُمْ عَطَاءً، وَلا أَحْرِمَكُمْ رِزْقًا، وَلا أُجَمِّرُ لَكُمْ جَيْشًا، فَاسْتَوْجِبُوا عَدْلَنَا بِطَاعَتِكُمْ إِيَّانَا، وَسَخَاءَنَا بِسَخَاءِ أَنْفُسِكُمْ لَنَا، وَادْعُوا اللَّهَ لأَئِمَّتِكُمْ بِالْعَافِيَةِ فَإِنَّهُمْ حِصْنُكُمُ الَّذِي تَسْتَجِنُّونَ «1» وَكَهْفُكُمُ الَّذِي إليه تلجؤون. 492- المدائني قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَوْفُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَلَى زِيَادٍ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ أُخْتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ الْقَعْقَاعِ، فَأَغْلَظَ لَهُ الْحَاجِبُ فَضَرَبَهُ بِقَضِيبٍ كَانَ مَعَهُ فَأَدْمَاهُ، فَدَخَلَ عَلَى زِيَادٍ فَقَالَ: مَنْ ضَرَبَكَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ بِالْبَابِ لا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ زِيَادٌ للأَحْنَفِ: أقدم عوف؟

_ 491- في خطبة زياد هذه قارن ببهجة المجالس 1: 334 والطبري 2: 74، 75 وابن الأثير 3: 374، 375 والعقد 5: 6 واليعقوبي 2: 260، 273 وابن عساكر 5: 412 وعيون الأخبار 1: 9 والبيان 2: 62 وشرح النهج 4: 74 وما تقدم ف: 481 وما سيلي رقم: 525، 649.

قَالَ: نَعَمْ، فَهُوَ صَاحِبُهُ، أَدْخِلْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ لَهُ: يَا عَوْفُ إِنَّ خَدَمِي لا يَسْتَذِلُّونَ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَقَطَعْتُ يَدَكَ. 493- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي هلال الراسبي قَالَ: استعمل زياد أمير بْن أحمر على سابور «1» ، فكتب إليه أن يقتل دهقانًا هناك فلم يفعل، فاستعمل غيره فقتل الدهقان. 494- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ: استعمل زياد أُمَيَّة بْن عبد اللَّه بْن خالد على الآبلة، واستعمل مسروق «2» بْن الأجدع على السلسلة، فهنأه رجل فَقَالَ: وقاك اللَّه خشية «3» الفقر وطول الأمل. 495- الْعَمْرِيّ عَنْ الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش قال، قَالَ أُمَيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد لأبيه: قد أردت التزويج وما عندك مال، وما أظنّي إلا سآتي زيادا فأخطب إليه، فقال: يا بني والله ما أحب أن تخلط سمنك بإهالته، قَالَ: فرحل إليه فلقيه بالبصرة، فسأله عَنْ سبب قدومه فَقَالَ له: قدمت إليك لتزوجني وتصلني، فَقَالَ: نعم ونعمة عين، فزوجه آمنة بنت زياد، ثم قَالَ لمهران «4» مولاه وكاتبه على الخراج: اطلب له كورة ترتفع عَنْ عمق السواد وتتنحى «5» عَنْ حزونة الجبال وبردها، فَقَالَ: السوس، فولاه إياها، قَالَ أُمَيَّة: فو الله ما كنت أفترش إلا الخز ولا أشرب إلا السكر، ولقد عزلت عنها وما أظن أحدًا من الخلق يلبس إلا الخز ولا يشرب إلا السكر. ولما قدم على زياد أمر بمحاسبته، فرآه أبوه فَقَالَ لزياد: أيها الأمير أتحاسب أُمَيَّة؟ فَقَالَ: نعم يا أبا أُمَيَّة، إنا نريد أن نصلح له حسابه خوفًا من التبعة عليه، قَالَ: فنعم إذًا.

_ 494- انظر ما يلي: 1174، واستعمال مسروق على السلسلة قد تقدّم في ف: 377 وقارن بطبقات ابن سعد 6: 55- 56 والخراج: 163 والتهذيب 10: 111 (ترجمة مسروق بن الأجدع) . 495- انظر ما يلي ف: 1181 وقارن بما يلي ف: 496

496- وقال الْمَدَائِنِيّ، قَالَ زياد لأمية: أنك تحب النعمة، وبالسوس خز وسكر، فولاه إياها فأصاب خمسمائة ألف درهم، فأخذ منه زياد نصفها وسوغة النصف، 497- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أرسل زياد إلى قوم كانوا يصيبون «1» الطريق فيهم مالك بْن الريب فضمن كل رجل «2» منهم ما يليه، فَقَالَ الشاعر يذكر مالكًا وأصحابه: اللَّه نجانا «3» من القصيم ... ومن أبي حردبة الأثيم (781) ومن غويث «4» فاتح العكوم ... ومالك وسيفه المسموم 498- قالوا: وأراد زياد الحج، فأتاه أَبُو بَكْرَةَ- وهو لا يكلمه مذ ترك زياد الشهادة على المغيرة بْن شعبة وعرضه لأن حد- فدخل عليه، وأخذ ابنه فأجلسه فِي حجره ليخاطبه ويسمع أباه زيادًا فَقَالَ: أن أباك هَذَا أحمق قد فجر فِي الإسلام ثلاث فجرات: أولاهن كتمانه «5» الشهادة على المغيرة، واللَّه يعلم أنه قد رأى ما رأينا، والثانية فِي انتفائه من عبيد وادعائه إلى أبي سُفْيَان، وأقسم أن أبا سُفْيَان لَمْ ير سمية قط، والثالثة أنه يريد الحج وأم حبيبة زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هناك، وإن أذنت الأخت لأخيها فأعظم بها مصيبة وخيانة لرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن هي حجبته فأعظم بها عليه حجة، فَقَالَ زياد: ما تدع «6» النصح لأخيك عَلَى حال، وترك الحج فِي تِلْكَ السنة، وماتت أم حبيبة فِي سنة أربع وأربعين. 499- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو هشام عَنْ المبارك بن فضالة عن

_ 497- قارن بالطبري 2: 178 والأغاني 22: 304 (وفيه الشعر) وانظر الشعر في البكري: 713 وراجع المحاسن والأضداد: 51 498- قارن بياقوت 2: 273 والعقد 5: 11- 12 والاستيعاب: 526 وشرح النهج 4: 70 499- راجع ما تقدم ف: 469 والطبري 2: 146 وابن الأثير 3: 407 وقارن هذا القول بقول آخر يدل على

الحسن البصري قَالَ، ذكر الحسن زيادًا فَقَالَ: ما كان أجراه على اللَّه، سمعته يَقُول لآخذن الجار بالجار، واللَّه يَقُول: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخرَى (الأسراء: 15) وكنت تراه فترى جمالًا: يكسر عينيه ويثني عطفه معرضًا عما خلق له، قتل حجرًا وملأ الأرض شرًا. 500- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ، قَالَ زياد: يعجبني من الرجل إذا سيم خطة ضيم «1» أن يَقُول لا بملء فيه، وإذا أتى مجلس قوم أن يعرف قدره فيجلس مجلسه، وإذا ركب دابة أن يحملها على ما يريد ولا تحمله على ما تريد، وقل من رأيته هكذا إلا وجدته مبرزًا. 501- قَالَ، وقال زياد: جنبوني عدوين لا يقاتلان «2» الشتاء وبطون الأودية. وكان يَقُول: لم يعجبني فتح أتى على غير تقدير. وقال زياد لعماله: استعملوا عمال المعذرة ومن يزن بصلاح، وإياكم ومن يحترس منه. وكان بالبصرة حين قدمها زياد سبعمائة ماخور فهدمها، وركب إلى ما خور كان فِي بني قيس بْن ثعلبة فتولى هدمه، وكان لا يقبل شهادة بني قيس بْن ثعلبة بالعشي ولا يعدي عليهم «3» . 502- وقال الْمَدَائِنِيّ: أهدى لزياد حمار وحش فَقَالَ له فيل مولاه: قد بعث إلينا

_ ثناء الحسن على زياد في البخلاء: 65 والبيان 2: 66 وما يلي رقم: 567، وعن كسر زياد لعينه انظر ابن الأثير 3: 411 وما يلي رقم: 517، 596 والأعلاق النفيسة: 223. 500- ما يلي رقم: 547 وابن عساكر 5: 417 وشرح النهج 4: 75 وبهجة المجالس 1: 48 501- العقد 1: 132، 5: 7 502- قارن بالبيان 1: 73، وعيون الأخبار 2: 159 والمحاسن والمساوئ: 454 والمحاسن والأضداد: 8 ومحاضرات الراغب 1: 27 والحيوان 7: 73

بهمار وهش، قَالَ: اسكت قبحك اللَّه فما أدري ما تقول، قَالَ: أهدي إلينا أير- يعني عيرًا- فَقَالَ: الأول أمثل «1» . 502- قَالَ: ووفد زياد إلى مُعَاوِيَة وعنده عبد اللَّه بْن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما فنظر إليه، وسلم عبد اللَّه عليه فلم يرد السلام، فَقَالَ له: يا أبا المغيرة ما هذه الهجرة؟ فَقَالَ: إنه ليس بيننا «2» بحمد اللَّه هجرة، ولكنه مجلس لا يقضى فيه إلا حق أمير المؤمنين وحده. 504- قَالَ: وكتب كاتب فِي ديوان زياد: ثلاثة دنان، فَقَالَ: أخرجوا هذا الكاتب من ديوانكم وأصلحوها ثلاثة أدن. 505- وكان زياد يَقُول: العجب من الخوارج أنك تجدهم من أهل البيوتات والشرف وذوي الغناء وحملة القرآن وأهل الزهد، وما أشكل علي أمر نظرت فيه غير أمرهم، فمن كف عني يده ولسانه كففت عنه. 506- قالوا «3» : وكان زياد أول من أحدث ديوان خاتم وديوان زمام، وأول من عرف العرفاء ونكب المناكب «4» وحبس بالظنة وأخذ الجار بالجار. 507- وحدثني عمرو بْن محمد عَنْ أبي نعيم عَنْ يونس عَنْ الحسن قَالَ: تتبع (782) زياد شيعة علي بْن أبي طالب يقتلهم «5» ، فَقَالَ الحسن: [اللَّهم تفرّد بموته فإنّ القتل كفّارة] .

_ 503- العقد 1: 16 والأنساب (الورقة 276/ أمن س) وقارن بعيون الأخبار 1: 21 504- الجهشياري: 22 506- فتوح البلدان: 464 والعقد 5: 8، وانظر بعضه فيما تقدم رقم: 469 وما يلي رقم: 570 507- ابن عساكر 5: 421 والبصائر 7 رقم: 454

508- حَدَّثَنِي الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنْ مجالد عَنِ الشعبي أنه قَالَ: لم أسمع متكلمًا قط يكثر ويطيل إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن يسيء، إلا زيادًا فإنه «1» كان لا يزداد كلامًا إلا ازداد إحسانًا. 509- قَالَ: وكان حارثة بْن بدر الغداني أليفًا لزياد، فأتاه وبوجهه أثر، فَقَالَ: ما هذا؟ قَالَ: ركبت برذوني الكميت «2» فاعترم بي فسقطت، فَقَالَ: أما واللَّه لو ركبت الأشهب لسلمت. 510- وكان زياد يَقُول: المروءة اجتناب الريب وإصلاح المال وقيام الرجل بأمر أهله، فإنه لا يستكمل النبل من احتاج أهله إلى غيره. 511- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ زياد لعجلان حاجبه: كيف تأذن للناس؟ قَالَ: أبدأ بأهل السابقة والقدم، ثم أدعو أهل الشرف، ثم ذوي الأسنان، قَالَ: فقد وليتك حجابتي وعزلتك عَنْ أربعة «3» : المنادي بالصلاة، وطارق الليل فأمر «4» جاء به، ورسول صاحب الثغر فإن أبطأ ساعة فسد بإبطائه عمل سنة، وصاحب الطعام إذا أدرك طعامه فإنه إذا أعيد إسخان الطعام «5» فسد. 512- قالوا: وكان زياد يَقُول: ما أعلم شيئًا بعد الإخلاص وأداء الفرائض أفضل من نصيحة الوالي رعيته.

_ 508- الطبري 2: 76 والبيان 2: 65 ومحاضرات الراغب 1: 27 وعيون الأخبار 2: 171 وابن عساكر 5: 414 والموفقيات: 310 وشرح النهج 4: 75 509- العقد 2: 462 وابن عساكر 3: 432 والأشربة: 28 وعيون الاخبار 2: 201 والبصائر 3: 571 (عن عبيد الله وحارثة بن بدر) وانظر الأغاني 23: 482 والذخيرة 1: 468 وتروى في محاضرات الراغب 1: 326 عن البراء بن قبيصة والوليد. 511- العقد 1: 67، 5: 12 وانظر المحاسن والمساوئ: 173 وما يلي رقم: 571 وشرح النهج 4: 74 وبهجة المجالس 1: 266 والموفقيات: 312 ومحاضرات الراغب 1: 101 ونهاية الأرب 6: 87 وبعضه في الكامل 1: 300 وسراج الملوك: 115

513- قالوا: وكان زياد يَقُول: لأن يجاور أحدكم أسدًا فِي أجمة خير «1» له من أن يجاور تاجرًا إذا شاء أن يسلفه أسلفه وكتب عليه صكًا. 514- وقال هشام بْن الكلبي عَنْ عوانة: قدم زياد على مُعَاوِيَة فِي بعض وفداته «2» ، فقال له: ما بلغ من سياستك رعيتك؟ قَالَ: أقمتهم بعد جنف، وكففتهم عما لا يعرف، فأذعن المعاند رغبة «3» ، وخضع الأصيد الغشوم رهبة، قَالَ: لله أبوك، فبأي شيء صيرتهم إلى ذلك؟ قَالَ: بالُمْرهَفات القواضب يمضيها الحزم يتبعه العزم، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أنا ابن هِنْد، لكني ضبطت رعيتي بالحلم والحجى، وتوددت ذوي الضغن بالبذل والإعطاء، واستملت العامة بأداء الحقوق، وعقبت «4» بين أهل الثغور فسلمت لي الصدور عفوًا، وانقادت لي الأخشة طوعًا. 515- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة أن زيادًا قَالَ: اثنان يتعجّلان النصب «5» ولعلّهما لا يظفران ببغية: الحريص فِي حرصه، ومعلم البليد ما لا يبلغه فهمه. 516- وقال مسلمة بْن محارب، قَالَ زياد: ما كذبت قط إلا مرة واحدة، رأيت رجلًا من بني تميم فقلت له أين تريد؟ قَالَ: أريد عبد الرحمن بْن زياد، وكان بالطف، فقلت: أرجع وإلا قطعت منك طابقًا، وكان الرجل يشارب عبد الرحمن النبيذ، ثم رأيته بعد فقلت: أين تريد؟ قَالَ: عبد الرحمن، فقلت: ألم أنهك عنه؟ فَقَالَ: أيها الأمير لا صبر عنه، فقلت: إن رجلًا طابت نفسه بقطع طابق منه بمحبة عبد الرحمن لأهل لأن لا يؤذى، امض إليه.

_ 514- ابن عساكر 7: 2

517- وقال أَبُو اليقظان: كان زياد يكسر عينه فَقَالَ الفرزدق: وقبلك ما أعييت كاسر عينه ... زيادًا فلم تقدر علي حبائله 518- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة بْن محارب وابن الكلبي عَنْ عوانة قَالَ: أشرف زياد على بلج بْن نشبة السعديّ وهو بباب داره، وكان خليفة لصاحب حرسه، وهو صاحب حمام بلج فَقَالَ: ومحترس من مثله وهو حارس 519- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: اختصم بنو راسب والطفاوة فِي رجل (783) وأقاموا جميعًا البينة عند زياد، فَقَالَ سعد الرابية: أصلح اللَّه الأمير، يؤتى به النهر فيلقى فيه، فإن كان من راسب رسب، وإن كان من الطفاوة طفا، فضحك زياد «1» وقال: لا تعد لمزاح فِي مجلسي. 520- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة وغيره أن زيادًا قَالَ على المنبر: إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يقطع بها ذنب عنز مصور «2» لو بلغت إمامه سفكت دمه. 521- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان زياد يَقُول من قدر فلا يمنعن حسن الاستماع. 522- حَدَّثَنِي عبد اللَّه بْن صالح حَدَّثَنِي بعض أصحابنا أنّ رجلا قدّم إلى زياد

_ 517- قارن بما تقدّم: 499 وما يلي رقم: 596 وسيرد البيت أيضا: 539 ب من نسخة (س) ، وهو في ديوان الفرزدق: 2: 172 (صادر) والاستيعاب: 524 والبيان 1: 196 وعيون الأخبار 2: 171. 518- قارن بفتوح البلدان: 435 والأنساب، الورقة: 1110/ أ (من النسخة س) والعقد 5: 7 والحيوان 1: 216 وانظر أيضا عيون الأخبار 1: 58 (والشاعر هو عبد الله بن همام) والشعر والشعراء: 546 والمحاسن والمساوئ: 175 (واسم الشاعر فيه «البردخت» ) وفصل المقال: 94 519- العقد 3: 60 (لحارثة بن بدر) وانظر عيون الأخبار 2: 60 وإلى طه حسين: 286 ووردت القصة في الدرة الفاخرة: 135 منسوبة لهبنّقة. 520- البيان 1: 259 وعيون الأخبار 1: 331 522- قارن بالبيان 2: 301 ومحاضرات الراغب 1: 95 وعيون الأخبار 1: 70 والمحاسن والمساوئ: 507 وشرح النهج 4: 74

صديقًا له فِي منازعة كانت بينهما، فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير إنه يدعي أن بينك وبينه مودة، فَقَالَ: صدق وأنا ناظر فيما بينكما، فإن ثبت لك عليه حق أديناه عنه، وإن ثبت له عليك شيء أخذناك به له أخذًا عنيفًا. 523- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة «1» ، قَالَ: شخص زياد إلى مُعَاوِيَة ومعه الأحنف وعدة من وجوه أهل البصرة، فَقَالَ زياد: يا أمير المؤمنين، أشخص أقوامًا إليك الرغبة، وأقعد آخرين العذر، ولكلٍ من سعة رأيك وفضلك ما يجبر «2» المتخلف ويكافأ به الشاخص، فَقَالَ الأحنف: ما نعدم منك يا أمير المؤمنين نائلًا جزيلًا وبلاءً جميلًا ووعدًا ناجزًا، وزياد عاملك المستن بسنتك المحتذي لمثالك، ونستمتع اللَّه بك، فما نقول الا كما قَالَ زُهير، فإنّه ألقى عَنِ المادحين فضل الكلام حين قَالَ: وما يك من خير أتوه فَإِنَّمَا ... توارثه آباء آبائهم قبل فحباهم مُعَاوِيَة وبعث معهم إلى من تخلف من الوجوه بصلات. 524- حَدَّثَنِي الحِرمازي عَنْ جهم بْن حسان السليطي وغيره قالوا: كتب زياد كتابًا قرئ على أهل المصر نسخته: أما بعد، فالحمد لله على إفضاله وإحسانه، وإياه أسأل المزيد فِي نَعْمائه، وإليه أرغب فِي زيادتنا شكرًا كما زادنا إحسانًا، ثم إن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي المورد أهله النار ما يأتيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور العظام التي ينبت عليها الصغير ولا ينحاش «3» لها الكبير، كأن لم تسمعوا بنبي اللَّه، ولم تقرءوا كتاب اللَّه، ولم تعرفوا ما أعد اللَّه من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب

_ 523- زهر الآداب: 51 والأغاني 10: 300 (وفيهما البيت) والبيت في شرح ديوان زهير: 115 وحماسة البختري: 218 والمروج 5: 93 والعمدة 2: 127. 524- كتاب زياد في الطبري 2: 73 وابن الأثير 3: 374 والعقد 4: 110 وابن عساكر 5: 412 والبيان 2: 62 وعيون الأخبار 2: 241- 243 وانظر ما تقدم: 481، 491 وما يلي رقم: 649، 650 وشرح النهج 4: 75

الأليم لأهل معصيته، فِي الدار التي لا تزول شدتها ورخاؤها، أترضون أن تكونوا كمن طرفت عينه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات، فاختار الفانية على الباقية؟ قد أحدثتم هذه المواخير وسلبتم الضعيف فِي النهار المبصر والليل المظلم، أما منكم نهاة تمنع الغواة من الغارة فِي النهار والسرق فِي الليل؟! تعتذرون بغير عذر، وتسحبون ذيولكم على الغدر، كل امرئ منكم يذب عَنْ سفيهه، صنيع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معادا، فلم يزل بسفهائكم ما ترون من قيام حلمائكم دونهم، وذبهم عنهم، وسترهم عليهم، حتى انتهكوا حرمة الإسلام، وكنسوا فِي مكانس الريب، حرم علي «1» الطعام والشراب حتى أسويها «2» هدمًا وإحراقًا، وتقطيعًا ببطون السياط ظهور الغاوين، وإني أقسم «3» باللَّه لآخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح فِي نفسه بالسقيم النطف، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: أنج سعد فقد هلك سَعِيد، أو لتستقيمن قناتكم إن كذبة المنبر مشهورة «4» ، فإذا تعلقتم علي بكذبة فِي وعد أو وعيد حلت لكم معصيتي، من ذهب له منكم شيء فأنا ضامن له، وإياي ودلج الليل فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم فِي ذلك قدر ما يأتي الخبر الكوفة ثم يرجع إليكم، وإياي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد (784) أحدًا «5» دعا دعوتها واعتزي عزوتها إلا قطعت لسانه، وقد أحدثتم أحداثًا لم تكن، وأحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرق قومًا غرقناه، ومن حرق على قوم حرقناه، ومن نقب على بيت «6» نقبت عَنْ قلبه، ومن نبش قبرًا دفنته فيه حيًا، فكفوا أيديكم أكف يدي عنكم، ولا يظهر أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه، وقد كانت بيني وبين قوم منكم إحن جعلتها دبر «7» أذني وتحت قدمي، فمن كان

_ (1) البيان: حرام عليّ. (2) في اكثر المصادر: أسوّيها بالأرض. (3) ورد في شرح النهج 4: 75 حتى قوله «قناتكم» . (4) س: مشهودة. (5) اكثر المصادر: لا أوتى بأحد. (6) اكثر المصادر: نقب بيتا. (7) س: وتر، شرح النهج: خلف.

منكم محسنًا فليزدد إحسانًا، ومن كان مسيئًا فلينزع عَنْ إساءته، ولو علمت أن رجلًا قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعًا ولم أهتك له سترًا حتى يبدي لي صفحته ويبادي بمعصيته، فإذا فعل ذلك لم أناظره «1» فاستأنفوا أموركم وأعينوا على أنفسكم، أيّها الناس انّا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان اللَّه الذي أعطانا، ونذود عنكم بالفيء الذي خولنا. 525- قالوا: وكتب زياد إلى مُعَاوِيَة: إني «2» قد ضبطت العراق بشمالي ويميني فارغة، فولني الحجاز والعروض «3» أكفك هذا الحي من قريش، فبلغ ذلك ابن عُمَر فَقَالَ: اللَّهم اشغله، فما مكث إلا أيامًا حتى طعن فِي إصبعه، فلما مات وبلغ ابن عُمَر موته قَالَ: يا ابْن سمية لا فِي الدنيا بقيت ولا الآخرة أدركت. 526- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة أن زيادًا قَالَ: لو أنّ لي ألف ألف دينار «4» ولي بعير جرب لقمت عليه قيامًا يَقُول من رآه إنيّ لا أملك معه غيره «5» ، ولو أنّ لي عشرة دراهم لا أملك غيرها ثم لَزِمَني حقٌّ وضعتها فيه. 527- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ: شكا الناس إلى زياد نقصان المكاييل التي يرزقون بها، فدس من اتبع خدمهم الذين يتولون قبض أرزاقهم لهم، فوجدهم يشترون من أرزاقهم الطير وما يلعب به والحلواء، فخطب الناس فَقَالَ: أنكم تحملون علينا ذنب أنفسكم فِي أرزاقكم، يبعث أحدكم خادمه لقبض رزقه، فيشتري من رزقه ما اشتهى،

_ 525- الطبري 2: 158 وابن الأثير 3: 410 وابن عساكر 5: 421 والبدء والتاريخ 6: 2 وابن كثير 8: 62 وسراج الملوك: 128 وروض الأخيار: 69 وتاريخ الاسلام 2: 280 وسير الذهبي 3: 326 وابن خلكان 2: 462 وما يلي رقم: 733 والعقد 5: 12. 526- البيان 2: 81 وقارن بابن عساكر 5: 417 ومحاضرات الراغب 1: 235

فتعهدوا أرزاقكم وتولوا قبضها بأنفسكم. وكان زياد يقول: ما بال أحدكم يأخذ عطاءه ومؤنته خفيفة ثم يدان «1» ؟! تعهدوا معايشكم وأصلحوا ما تحتاجون إليه من أموركم. 528- وكان زياد يَقُول: إذا لم يجد أحدكم سعة لتزوج من ترغب فيه لموضعه فليتزوج سبية. 529- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: خطب زياد فلما فرغ قام عبد اللَّه بْن الأهتم فَقَالَ: أشهد أيها الأمير أنك قد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب، فَقَالَ: كذبت، ذاك نبي اللَّه داود، فقام الأحنف فَقَالَ: إن الثناء بعد البلاء والحمد بعد العطاء، فَقَالَ زياد: صدقت، وقام أَبُو بلال الخارجي فجعل يهمس فَقَالَ زياد: إنا لا نبلغ ما تريد وأصحابك حتى نخوض إليه الدماء. 530- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أمر زياد حاجبه أن يدخل من على بابه فِي وقت انتصاف النهار فأدخلهم، فتمثل زياد: وهاجرة تحلب الناعجات ... ماء حميمًا إذا الشاة «2» قالا ثم قَالَ لهم: ما الذي تخافون على أهل البصرة؟ فَقَالَ بعضهم: الحرق، وقال بعضهم: الغرق، قَالَ زياد: أخوف من ذلك عدو يأتيكم لا رهج له أو رجل «3» يأتيكم فيشتد شدتي ولا يلين ليني، فجاء الحجاج فاشتد شدته ولم يلن لينه «4» ، وكان عدوًا لا رهج له، فكان يسيء بصالحهم ويحسدهم على نعمهم فينتزعها منهم. 531- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، كان الحسن يَقُول: أوعد عمر فعوفي وأوعد زياد فابتلي.

_ 528- قارن بزوائد ابن حجر 4: 260 529- الطبري 2: 76 وابن الأثير 3: 376 والبيان 2: 65 وعيون الأخبار 2: 242 وشرح النهج 4: 75 وما تقدم رقم: 469، 499 وبعضه في شرح النهج 4: 2 531- البيان 2: 66 وقارن به قول الحسن «تشبه زياد بعمر فأفرط» في البيان (نفسه) والموفقيات: 311 وعيون الأخبار 1: 329 والبخلاء: 65

532- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أهدي إلى زياد خوان بايزهر «1» قوائمه منه، فاقتلع نافع بْن خالد قائمة وجعل مكانها قائمة ذهب فحبسه، فكلمه فيه سيف بْن وهب الأزدي، فَقَالَ زياد: (785) أذكرتنا موقف أفراسنا ... بالجوّ «2» إذ أنت إلينا فقير ثم وهبه له. 533- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة وغيره قالوا: كان زياد يؤخر العشاء الآخرة حتى يكون آخر من يصلي، ثم يأمر رجلًا فيقرأ سورة البقرة أو غيرها من الطوال ويرتل القرآن، فإذا أمهل بقدر ما يرى أن إنسانًا يبلغ الخريبة أمر صاحب شرطته بالخروج، فيخرج فلا يرى إنسانًا إلا قتله «3» . 534- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الكلبي عن أبيه عن عوانة وغيره قالوا: لَمَّا جَمَعَ مُعَاوِيَةُ لِزِيَادٍ الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ كَانَ يُخْلِفُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيَّ حَلِيفَ الأَنْصَارِ بِالْبَصْرَةِ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَيُخْلِفُهُ بِالْكُوفَةِ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْبَصْرَةِ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَكَانَ يُقِيمُ بِالْبَصْرَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَبِالْكُوفَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ سَمُرَةُ يُحْدِثُ أَحْدَاثًا عَظِيمَةً مِنْ قَتْلِ النَّاسِ وَظُلْمِهِمْ، أَعْطَى رَجُلٌ «4» زَكَاةَ مَالِهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَمَرَ بِهِ سَمُرَةُ فَقُتِلَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: مَا شَأْنُ هَذَا؟ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: لَقَدْ قَتَلَهُ سَمُرَةُ عِنْدَ أَحْسَنِ عَمَلِهِ فَاشْهَدُوا أَنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِسَمُرَةَ: وَيْلَكَ لِمَ قَتَلْتَ رجلا عند أحسن عمله؟

_ 532- قارن بالطبري 2: 79- 80 (وفيه البيت) وابن الأثير 3: 377 والذخائر والتحف: 169 والبيت للنعمان ابن بشير الانصاري، انظر ديوانه: 144- نقلا عن الأغاني. 533- الطبري 2: 76 وابن الأثير 3: 376 534- طبقات ابن سعد 7/ 1: 70 والطبري 2: 87 وابن الأثير 3: 383 وأسد الغابة 2: 354 وقارن بما يلي رقم: 589 وطبقات ابن سعد 6: 22، 7/ 1: 34

فَقَالَ: هَذَا عَمَلُ أَخِيكَ زِيَادٍ هُوَ يَأْمُرُنِي بِهَذَا، فَقَالَ: أَنْتَ وَأَخِي فِي النَّارِ، أَنْتَ وَأَخِي فِي النَّارِ، وَتَلا أَبُو بَكْرَةَ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (الأعلى: 14) . وَيَزْعُمُونَ أَنَّ زِيَادًا نَهَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الْقَتْلِ. 535- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرٍ الْقَوَارِيرِيُّ «1» عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى الْجِنَانِيِّ «2» عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَقَدِمَ إِلَيْهِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، يَسْأَلُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ الإِسْلامُ دِينِي وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي فَيَقُولُ: قَدِّمَاهُ فَاضْرِبَا عُنُقَهُ، فَإِنْ يَكُ صَادِقًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. 536- وروي عَنْ أنس بْن سيرين قَالَ: استخلف زياد سمرة على البصرة وخرج إلى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف، فَقَالَ له: هل تخاف أن تكون قتلت بريئًا؟ فَقَالَ: لو قتلت مثلهم لم أخف أن أقتل بريئًا. 537- حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبه عَنْ مُحَمَّد بْن عبد اللَّه بْن الزبير عَنْ سُفْيَان «3» عَنْ عاصم الأحول عَنْ ابن سيرين عَنْ ابن سمرة قَالَ: من عرض لنا عرضنا له، ومن مشى على الكلاء «4» ألقيناه فِي النهر. 538- حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا «5» عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَوْسُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: كُنْتُ أَقْدُمُ عَلَى أَبِي مَحْذُورَةَ «6» فَيَسْأَلُنِي عَنْ سمرة، وأقدم على سمرة فيسألني عن

_ 536- الطبري 2: 90 وابن الأثير 3: 384 538- التهذيب 12: 222 (رقم 1019) وانظر الاشتقاق: 83: 172 والاستيعاب: 654 ودلائل النبوة لأبي نعيم: 488 والاصابة 3: 130، وسير الذهبي 3: 123- 124 وتاريخ الاسلام 2: 290- 291 وشرح النهج 1: 363

أَبِي مَحْذُورَةَ، فَقُلْتُ لأَبِي مَحْذُورَةَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُنِي عَنْ سَمُرَةَ فَلِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ أَنَا وَسَمُرَةُ «1» وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ [فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ آخِرَكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ،] قَالَ: فَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ مَاتَ أَبُو مَحْذُورَةَ ثُمَّ سَمُرَةُ. 539- الْمَدَائِنِيّ عَنْ نوح بْن قيس عَنْ أشعث الحداني عَنْ أبي السوار العدوي، قَالَ: قتل سمرة بْن جندب من قومي فِي غداة واحدة سبعة وأربعين رجلًا كلهم قد جمع القرآن. 540- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيِّ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: أَقْبَلَ سمرة من المربد فخرج رجل مِنْ بَعْضِ الأَزِقَّةِ فَتَلَقَّى الْخَيْلَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَأَوْجَرَهُ «2» الْحَرْبَةَ، ثُمَّ مَضَتِ الْخَيْلُ، وَمَرَّ بِهِ سَمُرَةُ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دِمَائِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ أَوَائِلُ خَيْلِ الأَمِيرِ، فَقَالَ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِنَا قَدْ رَكِبْنَا فَاتَّقُوا أَسِنَّتَنَا. 541- حَدَّثَنَا عفان حَدَّثَنَا أَبُو هلال عَنْ ابْنِ سيرين قَالَ: كَانَ سمرة صدوق الحديث عظيم الأمانة يحب الإسلام وأهله حتى أحدث ما أحدث. 542- حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ «3» وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ سَمُرَةَ قَالَ لأَبِي بَكْرَةَ (786) رَأَيْتُ كَأَنَّ الدَّجَّالَ خَرَجَ فَجَعَلْتُ أُهَرْوِلُ حَذَرًا، ثُمَّ الْتَفَتُّ خَلْفِي فَأَرَاهُ قَرِيبًا مِنِّي، ثُمَّ انْشَقَّتْ لِي الأَرْضُ فَدَخَلْتُهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ أَصَبْتَ قَحْمًا عِظَامًا فِي دِينِكَ «4» . 543- الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: كان زياد يَقُول أكره للرجل أن يكون وصافًا لبطنه وفرجه.

_ 539- الطبري 2: 90 540- الطبري 2: 90 541- الاستيعاب: 654 والتهذيب 4: 237 وقارن بأسد الغابة 2: 354 543- ما يلي رقم: 642 وابن خلكان 2: 501 (منسوبا للأحنف) .

544- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ: نقب على رجل من بني سعد فذهب ما كان له، فأتى زيادًا فأخبره خبره، فَقَالَ زياد: لا يبقى محتلم من بني سعد إلا حضر، فحضروا فَقَالَ: هل تفقدون أحدًا؟ قالوا: لا، قَالَ: تألفوا عشرة عشرة، ثم قَالَ لكل عشرة: أخرجوا إلي خيركم، ثم قَالَ لأولئك الصلحاء: أخبروني عَنْ أهل الريبة منكم، فقام رجل لم يكن بخيرهم فَقَالَ: الأمان، فأمنه، فأخبره بأهل الريبة، فرد المال. 545- قَالَ: وأرسل زياد رجلا إلى بني رميلة، وبلغه أنهم يصيبون الطريق، وكان رئاب «1» بْن رميلة يعضد قومًا يصيبون الطريق، فلما قدموا قَالَ زياد للأشهب بْن رميلة: أنت رئاب فَقَالَ: لا أنا الأشهب، وهذا أخي رئاب، فَقَالَ زياد: قد بلغني عنكم أمر كرهته لكم ولمن كان مثلكم فِي موضعكم وشرفكم وجلدكم، أتدعان أن يكون حدكم على عدوكم وعدوّ الإسلام وتجعلان ذلك فِي أهل دعوتكم! فانتفوا من ذلك وجحدوه، فَقَالَ زياد لابني رميلة: قد قبلت قولكما وصدقتكما، وعرض عليهما الفريضة وضمّنهما ما يليهما، فَقَالَ الأشهب: تداركني أسباب وردٍ وردني ... زياد كما رد الجموح الشكائم ولو أنني أجمعت إذ أنا محرم «2» ... فرارًا ونت «3» دوني العتاق الروائم إذًا لاتخذت الليل فِي الأرض جنة ... وبيني وبين الليل أبيض صارم 546- وقال زياد: واحدة من رأيتموها فيه لم يخطئ أن يكون ضعيفًا: من إذا مشى حرك رأسه وعنقه وكثر التفاته. 547- وقال: يعجبني من الرجل إذا سمع قولًا فيه عليه ضيم أن يقول لا بملء «4»

_ 545- قارن بالأغاني 9: 261 والاصابة 1: 110 والمحاسن والمساوئ: 507 547- مرّ في ف: 500 وسيرد رقم: 642 وانظر شرح النهج 4: 75

فيه، وإذا أتى مجلس قوم عرف قدره وعلم أين ينبغي له أن يجلس منه، وإذا ركب دابة حملها على ما يريد ولم تحمله على ما تريد وقل من رأيته كذا إلا كان مبرزًا. 548- وقال زياد لأبي الأسود الدؤلي: لولا ضعفك وسنك لوليتك، فَقَالَ: لعمري لئن كنت تريد مني مصارعة أهل عملي إني لضعيف «1» عَنْ ذلك، وإن كنت تريد مني ما تريد من غيري من عمالك إني لقوي عليه. 549- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: مر رجل من الدهاقين بخمرٍ فأتي به زياد فَقَالَ: ينبغي أن يكون أراد التوصل إلي فأقدم على حمل الخمر وإدخاله البصرة بعد نهيي عَنْ ذلك، فدعا به، فأخبر أن رجلًا عقر نخلًا له، فوجه من أغرم الرجل لكل نخلة ألف درهم، وقال: إن لم يعطه هذا المال بعد ثلاث ساعات فاضربوا عنقه، فغرّم له أربعين ألف درهم، وقال لو جئتني برأسه كان أحب إلي من المال. 550- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة وغيره قالوا: بنى زياد دار الرزق ثم زاد فيها عبيد اللَّه ابنه بعد، وكان عامل زيادٍ على دار الرزق عبد اللَّه بْن الحارث بْن نوفل ثم رواد بْن أبي بَكْرة، وكان الجعد بْن قيس النمري على السوق، وكان زياد يجلس فِي كل يوم جمعة، فيسأل رسل عماله عَنْ بلادهم وينظر فيما قدموا له وفي أمر الأموال والنفقات، ثم يأتيه عماله على دار الرزق والكلاء والسوق فيسألهم عما ورد دار الرزق، وعن الأسعار والأخبار وما يحتاجون إليه من مصالحهم. 551- حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَم بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ فِي أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ يَكْرَهُهُ النَّاسُ، فَقَالَ (787) زِيَادٌ: إِنْ شَاءَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُعْصَى عُصِيَ، وأغلظ

_ 548- محاضرات الراغب 1: 11 والبصائر 3: 438 ونور القبس: 11 وأمالي المرتضى 1: 292 وشرح النهج 4: 328 وانظر الأنساب الورقة: 953- 954 من نسخة س. 549- المحاسن والمساوئ: 538. 550- في بناء دار الرزق انظر ابن الفقيه: 191، وفي جلوس زياد يوم الجمعة انظر الجهشياري: 22 وما يلي رقم: 626 552- انظر ما مرّ رقم: 46

لِلرَّسُولِ وَرَدَّهُ أَعْنَفَ رَدٍّ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ: أَنَا أُخْبِرُكَ بِمَا كَانَ، دَخَلْتَ عَلَى أَلْيَنِ النَّاسِ جَانِبًا وَأَغْلَظِهِمْ كَلامًا، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَخْطَأْتَ. 552- وَقَالَ الْهَيْثَمُ حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ زِيَادٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيَّ بِسِيرَةٍ أَسِيرُهَا فِي الْعَرَبِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا الْمُغِيرَةِ قَدْ كُنْتُ لِهَذَا مِنْكَ مُنْتَظِرًا، انْظُرْ أَهْلَ الْيَمَنِ فَأَكْرِمْهُمْ فِي الْعَلانِيَةِ وَأَهِنْهُمْ فِي السِّرِّ، وَانْظُرْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ فَأَكْرِمْ أَشْرَافَهُمْ وَأَهِنْ سِفْلَتَهُمْ، فَإِنَّ السِّفْلَةَ تَبَعٌ لِلأَشْرَافِ، فَأَمَّا هَذَا الْحَيُّ مِنْ مُضَرَ فَإِنَّ فِيهِمْ فَظَاظَةً وَغِلْظَةً، فَاحْمِلْ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ، وَلا تَرْضَ بِالظَّنِّ دُونَ الْيَقِينِ، وَبِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ، وَاتْرُكِ الأُمُورَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ عَلَى أَشُدِّهَا، وَالسَّلامُ. 553- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: نهى زياد عَنْ النوح، فبكت امرأة على بعض أهلها فأتوا زيادًا بها فقالت: ما عندي نساء، وإنما بكيت إخوتي فجهرت بالبكاء، فَقَالَ: وما قلت؟ قالت قلت: ألا زعموا أني جزعت عليهما ... وهل جزع أن قلت وآبائي هما «1» إذ افتقرا لم يجشعا «2» خشية الردى ... ولم يخش رزءًا منهما مولياهما وإن غنيا «3» حب الصديق إليهما ... ولم يزو عَنْ رفد «4» الصديق غناهما 554- الْمَدَائِنِيّ عَنْ الهذلي ومسلمة أن بني عجل تحولوا إلى الكوفة أيام الجمل، فنزلت الأزد دورهم، فَقَالَ رجل من بني عجل: لعمري لقد بدلتم من فوارس ... سراع «5» إلى الهيجا بطاء عن الجهل

_ 553- الشعر في الحماسة: 483- 485 وديوان الخنساء: 167- 168 (ط/ 1888) والثاني في تاج العروس 9: 57 والشاعرة هي عمرة الخثعمية.

555- وكان رجل من بني عجل باع دارًا لبني أخيه، وكانوا أيتامًا، فلما غلت الدور بالبصرة خاصم العجلي بنو أخيه إلى شريح، فرد البيع، فأتى الرجل زيادًا فأخبره بقصته وقال: خاصموني حين كثرت أثمان الدور وغلت، فَقَالَ زياد لبني أخي الرجل: أتحلفون أن الدور لو كانت على حالها فِي الرخص لم تخاصموا عمكم، ولم تحاولوا نقض بيعه فلم يحلفوا، فَقَالَ: إن عمكم لم يبع إلا نظرًا لكم، فأنا أجيز بيعه. 556- الْمَدَائِنِيّ عَنْ إِسْمَاعِيل الباهلي عَنْ ابن عون عَنْ إبراهيم قَالَ: أمر رجل بالكوفة عبدًا لرجل أن يشجه حتى يستحقه، فشجه فتعلق به وخاصم مولاه إلى زياد، فأخبره مولى العبد بالقصة، وأعطى زياد مولى العبد قيمته، وقطع العبد ودفعه إلى المشجوج «1» . 557- الْمَدَائِنِيّ عَنْ جرير بْن حازم قَالَ: كان زياد بْن سمية أول من أخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وأخاف الناس فِي «2» سلطانه، فلما قدم الحجاج سأل عَنْ سيرته فأخذ بشدته وترك لينه. 558- قَالَ: وكان زياد قد آمن الناس حتى إن الشيء ليسقط من الرجل فلا يعرض له أحد حتى يأتي صاحبه فيأخذه، وتبيت المرأة لا تغلق «3» عليها بابها، وأدر العطاء، فَقَالَ حارثة بْن بدر الغداني: ألا من مبلغ عني زيادًا ... فنعم أخو الخليفة والأمير وأنت إمام معدلة وقصد ... وحزم حين تحضرك الأمور أخوك خليفة اللَّه ابن حرب ... وأنت وزيره نعم الوزير

_ 555- قارن بالعقد 5: 10 557- الطبري 2: 77 وابن الأثير 3: 376 وراجع ما تقدم ف: 553، وكذلك انظر ف: 530 حول اشتطاط الحجاج في الاقتداء به، والمحاسن والمساوئ: 507 558- الطبري وابن الأثير (انظر الفقرة السابقة) . وفي شعر حارثة انظر الطبري 2: 78

بإذن اللَّه منصور معان ... إذا جار الرعية لا تجور «1» يدر على يديك لما أرادوا ... من الدنيا لهم حلب غزير وتقسم بالسواء فلا غني ... بظلم «2» يشتكيك ولا فقير (788) ولما قام سيف اللَّه فينا ... زياد «3» قام أبلج مستنير قوي لا من الأحداث «4» غر ... ولا ضرع ولا فان كبير 559- قالوا: واستعمل زياد على شرطته بالبصرة عبد اللَّه بْن حصن صاحب مقبرة ابن حصن، وهو أحد بني ثعلبة بْن يربوع، والجعد بْن قيس صاحب طاق الجعد السلمي، وكانا جميعًا يسيران بين يديه بالحربة «5» ، ثم اقتصر على عبد اللَّه بْن حصن فحمل الحربة بين يديه، وولى الجعد أمر الفسّاق فكان يتبعهم، وفيه يَقُول جرير «6» : إليك إليك يا جعد بْن قيس ... فإنك لست من حيي نزار وولى زياد قضاء البصرة عمران بْن الحصين الخزاعي «7» من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 560- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أبطأ زياد يومًا بالغداء لأمر كان ناظر فيه الدهاقين، فقال سعد ابن المخش الضبي: الغداء أصلح اللَّه الأمير، فَقَالَ رجل من الدهاقين «8» : بأي ذنوبنا ابتلينا بهؤلاء الكلاب؟! فسمعها زياد فَقَالَ: بجرأتك على اللَّه وكفرك به وكذبك عليه، وقال لابن مخش: لا تعودن لمثل هذا، ثم دعا بالغداء فأكل وأكل معه ابن المخشّ،

_ 559- الطبري 2: 77 وقارن بابن الأثير 3: 376 والبيان 2: 256 وما يلي رقم: 573 560- ابن عساكر 5: 416 (وفيه الأبيات) ، وانظر بعض القصة في أمالي القالي 2: 154 (وفيه الأبيات إلا ان القصة تتصل بعبيد الله بن زياد) والعقد 1: 271 (وفيه الأبيات) وراجع عيون الاخبار 3: 128

وكان أكولا، فقال له زياد: ما لك من الولد؟ قَالَ: تسع «1» بنات، أنا أجمل منهن وهن آكل «2» مني، فَقَالَ: لقد لطفت في المسئلة «3» ففرض لهن فَقَالَ ابن المخش: إذا كنت مرتاد السماحة والندى ... فناد زيادًا أو أخًا لزياد يجبك امرؤ يعطي على الحمد ماله ... إذا ضن «4» بالمعروف كل جواد وما لي لا أثني عليك وإنما ... طريفي منكم كله وتلادي 561- الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: لقي زيادًا رجل نشأ بالأهواز فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير إن أبينا مات، وإن أخونا شد «5» على ميراثنا فأخذه، فَقَالَ: لا رحم اللَّه أباك ولا حفظ أخاك، ولا أحسن الخلافة عليك، فما ضيّعت من نفسك أكثر ممّا ضاع من مالك «6» . 562- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ، قَالَ زياد: جمال السلطان «7» لين فِي غير إهمال وشدة فِي غير إفراط. 563- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ، قَالَ عجلان حاجب «8» زياد: أصبت فِي غداة واحدة ألفي ألف درهم وألفي سيف، أعطى زياد العطاء فأعطاني كل رجل نصف عطائه وسيفه. 564- المدائني عن مسلمة بْن محارب أن زيادًا كان يجبي من كور البصرة ستين ألف ألف، فيعطي المقاتلة من ذلك ستة وثلاثين ألف ألف، ويعطي الذريّة ستّة عشر ألف

_ 561- البيان 2: 222 والمحاسن والاضداد: 8 وابن عساكر 5: 417 وعيون الأخبار 2: 159 والمحاسن والمساوئ: 454 وربيع الأبرار: 271/ أومعجم الأدباء 4: 280 وابن خلكان 2: 536- 537 وابن عساكر 7: 109 562- بهجة المجالس 1: 339

ألف درهم، وينفق فِي نفقات السلطان ألفي ألف، ويجعل فِي بيت المال للبوائق والنوائب «1» ألفي ألف درهم، ويحمل إلى مُعَاوِيَة أربعة آلاف درهم. وكان يجبي من الكوفة أربعين ألف ألف، ويحمل إلى مُعَاوِيَة ثلثي الأربعة الآلاف ألف لأن جباية الكوفة ثلثا جباية البصرة. وحمل عبيد اللَّه بْن زياد إلى مُعَاوِيَة ستة آلاف ألف درهم فَقَالَ: اللَّهم ارض عَنِ ابن أخي. 565- حَدَّثَنَا خلف بْن سالم عَنْ وهب بْن جرير عَن مُحَمَّد بْن أَبِي عيينة عَن سبرة ابن نخف «2» قَالَ: ما بلغ الناس عاشوراء قط فِي أيام زياد إلا وطائفة يأخذون العطاء، ولا رأينا الهلال إلا مضينا إلى دار الرزق فأخذنا الأرزاق لعيالاتنا، وكان يأخذ الجزية ممن عجز عَنِ الدراهم عروضًا، فكانت خزائننا مملوءة من ذلك. 566- وحدثنا عبد اللَّه بْن صالح عَنِ الحسين الجعفي «3» عَنْ شيبان النحوي «4» عَنْ قتادة قَالَ: كان زياد إذا أهل هلال المحرم أخرج للمقاتلة أعطياتهم، وإذا رأى هلال شهر رمضان (789) أخرج للذرية أرزاقهم. 567- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ الحسن: أي سائس كان زياد لولا إسرافه على نفسه فِي العقوبات وسفك الدماء، كان إذا جاء شعبان أخرج أعطية المقاتلة فملأوا بيوتهم من كل حلو وحامض واستقبلوا رمضان بذلك، وإذا كان ذو الحجة أخرج أعطية الذرية. 568- حَدَّثَنِي بعض أصحابنا عَنْ عفان حَدَّثَنَا حماد عَنْ الحسن أن زيادًا قَالَ لمعقل بْن يسار: أبا زياد «5» ألست تعلم أن الأسواق قائمة، وأن السبل آمنة، وأن الأعطيات والأرزاق تخرج إلى شهر معلوم، ويبيع البائع إلى شهر معلوم؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فلله الحمد لا يزال الناس بخير ما كان أمرهم هكذا.

_ 567- راجع رأي الحسن في زياد ف: 499

569- وقال الْمَدَائِنِيّ: كان المقاتلة بالبصرة حين قدم زياد أربعين ألفًا فبلغ بهم ثمانين ألفًا، وكانت الذرية «1» ثمانين ألفًا فبلغ بهم عشرين ومائة ألف، ويقال إن ابنه فعل ذلك. 570- قَالَ: وجعل زياد الناس بالبصرة أخماسًا، وجعل على كل خمس رجلًا، وعرف العرفاء، ونكب المناكب، وجعل خروج القبائل على الرايات، وكان أول من بنى المقصورة بالبصرة، وأول من جعل الأذانين يوم الجمعة، وأول من جلس بين يديه على الكراسي، وأول من لبس الخفاف «2» الساذجة بالبصرة، وأول من سقف حوانيت السوق، وأول من دعا النقرى وكانوا يدعون الجفلى. 571- حَدَّثَنِي عبد اللَّه بْن صالح قَالَ، قال زياد لعجلان حاجبه: كيف تدعو الناس؟ قَالَ: على الشرف ثم على الأسنان ثم أترك الذين لا يعبأ اللَّه بهم، قَالَ: ويحك ومن هم؟ قَالَ: الذين يلبسون فِي الصيف ثياب الشتاء وفي الشتاء ثياب الصيف، قَالَ: يا ابْن اللخناء هذا هزل، ولو كنت تقدمت إليك فيه لأحسنت أدبك. 572- قالوا: وكان رجل من بني مخزوم أعمى يكنى أبا العريان، فمر به زياد فِي موكبه، فَقَالَ من هذا؟ قالوا: زياد بْن أبي سُفْيَان، قَالَ: ما ولد أَبُو سُفْيَان إلا فلانا وفلانا، فمن هذا فو الله لرب أمرٍ قد نقضه اللَّه، وبيت قد هدمه اللَّه، وعبدٍ قد رده اللَّه إلى مواليه، فبلغ مُعَاوِيَة قوله، فأرسل إلى زياد: ثكلتك أمك اقطع لسان أعمى بني مخزوم، فبعث إليه بألف دينار وقال لرسوله: أقرئه «3» السلام وقل له: يَقُول لك ابن أخيك أنفق هذه حتى يأتيك مثلها، ومر به زياد من الغد فسلم فَقَالَ قائل: من هذا؟ فقال أبو

_ 569- انظر ما يلي رقم: 603 وعن نسبة ذلك إلى ابنه رقم: 1072 570- عن بنائه المقصورة انظر الطبري 2: 90 والعقد 5: 8 وفتوح البلدان: 427 ونور القبس: 266 وانظر رقم: 573 571- انظر ما تقدم ف: 511 572- ابن عساكر 5: 411 ومحاضرات الراغب 1: 199- 200 وربيع الأبرار: 396 ب وشرح النهج 4: 70 والبصائر 2: 204

العريان: هذا زياد بْن أبي سُفْيَان، وجعل يبكي ويقول: والله إنّي لأعرف منه حَزم أبي سُفْيَان ونُبْله وأشبه جِرْمه بجِرْمه، وبلغ مُعَاوِيَة خبره فكتب إليه: ما لبثتك الدنانير التي رشيت ... أن لونتك «1» أبا العريان ألوانا لله در زياد لو يعجلها «2» ... كانت له دون ما يخشاه قربانا فكتب إلى مُعَاوِيَة: أحدث «3» لنا صلة تحيا «4» النفوس بها ... قد كدت يا ابْن أبي سُفْيَان تنسانا من يسد خيرًا يجده «5» حين يطلبه ... أو يسد شرًا يجده حيثما كانا 573- قالوا: وكان زياد أول من اتخذ الحرس واتخذ الثياب الزيادية، وأول من مشي بين يديه بالحراب والأعمدة، واتّخذ زياد رابطة «6» عدّتهم خمسمائة وولى أمرهم شيبان صاحب مقبرة شيبان من بني سعد، فكانوا لا يبرحون المسجد. 574- وحدثني محمد بْن خالد الواسطي «7» حَدَّثَنَا يزيد بْن هارون عَنْ هشام بْن حسان عَنْ الحسن أن زيادًا ولى الحكم بْن عمرو الغفاري خراسان فغزا فغنم (790) فكتب إليه زياد أن اصطف كل صفراء وبيضاء لأمير المؤمنين، ولا تقسم ذلك واقسم ما

_ 573- الطبري 2: 79 وانظر العقد 5: 8 وما تقدم ف: 445 (حيث يذكر أن معاوية كان أول من اتخذ الحرس) ، 559 (عن اتخاذ من يمشي بالحربة) وقد مرّ ذكر شيبان في رقم 462 574- البيان 2: 296- 297 والطبري 2: 110 وابن الأثير 3: 391 وابن عساكر 6: 18 والمستدرك 3: 442 والاستيعاب: 357- 358 وتاريخ الاسلام 2: 220 وانظر أيضا فتوح البلدان: 506 وابن كثير 8: 29، 47 والاصابة 2: 30

سواه، فكتب الحكم إليه: إني وجدت كتاب اللَّه قبل كتابك، فلو أن السموات والأرض كانتا رتقًا على عبدٍ فاتقى اللَّه لجعل له منهما مخرجًا، والسلام، وقسم الغنائم بين الناس. 575- الْمَدَائِنِيّ عَنْ يزيد بمثله وزاد فيه: فكتب إليه زياد: واللَّه لئن بقيت لك لأقطعن منك طابقًا، فَقَالَ الحكم: اللَّهم إن كان ما عندك خيرًا لي فاقبضني إليك، فمات بعد أيام بخراسان. 576- وقال الْمَدَائِنِيّ صلى أنس بْن أبي أناس على الحكم وذلك فِي سنة خمسين، ويقال بعد ذلك، وكتب الحكم إلى زياد: إني قد استخلفت أنسا وإني أرضاه لك وللمسلمين «1» ، فَقَالَ زياد: اللَّهم إني لا أرضى أنسًا لك ولا لي ولا للمسلمين، وولى خراسان خليد بْن عبد اللَّه، فَقَالَ أنس: ألا من مبلغ عني زيادًا ... مغلغلة يخب بها البريد أيعزلني ويطعمها «2» خليدًا ... لقد لاقت حنيفة ما تريد عليكم باليمامة فاحرثوها ... فأولكم وآخركم عبيد فولى خليدًا أشهرًا ثم عزله وولى الربيع بْن زياد خراسان فغزا فغنم، وأعتق الربيع فروخًا- وكان كاتبه على مائة ألف- فَقَالَ: ما أقبح أن آخذ لك ثمنًا يا فروخ، وما أقبح أن تكون «3» مكاتبًا، أنت حر ومالك لك. 577- وحمل الربيع مرزبان مرو إلى زياد، فأمر الناس فصفّوا من المربد إلى دار

_ 576- في استخلاف الحكم لأنس: انظر الطبري 2: 81 وابن الأثير 3: 377، وفي تولية خليد: الطبري 2: 155 (وفيه الأبيات) وأسد الغابة 5: 141 والبيان 1- 2 في أنساب الأشراف، الورقة 953 (من النسخة س) وأسد الغابة والاستيعاب: 1605 والأول فيما يلي رقم: 593 من قصيدة للفرزدق.

الإمارة وعليهم السلاح، فَقَالَ: كيف رأيت عدتنا مع قرب عهدنا بالسلطان؟ فَقَالَ: ما أحسن ما رأيت، قد ملك السلاح قبلكم أقوام فلم أره أغنى عنهم شيئًا حين انقطعت آثارهم وانقضت مدتهم. 578- قَالَ الْهَيْثَم: كان لزياد صديق من بني شيبان يقال له عمير، فَقَالَ له زياد يومًا: كيف ترى عملي «1» ؟ قَالَ: أراك أصلحت الناس بفساد نفسك، فَقَالَ له زياد: ما فسد من صلحت عليه العامة. 579- قالوا «2» : وأقبل رجل ومعه سكين، فظن صاحب شرط زياد أنه يريده، فطعنه فقتله، فقيل له: إن قومًا نحروا جزورًا، فعبث «3» بعضهم بهذا الرجل فهرب من بين يديه، فوداه زياد. 580- وكان زياد يمنع الحمامات إلا فِي المواضع التي لا تضر بأحد. 581- وتعرض رجل من أصحابه لرجل فِي سفينة فأخذ منه درهما وقال: أمرت أن أجبي من كل سفينة درهمًا، فأخذ الرجل فقطع يده. 582- وجبى عامل له خراج السنة فِي ثلث السنة فَقَالَ له زياد: لو أردنا هذا لقدرنا عليه، فاردد عليهم ثلثي «4» ما جبيت. 583- وكان يَقُول: أحسنوا إلى الدهاقين فإنكم لن تزالوا سمانا ما سمنوا. 584- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النبيل قَالَ: كان زياد يبعث إلى سكة المربد فيمسحها، فإن زيد فيها بناء أمر به فهدم.

_ 583- عيون الأخبار 1: 10 ومحاضرات الراغب 1: 81 وشرح النهج 4: 74 وروض الاخيار: 111 وسراج الملوك: 228

585- قالوا: وكتب مُعَاوِيَة إلى زياد أن أوفد إلي بنيك من معاذة العقيلية، وهم عبد الرحمن ومغيرة ومحمد، وكن معهم ففعل، فزوج عبد الرحمن فاختة بنت عتبة بْن أبي سُفْيَان، وزوج المغيرة ابنة المهاجر بْن طليق بْن سُفْيَان بْن أُمَيَّة، وزوج محمدًا ابنته صفية بنت مُعَاوِيَة، وقال: أما إنها أحسن بناتي، فَقَالَ زياد: وهو أحسن بني. 586- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان مع زياد رجل من عبد القيس فاستأذن زيادًا فِي إتيان عبد اللَّه بْن عامر بْن كريز وقال: إن له عندي أيادي، فأتاه فَقَالَ: هيه «1» وابن سمية يقبح آثاري (791) ويعرض بعمالي؟ لقد هممت «2» أن آتي بقسامة من قريش يحلفون أن أبا سُفْيَان لَمْ ير سمية قط، فَقَالَ زياد للرجل: ما قَالَ لك؟ فأبى أن يخبره، فأحلفه فأخبره، فشكا ذلك زياد إلى مُعَاوِيَة، فأمر حاجبه بضرب وجه دابة ابن عامر إذا حضر بابه، ففعل، فَقَالَ ابن عامر: ليس الرأي إلا إتيان يزيد، فأتاه فشكا ما فعل به، فَقَالَ يزيد: لعلك ذكرت زيادًا، فَقَالَ: نعم، فركب معه يزيد حتى أدخله على مُعَاوِيَة، فلما رآه مُعَاوِيَة قام فدخل، فانتظراه فأبطأ ثم خرج وفي يده قضيب يضرب به الأبواب ويتمثل «3» : لنا سياق ولكم سياق ... قد علمت ذلكم الرفاق ثم قعد فَقَالَ لابن عامر: أنت القائل فِي زياد ما قلت؟ واللَّه لقد علمت العرب أني كنت من أعزها فِي الجاهلية، وما زادني الإسلام إلا عزًا، وأني لم أتكثر بزياد من قلة، ولم أتعزز به من ذلة، ولكني عرفت حقًا فوضعته موضعه، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين نرجع إلى ما يحبه زياد، فَقَالَ: إذن نرجع لك إلى ما تحبه، فخرج ابن عامر إلى زياد فترضاه. 587- حَدَّثَنِي بَسَّامٌ الْحَمَّالُ «4» حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد «5» عن عبد

_ 586- الطبري 2: 69 وابن الأثير 3: 369 وانظر العقد 5: 9 587- مسند أحمد 5: 50 وجامع بيان العلم 2: 186

الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: وَفَدَ أَبُو بَكْرَةَ مَعَ زِيَادٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرَةَ، حَدَّثَنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَتِ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ تُعْجِبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ فِيهِ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ بِعُثْمَانَ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ، [فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَكُونُ خِلافَةَ نُبُوَّةٍ ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ،] فَقَالَ: فَأَمَرَ فَزُخَّ «1» فِي أَقْفِيَتِنَا فَأَخْرَجَنَا، فَقَالَ زِيَادٌ: لا أَبَا لَكَ أَمَا وَجَدْتَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ؟! ثُمَّ دَعَا مُعَاوِيَةُ بِأَبِي بَكْرَةَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَهُ بِهِ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ وَقَالَ: أَتَقُولُ الْمُلْكَ، قَدْ رَضِينَا بِالْمُلْكِ. 588- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: ضبط زياد العراق بالسيف، وضبطت العراق والشام والحجاز واليمن بالحلم. 589- وجمع مُعَاوِيَة لزياد البصرة والكوفة فِي سنة خمسين حين مات المغيرة بْن شعبة. 590- الْمَدَائِنِيّ: إن زيادًا أمر أن لا يباع القت إلا وزنًا، فسأل غلامًا له عَنْ قت اشتراه فَقَالَ: أخذته كذا وكذا حبلًا بدرهم، فتنكر وركب إلى أصحاب القت فَقَالَ لرجل منهم: كيف تبيع القت؟ قَالَ: كذا وكذا حبلًا بدرهم، قال: أو لم يأمر الأمير ببيع القتّ وزنا؟ فقال: أو كلّ ما يأمر الأمير به أطعناه «2» فيه؟! فقطع يده «3» ، فلم يبع الّا وزنا «4» .

_ 589- انظر ما يلي رقم: 649

591- الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: بعث غالب أَبُو الفرزدق معه بحلوبة من البادية فباعها وأقبل يصر ثمنها، فَقَالَ له رجل: لو كان مكانك رجل أعرفه ما صر الدراهم كما تصر، قَالَ: ومن هو؟ قَالَ: غالب بْن صعصعة، فنثرها الفرزدق فانتهبها الناس، وصاح به صائح: ألق رداءك يا ابْن غالب فألقاه وصاح صائح آخر: ألق قميصك فألقاه، وبلغ ذلك زيادًا فَقَالَ: هذا أحمق يضري «1» الناس بالنهب، فطلبه فلم يوجد، فلما قَالَ الشعر فِي مُعَاوِيَة بسبب ميراث الحتات المجاشعي بلغ زيادًا فغضب وازداد عليه حنقًا، فطلبه فلم يقدر عليه، ثم استعدت نهشل وبنو فقيم عليه زيادًا حين هجا بني نهشل وبني فقيم، فلم يعرفه (792) زياد، فقيل هذا الذي نثر الدراهم وقال الشعر، فطلبه فهرب الى عيسى ابن نضلة السلمي «2» فحمله على ناقة وخرج فِي الليل يريد الشام وقال: حباني «3» بها البهزي حملان ناصرٍ «4» ... من الناس والجاني تخاف جرائمه إذا أنت جاوزت الغريين فاسلمي ... وأعرض من فلج ورائي مخارمة وبلغ زيادًا خروجه، فوجه فِي طلبه فلم يقدر عليه، وجعل زياد إذا نزل البصرة نزل الفرزدق الكوفة، وإذا نزل الكوفة أتى البصرة، فكتب زياد إلى عامله على الكوفة فِي طلبه. 592- وكان الفرزدق يَقُول: طلبت حتى تفطن الناس بمذاهبي. فأتيت أخوالي

_ 591- قارن بما تقدم: 297 والطبري 2: 94، 99 والنقائض: 607، 609- 610 والأغاني 21: 373، والشعر في ديوان الفرزدق 763- 764 (ط. الصاوي) والطبري والنقائض وفي طلب زياد له قارن بالطبري 2: 100 والنقائض: 616 (وفيه الشعر الذي يرد في ف 592) . 592- الأبيات الرائية المجرورة أيضا في ديوان الفرزدق: 221 (الصاوي) (هل رقم 306) والثالث والرابع في حماسة البختري: 10 (رقم: 12) ، والرائية المنصوبة في الديوان: 221 (الصاوي) ، 81 (الفحام) والبيتان 1، 2 في جمهرة العسكري 1: 209، 1- 5 في الأغاني 21: 375، ومنها أبيات في الشعر والشعراء: 388، وفي العقد 5: 320 ومعاهد التنصيص 1: 49.

من بني ضبة فحملوني ووجهوا معي رجلًا من بني تيم اللات بْن ثعلبة ليدلني على الطريق، فعرض لنا الأسد على متن طريقنا فلم نهجه حتى أصبحنا، فقلت: ما كنت أحسبني جبانا بعد ما ... لاقيت ليلة جانب الأنهار ليثًا كأن على يديه رحالة ... شئن البراثن مؤجد «1» الأظفار لما سمعت له زماجر «2» أجهشت ... نفسي إلي وقلت أين فراري فربطت «3» جروتها وقلت لها اصبري ... وشددت فِي ضيق المقام إزاري فلأنت ألين من زيادٍ جانبًا ... فاذهب إليك مخرّم «4» السفّار فأنشد شبث بْن ربعي زيادًا شعره فرق له فَقَالَ: لو جاءني لآمنته ووصلته، فبلغ الفرزدق قوله فَقَالَ: دعاني زياد للعطاء ولم أكن ... لآتيه ما نال «5» ذو حسبٍ وفرا وعند زياد لو يريد «6» عطاءهم ... رجال كثير قد أماتهم «7» فقرا قعود لدى الأبواب طلاب «8» حاجةٍ ... عوان من الحاجات أو حاجة بَكْرا فلما خشيت أن يكون عطاؤه «9» ... أداهم سودًا أو مدحرجة «10» سمرا نميت إلى حرفٍ أضر بنيها ... سرى الليل واستعراضها البلد القفرا يؤم بها الموماة «11» من لا يرى له ... إلى ابن أبي سفيان جاها ولا عذرا

_ (1) ط م س: موحد. (2) الطبري والديوان: زمازم، البحتري: هماهم. (3) الديوان: فضربت. (4) ط م س: محرم. (5) المصادر: ساق. (6) الأغاني: أراد. (7) المصادر: قد يرى بهم. (8) ط م س: طالب. (9) س والنقائض: عطاؤهم. (10) هامش س ط والمصادر: محدرجة. (11) ط م س: المومات.

593- وقدم الفرزدق المدينة هاربًا من زياد، فمدح سَعِيد بْن العاص وهو على المدينة بقصيدة يَقُول فيها: عليك بني أُمَيَّة فاستجرهم ... وخذ منهم لما يخشى «1» حبالا إليك فررت منك ومن زياد ... ولم أحسب دمي لكما حلالا فإن يك فِي الهجاء يراد قتلي ... فلم أترك لمنتصرٍ مقالا «2» فلم يزل بمكة والمدينة، وقال: ألا من مبلغ عني زيادًا ... مغلغلة يخب بها البريد بأني قد هربت إلى سَعِيدٍ ... ولا يسطاع ما يحوي «3» سَعِيد فررت إليه من ليث هزبرٍ ... تفادى منه فِي الغيل «4» الأسود فإن شئت انتسبت إلى النصارى ... وإن شئت انتسبت إلى اليهود وإن شئت انتسبت إلى فقيمٍ ... وما نسبي وما نسب القرود «5» 594- وقال أيضًا فِي قصيدة: وعيد أتاني «6» من زياد فلم أنم ... وإن كنت عند الهضب هضب التهائم «7» فبت كأني مشعر خيبرية ... سرت في عظامي أو سمام «8» الأراقم

_ 593- لاميته في مدح سعيد في الديوان: 617 (صاوي) ، 148 (الفحام) والثاني سيرد في ف: 1126 والأول في الديوان: 607، والبيتان 2، 3 في جمهرة العسكري 1: 209، أما الأبيات الدالية فهي في الطبري 2: 107 والنقائض: 619 والأغاني 21: 375 والأبيات 1، 4، 5 في الديوان رقم: 399 (هل) والأول قد مرّ في ف: 576 والبيتان 1، 2 في جمهرة العسكري 1: 210 والبيتان 4، 5 من قصيدة أخرى في الجمهرة أيضا. 594- الديوان رقم: 96 (بوشيه) وما عدا الثالث في الديوان: 818 (الصاوي) ، والأبيات 1- 3 في الطبري 2: 108 والنقائض: 620 والبيتان 1، 2 في الديوان رقم 333 (هل) .

زياد بْن صخر «1» لا أظنك تاركي ... وبالظن ما جشّمتني غير «2» ظالم (793) فإنّك «3» من تغضب عليه من امرئ ... وإن كان ذا رهط يبت غير نائم نمتك العرانين الطوال ولا أرى ... لسعيك «4» إلا حامدًا غير لائم 595- وكان فتيان المدينة يدعونه، فدعي إلى قينة فَقَالَ: إذا شئت غنتني من البيض «5» قينة ... لها معصم ريان «6» لم يتخدد لحسناء «7» من أهل المدينة لم تعش ... ببؤس ولم تتبع حمولة مجحد وقامت تخشيني زيادًا وأجفلت ... حوالي فِي بردٍ يمانٍ «8» ومجسد فقلت دعيني «9» من زياد فإنني ... أرى الموت وقافًا على كل مرصد 596- ولم يزل الفرزدق هاربًا من زياد حتى مات زياد، ثم كان يضرب به المثل بعد موته فِي كل ما خافه فَقَالَ «10» : إذا ذكرت نفسي زيادًا تكمشت ... من الخوف أحشائي وشابت مفارقي وقال «11» : هم منعوني من زياد وقد رأى ... زياد مكاني وهو للناس قاهر

_ 595- الديوان رقم: 49 (بوشيه) ، 180 (الصاوي) ، رقم 649 (هل) والأغاني 21: 376، والبيتان 1، 2 في اللسان 4: 67 وتهذيب الألفاظ 1: 74

وقال الفرزدق لما حبسه مالك بْن المنذر «1» : ولو كنت أخشى مالكًا «2» أن يروعني ... لطرتُ بوافٍ ريشه غير جاذف «3» كما طرت عَنْ مصري زيادٍ وإنه ... لتصرف لي أنيابه بالمتالف وقال للقباع المخزومي حين طلبه «4» : وقبلك ما أعييت كاسر عينه ... زيادًا فلم تقدر علي حبائله قالوا: وكان كسر عين زياد خلقة. 597- الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: تواقف حيي بْن هزال التميمي ثم السعدي وزينب بنت أوس بْن مغراء القريعي فِي المربد، فترافثا فَقَالَ حيي: زينب ذات العنبل النواس ... هل تذكرين ليلة الأواسي وليلة الأزدي ذي الأفراس ... إذ تركبين طرف المنحاس فقالت زينب «5» : ناك حيي أمه نيك «6» الفرس ... أربعة وخمسة «7» ثم جلس منتزع الشهوة محفوز النفس فجاء قوم إلى زياد فسألوه أن يكفهما، فأرسل فِي طلب حيي فهرب إلى مُعَاوِيَة، فأخاف زياد أهله وأخذ ولده، فكتب مُعَاوِيَة إلى زياد فِي الكف عنه، فقدم البصرة وزياد يخطب، فَقَالَ: أردت أن أشهر مقدمي وأماني لئلا يقدم علي زياد، وقال:

_ (1) الديوان رقم 468 (هل) 537 (الصاوي) واللسان 10: 366 (2) الديوان واللسان: خالدا. (3) الديوان واللسان: جادف (بالدال المهملة) . (4) انظر ما تقدم ف: 517. (5) الشطران الأولان في اللسان 8: 246 (6) اللسان: باك ... بوك. (7) اللسان: نشنشها أربعة.

أتيت بقرطاس يلوح كتابه ... كنار اليفاع شبها الركب للقفل كتاب أمير المؤمنين وإذنه ... فمن شاء فيه الآن أكثر أو أقل ولج الأمير قبل عير وما جرى «1» ... بإخراجنا فاغفر له رب ما فعل لو ان زيادًا قبل ما قادنا له ... دعانا عليما بالبراءة أو سأل لجئنا ببرهان من الحق واضح ... وما شك فِي أنا ظلمنا وما عدل فلا تعجلوا باللوم حتى تبينوا ... ويحصل من هرج الأحاديث ما حصل فلا كوفةٌ أمي ولا بصرةٌ أَبِي ... ولا أنا يثنيني عَنِ الرحلة الكسل وفي العيش لذّات وفي الموت راحة ... وفي الأرض منأى عَنْ زياد ومحتمل «2» وفي الكرة خير للصبور وفي الهوى ... إذا ما الفتى لم يوق سيئة خبل 598- الْمَدَائِنِيّ قال: كان أبو الأسود الدؤلي يسأل زيادًا الحوائج فربما قضى له الحاجة (794) وربما رده، فَقَالَ: رأيت زيادًا صد عني وردني ... ولم يك محرومًا من القوم سائله ينفذ حاجات الرجال وحاجتي ... مؤخرة عَنْ إحنةٍ ما تزايله 599- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: خطب زياد فَقَالَ: إنه حضرتني ثلاثة أشياء وجدت صلاحكم فيها فمنعتني من غمضي، فاسمعوها، واللَّه لا أجد ساقطًا رد على شريف قوله ليهجنه إلا أوجعت بطنه وظهره وأطلت حبسه، ولا أوتى بحدث رد على ذي شيبة رأيه إلا فعلت ذلك به، ولا أجد جاهلًا رد على ذي علم رأيه تهجينًا له «3» إلا فعلت ذلك به، ثم نزل.

_ 598- انظر ديوان أبي الأسود: 47 والأغاني 12: 317 599- قارن بالمصون: 146 والبيان 2: 145 وفاضل الوشاء: 50- 51 والموفقيات: 311 وجامع بيان العلم 1: 53 ومحاضرات الراغب 1: 152

600- قالوا: وبنى زياد مساجد لشيعة بني أُمَيَّة ومن يبغض عليًا، فمنها مسجد بني عدي، ومسجد بني مجاشع، ومسجد الأساورة، ومسجد الحدان، وكان لا يدع أحدًا يبني بقرب مسجد الجماعة مسجدًا، فكان مسجد بني عدي أقربها منه. 601- قالوا: وكان زياد عاتبًا على المهلب، فشخص زياد من البصرة يريد الكوفة، فشيعة المهلب مع من شيعه، وزياد على بغلةٍ ورد عليها رحالة وتحته قطيفة حمراء، وعليه قباء، فسار والناس «1» معه، فدنا المهلب منه فاعتذر إليه، فقبل عذره وقال: إذا عدت وليتك خراسان، فمات فِي وجهه ذلك. 602- قَالَ «2» الْمَدَائِنِيّ قَالَ مسلمة بْن محارب: كانت لزياد بغلة دهماء تدعى أطلال فَقَالَ يومًا: كأنما أطلال تحتي حممه ... نعامة في رعلة «3» ململمه تحمل وضاحًا رفيع الحكمه 603- قَالَ مسلمة: ونظرت ابنة لزياد إلى المقاتلة، وهم يومئذ ثمانون ألفًا، يعرضون فبكت، فَقَالَ لها أبوها: ما يبكيك؟ قالت: أبكي لزوال هذا، قَالَ: لا تبكي من ذلك، ولكن ابكي من دوامة، فلولا زواله عمن كان قبلنا لم يصل إلينا. 604- قَالَ الحرمازي: أتي زياد بفتيةٍ من بني قيس بْن ثعلبة قد شربوا خمرًا، وعنده عمرو بْن معتق اليشكري، فأمر بضربهم فَقَالَ عمرو: أروني هذا الشراب، فإني قد شربت الخمر فِي الجاهلية والطلا فِي الإسلام، فشرب جرعة منه وقال: طلا جيد،

_ 600- قارن بابن الفقيه: 191 603- في عدد المقاتلة انظر ما تقدم ف: 569 604- قارن بعيون الاخبار 1: 333 (عن معديكرب بن أبرهة وعبد العزيز بن مروان) وكذلك قطب السرور: 92

فخلى عنهم زياد، فقيل لعمرو: شربت الخمر «1» ، فَقَالَ: أولا أدرأ الحد عَنْ فتيةٍ من بني بَكْر بْن وائل بجرعة أجرعها. 605- حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش عَنِ الشعبي قَالَ: أتى عامر بْن مسعود زيادًا بأبي علاقة «2» التميمي فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير: إنه هجاني فَقَالَ: وكيف أرجي بعد يومي نماءها ... وقد سار فيها خصية الكلب عامر فَقَالَ أَبُو علاقة: لم أقل هكذا، ولكني قلت: وإني لأرجو بعد يومي نماءها «3» ... وقد سار فيها يأخذ الحق «4» عامر فَقَالَ زياد: قاتل اللَّه الشعراء يقلبون ألسنتهم كما يريدون، واللَّه لولا أن تكون «5» سنة يقتدى بها لقطعت لسانه، فقام قيس بْن قهد الأنصاري فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير، أحدثك بما سمعت من عُمَر بْن الخطاب، شهدته وأتاه الزبرقان بْن بدر بالحطيئة العبسي فَقَالَ له «6» : هجاني، فَقَالَ: وما قَالَ لك؟ قَالَ: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فَقَالَ عُمَر: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة جميلة، فَقَالَ الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس؟! فَقَالَ عُمَر: علي بحسان بْن ثابت، فجيء به فسأله عُمَر عَنِ البيت فَقَالَ: (795) لم يهجه ولكنه خرئ عليه، فأمر به عُمَر فحبس ببئر وألقيت عليه خصفة، فَقَالَ الحطيئة «7» :

_ 605- الأغاني 2: 155

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ ... حمر الحواصل لا ماءٌ ولا شجر ألقيتَ كاسبهم فِي قعر مُظلمة ... فاغفر عليك سلام اللَّه يا عُمَر فأخرجه عُمَر وقال: إياك وهجاء الناس، قَالَ: إذًا يموت عيالي جوعًا، هذا كسبي ومعاشي، قَالَ: فإياك والقذع وأن تقول فِي شعرك فلان خير من فلان وفلان أكرم من فلان، فَقَالَ الحطيئة: أنت واللَّه أهجى مني، فَقَالَ عُمَر: واللَّه لولا أن تكون سنة لقطعت لسانك، ولكن خذه إليك يا ربرقان، فألقى الزبرقان فِي عنقه عمامته وجعل يقوده، وعارضته غطفان فقالت: يا أبا شذرة نحن إخوتك وبنو عمك فهبه لنا فوهبه لهم. فأمر زياد عامر بْن مسعود أن يفعل بأبي علاقة مثل ذلك، فألقى فِي عنقه نسعة واجتره بها، فعارضته بَكْر بْن وائل فقالوا: جيرانك وإخوانك، هبه لنا، فوهبه لهم، وقوم يقولون إن عامرًا الشعبي المهجو، وهذا باطل «1» . 606- حَدَّثَنِي سُرَيْجُ «2» بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: عِزُّ الإِسْلامِ يَنْفَعُنِي أَوْ يَضُرُّنِي؟ قَالَ: بَلْ يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ نَصْرَانِيًّا وَلَهُ وَلَدٌ نَصْرَانِيٌّ، وَإِنِّي أَسْلَمْتُ، وَمَاتَ أَبِي وَتَرَكَ مَالا كَثِيرًا، فَذَكَرَ إِخْوَتِي أَنَّ الْمَالَ لَهُمْ دُونِي، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَنْتَ وَهُمْ فِيهِ شَرْعٌ سواء، وكتب إلى زياد: ورّث المسلم مِنَ الْكَافِرِ وَلا تُوَرِّثِ الْكَافِرَ مِنَ الْمُسْلِمِ، فَأَرْسَلَ زِيَادٌ إِلَى شُرَيْحٍ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، وَكَانَ شُرَيْحٌ لا يَفْعَلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلا يَرَى أَنْ يَتَوَارَثَ مِلَّتَانِ، فَكَانَ إِذَا قَضَى بِهِ قَالَ: هَذَا رَأْيُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. 607- قَالَ هشيم أخبرنا إِسْمَاعِيل عَنِ الشعبي بمثله وقال: لما قضى مُعَاوِيَة بذلك قَالَ عبد اللَّه بْن معقل: ما حدث فِي الإسلام حدث «3» بعد قضاء أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أعجب إليّ منه.

_ 606- ابن كثير 8: 139

608- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أمر زياد شريحًا بأن يورث المسلم من الكافر فقضى بذلك وقال: هذا رأي زياد، فَقَالَ قوم من الفقهاء: لقد أحسن، فَقَالَ شريح: سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن «1» . 609- وحدثت عَنْ شعبة عَنْ حصين عَنْ إبراهيم قَالَ: أول من لم يتم التكبير زياد، واستخلف شريحًا فكان لا يتم التكبير، فمشى إليه علقمة وأصحاب عبد اللَّه بْن مسعود فقالوا: ما هذا؟ فَقَالَ: استخلفني رجل كرهت مخالفته. 610- الْمَدَائِنِيّ عَنِ القافلاني «2» عَنْ محمد بْن سيرين قَالَ: قدم شريح مع زياد الكوفة «3» فقضى بالبصرة، فكان زياد يجلسه إلى جنبه، وقال: إن حكمت بشيء ترى غيره أقرب إلى الحق فأعلمني، فكان زياد يحكم فلا يرد عليه شريح شيئًا. 611- حدثنا محمد بن الصباح البزاز «4» حدثنا هشيم أنبأنا «5» مجالد عَنْ الشعبي قَالَ: أثنى شريح بْن الحارث على زياد، فَقَالَ له شريح بْن هانئ الحارثي: أمثلك يثني على زياد؟ فَقَالَ: إنه لو ولاك ما ولاني لأثنيت عليه. 612- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ زياد لشريح: إني أريد أن أزيدك فِي رزقك، فَقَالَ: لا حاجة لي فِي أكثر مما فرض لي عمر، قال: فإني أوليك عملًا أجري عليك رزقه، قَالَ: أنت وذاك، قَالَ: أوليك الصلاة قَالَ: إني لا آخذ على الصلاة رزقًا، فولاه بيت المال وأجرى عليه ألفًا فكان يأخذها. 613- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنِ (796) عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عَنْ مغيرة عَنْ إبراهيم قَالَ: كان زياد بْن سمية أول من جعل الورق فِي الدية، وكان الورق بالبصرة وزن سبعة

_ 609- انظر ما يلي رقم: 624 610- العقد 5: 10 وانظر طبقات ابن سعد 6: 95 وابن عساكر 6: 308 وما يلي رقم: 737

فجعلها عشرة آلاف درهم، وكان الورق بالكوفة وزن ستة «1» فجعلها اثني عشر ألفًا، قوم الجذعة وابنة مخاض وما بينهما عشرين ومائة وزن ستة. 614- حَدَّثَنِي بَكْر بْن الْهَيْثَم أنبأنا «2» أَبُو نعيم حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن مغيرة عَنْ إبراهيم قَالَ: إنما كان يقضي فِي الدية بالإبل حتى قومها زياد اثني عشر ألفًا، البعير عشرين ومائة. 615- حَدَّثَنَا خلف بن هشام حدثنا هشيم أنبأنا إِسْمَاعِيل بْن أبي خالد ومجالد بْن سعيد عن الشعبي قال: ابتاع رجل دارًا فوجد فيها كنزًا، فَقَالَ البيع: ما دفنت فيها شيئًا، وقال المشتري: ما الكنز لي، فأتيا شريحًا فقصا عليه قصتهما، فَقَالَ: ما أدري أجادان أنتما أم لاعبان، ودخل على زياد فأخبره خبرهما فَقَالَ: اعرض عليهما المال فأيهما قبله فهو له، وأن أبيا قبوله فانطلق به إلى بيت المال، فلم يقبلاه، فحمله إلى بيت المال، وكان أربعة آلاف واف. 616- حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة حَدَّثَنَا عمرو بْن عاصم عَنْ حماد بْن سلمة عَنْ الحجاج عَنْ الحكم بْن عتيبة أن زيادًا قطع تميم بْن مصاد فِي سرقٍ «3» ثم تاب وأصلح فأجاز شريح «4» شهادته. 617- حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة عَنْ يزيد بْن هشام عن محمّد بن سيرين أنّ ابن أخ لزياد خرج إلى السواد فقتل دهقانًا، فدفعه زياد إلى ولي الدهقان فعفا عنه. 618- حَدَّثَنِي عُمَر عَنْ «5» عفان عَنْ عبد الواحد بْن زياد عَنْ مجالد عَنْ الشعبي قَالَ:

_ 616- قارن بوكيع 2: 288، 395 618- قارن بما سبق: 486 وقوله ومن نبش قبرا دفنته فيه حيا في خطبته رقم: 524

أتى زياد بنباش أسود فقطع يده ورجله وقال: هذا ممن حارب اللَّه ورسوله وسعى فِي الأرض فسادًا. 619- حَدَّثَنِي خلف بْن هشام البزار حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن عياش أخبرني من صلى مع زياد فقرأ بالمعوذتين، قَالَ: وما قرأهما أحد من أمراء الكوفة قبله. 620- حَدَّثَنَا عُمَر بْن شبة حَدَّثَنَا أَبُو خيثمة بْن جرير الضبي عَنْ ابن شبرمة قَالَ، قَالَ ابن سمية: من عرض عرضنا له السوط، ومن صرح صرحنا له بالحد، يعني التعريض بالشتيمة. 621- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان زياد يأخذ صاحب كل دار بعد المطر إذا أصحت برفع ما بين يدي فنائه من الطين، فمن لم يفعل أمر بذلك الطين فألقي فِي حجلته «1» ، ويأخذ الناس بتنظيف طرقهم من القذر «2» والكناسات ثم انه اشترى عبيدًا ووكلهم به فكانوا ينحونه. 622- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: غلا الطعام على عهد زياد فدفع إلى التجار مالًا فابتاعوا به طعامًا، وقال: زيدوا ربعًا ربعًا، فلما رخص الطعام وشغر برجله ارتجع ماله. 623- حَدَّثَنَا الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنِ ابن عياش عَنِ الشعبي قَالَ: كانت حطمة زياد، فَقَالَ للعرب: إن عشائركم قد وردت علينا، فاختاروا أن نأخذ «3» نصف أعطياتكم وأرزاقكم فنقوتهم بها مع ما لهم عندنا، أو تكفينا كل عشيرة من فيها، فمنهم من ضم عشيرته، ومنهم من طابت نفسه بنصف عطائه ورزقه وأرزاق عياله، وكان لكل عيل جريبان ومائة درهم، ومعونة الفطر خمسين «4» ، ومعونة الأضحى خمسين «5» ، وكان يعهدهم كل يوم ويقول: لتحسن رعيتكم «6» ، فإنّ العرب إذا سغبت «7» اقتتلت.

_ 619- انظر ما يلي رقم: 633

624- حدثنا خلف بن هشام حدثنا هشيم عن داود بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشعبي أن زيادًا أرسل إلى مسروق: أنه شغلتنا أمور وأشغال فكيف التكبير فِي العيدين؟ قَالَ: تسع، خمس فِي الأولى، وأربع فِي الآخرة، ووال بين القراءتين. 625- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ زياد: احفظوا عني (797) اثنتين: لا يستحيين من لا يعلم من أن يتعلم، ولا يستحيين من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يَقُول اللَّه اعلم. 626- حَدَّثَنِي إبراهيم بْن الحسن العلاف حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: أول من جلس يوم الجمعة وأذن له فِي الجبانة زياد بْن سمية. 627- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: رأى زياد وهو على المنبر امرأة على سرج فَقَالَ: أفعلتموها؟ وكتب إلى عماله على الأمصار فِي منع النساء من السروج، وأن لا توجد امرأة على سرج إلا اشتد عليها. 628- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: بينا زياد يسير بظهر الكوفة إذ رأى امرأة تهدج على عير لها فَقَالَ لها: من أنت؟ قالت: حرقة بنت النعمان بْن المنذر، قَالَ: ما كان أغلب الأشياء على أبيك؟ قالت: محادثة الرجال والإفضال عليهم، وأنشدته: وكنا ملوك الناس «1» والأمر أمرنا ... نحكم فيهم ثم لا نتنصف «2» فما برح العصران إلّا وحالنا «3» ... تقلّب فيهم تارة «4» وتصرّف

_ 625- قارن بعيون الاخبار 2: 119 والبيان 2: 77 والعقد 3: 147 والمستطرف 2: 62 وألف باء 1: 22 (وكلها ينسب القول إلى علي) . 626- انظر ما تقدم ف: 550 628- قارن بياقوت 2: 707 والمروج 3: 209 (وفيه البيتان) والمحاسن والمساوئ: 387 والمحاسن والأضداد: 175. والأول والثاني في الحماسة: 534 والموازنة 1: 103 ومجموعة المعاني: 7 وشرح المضنون: 31 واللسان 11: 246 وشرح شواهد المغني: 246 وشرح العسكري: 382 وجامع الشواهد 2: 159 والأول في اللسان 12: 36 ودرة الغواص: 198 وتقويم اللسان: 141 وقارن بالديارات: 245

فأمر لها بمائة دينار ووسقًا من طعام وقال: إذا تقارب فناؤه فاعلمينا فقالت: جزتك يد افتقرت بعد غنى، ولا أعطتك يد استغنت بعد فقر. 629- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: سأل مولى لفاختة بنت قرظة أن يكتب له مُعَاوِيَة كتابًا منشورًا بأن يخلى له سوق الطعام بالبصرة، فلا يبيع فيها أحد غيره حتى يخرج ما فِي يده منه، فكتب له بذلك وقال له: ويحك إني أحذرك زيادًا، فلما منع الناس من بيع الطعام غلا السعر، فركب زياد وهو شارب دواء، فوجده على سطح وهو يناول الدنانير والرقاع بالقصب، فأمر به فأنزل، فَقَالَ: إن معي كتاب أمير المؤمنين، فَقَالَ: اقطعوا يده، فقطعت يده، ثم قَالَ: ادفعوا إليه منشوره ويده، فرجع إلى مُعَاوِيَة فَقَالَ له: قد نهيتك وحذرتك فأبيت. 630- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الوليد الطيالسي «1» عَنْ زائدة عَنْ سماك بْن حرب قَالَ: رأيت زيادًا يصلي يوم الفطر والأضحى بغير أذان ولا إقامة. 631- حَدَّثَنِي عُمَرُ «2» بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ ابن عياش عن عجلان حاجب زياد ومولاه قَالَ: دخل زياد يومًا من صلاة الظهر فإذا هرة فِي زاوية المجلس، فأردت طردها فنهاني، فلم تزل كذلك حتى صلى العصر، ثم عاد فجعل يلاحظها، فلما كادت الشمس تغرب خرج جرذ فوثبت عليه فأخذته، فَقَالَ: من طلب حاجة فليصبر صبر هذه الهرة فإنه يظفر بحاجته. 632- قَالَ عجلان: وقال لي زياد يومًا: اطلب لي رجلًا عاقلًا، قلت: لا أعرفه، قَالَ: وهل يخفى العاقل فِي وجهه وقده ولفظه؟ فخرجت فإذا رجل حسن الوجه مديد القامة فصيح اللسان، فأدخلته إليه، فَقَالَ: إني أريد مشاورتك في أمر، فقال: إنّي

_ 631- ابن عساكر 5: 415 632- قارن بعيون الاخبار 1: 31- 32 ومحاضرات الراغب 1: 12

حاقن جائع ولا رأي لحاقن ولا جائع، فأمر عجلان فأدخله المتوضأ فقضى حاجته، ثم خرج فأمر فأتي بطعام، فلما شبع قَالَ: هات، فما أورد عليه شيئًا إلا وجد عنده فيه ما يريد، وكتب إلى عماله: لا ينظرن فِي أمر الناس حاقن ولا جائع. 633- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ «1» بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عياش قَالَ: أخبرني من صلى مع زياد فقرأ بالمعوذتين. 634- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ أَبُو بردة: ولاني زياد صدقة أسد وغطفان، وأعطاني من بيت المال ثلاثة عشر ألف درهم فَقَالَ: انطلق فأعط، وألصق بأهل الفاقه، ومن أعطيته ورقًا فلا تعطه غنمًا، ومن أعطيته غنمًا فلا تعطه ورقًا، وما وجدت من شغار فاردده، وما رأيت من امرأة معضولة فأنخ إبل صاحبها فِي العطن حتى ينكحها كفؤًا، ولا يكن (798) كالأعور بْن بشامة حبس أخته حتى شمطت أصداغها. 635- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عن قتادة قَالَ: كان زياد سيئة من سيئات مُعَاوِيَة، وكان سمرة بْن جندب سيئة من سيئات زياد. 636- قالوا: ومات زياد وعلى الكوفة من قبله عبد اللَّه بْن خالد بْن أسيد، وعلى البصرة سمرة، فأقر مُعَاوِيَة سمرة على البصرة ستة أشهر، ويقال ثمانية عشر شهرًا، ثم عزله فَقَالَ سمرة: لعن اللَّه مُعَاوِيَة لو أطعت اللَّه كما أطعت مُعَاوِيَة ما عذبني أبدا. 637- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ مَاتَ سَمُرَةُ، فَقَالَ: مَا ذَبَّ اللَّهُ بِهِ عَنِ الإِسْلامِ أَعْظَمُ. 638- وروى علي بْن عاصم عَنْ عيينة بْن عبد الرحمن عَنْ أبيه أنه قَالَ: جاءت امرأة إلى سمرة فأعلمته أن زوجها لا يستطيعها، وذكر زوجها أنّه يأتيها، فأشكل عليه

_ 633- مرّ في ف: 619 636- الطبري 2: 162 638- قارن بنهاية ابن الأثير 1: 232 (حصحص) والصحاح 1: 503 واللسان 8: 281 والتاج 4: 381

القضاء فكتب إلى مُعَاوِيَة يستطلع رأيه، فكتب إليه مُعَاوِيَة أن زوجه امرأة جميلة وأصدقها من بيت المال، فزوجه امرأة وأصدقها أربعة آلاف درهم، ثم أدخلها عليه ليلًا فلما أصبح دعا سمرة بالرجل، فجاء وعليه أثر صفرة، فَقَالَ: ما صنعت؟ فَقَالَ: كان ذلك مني إليها حتى حصحص من ورائها فِي الثوب، فدعا بها سمرة فَقَالَ لها: ما صنع؟ قالت: لا شيء عنده، فَقَالَ: انتشر؟ قالت: نعم، ولكنه إذا دنا أكسل، قَالَ سمرة: طلق يا محصحص. 639- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: وقيل لسمرة فِي رجل أنه طويل الصلاة، فَقَالَ: لو مات ما صليت عليه، ذهب إلى أنه خارجي. 640- وولى مُعَاوِيَة بعد سمرة عبد اللَّه بْن عمرو بْن غيلان بْن المحبق الهذلي، فحصبه رجل وهو أمير، فأتي بالرجل فقطع يده ورجله. 641- الْمَدَائِنِيّ عَنْ قرة بْن خالد عَنْ عبد اللَّه بْن الداناج «1» أن رجلا حصب عبد الله ابن عمرو بْن غيلان على منبر البصرة، وكان يقال للرجل جبير بْن الضحاك أحد بني ضرار من ضبة، فأخذ وأتي به عبد اللَّه، فأمر به فقطعت يده ورجله وقال: العفو «2» والطاعة والتسليم ... خير وأعفى لبني تميم فكتب بذلك إلى مُعَاوِيَة وقالوا: قطع على شبهة، فعزل عبد اللَّه بْن عمرو وقال: قد وليت عليكم عبيد اللَّه ابن أخي زياد. 642- قَالَ زياد: ليس يعجبني من الرجل أن يكون وصافًا لبطنه وفرجه، ويعجبني منه إذا سيم خسفا أن يقول لا يملء فيه.

_ 639- قارن بعيون الاخبار 3: 214 640- الطبري 2: 166، 171 وتاريخ خليفة 1: 211 وما يلي رقم: 641 641- الطبري 2: 171 والفقرة السابقة: 640 642- تقدم في ف: 543 وبعضه في ف: 500، 547

أمر حجر بن عدي الكندي ومقتله

643- حَدَّثَنَا عمرو الناقد «1» عَنْ موسى بْن قيس عَنْ سلمة بْن كهيل قَالَ: أول من وطيء على صماخ الإسلام زياد. 644- قالوا: وكان زياد يغدّي الناس ويعشيهم وكانت له ألف ناقة يؤتى بلبنها، وقد نثر التمر على الأنطاع، فيتمجعون اللبن بالتمر، فإذا ارتفع النهار غدوا، ثم يعشي بعد العصر، ويحضر غداءه وعشاءه الصحابة والشرط والمقاتلة ومن حضر، وكان يطعم بالبصرة والكوفة، فإذا غاب عَنْ إحداهما قام عماله مقامه. 645- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: حمل شريك بْن الأعور مالًا من اصطخر مع رجل فَقَالَ له الخزان: أحضر وزنه ونقده، فَقَالَ: إنما دفع إلى مالًا مختومًا، فرفعوا قوله إلى زياد فَقَالَ: إن نقص المال فليؤخذ به شريك، فأما هذا فلا شيء عليه ثم تمثل بنصف بيت: وأبرز للبراءة للبراز «2» . أمر حجر بْن عدي الكندي ومقتله 646- حَدَّثَنِي «3» عباس بْن هشام عَنْ أبيه عَنْ عوانة قَالَ: جمع مُعَاوِيَة لزياد البصرة والكوفة، فأتى الكوفة فبعث إلى حجر فأجلسه معه على السرير، وقال: يا أبا عبد الرحمن (799) إن الأمر الذي كنا فيه مع علي كان باطلًا، وإنما الأمر ما نحن فيه الآن، فَقَالَ حجر: كلا واللَّه يا أبا المغيرة، ولكن الدنيا استمالتك وأفسدتك، فاللَّه المستعان. فَقَالَ زياد: يا أبا عبد الرحمن هذا مقعدك، ولك فِي كل يوم عشر حوائج لا ترد عنها، واضبط لسانك وأمسك يدك، فو الله لئن أقطرت من دمك قطرة لأستفرغنه كله «4» ، وأنت تعلم أني إذا قلت فعلت، فَقَالَ: لست من هذا في شيء.

_ 643- انظر ما يلي رقم: 751 646- قارن بالأغاني 17: 79 واليعقوبي 2: 273 وما يلي رقم: 721

647- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَن أَبِي مِخْنَفٍ وغيره قالوا: لم يزل حجر بْن عدي منكرًا على الحسن بْن علي بْن أبي طالب صلحه لِمُعَاوِيَةَ، فكان يعذله على ذلك ويقول: تركت القتال ومعك أربعون ألفًا ذوو نيات وبصائر فِي قتال عدوك. ثم كان بعد ذلك يذكر مُعَاوِيَة فيعيبه ويظلمه، فكان هذا هجيراه وعادته. 648- وولى مُعَاوِيَة المغيرة بْن شعبة الكوفة، فأقام بها تسع سنين وهو أحسن رجل سيرة وأشده حبًا للعافية، غير أنّه لا يدع ذم علي والوقيعة فيه، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم، وكان مُعَاوِيَة حين أراد توليته قَالَ له: يا مغيرة: لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما وقد يجزئ عنك الحلم «1» بغير تعليم، وقد أردت أن أوصيك بأشياء كثيرة، فتركت ذلك اعتمادًا على بصرك بما يرضيني ويشدد سلطاني ويصلح رعيتي، غير أني لا أدع إيصاءك بخصلة: لا تكفكفن «2» عَنْ شتم علي وذمة، والترحم على عثمان والاستغفار له «3» ، والعيب لأصحاب علي والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم، والإطراء لشيعة عثمان والإدناء لهم والاستماع منهم. فَقَالَ المغيرة: قد جربت وجربت، وعملت قبلك لغيرك، فلم يذمم لي رفع ولا وضع، وستبلو فتحمد أو تذم، فَقَالَ: نحمد إن شاء اللَّه. فسمع حجر المغيرة يَقُول يومًا: لعن اللَّه فلانًا- يعني عليًا- فإنه خالف ما فِي كتابك، وترك سنة نبيك، وفرق الكلمة وهراق الدماء، وقتل ظالمًا، اللَّهم العن أشياعه وأتباعه ومحبيه والمهتدين بهديه والآخذين بأمره، فوثب حجر رضي اللَّه تعالى عنه، فنعر بالمغيرة «4» نعرة سمعت من كل جانب من المسجد، وسمعت خارجًا منه فَقَالَ له: انك لا تدري بمن

_ 647- قارن بالدينوري: 233 648- الطبري 2: 111- 113 وابن الأثير 3: 392، 396 وقارن بما تقدم: 75، والبيت مرّ أيضا رقم: 335، وورد جانب من الخبر في المصادر المذكورة في الفقرتين السابقتين.

تولع، وقد هرمت أيها الإنسان وحرمت الناس أرزاقهم، وأخرت عنهم عطاءهم، وإنما أراد بهذا القول تحريض الناس عليه. وقام مع حجر أكثر من ثلاثين كلهم يَقُول مثل قوله ويسمعون المغيرة، فيقولون له: أولعت بذم الصالحين وتقريض «1» المجرمين، فنزل المغيرة فدخل داره، فعاتبه أصحابه على احتمال حجر وقالوا: ان مُعَاوِيَة غير محتملك على هذا، فَقَالَ: ويحكم إني قد قتلته بحلمي عنه، سيأتي بعدي من لا يحتمله فيقتله فِي أول وهلةٍ، وقد قرب أجلي وضعف عملي، ولا أحب أن أبتدئ أهل المصر بقتل خيارهم ووجوههم، فيسعدوا وأشقى، ويعزّ معاوية في الدنيا ويذلّ المغيرة فِي الآخرة، ولكني قابل من محسنهم وعافٍ عَنْ مسيئهم، وحامد حليمهم وواعظ سفيههم، حتى يفرق الموت بيني وبينهم «2» . 649- وكانت ولاية المغيرة فِي سنة إحدى وأربعين ووفاته فِي سنة خمسين «3» ، فجمعت البصرة والكوفة لزياد، فخطب خطبة قَالَ فيها: إنا وجدنا هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله، من الطاعة اللينة الشبيهة «4» سريرتها بعلانيتها، وغيبها بشهادتها «5» ، وقلوب أهلها بألسنتهم، وقد بلغني أن قومًا يعيبون الخليفة إرصادًا للفتنة، فمهلًا مهلًا، فإن لكم صرعى فليخش «6» كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي، فإني آخذ الكبير بالصغير، والقريب بالبعيد، والبريء بالسقيم، والشاهد بالغائب، (800) والمقبل بالمدبر، حتى تستقيم لي قناتكم، وحتى يلقى الرجل صاحبه فيقول: يا سعد انج فقد قتل سعيد.

_ 649- الطبري 2: 114 وما تقدم رقم 491، 524، 589 والأغاني 16: 2، وكذلك بعضه في الطبري 2: 75 وابن الأثير 3: 375 وجانب من الخطبة مرّ في ف: 524

650- وخطب أيضًا ذات يوم وعليه عمامة حمراء وقد أرسلها «1» فَقَالَ: أيها الناس، أن هذه السبئية الحائنة «2» - يعنى الشيعة- المتحيرة «3» قد ركبت أعجاز أمور هلك من ركب صدورها، ف إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَر لَهُم مَا قَد سَلَفَ وَإنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوّلِينَ (الأنفال: 38) ونزل، فبعث إلى حجر، وقد كان له قبل ذلك ودا وصديقًا فَقَالَ له: قد بلغني ما كنت تصنع بالمغيرة وما كان يحتمل منك، وإني واللَّه غير محتملك، والرائد لا يكذب أهله، وأنت الأثير «4» عندي ما لم تبسط لسانًا ولا يدًا بشيء مما أكرهه، وإن فعلت فأقطرت من دمك قطرة استفرغته أجمع، فأرع على نفسك، فخرج حجر من عنده وهو هائب له، وكان زياد يدنيه ويكرمه، والشيعة فِي ذلك تختلف إليه وتسمع منه. 651- وكان زياد يقيم بالبصرة ستة أشهر وبالكوفة ستة أشهر، يصيف بهذه «5» ويشتو بهذه «6» ، ويستخلف على البصرة سمرة بْن جندب الفزاري، وعلى الكوفة عمرو بْن حريث المخزومي. فلما أراد زياد أن يشخص من الكوفة إلى البصرة دعا حجرًا فَقَالَ له: إن غب البغي والغي وخيم، وقد بلغني أنك تلقح الفتن، ولو صح ذلك عندي لم أبرح حتى أقتلك، فاتق اللَّه فِي نفسك وأربع على ظلعك، فو الله لئن أفرغت من دمك قطرة لآتين على آخره، وقد أعذر من أنذر، وقد ناديتك وناجيتك، فَقَالَ حجر: أبلغت، دون هذا يكفيني أيها الأمير. وكان حجر وطائفة من أصحابه يجتمعون فِي المسجد بعد شخوص زياد، ويجتمع الناس إليهم، فيذمون مُعَاوِيَة ويشتمونه، ويذكرون زيادًا فيتنقصونه

_ 650- انظر ما تقدم ف: 524 وما يلي رقم: 721، وجانب من تهديده لحجر قد مرّ في ف: 646، وسيرد في الفقرة: 651، وجانب آخر منه في الأغاني 17: 80 والطبري 2: 115- 117 وابن الأثير 3: 393 وابن كثير 8: 51 651- قد مرّ جانب منه في ف: 534، 589، 646، 650

ويجدبونه «1» حتى تعلو أصواتهم بذلك، فأتى عمرو بْن حريث المسجد فصعد المنبر وقد اجتمع اليه رؤوس أهل المصر فَقَالَ: ما هذه الأصوات العالية والرعة السيئة؟ فوثب إليه عنق من أصحاب حجر، فضجوا وشتموا، ودنوا منه فحصبوه حتى دخل القصر «2» ، وكتب إلى زياد مع سنان بْن حريث الضبي بخبر حجر وأصحابه، وأنه لا يملك من الكوفة معهم إلا دار الإمارة، فلما قرأ زياد كتاب عمرو قَالَ: بئس الرجل حجر، ونعم الرجل عمرو، أركبوا بنا، فركب مغذًا للسير، وتمثل قول كعب بن مالك الأنصاري «3» : فلمّا استووا بالعرض قَالَ سراتنا ... علام إذا لم يمنع العرض يزرع «4» ثم قَالَ: ويل أمك حجر: سقط العشاء بك على سرحان «5» ، فلما أتى الكوفة صعد المنبر فَقَالَ: يا أهل الكوفة جممتم فأشرتم، وأمنتم فاجترأتم، وإن عواقب البغي شر العواقب، واللَّه يا أهل الكوفة لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم، فإنه عندي عتيد، ثم بعث الْهَيْثَم بْن شداد الهلالي «6» صاحب شرطته إلى حجر بن عديّ ليأتيه به- ويقال: بل أمر الْهَيْثَم أن يوجه إلى حجر من يأتيه به، فوجه حسين بْن عبد اللَّه البرسمي- فأبى أصحاب حجر أن يخلّوا بينه وبين إتيان زياد، فغضب زياد وقال لوجوه أهل المصر: يا أشراف أهل الكوفة، أتشجون بيد وتأسون بأخرى؟! أبدانكم معي وقلوبكم مع الهجهاجة المذبوب «7» ؟! قوموا إليه، فقالوا: معاذ اللَّه أن نكون إلا على طاعتك وخلاف حجر والزري عليه، وخرجوا فنحى كل امرئٍ عَنْ حجر من أطاعه من أصحابه. 652- وقال الْهَيْثَم بْن عدي عَنْ أبيه وعن مجالد عن الشعبي وعن أبي جناب

_ 652- طبقات ابن سعد 6: 151- 152 وابن كثير 8: 53 وما يلي رقم: 721 وسير الذهبي 3: 306

الكلبي قالوا: لما قدم زياد الكوفة بعث إلى حجر فَقَالَ: يا هذا كنا على ما علمت، وقد جاء أمر غير ذلك، (801) أمسك عليك لسانك، وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، فإياك أن تستزلك هذه السفلة أو تستفزك، إني لو استخففت بحقك هان علي أمرك، ولم أكلمك من كلامي هذا بحرف «1» . فلما صار إلى منزله اجتمعت إليه الشيعة فقالوا: أنت شيخنا وأحق الناس بإنكار هذا الأمر. فلما شخص زياد إلى البصرة استخلف عمرو بْن حريث على الصلاة والحرب، ومهران مولاه على الخراج، وأمر العمال بمكاتبة عمرو، وكان الطريق يومئذ على الظهر، وربما ركبت الرسل الفرات حتى ترد آجام البصرة ثم تدخل البصرة، فأرسل عمرو «2» إلى حجر: ما هذه الجماعات التي تجتمع إليك؟ فَقَالَ: جماعة ينكرون ما أنتم فيه، فأرسل إليه قوما فقاتلهم أصحابه وألجئوهم إلى قصر الإمارة، فكتب عمرو إلى زياد: إن كانت لك بالكوفة حاجة فالعجل، فإني كتبت إليك وليس فِي يدي منها مع حجر بْن عدي إلا القصر، فأغذ السير حتى قدم الكوفة، فبعث إلى عدي بْن حاتم الطائي وجرير بْن عبد اللَّه البجلي وخليفة بْن عبد اللَّه الجعفري وعمرو بْن الحجاج الزبيدي وهانئ بْن عروة المرادي وثابت بْن قيس النخعي وخالد بْن عرفطة العذري فَقَالَ: ائتوا هذا الشيخ المفتون فإني خائف أن يحملنا من أمره على ما ليس من شأننا، فأتوه، فَقَالَ له عدي بْن حاتم: قد علمت يا أبا عبد الرحمن ما كان من كلام الأمير لك ومن ردك عليه ما رددت «3» ، وهذه عشيرتك، نسألك باللَّه والقرابة أن لا تفجعنا بنفسك، فهب لنا هذا الأمر، واكظم غيظك حتى يرى غيرك ما أنت عليه، فَقَالَ حجر: يا غلام اعلف البَكْر- لبَكْر كان فِي جانب داره- فَقَالَ عدي: أمجنون أنت؟ نكلمك وتقول هذا القول غير مكترث لكلامنا؟! فَقَالَ: أما واللَّه إني لأرجو أن أوقره من الغنائم غدًا، قَالَ عدي: فنحن نوقره لك الآن فضة وذهبًا، وتكف عَنْ هذا الأمر، فَقَالَ حجر: لك أول ما سمعت، فَقَالَ عدي: ما ظننت أن

_ (1) س: هذا الحرف. (2) زيادة من ط م، وفي أصل ط: فأرسل اليه عمرو، ثم صححت في الحاشية. (3) س: ومن ردك اما ردت.

الضعف بلغ بحجر ما أرى، وكلمه القوم فلم يكلم منهم أحدًا، فأتوا زيادًا فَقَالَ: مهيم، قَالَ عدي: أيها الأمير استذمه فإن له سنًا، فَقَالَ: لست لأبي سُفْيَان إذًا، ثم أرسل إليه الشرط فقوتلوا. 653- قَالَ أَبُو مخنف: لما حال أصحاب حجر بينه وبين رسل زياد، أمر الْهَيْثَم بْن شداد «1» أن يأتيه به، فلما صار إليه قَالَ أصحابه: لا ولا نعمة عين، لا نجيبه «2» ، فشد الْهَيْثَم ومن معه عليهم بعمد السوق، فضرب رجل من حمراء الديلم «3» يقال له بَكْر بْن عبيد رأس عمرو بْن الحمق الخزاعي- ويقال: بل ضربه رجل من الأزد يقال له عبد اللَّه بْن مرغد «4» - فحمل إلى أهله، وشد عبد اللَّه بْن خليفة الطائي وهو يَقُول: قد علمت يوم الهياج طلتي «5» ... أني إذا ما فئتي تولت أو كثرت أعداؤها وقلت «6» ... أني قتال «7» لكل ثلة «8» وضرب رجلًا من جذام كان فِي الشرط، وضربت يد عائذ بْن حملة وكسر «9» نابه فَقَالَ: إن يكسروا نابي ويحطم ساعدي ... فإني امرؤ في سورة المجد صاعد «10»

_ 653- الطبري 2: 117- 118، 119- 121 (وفيه الأبيات الميمية فقط) وانظر الأغاني 17: 81- 82

وحمي حجرًا أصحابه حتى خرج، وبغلته موقوفة، فحمله أَبُو العمرطة عمير بْن يزيد الكندي عليها فركبها، وشد يزيد بْن طريف المسلي على أبي العمرطة فضربه، واختلج «1» أَبُو العمرطة سيفه فضربه به على رأسه، فخر لوجهه ثم برئ بعد، وله يَقُول عبد اللَّه (802) بن همّام السلولي: ألؤم ابن لؤم ما عدا بك حاسرًا ... إلى بطل ذي جرأة وشكيم معاود ضرب الدارعين بسيفه ... على الهام عند الروع غير لئيم حسبت ابن برصاء العجان «2» قتاله ... قتالك زيدًا عند «3» دار حكيم وكان قتل رجلًا بالكوفة عند دار حكيم، وكان ذلك أول سيف ضرب به بالكوفة فِي الاختلاف بين الناس. وخرج قيس بْن قهدان الكندي ثم البدي على حمار له وهو يَقُول: يا قوم حجر دافعوا وصاولوا ... وعن أخيكم ساعة فقاتلوا لا يلفين «4» منكم لحجر خاذل ... أليس فيكم رامح ونابل وفارس مستلئم أو راجل ... وضارب بالسيف لا يواكل «5» فلم يجبه من كندة أحد. ثمّ عطفت «6» عدة من كندة منهم عمير بْن يزيد أَبُو العمرطة وقيس بْن يزيد أخوه، وهو الذي يَقُول فيه ابن همام السلولي: وقيس كندة قد طالت إمارته ... فِي سرة الأرض بين السهل والجبل وعبد الرحمن بْن محرز بْن مرة الكندي ثم الطمحي وقيس بْن سمي «7» الكندي ثم البدي وعبيدة بْن عمرو البدّيّ الشاعر، فقاتلوا ساعة.

_ (1) الطبري: ويختلط، وفي بعض أصوله ما يشبه القراءة هنا «ويختلج» . (2) الطبري وابن الأثير: الحتار، س: الفجار. (3) الطبري وابن الأثير: يوم. (4) س: يلقين. (5) الطبري: يزايل. (6) الطبري 2: 123 (دون البيت) وانظر الأغاني 17: 82 (7) الطبري: قيس بن شعر.

654- قالوا: ووجه زياد أشراف أهل الكوفة من مضر ومذحج وهمدان إلى حجر ليأتوا به، وفرق بين مضر واليمن لئلا يختلفوا. 655- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: أرسل زياد حين قوتل أصحابه إلى عدي بْن حاتم وخريم بْن أوس بْن حارثة بْن لام وسَعِيد بْن قيس الهمداني وهانئ بْن عروة المرادي وزياد بْن النضر الحارثي وشريح بْن هانئ وكثير بْن شهاب الحارثي ووائل بْن حجر الحضرمي وثابت بْن قيس النخعي وجماعة غيرهم من وجوه اليمانية فَقَالَ: هذا عَنْ ملأ منكم، فقالوا: معاذ اللَّه، قَالَ: فاكفوني بوائقكم، فخرجوا فخوفوا أصحاب حجر وأعلموهم أنه لا ينصرهم أحد فتفرقوا، وأرسل زياد إلى كندة يتهددهم إن لم يسلموا حجرًا. 656- وقال أَبُو مخنف وغيره: استخفى حجر فِي دار بالنخع، ثم أتى الأزد فنزل فِي دار ربيعة «1» بْن ناجذ بْن أنيس الأزدي فمكث بها يومًا وليلة. 657- وقال الكلبي: لجأ حجر إلى سليمان بْن يزيد بْن شراحيل الكندي من ولد حوت بْن الحارث، ودعا زياد محمّد بن الأشعث بْن قيس فَقَالَ له: يا مؤنث «2» لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلا قطعتها ولا دارًا إلا هدمتها، ثم لا تسلم مني، أقطعك «3» إربًا إربًا، وأمر به إلى الحبس، فقيل له: خله يطلب صاحبه، ففعل، وبعث حجر إلى محمد غلامًا له أسود، فَقَالَ له: يَقُول لك مولاي قد بلغني ما استقبلك به هذا الجبار العنيد، وأنا خارج إليك، فاجمع نفرًا من قومك يسألونه أن يؤمنني «4» حتّى يبعث بي إلى معاوية

_ 654- قارن بالطبري 2: 121 وابن الأثير 3: 395 والأغاني 17: 84 656- قارن بالطبري 2: 124 وابن الأثير 3: 395 657- الطبري 2: 124- 126 وابن الأثير 3: 395، 396 والأغاني 17: 86 وانظر ما يلي رقم: 721 والدينوري: 236، وانظر المثل «على نفسها تجني براقش» ، في الميداني: 310 وجمهرة العسكري 2: 75 (بهامش الميداني) وفصل المقال: 459 والدميري (البرقش) ورسالة الغفران: 532 وجمهرة ابن دريد 3: 306

فيرى رأيه فِي، فأتى محمد وجرير بْن عبد اللَّه البجلي ( «1» ) وعبد اللَّه بْن الحارث النخعي أخو الأشتر زيادًا فطلبوا إليه أن يؤمن حجرًا حتى يبعث به إلى مُعَاوِيَة ولا يعجل، ففعل، وأرسلوا إلى حجر فأتى زيادًا، وهو جريح، وكان يزيد بْن طريف المسلي ضربه على فخذه بعمود، فلما رآه زياد قَالَ «2» : يا أبا عبد الرحمن أحرب فِي أيام الحرب، وحرب فِي أيام السلم؟! على نفسها تجني براقش، فَقَالَ حجر: ما فارقت طاعة ولا جماعة ولا ملت إلى خلاف ومعصية، وإني لعلى بيعتي، فَقَالَ «3» : تشج وتأسو؟! وأمر به إلى الحبس وقال: (803) لولا أني آمنته ما برح حتى يلفظ عصبه «4» . 658- وجد زياد فِي أمر أصحاب حجر وطلبهم أشد الطلب، فأخذ من قدر عليه 5 260 منهم، فأتي بربعي بْن حراش العبسي بأمان فَقَالَ: واللَّه لأجعلن لك شغلًا «5» بنفسك عَنْ تلقيح الفتن، ودعاه إلى الوقيعة فِي علي فأبي فحبسه، ثمّ كلّم فيه فأخرجه، وأتي بكريم ابن عفيف «6» الخثعمي، فَقَالَ: ويحك ما أحسن اسمك وأقبح فعلك!! وأمر به إلى الحبس. 659- وجاء رجل من بني شيبان إلى زياد فقال له: انّ امرأ منا يقال له صيفي بْن فشيل «7» من رؤساء أصحاب حجر وهو أشد الناس عليك، فبعث إليه فأتي به فَقَالَ: يا عدو اللَّه، ما تقول فِي أبي تراب؟ قَالَ: ومن أَبُو تراب؟ قَالَ: ما أعرفك به، أما تعرف

_ 658- الطبري 2: 128- 129، 130- 131 وابن الأثير 3: 397، 402 وقارن بالأغاني 17: 88 659- انظر مصادر الفقرة السابقة.

علي بْن أبي طالب؟ قَالَ: الذي كنت عامله؟ ذاك أَبُو الحسن والحسين، فَقَالَ له صاحب شُرَطه: يَقُول لك الأمير أَبُو تُراب وتقول لا؟! قَالَ: أكذب إن كذب الأمير وأشهد بالباطل كما شهد؟ فَقَالَ زياد: ما قولك فِي علي؟ فَقَالَ: أحسن قول أقوله فِي أحد من عباد اللَّه، أقول مثل قولك فيه قبل الضلال، قَالَ: اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض، فضرب حتى لصق بالأرض، ثم قَالَ: أقلعوا عنه، ما قولك فِي علي؟ قَالَ: لو شرحتني بالمواسي والمدى ما زلت عما سمعته مني، قَالَ: لتلعننه أو لأضربن عنقك، قَالَ: إذا تضربها قبل ذلك، فألقوه فِي السجن. 660- وبلغ زيادًا أن عبد اللَّه بْن خليفة الطائي بالكوفة، وكان قد قاتل مع حجر رضي اللَّه تعالى عنه، فحبس عدي بْن حاتم ليأتي به، فلم يبق أحد من نزار واليمن بالكوفة إلا ارتاع واغتم لحبسه، وبعث إليه عبد اللَّه: إن احببت أن أخرج فعلت، فبعث إليه: لو أنك تحت قدمي ما رفعتها عنك، ودعا به زياد فَقَالَ: أخلي سبيلك على أن تنفي ابن خليفة من الكوفة فينزل بالجبلين، فَقَالَ: نعم، فلحق عبد اللَّه بالجبلين، وقال له عدي: إذا سكن غضبه كلمته فيك. 661- وقال الْهَيْثَم بْن عدي، قَالَ زياد لحجر حين أدخل إليه: أتريد أن تنجو بعد أن أمكن اللَّه منك؟! فَقَالَ: أنا على بيعتي لم أنكثها ولم استقلها «1» ، ولم آتك إلا على أمان، قَالَ: يا دبر «2» بْن الأدبر، واللَّه إن كنت فِي حربك لسلما وإنك فِي سلمك لحرب، ثم حبسه. 662- وروي أن المغيرة «3» لما شتم عليًا وقام إليه حجر بْن عدي قَالَ له: والله لئن

_ 660- قارن بالطبري 2: 148. 661- قارن بطبقات ابن سعد 6: 152 والاصابة 1: 329 (رقم: 1624) وراجع ما تقدم ف: 657

عدت لمثلها لأضربن بسيفي هذا ما ثبت قائمه فِي يدي، فكتب المغيرة بذلك إلى مُعَاوِيَة، فكتب إليه مُعَاوِيَة: إنك لست من رجاله فداره، فقال زياد: يا ابن الأدبر أتظنّ أنّي كالمغيرة إذ كتب أمير المؤمنين إليه بما كتب به فيك؟ أنا واللَّه من رجالك ورجال من يغمرك رأيًا وبأسًا ومكيدة، وكان زياد قد كتب إلى مُعَاوِيَة فِي حجر إنه وأصحابه يردون أحكامي وقضاياي، وكتب يستأذنه فِي قتله، فكتب إليه: ترفق حتى تجد عليه حجة، فكتب إليه: إني قد وجدت على حجر أعظم الحجة: خلعك وشهد الناس عليه بذلك. وكان رجل من بني أسد قتل رجلًا، كان من أهل الذمة فأسلم، فَقَالَ زياد: لا أقتل عربيًا بنبطي، وأمر القاتل أن يعطي أولياء المقتول الدية فلم يقبلوها، وقالوا: كنا نخبر أن دماء المسلمين تتكافأ، وأن لا فضل لعربي على غيره، فقام حجر وأصحابه، فَقَالَ حجر: يَقُول اللَّه عز وجل (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وتقول أنت غير ذلك، واللَّه لتقيدنه أو لأضربنّك (804) بسيفي، فما برح حتّى قتل الأسدي، فلذلك كتب إلى مُعَاوِيَة فِي أمره «1» . 663- قالوا: فاجتمع فِي سجن زياد من الشيعة أربعة عشر رجلًا وهم: حجر بْن عدي الأدبر، الأرقم بْن عبد اللَّه الكندي، شريك بْن شداد الحضرمي، صيفي بْن فشيل الشيباني، قبيصة بْن ضبيعة بْن حرملة العبسي «2» ، كريم بْن عفيف الخثعمي، عاصم بْن عوف البجلي، وفاء «3» بْن سمي البجلي، ويقال: ورقاء بْن سمي «4» ، وكدام بْن حيان العنزي، وأخوه عبد الرحمن بْن حيان من بني هميم، ومحرز بْن شهاب المنقري، وعبد اللَّه بْن حوية الأعرجي- وبعضهم يَقُول جوية والأول أثبت- وعتبة بْن الأخنس «5»

_ 663- قارن بالطبري 2: 131، 136، وابن الأثير 3: 402- 404 والأغاني 17: 88- 89 وقارن بما يلي: 686 واليعقوبي 2: 274 وابن كثير 8: 52

من بني سعد بْن بَكْر وسَعِيد بْن نمران «1» الناعطي من همدان، فأمر زياد وجوه أهل المصر أن يكتبوا شهادتهم عليهم، فكتب أَبُو بردة بْن أبي موسى أولهم «2» : هذا ما شهد عليه الشهود أَبُو بُرْدة بْن أبي موسى لله رب العالمين، شهد أن حجر بْن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة، وجمع إليه جموعًا يدعوهم إلى نكث البيعة، وخلع أمير المؤمنين مُعَاوِيَة، فكفر باللَّه كفرة صلعاء، وأتى معصية شنعاء، فَقَالَ زياد: اشهدوا على مثل شهادته فشهد إسحاق بْن طلحة وموسى بْن طلحة، وإسماعيل بْن طلحة بْن عبيد اللَّه، وعمارة بْن عقبة بْن أبي معيط، وخالد بْن عرفطة، والمنذر بْن الزبير بْن العوام، وعبد الرحمن بْن هبار «3» ، وعمر بْن سعد بْن أبي وقاص، وعامر بْن أُمَيَّة بْن خلف الجمحي، ومحرز بْن حارثة «4» بْن ربيعة بْنِ عَبْدِ العزى بْن عَبْد شمس، وعبد اللَّه بْن مسلم الحضرمي، وعفاق «5» بْن شرحبيل بْن أبي رهم «6» التيمي من ربيعة، ووائل بْن حجر الحضرمي، وكثير بْن شهاب بْن الحصين الحارثي، وقطن بْن عبد اللَّه الحارثي، والسري بْن وقاص الحارثي، وهانئ بْن أبي حية الوادعي، وكريب بْن سلمة بْن يزيد، وعمرو بْن حريث المخزومي، وأسماء بْن خارجة الفزاري، ومحمد بْن عمير بْن عطارد التميمي، ويزيد بن رويم الشيباني، وشبث بْن ربعي التميمي، وعتاب بْن ورقاء الرياحي، ومحمد بن الأشعث الكندي، وعمرو بْن الحجاج الزبيدي، والعريان بْن الهيثم الخنعي. 664- وقال الْمَدَائِنِيّ: شهدوا أن حجرًا وأصحابه شتموا عثمان وَمُعَاوِيَة وبرئوا منهما، فَقَالَ: ما هذه بقاطعة، فقام أَبُو بردة فشهد أنهم خلعوا الخليفة، وفارقوا الجماعة، ودعوا

_ 664- قارن بالطبري 2: 131- 134 وابن الأثير 3: 402- 403 والأغاني 17: 89- 90

إلى الحرب، وكفروا باللَّه، وشهد رؤساء الأرباع على مثل شهادته، وكان على ربع المدينة عمرو بْن حريث، وعلى ربع تميم وهمدان خَالِد بْن عرفطة العذري حليف بني زهرة، وعلى ربع كندة وربيعة قيس بْن الْوَليِد بْن عَبْدِ شمس بْن الْمُغِيرَةِ المخزومي، وعلى ربع مذحج أَبُو بردة، فقام عفاق فَقَالَ: أنا أشهد على مثل شهادته «1» ، فَقَالَ زياد: معروف بالنصيحة، اكتبوا شهادته بعد مضر. وشهد عليه لبيد بْن عطارد، وسويد بْن عبد الرحمن، وشمر بْن ذي الجوشن، وعبد اللَّه بْن أبي عقيل الثقفي، ومحفز بْن ثعلبة من عائذة قريش الشيباني «2» ، ومن ربيعة قعقاع بْن شور، وحجار بْن أبجر العجلي، وشهد أيضًا زحر «3» بْن قيس الجعفيّ، وقدامة ابن عجلان الأزدي، وعزرة «4» بْن قيس الأحمسي، وشريح بن هانئ، وهرب المختار ابن أبي عبيد وعروة بْن المغيرة بْن شعبة من أن يشهدا. 665- وقوم يقولون: أن (805) مصقلة بْن هبيرة كان من الشهود، وقوم يقولون: أن مصقلة هلك بطبرستان فِي أيام المغيرة، وقال بعضهم: شهد بسطام بْن مصقلة. 666- وقال الكلبي: كان من الشهود الْهَيْثَم بْن الأسود وشدّاد والحارث ابنا الأزمع الهمداني وسماك بن مخرمة الأسدي. 666- ويقال: ان ( ... ) «5» دعي إلى الشهادة من أمسك عَنِ الشهادة أو غاب فكتب زياد بشهادتهم، وكتب زياد شهادة شريح بن الحارث الكندي القاضي وهو

_ 665- انظر في مصقلة ما يلي رقم: 668 ص: 256 والطبري 2: 133، 1322. 666- انظر الطبري 2: 134، 137 وابن الأثير 3: 403 والأغاني 17: 90

غائب، فلما بلغه ذلك كتب إلى مُعَاوِيَة: أني نبئت أن زيادًا كتب إليك كتابًا فِي منزله «1» ستره عَنِ العامة أكد فيه شهادات قوم على حجر أخي كندة وسماني فيهم، ألا وإن شهادتي على حجر أنه رجل مسلم عفيف يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم شهر رمضان ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عَنِ المنكر، حرام الدم والمال، وإن له لغناءً فِي الإسلام، وقد رفعتها إليك فتقلد معها ما أنت مختار لنفسك، والسلام. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ حين قرأ كتاب شريح: أما هذا فقد أخرج نفسه من الشهادة. 667- وكان فيمن شهد على حجر شداد بْن المنذر أخو حضين بْن المنذر لأبيه، وكانت أمه نبطية من بارق، وهو موضع بطريق الكوفة، واسمها بزعة وكانت تصغر «2» فيقال بزيعة، ولم يكن ينسب إلا إليها، فلما مر اسمه بزياد فرأى: وشهد شداد بْن بزيعة قَالَ «3» : أما لهذا أب ينسب إليه؟ فقالوا: هذا أخو حضين بْن المنذر الرقاشي فَقَالَ: اطرحوا اسمه، فَقَالَ شداد: ويلي على ابن الزانية وهل يعرف إلا بسمية الزانية. 668- وحمل زياد حجرًا وأصحابه إلى مُعَاوِيَة فِي السلاسل على جمال اكتراها لهم صعابا، ووجه معهم شبث بْن ربعي الرياحي ووائل بْن حجر الحضرمي ومصقلة بْن هبيرة الشيباني- ويقال ابنه وذلك أثبت- وكثير بْن شهاب الحارثي، وكتب إليه: قد بعثت إليك بحجر ووجوه أصحابه، فلما نفذوا «4» قَالَ عبيد اللَّه بْن الحر الجعفي: ألا أجد خمسين فارسًا ألا عشرين ألا خمسة نفر يتبعوني فأتخلصهم؟! فلم يجبه أحد، ومضى بهم إلى الشام، فلم يدخلوا على مُعَاوِيَة، وأمر أن يحبسوا فِي مرج عذراء، فحبسوا هناك. وكتب مُعَاوِيَة إلى زياد: إني متوقف فِي أمرهم. وتوقف مُعَاوِيَة فِي أمرهم، فمرّة يرى

_ 667- الطبري- 2: 133 والأغاني 17: 89 668- انظر الطبري 2: 134، 135، 137، 138 وابن الأثير 3: 403 والأغاني 17: 90 وانظر ما يلي رقم 720، وطبقات ابن سعد 6: 153

قتلهم ومرة يرى الصفح عنهم، فكتب إليه زياد: قد عجبت من اشتباه الأمر عليك فِي حجر وأصحابه، وقد حضرت أمرهم، وشهد خيار أهل المصر بما شهدوا به عليهم، فإن كانت لك في المصر حاجة فلا تردّن حجرا وأصحابه. فلما قرأ مُعَاوِيَة الكتاب فِي جواب ما كتب به إلى زياد قَالَ: ما ترون يا أهل الشام؟ فَقَالَ عبد الرحمن بْن عبد اللَّه بْن عثمان الثقفي، وهو ابن أم الحكم أخت معاوية: جدادها جدادها، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا يغني «1» أمرًا، وقال يزيد بْن أسد البجلي: أرى أن تفرقهم فِي قرى الشام فيكفيكهم طواعينها، وقال له سَعِيد ابن العاص: فرقهم فِي قبائلهم بالشام يكفل كل قوم صاحبهم، ولعل طواعين الشام تكفيك أمرهم. فكلّم معاوية في وفاء بْن سمي وعاصم بْن عوف، وكتب فيهما جرير بْن عبد اللَّه البجلي، فشفعه مُعَاوِيَة ووهبهما له، وكلّمه أَبُو الأعور السلمي فِي عتبة بْن الأخنس فوهبه له، وكلّمه حمزة بن مالك الهمداني فِي سَعِيد بْن نمران فوهبه له، وكلمه حبيب بْن مسلمة الفهري فِي ابن حوية «2» فخلى سبيله، وكلم فِي الأرقم فخلي سبيله، وكلمه مالك بْن هبيرة السكوني فِي حجر فلم يجبه، وقال: هذا رأس القوم، وهو أنغل «3» المصر وأفسده، ولئن وهبته لك اليوم لتحتاجنّ أن تقاتله غدًا، فَقَالَ: (806) واللَّه ما أنصفتني، قاتلت معك ابن عمك حتى ظفرت، ثم سألتك ابن عمي فسطرت «4» علي من القول ما لا أنتفع به، ثم انصرف فجلس فِي بيته. وبعث مُعَاوِيَة إلى من بقي منهم بأكفان وحنوط مع رجل من أهل الشام ليرعبهم بذلك، وأمره أن يدعوهم إلى البراءة من علي وإظهار لعنه، ويعد من فعل ذلك أن يتركه، فإن لم يفعل قتل، فإن دماءهم حلال لشهادة أهل مصر هم عليهم، فقالوا: اللَّهم فإنا لا نفعل ذلك، ثم أمر بقبورهم فحفرت وأدنيت أكفانهم، فقاموا الليل يصلون، فلما أصبحوا عرض عليهم مثل الذي عرض فأبوه، وبعث إليهم مُعَاوِيَة هدبة الأعور بْن فياض القضاعي والحصين بْن عبد اللَّه الكلابي وأبا شريف الفزاري «5» ليقتلوهم، فلما رأوهم «6» يصلّون قالوا: ما

_ (1) م: تغني. (2) م: جوية. (3) س: أتعل. (4) الطبري: فسطوت. (5) الطبري: البدي. (6) س: روهم.

أحسن صلاتكم!! فما تقولون فِي أمير المؤمنين عثمان؟ قالوا: جار فِي الحكم وعمل بغير الحق وخالف صاحبيه، فقالوا: أمير المؤمنين أعلم بكم، وما كان اللَّه ليظلمكم ولا يدعكم، وقال الْهَيْثَم بْن عدي: هو ابن أبي شريف. وقالوا: لما «1» رأي حجر الأكفان قَالَ: تكفنوننا كأنا مسلمون، وتقتلوننا كأنا كافرون. 670- وكان هدبة أعور فلما رآه كريم بْن عفيف الخثعمي قَالَ: يقتل نصفكم وينجو نصفكم، فَقَالَ ابن نمران: اللَّهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض، وقال عبد الرحمن بْن حيان «2» العنزي: اللَّهم اجعلني ممن يكرم بهوانهم وأنت عني راضٍ، فعزلوا الثمانية «3» ، وعرضوا على الباقين البراءة من علي رضي اللَّه تعالى عنه، فَقَالَ كريم بْن عفيف وعبد الرحمن بْن حيان: انطلقوا بنا إلى مُعَاوِيَة فنحن نقول بقوله، فعزلوهما وأبى الآخرون. 671- قالوا: وأخذ كل رجل رجلًا فقتله، وسألهم حجر أن يصلي ركعتين فأذنوا له فِي ذلك، فصلى وقصر ثم قَالَ: والله ما صلّيت قطّ صلاة أقصر منها لأني خفت أن تظنوا بي أني أطلت صلاتي جزعًا من القتل، فقتله الأعور بْن فياض بالسيف، ويقال: ذبحه ذبحًا، وجيء بَكْريم بْن عفيف الخثعمي وعبد الرحمن بْن حيان إلى مُعَاوِيَة، فأما الخثعمي فَقَالَ له: ما تقول فِي علي؟ قَالَ: مثل مقالتك أنا أبرأ «4» من دين علي الذي يدين به فحبسه شهرا ليستبرىء أمره، فكلمه فيه شمر بْن عبد اللَّه الخثعمي فخلى سبيله على أن لا يدخل الكوفة، فأتى الموصل فأقام بها ومات قبل مُعَاوِيَة بشهر، وأما ابن حيان فَقَالَ له: ما تقول فِي علي، قَالَ: كان من الذاكرين كثيرا والآمرين بالحقّ سرا

_ 670- الطبري 2: 140، 141 وانظر ابن الأثير 3: 45 والأغاني 17: 92 وقارن بعيون الأخبار 1: 147 والمروج 5: 16 وربيع الأبرار: 196/ أوقارن بعضه بما يلي رقم: 676. 671- قارن بالطبري 2: 141- 143 والأغاني 16: 93 وعيون الأخبار 1: 147 وابن كثير 8: 52 وابن الأثير 3: 405- 406 وانظر ما يلي رقم: 676، 679.

وجهرًا، فلا تسألني عَنْ غير هذا فهو خير لك، فبعث به إلى زياد وكتب إليه أن اقتله شرّ قتلة، فبعث به إلى قس الناطف «1» فدفن حيًا. 672- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: حمل هدبة بْن فياض الأعور على حجر بالسيف فاتقاه، فَقَالَ: ألم تزعم أنك لا تجزع من الموت؟ فَقَالَ: وما يمنعني وأنا أرى سيفًا مشهورًا وكفنا منشورًا وقبرًا محفورًا، ولا أدري على ما أقدم، فقتلوا وكفنوا ودفنوا. 673- وقال الْهَيْثَم قَالَ عوانة، قَالَ حجر: اللَّه بيننا وبين أمتنا، أما أهل العراق فشهدوا علينا، وأما أهل الشام فقتلونا، واللَّه لقد فتحت هذا الموضع وإني لأرجو أن أكون شهيدًا فيه، وهو كان فتح مرج عذراء. 674- قَالَ: ولما صلى ركعتين فقصرهما فَقَالَ «2» : واللَّه لئن كانت صلاتي فيما مضى لم تنفعني ما هاتان الركعتان بنافعتي «3» . 675- وقال الْمَدَائِنِيّ: أخذ زياد بعد مضي حجر رجلين: عتبة بْن الأخنس من بني سعد بن بكر، وسعيد بن نمران الهمداني، فبعث بهما مع يزيد بن حجيّة التيميّ وعامر بْن الأسود العجلي. 676- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ ابن عوانة عن أبيه قَالَ (807) : دعا مُعَاوِيَة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود بْن عَبْدِ يغوث الزهري فَقَالَ: اذهب فاقتل حجرا

_ 672- الطبري 2: 141 وابن الأثير 3: 405 واليعقوبي 2: 274 والأغاني 16: 93- 94 والبيان 1: 286 وطبقات ابن سعد 6: 153 والمستدرك 3: 469 وسير الذهبي 3: 307 وتاريخ الاسلام 2: 276 وانظر ما يلي رقم: 688 والعقد 3: 234 وعيون الاخبار 1: 147 والمروج 5: 17 673- سير الذهبي 3: 307 وبعضه فيما يلي رقم: 690، 713 وقارن بطبقات ابن سعد 6: 151 والاصابة 1: 349 (رقم: 1624) (في فتحه مرج عذراء) . 674- انظر ما يلي رقم: 679. 675- قارن بالطبري 2: 138، 137 وابن الأثير 3: 403 وقارن بما تقدم رقم: 670، 671.

وأصحابه، فَقَالَ: أما وجدت رجلًا أجهل باللَّه وأعمى عَنْ أمره مني؟! فدعا هدبة بْن الفياض الأعور فأعطاه سيفًا، وسرح معه عدة، وأمره أن يعرضهم على البراءة من علي، فإن فعلوا وإلا قتلهم، وبعث معه بأكفان وأمر أن يقبروا، فعرض عليهم ما أمر به مُعَاوِيَة فلم يجيبوا، فقتلوا وذبح حجر ذبحا، وبلغ ذلك أمّه فشهقت وماتت. 677- وقال علي بْن الغدير «1» : لو كان حجر من بجيلة لم ينل ... هناك ولم يقرع «2» بأبيض صارم يزيدهم أنجى «3» أساراه بعد ما ... جرى قتلهم «4» ذبحًا كذبح البهائم يعني يزيد بْن أسد بْن كرز البجلي جد خالد بْن عبد اللَّه بْن يزيد القسري، لأنه تكلم فِي من كان من بجيلة فوهبوا له، وهم ثلاثة. 678- وحدثت عَنْ غياث بْن إبراهيم قَالَ: بعث مُعَاوِيَة ابن خريم «5» المري جد أبي الهيذام ليقتلهم، فلما صار إليهم قَالَ: ما أنتم؟ قالوا: مسلمون، فَقَالَ: على مُعَاوِيَة لعنة اللَّه يأمرني بقتل المسلمين!! ثم انصرف، ثم بعث عبد اللَّه بْن يزيد أبا خالد بْن عبد اللَّه فقتلهم، وذلك غير ثبت. 679- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِحَجَرٍ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَ: أَوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا؟! اضْرِبَا عنقه، قال «6» : دعوني أصلّ «7» فصلّى ركعتين خفيفتين ثمّ

_ 679- سيرد فيما يلي رقم: 682 والمستدرك 3: 470 والاستيعاب: 134 وابن الأثير 3: 408 وتاريخ الاسلام 2: 276 وسير الذهبي 3: 308 والاصابة 1: 329 (رقم: 1624) وابن كثير 8: 52

قَالَ: لَوْلا أَنْ يَظُنُّوا «1» أَنَّ الَّذِي بِي غَيْرُهُ «2» ، يَعْنِي مِنْ خَوْفِ الْمَوْتِ، لأَطَلْتُهُمَا، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتْ صَلاتِي لا تَنْفَعُنِي فِيمَا مَضَى لا تَنْفَعُنِي الآنَ، ثُمَّ قَالَ لأَهْلِهِ «3» : لا تُطْلِقُوا عَنِّي حَدِيدًا، وَلا تَغْسِلُوا عَنِّي دَمًا، فَإِنِّي لاقٍ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ أَعْلَى الْجَادَّةِ «4» ، فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا سُئِلَ عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يدخل على معاوية. 679 ب- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: كان الذي كفن حجرًا وأصحابه هدبة من بني سلامان إخوة عذرة. 680- وقال الْمَدَائِنِيّ: ومضى هدبة ومعه كريم بْن عفيف فنظر إلى قبر حجر فَقَالَ: كفى بثواء القبر بعدًا لهالكٍ ... وبالموت قطاعًا لحبل القرائن لا يبعدنك اللَّه يا حجر. 681- وقال هشام بْن عمار سمعت مشايخنا يتحدثون أنه قيل لحجر بْن الأدبر: مد عنقك، قَالَ: إنه لدم ما كنت لأعين عليه، فأقيم وضربت عنقه، رحمه اللَّه تعالى. 682- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِحَجَرٍ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَ: وَأَنَا عندك أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!! اضْرِبَا عُنُقَهُ. 683- قالوا: وجمع مالك بْن هبيرة جموعًا وغضب لقتل حجر، وأنه لم يجب إلى إطلاقه، فبعث إليه مُعَاوِيَة بمائة ألف وداراه حتى رضي، فَقَالَ علي بْن الغدير فِي ذلك:

_ 680- قارن بالطبري 2: 143 والأغاني 17: 93- 94 681- طبقات ابن سعد 6: 153 وعيون الأخبار 1: 147 682- انظر: ف 679. 683- قارن بالطبري 2: 144- 145 وابن الأثير 3: 406- 407 والأغاني 17: 95

تداركتم أمر الهبيريّ بعد ما ... سما للتيا والتي كنت تحذر فأضحى الهمام عاقدا ثمّ راية ... بحمص تناجيه السكون وحمير يدارسهم أي الكتاب وقلبه «1» ... شج بمصاب أهل عذراء مشعر 684- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: لَمَّا أُتِيَ مُعَاوِيَةُ بِحَجَرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ حَبَسَهُمْ بِمَرْجِ عَذْرَاءَ، فَأَوْصَى حَجَرٌ فَقَالَ: ادْفِنُونِي وَمَا أَصَابَ (808) الأَرْضَ مِنْ دَمِي، وَلا تُطْلِقُوا حَدِيدِي، فَإِنِّي سَأَلْقَى مُعَاوِيَةَ غَدًا، إِنِّي وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ أَحَدًا، وَلا أَحْدَثْتُ حَدَثًا، وَلا آوَيْتُ مُحْدِثًا. 685- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ ابْنَ عُمَرَ قَتْلُ حَجَرِ بْنِ عَدِيٍّ وَهُوَ مُحْتَبٍ حَلَّ حُبْوَتَهُ وَقَامَ وَقَدْ غَلَبَهُ «2» النَّحِيبُ. 686- قالوا: فكان من قتل بعذراء: حجر بْن عدي، شريك بْن شداد الحضرمي ثم التبعي «3» ، صيفي بْن فشيل الشيباني، قبيصة بْن ضبيعة بْن حرملة العبسي، محرز بْن شهاب المنقري، كدام بْن حيان العنزي من بني هميم- وكان بعضهم يَقُول العصري من عبد القيس- عبد الرحمن بْن حيان دفن حيًا بالكوفة. وكان من نجا منهم: كريم بْن عفيف الخثعمي، عبد اللَّه بْن حويّة «4» السعدي، عاصم بن عوف البجلي، وفاء بْن سمي البجلي، الأرقم بْن عبد اللَّه الكندي، عتبة بْن الأخنس من بني سعد بن بكر، سعيد بن نمران الهمداني، وصلي على حجر ومن قتل معه ودفنوا، يرحمهم الله.

_ 684- بعضه مرّ فيما تقدم رقم: 679 685- ما يلي رقم: 702 والاصابة 1: 349 وابن كثير 8: 55 وتاريخ الاسلام 2: 276 686- الطبري 2: 143- 144 والأغاني 17: 94 واليعقوبي 2: 274 وابن كثير 8: 52 وما تقدّم ف: 663

687- وقد قيل: أن ربعي بْن حراش «1» كان ممن حمل مع حجر، فكلم «2» فيه يزيد ابن الحر العبسي، فخلى سبيله. 688- وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ عَن عوانة قَالَ: مشى هدبة بْن فياض إلى حجر بالسيف فأرعد فَقَالَ: كلا، زعمت أنك لا تجزع من الموت، قَالَ: وإن جزعت فإني لا أقول ما يسخط الرب، فقتله وجرّ بقيده. 689- وقالت هِنْد امرأة من كندة فِي قتل هدبة حجرًا: كأن عيني ديمة تقطر ... تبكي على حجرٍ وما تفتر لو غضبت للدين أبناؤه «3» ... لم يحمل السيف له الأعور 690- حَدَّثَنِي عباس بْن هشام عَنْ أبيه قَالَ: كان حجر فتح حين غزا المسلمون الشام مرج عذراء، فلما أرادوا قتله وهو بها قَالَ: لئن قتلت بها إني لأول من نبحته كلابها ومشى فِي أكنافها وكبر فِي واديها. 691- حَدَّثَنِي الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنْ أبي جناب قَالَ: لم يبعث مُعَاوِيَة إلى حجر وأصحابه بأكفان، ولكن عشائرهم جاءوا بأكفان فكفنوهم فيها ودفنوهم. 692- وَحَدَّثَنِي أَبُو فِرَاسٍ «4» الشَّامِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ حِينَ قُتِلَ حَجَرٌ: لَوْ عَلِمَ مُعَاوِيَةُ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الكوفة منعة وغيرا ما اجترأ على

_ 687- ما تقدم رقم: 658 688- الطبري 2: 141 وانظر ما تقدم: 672 689- انيس الجلساء: 187 690- قارن بما تقدم: 673 وما يلي رقم: 713 واليعقوبي 2: 274 وأسد الغابة 1: 386 والاشتقاق: 218 والطبري 3: 2529 وطبقات ابن سعد 6: 151 وابن الأثير 3: 405 وسير الذهبي 3: 307 691- قارن بطبقات ابن سعد 6: 153 692- قارن بالاستيعاب: 329، وانظر البيت في ديوان لبيد: 153 وفيه التخريج، وقارن بابن عساكر 5: 164

قَتْلِ حَجَرٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنَّ ابْنَ آكِلَةِ الأَكْبَادِ عَلِمَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ ذَهَبُوا، للَّهِ دَرُّ لَبِيدٍ حِينَ يَقُولُ: ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ ... وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ 693- قَالُوا: وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ رَجُلا وَقَالَ لَهُ: امْضِ حَتَّى تَجْلِسَ إِلَى الْحُسَيْنِ وَتَنْعِيَ حَجَرًا، وَانْظُرْ مَا يَقُولُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَتَلَ حَجَرًا (وَأَصْحَابَهُ) قَالَ: ثُمَّ صَنَعَ مَاذَا؟ قَالَ: كَفَّنَهُمْ وَدَفَنَهُمْ، فَقَالَ: خَصَّمُوهُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ تَرَحَّمَ عَلَى حَجَرٍ. 694- قَالُوا: وَبَعَثَتْ عَائِشَةُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ لِيَسْأَلَهُ الصَّفْحَ عَنْ حَجَرٍ وَأَصْحَابِهِ، فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَهُمْ، فَقَالَ لَهُ: أَقَتَلْتَ حَجَرًا! فَقَالَ: إِنَّهُ خَلَع يَدًا مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَفَعَلَ وَفَعَلَ، فَقَالَ لَهُ: وَأَيْنَ كَانَ حِلْمُكَ وَأَحْلامُ بَنِي حَرْبٍ عَنْكَ؟ قَالَ: غَابَتْ عَنِّي حِينَ غَابَ عَنِّي مِثْلُكَ مِنْ حُلَمَاءِ قَوْمِي. 695- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُعْفِيُّ مِشْكَدَانَةُ «1» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ «2» عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَجَّ أَتَى بَابَ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ يَسْتَأْذِنُ فَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا ذَكْوَانُ غُلامُهَا حَتَّى أَذِنَتْ لَهُ، فَذَكَرَتْ أَمْرَ حَجَرٍ، فَقَالَ: خَشِيتُ فِتْنَةً فَكَانَ قَتْلُهُ خَيْرًا مِنْ حَرْبٍ تُهْرَاقُ فِيهَا الدِّمَاءُ وَتُسْتَحَلُّ الْمَحَارِمُ، فَدَعِينِي يَفْعَلُ اللَّهُ بِي مَا يَشَاءُ، فَقَالَتْ: نَدَعُكَ وَاللَّهِ، نَدَعُكَ وَاللَّهِ. (809) . 696- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا «3»

_ 693- هذه الفقرة لم ترد في س. 694- ما يلي رقم: 698، 699 والأغاني 17: 95 وطبقات ابن سعد 6: 153 والطبري 2: 145 وابن الأثير 3: 405، 408 وانظر الاستيعاب: 329 وسير الذهبي 3: 307 695- قارن بالطبري 2: 145 واليعقوبي 2: 275 وابن كثير 8: 55 والامامة 1: 288 والفقرة التالية رقم 700، 711 وما تقدم رقم: 153 وتاريخ الاسلام 2: 276 696- ابن كثير 8: 55 ورقم: 698 فيما يلي ورقم: 6 فيما تقدّم والامامة 1: 287

عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: وَيْحَكَ فَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، وَقَتَلْتَ بَعْدَ ذَلِكَ حَجَرًا وَأَصْحَابَهُ، أَمَا خِفْتَ أَنْ أُقْعِدَ لَكَ رَجُلا يَقْتُلُكَ؟ قَالَ: (مَا) «1» كُنْتِ لِتَفْعَلِي فَأَنَا فِي بَيْتِ أَمَانٍ، [وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: قَيْدُ الإِسْلامِ الْقَتْلُ] «2» ، كَيْفَ أَنَا فِي حَوَائِجِكِ وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَكِ؟ قَالَتْ: صُلْحٌ، قَالَ: فَدَعِينَا وَإِيَّاهُمْ حَتَّى نَلْقَى رَبَّنَا. 697- حَدَّثَنِي شيبان بْن فروخ عَنْ عثمان البري «3» قَالَ: [كان الحسن إذا ذكر مُعَاوِيَة قَالَ: ويل مُعَاوِيَة من حجر وأصحاب حجر، يا ويله] . 698- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما بلغ عائشة أخذ حجر وحمل زياد إياه وجهت إلى مُعَاوِيَة عبد الرحمن بْن الحارث بْن هشام فِي أمره، فقدم عليه وقد قتله وأصحابه، فَقَالَ له: أين كان حلمك وحلم أبي سُفْيَان؟ فَقَالَ: غاب عني مثلك من حلماء قومي، وحملني ابن سمية فاحتملت. 699- حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَقَتَادَةَ قَالا: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهَا مُعَاوِيَةُ حِينَ حَجَّ: وَيْحَكَ أَقَتَلْتَ حَجَرًا وَأَصْحَابَهُ بِكِتَابِ زِيَادٍ؟! فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَقْتُلْهُمْ، إِنَّمَا قَتَلَهُمُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالَتْ: وَيْحَكَ أَفَلا تَثَبَّتُ، فَمَا كَانَ يُؤَمِّنُكَ أَنْ أُكْمِنَ لَكَ رَجُلا يَقْتُلُكَ بِمَنْ قَتَلْتَ مِنَ الصَّالِحِينَ؟ قَالَ: إِنَّمَا دَخَلْتُ بَيْتَ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَقَدْ قَيَّدَ الإِسْلامُ الْقَتْلَ «4» . ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا. 700- حَدَّثَنَا سَعْدَوَيْهِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ عَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: حدّثنا عن عائشة أنّها

_ 697- الطبري 2: 146 وابن الأثير 3: 407 وقارن بالنجوم الزاهرة 1: 141 698- ما تقدم ف: 694 699- ما تقدم ف: 696 وما يلي رقم: 711 700- قارن بالطبري 2: 145 وابن الأثير 3: 407 والأغاني 17: 95 وابن كثير 8: 55

قَالَتْ: لَوْلا أَنَّا لَمْ نَنْوِ لأَمْرٍ إِلا غَلَبَنَا عَلَيْهِ سُفَهَاؤُنَا لَكَانَ لِي وَلِمُعَاوِيَةَ فِي قَتْلِ حَجَرٍ وَأَصْحَابِهِ حَالٌ. 701- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: بَلَغَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَتَلَ حَجَرًا، فَجَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا فَمَنَعَتْهُ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى دَخَلَ، فَقَالَتْ: أَنْتَ صَاحِبُ حَجَرٍ؟! فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَنْ يَمْنَعُنِي. 702- قَالَ ابن عون وأنبأنا نافع قَالَ: بلغ ابن عُمَر قتله وإنه لمحتبٍ فِي السوق، فأطلق حبوته ومضى، فسمعت نحيبه. 703- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْن الْهَيْثَم حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِحٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ أَنَّ عائشة قالت لمعاوية، ودخل عليها بالمدينة: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُقْتَلُ بِعَذْرَاءَ سَبْعَةُ نَفَرٍ يَغْضَبُ اللَّهُ وَأَهْلُ السَّمَاءِ مِنْ قَتْلِهِمْ] » . 704- وَحَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ «1» قَالَ: لَمَّا قُتِلَ حَجَرُ بْنُ الأَدْبَرِ وَأَصْحَابُهُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ بِإِفْرِيقِيَّةَ، بَلَغَهُ قَتْلُهُ فَقَامَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا أَشِقَّائِي فِي الرَّحِمِ، وَأَصْحَابِي فِي السَّفَرِ، وَجِيرَتِي فِي الْحَضَرِ، نُقَاتِلُ لِقُرَيْشٍ فِي الْمُلْكِ حَتَّى إِذَا اسْتَقَامَ لَهُمْ قَتَلُونَا. 705- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة وغيره أن مُعَاوِيَة لما احتضر جعلوا يقلبونه فيقول: أي جسدٍ يقلبون إن نجا من ابن عدي. 706- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ

_ 701- ما تقدم ف: 695، 698 702- ما تقدم ف: 685 والاستيعاب: 329 وسير الذهبي 3: 308 703- الاصابة 1: 349 (رقم: 1624) وابن عساكر 4: 86 واليعقوبي 2: 275 وابن كثير 8: 55 704- ما تقدم ف: 150 705- قارن بما تقدم ف: 426 706- قارن باليعقوبي 2: 275

قال: دخل عبد الله بْنِ أُسَيْدٍ «1» عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَرَأَى مِنْهُ جَزَعًا فَقَالَ: مَا جَزَعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ إِنْ مِتَّ دَخَلْتَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ حَيِيتَ فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ حَاجَةَ النَّاسِ إِلَيْكَ، فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَاكَ إِنْ كَانَ لَنَا لَنَاصِحًا، نَهَانِي عَنْ قَتْلِ ابْنِ الأَدْبَرِ وَأَصْحَابِهِ. 707- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كتب مُعَاوِيَة إلى زياد: أنه قد تلجلج «2» فِي صدري شيء من أمر حجر، فابعث (810) إلي رجلًا من أهل المصر له فضل ودين وعلم، فأشخص إليه عبد الرحمن بْن أبي ليلى وأوصاه أن لا يقبح له رأيه فِي أمر حجر، وتوعده بالقتل إن فعل، قَالَ ابن أبي ليلى: فلما دخلت عليه رحب بي وقال: اخلع ثياب سفرك والبس ثياب حضرك، ففعلت وأتيته، فَقَالَ: أما واللَّه لوددت «3» أني لم أكن قتلت حجرًا، وودت أني كنت حبسته وأصحابه أو فرقتهم فِي كور الشام فكفتنيهم الطواعين، أو مننت بهم على عشائرهم «4» . فقلت: وددت واللَّه أنك فعلت واحدة من هذه الخلال، فوصلني فرجعت وما شيء أبغض إلي من لقاء زياد، وأجمعت على الاستخفاء، فلما قدمت الكوفة صليت فِي بعض المساجد، فلما انفتل الإمام إذا رجل يذكر موت زياد، فما سررت بشيء سروري بموته. 708- وحدثت عَنْ عثمان بْن مقسم البري عن الحسن، وكان مع الربيع بن زياد بناحية خراسان، قَالَ، قَالَ الربيع لما بلغه قتل حجر وأصحابه: ألا إن الفتنة قد كانت تكون ولم يكن قتل الصبر، وقد قتل حجر وأصحابه صبرًا، فهل من ثائر، هل من معين، هل من منكر؟! قَالَ ذلك مرارًا، فلم يجبه أحد، فَقَالَ: أما إذ أبيتم فستبتلون بالقتل صبرًا على الظلم.

_ 708- قارن بالطبري 2: 161 وابن الأثير 3: 411 والمروج 5: 15

709- وروي أن الحسن بْن الربيع قَالَ: رب إن حجرًا قتل صبرًا، فإن كنت مغيرًا ذلك وإلا فاقبضني إليك، فمات من ليلته. 710- قالوا: وفرق مُعَاوِيَة من صفح عنه من أصحاب حجر فلم ينزل اثنان بكورة واحدة. 711- وقال عوانة، فقالت عائشة لِمُعَاوِيَةَ، وقد حج فدخل إليها: أقتلت حجرًا وأصحابه؟! فَقَالَ: أنا قتلتهم؟! إنما قتلهم من شهد عَلَيْهِمْ. 712- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن محمد بن بجاد «1» عن عائشة بنت سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ: لَمَّا قَتَلَ مُعَاوِيَةُ حَجَرَ بْنَ عَدِيٍّ قَالَ أَبِي: لَوْ رَأَى مُعَاوِيَةُ مَا كَانَ مِنْ حَجَرٍ يَوْمَ عَبَرَ قَنْطَرَةَ حُلْوَانَ لَعَرَفَ أَنَّ لَهُ غِنَاءً عَظِيمًا عَنِ الإِسْلامِ. 713- وقال هشام بْن محمد عَنْ أبيه إن حجر بْن عدي الأدبر بْن جبلة جاهلي إسلامي، وإنما طعن عدي أَبُو حجر فِي دبره فسمي الأدبر، وإن حجرًا وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وأخوه هانئ بْن عدي، وكان فِي ألفين وخمسمائة من أهل العطاء، فشهد القادسية، وافتتح مرج عذراء بالشام وبها قتله مُعَاوِيَة، وقد كان شهد مع علي الجمل وصفين ويكني أبا عبد الرحمن. 714- قالوا: قالت امرأة من كندة يقال لها هِنْد، وقال الْهَيْثَم: هي هِنْد بنت مخرمة أنصاريّة، رضي الله تعالى عنها:

_ 711- ما تقدم: 699 712- فتوح البلدان: 302 713- الطبري 3: 2528 وطبقات ابن سعد 6: 151 والمعارف: 334 والاصابات 1: 349 وابن عساكر 4: 84، 85 وأسد الغابة 1: 386 714- أنيس الجلساء: 187 (رقم: 53) والطبري 2: 146 وابن كثير 8: 54، والأبيات 1- 5 أيضا في الأغاني 17: 95 والأبيات 1، 2، 3، 5، في المروج 5: 15 والأبيات 1، 2، 3، 6 في طبقات ابن سعد 6: 153 وابن عساكر 4: 86 وابن الأثير 3: 407 والبيتان 1، 2 في الأغاني 17: 78 والأول في الدينوري 1: 237 وسير الذهبي 3: 307 واسم الشاعرة عند ابن عساكر هنت بنت زيد الأنصارية أو أخت حجر بن عدي.

ألا يا «1» أيّها القمر المنير ... تأمل «2» هل ترى حجرًا يسير يسير إلى مُعَاوِيَة بْن صخر «3» ... ليقتله كذا «4» زعم الأمير أخاف عليك أسباب المنايا «5» ... وشيخًا فِي دمشق له زئير يرى قتل الخيار عليه حقًا ... له من شر أمته وزير ألا يا ليت حجرًا مات موتًا ... ولم ينحر كما نحر الجزور «6» تطاولت «7» الجبابر بعد حجرٍ ... وطاب لها الخورنق والسدير 715- قالوا: وعوتب الْهَيْثَم بْن الأسود النخعي على شهادته على حجر، وكان ممن عاتبه عمير أَبُو العمرطة ورجل يقال له عمرو بْن أبي فروة، فَقَالَ: ألا من عذيري من عمير ومن عمرو ... يلومانني أن مال دهر على حجر وهل لي ذنب أن زياد «8» أراده ... وأصحابه يومًا بقاصمة الظهر (811) وقد حدث الأقوام مينًا بأنني «9» ... دلفت له عمدًا بداهيةٍ هتر فهلا إذًا إن كنت حرًا منعته ... وطاعنت عنه بالمثقفة السمر فِي أبيات. 716- وقال الشاعر يحرض بني هند من بني شيبان «10» :

_ 716- الطبري 2: 147

دعا ابن فشيل يال مرة دعوة ... وولى «1» ذباب السيف كفًا ومعصما لتبك بني هِنْد قتيلة «2» مثل ما ... بكت عرس صيفي وتبعث مأتما 717- وقال عبد اللَّه بْن خليفة يرثي حجرًا بقصيدة طويلة، يَقُول فيها: فيا حجر من للخيل تدمى نحورها ... وللملك الغاوي إذا ما تغشمرا 718- وقال قيس بْن قهدان الكندي: طافت جمان «3» بأرحل السفر ... وسرت إليك ولم تكن تسري وهي طويلة يَقُول فيها: يا حجر يا ذا الخير والحجر ... يا ذا النوال ونابه الذكر 719- وقال أبو مخنف قالت امرأة مُعَاوِيَة، ورأته قد أطال الصلاة: ما أحسن صلاتك يا أمير المؤمنين، لولا أنك قتلت حجرًا وأصحابه، فَقَالَ: أنهم فعلوا وفعلوا. 720- قَالَ: وأحسن مُعَاوِيَة صلات القوم القادمين بحجر، وولى مصقلة طبرستان. وقوم يزعمون أن مصقلة لم يشهد على حجر وهلك قبل ولاية زياد. 721- وحدثني أحمد بْن إبراهيم الدورقي وَأَبُو خَيْثَمَةَ قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْن حازم عَنْ أبيه حَدَّثَنَا محمد بْن الزبير الحنظلي عَنْ فيل مولى زياد قَالَ: لما قدم زياد الكوفة أميرًا أكرم حجر بْن الأدبر وأدناه وشفعه، فلما أراد الانحدار إلى البصرة دعاه فَقَالَ له: يا حجر انك قد رأيت ما صنعت بك، وإني أريد البصرة فأحب أن تشخص معي، فإني أكره أن تتخلف بعدي، فعسى أن أبلغ عنك شيئا فيقع في نفسي، وإذا

_ 717- الطبري 2: 149 وابن الأثير 3: 399 وأضداد ابن الأنباري: 243 وحماسة ابن الشجري: 87 720- انظر ما تقدم: 665، 668 721- انظر ما تقدم: 646، 650، 652، 657، 659، 668 وابن كثير 8: 51

كنت معي لم يقع فِي نفسي منك شيء، فقد علمت رأيك فِي علي بْن أبي طالب، وقد كان رأيي فيه قبلك على مثل ذلك، فلما رأيت اللَّه صرف الأمر عنه إلى مُعَاوِيَة لم اتهم قضاء اللَّه ورضيت به، وقد رأيت إلى ما صار أمر علي وأصحابه، وإني أحذرك أن تركب أعجاز أمور هلك من ركب صدورها «1» ، فَقَالَ له حجر: إني مريض ولا أستطيع الشخوص، قَالَ: صدقت واللَّه إنك لمريض الدين والقلب مريض العقل، وأيم اللَّه لئن بلغني عنك شيء أكرهه لأحرصن «2» على قتلك، فانظر أو دع. فخرج زياد فلحق بالبصرة، واجتمع إلى حجر قراء أهل الكوفة، فجعل لا ينفذ لعامل زياد معهم أمر، ولا يريد شيئًا إلا منعوه إياه، فكتب إلى زياد: إني واللَّه ما أنا فِي شيء مع حجر وأصحابه، وأنت أعلم، فركب زياد بغاله حتى اقتحم الكوفة، فلما قدمها تغيب حجر، فجعل يطلبه فلا يقدر عليه، فبينا زياد جالس يومًا وأصحاب الكراسي حوله فيهم محمد بن الأشعث بْن قيس إذ أتى ابن الأشعث ابنه فناجاه وأخبره أن حجرا قد لجأ إلى منزله، فَقَالَ له زياد: ما قَالَ ابنك؟ قَالَ: لا شيء، قَالَ: واللَّه لتخبرني ما قال لك حتّى أعلم أنّك قد صدقتني، أو لا تبرح مجلسك حتى أقتلك، فلما عرف ابن الأشعث رأيه أخبره، فَقَالَ لرجل من أشراف أهل الكوفة: قم فاتني به، قَالَ: أعفني أصلحك اللَّه من ذلك وابعث غيري، فَقَالَ: لعنة اللَّه عليك مخبث خبيث، واللَّه لتأتيني به أو لأقتلنك، فخرج الرجل فدخل عليه حتى أخبره وقال له: ابعث إلى جرير بْن عبد اللَّه (812) ليكلمه فيك، فإني أخاف أن يعجل عليك، فدخل جرير على زياد فكلمه فيه، فَقَالَ: هو آمن أن أقتله، ولكني أخرجه إلى مُعَاوِيَة، فجاء به على ذلك، فأخرجه من الكوفة ورهطا معه، وكتب إلى مُعَاوِيَة أن أغن عني حجرًا إن كان لك بما قبلي حاجة، فبعث مُعَاوِيَة إليه فتلقي بالعذراء فقتل هو وأصحابه «3» . وولي «4» زياد العراق ومات سنة ثلاث وخمسين «5» .

_ (1) انظر ما تقدم ف: 650 (2) م س: لأحرضن. (3) قارن بالطبري 2: 158 وابن الأثير 3: 410 وابن عساكر 4: 86 وما يلي 746 (4) قارن بالطبري 2: 158 وابن الأثير 3: 410 وابن عساكر 4: 86 وما يلي 746 (5) في هامش ط إزاء هذا: بلغ العرض بالأصل الثالث ولله الحمد.

أمر عمرو بن الحمق الخزاعي:

أمر عمرو بن الحمق الخزاعي: «1» 721 ب- قالوا: لما طلب زياد أصحاب حجر بْن عدي هرب عمرو بْن الحمق بْن الكاهن الخزاعي ورفاعة بْن شداد البجلي إلى المدائن، ثم مضيا إلى الأنبار ثم إلى الموصل، فصارا إلى جبل من جبالها مما يلي الجزيرة، فكمنا «2» فيه، وبلغ عامل الرستاق أن رجلين كامنان فِي الجبل، فأنكر شأنهما واستراب بهما، وكان العامل رجلًا من همدان يقال له عبد اللَّه بْن أبي تلعة «3» ، فصار إليهما ومعه أهل البلد، فلما انتهي إلى موضعهما خرجا إليه، فأما عمرو بْن الحمق فكان مريضًا قد سقى بطنه، فلم يكن عنده امتناع فأخذ، وأما رفاعة بْن شداد البجلي فكان شابًا قويًا، فوثب على فرسٍ له جوادٍ، وحمل على القوم فأفرجوا له، فخرج وخرجت الخيل فِي طلبه، وكان راميًا فجعل يرمي من لحقه «4» فيجرحه، حتى نجا بنفسه وأمسكوا عَنْ طلبه، فيقال إنه قَالَ لعمرو بْن الحمق: أقاتل عنك، فَقَالَ: انج بنفسك، وسألوا عمرًا من هو فلم يخبرهم، فبعث به عبد الله ابن أبي تلعة إلى عبد الرحمن بْن أم الحكم أخت مُعَاوِيَة، وهو الذي قتل علي جده عثمان الثقفي «5» يوم حنين، وكان عبد الرحمن على الموصل والجزيرة «6» - ويقال على الموصل وأعمالها ومعها شهرزور- فلما رأى عمرو بْن الحق عرفه فحبسه، وكتب إلى خاله مُعَاوِيَة بظفره به، فكتب مُعَاوِيَة إليه: إنه يزعم أنه طعن عثمان تسع طعنات، وإنا لا نريد أن نعتدي عليه، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان، فأخرج فطعن تسعًا مات فِي الأولى منهن أو الثانية، ثم احتز رأسه وبعث به إلى مُعَاوِيَة، فهو أول رأس بعث به إلى

_ 721- الطبري 1: 3022، 2: 127 والأغاني 17: 87 وابن الأثير 3: 396- 397 وانظر اليعقوبي 2: 274، 275

مُعَاوِيَة، ويقال إنه اتخذت له مشاقص فطعن بها كما فعل بعثمان، فإنه «1» قعد على صدره ووجأه بمشاقص كانت معه تسع وجآت مات فِي اثنتين «2» منها، وقال ابن الكلبي عَنْ أبيه «3» : قتله ابن أم الحكم فِي عمل الجزيرة. 722- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: هرب عمرو بن الحمق إلى الموصل وعليها ابن أم الحكم، فصار إلى غارٍ فِي جبل، فعثر عليه وأخبر عبد الرحمن بْن أم الحكم بمكانه، فبعث إليه خيلًا فدخل أقصى الغار فنهشته حية فقتلته وأخذ رأسه فحمل إلى زياد، فحمله زياد إلى مُعَاوِيَة، فكان أول رأس حمل «4» فِي الإسلام من بلد إلى بلد. 723- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ شَرِيكٍ عَنِ أبي إسحاق قَالَ: أول رأس أهدي فِي الإسلام رأس عمرو بْن الحمق أهدي إلى مُعَاوِيَة. 724- وروي أن ابن الحمق أتى أذربيجان فنزل على رجل من بجيلة فمات عنده، فاحتز رأسه فأتى به ابن أم الحكم، فبعث به إلى مُعَاوِيَة، فنصبه للناس، ثم بعث به إلى امرأته آمنة بنت سويد «5» وكانت محبوسة عند مُعَاوِيَة، فقالت: لقد نفيتموه طويلًا وأهديتموه قتيلًا، فمرحبًا به من هديةٍ غير مقلية، ونفاها إلى حمص فماتت بحمص. 725 حدثنا خلف بن هشام حدثنا هشيم عن يونس بْن عبيد عَنْ حميد بْن هلال قَالَ: ولى زياد أبا بردة بعض الصدقة فَقَالَ: أنى أنزل نفسي وإياك فِي المال بمنزلة ولي اليتيم، من كان غنيًا فليستعفف (3 (813) ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف.

_ 722- قارن بالمعارف: 149 وطبقات ابن سعد 6: 15 والطبري 3: 2366 وابن رسته: 192 وأسد الغابة 4: 100 والاصابة 4: 294 والمحاسن والمساوئ: 394 والاشتقاق: 279 724- قارن باليعقوبي 2: 275 وأسد الغابة 4: 101 والمحبر: 292، 490 والديارات: 179- 180 (ط/ 1966) وبلاغات النساء: 95.

726- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان الجموح بْن عمرو الفهمي شهد صفين مع علي فآمنه مُعَاوِيَة وكتب إلى زياد: إني قد عرفت زلته وغفرتها له لحلفه أبا سُفْيَان، فدعاه زياد إلى ولاية بيت المال فأبى، فَقَالَ له زياد: أتتأبى علي وقد سفكت الدماء مع علي بْن أبي طالب؟! فَقَالَ: يا زياد أتقول هذا فو الله إن كنت لمنتفيًا من الأب الذي صرت إليه منسوبًا إلى الأب الذي انتفيت منه وأنت تسفك الدماء معه وتجبي الخراج إليه، وأنت يومئذ خير منك اليوم، فضربه زياد مائة سوط وحلق رأسه ولحيته، فكتب إليه مُعَاوِيَة كتابًا غليظًا يَقُول فيه: لهممت أن أوجه إليك من يقتص له منك، فأوفد الجموح إليه فأظهر كرامته، وأنشده الجموح: معاوي إن اللَّه فوق سمائه ... وإنك ذو ذنب ولا يؤمن الذنب سطا ببني عادٍ فلم يبق منهم ... بقايا ولا عين لعادٍ ولا شرب وإن زيادًا موعب فِي أديمكم ... وشائمكم والشؤم أعظمه الخطب وتارككم فِي لعنةٍ بعد لعنة ... وداء الصحاح أن تقارفها «1» الجرب فو الله ما ينهى زيادًا وغيه ... سوى أن تقول لا زياد ولا حرب فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قل ما شئت فإنك حليف أبي سُفْيَان، ودعا له بخلعة قد لبسها فكساه إياها وقال: امش مشيتك فِي قريش، وأعطاه مخصرة فَقَالَ: اختصر بها. 727- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ «2» بْنُ الْحَسَنِ الْعَلافُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ زِيَادًا أَهْدَى إِلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَصَفِيَّةَ هَدِيَّةً، وَفَضَّلَ عَائِشَةَ بِفُسْطَاطٍ، وَأَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَصَفِيَّةَ مِنْ تَفْضِيلِ عَائِشَةَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَتَا: لَقَدْ آثَرَهَا عَلَيْنَا مَنْ كَانَتْ أَثَرَتُهُ أَشَدُّ عَلَيْنَا مِنْ أَثَرَةِ زِيَادٍ. 728- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ زِيَادًا «3» كتب إلى

_ (1) ط م س: تفارقها. (2) م: أحمد بن ابراهيم. (3) س: زياد.

مُعَاوِيَةَ: إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ مَا أَلْقَى مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: كَتَبْتَ تَشْكُو مَا تَلْقَى مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَاصْبِرْ فَإِنَّ حُلَمَاءَهَا صَبَرُوا عَلَيْكَ حَتَّى وَضَعُوكَ بِهَذَا «1» الْمَوْضِعِ. 729- الْمَدَائِنِيّ قال: خطب زياد على منبر الكوفة فأمر بالأبواب فمنعت، وجلس وعرض الناس عليه، فمن حلف تركه ومن أبى قطع يده، فقطع يومئذ ثمانين يدًا. 730- الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة بْن محارب قَالَ: كان زياد إذا أراد أن يعاقب رجلًا حبسه ثلاثة أيام ثم دعا به، فإن رأى أن يعاقبه عاقبه ثم قَالَ: لم يمنعني من عقوبته إلا مخافة أن أكون إنما عاقبته للغضب. 731- حَدَّثَنِي عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف عَنِ القاسم بْن النضر العبسي عَنْ أبيه عن عمّه قال: أرسل إلينا زياد لنلعن عليًا ونبرأ منه، فإنا لمجتمعون إذ أغفيت إغفاءة، فرأيت رجلًا أسود فراعني فقلت له: من أنت؟ فَقَالَ: أنا النقاد ذو الرقبة، أرسلت إلى هذا الشاتم صاحب الرحبة «2» ، فأتانا رسول زياد فَقَالَ: انصرفوا فإن الأمير عليل، فعرضت له الأكلة فمات بعد ثلاثة أيام، فقلت: ما كان منتهيا عمّاد أراد بنا ... حتى أتيح له «3» النقاد ذو الرقبة فجلل الرأس «4» منه ضربة عجلًا «5» ... لما تناول بغيًا «6» صاحب الرحبة 732- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: وفد زياد إلى مُعَاوِيَة بأهل المصرين واشتعل «7» الطاعون بالكوفة، فَقَالَ له مُعَاوِيَة: أقم عندنا، فأقام ثلاثة أشهر، ثم قَالَ له: ما جاءك عن بلادك

_ 731- ابن عساكر 5: 421 والمحاسن والمساوئ: 54 والمروج 5: 67 (وفيه البيتان) وانظر أيضا اليعقوبي 2: 280 ومناقب ابن شهر اشوب 2: 169 وشرح النهج 3: 199 والروض المعطار: 152 732- قارن بما يلي رقم: 745

يا (814) أبا المغيرة؟ قَالَ: ارتفاع الطاعون، قَالَ: قد بلغني ذاك فإن شئت فسر، فلما قدم الكوفة توفي بعد قليل من مقدمه. 733- قالوا: وكان زياد كتب إلى مُعَاوِيَة مع الْهَيْثَم بْن الأسود: إني قد أحكمت أمر العراق وضبطته بشمالي، ويميني فارغة- أو قَالَ: بيميني، وشمالي فارغة- فولني الحجاز واشغلها به، فبلغ ذلك ابن عُمَر فاستقبل القبلة فَقَالَ: اللَّهم اشغله عنا، فما أتى له من مقدمه عشرون ليلة حتى طعن فِي خنصره، ويقال إنه قَالَ: اللَّهم إن فِي القتل كفارة لمن تشاء من خلقك، وإني أسألك لابن سمية موتًا لا قتلًا، فخرجت فِي إصبعه بثرة فما أتت عليه جمعة حتى مات، ويقال لم تأت عليه ثلاثون ساعة. 734- وقال عبد اللَّه بْن مطيع: يا أهل المدينة اكتبوا كتابًا إلى مُعَاوِيَة بالاستعفاء من زياد ومن ولايته، واكتبوا كتابًا إلى زياد، فإذا أكب عليه ليقرأه ضربت عنقه، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أن الرجل ليبذل دمه فِي صلاح عشيرته. 735- حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: [بَلَغَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَنَّ زِيَادًا يَتَّبِعُ شِيعَةَ عَلِيٍّ فَيَقْتُلَهُمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ تَفَرَّدْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ فِي الْقَتْلِ كَفَّارَةً] . 736- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم الْهَيْثَم بْن الأسود بولاية زياد الحجاز، فقيل له قدم الْهَيْثَم بعهدك على الحجاز، فَقَالَ: لشربة ماءٍ باردٍ أجد طعمها أحب إلي مما قدم به الأسود، ولم يلبث أن مات. 737- قالوا: وكان زياد لا يقطع أمرًا دون شريح، فَقَالَ له: يا أبا أُمَيَّة ما ترى فِي قطع إصبعي؟ قَالَ: سل أهل الطب، فبعث إلى دينار مولى أبي بكر بن وائل، فقال له:

_ 733- انظر الطبري 2: 158- 159 وابن الأثير 3: 140 وما يلي رقم 735 واليعقوبي 2: 280 والعقد 5: 12 وابن خلكان 2: 462 وتاريخ الاسلام 2: 280 735- ما تقدم ف: 733 والبصائر 7: 454 737- ابن عساكر 5: 421 وقارن بالطبري 2: 158 واليعقوبي 2: 258 وما تقدم: 610

أين تجد الألم؟ قَالَ: فِي قلبي، قَالَ: عش سويًا ومت سويًا ولا تمثل بنفسك، وقال أَبُو بَكْر بْن عياش: الذي أشار عليه أن لا يقطع يده أَبُو جهيم مالك الأسدي الطبيب. 738- قالوا: وخرج شريح من عند زياد، فسأله مسروق بْن الأجدع والمسيب ابن نجبة وسليمان بْن صرد وعروة بْن المغيرة وخالد بْن عرفطة وأبو بردة بْن أبي موسى: كيف تركت زيادًا؟ قَالَ: تركته يأمر وينهى، عنى شريح أنه يأمر بالوصية والكفن وينهى عَنِ النوح والبكاء. 739- وحدثني أَبُو مسعود الكوفي عَنِ ابن كناسة وعوانة، قَالَ: لما شاور زياد شريحًا فِي قطع أصبعه قَالَ له: إن كان الأجل قد حضرك لقيت اللَّه وقد قطعت يدك فرارًا من لقائه، وإن كان الأجل متأخرًا عشت أجذم فعير بذلك ولدك «1» ، فلم يلبث أن مات. 740- وقال له ابنه: لقد هيأت لكفنك ستين ثوبًا، فَقَالَ: يا بني قد دنا من أبيك لباس خير من هذا وسلب لا خير معه «2» ، وكان موت زياد بالكوفة. 741- وكان سليم مولى زياد على ديوان خراجه، فَقَالَ لشريح: أشر على الأمير بالوصية فإنه لا يخالفك، ففعل، فَقَالَ له زياد: من سألك أن تكلمني فِي الوصية؟ فَقَالَ: سليم، فَقَالَ: أما انه غير متهم فِي وصية «3» ولا شفعة، فكتب وصيته فِي ثلاث نسخ، فدفع نسخة إلى شريح ونسخة إلى سليم، وأخرى إلى أم ولده. 742- واستخلف عبد اللَّه بْن خالد بْن أسيد على الكوفة، وأقر سمرة على البصرة، ويقال إنه استخلف عبد اللَّه عليهما جميعا إلى أن يرى معاوية رأيه.

_ 738- عيون الأخبار 2: 199 والعقد 2: 467 وأخبار الظراف: 25 والأذكياء: 40 والبصائر 2: 238 وروض الأخيار: 147 وانظر الطبري 2: 159 وتأويل مختلف الحديث: 46 وربيع الأبرار 1: 716 (ط. بغداد) 739- الطبري 2: 159 وانظر محاضرات الراغب 1: 12 وابن خلكان 2: 462- 463 740- الطبري 2: 159 742- ما يلي رقم: 753 وما تقدّم ف: 451

743- وكثر بكاء الناس رجالهم ونسائهم عليه، فلما وضع ليصلى عليه تقدم عبيد اللَّه بْن زياد ليصلي عليه، فأخذ مهران «1» بمنكبيه وقال: وراءك، وقال شريح لعبيد اللَّه: الأمير غيرك، وقدما عبد اللَّه بْن خالد فصلى عليه، ووجد عبيد اللَّه على مهران فأضر به حين ولي. 744- وقال (815) عبد اللَّه بْن خالد لشريح وسليم: بماذا تأمرانني؟ قالا له: أنت الأمير فانزل القصر، فنزله، وقال مُعَاوِيَة حين بلغه خبره: لا واللَّه ولا على عجم أحد المصرين، فتركه سنة ثم بعث إليه: إن شئت حاسبناك وأعطيناك ألف ألف درهم، وإن شئت فلا محاسبة ولا جائزة، فدعا خالدًا وأمية ابنيه فَقَالَ: ما تريان؟ قالا: قد أخذنا لك عشرين ألف ألف فلا ترد محاسبة ولا جائزة، فعزله وولى الضحاك بْن قيس الكندي الكوفة «2» . 745- حَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار عَنِ الوليد بْن مسلم قَالَ: كان زياد عند مُعَاوِيَة وقد وقع الطاعون بالعراق، فَقَالَ له: إني أخاف عليك يا أبا المغيرة عبر «3» الطاعون، فلمّا صار إلى العراق طعن فمكث شهرًا ثم مات. 746- قالوا: وكان موت زياد فِي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وهو ابن خمس وستين سنة. 747- وحدثني الحرمازي عَنِ العتبي قَالَ: كانت وصية زياد: هذا ما أوصى به زياد بْن أبي سُفْيَان حين أتاه من أمر اللَّه ما لا ينظر، ورأى من قدرته ما لا ينكر، أوصى

_ 743- قارن باليعقوبي 2: 281 744- في عزل خالد وتولية الضحاك قارن بالطبري 2: 172 وما تقدم ف: 451 745- انظر ما تقدم ف: 732 746- قارن بما تقدم، آخر الفقرة: 721 والطبري 2: 158، 169 وابن الأثير 3: 410 وطبقات ابن سعد 7/ 1: 71 والجهشياري: 23. 747- البيان 1: 387- 388 وابن عساكر 5: 422 وما تقدم ف: 741 والبصائر 1: 511

أنه يشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَحْدَهُ لا شريك له شهادة من عرف ربه وخاف ذنبه، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله إمام هدى صدق به من قبله وهدى به من بعده صلى اللَّه عليه وسلم، وأوصى أمير المؤمنين وجماعة المسلمين بتقوى اللَّه حق تقاته، وأن لا يموتوا إلا وهم مسلمون، ولا يراهم حيث نهاهم ولا يفقدهم أثرهم، وأن يتعهدوا كبير أمورهم وصغيره، فإن اللَّه جعل لعباده عقولًا عاقبهم بها على معصيته، وأثابهم بها على طاعته، ولله النعمة على المحسن، والحجة على المسيء، فما أحق من تمت به نعمة اللَّه عليه فِي نفسه ورأى «1» العبرة بأن يضع الدنيا حيث وضعها اللَّه، فيعطي ما عليه فيها، ولا يتكثر بما ليس له منها «2» ، فإن الدنيا دار زوال لا سبيل إلى بقائها، وأحذركم الذي حذركم نفسه، وأوصيكم بتعجيل «3» ما أخرت العجزة حتى صاروا إلى الحسرة والندامة ولم يقدروا على الأوبة، وقد وليت فلانًا وفلانًا أمر تركتي فإن يحسنا أو يسيئا فاللَّه وأمير المؤمنين من ورائهم، وكفى باللَّه شهيدًا. 748- حَدَّثَنَا خلف بْن هشام الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إسحاق أنه قَالَ: واللَّه ما رأينا بعد زياد مثله، فتعجبنا من يمينه، وقد رأى عُمَر بْن عبد العزيز فلم يستثنه. 749- وحدثت عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ مجالد عَنْ الشعبي عَنْ قبيصة بْن جابر قَالَ: ما رأيت رجلًا أخصب جليسًا ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد. 750- وقال مُعَاوِيَة حين بلغه موت زياد: أفردت «4» سهمًا فِي الكنانة واحدًا ... سيرمى به أو يكسر السهم كاسره

_ 749- ما تقدّم ف: 347، 312 وقارن بسير الذهبي 3: 326 وهذا التصوير ينسب لمعاوية في الطبري 2: 215 750- ما تقدم ف: 167 وسير الذهبي 3: 310

751- حَدَّثَنِي عمرو بْن محمد حَدَّثَنَا أَبُو نعيم عَنْ موسى بْن قيس «1» عَنْ سلمة بْن كهيل قال: أوّل من وطئ على صِماخ الإسلام زياد. 752- وأوصى زياد أن يدفن عند أبي موسى الأشعري، وقبره عند دكان عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بْن الخطاب، وهو عند منقطع البيوت بالكوفة «2» . 753- وحدثني الأثرم عَنْ ابن الكلبي عَنْ أبي عبيدة أن زيادًا ولى عبد اللَّه بن خالد ابن أسيد بْن أبي العيص «3» بْن أُمَيَّة فارس، ووهب له ابنة جوانبوذان بن المكعبر «4» . فولدت له الحارث بْن عبد اللَّه، ولما مات زياد استخلفه على الكوفة وهو صلى عليه. 754- وقال المدائني: كتب زياد إلى معاوية ابن أبي سُفْيَان: إن الأنفس يغدى عليها ويراح، وأخاف أن يحدث بي حدث (816) ولا أجد أحدًا أوليه ما قبلي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يوجه إلي رجلًا من قريش له بيت وموضع ودين فيكون عندي، فإن حدث بي حدث قبله وليته، فكتب إليه: سم لي رجلًا، فسمى له عبد اللَّه بْن خالد، فوجهه إليه فولّاه أردشير خرّه، وزوج ابنته أُمَيَّة بْن عبد «5» اللَّه. 755- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قصر عبد اللَّه بْن خالد بْن أسيد بعمر بْن سعد «6» فشكاه إلى مُعَاوِيَة، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لقد وجدته أحضر صلالا، قَالَ: أما واللَّه لو جريت وهو على السواء ما نزل بذلك المنزل، ولكنه قهرني بسلطانه، وخرج فأتبعه مُعَاوِيَة بصره وقال: ما فِي الأرض قرشي كنت أحب أن أمي ولدته غيره.

_ 751- ما تقدم ف: 643. 752- قارن بفتوح البلدان: 344 وياقوت 1: 940 (الثوية) والدينوري: 239 والطبري 2: 159 753- ما تقدّم ف: 451، 742. 754- ما يلي رقم: 1172. 755- بعضه في ما تقدم ف: 125

756- وقال الْمَدَائِنِيّ وغيره: أول من قدم بنعي زياد إلى البصرة مسعود بْن عمرو، فَقَالَ حارثة بْن بدر الغداني وكان صديق زياد: لقد جاء مسعود أخو الأزد غدوةً ... بداهيةٍ شنعاء «1» بادٍ حجولها من الشر ظل القوم فيها كأنّهم ... وقد جاء بالأخبار من لا يحيلها ألم تر أن الأرض أصبح خاشعًا ... لفقد زيادٍ حزنها وسهولها قضى أجل الدنيا وغادر أمةً ... به شفيت أضغانها وذحولها وحذرها ما يتقى من أمورها ... وقومها حتى استقام سبيلها وأبرأ «2» مرضاها وأقسط بينها ... فبان وقد فاءت إليها «3» عقولها فِي أبيات، وقال أيضًا «4» : صلى الإله على ميتٍ وطهره ... دون الثوية تسفي فوقه المور زفت إليه قريش نعش سيدها ... ففيه ضافي الندى والحزم والخير «5» أبا المغيرة والدنيا مفجعة ... وإن من غرت الدنيا لمغرور قد كان عندك للمعروف «6» معرفة ... وكان عندك «7» للنكراء تنكير ولا تلين إذا عوسرت مقتسرا ... وكل أمرك ما يوسرت ميسور لم يعرف الناس مذ ووريت سنتهم «8» ... ولم يجلّ ظلاما عنهم نور

_ 756- الأغاني 23: 463 (وفيه البيتان الاول والثاني) وابن عساكر 5: 423 (وفيه الثالث والسادس) .

وقال أيضًا: صلى الإله على ميتٍ وطهره ... دون الثوية لم نشهد له جننا من آل حربٍ بها لاقى منيته ... فغيب الحزم ذاك اليوم إذ دفنا أبا المغيرة والدنيا مفجعة ... من ذا الذي لم يجرع مرة حزنا 757- قالوا: ومات زياد وما يملك الا أقل من عشرة آلاف درهم، ولم يترك من الكسوة غير قميصين وإزارين وسراويلين، وكان يقول: ما دام سلطاننا فالدنيا كلها لنا، فإذا زال عنا فالذي يجزينا من الدنيا أقلها «1» . 758- وقال مسكين الدارمي: رأيت زيادة الإسلام ولت ... جهارًا حين ودعنا زياد وقال الفرزدق: أمسكين أبكى اللَّه عينيك إنما ... جرى فِي ضلالٍ دمعها فتحدرا بكيت امرأ من أهل ميسان أمة ... ككسرى على عدانه أو كقيصرا أقول له لما أتاني نعيه ... به لا بظبي بالصريمة أعفرا فَقَالَ مسكين «2» (817) : ألا أيها المرء الذي لست ناطقًا ... ولا قاعدًا فِي القوم إلا انبرى ليا فجئني بعم مثل عمي أو أبٍ ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا

_ 758- النقائض: 620 والطبري 2: 159 وابن الأثير 3: 411 والأغاني 20: 168، 21، 376 وياقوت 4: 715 وابن عساكر 5: 302 وجمهرة العسكري 1: 211، وبيت مسكين وحده أيضا في النجوم الزاهرة 1: 144 وابن عساكر 5: 423 وأبيات الفرزدق في ديوانه: 48، 1: 245 والأغاني 20: 168 وتاج العروس 2: 417 (عدد) والبيتان الأولان في المعرب: 142

وقال الفرزدق «1» : أبلغ زيادًا إذا لاقيت مصرعه ... أن الحمامة قد طارت من الحرم طارت فما زال تنميها قوادمها ... حتى استقامت إلى الأنهار والأجم وقال أيضًا «2» : كيف تراني قالبًا مجني ... أقلب «3» أمري ظهره للبطن قد قتل «4» اللَّه زيادًا عني 759- قالوا: ووفد عبيد اللَّه بْن زياد إلى مُعَاوِيَة فسأله ان يوليه، فَقَالَ له: لو كان فيك خير لولاك أخي، فَقَالَ: أنشدك اللَّه يا أمير المؤمنين أن يَقُول الناس لو علم أبوك وعمك فيك خيرًا لولياك، ثم ولاه البصرة حتى شكاه عبد اللَّه بْن عمرو لقطعه رجلًا من بني ضبة على شبهة. 760- وكان الحجاج بْن علاط ادعى مولى لبني مخزوم، وذكر أنه أتى أمه فِي الجاهلية، فقضى به مُعَاوِيَة لعبد الرحمن بْن خالد بْن الوليد، وكانت الخصومة فيه بين نصر بْن الحجاج وبين عبد الرحمن بْن خالد، وقال نصر بْن الحجاج: إليك أمير المؤمنين رحلتها ... لأمر أشاب الرأس مني وأنصبا معاوي إلا تعطنا الحق ننتصر ... بأسيافنا والشر لم يك ترتبا «5»

_ 759- الطبري 2: 166 وابن الأثير 3: 414 وعيون الأخبار 1: 235 وتذكرة ابن حمدون: 109/ أوفي بعضه انظر: 640، 641 حيث (كما في الطبري وابن الأثير) كان عبد الله بن عمرو قبل عبيد الله بن زياد واليا على البصرة، وعزل عنها لأنه حدّ رجلا في شبهة، وعن عزل عبيد الله قارن بالطبري 2: 190- 191 وابن الأثير 3: 431 760- سيورده البلاذري في الورقة 870/ أ (من نسخة س) وقارن بالطبري 3: 480

ولد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:

في أبيات، وسنذكر الخبر فِي نسب بني مخزوم وكان عبيد اللَّه بْن رياح الذي اختصما فيه رجلًا ظريفًا، وقد نادم يزيد بْن مُعَاوِيَة، وفيه يَقُول: لهان علينا أن تبيتي مناخةً ... على الخسف يا بختية ابن رياح ولد مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان رضي اللَّه عنهما: 761- ولد مُعَاوِيَة عبد الرحمن وبه كان يكنى، وأمه أم ولد يقال لها فاختة بنت قرظة بْن عَبْد عَمْرو بْن نوفل بن عبد مناف، لا عقب له، وعبد الله وهندًا، وأمهما فاختة بنت قرظة، وكان عبد اللَّه بْن مُعَاوِيَة من أضعف الناس عقدة وأحمقهم، وكان يكنى مبقّتا «1» ويكني أبا سليمان، ونكح بعض الموالي خالةً ليزيد فَقَالَ: يا راكبًا ألا أبلغن يزيدا ... فكيف ترجو بعد أن تسودا وأنكحوا خالته العبيدا وقال فِي إبل من إبل الصدقة كانت تجمع ثم تخرج للرعي: إلا ارسلا من أربعٍ وخمسٍ ... ذلك خير من زياد الحبس ومر بقوم من كلب ولهم فرس دقيقة القوائم كأنها قصب، ولها متن ذو خلقة عجيبة، وكان الناس ينتابون فينحلون أصحابها إذا أخرجوها إليهم شيئًا، فأخرجوها إليه فَقَالَ: من أي شيء قوائمها؟ فقالوا: من صفصاف، قَالَ: فمن أي شيء متنها؟ قالوا: من تين، قَالَ: أترون، وقال أبوه «2» : سلني حوائجك، فَقَالَ: عبيد يمشون معي ويحفظوني. وكان يمدح فيسر ذلك (818) أمه، فتصل مادحيه وتستميح لهم مُعَاوِيَة، فَقَالَ فيه الأخطل فِي قصيدته التي أولها:

_ 761- قارن بالطبري 2: 204 وابن الأثير 4: 6 والمعارف: 350 وبعضه في تاج العروس 1: 527 (بقت) نقلا عن الأنساب.

بان الخليط فشاقني أجواري ... ونأوك بعد تقارب وجوار «1» لأحبرن لابن الخليفة مدحة ... ولأقذفن بها إلى الأمصار قرم تمهل فِي أُمَيَّة لم يكن ... فيها بذي أبن ولا خوار بأبي سليمان الذي لولا يد ... منه علقت بظهر أحدب عار وشهد «2» عبد اللَّه مرج راهط، فقاتل مع الضحاك بْن قيس والقيسية، ثم هرب فآمنه عبد الملك بعد ذلك. 762- المدائني قال: لمّا قدم الحجاج العراق وجد قبة كان بعث بها عبد اللَّه بْن مُعَاوِيَة إلى خالد بْن عبد اللَّه بْن أسيد، فكتب الحجاج إلى عبد الملك: إني وجدت قبة كان بعث بها عبد اللَّه بْن مُعَاوِيَة إلى مصعب، فغضب عبد الملك وقال: تهدي لأعدائي؟! ألست صاحب المرج؟! فقال: كذب إنما أهديتها إلى خالد بْن عبد اللَّه، فقبل عبد الملك قوله. 763- وكانت هِنْد «3» عند عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز ثُمَّ عند عثمان بْن عنبسة بْن أبي سُفْيَان فماتت عنده، ورملة «4» وأمها كنود بنت قرظة كانت عند عمرو بْن عثمان بْن عفان، وصفية «5» لأم ولد كانت عند محمد بْن زياد بن أبي سُفْيَان، ويزيد «6» وأمة الشارق- وبعضهم يَقُول أمة ربّ المشارق- أمّها ميسون بنت بحدل «7» الكلبية، فماتت أمة الشارق وهي صغيرة، وأمّا يزيد فولي الخلافة.

_ (1) الديوان، صدع الخليط ... ومزار. (2) سيرد في الورقة 499 ب (من النسخة س) . (3) قارن بما تقدم ف: 243 والطبري 2: 69 (4) قارن بما تقدم ف: 166، 198، 224، 243، 323 والطبري 2: 205 وابن الأثير 4: 7 وابن كثير 8: 145 (5) قارن بما يلي ف: 977 (6) قارن بالطبري 2: 204 وابن الأثير 4: 6 وابن كثير 8: 145 (7) م: بحدلة، س: بجدل.

أمر يزيد بن معاوية:

764- قَالَ أَبُو اليقظان: وكانت لعبد اللَّه بْن مُعَاوِيَة ابنة يقال لها عاتكة، وفيها يَقُول الشاعر «1» : يا بيت عاتكة الَّذِي أتعزل ... حذر العِدى وبه الفؤاد موكّلُ إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسمًا إليك مع الصدود لأَمْيَلُ أمر يزيد بْن مُعَاوِيَة: 765- وأما يزيد بْن مُعَاوِيَة فكان يكنى أبا خالد، حَدَّثَنِي الْعَمْرِيّ عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ ابن عياش وعوانة وعن هشام ابن الكلبي عَنْ أبيه وأبي مخنف وغيرهما قالوا: كان يزيد بْن مُعَاوِيَة أول من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء والصيد واتخاذ القيان والغلمان والتفكه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة ثم جرى على يده قتل الحسين وقتل أهل الحرة ورمي البيت وإحراقه، وكان مع هذا صحيح العقدة فيما يرى، ماضي العزيمة لا يهم بشيء إلا ركبه. 766- قالوا: ووقع بين غلمان يزيد وغلمان عمرو بْن سَعِيد الأشدق شر فأغضبه ذلك، وأمر بإحضار أولئك الغلمان، فلما أتي بهم قَالَ: خلوا سبيلهم فإن القدرة تذهب الحفيظة «2» . 767- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دعا يزيد بأم خالد لينال منها فأبطأت عليه، وعرضت له جارية سوداء من جواريه فوقع عليها، فلما جاءت أم خالد أنشأ يَقُول:

_ 765- ابن كثير 8: 235 767- الأبيات 1- 4 في جمهرة العسكري 1: 480 وانظر ما يلي رقم: 779 وحماسة البحتري: 252 والطبري 2: 429 والمثل: «رب ساع لقاعد» في الفاخر: 144 والمستقصى: 217 والميداني 1: 201 وفصل المقال: 287

اسلمي أم خالد ... رب ساعٍ لقاعد إن تلك التي تري ... ن سبتني بوارد تدخل الأير كله ... فِي حرٍ غير بارد (819) 768- الْمَدَائِنِيّ والهيثم وغيرهما قالوا: كان ليزيد بْن مُعَاوِيَة قرد يجعله بين يديه ويكنيه أبا قيس ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ، وكان يسقيه النبيذ ويضحك مما يصنع، وكان يحمله على أتان وحشية ويرسلها مع الخيل فيسبقها، فحمله عليها يومًا وجعل يَقُول «1» : تمسك أبا قيس بفضل عنانها ... فليس عليها إن هلكت ضمان فقد سبقت خيل الجماعة كلها ... وخيل أمير المؤمنين أتان 769- وذكر لي شيخ من أهل الشام أن سبب وفاة يزيد أنه حمل قرده على الأتان وهو سكران ثم ركض خلفها فسقط فاندقت عنقه أو انقطع فِي جوفه شيء. 770- وحدثني محمد بْن يزيد الرفاعي حَدَّثَنِي عمي عَنِ ابن عياش قَالَ: خرج يزيد يتصيد بحوارين وهو سكران، فركب وبين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردًا وجعل يركض «2» الأتان ويقول: أبا خلفٍ احتل لنفسك حيلة ... فليس عليها إن هلكت ضمان فسقط فاندقت عنقه. 771- قالوا: وكان يزيد هم بالحج ثم إتيان اليمن فقال رجل من تنوخ:

_ 768- انظر ما يلي رقم: 913 والمروج 5: 157 والمخصص 13: 177 769- انظر ما يلي رقم: 927 770- الموفقيات: 346

يزيد صديق القرد مل جوارنا ... فحن إلى أرض القرود يزيد فتبًا لمن أمسى علينا خليفة ... صحابته الأدنون منه قرود 772- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان يزيد ينادم على الشراب سرجون مولى مُعَاوِيَة. 773- وليزيد شعر منه قوله: ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا منزل حتى إذا ارتبعت ... سكنت «1» من جلق بيعا فِي جنان ثم مؤنقة «2» ... حولها الزيتون قد ينعا وقال لأم خالد: إذا سرت ميلًا أو تخلفت ساعة ... دعتني دواعي الحب من أم خالد وقال أيضًا: إني إذا ما جئتكم أم خالدٍ ... لذو حاجة عنها اللسان كليل وقال أيضًا «3» : إذا أتكأت على الأنماط فِي غرف ... بدير مران عندي أم كلثوم فلا أبالي بما لاقت جموعهم ... بالقرقذونة «4» من حمى ومن موم

_ 773- الكامل 1: 384 وياقوت 4: 395 وابن كثير 8: 234 والعيني 1: 149 والخزانة 3: 279 والأول في ياقوت 1: 374 والخزانة 3: 278 والأول والثاني في التاج 3: 546، والثالث في اللسان 5: 371، 10: 297، وذكر المبرد ان الأبيات تنسب أيضا للأحوص، وفي اللسان (5: 371) للأخطل.

وكان ناس غازين فأصابهم وبأ ومرض وجوع فلما بلغ مُعَاوِيَة شعره قَالَ: واللَّه ليغزون «1» ولو مات، فأغزاه بلاد الروم ومعه فرس أنطاكية وبعلبك وغيرهم فلحق بسفيان بْن عوف بالقرقذونة فغزا حتى بلغ الخليج ثم انصرف. وأم كلثوم بنت عبد اللَّه بْن عامر. 774- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل عَبْد اللَّه بْن جعفر عَلَى يزيد فَقَالَ: كم كان أبي يعطيك فِي كل سنة؟ قَالَ: ألف ألف، قَالَ: فإني قد أضعفتها لك، فَقَالَ ابن جعفر: فداك أبي وأمي وواللَّه ما قلتها لأحد قبلك، قَالَ: فقد أضعفتها لك، فقيل أتعطيه أربعة آلاف ألف؟! فَقَالَ: نعم إنّه يفرّق ماله، (820) فإعطائي إياه إعطائي أهل المدينة. 775- قالوا: وكان يزيد آدم جعدًا معصوبًا «2» أحور العينين طوالًا بوجهه أثر جدري، ويقال كان أبيض وكان حسن اللحية خفيفها. 776- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي عبد الرحمن العبدي عَنْ عَبْد الْمَلِكِ بْن عُمَيْرٍ قَالَ، قَالَ رجل لسَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ: أخبرني عَنْ خطباء قريش قَالَ مُعَاوِيَة وابنه يزيد ومروان وابنه وسَعِيد بْن العاص وابنه وما ابْن الزُّبَيْرِ بدونهم. 777- قالوا: وأخطأ يزيد فِي شيء فَقَالَ له مؤدبه: أخطأت يا غلام فَقَالَ يزيد: الجواد يعثر فَقَالَ المؤدب: أي واللَّه ويضرب فيستقيم، فَقَالَ يزيد: أي واللَّه ويضرب أنف سائسه. 778- الْمَدَائِنِيّ عَنْ عبد الرحمن بْن مُعَاوِيَة قَالَ، قَالَ عامر بْن مسعود الجمحي: إنا لبمكة إذ مر بنا بريد ينعى مُعَاوِيَة، فنهضنا إلى ابن عباس وهو بمكة وعنده جماعة وقد وضعت المائدة ولم يؤت بالطعام فقلنا له: يا أبا العباس، جاء البريد بموت معاوية فوجم

_ 774- قارن بابن عساكر 7: 327، 328، ومعجم المرزباني: 314 وابن كثير 8: 230 775- العقد 4: 375 وانظر التنبيه والاشراف: 306 وابن كثير 8: 227 776- قارن بالبيان 1: 206 777- قارن بالأغاني 16: 34

طويلًا ثم قَالَ: اللَّهم أوسع لِمُعَاوِيَةَ، أما واللَّه ما كان مثل من قبله ولا يأتي بعده مثله وإن ابنه يزيد لمن صالحي أهله فالزموا مجالسكم وأعطوا طاعتكم وبيعتكم، هات طعامك يا غلام، قَالَ: فبينا نحن كذلك إذ جاء رسول خالد بْن العاص وهو على مَكَّة يدعوه «1» للبيعة فَقَالَ: قل له اقض حاجتك فيما بينك وبين من حضرك فإذا أمسينا جئتك، فرجع الرسول فَقَالَ: لا بدّ من حضورك فمضى فبايع. 779- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: تزوج يزيد بْن مُعَاوِيَة فاختة وهي حبة بنت أبي هاشم بن عتبة ابن ربيعة فولدت له مُعَاوِيَة، وخالدًا، وعبد اللَّه الأكبر، وأبا سُفْيَان، وتزوج أم كلثوم بنت عبد اللَّه بْن عامر فولدت له عبد اللَّه الأصغر الذي يقال له الأسوار، وعمر «2» ، وعاتكة أم يزيد بْن عبد الملك، وتزوج امرأة من غسان فولدت له رملة، ففي فاختة يَقُول «3» : اسلمي أم خالد ... رب ساعٍ لقاعد وفي أم كلثوم يَقُول «4» : إذا أتكأت على الأنماط في غرف ... بدير مران عندي أم كلثوم وكان قد وجد على أم خالد بنت (أبي) «5» هاشم وكان لها مؤثرًا فتزوج فِي حجةٍ حجها أم مسكين بنت عُمَر بْن عَاصِم بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عنه وَقَالَ «6» : أراك أم خالد تضجين ... باعت على بيعك أم مسكين ميمونة من نسوةٍ ميامين ... زارتك من طيبة «7» فِي حوّارين

_ 779- انظر ما يلي رقم: 923

فِي بلدة كنت بها تكونين ... فالصبر أم خالد من الدين إن الذي كنت به تدلين ... ليس كما كنت به تظنين وطلق يزيد أم مسكين فتزوجها عبيد اللَّه بْن زياد وإنما رضيت به مغايظة ليزيد، فقتل عنها ابن زياد، فخطبها محمد بْن المنذر بْن الزبير فتزوجته ثم نافرته وقالت: إني واللَّه ما تزوجتك رغبة فيك ولكني أردت أن أغسل سوءة كنت وقعت فيها. 780- الْمَدَائِنِيّ عَنْ يعقوب بْن داود أن عطاء بْن أبي صيفي بْن نضلة بْن قائف الثقفي دخل على يزيد (821) وقد مات مُعَاوِيَة فَقَالَ: أصبحت يا أمير المؤمنين فارقت الخليفة وأعطيت الخلافة، فأجرك اللَّه على عظيم الرزية، ورزقك الشكر على حسن العطية، فاحتذى ابن همام مثاله فِي هذا النثر فنظمه فَقَالَ: اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة «1» ... واشكر عطاء الذي بالملك أصفاكا أصبحت لا رزء فِي الأقوام نعلمه ... كما رزئت ولا عقبى كعقباكا أعطيت طاعة أهل الأرض كلهم ... فأنت ترعاهم واللَّه يرعاكا وفي مُعَاوِيَة الباقي «2» لنا خلف ... إذا هلكت ولا نسمع بمنعاكا وقال أيضًا «3» : تعزوا يا بني حرب بصبر ... فمن هذا الذي يرجو الخلودا تلقاها «4» يزيد عَنْ أبيه ... فخذها يا معاوي عَنْ يزيدا أديروها بني حرب عليكم ... ولا ترموا بها الغرض «5» البعيدا

_ 780- راجع ف: 439 والبيان 2: 191 والمروج 5: 153

وإن دنياكم بكم استقرت ... فأولوا أهلها أمرا سديدا فإن شمست عليكم فاعصبوها ... عصابا تستدر «1» لكم شديدا وقال أيضًا أو غيره: يزيد يا ابْن أبي سُفْيَان هل لكم ... إلى ثناء وود غير منصرم إنا نقول ويقضي اللَّه مقتدرًا ... وما يشأ ربنا من صالح يدم فاقتد بقائلكم «2» خذها يزيد وقل ... خذها معاوي غير العاجز البرم «3» ولا تحط بها فِي غير داركم ... إني أخاف عليكم حيرة الندم إن الخلافة إن تعرف لثالثكم ... تثبت معادنها «4» فيكم ولا ترم ولا تزال وفود فِي دياركم ... فِي ظل «5» أبلج سباق إلى الكرم 781- فبايع يزيد لابنه مُعَاوِيَة، ويقال إنه إنما بايع له حين احتضر يزيد. 782- وكان على شرطة يزيد حميد بْن حريث بْن بحدل ثم عامر بْن عبد اللَّه الهمداني من أهل الأردن. 783- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي عمرو المدائني قَالَ: وفد جرير بْن عطية بْن الخطفى على يزيد ووفد شعراء سواه، فخرج إليهم الآذن فَقَالَ: إن أمير المؤمنين أمرني ألا أدخل إليه إلا من عرف شعره فأنشدوني، فَقَالَ جرير: أنا الذي أقول: تعرضت فاستمررت من دون حاجتي ... فحالك إني مستمر لحاليا وإني لمغرور أعلل بالمني ... ليالي أدعو أن مالك ماليا

_ 781- انظر ما يلي رقم: 924 783- قارن بالاغاني: 34: 49 وانظر ديوان جرير 2: 168 والنقائض: 177 والشعر والشعراء: 398 وطبقات الجحمي: 381

بأيّ نجاد تحمل السيف بعد ما ... قطعت القوى من محمل كان باقيا بأي سنان تطعن القوم بعد ما ... نزعت سنانًا من قناتك ماضيا فدخل فأنشده الأبيات فَقَالَ: أدخل صاحبها، فَقَالَ له: من أنت؟ قال: جرير بن عطيّة ابن الخطفى «1» اليربوعي قَالَ: إني سمعت أبياتك هذه عائرة ولم أدر لمن هي، فعاتبت أمير المؤمنين مُعَاوِيَة يومًا فأنشدته إياها وهو يرى أنها من قولي، ووصل جريرًا. 784- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم عبد الرحمن بْن زياد من خراسان فأمره يزيد أن يعطي عبد اللَّه بْن جعفر خمسمائة ألف درهم فأعطاه ألف ألف (822) درهم فَقَالَ: خمسمائة من يزيد وخمسمائة مني. 785- الْمَدَائِنِيّ عَنْ عَلِيِّ بْن مُجَاهِد عَنْ هِشَامِ بْن عروة قَالَ: كان عبد اللَّه بْن صفوان مع عبد اللَّه بْن الزبير فذم يزيد واغتابه فقيل له ألم تبايعه؟ قَالَ: إني وجدت فِي البيعة له عوارًا فرددتها. 786- أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي أيوب القرشي قَالَ: لما قدم ( ... ) يزيد بْن مُعَاوِيَة كتب إليه أن أحمل إلي ابن همام السلولي، وكان قد وجد عليه فِي قصيدته التي يَقُول فيها: حشينا الغيظ حتى لو شربنا ... دماء بني أُمَيَّة ما روينا فأخذه ابن زياد فسأله أن يكفله عريفه، وكان اسم العريف مالكًا، ففعل، وهرب ابن همام وأخذ عريفه به، وقدم على يزيد فعزاه عَنْ مُعَاوِيَة وهنأه بالخلافة وأتى ابنه مُعَاوِيَة فاستجار به فآمنه يزيد وصفح عنه وكتب إلى ابن زياد يأمره أن لا يعرض له وأوصاه به، فَقَالَ ابن همام حين رجع:

_ 786- قارن بالعيني 3: 190 وانظر المروج 5: 71 وابن كثير 8: 328، والبيتان 5، 6 من القصيدة الكافية في الشعر والشعراء: 545 واللسان 17: 48 والخزانة 3: 639 والخامس في الصحاح 2: 379 والعيني 3: 190 والتاج 9: 222 وورد العاشر في ف: 1 والبيتان 20، 21 في اللسان 17: 48 (واسم الشاعر فيه همام بن مرة) .

جعلت الغواني من بالكا ... ولم ينهك الشيب عَنْ ذالكا أقول لعثمان لا تلحني ... أفق عثم عَنْ بعض تعذالكا غريب تذكر إخوانه ... فهاجوا له سقمًا ناهكا «1» وكرهني أرضكم أنني ... رأيت بها أسدًا ناهكا فلما خشيت أظافيره ... نجوت وأرهنتهم مالكا عريفًا مقيمًا بدار الهوان ... أهون علي به هالكا ويممت أبيض ذا سؤدد ... علا ذروة المجد والحاركا فلما أنخت إلى بابه ... رأيت خليفتنا ذالكا فقلت أجرني أبا خالد ... وإلّا فهبني امرأ هالكا فجاد بنا «2» ثم قلت اعطفي ... بنا يا صفي ويا عاتكا فأطت لنا رحم برة ... ولم يحقر النسب الشابكا فكم فرجت بك من كربة ... ومن حلقة عند أبوابكا وكان وراءك ضرغامة ... توائل «3» منه بحوبائكا فيا ابن زياد وكنت امرأ ... كما زعموا عابدًا ناسكا فإن معي ذمة من يزيد ... وإني أعوذ بإسلامكا من أن أظلم اليوم أو أن تطيع ... بي الكاذب الآثم الآفكا فلولا الثقال شفاعاتهم ... وعهد الخليفة لم آتكا فقد خط لي الرق فيه الأمان ... إليك مخافة أنبائكا «4» فلا تخفرنه فقد خط لي ... رقى من مخافة حياتكا وأحضرت عذرًا عليه الشهود ... إن قابلا ذاك أو تاركا «5» وقد شهد الناس عند الإمام ... أنّي عدوّ لأعدائكا

_ (1) م س: تاهكا. (2) التعليق رقم: 4 ص: 1. (3) م: توابل. (4) م: أبنائكا (، إليك: سقطت من م) (5) روايته في اللسان وأحضرت عذري عليه الشهود ابن عاذرا لي أو تاركا

787- وقال الْهَيْثَم بْن عدي وَابْن الْكَلْبِيّ عَنْ عَوَانَة: كتب يزيد لابن همام بالرضا عنه وبجائزة فبسطه وآنسه وأطلق عريفه، وكان حبسه إذ لم يعد ابن همام إليه ليتولى حمله إلى يزيد وهرب، وأمر كاتبيه عمرو بْن نافع وحسان مولى الأنصار أن يدفعا إليه «1» جائزته، فكان عمرو يدافعه وحسان يعينه (823) عليه، فدخل ذات يوم على ابن زياد فَقَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: نعم حاجة كلفتها القيظ كلّه ... أرواحها البردين حتّى شتيتها يعاودها حسان عمرو بْن نافع ... فحسان يحييها وعمرو يميتها وقال ابن همام فِي عمرو بْن نافع: أفي جرجرايا أنت كفنا بْن فرزن ... وفينا أَبُو عثمان عمرو بْن نافع وأنبئت فِي جوخا فلا تتركنه ... بقية ميراث لشيخك ضائع ثلاثة أخلاق بلين ومنجلًا ... وأم جراء تتقى فِي المراتع فلهفا عليكم آل كفنا بْن فرزن ... فكم كان فيكم من مثير وتارع وبعض الرواة يزعم أن ابن همام عصى فطلبه ابن زياد فأخذ به عريفه فهرب إلى يزيد. 788- الْمَدَائِنِيّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن حَكِيمٍ عَنْ عَاصِمِ بْن عروة بْن مسعود الثقفي قَالَ: دخل عطاء بْن أبي صيفي الثقفي على يزيد بْن مُعَاوِيَة فَقَالَ له يزيد: لم تحالفت ثقيف فصارت بنو غيرة وسعد بن عوف وأسعد ابن غاضرة يدا وصارت بنو مالك يدا؟ و ( ... ) «2» لم يتحالف قوم قط الا عَنْ ذلة وقلة، فَقَالَ عمرو بْن عبد عمرو: ما رأيت قط كلامًا أبعد من صواب وسداد، واللَّه لتكفن يا ابْن أبى صيفي أو لأردن لك شعابًا يبابا، لا تنبت إلا سلعًا وصابًا، فَقَالَ عطاء: إن ترد شعابي تلقها مكلئة خصابا، تفهق بمياهها عذابًا، وتلق أهلها شوسًا غضابا، قَالَ: إن أردها ألقها قليلًا نداها، يابسًا ثراها، ذليلًا حماها، خاشعة صواها، قَالَ: بل إن تردها تلقها مريًا مرعاها، نديّا ثراها، عزيزا حماها،

_ (1) بعد هذا سقطت ورقة من م، وانفردت س. (2) بهذا النقص جاء الخبر مضطربا.

مضرّة بمثلك هيجاها، قَالَ: بل ألقها للريح الزعزع، والذئاب الجوع، كبيداء بلقع، قال: بل تلقها طيّبة المرتع، يضيق بها على مثلك المضجع، فقال يزيد: عنكما فقد أحسنتما وما قلتما فحشًا، فَقَالَ عطاء: يا امير المؤمنين الأصل مؤتلف، والشكل بعد مختلف، وأنا بذاك مقر معترف. 789- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ عاصم الجحدري: جاءت بيعة يزيد البصرة وأنا أكتب فِي مصحف (إِذَا السماءُ انْشَقَّتْ) . 790- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: استعمل ابن زياد عبد الرحمن بْن أم برثن- كما يقال فيروز حصين- وأم برثن امرأة من بني ضبيعة كانت تعالج الطيب وتخالط آل عبيد اللَّه بْن زياد، وكان منبوذًا فأخذته وربته وتبنته حتى أدرك وصار رجلًا جزلًا له نبل وفضل وتأله، ثم كلمت نساء عبيد اللَّه بْن زياد فيه فكلمن عبيد اللَّه فيه فولاه، فرمى عبد له ذات يوم بسفود فأصاب السفود رأس ابنه فنثر دماغه فظنّ الغلام أنه سيقتله فَقَالَ له حين أتي به: اذهب يا بني فأنت حر فإنك قتلت ابني خطأ ولن أقتلك متعمدًا، ثم عمي بعد. ولما استعمله ابن زياد ثم عزله أغرمه مائتي ألف درهم فخرج إلى يزيد بْن مُعَاوِيَة، فلما كان على مرحلة من دمشق نزل وضرب له خباء وحجرة، فإنّه لجالس إذا كلبة من كلاب الصيد قد دخلت عليه وفي عنقها طوق من ذهب وهي تلهث، فأخذها وطلع يزيد على فرس له، فلما رأى هيئته أدخله الحجرة وأمر بفرسه أن تقاد، فلم يلبث أن توافت الخيل فَقَالَ له يزيد: من أنت وما قصتك؟ فأخبره، فكتب له من ساعته إلى عبيد الله ابن زياد فِي رد المائتي الألف عليه، وأعتق ذلك اليوم ثلاثين مملوكًا وقال: من أحب أن يقيم فليقم ومن أحب أن يذهب فليذهب. 791- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: هجا فضالة (824) بْن شريك رجلًا من قريش يقال له عاصم- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وأراه عاصم بْن عُمَر- فخافه فعاذ بيزيد بن معاوية وقال فيه:

_ 791- قارن بالأغاني 12: 67

إذا ما قريش فاخرت بطريفها ... فخرت بمجد يا يزيد تليد بمجد أمير المؤمنين ولم يزل ... أبوك أمين اللَّه جد رشيد به عصم اللَّه الأنام من الردى ... وأدرك نبلًا من معاشر صيد فكتب يزيد إلى عاصم: إني قد أجرت فضالة فهبه لي، ووصله. 792- وقال عبد الرحمن بْن الحكم أخو مروان فِي يزيد حين خلعه ابْن الزُّبَيْرِ: ثكلتك أمك من إمام جماعةٍ ... أيضل رأيك فِي الأمور ويعزب متوسد إذ فالذته جيأل ... هلباء أو ضبعان سوء أهلب ألهاك برقعة الضباع عَنِ العمى ... حتى (أتاك) وأنت لاه تلعب 793- وحدثني الحرمازي عَنْ أبي سويد الشامي عَنْ ابيه قال، قال يزيد بْن مُعَاوِيَة: حفظ النديم والجليس وإكرامهما من كرم الخليفة وقضاء حق النعمة. 794- وقال الْمَدَائِنِيّ: لاط خالد بْن إِسْمَاعِيل بْن الأشعت بغلام له فِي استه فشهد عليه امرءان من مواليه وامرأتاهما وغلام لم يحتلم فحده يزيد وكان ماقتًا له. 795- قالوا: ومن شعر يزيد قوله: لشر الناس عبد وابن عبد ... وآلم من مشى مولى الموالي وقوله: اعص العواذل وارم الليل عَنْ عرض ... بذي سبيب يقاسي ليله خببا أقب لم يثقب «1» البيطار سرته ... ولم يدجه ولم يرقم له عصبا

_ 795- الأبيات 1- 3 من البائية في الأصمعيات: 47- 48 (رقم: 12) والعمدة 1: 54- 55 (ط: 1934) والأول والثاني في الحيوان 1: 84 والثالث في ديوان ذي الرمة: 56 واللسان 1: 483 والتاج 1: 321 والخزانة 4: 125 (وتنسب في اكثر المصادر لسهم بن حنظلة الغنوي وزاد في التاج: ونسبه الصاغاني وابن رشيق الى يزيد ابن معاوية) .

حتى يثمر مالًا أو يقال فتى ... لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا لا خير عند فتى أودت مروءته ... يعطي المقادة من لا يحسن الجنبا وقال «1» : وساع يجمع الأموال جمعًا ... ليورثها أعاديه شقاء وكم ساع ليثري لم ينله ... وآخر ما سعى نال الثراء ومن يستعتب الحدثان يومًا ... يكن ذاك العتاب له عناء وقال «2» : وإن نديمي غير شك مكرم ... لدي وعندي من هواه الذي ارتضي ولست له فِي فضلة الكأس قائلًا ... لأصرعه سكرًا تحس وقد أبى ولكن أحييه وأكرم وجهه ... وأصرفها عنه «3» وأسقيه ما اشتهى وليس إذا ما نام عندي بموقظ ... ولا سامع يقظان شيئًا من الأذى وقال يزيد «4» : اسقني مزة تروي مشاشي ... وأدر مثلها على ابن زياد موضع السر والأمانة عندي ... وعلى ثغر مغنمي وجهادي يعني سلم بْن زياد وكان على خراسان «5» . 796- وكان مسلم بْن عمرو الباهلي أَبُو قتيبة نديمًا ليزيد يشرب معه ويغنيه، فَقَالَ الشاعر حين عزل يزيد بْن المهلب عَنْ خراسان ووليها قتيبة:

_ 796- انظر المخطوطة س: 697/ أ- ب، 1173 ب.

ذكر ما كان من امر الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وابن الزبير في بيعة يزيد بعد موت معاوية بن أبي سفيان

شتان من بالصنج «1» أدرك والذي ... بالسيف أدرك والحروب تسعر 797- (825) الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: أتي عبد الرحمن بْن حسان يزيد فرأى منه جفوة له وإغفالًا فهجاه فَقَالَ شعرًا استبطأه فيه، فَقَالَ حصين بْن نمير أو مسلم بْن عقبة: اقتله فإن حلم أمير المؤمنين مُعَاوِيَة جرأ الناس عليكم، فَقَالَ: جفوناه وحرمناه فاستحققنا ذلك منه، فبعث إليه بثلاثين ألف درهم، فمدحه. ذكر ما كان من أمر الحسين بْن علي وعبد اللَّه بْن عُمَر وابْن الزُّبَيْرِ فِي بيعة يزيد بعد موت مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان «2» : 798- قَالَ أَبُو مخنف وعوانة وغيرهما: ولي يزيد بْن مُعَاوِيَة وعمال أبيه على الكوفة النعمان بْن بشير الأنصاري، وعلى البصرة عبيد اللَّه بْن زياد، وعلى المدينة الوليد بن عتبة ابن أبي سُفْيَان، وعلى مَكَّة عمرو بْن سَعِيد الأشدق- وقال بعضهم: كان على مَكَّة الحارث بْن خالد، وعلى المدينة الأشدق والأول أثبت- فلما ولي كتب إلى الوليد مع عبد الله ابن عمرو بْن أويس، أحد بني عامر بْن لؤي: أما بعد فإن مُعَاوِيَة بْن أبي سُفْيَان كان عبدًا من عبيد اللَّه «3» أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له فعاش بقدرٍ ومات بأجل فرحمة اللَّه عليه فقد عاش محمودًا ومات برًا تقيًا والسلام. وكتب إليه فِي صحيفة كأنها أذن فأره: أما بعد فخذ حسينًا وعبد اللَّه بْن عُمَر وعبد اللَّه بْن الزبير بالبيعة أخذا شديدًا ليست فيه رُخْصَةٌ ولا هَوادة حتى يبايعوا والسلام. قالوا: فلما أتى ابن عتبة الكتاب فظع «4» بموت مُعَاوِيَة وكبر عليه، وقد كان مروان بْن الحكم على المدينة قبله، فلما ولي بعد مروان كان مروان لا يأتيه إلا معذرًا متكارها حتى شتمه الوليد في مجلسه فجلس عنه مروان، فلما جاء نعي مُعَاوِيَة إلى الوليد قرأ عليه كتاب

_ 797- قارن بالأغاني 8: 90 798- قارن بالاخبار الطوال: 240 (227) . والطبري 2: 216 وابن الأثير 4: 9 وتاريخ خليفة 1: 281.

يزيد واستشاره فَقَالَ: أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة فإن بايعوا قبلت ذلك منهم وإن أبوه «1» قدمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بوفاة «2» مُعَاوِيَة، فإنهم إن علموا بها وثب كل امرئ منهم فِي ناحية، فأظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه. فَقَالَ الوليد: أما ابن عُمَر فإني أراه لا يرى القتال ولا يختار أن يلي أمر الناس إلا أن يدفع الأمر إليه عفوًا، وأرسل الوليد عبد اللَّه بْن عمرو بْن عثمان بْن عفان، وهو إذ ذاك غلام، إلى الحسين وعبد اللَّه بْن الزبير يدعوهما فوجدهما جالسين فِي المسجد وكان إتيانه إياهما فِي ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها (للناس) «3» ولا يأتونه فَقَالَ: أجيبا الأمير، فقالا له: انصرف الآن نأته بعد، ثم أعاد إليهما الرسل وألح عليهما، فأما الحسين فامتنع بأهل بيته ومن كان على رأيه، وفعل ابْن الزُّبَيْرِ مثل ذلك، وبعث إليه الحسين أن كف حتى ننظر وتنظروا «4» ونرى وتروا، وبعث ابْن الزُّبَيْرِ: لا تعجلوا فإني آتيكم، فوجه الوليد موالي له فشتموه وقالوا: يا ابْن الكاهلية إن أتيت الأمير وإلا قتلناك، فجعل يَقُول: الآن أجيء الآن أجيء، وأتى جعفر بْن الزبير الوليد فَقَالَ له: كف رحمك اللَّه عَنْ عبد اللَّه فقد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك وهو يأتيك غدًا إن شاء اللَّه، فصرف الوليد رسله عنه وتحمل (826) ابْن الزُّبَيْرِ من ليلته- وهي ليلة السبت لثلاث ليال بقين من رجب سنة ستين- فأخذ طريق الفرع ومعه أخوه جعفر بْن الزبير وتجنبا الطريق الأعظم، فلما أصبح الوليد طلبه فلم يجده فَقَالَ مروان: ما أخطأ مَكَّة، فوجه الوليد فِي طلبه حبيب بْن كرة «5» مولي بني أُمَيَّة فِي ثلاثين راكبًا من موالي بني أُمَيَّة فلم يلحقوه وتشاغلوا عَنِ الحسين بطلب ابْن الزُّبَيْرِ، فخرج الحسين ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين، وسمع عبد اللَّه بْن الزبير جعفرًا أخاه يتمثل ببيت متمم بن نويرة الحنظلي «6» :

_ (1) م: أبوا (2) م: بموت. (3) زيادة من الطبري. (4) م: تنظر وتنظروا. (5) الدينوري: طبيب بن كدين (كوين) . (6) البيت في حماسة البحتري رقم: 331 والطبري 2: 220 والمنازل والديار: 233 والأغاني 15: 249 وديوانه: 88

وكل بني أم سيمسون ليلة ... ولم يبق من أعقابهم «1» غير واحد فتطير ابْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ لجعفر أخيه: ما أردت بإنشادك هذا البيت؟ قَالَ: ما أردت إلا خيرًا، ونزل ابْن الزُّبَيْرِ مَكَّة وعليها عمرو الأشدق بْن سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بن أميّة فقال: إنما أنا عائذ ولم يكن يصلي بصلاتهم، ولزم جانب الكعبة فكان يصلي عندها عامة نهاره ويطوف، ويأتي «2» الحسين بْن علي فيشير عليه بالرأي فِي كل يومين وثلاثة أيام، وحسين أثقل الناس عليه لعلمه بأن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام حسين بالبلد لأن حسينًا كان أعظم فِي أنفسهم وأطوع عندهم، فأتاه يومًا فحادثه ساعة ثم قَالَ: ما أدري ما تركنا هؤلاء القوم وكفنا عنهم ونحن أبناء المهاجرين وأولي الأمر «3» منهم، فخبرني بما تريد أن تصنع؟ فَقَالَ الحسين: واللَّه لقد حدثت نفسي بإتيان الكوفة، فإن شيعتي بها، وأشراف أهلها قد كتبوا إلي فِي القدوم عليهم، وأستخير اللَّه. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لو كان لي بها مثل شيعتكم ما عدلت بها، ثم خشي أن يتهمه فَقَالَ: إنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت الأمر هاهنا ما خولف عليك إن شاء اللَّه. ثم خرج من عنده فَقَالَ الحسين: ما شيء من أمر الدنيا يؤتاه أحب إليه من خروجي عَنِ الحجاز لأنه قد علم أنه ليس له معي من الأمر شيء. وبعث «4» الوليد إلى عبد اللَّه بْن عُمَر أن بايع ليزيد فَقَالَ: إذا بايعت الناس بايعت، فتركوه لثقتهم بزهادته فِي الأمر وشغله بالعبادة، وأخذ الوليد ممن كان هواه مع ابْن الزُّبَيْرِ وميله إليه عبد اللَّه بْن مطيع بْن الأسود بْن حارثة العدوي وهو ابن العجماء- نسب إلى جدته، وذلك اسمها، وهي خزاعية- ومصعب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف الزهري فحبسهما، فاجتمعت بنو عديّ إلى عبد اللَّه بْن عُمَر فقالوا: حبس صاحبنا مظلومًا، وبلغ الوليد ذلك فصار إلى ابن عُمَر، فحمد ابن عُمَر اللَّه وأثنى عَلَيْهِ وصلى عَلَى نبيه صَلَّى الله

_ (1) الحماسة والأغاني والمنازل: أعيانهم. (2) قارن بالدينوري: 242 وابن عساكر 4: 329 (3) م: وأولوا الأمر (وهي قراءة جيدة) . (4) الطبري 2: 222 وابن الأثير 4: 12

عليه وسلم ثم قَالَ: استعينوا على إقامة أمركم بالحق ولا تطلبوه بالظلم فإنكم إن استقمتم أعنتم وإن جرتم وكلتم إلى أنفسكم، كف رحمك اللَّه عَنْ صاحبنا وخل سبيله فإنا لا نعلم لكم حقًا تحبسونه به «1» ، فَقَالَ: حبسته بأمر أمير المؤمنين، فنكتب «2» وتكتبون، فانصرف ابن عُمَر واجتمع فتية من بني عدي فانطلقوا حتى اقتحموا على ابن مطيع وهو فِي السجن فأخرجوه، فلحق بابْن الزُّبَيْرِ ثم رجع بعد فأقام بالمدينة. 799- وقد روي أيضًا أن الحسين أتى الوليد فَقَالَ له الوليد: قد آن أن تعلم بموت (827) مُعَاوِيَة وهو فِي مواليه وفتيانه، فلما رأى «3» عنده مروان، وقد كانت بينه وبين الوليد تلك النفرة قَالَ: الصلة خير من القطيعة، والصلح خير من العداوة، وقد آن لكما أن تجتمعا، أصلح اللَّه ذات بينكما، فلم يجيباه بشيء، وأقرأه الوليد كتاب يزيد ونعى إليه مُعَاوِيَة، ودعاه إلى البيعة، فَقَالَ: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحم اللَّه مُعَاوِيَة وأعظم لك الأجر، وأما البيعة فإن مثلي لا يبايع سرًا ولا أراك ترضى مني إلا بإظهارها على رؤوس الناس، فإذا خرجت إليهم فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا فكان أمرنا واحدًا، وكان الوليد رجلًا محبًا للعافية فَقَالَ: انصرف على اسم اللَّه حتى تبايع مع جماعة الناس، فَقَالَ مروان: لئن فارقك الساعة لا قدرت منه على مثلها أبدًا حتى يكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه، قَالَ: فوثب الحسين فقال: يا ابن الزرقاء كذبت والله (و) لؤمت «4» لا تقدر ولا هو على ضرب عنقي، ثم خرج فَقَالَ مروان للوليد: لتندمن على تركك إياه، فَقَالَ: يا مروان إنك أردت بي التي فيها هلاك ديني، واللَّه ما أحب أن أملك الدنيا بحذافيرها على أن أقتل حسينًا، إن الذي يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند اللَّه يوم القيامة. 800- وقال بعض أهل العلم: حجب الوليد بْن عتبة أهل العراق عَنِ الحسين، [فَقَالَ له: يَا ظالمًا لنفسه عاصيًا لربه، علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقي مَا جهلته

_ (1) م: فيه. (2) م: فنكتب إليه. (3) الطبري: 2: 218 وابن الأثير 4: 10 وتاريخ خليفة 1: 282. (4) الطبري: وأثمت، ط: لو متّ

وعمك «1» مُعَاوِيَة؟] فَقَالَ الوليد: ليت حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك، فجناية لسانك مغفورة لك ما سكنت يدك فلا تخطر بها فيخطر بك. وخرج «2» الحسين إلى مَكَّة فِي بنيه وإخوته وبني أخيه وجل أهل بيته غير محمد ابن الحنفية فإنه قَالَ له: يا أخي أنت أعز الناس علي، تنحّ عن مروان بيعتك وعن الأمصار، وابعث رسلك إلى الناس فإن أجمعوا عليك حمدت اللَّه على ذلك، وأن أجمع الناس على غيرك لم ينقص اللَّه دينك ومروءتك وفضلك، إني أخاف أن تدخل بعض الأمصار ويختلف الناس فيك ويقتتلون فتكون لأول الأسنة، فإذا «3» خير الناس نفسًا وأمًا وأبًا قد ضاع دمه وذل أهله، قَالَ: وأين أذهب يا أخي؟ قَالَ: تنزل مَكَّة فإن اطمأنت بك الدار وإلا لحقت باليمن، فإن اطمأنت بك وإلا لحقت بشعف الجبال حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس ويفرق لك الرأي، فأتى مَكَّة وجعل يتمثل قول الشاعر «4» : لا ذعرت السوام في وضح الصب ... ح مُغِيرًا وَلا دُعِيتُ يَزِيدَا يَوْمَ أَعْطَى مَخَافَةَ الموت ضيما ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا ومضى الحسين إلى العراق فقتل، وقد كتبنا حديثه مع أخبار آل أبي طالب. 801- وقال الْمَدَائِنِيّ: كتب يزيد إلى ابْن الزُّبَيْرِ يدعوه إلى بيعته فكتب ابْن الزُّبَيْرِ يدعوه إلى الشورى، وكان فيما كتب به يزيد «5» : لو بغير الماء حلقي شَرِقٌ ... كنتُ كالغَصَّان بالماء اعتصاري فأذكرك اللَّه فِي نفسك، فإنك ذو سن من قريش، وقد مضى لك سلف صالح وقدم

_ (1) م: وعدك. (2) الطبري: 220 وابن الأثير 4: 12 (3) م ط س: فاذن. (4) هو يزيد بن مفرغ، انظر المخطوطة (س) ، الورقة 239/ أوابن هشام: 737 والشعر والشعراء: 279 وحماسة البحتري رقم: 38 والأغاني 18: 180، 211 وابن عساكر 4: 329 وديوان ابن مفرغ: 72 (5) البيت لعديّ بن زيد العبادي، انظر ديوانه: 93 والبيان 2: 359 والحيوان 5: 46 والشعر والشعراء: 153 والمفضليات: 413 والطبري 2: 1587 وما يلي رقم: 1194

أمر عبد الله بن الزبير بعد مقتل الحسين:

صدق من اجتهاد وعبادة، فاربب «1» صالح ما مضى ولا تبطل ما قدمت من حسنٍ، وادخل فيما دخل فيه الناس ولا تردهم فِي فتنة ولا تحل (828) حرم اللَّه، فأبى أن يبايع، فحلف أن لا يقبل بيعته إلا فِي جامعة. أمر عبد اللَّه بْن الزبير بعد مقتل الحسين: 802- قالوا: لما قتل الحسين عليه السلام قام عبد اللَّه بْن الزبير فِي أهل مَكَّة خطيبًا فعظم مقتله وعاب أهل الكوفة خاصة وذم أهل العراق عامة وقال: دعوا حسينا ليولوه عليهم فلما أتاهم ساروا «2» إليه فقالوا: أما أن تضع يدك فِي أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بْن سمية فيمضي فيك حكمه، وإما أن تحارب، فرأى أنه وأصحابه قليل فِي كثير، فاختاروا المنية «3» الكريمة على الحياة الذميمة، فرحم اللَّه حسينًا ولعن قاتله، لعمري لقد كان فِي خذلانهم إياه وعصيانهم له واعظ وناه عنهم، ولكن ما حم نازل، واللَّه لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه، كثيرًا فِي النهار صيامُه، أحقّ بما هم فيه منهم، واللَّه ما كان ممن يتبدل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية اللَّه الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام، ولا بالذكر كلاب الصيد- يعرض بيزيد بْن مُعَاوِيَة- وقد قتلوه فَسَوْفَ يلقون غيّا، فثار إليه أصحابه فقالوا: أيها الرجل أظهر بيعتك فإنه لم يبق أحد إذ 5/ 320 هلك الحسين ينازعك فِي هذا الأمر وقد كان ابْن الزُّبَيْرِ يبايع سرًا على الشورى ويظهر أنه عائذ بالبيت فَقَالَ لهم: لا تعجلوا، وعمرو بْن سَعِيد الأشدق يومئذ على مَكَّة، وكان شديدًا عليه وعلى أصحابه وهو مع ذلك يداري ويرفق، فلما استقر عند يزيد بْن مُعَاوِيَة ما قد جمع ابْن الزُّبَيْرِ بمكة وما قيل له فِي أمر البيعة وإظهارها أعطى اللَّه عهدًا ليؤتين به فِي سلسلة، فبعث بسلسلة من فضة فمر بها البريد على الوليد بْن عتبة ومروان بالمدينة فأخبرهما الرسول خبر ما قدم له وخبر السلسلة التي معه، فقال مروان:

_ 802- الطبري 2: 395 وابن الأثير 4: 84

خذها فليست للعزيز مذلة ... وفيها مقال لامرئ متضعف «1» ويقال أن مروان بعث بهذا البيت إليه مع عبد العزيز بْن مروان، والثبت «2» : خذها فليست للعزيز مذلة ... وفيها مقال لامرئ متذلل ثم مضى البريد من عندهما حتى قدم على ابْن الزُّبَيْرِ وقد كان كتب إلى ابْن الزُّبَيْرِ بتمثل مروان بالبيت فَقَالَ: واللَّه لا أكون أنا المتضعف، ورد ذلك البريد ردًا رفيقًا. وعلا أمر ابْن الزُّبَيْرِ بمكة وكاتبه أهل المدينة. 803- قَالَ هشام ابن الكلبي فحدثني عوانة قَالَ: أرسل يزيد إلى عبد اللَّه بْن الزبير إني قد جعلت علي نذرًا أن يؤتى بك فِي سلسلة، قَالَ: فلا أبر اللَّه قسمة ولا وفق له الوفاء بنذره، فَقَالَ له أخوه عروة بْن الزبير أو غيره: وما عليك أن تبر قسم ابن عمك؟ قَالَ: قلبي إذًا مثل قلبك، فَقَالَ أَبُو دهبل الجمحي وهو وهب بْن وهب بْن زمعة بْن أسيد بْن أحيحة بْن خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح «3» : لا يجعلنك فِي قيد وسلسلة ... كيما يَقُول أتانا وهو مغلول بين الحواري والصديق ذو نسب ... صاف «4» وسيف على الأعداء مسلول 804- وأراد ابْن الزُّبَيْرِ ابن عباس على البيعة وقد بايعه الناس فامتنع عليه نحوًا من سنة ثم بايعه بعد، ويقال إنه لم يبايعه حتى توفي. وكان امتناع ابن عباس (829) عَنِ البيعة لابْن الزُّبَيْرِ قد بلغ يزيد فظن أن ذلك لتمسكه ببيعته، فكتب يزيد إليه: أما بعد فقد بلغني أن الملحد ابْن الزُّبَيْرِ دعاك إلى نفسه

_ 804- اليعقوبي 2: 294 وابن الأثير 4: 105- 106 وأخبار العباس: 85 والمعرفة والتاريخ 1: 531

وعرض عليك الدخول فِي طاعته لتكون له على الباطل ظهيرًا وفي المأثم شريكًا وأنك امتنعت من طاعته واعتصت «1» عليه فِي بيعته وفاء منك لنا وطاعة لله بتثبيت ما عرفك من حقنا فجزاك اللَّه من ذي رحم كأفضل جزاء الواصلين لأرحامهم الموفين بعهودهم، فما أنس من الأشياء لا أنس برك وحسن مكافاتك وتعجيل صلتك، فانظر من قبلك ومن يطرأ إليك من الآفاق ممّن يسحره الملحد بلسانه وزخرف قوله فأعلمهم حسن «2» رأيك فِي طاعتي وتمسّك ببيعتي فإنهم لك أطوع ومنك أسمع منهم للمحل الحارب الملحد المارق والسلام. فأجابه عبد اللَّه بْن عباس بجواب طويل يَقُول فيه: سألتني أن أحث الناس عليك وأثبطهم عَنْ نصرة ابْن الزُّبَيْرِ وأخذلهم عنه، فلا ولا كرامة ولا مسرة، تسألني نصرك وتحذوني على ودك وقد قتلت حسينًا، بفيك الكثكث، وإنك إذ تمنيك نفسك لعازب الرأي، وإنك لأنت المفنّد المثبور، أتحسبني لا أبا لك نسيت قتلك حسينًا وفتيان بني عبد المطلب مصابيح الدجى الذين غادرهم جنودك مصرعين فِي صعيد واحد مرملين بالدماء مسلوبين بالعراء غير مكفنين ولا موسدين تسفي عليهم الرياح وتعروهم الذئاب وتنتابهم عرج الضباع، حتى أتاح اللَّه لهم قومًا لم يشركوك فِي دمائهم فكفنوهم وأجنوهم، ومهما أنس من الأشياء فلن أنسى تسليطك عليهم ابن مرجانة الدعي ابن الدعي للعاهرة الفاجرة البعيد منهم رحمًا اللئيم أما وأبًا الذي اكتسب أبوك فِي ادعائه إياه لنفسه العار والخزي والمذلة فِي الدنيا والآخرة، فلا شيء أعجب من طلبك ودي ونصري وقد قتلت بني أبي وسيفك يقطر من دمي وأنت أحد ثأري، وذكر كلامًا بعد ذلك. 805- وكتب يزيد اليه كتابا يأمره فيه بالخروج إلى الوليد بْن عتبة ومبايعته له وينسبه إلى قتل عثمان والممالأة عليه، فكتب ابن عباس إليه أيضًا كتابًا يَقُول فيه: إني كنت بمعزل عَنْ عثمان ولكن أباك تربص به وأبطأ عنه بنصره وحبس من قبله عنه حين استصرخه واستغاث به ثم بعث الرجال إليه معذرًا حين علم أنهم لا يدركونه حتى يهلك.

_ (1) م: واعتصبت، أخبار العباس: واعتصمت ببيعتنا. (2) م: أحسن.

806- وقال الواقدي: عزل يزيد الوليد بْن عتبة لأن مروان كتب يذكر ضعفه ووهنه وإدهانه، وولى المدينة عمرو بْن سَعِيد الأشدق، وولى يحيي بْن الحكم بْن صفوان بْن أُمَيَّة بْن خلف الجمحي مكة- وقال هشام ابن الكلبي: هو يحيى بْن حكيم بْن صفوان- ولاه عمرو بْن سَعِيد مَكَّة وصار إلى المدينة. قَالَ الواقدي: فأتاه ابْن الزُّبَيْرِ فبايعه ليزيد وقال إني سامع مطيع غير أن الوليد رجل أخرق فكرهت جواره، ولقد خبرنا من مُعَاوِيَة ما لم نخبره من غيره، وإنما أنا عائذ بالبيت من أمر لا آمنه. 807- قَالَ أَبُو مخنف وعوانة: عزل يزيد الوليد بن عتبة، وجمع مكة والمدينة لعمرو ابن سَعِيد، فحج بالناس وحج ابْن الزُّبَيْرِ بمن معه فلم يصل بصلاة عمرو ولا أفاض بإفاضته ثم قدم المدينة فأغزى ابْن الزُّبَيْرِ منها جيشًا بكتاب يزيد إليه فِي ذلك. 808- وقال الواقدي: وجه يزيد إلى ابْن الزُّبَيْرِ النعمان (830) بْن بشير الأنصاري وهمام بْن قبيصة النميري وقال لهما: ادعواه إلى البيعة لي وخذاها عليه وأمراه أن يبر قسمي، فلما صارا إلى المدينة لقيهما عبد اللَّه بْن مطيع بْن الأسود بْن حارثة بْن نضلة بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عُبَيْد بْن عويج بْن عدي بْن كعب، - ويقال حارثة ابن نضلة بْن عوف بْن عبيد، وهو أثبت- فَقَالَ: يا ابْن بشير أتدعو ابْن الزُّبَيْرِ إلى بيعة يزيد وهو أحق بالخلافة منه؟ فَقَالَ له النعمان: مهلًا فإن عواقب الفتن وبيلة وخيمة، ولا طاقة لأهل هذا البلد بأهل الشام. ثم أتيا مَكَّة فأبلغا ابْن الزُّبَيْرِ عَنْ يزيد السلام، وسألاه أن يبايع له، فوقع فِي يزيد وذكره بالقبيح، وخلا بالنعمان فَقَالَ له: أسألك باللَّه أأنا أفضل عندك أم يزيد؟ قَالَ: أنت، قَالَ: فأينا أفضل أبًا وأمًا، قَالَ: أنت ولكني أحذرك الفتنة إذ بايع الناس واجتمعوا عليه. وانصرف النعمان وهمام- ويقال إن عبد اللَّه «1» بْن عضاه كان مع النعمان، وبعثه بهمام أثبت- فأعلما يزيد ما كان من ابْن الزُّبَيْرِ فغضب واستشاط وأكد يمينه فِي ترك قبول بيعته إلا وفي عنقه جامعة يقدم به فيها،

_ 806- قارن بالطبري 2: 222 والفاكهي 2: 168 والأخبار الطوال: 240 وابن عساكر 7: 410

فَقَالَ له «1» عبد اللَّه بْن جعفر وَمُعَاوِيَة بْن يزيد: يا أمير المؤمنين إن ابْن الزُّبَيْرِ رجل أبي لجوج فدعه على أمره ولا «2» تهجه لما لا تحتاج إليه، فأوفد إليه «3» الحصين بْن نمير السكوني ومسلم بْن عقبة المري وزفر بْن الحارث الكلابي وعبد اللَّه بْن عضاه الأشعري وروح بْن زنباع الجذامي ومالك بْن هبيرة السكوني ومالك بْن حمزة «4» الهمداني وأبا «5» كبشة السكسكي وزمل بْن عمرو العذري وعبد الله بن مسعدة الفزاري وناتل بْن قيس الجذامي والضحاك بْن قيس، وأمرهم أن يعلموه أنه إنما بعث بهم احتجاجًا عليه وإعذارًا إليه، وأن يحذروه الفتنة ويعرفوه ما له عنده من البر والتكرمة إذا أبر يمينه وأتاه فِي الجامعة التي بعث بها إليه معهم، وكان قد دفع اليهم جامعة من فضّة، فقال له ابن عضاه: يا أبا بكر قد كان من أثرك في أمر الخليفة المظلوم ونصرتك إياه يوم الدار ما لا يجهل، وقد غضب أمير المؤمنين بما كان من إبائك مما «6» قدم عليك فيه النعمان وهمام، وحلف أن تأتيه فِي جامعة خفيفة لتحل يمينه، فالبس عليها برنسًا فلا ترى، ثم أنت الأثير عند أمير المؤمنين الذي لا يخالف «7» فِي ولاية ولا مال، وقال له القوم مثل ذلك، فَقَالَ: واللَّه ما أنا بحامل نفسي على الذلة ولا راض بالخسف، وما يحل لي أن أفعل ما تدعوني إليه، فليجعل يزيد يمينه هذه فِي أيمان قد حنث فيها، وقال أيوب بْن زهير بْن أبي أُمَيَّة المخزومي: ليست يمين يزيد فِي ابْن الزُّبَيْرِ بأول يمين حنث فيها ووجب عليه تكفيرها ولا آخرها، ثم بسط ابْن الزُّبَيْرِ لسانه فِي يزيد بْن مُعَاوِيَة وتنقصه وقال: لقد بلغني أنه يصبح سكران ويمسي كذلك، ثم تمثل قول الشاعر «8» : ولا ألين لغير الحق أساله ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر

_ (1) قارن بابن عساكر 7: 410 (2) م: فلا. (3) قارن بالطبري 2: 397 والأغاني 1: 33 وابن عساكر 7: 410 (4) الأغاني: وسعد بن حمزة. (5) ط م س: وأبو. (6) ط م: بما. (7) م: تخالف. (8) البيت في الدينوري: 273 (262) وابن الأثير 4: 86 والسمهودي: 88 وخليفة 1: 316

يا ابْن عضاه واللَّه ما أصبحت أرهب الناس ولا الباس، وإني لعلى بينة من ربي وبصيرة من ديني، فإن أقتل فهو خير لي، وإن أمت حتف أنفي فاللَّه يعلم إرادتي وكراهتي لأن يعمل فِي أرضه بالمعاصي، وأجاب الباقين بنحو من هذا القول. 809- وقال الواقدي والهيثم بْن عدي فِي روايتهما: قَالَ ابْن الزُّبَيْرِ (831) لابن عضاه: انّما انا حمامة بن حمام هذا المسجد، أفكنتم قاتلي حمامةٍ من حمام المسجد؟! فَقَالَ ابن عضاه: يا غلام ائتني بقوسي وأسهمي، فأتاه بذلك، فأخذ سهمًا فوضعه فِي كبد القوس ثم سدده لحمامة من حمام المسجد وقال: يا حمامة أيشرب يزيد الخمر؟ قولي نعم، فو الله لئن قلت لأقتلنك، يا حمامة أتخلعين أمير المؤمنين يزيد وتفارقين الجماعة وتقيمين بالحرم ليستحل بك؟ قولي نعم، فو الله «1» لئن قلت لأقتلنك. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: ويحك يا ابْن عضاه أو يتكلم الطير؟ قَالَ: لا ولكنك أنت تتكلم «2» ، وأنا أقسم باللَّه لتبايعن طائعًا أو كارهًا أو لتقتلن، ولئن أمرنا بقتالك ثم دخلت الكعبة لنهدمنّها او لنحرقنّها عليك، أو كما قَالَ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أو تحل الحرم والبيت؟ قَالَ: إنما يحله من ألحد فيه. 810- وقال لوط بْن يحيى أَبُو مخنف: قدم الأشدق المدينة واليًا عليها وحج فِي تلك السنة فِي جماعة من مواليه وهو خائف من ابْن الزُّبَيْرِ، وكان يزيد قد ولاه الموسم، فأتاه ابْن الزُّبَيْرِ فسكن لذلك وأتى عمرو ابن عباس فشكا ابْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ: عليكم بالرفق فإن له قرابة وحقًا، ثم انصرف الأشدق إلى المدينة. 811- وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن أبيه عن محمد بن الزبير الحنظلي حدثني زريق مولى مُعَاوِيَة قَالَ: لما هلك مُعَاوِيَة بعثني يزيد إلى الوليد بْن عتبة، ولم يكن بسيرته بأس، وكتب إليه بموت مُعَاوِيَة وأن يبعث إلى هؤلاء الرهط فيأخذهم بالبيعة، قَالَ: فقدمت المدينة ليلًا فاستأذنت على الوليد، فلما قرأ كتاب

_ 809- الأغاني 1: 33 والدينوري (263) .

يزيد بموت مُعَاوِيَة جزع جزعًا شديدًا وجعل يقوم ويرمي بنفسه على فراشه ثم بعث إلى مروان فجاءه وعليه قميص أبيض وملاءة موردة لبيسة، فنعى إليه مُعَاوِيَة وأعلمه أن يزيد بعث إليه بأخذ «1» البيعة على هؤلاء الرهط، فترحم مروان على مُعَاوِيَة ثم قَالَ: ابعث إلى النفر الساعة فأدعهم إلى البيعة، فإن بايعوا وإلا فاضرب أعناقهم، فَقَالَ الوليد: يا سبحان اللَّه أقتل الحسين وعبد اللَّه بْن الزبير، قَالَ: هو ما قلت لك، فبعث «2» إلى الحسين وابْن الزُّبَيْرِ وابن عُمَر وابن مطيع، فجاء الحسين أولهم وعليه قميص قوهي وإزار مصبوغ بزعفران، وهو مطلق إزاره، فسلم ثم جلس، ثم جاء عبد اللَّه بْن الزبير فِي ثوبين غليظين مشمرًا إلى نصف ساقه فسلم وجلس، ثم جاء عبد اللَّه بْن مطيع فإذا رجل «3» ثائر الشعر أحمر العينين فسلم ثم جلس، فحمد الوليد اللَّه وأثنى عليه، ثم نعى مُعَاوِيَة ودعاهم إلى بيعة يزيد، فبدر ابْن الزُّبَيْرِ بالكلام وكأنه خاف أن يهنوا، ثم ترحم على مُعَاوِيَة ودعا له، ثم ذكر الوليد فجزاه خيرًا فَقَالَ: وليتنا فأحسنت «4» ولايتنا ووصلت أرحامنا، وقد علمت الذي كان منا فِي بيعة يزيد، وأنه قد احتمل ذلك علينا، ومتى بايعنا والباب مغلق علينا تخوفنا أن لا يذهب ذلك ما فِي قلبه، فإن رأيت أن تصل أرحامنا وتحسن فيما بيننا وبينك فتخلي سبيلنا ثم تأمر فينادى «5» الصلاة جامعة وتصعد المنبر فنأتي فنبايع على رؤوس الناس طائعين غير مكرهين، قَالَ: وجعل مروان كلما نظر إلى الوليد أشار إليه أن اضرب «6» أعناقهم، قَالَ: فخلى الوليد عنهم، فخرجوا فَقَالَ مروان: واللَّه لا يصبح (832) وبها منهم أحد، فلما أتى كل واحد منهم منزله دعا براحلته ثم رمى بها الطريق إلى مَكَّة وأصبح الوليد فلم يجد منهم أحدًا. 812- وحدثنا أحمد بْن إبراهيم وَأَبُو خَيْثَمَةَ قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْن كَيْسَانَ قَالَ: مات مُعَاوِيَة والوليد أمير على مَكَّة والمدينة، وكان على

_ (1) م: يأخذ. (2) م: ثم بعث. (3) م: برجل. (4) م: وأحسنت. (5) م: فتنادي. (6) س: يضرب.

أمر عمرو بن الزبير بن العوام ومقتله:

مكة من قبله أخوه لأمه عبد الرحمن بْن نبيه، فكتب إليه يزيد يأمره أن يأخذ بيعة حسين ابن علي وعبد اللَّه بْن الزبير، فاستضعفه فِي ذلك فعزله، وأمر عمرو بْن سَعِيد الأشدق على المدينة ومكة، وأمره أن يبعث إليه بابْن الزُّبَيْرِ فِي جامعة ولا يؤخره، وبعث فِي ذلك النعمان بْن بشير وابن مسعدة الغفاري «1» وابن عضاه الأشعري، وبعث معهم بجامعة من فضة لتبر يمينه، فلما قدموا قَالَ قائل وهو يسمع ابْن الزُّبَيْرِ ذلك «2» : خذها فليست للعزيز بسبّة ... وفيها مقال لامرئ متذلّل فأبى أن يخرج معهم وقال: قولوا ليزيد يجعل يمينه هذه من أيمانه التي يجب عليه أن يكفرها. أمر عمرو بْن الزبير بْن العوام ومقتله: 813- قَالَ الواقدي فِي روايته: لما قدمت رسل يزيد عليه وليس ابْن الزُّبَيْرِ معهم وأعلموه ما يَقُول، كتب إلى عمرو بْن سَعِيد الأشدق يأمره أن يوجه إلى عبد اللَّه بْن الزبير جيشًا من أهل العطاء والديوان لمحاربته ويولي أمرهم رجلًا حازمًا مناصحا، وكان عمرو ابن الزبير- وأمه أمة بنت خالد بْن سَعِيد بْن العاص- على شرطة عمرو بْن سَعِيد الأشدق، فسأله توجيهه على ذلك الجيش، وكان مباينًا لأخيه عبد اللَّه بْن الزبير يظهر عيبه ويكثر الطعن عليه، وكان عمرو «3» عظيم الكبر شديد العجب ظلوما قد أساء السيرة وعسف الناس وأخذ من عرفه بموالاة عبد اللَّه والميل إليه فضربهم بالسياط، وله يقال: عمرو لا يكلم، من يكلمه يندم، فكان ممن ضرب المنذر بْن الزبير ومحمد بْن المنذر وعثمان بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامِ وخبيب بْن عبد اللَّه بْن الزبير ومحمد بن عمّار بن

_ 813- قارن بالطبري 2: 223، 226 وابن الأثير 4: 13

ياسر، وطلب قومًا من قريش يرون رأي أخيه فاستخفوا «1» ثم لحقوا بمكة فأتى رافع بْن خديج الأنصاري عمرًا الأشدق فَقَالَ له: اتق اللَّه ولا تغز الجيوش مَكَّة فإن اللَّه حرمها فلم تحل لنبيه إلا ساعة من نهار ثم عادت حرمتها، فَقَالَ: وما أنت وهذا؟ لقريش علم لا تبلغه أنت ولا أصحابك، فانصرف رافع. 814- وقال أَبُو مخنف فِي روايته: صار عمرو بْن سَعِيد الأشدق إلى المدينة فجهز جيشًا يريد به ابْن الزُّبَيْرِ بمكة فَقَالَ عمرو بْن الزبير لعمرو بْن سَعِيد: أمرني على هذا الجيش فأنا أكفيك أخي، فقد تعرف الذي بيني وبينه لاستخفافه بحقي وقطيعته إياي، فولاه الجيش، وكان أكثر الجيش بدلاء من العطاء وجلهم يهوون ابْن الزُّبَيْرِ عبد اللَّه، فساروا حتى انتهوا إلى مَكَّة، فأخرج إليهم عبد اللَّه بْن الزبير رجالًا من أهل الحجاز ذوي دين وفضل ورأي وثبات وبصائر، فلما التقوا لم ينشب «2» جند عمرو بْن الزبير أن تفرقوا وأخذ عمرو بعد أن أجاره عبيدة «3» وآمنه، فلما أتي به عَبْد اللَّهِ قَالَ: من كانت له قبل عمرو 5 329 ابن الزبير مظلمة فليأخذها منه، فكان عبد اللَّه يخرجه الى الناس فليطم ويوجأ ويضربه ضارب بعصًا ويشجه (833) آخر بحجر اقتصاصًا ثم يرد إلى السجن ثم يخرج فيفعل به مثل «4» ذلك، وضرب بالسياط «5» اقتصاصًا للذين ضربهم إلا من عفا عنه، ثم إن رجلًا من هذيل بْن مدركة يقال له جنادة بْن الأسود أتى عبد اللَّه بْن الزبير فَقَالَ: إن عمرًا نطحني مرة فِي وجهي نطحة لم أزل أصدع منها حينًا، فأذن له فِي الاقتصاص منه، فنطح جبينه نطحة خر منها مغشيًا عليه، وكان عبد اللَّه إذا ضربه بالسياط اقتصاصًا لرجل تركه أيامًا حتى يبرأ ثم يضربه لآخر فيوجد صبورًا، فكان ذلك قد نهكه وأضعفه، فلما

_ (1) م: واستخفوا. (2) م: ينتشب. (3) يعني عبيدة بن الزبير. (4) س ط: بمثل. (5) س: السياط.

نطحه الهذلي لم يمكث إلا ليلة حتى مات، فَقَالَ عبد اللَّه بْن الزبير الأسدي فِي قصيدة قالها بعد حصار ابْن الزُّبَيْرِ الأول «1» : فيا راكبًا إما عرضت فبلغن ... كبير بني العوام إن قيل من تعني لعمري لقد أردى عبيدة جاره ... بشنعاء غدرٍ لا توارى على الدفن قتلتم أخاكم بالسياط سفاهة ... فيا لك من رأى مضل ومن أفن فلو أنكم أجهزتم إذ قتلتم ... ولكن قتلتم بالسياط وبالسجن جعلتم لضرب الظهر منه عصيكم ... تراوحه والأصبحية «2» للبطن وتخبر من لاقيت أنك عائذ ... وتكثر قتلى بين زمزم والركن 815- وقال الواقدي فِي روايته: إن مروان بْن الحكم أشار على عمرو بْن سَعِيد ألا يغزي مَكَّة جيشًا وقال: إنكم إن تركتم ابْن الزُّبَيْرِ كفيتم مؤنته بالموت فأبى، قَالَ: وسار عمرو بْن الزبير على جيش الأشدق وبين يديه لواء عقده له عمرو الأشدق، وخرج في أربعمائة من الجند وقوم من موالي بني امية وقوم من غير أهل الديوان، وتحلب «3» الناس على ابْن الزُّبَيْرِ من نواحي الطَّائِف يعاونونه ويدفعون عَنْ الحرم، وشخص المسور بْن مخرمة من المدينة إلى مَكَّة فسأل عنه عمرو بْن سَعِيد فأخبر بشخوصه فَقَالَ: لا يزال حب الفتنة بالمسور حتى يرديه، فكان ابْن الزُّبَيْرِ يشاوره فِي أموره. وقدم أيضًا على ابْن الزُّبَيْرِ مصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف وعبيد بْن عمير وعَبْد اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة بْن خلف الجمحي وهو عبد اللَّه الطويل، فأوصى الأشدق عمرو بْن الزبير بالصبر على القتال وأن يتبع الهارب ويجهز على الجريح، ولا يرضى إلا بأسر عبد اللَّه بْن الزبير أو بنزوله على حكم يزيد ولبس الجامعة، فلما فصل عمرو من المدينة ندم وقال: قد فعلت بعبد الله

_ 815- قارن بالطبري 2: 224 وابن الأثير 4: 13

وأصحابه ما لا يخرج من قلبه، ووافى مَكَّة ومع ابْن الزُّبَيْرِ بشر كثير فِي عدة وسلاح، فقدم عباد بْن عبد اللَّه ابنه ثم تلاحق الناس وراسل «1» عمرو أخاه فِي بيعة يزيد وقال «2» له: وما عليك فِي قبول ما دعاك أمير المؤمنين إليه من لبس الجامعة والمصير إليه فيها ثم يصير إلى محبتك؟ فَقَالَ: إني على طاعة يزيد وقد بايعت عامل مَكَّة حين دخلها، وكان عسكر عمرو بْن الزبير بذي طوى وعليه أنيس بْن عمرو الأسلمي- ويقال كان بالحجون إلا أنهم انكشفوا فقتل من قتل بذي طوي- فَقَالَ عبد اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة لعبد اللَّه بْن الزبير: إن هذا أعدى عدوّ لك فناجزه، قَالَ: نعم، فنهد إليه فِي جماعة من موالي ابْن الزُّبَيْرِ وهو وأصحابه غارون، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فقتل أنيس بْن عمرو الأسلمي وأسر عمرو، وقد قَالَ له أخوه عبيدة بْن الزبير أنا أجيرك، فعندها وضع يده فِي أيديهم، فأتي به عبد اللَّه بْن الزبير وقد شج فِي وجهه والدم يقطر على قدميه، فَقَالَ عمرو متمثلًا «3» : لَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أقدامنا تقطر الدما (834) فوبخه فَقَالَ: أي عدو اللَّه استخففت بحرم اللَّه، وأمر به إلى الحبس، فَقَالَ عبيدة بْن الزبير: إني قد أجرته، فَقَالَ عبد الله: إنّ للناس عليه حقوقا ولا بدّ من أن أقصهم، فضربه عبد اللَّه بكل سوط ضربه أحدًا بالمدينة سوطًا وأقص منه كلّ من لطمه وتناوله حتى سبط ميتًا، وقيل ان عمرو بْن الزبير لم يزل محبوسًا حتى بويع ابْن الزُّبَيْرِ وأقاد منه حتى مات، وإن فل عمرو قدموا المدينة فضربهم الأشدق فلامه يزيد على ذلك. 816- وقال الواقدي فِي رواية أخرى: لما قتل أنيس فِي المعركة وانفض عَنْ عمرو جل من معه وجه إليه عبد اللَّه بْن الزبير مصعب بن عبد الرحمن بن عوف فأسره، فجاءه عبيدة فَقَالَ: أنا أجيرك يا عمرو، فلما أخبر أخاه بإجارته إياه قَالَ: لا بدّ من أن يقتصّ

_ 816- قارن بالطبري 2: 225 وابن الأثير 4: 14

الناس منه، وأمر به فحبس ومعه غلام مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «1» بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هشام بن المغيرة المخزومي يقال له عارم- ويقال إنه مولى لبني زهرة واسمه زيد ولقبه عارم، ويقال هو غلام مصعب بْن عبد حمن بن عوف. 817- وقال أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: أسر زيد- عارم- غلام مصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف فبني له بناء ذراعين فِي ذراعين وأقيم فيه، وكان ذلك البناء فِي السجن فقيل سجن عارم. وصير عارم وعدة معه فِي بناء بني لهم ضيق وأطبق عليهم حتى ماتوا، قَالَ كثير يذكر ابن الحنفية ويهجو عبد اللَّه «2» . تخبر من لاقيت أنك عائذ ... بل العائذ «3» المحبوس فِي سجن عارم فما ورق الدنيا بباق لأهلها ... ولا شدة البلوى بضربة لازم 818- وكان ابْن الزُّبَيْرِ يخطب فيقول: واللَّه لا أريد إلا الإصلاح وإقامة الحق، ولا ألتمس جمع مال ولا ادخاره، وإنما بطني شبر أو أقل، يكفيني ما ملأه «4» ، فلما قتل عمرًا أخاه قَالَ الضحاك «5» بْن فيروز بْن الديلمي من أحرار اليمن «6» : تقول لنا أن سوف تكفيك قبضة ... وبطنك شبر أو أقل من الشبر وأنت إذا ما نلت شيئًا قضمته ... كما قضت نار الغضا حطب السدر لكم سنة الفاروق لا شيء غيرها ... وسنة صديق النبي أبي بَكْر فلو ما اتقيت اللَّه لا شيء غيره ... إذا عطفتك العاطفات على عمرو ويروى «7» :

_ 818- قارن بالبصائر 7 رقم: 304

فلو كنت تجزي أو تثيب بنعمة ... قريبًا لردتك العطوف على عمرو وقال أَبُو حرة مولى بني مخزوم «1» : ما زال في سورة الأعراف يقرأها ... حتى فؤادي مثل الخز فِي اللين لو كان بطنك شبرًا قد شبعت وقد ... أفضلت فضلا كثيرا للمساكين فإن تصبك من الأيام جائحة ... لا نبك منك على دنيا ولا دين 819- وقال الْمَدَائِنِيّ: لما تفرق أصحاب عمرو عنه قَالَ بعض الشعراء: كرهت كتيبة الجمحيّ لمّا ... رأيت الموت سال به كداء «2» فقلت أبا أُمَيَّة سوف تلقى ... شهيدًا أو يكون لك العناء يعني ابن صفوان. 820- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: كان عمرو بْن الزبير مائلًا إلى أخواله من ولد العاصي «3» ، فوجهه الأشدق إلى مَكَّة لقتال أخيه، فوجه عبد اللَّه عبد اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة الجمحي فقاتله فهزمه وأسره (835) فلما رآه عبد اللَّه قَالَ: ويحك ما صنعت؟ أما حقّي فقد تركته للأخوّة «4» ولا بدّ من الأخذ بمظالم الناس، فحبسه أشهرًا يقفه كلّ يوم فيأتي الرجل فيقول: لكزني فليكزه، ويقول الآخر: لطمني فيلطمه، ويقول الآخر: نتف لحيتي فيقول: انتف لحيته «5» ، حتى قدم سهيل بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف فَقَالَ: جلدني مائة ولم أجن ذنبًا، فأمر به فجرد وقال: اضربه مائة، فضربه مائة سوط فنغل ظهره حتى مات، فأمر به عبد اللَّه فصلب، فكان ذلك أول ما نقمه الناس عليه.

_ (1) الشعر في عيون الاخبار 2: 31 والعقد 6: 176 والبدء والتاريخ 6: 25 والاثنان الأولان في الأغاني 1: 34 والدرة الفاخرة: 90 والمروج 5: 175 والبصائر (نفسه) والثاني والثالث في الميداني 1: 75 والثالث في المفضليات: 118 والخزانة 2: 92 (واسم الشاعر في عيون الأخبار أبو وجزة، وفي العقد أبو وجرة أو عبد الله بن الزبير. (2) كداء: جبل قريب من ذي طوى (ياقوت 4: 241) . (3) ط م: العاص. (4) س: قد ... بالأخوة. (5) س: فينتف لحيته.

821- وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ عَبْد اللَّه بْن عياش الهمداني قَالَ، حَدَّثَنِي محمد بْن المنتشر قَالَ: حضرت مَكَّة أيام ابْن الزُّبَيْرِ فما رأيت أحدًا قط أبخل منه ولا أشد أفنًا، أتته الخوارج فضللهم «1» وعاب قولهم فِي عثمان حتى فارقه نافع بْن الأزرق الحنفي وبنو ماحوز «2» بْن بحدج فانصرفوا عنه «3» وغلبوا على اليمامة ونواحيها إلى حضرموت وعامة أرض اليمن، وأظهر سوء الرأي فِي بني هاشم «4» ، وترك ذكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجلهم، وقال: إن له أهيل سوء فإن ذكر مدوا أعناقهم لذكره «5» ، وحبس ابن الحنفيّة فِي الشعب حتى شخص من أهل الكوفة من شخص وعليهم أَبُو عبد اللَّه الجدلي، فلم يقدر له على مضرة، ففارقته الشيعة بهذا السبب وأكفرته، وكان المختار معه فلما رأى تفننه وتخليطه تركه وانصرف إلى الكوفة، وقال له الحصين بْن نمير «6» صر معي إلى الشام أبايعك والناس فأبي، وجعل حصين يكلمه سرًا وذلك حين ورد عليهم موت يزيد وهو يرفع صوته فَقَالَ له: ما عرفك من زعم أنك داهية، أكلمك سرًا وترفع صوتك، وزعم أنّه عائذ بالبيت ثم دعا الناس إلى بيعته فبايعه من بايعه. 822- وقال الْهَيْثَم بْن عدي «7» : وجاءه قوم من الأعراب لينصروه فَقَالَ: إن سلاحكم لرث وإن حديثكم لغث وإنكم لأعداء فِي الخصب عيال فِي الجدب. وأتاه أعرابي فَقَالَ له: افرض لي قَالَ: أثبتوه فأثبتوه قَالَ: أعطني، قَالَ: قاتل أولًا فَقَالَ: بأست هذا «8» دمي نقد ودرهمك نسيئة، هذا واللَّه ما لا يكون، قال: وولّى الحارث بن الحصين ابن الحارث بْن قيس الجعفي وادي القرى وبها تمر كثير من تمر الصدقة ففرقه فيمن معه،

_ (1) ط م: فظللهم، س: فظلله. (2) ط م س: ماحور. (3) سيأتي الخبر عن علاقة ابن الزبير بالخوارج في الورقة 564/ أ (من النسخة س) . (4) قارن بالمروج 5: 177 (5) قارن بالمروج 5: 184 (6) انظر أيضا ما يلي: 887، 896، 907 (7) يرد هذا أيضا في النسخة س، الورقة: 515 أ، 564/ أ، ب. (8) باست هذا: وقعت في م بعد لفظة «نسيئة» .

وكان كتب إليه أن يحتفظ به، فلما قدم عليه جعل يضربه بالدرّة ويقول: أكلت تمري وعصيت أمري. 823- وقال أَبُو مخنف فِي روايته: رفع الوليد بْن عتبة وناس معه على عمرو بْن سَعِيد الأشدق وقالوا: لو شاء أن يأخذ ابْن الزُّبَيْرِ لأخذه، فسرح يزيد عند ذلك الوليد واليًا على الحجاز، وعزل عمرو بْن سَعِيد، فشخص عمرو إلى الشام، فعاتبه يزيد فَقَالَ: كنت أرفق به لآخذه ولو كان معي جند لناهضته، على أني قد اجتهدت، فَقَالَ يزيد: اشد ما أنكرت عليك أنك لم تكتب إلي تسألني أن أمدك بأهل الشام إذا لم يكن فيمن أنهضت معك الى ابن الزبير كفاية وكانوا غير أولي عدد وعدة. 824- قالوا: ولما قتل الحسين ثار نجدة بْن عامر باليمامة فحج فيمن حج وكان الوليد بْن عتبة يفيض من عرفة ويفيض معه عامة الناس وابْن الزُّبَيْرِ واقف بأصحابه، ونجدة واقف بأصحابه، ثم يفيض كل امرئ منهم بأصحابه على حدته. 825- قالوا: وكتب ابْن الزُّبَيْرِ إلى يزيد عَنْ أهل مَكَّة: إنك بعثت إلينا رجلًا أخرق لا يتجه لأمر رشد ولا يرعوي (836) لعظة الحليم، فلو بعثت إلينا رجلًا سهل الخليقة لين الكنف «1» لرجونا أن يسهل من هذه الأمور ما استوعر، وأن يجمع منها ما تفرق، فانظر فِي ذلك، فإن فيه صلاح خواصنا وعوامنا. فلما ورد الكتاب عليه عزل الوليد وولى عثمان بْن محمد بْن أبي سُفْيَان، فقدم عليهم فتى حدث لم تحنكه الأمور ولم تحكمه التجارب ولم تجرسه «2» الأيام. 826- وقال الْمَدَائِنِيّ: قدم عبد الرحمن بْن زيد بن الخطّاب على يزيد فقال له:

_ 824- الطبري 2: 401 وابن الأثير 4: 86 825- في سيرة عمرو بن سعيد وعزله وتولية عثمان بن محمد انظر الموفقيات: 152 826- قارن بابن سعيد 5: 36

خبر يوم الحرة:

قد لججت فِي أمر ابن عمك، فلو أعطيته شيئًا يطمئن إليه، فَقَالَ له: قد وليتك مَكَّة فاعمل فِي أمره بما يطمئن به، فمال إلى ابْن الزُّبَيْرِ ميلًا شديدًا وقال له: أنت أحب إلي من أولاد الطلقاء، فعزله يزيد وولى عبد اللَّه بْن معين «1» بن عبد الأسد المخزومي. 827- قال: وقدم مروان على ابْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ له: إن القوم لا يدعون سلطانهم حتى يذبوا عنه، وخوّفه أهل الشام 7 فلقم يجبه إلى شيء مما أشار به عليه. 828- وقال الْهَيْثَم: تحصن سعد مولى عتبة بْن أبي سُفْيَان بالطائف فِي خمسين رجلًا فاستنزلهم ابْن الزُّبَيْرِ وضرب أعناقهم فِي الحرم، فَقَالَ ابن عُمَر: يا سبحان اللَّه ما أحمق هذا الرجل، أما أنه لم يقتل أحد أحدًا بالحرم إلا قتل به، وقال ابن عباس: لو لقيت قاتل أبي بالحرم ما قتلته. خبر يوم الحرة: 829- قَالَ الواقدي وغيره فِي روايتهم: لما قتل عبد اللَّه بْن الزبير أخاه عمرو بْن الزبير خطب الناس فذكر يزيد بْن مُعَاوِيَة فَقَالَ: يزيد الخمور، ويزيد الفجور، ويزيد الفهود، ويزيد القرود، ويزيد الكلاب، ويزيد النشوات، ويزيد الفلوات، ثم دعا الناس الى إظهار خلعه وجهاده، وكتب إلى أهل المدينة بذلك، فاجتمع أهل الحجاز على أمر ابْن الزُّبَيْرِ وطاعته، وأخذ البيعة له على أهل المدينة عبد اللَّه بْن مطيع العدوي، وقد كان ابن عضاه وأصحابه الوافدون معه عرفوا يزيد ميل أهل المدينة على يزيد مع ابْن الزُّبَيْرِ، وأتاه خبر عمرو بْن الزبير وما أعلن عبد اللَّه من الأمر بعد ذلك، وأن أهل المدينة قد كاشفوا بعداوته، فكتب يزيد الى عثمان بْن محمد بْن أبي سُفْيَان عامله أن يوجه إليه وفدًا ليستمع مقالتهم ويستميل قلوبهم، فأوفد إليه «2» المنذر بْن الزبير بْن العوام وعبد اللَّه بْن أبي عمرو بْن

_ 829- قارن قول ابن الزبير في يزيد بما جاء في البيان 2: 123 والعيون 2: 249 والأغاني 23: 136 (في خطبة أبي حمزة الشاري) .

حفص بْن المغيرة المخزومي وعبد اللَّه بْن حنظلة الغسيل ابن أبي عامر الأنصاري فِي آخرين «1» من الأشراف، فلما قدموا عليه أكرمهم ووصل كل واحد «2» منهم بخمسين ألف درهم، ووصل المنذر بمائة ألف درهم، ثم انصرفوا من عنده، فلما وردوا المدينة قالوا: قدمنا من عند رجل فاسق يشرب الخمور ويضرب الطنابير ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب، فعاقدهم الناس على خلعه، وولوا أمرهم عبد اللَّه بْن حنظلة الغسيل، وقدم المنذر بْن الزبير البصرة من بين الوفد، فأكرمه ابن زياد وبره وأمر له بمائة ألف درهم. 830- وقال عوانة: كان مسور بْن مخرمة وفد إلى يزيد قبل ولاية عثمان بْن محمد، فلما قدم شهد عليه بالفسق وشرب الخمر، فكتب إلى يزيد بذلك فكتب إلى عامله يأمره أن يضرب مسورا الحدّ، فقال ابو حرّة «3» : أيشربها صهباء كالمسك ريحها «4» ... أَبُو خالد ويضرب الحدّ مسور 831- وقال هشام ابن الكلبي، أخبرني أَبُو مخنف قَالَ: لما بلغ يزيد خلع أهل المدينة وتوليتهم ابن الغسيل أمرهم، كتب إلى ابن زياد فِي حمل المنذر بْن الزبير إليه، فكره ابن زياد ذلك إذ كان ضيفه وصديق أبيه زياد، فكتب إليه: إنه إنما صار إلى متبرئًا من أصحابه مخالف لقولهم وفعلهم، ثم أمر منذرًا أن يستأذنه على رؤوس الناس فِي إتيان (837) الحجاز، وقد كتم ابن زياد أمر الكتاب، فلما فعل أذن له فِي اللحاق بأهله، فلما صار إلى الحجاز قَالَ فِي يزيد مثل قول الوفد وقال: إن يزيد أجازني بمائة ألف درهم، وما يمنعني ذلك من أن أخبركم خبره، واللَّه إنه ليسكر من الخمر حتى يدع الصلاة، فيقال إن المنذر أقام فشهد الحرة ثم صار إلى مَكَّة، ويقال إنه قدم مَكَّة قبل الحرّة.

_ 830- انظر الورقة 823 ب (من المخطوطة س) والمعارف: 429 والعقد 4: 35 (وقد نسب البيت في المصدرين الأخيرين للمسور) . 831- قارن بالطبري 2: 403 وابن الأثير 4: 87

832- وبعث يزيد إلى النعمان بْن بشير فَقَالَ له: إن عدد الناس بالمدينة الأنصار وهم قومك، فأتهم فأفثأهم «1» عما يريدون، فصار النعمان إلى قومه فاستنهاهم من أنفسهم، وحذرهم جنود أهل الشام، ورغبهم فِي بيعة يزيد فَقَالَ له عبد اللَّه بْن مطيع العدوي: يا نعمان: قد جئتنا بأمر تريد به تفريق جماعتنا وإفساد ما قد أصلح اللَّه من أمرنا، فَقَالَ النعمان: كأني بك على بغلتك تضرب جنبيها «2» ثم تلحق بمكة، وتترك هؤلاء المساكين من الأنصار يقتلون فِي سككهم ومساجدهم، فلم يلتفت إلى قوله، وكان مع النعمان كتاب من يزيد نسخته: من عبد اللَّه يزيد أمير المؤمنين إلى أهل المدينة، أما بعد فقد أنظرتكم حتى لا نظرة، ورفقت «3» بكم حتى عجزت عندكم، وحملتكم على رأسي ثم على عيني ثم على نحري، وأيم اللَّه لئن وضعتكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة أجعلكم بها أحاديث تؤثر مع أحاديث عاد وثمود، وتمثل بهذين البيتين: أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستضعف الرجل الحليم ومارستُ الرجال ومارسوني ... فَمُعْوَجٌّ عليّ ومستقيم 833- ووثب أهل المدينة على عثمان بْن محمد ومن بالمدينة من بني أُمَيَّة ومواليهم ومن عرف بالميل اليهم من قريش، وكانوا زهاء ألف، فأخرجوهم. فخرجت بنو أُمَيَّة حتى نزلوا بجماعتهم دار مروان، فحاصرهم الناس في دار مروان وهو معهم وابنه عبد الملك حصارًا ضعيفًا، وهتفوا بخلع يزيد، فكتب مروان ومن معه بخبرهم إلى يزيد كتابًا مع حبيب بْن كرة، فلما قدم حبيب على يزيد دفع الكتاب إليه ورجلاه فِي الماء لنقرس عرض له، فَقَالَ: يا حبيب ما كان بنو أُمَيَّة بالمدينة ألف رجل؟ فقال: بلى يا امير

_ 832- الطبري 2: 404 وابن الأثير 4: 88 ونصّ كتاب يزيد في الموفقيات: 197 والامامة 1: 327 وعيون الأخبار 1: 202 والعقد 4: 388 وصبح الأعشى 6: 390 والبصائر 2: 734، والبيتان لقيس بن زهير العبسي، انظر النقائض: 97 والموفقيات: 198 والحماسة 1: 221 والعيون 1: 202 والأغاني 17: 138 والمرزباني: 198 وأمالي القالي 1: 261 833- الطبري 2: 405 وابن الأثير 4: 93 (وفيهما الرجز التالي) .

المؤمنين، قَالَ: فما استطاعوا «1» أن يقاتلوا ساعة من نهار؟ وقرأ يزيد الكتاب على عمرو بْن سَعِيد الأشدق وعرض عليه أن يصير إلى المدينة فَقَالَ: قد كنت ضبطت لك البلد وأحكمت الأمور وأردت أن ألطف للرجل فآخذه فِي رفق أو أقتله وحده بحيلة، فأما الآن فإني لا أحب هراقة «2» دماء قريش، فبعث بالكتاب إلى مسلم بْن عقبة المري، فجاء حتى دخل على يزيد فَقَالَ: يا أمير المؤمنين ما أعجب هذا، أما قدروا وهم ألف رجل أن يقاتلوا عَنْ أنفسهم ساعة واحدة؟ ثم أمره يزيد بالشخوص ونادى مناديه فِي الناس بالمسير إلى الحجاز على أن يعطوا أعطياتهم كملًا ويعان كل امرئ منهم بمائة دينار، وانتدب «3» اثنا عشر ألفًا وركب يزيد فرسًا وتقلد سيفًا وتنكب قوسًا وأقبل يتصفح الخيل ويقول «4» : أبلغ أبا بَكْر إذا الجيش انبرى ... وأشرف القوم على وادي القرى أجمع سكران من الخمر ترى ... أم جمع يقظان إذا حث السرى وا عجبا من ملحد وا عجبا ... مخادعٍ فِي الدين يقفو بالفرى «5» 834- ولما بلغ أهل المدينة خبر من أقبل عليهم حصروا بني أُمَيَّة فِي دار مروان (838) حصارًا شديدًا وضيقوا عليهم وقالوا: لا نكف عنهم حتى يوثقوا لنا بالعهد أنا إذا جليناهم من المدينة لم يبغونا «6» غائلة ولم يدلوا لنا على عورة ولم يظاهروا علينا أحدًا، ففعلوا ذلك، ثم أخرجوهم بأثقالهم وأموالهم فمضوا إلى الشام. 835- وقال يزيد لمسلم بْن عقبة: أنت أمير الجيش وإن حدث بك حدث فأمير الجيش «7» الحصين بْن نمير السكوني، فإذا وردت المدينة فادع الناس ثلاثا، فإن أجابوك

_ 834- الطبري 2: 410 وابن الأثير 4: 95 835- الطبري 2: 409 وابن الأثير 4: 94

وإلا فقاتلهم، فإن ظهرت عليهم فأبحها ثلاثًا، فما كان بها من مال أو رثة أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاث فاكفف عَنِ الناس واستوص بعلي بْن الحسين بْن علي خيرًا وأدن مجلسه فإنه لم يدخل فِي شيء مما دخل الناس فيه، واعلم أنك تقدم على قوم ذوي جهالة واستطالة قد أفسدهم حلم أمير المؤمنين معاوية وطنّوا أن الأيدي لا تنالهم، فلا تردن أهل الشام عما أرادوه بهم، وكان علي بْن الحسين آوى عائشة بنت عثمان بْن عفان وهي أم أبان بْن مروان بْن الحكم واعتزل فِي ضيعة بقرب المدينة كراهة أن يشهد شيئًا من أمرهم. 836- ولقيت بنو أُمَيَّة مسلم بْن عقبة بوادي القرى فسلموا عليه فدعا عمرو بْن عثمان بْن عفان أول الناس فسأله عَنِ الخبر فلم يخبره بشيء ليمينه التي حلفها لأهل المدينة، فَقَالَ: لولا أنك ابن عثمان لضربت عنقك، واللَّه لا أقلتها قرشيًا بعدك. وقدم مروان ابنه عبد الملك ليخبره خوفًا من الحنث، فسأل مسلم عبد الملك فأخبره فَقَالَ: لله درك يا ابْن مروان لقد رأى بك أبوك خلفًا منه فِي حياته. 837- ويقال إن يزيد لما عرض بجنده «1» كتب إلى ابْن الزُّبَيْرِ رقعة لطيفة أفرد بها رسولًا، ويقال إنه لم يكتب ولكنه قَالَ قولًا ظاهرًا: استعد ربك فِي السماء فإنني ... أدعو إليك رجال عك وأشعر ورجال «2» كلب والسكون ولخمها ... وجذام تقدمها كتائب حمير كيف النجاء أبا خبيبٍ منهم ... فاحتل لنفسك قبل أتي العسكر والشاميون يقولون إنما قَالَ: اجمع رجال الأبطحين فإنني ... أدعو إليك رجال عكّ وأشعر

_ 836- الطبري 2: 410 وابن الأثير 4: 95 837- البيتان 1، 3 في المروج 5: 162

838- قالوا: وارتحل مسلم فلما قدم المدينة مضى فِي الحرة حتى أتى المدنيين فقدم من قبل المشرق، وكان عبد الملك بْن مروان أشار عليه بذلك، ثم أجلهم ثلاثًا وقال: إن دخلتم فيما دخل الناس فيه انصرفت عنكم وأتيت الملحد الذي بمكة، وإن أبيتم قاتلتكم بعد الإعذار إليكم، وكان أهل المدينة قد اتخذوا خندقًا ونزل بباب من أبوابه جمع عظيم، فكان عليهم عبد الرحمن بْن أزهر بْن عوف الزهري وكانوا ربعًا، وكان عبد الله ابن مطيع على ربع آخر مما يلي المدينة، وكان معقل بْن سنان الأشجعي على ربع مثل ذلك، وكان عبد اللَّه بْن حنظلة الغسيل على ربع آخر مما يلي الحرة، وجعلوا اليه رئاستهم وترتيبهم «1» . ويقال إن كل قوم خندقوا على ربعهم، وكان ابن الغسيل وابن مطيع فِي الأنصار ومعقل فِي المهاجرين، وكان على الموالي يزيد بْن هرمز، فَقَالَ الشاعر وهو شهوات «2» مولى بني تيم وذلك الثبت، وقوم يقولون مولى آل الزبير. إنّ في الخندق المكلّل بالمج ... د لضربًا يسوء ذا النشوات لست منا وليس خالك منا ... يَا مضيع الصلاة للشهوات برقع «3» الدب واحمل القرد وانزل ... فِي بلاد الوحوش بالفلوات فإذا ما غلبتنا فتنصر ... واتركن الصلاة والجمعات 839- وقال ابن الكلبي: سمي شهوات لهذا البيت، وقال غيره: سمي شهوات لأنه كان (839) يتشهى على عبد اللَّه بْن جعفر الشهوات فيطعمه إياها. وقال الْمَدَائِنِيّ: يقال إن هذا الشعر لمحمد بْن عَبْدِ اللَّه «4» بْن سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْن نفيل هجاه به حين

_ 838- الطبري 2: 412 وابن الأثير 4: 96 839- الخزانة 1: 144 والمرزباني: 286 والشعر والشعراء: 481 والمعارف: 237 والبدء والتاريخ 5: 86 وابن كثير 8: 23 والورقة 928 ب (من المخطوطة س) والمصعب: 240 والأغاني 3: 147 والسمط: 807

عزل عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْدِ بْن الْخَطَّابِ عَنْ مَكَّة، وسمعت من يذكر أن أهل المدينة كتبوا بهذا الشعر إلى يزيد، فَقَالَ رجل من كلب: أنت منا وليس خالك «1» منا ... يا مجيب الصلاة للدعوات «2» 840- قالوا: ولما انقضت الأيام الثلاثة التي ضربها مسلم بْن عقبة لهم أجلًا قَالَ لهم: يا قوم إن أمير المؤمنين يكره إراقة دمائكم، ولقد استدامكم منذ زمان لأنكم أصله «3» ، فاتقوا اللَّه فِي أنفسكم، فشتموه وشتموا يزيد وفجروه، وقالوا: بل نحارب ثم نحارب، فأمر مسلم بفسطاط عظيم فضرب له ثم زحف إلى أهل المدينة وصمد بمن معه صمد ابن الغسيل، فحمل ابن الغسيل بالرجال حتى كشف الخيل، فانتهت الخيل إلى فسطاط مسلم، فصاح مسلم بالخيل فكرها فقاتل طويلًا، ثم إن الفضل بْن العباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب قَالَ لابن الغسيل: مر فرسانك أن يصيروا إلي، فأمرهم بالمصير إليه فقاتل بهم فكشف أصحاب مسلم حتى لم يبق إلا فِي خمسين قد أشرعوا أسنتهم وجثوا على ركبهم فشدوا عليه فقتلوه وقتل معه زيد بْن عبد الرحمن بن عوف الزهري وإبراهيم بْن نعيم بْن عبد اللَّه النحام فِي رجال من أهل المدينة. 841- ويقال أن مسلمًا كان مريضًا يوم القتال، فأمر بسرير أو كرسي فوضع له بين الصفين، ثم حض أهل الشام وحرضهم على القتال فقاتلوا، فقتل الفضل بْن العباس ومن كان معه بعد قتال شديد انثنت فيه السيوف وانقصفت الرماح، فحمل الفضل فِي جماعة من وجوه الناس وفرسانهم يريد مسلمًا وهو على سريره أو كرسيه فَقَالَ: احملوني فحمل فجعل أمام فسطاطه، وكان الفضل رجلًا أحمر، فصاح بهم: إن العبد الأحمر قاتلي فأين أنتم يا بني الحرائر، اشجروه برماحكم، فطعنوه حتى سقط.

_ 840- الطبري 2: 412، 413 وابن الأثير 4: 96، 97 841- الطبري 2: 415 وابن الأثير 4: 97

842- قالوا: ثم إن خيل ابن الغسيل ورجالته رجعوا إلى مسلم يريدونه، فركب فرسًا وجعل يَقُول: يا أهل الشام إنكم لستم بخير العرب وإنما رزقتم النصر بطاعتكم لأمرائكم وصبركم فِي لقاء عدوكم. ثم انتهى إلى مصافه «1» وأمر أن يحملوا على ابن الغسيل وأصحابه، فقاتلوهم اشد قتال، ونزل حصين بْن نمير فِي أهل حمص ثم مشي إليهم فَقَالَ ابن الغسيل حين رآهم يمشون تحت راياتهم: إن عدوكم قد أصاب جهة قتالكم، ولن يلبثوا «2» إلا ساعة من نهار حتى يحكم اللَّه بينكم وبينهم، ثم قدم أمامه ولده حتى قتلوا واحدًا بعد واحد، ودنا عبد اللَّه بْن عضاه بْن الكركر الأشعري وأصحابه فمشى في خمسمائة رامٍ فنضحوهم بالنبل، فَقَالَ ابن الغسيل: علام تستهدفون «3» للنبل؟ من أراد التعجل إلى الجنة فليلزم رايتي، فتقدم إليه كل مستميت، فنهض القوم واقتتلوا أبرح قتال وأشده، وجعل ابن الغسيل يَقُول «4» : بؤسًا لمن شد فسادًا وطغى ... وجانب القصد وأسباب «5» الهدى لا يبعد الرحمن إلا من عصى ثم استقدم فجالد حتى قتل وقتل معه أخوه لأمه مُحَمَّدُ بْن ثَابِتِ بْن قَيْسِ بْن شَمَّاسٍ الأنصاري ومحمد بْن عمرو بْن حزم النجاري «6» . 843- ومن رواية الواقدي: إن مروان (840) والأمويين رجعوا إلى المدينة مرتهم الأولى فلم يعيبوا على أهل المدينة فكانوا بها حتى أمر ابْن الزُّبَيْرِ بإشخاصهم بعد موت يزيد.

_ (1) الطبري: انتهى إلى مكانه الذي كان فيه. (2) الطبري: تلبثوا. (3) س: يستهدفون. (4) انظر الرجز أيضا في السمهودي: 93 (5) الطبري: وآيات. (6) الطبري: الأنصاري (وما هنا صواب أيضا) .

844- قالوا: فَقَالَ مروان حين رأى ابن الغسيل: يرحمك «1» اللَّه فلرب سارية رأيتك تطيل الصلاة إلى جانبها. 845- قالوا: وخرج محمد بْن سعد بْن أبي وقاص يرد الناس بسيفه حتى غلبته الهزيمة، فذهب فيمن ذهب من الناس، وأباح مسلم المدينة ثلاثة أيام يقتلون ويأخذون المتاع ويعبثون بالإماء ويفعلون ما لا يحبه اللَّه. وخرج أَبُو سَعِيد الخدري فاقتحم مغارة فدخل عليه رجل بسيفه فانتضاه ليرعبه، فلما أقبل عليه قال أبو سعيد (لَئِنْ بسطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتلَني مَا أَنَا بباسطٍ يديَ إِلَيْكَ لأقتلَك إِنِّي أخافُ اللَّهَ ربَّ العالمين) (المائدة: 28) فقال له الشامي: من أنت لله أبوك؟ قَالَ: أَبُو سَعِيد الخدري، قَالَ: صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نعم، فتركه وقال: استغفر لي. 846- وقال عوانة بْن الحكم: دخلوا من قبل بني حارثة إلى المدينة فلم يبق دار إلا انتهبت، إلا دار أسامة بْن زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن كلبًا حمتها، ودار امرأة من حمير فإن حمير حمتها. وكان أهل الشام يقاتلون أهل المدينة ويقولون يا يهود. 847- وقال الواقدي فِي بعض رواياته: ولى الأنصار أمرهم ابن الغسيل وتساند القوم، فلما قرب مسلم من المدينة عسكروا بحرة واقم وخندقوا، وكان ابْن الزُّبَيْرِ أمر بإخراج بني أُمَيَّة ومواليهم من مَكَّة والمدينة إلى الشام، وفي ذلك يَقُول ابن قيس الرقيات «2» : لبيك البقيع ودور البلاط ... رهط ابن عفان والمسجد فمروة فالسنح يبكيهم ... فعسسفان فالحجر الأسود

_ 844- الطبري 2: 417 وابن الأثير 4: 99 845- الطبري 2: 418 وابن الأثير (نفسه) وتاريخ خليفه 1: 292: 864 والعقد 4: 389- 390

فخرج منهم أربعة آلاف فيما يزعمون، فلما صاروا بوادي القرى أمرهم مسلم بالرجوع معه، فنفذت من وجوههم إلى يزيد جماعة ورجع سائرهم، فلما قدم مسلم المدينة أكمن كمينًا مما يلي منازل بني حارثة، فتناهض الجمعان، وكان بمسلم النقرس فحمل فِي ترس ووضع أمام الصف ثم جلس عليه وقال: يا أهل الشام قاتلوا عَنْ إمامكم أو دعوا، فنشبت الحرب فصبر أهل المدينة وقاتلوا أشد قتال، فلم يشعروا إلا بالكمين يضربهم فِي أدبارهم فانهزموا، وقتل عبد اللَّه بْن الغسيل وابن عمرو بْن حزم الأنصاري- وكان قاضيهم- وفر ابن مطيع فلحق بابْن الزُّبَيْرِ. ثم أنهب الناس المدينة ثلاثة أيام. فلما انقضت الثلاثة الأيام جلس للبيعة «1» ودعاهم إليها «2» ، فكان أول من أتاه يزيد بْن عَبْد اللَّه بْن زمعة بْن الأسود وأمّه زينب بنت أبي سلمة وجدته أم سلمة زوج رسول الله صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بايع لأمير المؤمنين على أنك عبد قن يحكم فِي مالك ودمك، قَالَ: أبايعك له «3» عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيّه وعلى أني ابن عمه فقدمه فضرب عنقه وقال: واللَّه لا تشهد على أمير المؤمنين بشهادة بعدها، وكان وفد إليه فأعطاه فقدم يفجره ويشهد عليه بشرب الخمر. ثم أتي بمعقل بْن سنان الأشجعي فَقَالَ له: مرحبًا بأبي محمد، فأخذ بيده فأقعده معه على طنفسته، ودعا معقل بماء فَقَالَ مسلم: ائتوه بشربة عسل وخوضوها (841) بثلج مما حمل معنا ففعلوا، فلما شربها قَالَ: سقى اللَّه الأمير من شراب الجنة فَقَالَ: واللَّه لا شربت بعدها شرابًا إلا من جهنم حين تسقى من حميمها، فَقَالَ معقل: نشدتك اللَّه والإسلام، قَالَ: أتذكر حين مررت بطبرية فقلت لك: من أين اقبلت؟ فقلت «4» : سرنا شهرًا وأحرثنا «5» ظهرا ورجعنا صفرا ووجدناه يشرب خمرًا، نأتي واللَّه المدينة فنخلع الفاسق ابن الفاسق ونبايع رجلًا من أبناء المهاجرين، فإني آليت تلك الليلة

_ (1) س: بالبيعة. (2) من هنا ومن ضمن ذلك ف 848 وبعض 849 في الأخبار الطوال: 275 وانظر الطبري 2: 418، 421 وابن الأثير 4: 99 (ولم يرد فيهما البيت) وتاريخ خليفه 1: 291- 292. (3) له: سقطت من س. (4) يرد هذا القول في الورقة 1170 ب (من المخطوطة س) . (5) س: وأحربنا، الدينوري: وأنضينا.

ألا أقدر عليك فِي موطن يمكنني فيه قتلك إلا قتلتك، وما أشجع «1» والخلافة والخلع؟! قدّماه فاضربا عنقه، فضربت عنقه، فَقَالَ الشاعر «2» : ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها ... وأشجع تبكي معقل بْن سنان 848- الْهَيْثَم بْن عدى عَنْ عوانة قَالَ: أتى محمد بْن أبي «3» الجهم فَقَالَ له: أبايعك على كتاب اللَّه وسنة نبيه، فأمر فضربت عنقه وقال: حباك أمير المؤمنين وأعطاك ثم تشهد عليه بشرب الخمر؟! واللَّه لا تشهد بعدها بشهادة زور أبدًا، ودعا «4» بعمرو بْن عثمان بْن عفان وكان ممن رجع وقد كان سأله عَنْ خبر أهل المدينة فلم يخبره به فأغلظ له وقال: لولا أنك ابن أمير المؤمنين لقتلتك فإنك الخبيث ابن الطيب، إذا ظهر أهل المدينة قلت: انا رجل منكم و «5» إذا ظهر أهل الشام قلت: أنا ابن أمير المؤمنين عثمان، يا غلام انتف لحيته، فنتفت حتى ما تركت فيها طاقة، ثم قَالَ: إن أم هذا كانت ورهاء تحمل فِي شدقها الشيء ثم تقول لعثمان: حاجيتك ما في شدقي، وفيه ما يسوؤها. ويقال حملت مرة خنفساء «6» ، ويقال أنه ضربه بالسياط وقال: نحن نقاتل عَنْ دولتكم وأنت تكيدها. وتكلم فيه مروان وقال: ابن عمي فَقَالَ: ومعقل ابن عمي أيضًا. ويقال أنه وهب له ضربه وخلى سبيله، وكانت أمه من دوس يقال لها أم عمرو بنت جندب «7» . وأتاه «8» مروان وعبد الملك بعلي بْن الحسين بن عليّ ليطلبا له الأمان وذلك أنه استجار بهما، فلما رآه أدناه وقربه وقال: لولا أن أمير المؤمنين أمرني ببره وإكرامه وعرفت براءته وسلامته ما شفعتكما فيه، ثم أمره بالانصراف على بغله وجزاه الخير. وبعث إلى علي بن عبد الله بن

_ (1) يعني قبيلة أشجع. (2) ابن سعد 4/ 2: 24 وأسد الغابة 4: 398 والاصابة 3: 915 والسمهودي: 93 (3) أبي: سقطت من م س. (4) انظر هذا الخبر في ف: 1554 وعيون الاخبار 2: 38 (5) إذا ظهر ... و: سقط من م وهو بهامش ط س. (6) ويقال ... خنفساء: سقط من م (وهو بهامش ط) ثم ورد في م بعد قوله «عمرو بنت جندب» في ما يلي، وانظر عيون الأخبار 2: 38 والفقرة: 1554 والطبري 2: 421 (7) ط: جنيدبة، م: جندبية، س: جندبة. (8) م: ويقال أتاه.

عباس ليدخل فيما دخلوا فيه من البيعة ليزيد على «1» حكمه، فرأى فسطاطًا فسأل عَنْ صاحبه فقيل فسطاط حصين بْن نمير بْن ناتل «2» السكوني، فأتاه فاستجار به فأجاره بالخؤولة لأن أم علي بْن عبد اللَّه كندية، وحال بينه وبين رسل مسلم ومنعهم أهل حمص منه تعصبًا لحصين بْن نمير وأحالوا عليهم بالسياط حتى تركوه، ثم أتى به الحصين مسلمًا فبايعه ليزيد على السمع والطاعة. 849- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: أتي مسلم بعلي بْن عبد اللَّه فأراد تناوله فكلمه فيه حصين وكان حاضرًا. وقال علي بْن عبد اللَّه «3» : أبي العباس قرم بني لؤي «4» ... وأخوالي الملوك بنو وليعه «5» هم منعوا ذماري يوم جاءت ... كتائب مسرفٍ وبني «6» اللكيعه أراد بي التي لا عز فيها ... فحالت دونه أيدٍ رفيعه «7» هم ملكوا بني أسدٍ وأدًا ... وقيسًا والعمائر من ربيعه وكندة معدن للملك قدمًا ... يزين فعالهم عظم الدسيعة 850- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بْن زيد إلى بني (842) غطفان فسبى مسلم بْن عقبة المري فيمن سبى، فاشترت مسلمًا امرأة من الأنصار وأعتقته، فلما كان يوم الحرة بعث الأنصار إلى مسلم احفظ بلاءنا عندك فقال: ما أحفظني له ولكنكم قتلتم عثمان. 851- قالوا: ثم شخص مسلم بالجيش بعد أخذه البيعة على ما أراد وبعد إنهابه المدينة

_ 851- قارن بالامامة 1: 345، 2: 15 واليعقوبي 2: 299 والاخبار الطوال: 277 وانظر ما يلي ف: 852، 855

وتفتيشه النساء وهو يريد عبد اللَّه بْن الزبير بمكة كما أمره يزيد، وخلف على المدينة روح بْن زنباع الجذامي، فلما صار إلى المشلل- ويقال عقبة هرشى- اعتل علة شديدة وكانت به دبيلة أو علة غيرها، فلما حضره الموت قَالَ: أسندوني فأسندوه، فرفع يديه ثم قَالَ: اللَّهم إنك تعلم إني لم أغش خليفة قط فِي سر ولا علانية، وأن أزكى عمل عملته قط فِي نفسي بعد شهادة أن لا إله إلا اللَّه قتلي أهل الحرة، ولئن دخلت النار بعد قتلهم إني لشقي، ثم قَالَ لحصين بْن نمير بْن ناتل «1» بْن لبيد بْن جعثنة السكوني: يا ابْن بردعة الحمار لولا عهد «2» أمير المؤمنين إلي فِي توليتك أمر هذا الجيش إن حدث بي حدث لوليت حبيش بْن دلجة، فإذا قدمت مَكَّة فناجز عدوك، وإياك أن تمكن قريشًا من أذنيك «3» فإنهم قوم خدع، وإذا لقيت عدوك فالوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف، ثم أعلم الناس بأن «4» واليهم الحصين. 852- وقال الْمَدَائِنِيّ عَنْ عوانة ويزيد بْن عياض قالا، قَالَ مسلم لحصين: إن أمير المؤمنين أمرني أن أوليك أمر هذا الجيش وأكره خلافه عند الموت، ولولا ذلك كان الوالي حبيش بْن دلجة فإنه أولى بذلك منك، ثم مات فدفن على ظهر المشلل، وسار حصين بالجيش إلى مَكَّة. 853- الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابن جعدبة: أن يزيد أصحب مسلم بْن عقبة طبيبًا فَقَالَ للطبيب: إليك عني إنما كنت أحب أن أبقى حتى أشتفي من قتلة عثمان، وقد أدركت ما أردت، فما شيء أحب إلي من أن أموت على طهارتي قبل أن أحدث حدثا فإن اللَّه قد طهرني بقتل هؤلاء الأرجاس. 854- قالوا: وأقبلت أم ولد ليزيد بْن عبد اللَّه بْن زمعة وكانت بخاريّة في غلمة

_ 852- قارن بالطبري 2: 424 854- انظر ما يلي ف: 866 والامامة 2: 15 واليعقوبي 2: 99 ومحاسن البيهقي: 67

857 - وكان ممن قتل بالحرة من الاشراف:

لها، فلما انتهت إلى قبر مسلم قالت بالفارسية: يا مسرف خربت البيوت وأحرقت القلوب، ثم نبشته وصلبته على نخلة- ويقال على جذع- ثم أحرقته. ويقال: إن امرأة من قريش قتل ابنين لها نبشته وأحرقته، والأول اثبت. 855- ويقال إن مسلم بْن عقبة قَالَ للحصين: احفظ عني ما أقول لك، لا تطلبن المقام بمكة فإنها أرض محتدمة الحر لا تصلح الدواب بها، ولا تمنع أهل الشام الحملة، ولا تمكن قريشًا من أذنيك فإنهم قوم خدع، وعليك بالوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف، ولئن دخلت النار بعد قتلي أهل الحرة إني لشقي. 856- وقال الواقدي: كانت وقعة الحرة يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وكان مسير مسلم من المدينة للنصف من المحرم سنة أربع وستين، ومات لسبع بقين من المحرم سنة أربع وستين، وقال غيره: كان يوم الحرة يوم الأربعاء. 857- وكان ممن قتل بالحرة من الأشراف: الفضل بْن العباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، إِسْمَاعِيل بْن خالد بْن عقبة بْن أبي معيط، (843) يحيى بْن نافع بْن عجير بْن عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب بْن عبد مناف، عبيد اللَّه بْن عتبة بْن غزوان من بني مازن بْن منصور، المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن السائب بْن أبي حبيش بْن المطّلب ابن أسد بْن عبد العزى بْن قصي، عياض بْن حمير بْن عوف الزهري، فِي خلق من قريش والأنصار. 858- وقال أَبُو مخنف: قتل بالحرّة من وجوه قريش سبعمائة رجل وكسر سوى من قتل من الأنصار، فَقَالَ محمد بْن أسلم بْن بجرة الساعدي: إن يقتلونا يوم حرة واقم ... فنحن على الإسلام أوّل من قتل

_ 855- انظر ما يلي رقم: 871 857- هناك ثبت كامل بأسماء من قتل في الحرة في تاريخ خليفة 1: 293- 314. 858- الشعر الوارد هنا: في ياقوت 2: 253 والسمهودي: 96 وربيع الأبرار: 88 ب والبيتان 1، 2 في المروج 5: 163 والاصابة 6: 151 والشذرات 1: 71 والأول في البدء والتاريخ 6: 4 والثالث في ابن عساكر 7: 409 (منسوبا لعمرو بن سعيد بن زيد) .

ونحن قتلناكم ببدر أذلة ... وأُبْنا بأسياف لنا منكم نفل فإن ينج منها عائذ البيت سالمًا ... فما نالنا منهم وإن شفنا جلل 859- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: قتل يوم الحرة من أخلاط الناس نحو من ستة آلاف وخمسمائة وذلك في سنة اثنتين وستين. 860- قالوا: وقال يزيد بْن مُعَاوِيَة حين بلغه خبر وقعة الحرة: ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل «1» وذكر القصيدة كاملة. 861- وحدثني أَبُو خيثمة زهير بن حرب وخلف بن سالم وأحمد بن إبراهيم الدورقي قالوا، حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: لما أقبل مسلم بْن عقبة من الشام مر بأسفل المدينة فَقَالَ: أنزلوني منزلًا إذا حاربت «2» القوم استدبرتني الشمس واستقبلتهم، فنزل بحرة واقم شرقي المدينة، وكان الذي يقيم أمر «3» أهل المدينة عبد اللَّه بْن مطيع العدوي وعبد اللَّه بْن الغسيل الأنصاري، وذلك قبل أن يستجمع أمر ابْن الزُّبَيْرِ، فالتقوا بحرة واقم بعد صلاة الصبح، فلم ينشب أهل المدينة أن يستجمع أمر ابْن الزُّبَيْرِ، فالتقوا بحرة واقم بعد صلاة الصبح، فلم ينشب أهل المدينة أن انهزموا، وأخرج جميع اهل المدينة حتى أربعمائة رجل من أهل البحرين من أهل دارين كانوا عطارين فقالوا: ما لنا وهذا إنما نحن تجار، فأبوا إلا إخراجهم، وعقدوا لهم لواء، فكانوا أول من انهزم بالناس، وكانوا عمدوا إلى لوائهم فجعلوا حوله الحجارة وعمدوه بها حتى تماسك، ثم انصرفوا فجعل أهل البصائر يرون لواءهم منصوبًا فيقاتلون عنده حتى كاد اهل الشام يفنون فكان مسلم يَقُول: ويلكم لمن هذا اللواء؟ فيقال للداريين

_ 860- السيرة 2: 137 ورسائل الجاحظ 2: 15 والطبري 2: 436، 2174 والعقد 4: 390، 5: 86، 6: 153 والبدء والتاريخ 6: 12 والشذرات 1: 69، والبيت من قصيدة لعبد الله بن الزبعرى، وتنسب خطأ ليزيد نفسه.

العطارين، فيقول: ما لي وللعطارين، فلما فرغ مسلم من أمر أهل الحرة ذكر أمرهم فِي كتابه إلى يزيد، فكتب يزيد إلى عامله بالبحرين، فأغرم أهل دارين أربعمائة ألف درهم، قَالَ: وقتل يومئذ ابن حنظلة الغسيل ومحمد بْن عمرو بْن حزم وعبد اللَّه بْن أبي عمرو بْن حفص المخزومي وعبيد اللَّه وسليمان ابنا عاصم بْن عُمَر بن الخطّاب. وأباح مسلم المدينة ثلاثة أيّام حتى كانوا ينفضون «1» صوف الفرش ويأخذونها، وشخص عَنْ المدينة وبه السل فمات، ودفن بالمشلل، واستخلف على عسكره حصين بْن نمير. 862- حَدَّثَنَا خَلَفٌ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ أَشْيَاخِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِيَزِيدَ ابْنِهِ: إِنَّ لَكَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمًا فَإِنْ فَعَلُوهَا فَارْمِهِمْ بِمُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ قَدْ عَرَفْنَا نَصِيحَتَهُ، فَلَمَّا مَلَكَ يَزِيدُ وَفَدَ إِلَيْهِ وَفْدُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ غَسِيلُ الْمَلائِكَةِ، وَكَانَ حَنْظَلَةُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ «2» فَغَسَّلَتْهُ (844) الْمَلائِكَةُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ شَرِيفًا عَابِدًا، وَمَعَهُ ثَمَانِيَةُ أَوْلادٍ لَهُ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ عَشْرَةَ آلافٍ سِوَى كِسْوَتِهِمْ وَحِمْلانِهِمْ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ سَأَلُوهُ عَنْ يَزِيدَ فَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ وَاللَّهِ إِنْ لَوْ لَمْ أَجِدْ غَيْرَ بَنِيَّ هَؤُلاءِ لَجَاهَدْتُهُ بِهِمْ، فَقَالُوا: بَلَغَنَا أَنَّهُ أَجَازَكَ وَأَعْطَاكَ، فَقَالَ: مَا قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلا لأَقْوَى «3» بِهِ عَلَيْهِ، فَبَايِعُوهُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ، وَبَعَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى كُلِّ مَاءٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّامِ فَصِيرَ فيه زقّ من قطران وعوّروه «4» ، فَتَتَابَعَ الْمَطَرُ فَلَمْ يَسْتَقُوا بِدَلْوٍ حَتَّى وَرَدُوا الْمَدِينَةَ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِجُمُوعٍ كَثِيرَةٍ وَأُهْبَةٍ «5» لم ير مثلها، فلما رأوهم أَهْلُ الشَّامِ هَابُوهُمْ وَكَرِهُوا قِتَالَهُمْ، وَمُسْلِمٌ شَدِيدُ الْوَجَعِ، فَأَمَرَ بِسَرِيرِهِ وَهُوَ عَلَيْهِ فَقُدِّمَ حَتَّى جُعِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيهِ فَنَادَى: قَاتِلُوا عَنِّي أَوْ فَدَعُوا، فَبَيْنَا النَّاسُ فِي قتالهم إذ أتاهم

_ 862- الطبري 2: 422 والعقد 4: 387 (برواية أبي اليقظان) وبعضه في تاريخ خليفه 1: 289- 291

أَهْلُ الشَّامِ مِنْ قِبَلِ بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ فِي أَجَدِّ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، وَقِيلَ إِنَّ بَنِي حَارِثَةَ أَقْحَمُوهُمْ «1» فَسَمِعُوا التَّكْبِيرَ مِنْ وَرَائِهِمْ فَانْهَزَمَ النَّاسُ، فَكَانَ مَنْ أُصِيبَ فِي الْخَنْدَقِ أَكْثَرَ مِمَّنْ قُتِلَ، فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ مُسْنَدًا إِلَى أَحَدِ بَنِيهِ وَهُوَ مَعِي يَغُطُّ نَوْمًا فَنَبَّهَهُ ابْنُهُ، فَلَمَّا رَأَى مَا صَنَعَ النَّاسُ قَدَّمَ أَكْبَرَ بَنِيهِ فَقُتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ بِجَمِيعِ بَنِيهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى قُتِلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كُسِرَ جَفْنُ سَيْفِهِ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَدَخَلَ مسلم الْمَدِينَةَ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ عَلَى أَنَّهُمْ خَوَلٌ لِيَزِيدَ يَحْكُمُ بِمَا شَاءَ فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، حَتَّى أُتِيَ بِابْنِ زَمْعَةَ وَكَانَ صَدِيقًا لِيَزِيدَ فَقَالَ: أُبَايِعُ عَلَى أَنِّي ابْنُ عَمِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَحْكُمُ فِي دَمِي وَمَالِي، فَقَدَّمَهُ فَضُرِبَ عُنُقُهُ. 863- وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْن عُمَر الْعَمْرِيّ عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنْ أبي زهير عَنْ أبي أسماء السكسكي قَالَ: لما شارف مسلم بْن عقبة المدينة لقي طويسًا المغني وهبه اللَّه وسائب خاثر فِي آخرين وهم يريدون الشخوص عَنِ المدينة فَقَالَ: ما هؤلاء؟ قالوا: نحن قوم مغنون فإن أحببت غنيناك وكنا بين يديك فَقَالَ: ويش- وهي كلمة لأهل حمص- أللغناء واللَّهو جئنا؟! اضربوا أعناقهم، فقتلهم. 864- وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي عُقَيْلٍ الدَّوْرَقِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ قَالَ: دَخَل أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَوْمَ الْحَرَّةِ غَارًا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَفِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَوَضَعَ أَبُو سَعِيدٍ سَيْفَهُ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: بُؤْ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ وَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، قَالَ خَلَفٌ قَالَ وَهْبٌ: فَيُقَالُ إِنَّ الرَّجُلَ الشَّامِيَّ يَزِيدَ بْنَ شَجَرَةَ الرَّهَاوِيَّ نَظَرَ إِلَيْهِ فَأَثْبَتَهُ مَعْرِفَةً. 865- وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ أشياخ أهل المدينة قالوا: لما سار مسلم بالناس نحو مَكَّة وهو ثقيل فِي الموت

_ 864- انظر ما سبق ف: 845 865- العقد 4: 390

فصدر عَنْ الأبواء هلك، فلما عرف الموت دعا حصين بْن نمير الكندي «1» فَقَالَ له «2» : قد دعوتك وما تدري أستخلفك على جيش «3» أم أقدمك فأضرب عنقك، فَقَالَ: أصلحك اللَّه إنما أنا سهمك فارم بي حيث شئت، فَقَالَ: إنك أعرابي جلف جاف، وإن هذا الحي من قريش قوم لم يمكنهم قط رجل من أذنيه إلا غلبوه على رأيه، فسر بهذا الجيش فإذا لقيت القوم فلا يكونن إلا الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف ولا تمكنهم من أذنيك «4» ، فمضى الحصين فلم يزل محاصرًا عبد اللَّه بْن الزبير وأهل مَكَّة (845) حتى مات يزيد، وكان خبره قد بلغ ابْن الزُّبَيْرِ قبل أن يبلغ ابن نمير. 866- حَدَّثَنَا أَبُو خيثمة حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عن جويرية عن أشياخ أهل المدينة أن أم ولد لابن زمعة لما بلغها موت مسلم خرجت فِي عبيد لها حتى أتت قبره فنبشته، فلما رفع ما على لحده إذا أسود مثل الجمرة «5» قد وضع فاه على فمه، فهابه الغلام الذي رفع عنه، فاحتزمت وأخذت فأسًا لتضرب بها الأسود فانساب عَنْ مسلم فاستخرجته «6» فألقته على شجرة ثم انصرفت. 867- وقال الْمَدَائِنِيّ: لما توجه مسلم يريد مَكَّة انشد: خذها إليك أبا خبيب إنها ... حرب كناصية الجواد الأشقر «7» وسار وبين يديه عامر الخضري من خضر محارب فَقَالَ: احد بشعر نصيب فإن فيه صفتي فَقَالَ «8» :

_ 866- قارن بالامامة 1: 346 وما تقدم ف: 854

حصار ابن الزبير بمكة في ايام يزيد بن معاوية وهو الحصار الاول:

ترى الملوك حوله مُرَعْبَلَه «1» ... يَقتل ذا الذّنْبِ ومن لا ذنب له فقال: انا كذاك «2» ، وأعطاه شيئًا ضمنه له. 868- وفي رواية الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان بمسلم النقرس فركب بقديد فرسًا فسقط عنه فتوطأه الفرس فثقل ومات، فَقَالَ الشاعر. قد خر منجدلًا بوطأة حافر ... والموت يغشاه ولات أوان 869- وقال الحصين قَالَ مسلم حين احتضر: اللَّهم إنك تعلم أني لم أشاق خليفة ولم أفارق جماعة، فأغفر لي. حصار ابْن الزُّبَيْرِ بمكة فِي أيام يزيد بْن مُعَاوِيَة وهو الحصار الأول: 870- حَدَّثَنِي عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف قَالَ: خرج مسلم بْن عقبة المري بالناس إلى مَكَّة بعد الحرة وخلف على المدينة روح بْن زنباع الجذامي، فنزل به الموت يقفا المشلل، فَقَالَ لحصين بْن نمير: يا بردعة الحمار أما والله أن لو كان (هذا الأمر) «3» إلي ما وليتك هذا الجند «4» ، ولكن أمير المؤمنين أوصاني أن أوليك إياه، فأسرع وعم الأخبار وعجل الوقاع. وكان موت مسلم لسبع بقين من المحرم، فسار حصين فدخل مَكَّة فِي آخر المحرم سنة أربع وستين. 871- وقال الْمَدَائِنِيّ «5» : نزل الموت بمسلم فَقَالَ حين احتضر: اللهمّ إنّك تعلم أنّي لم

_ 869- سيكرره في ف: 871 870- الطبري 2: 424 وابن الأثير 4: 102 871- انظر ما تقدم ف: 869، 851 والطبري 2: 425 وتاريخ خليفة 2: 320.

أشاق خليفة ولم أفارق جماعة ولم أغش إمامًا سرًا ولا علانية، ولم أعمل بعد الإيمان باللَّه ورسوله عملًا أحب إلي ولا أرجى عندي من قتل أهل الحرة، فاغفر لي ذنوبي وبارك لي فيما أقدم عليه، ثم قَالَ: ما أغلقت عليه فلانة امرأتي بابها فهو لها، وداري بحوران صدقة على مهاجرة بني مرة، ثم دعا حصين بْن نمير وحبيش بْن دلجة القيني وعبد اللَّه بْن مسعدة الفزاري فَقَالَ: إن أمير المؤمنين عهد إلي فِي أن أولي أمركم حصين بْن نمير وأكره خلافه عند الموت، ثم قَالَ لحصين: إن حبيش بْن دلجة أولى بما ولّيتك منك ولكنّه أمر أمير المؤمنين، فاحفظ عني ما أقول لك: لا تطيلنّ المقام بمكة فإنها أرضٍ جردية لا تحتمل الدواب، ولا تمنع أهل الشام من الحملة، ولا تمكن قريشًا من أذنك فإنهم قوم خدع، وليكن أمرك الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف، أفهمت (846) يا حصين؟ قَالَ: نعم، قَالَ: واعلم أنك تقدم على قوم لا منعة لهم ولا عدة ولا سلاح، ولهم جبال مشرفة عليهم، فانصب عليهم المجانيق فإن عاذوا بالبيت فارمه فما أقدرك على بنائه. وأقام حصين بمر الظهران ثلاثة أيام. 872- وقال الواقدي: دخل الحصين مَكَّة «1» لثلاث بقين من المحرم سنة أربع وستين. 873- قالوا: وخطب ابْن الزُّبَيْرِ الناس وحرضهم على قتال أهل الشام ودعاهم إلى بيعته فبايعه أهل مَكَّة على القتال وأتاه فل أهل الحرة فصار فِي بشر كثير، وقدم عليه نجدة بْن عامر الحنفي فِي ناس من الخوارج وفيهم حسان بْن بحدج «2» الحنفي ليمنعوا البيت من أهل الشام، فَقَالَ عبد اللَّه بْن الزبير لأخيه المنذر بْن الزبير: ما يريد هؤلاء، يعني أهل الشام، إلا أنا وأنت- قَالَ أَبُو مخنف: وكان المنذر شهد الحرة ثم لحق بأخيه، وقال غيره: لم يشهدها- فناهضهم المنذر ساعة ثم دعاه رجل من أهل الشام الى البراز

_ 873- الطبري 2: 425 وانظر ابن الأثير 4: 103

فاختلفا «1» ضربتين فسقط المنذر والشامي قتيلين- وقال بعضهم: لم يقتل المنذر فِي هذا الحصار ولكنه قتل فِي الحصار الثاني. 874- وقال لي مصعب بْن عبد اللَّه الزبيري: الرواة تدخل من خبر هذا الحصار فِي هذا وخبر هذا فِي هذا- قَالَ: ودعا عبد اللَّه لنفسه واجتمع على خلافته بعد موت يزيد وكان قبل ذلك يدعو إلى الشورى. 875- وقال الْمَدَائِنِيّ: أقبل الحصين فنزل معسكره من الحجون إلى بئر ميمون «2» ، فخرج إليه عبد اللَّه بْن صفوان فوعظه حصين وخوفه ثقل وطأة أهل الشام، فأغلظ لحصين فَقَالَ: إنما أباح حرم اللَّه من قاد الخيل إليه قبل. وميمون هو ابن شعبة الحضرمي أَبُو عمار. 876- وقال أَبُو مخنف: جثا ابن لعبد اللَّه بْن الزبير «3» وقال لأصحابه: قاتلوا، فقاتلوا إلى المساء فقتل المسور بْن مخرمة، ويقال أصابه حجر فمات يوم أتاهم نعي يزيد. وقاتل أهل الشام إلى أن انسلخ صفر، فلما مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين نصبوا على البيت المجانيق فدقوه «4» بها، وأخذوا يرتجزون ويقولون «5» : خطارة مثل الفنيق المزبد ... نرمي بها عواذ هذا المسجد وكان صاحب الرمي الزبير بْن خزيمة «6» الخثعمي من أهل فلسطين، وهو أول من ارتجز بهذين البيتين، قالوا: وجعلوا يقولون:

_ 875- بعضه في ابن عساكر 4: 373 876- قارن بالطبري 2: 426 وابن الأثير 4: 103

كيف ترى صنيع أمّ فروة ... تأخذهم «1» بين الصفا والمروة 877- وحدثني مصعب بْن عبد اللَّه الزبيري قَالَ: كان الشاميون يرتجزون فِي الحصار الثاني بمثل ما يرتجزون به فِي الحصار الأول «2» معما زادوا فيه. 878- وقال الْمَدَائِنِيّ: نصب حصين منجنيقًا فِي الجبل الأحمر الذي يلي دار الندوة، قَالَ: وكان المسور قد أعان ابْن الزُّبَيْرِ بمواليه وسلاح كثير فاقتتلوا، وكان أول قتالهم يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر، فقتل فِي أول يوم ثلاثة من أصحاب حصين وأربعة من أصحاب ابْن الزُّبَيْرِ، وكان المختار بْن أبي عبيد الثقفي قال لابْن الزُّبَيْرِ: انهض إلى القوم، وكان قد مكث أيامًا لا يقاتل، وقال له المختار أيضًا: إن اللَّه يَقُول وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجدِ الْحَرَامِ حَتّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (البقرة: 191) فنهض ابْن الزُّبَيْرِ ومعه عمير بْن ضبيعة فِي سبعين من الخوارج فقيل له أتقاتل بهذه المارقة؟ فَقَالَ «3» : لو أعانتني الشياطين على أهل الشام لقاتلتهم بهم، وقال «4» : ما أبالي إذا قاتل معي المختار من لقيت (847) فإني لم أر أشجع منه قط، وأبلى غلام لابْن الزُّبَيْرِ يقال له سليم أو سليمان فأعتقه، وقال بعض الشعراء «5» : وشد أَبُو بَكْر لدى الباب شدة ... أبت لحصين أن يحيا ويكرما هنالك لا أخشى حصين بْن ناتل ... ولا جلد أير «6» العير نعمان خثعما ونعمان قائد من قواد أهل الشام. 879- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ ابن عياش والمجالد عن

_ (1) ط م: نأخذهم. (2) الأول: سقطت من م. (3) يرد هذا القول في الورقة 564/ أ (س) . (4) انظر ف: 881 في ما يلي. (5) البيت الأول في ابن عساكر 7: 413 (والشاعر هو ذو العنق الجذامي، انظر معجم المرزباني: 448 وتاج العروس 7: 26) وروايته: يطاع فيغنما. (6) م: ابن.

الشعبي قَالَ: نصب ابن نمير المنجنيق على الكعبة فارتفعت سحابة فاستدارت على أبي قبيس ثم رعدت وأصعقت فأحرقت المنجنيق ومن تحتها فلم يعيدوا الرمي، فَقَالَ أعشى همدان «1» : ورمى البيت بالحجارة حتى ... أحرق «2» اللَّه منجنيق الزبير يعني الزبير بْن خزيمة الخثعمي وكان صاحب الرمي مع حصين بن نمير، وكان ابْن الزُّبَيْرِ يهزمهم فيتبعهم وحده وهو يَقُول «3» : إنّا إذا عضّ الثقا ... ف براس صعدتنا أبينا فقيل لابن نمير: ألا ترى أن رجلًا واحدًا يتبعنا على رجليه فلا يعطف عليه أحد، فَقَالَ: كل امرئ يحاذر البليه ... يخاف أن تدركه المنية من يتعرض لأسدٍ يحامي بجد وشجاعة عَنْ ملك يحاوله؟ وأرسل ابْن الزُّبَيْرِ إلى حصين يدعوه إلى مبارزته، فَقَالَ: واللَّه ما بي جبن، ولكني أخاف أن أفعل فإن قتلتني كنت قد ضيعت أصحابي، وإن قتلتك فأنا على خطأ فِي التدبير وإضاعة للحزم. وقال المختار: يا بني الكرارين «4» يا حماة الحقائق قاتلوا، فقتل من أهل الشام بشر كثير، فَقَالَ بعض الشعراء: لقد ضرب المختار ضربة حازم ... أزالت يزيد عَنْ حشاياه ضارطا وقتل مصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف عدة، وأجهزت عليهم امرأة من الخوارج يقال لها سلمى، فقال رجل من الشاميّين «5» :

_ (1) سيرد في ف: 892، ولم يرد في ديوان أعشى همدان. (2) م: أخرق. (3) البيت لعبيد بن الأبرص، ديوانه: 7 (تحقيق ليال) . (4) س: الكرادين. (5) البيت في الفاكهي: 19

إني لم أنس «1» إلا ريث أذكره ... أيام تطردنا سلمى وتنفينا «2» وحكّم ابن بحدج «3» وأصحابه فقتلوا جماعة من أهل الشام فَقَالَ رجل من قضاعة «4» : يا صاحبي ارتحلا وأملسا ... لا تحبسا لدى حصين محبسا «5» إن لدى الأركان بأسًا أبأسا «6» ... وبارقات يختلسن الأنفسا إن الفتى حكم ثم كبسا «7» وجرح عبد اللَّه بْن مسعدة الفزاري فلم يقاتل حتى جاءت وفاة يزيد، وكان الذي جرحه مصعب بْن عبد الرحمن. 880- الْمَدَائِنِيّ قَالَ، قَالَ عبد اللَّه فِي بعض أيامه للمنذر: احمل عليهم، فَقَالَ: إني عليك لهين، تعرضني لأنباط «8» الشام، فحمل وهو على بغلة له ورد فنفرت من قعقعة السلاح وتوقلت فِي الجبل، فَقَالَ عبد اللَّه: انج أبا عثمان، ولحقه أهل الشام فقتلوه، فقال ابن مُفرغ: لابن الزبير غداة يذمر «9» منذرًا ... أولى بغاية كل يوم دفاع وأحق بالصبر الجميل من امرئ ... كز أنامله قصير الباع

_ 880- قارن برسائل الجاحظ: 86 (سندوبي) والطبري 2: 426 وابن الأثير 4: 103 وشعر ابن مفرغ في الأغاني 18: 203 ورسائل الجاحظ، 2: 259- 260، وما يلي ف: 1048، وسيرد الأول في الورقة 818 ب (من المخطوطة: س) وانظر ديوان ابن مفرغ: 107

881- وقال الْمَدَائِنِيّ: قتل المنذر بْن الزبير وأبو بَكْر بْن الزبير وحذافة بْن عبد الرحمن بْن العوام والمقداد بْن الأسود بْن العوام «1» ومصعب بن عبد الرحمن (848) ابن عوف بعد أن قتل خمسة من أهل الشام وانحنى سيفه فَقَالَ «2» : سنورد بيضًا ثم نعقب حمرة ... وفيها انحناء بين بعد تقويم وقاتل مصعب بْن عبد الرحمن يومًا حتى يبست يده، فدعا ابْن الزُّبَيْرِ بشاة فحلبت على يده حتى لانت. وقال ابْن الزُّبَيْرِ «3» : ما كنت أبالي إذا كان المختار معي من فارقني، فما رأيت قط أشد قتالًا «4» منه. 882- قالوا: ووضع أهل مَكَّة مجانيق أو خشبًا حول الكعبة وجللوها بالجلود لترد عَنِ الكعبة. 883- وقال الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عروة: أرسل النجاشي جماعة من الحبش للدفع عَنِ الكعبة وأعان ابْن الزُّبَيْرِ بهم «5» فضمهم إلى أخيه مصعب بْن الزبير فكانوا يقاتلون معه، فانكشفوا ذات يوم فاعتذروا وقالوا «6» : نحن اصحاب مزاريق نرمي بها من انكشف. 884- وقال أبو مخنف فِي روايته: مكث أهل الشام يقاتلون ابْن الزُّبَيْرِ حتى إذا مضى من شهر ربيع الأول أربعة عشر يومًا مات يزيد، فمكثوا أربعين يومًا لا يعلمون بموته، وبلغ ابْن الزُّبَيْرِ موته قبل أن يبلغ الحصين، وقد ضيّقوا على ابن الزبير مكة

_ 881- انظر ف: 905 في ما يلي. 883- انظر ف: 909 في ما يلي، والورقة 564/ أ (من النسخة س) . 884- قارن بالطبري 2: 429، 430 وابن الأثير 4: 107

وحصروه حصارًا شديدًا، فَقَالَ: يا أهل الشام لماذا تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟ فجعلوا لا يصدقون حتى قدم عليهم ثابت بْن المنقع النخعي- واسم المنقع قيس- وهو من أهل الكوفة وكان صديقًا للحصين، فأخبره بهلاك يزيد. 885- وقال الْمَدَائِنِيّ: مات يزيد للنصف من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، فبلغ أهل المدينة ذلك ولم يأتهم من يقوم بالأمر، فمنعوا عامل المدينة الصلاة وتراضوا بسعد القرظ فصلى بالناس، وكان مؤذنهم، وجاء الخبر أهل مَكَّة فخافهم حصين فاستأمنهم وقال: يا معاشر قريش أنتم ولاة الأمر، وإنما قاتلناكم فِي طاعة رجل منكم قد هلك، فأذنوا لنا فِي الطواف، فَقَالَ عبد اللَّه بْن صفوان: لا يحل لنا أن نمنعهم، وبعث إلى المسور يشاوره فوجده ثقيلًا، فَقَالَ: أرى أن تأذن لهم وإن لم يكونوا لذلك أهلًا لقول اللَّه عز وجل (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجد اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (البقرة: 114) وأغمي عليه. ووادعهم ابْن الزُّبَيْرِ ومنعهم من الطواف ثم أذن لهم فيه. 886- وقال عوانة: لما أذن ابْن الزُّبَيْرِ للحصين وأصحابه فِي الطواف أراد الخوارج منعهم، ثم قالوا: ندعهم يطوفون ويذهبون إلى لعنة اللَّه فلن يزيدهم اللَّه بطوافهم إلا شرًا. 887- قالوا: وبعث الحصين إلى عبد اللَّه بْن الزبير حين مات يزيد وبلغه موت مُعَاوِيَة ابنه فواعده بالأبطح ليلًا، فلما اجتمعا قَالَ له الحصين: إنك أحق الناس بهذا الأمر اليوم، فهلم فلنبايعك ثم اخرج معنا إلى الشام فإني من أهله بمكان قد علمته والجند الذين معي أشراف أهل الشام ووجوههم وفرسانهم، فليس يختلف عليك منهم اثنان، والشام معدن الخلافة اليوم إذ نقله اللَّه إليها، وجعل الحصين يَقُول له هذا القول سرًا وابْن الزُّبَيْرِ يرفع صوته بإبائه، فَقَالَ: لله أبوك ما عرف من نسبك إلى الدهاء، أنا أكلمك بمثل هذا سرّا وتجيبني عليه علانية.

_ 885- قارن بالطبري 2: 506 وانظر في وفاة يزيد ف: 895، 916، 917 887- الطبري 2: 430 وابن الأثير 4: 107 وقارن باليعقوبي 2: 307 وما تقدم ف: 821

888- قالوا: وكان ابْن الزُّبَيْرِ يَقُول لأصحابه صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم «1» . 889- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وكان عبيد بْن عمير الليثي يقص أيام الموادعة فيقول له أهل الشام: أيها الرجل (849) الصالح ارجع إلى ما كنت فيه ولا تنقص خليفة اللَّه فِي أرضه فإنه أعظم حرمة من البيت. 890- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وانصرف نافع بْن الأزرق وقوم من الخوارج فالتقطهم عُبيد اللَّه بْن زياد فحبسهم مع من كان فِي حبسه من الخوارج. 891- قال المدائني: ودعا حُصين عبد اللَّه بْن عُمَر إلى مثل ما دعا إليه ابْن الزُّبَيْرِ فأباه وقال: لست من هذا الأمر فِي شيء. 892- قالوا: وحمل بعض أصحاب ابْن الزُّبَيْرِ نارًا فأطارتها الريح فاحترق ما جعل حول الكعبة ليقيها واحترقت أستارها وتصدعت فبناها بعد، وقال الشاعر: أبلغ أمير المؤمنين من كان ... ابْن الزُّبَيْرِ عائذ بالأركان وقال ابن قيس الرقيات «2» : ليس لله حرمة مثل بيتٍ ... نحن جيرانه «3» عليه الملاء خصّه الله بالكرامة فالبا ... دون والعاكفون فيه سواء حرقته رجال كلبٍ وعك ... حين جاءوا وحمير وصداء فبنيناه بعد ما حرّقوه ... فاستوى السّمك واستقلّ البناء

_ 888- ابن عساكر 7: 420 890- قارن بما يرد في النسخة س، الورقة 569 ب (طبعة آلورد: 73) .

وقال بعضهم «1» : ابْن الزُّبَيْرِ بئس ما تولى ... إذ حرق المقام والمصلى قبلة من حج معًا ولبى وقال رجل من بني تميم: أقول لأهل اللَّه لما أتاهم ... محرق «2» بيت اللَّه هيجوا «3» البواكيا جزى اللَّه أهل الشام فيه ملامة ... وأصلاهم جمرًا من النار حاميا وقال عمرو بْن الوليد بْن أبي معيط: جلبنا لكم من غوطة الشأم خيلنا ... إلى أرض بيت اللَّه يا بعد مجلب تلوذ قريش كلها بلوائه ... لأمحض منها فِي قريش وأطيب وقال أَبُو حرة مولى خزاعة: يا رب إن جنود الشام قد كثروا ... وهتكوا من حجاب البيت أستارا يا رب إنّي ضعيف الركن مضطهد ... فابعث إليّ جنودا منك أنصارا وقال أعشى همدان «4» ورمى البيت بالحجارة حتى ... أحرق اللَّه منجنيق الزبير يعني الزبير بْن خزيمة الخثعمي وكان رمى البيت فأحرقت الصاعقة منجنيقه. 893- وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: إِنَّ الشُّحَّ وَالْحِرْصَ لن يدعاك حتى يدخلاك

_ (1) الشطر الأول والثاني في المروج 5: 167 والشاعر هو أبو حرّة (كتب: أبو وجزة) . (2) م: حرق. (3) م: ضجوا. (4) انظر ف: 879 فيما تقدم.

مُدْخَلا ضَيِّقًا، فَوَدَدْتُ أَنِّي حِينَئِذٍ عِنْدَكَ فَأَسْتَنْقِذُكَ، فَلَمَّا حُصِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: هَذَا مَا قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ، وَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا. 894- وقال الواقدي: كان أصحاب ابْن الزُّبَيْرِ فيما حول المسجد إلى المروة وإلى ما وراء ذلك، ونزل الحصين بالحجون إلى بئر ميمون وصير عسكره هناك، ونصب منجنيقًا فرمى بها فرميت بصاعقة فأحرقتها ومن كان فيها، فكف الحصين عَنِ الرمي. 895- قَالَ: ولما قدم الحصين مَكَّة أمسك عَنِ القتال حتى وقف عند دار عُمَر بْن عبد العزيز (850) فَقَالَ لأصحاب ابْن الزُّبَيْرِ: لو أن صاحبكم أبر قسم أمير المؤمنين لوجد عنده ما يحب من البر والصلة ولرده واليًا على الحجاز، فجعلوا يقولون: نحن عواذ بالبيت وابْن الزُّبَيْرِ أحدنا إلا أنه يصلي بنا، وكان ابْن الزُّبَيْرِ قد رتب أصحابه فِي مواضع، ومعه قوم من الخوارج أنكروا غزو البيت وانتدبوا للذب عنه، فهم فِي حيز ابْن الزُّبَيْرِ، فكانت كل مسلحة تذب الحصين عَنْ ناحيتها، ثم إنهم اقتتلوا يوم أحد وتراموا بالنبل وتشاولوا بالرماح فِي الليل، ثم رجعوا الى معسكرهم وقد قتل من الشاميين ثلاثة نفر وجرح من أصحاب ابْن الزبير عدّة وقتل اربعة نفر، فمكثو على ذلك أيامًا، وأخرج المسور بْن مخرمة سلاحًا فرقه على مواليه وكان متسلحًا يقف عند الحذّائين ويخرج ابن الزبير وجبير ابن شيبة ومصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف وعبيد بْن عمير فيجتمعون إلى المِسور فكانوا يردون الشاميين إلى الأبطح، وجاءهم نعي يزيد فكان القتال أربعة وستين يومًا، وكانت وفاة يزيد لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ووصول الخبر إلى مَكَّة فِي ستّة عشر يوما، وكان اهل الشام يسبّون «1» ابْن الزُّبَيْرِ فيقولون: يا ابْن ذات النطاقين، فيقول «2» : وعيرها الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وشتموه أيضًا فِي الحصار الثاني فتمثل بهذا البيت.

_ (1) ط م س: يسمون. (2) البيت لأبي ذؤيب الهذلي (ديوان الهذليين 1: 70) .

احتراق الكعبة وبناؤها

896- وقال الواقدي: لما جاء نعي يزيد أرسل الحصين إلى ابْن الزُّبَيْرِ والمسور وأصحابهما يسألهم فتح أبواب المسجد ليطوفوا بالبيت ثم ينصرفوا إلى الشام، فأبى ذلك ابْن الزُّبَيْرِ ثم أجابهم فطافوا وانصرفوا. وقال الحصين لابْن الزُّبَيْرِ «1» : صر معي الى الشام حتى أدعو لك، فقد مرج أمر الناس وما أجد أحق بالأمر منك، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رافعًا صوته: أما دون أن أقتل بكل رجل من أهل الحرة عشرة من أهل الشام فلا، فَقَالَ حصين: يزعم هذا أنه داهية أكلمه سرًا ويكلمني علانية، وأدعوه إلى الخلافة ويتوعدني بالقتل، فسيعلم. ثم انصرف وأصحابه إلى الشام، فلما صار بالمدينة بلغه أن أهلها يريدون محاربته، فقام روح بْن زنباع على منبرها فَقَالَ: يا أهل المدينة ما هذا الذي بلغنا عنكم، فاعتذروا وكذبوا عَنْ أنفسهم، ومضى الحصين ومن معه إلى الشام. [احتراق الكعبة وبناؤها] 897- قَالَ الواقدي «2» : وصدع حجر المنجنيق الحجر الأسود فضببه ابْن الزُّبَيْرِ بفضة. 898- قَالَ: واحترقت الكعبة قبل أن يأتي خبر موت يزيد بسبعة وعشرين يومًا وكان إحراقها بعد الصاعقة التي أصابت المنجنيق، وكان سبب احتراقها أن رجلًا من أصحاب ابْن الزُّبَيْرِ يقال له مسلم أخذ نارًا فِي ليفة على رأس رمح فِي يوم ريح فطارت شررة فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها، وكانت لهم حول الكعبة بيوت من خصف ورفوف «3» . 899- قَالَ: ويقال أن جرذًا جر فتيلة فيها نار فسقطت فِي متاع بعض من حول الكعبة فاحترق، وهاجت ريح حملت الشرر إلى الأستار.

_ 896- قارن بالأخبار الطوال: 277 والمروج 5: 19 والدميري 1: 53 وما تقدم ف: 821 897- 902: قارن بالأزرقي: 139، 140، 142، 146، 150 والطبري 2: 427، 528، 537، 592، وفتوح البلدان: 54 والأغاني 3: 272 وحديث «لولا قومك ... إلخ» في البلوي 1: 357

900- قَالَ: فلما ارتحل ابن نمير هدم ابْن الزُّبَيْرِ ما حول الكعبة حتى بدت وأمر بالمسجد فكنس مما فيه من الحجارة، وإذا الكعبة ترتج وإذا الركن قد اسود من النار، فشاور فِي هدمها، فأشار عليه جابر «1» بْن عبد اللَّه الأنصاري وعبد اللَّه بْن عُمَر «2» بهدمها، (851) وكره ذلك ابن عباس «3» وقال: أخاف أن يأتي من بعدك فيهدمها، فجمع ابن الزبير الفعلة فهدمها إلى الأرض ثم بناها، وقال ابن عباس: ما زلنا نعلم أن الحجر من البيت، فبنيت وأدخل الحجر فيها، وجعل لها بابين بالأرض: بابًا يدخل منه وبابًا يخرج منه، وجعل الحجر الأسود فِي سرقة حرير فِي تابوت، وجعل ما كان فِي البيت من شيء فِي تابوت، وكان الناس يطوفون من وراء أساس البيت ويصلون إلى أساسه حتى بني، ثم ستر الركن بثوب وردّ الحجر ووضعه هو وولده فغضب الحجبة من ذلك، ويقال انه تولى وضعه هو وولده حمزة وقوم من الحجبة. وكان ابْن الزُّبَيْرِ روى عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: [ «لولا حداثة عهد قومك بالشرك لأعدت فيها «4» ما ترك منها» ] فعمل ابْن الزُّبَيْرِ على ذلك، فلما فرغ من بنائها رد إليها جميع ما كان فيها وسترها بالديباج، فلما هدمها الحجاج ردها إلى ما كانت عليه حين هدمها ابْن الزُّبَيْرِ وأخرج الحجر منها ورفع بابها. 901- وقال بعضهم: بعث ابْن الزُّبَيْرِ إلى اليمن فِي حمل الورس إليه ليجعله كالقصة «5» يمسك مدرها، فقيل له انه لا يثبت فبناها بالقصة. 902- وقال عبد الملك: لو بلغني حديث عائشة قبل بناء الحجاج إياها لأمرته أن يبنيها على بناء ابْن الزُّبَيْرِ ولوليته ما تولى. 903- وقال الواقدي: أصابت المسور شظية من حجر فِي وجنته فتوفي منها يوم

_ 903- انظر ما يلي ف: 905 وطبقات ابن سعد 5: 119

جاء نعي يزيد فِي آخر النهار، ومات مصعب بْن عبد الرحمن فِي حصار ابن نمير، ويقال بل قتل. قَالَ: فلما مضى هذان الرجلان وكان الأمر بينهما وبين ابْن الزُّبَيْرِ شورى وشخص ابن نمير، بويع ابْن الزُّبَيْرِ بالخلافة بمكة، وكان عبد اللَّه بْن صفوان أسرع الناس إلى بيعته ثم عبيد بْن عمير وعبد اللَّه بْن مطيع العدوي والحارث بْن عبد اللَّه بْن أبي ربيعة، فولى المدينة فيما يَقُول بعضهم المنذر بْن الزبير- ويقال ولاها غير المنذر لأن المنذر قتل فِي هذا الحصار- وولى الكوفة ابن مطيع وولى البصرة الحارث بْن عبد اللَّه المخزومي وولى الشام الضحاك بْن قيس الفهري وكان مائلًا إليه. 904- حَدَّثَنِي بَسَّامٌ الْحَمَّالُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَتَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ حِينَ مَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إِلَى قَيْسِ بْنِ الْهَيْثَمِ: إِنَّ يَزِيدَ قَدْ مَاتَ وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا وَأَشِقَّاؤُنَا فَلا تَسْبِقُونَا بِشَيْءٍ حَتَّى نَخْتَارَ لأَنْفُسِنَا، قَالَ حَمَّادٌ: فَاخْتَارَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَوُلِّيَ مِصْرَ ابْنُ جَحْدَمٍ وَفَرَّقَ عُمَّالَهُ. 905- وقال الواقدي: وكان ممن قتل فِي هذا الحصار- ويقال في الثاني- المنذر ابن الزبير وأبو بَكْر بْن المنذر بْن الزبير والزبير بْن المنذر وحذافة بْن عبد الرحمن بْن العوام والزبير بْن المقداد بْن الأسود بْن العوام وعامر بْن عروة بْن الزبير ومصعب بْن عبد الرحمن بْن عوف- ويقال مات حتف أنفه فِي أيام هذا الحصار- وزيد بن عبد الرحمن ابن عوف والمسور، أصابه حجر مات منه، وأبو عمرو بْن عَبْدِ اللَّه «1» بْن أَبِي بْن خلف الجمحي. 906- وقال الْمَدَائِنِيّ: أرسل ابن نمير إلى ابْن الزُّبَيْرِ يستأذنه فِي الطواف زفر بن الحارث الكلابي وابن مسعدة الفزاري. 907- حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن «2»

_ 904- الطبري 2: 433 905- انظر ف: 881 وبعضه في ف: 903 907- انظر ف: 821 حيث ورد قول الحصين هذا.

جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ حَدَّثَنِي بُرْدٌ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حُصَيْنًا بَعَثَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ إِنِّي أُحِبُّ لِقَاءَكَ قَالَ: فَمَوْعِدُكَ بَعْدَ الْعَتْمَةِ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَعَدَهُ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سِلاحٌ، (852) وَأَقْبَلَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَعَلَيْهِ الدِّرْعُ وَالسَّيْفُ وَقَدْ لَبِسَ مَمْطَرًا، فَلَمَّا أَرَادَ الْجُلُوسَ بَدَتْ نَعْلُ السَّيْفِ، فَقَالَ لَهُ ابن الزبير: أغدرا يا ابن نُمَيْرٍ؟ قَالَ: لا وَلَكِنِّي خِفْتُ أَصْحَابَكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أُبَايِعُكَ غَدًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ أنا وَجَمِيعُ أَصْحَابِي عَلَى أَنْ تَنْتَقِلَ إِلَى الشَّامِ فَتَسْكُنُهَا وَنُقَاتِلُ عَنْكَ النَّاسَ مَا بَقِيَتْ أَرْوَاحُنَا، فَقَالَ: إِنَّ لِي أُمَرَاءَ لَسْتُ أَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُمْ، فَأُنَاظِرُهُمْ «1» ثُمَّ يَأْتِيكَ رَأْيِي، فَرَجَعَ فَأَخْبَرَ ابْنَ صَفْوَانَ وَذَوِيهِ فَقَالُوا: أَتَخْرُجُ مِنْ بَلَدٍ نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ وَتُفَارِقُ حَرَمَ اللَّهِ وَأَمْنَهُ وَتَسْتَعِينَ بِقَوْمٍ رَمَوْا بَيْتَ اللَّهِ لا خَلاقَ لَهُمْ؟! فَأَرْسَلَ إِلَى الْحُصَيْنِ: إِنَّ أَصْحَابِي قَدْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى الشَّامِ، قَالَ: فَهَلْ أَنْتَ مُؤَمِّنِّي وَأَصْحَابِي حَتَّى نَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ نَنْصَرِفُ عَنْكَ؟ فَآمَنَهُمْ فَطَافُوا ثُمَّ انْصَرَفُوا. 908- وحدثنا زهير بْن حرب أَبُو خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا جويرية عَنْ نافع أن ابْن الزُّبَيْرِ لم يدع له بالخلافة حتى مات يزيد، وقال نافع: كنت تحت منبره يوم دعا إلى نفسه وكان قبل ذلك يدعو إلى الشورى. 909- وقال الْمَدَائِنِيّ: جرح عبد اللَّه بْن مسعدة الفزاري فلم يقاتل حتى انفض أمرهم، وكان الذي جرحه مصعب بْن عبد الرحمن، وقاتل مصعب بْن عبد الرحمن يومًا حتى يبست يده فدعا ابْن الزُّبَيْرِ بشاة فحلبها عليها حتى لانت، وأرسل النجاشي إلى ابْن الزُّبَيْرِ مائتي رجل فضمهم إلى أخيه مصعب فكانوا يقاتلون معه فِي ناحية. 910- قَالَ جويرية وحدثني غير نافع أن أبا حرة مولى أسلم كان شاعرًا شجاعًا فَقَالَ: يا ابْن الزبير ما أرانا سفكنا الدماء وقاتلنا الناس الّا لتملك، وأنشأ يقول:

_ 909- انظر ف: 879، 881، 883 910- ابن عساكر 7: 414 وانظر أيضا الورقة 513/ أ (من س) ، والبيتان البائيان في المروج 5: 175 وانظر ف: 912، والبيت الذي يليهما في المروج (نفسه) والشطر الأول منه يروى في شعر كثير: 224

إنّ الموالي أمست وهي عاتبة ... على الخليفة تشكو الجوع والحربا ماذا علينا وماذا كان يرزؤنا ... أي الملوك على ما حولنا غلبا وقال أيضًا: تخبر من لاقيت أنك عائذ ... وتكثر قتلًا بين زمزم والركن 911- قَالَ جويرية: كان الخوارج يقاتلون مع ابْن الزُّبَيْرِ نصرة للبيت وذبًا عنه إذ تعوذ به، فلما رماه أهل الشام ازدادوا عليهم حنقًا. قَالَ: وقاتل المختار مع ابْن الزُّبَيْرِ ثم انصرف عنه فأتى العراق. 912- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أشياخه قالوا: لما دعا ابْن الزُّبَيْرِ إلى نفسه بايعوه على كتاب اللَّه وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين، فبايعه عبيد اللَّه بن علي بن أبي طالب وقبض ابن مطيع يده، وقام مصعب «1» فبايع فَقَالَ الناس: بايع مصعب ولم يبايع ابن مطيع، أمر فيه صعوبة والتياث طاعة، وبايعه عبد الله بن جعفر، وأراد ابن الحنفية، على البيعة فلم يبايع، وأبى ابن عُمَر أن يبايع وقال: لا أعطي صفقة يميني فِي فرقة ولا أمنعها فِي جماعة وألفة، فقال له: الزم المدينة، وقال أَبُو حرة مولى خزاعة: ألا صبرت «2» حتى نختارك فنبايعك؟ وقال: أبلغ أُمَيَّة عني إن عرضت لها ... وابن الزبير وأبلغ ذلك العربا أن الموالي أضحت وهي عاتبة ... على الخليفة تشكو الجوع والحربا إخوانكم إن بلاء حل ساحتكم ... ولا ترون لنا فِي غيره سببا نعاهد اللَّه عهدًا لا نخيس به ... لن نقبل الدهر شورى بعد من ذهبا وأتت ابْن الزُّبَيْرِ بيعة أهل الآفاق: أتته بيعة أهل الشام ما خلا الأردن، ودعا (853) له النعمان بْن بشير بحمص، وزفر بْن الحارث الكلابي بقنّسرين والضحّاك بن قيس الفهري

_ 912- 914: يرد معظمه في الورقة 513/ أ- ب (من س) .

بدمشق، ودعا بالكوفة أهلها وتراضوا بعامر بْن مسعود «1» الجمحي، ودعا له بالبصرة سلمة بْن ذؤيب الرياحي وأخرجوا عبيد اللَّه بْن زياد، ودعا له بخراسان عبد الله بن خازم «2» السلمي، وباليمن بحير «3» بْن ريسان وكان قبل عاملًا ليزيد بْن مُعَاوِيَة، وولى ابْن الزُّبَيْرِ المدينة جابر بْن الأسود بْن عوف الزهري. 913- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: ولى ابْن الزُّبَيْرِ المدينة رجلًا يكنى أبا قيس أو ولاه بعض أعمالها فأساء السيرة فَقَالَ الناس: قد كان ليزيد بْن مُعَاوِيَة أَبُو قيس لا يضر ولا ينفع، ولابن الزبير أبو قيس يضرّ و (لا) ينفع. 914- وقال ابن الكلبي: ولى ابْن الزُّبَيْرِ المدينة جابر بْن الأسود بْن عوف فقدم حبيش بْن دلجة من الشام فخرج جابر عنها إلى مَكَّة، فبعث ابْن الزُّبَيْرِ مكانه عبيدة بن الزبير حين خرج حبيش عَنْ المدينة يريد الربذة، فلقيه الحنتف بْن السجف «4» فقتله، ثم وجه مصعب بْن الزبير فقتل أسراء أسرهم الحنتف من أصحاب حبيش ثم رجع إلى مَكَّة، وعزل ابْن الزُّبَيْرِ عبيدة وولى ابن أبي ثور حليف بني عبد مناف، فأصابت الناس فِي ولايته مجاعة وغلت أسعارهم، فكان يخطب فيقول: اتقوا اللَّه وتأسوا بنبيكم وانزعوا «5» عَنْ المعاصي فإنه أهلك قوم صالح في ناقة قيمتها خمسمائة درهم، فسمي مقوم الناقة، وكان الناس يأكلون من ليل إلى ليل ما ينالون إلا حسى من حنطة وعدس، ثم عزله وولى الحارث بن حاطب الجمحي ثم عزله وولى جابر بْن الأسود ثم عزله وولى جعفر بن الزبير ثم وهب ابن أبي معتب «6» مولى الزبير ثم أبا قيس، وولى صدقة المدينة عبد الرحمن بْن محمد بن الأشعث، وولى الكوفة عبد اللَّه بْن يزيد الخطمي، وولى إبراهيم بْن طلحة الخراج بها ثم عزلهما وولى عملهما عبد اللَّه بْن مطيع العدوي فأخذ بيعتهم.

_ (1) ط م س: اسماعيل. (2) م: حازم. (3) م: بحيرة. (4) س: السحف. (5) س: فانزعوا. (6) في الأنساب (الورقة 513 ب) : ابن معتب.

915- وقال الراعي عبيد بْن حصين يمدح يزيد فِي شعر يقول فيه: راحت كما راح أو تغدو كغدوته ... عنس وخود «1» عليها راكب يفد تنتاب آل أبي سُفْيَان واثقة ... بسيب أبلج منجاز لما يعد 916- وقال الْمَدَائِنِيّ: كان على شرط يزيد حميد بْن حريث بْن بحدل وصاحب أمره سرجون بْن منصور وقاضيه أَبُو إدريس الخولاني، ومات يزيد بحوارين وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، ويقال: ابن تسع وثلاثين وأشهر وكانت ولايته ثلاث سنين، ويقال وتسعة أشهر، ويقال وسبعة اشهر واثنين وعشرين يومًا، وكان موته يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، وصلى عليه مُعَاوِيَة ابنه. 917- وقال ابن الكلبي: ولي يزيد لهلال رجب سنة ستين، فولي ثلاث سنين وثمانية أشهر، ومات لتسع عشرة ليلة خلت من صفر سنة أربع وستين وهو ابن ست وثلاثين سنة. 918- وقال الواقدي: دفن يزيد بدمشق فِي مقبرة «2» الباب الصغير ومات بحوارين فحمل على أيدي الرجال إليها، وفيها دفن أبوه مُعَاوِيَة. 919- وقال الواقدي: قيل لأبي مسلم الخولاني يوم مات يزيد: ألا تصلي على يزيد؟ فَقَالَ: يصلي عليه ظباء حوارين، وقال غيره: دفن بحوارين. 920- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أبي أيوب القرشي عَنْ خالد بْن يزيد بْن جابر قَالَ: مات يزيد ابن تسع وثلاثين سنة، وكان عامله على مَكَّة الحارث بْن خالد بْن العاص بْن هشام، ويقال (854) خالد بْن العاص بْن هشام، 921- وقال الأخطل «3» يرثي يزيد:

_ 916- بعضه في الطبري 2: 205 وقارن بالتنبيه والاشراف: 306 921- ديوان الأخطل: 289 والبيتان 1، 2 في المروج 5: 127، وشعر ابن عرادة في الطبري 2: 488 وابن الأثير 4: 128 والأشربة: 34 وبيت ابن حنظلة في الحيوان 5: 177 (منسوبا لابن الخلال) والصناعتين: 117 (أبو الخلال) وبحسب الرواية الثانية في المروج 5: 127 والبدء والتاريخ 6: 16

923 - فولد يزيد بن معاوية:

لعمري لقد دلى إلى القبر خالد ... جنازة لا كابي الزناد ولا غمر مقيم بحوارين ليس ببارح ... سقته الغوادي من ثوي ومن قبر يضج الموالي أن رأوا أم خالدٍ ... مشنعة بالريط والسرق الحمر «1» إذا حل «2» سرب من نساء يعدنها ... تعرين إلا من جلابيب أو خمر وقال ابن عرادة السعدي: أبني أُمَيَّة إن آخر ملككم ... جسد بحوارين ثم مقيم طرقت منيته وعند وساده ... كوب وزق راعف مرثوم ومرنة تبكي على نشواته ... بالصنج تقعد ساعة وتقوم وقال رجل من عنزة يقال له أَبُو بكر بن حنظلة: يا أيّها الميت بحوارينا ... أصبحت خير الناس أجمعينا ويروى: يا أيّها القبر بحوّارينا ... ضممت خير «3» الناس أجمعينا 992- وقال أَبُو اليقظان: ولي يزيد سنة ستّين وهلك بحوّارين بعد ثلاث سنين وأشهر. 923- فولد يزيد بْن مُعَاوِيَة: مُعَاوِيَة، وخالدًا، وعبد اللَّه الأكبر، وأبا سُفْيَان، أمهم أم خالد بنت (أبي) هاشم ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وَكَانَ اسمها فاختة وتلقب حبة، وعبد اللَّه الأصغر الذي يقال له الأسوار، وعمر، وعاتكة تزوجها عبد الملك بْن مروان فولدت له يزيد بن عبد

_ 923- انظر المعارف: 351 والطبري 2: 428 وابن الأثير 4: 104 والمروج 5: 208 وما تقدم ف: 779

924 - وأما معاوية بن يزيد:

الملك، أمهم أم كلثوم بنت عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز، (وعَبْد الرحمن، وعبد الله الذي يقال له أصغر الأصاغر، وعثمان، وعتبة الأعور، ويزيد، ومحمدا، وأبا بَكْر، وأم يزيد، لأمهات أولادٍ شتى، وأم عبد الرحمن، ورملة، فتزوج أمّ يزيد الأصبغ بن عبد العزيز ابن مروان، وأمّا رملة وأمّ عبد الرحمن فتزوّجهما عباد بْن زياد واحدة بعد أخرى، وكان الذي زوج عبادًا خالد بْن يزيد، فعيره عبد الملك بذلك وقال: زوجته وقد عرفت دعوته فَقَالَ خالد: أما إنه سلفك وهو دعيّي، ولو كان دعيّ غيري ما زوجته. 924- وأما مُعَاوِيَة بْن يزيد: فولاه أبوه يزيد عهده فِي صحته، ويقال بايع له حين احتضر، فلما مات يزيد بايع الناس مُعَاوِيَة وأتته بيعة الآفاق إلا ما كان من ابْن الزُّبَيْرِ، فولي ثلاثة أشهر- ويقال أربعين يومًا، ويقال عشرين يومًا- ولم يزل فِي أيامه مريضًا، وكان الضحاك بْن قيس يصلي بالناس، فلما ثقل قيل له لو عهدت عهدًا فَقَالَ: واللَّه ما نفعتني حيًا أفأتحملها ميتًا، واللَّه لا يذهب بنو أُمَيَّة بحلاوتها القليلة وأتحمل مرارتها الطويلة، وإذا مت فليصل علي الوليد بْن عتبة وليصل بالناس الضحاك بْن قيس حتى يختاروا لأنفسهم رجلًا مرضيًا عندهم. فلما صلى عليه الوليد وقام مروان بْن الحكم على قبره فَقَالَ: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: نعم مُعَاوِيَة بْن يزيد، قَالَ: بل دفنتم أبا ليلى، يستضعفه، وكانوا يكنون كل ضعيف أبا ليلى، فَقَالَ بعض بني فزارة «1» : لا تخدعن فإن الأمر مختلف «2» ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا وقام الضحاك بأمر الناس بدمشق، ولم يعزل مُعَاوِيَة بْن يزيد أحدًا من عمال أبيه ولا حرك شيئًا ولا أمر ولا نهى وكان موته سنة أربع وستين وهو ابن تسع عشرة سنة،

_ 924- طبقات ابن سعد 5: 27 وبعضه في العقد 4: 391

(855) - ويقال ابن عشرين، ويقال ابن ثماني عشرة سنة، ويقال ابن إحدى وعشرين سنة- ودفن بدمشق. 925- وحدثت عَنْ ابن «1» الكلبي أنه قَالَ: ولي أَبُو ليلى مُعَاوِيَة بْن يزيد أربعين يومًا، وتوفي وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وثمانية عشر يوما. 926- حدثني هشام بن عمار حَدَّثَنَا صدقة بْن خالد حَدَّثَنِي زيد بْن واقد قَالَ: مرض يزيد بْن مُعَاوِيَة بعد ولايته الأمر بسنتين من كبده، فلما برئ «2» واستقل قَالَ لحسّان ابن مالك بْن بحدل: إني أريد البيعة لِمُعَاوِيَةَ بْن يزيد، قَالَ: فافعل، فدعاه يزيد فصافقة بولاية العهد، وبايع له حسان بْن مالك والناس، وكان مُعَاوِيَة ركيكًا لينا فكني أبا ليلى، وهي كنية كل ضعيف. 927- قَالَ هشام بْن عمار، وسمعت الوليد بْن مسلم يَقُول: كانت أم مُعَاوِيَة بْن يزيد- وهي أم هاشم بنت أبي هاشم بْن عتبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس- امرأة برزة عاقلة فدعا يزيد يومًا بمعاوية بْن يزيد وأمه حاضرة فأمره بأمر، فلما ولى قالت له: لو وليت مُعَاوِيَة عهدك، فَقَالَ: أفعل، وناظر حسان بْن مالك بْن بحدل الكلبي فِي أمره فشجعه على البيعة له، فأحضر الناس وأعلمهم أنه قد ولاه الخلافة بعده، فبايع له ابن بحدل والناس، فلما مات يزيد بحوارين بويع لِمُعَاوِيَةَ بالخلافة وهو كاره، وكان سبب موت يزيد أنه ركض فرسًا فسقط عنه وأنه أصابه قطع، ويقال ان عنقه اندقت. 928- وحدثني أحمد بْن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنِي وهب بْن جرير حَدَّثَنَا أبي أن يزيد ابن مُعَاوِيَة كان استخلف مُعَاوِيَة بْن يزيد فولي شهرين أو أربعين ليلة ثم مات، فلما حضرته الوفاة قيل له لو استخلفت فَقَالَ: كفيتها حياتي وأتضمنها بعد موتي؟ فأبي، قَالَ: وكان فتى لا بأس به، ومات وله تسع عشرة سنة.

_ (1) ابن: سقطت من م. (2) ط م: برأ، س: براء.

929- وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قال: كان معاوية بن يزيد كارهًا للخلافة، وكان يكنى أبا عبد الرحمن بكنية جده، ومات ابن ثلاث وعشرين، ودفن فِي مقبرة باب الصغير بدمشق. 930- حَدَّثَنِي محمد بن يزيد الرفاعي حدثني عمي كثير «1» بن محمد عَنْ ابن عياش الهمداني عَنْ أبي أسماء السكسكي قَالَ: كان مُعَاوِيَة بْن يزيد يظهر التأله، وكان ضعيفًا فِي أمر دنياه فكني أبا ليلى، فلما أفضى الأمر إليه قام خطيبًا فَقَالَ: أيها الناس إن يكن هذا الأمر خيرًا فقد استكثر منه آل أبي سُفْيَان، وإن يكن شرًا فما أولاهم بتركه، واللَّه ما أحب أن أذهب إلى الآخرة وأدع لهم الدنيا، ألا فليصل بكم حسان بْن مالك، وتشاوروا فِي أمركم، عزم اللَّه لكم على الرشد والخيرة فِي قضائه، ثم نزل فأغلق بابه وتمارض فلم ينظر فِي شيء حتى مات، وصلى حسان بالناس وهم منكرون لأمرهم حتى ولى ابْن الزُّبَيْرِ الضحاك بْن قيس فبايعوه له، وأتى حسان أول حد الأردن فأقام هناك. 931- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَن الوليد بْن مُسْلِم قال: دخل مروان بْن الحكم على مُعَاوِيَة بْن يزيد فَقَالَ له: لقد «2» أعطيت من نفسك ما يعطي الذليل المهين، ثم رفع صوته فَقَالَ: من أراد أن ينظر فِي خالفةٍ «3» آل حرب بْن أُمَيَّة فلينظر إلى هذا، فَقَالَ له مُعَاوِيَة: يا ابْن الزرقاء اخرج عني لا قبل اللَّه لك عذرًا يوم تلقاه. 932- وحدثني محمد بْن مصفى الحمصي قَالَ سمعت مشايخ من مشايخنا يقولون: إن مُعَاوِيَة بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة قبل البيعة وهو لها كاره، فلما مات أبوه أنفذت كتب بيعته إلى الآفاق فلم يرجع الجواب حتى مات، وكان فتى صالحًا كثير الفكر فِي أمر معاده. 933- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن سَعْدٍ عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابن جعدبة عَنْ صالح بْن كيسان

_ 933- قارن بعضه بالمروج 5: 169 والدميري 1: 54 وبعضه في النجوم الزاهرة 1: 164

936 - واما خالد بن يزيد بن معاوية،

قال: ولّى يزيد بن معاوية (856) مُعَاوِيَة بْن يزيد ابنه الخلافة بعده وكان كارهًا لها، فلما مات أبوه خطب الناس فَقَالَ: إن كانت الخلافة خيرًا فقد استكثر آل أبي سُفْيَان منه، وإن كان شرًا فلا حاجة لنا فيه، فاختاروا لأنفسكم إمامًا تبايعونه «1» هو أحرص على هذا الأمر مني واخلعوني فأنتم فِي حل من بيعتي، فقالت له أمه أم هاشم: لوددت يا بني أنك كنت نسيًا منسيًا وأنك لم تضعف هذا الضعف، فَقَالَ: وددت واللَّه أني كنت نسيًا منسيًا ولم أسمع بذكر جهنم، فلما احتضر قيل له: لو بايعت لأخيك خالد بْن يزيد فإنه أخوك لأبيك وأمك، فَقَالَ: يا سبحان اللَّه كفيتها حياتي وأتقلدها بعد موتي؟! يا حسّان بن مالك اضبط ما قبلك وصل بالناس إلى أن يرضى «2» المسلمون بإمام يجتمعون عليه. 934- وحدثني هشام بْن عمار حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْن دينار عَنْ مولى لِمُعَاوِيَةَ بنحوه وزاد فيه: فلما مات مُعَاوِيَة مال أكثر الناس إلى ابْن الزُّبَيْرِ وقالوا: هو رجل كامل السن، وقد نصر أمير المؤمنين عثمان، وهو ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمه بنت أبي بَكْر بْن أبي قحافة، وله فضل في نفسه ليس لغيره «3» ، فما هو إلا أن ورد كتاب ابْن الزُّبَيْرِ بتولية الضحاك بْن قيس دمشق حتى سارعوا إلى طاعة ابْن الزُّبَيْرِ وبيعته، فأخذها الضحاك له «4» عليهم، وانخزل ابن بحدل إلى فلسطين فأقام بها ينتظر ما يكون، وهو في ذلك يدعو الى خالد بن يزيد ويذكره، وكانت فلسطين والأردن فِي يده من قبل يزيد بْن مُعَاوِيَة ثم بقي عليهما وعماله فيهما. 935- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: كان اسم أم مُعَاوِيَة وخالد ابني يزيد فاختة وكنيت أم هاشم ثم «5» كناها يزيد أم خالد بخالدٍ ابنها ولقبت حبة. 936- وأما خالد بْن يزيد بْن معاوية، ويكنى أبا هاشم: فكان شاعرا ينظر في

_ (1) ط س: تبايعوه. (2) س: ترضى، والتاء غير معجمة في ط. (3) ط م: كغيره. (4) له: سقطت من س. (5) ثم: سقطت من م.

الكيمياء والنجوم وغيرهما من العلوم، وكان طويل الصمت فَقَالَ مولى له: أرى الناس يخوضون فيما أنت أعلم به منهم وأنت ساكت، فَقَالَ: ويحك إني عنيت بطلب الأحاديث والعلم وصححت ذلك فأخاف إن نشرت ذلك أن يحفظوه، فَقَالَ: جعلت فداك يكفيكهم اللَّه بالبلغم. وتزوج ابنة عبد اللَّه بْن جعفر فَقَالَ فيها: منافية غراء جادت بودها ... لعبد منافي أغر مشهر مطهرة بين النبي محمد ... وبين الشهيد ذي الجناحين جعفر وقال عبد اللَّه بْن جعفر ما صنع فِي قوله «لعبد» شيئا، لو كان قال «لقرم منافي» . 937- وأنشدني بعض الحجازيين لخالد فِي ابنة عبد اللَّه بْن جعفر: أتتنا بها «1» دهم البغال وشهبها ... عفيفة أخلاق كريمة عنصر مقابلة بين النبي محمد ... وبين علي ذي الفخار وجعفر منافية جادت بخالص ودها ... لعبد منافي أغر مشهر وقد قيل: إنه لم يتزوجها وأن هذا الشعر معمول. 938- وتزوج أيضًا رملة بنت الزبير بْن العوام فَقَالَ: أحب بني العوام طرًا لحبها ... ومن حبها أحببت أخوالها كلبا ولا تكثروا فيها الضجاج «2» فإنني ... تنخلتها «3» عمدًا زبيرية قلبا (857) فإن تسلمي نسلم وإن تتنصّري ... يخطّ «4» رجال بين أعينهم صلبا

_ 937- عجز الأول، والثاني والثالث في الأغاني 17: 263 938- الكامل 1: 348 والأغاني 17: 257، والأبيات 1، 3، 4 في الأغاني 17: 263 والمختار من شعر بشار: 151 والبيتان 1، 4 في ابن خلكان 2: 224، و 1، 2، 4 في معجم الأدباء 4: 168، و 1، 4 في المعارف: 221 والشذرات 1: 96 وفي البيت الثاني روايتان أخريان في ف: 940

تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالًا يجول ولا قلبا 939- وحدثني عُمَر بْن بكير عَنْ أبي المنذر هشام بْن محمد الكلبي عَنْ عوانة قَالَ: كان خالد بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة قد حج فِي السنة التي قتل فيها الحجاج عبد اللَّه بْن الزبير فخطب رملة بنت الزبير، فبلغ ذلك الحجاج فأرسل إليه حاجبه وقال: قل له ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، ولا كنت أراك تخطب إليهم وليسوا لك بأكفاء وقد قاتلوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح، فلما بلغه الرسالة نظر إليه خالد طويلًا ثم قَالَ: لو كانت الرسل تعاقب لقطعتك آرابًا ثم ألقيتك على باب صاحبك، قل له: ما كنت أظن أن الأمر بلغ بك إلى أن تؤهل نفسك لأن أشاورك فِي مناكحة قريش، قلت ليس القوم لك بأكفاء، فقاتلك اللَّه يا ابْن أم الحجاج تَزَوَّجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة ابنة «1» خويلد وتزوج العوام صفية بنت عبد المطلب ولا تراهم أكفاءً لآل أبي سُفْيَان وبني أُمَيَّة؟ وأما قولك: قاتلوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح، فهي قريش تقارع بعضها بعضًا حتى إذا أقرّ اللَّه الأمر مقره عادت إلى أحلامها وفضلها، فرجع إليه رسوله فأدى إليه قوله، فتزوج خالد رملة وهي أخت مصعب بْن الزبير لأبيه وأمه «2» ، أمهما الرباب الكلبية وهي ابنة أنيف بن عبيد بْن مصاد بْن كعب بْن عليم بْن جناب، وكانت قبله عند عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حزام. 940- قَالَ أَبُو اليقظان: تزوّجها خالد بعد عثمان بْن عبد اللَّه بْن حكيم وقال: لما رأيت العتق فيها مبينًا ... تنخلتها «3» منهم زبيرية قلبا ويروى: تخيرتها من سر قومٍ كريمة ... موسّطة فيهم زبيريّة قلبا

_ 939- الأغاني 17: 260

قالوا: وكانت معروفة بالجزالة والعقل والفضل. وقال شديد بْن شداد أحد بني عامر بْن لؤي «1» : لا يستوي الحبلان حبل تنقضت «2» ... قواه وحبل قد أمر شديد عليك أمير المؤمنين بخالد ... ففي خالدٍ عما تريد صدود إذا ما نظرنا فِي مناكح خالدٍ ... عرفنا الذي يهوى «3» وأين يريد «4» 941- قالوا: وقال الأسوار بْن يزيد لخالد: واللَّه لقد هممت اليوم بقتل الوليد بْن عبد الملك، فَقَالَ له: بئس ما هممت به، ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين، قَالَ إنه لقي خيلًا لي فنفرها وتلعب بها، فأتى خالد عبد الملك فأخبره بما شكا إليه أخوه، فرفع رأسه وهو يضحك ثم قَالَ: إنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُون (النمل: 34) فَقَالَ خالد وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْها الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (الإسراء: 16) فَقَالَ عبد الملك: أتكلمني فيه وهو لحان وقد أعياكم تقويم لسانه، فَقَالَ: أعيانا منه ما أعياك من الوليد، فقال عبد الملك: إن يكن لحانًا فأخوه سليمان فصيح، قَالَ خالد: وإن يكن عبد اللَّه لحانًا فأخوه خالد غير لحان، فَقَالَ الوليد لخالد: أتتكلم ولست فِي عيرٍ ولا نفيرٍ، فَقَالَ خالد: ألا تسمع يا أمير المؤمنين ما يَقُول؟ أنا واللَّه ابن العير والنفير، سيد العير جدي أَبُو سُفْيَان، (858) وسيد النفير جدي عتبة بْن ربيعة، ولكن لو ذكرت حبيلاتٍ وغنيماتٍ بالطائف لصدقت، فرحم اللَّه عثمان. ثم نهى عبد الملك الوليد عَنِ التعبث بعبد اللَّه بْن يزيد.

_ 941- الكامل: 1: 335 والمروج 5: 412 والأغاني 17: 264 ومعجم الأدباء 4: 166 وابن عساكر 5: 118 وانظر أيضا الورقة 594/ أ (من النسخة س- طبعة آلورد: 237) والشذرات 1: 96 وربيع الأبرار: 94 ب، وانظر أيضا الفاخر: 177 والميداني 2: 114 والمستقصى: 281 وجمهرة العسكري 2: 399 واللسان (نفر) حيث ورد المثل «لا في العير ولا في النفير» .

942- وقال الْمَدَائِنِيّ: دخل الوليد حائطًا لعبد اللَّه بْن يزيد الأسوار فشكا ذلك إلى أخيه وجرى هذا القول بسببه ولم يذكر خيلًا وقال: الذي قَالَ لست فِي عير ولا نفير رجل من بني الحكم، قَالَ ذلك لأبي القاسم بْن أبي سُفْيَان بْن خالد بْن يزيد فِي عسكر هشام، فأجابه أَبُو القاسم بجواب أغلظ له، فطرده هشام عَنْ عسكره. 943- وقال خالد لبعض قريش: لقد رضيت بالقليل لدناءتك، فَقَالَ: أدنى مني من نيكت أمه وسلب خلافته وفرغ لعمل الكيمياء الذي لا يدرك منه شيئًا. 944- وكان خالد يتعصب لأخوال أبيه من كلب ويعينهم على قيس فِي حرب قيس وكلب، فَقَالَ شاعر قيس: يا خالد بْن أبي سُفْيَان قد قرحت «1» ... منا القلوب وضاق السهل والجبل أأنت تأمر كلبا أن تقتّلنا «2» ... جهلًا وتمنعهم منا إذا قتلوا ها إن «3» ذا لا يقر الطير ساكنة ... ولا تكفكف «4» من نكرائه الإبل 945- وتزوج مروان بْن الحكم أم خالد بْن يزيد، فدخل عليه يومًا فأراد أن يضع منه فَقَالَ: يا ابْن الرطبة فَقَالَ: أمين مختبر، لولا حمقها ما قلت لها هذا، فأتى أمه فاخبرها، فغمته وجواريها وهو نائم بمرفقة فمات، ويقال بل سقته شربة لبن مسموم فقتلته. 946- وقال خالد بْن يزيد: أرى زمنًا ثعالبه قيام ... على الأشراف تخطر كالأسود وكان الثعلب الضباح يرضى ... بما يرث الكلاب من الصيود

_ 944- الأغاني 17: 264 945- انظر الورقة 505/ أ، 501/ أ، 504 ب (من س) ومحاضرات الراغب 2: 93

وقال خالد «1» : سرحت سفاهتي «2» وأرحت حلمي ... وفي على تحلمي اعتراض على أني أجيب إذا دعتني ... إلى حاجاتها الحدق المراض 947- وكان خالد على حمص فبنى مسجدها، وكان له أربعمائة عبد يعملون فِي المسجد، فلما فرغوا من بنائه أعتقهم، وهو صلى على أخيه أبي ليلى، ويقال الوليد بْن عتبة. 948- وحضر خالد مع عبد الملك بْن مروان أمر زفر بْن الحارث الكلابي بقرقيسيا. 949- وكان خالد قصيرًا فلما خطب رملة استقصروه فبلغه ذلك فجمع قومًا قصارًا ومشى معهم ولبس قلنسوة فرضيت به. 950- ومات خالد فِي أيام عبد الملك بْن مروان. 951- قَالَ الْمَدَائِنِيّ: كان أَبُو بَكْر بْن حنظلة العنزي منقطعًا إلى خالد بْن يزيد فجفاه فَقَالَ: بدا لي ما لم أخش منك ورابني ... صدود وطرف منك دوني خاشع وما ذاك من شيء سوى أن ألسنًا ... علي فرت ذنبًا وهن سوابع «3» أبا هاشم لا ضارع إن جفوتني ... ولا مستكين للذي أنت صانع ولكن إعراضًا جميلًا وعفة ... وبينًا سليمًا عنك والبين فاجع 952- قَالَ: وفاخر مُعَاوِيَة (بْن) مروان بْن الحكم، وكان مائقًا، خالد بْن يزيد، فَقَالَ سالم بْن وابصة:

_ 948- انظر الورقة 546 أ- ب (من س) . 952- ابن عساكر 6: 57.

إذا افتخرت يومًا أُمَيَّة أطرقت ... قريش وقالوا معدن الفضل والكرم فإن قيل هاتوا خيركم أطبقوا معا ... على أن خير الناس كلهم الحكم ألستم بني مروان غيث بلادنا ... إذا السنة الشهباء سدت على الكظم (859) وقال خالد بْن يزيد: دعوا الحكم ليس الحكم فيكم بني استها ... ولكنه فِي الغر من آل غالب «1» بني مرة الأثرون «2» كانت إليهم ... تساق حكومات الكرام المناجب 953- وكانت عند خالد بْن يزيد آمنة بنت سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص ابن أُمَيَّة فولدت له سَعِيدًا. 954- وكان له ابن يقال له يزيد لأم ولد وكان سخيًا وفيه يَقُول الشاعر وهو موسى شهوات مولى بني سهم، ويقال مولى بني تيم، ويقال مولى بني عدي، ويقال غيره: ثم صوت «3» إذا دخلت دمشقًا ... يا يزيد بْن خالد بْن يزيد يا يزيد بْن خالد إن تجبني ... يلقني طائري بسعد السعود كنت أرجو نداك والشام دوني ... كرجاء الأسير فك القيود ثم لَمْ يخلف «4» الرجاء ولكن ... زاد فَوْقَ الرجاء كل مزيد وليزيد هذا عقب بالشام. 955- وفي آمنة بنت سَعِيد وأمها أم عمرو بنت عثمان بْن عفان وأمها رملة بنت شيبة ابن ربيعة بْن عبد شمس يَقُول خالد بْن يزيد.

_ 953- 954- قارن بالكامل 1: 347- 348 والأغاني 3: 354 (وفيه البيتان 1، 2) . 955- البيتان الرائيان في الكامل 1: 347، والأول في البيان 3: 99 والمرصع: 162 والميداني 1: 127 وثمار القلوب: 290

كعاب أبوها ذو العمامة «1» وابنه ... وعثمان ما أكفاؤها بكثير «2» فإن تستفدها «3» والخلافة تنقلب ... بأفضل علقي منبر وسرير وفيها يَقُول وطلقها: وليت آمنة الطلاق كريمة ... عندي ولم يكبر علي طلاقها ولأقطعن حبال أخرى بعدها ... يومًا إذا لم تستقم «4» أخلاقها 956- وقال الْمَدَائِنِيّ: قدم محمد بْن عمرو بْن سَعِيد بْن العاص الشام غازيًا فدخل على عمته آمنة امرأة خالد فَقَالَ خالد: ما يقدم أحد من الحجاز إلا اختار المقام عندنا على المدينة، فَقَالَ محمد: وما يمنعهم وقد قدموا «5» من المدينة على النواضح فنكحوا أمك وسلبوك ملكك وفرغوك لطلب الحديث وقراءة الكتب وطلب ما لا يقدر عليه، يعني الكيمياء. 957- وكان لخالد أيضًا ابن يقال له حرب بْن خالد وكان ذا قدر ونبل وله عقب بالشام، وأمه أم ولد، ففيه يَقُول داود بْن سلم ونزل به، فبدر غلمانه إلى راحلته فحطوا عنها، وأكرمه وأجازه بجائزة سنية، ثم استأذنه فِي الانصراف فأذن له، وأمر له بألف دينار، ولم يقم غلمانه معه ولم يعاونوه حين أراد الرحيل كما فعلوا حين نزل، وقالوا: إنا نكرم من نزل بنا نعينه ونخدمه سرورًا به، ولا نفعل ذلك بمن رحل عنا، وفي حرب يَقُول داود: ولما دفعت لأبوابهم ... ولاقيت حربا لقيت النجاحا

_ 956- العقد 4: 24 والأغاني 17: 262 957- الأغاني 6: 20

959 - واما عبد الله الأسوار بن يزيد بن معاوية:

وجدناه يحمده المعتفون ... ويأبى على العسر إلا سماحا فحدث داود الغاضري بالمدينة بحديثه وقول غلمانه وأنشده شعره، فَقَالَ: أنا لزنيةٍ إن لم يكن فعل غلمانه خيرًا من شعرك فيه. 958- وأنشد حمّاد الراوية لخالد بْن يزيد: قصر الجديد بلى وقص ... ر العيش فِي الدنيا انقطاعه من نال فِي الدنيا متا ... عا ثم طال به متاعه؟ (860) أم أي منتفع بشي ... ء ثم دام به انتفاعه؟ أم أي شعب ذي التئا ... م لم يشتته انصداعه؟ والأول الماضي الذي ... حق على الباقي اتباعه قد قَالَ فِي أمثاله: ... «يكفيك من شر سماعه» 959- وأما عبد اللَّه الأسوار بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة: فكان فارسًا صاحب خيل، فتزوج أم عثمان بنت سَعِيد بْن العاص فولدت له أبا سُفْيَان وأبا عتبة، وهي أم سَعِيد ورملة ابني خالد بْن عمرو بْن عثمان بْن عفان، فقيل لسَعِيد بْن خالد اخطب أمه أم كلثوم بنت عبد اللَّه بْن عامر لتذله كما أذلك، فخطبها وهي بادية فِي قبة من نمور اشترت جلالها بألف دينار فَقَالَ لها وهو غلام: أحب أن تزوجيني نفسك، وكانت يومئذ عجوزًا كبيرة قد قيدت أسنانها بالذهب فقالت: مرحبًا بك يا ابْن أخي لو كنت متزوجة أحدًا من قريش لتزوجتك، إن أمك امرأة شابة وأنا عجوز مسنة، وأراهم قالوا لك: تزوج أمه كما تزوج أمك، فانطلق يا ابْن أخي فِي حفظ اللَّه وستره، فقام مثبورًا. 960- وقال مدرك بْن حصن الأسدي يهجو عبد الله الأسوار:

_ 958- الأبيات 1، 3، 4، 6 في ديوان علي (ط. بومبي 1316) : 58 مع اختلافات في القراءة. 960- البيت الثاني في الورقة 1163 ب (من النسخة س) وقارن أيضا بالاشتقاق: 173 وأمثال العسكري 2: 15 والميداني 1: 74

962 - واما عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية:

قبح الإله ولا أقبح غيره ... نسبًا أمت به الى الأسوار المؤكلي حيي فزارة بعد ما ... أكلت فزارة أير «1» كل حمار إنا لنعلم يا سخينة «2» أنكم ... بطن العشي مباشم الأسحار 961- وكان من ولد الأسوار أَبُو محمد بْن عبد اللَّه السفياني الذي قتل بالمدينة وكان مستخفيا بقبا «3» . 962- وأما عبد الرحمن بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة: فكان ناسكًا متألهًا، أتاه رجل ضرير بمكة ليسأله فَقَالَ لقيمه: أعطه ما عندك، وكان عنده ثمانية آلاف درهم، فَقَالَ له القيم: هذا يكتفي منك بأقل مما عندنا، أفأعطيه بعضه؟ فَقَالَ: إني أكره أن يفضل قولي فعلي، فأعطاه ثمانية آلاف درهم. 963- وقال عبد اللَّه بْن المبارك، قَالَ عبد الرحمن بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة لرجل من إخوانه كان يجالسه: أترضى حالك هذه للموت؟ قَالَ: لا، قَالَ: فهل أنت مجمع على الانتقال إلى حال ترضاها للموت؟ قَالَ: ما سخت نفسي بذلك بعد، قَالَ: ويحك، فهل بعد الموت دار فيها معتمل؟ قال: لا، قَالَ: فهل تأمن أن يأتيك الموت على حالك هذه؟ قَالَ: لا، فَقَالَ: ما رأيت مثل هذه الحال رضي بها عاقل، فاتق اللَّه يا أخي واعمل قبل أن تندم. 964- وأما عُمَر بْن يزيد، فحدثني أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْن مُحَارِبٍ أنه أصابته صاعقة فهلك، ويقال رعدت السماء رعدة شديدة فمات خوفًا، فَقَالَ ابن همام: عُمَر الخير يا شبيه أبيه ... أنت لو عشت قد خلفت يزيدا

_ 963- عيون الأخبار 2: 358

965 - وأما أبو بكر بن يزيد بن معاوية:

سلط الحتف فِي الغمام عليه ... فتلقى الغمام روحًا سَعِيدا (861) أيها الراكبان من عبد شمس ... بلغا الشام أهلها والجنودا أن خير الفتيان أصبح في لح ... د وأمسى من الكرام فقيدا 965- وأما أَبُو بَكْر بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة: فإن خالد بْن يزيد هجاه فَقَالَ: سمين البغل من مال اليتامى ... رخي البال مهزول الصديق وقال خالد فِي أبي بَكْر: فقدم أبا بَكْر لكل عظيمة ... وقدم أبا جهل للقم الثرائد أَبُو جهل حرب بْن عبد اللَّه بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة، ويقال هو عبد اللَّه بْن سليمان بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة، والثبت أنه ابن سليمان بْن عتبة بْن يزيد «1» بْن مُعَاوِيَة. 966- وأبو بَكْر الذي يَقُول: وإذا العبد أغلق الباب دوني ... لم يحرم علي متن الطريق 967- وقال الْمَدَائِنِيّ: كان أَبُو بَكْر بْن يزيد ذا نيقة فِي الطعام وكان صاحب تنعم، فمر بقرية لعباد بْن زياد بْن أبي سُفْيَان بالشام ومعه رجل من تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عُكابة، وكانت القرية تدعى تنهج «2» فلم يقروهم فقال التيمي: بتنهج ليلة طالت علينا ... وأخلفنا المواعد والعشاء نناديهم ليقرونا فقالوا: ... سنقريكم إذا خرج العطاء ودون عطائهم شهرا ربيع ... ونحن نسير إن متع الضحاء أنادي خالدًا والباب دوني ... وكيف يجيبك البرم العياء

_ 966- البيان 1: 382

968 - وأما عتبة بن يزيد

ويقال انّ الأبيات لأبي بكر نحلها التيمي، فأجاب خالد بْن عباد على الشعر على أنه للتيمي فَقَالَ «1» : وما علم الكرام بجوع كلب ... عوى، والكلب عادته العواء وتيم اللات لا ترجى لخير ... وتيم اللات تفضلها النساء 968- وأما عتبة بْن يزيد فله عقب بالشام، وكذلك يزيد بن يزيد وعقبه بالبصرة، وكانت عند عثمان بْن يزيد كاملة بنت زياد الكلبية، وبعضهم يَقُول هي ابنة زياد بْن أبي سُفْيَان، وولد محمد بْن يزيد محمد بْن محمد لأم ولد. ولد زياد بْن أبي سُفْيَان: 969- ولد زياد عبد الرحمن، والمغيرة وبه كان يكنى زياد، ومحمدًا، وأبا سُفْيَان، أمهم معاذة عقيلية من بني خفاجة، وسلم بْن زياد، لأم ولد، وعثمان، وعبادًا، والربيع، وأبا عبيدة، ويزيد، لأمهات أولاد شتى، وعنبسة، وأم مُعَاوِيَة، أمهما بنت عثمان بْن أبي العاص الثقفي، وعمرًا، أمه بنت القعقاع بْن معبد بْن زرارة، والغصن، وعتبة بْن زياد، وأبان بْن زياد، وجعفر بْن زياد، وإبراهيم، وسعيدا، لأمهات أولاد، وبنات منهن أم حبيب، أمها خزاعية، ورملة، وريطة، وصخرة، وأم أبان، أمها لبابة بنت أوفى الحرشي، وجويرية، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، أمهما مرجانة أم ولد. 970- فأما جويرية فكانت عند عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عبد المطلب. 971- وأما أم أبان فكانت عند عبيد اللَّه بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي من قريش.

_ 969- 991: انظر المعارف: 347- 348

972- (862) وأما صخرة فكانت عند عبيد اللَّه بْن عبد الرحمن بْن الحارث بْن هشام. 973- وأما رملة فكانت عند أُمَيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد. 973 ب- وأما ريطة فكانت عند رواد بْن أبي بَكْرة. 974- وأما أم حبيب فكانت عند أبي الصهباء بْن عامر. 975- وأما عبد الرحمن بْن زياد فكان يكنى أبا خالد ولاه مُعَاوِيَة خراسان فأصاب مالا فَقَالَ: أعيش مائة سنة وأنفق كل يوم ألف درهم ثم قدم البصرة فأتلف ذلك المال قبل موته ومات بالبصرة وله عقب بها، وكانت عنده فاختة بنت عتبة بْن أبي سُفْيَان. 976- وأما المغيرة بْن زياد فلا عقب له. 977- وأما محمد فكانت عنده صفية بنت مُعَاوِيَة ولا عقب له. 978- وأما أَبُو سُفْيَان فكانت عنده بنت حكيم بْن قيس بْن عاصم فهرب من الطاعون الجارف إلى البادية فطعن بالبادية فمات وله عقب بالبصرة. 979- وأما سلم فيكنى أبا حرب وكان أجود بني زياد وولي خراسان ليزيد بْن مُعَاوِيَة وفيه يَقُول زياد الأعجم: إلى سلمٍ أبي حرب ابن حرب ... غدت سفواء من فره البغال فما عدلت يمينك من يمين ... ولا عدلت شمالك من شمال وفيه يَقُول ابن عرادة السعدي: يقولون اعتذر من حب سلم ... إذًا لا يقبل اللَّه اعتذاري تخيرت الملوك فحل رحلي ... إلى سلم ولم يخب «1» اختياري

_ (1) م: يجب.

ولم يزل بخراسان حتى مات يزيد فقدم البصرة ثم أتى «1» ابْن الزُّبَيْرِ وقد ظهر بمكة فحبسه وأغرمه اربعة آلاف الف درهم فاحتال لصاحب سجن ابْن الزُّبَيْرِ حتى أخرجه أيّام قدم الحجاج مَكَّة فلحق بعبد الملك بْن مروان فكتب له عهده على خراسان فقدم البصرة. فمات بها وله بها عقب. 980- وأما عباد بْن زياد، ويكنى أيضًا أبا حرب «2» ، فولاه مُعَاوِيَة سجستان، ويقال ولاه إياها أخوه، وكان منزله بالشام، وكان صاحب خيل يسابق عليها، فَقَالَ الراجز «3» : سبق عباد وصلى وثلث ... بأعوجيّات قليلات اللبث وفيه يقول الأخطل «4» : ما أرض عبادٍ إذا ما أتيتها ... بحزن ولا أعطانها بجدوب ربيع لهلاك البلاد إذا ارتمت ... رياح الثريا من صبا وجنوب حباني بطرف أعوجي وقينة ... من البربريات الحسان لعوب إليه أشار الناظرون كأنه ... هلال بدا للناس بعد غيوب ولولا أَبُو حرب وفيض بحاره ... علينا رمانا دهرنا بخطوب كريم مناخ القوم لا عاتم «5» القرى ... ولا عند أطراف القنا بهيوب فِي أبيات، وقال الأخطل أيضًا «6» : إلى فتى لا تخطاه الرفاق ولا ... جدب الخوان إذا ما استحسن المرق

_ (1) النصّ حتى آخر الفقرة في فتوح البلدان: 433 (2) م: أبا حرب أيضا. (3) هو ابن مفرغ الحميري، والبيت كله يرد في الورقة 586/ أ 622 ب (من النسخة س) ولم يرد في ديوانه المجموع. (4) ديوان الأخطل: 180، 181 (5) م: عاثم. (6) ديوان الأخطل: 262، 263 والأول في البيان 1: 373، 3: 10 والشعر والشعراء: 397 والثاني في التاج 7: 90

992 - وأما عبيد الله بن زياد:

موطأ البيت محمود شمائله ... عند الحمالة لا كز ولا عوق وله عقب بالشام والبصرة، ومات سنة مائة بجرود، وكان صديقًا لعلي بْن عبد اللَّه بْن عباس وهو كلم الوليد فيه حين ضربه وأقامه فِي الشمس «1» . 981- وأما الربيع بْن زياد فكان أعرج وكانت عنده تاجة بنت القعقاع بْن (863) شور الذهلي وله عقب بالبصرة قليل. 982- وأما أَبُو عبيدة فولاه سلم بْن زياد كابل وأسر ففداه بسبعمائة ألف درهم، وله عقب بالبصرة. 983- وأما يزيد بْن زياد فإن سلما ولاه سجستان فقتله العدو ولا عقب له. 984- فأما الغصن فمات وهو غلام لا عقب له. 985- وأمّا عمرو فهلك وهو غلام لا «2» عقب له. 986- وأمّا عتبة فله عقب بالبصرة. 987- وأما أبان فلا عقب له. 988- فأما «3» جعفر فكان من أشد الناس ولا عقب له. 989- وأما إبراهيم بْن زياد فقتل مع ابن الأشعث ولا عقب له. 990- وأما سَعِيد بْن زياد فله عقب. 991- وأما عبد اللَّه فله عقب قليل بالبصرة. 992- وأما عبيد اللَّه بْن زياد: فكان يكنى أبا حفص، وكان جميلا أرقط، ولّاه

_ 982- انظر فتوح البلدان: 433

مُعَاوِيَة خراسان ثم ولي بعد أبيه البصرة وولاه الكوفة بعد ابن أم الحكم، وهو قتل الحسين ابن علي بْن أبي طالب عليهما السلام، وقد كتبنا خبره وخبر الحسين فِي أخبار آل أبي طالب، وأخرجه أهل البصرة حين مات يزيد فصار إلى الشام ثم قتل بالخازر وهو نهر بالموصل بالقرب من الزاب فَقَالَ فيه ابن مفرغ الحميري «1» : إن الذي عاش ختارًا بذمته ... ومات عبدًا قتيل اللَّه بالزاب 993- وكان «2» يزيد بْن زياد بْن ربيعة بْن مفرغ الحميري صديقا لسعيد بن عثمان ابن عفان، فسأله أن يخرج معه إلى خراسان حين ولاه إياها مُعَاوِيَة فلم يفعل وصحب عبّاد ابن زياد وقد ولي سجستان، فجفاه ولم ير منه ما يحب، فهجاه فأمر عباد غرماءه أن يستعدوا عليه ففعلوا، فباع غلامًا له يقال له برد كان رباه وجارية له يقال لها أراكة وقضى غرماءه ثمنهما وقال «3» : لهفي على الأمر الذي ... كانت عواقبه ندامة تركي سَعِيدًا ذا الندى ... والبيت يعمد بالدعامه وصحبت عبد بني علا ... ج تلك أشراط القيامة وشريت بردًا ليتني ... من بعد برد كنت هامة هامة تدعو الصدى ... بين المشقر واليمامة ثم هرب، فكتب عباد إلى عبيد اللَّه أخيه بهجاء ابن المفرغ، فألفاه الكتاب وهو عند

_ 993- في أخبار ابن مفرغ وشعره انظر الشعر والشعراء: 276 والطبري 2: 191 وابن الأثير 3: 431 وأمالي الزجاجي: 229 والأغاني 18: 180، ومعجم الأدباء 7: 298 والخزانة 2: 212، 516 وطبقات الجمحي: 686 والكامل 1: 272، 273 وأضداد ابن الأنباري: 47 واللسان 4: 54، 19: 156 وابن خلكان 6: 342 والحيوان 1: 67 والموفقيات: 179 والعقد 6: 133 والعيني 3: 216، 4: 314 وأبو الفداء 1: 195 وديوانه (جمع الدكتور داود سلوم، بغداد، 1968) .

مُعَاوِيَة وافدًا عليه، فاستأذن مُعَاوِيَة فِي قتله، فقال: لا ولكن ما دون القتل، وأتى ابن مفرغ البصرة فاستخفى عند المنذر بْن الجارود العبدي، وكانت ابنته عند عبيد اللَّه بْن زياد، فلما قدم عبيد اللَّه البصرة طلب يزيد بْن المفرغ وجعل يستدل عليه حتى قيل له هو عند المنذر، فبعث إلى المنذر من أتاه به، والمنذر لا يعلم، فكلمه المنذر فيه فلم يجبه ابن زياد، وأخذ ابن المفرغ فقيده وحبسه، ثم دعا به فحمل على جمل عود- ويقال على حمار- وقرن به خنزيرة وسقاه مسهلًا وأمر أن يطاف به فِي الأسواق والمحال، وجعلت الخنزيرة تصيح من شدة وثاقها فيقول ابن المفرغ «1» : ضجت سمية «2» لما مسها القرن وأقبل يسلح فِي ثيابه، ويقال إنه ضربه مع هذا بالسياط، ورآه رجل من (864) الفرس فقال: اين شيست «3» فَقَالَ: ابن مفرغ: آب است نبيذ است، عصارات زبيب است، سميّه روسپى است «4» ، وفي ذلك يَقُول «5» : يغسل الماء ما صنعت وشعري ... راسخ فِي العظام منك البوالي 994- وذكر بعضهم أن شعرًا قيل فِي مُعَاوِيَة نسب إلى ابن مفرغ فاحتمل «6» عليه غيظًا وهو «7» : ألا أبلغ معاوية ابن حرب ... مغلغلة من الرجل اليماني أتغضب أن يقال أبوك عف ... وترضى أن يقال أبوك زان فأقسم أن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان

_ (1) لم يرد في ديوان ابن المفرغ. (2) س ط م: أمية. (3) ط م س: شبست (وشيست- چيست والمعنى: ما هذا؟) . (4) المعنى: هذا ماء، إنه نبيذ التمر، إنه عصير الزبيب، وهذه (الخنزيرة) سمية العاهرة. (5) ديوان ابن مفرغ: 127 (6) ط م س: فاحتملوا. (7) انظر ابن خلكان 6: 350 والشعر في الحيوان والأغاني وأبو الفداء منسوبا لعبد الرحمن بن الحكم وهو في العقد لعبد الرحمن بن حسان، وانظر الديوان: 153

وبعضهم يَقُول أن الشعر لابن قتة. 995- ثم إن وجوه أهل الشام كلموا مُعَاوِيَة فِي أمر ابن مفرغ، لليمانية، وقالوا: شاعرنا وقد تعدى عليه ابن زياد وفضحه، وخرج طلحة الطلحات فِي أمره إلى مُعَاوِيَة، فكتب مُعَاوِيَة بإطلاقه، فأطلقه ابن زياد وعاتبه فَقَالَ له ابن مفرغ: إني أحب أن أنزل كرمان لئلا تبلغ عني شيئًا، فكتب له إلى عامله على كرمان بصلة، وأمره أن يقطعه بها قطيعة ففعل، ولم يزل بَكْرمان حتى هرب ابن زياد إلى الشام من البصرة فقدم البصرة. 996- وحدثني أَبُو عدنان الأعور عَنْ أبي زيد الأنصاري قَالَ: كتب عباد بْن زياد إلى أخيه عبيد اللَّه بشعر لابن مفرغ يَقُول فيه: إذا أودى مُعَاوِيَة ابن حرب ... فبشر شعب قعبك بانصداع شهدت بأن أمك لم تباشر ... أبا سُفْيَان واضعة القناع ولكن كان أمر فيه لبس ... على وجل شديد وارتياع فأنشده عبيد اللَّه مُعَاوِيَة وكان قد وفد إليه واستأذنه فِي قتل ابن مفرغ «1» فَقَالَ: أما القتل فلا ولكن أدبه. 997- وقدم ابن مفرغ البصرة هاربًا من عباد بْن زياد فاستجار الأحنف فَقَالَ: إني لا أجير على ابن سمية فإن شئت كفيتك شعراء بني تميم فقال: ذلك مالا أبالي ألا أكفاه، فأتى خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد «2» فوعده أن يكلم فيه ابن زياد، ووعده عمرو بْن عبيد اللَّه بْن معمر مثل ذلك، ثم أتى المنذر بْن الجارود فأجاره، وكانت ابنته بحرية عند ابن زياد، فلما قدم عبيد اللَّه البصرة دس إليه من أتاه به، فسقاه دواء سلحه فِي ثيابه وهو على حمار يطاف به فَقَالَ ابن مفرغ «3» : تركت قريشًا أن أجاور فيهم ... وجاورت عبد القيس أهل المشقّر

_ (1) م: المفرغ. (2) س: أسد. (3) ديوانه: 83، 80، 115.

أناسًا أجاروني فكان جوارهم ... أعاصير «1» من فسو العراق المبذر فأصبح جاري نائمًا متبسطًا ... ولا يمنع الجيران غير المشمّر وقال أيضا: أصبحت لا من بني بَكْر فتنصرني ... بَكْر العراق ولم تغضب «2» لنا مضر ولم تكلم «3» قريش في حليفهم ... إذ غاب ناصره بالشام واحتضروا 998- وكلمت اليمانية مُعَاوِيَة فِي أمره فأرسل رسولًا إلى عبيد اللَّه وأمره بحمل ابن 5 405 مفرغ معه، وكان قد أشخصه إلى أخيه عباد وهو بسجستان، فرد وأتي (865) به مُعَاوِيَة فَقَالَ فِي طريقه «4» : فما إن لعباد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق لعمري لقد نجاك من هوة الردى ... إمام وحبل للأمير وثيق سأشكر ما أوليت من فضل نعمة ... ومثلي بشكر المنعمين حقيق فلما دخل على مُعَاوِيَة بكى وقال: ركب مني ما لم يركب من مسلم على غير حدث ولا جرم، فَقَالَ ألست القائل: ألا أبلغ معاوية ابن حرب ... مغلغلة من الرجل اليماني وأنشده أشعارًا بلغته عنه، فحلف أنه لم يقلها فَقَالَ: اذهب فقد عفوت عنك وانظر أي بلد تحب أن تسكنه «5» فأسكنه، فنزل الموصل ثم ارتاح للبصرة «6» فقدمها ودخل على عبيد اللَّه بن زياد فآمنه.

_ (1) س: اعامير. (2) س: يغضب (والياء غير معجمة في ط) . (3) س: يكلم (والياء غير معجمة في ط) . (4) الديوان: 115 والتخريج 112- 113. (5) م: تسكن فيه. (6) م: البصرة.

999- قالوا: ولم يزل عبيد اللَّه على البصرة حتى مات مُعَاوِيَة فأقره يزيد بْن مُعَاوِيَة على ما ولاه أبوه. 1000- حَدَّثَنِي أحمد بْن إبراهيم الدورقي عَنْ موسى بْن إِسْمَاعِيل عَنْ عبد الحميد ابن عبد اللَّه عَنْ ثابت البناني قَالَ: كنت عند الحسن فقام سائل ضرير البصر فَقَالَ: تصدقوا على من لا قائد له يقوده ولا بصر يهديه، فقال الحسن: أليس ذاك صاحب هذه الدار- يعني عبيد اللَّه بْن زياد- ما كان له من حشمه قائد يقوده إلى خير ولا يشير به عليه، ولا كان له بصر يبصر به فينفعه. 1001- قالوا: وكان عبيد اللَّه بْن زياد أول من طلب المثالب وعني بجمعها ليعارض الناس بمثل ما يقولون فيه. 1002- أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كان ابن زياد يَقُول حبذا الإمارة لولا قعقعة البريد والتشزن «1» للخطب. 1003- وقال الْهَيْثَم بْن عدي، قَالَ عبيد اللَّه للأحنف: أي الشراب أطيب؟ قَالَ: الخمر، قَالَ: كيف علمت ذلك، قَالَ: إني رأيت من استحلها لا يتعداها، ومن حرمها يتناولها، فعلمت أنها أطيبه، فضحك عبيد اللَّه وقال: صدقت. 1004- قَالَ: وكان ابن زياد يغري بين الشعراء، فَقَالَ يومًا لحارثة بْن بدر الغداني أهج أنس بْن زنيم، فَقَالَ: أعفني، فلم يعفه فَقَالَ: وحدثت عَنْ أنس أنه ... قليل الأمانة خوانها بصير بما ضر منه «2» الصديق ... وشر الأخلاء عورانها

_ 1000- ربيع الأبرار: 376 ب. 1002- البيان 1: 135 وعيون الأخبار 2: 285 والفائق (شزن) . 1004- انظر الورقة 953/ أ (النسخة س) وشعر حارثة في الأغاني 23: 450 والخزانة 3: 122

فَقَالَ أنس: أتتني رسالة مستكره ... فكان جوابي غفرانها 1005- وقال الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة: ولى ابن زياد جزء بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف الفرات فاختان مائة ألف درهم، وعرف الأحنف ذلك فأخبر به ابن زياد، فَقَالَ له عبيد اللَّه: هات خاتمك، فأخذه منه وبعث به الى أهله مع رسل له فقال رسله: هذا خاتم جزء وابعثوا بالمال الذي قدم به، فبعثوا بالمائة الألف مع رسل ابن زياد، فَقَالَ جَزْء للأحنف: لا جزاك اللَّه عَنِ الرحم خيرًا، فَقَالَ الأحنف: وأنت فلا جزاك اللَّه عَنِ الأمانة خيرًا، ويقال إن زيادا فعل هذا. 1006- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن أبي زبيد عَنْ أبي حصين قَالَ: بلغ يزيد بْن مُعَاوِيَة أن الحسين عليه السلام (866) يريد الخروج إلى الكوفة فغمه ذلك وساءه، فأرسل إلى سرجون مولاهم وكان كاتبه وأنيسه فاستشاره فيمن يوليه الكوفة فأشار بعبيد اللَّه بْن زياد، فَقَالَ: إنه لا خير عنده، قَالَ: أرأيت لو كان مُعَاوِيَة حيّا فأشار عليك به أكنت توليه؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فهذا عهد مُعَاوِيَة إليه بخاتمه وقد كان ولاه، فلم يمنعني أن أعلمك ذلك إلا معرفتي ببغضك له، فأنفذه إليه وعزل النعمان بْن بشير، وكتب إليه: أما بعد فإن الممدوح مسبوب يومًا وإن المسبوب ممدوح يومًا، وقد سمي بك يومًا إلى غاية أنت فيها كما قَالَ الأول «1» : رفعت فجاوزت السحاب وفوقه ... فما لك إلا مرقب الشمس مقعد 1007- حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى القطّان قالا حدثنا حَكَّامٌ عَنْ عَمْرُو بْنُ مَعْرُوفٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ: [كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا أَتَاكُمْ أَهْلُ بيت نبيّكم يحمل قويّهم ضعيفهم؟

_ 1005- انظر الورقة 1097 ب (النسخة س) . 1006- الجهشياري: 27 وقارن بالطبري 2: 228

فَقَالُوا: نَفْعَلُ وَنَفْعَلُ، فَحَرَّكَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: تُورِدُونَ ثُمَّ تَعْرِدُونَ ثُمَّ تَطْلُبُونَ الْبَرَاءَةَ وَلا بَرَاءَةَ لَكُمْ.] وحدثني صديق لي عَنْ يوسف بن موسى انّ في حديثه: وتعينون عليه شر أهل زمانه فِي نسبه وسيرته. 1008- حَدَّثَنَا عُمَر بْن شبة حَدَّثَنَا محمد بْن حاتم حَدَّثَنَا القاسم بْن مالك حَدَّثَنَا مسعر بْن كدام عَنْ معبد بْن خالد قَالَ، قَالَ لنا مروان: صلوا مع ابن زياد واجعلوا صلاتكم معه سبحة «1» . 1009- حَدَّثَنِي يوسف بْن موسى حَدَّثَنَا جرير عَنْ مغيرة عَنْ إبراهيم قَالَ: أول من جهر بالمعوذتين فِي الصلاة عبيد اللَّه ابن مرجانة. 1010- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا المسعودي عن عليّ ابن مُدْرِكٍ قَالَ: أُتِيَ ابْنَ زِيَادٍ بِابْنِ مُكَعْبَرٍ «2» فَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَسَمَلَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ عَلْقَمَةُ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أَعْصَى النَّاسِ قَتَلَةُ أَهْلِ الإِيمَانِ. 1011- قالوا: وبنى ابن زياد مسجد الكوفة ووهى بعض «3» ما بنى فبناه يوسف بْن عُمَر. 1012- قالوا: وتزوج عبيد اللَّه بْن زياد هندا بنت أسماء بن خارجة الفزاري فعاب ذلك على أسماء محمد بْن عطارد «4» ومحمد بن الأشعث بْن قيس فتزوج أم النعمان ابنة محمد

_ 1008- قارن بنهاية ابن الأثير (سبح) . 1009- ابن كثير 8: 285 1010- قارن بالطبري 1: 985 1011- قارن بياقوت 4: 325 1012- عيون الاخبار 4: 97 وانظر الورقة 1020 ب (النسخة س) .

ابن الأشعث، وزوج أخاه عُثْمَان «1» بْن زياد ابْنَة مُحَمَّد بْن عمير «2» ، وزوج أخاه عبد اللَّه بْن زياد ابنة عمرو بْن حريث المخزومي فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الأسدي «3» : لقد أنكحت خوف الهزل عبدًا ... وصهر العبد أدنى للهزال ويقال إن عقبة «4» الأسدي تقلد سيفا ليفتك بهند فلم يمكنه ذلك فَقَالَ: أردت بها أمرًا قضى اللَّه غيره ... وليس لأمر حمه اللَّه مدفع وأقسم لو عاينتها لكسوتها ... بتوكا إذا عض الضريبة يقطع وقال أيضًا «5» : جزاك اللَّه يا أسماء خيرًا ... كما أرضيت فيشلة الأمير بفرج «6» قد يفوح المسك منه ... عظيم «7» مثل كركرة البعير وذي حبك كأن الجمر فيه ... يشبه حره لهب السعير 1013- وقال الْهَيْثَم بْن عدي: أرسل ابن زياد مولى له إلى أسماء قبل ولاية ابن زياد الكوفة وهو بالبصرة يخطب عليه ابنته فزوجه إياها، فَقَالَ له عمرو بْن حريث: أزوجته (867) ولا سلطان له عليك؟ فلما قدم الكوفة زوج أخاه ابنة عمرو بْن حريث. قَالَ: وقال عبيد اللَّه بْن زياد لجرير بْن عبد اللَّه البجلي زوجني ابنتك قَالَ: قد زوجتها من عمرو ابن حريث قَالَ أكذاك يا عمرو؟ قَالَ: نعم، فلما خرجا زوّجه إيّاها.

_ 1013- عيون الأخبار 4: 97

1014- الْمَدَائِنِيّ عَنْ جرير بْن حازم عَنِ الحسن وعن «1» هشيم عن مغيرة عن ابراهيم، قالا: ما رأينا أحدًا شرًا من ابن زياد. 1015- وقال الأعمش: كان مملوءًا شرًا ونغلًا. 1016- الْمَدَائِنِيّ قَالَ: هجا عبد اللَّه بْن همام عمرو بْن نافع مولى بني أُمَيَّة وكان يتولى ديوان الكوفة لزياد، فلما ولي عبيد اللَّه وشي به إليه فطلبه فهرب إلى يزيد بْن مُعَاوِيَة ومدح عثمان بْن عنبسة بْن أبي سُفْيَان واستجار به فِي شعر يَقُول فيه: أراك إذا أجرت على أمير ... وثيق عرى الأمانة والجوار فإني لا أبثك بث فقري ... ولكني أحاذر من طمار أعوذ من العقوبة يا ابْن «2» حرب ... ومعقد ما عقدت من الإزار وكان ابن زياد إذا غضب على رجل ألقاه من فوق قصر الكوفة، وطمار كل مرتفع. 1017- حَدَّثَنِي الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم بْن عدي قَالَ: أذن ابن زياد إذنًا عامًا فدخل الناس عليه، فزحم غسان بْن نباته أخو الأصبغ بْن نباتة المجاشعي عمرو بْن الزبير، فلما استقر بهم المجلس رفع عمرو يده فلطم لبيد بْن عطارد بْن حاجب بْن زرارة، فغضبت له بنو تميم، وكلم الناس لبيدًا فَقَالَ: لا أطلبها أبدًا، وبلغ الخبر أَهْل الكوفة فَقَالَ عبد اللَّه ابن الزبير الأسدي: فلا يَصْرِم اللَّه اليمين التي عَلَتْ ... على البغض والشحناء أنفَ لبيد فآبَ بنو ولد اسْتَهَا بمضاعف ... من اللطم لا يحصونه بعديد نمت بك أعراق الزبير وهاشم ... وعرق نمى من خالد بْن سَعِيد أم عمرو أم خالد بِنْت خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص أَبِي أحيحة، وأم الزبير صفية بنت عبد

_ 1017- الورقة 1020 ب (من النسخة س) .

المطلّب بن هاشم. فقال مسكين الدارمي وهو (ابن) عامر بْن أنيف بْن شريح بْن عمرو بْن عدس «1» : مُعَاذِ اللَّه أن تُلْفَى «2» ركابي ... سراعًا إذ وردن على ضمير طوال الدهر أو يرضى لبيد ... وكان الضيف محقوقا «3» بخير سنِلطم منذرًا أو وجه عمرو ... ولو دخلا بيثرب فِي است عير فَإِن تَكُ لطمة أدركتموها ... فلما تدركوا بدم الزبير وكان المنذر وافدًا على عبيد اللَّه بْن زياد حين ولي الكوفة وكان صديقًا له، فرصده رَجَال من بني تميم منهم نعيم بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة ورجل من بني ظاعنة «4» إخوة تميم، وهم حلفاء لبني عَبْد اللَّه بْن دارم، وثالث معهم، وجاء المنذر يوم جمعة يريد المسجد، فلطمه أحدهم ثُمَّ الثاني ثُمَّ الثالث، فدخل المنذر على عُبَيْد اللَّه فَقَالَ له: ما أتيتك حَتَّى ظننت أنّ الجدرات ستلطمني، فأرسل ابن زياد إِلَى مُحَمَّد بْن عمير ولم يكن فيمن لطمه، إلا أنه قد أمرهم بذلك، فحبسه فِي السجن، وأخذ نعيمًا وأصحابه فضربهم بالسياط، وقال بعضهم إنه قطع أيديهم. 1018- وقال ابن الأعرابي قَالَ المفضل الضبي: لما قدم منذر بْن الزبير على ابن زياد بعد لطم عمرو لبيدًا لطم (868) مُحَمَّد بْن عمير منذرًا فأخذه ابن زياد فضربه، وجاءت بنو أسد بْن خزيمة فجعلت تلطم بني تميم، فيقال إنه لم يبق من بني تميم أحد يظهر إلا لطم، فَقَالَ الشاعر «5» : ونحن لطمنا منذرًا يوم جمعة ... إذا نهلت منّا الأكفّ نعيدها

_ 1018- 1019: الورقة 1021/ أ (من النسخة س) .

لطمناه حَتَّى أسبلت بدمائها ... خياشيم كَانَتْ مُسْتكنًّا فصيدها رَأَى منذر دفَّاع موجٍ عَرَمْرَمٍ ... وكثرة أيدٍ لم يجد من يذودها فقل لبني الْعَوَّام ينهوا سفيههم ... عَنِ الجهل لا تنكأ بلطم خدودها 1019- وقد روى بعضهم إن عُمَر بْن سعد بْن أَبِي وقاص نازع ابن أم الحكم عند مُعَاوِيَة، فأجابه لبيد عَنِ ابن أم الحكم، وكان ابن أم الحكم مائلًا إلى بني حنظلة، فقام مُعَاوِيَة فدخل إِلَى أهله، فقال عُمَر بْن سعد: يا معاشر قريش أما أحد يكفيني هَذَا الكلب التميمي؟ فَقَالَ عمرو بْن الزبير لغلام له: ائت صاحب العمامة الحمراء فاكسر أنفه، ففعل الغلام، فصاح لبيد: يا أمير المؤمنين أيفعل بي هذا فِي مجلسك؟ فخرج مُعَاوِيَة وأمر بضرب الغلام، فَقَالَ لبيد: ما يقنعني هذا، فَقَالَ: أيضربك الغلام وأضرب عَمْرًا؟ لستُ بفاعل، وبلغ ذلك بني تميم ففعلوا بعد ذلك ما فعلوا واللَّه أعلم. 1020- وقال الْمَدَائِنِيّ: حبس ابن زياد عبد اللَّه بْن الحارث بْن نوفل وأراد قتله لإحنة كانت فِي صدور آل زياد عليه، وبلغ خبره خالاته بنات أبي سُفْيَان، لأن أمه هِنْد بنت أبي سُفْيَان، فكلمن يزيد فيه وقلن: إنا لا نأمن عليه، فوجه يزيد رسولًا وكتب معه إلى ابن زياد بتخلية سبيله، وكتب للرسول منشورًا، فانطلق الرسول إلى عبيد اللَّه فأخرجه، وكان مع المختار فِي محبس واحد حين حبس ابن زياد المختار. 1021- قالوا: وكان زياد يطعم الناس بالغداة والعشي، إلا يوم الجمعة فإنه كان يعشي ولا يغدي، وكان لا يرد عَنْ طعامه أحد، وكان يتمجع عنده بالغداة اللبن من حضره، وكان لعبيد اللَّه بْن زياد طعام لخاصته وحرسه ولم يكن له طعام للعامة، وكان عبيد اللَّه أكولًا يأكل فِي اليوم خمس أكلات آخرها جبنة بعسل توضع بين يديه بعد فراغه من الطعام، وكان يأكل جديًا أو عناقًا يتخير له فِي كل يوم فيأتي عليه، ومر بالطف فَقَالَ له رجل من بني أسد: أتتغدّى أصلح اللَّه الأمير؟ فأكل عنده عشر بطات وزبيلًا من عنب ثم عاد وأكل عشر بطّات أخر وزبيلا من عنب وجديا.

_ 1021- يقارن بعضه عن أكل عبيد الله بما في العيون 3: 228 والمروج 7: 218 والنويري 3: 352 والمستطرف (ط 1350) 1: 166

1022- وحدثنا الْمَدَائِنِيّ عَنْ عبد اللَّه بْن سلم وعن عامر بْن فائد قالا قَالَ الحسن: قدم علينا عبيد اللَّه بْن زياد فقدم شابًا مترفًا فاسقًا يأكل فِي اليوم خمس أكلات، وإن فاتته أكلة ظل لها صريعًا يتكئ على شماله ويأكل بيمينه، حتى إذا غلبت عليه الكظة قَالَ: أبغوني حاطومًا، ثكلتك أمك إنما تحطم دينك. 1023- وقال ابن الكلبي وغيره: حلف ابن زياد ليقتلن المختار بْن أبي عبيد، فسمع ذلك أسماء بْن خارجة وعروة بْن المغيرة فدخلا عليه فأخبراه بذلك وقالا: أوصنا فِي مالك واحفظ لسانك، فَقَالَ: كذب واللَّه ابن مرجانة الزانية، واللَّه لأقتلنه ولأضعن رجلي على خده، فَقَالَ أسماء: يا أبا إسحاق قد كانت تبلغنا عنك أشياء فأما إذ سمعنا منك هذا «1» القول فما فيك مستمتع، ثم نهضا متعجبين من (869) قوله مستحمقين له، وبَكْرا إلى ابن زياد فإذا زائدة بْن قدامة الثقفي قد دخل عليه بكتاب من يزيد بْن مُعَاوِيَة يعلمه فيه أن عبد اللَّه بْن عُمَر كتب إليه فيه ويعزم عليه أن يخلي سبيله، فَقَالَ لزائدة «2» : يا ابن جمانة أي الرجلين: الكذاب الذي فِي محبسي «3» أم الخارج بغير إذني «4» ؟ ثم أمر به فوجئت عنقه وقال: انطلقوا به إلى الحبس، فقام إليه مسلم بْن عمرو الباهلي فطلب فيه حتى أخرجه من الحبس وقال للمختار: يا كذاب قد أجلتك ثلاثًا فلا تساكني، ففكت قيوده بالعذيب. 1024- وقال عقيبة الأسدي، وهو عقيبة بْن هبيرة بْن فروة بْن عمرو بْن عبيد بْن أسعد بْن جذيمة بْن مالك بْن نَصْر بْن قعين بْن الحارث بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد: لبس ابن زياد «5» كساء الخز منكرة ... لكن كساء زياد كان من صوف

_ 1022- محاضرات الراغب (بيروت) 2: 635 في بلال بن أبي بردة. 1023- قارن بعضه بالطبري 2: 522

نجار فهر مبين فِي توسمهم ... لكن نجار زياد غير معروف لستم قريشًا ولكن أنتم نبط ... صهب اللحى والنواصي صهبة الليف فكان عبيد اللَّه بْن زياد يذكر هذا الشعر ثم يَقُول: كذب ابن الفاعلة. 1025- حَدَّثَنِي الحرمازي قَالَ: كان سَعِيد بْن شداد اليربوعي معلمًا، وكان ابن زياد يستملحه ويدعو به كثيرًا، فأبطأت عليه صلته، وقال ابن زياد يومًا: ما أحوجني إلى وصفاء، فعمد إلى صبية فِي كتابه فألبسهم الثياب وأتاه بهم وقال: هؤلاء وصفاء، فاشتراهم منه، فلما أمسوا جعلوا يبكون ويطلبون منازلهم، فأطلقهم ابن زياد وقال لسَعِيد: ما حملك على هذا؟ قَالَ: إبطاء صلتي، فضحك وسوغه أثمان الصبيان وزاده. 1026- قالوا: ولم يزل ابن زياد على العراقين حتى مات يزيد بْن مُعَاوِيَة، وهو يومئذ بالبصرة، وعلى الكوفة من قبله عمرو بْن حريث، ومات أَبُو ليلى بعد أبيه بيسير، فأخرج أهل الكوفة عمرًا، وتراضوا بعامر بْن مسعود الجمحي، وهو دحروجة الجعل «1» وكان قصيرًا «2» . 1027- قالوا: ولما طلب ابن زياد الخوارج تضمن عبيد اللَّه بْن أبي بَكْرة بعروة بْن أدية فهرب، فَقَالَ له ابن زياد: ائتني به وإلا قتلتك، فطلبه أشد الطلب وجعل فيه جعلًا، فوجد فِي سرب فِي دار لبعض بني سُفْيَان، فقرأ عبيد اللَّه قصته: «إنا وجدنا عروة يشرب «3» فِي دار» فضحك عبيد اللَّه وقال: كذبتم ليته كان يشرب، فَقَالَ له بعض من حضره: إنما وجد بسرب. فلما أدخل عروة عليه قَالَ: جهزت علي أخاك، فَقَالَ: واللَّه لقد أردته على المقام فأبى، ولقد كنت به ضنينًا وبحياته كثيرًا، قَالَ: أفأنت على دينه؟ قَالَ: كلنا «4» نعبد ربًا واحدًا، قَالَ: فما قولك فِي؟ قَالَ: أولك لزنيةٍ وآخرك لدعوةٍ،

_ 1027- قارن بعيون الأخبار 1: 337 والكامل 3: 258- 259 وتنبيه حمزة: 12

قَالَ: لأمثلن بك، قَالَ: اختر لنفسك من القصاص ما أحببت، فأمر به فقطعوا يديه ورجليه، فَقَالَ: كيف ترى؟ قَالَ: أراك أفسدت علي دنياي وأفسدت عليك آخرتك، وما أحب أن الذي نالني نال غيري، فأمر به أن يصلب فِي داره، فسقط عَنِ الجذع فقال: لا حكم الّا لله ولو كره المشركون، فصلب، وسأل ابن زياد رجلًا كان يخدم عروة عنه فَقَالَ: لم أفرش له بليل مذ صحبته ولم أعد له طعامًا بنهار. 1028- وتغيب رجل من بني حنيفة فقتل ابن زياد كفيله. 1029- وقال الرهين بن سهم المرادي: (يا) نفس قد طال فِي الدنيا مراوغتي ... لا تأمني لصروف الدهر تنغيصا (870) فأسأل اللَّه بيع النفس محتسبًا ... حتى ألاقي فِي الفردوس حرقوصا وابن المنيح ومرداسًا وإخوته ... إذ فارقوا زهرة الدنيا مخاميصا تخال صفهم فِي كل معترك ... للموت سورًا من البنيان مرصوصا 1030- وحدثنا أَبُو خيثمة وأحمد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْن حازم عَنْ أبيه عَنْ عيسى بْن عاصم قَالَ: خرج ابن زياد فِي رهان له فلما جلس ينتظر الخيل جمع الناس وفيهم عروة بْن أدية، فأقبل «1» عروة على ابن زياد فَقَالَ: خمس كن فِي الأمم قبلنا قد أصبحن فينا، قَالَ اللَّه أَتَبْنُونَ بكُلِّ رِيعٍ آيَةً تعْبثون. وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (الشعراء: 26) وخلتان أخريان ذكرهما لا أحفظهما، فظن ابن زياد أنه لم يقل له هذا القول إلا وهو فِي جماعة من أصحابه، فقام فانصرف وترك رهانه، فقيل لعروة: ما صنعت؟ واللَّه ليقتلنك، فتوارى عروة وطلبه ابن زياد فخرج إلى الكوفة، فأخذه ابن أبي بَكْرة وكتب إلى ابن زياد: إني أخذت عروة بْن

_ 1029- الأبيات 1- 3 في الكامل: 3: 262- 263 وانظر شعر الخوارج: 62 (ط. ثانية) وفتوح ابن أعثم 4: 130 وشرح النهج 1: 453. 1030- ابن الفقيه: 156 والطبري 2: 185 وابن الأثير 3: 428 والمحاسن والمساوئ: 552 (وفيه تروى عن زياد) .

1032 - أمر مالك النميري:

أدية بسرب فظن ابن زياد أنه كتب: «وجدته يشرب» فلما أتي به أمر فقطعت يداه ورجلاه ثم قَالَ: كيف ترى؟ قَالَ: أفسدت دنياي وأفسدت عليك آخرتك، ثم بعث برأسه إلى ابنته فجاءت وجثته مطروحة بين يدي ابن زياد، فَقَالَ لها: أنت على دينه؟ قالت: وكيف لا أكون على دينه وما رأيت قط خيرًا منه، فأمر بها فقتلت مع أبيها. 1031- وأنشدني أَبُو الكردي الإباضي لعمران بن حطّان او سعيد بن مسجوج «1» : لقد زاد الحياة إليّ بغضا ... وخبّا للخروج أَبُو بلال وعروة بعده سقيًا ورعيًا ... لعروة ذي الفضائل والمعالي أخاف أن أموت على فراشي ... وأرجو الفتك تحت ذري العوالي ولو أني وثقت بأن حتفي ... كحتف أبي بلال لم أبال 1032- أمر مالك النميري: قالوا: أخذ ابن زياد رجلًا يقال له مالك بْن نمير فَقَالَ ابن زياد لنميلة بْن مالك: أتعرفه؟ فَقَالَ: أَبُو عزة الشرطي يعرفه «2» لأنه من بني نمير، فَقَالَ ابن زياد: قم يا أبا عزة فاقتله، فَقَالَ: دمي دون ديني، فَقَالَ ابن زياد: أراد أَبُو عزة أن يتشبه بعبد اللَّه بْن عُمَر، وأمر بحبس أبي عزة، فكلمه فيه نميلة فخلى سبيله، وأمر غير أبي عزة فقتل مالكًا. وقال أَبُو عزة: نميلة إن اللَّه أعظم طاعة ... على خلقه من طاعة ابن زياد دمي دون ديني ليس للقتل توبة ... بذاك ينادي يا نميل منادي 1033- أمر سليم عبد اليشكري: قالوا: كان عبد لبعض بني يشكر يقال له سليم يرى رأي الخوارج، ففسد على مولاه فحبسه وحال بينه وبين أصحابه من الخوارج،

_ 1031- الأبيات 1، 3، 4 في الكامل: 3: 168 والبيتان 1، 3 في الخزانة 2: 439 وانظر شعر الخوارج: 142 وشرح النهج 1: 450 وقناطر الخيرات 2: 144

1034 - أمر خالد بن عباد السدوسي

فجاء قوم من عنزة إلى مولاه فسألوه أن يبيعهم إيّاه فأبى، ثم إنّهم فقدوا العبد فعلموا أن مولاه قتله، فجاء نفر منهم إلى إبل اليشكري ليلًا فعقروها، وقال شاعرهم: نحن عقرنا الإبل البهازر «1» ... بسيف حمران وسيف جابر (871) واليشكري ساء ما يباكر فكان بين يشكر وعنزة فِي أمر الإبل كلام، فكادوا يقتتلون «2» حتى غرمها «3» حمران العنزي، فَقَالَ رجل من بني شيبان: لقد دربخوا بالإبل بعد نفورهم ... كما دربخت للمؤكفين حميرها «4» 1034- أمر خالد بْن عباد السدوسي فِي أيام يزيد، ويقال: فِي أيام مُعَاوِيَة، قالوا: أخذ عبيد اللَّه بْن زياد فِي أيام مُعَاوِيَة أو أيام يزيد خالد بْن عباد، ويقال عباد، وكان من عباد الخوارج ومجتهديهم وهو من بني عمرو بْن سدوس بْن شيبان بْن ذهل بْن ثعلبة فكلم فيه فخلى سبيله، وقيل له إنه قد كذب عليه وليس من أهل هذا الرأي، وضمنه صهر «5» له، فكان لا ينام الليل لتعهده إياه فِي بيته، ففقده ليلة وأخبر أنه لم يبت فِي بيته فأتى ابن زياد فأعلمه ذلك، فدعا ابن زياد خالدًا فسأله أين بات، فَقَالَ: كنت مع إخوان لي نذكر اللَّه ونقرأ القرآن، قَالَ: فدلني عليهم، قَالَ: لو دللتك عليهم لقتلتهم ولو فعلت لنالوا سعادة وشهادة، ولكني أكره أن أروعهم، فَقَالَ ابن زياد: العن أهل النهروان قَالَ: إن كانوا أعداء اللَّه فلعنهم اللَّه، قَالَ: فتول مُعَاوِيَة، أو قَالَ يزيد بْن مُعَاوِيَة، قَالَ: إن كان مؤمنًا وليا لله فأنا ولي له فلم يزده على هذا، فَقَالَ رجل ممن حضر: أنا أكفيكه أيها الأمير، فخلا به فقال: إنّك في تقيّة، فقال: لا تقيّة اليوم فِي اللَّه، فَقَالَ ابن زياد: أخرجوه الى

_ 1034- قارن بالكامل: 3: 273

1035 - أمر عقبة بن الورد الجاوي من باهلة:

السوق فاقتلوه، وكان ضاويًا من العبادة، فلم يقدم أحد على قتله وجعلوا يتفادون منه، فمر به المثلم بْن مسروح الباهلي أحد بني وائل أو فراص، وكان فِي الشرط، فشد عليه فقتله، فوضع الخوارج عليه عيونا فرأوه يسوم بلقحة، فَقَالَ له رجل منهم: إن عندي لقحة من حالها وحالها فانطلق معي لتراها وأنا أساهلك فِي ثمنها، فمضى معه يمشي بين يديه، والمثلم على فرسه، ثم دخل دارًا ودخل المثلم معه، وفي الدار خوارج فوثبوا عليه فقتلوه، وكان الذي قتله حريث بْن حجل، ودفنوه فِي ناحية الدار وجعلوا دراهم كانت معه فِي بطنه، وحكوا أثر الدم، وخلوا فرسه حين أمسوا. وطلب المثلم فلم يوجد، فاتهموا به بني سدوس واستعدوا عليهم ابن زياد، وخرج قوم من باهلة إلى مُعَاوِيَة أو يزيد فحكم على بني سدوس بالقسامة، فحلفوا بالله ما قتلنا ولا علمنا له قاتلًا، فأخذ به ابن زياد أربع ديات من أعطية بني سدوس، وقال ابن زياد: ما أدري كيف أصنع ما أقتل رجلا من هذه المارقة إلا قتل قاتله، فقال ابو الأسود الدئلي «1» : آليتُ لا أَمشي إلى رب لقحةٍ ... أساومه حتى يؤوب المثلم وقال له كوماء حمراء جلدة ... وقاربه فِي السوم والفتك يكتم فأصبح قد عمي على الناس أمره ... وقد بات يجري فوق أثوابه «2» الدم وكان أَبُو الأسود يَقُول: ما قتل المثلم إلا الطمع. 1035- أمر عقبة بْن الورد الجآوي من باهلة: قالوا: رأى مسلم بْن عمرو عند مسجد بني قتيبة عقبة ومعه سيف، وكان (872) خارجيًا مجتهدًا وأقبل حجير الجآوي من عند عبيد اللَّه بْن زياد وقد قتل عبيد اللَّه قوما من الخوارج فأصاب حجيرًا نضح من دمائهم، فرآه عقبة مسرورًا بذلك وهو يمضي إلى المسجد، فضربه بسيفه فِي المسجد فقتله، وضرب ربيعة بْن عمرو ومضى ليخرج، فألقى عليه رجل من أهل المسجد من بني أود شملة كانت عليه فصرعه، فقالت بنو جآوة: ثأرنا، وقالت بنو أود: ثأرنا،

_ (1) ط م: الدؤلي، وانظر الأبيات: في ديوانه: 95 (2) س: أبوابه (وقد تقرأ كذلك في م) .

1036 - أمر الهثهاث بن ثور السدوسي:

وجآوة وأود أخوان أبوهما معن بْن وائل من باهلة، وفراص أخوهما أيضًا، فضربت عنقه وقذف في بئر. 1036- أمر الهثهاث بن ثور السدوسي: قالوا: سعى بالهثهاث بْن ثور ابن عم له إلى ابن زياد فكلمه فيه سويد بْن منجوف بْن ثور وقال: إن عمي بريء مما قرف به، فشتمه عبيد اللَّه وقال: يا ابْن البظراء فَقَالَ: لقد كذبت نساء «1» بني سدوس إذًا، فاستحيا عبيد اللَّه من سويد ودعًا بالهثهاث فَقَالَ «2» له شقيق بْن ثور: إنك لا تدع هذا الرأي فاخرج عَنْ هذه البلدة، فخرج إلى الطف فمات هناك، وقال بعضهم: انّ ابن زياد لما أخرج الهثهاث غربه إلى أدام، ويقال: أدم. 1037- قالوا: وسعي بأم الفضل بنت شقيق إلى ابن زياد فحبسها ثم كلم فيها فأخرجها، وكان الذي سعى بها رجل من ولد مجزأة «3» بْن ثور يقال له فدكي فقال لأي ابن شقيق يهجو فدكيا فِي شعر يَقُول فيه: لن تجدي فِي بيوت الناس صالحة ... إلا لها من بيوت السوء أعداء فِي أبيات. 1038- أمر أبي السليل: قالوا: خرج خارجي بالبصرة فحكم فِي المسجد وكان يكنى أبا السليل، فقام إليه عقبة بْن وساج البرساني من الأزد وعليه بت فألقاه عليه فصرعه وأخذ سيف الخارجي فقتله به. 1039- أمر جزعة وصاحبها: قالوا: خرج رجل وامرأة يقال لها جزعة ومعهما سيفان فحكما فِي مسجد البصرة ثم أخذت المرأة نحو بني سليم وأخذ الرجل نحو رحبة بني تميم فرآها قد بعدت منه فناداها: يا جزعة أقربي مني، فقالت (إِنَّ أَوْلِياءَ الله لا خَوْفٌ

_ 1036- قارن بالبيان 2: 211

1041 - أمر أبي الوازع الراسبي:

عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنونَ) (يونس: 62) فقتلهما الناس، ويقال: بل أتي بهما ابن زياد فأمر بقتلهما، ويقال أنه قتل الرجل وحبس المرأة. 1040- وحدثنا الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل رجل مسجد البصرة فحكم فيه، فقام إليه رجل من بني تميم فقتله، وبلغ ابن زياد خبرُهُ فَقَالَ: من كان فِي المسجد؟ فقيل: كان فيه أَبُو حميلة مولى سمرة بْن جندب الفزاري، فلامه ابن زياد وقال: لم تقم إليه حتى قتله غيرك، فَقَالَ: إني لو قمت إليه لاحتملته حتى أضرب برأسه الحائط فأنثر دماغه ولكني كرهت أن يقال قام اثنان إلى واحد. 1041- أمر أبي الوازع الراسبي: قالوا: لما قتل عروة بْن أدية- وهو عروة بن حدير ابن عمرو أحد بني ربيعة بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم- قَالَ أَبُو الوازع لبني الماحوز: إني شار فاشروا ودعوا المضاجع فطال ما نمتم وغفلتم عَنْ أهل البغي حتى صيّرهم ذلك إلى أن يتبعوكم «1» يقتلونكم فِي مضاجعكم قتل الكلاب فِي مرابضها، وقال لنافع بْن الأزرق الحنفي صاحب الأزارقة: لقد أعطيت لسانًا صارمًا وقلبًا كليلًا، فليت كلال قلبك للسانك وصلابة لسانك لقلبك، ولقد خفتُ أن يكون (873) حبّ هذه الدنيا الفانية قد غلب على قلبك فملت إليها وأظهرت بلسانك الزهد فيها، وذلك أنه سمع نافعًا يصف جور السلطان ويعظ أصحابه ويحضهم على الجهاد، فَقَالَ له نافع: كلا يا أبا الوازع، ولكنني «2» أطلب الفرص، فرويدك يجتمع ملأ أصحابك، قَالَ: كلا إن فِي غدو الموت ورواحه ما يعجلني فأخاف معه فوت ما أريد، وقال: سأشري ولا أبغي سوى اللَّه صاحبًا ... وأبيض كالمخراق عضب المضارب فقد ظهر الجور المبير وأجمعت ... على ذاك أقوام كثير التكاذب فِي أبيات. ثم اشترى أَبُو الوازع سيفًا وأتى صيقلًا كان يشتم الخوارج ويدل عليهم، فقال

_ 1041- قارن بالكامل: 3: 276- 277 وانظر شعر الخوارج: 69- 70

1042 - أمر ثابت بن وعلة الراسبي:

له: اشحذ لي سيفي هذا، فشحذه، ثم أخذه فهزه وحكم وقتل به الصيقل، فهرب الناس عنه، وأخذ فِي بني يشكر «1» وهو يحكّم، فدفع عليه رجل حائطا ابراسبج «2» فقتله، فأمر به ابن زياد فصلب فِي بني يشكر، فكرهوا ذلك وخافوا أن يتخذ الخوارج مصلبه مهاجرًا. 1042- أمر ثابت بْن وعلة الراسبي: قالوا: كان ثابت من مخابيت «3» الخوارج، وكان عظيم الشأن فيهم، فبينا قوم من أصحابه يتحدّثون في بيته إذا أنشد الزبير بْن علي مرثية للخوارج فبكى وقال لأصحابه: عليكم السلام، لا واللَّه لا أتأخر عَنْ إخواني بعد يومي هذا إلا مكرهًا، فخرج فِي يوم جمعة، فحكم عند مسجد الحرورية بالبصرة وجعل يَقُول: سأتبع إخواني وأحسو بكأسهم ... وفي الكف عضب الشفرتين مهند وقتل يومئذ مولى لبني الحارث بْن كعب وآخر من بني نهد، وكانا قتلا ابن عم له بأمر عبيد اللَّه بْن زياد، ثم اعترض الناس فقتل، ولم يدر من قتله لكثرة الناس عليه، وصلب. 1043- أمر عيسى الخطي: قالوا: أراد عيسى الخطي «4» - وهو عيسى بْن حدير «5» أحد بني وديعة بْن مَالِك بْن تيم اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن عُكابة، ويقال هو عيسى بْن عاتك، الخروج، وله بنات فتعلّقن به وبكين وقلن: إلى متى تدعنا؟ فَقَالَ: لقد زاد الحياة إلي حبًا ... بناتي أنهن من الضعاف مخافة أن يرين البؤس بعدي ... وأن يشربن كدرًا بعد صاف

_ 1043- انظر شعر الخوارج: 57- 58 وفيه تخريج كثير وتوضيح للاختلاف في نسبة الأبيات.

1044 - أمر رجاء النمري:

وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبو العين عَنْ حرم «1» عجاف ولولا ذاكم أرسلت مهري ... وفي الرحمن للضعفاء كاف وكان عيسى يذم السلطان ويعيبهم، فعذله أصحابه وقالوا: أتق اللَّه فِي نفسك وفينا أن نقتل بجريرتك، فقد ترى ما يصنع عبيد اللَّه بْن زياد، فَقَالَ فِي قصيدة له: أخاف عقاب اللَّه إن مت راضيًا ... بحكم عبيد اللَّه ذي الجور والغدر وأحذر أن ألقى إلهي ولم أرع ... ذوي البغي والإلحاد فِي جحفل مجر وله شعر كثير. 1044- أمر رجاء النمري «2» : قالوا: لما بلغ أهل اليمامة مسير أهل الشام إلى المدينة لقتال أهلها، قَالَ رجاء النمري لقوم من الشراة: إن أهل الشام قد ساروا إلى المدينة ولا شك أنهم (874) يأتون مَكَّة إن ظهروا وغلبوا على المدينة، فاخرجوا نمنع مَكَّة ونقاتل عَنْ حرم اللَّه وكعبته إن أتوا مَكَّة، فأجابه ثمانون منهم نجدة بن عامر وبنو بحدج «3» : حسان وعبد الرحمن وأخ لهما ثالث وحجية بْن أوس العطاردي من بني تميم وأبو الأخنس الهزاني وأبو مالك وأبو طالوت سالم بْن مطر من بني مازن «4» ، ويقال مولاهم، وعطية الأسود، فلما خرجوا لحق أوس العطاردي ابنه حجية فَقَالَ له: إن الشوصة «5» عرضت لأمك بعد خروجك فاتها فانظر إليها ثم عد إلى أصحابك. فلما أتى منزله أخذه فحبسه، فانتظره أصحابه ثلاثًا ثم مضوا وعليهم رجاء، ويقال: كان عليهم حسّان بن بحدج «6» ، فقدموا مَكَّة قبل أن يأتيها أهل الشام فقال الشاعر «7» :

_ 1044 قارن بالكامل 3: 283 وانظر شعر الخوارج: 71 (عن الأنساب) .

يا ابن الزُّبَيْرِ أترضى معشرًا قتلوا ... أباك ظلمًا فما أبقوا ولا تركوا ضحوا بعثمان يوم النحر ضاحية ... ما أعظم الحرمة العظمى التي انتهكوا فَقَالَ «1» : نعم لو أعانني الشيطان على أهل الشام لقبلته، ولحق بهم عيسى الخطي وعمير بْن ضبيعة الرقاشي وخرجا من البصرة فِي ستة عشر راكبًا من الخوارج فكانوا مع ابْن الزُّبَيْرِ، فبعضهم يَقُول: بايعوه، وبعضهم يَقُول: لم يبايعوه، وكانوا معتزلين له، إلا أنهم يقاتلون أهل الشام إذا قاتلوه، فلما انقضى الحصار الأول وجاء موت يزيد بْن مُعَاوِيَة انصرفت طائفة من الخوارج إلى البصرة وأقامت طائفة وقالوا: قد انصرف أهل الشام عَنْ مَكَّة، وإنما قدمنا لهم، فينبغي أن نفتش ابْن الزُّبَيْرِ عَنْ قوله فِي عثمان وعلي، فإن كان لنا موافقًا أقمنا معه وإن كان لنا مخالفًا انصرفنا عنه، فأتاه عيسى الخطي وأبو طالوت وعطية ونجدة فسألوه عَنْ رأيه فِي عثمان وعلي رضي اللَّه تعالى عنهما فخالفهم، فولّوا أمرهم ابن بحدج «2» وانصرفوا إلى البصرة ثم تفرقوا، وذلك فِي سنة أربع وستين، وأصيب فِي قتال أهل الشام رجاء وناس من أصحابه فبكاهم حجية بْن أوس فَقَالَ: إذا ذكرت نفسي رجاء وصحبه ... أكاد على بعض الأمور ألومها فلله عينا من رأى مثل عصبة ... أقام بضبع ابْن الزُّبَيْرِ مقيمها ترى عافيات الطير يحجلن حولهم ... يقلّبن أجساما قليلا لحومها فوا حربا ألّا أكون شهدتهم ... بمكّة والخيلان تدمى كلومها وقال أيضًا: ندمت على تركي رجاء وصحبه ... وتلك لعمري هفوة لا أقالها 1045- وقال بعض أهل الشام يذكر حصين بْن نمير السكوني وكان على أهل الشام بمكة، وقد كتبنا خبره في خبر ابن الزبير:

_ 1045- راجع ف: 879 في ما تقدم.

خبر عبيد الله بن زياد بعد موت يزيد بن معاوية ومقتل مسعود بن عمرو: (875)

يا صاحبي ارتحلا وأملسا ... لا تحبسا لدى حصين محبسا «1» إن لدى الأركان بأسًا أبأسا ... وبارقات يختلسن الأنفسا إذا الفتى حكم ثم كبّسا «2» خبر عبيد الله بن زياد بعد موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَة ومقتل مَسْعُود بْن عَمْرو: (875) 1046- قَالَ هِشَام بْن الكلبي فِي إسناده: أتى عبيد اللَّه بْن زِيَاد خبر وفاة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة وَهُوَ بالبصرة، وخليفته عَلَى الكوفة عَمْرو بْن حريث المخزومي، فَقَالَ لأهل البصرة: إِن شئتم فبايعوني بالإمرة حَتَّى تنظروا مَا يصنع النَّاس وتروا رأى من وراءكم «3» ، فبايعه أهل البصرة عَلَى ذَلِكَ، ووجه عبيد اللَّه من البصرة عامر بْن مسمع من بَنِي قَيْس بْن ثعلبة وسعد بْن القرحاء ليعلما أهل الكوفة مَا كَانَ من أهل البصرة ويسألاهم البيعة لابن زِيَاد عَلَى الإمرة حَتَّى يصطلح النَّاس عَلَى إمام، فجمع عَمْرو بْن حريث النَّاس «4» وعرض ذَلِكَ عَلَيْهِم، وأمر عامر بْن مسمع أَن يتكلم فتكلم ودعاهم «5» إِلَى البيعة لعبيد اللَّه وَقَالَ: إِنَّمَا الكوفة والبصرة شَيْء واحد فليكن أمرنا وأمركم مجتمعًا، وقام سَعْد بْن القرحاء فَقَالَ نحوًا من ذَلِكَ، فقام يَزِيد بْن الْحَارِث بْن رويم الشيباني فحصبهما، ثُمَّ حصبهما النَّاس وَقَالُوا: أنحن نبايع لابن مرجانة! لا ولا كرامة، فشرف بِذَلِكَ يَزِيد «6» بالمصر وارتفع، فرجع الرجلان إِلَى البصرة فأخبرا النَّاس الْخَبَر، فَقَالَ أهل البصرة: أيخلعه «7» أهل الكوفة ونبايعه نحن؟ هَذَا مَا لا يَكُون! فوثب النَّاس بِهِ وَكَانَ عبيد الله يقول: ما نزلت بزياد نازلة

_ 1046- الطبري 2: 440، 453، 460- 462 وقارن بابن الأثير 4: 108، والنقائض: 113، 732 والاشتقاق: 294 والكامل: 1: 140 والورقة: 1111 ب، 1112/ أ (س) .

فاستجار فِيهَا إلا بالأزد، فاستجار بمسعود بْن عَمْرو الأزدي من ولد معن بْن مَالِك بْن فهر «1» بْن غنم بْن دوس، وَكَانَ مَسْعُود يدعى القمر لجماله، وَهُوَ جد الوجناء «2» الحلبي فيما يقال، فأجار ابْن زِيَاد ومنعه، فمكث ابْن زِيَاد بالبصرة أربعين ليلة بَعْد موت يَزِيد ثُمَّ خرج إِلَى الشام واستخلف مسعودًا عَلَى البصرة ووجه مَعَهُ مَسْعُود من شخص بِهِ إِلَى مأمنه من الشام، فَقَالَتْ بنو تميم وقيس: لا نرضى ولا نولي عَلَيْنَا إلا رجلا «3» ترضاه جماعتنا، فَقَالَ مَسْعُود: استخلفني عبيد اللَّه ولا «4» أدع ذَلِكَ أبدًا، وخرج فِي قومه حَتَّى انتهى إِلَى القصر فدخله، واجتمعت بنو تميم إِلَى الأحنف بْن قَيْس فَقَالُوا لَهُ: إِن الأزد قَدْ دخلت الْمَسْجِد، فَقَالَ الأحنف: وإن دخلوه فمه، إِنَّمَا هُوَ لكم وَلَهُمْ وأنتم تدخلونه أيضًا، ثُمَّ قَالُوا: إِن مسعودًا قَدْ دَخَلَ القصر وصعد المنبر، وكانت خوارج قَدْ خرجوا فنزلوا بنهر «5» الأساورة حِينَ مضى عبيد اللَّه إِلَى الشام، فزعموا أَن الأحنف بعث إِلَى أولئك الخوارج: إِن الرجل الَّذِي دَخَلَ القصر عدو لنا ولكم، فما يمنعكم أن تبدءوا بِهِ؟ فجاءت عصابة من الخوارج حَتَّى دخلوا الْمَسْجِد ومسعود عَلِي المنبر يبايع من أتاه، فضربه علج فارسي يقال لَهُ مُسْلِم، وَكَانَ مُسْلِم «6» هَذَا دَخَلَ البصرة فأسلم وصار مَعَ الخوارج، فضرب مسعودا فقتله وخرج، فجال بَعْض النَّاس فِي بَعْض وَقَالُوا: قتل مَسْعُود، قتله الخوارج، فخرج الأزد إِلَى تلك الخوارج فقاتلوهم، فقتلوا مِنْهُم وطردوا من بقي وأخرجوهم عَنِ البصرة، ودفنوا مَسْعُود بْن عَمْرو، وجاء ناس من النَّاس إِلَى الأزد فَقَالُوا: أتعلمون أَن قيسًا «7» من بَنِي تميم يزعمون أنهم قتلوا مسعودًا؟ فبقيت الأزد تسأل عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَا قوم يقولون «8» ويتحدثون بِمَا كَانَ من رسالة الأحنف، فاجتمعت الأزد عِنْدَ ذلك إلى زياد بن

_ (1) الاشتقاق: فهم. (2) هو الوجناء بن الروّاد. (3) ط س: رجل (اقرأ: ولا يولّى ... رجل) . (4) م: فلا. (5) م: بنهي. (6) وكان مسلم: سقطت من س. (7) في بني تميم: قيس بن حنظلة. (8) الطبري: يقولونه.

عَمْرو بْن الأشرف العتكي فرأسته عَلَيْهَا، ثُمَّ ازدلفوا إِلَى بَنِي تميم وخرج (876) مَعَ الأزد مَالِك بْن مسمع فِي بَكْر بْن وائل، وأتت بنو تميم الأحنف فَقَالُوا لَهُ: قَدْ جاء الْقَوْم فاخرج، فجعل يتمكث حَتَّى جاءته امْرَأَة من بَنِي تميم من قومه فَقَالَتْ: يا أحنف اجلس عَلَى هَذَا، وأشارت إِلَيْهِ بإصبعها الإبهام، أي إِنَّمَا أَنْتَ امْرَأَة، فَقَالَ: استك أحق بِهِ، فَمَا سمعت من الأحنف قط كلمة أرفث منها، ويقال إنها جاءته بمجمر فَقَالَ: استك أولى بالمجمر. ثُمَّ دعا الأحنف برأيته فَقَالَ: اللَّهُمَّ انصرها ولا تذلها، اللَّهُمَّ احقن دماءنا وأصلح ذَات بيننا، وكانت قَيْس «1» مَعَ بَنِي تميم، فسار الأحنف وسار بَيْنَ يديه ابْن أخته «2» إياس بْن قَتَادَة بْن أوفى «3» من بَنِي عَبْد شمس بْن سَعْد، فالتقى الْقَوْم فاقتتلوا أشد قتال فقتل بينهم قتلى كثيرة، فَقَالَتْ بنو تميم: اللَّه اللَّه يا معشر الأزد فِي دمائنا ودمائكم، بيننا وبينكم الْقُرْآن أَوْ من شئتم من أهل الإِسْلام، فَإِن كانت لكم عَلَيْنَا بقتل مَسْعُود بينة فاختاروا أفضل رجل منا فاقتلوه بِهِ، وإن لَمْ تكن بينة فنحن نحلف لكم بالله أنا مَا قتلنا ولا أمرنا، وأن الخوارج اعتمدت صاحبكم من قبل أنفسهم، وأنا لا نعرف قاتله، وإن كرهتم ذَلِكَ فنحن ندي صاحبكم مائة ألف درهم، فاصطلحوا، وأتاهم الأحنف فِي وجوه مضر إِلَى منزل زِيَاد بْن عَمْرو العتكي فَقَالَ لَهُمْ: يا معشر الأزد أنتم جيراننا فِي الدار وإخواننا عِنْدَ القتال، وَقَدْ أتيناكم فِي رحالكم لنطفئ حسيكتكم ونسل سخيمتكم، ولكم الحكم، فعولوا عَلَى أموالنا فإنا لا يتعاظمنا منها شَيْء يَكُون فِيهِ صلاح ذَات بيننا، ولأنتم أحب إلينا من تميم الكوفة، فَقَالُوا: تدون صاحبنا عشر ديات، فَقَالَ: هِيَ لكم، وانصرف النَّاس وَقَدِ اصطلحوا. 1047- وَقَالَ هِشَام بْن الكلبي عَنْ أَبِيهِ: أنهم قتلوا مسعودا وَهُمْ يظنون أَنَّهُ عبيد اللَّه بْن زِيَاد فاقتتلوا، ثُمَّ إِن إياس بْن قَتَادَة حمل الديات الَّتِي ودوه إياها وَهِيَ عشر، قَالَ: وكانت الأزد تقاتل وَهِيَ تقول:

_ (1) قيس: سقطت من م، وهي بهامش س ط. (2) س: ابن أخيه. (3) م: بن أبي أوفى.

إياس لا نرضى بِهِ ... أحنف لا ننطى «1» بِهِ قَالَ: وقتل مَسْعُود وَهُوَ ابْن ثمانين سنة، قَالَ، وَقَالَ الهيثم بْن الأسود النخعي ابو العريان ابن الهيثم بْن الأسود «2» : علا النعي لمسعود فَقُلْتُ لَهُمْ ... نعم اليماني تنعى أيها الناعي وَفِي ثمانين لا يسطيعه أحد ... حَتَّى دعاه لرأس العدة الداعي آوى ابْن حرب وَقَدْ سدت مذاهبه ... وأوسع السرب منه أي إيساع وَقَالَ عبيد اللَّه بْن الحر الجعفي «3» : مَا زلت (أرجو) الأزد حَتَّى رأيتها ... تقاصر من بنيانها المتطاول ومقتل مَسْعُود فلم «4» يثأروا بِهِ ... وصارت سِيُوف الأزد مثل المناجل وَمَا خير عقل أورث الأزد ذلة ... يسب بِهَا أحياؤهم فِي المحافل 1048- قَالُوا: وَكَانَ يَزِيد بْن زِيَاد بْن ربيعة بْن مفرغ الحميري قَدْ قدم من كرمان حِينَ مضى ابْن زِيَاد إِلَى الشام فَقَالَ: أعبيد هلا كنت أول فارس ... يَوْم الهياج دعا لحينك «5» داع أسلمت أمك والرماح شوارع ... يا ليتني لَك ليلة الأفزاع لابن الزُّبَيْر غداة يجمع أمره ... أولى بغاية كُل يَوْم وقاع وأحق بالصبر الجميل من امرئ ... كزّ أنامله قصير الباع

_ 1048- الأغاني 18: 203، والبيتان 3، 4 في ما تقدم ف: 880 وديوان ابن مفرغ: 105 وف: 1052 في ما يلي.

1049- (877) وَقَالَ ابْن الكلبي فِي إسناده عَنْ أَبِي مخنف وغيره: لما اصطلح النَّاس وتفرقوا جعلوا عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ يصلي بِهِمْ، ارتضوا بِهِ، ثُمَّ إِن ابْن الزُّبَيْر ولى البصرة القباع، وهو الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي، وإنما سمي القباع «1» لأن أهل البصرة أتوه بمكيال لَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا القباع، والقباع الأجوف، وَلَهُ يَقُول أَبُو الأسود الدئلي «2» : أَبَا بَكْر جزاك اللَّه خيرا ... أرحنا من قباع بَنِي المغيره وأبو بَكْر عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. قَالَ «3» : واجتمع أهل الكوفة عَلَى عامر بْن مَسْعُود بْن أمية بْن خلف الجمحي وَكَانَ يلقب دحروجة الجعل لقصره، وفيه يَقُول عَبْد اللَّهِ بْن همام السلولي «4» : يا ابْن الزُّبَيْر أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ألم ... يبلغك مَا فعل العمال بالعمل باعوا التجار طَعَام الأرض واقتسموا ... صلب الخراج شحاحا «5» قسمة النفل وقدموا لَك شيخا خائنا خذلا ... مهما يقل لَك شيخ كاذب يقل وقيل طَالِب حق ذو مرانية «6» ... جلد القوى لَيْسَ بالواني ولا الوكل أشدد يديك بزيد إِن ظفرت بِهِ ... واشف الأرامل من دحروجة الجعل يريد «7» (مرثد بْن) شراحيل كان أساء في البيع، و (زيد) مولى عتاب بْن ورقاء الرياحي كَانَ خازنه، فمكث عامر «8» ستة أشهر ثُمَّ عزله ابْن الزُّبَيْر وولى عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد الخطمي.

_ (1) في تسميته القباع، انظر الورقة 532 ب (من س) . والبيت في البيان 1: 196 والاشتقاق: 61 والصحاح 1: 612 وديوان أبي الأسود: 155 (2) الدئلي: سقطت من م. (3) الورقة 514/ أ (من س) والطبري 2: 466 (4) انظر أيضا الورقة 514/ أ (من س) . (5) ط س: سجاجا. (6) ط م: مزاينة. (7) م: يعني. (8) انظر الورقة 514/ أ.

1050- وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي أَن مسعودًا آوى ابْن زِيَاد ثُمَّ وجه مَعَهُ رجلًا فِي جَمَاعَة فأبلغه مأمنه من الشام، وَكَانَ ابْن زِيَاد صير مسعودًا خليفته، فصعد مَسْعُود المنبر وجعل يخطب، فبايعه قوم يهوون هوى بَنِي أمية، فلم يزل كَذَلِكَ إِلَى الليل ثُمَّ انصرف وَقَدْ تفرق النَّاس عَنْهُ وبقي فِي جميعة، فلما صار فِي بَنِي تميم شدت عَلَيْهِ الخوارج فقتلته، فأتهم بنو تميم، وجعل قوم يقولون: إِن الأحنف دسهم وجعلها زبيرية «1» يَعْنِي أَنَّهُ دس للزبير حَتَّى قتل. 1051- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَعْمَر بْن المثني فِي روايته: عاد ابْن زِيَاد عَبْد اللَّهِ بن نافع «2» ابن الْحَارِث بْن كلدة الثقفي ثُمَّ خرج من عنده فلقيه حمران مولاه، وَكَانَ قَدْ وجهه إِلَى يَزِيد، فأسر إِلَيْهِ موت يَزِيد واخْتِلاف أهل الشام، فأمر عبيد اللَّه فنودي الصلاة جامعة، ثُمَّ خطب فنعى يَزِيد وحض النَّاس عَلَى الطاعة وَقَالَ: اختاروا لأنفسكم فماسحوه، ثُمَّ بدا لَهُمْ فِي بيعته وجعلوا يمسحون أيديهم منها بالحيطان، وَكَانَ فِي سجنه نَافِع بْن الأزرق الحنفي ونجدة بن عامر الحنفي وعبد اللَّه بْن إباض وعبيدة بْن هلال العنزي «3» وعمرو القنا «4» بْن عميرة من بَنِي ملادس «5» بْن عبشمس بْن سَعْد بْن زَيْد مناة بْن تميم، وكانوا غضبوا للبيت فقاتلوا مَعَ ابْن الزُّبَيْر وَهُمْ لا يرون نصره، ولكنهم احتسبوا فِي جهاد أهل الشام. ثُمَّ إنهم قدموا البصرة فالتقطهم ابْن زِيَاد وحبسهم، فيقال إنه كَانَ فِي سجنه من الخوارج مائة وأربعون. 1052- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما هرب ابْن زِيَاد إِلَى الأزد أقام «6» أهل البصرة ببة، وَكَانَ هربه «7» الى الشام بعد قتل مسعود.

_ 1051- قارن بالنقائض: 721 والطبري 2: 436

1053- قال ابو عبيدة فِي بَعْض روايته: لما كَانَ موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَة وإظهار ابْن زِيَاد إياه بالبصرة، خرج سلمة بْن ذؤيب الرياحي الفقيه وَهُوَ (878) عَلَى فرس لَهُ شهباء وَقَدْ لبس سلاحه ومعه لواء، فدعا النَّاس إِلَى بيعة ابْن الزُّبَيْر وطاعته وَقَالَ: عليكم بالعائذ بالبيت الحرام وابن حواري رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه جَمَاعَة يسيرة، وبلغ ابْن زِيَاد ذَلِكَ فخطب النَّاس فاقتص أول أمره وأمر أَبِيهِ بالبصرة وعدد بلاءه عِنْدَ أهلها ثُمَّ قَالَ: بايعتموني ثُمَّ مسحتم أيديكم بالحيطان وقلتم مَا قلتم، ثُمَّ هَذَا سلمة بْن ذؤيب يدعوكم إِلَى الخلاف إرادة أَن يفرق جماعتكم ليضرب بعضكم جباه بَعْض، وَكَانَ الَّذِي أخبر (ابْن) زِيَاد بأمر سلمة بْن ذؤيب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة ويكنى أبا الحر، فَقَالَ الأحنف بْن قَيْس والناس: نحن نجيئك بسلمة، فأتوا سلمة فَإِذَا مَعَهُ جمع كثيف قَدْ سافر إِلَيْهِ وإذا الفتق قَدِ اتسع، فامتنع «1» عَلَيْهِم، فلما رأوا ذَلِكَ قعدوا عَنِ ابْن زِيَاد فلم يأتوه، فَقَالَ: والله لَقَدْ لبسنا الخز حَتَّى أجمته «2» جلودنا فَمَا نبالي «3» أَن نعقبها الحديد أيامًا، والله لو اجتمعتم عَلَى قرن «4» عنز لتكسروه مَا كسرتموه، ودعا البخارية ومن كَانَ من أَصْحَاب السلطان إِلَى المحاربة مَعَهُ فلم يجيبوه واعتلوا عَلَيْهِ، فانغمس فِي الأزد فِي بَيْت مَسْعُود. 1054- قَالَ: وَكَانَ فِي بَيْت مال ابْن زِيَاد نَحْو ثمانية آلاف ألف درهم، فَقَالَ لِلنَّاسِ حِينَ خطب: هَذَا فيئكم فخذوا أرزاقكم وأرزاق عيالاتكم وذريتكم، وأمر 3/ 14 الكتاب بتحصيل النَّاس وتقرير مَا لَهُمْ، فلما رأى قعود النَّاس عَنْهُ وظهور أمر سلمة كف عَنْ ذَلِكَ، وأمر بنقل المال حِينَ هرب فَهُوَ «5» يتردد فِي آل زِيَاد، وَقَالَ لَهُ إخوته: والله مَا من خليفة تقاتل عَنْهُ، ولا تأمن «6» أَن يدال عليك فتعطب وتهلك وتذهب أموالنا، وقال

_ 1053- قارن بالنقائض: 723 والطبري 2: 437، 439، 443 1054- النقائض: 724 والطبري: 439، 445

لَهُ عَبْد اللَّهِ أخوه وَهُوَ ابْن مرجانة: والله لئن قاتلت الْقَوْم لأقتلن نفسي بسَيْفي هَذَا، فلما رأى عبيد اللَّه ذَلِكَ أرسل إِلَى الْحَارِث بْن قَيْس بْن صهبان الجهضمي فسأله أَن يسأل مسعودًا أَن يجيره، فسأله ذَلِكَ فأباه، فَقَالَ لَهُ الْحَارِث: يا معشر الأزد إنكم أجرتم «1» زيادا فبقي لكم شرف ذَلِكَ وذكره وفخره، فَقَالَ مَسْعُود: أترى أَن نعادي أهل مصرنا فِي عبيد اللَّه وَقَدْ أبليناه فِي أَبِيهِ مَا أبليناه فلم يكافنا وَلَمْ يشكر، مَا كنت أحب «2» أَن يَكُون هَذَا رأيك، فَقَالَ: قَدْ بايعته فيمن بايع ولن يعاديك أحد عَلَى الوفاء لَهُ، فلما أَبِي مَسْعُود إجارة ابْن زِيَاد أتي الْحَارِث «3» إِلَى أم بسطام امْرَأَة مَسْعُود وَهِيَ ابنة عمه فَقَالَ لَهَا: إني دعوت مسعودًا إِلَى مكرمة فأباها، وأنا أدعوك إِلَى أَن تسودي نساء قومك أبدًا، وكلمها فِي إجارة ابْن زِيَاد، فأجارته، ويقال إنه أعطاها مائة ألف درهم كانت مَعَ ابْن زِيَاد، فأدخلته حجلتها وألبسته ثوبا لزوجها، فلما جاء مَسْعُود أعلمته ذَلِكَ، فغضب وأخذ برأسها، حَتَّى خرج عبيد اللَّه والحارث فحجزا بينهما، وَقَالَ لَهُ عبيد اللَّه: أجارتني عليك وألبستني ثوبك وأكلت من طعامك وَقَدِ التف عَلَى منزلك، وتلطف والحارث لَهُ حَتَّى رَضِيَ، فلم يزل فِي منزل مَسْعُود حَتَّى قتل مَسْعُود ثُمَّ شخص إِلَى الشام، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وآل زِيَاد ينكرون أَن يَكُون ابْن زِيَاد شخص قبل قتل مَسْعُود وأن يَكُون مَسْعُود بعث مَعَهُ من بذرقه «4» . 1052- وَقَالَ يَزِيد بْن ربيعة «5» بْن مفرغ شعرًا ذكر فِيهِ فرار ابْن زِيَاد من دار الإمارة إِلَى الأزد ثُمَّ إِلَى الشام بَعْد مقتل مَسْعُود وخذلانه إياه وذكر هربه عن أمّه وامرأته هند الفزاريّة «6» :

_ (1) ط م س: اخترتم. (2) الطبري والنقائض: أحسب. (3) س ط م: أتى الحارث حارة بن زياد أنس، والصواب بهامش ط. (4) س م: يذرقه. (5) ط م: معاوية (معوية) . (6) الأبيات 1- 6 في الأغاني 18: 204، 1- 4، 6 في النقائض: 9 وديوان ابن مفرغ: 41

(879) أقر لعيني أَنَّهُ عق أمه «1» ... دعته فولاها استه وَهُوَ يهرب وَقَالَ عليك الناس «2» كوني سبية ... كَمَا كنت أَوْ موتي فللموت أقرب وَقَدْ هتفت هند بِهِ «3» مَا أمرتني ... ابْن لي وخبرني إِلَى أين أذهب فَقَالَ أريد الأزد في عقر دراهم ... وبكرًا فَمَا لي عَنْهُم متجنب بِمَا قدمت كفّاك ما لك مهرب ... من الْقَوْم يوما والدماء تصبب ولو كنت صلب العود أَوْ ذا حفيظة ... كررت عَلَى هند وهند تسحب وغادرت مسعودًا رهينة حتفه ... يمج نجيع الجوف وَهُوَ ملحب «4» ولو لَمْ يفت ركضا حثيثا لحلقت ... بأشلائه فِي الجو عنقاء مغرب وَقَالَ أيضًا «5» : قدمت مسعودا ليصلى حرها ... ووألت «6» لما أَن نعاه الناعي أفلا كررت وراءه متشزبا «7» ... لما أصيب، دعا لحتفك «8» داع وتركت أمك والرماح شوارع ... يا ليتني لَك ليلة الأفزاع «9» لَيْسَ الكريم بمن يفارق أمه ... وبناته بالمنزل الجعجاع وخذلت مسعودًا وطرت مولّيا ... مثل الظليم أثرته بالقاع قال أَبُو عُبَيْدَة: فهذا دليل عَلِي أَنَّهُ إِنَّمَا هرب إِلَى الشام بَعْد مَسْعُود وأنه حِينَ قتل مسعود كان بالمصر «10» لم يبرح.

_ (1) الأغاني: أقر عبيد والسيوف عن أمه. (2) ط: الياس، الأغاني: عليك الصبر. (3) م س: هندية، الأغاني: هند بماذا أمرتني. (4) م س: ملجب. (5) انظر ما تقدم ف: 1048 (6) وألت: نجوت، س: وقالت، م: وواليت. (7) ط م س: متشربا. (8) ف 1048: لحينك. (9) م: الأقراع. (10) م: بالبصرة (وكذلك في حاشية ط س) .

1053- قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ولما هرب ابْن زِيَاد بقي النَّاس بغير أمِير، فلما لَمْ يكن لَهُمْ أمِير ارتضوا بنعمان بْن صهبان الراسبي وقيس بْن الهيثم يختاران لَهُمْ، فكان رأى قَيْس فِي عَبْد اللَّهِ بْن الأسود الزهري، ورأى النعمان بْن صهبان فِي ببة «1» ، وَقَالَ النعمان: هُوَ هاشمي وابن أخت الْقَوْم الَّذِينَ الْمَلِك فيهم، لأن أم ببة هند بنت أَبِي سُفْيَان، وَكَانَ النعمان شيعيًا شهد مَعَ عَلِي صفين، وأقبلوا بببة فنزل دار الإمارة، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَكَانَ ذَلِكَ برضا «2» جَمِيع النَّاس الأزد وغيرهم، وقوم يقولون إِن ذَلِكَ لَمْ يكن برضا «3» الأزد فقولهم باطل، قَالَ الفرزدق «4» : وبايعت أقواما وفيت بعهدهم ... وببة قد بايعته غَيْر نادم وقوم يروونه: وَهُوَ نائم. 1054- قَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: جعل ببة عَلِي شرطته هميان بْن عدي- ويقال النعمان بْن صهبان، وهميان بْن عدي أثبت- فأتى هميان دار فيل مولي زِيَاد وَهِيَ فِي بَنِي سليم فأمر بتفريغها لينزلها رجل قدم عَلَى ببة من المدينة، وَكَانَ فيل قَدْ هرب وأقفل أبواب داره، فمنعت بنو سليم هميان بْن عدي مَا أراد حَتَّى قاتلوه واستصرخوا عَبْد الْمَلِك بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ، فأرسل بخاريته ومواليه فِي السلاح حَتَّى طردوا هميان بْن عدي، وعدل عَبْد الْمَلِك من الغد إِلَى دار الإمارة ليسلم عَلَى ببة، فلقيه عَلِي الباب «5» رجل من قَيْس بْن ثعلبة فَقَالَ: أَنْتَ المعين عَلَيْنَا بالأمس، ورفع يده فلطمه، فضرب رجل من البخارية يد القيسي فأطارها، ويقال بَل ضربه ضربة شلت منها يده، وغضب ابْن عامر فرجع، وغضبت لَهُ مضر واجتمعت، وأتت بَكْر بن وائل أشيم بن شقيق بن

_ 1053- قارن بالنقائض: 726 والطبري 2: 446 وابن الأثير 4: 112 وما يلي ف: 1083 1054- الطبري 2: 464

ثور فاستصرخوه، فأقبل ومعه مَالِك بْن مسمع، ثُمَّ إِن الْقَوْم تحاجزوا وانصرفت بَكْر والمضرية، وتحالف بَكْر والأزد، فَقَالَ حارثة بْن بدر الغداني «1» : (880) نزعنا وأمرنا وبكر بْن وائل ... تجر خصاها تبتغي من تحالف وما بات بكري من الدهر ليلة ... فيصبح «2» إلا وَهُوَ للذل عارف 1055- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة حَدَّثَنِي زهير بْن هنيد عَنْ عَمْرو بْن عيسى قال: كان مالك ابن مسمع فِي الْمَسْجِد فبينا هُوَ قاعد، وَفِي الحلقة رجل من ولد عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز، إذ نازع القرشي مالكا فأغلظ لَهُ القرشي، فلطم رجل من بَكْر القرشي فتهايج من ثُمَّ من مضر وربيعة، وكثرتهم ربيعة مِمَّن فِي الْمَسْجِد، فنادى رجل يال تميم، فوثب قوم من بَنِي ضبة عَلِي رماح حرس الْمَسْجِد وترستهم، ثُمَّ شدوا عَلِي الربعيين فهزموهم، وبلغ ذَلِكَ أشيم بْن شقيق بْن ثور، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رئيس بَكْر بْن وائل، فأقبل إِلَى الْمَسْجِد فَقَالَ: لا يجدن «3» ربعي مضريا إلا قتله، فبلغ ذَلِكَ مَالِك بْن مسمع فأقبل متفضلا فسكن النَّاس حَتَّى كف بَعْضهم عَنْ بَعْض، وسأل مَالِك أَن يجدد الحلف بَيْنَ الأزد وربيعة. 1056- حَدَّثَنَا الْمَدَائِنِي: أَن الأحنف قَالَ لمالك بْن مسمع حِينَ تحالفوا: أحلف فِي الإِسْلام؟! قَالَ: حالفت عَلِي الزط والسيابجة، فَقَالَ: معاذ اللَّه، قَالَ: يا أبا بحر كانت نعمة سبقناك إِلَيْهَا، فَقَالَ الأحنف: والله مَا أردتها ولتحلبنها دما عبيطا «4» ، لَقَدْ حالفت قومًا إِن اتبعتهم استذلوك وإن خالفتهم عزوك وقهروك. 1057- وَقَالَ الْمَدَائِنِي فِي بَعْض روايته: لما جددوا الحلف وأقبلوا مَعَ مَسْعُود إِلَى الْمَسْجِد الجامع فزعت تميم إِلَى الأحنف فعقد عمامته عَلِي قناة ودفعها إِلَى سلمة بن ذؤيب

_ 1055- النقائض: 727، 729 والطبري 2: 447، 449 1057- الطبري 2: 465 وانظر بعضه في النقائض: 742

الرياحي، فأقبل وبين يديه الأساورة حَتَّى دَخَلَ المسجد ومسعود يخطب، فاستنزلوه فقتلوه، فجعلوا يحكمون فقيل إِن الخوارج قتلته، وزعمت الأزد أَن الأزارقة قتلوه بأمر الأحنف، فكانت الْفِتْنَة، وسفر بينهم عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن معمر وعمرو «1» بن عبد الرحمن ابن الْحَارِث بْن هِشَام حَتَّى رضيت الأزد من دم مَسْعُود بعشر ديات، ولزم ببة بيته وَكَانَ متدينًا، وَكَانَ الْقَاضِي فِي هذه الْفِتْنَة هِشَام بْن هبيرة، وكتب ابْن الزُّبَيْر إِلَى عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بعهده عَلِي البصرة فوافاه وَهُوَ متوجه يريد العمرة، فكتب عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى أخيه عبيد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر أَن يصلي بالناس، فصلى بِهِمْ حَتَّى قدم عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَن: ولما لزم ببة بيته كتب أهل البصرة إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر بِذَلِكَ، فكتب إِلَى أَنَس بْن مَالِك يسأله أَن يصلي بِهِمْ، فصلى بِهِمْ أربعين يومًا. 1058- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما جددوا الحلف فِي الْفِتْنَة قَالَتِ الأزد: لا: نرضى حَتَّى يَكُون الرئيس منا، فرأسوا مسعودًا، وَقَالَ (مَسْعُود لعبيد اللَّه) سر معنا حَتَّى ننزلك الدار، وبعث عبيد اللَّه غلمانا لَهُ عَلَى خيل مَعَ مَسْعُود، وأتي بكرسي فجلس عَلَى بَاب مَسْعُود، وقدم مَسْعُود مَالِك بْن مسمع فِي ربيعة فأخذوا سكة الْمَدِينَة، فامتلأ المربد رماحًا، وجاء مَسْعُود حَتَّى علا المنبر وببة فِي دار الإمارة، وقيل لَهُ: إِن ربيعة واليمن قَدْ ساروا وسيهيج بَيْنَ النَّاس شر فلو أصلحت بينهم وركبت مَعَ بَنِي تميم إليهم، فَقَالَ: أبعدهم اللَّه والله لا أفسد نفسي بصلاحهم. وجعل رجل من أَصْحَاب مَسْعُود يَقُول «2» : لأنكحن ببة جارية فِي قبه ... تمشط رأس لعبه فلما لَمْ يحل أحد بَيْنَ مَسْعُود وبين صعود المنبر خرج مَالِك بْن مسمع فِي كتيبة (881) حَتَّى علا الجبان «3» ، وأتى دور بني تميم فدخل دور بني العدويّة فجعل يحرّق دورهم،

_ 1058- النقائض: 730- 734 والطبري 2: 450- 455 وانظر أيضا النقائض 113- 115 وابن الأثير 4: 113- 115

وَذَلِكَ أَن رجلا من بَنِي ضبة كَانَ لاحى رجلا من بَنِي يشكر فقتله الضبي، فبينا هُوَ كَذَلِكَ إذ أتاه قتل مَسْعُود. قَالَ: وأتت بنو تميم الأحنف فَقَالُوا يا أبا بحر أَنْتَ سيدنا وَقَدِ اجتمعت الأزد وربيعة، فَقَالَ: سيدكم الشَّيْطَان، فقيل: قَدْ أتوا الرحبة، فَقَالَ: لستم بأحق بِهَا مِنْهُم، ثُمَّ قَالُوا: قَدْ دخلوا الْمَسْجِد، فَقَالَ: لستم بأحق بالمسجد مِنْهُم، فَقَالَ سلمة بْن ذؤيب: يا معشر مضر إِنَّمَا هَذَا كبش منجر «1» فِي أذنيه لا خير لكم عنده، فندب بَنِي تميم فانتدب منهم خمسمائة، وتلقاه رأس الأساورة يَوْمَئِذٍ فِي بَعْض الطريق وهو في أربعمائة من الرماة، فَقَالَ لَهُمْ سلمة: أين تريدون؟ قَالُوا: إياكم «2» . وأتت الأحنف امْرَأَة بمجمر فَقَالَتْ مَا لَك وللرئاسة، تجمر، فَقَالَ: است المرأة أحق بالمجمر، فعتبت عَلَيْهِ، وتحول الأحنف فِي تلك الأيام من داره إِلَى بَنِي عامر بْن عُبَيْدَة، وأتوه فَقَالُوا: إِن عبلة «3» بنت ناجية الرياحي، وَهِيَ أخت مطر، وامرأة أُخْرَى قد سلبتا وأخذت خلاخيلهما من أسؤقهما، وقتل المقعد الَّذِي كَانَ عَلِي بَاب الْمَسْجِد والصباغ الَّذِي فِي طريقك، وحرق «4» مَالِك بْن مسمع دور بَنِي العدوية، فَقَالَ: ثبتوا ذَلِكَ، فثبتوه، فطلب عباد بْن الحصين فلم يوجد، فدعا بعبس بْن طلق- ويقال طليق- السعدي ثُمَّ انتزع معجرا فِي رأسه ثُمَّ جثا على ركبتيه وعقده فِي رمح ثُمَّ دفعه إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ «5» : مَا إِن أرى فخرًا «6» ولا حياء ... إِذَا اتخذت معجري لواء «7» ثُمَّ قَالَ: لعبس سر، فلما ولى قَالَ: اللَّهُمَّ لا تخزها اليوم فإنّك لم تخزها فيما مضى. فسار عبس وصاحت النظارة هاجت زبراء، وزبراء أمة للأحنف- أرادوه بذلك «8» - وقال

_ (1) ط م س: منحر. (النقائض: جبس يجر أذنيه) . (2) الطبري: إياكم أردنا. (3) النقائض والطبري: علية. (4) س: وتحرّق. (5) م: فقال. (6) م: فجرا. (7) هذا الشطر سقط من م. (8) وهاجت ... بذلك: وردت في هامش ط، ولم ترد في م، وفي س: هلعت ... إلخ.

الأحنف «1» : يا بَنِي تميم إِن شر النَّاس من لَمْ يستحي من الفرار، ثُمَّ جاء عباد فِي ستين راكبًا، فأبي أَن يسير تَحْتَ لواء عبس، ولقوا الْقَوْم فاقتتلوا، ورمى الأساورة بألفي نشّابة في شرق «2» واحد فتلقوهم برماحهم، فرماهم الأساورة بألفي نشابة فِي رشق آخر، فأجلوا «3» عَنْ أفواه السكك وأقاموا «4» عَلَى أبواب الْمَسْجِد، فاقتتلوا، ورماهم الأساورة فقلعوهم عَنِ الأبواب، ودخلت تميم «5» الْمَسْجِد فاقتتلوا فِيهِ ومسعود عَلَى المنبر، وَكَانَ الحكم بْن مخرمة «6» العبدي قد ثبط قومه وَقَالَ: أتقتلون إخوتكم مَعَ الأزد؟ فردهم، وَذَلِكَ عِنْدَ بَاب الْمَسْجِد، قَالَ «7» إِسْحَاق بْن سويد «8» العدوي: فأتوا مسعودًا وَهُوَ عَلِي المنبر واستنزلوه وقتلوه، وَذَلِكَ فِي شعبان سنة أربع وستين، فانهزم الْقَوْم، وهرب أشيم بْن شقيق فطعنه رجل طعنًا فتنحى «9» ، فَقَالَ الفرزدق «10» : لو أَن أشيم لَمْ يسبق أسنتنا ... وأخطأ الباب إذ نيراننا تقد إِذَا لصاحب مسعودًا وصاحبه ... وَقَدْ تماءت لَهُ الأعفاج والكبد قَالَ «11» : فبينا ابْن زِيَاد ينتظر مَا يَكُون من مَسْعُود أتي فقيل: قَدْ صعد المنبر، فتهيأ للركوب، فبينا هُوَ كَذَلِكَ إذ قيل قَدْ قتل، فاغترز فِي ركابه ولحق بالشام، وَذَلِكَ فِي أول شعبان سنة أربع وستين، قَالَ: وقوم يقولون أَنَّهُ شخص فِي شوال، وَكَانَ مقتل مَسْعُود فِي شوال، وَالأَوَّل أصح، وَكَانَ نزوله دار مَسْعُود فِي جمادى الآخرة سنة أربع وستين.

_ (1) البيان 2: 72 والورقة 1097 ب (من النسخة س) . (2) س: رشيق. (3) ط م س: فأخلوا، وتحتها في ط: «فأخلوهم» . (4) الطبري والنقائض: وقاموا (وهو أصوب) . (5) تميم: سقطت من م. (6) النقائض: محربة. (7) س: فقال. (8) الطبري: يزيد. (9) م: قبيحا، ط: فتنحا (دون إعجام) النقائض: فنجا. (10) ديوان الفرزدق رقم 472 (يوسف هل) . (11) النقائض: 734 والطبري 2: 455

1059- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: مَاتَ الْحَارِث بْن مُعَاوِيَة أَيَّام مَسْعُود (882) فَقَالَ الأحنف: رحمك اللَّه أبا المؤرق فارقتنا أحوج مَا كُنَّا إليك. 1060- أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي عَنْ عامر بْن حفص، قَالَ: خرج ابْن زِيَاد من البصرة هاربًا إِلَى الشام في قوم وفوا لَهُ، فَقَالَ ذَات ليلة: إنه قَدْ ثقل عَلِي ركوب الإبل فوطئوا لي عَلَى ذَات حافر، فألقيت لَهُ قطيفة عَلَى حمار فركبه وإن رجليه لتخدان فِي الأَرْض، فَقَالَ بَعْض من كَانَ مَعَهُ ورآه قَدْ سكت سكتة طويلة: هَذَا عبيد اللَّه بْن زِيَاد أمِير العراق بالأمس نائمًا «1» عَلَى حمار لو سقط عَنْهُ أعنته، ثُمَّ دنا منه فَقَالَ: أنائم أَنْتَ؟ فَقَالَ ابْن زِيَاد: لا، قَالَ: فَمَا هذه السكتة؟ قَالَ: كنت أحدث نفسي، قَالَ لَهُ: أنا أخبرك بِمَا فكرت فِيهِ، قَالَ: قل، قَالَ: قُلْت ليتني لَمْ أقتل حسينًا، وليتني لَمْ أكن بنيت البيضاء «2» ، وليتني لم أكن استعملت الدهاقين، وليتني لَمْ أقتل من قتلت، فَقَالَ ابْن زِيَاد: والله مَا نطقت بصواب ولا سكت عَنْ خطأ، أما الْحُسَيْن فَإِنَّهُ سار إِلَى يريد قتلي فاخترت قتله عَلَى أَن يقتلني، وأمّا البيضاء فإنّي اشتريتها من عبد اللَّه بْن عُثْمَان الثقفي فأرسل إِلَى يَزِيد بألف ألف فأنفقتها عَلَيْهَا، فَإِن بقيت فلأهلي (و) إلّا فإني لا آسى عَلَيْهَا، وَأَمَّا استعمالي الدهاقين فإنّ عبد الرحمن بن أبي بكرة وزاد انفرّوخ رفعا عَلِي عِنْدَ مُعَاوِيَة فخيرني مُعَاوِيَة بَيْنَ الضمان والعزل فكرهت العزل، وكنت إِذَا استعملت الرجل من العرب فكسر الخراج فأقدمت عَلَيْهِ «3» أو غرت صدور عشيرته، أَوْ أغرمته فحملت عَلَى عَطَاء قومه أضررت بِهِمْ، وإن تركته تركت مال اللَّه وأنا أعرف مكانه، فوجدت الدهاقين أبصر بالجباية وأوفى بالأمانة وأهون عَلِي مطالبة، وَأَمَّا قتلي من قتلت فَمَا علمت بَعْد قولي كلمة الإخلاص عملًا أقرب إِلَى اللَّه من قتلي من قتلت من الخوارج، ولكني حدثت نفسي فَقُلْتُ: ليتني قاتلت أهل البصرة فإنهم بايعوني طائعين ثُمَّ نكثوا، ولقد أردت ذَلِكَ ولكنّ

_ 1060- الطبري 2: 457 وابن الأثير 4: 115

بَنِي زِيَاد أتوني فَقَالُوا: إنك إِن قاتلتهم فظهروا عليك لَمْ يبقوا منا أحدًا إلا قتلوه، وإن تركتهم تغيب الرجل منا عِنْدَ أخواله «1» وأصهاره وخلطائه، فلم أقاتل، وقلت: ليتني أخرجت أهل السجن فضربت أعناقهم، فأما إذ فاتت هاتان فليتني أقدم الشام وَلَمْ يبرموا شيئًا فأكون معهم فيما يبرمون، قَالَ: وبينا هُوَ يسير إذ عرض لَهُ فارس بيده رمح، فَقَالَ: لا وألت إِن وألت، فَقَالَ: أوما هو خير لَك، ألف دِينَار، فركن إِلَيْهَا، فشددنا عَلَيْهِ فأخذناه، فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد: لا ترع فكان دليلنا حَتَّى وردنا الشام، فَقَالَ الرجل: عهدنا بابن زِيَاد يأكل فِي كُل يَوْم أكلات أولها عناق أَوْ جدي يتخير لَهُ «2» ، فكان يأكل وَهُوَ يريد الشام أقل مِمَّا يأكله أحدنا وَيَقُول: الأكل مَعَ الأمر والسرور. 1061- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ يُونُس بْن حبيب: لما قتلوا مسعودًا وهرب ابْن زِيَاد إِلَى الشام أقبلت فعمة ابنه مَسْعُود وَقَدْ ركبت دابة موكفة وولت وجهها قبل ذنبها وسدلت شعرها وتجلببت مسحا ومعها نادبة تقول: مَسْعُود من يقتل بك ... أحنف لا نعطى «3» بك ثُمَّ أتت مالكًا وَهُوَ واقف فِي سكة المربد وَقَدْ رجع من تحريق دور بَنِي العدوية فَقَالَ: ارجعي، فقالت: لا أو أتى برأس الأحنف، فأتوها برأس من رؤوس القتلى ضخم فأزمت بأنفه عضّا وغمست اطراف كميها فِي دم لغاديده ثُمَّ انصرفت إِلَى رحلها، فتزوجت بَعْد. 1062- قَالَ: وأتى دار مَالِك قوم من مضر وحرقوا عَلَيْهِ، فَقَالَ (883) غطفان ابن أنيف الكعبي في ذلك:

_ 1061- النقائض: 115 1062- النقائض: 735 والطبري 2: 456 وانظر ابن الأثير 4: 114 والأشطار 1- 3، 5، 8 في ما يلي ف: 1192 والشطران 8، 9 في الطبري والنقائض والاصابة 1: 117

كَيْفَ ترانا وترى الأميرا ... بصرحة «1» المربد إذ أبيرا نقود «2» فِيهِ جحفلا جرورا ... أَكْثَر جمعًا حلقًا مسمورا وصارمًا ذا هيبة مأثورا ... فَقَدْ قَدِ الجازر الجزورا لما رجا مَسْعُود التأميرا ... وأصبح ابْن مسمع محصورا وَقَدْ شببنا حوله السعيرا 1063- ولما هرب عبيد اللَّه طلب فأعجز طلبته، فانتهب مَا وجد لَهُ، فَقَالَ واقد بْن خليفة السعدي «3» : يا رب جبار شديد كلبه ... قَدْ صار فينا تاجه وسلبه لو لَمْ ينج ابْن زِيَاد هربة ... منا للاقى شر يَوْم يشعبه «4» وقاد مسعودا شقاء يأدبه ... فِي عارض أرعن ضاح «5» كؤبه وَقَالَ جَرِير بْن عطية «6» : ويوم عبيد اللَّه خضنا برأيه ... وزافرة تمت إلينا تميمها «7» وَقَالَ سؤر الذئب السعدي «8» : نحن نهطنا «9» الأزد يَوْم الْمَسْجِد ... والحي من بَكْر ويوم المربد بكل عراص «10» المهز مذود ... محرّب وصارم لم ينأد

_ (1) ط: يضرحه، م س: بضرحة. (2) م: تقود. (3) الطبري: وافد، والأشطار 1- 4 في النقائض: 735، 1- 3 في الطبري 2: 456 (4) ط م س: شغبه. (5) ط م: صاح. (6) النقائض: 112 وديوان جرير: 986 (7) ط م: نمت نميمها، س: نمت ... تميمها. (8) 1- 2 في النقائض: 737. وسور الذئب أحد بني مالك بن سعد، (كما في النقائض) ، س: سوار. (9) نهطنا: طعنّا بالرماح، ط: بهظنا، س: نهظنا (والحرف الأول غير معجم في م وصورة الكلمة: نهضنا) . النقائض: خبطنا. (10) س: عراض.

كأنهم من مقعص ومقصد ... وداحض بالرجل منه واليد من السواري وطريق الْمَسْجِد ... أعجاز نخل النيط «1» والمسنّد إذ خر مَسْعُود وَلَمْ يوسد وَقَالَ جَرِير أيضًا «2» : سائل ذوي يمن إِذَا لاقيتهم ... والأزد إذ ندبوا لنا مسعودا لاقاهم عشرون ألف مدجج ... متسربلين دلامصا «3» وحديدا فلغادروا مسعودهم متجدلا ... قَدْ أودعوه «4» جنادلا وصعيدا 1064- قَالَ أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ قوم: انصرف مَسْعُود من عيادة صديق لَهُ فلما كَانَ بموضع من بَنِي تميم عرض لَهُ خارجي فقتله وَذَلِكَ بهت وباطل، وَقَالَ قوم: لما صعد مَسْعُود «5» المنبر وأغفل النَّاس الخوارج خرجوا من السجن ودخلوا الْمَسْجِد لا يلقون أحدًا إلا قتلوه حَتَّى قتلوا مسعودًا في المسجد في اثني عشر من قومه ثُمَّ ظهروا «6» إِلَى الأهواز، وأقبل قوم من بَنِي منقر فاحتملوا مسعودًا «7» إِلَى دورهم ثُمَّ مثلوا بِهِ، وَذَلِكَ باطل أيضًا. 1065- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لما قتل مَسْعُود ولت الأزد رئاستها زِيَاد بْن عَمْرو بْن الأشرف العتكي ثُمَّ خرجوا من الغد، وخرجت ربيعة وعليها مَالِك بْن مسمع يطلبون بدماء من أصيب منهم، وعبّئوا «8» عَبْد القيس وألفافها من أهل هجر وعليهم الحكم بن مخرّبة «9» ميسرة، وعبّئوا بكرًا وألفافها من عنزة والنمر «10» وعليهم مَالِك بن مسمع ميمنة،

_ 1064- النقائض: 113. 1065- النقائض: 737 والكامل 1: 140 والأغاني 23: 465- 466

وعلى الأزد زِيَاد بْن عَمْرو وَهُمُ القلب، وخرجت مضر وعليها الأحنف بْن قَيْس، وَقَدْ عبّأ بني سعد وألفافهم من الأساورة والاندغان «1» وضبة وعديا «2» وعبد مناة وعليهم قَبِيصَة بْن حريث بْن عَمْرو بْن ضرار الضبي، وعلى الآخرين من بَنِي سَعْد والأساورة عبس بْن طلق «3» الصريمي- ويقال طليق- فجعلهم بإزاء الأزد، وعبأ قَيْس عيلان وعليهم قَيْس بْن الهيثم السلمي فجعلهم بإزاء الأزد وعبد (884) القيس، وعبأ بَنِي عَمْرو بْن تميم وعليهم عباد بْن الحصين الحنظلي ومعهم بنو حنظلة بْن مَالِك وألفافها من بَنِي العم والزط والسيابجة وعلى جماعتهم سلمة بْن ذؤيب الرياحي وجعلهم بإزاء بكر، وفي ذلك يقول الشاعر من بَنِي عَمْرو أَوْ بَنِي حنظلة «4» : سيكفيك «5» عبس أَخُو كهمس ... مقارعة الأزد بالمربد وتكفيك قَيْس وألفافها «6» ... لكيز بن أفصى وما عدّدوا ونكفيك «7» بكرا وألفافها ... بضرب يشيب لَهُ الأمرد فاقتتلوا ثُمَّ إِن عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر وعمر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام مشيا للصلح فيما بينهم «8» حَتَّى التقى الأحنف وَمَالِك والعمران فِي الصلح، فجعل الأحنف يخف عِنْدَ المراوضة وجعل مَالِك يثقل، فَقَالَ القرشيان: يا أبا بحر، ما لك تخف وَقَدْ ذهب حلمك فِي النَّاس، وَمَالِك يرزن؟ فَقَالَ: إنه يرجع إِلَى قوم لا يخالفونه إِذَا قَالَ، وأنا أرجع إِلَى قوم يتابون عَلِي. فلم يتفق بينهم صلح، واجتمعت «9» ربيعة واليمن فكتبوا قتلاهم «10» فلما بلغوا دِيَة مَسْعُود كتبوها عشر ديات لأنه كَانَ مثل به، فقال الأحنف: لا

_ (1) ط م س: والأندعان. (2) وعديا: مكررة في م، النقائض: وعدي بن زيد مناة. (3) ط م س: طليق. (4) الشعر في الكامل والأغاني (لحارثة بن بدر) . وانظر الورقة 1101/ أ (من س) . (5) ط م س: ستكفيك. (6) الأغاني: وأشياعها. (7) م س: ويكفيك. (8) س والنقائض: بينهما. (9) س: ثم اجتمعت. (10) س: قتالهم.

نزيد «1» عَلِي دِيَة رجل من الْمُسْلِمِينَ فاضطربوا بالأيدي والنعال، ثُمَّ عادوا للقتال فاقتتلوا أياما، ثُمَّ إِن عُمَر وعمر «2» أتيا الأحنف فعظما أمر الإِسْلام وحرمته وحق الجوار وَقَالا: إِنَّمَا أنتم إخوان وأصهار ويد عَلَى العدو، فَقَالَ الأحنف: انطلقا فاعقدا عَلَى مَا أحببتما وأبعدا عني «3» العار، فأتيا ربيعة واليمن، فلما دنوا رماهما السفهاء فركضا حَتَّى وقفا حيث لا ينالهما النبل والنشّاب، وصبّ عبس «4» بأمر الأحنف عَلَيْهِم الْخَيْل فأجلت عَنْ قتلى، فَقَالَ أهل الحجى مِنْهُم: رميتم رجلين مشيا فِي الصلح بينكم، ثُمَّ إنهم اجتمعوا على الرضاء «5» بِمَا حكم بِهِ عُمَر وعمر، فحمل عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ تسع ديات، ويقال حملاها بينهما وَقَالا: قَدْ لج «6» الأحنف وأبى إلا دِيَة وإنما سألنا أَن نحكم «7» عَلَيْهِ ونحن أولى بأن نحمل «8» هذا الشيء، قال: ويقال أَن بَنِي تميم قَالُوا: نحن نحملها، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن حَكِيم بْن زِيَاد بْن حوي «9» بْن سُفْيَان بْن مجاشع بْن دارم أنا فِي أيديكم رهينة بِهَذِهِ الديات، فقبلا ذَلِكَ، فَقَالَ الفرزدق «10» : ومنا الَّذِي أعطى يديه رهينة ... لغاري «11» نزار قبل ضرب الجماجم كفى كُل أم مَا تخاف «12» عَلَى ابنها ... وهن قيام رافعات المعَاصِم عشية سال المربدان كلاهما ... عجاجة موت بالسيوف الصوارم رأونا أحق ابني نزار وغيرها ... بإصلاح صدع بينهم متفاقم

_ (1) س: تزيد. (2) النقائض: العمرين. (3) س: عن. (4) س: عيس. (5) ط: الرضا. (6) س: لح. (7) س: يحكم. (8) س: يحمل. (9) م: جوي. (10) شرح ديوان الفرزدق (الصاوي) : 86 والنقائض: 720، والبيتان 1- 2 يردان في ف: 1092 والورقة: 1042/ أ (من س) ، والأبيات 1، 4، 5 في النقائض: 740، والبيتان 1، 3 في الكامل 1: 142 والثالث في اللسان 4: 150 (ربد) . (11) ط م: لعاري، س: لعازى. (12) س: يخاف.

حقنا دماء الْمُسْلِمِينَ فأصبحت ... لنا نعمة يثنى «1» بها في المواسم 1065 ب- الْمَدَائِنِي عَنْ مُحَمَّد بْن حفص الباهلي عَنْ هلال بْن أحوز قَالَ: أتى الغضبان بْن القبعثرى الأحنف فَقَالَ: يا أبا بحر أتيتك فِي أمر عليك فِيهِ قضاء، قَالَ: أيصلحني «2» وإياك؟ قَالَ: نعم قَالَ: فلا قضاه اللَّه عَلِي فيما يصلحنا، فَمَا هُوَ؟ قَالَ: اختاروا واحدة من ثَلاث، إِن شئتم فاخرجوا من المصر فلا يبقى فِيهِ مضري وتهدر هذه الدماء، وإن شئتم فدوا قتلانا ولا ندي قتلاكم وتدون مسعودًا عشر ديات، أَوِ الحرب، فَقَالَ الأحنف: لا حول ولا قوة إلا بالله لَقَدْ (885) سمتمونا خطة الذليل، أما خروجنا عَنِ المصر فإنا لا ندع مهاجرنا ومراكزنا وفيء اللَّه عَلَيْنَا فِيهِ فنتعرب «3» بَعْد الهجرة، وَأَمَّا الحرب فلسنا بأجزع فِيهَا منكم، وَأَمَّا أَن ندي قتلاكم ونلغي قتلانا فليس ذَلِكَ فِي «4» صلاحنا، وَأَمَّا مَسْعُود فرجل مُسْلِم ديته دِيَة رجل من الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ الأحنف: فِي ربيعة عجب شديد. 1066- الْمَدَائِنِي فِي إسناده قَالَ: لما توادعوا ورضوا بالديات خطب الأحنف فَقَالَ: يا معشر الأزد وربيعة إنكم إخواننا فِي الإِسْلام وشركاؤنا فِي الصهر وجيراننا فِي الدار ويدنا عَلَى العدو، ولأزد البصرة أحب إِلَى من تميم الكوفة، ولأزد الكوفة أحب إِلَى من تميم الشام، فَإِذَا استشرت شأفتكم «5» وحميت جمرتكم وأبت حسائك صدوركم أَن تلين، ففي أموالنا وأحلامنا سعة لنا ولكم، أرضيتم بحمل هذه الديات- يعني ديات الأزد- من أعطياتنا فِي بَيْت المال؟ قَالُوا: رضينا، فضمنها والقيام بِهَا إياس بْن قَتَادَة بْن أوفي، وأمة من رهط الأحنف، وعرض ذَلِكَ عَلَى غيره من وجوه تميم فأباه، وَقَالَتِ الأزد وربيعة لإياس: قَدْ رضينا بك لأنك رجل شريف مسلم ورع، فقام بذلك، ثم

_ 1066- النقائض: 740 وبعضه في البيان 2: 135 وانظر الكامل 1: 141

رجع إِلَى منزله فَقَالَ قومه: طلت دماؤنا وحملت دماء الأزد وربيعة فحملها لَهُمْ «1» ، وَكَانَ إياس ناسكًا فَقَالَ لبني تميم «2» : قَدْ وهبت لكم شبيبتي فهبوا لي شيبتي «3» ، وأقام يؤذن فِي مسجده حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ الْحَسَن البصري: علم والله أَن القبر يأكل السمن ولا يأكل الْإِيمَان. 1067- قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وحمل القرشيان أَوْ أحدهما تسع ديات أرضوا بِهَا الأزد من دم مَسْعُود، وَقَالَ القلاخ فِي أرجوزته «4» : ثُمَّ بعثنا لَهُمْ إياسا ... حمال أثقال بِهَا قنعاسا «5» وَقَالَ عَمْرو بْن دراك العبدي: قتلنا بقتلى الأزد مثنى «6» وضوعفت ... ديات وأهدرنا دماء تميم بعشر ديات لابن عَمْرو توفيت «7» ... عيانا وَلَمْ تجعل «8» ضمان نجوم «9» نزلتم عَلَى حكم الأغزّ «10» ابن مسمع ... عَلَى حكم طلاب الترات غشوم 1068- قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَكَانَ هَذَا وببة ملازم لمنزله لا يعين أحدًا ولا يدخل فِي شَيْء، والناس على الرضاء «11» بِهِ، وَكَانَ متدينًا، وكانت هذه الهزاهز ثمانية اشهر او تسعة اشهر.

_ 1067- الرجز والشعر في النقائض: 741- 742

1069- وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: خرج نَافِع بْن الأزرق فِي أَيَّام ببة حَتَّى أتى الأهواز وخافه النَّاس، فانتدب مُسْلِم بْن عبيس «1» بْن كريز لقتاله، فعقد لَهُ ببة فسار إِلَى نَافِع، فقتل مُسْلِم بدولاب من الأهواز واختلط أمر النَّاس، فأخذ ببة نعله فلبسها وصار إِلَى منزله وَكَانَ متدينا وَقَالَ: لست أحب إصلاحكم بفساد نفسي وديني. 1070- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عَن أبيه عَن حبيب ابن الشهيد عَنِ الْحَسَن قَالَ: جاء مَسْعُود وعليه قباء ديباج وحوله قومه حَتَّى صعد المنبر فخطب وَهُمْ يقولون الشَّمْس. 1071- وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة حَدَّثَنَا سلام عَنِ الْحَسَن قَالَ: أقبل مَسْعُود من هنا، وأشار إلى منازل الأزد، فِي أمثال الطير معلمًا عَلَيْهِ قباء ديباج أصفر معين بسواد يأمر بالسنة. 1072- وَحَدَّثَنِي أحمد (886) بن إبراهيم حدثنا وهب بن جرير حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُيَيْنَة حَدَّثَنِي شهرك قَالَ: شهدت عبيد اللَّه بْن زِيَاد حِينَ جاء موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فقام خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يا أهل البصرة أتسبّوني «2» فو الله لتجدن مهاجر أَبِي ومولدي وداري فيكم وبينكم، ولقد وليتكم وَمَا أحصي (فِي) ديوان مقاتلتكم إلا أربعون ألفا، ولا فِي ديوان عيالاتكم إلا سبعون ألفًا، ولقد أحصي إِلَى اليوم فِي ديوانكم ثمانون ألف مقاتل، وَفِي ديوان عيالاتكم مائة وعشرون ألفًا «3» ، وَمَا تركت لكم ظنينًا أخافه عليكم إلا وَهُوَ فِي سجنكم، وإن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ توفي، وولى عهده من بعده مُعَاوِيَة بْن يَزِيد ابنه، وإنكم اليوم أَكْثَر النَّاس عددًا وأعرضهم فيئًا «4» وأغناهم عَنِ النَّاس، فاختاروا لأنفسكم «5» رجلا ترضونه لدينكم وجماعتكم، فأنا اوّل من يرضى

_ 1071- النقائض: 734 1072- الطبري 2: 433، وابن الأثير 4: 108 وانظر البيان 2: 130

ويبايع ويعين «1» بنصيحته وماله، فَإِذَا اجتمع أهل الشام عَلَى رجل يرضونه لدينهم دخلتم فيما دَخَلَ فِيهِ المسلمون، فقامت خطباء أهل البصرة فَقَالُوا: قَدْ سمعنا مقالتك أيها الأمير، ولا نعلم أحدًا أقوى عَلَيْهَا منك فهلم نبايعك، فَقَالَ: لا حاجة لي فِي ذَلِكَ فاختاروا لأنفسكم، فلما كرروا عَلَيْهِ القول بسط يده ودعاهم إِلَى بيعته فبايعوه، ثُمَّ انصرفوا وَهُمْ يقولون: أيظن ابْن مرجانة أننا ننقاد لَهُ فِي الْجَمَاعَةِ والفرقة، كذب والله «2» ، ثُمَّ وثبوا به. 1073- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جرير حدثنا غسان بْن مضر عن سَعِيد بْن يَزِيد «3» قَالَ: بايعوا عبيد اللَّه بْن زِيَاد ثُمَّ قَالُوا: أخرج لنا إخواننا. وكانت السجون مملوءة من الخوارج، فَقَالَ: لا تفعلوا فإنهم يفسدون عليكم، فَقَالُوا: لا بد من إخراجهم، فجعلوا يخرجون ويبايعونه فَمَا تتام آخرهم حتى جعلوا يغلظون له. 1074- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي عن مُصْعَب بْن يَزِيد «4» قَالَ: لما مَاتَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة نعاه ابْن زِيَاد وَقَالَ: اختاروا لأنفسكم، قَالُوا: قَدْ رضينا بك، ثُمَّ خرجوا فجعلوا يمسحون أيديهم بجدر دار الإمارة ويقولون: هذه بيعة ابْن مرجانة، واجترأ النَّاس عَلَيْهِ «5» حَتَّى جعلوا يأخذون دوابه من مربطه. 1075- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ «6» قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا الأسود بْن شيبان عن خالد بن سمير أَن شقيق بْن ثور وَمَالِك بْن مسمع وحضين بْن المنذر أتوا ابْن زِيَاد وَهُوَ فِي دار الإمارة ليلا، قبل أَن يتحول الى مسعود بن عمرو، فأقاموا عنده

_ 1075- قارن بالطبري 2: 434

عامة ليلة ثُمَّ خرجوا ومعهم بغل موقر مالا، فَقَالَ رجل من بَنِي سدوس: خوفتهم بأن أنادي إِن فلانا وفلانا قَدِ اجتمعوا في دمائكم، فأعطوه خمسمائة درهم. 1076- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير حَدَّثَنَا القاسم بْن الفضل «1» الحداني قَالَ: أخرج ابْن زِيَاد الحرورية من السجن حِينَ طلب إِلَيْهِ، فخرجوا مَعَ نَافِع بْن الأزرق فعسكروا بالمربد، فلما رأى ذَلِكَ ابْن زِيَاد خافهم عَلَى نَفْسه، فعرض نَفْسه عَلَى أشراف أهل البصرة فكرهوا وأبوا أن يقبلوه، فأرسل الى الحارث ابن قَيْس فمضى بِهِ إِلَى منزل مَسْعُود. 1077- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ «2» قَالا حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّبَيْر بْن خريت «3» عَنْ أَبِي لبيد عَنِ الْحَارِث بْن قَيْس قَالَ، قَالَ ابْن زياد: إنّي لأعرف سوء رأي «4» كان في قومك، ولكنهم قوم كرام كَانَ بلاؤهم عِنْدَ أبي جميلا، فرققت لَهُ «5» فأردفته عَلَى بغلي ليلًا وأخذت «6» بِهِ عَلَى بَنِي سليم، فَقَالَ: من هَؤُلاءِ قُلْت: بنو سليم، قَالَ: (887) سلمنا إِن شاء اللَّه، ثُمَّ مررنا ببني ناجية وَهُمْ جلوس ومعهم «7» السلاح، وَكَانَ النَّاس يَوْمَئِذٍ يتحارسون فَقَالَ رجل مِنْهُم: هذا والله ابن مرجانة خلف الْحَارِث بْن قَيْس فرماه بسهم وقع فِي كور عمامته، فَقَالَ: يا أبا مُحَمَّد من هَؤُلاءِ؟ قُلْت: الَّذِينَ كنت تزعم أنّهم من قريش، هَؤُلاءِ بنو ناجية فَقَالَ: نجوت إن شاء الله. 1077 ب- قَالَ وهب وَحَدَّثَنِي القاسم بْن الفضل الحداني بنحو هَذَا الْحَدِيث وزاد فِيهِ: ومررنا ببني طاحية فوثبوا عَلَيْنَا وتشبثوا بنا حَتَّى افتدينا منهم بشيء.

_ 1077- انظر الطبري 2: 441

1078- وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّبَيْر بْن خريت عَنْ أَبِي لبيد عَنِ الْحَارِث بْن قَيْس قَالَ، قَالَ لي ابْن زِيَاد: إنك قَدْ أحسنت وأجملت، فهل أَنْتَ صانع مَا أشير بِهِ عليك؟ قَدْ عرفت منزلة مَسْعُود بْن عَمْرو وشرفه وسنه وطاعة قومه لَهُ، فهل لَك فِي أَن تذهب بي إِلَيْهِ فأكون فِي داره فَهِيَ فِي وسط الأزد؟ قَالَ: فانطلقت بِهِ فَمَا شعر مَسْعُود بشيء حَتَّى دخلنا عَلَيْهِ وَهُوَ جالس يوقد لَهُ بقصب «1» عَلَى لبنة، وَهُوَ يعالج خفيه حَتَّى خلع أحدهما وبقي الآخر، فلما نظر فِي وجوهنا عرفنا فَقَالَ: إنّه كان يتعوّد «2» من طارق السوء وإنكما لمن طارق السوء، قَالَ الْحَارِث: فقلنا أتخرج «3» رجلا قَدْ دَخَلَ إليك متعوذًا بك؟ قَالَ: فأمره فدخل بَيْت عَبْد الغافر بْن مَسْعُود وامرأته خيرة بنت خفاف بْن عَمْرو، ثُمَّ ركب مَسْعُود من تَحْتَ ليلته ومعه الْحَارِث وجماعة من قومه فطافوا فِي الأزد وَهُمْ «4» فِي مجالسهم فَقَالُوا: إِن ابْن زِيَاد قَدْ فَقَدْ ولا نأمن أَن تلطخوا بِهِ، فأصبحوا فِي السلاح، فأصبحت الأزد فِي السلاح، وفقد النَّاس ابْن زِيَاد فقالوا: أين توجّه؟ ما هو الّا في الأزد، فَقَالَتْ عجوز من بَنِي عقيل: اندحس والله فِي أجمة أَبِيهِ- يَعْنِي الأزد- لأن أباه كَانَ فيهم أَيَّام «5» دار ابْن الحضرمي. 1079- قَالَ وهب فَقَالَ جَرِير بْن حازم: أقبلت الحرورية إِلَى الأزد فخرجوا إليهم فقاتلوهم حَتَّى نفوهم ومرج أمر النَّاس. 1080- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير حَدَّثَنَا غسان بْن مضر عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد أَن ابْن زِيَاد قَالَ لمسعود فِي بَعْض الليالي: ابعث إليّ رجلا من الأزد

_ 1078- الطبري 2: 442 وابن الأثير 4: 111

نستشيره، فبعث إِلَى رجل مِنْهُم يقال لَهُ حدش «1» الأعور، فجاء يجر ملحفته، فَقَالَ لَهُ مَسْعُود: هَذَا ابْن زِيَاد وَقَدْ بعث إليك يستشيرك، فَقَالَ لابن زِيَاد: والله مَا أتيتنا لمعروف صنعته «2» إلينا، ولقد كنت تقصينا وتهيننا وتذمنا وتقع فينا ثُمَّ لَمْ ترض حَتَّى جئتنا لتهريق دماءنا، ثُمَّ أقبل عَلَى مَسْعُود فَقَالَ لَهُ: أيها الشيخ الأحمق ادفن هَذَا ولا تره أحدا «3» من النَّاس حَتَّى تدسه فينطلق فيكون كطائر وقع ثُمَّ طار، فَقَالَ ابْن زِيَاد: أين كُنَّا عَنْ مثل هَذَا الرأي قبل اليوم؟ فأخرجه فِي نَحْو من ستين أَوْ سبعين من الأزد مَعَهُ. 1081- حَدَّثَنَا أَبُو خيثمة حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْر بْن خريت عَنْ خيرة بنت خفاف قَالَتْ: كَانَ ابْن زِيَاد يقبل عَلِي فيشكو بثه وَهُوَ فِي حجلتي، فَإِذَا أتته امرأته هند بنت أسماء الفزارية ضاحكها وحدثها وذهب عَنْهُ الهم حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يصبه شَيْء، وَكَانَ أرفق النَّاس كفًا، رقعت «4» يومًا ثوبًا لي فَقَالَ: مَا أرى لَك رفقًا «5» ، وأخذه فعالجه فَإِذَا أرفق النَّاس «6» . 1082- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جرير عَن أبيه عَن الزبير (888) ابن خريت قَالَ: بعث مَسْعُود مَعَ ابْن زِيَاد مائة عَلَيْهِم فروة بْن عُمَر حَتَّى قدموا بِهِ «7» الشام. 1083- وَحَدَّثَنِي أَبُو خيثمة حَدَّثَنَا وهب عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْر بْن خريت قَالَ: أقام ابْن زِيَاد عِنْدَ مَسْعُود نحوًا من ثلاثة أشهر. 1084- وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْن جرير عَن أبيه عَن الزبير

_ 1082- قارن بابن الأثير 4: 115 1084- الطبري 2: 444 وف: 1084 في ما تقدم.

ابن خريت عَنْ أَبِي لبيد أَن أهل البصرة اجتمعوا فقلدوا أمرهم النعمان بْن صهبان الأزدي ثم الراسبي ورجلا من مضر ليختارا لَهُمْ رجلا يولونه عَلَيْهِم، فَقَالُوا: من رضيتماه لنا فَقَدْ رضينا بِهِ، قَالَ وهب وَقَالَ غَيْر أَبِي لبيد: إِن الرجل قَيْس بْن الهيثم السلمي، قَالَ: وَكَانَ رأى المضري فِي بني أمية ورأي النعمان في بني هاشم، فَقَالَ النعمان للمضري: مَا أرى أحدًا أولى بِهَذَا الأمر من فُلان يَعْنِي رجلا من بني أميّة، قال: أو ذاك رأيك؟ قَالَ: نعم قَالَ: فَقَدْ قلدتك أمري ورضيت بمن رضيت بِهِ، ثُمَّ خرجا إِلَى النَّاس فَقَالُوا لهما: مَا صنعتما؟ فَقَالَ المضري: رضيت بمن رَضِيَ بِهِ النعمان فمن سمى فأنا راض بِهِ، فَقَالَ النَّاس للنعمان: مَا تقول؟ فَقَالَ: مَا أرى أحدًا غَيْر عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث يَعْنِي ببة، فَقَالَ المضري: مَا هَذَا الَّذِي سميت فَقَالَ: إنه لهو، فرضي النَّاس بببة وبايعوه. 1085- قَالَ وهب فحدثني ابن أبي عيينة عن سبرة بن النخف قال: بايعوا عبد الله ابن الحارث وغدت الأزد مع مَسْعُود للبيعة. 1086- وَحَدَّثَنِي خلف بْن سالم المخزومي حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير حَدَّثَنَا غسان بْن مضر عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّهِ قَالَ: سارت الأزد وربيعة حَتَّى أتوا الْمَسْجِد، وصعد مَسْعُود بْن عَمْرو المنبر، ثُمَّ خرج وخرجنا فَإِذَا بمسعود عَلَى بغلته وَقَدِ ازدحم النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى سقط، وأقبل ابْن الأزرق من قبل بَنِي سليم فِي نَحْو من أربعين يحكمون، فقصدوا لَهُ فضربوه بأسيافهم حَتَّى قتلوه، قَالَ خلف قَالَ وهب: فكان يقال إِن الأحنف بعث إِلَى الخوارج فحرضهم عَلَيْهِ. 1087- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن القاسم بْن الفضل الحداني قال: لما بايعوا عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث انطلقت الأزد مَعَ مَسْعُود للبيعة، ووقفت بَكْر بْن وائل بالمربد، فلما كَانَ الغد أراد بنو بَكْر أَن ينطلقوا للبيعة فأتاهم ناس من قومهم حرورية فَقَالُوا: لا تنطلقوا فإنا نخاف عليكم الحرورية إلا أَن ينطلق «1» معكم الأزد، فكلمت ربيعة مسعودًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ عَبْد الله بن حوذان: أتسير «2» معهم؟ قال: قد

_ (1) م: تنطلق. (2) ط م س: الا تسير.

بايعنا أمس ووقفوا بالمربد فدعهم فلينطلقوا ونقف لَهُمْ بالمربد، فَإِن أتاهم شَيْء أعناهم وأغثناهم، فقالوا «1» لمسعود: لا بدّ من أَن تسير معنا، فَقَالَ لَهُ ابْن «2» حوذان: والله لئن ذهبت لا ترجع، والله لا أسير معك، فإنا لَمْ نخرج أمس حَتَّى ظننا أنك لا ترجع، فسار مَسْعُود معهم وتخلف ابْن حوذان وناس من الأزد، فلما كَانَ مَسْعُود بالرحبة ازدحم النَّاس عَلَيْهِ فلم يشعر حَتَّى أتاه قوم من الحرورية فقتلوه، وهرب النَّاس. 1088- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنِي وهب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُصْعَب بْن يَزِيد قَالَ: كَانَ مَسْعُود يدعو إِلَى بَنِي أمية وَقَدْ بايعه قوم، وكانت الخوارج قَدْ ظهرت بالبصرة وكانت تطلبه، فقتله قوم مِنْهُم وَقَدِ انصرف من الْمَسْجِد، فلما انصرفت الأزد وجدته فِي بَنِي منقر وَقَدْ مثل بِهِ، فرميت بِهِ بنو تميم، فاقتتلوا ثُمَّ اصطلحوا، واجتمع (889) أهل البصرة عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث ببة فبايعوه ثُمَّ إنه كثر الشر والقتال فاعتزلهم. 1089- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِير عَنْ مُحَمَّد بْن أبي عيينة قال: حدّثت أنّ مسعودا لما قتل اجترته بنو منقر إِلَى «3» دور بَنِي إِبْرَاهِيم فأصبح وَقَدْ مثل بِهِ وأصبحت «4» بنو تميم ترمى بقتله. 1090- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ أَخْبَرَنِي القاسم بْن الفضل الحداني عَنْ أشياخه قَالُوا: لما قتل مَسْعُود جعلت الأزد زِيَاد بْن عَمْرو العتكي رئيسا عَلَيْهِم، والمهلب بْن أَبِي صفرة يَوْمَئِذٍ غائب، فلما قدم أتاه زِيَاد فَقَالَ لَهُ: إني قَدْ كفيتك أمر قومك مَا غبت، فأمّا إذ شهدت فشأنك بِهِمْ، وجاءت الأزد فدخلت عَلَى المهلّب فقال لهم: ألجأتم هذا العبد وناويتم أهل بلدكم، فغضبت الأزد وَقَالَتْ: إِنَّمَا سيدنا من غضب لغضبنا ورضي لرضانا، ثُمَّ انطلقوا فشق ذَلِكَ عَلَى المهلب ومضى إِلَى ابْن الزُّبَيْر وأظهر أَنَّهُ كاتبه فِي القدوم عَلَيْهِ، واجتمعت تميم إِلَى الأحنف فقالوا: إنّ الأزد

_ (1) ط م س: فقال. (2) ط م: أبو. (3) س: اجتر الى. (4) س م: فأصبحت.

قد اجتمعت علينا ولا بدّ من أَن تلي أمرنا فَقَالَ: لا إلا أَن تجعلوا الأمر إِلَى فَمَا أمضيته قبلتموه وأمضيتموه، اتّهمتم بقتل مَسْعُود وَلَمْ تنتفلوا «1» من دمه، فولوه أمرهم فسار بِهِمْ إِلَى المربد، واجتمعت الأزد وبكر بْن وائل فاقتتلوا ثُمَّ تواقفوا، فبعث الأحنف الى زياد بْن عَمْرو أَن هلم فرسوا بيننا صلحًا، وبعثوا بالغضبان (بْن) القبعثري الشيباني فأتى الأحنف فَقَالَ: تدي قتلاهم وتهدر قتلاك وتدي مسعودًا بمائة ألف، فَقَالَ الأحنف: أما قتلانا فندعهم وَأَمَّا قتلاهم فنديهم وَأَمَّا دِيَة مَسْعُود فكدية رجل مُسْلِم. 1091- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم وأبو خيثمة زهير بْن حرب قَالا حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير أَنْبَأَنَا «2» حماد بْن زَيْد أنبأنا «3» خالد الحذّاء عن المثنّى بن عفّان قال: رأيت الأحنف يطوف فِي الْمَسْجِد عَلَى الحلق وَهُوَ يَقُول: إنكم تلقون عدوكم غدًا فاصبروا فإنهم يألمون كَمَا تألمون. 1092- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُيَيْنَة قَالَ، حدثت أَن الأحنف قَالَ: يا معشر الأزد اتقوا اللَّه فإنا والله مَا نحن قتلنا مسعودا إِنَّمَا قتله الخوارج، قَالُوا: فإنا وجدناه عندكم فِي دوركم وَمَا نطلب بِهِ إلا من وجدناه عنده قتيلا وَفِي داره، قال الأحنف: فما الذي يرضيكم؟ قالوا: واحدة من ثَلاث، ترحلون فتلحقون بباديتكم وتخلون بيننا وبين المصر، أَوْ تقيمون الحرب بيننا وبينكم حَتَّى تكون الدار لنا أَوْ لكم، أو تدون مسعودا عشر ديات وتهدرون قتلاكم وتدون قتلانا، فَقَالَ الأحنف: أما هذه فَقَدْ قبلناها، وَأَمَّا الأخريان فلا، فدعا لَهَا أناسا من قومه فأبوا أَن يحملوها، فدعا لَهَا إياس بْن قَتَادَة فتحملها وأداها كلها من عطائه وأعطيات قومه وأمواله «4» ، فقال الفرزدق:

_ 1092- قارن بالفقرة: 1065 في ما تقدم.

ومنا الَّذِي أعطى يديه رهينة ... لغار «1» نزار يَوْم ضرب الجماجم كفى كُل أم مَا تخاف «2» عَلَى ابنها ... وهن قيام رافعات المعَاصِم قال: وكان الأحنف قام في قومه يحرّضهم عَلَى الأزد فِي الليلة الَّتِي اقتتلوا فِي صبيحتها فكان ذَلِكَ مِمَّا تعلق بِهِ عَلَيْهِ. 1093- وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب عَنِ القاسم بْن الفضل الحداني عَنْ أشياخه قَالُوا: لَمْ يزالوا «3» فِي أمرهم وَقَدِ أبوا أَن يدوا مسعودًا إلا دِيَة رجل من الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قدم القباع (890) ، وَهُوَ الْحَارِث بْن عَبْد اللَّهِ المخزومي، أميرًا من قبل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، فأخبر بأن الأحنف كره أَن يحمل دِيَة مَسْعُود مائة ألف، فَقَالَ: قَدْ تحملتها من بَيْت المال، فَقَالَتْ لَهُ الأزد: فمن يقوم لنا بِذَلِكَ؟ فدعا الأحنف إياس بْن قَتَادَة وَهُوَ ابْن أخته «4» فاصطلح النَّاس وودوا قتلى الأزد وهدروا قتلاهم، وأعطى القباع- وهو الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة بْن المغيرة- مائة ألف درهم من بَيْت المال فقام بِذَلِكَ إياس بْن قَتَادَة. 1094- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عَن أبيه عَن محمد ابن الزُّبَيْر قَالَ: وليهم عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث ببة أربعة أشهر، وخرج نَافِع بْن الأزرق إِلَى الأهواز فَقَالَ النَّاس لببة: قَدْ أكل بَعْض النَّاس بَعْضًا، تؤخذ المرأة من الطريق فتفضح فَمَا يمنعها أحد، قَالَ: فتريدون ماذا؟ قَالُوا: تشهر سَيْفك وتبسط يدك، فَقَالَ: مَا كنت لأصلح أمركم بفساد أمري، ثُمَّ انتقل ولحق بأهله وأمر النَّاس عَلَيْهِم عبيد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر التيمي أَخَا عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ. 1095- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم حدثني أبي عن

_ 1095- الطبري 2: 580

1098 - وولد سفيان بن أمية:

صعب بْن يَزِيد أَن الطاعون الجارف وقع بالبصرة وعُبَيْد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر التيمي عَلَيْهَا، فماتت أمه فَمَا وجدوا من يحملها حَتَّى استأجروا لَهَا أربعة أعلاج فحملوها إِلَى حفرتها، وَهُوَ الأمير يَوْمَئِذٍ. 1096- وَقَالَ هشام ابن الكلبي: صلى بِهِمْ ببة أشهرا ثُمَّ أمروا عَلَيْهِم عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فاستخلف أخاه. 1097- قَالُوا: وَكَانَ من موالي آل أَبِي سُفْيَان بْن حرب عَبْد اللَّهِ بْن هرمز مولى عنبسة وَكَانَ عَلَى ديوان الجند زمن الْحَجَّاج ثُمَّ ولده من بعده، وَلَهُ يَقُول القائل: أعوذ بالله الأحد ... من هرمز وَمَا ولد وَكَانَ قدرهم بالبصرة عظيمًا وَكَانَ لَهُمْ يسار، وعبد اللَّه بْن دراج مولى مُعَاوِيَة ولاه خراج الكوفة مَعَ معونتها وَكَانَ قدم مَكَّة أَيَّام ابْن الزُّبَيْر فقتله، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر الشاعر «1» : أيها العائذ فِي مَكَّة كم ... من دم تسفكه من غَيْر دم أيد عائذة معصمة «2» ... ويد تقتل من جاء الحرم 1098- وولد «3» سُفْيَان بْن أمية: الْحَارِث، وطليقا، وحمنه وَهِيَ أم سَعْد بْن أَبِي وقاص، وَكَانَ لسفيان قدر فِي زمانه، وَكَانَ حَكِيم بْن طليق «4» من المؤلفة قلوبهم، أعطاه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين مائة من الإبل، وَكَانَ لَهُ ابْن يقال لَهُ مهاجر تزوج ابنته زِيَاد بْن سمية فدرج عقبة. 1099- وَكَانَ من بَنِي أَبِي سُفْيَان بْن أمية: (سُفْيَان بْن) أمية بْن أَبِي سُفْيَانَ بْن أمية وَهُوَ الَّذِي قدم بموت عليّ عليه السلام إلى الحجاز.

_ (1) يرد في الورقة 565/ أ. (2) ط م س: معظمة، الأغاني: مفصمة. (3) إزاء هذا بهامش ط س: صحّ، وهذا معطوف على ما رتبه في أول نسب بني أمية فلا يتوهم خلل. (4) راجع ترجمته في أسد الغابة 2: 42

1100 - وولد العاص بن أمية:

1100- وولد العاص بْن أمية: سعيدا أبا أحيحة، وأم حبيب تزوجها عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن أَبِي قَيْس من بَنِي عَامِر بْن لؤي خلف عَلَيْهَا بَعْد أخ لَهُ، وَكَانَ أَبُو أحيحة عظيم القدر عزيزًا فِي قومه وَكَانَ إِذَا اعتم «1» لَمْ يعتم أحد بمكة بلون عمامته إعظامًا لَهُ، وَكَانَ يقال لَهُ ذو التاج وذو العمامة، وَكَانَ عظيم النخوة «2» وأدرك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما احتضر بكى «3» فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل (891) وأبو لهب: مَا يبكيك؟ فَقَالَ: والله مَا أبكي جزعًا من الْمَوْت ولكن أخاف أَن يعبد إله ابْن أَبِي كبشة بعدي، فأبكي عَلَى العزى ومفارقتها، وَمَاتَ فدفن بالظريبة. وأم أَبِي أحيحة ريطة بنت البياع بْن عَبْد ياليل من كنانة. 1101- فمن ولد أَبِي أحيحة: أحيحة بْن سَعِيد، قتل يَوْم الفجار قتلته خزاعة وَلَهُ عقب، وأمه هند بنت المغيرة، والعاص بْن سَعِيد، وعبيدة بْن سَعِيد قتلا يَوْم بدر كافرين، فأما عُبَيْدَة فقتله الزُّبَيْر وأمه صفية بنت المغيرة، وَأَمَّا العاص فقتله عَلِي بْن أَبِي طَالِب وأمه هند بنت المغيرة. 1102- وخالد بْن سَعِيد بْن العاص ويكنى أبا سَعِيد وأمه ثقفية «4» وَكَانَ قديم الإِسْلام، رأى فِي منامه كَأَنَّهُ وقف عَلَى شفير جهنم فذكر من نعتها «5» مَا اللَّه بِهِ أعلم، ورأى كَانَ أباه جعل يدفعه فِيهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بحقويه لئلا يقع فِيهَا، فلقي أبا بَكْر فأعلمه ذلك فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر: تدرك خيرًا، هَذَا رَسُول اللَّهِ فاتبعه فَإِن الإِسْلام هُوَ الَّذِي يمنعك من الوقوع فِي النار، وابوك واقع فِيهَا فَإِن أطعته واتبعته كنت مَعَهُ، فلقي خَالِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يا مُحَمَّد إِلَى مَا تدعو؟ [فقال: الى

_ 1102- طبقات ابن سعد 4/ 1: 67- 68 وأسد الغابة 2: 90- 91

اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله وخلع مَا أَنْتَ عَلَيْهِ من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا يعرف من عبده مِمَّن لَمْ يعبده،] فَقَالَ خَالِد: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّكَ رَسُول اللَّهِ، فسر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامه. ويقال أَنَّهُ رأى نارًا خرجت من زمزم فملأت الأفقين وسمع قائلًا يَقُول: هلكت اللات والعزى، فأتى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقص عليه رؤياه «1» ثُمَّ أسلم، ولما أسلم خَالِد تغيب، وبلغ أباه خبره فأرسل فِي طلبه إِلَى الطائف فلم يوجد بِهَا فأخبر أَنَّهُ بأعلى مَكَّة فِي شعب أَبِي دب الخزاعي، فأرسل إِلَيْهِ أبان وعمرًا أخويه ورافعًا مولاه فوجدوه قائمًا يصلي، فأتوه بِهِ فأنبه وبكته وضربه بعصا كانت مَعَهُ حَتَّى كسرها وَقَالَ: اتبعت محمدًا وأنت ترى خلافة لقومه وَمَا جاء بِهِ من عيب آلهتهم والزري «2» عَلَى من مضى من آبائهم وزعمه أَن بَعْد موتهم نارا يخلدون فِيهَا، فَقَالَ خَالِد: قَدِ اتبعته وَهُوَ والله صادق، فَقَالَ: أَوْ تصدقه أيضًا؟ فحدثه رؤياه فشتمه أَبُو أحيحة وَقَالَ: أذهب يا لكع حيث شئت فو الله لأمنعنك القوت، وأمر بنيه أَن لا يكلموه، ولقي أبا سُفْيَان بْن حرب فَقَالَ لَهُ: هدمت شرفك، قَالَ: بَل شيدته وعمرته، فَقَالَ: أَنْتَ غلام حدث ولو بسط عليك العذاب لأقصرت، فانصرف خَالِد فلزم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكثر تأنيب قريش لَهُ، ودخل أَبُو جهل عَلَى أَبِي أحيحة فَقَالَ لَهُ: والله مَا أدري أضعفت أم ضجعت الرأي أم أدركتك المنافية، فَقَالَ أَبُو أحيحة: والله لَقَدْ غاظني أمر مُحَمَّد وَإِنَّهُ لأوسطنا نسبًا، ولقد نشأ صادق الْحَدِيث مؤديا للأمانة، ولقد جاء بدين محدث فرق بِهِ جماعتنا وشتت أمرنا وأذهب بهاءنا، ولئن صدقني ظني فِيهِ ليخرجن إِلَى قوم يقوى بِهِمْ عَلَيْنَا، فَقَالَ أَبُو جهل: لا تقل هَذَا فَمَا الفرج لنا إلا فِي خروجه عنا وتحوله من دارنا حَتَّى تعود ألفتنا. وروي «3» عَنْ أم خَالِد بنت خَالِد بْن سَعِيد أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَبِي خامسًا فِي الإِسْلام، تقدمه ابْن أَبِي طَالِب وزيد بْن حارثة وابن أبي قحافة وسعد (892) بن أبي وقّاص.

_ (1) م: فقصّ روياه عليه. (2) م وخ بهامش ط س: والإزراء. (3) ابن سعد 4/ 1: 69 وأسد الغابة 2: 90

1103- قَالُوا: وقدم عُثْمَان بْن الحويرث بْن أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي عَلَى قيصر، وَكَانَ قَدْ رفض الأوثان وَمَاتَ عَلَى النَّصْرَانِيَّة، فكان ترجمان قيصر يحرف مَا يَقُول لَهُ عُثْمَان فلا يرى عِنْدَ قيصر مَا يحب، فبينا هُوَ يمر يوما فِي مدينة قيصر إِذْ سمع رجلا فِي زي الروم يتكلم بالعربية وينشد بيتا فَقَالَ لَهُ: يا هَذَا مِمَّن أَنْتَ؟ قَالَ: أنا عربي من بَنِي أسد فاكتم مَا سمعت، فشكا إِلَيْهِ جفوة قيصر فَقَالَ: قَدْ بلغني خبرك، وإِنَّما تؤتى من الترجمان، فدخل عُثْمَان عَلَى قيصر فدعا لَهُ الترجمان فَقَالَ: قل للملك إِن الكذوب الفاجر الغادر، قَالَ: الْمَلِك هيه، فالتزم عُثْمَان الترجمان يريد أَنَّهُ الموصوف بِهَذِهِ الصفة، فَقَالَ: إِن لِهَذَا العربي لقصة، فدعا لَهُ ترجمانا آخر فكلمه وأدى عَنْهُ إِلَى قيصر فَقَالَ: إني ضارب للملك ضريبة عَلِي قريش يؤدونها إِلَيْهِ كُل عام إذا جاءوا بتجاراتهم، فأتى مَكَّة فَقَالَ لقريش وغيرها: إِن قيصر يأمركم أَن تجعلوا لَهُ ضريبة عليكم وإلا منعكم من الدخول إِلَى بلاده، فزبروه وأغلظوا لَهُ وعابوا دينه، وَكَانَ أشدهم عَلَيْهِ أَبُو أحيحة والوليد بْن المغيرة ثُمَّ إِن أبا أحيحة قدم الشام ومعه أَبُو ذؤيب هِشَام بْن شُعْبَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي قيس أحد بني عامر ابن لؤي، وَكَانَ أَبُو ذؤيب ابْن أخته، فسعى بِهما عُثْمَان إِلَى قيصر وَقَالَ: إِن هذين اعترضا عَلِي وحملا قريشا عَلَى مخالفتي، فحبس قيصر أبا أحيحة والوليد وعدة من قريش، فمات أَبُو ذؤيب فِي الحبس، وتكلم عُثْمَان فِي الباقين فخلوا فَقَالَتْ أروى بنت الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ «1» : أبلغ لديك بَنِي عمي مغلغلة ... حربًا وعفان أهل الصيت والحسب وابني ربيعة والأعياص كلهم ... واعمم بَنِي عَبْد شمس سادة العرب مَا لي أراكم قعودًا فِي بيوتكم ... وخيركم منكم للجار ذي الجنب وذو الحفاظ عَلَى جل الأمور إِذَا ... نابت نوائبها فِي شدة الكرب أَبُو أحيحة محبوس لدى ملك ... بالشام فِي غير ما ذنب ولا ريب

_ 1103- قارن بالسيرة 1: 222- 224 وجمهرة الزبير بن بكار: 427 والورقة: 822 ب (من النسخة س) وبعضه في الروض الأنف 1: 146 (ط: 1914) .

1104 - ومن ولد أبي أحيحة: عمرو بن سعيد بن العاص

لو كَانَ بعضكم فِي غَيْر محبسه ... ألفيتموهُ شديد الهم والنصب إِن الَّذِي صده عنكم وثبطكم ... عَبْد لعبدٍ لئيم حق مجتلب لو كَانَ منكم صميمًا فِي أرومتكم ... لشفَّه مَا عناكم غَيْر مَا كذب 1104- ومن ولد أَبِي أحيحة: عَمْرو بْن سَعِيد بْن العاص ويكنى أبا عتبة، سمع قَوْل أخيه خَالِد ودعاه إِلَى الإِسْلام، فأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، وهاجر خَالِد وعمرو إِلَى أرض الحبشة وأقاما بِهَا حَتَّى قدما مَعَ أَصْحَاب السفينتين حِينَ قدم جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب، فوافوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، وكلم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فِي خَالِد وعمرو فأسهموا لهما في الغنيمة. 1102 ب- ويقال إِن خالدا هاجر إِلَى الحبشة ثُمَّ أتى عَمْرو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم ولحق بخالد بالحبشة وولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالدًا صدقات اليمن، ويقال «1» : ولاه أمر بَنِي زبيد خاصة، فتوفي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو باليمن وقدم «2» منها بَعْد أَن بويع أَبُو بَكْر، (893) فكان جالسًا فِي بيته نحوًا من ثلاثة أشهر فمر عَلَيْهِ أَبُو بَكْر مظهرًا وَهُوَ فِي داره فسلم فَقَالَ: أتحب أَن أبايعك؟ قَالَ أَبُو بَكْر: أحب أَن تدخل فيما دَخَلَ فِيهِ النَّاس، فَقَالَ لَهُ: موعدك العشية، فجاءه وَهُوَ عَلَى المنبر فبايعه، وَكَانَ قَالَ حِينَ قدم من اليمن لعلي وعثمان: أرضيتم يا بَنِي عَبْد مناف بأن يلي عليكم الأمر غيركم؟ فاحتملها أَبُو بَكْر وحقدها عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُم، واستشهد خَالِد يَوْم مرج الصفر بالشام، ويقال أَنَّهُ استشهد يَوْم اليرموك، وَكَانَ مِمَّن كَتَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ووهب عَمْرو بْن معدي كرب لخالد سَيْفه الصمصامة وَقَالَ: حبوت بِهِ كريما من قريش ... فسر بِهِ وصين عَنِ اللئام «3» فأعطاه خَالِد خاتم ذهب كَانَ عَلَيْهِ.

_ 1104- قارن بابن سعد 4/ 1: 73 والسيرة 1: 323 وأسد الغابة 2: 91

1105 - وأبان بن أبي أحيحة:

وولّى رسول الله صلّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن سَعِيد قرى عربية «1» منها تبوك وخيبر وفدك واستشهد يَوْم أجنادين بالشام، ويقال: يَوْم فحل بالأردن، وأمه صفية بنت المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. 1105- وأبان بْن أَبِي أحيحة: ويكنى أبا الْوَلِيد وأمه صفيّة بنت المغيرة وكان مقيما بمكة حَتَّى قدم خَالِد وعمرو ابنا أَبِي أحيحة من أرض الحبشة، فكتبا إِلَيْهِ يدعوانه إِلَى الإِسْلام فأجابهما وخرج حَتَّى أتى الْمَدِينَةَ مسلمًا، وصار معهما إِلَى خيبر، وَكَانَ أبان أجار عُثْمَان بْن عَفَّان وأنزله حِينَ دَخَلَ مَكَّة فِي عمرة القضية، وأبان يَوْمَئِذٍ كافر، ولما رأى أَبُو أحيحة أَن عمرًا وخالدًا قَدْ أسلما غمه ذَلِكَ، فشخص إِلَى الطائف فاعتزل فِي مال لَهُ هناك، وَمَاتَ بَعْد الهجرة بسنة أَوْ سنتين وَلَهُ تسعون سنة، فلما غزا «2» رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائف رأى ابو بكر قبر أبي أحيحة مشرفًا قَالَ: لعن اللَّه صاحب هَذَا القبر فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن يحاد اللَّه ورسوله، فَقَالَ ابناه عَمْرو وأبان، وهما مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَل لعن اللَّه أبا قحافة فَإِنَّهُ كَانَ لا يَقري الضيف ولا يمنع الضيم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [سب الأموات يؤذي الأحياء فَإِذَا سببتم فعموا] . 1106- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْن خربوذ «3» عن مشايخ اهل مكة انّ أبا أحيحة مَاتَ بالظريبة، وَكَانَ عَمْرو وخالد ابناه مهاجرين بالحبشة، فكتبا إِلَى أبان أخيهما يدعوانه إِلَى الإِسْلام واللحاق بهما فَقَالَ «4» : ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد ... لما يفتري فِي الدين عَمْرو وخالد أطاعا بنا أمر الغواة فأصبحا ... يعينان من أعدائنا ما نكابد

_ 1105- ترجمة أبان ابن أبي أحيحة سعيد بن العاص في الاستيعاب وأسد الغابة والاصابة ...

1107 - ومن ولد أبي أحيحة (894) سعيد بن سعيد بن العاص،

فأجابه خَالِد: أَخِي مَا أَخِي لا شاتم أنا عرضه ... ولا هُوَ عَنْ سوء المقالة يقصر يَقُول إِذَا شدت عَلَيْهِ أموره ... ألا ليت ميتا بالظريبة ينشر فدع عَنْك ميتا قَدْ مضى لسبيله ... وأقبل عَلَى الحق الَّذِي هو أحضر فأسلم حِينَ قدم أخوه من الحبشة مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب، ولحق برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستشهد أبان يَوْم أجنادين بالشام، وَقَالَ بَعْضهم: توفي فِي سنة تسع وعشرين، وقيل إنه توفي يَوْم فحل بالشام، وَالأَوَّل أثبت. 1107- ومن ولد أَبِي أحيحة (894) سَعِيد بْن سَعِيد بْن العاص، وأمه هند بنت المغيرة أخت صفية أم عَمْرو، فلحق سَعِيد بالمدينة بَعْد أبان فقلده النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْض أمره، واستشهد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الطائف. 1108- والحكم بْن أَبِي أحيحة وأمه هند بنت المغيرة، لحق بإخوته مسلمًا قبل الفتح فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ وجعله يعلم الحكمة بالمدينة واستشهد يَوْم مؤتة، ويقال يَوْم اليمامة، ويقال إنه تلقى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلما فيمن تلقاه وَهُوَ يريد مَكَّة. 1109- وَكَانَ لأبي أحيحة فيما ذكر غَيْر «1» الكلبي ابْن يقال لَهُ عياش درج. 1110- ومن بَنِي أَبِي أحيحة: سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية، وأمه أم كلثوم من ولد عامر بْن لؤي، ويكنى أبا عُثْمَان، ويقال أبا عَمْرو، وَكَانَ جوادًا مبرزًا، وولاه عُثْمَان بْن عَفَّان الكوفة فَقَالَ: ويل للأشراف منّي وقال: انّما السواد بستان لقريش «2» ، فأخرجه أهلها عَنْهَا، وولاه مُعَاوِيَة المدينة وولّاه الموسم، وفيه يقول الحطيئة «3» :

_ (1) س: عن غير، أصل ط: عن، وفي الحاشية: غير. (2) إنما السواد.. إلخ.. انظر هذا القول في ف: 1376. (3) ديوان الحطيئة: 247 و 2، 3 في الخزانة 3: 438 والثاني في البيان 1: 315، 3: 116 وابن عساكر 6: 144

سَعِيد وَمَا يفعل «1» سَعِيد فَإِنَّهُ ... نجيب فلاه فِي الرباط «2» نجيب سَعِيد فلا يغررك قلة لحمه ... تخدد «3» عَنْهُ اللحم وَهُوَ صليب إِذَا غاب عنا غاب عنا ربيعنا ... ونسقي الغمام الغرّحين يؤوب وَكَانَ سَعِيد آدم خفيف اللحم لا ينزع قميصه، وَمَاتَ فِي سنة تسع وخمسين فَقَالَ فِيهِ إِبْرَاهِيم بْن متمم «4» بْن نويرة: فدى لسعيد من أمِير وخلةٍ «5» ... ردائي وَمَا ضمت عَلَيْهِ الحمائل أتاني ورحلي بالشربة أَنَّهُ ... توفي والأخبار حق وباطل فأصبحت لا أدري أحيّ بغبطة ... فأفرح أم غالبته ثُمَّ الغوائل 1111- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأعرابي عَنِ المفضل الضبي «6» أَن عبيد «7» بْن الحصين الراعي لما مدح سعيدًا بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا: كريم تعزب العلات عَنْهُ ... إِذَا مَا حان يوما أَن يزارا قَالَ لوكيله: كم عندك؟ قال: ثلاثة آلاف دينار، قال: ادفعها إِلَيْهِ، وأعتذر من قلتها. 1112- وَكَانَ سَعِيد بْن العاص حِينَ قتل أبوه العاص ببدر صغيرًا فكلفه عمه الحكم بْن سَعِيد، فرآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ بالمدينة أَوْ بمكة فِي أَيَّام الفتح فَقَالَ لَهُ: من هَذَا الصَّبِيُّ؟ قَالَ: ابْن أَخِي، فمسح رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه ودعا بثوب يمان مسهم فكساه إياه، فقطعت لَهُ منه جبة، فسمي كُل ثوب مسهم مذ ذاك سعيديًا بسعيد بْن العاص، ويقال إنه كساه جبّة مسهّمة مخيطة.

_ 1112- قارن بالمعارف: 296 وابن عساكر 6: 132 والاصابة 3: 98

1113- وَقَالَ هِشَام بْن الكلبي: كَانَ سَعِيد يوجه فِي كُل قليل إِلَى اليمن فيعمل لَهُ ثياب مسهمة تبركا بكسوة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يلبسها ويكسو منها ويهدي. 1114- وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابْن عياش عَنْ رجل من آل سَعِيد بْن العاص أَن الجبة الَّتِي كانت لسعيد من كسوة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تزل عنده حَتَّى دفنت مَعَهُ. 1115- وَحَدَّثَنِي (895) الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي اليقظان قَالَ: كَانَ سَعِيد بْن العاص أول من خش الإبل، والخش أَن تجعل البرة فِي جوف عظم الأنف، وَهُوَ الخشاش، وَذَلِكَ لأنه كَانَ يسير إِلَى مُعَاوِيَة فجذب زمام ناقته فانخرمت البرة، فآلى أَن لا يركب بعيرًا إلا وَفِي يده عظم منه «1» ، فخشّ إبله. 1116- الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن جعدبة عَنْ أَبِي الزناد قَالَ، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر: أرسل الزُّبَيْر إِلَى سَعِيد بْن العاص يسأله قرض مائة ألف درهم فبعث بِهَا إِلَيْهِ، فلما قتل الزُّبَيْر قُلْت لسعيد: اقبض مَالِك فَإِنَّهُ بخواتيمه، قَالَ: ابعث بِهِ، قُلْت: أحب أَن تتولى قبضه، فلما صار إِلَى أخرجت المال إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا تريد؟ قُلْت: أريد أَن تدعه، فتركه وَلَمْ يأخذ منه درهما. 1117- وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ قَالَ سمعت سُفْيَان بْن عُيَيْنَة قَالَ: كلم سَعِيد بْن العاص فِي يتيم كَانَ يمونه أَن يزوجه فَقَالَ: والله مَا عندي مَا يحتاج إِلَيْهِ لتزويجه فادانوا عَلِي مَا يصلحه، فاستقرضوا عشرة آلاف درهم، فأتوا ابنه عَمْرو بْن سَعِيد وَهُوَ الأشدق حِينَ مَاتَ فأخبروه بالقصة فَقَالَ: سبحان اللَّه والله لو أَنَّهَا مائة الف لقضيتها فقضاها.

_ 1115- المعارف (نفسه) والبيان 1: 315 1117- قارن بالاغاني 1: 44

قَالَ: وَكَانَ سَعِيد يسأل المال بالغًا مَا بلغ مِمَّا يسأله مثله، فَإِذَا لَمْ يكن عنده مال قَالَ لسائله: اكتب عَلِي ذكر حق. 1118- وَحَدَّثَنِي مَنْصُور بْن أَبِي مزاحم عَنْ شُعَيْب بْن صفوان قَالَ: لما احتضر سَعِيد بْن العاص قَالَ لابنه عَمْرو الأشدق «1» : انظروا في ديني، فوجدوه تسعين ألف دِينَار منها سبعون ألفا لمن سَأَلَهُ الرفد والصلة، فَإِذَا هُوَ قَدْ كتب بِذَلِكَ أجمع عَلَى نَفْسه صكاكًا، فحول عَمْرو تلك الصكاك عَلَى نَفْسه وقضاها. 1119- وَحَدَّثَنِي مَنْصُور عَنْ شُعَيْب وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن بُكَيْر عَنِ الْهَيْثَمِ بْن عَدِيٍّ عَنِ الضحاك بْن رمل السكسكي قَالَ: خرج سَعِيد بْن العاص ذَات يَوْم من عِنْدَ مُعَاوِيَة مظهرًا، فبصر بِهِ رجل وَهُوَ وحده، فسار «2» مَعَهُ نَحْو منزله، فلما قرب منه قَالَ: ألك حاجة؟ قَالَ: لا ولكني رأيتك وحدك فأحببت أن أونسك وأصل جناحك، فتركه حَتَّى إِذَا وصل إِلَى منزله قَالَ لخازنه: كم عندك؟ قَالَ: ألفا «3» دِينَار، قَالَ: أعطه منها ألفا واحبس لنفقتنا ألفا، وَقَالَ: هَذَا لَك عندي فِي كُل سنة. 1120- الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن أَبِي الزناد، قَالَ: سال ميزاب لسعيد بْن العاص فِي الطريق فَقَالَ رجل من الأنصار لَقَدْ آذتنا ميازيب سَعِيد فأمر بكل ميزاب لَهُ «4» أَن يحول إِلَى داره. 1121- حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ حَدَّثَنِي ابْن كناسة الأسدي عَنْ بَعْض ولد عنبسة بْن يَحْيَى بْن سَعِيد بْن العاص قَالَ: كَانَ سَعِيد سخيا عَلَى كبر فِيهِ، وَكَانَ يَقُول: إِن رجلًا بات ليله متململًا يراوح بَيْنَ شقيه يعرض النَّاس عَلِي نفسه أيّهم يراه

_ 1118- التذكرة الحمدونية: 157/ أ (نسخة برنستن) والعيون 1: 337 1119- قارن بالاغاني (نفسه) .

موضعًا لحاجته ورغبته، فاعتمدني دونهم بأمله واختارني لتنفيس كربته، لأعظم منة عَلِي من منتي عَلَيْهِ إِذَا قضيت حاجته وبلغته أمله. 1122- وَحَدَّثَنِي منصور بن أبي مزاحم عن شعيب بن صفوان عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عمير قَالَ: لما حضرت سَعِيد بْن العاص الوفاة دعا ولده فَقَالَ أيكم يكفل ديني؟ فَقَالَ عَمْرو الأشدق: أنا أكفله، وكم هُوَ يا أبه؟ قَالَ: سبعون ألف دِينَار أَوْ تسعون ألف دِينَار، فَقَالَ: فيما ادنت هَذَا المال يا أبه؟ قَالَ: فِي لئيم اشتريت عرضي منه أَوْ كريم وفرت عرضه وسددت خلته، فدعا غرماءه فحول صكاكهم عَلَى نَفْسه، ثُمَّ قَالَ سَعِيد: يا بَنِي لا تزوج بناتي إلا من أكفائهن (896) ولو بفلق خبز الشعير وانظر اخواني فلا تقطع وجوههم «1» عَنْك ولا معروفي الَّذِي كنت آتيه إليهم عَنْهُم. 1123- وَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن «2» الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن جعدبة وغيره قالوا، قال سَعِيد بْن العاص لابنه: يا بَنِي إني والله مَا شتمت رجلا مذ كنت رجلا ولا زحمته بركبتي ولا كلفت راجيا لمعروفي أَن يسألني فيبذل وجهه إِلَى. 1124- الْمَدَائِنِي عَنْ عوانة قَالَ: كَانَ «3» سَعِيد بْن العاص يَقُول: أربعة لا أبلغ مكافأتهم ولو خرجت إليهم من مالي كله، رجل قام لي فِي مجلس غاص بأهله فأجلسني مكانه، ورجل تخطى النَّاس إِلَى حَتَّى أتاني مسلما عَلِي لغير رغبة ولا رهبة، ورجل رآني منفردًا فانسني بحَدِيثه ووصل جناحي بمسايرته ومماشاته، ورجل فكر ليله فرآني موضعا لحاجته ورغبته فغدا إِلَى حَتَّى واجهني بمسألته. 1125- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عوانة وابن خربوذ وغيرهما

_ 1122- ابن عساكر 6: 143 وأسد الغابة 2: 310 وانظر ما تقدم ف: 1118، ف: 392 1123- ابن عساكر 6: 143 1125- ابن عساكر 6: 143

قَالُوا: كَانَ سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية يَقُول: قبح اللَّه المعروف إلا ابتداء «1» ، فأما إِذَا سألك الرجل حاجته وجبينه يرشح رشح السقاء والدم يكاد يبرز من وجهه مخاطرًا لا يدري أتقضيها لَهُ أم لا ولسانه معتقل «2» بحصر المسألة وذلّ الطلب، فو الله لو خرجت إِلَيْهِ من جَمِيع مَا أملكه مَا كافأته ولا بلغت مَا يستحقه. 1126- حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ (الْمُغِيرَةَ) الأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: لما طلب زِيَاد الفرزدق وهرب من البصرة أتى الْمَدِينَة فدخل عَلَى سَعِيد بْن العاص، فأنشده قَوْله فِيهِ وَهُوَ وال يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَة: إليك هربت منك ومن زِيَاد ... وَلَمْ أحسب دمي لكما حلالا ترى الغر الجحاجح من قريش ... إِذَا مَا الأمر فِي الأحداث عالا قياما ينظرون إِلَى سَعِيد ... كأنهم يرون بِهِ الهلالا فَقَالَ لَهُ مَرْوَان بْن الحكم وَكَانَ حاضرًا: لو جعلتنا قعودا، فَقَالَ: كلا يا أبا عَبْد الْمَلِك وإنك فيهم لصافن. وأنشد الفرزدق بلال بْن أَبِي بردة شعرًا لَهُ فِيهِ فَقَالَ لَهُ: هلا مدحتني بمثل مَا مدحت بِهِ سعيدًا وفلانا وفلانًا، قَالَ: جئني بحسب كأحسابهم «3» حَتَّى أقول فيك مثل قولي فيهم. 1127- وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابْن عياش الهمداني أَن سَعِيد بْن العاص كَانَ جالسًا ومعه قوم وَهُوَ يحدثهم فسقط جدار عَلَى قوم فانفضوا إلا فتى ثبت مَعَهُ حَتَّى استتم حَدِيثه، فَقَالَ لغلامه: ادع وكيلنا، فلما جاءه قَالَ: أعط الفتى عشرة آلاف درهم لإعظامه حقنا وحسن مجالسته إيّانا.

_ 1126- قارن بالأغاني 21: 346 والخزانة 3: 73 وجمهرة العسكري 1: 209 والبيتان 2، 3 في الأغاني والخزانة وابن عساكر 6: 134 ومعجم الأدباء 7: 258 وانظر ما سبق ف: 593 وديوان الفرزدق: 150 (الفحام) .

1128- وَحَدَّثَنِي بَعْض أهل العلم قَالَ: خرج هدبة بْن خشرم بْن كريز «1» بْن أَبِي حبة «2» بْن الأسحم بْن عامر بْن ثعلبة بْن قرة بْن حبيش بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن عَبْد اللَّهِ بْن ذبيان بْن الْحَارِث بْن سَعْد «3» بْن زَيْد «4» أَخِي عذرة بْن زَيْد «5» فِي نفر من بَنِي عمه وزيادة بْن زَيْد بْن مَالِك بْن ثعلبة من ولد الحارث بن سعد أيضًا فِي نفر من بَنِي عمه فِي سفر، ومع هدبة أخته فاطمة بنت خشرم ومع زيادة أخته أم القاسم، وَكَانَ هدبة وزيادة شاعرين راجزين فساق بهم زيادة وَهُوَ يَقُول: عوجي عَلَيْنَا واربعي يا فاطما ... ألا ترين الدمع مني ساجما فظن هدبة أَنَّهُ عرض بأخته فاطمة، ثُمَّ إِن هدبة ساق بِهِمْ فَقَالَ: (897) لَقَدْ أراني والغلام الحازما ... نزجي المطي ضمرا سواهما مَتَى تظن القلص الرواسما ... يدركن «6» أم قاسم وقاسما فغضب زيادة، وَقَالَ هدبة: إني والله مَا ذهبت حيث ذهبت، ولا عنيت أختك ولقد عنيت أختي، وتشاتما ثُمَّ تناصيا، ووثب رهط هدبة ورهط زيادة فتضاربوا بالنعال، ثُمَّ أقبل كُل واحد منهما يهجو صاحبه، وجعلا يتفاخران، وجاء زيادة فِي قومه ليلا إِلَى هدبة فشجوا أباه عشرًا وعقروه فَقَالَ زيادة «7» : شججنا خشرما فِي الرأس عشرا «8» ... ولم نرهب هديبة إذ هجانا

_ 1128- قارن بالحماسة 2: 12 (التبريزي) والشعر والشعراء: 581 والكامل 4: 84 والأغاني 21: 276 والخزانة 4: 84 (وفيها الأبيات) .

ثُمَّ اقتتل هدبة ورهطه وزيادة ورهطه، فقتل هدبة زيادة وجدع زيادة أنف هدبة، وهرب هدبة والنفر الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فلحقوا باليمن وَقَالَ «1» : ألا ليت الرياح مسخرات ... لحاجتنا تباكر أَوْ تؤوب فتخبرنا الشمال إِذَا التقينا ... وتخبر أهلنا عنا الجنوب ثُمَّ إِن رهط زيادة استعدوا مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان عَلَى هدبة، فكتب لَهُمْ إِلَى سَعِيد بْن العاص، وَهُوَ عامل الْمَدِينَة، يأمره بإعدائهم عَلَى هدبة، وأن ينظر فِي دعواهم عَلَيْهِ، وأن يطلبه طلبا حثيثا، وأن يأخذ بِهِ أولياءه، فأخذ عمه وأهله فحبسهم فِي السجن حينا، فلما بلغ هدبة ذَلِكَ أتى السلطان فوضع يده فِي يده كراهة أَن يسلم عمه وأهله، فأمر سَعِيد بحبس هدبة وخلى سبيل من حبس بسببه ووهب لَهُمْ مالًا، وسأل أولياء زيادة سعيدًا أَن ينظر فِي أمرهم فأخر ذَلِكَ وأبطأ بِهِ، وَكَانَ هدبة قَدْ مدحه، وعرض عَلَيْهِم أَن يدي صاحبهم عَنْهُ ثَلاث ديات، فأبوا وَقَالُوا: ارفعنا إِلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مُعَاوِيَة، فَقَالَ هدبة «2» : ألا يا لقوم «3» للنوائب والدهر ... وللمرء يردي نَفْسه وَهُوَ لا يدري وللأرض كم من صَالِح قَدْ تلاءمت «4» ... عَلَيْهِ فوارته بداوية قفر ولما دخلت السجن يا أم مَعْمَر ... ذكرتك والأطراف فِي حلق سمر وَلَمْ يزالوا بسعيد حَتَّى حملهم إِلَى مُعَاوِيَة ودس إِلَى هدبة صلة وكسوة، ونظر مُعَاوِيَة فِي أمرهم فقضى بقود «5» هدبة، وكتب بِذَلِكَ كتابًا مَعَ أولياء زيادة إِلَى سَعِيد فجعل لَهُمْ سَعِيد «6» عشر ديات عَلَى أَن لا يقتلوه، فأبى «7» أخوه وأهل بيته ذَلِكَ فأخرج فقتل، وَقَالَ حِينَ أخرج:

_ (1) الخزانة 4: 82- 83 (2) البيتان 1، 2 في الأغاني 21: 276، 287 والخزانة 4: 86 والثالث في الكامل: 4: 85 (3) الخزانة والأغاني: لقومي. (4) الخزانة والأغاني: تأكمت. (5) س ط: بقتل، خ بقود. (6) فجعل لهم سعيد: سقط من س. (7) م: فأبوا.

1129 - ومن ولد سعيد بن العاص: عمرو بن سعيد

إِن تقتلوني فِي الحديد فإنني ... قتلت أخاكم مطلقا غَيْر موثق فقيل لسعيد لا تقتله إلا مطلقًا عَنْهُ حديده ثُمَّ قتل. 1129- ومن ولد سَعِيد بْن العاص: عَمْرو بْن سَعِيد وَكَانَ سخيا لسنا «1» وقيل لَهُ الأشدق للقوة عرضت لَهُ فأمالت شدقه، وسمي أيضًا لطيم الجن ولطيم الشَّيْطَان «2» ، ويقال إِن مُعَاوِيَة دعاه فِي غلمة من بَنِي أمية فاستنطقهم فَقَالَ عَمْرو: إِن الابتداء مركب صعب ومع اليوم غد «3» ، ثُمَّ دعاه فتكلم بكلام أعجبه فَقَالَ: إِن ابْن سَعِيد لأشدق، وَهَذَا مِمَّا يقوله (898) ولده، وَكَانَ عَمْرو يكنى أبا أمية، وأمه أم البنين بنت الحكم بْن أَبِي العاص، وَهِيَ أخت مَرْوَان وعمه عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان، وَقَدْ ولى الْمَدِينَة ليزيد بْن مُعَاوِيَة. [إخراج بَنِي أمية عَنِ الْمَدِينَة] 1130- حَدَّثَنِي «4» أَبُو هِشَام مُحَمَّد بْن يَزِيد الرفاعي حَدَّثَنِي عمي كثير «5» بْن مُحَمَّد أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّهِ بْن عياش الهمداني حَدَّثَنِي أمية بْن عَمْرو عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو المعيطي قَالَ: كتب ابْن الزُّبَيْر إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن مطيع فِي نفي بَنِي أمية عَنِ الْمَدِينَة إِلَى الشام، ومروان يَوْمَئِذٍ شيخهم وابنه عَبْد الْمَلِك ناسكهم ومن يصدرون عَنْ رأيه، وَكَانَ بعبد الْمَلِك يَوْمَئِذٍ جدري قَدْ ظهر بِهِ، فدخلهم من إخراجهم عَنِ الْمَدِينَة أمر عظيم، وَكَانَ ابْن الزُّبَيْر رجلًا إِذَا عرض لَهُ الرأي أمضاه من غير روية ولا مشاورة، فأشخصهم ابْن مطيع وحمل مَرْوَان ابنه عَبْد الْمَلِك عَلَى جمل وشده عَلَيْهِ شدا، ثُمَّ إِن وجوه قريش ومشايخهم اجتمعوا إِلَى ابْن الزُّبَيْر فَقَالُوا: بلغنا مَا أمرت بِهِ من إلحاق بَنِي أمية بالشام، وإنما بعثت عليك أفاعي «6» لا يبل سليمها، أمثل مَرْوَان وَبَنِي أمية يشخصون إِلَى الشام؟ فوجه ابْن الزُّبَيْر رسولا إِلَى ابْن مطيع بكتاب منه يأمره فِيهِ بإقرار بَنِي أمية بالمدينة وترك

_ (1) ط س: لسينا. (2) البيان 1: 122، 315- 316 والحيوان 6: 178 والبرصان: 275 والعقد 4: 409 (3) قارن بما قاله عثمان في ف: 1320 (4) في حاشية ط س هنا عنوان: اخراج بني أمية عن المدينة. (5) م س: كبير. (6) ط س م: أفاع.

إشخاصهم، فاتبعهم حَتَّى وافاهم بأداني أرض الشام فعرض عَلَيْهِم الانصراف فأبوا، وَقَالَ عَبْد الْمَلِك «1» وَقَدْ نقه من مرضه للرسول: قل لأبي خبيب إنا نقول لا حول ولا قوة إلا بالله يصنع اللَّه. وَكَانَ فيمن شخص معهم عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق وخاله مَرْوَان بْن الحكم، وَكَانَ معهم خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد بن أبي العاص بْن أمية فكانا خاصين بمروان وبعبد الْمَلِك، فوافوا الشام وَقَدْ بايع النَّاس لمعاوية بْن يَزِيد وَهُوَ كاره لِذَلِكَ، فلم يلبث مَرْوَان بَعْد ذَلِكَ إلا يسيرا حَتَّى مَاتَ مُعَاوِيَة بْن يَزِيد وبويع لَهُ بالخلافة، فبايع لابنه عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان ولعبد الْعَزِيز من بعده، وَكَانَ عَمْرو الأشدق أجد النَّاس فِي أمر مَرْوَان وأحسنهم معاونة ومكانفة لَهُ واجتهادا فِي صلاح أمره وإفساد أمر ابْن الزُّبَيْر، فقاتل مَعَهُ يَوْم المرج، ووجه ابْن الزُّبَيْر أخاه مُصْعَب بْن الزُّبَيْر إِلَى فلسطين فوجه مَرْوَان عمرًا الأشدق فِي جيش لهام فلقيه قبل أَن يدخلها فهزم مصعبًا وأَصْحَابه حَتَّى رجعوا إِلَى الْمَدِينَة، وَكَانَ مَرْوَان يعد عمرًا بالخلافة بعده، يستدعي بِذَلِكَ طاعته ويستنزل نصيحته، فكان يَقُول: الأمر لي بَعْد مَرْوَان فَقَدْ ولاني العهد، فلما استقام لمروان أمره ووجّه عمرا إِلَى ابْن جحدم عامل ابْن الزُّبَيْر عَلِي مصر- وَهُوَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتبة بْن أَبِي إياس بْن الْحَارِث بْن عَبْد بْن أسد بْن جحدم بْن عَمْرو بْن عابس بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر- وفتحت مصر ورجع مَرْوَان إِلَى دمشق، قَالَ لحسان بْن مَالِك بْن بحدل الكلبي: إني أريد تولية عهدي عَبْد الْمَلِك وبعده عَبْد الْعَزِيز، وإن عَمْرو بْن سَعِيد يدعي أَنَّهُ الخليفة بعدي، وخالد بْن يَزِيد يدعي مثل ذَلِكَ، فَقَالَ حسان: أنا أكفيك أمرهما، وجمع النَّاس ثُمَّ قام فَقَالَ: يبلغ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ويبلغنا أَن رجالا يتمنون الأماني ويدعون الأباطيل ويحدثون أنفسهم بِمَا لَمْ يجعله اللَّه لَهُمْ، وَمَا أولئك بالراشدين ولا المسددين، فقوموا أيها النَّاس فبايعوا لعبد الْمَلِك ابْن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ولعبد الْعَزِيز من بعده، فقام النَّاس فبايعوا مسارعين غَيْر مثقلين من عِنْدَ آخرهم حَتَّى لَمْ يبق مِنْهُم أحد. 1131- الْمَدَائِنِي عَنْ خَالِد بْن عطية قَالَ: ولى يَزِيد بْن مُعَاوِيَة عَمْرو بن سعيد

_ 1131- الموفقيات: 152

1133 - مقتل عمرو بن سعيد بن العاص:

الْمَدِينَة فشكوه (899) إِلَى يَزِيد فعزله وولى مكانه عُثْمَان بْن مُحَمَّد بْن أَبِي سُفْيَان، فلما قرب من الْمَدِينَة تلقوه بذي خشب فشكوا إِلَيْهِ عمرًا، فلما قدم عُثْمَان خطبهم فمناهم ووعدهم ونال من عَمْرو وَقَالَ: مَا كَانَ قرشي ليفعل هَذَا بقريش «1» ، فَقَالَ عَمْرو من تحت المنبر: مهلا يا عثمان فو الله مَا أنا بحلو المذاق وإني لقمن المضرة، ولقد ضرستني الأمور وجرستني الدهور فزعًا مرة وأمنا مرة، وإن قريشا لتعلم أني ساكن الليل داهية النهار لا أتتبع الظلال ولا أنمّص حاجبي «2» ولا يستنكر شبهي «3» ولا أدعى لغير أَبِي. 1132- وقيل لعمرو بن سعيد إلى من أوصى بك أبوك؟ قَالَ: أوصى إِلَى وَلَمْ يوص بي. 1133- مقتل عَمْرو بْن سَعِيد بْن العاص: قَالَ أَبُو مخنف فِي روايته وغيره: كَانَ عَمْرو بْن سَعِيد أشد النَّاس فِي أمر مَرْوَان حَتَّى ولي الخلافة وقاتل مَعَهُ الضحاك بْن قَيْس الفهري يَوْم مرج راهط، فلما مَاتَ مَرْوَان وبويع عَبْد الْمَلِك بالخلافة بلغه أَن مُصْعَب بْن الزُّبَيْر بْن العوام يريد الجزيرة متوجهًا من العراق، فسار عَبْد الْمَلِك حَتَّى شارف الفرات ومعه عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق فَقَالَ لَهُ عَمْرو: إنك تشخص إِلَى العراق فَقَدْ كَانَ أبوك أوعدني «4» أَن يوليني الأمر بعده، وعلى ذَلِكَ قمت بشأنه وحاربت مَعَهُ، فاجعل لي الأمر بعدك، فلم يجبه عَبْد الْمَلِك بشيء مِمَّا يسره، فانصرف عَنْ عَبْد الْمَلِك وقصد إِلَى دمشق حَتَّى دخلها وَقَالَ: إِن مَرْوَان كَانَ ولاني عهده ولذلك قمت بنصره وصنعت مَا أنتم عالمون بِهِ، فبايعه عَبْد الله بن يزيد بن أسد بن كرز- وَهُوَ أَبُو خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ البجلي ثُمَّ القسري- ثُمَّ بايعه وجوه أهل دمشق ومالوا إِلَيْهِ لسخائه وجود كفه، وألقى عَلَى سور دمشق المسوح والخشب والكرابيس والفرش المحشوة وتهيّأ للحصار واستعدّ له، وبلغ عَبْد الْمَلِك خبره فانكفأ راجعًا يغذ السير ويجد فِيهِ حَتَّى أتى دمشق، وَقَدْ أغلق عمرو أبوابها

_ 1132- مرّ في ف: 299 وتخريجه هنا لك.

وجعل عَلَى شرطه عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد، فحاصره عَبْد الْمَلِك وَلَمْ يزل يراسله ويمنيه ويعده وضمن لَهُ أَن يوليه بَيْت المال والديوان ويجعل لَهُ ولاية الأمر بعده مقدمًا عَلَى عَبْد الْعَزِيز، وكتب بينه وبينه بِمَا شرطه لَهُ كتابًا، فخرج عَمْرو إِلَيْهِ وَهُوَ فِي عسكره وَكَانَ نازلًا فِي قصر بالمعسكر وأَصْحَابه حوله، فلما دَخَلَ عَلَيْهِ بسطه ووانسه ثُمَّ قَالَ: يا أبا أمية إني حلفت أَن أجعل فِي عنقك سلسلة وأوثقك بجامعة ثُمَّ لا بأس عليك، فأوثق وجعل السلسلة فِي عنقه، فَقَالَ عَمْرو: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أخرجني إِلَى النَّاس لأقوم فيهم بِمَا تحب وأقول مَا تريد، وإنما التمس أَن يخرجه من عنده فيخلصه «1» أَصْحَابه وكانوا مطيفين بالقصر، فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: هيهات أمكرًا فِي السلسلة «2» أبا أمية، ثُمَّ قَالَ عَبْد الْمَلِك لبشر بْن مَرْوَان: قم فاقتله، فأبي، وَقَالَ لعبد الْعَزِيز: اقتله، فأبي، فأسمعهما وشتمهما وعجزهما ثُمَّ قَالَ لأبي الزعيزعة «3» البربري مولاه: خذه إليك فاقتله، فجره بالسلسلة فَقَالَ: ارفق ارفق، وأصاب «4» فمه الأرض وجذبه «5» فَقَالَ: فمي فمي فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: اللَّهُمَّ أخزه فَمَا أحمقه يسأل الرفق ويشكو فمه وَهُوَ يجر للقتل، ثُمَّ قَالَ لأبي الزعيزعة: لا أنصرفن من الصلاة إلا وَقَدْ كفيتنيه، فقتله أَبُو (900) الزعيزعة قبل انصرافه، ذبحه ذبحا، فلما انصرف عَبْد الْمَلِك من صلاته أمر برأسه فاحتز ورمي بِهِ إِلَى أَصْحَابه الَّذِينَ حضروا بَاب القصر ومعهم يَحْيَى بْن سَعِيد أخوه، فشد يَحْيَى عَلَى الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك وَهُوَ قائم عَلَى بَاب القصر بالسَيْف، فلما رآه أدبر فضرب بِهِ إليته، فبادر الْوَلِيد فدخل، وأمن «6» عَبْد الْمَلِك النَّاس «7» أسودهم وأبيضهم وَلَمْ يعرض ليحيى فِي ذَلِكَ الوقت ولا لغيره، ودعا النَّاس إِلَى العطاء، ولحق يَحْيَى بْن سَعِيد بمصعب بْن الزُّبَيْر فصار مَعَهُ، فلما رآه مُصْعَب قَالَ: يا يَحْيَى أفلت العير وانحصّ الذنب، قَالَ: إنه لبهلبه «8» .

_ (1) م: فيحمله. (2) هذا مثل، انظر: جمهرة العسكري 1: 34 والميداني 2: 176 (3) س: الزعزعة. (4) م: وأصحب. (5) ط م س: وخديه. (6) س: وأمر، م: وابن. (7) الناس: سقطت من م. (8) فصل المقال: 447 والميداني 2: 12

1134- وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار الدمشقي أَنْبَأَنَا صدقة بن خالد القرشي عن خالد ابن دهقان قَالَ: كَانَ عَمْرو بْن سَعِيد فِي عسكر عَبْد الْمَلِك وَقَدْ فصل من دمشق وَهُوَ يريد العراق فَقَالَ لَهُ: إِن أباك وعدني أَن يجعل لي الأمر بعده فبايع لَك ولعبد الْعَزِيز إِن كَانَ بعدك، فاجعل لي العهد بعدك، فقال له: يا لطيم الشَّيْطَان أَوْ أَنْتَ تصلح للخلافة؟ أَنْتَ ذو كبر وجبن وسرف وعجب وإفك ظاهر، لا ولا كرامة ولا نعمة عين، فانخزل عَنْهُ وأتي دمشق ودعا إِلَى نَفْسه، وَكَانَ سخيًا، فبويع وأغلق أبواب الْمَدِينَة واستعد للحصار، فرجع عَبْد الْمَلِك وترك وجهه ذَلِكَ، فحاصره وجعل يرسل إِلَيْهِ ويعده ويرفق بِهِ ويحلف لَهُ ليولينه عهده، فقبل ذَلِكَ وسكن إِلَيْهِ وخرج إِلَى عَبْد الْمَلِك، فيقال إنه دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي قصر كَانَ فِي عسكره وأَصْحَابه مطيفون «1» بِهِ فقتله من يومه. 1135- قَالَ صدقة، وَقَالَ غَيْر خَالِد بْن دهقان: أَنَّهُ فتح أبواب دمشق لعبد الْمَلِك فدخلها ونزل فِي دار الخلافة، وَكَانَ عَمْرو يركب إِلَيْهِ أيامًا، ثُمَّ إنه جعل فِي عنقه جامعة فَقَالَ لَهُ: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أنشدك اللَّه أَن تخرجني إِلَى النَّاس فِي هذه الجامعة فيروني، وإنما أراد أَن «2» يريه كراهته للخروج، يغريه ذَلِكَ بإخراجه فيخلصه أَصْحَابه، فَقَالَ أمكرًا فِي الجامعة أبا أمية؟ ثُمَّ أمر أبا الزعيزعة «3» بقتله فقتله، وجعل يَحْيَى بْن سَعِيد أخوه ومن كَانَ عَلَى بَاب القصر من أَصْحَابه يقولون: يا أبا أمية مَا خبرك؟ أسمعنا كلامك، فأمر عَبْد الْمَلِك برأسه فاحتز ورمي به اليهم فسكتوا «4» ، ووثب أَصْحَاب عَمْرو «5» عَلَى بَيْت المال بدمشق فانتهبوه فلم يعرض لَهُمْ عَبْد الْمَلِك فِيهِ حَتَّى إِذَا استقام الأمر أخذهم بِهِ فارتجعه وفضل مائة ألف درهم. 1136- قَالَ هِشَام: وسمعت بَعْض مشايخنا يحدث أَن عَبْد الْمَلِك خرج الى الصلاة

_ (1) ط س: مطيفين، م: مصطفين. (2) أن: زيادة من م. (3) ط م: الزعزعة. (4) ط س: فسكنوا. (5) عمرو: إضافة من م.

وأمر أبا الزعيزعة أَن يقتله قبل انصرافه من الصلاة، فلما ابتدأ عَبْد الْمَلِك صلاته ضج أَصْحَاب عَمْرو فَقَالُوا: أخرجوه إلينا، فوضع عَبْد الْمَلِك يده عَلَى أنفه كَأَنَّهُ قَدْ رعف ثُمَّ انسل فدخل القصر، وأمر برأس عمرو فاحتزّ وألقاه الى أصحابه فسكتوا «1» . 1137- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَن الوليد بْن مُسْلِم حَدَّثَنِي رجل من ولد سَعِيد بْن العاص قَالَ: خرج عَبْد الْمَلِك إِلَى صلاة العصر وأقبل يحيى بن سعيد في خلق ينادون: يا أبا أمية أين أَنْتَ؟ اخرج إلينا، أسمعنا كلامك، فراع ذَلِكَ عَبْد الْمَلِك فَقَالَ: مَا أحسبني عَلَى طهر للصلاة، ودخل القصر كَأَنَّهُ يريد الطهور، وإذا عَمْرو مقتول، فأمر برأسه فألقي إِلَى أَصْحَابه والناس، ثُمَّ وضع لَهُمُ المال ودعاهم إِلَى العطاء فسكتوا. 1138- الْمَدَائِنِي عَنْ عَلِي بْن مجاهد عَنْ عَبْد الأعلى بْن ميمون بْن مهران قَالَ) : لما صَالِح عَمْرو بْن سَعِيد عَبْد الْمَلِك دَخَلَ عَبْد الْمَلِك دمشق فأقام بِهَا وعمرو يدخل عَلَيْهِ مكرما، فدخل عَلَيْهِ ذَات يَوْم فكلمه بكلام شديد، فأغلظ لَهُ عَمْرو وَقَالَ: إني لأحق بالخلافة منك فَإِن شئت فافسخ الصلح وأعد الحرب، فأمر (901) بِهِ فجعلت فِي عنقه سلسلة وأوثق بجامعة من فضة، ثُمَّ قَالَ لعبد الْعَزِيز بْن مَرْوَان: قم فاضرب عنقه، فأبي، فَقَالَ لأبي الزعيزعة مولاه: لا أرجعن من الصلاة إلا وَقَدْ قتلته وأرحتني منه، فخرج إِلَى صلاة العصر فلما انصرف وجد أبا الزعيزعة قَدْ ضرب عنقه، فأمر برأسه فِألقي إِلَى أَصْحَابه وكانوا مجتمعين يطلبونه ومعهم يَحْيَى بْن سَعِيد أخوه. 1139- وَقَالَ هِشَام بْن عمار: سمعت من يذكر أَن أبا الزعيزعة أدخل سَيْفه فِي ظهر عَمْرو حَتَّى أَخْرَجَهُ من بطنه ثُمَّ جذبه ففاضت نَفْسه. 1140- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ ابن عياش الهمداني وأبي خبّاب «2» قَالا، قَالَ قَبِيصَة بْن ذؤيب الخزاعي: كنت عند عبد الملك بن مروان أنا

_ (1) ط م س: فسكنوا. (2) ط م: جناب.

وحسان بْن مَالِك بْن بحدل الكلبي وولده وأخواته وأبو الزعيزعة مولاه فجاء الآذن فاستأذن لعمرو بْن سَعِيد، فأذن لَهُ وجعل يَقُول «1» : احذر عدوك أَن يَكُون صديقا ... وإذا هممت بقتله فتمكّن أدنيته منّي ليسكن رعوعه ... فأصول صولة حازم مستمكن غضبا ومحمية لديني إنه «2» ... لَيْسَ المسيء سبيله كالمحسن ثُمَّ التفت «3» إِلَى وإلى حسان فَقَالَ إِن شئتما فقوما، فلما نهضنا وَقَدْ أقبل عَمْرو قَالَ عَبْد الْمَلِك وَهُوَ يتضاحك: يا حسان أَنْتَ أطول من قَبِيصَة، ثُمَّ خرجنا فَقَالَ حسان: هُوَ والله قاتله، إِن عَبْد الْمَلِك رجل لَيْسَ فِي منطقه فضل وإنما مازحنا ليؤنسه ثُمَّ يثب بِهِ. قَالَ: وسلم عَمْرو ثُمَّ جلس مَعَ عَبْد الْمَلِك عَلَى سريره فحادثه ساعة ثم أقبل ابو الزغيزعة فأخذ السَيْف عَنْ عاتقه فَقَالَ: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أيؤخذ سَيْفي؟ فضحك عَبْد الْمَلِك ثُمَّ قَالَ: أَوْ تطمع لا أبا لغيرك أَن تقعد معي بسَيْف بَعْد الَّذِي كَانَ منك؟ فأطرق عَمْرو ثُمَّ قَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِك: يا أبا أمية إني كنت أعطيت اللَّه عهدًا إِن ملأت عيني منك مستمكنا أَن أجمع يديك إِلَى عنقك ثُمَّ أثقلك حديدًا، فَقَالَ عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان: ثُمَّ تصنع ماذا يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ: ثُمَّ أطلقه وَمَا عسيت أَن أصنع بأبي أمية؟ قم يا أبا الزعيزعة فأت بجامعة وقيد، فأتى بهما وكانا قَدْ أعدا لَهُ فصيرهما فِي عنقه ورجليه، فَقَالَ عَمْرو: نشدتك اللَّه يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَن تخرجني فيهما عَلَى رءوس النَّاس، فقال: أو مكرا يا أبا أمية، لعمري مَا أخرجك فيهما ولا أخرجهما منك إلا صعدا، ثُمَّ جذبه أَبُو الزعيزعة جذبة سقط منها عَلَى وجهه فأصابت قائمة السرير ثنيته فانكسرت، فَقَالَ: يا عَبْد الْمَلِك نشدتك اللَّه أَن يدعوك كسر عظم مني إِلَى أَن تركبني «4» بأشد منه، فقال: يا أبا أميّة لو

_ (1) البيتان: 2، 3 في ف: 1145 والبيان 4: 61 وحماسة البحتري رقم: 53 والطبري 2: 795 وابن الأثير 4: 250 والمروج 5: 237 وابن كثير 8: 310 والثاني في اليعقوبي 2: 323 (2) إنه: سقطت من س. (3) قارن باليعقوبي 2: 323 والطبري 2: 787 وابن الأثير 4: 246 والعقد 4: 408 (4) م: توليني.

علمت أَن العرب والعجم يبقون هملا ويصلح أمر قريش فَقَط لفديتك بدم النواظر، ولكنه والله مَا اجتمع فحلان فِي هجمة قط إلا قتل أحدهما صاحبه «1» ، قم يا عَبْد الْعَزِيز فاضرب عنقه، وخرج عَبْد الْمَلِك لصلاة العصر فَإِذَا يَحْيَى بْن سَعِيد قَدْ وافى فِي ألف من مواليه من أهل حمص، فلما أحس بِهِ عَبْد الْمَلِك أمسك أنفه بيده كالرعيف وقدم ابْن أم الحكم الثقفي وَكَانَ خلفه، فصلى ابْن أم الحكم بالناس، ودخل عَبْد الْمَلِك القصر فَقَالَ لعبد الْعَزِيز: مَا صنعت؟ قَالَ: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ناشدني اللَّه والرحم فكرهت قتله، فَقَالَ: أخزى اللَّه أمك البوالة عَلَى عقبيها فإنك لَمْ تشبه غيرها- وكانت أمه ليلى بنت زبان «2» بْن الأصبغ الكلبي- أدنه يا غلام، فأضجع لَهُ ثُمَّ ذبحه بيده بالسَيْف ذبحًا وَهُوَ يَقُول «3» : (902) يا عَمْرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني قَالَ: وانقضت الصلاة وخرج يَحْيَى بْن سَعِيد إِلَى الباب فِي مواليه وأَصْحَابه، فكثر ضجيجهم وجعلوا يقولون: أسمعنا صوتك يا أبا أمية، فخرج إليهم الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك فِي موالي عَبْد الْمَلِك وغيرهم فناوشوهم فأصابته ضربة عَلَى إليته وَذَلِكَ الصحيح- ويقال عَلَى رأسه- فأخذه ابْن أرقم «4» فأدخله بيتا وأجاف عَلَيْهِ الباب، ودخل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أم الحكم من بَاب الْمَسْجِد فقال لعبد الملك: أيّها الرجل مَا صنعت فَقَدْ جل «5» الخطب؟ قَالَ: قتلته، قَالَ: أصاب اللَّه بك الخير والرشد «6» ، فأخذ ابْن أم الحكم الرأس فرمى بِهِ إِلَى أَصْحَاب الأشدق فانكسروا حِينَ يئسوا منه، وأمر عَبْد الْمَلِك ببيت المال ففتح ونادى فِي النَّاس أَن أحضروا أعطياتكم، فأقبل النَّاس وتركوا مَا كَانُوا فِيهِ. ووضع لعبد الْمَلِك سرير فخرج فجلس عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول: أين الْوَلِيد والله لئن كانوا أصابوه

_ (1) قارن بما في البصائر 1: 21 (2) ط م س: زياد، وسترد «زبان» في الورقة 507 ب (من س) . (3) انظر ف: 1142 والنقائض: 387، 762 والشعر والشعراء: 597 والكامل 1: 374 والمفضليات: 321 والعقد 1: 328 والطبري 2: 791 وابن الأثير 4: 248 والأغاني 3: 108 (والبيت لذي الاصبع العدواني) . (4) الطبري: ابراهيم بن عربي. (5) ط س: حلّ. (6) م: خيرا ورشدا.

لَقَدْ أدركوا ثأرهم، فأخبر بمكانه وأنه لَمْ يصب فأمسك «1» ، وأمر عَبْد الْمَلِك فنودي: من أتى بيحيى بْن سَعِيد أَوْ بأحد من ولد سَعِيد فله ألف دِينَار فأخذوا جميعا من ساعتهم فأمر بإشخاصهم إِلَى الكوفة فصار يَحْيَى مَعَ مُصْعَب بْن الزُّبَيْر. 1141- الْمَدَائِنِي عَنْ سحيم بْن حفص قَالَ: انتدب قوم يقاتلون عَنْ عَمْرو بْن سَعِيد فبعث إليهم عَبْد الْمَلِك قومًا فقاتلوهم وعليهم خَالِد بْن الحكم بْن أَبِي العاص. 1142- قَالُوا: وَقَالَ عوانة بْن الحكم: كَانَ عَبْد الْمَلِك يتمثل قبل قتل عَمْرو. يا عَمْرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حَتَّى تقول الهامة اسقوني 1143- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بن هشام الكلبي عن أبيه عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ بلغه قتل عَبْد الْمَلِك عمرًا الأشدق فَقَالَ: أيها النَّاس إِن عَبْد الْمَلِك قتل ابْن عمه وابن عمته بَعْد أَن آمنه «2» فلا تأمنوه ولا تصدقوه. قَالُوا: وَكَانَ ابْن الحنفية قَدْ شخص يريد عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان، فلما بلغه قتله عمرا بَعْد الَّذِي أعطاه من المواثيق استوحش فانصرف إِلَى الحجاز. 1144- وَقَالَ يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص، ويقال بشر بْن مَرْوَان: أعيني جودا بالدموع عَلَى عَمْرو ... عشية شددنا الخلافة بالغدر «3» كَانَ بَنِي مَرْوَان إذ يقتلونه ... بغاث من الطير اجتمعن عَلَى صقر فرحنا وراح الشامتون بنعشه ... كأن على أكتافها فلق الصخر

_ 1141- سيرد في الورقة: 505 ب (من س) . 1142- انظر ما سبق ف: 1140 1144- شعر يحيى بن الحكم أو بشر في المروج 6: 218- 219، والأبيات 2، 3، 5 في الأخبار الطوال: 295 والثاني في الحيوان 6: 315 وحماسة البحتري رقم: 713 (وتنسب في المروج لأخت عمرو) . اما الأول من بيتي يحيى بن سعيد فهو في حماسة البحتري والمروج والأخبار الطوال، والثاني يرد في الورقة 512 ب.

لحا اللَّه دنيا تدخل النار أهلها ... وتهتك مَا دُونَ المحارم من ستر وَمَا كَانَ عمرو عاجزا غير أنه ... أتته المنايا بغتة وَهُوَ لا يدري وَقَالَ يَحْيَى بْن سَعِيد أَخُو الأشدق: غدرتم بعمرو يا بَنِي خيط باطل ... ومثلكم «1» يبني البيوت عَلَى الغدر وددت وَبَيْت اللَّه أني فديته ... وعبد الْعَزِيز يَوْم يضرب فِي الخمر وَكَانَ مُصْعَب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف ضرب عَبْد الْعَزِيز فِي شراب، ويقال بَل حدة عَمْرو بْن سَعِيد. 1145- وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن أبيه عن أشياخه قَالَ: بايع عَبْد الْمَلِك أهل الشام والجزيرة إلا زفر بْن الْحَارِث الكلابي فَإِنَّهُ غلب عَلَى قرقيسياء وتحصن بِهَا، فخرج إِلَيْهِ (903) عَبْد الْمَلِك وخلف بعقبه عمرًا الأشدق، فغلب عَلَى دمشق وأغلق أبوابها وأعطى أهلها عطايا كثيرة، فرجع عَبْد الْمَلِك حِينَ أتاه الْخَبَر، فأغلق عَمْرو أبواب الْمَدِينَة وتحصن، فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِك: إنك قَدْ أفسدت أمر أهل بيتك وأطمعت فيهم عدوّهم (و) فيما صنعت قوة لابن الزُّبَيْر، أرجع إِلَى بيعتك وطاعتك، فإني اجعل لَك العهد وأنفذ كُل مَا أعطيت من الأَمْوَالِ، فرضي وفتح الأبواب ودخل عبد الملك المدينة، ومع عمرو خمسمائة رجل ينزلون حيث نزل، فَقَالَ عَبْد الْمَلِك لحاجبه: ويحك أتستطيع إِذَا جاء عَمْرو بْن سَعِيد أَن تغلق الباب دُونَ أَصْحَابه؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فأفعل، وَكَانَ عَمْرو عظيم الكبر لا يرى لأحد عَلَيْهِ فضلًا ولا يلتفت إِذَا مشى، فلما جاء فتح لَهُ الحاجب، وأعوانه بالباب دُونَ أَصْحَاب عَمْرو، ومضى وَهُوَ لا يلتفت وَهُوَ يظن أَن أَصْحَابه قَدْ دخلوا مَعَهُ كعادتهم، فعاتبه عَبْد الْمَلِك طويلًا وَكَانَ قَدْ أوصى أبا الزعيزعة صاحب شرطه أَن يضرب عنقه، فكلمه عَبْد الْمَلِك فأغلظ لَهُ فَقَالَ لعبد الْمَلِك: أتستطيل عَلِي كأنك ترى أَن لَك عَلِي فضلا، إِن شئت

_ 1145- المروج 5: 234

1146 - ومن ولد سعيد بن العاص سوى الأشدق: يحيى بن سعيد

نقضت العهد بيني وبينك ثُمَّ نصبت لَك الحرب، فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: فَقَدْ شئت، فَقَالَ عَمْرو: قَدْ فعلت، ثُمَّ قَالَ عَبْد الْمَلِك: يا أبا الزعيزعة شأنك بِهِ، فنظر عَمْرو فَإِذَا لَيْسَ أَصْحَابه فِي الدار، فسقط فِي يده، فدنا من عَبْد الْمَلِك فَقَالَ: وَمَا يدنيك مني؟ قَالَ: أستعطفك بِمَا بَيْنَ الرحم والقرابة، فَقَالَ لأبي الزعيزعة: إيه، فقتله أَبُو الزعيزعة فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: ارموا برأسه إِلَى أَصْحَابه، فلما رأوه تفرقوا، وخطب عَبْد الْمَلِك فذكر عمرا وشقاقه وَمَا جنى بعقوقه ومروقه وادعائه مَا لَيْسَ لَهُ حَتَّى قتله، وأنشد «1» : أدنيته منى ليسكن نفره ... وأصول صولة حازم مستمكن غضبا ومحمية لديني إنه ... لَيْسَ المسيء سبيله كالمحسن وَكَانَ «2» عَبْد الْمَلِك إِذَا توعد «3» رجلا قَالَ: إِن جامعة عَمْرو عندي، والله لا يدخل فِيهَا عنق رجل فيخرج منها إلا صعدا، وَقَالَ هذه المقالة فِي خطبته بالكوفة. 1146- ومن ولد سَعِيد بْن العاص سِوَى الأشدق: يَحْيَى بْن سَعِيد ويكنى أبا أيوب، وَهُوَ الَّذِي ضرب الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك ولحق بمصعب، فكان عَبْد الْمَلِك مغيظا عَلَيْهِ، فلما قتل مُصْعَب آمن النَّاس كلهم إلا نفرًا يَحْيَى أحدهم ثُمَّ كلم فِيهِ فتركه، وولده بالكوفة وواسط. 1147- قَالَ هِشَام ابن الكلبي: لما ولد يَحْيَى بْن سَعِيد استرضع في بَنِي كنانة، فأتاه قوم من كنانة فِي حمالة فمتوا «4» إِلَيْهِ بالرضاع فلم يصنع بِهِمْ خيرًا، فَقَالَ بَعْضهم «5» : وربتك منا كهلة نوفلية ... لَهَا فِي بَنِي الديل الكرام عروق رأيت أبا أيّوب للصهر منكرا ... وما أنت يا يحيى لذاك خليق

_ (1) انظر ما تقدم ف: 1140 (2) البيان 2: 244 والورقة 561 ب (من س) . (3) س: تواعد. (4) س: فمنوا، م: فمثوا. (5) الأبيات في م بترتيب: 3، 1، 2

1148 - ومن ولد يحيى بن سعيد هذا (904)

غذوناك يا يحيى فكان جزاءنا ... لَك الخير فيكم جفوة وعقوق فاعتذر وقضى حاجتهم «1» . 1148- ومن ولد يَحْيَى بْن سَعِيد هَذَا (904) عنبسة بْن يَحْيَى الَّذِي يَقُول فِيهِ الشاعر العدواني «2» : إِذَا مَا جئت عنبسة بْن يَحْيَى ... رجعت مقلدًا خفي حنين يظنك حِينَ تطلبه لأكل ... غريما جاء يطلبه بدين فَمَا هُوَ بالمؤمل من قريش ... ولا هُوَ فِي بَنِي العاصي بزين 1149- وسعيد بْن يَحْيَى بْن سَعِيد وولده فِي جعفي وَكَانَ شريفًا، وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي عن علي بن مجاهد عن عبد الأعلى بْن ميمون بْن مهران قَالَ: حبس عَبْد الْمَلِك سَعِيد بْن يَحْيَى بْن سَعِيد أربعين يومًا ثُمَّ دعا بِهِ وعنده رجال من خاصته فشاورهم فِي قتله فَقَالَ بَعْضهم: اقتله، وَقَالَ بَعْضهم: لا تقتله، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن مسعدة الفزاري: إِن لَهُ يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ رحما وقرابة، والعفو أقرب للتقوى، وأنت أحق بالفضل، فمن عَلَيْهِ وسيره إِلَى عدوك تكف أمره بخيل من خيلك، فلحق بعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر فَقَالَ لَهُ: الحق بمصعب. 1150- ومحمد بْن سَعِيد بْن العاص وولده بالشام وأمه أم الأشدق. 1151- وعبد اللَّه بْن سَعِيد وولده بالكوفة وواسط وهو الَّذِي مدحه الأخطل فَقَالَ «3» : فمن يك سائلا ببني سعيد ... فعبد الله أكبرهم نصابا

_ 1149- قارن بالطبري 2: 792

1152 - وعنبسة بن سعيد بن العاص:

أيجمع «1» نوفلا وَبَنِي عكب «2» ... كلا الحيين أفلح من أصابا فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: كذب الأخطل، عُثْمَان بْن سَعِيد أكبرهم نصابا. وأم عُثْمَان بْن سَعِيد ابنة عُثْمَان بْن عَفَّان وولده بالكوفة، وأم عَبْد اللَّهِ «3» بنت جُبَيْر بْن مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف، وأم أمه من بَنِي عكب من بَنِي تغلب «4» . 1152- وعنبسة بْن سَعِيد بْن العاص: وَكَانَ أثيرًا عِنْدَ الْحَجَّاج وَلَمْ يزل مَعَهُ لا يفارقه، وأمه أمة يقال لَهَا عصماء، وولده بالمدينة والكوفة، وبقي بَعْد الْحَجَّاج وَمَاتَ وَقَدْ هرم، ويكنى أبا خَالِد. 1153- قَالُوا: ولما ولد عنبسة قَالَ سَعِيد ليحيى ابنه: انحله قَالَ: وَمَا انحله وَهُوَ ابْن أمة؟ فنحله دجاجة فَقَالَ سَعِيد: لئن صدق القائل ليكونن «5» أكثرهم ولدا. 1154- ومن ولد عنبسة عَبْد اللَّهِ بْن عنبسة، وَكَانَ بمكة قبل أَيَّام دَاوُد بْن عَلِي وَهُوَ والي الحجاز، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عنبسة بْن سَعِيد كَانَ شريفًا بالكوفة. 1155- وأبان بْن سَعِيد بْن العاص بْن (أَبِي) أحيحة: كَانَ «6» ينزل أيلة للعزلة فخطب عَائِشَة ابنة عُثْمَان «7» بْن عَفَّان فَقَالَتْ: مَا أنزله أيلة الّا سقوطه وتمثّلت: مقيم بجحر الضبّ لا أنت ضائر ... عدوّا ولا مستنفعا أنت نافع

_ 1153- ربيع الأبرار: 295/ أ. 1155- الحيوان 6: 104- 105 والبيان 3: 300 وحماسة البحتري رقم: 1123 والأغاني 11: 182

1156 - وعبد الرحمن بن سعيد:

وَلَهُ يَقُول عَبْد اللَّهِ بْن عنبسة بْن سَعِيد وَهُوَ ابْن أخيه: أتركت طيبة رغبة عَنْ أهلها ... ونزلت منتبذًا بدير القنفذ «1» فأجابه: أوطنت أرضًا برها كترابها ... والفقر معدنه بقصر الجنبذ «2» (905) وولد أبان «3» بالكوفة. 1156- وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن سعيد: كان ابنه سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد مع يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة وفيه يَقُول خلف بْن خليفة: وَأَمَّا سَعِيد إِذَا مَا مشى ... فحبلى تراد لَهَا قابله وَكَانَ عظيم البطن وقتل مَعَ ابْن هبيرة. وَكَانَ لعنبسة بْن سَعِيد ابْن يقال لَهُ الْحَجَّاج بْن عنبسة سماه الْحَجَّاج باسمه فآمنه الْمَنْصُور، وَلَهُ عقب. 1157- ومن بَنِي عَمْرو الأشدق: موسى بْن عَمْرو «4» الَّذِي يَقُول فِيهِ ابْن قنيع النصري «5» : وكلّ بَنِي العاصي حمدت عطاءه ... وإني لموسى فِي العطاء للائم وليس بمعط نائلا وَهُوَ قاعد ... وحسبك من بخل امرئ وَهُوَ قائم فَإِن يك من قوم كرام فَإِنَّهُ ... ذنابى أبت أن تستوي والقوادم فزعموا أَن خَالِد بْن سَعِيد قَالَ: والله مَا أعطى أحد خيرًا قط حَتَّى يقعد.

_ (1) س: بدين القنفذ، ط م: العنقذ. (2) البكري: بباب الجنبذ. (3) س: وولده. (4) زاد في م: الاشدق، وقد رمج عليها في ط. (5) ط م س: ابن قبيع البصري.

1158 - ومنهم اسماعيل بن عمرو بن سعيد وهو صاحب الأعوص

1158- وَمِنْهُم إِسْمَاعِيل «1» بْن عَمْرو بْن سَعِيد وَهُوَ صاحب الأعوص «2» الَّذِي قَالَ فِيهِ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز: لو أَن لي من الأمر شَيْئًا لوليت صاحب الأعوص «3» . 1159- وَمِنْهُم إِسْمَاعِيل بْن أمية بْن عَمْرو الأشدق الفقيه وَكَانَ بمكة. 1160- وسعيد بْن عَمْرو الأشدق وَكَانَ أعلم قريش بالكوفة وولده بِهَا، وفيه يَقُول دَاوُد بْن متمّم بن نويرة: إن تجفني بشر بْن مَرْوَان يكفني ... سَعِيد بْن عَمْرو ذو الندى ابْن سَعِيد فتى وجد الخيرات قَدْ قُدِّمَت لَهُ ... مساعي أباء لَهُ وجدود 1161- وعمرو بْن أمية بْن عَمْرو بْن سَعِيد الشاعر. 1162- وزعم أَبُو اليقظان: أَن معيقيب بْن أَبِي فاطمة الدوسي كَانَ مولى أَوْ حليفا لأبي أحيحة وكانت لَهُ صحبة وَكَانَ بِهِ جذام، وَكَانَ لسعيد بْن العاص مولى لَهُ يقال لَهُ أَبُو رافع، وَلَهُ ابْن يقال لَهُ رافع، وَلَهُ ابْن يقال لَهُ عبيد اللَّه، وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق رافعًا فكان يدعي ولاء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضربه الأشدق بالسياط حَتَّى قَالَ: أنا مولاك، وَقَدْ ذَكَرْنَا خبره فِي موالي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قتل الأشدق قَالَ عبيد اللَّه بْن أَبِي رافع: صحت ولا شلت وضرت عدوها ... يمين هراقت مهجة ابْن سَعِيد وجدت ابْن مَرْوَان الرشيد فعاله ... أبيا حديد العزم غَيْر بليد هُوَ ابْن أَبِي العاصي قرارًا «4» وينتمي ... الى عصبة طابت له وجدود

_ 1158- قارن بالبكري (الأعوص) وابن عساكر 3: 38 والتهذيب 1: 320 1160- الورقة: 1061 ب (من النسخة س) . 1162- قارن بالطبري 1: 1778 وانظر أيضا ف: 1102، وأبيات عبيد الله بن رافع في ابن كثير 8: 310، والبيتان 1، 3 في الطبري 1: 1779 (واسم الشاعر البهيّ بن أبي رافع أخي عبيد الله، والبيت الأول في فوات الوفيات 2: 404

1163 - وولد ابو العيص بن أمية:

1163- وولد أَبُو العيص بْن أمية: أسيد بْن أَبِي العيص، أمه أروي بنت أسيد بْن علاج الثقفي، وأمها صفية بنت وهب بْن الْحَارِث بْن زهرة، وكانت أم أسيد الثقفي سوداء، فكان أَبُو سُفْيَان وولده يسبون بالسواد، وأروي بنت أَبِي العيص أمها رقية مخزومية فتزوج أروي أَبُو جهل بْن هِشَام، وعمي أسيد بْن أَبِي العيص وَلَمْ يدرك الإِسْلام. 1164- فمن ولد أسيد أَبِي العيص: عتاب بْن أسيد بْن أَبِي العيص، أسلم يَوْم فتح مَكَّة فحسن إسلامه واستعمله رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مكة فقال «1» : يا رَسُول اللَّهِ أصحبك وأكون معك، فَقَالَ له: أو ما ترضي بأن استعملتك عَلِي أهل اللَّه، فلم يزل عَلَيْهَا (906) حَتَّى قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولاه رَسُول اللَّهِ الطائف أيضًا، وأمره أَن يخرص أعناب ثقيف كخرص النخل، ولما استخلف أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عنه أقرّه خلافته كلها، فماتا جميعا لَمْ يعلم واحد منهما بموت صاحبه. ولما حضرت عتّابا الوفاة استخلف محرز «2» بْن حارثة بْن ربيعة بْنِ عَبْدِ العزى بْن عَبْد شمس فأقره عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه، وَقَالَ الهيثم بْن عدي: بقي عتاب إِلَى خلافة عُمَر وَمَاتَ بمكة وَذَلِكَ وَهُمْ، وَقَالَ مُصْعَب بْن عَبْد اللَّهِ الزبيري: جاء نعي أَبِي بكر حين توفّي عتّاب. 1165- وحدثني عُمَر بْن شبة عَنْ أَبِي عَاصِم النبيل عَنْ خَالِد بْن أَبِي عُثْمَان قَالَ، قَالَ عتّاب بن أسيد: ما أصبت من عملي إلا ثوبين معقدين كسوتهما غلامي كيسان. 1166- وولد عتاب بْن أسيد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب، وأمه جويرية بنت أَبِي جهل، وأمها أروي بنت أَبِي العيص، وَكَانَ من رجال قريش، وشهد الجمل مَعَ عَائِشَة فقتل فمر بِهِ عَلِي بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام فَقَالَ: [هَذَا يعسوب قريش،] ويقال إِن كفه قطعت فاحتملها عقاب فأصيبت ذَلِكَ اليوم بحجر من اليمامة، فعرفت بخاتمه.

_ (1) ط: فقال له. (2) ط م س: محمد، وخ بهامش ط س: محرز.

1169 - ومن ولد عتاب بن أسيد حليلان وهو عتاب بن عتاب بن سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أمية،

1167- وَكَانَ لعَبْد الرَّحْمَنِ هَذَا ابْن يقال لَهُ سَعِيد ويلقب الطرس لسواده، وفيه يَقُول عبيد «1» بْن حصين الراعي «2» : أبلغ سَعِيد بْن عتاب مغلغلة ... إِن لَمْ تغلك «3» بأرض دونه غول وَكَانَ معبد بْن علقمة المازني عنده فخرج فوجد سرجه مكسورًا فلم يعطه سرجًا مكانه فقال: ألا لا فابلغا ابْن أَبِي سَعِيد ... جزاه اللَّه شرًا من عميد فلو فِي دار طَلْحَة دق سرجي ... لاداني عَلَى سرج جديد وَمَا اعروريت تَحْتَ الليل لبدا ... عَلَى بغل وسيساء «4» حديد يقال اعروريت الدابّة: إذا ركبتها عريا. 1168- ومن ولده أمّ الحلاس «5» بنت سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب، وأمها من تيم قريش تزوجها الْحَجَّاج بْن يُوسُف الثقفي. 1169- ومن ولد عتاب بْن أسيد حليلان وهو عتّاب بن عتاب بْن سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب بْن أسيد بْن أمية «6» ، وأمه أمة، وَكَانَ من فتيان أهل البصرة، وَكَانَ صاحب حمام وصيد ولهو وشرب ينتابه الفتيان والمغنون وأَصْحَاب الشطرنج والنرد، واستشهده رجل عَلَى رجل بمال فدعاه إِلَى الشهادة عِنْدَ سوار بْن عَبْد اللَّهِ العنبري قَاضِي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور بالبصرة، فخاف إلا يجيز شهادته، فغرم المال افتداء من الشهادة، وَكَانَ ذا يسار وسخاء يصوغ الغناء ويتغنى للناس أيضا، وكان للحليلان ابْن يقال لَهُ سَعِيد صاحب نبيذ وَكَانَ حسن المذهب سخيّا.

_ (1) ط م س: عبيدة. (2) ابن عساكر 6: 151 وديوان الراعي: 115 والنسب للمصعب: 196 (3) م: تغلل. (4) السيساء: الظهر من الحمار أو البغل. (5) ط م: الجلاس. (6) الصواب: ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية.

1171 - فولد خالد بن أسيد

1170- وكانت كنية عتاب بْن أسيد أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وأمه وأم خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص زينب بنت أَبِي عَمْرو بْن أمية، وأسلم خَالِد بَعْد «1» فتح مَكَّة وتوفي بمكة، ويقال أَنَّهُ استشهد باليمامة، ويزعم قوم «2» [أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بِهِ فسلم عَلَيْهِ فلم يرد فَقَالَ: اللَّهُمَّ جنبهم النصر وألزمهم العجز،] فلم يلق (907) أحد من ولده أحدًا إلا هزمه العدو. 1171- فولد خَالِد بْن أسيد أمية بْن خَالِد، وعبد اللَّه بْن خَالِد، وأبا عُثْمَان. 1172- فأما عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد فكان ذا قدر، ولاه زياد أردشير خرّه من فارس، ويقال ولاه فارس بأسرها، ووهب له ابنة جوانبوذان بن المكعبر «3» فولدت له الْحَارِث بْن عَبْد اللَّهِ، وكتب زِيَاد إِلَى مُعَاوِيَة وعبد اللَّه بْن خَالِد عنده أَن ابعث إِلَى رجلا من قريش يَكُون بقربي فَإِن حدث بي حدث استخلفته، فكتب إِلَيْهِ: اختر من شئت، فاختار عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد، فكان عِنْدَ زِيَاد وَهُوَ صلى عَلَيْهِ حِينَ مَاتَ، وجعله خليفته فلم يزل قائمًا بعمله حَتَّى قدم الضحاك بْن قَيْس الفهري واليا عَلِي الكوفة، فلعبد اللَّه بْن خَالِد يقول قنيع النصري «4» : وأنت كريم من لؤي بْن غالب ... وقومك أقوام وأنت شريف 1173- فولد عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد أمية بْن عَبْد اللَّهِ، وخالد بْن عَبْد اللَّهِ، وعَبْد الرَّحْمَنِ، وأمهم بنت شيبة بْن عُثْمَان العبدري يقال لَهَا أم حجر «5» ، وعبد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ، وعبد الْمَلِك بْن عَبْد اللَّهِ، وأمهما أم حبيب بنت جُبَيْر بْن مطعم «6» ، وعمران، والقاسم، وعمر، ومحمدًا، والمخارق، والحصين، وأبا عُثْمَان لأمّهات أولاد شتّى.

_ (1) م: يوم. (2) وردت في الاصابة 2: 86 (نقلا عن البلاذري) وانظر الورقة: 786/ أ (من النسخة س) . (3) م: المعكبر. (4) ط م: قبيع البصري. (5) ابن سعد (5: 347، 352) : أم حجير. (6) وأمهما ... مطعم: سقط من م وهو بهامش ط.

1174 - فأما أمية بن عبد الله بن خالد

1174- فأما أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد فكان يكنى أبا عَبْد اللَّهِ، استعمله زِيَاد على السوس ثم على الأبلّة وكور دجلة، وزوّجه رملة بنت زِيَاد، وَكَانَ أمية جوادًا، فتوجه إِلَى أَبِي فديك عَبْد اللَّهِ بْن ثور «1» الخارجي وَهُوَ بالبحرين، ففر أَبُو فديك، فَقَالَ الفرزدق «2» : جاءوا عَلَى الريح أَوْ طاروا بأجنحة ... ساروا ثلاثا إِلَى الجلحاء «3» من هجرا 1175- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ عمه مُصْعَب بْن زَيْد ومحمد بْن أَبِي عُيَيْنَة قَالا: خرج أَبُو فديك بالبحرين فلقيه أمية بْن عَبْد اللَّهِ فهزم، فركب أمية فرسا لَهُ جوادا كَانَ يقال لَهُ المهرجان فدخل البصرة عَلَيْهِ فِي ليلتين، فَقَالَ يوما وَهُوَ بالبصرة: لَقَدْ سرت عَلَى المهرجان إِلَى البصرة فدخلتها فِي ليلتين، فَقَالَ بَعْضهم: هَذَا المهرجان فلو ركبت النوروز لَمْ تسر إلا ليلة حَتَّى تدخلها. 1176- وَحَدَّثَنَا خلف وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُصْعَب بْن زَيْد وغيره أَن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ قدم البصرة فتجهز لقتال الحرورية ثُمَّ خرج إليهم وَهُمْ بنهر تيري «4» ، وَكَانَ بإزائه قطري، وخرج أَبُو فديك بالبحرين، فبعث إِلَيْهِ خَالِد أخاه أمية فهزم، فبعث عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر فقتله، ثُمَّ استعمل عَبْد الْمَلِك أمية عَلَى خراسان فمكث عَلَيْهَا حينًا ثُمَّ أتى دمشق فمات بِهَا، وصلى عَلَيْهِ عَبْد الْمَلِك وَقَالَ: أما إني أعلم أنّ بقائي بعده قليل. 1177- وَكَانَ أمية ولى ابنه عَبْد اللَّهِ بْن أمية سجستان فَقَالَ أَبُو حزابة «5» :

_ 1175- قارن بالعقد 1: 141- 143

إنّي وإن كنت كبيرا نازحا ... يطّرح الفقر «1» بي المطارحا ألقي من الغرام «2» برحا بارحا ... لمادح إني كفى بي مادحا (908) من لَمْ أجد فِي العرض منه قادحا ... إِن لعبد اللَّه وجها واضحا ونسبا فِي الصالحين صالحا ... النافحين بالندى المنافحا وخرج عَبْد اللَّهِ بْن أمية مَعَ ابْن الأشعث فامنه الْحَجَّاج وبعث بِهِ إِلَى عَبْد الْمَلِك، فلما دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: ويلك أخرجت مَعَ ابْن الأشعث؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مثلي ومثلك قَوْل الشاعر: إِذَا نزوات الحب أحدثن بيننا ... عتابا تراجعنا وعاد العواطف فَقَالَ لَهُ: كذبت يا أحمق، وعفا عَنْهُ. 1178- وولد لعبد اللَّه بْن أمية عَبْد اللَّهِ، أمه ابنة «3» ضرار بْن القعقاع، وأبو عُثْمَان، وإبراهيم، وعبد العظيم. 1179- وَكَانَ عَبْد العظيم فاضلًا ناسكًا، وذكروا أَنَّهُ سأل الْحَسَن البصري عَنْ لعب الشطرنج فَقَالَ: لا بأس مَا لَمْ تحلفوا عَلَيْهَا، وتزوج مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن عَلِي ابنته نهية «4» ثُمَّ خلف عَلَيْهَا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان وماتت عنده. 1180- وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن أمية بْن خَالِد بْن أسيد ولي البصرة، وَذَلِكَ أَن أهلها اصطلحوا عَلَيْهِ حِينَ قتل الْوَلِيد بْن يَزِيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِك وهرب القاسم بْن مُحَمَّد الثقفي عامل يُوسُف بْن عُمَر عَلَيْهَا، وَهُوَ القائل: مَا قريش بمنكرين إذا ما ... قلت إنّي كريمها وفتاها

_ (1) هذه هي قراءة م، وفي ط: القفر، س: الفتو. (2) الضبط من ط م، أي الدائنون، وقد تقرأ كذلك في س. (3) م: بنت. (4) م: بهية، وقد أعجمت الباء في ط بواحدة من فوق وواحدة من تحت.

وأقره عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَلَى البصرة، ويقال إنه كَانَ المتولى لحفر نهر عبد الله ابن عُمَر بالبصرة «1» ، ثُمَّ ضعف أمره لأنه لَمْ يكن مَعَهُ جند فولى عَمْرو «2» بْن سهيل بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان البصرة وعزله «3» ، وَكَانَ ابْن أَبِي عُثْمَان هَذَا يشذ «4» حِينَ اصطلحوا عَلَيْهِ فِي كُل أَيَّام ساعة فيصير إِلَى منزله فيأتيه وجوه أهل البصرة فيردونه. 1181- وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ ابْن عياش أَن أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد قَالَ لأبيه: والله مَا عندك شَيْء أقوى بِهِ، وَقَدْ أردت التزويج، وَمَا أظنني «5» إلا سآتي زيادا فأخطب إليه، فقال: يا بني والله ما أحب أن تخلط سمنك بإهالته، قال: فرحل إِلَى زِيَاد وَهُوَ بالبصرة فَقَالَ: يا ابْن أخي مَا أقدمك؟ قَالَ: لتصلني وتزوجني، قَالَ: نعم ونعمة عين، فزوجه آمنة بنت زِيَاد، ثُمَّ دعا كاتبه عَلَى الخراج فَقَالَ: اطلب لَهُ كورة يعيش بِهَا مرتفعة عَنْ عمق السواد متنحية عَنْ حزونة الجبال وبردها، فقال الكاتب: السوس، فولّاه إيّاها فَقَالَ أمية: والله مَا كنت أفرش إلا الخز ولا أستشعر إلا بِهِ ولا أشرب «6» إلا السكر، ولقد عزلت عنها وما أظن أحدًا يلبس إلا الخز ولا يأكل إلا السكّر، ثم ولّاه كور دجلة، وولاه عَبْد الْمَلِك خراسان ثُمَّ عزله وضم خراسان إِلَى الْحَجَّاج. 1182- وَحَدَّثَنِي عَلِي بْن المغيرة الأثرم عَنْ مَعْمَر بْن المثنى قَالَ: كانت عِنْدَ عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد أم حجر الحجبية وكانت موسرة، فضاق عَبْد اللَّهِ ضيقًا شديدًا فَقَالَ لأم حجر: إني خارج إِلَى مُعَاوِيَة فاصحبيني جارية تخدمني، فأصحبته جارية لَهَا فزانية «7» سوداء، فخرج إِلَى مُعَاوِيَة وَهِيَ مَعَهُ، فوصله مُعَاوِيَة وأسنى له العطيّة، فانصرف

_ 1181- راجع ف: 495 في ما تقدم.

خبر يوم الجفرة بالبصرة في سنة تسع وستين:

إِلَى منزله وبالجارية حبل، فسألتها أم حجر عَنْ حبلها فَقَالَتْ: هُوَ من عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: والله مَا وطئتها قط، أَوْ مثلي يطأ مثلها؟ وحلف عَلَى كذبها، فولدت غلامًا فسمي رشيدًا فكان يخدمهم، وَمَاتَ عَبْد اللَّهِ وبلغ رشيد أربعين سنة فأعتقته أم حجر فاكتنى أبا عُثْمَان وادعى أَنَّهُ ابْن عَبْد اللَّهِ (909) بْن خَالِد. وأمر عَبْد الأعلى بْن أَبِي عُثْمَان لخلف الأقطع بشيء وَلَمْ ينفذه فَقَالَ: أراك إِذَا هممت بفعل خير ... هممت لدفع ذاك بأمر شر أبت لَك ذاك أمات ثَلاث ... من الأحبوش هن لشر نجر وَلَمْ يعتق أبوك من اعتباد «1» ... أَبُو «2» عُثْمَان إلا بَعْد دهر ألم تك أمه أمة لكاعا ... من الفزان «3» قينة أم حجر تعممت الخبيث عَلَى اعتداء ... بلا إذن الحليلة أَوْ بمهر وأبو عُثْمَان جد الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الشوارب عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد قاضي «4» سرّمن رأى. خبر يوم الجفرة «5» بالبصرة في سنة تسع وستين: كَانَ يقال لَهَا جفرة نَافِع ثُمَّ «6» سميت جفرة خَالِد. 1183- قَالُوا: وَأَمَّا خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد فكان جوادًا، ويكنى أبا سَعِيد، وَكَانَ بالشام مَعَ عَبْد الْمَلِك يحبه ويستصحبه. 1184- فحدثني عَبَّاس «7» بْن هِشَام عن أبيه عن أَبِي مخنف بإسناده أنّ خالدا قال

_ (1) ط م س: اعتياد. (2) ط م: أبا. (3) ط س: القزّان. (4) فوقها في م: كذا. (5) س: الحفرة. (6) ثم: سقطت من س. (7) ط س م: عامر.

لعبد الْمَلِك: وجهني إِلَى البصرة فِي جَمَاعَة من أهل الشام آخذها لَك وأدعو النَّاس إِلَى طاعتك، فَقَالَ لَهُ: اذهب بكتبي إِلَى وجوه أهلها وامض مستخفيا، وأنا متبعك جندًا كثيفًا مَعَ رجل أثق بِهِ، فسار خَالِد حَتَّى دخلها وعليها من قبل مُصْعَب بْن الزُّبَيْرِ عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر القرشي ثُمَّ التيمي، وجهه إِلَيْهَا من الكوفة عِنْدَ مقتل المختار بْن أَبِي عبيد، وَكَانَ صاحب شرطته عباد بْن الحصين الحبطي من بَنِي تميم، وَكَانَ مُصْعَب يستخلفه عَلَيْهَا ويوليه تدبير الأمر فِيهَا إِذَا حضرها أَوْ غاب عَنْهَا، فنزل خَالِد عَلَى عَلِي بْن أصمع الباهلي، فعجز عَلِي عَنِ الذب عَنْهُ ومنعه من عباد إِن أراده، فدله عَلَى مَالِك بْن مسمع بْن شهاب أحد بَنِي جحدر «1» بْن ضبيعة بْن قيس بْن ثعلبة بْن عكابة، فأتى مالكًا فاستجار بِهِ وأوصل إِلَيْهِ كتابًا من عَبْد الْمَلِك، فسره مَا وعده فيه ومنّاه فأجاره، وبعث إلى من يثق بِهِ من أهل البصرة مِمَّن كتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان وغيرهم، فأتاه زِيَاد بْن عَمْرو «2» العتكي فِي الأزد إلا آل المهلب، ووافته خيول بَكْر بْن وائل إلا آل شقيق بْن ثور السدوسي، واجتمعت إِلَيْهِ شيعة بَنِي أمية من العثمانية، وأتاه صعصعة بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف وَكَانَ مِمَّن كتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِك، وأتاه عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة، ثُمَّ قدم عَلَيْهِ عبيد اللَّه بْن زِيَاد بْن ظبيان من الشام فِي جيش سرحه مَعَهُ عَبْد الْمَلِك إِلَى خَالِد كَمَا وعده، وَكَانَ عبيد اللَّه بْن زِيَاد بْن ظبيان قَدْ خلع مصعبًا ولحق بعبد الْمَلِك بْن مَرْوَان لأن مصعبًا قتل أخاه النابئ بْن زِيَاد فكان حنقًا عَلَيْهِ، فسأل عَبْد الْمَلِك أَن يَكُون الَّذِي يوجهه إِلَى العراق لمحاربته، فسرحه إِلَى خَالِد بِذَلِكَ الجيش وأمره أَن يسمع لَهُ ويطيع، فاجتمعوا بالجفرة الَّتِي تعرف بجفرة «3» خَالِد، وزحف إليهم عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر فِي الزبيرية ومن مَعَهُ من أهل البصرة فاقتتلوا أشد قتال وأبرحه، وفقئت عين مَالِك بْن مسمع يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ إِن الْقَوْم كرهوا الحرب وخافوا أَن يتفانوا فتحاجزوا، وأقبل مُصْعَب بْن الزُّبَيْر من الكوفة حِينَ بلغه خبر خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد وشغل عَبْد الملك بن مروان عنه بعمرو

_ (1) ط م س: حجر. (2) م: عمران. (3) ط: بحفرة.

(910) وبزفر بْن الْحَارِث، وكتابه إِلَى خَالِد أَنَّهُ لا يمكنه ورود العراق فِي عامه لما انتشر عَلَيْهِ من الأمور، فوهن أمر خَالِد، وطلب مَالِك بْن مسمع بْن شهاب ومن مَعَهُ مِمَّن أنجد خالدًا الأمان من عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فآمنهم، وهرب خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ حَتَّى أتى عَبْد الْمَلِك، وهرب أيضًا مَالِك بْن مسمع إِلَى قرية من قرى اليمامة لبكر بْن وائل يقال لَهَا ثاج، فلم يزل بِهَا إِلَى أَن صَالِح عَبْد الْمَلِك زفر بْن الْحَارِث الكلابي وانصرف إِلَى الشام ثُمَّ شخص إِلَى العراق فقتل مصعبًا، ويقال إنه رجع إِلَى البصرة فِي أَيَّام حمزة بْن عَبْد اللَّهِ ثُمَّ رجع إِلَى ثاج، ويقال أيضًا أَن مصعبًا استؤمن لَهُ حِينَ رجع إِلَى البصرة، وولى عَبْد الملك خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد بَعْد استقامة الأمور لَهُ بالبصرة، فأكرم مالكًا ومن كَانَ أجاره وقاتل مَعَهُ، فكان عبيد اللَّه بْن زِيَاد بْن ظبيان أتى الشام بَعْد الجفرة ثُمَّ قدم العراق مَعَ عَبْد الْمَلِك، ويقال إنه اعتزل فِي بَعْض النواحي حَتَّى أقبل عَبْد الْمَلِك إِلَى العراق فأتاه. 1185- وَحَدَّثَنِي عَلِي بْن المغيرة الأثرم عَنْ مَعْمَر بْن المثنى عَنْ أَبِي عَمْرو قَالَ: كَانَ قَيْس بْن الهيثم ويكنى أبا كبير خليفة للحارث بْن أَبِي ربيعة- وَهُوَ القباع- عَلِي البصرة أَيَّام ابْن الزُّبَيْر، وَكَانَ مِمَّن قاتل مَالِك بْن مسمع مَعَ الزبيرية وَهُوَ عَلَى فرس مجلجل، وَقَدِ استأجر قومًا يقاتلون مَعَهُ فكانوا يرتجزون «1» : لساء مَا تحكم يا جلاجل ... النقد دين والطعان عاجل وأنت بالماء «2» ضنين باخل 1186- وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حدثنا أبي قال ولا أعلمه إلا عَنْ مُصْعَب بْن زَيْد أن أشراف أهل العراق كتبوا إلى عبد الْمَلِك بْن مَرْوَان يدعونه إِلَى أنفسهم ويخبرونه أنهم مبايعوه «3» ، فلم يبق بالبصرة شريف إلا كتب اليه غير المهلّب بن

_ (1) الرجز في ف 1191 منسوب لغطفان بن أنيف. (2) ف: 1191 بالبذل. (3) م: مبايعونه، س ط: يبايعوه.

أَبِي صفرة، فبعث عَبْد الْمَلِك خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد ليقاتل فِي طاعته، فقدم وَقَدْ كَانَ الطاعون الجارف وقع بالبصرة، وَذَلِكَ فِي سنة تسع وستين، فكثر الْمَوْت بالبصرة حَتَّى جعل أهل الدار يموتون عَنْ آخرهم لا يجدون من يدفنهم، وأمير البصرة يَوْمَئِذٍ عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر بِهَا، استعمله عَلَيْهَا مُصْعَب، فقدم خَالِد عَلَى مَالِك بْن مسمع وعسكر بجفرة «1» خَالِد، ومال إِلَيْهِ كثير من النَّاس، فكان ممّن أتاه من الأزد معن ابن المغيرة بْن أَبِي صفرة وَكَانَ قَدْ عتب عَلَى المهلب فِي تأخير صلته، فكان الْقَوْم يغدون إِلَى المربد ثُمَّ يفترقون: فرقة إِلَى خَالِد وفرقة إِلَى المصعبية فَإِذَا رجعوا رجع الأخوان أحدهما من هَؤُلاءِ وأحدهما من هَؤُلاءِ فيقول هَذَا: فعلنا بكم، وَيَقُول هَذَا: فعلنا بكم، فلم يزالوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هرب خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ وتفرق أَصْحَابه وهرب مَالِك إِلَى اليمامة، فلما قتل عَبْد الْمَلِك مصعبًا ودخل الكوفة بعث خالدًا أميرًا عَلَى البصرة، واستعمل بشر «2» ابن مَرْوَان أخاه عَلَى الكوفة، وبلغ ذَلِكَ مَالِك بْن مسمع وَهُوَ باليمامة، فأقبل حَتَّى دَخَلَ البصرة، فأتى دار الإمارة عَلَى ناقته، ففتح لَهُ الباب فدخل حَتَّى أناخ عَلَى بساط خَالِد، وأقطعه عَبْد الْمَلِك قطائع كثيرة ووصله، وكتب عَبْد الْمَلِك إِلَى المهلب وَهُوَ بإزاء الحرورية: إِن النَّاس مجتمعون عَلِي بيعتي، فَإِن دخلت فيما دَخَلَ النَّاس فِيهِ عرفنا لَك منزلتك وشرفك، وإن لَمْ تفعل استعنا بالله عليك، فكتب اليه: أمّا إذا اجتمع النَّاس فإني لَمْ أكن أشق (911) عصا الْمُسْلِمِينَ ولا أسفك دماءهم ولا أفرق جماعتهم، فكتب إِلَيْهِ بإقراره عَلَى مَا هُوَ بسبيله. 1187- وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ: التقى الأموية والزبيرية بالبصرة ففقئت عين مَالِك بْن مسمع، وَقَالَ وهب بْن أبجر الْعِجْلِيُّ «3» :

_ (1) ط: بحفرة. (2) س: بشير. (3) البيتان 1، 3 في شرح الحماسة: 1541 (المرزوقي) 4: 53 (التبريزي) والأول في معجم المرزباني: 69 والاصابة 5: 120 واللسان 18: 209 والتاج 10: 96 وعجز الأول في ياقوت 1: 914 (واسم الشاعر: عمرو بن الهذيل العبدي أو الربعي، وزاد التبريزي قوله: وقال ابو رياش هي لرجل من بني عجل) .

ونحن صرمنا أمر بَكْر بْن وائل ... وأنت بثاج لا تمر ولا تحلي هجرت لجيما أَن أصبت زيادة ... وعذت بِهِمْ عِنْدَ الزلازل والأزل فلا ترج خيرًا عِنْدَ بَاب ابْن مسمع ... إِذَا كنت من حيي حَنِيفَة أَوْ عجل قَالَ، فَقَالَ جَرِير «1» : وفينا كَمَا أدت ربيعة خالدًا ... إِلَى قومه حربًا ولما يسالم «2» 1188- وحدثنا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَن مُحَمَّد بْن أبي عيينة عن ذكوان مولى أَبِي «3» عُيَيْنَة قَالَ: لما قدم خَالِد البصرة واجتمعت الحرورية بالأهواز خرج إِلَيْهَا خَالِد فِي نَحْو تسعين ألفًا من أهل البصرة والكوفة ومن أمده بِهِ بشر بْن مَرْوَان، فقاتلته الخوارج وفلوه ونادوا: يا خَالِد يا مخنث، فأتى البصرة، وَكَانَ رئيس الخوارج قطري، وَكَانَ خَالِد قَدْ وجه أخاه عَبْد الْعَزِيز إِلَى جَمَاعَة من الخوارج انحازوا إِلَى فارس بَعْد قتل أَبِي فديك فهزموه أقبح هزيمة وفضحوه، فكتب خَالِد بأمر الخوارج إِلَى عَبْد الْمَلِك وَقَالَ للمهلب «4» : مَا ظنك بأمير «5» الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ: أحسبه سيعزلك فَمَا كنت صانعًا فاصنعه، فَقَالَ: أتراه ينسى بلائي ويستخف بحق قرابتي؟ قَالَ المهلب: إِن النَّاس حَدِيثو عهد بفتنة، ويبلغه «6» مَا لقيته من الخوارج ويأتيه خبر أخيك عَبْد الْعَزِيز فيخاف أَن يطمع فيما قبلك ويجترأ عليك، فتنتشر الأمور ويضيع العمل، فعزله عَبْد الْمَلِك وجمع البصرة والكوفة لبشر بْن مَرْوَان. 1189- قَالُوا: ولما قتل عَبْد الْمَلِك مصعبًا ودخل الكوفة ولاها حِينَ أراد الرجوع الى

_ 1189- انظر الورقة 561/ أ (من س) .

الشام قطن بْن عَبْد اللَّهِ بْن الحصين الحارثي أربعين يومًا أَوْ شهرين، ثُمَّ عزله وولى بشرا أخاه، فاستخلف بشر عَلَى الكوفة حِينَ ولي البصرة عَمْرو بْن حريث، ثُمَّ قدم البصرة فأقام أشهرًا «1» ثُمَّ احتضر فاستخلف خالدًا عَلَى عمله حَتَّى قدم الْحَجَّاج وَقَدْ شد خَالِد عَلَى بَيْت المال فأخرج جَمِيع مَا فِيهِ ففرقه عَلَى النَّاس، فيزعمون أَنَّهُ جلس مجلسين فلم يقم حَتَّى فرق ألف ألف درهم، وَكَانَ الْحَجَّاج «2» أراد حبسه ومحاسبته، فأمر عَبْد الْمَلِك أَن لا يعرض لَهُ فتركه، فلما شخص عَنِ البصرة شيعة القرشيون، ففرّق فيهم ثلاثمائة ألف درهم. 1190- وَقَالَ الْمَدَائِنِي وأبو عُبَيْدَة: أقبل عَبْد الْمَلِك من الشام يريد العراق ومعه خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد فَقَالَ لَهُ: إِن وجهتني إِلَى العراق واتبعتني خيلًا يسيرة كفيتك البصرة، فوجهه عَبْد الْمَلِك فقدمها مستخفيًا فِي خاصته ومواليه حَتَّى نزل عَلَى (عَلِي) «3» بْن أصمع الباهلي، فأرسل إِلَى عباد بْن الحصين وَهُوَ عَلَى شرطة ابْن مَعْمَر: إني قَدْ أجرت خالدًا وأنا أحب أَن تعلم ذَلِكَ وتكون «4» لي ظهيرًا، فبعث إِلَيْهِ: والله لا أنزل عَنْ فرسي حَتَّى آتيك فِي الْخَيْل، فَقَالَ ابْن أصمع لخالد: لا أغرك إِن عبادًا يأتينا الساعة ولا أقدر عَلَى منعك ولكن عليك بمالك بْن مسمع، ويقال ان نزوله كَانَ عَلَى عَمْرو بْن أصمع، وأن عبادًا أرسل إِلَيْهِ ابتداءً: إنه قَدْ بلغني نزول خَالِد عليك، وأنا موافيك فِي الْخَيْل. 1191- الْمَدَائِنِي عَنْ مسلمة وعوانة (912) قَالا: فخرج خَالِد من عِنْدَ ابْن أصمع يركض وعليه قميص قوهي رقيق، وَقَدْ حسر عَنْ فخذيه وأخرج رجليه من الركابين حَتَّى أتى مالكًا فَقَالَ: إني قَدِ اضطررت إليك فأجرني، قال: نعم، وخرج وبنو أميّة «5»

_ 1190- الطبري 2: 798 وابن الأثير 4: 252 وانظر النقائض: 749، 1089 1191- الطبري 2: 799 وابن الأثير 4: 252

فأرسل إِلَى بَكْر بْن وائل والأزد، فكانت أول رايه أتته رايه بَنِي يشكر، وأقبل عباد بْن الحصين فِي الْخَيْل فتواقفوا وَلَمْ يقتتلوا، فلما كَانَ الغد بدروا إِلَى جفرة «1» نَافِع بْن الْحَارِث الَّتِي نسبت بَعْد إِلَى خَالِد، ومع خَالِد رجال «2» من بَنِي تميم وافوه، وَهُمْ: صعصعة بْن مُعَاوِيَة وعبد الْعَزِيز بْن بشر ومرة «3» بْن محكان الربيعي، ومعه عبيد اللَّه «4» بْن أَبِي بكرة وحمران ومغيرة بْن المهلب، وَكَانَ عَلَى الزبيرية قَيْس بْن الهيثم السلمي، وَكَانَ يستأجر الرجال يقاتلون مَعَهُ، فتقاضى رجل أجرته فَقَالَ: غدًا أعطيك إياها، وَكَانَ فِي عنق فرسه جلاجل، فَقَالَ رجل يقال لَهُ غطفان بْن أنيف أَحَدَ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ «5» : لبئس مَا حكمت يا جلاجل ... النقد دين والطعان عاجل وأنت بالبذل ضنين باخل وَكَانَ عَلَى خيل بَنِي حنظلة عَمْرو بْن وبرة العجيفي، وَكَانَ (لَهُ) عبيد يؤاجرهم كُل يَوْم بثلاثين فيعطيهم عشرة عشرة، فقيل لَهُ: لبئس مَا حكمت يا (ابن) وبره ... تعطى ثلاثين وتعطي عشره ووجه مُصْعَب بْن الزُّبَيْر زحر «6» بْن قَيْس الجعفي مددًا لابن مَعْمَر فِي ألف، ووجه عَبْد الْمَلِك عبيد اللَّه بْن زِيَاد بْن ظبيان بْن الجعد أحد بَنِي عائش بْن مَالِك بْن تيم الله بن ثعلبة ابن عكابة مددًا لخالد، فوافى وَقَدْ تفرق النَّاس عَنْهُ، فلحق بعبد الْمَلِك. 1192- أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي عَنْ رجل عَنِ السكن بْن قَتَادَة قَالَ: اقتتلوا أربعة

_ 1192- الطبري 2: 800 وابن الأثير 4: 252 وشعر الفرزدق في ديوانه: 157 (بوشيه) والنقائض: 751 وابن عساكر 5: 64 وشعر الحنظلي واسمه عرهم بن قيس في النقائض: 750 ورجز غطفان قد تقدم في ف: 1062 وبعضه في النقائض: 735 والطبري 2: 456 والاصابة 1: 117 (ترجمة أنيف) .

وعشرين يومًا فأصيبت عين مَالِك بْن مسمع، فضجوا «1» من الحرب، ومشت السفراء بينهم وفيهم: يُوسُف بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان بْن أَبِي العاص الثقفي، فصالحهم ابْن مَعْمَر عَلَى أَن يخرج خالدًا من البصرة وَهُمْ آمنون، فخرج خَالِد فلحق بالشام، وخاف مَالِك ألا يجيز مُصْعَب أمان عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْ عبيد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر فلحق مَالِك بثاج، فَقَالَ الفرزدق: عجبت لأقوام تميم أبوهم ... وَهُمْ فِي بَنِي سَعْد عظام المبارك وكانوا أعز النَّاس قبل مصيرهم «2» ... إِلَى الأزد مصفرًا لحاها وَمَالِك وَمَا ظنكم بابن الحواري مُصْعَب ... إِذَا افتر عَنْ أنيابه غَيْر ضاحك ونحن نفينا مالكا عَنْ بلاده ... ونحن فقأنا عينه بالنيازك وَقَالَ بَعْض بَنِي حنظلة: أبلغ أبا غسّان «3» أنّك إن تعد ... تعد لك بالبيض الخفاف تميم تقاضوك «4» عينا منك حَتَّى قضيتها ... ورحت وَفِي الأخرى عليك خصوم وَقَالَ غطفان بْن أنيف: كَيْفَ رأيت نصرنا الأميرا ... بصرحة المربد إذ أبيرا نقود «5» فِيهِ جحفلا جرورا ... الْخَيْل والصلادم الذكورا وصارما ذا هيبة «6» مأثورا ... فأصبح ابْن مسمع محصورا (913) يرى قصورًا دونه ودورا

_ (1) الطبري وابن الأثير: فضجر (يعني مالك بن مسمع) . (2) المصادر: مسيرهم. (3) س: حسان، النقائض: تعلم أبا غسان. (4) س: يقاضوك. (5) س: يقود. (6) ط م س: هيئة.

وَقَالَ الشاعر لمصعب «1» : الحق أمية بالحجاز وخالدًا ... وأضرب علاوة مالك يا مصعب فلئن فعلت لتحزمن بقتله ... وليصفون لَك بالعراق المشرب وَقَالَ آخر «2» : أخاف عليك زياد العراق ... وأخشى عليك بني مسمع فقال مصعب: يكفي الله مؤنتهم. 1193- قَالُوا: ولما بويع مُصْعَب وانصرف عَبْد الْمَلِك إِلَى دمشق بسبب عَمْرو الأشدق لَمْ يكن لَهُ همة إلا البصرة، وطمع أَن يدرك خالدًا، فلما قدمها وجده قَدْ خرج، ووجد ابن مَعْمَر قَدْ آمن الجفرية «3» ، فغضب عَلَى ابْن مَعْمَر وحلف أَن لا يوليه، وأرسل إِلَى الجفرية «4» فشتمهم وأنبهم وَقَالَ: نصرتم ابْن طريد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْن حوارية، وأقبل عَلَى عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة فَقَالَ: يا ابْن مسروح إِنَّمَا أَنْتَ ابْن كلبة تعاورتها الكلاب فجاءت بأحمر وأسود وأصفر من كُل كلب مَا يشبهه «5» ، وإنما كَانَ أبوك عبدا نزل إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حصن الطائف، تدعون أَن أبا سُفْيَان زنى بأمكم، أما والله لئن بقيت لألحقنكم بنسبكم، ثُمَّ دعا بحمران فقال: يا ابن اليهوديّة انّما أَنْتَ علج نبطي سبيت من عين التمر وكان أبوك يدعى أمي «6» . ثُمَّ قَالَ للحكم بْن المنذر بْن الجارود: يا ابْن الخبيثة اللخناء أتدري من أَنْتَ ومن الجارود؟ إِنَّمَا كَانَ علجا بجزيرة ابْن كاوان فارسيًا فقطع إِلَى ساحل العرب فانتمى الى عبد القيس، ولا

_ 1193- الطبري 2: 801- 804 وابن الأثير 4: 253 (دون الشعر) وانظر النقائض: 751

والله مَا أعرف حيًا أشد اشتمالا عَلَى سوءة مِنْهُم ثُمَّ أنكح أخته المكعبر «1» الفارسي فلم يصب شرفا قط أَعْظَم من ذَلِكَ، فهؤلاء ولدها يا ابْن قباذ «2» ، ثُمَّ أتي بعبد اللَّه بْن فضالة الزهراني «3» فَقَالَ: ألست من أهل هجر ثُمَّ من أهل سماهيج؟ أما والله لأردنك إِلَى نسبك. ثُمَّ أتي بعلي بْن أصمع فَقَالَ: أَنْتَ عَبْد لبني تميم مرة، وعربي من باهلة «4» مرة. ثُمَّ أتي بعبد الْعَزِيز بْن بشر بْن حناط «5» فَقَالَ: يا ابْن المشتور «6» ألم يسرق عمك فِي زمن عُمَر فأمر بِهِ فسير ليقطعه؟ أما والله مَا أعيب «7» إلا من نكح أختك، وكانت أخته تَحْتَ مقاتل بْن مسمع. ثُمَّ أتي بأبي حاضر الأسدي فَقَالَ: يا ابْن الإصطخرية وَمَا أَنْتَ والأشراف؟ إِنَّمَا أَنْتَ دعي فِي بَنِي أسد. ثُمَّ أتي بزياد بْن عَمْرو فَقَالَ: يا ابْن الكرماني إِنَّمَا أَنْتَ علج من أهل كرمان قطعت إِلَى فارس فصرت ملّاحا، ما لك وللحرب؟ أَنْتَ بجر القلس أعلم. ثُمَّ أتي بعَبْد الرَّحْمَنِ «8» بْن عُثْمَان بْن أَبِي العاص فَقَالَ: أعلي تكثر وأنت علج من أهل هجر لحق أبوك بالطائف، وَهُمْ يضمون من تأشب إليهم ليتعززوا بِهِ، أما والله لأردنك إِلَى أصلك. ثُمَّ أتي بشمخ «9» بْن النعمان فَقَالَ: يا ابْن الخبيثة أَنْتَ علج من أهل زندورد هربت أمك وقتل أبوك فتزوج أخته رجل من بَنِي يشكر فجاءت بغلامين فألحقك «10» بنسبهما. ثُمَّ ضربهم مائة مائة، وحلق رؤوسهم ولحاهم، وهدم دورهم، وصهرهم فِي الشَّمْس ثلاثا، وحملهم عَلَى طلاق نسائهم، وجمر أولادهم فِي البعوث، وطاف بِهِمْ فِي أقطار البصرة، وأحلفهم أن لا ينكحوا

_ (1) م: المعكبر. (2) م س: قتادة، والتاء غير معجمة في ط. (3) س: الزاهري. (4) س: باهل. (5) ط م س: خياط. (6) ط م س: المسور. (7) الطبري: أعنّت. (8) الطبري: بعبد الله، النقائض: بعبيد الله. (9) م: بشمح، الطبري: بشيخ. (10) ط م: فألحقاك.

الحرائر، فلما استقام الأمر لعبد الْمَلِك أمر ببناء دورهم. وبعث مُصْعَب خداش بْن يَزِيد فِي طلب من هرب من أَصْحَاب خَالِد، فأدرك مرة بْن محكان فَقَالَ «1» : (914) بَنِي أسد إِن تقتلوني تحاربوا ... تميمًا إِذَا الحرب العوان أشمعلت بَنِي أسد هل عندكم من هوادة ... فتعفوا وإن كانت بي النعل زلت أيمشي خداش فِي الأزقة آمنًا ... وَقَدْ نهلت مني الرماح وعلت فضربه خداش فقتله وَكَانَ عَلَى شرط مُصْعَب يَوْمَئِذٍ، وهدم مُصْعَب دار مَالِك بْن مسمع وأخذ مَا كَانَ فِيهَا فكان مِمَّا أخذ جارية ولدت لَهُ عُمَر «2» بْن مُصْعَب، وَلَمْ يزل مُصْعَب بالبصرة حَتَّى أتى الكوفة ثم مسكن فقتل. 1194- قالوا: ولما قتل مُصْعَب وثب حمران بْن أبان وعبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة فتنازعا ولاية البصرة، فَقَالَ ابْن أَبِي بكرة: أنا أَعْظَم غناء منك، أنا كنت أنفق عَلَى أَصْحَاب خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ يَوْم الجفرة «3» ، فقيل لحمران: إنك لا تقوى عَلَى ابْن أَبِي بكرة فاستعن بعبد اللَّه بْن الأهتم، فاستعان بِهِ فغلب حمران عَلَى البصرة، وجعل ابْن «4» الأهتم على شرطها، وكانت لحمران عِنْدَ بَنِي أمية منزلة، وزعموا أَن رداء حمران زال عَنْ كتفه فابتدره مَرْوَان وسعيد بْن العاص أيهما يسويه، وقيل إنه مد رجله فابتدرها مُعَاوِيَة وابن عامر أيهما يغمزها، وَكَانَ الْحَجَّاج «5» حبس حمران لأنه ولي لخالد بْن عَبْد اللَّهِ سابور فكتب إِلَى عَبْد الْمَلِك: لو بغير الماء حلقي شَرِقٌ ... كنتُ كالغَصَّان بالماء اعتصاري فكتب إِلَى الْحَجَّاج: إِن حمران أَخُو من مضى منا وعم من بقي، وَهُوَ ربع من أرباع بَنِي

_ 1194- الطبري 2: 817

أمية، فلا تعرض لَهُ وأكرمه واعرف لَهُ حقه، ففعل واعتذر إِلَيْهِ ورد عَلَيْهِ مَا استأداه، وبعث بِذَلِكَ مَعَ غلمان وهبهم لَهُ، وَكَانَ الَّذِي أغرمه مائة ألف درهم فقسمها فِي أَصْحَابه وَقَالَ للغلمان: أنتم أحرار. 1195- الْمَدَائِنِي قَالَ: ولي خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ البصرة سنتين فوجه فِي ولايته أخاه أمية إِلَى أَبِي فديك إِلَى البحرين فهزمه أَبُو فديك، ووجه أخاه عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ إِلَى الأزارقة بفارس فهزموه أيضًا وأخذوا امرأته أم حفص بنت المنذر بْن الجارود فقتلوها، فَقَالَ الفرزدق: كُل بَنِي السوداء قَدْ فر فرة ... فلم يبق إلا فرة عِنْدَ خَالِد فضحتم قريشا بالفرار وأنتم ... لدى الحرب أنكاس قصار «1» السواعد فطلبه خَالِد فلحق ببشر بْن مَرْوَان وَقَالَ: وَمَا كف عني خَالِد عَنْ تقية ... ولكن بدت دوني الليوث الهواصر غداة رأى من مَالِك تَحْتَ غابها ... ورائي ودوني من يخاف المحاذر تحللت إذ أقسمت أنك قاتلي ... وكفر «2» إِذَا آليت أنك قادر أتوعدني «3» والمالكان «4» كلاهما ... ورائي وسعد والحلول الكراكر هُمْ منعوني من زياد وقد رأى ... زياد مكاني وَهُوَ لِلنَّاسِ «5» قاهر ومن مُصْعَب حيث القباع يحضّه «6» ... عليّ ولمّا تستطعني زماخر «7»

_ 1195- بعضه يقارن بالكامل: 3: 359 والعقد 3: 414 والطبري 2: 822 وف: 1203 في ما يلي، وشعر الفرزدق الداليّ في ديوانه: 183 (بوشيه) والورقة 637/ أ (من النسخة س) والعقد 1: 151، والأول من الأبيات الرائية في الأساس 1: 58 والخامس قد مرّ في ف: 566

وقال في ابن أبي بكرة «1» : تداركني من خَالِد بَعْد مَا التقت ... عَلَى ودجي أنيابه ومخالبه 1196- قَالَ أَبُو الْحَسَن: ولما قتل مُصْعَب خرج رَسُول فطم «2» إِلَى مَالِك بْن مسمع وَهُوَ بثاج يبشره «3» بقتله، فقدم وخالد بْن عَبْد اللَّهِ «4» بالبصرة قَدْ قدمها واليا، فجاء يسير حَتَّى أناخ ناقته عَلَى بساط خَالِد، فَقَالَ العديل بْن الفرخ «5» : (915) أنيخت «6» عَلَى ظهر البساط فلم تثبر ... عَلَى رغم من أمسى عدوا لخالد ثُمَّ انصرف مَالِك إِلَى داره وَقَدْ هدمت، فعدل عَنْهَا فنزل فِي بَنِي جحدر، وَلَمْ يمكث مَالِك إلا سبع عشرة ليلة حَتَّى هلك، فدفن عِنْدَ دار عيسى بْن سُلَيْمَان حيث دفن بعده بشر بْن مَرْوَان، وجاء مَالِك فخاصم فِي الجارية الَّتِي أخذها مُصْعَب، فمات قبل أَن يحكم لَهُ بِهَا. 1197- وَقَالَ الأخطل يمدح خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، وقدم إِلَيْهِ وَهُوَ بالبصرة: إِلَى خالد حتّى أنخن بخالد ... فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل أخالد مأواكم لمن حل واسع ... وجدواك غيث للصعاليك مرسل أبى عودك المعجوم إلا صلابة ... وكفاك إلا نائلا حِينَ تسأل ألا أيها الساعي ليدرك خالدًا ... تناه وأقصر بَعْض مَا كنت تفعل

_ 1197- ديوان الأخطل: 8 والاول في العقد 1: 308

فهل أَنْتَ إِن مد المدى لَك خَالِد ... مواز لَهُ «1» أَوْ حامل مَا يحمل 1198- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ ابن عوانة عَنْ عوانة قَالَ: كَانَ خَالِد وأمية ابنا عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد عند عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان، فقدمت عَلَيْهِ عير من العراق عَلَيْهَا مال حمله الْحَجَّاج بْن يُوسُف، فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: هَذَا والله الجلب الأغر لا جلبكما، أما أَنْتَ يا خَالِد فاستعملتك عَلَى البصرة وَهِيَ تهدم بالأموال، فاستعملت كلّ ذئب فاجر: يحمل من العشرة درهما ويحتجن التسعة لنفسه «2» ، وَأَمَّا أَنْتَ يا أمية فإني وليتك خراسان وسجستان وهما يقلسان الذهب والفضّة، فبعثت إليّ يبرذون حطم «3» وحريرتين «4» ومفتاح فِيهِ رطل من ذهب زعمت أَنَّهُ مفتاح مدينة الفيل «5» ، وَمَا مدينة الفيل قبحها اللَّه، فَإِذَا استعملناكم أسأتم وقصرتم، وإذا استعملنا غيركم قلتم: حرمنا وقطع أرحامنا وآثر عَلَيْنَا غيرنا، والملك لا يصلح إلا بالرجال، والرجال لا يقيمها إلا الأموال، والأموال لا تجتمع إلا بالتوفير والاحتياط وأداء الأمانة، فَقَالَ خَالِد: بعثتني إِلَى البصرة والناس بِهَا رجلان: رجل هواه معك، ورجل هواه لسواك، فأعطيت الَّذِي هواه معك لأستثبت «6» مودته وأستديم طاعته، وأعطيت الَّذِي يهوى غيرك متألفا لأجتر هواه وأعطف قلبه وأستنزل نصيحته، وَكَانَ اتخاذ الرجال أحب إِلَى وأصوب عندي من جمع الأَمْوَال، وإن الْحَجَّاج جمع الأَمْوَال وأوغر صدور الرجال، فكأني بِهِمْ قَدِ انتقضوا عَلَيْهِ فأنفقت هذه الأَمْوَال وأضعافها، فلما خرج أهل العراق عَلَى الْحَجَّاج قَالَ عَبْد الْمَلِك: يا خَالِد هَذَا مصداق مَا قُلْت. 1199- وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَلِي الحرمازي عَنْ أَبِي الْحَسَن الْمَدَائِنِي عَنْ عبد الله بن

_ (1) الديوان والنقائض: موازنه. (2) ط م س: تحمل ... وتحتجن ... لنفسك. (3) س: خطم. (4) ط: وجريرتين. (5) مدينة الفيل. انظر ياقوت 3: 933 (6) ط س: لاستتبّ.

مُسْلِم قَالَ، قَالَ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان: إنا لنولي الرجل فيخون ويعجز، كَأَنَّهُ يعرض بخالد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، فَقَالَ خَالِد: أما العجز فَإِنَّهُ لَمْ يعجز من وطأ لَك مجلسك هَذَا، وَأَمَّا الخيانة فَمَا طلب العمل إلا لاصطناع المعروف، وَمَا زال النَّاس من لدن عُثْمَان يصيبون من هَذَا المال: أَنْتَ وغيرك، فسكت عَبْد الْمَلِك. 1200- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مسكين المدني قَالَ: باع خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ ثمرة أَبِيهِ وحمل ثمنها فِي كمه، فلقيه أَبُو صخر الهذلي فَقَالَ لَهُ: هب لي هذه الدنانير الَّتِي فِي كمك، فَقَالَ: والله مَا مدحتني قط، قَالَ: بلى والله قبل (916) أَن تولد، قَالَ: وَمَا قُلْت؟ قَالَ: قُلْت: إِذَا نفس المولود من آل خَالِد ... بدا كرم للناظرين يطيب قَالَ: خذها فَهِيَ لَك، فأتى أباه عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد فسأله عَنْ ثمن الثمرة فأخبره بخبرها فقال: أحسنت، وكانت ثلاثمائة دِينَار. 1201- وَكَانَ سَعِيد بْن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد جوادًا يقال لَهُ عقيد الندى فمدحه موسى شهوات فَقَالَ: فدى للكريم العبشمي ابْن خَالِد ... بَنِي ومالي طارفي وتليدي عقيد الندى ما عاش يرضى بِهِ الندى ... فَإِن مَاتَ لَمْ يرض الندى بعقيد أبا خَالِد أعني سَعِيد بْن خَالِد ... أَخَا العرف لا أعني ابْن بنت سَعِيد ولكنني أعني ابْن عَائِشَة الَّذِي ... كلا أبويه خَالِد بْن أسيد «1» دعوه دعوه إنكم قَدْ رقدتم ... وما هو عن إحسانكم برقود «2»

_ 1201- الشعر في معجم الأدباء 7: 195، 194 والبيتان 1، 5 في الأغاني 3: 351 والأبيات 2- 5 في الأغاني 3: 348 وابن عساكر 6: 125 والأبيات 2، 3، 5 في العقد 1: 316، والأبيات 2- 4 في الشعر والشعراء: 482 والورقة 659 ب (من النسخة س) والبيت الثالث في الورقة 490/ أ (من س) ، وبعض مادة هذه الفقرة في الأغاني وقارن بالعقد (نفسه) .

وأم عقيد الندى عَائِشَة بنت عَبْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي أخت طَلْحَة الطلحات الجواد، وابوه خَالِد، وجده خَالِد بْن أسيد، وكل واحد منهما ابْن أسيد، وابن بنت سَعِيد: سعيد ابن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان أمه «1» آمنة- ويقال حميدة- بنت سَعِيد بْن العاص ابن أَبِي أحيحة فَهُوَ ابْن بنت سَعِيد، ويقال أَنَّهُ كَانَ يغلب عَلَى عقله ستة أشهر ويفيق ستة فيكون أصح النَّاس وأسخاهم، وَقَدْ ذكر ذَلِكَ أَبُو اليقظان. 1202- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن ابْن عوانة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده قَالَ: شكا سَعِيد بْن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان موسى شهوات إِلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك وَقَالَ هجاني، فَقَالَ سُلَيْمَان لموسى: لا أم لَك أتهجو سَعِيد بْن خَالِد وَهُوَ ابْن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عُثْمَان؟ فَقَالَ: يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أحدثك بقصتي وقصته، عشقت جارية لبعض أهل دمشق، فأبى أهلها أَن ينقصوها من مائتي دِينَار، فأتيت سَعِيد بْن خَالِد هَذَا فأخبرته بِذَلِكَ وسألته أَن يشتريها لي، فَقَالَ: بورك فيك، فَقَالَ سُلَيْمَان: مَا هَذَا بموضع بورك فيك، قَالَ: ثُمَّ أتيت سَعِيد بْن خَالِد بْن عَبْد اللَّه (بْن خَالِد) بْن أسيد فشكوت إِلَيْهِ ذَلِكَ فدعا بمطرف خز فبسط ثُمَّ قَالَ: يا جارية صري فِي كُل جانب منه مائتي دِينَار وَفِي وسطه مائتي دِينَار، ثُمَّ قَالَ: خذ المطرف بِمَا فِيهِ، فأخذته وفيه ألف «2» دِينَار فَقُلْتُ، وأنشده الأبيات التي قد تقدم ذكرها، وزاد فِيهَا ببيت وَهُوَ: فقل لبغاة الخير قَدْ مَاتَ خَالِد ... وَمَاتَ الندى إلا فضول سَعِيد «3» قَالَ «4» : فَقَالَ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك: قل مَا بدا لَك فلن تلام. 1203- الْمَدَائِنِي عَنْ سحيم قَالَ: كَانَ عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد

_ 1202- المستطرف 1: 227 (ط: 1300) وربيع الأبرار: 321 ب. 1203- قارن بما مرّف: 1195 والشعر لابن قيس الرقيات، ديوانه: 190 والطبري 2: 828 وابن الأثير 4: 279، 280 والورقة 631/ أ (من النسخة س) .

سيدًا، وجهه أخوه «1» خَالِد إِلَى الخوارج بفارس وعليهم قطري فهزموه وقتلوا أَصْحَابه وأخذوا امرأته أم حفص بنت المنذر بْن الجارود، فمر بالمهلب فكساه ووصله وحمله، فَقَالَ الشاعر: عَبْد الْعَزِيز فضحت جيشك كلهم ... وتركتهم صرعى بكل سبيل هلا صبرت مَعَ الشهيد مقاتل «2» ... إذ رحت تمعن هاربًا بأصيل (917) وتركت عرسك والرماح شوارع ... عار عليك إِلَى الممات طويل الشهيد: مقاتل بْن مسمع كَانَ مَعَهُ فقتل. 1204- وولى عَبْد الْمَلِك عَبْد الْعَزِيز بَعْد ذَلِكَ مَكَّة، فمدحه رجل من بني الحارث ابن كعب فَقَالَ: أبا خَالِد إني أعوذ بخالد ... وما جاره بالمستذلّ المغرّر أعوذ ببرديه اللذين ارتداهما ... كريم المحيا طيب المتأزر وعزل عَبْد الْمَلِك عَبْد الْعَزِيز وولى بعده أخاه عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ «3» وبقي عَمْرو إِلَى دولة بَنِي الْعَبَّاس. 1205- وَأَمَّا عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد فله شرف وعقب بالبصرة. 1206- ومن ولد عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد العالية بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، تزوجها الْمَنْصُور أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وبعث إِسْحَاق الأزرق مولاه فحملها من الحجاز، وحمل إِلَيْهِ امْرَأَة أُخْرَى تزوجها من ولد طلحة بن عبيد الله التيمي.

_ (1) س: أبوه. (2) الديوان والطبري وابن الأثير: مقاتلا. (3) ذكر عمر ولم يذكر عمرا في أولاد عبد الله بن خالد بن أسيد (انظر ما سبق ف: 1173) .

1207 - وولد أبو العاص بن أمية:

1207- وولد أَبُو العاص بْن أمية: عَفَّان وعفيف بْن (أَبِي) العاص درجا «1» ، وعوفًا درج فِي الجاهلية، وصفية، أمهم آمنة بنت عَبْد الْعَزِيز بْن حارث «2» من بَنِي عدي، والحكم، والمغيرة وريحانة تزوّجها بشر بن عبد بْن دهمان الثقفي، أمهم رقية بنت الْحَارِث بْن عُبَيْد بْن عُمَر بْن مخزوم، فأما صفية فتزوجها أَبُو سُفْيَان بْن حرب، وسعيد ابن أَبِي العاص درج، وخالدة تزوجها الأخنس بْن شريق الثقفي، ولبابة أمها صفية بنت ربيعة بْن عَبْد شمس، تزوجها غيلان بْن سلمة بْن معتب الثقفي، وأم حبيب بنت أَبِي العاص تزوجها أمية بْن أَبِي الصلت الثقفي الشاعر. 1208- وَأَمَّا المغيرة بْن أَبِي العاص فولد مُعَاوِيَة بْن المغيرة، وأمه ابنه صفوان بْن نوفل بْن أسد بْن عَبْد العزى، فولد مُعَاوِيَة بْن المغيرة عَائِشَة أم عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان وَكَانَ مُعَاوِيَة بْن المغيرة جدع أنف حمزة بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ، فقتل بأحد بَعْد انصراف قريش بثلاث، ولا عقب لَهُ سوى عائشة «3» ، وأمّ عائشة ابنة عقبة بْن أَبِي معيط. 1209- وكانت لمعاوية بْن المغيرة بْن أَبِي العاص ابنة يقال لَهَا أم جميل، تزوجها سُفْيَان بْن عَبْد الأسد المخزومي، وكانت لَهُ ابنة ثالثة يقال لها عمرة تزوجها أَبُو تجراه «4» النَّصْرَانِيُّ فَهُمْ يعابون بِذَلِكَ. 1210- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: لعن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحكم وولده إلا الْمُؤْمِنيِنَ مِنْهُم، وسيره النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بطن وج. 1211- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: فِي آل الحكم يَقُول حسان، وكانوا فِي الجاهلية فقراء «5» : لقد أبصرتكم عن غير بعد ... وما تلقون في بيت بساطا

_ (1) ط م: درج. (2) ط م: حرثان. (3) الورقة 580/ أ (من النسخة س آلورد: 151) . (4) قراءة ط م، وفي س: نجذاه. (5) لم يردا في ديوان حسان وهما في الموفقيات: 156 (والشاعر هو عبد الرحمن بن حسان) ، انظر ديوانه: 29

1212 - فولد عفان بن أبي العاص

وكان أَبِي لكم فِي الدهر نكلا ... وَفِي الإِسْلام كنت لكم علاطا فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر: علاط سوء، وَقَالَ عَبْد الْمَلِك: مَا كَانَ ابْن الزُّبَيْر يعيرنا بِهِ؟ قَالُوا: الفقر. 1212- فولد عَفَّان بْن أَبِي العاص عُثْمَان بْن عَفَّان ويكنى أبا عَمْرو وأبا عَبْد اللَّهِ، وآمنة، وأرنب «1» وَهِيَ أم طَلْحَة، أمهم أرْوَى بنت كُريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس، فأما آمنة فتزوجها الحكم بْن كيسان حليف بَنِي المغيرة ثُمَّ تزوجها عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سَعْد- ويقال ابْن سَعْد- (918) حليف أَبِي أمية بْن المغيرة، ويقال أَنَّهُ من سَعْد العشيرة. 1213- وقتل عَفَّان بالغميصاء «2» مَعَ الفاكه بْن المغيرة، ويقال إنه مَاتَ بالشام فِي تجارة، وَمَاتَ عَفَّان وحرب بْن أمية فِي شَهْر واحد، فَقَالَ الْحَارِث بْن أمية الأصغر بْن عَبْد شمس وَكَانَ شاعرًا: والله لولا أَن حربًا دعامة ... لقلت عَلَى عَفَّان مَا يسمع الصما أفي نصف شَهْر كَانَ موتهما معا ... لَقَدْ جاء أهل اللَّه «3» مَا ينطق البكما 1214- وإخوة عُثْمَان لأمه الْوَلِيد، وخالد، وعمارة، وأم كلثوم بنو عقبة بْن أَبِي معيط. 1215- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: لَمْ يكن لعفان نباهة فَقَالَ الشاعر: عَفَّان أول حائك لثيابكم ... قدما وَقَدْ يدعى أَخَا الأشرار ولكن جاء والله الإسلام فشرف عفّان بعثمان، والحمد لله.

_ 1213- السيرة 2: 431

أمر عثمان بن عفان وفضائله وسيرته ومقتله رضي الله تعالى عنه

بسم اللَّه الرحمن الرحيم أمر عُثْمَان بْن عَفَّان وفضائله وسيرته ومقتله رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ 1216- أم عُثْمَان أروي بنت كريز وَأُمُّهَا أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ توأمة عَبْد اللَّهِ والد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عُثْمَان يدعى فِي الجاهلية أبا عَمْرو، فلما ولدت لَهُ رقية بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ اكتنى أبا عَبْد اللَّهِ وكناه المسلمون بِذَلِكَ. 1217- وكانت أم حَكِيم بنت عَبْد الْمُطَّلِبِ ترقص عُثْمَان فِي صغره فتقول: ظني بِهِ صدق وبر ... يأمره ويأتمر من فتية بيض صبر «1» ... يحمون عورات الدبر ويضرب الكبش النعر ... يضربه حَتَّى يخر من سرر ومن آخر «2» 1218- المدائني قال: نزل عقفان «3» بْن قَيْس اليربوعي عَلَى أروي بنت كريز فقري وأكرم فَقَالَ: خلف عَلَى أروي السَّلام فإنّما ... جزاء الثّويّ أن يعفّ ويحمدا «4»

_ 1216- طبقات ابن سعد 3/ 1: 36 والمصعب: 101 وجمهرة ابن حزم: 74، وابن الكلبي: 23 1217- الأنساب 3: 311 1218- الورقة 798 ب (من س) وفي الاصابة: 255 من اسمه عقفان التميمي.

1219- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد مولى بَنِي هاشم «1» عَنِ الْوَاقِدِيِّ مُحَمَّد بْن عُمَر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رومان قَالَ: خرج عُثْمَان وطلحة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى أثر الزبير ابن العوام حِينَ أسلم فدخلا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلام وقرأ الْقُرْآن فآمنا وصدقا. وَقَالَ عُثْمَان: يا رَسُول اللَّهِ قدمت حَدِيثا من الشام، فلما كنت بَيْنَ معان وموضع سماه إِذَا مناد ينادي: أيها النيام هبوا إِن أَحْمَد قَدْ خرج بمكة، فقدمنا فسمعنا بك فلم أتمالك أَن جئتك. 1220- قَالُوا: ولما أسلم عُثْمَان بْن عَفَّان أوثقه عمه الحكم بْن أَبِي العاص «2» بْن أمية رباطًا وَقَالَ: أترغب عَنْ دين آبائك إِلَى دين محدث؟ والله لا أحلك أبدًا! فلما رأى صلابته فِي دينه تركه، وحلفت أمه أروي بنت كريز ألا تأكل لَهُ طعامًا ولا تلبس لَهُ ثوبًا ولا تشرب لَهُ شرابًا حَتَّى يدع دين مُحَمَّد، فتحولت إِلَى بَيْت أخيها عامر بْن كريز فأقامت بِهِ حولًا فلما أيست منه رجعت إِلَى منزلها. 1221- قَالُوا: وأتى عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أبا أحيحة فَقَالَ لَهُ: إني قَدْ آمنت واتّبعت محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قبحت وقبح مَا جئت بِهِ. ثُمَّ خرج من عنده وأتى أبا سُفْيَان بْن حرب فأعلمه إسلامه فعنفه. وَكَانَ عُثْمَان مِمَّن هاجر (919) الهجرتين جميعًا إِلَى أرض الحبشة فرارًا من قريش بأديانهم وتنحّيا عن أذاهم ومكروههم، وكانت مَعَهُ فِي هجرته الثَّانِيَة رقية «3» بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [وإنهما لأول من هاجر إِلَى اللَّه تَعَالَى بَعْد إِبْرَاهِيم ولوط،] ثُمَّ هاجر إِلَى الْمَدِينَة. ولما هاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة نزل عَلَى أوس بن ثابت الأنصاري من بني

_ 1219- طبقات ابن سعد 3/ 1: 37 1220- طبقات ابن سعد 3/ 1: 38 1221- في هجرة عثمان انظر طبقات ابن سعد (نفسه) و 8: 24 والمعارف: 192 والطبري 3: 2430 وأسد الغابة 3: 376 والمصعب: 101

النجار، فأقطعه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داره الَّتِي فِي الْمَدِينَة وآخى بينه وبين عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف وآخى أيضًا بينه وبين أوس بْن ثابت، ويقال: آخى بينه وبين سَعْد بْن عُثْمَان الزرقي من الأنصار ويكنى أبا «1» عبيد. 1222- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِك بْن أَنَس عَنِ العلاء بْن عَبْد الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَن عُثْمَان دفع مالا مضاربة عَلَى النصف. 1223- وَحَدَّثَ ابْنُ دَأْبٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ قَالَ، قَالَ عُثْمَانُ: دَخَلْتُ عَلَى خَالَتِي بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَعُودُهَا وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَعْجَبَ مَا يُقَالُ عَلَيْكَ مَعَ مَكَانِكَ مِنَّا، فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ لا إِلَهَ الا الله، الله يعلم أنّي قَدِ اقْشَعْرَرْتُ ثُمَّ قَالَ (وَفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَ رَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون) الذاريات: 22- 23) فَخَرَجَ فَاتَّبَعْتُهُ فَأَسْلَمْتُ. 1224- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: [هَذَا التَّقِيُّ الْمُؤْمِنُ الشَّهِيدُ شَبِيهُ إِبْرَاهِيمَ] . 1225- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ جُبَيْرَةَ عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ «2» عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَصْفَرَانِ وَرَاءَهُ غَدِيرَتَانِ. 1226- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ وَعَلَيْهِ خُمَيْصَةٌ سَوْدَاءُ وَهُوَ مخضوب بالحنّاء.

_ 1222- طبقات ابن سعد 2/ 1: 41 1225- 1233: طبقات ابن سعد 3/ 1: 39- 41

1227- الْمَدَائِنِي عَنْ شُعْبَة عَنْ حصين «1» قَالَ: قُلْت لأبي وائل: أعلي أفضل أم عُثْمَان؟ قَالَ: عَلِي إِلَى أَن أحدث، فأما الآن فعثمان. 1228- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ عَلَى بَغْلٍ مُصَفِّرًا لِحْيَتَهُ. 1229- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلانَ عَنْ سَلِيمٍ أَبِي عَامِرٍ «2» قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عُثْمَانَ بُرْدًا ثَمَنُهُ مِائَةُ دِينَارٍ «3» . 1230- حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْل) (النحل: 76) قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. 1231- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي الأَعْرَجُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَسِّعُونَ عَلَى نِسَائِهِمْ فِي اللِّبَاسِ الَّذِي يُصَانُ وَيُتَجَمَّلُ بِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: رَأَيْتُ عَلَى عُثْمَانَ مِطْرَفَ خَزٍّ ثَمَّنْتُهُ مِائَةَ دِينَارٍ «4» ، فَقَالَ: هَذَا لِنَائِلَةَ، كَسَوْتُهَا إِيَّاهُ فَأَنَا أَلْبَسُهُ لأَسُرَّهَا بِذَلِكَ. 1232- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ يَتَخَتَّمُ فِي الْيَسَارِ. 1233- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ رَبْعَةً لَيْسَ

_ 1227- قارن بالتهذيب 4: 362. 1233- طبقات ابن سعد (نفسه) واليعقوبي 2: 205 والطبري 1: 3054 والعقد 4: 284 وف: 1480

بِالطَّوِيلِ وَلا الْقَصِيرِ حَسَنَ الْوَجْهِ رَقِيقَ الْبَشْرَةِ كَثَّ اللِّحْيَةِ أَسْمَرَ اللَّوْنِ عَظِيمَ الْكَرَادِيسِ بَعِيدَ ما بين المنكبين كثير شعر الرأس يصفر (920) لِحْيَتَهُ. 1234- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ (عَنْ عَمْرِو) بْنِ «1» جَأْوَانَ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عُثْمَانَ مِلاءَةً صَفْرَاءَ. 1235- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ وَاقِدِ بْنِ أَبِي يَاسِرٍ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ قَدْ شَدَّ أَسْنَانَهُ بِالذَّهَبِ، قَالَ وَاقِدُ «2» بْنُ أَبِي يَاسِرٍ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَارَةَ «3» أَنَّهُ كَانَ بِعُثْمَانَ سَلَسُ الْبَوْلِ فَكَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ. 1236- حَدَّثَنَا عَمْرو بْن مُحَمَّد النَّاقِد وَأَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالا، أَنْبَأَنَا أَبُو أُسَامَةَ حمّاد بن أسامة عن عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدُّومِيِّ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ يَلِي وُضُوءَ اللَّيْلِ بِنَفْسِهِ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ بَعْضَ الْخَدَمِ لَكَفَاكَ، فَقَالَ: اللَّيْلُ لَهُمْ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ. 1237- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ أَنْبَأَنَا «4» وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ مُتَوَسِّدًا رِدَاءَهُ. 1238- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْمُؤَذِّنُونَ يُؤَذِّنُونَ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ وَيَسْتَخْبِرُهُمْ عَنْ أَسْعَارِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ وَمَرْضَاهُمْ. 1239- وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ: فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَتَوَكَّأَ عَلَى عَصًا لَهُ عقفاء وخطب وهي

_ 1234- 1242: طبقات ابن سعد 3/ 1: 39- 41، 53 1235- العقد 4: 284 وف: 1480

بِيَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ جِلْسَتَهُ فَيَبْتَدِئُ كَلامَ النَّاسِ فَيَسْأَلُهُمْ كَمَسْأَلَتِهِ الأُولَى ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ وَيُقِيمُ الْمُؤَذِّنُونَ. 1240- حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ أَخْضَرَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ أَعْلَمَهُمْ بِالْمَنَاسِكِ وَبَعْدهُ ابْنُ عُمَرَ. 1241- وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، أَنْبَأَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصْدَقُ «1» أُمَّتِي حَيَاءً عُثْمَانُ] . 1242- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ نُمَيْرٍ «2» عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ «3» عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلا طَيِّبَ الرِّيحِ نَظِيفَ الثَّوْبِ قَائِمًا يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ وَغُلامٌ خَلْفَهُ كُلَّمَا تَعَايَا فَتَحَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عُثْمَانُ. 1243- حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَبَّابِ أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عن زيد بْنِ عُمَرَ «4» الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ الفهمي يقول: قال عبد الرحمن ابن عُدَيْسٍ «5» الْبَلَوِيُّ وكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ: دَخَلْنَا عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: إِنِّي رابع الاسلام. 1244- محمد بن أبان والمدائني عَنْ أَبِي هِلالٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، قَالَ رَجُلٌ بِالْكُوفَةِ: أَشْهَدُ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ شَهِيدًا، فَأَتَى بِهِ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ [فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَمَا عِلْمُكَ؟ قَالَ: فَأَنْتَ تَعْلَمُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ فَسَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي وَسَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَانِي وَسَأَلْتُ عُمَرَ فَأَعْطَانِي وَسَأَلْتُ عُثْمَانَ فَأَعْطَانِي فَقُلْتُ للنبي صلّى

_ 1243- أسد الغابة 3: 376 1244- كنز العمال 6: 5877، 5936

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ لِي بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ: وكيف لا يبارك الله لك وإنما أَعْطَاكَ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ] . 1245- وَحَدَّثَنَا خلف البزّار حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْحَمُكُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّكُمْ فِي الدِّينِ عُمَرُ وَأَقْرَؤُكُمْ أُبَيُّ وَأَصْدَقُكُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُكُمْ (921) زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ] . 1246- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْجَرِيرِيُّ عَنْ ثُمَامَةُ بْنُ حَزْنٍ «1» الْقُشَيْرِيُّ قَالَ: أَشْرَفَ عُثْمَانُ مِنْ دَارِهِ عَلَيْنَا فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمُ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلِيَّ، قَالَ: فَجِيءَ بِهِمَا كَأَنَّهُمَا «2» حِمَارَانِ فَقَالَ: أنْشُدُكُمَا اللَّهُ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ مُسْتَعْذَبٌ إِلا بِئْرَ رُومَةَ فَقَالَ: [مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلُ دَلْوُهُ فِيهَا مَعَ دِلاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا الْجَنَّةِ، فَاشْتَرَيْتُهَا] مِنْ صُلْبِ مَالِي؟ قَالا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُكُمَا اللَّهَ وَالإِسْلامَ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ، [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلانٍ لِتُزَادَ فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا الْجَنَّةِ، فَاشْتَرَيْتُهَا] مِنْ صُلْبِ مَالِي؟ قَالا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْشُدُكُمَا اللَّهَ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةَ مِنْ مَالِي؟ قَالا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهُ هَلْ تَعْلَمَانِ [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِثَبِيرٍ، أَوْ قَالَ بِحِرَاءَ، فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ إِلَى الْحَضِيضِ فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ فَقَالَ: اسْكُنْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ؟] قَالا: اللهمّ نعم.

_ 1245- الترمذي 2: 239 وحلية الأولياء 38: 122 والرياض النضرة: 24 1246- الترمذي 2: 296 ومسند أحمد 1: 74 والرياض النضرة 2: 93 وكنز العمال 6: 5906 وانظر بعضه في البخاري 2: 430 وابن عبد الحكم: 111 وأسد الغابة 3: 378، 380 وياقوت 2: 228

1247- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونَ قَالا، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ «1» قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنًا يَذْكُرُ عَنْ عَمْرِو «2» بْنِ جَأْوَانَ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَدِمْنَا حَاجِّينَ فَإِنَّا لَبِمِنًى «3» إِذْ أَتَى آتٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ «4» عَلَى نَفَرٍ فِي وَسطِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: فَإِنَّا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ عُثْمَانُ وَعَلَيْهِ لَمُلاءَةٌ «5» صَفْرَاءُ قَدْ قَنَّعَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَنِ ابْتَاعَ مِرْبَدَ بَنِي فُلانٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَابْتَعْتُهُ لَهُ بِعِشْرِينَ- أَوْ قَالَ «6» : بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ- أَلْفًا] فَقَالَ: اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: [من ابْتَاعَ بِئْرَ رُومَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، فَابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا،] فَقَالَ: اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَجْرُهَا لَكَ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَقَالَ: [مَنْ جَهَّزَ هَؤُلاءِ يَعْنِي جَيْشَ الْعُسْرَةِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى لَمْ يَفْتَقِدُوا عِقَالا وَلا خِطَامًا؟ قَالُوا:] نَعَمْ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدِ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ. 1248- وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَدَارَأَ «7» عُثْمَانُ وَالزُّبَيْرُ فِي شَيْءٍ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أنا ابْنُ صَفِيَّةَ، فَقَالَ عُثْمَان: هِيَ أَدْنَتْكَ مِنَ الظِّلِّ وَلَوْلا هِيَ كُنْتَ ضَاحِيًا. 1249- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بن إبراهيم حدثنا قرّة بن

_ 1247- مسند ابن حنبل 1: 70 وكنز العمال 6: 5898 1249- طبقات ابن سعد 2/ 2: 113

خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَمَعَ عُثْمَانُ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: حَفِظَهُ 1250- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَمَعَ عُثْمَانُ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا أَثْبَتُ مَا رُوِيَ. 1251- حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الأُبَلِّيُّ حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ وَأَبُو هِلالٍ قَالا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ، قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ حِينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ: إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَدْعُوهُ فَقَدْ كَانَ يَحْيَى اللَّيْلَ بِرَكْعَةٍ يَخْتِمُ فِيهَا الْقُرْآنَ. 1252- حَدَّثَنِي (922) الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ أَنْبَأَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو «1» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «2» التَّيْمِيِّ قَالَ: قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَقُلْتُ: لا يَغْلِبُنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ اللَّيْلَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي فَغَمَزَنِي، فَأَبَيْتُ أَنْ أَلْتَفِتَ، ثُمَّ غَمَزَنِي فَأَبَيْتُ أَنْ أَلْتَفِتَ، ثُمَّ غَمَزَنِي الثَّالِثَةَ فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا عُثْمَانُ، فَتَأَخَّرْتُ عَنِ الْحِجْرِ، فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ ثُمَّ انْصَرَفَ. 1253- حَدَّثَنَا شَيْبَانُ الآجُرِّيُّ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ الأَصَمِّ قَالَ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ مِنْ غَنِيمَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدِ الْقِتَالَ، تَخَلَّفَ عَلَى رُقَيَّةَ. 1254- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ بُخْتٍ حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ «3» قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ

_ 1250- هذه الفقرة لم ترد في س. 1251- 1252: طبقات ابن سعد 3/ 1: 53 1253- قارن بمغازي الواقدي: 101 1254- طبقات ابن سعد 8: 57

الْخَطَّابِ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ عُثْمَانَ وَأَدُلُّ عُثْمَانَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْكَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُ ابْنَتِي مِنْ عُثْمَانَ] . 1255- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ قَالَ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ غُرَابٍ جَدَّةُ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ بُنَانَةَ «1» أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَتَنَشَّفُ «2» إِذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، فَكُنْتُ أَجِيئُهُ إِذَا تَنَشَّفَ بِثِيَابِهِ فَقَالَ: لا تَنْظُرِي إِلَيَّ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكِ، وَعَلَيْهِ حلّة صفراء كانت لامرأته، قالت «3» : وكانت لِحْيَتُهُ بَيْضَاءُ. 1256- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: أَعْطَى عُثْمَانُ طَلْحَةَ فِي خِلافَتِهِ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ. 1257- حَدَّثَنِي خَلَفُ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ ابْنِ أَخِي مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: لَقِيتُ عَلِيًّا يَوْمَ الْجَمَلِ، فَأَسْرَعَ إِلَيَّ بِدَابَّتِهِ فَقُلْتُ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ أُسْرِعَ إِلَيْكَ، فَقَالَ: أَحْسَبُ عُثْمَانَ مَنَعَكَ مِنْ إِتْيَانِنَا، فَأَقْبَلْتُ أَعْتَذِرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: لَئِنْ أَحْبَبْتَهُ «4» لَقَدْ كَانَ أَبَرَّنَا وَأَوْصَلَنَا. 1258- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ أَخْبَرَنِي شَرِيكٌ أَخْبَرَنِي بَعْضُ آلِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عثمان قميصا قُوهِيًّا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ. 1259- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ «5» حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ «6» قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ

_ 1255- طبقات ابن سعد 3/ 1: 40- 41 1256- قارن بالرياض النضرة 2: 99 1258- 1259: طبقات ابن سعد 3/ 1: 39

1260- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَجُلٌ، وَكَانَ مِمَّنْ يَحْمَدُ عَلِيًّا وَيَذُمُّ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ لَهُ فَضَائِلَ عُثْمَانَ ثُمَّ قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَاةَ تَبُوكَ فَلَمْ يَلْقَ فِي غَزَاةٍ مِنْ غَزَوَاتِهِ مَا لَقِيَ فِيهَا مِنَ الظَّمَأِ وَالْمَخْمَصَةِ، فَاشْتَرَى عُثْمَانُ طَعَامًا وَأَدَمًا وَمَا يَصْلُحُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقْبِلٌ فَرَفَعَ يَدَيْهِ «1» [وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي رَاضٍ عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ، ثَلاثًا] . 1261- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: أَتَى عُثْمَانُ مَنْزِلَ عَائِشَةَ فَسَأَلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: ذَهَبَ يَبْتَغِي لأَهْلِهِ قوتا فإنّه ما أوقد في أبياته «2» نار مُنْذُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ: [رَحِمَكِ اللَّهُ أَفَلا تُعْلِمِينِي إِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا؟ وَرَجَعَ فَبَعَثَ بِطَعَامٍ وَشَاةٍ إِلَى كُلِّ بَيْتٍ. فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: بَعَثَ بِهِ عُثْمَانُ، فَقَالَ: ابْعَثِي مِنْهُ إِلَى النِّسْوَةِ، فَقَالَتْ: مَا مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ إِلا أَتَاهَا مِثْلَ هَذَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تَنْسَهَا لِعُثْمَانَ] . 1262- حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ لِعَلِيٍّ: إِنَّ هَؤُلاءِ سَيَسْأَلُونَا عَنْ عُثْمَانَ غَدًا فَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: [نَقُولُ «3» ، كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا] . 1263- حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ (923) الْمُقْرِئُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَوْصَى عُثْمَانُ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ فِي الْوَصِيَّةِ، قَالَ عَبَّادٌ: إِنْ يَتَشَهَّدَ الرَّجُلُ فحسن وإن لم يتشهّد فلا بأس.

_ 1260- قارن بالرياض النضرة 2: 99 1261- المصدر السابق وكنز العمال 6: 5843 1262- الرياض 2: 113 1263- طبقات ابن سعد 3/ 1: 41

1264- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ، قَالَ رَجُلٌ لِعُثْمَانَ: إِنَّكَ لأَجْمَلُ النَّاسِ، قَالَ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1265- حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ دَعَا بِهِ وَهُوَ فِي خِرْقَةٍ فَشَمَّهُ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا؟ قَالَ: أُحِبُّ إِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَعَ لَهُ فِي قَلْبِي شَيْءٌ، يَعْنِي «1» مِنَ الْحُبِّ وَالرِّقَّةِ. 1266- الْمَدَائِنِيّ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ، قَالَ: بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بِشَيْءٍ، فَأَبْطَأَ الرَّسُولُ بِالانْصِرَافِ، فَلَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِ قَالَ: [أَرَاكِ جَعَلْتِ تَنْظُرِينَ إِلَى عُثْمَانَ وَرُقَيَّةَ أَيُّهُمَا أَحْسَنُ] . 1267- حَدَّثَنِي عَلانُ الْوَرَّاقُ عَنِ الْجُمَحِيِّ عَنِ ابْنِ دَأْبٍ، قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعَ بْنِ عَنْكَثَةَ الْمَخْزُومِيُّ يَقُولُ: دَخَلْتُ «2» وَأَنَا غُلامٌ وَمَعِي طَائِرٌ أُرِيدُ أَنْ أُرْسِلَهُ وَذَلِكَ فِي الْهَاجِرَةِ وَإِذَا شَيْخٌ نَائِمٌ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ «3» ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ مُتَعَجِّبًا مِن حُسْنِهِ، فَفَتَحَ عَيْنَهُ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا لِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وحلّة، فأمر فألبست الحلّة وأعطيت الألف الدرهم، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ هَذَا أمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ عُثْمَانُ. 1268- حَدَّثَنِي مُصْعَب بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ عَنْ أشياخهم أَن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر قَالَ: لقيني قوم مِمَّن يطعن عَلَى عُثْمَان فحاجوني فحدثتهم بسيرة أبي بكر وعمر وما

_ 1264- قارن بمسند أحمد 1: 72. 1265- طبقات ابن سعد (نفسه) : 40 1266- قارن بكنز العمال 6: 5884

كَانَ منهما مِمَّا لَمْ يعب وعيب عَلَى عُثْمَان فحججتهم حَتَّى كأنهم صبيان يمضغون سخبهم «1» . 1269- وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنِ الْقَاسِمِ الْحَدَّانِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخِي مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ، [قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا وَاللَّهِ عَلَى أَثَرِ الَّذِي أَتَى عُثْمَانُ، لَقَدْ سَبَقَتْ لَهُ فِي اللَّهِ سَوَابِقُ لا يُعَذِّبُهُ بَعْدَهَا أَبَدًا] . 1270- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عن الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أَبِيهِ أَن رجلا كَانَ آنسًا بعثمان، وَكَانَ الرجل من ثقيف، فحد فِي الشراب، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: لَنْ تعود والله إِلَى مجلسي والخلوة معي مَا لَمْ يكن لنا «2» ثالث. 1271- حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ عَنْ عَوْفِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ، قَالَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ مِمَّن قَالَ اللَّهُ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين) (الحجر: 47) .] 1272- وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى حَاطِبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، وَكَانَ قَدِمَ الْبَصْرَةَ مَعَ عَلِيٍّ، أَنَّ عَلِيًّا ذَكَرَ عُثْمَانَ فَقَالَ [وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ (إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون) (الأنبياء: 101) أُولَئِكَ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُ عُثْمَانَ] . 1273- الْمَدَائِنِيّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي حائط مدلّيا رجله «3» في

_ 1269- كنز العمال 6: 5878 1271- الرياض 2: 113 وقارن بابن سعد 3/ 1: 80، 160 1273- قارن بالبخاري 2: 429 وصحيح مسلم 7: 117 (119) والترمذي 2: 297

بِئْرٍ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: [ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَدَلَّى رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَدَلَّى رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ أَيْضًا، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوًى شَدِيدَةٍ سَتَنَالُهُ،] فَدَخَلَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. 1274- الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُضْطَجِعٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبُهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَخَرَجَ، وَدَخَلَ عُمَرُ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَخَرَجَ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَخَرَجَ، (924) ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَصْنَعْ هَذَا بِأَحَدٍ، [فَقَالَ: إِنَّ عُثْمَانَ شَدِيدُ الْحَيَاءِ وَلَوْ رَآنِي عَلَى تلك الحال لا نقبض عَنْ حَاجَتِهِ وَقَصَّرَ فِيهَا] . 1275- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ، [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يُجَهِّزُ هَذَا الْجَيْشِ- يَعْنِي جَيْشَ الْعُسْرَةَ- بِشَفَاعَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِشَفَاعَةٍ «1» مُتَقَبَّلَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ،] قَالَ: أَنَا، فَجَهَّزَهُمْ «2» بِسَبْعِينَ أَلْفًا. 1276- وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [كَيْفَ لا أستحيي ممّن تستحيي منه الملائكة؟] 1277- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ حَدَّثَنَا شُعَيْب بْن حرب أَنْبَأَنَا إسرائيل أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاق عَنْ حارثة بْن مضرب قَالَ: حججت مَعَ عُمَر فسمعت الحادي يَقُول: إنّ الأمير بعده ابن عفّان

_ 1274، 1276: قارن بصحيح مسلم (نفسه) ومسند أحمد 6: 62، 155، 1: 71 وكنز العمال 6: 5839، 5845- 47 ومصنف عبد الرزاق 11: 230، 232

1278- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن هِشَام، حَدَّثَنَا وكيع بْن الجراح عَنِ الأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح قَالَ: كَانَ الحادي يحدو لعثمان «1» فَيَقُولُ: إِنَّ الأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ ... وَفِي الزُّبَيْرِ «2» خَلَفٌ رَضِيَ فَقَالَ كعب: لا بل هو صاحب البغلة الشهباء- يَعْنِي مُعَاوِيَة- فأتى مُعَاوِيَة كعبًا فَقَالَ: يا أبا إِسْحَاق أنى يَكُون هَذَا وَهَؤُلاءِ أَصْحَاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَنْتَ صاحبها يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ. 1279- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن أسامة أنبأنا إسماعيل ابن أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي سَهْلَةَ «3» مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي [مَرَضِهِ: وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي بَعْضَ أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أندعو «4» لك أبا بكر؟ فاسكت، فقلت: أندعو لك عمر؟ فأسكت، فَقُلْتُ: أَنَدْعُو لَكَ عُثْمَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَوْتُهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَبَاعَدِي. وَجَاءَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ «5» فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَهُ قَوْلا وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قِيلَ لِعُثْمَانَ: أَلا تُقَاتِلُ؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا وَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ «6» ، قَالَ أَبُو سَهْلَةَ: فَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِمَّا كَانَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ] . 1280- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ «7» عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ عثمان محبّبا في قريش، قال القائل:

_ 1278- الطبري 1: 2946- 47 والبدء والتاريخ 5: 208 وابن الأثير 3: 123 1279- طبقات ابن سعد 3/ 1: 46 وقارن بالطبري 1: 3020 والترمذي 2: 297 وكنز العمال 6: 5900 1280- المعارف: 192 والعقد 4: 285

أحبك والرحمن ... حب قريش عُثْمَان إِذَا دعا بالميزان 1281- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالِد بْن سَعِيد الأموي قَالَ: تزوج سَعِيد بْن العاص بْن أَبِي أحيحة هند بنت الفرافصة بْن الأحوص «1» الكلبي، فبلغ ذَلِكَ عُثْمَان فكتب إِلَيْهِ إِن كَانَ لَهَا أخت أَن يخطبها عَلَيْهِ، فبعث سَعِيد إِلَى الفرافصة بْن الأحوص «2» الكلبي، وَكَانَ نصرانيًا، أَن زوج أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ابنتك فَقَدْ ذكرها، فَقَالَ لضب بْن الفرافصة: زوجها أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فإنك عَلَى دينه، فزوجه نائلة، وَقَالَ لَهَا الفرافصة: إنك تقدمين عَلَى نساء من قريش هن أقدر «3» عَلَى العطر منك فلا تغلبي عَلَى الكحل والماء، تطهري حَتَّى يَكُون ريحك ريح شنة أصابها قطر، فَقَالَتْ حِينَ حملت إِلَى الْمَدِينَةِ: ألست ترى يا ضب بالله أنني ... مصاحبة نَحْو الْمَدِينَةِ أركبا أريد «4» أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أَخَا التقى ... وخير قريش منصبًا ثُمَّ مركبا (925) وَكَانَ عُثْمَان مهرها عشرة آلاف درهم وأعطاها كيسان أبا سليم وامرأته رمانة، وَهِيَ من سبي كرمان، فأعتقتها «5» نائلة وَهُوَ خرج معها إِلَى الشام بَعْد عُثْمَان، ويقال إنه من موالي كلب، قدم معها ثُمَّ خرج إِلَى الشام معها. فلما دخلت عَلَى عُثْمَان جلس عَلَى سرير وأجلست عَلَى سرير ثُمَّ وضع قلنسوته فبدت صلعته فَقَالَ: لا تكرهن «6» مَا ترين من صلعي فَإِن وراءه مَا تحبين، فَقَالَتْ: إني من نسوة أحب بعولتهن إليهن الشيخ السيد، قَالَ: إِمَّا أَن تقومي «7» إِلَى أو أقوم إليك، فقالت: مَا تجشمت من مسافة السماوة أبعد من عرض

_ 1281- الأغاني 16: 248، 249 وربيع الأبرار: 390/ أوعيون الأخبار 4: 46 ومحاضرات الراغب 2: 90

الْبَيْت «1» ، ثُمَّ قامت فجلست إِلَى جانبه فمسح رأسها ودعا لَهَا ثُمَّ قَالَ: اطرحي ملحفتك، فطرحتها، ثُمَّ قَالَ: اطرحي خمارك، فطرحته، ثُمَّ قَالَ: اطرحي درعك، فطرحته، ثُمَّ قَالَ: اطرحي إزارك، فقالت: أنت وذاك، فلم تزل عنده حَتَّى قتل، فلما دَخَلَ عَلَيْهِ أهل مصر، وكانت عظيمة العجيزة، ضرب رجل مِنْهُم بيده عَلَى أليتها فَقَالَتْ: أشهد أنك فاسق وأنك لَمْ تأت غضبا لِلَّهِ ولا محاماة عَنِ الدين، وذهب بَعْضهم ليضرب عُثْمَان فاتقته بيدها فقطع السَيْف إصبعين من أَصَابِعها، وولدت لعثمان مريم، فتزوّجها عمرو ابن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وكانت مريم سيئة الخلق، فكانت تقول لَهُ: جئتك بردا وسلامًا، فَيَقُولُ: قَدْ أفسد بردك وسلامك سوء خلقك، وخطب مُعَاوِيَة «2» نائلة وألح عَلَيْهَا، فنزعت ثنيتين من ثناياها فأمسك عَنْهَا، وولدت لعثمان أم أبان وأم خَالِد وأروي أيضًا «3» ، وَقَالَتْ نائلة حِينَ قتل عُثْمَان «4» : وَمَا لي لا أبكي وأبكي «5» قرابتي ... وَقَدْ نزعت منا فضول أَبِي عَمْرو إِذَا جئته يومًا ترجي نواله ... بدت لَك سيماه بأبيض كالبدر 1282- قَالَ: وَكَانَ جندب بْن عَمْرو بْن حممة الدوسي قدم الْمَدِينَةَ مهاجرًا ثُمَّ أتى الشام غازيًا وخلّف ابنته عند عمر بن الْخَطَّاب وَقَالَ: إِن حدث بي حدث فزوجها كفؤا ولو بشراك نعله، فكان يدعوها ابنتي وتدعوه أَبِي، فلما استشهد أبوها قَالَ عُمَر: من يتزوج الجميلة الحسيبة «6» ؟ فَقَالَ عُثْمَان: أنا، فزوجه إياها عَلَى صداق بذله، فأتاها بِهِ عُمَر فوضعه فِي حجرها، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟ قَالَ مهرك، فنفحت بِهِ، فأمر حفصة فأصلحت من شأنها، ودخل بِهَا عُثْمَان فولدت لَهُ. وَكَانَ يَقُول: مَا شَيْء أحببته فِي امْرَأَة إلا وهو

_ 1282- الأغاني 1: 153، 383

فِيهَا، وتزوج عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ ابنة شيبة بْن ربيعة عَلِي ثلاثين ألفًا ويقال أربعين ألفًا، وتزوج ابنة خَالِد بْن أسيد على أربعين ألفا «1» ، وتزوّج أم عَبْد اللَّهِ بِنْت الْوَلِيد بْن عَبْد شمس بْن الْمُغِيرَةِ عَلَى ثلاثين ألفًا، وخطب فاطمة بِنْت عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه بَعْد وفاة عُمَر وأصدقها مائة ألف، فَقَالَ ابْن عُمَر: إِن ابْن عمها أحق بِهَا، فزوجها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بْن الْخَطَّاب. وتزوّج ابنة عيينة على خمسمائة دِينَار. 1283- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُثْمَانَ شَكَا عَلِيًّا إِلَى الْعَبَّاسِ فَقَالَ لَهُ: يَا خَالُ إِنَّ عَلِيًّا قَدْ قَطَعَ رَحِمِي وَأَلَّبَ النَّاسَ عَلِيَّ «2» ، وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَقْرَرْتُمْ هَذَا الأَمْرَ فِي أَيْدِي بَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٍّ فَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ (926) أَحَقُّ أَنْ لا تُنَازِعُوهُمْ فِيهِ وَلا تَحْسُدُوهُمْ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ: فَأَطْرَقَ أَبِي طويلا ثم قال: يا ابن أُخْتِ، لَئِنْ كُنْتَ لا تَحْمَدُ عَلِيًّا فَمَا نَحْمَدُكَ «3» لَهُ، وَإِنَّ حَقَّكَ فِي الْقَرَابَةِ وَالإِمَامَةِ «4» لَلْحَقُّ الَّذِي لا يُدْفَعُ وَلا يُجْحَدُ، فَلَوْ رَقِيتَ فِيمَا تَطَأْطَأَ أَوْ تَطَأْطَأْتَ مَا يَرْقَى تقاربتما، وكان ذلك أوصل وأجمل، قال: قد صَيَّرْتُ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَيْكَ، فَقَرِّبِ الأَمْرَ بَيْنَنَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ فَأَزَالَهُ عَنْ رَأْيِهِ فَمَا لَبِثْنَا أَنْ جَاءَ أَبِي رَسُولُ عُثْمَانَ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: يَا خَالُ، أُحِبُّ أَنْ تُؤَخِّرَ النَّظَرَ فِي الأَمْرِ الَّذِي أَلْقَيْتُ إِلَيْكَ حَتَّى أَرَى مِنْ رَأْيِي، فَخَرَجَ أَبِي مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَيْسَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسْبِقْ بِي الْفِتَنَ وَلا تُبْقِنِي إِلَى مَا لا خَيْرِ لِي فِي الْبَقَاءِ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَتْ جُمُعَةٌ حَتَّى هَلَكَ. 1284- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو داود الطيالسي عن شعبة

_ (1) وتزوج ابنة خالد ... ألفا: سقط من م وهو بهامش ط. (2) ط م س: ابنك عليّ، وفوق الكلمة الأولى ضبّة خطأ في ط. (3) قراءة م (والنون) غير معجمة في ط) . (4) م: والأمانة.

عن عمرو بن مرة عن ذكوان عن صهيب مولى الْعَبَّاس أَن الْعَبَّاس قَالَ لعثمان: أذكرك اللَّه فِي أمر ابْن عمك وابن خالك وصهرك وصاحبك مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ بلغني أنك تريد أَن تقوم بِهِ وبأَصْحَابه، فَقَالَ: أول مَا أجيبك بِهِ أني قَدْ شفعتك، إِن عليا لو شاء لَمْ يكن أحد عندي إلا دونه، ولكنه أبى إلا رأيه، ثُمَّ قَالَ لعلي مثل قَوْله لعثمان فَقَالَ [عَلِي: لو أمرني عُثْمَان أَن أخرج من داري لخرجت] . 1285- وجدت فِي كتاب لعبد اللَّه بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ: ذكروا أَن عُثْمَان نازع الزُّبَيْر، فَقَالَ الزُّبَيْر: إِن شئت تقاذفنا، فَقَالَ عُثْمَان: بماذا؟ بالبعر يا أبا عَبْد اللَّهِ؟ قَالَ: لا والله ولكن بطبع خباب وريش المقعد، وَكَانَ خباب يطبع السيوف وَكَانَ المقعد يريش النبل. 1286- حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ جده مُحَمَّد بْن السائب عَنْ مُحَمَّد بْن سهل بْن سَعْد الساعدي قَالَ: تنازع عَلِي وطلحة فِي شرب، فكان عَلِي يحب إقراره وَكَانَ طَلْحَةُ يحب إبطاله، فاختصما إِلَى عُثْمَان، فركب معهما إِلَى الشرب، ووافاهم مُعَاوِيَة قادمًا من الشام فأدركته المنافية فَقَالَ: إِن كَانَ هَذَا الشرب مقرا فِي خلافة عُمَر فمن ذا يغير شَيْئًا أقره عُمَر؟ فلقنها عُثْمَان فَقَالَ: هَذَا شرب لَمْ يغيره عُمَر ولسنا بمغيري مَا أقره عُمَر، فَقَالَ طَلْحَةُ: وماذا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ من أمر عُمَر؟ 1287- الْمَدَائِنِي قَالَ: وقع بَيْنَ سالم بْن دارة- وَهِيَ أمه وابوه مسافع بْن عقبة من بَنِي عَبْد اللَّهِ بْن غطفان- وبين زميل بْن أبير الفزاري- وَهُوَ ابْن أم دِينَار- كَلام، فضربه فجرحه زميل، فأدخل الْمَدِينَةَ وحمل إِلَى عُثْمَان، فأمر عُثْمَان الطبيب فنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: لا عمق «1» للجراحة، فأمر أَن يداوى، فدسّت ابنة عيينة «2» امرأة عثمان الى الطبيب دنانير فذرّ

_ 1285- تاج العروس 1: 228 (خبب) . 1287- قارن بالحماسة 1: 203- 206 (التبريزي) وجمهرة الزبير: 9 وانظر خبر ابن دارة في الخزانة 1: 289 والشعر والشعراء: 315 والاصابة 3: 161 والأغاني 21: 54 والمؤتلف: 166 والسمط: 688، 862

أمر الشورى وبيعة عثمان رضي الله تعالى عنه:

عَلَى جرحه سما فانتقض فمات، ويقال: أعطى منظور «1» الطبيب دينارين فسم جرحه، فَقَالَ لأبيه وَهُوَ بالموت: أبلغ أبا سالم عني مغلغلة ... فلا تكونن «2» أدنى الْقَوْم للعار لا تأخذن مائة عنّي «3» موسّمة ... ولو أتاك بها تخدي «4» ابْن سيار أمر الشورى وبيعة عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: 1288- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عن الواقدي عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ (927) عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: أَنَّ رِجَالا يَقُولُونَ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كانت فلتة وقى اللَّه شرها، وإن بيعة عُمَر كانت عَنْ غَيْر مشورة، والأمر بعدي شورى، فَإِذَا اجتمع رأى أربعة فليتبع الاثنان الأربعة وإذا اجتمع رأى ثلاثة وثلاثة فاتبعوا رأى عَبْد الرَّحْمَنِ «5» ، فاسمعوا وأطيعوا، وإن صفق عَبْد الرَّحْمَنِ بإحدى يديه عَلِي الأخرى فاتبعوه. 1289- وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ الْيَعْمَرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي وَلا أَرَاهُ إِلا حُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ قَوْمًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضِيعَ دِينَهُ وَخِلافَتَهُ وَالَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ، فَإِنْ عَجِلَ بِيَ الأَمْرُ فَالْخِلافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَقَدْ عَلِمْتُ أنّه سَيَطْعَنُ فِي الأَمْرِ أَقْوَامٌ أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي عَلَى الإِسْلامِ، فَإِن فَعَلُوا فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الضالّون.

_ 1288- قارن بطبقات ابن سعد 3/ 1: 42 1289- طبقات ابن سعد (نفسه) ومسند أحمد 1: 48 والورقة 915/ أ (من س) .

1290- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لِعُمَرَ يَوْمَ طُعِنَ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلا ثُمَّ قَالَ (، قَالَ عُمَرُ) : ادْعُوا لِي عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرحمن «1» ابن عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ غَيْرَ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، لَعَلَّ هَؤُلاءِ سَيَعْرِفُونَ لَكَ قَرَابَتَكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِهْرِكَ وَمَا أَنَالَكَ «2» اللَّهُ مِنَ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ، فَإِنَّ وُلِّيتَ هَذَا الأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ فِيهِ «3» ، ثُمَّ دَعَا بِعُثْمَانَ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، لَعَلَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ يَعْرِفُونَ لَكَ صِهْرَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَسِنَّكَ، فَإِنْ وُلِّيتَ هَذَا الأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَلا تَحْمِلْ آلَ أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي صُهَيْبًا، فَدُعِيَ، فَقَالَ: صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلاثًا وَلْيُخْلَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ فِي بَيْتٍ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْهُم فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَاضْرِبُوا رَأْسَهُ. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ عُمَرَ قَالَ: إِنْ وَلُّوهَا الأَجْلَحَ «4» سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا. 1291- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ عُمَرُ: لا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِأُمَّةِ «5» مُحَمَّدٍ- وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُطْعَنَ- فَقُلْتُ: وَلِمَ «6» تَهْتَمُّ وَأَنْتَ تَجِدُ مَنْ تَسْتَخْلِفُهُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: أَصَاحِبُكُمْ؟ يَعْنِي عَلِيًّا، قُلْتُ: نَعَمْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا فِي قرابته برسول الله صلى الله عليه وسلم وَصِهْرِهِ وَسَابِقَتِهِ وَبَلائِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ فِيهِ بَطَالَةً وَفُكَاهَةً، قُلْتُ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ طَلْحَةَ؟ قَالَ: فَأَيْنَ الزَّهْوُ وَالنَّخْوَةُ؟ قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ عَلَى ضَعْفٍ فِيهِ، قُلْتُ: فَسَعْدٌ، قَالَ: ذَاكَ صَاحِبُ مقنب وقتال لا يقوم بقرية لو حمّل

_ 1290- طبقات ابن سعد: 246 والورقة 917/ أ (من النسخة س) .

أَمْرَهَا، قُلْتُ: فَالزُّبَيْرُ، قَالَ لَقِسٌ مُؤْمِنُ الرِّضَى كَافِرُ الْغَضَبِ شَحِيحٌ، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَصْلُحُ إِلا لِقَوِيٍّ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، رَفِيقٍ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ، جَوَادٍ فِي غَيْرِ سَرَفٍ، قُلْتُ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عُثْمَانَ؟ قَالَ: لَوْ وَلِيَهَا لَحَمَلَ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَلَوْ فَعَلَهَا لَقَتَلُوهُ. 1292- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد عن الواقدي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ مِنْ يَسْتَخْلِفُ فَقِيلَ: أَيْنَ أَنْتَ عَنْ عُثْمَانَ؟ قَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَحَمَلَ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، قِيلَ: الزُّبَيْرُ، قَالَ: مُؤْمِنٌ الرِّضَى كَافِرُ الْغَضَبِ، قِيلَ: طَلْحَةُ، قَالَ: أَنْفُهُ فِي السَّمَاءِ (928) وَاسْتُهُ فِي الْمَاءِ، قِيلَ: سَعْدٌ، قَالَ: صَاحِبُ مِقْنَبٍ، قريَةٌ لَهُ كَثِيرٌ، قِيلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: بِحَسْبِهِ أَنْ يُجْرِيَ أَهْلَ بَيْتِهِ. 1293- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُصَيْنِ عَنْ عَمْرِو «1» بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الشُّورَى إِلَى سِتَّةٍ وَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَعَكُمْ وَلَيْسَ مَعَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ. 1294- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ، سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى رَجُلٍ «2» بَرٍّ تَقِيٍّ أُوَلِّيهِ؟ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَنَا أَدُلُّكَ عَلَيْهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر، قَالَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا اللَّهَ أَرَدْتَ بِهَا. قَالَ هِشَامٌ: وَبَلَغَنَا أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا وَلِيَ الْخِلافَةَ قَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ وَلِيَ غَيْرُكَ مَا بَايَعْتُهُ، فقال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: كَذَبْتَ يَا أَعْوَرُ، لَوْ وَلِيَ غَيْرُهُ لَبَايَعْتَهُ وَلَقُلْتَ لَهُ مِثْلَ هذا القول.

_ 1293- الورقة 912/ أ (من النسخة س) . 1294- قارن بطبقات ابن سعد: 248 وابن الأثير 3: 50 وبعضه بالطبري 1: 2787

1295- وَفِي رواية الْوَاقِدِيِّ أَن عَمْرو بْن العاص تطاول ليدخل فِي الشورى فَقَالَ لَهُ عُمَر: اطمئن كَمَا وضعك اللَّه، لا أجعل فِيهَا أحدا حمل السلاح عَلَى نبي الله. 1296- حدثنا محمد بن سعد حدثني شهاب بن عبّاد «1» حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: أُخْبِرْنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَلِيٍّ: إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَلا تَحْمِلَنَّ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَقَالَ لِعُثْمَانَ: إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَلا تَحْمِلَنَّ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ. 1297- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا طُعِنَ قَالَ: لِيُصَلِّ صُهَيْبٌ ثَلاثًا وَتَشَاوَرُوًا فِي أَمْرِكُمْ وَالأَمْرُ إِلَى هَؤُلاءِ السِّتَّةِ، فَمَنْ نَغِلَ بِأَمْرِكُمْ «2» فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ. 1298- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ «3» عَنْ نَافِعٍ «4» عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ عُمَرُ: لِيَتَّبِعِ الأَقَلُّ الأَكْثَرَ، فَمَنْ خَالَفَكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ. 1299- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ الْمِسوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَحِيحٌ يُسْأَلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فَيَأْبَى ذَلِكَ، ثُمَّ صَعدَ الْمِنْبَرَ فَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ ثُمَّ قَالَ: إِنْ متّ فأمركم إلى هؤلاء الستّة النفر الذين فَارَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُم رَاضٍ: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَنَظِيرِهِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَنَظِيرِهِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَنَظِيرِهِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، أَلا وَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي الْحُكْمِ وَالْعَدْلِ في القسم.

_ 1295- الورقة 920/ أ (من النسخة س) . 1296- طبقات ابن سعد: 249 1297- طبقات ابن سعد: 42 ونهاية ابن الأثير (بعل) . 1299- 1300: طبقات ابن سعد: 41- 42

1300- وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عَنْ أَبِي مخنف فِي إِسْنَادِهِ أَن عُمَر ابن الْخَطَّاب أمر صهيبًا مولى عَبْد اللَّهِ بْن جدعان حِينَ طعن أَن يجمع إِلَيْهِ وجوه المهاجرين والأنصار، فلما دخلوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ إني قَدْ جعلت أمركم شورى إِلَى الستة نفر المهاجرين الأولين الَّذِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو عنهم راض ليختاروا أحدهم لإمامتكم، وسماهم، ثُمَّ قَالَ لأبي طَلْحَةَ زَيْد بْن سهل الخزرجي: اختر خمسين رجلا من الأنصار يكونون معك فَإِذَا توفيت فاستحث هَؤُلاءِ النفر حَتَّى يختاروا لأنفسهم وللأمة أحدهم ولا يتأخرن «1» عَنْ أمرهم فَوْقَ ثَلاث. وأمر صهيبًا أَن يصلي بالناس إِلَى أَن يتفقوا عَلَى إمام، وَكَانَ طَلْحَةُ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ غائبًا فِي ماله بالسراة فَقَالَ عُمَر: إِن قدم طَلْحَةُ فِي الثلاثة الأيام وإلا فلا تنتظروه «2» بعدها وأبرموا الأمر واصرموه وبايعوا من تتفقون عَلَيْهِ، فمن خالف عليكم فاضربوا عنقه، قَالَ: فبعثوا إِلَى طَلْحَةَ رسولًا يستحثونه ويستعجلونه بالقدوم فلم يرد الْمَدِينَةَ إلا بَعْد وفاة عُمَر والبيعة لعثمان، فجلس فِي بيته وَقَالَ: (929) أعلى مثلي يفتأت؟ فأتاه عُثْمَان فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: إِن رددت الأمر أترده؟ قَالَ: نعم قَالَ: فإني أمضيته، فبايعه، وَقَدْ قَالَ بَعْض الرواة إِن طَلْحَةَ كَانَ حاضرًا لوفاة عُمَر والشورى، وَالأَوَّل أثبت. 1301- وَقَالَ أَبُو مخنف: أمر عُمَر أَصْحَاب الشورى أَن يتشاوروا فِي أمرهم ثلاثًا فَإِن اجتمع اثنان عَلَى رجل واثنان عَلَى رجل واثنان عَلَى رجل رجعوا فِي الشورى، فَإِن اجتمعوا أربعة عَلَى واحد وأباه واحد كَانُوا مَعَ الأربعة، وإن كَانُوا ثلاثة (وثلاثة) كَانُوا مَعَ الثلاثة الَّذِينَ فيهم ابْن عوف، إذ كَانَ الثقة فِي دينه ورأيه الْمَأْمُون عَلَى الاختيار للمسلمين. 1302- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الواقدي عَنْ إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم من ولد عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة أَن عَبْد اللَّهِ قَالَ: إِن بايعتم عليا سمعنا وعصينا وإن بايعتم عُثْمَان سمعنا وأطعنا، فاتق اللَّه يا ابن عوف.

_ 1301- قارن بابن سعد: 42 1302- قارن بالطبري 1: 2785

1303- وَحَدَّثَانِي عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنِ اجْتَمَعَ رَأْيُ ثَلاثَةٍ وَثَلاثَةٍ فَاتَّبِعُوا صِنْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا. 1304- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ عَلِيًّا شكا إِلَى عمه الْعَبَّاس مَا سمع من قَوْل عُمَر «كونوا مَعَ الَّذِينَ فيهم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف» [وَقَالَ: والله لَقَدْ ذهب الأمر منا، فَقَالَ الْعَبَّاس: وكيف قُلْت ذَلِكَ يا ابْن أَخِي؟ فَقَالَ: إِن سعدًا لا يخالف ابْن عمه عَبْد الرَّحْمَنِ، وعَبْد الرَّحْمَنِ نظير عُثْمَان وصهره، فأحدهما لا يخالف صاحبه لا محالة، وإن كَانَ الزُّبَيْر وطلحة معي فلن أنتفع بِذَلِكَ إذ كَانَ ابْن عوف فِي الثلاثة الآخرين،] وَقَالَ ابْن الكلبي: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف زوج أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وأمها أروي بنت كريز وأروي أم عُثْمَان فلذلك قَالَ صهره. 1305- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ بالسراة فِي أمواله وافى الموسم ثُمَّ أتى أمواله وانحدر عُمَر، فلما طعن وذكره في الشورى، بعث إليه رسول مسرع، فأقبل مسرعًا فوجد النَّاس قَدْ بايعوا لعثمان، فجلس فِي بيته وَقَالَ: مثلي لا يفتأت عَلَيْهِ، ولقد عجلتم وأنا عَلَى أمري، فأتاه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فعظم عَلَيْهِ حرمة الإِسْلام وخوفه الفرقة. 1306- حَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّد بْن زَيْد أَن طَلْحَةَ لما قدم أتاه عُثْمَان فسلم عَلَيْهِ، فَقَالَ طَلْحَةُ: يا أبا عَبْد اللَّهِ، أرأيت إِن رددت الأمر أترده حَتَّى يَكُون فينا «1» عَلَى شورى؟ قَالَ «2» عُثْمَان: نعم يا أبا مُحَمَّد، قَالَ طَلْحَةُ: فإني لا أرده، فَإِن شئت بايعتك فِي مجلسك وإن شئت ففي الْمَسْجِد، فبايعه، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ ابن سعد بن أبي سرح: مازلت خائفًا لأن ينتقض «3» هَذَا الأمر حَتَّى كَانَ من طلحة ما

_ 1303- طبقات ابن سعد: 42 وما تقدم ف: 1288

كَانَ فوصلته رحم. وَلَمْ يزل عُثْمَان مكرمًا لطلحة حَتَّى حصر، فكان طَلْحَةُ أشد النَّاس عَلَيْهِ. 1307- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ، قَالَ عُمَر قبل أَن يموت بساعة: يا أبا طَلْحَةَ كن فِي خمسين من الأنصار من قومك مَعَ أَصْحَاب الشورى ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث من وفاتي حَتَّى يؤمروا أحدهم، قَالَ: فلما قبض عُمَر وافى أَبُو طَلْحَةَ فِي أَصْحَابه فلزم أَصْحَاب الشُّورَى، فَلَمَّا جَعَلُوا أَمْرَهُمْ إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف ليختار لَهُمْ لزم بَاب عَبْد الرَّحْمَنِ حَتَّى بايع عُثْمَان. 1308- وَفِي رواية أَبِي مخنف أَن عليا خاف أَن يجتمع أمر عَبْد الرَّحْمَنِ وعثمان وسعد فأتى سعدًا ومعه الْحَسَن والحسين (930) فَقَالَ لَهُ: [يا أبا إِسْحَاق إني لا أسألك أَن تدع حق ابْن عمك بحقي أَوْ تؤثرني «1» عَلَيْهِ فتبايعني وتدعه، ولكن إِن دعاك إِلَى أَن تكون لَهُ ولعثمان ثالثًا «2» فأنكر ذَلِكَ فإني أدلي إليك من القرابة والحق بِمَا «3» لا يدلي بِهِ عُثْمَان، وناشده بالقرابة بينه وبين الْحَسَن والحسين وبحق آمنة أم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،] فَقَالَ سَعْد: لَك مَا سألت، وأتى سَعْد عَبْد الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ: هلم فلنجتمع «4» ، فَقَالَ سَعْد: إِن كنت تدعوني والأمر لَك وَقَدْ فارقك عُثْمَان عَلَى مبايعتك كنت معك، وإن كنت إِنَّمَا تريد لعثمان فعلي أحق بالأمر وأحب إِلَى من عُثْمَان، قَالَ: وأتاهم أَبُو طَلْحَةَ فاستحثهم وألح عَلَيْهِم، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: يا قوم أراكم تتشاحون عَلَيْهَا وتؤخرون إبرام هَذَا الأمر، أفكلكم رحمكم اللَّه يرجو أَن يَكُون خليفة؟ ورأى أَبُو طَلْحَةَ مَا هُمْ فِيهِ فبكى وَقَالَ: كنت أظن بِهِمْ خلاف هَذَا الحرص، إِنَّمَا كنت أخاف أَن يتدافعوها.

_ 1307- طبقات ابن سعد: 42 والورقة 921 ب (من س) . 1308- قارن بالطبري 1: 2783

1309- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن عقبة عَنْ موسى بْن عقبة عَنْ مكحول قَالَ: لَمْ يكن سَعْد فِي الشورى، قَالَ وَحَدَّثَنِي ابْن أَبِي ذئب عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمْ يكن سَعْد فِي الشورى. 1310- الْمَدَائِنِي عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري وابن جعدبة أَن عُمَر أدخل ابنه عَبْد اللَّهِ فِي الشورى عَلَى أَنَّهُ خارج من الخلافة وليس لَهُ إلا الاختيار فَقَط، قَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: وَلَمْ يجتمع عَلَى ذَلِكَ. 1311- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مخنف فِي إسناد لَهُ قَالَ: لما دفن عُمَر أمسك أَصْحَاب الشورى وأبو طَلْحَةَ يومهم فلم يحدثوا شَيْئًا، فلما أصبحوا جعل أَبُو طَلْحَةَ يحوشهم للمناظرة فِي دار المال، وَكَانَ دفن عُمَر يَوْم الأحد وَهُوَ اليوم «1» الرابع من يَوْم طعن وصلى عَلَيْهِ صهيب بْن سنان، قَالَ: فلما رأى عَبْد الرَّحْمَنِ طول تناجي الْقَوْم وتناظرهم وأن كُل واحد مِنْهُم يدفع صاحبه عَنْهَا قَالَ لَهُمْ: يا هَؤُلاءِ، أنا أخرج نفسي وسعدا من الأمر على أن أختار يا معشر «2» الأربعة أحدكم، فَقَدْ طال التناجي وتطلع النَّاس إِلَى معرفة خليفتهم وإمامهم واحتاج من أقام لانتظار ذَلِكَ من أهل البلدان إِلَى الرجوع إِلَى أوطانهم، فأجابوا إِلَى مَا عرض عَلَيْهِم إلا عليا فَإِنَّهُ قَالَ: أنظر. وأتاهم أَبُو طَلْحَةَ فأخبره «3» عَبْد الرَّحْمَنِ بِمَا عرض وبإجابة الْقَوْم إياه إلا عليا، فأقبل أَبُو طَلْحَةَ عَلَى عَلِي فَقَالَ: يا أبا الْحَسَن، إِن أبا مُحَمَّد ثقة لَك وللمسلمين فَمَا بالك تخالفه وَقَدْ عدل الأمر عَنْ نَفْسه فلن يتحمل المأثم لغيره؟ فأحلف عَلِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف أَن لا يميل إِلَى هوى وأن يؤثر الحقّ وأن يجتهد «4» للأمة وأن لا يحابى ذا قرابة، فحلف لَهُ، فَقَالَ: اختر مسددًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي دار المال ويقال فِي دار المسور بْن مخرمة، ثم إنّ عبد

_ 1311- قارن باليعقوبي 2: 186 والطبري 1: 2786، 2794

الرَّحْمَنِ أحلف رجلا رجلا مِنْهُم بالأيمان المغلظة وأخذ عَلَيْهِم المواثيق والعهود أنهم لا يخالفون إِن بايع مِنْهُم رجلًا وأن يكونوا مَعَهُ عَلَى من يناويه، فحلفوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أخذ بيد عَلِي فَقَالَ لَهُ: عليك عهد اللَّه وميثاقه إِن بايعتك أَن لا تحمل بَنِي عَبْد الْمُطَّلِبِ عَلَى رقاب النَّاس ولتسيرن بسيرة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تحول عَنْهَا ولا تقصر فِي شَيْء منها، فَقَالَ عَلِي: [لا أحمل عهد اللَّه وميثاقه عَلَى مَا لا أدركه ولا يدركه أحد، من ذا يطيق سيرة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ولكني أسير من سيرته بِمَا يبلغه الاجتهاد مني وبما يمكنني وبقدر علمي،] فأرسل عَبْد الرَّحْمَنِ يده. ثُمَّ أحلف عُثْمَان وأخذ عَلَيْهِ العهود والمواثيق أَن لا يحمل بَنِي أمية عَلَى (931) رقاب النَّاس وعلى أَن يسير بسيرة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر وَعُمَرَ ولا يخالف «1» شَيْئًا من ذَلِكَ، فحلف لَهُ، فَقَالَ عَلِي: قَدْ أعطاك أَبُو عَبْد اللَّهِ الرضا فشأنك فبايعه. ثُمَّ إِن عَبْد الرَّحْمَنِ عاد إِلَى عَلِي فأخذ بيده وعرض عَلَيْهِ أَن يحلف بمثل تلك اليمين أَن لا يخالف سيرة رَسُول اللَّهِ وأبي بَكْر وعمر، فَقَالَ عَلِي: [عَلِي الاجتهاد،] وعثمان يَقُول: ونعم، عَلِي عهد اللَّه وميثاقه وأشد مَا أخذ عَلَى أنبيائه أَن لا أخالف سيرة رَسُول اللَّهِ وأبي بَكْر وعمر فِي شَيْء ولا أقصر عَنْهَا، فبايعه عَبْد الرَّحْمَنِ وصافقه وبايعه أَصْحَاب الشورى وَكَانَ عَلِي قائمًا فقعد، فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ: بايع وإلا ضربت عنقك، وَلَمْ يكن مَعَ أحد يَوْمَئِذٍ سَيْف غيره، فيقال إِن عليا خرج مغضبا فلحقه أَصْحَاب الشورى وَقَالُوا: بايع وإلا جاهدناك، فأقبل معهم يمشي حَتَّى بايع عُثْمَان. 1312- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أبيه عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عليا أول من بايع عُثْمَان من أَصْحَاب الشورى بَعْد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف، لَمْ يتلعثم. 1313- مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى الْعَبَّاسِ فقال له: إنّي ما

_ 1312- قارن بابن سعد: 43 1313- قارن بالطبري 1: 2780

قَدَّمْتُكَ قَطُّ إِلا تَأَخَّرْتَ، قُلْتُ لَكَ: هَذَا الْمَوْتُ بَيِّنٌ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ فَتَعَالَ نَسْأَلُهُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، فَقُلْتَ: أَتَخَوَّفُ أَنْ لا يَكُونَ فِينَا فَلا نُسْتَخْلَفُ أَبَدًا، ثُمَّ مَاتَ وَأَنْتَ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: تَعَالَ أُبَايِعكَ فَلا يُخْتَلَف عَلَيْكَ، فَأَبَيْتَ، ثُمَّ مَاتَ عُمَرُ فَقُلْتُ لَكَ: قَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ يَدَيْكَ فَلَيْسَ لأَحَدٍ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ فَلا تَدْخُلْ فِي الشُّورَى عَسَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا. 1314- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ حِينَ طُعِنَ عُمَرُ: الْزَمْ بَيْتَكَ وَلا تَدْخُلْ فِي الشُّورَى فَلا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ اثْنَانِ. 1315- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمُكْتِبِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ «1» أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ عثمان: عبد الرحمن ابن عَوْفٍ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. 1316- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَارَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْكُوفَةِ حِينَ اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ فِي ثَمَانٍ فَحَمِدَ «2» اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَاتَ فَلَمْ نَرَ «3» يَوْمًا كَانَ أَكْثَرَ نَشِيجًا مِنْ يَوْمِهِ، وَإِنَّا اجْتَمَعْنَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَلَمْ «4» نَأْلُ عَنْ خَيْرِنَا ذَا فَوْقٍ فبايعنا عثمان بن عفّان فَبَايَعُوهُ. 1317- حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة الضرير عَنِ الأَعْمَش عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن سنان قَالَ، قَالَ عَبْد اللَّهِ حِينَ استخلف عُثْمَان: مَا ألونا أعلانا ذا فَوْقَ. 1318- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة وعبيد اللَّه بْن موسى والفضل بْن

_ 1315- طبقات ابن سعد: 42 1316- المصدر نفسه: 43 ونهاية ابن الأثير (فوق) . 1317- 1319: طبقات ابن سعد (نفسه) .

دكين عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن ميسرة عَنِ النزال بْن سبرة قَالَ، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: استخلفنا خير من بقي وَلَمْ نأل. 1319- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: بويع عُثْمَان يَوْم الأثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين واستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين، ووجه فِي سنة أربع وعشرين للحج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فحج بالناس، ثُمَّ حج عُثْمَان فِي خلافته كلها عشر سنين إِلَى السنة الَّتِي حوصر فِيهَا، ووجه فِي تلك السنة عَلَى الموسم وَهِيَ سنة خمس وثلاثين عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ فحج بالناس. 1320- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الواقدي، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا بُويِعَ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ (932) فَخَطَبَ فَحَمدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَوَّلَ مَرْكَبٍ صَعْبٌ وَإِنَّ بَعْدَ الْيَوْمِ أَيَّامًا وَإِنْ أَعِشْ تَأْتِكُمُ الْخُطْبَةُ عَلَى وَجْهِهَا فَمَا كُنَّا خُطَبَاءَ وَسَيُعَلِّمُنَا اللَّهُ. 1321- وروي أَبُو مخنف أَن عُثْمَان لما صعد المنبر قَالَ: أيها النَّاس، إِن هَذَا مقام لَمْ أزور لَهُ خطبة ولا أعددت لَهُ كلامًا وسنعود فنقول إِن شاء اللَّه. 1322- الْمَدَائِنِي عَنْ غياث بْن إِبْرَاهِيم أَن عُثْمَان صعد المنبر فَقَالَ: أيها النَّاس «1» ، إنا لَمْ نكن خطباء وإن نعش تأتكم الخطبة عَلَى وجهها إِن شاء اللَّه، وَقَدْ كَانَ من قضاء اللَّه أَن عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَر أصاب الهرمزان، وَكَانَ الهرمزان من الْمُسْلِمِينَ ولا وارث لَهُ إلا المسلمون عامة وأنا إمامكم وَقَدْ عفوت أفتعفون؟ قَالُوا: نعم، فَقَالَ عَلِي: [أقد الفاسق فَإِنَّهُ أتى عظيمًا، قتل مسلمًا بلا ذنب، وَقَالَ لعبيد اللَّه: يا فاسق لئن ظفرت بك يومًا لأقتلنك بالهرمزان] . 1323- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي رواية لَهُ: خطب عُثْمَان النَّاس فَقَالَ: الحمد لله أحمده

_ 1320- المصدر السابق وعيون الأخبار 2: 235 1322- قارن بعضه بالطبري 1: 2795

وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك لَهُ وأشهد أَن محمدًا عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فَقَدْ غوى، إني أيها النَّاس قَدْ وليت أمركم فأستعين اللَّه «1» ولو كنت بمعزل عَنِ الأمر كَانَ خيرًا لي وأسلم، مضى قبلي صاحباي رحمها اللَّه فهما لي سلف وقدوة فإنما أنا متبع، وأرجو القوة من القوي الْعَزِيز، فادعوا لي الله بالعون والتسديد، فدعا النَّاس لَهُ ثُمَّ بايعوه. 1324- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي رواية لَهُ: خطب عُثْمَان فَقَالَ: الحمد لِلَّهِ الَّذِي لا ينبغي الحمد إلا لَهُ، الحمد لِلَّهِ الَّذِي هدانا للإسلام وأكرمنا بمحمد عَلَيْهِ الصلاة والسلام، أما بَعْد أيها النَّاس، فاتقوا اللَّه فِي سر أمركم وعلانيته، وكونوا أعوانا على الخير والبرّ والصلة ولا تكونوا إخوانا فِي العلانية أعداء في السرّ «2» فإنا قَدْ كُنَّا نحذر أولئك، من رأى منكم منكرًا فليغيره فَإِن كَانَ لا قوة له به فليرفعه إليّ، وكفّوا سفهاءكم وشدوا بِهِمْ أيديكم فَإِن السفيه إِذَا قمع انقمع وإذا ترك تتايع، ثُمَّ جلس وبايعه النَّاس. 1325- وروي أَن عُثْمَان خطب فَقَالَ: إِن أبا بَكْر وعمر كانا يعدان لِهَذَا المقام مقالا وسيأتي اللَّه بِهِ. 1326- وَقَالَ الفرزدق: صلى صهيب ثلاثا ثُمَّ أنزلها ... عَلَى ابْن عَفَّان ملكا غَيْر مقسور «3» وصية من أَبِي حفص لستّتهم ... كانوا أخلّاء «4» مهديّ ومأمور «5»

_ 1326- ديوان الفرزدق 1: 103 والطبري 1: 2787 والتنبيه والاشراف: 291 والبيان 3: 363

ذكر ما أنكروا من سيرة عثمان بن عفان وأمره رضي الله عنه:

ذكر مَا أنكروا من سيرة عُثْمَان بْن عَفَّان وأمره رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: 1327- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد عن الواقدي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بكر بنت المسور بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهَا قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كانا يتأوّلان «1» في هذا المال ظلف أَنْفُسَهُمَا وَذَوِي أَرْحُمِهِمَا وَإِنِّي تَأَوَّلْتُ فِيهِ صِلَةَ رَحِمِي. 1328- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي «2» مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا وَلِي عُثْمَانُ عَاشَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أَمِيرًا، فَمَكَثَ سِتَّ سِنِينَ لا يَنْقمُ النَّاسُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّهُ لأَحَبُّ إِلَى قُرَيْشٍ مِنْ عُمَرَ لِشِدَّةِ عُمَرَ وَلِينِ عُثْمَانَ لَهُمْ وَرِفْقِهِ بِهِمْ، ثُمَّ تَوَانَى فِي أَمْرِهِمْ وَاسْتَعْمَلَ أَقَارِبَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ فِي السِّتِّ الأَوَاخِرِ وَأَهْمَلَهُمْ وَكَتَبَ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بِخُمْسِ إِفْرِيقِيَّةَ «3» ، وَأَعْطَى أَقَارِبَهُ الْمَالَ وَتَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ الصِّلَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَاتَّخَذَ الأَمْوَالَ وَاسْتَسْلَفَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَالا وَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَرَكَا مِنْ هَذَا الْمَالِ مَا كَانَ لَهُمَا وَإِنِّي آخُذُهُ فَأَصِلُ بِهِ ذَوِي رَحِمِي، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. 1329- (933) وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سميع عن محمد بن أبي ذئب عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ كَرِهَ وِلايَتَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُحِبُّ قَوْمَهُ، فَوَلِيَ النَّاسَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَجَّةً وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُوَلِّي مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةٌ، فَكَانَ يَجِيءُ مِنْ أُمَرَائِهِ مَا يُنْكِرُهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُسْتَعْتَبُ فِيهِمْ فَلا يَعْزِلُهُمْ، فَلَمَّا كَانَ فِي السِّتِّ الأَوَاخِرِ اسْتَأْثَرَ بِبَنِي عَمِّهِ فَوَلاهُمْ وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ مِصْرَ فَمَكَثَ عَلَيْهَا سِنِينَ «4» فَجَاءَ أَهْلُ مِصْرَ يَشْكُونَهُ وَيَتَظَلَّمُونَ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَتْ مِنْ عُثْمَانَ قَبْلُ هَنَاتٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي ذَرٍّ وعمّار بن ياسر فكان في

_ 1327- 1328: طبقات ابن سعد: 44 1329- العقد 4: 287 والرياض النضرة 2: 124

قُلُوبِ هُذَيْلٍ وَبَنِي زُهْرَةَ وَبَنِي غِفَارٍ وَأَحْلافِهَا مِنْ غَضَبٍ لأَبِي ذَرٍّ مَا فِيهَا، وَحَنِقَتْ بَنُو مَخْزُومٍ لِحَالِ «1» عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، فَلَمَّا جَاءَ أَهْلُ مِصْرَ يَشْكُونَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا يَتَهَدَّدَهُ فِيهِ، فَأَبَى أَنْ يَنْزعَ عَمَّا نَهَاهُ عُثْمَانُ عَنْهُ وَضَرَبَ بَعْضَ مَنْ كَانَ شَكَاهُ إِلَى عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَتَّى قَتَلَهُ، فَخَرَجَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ سبعمائة إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلُوا الْمَسْجِدَ وَشَكَوْا مَا صَنَعَ بِهِمُ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَقَامَ طَلْحَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَكَلَّمَهُ بِكلامٍ شَدِيدٍ، وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا تَسْأَلُهُ أَنْ يُنْصِفَهُمْ مِنْ عَامِلِهِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- وَكَانَ مُتَكَلِّمَ الْقَوْمِ- فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا يَسْأَلُكَ الْقَوْمُ رَجُلا مَكَان رَجُلٍ وَقَدِ ادَّعَوْا قِبَلَهُ دَمًا فَاعْزِلْهُ عَنْهُمْ وَاقْضِ بَيْنَهُمْ فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَأَنْصِفْهُمْ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: اخْتَارُوا رَجُلا أُوَلِّيهِ عَلَيْكُمْ مَكَانَهُ، فَأَشَارَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: اسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَكَتَبَ عَهْدَهُ عَلَى مِصْرَ وَوَجَّهَ مَعَهُمْ عِدَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سَرْحٍ. 1330- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن محمد بن عبد الله عن الزهري أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَأْخُذُ مِنَ الْخَيْلِ الزَّكَاةَ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَالُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ] . 1331- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ محمد بن عبد اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده- وَفِي أحد الحَدِيثين زيادة عَنِ الآخر فسقتهما ورددت بعضهما عَلَى بَعْض- أَن الحكم بْن أَبِي العاص بْن أمية عم عُثْمَان بْن عَفَّان بْن أَبِي العاص بْن أمية كَانَ جارًا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجاهلية وَكَانَ أشد جيرانه أذى لَهُ فِي الإِسْلام وَكَانَ قدومه الْمَدِينَةَ بَعْد فتح مَكَّة «2» وَكَانَ مغموصًا عَلَيْهِ فِي دينه، فكان يمر خلف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه

_ 1331- قارن بالطبري 3: 2170- 71 والورقة 34 ب (من س) وما يلي الورقة 495/ أ (من س) وابن الأثير 4: 159 واليعقوبي 2: 189

وإذا صلى قام خلفه فأشار بأَصَابِعه، فبقي عَلَى تخليجه وأصابته خبلة، واطلع عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم وَهُوَ فِي بَعْض حجر نسائه فعرفه وخرج إِلَيْهِ بعنزة. وَقَالَ: [من عذيري من هَذَا الوزغة اللعين، ثُمَّ قَالَ: لا يساكنني ولا ولده،] فغربهم جميعًا إِلَى الطائف، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلم عُثْمَان أبا بَكْر فيهم وسأله ردهم فأبى ذَلِكَ وَقَالَ: مَا كنت لآوي طرداء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ لما استخلف عُمَر كلمه فيهم فَقَالَ مثل قَوْل أَبِي بَكْر. فلما استخلف عُثْمَان أدخلهم الْمَدِينَةَ وقال: قد كنت كلّمت رسول الله (934) فيهم وسألته ردهم فوعدني أَن يأذن لَهُمْ فقبض قبل ذَلِكَ، فأنكر المسلمون عَلَيْهِ إدخاله إياهم الْمَدِينَةَ. 1332- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَمَاتَ الحكم بْن أَبِي العاص بالمدينة فِي خلافة عُثْمَان فصلى عَلَيْهِ وضرب عَلِي قبره فسطاطًا. 1333- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: خَطَبَ عُثْمَانُ فَأَمَرَ بِذَبْحِ الْحَمَامِ وَقَالَ: إِنَّ الْحَمَامَ قَدْ كَثُرَ فِي بُيُوتِكُمْ حَتَّى كَثُرَ الرَّمْيُ وَنَالَنَا بَعْضُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: يَأْمُرُ بِذَبْحِ الْحَمَامِ وَقَدْ آوَى طُرَدَاءَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1334- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى الزُّبَيْر عَن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ قَالَ: أَغْزَانَا عُثْمَانُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ إِفْرِيقِيَّةَ، فَأَصَابَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ غَنَائِمَ جَلِيلَةً، فَأَعْطَى عُثْمَانُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ خُمُسَ الْغَنَائِمِ. 1335- وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبيه عن لوط بن يحيى بن أَبِي مِخْنَفٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَخَا عُثْمَانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَعَامِلَهُ عَلَى الْمَغْرِبِ، فَغَزَا إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَافْتَتَحَهَا وَكَانَ مَعَهُ مروان بن الحكم، فابتاع

_ 1333- قارن مسند أحمد 1: 72 1334- 1335: قارن بابن الأثير 3: 70

خُمُسَ الْغَنِيمَةِ بِمِائَةِ أَلْفِ أَوْ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، فَكَلَّمَ عُثْمَانَ فَوَهَبَهَا لَهُ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ «1» ذَلِكَ عَلَى عُثْمَانَ. 1336- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْر بنت المسور قَالَتْ: لما بَنِي مَرْوَان داره بالمدينة دعا النَّاس إِلَى طعامه، وَكَانَ المسور فيمن دعا، فَقَالَ مَرْوَان وَهُوَ يحدثهم: والله مَا أنفقت فِي داري هذه من مال الْمُسْلِمِينَ درهمًا فَمَا فوقه، فَقَالَ المسور: لو أكلت طعامك وسكت لكان خيرًا لَك، لَقَدْ غزوت معنا إفريقية وإنك لأقلنا مالا ورقيقًا وأعوانًا وأخفنا ثقلا فأعطاك ابْن عَفَّان خمس إفريقية، وعملت عَلَى الصدقات فأخذت أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، فشكاه مَرْوَان إِلَى عروة وَقَالَ: يغلظ لي وأنا لَهُ مكرم متق. 1337- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ عَنْ أَبِيهَا قَالَتْ: قَدِمَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ عَلَى عُثْمَانَ فَوَهَبَهَا لِلْحَارِثِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ. 1338- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ الأَعْوَرُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مِمَّا أَنْكَرُوا عَلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ وَلَّى الْحَكَمَ بْنَ أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَهَبَهَا لَهُ حِينَ أَتَاهُ بِهَا. 1339- وَقَالَ أَبُو مخنف والواقدي فِي روايتهما: أنكر الناس على عثمان إعطاءه سعيد ابن العاص مائة ألف درهم فكلمه عَلِي والزبير وطلحة وسعد وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِن لَهُ قرابة ورحما، قَالُوا: أفما كَانَ لأبي بَكْر وعمر قرابة وذوو «2» رحم؟ فَقَالَ: إِن أبا بَكْر وعمر كانا يحتسبان فِي منع قرابتهما وأنا أحتسب فِي إعطاء قرابتي، قَالُوا: فهديهما والله أحب إلينا من هديك، فقال: لا حول ولا قوّة إلا بِاللَّهِ. 1340- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْن أَبِي سبرة عَنْ أشياخه قَالُوا: كَانَ عُثْمَان يبعث السعاة لقبض الصدقات إِذَا حضر النَّاس المياه ثُمَّ يعهد إليهم فيتعدّون

_ (1) م: مروان. (2) س: وذو.

أمر الوليد بن عقبة حين ولاه عثمان الكوفة:

حدوده فلا يَكُون منه لِذَلِكَ تغيير ولا نكير، فاجترءوا عَلَيْهِ ونسب فعلهم إِلَيْهِ وتكلم النَّاس فِي ذَلِكَ وانكروه. 1341- حَدَّثَنِي «1» مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ زَيْد بْن السائب عَنْ خَالِد مولى أبان بْن عُثْمَان قَالَ: كَانَ مَرْوَان (935) قَدِ ازدرع بالمدينة فِي خلافة عُثْمَان عَلَى ثلاثين جملًا، فكان يأمر بالنوى أَن يشترى فينادي: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ يريده، وعثمان لا يشعر بِذَلِكَ، فدخل عَلَيْهِ طَلْحَةُ وكلمه فِي أمر النوى فحلف أَنَّهُ لَمْ يأمر بِذَلِكَ، فَقَالَ طَلْحَةُ: هَذَا أعجب أَن يفتأت عليك بمثل هَذَا، فهلا صنعت كَمَا صنع ابْن حنتمة، يعني عمر ابن الْخَطَّاب، خرج يرفأ «2» بدرهم يشتري بِهِ لحمًا فَقَالَ للحام: إني أريده لعمر، فبلغ ذَلِكَ عُمَر فأرسل إِلَى يرفأ فأتى بِهِ وَقَدْ برك عُمَر عَلَى ركبتيه وَهُوَ يفتل شاربه، فلم أزل أكلمه فِيهِ حَتَّى سكنته، فَقَالَ لَهُ: والله لئن عدت لأجعلنك نكالًا، أتشتري السلعة ثُمَّ تقول هِيَ لأمير الْمُؤْمِنيِنَ؟ أمر الْوَلِيد بْن عقبة حِينَ ولاه عُثْمَان الكوفة: 1342- حَدَّثَنِي عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف ومحمد بن سعد عن محمد ابن عُمَر الواقدي أَن عُمَر بْن الْخَطَّاب أوصى أَن يقر عماله من ولي الأمر بعده سنة وأن يولي سَعْد بْن أَبِي وقاص الكوفة ويقر أبا «3» موسى الأشعري عَلَى البصرة، فلما ولي عُثْمَان عزل المغيرة بْن شُعْبَة وولى سعدًا الكوفة سنة ثُمَّ عزله وولى أخاه لأمه الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عَمْرو بْن أمية، فلما دَخَلَ الكوفة قَالَ لَهُ سَعْد: يا أبا وهب، أأمير «4» أم زائر؟ قَالَ: لا بَل أمِير، فَقَالَ سَعْد مَا أدري أحمقت بعدك؟ قال «5» : ما حمقت بعدي

_ 1341- الرياض النضرة 2: 138 1342- قارن بالطبري 1: 2802 وبعضه بالأغاني: 113، وابن الأثير 3: 63- 64

ولا كست بعدك، ولكن الْقَوْم ملكوا فاستأثروا، فَقَالَ سَعْد: مَا أراك إلا صادقًا، وَقَالَ النَّاس: بئسما ابتدلنا بِهِ عُثْمَان، عزل أبا إِسْحَاق الهين اللين الحبر «1» صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولى أخاه الفاسق الفاجر الأحمق الماجن، فأعظم النَّاس ذَلِكَ، وَكَانَ الْوَلِيد يدعى الأشعر بركًا، والبرك الصدر. وعزل أبا موسى عَنِ البصرة وأعمالها وولى ذَلِكَ عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز، وَهُوَ ابْن خاله، فَقَالَ لَهُ عَلِي بْن أَبِي طَالِب وطلحة والزبير: ألم يوصك عُمَر ألا تحمل آل أَبِي معيط وَبَنِي أمية عَلَى رقاب النَّاس؟ فلم يجبهم بشيء. 1343- وَقَالَ أَبُو مخنف فِي إِسْنَادِهِ: لما شاع فعل عُثْمَان وسارت به الركبان كَانَ أول من دعا إِلَى خلعه والبيعة لعلي عَمْرو بْن زرارة بْن قَيْس بْن الْحَارِث بْن عَمْرو بْن عداء النخعي وكميل بن زياد بن نهيك بن هتيم «2» النخعي ثُمَّ أحد بَنِي صهبان، فقام عَمْرو بْن زرارة فَقَالَ: أيها النَّاس، إِن عُثْمَان قَدْ ترك الحق وَهُوَ يعرفه وَقَدْ أغري بصلحائكم يولي عَلَيْهِم شراركم، فمضى خَالِد بْن عرفطة بْن أبرهة بْن سنان العذري حليف بَنِي زهرة إِلَى الْوَلِيد فأخبره بقول عَمْرو بْن زرارة واجتماع النَّاس إِلَيْهِ، فركب الْوَلِيد نحوهم، فقيل لَهُ: الأمر أشد من ذاك «3» ، والقوم مجتمعون، فاتق اللَّه ولا تسعر الْفِتْنَة، وَقَالَ لَهُ مَالِك بْن الْحَارِث الأشتر «4» النخعي: أنا أكفيك أمرهم، فأتاهم فكفهم وسكنهم وحذرهم الْفِتْنَة والفرقة فانصرفوا. وكتب الْوَلِيد إِلَى عُثْمَان بِمَا كَانَ من ابْن زرارة، فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان: إِن ابْن زرارة أعرابي جلف فسيره إِلَى الشام، فسيره وشيعه الأشتر والأسود بْن يَزِيد بْن قَيْس وعلقمة بْن قَيْس بْن يَزِيد وَهُوَ عم الأسود والأسود أكبر منه، فَقَالَ قَيْس بْن قهدان «5» بْن سلمة من بني البدّاء من كندة يومئذ:

_ (1) م: الخبر، ط: الحبز. (2) م وابن سعد (6: 124) والاشتقاق (242) : هيثم، وفي الطبري والتاج واللسان (هتم) والمشتبه: هيتم. (3) م: ذلك. (4) ط م س: بن الأشتر (5) م والطبري (1: 3307) وابن الأثير (3: 253) : فهدان.

أقسم بالله رب الْبَيْت مجتهدًا ... أرجو الثواب بِهِ سرا وإعلانا (936) لأخلعن أبا وهب «1» وصاحبه ... كهف الضلالة عُثْمَان بْن عفانا 1344- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أبي مخنف فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: لما قدم الْوَلِيد الكوفة ألفى ابْن مَسْعُود عَلَى بَيْت المال فاستقرضه مالًا وَقَدْ كانت الولاة تفعل ذَلِكَ ثُمَّ ترد مَا تأخذ، فأقرضه عَبْد اللَّهِ مَا سَأَلَهُ، ثُمَّ إنه اقتضاه إياه، فكتب الْوَلِيد فِي ذَلِكَ إِلَى عُثْمَان فكتب عُثْمَان إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود: إنما أَنْتَ خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال، فطرح ابْن مَسْعُود المفاتيح وَقَالَ: كنت أظن أني خازن للمسلمين فأما إذ كنت خازنًا لكم فلا حاجة لي فِي ذَلِكَ، وأقام بالكوفة بَعْد إلقائه مفاتيح بَيْت المال. 1345- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن مَعْمَر عَنْ جَابِر عَنْ عامر الشَّعْبِيِّ قَالَ: قدم الْوَلِيد الكوفة فكان عمله خمس سنين، وغزا أذربيجان، وَكَانَ يشرب الخمر. 1346- حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد حَدَّثَنَا حفص بْن غياث حَدَّثَنَا الأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ حذيفة وعلقمة وأَصْحَاب عَبْد اللَّهِ فِي غزاة، فأصاب أمِير الجيش حدًا فأرادوا أَن يقيموه عَلَيْهِ فَقَالَ حذيفة: أتقيمون عَلَيْهِ الحد وَهُوَ بإزاء العدو؟ فكفوا عَنْ ذَلِكَ، قَالَ حفص: أراه الْوَلِيد بْن عقبة. 1347- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَر عَنْ جَابِر عَنْ عامر الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب ولى الْوَلِيد بْن عقبة صدقات بَنِي تغلب، فوجد أبا زبيد حرملة بْن المنذر الطائي الشاعر فيهم وَقَدْ ظلمه أخواله فأخذ لَهُ مِنْهُم بحقه فمدحه، فلما سمع بولايته الكوفة لعثمان قدم فيمن قدم عَلَيْهِ فكان ينادمه، وأنزله دارا «2» بقربه تعرف بدار الضيافة.

_ 1344- الطبري 1: 2811، 2840 1346- الخراج: 109، 212 1347- قارن بالأغاني 4: 182، 5: 123

1348- وَقَالَ أَبُو مخنف: كَانَ الْوَلِيد يدخل أبا زبيد الْمَسْجِد وَهُوَ نصراني ويجري عَلَيْهِ وظيفة من خمر وخنازير تقام لَهُ كُل شَهْر، فقيل لَهُ: قَدْ عظم إنكار النَّاس لما تجري عَلَى أَبِي زبيد، فقوم مَا كَانَ وظف لَهُ دراهم وضمها إِلَى رزق كَانَ يجريه عَلَيْهِ. 1349- وروي أَبُو مخنف وغيره أَن الْوَلِيد أتي بساحر يقال لَهُ نطروي «1» ، ويقال بساني، فرآه جندب الخير- وَهُوَ جندب بْن عَبْد اللَّهِ الأزدي، وَقَالَ غَيْر الكلبي: هُوَ جندب بْن كعب- يلعب بَيْنَ يديه فأتى معقلا مولى الصقعب بْن زهير الكبيري من ولد كبير بْن الدول من الأزد، ويقال: بَل أتى مولى لبني ظبيان بْن غامد وَهُمْ قومه، فاستعار منه سَيْفًا قاطعًا فاشتمل عَلَيْهِ وخرج يريد الْوَلِيد بْن عقبة، فلقيه معضد بْن يَزِيد أحد بَنِي تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة، وَكَانَ ناسكًا، فأخبره بِمَا يريد، فَقَالَ لَهُ: أما قتل الْوَلِيد فَإِنَّهُ يورث فرقة وفتنة ولكن شأنك بالعلج، فشد عَلَى الساحر فقتله ثُمَّ قَالَ لَهُ: أحي نفسك إِن كنت صادقًا، فَقَالَ الْوَلِيد: هَذَا رجل يلعب فيأخذ بالعين سرعة وخفة، فقدم جندبًا ليضرب عنقه فأنكرت الأزد ذَلِكَ وَقَالُوا: تقتل «2» صاحبنا بعلج ساحر؟ فحبسه، فلما رأى السجان طول صلاته وكثرة صيامه تحوب من حبسه فخلى سبيله، فمضى جندب فلحق بالمدينة وَكَانَ يكنى أبا عَبْد اللَّهِ، فأخذ الْوَلِيد السجان، وَكَانَ يقال لَهُ دِينَار ويكنى أبا سنان، فضرب عنقه وصلبه بالسبخة، ويقال إنه ضرب عنقه بالسبخة وَلَمْ يصلبه. وَلَمْ يزل جندب بالمدينة حَتَّى كلم فِيهِ عَلِي بْن أَبِي طَالِب عُثْمَان فكتب إِلَى الْوَلِيد يأمره بالإمساك عَنْهُ، فقدم الكوفة. 1350- وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: خرج الْوَلِيد بْن عقبة لصلاة الصبح وَهُوَ يميل، فصلى ركعتين ثُمَّ التفت إِلَى النَّاس فَقَالَ: أزيدكم، فَقَالَ لَهُ عتاب بن علّاق أحد بني

_ 1349- قارن باليعقوبي 2: 190 والمروج 4: 266 والاصابة 1: 260 والأغاني 4: 185، 5: 130 ومصنف عبد الرزاق 10: 182 1350- ربيع الأبرار: 163/ أ.

عوافة بْن سَعْد (937) ، وَكَانَ شريفا: لا زادك اللَّه مزيد الخير، ثُمَّ تناول حفنة من حصى فضرب بِهَا وجه الْوَلِيد، وحصبه النَّاس، وَقَالُوا: والله مَا العجب إلا مِمَّن ولاك، وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فرض لعتاب هَذَا مع الأشراف في ألفين وخمسمائة. وذكر بَعْضهم أَن القيء غلب عَلَى الْوَلِيد فِي مكانه. وَقَالَ يَزِيد بْن قَيْس الأرحبي ومعقل بْن قَيْس الرياحي: لَقَدْ أراد عُثْمَان كرامة أخيه بهوان أمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1351- وَفِي الْوَلِيد يَقُول الحطيئة، وَهُوَ جرول بْن أوس بْن مَالِك بْن جؤية العبسي: شهد الحطيئة يَوْم يلقى ربه ... أَن الوليد أحقّ بالعذر «1» نادى وَقَدْ نفدت «2» صلاتهم ... أأزيدكم ثملا وَمَا يدري ليزيدهم خيرًا ولو قبلوا ... منه لزادهم عَلَى عشر فأبوا أبا وهب ولو فعلوا ... لقرنت بين الشفع والوتر «3» حبسوا عنانك إذ جريت ولو ... خلوا عنانك لَمْ تزل تجري 1352- قَالُوا: وَلَمْ يكن بسيرة الْوَلِيد فِي عمله بأس، ولكنه كَانَ فاسقًا مسرفًا عَلَى نَفْسه. 1353- حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن يَزِيد البصري حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب الثقفي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْوَلِيد صلى بالناس الصبح ثُمَّ أقبل عَلَيْهِم فَقَالَ: أزيدكم، فرحل فِي ذَلِكَ رجل، أَوْ قَالَ رجال، إِلَى عُثْمَان فأتى بالوليد فأمر بجلده، فلم يقم أحد، فلما قَالَ الثالثة: من يجلده؟ قَالَ عَلِي: أنا، فقام إِلَيْهِ فجلده بدرة يقال لَهَا السبتية لها رأسان، فضربه بها أربعين فذلك ثمانون.

_ 1351- ديوان الحطيئة 233، 237 والمروج 4: 285 وأبو الفداء 1: 176 والبدء والتاريخ 5: 201 ومجالس ثعلب: 456

1354- وَقَالَ أَبُو مخنف: لما صلى الْوَلِيد بالناس وهو سكران، أتى أبو زينب زهير ابن عوف الأزدي صديقًا لَهُ من بَنِي أسد يقال لَهُ مورع «1» ، فسأله أَن يعاونه عَلَى الْوَلِيد فِي التماسه غرته، فتفقداه ذَات يَوْم فلم يرياه خرج لصلاة العصر، فانطلقا إِلَى بابه ليدخلا عَلَيْهِ فمنعهما البواب، فأعطاه أَبُو زينب دينارًا فسكت، فدخلا، فَإِذَا هما بِهِ سكران مَا يعقل، فحملاه حَتَّى وضعاه عَلَى سريره، فقاء خمرًا، وانتزع أَبُو زينب خاتمه من يده ومضى وصاحبه عَلَى طريق البصرة حَتَّى قدما عَلَى عُثْمَان فشهدا عَلَيْهِ عنده بِمَا رأيا حِينَ صلى وبما كَانَ منه حِينَ دخلا عَلَيْهِ، فَقَالَ عُثْمَان لعلي: مَا ترى؟ قَالَ: أرى أَن تشخصه إليك، فَإِذَا شهدا فِي وجهه حددته، فعزله عُثْمَان وولى سَعِيد بْن العاص بْن أَبِي أحيحة الكوفة، وأمره بإشخاص الْوَلِيد ففعل، ودعا عُثْمَان بالرجلين فشهدا عَلَيْهِ فِي وجهه، فَقَالَ عَلِي للحسن ابنه: قم يا بَنِي فاجلده، فَقَالَ عُثْمَان «2» : يكفيك ذَلِكَ بَعْض من ترى، فأخذ عَلِي السوط ومشى إِلَيْهِ «3» فجعل يضربه والوليد يسبه، وَكَانَ للسوط طرفان فضربه أربعين وعليه جبة حبر. 1355- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عيسى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن أَبِي إِسْحَاق الهمداني أَن الْوَلِيد بْن عقبة شرب فسكر فصلى بالناس الغداة ركعتين ثُمَّ التفت فَقَالَ: أزيدكم؟ فَقَالُوا: لا، قَدْ قضينا صلاتنا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ أَبُو زينب وجندب بْن زهير الأزدي وَهُوَ سكران فانتزعا خاتمه من يده وَهُوَ لا يشعر سكرًا. 1356- قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأخبرني مسروق أَنَّهُ حِينَ صلى لَمْ يرم حَتَّى قاء، فخرج فِي أمره إِلَى عُثْمَان أربعة نفر: أَبُو زينب وجندب بْن زهير وأبو حبيبة «4» الغفاري والصعب ابن جثامة «5» ، فأخبروا عُثْمَان خبره، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف: مَا لَهُ أجن؟ قَالُوا: لا،

_ 1354- قارن بالطبري 1: 2846 والأغاني 5: 118

ولكنه سكر، قَالَ: فأوعدهم عُثْمَان وتهددهم وَقَالَ لجندب: أَنْتَ رَأَيْت أَخِي يشرب الخمر؟ قَالَ: معاذ اللَّه، ولكني أشهد أني رأيته (938) سكران يقلسها من جوفه وأني «1» أخذت خاتمه من يده وَهُوَ سكران لا يعقل، قَالَ أَبُو إسحاق: فأتى الشهود عائشة فأخبروها بِمَا جرى بينهم وبين عُثْمَان وأن عُثْمَان زبرهم، فنادت عَائِشَةُ: إِن عُثْمَان أبطل الحدود وتوعد الشهود. 1357- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَدْ يقال إِن عُثْمَان ضرب بَعْض الشهود أسواطا، فأتوا عليا فشكوا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فأتى عُثْمَان فَقَالَ: [عطلت الحدود وضربت قوما شهدوا على أخيك فقلبت الحكم وَقَدْ قَالَ عُمَر: لا تحمل بَنِي أمية وآل أَبِي معيط خاصة عَلَى رقاب النَّاس، قَالَ: فَمَا ترى؟ قَالَ: أرى أَن تعزله ولا توليه شيئًا من أمور الْمُسْلِمِينَ وأن تسأل عَنِ الشهود فَإِن لَمْ يكونوا أهل ظنة ولا عداوة أقمت عَلَى صاحبك الحد] . 1358- قَالَ: ويقال إِن عَائِشَةَ أغلظت لعثمان وأغلظ لَهَا وَقَالَ: وَمَا أَنْتَ وَهَذَا؟ إِنَّمَا أمرت أن تقرّي في بيتك، فقال قوم مثل قَوْله، وَقَالَ آخرون: ومن أولى بِذَلِكَ منها؟ فاضطربوا بالنعال، وَكَانَ ذَلِكَ أول قتال بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1359- وَقَالَ الهيثم بْن عدي: اللذان دخلا عَلَى الْوَلِيد وَهُوَ سكران زِيَاد بْن علاقة التَّيْمِي وجندب بْن زهير الأزدي. 1360- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ وعباس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده وأبي «2» مخنف وغيرهما قَالُوا: أتى طلحة والزبير عُثْمَان فقالا لَهُ: قَدْ نهيناك عَنْ تولية الْوَلِيد شيئًا من أمور الْمُسْلِمِينَ فأبيت «3» ، وَقَدْ شهد عَلَيْهِ بشرب الخمر والسكر فاعزله، وَقَالَ لَهُ عَلِي: [اعزله وحده إِذَا شهد الشهود عَلَيْهِ في وجهه،] فولّى عثمان سعيد

_ 1358- قارن بالأغاني 5: 119.

ابن العاص الكوفة وأمره بإشخاص الْوَلِيد، فلما قدم سَعِيد الكوفة غسل المنبر ودار الإمارة وأشخص الْوَلِيد، فلما شهد عَلَيْهِ فِي وجهه وأراد عُثْمَان أَن يحده ألبسه جبة حبر وأدخله بيتًا، فجعل إِذَا بعث إِلَيْهِ رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد: أنشدك الله أن تقطع رحمي وتغضب أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عليك، فيكف، فلما رأى ذَلِكَ عَلِي بْن أَبِي طَالِب أخذ السوط ودخل عَلَيْهِ ومعه ابنه الْحَسَن، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد مثل تلك المقالة، فَقَالَ له الحسن: صدق يا أبت «1» ، فَقَالَ عَلِي: مَا أنا إِذَا بمؤمن، وجلده بسوط له شعبتان أربعين جلدة ولم ينزع جبته، وَكَانَ عَلَيْهِ كساء فجاذبه عَلِي إياه حَتَّى طرحه عَنْ ظهره وضربه وَمَا يبدو إبطه. 1361- قَالُوا: وسئل عُثْمَان أَن يحلقه «2» ، وقيل لَهُ إِن عُمَر حلق مثله، فَقَالَ: قَدْ كَانَ فعل ذَلِكَ، ثُمَّ تركه. 1362- وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه الْوَلِيد عَلَى صدقات بني المصطلق فجاء فَقَالَ: إنهم منعوا الصدقة، فنزل فيه (إِنْ جَاءكمْ فَاسِقٌ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات: 6) الآية. 1363- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن يَزِيد البحراني حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن عثمان عن سعيد ابن أَبِي عروبة عَنْ عَبْد اللَّهِ الداناج عَنْ حضين «3» بْن المنذر أَنَّهُ شهد عَلَى الْوَلِيد بْن عقبة عِنْدَ عُثْمَان بشرب الخمر، فكلم عَلِي عُثْمَان فِيهِ، فَقَالَ: دونك ابْن عمك، فَقَالَ عَلِي [قم يا عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر، فقام عَبْد اللَّهِ فجلده، وعد عَلِي، فلما أتم أربعين قَالَ: حسبك، أَوْ قَالَ: أمسك، جلد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بَكْر أربعين واكتمل عُمَر ثمانين وكل سنة] . 1364- وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار حَدَّثَنَا عيسى بْن يُونُس عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خالد

_ 1362- قارن بالسيرة 2: 296 1363- الأغاني 5: 121 وصحيح مسلم 5: 126 (كتاب الحدود: 8) وابن ماجه: 188 (الحدود: 14) .

أمر عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه:

عَنْ زِيَاد مولى بَنِي مخزوم قَالَ: لما ضرب عَلَى الْوَلِيد بْن عقبة الحد جعل الْوَلِيد يَقُول: يا مكيثة يا مكيثة. 1365- قَالُوا: وَقَالَ الْوَلِيد حِينَ حد: باعد اللَّه مَا بيني وبينكم ... بَنِي أمية من قربى ومن نسب (939) إِن يكثر المال لا يذمم «1» فعالكم ... وإن يعش عائلا مولاكم يخب أمر عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود الهذلي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: 1366- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عن أبيه عن أبي مخنف وعوانة فِي إسنادهما أَن عَبْد اللَّهِ بْن مسعود حين ألقى مفاتيح بيت المال إِلَى الْوَلِيد بْن عقبة قَالَ: مَنْ غَيَّرَ غَيَّرَ اللَّهُ مَا بِهِ ومن بَدَّلَ أسخط اللَّه عَلَيْهِ، وَمَا أرى صاحبكم إلا وقد غيّر وبدّل، أيعزل مثل سعد ابن أَبِي وقاص ويولى الْوَلِيد؟ وَكَانَ يتكلم بكلام لا يدعه وَهُوَ: إِن أصدق القول كتاب اللَّه وأحسن الهدي هدي مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فِي النار، فكتب الوليد إلى عثمان بذلك وَقَالَ: إنه يعيبك ويطعن عليك، فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان يأمره بإشخاصه، وشيعه أهل الكوفة، فأوصاهم بتقوى اللَّه ولزوم الْقُرْآن، فَقَالُوا لَهُ: جزيت خيرًا، فلقد علمت جاهلنا وثبت عالمنا وأقرأتنا الْقُرْآن وفقهتنا فِي الدين فنعم أَخُو الإِسْلام أَنْتَ ونعم الخليل، ثُمَّ ودعوه وانصرفوا وقدم ابْن مَسْعُود الْمَدِينَةَ وعثمان يخطب عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رآه قَالَ: ألا أَنَّهُ قدمت عليكم دويبة سوء من تمش على طعامه يقيء «2» ويسلح، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: لست كَذَلِكَ، ولكني صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر ويوم بيعة الرضوان «3» ونادت عَائِشَةُ: أي عُثْمَان، أتقول هَذَا لصاحب رَسُول الله صلّى الله

_ 1366- كلام ابن مسعود في النسائي 1: 143

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ أمر عُثْمَان بِهِ فأخرج من الْمَسْجِد إخراجًا عنيفًا، وضرب بِهِ عَبْد اللَّهِ بْن زمعة بْن الأسود بْن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأَرْض، ويقال بَل احتمله يحموم غلام عُثْمَان ورجلاه تختلفان عَلَى عنقه حَتَّى ضرب بِهِ الأَرْض فدق ضلعه، فَقَالَ [عَلِي: يا عُثْمَان أتفعل هَذَا بصاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقول الْوَلِيد بْن عقبة؟] فَقَالَ: مَا بقول الْوَلِيد فعلت هَذَا، ولكن وجهت زبيد بْن الصلت الكندي إِلَى الكوفة فَقَالَ له ابن مسعود: إنّ دم عُثْمَان حلال، فَقَالَ عَلِي أحلت من زبيد عَلَى غَيْر ثقة، وَقَالَ ابْن الكلبي: زبيد بْن الصلت أَخُو كثير بْن الصلت الكندي. وقام عليّ بأمر ابْن مَسْعُود حَتَّى أتى بِهِ «1» منزله، فأقام ابْن مَسْعُود بالمدينة لا يأذن لَهُ عُثْمَان فِي الخروج منها إِلَى ناحية من النواحي، وأراد حِينَ برئ «2» الغزو فمنعه من ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ مَرْوَان: إِن ابْن مَسْعُود أفسد عليك العراق أفتريد أَن يفسد عليك الشام؟ فلم يبرح الْمَدِينَةَ حَتَّى توفي قبل مقتل عُثْمَان بسنتين، وَكَانَ مقيما بالمدينة ثَلاث سنين، وَقَالَ قوم إنه كَانَ نازلا عَلَى سَعْد بْن أَبِي وقاص. ولما مرض «3» ابْن مَسْعُود مرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ أتاه عُثْمَان عائدًا فَقَالَ: مَا تشتكي؟ قَالَ: ذنوبي قَالَ: فَمَا تشتهي؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي، قَالَ: أَلا أَدْعُوَ لَك طَبِيبًا؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي، قَالَ: أَفَلا آمُرُ لَك بعطائك؟ قَالَ: مَنَعْتَنِيهِ وَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَتُعْطِينِيهِ وَأَنَا مُسْتَغْنٍ عَنْهُ؟ قَالَ: يَكُون لولدك، قَالَ: رزقهم عَلَى اللَّه قَالَ: استغفر لي يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: أسأل اللَّه أَن يأخذ لي منك بحقي. وأوصى أَن لا يصلي عَلَيْهِ عُثْمَان، فدفن بالبقيع وعثمان لا يعلم، فلما علم غضب وَقَالَ: سبقتموني بِهِ، فَقَالَ لَهُ عمار بْن ياسر: إنه أوصى أَن لا تصلي عَلَيْهِ، وَقَالَ الزُّبَيْر «4» . (940) لأعرفنك بَعْد الْمَوْت تندبني ... وَفِي حياتي ما زودتني زادي

_ (1) به: سقطت من م. (2) ط: برأ. (3) قارن بأسد الغابة 3: 259 والنووي 1: 290 ومحاضرات الراغب 1: 205 (4) س: ابن الزبير، والبيت لعبيد بن الأبرص، ديوانه: 70

امر الحمى وغيره:

وَكَانَ الزُّبَيْر «1» وصي ابْن مَسْعُود فِي ماله وولده، وَهُوَ كلم عُثْمَان فِي عطائه بَعْد وفاته حَتَّى أَخْرَجَهُ لولده، وأوصى ابْن مَسْعُود أَن يصلي عَلَيْهِ عمار بْن ياسر، وقوم يزعمون أَن عمارًا كَانَ وصيه، ووصية «2» الزُّبَيْر أثبت. 1367- وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ «3» أَبُو مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَهُ إِسْحَاقُ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَرَضِهِ فَاسْتَغْفَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عُثْمَانُ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: إِنَّ دَمَهُ لَحَلالٌ «4» ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّنِي سَدَّدْتُ إِلَيْهِ سَهْمًا يُخْطِئَهُ وَأَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا. 1368- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود فِي سنة اثنتين وثلاثين وَلَهُ بضع وستون سنة ودفن بالبقيع، وَكَانَ نحيفًا قصيرًا شديد الأدمة يغير شيبه ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ. أمر الحمى وغيره: 1369- حَدَّثَنِي محمد بن سعد عن الواقدي عن معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَن عُثْمَان حمى النقيع لخيل الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يحمل فِي كُل سنة عَلَى خمسمائة فرس وألف بعير، وكانت الإبل ترعى بناحية الربذة فِي حمى لَهَا، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: النقيع عَلَى ليلتين من الْمَدِينَةِ «5» 1370- وَقَالَ أَبُو مخنف في إسناده: أنكر على عثمان مع ما أنكر أَن حمى الحمى، وأن أعطى زَيْد بْن ثابت مائة ألف درهم من ألف ألف درهم حملها أبو موسى الأشعري

_ 1368- طبقات ابن سعد 3/ 1: 113، 111

وَقَالَ لَهُ: هَذَا حقك، فَقَالَ أسلم بْن أوس بْن بجرة الساعدي من الخزرج، وَهُوَ الَّذِي منع أَن يدفن عُثْمَان بالبقيع «1» : أقسم بالله رب الْعِبَاد ... مَا ترك اللَّه خلقا سدى دعوت اللعين فأدنيته ... خلافا لسنة من قَدْ مضى يَعْنِي الحكم «2» وأعطيت مَرْوَان خمس الْعِبَاد ... ظلما لَهُمْ وحميت الحمي ومال أتاك به الأشعري ... من الفيء أنهبته من ترى فأما الأمينان إذ بينا ... منار الطريق عَلَيْهِ الصوى «3» فلم يأخذا درهما غيلة ... وَلَمْ يصرفا درهما فِي هوى 1371- وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَسَّعَ عُثْمَانُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ النَّاسُ: يُوَسِّعُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ وَيُغَيِّرُ سُنَّتَهُ. 1372- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّيْتُ مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ خِلافَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا فَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُوا، وَسُئِلَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرْجِعْ. 1373- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: بلغنا أَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف قَالَ له ألم تصلّ مع رسول

_ 1372- قارن بالطبري 1: 2833 1373- قارن بالطبري 1: 2833.

أمر سعيد بن العاص بن أبي أحيحة وولايته الكوفة بعد الوليد:

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا المكان ركعتين وصليت فِي خلافتك كَذَلِكَ؟ قَالَ: بلي، قَالَ: فَمَا هَذَا؟ قَالَ: إني أخبرك «1» يا أبا مُحَمَّد أَن بَعْض حجاج اليمن وجفاة النَّاس قَالُوا فِي عامنا هَذَا: إِن صلاة المقيم أربعًا، وإن إمامنا عُثْمَان قَدِ اتخذ بمكة أهلًا فَهُوَ كالمقيم وَقَدْ صلى اثنتين فرأيت أَن أصلي أربعًا، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: يا سبحان اللَّه زوجتك بالمدينة تقدم بِهَا إِذَا شئت وتخرجها إِذَا أردت، فعظم إنكار النَّاس لِذَلِكَ وكانت تلك الحجة فِي سنة تسع وعشرين، وَكَانَ أول فسطاط ضرب بمنى فسطاط ضرب لَهُ. 1374- وَحَدَّثَنِي (941) مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ لِلصَّلاةِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يُقِيمُ، وَكَذَلِكَ كَانَ الأَمْرُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِي صَدْرٍ مِنْ أَيَّامِ عُثْمَانَ ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ نَادَى النِّدَاءَ الثَّالِثَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ فَعَابَ النَّاسُ ذَلِكَ وَقَالُوا بِدْعَةٌ. 1375- قَالَ: وَكَانَ ربيعة بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ شريك عُثْمَان فِي الجاهلية، فَقَالَ الْعَبَّاس بْن ربيعة بْن الْحَارِث لعثمان: اكتب إِلَى ابْن عامر يسلفني مائة ألف درهم، فكتب لَهُ فأعطاه مائة ألف درهم صلة وأقطعه دار الْعَبَّاس بْن ربيعة فَهِيَ تعرف بِهِ. أمر سَعِيد بْن العاص بْن أَبِي أحيحة وولايته الكوفة بَعْد الْوَلِيد: 1376- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن أبي مخنف فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: لما عزل عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْوَلِيد بْن عقبة عَنِ الكوفة ولاها سَعِيد بْن العاص وأمره بمداراة أهلها، فكان يجالس قراءها ووجوه أهلها ويسامرهم، فيجتمع عنده مِنْهُم: مَالِك بْن الْحَارِث الأشتر النخعي وزيد وصعصعة ابنا صوحان العبديان وحرقوص بْن زهير السعدي وجندب بْن زهير الأزدي وشريح بْن أوفى بْن يَزِيد بْن زاهر العبسي وكعب بْن عبدة النهدي- وَكَانَ يقال لعبدة بن سعد والحبكة «2» ، وكان كعب ناسكا، وهو الذي

_ (1) الطبري: أخبرت. (2) م: ذي الحنكة، س ط: ذو الحنكة (انظر الطبري 1: 2908 والتاج: حبك)

قتله بسر بْن أَبِي أرطأة بتثليث «1» - وعدي بْن حاتم الجواد بْن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن الحشرج الطائي ويكنى أبا طريف وكدام بْن حضرمي بْن عامر أحد بَنِي مالك بن مَالِك بْن مَالِك بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد بْن خزيمة وَمَالِك بْن حبيب بن خراش من بني ثعلبة ابن يربوع وقيس بْن عطارد بْن حاجب بْن زرارة بْن عُدُس بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم وَزِيَاد بْن خصفة بْن ثقف من بَنِي تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة ويزيد بْن قَيْس الأرحبي وغيرهم، فإنّهم لعنده وقد صلّوا العصر إذ تذاكروا «2» السواد والجبل ففضلوا السواد وَقَالُوا: هُوَ ينبت مَا ينبت «3» الجبل وَلَهُ هَذَا النخل، وَكَانَ حسان بْن محدوج بْن بشر بْن حوط بْن سعنة الذهلي الَّذِي ابتدأ الْكَلام فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ «4» بْن خنيس الأسدي صاحب شرطه: لوددت أَنَّهُ للأمير وأن لكم أفضل منه، فَقَالَ لَهُ الأشتر: تمن للأمير أفضل منه ولا تمن لَهُ أموالنا، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: مَا يضرك من تمني حتى تزوي ما بين عينيك؟ فو الله لو شاء كَانَ لَهُ، فَقَالَ الأشتر: والله لو رام ذَلِكَ مَا قدر عَلَيْهِ، فغضب سَعِيد وَقَالَ «5» : إِنَّمَا السواد بستان لقريش، فَقَالَ الأشتر: أتجعل مراكز رماحنا وَمَا أفاء اللَّه عَلَيْنَا بستانًا لَك ولقومك؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه، ووثب بابن خنيس فأخذته الأيدي، فكتب سعيد بن العاص بِذَلِكَ إِلَى عُثْمَان وَقَالَ: إني لا أملك من الكوفة مَعَ الأشتر وأَصْحَابه الَّذِينَ يدعون القراء- وَهُمُ السفهاء- شيئًا، فكتب إِلَيْهِ أَن سيرهم إِلَى الشام، وكتب إِلَى الأشتر: إني لأراك تضمر شيئًا لو أظهرته لحل دمك، وَمَا أظنك منتهيًا حَتَّى تصيبك قارعة لا بقيا بعدها، فَإِذَا أتاك كتابي هَذَا فسر الى الشام لإفسادك من قبلك وأنك لا تألوهم خبالًا. فسير سَعِيد الأشتر ومن كَانَ وثب مَعَ الأشتر وَهُمْ: زَيْد وصعصعة ابنا صوحان وعائذ بْن حملة الطهوي من بَنِي تميم وكميل بْن زِيَاد (942) النخعي وجندب بْن زهير الأزدي والحارث بْن عبد الله الأعور الهمداني من

_ (1) تثليث: مكان قرب مكة (ياقوت 1: 826) . (2) م: تذكروا. (3) ما ينبت: سقطت من م وهي بهامش ط. (4) ط م س: عبد الله. (5) انظر ما تقدم ف: 1110

بَنِي حوث بْن سبع بْن صعب إخوة السبيع بْن سبع بْن صعب ويزيد بْن المكفف النخعي وثابت بْن قَيْس (بْن) المنقع بْن الْحَارِث النخعي وأصعر بْن قَيْس بْن الْحَارِث بْن وقاص الحارثي من بَنِي المعقل. فكتب جَمَاعَة من القراء إِلَى عُثْمَان مِنْهُم معقل بْن قَيْس الرياحي وعبد اللَّه بْن الطفيل العامري وَمَالِك بْن حبيب التميمي ويزيد بْن قَيْس الأرحبي وحجر بْن عدي الكندي وعمرو بْن الحمق الخزاعي وسليمان بْن صرد الخزاعي ويكنى أبا مطرف والمسيب بْن نجبة الفزاري وزيد بْن حصن «1» الطائي وكعب بْن عبدة النهدي وزياد بن النضر بن بشر ابن مَالِك بْن الديان الحارثي ومسلمة بْن عَبْد القاريّ من القارة من بَنِي الهون بْن خزيمة ابن مدركة، أَن سعيدًا كثر عَلَى قوم من أهل الورع والفضل والعفاف فحملك فِي أمرهم عَلَى مَا لا يحل فِي دين ولا يحسن فِي سماع، وإنا نذكرك اللَّه فِي أمة مُحَمَّد فَقَدْ خفنا أَن يَكُون فساد أمرهم عَلَى يديك، لأنك قَدْ حملت بَنِي أبيك على رقابهم، وأعلم أنّ لك ناصرا ظالمًا وناقمًا عليك مظلومًا، فَمَتَى نصرك الظَّالِم ونقم عليك الناقم تباين الفريقان واختلفت الكلمة، ونحن نشهد عليك اللَّه وكفى بِهِ شهيدًا، فإنك أميرنا مَا أطعت اللَّه واستقمت، ولن تجد دُونَ اللَّه ملتحدا ولا عَنْهُ منتقذًا «2» . وَلَمْ يسم أحد مِنْهُم نَفْسه فِي الكتاب، وبعثوا به مع رجل من عنزة يكنى أبا ربيعة، وكتب كعب بْن عبدة كتابًا من نَفْسه تسمى فِيهِ ودفعه إِلَى أَبِي ربيعة. فلما قدم أَبُو ربيعة عَلَى عُثْمَان سَأَلَهُ عَنْ «3» أسماء الْقَوْم الَّذِينَ كتبوا الكتاب فلم يخبره، فأراد «4» ضربه وحبسه فمنعه عَلِي من ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ رَسُول أدى مَا حمل، وكتب عُثْمَان إِلَى سَعِيد أَن يضرب كعب بْن عبدة عشرين سوطًا ويحول ديوانه إِلَى الري ففعل، ثُمَّ إِن عُثْمَان تحوب وندم فكتب فِي إشخاصه إِلَيْهِ ففعل، فلما ورد عَلَيْهِ قال له: انّه كانت

_ (1) الطبري (1: 3330) حصين. (2) ط: منتفدا، م: منتقذا، س: منتقدا. (3) عن: سقطت من م. (4) م: وأراد.

مني طيرة، ثُمَّ نزع ثيابه وألقى إِلَيْهِ سوطًا وَقَالَ: اقتص، فَقَالَ: قَدْ «1» عفوت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ. ويقال إِن عُثْمَان لما قرأ كتاب كعب كتب إِلَى سَعِيد فِي إشخاصه إِلَيْهِ، فأشخصه إِلَيْهِ مَعَ رجل أعرابي من أعراب بَنِي أسد، فلما رأى الأعرابي صلاته وعرف نسكه وفضله قَالَ: ليت حظي من مسيري بكعب ... عفوه عني وغفران ذنبي فلما قدم بِهِ عَلَى عُثْمَان قَالَ عُثْمَان: لأن تسمع بالمعيدي خير من أَن تراه، وَكَانَ شابا حَدِيث السن نحيفًا، ثُمَّ أقبل عَلَيْهِ فَقَالَ: أأنت تعلمني الحق وَقَدْ قرأت كتاب اللَّه وأنت فِي صلب رجل مشرك، فَقَالَ لَهُ كعب: إِن إمارة الْمُؤْمِنيِنَ إِنَّمَا كانت لَك بِمَا أوجبته الشورى حِينَ عاهدت اللَّه عَلَى نفسك لتسيرن بسيرة نبيه لا تقصر عَنْهَا، وإن يشاورونا فيك ثانية نقلناها عَنْك، يا عُثْمَان إِن كتاب اللَّه لمن بلغه وقرأه، وَقَدْ شركناك فِي قراءته، ومتى لَمْ يعمل القارئ بِمَا فِيهِ كَانَ حجة عَلَيْهِ، فَقَالَ عُثْمَان: والله مَا أظنك تدري أين ربك فَقَالَ: هُوَ بالمرصاد «2» ، فقال مَرْوَان: حلمك أغرى «3» مثل هَذَا بك وجرأه عليك، فأمر عُثْمَان بكعب فجرد وضرب عشرين سوطًا وسيره إِلَى دباوند، ويقال إِلَى جبل الدخان «4» ، فلما ورد عَلَى سَعِيد حمله مَعَ بُكَيْر بْن حمران الأحمري فَقَالَ الدهقان الَّذِي ورد عَلَيْهِ: لَمْ فعل بِهَذَا الرجل مَا أرى؟ قَالَ بُكَيْر: لأنه شرير، فَقَالَ: إِن قومًا هَذَا من شرارهم لخيار. ثُمَّ إِن طَلْحَةَ والزبير وبخا عُثْمَان فِي أمر كعب وغيره، وقال طلحة: عند غبّ الصّدر

_ (1) قد: سقطت من م. (2) قارن بالبيان 1: 236 وعيون الأخبار 2: 370 والمجتنى: 75 والبصائر 7 الفقرة: 339 (والقول فيها منسوب لعامر بن عبد قيس) . (3) م: أغر. (4) دباوند أو دنباوند (ياقوت 2: 606، 608) ومعنى اللفظة: جبل الدخان.

(943) أمير المسيرين من أهل الكوفة إلى الشام:

تحمد عاقبة الورد، فكتب فِي رد كعب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ «1» وحمله إِلَيْهِ فلما قدم عَلَيْهِ نزع ثوبه وَقَالَ: يا كعب اقتصّ، فعفا رضي الله عنهم اجمعين. (943) أمير المسيرين من أهل الكوفة إِلَى الشام: 1377- قَالُوا: لما خرج المسيرون من قراء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق نزلوا مع عمرو بْن زرارة فبرهم مُعَاوِيَة وأكرمهم، ثُمَّ إنه جرى بينه وبين الأشتر قَوْل حَتَّى تغالظا، فحبسه مُعَاوِيَة، فقام عَمْرو بْن زرارة فَقَالَ: لئن حبسته لتجدن من يمنعه، فأمر بحبس عَمْرو، فتكلم سائر الْقَوْم فَقَالُوا: أَحْسَن جوارنا يا مُعَاوِيَة، ثُمَّ سكتوا فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا لكم لا تكلمون؟ فَقَالَ زَيْد بْن صوحان: وَمَا نصنع بالكلام «2» لئن كُنَّا ظالمين فنحن نتوب إِلَى اللَّه، وإن كُنَّا مظلومين فإنا نسأل اللَّه العافية، فَقَالَ مُعَاوِيَة: يا أبا عَائِشَةَ أَنْتَ رجل صدق، وأذن لَهُ فِي اللحاق بالكوفة، وكتب إِلَى سَعِيد بْن العاص: أما بَعْد فأني قَدْ أذنت لزيد بْن صوحان فِي المسير إِلَى منزله بالكوفة لما رَأَيْت من فضله وقصده وحسن هديه، فأحسن جواره وكف الأذى عَنْهُ وأقبل إِلَيْهِ بوجهك وودك فَإِنَّهُ قَدْ أعطاني موثقًا أَن لا ترى منه مكروهًا، فشكر زَيْد مُعَاوِيَة وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل. وبلغ مُعَاوِيَة أَن قومًا من أهل دمشق يجالسون الأشتر وأَصْحَابه، فكتب إِلَى عُثْمَان: أنك بعثت إلي قومًا أفسدوا مصرهم وأنغلوه ولا آمن أَن يفسدوا طاعة من قبلي ويعلموهم مَا لا يحسنونه حَتَّى تعود سلامتهم غائلة واستقامتهم اعوجاجًا، فكتب إِلَى مُعَاوِيَة يأمره أَن يسيرهم إِلَى حمص ففعل، وَكَانَ وإليها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَلِيد بْن المغيرة. ويقال إِن عُثْمَان كتب فِي ردهم إِلَى الكوفة فضج مِنْهُم سَعِيد ثانية فكتب فِي تسييرهم إِلَى حمص فنزلوا الساحل.

_ 1377- ابن عساكر 6: 11 والأغاني 11: 30 وقارن بالطبري 1: 2909 وانظر ما تقدم ف: 1376 وبعضه في الطبري 1: 2920

1378- قَالُوا: وكتب عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ إِلَى أمرائه فِي القدوم عَلَيْهِ للذي رأى من ضجيج النَّاس وشكيتهم، فقدم عَلَيْهِ مُعَاوِيَة من الشام وعبد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سرح من المغرب وعبد اللَّه بْن عامر بْن كريز من البصرة وسعيد بْن العاص من الكوفة، فأما مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ: أعدني وعمالك إِلَى أعمالنا وخذنا بِمَا تَحْتَ أيدينا، وأشار عليه أيضا بالمسير إِلَى الشام فأبى وَقَالَ: لا أخرج من مهاجر رَسُول اللَّهِ وجوار قبره ومسكن أزواجه، فعرض عَلَيْهِ أَن يوجه إِلَيْهِ جيشا يقيم مَعَهُ فيمنع منه فَقَالَ: لا أكون أول من وطئ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنصاره بجيش، وَأَمَّا سَعِيد بْن العاص فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا دعا النَّاس إِلَى الشكية وسوء القول الفراغ فاشغلهم بالغزو، وَأَمَّا ابْن عامر فَقَالَ: إِن النَّاس نقموا عليك فِي المال فأعطهم إياه، فردهم إِلَى أعمالهم. وَقَالَ عَلِي: [يا عُثْمَان إِن الحق ثقيل مريء وإن الباطل خفيف وبيء، وإنك مَتَى تصدق تسخط ومتى تكذب ترض،] وَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: إنك قَدْ أحدثت أحداثًا لَمْ يكن النَّاس يعهدونها، فَقَالَ عُثْمَان: مَا أحدثت حدثًا ولكنكم أظناء تفسدون عَلِي النَّاس وتؤلبونهم. وَكَانَ «1» علباء بْن الهيثم السدوسي قَدْ شخص مَعَ سَعِيد بْن العاص إِلَى الْمَدِينَةِ ليقرظه ويثني عَلَيْهِ لأنه سَأَلَهُ ذَلِكَ، وأحب علباء أيضًا أَن يلقي عليا ويعلم حال عُثْمَان وَمَا يَكُون منه، فلما رأى أَن عُثْمَان قَدْ عزم عَلَى رد عماله تعجل إِلَى الكوفة عَلَى ناقة لَهُ، فلما قدمها قَالَ: يا أهل الكوفة هَذَا أميركم الَّذِي يزعم أَن السواد بستان لَهُ قَدْ أقبل، واغتنم أهل الكوفة غيبة مُعَاوِيَة عَنِ الشام فكتبوا إِلَى إخوانهم الَّذِينَ بحمص مَعَ هانئ بْن خطاب الأرحبي (944) يدعونهم إِلَى القدوم ويشجعونهم عَلَيْهِ ويعلمونهم أَنَّهُ لا طاعة لعثمان مع إقامته على ما ينكر منه، فسار إليهم هانئ بْن خطاب مغذا للسير راكبا للفلاة، فلما قرءوا كتاب أصحابهم أقبل الأشتر والقوم المسيرون حَتَّى قدموا الكوفة فأعطاه القرّاء والوجوه

_ 1378- قارن بالطبري 1: 2932، 2949

جميعًا مواثيقهم وعهودهم أَن لا يدعوا سَعِيد بْن العاص يدخل الكوفة واليا أبدًا، وَكَانَ الَّذِينَ كتبوا مَعَ هانئ بْن خطاب: مَالِك بْن كعب بْن عَبْد اللَّهِ الهمداني ثُمَّ الأرحبي، ويزيد بْن قَيْس بْن ثمامة الأرحبي «1» ، وشريح بْن أوفى العبسي، وعبد اللَّه بْن شجرة السلمي، وجمرة بْن سنان الأسدي، وحرقوص بْن زهير السعدي، وَزِيَاد بْن خصفة التَّيْمِي، وعبد اللَّه بْن قفل البكري ثُمَّ التَّيْمِي، وَزِيَاد بْن نضر الحارثي، وعمرو بْن شُرَحْبِيل أَبُو ميسرة الهمداني، وعلقمة بْن قَيْس النخعي فِي رجال أشباههم. وقام مَالِك بْن الْحَارِث الأشتر يومًا فَقَالَ: إِن عُثْمَان قَدْ غَيْر وبدل، وحض النَّاس عَلَى منع سَعِيد من دخول الكوفة، فَقَالَ لَهُ قَبِيصَة بْن جَابِر بْن وهب الأسدي من ولد عميرة بْن حذار «2» : يا اشتر دام شترك، وعفا أثرك، أطلت الغيبة، وجئت بالخيبة، أتأمرنا بالفرقة والفتنة ونكث البيعة وخلع الخليفة؟ فَقَالَ الأشتر: يا قَبِيصَة بن جابر وما أنت وهذا، فو الله مَا أسلم قومك إلا كرها ولا هاجروا إلا فقرا، ثُمَّ وثب «3» النَّاس عَلَى قَبِيصَة فضربوه وجرحوه فوق حاجبه، وجعل الأشتر يقول: لا حرّ بوادي عوف «4» ، من لا يذد عَنْ حوضه يهدم «5» ، ثُمَّ صلى بالناس الجمعة وقال لزياد بن النضر: صل بالناس سائر صلواتهم والزم القصر، وأمر كميل بْن زِيَاد فأخرج ثابت بْن قَيْس بْن الخطيم الأنصاري من القصر، وَكَانَ سَعِيد بْن العاص خلفه عَلَى الكوفة حِينَ شخص إِلَى عُثْمَان، وعسكر الأشتر بَيْنَ الكوفة والحيرة وبعث عائذ بن حملة في خمسمائة إِلَى أسفل كسكر مسلحة بينه وبين البصرة، وبعث جمرة «6» بن سنان الأسدي في خمسمائة إِلَى عين التمر ليكون مسلحة بينه وبين الشام، وبعث هانئ بْن أَبِي حية بْن علقمة الهمداني ثم الوادعي

_ (1) م: الأرجا. (2) ط م س: جدار، التهذيب (8 رقم: 626) جذار، النووي (2: 56) حدان، وقارن باللسان (حذر) . (3) س: وبث. (4) هذا مثل، انظر: فصل المقال: 129 والميداني 2: 124 (5) من قول زهير في معلقته ومن لا يذد عَن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم (6) م: حمزة.

إِلَى حلوان فِي ألف فارس ليحفظ الطريق بالجبل، فلقي الأكراد بناحية الدينور وَقَدْ أفسدوا فأوقع بِهِمْ وقتل مِنْهُم مقتلة عظيمة، وبعث الأشتر أيضًا يَزِيد بْن حجية التَّيْمِي إِلَى المدائن وأرض جوخي، وولى عروة بْن زَيْد الْخَيْل الطائي مَا دُونَ المدائن، وتقدم إِلَى عماله أَن لا يجبوا درهما وأن يسكنوا النَّاس وأن يضبطوا النواحي، وبعث مَالِك بْن كعب الأرحبي في خمسمائة فارس ومعه عَبْد اللَّهِ بْن كباثة «1» أحد بَنِي عائذ اللَّه بْن سَعْد العشيرة بْن مَالِك بْن أدد بْن زَيْد إِلَى العذيب ليلقى سَعِيد بْن العاص ويرده، فلقي مَالِك بْن كعب الأرحبي سعيدًا فرده وَقَالَ: لا والله لا تشرب من ماء الفرات قطرة، فرجع إِلَى المدينة فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: مَا وراءك؟ قَالَ: الشر، فَقَالَ عُثْمَان: هَذَا كله عمل هَؤُلاءِ يَعْنِي عليا والزبير وطلحة. وأنهب الأشتر دار الْوَلِيد بْن عقبة وَكَانَ فِيهَا مال سَعِيد ومتاعه حَتَّى قلعت أبوابها، ودخل الأشتر الكوفة فَقَالَ لأبي موسى: تول الصلاة بأهل الكوفة وليتول حذيفة السواد والخراج. وكتب عُثْمَان إِلَى الأشتر وأَصْحَابه مَعَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر والمسور بْن مخرمة يدعوهم إِلَى الطاعة ويعلمهم أنهم أول من سن الفرقة ويأمرهم بتقوى اللَّه ومراجعة الحق والكتاب إِلَيْهِ بالذي يحبون، فكتب إِلَيْهِ الأشتر: من مَالِك بْن الْحَارِث إِلَى (945) الخليفة المبتلي الخاطئ الحائد «2» عَنْ سنة نبيه النابذ لحكم الْقُرْآن وراء ظهره، أما بَعْد فَقَدْ قرأنا كتابك فأنه نفسك وعمالك عَنِ الظلم والعدوان وتسيير الصالحين نسمح لَك بطاعتنا، وزعمت أنا قَدْ ظلمنا أنفسنا وَذَلِكَ ظنك الَّذِي أرداك فأراك الجور عدلا والباطل حقًا، وَأَمَّا محبتنا فأن تنزع وتتوب وتستغفر اللَّه من تجنيك عَلَى خيارنا وتسييرك صلحاءنا وإخراجك إيانا من ديارنا «3» وتوليتك الأحداث عَلَيْنَا وأن تولي مصرنا عَبْد اللَّهِ بْن

_ (1) م وابن سعد (5: 22) : كنانة. (2) م: الحادي. (3) م: دارنا.

ذكر قول جبلة الأنصاري وجهجاه الغفاري لعثمان رضي الله عنه:

قَيْس أبا موسى الأشعري وحذيفة فَقَدْ رضيناهما، وأحبس عنا وليدك وسعيدك ومن يدعوك إِلَيْهِ الهوى من أهل بيتك إِن شاء اللَّه والسلام. وخرج بكتابهم يَزِيد بْن قَيْس الأرحبي «1» ومسروق بْن الأجدع الهمداني وعبد اللَّه بْن أَبِي سبرة الجعفي، واسم أَبِي سبرة يَزِيد، وعلقمة بْن قَيْس أَبُو شبل النخعي وخارجة بْن الصلت البرجمي من بَنِي تميم فِي آخرين، فلما قرأ عُثْمَان الكتاب قَالَ: اللَّهُمَّ إني تائب، وكتب إِلَى أَبِي موسى وحذيفة: أنتما لأهل الكوفة رضى ولنا ثقة فتوليا أمرهم وقومًا بِهِ بالحق، غفر اللَّه لنا ولكما، فتولى أَبُو موسى وحذيفة الأمر وسكن أَبُو موسى النَّاس. وَقَالَ عتبة بْن الوغل «2» : تصدق عَلَيْنَا يا ابْن عَفَّان واحتسب ... وأمر عَلَيْنَا الأشعري لياليا فَقَالَ عُثْمَان: نعم وشهورًا إِن بقيت «3» . ذكر قَوْل جبلة «4» الأَنْصَارِيِّ وجهجاه الغفاري لعثمان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: قَالَ الكلبي: هُوَ رخيلة بْن ثعلبة البياضي بدري. 1379- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إسناده قَالَ: مر عُثْمَان بْن عَفَّان عَلَى جبلة بْن عَمْرو الساعدي وَهُوَ عَلَى بَاب داره وَقَدْ أنكر النَّاس عَلَيْهِ مَا أنكروا فَقَالَ لَهُ: يا نعثل والله لأقتلنك ولأحملنك عَلَى قلوص جرباء ولأخرجنك إِلَى حرة النار، ثُمَّ أتاه وَهُوَ عَلَى المنبر فأنزله وَكَانَ أول من اجترأ عَلَى عُثْمَان وتجهمه بالمنطق الغليظ، وأتاه يوما بجامعة

_ 1379- الطبري 1: 2980 وما يلي ف: 1458

أمر عمار بن ياسر العنسي رضي الله تعالى عنه:

فَقَالَ: والله لأطرحنها فِي عنقك أَوْ لتتركن بطانتك هذه، أطعمت الْحَارِث بْن الحكم السوق وفعلت وفعلت. وَكَانَ عُثْمَان ولى الْحَارِث السوق فكان يشتري الجلب بحكمه ويبيعه بسومه ويجبي «1» مقاعد المتسوقين ويصنع صنيعًا منكرًا فكلم فِي إخراج السوق من يده فلم يفعل، وقيل لجبلة فِي أمر عُثْمَان وسئل الكف عَنْهُ فقال: والله لا القى الله غدا فأقول إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيل. 1380- وقال الواقدي فِي بَعْض إسناده: خطب عُثْمَان فِي بَعْض أيامه فَقَالَ لَهُ جهجاه بْن سَعِيد «2» الغفاري: يا عُثْمَان أنزل ندرعك عباءة ونحملك عَلَى شارف من الإبل إِلَى جبل الدخان كَمَا سيرت خيار النَّاس، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: قبحك اللَّه وقبح مَا جئت بِهِ، وَكَانَ جهجاه متغيظًا عَلَى عُثْمَان، فلما كَانَ يَوْم الدار دَخَلَ عَلَيْهِ ومعه عصا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخصر بِهَا فكسرها عَلَى ركبته «3» ، فوقعت فِيهَا الأكلة. 1381- حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن حَدَّثَنِي «4» أَبُو الرَّبِيع سُلَيْمَان بْن دَاوُد الزهراني أَنْبَأَنَا حماد بْن زَيْد عَنْ يَزِيد بْن حازم عَنْ سُلَيْمَان بْن يسار أَن جهجاها الغفاري دَخَلَ عَلَى عُثْمَان فأخذ منه عصا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ يتخصر بِهَا فكسرها عَلَى ركبته فأخذته الأكلة (946) فِي ركبته، وَكَانَ جهجاه مِمَّن بايع تَحْتَ الشجرة، رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ «5» . أمر عمار بْن ياسر العنسي رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: 1382- حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هِشَام «6» بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِي مخنف فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: كان في

_ 1380- الطبري 1: 2982 1382- انظر في ما يلي ف: 1484

بَيْت المال بالمدينة سفط فِيهِ حلي وجوهر فأخذ منه عُثْمَان مَا حلى بِهِ بَعْض أهله، فأظهر النَّاس الطعن عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وكلموه فِيهِ بكلام شديد حَتَّى أغضبوه، فخطب فَقَالَ: لنأخذن حاجتنا من هَذَا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام، فَقَالَ لَهُ عَلِي: [إِذَا تمنع من ذَلِكَ ويحال بينك وبينه،] وَقَالَ عمار بْن ياسر: أشهد اللَّه أَن أنفي أول راغم من ذَلِكَ، فَقَالَ عُثْمَان: أعلي يا ابْن المتكاء تجترئ؟ خذوه، فأخذ ودخل عُثْمَان فدعا بِهِ فضربه حَتَّى غشي عَلَيْهِ ثُمَّ أخرج فحمل حَتَّى أتي بِهِ منزل أم سلمة زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يصل الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلى وَقَالَ: الحمد لِلَّهِ لَيْسَ هَذَا أول يَوْم أوذينا فِيهِ فِي اللَّه، وقام هِشَام بْن الْوَلِيد بْن المغيرة المخزومي وَكَانَ عمار حليفًا لبني مخزوم فَقَالَ: يا عُثْمَان أما عَلِي فاتقيته وَبَنِي أَبِيهِ «1» ، وَأَمَّا نحن فاجترأت عَلَيْنَا وضربت أخانا حَتَّى أشفيت بِهِ عَلَى التلف، أما والله لئن مات لأقتلنّ به رجلا من بني أمية عظيم السرة، فَقَالَ عُثْمَان: وإنك لَهَا هنا يا ابْن القسرية، قَالَ: فإنهما قسريتان، وكانت أمه وجدته قسريتين من بجيلة «2» ، فشتمه عُثْمَان وأمر بِهِ فأخرج، فأتى أم سلمة وإذا «3» هِيَ غضبت لعمار، وبلغ عَائِشَة مَا صنع بعمار فغضبت وأخرجت شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثوبا من ثيابه ونعلًا من نعاله ثُمَّ قَالَتْ: مَا أسرع مَا تركتم سنة نبيكم وَهَذَا شعره وثوبه ونعله لم يبل بَعْد، فغضب عُثْمَان غضبًا شديدًا حَتَّى مَا درى مَا يَقُول، فالتج «4» الْمَسْجِد وَقَالَ النَّاس: سبحان اللَّه سبحان اللَّه، وَكَانَ عَمْرو بْن العاص واجدًا عَلَى عُثْمَان لعزله إياه عَنْ مصر وتوليته إياها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، فجعل يكثر التعجب والتسبيح، وبلغ عُثْمَان مصير هِشَام بْن الْوَلِيد ومن مشى مَعَهُ من بَنِي مخزوم إِلَى أم سلمة وغضبها لعمار فأرسل إِلَيْهَا: مَا هَذَا الجمع؟ فأرسلت إِلَيْهِ: دع ذا عَنْك يا عُثْمَان ولا تحمل النَّاس فِي أمرك عَلَى مَا يكرهون. واستقبح النَّاس فعله بعمار وشاع فيهم فاشتدّ إنكارهم له.

_ (1) م: وبني أمية. (2) س م: قسريتان، م: من جيلة. (3) س: فإذا. (4) ط س: فالتحّ.

1383- ويقال إِن المقداد بْن عَمْرو وعمار بْن ياسر وطلحة والزبير فِي عدة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتبوا كتابًا عددوا فِيهِ أحداث عُثْمَان وخوفوه ربه وأعلموه أنهم مواثبوه إِن لَمْ يقلع، فأخذ عمار الكتاب وأتاه بِهِ، فقرأ صدرًا منه فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: أعلي تقدم من بينهم؟ فَقَالَ عمار: لأني أنصحهم لَك، فَقَالَ: كذبت يا ابن سميّة، فقال: انا والله ابْن سمية وابن ياسر، فأمر غلمانا لَهُ فمدوا بيديه ورجليه ثُمَّ ضربه عُثْمَان برجليه وَهِيَ «1» فِي الخفين عَلَى مذاكيره فأصابه الفتق، وَكَانَ ضعيفًا كبيرًا فغشي عَلَيْهِ. 1384- وَقَدْ قيل أيضًا إِن عُثْمَان مر بقبر جديد فسأل عَنْهُ فقيل قبر عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، فغضب عَلَى عمار لكتمانه إياه موته إذ كَانَ المتولي للصلاة عَلَيْهِ والقيام بشأنه، فعندها وطيء عمارًا حَتَّى أصابه الفتق. 1385- وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي قحافة ومحمد بْن أَبِي حذيفة خرجا إِلَى مصر عام خرجَ «2» عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح إِلَيْهَا، فأظهر (947) مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة عيب عُثْمَان والطعن عَلَيْهِ وَقَالَ: استعمل عُثْمَان رجلا أباحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يَوْم الفتح ونزل الْقُرْآن بكفره حِينَ قال سأنزل مثل ما أنزل الله. وكانت غزاة «3» ذَات الصواري فِي المحرم سنة أربع وثلاثين وعليها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد فصلى بالناس، فكبر ابْن أَبِي حذيفة تكبيرة أفزعه بِهَا فَقَالَ: لولا أنك حدث أحمق لقاربت بَيْنَ خطوك، وَلَمْ يزل يبلغه عَنْهُ وعن ابْن أَبِي بَكْر مَا يكره، وجعل ابْن أَبِي حذيفة يَقُول: يا أهل مصر إنا خلفنا الغزو وراءنا يَعْنِي غزو عُثْمَان، وقد كان عثمان رضي

_ 1383- قارن بالرياض النضرة 2: 140 1385- الطبري 1: 2870

اللَّه تَعَالَى عَنْهُ ضرب ابْن أَبِي حذيفة فِي الشراب فاحتمل عَلَيْهِ لِذَلِكَ حقدًا وحنقًا وهو كان ربّاه بَعْد مقتل أَبِيهِ باليمامة، فكتب ابْن أَبِي سرح إِلَى عُثْمَان إِن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وَمُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة قَدْ أنغلا عَلِي المغرب وأفسداه، فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان: أما مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر فإني أدعه لأبي بَكْر الصديق وعائشة أم الْمُؤْمِنيِنَ، وَأَمَّا مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة فَإِنَّهُ ابني وابن أَخِي وأنا ربيته وَهُوَ فرخ قريش. 1386- وَحَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِير عَنِ ابْن جعدبة عن صالح ابن كَيْسَان عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَن مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة ومحمد بْن أَبِي بَكْر حِينَ أَكْثَر النَّاس فِي أمر عُثْمَان قدما مصر وعليها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، ووافقا بمصر محمد ابن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد، وأن ابْن أَبِي حذيفة شهد صلاة الصبح فِي صبيحة الليلة الَّتِي قدم فِيهَا ففاتته الصلاة فجهر بالقراءة، فسمع ابْن أَبِي سرح قراءته فسأل عَنْهُ فقيل رجل أبيض طوال «1» وضيء الوجه، فأمر إِذَا صلّى أن يؤتى به، فلما رآه قَالَ: مَا جاء بك إِلَى بلدي؟ قَالَ: جئت غازيًا قَالَ: ومن معك؟ قَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، فَقَالَ: والله مَا جئتما إلا لتفسدا النَّاس وأمر بهما فسجنا، فأرسلا إِلَى مُحَمَّد بْن طَلْحَة يسألانه أَن يكلمه فيهما لئلا يمنعهما من الغزو، فأطلقهما ابْن أَبِي سرح، وغزا ابْن أَبِي سرح إفريقية فأعد لهما سفينة مفرده لئلا يفسدا عَلَيْهِ النَّاس، فمرض ابْن أَبِي بَكْر فتخلف وتخلف «2» مَعَهُ ابْن أَبِي حذيفة، ثُمَّ إنهما خرجا فِي جَمَاعَة النَّاس فَمَا رجعا من غزاتهما إلا وَقَدْ أوغرا صدور النَّاس عَلَى عُثْمَان، فلما وافى ابْن أَبِي سرح مصر وافاه كتاب عُثْمَان بالمصير إِلَيْهِ، فشخص إِلَى الْمَدِينَة وخلف عَلَى مصر رجلا كَانَ هواه مَعَ ابْن أَبِي بَكْر وابن أَبِي حذيفة، فكان مِمَّن شايعهم وشجعهم عَلَى المسير إِلَى عُثْمَان. 1387- قَالُوا: وبعث عُثْمَان إِلَى ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ بثلاثينَ ألف درهم وبجمل «3» عَلَيْهِ كسوة فأمر بِهِ فوضع فِي المسجد وقال: يَا معشر المسلمين ألا ترونَ إِلَى عُثْمَان يخاد عني عن

_ (1) طوال: لم ترد في س. (2) وتخلف: سقطت من م. (3) س: ويحتمل.

أمر أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه: من بني كنانة بن خزيمة

ديني ويرشوني عَلَيْهِ، فازداد أهل مصر عيبًا لعثمان وطعنًا عَلَيْهِ، واجتمعوا إِلَى ابْن أَبِي حذيفة فرأسوه عَلَيْهِم، فلما بلغ عُثْمَان ذَلِكَ دعا بعمار بْن ياسر فاعتذر إِلَيْهِ مِمَّا فعل بِهِ واستغفر اللَّه منه وسأله أَن لا يحقده عَلَيْهِ وَقَالَ: بحسبك من سلامتي لَك ثقتي بك، وسأله الشخوص إِلَى مصر ليأتيه بصحة خبر ابْن أَبِي حذيفة وحق مَا بلغه عَنْهُ من باطله، وأمره أَن يقوم بعذره ويضمن عَنْهُ العتبى لمن قدم عَلَيْهِ، فلما ورد عمار مصر حرض النَّاس عَلَى عُثْمَان ودعاهم إِلَى خلعه وأشعلها عَلَيْهِ، وقوي رأى ابْن أَبِي حذيفة وابن أَبِي بَكْر وشجعهما عَلَى المسير إِلَى الْمَدِينَة، فكتب ابْن أَبِي سرح إِلَى عُثْمَان يعلمه مَا كَانَ من عمار ويستأذنه فِي عقوبته، فكتب إِلَيْهِ بئس الرأي رَأَيْت يا ابْن أَبِي سرح، فأحسن جهاز عمار واحمله إِلَيّ، فتحرك أهل مصر وَقَالُوا: سير عمار، ودب فيهم ابْن أَبِي حذيفة ودعاهم إِلَى المسير فأجابوه. 1388- حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْد الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ وَأَحْمَد بن ابراهيم الدورقي قَالا حَدَّثَنَا بهز بْن أسد حَدَّثَنَا حصين بْن نمير عَنْ جهيم الفهري قَالَ: أنا حاضر أمر عُثْمَان، قَالَ: فجاء (948) سَعْد وعمار ومعهما من معهما إِلَى بَاب عُثْمَان فأرسلوا الى عثمان: إنّا نريد إن نذاكرك أشياء أحدثتها، فأرسل إليهم: إني مشغول عنكم اليوم فانصرفوا يومكم وعودوا يوم كَذَا، فانصرف سَعْد وَلَمْ ينصرف عمار، وأعاد الرسول إِلَى عُثْمَان، فرد عَلَيْهِ مثل القول الأَوَّل، فأبى أَن ينصرف فتناوله رَسُول عُثْمَان، فلما اجتمعوا للميعاد قَالَ لَهُمْ عُثْمَان: مَا تنقمون عَلِي؟ قَالُوا: أول ذَلِكَ ضربك عمارًا، فَقَالَ: تناوله رسولي بغير رضائي وأمري، وذكر كلاما بعد ذلك. أمر أبي ذر جندب بْن جنادة الغفاري رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: من بَنِي كنانة بْن خزيمة 1389- قَالُوا: لما أعطى عُثْمَان مَرْوَان بْن الحكم مَا أعطاه وأعطى الْحَارِث بْن الحكم بْن أَبِي العاص ثلاثمائة ألف درهم وأعطى زَيْد بْن ثابت الأَنْصَارِيَّ مائة الف

_ 1389- بعضه في المروج 4: 268 وطبقات ابن سعد 4/ 1: 166 والطبري 1: 2860 والسمهودي 1: 84

درهم جعل أَبُو ذر يَقُول بشر الكانزين «1» بعذاب أليم ويتلو قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ) الآية (التوبة: 34) فرفع ذَلِكَ مَرْوَان بْن الحكم إِلَى عُثْمَان فأرسل إِلَى أَبِي ذر ناتلا «2» مولاه أَن انته عما يبلغني عَنْك فَقَالَ: أينهاني عُثْمَان عن قراءة كتاب اللَّه وعيب من ترك أمر الله، فو الله لأن أرضي اللَّه بسخط عُثْمَان أحب إلي وخير لي من أَن أسخط اللَّه برضاه، فأغضب عُثْمَان ذَلِكَ وأحفظه، فتصابر وكف. وَقَالَ عُثْمَان يومًا: أيجوز للإمام أَن يأخذ من المال فَإِذَا أيسر قضى؟ فَقَالَ كعب الأحبار: لا بأس بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو ذر: يا ابْن اليهوديين أتعلمنا ديننا؟ فَقَالَ عُثْمَان: مَا أَكْثَر أذاك لي وأولعك بأَصْحَابي، الحق بمكتبك، وكان مكتبه بالشام إلا أَنَّهُ كَانَ يقدم حاجًا ويسأل عُثْمَان الإذن لَهُ فِي مجاورة قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأذن لَهُ فِي ذَلِكَ، وإنما صار مكتبه بالشام لأنه قَالَ لعثمان حِينَ رأى البناء قَدْ بلغ سلعا: أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: [إِذَا بلغ البناء سلعا «3» فالهرب، فأذن لي آت الشام فأغزو هناك، فأذن لَهُ] . وَكَانَ أَبُو ذر ينكر عَلَى مُعَاوِيَة أشياء يفعلها، وبعث اليه معاوية بثلاثمائة دِينَار فَقَالَ: إِن كانت من عطائي الَّذِي حرمتمونيه عامي هَذَا قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فِيهَا، وبعث إِلَيْهِ حبيب بْن مسلمة الفهري. بمائتي دِينَار فَقَالَ: أما وجدت أهون عليك مني حِينَ تبعث إِلَى بمال؟ وردها. وبنى مُعَاوِيَة الخضراء بدمشق فَقَالَ: يا مُعَاوِيَة إِن كانت هذه الدار من مال اللَّه فَهِيَ الخيانة، وإن كانت من مَالِك فهذا الإسراف، فسكت مُعَاوِيَة. وَكَانَ أَبُو ذر يَقُول: والله لَقَدْ حدثت أعمال مَا أعرفها، والله ما هي في كتاب اللَّه ولا سنة نبيه، والله إني «4» لأرى حقا يطفأ وباطلا يحيا وصادقا يكذّب وأثرة بغير تقى

_ (1) م: الكافرين. (2) س: نايلا. (3) سلع: بالمدينة أو بجوارها (ياقوت 3: 117) . (4) إني: سقطت من م.

وصالحا مستأثرًا عَلَيْهِ. فَقَالَ حبيب بْن مسلمة لمعاوية: إنّ أبا ذرّ مفسد عليك الشام فتدارك أهله إِن كانت لكم بِهِ حاجة، فكتب مُعَاوِيَة إِلَى عُثْمَان فِيهِ، فكتب عُثْمَان إِلَى مُعَاوِيَة: أما بَعْد فاحمل جندبًا إلي عَلَى أغلظ مركب وأوعره، فوجه مُعَاوِيَة من سار بِهِ الليل والنهار، فلما قدم أَبُو ذر الْمَدِينَةَ جعل يَقُول: يستعمل الصبيان ويحمي الحمى ويقرب أولاد الطلقاء، فبعث إِلَيْهِ عُثْمَان الحق بأي أرض شئت، فَقَالَ: بمكة، فَقَالَ: لا، قَالَ فبيت المقدس، قَالَ: لا، قَالَ فبأحد المصرين «1» ، قَالَ: لا، ولكني مسيرك إِلَى الربذة، فسيره إِلَيْهَا فلم يزل بِهَا حَتَّى مَاتَ. 1390- ويقال (949) إِن عُثْمَان قَالَ لأبي ذر حِينَ قدم من الشام: قربنا يا أبا ذر خير لَك من بعدنا يغدى عليك باللقاح ويراح فَقَالَ: لا حاجة لي فِي دنياكم ولكني آتى الربذة فإذن لَهُ فِي ذَلِكَ فأتاها وَمَاتَ بِهَا. 1391- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن هِشَام بْن الغاز حَدَّثَنَا مكحول قَالَ: قدم حبيب بْن مسلمة من أرمينية فمر بأبي ذر بالربذة فعرض عَلَيْهِ خادمين مَعَهُ ونفقة فأبى قبول ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: مَا أتى بك هاهنا؟ قَالَ: نفسي، رَأَيْت مَا هاهنا أسلم لي. 1392- حَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن سمعان عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قيل لعثمان إِن أبا ذر يَقُول إنك أخرجته إِلَى الربذة، فَقَالَ: سبحان اللَّه مَا كَانَ من هَذَا شَيْء قط، وإني لأعرف فضله وقديم إسلامه وَمَا كُنَّا نعد فِي أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل شوكة منه. 1393- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أبي مخنف عن فضيل بْن خديج «2» عَنْ كميل بْن زِيَاد قَالَ: كنت بالمدينة حِينَ أمر عُثْمَان أبا ذر باللحاق بالشام، وكنت بِهَا فِي العام المقبل حين سيّره الى الربذة.

_ 1390- طبقات ابن سعد 4/ 1: 167 واليعقوبي 2: 200

1394- وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تَكَلَّمَ أَبُو ذَرٍّ بِشَيْءٍ كَرِهَهُ عُثْمَانُ فَكَذَّبَهُ فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يُكَذِّبُنِي بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَلا أَطْبَقَتِ الْخَضْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ] ثُمَّ سيره إِلَى الربذة، فكان أَبُو ذر يَقُول: مَا ترك الحق لي صديقًا، فلما سار إِلَى الربذة قَالَ: ردني عُثْمَان بَعْد الهجرة أعرابيًا. 1395- قَالَ: وشيع عَلِي أبا ذر فأراد مَرْوَان منعه منه، فضرب عَلِي بسوطه بَيْنَ أذني راحلته، وجرى بَيْنَ عَلِي وعثمان فِي ذَلِكَ كَلام حَتَّى قَالَ عُثْمَان: مَا أَنْتَ بأفضل عندي منه، وتغالظا، فأنكر النَّاس قَوْل عُثْمَان ودخلوا بينهما حَتَّى اصطلحا. 1396- وَقَدْ رُوِيَ أيضًا أَنَّهُ لما بلغ عُثْمَان موت أَبِي ذر بالربذة قَالَ: رحمة اللَّه، فَقَالَ عمار بْن ياسر: نعم فرحمه اللَّه من كُل أنفسنا، فَقَالَ عُثْمَان: يا عاض أير أَبِيهِ أتراني ندمت عَلَى تسييره؟ وأمر فدفع فِي قفاه وَقَالَ: الحق بمكانه، فلما تهيأ للخروج جاءت بنو مخزوم إِلَى عَلِي فسألوه أَن يكلم عُثْمَان فِيهِ فَقَالَ لَهُ عَلِي: يا عُثْمَان اتق اللَّه فإنك سيرت رجلًا صالحًا من الْمُسْلِمِينَ فهلك فِي تسييرك، ثُمَّ أَنْتَ الآن تريد أَن تنفي نظيره، وجرى بينهما كَلام حَتَّى قَالَ عُثْمَان: أَنْتَ أحق بالنفي منه، فَقَالَ عَلِي: رم ذَلِكَ إِن شئت، واجتمع المهاجرون فَقَالُوا: إِن كنت كلما كلمك رجل سيرته ونفيته فَإِن هَذَا شَيْء لا يسوغ، فكف عَنْ عمار. 1397- حَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ (عَبْد اللَّهِ بْن) «1» خراش الكعبي قَالَ: وجدت أبا ذر بالربذة فِي مظلة شعر فَقَالَ: مَا زال بي الأمر بالمعروف والنهي عَنِ المنكر حَتَّى لَمْ يترك الحقّ لي صديقا.

_ 1394- طبقات ابن سعد 4/ 1: 168 والورقة 957/ أ (من س) وانظر بعضه في ف: 1397 والحلية 2: 83 1395- قارن باليعقوبي 2: 200 والمروج 4: 273 1396- قارن باليعقوبي 2: 201 1397- طبقات ابن سعد 4/ 1: 174 (170)

1398- حَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ شيبان النحوي عَنِ الأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْت لأبي ذر مَا أنزلك الربذة قَالَ: نصحي «1» لعثمان ومعاوية. 1399- مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْن مُحَمَّد عَنْ بشر بْن حوشب الفزاري عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أهلي بالشربة فجلبت غنمًا لي إِلَى الْمَدِينَةِ فمررت بالربذة وإذا بِهَا شيخ أبيض الرأس واللحية، قُلْت: من هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو ذر صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا هو في حفش ومعه قطعة من غنم، فَقُلْتُ: والله مَا هَذَا البلد بمحلة لبني غفار، فَقَالَ: (950) أخرجت كارهًا، فَقَالَ بشر بْن حوشب: فحدثت بِهَذَا الْحَدِيث سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فأنكر أَن يَكُون عُثْمَان أَخْرَجَهُ وَقَالَ: إِنَّمَا خرج أَبُو ذر إِلَيْهَا راغبًا فِي سكناها. 1400- وَقَالَ أَبُو مخنف: لما حضرت أبا ذر الوفاة بالربذة أقبل ركب من أهل الكوفة فيهم جَرِير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي وَمَالِك بْن الْحَارِث الأشتر النخعي والأسود بن يزيد ابن قَيْس بْن يَزِيد النخعي وعلقمة بْن قَيْس بْن يَزِيد عم الأسود فِي عدة آخرين فسألوا عَنْهُ ليسلموا عَلَيْهِ فوجدوه وَقَدْ توفي، فَقَالَ جَرِير: هذه غنيمة ساقها «2» اللَّه إلينا، فحنطه جَرِير وكفنه ودفنه وصلى عَلَيْهِ- ويقال بَل صلى عَلَيْهِ الأشتر- وحملوا امرأته حَتَّى أتوا بِهَا الْمَدِينَةَ، وكانت وفاته لأربع سنين بقيت من خلافة عُثْمَان، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: صلى عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود بالربذة فِي آخر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين. 1401- وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مسلم حدثنا معتمر بن سلمان حدثنا أيّوب حدثنا سليمان ابن الْمُغِيرَةَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ أَنَّ رِفْقَةً خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ لِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَأَتَوُا الرِّبْذَةَ فَبَعَثُوا رَجُلا يَشْتَرِي لَهُمْ شَاةً، فَأَتَى عَلَى خِبَاءٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ جَزَرَةٌ فَقَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: أَوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: مَاتَ أَبُو ذَرٍّ وَالنَّاسُ خلوف، وليس عنده «3» أحد

_ 1401- الورقة 957 ب (المخطوطة س) .

قول عبد الرحمن بن عوف في عثمان رضي الله تعالى عنه:

يُغَسِّلُهُ وَيُجِنُّهُ وَقَدْ دَعَا اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَ له قَوْمًا صَالِحِينَ يُغَسِّلُونَهُ وَيَدْفِنُونَهُ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَأَعْلَمَهُمْ فَأَقْبَلُوا مُسَارِعِينَ وَمَعَهُمُ الْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ فَقَامُوا بِأَمْرِهِ حَتَّى أَجَنُّوهُ. 1402- وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ هُشَيْمِ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ مَاتَ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: بَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ عِنْدَهُ وَقَدْ تُوُفِّيَ إِذْ أَقْبَلَ رَكْبٌ فَسَلَّمُوا فَقَالُوا: مَا فَعَلَ أَبُو ذَرٍّ؟ قُلْتُ: هُوَ هَذَا مَيْتًا «1» قَدْ عَجَزْتُ عَنْ غُسْلِهِ وَدَفْنِهِ، فَأَنَاخُوا فَحَفَرُوا لَهُ وَغَسَّلُوهُ، وَأَخْرَجَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَنُوطًا وَكَفَنًا فَحَنَّطَهُ وَكَفَّنَهُ ثُمَّ دَفَنُوهُ وَحَمَلُوهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَتْ حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ قَالَ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّكَ تَمُوتُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَلِي دَفْنِي رَهْطٌ صَالِحُونَ] . 1403- وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامٍ «2» عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَقَوْمٌ يَقُولُونَ لَهُ فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ، يَعْنُونَ عُثْمَانَ، فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَنَا رَأْيَهُ فَتَجْتَمِع «3» إِلَيْكَ الرِّجَالُ؟ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ ابْنَ عَفَّانَ صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ جِذْعٍ لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ وَاحْتَسَبْتُ وَصَبَرْتُ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلا تَوْبَةَ لَهُ، فَرَجَعُوا. قَوْل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فِي عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: 1404- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لما توفي أَبُو ذر بالربذة تذاكر عَلِي وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فعل عُثْمَان فَقَالَ عَلِي: [هَذَا عملك،] فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: إِذَا شئت فخذ سَيْفك وآخذ سَيْفي، إنه قَدْ خالف مَا أعطاني. 1405- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ محمد بْن صَالِح عَنْ عبيد بْن رافع عَنْ عُثْمَان بْن الشريد قَالَ: ذكر عُثْمَان عِنْدَ عبد الرحمن بن عوف في مرضه

_ 1403- طبقات ابن سعد 4/ 1: 167

أمر عامر بن عبد قيس بن ناشب العنبري من بني تميم:

الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: عاجلوه قبل أَن يتمادى فِي ملكه، فبلغ ذَلِكَ عُثْمَان، فبعث إِلَى بئر كَانَ يسقى منها نعم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فمنعه إياها فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: اللَّهُمَّ اجعل ماءها غورًا، فَمَا وجدت فِيهَا قطرة. 1406- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ (951) عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ محمد بن عبد اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ أَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف كَانَ حلف ألا يكلم عُثْمَان أبدًا. 1407- وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ أَن عَبْد الرَّحْمَنِ أوصى أَن لا يصلي عَلَيْهِ عُثْمَان، فصلى عَلَيْهِ الزُّبَيْر أَوْ سَعْد بْن أَبِي وقاص، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين. أمر عامر بْن عَبْد قَيْس بْن ناشب العنبري من بَنِي تميم: 1408- قَالَ أَبُو مخنف لوط بْن يَحْيَى وغيره: كَانَ عامر بْن عَبْد قَيْس التميمي ينكر عَلَى عُثْمَان أمره وسيرته، فكتب حمران بْن أبان مولى عُثْمَان إِلَى عُثْمَان بخبره، فكتب عُثْمَان إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز فِي حمله فحمله، فلما قدم عَلَيْهِ فرآه، وَقَدْ أَعْظَم النَّاس إشخاصه وإزعاجه عَنْ بلده لعبادته وزهده، ألطفه وأكرمه ورده إِلَى البصرة، وَكَانَ عُثْمَان وجه حمران إِلَى الكوفة حِينَ شكا النَّاس الْوَلِيد بْن عقبة ليأتيه بحقيقة خبره فرشاه الْوَلِيد، فلما قدم عَلَى عُثْمَان كذب عَنِ الْوَلِيد وقرظه، ثُمَّ إنه لقي مَرْوَان فسأله عَنِ الْوَلِيد فَقَالَ لَهُ: الأمر جليل، فأخبر مَرْوَان عُثْمَان بِذَلِكَ، فغضب عَلَى حمران وغربه إِلَى البصرة لكذبه إياه وأقطعه دارًا. وَكَانَ يقال للوليد الأشعر بركًا، والبرك الصدر «1» . أمر عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم الزهري: 1409- قَالَ أَبُو مخنف: كَانَ عَلَى بَيْت مال عُثْمَان عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم بْن عَبْدِ يغوث ابن وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب- وَبَعْض الرواة يَقُول: عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم

_ 1408- الورقة 1116/ أ (من س) وانظر أيضا الطبري 1: 2924

مسير أهل الأمصار إلى عثمان واجتماعهم اليه مع من اجتمع من أهل المدينة:

ابن أهيب بْن عَبْد مناف بْن زهرة- فاستسلف عُثْمَان من بَيْت المال مائة ألف درهم وكتب عَلَيْهِ بِهَا عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم ذكر حق للمسلمين وأشهد عَلَيْهِ عليا وطلحة والزبير وسعد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فلما حل الأجل رده عُثْمَان،، ثم قدم عليه عبد الله ابن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص من مَكَّة وناس مَعَهُ غزاة، فأمر لعبد اللَّه بثلاثمائة ألف درهم ولكل رجل من الْقَوْم بمائة ألف درهم وصك بِذَلِكَ إِلَى ابْن أرقم فاستكثره ورد الصك لَهُ، ويقال أَنَّهُ سأل عُثْمَان أَن يكتب عَلَيْهِ بِهِ ذكر حق فأبى ذَلِكَ، فامتنع ابْن الأرقم من أَن يدفع المال إِلَى الْقَوْم، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان «1» : إِنَّمَا أَنْتَ خازن لنا فَمَا حملك عَلَى مَا فعلت؟ فَقَالَ ابْن الأرقم: كنت أراني خازنا للمسلمين، وإنما خازنك غلامك، والله لا إِلَى لَك بَيْت المال أبدًا، وجاء بالمفاتيح فعلقها عَلَى المنبر، ويقال بَل ألقاها إِلَى عُثْمَان، فدفعها عُثْمَان إِلَى ناتل مولاه، ثُمَّ ولى زَيْد بْن ثابت الأَنْصَارِيَّ بَيْت المال وأعطاه المفاتيح، ويقال إنه ولى بَيْت المال معيقيب «2» بْن أَبِي فاطمة، وبعث إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبلها. مسير أهل الأَمْصَار إِلَى عُثْمَان واجتماعهم إِلَيْهِ مَعَ من اجتمع من أهل الْمَدِينَةِ: 1410- (952) حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مخنف فِي إِسْنَادِهِ قَالُوا: التقى أهل الأَمْصَار الثلاثة: الكوفة والبصرة ومصر فِي الْمَسْجِد الحرام قبل مقتل عثمان بعام، وكان رئيس أهل الكوفة كعب «3» بْن عبدة النهدي ورئيس أهل البصرة المثنى بْن مخربة العبدي ورئيس (أهل) مصر كنانة بْن بشر بْن عتاب بْن عوف السكوني ثُمَّ التجيبي، فتذاكروا سيرة عُثْمَان وتبديله وتركه الوفاء بِمَا أعطى من نَفْسه وعاهد اللَّه عَلَيْهِ وَقَالُوا: لا يسعنا الرضى بِهَذَا، فاجتمع رأيهم عَلَى أَن يرجع كُل واحد من هَؤُلاءِ الثلاثة إِلَى مصره فيكون رَسُول من شهد مَكَّة من أهل الخلاف عَلَى عُثْمَان إِلَى من كَانَ عَلَى مثل رأيهم من أهل بلده، وأن يوافوا عُثْمَان فِي العام المقبل فِي داره فيستعتبوه فإن أعتب وإلّا

_ (1) انظر ف: 1843 (2) س: معيقيل. (3) ط س: لعب.

رأوا رأيهم فيه، ففعلوا ذلك، فلما حضر «1» الوقت خرج الأشتر إِلَى الْمَدِينَةِ فِي مائتين، وخرج حَكِيم بْن جبلة العبدي فِي مائة ولحق بِهِ بَعْد ذَلِكَ خمسون فكان فِي مائة وخمسين، وجاء أهل مصر وهم أربعمائة، ويقال خمسمائة ويقال سبعمائة ويقال ستّمائة، عَلَيْهِم أمراء أربعة: أَبُو عَمْرو «2» (بْن) بديل بْن ورقاء بْن عَبْد العزى الخزاعي عَلَى ربع، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عديس البلوي عَلَى ربع، وكنانة بْن بشر التجيبي عَلَى ربع، وعروة بن شييم ابن البياع «3» الكناني ثُمَّ الليثي عَلَى ربع، فلما أتوا المدينة أتوا دار عُثْمَان، ووثب معهم رجال من أهل الْمَدِينَةِ مِنْهُم عمار بْن ياسر العنسي ورفاعة بْن رافع الأَنْصَارِيُّ وَكَانَ بدريا والحجاج بْن غزية وكانت لَهُ صحبة وعامر بْن بُكَيْر «4» أحد بَنِي كنانة، فحصروا عُثْمَان الحصار الأَوَّل. 1411- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: لما كانت سنة أربع وثلاثين كتب بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَعْض يتشاكون سيرة عُثْمَان وتغييره وتبديله وَمَا النَّاس فِيهِ من عماله ويكثرون عَلَيْهِ ويسأل بَعْضهم بعضًا أَن يقدموا الْمَدِينَةَ إِن كَانُوا يريدون الجهاد، وَلَمْ يكن أحد مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدفع عَنْ عُثْمَان ولا ينكر مَا يقال فِيهِ، إلا زَيْد بْن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بْن مَالِك بْن أَبِي كعب من بَنِي سلمة من الأنصار وحسان بْن ثابت الأنصاري، فاجتمع المهاجرون وغيرهم إِلَى عَلِي فسألوه أَن يكلم عُثْمَان ويعظه، فأتاه فَقَالَ لَهُ: إِن النَّاس ورائي قَدْ كلموني فِي أمرك، والله مَا أدري مَا أقول لَك، مَا أعرفك شَيْئًا تجهله ولا أدلك عَلَى أمر لا تعرفه، وأنك لتعلم مَا نعلم وَمَا سبقناك إِلَى شَيْء فنخبرك عَنْهُ، لَقَدْ صحبت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعت ورأيت مثل مَا سمعنا ورأينا، وَمَا ابْن أَبِي قحافة وابن

_ 1411- الطبري 1: 2936- 41 وابن الأثير 3: 118

الْخَطَّاب بأولى بالحق «1» منك، ولأنت أقرب إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحما، ولقد نلت من صهره مَا لَمْ ينالا، فالله اللَّه فِي نفسك، فإنك لا تبصر من عمى ولا تعلم من جهل، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: والله لو كنت مكاني مَا عنفتك ولا أسلمتك ولا عتبت عليك أَن وصلت رحما «2» وسددت خلة وآويت ضائعًا ووليت من كَانَ عُمَر يوليه، نشدتك اللَّه ألم يول عُمَر المغيرة بْن شُعْبَة وليس هناك قَالَ: نعم، قَالَ أولم يول مُعَاوِيَة؟ فَقَالَ عَلِي: [إِن مُعَاوِيَة كَانَ أشد خوفًا وطاعة لعمر من يرفأ «3» وَهُوَ الآن يبتز الأمور دونك ويقطعها بغير علمك وَيَقُول لِلنَّاسِ هَذَا أمر عُثْمَان ويبلغك فلا تغير.] ثُمَّ خرج وخرج عُثْمَان بعده فصعد المنبر فَقَالَ: أما بَعْد فَإِن لكل شَيْء آفة ولكل أمر عاهة، وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم (953) مَا تحبون ويسرون لكم مَا تكرهون مثل النعام يتبعون أول ناعق، أحب مواردهم إليهم البعيد، والله لَقَدْ نقمتم عَلِي مَا أقررتم لابن الْخَطَّاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله وخبطكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم لَهُ عَلَى مَا أحببتم وكرهتم، وألنت لكم كنفي وكففت عنكم لساني ويدي فاجترأتم عَلِي، فأراد مَرْوَان الْكَلام فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: اسكت ودعني وأَصْحَابي. 1412- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي روايته: وَكَانَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وَمُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة لا يفتران من التحريض عَلَى عُثْمَان بمصر، فخرج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عديس البلوي وسودان ابن حمران المرادي وعمرو بْن الحمق الخزاعي وعروة بن شييم الليثي في خمسمائة وأظهروا أنهم يريدون العمرة، وَكَانَ خروجهم فِي رجب، ووجه عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح إِلَى عُثْمَان بخبرهم رسولا سار إحدى عشرة ليلة، وساروا المنازل حَتَّى نزلوا بذي خشب، فَقَالَ عُثْمَان: هَؤُلاءِ يظهرون أنهم يريدون العمرة وو الله مَا يريدون إلا الْفِتْنَة، لَقَدْ طال عَلَى النَّاس عمري ولئن فارقتهم ليتمنون يوما من أيّامي. فأتى عثمان عليّا في منزله

_ 1412- الطبري 1: 2968- 71

فَقَالَ لَهُ: يا ابْن عم إِن قرابتي قريبة وحقي عظيم، والقوم فيما بلغني عَلَى أَن يصبحوني ليقتلوني، وأنا أعلم أَن لَك عِنْدَ النَّاس قدرا وأنهم يَسْمَعُونَ منك، فأحب أَن تركب إليهم فتردهم عَلَى أَن أصير إِلَى مَا تشير بِهِ وتراه ولا أخرج عَنْ أمرك ولا أخالفك. فركب عَلِي ومعه سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل أَبُو الأعور وأبو الجهم (بْن) حذيفة العدوي وجبير ابن مطعم وحكيم بْن حزام وسعيد بْن العاص وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب بْن أسيد ومن الأنصار أَبُو حميد الساعدي وأبو أسيد الساعدي وزيد بْن ثابت وحسان بْن ثابت وكعب ابن مَالِك ومحمد بْن مسلمة- وَقَالَ بَعْضهم: إِن عمار بْن ياسر كَانَ معهم- فكلمهم عَلِي ومحمد بْن مسلمة حَتَّى انصرفوا راجعين إِلَى مصر، ثُمَّ لَمْ ينشبوا أَن رجعوا وادعوا أمورًا، فأقسم عُثْمَان أَنَّهُ لَمْ يفعلها. 1413- وَحَدَّثَنِي بَكْر بْن الهيثم حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الكريم من آل منبه اليماني حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّاس كَانُوا يأتون عليا لسابقته وقرابته وفضله لا أَنَّهُ أراد ذَلِكَ مِنْهُم، وَكَانَ مَرْوَان يَأْتِي عثمان فيخبره أنّه يؤلب النَّاس عَلَيْهِ ويعصب كُل شَيْء يَكُون من أهل مصر وغيرهم به، وأبلغه عَنْهُ أَن قوما قدموا من مصر فاستقل عدتهم فَقَالَ لَهُمْ: ارجعوا فتأهبوا فإني باعث إِلَى العراق من يأتيني من أهله بجيش يبطل اللَّه بِهِ هذه السيرة الجائرة ويريح من مَرْوَان وذويه، فَقَالَ عُثْمَان: اللَّهُمَّ إِن عليا أبى إلا حب الإمارة فلا تبارك لَهُ فِيهَا. 1414- مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن ابن جريج وَدَاوُد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ العطار عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّهِ أَن المصريين لما نزلوا بذي خشب بعث عُثْمَان إليهم مُحَمَّد بْن مسلمة فِي خمسين من الأنصار أنا فيهم، فلم يزل بِهِمْ حَتَّى رجعوا، فرأوا بعيرا عَلَيْهِ ميسم الصدقة وعليه غلام لعثمان فوجدوا مَعَهُ كتابًا أَن اقتل فلانا وفلانا، فرجعوا فحصروه. 1415- وروي أَبُو مخنف أَن المصريين وردوا الْمَدِينَةَ فأحاطوا وغيرهم بدار عثمان في

_ 1414- موجز لما في طبقات ابن سعد 3/ 1: 44 وانظر ف: 1418 1415- قارن بالطبري (رواية سيف) 1: 2952

المرة الأولى فأشرف عَلَيْهِم عُثْمَان فَقَالَ: أيها النَّاس مَا الَّذِي نقمتم عَلِي فإني معتبكم ونازل عِنْدَ محبتكم، فَقَالُوا: زدت فِي الحمى لإبل الصدقة عَلَى مَا حمى عُمَر فَقَالَ: إنها زادت فِي ولايتي، قَالُوا: أحرقت كتاب اللَّه، قَالَ: اختلف النَّاس فِي القراءة فَقَالَ (954) هَذَا: قرآني خير من قرآنك، وَقَالَ هَذَا: قرآني خير من قرآنك، وَكَانَ حذيفة أول من أنكر ذَلِكَ وأنهاه إِلَى، فجمعت النَّاس عَلَى القراءة الَّتِي كتبت بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: فلم حرقت المصاحف، أما كَانَ فِيهَا مَا يوافق هذه القراءة الَّتِي جمعت النَّاس عَلَيْهَا، أفهلا تركت المصاحف بحالها؟ قَالَ: أردت أَن لا يبقى إلا مَا كتب بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثبت فِي الصحف الَّتِي كانت عِنْدَ حفصة زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا أستغفر اللَّه، قَالُوا «1» : فإنك لَمْ تشهد بدرًا، قَالَ: خلفني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابنته، قَالُوا: لَمْ تشهد بيعة الرضوان، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة فصفق عني بيده، وشمال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير من يميني، قَالُوا: فررت من الزحف «2» قَالَ: فَإِن اللَّه قَدْ عفا عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: سيرت خيارنا وضربت أبشارنا ووليت عَلَيْنَا سفهاء أهل بيتك، قَالَ: إِنَّمَا سيرت من سيرت من مخافة الْفِتْنَة فمن مَاتَ مِنْهُم فارضوا بالله حكما بيني وبينه ومن بقي مِنْهُم فردوه واقتصوا مني لمن ضربت، وَأَمَّا عمالي فمن شئتم عزله فاعزلوه ومن رأيتم إقراره فأقروه، قَالُوا: فمال اللَّه الَّذِي أعطيت قرابتك؟ قَالَ: اكتبوا بِهِ عَلِي للمسلمين صكا لأعجل منه مَا قدرت عَلَى تعجيله وأسعى فِي باقيه، أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول «3» : [لا يحل دم امرئ مُسْلِم إلا بإحدى ثَلاث زنى بَعْد إحصان أَوْ كفر بَعْد إيمان أَوْ أَن يقتل رجل رجلا فيقتل به، وو الله ما] زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا قتلت نفسًا بغير حقها ولا ابتغيت بديني بدلا مذ هداني الله للإسلام، ولا والله «4» ما وضعت يدي عَلَى عورتي مذ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إكرامًا ليده.

_ (1) انظر مغازي الواقدي: 101 (2) يعني في معركة أحد. (3) قارن بالبخاري 4: 317 والترمذي 1: 263 (4) الطبري 1: 3016

فلما قَالَ هذه المقالة كسر حلماؤهم عَنْهُ، ونصب لَهُ كنانة بْن بشر التجيبي وعروة بْن شييم فأقبلا لا يقلعان ولا يكفان عَنْهُ، وأتى المغيرة بْن شُعْبَة عُثْمَان فَقَالَ لَهُ: دعني آت الْقَوْم فأنظر مَا يريدون، فمضى نحوهم فلما دنا مِنْهُم صاحوا بِهِ يا أعور وراءك، يا فاجر وراءك «1» ، يا فاسق وراءك، فرجع، ودعا عُثْمَان عَمْرو بْن العاص فَقَالَ لَهُ: ائت الْقَوْم فادعهم إلى كتاب اللَّه والعتبى مِمَّا ساءهم، فلما دنا مِنْهُم سلم فَقَالُوا: لا سلم اللَّه عليك، ارجع يا عدو اللَّه، ارجع يا ابْن النابغة فلست عندنا بأمين ولا مأمون، فَقَالَ لَهُ ابْن عُمَر وغيره: لَيْسَ لَهُمْ إلا عَلِي بْن أَبِي طَالِب فبعث عُثْمَان إِلَى عَلِي «2» فلما أتاه قَالَ: يا أبا الْحَسَن ائت هَؤُلاءِ الْقَوْم فادعهم إِلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه، قَالَ: نعم إِن أعطيتني عهد اللَّه وميثاقه عَلَى أنك تفي لَهُمْ بكل مَا أضمنه عَنْك، قَالَ: نعم، فأخذ عَلِي عَلَيْهِ عهد اللَّه وميثاقه عَلَى أوكد مَا يَكُون وأغلظ، وخرج إِلَى الْقَوْم فَقَالُوا: وراءك قَالَ: لا بَل أمامي تعطون كتاب اللَّه وتعتبون من كُل مَا سخطتم، فعرض عَلَيْهِم مَا بذل عُثْمَان فَقَالُوا: أتضمن ذَلِكَ عَنْهُ؟ قَالَ: نعم، قَالُوا: رضينا، وأقبل وجوههم وأشرافهم مَعَ عَلِي حَتَّى دخلوا عَلَى عُثْمَان وعاتبوه فأعتبهم من كُل شَيْء فَقَالُوا: اكتب بِهَذَا كتابا فكتب «3» : بسم اللَّه الرحمن الرحيم هَذَا كتاب من عَبْد اللَّهِ عُثْمَان أمِير الْمُؤْمِنيِنَ لمن نقم عَلَيْهِ من الْمُؤْمِنيِنَ والمسلمين «4» ، إِن لكم أَن أعمل فيكم بكتاب اللَّه وسنة نبيّه، يعطى المحروم ويؤمن الخائف ويرد المنفي ولا تجمر البعوث ويوفر «5» الفيء، وعلي بْن أَبِي طَالِب ضمين للمؤمنين والمسلمين عَلَى عُثْمَان بالوفاء بِمَا فِي هَذَا الكتاب، شهد الزُّبَيْر بْن العوام وطلحة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ (955) وسعد بْن مَالِك بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وزيد بْن ثابت وسهل بْن حنيف وأبو أيوب خَالِد بْن زَيْد، وكتب فِي ذي القعدة سنة خمس وثلاثين، فأخذ كُل قوم كتابًا فانصرفوا.

_ (1) وراءك: سقطت من م. (2) فبعث ... إلى عليّ: سقط من س. (3) يختلف نصّ هذه الرسالة في الطبري 1: 3040- 45 عما هو هنا. (4) م: المسلمين والمؤمنين. (5) الطبري: ويوفى.

وَقَالَ عَلِي بْن أَبِي طَالِب لعثمان «1» : [اخرج فتكلّم كلاما يسمعه الناس ويحملونه عَنْك وأشهد اللَّه عَلَى مَا فِي قلبك فَإِن البلاد قَدْ تمخضت عليك ولا تأمن أَن يَأْتِي ركب آخر من الكوفة أَوْ من البصرة أَوْ من مصر فتقول: يا عَلِي اركب إليهم فَإِن لَمْ أفعل قُلْت: قطع رحمي واستخفّ بحقي،] فخرج عُثْمَان فخطب النَّاس فأقر بِمَا فعل واستغفر اللَّه منه وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول [من زل فلينب «2» فأنا أول من اتعظ،] فَإِذَا نزلت فليأتني اشرافكم فليروني رأيهم «3» فو الله لو ردني إِلَى الحق عَبْد لاتبعته، وَمَا عَنِ اللَّه مذهب إلا إِلَيْهِ، فسر النَّاس بخطبته واجتمعوا إِلَى بابه مبتهجين بِمَا كَانَ منه، فخرج إليهم مَرْوَان «4» فزبرهم وَقَالَ: شاهت وجوهكم، مَا اجتماعكم؟ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مشغول عنكم، فَإِن احتاج إِلَى أحد منكم فسيدعوه فانصرفوا. وبلغ عليا «5» الْخَبَر فأتى عُثْمَان وَهُوَ مغضب فَقَالَ: أما رضيت من مَرْوَان ولا رَضِيَ منك إلا بإفساد دينك وخديعتك عَنْ عقلك، وإني لأراه سيوردك ثُمَّ لا يصدرك، وَمَا أنا بعائد بَعْد مقامي هَذَا لمعاتبتك. وَقَالَتْ لَهُ امرأته نائلة بنت الفرافصة: قَدْ سمعت قَوْل عَلِي بْن أَبِي طَالِب فِي مَرْوَان وَقَدْ أخبرك أَنَّهُ غَيْر عائد إليك، وَقَدْ أطعت مروان ولا قدر لَهُ عِنْدَ النَّاس ولا هيبة، فبعث إِلَى عَلِي فلم يأته. 1416- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ شُرَحْبِيل بْن أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سمعت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود بْن عَبْد يغوث ذكر «6» مَرْوَان فَقَالَ: قبحه اللَّه خرج عُثْمَان عَلَى النَّاس فأعطاهم الرضى وبكى عَلَى المنبر حَتَّى استهلت دموعه فلم يزل مَرْوَان يفتله فِي الذروة والغارب حَتَّى لفته عَنْ رأيه، قَالَ: وجئت إِلَى عَلِي فأجده بَيْنَ القبر والمنبر ومعه عمار بْن ياسر ومحمد بن أَبِي بَكْر وهما يقولان صنع مَرْوَان بالناس وصنع وانتهرهم

_ 1416- الطبري 1: 2977

وأغلظ لَهُمْ حَتَّى ردهم عَنْ بَاب عُثْمَان عَلَى أقبح الوجوه، فأقبل عَلِي عَلِي فَقَالَ: أحضرت خطبة عُثْمَان؟ قُلْت نعم، قَالَ أفحضرت مقالة مروان للناس «1» ؟ قُلْت نعم. 1417- قَالَ أَبُو مخنف: لما شخص المصريون بَعْد الكتاب الَّذِي كتبه عُثْمَان فصاروا بأيلة أَوْ بمنزل قبلها رأوا راكبًا خلفهم يريد مصر فَقَالُوا لَهُ: من أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَسُول أمِير الْمُؤْمِنيِنَ إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد وأنا غلام أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، وَكَانَ أسود، فَقَالَ بَعْضهم لبعض: لو أنزلناه وفتشناه «2» لا يَكُون صاحبه قَدْ كتب فينا بشيء، ففعلوا فلم يجدوا مَعَهُ شيئًا فَقَالَ بَعْضهم لبعض: خلوا سبيله، فَقَالَ كنانة بْن بشر: أما والله دُونَ أَن أنظر فِي أداوته فلا فَقَالُوا: سبحان اللَّه أيكون كتاب فِي ماء؟ فقال: إنّ للناس حيلا، ثم حلّ الادواة فإذا فيها قارورة مختومة «3» - او قال مضمونة- فِي جوف القارورة كتاب فِي أنبوب من رصاص فأخرجه فقرئ فَإِذَا فِيهِ: أما بَعْد فإذا قدم عليك أبو عَمْرو بْن بديل فاضرب عنقه واقطع يدي ابْن عديس وكنانة وعروة ثُمَّ دعهم يتشحطون فِي دمائهم حَتَّى يموتوا ثُمَّ أوثقهم عَلِي جذوع النخل. فيقال إِن مَرْوَان كتب الكتاب بغير علم عُثْمَان، فلما عرفوا مَا فِي الكتاب قَالُوا: عُثْمَان محل، ثُمَّ رجعوا عودهم عَلَى بدئهم حَتَّى دخلوا الْمَدِينَةَ، فلقوا عليا بالكتاب وَكَانَ خاتمه من رصاص، فدخل بِهِ عَلِي عَلَى عُثْمَان فحلف بالله مَا هُوَ كتابه ولا يعرفه وَقَالَ: أما الخط فخط كاتبي وَأَمَّا الخاتم فعلى خاتمي، قَالَ عَلِي: [فمن تتهم؟ قَالَ أتهمك وأتهم كاتبي، (956) فخرج عَلِي مغضبًا وَهُوَ يَقُول: بَل هُوَ أمرك.] قَالَ أَبُو مخنف: وَكَانَ خاتم عُثْمَان بديًا فِي يد حمران «4» بْن أبان ثُمَّ أخذه مَرْوَان حِينَ شخص حمران إِلَى البصرة فكان مَعَهُ. وجاء المصريون إِلَى دار عُثْمَان فأحدقوا بِهَا وَقَالُوا لعثمان وَقَدْ أشرف عَلَيْهِم: يا عُثْمَان أهذا كتابك؟ فجحد وحلف، فَقَالُوا: هَذَا شر، يكتب عَنْك بِمَا لا تعلمه، مَا مثلك

_ (1) وصنع ... للناس: سقط من س. (2) م: ففتشناه. (3) خ بهامش ط: محشوة. (4) س: بديا حمران.

يلي «1» أمور الْمُسْلِمِينَ، فاختلع من الخلافة، فَقَالَ: مَا كنت لأنزع قميصًا قمصنيه اللَّه- أَوْ قَالَ سربلنيه اللَّه- وَقَالَتْ بنو أمية: يا عَلِي أفسدت عَلَيْنَا أمرنا ودسست وألبت، فَقَالَ: [يا سفهاء إنكم لتعلمون أَنَّهُ لا ناقة لي فِي هَذَا ولا جمل، وأني رددت أهل مصر عَنْ عُثْمَان ثُمَّ أصلحت أمره مرة بَعْد أُخْرَى فَمَا حيلتي؟ وانصرف وَهُوَ يقول: اللهمّ إنّي بريء مِمَّا يقولون ومن دمه إِن حدث بِهِ حدث.] قَالَ: وكتب عُثْمَان حِينَ حصروه كتابًا قرأه ابْن الزُّبَيْر عَلَى النَّاس يَقُول فِيهِ: والله مَا كتبت الكتاب ولا أمرت بِهِ ولاعلمت بقصته وأنتم معتبون من كُل مَا ساءكم فأمروا عَلَى مصركم من أحببتم، وَهَذِهِ مفاتيح بَيْت مالكم فادفعوها إِلَى من شئتم، فَقَالُوا: قَدِ اتهمناك بالكتاب فاعتزلنا، وَقَالَ بَعْضهم: الَّذِي قرأ كتاب عُثْمَان الزُّبَيْر نَفْسه، وَالأَوَّل أثبت. 1418- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ دَاوُد العطار عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّهِ أَن عُثْمَان وجه إِلَى المصريين لما أقبلوا يريدونه مُحَمَّد بْن مسلمة فِي خمسين من الأنصار أنا فيهم فأعطاهم الرضى وانصرفوا، فلما كَانُوا ببعض الطريق رأوا جملًا عَلَيْهِ ميسم الصدقة فأخذوه، فَإِذَا غلام لعثمان، ففتشوه فَإِذَا مَعَهُ قصبة من رصاص فِي جوف إداوة فِيهَا كتاب إِلَى عامل مصر أَن افعل بفلان كَذَا وبفلان كَذَا، فرجع الْقَوْم إِلَى الْمَدِينَةِ، فأرسل إليهم عُثْمَان مُحَمَّد بْن مسلمة فلم يرجعوا وحصروه. 1419- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سميع «2» عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي ذئب عَنِ ابْن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَن المصريين لما قدموا فشكوا عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح سألوا عُثْمَان أَن يولى مكانه مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، فكتب عهده وولاه ووجه معهم عدة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابْن أَبِي سرح، فشخص مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وشخصوا جميعًا، فلما كَانُوا عَلَى مسيرة ثلاث من

_ 1418- انظر ما سبق ف: 1414 1419- الامامة 1: 62 والرياض النضرة 2: 124 والعقد 4: 288 والنص هنا تتمة لما ورد في ف 1329

الْمَدِينَةِ إِذَا هُمْ بغلام أسود عَلَى بعير وَهُوَ يخبط البعير خبطًا كَأَنَّهُ رجل يطلب أَوْ يطلب، فَقَالَ لَهُ أَصْحَاب مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر: مَا قصتك وَمَا شأنك كأنك هارب أَوْ طَالِب، فَقَالَ لَهُمْ مرة: أنا غلام أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، وَقَالَ مرة أُخْرَى: أنا غلام مَرْوَان وجهني إِلَى عامل مصر برسالة، قَالُوا: فمعك كتاب؟ قَالَ: لا، ففتشوه فلم يجدوا مَعَهُ شيئًا، وكانت مَعَهُ إداوة قَدْ يبست وفيها شَيْء يتقلقل، فحركوه ليخرج فلم يخرج، فشقوا الإداوة فَإِذَا فِيهَا كتاب من عُثْمَان إِلَى ابْن أَبِي سرح. فجمع مُحَمَّد من كَانَ مَعَهُ من المهاجرين والأنصار وغيرهم ثُمَّ فك الكتاب بمحضر مِنْهُم فَإِذَا فِيهِ: إذا أتاك مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتاب مُحَمَّد وقر عَلَى عملك حَتَّى يأتيك رأيي واحبس (957) من يجيء إلي متظلما منك إِن شاء اللَّه. فلما قرءوا الكتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وختم مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الكتاب بخواتيم نفر مِمَّن كَانَ مَعَهُ ودفعه إِلَى رجل مِنْهُم، وقدموا الْمَدِينَةَ فجمعوا عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كَانَ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فكوا الكتاب بمحضر مِنْهُم وأخبروهم «1» بقصة الغلام وأقرأوهم الكتاب فلم يبق أحد من أهل الْمَدِينَةِ إلا حنق عَلَى عُثْمَان، وزاد ذَلِكَ من كَانَ غضب لابن مَسْعُود وعمار بْن ياسر وأبي ذر حنقا وغيظًا، وقام أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنازلهم مَا مِنْهُم أحد إلا وَهُوَ مغتم لما فِي الكتاب. وحاصر النَّاس عُثْمَان وأجلب عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر ببني تيم «2» وغيرهم، وأعانه عَلَى ذَلِكَ طَلْحَةُ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ، وكانت عَائِشَةُ تقرصه كثيرًا، ودخل عَلِي وطلحة والزبير وسعد وعمار فِي نفر مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم بدري عَلَى عُثْمَان، ومع عَلِي الكتاب والغلام والبعير، فَقَالَ لَهُ عَلِي: [هَذَا الغلام غلامك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: والبعير بعيرك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: وأنت كتبت هَذَا الكتاب؟ قَالَ: لا، وحلف بالله مَا كتبت هَذَا الكتاب ولا أمرت بِهِ ولا علمت شأنه، فَقَالَ لَهُ عَلِي: أفالخاتم خاتمك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فكيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عَلَيْهِ خاتمك ولا تعلم به؟] فحلف بالله

_ (1) س: وأخبرهم. (2) م: تميم (وهو خطأ) .

مَا كتبت الكتاب ولا أمرت بِهِ ولا وجهت هَذَا الغلام إِلَى مصر قط، وعرفوا أَن الخط خط مَرْوَان فسألوه أَن يدفع إليهم مَرْوَان فأبى، وَكَانَ مَرْوَان عنده فِي الدار، فخرج أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عنده غضابًا وعلموا أَنَّهُ لا يحلف بباطل، إلا أَن قومًا قَالُوا: لَنْ يبرأ عُثْمَان فِي قلوبنا إلا بأن «1» يدفع إلينا مَرْوَان حَتَّى نبحثه عَنِ الأمر، ونعرف حال الكتاب وكيف يؤمر بقتل رجال من أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ بغير حق، فَإِن يكن عُثْمَان كتبه عزلناه، وإن يكن مَرْوَان كتبه عَنْ لسان عُثْمَان نظرنا مَا يَكُون منا فِي أمر مَرْوَان، فلزموا بيوتهم وأبى «2» عُثْمَان أَن يخرج مَرْوَان، فحاصر النَّاس عُثْمَان ومنعوه الماء، فأشرف عَلَى النَّاس فَقَالَ: أفيكم عَلِي؟ فَقَالُوا: لا، قَالَ: أفيكم سَعْد، فَقَالُوا: لا، فسكت ثُمَّ قَالَ: ألا أحد يبلغ «3» فيسقينا ماء؟ فبلغ ذَلِكَ عليا فبعث إِلَيْهِ بثلاث قرب مملوءة ماء فَمَا كادت تصل إِلَيْهِ، وجرح بسببها عدة من موالي بَنِي «4» هاشم وَبَنِي أمية حَتَّى وصلت. وبلغ عليا «5» أَن الْقَوْم يريدون قتل عُثْمَان فَقَالَ: [إِنَّمَا أردنا مَرْوَان، فأما قتل عُثْمَان فلا، وَقَالَ للحسن والحسين: اذهبا بسَيْفيكما حَتَّى تقوما عَلَى بَاب عثمان فلا تدعى أحدا يصل إِلَيْهِ،] وبعث الزُّبَيْر ابنه عَبْد اللَّهِ، وبعث طَلْحَةُ ابنه عَلَى كره، وبعث عدة من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبناء هم ليمنعوا النَّاس من «6» الدخول عَلَى عُثْمَان ويسألوه إخراج مَرْوَان، فلما رأى «7» ذَلِكَ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، وَقَدْ رمى النَّاس عُثْمَان بالسهام حَتَّى خضب الْحَسَن بالدماء عَلَى بابه وأصاب مَرْوَان سهم وَهُوَ فِي الدار وخضب مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ وشج قنبر مولى عَلِي، خشي مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر أَن يغضب بنو هاشم لحال الْحَسَن والحسين فيثيروها فتنة، وأخذ بيد رجلين فَقَالَ لهما: إِن جاءت بنو هاشم فرأت الدماء عَلَى وجه الْحَسَن كشفوا النَّاس عَنْ عُثْمَان وبطل مَا تريدون، ولكن

_ (1) س: إلا أن. (2) س: فأبى. (3) العقد: يبلغ عليّا. (4) بني: سقطت من س. (5) انظر المروج 4: 479 والطبري 1: 3013 (رواية سيف) . (6) من: سقطت من س. (7) الامامة 1: 71

مروا بنا حَتَّى نتسور عَلَيْهِ الدار فنقتله من غَيْر أَن يعلم أحد، فتسور مُحَمَّد وصاحباه من دار رجل من الأنصار حَتَّى دخلوا عَلَى عُثْمَان وَمَا يعلم أحد مِمَّن كَانَ مَعَهُ لأنهم كَانُوا فَوْقَ البيوت وَلَمْ يكن مَعَهُ إلا امرأته. فَقَالَ مُحَمَّد بْن أبي بكر «1» : أنا ابدأ كما بالدخول، فَإِذَا أنا ضبطته فادخلا فتوجاه حَتَّى تقتلاه، فدخل مُحَمَّد فأخذ بلحيته (958) فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: والله «2» لو رآك أبوك لساءه مكانك مني، فتراخت يده، ودخل الرجلان عَلَيْهِ فتوجاه حَتَّى قتلاه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا وصرخت امرأته إِلَى النَّاس فلم يسمع صراخها لما كَانَ فِي الدار من الجلبة، وصعدت امرأته إِلَى النَّاس فَقَالَتْ: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ قتل، فدخل الْحَسَن والحسين ومن كَانَ معهما فوجدوا عُثْمَان مذبوحًا، فانكبوا عَلَيْهِ يبكون، وخرجوا ودخل النَّاس فوجدوه مذبوحًا، وبلغ عَلِي بْن أَبِي طَالِب الْخَبَر وطلحة والزبير وسعدًا ومن كَانَ بالمدينة فخرجوا وَقَدْ ذهبت عقولهم للخبر الَّذِي أتاهم حَتَّى دخلوا عَلَى عُثْمَان فوجدوه مقتولًا فاسترجعوا، وَقَالَ عَلِي لابنيه: [كَيْفَ قتل أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وأنتما عَلَى الباب؟] ورفع يده فلطم الْحَسَن وضرب صدر الْحُسَيْن وشتم مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ ولعن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، وخرج عَلِي وَهُوَ غضبان يرى أَن طَلْحَةَ أعان عَلَى مَا كَانَ، فلقيه طَلْحَةُ فَقَالَ: مَا لَك يا أبا الْحَسَن ضربت الْحَسَن والحسين، فَقَالَ: عليك لعنة اللَّه أبيت إلا أَن يسوءني ذَلِكَ، يقتل «3» أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدري لَمْ يقم عَلَيْهِ بينة ولا حجة، فَقَالَ طَلْحَةُ: لو دفع مَرْوَان لَمْ يقتل، فَقَالَ عَلِي: [لو أخرج إليكم مروان لقتل قبل أن يثبت «4» عَلَيْهِ حكومة] . وخرج عَلِي «5» فأتى منزله وجاء النَّاس كلهم يهرعون إِلَى عَلِي، أَصْحَاب النَّبِي صلّى الله عليه وسلّم وغيرهم وهم يقولون: إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عَلِي، حَتَّى دخلوا داره فقالوا له: نبايعك فمدّ يدك فإنّه لا بدّ من أمِير، فَقَالَ عَلِي: لَيْسَ [ذاك إليكم إنما ذاك إلى أهل بدر فمن

_ (1) الامامة 1: 74 (2) والله: زيادة من ط م. (3) م: بقتل. (4) م: تثبت. (5) الامامة 1: 78

رَضِيَ بِهِ أهل بدر فَهُوَ خليفة،] فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليا فَقَالُوا: مَا نرى أحدًا أحق بِهَا منك فمد يدك نبايعك، فَقَالَ: أين طَلْحَةُ والزبير؟ وَكَانَ طَلْحَةُ أول من بايعه بلسانه وسعد بيده، فلما رأى عَلَى ذَلِكَ صعد المنبر وَكَانَ أول من صعد إِلَيْهِ، فبايعه طَلْحَةُ بيده، وكانت إصبع طَلْحَةَ شلاء فتطير منها عَلِي وَقَالَ: مَا أخلقه أَن ينكث «1» ، ثُمَّ بايعه الزُّبَيْر وسعد وأَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميعًا ثُمَّ نزل فدعا النَّاس وطلب مَرْوَان وَبَنِي أَبِي معيط فهربوا منه. وخرجت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهَا باكية تقول: قتل عُثْمَان رحمه اللَّه، فَقَالَ لَهَا عمار بْن ياسر: أَنْتَ بالأمس تحرضين عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْتَ اليوم تبكينه «2» . وجاء عَلِي إِلَى امْرَأَة عُثْمَان فَقَالَ لَهَا: [من قتل عُثْمَان رحمه اللَّه تَعَالَى؟] فَقَالَتْ: لا أدري دَخَلَ عَلَيْهِ رجلان لا أعرفهما إلا أَن أرى وجوههما، وَكَانَ معهما مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، وأخبرت عليا والناس بِمَا صنع مُحَمَّد، فدعا عَلِي محمدا فسأله عما ذكرت امْرَأَة عُثْمَان فَقَالَ مُحَمَّد: لَمْ تكذب فَقَدْ دخلت والله عَلَيْهِ وأنا أريد قتله، فذكر أَبِي فقمت عَنْهُ وأنا تائب، والله مَا قتلته ولا أمسكته، قَالَتِ امْرَأَة عُثْمَان: صدق ولكنه أدخلهما «3» . 1420- حدثني أَحْمَد «4» بْن هِشَام بْن بهرام حَدَّثَنَا وكيع عَنِ الأَعْمَش عَنْ عبيد بْن عمير قَالَ، قَالَ عَلِي: [لا آمركم بالإقدام عَلَى عُثْمَان فَإِن أبيتم فبيض سَيْفرخ] . 1421- وَحَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد عَنْ قَبِيصَة بْن عقبة «5» عَن سُفْيَان عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَمْرو (بْن) الأصم قَالَ: كنت فيمن أرسلوا من ذي خشب فَقَالُوا: سلوا أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم واجعلوا عليّا آخر من تسألونه، قال: فسألناهم (959) فَقَالُوا: أقدموا إلا عليا فَإِنَّهُ قَالَ: [لا آمركم فإن أبيتم فبيض سيفرخ] .

_ 1421- طبقات ابن سعد 3/ 1: 45 وقارن بالفائق والنهاية واللسان (فرخ) .

1422- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ أَبِي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح قال، قَالَ [عَلِيٌّ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ الأَمْرَ يَبْلُغُ مَا بَلَغَ مَا دَخَلْتُ فِيهِ] . 1423- وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأعرابي حَدَّثَنَا أزهر بْن سَعْد السمان أَبُو بَكْر حَدَّثَنَا ابْن عون عَنِ الْحَسَن قَالَ: خطب عُثْمَان فقام رجل فَقَالَ: نريد كتاب اللَّه فَقَالَ لَهُ: اقعد أما لكتاب اللَّه طَالِب غيرك؟ قال: فحصب وتحاصبوا فنزل الشيخ وَمَا يكاد يقيم عنقه، فَقَالَ ابْن عون: فَقُلْتُ للحسن ابْن كم كنت يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ابْن أربع عشرة خمس عشرة. 1434- وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: حرس الْقَوْم عُثْمَان ومنعوا من أَن يدخل عَلَيْهِ، وأشار عَلَيْهِ سَعِيد بْن العاص «1» بأن يحرم ويلبي ويخرج فيأتي مَكَّة فلا يقدم عَلَيْهِ، فبلغهم قوله فقالوا: والله لئن خرج لا فارقناه حَتَّى يحكم اللَّه بيننا وبينه، واشتد عَلَيْهِ طَلْحَةُ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الحصار، ومنع من أَن يدخل إِلَيْهِ الماء حَتَّى غضب عَلِي بْن أَبِي طَالِب من ذلك، فأدخلت عليه روايا الماء. 1425- قالوا: وكتب عُثْمَان إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز ومعاوية بْن أَبِي سُفْيَان يعلمهما أَن أهل البغي والعدوان من أهل العراق ومصر والمدينة قَدْ أحاطوا بداره فليس يرضيهم بزعمهم شَيْء دُونَ قتله أَوْ يخلع السربال الَّذِي سربله اللَّه إياه، ويأمرهما بإغاثته برجال ذوي نجدة وبأس ورأى لعل اللَّه أَن يدفع بِهِمْ عَنْهُ بأس من يكيده ويريده، وَكَانَ رسول إِلَى ابْن عامر جُبَيْر بْن مطعم وإلى مُعَاوِيَة المسور بْن مخرمة الزُّهْرِيِّ فأما ابْن عامر فوجه إِلَيْهِ مجاشع بْن مَسْعُود السلمي في خمسمائة أعطاهم خمسمائة خمسمائة درهم، وَكَانَ فيمن ندب مَعَ مجاشع زفر بْن الْحَارِث الكلابي عَلَى مائة رجل. وَأَمَّا مُعَاوِيَة فبعث إِلَيْهِ حبيب بْن مسلمة الفهري فِي ألف فارس فقدم حبيب أمامه يَزِيد بْن أسد البجلي جد خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد القسري من بجيلة وبلغ أهل مصر ومن معهم مِمَّن حاصر عُثْمَان

_ 1423- قارن بالطبري 1: 2979 1425- المصدر السابق: 2985

ذكر كراهة عثمان للقتال رضي الله عنه:

مَا كتب بِهِ إِلَى ابْن عامر ومعاوية فزادهم ذَلِكَ شدة عَلَيْهِ وجدا فِي حصاره وحرصًا عَلَى معاجلته بالقتل. 1426- الْمَدَائِنِي عَنْ حبان «1» بْن موسى عَنْ مجالد عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كتب عُثْمَان إِلَى مُعَاوِيَة أَن أمدني، فأمده بأربعة آلاف مَعَ يَزِيد بْن أسد بْن كرز البجلي فتلقاه النَّاس بمقتل عُثْمَان فرجع من الطريق وَقَالَ: لو دخلت الْمَدِينَةَ وعثمان حي مَا تركت بِهَا محتلما إلا قتلته لأن الخاذل والقاتل سواء. ذكر كراهة عُثْمَان للقتال رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: 1427- قَالَ أَبُو مخنف والواقدي وغيرهما فِي روايتهم: أن المغيرة بْن شُعْبَة الثقفي أشار عَلَى عُثْمَان بأن يأمر مواليه ومن مَعَهُ من أهل بيته بالتسلح ليراهم المحاصرون لَهُ فينكسروا عَنْهُ، ففعل، وجعلوا يمرون عَلَى تعبيتهم، ثُمَّ أمرهم بالانصراف وأن لا يقاتلوا، فَقَالَ الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط «2» . وكف يديه ثُمَّ أغلق بابه ... وأيقن أَن اللَّه لَيْسَ بغافل وَقَالَ لأهل الدار مه «3» لا تقاتلوا ... عفا اللَّه عَنْ كُل امرئ لَمْ يقاتل وكيف رَأَيْت اللَّه ألقى عليهم ال ... عداوة والبغضاء بَعْد التواصل وكيف رَأَيْت الخير أدبر بعده ... عَنِ النَّاس إدبار المخاض الحوامل «4» 1428- قَالُوا: ولما انصرف أولئك الَّذِينَ تسلحوا خرج سيدان بْن حمران المرادي- ويقال سودان بْن حمران- حَتَّى لحق بِهِمْ، فرجع إِلَيْهِ مَرْوَان فاضطربا بسيفيهما فلم يصنعا شيئًا، فَقَالَ عُثْمَان: يا سبحان اللَّه أكل هَذَا فِي نزعي وتأميري، يا ناتل الق مَرْوَان بعزمة مني أَن ينصرف إلي ومن معه، فجاء مروان حتى دخل الدار.

_ (1) س: خباب، ط م: حباب. (2) الأغاني: 16: 171 (منسوبة لكعب بن مالك) . (3) الأغاني: وقال لمن في داره. (4) الأغاني: النعام الجوافل.

1429- قَالُوا: وأتى قطن بْن عَبْد اللَّهِ بْن الحصين ذي الغصة الحارثي عُثْمَان وَهُوَ محصور فدعاه الى دفعهم عَنْ نَفْسه بمن أطاعه ومال إِلَيْهِ فَقَالَ: أنا أكلهم إِلَى اللَّه ولا أقاتلهم فَإِن ذَلِكَ أَعْظَم لحجتي عَلَيْهِم فانصرف محمودًا رشيدًا، فكان يَقُول: لوددت أني قتلت مَعَ عُثْمَان. 1430- وحدثني «1» عمرو بن محمد الناقد حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ أَنُفَرِّجُهُمْ عَنْكَ بِالضَّرْبِ؟ فَقَالَ: لا إِنَّكَ إِنْ قَتَلْتَ رَجُلا وَاحِدًا فَكَأَنَّمَا قَتَلْتَ النَّاسَ جَمِيعًا «2» ، قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَمْ أُقَاتِلْ. 1431- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حاتم بْن ميمون حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن إدريس الأزدي عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: جاء زَيْد بْن ثابت إِلَى عُثْمَان فَقَالَ لَهُ: إِن الأنصار بالباب يقولون إِن شئت كُنَّا أنصارا لله «3» مرتين فَقَالَ عُثْمَان: أما القتل «4» فلا. 1432- حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ، قَالَ عُثْمَانُ يَوْمَ الدَّارِ: أَعْظَمُكُمْ «5» عَنِّي غِنَاءً رَجُلٌ كَفَّ يَدَهُ وَسِلاحَهُ. 1433- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ فِي الدَّارِ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: عَزَمْتُ عَلَى مَنْ رَأَى لَنَا عَلَيْهِ سَمْعًا وَطَاعَةً أَنْ يُلْقِيَ سِلاحَهُ، فَأَلْقَى الْقَوْمُ أَسْلِحَتَهُمْ إِلا مَرْوَانَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَنَا أَعْزِمُ عَلَى نَفْسِي أَلا أُلْقِي سِلاحِي، قَالَ: وَكَانَ شُجَاعًا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَلْقَيْتُ سَيْفِي فلا أدري من أخذه.

_ 1430، 1431، 1432- طبقات ابن سعد 3/ 1:

أمر عمرو بن العاص وغيره:

1434- وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن عُلَيَّةَ «1» عَنِ ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ إِنَّ فِي الدَّارِ مَعَكَ عِصَابَةً مُسْتَبْصِرَةً تَنْصُرُ اللَّهَ فَأْذَنْ لِي أُقَاتِلْ، فَقَالَ: أُذَكِّرُ اللَّهَ رَجُلا هَرَاقَ فِيَّ دَمًا. 1435- وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بن ايّوب عن اسماعيل ابن علية عَنِ ابْن عَوْنٍ عَنِ ابْن سِيرِينَ قَالَ: كان مع عثمان في الدار سبعمائة لو يدعهم لضربوهم إِن شاء اللَّه حَتَّى يخرجوهم من أقطارها مِنْهُم الْحَسَن والحسين ابنا عَلِي وابن الزُّبَيْر. 1436- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ قَاتِلْهُمْ فو الله لقد أحلّ الله لَكَ قِتَالُهُمْ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا أُقَاتِلُهُمْ أَبَدًا، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَتَلُوهُ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ أَمَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الدَّارِ وَقَالَ: مَنْ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ طَاعَةٌ فَلْيُطِعْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ. 1437- وَفِي رواية أَبِي مخنف وغيره أَن عُثْمَان بْن أَبِي العاص الثقفي دَخَلَ عَلَى عُثْمَان وَهُوَ محصور فعرض عَلَيْهِ أَن يقاتل ليقاتل مَعَهُ فأبى، فاستأذنه فِي إتيان البصرة فأذن لَهُ فِي ذَلِكَ فلحق بالبصرة. أمر عَمْرو بْن العاص وغيره: 1438- (961) قَالُوا: وَكَانَ عَمْرو بْن العاص قَالَ لعثمان حين حصر «2» الحصار الأَوَّل: إنك يا عُثْمَان ركبت بالناس النهابير فاتق اللَّه وتب إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يا ابْن النابغة وإنك لممن تؤلب عَلَى الطغام لأن عزلتك عَنْ مصر، فخرج إِلَى فلسطين فأقام بها في ماله

_ 1435، 1436- طبقات ابن سعد (نفسه) . 1438- الطبرى 1: 2972، 2967 وابن سعد: 48 وما يلي ف: 1482

هناك، وجعل يحرض النَّاس عَلَى عُثْمَان حَتَّى رعاة الغنم، فلما بلغه مقتله قَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي إِذَا حَكَكْتُ قرحة نكأتها. 1439- قَالُوا: ومر مجمع بْن جارية الأَنْصَارِيُّ بطلحة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يا مجمع مَا فعل صاحبك؟ قَالَ: أظنكم والله قاتليه، فَقَالَ طَلْحَةُ: فَإِن قتل فلا ملك مقرب ولا نبي مرسل. 1440- قَالُوا: وَقَالَ عُثْمَان لعبد اللَّه بْن سلام: اخرج إليهم فكلمهم، فخرج إليهم فوعظهم وعظم حرمة الْمَدِينَةِ وَقَالَ لَهُمْ: إنه مَا قتل خليفة قط إلا قتل بِهِ خمسة وثلاثون ألفا، فَقَالُوا: كذبت يا يهودي ابْن اليهودية. 1441- قَالُوا: ولما اشتد الأمر عَلَى عُثْمَان أمر مَرْوَان بْن الحكم وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب بْن أسيد فأتيا عَائِشَةَ وَهِيَ تريد الحج فقالا لَهَا: لو أقمت فلعل اللَّه يدفع بك عَنْ هَذَا الرجل، فَقَالَتْ: قَدْ قربت «1» ركابي وأوجبت الحج عَلَى نفسي ووالله لا أفعل، فنهض مَرْوَان وصاحبه ومروان يَقُول: وحرق قَيْس عَلِي البلاد ... حَتَّى إِذَا اضطرمت أجذما فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يا مَرْوَان وددت والله أَنَّهُ فِي غرارة من غرائري هذه وأني طوقت حمله حَتَّى ألقيه فِي البحر. ومر عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس بعائشة وَقَدْ ولاه عُثْمَان الموسم وَهِيَ بمنزل من منازل طريقها فَقَالَتْ: يا ابْن عَبَّاس إِن اللَّه قَدْ آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن تردّ الناس عن هذا «2» الطاغية. 1442- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عن

_ 1440- طبقات ابن سعد: 58 ومصنف عبد الرزاق 11: 445 1441- طبقات ابن سعد 5: 25، والبيت للربيع بن زياد العبسي كما في الحماسة 2: 22 والعقد 4: 299 والصحاح واللسان والتاج (جذم) . 1442- (ا، ب) ، 1443، 1444- طبقات ابن سعد 3/ 1: 46، 47، 6: 140

أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَدَخَلَ يَوْمًا لِحَاجَتِهِ فَسَمِعَ كَلامَ مَنْ بِالْبَلاطِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَهُوَ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَتَوَعَّدُونَنِي بِالْقَتْلِ، [أَمَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يحل دم امرئ مسلم إِلا فِي إِحْدَى ثَلاثٍ: رَجُلٌ «1» كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ أَوْ قَتَلَ نفسا بغير نفس،] وو الله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا تَمَنَّيْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي مُذْ هَدَانِي اللَّهُ بدلا ولا قتلت نفسا، فبماذا يقتلونني؟ 1442 ب- حَدَّثَنَا عَفَّانُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ بِنَحْوِهِ. 1443- حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: لَمَّا حُوصِرَ عُثْمَانُ فِي الدَّارِ بَعَثَ رَجُلا فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ مَا يَقُولُ النَّاسَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَقَدْ حَلَّ دَمُهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إِلا أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ أَوْ يَزْنِيَ بَعْدَ إِحْصَانِهِ أَوْ يَقْتُلَ رَجُلا «2» فَيُقْتَلَ بِهِ أَوْ يَسْعَى فِي الأَرْضِ فَسَادًا. 1444- وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ محصور فاطّلع من كوّ فقال: أيّها الناس لا تقتلوني فو الله لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لا تُصَلُّونَ جَمِيعًا أَبَدًا وَلا تُجَاهِدُونَ جَمِيعًا أَبَدًا وَلَتَخْتَلِفُنَّ (حَتَّى تَصِيرُوا هَكَذَا) «3» وشبك بين أصابعه، ثم قال (يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُم مِثْلُ مَا أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُم بِبَعِيدٍ (هود: 89) ثُمَّ دَعَا ابْنَ سَلامٍ فَقَالَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: الْكَفُّ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الحجّة.

_ (1) رجل: سقطت من م وهي بهامش ط. (2) فقال له اسمع ... رجلا: سقط من س (والنص كامل عند ابن سعد، مشابه لما في ط م) . (3) زيادة من ابن سعد.

1445- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْن مُسْلِمٍ أَبُو عُثْمَانَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَنْبَأَنَا يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ، قَالَ عُثْمَانُ وَهُوَ مَحْصُورٌ: مَا تَقُولُ فِيمَا أَشَارَ بِهِ عَلِيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ الأَخْنَسِ؟ قال، قلت: وما هو؟ قال قَالَ: إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ يَرَوْنَ «1» خَلْعَكَ، فَإِنْ فَعَلْتَ وَإِلا قَتَلُوكَ، فَدَعْ أَمْرَهُمْ إِلَيْهِمْ (962) قَالَ فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ تَخْلَعْ هَلْ يَزِيدُونَ عَلَى قَتْلِكَ؟ قَالَ: لا، قَالَ فَقُلْتُ: فَلا أَرَى أَنْ تَسُنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ فِي الإِسْلامِ فَكُلَّمَا سَخطَ قَوْمٌ أَمِيرَهُمْ خَلَعُوهُ، لا تَخْلَعْ قَمِيصًا قَمَّصَكَهُ اللَّهُ. 1446- وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مخنف بإسناده قَالَ: أشرف عُثْمَان عَلَى النَّاس فسمع بَعْضهم يَقُول لا نقتله ولكن نعزله فَقَالَ: أما عزلي فلا وَأَمَّا قتلي فعسى، وسلم عَلَى جَمَاعَة فيهم طَلْحَةُ فلم يردوا عَلَيْهِ فَقَالَ: يا طَلْحَةُ مَا كنت أرى أني أعيش إِلَى أَن أسلم عليك فلا ترد عَلِي السَّلام. 1447- قَالَ: وجاء الزُّبَيْر إِلَى عُثْمَان فَقَالَ لَهُ إِن فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَة يمنعون من ظلمك ويأخذونك بالحق فاخرج فخاصم الْقَوْم إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج معه فوثب النَّاس عَلَيْهِ بالسلاح فَقَالَ: يا زبير مَا أرى أحدا يأخذ بحق ولا يمنع من ظلم، ودخل ومضى الزُّبَيْر إِلَى منزله. 1448- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: إِنْ وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ تَضَعُوا رِجْلِي فِي الْقُيُودِ فَضَعُوهُمَا. 1449- وَقَالَ أَبُو مخنف والواقدي فِي روايتهما: أَن أم حبيبة بنت أَبِي سُفْيَانَ زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتت عُثْمَان بإداوة وَقَدِ اشتد عَلَيْهِ الحصار فمنعوها من الدخول فَقَالَتْ: إنه كَانَ المتولي لوصايانا وأمر أيتامنا وأنا أريد مناظرته فِي ذلك، فأذنوا لها فأعطته الإداوة.

_ 1445، 1448- طبقات ابن سعد 3/ 1: 45، 48 1449- قارن بالطبري 1: 3010

1450- وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح عَنْ عَبْد الجبار بْن الورد قَالَ سمعت ابْن أَبِي مليكة يَقُول قَالَ جُبَيْر بْن مطعم: حصر عُثْمَان حَتَّى كَانَ لا يشرب إلا من فَقِير «1» فِي داره، فدخلت عَلَى عَلِي فَقُلْتُ: أرضيت بِهَذَا أَن يحصر ابْن عمتك حَتَّى والله مَا يشرب إلا من فَقِير فِي داره؟ فَقَالَ: [سبحان اللَّه أوقد بلغوا بِهِ هذه الحال؟ قُلْت: نعم، فعمد إِلَى روايا ماء فأدخلها إِلَيْهِ فسقاه] . 1451- وَحَدَّثَنِي إِسْحَاق الفروي أبو موسى حدثنا عبد الله بن إدريس حدثنا يحيى ابن سَعِيد قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ قَدِ استولى عَلَى أمر النَّاس فِي الحصار، فبعث عُثْمَان عَبْد الله ابن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ إِلَى عَلِي بِهَذَا الْبَيْت: إِن كنت مأكولا فكن أَنْتَ آكلي ... وإلا فأدركني ولما أمزّق وقال هشام بن الكلبي: هَذَا الْبَيْت للممزق العبدي واسمه شأس بْن نهار بْن الأسود بْن حزيل، وَبِهِ سمي الممزق. 1452- قَالُوا: وَقَالَ أُسَامَةُ بْن زَيْد بْن حارثة لعلي بْن أَبِي طَالِب: والله يا أبا الْحَسَن والله لأنت أعز عَلِي من سمعي وبصري فأطعني وأخرج إِلَى أرضك بينبع «2» فَإِن عُثْمَان إِن قتل وأنت بالمدينة رميت بدمه، وإن أَنْتَ لَمْ تشهد أمره لَمْ يعدل النَّاس بك، فَقَالَ ابْن عَبَّاس لأسامة: يا أبا مُحَمَّد أتطلب أثرا بَعْد عين؟ أبعد ثلاثة من قريش ينبغي لعلي أَن يعتزل؟ 1453- وَقَالَ أَبُو مخنف: صلى عَلِي بالناس يَوْم النحر وعثمان محصور، فبعث إِلَيْهِ عثمان ببيت الممزق:

_ 1451- قارن بالكامل 1: 7 والامامة 1: 58 وعيون الأخبار 1: 34 وغريب الحديث 3: 428 ومحاضرات الراغب 1: 130 وربيع الأبرار: 56 أ، والبيت في هذه الفقرة (وفي ف: 1453، 1485) أيضا في المفضليات: 291 وطبقات الجمحي: 274 والبدء والتاريخ 5: 206.

إِن كنت مأكولا فكن أَنْتَ آكلي ... وإلا فأدركني ولما أمزق وَكَانَ رسوله بِهِ عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث، ففرق عَلِي النَّاس عَنْ طَلْحَةَ، فلما رأى ذَلِكَ طَلْحَةُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَان فاعتذر فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: يا ابْن الحضرمية ألبت عَلِي النَّاس ودعوتهم إِلَى قتلي حَتَّى إِذَا فاتك مَا تريد جئت معتذرًا، لا قبل اللَّه مِمَّن قبل عذرك. 1454- وَقَالَ أَبُو مخنف فِي روايته: [نظر مَرْوَان بْن الحكم إِلَى الْحُسَيْن بْن عَلِي فَقَالَ لَهُ: مَا جاء بك؟ قَالَ: الوفاء ببيعتي،] قَالَ: اخرج عنا، أبوك يؤلب النَّاس عَلَيْنَا وأنت (963) هاهنا معنا، وَقَالَ لَهُ عُثْمَان: انصرف فلست أريد قتالا ولا آمر بِهِ. 1455- حَدَّثَنَا عَمْرو النَّاقِدُ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر الرقي عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْن عَمْرو عَنْ إِسْحَاق بْن راشد عَنْ أَبِي جَعْفَر أَنْبَأَنَا أبان بْن عُثْمَان قَالَ: [لما كثر عَلَيْنَا الرمي بالحجارة أتيت عليا فَقُلْتُ: يا عم قَدْ كثرت عَلَيْنَا الحجارة، فمشى معى فرماهم حَتَّى فترت يده، ثُمَّ قَالَ: يا ابْن أَخِي أجمع مواليكم ومن كَانَ منكم بسبيل ثُمَّ لتكن هذه حالكم] . 1456- وقال أَبُو مخنف فِي روايته: إِن زَيْد بْن ثابت الأَنْصَارِيَّ قَالَ: يا معشر الأنصار إنكم نصرتم اللَّه ونبيه فانصروا خليفته، فأجابه قوم مِنْهُم فَقَالَ سهل بْن حنيف: يا زَيْد أشبعك عُثْمَان من عضدان «1» الْمَدِينَة- والعضيدة نخلة قصيرة ينال حملها- فَقَالَ زَيْد: لا تقتلوا الشيخ ودعوه حَتَّى يموت فَمَا أقرب أجله، فَقَالَ الْحَجَّاج بْن غزية الأَنْصَارِيُّ أحد بَنِي النجّار: والله لو لَمْ يبق من عمره إلا مَا بَيْنَ الظهر والعصر لتقربنا إِلَى اللَّه بدمه. وجاء رفاعة بْن رافع بْن مَالِك الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الزرقي بنار فِي حطب فأشعلها فِي أحد البابين فاحترق وسقط وفتح النَّاس الباب الآخر واقتحموا الدار. وَقَالَ عدي بْن حاتم الطائي: أيها النَّاس اقتلوه فَإِنَّهُ لا تحبق فِيهِ عناق «2» . وتهيأ مَرْوَان وعدة مَعَهُ للقتال فنهاهم عُثْمَان فلم يقبلوا منه وحملوا عَلَى من دَخَلَ الدار فأخرجوهم، ورمي عُثْمَان بالحجارة من

_ (1) س: عضدات. (2) البصائر 3: 340

دار بني حزم بن زيد بن لوذان الأَنْصَارِيِّ ونادوا: لسنا نرميك اللَّه يرميك، فَقَالَ: لو رماني اللَّه لَمْ يخطئني. وشد المغيرة «1» بْن الأخنس بالسَيْف وَهُوَ يَقُول: قَدْ علمت جارية عطبول ... لَهَا وشاح وَلَهَا جديل أني بمن حاربت ذو تنكيل فشد عَلَيْهِ رفاعة بْن رافع وَهُوَ يَقُول: قَدْ علمت خود سحوب للذيل ... ترخي قرونا مثل أذناب الْخَيْل أَن لقرني فِي الوغى مني الويل فضربه عَلَى رأسه بالسَيْف فقتله- ويقال بَل قتله رجل من عرض النَّاس- وقاتل يَوْمَئِذٍ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر حَتَّى جرح جراحات، وخرج مَرْوَان بْن الحكم وَهُوَ يَقُول: قَدْ علمت ذَات القرون الميلْ ... والكف والأنامل الطفول أني أروع أول الرعيل ثُمَّ ضرب عَنْ يمينه وشماله، فحمل عَلَيْهِ الْحَجَّاج بْن غزية وهو يقول: قد علمت بيضاء حسناء الطلّ ... واضحة الليتين قعساء الكفل أني غداة الروع مقدام بطل فضربه عَلَى عنقه بالسَيْف فلم يقطع سَيْفه وخر مَرْوَان لوجهه، وجاءت فاطمة بنت شريك «2» الأنصارية من بلي، وَهِيَ أم إِبْرَاهِيم بْن عربي الكناني الَّذِي كَانَ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان ولاه اليمامة وَهِيَ الَّتِي كانت ربت مَرْوَان، فقامت عَلَى رأسه ثُمَّ أمرت بِهِ فحمل وأدخل بيتا فِيهِ كتب «3» . وشدّ عامر بن بكير الكناني وَهُوَ بدري عَلَى سَعِيد بْن العاص بن

_ (1) الطبري 1: 3014، 3005، 3001- 2، 3015، 2: 617 وابن الأثير 3: 14 (2) الطبري: فاطمة بنت أوس. (3) س: كنت.

سَعِيد بْن العاص بْن أمية فضربه بالسَيْف عَلَى رأسه فصرعه وقامت نائلة بنت الفرافصة عَلَى رأسه ثُمَّ احتملته فأدخلته بيتا وأغلقت بابه. 1457- الْمَدَائِنِي عَنْ مَسْلَمَةَ بْن مُحَارِبٍ عَنْ خَالِد بْن حرب قَالَ: لجأ بنو أمية يَوْم قتل عُثْمَان إِلَى أم (964) حبيبة، فجعلت آل العاصر وآل حرب وآل أَبِي العاص وآل أسيد فِي كندوج «1» وجعلت سائرهم فِي مكان آخر، ونظر مُعَاوِيَة يومًا إِلَى عَمْرو بْن سَعِيد يختال فِي مشيته فَقَالَ: بأبي وأمي أم حبيبة مَا كَانَ أعلمها بِهَذَا الحي حِينَ جعلتك فِي كندوج. 1458- قَالُوا: ومشى النَّاس إِلَى عُثْمَان وتسلقوا عَلَيْهِ من دار بَنِي حزم الأَنْصَارِيِّ، فقاتل دونه ثلاثة نفر من قريش: عبد الله بن زمعة بن الأسود أحد بني أسد بْن عبد العزى بْن قصي وعبد اللَّه بْن عوف بْن السباق بْن عَبْد الدار بْن قصي وعبد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العوام بْن خويلد، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العوام يَقُول: يا عباد اللَّه بيننا وبينكم كتاب اللَّه، فشد عَلَيْهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ الجمحي وَهُوَ يَقُول: لأضربن اليوم بالقرضاب ... بقية الكفار والأحزاب ضرب امرئ لَيْسَ بذي ارتياب ... أأنت تدعونا إِلَى كتاب نبذته فِي سائر الأحقاب فقتله، وشد جَمَاعَة من النَّاس عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن وهب بْن زمعة وعبد اللَّه بْن عوف بْن السباق فقتلوهما فِي جانب الدار. 1459- وَقَالَ الْمَدَائِنِي: كَانَ كنانة مولى صفية بنت حيي بْن أخطب أخرج أربعة محمولين كَانُوا يذودون عَنْ عُثْمَان: الْحَسَن بْن عَلِي وعبد اللَّه بْن الزُّبَيْر وعبد الله بن حاطب

_ (1) الكندوج: مخزن الغلال.

ومروان بْن الحكم. والذي قتله رجل من أهل مصر يقال لَهُ جبلة بْن الأيهم «1» طاف بالمدينة ثلاثة أَيَّام يَقُول: أنا قاتل نعثل، وَكَانَ عَلِي فِي داره. 1460- قَالُوا: وجاء مَالِك الأشتر حَتَّى انتهي إِلَى عُثْمَان فلم ير عنده أحدًا فرجع، فَقَالَ لَهُ مُسْلِم بْن كريب القابضي من همدان: يا أشتر دعوتنا إِلَى قتل رجل فأجبناك حَتَّى إِذَا نظرت إِلَيْهِ نكصت عَنْهُ عَلَى عقبيك، فَقَالَ لَهُ الأشتر: لِلَّهِ أبوك أما تراه لَيْسَ لَهُ مانع ولا عَنْهُ وازع، فلما ذهب لينصرف قال ناتل مولى عثمان: وا ثكلاه هَذَا والله الأشتر الَّذِي سعر البلاد كلها عَلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، قتلني اللَّه إِن لَمْ أقتله، فشد فِي أثره فصاح بِهِ عَمْرو بْن عبيد الحارثي من همدان وراءك الرجل يا أشتر، فالتفت الأشتر إِلَى ناتل فضربه بالسَيْف فأطار يده اليسري، ونادى الأشتر: يا عَمْرو بْن عبيد إليك الرجل، فاتبع عَمْرو ناتلا فقتله. 1461- وَقَالَ مَرْوَان فِي يَوْم الدار: وَمَا قُلْت يَوْم الدار للقوم حاجزوا ... رويدا ولا اختاروا الحياة عَلَى القتل ولكنني قَدْ قُلْت للقوم قاتلوا ... بأسيافكم لا يوصلن إِلَى الكهل 1462- الْمَدَائِنِي عَنْ قَيْس «2» بْن الرَّبِيع عَنْ أَبِي حصين قَالَ، [قَالَ عَلِي: لو أعلم أَن بَنِي أمية يذهب مَا فِي أنفسها أَن أحلف لَهَا لحلفت خمسين يمينًا مرددة بَيْنَ الركن والمقام أني لَمْ أقتل عُثْمَان وَلَمْ أمالئ عَلَى قتله] . 1463- الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي جزي عَنْ أيوب وابن عون «3» عَنِ ابْن سيرين قَالَ: لَمْ يكن أَحَدٌ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد عَلَى عثمان من طلحة.

_ 1461- الطبري 1: 3022 1462- قارن بالعقد 4: 302 1463- العقد 4: 299 وف: 1306

رؤيا عثمان رضي الله تعالى عنه ومقتله:

1464- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جَزِيٍّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: لَوْ كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ هُدًى لاحْتَلَبُوا بِهِ لَبَنًا لَكِنَّهُ كَانَ ضَلالا «1» فَاحْتَلَبُوا بِهِ دَمًا. 1465- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جَزِيٍّ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: [رَأَى عَلِيُّ الْحَسَنَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ لَهُ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَقَالَ (965) الْحَسَنُ: لَقَدْ قَتَلْتُمْ «2» رَجُلا كَانَ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلاةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ طَالَ حُزْنُكَ عَلَى عُثْمَانَ.] رؤيا عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ ومقتله: 1466- قَالُوا: لما كَانَ اليوم الَّذِي قتل فِيهِ عُثْمَان، وَقَدْ أصبح صائمًا، قَالَ لأَصْحَابه: إني مقتول، قَالُوا: وكيف ذَلِكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بَكْر وعمر رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا أتوني فِي منامي البارحة، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفطر عندنا غدًا يا عُثْمَان. 1467- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا فَرَجُ بْنُ فُضَالَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ حِينَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ: مَرْحَبًا بِأَخِي «3» ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَقَالَ لِي: [يَا عُثْمَانُ حَصَرُوكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَعَطَّشُوكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَدْلَى لِي دَلْوًا «4» فَشَرِبْتُ مِنْهَا حَتَّى رَوِيتُ فَإِنِّي لأَجِدُ بَرْدَ الْمَاءِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ وَكَتِفَيَّ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شِئْتَ أَفْطَرْتَ عِنْدَنَا وَإِنْ شِئْتَ نُصِرْتَ عَلَيْهِمْ] فَاخْتَرْتُ أَنْ أَفْطِرَ عِنْدَهُ «5» ، فَقُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ.

_ 1464- طبقات ابن سعد 3: 83 (ط. بيروت) ومصنف عبد الرزاق 11: 446 وف: 1488 1466- قارن بابن سعد 3/ 1: 52 1467- الرياض النضرة 2: 127

1468- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْن مُسْلِم حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ الْكِنْدِيِّ قَالَ، قَالَ عُثْمَانُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةُ، وَقَدِ اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِي هَذَا فَقَالَ: [إِنَّكَ شَاهِدٌ فِينَا الْجُمُعَةَ] . 1469- حَدَّثَنِي أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قُتِلَ فِي صَبِيحَتِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ [أَفْطِرْ عِنْدَنَا يَا عُثْمَانُ فَقُتِلَ] وَهُوَ صَائِمٌ. 1470- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ودخل مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عَلَى عُثْمَان حَتَّى جلس بَيْنَ يديه وأخذ بلحيته فَقَالَ: يا نعثل- ونعثل دهقان أصبهان كَانَ جميلا جيد اللحية فشبهوا عُثْمَان بِهِ- كَيْفَ ترى صنع اللَّه بك؟ قَالَ: خيرًا اتق اللَّه يا ابْن أَخِي «1» ودع لحيتي فَإِن أباك لو كَانَ حيًا لَمْ يقعد مني هَذَا المقعد وَلَمْ يأخذ بلحيتي، فَقَالَ مُحَمَّد: إِن أَبِي لو كَانَ حيًا ثُمَّ رآك تعمل هَذَا العمل لأنكره عليك، وتناول عُثْمَان المصحف فوضعه فِي حجره وَقَالَ: عباد «2» اللَّه لكم مَا فِيهِ والعتبي مِمَّا تكرهون، اللَّهُمَّ اشهد. فقال محمد بن أبي بكر (آلآنَ وَقَد عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ المُفسِدِين) (يونس: 91) ثُمَّ رفع جَمَاعَة قداح «3» كانت فِي يده فوجأ بها في خششائه «4» حَتَّى وقعت فِي أوداجه فحزت وَلَمْ تقطع فَقَالَ: عباد اللَّه لا تقتلوني فتندموا وتختلفوا، فرفع كنانة بْن بشر بْن عتاب التجيبي عمودًا من حديد كَانَ مَعَهُ فضرب بِهِ جبهته فوقع، وضربه سودان بْن حمران- ويقال سيدان بْن حمران- المرادي بالسَيْف ضربة فكانت أول قطرة قطرت من دمه فِي المصحف عَلَى (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 137) وقعد عَمْرو بْن الحمق الخزاعي عَلِي صدره فوجأه تسع

_ 1468، 1470- ابن سعد (نفسه) : 52، 51 والثاني في الطبري: 3021 وابن الأثير 3: 143 وغريب الحديث 3: 426

وجآت بمشاقص كانت مَعَهُ فكان عَمْرو يَقُول: طعنته تسع طعنات علمت أَنَّهُ مَاتَ فِي ثَلاث منهن، (966) ولكني وجأته الست الأخر لما كَانَ فِي نفسي عَلَيْهِ من الحنق والغيظ، وانصرف النَّاس عَنْ عُثْمَان وترك قتيلا فِي داره يوما أَوْ يومين حَتَّى حمله أربعة فيهم امْرَأَة، أحد الأربعة جُبَيْر بْن مطعم. 1471- الْمَدَائِنِي: يقال إِن أول من دمى عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ نيار بْن عياض الأسلمي، وجأه بمشقص فِي وجهه فدماه، وَكَانَ بالمدينة نياران فكان يقال لِهَذَا نيار الشر وللآخر نيار الخير «1» . 1472- ومن رواية أَبِي مخنف لوط بْن يَحْيَى: أَن عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قتل يَوْم الجمعة فترك فِي داره قتيلا، فجاء جُبَيْر بْن مطعم وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر ومسور بْن مخرمة الزُّهْرِيُّ وأبو الجهم بْن حذيفة العدوي ليصلوا عَلَيْهِ ويجنوه، فجاء رجال من الأنصار فَقَالُوا: لا ندعكم تصلون عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو الجهم: إلا تدعونا نصلي عَلَيْهِ فَقَدْ صلت عَلَيْهِ الملائكة، فَقَالَ الْحَجَّاج بْن غزية: إِن كنت كاذبًا فأدخلك اللَّه مدخله قَالَ: نعم حشرني اللَّه مَعَهُ، قَالَ ابْن غزية: إِن اللَّه حاشرك مَعَهُ ومع الشَّيْطَان، والله إِن تركي إلحاقك بِهِ لخطأ وعجز، فسكت أَبُو الجهم، ثُمَّ إِن الْقَوْم أغفلوا أمر عُثْمَان وشغلوا عَنْهُ فعاد هَؤُلاءِ النفر فصلوا عَلَيْهِ ودفنوه، وأمهم جُبَيْر بْن مطعم، وحملت أم البنين بنت عُيَيْنَة بْن حصن امْرَأَة عُثْمَان لَهُمُ السراج، وحمل عَلَى بَاب صَغِير من جريد قَدْ خرجت عَنْهُ رجلاه. 1473- وَقَالَ «2» : إنه لقيهم قوم من الأنصار فقاتلوهم حَتَّى طرحوه ثُمَّ توطأ عمير بن

_ 1472- قارن بالطبري: 3047 (رواية الواقدي) . 1473- قارن بالطبري 1: 3048 وأبيات عمير بن ضابئ 321، 4 في طبقات الجحمي: 174، 1، 3 في الكامل 1: 382 وحماسة البحتري: 11، 1، 4 في النقائض: 221 والخزانة 4: 80 والأول في الطبري 1: 3034، 2: 869 وابن الأثير 3: 147، 4: 306 والكامل (نفسه) والمروج 5: 299 والاصابة 3: 276 والاشتقاق: 134 وابن عساكر 4: 54، أما شعر ضابئ في هجاء بني جرول: فإن 1، 2، 4 في الطبري 1: 3033 وابن الأثير والنقائض: 219 والشعر والشعراء: 267 والخزانة 4: 81 والثاني في الكامل 1: 387 والاصابة (نفسه) .

ضابئ بْن الْحَارِث بْن أرطاة التميمي ثُمَّ البرجمي بطنه وجعل يَقُول: مَا رَأَيْت كافرًا ألين بطنًا منه، وَكَانَ عمير أشد النَّاس عَلَى عُثْمَان، وَكَانَ أبوه ضابئ اندس ليتوجأ عُثْمَان ويفتك بِهِ ففطن بِهِ فحبسه عُثْمَان فَقَالَ فِي الحبس: هممتُ وَلَمْ أفعل وكدْتُ وَليتَني ... فعلتُ فكان المعولات حلائله وَمَا الفتك إلا لامرئ ذي حفيظة ... إِذَا ريع لَمْ ترعد لحين «1» خصائله وَمَا الفتك مَا أمرت فِيهِ ولا الَّذِي ... تخبر من لاقيت أنك فاعله فلا ير أمن بعدي امرؤ ضيم ضائم ... حذار لقاء الْمَوْت فالموت نائله وَكَانَ عمير بْن ضابئ مِمَّن شهد الدار، وَكَانَ أشد النَّاس عَلَى عُثْمَان فكان يَقُول يَوْمَئِذٍ: أرني ضابئا، أحي لي ضابئا، يَقُول ليرى مَا عُثْمَان عَلَيْهِ من الحال وَمَا فعلت بِهِ، فقرعه الْحَجَّاج بْن يُوسُف بِذَلِكَ يَوْم قتله. وَكَانَ من خبر ضابئ أَن بَنِي جرول بْن نهشل وهبوا لَهُ كلبا سألهم إياه ثُمَّ ركبت إِلَيْهِ جَمَاعَة مِنْهُم فارتجعوه منه، وَكَانَ الكلب يسمى قرحان فَقَالَ فيهم: تجاوز نحوي ركب قرحان مهمها ... تظل «2» بِهِ الوجناء وهى حسير فأمكم لا تعقلوها لكلبكم ... فَإِن عقوق الوالدين «3» كبير فَمَنْ يَكُ منكم ذا غفول «4» فَإِنَّهُ ... عليم بِمَا تَحْتَ النطاق بصير رددتُ أخاهم فاستمروا كأنما ... حباهم بتاج الهرمزان أمِير فاستعدوا عَلَيْهِ عُثْمَان لما قَالَ فِي أمهم وفيهم، فيقال إنه أدَّبَه وخَلاه، ويقال بَل حبسه ثُمَّ خلاه، فأراد الفتك ففطن لَهُ وأخذ فحبس حَتَّى مَاتَ فِي السجن فَقَالَ فِي الحبس: هممتُ وَلَمْ أفعل وكدْتُ وَليتَني ... فعلتُ فكان المعولات حلائله

_ (1) ط: لجبن. (2) الطبري وابن الأثير: تضل. (3) في المصادر: الوالدات، الأمهات. (4) س: عقول.

وَمَا الفتك إلا لامرئ ذي حفيظة ... إِذَا ريع لم ترعد لحين «1» خصائله 1474- قَالُوا: ودفن عُثْمَان فِي حش كوكب وَهُوَ نخل لرجل قديم يقال لَهُ كوكب، ثُمَّ أقبل النَّاس حِينَ دفن إِلَى عَلِي فبايعوه وأرادوا دفن عُثْمَان بالبقيع فمنعهم من ذلك قوم فيهم (967) أسلم ابن بجرة الساعدي «2» ويقال جبلة بْن عَمْرو الساعدي، وَقَالَ ابْن دأب: صلى عَلَيْهِ مسور بْن مخرمة. 1475- وَقَالَ الْمَدَائِنِي عَنِ الوقاصي عَنِ الزُّهْرِيِّ: امتنعوا من دفن عُثْمَان فوقفت أم حبيبة بباب الْمَسْجِد ثُمَّ قَالَتْ: لتخلن «3» بيننا وبين دفن هَذَا الرجل أَوْ لأكشفن ستر رَسُول اللَّهِ، فخلوا بينهم وبين دفنه. 1476- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: بويع عُثْمَان بالخلافة أول يَوْم من المحرم سنة أربع وعشرين وقتل يَوْم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس «4» وثلاثين بَعْد العصر، ودفن ليلة السبت بَيْنَ المغرب والعشاء فِي حش كوكب إِلَى جانب البقيع فِي موضع نخل، وكوكب رجل، فَهِيَ مقبرة بَنِي أمية اليوم، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة غير اثني عشر يوما، وقتل وَهُوَ ابْن اثنتين وثمانين سنة، وَكَانَ الَّذِينَ حملوه جُبَيْر بْن مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف وَهُوَ مِمَّن أسلم فِي هدنة الحديبية وحكيم بْن حِزَامِ بْن خُوَيْلِدِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد العزى وأبو الجهم بْن حذيفة بْن غانم العدوي واسمه عبيد ونيار بْن مكرم الأسلمي. ويقال إِن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر والمسور بْن مخرمة الزُّهْرِيَّ كانا معهم. 1477- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لما حج مُعَاوِيَة نظر إِلَى منازل أسلم شارعة فِي السوق فَقَالَ: أظلموا عَلَيْهِم بيوتهم أظلم الله عليهم قبورهم فإنهم قتلة عُثْمَان، فَقَالَ نيار بْن مكرم

_ 1475- السمهودي 2: 99 1476- 1477- طبقات ابن سعد 3/ 1: 54 وقارن بالطبري 1: 3050، 3048

الأسلمي: تظلم «1» عَلِي بَيْتِي وأنا رابع أربعة حملنا عُثْمَان وقبرناه؟ قَالَ: فعرفه «2» ، فَقَالَ: لا تبنوا فِي وجه داره، ثُمَّ دعا بِهِ خاليا فَقَالَ: حَدَّثَنِي كَيْفَ صنعتم؟ فَقَالَ: حملناه ليلة السبت بَيْنَ المغرب والعشاء الآخرة، فكنت أنا وحكيم وجبير وأبو الجهم بْن حذيفة، وتقدم جُبَيْر فصلى عَلَيْهِ ونزلناه فِي حفرته. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ويقال إنه قتل فِي عشر ذي الحجة، وَالأَوَّل أثبت. 1478- قَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي قَالَ عوانة وغيره: كَانَ مقتل عُثْمَان عَلَى رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرًا وثمانية عشر يومًا من مقتل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وقتل صلاة العصر، وبايع النَّاس عليا يَوْم السبت لتسع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. 1479- حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْن مُسْلِم الصفار حَدَّثَنَا معتمر بْن سُلَيْمَان قَالَ سمعت أَبِي يَقُول حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَان النهدي أَن عُثْمَان بْن عَفَّان قتل فِي أوسط أَيَّام التشريق. 1480- قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ عُثْمَان رجلا لَيْسَ بالقصير ولا الطويل، حسن الوجه رقيق البشرة كبير اللحية عظيمها، أسمر اللون عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس يصفر لحيته، وَكَانَ يشد أسنانه بالذهب. 1481- وَقَالَ أَبُو مخنف فِي روايته: أقبل الْقَاسِم بْن ربيعة بْن أمية بْن أَبِي الصلت الثقفي، وَكَانَ عامل عُثْمَان عَلَى الطائف، لينصره، فلما انتهى إِلَى العقيق بلغه أنه قَدْ قتل فانصرف، وأقبل عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي، وَكَانَ عامله عَلَى مخاليف الجند، لينصره، فلما انتهى إِلَى بطن نخلة سقط عَنْ راحلته فانكسرت رجله فانصرف إِلَى أهله، وَهُوَ أَبُو عُمَر (بْن) عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي الشاعر، وأقبل مجاشع بْن مَسْعُود السلمي من البصرة فيمن وجه مَعَهُ عَبْد اللَّهِ بْن عامر، فلما كَانَ ببعض الطريق إذا راكب

_ 1480- تكرار للفقرة: 1233

مقبل، فلقيه زفر بْن الْحَارِث الكلابي وَكَانَ مَعَ مجاشع فَقَالَ لَهُ: مَا وراءك؟ قَالَ: قتل المسلمون نعثلًا، قَالَ: ويحك مَا تقول؟ قال: الحقّ، وهذه طاقات من شعره معي، فَقَالَ لَهُ زفر: لعنك اللَّه ولعن مَا أقبل منك وَمَا أدبر، وشد عَلَيْهِ فقتله، فكان أول قتيل بعثمان. وخرج النعمان بْن بشير الأَنْصَارِيُّ (968) يريد الشام، فدفعت إِلَيْهِ أم حبيبة بنت أَبِي سُفْيَانَ زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميص عُثْمَان وعليه الدم، فخرج بِهِ يركض حَتَّى لقي يَزِيد بْن أسد البجلي بوادي القرى، وَهُوَ عَلَى مقدمة حبيب بْن مسلمة، فرجع إِلَى حبيب فانصرفا جميعًا. وَفِي حبيب يَقُول شريح الْقَاضِي حِينَ بعثه مُعَاوِيَة فِي الْخَيْل من الشام لنصر عُثْمَان «1» . كُل امرئ يدعى حبيبًا ولو بدت ... مروته يفدي حبيب بَنِي فهر أمِير يقود الْخَيْل حَتَّى كأنما ... يطأن برضراض الحصى جاحم الجمر 1482- قَالُوا: وبلغ عَمْرو بْن العاص مقتل عُثْمَان وَهُوَ بفلسطين فَقَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي إِذَا حككت قرحة أدميتها ونكأتها. 1483- قَالُوا: ولما قتل عُثْمَان قَالَ حذيفة بْن اليمان: إِن عُثْمَان استأثر فأساء الأثرة، وجزعنا فأسأنا الجزع، رأوا منه أشياء أنكروها وليرون أنكر منها فلا ينكرونها «2» ، وَقَالَ عَمْرو بْن العاص: أسخط عُثْمَان قومًا وأرضى قومًا وآثرهم فأنكر ذَلِكَ أهل السخط فغلبوا أهل الأثرة فقتل. 1484- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ «3» حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ يُونُس بْن يَزِيد الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ مِمَّا عابوا على عثمان أن عزل سعد

_ 1482- راجع ما تقدّم ف: 1438 1483- ورد قول حذيفة منسوبا لعليّ في البصائر 3: 666 1484- ليست هذه الفقرة والتي تليها إلا تكرارا لأحداث مقتل عثمان برواية الزهري.

ابن أَبِي وقاص وولى الْوَلِيد بْن عقبة، وأقطع آل الحكم دورًا بناها لَهُمْ واشترى لَهُمْ أموالًا، وأعطى مَرْوَان بْن الحكم خمس إفريقية، وخص ناسًا من أهله ومن بَنِي أمية فَقَالَ لَهُ النَّاس: قَدْ ولي هَذَا الأمر قبلك خليفتان فمنعا هَذَا المال أنفسهما وأهليهما، فَقَالَ: إِنَّمَا صنعا ذَلِكَ احتسابًا ووصلت بِهِ احتسابًا، فَقَالَ لَهُ النَّاس «1» إِن أبا بَكْر استسلف من بَيْت المال شَيْئًا فقضته عَنْهُ عَائِشَةُ بَعْد وفاته، واستسلف عُمَر شَيْئًا ضمنه عَنْهُ عَبْد اللَّهِ وحفصة فباعوا سهامه ووفوا عنه، واستسلفت من بيت المال خمسمائة ألف درهم وليس عندك لَهَا «2» قضاء، وَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم «3» خازن بَيْت المال وصاحبه: اقبض عنا مفاتيحك، فلم يفعل وجعل يستسلف ولا يرد، فجاء عَبْد اللَّهِ بالمفاتيح هُوَ وصاحبه يَوْم الجمعة فوضعاها عَلَى المنبر وَقَالا: هذه مفاتيح بَيْت مالكم- أَوْ قال: مفاتيح خزائنكم- ونحن نبرأ إليكم منها، فقبضها عُثْمَان ودفعها إِلَى زَيْد بْن ثابت. 1485- قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ فِي الخزائن سفط فِيهِ حلي فأخذ «4» منه عُثْمَان فحلى بِهِ بَعْض أهله فأظهروا عِنْدَ ذَلِكَ الطعن عَلَيْهِ، وبلغه ذَلِكَ فخطب فَقَالَ: هَذَا مال اللَّه أعطيه من شئت وأمنعه من شئت، فأرغم اللَّه أنف من رغم، فَقَالَ عمار: أنا والله أول من رغم أنفه من ذَلِكَ، فَقَالَ عُثْمَان: لَقَدِ اجترأت عَلِي يا ابْن سمية، وضربه حَتَّى غشي عَلَيْهِ، فَقَالَ عمار: مَا هَذَا بأول مَا أوذيت فِي اللَّه، وأطلعت عَائِشَةُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونعله وثيابا من ثيابه، فيما يحسب وهب، ثُمَّ قَالَتْ: مَا أسرع مَا تركتم سنة نبيكم، وَقَالَ عَمْرو بْن العاص: هَذَا منبر نبيكم وَهَذِهِ ثيابه وَهَذَا شعره لَمْ يبل فيكم وَقَدْ بدلتم وغيرتم، فغضب عُثْمَان حَتَّى لَمْ يدر مَا يَقُول، والتج الْمَسْجِد واغتنمها عَمْرو بْن العاص، وَقَدْ كَانَ عُثْمَان قَالَ لعمرو قبل ذَلِكَ وَقَدْ عزله عَنْ مصر: إِن

_ 1485- انظر ما تقدم ف: 1382 وبعضه في الطبري 1: 2966، 2972، 2933 وف: 1438 وف: 1413

اللقاح بمصر قَدْ دَرَّتْ بَعْدَكَ أَلْبَانُهَا، فَقَالَ: لأَنَّكُمْ أَعْجَفْتُمْ أَوْلادَهَا، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: قملت «1» جبتك مذ عزلت عَنْ مصر، فَقَالَ: يا عُثْمَان إنك قَدْ ركبت بالناس نهابير وركبوها بك فإما أَن تعدل وإما أَن تعتزل، فَقَالَ: يا ابْن النابعة وأنت (969) أيضًا تتكلم بِهَذَا لأني عزلتك عَنْ مصر؟! وتوعده. ونشب النَّاس فِي الطعن عَلَى عُثْمَان، وأرسل عُثْمَان إِلَى أمرائه سَعِيد بْن العاص وابن عامر ومعاوية فجمعهم وَقَالَ: إِن النَّاس قَدْ صنعوا مَا ترون فأشيروا «2» عَلِي، فَقَالَ سَعِيد بْن العاص: جمرهم وتابع البعوث عَلَيْهِم حَتَّى تكون «3» دبرة دابة أحدهم أهم إِلَيْهِ من الْكَلام، وَقَالَ ابْن عامر: أعطهم مَا بَيْنَ لوحي المصحف ترض «4» النَّاس كلهم، وَقَالَ مُعَاوِيَة: قَدْ أشارا عليك بِمَا أشارا بِهِ فأمرهما فليعملا بِذَلِكَ فِي أهل عمليهما «5» وأنا أكفيك أهل الشام. حَتَّى إِذَا كَانَ أول سنة خمس وثلاثين قدم عَلَيْهِ المصريون فنزلوا ذا خشب، فخرج إليهم عَلَى بْن أَبِي طَالِب فردهم فَقَالَ بَعْض النَّاس: - قَالَ جَرِير «6» : يَعْنِي مَرْوَان- استقلهم عَلِي وأمرهم أَن يجتمعوا فيكونوا أَكْثَر مِمَّا هُمْ، فانصرفوا ثُمَّ رجعوا أَكْثَر مِمَّا كَانُوا، وقدم طوائف من أهل الأَمْصَار فاجتمعوا بالمدينة، فخرج عُثْمَان إِلَى الجمعة وَكَانَ رجلًا مربوعًا حسن الشعر والوجه أصلع أروح الرجلين، فلما صعد المنبر قام إِلَيْهِ رجل من أهل مصر من تجيب عَلَيْهِ كساء خز أصفر فشتمه وعابه وَقَالَ: فعلت كَذَا وفعلت كَذَا، فجعل عُثْمَان يلتفت إِلَى النَّاس فلا يتكلم أحد وَلَمْ يرد عَلَيْهِ، فقعد وَلَمْ يكد، فقام جهجاه بْن سَعِيد الغفاري فَقَالَ مثل قَوْل الْمِصْرِيِّ، ثُمَّ انتزع منه عصا كانت

_ (1) س: أملت، وما في ط م كما في الطبري. (2) س: وأشيروا. (3) س: يكون. (4) ط م س: ترضي. (5) س: عملهما. (6) يعني جرير بن حازم.

فِي يده فكسرها، فَمَا رد أحد عَلَيْهِ ولا منعه، فقام عُثْمَان عَلَى دهش شديد فتكلم بكلمات يسيرة وصلى، وحف بِهِ النَّاس من بَنِي أمية وغيرهم حَتَّى دَخَلَ داره وحصروه «1» . واجتمعت الأنصار إِلَى زَيْد بْن ثابت فَقَالُوا: ماذا ترى يا أبا سَعِيد؟ فَقَالَ: أتطيعوني؟ قَالُوا: نعم إِن شاء اللَّه، فَقَالَ: إنكم نصرتم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنتم أَنْصَار اللَّه، فانصروا خليفته تكونوا أنصارًا لِلَّهِ مرتين، فَقَالَ الْحَجَّاج بْن غزية: والله إِن تدري هذه البقرة الصيحاء مَا تقول، والله لو لَمْ يبق من أجله «2» إلا مَا بَيْنَ العصر إِلَى الليل لتقربنا إِلَى اللَّه بدمه، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن سلام: الله الله في دم هذا الرجل، فو الله مَا بقي من أجله إلا اليسير، فدعوه يمت عَلَى فراشه فإنكم إِن قتلتموه سل عليكم سَيْف اللَّه المغمود فلم يغمد حَتَّى يقتل منكم خمسة وثلاثون ألفًا «3» . وَكَانَ الزُّبَيْر وطلحة قَدِ استوليا عَلَى الأمر، ومنع طَلْحَةُ عُثْمَان من أَن يدخل عَلَيْهِ الماء العذب، فأرسل عَلِي إِلَى طَلْحَةَ وَهُوَ فِي أرض لَهُ عَلَى ميل من الْمَدِينَةِ أَن دع هَذَا الرجل فليشرب من مائه ومن بئره- يَعْنِي بئر رومة- ولا تقتلوه «4» من العطش، فأبى، [فقال عليّ: لولا أنّي قد آليت يَوْم ذي خشب أَنَّهُ إِن لَمْ يطعني لا أرد عَنْهُ أحدا لأدخلت عَلَيْهِ الماء] . قال: وسمعهم عثمان يقولون لنقتلنه فقال: أيريدون قتلي، فو الله مَا يحل لَهُمْ ذَلِكَ، ولقد كنت فِي أول الْمُسْلِمِينَ إسلامًا، ولقد مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عني راض ثُمَّ أَبُو بَكْر من بعده ثُمَّ عُمَر، ثُمَّ أمر بكتاب فكتب وأمر عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر أَن يقرأه عَلَى النَّاس، فلم يدعوه حِينَ اطلع من الدار يقرأه حَتَّى ترسوه بالترسة، ثُمَّ قرأه بأعلى صوته وَلَمْ ينزع حَتَّى فرغ منه ورموه بالنبل، فكان فيما كتب بِهِ عُثْمَان: إني أنزع عَنْ كُل شَيْء أنكرتموه مني وأتوب من كُل قبيح عملته، ولا آتمر إلّا ما أجمع عليه أزواج

_ (1) س: وحضروه. (2) م وخ بهامش ط: أجلي. (3) انظر ما تقدم ف: 1440 (4) س: يقتلوه.

النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذوو الرأي منكم، ولست أخلع قميصًا قمصنيه اللَّه ولا أقيلكم بيعتكم. وأرسل عُثْمَان عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن نوفل إِلَى عَلِي فَقَالَ قل لَهُ: إِن كنت مأكولا فكن خير آكل «1» أترضى بأن يقتل ابْن عمتك وتسلب ملكك؟ فَقَالَ عَلِي: صدق والله لا نترك ابْن الحضرمية يأكلها، يَعْنِي (970) طَلْحَةَ، فلم يرع النَّاس- صلاة الظهر- إلا بعلي وَهُوَ يَقُول لَهُمْ: أيها النَّاس هلموا إلي، فتقدم فصلى بِهِمْ فمال النَّاس إِلَيْهِ وصلى بِهِمْ يَوْم النحر وعثمان محصور فِي الدار. وَقَدْ كَانَ عُثْمَان بعث عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس عَلَى الموسم، فلما صدر ابْن عَبَّاس بلغه قتل عُثْمَان بالطريق فَقَالَ: وددت أني لا أبرح حَتَّى يأتيني الَّذِي قتل عُثْمَان فيقتلني، جزعًا من قتله. وَقَدْ كانت عَائِشَةُ وأم سلمة حجتا ذَلِكَ العام، وكانت عَائِشَةُ تؤلب عَلَى عُثْمَان فلما بلغها أمره وَهِيَ بمكة أمرت بقبتها فضربت فِي الْمَسْجِد الحرام وَقَالَتْ: إني أرى عثمان سيشأم «2» قومه كَمَا شأم أَبُو سُفْيَان قومه يَوْم بدر. وقتل عُثْمَان فزعم بَعْض النَّاس أَنَّهُ قتل فِي أَيَّام التشريق، وَقَالَ بَعْضهم قتل يَوْم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، وولى قتله مُحَمَّد بْن أَبِي بكر ومعه سودان ابن حمران، وبايع النَّاس عليا، ومكث عُثْمَان فِي الدار يوما أَوْ يومين حَتَّى أَخْرَجَهُ أهله عَلَى بَاب من جريد النخل صَغِير خرجت عَنْهُ رجلاه، وتلقاهم قوم فقاتلوهم حَتَّى طرحوه وتوطأه بَعْضهم، ثُمَّ حملوه وَقَدْ حفر لَهُ قبر إِلَى جانب البقيع ودفنوه. وخرجت عَائِشَةُ من مَكَّة حَتَّى نزلت بسرف، فمر راكب فقالت: ما وراءك؟ قال:

_ (1) انظر ما تقدم ف: 1451، 1453 (2) ط م س: سيشوم.

قتل عُثْمَان، فَقَالَتْ: كأني أنظر إِلَى النَّاس يبايعون طَلْحَةَ وإصبعه تحس «1» أيديهم، ثُمَّ جاء راكب آخر فَقَالَ: قتل عُثْمَان وبايع النَّاس عليّا فقالت: وا عثماناه، ورجعت إِلَى مَكَّة فضربت لَهَا قبتها فِي الْمَسْجِد الحرام وَقَالَتْ: يا معشر قريش إِن عُثْمَان قَدْ قتل، قتله عَلِي بْن أَبِي طَالِب، والله لأنملة- أَوْ قَالَتْ لليلة- من عُثْمَان خير من عَلِي الدهر كُلَّهُ، وخرجت أم سلمة إِلَى الْمَدِينَةِ وأقامت عَائِشَةُ بمكة. 1486- حَدَّثَنِي أَبُو عبيد حَدَّثَنَا ابْن علية عَنِ ابْن عون «2» عَنِ الْحَسَن عَنْ وثاب «3» ، وَكَانَ مَعَ عُثْمَان يَوْم الدار وأصابته طعنتان كأنهما كيتان «4» ، قَالَ: بعثني عُثْمَان فدعوت الأشتر لَهُ فَقَالَ: يا أشتر مَا يريد النَّاس مني؟ قَالَ: يخيرونك أَن تخلع لَهُمْ أمرهم أَوْ تقص من نفسك وإلا فَهُمْ قاتلوك، قَالَ: أما الخلع فَمَا كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله، وأمّا القصاص فو الله لَقَدْ علمت أَن صاحبي كانا يعاقبان، وَمَا يقوم بدني للقصاص «5» ، وأمّا قتلي فو الله لئن قتلتموني لا تتحابون بعدي أبدًا ولا تقاتلون عدوًا جميعًا أبدًا. 1487- حَدَّثَنِي «6» خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي بَرِيءٌ إِلَيْكَ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ، عَهِدُوا اليه واستعتبوه ثم قتلوه. 1487 ب- حَدَّثَنِي «7» هُدْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ عَنْ عَوْفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ خَيْرًا فَلَيْسَ لِي مِنْهُ «8» نَصِيبٌ، وَإِنْ كَانَ شرّا فأنا منه بريء «9» ، ولئن كان خيرا لَيَحْتَلِبُنَّهَا «10» لَبَنًا، وَإِنْ كَانَ قَتْلُهُ شَرًّا لَيَمْتَصِرُنَّهَا دما.

_ 1486- الطبري 1: 2989 وطبقات ابن سعد 3/ 1: 50 وقارن بالعقد 4: 293

1488- وَحَدَّثَنِي هدبة بْن خَالِد حَدَّثَنَا «1» أَبُو هلال قَالَ سمعت الْحَسَن يَقُول: عمل عُثْمَان اثنتي عشرة سنة ثُمَّ جاء فسقة فَقَالُوا: يا عُثْمَان أعطنا كتاب اللَّه، وتراموا بحصباء الْمَسْجِد حَتَّى مَا يرى أديم السماء من الغبار، فحصروه ثُمَّ أغلقوا بَاب القصر، قَالَ الْحَسَن فحدثني وثاب مولى عُثْمَان قَالَ: أصابتني جراحة فأنا أنزف مرة وأقوم مرة، فَقَالَ لي عُثْمَان: هل عندك وضوء؟ قُلْت: نعم، فتوضأ ثُمَّ أخذ المصحف فتحرم بِهِ من الفسقة فبينا هُوَ كَذَلِكَ إذ جاء هر «2» كَأَنَّهُ ذئب فاطلع ثُمَّ رجع فقلنا لَقَدْ ردهم أمر ونهاهم، فدخل مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَتَّى جثا عَلَى ركبتيه، وَكَانَ عُثْمَان حسن اللحية، فجعل يهزها حَتَّى سمع نقيض أضراسه ثُمَّ قَالَ: مَا أغنى عَنْك مُعَاوِيَة مَا أغنى عَنْك ابْن أَبِي سرح، مَا أغنى عَنْك ابْن عامر؟ فَقَالَ (971) يا ابْن أَخِي مهلا فو الله مَا كَانَ أبوك ليجلس مني هَذَا المجلس، قال: فأشعره وتعاووا «3» عليه فقتلوه، فو الله مَا أفلت مِنْهُم مخبر. 1489- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إبراهيم الدورقي حدثني محمد بن الأعرابي الرواية حَدَّثَنِي سَعِيد بْن سلم عَنِ ابْن عون قَالَ: سمعت القاسم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر يَقُول وَهُوَ ساجد: اللَّهُمَّ اغفر لأبي ذنبه فِي عُثْمَان. 1490- وَحَدَّثَنِي «4» أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ سُلَيْمَانِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيدٍ قَالَ: دَخَلَ الْمِصْرِيُّونَ عَلَى عُثْمَانَ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمْ عَلَى يَدِهِ فَقَطَرَ مِنْ دَمِهِ في المصحف على (فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله) فقال عثمان عند ذلك: أما والله إنّها لأوّل يد خطّت المفصّل.

_ 1488- طبقات ابن سعد (نفسه) : 58 وانظر ما تقدم ف: 1464 1490- قارن بالطبري، 3006، 3007 والرياض النضرة 2: 121، 122 وانظر الامامة 1: 73 والعقد 4: 298 وف: 1470

1491- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ الْقَوْمُ بِابْنِ عَفَّانَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا أَعْلَمُهُ ظَلَّ يَوْمًا وَلا بَاتَ لَيْلَةً إِلا وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَكَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُمَرَ فَرَأَيْتُ لَهُ حَقَّيْنِ حَقَّ الأُبُوَّةِ وَحَقَّ الإِمَامَةِ فَكَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَحِبْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ فَرَأَيْتُ لَكَ مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ لِمَنْ مَضَى، أَوْ كَمَا قَالَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: جَزَاكُمُ «1» اللَّهُ خَيْرًا يَا آلَ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْقَوْمِ فَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيْهِمْ كِتَابَ اللَّهِ فَإِنَّ أَبَوْهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ وَشَرٌّ لَهُمْ، وَإِنْ قَبِلُوهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُمْ (وَخَيْرٌ لَكَ) . فَأَرْسَلَ عَلِيَّ «2» بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ اللَّهِ فَقَبِلُوهُ، وَاشْتَرَطُوا جَمِيعًا: أَنَّ الْمَنْفِيَّ يُقْلَبُ وَالْمَحْرُومَ يُعْطَى وَيُوَفَّرُ الْفَيْءَ وَيُعْدَلُ فِي الْقَسْمِ وَيُسْتَعْمَلُ ذَوُو الْقُوَّةِ وَالأَمَانَةِ، وَقَالَ «3» : لَقَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ وَإِنَّ فِي الدَّارِ لسبعمائة مِنْهُم الْحَسَنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَلَوْ أَذِنَ لَهُمْ لأخرجوهم من أقطار المدينة. 1492- حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَ عُثْمَانُ إِلَى عَلِيٍّ يَدْعُوهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَتَعَلَّقُوا بِهِ وَمَنَعُوهُ فَقَالَ: [اللَّهُمَّ إِنِّي لا أَرْضَى قَتْلَهُ وَلا آمُرُ بِهِ، مَرَّاتٍ] 1493- وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد حَدَّثَنَا كثير بْن هِشَام حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن برقان حَدَّثَنِي راشد أَبُو فزارة العبسي أَن عُثْمَان بعث إِلَى عَلِي وَهُوَ محصور، فأراد أَن يأتيه فقام إِلَيْهِ بَعْض أهله فحبسه وَقَالَ: [ألا ترى «4» مَا بَيْنَ يديك من الكتائب ولن تخلص اليه، فنقض «5» عمامة سوداء كانت عَلَى رأسه ثُمَّ رمى بِهَا إِلَى رَسُول عُثْمَان وَقَالَ: أخبره بالذي رأيت، ثم انّه

_ 1492- طبقات ابن سعد 3/ 1: 47 1493- طبقات ابن سعد 3/ 1: 20 وقارن بالرياض 2: 135

خرج إِلَى سوق الْمَدِينَةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إني ابرأ إليك من دمه أَن أكون قتلته أَوْ مالأت عَلَى قتله] . 1494- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أبزى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لما رجع أهل مصر وأحاطوا بالدار بعث عُثْمَان إِلَى عَلِي بْن أَبِي طَالِب أَن ائتني، فبعث إِلَيْهِ حسينًا ابنه، فلما جاءه قَالَ لَهُ عُثْمَان: يا ابْن أَخِي مَا جاء بك؟ قَالَ: [جئت لأفي ببيعتي، قَالَ: يا ابْن أَخِي أتقدر عَلَى أَن تمنعني من النَّاس؟ قَالَ: لا،] قَالَ: فأنت فِي حل من بيعتي، فقل لأبيك يأتيني، فجاء الْحُسَيْن إِلَى عَلِي فأخبره بقول عُثْمَان، فقام عَلِي ليأتيه فقام إِلَيْهِ ابْن الحنفية فأخذ بضبعيه يمنعه من ذَلِكَ، قَالَ ابْن أبزى: فأنا رَأَيْت عليا يطرف لَهُ وَيَقُول: [لا أم لَك، حَتَّى جاء الصريخ أَن قَدْ قتل عُثْمَان فمد عَلِي يده إِلَى القبلة ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إني أبرأ إليك من دم عثمان] . 1495- حدثني عمرو بن محمد (972) حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنِ الأَعْمَش عَنْ منذر أَبِي يعلى «1» عَنِ ابْن الحنفية قَالَ: لما كَانَ اليوم الَّذِي أرادوا فِيهِ قتل عُثْمَان أرسل مَرْوَان إِلَى عَلِي ألا تأتي هَذَا الرجل فتمنعه فإنهم لَنْ يبرموا أمرًا دونك ولو كنت بمنقطع التراب، قَالَ: فقام عَلِي ليأتيهم فأخذ ابْن الحنفية بكتفيه «2» - أَوْ قَالَ بحقوية- وَقَالَ: والله مَا يريدونك إلا رهينة، فجلس وأرسل إليهم بعمامته ينهاهم عَنْهُ. 1496- حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِي الْعِجْلِيُّ عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْد الأعلى عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِي قَالَ: والله لَقَدْ قتل عُثْمَان وعلي فِي داره مَا علم بِهِ وبمن قتله. 1497- وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ عن عبد الله بن جعفر الرقي عن عبيد الله بن عمرو

_ (1) ط م س: منذر بن أبي يعلى (وانظر ابن سعد 5: 68 والتهذيب 10 رقم: 531) . (2) س وأصل ط: بكفيه.

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلِيًّا فِي دَارِهِ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانَ فَقَالَ: [مَا وَرَاءَكَ؟ قُلْتُ شَرٌّ، قُتِلَ أمِيرُ الْمُؤْمِنيِنَ، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ «1» : أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا،] قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ [مِرَارًا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ] . 1498- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا موسى بْن دَاوُد حَدَّثَنَا نَافِع بْن عُمَر الجمحي عَنْ عَمْرو بْن دِينَار قَالَ: كلم أهل الْمَدِينَةِ ابْن عَبَّاس فِي أَن يحج بِهِمْ وعثمان محصور، فاستأذنه فِي ذَلِكَ فَقَالَ: حج بِهِمْ، ثُمَّ رجع وَقَدْ قتل عُثْمَان فَقَالَ لعلي: إنك إِن قمت بِهَذَا الأمر ألزمك النَّاس دم عُثْمَان إِلَى «2» يَوْم الْقِيَامَة. 1499- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا بهز حَدَّثَنَا حصين بْن نمير عَنْ جهيم الفهري قَالَ: أنا حاضر أمر عُثْمَان، فذكر كلاما فِي أمر عمار، فانصرف الْقَوْم راضين، ثُمَّ وجدوا كتابًا إِلَى عامله عَلَى مصر أَن يضرب أعناق رؤساء المصريين فرجعوا ودفعوا الكتاب إِلَى عَلِي فأتاه بِهِ فحلف لَهُ أَنَّهُ لَمْ يكتبه وَلَمْ يعلم بِهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِي: [فمن تتهم فِيهِ؟] فَقَالَ: أتهم كاتبي وأتهمك يا عَلِي لأنك مطاع عِنْدَ الْقَوْم وَلَمْ تردهم عني، قَالَ: فحصروه. 1500- وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ سعدان بْن بشر «3» الجهني عَنْ أَبِي مُحَمَّد الأَنْصَارِيِّ قَالَ: شهدت عُثْمَان فِي الدار، والحسن بْن عَلِي يضارب عَنْهُ فجرح الْحَسَن، فكنت فيمن حمله جريحا، قَالَ: وجاء رجل فضرب عُثْمَان فرأيت الدم ينثعب عَلَى المصحف. 1501- وَحَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن حرب أنبأنا حمّاد بن زيد

_ 1498- قارن بالطبري: 3039 1499- انظر ما تقدم ف: 1388، ف: 1417 1501- قارن بالطبري 1: 3006 وابن الأثير 3: 139

حَدَّثَنَا أَبُو سلمة عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي سَعِيد مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: كلم المصريون ومن معهم عُثْمَان وذكروا مَا نقموا عَلَيْهِ فِيهِ، فأعطاهم الرضى وحلف عَلَى الكتاب الَّذِي وجدوه، فَقَالَ الأشتر: أي قوم ارجعوا فو الله إني لأسمع حلف رجل قَدْ مكر بِهِ ومكر بكم عَنْهُ «1» ، فَقَالَ رجل: انتفخ سحرك يا أشتر- يا مَالِك- ثُمَّ أقاموا «2» حَتَّى قتلوه. 1502- حَدَّثَنِي «3» أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ، سمعت حميد بْن هلال قَالَ، حدث رجل مِمَّن دَخَلَ عَلَى عُثْمَان يَوْم الدار قَالَ: قتلوه ثُمَّ فتحوا تابوتا لَهُ فاستخرجوا منه جوزًا فجعلوا يأكلونه ويضحكون فَقُلْتُ فِي نفسي: لا يصيب هَؤُلاءِ خير أبدًا، قتلوا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ثُمَّ هُمْ يأكلون ويضحكون. 1503- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَبِسَ ابْنُ عُمَرَ الدِّرْعَ يَوْمَ الدَّارِ (973) مَرَّتَيْنِ. 1504- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير حَدَّثَنَا جويرية بْن أسماء حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَارِث بْن زهدم وهو ابن فاختة عمّة مَالِك بْن أَنَس أَن مَالِك بْن أَبِي عامر حدثه قَالَ: احتملنا عُثْمَان فانتهينا بِهِ إِلَى أقصى البقيع إِلَى حائط قَدْ كَانَ عُثْمَان اشتراه ليصله بالمقبرة، فكان النَّاس يتحامونه للدعوة الَّتِي ذكرت فِي أهل البقيع «4» فقيل: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ لو أكرهت النَّاس عَلَيْهِ، فَقَالَ: دعوه لعله يدفن فِيهِ رجل صَالِح فيستن النَّاس فِي الدفن «5» بِهِ، فكان عُثْمَان أول من دفن فِيهِ. 1505- الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي جزي عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ طاوس قال: لما قتل عثمان

_ 1504- قارن بابن سعد 3/ 1: 53 والسمهودي 2: 99 والرياض النضرة 2: 131

قَالَ أَبُو موسى: هذه حيصة من حيصات «1» الفتن، وبقيت المثقلة الرداح الَّتِي من هاج فِيهَا هاجت بِهِ ومن أشرف لَهَا أشرفت لَهُ. 1506- الْمَدَائِنِي عَنِ الوقاصي عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يسمي العام الَّذِي قتل فِيهِ عُثْمَان عام الحزن. 1507- الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي جزي عَنْ عَمْرو عَنْ طاوس أَنَّهُ سمع رجلا يَقُول: مَا رَأَيْت رجلا أجرأ عَلَى اللَّه من فُلان، فَقَالَ: إنك لَمْ تر قاتل عُثْمَان. 1508- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الحكم بْن القاسم «2» عَنِ (ابْن عون مولى) المسور بْن مخرمة قَالَ: كَانَ المصريون كافين حَتَّى بلغهم أَن الأمداد قَدْ أقبلت إِلَى عُثْمَان من قبل عماله فعند ذَلِكَ عاجلوه. 1509- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ (عَبْد اللَّهِ) بْن أَبِي سَبْرَةَ «3» عَنْ عَبْد المجيد بْن سهيل «4» قَالَ، قَالَ سَعْد بْن أَبِي وقاص حِينَ رأى الأشتر وحكيم بْن جبلة وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عديس: إِن أمرًا هَؤُلاءِ أمراؤه لأمر سوء. 1510- حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابْن أَبِي الزناد عَنْ أَبِي جَعْفَر القارئ مولى بَنِي مخزوم قَالَ: كَانَ المصريون الَّذِينَ حصروا عثمان ستّمائة عليهم عبد الرحمن ابن عديس البلوي وكنانة بْن بشر بْن عتاب الكندي وعمرو بْن الحمق الخزاعي، وَالَّذِينَ قدموا من الكوفة مائتين عَلَيْهِم مَالِك بْن الأشتر النخعي، وَالَّذِينَ قدموا من البصرة مائة رجل رئيسهم حَكِيم بْن جبلة العبدي وضوت إِلَيْهِ حثالة من الناس قد مرجت «5» أماناتهم

_ 1508- طبقات ابن سعد 3/ 1: 50 والطبري 1: 3023 1509-، 1510- طبقات ابن سعد (نفسه) 50، 49

وسفهت أحلامهم، وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خذلوه لا يرون أَن الأمر يبلغ بِهِ القتل فلما قتل ندموا، ولعمري لو قام بعضهم فحثا التراب فِي وجوه أولئك لانصرفوا. 1511- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي روايته: تسور عَلَى عُثْمَان من دار عَمْرو بْن حزم مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وكنانة بْن بشر وسودان بْن حمران المرادي وعمرو بْن الحمق الخزاعي، فوجدوا عُثْمَان عند امرأته نائلة وهو يقرأ سورة البقرة في المصحف، فتقدّمهم محمد وأخذ بلحيته وَقَالَ: قَدْ أخزاك اللَّه يا نعثل، فَقَالَ عُثْمَان: لست بنعثل ولكني عَبْد اللَّهِ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فَقَالَ مُحَمَّد: مَا أغنى عَنْك مُعَاوِيَة وفلان وفلان؟ فَقَالَ: يا ابْن أَخِي دع لحيتي فَمَا كَانَ أبوك ليجلس هَذَا المجلس ولا يقبض عَلَى مَا قبضت عَلَيْهِ منها، فَقَالَ: الَّذِي أريد بك أشد من هَذَا، فَقَالَ عُثْمَان: أستعين بالله وأستنصره عليك، فاجتمعوا عَلَى قتله. 1512- الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي هلال عَنِ ابْن سيرين قَالَ: جاء ابْن بديل إِلَى عُثْمَان، وَكَانَ بينهما شحناء، ومعه السَيْف وَهُوَ يَقُول: لأقتلنه، فَقَالَتْ لَهُ جارية عُثْمَان: لأنت أهون عَلَى اللَّه (974) من ذاك، فدخل عَلَى عُثْمَان فضربه ضربة لا أدري مَا أخذت منه. 1513- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي روايته: لما ضرب مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر عُثْمَان بمشاقصه قَالَ عُثْمَان: بسم اللَّه توكلت عَلَى اللَّه، وإذا الدم يسيل عَلَى لحيته وعلى المصحف حَتَّى وقع على، فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) وأطبق عُثْمَان المصحف. 1514- وَقَالَ الكلبي: ضرب كنانة بْن بشر التجيبي عُثْمَان بعمود ضربة عَلَى مقدم رأسه وجبينه، فَقَالَ الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط «1» : أَلا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ ثَلاثَةٍ ... قَتِيلٌ التجيبي الَّذِي جاء من مصر

_ 1511- طبقات ابن سعد: 51 والطبري 1: 3021 وابن الأثير 3: 143 وقارن بالفقرة: 1488 1513- طبقات ابن سعد (نفسه) : 51 1514- المصدر السابق والطبري 1: 3021

قَالَ، وَقَالَ الْوَلِيد أَوْ غيره: علاه بالعمود أَخُو تجيب ... فأوهى الرأس منه والجبينا 1515- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا حوثرة بْن بشير حَدَّثَنِي أَبُو خلدة «1» : أَنَّهُ سمع عليا رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ يَقُول وَهُوَ يخطب، فذكر عُثْمَان فَقَالَ: [والله الَّذِي لا إله إلا هُوَ مَا قتلته ولا مالأت عَلَى قتله ولا ساءني] . 1516- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد عن الواقدي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قتل عُثْمَان عِنْدَ صلاة العصر، وشد عَبْد أسود عَلَى كنانة بْن بشر فقتله، وشد سودان بْن حمران عَلَى العبد فقتله، وركب الغوغاء دار عُثْمَان، فصاح إِنْسَان مِنْهُم: أيحل دم «2» عُثْمَان ولا يحل ماله؟ فانتهبوا متاعه، فَقَالَتْ نائلة امرأته: لصوص ورب الْكَعْبَة، والله مَا أردتم اللَّه بقتله، ولقد قتلتموه صوامًا قوامًا يقرأ الْقُرْآن فِي ركعة. وخرج النَّاس من الدار وأغلق الباب عَلَى ثلاثة قتلى: عُثْمَان وعبد لعثمان وكنانة بْن بشر. قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ الْوَاقِدِيُّ: والثبت أَن كنانة بْن بشر قتل بمصر حِينَ قتل ابْن أَبِي بَكْر بِهَا، وذكر كنانة هاهنا وَهُمْ. 1517- وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ غياث بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: توفي عُثْمَان وَلَهُ خمس وثمانون سنة. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وابن الكلبي: توفي وَلَهُ اثنتان وثمانون سنة. 1518- وَقَالَ الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي مخنف ومسلمة بْن محارب: كتبت نائلة بنت الفرافصة امْرَأَة عُثْمَان إِلَى مُعَاوِيَة كتابًا تخبره فِيهِ بأمر عُثْمَان ومقتله، وتعلمه أَن أهل مصر أسندوا أمرهم إِلَى عَلِي بْن أَبِي طالب وابن أَبِي بَكْر وعمار بْن ياسر فأمروهم بقتله، وأنّ

_ 1515- قارن بالرياض 2: 135 1516- طبقات ابن سعد: 52 1517- قارن بالطبري 1: 3052 1518- الأغاني 16: 251 والعقد 4: 300

فيمن حصره «1» خزاعة وسعد بْن بَكْر وهذيلا «2» وطوائف من جهينة ومزينة وأنباط يثرب، وبعثت بقميصه إِلَيْهِ، فَقَالَ قوم من أهل الشام: والله لنقتلن عليا. 1519- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ هَلْ شَرَكَ عَلِيٌّ فِي دَمِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ فِي سِرٍّ وَلا عَلانِيَةٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَأْسًا يُفْزَعُ «3» إِلَيْهِ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ. 1520- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ ابْن أَبِي الزناد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خرجت نائلة امْرَأَة عُثْمَان ليلة دفن ومعها سراج وَقَدْ شقت جيبها «4» وَهِيَ تصيح وا عثماناه وا أمير المؤمنيناه، فقال لها حبير بن مطعم: أطفئي السراج فَقَدْ ترين من بالباب، فأطفأت السراج وانتهوا بِهِ (975) إِلَى البقيع فصلى عَلَيْهِ جُبَيْر وخلفه حَكِيم بْن حِزَامِ بْن خُوَيْلِدِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد العزى وأبو جهم بْن حذيفة ونيار بْن مكرم ونائلة وأم البنين بنت عُيَيْنَة بْن حصن امرأتاه «5» ونزل فِي حفرته نيار وأبو جهم وجبير، وَكَانَ حَكِيم والامرأتان يدلونه عَلَى الرجال حَتَّى قبر، وَبَنِي عَلَيْهِ وعموا «6» قبره وتفرقوا. وخرجت نائلة إِلَى الشام فخطبها مُعَاوِيَة فنزعت ثنيتيها وَلَمْ تجبه. 1521- وخلف أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى فاختة بنت غزوان وَهِيَ بسرة فكان يَقُول: كنت أجير ابْن عَفَّان بطعام بطني وعقبة رجلي أخدمهم إِذَا نزلوا وأسوق بِهِمْ إِذَا ركبوا، فغضب عَلِي يوما فقال: لتمشينّ حافيا، ثم تزوجت امرأته.

_ 1520- طبقات ابن سعد: 54 وقارن بالرياض 2: 132 وبعضه مرّ في ف: 1281 1521- قارن بابن سعد 4/ 2: 53

1522- وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي فِي روايته: طلق عُثْمَان ابنة عُيَيْنَة فِي حصاره وَكَانَ فِيهَا جفاء كجفاء أبيها، [بلغها أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مزينة وجهينة وأسلم وغفار خير من تميم وأسد «1» وعامر وغطفان،] فَقَالَ عُيَيْنَة: لأن أكون مَعَ هَؤُلاءِ فِي النار أحب إِلَى من أَن أكون مَعَ أولئك فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَتْ: والله مَا أبعد أَبِي. 1523- حَدَّثَنِي هدبة بْن خَالِد البصري حَدَّثَنَا المبارك بْن فضالة عَنِ الْحَسَن قَالَ: أدركت عُثْمَان عَلَى مَا نقموا منه، وَمَا يَأْتِي عَلَى النَّاس يَوْم إلا وَهُمْ ينالون فِيهِ خيرًا ويقال: اغدوا عَلَى أعطياتكم فيغدون فيأخذونها، ويقال: اغدوا عَلَى كسوتكم فيأخذونها، حَتَّى لربما أعطوا العسل والسمن، فالأعطيات دارة والعدو مقموع وذات البين صلح. 1524- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حرب حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن زَيْد عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيد قَالَ: كانت الامرأة تجيء على عهد عثمان فيحمل «2» وقرها من الطعام والثياب وغير ذَلِكَ ثُمَّ تقول: اللَّهُمَّ بدل، فلما قتل عُثْمَان قَالَ حسان بْن ثابت: مَا نقمتم من ثياب خلفة ... وعبيد وإماء وذهب قَالَ، وَقَالَ أَبُو حميد الساعدي وَكَانَ بدريًا: والله مَا كُنَّا نرى أَنَّهُ يقتل، اللَّهُمَّ إِن لَك عَلِي ألا أفعل كَذَا ولا أضحك حَتَّى ألقاك. 1525- حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن دَاوُد أَبُو الرَّبِيع حَدَّثَنَا حماد بْن زَيْد أَنْبَأَنَا هِشَام بْن حسان عَنِ ابْن سيرين قَالَ: لَقَدْ قتل عُثْمَان يَوْم قتل وَمَا أحد يتهم عليا فِي قتله. 1526- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ حَدَّثَنَا وكيع أَنْبَأَنَا الأَعْمَش عَنْ ثابت بْن عبيد عَنْ أَبِي جَعْفَر الأَنْصَارِيِّ قَالَ: [رَأَيْت عليا يَوْم قتل عُثْمَان وعليه عمامة سوداء وَهُوَ محتب بسَيْفه فِي ظلة النِّسَاء فسمعته يقول: تبّا لكم سائر الدهر] .

_ 1522- الحديث في البخاري 2: 385، 4: 260 1523- قارن بالامامة 1: 45 1524- شعر حسان في ديوانه: 122 وقول أبي حميد الساعدي في ابن سعد 3/ 1: 56

1527- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: [رَأَيْتُ عَلِيًّا عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانَ وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَحْبَبْتُ قَتْلَهُ وَلا كَرِهْتُهُ، وَلا أَمَرْتُ بِهِ وَلا نَهَيْتُ عَنْهُ] . 1528- حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ الزَّاهِدُ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ أَنْبَأَنَا لَيْثٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ [حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ وَلا أَمَرْتُ وَلَكِنِّي غُلِبْتُ، يَقُولُهَا ثَلاثًا] . 1529- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ أَبُو عُثْمَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ: [اللَّهُمَّ إني أبرأ إليك من دم عثمان] . 1530- حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ الأَزْرَقِ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ: [لَقَدْ نَهَيْتُ عَنْهُ وَلَقَدْ كُنْتُ كَارِهًا لِقَتْلِهِ وَلَكِنِّي غُلِبْتُ] . 1531- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ (976) عَنْ لَيْثٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ لَرُمُوا بِالْحِجَارَةِ كَمَا رُمِيَ قَوْمُ لُوطٍ. 1532- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جرير حدثنا أبي قال سمعت يعلى ابن عُبَيْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا زَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى عَنْ قَتْلِ عُثْمَانَ وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُ حَتَّى جَعَلْتُ أَلُومُ نَفْسِي عَلَى أَنْ لا أَكُونُ قُلْتُ مِثْلَ مَا قَالَ. 1533- حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قالا حَدَّثَنَا وهب بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ليتني كنت

_ 1528، 1529، 1531- طبقات ابن سعد: 57، 56. 1533- مصنف عبد الرزاق 11: 447

نسيا منسيّا قبل أمر عثمان فو الله مَا أَحْبَبْتُ لَهُ شَيْئًا إِلا مُنِّيتُ بِمِثْلِهِ، حَتَّى لَوْ أَحْبَبْتُ أَنْ يُقْتَلَ لَقُتِلْتُ. 1534- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ أَنْبَأَنَا وَكِيعٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ الْحَجَّاجِ الْعَوْفِيَّةِ قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَةَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَجَاءَ الأَشْتَرُ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنيِنَ مَا تَقُولِينَ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ؟ فَتَكَلَّمَتِ امْرَأَةٌ صَيِّتَةٌ بَيِّنَةُ اللِّسَانِ فَقَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ آمُرَ بِسَفْكِ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَقَتْلِ إِمَامِهِمْ وَاسْتِحْلالِ حُرْمَتِهِمْ، فَقَالَ الأَشْتَرُ: كَتَبْتُنَّ إِلَيْنَا حَتَّى إِذَا قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ أنشأتنّ تنهيننا. 1535- وحدثني «1» أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ حَزْمِ الْقُطَعِيِّ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ طَلْقِ بْنِ خُشَّافٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ فَسَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ قَتْلِهِ فَقَالَتْ: لَعَنَ اللَّهُ قَتَلَتَهُ فَقَدْ قُتِلَ مَظْلُومًا، أَقَادَ اللَّهُ مِنِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ وَأَهْدَى إِلَى الأَشْتَرِ سَهْمًا مِنْ سِهَامِهِ وَهَرَاقَ دَمَ ابْنَيْ بُدَيْلٍ، فو الله مَا مِنَ الْقَوْمِ أَحَدٌ إِلا أَصَابَتْهُ دَعْوَتُهَا. 1536- المدائني عَنِ النضر بْن إِسْحَاق عَنْ قَتَادَة أَن رجلًا من بَنِي سدوس قَالَ: كنت فيمن قتل عثمان فما منهم «2» رجل إلا أصابته عقوبة غيري، قَالَ قَتَادَة: فَمَا مَاتَ حَتَّى عمي، قَالَ أَبُو دَاوُد: وقتل ابنا بديل بصفّين. 1537- قال ثمامة بْن عدي، وَكَانَ أميرًا عَلَى صنعاء وكانت لَهُ صحبة: أقتل عُثْمَان؟ قَالُوا: نعم، فَقَالَ: هَذَا حِينَ انتزعت خلافة النبوة وصار الأمر ملكا وجبرية من غلب عَلَى شَيْء أكله. 1538- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ موسى الجهني عَنِ ابنة عَبْد اللَّهِ بْن عكيم «3» أَبِي معبد الجهني قَالَتْ: كَانَ أَبِي يحب عثمان

_ 1537- طبقات ابن سعد (نفسه) ، وقد سقط السند في هذه الفقرة. 1538، 1539- طبقات ابن سعد 6: 78 والثانية أيضا في 3/ 1: 55

وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى يحب عليا، وكانا متآخيين، فَمَا سمعت أَبِي يَقُول لعَبْد الرَّحْمَنِ شَيْئًا قط فِي عَلِي إلا إني سمعته يوما يَقُول: لو أَن صاحبك صبر لأتاه النَّاس. 1539- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم عَنِ ابْن إدريس عَنْ مُحَمَّد بْن (أَبِي) «1» أيوب عَنْ حُمَيْدُ بْن هِلالٍ «2» عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عكيم الجهني قَالَ: لا أعين عَلَى دم خليفة أبدًا بَعْد عُثْمَان، فقيل لَهُ: يا أبا معبد وأعنت عَلَى دمه «3» قَالَ: إني أعد ذكر مساويه إعانة عَلَى دمه «4» . 1540- حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِح قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا ذكر مَا صنع بعثمان بكى فكأني أسمعه يَقُول هاه هاه، ينتحب. 1541- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ يَوْمًا عَلَى بَنَاتِهِ وَهُنَّ يمسحن عيونهنّ فقال: [ما لكنّ تَبْكِينَ؟ قُلْنَ: نَبْكِي عَلَى عُثْمَانَ، فَبَكَى وَقَالَ: ابْكِينَ] . 1542- حَدَّثَنِي سُرَيْجُ «5» بْنُ يُونُسَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانَ: تَرَكْتُمُوهُ كَالثَّوْبِ النَّقِيِّ مِنَ الدَّنَسِ ثُمَّ ذَبَحْتُمُوهُ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ، فَهَلا كَانَ هَذَا قَبْلَ هَذَا؟ فَقَالَ مَسْرُوقٌ: هَذَا عَمَلُكِ، كَتَبْتِ إِلَى النَّاسِ تَأْمُرِينَهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: لا وَالَّذِي آمَنَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَكَفَرَ بِهِ الْكَافِرُونَ مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ بِسَوْدَاءَ «6» فِي بَيَاضٍ حَتَّى جَلَسْتُ مَجْلِسِي هَذَا، قَالَ الأَعْمَش: فَكَانُوا (977) يَرَوْنَ أَنَّهُ كُتِبَ عَلَى لِسَانِهَا.

_ 1540، 1542، 1543- طبقات ابن سعد 3/ 1: 56، 57، 58

1543- وَحَدَّثَنِي هدبة بْن خَالِد حَدَّثَنَا أَبُو الأشهب عَنِ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ لا يسمي مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر إلا بالفاسق. 1544- وَقَالَ مُصْعَب الزبيري: أوصى عُثْمَان إِلَى الزُّبَيْر إِلَى بلوغ عَمْرو ابنه. 1545- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَالِد الطحان الواسطي حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون عَنِ اليمان ابن المغيرة عَنْ إِسْحَاق بْن سويد قَالَ: رثى حسان بْن ثابت عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ «1» : أبكي أبا عَمْرو لحسن بلائه ... أمسى رهينا فِي بقيع الغرقد وَكَأنَّ أَصْحَاب النَّبِيِّ عشية ... بدن تنحر عِنْدَ بَاب الْمَسْجِد 1546- وَقَالَ مُصْعَب بْن عَبْد اللَّهِ الزبيري: لقي الْوَلِيد بْن عقبة بجادا مولى عُثْمَان بْن عَفَّان بالمراض وَهُوَ صادر عَنِ الْمَدِينَةِ فسأله عَنِ الْخَبَر فأعلمه بقتل عُثْمَان فَقَالَ: ليت أني هلكت قبل حَدِيث ... سل جسمي وريع منه فؤادي يَوْم لاقيت بالمراض بجادا ... ليت أني هلكت قبل بجاد وَقَالَ الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط فِي أمر عُثْمَان «2» : بَنِي هاشم ردوا سلاح ابْن أختكم ... ولا تنهبوه لا تحل مناهبه هُمْ قتلوه كي يكونوا مكانه ... كَمَا غدرت يوما بكسرى مرازبه «3» وكيف يرجون البراءة عندنا ... وعند عَلِي سَيْفه ونجائبه فإلا تكونوا قاتليه فَإِنَّهُ ... سواء عَلَيْنَا ممسكاه وضاربه في أبيات.

_ 1546- الأغاني 5: 137 وياقوت 4: 475 (وفيه الثاني فقط) .

وَقَالَ حسان بْن ثابت «1» أَن تمس دار بني عفّان خاوية ... بَاب صريع وباب محرق خرب فَقَدْ يصادف باغي الخير حاجته ... فِيهَا ويأوي إِلَيْهَا العزّ والحسب يا أيّها النَّاس أبدوا ذَات أنفسكم ... لا يستوي الصدق عِنْدَ اللَّه والكذب إلا تتوبوا إِلَى الرحمن تعترفوا ... بغارة عصب من خلفها عصب فيهم حبيب إمام الْقَوْم يقدمهم ... مستلئما قَدْ بدا فِي وجهه الغضب وَقَالَ حسان أيضًا «2» : صبرا جميلا بَنِي الأحرار لا تهنوا ... قَدْ ينفع الصبر فِي المكروه أحيانا يا ليت شعري وليت الطير تخبرني ... مَا كَانَ شأن عَلِي وابن عفانا لتسمعن وشيكا فِي دياركم ... اللَّه أكبر يا ثارات عثمانا وَقَالَ عَلِي بْن الغدير بْن المضرس الغنوي، ويقال إهاب بْن همّام بن صعصعة بن ناجية ابن عقال المجاشعي، ويقال ابن الغزيرة النهشلي «3» : لعمر أبيك فلا تكذبي ... لَقَدْ ذهب الخير إلا قليلا لَقَدْ فتن النَّاس فِي دينهم ... وخلَّى ابْن عَفَّان شرًا «4» طويلًا وَقَالَ حبيب بْن عوف العبدي «5» : أرى عيني تأوبها قذاها ... فَمَا تغفي فينفعها كراها لَقَدْ كرهت قتال الشيخ إني ... أرى حربًا سيندم من جناها

_ (1) الديوان: 120 والطبري 1: 3061 وابن الأثير 3: 151 والأبيات 1- 3 في العقد 4: 302 (2) الديوان: 96 والطبري 1: 3063 والعقد 3: 85، 4: 297 والبيت 3 في المروج 4: 285 والبدء والتاريخ 5: 207 والعقد 4: 284 (3) الطبري 1: 3065 (منسوبا لمجاشعي آخر) والكامل 3: 29 (منسوبا لابن الغريرة) والبرصان: 122 (لهميم بن صعصعة عم الفرزدق) . (4) البرهان: حزنا. (5) حبيب بن عوف من قواد المهلب (انظر الكامل 3: 411) .

1548 - وولد لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه:

أتى الرحمن أمتنا بأمر ... وأقشع عَنْ جماعتها دجاها وأصلح بينها حَتَّى نراها ... تقارع أمة أُخْرَى سواها وَقَالَ الأعور الشني: بكت عين من يبكي ابن عفّان بعد ما ... نفى ورق الفرقان كُل مكان (978) ثوى تاركا للحق متبع الهوى ... وأورث حربا «1» حشها بطعان برئت إِلَى الرحمن من دين نعثل ... ودين ابْن صخر أيها الرجلان وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم: لَقَدْ شركت زريق «2» فِي ابْن أروى ... فقد ضلّت زريق أجمعونا 1547- حدثني الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن جعدبة قَالَ: مر عَلِي بدار بَعْض آل أَبِي سُفْيَان فسمع بَعْض بناته تضرب بدف وتقول: ظلامة عُثْمَان عِنْدَ الزُّبَيْر ... وأوتر منه لنا طلحه هما سعراها بأجذالها ... وكانا حقيقين بالفضحه يهران شر هرير الكلاب ... ولو أعلنا كانت النبحه فَقَالَ عَلِي: [قاتلها الله ما أعلمها بموضع ثأرها.] 1548- وولد لعثمان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: عَبْد الله الأصغر، أمّه فاختة بنت غزوان أخت عتبة بْن غزوان، وعبد اللَّه الأكبر، أمه رقية بنت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نقر عينه ديك فمات وَقَدْ ذكرناه «3» فيما تقدم، وعمرو، وأبان، وخالد، وعمر

_ 1548- في أولاد عثمان انظر المصعب: 104 وجمهرة ابن حزم: 83 وابن الكلبي: 23 والمعارف: 198

ومريم، أمهم أم عَمْرو بنت جندب بْن عَمْرو بْن حممة الدوسي من الأزد، وسعيد، والوليد، وأم سَعِيد، أمهم أم عَبْد اللَّهِ بِنْت الْوَلِيد بْن عَبْد شمس بْن الْمُغِيرَةِ المخزومي واسمها فاطمة، والمغيرة، أمه أسماء بنت أَبِي جهل بْن هِشَام، وعبد الْمَلِك، أمه مليكة بنت عُيَيْنَة بْن حصن الفزارية وَهِيَ أم البنين، قَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي «1» : تزوج عُثْمَان أم البنين بنت عُيَيْنَة بْن حصن فدخل عَلَيْهَا عُيَيْنَة ليلا وَهِيَ عِنْدَ عُثْمَان وَهُوَ يفطر فدعاه إِلَى العشاء فَقَالَ: إني «2» صائم فَقَالَ عُثْمَان: سبحان اللَّه أيصام بالليل؟ قال: إنّي ميّلت «3» بَيْنَ صوم الليل والنهار فوجدت صيام الليل أخف عَلِي، فتبسم عُثْمَان، وأم أبان، وأم عَمْرو «4» ، وعائشة، أمهن رملة بنت شيبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس وكانت من المهاجرات، وَلَهَا تقول هند بنت عتبة «5» . عدمنا كُل صابئة بوج ... ومكة أَوْ بأطراف الحجون تدين لمعشر قتلوا أباها ... أقتل أبيك جاءك باليقين ومريم الصغري، وأمها نائلة بنت الفرافصة الكلبي، وأخوات لَهَا وهن أم خَالِد، وأروي، وأم أبان الصغرى. 1549- فأما أم عَمْرو فتزوجها سَعِيد بْن العاص بْن أمية فهلكت عنده فتزوج أختها مريم الكبرى بنت عُثْمَان ثُمَّ هلك عَنْهَا فخلف عَلَيْهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام المخزومي فهلكت عنده. 1550- وَأَمَّا عَائِشَةُ فتزوجها الْحَارِث بْن الحكم بْن أَبِي العاص ثُمَّ خلف عَلَيْهَا عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. 1551- وَأَمَّا أم أبان فتزوجها مَرْوَان بْن الحكم بن أبي العاص.

_ (1) الورقة 1158/ أ (من س) . (2) ط م: أنا. (3) ط م س: مثلت. (4) م: عمر. (5) الاصابة 8: 86 والمصعب: 105

1554 - وأما عمرو

1552- وَأَمَّا أم سَعِيد فتزوجها عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص. 1553- وَأَمَّا مريم الصغرى فتزوجها عَمْرو بْن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط. 1554- وَأَمَّا عَمْرو فكان أكبر بَنِي عُثْمَان وأشرفهم ولدًا، دعاه مَرْوَان إِلَى أَن يشخص إِلَى الشام ليبايع لَهُ فأبى وَمَاتَ بمنى، وَكَانَ مَعَ أهل الْمَدِينَةِ حِينَ قدم مُسْلِم بْن عقبة لقتالهم بالحرة فدعا بِهِ فَقَالَ لَهُ: إيه يا فاسق إِذَا خرج أهل الْمَدِينَةِ قُلْت: أنا رجل منكم، وإذا ظهر أهل الشام قلت: أنا ابْن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عُثْمَان، ثُمَّ التفت إِلَى (979) من معه فقال: هذا الخبيث ابن الطيب، وإنما أتي من قبل أمه، لَقَدْ بلغني أَنَّهَا كانت تجعل الشيء «1» فِي فِيهَا ثُمَّ تقول لأمير الْمُؤْمِنيِنَ: حازيتك «2» مَا فِي فمي، وَفِي فمها مَا ساءها وناءها، ثُمَّ أمر فضرب بالسياط. 1555- فولد عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان عُثْمَان الأكبر، وخالدًا، أمهما رملة بنت مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان، وعبد اللَّه الأكبر، أمه حفصة بنت عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب وأمها صفية بنت أَبِي عبيد أخت المختار بْن أَبِي عبيد الثقفي وأمها عاتكة بنت أسيد بْن أَبِي العيص، وعثمان الأصغر بْن عَمْرو، وأمه بنت عُمَارَةَ بْن الْحَارِث بْن عوف بْن أَبِي حارثة المري، وعبد اللَّه الأصغر والمغيرة وَكَانَ شاعرًا، وعنبسة، وعمر «3» ، والوليد، لأمهات أولاد شتى. 1556- فأما «4» عَبْد الله الأكبر بْن عَمْرو بْن عُثْمَان فكان يسمى المطرف لجماله، وفيه يقول الفرزدق:

_ 1554- الطبري 2: 421 وف: 848 في ما تقدم. 1555- طبقات ابن سعد 5: 111 1556- شعر الفرزدق في الديوان: 409 والبيتان 1، 2 في الأغاني 21: 425، والبيتان 2، 3 من شعر عباد في الكامل 1: 181 (دون نسبة) والثلاثة في المصعب: 113 لابن الرئيس الثعلبي.

1557 - وأما خالد بن عمرو

أعبد اللَّه إنك خير ماش ... وساع بالجراثيم الكبار نمى الفاروق جدّك وابن أروي ... أبوك فأنت منصدع النهار كلا أبويك عِنْدَ اللَّه حي ... شهيد فِي المنازل بالخيار يعني عمر «1» وعثمان. وَفِي المطرف يَقُول الثعلبي «2» عباد: جميل المحيا واضح اللون لَمْ يطا ... بحزن وَلَمْ تألم لَهُ النكب إصبع من النفر الشم الَّذِينَ إِذَا أتوا ... وهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا إِذَا النفر الأدم اليمانون يسروا ... لَهُ حوك برديه أرقوا وأوسعوا 1557- وَأَمَّا خَالِد بْن عمرو فولد سعيد بن خالد، وأمّه ابنة سعيد بن العاص وأمّها ابنة جَرِير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي، وَكَانَ سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو هَذَا بخيلا وَلَهُ يَقُول موسى شهوات يذمه: أبا خَالِد أعني سَعِيد بْن خَالِد ... أَخَا العرف لا أعني ابْن بنت سَعِيد وَقَالَ كثير يمدحه: اذكر سعيدا بخلات سبقن لَهُ ... ميراث والده والعرق منتسب يا ابن الأكارم والمحمود سعيهم ... وابن الَّذِي عوقبت فِي قتله العرب وكانت ابنة لَهُ عِنْدَ هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك وكانت أُخْرَى عِنْدَ الْوَلِيد بْن يَزِيد فطلقها قبل الخلافة ثُمَّ خلف عَلَى ابنة لَهُ أُخْرَى وَهُوَ خليفة، وَلَهُ يَقُول الفرزدق: كُل امرئ يرضى وإن كَانَ كاملا ... إِذَا نال نصفا من سَعِيد بْن خالد

_ 155- شعر موسى شهوات في الشعر والشعراء: 482 والأغاني 3: 348، 350 وابن عساكر 6: 125، وانظر ديوان كثير: 271 وديوان الفرزدق رقم: 54 وابن عساكر 6: 125 وابن الكلبي: 27

1558 - وأما عثمان بن عمرو بن عثمان

لَهُ من قريش طيبوها وقبصها «1» ... وإن عض كفي أمه كُل حاسد وَكَانَ يَقُول إِذَا برقت السماء: أمطري حيث شئت فَمَا تمطرين إلا عَلَى بلد لي فِيهِ مال، وَهُوَ صاحب الفدين، وَكَانَ الديباج بْن المطرف يمر فيصله، فقيل لَهُ لَمْ تمر بِهِ وتعدل إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: إنه يصلني فِي كُل مرة بألف دِينَار فيقع مني موقعًا حسنًا. 1558- وَأَمَّا عُثْمَان بْن عَمْرو بْن عُثْمَان فكان يلقب خرء الزنج وَكَانَ مضعوفًا وفيه يَقُول الشاعر: لعمرك مَا يَأْتِي وإن كَانَ معرقًا ... خر الزنج عُثْمَان بْن عَمْرو بطائل 1559- وَأَمَّا عنبسة بْن «2» عَمْرو فله يَقُول الشاعر: يا قصر عنبسة الذي بالرايع «3» ... لا زلت تحيا بالحيا المتتابع كم لذة قَدْ نلتها ومسرة ... بفنائك الْحَسَن الرحيب الواسع 1560- (980) حَدَّثَنِي «4» أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سحيم بْن حفص وغيره قَالُوا: كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان يلقب المطرف لجماله وبهائه، وقيل سمي بِذَلِكَ لأنه قيل هَذَا حسن مطرف بَعْد عَمْرو بْن الزُّبَيْر، وَكَانَ (عَبْد اللَّهِ بْن) عَمْرو فائق الجمال فأتاه مدرك الفقعسي فَقَالَ لَهُ: أنا ابْن عمك قَالَ: ومن أَنْتَ؟ قَالَ: مدرك الفقسي من بَنِي أسد، فَقَالَ: إِنَّمَا بنو عمي من قريش، فَقَالَ مدرك «5» : كأني إذ دخلت عَلَى ابْن عَمْرو ... دخلت عَلَى مخبأة كعاب منعمة لَهَا آباء صدق ... تحل بيوتهم أعلى الروابي

_ (1) س والديوان: وقبضها، ابن عساكر: وفيضها. (2) بن: سقطت من س. (3) الرايع: من أفنية المدينة. (4) بهامش ط س: رجع المصنف إلى خبر عبد الله المطرف وولده. (5) المعارف: 199 (واسم الشاعر مدرك بن حصن) والخزانة 3: 188 (بن حصين) .

1561 - وكان للمطرف من الولد

تخون بغيبهم ويكون «1» مِمَّا ... يعد عَلَيْهِم يَوْم السباب «2» وَكَانَ عُثْمَان بْن حيان المري أَيَّام ولايته الْمَدِينَةَ أخذ مثجور بْن غيلان فِي قصر لعبد اللَّه بْن عَمْرو بْن عُثْمَان المطرف لأنه كَانَ استخفى فِيهِ من الْحَجَّاج وَقَدْ هرب من العراق، فادعى المطرف دروعًا لَهُ، فَقَالَ لعثمان: ذهب بِهَا أَصْحَابك، فَقَالَ عُثْمَان بْن حيان: مَا دروعك إلا دروع النِّسَاء يا مخنث- ويقال قَالَ لَهُ يا منكوح- فلما استخلف سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك وعزل عُثْمَان بْن حيان وولى أَبُو بَكْر بْن عَمْرو بْن حزم جلد عُثْمَان لَهُ حدًا. 1561- وَكَانَ للمطرف من الولد خَالِد، وعائشة، أمهما أسماء بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام بْن المغيرة المخزومي وأمها أم الْحَسَن بنت الزُّبَيْر بْن العوام وأمها أسماء بنت أَبِي بَكْر الصديق، وعبد الْعَزِيز، وأمية، وأم عَبْد اللَّهِ، أمهم أم عَبْد الْعَزِيز بنت عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، ومحمد الأصغر، والقاسم، ورقية، أمهم فاطمة بنت حسين ابن عَلِي بْن أَبِي طَالِب، ومحمد الأكبر، لأم ولد وَهُوَ الحازوق، وعمرو، وسعدة، أمهما أم عَمْرو بنت أبان بْن عُثْمَان بْن عَفَّان. 1562- فأما عَائِشَةُ بنت المطرف فتزوجها عَبْد اللَّهِ بْن سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك، وَأَمَّا سعدة فتزوجها يَزِيد بْن عَبْد الْمَلِك، وَأَمَّا أم عَبْد اللَّهِ فتزوجها الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك. 1563- وَكَانَ يقال لمحمد الأصغر بْن المطرف الديباج لجماله، وَكَانَ لَهُ قدر ونبل وصلاة طويلة، حَدَّثَنِي الزُّبَيْر بْن بكار عَن عمه مُصْعَب بْن عَبْد اللَّهِ قَالَ: أم الديباج- وَهُوَ محمد بن عبد الله بن عمرو بن عُثْمَان- فاطمة بنت حسين بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب، وَكَانَ الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب خطبها إِلَى الْحُسَيْن فزوجه إياها، فلما حضرت الْحَسَن بْن الْحَسَن الوفاة قَالَ لَهَا: كأني بك قَدْ نظرت إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان المطرف مرجلا جمته لابسا حلته معترضا لَك، فانكحي من شئت سواه، فحلفت أَن لا

_ (1) م: بعيبهم وتكون. (2) ط م س: السياب.

تتزوجه وكانت جميلة يرغب فِيهَا، وَمَاتَ الْحَسَن بْن الْحَسَن وخرج بجنازته فحضرها المطرف عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان، فنظر إِلَى فاطمة حاسرًا تلطم وجهها فأرسل إِلَيْهَا: إِن لنا فِي وجهك حاجة فارفقي بِهِ، فعرف فِيهَا الاسترخاء وخمرت وجهها، ثُمَّ خطبها حِينَ حلت للأزواج فَقَالَتْ: كَيْفَ أصنع بيميني؟ فَقَالَ: لَك مكان كُل شَيْء شيئان، فتزوجها وكفر عَنْ يمينها، فولدت لَهُ محمدًا الَّذِي يقال لَهُ الديباج. وَكَانَ جميل يَقُول لبثينة: مَا رَأَيْت عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان يخطر عَلِي البلاط قط إلا أخذتني الغيرة عليك خوفا أَن تريه أَوْ ترى مثله وإن بعدت دارك. وَقَالَ موسى شهوات يمدحه «1» : لَيْسَ فيما بدا لنا منك عيب ... عابة النَّاس غَيْر أنك فاني أَنْتَ خير المتاع لو كنت تبقى ... غَيْر أَن لا بقاء للإِنْسَان وَقَالَ فِيهِ رجل من ولد عويم بن ساعدة «2» : يا ابن عُثْمَان وابن خير قريش ... أبغني مَا يقرني بقباء رُبَّمَا بلني نداك وجلى ... عَنْ جبيني عجاجة الغرماء 1564- وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: كَانَ الديباج نبيلا فَقَالَ النَّاس: هُوَ سمي النَّبِي وابن سمي أَبِي النَّبِي ومن ذريته ونسل الخليفة المظلوم، فعظم فِي أعينهم وجل أمره عِنْدَ أهل الشام خاصة وهموا بأن يبايعوا لَهُ. وَكَانَ كثير التزويج كثير الطلاق فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَة من نسائه: إِنَّمَا مثلك مثل الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجعاتها، فأخذه أمِير الْمُؤْمِنيِنَ الْمَنْصُور مَعَ الطالبيين أَيَّام مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن عَلِي فضربت عنقه صبرًا وبعث برأسه إِلَى الهند وأظهر أَنَّهُ رأس مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن. 1565- قَالَ أَبُو اليقظان: زوج الديباج ابنته مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ او إبراهيم بن

_ 1565- قارن بالطبري 3: 183- 184، 188

1567 - وأما خالد بن المطرف

عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن بْن عَلِي، فدعا بِهِ الْمَنْصُور أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بالمدينة فعاتبه عَلَى ميله إِلَى ولد عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن وضربه ستين سوطا وأمر بحبسه، فلما خرج محمد بن ابراهيم دعا بِهِ فضرب عنقه صبرا بالهاشمية وَقَالَ: والله لا تقر «1» عينك بخروج صاحبيك، وبعث برأسه إِلَى خراسان، وَكَانَ الديباج أَخَا عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن لأمه أمهما فاطمة بنت حسين. 1566- وَكَانَ القاسم بْن المطرف شديد النفس واللسان، وخطب عَلَيْهِ هِشَام ابنته وَهُوَ خليفة عَلَى ابنه فأبى أَن يزوجه إلا عَلَى حكمه وشروط يشترطها، وَمَاتَ فِي خلافة هِشَام فزوج ابنه ابنته. 1567- وَأَمَّا خَالِد بْن المطرف فكان نبيلا وفد إِلَى يَزِيد بْن عَبْد الْمَلِك فخطب إِلَيْهِ يَزِيد أخته فَقَالَ لَهُ: إِن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان أَبِي قَدْ سن لنسائه عشرين ألف دِينَار فَإِن أعطيتنيها وإلا لَمْ أزوجك، فَقَالَ يَزِيد: أوما ترانا أكفاء إلا بالمال؟ قَالَ: بلى والله إنكم بنو عمنا، قَالَ: إني لأظنك لو خطب إليك رجل من قريش لزوجته بأقل مِمَّا ذكرت من المال، قَالَ: أي لعمري لأنها تكون عنده مالكة مملكة وَهِيَ عندكم مملوكة مقهورة وأبى أَن يزوجه، فأمر أَن يحمل عَلَى بعير ثُمَّ ينخس بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وكتب إِلَى ابْن الضحاك «2» بْن قَيْس الفهري وَهُوَ عامله عَلَى الْمَدِينَةِ أَن وكل بخالد من يأخذ بيده فِي كُل يَوْم وينطلق بِهِ إِلَى شيبة بْن نصاح المقرئ ليقرأ عَلَيْهِ الْقُرْآن فَإِنَّهُ من الجاهلين، فأتى بِهِ شيبة فقيل لَهُ: يَقُول لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ علمه الْقُرْآن فَإِنَّهُ من الجاهلين فَقَالَ شيبة حِينَ قرأ عَلَيْهِ: مَا رَأَيْت أحدا قط أقرأ للقرآن منه وإن الَّذِي جهله لأجهل منه. ثُمَّ كتب يَزِيد إِلَى عامله: بلغني أَن خالدا يذهب ويجيء فِي سكك الْمَدِينَةِ فمر بَعْض من معك أَن يبطش بِهِ، فضربوه حَتَّى مرض وَمَاتَ، وله عقب بالمدينة.

_ 1567- ابن عساكر 5: 66 والورقة 689 ب (من النسخة س) .

1568 - وأما عبد العزيز بن المطرف

1568- وَأَمَّا عَبْد الْعَزِيز بْن المطرف فكان عَلَى الجيش الَّذِينَ قاتلوا الإباضية بقديد، فسقط لواؤه يَوْم سار فتطيروا من ذَلِكَ، وانهزم، وقتل يَوْمَئِذٍ أمية بْن المطرف أخوه. وولى يَزِيد بْن الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك عَبْد الْعَزِيز هَذَا مَكَّة والطائف. 1569- الْمَدَائِنِي قَالَ، قَالَ المطرف: أنا ابْن أَبِي العاص، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن المنذر ابن الزُّبَيْر: دُونَ ذَلِكَ مَا يدق «1» عنقك، يَعْنِي عَفَّان، كَانَ موضعًا. 1570- وَأَمَّا عُمَر (982) بْن عَمْرو بْن عُثْمَان فمن ولده عَبْد اللَّهِ بْن عمر بن عَمْرو ابن عُثْمَان بْن عَفَّان وأمه ابنة عُمَر بْن عُثْمَان بْن عَفَّان وَكَانَ ينزل عرج الطائف فكان يعرف بالعرجي، وَكَانَ شاعرًا سخيا لَهُ يسار وحال، فحدثت أَن عُمَر بْن أَبِي ربيعة المخزومي لما نعي وَكَانَ موته بالشام بكت عَلَيْهِ مولدة من مولدات مَكَّة كانت لبعض بَنِي مَرْوَان وجعلت توجع لَهُ وتفجع عَلَيْهِ وَقَالَتْ: من لأباطح مَكَّة بعده؟ وَكَانَ يصف حسنها وملاحة نسائها، فقيل لَهَا: إنه قَدْ حدث فتي من ولد عُثْمَان بْن عَفَّان يسكن بعرج الطائف شاعر يذهب مذهبه، فَقَالَتْ: الحمد لِلَّهِ الَّذِي جعل لَهُ خلفًا، سريتم والله عني. وضرب العرجي الحد فِي السكر فِي أَيَّام هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك. 1571- قَالُوا: وَكَانَ العرجي من فتيان قريش، وَكَانَ فتيان قريش وغيرها يفدون إِلَيْهِ فيفضل عَلَيْهِم ويعطيهم، وغزا مَعَ مسلمة بْن عَبْد الْمَلِك فِي آخر خلافة سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك فَقَالَ: يا معشر التجار من أراد من الغزاة المعدمين شَيْئًا فأعطوه إياه، فأعطوهم عَلَيْهِ عشرين ألف دِينَار، فلما استخلف عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز قَالَ: بَيْت المال أولى بمال هَؤُلاءِ التجار من مال العرجي، فقضى ذَلِكَ من بَيْت المال. وَلَمْ يزل العرجي فتى قريش حَتَّى حبسه إِبْرَاهِيم بْن هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الْوَلِيد بْن المغيرة المخزومي، وَهُوَ والي الْمَدِينَةِ من قبل هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك، وَكَانَ العرجي هجا إِبْرَاهِيم هذا فقال وقد حجّ بالناس «2» :

_ 1568- قارن بالأغاني 23: 119 1570- قارن بالأغاني 1: 365

كَانَ العام لَيْسَ بعام حج ... تغيرت المواسم والشكول وَقَدْ بعثوا إِلَى جيدا رسولا ... ليخبرها فلا رجع الرسول وجيداء أمه بعث إِلَيْهَا رسولا بسلامته، وَقَالَ أيضًا «1» : حَتَّى دفعت «2» إِلَى جعداء «3» جالسة ... قَدْ تركت أهل بَيْت اللَّه فِي ضيق فلم يزل فِي الحبس حَتَّى مَاتَ، وَقَالَ فِي حبسه «4» : يا ليت شعري وليت الطير تخبرني ... هل أدخل القبة الحمراء من أدم أسلمني أسرتي طرا وحاشيتي ... حَتَّى كأني من عاد ومن إرم 1572- وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم «5» الفهري قال: كَانَ ابْن هِشَام بْن إِسْمَاعِيل واليا لهشام بْن عَبْد الْمَلِك عَلَى مَكَّة وَهُوَ ابْن خاله وأمه أم هِشَام بنت هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الْوَلِيد بْن المغيرة فحبس عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَمْرو بْن عُثْمَان «6» فِي تهمة دم مولى لعبد اللَّه بْن عُمَر ادعى عَلَيْهِ قتله، فلم يزل محبوسًا حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ ابْن هِشَام متحاملًا عَلَيْهِ فَقَالَ فِي السجن «7» : أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر قَالَ الْمَدَائِنِي: ويقال إِن هَذَا الْبَيْت لمحمد بْن القاسم الثقفي وإنما تمثل بِهِ العرجي. 1573- وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: يقال إِن إِبْرَاهِيم بْن هِشَام حبس العرجي، ويقال بَل حبسه إِسْمَاعِيل بن هشام بن اسماعيل.

_ (1) ديوان العرجي: 139 (2) الديوان: انتهيت. (3) هامش ط والديوان: دعجاء. (4) ديوان العرجي: 192 (عن الأنساب) . (5) م س: أسلم. (6) م: فياض. (7) ديوان العرجي: 34 (وهو يرد في مصادر كثيرة) .

1574- (983) قال مصعب الزبيري: وكلّ العرجيّ مولى به بحرمه فكان يخالف إليهن وصح «1» ذَلِكَ عِنْدَ العرجي فقتل مولاه ثُمَّ أحرقه، فاستعدت عَلَيْهِ امرأة مولاه محمد ابن هِشَام بْن إِسْمَاعِيل وَكَانَ حنقًا عَلَيْهِ بهجائه إياه، فحبسه وضربه وشهره. 1575- قَالَ: وَلَهُ فِي زوجة مُحَمَّد بْن هِشَام. عوجي عَلَيْنَا ربة الهودج ... إنك إِن لا تفعلي تحرجي نلبث حولا كاملا كله ... لا نلتقي إلا عَلَى منهج وفيها يَقُول «2» : عوجي عَلِي فسلمي جبر «3» ... فيم الوقوف وأنتم سفر 1576- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ من قَوْل العرجي فِي سجن ابْن هِشَام «4» : سينصرني الخليفة بَعْد ربي ... ويغضب حِينَ يخبر عَنْ مساقي عَلِي عباءة برقاء ليست ... مَعَ البلوى تغيب نصف ساقي ويغضب لي بأجمعها قصي ... قطين الْبَيْت والدمث الرقاق قَالَ: فلما طال حبسه وَلَمْ يغث قَالَ «5» : أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر وخلوني بمعترك المنايا ... وَقَدْ شرعت أسنتها لصدري كأني لَمْ أكن فيهم وسيطا ... وَلَمْ تك نسبتي في آل عمرو

_ 1574- الأغاني 1: 386 1575- الأغاني 1: 383 والخزانة 2: 429 والكامل 2: 260 وديوان العرجي: 17

1577 - ومن ولد عمر بن عمرو بن عثمان (سوى) العرجي عاصم بن عمر

يَعْنِي عَمْرو بْن عُثْمَان، وَقَالَ أيضًا «1» : يا ليت سلمى رأتنا لا نزاع «2» لنا ... لما هبطنا جميعا أبطح السوق وكشرنا وكبول القين تنكبنا «3» ... كالأسد تكشر عَنْ أنيابها الروق والناس صفان من ذي بغضة حنق ... وممسك لدموع العين مخنوق وَفِي السطوح كأمثال الدمى خرد ... يكتمن لوعة حب غَيْر ممذوق من كُل ناشرة فرعا لرؤيتنا ... ومفرقا ذا نبات غَيْر مفروق يضربن حر وجوه لا يلوحها ... لفح السموم ولا شمس المشاريق كَأنَ أعناقهن التلع مشرفة ... من كُل جيز «4» كأعناق الأباريق 1577- ومن ولد عمر بن عمرو بْن عُثْمَان (سِوَى) العرجي عَاصِم بْن عُمَر الَّذِي يَقُول فِيهِ الشاعر «5» : سيرا فَقَدْ جن الظلام عليكما ... فيا بؤس من يرجو القرى عِنْدَ عَاصِم فَمَا كَانَ لي ذنب إِلَيْهِ علمته ... سِوَى أنني قَدْ زرته غَيْر صائم وَقَالَ أيضًا وَهُوَ من كنانة «6» : فقل لابن عثمان بن عفّان عاصم ... إليك سرت عيس فطال سراها أتتكم بنا ندلي بحق وحرمة ... ونقطع أرضا مَا يثار قطاها فَقَدْ صادفت كز اليدين ملعنا «7» ... جبانا إِذَا مَا الحرب شب لظاها بخيلا بِمَا فِي رحله «8» غَيْر أَنَّهُ ... إِذَا مَا خلت عرس الصديق قفاها

_ (1) ديوان العرجي: 137 ومنها بيتان في المصعب: 118 (2) م: تراع، الأغاني: غير جازعة. (3) ط م س: ينكبنا. (4) س: حين. (5) هو الحزين الكناني كما في الأغاني 15: 271 وانظر المعارف: 201 (6) الأغاني 15: 271 (7) الأغاني: مبخلا. (8) س: رجله

1580 - واما الوليد بن عثمان بن عفان

(984) فَقَالَ عَاصِم: الآن أنضج «1» الكي 1578- وحدثت أَن العرجي أَوْ غيره من قريش بعث إِلَى امْرَأَة فأتته عَلَى حمار ومعها جارية عَلَى أتان فوثب الحمار عَلَى الأتان وغلامه عَلَى جاريتها وقام فباضعها فَقَالَ: هَذَا يَوْم قَدْ غاب «2» عذاله. 1579- واتهم العرجي جارية أَبِي جراب أحد بني أميّة الأصغر عنده بشعر قاله فِيهَا فحملها أَبُو جراب عَلَى غرارتي بعير «3» إِلَى مَكَّة، فأحلفها بَيْنَ الركن والمقام عَلَى كذبه، فحلفت فرضي عَنْهَا. 1580- وَأَمَّا الْوَلِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان فكان من فتيان قريش سخاء وفتوة وشرفًا، قَالَ أَبُو اليقظان، قَالَ رجل من ولد عُثْمَان: قبح اللَّه الْوَلِيد فَإِن أباه عُثْمَان قتل وَهُوَ مخلق فِي حجلته. وَفِي الْوَلِيد يَقُول عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أرطاة بْن سيحان المحاربي ورأى عنده إداوة كَانَ بعث إِلَيْهِ فِيهَا بشراب: لا تبعدن إداوة مطروحة ... كانت قديمًا للشراب العاتق بأبي الْوَلِيد وأم نفسي كلما ... طلع النجوم وذر قرن الشارق لما أتيناه أتينا ماجدًا ... ضخم الدسائع ذا ندى وخلائق أثوى وأحسن فِي الثواء وقضيت ... حاجاتنا من عِنْدَ أروع باسق 1581- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ ابْن سيحان حليف بَنِي حرب بْن أمية شاعرًا حلو الْحَدِيث وَهُوَ على ذلك

_ 1578- عيون الأخبار 4: 102 ومحاضرات الراغب 2: 124 1579- الأغاني 1: 372 والورقة 805 ب (من س) . 1580- قارن بالمعارف: 202 والمروج 4: 202 والشعر في الأغاني 2: 207، 211

1583 - واما خالد بن عثمان بن عفان

يقارف الشراب، فكان ينادم أحداث بَنِي أمية، وَكَانَ يشرب مَعَ الْوَلِيد بْن عتبة بْن أَبِي سُفْيَان، وَكَانَ الْوَلِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان ينادم الْوَلِيد بْن عتبة، وَهُوَ جاء بابن سيحان إِلَيْهِ، فأصاب الْوَلِيد بْن عتبة خمار «1» فدعا بابن سيحان فَقَالَ لَهُ: اشرب، فأتى بإداوة فِيهَا فضلة شراب فشربها، ثُمَّ أمدوه فَقَالَ: بأبي الْوَلِيد وأم نفسي كلما ... كَانَ الصباح وذر قرن الشارق أثوي فأحسن فِي الثواء وقضيت ... حاجاتنا من عِنْدَ أبيض باسق كم عنده من نائل وسماحة ... وشمائل ميمونة وخلائق وكرامة للمعتفين إِذَا اعتفوا «2» ... فِي ماله حقا وقول صادق فإلى الْوَلِيد يدي «3» لكم ولغيركم ... رهن بصامت ماله والناطق لا تبعدن إداوة مطروحة ... كانت زمانا للشراب العاتق وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: ويقال أَن أبا زبيد قَالَ هَذَا الشعر فِي الْوَلِيد بْن عقبة بن أبي معيط، والأوّل أثبت 1582- وكان للوليد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان ابْن يظهر التأله يقال لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن الْوَلِيد، وَكَانَ يلعن عليا وَيَقُول: قتل جدي عُثْمَان والزبير، وكانت أمه ابنة الزُّبَيْر بْن العوام، وقام إِلَى هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك وَهُوَ عَلَى المنبر عشية عرفة فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ إِن هَذَا يَوْم كانت الخلفاء تستحب فِيهِ لعن أَبِي تراب، فَقَالَ لَهُ: يا عَبْد الله «4» إنّا لم نأت ها هنا لسب النَّاس ولعنهم. 1583- وَأَمَّا خَالِد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان فتوفي فِي خلافة أَبِيهِ، ركض دابة فأصابه قطع فهلك منه، وَلَهُ عقب، وَهُوَ الَّذِي يقال لَهُ الكسير، وَكَانَ مصحف عثمان الذي قتل وهو في

_ (1) ط م س: خمارا. (2) م: للمعتقين ... أعتقوا. (3) م: يدا، ط: يدي. (4) م: أبا عبد الله.

1585 - (985) وأما سعيد بن عثمان بن عفان

حجره عِنْدَ ولده «1» . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ بالسقيا «2» فركب بغلة ليلحق صلاة الجمعة مَعَ أَبِيهِ عُثْمَان وأسرع السير فسقطت البغلة نافقة وأصاب خالدًا كسر. 1584- وَكَانَ زَيْد بْن عُمَر بْن عُثْمَان تزوج سكينة بنت الْحُسَيْن بْن عَلِي فنهاه سليمان ابن عَبْد الْمَلِك عَنْهَا فطلقها لأن عَبْد الْمَلِك خطبها بَعْد مُصْعَب بْن الزُّبَيْر فأبته. 1585- (985) وَأَمَّا سَعِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان ويكنى أبا عُثْمَان فَإِن مُعَاوِيَة ولاه خراسان ففتح سمرقند، وَكَانَ أعور نحيلا «3» أصيبت عينه بسمرقند، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ الشاعر: سَعِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان لا يرى ... لصاحبه قرضًا عَلَيْهِ ولا فرضا وفيه يَقُول ابْن مفرغ: إِن تركي ندى سعيد بن عثما ... ن بْن عَفَّان ناصري وعديدي واتباعي أَخَا الرضاعة واللؤ ... م لنقص وفوت شأو بعيد قُلْت قَوْل المحزون والليل داج ... ليتني مت قبل ترك سَعِيد هَذَا حِينَ تركه وخرج مَعَ ابْن «4» زِيَاد 1586- وَكَانَ عِنْدَ سَعِيد غلمان من أبناء ملوك السغد دفعوا إِلَيْهِ رهائن، فقدم بِهِمْ مَعَهُ حِينَ عزله مُعَاوِيَة لما خاف من طلبه الخلافة، فلما صار بِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ جعل يأخذ كسوتهم ومناطقهم فيدفعها إِلَى غلمانه، وألبسهم جباب الصوف وألزمهم السواني والعمل

_ 1585- قارن بالطبري 2: 177- 80 والبرصان: 56، وشعر ابن مفرغ في الأغاني 18: 197 والشعر والشعراء: 277 والخزانة 2: 214، 515، وديوانه: 62 وابن عساكر 6: 155 1586- فتوح البلدان: 509 وانظر المعارف: 202 والأغاني 1: 46

الصعب، فدخلوا عَلَيْهِ فِي مجلسه ففتكوا بِهِ ثُمَّ قتلوا أنفسهم، فَقَالَ الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط «1» : ألا إِن خير النَّاس نفسا ووالدا ... سَعِيد بْن عُثْمَان قتيل الأعاجم وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سيحان المحاربي «2» : يلومونني فِي الدار أَن غبت عَنْهُم ... وَقَدْ فر عَنْهُم خَالِد وَهُوَ دارع «3» فَإِن كَانَ نادى دعوة فسمعتها ... فشلت يدي واستك مني المسامع يعنى خَالِد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وَكَانَ قاضيًا بالمدينة فِي أَيَّام مَرْوَان بْن الحكم. فَقَالَ خَالِد «4» : لعمري لَقَدْ أبصرتهم فتركتهم ... بعينك «5» إذ ممشاك فِي الدار واسع 1587- قَالُوا: ولما بويع يَزِيد بْن مُعَاوِيَة جعل صبيان أهل الْمَدِينَةِ وعبيدهم ونساؤهم يقولون: والله لا ينالها يَزِيد ... حَتَّى ينال رأسه الحديد إِن الأمير بعده سَعِيد فقدم سَعِيد عَلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ: يا ابْن أَخِي «6» مَا شَيْء بلغني يقوله أهل الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَمَا تنكر من ذَلِكَ يا مُعَاوِيَة؟ والله إِن أَبِي لخير من أَبِي يَزِيد، وأن أمي لخير من أمه، وإني لخير منه، ولقد استعملناك فَمَا عزلناك، ووصلناك فَمَا قطعناك، وصار أمرنا فِي يدك فحلأتنا عَنْهُ أجمع، فَقَالَ مُعَاوِيَة: قَدْ صدقت فِي قولك إِن أباك خير منّي وأنّ امّك خير

_ 1587- ابن عساكر 6: 155

من أمه لأن أمك من قريش وأمه امرأة من كلب، وبحسب امْرَأَة أَن تكون من صالح «1» نسائها، وأمّا قولك إنّك خير منه فو الله مَا يسرني أَن بيني وبين العراق حبلا نظم لي فِيهِ أمثالك. ثُمَّ قَالَ لَهُ: الحق بعمك زِيَاد فَقَدْ أمرته أَن يوليك خراسان، وأن يولي الخراج رجلا حازمًا، فولاه زِيَاد خراسان، وولى أسلم بْن زرعة الكلابي خراجها، ثُمَّ عزله خوفًا منه. 1588- وَقَالَ مُصْعَب بْن عَبْد اللَّهِ الزبيري: لما قتل السغد سعيدًا كَانَ مَعَهُ فِي الدار عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أرطاة بْن سيحان، فَقَالَ خَالِد بْن عقبة بْن أَبِي معيط «2» : يا عين جودي بدمع منك تهتانا ... وابكي سَعِيد بْن عُثْمَان بْن عفانا إِن المواكل لَمْ تصدق مودته ... وفرّ عنه ابن أرطاة بن سيحانا المواكل الضعيف، يعني بالمواكل ابن أرطاة لَمْ تصدق مودته وفر عَنْهُ، فَقَالَ ابْن سيحان «3» : يَقُول خليلي قَدْ دعاك فلم تجب ... وَذَلِكَ من تلقاء مثلك رائع (986) فَإِن كَانَ نادى دعوة فسمعتها ... فشلت يدي واستك مني المسامع يلومونني أَن كنت فِي الدار حاسرًا ... وَقَدْ فر عَنْهُ خَالِد وَهُوَ دارع وقال بعضهم لابن سيحان «4» : فإنك لَمْ تسمع ولكن رأيته ... بعينك إذ مجراك فِي الدار واسع فأسلمته للسغد تدمى كلومه ... وفارقته والصوت فِي الدار شائع وَمَا كَانَ فِيهَا خَالِد اللؤم معذرًا ... سواء عَلَيْهِ صم أَوْ هُوَ سامع فلا زلتما في حال سوء ذميمة ... ودارت عليكم بالبلاء القوارع

_ (1) ط م س: صالحي. (2) الأغاني 1: 46 وابن عساكر 6: 156 والمصعب: 111 (3) انظر المصادر في الحاشية السابقة. (4) الأغاني 2: 218 وابن عساكر (نفسه) ، والأول مرّ آنفا (ف 1586) وسيمر في الورقة 798/ أ.

1590 - وأما أبان بن عثمان بن عفان

قَالَ، وَقَالَ بَعْض ولد أَبِي معيط «1» : يا نفس موتي حسرة ... وابكي هبلت عَلَى سَعِيد وابكي لقرم ماجد ... بَيْنَ الخليفة والوليد «2» ولقد أصبت بغدرة ... وحملت حتفك «3» من بعيد قَالَ، وَقَالَ الْوَلِيد أَوْ خَالِد بْن عقبة «4» : ألا إِن خير النَّاس نفسا ووالدا ... سَعِيد بْن عُثْمَان قتيل الأعاجم فَإِن تكن الأيام أردت صروفها ... سعيدا فهل حي عَلَى الدهر سالم «5» 1589- الْمَدَائِنِي عَنْ سحيم بْن حفص قَالَ: لقي الْحُسَيْن بْن عَلِي سعيدًا وأبناء السغد مَعَهُ فَقَالَ متمثلًا «6» : أبا عُمَارَةَ إِمَّا كنت ذا ثقل ... فَإِن قومك لَمْ تأكلهم الضّبعْ وَكَانَ قوم من بَنِي عُثْمَان يقولون: مَا قتله إلا عين الْحُسَيْن، قَالَ: فبينا سَعِيد فِي حائط لَهُ وَقَدْ جعل أولئك السغد فِيهِ يعملون بالمساحي إذ أغلقوا بَاب الحائط ووثبوا عَلَيْهِ فقتلوه، فجاء مَرْوَان بْن الحكم يطلب المدخل عَلَيْهِم فلم يجده، وقتل السغد أنفسهم، وتسورت الرجال ففتحوا الباب وأخرجوا سعيدًا. 1590- وَأَمَّا أبان بْن عُثْمَان بْن عَفَّان ويكنى أبا سَعِيد فشهد الجمل مَعَ عَائِشَةَ فكان أول من انهزم، وَكَانَ أبرص أحول أصم، وَقَالَ مالك بن الريب المازني «7» :

_ 1590- قارن بالمعارف: 201 والبرصان: 56

ولولا بنو حرب لطلّت دماؤكم ... بطون العظايا من كسير وأعورا وَمَا كَانَ فِي عُثْمَان عيب علمته ... سِوَى عقبة من بعده حِينَ أدبرا «1» يَعْنِي ببطون العظايا البرص 1591- الْمَدَائِنِي قَالَ: ولى عَبْد الْمَلِك علقمة بْن صفوان «2» بْن المحرث مَكَّة فشتم طَلْحَةَ والزبير عَلَى المنبر، فلما نزل قَالَ لأبان: أرضيتك فِي المدهنين فِي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عُثْمَان، قَالَ: لا والله ولكن سؤتني، بحسبي بلية أَن يكونا شركاء «3» فِي دمه. وولى أبان الْمَدِينَةَ فِي أَيَّام عَبْد الْمَلِك فَقَالَ عروة بْن الزُّبَيْر: اللَّه أكبر جاء فِي الْحَدِيث إِن هلاك بَنِي أمية عِنْدَ ولاية رجل أحول وأرجو أَن يَكُون هَذَا، وإنما كَانَ الأحول هشامًا. وكانت عِنْدَ أبان أم كلثوم بنت عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر خلف عَلَيْهَا بَعْد الْحَجَّاج. وَكَانَ أبان صاحب رشوة وجور فِي عمله. 1592- وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أصاب أبان فالج شديد قبل موته بسنة، فكانوا يقولون بالمدينة إذا دعوا: أصابك فالج أبان، وَمَاتَ فِي خلافة يَزِيد بْن عَبْد الْمَلِك. 1593- وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبان بْن عُثْمَان، وأمه بنت عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الحارث بْن هِشَام المخزومي، مصليا يصلى (987) فِي كُل يَوْم ألف ركعة ويكثر الحج والعمرة، وَكَانَ لَهُ خطر ومروءة وصلاح وصدقة كثيرة، وَكَانَ إِذَا تصدق بصدقة قَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا لوجهك الكريم فخفف عني الْمَوْت، فانطلق حاجا فصلى الغداة ثُمَّ نام، فذهبوا يوقظونه للرحيل فوجدوه ميتا، فأقاموا عَلَيْهِ المأتم بالمدينة، وجاء أشعب أَبُو «4» العلاء الطمع وَقَدْ طين رأسه ووجهه- ويقال: بَل جعل عَلَى رأسه كمة من طين- فجعل يلتدم مع النساء، وكان اليه محسنا.

_ 1592- طبقات ابن سعد 5: 113

1594- وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أبان يخرج إِلَى مكة للحج ومعه أَصْحَابه فَيَقُولُ لغلامه: قدم لنا طعامنا يا خداش، عَلَى الطعام يقتل النَّاس النَّاس. 1595- ولأبان ولد بالأندلس. وَكَانَ لأبان ابْن يقال لَهُ مَرْوَان وَكَانَ رديًا فسلا، وَكَانَ مخنثًا مأبونا يجمع بَيْنَ الرجال والنساء عَلَى الريبة والفاحشة، فلما مَاتَ لَمْ يبق أحد بلغه موته مِمَّن فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا لعنه وذكره بسوء، فَقَالَ ربيعة الرأي: لو شاءوا لأخفوا موته فكان ذَلِكَ أجمل. 1596- وَحَدَّثَنِي بَعْض العدويين من قريش قَالَ: قدم الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك الْمَدِينَةَ وَهُوَ خليفة فوضع أربعة كراسي جلس عَلَيْهَا أربعة أشراف من قريش، أم كُل واحد مِنْهُم عدوية: عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان المطرف، أمه حفصة بنت عَبْد اللَّهِ بْن عمر ابن الْخَطَّاب، ومحمد بْن المنذر بْن الزُّبَيْر، أمه عاتكة بنت سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن نفيل، وطلحة الندى بْن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْن عَبْدِ عوف بن عبد بْن الْحَارِث بْن زهرة، وأمه ابنة مطيع بْن الأسود العدوي، ونوفل بْن مساحق بْن عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة بْن عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس بْن عَبْد ود من بَنِي عامر بْن لؤي، (وأمه) ابنة «1» مطيع بْن الأسود العدوي أيضًا. 1597- ووقع بَيْنَ مُحَمَّد بْن المنذر وبين المطرف كَلام فَقَالَ مُحَمَّد: مَا كنت أظنك إلا جارية لَقَدْ هممت أَن أخطبك إِلَى أبيك، فَقَالَ: أنا عَبْد اللَّهِ أَبُو مُحَمَّد «2» بْن عَمْرو بْن عُثْمَان، فَقَالَ: لَك اسم أحب إليك من هَذَا، يَعْنِي المطرف. 1598- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الْوَاقِدِيِّ قَالَ: كَانَ المغيرة بْن عَمْرو بْن عثمان ابن عَفَّان شاعرًا وَهُوَ الَّذِي يَقُول: أرو سقيا لعهدك المعهود ... ولنا في ودادك المودود

_ 1597- الورقة 818 ب (من النسخة س) .

ولشرب لديك يا أرو يشفي ... من جوى حائم لحين الورود حذرا أَن نرد منك بيأس ... أَوْ صدود فتولعي «1» بالصدود أرو إني سلم لأهلك أروي ... فصليني وأنجزي موعودي 1599- وَحَدَّثَنِي الزُّبَيْر بْن بكار عَنْ عمه وغيره قَالُوا: زوّج بكير بن عمرو بن عثمان ابن عَفَّان ابنته «2» أم عُثْمَان بنت بُكَيْر، وأمها سكينة بنت مُصْعَب بْن الزُّبَيْر، عامر بْن حمزة بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، فبلغ ذَلِكَ إِبْرَاهِيم بْن هِشَام المخزومي وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فبعث إلي بُكَيْر فَقَالَ لَهُ: مَا حملك عَلَى أَن زوجت ابنتك زبيريا وبالشام من بِهِ من فتيان بَنِي الحكم بْن أَبِي العاص لَمْ تعرضها عَلَيْهِم وَهُمْ بنو عمك، فَقَالَ لَهُ: إِن يد عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر عندنا يَوْم الدار مَا علمت، فسكت. 1600- وَحَدَّثَنِي «3» الزُّبَيْر بْن بكار قَالَ: لما زوجت فاطمة بنت الْحُسَيْن ابنتها من عَبْد اللَّهِ المطرف دخلت وسكينة بنت الْحُسَيْن عَلَى هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك فَقَالَ لفاطمة: صفي لنا يا ابنة «4» حسين ولدك من ابْن عمك- يَعْنِي حسن بْن حسن- وصفي لنا ولدك من ابْن عمنا- يَعْنِي المطرف- (988) فَقَالَتْ: أما عَبْد اللَّهِ بْن حسن فسيدنا وشريفنا والمطاع فينا، وَأَمَّا حسن بْن حسن بْن حسن فلساننا ومدرهنا، وَأَمَّا إِبْرَاهِيم بْن حسن فأشبه النَّاس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم شمائل «5» ولونا وتقلّعا- كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مشى تقلع فلا تكاد تمس عقباه الأَرْض- وَأَمَّا اللذان من ابْن عمكم فَإِن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ- تعني الديباج- جمالنا الَّذِي نباهي بِهِ، والقاسم عارضتنا الَّتِي نمتنع «6» بِهَا وأشبه النَّاس بأبي العاص بْن أمية عارضة ونفسًا، فَقَالَ: والله لَقَدْ أحسنت فِي صفاتهم يا بنت حسين، ووثب فجبذت سكينة بردائه وقالت: والله ما اقول «7» يا أحول

_ (1) س: ترد ... فتولع. (2) ابنته: سقطت من س. (3) س: وحدثنا. (4) ط: يا بنت. (5) ط م س: شمائلا. (6) س: نمنع. (7) ما أقول: سقطت من ط م، ولعلها زائدة.

لَقَدْ أصبحت تهكم بنا، أما والله مَا أبرزنا لَك إلا يَوْم الطف، فضحك وَقَالَ: أَنْتَ امْرَأَة كثيرة الشر، ولكنك كبيرة السن فنحن نكرمك. 1601- قَالَ الزُّبَيْر: وأنشدني عمي لأبي وجزة «1» السعدي فِي الديباج «2» مُحَمَّد بْن عَبْد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: وجدنا المحض الأبيض من قريش ... فتى بَيْنَ الخليفة «3» والرسول أتاك المجد من هنا وهنا ... فكنت لَهُ بمعتلج السيول فَمَا للمجد دونك من مبيت ... وَمَا للمجد دونك من مقيل فدى لَك من يذود الحق عَنْهُ ... ومن يرضي أخاه بالقليل فلولا أَنْتَ مَا رحلت ركابي ... محملة ولا حمدت رحيلي 1602- قَالَ الْمَدَائِنِي: وخطب الديباج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان امْرَأَة، وخطبها عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَكَانَ يقال لَهُ الديباج أيضًا، فجعلت تبحث عَنْ أحسنهما، فبينا هِيَ كَذَلِكَ إذ خرجت ليلة فرأت الديباجين جميعا يتعاتبان فِي أمرها أَوْ أمر غيره فِي ليلة مقمرة، وَكَانَ وجه عَبْد الْعَزِيز إِلَيْهَا فرأت بياضة وطوله فَقَالَتْ: حسبي بِهِ، فتزوجها ودعا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ فِي وليمتها فأكرمه، فلما أكل برك لَهُ ثُمَّ خرج وَهُوَ يَقُول: بينا أرجي أَن أكون وليها ... رضيت بعرق من وليمتها سخن 1603- وَحَدَّثَنِي الزُّبَيْر قَالَ: أتى الرماح بْن ميادة، وَهُوَ ابْن أبرد، الْمَدِينَةَ وعليها عَبْد الْوَاحِد بْن سُلَيْمَان، فسمع عَبْد الْوَاحِد يَقُول: إني لأهم بالتزويج فابغوني أيمًا، فَقَالَ الرماح: أنا أدلك، فَقَالَ: عَلَى من يا أبا شُرَحْبِيل؟ فَقَالَ: دخلت مسجدكم فإذا

_ 1603- الأغاني 2: 287 وقية البيت.

أشبه شَيْء بِهِ وبمن فِيهِ الْجَنَّة وأهلها، فبينا أنا أمشي إذ قادتني رائحة عطر رجل، فلما وقعت عيني عَلَيْهِ استلهاني حسنه، وتكلم فكأنما قرأ قرآنا أَوْ زبورًا حَتَّى سكت، فلولا علمي بالأمير «1» لقلت: هو هُوَ، فسألت عَنْهُ فأخبرت أَنَّهُ بَيْنَ الحيين للخليفتين عُثْمَان وعلي رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، وأنه قَدْ نالته ولادة من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلها نور ساطع فِي غرته، فَإِن اجتمعت وَهُوَ عَلَى ولد بأن تتزوج ابنته ساد الْعِبَاد وجاب ذكره البلاد، فَقَالَ: ذاك مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان لفاطمة بنت الْحُسَيْن يا أبا شُرَحْبِيل، فَقَالَ ابْن ميادة: لَهُمْ نبوة «2» لَمْ يعطها اللَّه غيرهم ... وكل عَطَاء اللَّه فضل مقسّم 1604- قال: وكان محمد الأكبر ابن المطرف، وَهُوَ الحازوق، يلبس أسرى الحلل، فَإِذَا تعجب النَّاس من حلة قَالُوا: كَأَنَّهَا حلة الحازوق، وإذا فخر أحد بحلة قَالُوا: لو كانت حلة الحازوق مَا عدا. 1605- قَالَ: وقتل أمية بْن المطرف بقديد وَكَانَ عَبْد الْوَاحِد بن سليمان (989) قد ولاه على أسد وطيّئ فجاءه سبعون من فزارة، وَذَلِكَ فِي أَيَّام مَرْوَان بْن مُحَمَّد، فسألوه أَن يخرج بِهِمْ معه ليغيروا على طيّئ لثأر كَانَ لَهُمْ فيهم، فخرج بِهِمْ وتجمع إليهم ناس من أهل المعادن طلبًا «3» للغنائم، فلقيه معدان الطائي بالمنتهب «4» فِي جَمَاعَة من طيّئ فهزموه، وَقَدْ كَانُوا عرضوا عَلَيْهِ أَن يرد فزارة ويأتي فيمن أحب لأخذ صدقة أموالهم، وَفِي ذَلِكَ يَقُول معدان يعتذر إِلَى عَبْد الْوَاحِد وأهل الْمَدِينَةِ ويذكر عرضهم عَلَى أمية أن يردّ فزارة ويعطوه صدقاتهم:

_ 1605- ابن عساكر 3: 310 الورقة 776 ب (من س) ونسبت الأبيات في الورقة 777/ ألأنيف بن حكيم النبهاني (وبين الروايتين بعض اختلاف في القراءة) .

ألا هل أتى أهل الْمَدِينَة عرضنا ... خصالا من المعروف يعرف حالها عَلَى عاملينا والسيوف مصونة «1» ... بأغمادها مَا زايلتها نصالها أتينا إِلَى فرتاج «2» سمعا وطاعة ... نؤدي الزكاة حِينَ حان عقالها ومن قبل مَا صرنا وجاءت وفودنا ... إِلَى فيد «3» حَتَّى مَا يعدّ رجالها فقالوا أغر بالناس تعطك طيّئ ... إِذَا وطئتها الْخَيْل واجتيح مالها ودون الَّذِي منوا أمية هبوة ... من الضرب قدما لا تجلّى ظلالها «4» دعوا بنزار فاعتزينا بطيّء ... هنا لك زلت فِي نزار نعالها وولى يَزِيد بْن الْوَلِيد عَبْد الْعَزِيز بْن المطرف مَكَّة والطائف

_ (1) مصونة: سقطت من س. (2) ضبط في ط بضم الفاء، وانظر ياقوت 3: 867 (3) في تحديد فيد انظر ياقوت 3: 927 (4) روايته في الورقة 777/ أ. ومن دونِ ما مَنَّى أمية نَفْسَهُ ... غمار حتوف ليس يرجى زوالها

الجزء السادس

[الجزء السادس] مروان بن الحكم [بن أبي العاص] ومن بَنِي أَبِي العاص بْن أمية بْن عَبْد شمس أيضًا مَرْوَان بْن الحكم بْن أَبِي العاص، وَهُوَ ابْن عم عُثْمَان، ويكنى أبا عَبْد الْمَلِك، وأمه آمنة بنت علقمة بْن صفوان بْن أمية بْن المحرث بْن جمل بْن شق بْن رقبة بْن مخدج بْن عامر بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مَالِك بْن كنانة بْن خزيمة. وَكَانَ الحكم أَبُو مَرْوَان مغموصًا عَلَيْهِ فِي إسلامه وَكَانَ إظهاره الإِسْلام فِي يَوْم فتح مَكَّة، فكان يمر خلف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيخلج بأنفه ويغمز بعينيه فبقي عَلَى ذَلِكَ التخليج وأصابته خبلة، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حسان بْن ثابت الأَنْصَارِيُّ لمروان: إِن اللعين أباك فأرم عظامه ... إِن ترم ترم مخلجا مجنونا يضحى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا وطلع الحكم ذَات يَوْم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ في بَعْض حجر نسائه فخرج إِلَيْهِ بعنزة [1] وَقَالَ: «من عذيري من هذه الوزغة» [2] ، وكان يفشي

_ [1] رمح قصير. [2] الوزغة: الرجل الحارض الفشل. القاموس.

أحاديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلعنه وسيره إِلَى الطائف ومعه عُثْمَان الأزرق، والحارث وغيرهما من بنيه وَقَالَ لا يساكني فلم يزالوا طرداء حَتَّى ردهم عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، فكان ذَلِكَ مِمَّا نقم فِيهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمَدَائِنِي عَنْ أشياخه: كَانَ مَرْوَان من رجال قريش وَكَانَ من أقرأ النَّاس للقرآن وَكَانَ يَقُول: مَا أخللت بالقرآن قط، أي لَمْ آت الفواحش والكبائر قط. وروي: أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ للحكم: [ «كأني ببنيه يصعدون منبري وينزلون» ] . وَكَانَ مَرْوَان يكنى أبا القاسم ثُمَّ اكتنى أبا عَبْد الْمَلِك. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ: اسْتَأْذَنَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ إِلا الْمُؤْمِنِينَ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، يُشَرَّفُونَ في الدنيا ويتّضعون فِي الآخِرَةِ» ] . قَالَ الْمَدَائِنِي: نزل الحكم فِي الجاهلية على حاتم طيّئ فتناوله قوم من رهط أوس بْن حارث فغضب حاتم فَقَالَ: الآن إذ مطرت سماؤكم دما ... ورفعت رأسك مثل رأس الأصيد [1] قَالُوا: وَكَانَ مَرْوَان يلقب خيط باطل لدقته وطوله، شبه الخيط الأبيض الَّذِي يرى فِي الشَّمْس، فَقَالَ الشاعر، ويقال انه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم أخوة:

_ [1] ديوان حاتم الطائي- ط. دار صادر بيروت ص 42 مع فوارق.

لعمرك مَا أدري وإني لسائل ... حليلة مضروب القفا كَيْفَ يصنع لحى اللَّه قوما أمروا خيط باطل ... عَلَى النَّاس يعطي مَا يشاء ويمنع وَكَانَ ضرب يَوْم الدار عَلَى قفاه. وكانت أم آمنة أم مَرْوَان وإخوته صفية، ويقال الصعبة، بنت أَبِي طَلْحَةَ العبدري، وأمها مارية بنت موهب كندية، وَهِيَ الزرقاء الَّتِي يعيرون بِهَا فيقال بنو الزرقاء وَكَانَ موهب قينا. وولى مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان مَرْوَان بْن الحكم البحرين وولاه الْمَدِينَةَ مرتين، وَهُوَ الَّذِي كَانَ رمى طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بالبصرة، فمات من رميته. وَقَالَ أَبُو مخنف والواقدي فِي روايتهما: كَانَ مَرْوَان بالمدينة حِينَ مَاتَ مُسْلِم بْن عقبة المري بَعْد إيقاعه بأهل الحرة، ثُمَّ أشخص إِلَى الشام فلم يزل بِهَا حَتَّى ولي الخلافة بَعْد مُعَاوِيَة بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: لَمْ يزل مَرْوَان بالمدينة حَتَّى كتب ابْن الزُّبَيْر بَعْد موت يَزِيد، وشخوص حصين بْن نمير السكوني، إلى ابن مطيع في تسير بَنِي أمية فسيره وسيرهم فورد الشأم ومعاوية بن يزيد قَدْ بويع، وَكَانَ مَرْوَان لما سيروا اكترى أبعرة ركبها وبنوه وأمر أَن يحث بِهِ وبهم، فَقَالَ راجزه: حرم مَرْوَان عليهن النوم ... إلا قليلًا وتلاهن الْقَوْم حَتَّى يقلن أَوْ يبتن بالدوم والدوم عَلَى مسيرة ليلتين من الْمَدِينَة، وَكَانَ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان عليلا فَقَالَ للرسول الَّذِي وكل بإزعاجهم: قل لأبي خبيب: يصنع اللَّه، وَفِي ذَلِكَ يَقُول أَبُو قطيفة، واسمه عَمْرو بْن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط وإنما قيل لَهُ

أَبُو قطيفة لأنه كَانَ كثير شعر الرأس ثائره عظيم اللحية، وَكَانَ مِمَّن سيره ابْن الزُّبَيْر إِلَى الشام. بكى أحد لما تحمل أهله ... فكيف بذي وَجْدٍ من الْقَوْم آلفُ وَقَالَ أيضًا، ويقال غيره: ألا هل أتاها والحوادث جمة ... بأن قطين اللَّه بعدك سيرا ولما بنى مَرْوَان داره قَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَة: ابْن شديدًا، وأمل بعيدا وعش قليلًا وكل خضما [1] والموعد اللَّه. وَكَانَ مَرْوَان إِذَا سمع الأذان قَالَ مرحبًا بالقائلين عدلًا وبالصلاة مرحبًا وأهلها، ويروي هَذَا عَنْ مُعَاوِيَة أيضًا. وأمر مَرْوَان عَبْد الْمَلِك حِينَ ولاه فلسطين بتقوى اللَّه، وَقَالَ لَهُ: مر حاجبك أَن يخبرك بمن يحضر بابك فِي كُل يَوْم فتأذن أَوْ تحجب، وآنس من يدخل عليك بالحَدِيث يبسطوا إليك، ولا تعجل بالعقوبة إِذَا أشكل عليك أمر فإنك عَلَى العقوبة إِذَا أردتها أقدر منك عَلَى ارتجاعها إِذَا أمضيتها، ويقال إنه أوصى بِهَذِهِ الوصية عَبْد الْعَزِيز حِينَ ولاه مصر، وَالأَوَّل أثبت. ولما مَاتَ معاوية بن يزيد بْن مُعَاوِيَة أَبُو ليلى، علم ابْن الزُّبَيْر أَنَّهُ لَمْ يبق أحد يضاده فولى الضحاك بْن قَيْس الفهري دمشق، وَكَانَ صاغيًا إِلَيْهِ وَقَدْ كاتبه فبعث إِلَيْهِ بعهده وكتاب إِلَى من قبله يدعوهم إِلَى طاعته، وبعث إِلَى النعمان بعهده عَلَى حمص، وَكَانَ النعمان مائلا إِلَيْهِ، وولى ناتل بْن قَيْس بْن زَيْد الجذامي فلسطين وَكَانَ لناتل فِيهِ هوى، ويقال: بل كان عنده بمكة فقال

_ [1] الخضم: الأكل، أو بأقصى الأضراس، أو ملء الفم بالمأكول، القاموس.

لَهُ: ألا تكفيني قومك فخرج ناتل حَتَّى أتى فلسطين، وَكَانَ وإليها ووالي الأردن من قبل يَزِيد بْن مُعَاوِيَة حسان بْن مَالِك بْن بحدل، فبقيتا فِي يده وفيهما عماله فأرسل إِلَيْهِ ناتل: إِمَّا تخرج من بلاد قومي وإما أَن أدخل عليك فأقاتلك فعرف ابْن بحدل أَنَّهُ لا قوة لَهُ بِهِ وبقومه من جذام، فخرج ابْن بحدل إِلَى الأردن فنزل طبرية وبويع لابن الزُّبَيْر بفلسطين، وضبط لَهُ الضحاك بْن قَيْس دمشق، وأخذ لَهُ بيعة أهلها وفرق عماله فِيهَا، وأخذ لَهُ النعمان بْن بشير الأَنْصَارِي بيعة أهل حمص فاستقامت لابن الزُّبَيْر الشام كلها إلا الأردن وَهَذَا الثبت. ويقال: إِن بَعْض أهل الأردن قَدْ كَانُوا مائلين إِلَى ناتل، ومنحرفين عَنْ حسان بْن مَالِك بْن بحدل وكانت الزبيرية بالشام تقول: ابْن الزُّبَيْر أولى أهل زمانه بالأمر لأنه ابْن حَوَارِيِّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطالب بدم الخليفة المظلوم عُثْمَان، ورجل لَهُ شجاعة وسن وفضل، وولى ابْن الزُّبَيْر مصر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتبة بْن جحدم الفهري فضبطها لَهُ، وأظهر حسان بْن مَالِك بْن بحدل الدعاء لخالد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة وعزم عَلَيْهِ فسار فِي كلب حَتَّى نزل الجابية [1] فاجتمع إِلَيْهِ بها الحصين بن نمير السّكوني ومالك بن هبيرة السكوني، وروح بْن زنباع الجذامي وزمل بن عمرو العذري وعبد الله بن مسعدة الفزاري، وعبد اللَّه بْن عضاه الأشعري، وأبو كبشة حيويل بْن يسار السكسكي، وصار إِلَيْهِ مَرْوَان بْن الحكم وَهُوَ لا يفكر فِي الخلافة وخالد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، وعمرو الأشدق بْن سَعِيد بْن العاص وغيرهم من الأمويين ودعا قوما من أهل البلقاء وأذرعات فأجابوه، فقال له ابن عضاه الأشعري:

_ [1] على مقربة من بلدة نوى بحوران سورية.

أراك تريد هَذَا الأمر لخالد بْن يَزِيد، وَهُوَ حدث السن فَقَالَ: إنه معدن الْمَلِك ومقر السياسة والرئاسة، فأتى ابْن عضاه خالدًا في جماعة من نظرائه من الوجوه فوجده نائمًا متصبحًا، فَقَالَ: يا قوم أتجعل نحورنا أغراضًا للأسنة والسهوم بِهَذَا الغلام وَهُوَ نائم فِي هذه الساعة، وإنما صاحب هَذَا الأمر المجد المشمر الحازم المتيقظ، ثُمَّ أتى مَرْوَان بْن الحكم فألفاه فِي فسطاط لَهُ وإذا درعه إِلَى جانبه والرمح مركون بفنائه وفرسه مربوط إلى جانب فسطاطه، والمصحف بَيْنَ يديه وَهُوَ يقرأ الْقُرْآن، فَقَالَ ابْن عضاة يا قوم هَذَا صاحبنا الَّذِي يصلح لَهُ الأمر وَهُوَ ابْن عم عُثْمَان أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وشيخ قريش وسنها، فرجعوا إِلَى حسان بْن مَالِك فأخبروه بخبر خَالِد ومروان، وأعلموه أنهم مجمعون عَلَى مَرْوَان لأنه كبير قريش وشيخها، فَقَالَ ابْن بحدل: رأيي لرأيكم تبع، إِنَّمَا كرهت أَن تعدل الخلافة إِلَى ابْن الزُّبَيْر، وتخرج من أهل هَذَا البيت، ثم قام حسّان لأنه كبير قريش وشيخها، فَقَالَ ابْن بحدل: رأيي لرأيكم تبع، إِنَّمَا كرهت أَن تعدل الخلافة إِلَى ابْن الزُّبَيْر، وتخرج من أهل هَذَا الْبَيْت، ثُمَّ قام حسان خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر مَرْوَان فَقَالَ: هُوَ كبير قريش وسنها، وابن عم الخليفة المظلوم والطالب بدمه قبل النَّاس أجمعين فبايعوه رحمكم اللَّه فَهُوَ أولى بميراث عُثْمَان وأحق بالأمر من الملحد ابْن الزُّبَيْر الَّذِي خلع الخلافة وجاهر اللَّه بالمعصية، فسارعوا إِلَى بيعته وماسحوه ودعوا لَهُ والتفت إِلَيْهِ بنو أمية فَقَالُوا: الحمد لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يخرجها منا. وَقَالَ مَرْوَان أحييت ليلة كلها فلما طلع الفجر صليت الغداة ونمت فجاء عُمَر حِينَ أصبحت، فَقَالَ: مَا بال مَرْوَان لَمْ يحضر الصلاة؟ فقيل لَهُ: أحيى ليلته ونام حِينَ صلى الغداة، فَقَالَ: لأن أصليهما فِي جَمَاعَة يَعْنِي العشاء والغداة أحب إِلَى من أَن أحيي مَا يميتهما.

وَقَالَ مَرْوَان حِينَ ولي: لَقَدْ رأيتني عِنْدَ عُمَر فِي فتية من قريش كلهم يقرب دوني فَمَا زال إيثاري الحق حَتَّى كَانَ يبعثني فِي مهم أمره، ولو لَمْ يبق من أجلي إلا ظمء حمار ثُمَّ أخير بَيْنَ أمرين من الدنيا والآخرة لاخترت الآخرة. وَكَانَ بَيْنَ مَرْوَان وعمرو بْن العاص منازعة فقال عمرو: يابن الزرقاء، فَقَالَ مَرْوَان: إِن كانت زرقاء فَقَدْ أنجبت وأدت الشبه إذ لَمْ تؤده النابغة. الْمَدَائِنِي، قَالَ: قَالَ مَرْوَان. لحبيش بْن دلجة: إني لأظنك أحمق فَقَالَ حبيش: أحمق مَا يَكُون الشيخ إِذَا أعمل ظنه. الْمَدَائِنِي عَنْ مسلمة، قَالَ: كَانَ لمروان بأرضه بذي خشب غلام يقال لَهُ جريج، فَقَالَ لَهُ يوما: يا جريج أدرك شَيْء من غلاتنا؟ قَالَ: يوشك أَن يدرك، وكأنك بِهَا، فركب مَرْوَان إِلَى أرضه فتلقته أحمال، فَقَالَ: من أين هذه؟ قَالُوا: من ضيعتك بذي خشب، فأتى الأرض فقال: يا جريج أني أظنك خائنا؟ قَالَ: وأنا والله أظنك أيها الأمير عاجزًا اشتريتني وأنا فِي مدرعة صوف، ثم أنا اليوم موسر قد اتخذت الخدم وابتنيت المنازل والله إنى لأخونك، وإنك لتخون أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، وإن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ليخون اللَّه فلعن اللَّه شر الثلاثة. الْمَدَائِنِي، قَالَ: قيل لمروان وَهُوَ بمكة إِن عمرا الكناني يبيت في دارك فبعث مروان ابن جحش الكناني وأمره أَن يحمل كُل من يجد فِي الدار، فسار من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة عَلَى ناقة لَهُ يقال لَهَا الزلوج، وَكَانَ يقال إِن فِي ظهرها زيادة فقارتين، فورد ليلا فحمل كُل من وجد فِي الدار من عيال مَرْوَان إِلَى مَكَّة ودخل الدار وَهُوَ يَقُول:

يأيها الخالفة اللجوج ... أخرج فَقَدْ حان لَك الخروج أنا ابْن جحش وَهِيَ الزلوج ... كأن فاها قتب معروج وأتى أعرابي مَرْوَان فَقَالَ: أفرض لي، فَقَالَ: قَدْ طوينا الدفتر وفرغنا قَالَ الأعرابي أما إني الَّذِي أقول: إِذَا مدح الكريم يَزِيد خيرًا ... وإن مدح اللئيم فلا يَزِيد وَقَدْ كَانَ مدح مَرْوَان ثُمَّ هجاه فقال: أنت هو لا بدّ لَك من فرض ففرض لَهُ. الْمَدَائِنِي قَالَ: قَالَ الجارود بْن أَبِي سبرة: دخلت عَلَى مَرْوَان فَإِذَا رجل أحمر أزرق كَأَنَّهُ من رجال خراسان لو أشاء أَن أدخل يدي فِي علابي عنقه لفعلت، وَكَانَ ضرب يَوْم الدار عَلَى قفاه وَلَهُ يَقُول عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم: والله مَا أدري وإني لسائل ... حليلة مضروب القفا كَيْفَ يصنع لحى اللَّه قوما أمروا خيط باطل ... عَلَى النَّاس يعطي من يشاء ويمنع وَكَانَ عَلَى شرطة مَرْوَان يَحْيَى بْن قَيْس الغساني. الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي مخنف، وعوانة، ومسلمة بْن محارب: أَن مَرْوَان قاتل أهل المرج [1] فظفر بِهِمْ وقتل الضحاك، ثُمَّ قدم دمشق فبايعه النَّاس بيعة جديدة فَقَالَ بَعْض الأنصار أَوْ غيرهم: اللَّه أعطاك الَّتِي لا فوقها ... وَقَدْ أراد الملحدون عوقها عنك ويأبى الله إلا سوقها ... إليك حتى قلّدوك طوقها [2]

_ [1] مرج راهط على مقربة من بلدة جوبر خارج دمشق إلى الشرق منها. [2] ليسا في ديوان كثير عزة المطبوع.

ويقال: ان هَذَا الشعر قيل فِي عَبْد الْمَلِك قاله كثير بْن عَبْد الرَّحْمَنِ. قَالُوا: ودخل زِيَاد الأعجم عَلَى مَرْوَان بالمدينة فَقَالَ لَهُ يا أبا أمامة أنشدني فَقَالَ لَهُ: بألف دِينَار فأنشده: رأيتك أمس خير بَنِي لؤي ... وأنت اليوم خير منك أمس وأنت غدا تزيد الضعف خيرا ... كذاك تكون سادة عبد شمس [1] فأعطاه ألفي دينار، ويقال: إنه قَالَ هَذَا فِي غَيْر مَرْوَان. قَالُوا: وَكَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد بْن أَبِي سُفْيَان لما أَخْرَجَهُ أهل البصرة بَعْد موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَة قدم دمشق فبلغه خبر ابْن بحدل ونزوله الجابية، وَكَانَ الضحاك بْن قَيْس الفهري بدمشق، قَدْ بايعه النَّاس لابن الزُّبَيْر وتابعوه عَلَى أمره، فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد قَدْ بويع صاحبك واستقامت لَهُ النواحي وأنت هاهنا قَدْ حصرت نفسك بدمشق فاخرج فعسكر ناحية يأتك النَّاس من كُل أوب فإنك كبير قريش والمنظور إِلَيْهِ منها، فخرج الضحاك إِلَى مرج راهط فعسكر فَمَا هُوَ الا أَن خرج حَتَّى دخلها عَمْرو بْن سعيد الأشدق فأعلقها عَلَى نَفْسه وَذَلِكَ أَنَّهُ كانت بلغت عمرا حركة الضحاك، وكتب إِلَيْهِ بِهَا ابْن زِيَاد فدنا من دمشق فاستعد لدخولها وأتى ابْن زِيَاد مَرْوَان وَهُوَ بالجابية فَقَالَ: إني قَدْ أخرجت الضحاك إِلَى الصحراء وأدخلتها عَمْرو بْن سَعِيد. وَقَالَ عوانة بْن الحكم: لما مَاتَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، وأخرج عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد من البصرة، قدم دمشق وعليها الضحاك بْن قَيْس بْن خَالِد الفهري عاملًا لعبد اللَّه بْن الزُّبَيْر، وَقَدْ ثار زفر بْن الحارث الكلابي بقنّسرين

_ [1] شعر زياد الأعجم- ط. دمشق 1983 ص 131.

يبايع لابن الزُّبَيْر والنعمان بْن بشير بحمص عَلَى طاعته، وَكَانَ حسان بْن مَالِك بْن بحدل عاملًا ليزيد بْن مُعَاوِيَة عَلَى فلسطين، وكان بفلسطين ناتل بْن قَيْس وَهُوَ ممالئ لابن الزُّبَيْر وَكَانَ سيد أهل فلسطين فاستخلف حسان روح بْن زنباع الجذامي عَلَى فلسطين وأتى الأردن فوثب ناتل عَلَى روح بْن زنباع فأخرجه عَنْ فلسطين، واستولى عَلَيْهَا وبايع لابن الزُّبَيْر لهواه فِيهِ، وَقَدْ كَانَ ابْن الزُّبَيْر أمر بنفي بَنِي أمية عَنِ الْمَدِينَة فسيرهم عامله عَلَى الْمَدِينَة إِلَى الشام وفيهم مَرْوَان، وَكَانَ النَّاس فريقين حساني وزبيري فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم أَخُو مَرْوَان: وَمَا النَّاس إلا بحدلي عَنِ الهوى ... وإلا زبيري عصى فتزبرا فقام حسان بالأردن فَقَالَ: يا أهل الأردن مَا تَقُولُونَ فِي عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر وقتلى أهل الحرة قَالُوا: عَبْد اللَّهِ منافق وقتلى أهل الحرة فِي النار، قَالَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي يَزِيد بْن مُعَاوِيَة ومن قتل بالحرة من أهل الشام؟ قَالُوا يَزِيد فِي الْجَنَّةِ وقتلانا فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: لئن كَانَ يَزِيد يَوْمَئِذٍ عَلَى حق إِن شيعته عَلَى حق، ولئن كَانَ ابْن الزُّبَيْر يَوْمَئِذٍ عَلَى باطل إنه اليوم لعلى باطل، قَالُوا: صدقت نبايعك عَلَى قتال من خالفك وأطاع ابْن الزُّبَيْر عَلَى أَن تجنبنا هذين الغلامين: خَالِد بْن يَزِيد، وأخيه عَبْد اللَّهِ فإنهما حَدِيثه أسنانهما، ونحن نكره أَن يَأْتِي النَّاس بشيخ ونأتيهم بصبي. وَكَانَ الضحاك بدمشق يبايع النَّاس لابن الزُّبَيْر سرًا خوفًا من بَنِي أمية وكلب، فكتب إِلَيْهِ ابْن بحدل كتابًا يشتم فِيهِ ابْن الزُّبَيْر، ويعظم لَهُ حق بَنِي أمية ويذكره إحسانهم إِلَيْهِ واصطناعهم لَهُ وبرهم بِهِ، وأنفذ الكتاب إِلَيْهِ مَعَ رجل يقال لَهُ ناعصة من ولد تغلب بْن وبرة إخوة كلب. ودفع إِلَيْهِ

نسخته وَقَالَ: إِن لَمْ يظهر الضحاك هَذَا الكتاب وكتمه فاقرأه أَنْتَ عَلَى النَّاس، فأوصل الكتاب إِلَيْهِ فقرأه وَلَمْ يظهره فقرأ ناعصة نسخته فقام الْوَلِيد بْن عتبة بْن أَبِي سُفْيَان فَقَالَ: صدق حسان وكذب ابْن الزُّبَيْر وشتمه، وقام يَزِيد بْن أَبِي النمس، واسم أَبِي النمس الأسود بْن المعد بْن شراحيل الغساني، فصدق مقالة حسان وكتابه وشتم ابْن الزُّبَيْر، وقام سُفْيَان بْن الأبرد الكلبي فَقَالَ مثل ذَلِكَ، ثُمَّ قام أَبُو رجاء عُمَر بْن زَيْد الحكمي فشتم حسان بْن مَالِك وكذبه وأثنى عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، واضطرب النَّاس بنعالهم، ثُمَّ أمر الضحاك بالوليد بْن عتبة ويزيد بْن أَبِي النمس وَسُفْيَان فحبسوا، وجال بَعْض النَّاس فِي بَعْض، ووثبت كلب عَلَى عُمَر بْن زَيْد الحكمي، وقام خَالِد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة عَلَى مرقاتين من المنبر فتكلم وسكن النَّاس، وجاءت كلب فأخرجت سفيان من الحبس، وجاءت غسان أخرجت ابْن أَبِي النمس، فَقَالَ الْوَلِيد بْن عتبة: لو كنت من كلب أَوْ غسان أخرجت فجاء خَالِد بْن يَزِيد، وعبد اللَّه بْن يَزِيد ومعهما أخوالهما من كلب فاخرجوا الْوَلِيد، فكان أهل الشام يسمون هَذَا اليوم يَوْم جيرون [1] ، وجيرون موضع بدمشق عِنْدَ الْمَسْجِد. قَالَ: وخرج الضحاك بن قيس إلى مسجد دمشق فجلس فِيهِ فوقع فِي يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، فقام إِلَيْهِ شاب من كلب بعصًا فضربه بِهَا والناس جلوس فِي الحلق وعليهم سيوفهم، فقام بَعْضهم إِلَى بَعْض فاقتتلوا، وقيس تدعو إِلَى ابْن الزُّبَيْر ونصرة الضحاك، وكلب تدعو إِلَى بَنِي أمية وإلى خَالِد بْن يزيد

_ [1] كان باب جيرون الباب الرئيسي لمسجد دمشق، وما زال قائما يعرف الآن باسم باب النوفرة.

وتتعصب ليزيد بْن مُعَاوِيَة، قَالَ: ودخل الضحاك دار الإمارة وَلَمْ يخرج لصلاة الفجر وبعث إِلَى بَنِي أمية فاعتذر إليهم، وَقَالَ: لَمْ يقم منكم قائم، وكتب إِلَى هَذَا الرجل فولاني وذكر حسن بلائهم عنده، وأنه لا يريد شَيْئًا يكرهونه، وَقَالَ: اكتبوا ونكتب إِلَى حسان حَتَّى يوافي الجابية ونوافيه فنبايع لرجل منكم، فرضيت بنو أمية بِذَلِكَ، فكتب الضحاك إِلَى حسان وكتبوا، وخرج النَّاس وبنو أمية للميعاد، فجاء ثور بْن معن بْن يَزِيد السلمي، ويقال معن بْن يَزِيد بْن الأخنس نَفْسه، إِلَى الضحاك فَقَالَ لَهُ: عجبا لَك دعوتنا إِلَى طاعة رجل فبايعناك، ثُمَّ أَنْتَ الآن تسير إِلَى هَذَا الأعرابي من كلب ليستخلف ابْن أخته خَالِد بْن يَزِيد وَهُوَ صبي غمر قَالَ الضحاك: فَمَا الرأي؟ قَالَ: أَن تظهر مَا كُنَّا نستره من بيعة ابْن الزُّبَيْر، ونقاتل عَلَى طاعته فعرج الضحاك بمن مَعَهُ وعطفهم وأقبل حَتَّى نزل مرج راهط، وأظهر بيعة ابْن الزُّبَيْر وخلع بَنِي أمية. وصار بنو أمية إِلَى الجابية، ووافى حسان فصلى بِهِمْ أربعين ليلة والناس يتشاورون، وكتب الضحاك إِلَى النعمان بْن بشير وَهُوَ بحمص والي زفر بْن الْحَارِث وَهُوَ عَلَى قنسرين، والي ناتل وَهُوَ بفلسطين فأمدوه فصار إِلَيْهِ خلق من الخلق بمرج راهط، وكانت الأهواء بالجابية مختلفة: حصين بْن نمير يهوى أَن يولى مَرْوَان، وَمَالِك بْن هبيرة يهوي أَن يولى خَالِد بْن يَزِيد، فَقَالَ مَالِك بْن هبيرة للحصين: هلم نبايع خَالِد بْن يَزِيد فَقَدْ عرفت منزلتنا كانت من أَبِيهِ، فقال الحصين: لا والله لا يأتينا النَّاس بشيخ ونأتيهم بصبي، فَقَالَ: مَا لَك ويحك إِن مَرْوَان وآل مَرْوَان يحسدونك عَلَى سوطك وشراك نعلك، وظل شجرة تستظل بِهَا، ومروان أَبُو عشرة وَأَخُو عشرة، وعم

عشرة وإن بايعتموه كنتم عبيدًا لَهُمْ، ولكن عليكم بابن أختكم خَالِد فَقَالَ: مَرْوَان شيخ قريش، والطالب بدم الخليفة المظلوم، وَهُوَ يدبرنا ويسوسنا ولا يحتاج إِلَى أَن ندبره ونسوسه، وغيره يحتاج إِلَى أَن يدبر ويساس! وذكر بَعْضهم عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ روح بْن زنباع: إنكم تذكرون عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر وفضله وَهُوَ كَمَا ذكرتم إلا أَنَّهُ ضعيف وليس صاحب أمة مُحَمَّد بالضعيف، وتذكرون ابْن الزُّبَيْر، وَهُوَ والله ابْن حواري رَسُول اللَّهِ وابن أسماء بنت أَبِي بَكْر الصديق ذَات النطاقين، وَهُوَ بَعْد كَمَا ذكرتم فِي قدمه ولكنه منافق خلع خليفتين: يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، ومعاوية بْن يَزِيد، وسفك الدماء، وشق العصا، وَأَمَّا مَرْوَان فَمَا كَانَ فِي الإِسْلام صدع إلا كَانَ مِمَّن شعبه وَهُوَ الَّذِي قاتل عَنْ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عُثْمَان يَوْم الدار، وقاتل عَلِي بْن أَبِي طَالِب يَوْم الجمل، ورمى طَلْحَة فاستقاد منه لعثمان، أفنبايع الصغير وندع الكبير؟! فتم رأيهم عَلَى البيعة لمروان وأجمعوا عَلَيْهَا، ثُمَّ لخالد من بعده، ثم لعمرو بن سعيد الأشدق من بَعْد خَالِد، فبويع مَرْوَان، فلم يقع البيعة لغيره، وسار مَرْوَان حَتَّى نزل مرج راهط فصار بإزاء الضحاك وحاربه ودعا النَّاس فاجتمع إِلَيْهِ خلق. وَحَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد والقاسم بن سلام قالا: حدثنا محمد بن يَزِيد الواسطي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أيمن بْن خريم بْن فاتك الأسدي قَالَ: دعاني مَرْوَان إِلَى الْقِتَالِ مَعَهُ فَقَالَ: أَلا تَخْرُجُ فَتُقَاتِلُ معنا؟ قُلْت: لا لأن أَبِي وَعَمِّي شَهِدَا بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد عهدا إلي أَن لا أُقَاتِلَ إِنْسَانًا يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وأن محمدا رَسُول اللَّهِ، فَإِن أتيتني ببراءة من النار قاتلت معك، فَقَالَ: انطلق لا حاجة لنا بك فقلت:

ولست مقاتلا رجلا يصلي ... عَلَى سلطان آخر من قريش لَهُ سلطانه وعلي إثمي ... معاذ اللَّه من سفه وطيش أأقتل مسلما فِي غَيْر ذنب ... فليس بنَافِعي مَا عشت عيشي وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عَنْ جده قَالَ: سلم عَلَى حسان بْن مَالِك بْن بحدل أربعين ليلة بالخلافة، ثُمَّ سلمها إِلَى مَرْوَان وَقَالَ: فإلا يكن منا الخليفة نَفْسه ... فَمَا نالها إلا ونحن شهود وَقَالَ بَعْض الكلبيين: نزلنا لكم عَنْ منبر الْمَلِك بَعْد مَا ... ظللتم وَمَا إِن تستطيعون منبرا

خبر يوم مرج راهط

خبر يَوْم مرج راهط قَالَ عوانة بْن الحكم وغيره: جعل مَرْوَان عَلَى ميمنته عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق، وعلى ميسرته عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد، وجعل الضحاك بْن قَيْس عَلَى ميمنته زِيَاد بْن عَمْرو بْن مُعَاوِيَة العقيلي، وعلى ميسرته زحر بْن أَبِي شمر الهلالي من أهل حمص، وثار يَزِيد بْن أَبِي النمس بدمشق، فغلب عَلَيْهَا وأخرج عامل الضحاك منها، وغلب عَلَى الخزائن وبيوت الأَمْوَال، وبايع بِهَا لمروان، وأمده بالأموال والرجال والسلاح، وأقبل عباد بْن زِيَاد من حوارين فِي ألفين من مواليه وغيرهم، وَكَانَ الضحاك فِي ستين ألفًا، فقاتل مَرْوَان الضحاك بالمرج عشرين ليلة، ثُمَّ هزم أهل المرج وقتلوا، وقتل من قَيْس من لَمْ يقتل مثلهم قط وقتل الضحاك، وقتل مَعَهُ من الأشراف ثمانون كلهم كَانَ يأخذ القطيفة، كَانَ لكل رجل مِنْهُمْ فِي العطاء ألفان وقطيفة يعطونها مَعَ عطائهم وقتل من أهل الشام مقتلة عظيمة، وقتل ثور بْن معن السلمي، وجاء رجل من كلب برأس الضحاك فلما رآه مَرْوَان قَالَ: الآن حِينَ كبرت سني، ودق عظمي، وصرت فِي مثل ظمء الحمار، أقبلت أضرب الكتائب بالكتائب؟!

قَالَ الهيثم: وَلَمْ يحضر عَبْد الْمَلِك يَوْم المرج تورعًا. وَقَالَ ابْن مقبل: يا جدع آنف قيس بعد همّام ... بعد المذنّب عَنْ أحسابها الحامي [1] يَعْنِي همام بْن قَبِيصَة وَكَانَ مِمَّن قتل يَوْم المرج. وَقَالَ الفرزدق: ولولا بنو حسان أسياف عزكم ... لعاد نصاب الْمَلِك فِي آل هاشم ولكن أبى مَرْوَان أَن يقبل الَّتِي ... يسب أَبُو العاصي بِهَا فِي المواسم [2] ويقال: إنه قَالَ هَذَا حِينَ بايع مَرْوَان لابنيه عَبْد الْمَلِك وعبد الْعَزِيز بالعهد. قَالَ الكلبي: مر رجل يَوْم المرج فقال: وما ضرّهم غير حين النفو ... س أي رئيسي قريش غلب ويقال: إِن مَرْوَان رأى رجلا يعرفه صريعًا فتمثل بِهَذَا الْبَيْت، ويقال: إِن ابنه عَبْد الْعَزِيز قَالَ لَهُ: يا أبه اللَّه اللَّه أَن يسمع هَذَا منك أحد، فَقَالَ: صدقت يا بَنِي استرها عَلَى أبيك. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: أتي مَرْوَان برأس زِيَاد بْن عَمْرو العقيلي، وثور بْن معن السلمي، فتمثل بِهَذَا الْبَيْت، وَهُوَ لأيمن بْن خريم الأسدي. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن يَزِيد البصري عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الحميد عَنْ عوانة قَالَ: وفد الوازع بْن ذؤالة الكلبي عَلَى الْحَجَّاج بْن يُوسُف، وكانت عينه أصيبت يَوْم المرج، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاج: مَا الشجاعة؟ قال: غرائز

_ [1] ليس في ديوان ابن مقبل المطبوع. [2] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.

يجعلها اللَّه فِي النَّاس، فَقَدْ تجد الرجل شجاعا لا رأى لَهُ، فتلك الشجاعة الضارة لصاحبها لأنها تقدم بِهِ فِي غَيْر حال الإقدام، وتحجم بِهِ فِي غَيْر وقت الإحجام فيهلك ويهلك، وَقَدْ تكون الشجاعة نَافِعة لصاحبها إِذَا أقدمت بِهِ حِينَ الإقدام، وأحجمت بِهِ فِي حِينَ الإحجام، والله أصلح اللَّه الأمير لَقَدْ رأيتني يَوْم مرج راهط وإن همام بْن قَبِيصَة النميري لواقف وَقَدِ انفض عَنْهُ أَصْحَابه، وَإِنَّهُ من شجاعته لواقف لا يدري مَا يصنع، لو فر لكان الفرار يمكنه، ولكن حمي أنفًا فحمل عَلِي وحملت عَلَيْهِ فبادرته بضربة عَلَى عاتقه فأرديته عَنْ دابته، ثُمَّ نزلت إِلَيْهِ لأحتز رأسه فتفل فِي وجهي ثم قال: ألا يا بن ذَات النوف أجهز عَلَى امرئ ... يرى الْمَوْت خيرًا من فرار وأكرما ولا تتركني بالحشاشة إنني ... أكر إِذَا مَا النَّاس مثلك أحجما فأخذت رأسه وأتيت بِهِ مَرْوَان، وقلت: هَذَا رأس همام بْن قَبِيصَة، قَالَ: أأنت قتلته؟ قُلْتُ: نعم، قَالَ: فهل أعانك عَلَيْهِ أحد؟ قُلْتُ: نعم اللَّه وانقضاء مدته، فَقَالَ: هُوَ والله كَمَا قَالَ الشاعر: وفارس هيجا لا يقام لبأسه ... لَهُ صولة يزورّ عَنْهَا الفوارس وشدة ليث ترهب الأسد وقعها ... وتذعر منها العاويات العساعس جريء عَلَى الإقدام لَيْسَ بناكل ... ولا يزدهيه الأحوشي المغامس قَالُوا: وَقَالَ مَرْوَان فِي حربه يَوْم المرج: لما رَأَيْت الأمر أمرًا صعبًا ... يسرت غسان لَهُمْ وكلبا ويروى: لما رَأَيْت النَّاس مالوا جنبا ... والسكسكيين الرجال الغلبا والقين تمشي فِي الحديد نكبا ... وطيئًا يأبون إلا ضربا

ومن تنوخ مشمخرًا صعبًا ... لا يأخذون الْمَلِك إلا غصبًا فَإِن دنت قَيْس فقل لا قربا وَقَالَ أَبُو مخنف: جاء عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي، وهو ابن أم الحكم أخت معاوية إِلَى مَرْوَان، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: يا مَرْوَان اجمع إليك موالي بَنِي أمية فأنا أسلحهم لَك أجمعين، وَقَالَ عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد: وأنا أبذل لَك من المال والقوة عَلَى عدوّك ما شئت، واجتمع رؤوس أهل الشام ينظرون من يولّون، فقالوا: ما لكم فِي تولية الأحداث خير، وَهَذَا مَرْوَان شيخ قريش، وسيد بَنِي أمية، وَهُوَ ذو رأى وحيلة وتجربة للحرب، فقاموا إِلَى مَرْوَان فبايعوه، ثُمَّ بعثوا إِلَى أهل الأردن فجلبوهم وأقبلوا بِهِمْ يسيرون إِلَى الضحاك، وأصحر الضحاك حَتَّى عسكر بمرج راهط، واستمد عمال ابْن الزُّبَيْر فأمدوه من الأجناد، فبعث مَرْوَان عَلَى ميمنته الحصين بْن نمير السكوني، وعلى ميسرته عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أم الحكم، وعلى الْخَيْل حسان بْن مَالِك بْن بحدل، وَمَالِك بْن هبيرة بْن خَالِد السكوني، وعلى الرجالة عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد، ثُمَّ زحف بِهِمْ فاقتتلوا أيامًا، ثُمَّ قتل الضحاك بْن قَيْس. وَقَالَ الكلبي والشرقي بْن القطامي: كَانَ الَّذِي قتل الضحاك زحنة بْن عَبْد اللَّهِ الكلبي، من بَنِي تيم اللَّه بْن رُفَيْدَةَ بْن ثَوْرِ بْن كَلْبِ بْن وبرة، وأخذ رأسه عليم بْن رقيم التميمي، فَقَالَ الشاعر، وَهُوَ رويفع البلوي: ويوم لدى الضحاك حِينَ تألبت ... عَلَيْنَا العدى من كُل شرق ومغرب حشاه ابْن تيم اللات زحنة ثعلبا ... طريرًا كقبس القابس المتلهب

قَالُوا: وكانت بيعة مَرْوَان بالجابية يَوْم الأربعاء لثلاث ليال خلون من ذي القعدة سنة أربع وستين، ويقال: فِي رجب سنة أربع وستين، وكانت وقعة مرج راهط ومقتل الضحاك بْن قَيْس الفهري فِي سنة أربع وستين. وَقَالَ ثمامة بْن قَيْس بْن حصن أحد بَنِي العبيد من كلب: أشهدكم أني لمروان سامع ... مطيع وللضحاك عاص مخالف قَالُوا: ولما برز مَرْوَان إِلَى المرج جعل النَّاس يقولون: أبا أنيس، أعجزًا بَعْد كيس؟ فَقَالَ: نعم قَدْ يَكُون العجز بَعْد الكيس. قَالُوا: وكانت مَعَ بشر بْن مَرْوَان يَوْم المرج رأيه يقاتل بِهَا وَهُوَ يَقُول: إِن عَلَى كُل رئيسٍ حقًا ... أَن يَخْضِبَ الصعدة أَوْ تندقًا ورأى مَرْوَان رجلًا من محارب يقاتل فِي قلة فَقَالَ لَهُ: لو انضممت إِلَى النَّاس فإنك منفرد فِي قلة، فَقَالَ: إِن معنا مددًا من السماء، فسر مَرْوَان وضحك وأمر قومًا كَانُوا حوله أَن ينضموا إِلَيْهِ، وَقَالَ سهم بْن حنظلة: نصر الإله بَنِي أمية إنه ... من يعطه سيب الخلافة ينصر الوارثين محمدًا سلطانه ... وجواز خاتمه وعود المنبر لما لقوا الضحاك ضل ضلاله ... فِي يَوْم موت للجبان محير حطوا سيوفهم بحبل نخاعه ... وفلقن هامته وراء المغفر ألق السلاح أبا خبيب إنه ... عار عليك وخذ وشاحي معصر لو أدركت زفرَ الضلالة خيلُنا ... لتركنه لخوامع ولأنسر وَقَالَ ضبثم الكلبي. وقفت مَعَ عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان ومعي راية قومي فَقَالَ: أقدم بِهَا يا ضبثم ... فالموت قدما أكرم

فَإِذَا رجل يفري الفري، فأقبل حَتَّى فرق جمعنا عَنْ عَبْد الْعَزِيز ثُمَّ طعنه فأرداه ثُمَّ نجله برمحه وَقَالَ خذها يدا مشكورة أَوْ مكفورة، ثُمَّ انصرف فسألت عَنْهُ فقيل: هَذَا خَالِد بْن الحصين الكلابي، وقتل خَالِد يَوْم المرج قتله بشر بْن مَرْوَان وعمرو بْن سَعِيد. وهرب زفر بْن الْحَارِث الكلابي إِلَى قرقيسيا وبها عياض فمنعه من دخولها، فَقَالَ لَهُ زفر بْن الْحَارِث: أوثق لَك بالطلاق والعتاق إِذَا أنا دخلت الحمام بِهَا أَن أخرج منها، فأذن لَهُ فدخلها فلم يدخل الحمام وأقام بِهَا، وأخرج عياضًا عَنْهَا وتحصن بِهَا وثابت إِلَيْهِ قَيْس، وَهَذَا قَوْل من زعم أَن زفر لَمْ يحضر وقعة المرج. وهرب ناتل بْن قَيْس الجذامي من فلسطين، فلحق بعبد اللَّه بْن الزُّبَيْر بالحجاز. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لما رأى قوم ناتل قوة أمر مَرْوَان قَالُوا: إنه لا طاقة لنا بمروان، فالحق بابن الزُّبَيْر لتأمن، ونأمن فشخص إِلَى ابْن الزُّبَيْر. قَالَ الهيثم عَنْ عوانة: قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن صفوان الجمحي لأبي الْعَبَّاس الأعمى: أَخْبَرَنِي عَنْ مَرْوَان، ويوم المرج؟ فَقَالَ: لَمْ أسمع بمثله. وَإِنَّهُ لكما قَالَ حصين بْن الحمام المري [1] : ترى الْمَوْت لا ينحاش عَنْهُ تكرمًا ... وصبرًا وإن كَانَ القيام عَلَى الجمر حفاظًا عَلَى مَا أورثتنا جدودنا ... وصبرًا وَمَا فِي النَّاس خير من الصبر بِذَلِكَ أوصانا ابْن عوف فلم نزل ... عَلَى ملك نمضي لا نضجّ من الدهر

_ [1] شاعر جاهلي مقل، يعد من أوفياء العرب. الشعر والشعراء ص 410. الأغاني ج 14 ص 1- 16.

فَقَالَ: مَا أبصرك بأبي عَبْد الْمَلِك وإن قدر اللَّه لابن الزُّبَيْر شَيْئًا فَهُوَ كائن، وإن أكبر ظني أَنَّهُ وبنيه سيملكون لأن عُثْمَان ضم عَبْد الْمَلِك إِلَى صدره وَقَالَ: رأيتني وَقَدْ أَخَذْتُ بُرْنُسِي فَوَضَعْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَدْ وَلَدَهُ أَبُو العاص مرتين. قَالُوا: وقاتل عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان، وأمه فاختة بنت قرظة بْن عَبْد عَمْرو بْن نوفل بْن عَبْد مناف، مَعَ الضحاك يَوْم المرج، وَكَانَ يحمق، فأخذ أسيرًا وأتي بِهِ عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق فَقَالَ لَهُ عَمْرو: يا أبا سُلَيْمَان نحن نقاتل لنشدد ملككم، وأنت تقاتل لتضعفه؟ فَقَالَ لَهُ: اسكت يا لطيم الشَّيْطَان. ومن رواية أَبِي مخنف أيضًا: أَنَّهُ لما قدم عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد من البصرة فنزل الشام وجد بَنِي أمية بتدمر قَدْ نفاهم ابْن الزُّبَيْر من مَكَّة والمدينة والحجاز كله، وألفى الضحاك بْن قَيْس أميرًا عَلَى الشام من قبل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، ووافى مَرْوَان وَهُوَ يريد الركوب إِلَى ابْن الزُّبَيْر ليبايعه بالخلافة، ويأخذ منه الأمان لبني أمية فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد: أنشدك اللَّه أَن تفعل أتنطلق وأنت شيخ قريش إِلَى أَبِي خبيب فتبايعه وَهُوَ منافق مضطرب الرأي، ولكن ادع أهل تدمر فبايعهم وسر بِهِمْ وبمن معك من بَنِي أمية ومواليهم وأتباعهم إِلَى الضحاك حَتَّى تخرجه من الشام، فَقَالَ عَمْرو بْن سَعِيد: صدق والله عُبَيْد اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ عَمْرو: أَنْتَ سيد قريش وفرعها وأنت أحق النَّاس بِهَذَا الأمر، وإنما ينظر النَّاس إِلَى هَذَا الغلام يَعْنِي خَالِد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فتزوج أمه فيكون فِي حجرك، قَالَ: ففعل مَرْوَان ذَلِكَ، ووعدها أَن يولي ابنها عهده، فتزوج أم خَالِد، وَهِيَ فاختة بنت أَبِي هاشم بْن عتبة بْن ربيعة ولقبها حبة،

وجمع بَنِي أمية فبايعوه بالإمرة عَلَيْهِم، وبايعه مواليهم وأتباعهم، وبايعه أهل تدمر، ثُمَّ سار فِي جمع عظيم إِلَى الضحاك، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بدمشق، فلما بلغه خروج مَرْوَان إِلَيْهِ خرج بمن مَعَهُ من أهل دمشق وغيرهم، وفيهم زفر بن الحارث، فاقتتلوا بمرج راهط أشد قتال، فقتل الضحاك وعامة أَصْحَابه، وانهزم بقيّتهم وتفرقوا، ولحق زفر بقرقيسيا فاجتمعت إِلَيْهِ قَيْس ورأسوه عَلَيْهِم فذلك حِينَ يَقُول زفر بْن الْحَارِث. أريني سلاحي لا أبا لَك إنني ... أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا أتاني عَنْ مَرْوَان بالغيب أَنَّهُ ... مقيد دمي أَوْ قاطع من لسانيا ففي العيس لي منجى وَفِي الأَرْض مهرب ... إِذَا نحن رفعنا لهن المثانيا فلا تحبسوني إن تغيّبت غافلا ... ولا تفرحوا إن جئتكم بلقائيا فَقَدْ ينبت المرعى عَلَى دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كَمَا هيا أتذهب كلب لم تنلها رماحنا ... ونترك قتلى راهط وهي ماهيا وَكَانَ مَعَهُ رجلان من سليم فلما حاص يَوْم المرج تركهما ونجا فلذلك يَقُول: فلم تر مني نبوة قبل هذه ... فراري وتركي صاحبي ورائيا فأجابه جواس بْن القعطل، واسم القعطل ثابت، وَهُوَ أحد بَنِي حصن بْن ضمضم بْن جناب الكلبي فَقَالَ: لعمري لَقَدْ أبقت وقيعة راهط ... عَلَى زفر داء من الداء باقيا يبكي عَلَى قتلى سليم وعامر ... وذبيان معذورًا ويبكي البواكيا دعا بسلاح ثُمَّ أحجم إذ رأى ... سِيُوف جناب والطوال المذاكيا عَلَيْهَا كأسد الغاب فتيان نجدة ... إِذَا أشرعوا يَوْم الطعان العواليا

قَالَ الكلبي: وَكَانَ هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك فِي أيامه عزل حنظلة بْن صفوان الكلبي عَنْ إفريقية، ولاها عُبَيْدَة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي، فأضر بمن هناك من كلب وتعصب عَلَيْهِم، فَقَالَ أَبُو الخطار الحسام بْن ضرار: أقادت بنو مَرْوَان قيسًا دماءنا ... وَفِي اللَّه إِن لَمْ تعدلوا حكم عدل كأنكم لَمْ تشهدوا مرج راهط ... وَلَمْ تعلموا من كَانَ ثُمَّ لَهُ الفضل وقيناكم ورد القنا بنحورنا ... وليس لكم خيل سوانا ولا رجل قَالَ الكلبي: وكاد مَرْوَان يقتل يَوْم المرج فاستنقذه محرز بْن حزيب بْن مَسْعُود أحد بَنِي هزيم بْن عدي بْن جناب الكلبي، هُوَ والحراق بْن حصين بْن غرار أحد بَنِي نوفل بْن عدي بْن جناب، فرأى جواس بْن القعطل من عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان جفوة لَهُ وتقديمًا للحراق فَقَالَ لَهُ: ألا بئس امرئ من ضرب حصن ... أضاع قرابتي وحبا الحراقا يقال فِي بَنِي فُلان ضرب نساء من فُلان، وأم عَبْد الْعَزِيز كلبية من بَنِي حصن. ومحترم عَلَى رأى أصيل ... إِذَا مَا شد حازمه النطاقا أَبى لي أَن أقر الضيم قوم ... هُمْ راخوا لمروان الخناقا وإني فاعلمن لذو انصراف ... إِذَا مَا صاحبي رام الفراقا فإلا تقبل الأمراء عذلي ... ونصحي الغيب لا أهب [1] الشقاقا قَالَ: وقتل همام بْن قَبِيصَة فرثته عميرة بنت عامر الجعونية فَقَالَتْ: لَقَدْ فجعتني الحادثات بسيد ... كريم نشاه من نمير [2] بن عامر

_ [1] بهامش الأصل: أهب من الهيبة. [2] بهامش الأصل: تميم.

أعز إِذَا ماشى الرجال علاهم ... بآباء صدق جدهم غَيْر عاثر هُمْ يردون الْمَوْت إذ طاب ورده ... ببيض خفاف فِي الأكف بواتر فَإِن كَانَ همام أتته منية ... فَمَا كَانَ وقافا غداة التغاور ولا حائدا عَنْ قرنه إذ تبادرت ... فوارس قيس بالرماح الشواجر لَقَدْ كر حَتَّى ناله الْمَوْت مقدما ... وحامى بمسنون الغرارين باتر فَإِن تك كلب أقصدته فربما ... رمى حي كلب بالدواهي الفواقر وغادرهم شتّى عزين فلولهم ... عَلَى كُل عد من مياه قراقر حَدَّثَنَا خلف بْن سالم المخزومي، حَدَّثَنَا وَهْب بْن جَرِير بْن حازم عَنْ أَبِيهِ عَنْ أشياخهم قَالُوا: لما مَاتَ مُعَاوِيَة بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة وَلَمْ يستخلف اجتمع أهل الأردن فبايعوا خَالِد بْن يَزِيد، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غلام شاب، وأمه أم هاشم بنت هاشم بْن عتبة، وبايع أهل العراق والحجاز ابْن الزُّبَيْر، وأخرج أهل البصرة عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد فالحقوه بالشام، وذاك حيث أَخْرَجَهُ مَسْعُود بْن عَمْرو فيمن أَخْرَجَهُ من الأزد حَتَّى أبلغوه الشام، فقدم ابْن زِيَاد الأردن عَلَى بَنِي أمية وَقَدْ بايعوا خالدا فَقَالَ: إنكم قَدْ أخطأتم الرأي فِي بيعة خَالِد، وَقَدْ بايع النَّاس ابْن الزُّبَيْر وَهُوَ ابْن حَوَارِيِّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجل لَهُ سن وصلاح فِي دينه وفضل وتبايعون أنتم غلاما حَدِيث السن ليست لَهُ حنكة وتريدون أَن تقارعوا بِهِ ابْن الزُّبَيْر؟ قَالُوا: فَمَا ترى؟ قَالَ: أرى أَن تبايعوا مَرْوَان بْن الحكم فإنّ لَهُ سنا وفقها وفضلًا، وتشترطون عَلَيْهِ أَن يبايع خَالِد بْن يَزِيد من بعده ففعلوا، وبعث ابْن الزُّبَيْر الضحاك بْن قَيْس الفهري فغلب عَلَى دمشق وناحية الشام والجزيرة، فحاربه مَرْوَان بمرج راهط فقتله.

حَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار قَالَ: ذكروا أَن مَرْوَان قَالَ عجبت للضحاك يقاتلني، وإنما قتل أباه تيس حبلقي [1] ، فأدركوه وَمَا بِهِ حيص ولا بيص فقتل هَذَا عَبْد الرَّحْمَنِ ابنه فنال سوءة. وَقَالَ مَرْوَان لابن زِيَاد: إياك والفرار يا بن زياد فقال ابن زياد: سيعلم مروان ابن فسوة أنني ... إِذَا التقت الْخَيْلان غَيْر حيود فَقَالَ مَرْوَان: وأي أمهاتي فسوة إنه لشديد العضيهة [2] ، رمتني بدائها وانسلت، وأقبل رجل يريد مروان، فقال: يا بن زِيَاد الرجل فشد عَلَيْهِ ابْن زِيَاد فقتله. وَقَالَ حبيب بْن كرز: كانت معي رأيه مَرْوَان يَوْم المرج فدفع بنعل سَيْفه فِي ظهري، وَقَالَ: ادن بِهَا لا أبا لَك فَإِن هَؤُلاءِ لو قَدْ وجدوا ألم الجراح انفرجوا. الْمَدَائِنِي عَنْ مسلمة بْن محارب عَنْ أَبِيهِ: أَن مَرْوَان غزا أهل مصر فامتنعوا منه، وتحصنوا فقاتلهم حَتَّى ظهر عَلَيْهِم، ثُمَّ رجع إِلَى الأردن فخطب أم خَالِد فدعت ابنها فذكرت لَهُ ذَلِكَ فنهاها، وَقَالَ: والله مَا لَهُ فيك حاجة وَمَا يريد إلا فضيحتي والتقصير بي وإسقاط منزلتي فِي النَّاس، فأبت إلا أَن تزوجه فلما كانت ليلة البناء وأدخلت عَلَيْهِ جلست مَعَهُ عَلَى فراشه، فأقبل ينظر إِلَى سقف الْبَيْت ويحدث نَفْسه وَلَمْ يكلمها حَتَّى أصبح، فخرج إِلَى الصلاة وأرسلت إِلَى صاحب شرطه ألا ترى إِلَى مَا صنع بي صاحبك من الاستخفاف، وَقَدْ عصيت النَّاس فِيهِ فدخل عَلَى مَرْوَان فذكر له ذلك،

_ [1] الحبلق: غنم صغار لا تكبر، أو قصار المعز ودمامها. القاموس. [2] العضيهة: الكذب، والسحر، والافك، والبهتان. القاموس.

فَقَالَ: صدقت قَدْ فعلت، إني كنت وأنا شاب مقبلا عَلَى أمر آخرتي، ولا أوثر عَلَيْهَا شَيْئًا، فلما كبرت سني واقترب أجلي آثرت دنياي عَلَى آخرتي، فليس يعرض لي أمران أحدهما للدنيا إلا آثرته، فأتيت بِهَا وأنا فِي ذَلِكَ فشغلني عَنْهَا، ثُمَّ إِن مروان استخلف بابنها خَالِد وأقصاه فدخل عَلَيْهِ يومًا فكلمه فِي شَيْء فأغلظ لَهُ وتجهمه، فرد عَلَيْهِ خَالِد، فَقَالَ لَهُ مَرْوَان: أراك تجيبني يا بن الرطبة. فَقَالَ لَهُ: أمين مختبر، وخرج الفتى إِلَى أمه فأخبرها فَقَالَتْ: أفعل؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فزعم بَعْض النَّاس أَنَّهَا سقته شربة لبن مسموم فقتلته، وزعم بعضهم أنّها ألقت عَلَى وجهه مرفقة حِينَ أخذ مضجعه بَعْد العشاء الآخرة، ووثبت عَلَيْهِ وَهِيَ وجواريها فغممته حَتَّى أتين عَلَى نَفْسه ثُمَّ صرخن وَقَالَتْ: مَاتَ فجاءة، وَكَانَ بَيْنَ بيعته وموته سنة وبايع لابنه عَبْد الْمَلِك، ولعبد الْعَزِيز من بعده، ونقض بيعة خَالِد، ولما ولي عَبْد الْمَلِك ولى أخاه عَبْد الْعَزِيز مصر، فلم يزل عَبْد الْعَزِيز عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ بِهَا. الْمَدَائِنِي عَنْ خليد بْن عجلان، قَالَ: كَانَ من بَنِي طابخة كلب سبعة إخوة جاء كُل واحد مِنْهُم برأس يضعه فَيَقُولُ: أنا ابْن زرارة، فَقَالَ مَرْوَان: إِن زرارة كَانَ مخبثًا مكثرًا فقيل لَهُ: أمسك عَنْ هَذَا وإلا لَمْ يقاتل معك أحد. قَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي بَعْض روايته: كَانَ ابْن زِيَاد قَالَ لمروان حِينَ بويع: إني ذاهب إِلَى الضحاك بْن قَيْس فمبايعه لابن الزُّبَيْر ومخبره إني قَدْ كرهتكم، فقدم ابْن زِيَاد عَلَى الضحاك فبايعه فسر بِذَلِكَ، وجعل ابْن زِيَاد يدب فِي النَّاس فيفسدهم ويدعوهم إِلَى مَرْوَان، وَكَانَ ابْن زِيَاد أعطى مَرْوَان مالا

عظيما فأنفقه على جيشه، ولم يزل ابن زياد حَتَّى لطفت الحال بينه وبين الضحاك ووثق بِهِ، فَقَالَ لَهُ: والله العجب لرأيك فِي بيعتك ابْن الزُّبَيْر وأنت أولى بِهَذَا الأمر منه، أَنْتَ شيخ قريش اليوم وسيدها فادع النَّاس إِلَى بيعتك، فلم يزل بِهِ حَتَّى خلع ابْن الزُّبَيْر، ودعا إِلَى نَفْسه فاختلف عَلَيْهِ جنده، ثُمَّ عاد إِلَى أمره فكتب ابْن زِيَاد إِلَى مَرْوَان: إني قَدْ صدعت عَلَى الرجل أمره وأفسدته، فأقبل مَرْوَان حَتَّى نزل مرج راهط، فأراد الضحاك أَن يغلق أبواب مدينة دمشق ويتحصن فِيهَا، فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد: ألا تستحي مِمَّا تريد أَن تصنع والناس كلهم معك، أخرج إِلَيْهِ فقاتله، وأنا معك فأخرجه، فلما التقوا انصرف ابْن زِيَاد إِلَى مَرْوَان بمن كَانَ تابعه فقتل الضحاك وقتلت قَيْس مَعَهُ يَوْمَئِذٍ قتلا ذريعا، وكانت قَيْس زبيرية إلا قليلًا مِنْهُم كَانُوا مَعَ مَرْوَان، فذلك حيث يَقُول القائل: إِن تك قتلى راهط قَدْ تنوسيت ... فسقيا لأصداء هناك وهام ودخل مَرْوَان دمشق فبايعه أهلها، واستوسقت لَهُ الشام والجزيرة وبايعه أهلهما. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ عوانة قَالَ: قتل الوازع بْن ذؤالة الكلبي همام بْن قَبِيصَة، فَقَالَ وعتب عَلَى بَعْض الأمراء: أتنسى الَّذِي أسديته يَوْم راهط ... وَقَدْ ضاق عَنْك المرج والمرج واسع وأقبل حادي الْمَوْت يحدو مشمرا ... بفرسان حرب لَمْ ترعها الروائع عَلَيْهَا قروم من قضاعة سادة ... لَهُمْ شيم محمودة ودسائع إِذَا لقحت حرب مرتها سيوفهم ... وأيد طوال لَمْ تخنها الأشاجع

يرون ورود الْمَوْت حقا عَلَيْهِم ... إِذَا حاد عَنْ ورد المنايا المخادع فكم من كريم قد تركنا ملحّبا ... وآخر قَدْ سدت عَلَيْهِ المطالع قَالَ: ورثت هماما عميرة الجعونية فَقَالَتْ: لعمري لَقَدْ قرت عيون كثيرة ... بمصرع همام وَمَا كَانَ مدبرا لَقَدْ صادفت منه المنايا مجربا ... صبورًا عَلَى دفع الصوارم قسورا أبيت فلم تلحق بعرضك سبة ... وغامرت فِي ورد من الْمَوْت أحمرا

مقتل النعمان بن بشير ابن سعد بن ثعلبة من بني الحارث بن الخزرج

مقتل النعمان بْن بشير ابْن سَعْد بْن ثعلبة من بَنِي الْحَارِث بْن الخزرج قَالُوا: لما بلغ النعمان بْن بشير الأنصاري رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ الهزيمة يَوْم مرج راهط، ومقتل الضحاك بْن قَيْس الفهري، وَهُوَ عَلَى حمص من قبل ابْن الزُّبَيْر خرج ليلا هاربًا منها يريد الْمَدِينَة، ومعه امرأته نائلة بنت عُمَارَةَ الكلبي، ومعه ثقله وولده فتحير ليلته كلها، وأصبح أهل حمص فطلبوه وَكَانَ الَّذِي جد فِي طلبه رجل من الكلاعيين يقال لَهُ عمرة بْن الخلي قَدْ كَانَ النعمان حده فِي الخمر ومعه غوغاء أهل حمص، فلحقه فقتله، فأقبل برأسه وبنائلة امرأته وولدها فألقى الرأس فِي حجر أم أبان بنت النعمان بْن بشير، وَهِيَ الَّتِي كانت عِنْدَ الْحَجَّاج بْن يُوسُف بَعْد فَقَالَتْ نائلة امْرَأَة النعمان: ألقوا الرأس إلي فإني أحق بِهِ فألقي الرأس فِي حجرها، ثُمَّ أقبلوا بِهِمْ إِلَى حمص فجاء من بحمص من كلب فأخذوا نائلة وولدها وبعثوا بثقله إِلَى الْمَدِينَة، ويقال: أنهم بعثوا بولده وامرأته نائلة إِلَى الْمَدِينَة. وَكَانَ النعمان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أول مولود فِي الإِسْلام من الأنصار بالمدينة.

وَقَالَ الضحاك بْن فيروز بْن الديلمي من أبناء اليمن: أصحوت أم سلبت فؤادك دوسر ... أم أَنْتَ عَنْ أبيات دوسر أزور زعموا بأن أخا التفضل والندى ... قتلته غدرا إذ تعاوت حمير غدروا بنعمان بْن سَعْد غدرة ... ولرأس حمير مثلها أَوْ أَكْثَر فِي أبيات. وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم: إِن يمكن الله من خاء ومن حكم ... ومن جذام نقتّل صاحب الحرم نفري جماجم أقوام عَلَى حنق ... فريا ينكل عنا سائر الأمم وَقَالَ عَمْرو بْن مخلى الكلبي: رددنا لمروان الخلافة بعد ما ... جرى للزبيريين كُل بريد وَقَالَ أيضًا: أصابت رماح الْقَوْم بشرًا وثابتا ... وثورا وكل للعشيرة فاجع وأدرك همامًا بأبيض صارم ... فتى من بَنِي عَمْرو صبور مدافع فأجابه زفر: فخرت ابْن مخلاة الحمار بمشهد ... علاك بِهِ بالمرج من قَدْ تدافع علاك بِهِ قوم كأنك بينهم ... إِذَا الحرب شبت ثعلب متضالع وَقَالَ ابْن طرامة الكلبي: وبادية الجواعر من نمير ... تنادي وَهِيَ حاسرة النقاب قتلنا منكم ألفين صبرًا ... وألفا بالتلاع وبالروابي

فتح مروان مصر

فتح مروان مصر قالوا: وخرج مروان بعد ما اجتمع لَهُ أمر النَّاس بالشام إِلَى مصر وَذَلِكَ فِي جمادى سنة خمس وستين، واستخلف ابنه عَبْد الْمَلِك عَلَى دمشق، وَكَانَ والي مصر من قبل ابْن الزُّبَيْر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتبة بْن أَبِي إياس بْن الْحَارِث بْن عَبْد أسد بْن جحدم بْن عَمْرو بْن عابس بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر، فوجه ابْن جحدم إِلَى مَرْوَان ثلاثة آلاف فارس عَلَيْهِم السائب بْن هِشَام بْن عَمْرو بْن ربيعة العامري، وَكَانَ مَرْوَان لما مر بفلسطين أشار عَلَيْهِ روح بْن زنباع بأخذ ابنين لَهُ كانا هناك، ويقال: إنهما كانا برفح فكانا رهينة عنده، وَقَالَ قوم: إِن الغلامين كانا ابني ابْن جحدم، فلما لقي السائب مَرْوَان بجمعه دُونَ الفسطاط أمر أَن يوقف الغلامان بَيْنَ الْخَيْلين ويقال لَهُ: يَقُول لَك أمِير الْمُؤْمِنيِنَ: قَدْ ترى هذين الغلامين، والذي نفسي بيده لتصرفن خيلك إِلَى الفسطاط أَوْ لأضربن أعناقهما ولأرمين إليك برءوسهما فانصرف السائب راجعا إِلَى الفسطاط، فغضب ابْن جحدم فَقَالَ كريب بْن أبرهة الحميري: إنه لَمْ يبتل بمثل مَا ابتلي بِهِ السائب أحد إلا فعل مثل فعله

فرضي، ووجه مَرْوَان عَمْرو بْن سَعِيد بْن العاص الأشدق إِلَى ابْن جحدم فِي أربعة آلاف، فأخرج إليه ابن جحدم خيلا فاقتلوا فهزم المصريون وصالح ابْن جحدم مَرْوَان عَلَى أَن يخلي مصر ويلحق بمأمنه، فلحق بابن الزُّبَيْر وصارت مصر فِي يد مَرْوَان، وَكَانَ الَّذِي سفر بَيْنَ ابْن جحدم وعمرو بْن سَعِيد كريب بْن أبرهة بْن الصباح الحميري. وَقَالَ الكلبي: قتل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتبة بْن أَبِي إياس بْن جحدم. قَالَ جَرِير: هلا سألت بِهِمْ مصر الَّتِي نكثت ... وراهطا يَوْم يحمي الرأيه البهم [1] ودخل مَرْوَان الفسطاط حَتَّى فتحت مصر، وولى عقبة بْن نَافِع الفهري حربها وصلاتها وجباياتها، فلم يزل وإليها حَتَّى مَاتَ مَرْوَان، فولاها عَبْد الْمَلِك أخاه عَبْد الْعَزِيز، وَكَانَ مَرْوَان أوصاه بتوليته إياها عِنْدَ مصير الأمر إِلَيْهِ فيما يقال، وولى مَرْوَان عَبْد الْمَلِك فلسطين حِينَ صار إِلَى دمشق. قَالُوا: ولما أقبل راجعًا يريد دمشق بلغه أن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر قَدْ بعث أخاه مصعبا نَحْو فلسطين حِينَ بلغه خبر ناتل وإقباله إِلَيْهِ هاربًا، فوجه إِلَيْهِ عَمْرو بْن سَعِيد فِي جيش لهام، فلقيه عَمْرو قبل أَن يدخل إِلَى الشام، فقاتله عَمْرو فهزم أَصْحَابه، فرجع ورجعوا إِلَى الحجاز ورجع عَمْرو بْن سَعِيد إِلَى مَرْوَان. الْمَدَائِنِي عَنْ مسلمة وغيره: أَن مَرْوَان ولى عَبْد الْمَلِك فلسطين، وجعل روح بْن زنباع خليفة لعبد الملك عليها، وشخص مروان يريد

_ [1] ديوان جرير ص 415.

دمشق، فلما كَانَ بالصنبرة [1] من عمل الأردن بلغه أَن مَالِك بْن هبيرة السكوني يَقُول: شرط لي مَرْوَان بالمرج أَن يجعل لي ولقومي كورة البلقاء، وَكَانَ عَمْرو يَقُول: الأمر لي بَعْد مَرْوَان، وَذَلِكَ أَن مَرْوَان كَانَ يعده ذَلِكَ ليستنزل بِهِ طاعته ونصيحته، وَكَانَ خَالِد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة يَقُول: الأمر لي بَعْد مَرْوَان، فَقَالَ مَرْوَان لحسان بْن مَالِك بْن بحدل: إِن قومًا يزعمون أني اشترطت لَهُمْ شروطًا ووعدتهم عدات مِنْهُم: عطارة مكحلة مخضبة، يَعْنِي مَالِك بْن هبيرة، فَقَالَ مَالِك: هَذَا وَلَمْ تفتح تهامة وَلَمْ يبلغ الحزام الطبيين [2] ، فَقَالَ مَرْوَان: يا أبا سُلَيْمَان إِنَّمَا داعبناك، وَمِنْهُم عَمْرو بْن سَعِيد يزعم أني جعلت لَهُ الخلافة ويطمع نَفْسه فِيهَا، وَمِنْهُم خَالِد بْن يَزِيد، وَقَالَ: إني أريد البيعة لعبد الْمَلِك ولعبد الْعَزِيز من بعده بالعهد فقال حسّان: أنا أكفيك هَذَا الأمر، فلما اجتمع النَّاس عِنْدَ مَرْوَان قام ابْن بحدل فَقَالَ: إنه يبلغنا أَن رجالًا يتمنون أماني ويدعون أباطيل، فقوموا فبايعوا لعبد الْمَلِك ابْن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بالعهد، ولعبد الْعَزِيز من بعده، فقام النَّاس فبايعوا مسارعين من عِنْدَ آخرهم. وَكَانَ مَرْوَان قَالَ لحسان بْن مَالِك بْن بحدل: بلغني أنك تقول: إني اشترطت عَلَى مَرْوَان أَن يولي خَالِد بْن يَزِيد الخلافة بعده، فحداه ذَلِكَ عَلَى الجد فِي بيعة ابنيه ليكذب مَا أبلغ مروان عَنْهُ، ولقي عَمْرو بْن سَعِيد حسان بْن مَالِك فَقَالَ: مَا أسرع مَا خرت! فَقَالَ: اسكت يا لطيم الشَّيْطَان، ثُمَّ إِن مَرْوَان عقد لعبيد اللَّه بْن زِيَاد بدمشق ووجهه

_ [1] قرب بحيرة طبرية. [2] جاوز الحزام الطبيين: اشتد الأمر وتفاقم. القاموس.

إِلَى الجزيرة والعراق فقتل بالموصل، قتله إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، وسنذكر خبره فيما يستقبل إِن شاء اللَّه. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: خرج مَرْوَان إِلَى مصر فقتل حمام بْن أكدر اللخمي، وهلال بْن عَمْرو، وفتحها ثُمَّ انصرف، فلما كَانَ بالأردن بايع لعبد الْمَلِك وعبد الْعَزِيز، وخلع خَالِد بْن يَزِيد، وعمرو بْن سعيد [1] .

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض ولله الحمد.

خبر يوم الربذة

خبر يَوْم الربذة قَالُوا: ووجه مَرْوَان جيشا من فلسطين أَوْ غيرها مَعَ حبيش بْن دلجة القيني أحد بَنِي وائل بْن جشم إلى ابن الزبير، في ستّة آلاف وأربعمائة فيهم يُوسُف بْن الحكم الثقفي ومعه ابنه الْحَجَّاج بْن يُوسُف، وكانوا يتنزلون عَلَى النَّاس ولا يعطون أحدًا لشيء ثمنًا، فلما صاروا إِلَى وادي القرى هرب عامل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر منها فوضعوا عَلَى أهلها ضريبة أدوها إليهم، ونزلوا بذي المروة فلقي أهلها مِنْهُم عنتًا. وبلغ أهل المدينة خبر جيش حبيش بْن دلجة، فتغيب بشر من الصالحين، وقيل لسعيد بْن الْمُسَيِّب: لو تغيبت أَوْ أتيت البادية، فَقَالَ: فأين فضل الْجَمَاعَة، والله لا رآني اللَّه والناس أخوف عندي منه، وهرب عامل ابْن الزُّبَيْر وَهُوَ المنذر، ويقال: عُبَيْدَة بْن الزُّبَيْر، ويقال: جَابِر بْن الأسود بْن عوف، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر لما بلغته حركة هَذَا الجيش حِينَ أنفذ، كتب إِلَى الْحَارِث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة، والحارث هُوَ القباع، وَكَانَ عامله على البصرة، يأمره أَن يوجه إِلَيْهِ جيشًا كثيفًا، وكتب إِلَى ابْن مطيع وَهُوَ عامله

عَلَى الكوفة بمثل ذَلِكَ، فوجه الْحَارِث الحنتف بْن السجف التميمي، ثُمَّ أحد بَنِي العجيف بْن ربيعة بْن مَالِك بْن حنظلة فِي ثلاثة آلاف، ويقال فِي ألفين، ووجه ابْن مطيع مُحَمَّد بْن الأشعث بْن قَيْس فِي ألفين من أهل الكوفة، ووجه ابْن الزُّبَيْر من مَكَّة مسروقا النصري، وقدم حبيش بْن دلجة فعسكر بالجرف، وَكَانَ مَرْوَان أمره أَن لا يعرض لأهل الْمَدِينَة، وأن لا يَكُون صمده وقصده إلا لمن يوجهه ابْن الزُّبَيْر للمحاربة، فالتقى النصري وحبيش بالمنبجس [1] ، فاقتتلوا قتالا شديدًا، وَكَانَ أول الوقعة لابن الزُّبَيْر ثُمَّ صارت الدولة لحبيش وأهل الشام، فقتلوا من أَصْحَاب النصري خلقا، وهزموهم، فأمر ابْن دلجة بدفن من قتل من أَصْحَابه وبقي أَصْحَاب النصري بالعراء تأكلهم السباع والطير، وقدم مُحَمَّد بْن الأشعث بْن قَيْس، فلما بلغه خبر الوقعة تداخله وأَصْحَابه رعب وهيبة، فانكفأ منصرفا إِلَى الكوفة، وكتب ابْن الزُّبَيْر إِلَى ابْن مطيع بتولية مُحَمَّد بْن الأشعث الموصل إِذَا وافاه، وَقَدْ رُوِيَ: أَن محمدًا كَانَ بالموصل وإليها وأن القادم بالجيش والمنصرف عَنْ حبيش عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، والله أعلم. قَالُوا: ودخل حبيش الْمَدِينَة، فنزل دار مروان وخطب عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يا أهل الْمَدِينَة نفاقكم قديم بقول الله: لَئِنْ لَمْ ينتَهِ المُنفِقُون والذِينَ فِي قُلوبِهِم مَرَضٌ والمُرْجِفُونَ فِي المَدينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قليلًا [2] كَيْفَ رأيتم صنع اللَّه بكم، والله لا يتكلّم

_ [1] المنبجس: وادي العرج، أو أدناه، فيه عين. المغانم المطابة، والعرج هنا بين مكة والمدينة. معجم البلدان. [2] سورة الأحزاب- الآية: 60.

أحد منكم بكلمة إلا ضربته بسَيْفي هَذَا. قَالَ الهيثم بْن عدي: كَانَ حبيش بْن دلجة يأكل التمر عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحذف أهل الْمَدِينَة بالنوى، وَيَقُول إني لأعلم أَنَّهُ لَيْسَ بأكل تمر، ولكنّني أحببت أن أعلمكم هو انكم عَلِي، وقيل لَهُ: إِن بِهَا الأنصار وَلَهُمْ بك قرابة فَقَالَ: إنهم خذلوا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عثمان. وبلغ حبيشا قرب الحنتف بْن السجف، فأشير عَلَيْهِ أَن يتلقاه ولا يمهله حَتَّى يصير إِلَى الْمَدِينَة فيعينه أهلها ومن حولها، ويأتيه مدد عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، فجمع حبيش أَصْحَابه وقواهم بالسلاح والعدة، وسار ليلقي الحنتف فيحاربه دُونَ يثرب، فسار فِي أربعة آلاف من أَصْحَابه، وخلف بالمدينة سائر من مَعَهُ وولى أمرهم رجلا من أهل الشام يقال لَهُ ثعلبة، وخرج مَعَهُ من أهل الْمَدِينَة يَزِيد بْن يَزِيد أَخُو السائب بْن يَزِيد الَّذِي يعرف بابن أخت النمر، وَهُوَ كندي حليف فِي قريش، وذكوان مولى مَرْوَان، وكعب مولى سَعِيد بْن العاص، وعبيد اللَّه بْن إياس بْن أَبِي فاطمة فِي آخرين، فلما انتهى إِلَى الربذة وجد الحنتف قَدْ وردها قبله بيوم، فجعل حبيش يدعو إِلَى طاعة مَرْوَان، والحنتف يدعو إِلَى طاعة عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، ثُمَّ إنهما التقيا فِي وقت الظهر، وَكَانَ للحنتف ألف فارس قَدْ أكمنهم فِي غيابة من الأَرْض، أي هبطة، وعليهم رجل من قومه يقال لَهُ رباح، فاقتتل البصريون والشاميون ساعة والشاميون ظاهرون، ثُمَّ إِن كمين الحنتف خرج عَلَيْهِم، فلم يشعروا إلا وَهُمْ من ورائهم فانهزم أَصْحَاب حبيش فِي كُل وجه وقتل حبيش بْن دلجة عِنْدَ حوافر الْخَيْل وتقطع أَصْحَابه، ويقال: إِن أَصْحَاب حبيش كروا بَعْد الهزيمة، وثابوا فنادى رجل من أصحاب

الحنتف: هل من مبارز فبارزه رجل من الشاميين، فلم يلبث أَن قتله البصري وأخذ هميانا مَعَهُ وجرده فأغضب ذَلِكَ حبيشا فَقَالَ: هل من مبارز، فبارزه الرجل الَّذِي قتل الشامي وأخذ هميانه، فضرب حبيشا ضربة أثخنته، ثُمَّ ثنى بأخرى فقتله، وانهزم الشاميون فقتلوا قتلا ذريعا، وأسر منهم خمسمائة، ويقال أكثر، وهرب منهم ثلاثمائة فأتوا المدينة فاستخفوا بِهَا، ثُمَّ قدر عَلَيْهِم فخلطوا بالأسرى، وهرب يُوسُف بْن الحكم وَقَدْ أردف الْحَجَّاج ابنه خلفه، فلم يعرج دُونَ نخل، فكان الْحَجَّاج يَقُول: مَا أقبح الهزيمة، لَقَدْ كنت ورجل آخر- يَعْنِي أباه- فِي جيش حبيش بْن دلجة فانهزمنا فركضنا ثلاثين ميلا حَتَّى قام الفرس، وإنّه ليخيّل إلينا أَن رماح الْقَوْم فِي أكتافنا. قَالُوا: وَلَمْ يقتل رجل من أَصْحَاب ابْن دلجة إلا كَانَ أقل مَا وجد مَعَهُ مائة دِينَار. وَقَالَ توسعة من بَنِي تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة: ونجى يُوسُف الثقفي ركض ... دراك بَعْد مَا سقط اللواء ولو أدركنه لقضين نَحْبًا ... بِهِ ولكل مخطأة وقاء يريد لكل نفس مخطأة، وَكَانَ مَعَ يُوسُف لواء، ويقال: أراد أَنَّهُ حِينَ قتل حبيش سقط لواء الْقَوْم عِنْدَ الهزيمة. قَالُوا: وقدم الحنتف بْن السجف بالأسارى إِلَى الْمَدِينَة، فتطلع أهل الْمَدِينَة إِلَى قدومه وتلقوه واستبشروا بِهِ وجعل قوم يقولون: لَيْسَ هُوَ الحنتف إِنَّمَا هُوَ الحتف، وهرب ثعلبة حليفة حبيش، ويقال طرده أهل الْمَدِينَة، ويقال إِن قوما من أهل الْمَدِينَة وثبوا بِهِ فقتل والله أعلم، وبعث عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر أخاه مصعبًا لقتل الأسارى لا غَيْر، وقوم يقولون: ولاه الْمَدِينَة، فلما قدم

الْمَدِينَة قتل أولئك الأسارى، ثُمَّ انصرف إِلَى مكة، وكان جميع من قتل ثمانمائة أسير، وَكَانَ قتله إياهم بالحرة فِي مصارع ابْن الغسيل وأَصْحَابه، وجعل مُصْعَب لمن جاء بيوسف بْن الحكم وابنه أَوْ أحدهما جعلا فلم يقدر عليهما، وَكَانَ يَزِيد بْن يَزِيد أَخُو السائب بْن يَزِيد فِي الأسارى، فدعا بِهِ مُصْعَب أول الأسارى فَقَالَ: أي عدو اللَّه ألست الَّذِي صنعت بالحرة مَا صنعت، فلم ترض بِذَلِكَ حَتَّى عدت الثَّانِيَة مَعَ ابْن دلجة، ألدين طلبت ذَلِكَ أم لدنيا، إنك لصفر منهما، وأمر بِهِ فقتل فِي الموضع الَّذِي قتل فِيهِ مُسْلِم بْن عقبة أسراء الحرة، فكان السائب أخوه يَقُول: لَقَدْ مر بنا من صياح من صاح بنا من النِّسَاء والصبيان بالشماتة والفرح بمقتل يَزِيد مَا كَانَ أشد عَلَيْنَا من قتله، وقيل لسعيد بْن الْمُسَيِّب ألا تعزي السائب عَنْ أخيه؟ فَقَالَ: لا رحمه اللَّه، والله إني لأحسب السائب قَدْ سر بقتله، وأخذ فِي المعركة يَوْم الربذة ذكوان مولى مَرْوَان، وكعب مولى سَعِيد بْن العاص وابن أَبِي فاطمة، فَقَالَ مُصْعَب: السَيْف أروح لَهُمْ، فضربهم بالسياط ضربا شديدًا. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: جعلت المرأة من أهل الْمَدِينَة تأتي الحنتف فتقبل رأسه وتقول شفيت النفوس وثأرت لنا بقتلى أهل الحرة، وَكَانَ انصراف الحنتف إِلَى البصرة مَعَ مُصْعَب حِينَ ولاه إياها أخوه عَبْد اللَّهِ بَعْد. يّام الربذة، ويقال: إِن ابْن الزُّبَيْر أمره أَن ينفذ إِلَى الشام فيغير عَلَى أطرافه، فمات بوادي القرى وأهل الْمَدِينَة يقولون: أمر ابْن الزُّبَيْر حنتفا أَن يقيم بالمدينة ليعاضد عامله فلم يزل مقيما حَتَّى وجه عَبْد الْمَلِك طارقا مولى عُثْمَان إِلَى وادي القرى فلقيه

الحنتف بموضع يقال لَهُ شبكة الدوم فقتله طارق، وَقَالَ بَعْضهم: واقعه بوادي القرى والله أعلم. قَالُوا: وخطب المصعب بالمدينة فَقَالَ: يا أهل الْمَدِينَة احمدوا اللَّه عَلَى مَا أبلاكم وأولاكم من نفي عدوكم عَنْ ساحة بلادكم واتقوا اللَّه واسمعوا وأطيعوا فَقَدْ غضبنا لما انتهك من حرمتكم حَتَّى أقادكم اللَّه من عدوّكم، فأعينوا رحمكم الله ولاتكم، وليبلغ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ أصلحه اللَّه مَا يحب عنكم، وأقام بالمدينة خمسة أَيَّام ثُمَّ رجع إِلَى مَكَّة، وشخص مَعَهُ الحنتف ثُمَّ ولاه أخوه العراق، فشخص إِلَى البصرة، وولى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر الْمَدِينَة عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن أَبِي ثور حليف بَنِي عَبْد مناف، وَهُوَ الَّذِي خطب ذَات يَوْم فَقَالَ: اتقوا اللَّه وخافوه فَإِن عقابه شديد، وَقَدْ علمتم مَا صنع بالقوم الَّذِينَ عقروا ناقته، وإنما قيمتها خمسمائة درهم فسمي مقوم الناقة. وَقَالَ الهيثم بْن عدي وغيره: وجه مَرْوَان عُبَيْد اللَّهِ بْن الحكم أخاه مَعَ حبيش، وَقَالَ: إِن حدث بحبيش حدث فأنت عَلَى الجيش، فقتله الحنتف يَوْم الربذة فِي المعركة. حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ، وأبو خيثمة زهير بْن حرب قالا: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: بعث ابْن الزُّبَيْر جيشا فلقي ابْن دلجة بوادي القرى فهزمه ابْن دلجة، وقدم الحنتف بن السجف في ثمانمائة، وابن دلجة فِي أربعة آلاف، فاقتتلوا بالربذة فقتل حبيش وعامة أَصْحَابه، ولحق باقوهم بالشام. وَقَالَ أَبُو مخنف فِي بَعْض رواياته: انتهى ابْن دلجة إِلَى الْمَدِينَة، وعليها جَابِر بْن الأسود بْن عوف الزُّهْرِيُّ، فهرب جَابِر، ولما سمع ابْن دلجة بمسير

الحنتف إِلَيْهِ سار من الْمَدِينَة نحوه ووجه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر عَبَّاس بْن سهل بْن سَعْد الساعدي إِلَى الْمَدِينَة وأمره أَن يسير فِي طلب ابْن دلجة ويحاربه إِلَى قدوم الحنتف وأهل البصرة، فأسرع فِي إثره وَهُوَ متوجه نَحْو الربذة، لأنه أشير عَلَى ابْن دلجة بأن يتلقى الحنتف ولا يواقعه بالمدينة، فلحقه بالربذة وَقَدْ وافى الحنتف وأهل البصرة، وَكَانَ بَعْض أَصْحَاب ابْن دلجة قَالَ لَهُ: لا تعجل إِلَى قتال أهل البصرة، فَقَالَ: لا والله لا أنزل حَتَّى أشرب من مقندهم يَعْنِي سويقهم، فاقتتلوا فجاء ابْن دلجة سهم غرب فقتله، وقتل المنذر بْن قَيْس الجذامي، وتحرز من الشاميين فِي عمود الربذة نَحْو من خمسمائة، فحصرهم عَبَّاس بْن سهل والحنتف، فعرض عَلَيْهِم الحنتف أَن ينزلوا عَلَى حكمه فلم يفعلوا، فَقَالَ لَهُمْ عَبَّاس: انزلوا عَلَى حكمي، وكانوا لَهُ أرجى مِنْهُم للحنتف للأنصارية وأنه يماني الأصل، فنزلوا فضربت أعناقهم ورجع الفل إِلَى الشام. وَحَدَّثَنِي زهير بْن حرب، وخلف بْن سالم، وأحمد بن إبراهيم الدورقي قالوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أسماء قَالَ: سمعت المدنيين تحدثوا قَالُوا: لما رجع حصين بْن نمير واستوسقت البلاد كلها لابن الزُّبَيْر والشام أيضًا غَيْر طبرية مدينة الأردن، بلغ عَمْرو بْن سَعِيد أَن الضحاك بْن قَيْس وَهُوَ عامل ابْن الزُّبَيْر لَيْسَ بمناصح لَهُ، فَقَالَ لمروان: مَا يمنعك من طلب الخلافة وأنت شيخ قريش وكبيرها وسيدها، وأحق بهذا الأمر من غيرك فقال مروان: ليست لي بالضحاك طاقة، قَالَ: بلى إِن شئت نكحت أم خَالِد بْن يَزِيد فيصير موالى مُعَاوِيَة وأتباعهم معك، قَالَ: فدونك فأتاها عَمْرو بْن سَعِيد، فَقَالَ لَهَا: أما تريدين أَن يرجع ملك أهل بيتك؟

فَقَالَتْ: بلى، قَالَ: فَمَا الَّذِي يمنعك من شيخ قريش وسيدها فلم يزل بِهَا حَتَّى فعلت، فقوي أمر مَرْوَان، واشتد عَلَيْهِ الضحاك فِي البيعة لابن الزُّبَيْر فَقَالَ اخرج إِلَى المرج حتى أشترط عليك على رؤوس النَّاس أشياء ثُمَّ أبايعك، وَقَدْ كَانَ مَرْوَان أراد أَن يبايع لابن الزُّبَيْر قبل ذَلِكَ، فاتعدوا المرج عَلَى أَن يغدوا إِلَيْهِ فَقَالَ مَرْوَان لعمرو: اركب فرسك الفلاني- وَكَانَ ذَلِكَ الفرس خبيث الخلق لا يمشي إلا معترضا ويكدم كُل دابة تكون إِلَى جانبه- ثُمَّ سر بيني وبين الضحاك فإني سأتأذى بك وبفرسك فآمرك أَن ترجع فتركب غيره، فَإِذَا رجعت فأغلق أبواب الْمَدِينَة عليك، وخل بيني وبين العبد حَتَّى يحكم اللَّه ثُمَّ بيني وبينه، وخرج مَرْوَان وعمرو والضحاك فلما جاوز الْمَدِينَة جعل فرس عَمْرو يكدم ويعترض ولا يستقيم فَقَالَ لَهُ مَرْوَان: مَا هَذَا الشَّيْطَان تحتك؟ ارجع فاركب غيره، فرجع، وَكَانَ محببًا فِي أهل الشام، فأغلق عَلَيْهِ أبواب دمشق، ومضى مَرْوَان وصاحبه وجعل الضحاك يَقُول ساعة بَعْد ساعة: يا مَرْوَان أين عَمْرو؟ فَيَقُولُ: يلحقنا. حَتَّى نزل المرج، فَقَالَ: هلم حَتَّى يلتئم النَّاس، وينزلوا، فأمر الضحاك بمنبره فنصب وانخزل مَرْوَان فانضمت إِلَيْهِ كلب وسائر السفيانية وَقَدْ واطأهم، وبعث إِلَى الضحاك: مَالِك ولهذا الأمر لا أم لَك، وأنت رجل من محارب بْن فهر، وإنما هَذَا الأمر فِي بَنِي عَبْد مناف، وأنت وإن أظهرت الدعاء لابن الزُّبَيْر، فَإِنَّهُ رجل من بَنِي أسد بْن عَبْد العزى، فتزاحفوا بالمرج، ومع مَرْوَان أهل اليمن، ومع الضحاك قَيْس، فاقتتلوا فقتل الضحاك وهزمت قَيْس، وَفِي ذَلِكَ يَقُول زفر بْن الْحَارِث: لعمري لَقَدْ أبقت وقيعة راهط ... لدى المرج صدعا بيننا متباينا

ووجه مَرْوَان حبيش بْن دلجة فِي جيش إِلَى ابْن الزُّبَيْر، وبلغ ابْن الزُّبَيْر أَنَّهُ قَدْ يسر لَهُ جيش، فكتب إِلَى عامله عَلَى البصرة فِي توجيه جيش إِلَيْهِ، فوجه الحنتف التميمي، فقيل لحبيش: قاتله قبل دخوله الْمَدِينَة، فلقيه بالربذة فقتله الحنتف وقتل الشاميين. وَحَدَّثَنِي أَبُو خيثمة وَأَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ وهب بْن جَرِير عَنْ جويرية قَالَ: بلغني أَن زفر بْن الْحَارِث قَالَ ذَات يَوْم: أي المصائب أشد؟ فَقَالَ بَعْض الْقَوْم: المصيبة بالولد، وَقَالَ بَعْضهم: المصيبة بالوالد، وَقَالَ بَعْضهم: المصيبة بالأخ، فَقَالَ زفر: مَا مصيبة أشد من مصيبة فِي مال، لَقَدْ رأيتني عشية راهط وانهزمنا ومعي بنون لي أربعة، ولي مَعَ الأكبر مائتا دِينَار وعطفت عَلَيْنَا الْخَيْل، فَقُلْتُ للأكبر حِينَ غشيتنا الْخَيْل: ادفع النفقة التي معك إِلَى أخيك فُلان ورد عنا الْخَيْل، فدفع الدنانير إِلَى أخيه وقاتل حَتَّى أصيب، ثُمَّ لحقتنا الْخَيْل، فَقُلْتُ: يا فُلان ادفع النفقة إِلَى أخيك فُلان ورد عنا الْخَيْل، فَمَا زلت أقول هَذَا القول حَتَّى أصيب الثلاثة، ثُمَّ قُلْت للرابع: ادفع النفقة إِلَى فُلان مولانا ورد عنا الْخَيْل، ففعل وقاتل حَتَّى قتل، وقتل مولانا، فَمَا وجدت عَلَى أحد من ولدي كَمَا وجدت عَلَى مولاي فِي ذَلِكَ لمكان نفقتي. واجتمع أهل الشام لمروان فعاش ثمانية أشهر ثُمَّ هلك، فبلغني أَنَّهُ كَانَ بينه وبين خَالِد كَلام فقال له مروان: يا بن الرطبة فَقَالَ خَالِد: والله لئن كَانَ أؤتمن فَمَا أدى الأمانة ولا أَحْسَن، ودخل عَلَى أمه فَقَالَ لَهَا مَا صنعت بي، قَالَ لي مروان على رؤوس النَّاس كَذَا، فَقَالَتْ: أما والله لا تسمع منه

شَيْئًا تكرهه أبدًا فسقته شرابًا فيما يزعمون مسمومًا فلم يزل يضطرب حَتَّى مَاتَ. قَالَ جويرية: وبلغني أَن مَرْوَان قَدْ كَانَ بايع لعَبْد الْمَلِك ولعَبْد الْعَزِيز من بعده، واشترط عَلَى عَبْد الْمَلِك أَن مصر لعبد الْعَزِيز حياته لَيْسَ لعبد الْمَلِك أَن يعزله. وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار الدمشقي قَالَ: أقصى مَرْوَان خَالِد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة وجفاه فدخل عَلَيْهِ يومًا وَهُوَ يتمثل: وَمَا النَّاس بالناس الَّذِينَ عهدتهم ... وَمَا الدار بالدار الَّتِي كنت تعرف فشتمه مَرْوَان وَقَالَ: مَا الَّذِي تنكر وتعرف يا بن الرطبة؟ وأخبر أمه بِذَلِكَ. فقتلته غمًا. الْمَدَائِنِي عَنْ مسلمة بْن محارب، وعامر بْن حفص عَنْ عَبْد الحميد، أَن ناتل بْن قَيْس الجذامي كَانَ من شيعة ابْن الزُّبَيْر فلما مَاتَ الحنتف بوادي القرى، أَوْ قتل، وَقَدْ وجهه ابْن الزُّبَيْر إِلَيْهَا وأمره أَن يصير منها إِلَى نواحي الشام، ويقال: بَل أمره أَن يَكُون مسلحة بِهَا، بعث ناتلًا لما بعث الحنتف لَهُ فدخل الشام فلقيه عَبْد الْمَلِك بأجنادين [1] فحاربه فقتل ناتلًا، وَكَانَ مَعَ ناتل قوم من الرماة وكانت سهامهم تكاد تصل إِلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان، ثُمَّ إِن عَبْد الْمَلِك مضى إِلَى بطنان حبيب [2] وهو يريد الجزيرة والعراق، فلم ينفذ

_ [1] بهامش الأصل: «ويقال بكسر الدال» . وتقع أجنادين في أراضي خربتي «جنابة» الفوقا «وجنابة» التحتا في ظاهر قرية عجور الشرقي في منطقة الخليل. معجم البلدان فلسطين لمحمد شراب. [2] على مقربة من حلب، وتوجه عبد الملك إلى بطنان حبيب بعد نيله الخلافة وعزمه على قصد مصعب بن الزبير بالعراق، وهكذا يبدو أن أصل الرواية مبتور.

فِي مرته ورجع إِلَى دمشق لمحاربة عَمْرو بْن سَعِيد حِينَ أغلقها عَلَى نَفْسه، فَقَالَ الشاعر وَهُوَ من كلب: قتلنا بأجنادين يا قوم ناتلا ... قصاصا بِمَا لاقى حبيش بَنِي القين وَقَالَ أيضًا: بشر بَنِي القين وخص وائلا ... أنا أبأنا بحبيش ناتلا غداة نقريه القنا الذوابلا ... حَتَّى أذقناه حمامًا عاجلا ويقال: إِن مَرْوَان لما مَاتَ أمر ابْن الزُّبَيْر ناتلا أَن يَأْتِي فلسطين فيغلب عَلَيْهَا وَقَدْ خرج منها، فغلب ناتل عَلَى فلسطين، وبلغ ذَلِكَ عَبْد الْمَلِك فسار كُل امرئ إِلَى صاحبه فالتقوا بأجنادين ومع عَبْد الْمَلِك عَمْرو الأشدق، فقتل ناتل وصار عَبْد الْمَلِك إِلَى بطنان حبيب ومضى فانسل عَمْرو من عسكره، وصار إِلَى دمشق فأغلق أبوابها، فرجع عَبْد الْمَلِك إِلَيْهِ فقتله. وَقَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي: كانت ولاية مَرْوَان بْن الحكم سنة وشهرين، وَقَالَ غيره: سنة إلا شهرين، وَقَالَ بعضهم: سنة، وقال الكلبي: كان سبب وفاته أَنَّهُ تزوج أم هاشم بنت (أَبِي) هاشم بْن عتبة بْن ربيعة، واسمها فاختة ولقبها لقصرها حبة، وغدر بابنها خَالِد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فيما وعده من ولاية العهد ودخل عَلَيْهِ خَالِد عَلَى مرحلة من دمشق، فَقَالَ لَهُ: مَا أدخلك عَلِي في هذا الوقت يا بن الرطبة؟ فَقَالَ خَالِد: أمين مختبر أبعدها اللَّه وأسحقها، وأتى أمه فأخبرها بِمَا قَالَ لَهُ مَرْوَان، فَقَالَتْ لَهُ: لَنْ تسمع منه مثلها أبدًا، ودخل مَرْوَان عَلَى أم خَالِد فتركته حَتَّى نام ثُمَّ عمدت إِلَى مرفقه محشوة ريشا فجعلتها عَلَى وجهه وجلست وجواريها عَلَيْهَا

حَتَّى مَاتَ غما، ثُمَّ صرخت وجواريها وولولن وقلن مَاتَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فجاءة. وَقَالَ عوانة: كَانَ اللبن يعجبه فجاءته بلبن مسموم فَقَالَ: ائتوني بِهِ إِذَا أفطرت، فلما أفطر أتوه بِهِ فشربه فاعتقل لسانه فصرخت وجواريها وأقبل يشير إِلَى من اجتمع إِلَيْهِ من ولده وغيرهم إنها قتلتني، وجعلت تقول: أما ترونه يوصيكم بي ويشير إليكم بحفظي. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّهِ بْن عياش الهمداني وغيره قَالُوا: مَاتَ مَرْوَان فِي سنة خمس وستين فِي شَهْر رمضان وَلَهُ ثَلاث وستون سنة، وصلى عَلَيْهِ ابنه عَبْد الْمَلِك. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: صلى عَلَيْهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أم الحكم، وَكَانَ خليفته بدمشق. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قبض النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومروان ابْن ثماني سنين، وَمَاتَ بدمشق سنة خمس وستين، وَهُوَ ابْن ثَلاث وستين سنة، ودفن بمقبرة الباب الصغير وصلى عَلَيْهِ عَبْد الْمَلِك ابنه وَكَانَ حاضره. وَقَدْ رُوِيَ مَرْوَان عَنْ عُمَر، وعن عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا، وَفِي مَرْوَان يَقُول الراجز: مَرْوَان نبع [1] وسعيد خروع ... مَرْوَان يعطي وسعيد يمنع يعني سعيد بن العاص بن سعيد.

_ [1] النبع شجر جبلي أصفر العود ثقيله في اليد، إذا تقادم احمر، يتخذ للقسي. معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس للدمياطي.

وولد الحكم بن أبي العاص سوى مروان

وولد الحكم بْن أَبِي العاص سِوَى مَرْوَان عُثْمَان الأزرق وَهُوَ أكبر ولده، وعَبْد الرَّحْمَنِ، والحارث، وصالح بْن الحكم، وأم البنين، وزينب، أمهم آمنة بنت علقمة الكنانية، وَهِيَ أم مَرْوَان، وأمها صفية بنت أَبِي طَلْحَة من بَنِي عَبْد الدار، وأمها مارية بنت موهب الكندي وَهِيَ الزرقاء الَّتِي يعيرون بِهَا، وعثمان الأصغر، وَيَحْيَى ولاه عَبْد الْمَلِك الْمَدِينَة، وأبان، وعمر، وحبيبًا، وأم يَحْيَى، وأم سلمة، وأم عُثْمَان، أمهم مليكة بنت أوفى بْن الْحَارِث بْن عوف المرية، وأمها من بَنِي عوف بْن أَبِي حارثة المري وأمها مليكة بنت قَيْس بْن زحل بْن ظَالِم المري، ويوسف، وأمه أم يُوسُف بنت هاشم بْن عتبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس، والنعمان، وأوسًا، وعمرًا، وأم الحكم، وأم أبان، وأمامة، وسهيلًا، أمهم أم النعمان بنت حذيفة ثقفية، وعبيد اللَّه، وعبد اللَّه، والحكم، أمهم أم ولد، وخالدًا، وعَبْد الرَّحْمَنِ الأصغر، لأم ولد، ومسلمًا، لأم ولد. فتزوج أم البنين سَعِيد بْن العاص، وتزوج زينب أسيد بْن الأخنس الثقفي، وتزوج أم يَحْيَى عروة بْن الزُّبَيْر بْن العوام، وَهِيَ أصغر ولد

الحكم، وتزوج أم أبان عَبْد اللَّهِ بْن المطلب بْن حنطب المخزومي، ثُمَّ خلف عَلَى أختها أم الحكم، وتزوج أمامة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن أَبِي ذئب من بَنِي عامر بْن لؤي. وَأَمَّا خَالِد بْن الحكم فكان حضر عَبْد الْمَلِك يَوْم قتل عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق، فانتدب قوم يقاتلون عَنْ عَمْرو، فبعث عَبْد الْمَلِك إليهم من يقاتلهم فكان خالد عَلَيْهِم. وَأَمَّا أبان بْن الحكم فتزوج أم عُثْمَان بنت خَالِد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، فولدت لَهُ، فتزوج سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك من ولده أم أبان بنت أبان. وَأَمَّا عُبَيْد اللَّهِ بْن الحكم فقتله الحنتف بْن السجف يَوْم الربذة وَأَمَّا الْحَارِث بْن الحكم فتزوج مفداة بنت الزبرقان بْن بدر، فولدت لَهُ، وولى هِشَام خَالِد بْن عَبْد الْمَلِك بْن الْحَارِث بْن الحكم الْمَدِينَة فكان مذموم السيرة ولقب فرقدًا. وَأَمَّا عَبْد الْعَزِيز بْن الْحَارِث بْن الحكم فولد سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز خدينة، ولاه مسلمة بْن عَبْد الْمَلِك فِي أَيَّام يَزِيد بْن عَبْد الْمَلِك خراسان، حِينَ ولي مسلمة العراق، ولقب خدينة لأن بَعْض دهاقين مَا وراء نهر بلخ دَخَلَ عَلَيْهِ وعليه معصفرة وَقَدْ رجل شعره فَقَالَ: هَذَا خدينة، وَهِيَ الدهقانة والقيمة بمنزل زوجها بكلامهم، وَكَانَ سَعِيد صهر مسلمة عَلَى ابنته، وقدم خدينة سورة بْن أبجر الحنظلي من ولد أبان بْن دارم بْن مَالِك بْن حنظلة، ثُمَّ اتبعه فتوجه إِلَى مَا وراء نهر بلخ فنزل إشتيخن [1] وَقَدْ صارت

_ [1] إشتيخن: من قرى صغد سمرقند، بينها وبين سمرقند سبعة فراسخ. معجم البلدان.

الترك إِلَيْهَا، فحاربهم وهزمهم ومنع النَّاس من طلبهم جبنًا وخوفًا من أَن تكون لَهُمْ كرة، ثُمَّ لقي الترك بَعْد فهزموه وأكثروا القتل فِي أَصْحَابه وولى خدينة نصر بْن سيار طخارستان، وَكَانَ يَقُول سميت خدينة لأني لَمْ أطاوع عَلَى قتل اليمانية فضعفوني، وَقَالَ الشاعر فِي سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز خدينة: وسرت إِلَى الأعداء تلهو بلعبة ... وأيرك مشهور وسَيْفك مغمد ويروي: تسعين ليلة وأيرك. وأنت امرؤ عاديت عرس حفية ... وأنت عَلَيْنَا كالحسام تجرد وكلم خدينة بَعْض الأسديين فِي شَيْء فَقَالَ لَهُ: يا ملط، فَقَالَ: زعمت خدينة أنني ملط ... ولخدنة المقراض والمشط ومكاحل ومجامر وَلَهَا ... من دلها فِي خدها خط وشخص قوم من أهل خراسان إِلَى مسلمة، فشكوا سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز، خدينة، فعزله وولى سَعِيد بْن عَمْرو الحرشي خراسان. وَفِي أَيَّام خدينة قتل جهم بْن زحر بْن قَيْس الجعفي، سعى بِهِ إِلَيْهِ ترفل، وَهُوَ عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْد الحميد بْن عَبْد الكريم بْن عامر بْن كريز، الَّذِي قتله أَبُو مُسْلِم بخراسان، وسعى بعدة مَعَهُ من اليمانية، وَقَالَ إنهم قَدْ ولوا ليزيد بْن المهلب وعندهم أَمْوَالٌ قَدِ احتجنوها واختانوها وسماهم لَهُ، فأرسل إليهم فحبسهم فِي قهندز مرو فقيل لَهُ: إنهم لا يؤدون بالحبس دُونَ البسط عَلَيْهِم، فأمر بإحضار جهم فجيء بِهِ عَلَى حمار فقام إِلَيْهِ الفيض بْن عمران فوجأ انفه فقال له جهم: يا فاسق هلا فعلت هَذَا حِينَ ضربتك فِي الخمر، فغضب سَعِيد عَلَى جهم وَقَالَ أتجترئ عَلِي أَن تكلمه بِهَذَا الْكَلام بحضرتي، وحمل عَلَيْهِ فضربه مائتي سوط، فكبر أهل السوق ثُمَّ دفع جهما

وأولئك اليمانية إِلَى الزُّبَيْر بْن نشيط مولى باهلة ليستأديهم فعذبهم، فمات جهم فِي الحبس فَقَالَ ثابت قطنة الأزدي، وَكَانَ أعور يضع عَلَى عينه قطنة: أتذهب أيامي وَلَمْ أسق ترفلا ... وأشياعه الكأس الَّتِي صبحوا جهما وَلَمْ تقرها السعدي عَمْرو بْن مَالِك ... فيشعب من حوض المنايا لَهَا قسما وَكَانَ خدينة يَقُول قبح اللَّه الزُّبَيْر قتل جهما. وولى عَبْد الملك عبد الواحد بن الحارث بن الحكم الْمَدِينَة وفيه يَقُول القطامي: أهل الْمَدِينَة لا يحزنك شأنهم ... إِذَا تخطأ عَبْد الْوَاحِد الأجل وَأَمَّا يَحْيَى بْن الحكم فكان واليا عَلَى الْمَدِينَة لعبد الْمَلِك، وَكَانَ يكنى أبا مَرْوَان، وَلَهُ يَقُول أيمن بْن خريم بْن فاتك الأسدي: تركت بَنِي مَرْوَان تندى أكفهم ... وصاحبت يَحْيَى ضلة من ضلاليا لَقَدْ كَانَ فِي ظل الخليفة وابنه ... وظل ابْن ليلى مَا يسد اختلاليا يَعْنِي عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان: أمير إذا ما جئت طَالِب حاجة ... تهيا لشتمي أَوْ أراد قتاليا فإنك لو أشبهت مَرْوَان لَمْ تقل ... لقومي هجرًا إذ أتوك ولا ليا وَقَالَ فِيهِ عَمْرو بْن أحمر بْن العمرد الباهلي: يحيى أيا بْن ملوك النَّاس أحرقنا ... ظلم السعاة وباد الماء والشجر إن تنب يا بن أَبِي العاصي بحاجتنا ... فَمَا لحاجتنا ورد ولا صدر وتزوج زينب بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام فَقَالَ عَبْد الْمَلِك أدركوا بَيْت المال. وولاه أيضًا فلسطين.

وَكَانَ الحر بْن يُوسُف بْن يَحْيَى بْن الحكم عَلَى الموصل فمات وَهُوَ عَلَيْهَا فَقَالَ أَبُو ماوية حِينَ دفن: لا رحم اللَّه متوفاكم ولا أكرم ممشاكم. وكانت أم يَحْيَى بْن الحكم مرية. وَأَمَّا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم ويكنى أبا مطرف، ويقال أبا حرب، فكان شاعرًا، وهاجى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حسان، وَهُوَ الَّذِي يَقُول لمروان بْن الحكم. تجبرت واستكبرت حَتَّى كأنما ... نرى بك فينا قيصرا وابن قيصرا فذا العرش لا يغفر لمروان إنني ... أراه بأخلاق المكارم أعسرا [1] وَقَالَ فِي ابنته واسمها زينب: لعمرك مَا زنيبة أم عَمْرو ... بحمد اللَّه من قزم الجواري ألم تر أَنَّهَا كرمت وطابت ... وكانت من قريش فِي النضار وتزوجها يَحْيَى بْن سَعِيد بْن العاص، وكنية زينب هذه أمّ عمرو.

_ [1] بهامش الأصل: من العسرة.

ولد مروان بن الحكم

ولد مَرْوَان بْن الحكم ولد مَرْوَان بْن الحكم: عَبْد الْمَلِك، ومعاوية، وأم عَمْرو تزوجها سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان، وأمهم عَائِشَةُ بنت مُعَاوِيَة بْن المغيرة بْن أَبِي العاص بْن أمية وأمها جمحية، ومعاوية بْن المغيرة وَهُوَ الَّذِي جدع أنف حمزة بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ يَوْم أحد فقتل عَلَى أحد بَعْد انصراف قريش بثلاثة أَيَّام قتله عَلِي بْن أَبِي طَالِب بأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تخلف بَعْد مضي قريش فظفر بِهِ. وعبيد اللَّه، وأبان، وَدَاوُد أمهم أم أبان بنت عُثْمَان بْن عَفَّان. وعبد الْعَزِيز، وعَبْد الرَّحْمَنِ مَاتَ صغيرًا، وأم عُثْمَان تزوجها الْوَلِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان، أمهم ليلى بنت زبان بْن الأصبغ الكلبي، وفيها يَقُول عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم وَكَانَ يشبب بنساء أخيه: ليلى وهل فِي النَّاس أنثى كمثلها ... إِذَا ما اسبكرّت [1] بين درع ومجسد

_ [1] اسبكرت: اعتدلت واستقامت. القاموس.

وأما معاوية بن مروان:

وعمرو بْن مَرْوَان، أمه زينب بنت عُمَر بْن أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْد الأسد المخزومي. وبشر بْن مَرْوَان، وأمه قطية بنت بشر بْن عامر بْن مَالِك بْن جَعْفَر بْن كلاب، ولقطية يَقُول عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم: قطية كالتمثال أَحْسَن نقشه ... وأم أبان كالشراب المبرد ومحمد بْن مَرْوَان، لأم ولد. فأما عَبْد الْمَلِك فولي الخلافة وسنذكر أخباره إِن شاء اللَّه. وَأَمَّا مُعَاوِيَة بْن مَرْوَان: ويكنى أبا المغيرة، فكان من أحمق النَّاس، طار لَهُ بازي فأمر بغلق أبواب دمشق، ومر بحقل لَهُ وَقَدْ سمع أهل الشام يقولون: لا يفلح حقل لا يرى است صاحبه، فنزل وأحدث فِيهِ. ثُمَّ ركب ومر ذَات يَوْم بديراني وَهُوَ فِي غرفة لَهُ فصعد إليه فوجده يقرأ كتابًا، فَقَالَ لَهُ: مَا تقرأ؟ قَالَ لَهُ: إنجيل وجعل الديراني يَقُول مرة بَعْد مرة: حر، فَقَالَ لَهُ: أفي الإنجيل حر؟ قَالَ: لا، ولكن حمارًا لي يطحن أسفل هذه العلية وَفِي عنقه جلجل، فَإِذَا لَمْ أسمع صوت الجلجل علمت أَنَّهُ قَدْ وقف فأزجره فَقَالَ لَهُ وَمَا يدريك لعله يقف ثُمَّ يحرك رأسه فَقَالَ الديراني لو كَانَ لَهُ مثل عقل الأمير لفعل هَذَا. وَقَالَ يوما لعبد الْمَلِك: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ مَتَى يَكُون الأضحى فِي شَهْر رمضان؟ فغمز عَبْد الْمَلِك أبا الزعيزية فأقامه.

وَقَالَ هِشَام بْن عمار: بلغني أَن مُعَاوِيَة بْن مَرْوَان زوج امْرَأَة من كلب، فلما رأى أباها قَالَ لَهُ: أخذت ابنتك فخجأتها بأير كَأَنَّهُ عمود المنبر، فملأتني دما، فَقَالَ: إنها من نسوة يحفظن ذاك لأزواجهن، ولو كنت عنينا لما زوجتك. الْمَدَائِنِي: قَالَ لَهُ رجل: يا أبا المغيرة أَنْتَ ابْن مَرْوَان، وأمك عَائِشَة فأنت مقابل مدابر فِي بَنِي أَبِي العاص، قَالَ: فأنا كَمَا قَالَ القائل: مردد فِي بَنِي اللخناء ترديدًا. فولد لمعاوية بْن مَرْوَان: عَبْد الْمَلِك، والمغيرة، وبشر، وقوم يقولون: كَانَ الْوَلِيد بْن مُعَاوِيَة بْن مَرْوَان عَلَى دمشق من قبل مَرْوَان بْن مُحَمَّد الجعدي فحصره عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس ثُمَّ فتح دمشق وقتل الْوَلِيد وهدم عَبْد اللَّهِ سور مدينة دمشق. وَقَالَ ابْن الكلبي وأبو اليقظان: ولد مُعَاوِيَة هَذَا: عَبْد الْمَلِك، والمغيرة، وبشرًا فَقَط، والثبت أَن صاحب دمشق كَانَ الْوَلِيد بْن معاوية بن مروان بن عبد الملك بن مَرْوَان، وَالأَوَّل قَوْل قوم لا علم لَهُمْ. وَقَالَ أَبُو اليقظان: قَالَ خَالِد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة لمعاوية بْن مَرْوَان: يا أبا المغيرة لا أرى أخاك يوليك، ولا يعتد بك فَقَالَ: لو أردت ذَلِكَ لولاني قَالَ فسله أَن يوليك بَيْت لهيا [1] ، فغدا عَلَى عَبْد الْمَلِك فَقَالَ: يا أمِير ألست أخاك؟ قَالَ: بلى وشقيقي، قَالَ: فولني، قَالَ: وَمَا تريد؟ قَالَ بَيْت لهيا، قَالَ: مَتَى لقيت خَالِد بْن يَزِيد؟ قَالَ: عشية أمس، قَالَ:

_ [1] بيت لهيا: قرية معروفة بغوطة دمشق. معجم البلدان.

لا تكلمه، ودخل خَالِد فَقَالَ: كَيْفَ أصبحت أبا المغيرة؟ قَالَ: قَدْ نهانا هَذَا عَنْ كلامك. وَقَالَ لَهُ خَالِد بْن يَزِيد يومًا: لو كَانَ لَك قلب كنت أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، قَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: إِذَا دَخَلَ أمِير الْمُؤْمِنيِنَ المقصورة فاسبقه إِلَى المنبر فاصعده فَإِنَّهُ إِذَا رآك عَلَى المنبر كنت أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، ففعل ذَلِكَ، فالتفت عَبْد الْمَلِك إِلَى خَالِد فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أمرته؟ قَالَ: نعم، قَالَ: قَدْ علمت فلا تعد إِلَى مثلها. قَالُوا: وسرق لمعاوية بْن مَرْوَان برذون فَقَالَ لغلام لَهُ: انظر من سرقه؟ قَالَ الغلام: لو علمت من سرقه لأتيتك بِهِ. وَأَمَّا أبان بْن مَرْوَان فولي فلسطين لأخيه عَبْد الْمَلِك، وَكَانَ الْحَجَّاج بْن يُوسُف عَلَى شرطه، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ ابْن أقرم النميري، وَكَانَ أبان أخذه فأفلت منه: طليق اللَّه لَمْ يمنن عَلَيْهِ ... أَبُو دَاوُد وابن أَبِي كبير ولا جزء ولا ابْن أَبِي شريف ... ولا أهل الأمير مَعَ الأمير ولا الْحَجَّاج عينا بنت ماء ... تقلب طرفها حذر الصقور أَبُو دَاوُد يَزِيد بْن هبيرة المحاربي، وابن أَبِي كبير رجل من ولد أَبِي كبير المنهب بْن عَبْد [1] بْن قصي بْن كلاب، وَكَانَ الْحَجَّاج أخفش فشبّه عينه بعين طائر ماء.

_ [1] بهامش الأصل: عدي.

وأما بشر بن مروان

وَأَمَّا دَاوُد بْن مَرْوَان فولد سُلَيْمَان وَكَانَ أعور فتزوج فاطمة بنت عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد الْعَزِيز بَعْد زوج كَانَ لَهَا فقيل: نذل أعور. وَأَمَّا بشر بْن مَرْوَان فكان يكنى أبا مَرْوَان وشهد المرج فقتل خَالِد بْن حصين الكلابي ومعه عَمْرو بْن سَعِيد، فقال الشاعر يرثيه: ثوى خالد بالمرج غير ملوم ... ولا برم عام الرياح الصوارد لعمري لَقَدْ أرداه بشر لحينه ... وعمرو فَقَدْ نالا كريم المشاهد هلا بَنِي العاصي ذكرتم بلاءه ... وَمَا شاكر المعروف يوما كجاحد براهط إذ عَبْد الْعَزِيز معفر ... لدى مسند منكم وآخر ساجد فلا صلح أَوْ تزقو لمروان هامة ... عَلَيْهِ بأيدينا بواء لخالد وَكَانَ خَالِد صرع عَبْد الْعَزِيز يَوْم المرج ثُمَّ استبقاه، وَهُوَ من بَنِي (أَبِي) بَكْر بْن كلاب. وَكَانَ بشر منقطعًا إِلَى عَبْد الْعَزِيز قبل ولاية عَبْد الْمَلِك الخلافة، فلما ولي الخلافة استجفاه بشر فَقَالَ: أتجعل صَالِح الغنوي دوني ... ورَحْلي منك فِي أقصى الرحال سيغنيني الَّذِي أغناك عني ... ويُفْرج كربتي ويرب مالي إِذَا أبلغتني وحملتَ رحلي ... إِلَى عَبْد الْعَزِيز فَمَا أبالي فولاه عَبْد الْمَلِك الكوفة، ثُمَّ أضاف إِلَيْهِ البصرة، فكتب إِلَى عَبْد الْعَزِيز: غنينا فأغنانا غنانا وعاقنا ... مآكل عما عندكم ومشارب

فكتب إِلَيْهِ عَبْد الْعَزِيز: هلا كتبت بأحسن من هَذَا، وَهُوَ قَوْل عَبْد الْعَزِيز بْن زرارة الكلابي: فأصبحت قَدْ ودعت نجدا وأهله ... وَمَا عهد نجد عندنا بذميم فَقَالَ بشر: صدق أَبُو الأصبغ رعاه اللَّه فَمَا عهده بذميم. وَكَانَ بشر لين الولاية، سهل الحجاب، طلق الوجه كريمًا، وَكَانَ صاحب شراب ينادم عليه. وقال كثيّر يمدح بشرًا: أبا مَرْوَان أَنْتَ فتى قريش ... وكهلهم إِذَا عدوا الكهولا [1] وَقَالَ الأخطل: إِذَا أتيت أبا مَرْوَان تسأله ... وجدته حاضنيه المجد والحسب ترى إِلَيْهِ رفاق النَّاس سائلة ... من كُل أوب عَلَى أبوابه عصب لا يبلغ النَّاس أقصى وادييه ولا ... يعطي جواد كَمَا يعطي ولا يهب [2] وَقَالَ أيضًا: إني دعاني إِلَى بشر فواضله ... والخير قَدْ علم الأقوام متبع يا بشر لو لَمْ أكن منكم بمنزلة ... ألقى عَلِي يديه الأزلم الجذع أنتم خيار قريش عِنْدَ نسبتها ... وأهل بطحائها الأثرون والفرع [3]

_ [1] ديوان كثير عزة- ط. بيروت 1993 ص 167 وفيه: «وكهلهم إذا عدّ الكهول» . [2] ديوان الأخطل- ط. بيروت 1986 ص 42. [3] ديوان الأخطل ص 204. والأزلم الجذع: الدهر الكثير البلايا.

وَقَالَ أيضًا: إِذَا وزن الأقوام لَمْ تلق فيهم ... كبشر ولا ميزان بشر يعادله أغر عليه التاج لا متعبّس ... ولا زبرج الدنيا عَنِ الحق شاغله إِذَا انفرج الأبواب عَنْهُ رأيته ... كصدر اليماني أخلصته صياقله [1] قَالَ الهيثم بْن عدي: وَكَانَ الفرزدق هجا خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد وأمية أخاه، فطلبه خَالِد وَهُوَ يتقلد البصرة قبل بشر فآلى أن يقتله إِن ظفر بِهِ، ووضع عَلَيْهِ الأرصاد فكان منطمرًا لا يظهر، فلما قدم بشر البصرة استبطأه فبلغه أَنَّهُ وجد عَلَيْهِ ثُمَّ إِن بَنِي تميم وجهوا مَعَهُ من أبلغه البصرة فَقَالَ: لو أنني كنت ذا نفسين إِن هلكت ... إحداهما بقيت أُخْرَى لمن غبرا إِذَا لجئت على مَا كَانَ من حذر ... وَمَا رَأَيْت حذارًا يغلب القدرا كُل امرئ آمن للموت آمنه ... بشر بْن مَرْوَان والمذعور من ذعرا تغدو الرياح وتمسي وَهِيَ فاترة ... وأنت ذو نائل يمسي وَمَا فترا [2] فِي قصيدة، فحباه بشر وأكرمه وحمله عَلَى فرس رائع وكساه، وَكَانَ الفرزدق إِذَا حمل حمالة أداها بشر عَنْهُ، وإذا سأل حاجة قضيت لَهُ فِي نَفْسه ومن شفع لَهُ، ويدخل دار بشر فيدعو بشهوته من الطعام فيؤتى بِهَا، حَتَّى قيل إنّه نادم بشرا.

_ [1] ديوان الأخطل ص 244. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 233 مع فوارق.

وَقَالَ جَرِير أَوْ غيره يذكر لين حجابه: بعيد مراد الطرف لَمْ يثن طرفه ... حذار الغواشي بَاب دار ولا ستر ولو شاء بشر حل من دُونَ بابه ... طماطم سود أَوْ صقالبة حمر ولكن بشرا سهل الباب للتي ... يَكُون لَهُ فِي غبها الحمد والأجر [1] أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي، قَالَ: أقحط النَّاس فِي أَيَّام بشر فاستسقوا وَهُوَ معهم فمطروا فَقَالَ سراقة بْن مرداس البارقي بالكوفة: دعا الرحمن بشر فاستجابا ... لدعوته فأسقانا السحابا وَكَانَ دعاء بشر صوب غيث ... يعاش بِهِ ويحيي من أصابا ومر بشر بَعْد استسقائه بسراقة وَقَدْ دَخَلَ الماء داره فَقَالَ: مَا هَذَا يا سراقة؟ قَالَ: قَدْ نرى أيها الأمير هَذَا وَلَمْ ترفع يديك بالدعاء، فلو رفعتهما لجاءنا الطوفان فضحك بشر. وَقَالَ أعشى بَنِي شيبان: رأينا مَا خلا أخويه بشرا ... من الفتيان سيد عَبْد شمس وسيد من سواهم من قريش ... فيصبح خيرهم أبدًا ويمسي إِذَا خلى أخوك إِلَى أخيه ... خلافته لسعد غَيْر نحس فأنت الثالث الموصى إِلَيْهِ ... وصية حازم فِي غَيْر لبس وَلَهُ يَقُول أيمن بْن خريم بْن فاتك الأسدي: ركبت من المقطم فِي جمادى ... إِلَى بشر بْن مَرْوَان البريدا فلو أعطاك بشر ألف ألف ... رأى حقا عليه أن يزيدا

_ [1] ليست في ديوان جرير المطبوع.

وقال أعشى بَنِي أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شَيْبَان: لعمري لَقَدْ أمست معدا وأصبحت ... تحبك يا بشر بْن مَرْوَان كلها تمنى وترجو أَن تكون خليفة ... وترجوك للدنيا وللدين جلها فِي أبيات. وَقَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي: قام بشر بْن مَرْوَان عَلَى المنبر فقام عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أرطاة بْن شراحيل الجعفي، فَقَالَ لَهُ وَقَدْ تكلم بشيء: اتق اللَّه فانك ميت ومحاسب، فأمر بِهِ فضرب أسواطًا مَاتَ منها. قَالُوا: وأمر بشر بْن مَرْوَان سراقة البارقي بهجاء جَرِير فهجاه سراقة، ويقال: بَل هجاه مبتدئًا فَقَالَ جَرِير: يا بِشْرُ حقَّ لوجهك التبشير ... هَلَّا غضبت لَنَا وأنت أمِير قَدْ كَانَ حقًا أَن تقول لبارقٍ ... يا آل بارق فيم سُبَّ جَرِير أسراق إنك قد كسبت لبارق ... أمرا مطالعة عليك وعور لا يدخلون عليك إِن دخولهم ... رجس وإن خروجهم تطهير تعطى النِّسَاء مهورهن سياقة ... ونساء بارق مَا لهن مهور [1] فلما سمع قَوْله قَدْ كَانَ حقًا أَن تقول لبارقٍ ... يا آل بارق فيم سب جَرِير قَالَ: أخزاه اللَّه أما وجد وكيلًا غيري. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأعرابي قَالَ: لقي سراقة جريرا فَقَالَ لَهُ جَرِير: من أَنْتَ؟ قَالَ: بَعْض من أخزاه اللَّه عَلَى يدك، قَالَ: أيهم أَنْتَ؟ قال:

_ [1] ديوان جرير ص 232- 234.

سراقة، قَالَ: البارقي؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ: والله لو ظننت بك مَا رَأَيْت منك لعفوت عَنْ زلتك. قَالَ: وولى بشر شرطته بالكوفة عكرمة بْن ربعي من بني تيم اللَّه بْن ثعلبة. وَقَالَ هِشَام ابْن الكلبي: بعث بشر بْن مَرْوَان إِلَى موسى بْن طَلْحَة بمال وأمره أَن يقسمه بَيْنَ قراء أهل الكوفة، فأما مرة الهمداني فلم يقبل من المال شَيْئًا وَمَا فِي بيته مَا يساوي عشرة دراهم، ورد أَبُو رزين العقيلي مَا بعث بِهِ إِلَيْهِ، وامتنع منه، وقبل عَمْرو بْن ميمون الأودي مَا بعث بِهِ إِلَيْهِ، وقبل أَبُو جحيفة السوائي واسمه وهب بْن عَبْد اللَّهِ. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا هَشِيمُ بْنُ حضين قَالَ: أول من أحدث الأذان فِي العيدين بالكوفة بشر بْن مَرْوَان، فلما سمع الناس ذلك أنكروه واستشرفوا له، وجعلوا يرفعون رؤوسهم تعجبًا. عبيد اللَّه بْن مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَة عَنْ حصين بْن عَبْد الرَّحْمَنِ عَنْ عُمَارَةَ بْن رويبة الثقفي: أَنَّهُ رأى بشر بْن مَرْوَان فِي يَوْم جمعة يرفع يده للدعاء، وَهُوَ عَلَى المنبر، فَقَالَ: انظروا إِلَى هَذَا الفاسق لَقَدْ رأيتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَزِيد عَلَى هَذَا، وأشار بإصبعه السبابة. الْمَدَائِنِي، قَالَ: عزل عَبْد الْمَلِك خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ عَنِ البصرة، وضمها إِلَى بشر بْن مَرْوَان، وبعث إِلَيْهِ بعهده عَلَيْهَا، فجمع لَهُ العراق

كله، وَقَدْ كَانَ شرب التياذريطوس [1] ، فلم يزل بالبصرة عليلًا، ولما قدم ولى المهلب قتال الأزارقة. قَالَ: وقدم الأخطل البصرة عَلَيْهِ وَقَدْ حمل ديات عَنْ قومه، فأتى بَنِي سدوس وفيهم سويد بْن منجوف، ورجل من بَنِي أسعد بْن همام فسألهم، فَقَالَ لَهُ الأسعدي: ألست القائل: إِذَا مَا قُلْت قَدْ صالحت بكرًا ... أبى الأضغان والنسب البعيد وأيام لنا وَلَهُمْ طوال ... يعض الهام فيهن الحديد [2] لا لعمر اللَّه لا نرفدك ولا نعينك وإنك منا للهوان لأهل فَقَالَ: مَتَى آت الأراقم لا يضرني ... نتيت الأسعدي وَمَا يَقُول فَإِن تمنع سدوس درهميها ... فَإِن الريح طيبة قبول وإن بَنِي أمية ألبستني ... ظلال كرامة ليست تزول سيحملها أَبُو مَرْوَان بشر ... فذاك لكل مثقلة حمول ويكفيني الَّتِي استكفيت منها ... بفعل لا يمن ولا يحول [3] فَقَالَ لَهُ بشر: يا أبا مَالِك وكم حمالتك؟ قَالَ: خمسون ألفا، فأمر لَهُ بِهَا، وَقَالَ أنا أحق برفدك من بَنِي سدوس وَبَنِي أسعد. ولبشر يَقُول أعشى بَنِي أَبِي ربيعة يا سيد النَّاس من عجم ومن عرب ... وأفضل النَّاس في دين وفي حسب

_ [1] أصيب بشر بالاستسقاء، ولعل هذا اسم الدواء الذي تناوله. انظر الفتوح لابن الأعثم- ط. بيروت 1992 ج 2 ص 442. [2] ديوان الأخطل ص 95. [3] ديوان الأخطل ص 293- 295.

قَالُوا: وَكَانَ بشر صاحب شراب، فدخل البصرة بَيْنَ الحكم بْن المنذر بْن الجارود ورجل آخر كَانَ مدمنا للشراب، فعلم النَّاس أَنَّهُ لا يدع الشراب فلم يزالا نديميه حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ بشر يَقُول الشعر فلما اشتدت علته قَالَ لعبد الْمَلِك: إِذَا مت يا خير البرية لَمْ تجد ... أَخَا لَك يغني عَنْك مثل غنائيا يواسيك فِي الضراء واليسر جهده ... إِذَا لَمْ تجد عِنْدَ الحفاظ مواسيا شريجان لوني من سواد وحمرة ... تبدلته من واضح كَانَ صافيا وكم من رَسُول قَدْ أتاني بعثته ... إلي ورسل يكتمونك مَا بيا وَحَدَّثَنِي الأثرم عَن أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ بشر إِذَا سكر يَقُول خضبوا يدي، وَيَقُول ائتوني برأس عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي بكرة، فلما بلغت أبيات بشر هذه ابْن أَبِي بكرة قَالَ: مَالِك بْن الريب كَانَ أشعر منه حِينَ يَقُول: لعمري لئن غالت خراسان هامتي ... لَقَدْ كنت عَنْ بابي خراسان نائيا وَلَمْ يكترث لموته بَل كَانَ هينا عَلَيْهِ، ويقال: إِن عَبْد الْمَلِك قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا روح بْن عَبْد المؤمن حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عَنْ مغيرة عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ شريح: أَنَّهُ حبس رجلا فِي السجن، فأرسل إِلَيْهِ بشر أَن أَخْرَجَهُ فَقَالَ: السجن سجنك والبواب عاملك، وَأَمَّا أنا فإني رَأَيْت فِي الحق أَن أحبسه. وَحَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: شَهِدْتُ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ وَأَتَاهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي خُلْعٍ فَأَبَى أَنْ يُجِيزَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شِهَابٍ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَتَاهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي خُلْعٍ فَأَجَازَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا طَلَّقَكِ بِمَالِكِ.

الْمَدَائِنِي، قَالَ: بينا بشر، وخالد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، وخالد بْن عتاب بْن ورقاء، وعكرمة بْن ربعي فِي شربهم. أمرت امْرَأَة بشر وصيفة لَهَا أَن تخبرهم أَن الشراب قَدْ نفد، فجعل بشر يَقُول: اسقي ابْن ربعي قعيبا واحدا ... وخالدًا من بعده وخالدا أما ترين الليل ليلا باردا ... ولا تقولنّ لشيء نافدا حَدَّثَنَا العمري عَن الْهَيْثَم بْن عدي، عَن مجالد، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كانت إلي مظالم بشر بْن مَرْوَان، فأتيته يوما لأمر فَإِذَا أعين مولاه جالس، وَكَانَ حاجبه وصاحب حرسه فَقُلْتُ: أبا عُمَر استأذن لي عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِن الأمير لا يؤتى بالعشي، فَقُلْتُ: أَنَّهُ امر لا بدّ من ذكره لَهُ. فأعلمه مكاني فِي رقعة رفعها إِلَيْهِ، فأذن لي فدخلت فَإِذَا هُوَ جالس عَلَى فرش صفر وعن يمينه وشماله وخلفه مرافق، وعلى رأسه إكليل ريحان، وعنده عِكْرِمَة بْن ربعي، وخالد بْن عتاب بْن ورقاء فَقَالَ: يا شعبي لو غيرك من النَّاس مَا أذنت لَهُ، فَقُلْتُ: إِن عندي لَك خلالًا ثلاثا: الستر لما يجب أَن يستر، والشكر لما تولي، والدخول معك فيما يحل ويجمل، ثُمَّ التفت فَإِذَا حنين بْن بلوع العبادي [1] المغني جالس عَلَى كرسي، وعليه قباء حشك شوي [2] وَقَدْ لاث رأسه بمنديل مصري فتغنى، فَقُلْتُ: يا حنين أرخ من البم [3] ، واشدد من الزير [4] ، فَقَالَ بشر: وَمَا يدريك مَا هَذَا؟ قُلْت: ظننت أَن الأمر هناك

_ [1] ترجم له صاحب الأغاني في ج 2 ص 341- 358. [2] أي قباء ضيق من جلود الغنم. [3] البم: من أوتار العود، وهو الوتر الذي يلي المثلث ويدعى الأبح لغلظ صوته. معجم الموسيقى العربية لحسين محفوظ- ط. بغداد 1964. [4] الزير: من أوتار العود، وهو الدقيق من الأوتار. معجم الموسيقى العربية.

ووجدته فِي نفسي، قَالَ: فَهُوَ والله هناك، ثُمَّ قَالَ: من يلومني عَلَى الشَّعْبِيِّ، قم يا نَافِع فأعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوبًا، قَالَ الشَّعْبِيُّ: فلا أظن أحدًا انصرف إِلَى أهله بمثل مَا انصرفت بِهِ أعطيت مَا أعطيت، وَلَمْ أدخل معهم فِي شَيْء مِمَّا هُمْ فِيهِ. وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنِ ابْن كناسة قَالَ: لما قدم بشر بْن مَرْوَان الكوفة قَالَ لأبي بردة بْن أَبِي موسى: إني أكره أَن أبيت ليلة عزبا فهل من امْرَأَة أتزوجها؟ قَالَ: نعم هند بنت أسماء بْن خارجة، قَالَ: فاخطبها عَلِي، قَالَ: فَقَالَ لأبيها: إني أتيتك خاطبًا لهند، قال: على نفسك، فإنّك كفء كريم؟ قَالَ: لا بَل عَلَى من هُوَ خير لَهَا مني، الأمير بشر بْن مَرْوَان، فقالت هند: زوّجه فأرسل إلى رجلين فأشدهما أَنَّهُ قَدْ زوجها بشرا، قَالَ: ودخل بِهَا فأقام عندها ثلاثا وأرسل إِلَيْهَا بمائة ألف درهم منها خمسون ألفا صداقها وخمسون ألفا صلة، ثُمَّ قعد عَنْهَا أيامًا فَقَالَتْ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: إنه يصيب الشراب، وأنت لا تشربين، فأرسلت إِلَى مولى لَهَا بالسليحون [1] فحمل إِلَيْهَا شرابًا جيدًا، وأمرت فعمل لَهُ سمك وجعل فِي محسي، ثُمَّ أرسلت إِلَيْهِ ليكن غداؤك عندي فأتاها فتغدى فاستطاب غداءه ثُمَّ قَالَ: لِهَذَا مَا يصلحه، فدعت بالشراب فوجده أجود من شرابه، فَقَالَ بقيت واحدة، فَقَالَتْ: مَا هِيَ؟ قَالَ: من يحادثنا، فأرسلت إِلَى أخويها: مَالِك بْن أسماء، وعيينة فنادماه، فحظيت عنده وولدت لَهُ عَبْد الْمَلِك بْن بشر.

_ [1] بلدة قرب الحيرة. معجم البلدان.

قَالُوا: وكانت لحجار بْن أبجر الْعِجْلِيِّ منزلة من بشر، فبينا هُوَ جالس عَلَى سريره إذ دَخَلَ المتوكل الليثي عَلَيْهِ فأنشده أبياتًا فِيهَا: تجرم لي بشر غداة أتيته ... فَقُلْتُ لَهُ يا بشر ماذا التجرم فَقَالَ بشر: ويلك لو صرت إِلَى ذَلِكَ لضربت عنقك، فقال: أصلح الله الأمير هَذَا كَلام تسقط منه الحبالى، فَقَالَ حجار: أو حبلى أنت يا متوكّل، فقال: مَا إياك أخاطب، ولا عليك أدل، فَقَالَ حجار: والله لو سألتني بمثل هَذَا الشعر درهما مَا أعطيتك إياه، ولا رأيتك لَهُ أهلًا، فَقَالَ: صدقت والله لو أتاك عيسى بْن مريم فطلب مثل ذَلِكَ لمنعته إياه، فلما خرج حجار قَالَ لَهُ بشر: ويلك يا متوكل كَيْفَ جئت بعيسى بْن مريم من بَيْنَ الأنبياء؟ قَالَ: لأن أباه كَانَ نصرانيا، وَهُوَ يرق للنصرانية، فضحك بشر وَقَالَ: أتراه فطن لما أردت؟ قَالَ: نعم والله وَمَا أقامه إلا ذَلِكَ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةَ الأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة مَعْمَر بْن المثنى قَالَ: قَالَ بشر بْن مَرْوَان لسراقة: أجرير أشعر أم الفرزدق؟ قَالَ: الفرزدق، قَالَ: فقل فِي ذَلِكَ أبياتًا فَقَالَ: أَبلغْ تميمًا غثها وسمينها ... والحكم يَقْصُدُ مَرَّةً ويجور أَن الفرزدق برزت آباؤه ... عفوًا وغُودر فِي الغبار جَرِير مَا كنتَ أول مقرف عثرت بِهِ ... أعراقه إِن اللئيم عثور ذهب الفرزدق بالفضائل والعلى ... وابن المراغة مفحم محسور فكتبها بشر، وبعث بِهَا إِلَى جَرِير مَعَ رَسُول، وَقَالَ: لا تبرح حَتَّى ينقضها فذلك حِينَ يَقُول جرير:

يا بِشْرُ حقَّ لوجهك التبشير ... هَلَّا غضبت لَنَا وأنت أمِير قَدْ كَانَ حقًا أَن تقول لبارقٍ ... يا آل بارق فيم سُبَّ جَرِير أسراق إنك قَدْ كسبت لبارق ... أمرًا مَطَالِعُهُ عليك وعور تعطى النِّسَاء مهورهنَّ سياقة ... ونساء بارق مَا لهن مهور لا يدخلن عليك إن دخولهم ... رجس وإن خروجهم تطهير إِن الكريمة تنصر الكرم ابنها ... وابن اللئيمة للئام نصور فلما قرئت القصيدة عَلَى بشر قَالَ: أما وجد ابْن المراغة رسولًا غيري وَقَالَ جَرِير: يا رُبَّ قائلة تقول وقائلٍ ... أسراقُ إنك قَدْ غويت سراقا إِن الَّذِينَ عووا عواءك قَدْ لقوا ... مني صواعق تقطع الأعناقا ولقد هممت بأن أدمر بارقا ... فحفظت فيهم عمنا إسحاقا [1] قَالُوا: وجعل جَرِير يوما ينشد، وسراقة يَقُول: أحسنت والله، فَقَالَ لَهُ: يا فتى من أَنْتَ؟ قَالَ بَعْض من أخزى اللَّه عَلَى يدك، قَالَ: وأيهم أَنْتَ؟ قَالَ: سراقة البارقي، قَالَ: لو علمت أنك عَلَى مَا شاهدت لعفوت عَنْك. وَقَالَ ابْن قَيْس الرقيات فِي بشر بْن مَرْوَان: يا بشر يا بن الجعفرية مَا ... خلق الإله يديك للبخل جاءت بِهِ عجز مقابلة ... مَا هن من جرم ولا عكل فَقَالَ لَهُ بشر: احتكم، قَالَ: أعطني عشرين ألف درهم، قَالَ: قبحك اللَّه لَك عشرون وعشرون، وعشرون وعشرون، فأعطاه مائة ألف

_ [1] ديوان جرير ص 313- 314 مع فوارق وتقدم هذا في ص 2583.

درهم، وَقَدْ قَالَ قوم: إِن هَذَا الشعر لابن الزُّبَيْر الأسدي، وقيل: لأعشى بَنِي أَبِي ربيعة، وفيها أَنْتَ ابْن الاشياخ الَّذِينَ لَهُمْ ... فِي بطن مَكَّة عزة الأصل [1] وَقَالَ ابْن الزبير: كأنّ بني أمية حول بشر ... نجوم وسطها قمر منير هُوَ الفرع المقدم فِي قريش ... إِذَا أخذت مآخذها الأمور فأمر له بخمسة آلاف درهم. وَكَانَ بشر يغري بَيْنَ الشعراء، قَالُوا: أنشد أعشى بَنِي أَبِي ربيعة بشرا: أمست أمية بَعْد اثنين قَدْ علموا ... لو يوزنون ببشر كلهم غلبوا فَقَالَ مَا صنعت شَيْئًا فَقَالَ: وجدنا مَا خلا أخويه بشرا ... من الأحياء سادة عَبْد شمس وجدتك أمس خير بَنِي معد ... وأنت اليوم خير منك أمس وأنت غدا تزيد الخير ضعفا ... كذاك تزيد سادة عَبْد شمس فَقَالَ مَا صنعت شَيْئًا فَقَالَ: مكثت زمانا ثالثا ثُمَّ لَمْ يزل ... بك الجري حَتَّى كنت أَنْتَ المصليا [2] قَالَ: نعم، قَالَ: إِن شئت جعلتك سابقا؟ قَالَ: أما هَذَا فلا، وأعطاه عشرة آلاف درهم وكساه.

_ [1] ديوان ابن قيس الرقيات- ط. دار صادر بيروت ص 191 [2] المصلي: الثاني بحلبة السباق.

حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة قَالَ: أعوز بشر بْن غالب حَتَّى لزم بيته فأتت امرأته عِكْرِمَة بْن ربعي فَقَالَتْ: هل أَنْتَ مسلفي خمسمائة درهم، فدفعها إِلَيْهَا وبعث رسولا ليعلم اين صارت، فلما عرف الَّذِي لَهُ استسلفت الخمس المائة الدرهم أخذ ألف دِينَار وقرع عَلَى بشر بْن غالب الأسدي بابه ليلا وَقَالَ: هذه ألف دِينَار فاقبضها، وَقَالَ إِن تيسر رددت وإن تعذر فَهُوَ لَك، قَالَ ومن أَنْتَ؟ قَالَ: إِذَا قبضت المال أخبرتك فلما قبضه قَالَ: أنا عِكْرِمَة بْن ربعي جَابِر عثرات الكرام، فدخل بشر بيته مهموما فَقَالَتْ لَهُ امرأته: مَالِك؟ فأخبرها خبر عِكْرِمَة وَمَا صنع وَقَالَ: لا أزال متضائلا حَتَّى أرد ماله أَوْ أكافيه، قَالَتْ: فمنه والله أخذت الخمس المائة، فلما قدم بشر بْن مَرْوَان الكوفة أرسل إِلَى بشر بْن غالب الأسدي يسأله أَن يلي شرطته، وَكَانَ إِذَا ولى رجلا شرطته أمر لَهُ بمائة ألف درهم، فَقَالَ: لست أضبط أمر الشرطة ولا أقوم بِهِ ولكني أشير عليك برجل؟ قَالَ: ومن هُوَ؟ قَالَ: عِكْرِمَة بْن ربعي فولاه شرطته وأمر لَهُ بمائة ألف درهم. قَالَ الْمَدَائِنِي: كَانَ أيمن بْن خريم بْن فاتك عِنْدَ عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان بمصر، فدخل عَلَيْهِ نصيب فأنشده مديحًا امتدحه بِهِ فَقَالَ لأيمن: نصيب أشعر منك، قَالَ: لا والله ولكنك ظرف ملول، فَقَالَ: أتقول إنني ملول وأنا أؤاكلك مذ كَذَا وكذا، وَكَانَ بأيمن بياض فِي يده فغضب، ولحق ببشر بْن مَرْوَان وَقَالَ: ركبت من المقطم فِي جمادى ... إِلَى بشر بْن مَرْوَان البريدا فلو أعطاك بشر ألف ألف ... رأى حقا عَلَيْهِ أَن يزيدا فأمر لَهُ بمائة ألف درهم.

قَالَ: ومر بِهِ نصيب بالكوفة فَقَالَ لَهُ: إني تركت غديرًا ناضبًا وأتيت بحرا زاخرًا. وَكَانَ بشر لا يؤاكل أيمن واشتهى يوما لبنا وَقَالَ للحاجب اخرج فانظر لي من يأكل معي، فخرج فأدخل أيمن بْن خريم فلما رآه بشر ساءه، فَقَالَ: إني اشتهيت البارحة لبنا فهيئ لي، وأصبحت أنوي الصوم فأتيت باللبن فلما وضع بَيْنَ يدي ذكرت أني صائم وليس أحد بأحق بأكله منك، فدونكه فلم يلبث أَن صفره وَكَانَ يغير بياض يده بالزعفران. حَدَّثَنِي الْحَسَن الوراق عَنْ هِشَام ابن الكلبي قَالَ: كَانُوا يقولون إِن دِيَة الضرطة أربعون درهمًا وقطيفة، فأتى بشر بْن مَرْوَان بتراس فأمر جلساءه بغمزها، فغمز رجل من بَنِي هلال ترسا منها فضرط، فضحكوا منه فغضب بشر وَقَالَ: وكم دِيَة الضرطة؟ قَالُوا: أربعون درهما وقطيفة، فأمر للهلالي بأربعين ألفا وأربعين قطيفة خز، فَقَالَ الشاعر: أيضرط ضارط من غمز ترس ... فيعطيه الأمير لَهَا بدورا فيا لَك ضِرطةً عادت بخير ... ويا لَك ضرطة أغنت فقيرا فود الْقَوْم أَن ضرطوا جميعا ... فنالوا من عطيته عشيرا أيقبل ضارطا ألفًا بألف ... ليرخص أصلح اللَّه الأميرا فلما أنشد الشعر قَالَ: لا حاجة لنا فِي ضراطه، وأمر له بأربعة آلاف درهم وهذا الثبت، وقوم يزعمون: أنّ الضارط كَانَ عِنْدَ خَالِد القسري. الْمَدَائِنِي، قَالَ: دَخَلَ الأخطل عَلَى بشر وعنده الراعي عبيد بْن حصين فَقَالَ بشر: أأنت أشعر أم هَذَا؟ قَالَ: أنا أشعر منه وأكرم، فَقَالَ للراعي: مَا تقول؟ قَالَ: أما شعره فلا أدري، وَأَمَّا قَوْله أكرم فَإِن كَانَ فِي

أمهاته من ولدت مثل الأمير فَقَدْ صدق، فلما خرج الأخطل من عِنْدَ بشر قَالَ لَهُ رجل: ويلك أتقول لخال الأمير أنا اكرم منه؟ قال: إنّ أبانسطوس الخمار وضع فِي جمجمتي، أكؤسًا لا والله مَا أعقل معها مَا أقول، وللأخطل فِي بشر شعر. وَقَالَ الكلبي: كَانَ مِمَّن ينادم بشرًا بالبصرة الهذيل بْن عمران بْن الفضيل التميمي ثُمَّ الحنظلي. قَالَ: وَلَمْ يزل بشر عَلَى الكوفة حَتَّى ضمت إِلَيْهِ البصرة سنة أربع وسبعين، فانحدر إِلَى البصرة واستخلف عَلَى الكوفة عَمْرو بْن حريث المخزومي، فكان عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ بشر بالبصرة، وولى الْحَجَّاج العراق. وَقَالَ مَالِك بْن دِينَار: لما مَاتَ بشر ودفن مَاتَ أسود فدفن إِلَى جانبه فتبعنا جنازته ودفن عِنْدَ قبر بشر بْن مَرْوَان، فلما أتت عَلَيْهِ أَيَّام مررت فلم أعرف قبر هَذَا من قبر هَذَا، فذكرت قَوْل الشاعر: وسواء قبر مثر ومقل وَقَالَ الْمَدَائِنِي: كَانَ مقام بشر بالبصرة شهرين، ويقال: أربعة أشهر، وَكَانَ شرب التياذريطوس فأمرضه حَتَّى هلك، وَكَانَ أول أمِير بالبصرة مَاتَ بِهَا، ودفن بشر إِلَى جانب قبر سلم بْن زِيَاد ومشى الفرزدق فِي جنازته ومعه فرس كَانَ حمله عليه، وهو يقوده حتى إِذَا فرغ من دفنه عقر الفرس عَلَى القبر وأنشأ يَقُول: أقول لمحبوك السراة معاود ... سباق الجياد قَدْ أمر عَلَى شزر ألست شحيحا إِن ركبتك بعده ... ليوم رهان أَوْ غدوت معي تجري حلفت لَهُ لا أركب الدهر بعده ... صحيح النسا حَتَّى يكوس عَلَى القبر

وَقَالَ الفرزدق يرثيه: أعيني إلا تسعداني ألمكما ... فَمَا بَعْد بشر من عزاء ولا صبر فلو أَن قوما دافعوا الْمَوْت بعده ... بشيء لدافعت المنية عَنْ بشر ولكن فجعنا والرزيئة مثله ... بأبيض ميمون النقيبة والأمر فإلا تكن هند بكته فَقَدْ بكت ... عَلَيْهِ الثريا فِي كواكبها الزهر أغر أَبُو العاصي أبوه كأنما ... تفرّجت الأبواب عن قمر بدر على ملك كاد النجوم لفقده ... تدهدى وتلك الراسيات من الصخر سيأتي أمِير الْمُؤْمِنيِنَ مصابه ... وعبد الْعَزِيز للإمارة فِي مصر بأن أبا مَرْوَان بشرا أخاهما ... ثوى غَيْر متبوع بعجز ولا غدر [1] فِي قصيدة. ولما احتضر بشر استخلف خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص عَلَى البصرة فكان عَلَيْهَا بَعْد وفاة بشر حَتَّى ولي الْحَجَّاج العراق، فولى الحكم بْن أيوب، ويقال: وجه ابْن أَبِي بكرة، حَتَّى قبض العمل من خَالِد ثُمَّ ولى الحكم بعده. وَقَالَ أَبُو اليقظان: قدم بشر البصرة فأقام بِهَا ستة أشهر ويقال أربعة أشهر، فشرب التياذريطوس فاشتد وجعه، ويقال: شربه بالكوفة ثُمَّ شخص إِلَى البصرة فأمرضه السعب [2] فمات بالبصرة بعد أشهر.

_ [1] ديوان الفرزدق: ج 1 ص 217- 218. [2] يقال سال فمه سعابيب: امتد لعابه كالخيوط، والسعب كل ما تسعب من شراب وغيره. القاموس.

فولد بشر بن مروان:

قَالَ: ولما قدم بشر جعل يسأل عَنِ الأشعار والشعراء وَكَانَ جوادًا. وَقَالَ ابْن الكلبي وغيره: كتب ابْن الزُّبَيْر بَعْد مقتل مُصْعَب بْن الزُّبَيْر إِلَى أهل العراق يدعوهم إِلَى طاعته مَعَ رجل من الأنصار، فنزل الرجل عَلَى نعيم بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة بْن عُدُس بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم، وَكَانَ نعيم يذم بشرا وينسبه إِلَى الفسق والأفن، ويقرظ ابْن الزُّبَيْر، ويدعو إِلَى طاعته سرا، ويقال: إنه كَانَ مَعَ الأَنْصَارِي كتاب إِلَى نعيم، فعلم حوشب بْن يَزِيدَ بْن الحارث بْن يَزِيدَ بْن رويم الشيباني بخبر الأَنْصَارِي ونعيم، فسعى بنعيم إِلَى بشر فقتل الأَنْصَارِي وقتل نعيمًا، وَقَالَ بَعْضهم: سعى بنعيم يَزِيد بْن الْحَارِث، وَذَلِكَ وَهُمْ لأن يَزِيد قتل بالري حِينَ لقيته الخوارج، وَقَالَ بَعْضهم: إِن الأَنْصَارِي لما قتل جعل نعيم يذكر ابْن الزُّبَيْر بخير ويذكر بشرا بشر، فسعى بِهِ يَزِيد فدعا بِهِ بشر فقتله صبرًا، وأنه لَمْ ينزل عَلَى نعيم ولا كَانَ مَعَهُ كتاب، والله أعلم. قَالُوا: وَكَانَ بشر بْن مَرْوَان يطعم خاصته وحرسه، ولا يطعم العامة، وَكَذَلِكَ كَانَ مُصْعَب بْن الزُّبَيْر قبله. فولد بشر بْن مَرْوَان: الحكم. وأمه أم كلثوم بنت أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، وعبد الْعَزِيز بْن بشر بْن مَرْوَان، وأمه ابنة خَالِد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وعبد الْمَلِك بْن بشر، أمه هند بنت أسماء بْن خارجة الفزاري، وَكَانَ عَبْد الْمَلِك سخيًا مطعامًا للطعام.

فحدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ بالكوفة فتيان يطعمون الطعام مِنْهُم: عَبْد الْمَلِك بْن بشر بْن مَرْوَان، وَكَانَ أكثرهم طعامًا وأسخاهم بِهِ، وعبد اللَّه بْن عُمَارَةَ بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وخالد بْن الْوَليِد بْن عُقْبَةَ بْن أَبِي معيط، وعمران بْن موسى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ، فقدم الْمُغِيرَة الأعور بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بن هشام بن المغيرة المخزومي الكوفة فغمرهم، وَكَانَ يتخذ فيما يقال حيسة يأكل منها الراكب، وتجعل عَلَى الأنطاع، وَكَانَ ينفق فِي كُل يَوْم عَلَى مائدته دنانير كثيرة، فَقَالَ الأقيشر: أتاك البحر طم عَلَى قُرَيْش ... مغيري فَقَدْ راغ ابْن بشر وراغ الجدي جدي التيم لما ... رأى المعروف منه غَيْر نزر ومن أولاد عقبة قَدْ شفاني ... ورهط الحاطبي ورهط صخر [1] وَكَانَ مسلمة بْن عَبْد الْمَلِك ولى عَبْد الْمَلِك بْن بشر البصرة، ثُمَّ عزله فَقَالَ الفرزدق عزل ابْن بشر وابن عَمْرو عَنْهُم ... وَأَخُو هراة لمثلها يتوقّع [2] ورأى عبد الملك بن بشر ابن عبدل الشاعر فَقَالَ لَهُ: مَا أغضبك عَلِي؟ قَالَ: جفاؤك لي، وَقَدْ رَأَيْت رؤيا قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ فأنشده: مَا بال عينك لا يجف سجامها ... أقذى بِهَا أم عادها تهمامها حتى بلغ قوله:

_ [1] ليست في ديوان الأقيشر المطبوع. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 408 مع فوارق.

أغفيت عِنْدَ الصبح نوم مسهد ... فِي ساعة مَا كنت قبل أنامها فرأيت أنك جدت لي بوصيفة ... مغنوجة حسن عَلِي قيامها وببدرة حملت إلي وبغلة ... شقراء ناجية يصل لجامها فدعوت ربي أَن يثيبك جنة ... عني ينالك بردها وسلامها فبعث إِلَيْهِ بِذَلِكَ كله، وزاده وَقَالَ: هَذَا كَانَ فِي رؤياك فنسيت أَن تذكره، ويقال: إنه قَالَ: كُل هَذَا عندي إلا البغلة فَمَا عندي شقراء، ولكن دهماء فَقَالَ الطلاق لازم لَهُ إِن كَانَ رآها إلا دهماء ولكن غلط. وولد عَبْد الْمَلِك بْن بشر أبان والحكم كانا مَعَ ابْن هبيرة وقتلا مَعَهُ بواسط يَوْم قتل. وَقَالَ خلف بْن خليفة الأقطع من بَنِي قَيْس بْن ثعلبة بْن عكابة، وذكر فِي شعره من كَانَ يدخل عَلَى ابْن هبيرة. وقامت قريش قريش البطاح ... هِيَ العصب الأَوَّل الداخلة يقودهم الفيل والزندبيل ... وذو الضرس والشفة المائلة الفيل والزندبيل أبان والحكم ابنا عَبْد الْمَلِك بْن بشر، وذو الضرس خَالِد بْن سلمة المخزومي، وَهُوَ ذو الشفة المائلة أيضًا. قَالُوا: وتزوج عَبْد الْمَلِك بْن بشر أم سَعِيد بنت سَعِيد بْن خَالِد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن الْوَلِيد بْن عقبة: أسعدة هل إليك لنا سبيل ... وهل حَتَّى الْقِيَامَة من تلاق بلى ولعل ذَلِكَ أَن يوافى ... بموت من حليلك أَوْ طلاق فطلقها فلست لَهَا بكفء ... ولو أعطيت هندا فِي الصداق

قَالُوا: ولى مسلمة بْن عَبْد الْمَلِك البصرة عَبْد الْمَلِك بْن بشر، فولى شرطته شريك بْن مُعَاوِيَة الباهلي، وولى الْقَضَاء موسى بْن أَنَس بْن مَالِك، وأقام مسلمة بالعراق ثمانية أشهر، ويقال ستة أشهر، فلما ولي عُمَر بْن هبيرة وعزله عَبْد الْمَلِك قَالَ: جئت بشرا زائرا ... فوجدته والله سحا فِي أبيات. وَقَالَ ابْن عبدل الأسدي: إني امرؤ نزه يعصى الهوى كرمي ... فمربضي مربض الوحشي ذي الزمع وَقَدْ تركت ابْن بشر أَن ألم بِهِ ... وَمَا تركت أبا مَرْوَان من شبع فِي أبيات. وَقَالَ ذو الرمة: إِذَا مَا عددنا يا بن بشر ثقاتنا ... عددتك فِي نفسي بأولى الأَصَابِع [1]

_ [1] ديوان ذي الرمة- ط. بيروت 1993 ص 818.

وأما عبد العزيز بن مروان

وَأَمَّا عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان ويكني أبا الأصبغ، فَإِنَّهُ كَانَ جوادًا كريمًا، ولي العهد بَعْد عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان فمات قبله بمصر، وَكَانَ عَبْد الْمَلِك أراد خلعه وتولية الْوَلِيد ابنه فمات قبل ذَلِكَ، وفيه يَقُول كثير: شهدت ابْن ليلى فِي مواطن جمة ... يَزِيد بِهَا ذا الحلم حلما حضورها فلا هجرات القول تؤثر عنده ... ولا كلمات النصح مقصى مشيرها [1] وَقَالَ كثير: قليل الألايا حافظ ليمينه ... إذا سبقت منه الإلية برت [2] وَقَالَ أيمن بْن خريم بْن فاتك فِي عَبْد الْعَزِيز حِينَ ولاه أخوه مصر: فبشر أهل مصر فَقَدْ أتاهم ... مَعَ النيل الَّذِي فِي مصر نيل فتى لا يرزأ الخلان إلا ... مودتهم ويرزؤه الخليل

_ [1] ديوان كثير- ط. بيروت ص 108 مع فوارق. [2] ديوان كثير ص 59. والألايا جمع ألوه وهي اليمين وما يقسم به.

وَقَالَ أيضًا: أما يستحي النَّاس أَن يعدلوا ... بعبد الْعَزِيز ابْن ليلي أميرا وَقَدْ جرب النَّاس عَبْد الْعَزِيز ... صغيرًا وَقَدْ جربوه كبيرا ترى قدره معلما بالفناء ... تلقم بَعْد جزور جزورًا وَقَالَ رجل من كلب: إِلَى عَبْد الْعَزِيز فتى قريش ... رحلنا العيس عشرًا بَعْد عشر وَقَالَ رجل من خثعم زار عَبْد الْعَزِيز فجفاه: أرى عَبْد الْعَزِيز يصد عني ... بأنف مثل فيشلة الحمار فَمَا عَبْد الْعَزِيز لنا برب ... وَمَا دار الهوان لنا بدار وَقَالَ عُبَيْد اللَّهِ بْن قَيْس الرقيات: أعني ابن ليلى عبد العزيز ببا ... ب اليون [1] تأتي جفانه رذما الواهب البخت والوصائف ... كالغزلان والْخَيْل تألك اللجما [2] فوهب لَهُ من كُل مَا ذكره وأعطاه مالا. وَقَالَ كثير يرثيه: أبعد ابْن ليلى يأمل الخلد واحد ... من الناس أو يرجو الثراء مثمر [3]

_ [1] باب اليون حيث أقيمت الفسطاط. [2] ديوان ابن قيس الرقيات ص 152- 155 مع فوارق. [3] ديوان كثير ص 100.

وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي جهم بْن حذيفة العدوي: أبعدك يا عَبْد الْعَزِيز لحاجة ... وبعد أَبِي الزبان يستعتب الدهر فلا صلحت مصر لحي سواكما ... ولا سقيت بالنيل بعدكما مصر ولا زال مجرى النيل بعدك يابسا ... يموت بِهِ العصفور واستبطئ القطر أَبُو الزبان الأصبغ بْن عَبْد الْعَزِيز، مَاتَ قبل أَبِيهِ بخمس عشرة ليلة. وَقَالَ الْمَدَائِنِي وغيره: كَانَ عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق، ويقال: مُصْعَب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف حد عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان فِي الشراب فَقَالَ الشاعر: وددت وَبَيْت اللَّه أني فديته ... وعبد الْعَزِيز حِينَ يجلد فِي الخمر قَالُوا: فوجد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز إِسْحَاق بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر فِي بَيْت خليدة العرجاء فجلده عُمَر الحد، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: يا عُمَر عَلَى ودك النَّاس كلهم مجلودون يعرض بأبيه عَبْد الْعَزِيز. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: خطب عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان أم عَاصِم بْنت عَاصِم بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب فزوجها، وحملت إِلَيْهِ وَهُوَ بمصر واليها فتوفيت عنده، فتزوج حفصة بنت عَاصِم وَكَانَ زوجها قبله إِبْرَاهِيم بْن نعيم النحام العدوي، فقتل عَنْهَا بالحرة وحملت إِلَيْهِ إِلَى مصر أيضًا وكانت أم عَاصِم حِينَ مرت بأيلة أهدى لَهَا معتوه كَانَ هناك، يقال لَهُ شرشير هدية فأثابته وأحسنت إِلَيْهِ، فلما مرت بِهِ حفصة أهدى لَهَا كَمَا أهدى لأم عَاصِم أختها فدنت فيما وهبت لَهُ، أَوْ أغفلته فَقَالَ: هيهات ليست حفصة من رجال أم عَاصِم.

وولد عبد العزيز

وولد عَبْد الْعَزِيز عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ولي الخلافة وسنذكر خبره إِن شاء اللَّه، وأبا بَكْر بْن عَبْد الْعَزِيز، وعَاصِما، أمهما أم عَاصِم بنت عَاصِم بْن عُمَر الْخَطَّاب، وأمها عُمَارَةُ ثقفية، والأصبغ لأم ولد، وسهلًا، وسهيلًا، وأم الحكم، أمهم أم عَبْد اللَّهِ بنت عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن العاص، وزبان، وأم البنين كانت عِنْدَ الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك، أمهما ليلى بنت سهيل جعفرية. وَكَانَ أَبُو بَكْر من خيار الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَلَى توليته عهده وَكَانَ معجبا بِهِ. وَأَمَّا عَاصِم بْن عَبْد الْعَزِيز فكان مخنثًا. وَأَمَّا سهيل فولد عَمْرو بْن سهيل، وَكَانَ يلقب كيلجة لقصره، وَكَانَ عَمْرو من رجال قريش ولاه عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز البصرة، فعزل المسور عَنْ شرطته وولاها رجلا من بَنِي سدوس، وَكَانَ المسور يتولى الشرطة لمن قبله فجانبه المسور ودب فِي بَنِي تميم فكان فِي فتنة حَتَّى عزل ابْن سهيل، وسنذكر خبره فِي موضعه إِن شاء اللَّه. وَكَانَ الأصبغ بْن عَبْد الْعَزِيز، وَهُوَ أَبُو الزبان، عالما، وَكَانَ لَهُ قدر فِي بَنِي أمية يتعاطى الزجر والنجوم، هلك بمصر قبل أَبِيهِ بخمس عشرة ليلة. ومن ولده دحية بْن مُصْعَب بْن الأصبغ، خرج عَلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ موسى الهادي بْن الْمَهْدِي، فقتله الفضل بْن صَالِح بْن عَلِي بمصر بَعْد قتال، وبعث برأسه إِلَى الهادي، ويقال: بَل حاربه وقتله عَلِي بْن سُلَيْمَان بْن عَلِي.

وأما محمد بن مروان

وَأَمَّا مُحَمَّد بْن مَرْوَان ويكنى- فيما أَخْبَرَنِي بِهِ هِشَام بْن عمار- أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وأمه أم ولد، وَكَانَ من أشد ولد مَرْوَان وأشجعهم فِي حسن خلق، وَكَانَ عَبْد الْمَلِك يحسده عَلَى شجاعته، ويحب أَن يضع منه، وَكَانَ وجهه لمحاربة مُصْعَب فقتله وقتل إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، فازداد عَبْد الْمَلِك حسدًا لَهُ، وفيه يَقُول الشاعر: جمع ابْن مَرْوَان الأغر محمد ... بين ابن أشترهم وبين المصعب وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة متقدمًا محمدًا عِنْدَ عَبْد الْمَلِك، وَذَلِكَ لأن أخته عاتكة بنت يَزِيد كانت عنده، وَكَانَ يحبها، فَقَالَ ابْن وابصة: لا تجعلن مثديًا ذا سرة ... ضخما سرادقه عظيم الموكب كأغر يتخذ السيوف معاقلا ... يمشي بسكته كمشي الأنكب وَقَدْ كتبنا الشعر فِي خبر مصعب.

فولد محمد بن مروان:

الْمَدَائِنِي، قَالَ: كَانَ عَبْد الْمَلِك يحسد محمدًا لما يرى من جلده وبأسه وعارضته، ولا سيّما بَعْد قتله مُصْعَب بْن الزُّبَيْر، فعزم مُحَمَّد عَلَى إتيان أرمينية لغزو العدو بِهَا فأمر بإبله فرحلت وعزم عَلَى الشخوص إِلَيْهَا، فدخل عَلَى عَبْد الْمَلِك مودعا فَقَالَ: إني أريد أرمينية والغزو بِهَا وتمثّل: فإنك لَنْ ترى طردًا لحرٍّ ... كإلزاقٍ بِهِ طرف الهوان ولو كُنَّا بِمنزلةٍ جَميعًا ... جريتَ وأنت مضطرب العنانِ فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: أقسمت عليك يا أخي لمّا أقمت فو الله لا أقذيت عينك أبدًا، ولا رَأَيْت مني مكروها أبدًا، وولاه الموصل والجزيرة وأرمينية. وغزا مُحَمَّد بْن مَرْوَان فِي سنة خمس وسبعين فهربت الروم منه. وَفِي هذه السنة غزا يَحْيَى بْن الحكم كلبا فنال مِنْهُم. فولد مُحَمَّد بْن مَرْوَان: يَزِيد، وأمه أم يَزِيد بنت يَزِيد بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن شيبة بْن ربيعة، وعَبْد الرَّحْمَنِ، وأمه أم جَميل من ولد عُمَر بْن الْخَطَّاب، وعبد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد، لأم ولد، ومروان بْن مُحَمَّد، ويكنى أبا عَبْد الْمَلِك وأمه كردية أخذها أبوهُ من عسكر ابن الأشتر، فيقال: إنه أخذها وبها حبل، فولدت عَلَى فراشه، ومروان هُوَ الجعدي، وَقَدْ ولي الخلافة وسنذكر خبره إِن شاء اللَّه. وَكَانَ مَرْوَان قَدْ ولي الجزيرة وأرمينية لهشام بْن عَبْد الْمَلِك، وللوليد بْن يَزِيد بْن عَبْد الْمَلِك من بعده، فلما بلغه مقتل الْوَلِيد انصرف إِلَى الجزيرة، ثُمَّ طلب بدم الْوَلِيد وسماه الخليفة المظلوم، وَقَالَ: أمري شبيه بأمر معاوية

فِي طلبه بدم عُثْمَان، وَكَانَ مَرْوَان رجلا من الرجال، إلا أَنَّهُ كَانَ بخيلًا، فولي الأمر بَعْد خلع إِبْرَاهِيم بْن الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك خمس سنين، وقتل بمصر فِي سنة ثَلاث وثلاثين ومائة، وَهُوَ ابْن تسع وستين سنة، وسنذكر أخباره إِن شاء اللَّه تعالى.

أمر عبد الله بن الزبير في أيام مروان وعبد الملك بن مروان والأحداث في فتنة

أمر عبد الله بن الزبير في أيام مَرْوَان وعبد الْمَلِك بْن مَرْوَان والأحداث فِي فتنة حَدَّثَنِي جَمَاعَة من الْعُلَمَاء سقت حَدِيثهم قَالُوا: لما دعا ابْن الزُّبَيْر النَّاس إِلَى بيعته بَعْد موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَة بايعوه عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين، وَكَانَ مِمَّن بايعه عُبَيْد اللَّهِ بْن عَلِي بن أبي طالب، وقبض ابن مطيع يده، فقام مُصْعَب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف فبايع، فَقَالَ النَّاس: أبى ابْن مطيع أَن يبايع، وبايع مُصْعَب أمر فِيهِ صعوبة، وبايعه عبد الله بن جعفر، وأراد ابن الحنفية عَلَى البيعة فأبى، وأبى ابْن عُمَر أَن يبايع، وَقَالَ: أنا لا أعطي صفقة يميني فِي فرقة، ولا أمنعها فِي جَمَاعَة، وَقَالَ لَهُ الزم الْمَدِينَةَ حيث بويع الخلفاء فلم يفعل. وَقَالَ أَبُو حرة مولى خزاعة لما دعا لنفسه: ألهذا نصرناك إِنَّمَا كنت تدعو إِلَى الرضى والشورى، أفلا صبرت وشاورت فنختارك ونبايعك وَقَالَ: أبلغ أمية عني إِن عرضت لها ... وابن الزبير وأبلغ ذلك العربا أن الموالي أضحت وهي عاتبة ... على الخليفة تشكو الجوع والحربا إخوانكم إن بلاء حل ساحتكم ... ولا ترون لنا فِي غيره نسبا نعاهد اللَّه عهدا لا نخيس بِهِ ... أَن نقبل اليوم شورى بَعْد من ذهبا

وأتت ابْن الزُّبَيْر بيعة الأفاق إلا الأردن، وأخرج ابْن زِيَاد من البصرة وتراضى أهلها بببة، ثُمَّ كثر الخوارج وتحازب أهل البصرة فِي العصبية بَيْنَ مضر، وربيعة، والأزد، فاعتزل أمرهم فكتبوا إِلَى ابْن الزُّبَيْر يسألونه أَن يستعمل عَلَيْهِم رجلًا، فكتب إِلَى أَنَس بْن مَالِك فصلى بالناس أربعين يومًا، ثُمَّ بعث ابْن الزُّبَيْر إِلَى عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر القرشي ثُمَّ التَّيْمِي بعهده عَلَى البصرة فوافقه وَهُوَ يريد العمرة، فكتب إِلَى أخيه عُبَيْد اللَّهِ بْن مَعْمَر فصلى بالناس، وقام بأمرهم حَتَّى قدم. وبايع لابن الزُّبَيْر باليمن بجير بْن ريسان، وَكَانَ قبله عاملًا ليزيد بْن مُعَاوِيَة. ودعا لَهُ بخراسان عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي. وولى جَابِر بْن الأسود بْن عوف الْمَدِينَةَ. وأصابت النَّاس بالمدينة مجاعة، وَكَانَ عَلَيْهَا ابْن أَبِي ثور حليف بَنِي عَبْد مناف، من قبل ابْن الزُّبَيْر، فكان النَّاس فِي جهد ينالون من ليل إِلَى ليل حسى من حنطة مطبوخة وعدس فوعظهم وأمرهم بالتناهي عَنِ المعاصي، وَقَالَ: إِن اللَّه أهلك قوم صَالِح فِي ناقة قيمتها خمسمائة درهم فسمي مقوم الناقة. الْمَدَائِنِي، قَالَ: ولى ابْن الزُّبَيْر الْمَدِينَةَ جَابِر بْن الأسود ثُمَّ عُبَيْدَة بْن الزُّبَيْر، وبعث بمصعب بْن الزُّبَيْر لقتل الأسرى من أَصْحَاب حبيش بْن دلجة، وولى بَعْد عُبَيْدَة ابْن أَبِي ثور ثُمَّ عزله، وولى الحارث بن حاطب الجمحي ثم عزله، وولى جَابِر بْن الأسود، ويقال جَعْفَر بْن الزُّبَيْر، ثُمَّ وهب بْن معتب مولى الزُّبَيْر، ثُمَّ رجلا يكنى أبا قَيْس، فَقَالَ الناس: كان

ليزيد أَبُو قَيْس لا يضر ولا ينفع، يعنون قرد يَزِيد الَّذِي كَانَ يكنيه أبا قَيْس، ولابن الزُّبَيْر أَبُو قَيْس يضر ولا ينفع. الْمَدَائِنِي عَنْ عامر بْن أَبِي مُحَمَّد، قَالَ: قاتل مَعَ ابْن الزُّبَيْر أربعون امْرَأَة فقتلت امْرَأَة يقال لَهَا شعثاء، فَقَالَ رجل من أهل الشام: وكانت لشعثا فِي القتال بصيرة ... بَل كَانَ بغية أهلها بالأردن وأخذت مريم بنت طَلْحَةَ سَيْفا وَقَالَتْ: لئن دَخَلَ عَلَيْنَا أهل الشام لنقاتلنهم. وأعطي ابْن الزُّبَيْر الأمان فِي بَعْض أيامه، إِمَّا فِي أَيَّام يَزِيد أَوْ فِي أَيَّام عَبْد الْمَلِك فَقَالَ: والله لا أخلعها حَتَّى يخلعها الْمَوْت، ولو فعلت مَا بقيت إلا قليلا حَتَّى أموت وتمثل: الْمَوْت أكرم من إعطاء منقصة ... إلا نمت عبطة فالغاية الهرم قَالَ: وبلغ ابْن الزُّبَيْر أَن الْحَجَّاج كَانَ يَقُول: احذروا أَن يفر كَمَا فر أبوه فَقَالَ: هُوَ عدو اللَّه الفرار بْن الفرار يَوْم الربذة. الْمَدَائِنِي، قَالَ: كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر يشمر إزاره، ويحمل الدرة يتشبه بعمر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فَقَالَ أَبُو حرة: لَمْ نر من سيرة الفاروق عندكم ... غَيْر الإزار وغير الدرة الخلق [1] قَالَ: وكانت عِنْدَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر قهطم بنت منظور بْن زبان، ويقال تماضر، فولدت لَهُ حمزة وماتت، فتزوج أختها أم هاشم، فَقَالَ الْحَجَّاج عجبًا لرجل تزوج امْرَأَة لَمْ تنجب ثُمَّ تزوج أختها، وخرج حمزة بن

_ [1] بهامش الأصل: يعني الإزار الخلق.

عَبْد اللَّهِ بْن (الزُّبَيْر) يريد الْحَجَّاج فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر لأم هاشم: من الخارج؟ قَالَتْ: حمزة، قَالَ أي الحمزتين، يَعْنِي حمزة هَذَا وحمزة بن الزبير، أمّه كلبية، وَهُوَ أَخُو مُصْعَب لأمه الرباب بنت أنيف، قَالَتْ: ابْن الكلبية فَقَالَ كذبت ولو ولدت الكلبية النَّاس جميعا مَا كَانُوا إلا صبرا، ولكنه ابْن أختك. قَالُوا: واصطلح أهل الكوفة عَلَى عامر بْن مَسْعُود بَعْد موت يَزِيد وهرب ابْن زِيَاد إِلَى الشام، فأقره ابْن الزُّبَيْر أشهرًا ثُمَّ عزله وولى عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد الْخَطْمِيّ من الأنصار الصلاة، وإبراهيم بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ الخراج، وَكَانَ يقال لعامر بْن مَسْعُود دحروجة الجعل لقصره، وَهُوَ عامر بْن مَسْعُود بْن أمية بْن خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح بْن عَمْرو بْن هصيص بْن كعب. فخطب أهل الكوفة فَقَالَ إِن لكل قوم أشربة ولذات فاطلبوها فِي مظانها وعليكم بِمَا يجمل ويحل منها، واكسروا شرابكم بالماء، وتواروا عني بِهَذِهِ الجدران، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن همام السلولي: إشرب شرابك وأنعم غَيْر محسود ... واكسره بالماء لا تعص ابْن مَسْعُود إِن الأمير لَهُ فِي الخمر مأربة ... فاشرب هنيئا مريئا غَيْر تصريد [1] وَقَالَ آخر: من ذا يحرم ماء المزن خالطه ... فِي قعر خابئة ماء العناقيد إني لأكره تشديد الرواة لنا ... فِيهَا ويعجبني قَوْل ابْن مسعود فلما بلغ ابن مَسْعُود قَوْل ابْن همام قَالَ: قطع اللَّه لسان عدل الحمار، فقد أساء القول، وذهب إلى قول الأخطل:

_ [1] الصرد: الخالص من كل شيء. القاموس.

بئس الفوارس عِنْدَ مختلف القنا ... عدلا الحمار محارب وسلول [1] وَحَدَّثَنِي العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ: خطب عامر بْن مَسْعُود فَقَالَ: يا أهل الكوفة لأنسينكم سيرة عُمَر بْن الْخَطَّاب، قَالَ: وَقَالَ يومًا: يا أهل الكوفة إني قَدْ تزوجت امْرَأَة من بَنِي نصر بْن مُعَاوِيَة فأعينوني بأرزاقكم شهرًا فَقَالَ قائل: نعم، فأخذ أرزاقهم كلها لشهر، قَالَ: وحصب ذَات يَوْم عَلَى المنبر فغطى وجهه بكمه وَقَالَ: لَمْ ذا حسبكم الآن. وَقَالَ ابْن همام السلولي: ما زلت أرجو أبا حفص وسيرته ... حَتَّى نكحت بأرزاق المساكين أنكحتم يا بَنِي نصر فتاتكم ... وجها يشين وجوه الربرب [2] العين أنكحتم لا فتى دنيا يعاش بِهِ ... ولا شجاعا إِذَا شقت عصا الدين يا بن الزُّبَيْر لَقَدْ وليته شبقا ... كز اليدين بخيلًا غَيْر عنين لا يستطف لَهُ مال فيتركه ... ولا يَقُول لما يعطاه يكفيني قَالُوا: وولى عامر عمالًا فأساءوا السيرة ومالوا إِلَى الخيانة، فَقَالَ ابن همّام في ذلك: يا بن الزُّبَيْر أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ألم ... يبلغك مَا فعل العمّال بالعمل باعو التجار طعام الأرض واقتسموا ... صلب الخراج شحاحا قسمة النفل وقدموا لَك شيخا كاذبا خذلا ... مهما يقل لَك شيخ كاذب يقل الشيخ هُوَ مرثد بْن شراحيل كَانَ أمينًا عَلَى التجار في بيع الطعام.

_ [1] ديوان الأخطل ص 302. [2] الربرب: القطيع من بقر الوحش. القاموس.

وفيك طَالِب حق ذو مزابنة [1] ... جلد القوى لَيْسَ بالواني ولا الوكل أشدد يديك بزيد إِن ظفرت بِهِ ... واشف الأرامل من دحروجة الجعل زَيْد خازنه وَهُوَ مولى عتاب بْن ورقاء. إنا منينا بضب من بَنِي خلف ... يرى الخيانة شرب الماء بالعسل يَعْنِي عامرًا. خذ العصيفير فانتف ريش ناهضه ... حَتَّى ينوء بشر بَعْد مقتبل يَعْنِي عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عصيفير الثقفي، وَكَانَ عَلَى المدائن، وَهُوَ الَّذِي مَاتَ الأحنف فِي داره بالكوفة. وَمَا أمانة عتاب بسالمة ... لا غمز فِيهَا ولكن جمة السبل يعنى عتاب بْن ورقاء كَانَ عَلَى أصبهان. وقيس كندة قَدْ طالت إمارته ... بسرّة الأرض بين السهل والجبل قال هشام ابن الكلبي: هُوَ قَيْس بْن يَزِيد بْن عَمْرو بْن شراحيل بْن النعمان بْن المنذر بْن مالك بْن الْحَارِث الكندي، وَبَعْض من لا علم لَهُ يَقُول: هُوَ قَيْس بْن الأشعث. وخذ حجيرا فأتبعه محاسبة ... ومن عذرت فلا تعذر بَنِي قفل يَعْنِي حجير بْن حجار بْن الحر، ويقال: حجير بْن جعيل الجمحي، كَانَ عَلَى الزوابي أَوِ الزاذانات [2] ، وبنو قفل من تيم اللَّه بْن ثعلبة كَانَ مِنْهُم قوم عَلَى صدقات بَكْر بْن وائل.

_ [1] المزابنة: بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر. [2] زاذان: موضع الرقة. معجم البلدان.

مَا رابني مِنْهُم إلا ارتفاعهم ... إِلَى الخبيص عَنِ الصحناة والبصل وَمَا غلام عَلَى أرض مسالمة ... كمن غزا دستبي غَيْر مجتمل يجبى إِلَيْهِ خراج الأَرْض متكئا ... مستهزئا بغناء القينة الفضل والوالبي الَّذِي مهران أمره ... فزال مهران مذموما وَلَمْ يزل مهران مولى زِيَاد، كَانَ شفع فِي هَذَا الرجل، فصار فِي عداد العمال، والرجل سَعِيد بْن حرملة بْن الكاهل الوالبي، ويقال: هُوَ أَبُو هياج عَمْرو بْن مَالِك الوالبي: ودونك ابْن أَبِي عش وصاحبه ... قبل السبيع فَقَدْ أجرى عَلَى مهل ابْن أَبِي عش همذاني قدم الكوفة، فَقَالَ من سيد قومي؟ فَقَالُوا: الْحَجَّاج بْن عَمْرو الزبيدي فَقَالَ: أنا لا أقيم ببلدة يسود فِيهَا زبيدي، وَكَانَ عَلَى الدينور، وصاحبه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد بْن قَيْس الهمداني لا تجعلن بَيْت مال اللَّه مأكلة ... لكل أزرق من همدان مكتحل والدارمي يطيف البهرمان [1] بِهِ ... فِي شارب بدلت من رعية الإبل الدارمي لبيد بْن عطارد، ويقال مَسْعُود بْن قَيْس بْن عطارد. ومنقذ بْن طريف من بَنِي أسد ... أنبئت عاملهم قَدْ راح ذا ثقل يَعْنِي منقذ بْن طريف بْن عَمْرو بْن قعين بْن الحارث بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد، وأخبر أَن عاملهم، وَهُوَ رجل مِنْهُم، قَدْ حسنت حاله للخيانة، وَقَالَ ابْن الكلبي: وَكَانَ عاملهم نعيم بْن دجاجة وَكَانَ عَلَى أسفل الفرات.

_ [1] بهامش الأصل: والدارمي القهرمان.

وَمَا أخينس جعفي يمانعه ... من المتاع قيام الليل بالطول يَعْنِي زحر بْن قَيْس، ويقال مُحَمَّد بْن أَبِي سبرة كَانَ عَلَى جوخى وآخران من العمال عندهما ... بَعْض المنالة إِن ترفق بِهَا تنل مُحَمَّد بْن عمير وَالَّذِي كذبت ... بَكْر عَلَيْهِ غداة الروع والوهل مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد ويزيد بْن رويم حِينَ أمر بِهِ عَمْرو بْن حريث. وَمَا فرات وإن قيل امرؤ ورع ... إِن نال شَيْئًا بذاك الخائف الوجل فرات بْن زحر قتله المختار يَوْم جبانة السبيع. والحارثي سيرضى أَن تقاسمه ... إِذَا تجاوزت عَنْ أعماله الأَوَّل الحارثي السرى بْن وقاص وَكَانَ عَلَى نهاوند وادع الأقارع فأقرعهم بداهية ... واحمل خيانة مَسْعُود عَلَى جمل مَسْعُود من بَنِي أسد كَانُوا أتونا رجالا لا ركاب لَهُمْ ... فأصبحوا اليوم أهل الْخَيْل والإبل لَنْ يعتبوك ولما يعل هامهم ... ضرب السياط وشد بَعْد فِي الحجل جمع حجل. إِن السياط إِذَا عضت غواربهم ... أبدوا ذخائر من مال ومن حلل وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي عَنْ سحيم بْن حفص عَنْ أشياخه قَالُوا: كَانَ ابْن الزُّبَيْر يكنى أبا بَكْر وأبا خبيب، وَكَانَ شديد القلب واللسان، وَهُوَ أول مولود بالمدينة فِي الإِسْلام، وَكَانَ بخيلًا فَقَالَ فِيهِ الشاعر: رأيت أبا بَكْر وربك غالبٌ ... عَلَى أمره يبغي الخلافة بالتمر وقتل وَهُوَ ابْن ثَلاث وسبعين، ويقال: اثنتين وسبعين وأشهر.

وَقَالَ لعامله عَلَى وادي القرى: أكلت تمري وعصيت أمري، وجعل يضربه. وَقَالَ لأعراب أتوه: إن سلاحكم لرث، وإن حديثكم لغث، وإنكم لعيال فِي الجدب، وأعداء فِي الخصب. وأتاه أعرابي يستفرضه فَقَالَ: افرضوا لَهُ، فَقَالَ: أعطني، قَالَ: قاتل أولا، فَقَالَ الأعرابي: دمي نقد ودراهمك نسيئة. قَالُوا: ولما طال الحصار عَلَى ابْن الزُّبَيْر حبس الطعام وَقَالَ إِن أخرجته فني ولكنكم تنظرون إِلَيْهِ فتقوى قلوبكم وتطيب أنفسكم، ومتى أكلتموه نفد، ولا يأتيكم ميرة فتلقون بأيديكم. قَالُوا: وشكت امْرَأَة من أهل مَكَّة إِلَى ابْن الزُّبَيْر فَقَالَتْ: غررت سفهاءنا وأخذت رباعنا، فأقل سفهاءنا واردد رباعنا، فَقَالَ: مَا تقول هذه الهرة الثرماء [1] . قَالُوا: وَقَالَ صحير بْن أَبِي الجهم: دخلت عَلَى ابْن مطيع وَهُوَ عاتب عَلَى ابْن الزُّبَيْر، وعلي سَيْفي، فَقَالَ ضع سَيْفك وأرح نفسك فَمَا عِنْدَ ابْن الزُّبَيْر خير لدين ولا دنيا، قَالَ: فأتيت الْحَجَّاج فأعطاني الأمان. الْمَدَائِنِي عَنْ عوانة، قال: نادى أهل الشام يا بن الزبير يا بن الحواري فَقَالَ لمولى لَهُ: أجبهم فَقَالَ: هل تعيبون من حواري رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا؟ قالوا: يابن ذَات النطاقين فَقَالَ أتعيبونها بالنطاق الَّتِي كانت تحمل بِهِ الطعام إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى الصديق أم بالنطاق الذي تنطّق به المرأة الحرّة

_ [1] الثرماء: التي انكسر لها سن من الثنايا أو الرباعيات. القاموس.

في بيتها وقد قال لها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لَك نطاقان في الجنة» ] فقالوا: يا بن الزُّبَيْر يا مشؤوم فسكت، فَقَالَ لَهُ ابْن الزُّبَيْر، أجبهم، قَالَ: كَيْفَ أجيبهم وَقَدْ صدقوا. الْمَدَائِنِي عَنِ المثنى بْن عَبْد اللَّهِ عَنْ عوف، قَالَ: قَالَ ابْن عُمَر: كنت أتمنى ألا أموت حَتَّى أعلم إِلَى مَا يصير أمر ابْن الزُّبَيْر، فيرحم اللَّه أبا بَكْر طلب دراهم العراق، ورحم اللَّه مَرْوَان طلب دراهم الشام. الْمَدَائِنِي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن فائد، قَالَ: نظر ثابت بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر إِلَى أهل الشام فَقَالَ: إني لأبغضهم فَقَالَ سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان: تبغضهم لأنهم قتلوا أباك؟ قَالَ: صدقت قتل أَبِي علوج الشام وجفاته، وقتل جدك المهاجرون والأنصار. الْمَدَائِنِي عَنْ عَلِي بْن حماد، قَالَ: قَالَ مُصْعَب بْن الزُّبَيْر لابن عُمَر: يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ أنسيت حق اللَّه عليك فِي هَذَا الأمر؟ قَالَ: نعم كتبت إِلَى عَبْد الْمَلِك آمره بتقوى اللَّه وأن يكف نَفْسه، فكتب إلي: أنا أخرج نفسي إِن أخرج ابْن الزُّبَيْر نَفْسه ويجعل الأمر شورى، وكتبت إِلَى أخيك فكتب إلي: إنك لست من هَذَا الأمر فِي شَيْء. الْمَدَائِنِي، قَالَ: قَالَ ابْن أَبِي مليكة: مَا رَأَيْت أحدا أَحْسَن مناجاة لربه فِي عقب الصدر من عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. الْمَدَائِنِي قال: كان مصعب بن الزبير جوادا، فكتب إِلَى أخيه عَبْد اللَّهِ: من سألك شَيْئًا فاكتب إلي لَهُ فَإِن أعطيته كَانَ حمده لَك، وإن منعته كَانَ ذمه عَلِي، فلم يكتب لأحد إِلَيْهِ إلا أعطاه، فأمسك عَنِ الكتاب لأحد إِلَيْهِ.

قَالَ: وَقَالَ عَلَى بْن زَيْد: كَانَ عَبْد اللَّهِ طويل الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات، وكانت فِيهِ خلال مباينة لما حاول من الخلافة: بخل وضيق وسوء خلق، ولجاج. الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي زكرياء العجلاني عَنِ ابْن نجيح عَنْ مجاهد عَنِ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: إِن هَذَا الأمر بدأ بنبوة ورحمة، وخلافة، وَإِنَّهُ اليوم ملك عقيم، فمن سمع مقالتي فليهرب من بَنِي أمية وآل الزُّبَيْر فإنهم يدعون إِلَى النار. الْمَدَائِنِي عَنْ سُفْيَان عَنْ عَمْرو بْن دِينَار: ان ابْن الزُّبَيْر أقاد من لطمة. الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي هلال الراسبي: إِن الْحَسَن [1] كتب إِلَى ابْن الزُّبَيْر: إِن لأهل الخير علامات يعرفون بِهَا ويعرفونها من أنفسهم، فمنها الصبر عَلَى البلاء، والرضى بالقضاء، وإنما الإِمَام سوق فَمَا نفق فِيهَا حمل إِلَيْهَا فانظر أي سوق سوقك. الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن المبارك قَالَ: قَالَ أَبُو برزة الأسلمي: إنكم معشر العرب كنتم عَلَى الحال الَّتِي علمتم من القلة والذلة والضلالة، وإن اللَّه رفعكم بالإسلام وبمحمد عَلَيْهِ السَّلام حَتَّى بلغتم مَا ترون، وإن هذه الدنيا قَدْ أفسدت مَا بينكم، أما الَّذِي بالشام- يَعْنِي مَرْوَان- فإنما يقاتل عَنِ الدنيا، وَكَذَلِكَ الَّذِي بمكة- يَعْنِي ابْن الزُّبَيْر- وَمَا يقاتل الَّذِينَ تدعونهم قراءكم إلا عَلَى الدنيا، وَمَا نرى خير النَّاس إلا عصابة لابدة خماص البطون من أَمْوَالِ النَّاس، خفاف الظهور من دمائهم.

_ [1] الحسن البصري.

حَدَّثَنِي هدبة حَدَّثَنَا حماد بْن سلمة عَنْ أَبِي حمزة قَالَ: قُلْت لابن عَبَّاس: إني بايعت ابْن الزُّبَيْر فأعطاني وحملني عَلَى فرس، أفأقاتل مَعَهُ؟ قَالَ: لا تقاتل مَعَهُ، ورد عَلَيْهِ مَا أعطاك واشتر بغلا أَوْ بغلين، وغلاما واغز المشركين، فَإِن قتلت عَلَى ذَلِكَ كنت شهيدًا إِن شاء اللَّه تَعَالَى، قَالَ: فرددت عَلَى ابْن الزُّبَيْر مَا أخذت منه. الْمَدَائِنِي عَنْ قَيْس بْن الرَّبِيع عَنِ ابْن أَبِي ليلى عَنْ عَطَاء، قَالَ: أتى ابْن الزُّبَيْر برجل فأمر بضرب عنقه فَقَالَ امرأته طالق ثلاثا فورثها منه. الْمَدَائِنِي، قَالَ: بعث يَزِيد بْن مُعَاوِيَة الضحاك بْن قَيْس ليأخذ بيعة ابْن الزُّبَيْر فأبى أَن يبايع فَقَالَ الضحاك إنك إِن لَمْ تبايع طائعا بايعت كارها، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: إنك يا ثعلبة بْن ثعلبة تيس بحيرة تبيع الصربة [1] بالقبضة، أردت الحقحقة فأخطأت استك الحفرة. الْمَدَائِنِي، قَالَ: جاء رجل إِلَى ابْن عُمَر فَقَالَ: هذه خيلنا، قَالَ: أية خيل؟ قَالَ: خيل ابْن الزُّبَيْر، قَالَ: مَا هِيَ لنا بخيل، وجاءه آخر فَقَالَ: بايعت ابْن الزُّبَيْر عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه، فأبى ذَلِكَ، فَقَالَ: صدق ولو أعطاك ذَلِكَ لَمْ يف لَك بِهِ، قَالَ: وجاءه آخر فَقَالَ: بِمَاذا تأمر يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: بطاعة اللَّه، والجماعة وأنهاك عن الفرقة، قال: ثم بماذا؟ قَالَ: إِن كانت لَك ضيعة فالحق بضيعتك. المدائني عن عبد الله بن فائد، قال: كَانَ ابْن الزُّبَيْر لا يتكلم يَوْم الجمعة إلا بالمواعظ، إلا أَنَّهُ كَانَ يشتم ثقيفًا فَيَقُولُ قصار الخدود. لئام الجدود. سود الجلود. بقيّة ثمود.

_ [1] الصربى: البحيرة لأنهم كانوا لا يحلبونها إلّا للضيف. القاموس.

الْمَدَائِنِي عَنْ يَزِيد بْن زريع عَنْ حبيب بْن الشهيد: أَن عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر لقي ابْن الزُّبَيْر فَقَالَ لَهُ ابْن الزُّبَيْر: أَتَذْكُرُ يَوْمَ لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا وأنت وأحد ابني فاطمة؟ فقال: نعم، فحملنا وتركك، فسكت ولو علم ابْن الزُّبَيْر أَنَّهُ يَقُول حملنا وتركك مَا سَأَلَهُ. الْمَدَائِنِي عَنِ ابْن فائد، قَالَ: سمع مُعَاوِيَة رجلا من كلب يَقُول: ومن رقاش ماجد سميدع ... يأبى فيعطي عَنْ يد ويمنع فَقَالَ ذاك منا، ذاك عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. الْمَدَائِنِي عَنْ مسلمة وغيره: ان فضالة بْن شريك الأسدي أتى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر فَقَالَ لَهُ: إني جشمت إليك سفرا بعيدا، أتعبت فِيهِ نفسي وأنفدت نفقتي، وأنقبت فِيهِ راحلتي، فَقَالَ ارقعها بسبت، واخصفها بهلب، وأنجد بِهَا العصرين يبرد خفها، فَقَالَ: لعن اللَّه ناقة حملتني إليك، فَقَالَ: إِن وراكبها، وانصرف وَلَمْ يصله فَقَالَ: أقول لغلمتي أدنوا ركابي ... أفارق بطن مَكَّة فِي سواد فَمَا لي حِينَ أقطع ذَات عرق ... إِلَى ابْن الكاهلية من معاد سيبعد بيننا حث المطايا ... وتعليق الأداوى والمزاد أرى الحاجات عِنْدَ أَبِي خبيب ... نكدن ولا أمية بالبلاد وكيف بأن يسوس الأمر مِنْهُم ... أغر مقابل واري الزناد من الأعياص أَوْ من آل حرب ... أغر كغرة الفرس الجواد فلما بلغ ابن الزُّبَيْر الشعر فمر بِهِ قَوْله إِلَى ابْن الكاهلية قَالَ: لو علم أَن لي جدة الأم من عمته لسبني بِهَا، وكانت أم خويلد بْن أسد بْن عَبْد العزى،

جدة العوام بْن خويلد، زهرة بِنْت عَمْرو بْن حنثر [1] ، من بَنِي كاهل بْن أسد بْن خزيمة. وَقَالَ بَعْض قضاعة: عدمت قريشا أَن رضوا بك سيدا ... وأنت بخيل الكف غَيْر جواد فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الْحَجَّاج: أتطلب شأو ابْن الزُّبَيْر وَلَمْ تكن ... لتدركه مَا حج لِلَّهِ راكب تكلفت أمرًا لَمْ تكن لتناله ... طوال الليالي أَوْ تنال الكواكب فمهلًا بَنِي مَرْوَان لستم بذادة ... إِذَا مَا التقت يَوْم اللقاء الكتائب إِذَا التقت الأبطال كنتم ثعالبا ... وأسد الشرى فِي السلم عِنْدَ الكواعب الْمَدَائِنِي، قَالَ: قَالَ وهب بْن منبه: استعمل ابْن الزُّبَيْر عَلَى اليمن رجلا دميما، وَكَانَ يلقب عجوز اليمن، فكتب إِلَيْهِ ابْن الزُّبَيْر يأمره بالجباية، فَقَالَ: لي أرضيكم مجرودة فانطلقوا إلى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فادفعوا عَنْ أنفسكم، فقدمت فِي وفد، ودخلت عَلَيْهِ وعنده عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، فَقَالَ لي: كيف عجوز اليمن؟ فقلت: أَسْلَمَتْ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [2] ولكن مَا فعلت عجوز قريش أم حبل حمالة الحطب؟ فضحك ابْن الزُّبَيْر وَقَالَ لابن خَالِد: أسأت المسألة وأحسن الجواب. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن جده قَالَ: أهدى أَبُو حمل- أحد بَنِي حصين بْن سعدانة بْن حارثة الكلبي- إِلَى عَبْد الله بن الزبير

_ [1] بهامش الأصل: كان عمرو بن حنثر يلقي الحجر ويقول: لا أفر حتى يفر. من الإكمال لابن ماكولا. انظر الإكمال ج 2 ص 24. [2] سورة النمل- الآية: 44.

فطرأ فأتاه بِهِ وعنده زفر بْن الْحَارِث الكلابي، فَقَالَ زفر يحرض ابْن الزُّبَيْر عَلَى صلته: ألا أبلغ أبا حمل رسولًا ... فَقَدْ أهديت فطرك من بعيد فأنت المرء يعطى كُل خير ... ويحبى بالولائد والعبيد فَقَالَ ابْن الكلبي: قَالَ خَالِد بْن سعيد: فو الله مَا أثابه عَلَيْهِ شيئًا، وَقَدْ أتاه بِهِ من السماوة، فلقيه زفر بْن الْحَارِث بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: يا أبا الكوثر، أَوْ: يا أبا الهذيل، والله مَا أعطاني قيمة الفطر، فكيف يحبوني بالولائد والعبيد. وَقَالَ هِشَام ابْن الكلبي: أَخْبَرَنِي خَالِد بْن سَعِيد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حمل بْن سعدانة الَّذِي يَقُول: لبث قليلا يلحق الهيجا حمل وَكَانَ حمل بْن سعدانة بْن حارثة العليمي وفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعقد لَهُ لواء. وَقَالَ أَبُو دهبل واسمه وهب بْن وهب بْن زمعة الجمحي: أتاركة عَلِيًّا قريش سراتها ... وساداتها عند المقام تذبّح هم عوذ بالله جيران بيته ... بِهِ يعصمون أَن يباحوا ويفضحوا وَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: لا تزال قريش تعرف العز وإنكار الضيم مَا رأتني حيًا. الْمَدَائِنِي قَالَ: بعث الزُّبَيْر ابنه عَبْد اللَّهِ إِلَى خاله الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ فوافقه يتغدّى فقال: ادن يا بن أختي فأكل أكلا ضعيفا ثُمَّ أتي

بقعب من لبن فَقَالَ اشرب فشرب شربا ضعيفا فقال يا بن أختي أضواك [1] آل أَبِي بَكْر. حَدَّثَنِي أَبُو مسلم الأحمري عن هشام ابن الكلبي عَنْ أَبِيهِ وعوانة قَالا: خطب النوار بِنْت أعين بْن ضبيعة بْن ناجية بْن عقال رجل من بَنِي مجاشع بْن دارم بْن مَالِك فَقَالَتْ للفرزدق بْن غالب بْن صعصعة بْن ناجية: أَنْتَ وليي واشهدت لَهُ برضاها بِمَا صنع فِي تزويجها، فلما خرج الشهود قَالَ لَهُمْ: حفظتم الشهادة؟ قَالُوا: نعم، قَالَ: واشهدوا أني قَدْ تزوجتها عَلَى خمسة آلاف وبلغها الْخَبَر فلم ترض، وأتت ناجية بْن عقال، فأعانوها عَلَى الفرزدق، وحولوها إِلَى بَنِي عَاصِم من بَنِي منقر بْن عبيد واكتروا لَهَا كريا من بَنِي عدي بْن عَبْد مناة بْن أد بْن طابخة أحد بَنِي ملكان بْن عدي، ومعه أجير لَهُ خراساني يقال لَهُ زهير، وخرجت إِلَى ابْن الزُّبَيْر مستغيثة بِهِ، ويقال: إنهم حولوها إِلَى بَنِي عَاصِم بْن عبيد بْن ثعلبة بْن يربوع فَقَالَ الفرزدق: ولولا أَن يَقُول بنو عدي ... أليست أم حنظلة النوار أم حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم، النوار بنت جل بْن عدي بْن عَبْد مناة، فَيَقُولُ لولا أَن يقولوا أليست جدتكم منا إِذَا لأتى بَنِي ملكان مني ... بضائع لا يقسمها التجار [2] ملكان بْن عدي بْن عَبْد مناة أخو جلّ بن عديّ، وقال:

_ [1] الضوى: دقة العظم وقلة الجسم خلقه، أو الهزال، وأضوى: دق وأضعف. القاموس. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 273 مع فوارق.

لَقَدْ أهدت وليدتنا إليكم ... عزائز لا يقسمها التجار لبئس العبء يحمله زهير ... عَلَى أعجاز صرمته نوار وَقَالَ أيضًا: ولولا أَن أمي من عدي ... وأني كاره سخط الرباب لصلت عَلَى بَنِي ملكان منى ... بجيش غَيْر منتظر الإياب [1] وَقَالَ يهجو بَنِي قَيْس بْن عَاصِم: بَنِي عَاصِم إِن تلجئوها فإنكم ... ملاجئ للنسوان دسم العمائم بَنِي عَاصِم لو كَانَ حيا لديكم ... للام بنيه الشيخ قَيْس بْن عَاصِم [2] فَقَالُوا للفرزدق: والله لئن زدت عَلَى هذين البيتين لنقتلنك، وخرج الفرزدق إِلَى ابْن الزُّبَيْر، فنزلت النوار بِنْت أعين عَلَى أم هاشم بِنْت منظور بْن زبان، ونزل الفرزدق عَلَى بَنِي عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر وسألهم أَن يشفعوا له، وشفعت أمّ هاشم للنوار فشفّعها، فَقَالَ الفرزدق: أما بنوه فلم يَقبل شفاعتهم ... وشُفِّعَتْ بِنْت منظور بْن زبانا لَيْسَ النجي الَّذِي يأتيك مؤتزرا ... مثل النجي الَّذِي يأتيك عريانا [3] فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر للنوار: إِن شئت فرقت بينكما وقتلته فلا يهجونا، وإن شئت سيرته إِلَى بلاد العدو؟ فَقَالَتْ: مَا أريد واحدة منهما، قَالَ: فَإِنَّهُ ابْن عمك، وَهُوَ راغب فيك فأزوجك إياه؟ فَقَالَتْ: نعم فزوجها إيّاه،

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 95 مع فوارق. [2] ليسا في ديوانه المطبوع. [3] ليسا في ديوانه المطبوع.

فكان الفرزدق يَقُول: خرجنا متباغضين ورجعنا متحابين والله يفعل مَا يشاء. وَقَالَ قوم: نزل الفرزدق عَلَى حَمْزَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر وَقَالَ: اليوم قَدْ نزلت بحمزة حاجتي ... إِن المنوه باسمه الموثوق بأبي عُمَارَةَ خير من وطيء الحصا ... ونمت بِهِ فِي الصالحين عروق بَيْنَ الحواري الأغر وهاشم ... ثُمَّ الخليفة بعده الصديق [1] وَقَالَ أيضًا: يا حمز هل لَك فِي ذي حاجة عرضت ... أنضاؤه بمكان غَيْر معمور وأنت أحرى قريش أَن تقوم بِهَا ... وأنت بَيْنَ أَبِي بَكْر ومنظور [2] وكانت أمة قهطم بنت منظور، وَقَالَ بَعْضهم: تماضر بنت منظور. حَدَّثَنِي بَعْض النوفليين من ولد عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث ببة قَالَ: وقع بَيْنَ ببة وبين عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر كَلام فعيره بلقبه، وَقَالَ: ألست ببة وَمَا ببة، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث: ألست الضبابي وَكَانَ ابْن الزُّبَيْر فِي صغره جلس عَلَى حجر ضب ففسا حَتَّى خرج الضب، فكان يعير بِذَلِكَ ويقال لَهُ الضبابي، فترضى ابْن الزُّبَيْر ببة عندها وصالحه. حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي النحوي عَنْ أَبِي زَيْد الأَنْصَارِي عَنْ أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ: خطب ابْن الزُّبَيْر يومًا، فتكلم رجل من ناحية الْمَسْجِد، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: من المتكلم؟ فسكت، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: مَا لَهُ قاتله اللَّه ضبح ضباح الثعلب، وقبع قباع القنفذ.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 34 مع فوارق. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 252 مع فوارق.

قَالُوا: وَكَانَ ابْن الزُّبَيْر يَقُول عالجت لحيتي لتكثر فلما بلغت سنين يئست منها وَكَانَ معصوبا خفيف اللحم، فكان الزُّبَيْر يَقُول: عَبْد اللَّهِ يشبه أبا بَكْر، فَهُوَ ابنه ومنعني ابني. وَقَالَ الْحَارِث بْن ضب العتكي فِي ابْن الزُّبَيْر، ويقال إنها قيلت فِي مُصْعَب، وَذَلِكَ الثبت: فردّ الخلافة يا بن الزُّبَيْر ... إِلَى أهلها قبل أَن تخلع أخاف عليك زياد العراق ... وأخشى عليك بني مسمع ولا تأمن المكر من حارث ... فثم امرؤ سمّه ينقع ذكرت لك المعشر الأكرمين ... ذوي المجد والحسب الأرفع الْحَارِث بْن قَيْس الجهضمي، وَزِيَاد بْن عَمْرو العتكي، وَمَالِك بْن مسمع وإخوته. الْمَدَائِنِي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن فائد: أَن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر أتى الطائف واستخلف ابنه عباد بْن عَبْد اللَّهِ، فأتى عباد بخالد بْن المهاجر بْن خَالِد بْن الْوَلِيد وَقَدْ شرب وشهد عليه بأنّه يعانق النساء في الطواف، فأمر بضربه الحد، فجلد فأتى بنو مخزوم أباه فكلموه فَقَالَ: مَا أصنع بِهِ، وَكَانَ يتحدث عِنْدَ امْرَأَة من قريش، فقيل لابن الزُّبَيْر فحبسه وقيده فَقَالَ: تذكار ليلي لَيْسَ يق ... صر مده طول النهار فلئن خطاي تقاربت ... رسف المقيّد في الحصار لبما أمشّي بالأبا ... طح يقتفي أثري إزاري فِي أبيات، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وسيره إِلَى الشام، فتزوج ابنة النعمان بْن بشير فنازعها يوما فَقَالَ:

لظباء بَيْنَ الحطيم إِلَى الحثمة ... فِي مظلمات ليل وشرق قاطنات الحجون أشهى إِلَى القلب ... من الساكنات دور دمشق فَقَالَتْ: كهول دمشق وشبانها ... أحب إلينا من الجاليه إِذَا مَا أتى وافد مِنْهُم ... كنسنا لَهُ داره الخاليه لقمل يدب دبيب الدبى ... أكاريس أعيت عَلَى الغالية وريحهم مثل ريح التيو ... س عفت عَلَى البان والغاليه فبلغ عَبْد الْمَلِك الشعر فَقَالَ: يا خَالِد جعلتك من الجالية؟ قَالَ: وأنت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ أيضًا من الجالية، فأقام بالشأم فانكسرت فخذه، فقيل لعبد الْمَلِك: فَقَالَ: لا جبرها اللَّه، وَمَاتَ من وجعه فقيل لعبد الْمَلِك فَقَالَ: لا رحمه اللَّه. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ خالد بْن المهاجر مع ابْن الحنفية بالشعب، فعلق عَلَيْهِ ابْن الزُّبَيْر زكرة [1] خمر، ثُمَّ ضربه الحد. ورثته هند ابنة النعمان فقالت: ألا يا بن المهاجر قَدْ ... دهاني طارق طرقا دعاك فَمَا أبيت ولا ... سددنا دونك الغلقا ألا عيني جودا بالدموع عَلَيْهِ واستبقا ... أعيناني بفيضكما ومجّا الدمع والعلقا

_ [1] الزكرة: زق للخمر والخل. القاموس.

وَقَالَ عقبة الأسدي حِينَ ضرب خَالِد بْن المهاجر: ما زلت مذ حجج بمكة ملحدا ... فِي حيث يأمن قاطن وحمام أبنو المغيرة مثل آل خويلد ... يال الرجال لخفة الأحلام فلينهضن لخالد من قومه ... مثل الأغر الْحَارِث بْن هِشَام المشترين الحمد من أموالهم ... فِي كُل صامتة وكل سوام ولتنهرن العيس تنفح فِي البرى ... تجتاب عرض مكارم الأعلام بالدارعين عَلَيْهِم أبدانهم ... لتجاب دعوة واصل صرام الْمَدَائِنِي، قَالَ: قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر: لَقَدْ أَعْظَم النَّاس ولادة صفية بنت عَبْد الْمُطَّلِبِ لنا حَتَّى لَقَدْ هممت أَن اطلق بنت الْحُسَيْن، فبلغ ذَلِكَ عَبْد الْمَلِك فَقَالَ: الكلب أضن بالشحمة. قَالُوا: وذكر مَرْوَان طَلْحَةَ فأثنى عَلَيْهِ وذكر الزُّبَيْر فلم يقل فِيهِ شَيْئًا وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر حاضرًا فَقَالَ إِن أبا مُحَمَّد أهل لما ذكرته لكني أعرف من لَمْ يذكر بخير قطّ، قال: ومن هو؟ قال: أبوك، فوثب إِلَيْهِ مَرْوَان فاضطربا حَتَّى حجز موسى بْن طَلْحَةَ بينهما فَقَالَ لَهُ: دعني أصك عين ابْن لعين رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أمر التوابين وخبرهم بعين الوردة

أمر التوابين وخبرهم بعين الوردة وَهِيَ رأس العين من الجزيرة. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده، وأبي مخنف قَالُوا: لما فرغ مروان من مرج راهط قصد قصد مصر ومر بفلسطين وَقَدْ هرب منها ناتل، فولاها مَرْوَان روح بْن زنباع، ثُمَّ سار نَحْو مصر فغلب عَلَيْهَا، ثُمَّ قدم الشام فَإِذَا زفر بْن الْحَارِث الكلابي قَدْ غلب عَلَى قرقيسيا وتحصن بِهَا، وبلغه خبر مُصْعَب بْن الزُّبَيْر، وأنه يريد الشام فوجه مَرْوَان: عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد إِلَى الجزيرة والعراق، فسار فِي ستين ألفًا فيهم الحصين بْن نمير، وابن ذي الكلاع الحميري، وعمير بْن الحباب السلمي، وَكَانَ عمير قَدْ بايع مَرْوَان وصار فِي حيزه، فسار ابْن زِيَاد حَتَّى أوقع بالتوابين بعين الوردة، ثُمَّ أتى قرقيسيا فرام زفر فلم يقدر عَلَيْهِ، فسار يريد العراق فقتل عَلَى الخازر وَهُوَ نهر بأرض الموصل، وكانت وفاة مَرْوَان من قبل نفوذ ابْن زِيَاد إِلَى الجزيرة، فكتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِك بوفاته، وأخذ البيعة لَهُ، ولعبد الْعَزِيز بْن مَرْوَان من بعده، وأن يتولى من أمر الجيش مَا كَانَ وليه.

حَدَّثَنِي عَبَّاس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مخنف وغيره قَالُوا: لما قتل الْحُسَيْن بْن عَلِي عليهما السَّلام ودخل عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد من معسكره بالنخيلة إِلَى الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندّم، ففزعوا إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة وَهُمْ: سُلَيْمَان بْن صرد الخزاعي، وكانت لَهُ صحبة، والمسيب بْن نجبة الفزاري، وَكَانَ من خيار أَصْحَاب عَلِي، وعبد اللَّه بْن سَعْد بْن نفيل الأزدي، وعبد اللَّه بْن وال التَّيْمِي، ورفاعة بْن شداد البجلي ثُمَّ القتباني، فاجتمع هَؤُلاءِ الخمسة النفر فِي منزل سُلَيْمَان بْن صرد، ومعهم ناس من وجوه الشيعة، فابتدأ الْمُسَيِّب بْن نجبة الْكَلام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإنا قَدِ ابتلينا بطول العمر فنرغب إِلَى ربنا فِي أَن لا يجعلنا مِمَّن يَقُول لَهُ غدا: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتذكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [1] وَقَدْ بلا اللَّه أخبارنا فوجدنا كاذبين فِي أمر ابْن ابنة نبينا، وَقَدْ بلغتنا كتبه، وَقَدْ أتتنا رسله، وسألنا نصره عودا وبدءًا، وعلانية وسرًا، فبخلنا عَلَيْهِ بأنفسنا حَتَّى قتل إلى جانبنا، فلا نحن نصرناه بأيدينا ولا خذلنا عَنْهُ ألسنتنا، ولا قويناه بأموالنا، ولا طلبنا لَهُ النصرة من عشائرنا، فَمَا عذرنا عِنْدَ ربنا لا عذر والله أَوْ نقتل قاتليه والموالين عليه، وإنّه لا بدّ لكم من أمِير تفزعون إِلَيْهِ، وترجعون إِلَى أمره، ورأيه تحفون بِهَا مَعَهُ. ثُمَّ تكلم رفاعة بْن شداد البجلي، فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: دعوت إِلَى جهاد الفاسقين، والتوبة من الذنب العظيم، فمسموع ذَلِكَ عَنْك، ومقبول منك، وقلت: ولوا أمركم رجلا تفزعون اليه وتطيفون برايته

_ [1] سورة فاطر- الآية: 37.

وتطيعون لَهُ، فَإِن تكن ذَلِكَ الرجل تكن عندنا مرضيا متنصحًا، وإن رَأَيْت ورأى أَصْحَابنا ولينا هَذَا الأمر شيخ الشيعة، وصاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذا السابقة والقدم سُلَيْمَان بْن صرد، المحمود فِي دينه وبأسه، الموثوق برأيه وتدبيره. ثُمَّ تكلم عَبْد اللَّهِ بْن وال وعبد اللَّه بْن سَعْد بْن نفيل بنحو من كَلام رفاعة بْن شداد، وذكرا الْمُسَيِّب بْن نجبة وفضله، وذكرا سُلَيْمَان بْن صرد لسابقته ورضاهما بِهِ، فَقَالَ الْمُسَيِّب: أصبتم ووفقتم، وأنا أرى مثل الَّذِي رأيتم، فولوا سُلَيْمَان أمركم. فولوه عَلَيْهِم، وقلدوه رئاستهم، فخطب سُلَيْمَان بْن صرد فَقَالَ: إني أخاف ألا نكون أخرنا إِلَى هَذَا الدهر الَّذِي نكدت فِيهِ المعيشة، وعظمت فِيهِ الرزية لما هُوَ خير لنا، نمد أعناقنا إِلَى قدوم آل نبينا، ونعدهم نصرنا، ونحثهم عَلَى المصير إلينا فلما قدموا عَلَيْنَا ونينا وعجزنا وداهنا وتربصنا، حَتَّى قتل ولد نبينا وسلالته وبضعة من لحمه، فأتخذه الفاسقون غرضا للنبل ودرية للرماح، فلا ترجعوا إِلَى الحلائل والأبناء حَتَّى يرضى اللَّه عنكم بأن تناجزوا من قتله وتبيروه، ألا ولا تهابوا الموت، فو الله مَا هابه أحد قط إلا ذل، وكونوا كتوابي بَنِي إسرائيل إذ قَالَ لَهُمْ نبيهم إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتّخَاذِكُمْ العِجْل فَتُوبوا إِلى بَارِئكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكمْ ذلِكُم خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئكُمْ [1] ، فَمَا فعل الْقَوْم جثوا والله للركب، ومدوا الأعناق، ورضوا بالقضاء حين

_ [1] سورة البقرة- الآية: 54.

علموا أَنَّهُ لا ينجيهم من عظم الذنب إلا الصبر عَلَى القتل، فكيف بكم لو قَدْ دعيتم إِلَى مثل مَا دعي الْقَوْم إِلَيْهِ، اشحذوا السيوف، وركبوا الأسنة وأعدوا لعدوكم مَا استطعتم من قوة. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن نفيل، أَوْ أخوه خَالِد: أشهد اللَّه ومن حضر من الْمُسْلِمِينَ أني قَدْ جعلت مالي الَّذِي أصبحت أملكه، سِوَى سلاحي الَّذِي أقاتل بِهِ عدوي، صدقة عَلَى الْمُسْلِمِينَ أقويهم بِهِ عَلَى قتال القاسطين، وقام أَبُو المعتمر حنش بْن ربيعة الكناني فَقَالَ: وأنا أشهدكم عَلَى مثل ذَلِكَ، وتصدق حجر بْن عوضة الكندي بماله عَلَيْهِم أيضًا، وتصدق الأسود بْن ربيعة بْن مَالِك بْن ذي العينين الكندي بماله عَلَيْهِم أيضًا. وكتب سُلَيْمَان بْن صرد إِلَى سَعْد بْن حذيفة يدعوه ومن قبله إِلَى التوبة، والطلب بدم الْحُسَيْن، فأجابوه إِلَى ذَلِكَ، وَهُمْ شيعة بالمدائن، وكانوا انتقلوا إِلَيْهَا من الكوفة، وَقَالَ لَهُمْ سَعْد بْن حذيفة: إنكم كنتم عَلَى نصرة الْحُسَيْن لولا أَن خبر قتله ومعاجلة الْقَوْم إياه أتاكم، فانهضوا لقتال قتلته. وكتب سُلَيْمَان بْن صرد إِلَى المثنى بْن مخربة العبدي، ومن قبله من شيعة البصرة، بمثل ذَلِكَ، فأجابوه إِلَى النهوض مَعَهُ. وَكَانَ ابتداء أمر التوابين فِي آخر سنة إحدى وستين، فكانوا يتداعون ويستعدون ويرتأون، وَكَانَ مهلك يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فِي شَهْر ربيع الأَوَّل سنة أربع وستين وَكَانَ أجل الشيعة الَّذِي ضربوه لمن كتبوا إِلَيْهِ فِي شَهْر ربيع الآخر سنة خمس وستين، عَلَى أَن يتوافوا ويجتمعوا بالنخيلة.

وَكَانَ عُبَيْد اللَّهِ حِينَ أتاه موت يَزِيد بالبصرة وثب بِهِ أهلها حَتَّى استخفى، ثُمَّ لحق بالشام، فلم يزل مَعَ مَرْوَان بْن الحكم إِلَى أَن عقد لَهُ مَرْوَان عَلَى مَا غلب عَلَيْهِ وفتحه من أرض الجزيرة والعراق، ووثب أهل الكوفة بعامله عَمْرو بْن حريث أيضًا فأخرجوه واصطلحوا عَلَى عامر بْن مَسْعُود الجمحي دحروجة الجعل، فكان يصلي بِهِمْ ويدعو لابن الزُّبَيْر حَتَّى عزله ابْن الزُّبَيْر، وولى عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد الخطمي، فقدمها ابْن يَزِيد لثماني بقين من شَهْر رمضان سنة أربع وستين، ويقال: بَعْد ذَلِكَ بأشهر. وقدم المختار بْن أَبِي عبيد الكوفة بَعْد عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد بثمانية أَيَّام، فكان المختار إِذَا دعا الشيعة إِلَى نَفْسه، وإلى الطلب بدم الْحُسَيْن قَالُوا: هَذَا سُلَيْمَان بْن صرد شيخ الشيعة وَقَدْ أطاعته الشيعة وانقادت لَهُ وولته أمرها، فَيَقُولُ: إِن سُلَيْمَان رجل لا علم لَهُ بالحروب وسياسة الرجال، وَقَدْ جئتكم من قبل الْمَهْدِي مُحَمَّد- يَعْنِي ابْن الحنفية- مؤتمنا منتجبا ووزيرًا مناصحًا، فلم يزل حَتَّى انشعبت إِلَيْهِ طائفة مِنْهُم، وعظمهم مَعَ ابْن صرد، فكان سُلَيْمَان أثقل النَّاس عَلَى المختار. وأتى يَزِيد بْن الْحَارِث بْن يَزِيد بْن رويم الشيباني عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد الخطمي فأخبره بخبر سُلَيْمَان بْن صرد والمختار بْن أَبِي عبيد وَمَا يدعوان إِلَيْهِ من الطلب بدم الْحُسَيْن بْن عَلِي، وأنه لا يأمن أَن توليه الشيعة، فخطب النَّاس فَقَالَ: إِن قوما اجتمعوا للطلب بدم الْحُسَيْن، فرحم اللَّه الْحُسَيْن، ورحم هَؤُلاءِ الْقَوْم، والله لَقَدْ دللت عَلَى أماكنهم وعليهم، فأبيت أَن أهيجهم، والله مَا قتلت الْحُسَيْن، ولا مالأت عَلَى قتله وما أحببته، فلعن الله قتلته، فليظهر هَؤُلاءِ الْقَوْم آمنين، ثُمَّ ليسيروا إِلَى قاتل الْحُسَيْن وقاتل خياركم وأماثلكم،

فَقَدْ أقبل إليكم فَإِن عهد العاهد بِهِ عَلَى مسيرة ليلة من منبج فقتاله والاستعداد لَهُ أحزم وأرشد من أَن تجعلوا بأسكم بينكم، وَكَانَ عامل ابْن الزُّبَيْر عَلَى الخراج دُونَ عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد: إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ، فقام حِينَ فرغ ابْن يَزِيد من كلامه فَقَالَ: لا يغرّنّكم مقالة هذا المداهن، فو الله لئن خرج عَلَيْنَا خارج لنقتلنه، أَوْ كَمَا قَالَ، فقطع عَلَيْهِ الْمُسَيِّب بْن نجبة كلامه فَقَالَ: أأنت تتهددنا بالقتل إنك لأذل من ذَلِكَ، وَأَمَّا أَنْتَ أيها الأمير فجزاك اللَّه خيرًا، فَقَدْ قُلْت قولا سديدًا، وكلم الْقَوْم إِبْرَاهِيم بكلام شديد غليظ، وَقَالُوا لابن يَزِيد خيرًا، ثُمَّ إِن أَصْحَاب سُلَيْمَان بْن صرد انتشروا يشترون السلاح، ويتجهزون ظاهرين لا يخافون أحدًا [1] . فلما أهل هلال شَهْر ربيع الآخر سنة خمس وستين، خرج سُلَيْمَان إِلَى النخيلة فِي أَصْحَابه فعسكر بِهَا، وبعث حَكِيم بْن منقذ والوليد بْن غضين بْن مُسْلِم الكناني ثُمَّ الغفاري فِي خيل فناديا بالكوفة: يا لثأرات الْحُسَيْن فتلاحق بِهِ بَعْد النداء قوم، وَكَانَ مبلغ من أثبت فِي ديوانه ستة عشر ألفًا، ويقال: أثنا عشر ألفًا، فعرض أَصْحَابه ومن اجتمع إِلَيْهِ من أهل الكوفة فوجدهم أربعة آلاف، فَقَالَ: يا سبحان اللَّه أما وافاني من ستة عشر ألفًا إلا أربعة آلاف؟ ويقال إنه قَالَ أما وافاني من اثني عشر ألفًا إلا أربعة آلاف؟! فقيل لَهُ إِن المختار ثبط النَّاس عَنْك، وَقَدْ صار مَعَهُ ألفان فَقَالَ: سبحان اللَّه أما تذكر هَؤُلاءِ الله وما أعطونا من الميثاق.

_ [1] بهامش الأصل: قيام سليمان بن صرد في أخذ ثأر الحسين بن علي عليه السلام.

وَكَانَ مقامه بالنخيلة ثلاثا، ثُمَّ بعث إِلَى من تخلف عَنْهُ يذكرهم اللَّه وَمَا أعطوه من العهود، فخرج إِلَيْهِ مِنْهُم ألف أَوْ نَحْو ألف، فقام إِلَيْهِ الْمُسَيِّب بْن نجبة، فقال: يرحمك الله إنّه لا ينفعك المكره، ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية والحسبة، ومن فر إِلَى ربه من ذنبه، فَقَالَ سُلَيْمَان: أيها النَّاس إنا والله مَا نطلب من الغنيمة إلا رضوان اللَّه، وَمَا معنا من ذهب ولا فضة ولا خز ولا حرير، وَمَا هِيَ إلا سيوفنا عَلَى عواتقنا، ورماحنا بأيدينا وزاد قدر البلغة إِلَى لقاء عدونا، فمن لَمْ يرض بِهَذَا فلا يصحبنا، فنادى النَّاس من كُل جانب: إنا لا نطلب الدنيا، وليس لَهَا خرجنا. وأجمع سُلَيْمَان المسير فأشار عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن نفيل بأن يطلب بدم الْحُسَيْن عُمَر بْن سَعْد بْن أَبِي وقاص، ومن بالمصر فإنهم الَّذِينَ شركوا فِي دمه وتولوا أمره، فَقَالَ سُلَيْمَان: إِن هَذَا لكما قُلْت، ولكن ابْن زِيَاد هُوَ الَّذِي سرب إِلَيْهِ عُمَر بْن سَعْد والجنود، وعبأهم عَلَيْهِ، وَقَالَ: لا أمان لَهُ عندي، فسيروا إِلَيْهِ فإنكم إِن رزقتم الظفر بِهِ فأمر من دونه أهل مصركم أيسر من أمره. وعرض عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد الخطمي أَن ينظر إِلَى قدوم ابْن زِيَاد ليكون أمرهم وأمره فِي محاربته واحدًا، فكره ذَلِكَ، فعرض عَلَيْهِ أَن يوجه مَعَهُ جيشًا، وَقَالَ: إنكم أعلام أهل مصركم فَإِن أصبتم أختل مصركم فحاجزه، وأجمع عَلَى الشخوص واستقبال ابْن زِيَاد. ووعظ سُلَيْمَان النَّاس، ثُمَّ سار من النخيلة، فلما صار إِلَى دير الأعور عرض أَصْحَابه فَإِذَا قَدْ تخلف مِنْهُم نَحْو من ألف، فَقَالَ لأَصْحَابه: مَا أحب من تخلف عنكم معكم ولو خرجوا فيكم مَا زادوكم إلا خبالا، ولما

انتهى سُلَيْمَان وأَصْحَابه إِلَى قبر الْحُسَيْن صرخوا صرخة واحدة، وبكوا وَقَالَ سُلَيْمَان: اللَّهُمَّ ارحم الشهيد بْن الشهيد ونادوا: يا لثأرات الْحُسَيْن، وأظهروا التوبة من خذلانه، ثُمَّ إِن سُلَيْمَان سار فأخذ عَلَى الجصاصة، ثُمَّ عَلَى الأنبار، ثُمَّ صندوداء قرية الأنصار ثُمَّ عَلَى القيارة وبعث سُلَيْمَان عَلَى مقدمته كريب بْن مرثد الحميري. فلما انتهى إِلَى قرقيسيا أخرج إليهم زفر بْن الْحَارِث الكلابي أنزالا وسوقًا وأهدى إِلَى وجوههم الجزر، ونحر لسائر أهل العسكر، وأمر ابنه الهذيل بْن زفر فأقام لَهُمْ كُل مَا احتاجوا إِلَيْهِ، وزودهم، وَقَالَ لَهُمْ: إِن عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد قَدْ أقبل ومعه حصين بْن نمير السكوني، وَشُرَحْبِيلُ بْن ذي الكلاع الحميري، وأدهم بْن محرز الْبَاهِلِيُّ وربيعة بن المخارق الغنوي، وحملة بن عبد اللَّهِ الخثعمي، وَهُمْ فِي الشوك والشجر، وَقَدْ وردوا الرقة فسيروا إِلَى عين الوردة فاجعلوها فِي ظهوركم فيكون الماء والمادة فِي أيديكم، وَمَا بيني وبينكم فأنتم لَهُ آمنون، وعرض عَلَيْهِم أَن يقيموا عنده فيقاتل معهم، وَقَالَ: إنه يريدني فلا تبرحوا حَتَّى يَكُون أمرنا واحدًا، فلم يفعلوا، فَقَالَ: أما والله لو أَن خيلي كرجالي لأمددتكم. فأغذوا السير وانتهوا إلى قول زفر بْن الْحَارِث ورأيه وساروا إِلَى الشمسانية وإلى السكير، ثُمَّ إِلَى التنينيرين وساعا، ثُمَّ إِن سُلَيْمَان عبأ الكتائب ووجه إِلَى أول عسكر أهل الشام، وَقَدْ فصلوا من الرقة، وعسكر ابن ذي الكلاع أربعمائة عَلَيْهِم الْمُسَيِّب بْن نجبة، فقاتلوهم قتالا شديدًا فنالوا مِنْهُم وهزموهم وغنموا غنيمة حسنة، فبلغ الْخَبَر ابْن زِيَاد فسرح إليهم الحصين بْن نمير فِي اثني عشر ألفًا، فخرج إليهم سُلَيْمَان فِي التعبئة، فلما

تواقفوا دعاهم الحصين إِلَى طاعة عَبْد الْمَلِك، وَكَانَ مَرْوَان قَدْ هلك، ودعاهم سُلَيْمَان إِلَى أَن يسلموا إليهم عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد ويخلعوا عَبْد الْمَلِك، ويخرج عمال عَبْد اللَّهِ بن الزبير، ويسلم الأمر إلى أَهْلِ بَيْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاقتتلوا أشد قتال سمع بِهِ، فهزم أهل الشام يومهم، وحجز الليل بينهم، ثُمَّ قاتلوهم من الغد وَقَدْ أمد ابْن زِيَاد الحصين بابن ذي الكلاع فِي ثمانية آلاف فاقتتلوا قتالا لَمْ ير مثله، ثُمَّ تحاجزوا وَقَدْ فشت فِي الفريقين الجراح، ووافاهم أدهم بْن محرز الْبَاهِلِيُّ فِي عشرة آلاف فالتقوا فقتل سُلَيْمَان بْن صرد الخزاعي، رماه يَزِيد بْن الحصين بسهم، ثُمَّ أخذ الرأيه بعده الْمُسَيِّب بن نجبة الفزاري فقتل، ثُمَّ أخذها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن نفيل وَهُوَ يَقُول: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَنْ يَنْتَظِر [1] رحمكما اللَّه فَقَدْ صدقتما ووفيتما وقاتل فحمل وحمل عليه ربيعة بن المخارق ابن جأوان الغنوي فاختلف هُوَ وعبد اللَّه بْن سَعْد بْن نفيل ضربتين فلم يصنع سَيْفاهما شيئًا، وطعن ابْن أَخِي ربيعة بْن المخارق عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن نفيل فِي ثغره نحره فقتله، وأخذ الرأيه عَبْد اللَّهِ بْن وال التَّيْمِي فقتل، ويقال: بَل دعي ابْن وال حِينَ قتل عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد لتدفع الرأيه إِلَيْهِ فوجدوه قَدِ استلحم فحمل رفاعة بْن شداد، فكشف النَّاس عَنْهُ ثُمَّ إنه أقبل إِلَى الرأيه وَقَدْ أمسكها عَبْد اللَّهِ بْن حازم الكبيري من بَنِي كبير من الأزد، فَقَالَ لابن وال: خذ رأيتك فأخذها وقاتل ابْن وال حَتَّى قتل، وقتل ابْن حازم إِلَى جنب ابْن وال. وجاء الليل فنظر رفاعة إِلَى كُل جريح، فدفعه إِلَى قومه، وسار بالناس حَتَّى أصبح بالتنينيرين فعبر الخابور، ثُمَّ مضى لا يمر بمعبر إلّا قطعه،

_ [1] سورة الأحزاب الآية: 23.

ودلف أهل الشام لمحاربتهم حِينَ أصبحوا فوجدوهم قَدْ مضوا فلم يتبعوهم، وسار رفاعة بالناس فأسرع وخلف وراءهم أبا الجويرية العبدي فِي سبعين فارسًا لحمل من سقط من الرجال، وقبض مَا وجد من المتاع وحفظه عَلَى أهله وتعريفه، فلما مروا بزفر بْن الْحَارِث بقرقيسيا بعث إليهم من الطعام والعلف بمثل الَّذِي كَانَ بعث بِهِ فِي بدأتهم، وأرسل إليهم الأطباء والأدوية، وَقَالَ: أقيموا عندنا إِن أحببتم فَإِن لكم الكرامة والمواساة، فأقاموا ثلاثًا، ثُمَّ زودهم وساروا فأقبل ابْن زِيَاد يريد زفر بْن الْحَارِث. وجاء سَعْد بْن حذيفة بْن اليمان من المدائن حَتَّى انتهى إِلَى هيت، فاستقبله الأعراب فأخبروه بِمَا لقي النَّاس فانصرف، ولقي سَعْد المثنى بْن مخربة بصندوداء فأخبره الْخَبَر، فأقاما فيمن معهما حَتَّى قيل لهما إِن رفاعة قَدْ أظلكما فاستقبلوه فبكى بَعْضهم إِلَى بَعْض، وانصرف سَعْد بْن حذيفة بمن مَعَهُ إِلَى المدائن، وانصرف أهل الكوفة إِلَى الكوفة، وانصرف ابْن مخربة إِلَى البصرة. وقوم يزعمون: إِن سَعْد بْن حذيفة كَانَ وجه إِلَى أهل عين الوردة ابْن الحصل يبشرهم بإقبالهم إليهم ليقووا منتهم وتطيب أنفسهم، وأن ابْن مخربة وافاهم بقبر الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلام فِي بدأتهم وشهد حربهم والله أعلم. وقال هشام ابن الكلبي عَنْ أَبِيهِ: قتل بعين الوردة حجر بْن عوضة بْن حجر بْن مَالِك بْن ذي العينين، واسم ذي العينين مُعَاوِيَة بْن مَالِك بْن الْحَارِث بْن بداء الكندي، وَبَعْض الرواة يَقُول عوضة وَذَلِكَ خطأ. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: بعث حصين بْن نمير إِلَى سُلَيْمَان بْن صرد حِينَ التقوا إنى أعرف لَك حقك وسنك وقرابتك، وأنا اكره قتالك، فبعث إليه

والله مَا خرجت وأنا أحب الحياة، فوجه إِلَيْهِ سُلَيْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الكلاعي فِي خمسة آلاف فقتل ابْن صرد، ثُمَّ أخذ الرأيه ابْن نجبة فقتل، ثُمَّ ابْن سَعْد بْن نفيل فقتل. قَالُوا: وأتى أدهم بْن محرز عَبْد الْمَلِك ببشارة الفتح، فصعد عَبْد الْمَلِك الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أما بَعْد فَإِن اللَّه قَدْ أهلك من أهل العراق ملقح الْفِتْنَة، ورأس الضلالة سُلَيْمَان بْن صرد، ألا وإن السيوف تركت رأس ابن نجبة خذاريف. ألا وَقَدْ قتل اللَّه مِنْهُم رجلين ضالين مضلين: عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد أَخَا الأزد، وابن وال أَخَا بَكْر بْن وائل، فلم يبق بَعْد هَؤُلاءِ أحد عنده دفاع ولا امتناع ثُمَّ نزل. ولما قدم رفاعة بْن شداد وأَصْحَابه الكوفة، كَانُوا يقولون إِذَا ذكر لَهُمْ أَصْحَابهم: صبروا والله، وفررنا، وخفنا أَن نلقي بأيدينا إِلَى التهلكة، وأن نؤكل أهل الشام لحومنا، وقلنا لعل الأيام تبقى لَهُمْ منا شرًا. وَكَانَ عُمَر بْن سَعْد بْن أَبِي وقاص، وشبث بْن ربعي الرياحي، ويزيد بْن الْحَارِث بْن يَزِيد بْن رويم يقولون لعبد اللَّه بْن يَزِيد الخطمي، وإبراهيم بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّه عاملي ابْن الزُّبَيْر عَلَى الكوفة، بَعْد خروج ابْن صرد: إِن المختار بْن أَبِي عبيد أشد عليكم من ابْن صرد، وَهُوَ يَقُول إِذَا ذكر ابْن صرد: إنه عشمة من العشم وحفش من الأحفاش بال، لَيْسَ بذي تجربة للأمور، ولا علم بالحروب وأنا رجل أعمل عَلَى مثال مثل لي، وأمر تقدم فِيهِ إلي، ويدل بنفسه غَيْر إدلال ابْن صرد، وليس البلد والمختار فِيهِ لكم ببلد، فأودعوه الحبس حَتَّى يجتمع النَّاس عَلَى رجل، فأخذاه فحبساه مقيدا.

وقدم رفاعة وأَصْحَابه الكوفة من عين الوردة، وَهُوَ محبوس، فكتب إليهم: أما بَعْد فمرحبا بالعصبة الَّذِينَ حكم اللَّه لَهُمْ بالأجر حِينَ رحلوا، ورضي انصرافهم حِينَ أقبلوا، إِن سُلَيْمَان بْن صرد رحمه اللَّه تَعَالَى قضى مَا عَلَيْهِ وتوفاه اللَّه إِلَيْهِ، فجعل روحه مَعَ أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وَلَمْ يكن بصاحبكم الَّذِي تنتظرون، ولكني الآمر والمأمور وقاتل الجبارين فأعدوا واستعدوا فإني أدعوكم إِلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه والطلب بدماء أهل الْبَيْت، والدفع عن الضعفة وجهاد المحلّين فأجابوه إلى مَا دعاهم إِلَيْهِ، وَقَالُوا: إِن شئت أخرجناك من محبسك، فَقَالَ: أنا أخرج فِي أيامي هذه، وكانت صفية بنت أَبِي عبيد أخته امْرَأَة عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب، فكتب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر يعلمه أَن ابْن يَزِيد وابن مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ حبساه لغير جناية، فكتب إليهما يسألهما إخراجه، فأخرجاه، فكان من أمره ما كان [1] .

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض الثالث ولله كل حمد وفضل.

أمر المختار بن أبي عبيد الثقفي وقصصه

أمر المختار بْن أَبِي عبيد الثقفي وقصصه قَالُوا: ولد الْمُخْتَار بْن أَبِي عُبَيْد بْن مَسْعُود بْن عَمْرو بْن عمير بْن عوف بْن عقدة بْن غيرة بْن عوف بْن قسي- وَهُوَ ثقيف- بْن منبه بْن بَكْر بْن هوازن فِي السنة الَّتِي هاجر فِيهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَةِ، وتزوج أبوه دومة بنت عَمْرو بْن وهب بْن معتب، وَكَانَ قبل تزوجه إياها يختار نساء قومه فرأى فِي منامه قائلا يَقُول لَهُ: تزوج دومه. فإنها عظيمة الحومه. لا يسمع فِيهَا من لائم لومه، فتزوجها فلما اشتملت عَلَى المختار رأت فِي منامها قائلا يَقُول لَهَا: أبشري بولد. أشد من الأسد. إِذَا الرجال فِي كبد. يتغالبون عَلَى بلد. لَهُ فِيهِ الحظ الأسد، فلما ولد قيل لَهَا إِن ابنك قبل أَن يتسعسع [1] . وبعد أَن يترعرع. كثير التبع. قليل الهلع. خنشليل [2] غَيْر ورع. يدان بِمَا صنع.

_ [1] السعسعة: اضطراب الجسم كبرا والهرم والفناء. القاموس. [2] الخنشليل: السريع، الماضي، والضخم الشديد. القاموس.

وَكَانَ مَعَ أَبِيهِ أَبِي عبيد بْن مَسْعُود حِينَ وجهه عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ إِلَى العراق فِي الثقل، وَكَانَ لَهُ يَوْم قتل أبوه ثَلاث عشرة سنة، وَكَانَ يَقُول: والله لأعلون منبرًا بَعْد منبر. ولأفلن عسكرًا بَعْد عسكر ولأخيفن أهل الحرمين. ولأذعرن أهل المشرقين والمغربين. وإن خبري لفي زبر الأولين. وَكَانَ المختار مَعَ عمه بالمدائن حِينَ جرح الْحَسَن بْن عَلِي فِي مظلم ساباط أشار عَلَى عمه بدفعه إِلَى مُعَاوِيَة، والتقرب إِلَيْهِ بِهِ، طلبه قوم من الشيعة مِنْهُم الْحَارِث الأعور، وظبيان بْن عُمَارَةَ التميمي ليقتلوه، فكلم عمه الْحَسَن فسألهم الإمساك عَنْهُ فأمسكوا وَكَانَ المختار عِنْدَ الشيعة عثمانيًا. فلما بعث الْحُسَيْن بْن عَلِي مُسْلِم بْن عقيل نزل دار المختار، فبايعه المختار فيمن بايعه سرًا، وخرج ابْن عقيل يَوْم خرج والمختار فِي ضيعة لَهُ بخطرنيه [1] ، وَلَمْ يكن خروج مُسْلِم عَنْ مواعدة لأَصْحَابه، إِنَّمَا خرج بداهة حِينَ كَانَ من أمر هانئ مَا كَانَ وقدم المختار الكوفة مسرعًا، فوقف عَلَى بَاب الْمَسْجِد الَّذِي يعرف بباب الفيل فِي جَمَاعَة، فمر بِهِ هانئ بْن أَبِي حية الوادعي فقال له يا بن أَبِي عبيد لا أَنْتَ فِي منزلك ولا مَعَ الْقَوْم- يَعْنِي أهل الكوفة من أَصْحَاب ابن زياد- فقال: أمسى رأيي مرتجنا عليّ لعظيم خطبكم، فأتى هانئ عَمْرو بْن حريث، وَهُوَ خليفة ابْن زِيَاد فأخبره بقول المختار فأرسل إِلَيْهِ عَمْرو بْن حريث رسولا وَقَالَ لَهُ: استنهه عَنْ نَفْسه، وحذره أَن يجعل عَلَيْهَا سبيلا، فقام زائدة بْن قدامة الثقفي فقال: آتيك به على أنّه

_ [1] خطرنيه: ناحية من نواحي بابل العراق. معجم البلدان.

آمن وإن رقي إِلَى الأمير عُبَيْد اللَّهِ فِيهِ شَيْء قمت بشأنه عنده؟ فَقَالَ عَمْرو بْن حريث: أما مني فَهُوَ آمن، وَأَمَّا الأمير فإن بلغه عنه شيء ءأقمت لَهُ بمحضره الشهادة وشفعت عنده أَحْسَن الشفاعة، فأبلغ المختار رسالة عَمْرو بْن حريث فأتى حتى جلس تحت رأيته وبات ليلته، ثُمَّ إِن ابْن زِيَاد جلس لِلنَّاسِ وفتح بابه فدخل المختار عَلَيْهِ فلما رآه قَالَ لَهُ: أَنْتَ المقبل فِي الجموع لنصر ابْن عقيل؟ فَقَالَ: والله مَا بت إلا تَحْتَ رأيه عَمْرو، فرفع ابْن زِيَاد قضيبا كَانَ فِي يده فاعترض بِهِ وجه المختار فشتر عينه، وشهد لَهُ عَمْرو عَلَى مَا قَالَ، فَقَالَ ابْن زِيَاد لولا شهادة عَمْرو لَك لضربت عنقك، وأمر بِهِ فحبس فلم يزل محبوسًا حَتَّى قتل الْحُسَيْن. ثُمَّ إِن المختار سأل زائدة بْن قدامة الثقفي أَن يسير إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر فيسأله الكتاب إِلَى يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فِي استيهابه منه، وكانت صفية بنت أَبِي عبيد أخت المختار عِنْدَ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، فسار ابْن قدامة إِلَى ابْن عُمَر فكتب إِلَى يَزِيد بِمَا سأل المختار، فكتب يَزِيد إِلَى ابْن زِيَاد بتخلية سبيل المختار فخلاه وأجله فِي المقام بالكوفة ثلاثًا، فخرج فِي اليوم الثالث إِلَى الحجاز، فلقيه ابْن الغرق من وراء واقصة، فلما رأى شتر عينه استرجع فَقَالَ المختار: شتر عيني ابْن الزانية بالقضيب، قتلني اللَّه إِن لَمْ أقطع أنامله وأباجله وأعضاءه إربا إربًا، فاحفظ هَذَا الْكَلام عني، ثُمَّ ذكر ابْن الزُّبَيْر فَقَالَ: إِن سمع مني وقبل عني كفيته أمر النَّاس، وإلا فلست بدون رجل من العرب، إِن الْفِتْنَة قَدْ برقت ورعدت، وكأن قَدِ انبعثت فوطئت فِي خطامها، فروي عَنِ ابْن الغرق أَنَّهُ قَالَ: حدثت بِهَذَا الْحَدِيث الْحَجَّاج بْن يُوسُف، وضحك وذكر سجع المختار فَقَالَ: كَانَ يَقُول: ورافعة ذيلها. وصائحة ويلها.

بدجلة أو حولها. فو الله مَا أدري مَا كَانَ يَقُول، إلا أَنَّهُ كَانَ رجلًا دينًا، ومقارع أعداء، ومسعر حرب. قَالَ: وقدم المختار عَلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، فرحب بِهِ وأوسع لَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا حال العراق يا أبا إِسْحَاق؟ قال: هم لسلطانهم فِي العلانية أولياء، وَفِي السر أعداء، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: هذه صفة عبيد السوء إِذَا رأوا أربابهم خدموهم وأطاعوهم، وإذا غابوا عَنْهُم شتموهم وعابوهم، وعرض عَلَى ابْن الزُّبَيْر أَن يقلده أمره ويستكفيه إياه فلم يفعل، فقام عَنْهُ ولحق بالطائف فتصرف فِي أموره وغاب عَنِ ابْن الزُّبَيْر سنة، وجعل يَقُول: أنا مبير الجبارين، فبلغ ذَلِكَ ابْن الزُّبَيْر فَقَالَ: إِن يهلك اللَّه الجبارين يكن المختار أحدهم، قاتله اللَّه كذابا متهكمًا. وأقبل المختار بَعْد سنة حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِد وابن الزُّبَيْر فِي ذكره فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: اذكر غائبًا تره، وأقبل المختار فطاف بالبيت وصلى عِنْدَ الحجر ركعتين، ثم جلس واجتمع إليه قوم يسلّمون عليه، واستبطأه ابْن الزُّبَيْر فَقَالَ لَهُ بَعْضهم: قم إِلَيْهِ فَقَدِ استبطأك؟ فَقَالَ أتيته عامًا أول فعرضت عَلَيْهِ نفسي فرأيته منحرفًا عني، والله إنه إلي لأحوج مني إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَبَّاس بْن سهل بْن سَعْد الساعدي: إنك أتيته نهارًا، وَهَذَا أمر تضرب عَلَيْهِ الستور، فأته ليلًا، فَقَالَ: أنا فاعل، فلما كَانَ الليل أتاه عَبَّاس، فمضيا جميعًا حَتَّى دخلا عَلَى ابْن الزُّبَيْر فسلم عَلَيْهِ ابْن الزُّبَيْر وصافحه، فابتدأ المختار القول فَقَالَ: إنه لا خير في الإكثار من المنطق، ولا حظّ فِي التقصير عَنِ الحاجة، وَقَدْ جئتك لأبايعك عَلَى أَن لا تقضي أمرًا دوني، وعلى أَن أكون أول من تأذن لَهُ، وإذا ظهرت استعنت بي عَلَى أفضل عملك؟ فَقَالَ ابن

الزبير: أُبَايِعُكَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ؟ فَقَالَ المختار: لو أتاك شر غلماني لبايعته هذه المبايعة العامة، والله لا أبايعك إلا عَلَى هذه الخصال، فبسط ابْن الزُّبَيْر يده فبايعه. ومكث المختار مَعَهُ حَتَّى شهد حصار ابْن الزُّبَيْر الأَوَّل، وَهُوَ حصار حصين بْن نمير السكوني، وقاتل فِي جَمَاعَة مَعَهُ أشد القتال وأغني أَعْظَم الغناء، ولما كَانَ آخر يوم قاتل فيه الحصين بن نمير ابن الزُّبَيْر نادى: يا أهل الشام أنا المختار بْن أَبِي عبيد، أنا الكرار غَيْر الفرار، أنا المقدم غَيْر المحجم إِلَى يا أهل الحفاظ وحماة الأدبار، وَكَانَ آخر أيامهم فِي القتال اليوم الَّذِي علم أهل الشام فِيهِ بموت يَزِيد، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن بحدج بْن ربيعة أحد بَنِي عامر بْن حَنِيفَة فِي عصابة من الخوارج من أهل اليمامة يقاتل مدافعة عَنِ الْبَيْت، لا غضبًا لابن الزُّبَيْر. وأقام المختار مَعَ ابْن الزُّبَيْر حَتَّى انصرف عَنْهُ الحصين بْن نمير وأهل الشام إِلَى الشام، فلما رأى أَن ابْن الزُّبَيْر لا يوليه شيئًا أقبل يسأل النَّاس عَنْ خبر الكوفة وأهلها، فيقال لَهُ إنهم أخرجوا عَمْرو بْن حريث عامل ابْن زِيَاد واصطلحوا عَلَى عامر بْن مَسْعُود بْن أمية بْن خلف، فَيَقُولُ: أنا أَبُو إِسْحَاق، أنا لَهَا إذ لَيْسَ لَهَا أحد غيري، أنا راعيها إِذَا أظل راعيها، ثُمَّ ركب رواحله وأتى الكوفة، فلما صار بنهر الحيرة اغتسل وادهن، ولبس ثيابه، واعتم وتقلد بسَيْفه وركب راحلته فمر بمسجد السكون، وجبانة كندة، وجعل لا يمر بمسجد إلا سلم عَلَى أهله حَتَّى مر ببني بداء من كندة، فسلم عَلَى عُبَيْدَة بْن عَمْرو البدي، وَقَالَ: يا أبا عَمْرو أبشر بالنصر واليسر والفرج إنك عَلَى رأى تستر مَعَهُ العيوب، وتغفر الذنوب، وَكَانَ عبيدة من

أشد النَّاس تشيعا وحبا لعلي، وَكَانَ شجاعًا، فَقَالَ للمختار: بشرك اللَّه بخير، قَالَ: القني رحمك اللَّه وأهل مسجدك، ودار عَلَى الشيعة من همدان وغيرها يبشرهم ويبلغهم السَّلام عَنِ ابْن الحنفية. فيقال: إنه لما أراد الشخوص إِلَى الكوفة أتى ابْن الحنفية فَقَالَ لَهُ إني عَلَى الشخوص للطلب بدمائكم، والانتصار لكم، فسكت ابْن الحنفية فلم يأمره وَلَمْ ينهه فَقَالَ إِن سكوته عني إذن لي وودعه، فَقَالَ لَهُ ابْن الحنفية: عليك بتقوى اللَّه مَا استطعت، ويقال: إنه لما قَالَ لَهُ: إني عَلَى الشخوص للطلب بدمائكم والانتصار لكم قَالَ: إني لأحب أَن ينصرنا ربنا ويهلك من سفك دماءنا ولست آمر بحرب ولا إراقة دم، فَإِنَّهُ كفى بالله لنا ناصرًا، ولحقنا أخذًا وبدمائنا طالبًا. وَحَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّهِ بْن صَالِح بْن مُسْلِم الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ- وسئل هل كَانَ أمر المختار عَنْ رأي محمد ابن الحنفية- فَقَالَ: كَانَ لِذَلِكَ سبب، إلا أَنَّهُ أمره بِمَا لَمْ يعمل بِهِ. وَقَالَ أَبُو مخنف فِي روايته: لما اجتمعت الشيعة إِلَى المختار حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بعد فإنّ المهديّ ابن الوصي مُحَمَّد بْن عَلِي بعثني إليكم أمينًا ووزيرًا ومنتجبًا وأميرًا، وأمرني بقتال المحلين والطلب بدماء أهل بيته الطيبين، فكان أول من بايعه عُبَيْدَة بْن عَمْرو، وَقَدْ كانت الشيعة مجتمعة لسليمان بْن صرد الخزاعي، فجعل يثبطها عَنْهُ وَيَقُول هَذَا رجل عشمة هامة اليوم أَوْ غد، وإنما يريد أَن يقتلكم ونفسه، فَإِنَّهُ لا علم لَهُ بالحروب وسياسة الأمور حتى مال إِلَيْهِ كثير مِنْهُم، وَكَانَ ابْن الزُّبَيْر قَدْ جعل مكان عامر بْن مَسْعُود عَلَى صلاة الكوفة وحربها عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد الأَنْصَارِي،

ثُمَّ أحد بَنِي خطمه، وعلى الخراج إِبْرَاهِيم الأعرج بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّه فأتاهما عُمَر بْن سَعْد بْن أَبِي وقاص ويزيد بْن الْحَارِث بْن يَزِيد بْن رويم الشيباني، وشبث بْن ربعي الرياحي فَقَالُوا لهما: إِن سُلَيْمَان بْن صرد يريد قتال أعدائكما، وإن المختار يريد الوثوب بكما فِي مصركما والإفساد عليكما، فأخذاه فحبساه وقيداه. فكان يَقُول فِي السجن: أما ورب البحار. والنخل والأشجار. والمهامه والقفار. والملائكة الأبرار. والمصطفين الأخيار. لأقتلن كُل جبار. بكل لدن خطار. ومهند بتار. فِي جموع من الأنصار. ليسوا بميل أغمار. ولا عزل أشرار. حَتَّى إِذَا أقمت عمود الدين. ورأبت صدع الْمُسْلِمِينَ. وشفيت غليل صدور الْمُؤْمِنيِنَ. وأدركت ثأر أبناء النبيين. لَمْ يكبر عَلِي فراق الدنيا وَلَمْ أحفل بالموت إِذَا أتى. وَكَانَ يسجع بَعْد خروج ابْن صرد إِلَى الجزيرة فَيَقُولُ: عدوا لغزيكم أَكْثَر من عشر. وأقل من شَهْر. فليأتينكم نبأ هتر. وطعن نتر. وضرب هبر. وقتل جم. وأمر قَدْ حم. فمن لَهَا يَوْمَئِذٍ، أنا لَهَا. وكتب من الحبس إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر: «أما بَعْد فَقَدْ حبست مظلومًا، وظن بي ولاة المصر ظنونًا، وحملت عني أكاذيب، فأكتب رحمك اللَّه إِلَى هذين الواليين الظالمين فِي أمري لعل اللَّه يتخلصني ببركتك» ، فكتب ابْن عُمَر إليهما: «أما بَعْد فَقَدْ علمتما الَّذِي بيني وبين المختار بْن أَبِي عبيد من الصهر، وَمَا أنا عَلَيْهِ لكما من الود فأقسمت عليكما بِمَا بيني وبينكما لما خليتما سبيله» ، فلما أتى الكتاب عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد، وإبراهيم بْن مُحَمَّد دعوا المختار وَقَالُوا: هات بكفلاء يضمنونك فضمنه زائدة بْن قدامة الثقفي، وعبد

الرحمن بن أَبِي عمير الثقفي، والسائب بْن مَالِك الأشعري وقيس بْن طهفة النهدي، وعبد اللَّه بْن كامل الشاكري من همدان، ويزيد بْن أَنَس الأسدي، وأحمر بْن شميط البجلي ثُمَّ الأحمسي، وعبد اللَّه بْن شداد الجشمي ورفاعة بْن شداد البجلي، وسليم بْن يَزِيد الكندي ثُمَّ الجوني، وسعيد بْن منقذ الهمداني ثُمَّ الثَّوْرِي أَخُو حبيب بْن منقذ، ومسافر بْن سَعِيد بْن عمران الناعطي وسعر بْن أَبِي سعر الحنفي، فلما ضمنوه دعا بِهِ عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد وإبراهيم بْن مُحَمَّد فأحلفاه ألا يبغيهما غائلة ولا يخرج عليهما مَا كَانَ لهما سلطان، فلما خرج من عندهما قَالَ: أما حلفي لهما بالله فإنّه ينبغي لي أن اكفّر يميني فإنّ خروجي عليهما خير، ومن حلف عَلَى يمين فرأى غيرها خيرًا منها أتى الَّذِي هُوَ خير وكفر عَنْ يمينه، وَأَمَّا حلفي بعتق مماليكي فوددت أني نلت الَّذِي أريد وأني لا أملك مملوكا أبدًا وَأَمَّا هدي ألف بدنه فذلك أهون عَلِي من بصقة. ثُمَّ إنه صار إِلَى داره فتداكت عَلَيْهِ الشيع يبايعونه، فلم يزل أَصْحَابه يكثرون وأمره يقوى حَتَّى عزل ابْن الزُّبَيْر عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد وإبراهيم بْن مُحَمَّد وولى عَبْد اللَّهِ بْن مطيع بْن الأسود الكوفة، فقدمها فِي شَهْر رمضان سنة خمس وستين وبعث ابْن الزُّبَيْر الْحَارِث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي، وَهُوَ القباع، عَلَى البصرة، وخرج إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد إِلَى الْمَدِينَةِ وكسر الخراج عَلَى ابْن الزُّبَيْر، وَقَالَ: إنها كانت فتنة، وقبل خروجه حبسه ابْن مطيع، فكتب إِلَيْهِ إِسْمَاعِيل بْن طَلْحَةَ: «والله لتطلقنه أَوْ لتعلمن أني لَك بئس الشعار وأنها لَك بئس الدار» ، فأطلقه.

ودعا ابْن مطيع النَّاس إِلَى البيعة لابن الزُّبَيْر، وَلَمْ يسمه، وَقَالَ: بايعوا لأمير الْمُؤْمِنيِنَ فكان مِمَّن بايعه فضالة بْن شريك الأسدي، ويقال: ابْن همام السلولي وَقَالَ: دعا ابْن مطيع للبياع فجئته ... إِلَى بيعة قلبي لَهَا غَيْر عارف فأخرج لي خشناء حيث لمستها ... من الخشن ليست من أكف الخلائف من الشثنات الكزم أنكرت مسها ... وليست من البيض السباط اللطائف معاودة ضرب الهراوي لقومها ... فرورًا إِذَا مَا كَانَ يَوْم التسايف وَلَمْ يسم إذ بايعته من خليفتي ... وَلَمْ يشترط إلا اشتراط المجازف قَالُوا: وخطب ابْن مطيع فَقَالَ إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بعثني عَلَى مصركم وثغوركم وأمرني بجباية فيئكم ولا أحمل شَيْئًا مِمَّا يفضل عنكم إلا أَن ترضوا بحمل ذَلِكَ، فاتقوا اللَّه واستقيموا ولا تختلفوا، وخذوا فَوْقَ أيدي سفهائكم فو الله لأوقعن بالسقيم العاصي، ولأقيمن درء [1] الأصعر المرتاب، ولأبالغن للمحسن فِي الإحسان، ولأتبعن سيرة عُمَر وعثمان، فَقَالَ لَهُ السائب بْن مَالِك: أما سيرة عُثْمَان فكانت هوى وأثره فلا حاجة لنا فِيهَا، وَأَمَّا سيرة عُمَر فأقل السيرتين ضررًا عَلَيْنَا لكن عليك بسيرة عَلِي بْن أَبِي طَالِب، فإنا لا نرضى بِمَا دونها، فَقَالَ ابْن مطيع: نسير فيكم بكل مَا تهوون وتريدون، وَكَانَ عَلَى شرط ابْن مطيع إياس بْن مضارب الْعِجْلِيِّ، وَقَالَ لَهُ حِينَ ولاه: عليك بحسن السيرة والشدة عَلَى أهل الريبة.

_ [1] الدرء: الميل والعوج في القناة ونحوها.

قَالُوا: وبعث ابْن مطيع إياسًا إِلَى المختار ليأتيه بِهِ فتمارض المختار ودعا بقطيفة وَقَالَ: إني لأجد قفقفة، وجعل المختار يبعث إِلَى أَصْحَابه فيجمعهم فِي الدور حوله، وأراد الوثوب بالكوفة فِي المحرم، فجاء رجل من شبام يقال لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن شريح إِلَى وجوه الشيعة فَقَالَ لَهُمْ: إِن المختار يريد الخروج بنا ولا ندري لعل مُحَمَّد بْن عَلِي لَمْ يوجهه إلينا، فانهضوا بنا إِلَيْهِ لنخبره خبره فَإِن رخص لنا فِي اتباعه اتبعناه، وإن نهانا عَنْهُ اجتنبناه فَمَا ينبغي أَن يَكُون شَيْء آثر عندنا من أدياننا، فخرج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن شريح الشبامي، والأسود بن جراد الكندي، وسعر بْن أَبِي سعر الحنفي فِي عدة معهم إِلَى ابْن الحنفية، فلما لقوه قَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: إنكم أهل بَيْت قَدْ خصكم اللَّه بالفضيلة، وشرفكم بالنبوة، وعظم حقكم عَلَى الأمة فلا يجهله إلا غبين الرأي مخسوس الحظ، وَقَدْ أصبتم بحسين رحمه اللَّه، وأتانا المختار بْن أَبِي عبيد يزعم أَنَّهُ جاء من تلقائك يطلب بدمه، فمرنا بأمرك، فَقَالَ ابْن الحنفية: إِن الفضل بيد اللَّه يؤتيه من يشاء، فالحمد لِلَّهِ عَلَى مَا آتانا وأعطانا، وَأَمَّا المصيبة بحسين فَقَدْ خصت أهله، وعمّت المسلمين، وما دعاكم المختار إليه، فو الله لوددت أَن اللَّه انتصر لنا بمن شاء من خلقه، فَقَالُوا: هَذَا إذن منه، ورخصة، ولو شاء لقال: لا تفعلوا حَتَّى يبلغ اللَّه أمره، فلم تكن إلا زيادة أَيَّام على الشهر حتى وافوا الكوفة فبدءوا بالمختار، وَكَانَ ظنه ساء، وخاف أَن يَأْتِي الْقَوْم بأمر يخذلون بِهِ الشيعة عَنْهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ قدموا: ارتبتم وتحيرتم، فَمَا وراءكم؟ قَالُوا: أذن لنا فِي نصرتك، فَقَالَ: اللَّه أكبر أنا أَبُو إِسْحَاق، اجمعوا إلي الشيعة، فاجتمعوا فقال: إنّ نفرا منكم أحبّوا أن يعلموا مصداق مَا جئت بِهِ، فرحلوا إِلَى إمام الهدى.

والنجيب المرتضى. وابن خير من جلس ومشى. بعد النَّبِي المصطفى. فسألوه عما قدمت لَهُ. فأنبأهم أني وزيره وظهيره ورسوله، فقام عَبْد الرَّحْمَنِ بْن شريح فَقَالَ: إنا قدمنا عَلَى الْمَهْدِي بْن عَلِي فأمرنا بمظاهرة المختار ومؤازرته، وإجابة دعوته، فأقبلنا طيبة أنفسنا منشرحة صدورنا، قَدْ أذهب اللَّه عنا الشك والغل والريب، واستقامت لنا بصيرتنا فِي قتال عدونا، فليبلغ ذَلِكَ شاهدكم غائبكم، وقام الوفد رجلا رجلا فتكلموا بنحو مَا تكلم بِهِ عَبْد الرَّحْمَنِ، فاستجمعت لَهُ الشيعة، وَقَالُوا: إِن أشراف أهل الكوفة مجمعون عَلَى قتالك مَعَ ابْن مطيع فَإِن جاء معنا إِبْرَاهِيم بْن الأشتر عَلَى أمرنا رجونا القوة بإذن اللَّه عَلَى عدونا، فَإِنَّهُ فتى بئيس، وابن رجل شريف وَلَهُ عشيرة ذَات عز وعدد. فروي عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فخرج إِلَيْهِ وجوه الشيعة، وأنا فيهم فكلموه ودعوه إِلَى الطلب بدم الْحُسَيْن، وأهل الْبَيْت، وَقَالُوا: إِن هَذَا أمر جسيم إِن أجبتنا إِلَيْهِ، عادت لَك منزلة أبيك فِي النَّاس، وأحييت شرفه وَمَا كَانَ مشهورًا بِهِ من الفضل، ونصرة الحق، والغضب لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهل بيته فَقَالَ: قَدْ أجبتكم إِلَى مَا دعوتموني إِلَيْهِ من الطلب بدم الْحُسَيْن وأهل بيته عَلَى أَن تولوني الأمر. فَقَالُوا: أَنْتَ لِذَلِكَ أهل، ولكن الْمَهْدِي مُحَمَّد بْن عَلِي وجه المختار إلينا فَهُوَ الآمر والمأمور بالقتال، وَقَدْ شخص إِلَيْهِ نفر منا اختبارًا لما جاء بِهِ فأمرنا بطاعته، ثُمَّ إِن المختار أتاه فِي جَمَاعَة من الشيعة بَعْد أَيَّام كثيرة، فأقرأه كتابًا من مُحَمَّد بْن عَلِي إِلَيْهِ نسخته: «من مُحَمَّد الْمَهْدِي بْن عَلِي إِلَى إِبْرَاهِيم بْن مالك.

أما بَعْد: فإني بعثت إليكم المختار بْن أَبِي عبيد، نصيحي ووزيري، وثقتي وأميني المرضي عندي، للطلب بدماء أهل بَيْتِي، فانهض مَعَهُ بنفسك وعشيرتك وأتباعك ومن أطاعك، فإنك إِن نصرتني، وساعدت وزيري، كانت لَك عندي بِذَلِكَ فضيلة، ولك الأعنة والمنابر، وكل بلد ظهرت عَلَيْهِ فيما بَيْنَ الكوفة وأقصى بلاد الشام» . فَقَالَ ابْن الأشتر: قَدْ كاتبت مُحَمَّد بْن عَلِي، وكاتبني فَمَا رأيته كتب إلي قط إلا باسمه اسم أَبِيهِ، لا يَزِيد عَلَى ذَلِكَ، وَقَدِ استربت بِهَذَا الكتاب، فقام يَزِيد بْن أَنَس، وأحمر بْن شميط، وعبد اللَّه بْن كامل بْن عَمْرو الهمداني ثُمَّ الشاكري، وورقاء بْن عازب الأسدي، فشهدوا أَنَّهُ كتاب ابْن الحنفية، فتنحى إِبْرَاهِيم عَنْ صدر المجلس وأجلس المختار فِيهِ وبايعه. فمكثوا يدبرون أمرهم حَتَّى أجمع رأيهم عَلَى أَن يخرجوا ليلة النصف من شَهْر ربيع الأَوَّل سنة ست وستين، ووطنوا عَلَى ذَلِكَ شيعتهم ومن معهم، فلما كَانَ عِنْدَ غروب الشَّمْس ليلة النصف وَهِيَ ليلة الميعاد، قام إِبْرَاهِيم بْن الأشتر فصلى المغرب حِينَ قَالَ القائل: أخوك أم الذئب؟ ثُمَّ أتى المختار، قَالَ الشَّعْبِيُّ: فأقبلنا مَعَهُ وَعَلَيْنَا السلاح فلم يمكن فِي تلك الليلة الخروج، فاتعدوا لليلة الخميس. الْمَدَائِنِي فِي إِسْنَادِهِ، قَالَ: كَانَ للمختار مجلس يجلس فِيهِ بالطائف ليلًا فرفع رأسه إِلَى السماء ثُمَّ قال متمثّلا:

ذو مناديح [1] وذو ملتبط [2] ... وركاب حيث وجهت ذلل لا تذمن بلدا تكرهه ... وإذا زلت بك النعل فزل قَدْ والله مَاتَ يَزِيد، فَمَا لبثوا أَن جاء موته. الْمَدَائِنِي فِي إِسْنَادِهِ، قَالَ: ركب المختار يومًا مَعَ المغيرة بْن شُعْبَة، فمر بالسوق فَقَالَ المغيرة: أما والله إني لأعرف كلمة لو دعا بِهَا أريب لاستمال بِهَا أقوامًا فصاروا لَهُ أنصارًا، ثم لا سيّما العجم الَّذِينَ يقبلون مَا يلقى إليهم، قَالَ المختار: وَمَا هِيَ يا عم؟ قَالَ: يدعوهم إِلَى نصرة آل مُحَمَّد والطلب بدمائهم، فكانت في نفس المختار حتى دعا.

_ [1] الندح: الكثرة والسعة، وما اتسع من الأرض. القاموس. [2] التبط البعير: خبط بيديه وهو يعدو، وفلان سعى وتحير واضطرب، والقوم أطافوا به ولزموه. القاموس.

مقتل إياس بن مضارب وابنه راشد بن إياس

مقتل إياس بْن مضارب وابنه راشد بْن إياس قَالُوا: وبلغ ابْن مطيع إجماع المختار بالخروج فأخبر إياسًا بِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى شرطه، فخرج إياس فِي الشرط، وبعث ابنه راشد إِلَى الكناسة وأقبل يسير حول السوق فِي الشرط، وأشار عَلَى ابْن مطيع أَن يبعث إِلَى كُل جبانة عظيمة رجلا من ثقاته فِي جَمَاعَة من أهل الطاعة لَهُ، فوجه ابْن مطيع عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد بْن قَيْس الهمداني إِلَى جبانة السبيع فَقَالَ: أكفني قومك، وبعث كعب بْن أَبِي كعب الخثعمي إِلَى جبانة بشر بْن ربيعة الخثعمي، وبعث زحر بْن قَيْس الجعفي إِلَى جبانة كندة، وبعث شمر بْن ذي الجوشن الكلابي إِلَى جبانة سالم، وبعث عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف إِلَى جبانة مراد، وأمر كُل امرئ مِنْهُم أَن يتحفظ ويحكم أمره وَمَا يليه، وبعث شبث بْن ربعي إِلَى السبخة، فخرج إِبْرَاهِيم بْن الأشتر إِلَى المختار ليلة الأربعاء فِي جَمَاعَة عظيمة عَلَيْهِم الدروع وَهُمْ متقلدو السيوف وَقَدْ كفروا الدروع بالأقبية، وستروا السيوف، وفيهم شراحيل وابنه عامر بْن شراحيل الشَّعْبِيُّ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ إِبْرَاهِيم فتى حدثا شجاعًا لا يكره أَن يلقى أحدًا من أَصْحَاب ابْن

مطيع، فمر بدار عَمْرو بْن حريث المخزومي فلقيه إياس بْن مضارب فِي الشرط، فَقَالَ: من أنتم؟ قَالَ إِبْرَاهِيم: أنا إِبْرَاهِيم بْن مَالِك الأشتر، فَقَالَ: مَا هَذَا الجمع لَقَدْ رابني أمرك، ولست بتاركك حَتَّى آتي بك الأمير وَكَانَ مَعَ إياس رجل همداني يكنى أبا قطن، وَفِي يده رمح لَهُ طويل، وَكَانَ صديقًا لإبراهيم فاستدناه إِبْرَاهِيم فدنا منه وَهُوَ يظن أَنَّهُ يكلمه فِي مسألة ابْن مضارب الإمساك عَنْهُ، فكلمه إِبْرَاهِيم بشيء، ثُمَّ استلب الرمح منه وحمل عَلَى إياس فطعنه فِي ثغرة نحره، فصرعه وأمر رجلا مِمَّن مَعَهُ فاحتز رأسه، وتفرق أَصْحَاب ابْن مضارب، فبعث ابْن مطيع راشد بْن إياس بْن مضارب مكان أَبِيهِ عَلَى الشرطة، وصير مكان راشد بالكناسة سويد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن بجير المنقري أبا القعقاع بْن سويد، وبعضهم يَقُول: هُوَ سويد بْن عَمْرو، وَالأَوَّل أصح، وأقبل إِبْرَاهِيم بْن الأشتر إِلَى المختار فَقَالَ إنا اتعدنا للخروج القابلة، وَهِيَ ليلة الخميس وَقَدْ حدث أمر لا بدّ لنا مَعَهُ من الخروج الليلة، وأخبره خبر ابْن مضارب وألقى رأسه بَيْنَ يديه، فَقَالَ المختار: بشّرك اللَّه بخير فهذا أول الفتح، ثُمَّ لبس المختار سلاحه وأمر فنودي: «يا مَنْصُور أمت» وأمر أيضًا فنودي: «يا لثارات الْحُسَيْن» وجعل يَقُول: قَدْ علمت بيضاء حسناء الطلل ... واضحة الخدين عجزاء الكفل أني غداة الروع مقدام بطل وَقَالَ ابْن الأشتر: إِن هَؤُلاءِ الَّذِينَ رتبهم ابْن مطيع فِي المواضع يمنعون إخواننا من المصير إلينا وإتياننا، فالرأي أَن آتي قومي فِي كتيبتي هذه الَّتِي جئتك فِيهَا ليجتمعوا، ثُمَّ أدور فِي نواحي الكوفة، وأنادي بشعارنا فيخرج

إِلَى من أراد الخروج، فَقَالَ المختار: استخر اللَّه، ففعل إِبْرَاهِيم، وجعل كلما تسرعت إِلَيْهِ خيل كشفها، ثُمَّ عاد يخترق السكك ويجتنب منها سكك الأمراء. وخرج المختار فِي جَمَاعَة أَصْحَابه حَتَّى نزل عِنْدَ السبخة، ونادى أَبُو عُثْمَان النهدي فِي شاكر: ألا إِن وزير آل مُحَمَّد قَدْ خرج وبعثني إليكم، فخرجوا من الدور ينادون: «يا لثأرات الْحُسَيْن» وضاربوا كعب بْن أَبِي كعب الخثعمي وَهُوَ بجبانة بشر حَتَّى خلى لَهُمُ الطريق، فأتوا عسكر المختار، وجاء حجار بْن أبجر الْعِجْلِيُّ فعبأ لَهُ المختار أحمر بْن شميط الأحمسي، فقاتله وأقبل إليهم ابْن الأشتر فلما أحس بِهِ حجار هرب وأَصْحَابه، وتوافى إِلَى المختار من كُل قبيل المائة والمائتان، وكانوا يحملون عَلَى من عرض لَهُمْ حَتَّى تتام إِلَيْهِ ثلاثة آلاف وثمانمائة رجل، فعبأهم المختار وكتبهم، وتوجه ابْن الأشتر إِلَى راشد بْن إياس بْن مضارب فلقيه فِي جبانة مراد وَهُوَ فِي أربعة آلاف، فاقتتلوا، فقتل خزيمة بن نصر العبسي، أبو نصر بْن خزيمة المقتول مَعَ زَيْد بْن عَلِي بْن الْحُسَيْن، راشد بْن إياس ونادى: قتلت راشدًا ورب الْكَعْبَة، وانهزم أَصْحَاب راشد، فَقَالَتْ أخته ترثيه: لحى اللَّه قوما أسلموا أمس راشدًا ... بجبانة الدارين عِنْدَ مراد فلا ولدت عجلية بَعْد راشد ... غلامًا ولا حلت بصوب رعاد وجعل إِبْرَاهِيم يحرض أَصْحَابه فَيَقُولُ إنه لَيْسَ مَعَ الحق قلة، ولا مَعَ الباطل كثرة فكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّه واللَّه معَ الَّصابرين [1] .

_ [1] سورة البقرة- الآية: 249.

أمر حسان بن فائد وحصار ابن مطيع وهربه

أمر حسان بْن فائد وحصار ابْن مطيع وهربه قَالُوا: وأقبل إِبْرَاهِيم بْن الأشتر بَعْد قتل راشد بْن إياس نَحْو المختار وقدم البشراء بَيْنَ يديه بقتل راشد، فقويت أنفس أَصْحَابه ودخل ابْن مطيع وأَصْحَابه الفشل والوهن، فسرح ابْن مطيع حسان بْن فائد بْن بُكَيْر بْن إساف العبسي فِي نَحْو من ألفين فاعترض لَهُ إِبْرَاهِيم ليرده عمن بالسبخة من أَصْحَابه، فزحف إِبْرَاهِيم إِلَيْهِ فِي أَصْحَابه، فَمَا تطاعنوا برمح ولا تضاربوا بسَيْف حَتَّى انهزم أَصْحَاب حسان وظفروا بِهِ فكلم فِيهِ خزيمة بْن نصر العبسي إِبْرَاهِيم وَقَالَ: ابْن عمي فحمله إِبْرَاهِيم عَلَى فرس وَقَالَ: الحق بأهلك. وقصد إبراهيم بن الأشتر لشبث بْن ربعي فاعترضه يَزِيد بْن الْحَارِث بْن يَزِيد بْن رويم ليصده عَنْهُ، فأمر إِبْرَاهِيم خزيمة بْن نصر أَن يصمد لَهُ، فهزم خزيمة يَزِيد وكشف إِبْرَاهِيم شبثا وأَصْحَابه، فانهزموا إِلَى ابْن مطيع وولى ابْن مطيع شرطته بَعْد إياس وابنه سويد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ المنقري أبا القعقاع واستخلف عَلَى المصر شبث بْن ربعي، وضم إِلَى مساحق بْن عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة القرشي ثُمَّ العامري، ويقال إِلَى ابنه نوفل بْن مساحق، خمسة آلاف فاجتمعت مقاتله ابْن مطيع إِلَيْهِ، وَقَدْ صار إِلَى الكناسة، فدلف إليهم ابْن الأشتر وَقَالَ لأَصْحَابه: انزلوا ولا يهولنكم آل فُلان، وآل فُلان، فَإِن هَؤُلاءِ الَّذِينَ ترون لو قَدْ وجدوا وقع السيوف انفرجوا عَنِ ابْن مطيع انفراج المعزى، ثُمَّ أخذ أسفل قبائه فأدخله فِي منطقة لَهُ حمراء من حواشي البرود، ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابه: شدوا عَلَيْهِم فداكم عمي وخالي، فَمَا لبثوا أَن انهزموا، وركب بَعْضهم بَعْضًا عَلَى أفواه السكك،

وازدحموا وانتهى ابْن الأشتر إِلَى مساحق، أَوِ ابْن مساحق، فرفع عَلَيْهِ بالسَيْف فَقَالَ لَهُ: يا بن الأشتر هل بيني وبينك إحنة أَوْ عداوة، أَوْ لَك قبلي ثأر تطلبني بِهِ؟ فخلى سبيله، فكان بَعْد ذَلِكَ يشكره. وأتى ابْن مطيع القصر، واتبعه ابْن الأشتر وجاء المختار حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِد وولى حصار ابْن مطيع فِي القصر إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، وأحمر بْن شميط، ويزيد بْن أَنَس الأسدي، فصار كُل امرئ مِنْهُم فِي ناحية من القصر، ومكث ابْن مطيع ثلاثا يرزق أَصْحَابه الدقيق، ومعه أشراف النَّاس إلا عَمْرو بْن حريث، فَإِنَّهُ دَخَلَ القصر مَعَهُ، ثُمَّ كره الحصار فخرج من الكوفة، وأشار شبث بْن ربعي عَلَى ابْن مطيع أَن يأخذ لنفسه أمانًا، ويخرج فأبى ذَلِكَ، قَالَ: الأمر مستقيم بالحجاز لأمير الْمُؤْمِنيِنَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر وبالبصرة، فكيف أرضى بِهَذِهِ المنزلة؟ فَقَالَ: فإذ كرهت هذه فصر إِلَى بَعْض من تثق بِهِ سرًا فاستخف عنده، ثُمَّ الحق بأمير الْمُؤْمِنيِنَ، فَقَالَ لأسماء بْن خارجة بْن حصن الفزاري، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف، وأشراف أهل الكوفة: مَا ترون فيما أشار بِهِ شبث؟ قَالُوا: هُوَ الرأي، قَالَ: ننتظر المساء، واطلع من القصر رجل فشتم المختار، فرماه عَمْرو بْن مَالِك النهدي أَبُو نمر بسهم فعقره وَلَمْ يقتله فَقَالَ: خذها من ابْن مَالِك ... من فاعل كَذَلِكَ ولما أمسى ابْن مطيع جمع الأشراف الَّذِينَ مَعَهُ فَقَالَ: جزاكم اللَّه عَنِ الطاعة خيرًا، أما إني سأعلم أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بِمَا كَانَ محاماتكم وجدكم واجتهادكم، فَقَالَ شبث: جزاك الله من أمير خيرا، فَقَدْ عففت عَنْ أموالنا وأكرمت أشرافنا، ونصحت لإمامك وقضيت الَّذِي عليك وَمَا

كُنَّا لنفارقك إلا بإذن منك، فَقَالَ: ليذهب كُل امرئ منكم إِلَى حيث أحب، ثُمَّ احتال للخروج فخرج من ناحية دار الروميين، حَتَّى أتى آل أَبِي موسى وخلى القصر، واستأمن أصحابه فآمنهم ابْن الأشتر، وخرجوا فبايعوا المختار. قَالُوا: ودخل المختار القصر فِي اليوم الرابع من حصار ابْن مطيع فَقَالَ: «الحمد لِلَّهِ الَّذِي وعد وليه النصر. وعدوه الخسر. وجعله فِيهِ إِلَى آخر الدهر. وعدا مفعولا. وقضاء مقضيا. وَقَدْ خاب من افترى. إنه رفعت لنا رأيه. ومدت لنا غاية. فقيل لنا فِي الرأيه. ارفعوها ولا تضعوها. وَفِي الغاية اجروا إِلَيْهَا ولا تعتدوها. فسمعنا دعوة الداعي. وإهابة الراعي. فكم من ناع وناعية. لقتيل فِي الواغية. وبعدًا لمن طغى. وكذب وتولى. ألا ادخلوا أيّها الناس فبايعوا بيعة هدى. فو الذي جعل السماء سقفًا ملفوقًا. وَالأَرْض فجاجًا سبلا. مَا بايعتم بَعْد بيعة أمِير الْمُؤْمِنيِنَ عَلِي وآل عَلِي بيعة أهدى منها» ، فبايعه النَّاس عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه، والطلب بدماء أهل الْبَيْت، وجهاد المحلين، والدفع عَنِ الضعفاء، وقتال من قاتله، وسلم من سالمه، والوفاء بعهده وبيعته لا يقيل ولا يستقيلون، فكان الرجل إِذَا عرض عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ: نعم، ماسحه، فجاء المنذر بْن حسان بْن ضرار الضبي ليبايع ومعه ابنه فرآهما جَمَاعَة من الشيعة، كَانُوا وقوفا مَعَ سَعِيد بْن منقذ الهمداني، فَقَالُوا: هَذَا والله من رؤساء الجبارين فشدوا عَلَيْهِ وعلى ابنه فقتلوهما، فصاح بِهِمْ سَعِيد: لا تعجلوا، وبلغ ذَلِكَ المختار فكرهه حَتَّى استبينت فِي وجهه كراهته، وبعث المختار إِلَى ابْن مطيع: إني قَدْ عرفت مكانك وَقَدْ ظننت أَن بك عجزًا عَنِ النهوض، وقد

بعثت إليك بمائة ألف درهم، فقبلها ابْن مطيع وشخص عَنِ الكوفة، وَكَانَ المختار قَدْ وجد فِي بَيْت مال الكوفة تسعة آلاف ألف درهم، فأعطى أَصْحَابه ومن بايعه، وأحسن المختار مجاورة أهل الكوفة والسيرة فيهم، وأكرم الأشراف، وولى شرطته عَبْد اللَّهِ بْن كامل الشاكري، وولى حرسه كَيْسَان مولى عرينة، ويكنى أبا عمرة، وَهُوَ صاحب الكيسانية وولى المختار عماله، وولى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد بْن قَيْس الموصل. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر كتب إلى ابن مطيع فِي تولية مُحَمَّد بْن الأشعث الموصل فولاه إياه فلما وردها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد انحاز ابْن الأشعث إِلَى تكريت، وكتب بخبره إِلَى ابْن الزُّبَيْر، فكتب إِلَيْهِ ابْن الزُّبَيْر قَدْ فهمت كتابك ولا عذر لَك عندي فيما فعلت، أتخلي أرض الموصل وخراجها وحصونها من غَيْر جهاد ولا إعذار وَقَدْ خرطتك عَلَيْهَا فأنت تأكل منها الكثير وتبعث إلي بالقليل، فو الله لو لَمْ تقاتل مناصحة لإمامك ولا طلبا لثواب ربك لكنت حريا بأن تقاتل عَنْ بلد أَنْتَ أميره لَك خيره وعليك عيبه فلم تفعل ذَلِكَ غضبًا ولا محاماة عَلَى سلطانك، فلست فِي أمر دنياك بالحازم القوي ولا أمر آخرتك بالخائف التقي، فَقَدْ عجزت عَنْ عدوك وضيعت مَا وليتك والسلام. وأتاه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد ابنه فَقَالَ لَهُ: عَلَى ماذا نقيم فِي غَيْر عز ولا منعة ولا انتظار قوة، وَلَمْ يزل بِهِ حَتَّى قدم الكوفة ودخل عَلَى المختار فسلم عَلَيْهِ ودعا لَهُ وهنأه وعرض عَلَيْهِ أَن يجلس للقضاء فأبى ذَلِكَ، فأجلس المختار شريحًا للقضاء، ثُمَّ إنه تمارض فقيل للمختار: إنه عثماني فصير عَلَى

الْقَضَاء عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْن مَسْعُود، ثُمَّ مرض فصير مكانه عَبْد اللَّهِ بْن مَالِك الطائي. وَكَانَ ابْن همام السلولي الشاعر عثمانيًا، وَكَانَ سمع رجلا من الشيعة نال من عُثْمَان فعنفه فاستخفى حِينَ ظهروا، وقوي أمرهم، ثُمَّ قَالَ فِي المختار شعرًا وأتاه وأنشده إياه فحمله المختار عَلَى فرس وَقَالَ لأَصْحَابه إنه قَدْ أثنى عليكم فأعطاه قَيْس بْن طهفة النهدي فرسًا ومطرفًا، ووثب بِهِ قوم من الشيعة فأجاره ابْن الأشعث فامتنعوا منه، وسمع المختار الضوضاء فخرج إليهم فَقَالَ: إِذَا قيل لكم خير فأقبلوا وإذا قدرتم عَلَى مكافأة فافعلوا، وإلا فتنصلوا واتقوا لسان الشاعر فَإِن شره حاضر وقوله جارح، ومضى بِهِ إِبْرَاهِيم بْن الأشتر إِلَى منزله فأعطاه ألف درهم وفرسًا، وَكَانَ ابْن همام حِينَ حصر ابْن مطيع فِي القصر فتدلى منه مَعَ ناس تدلوا أيضًا فَقَالَ: لما رَأَيْت القصر أغلق بابه ... وتعلقت همدان بالأسباب ورأيت أفواه الأزقة حولنا ... ملئت بكل هراوة وذياب ورأيت أَصْحَاب الدقيق كأنهم ... حول البيوت ثعالب الأسراب أيقنت أَن إمارة ابْن مضارب ... لَمْ تبق منها قَيْس أثر ذباب وَكَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد حِينَ أوقع بالتّوابين بعين الوردة، وحاول الظفر بزفر بْن الْحَارِث فلم يمكنه فِيهِ شَيْء، أقبل نَحْو الموصل فكتب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد بْن قَيْس الهمداني إِلَى المختار يعلمه أَن خيل عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد قَدْ أشرفت عَلَى الموصل، وأنه لَيْسَ مَعَهُ خيل ولا رجال، وأنه خائف أَن يعجز عَنْهُ وانحاز إِلَى تكريت، فولى المختار يَزِيد بْن أَنَس بْن كلاب الأسدي الموصل، وأمره أَن لا يناظر عدوه وأن ينتهز الفرصة منه إِذَا

أمكنته، وَقَالَ لَهُ: إني ممدك بمدد بَعْد مدد، وإن ذَلِكَ أشد لعضدك، وأعز لجندك، وأهد لعدوك، ثُمَّ ضم إِلَيْهِ ورقاء بْن عازب الأسدي وسعر بْن أَبِي سعر الحنفي، وبعث ابْن زِيَاد بَيْنَ يديه ربيعة بْن المخارق الغنوي، وعبد اللَّه بْن حملة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الخثعمي فِي ستة آلاف، هَذَا فِي ثلاثة آلاف، وَهَذَا فِي ثلاثة آلاف، وسبق ربيعة إِلَى يَزِيد، فخرج إِلَيْهِ يَزِيد بالناس وَهُوَ مريض لما بِهِ وَذَلِكَ فِي ذي الحجة سنة ست وستين، فجعل يحرض النَّاس ويأمرهم بالصبر والجد والعزم، ثُمَّ التقوا من لدن طلوع الشَّمْس إِلَى ارتفاع الضحاء فهزم المختارية ربيعة وأَصْحَابه، وحووا عسكرهم، وقتل ربيعة بْن المخارق، قتله عَبْد اللَّهِ بْن صبرة، وَلَمْ يمس يَزِيد حَتَّى مَاتَ فانصرف أَصْحَابه كراهة أَن يقيموا بَعْد أميرهم. فولى المختار إِبْرَاهِيم بْن الأشتر الموصل وأمره أَن يرد جيش يَزِيد بْن أَنَس مَعَهُ إِلَى الموصل، فلما خرج من الكوفة أرجف أهلها بالمختار وطمعوا فِيهِ، فكتب إِلَى إِبْرَاهِيم فِي الرجوع. وَكَانَ أَصْحَاب المختار يسمون الخشبية، لأن أكثرهم كَانُوا يقاتلون بالخشب، ويقال إنهم سموا الخشبية لأن الَّذِينَ وجههم المختار إِلَى مَكَّة لنصرة ابْن الحنفية أخذوا بأيديهم الخشب الَّذِي كَانَ ابْن الزُّبَيْر جمعه ليحرق بِهِ ابْن الحنفية وأَصْحَابه فيما زعم، ويقال بَل كرهوا دخول الحرم بسيوف مشهورة فدخلوه ومعهم الخشب وَلَمْ يسلوا سيوفهم من أغمادها. وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أتي يَزِيد بن أنس الأسدي بأسرى وهو لمابه، فجعل يَقُول: أقتل أقتل حَتَّى ثقل لسانه فجعل يومىء بيده حتى ثقلت يده، فجعل يومىء بحاجبيه حَتَّى مَاتَ عَلَى تلك الحال.

يوم جبانة السبيع

وَقَالَ الهيثم بْن عدي: لما وجه المختار يَزِيد بْن أَنَس الأسدي توجه إِلَيْهِ حصين بْن نمير، فقدم أمامه حملة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الخثعمي فالتقوا بباتلى [1] فقتل حملة وأتي يَزِيد بستة آلاف أسير فضرب أعناقهم، وَهُوَ يكيد بنفسه ثُمَّ مَاتَ. وقدم مُصْعَب عَلَى البصرة والكوفة في أوّل سنة سبع وستين فتوقف عَنْ قتال المختار حينًا. يَوْم جبانة السبيع قَالُوا: لما سار ابْن الأشتر يريد الموصل تواطأ أهل الكوفة عَلَى حرب المختار وَقَالُوا: إِنَّمَا هَذَا كاهن، فخرج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد بْن قَيْس الهمداني بجبانة السبيع، وخرج زحر بْن قَيْس الجعفي، وإسحاق بْن الأشعث فِي جبانة كندة، وخرج كعب بْن أَبِي كعب الخثعمي فِي جبانة بشر، وخرج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف فِي الأزد، وخرج شمر بْن ذي الجوشن فِي جبانة بَنِي سلول وخرج شبث بْن ربعي بالكناسة فِي مضر، وخرج حجار بْن أبجر الْعِجْلِيُّ، ويزيد بْن الْحَارِث بْن يَزِيد بْن رويم فِي ربيعة بناحية السبخة، وخرج عَمْرو بْن الْحَجَّاج الزبيدي فِي جبانة مراد، وبلغ من فِي جبانة السبيع أَن المختار قَدْ عزم عَلَى معاجلتهم، فأقسموا عَلَى من فِي النواحي من الأشراف اليمانية أَن يصيروا بأَصْحَابهم إليهم، فتواقف اليمانية جميعًا فِي جبانة السبيع، ويقال أَن عَمْرو بْن الْحَجَّاج الزبيدي وحده أقام فيمن مَعَهُ بجبانة مراد وَلَمْ يأتهم.

_ [1] في تاريخ الطبري ج 6 ص 42 «بنات تلى» ولم يذكر ياقوت ما يساعد على الضبط.

وأقبل إِبْرَاهِيم بْن الأشتر من المدائن مجدًا فِي السير مجذما لَهُ حَتَّى قدم الكوفة، ووافى المختار فرأى المختار أَنَّهُ إِن وجه إِبْرَاهِيم لقتال قومه بجبانة السبيع لَمْ يبالغ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ: ازحف أَنْتَ إِلَى شبث بْن ربعي، فقاتل المضرية بالكناسة وأمضي أنا إِلَى جبانة السبيع، فنفذ إِبْرَاهِيم لأمره ومضى هُوَ حَتَّى صار فِي طرف الجبانة، ووجه أحمر بْن شميط [1] ، وعبد اللَّه بْن كامل إِلَى من بِهَا، وأمرهما بقتالهم، وانتهى ابْن الأشتر إلى مضر واليمن فقاتلهم قتالا شديدا فهزمهم، ولقي ابن شميط وابن كامل أهل اليمن بجبانة السبيع، وَقَدْ صار إليهم شمر بْن ذي الجوشن، ويقال إنه لَمْ يصر إليهم ولكنه صار إِلَى مضر فهزم ابْن شميط حَتَّى لحق وأَصْحَابه بالمختار، وصبر ابْن كامل فِي جَمَاعَة من أصحابه فأمدّه المختار بثلاثمائة رجل مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن قراد الخثعمي ثُمَّ ثابت إِلَى ابْن شميط ثائبة من أَصْحَابه، فقاتل وقاتلوا، وبعث المختار بأبي القلوص ومعه جَمَاعَة من شبام، فدخلوا الجبانة، وَهُمْ ينادون: يا لثأرات الْحُسَيْن ونادى أيضًا أَصْحَاب ابْن شميط وابن كامل يا لثأرات الْحُسَيْن وحملوا فلم يلبثوا أَن هزموا من بجبانة السبيع فلما هزمت مضر واليمن تفرقت ربيعة، وكل من اعتزى إِلَى اليمن ومضر، ويقال بَل أتى أولئك أَصْحَاب المختار فقاتلوهم أيضًا قتالا خفيفًا حَتَّى تفرقوا، وَقَالَ قوم: بَل قاتل يَوْمَئِذٍ بجبانة السبيع رفاعة بْن شداد البجلي مَعَ المختار، وَهُوَ يَقُول: أنا ابْن شداد عَلَى دين عَلِي ... لست لعثمان بْن أروي بولي لأصلين اليوم فيمن يصطلي ... بحر نار الحرب غير ملتوي

_ [1] بهامش الأصل: بالشين المعجمة.

وَقَالَ آخرون: أَنَّهُ قاتل يَوْمَئِذٍ مَعَ أهل الكوفة فقتل، ويقال: إنه بقي بَعْد المختار وَذَلِكَ الثبت [1] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ حَدَّثَنِي رِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ عَلَى رَأْسِ الْمُخْتَارِ، فَلَمَّا عَرَفْتُ كِذَابَتَهُ هَمَمْتُ وَايْمُ اللَّهِ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: [ «مَنْ أَمِنَ رَجُلا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ أُعْطِيَ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [2]] . حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الرقِيُّ الْمُعَلِّمُ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ أَبِي نُصَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ عَنْ رِفَاعَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِذَا وِسَادَتَانِ مُلْقَاتَانِ فَقَالَ: يَا فُلانُ ائْتِ فُلانًا، لِرَجُلٍ دَخَلَ، بِوِسَادَةٍ، قُلْتُ: وَمَا هَاتَانِ الْوِسَادَتَانِ؟ فَقَالَ: قَامَ عن إحداهما جبريل وعن الأخرى ميكائيل [3] ، فو الله إِنْ مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ إِلا حَدِيثُ حَدَّثَنِي بِهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «مَنِ ائْتَمنَهُ رَجُلٍ عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ فأنا منه بريء وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا» [4]] . وَقَالَ الهيثم بْن عدي: كَانَ المختار يَقُول: العجب كُل العجب. بَيْنَ جمادى ورجب، وَكَانَ يَقُول: أحياء وأموات. وجميع وأشتات. والموجبة الواجبة. جبا كذا جبه، فقاتله النعمان بْن صهبان يَوْم جبانة السبيع فقتل، قَالَ: وقاتل رفاعة بن شدّاد مع أهل الكوفة.

_ [1] بهامش الأصل: أخبار المختار. [2] كنز العمال الحديث 10943. [3] بهامش الأصل: زعم المختار أنه كان يأتيه جبريل وميكائيل. [4] كنز العمال- الحديث 10930.

قَالُوا: وقتل المختارية يَوْم جبانة السبيع النعمان بْن صهبان الراسبي، وَكَانَ ناسكا شيعيًا قدم من البصرة ليقاتل مَعَ الشيعة ويطلب بدم الْحُسَيْن، فسمع من المختار كلامًا أنكره فقاتله مَعَ أهل جبانة السبيع حَتَّى قتل، والفرات بْن زحر وعمرو بْن مخنف وَمَالِك بْن حزام بْن ربيعة، وَهُوَ ابْن أَخِي لبيد بْن ربيعة الشاعر، ويقال بَل قتل مَعَ المضرية، وَقَالُوا: ولما هزم أهل جبانة السبيع استخرج من دور الوادعيّين من همدان خمسمائة أسير، فأتى بِهِمُ المختار فقتل مِنْهُم من كَانَ شهد مقتل الْحُسَيْن فكانوا مائتين وثمانية وأربعين، ويقال كَانُوا مائتين وخمسين. وَكَانَ سراقة بْن مرداس البارقي صنع أشعارًا فجعل يَقُول: أمنن عَلِي اليوم يا خير معد ... وخير من لبى وحيا وسجد فأمر بِهِ فحبس ليلة ثُمَّ خلاه فَقَالَ شعرا ذكر فِيهِ أَنَّهُ رأى الملائكة تقاتل مَعَ المختار عَلَى خيل بلق، فأمره المختار أَن يصعد المنبر فيعلم النَّاس مَا رأى ففعل، ثُمَّ هرب إِلَى مُصْعَب بْن الزُّبَيْر وَهُوَ بالبصرة وَقَالَ: ألا أبلغ أبا إِسْحَاق أني ... رأيت البلق دهما مصمتات كفرت بوحيكم وجعلت نذرًا ... عَلِي قتالكم حَتَّى الممات أري عيني مَا لَمْ تبصراه ... كلانا عالم بالترهات وأخذ المختار سحيما مولى عتبة بْن فرقد السلمي، وَكَانَ يكثر الْكَلام فِيهِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ القائل قاتلوا الكذاب، وَمَا علمك أني كذاب، فضرب عنقه. وَقَالَ عُبَيْد اللَّهِ بْن همام السلولي رحمه الله تعالى:

وَفِي ليلة المختار مَا يذهل الفتى ... ويلهيه عَنْ رؤد [1] الشباب شموع دعا يا لثارات الْحُسَيْن فأقبلت ... كتائب من همدان بَعْد هزيع ومن مذحج جاء الرئيس ابْن مَالِك ... يقود جموعا عبئت لجموع ومن أسد وافى يَزِيد لنصره ... بكل فتى ماضي الجنان منيع وزعم بَعْضهم أَن شبث بْن ربعي قتل يَوْمَئِذٍ واحتجّ بشعر أعشى همدان حِينَ يَقُول: جزى اللَّه إِبْرَاهِيم عَنْ أهل مصره ... جزاء امرئ عَنْ وجهه الحق ناكب سما بالقنا من أرض ساباط مرقلا ... إِلَى الْمَوْت إرقال الجمال المصاعب فصب عَلَى الأحياء من صوب ودقه ... شآبيب موت عقبت بالحرائب فأضحى ابْن ربعي قتيلا مجدلًا ... كأن لَمْ يقاتل مرة ويحارب فأما أَبُو إِسْحَاق فانصاع سائرًا ... إِلَى عسكر جم القنا والكتائب فلما التقينا بالسبيع وأنسلوا ... إلينا ضربنا هامهم بالقواضب فَمَا راعنا إلا شبام تحسنا ... بأسيافها لا أسقيت صوب هاضب أيقتلنا المختار ظلما بكفره ... فيا لَك دهرا مرصدا بالعجائب ومن نفى قتل شبث يَوْمَئِذٍ رُوِيَ هَذَا الْبَيْت. فأضحى ابْن صهبان قتيلا مجدلًا وَذَلِكَ الثبت وَالأَوَّل غلط وإنما مَاتَ شبث حتف أنفه، وكانت وقعة الجبانة فِي ذي الحجة سنة ست وستين، فلما فرغ المختار منها أمر إِبْرَاهِيم بْن الأشتر بالمسير للقاء عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد وطلب قتله الْحُسَيْن وأهله.

_ [1] ترأد: اهتز نعمة.

وجعل يَقُول فِي سجعه: أما ومنشئ السحاب. شديد العقاب. سريع الحساب. منزل الكتاب. الْعَزِيز الْوَهَّاب. القدير الغلاب. لننبشن قبر كثير بْن شهاب. المفتري الكذاب. المعيب المعتاب. المجرم المرتاب. ثُمَّ لابعثن الأحزاب. إِلَى بلاد الأعراب. ثُمَّ لأورثن دورهم وقصورهم وأموالهم الصابرين الصادقين السامعين المنيبين. وَكَانَ يَقُول: ورب البلد الأمين. وحرمة طور سينين. لأقتلن الشاعر الهجين. أعشى الناعطيين. وسوء برق البارقين. ابن الأمة جلولاء خانقين. الَّذِي مننت عَلَيْهِ فكفر. وتابعني فغدر. وغدا يلقي فينحر. ثُمَّ يصير إِلَى سقر. فيذوق فِيهَا العذاب الأكبر. وويل لابن همام اللعين. وَأَخِي الأسديين. أولئك أولياء الشياطين. وإخوان الكافرين. الَّذِينَ قرفوا عَلِي الأباطيل. وتقولوا عَلِي الأقاويل. فسموني كذابا وأنا الصادق المصدوق. وكاهنا وأنا المجيب الفاروق. وطوبى لعبد اللَّه وعبيدة [1] . وَأَخِي ليلي الطريدة. ذوي الأخلاق الحميدة. والمقالة السديدة. والأنفس السعيدة. وَقَالَ أيضًا: أما والذي خلقني بصيرًا. ونور قلبي تنويرًا. لأحرقن بالمصر دورا. ولأنبشن قبورًا. ولأقتلن جبارًا كفورًا. وَقَالَ أيضًا: فِي صفر الأصفار. يقتل كُل جبّار. على يد المختار.

_ [1] بهامش الأصل: يعني ابن كامل وعبيدة بن عمرو الكندي.

وَكَانَ يَقُول: أما ورب الجبال الشم. الشوامخ الصم. لأقتلن أزد عمان. بكل شيعي يمان. من مذحج وهمدان. ولأبيرن عبسا وذبيان وتميما أولياء الشَّيْطَان. حاشا النجيب ظبيان [1] . وَقَالَ: أما ورب القلم. واللوح ذي الكرم. لتدينن لي العرب والعجم: ولاتخذن من تميم خدم. وَقَالَ: أما والسميع العليم. العزيز الكريم. لأعركنّ عمان عرك الأديم. ثُمَّ لاتخذن خدما من تميم. وَكَانَ يمسح رأس ابنته ثُمَّ يَقُول: صلى اللَّه على عيسى بْن مريم، لأنه فيما يزعمون كَانَ يَقُول سيتزوجها المسيح بْن مريم عليه السلام.

_ [1] بهامش الأصل: ظبيان بن عبادة.

مقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص ومن شرك في دم الحسين عليه السلام

مقتل عُمَر بْن سَعْد بْن أَبِي وقاص ومن شرك فِي دم الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلام حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قَالَ: كَانَ لعمر بْن سَعْد بْن أَبِي وقاص جعبة فِيهَا سياط قَدْ كتب على سوط منها عشرة وعلى آخر عشرين إلى خمسمائة، فغضب على غلام له فضرب بيده إِلَى الجعبة فخرج سوط المائة فجلده مائة، فأتى الغلام سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ يبكي وَقَدْ سال دمه على عقبيه، فقال سعد: اللهم اقتل عُمَر وأسل دمه عَلَى عقبيه، فمات الغلام وقتل المختار عُمَر بْن سَعْد وَكَانَ سَعْد مستجاب الدعوة. قَالُوا: ولما هزم النَّاس يَوْم جبانة السبيع خرج أشراف أهل الكوفة فلحقوا بمصعب بْن الزُّبَيْر، وَقَدْ قدم البصرة واليا عَلَى العراقين، فَقَالَ المختار: لَيْسَ من ديننا أَن ندع قومًا قتلوا الْحُسَيْن يمشون عَلَى الأرض. ويقال إنّه بلغه أَن ابْن الحنفية قَالَ: عجبًا للمختار يزعم أَنَّهُ يطلب بدمائنا وقتلة الْحُسَيْن جلساؤه وحداثة يحترفون في المصر. فحرّكه ذلك تحريكا

شديدًا، فَقَالَ ذَات يَوْم: والله لأقتلن رجلا عظيم القدمين. غائر العينين. مشرف الحاجبين. أسر بقتله الْمُؤْمِنيِنَ والملائكة المقربين. وكانت هذه صفة عُمَر بْن سَعْد، فسمعها الهيثم بْن الأسود وَهُوَ عِنْدَ المختار فدس ابنه العريان بْن الهيثم إِلَى عُمَر فأخبره بقول المختار، وَقَدْ كان المختار سأل عن ابن سعد فأخبر بأنه مستخف فكتب لَهُ أمانًا عَلَى نَفْسه وأهله ولا يؤخذ بحدث كَانَ منه مَا لزم مصره ومنزله، فلما أبلغ العريان عُمَر بْن سَعْد رسالة أَبِيهِ هُمْ عُمَر بالخروج عَنِ المصر، ثُمَّ قيل لَهُ إِن هَذَا قَوْل باغ فأقام فِي منزله، فبعث المختار أبا عمرة كَيْسَان مولى عرينة وَهُوَ عَلَى حرسه إِلَيْهِ سرًا وأمره أَن يأتيه برأسه، فدخل أَبُو عمرة عَلَيْهِ داره، وعنده أهله فضرب عنقه وأتى المختار برأسه، وعند المختار حفص بْن عُمَر بْن سَعْد وَهُوَ لا يعرف القصة، فَقَالَ لَهُ المختار: يا حفص أتعرف هَذَا الرأس؟ قَالَ: نعم هَذَا رأس أَبِي حفص فقبح اللَّه العيش بعده، قَالَ: فإنك لا تعيش بعده، وأمر بِهِ فضربت عنقه، ثُمَّ بعث برأسيهما إِلَى ابْن الحنفية، وَقَالَ هَذَا بالحسين، وَهَذَا بعلي بْن الْحُسَيْن ولا سواء، فقيل لَهُ آمنته عَلَى أَن لا يحدث حدثا وَلَمْ يحدث؟ فَقَالَ: سبحان اللَّه ألم يدخل الخلاء مذ آمنته. ثُمَّ بعث معاذ بْن هانئ الكندي، وأبا عمرة، ومعبد بْن سلمة الحضرمي فأحاطوا بدار خولي بْن يَزِيد الأصبحي صاحب رأس الْحُسَيْن فاختبأ فِي مخرجه فطلبوه فخرجت إليهم امرأته فَقَالُوا لَهَا أين زوجك؟ قَالَتْ: لا أدري، وأشارت بيدها إلى المخرج، فدخلوا عليه فوجدوا عَلَى رأسه قوصرة [1] فأخرجوه وأقبل المختار حِينَ بلغه أخذه فقتله إلى جانب

_ [1] القوصرة: وعاء التمر. القاموس.

منزله، ثُمَّ أمر بِهِ فأحرق فلم يبرح حَتَّى صار رمادًا، وكانت امرأته تسمى العيوف، وكانت حِينَ أتاها برأس الْحُسَيْن قَدْ نفرت منه فكانت لا تكتحل ولا تطيب وَقَالَتْ: والله لا يرى مني سرورًا أبدًا. ولما هزمت مضر يَوْم الجبانة خرج شمر بْن ذي الجوشن يركض فرسه خارجًا من الكوفة، واتبعه غلام للمختار يقال لَهُ زربي فعطف عَلَيْهِ شمر فقتله ولحق ببعض القرى فنزلها، وكتب إِلَى المصعب كتابًا، ووجه فيجا فأخذت الفيج مسلحة للمختار، فسألوه عَنْ صاحب الكتاب، فدل عَلَى القرية الَّتِي هُوَ فِيهَا فأنهي الأمر إِلَى المختار فوجه إِلَى شمر خيلًا فلم يشعر إلا وَقَدْ أحاطوا بالقرية فخرج إليهم فقاتلهم وَهُوَ يرتجز وَيَقُول: نبهتم ليث عرين باسلًا ... لَمْ ير يوما عَنْ عدو ناكلا إلا كَذَا مقاتلا أَوْ قاتلا فقيل: قتله عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ الهمداني طعنة فِي ثغرة نحره، ونادى يا لثأرات الْحُسَيْن ثُمَّ أوطأة الْخَيْل وَبِهِ رمق حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ احتز رأسه وأتى بِهِ المختار ونبذت جيفته للكلاب. وَكَانَ حَكِيم بْن طفيل الطائي سلب الْعَبَّاس بْن عَلِي ثيابه ورمى الْحُسَيْن بسهم، فكان يَقُول: تعلق سهمي بسرباله وَمَا ضره، فبعث إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن كامل فأخذه، فاستغاث أهله بعدي بْن حاتم فكلم فِيهِ ابْن كامل فَقَالَ: أمره إِلَى الأمير المختار، وبادر بِهِ إِلَى المختار قبل شفاعة ابْن حاتم لَهُ إِلَى المختار فأمر بِهِ المختار فعري ورمي بالسهام حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ زَيْد بْن رقاد الجنبي يَقُول رميت فتى من آل الْحُسَيْن ويده عَلَى جبهته فأثبتها فِي جبهته، وَكَانَ ذَلِكَ الفتى عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِم بْن عقيل بْن أَبِي

طَالِب، وَكَانَ رماه بسهم فلق قلبه فكان يَقُول نزعت سهمي من قلبه وَهُوَ ميت وَلَمْ أزل أنضنض سهمي الَّذِي رميت بِهِ جبهته فِيهَا حَتَّى انتزعته وبقي النصل، فبعث إِلَيْهِ المختار ابْن كامل فِي جَمَاعَة فأحاط بداره فخرج مصلتا سَيْفه فقاتل، فَقَالَ ابْن كامل: لا تضربوه ولا تطعنوه، ولكن ارموه بالنبل والحجارة ففعلوا ذَلِكَ حَتَّى سقط، ودعا لَهُ ابْن كامل بنار فحرقه بِهَا وَبِهِ حياة حَتَّى صار رمادًا، ويقال: انه سلخه وَهُوَ حي حَتَّى مَاتَ. وَكَانَ عُمَر بْن صبيح يَقُول: طعنت فيهم وجرحت وَمَا قتلت أحدًا، ويقال: إنه رمى عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِم بالسهم فِي جبهته، وأن زَيْد بْن رقاد فلق قلبه، فبعث المختار إِلَى عَمْرو فأتى بِهِ ليلًا، فلما أصبح أدخل إِلَيْهِ مقيدًا وحضر النَّاس فأمر بِهِ فعري، ثُمَّ طعن بالرماح حَتَّى مَاتَ ثُمَّ أحرق، ولما نزعت ثيابه جعل يَقُول: أما والله لو أَن سَيْفي معي لعلمتم أني بنصل السَيْف غَيْر رعيش ولا رعديد، وَمَا يسرني أني إذا كانت منيتي القتل أَنَّهُ قتلني غيركم السحرة الكفرة. وَكَانَ مَالِك بْن النسير البدي الَّذِي ضرب الْحُسَيْن بْن عَلِي عَلَى رأسه وعليه برنس، فامتلأ دما فألقاه فجاء فأخذه، فبعث المختار إِلَيْهِ مَالِك بْن عَمْرو النهدي وَقَدْ دل عَلَيْهِ، فجاء بِهِ فأمر بنار فأججت فِي الرحبة عظيمة ثُمَّ أمر فقطعت يده وألقيت فِي تلك النار، ثُمَّ قطعت رجله فألقيت فِيهَا وَهُوَ ينظر فلم يزل يفعل ذَلِكَ بعضو منه بَعْد عضو حَتَّى مَاتَ. ودلّ المختار أيضا على عبد اللَّهِ بْن أسيد الجهني، وحمل بْن مَالِك المحاربي فجاءه بهما مَالِك بْن عَمْرو النهدي، فأمر بهما فضربت أعناقهما، ودل المختار أيضًا عَلَى عمران بْن خَالِد العنزي، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي

خشكارة البجلي، وعبد اللَّه بْن قَيْس الخولاني، وَهُمْ أَصْحَاب الحلل والورس وعدة كَانُوا أخذوها معهم، فبعث إليهم ابْن كامل فأتاه بِهِمْ، فلما أدخلوا إِلَيْهِ قَالَ: يا قتلة الصالحين وأبناء النبيين لَقَدْ أقاد اللَّه منكم، ثُمَّ قَالَ: اضربوا أعناقهم لَقَدْ جاءكم الورس بيوم نحس، فضربت أعناقهم فِي السوق، وبعث المختار السائب بْن مَالِك الأشعري فِي خيل فأخذ عَبْد اللَّهِ وعَبْد الرَّحْمَنِ ابني وهب الهمداني وهما ابنا عم أعشى همدان فأمر بهما المختار فقتلا فِي السوق، وطلب حميد بْن مُسْلِم فنجا وَقَالَ: ألم ترني عَلَى دهش ... نجوت وَلَمْ أكد أنجو رجاء اللَّه أنقذني ... وَلَمْ أك غيره أرجو ووجه المختار فِي طلب عُثْمَان بْن خَالِد الجهني ونسر بْن شوط القابضي من همدان، وهما قاتلا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عقيل بْن أَبِي طَالِب فظفر بهما فضربت أعناقهما ثُمَّ أحرقا، فَقَالَ أعشى همدان، وهو عبد الرحمن بن الحارث بن نظام الهمداني: يا عين بكي فتى الفتيان عثمانا ... لا يبعدن الفتى من آل دهمانا واذكر فتى ماجدًا عفا شمائله ... مَا مثله فارس فِي آل همدانا وبعث المختار إِلَى مرّة بن منقذ قاتل عَلِي بْن الْحُسَيْن عليهما السَّلام ابْن كامل، فأحاط بداره، وَكَانَ منقذ شجاعًا، فخرج عليهم وبيده الرمح وهو على فرس جواد، فطعن عبيد الله بن ناجية الشبامي فصرعه وَلَمْ يضره، وضربه ابْن كامل فشلت يده ونجا فلحق بمصعب. وهرب عَمْرو بْن الْحَجَّاج الزبيدي فمات بواقصة عطشًا.

وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان عَمْرو بْن مُحَمَّد قَالَ: سمعت أبا نعيم الفضل بْن دكين يَقُول: هرب عَمْرو بْن الْحَجَّاج فسقط من العطش، فلحقه أَصْحَاب المختار وَبِهِ رمق فذبحوه واحتزوا رأسه. وهرب سنان بْن أَنَس النخعي الَّذِي كَانَ يدعى قاتل الْحُسَيْن فلحق. بالبصرة فهدم المختار داره. قَالُوا: فبينا الْحَجَّاج يخطب ذَات يَوْم إذ قَالَ: ليقم كُل ذي بلاء وغناء فيتكلم، فقام سنان فَقَالَ: أنا قاتل الْحُسَيْن بْن عَلِي فَقَالَ الْحَجَّاج: بلاء لعمر اللَّه حسين، واعتقل لسان سنان، وَمَاتَ بَعْد خمس عشرة ليلة. وهرب حرملة الأسدي وعبد اللَّه بْن عقبة الغنوي الَّذِي ذكره ابْن (أَبِي) عقب فَقَالَ: وعند غني قطرة من دمائنا ... وَفِي أسد أُخْرَى تعد وتذكر فيقال إنهما أدركا فقتلا، ويقال بَل ماتا عطشا. وبعث المختار حوشبا اليرسمي إِلَى مُحَمَّد بْن الأشعث الكندي وَقَالَ: ستجده قائما متلددا. أَوْ كامنا معتمدا، أَوْ لاهيا متصيدا، وَكَانَ فِي قرية لَهُ عِنْدَ القادسية فهرب ولحق بالبصرة. وَكَانَ أسماء بْن خارجة مستخفيا فَقَالَ المختار ذَات يَوْم وعنده أَصْحَابه: أما ورب الأَرْض والسماء. والضياء والظلماء. لينزلن من السماء. نار دهماء. أَوْ حمراء أو سحماء. فلتحرقنّ دار أسماء، فأتى الْخَبَر أسماء فَقَالَ: سجع أَبُو إِسْحَاق بنا، لَيْسَ عَلَى هَذَا مقام، فخرج هاربًا حَتَّى أتى البادية فلم يزل بِهَا ينزل مرة فِي بَنِي عبس، ومرة فِي غيرهم حَتَّى قتل

المختار وهدم المختار لَهُ ثلاثة آدر، فَقَالَ عبد الله بن الزبير الأسدي في قصيدة لَهُ: تركتم أبا حسان تهدم داره ... منبذة أبوابها وحديدها فلو كَانَ من قحطان أسماء شمرت ... كتائب من قحطان صعر خدودها فأجابه أيّوب بن سعنة النخعي وَقَالَ: رمى اللَّه عين ابْن الزُّبَيْر بلقوة ... فخلخلها حَتَّى يطول شهودها بكيت عَلَى دار لأسماء هدمت ... مساكنها كانت غلولا وشيدها وَلَمْ تبك بَيْت اللَّه إذ دلفت لَهُ ... أمية حَتَّى هدمته جنودها

أمر الكرسي

أمر الكرسي قَالُوا: وَقَالَ المختار لآل جعدة بْن هبيرة، وأم جعدة أم هانئ بنت أَبِي طَالِب: ائتوني بكرسي عَلِي بْن أَبِي طَالِب فَقَالُوا: لا والله مَا لَهُ عندنا كرسي، قَالَ: لا تكونوا حمقى وائتوني بِهِ، فظن الْقَوْم عِنْدَ ذَلِكَ أنهم لا يأتونه بكرسيّ فيقولون هَذَا كرسي عَلِي إلا قبله مِنْهُم، فجاؤوه بكرسيّ فقالوا: هذا هو، فخرجت شبام وشاكر ورؤوس أَصْحَاب المختار وَقَدْ عصبوه بخرق الحرير والديباج، فكان أول من سدن الكرسي حِينَ جيء بِهِ موسى بْن أَبِي موسى الأشعري، وأمه ابنة الفضل بْن الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ إنه دفع إِلَى حوشب اليرسمي، يرسم بْن حمير وَهُمْ فِي همدان، فكان خازنه وصاحبه حَتَّى هلك المختار، وَكَانَ أَصْحَاب المختار يعكفون عَلَيْهِ ويقولون: هُوَ بمنزلة تابوت موسى فيه السكينة، ويستسقون به يستنصرون، ويقدمونه أمامهم إِذَا أرادوا أمرًا فَقَالَ الشاعر: أبلغ شبامًا وأبا هانئ ... أني بكرسيهم كافر وَقَالَ أعشى همدان:

شهدت عليكم أنكم خشبية ... وأني بكم يا شرطة الكفر عارف وأقسم مَا كرسيكم بسكينة ... وإن ظلّ قد لفّت عليه الفائف وأن لَيْسَ كالتابوت فينا وإن سعت ... شبام [1] حواليه ونهد وخارف وإن شاكر طافت بِهِ وتمسّحت ... بأعواده أَوْ أدبرت لا يساعف وإني امرؤ أحببت آل مُحَمَّد ... وآثرت وحيا ضمنته الصحائف وَكَانَ لَهُ عم يكنى أبا أمامة، وَكَانَ من أَصْحَاب المختار، فكان يَأْتِي مجلس قومه فَيَقُول: أتانا اليوم بوحي مَا سمع النَّاس بِمِثْلِهِ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عن جده قَالَ: قيل لابن عُمَر إِن المختار يعمد إِلَى كرسي عَلِي، فيحمله عَلَى بغل أشهب ويحف بِهِ الديباج ويطيف بِهِ أَصْحَابه يستسقون بِهِ ويستنصرون فَقَالَ: فأين جنادبة الأزد عنه لا يعقر به بَعْضهم؟ قَالَ: وَهُمْ جندب بْن زهير، وجندب بْن كعب من بَنِي ظبيان، وجندب بْن عبد الله وهو جندب الخير.

_ [1] بهامش الأصل: شبام من همدان.

أمر المثنى بن مخربة العبدي وأمر عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي بالبصرة

أمر المثنى بن مخربة العبدي وأمر عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام المخزومي بالبصرة قَالُوا: وَكَانَ المثنى لقي المختار عِنْدَ انصراف من انصرف من التوابين من عين الوردة بالكوفة، فبايعه فَقَالَ لَهُ المثنى: إِن لنا بالبصرة شيعة فأذن لنا فِي القدوم عَلَيْهِم والدعاء لَهُمْ، فأذن لَهُ فِي ذَلِكَ، فخرج إِلَى البصرة فلم يزل بِهَا حَتَّى بلغه ظهور المختار، وَكَانَ ابْن مطيع لما أخذ المائة الألف من المختار ليشخص إِلَى الْمَدِينَة استحيا من الرجوع إِلَى ابْن الزُّبَيْر، فعدل إِلَى البصرة فأقام بِهَا، وَكَانَ المختار خائفًا من أَن يوجه إِلَيْهِ ابْن الزُّبَيْر جيشا لما فعل بابن مطيع ولإخراجه إياه، فكتب إِلَيْهِ: «أما بَعْد فَقَدْ عرفت مناصحتي كانت لَك واجتهادي فِي طاعتك ونصرتك، وَمَا كنت أعطيتني من نفسك، فلما وفيت لَك خست لي وَلَمْ تعترف لي بِمَا عاهدتني فكان مني مَا كَانَ، فَإِن تراجعني أراجعك، وإن ترد مناصحتي أنصح لَك» . فلما قرأ ابْن الزُّبَيْر كتابه دعا عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام فَقَالَ لَهُ: قَدْ وليتك الكوفة فسر إِلَيْهَا، فَقَالَ: وكيف وبها المختار؟ قَالَ: قَدْ كتب لي أَنَّهُ سامع مطيع لي، فسار عُمَر إِلَيْهَا وبلغ المختار خبره، فوجه

زائدة بْن قدامة الثقفي ومعه مسافر بْن سعيد بن نمران الناعطي في خمسمائة دارع ورامح، ومعه سبعون ألف درهم وَقَالَ: إِذَا لقيته فقل لَهُ عني: بلغني أنك قَدْ تكلفت لسفرك خمسة وثلاثين ألف درهم، وَهَذِهِ سبعون ألف درهم فخذها وانصرف، فَإِن أبى ذَلِكَ فأره أَصْحَاب مسافر وحذره إياهم، فلما لقيه زائدة أدى إِلَيْهِ رسالة المختار فقال: ما أنا بقابل مالا ولا بدّ لي من النفوذ لأمر أمِير الْمُؤْمِنيِنَ، فدعا زائدة بالْخَيْل وَقَدْ كَانَ أكمنها فَقَالَ: إني محاربك بمن ترى ووراءهم مثلهم ومثلهم، فَقَالَ عُمَر: أما الآن فَقَدْ وجب العذر، وَهَذَا أجمل بي، فأخذ السبعين الآلف فاستحيا من الرجوع إِلَى مَكَّة فصار إِلَى البصرة فأقام بِهَا وَذَلِكَ فِي إمارة القباع الْحَارِث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة وقبل قدوم مُصْعَب بْن الزُّبَيْر البصرة. قَالُوا: واتخذ المثنى بْن مخربة مسجدًا يصلي فِيهِ بأَصْحَابه، واجتمعت الشيعة فبعث إليهم القباع عباد بْن الحصين الحبطي فِي الْخَيْل فبعث المثنى رجلًا من أَصْحَابه فلقيه فهزم عباد، فبعث القباع الأحنف عَلَى خيل مضر ورجالها، فصاروا إِلَى عَبْد القيس، فخرج مَالِك بْن مسمع فِي بَكْر بْن وائل مانعا لعبد القيس مِنْهُم بالربعية لأنه كَانَ يرى رأى المثنى، وبعثت ربيعة إِلَى الأزد فأجابوهم، ورئيس الأزد يَوْمَئِذٍ زِيَاد بْن عَمْرو العتكي فكانوا يقتتلون قتالا ضعيفًا، وكلهم يهوى الصلح فكان عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام المخزومي وعبد اللَّه بْن مطيع يختلفان بَيْنَ الفريقين فَقَالَ لَهُمْ عُمَر: يا معشر بَكْر والأزد ألستم عَلَى طاعة ابْن الزُّبَيْر؟ قَالُوا: بلى غَيْر أنا نكره أَن نسلم إخواننا من عَبْد القيس، فقال ابن مطيع: قالوا لإخوانكم فليذهبوا حيث شاءوا فهم آمنون، ولا يدخلن بينكم وبين أهل مصركم فرقة، فأتى

مَالِك بْن مسمع، وَزِيَاد بْن عَمْرو: عَبْد القيس فقالا: إنّ هؤلاء القوم قد دعوا إِلَى الصلح، وأعطوا النصف، وَلَمْ نأتكم حِينَ أتيناكم ونحن نرى رأيكم، ولكنا حمينا لكم أن تضاموا وتوطأوا، ثم أخذا بيد المثنى فقالا لَهُ: إِن الَّذِينَ يرون رأيك قبلنا قليل، فخذ أمانا لنفسك والحق بأَصْحَابك، فقبل ذَلِكَ، وجاء ابْن مطيع وعمر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ فعرضا الصلح فقبله الْقَوْم وأجابوا إِلَيْهِ، وَأَمَّا الأحنف فقالا لَهُ: إِن الْقَوْم قَدْ أحبوا الصلح ودعوا إِلَيْهِ، فكأن الأحنف كره ذَلِكَ وتأرب [1] فلم يجب إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ: إني لأعجب مِمَّن يزعم أنكم حليم، قبل الْقَوْم الصلح وأجابوا إِلَى النصف وتأبي إلا الفرقة وَمَا تسفك فِيهِ الدماء وتنتهك الحرمة؟ فَقَالَ الأحنف: هلمّ يا بن أَخِي إِلَى خالك، يَعْنِي نَفْسه، وَذَلِكَ أَن أم الْحَارِث جده من ولد نهشل بْن دارم فتميم أخواله، فَقَالَ لَهُ: إِن ربيعة والأزد كثير عددهم بالمصر وَقَدْ تحالفوا وصاروا يدًا عَلَيْنَا، فَإِن أريناهم الهيبة لَهُمْ ركبونا، والله مَا هُمْ بأحرص عَلَى السلم والصلح منّي، اذهب يا بن أخي فاصنع مَا أحببت، فاصطلح الْقَوْم ورجع المثنى وخرج من البصرة. وكتب المختار إِلَى الأحنف وَهُوَ عَلَى مضر: «أما بَعْد فويل أم ربيعة ومضر. من أمر سوء قد حضر. وإن الأحنف قَدْ أورد قومه سقر. وإني لا أملك القدر. وَمَا خط فِي الزبر. ولعمري لئن قاتلتموني وكذبتموني لَقَدْ كذب من كَانَ قبلي وَمَا أنا بخيرهم» . وكتب المختار أيضًا إِلَى مَالِك بْن مسمع وَزِيَاد بْن عَمْرو: «أما بَعْد فاسمعا وأطيعا وداومًا. عَلَى أَحْسَن مَا أتيتما أوتيكما من الدنيا ما شئتما.

_ [1] تأرب: تأبى وتشدد. القاموس.

وأضمن لكما الْجَنَّة إِذَا توفيتما» ، فلما قرأ مَالِك الكتاب ضحك وَقَالَ لزياد: لَقَدْ أَكْثَر لنا أَخُو ثقيف، وأوسع، أعطانا الدنيا والآخرة، فضحك زِيَاد وَقَالَ: نحن لا نقاتل بالنسيئة من عجل لنا النقد قاتلنا مَعَهُ. وَحَدَّثَنَا عَلِي بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيل الهمداني عَنِ الشَّعْبِي قَالَ: جلست يوما إلي الأحنف، فَقَالَ رجل من جلسائه يا كوفي استنقذناكم من عبيدكم، يَعْنِي يَوْم قتل المختار، قُلْت قَدْ عفونا عنكم يَوْم الجمل فلم تشكروا، وأنشدته شعر أعشى همدان: أفخرتم أَن قتلتم أعبدًا ... وكفرتم نعمة اللَّه الأجل نحن سقناكم إليهم عنوة ... وجمعنا أمركم بَعْد الفشل فَإِذَا فاخرتمونا فاذكروا ... مَا فعلنا بكم يَوْم الجمل فَقَالَ: يا كوفي أنتم أَصْحَاب أنبياء، يَعْنِي المختار، قَالَ: فأجبته بجواب كرهه الأحنف وقلت: تكذبون عَلَيْنَا فِي أشياء، فقام فجاء بصحيفة صفراء فقال اقرأ آنفا فإذا فيها: «من المختار بْن أَبِي عبيد إِلَى الأحنف ومن قبله سلم أنتم، أما بَعْد فويل لربيعة ومضر. وإن الأحنف مورد قومه سقر. حِينَ لا يستطيع لَهُمُ الصدر. وإني لا أملك لكم إلا مَا خط فِي الزبر، وبلغني أنكم تكذبوني وَقَدْ كذبت الأنبياء مثلي ولست بخير من كثير» فَقَالَ الأحنف: يا شعبي أكوفي هَذَا أم بصري؟ ثُمَّ ضحك، وَقَالَ لأَصْحَابه: أحسنوا مجالسة أخيكم.

خبر شرحبيل بن ورس المدعي من حمير وهم في همدان

خبر شُرَحْبِيل بْن ورس المدعي من حمير وَهُمْ فِي همدان قَالُوا: لما بلغ المختار إقبال أهل الشام نَحْو العراق، وعلم أَنَّهُ يبدأ بِهِ خاف أَن يأتيه أهل الشام من شامهم، وأهل البصرة من بصرتهم، فأظهر الميل إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر ومداراته وكتب إِلَيْهِ: «بلغني أَن ابْن مَرْوَان قَدْ بعث إِلَى الحجاز جندًا فَإِن أحببت أَن أمدك أمددتك» فكتب إِلَيْهِ ابْن الزُّبَيْر: «إِن كنت عَلَى طاعتي فبايع لي، وخذ بيعة من قبلك، فَإِنَّهُ إِن جاءتني بيعتك صدقت مقالتك، وكففت الجنود عَنْ بلادك، وسرح الجيش الَّذِي أَنْتَ باعث بِهِ إِلَى وادي القرى ليلقوا من بها من جند ابْن مَرْوَان إِن شاء اللَّه» . فدعا المختار شرحبيل بن ورس المدّعي فسرّحه في ثلاثة آلاف أكثرهم موال لَيْسَ فيهم من العرب إلّا سبعمائة، وَقَالَ لَهُ: سر حَتَّى تدخل الْمَدِينَة فَإِذَا دخلتها فاكتب إِلَى بِذَلِكَ، ودبر أَن يدخل شُرَحْبِيل الْمَدِينَة، ثُمَّ يبعث إِلَيْهَا عاملًا من قبله، ثُمَّ يأمره أَن يسير إِلَى مَكَّة فيحاصر ابْن الزُّبَيْر، ووقع فِي نفس ابْن الزُّبَيْر مَا دبر المختار وظن بِهِ مكيدته، فبعث عَبَّاس بْن سهل بْن سَعْد الساعدي من مَكَّة فِي ألفين، وَقَالَ لَهُ: الق جيش ابْن ورس فَإِن كَانَ

فِي طاعتي وإلا فحاربهم حَتَّى تهلكهم، وأمره أَن يستنفر الأعراب ففعل، وأقبل حَتَّى لقي ابْن ورس بالرقم [1] ، وَقَدْ عبأ ابْن ورس أَصْحَابه وأَصْحَاب عَبَّاس منقطعون عَلَى غَيْر تعبئة، فَقَالَ لَهُ عَبَّاس: ألست عَلَى طاعة عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر؟ قَالَ: نعم، قَالَ فسر بنا إِلَى عدوه بوادي القرى، قَالَ: نعم ولكن أريد الْمَدِينَة أولًا ثُمَّ أرى رأيي، فتركهم ابْن سهل حَتَّى نزعوا سلاحهم وشغلوا بأثقالهم، ثم قصد قصْد ابْن ورْس فِي ألف من كماة أَصْحَابه وشجعانهم، وجعل ابْن ورس يَقُول: يا شرطة اللَّه إلي قاتلوا الملحدين. أولياء الشياطين. فإنكم عَلَى الحق المبين. وَقَدْ غدر الْقَوْم وفجروا، فانتهى إِلَيْهِ عَبَّاس بْن سهل وَهُوَ يَقُول: أنا ابْن سهل فارس غَيْر وكل ... أروع مقدام إِذَا النكس نكل فلم يطل القتال بينهم حَتَّى قتل ابْن ورس فِي سبعين، ورفع عَبَّاس رأيه أمان لأَصْحَابه فأتوها إلّا نحوا من ثلاثمائة انصرفوا مَعَ سُلَيْمَان بْن حمير الثَّوْرِي، فظفر ابْن سهل مِنْهُم بنحو من مائتين فقتلهم، وأفلت الباقون. فلما بلغ المختار خبر شُرَحْبِيل بْن ورس وأَصْحَابه قَالَ: إِن الفجار الأشرار. قتلوا الأخيار الأبرار. ألا وإن الفاسق النجس. القذر الرجس. قتل ابْن ورْس. وَكَانَ أمرًا مأتيًا. وقضاء مقضيًا. وكتب المختار إِلَى ابْن الحنفية: «إني كنت بعثت جندا ليحووا لَك البلاد، ويدوخوا الأعداء، فلما صاروا بطيبة لقيهم جند الملحد فخدعوهم وغروهم فَإِن رَأَيْت أَن ابعث إِلَى الْمَدِينَة خيلًا وجندًا كثيفًا وتبعث من قبلك

_ [1] موضع شرق الحناكية، ويعتقد أن الحناكية هي بطن نخل، قرية من قرى المدينة على طريق البصرة. المغانم المطابة- مادتا: بطن نخل، ورقم.

رسلًا يعلمونهم أني فِي طاعتك وأني بعثت من بعثت عَنْ أمرك فافعل فإنك ستجدهم بحقك أعرف، وبكم أهل الْبَيْت أرأف مِنْهُم بآل الزُّبَيْر الظلمة الملحدين والسلام» ، فكتب إِلَيْهِ ابْن الحنفية: «إِن أحب الأمر إلي مَا أطيع اللَّه فِيهِ فأطعه مَا استطعت فيما أعلنت وأسررت، وأعلم أني لو أردت القتال وجدت الناس إليّ فِيهِ سراعا، وعليه أعوانا، ولكني أعتزلهم وأصبر حَتَّى يحكم اللَّه، وَهُوَ خير الحاكمين» .

مسير إبراهيم بن مالك الأشتر إلى الموصل ومقتل عبيد الله بن زياد وحصين بن نمير السكوني

مسير إِبْرَاهِيم بْن مَالِك الأشتر إِلَى الموصل ومقتل عُبَيْد اللَّه بْن زِيَاد وحصين بْن نمير السكوني قَالُوا: لما فرغ المختار من أمر من خرج من أهل الكوفة وانقضت حربهم بجبانة السبيع والكناسة لَمْ يكن لَهُ همة إلا إمضاء جيش إِبْرَاهِيم بْن الأشتر للوجه الَّذِي وجهه لَهُ، فشخص إِبْرَاهِيم من الكوفة لست ليال خلون من ذي الحجة سنة ست وستين، ويقال: لثمان خلون من ذي الحجة، وَكَانَ مَعَهُ قَيْس بْن طهفة عَلَى ربع أهل الْمَدِينَة، وعبد اللَّه بْن جندب عَلَى مذحج وأسد، والأسود بْن جراد الكندي عَلَى كندة وربيعة وحبيب بْن منقذ عَلَى تميم وهمدان، فَقَالَ شاعرهم: أما ورب المرسلات عرفا ... لنقتلن بَعْد صف صفا وبعد ألف قاسطين ألفا فخرج فِي زهاء تسعة آلاف، وشيعه المختار، فلما صار إِلَى القنطرة إِذَا أَصْحَاب الكرسي قَدْ وقفوا يستنصرون ويدعون فَقَالَ ابْن الأشتر ربنا لا تؤاخذنا بِمَا فعل السفهاء منا، سنة بَنِي إسرائيل والذي أنا له.

وانتهى ابْن الأشتر إِلَى المدائن فلقي من كَانَ انصرف من أَصْحَاب يَزِيد بْن أَنَس، فردهم مَعَهُ، فلما تجاوز الكحيل من أرض الموصل جعل لا يسير إلا بتعبئة. وسبق ابْن زِيَاد إِلَى الموصل، وبادر دخوله العراق واجتمعا عَلَى الخازر إِلَى جنب قرية تدعى باريتا، بينها وبين مدينة الموصل خمسة فراسخ، فنزل ونزل عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد قريبًا منه عَلَى شاطئ الخازر، وَهُوَ نهر قريب من الزابي، فأرسل إِلَيْهِ عمير بْن الحباب السلمي: إني أريد لقاءك الليلة، وكانت قَيْس الجزيرة مضطغنة عَلَى بَنِي مَرْوَان لما كَانَ من مَرْوَان إليهم فِي وقعة مرج راهط، فأتاه ابْن الحباب فجرى بينهما كَلام كثير وَقَالَ: مَا أحد أبغض إلي ظفرًا من آل مَرْوَان، فاعلم أني منهزم بالناس إِذَا قامت الحرب، فأراد ابْن الأشتر أَن يبلو صدق ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أترى أَن أخندق عَلَى نفسي وأتلوم يومين أَوْ ثلاثة؟ فَقَالَ عمير: لا تفعل فَإِن الْقَوْم أضعافكم فَإِن طاولوك وماطلوك خبروا أمركم واجترأوا عليكم لكثرتهم وقلتكم، وخرج مَا فِي قلوبهم من الهيبة لكم فَإِن فِي أنفسهم منكم روعة، وَهُمْ من لقائكم عَلَى وجل، فعاجلهم وناجزهم، فَإِن القليل لا يطيق الكثير عَلَى المطاولة، ولا آمن إِن شاموكم يوما بَعْد يَوْم، ومرة بَعْد مرة أَن يقهروكم، فَقَالَ ابْن الأشتر: الآن علمت أنك ناصح، كَانَ عمير بْن الحباب عَلَى ميسرة عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد، فأذكى ابْن الأشتر تلك الليلة حرسه، وَلَمْ يدخل الغمض عينه. فلما كَانَ فِي السحر عبأ أَصْحَابه، فجعل سُفْيَان بْن يَزِيد بْن المغفل عَلَى ميمنته، وعلي بْن مَالِك الجشمي عَلَى ميسرته، وصلى الغداة بغبش،

ثُمَّ صف أَصْحَابه والحق كُل صاحب رأيه برأيته، وجلس عَلَى تل عظيم ووجه من عرف خبر الْقَوْم فقيل لَهُ إنهم عَلَى دهش، فأخبره بَعْض رسله وعيونه أَنَّهُ لقي مِنْهُم رجلا مَا لَهُ هجيرًا إلا: يا شيعة أَبِي تراب. يا شيعة المختار الكذاب، وجعل ابْن الأشتر يحرض النَّاس فَيَقُول: يا أَنْصَار الدين، يا شيعة الحق، يا شرطة اللَّه هَذَا قاتل الْحُسَيْن فَمَا الَّذِي تبقون لَهُ جدكم واجتهادكم بعده، هَذَا الَّذِي حال بَيْنَ الْحُسَيْن وبين ماء الفرات، ومنعه الذهاب فِي الأَرْض العريضة حَتَّى قتله وأهل بيته، فو الله مَا كَانَ عمل فرعون ببني إسرائيل إلا دُونَ عمل هَذَا الفاجر، وزحف الشاميون وعلى ميمنة ابْن زِيَاد الحصين بْن نمير، وعلى ميسرته عمير بْن الحباب السلمي، وعلي خيله شُرَحْبِيل بْن ذي الكلاع الحميري، ومشى ابْن زِيَاد فِي رجاله، فلما تدانى الصفان حمل حصين بْن نمير عَلَى ميسرة أهل الكوفة فقتل عَلِي بْن مَالِك الجشمي فأخذ الراية ابنه فقتل فِي رجال من أهل الحفاظ، وانهزمت ميسرة ابْن الأشتر فصير عَلَيْهَا عَبْد اللَّهِ بْن ورقاء السلولي فثابت الميسرة إِلَيْهِ، وجعل ابْن الأشتر يَقُول: يا شرطة اللَّه إلي أنا إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، إِن خير فراركم كراركم وحملت ميمنة ابْن الأشتر عَلَى عمير بْن الحباب وأَصْحَابه فثبتوا، وَكَانَ عمير أنف من الفرار فقاتل قتالًا شديدًا، فلما رأى ابْن الأشتر ذَلِكَ قَالَ لأَصْحَابه أموا السواد الأعظم فَإِن فضضتموه لَمْ يكن للقوم ثبات بعده، ففعلوا ذَلِكَ، وتضاربوا بالسيوف وتطاعنوا بالرماح، فإبراهيم يشد بسَيْفه فلا يضرب أحدًا إلا صرعه والقوم يهربون من بَيْنَ يديه كأنهم الغنم، وجعل إِذَا حمل برأيته حمل أَصْحَابه حملة رجل واحد لا يثنيهم شَيْء، فكانوا

عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ إِن أهل الشام انهزموا بَعْد قتال شديد وقتلى بَيْنَ الفريقين كثيرة، ويقال إِن عميرا أول من انهزم بالقوم بَعْد تعذير منه. ووصل إِبْرَاهِيم إِلَى عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد فقتله وَهُوَ لا يثبته فَقَالَ: يا قوم لَقَدْ قتلت رجلًا وجدت منه رائحة المسك شرقت يداه وغربت رجلاه، فطلب فَإِذَا هُوَ ابْن زِيَاد، فأمر برأسه فأخذ وأحرقت جثته بالنار، وحمل شريك بْن جَرِير التغلبي عَلَى الحصين بْن نمير السكوني وَهُوَ يظنه ابْن زِيَاد فقتله، وقتل شُرَحْبِيل بْن ذي الكلاع، فادعى قتله سُفْيَان بْن يَزِيد بْن المغفل الأزدي وورقاء بْن عازب الأسدي وعبد اللَّه بْن زهير السلولي، ولما هزموهم اتبعوهم فكان من غرق مِنْهُم أَكْثَر مِمَّن قتل، واحتووا عَلَى عسكرهم. وأرجف النَّاس بالكوفة بمقتل ابْن الأشتر فخرج المختار إِلَى المدائن فلما صار بِهَا تلقته البشارات بقتل عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد وفض عسكره، وَقَالَ عامر الشَّعْبِي: كنت فِي عسكر المختار بالمدائن، فكان يحرضنا ويحضنا وَيَقُول إِن شيعة اللَّه يقتلونهم بنصيبين أَوْ قرب نصيبين، فَقَالَ لي بَعْض الهمدانيين حِينَ جاء قتل ابْن زِيَاد: يا شعبي ألا تبوء وتقر للمختار؟ قُلْت: بِمَا أبوء لَهُ أقول إنه يعلم الغيب والله مَا يعلم الغيب إلا اللَّه، قَالَ: ألم يقل إنهم يهزمون؟ قُلْت: إنه قَالَ: بنصيبين أَوْ قرب نصيبين، وإنما كانت الوقعة بالخازر، فَقَالَ لا تؤمن يا شعبي حَتَّى ترى العذاب الأليم. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ قَالا: حَدَّثَنَا وهب بن جرير عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن الأشتر قَالَ: مر بي ابْن زِيَاد يَوْم الخازر فسطع منه المسك وأنا لا أعرفه فظننت أَنَّهُ رجل لَهُ منزلة فِي الْقَوْم وحال، فقصدت لَهُ فضربته

على رأسه بالسيف فخرّ بين قوائم برذونه يخور كخوار الثور، فنظرت فَإِذَا هُوَ ابْن زِيَاد. وانصرف المختار إِلَى الكوفة، ومضى إِبْرَاهِيم بْن الأشتر إِلَى الموصل، وبعث عماله عَلَيْهَا وعلى نصيبين، وسنجار ودارا، وَمَا والاها من أرض الجزيرة. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: ولى ابْن الأشتر زفر بْن الْحَارِث قرقيسيا، وحاتم بَيْنَ النعمان الْبَاهِلِي حران والرها، وسميساط وناحيتها، وعمير بْن الحباب كفرتوثا وطور عبدين، وليس ذَلِكَ بثبت عِنْدَ الكلبي. وَقَالَ عمير بْن الحباب حِينَ قتل ابْن زِيَاد: مَا كَانَ جيش يجمع الخمر والزنا ... محلا إِذَا لاقى العدو لينصرا وَقَالَ ابْن المفرغ حِينَ قتل ابْن زِيَاد: إِن المنايا إِذَا مَا زرن طاغية ... هتكن أستار حجاب وأبواب أقول بعدا وسحقا عِنْدَ مصرعه ... لابن الخبيثة وابن الكودن الكابي لا أَنْتَ زاحمت عَنْ ملك فتمنعه ... ولا متت إِلَى قوم بأسباب لا من نزار ولا من جذم ذي يمن ... جلمودة ألقيت من بَيْنَ ألهاب لا تقبل الأَرْض موتاهم إِذَا قبروا ... وكيف تقبل رجسا بَيْنَ أثواب [1] قَالُوا: ولحق جَمِيع من كَانَ هرب من المختار من أهل الكوفة أَوْ أكثرهم بمصعب بْن الزُّبَيْر بالبصرة، وَقَدْ قدمها واليا عَلَى المصرين، فقدم شبث بْن ربعي التميمي عَلَى بغلة قَدْ قطع ذنبها وطرفي أذنيها وشقّ قباءه،

_ [1] ديوان يزيد بن مفرغ ص 82- 84.

ووقف ينادي وا غوثاه، واغوثاه، فدخل عَلَى المصعب فأخبره بِمَا لقي النَّاس من المختار، وَهَذَا أصح من قَوْل من قَالَ إِن شبثا قتل بالكوفة، وأخبره أيضًا وجوه أهل الكوفة بِمَا نالهم وسألوه نصرتهم والمسير معهم، وقدم عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن الأشعث وَلَمْ يكن شهد وقعة الكوفة، فاستحث المصعب بالشخوص إِلَى الكوفة، فَقَالَ: لست فاعلا حَتَّى يقدم المهلب عَلِي، وَكَانَ بفارس، فكتب إِلَيْهِ يأمره بالقدوم، فاعتل بالخراج، فَقَالَ مُحَمَّد بْن الأشعث: وجهني إِلَيْهِ آتك بِهِ، فسار مُحَمَّد حَتَّى قدم فارس فلما رآه المهلب قَالَ: يا مُحَمَّد أما وجد المصعب بريدا غيرك؟ فَقَالَ: يا أبا سَعِيد والله مَا أنا إلا بريد نسائنا وأبنائنا، فأقبل المهلب مَعَهُ فِي جموع وهيئة وعلاج لَيْسَ لأحد مثلها حَتَّى قدم البصرة، وَكَانَ المهلب أتى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر فكتب لَهُ عهده عَلَى خراسان فلما صار إِلَى البصرة، طلب إِلَيْهِ أهلها أَن يقاتل الخوارج وكانوا قَدْ ظهروا وأبزوا [1] عَلَيْهِم، فأقام لقتالهم فاتبعهم إِلَى فارس، فكان يحاربهم، وقدم المصعب فولاه فارس خراجها وحربها. وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ صعب بْن زَيْد، وصعب عم جَرِير بْن حازم قَالَ: قدم المهلب بعهده عَلَى خراسان من قبل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، وَقَدْ نزلت الحرورية بَيْنَ الجسرين بالبصرة فقتلوا وحرقوا، وغلبوا عَلَى كور الأهواز، وشاطئ دجلة فأتى الأحنف وأشراف أهل البصرة المهلب فسألوه أَن يتولى قتال الأزارقة، فَقَالَ: لست أقدر عَلَى ذَلِكَ هَذَا عهد أمير المؤمنين إليّ على خراسان،

_ [1] ابزى: وثب، بغى. القاموس.

خبر يوم المذار ومقتل أحمر بن شميط وابن كامل

قالوا: فإنّا نخرج إِلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ فنسأله أَن يعفيك من خراسان ويوليك قتال الأزارقة، قَالَ: فرأيكم. فخرج من خرج مِنْهُم فجاؤوا بكتاب ابْن الزُّبَيْر بتوليته قتال الأزارقة، وَقَالَ بَعْض النَّاس: افتعلوه عَلَى لسان ابْن الزُّبَيْر، وَقَالَ آخرون: بَل خرج ناس فجاؤوا بكتابه، فنفى الخوارج إِلَى الأهواز. قَالَ جَرِير بْن حازم: ثُمَّ صاروا إِلَى فارس فاتبعهم، وكتب عَبْد اللَّهِ إِلَى مُصْعَب بْن الزُّبَيْر بتوليته فارس، وَكَانَ قدوم المصعب البصرة واليا عَلَيْهَا بَعْد القباع فِي سنة سبع وستين. خبر يَوْم المذار ومقتل أحمر بْن شميط وابن كامل قَالُوا: قدم المهلب بْن أَبِي صفرة من فارس، واستخلف المغيرة ابنه، ويقال غيره، وَقَالَ بَعْضهم: قسم فارس بَيْنَ أَصْحَابه وأمرهم أَن يجتمعوا عَلَى قتال الخوارج مَعَ صاحب الناحية الَّتِي تكون فِيهَا، فلما دَخَلَ عَلَى مُصْعَب أمره بالعسكرة عِنْدَ الجسر الأكبر، وَلَمْ ير المصعب أحدًا إعظامه لَهُ، ودعا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف فَقَالَ لَهُ: ائت الكوفة مستخفيا حَتَّى تخرج إلي من استطعت إخراجه وخذل النَّاس عَنِ المختار، فمضى حَتَّى نزل منزله سرا فلم يظهر، وخرج مُصْعَب بْن الزُّبَيْر، وَقَدْ جعل المهلب عَلَى ميسرته، وعمر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر عَلَى ميمنته وقدم عباد بْن الحصين التميمي أمامه عَلَى مقدمته، وَكَانَ مَالِك بْن مسمع عَلَى جيش بَكْر بْن وائل، وَمَالِك بْن المنذر بْن الجارود عَلَى جيش عَبْد القيس، والأحنف بْن قَيْس عَلَى جيش العالية، وبلغ المختار ذَلِكَ، فَقَالَ لأَصْحَابه: يا أهل الدين وأعوان الحق،

وأنصار الضعيف، وشيعة الرسول وآل الرسول وشرطة اللَّه إِن هَؤُلاءِ الَّذِينَ هربوا من أسيافكم أتوا أشباها لَهُمْ من أهل البصرة من الفاسقين فاستنفروهم ليمات الحق وينعش الباطل، ويدال أولياء اللَّه فِي الأَرْض فانتدبوا يرحمكم اللَّه مَعَ أحمر بْن شميط الأحمسي. فعسكر ابْن شميط بحمام أعين، وضم إِلَيْهِ المختار النَّاس، وبعث عَلَى مقدمته عَبْد اللَّهِ بْن كامل الشاكري من همدان فسار أحمر بْن شميط حَتَّى ورد المذار، وأقبل مُصْعَب فنزل قريبا منه وعبأ كُل واحد منهما جنده، فجعل ابْن شميط ابْن كامل عَلَى ميمنته وعبد اللَّه بْن أَنَس بْن وهب بْن نضلة الجشمي عَلَى ميسرته، وجعل عَلَى الْخَيْل رزين بْن عَبْد السلولي وعلى الرجال كثير بْن إِسْمَاعِيل بْن كثير الكندي، وجعل أبا عمرة عَلَى الموالى، وأقر المصعب المهلب عَلَى ميسرته، وعبيد اللَّهِ عَلَى ميمنته، وجعل عَلَى الرجال مقاتل بْن مسمع، وعلى الْخَيْل عباد بْن الحصين، فالتقوا وحمل عباد عَلَى ابْن شميط وأَصْحَابه، فلم يزل مِنْهُم رجل عن موقفه، وحمل ابْن كامل عَلَى المهلب فلم يزالوا كَذَلِكَ يحمل بَعْضهم عَلَى بَعْض، ثُمَّ حمل أهل البصرة جميعا عَلَى ابْن شميط حملة واحدة فقاتل حَتَّى قتل، وتنادى أهل الكوفة: يا معشر بجيلة وخثعم الصبر الصبر، فنادى بِهِمُ المهلب: الفرار الفرار عَلَى مَا تقاتلون أضل اللَّه سعيكم، ثُمَّ مالت الْخَيْل عَلَى رجالة ابْن شميط فاصطلموا، وقتل عَبْد اللَّهِ بْن كامل. وسرح المصعب مُحَمَّد بْن الأشعث فِي خيل عظيمة من أهل الكوفة مِمَّن هرب من المختار ومن بعث بِهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف، وَقَالَ دونكم الطلب

بثأركم، فكانوا أشد عَلَيْهِم من أهل البصرة لا يتركون رجلًا إلا قتلوه فلم ينج من ذَلِكَ الجند إلا شرذمة قليلة من أَصْحَاب الْخَيْل. وروي عَنْ مُعَاوِيَة بْن قرة المزني أَبِي إياس بْن مُعَاوِيَة أنه قَالَ: انتهيت إِلَى رجل مِنْهُم فأدخلت سنان الرمح في عينه وجعلت أخضخضه، فقيل له: أو فعلت ذَلِكَ؟ قَالَ: نعم والله إنهم كَانُوا أحل عندنا من الترك والديلم، وَكَانَ مُعَاوِيَة قاضيا بَيْنَ أهل البصرة، وَقَالَ أعشى همدان: أما نبئت والأنباء تنمي ... بِمَا لاقت بجيلة بالمذار أتيح لَهُمْ بِهَا ضرب طلخف [1] ... وطعن صائب وجه النهار فبشر شيعة المختار إِمَّا ... مررت عَلَى الكويفة بالصغار وَمَا إِن سرني إهلاك قومي ... وإن كَانُوا وجدك فِي خسار ولكني أسر بِمَا يلاقي ... أَبُو إِسْحَاق من خزي وعار وَكَانَ عَلَى البصرة حِينَ شخص المصعب إِلَى المذار عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر التَّيْمِي ولاه إياها المصعب، وَهُوَ كَانَ عَلَيْهَا أيضًا (حِينَ) خرج لقتال المختار، والثبت أَنَّهُ كَانَ خليفة أخيه عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ لأن أمرها كَانَ إِلَى عُمَر، وَكَانَ عُمَر خليفة المصعب عَلَيْهَا فِي ظعنه ومقامه. وبلغ المختار ومن مَعَهُ خبر ابْن شميط وابن كامل ووجوه رجاله وحماته، فَقَالَ من كَانَ بالكوفة من الأعاجم كلامًا بالفارسية تفسيره: لم يصدق أبو إسحاق المرة.

_ [1] أي ضربا شديدا. القاموس.

وَقَالَ بَعْض الشعراء فيما ذكر الْمَدَائِنِي: ونحن قتلنا أحمرا وجموعه ... وَقَدْ كَانَ قتال الكماة مظفرا غداة علا الإسكاف بالسَيْف رأسه ... فخر صريعا لليدين معفرا قَالَ: والإسكاف مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الإسكاف. حَدَّثَنَا خلف بْن سالم وأحمد بْن إِبْرَاهِيمَ قالا: حدثنا وهب بن جَرِير حَدَّثَنَا جويرية حَدَّثَنِي الصقعب بْن ثابت عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سمعت المختار بالمدائن وَهُوَ يَقُول: والذي كرم وجه أَبِي القاسم ليدخلن ابْن شميط البصرة فِي عافية صافية. قضاء مقضيا. وَقَدْ خاب من افترى، وَقَدْ بعثت مَعَهُ برأيه مَا غزلتها يد ولا نسجها نساج، وَكَانَ أدرجها ولف عَلَيْهَا خرقة ثُمَّ ختمها، وَقَالَ: لا تفتحها حَتَّى تبلغ ساعة كَذَا من النهار، ثُمَّ انشرها فان الْقَوْم إِذَا نظروا إِلَيْهَا انهزموا. وحدثاني قَالا: حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير بْن حازم حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الأزرق قَالَ: بعث المختار ابْن شميط فدفع إِلَيْهِ سفطًا مختومًا، وَقَالَ إِن فِيهِ راية لم ينسجها إنس ولا جن فأخرجها فإنك تظفر عَلَيْهِم، وإياك أَن تخرجها من أول النهار فقتل، ومضى مُصْعَب إِلَى الكوفة فانحاز المختار إِلَى داره فحصره فِيهَا، فخرج ليلا فعرفه النَّاس فقتلوه وقتل أَصْحَابه وَقَدْ نزلوا عَلَى حكمه، وَهُمْ سبعة آلاف.

خبر قدوم المصعب بن الزبير الكوفة ويوم حروراء ومقتل المختار بن أبي عبيد

خبر قدوم المصعب بْن الزُّبَيْر الكوفة ويوم حروراء ومقتل المختار بْن أَبِي عبيد حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يَزِيد أَبُو هِشَام الرفاعي، حَدَّثَنِي عمي كثير بْن مُحَمَّد عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عياش المنتوف عَنْ مجالد عَنِ الشَّعْبِي قَالَ: ولي عُبَيْد اللَّهِ بْن مَعْمَر المسمى القباع، وإنما سمي القباع لأنه رأى مكيالا لأهل البصرة فَقَالَ مَا هَذَا القباع؟ يَعْنِي الأجوف، فلقبوه قباعًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ أَبُو الأسود الديلي لعبد اللَّه بْن الزُّبَيْر. أَبَا بَكْر جزاك اللَّه خيرا ... أرحنا من قباع بَنِي المغيره [1] فعزله ابْن الزُّبَيْر، وولى البصرة والكوفة جميعا مُصْعَب بْن الزُّبَيْر أخاه، فقدم البصرة وَكَانَ المختار بالكوفة وَقَدْ أخرج عَنْهَا ابْن مطيع عامل ابْن الزُّبَيْر. فلما قدم أَصْحَاب المختار المذار ليغلبوا عَلَى البصرة فيما دبروا زحف إليهم المصعب بوجوه أهل البصرة، واستخلف عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَيْهَا عبيد الله بن عبيد الله بن معمر أخاه ويكنى أبا معاذ بكنية أَبِيهِ، فقتل المصعب ابْن شميط وأَصْحَاب المختار وفض عسكره، ثُمَّ إِن عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ استخلف أيضًا عَلَى البصرة أخاه بأمر المصعب، وسار المصعب إلى الكوفة فقتل المختار.

_ [1] ديوان بي الأسود الدولي ص 220.

وولى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر حمزة ابنه البصرة بَعْد أشهر، وَذَلِكَ بمشورة رجل شخص إِلَيْهِ من أهل العراق مولى لبني عجل، يقال لَهُ إِبْرَاهِيم بْن حيان فأخبره أن أهل البصرة يحبون ولايته، وكتب إِلَى مُصْعَب فِي ضم من قبله من رجال البصرة إِلَى حمزة، فغضب مُصْعَب وشخص إِلَى مَكَّة وحمل مَعَهُ مالا من مال الكوفة واستخلف عَلَيْهَا القباع. وقدم حمزة البصرة فِي سننه فكان جوادا إلا أنه كَانَ أحمق، شخص إِلَى الأهواز فدعا بدهقانها واسمه مردانشاه فأمره أن يحمل الخراج فاستأجله، فشد عَلَيْهِ فضرب عنقه وعنده الأحنف فَقَالَ لَهُ إِن سَيْف الأمير لحاد، ونظر حمزة إِلَى جبل الأهواز فَقَالَ كَأَنَّهُ قعيقعان يعنى جبلا بمكة، فسموه قعيقعان، وسموا الجبل أيضًا قعيقعان. ولما ورد مُصْعَب عَلَى عَبْد اللَّهِ أخيه قَالَ لَهُ: من استخلفت عَلَى الكوفة؟ قَالَ الْحَارِث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة، وَقَالَ لَهُ: مَا رَأَيْت فِي حمزة ابنك حَتَّى عزلتني ووليته؟ قَالَ: مَا رأى عُثْمَان فِي ابْن عامر حِينَ عزل أبا موسى وولاه وَلَمْ أعزلك تفضيلًا لَهُ عليك، ورده عَلَى المصرين جميعا، فأقر القباع بالكوفة عَلَى خلافته، وأقر عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى أمر البصرة، ثُمَّ ولاه فارس. وَقَالَ ابْن عياش: كَانَ حمزة يعطي الكثير من لا يستحقه، ويمنع القليل من يستحق الكثير، وَكَانَ يعطي مائة ألف ويمنع شسعا، ورأى فيض البصرة فَقَالَ: إِن هَذَا غدير إِن رفق بِهِ أهله كفاهم ضيعتهم، وركب إِلَى فيض البصرة فِي الجزر، فَقَالَ: لو اقتصدوا فِيهِ لَمْ ينقص هَذَا النقصان.

ومدحه موسى شهوات فَقَالَ: حمزة المبتاع حمدا باللهى ... ويرى فِي بيعه أَن قَدْ غبن وإذا أعطى عَطَاء فاضلًا ... ذا إخاء لَمْ يكدره بمن وإذا مَا سنة مجدبة ... برت المال كبرى بالسفن انجلت عَنْهُ نقيا ثوبه ... وتولت ومحياه حسن نور صدق نير فِي وجهه ... لَمْ يصب أثوابه لون الدرن ولجأ الفرزدق إِلَيْهِ وَهُوَ بالحجاز فِي امرأته، وَقَدْ كتبنا قصته فِي خبر ابْن الزُّبَيْر. قَالُوا: ولما صنع حمزة مَا صنع بدهقان الأهواز كتب الأحنف ووجوه أهل البصرة فِي عزله وإعادة مُصْعَب، فعزله واحتمل حمزة مالًا من مال البصرة فعرض لَهُ مَالِك بْن مسمع وَقَالَ: لا ندعك تخرج بأعطياتنا فضمن لَهُ عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر العطاء كاملًا فكف وَقَدْ كَانَ عسكر فِي ربيعة، وتخلص حمزة بالمال فترك أباه وأتى الْمَدِينَة فأودع المال رجالًا فذهبوا بِهِ إلا يهوديا وفى لَهُ، وَقَالَ أبوه: أبعده اللَّه أردت أن أباهي بِهِ بَنِي مَرْوَان فنكص. قَالُوا: وَكَانَ حمزة محبا لابن سريج المغني، وَهُوَ غنى فِي قَوْل موسى شهوات. حمزة المبتاع حمدا باللهى وَكَانَ حمزة لا يخالفه، فسأله رجل أَن يكلمه فِي إسلافه ألف دِينَار، ففعل وأسلف الرجل ألفا وأعطى ابْن سريج ألفا.

وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ صعب بْن زَيْد قَالَ: بعث ابْن الزُّبَيْر ابنه حمزة وَكَانَ فِيهِ ضعف وحمق، فخرج إِلَى الأهواز فلما رأى جبلها قَالَ إِن هَذَا الجبل لشبيه بقعيقان فسمي لِذَلِكَ قعيقعان، قَالَ صعب: وفرغنا يوما من الخوارج ونحن بالأهواز فخرج عَلَى فرسه مطلقا برحات قبائه فكأني انظر إِلَى تكة سراويله قَدْ بدت عَلَى قربوس سرجه وَهُوَ يركض فكان وجهه إِلَى البصرة وَلَمْ يلق قتالا، وَكَانَ خليفته بالبصرة عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر وأقام بالبصرة سنة، وَكَانَ عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى فارس. قَالُوا: ولما انقضى أمر يَوْم المذار أقبل المصعب نَحْو واسط القصب، وَلَمْ تكن يَوْمَئِذٍ إِنَّمَا كَانَ أحدثها الْحَجَّاج بَعْد، فأخذ فِي كسكر وحمل الضعفاء فِي السفن فخرجوا فِي نهر يقال لَهُ قوسان منه إِلَى الفرات، فكان أهل البصرة يخرجون فيجرون سفينهم ويقولون: عودنا المصعب جر القلس ... بالزنبريات [1] الطوال الملس ويقال: إنهم قَالُوا ذَلِكَ حِينَ شخص إِلَى الكوفة ثُمَّ إِلَى مسكن. قَالُوا: وبلغ المختار مسيرهم فخرج حتى نزل السيلحون بالكوفة وسكر الفرات عَلَى نهر السيلحون، ونهر يُوسُف، وجعل يذكر ابْن شميط وأَصْحَابه فَيَقُول: حبذا مصارع الكرام، وبقيت سفن البصريين تجر عَلَى الطين، فلما رأوا ذَلِكَ وجهوا خيلا إِلَى السكر فكسروه وصمدوا صمد الكوفة، فلما رأى المختار ذَلِكَ أقبل حَتَّى نزل حروراء وحال بينهم وبين

_ [1] الزنبري: الضخم من السفن. القاموس.

الكوفة، وَقَدْ كَانَ حصن القصر والمسجد واستخلف بالكوفة عَبْد اللَّهِ بْن شداد الجشمي، وجعل المختار يَوْمَئِذٍ عَلَى ميمنته سُلَيْمَان بْن يَزِيد الكندي وعلى ميسرته سَعِيد بْن منقذ الهمداني، وَكَانَ عَلَى شرطته يَوْمَئِذٍ عَبْد اللَّهِ بْن قراد الخثعمي، وَكَانَ عَلَى ميمنة المصعب المهلب بْن أَبِي صفرة، وعلى ميسرته عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر، وعلى الْخَيْل عباد بْن الحصين، وعلى الرجال مقاتل بْن مسمع، وعلى أهل الكوفة مُحَمَّد بْن الأشعث بْن قَيْس، وعلى بَكْر بْن وائل مَالِك بْن مسمع. فلما رأى المختار ذَلِكَ وجه إِلَى كُل خمس من أخماس أهل البصرة رجلًا، فبعث إلى بكر بن وائل سَعِيد بْن منقذ صاحب ميسرته وإلى عَبْد القيس وعليهم مَالِك بْن المنذر بْن الجارود عَبْد الرَّحْمَنِ بْن شريح الشبامي من همدان، وَكَانَ عَلَى بَيْت ماله، وبعث إِلَى أهل العالية وعليهم قَيْس بْن الهيثم السلمي عَبْد اللَّهِ بْن جعدة بْن هبيرة المخزومي، وبعث إِلَى الأزد وعليهم زِيَاد بْن عَمْرو العتكي سُلَيْمَان بْن يَزِيد الكندي، وَكَانَ عَلَى ميمنته، وبعث إِلَى مُحَمَّد بْن الأشعث السائب بْن مَالِك الأشعري، ووقف فِي بقية أَصْحَابه، وَكَانَ المهلب فِي خمسين كثيري العدد والفرسان، وَهُمُ الأزد، وتميم، وَكَانَ الأحنف حاضرًا، وَلَمْ يحب أَن يشهر نَفْسه فحمل بَعْض الْقَوْم عَلَى بَعْض، والمهلب واقف فقيل لَهُ: ألا تحمل؟ فَقَالَ: مَا كنت لأجزر الأزد وتميما خشبية أهل الكوفة حَتَّى أرى فرصتي، وحمل ابْن جعدة عَلَى أهل العالية فكشفهم حَتَّى الحقهم بمصعب، فجثا المصعب عندها على ركبتيه ورمى سهمه فرمى النَّاس سهامهم، وبعث إِلَى المهلب: مَا تنتظر لا أبا

لغيرك احمل على من يليك، فحمل بخمسمائة عَلَى أَصْحَاب المختار فحطموهم، وحمل النَّاس بأجمعهم فانهزم أَصْحَاب المختار. وَقَالَ عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ النهدي: اللَّهُمَّ إني أبرأ إليك من فعل هَؤُلاءِ، يَعْنِي أَصْحَابه حِينَ انهزموا، وأبرأ إليك من هَؤُلاءِ، يَعْنِي أَصْحَاب مُصْعَب، اللَّهُمَّ إنّي على ما كنت عليه بصفين، ثُمَّ قاتل حَتَّى قتل، وَقَالَ مَالِك بْن عَمْرو النهدي وَكَانَ عَلَى الرجالة وأتي بفرسه ليركبه: والله لا فعلت ولأن أقتل فِي أهل الصبر أحب إلي من أَن أقتل فِي بَيْتِي، أين أهل الصبر اليوم؟ فثاب إِلَيْهِ خمسون رجلًا، فشد وشدوا عَلَى مُحَمَّد بْن الأشعث بْن قَيْس وأَصْحَابه، وَكَانَ بالقرب منه، فقتل مُحَمَّد بْن الأشعث، فبنو نهد يدعون قتله يقولون قتله مَالِك، وكندة تقول قتله عَبْد الْمَلِك بْن أشاءة الكندي، وخثعم تقول قتله ابْن قراد الخثعمي، ويقال إِن المختار مر فِي أَصْحَابه عَلَى ابْن الأشعث فَقَالَ لَهُمْ: يا شرطة اللَّه كروا عَلَى الثعالب الرواغة، فحملوا فقتل مُحَمَّد بْن الأشعث فَقَالَ أعشى همدان: وَمَا عذر عين على ابن الأش ... ج فِي أَن يفتر تقطارها فلا تبعدن أبا قاسم ... فَقَدْ تبلغ النفس مقدارها بشط حرورا إِذَا استجمعت ... عليك ثقيف وسحارها وقتل سَعِيد بْن منقذ فِي سبعين راكبا من قومه، وقتل سُلَيْمَان بْن يَزِيد الكندي فِي تسعين، ونزل المختار عَلَى فم سكة شبث بْن ربعيّ فقاتل عامّة ليلته وقتل معه بشر من همدان وغيرها، وانصرف البصريون عَنِ المختار فعمد إِلَى قصر فنزله، وَكَانَ وقعتهم يَوْم الأربعاء، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن ثوب لما خرج يريد حروراء جعل يَقُول: اليوم يَوْم الأربعاء. تربعت السماء. ونزل

الْقَضَاء. بهزيمة الأعداء، فلما كانت الوقعة ضرب عَلَى وجهه فقيل لَهُ أين مَا كنت تقول؟ قَالَ: يَمْحُو اللَّه مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ [1] ويقال: إِن المختار قَالَ ذَلِكَ، وَكَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب مَعَ المصعب فقتل يَوْمَئِذٍ، ويقال: إنه قتل يَوْم المذار فَقَالَ المصعب للمهلب: يا أبا سَعِيد أعلمت أنهم قتلوا عُبَيْد اللَّهِ بْن عَلِي وَهُمْ يعرفونه ويزعمون أنهم شيعة أَبِيهِ؟ فَقَالَ المهلب للمصعب: أصلح اللَّه الأمير أي فتح لو لَمْ يكن مُحَمَّد بْن الأشعث قتل؟ فَقَالَ: نعم، فرحم اللَّه محمدًا. قَالُوا: وسار مُصْعَب يَوْم الخميس بمن مَعَهُ فأتى السبخة فقطع عَنِ المختار المادة، وبعث عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأشعث وزحر بْن قَيْس إِلَى جبانة مراد، وبعث عُبَيْد اللَّهِ بْن الحر الجعفي إِلَى جبانة الصائديين من همدان، وبعث عباد بْن الحصين إِلَى جبانة كندة، فكانوا كلهم يقطعون عَنْهُ المادة، وأمر المصعب المهلب أَن يتخذ عَلَى الكوفة دروبًا ففعل فلم يقدر المختار عَلَى الماء، فجعل يشرب وأَصْحَابه من ماء البئر ويعطيهم من عسل عنده فيديفونه بِهِ ليطيب الماء، واقترب مُصْعَب وأَصْحَابه من القصر ورتبهم فِي مواضع وقفهم بِهَا، وأقبل أحداث يصيحون يا بن دومة، فأشرف عَلَيْهِم فَقَالَ: إِن الَّذِي تعيرونه ابن رجل من القريتين [2] عظيم، وكانت أم المختار دومة بنت وهب بْن معتب بْن وهب بْن كعب الثقفي، ثُمَّ خرج المختار فِي مائتين فحمل عَلَى أَصْحَاب مُصْعَب فقاتلهم وضرب يحيى بن ضمضم وكان

_ [1] سورة الرعد- الآية: 39. [2] بهامش الأصل: عظيم احدى القريتين مسعود بن عمرو وجده.

فارسًا شجاعا إِذَا ركب خطت الأَرْض رجله، فأطار قحف رأسه فخر ميتا، ثُمَّ تتابع النَّاس عَلَيْهِ وكثروه، فلم يكن لَهُ بِهِمْ طاقة، فدخل القصر واشتد عَلَيْهِ الحصار، فَقَالَ لأَصْحَابه: انزلوا بنا نقاتل حَتَّى نقتل كراما، والله مَا أنا بآيس إِن صدقتم أَن تنصروا، فضعف أَصْحَابه وعجزوا، فَقَالَ: أما والله لا أعطي بيدي ولا أحكم فِي نفسي، فلما رأى عَبْد اللَّهِ بْن جعدة مَا يريد المختار تدلى من القصر فلحق بناس من إخوانه فاستخفى عندهم. ثُمَّ إِن المختار أرسل إِلَى امرأته أم ثابت بنت سمرة بْن جندب فبعثت إِلَيْهِ بطيب فاغتسل، وتحنط، ووضع الطيب فِي رأسه ولحيته، ثُمَّ خرج فِي تسعة وعشرين رجلًا من أَصْحَابه فيهم السائب بْن مَالِك الأشعري، فَقَالَ للسائب: مَا ترى؟ قَالَ السائب: أنا أرى أم أَنْتَ؟ قَالَ المختار: بَل اللَّه يرى، أَنْتَ ويحك أحمق، إِنَّمَا أنا رجل من العرب رَأَيْت ابْن الزُّبَيْر انتزى عَلَى الحجاز، ومروان عَلَى الشام، ونجدة عَلَى اليمامة، فلم أكن دُونَ أحدهم فقاتل عَلَى حسبك، فَقَالَ السائب: وَمَا كنت أصنع بالقتال عَلَى حسبي، وتمثل المختار بقول ابْن الزبعرى: كُل بؤس ونعيم زائل ... وسواء قبر مثر ومقل [1] ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابه لما رأى مَا بِهِمْ من الروع والفشل، والامتناع من أَن يتابعوه عَلَى الخروج والقتال مَعَهُ: إني والله إِن قتلت لَمْ تزدادوا إلا ضعفا وذلا. ثُمَّ إِن أخذتم ذبحتم كَمَا يذبح الغنم يقولون: هَذَا قاتل أَبِي، وَهَذَا قاتل أَخِي، وإن قاتلتم صابرين فقتلتم متّم كراما.

_ [1] شعر عبد الله بن الزبعرى ص 41 مع فوارق واضحة.

ثُمَّ خرج فقاتل وَهُوَ يَقُول: إِن يقتلوني يجدوا لي جزرا ... محمدا قتلته وعمرا والأبرص الجاهل لما أدبرا فقتل السائب بْن مَالِك، ثُمَّ قتل المختار عِنْدَ الزياتين قتله أخوان من عنزة يقال لهما طرفة وطريفة، وبنو تميم يدعون أَن مولى لبني عطارد يقال لَهُ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ قتل المختار. وَقَالَ أَبُو اليقظان: قتله فيما تقول ربيعة: طراف بْن يَزِيد الحنفي. ونزل الباقون من أَصْحَابه عَلَى الحكم، فجعل عباد بْن الحصين ينزلهم مكتفين وَكَانَ فيهم عَبْد اللَّهِ بْن قراد فمروا بِهِ عَلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث وَهُوَ يَقُول: مَا كنت أخشى أن أرى أسيرًا ... إِن الَّذِينَ خالفوا الأميرا قَدْ خسروا وتبروا تتبيرا فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: ائتوني بِهِ فقدموه إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ ابْن قراد: أما إني عَلَى دين جدك الَّذِي آمن بِهِ ثُمَّ كفر، يَعْنِي الأشعث إِن لَمْ أكن الَّذِي ضربت أباك بسَيْفي حَتَّى فاضت نَفْسه، فدنا منه فقتله، فغضب عباد بْن الحصين من قتله إياه دُونَ أمر مُصْعَب. وأتي مُصْعَب برجل من بَنِي مسلية فقال: الحمد لله الَّذِي ابتلانا بالأمير وابتلاه بنا، إِن من عفا عفا اللَّه عَنْهُ، ومن عاقب لَمْ يأمن القصاص، يا بن الزُّبَيْر نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم ونحن قومكم لسنا بروم ولا ديلم، لَمْ نعد أَن خالفنا إخواننا من أهل مصرنا، فإما أَن نكون أصبنا وأخطأوا، أَوْ أصابوا وأخطأنا فاقتتلنا بيننا كَمَا اقتتل أهل الشام بينهم وكما

اقتتل أهل البصرة بينهم، فَقَدِ افترقوا ثُمَّ اجتمعوا، وقد ملكتم فأسجحوا، وقدرتم فاعفوا، فرق لَهُ مُصْعَب وللأسرى، فقام عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث فَقَالَ: أيها الأمير اخترنا عَلَيْهِم أَوِ اخترهم عَلَيْنَا، وقام مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد بْن قَيْس الهمداني فَقَالَ: قَدْ قتل أبي وأشرافنا وخمسمائة أَوْ أَكْثَر منا وتخلي سبيلهم ودماؤنا ترقرق فِي أثوابهم، اخترنا أَوِ اخترهم فأمر بِهِمْ أَن يقتلوا، فَقَالَ بَعْضهم: قَدْ أمرنا المختار أَن لا نموت هذه الميتة الدنية فأبينا، وَكَانَ من أخرج من القصر نحوًا من ستة آلاف. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود عَنْ عَلِي بْن مجاهد قَالَ: لما ظفر مُصْعَب بأَصْحَاب المختار، بعثت إِلَيْهِ عَائِشَة بنت طَلْحَة فِي أمرهم الحارث بن خالد المخزومي فوجدهم قَدْ قتلوا. وَقَالَ مسافر بْن سَعِيد بْن نمران الناعطي: ما تقول يا بن الزُّبَيْر غدا وَقَدْ قتلت أمة من الْمُسْلِمِينَ حكموك فِي أنفسهم ودمائهم صبرًا وإن فينا لرجالًا مَا شهدوا حربنا وحربكم إلا اليوم؟! فقتل وقتل الْقَوْم. حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح المقرئ عَنِ الهيثم عَنْ عوانة قَالَ: لما أراد المصعب قتل أَصْحَاب المختار ونزلوا عَلَى حكمه شاور الأحنف بْن قَيْس فيهم، فَقَالَ: أرى أَن تعفو عَنْهُم فَإِن العفو أَقْرَبُ للتقوى [1] ، فَقَالَ أشراف أهل الكوفة: اقتلهم وضجوا فَلَمَّا قتلوا، قَالَ الأحنف: مَا أدركتم بقتلهم ثأرًا فليته لا يَكُون فِي الآخرة وبالا.

_ [1] انظر سورة البقرة- الآية: 237.

وَكَانَ المصعب قَالَ: اقتلوا الموالي واعفوا عمن كَانَ صليبة مَعَ المختار، فقام ابْن الأَصْبَهَانِي وابن الإسكاف، صاحب الدار بالبصرة فقالا: مَا هَذَا بحكم الإِسْلام، فقتل الجميع. قَالُوا: وبعث المصعب إِلَى أم ثابت بنت سمرة بْن جندب الفزاري، وعمرة بنت النعمان بْن بشير الأَنْصَارِي، امرأتي المختار، فأحضرتا فَقَالَ لهما مَا تقولان فِي المختار؟ فأما أم ثابت فَقَالَتْ: مَا عسينا أَن نقول فِيهِ إلا مثل مَا تَقُولُونَ من الكذب وادعاء الباطل فخلى سبيلها، وَقَالَتْ عمرة: مَا علمته رحمه اللَّه إلا مسلما من عباد اللَّه الصالحين، فحبسها المصعب فِي السجن، وكتب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر: «إنها تزعم أَنَّهُ نبي» فكتب إِلَيْهِ أَن أخرجها فاقتلها، فأخرجها إِلَى مَا بَيْنَ الحيرة والكوفة بَعْد العشاء الآخرة، فأمر بِهَا رجلا من الشرط يقال لَهُ مطر، فضربها بالسَيْف ثَلاث ضربات، وَهِيَ تقول: يا أبتاه، يا أهلاه، يا عشيرتاه، فرفع رجل يده فلطم مطرا وقال: يا بن الزانية عذبتها فقطعت نفسها ثُمَّ تشحطت وماتت، وتعلق مطر بالرجل فأتى بِهِ مصعبا فَقَالَ: خلوه رأى أمرًا عظيما فظيعًا، وَكَانَ لقب مطر هَذَا تابعه. فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر الأسدي، ويقال عُمَر بْن أَبِي ربيعة: إِن من أعجب العجائب عندي ... قتل بيضاء حرة عطبول قتلوها ظلما عَلَى غَيْر ذنب ... إِن لِلَّهِ درها من قتيل كتب القتل والقتال علينا ... وعلى المحصنات جرّ الذيول [1]

_ [1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 498 مع فوارق.

وَقَالَ الأحوص، ويقال غيره: ألم تعجب الأقوام من قتل حرة ... من الجامعات العقل والدين والحسب من العاقلات المؤمنات برية ... من الشك والبهتان والإثم والريب كأنهم إذ أبرزوها فقطعت ... بأسيافهم فازوا بمملكة العرب [1] وَكَانَ مقتل المختار فِي شَهْر رمضان سنة تسع وستين. وبعث المصعب برأسه ورؤوس وجوه أَصْحَابه إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر بمكة، وسمر المصعب يد المختار عَلَى حائط الْمَسْجِد الجامع، فلم تزل مسمورة حَتَّى قدم الْحَجَّاج الكوفة فأمر بِهَا فانتزعت ثُمَّ دفنت. ولما قتل المصعب المختار أنفذ عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر إِلَى البصرة وأقام بالكوفة لإصلاح أمرها، فكان يَوْم الجفرة بالبصرة فِي أَيَّام عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ هذه، ثُمَّ لحق بِهِ مُصْعَب وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فيما تقدم من نسب بَنِي أَبِي العيص. حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ عوانة وغيره قَالُوا: وفد مُصْعَب عَلَى أخيه عَبْد اللَّهِ ثَلاث مرات أولاهن من الكوفة حين قتل المختار ومعه إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، وَالثَّانِيَة من البصرة بمال العراق حِينَ عزله وولى حمزة بْن عَبْد اللَّهِ البصرة فقدمها غلام معجب حريص، فقصر بالإشراف وبسط يده ففزعوا إِلَى مَالِك بْن مسمع فأمر بحمل سرادقة فضرب عَلَى الجسر، ثُمَّ أرسل إِلَى حمزة يا بن أَخِي الحق بأبيك فأخرجه عَنِ البصرة، فَقَالَ العديل بن فرخ العجلي:

_ [1] شعر الأحوص ص 263.

إِذَا مَا خشينا من أمِير ظلامة ... دعونا أبا غسان يوما فعسكرا فَمَا فِي معد كلها مثل مَالِك ... أغر إِذَا سامى وأهيب منظرا بَنِي مسمع لولا الإله وأنتم ... بَنِي مسمع لَمْ ينكر النَّاس منكرًا بَنِي مسمع أنتم ذؤابة وائل ... وأكرمها فِي أول الدهر جوهرا فرد عبد الله مصعبا عَلَى الكوفة والبصرة، ثُمَّ إنه احتاج إِلَى مشافهة أخيه عَبْد اللَّهِ بشيء فِي أمر عَبْد الْمَلِك حِينَ بلغه عزمه عَلَى إتيان العراق فشخص إِلَيْهِ فلم يقم قبله إلا يومًا، ثُمَّ ركب رواحله إِلَى البصرة. وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن أبي مخنف وعن عوانة قَالا: لما قدم مُصْعَب عَلَى أخيه بعد قتل المختار، قال له ابن عمر: أأنت الذي قتلت ستّة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة على دم؟ فقال: إنّهم كَانُوا سحرة كفرة، فَقَالَ لَهُ: والله لو كَانُوا غنما من تراث الزُّبَيْر لَقَدْ كَانَ مَا أتيت عظيمًا. قَالُوا: وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر لابن عَبَّاس- وأخبره بأمر المختار- فرأى منه توجعا وإكبارًا لقتله أتتوجع لابن (أَبِي) عبيد وتكره أَن تسميه كذابا؟ فَقَالَ لَهُ: مَا جزاؤه ذَلِكَ منا، قتل قتلتنا، وطلب بدمائنا وشفى غليل صدورنا. قَالُوا: ومر عروة بْن الزُّبَيْر عَلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ يا أبا عَبَّاس إِن ربك قتل المختار الكذّاب وهذا رأسه قَدْ جيء بِهِ، فَقَالَ ابْن عَبَّاس قَدْ بقيت لكم عقبة إِن صعدتموها فأنتم أنتم يَعْنِي، عَبْد الْمَلِك وأهل الشام. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة عَن مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِي هلال عَنْ أَبِي يَزِيد المدني قال: ذكر ابن عمر الدجالين والكذابين فَقَالَ وَمِنْهُم ذو صهري هَذَا، قَالَ: قُلْت: ومن ذو صهرك؟ قَالَ: المختار.

وَحَدَّثَنِي عُمَرُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قِيلَ لابْنِ الزُّبَيْرِ إِنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ صَدَقَ ثُمَّ قَرَأَ: هَلْ أُنَبِئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ. تَنَزَّلُ عَلَى كُلّ أَفَّاك أَثِيمٍ [1] . حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ. فَقَالَ: صَدَقَ إِنَّهُمَا وَحْيَانِ وَحْيُ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَحْيُ الشياطين، وقرأ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُون إلى أَوْلِيَائِهِمْ [2] . وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الْمُخْتَارِ: طَلَبَ بِثَأْرِنَا، وَقَتَلَ قَتَلَتَنَا، فَنَهَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ فَلا تَقُلْ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْمُخْتَارُ، فَقَالَ: صَلَّى عَلَيْهِ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ. حَدَّثَنَا بسام الحمال وغيره قَالُوا: حَدَّثَنَا حماد بْن سلمة عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ أَبِيهِ: إِن المختار لما دعا النَّاس لبيعته، رَأَيْت الْحَارِث بْن سويد يذهب مرقلا، فَقُلْتُ: إِلَى أين تذهب، أما تدري مَا هذه البيعة؟ قَالَ: بلى ولكني سمعت ابْن مَسْعُود يَقُول مَا كَلام أتكلم بِهِ يرد عنّي ضربتين بسوط إلّا كنت متكلّما.

_ [1] سورة الشعراء- الآيتان: 221- 222. [2] سورة الأنعام- الآية: 121.

الْمَدَائِنِي قَالَ: وجد المختار فِي بَيْت مال الكوفة تسعة آلاف ألف درهم، ويقال: ألف ألف وتسعمائة ألف. الْمَدَائِنِي، قَالَ: كتب المختار إِلَى ابْن الزبير، إنّ ابن مطيع خالفك، وكاتب عَبْد الْمَلِك، وأنت أحب إلينا من عَبْد الْمَلِك، فوجه عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحارث فما كره المختار وَقَدْ كتبنا خبره. قَالَ: وكتب المختار إِلَى ابْن الزُّبَيْر إني اتخذت الكوفة دارا، فَإِن سوغتني ذَلِكَ وأمرت بألف ألف درهم سرت إِلَى الشام وكفيتك أمره، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْر: إِلَى مَتَى أماكر كذاب ثقيف ويماكرني ثُمَّ تمثل: عاري الجواعر من ثمود أصله ... عَبْد ويزعم أنه من يقدم وكتب إِلَيْهِ: لا والله ولا درهمًا، وَقَالَ: ولا أمتري بالهون حَتَّى يدرني ... وإني لآبى الخسف مَا دمت أسمع فجاهره المختار عندها ونصب لَهُ. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: أعظمت ربيعة قتل إياس وابنه، وَقَالُوا: نقتل بهما إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، فَقَالَ سراقة البارقي: أتوعدنا ربيعة فِي إياس ... وَمَا تدري ربيعة مَا تقول ولولا رفعنا عَنْهُم لكانوا ... كمن غالته فِي الأيام غول لإبراهيم أمنع من سهيل ... إِذَا طارت من الفزع العقول وأمنع جانبا من ليث غاب ... جريء دونه أجم وغيل وأصدق عدوة منه إِذَا مَا ... تدمى من فريسته التليل حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْد الْمُؤْمِنِ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَة عَنِ الحكم قَالَ: صليت خلف أَبِي عَبْد اللَّهِ الجدلي، زمن الكذاب، وَكَانَ الكذاب استخلفه

فقرأ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيمِ فلما قرأ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ: كفى بالله هاديا ونصيرا، ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيمِ. الْمَدَائِنِي، قَالَ: قَالَ المختار: من جاءنا من عَبْد فَهُوَ حر، فبلغ ذَلِكَ ابْن الزُّبَيْر فَقَالَ: قَدْ كَانَ يَقُول إني لأعرف كلمة لو قلتها كثر تبعي، وَهِيَ هذه، ليكثرن تبعه. قَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: أتى عباد بْن زِيَاد دومة الجندل بَعْد مرج راهط طالبا للعزلة وهاربًا من الْفِتْنَة، فوجه المختار إِلَيْهِ شُرَحْبِيل بْن ورس الهمداني فِي أربعة آلاف، فأرسل إِلَيْهِ عباد إني إِنَّمَا هربت إِلَى دومة الجندل بديني واعتزلت الْفِتْنَة، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: هُوَ رأس الْفِتْنَة وأولها وآخرها فلا يبرح حَتَّى يسفك دمه، فعزم ابْن ورس عَلَى قتاله، فقال عبّاد لأصحابه، وهم سبعمائة من عبيده ومواليه وأتباعه: اخرجوا بنا إِلَى هَؤُلاءِ الْقَوْم فَإِنَّهُ لَمْ يحصر قوم قط إلا وهنوا وذلوا فقاتلهم، فقتل من أَصْحَاب ابْن ورس أَكْثَر من ألف وَلَمْ يقتل من أَصْحَاب عباد إلا الْوَلِيد بْن قَيْس مولى عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد، وانهزم ابْن ورس فوثب الأعاريب عَلَيْهِ فانتهبوه وقتلوا جَمَاعَة من أَصْحَابه، فصار فيمن بقي مَعَهُ إِلَى بلاد طيّئ، فجمع لَهُ معدان الطائي، وَهُوَ معدان بْن سلمة بْن حنظلة، فقاتله ابْن ورس وَهُوَ يَقُول: أنا ابْن ورس فارس غَيْر وكل ... أروع مقدام إِذَا النكس نكل وأعتلي راس الطرماح البطل ... بالسَيْف يَوْم الروع حَتَّى ينجدل وجعل معدان يَقُول: إيه بَنِي معن ذوي العديد ... فجردوا البيض من الحديد ولا تعيدوهن فِي الغمود ... وانتزعوا سرادق العبيد

فقتلوا منهم سبعمائة ودخل ابْن ورس الكوفة. فَقَالَ الأخطل: وأنت يا بن زِيَاد عندنا حسن ... منك البلاء وأنت الناصح الشفق المستقل أمورًا لَيْسَ يحملها ... غمر من الْقَوْم رعديد ولا خرق [1] وَقَالَ الْمَدَائِنِي: مال عمير بْن الحباب يَوْم الخازر وَقَالَ: يا لثأرات المرج فقتل: ابْن زِيَاد وحصين بْن نمير وَشُرَحْبِيل بْن ذي الكلاع. وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي: أقام عُبَيْد اللَّهِ بْن زِيَاد حِينَ وجهه مَرْوَان عَلَى قرقيساء سنة فلم يقدر عَلَى شَيْء، فتوجه يريد العراق فلقي التوابين، ثُمَّ سار يريد العراق فقتل بالخازر وَقَالَ عمير بْن الحباب: جزيناهم بيوم المرج يوما ... كسوف الشَّمْس أسود ذا ظلال فلم ينفك أَعْظَم سكسكي ... أمام الجسر مَا اختلف الليالي وَقَالَ الفرزدق: ألا رب من يدعى الفتى لَيْسَ بالفتى ... ولكنما كَانَ الفتى ابْن زِيَاد [2] وَقَالَ الْمَدَائِنِي: بعث المختار برأس ابْن زِيَاد إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، فبعث بِهِ عَبْد اللَّهِ إِلَى ابْن الحنفية فَقَالَ: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُماتُ قِصَاصٌ [3] قَالَ: ويقال إنه بعث برأس ابْن زِيَاد إِلَى ابْن الحنفية، ويقال: إِن مصعبا بعث برأس المختار إِلَى ابْن الزُّبَيْر فبعث بِهِ ابْن الزُّبَيْر إِلَى ابْن الحنفية فتلا ابْن الحنفيّة الآية، وذلك أشبه بالحقّ.

_ [1] ديوان الأخطل ص 214 مع فوارق. [2] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع. [3] سورة البقرة- الآية: 194.

وَقَالَ الْمَدَائِنِي: قتل المختار عَبْد اللَّهِ بْن شداد الجهني، وأبا عُثْمَان بْن خَالِد بْن أسيد، وزيد بْن رقاد الحيني، وعمرو بْن الحجّاج الزبيدي فقد فمات عطشا، وهرب مساكين بْن عامر الدارمي، وَكَانَ مِمَّن قاتل قبل المختار بالكوفة، ولحق بمحمد بْن عمير بْن عطارد بأذربيجان وَقَالَ فِي أبيات لَهُ: لهف نفسي عَلَى قريع قريش ... يَوْم يؤتى برأسه المختار ليتنا قبل ذَلِكَ اليوم متنا ... أَوْ فعلنا مَا يفعل الأحرار [1] وَقَالَ الْمَدَائِنِي: هرب أسماء بْن خارجة إِلَى البادية، فنزل عَلَى رجل من بَنِي عبس وَكَانَ للعبسي كلب يقال لَهُ وقاع فَقَالَ العبسي: إني أخاف عَلَى كلبي، فَقَالَ أسماء: أنا لَهُ ضامن، فكان يأمر بإطعامه حَتَّى تناهى سمنه، ثُمَّ رحل أسماء فنزل بلاد كلب ونزل بالعبسي رجل من بَنِي ثعلبة بْن سَعْد يكنى أبا حيان، فجاء الكلب والطعام موضوع فرماه أَبُو حيان بسهم فقتله، وأمن أسماء فرجع ونزل بالعبسي فَقَالَ: مَا فعل وقاع؟ فأخبره فَقَالَ: قَدْ كنت ضمنته، قَالَ: فاحتكم فَقَالَ: ألف درهم، فأعطاه أربعة آلاف درهم. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة حَدَّثَنِي حيان بْن بشر عَنْ يَحْيَى بْن آدم عَنْ عَلِي بْن هِشَام عَنْ أَبِي الجحاف قَالَ: قَالَ لي مُعَاوِيَة بْن ثعلبة: لما خرج المختار كرهت الخروج مَعَهُ، فأتيت مُحَمَّد ابْن الحنفية فسألته فَقَالَ إني آمرك بِمَا آمر بِهِ نفسي لا تخرج مَعَهُ، فإنا أهل الْبَيْت لا نبتز هذه الأمة أمرها، وإن عليا لَمْ يقاتل حتى كانت له بيعة.

_ [1] ديوان مسكين الدارمي ص 43.

وذكر الأصمعي عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ: أراد ابْن الحنفية أَن يقدم الكوفة، فَقَالَ المختار إِن فِي الْمَهْدِي علامة وَهِيَ أَن يضربه رجل بالسَيْف ضربة فلا تضر فبلغ ابْن الحنفية ذَلِكَ فأقام. وَقَالَ نصر بْن عَاصِم الليثي: فارقت نجدة وَالَّذِينَ تزرقوا ... وابن الزُّبَيْر وشيعة الكذاب والصفر الآذان حِينَ تخيروا ... دينا بلا فقه ولا بكتاب حَدَّثَنَا سَعِيد بْن سُلَيْمَان سعدويه وعمرو بْن مُحَمَّد الناقد قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيْم عَنِ المغيرة عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ: مَا كَانُوا يقرأون خلف الإِمَام حَتَّى كَانَ المختار فاتهموه، فقرأوا خلفه، وَكَانَ يصلي بِهِمْ صلاة النهار، ولا يصلي بِهِمْ صلاة الليل. حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح حَدَّثَنَا أشياخنا: أَن الشَّعْبِي كَانَ يَقُول للخشبية: يا شرطة اللَّه قعي وطيري. حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد عَنْ حفص بْن غياث عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: كانت هدايا المختار تأتي ابْن عُمَر وابن عَبَّاس، وابن الحنفية فيقبلونها. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ وُهَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ مَا رَدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْوُلاةِ هَدِيَّتَهُ- أَوْ قَالَ: صِلَتَهُ- إِلا الْمُخْتَارَ، فَإِنَّهُ بَعَثَ إِلَيْهِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَرَدَّهَا. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: مَا رَدَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْوُلاةِ صِلَتَهُ إِلا الْمُخْتَارَ فَإِنَّهُ بَعَثَ إِلَيْهِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَرَدَّهَا.

حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِي قَالَ: قدم مُحَمَّد بْن الأشعث البصرة وَهُوَ ينادي: واغوثاه تركنا السيوف تنطف وقلف العبيد فِي الأحراح، وَكَانَ عَلَى البصرة القباع، فقدم المصعب عَلَى بقية ذاك. وَقَالَ ابْن قَيْس الرقيات يمدح مصعبًا: والذي نغص ابن دومة ما يو ... حي الشياطين والسيوف ظماء فأباح العراق يضربهم بالسي ... ف صلتا وَفِي الضراب جلاء ملكه ملك رحمة لَيْسَ فِيهِ ... جبروت منه ولا كبرياء [1] وَقَالَ ابْن الكلبي: بعث مُصْعَب إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حجر بْن عدي وعبد رب بْن حجر، وعمران بْن حذيفة بْن اليمان، فقتلهم صبرا. وكانوا خرجوا مَعَ المختار. حَدَّثَنِي يُوسُف بْن مُوسَى الْقَطَّان عَنْ جَرِير بْن عَبْد الحميد عَنِ المغيرة قَالَ: قتل عُبَيْد اللَّهِ بْن عَلِي مَعَ مُصْعَب يَوْم المختار. وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن عوانة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لما وفد مُصْعَب عَلَى أخيه بَعْد قتل المختار قَالَ لابن عُمَر: مَا تقول فِي قوم خلعوا ربقة الطاعة، وسفكوا الدماء وقاتلوا فقوتلوا، حَتَّى إِذَا غلبوا دخلوا حصنا فسألوا الأمان عَلَى الحكم، فأعطوا ذَلِكَ ثُمَّ أخرجوا فقتلوا؟ قَالَ: وكم العدة؟ قَالَ: خمسة آلاف، قَالَ فسبح ابْن عُمَر، ثم قال: عمّرك الله يا بن الزُّبَيْر، لو أَن رجلا أتى ماشية لآل الزُّبَيْر فذبح منها خمسة آلاف ألم تكن تراه مسرفًا؟ قَالَ: فسكت فلم يجبه، فَقَالَ: ألم يكن فيهم من ترجى لَهُ التوبة، ألم يكن فيهم مستكره.

_ [1] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات- ط. دار صادر بيروت، ص 90- 91 مع فوارق.

حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن عياش حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاق السبيعي قَالَ: مَا زال شراب أهل الكوفة الزبيب حَتَّى كَانَ زِيَاد فشربوا التمر. قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر قَالَ: أول مَا قرئ خلف الإِمَام فِي زمن المختار، لأنهم اتهموه. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ صعب بْن زَيْد قَالَ: كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر استعمل مصعبا عَلَى البصرة ثُمَّ عزله، واستعمل ابنه حمزة وَذَلِكَ بَعْد قتل المختار، فلما رأى أهل البصرة ضعف حمزة طلبوا إِلَى ابْن الزُّبَيْر أَن يرد إليهم المصعب، وَكَانَ المصعب رجلا لَهُ نجدة وشجاعة وسخاء وبصر بِمَا يَأْتِي ويذر، فلما قدم البصرة جبى خراج الأهواز، وشاطئ دجلة، وجعل يعطي النَّاس العطاء فِي كُل سنة مرتين فِي أولها وآخرها، فلم يزل المصعب بالبصرة إِلَى أَن خرج إلى مسكن. حدثنا أبو خيثمة (و) أحمد بْن إسرائيل (قَالا) : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: استعمل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر عَبْد اللَّهِ بْن مطيع العدوي عَلَى الكوفة، فَقَالَ المختار لابن الزُّبَيْر وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عنده إني لأعلم قوما لو أَن لَهُمْ رجلا لَهُ رفق وعلم بِمَا يَأْتِي ويذر، لاستخرج لَك مِنْهُم جندًا تقاتل بِهِمْ أهل الشام، قَالَ: من هُمْ؟ قَالَ: شيعة عَلِي وَبَنِي هاشم بالكوفة، قَالَ: فكن أَنْتَ ذَلِكَ الرجل، فبعثه إِلَى الكوفة فنزل ناحية منها، وجعل يبكي عَلَى الْحُسَيْن، ويذكر مصابه حَتَّى ألفوه وأحبوه فنقلوه إِلَى وسط الكوفة، وأتاه مِنْهُم بشر كثير، فلما غلظ أمره وقوي شأنه سار إِلَى ابْن مطيع فأخرجه من الدار.

وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا وهب عَنْ أَبِيهِ عَنْ عدة حدثوه: أَن المختار لما غلب عَلَى الكوفة ابتنى لنفسه من بَيْت المال دارًا أنفق عَلَيْهَا مالا عظيما، واتخذ بستانا من بَيْت المال، وأعطى عطايا كثيرة وأنفق نفقات وكتب إِلَى ابْن الزُّبَيْر: إِن سوغتني مَا أنفقت من بَيْت المال فإني فِي طاعتك وإنما حملني عَلَى إخراج ابْن مطيع مَا رَأَيْت من وهنه وضعفه وأنه لَمْ يكن صاحب مَا هُوَ فِيهِ، فأبى ابْن الزُّبَيْر أَن يفعل فخلعه المختار، وكتب إِلَى عَلِي بْن الْحُسَيْن بْن عَلِي يريده عَلَى أَن يبايع لَهُ، وبعث إِلَيْهِ بمال فأبى أن يقبله وأن يجبيه، وخرج إِلَى الْمَسْجِد فشتمه وعابه وذكر كذبه، فكتب المختار إِلَى ابْن الحنفية يريده عَلَى ذَلِكَ، فأتاه عَلِي بْن الْحُسَيْن فأشار عَلَيْهِ أَن لا يقبل، وأن يخرج إِلَى النَّاس فيتبرأ منه ويعيبه ويذكر كذبه، فأتاه ابْن عَبَّاس فَقَالَ: لا تفعل فإنك لا تدري عَلَى مَا أَنْتَ من ابْن الزُّبَيْر، فأطاع ابْن عَبَّاس، وسكت عَنْ عيب المختار، وغلظ أمر المختار بالكوفة، وكثرت خشبيته، فجعل يخبرهم أَن جبريل يأتيه وتتبع قتله الْحُسَيْن فقتلهم، وَكَانَ مِمَّن قتل عُمَر بْن سَعْد بْن أَبِي وقاص، وَهُوَ الَّذِي كَانَ لقي الْحُسَيْن فقتله، فازداد أهل الكوفة إعظامًا لَهُ وحبا وطاعة، فخرج النعمان بْن صهبان الراسبي من البصرة، وَكَانَ يرى رأى الشيعة، حَتَّى قدم الكوفة فدخل عَلَى المختار ذَات يَوْم، فَقَالَ لَهُ المختار: هنا مجلس جبريل قام عَنْهُ آنفًا، فخرج النعمان وأَصْحَابه فقاتلوه فقتلوا اجمعين. حدثنا أبو خيثمة حدثنا وهب بن جرير حَدَّثَنِي أَبِي ومحمد بْن أَبِي عُيَيْنَة: أَن المختار وجه أحمر بْن شميط ليأخذ البصرة فخرج فِي أربعين ألفا فنزل المذار واستنفر المصعب النَّاس، وخرج إِلَيْهِ بالبصرة، وَقَدْ كَانَ

مُصْعَب لما قدم العراق كتب إِلَى المهلب حِينَ قتل ابْن الماحوز الخارجي أَن يصير إليه، فأتاه فسار المصعب بالناس حتى نزل بإزاء ابن أبي صفرة بالمذار، واستعمل على ميمنة الناس المهلّب بن أبي صفرة، وعلى ميسرتهم عمر بن عبيد الله بن معمر وكانت في الميمنة تميم والأزد، وفي الميسرة ربيعة، وكان المصعب في القلب ومعه أهل العالية من أخلاط الناس، فلما زحف بعض الناس إلى بعض حمل عمر بن عبيد الله على ميمنتهم فهزمهم، وقتل ابن شميط وأصحابه.

الجزء السابع

[الجزء السابع] [تتمة أمر مروان بن الحكم] عمال ابْن الزُّبَيْرِ قَالَ علي بْن مُحَمَّد أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ وغيره: اصطلح أَهْل الْكُوفَة بعد موت يَزِيد، وهرب ابْن زياد عَلَى عامر بْن مسعود، فأقره عبد اللَّه بْن الزُّبَيْرِ أشهرا ثُمَّ عزله وولى الحرب والصلاة عبد اللَّه بْن يَزِيدَ الخطمي، وولى الخراج إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن طلحة. فَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ [1] يَسْتَسْقِي، وَخَرَجَ مَعَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ يَوْمَئِذٍ فَخَطَبَ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ، فَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَاسْتَسْقَى وَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ وَنَحْنُ خَلْفَهُ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ يومئذ وَلَمْ يُقِمْ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّهُ دَفَنَ ميّتا فسلّه من قبل رجليه.

_ [1] بهامش الأصل: عبد الله بن يزيد صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَطَيْلَسَانًا مُدَبَّجًا. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ عَلَى النَّاسِ، فَقَامَ مِنَ الْعَشِيِّ قَبْلَ الْعِيدِ فَقَالَ: إِنَّا خَارِجُونَ وَإِنَّا مُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: دُعِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ إِلَى طَعَامٍ فَلَمَّا جَاءَ وَجَدَ الْبَيْتَ مُنَجَّدًا فَقَعَدَ خَارِجًا يَبْكِي، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَيَّعَ جَيْشًا فَبَلَغَ عَقَبَةَ الْوَادِي قَالَ: « [أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمْ وَخَوَاتِمَ أَعْمَالِكُمْ] » فَرَأَى ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلا قد رفع بُرْدَةً لَهُ بِقِطْعَةِ فَرْوٍ فَقَالَ « [أَأَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ أَمْ إِذَا غَدَتْ عَلَيْكُمْ قَصْعَةٌ وَرَاحَتْ قَصْعَةٌ، وَغَدَا أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ وَرَاحَ فِي حُلَّةٍ، وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ] » . وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ وغيره: وعزل ابْن الزُّبَيْرِ عَبْد اللَّهِ وصاحبه، وولى الْكُوفَة عَبْد اللَّهِ بْن مطيع، فأخرجه المختار منها، ثُمَّ ولى أخاه مصعبا البصرة والكوفة، وَقَالَ لَهُ: إذا فتحت الْكُوفَة فأنت أميرها وأمير ثغورها، فقتل المختار بالكوفة سنة تسع وستين، ثُمَّ استخلف عَلَى الْكُوفَة القباع وهو الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي، وولى المهلب بْن أَبِي صفرة الموصل والجزيرة وأرمينية، وَقَالَ لَهُ: إنما وليتك لتكون بيني وبين عَبْد الْمَلِكِ وجيوشه لثقتي بحزمك، ووجه إِلَى البصرة عمر بْن عبيد اللَّهِ بْن معمر، ولم يزل خليفته عَلَيْهَا، ثُمَّ ولاه فارس بعد مصير والي الْكُوفَة إليها.

وَقَالَ بعضهم: إن مصعبا استخلف القباع، وأمره أن يجعل عَمْرو بْن حريث خليفته وعزل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ أخاه بعد سنة من مقتل المختار، أو أقل، عَن البصرة، وولى البصرة ابنه حمزة، وأمر مصعبا أن يلحق بمن مَعَهُ من رجال البصرة، فعزل المهلب عَن الموصل ونواحيها فلحق بحمزة بالبصرة، وخرج المصعب إِلَى أخيه فرده عَلَى البصرة والكوفة، فكانت ولاية حمزة نحوا من سنة، وأقر حمزة عمر بْن عبيد اللَّه عَلَى فارس، وكلم فِي توجيه المهلب لقتال الأزارقة ففعل. قالوا: وولى القباع شرطه بالكوفة شبث بْن ربعي الرياحي. فذكر عَبْد اللَّهِ بْن المبارك عَن مسعر عَن عبيد اللَّه بْن القبطي: أن الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة القباع فاتته الركعتان قبل الفجر فأعتق رقبة. وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنَّهُ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً. وَرُوِيَ أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ يُؤَجَّلُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ. وَحَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد النَّاقِد حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزبيري عَن سفيان عَن حماد عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: ماتت أم الحارث بْن أَبِي ربيعة، وهي نصرانية فشهدها مَعَهُ قوم مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كانت أمه نصرانية سوداء، وكانت أكلت حمامة من حمام مَكَّة، فكان يعير بِذَلِكَ. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: تقدم شبث بْن ربعي ليصلي عَلَى جنازة رجل من بني حميري بْن رياح، وهو عَلَى شرط القباع بالكوفة فمنعوه، فوثب ابنه عَبْد

السلام عَلَى رجل فقطع أذنه فدفعه شبث إليهم ليقطعوا أذنه فَقَالُوا: هو ابْن أمة وصاحبنا ابْن مهيرة، فدفع إليهم ابنه عَبْد المؤمن فأبوه، فدفع إليهم عَبْد القدوس فقطعوا أذنه، فعزله القباع وَقَالَ هذا أعرابي، وولى شرطته سويد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ المنقري، فَقَالَ شبث: أبعد القباع آمن الدهر صاحبا ... عَلَى سوءه إني إذا لغبين وأمك سوداء الجواعر جعدة ... لها شبه فِي منخريك مبين وَقَالَ الهيثم بْن عدي والمدائني: أتى بني تميم مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد فِي حمالة فَقَالَ: يقسم عَلَى بني عَمْرو كذا، وعلى حنظلة كذا، وعلى بني سعيد كذا، فَقَالَ شبث: بل كلها عليَّ، فَقَالَ ابْن عمير: نِعْمَ العون عَلَى المروءة المال. قَالَ: وَكَانَ شبث علويا والهيثم بْن الأسود أَبُو العريان عثمانيا، وكانا متصافيين، فَقَالَ الهيثم لشبث: إني أخاف عليك من يوم صفين، قَالَ العريان بْن الهيثم بْن الأسود: فمرض شبث فأتيته فقلت لَهُ: يقول لك أَبِي كيف تجدك؟ قَالَ: أنا فِي آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة فأخبر أباك أني لم أندم عَلَى قتال مُعَاوِيَة يوم صفين، وتمثل قول لبيد: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر [1] ولم يلبث شبث أن مات، فلم أبلغ إِلَى أَبِي حَتَّى سمعت الصياح، فَقَالَ أبي يرثي شبثا:

_ [1] ديوان لبيد- ط. الكويت 1984 ص 213.

إنني اليوم وإن أملتني ... لقليل المكث من بعد شبث عاش تسعين خريفا همه ... جمع مَا يملك من غير خبث لم يخلف فِي تميم سبة ... ينكس الرأس ولا عهدا نكث فِي أبيات. وجاءت الخوارج تريد الْكُوفَة فخطب (القباع) فَقَالَ: إن أول القتال السباب، ثُمَّ الرميا، ثُمَّ الطعان، ثُمَّ السلة، فَقَالُوا: مَا أحسن صفة الأمير، وسار من الْكُوفَة إِلَى باجوا [1] شهرا فَقَالَ الشاعر: سار بنا القباع سيرا نكرا ... يسير يوما ويقيم شهرا وزعم قوم أن حمزة بْن عَبْد اللَّهِ ولي البصرة والكوفة فعزل المهلب عَن البصرة ونواحيها، وأنه ولى القباع الْكُوفَة وليس ذَلِكَ بثبت، والثبت أنه ولي البصرة فقط، وأن مصعبا عزل المهلب عَن عمله ذَلِكَ، وألحقه بحمزة كما أمره أخوه، وولى عمل الموصل ونواحيها إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، فكان عَلَيْهَا حَتَّى قدم المصعب وواليا عَلَى البصرة، وبعد ذَلِكَ إِلَى أن أحضره قتال عَبْد الْمَلِكِ. وَقَالَ قوم: استخلف مكان المهلب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن الأشتر بالكوفة مشرفا عَلَى القباع. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: ولى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ البصرة بعد ابنه عمر بْن عبيد اللَّه، فكان سخيا شجاعا ممدحا، وَقَالَ المهلب مَا رأيت مثل أحمر قُرَيْش فِي شجاعته، مَا لقينا خيلا قط إلا وَكَانَ فِي سرعان خيلنا، ولما ولاه مصعب فارس، بلغه ذَلِكَ، فَقَالَ: رماها بحجرها، لقد ولاها شريفا شجاعا.

_ [1] موضع ببابل من أرض العراق في ناحية القف. معجم البلدان.

وقد مدحه الفرزدق، ومدحه نصيب وغيرهما، وفيه يَقُول يَزِيد بْن الحكم بْن أَبِي العاص الثَّقَفِيّ: فما كعب بْن مامة وَابْن سعدي ... بأجود منك يَا عمر الجوادا وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كانت لمغيرة بْن حبناء التميمي جارية نفيسة، فاضطر إِلَى بيعها فجعل يمسك حَتَّى قَالَت لَهُ: لو بعتني فانتفعت بثمني كَانَ أمثل مما أراك تلقى، قَالَ: أفعل عَلَى كره، فعرضها عَلَى عمر بْن عبيد اللَّه وقد بلغته خلته وخبره فاشتراها منه بمائة ألف، وذلك أضعاف مَا تساوي، وقبض الثمن وَقَالَ: لولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شَيْء سوى الموت فاعذري أروح بهم فِي الفؤاد مبرح ... أناجي بِهِ قلبا قليل التصبر عليك سلام لا زيارة بيننا ... وَلا وصل إِلا أن يشاء ابْن معمر فلما بلغ الشعر عمر بْن عبيد اللَّه قَالَ: فقد شاء ابْن معمر، فخذ بيدها والمال لك. قالوا: وعزل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ عمر بْن عبيد الله بن معمر عَن البصرة وولاها القباع، فحبس عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر وطالبه بمال، فجزع من الحبس فَقَالَ لَهُ القباع: يَا أبا حفص لا تجزع فإنك أول من سن هذا، حبست عَبْد اللَّهِ بْن الحارث يعني ببة، وَكَانَ حبسه وطالبه بمال. وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان من ولى ابْن الزُّبَيْرِ البصرة؟ فَقَالُوا: الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة، فَقَالَ: لا حر بوادي عوف. ووقع بين الحارث وبين يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص كلام، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يابن السوداء يابن آكلة حمام مَكَّة، وكانت حبشية.

وزعموا أنه لما مات قَالَ الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ: مات سيد بني مخزوم، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ بل سيد قريش. وَقَالَ أَبُو الأسود الديلي، وسأل القباع حاجة فلم يقضها: أَبَا بَكْر جزاك اللَّه خيرا ... أرحنا من قباع بني المغيرة بلوناه فلمناه وأعيا ... عَلَيْنَا مَا يمر لنا مريره عَلَى أن الفتى نكح أكول ... ومسهاب مذاهبه كثيره [1] وَكَانَ عباد بْن الحصين عَلَى شرطه بالبصرة، وفيه يقول زياد الأعجم: فإن تك يَا عباد وليت شرطة ... فباست زمان صرت فيه تكلم [2] قَالَ الْمَدَائِنِيّ: تواقف جرير والفرزدق بالمربد فِي ولاية القباع فأرسل إليهما عبادا فهربا فهدم دورهما وطلبهما، فَقَالَ الفرزدق: أفي قملي من كليب هجوته ... أَبُو جهضم تغلي علي مراجله فما كَانَ شيء كنت فينا تحبه ... من الشر إلا قد أبانت شواكله وقبلك مَا أعييت كاسر عينه ... زيادا فلم يقدر علي حبائله وقد عاش لم يعقد لسيف حمالة ... ولكن عصام القربتين حمائله أحارث داري مرتين هدمتها ... وكنت ابْن أخت مَا تخاف غوائله [3] فِي أبيات، وكانت أسماء بنت مخربة النهشلية عند أَبِي ربيعة خلف عليها بعد هشام بن المغيرة.

_ [1] ديوان أبي الأسود ص 220- 221، ومسهاب لأن كان خطيبا. [2] شعر زياد الأعجم ص 172. [3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 171- 172.

وَقَالَ جرير: فما فِي كتاب اللَّه هدم بيوتنا ... كتهديم ماخور خبيث مداخله ففي مخدع منه نوار وسربها ... وفي مخدع أكياره ومراجله أحارث خذ مَا شئت منا ومنهم ... فأنت كريم مَا تغب فواضله [1] وَقَالَ يَزِيد بْن نهشل الدارمي: لولا حواجز قربى لست راعيها ... وخشية اللَّه فيمن قد يعاديني لقد بريتك بريا لا اجتبار لَهُ ... إني رأيتك لا تنفك تبريني فِي أبيات. وَقَالَ الأشهب بْن رميلة: أحار بْن عَبْد اللَّهِ يَا خير مطلب ... لذي خلة أو أن أتاه نسيب إذا مت مات الجود وانقطع الندى ... وعادت أكف السائلين تخيب فِي أبيات. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ وغيره: كَانَ ببة أول من وجه لقتال الأزارقة، وَكَانَ القباع أول النَّاس عقد للمهلب عَلَى قتال الأزارقة، وكانوا قد غلبوا عَلَى الأهواز، ولم يزل القباع عَلَى البصرة من قبل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ حَتَّى قدم المصعب واليا عَلَى البصرة والكوفة. قالوا: قدم المصعب البصرة فدخل المسجد فصلى ركعتين ثُمَّ أرسل إِلَى عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، وَكَانَ محبوسا عند القباع فأطلقه وجعله خليفته بينه وبين الناس.

_ [1] ديوان جرير ص 389.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: وولى شرطته مطرف بْن سيدان الباهلي ثُمَّ عزله، وولاه الأهواز وولى شرطه بشر بْن غالب الأسدي. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كَانَ عمر بْن سرج مولى ابْن الزُّبَيْرِ يحدث قَالَ: كنت فِي الذين قدموا مَعَ مصعب من مَكَّة إِلَى البصرة، فقدم متلثما حَتَّى أناخ عَلَى باب المسجد ودخل فصعد المنبر، وَقَالَ النَّاس: أمير، أمير، وجاء الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة فسفر المصعب فعرفوه وقالوا: مصعب بْن الزُّبَيْرِ، فَقَالَ للحارث: اظهر فصعد حَتَّى جلس عَلَى المنبر دونه بدرجة، ثُمَّ قام المصعب فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ وقرأ: طسم- تِلكَ آيَات الْكِتَابِ الْمُبِينِ- نتلو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ- إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ويستحيي نساءهم إنّه كان من المفسدين وأشار نحو الشام وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين وأشار بيده نحو الحجاز وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كانوا يحذرون [1] وأشار إِلَى الشام. حَدَّثَنِي أَبُو هِشَام الرفاعي عَن عمه عَن ابْن عياش الهمداني عَن الشَّعْبِيّ أنه قَالَ: مَا رأيت أميرا قط عَلَى منبر أحسن من مصعب بْن الزُّبَيْرِ. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: وجد مصعب عَلَى رجال أَهْل البصرة فيهم أنس بْن مالك، وصعصعة بْن مُعَاوِيَةَ فضرب صعصعة محمولا عَلَى استه، ثُمَّ أمر بأنس فَقَالَ لَهُ أنس: أنشدك اللَّه وخدمتي رسول الله ووصيّته بالأنصار،

_ [1] سورة القصص- الآيات: 1- 6.

فخر مصعب من المنبر حَتَّى ألصق خديه بالأرض وَقَالَ: سمعا وطاعة لله ولرسوله، وحمله وكساه وأمر لَهُ بعشرين ألف درهم. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: وجد مصعب عَلَى الفرات بْن مُعَاوِيَةَ البكائي فحلق رأسه ولحيته فِي غداة يوم فراح إِلَيْهِ الفرات من يومه وقد أعتم فسلم عَلَيْهِ فتذمم مصعب وَقَالَ: رجل فعلت بِهِ مَا فعلت وأتاني فِي عشية يومه فأحسن إِلَيْهِ وأكرمه ووصله وولاه. وقيل لعَبْد الْمَلِكِ إن مصعبا ينال الشراب فَقَالَ: والله لو علم مصعب منذ حارب أن شرب الماء يفسد مروته مَا شربه فكيف يشرب الشراب، مَا عرفت لَهُ زلة مذ حارب. مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ عَن الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: كَانَ مصعب وعَبْد الْمَلِكِ، وعَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة أخلاء لا يكادون يفترقون، فكان عَبْد الْمَلِكِ وابن أَبِي فروة يتباريان فِي الكسوة، ولم يكن مصعب يقدر عَلَى مَا يقدران عَلَيْهِ، فاكتسى ابْن أَبِي فروة حلة واكتسى عبد الملك مثلها وبقي مصعب لا شيء لَهُ فذكر عَبْد اللَّهِ، فلما ولي مصعب العراق استكتب عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة، فإنه لعند المصعب إذ أتي المصعب بعقد جوهر قد أصيب فِي بعض بلاد العجم لبعض ملوكهم، فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّهِ أيسرك أن أهبه لك؟ قَالَ: نعم فدفعه إِلَيْهِ، وَقَالَ: والله لسروري بالحلة لو كسوتمونيها أشد من سرورك بهذا العقد فبارك اللَّه لك فيه، قَالَ: فلم يزل العقد عنده حَتَّى أخذ أخوه عمران فِي إمرة عمر بْن عَبْد العزيز عَلَى المدينة شاربا، فأمر عمر باستنكاهه فوجدت منه رائحة الشراب فأمر بحبسه فجاء عَبْد اللَّهِ بالعقد فدسه تحت مصلى عمر، ثُمَّ قام، فرفع عمر المصلى فرأى العقد فقال:

ردوه مَا هذا قَالَ: هذا أهديته إليك، فَقَالَ لَهُ لو كنت تقدمت إليك لأحسنت أدبك، ثُمَّ أمر بعمران فضرب الحد، وَكَانَ عمران صديقا لعَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان مَعَ الولاء، فجاء عَبْد اللَّهِ راكبا ومعه بغل يجنب فلما ضرب عمران حمله عَلَى البغل المجنوب، ويقال: عَلَى البغل الَّذِي كَانَ راكبا عَلَيْهِ وركب هو المجنوب، وانطلق بِهِ إِلَى منزله. قالوا: وَكَانَ مصعب يعطي أَهْل العراق فِي كل سنة عطاءين فِي الشتاء عطاء، وفي الصيف عطاء، فأحبه النَّاس حبا شديدا، فَقَالَ عَمْرو بْن يَزِيدَ النهدي: ألم تر أن الجود إذ مات مصعب ... دفناه واسترعي الأمانة ذئب فهبنا أناسا أوبقتنا ذنوبنا ... أما لثقيف حوبة وذنوب فأتي بِهِ الحجاج، فَقَالَ لَهُ: أنت القائل مَا قلت؟ فَقَالَ: فقدنا والله مصعبا ففقدنا بِهِ عدلا شاملا، وعطاء جزيلا وخسنا بِهِ، فجعلنا أحاديث، ومزقنا كل ممزق، فأمر بِهِ فضربت عنقه. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: قدم مصعب البصرة وماء البطيحة يفيض عَلَى السباخ حَتَّى كاد يصير فِي نهر معقل، فاتخذ المسناة التي نسبت إِلَيْهِ وحاز تلك الأرضين لنفسه، فأقطعها عَبْد الْمَلِكِ النَّاس فحفروا الأنهار فهي اليوم قطائع عَبْد الْمَلِكِ. الْمَدَائِنِيُّ وَأَبُو مَسْعُودٍ عَنْ عَوَانَةَ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى مُصْعَبٍ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاسْتَقَلَّ ذَلِكَ وَاسْتَحْيَا مِنَ الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلامَةٌ أَنَّهُ إِذَا كَتَبَ إِلَيَّ بِأَلْفٍ فَهِيَ مِائَةُ أَلْفٍ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَغَضِبَ مِنْهُ، وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ

إِلَى مُصْعَبٍ فِي قَوْمٍ، فَوَصَلَهُمْ بِخِلْفَةِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَكْتُبْ إِلَيْهِ فِي أَحَدٍ. الْمَدَائِنِيّ والحرمازي قالا: خطب مصعب أَهْل البصرة، فَقَالَ: يَا أَهْل البصرة بلغني أنكم تلقبون أمراءكم، وقد لقبت نفسي الجزار. واستخلف مصعب عَلَى البصرة عبيد الله بن عبيد الله بن معمر عَلَى أن الولاية لعمر بْن عبيد اللَّه، وإياه كَانَ يكاتب، وسار إِلَى المختار فقتله وأنفذ عمر بْن عبيد اللَّه إِلَى البصرة حين قتل المختار فصار إِلَى البصرة فحدث بِهَا مَا حدث من أمر الجفرة، فقدم مصعب البصرة فتلافى ذَلِكَ الأمر، ثُمَّ إن ابْن الزُّبَيْرِ ولى حمزة ابنه البصرة سنة أو نحوها، وَكَانَ خليفة مصعب عَلَى الْكُوفَة القباع فأقره، ومضى إِلَى أخيه، ثُمَّ قدم بولاية المصرين فِي سنة تسع وستين، فأقر مصعب القباع عَلَى الْكُوفَة حَتَّى شخص إِلَى مسكن، فانصرف القباع إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: لما قدم المصعب بعد عزل ابْن الزُّبَيْرِ حمزة ابنه، وقد أعاده عَلَى المصرين، بدأ بالبصرة فقدمها فتزوج وهو بالبصرة سكينة بنت الْحُسَيْن عَلَيْهِ السلام، فولدت لَهُ جارية سماها فاطمة، وصير عَلَى شرطه عباد بْن الحصين، فلما بلغ عَبْد اللَّهِ أخاه تزويجه قَالَ: إن مصعبا غمد سيفه وسل أيره. قَالَ: ولما سار مصعب إِلَى الْكُوفَة أخذ مَعَهُ مالك بْن مسمع، وزياد بْن عَمْرو، فاستأذناه فِي الرجوع فأذن لهما وَقَالَ: إنّهما لا يريدان خيرا، فقال الشاعر: ألحق أمية بالحجاز وخالدا ... واضرب علاوة مالك يَا مصعب فلئن فعلت لتحرمن بقتله ... وليصفون لك بالعراق المشرب وقال آخر:

أخاف عليك زياد العراق ... وأخشى عليك بني مسمع وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ عَن جهم بْن حسان السليطي قَالَ: كلم الأحنف مصعبا فِي قوم حبسهم فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير إن كنت حبستهم بحق فالعفو يسعهم، وإن كنت حبستهم بباطل فالحق يخرجهم، فَقَالَ: صدقت وأخرجهم. الْمَدَائِنِيّ عَن مسلمة بْن محارب قَالَ: دخل أسقف نجران عَلَى مصعب فكلمه بشيء فأغضبه فرماه بقضيب كَانَ مَعَهُ فأدماه، فَقَالَ الأسقف: إن أذن لي الأمير فِي الكلام تكلمت. قَالَ: تكلم بما شئت، قَالَ إن المسيح قَالَ لا ينبغي للإمام أن يكون سفيها ومنه يلتمس الحلم، ولا جائرا ومنه يلتمس العدل، فقضى حاجته. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي، فذكره الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جعدبة: إن المصعب بْن الزُّبَيْرِ قَالَ لحبى المدينية: ابغيني امْرَأَة أتزوجها، فَقَالَتْ: بأبي أنت وأمي عَائِشَة بِنْت طَلْحَة عَلَى عظم فِي أذنيها وقدميها، فَقَالَ المصعب: أما الأذنان فيغطيهما الخمار، وأما القدمان فيغطيهما الخف فتزوجها، وأصدقها خمسمائة ألف درهم وأهدى لها خمسمائة ألف درهم. فَقَالَ أنس بْن أَبِي أناس، وبعضهم يقول: ابْن همام، والأول أثبت: أبلغ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رسالة ... من ناصح مَا إن يريد متاعا بضع الفتاة بألف ألف كامل ... وتبيت قادات الجيوش جياعا فلو أنني الفاروق أخبر بالذي ... شاهدته ورأيته لارتاعا

وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: قيل هذا الشعر حين تزوج مصعب سكينة بنت الْحُسَيْن بْن علي عليهما السلام. وَقَالَ مُحَمَّد بْن سلام الجمحي: كانت عائشة بنت طلحة عند عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر، ثُمَّ عند مصعب، ثُمَّ عند عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي، وأم عَائِشَة أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْرٍ رضي اللَّه تعالى عنه، وأمها ابنة خارجة الأَنْصَارِيّ. حَدَّثَنِي الحرمازي عَن الشَّعْبِيّ: أنه ركب مَعَ المصعب يوما فلما نزل أمره بالنزول وأخذ بيده، قَالَ: فلم أزل أدخل مَعَهُ حَتَّى صرت إِلَى بيت قد سدلت ستوره، فترك يدي ودخل فبقيت لا أقدر عَلَى تقدم وَلا تأخر، ثُمَّ نادى من وراء الستر ادخل يَا شعبي فدخلت فإذا هُوَ وعائشة بِنْت طَلْحَة عَلَى سرير، فو الله مَا شبهت بوجهها إِلا القمر طالعا فكلمني، ثُمَّ قَالَ انصرف فقالت: والله لا ينصرف إلا بجائزة، فأمر لِي بعشرة آلاف درهم، وأمرت لِي بمثلها، فلما كَانَ الغد دخلت عَلَيْهِ والنَّاس عنده، وَهُوَ عَلَى سريره، فاستدناني فدنوت حَتَّى ألصقت صدري بالسرير، فَقَالَ: أدن، فمددت إِلَيْهِ عنقي، فَقَالَ كيف رأيت ذاك الإنسان؟ قَالَ: قلت: وَاللَّه مَا رأيت مثله قط، فبارك اللَّه للأمير، ثُمَّ رجعت إِلَى مقعدي. وَقَالَ الهيثم بْن عدي عَن مجالد قَالَ: لما دخل الشَّعْبِيّ عَلَى مصعب ومعه عائشة قَالَ: أنا وهذه كما قَالَ الشاعر: وَمَا زلت فِي ليلى لدن طر شاربي ... إِلَى اليوم أبدي إحنة وأواحن قَالَ الْمَدَائِنِيّ: قيل هذا الشعر: أبلغ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رسالة

حين تزوج مصعب سكينة بنت الْحُسَيْن عَلَيْهِ السلام. حَدَّثَنِي عمر بْن شبة عَن مخلد بْن يَحْيَى: أن مصعب بْن الزُّبَيْرِ ولى مطرف بْن سيدان الباهلي أحد بني جئاوة شرطته فِي بعض الأيام التي ولي فيها العراق لأخيه عَبْد اللَّهِ، فأتي مطرف بالنابئ بْن زياد بْن ظبيان أحد بني عائش بْن مَالِك بْن تيم اللَّه بْن ثعلبة، وبرجل من بني نمير وقد قطعا الطريق، فقتل النابئ بأمر مصعب وضرب النميري بالسياط وتركه، فلما عزل مطرفا عَن الشرطة ولاه الأهواز فجمع عبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان جمعا وخرج يريده فالتقيا فتواقفا وبينهما نهر، فعبر مطرف بْن سيدان إِلَيْهِ فعاجله ابْن ظبيان فطعنه فقتله، فبعث مصعب ابْن مطرف فِي طلبه فلم يلحقه، ولحق ابْن ظبيان بعَبْد الْمَلِكِ، وقاتل مصعبا مَعَهُ، قَالَ البعيث اليشكري: لما رأينا الأمر نكسا صدوره ... وهم الهوادي أن تكون تواليا صبرنا لأمر اللَّه حَتَّى يقيمه ... ولم نرض إلا من أمية واليا ونحن قتلنا مصعبا وابن مصعب ... أخا أسد والأشتري اليمانيا سقينا ابْن سيدان بكأس روية ... كفتنا وخير الأمر مَا كَانَ كافيا الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم مصعب بامرأته عائشة البصرة، وكانت أجمل النَّاس، فكانت تسأل عَن أجمل نساء البصرة، فأخبرت عَن أم الفضل بنت غيلان بْن خرشة الضبي، وكانت تحت دَاوُد بْن قحذم أحد بني قيس بْن ثعلبة، وَكَانَ مصعب يطالبه بمائة ألف درهم من خراج غلته، فكانت عائشة تحب أن تراها، فقيل لابن قحذم لو بعثت بِهَا إِلَى عائشة فكلمتها فِي أن تكلم مصعبا فِي إسقاط مَا يطالبك بِهِ عنك، فَقَالَ: إنه من فتيان قريش مترف قد أسكره السلطان فأخاف منه مَا يخاف من مثله، فلم يترك حَتَّى

أرسلها إِلَى عائشة فوجدتها فِي بركة لها فِي دارها، فقالت لها عائشة انزلي فنزلت، فظلّتا في البركة مليا، ثم خرجتا فدخلتا بيتا وتحدثتا، وكلمتها فِي زوجها فلم تلبثا أن جاء مصعب فأدخلتها الحجلة ودخلت مَعَهَا ونزع مصعب ثيابه فقالت عائشة: إن معي فِي الحجلة فلانة، وقد جاءت فِي أمر زوجها وضمنت لها عنك قضاء حاجتها، فأسقط مَا عَلَى ابْن قحذم ووهبه لَهُ وانصرفت أم الفضل، فدخلت عَلَى زوجها فقالت لَهُ: والله مَا جئتك حَتَّى دخلت الحجلة، وأرخيت علي الستور، واغتسلت ثُمَّ قضيت حاجتي، فَقَالَ: وا سوءتاه لمصعب إن كَانَ فعل، قالت: لا ترع وحدثته الحديث. الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جعدبة، قَالَ: جلس ابْن عمر ومصعب وعروة وعَبْد الْمَلِكِ بالمدينة يتحدثون فتمنى ابْن عمر الجنة، وتمنى مصعب ولاية العراق وأن يتزوج سكينة بنت الْحُسَيْن، وعائشة بنت طلحة، وتمنى عروة أن يفقه فِي الدين ويحمل عنه العلم، وتمنى عَبْد الْمَلِكِ الخلافة. الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَن صَالِحِ بْن كيسان، قَالَ: كَانَ يقال ليس فِي الدنيا زوج أحسن من مصعب وعائشة. قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وَكَانَ مصعب يحسد النَّاس عَلَى الجمال فبينا هو ذات يوم يخطب إذ رأى رجلا جميلا من بني حمان مستقبلا لَهُ فأعرض عنه، ثُمَّ أقبل ابْن جودان الأزدي، وَكَانَ جميلا فأعرض عنه، ثُمَّ دخل الحسن بْن أَبِي الحسن البصري فلما رآه نزل مبادرا. قَالَ: وكانت عائشة سيئة الخلق، فغاضبها مصعب فِي بعض الأمر فتهاجرا، فبلغ ذَلِكَ من كل واحد منهما مبلغا شديدا، فأقبل مصعب من حرب وعليه سلاحه فقالت لها حاضنتها وقد شكت إليها وجدها: قومي إليه

فأمسحي وجهه من الغبار، وانزعي سلاحه، فقامت إِلَيْهِ فَقَالَ: بأبي أنت إني مشفق عليك من ريح الحديد والصدأ، فقالت: والله لهو أطيب ريحا من المسك الأذفر فقبلها وصالحها. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: خرج مصعب من البصرة إِلَى الْكُوفَة للقاء عَبْد الْمَلِكِ، وخلف عَلَى البصرة سنان بْن سلمة بْن المحبق الهذلي، وكانت لأبيه صحبة وولد سنان أيام حنين، فحنكه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل عَلَى البصرة حَتَّى قدم المصعب. وخلف عباد بْن الحصين مَعَهُ عَلَى شرطته وقتل مصعب يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى- أو الآخرة- سنة اثنتين وسبعين، ولما قتل مصعب وثب حمران عَلَى البصرة. الْمَدَائِنِيّ وغيره، قالوا: لما قدم مصعب الْكُوفَة دخل إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ الأسدي فَقَالَ أنت القائل: إِلَى رجب أو ذَلِكَ الشهر قبله ... توافيكم بيض المنايا وسودها ثمانون ألفا دين عثمان دينهم ... مسومة جبريل فيها يقودها فخافه، ثُمَّ قَالَ: نعم أنا قلته، قَالَ: فإنا قد عفونا عنك وأمرنا لك بمائة ألف، فخرج من عنده وهو يقول: جزى اللَّه عني مصعبا إن سيبه ... ينال بِهِ الجاني ومن ليس جانيا ويعفو عَن الذنب العظيم تكرما ... ويعطي من المعروف مَا لست ناسيا الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: أتى رسول مصعب عَمْرو بْن النعمان بْن مقرن بمال فَقَالَ لَهُ: الأمير يقرئك السلام، ويقول: إنا لم ندع بالكوفة قارئا إلا وقد ناله معروفنا فاستعن عَلَى نفقة شهر رمضان بهذا، فَقَالَ: وعلى الأمير

السلام، قل لَهُ: إنا والله مَا قرأنا القرآن لنطلب بِهِ الدنيا ورده عَلَيْهِ، وَكَانَ يؤم النَّاس فِي شهر رمضان. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَن يَحْيَى بْن زكرياء عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ (أَبِي) خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَا رأينا أميرا قط عَلَى منبر أحسن من مصعب. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حيان الحراني حَدَّثَنَا زهير بْن مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا عطاء بْن السائب عَن أَبِي البختري قَالَ: كَانَ مصعب إذا سلم فِي الصلاة كلها قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له الملك وله الحمد وهو عَلَى كل شيء قدير، لا إله إلا اللَّه والله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، ويرفع بِذَلِكَ صوته، فَقَالَ عبيدة: ماله قاتله اللَّه نعار [1] بالبدع. قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وَكَانَ عبيد اللَّه بْن الحر الجعفي يغشى مصعبا بالكوفة فيراه يقدم أَهْل البصرة فَقَالَ: لقد ساءني من مصعب أن مصعبا ... أرى كل ذي غش لَهُ هو صاحبه إذا مَا أتيت الباب يدخل مسلم [2] ... ويمنعني أن أدخل الباب حاجبه وَقَالَ أيضا: بأي بلاء أو بأية نعمة ... يقدم دوني مسلم والمهلب ويدعى ابْن منجوف سويد كأنه ... خصي أتى للماء من غير مشرب وَقَالَ أيضا: ألم تر قيسا قيس عيلان برقعت ... لحاها وباعت نبلها بالمغازل

_ [1] نعر: صاح وصوت بخيشومه. القاموس. [2] بهامش الأصل: هو مسلم بن قتيبة بن مسلم بن عمرو.

وكتب زفر بْن الحارث إِلَى مصعب: أنا قد كفيتك قتال ابْن الزرقاء، يعني عَبْد الْمَلِكِ، ثُمَّ أن نفرا من بني سليم أخذوا ابْن الحر فخافهم فَقَالَ: إنما قلت: ألم تر قيسا قيس عيلان أقبلت ... إلينا وسارت بالقنا والقبائل فقتله رجل منهم يقال لَهُ عباس، فَقَالَ زفر: لما رأيت النَّاس أولاد علة ... وأغرق فينا نزعه كل نائل فلو يسئل ابْن الحر أخبر أنها ... يمانية لا تشترى بالمغازل وَقَالَ ابْن همام السلولي: ترنمت يَا ابْن الحر وحدك خاليا ... بقول امرئ نشوان أو قول ساقط أتذكر قوما أوجعتك رماحهم ... وذبوا عَن الأحساب يوم المآقط وتبكي لما لاقت ربيعة منهم ... وما أنت فِي أحساب بكر بواسط فهلا لجعفي طلبت ذحولها ... ورهطك دنيا فِي السنين الفوارط فِي أبيات. وقد أنكر أن ابْن الحر قتل هذه القتلة وقد ذكرت خبره بعد هذا. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: كَانَ ابْن (أَبِي) عصيفير الثقفي محبوسا بمائة ألف، ويقال بخمسمائة ألف، وقد كَانَ وجه من يقيم الأنزال للأحنف منذ فصل من البصرة إِلَى أن دخل الْكُوفَة مَعَ مصعب ثُمَّ أنزله داره، فسأل عنه فقيل محبوس، فكلم مصعبا فيه، وَكَانَ أكرم النَّاس عَلَيْهِ، فَقَالَ: إن عَلَيْهِ كذا وكذا فَقَالَ: مثل الأمير سئلها، ومثلي ترك لَهُ مثلها، فَقَالَ لَهُ: هي لك ومثلها فلما أتي الأحنف بماله بعث بِهِ إِلَى ابْن أَبِي عصيفير أيضا.

وَكَانَ عبيد اللَّه بْن الحر محبوسا، فكلم الأحنف مصعبا فيه، فلما أخرجه قَالَ لَهُ: يَا أبا بحر جعلني اللَّه فداك مَا أدري مَا أكافئك بِهِ إلا أن أقتلك فتدخل الجنة وأدخل النار فضحك الأحنف، وَقَالَ: لا حاجة لي في مكافأتك يابن أخي. قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وجلس الأحنف فِي مسجد الْكُوفَة، وقد أطافت بِهِ بنو تميم، فكلمهم فِي شيء فَقَالُوا: لا، فَقَالَ: إن بني تميم خيل صعاب تضطرب عَلَى سائسها ساعة ثُمَّ تتبعه. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: دخل الأحنف عَلَى مصعب فِي بعض الأيام فأنكر تكبره، ويقال: إنه مد رجليه بين يديه وهو جالس مَعَهُ عَلَى السرير، فَقَالَ عجبا لمن يتكبر ويتجبر، وقد جرى فِي مجرى البول مرتين، وبلغ قوله عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: لله هو وتمثل. وأضمر فِي ليلى لقوم ضغينة ... وتضمر فِي ليلى علي الضغائن قَالَ: وكلم الأحنف مصعبا فِي رجل فَقَالَ: أبلغني عنه الثقة أنه قَالَ كذا وكذا، فَقَالَ: اللهم غفرا إن الثقة لا يبلغ. قَالَ: وحضر الأحنف مصعبا وقد أتي برجل فجعل الشرط يقولون لَهُ اصدق الأمير. فَقَالَ الأحنف: إن بعض الصدق معجزة. قالوا: ولما بلغ عَبْد الْمَلِكِ قول الأحنف عجبا لمن يتكبر وقد جرى فِي مجرى البول مرتين بعث إِلَيْهِ: إنه بلغني تنكر صاحبك لك فهلم إلينا فلك عندنا ولاية الشام، فَقَالَ الأحنف: يَا عجبا لابن الزرقاء يدعوني إِلَى نفسه وأهل الشام والله لوددت أن بيننا وبينهم بحرا من نار لا يعبره إلينا منهم أحد

إلا احترق، ثُمَّ قَالَ: اللهم أمت الأحنف قبل أن يرى لأهل العراق غدرا فمات بالكوفة بعد يسير. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صالح حدثني ابْن كناسة عَن الأشياخ قالوا: لما حضرت الأحنف الوفاة بالكوفة قَالَ: لا تندبني نادبة ولا تبكيني باكية، ولا يعلمن بموتي أحد، وأسرعوا إخراجي، فأرسل مصعب: إذا حضر إخراجه فأعلموني ففعلوا، فأرسل من أخذ بأفواه السكك لئلا تخرج امرأة فانتفجت عليهم امرأة من بني منقر فِي رحالة وهي تقول: قل لأميري مصعب إنني ... سأندب المدفون بالقاع أندبه بالخير لا أبكي ... بخير مَا ينعى بِهِ الناعي فَقَالَ مصعب: دعوها، فلما دفن قامت عَلَى قبره فقالت: أيها النَّاس أنتم خول اللَّه فِي بلاده، وشهداؤه عَلَى عباده. وإنا قائلون ومثنون صدقا، رحمك اللَّه من مجن فِي جنن ومدرج فِي كفن. فقد كنت من أعظم النَّاس حلما وأكرمهم فعلا، فلن يرثى بعدك مثلك إنا لله وإنا إِلَيْهِ راجعون، فَقَالَ مصعب: صدقت والله كذلك كَانَ أَبُو بحر وبكى وبكى النَّاس، وَقَالَ مصعب: مات سيد العرب، قَالَ: ومشى مصعب أمام جنازته متسلبا إعظاما لموته. قَالَ: وقدم بموت الأحنف البصرة رجل من بني يشكر، فكذبه رجل من بني تميم، ثُمَّ علم الخبر فَقَالَ: أمات فلم تبك السماء لفقده ... ولا الأرض أو تبدو الكواكب بالظهر كذبت إذا مَا قر فِي بطن حامل ... جنين ولا أمسى عَلَى الأرض من شفر ولما أتيت اليشكري وجدته ... بأمر أَبِي بحر بْن قيس أخا خبر

وَكَانَ موته بالكوفة، وقد شخص مصعب إليها يريد عَبْد الْمَلِكِ، فشخص منها إِلَى مسكن وقد دخلها مَعَهُ فِي أيام المختار أيضا وشهد مقتله. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أبيه قَالَ: كَانَ عقيبة بْن هبيرة الأسدي فاتكا، وكانت لَهُ ابنة صغيرة فلاعبت ابن عمّ له يقال له تميم، فكسرت الصبية ثنية ابنة عقيبة فجاءت أباها تبكي، فدخل عَلَى تميم داره فقتله، فرفع إِلَى مصعب فأقر بالقتل فحبسه فأعطى ابْن تميم جماعة من الأشراف الدية كاملة لئلا يقتل عقيبة، وأعطى مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد دية فأبى ابْن تميم إلا قتل عقيبة، فلما جيء بِهِ ليقتل قَالَ: يَا أَهْل الْكُوفَة اسمعوا والله مَا قتلته لما جنت ابنته عَلَى ابنتي، ولكن سمعت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ علي بْن أَبِي طالب يقول، وعن لَهُ تميم هذا في جانب المسجد [من سره أن ينظر إِلَى جذل من أجذال جهنم فلينظر إِلَى هذا، رحم اللَّه قاتله،] فما زالت فِي نفسي حَتَّى قتلته، فَقَالَ النَّاس: رحمك اللَّه، ثُمَّ قَالَ لابنة تميم لقد ضربت أباك ضربة حَتَّى رأيت ضوء الثريا فِي سلحه، قالت وأنت يَا فاسق ستضرب ضربة حَتَّى أرى ضوء بنات نعش فِي سلحك، ثُمَّ قدم فضربت عنقه.

أمر عبيد الله بن الحر

أمر عبيد اللَّه بْن الحر ابْن عَمْرو بْن خالد بْن المجمع بْن مالك بْن عوف بْن حريم بْن جعفي بْن سعد العشيرة. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَحْمَرِيُّ- أَبُو مُسْلِمٍ- أنبأنا هشام بن محمد الكلبي حدثنا جرير بن عمرو الجعفي- وَكَانَتْ أُمُّهُ الْعَالِيَةُ بِنْتُ الأَسْعَرِ بْنِ عُبَيْدِ الله بن الحرّ- قَالَ: وَحَدَّثَنِي لُوطُ بْنُ يَحْيَى- أَبُو مِخْنَفٍ- بِبَعْضِهِ عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالَ: شَهِدَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُرِّ الْقَادِسِيَّةَ مَعَ خَالَيْهِ زُهَيْرٍ وَمَرْثَدٍ ابْنَيْ قَيْسِ بْنِ مَشْجَعَةَ بْنِ الْمَجْمَعِ، وَكَانَ شُجَاعًا فَاتِكًا لا يُعْطِي الأُمَرَاءَ طَاعَةً، ثُمَّ إِنَّهُ صَارَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَكَانَ يُكْرِمُهُ، فَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ جُمُوعٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَسَأَلَهُ عَنْهُمْ فَقَالَ: بِطَانَتِي وَأَصْحَابِي وَإِخْوَانِي أَتَّقِي بِهِمْ إِنْ نَابَنِي أَمْرٌ أَوْ خِفْتُ ظُلَامَةً مِنْ أَمِيرٍ جَائِرٍ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: لَعَلَّ نَفْسَكَ قَدْ تَطَلَّعَتْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: إِنَّ عَلِيًّا لَعَلَى الْحَقِّ وَأَنْتَ بِذَلِكَ عَالِمٌ، فَقَالَ عَمْرُو بن العاص: كذبت يا بن الْحُرِّ فَقَالَ: أَنْتَ وَأَبُوكَ أَكْذَبُ مِنِّي، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ مُغْضَبًا يُرِيدُ الْكُوفَةَ فِي خَمْسِينَ فَارِسًا

مِمَّن كَانَ يَنْتَابُهُ، وَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ عَنْهُ فَقِيلَ قَدْ خَرَجَ، وَسَارَ ابْنُ الْحُرِّ يَوْمَهُ حَتَّى إِذَا أَمْسَى مَنَعَهُ بَعْضُ مَسَالِحِ مُعَاوِيَةَ مِنَ المسير، فشدّوا أصحابه عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ نَفَرًا، وَهَرَبَ الْبَاقُونَ وَأَخَذُوا مِنْ دَارِهِمْ مَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَأَخَذُوا سِلاحًا مِنْ سِلاحِهِمْ، وَمَضَى عُبَيْدُ اللَّهِ لا يَمُرُّ عَلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ إِلا أَغَارَ عَلَيْهَا حَتَّى قَدِمَ الْكُوفَةَ، وَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ خَبَرُهُ فَقَالَ لِعَمْرٍو: هَذَا مَا هِجْتَ عَلَيْنَا مِنَ ابْنِ الْحُرِّ. وكانت لابن الحر بالكوفة امرأة يقال لها الدرداء، وهي كبشة بنت مالك، فلما فقده أهلها زوجوها من عكرمة بْن الحنبص، فقاضاهم إِلَى علي فقضى لَهُ بأمرأته، وأقام عبيد اللَّه منقبضا عَن كل أمر من أمور علي وغيره حَتَّى توفي علي عَلَيْهِ السلام، وولي مُعَاوِيَة ويزيد ابنه، وَكَانَ من أمر الْحُسَيْن مَا كَانَ. وَقَالَ أَبُو مخنف: لما أقبل الْحُسَيْن من المدينة، وقتل مسلم بْن عقيل. خرج ابْن الحر فنزل قصر بني مقاتل الَّذِي صار لعيسى بْن علي متحرجا من أن يتلطخ بشيء من أمر الْحُسَيْن أو يشرك فِي دمه، فلما صار الْحُسَيْن إِلَى قصر بني مقاتل رأى فسطاطا فسأل عنه فقيل هو لعبيد اللَّه بْن الحر، فبعث إِلَيْهِ الحجاج بْن مسروق الجعفي يدعوه إِلَى نصرته فَقَالَ للحجاج: قل لَهُ: إني إنما خرجت إِلَى هاهنا فرارا من دمك ودماء أَهْل بيتك لأني إن قاتلتك كَانَ ذَلِكَ عظيما وإن قاتلت معك ولم أقتل بين يديك فقد قصرت، وأنا أحمى أنفا من ذَلِكَ، وليس لك بالكوفة شيعة، ولا أنصار يقاتلون معك، فلما ابلغه الحجاج الرسالة تمشى إِلَيْهِ الْحُسَيْن، فلما رآه قام من مجلسه فسأله الخروج مَعَهُ فاستعفاه من ذَلِكَ، واعتل عَلَيْهِ، وعرض فرسا لَهُ يقال لها

الملحقة، وبعضهم يقول: المحلقة، وَقَالَ لَهُ انج عَلَيْهَا حَتَّى تلحق بمأمنك، وأنا وأصحابي لك بالعيالات فانصرف عنه، ويقال: إنه دفع الفرس إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ ابْن الحر: أأنت تخضب أم هو سواد لحيتك؟ فَقَالَ: عجل علي الشيب فاختضبت، وخرج ابْن الحر من منزله بشاطئ الفرات فنزله حَتَّى أصيب الْحُسَيْن بكربلاء، وَكَانَ ابْن الحر رجلا لا يقاتل لديانة، وإنما كَانَ همه الفتك والتصعلك والغارات. ثُمَّ إن ابْن الحر أتى الْكُوفَة فَقَالَ لَهُ عبيد اللَّه بْن زياد، وَكَانَ قد تفقد أَهْل الْكُوفَة: أكنت معنا أم مَعَ عدونا؟ قَالَ: لا والله مَا كنت مَعَ عدوك، ولو كنت مَعَهُ لبلغك ذَلِكَ ولكني كنت مريضا، قَالَ: مريض القلب، قَالَ: مَا مرض قلبي قط، وقد وهب اللَّه لي فِي بدني العافية. وَكَانَ ابْن الحر يغير عَلَى مال الخراج فيقتطعه ويعطي منه أصحابه وَكَانَ سخيا متلافا، وقد كان من أهل الديوان والعطاء. قالوا: فخرج من عند ابْن زياد مغضبا، فبات عند أحمر بْن يَزِيدَ بْن الكبشم الطائي، ثُمَّ خرج من عنده فأتى المدائن، وَقَالَ يرثي الْحُسَيْن عَلَيْهِ السلام: يقول أمير جائر حق جائر ... ألا كنت قاتلت الشيهد ابْن فاطمة ونفسي عَلَى خذلانه واعتزاله ... وبيعة هذا الناكث العهد سادمه فيا ندمي ألا أكون نصرته ... ألا كل نفس لا تسدد نادمه سقى اللَّه أرواح الذين تأزروا ... عَلَى نصرة سقيا من اللَّه دائمه فِي أبيات.

وَقَالَ أيضا: يَا لك حسرة مَا دمت حيا ... تردد بين حلقي والتراقي وله فيه شعر غير هذا. قالوا: فلما خرج المختار بالكوفة أبى ابْن الحر أن يبايعه، وبعث المختار فِي طلبه، أتاه بعد فبايعه تعذيرا، فكان المختار يهم أن يسطو بِهِ ثُمَّ تمسك عَن ذَلِكَ لمكان إِبْرَاهِيم بْن الأشتر مَعَهُ، وجعل ابْن الحر يتعبث بالنواحي، كما كَانَ يصنع بِهِ إِبْرَاهِيم، ففارقه وأقبل فِي أصحابه وهم نحو من ثلاثمائة فأغار عَلَى الأنبار، فأخذ مَا كَانَ فِي بيت مالها فقسمه بين أصحابه بلقنسوة دلهم المرادي، وكانت ضخمة، وَكَانَ دلهم جسيما عظيم الرأس، شديد البأس وفي ذَلِكَ يقول ابْن الحر: أنا الحر وابن الحر يحمل شكّتي ... طوال الهوادي مشرفات الحوانك فمن يك أمسى الزعفران خلوقه ... فإن خلوقي مستشار السنابك إذا مَا غنمنا مغنما كَانَ قسمة ... ولم نتبع رأي الشحيح المتارك أقول لهم كيلوا بكمة بعضكم ... ولا تجعلوني فِي الندى كابن مالك يعني إِبْرَاهِيم بْن الأشتر. ثُمَّ أغار عَلَى كسكر فأخذ مَا كَانَ فِي بيت مال عاملها وقتله وقسم بين أصحابه قبل أن يستبيحوه، ولما بلغ المختار غارته عَلَى الأنبار بعث عَبْد اللَّهِ بْن كامل الشاكري فهدم داره، وأخذ امرأته أم سلمة بنت عبدة بْن الحليق الجعفية فحبسها فِي السجن، فبلغ ابْن الحر فقال:

أشد حيازيمي لكل كريهة ... وإني عَلَى مَا نابني لجليد هم هدموا داري وساقوا حليلتي ... إِلَى سجنهم والمسلمون شهود فلست إذا للحر إن لم أرعكم ... بخيل عَلَيْهَا الدارعون قعود فِي أبيات. وسار حَتَّى أتى ساباط المدائن فتلقى بِهَا أصحاب الزُّبَيْر بْن علي، وهو من الأزارقة، فظنوا أصحابه جيشا سرح إليهم، وظن أنهم جيش سرح إِلَيْهِ فحكموا، فلما سمع تحكيمهم قاتلهم قتالا شديدا فقتل يومئذ بشر مولى الزُّبَيْر وكاتبه وناس من أصحابه، ثُمَّ أديل ابْن الحر عليهم فقتل منهم وغنم، وَقَالَ فِي ذَلِكَ شعرا منه قوله: أقدم مهري فِي الوغى ثُمَّ أنتحي ... عَلَى قربوس السرج غير صدود دعوني إِلَى مكروهها فأجبتهم ... وما أنا إذ يدعونني ببعيد إذا مَا التقوني بالسيوف غشيتهم ... بنفس لما يخشى النفوس ورود فأقلعت الغماء عنا وفرجت ... ونحن بِهَا من غانم وشهيد وَقَالَ أيضا: أقول لفتيان الصعالك أسرجوا ... عناجيج [1] أدنى سيرهن وجيف دعاني بشر دعوة فأجبته ... بساباط إذ سيقت إِلَيْهِ حتوف فلم أخلف الظن الَّذِي كَانَ يرتجى ... وفي بعض أخلاق الرجال خلوف

_ [1] العناجيج: جياد الخيل والإبل. القاموس.

ثُمَّ أتى ابْن الحر وهو فِي مائة وثلاثين فارسا الْكُوفَة، ومعهم الفؤوس والكلاليب لمكاثرة أصحاب السجن فأتى السجن فدخله فأخرج امرأته وكل من كَانَ فِي السجن. فقاتله ابْن كامل صاحب شرطة المختار فهزمه ابْن الحر وانطلق ابْن الحر بامرأته حَتَّى أدخلها بيوت جعفي، فتوارت عند كريب بْن سلمة الجعفي، ولم يزل ابْن الحر يقاتل قومه بالكوفة ويقول: ألم تعلمي يَا أم توبة أنني ... أنا الفارس الحامي حقائق مذحج وأني أتيت السجن فِي رونق الضحى ... بكل فتى يحمي الذمار مدجج ثُمَّ أغار ابْن الحر عَلَى شبام من همدان فقاتله عَبْد اللَّهِ بْن أريم وجعل يقول: لقد منيتم بأخي جلاد ... ليس بفرار ولا حياد ثبت المقام مقعص الأعادي فشد عَلَيْهِ ابْن الحر فصرعه وظن أنه قد قتله ثُمَّ عولج فبرئ وهزم من لقيه من شبام وشاكر وَقَالَ: سائل بي المختار كم قد ذعرته ... وشردت أطرافا لَهُ وجموعا وقاتلته والناس قد أذعنوا لَهُ ... وقد أقشع الأحياء عنه جميعا فلم يزل مخالفا للمختار حَتَّى قتله المصعب. وتكلم أَهْل الْكُوفَة فِي قتل أصحاب المختار فَقَالَ ابْن الحر: أما أنا فأرى أن يرد الأمير كل قوم ممن كَانَ مَعَ هذا الكذاب إِلَى قومهم، فإنه لا غناء بنا عنهم فِي ثغورنا، ويرد عبيدنا عَلَيْنَا فإنهم لأراملنا وضعفائنا وأن نضرب أعناق الموالي فقد بدا كفرهم وعظم كبرهم وقل شكرهم ولا آمنهم

عَلَى الدين، فضحك المصعب ودفعهم إِلَى ابْن الحر فضرب أعناقهم وكانوا سبعمائة. وقاتل ابْن الحر المختار مَعَ مصعب، وبعث المصعب إِلَى ابْن الحر. إن لك ولأصحابك خراج بادوريا [1] عَلَى أن تقاتل معي عَبْد الْمَلِكِ وأهل الشام فَقَالَ: أوليس لي خراج بادوريا وغيرها، لست فاعلا وأنشأ يقول: أترجو ابْن الزُّبَيْرِ اليوم نصري ... لعاقبة ولم أنصر حسينا فِي أبيات. وقيل لمصعب: إن ابْن الحر غير مأمون عَلَى أن يصنع فِي سلطانك مَا كَانَ يصنع فِي سلطان من كَانَ قبلك، ويفسد عليك، فلم يزل مصعب يتلطف لَهُ ويعده حَتَّى أتاه، فأمر بحبسه فَقَالَ فِي السجن. من يبلغ الفتيان أن أخاهم ... أتى دونه باب منيع وحاجبه بمنزلة مَا كَانَ يرضى بمثلها ... إذا قام غنته كبول تجاذبه فِي أبيات. وَقَالَ أيضا: بأي بلاء أم بأية نعمة ... تقدم قبلي مسلم والمهلب وكتب ابْن الحر إِلَى الأحنف وغيره يسألهم الكلام لمصعب فيه، فكلمه فيه الأحنف فأخرجه من الحبس، وأطعمه خراج كسكر، فصار إِلَيْهِ فقسمه فِي أصحابه، ثُمَّ أتى ابْن الحر نفر [2] فأخذ خراجها فقسمه ولحق ببرس [3] ،

_ [1] طسوج بالجانب الغربي من بغداد. معجم البلدان. [2] بلد من نواحي بابل- بأرض الكوفة. معجم البلدان. [3] موضع بأرض بابل. معجم البلدان.

فبعث إِلَيْهِ المصعب الأبرد بْن قرة التميمي، فقاتله وقد صار مَعَ ابْن الحر خلق، فهزم الأبرد وضربه ضربة عَلَى جبينه، فبعث إِلَيْهِ حريث بْن زيد الخيل الطائي فقتله عبيد اللَّه بْن الحر بمبارزة وهزم أصحابه، فبعث إِلَيْهِ المصعب الحجاج بْن حارثة الخثعمي فقاتله حَتَّى حجز الليل بينهم، وقاتله بسطام بْن مصقلة بْن هبيرة الشيباني وهو وال عَلَى عين التمر، فدعا رجل من أصحاب بسطام يقال لَهُ يونس بْن عاهان ابْن الحر للمبارزة فَقَالَ عبيد اللَّه: شر دهرك آخره فذهبت مثلا مَا كنت أظن أني أعيش حَتَّى يدعوني مثل هذا إِلَى البراز، وهزم أصحاب بسطام فافتدى نفسه بماله وَقَالَ: لو أن لي مثل جرير أربعه ... صبحت بيت المال حَتَّى أجمعه ولم يهلني مصعب ومن مَعَهُ يعني جرير بْن كريب، وَكَانَ صاحب ميسرته، وأتى ابْن الحر شهرزور وأخذ مَا كَانَ فِي بيت مالها وقاتله عاملها فهزمه وظفر بِهِ فضرب عنقه، وَكَانَ من قبل المهلب، لأنه كَانَ عَلَى الموصل وأعمالها والجزيرة وما يليها من قبل المصعب، وَقَالَ ابْن الحر: يخوفني بالقتل قومي وإنما ... أموت إذا جاء الكتاب المؤجل لعل القنا تدمي بأطرافها الغنى ... فنحيا كراما نجتدى ونؤمل ألم تر أن الفقر يزري بأهله ... وأن الغنى فيه العلى والتجمل وإنك إن لا تركب الهول لا تنل ... من المال مَا يرضي الصديق ويفضل وبايع ابْن الحر عَبْد الْمَلِكِ مراغمة للمصعب واجتمع إِلَيْهِ بشر من أَهْل الموصل بتكريت، فبعث إِلَيْهِ المهلب عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ بْن المغفل الأزدي، وبعث إِلَيْهِ مصعب الأبرد بْن قرة التميمي والجون الهمداني فقاتلهم فلم يزل

ينتصف منه، ثُمَّ إنه بيتهم فقتل منهم بشرا، وأصاب منهم خيلا وسلاحا وقاتلوه من الغد، فجرح ابْن الحر وانهزم أصحابه، فلم يبق إلا فِي خمسين من أَهْل الحفاظ وحجز بينهم الليل، فخرج من تكريت، وأتى ناحية من الْكُوفَة، فبعث إِلَيْهِ المصعب جماعة فيهم حجار بْن أبجر فأصيب صاحب راية ابْن الحر، فدفعها إِلَى أحمر طيئ، ومضى إِلَى نفر فأخذ مَا كَانَ بِهَا من مال، ويقال: إن المصعب بعث إِلَيْهِ عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر فقاتله فضربه فِي وجهه ضربة لم يزل أثرها باقيا حتى مات، وليس ذلك بثبت، وَقَالَ بعضهم وأحسبه الهيثم بْن عدي: بعث بِهِ حين دخل البصرة بعد الجفرة، وقبل توليته فارس. ومضى ابْن الحر إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، ومعه جماعة من أصحابه، فلما قدم عَلَيْهِ أذن لَهُ وأجلسه مَعَهُ عَلَى السرير، وأمر لَهُ بمائة ألف درهم، ولكل رجل من أصحابه الذين دخلوا مَعَهُ بمال، فَقَالَ لَهُ ابْن الحر: إني أتيتك لتوجه معي جندا إِلَى مصعب لأحاربه، فأمر لَهُ بمائة ألف درهم أخرى، ولأصحابه بمال فرقه عليهم، وَقَالَ: سر وأجمع من قدرت عليهم وأنا ممدك بالخيل والرجال، فسار ابْن الحر فنزل بقرية يقال لها بيت فارط إِلَى جانب الأنبار، وهي عَلَى شاطئ الفرات، فاستأذنه أصحابه فِي دخول الْكُوفَة، فأذن لهم وأمرهم أن يؤذنوا من كَانَ بالكوفة من أصحابهم ليسيروا إِلَيْهِ، وبلغ خبره عبيد اللَّه بْن عباس السلمي، فاغتنم الفرصة فسأل الحارث بْن عبيد اللَّه بْن أَبِي ربيعة القباع، وَكَانَ خليفة مصعب عَلَى الْكُوفَة يومئذ، والمصعب بالبصرة، أن يبعثه إِلَى ابْن الحر، وأخبره بمكانه وتفرق أصحابه، فسار إِلَيْهِ فِي خيل كثيفة من قيس، فنزل عَلَى حاتم بْن النعمان الباهلي وهو

نازل فِي قصر عند كويفة ابْن عمر بين كوثا وبزيقيا [1] ، واستمدّه فأمدّه بخمسمائة من قيس، فسار حَتَّى لقي ابْن الحر، وهو فِي عدة يسيرة من أصحابه، فَقَالُوا: هذا جيش لا طاقة لنا بِهِ، فَقَالَ: مَا كنت لأدعهم، وحمل عليهم حملات وهو يقول: يَا لك يوم فات فيه نهبي ... وغاب عني ثقتي وصحبي ثُمَّ عطفوا عَلَيْهِ وكشفوا أصحابه، وحاولوا أن يأسروه، فَقَالَ لأصحابه: انصرفوا سالمين، ودعوني أقتل، فَقَالُوا: والله لا نسلمك، فقاتلوا طويلا حَتَّى أثخنوا بالجراح، ثُمَّ أذن لهم بالذهاب فذهبوا ولم يعرض لهم، وجعل يقاتل وحده، فحمل عَلَيْهِ رجل من باهلة يكنى أبا كدينة فطعنه وجعلوا يرمونه ولا يدنون منه، وجعل يقول: هذه نبل أم مغازل، فلما أثخنته الجراح خلص إِلَى معبر فدخله ولم يدخل فرسه فنسف عرقوبة ومضى بِهِ الملاح حَتَّى توسط بِهِ الفرات، فأشرفت عَلَيْهِ الخيل وفي المعبر نبيط، فَقَالُوا لهم: إن الَّذِي فِي السفينة بغية أَمِير الْمُؤْمِنِينَ والأمير، فإن فاتكم قتلناكم، فوثب ابْن الحر ليقع فِي الماء فوثب إِلَيْهِ رجل عظيم طوال فقبض عَلَى عضديه وجراحاته تشخب دما وضربه الآخرون بالمجاذيف، فلما رأى ابْن الحر أنه يمال بِهِ نحو القيسية قبض عَلَى الَّذِي كَانَ يمنعه، وأخذ بعضده فعالجه حَتَّى سقطا جميعا إِلَى الفرات فغرقا، فَقَالَ أَبُو كدينة الباهلي: إني لأنظر إِلَى شيخ عَلَى شاطئ الفرات يصيح ويبكي وينتف لحيته ويقول: يَا بختيار، يَا بختيار، فقلنا: مَا لك يا شيخ، ما لك يا شيخ؟ فقال: ابني بختيار،

_ [1] قرية قرب حلة بني مزيد من أعمال الكوفة. معجم البلدان.

كَانَ يقتل الأسد، ويخرج هذا المعبر من الماء وحده ثُمَّ يرده، حَتَّى وقع عَلَيْهِ هذا الشيطان الَّذِي دخل المعبر فغرقه، ولما بلغ عَبْد الْمَلِكِ خبره جزع عَلَيْهِ وندم عَلَى بعثته فِي أصحابه من غير أن يضم إِلَيْهِ جندا، وَقَالَ: أي مدره [1] حرب وسداد ثغر كَانَ عبيد اللَّه لا يبعدنك الله يا بن الحر، والله مَا وجدوك خوارا ولا فرارا. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: وَكَانَ ابْن الحر لما صار إِلَى الأنبار بلغه أن حبشيا يقال لَهُ الغداف، يقطع الطريق للعدة من الشجعاء فيهزمهم ويسلبهم، ويدخل القرية نهارا فلا يعجبه امرأة إلا افترشها وقضى حاجته منها، لا يقدر أحد عَلَى منعه ولا دفعه، فمضى إِلَيْهِ وحده، فلما رآه عرفه بالنعت فسايره ابْن الحر، فَقَالَ لَهُ: من أين أقبلت يَا صاحب الفرس؟ قَالَ: من الأنبار، قَالَ: فإنه بلغني أن ابْن الحر نزلها فما تراه يريد؟ قَالَ: إياك يريد، أنا ابْن الحر فخذ حذرك أيها الكلب، ثُمَّ حمل عَلَيْهِ فطعنه فصرعه، ثُمَّ نزل فضرب رجله فأبانها، فأخذ الأسود رجله فرمى بِهَا ابْن الحر، فمشى إِلَيْهِ ابْن الحر فقتله، وأخذ فرسه وجعل ابْن الحر يقول: أم الغداف فشقي الجيب وانتحبي ... إن الغداف وربي وافق الأجلا دهدهته بين أنهار وأودية ... لا يعلم الناس غيري ما الذي فعلا

_ [1] المدره: السيد الشريف، والمقدم في اللسان واليد عند الخصومة والقتال. القاموس.

أمر زفر بن الحارث الكلابي

أمر زفر بن الحارث الكلابي وهو الحارث بْن عبد عَمْرو بْن معاز بْن يَزِيدَ بْن عَمْرو بْن خويلد بْن نفيل بْن عَمْرو بْن كلاب. حَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار الدمشقي عَن الوليد بْن مسلم عَن مروان بْن جناح عَن يونس بْن مسرة: أن مروان بْن الحكم أنفذ مَعَ عُبَيْد اللَّهِ بْن زياد بْن أَبِي سُفْيَان جيشا إِلَى الجزيرة والعراق، وَقَالَ لَهُ: كل بلد افتتحته فأنت أميره، فسار فِي زهاء ستين ألفا فلم يبلغ الجزيرة حَتَّى مات مروان، فقلده عَبْد الْمَلِكِ مَا قلده أبوه وأعطاه مثل الَّذِي أعطاه من الولاية، فلما صار إِلَى الرقة وهو يريد زفر بْن الحارث بقرقيساء وقد تحصن بِهَا، بلغه خبر قوم خرجوا من الْكُوفَة يطلبونه بدم الْحُسَيْن بْن علي، وعليهم سليمان بْن صرد، فعرج إليهم وسرب للقائهم جيشا بعد جيش حَتَّى قتلهم فقلّ من أفلت منهم، وأتى قرقيسياء. فحاصر زفر بْن الحارث، فلم يمكنه فيه شيء، فمضى يريد العراق ليواقع المختار بْن أَبِي عبيد الكذاب ومصعب بْن الزُّبَيْرِ، فلما صار بالموصل لقيه إِبْرَاهِيم بْن مالك الأشتر النخعي، فقاتله فقتل ابْن زياد،

وحصين بْن نمير، وابن ذي الكلاع، فاستخلف عَبْد الْمَلِكِ عَلَى دمشق عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ بْن أسد بْن كرز أبا خالد القسري وشخص، فلما شارف الفرات انخزل عَمْرو بْن سعيد الأشدق من عسكره وصار إِلَى دمشق، فبايعه عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ، وأغلق أبواب دمشق، فانكفأ عَبْد الْمَلِكِ راجعا إِلَيْهِ حَتَّى قتله بعد أن آمنه، واستخلف عَلَى دمشق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي، وأمه أم الحكم أخت مُعَاوِيَة وبها يعرف، وصار إِلَى زفر فحصره حَتَّى صالحه، وَكَانَ بالجزيرة رجل من بني تغلب يقال لَهُ جدار بْن عباد قد تحصن فِي بعض مدنها، وَكَانَ ابْن زياد عَلَى محاربته وحصاره بعد الفراغ من أمر زفر، فلما حدث من أمره مَا حدث قَالَ زفر: تمسك ويح أمك يَا جدار ... أتاك الغوث وانقطع الحصار فوجه عَبْد الْمَلِكِ أخاه مُحَمَّد بْن مروان إِلَى جدار بْن عباد فحصره، ثُمَّ صالحه وبايع جدار لعَبْد الْمَلِكِ وقد مدحه الأخطل. قَالَ: وأقبل طاغية الروم يريد الشام، وخرج أيضا قائد من قواد الضواحي فِي جبل اللكام، فاتبعه خلق من الجراجمة والأنباط وأباق عبيد المسلمين وغيرهم، ثُمَّ صار إِلَى لبنان، فأقبل عَبْد الْمَلِكِ مغذا للسير حين أتاه كتاب ابْن أم الحكم بِذَلِكَ، فلما ورد دمشق وجه حميد بْن حريث بْن بحدل الْكَلْبِيّ بهدايا وألطاف إِلَى طاغية الروم، وكتب إِلَيْهِ مَعَهُ يسأله الموادعة عَلَى إتاوة وأعطاه إياها كما فعل مُعَاوِيَة حين أراد إتيان العراق فقبل الطاغية الهدايا وما بذل لَهُ عَبْد الْمَلِكِ من الإتاوة وأعطاه رهناء من أبناء الروم صيرهم ببعلبك، وَكَانَ مَعَ حميد أيضا (كريب) بْن أبرهة بْن الصباح الحميري ووادع عَبْد الْمَلِكِ (الذين خرجوا) بلبنان وجعل لهم فِي كل جمعة

ألف دينار، فركنوا إِلَى ذَلِكَ ولم يعيثوا بفساد، ثُمَّ دس إليهم سحيم بْن المهاجر فتلطف حَتَّى وصل إِلَى رئيسهم متنكرا فأظهر ممالأته وتقرب إِلَيْهِ بذم عَبْد الْمَلِكِ وشتمه ووعده أن يدله عَلَى عوراته وما هو خير لَهُ من الصلح الَّذِي بذل لَهُ، ثُمَّ عطف عَلَيْهِ وهو وأصحابه غارون غافلون بجيش من موالي عَبْد الْمَلِكِ وبني أمية وجند من ثقات جنده وكماتهم كَانَ أعدهم لمحاربته وأكمنهم فِي مكان بالقرب منه خفي، فقتل أولئك الروم وبشرا من الجراجمة وغيرهم، ثُمَّ نادى بالأمان فيمن بقي من الجراجمة ومن سواهم فتفرقوا فِي قراهم ومواضعهم، فلما أصلح عَبْد الْمَلِكِ أموره استخلف ابنه الوليد عَلَى دمشق، ومعه سعيد بْن مالك بْن بحدل، ويقال: إنه خلف ابْن أم الحكم أيضا، وأنفذ عَبْد العزيز إِلَى مصر، وسار إِلَى مسكن، فقتل مصعب بْن الزُّبَيْرِ. وَقَالَ هِشَام: قَالَ الوليد: وقد سمعت أن خروج هؤلاء الذين خرجوا بلبنان كَانَ مَعَ مخالفة عَمْرو الأشدق، وإغلاقه أبواب دمشق، وحديث ابْن جناح أصح. وَقَالَ الوليد: وبلغني أن عَبْد الْمَلِكِ أمر فنودي: من أتانا من العبيد يعني الذين كانوا مَعَ أولئك القوم فهو حر وله أن نثبته فِي الديوان، فانفض إِلَيْهِ خلق منهم، فكانوا ممن قاتل مَعَ سحيم، وأنه وفى لهم وجعل لهم ربعا عَلَى حدة، فهم يسمون الفتيان إِلَى الآن. حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَن لوط بْن يَحْيَى فِي إسناده قَالَ: التقى مروان والضحاك يوم مرج راهط، وَكَانَ مَعَ الضحاك خلق من

أهل اليمن إلا أنّ قيسا كانوا رؤوس النَّاس مَعَهُ عددهم، فلما قتل الضحاك مضى زفر فأتى قنسرين فاحتمل مَا كَانَ لَهُ بِهَا إِلَى قرقيسياء. قَالَ الْكَلْبِيّ: ويقال بل كَانَ عاملا عَلَيْهَا من قبل الضحاك، فأمده وسرب الخيول إِلَيْهِ، فلما قتل هرب إِلَى قرقيسياء. ولما أتى قرقيسياء ضوى إِلَيْهِ خلق من قيس فرسان ورجال، وَكَانَ عياض بْن عَمْرو الحميري بقرقيساء وقد غلب عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ زفر: إني إنما جئت لدخول الحمام لعلة عرضت لي، ثُمَّ أنا منصرف عنك فخاف عياض أن لا يفعل فأحلفه فحلف لَهُ زفر ليخرجن منها بعد دخول الحمام بقرقيسياء، فلما صار بالمدينة أخرج عياضا منها ولم يدخل الحمام بِهَا أيام مقامه كلها، وَكَانَ دخوله إياها فِي المحرم سنة خمس وستين، وذلك قبل مرور التوابين بِهِ بأشهر. قَالَ: وتشاغل مروان بمصر حَتَّى غلب عَلَيْهَا، ثُمَّ وجه عبيد اللَّه بْن زياد وَقَالَ لَهُ: أنت أمير كل بلد أهله عَلَى غير طاعتي تفتتحه، فسار فِي ستين ألفا فقتل من قتل من التوابين بعين الوردة، وقتل بالخازر، وأقبل عَبْد الْمَلِكِ يريد زفر بْن الحارث، ثُمَّ العراق، فخلعه عمرو بن سعيد، فعاد إلى دمشق، ثُمَّ أتى قرقيسياء بعد قتله عَمْرو بْن سعيد، فوضع المجانيق عَلَى قرقيسياء، فأمر زفر أن ينادى أَهْل عسكر عَبْد الْمَلِكِ، فيقال لهم: لم وضعتم المجانيق عَلَيْنَا؟ ففعلوا فَقَالُوا: لنثلم ثلمة نقاتلكم عَلَيْهَا، فَقَالَ زفر: قولوا لهم إنا لا نقاتلكم من وراء الحيطان والأبواب، ولكنا نخرج إليكم، قالوا: وثلمت المجانيق من المدينة برجا مما يلي حسان بْن مالك بْن بحدل، وحميد بْن حريث بْن بحدل، فَقَالَ زفر أو غيره: لقد تركتني منجنيق ابْن بحدل ... أحيد عَن العصفور حين يطير

وَكَانَ خالد بْن (يَزِيدَ بْن) مُعَاوِيَةَ يقاتل أَهْل قرقيسياء مَعَ كلب، وهم أخواله لأن أم يَزِيد ميسون بنت بحدل، ويقال: إنه كَانَ يقاتلهم من ناحية أخرى فِي موالي مُعَاوِيَة وغيرهم فألح عليهم بالقتال والرمي حَتَّى كاد يظفر فَقَالَ رجل من بني كلاب: لأسمعن خالدا قولا لا يعود بعده إِلَى مَا يصنع، ولأكسرنه بِهِ، فلما غدا خالد للمحاربة أشرف الكلابي عَلَيْهِ وهو يقول: ماذا ابتغاء خالد وهمه ... إذ سلب الملك ونيكت أمه فانكسر واستحيا ولم يعد إِلَى الحرب حتى انقضى أمر زفر. وقال زفر خالد وَكَانَ يكنى أبا هاشم: أَبُو هاشم عطارة فارسية ... مكحلة العينين براقة الفم أَبُو هاشم يرمي فوارس قومه ... وأما العدو الأبعدين فما يرمي وَقَالَ الصقعب المري. نحن بنو مرة نرمي زفرا ... يهدي إلينا حجرا فحجرا لما رأينا دينه تغيرا ... وأصبح المعروف منه منكرا وَقَالَ أيضا: كيف ترى قيسا ترامي قيسا ... حمقا ترى ذاك بِهَا أم كيسا تدوسهم بالمنجنيق دوسا وقيل لعَبْد الْمَلِكِ: إن قيسا تنهزم بالناس فاجعلها ترمي بالمجانيق، فَقَالَ الصقعب: فباست من قَالَ ألا لا ينصح ... وقد فتحنا حولها مَا يفتح فِي كل وجه وخصي ترجح

وقالت كلب لعَبْد الْمَلِكِ: إنا إذا لقينا زفر انهزمت القيسية فلا تشب جمعنا بأحد من قيس ففعل، فكتبت القيسية عَلَى نبلها ليس يقاتلكم غدا مضري، ورموا بنبلهم إِلَى المدينة، فلما أصبح زفر دعا الهذيل ابنه- وبه كَانَ يكنى، ويقال إنه كَانَ يكنى أبا الكوثر والأول أثبت- فَقَالَ: اخرج إليهم فشد عليهم شدة لا تنثني عنها حَتَّى تضرب فسطاط عبد الملك، أسمعت يابن اللخناء، والله لئن رجعت دون أن تطأ طنب فسطاطه لأضربن الَّذِي فيه عيناك. فخرج عَبْد الْمَلِكِ وتقدمت اليمانية، فجمع الهذيل بْن زفر خيله، ثُمَّ رماهم فصبروا قليلا، ثُمَّ انكشفوا وتبعهم الهذيل بخيله حَتَّى وطئوا أطناب الفسطاط، وقطعوا بعضها، ثُمَّ كروا راجعين فقبل زفر رأس ابنه الهذيل، وقال: يا بنيّ لا يزال عَبْد الْمَلِكِ يحبك بعدها أبدا فَقَالَ الهذيل: والله لو شئت أن ادخل فسطاطه لفعلت فَقَالَ زفر: ألا لا أبالي من أتاه حمامه ... إذا مَا المنايا عَن هذيل تجلت تراه أمام الخيل أول فارس ... ويضرب فِي أعجازها إن تولت حَدَّثَنَا أَحْمَد بن إبراهيم الدورقي، وَأَبُو خَيْثَمَةَ قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ حدثنا محمد بن أبي عيينة قَالَ: جعل بشر بْن مروان يرسل إِلَى قيس أتقتلون أنفسكم مَعَ رجل ليس منكم، وإنما هو من كندة، فبلغ ذَلِكَ زفر بْن الحارث فَقَالَ: لعلك يَا بشر بْن مروان لائمي ... عَلَى حين أبدت عَن نواجذها الحرب فتخبر قومي أنني لست منهم ... وتزعم أنا معشر من بني وهب أتجعل أجلافا عَلَيْهَا عباؤها ... ككندة تمشي فِي المطارف والعصب

وَقَالَ زفر أيضا: أبا اللَّه أما بحدل وابن بحدل ... فيحيا وأما ابْن الزُّبَيْرِ فيقتل كذبتم وبيت اللَّه لا تقتلونه ... ولما يكن يوم أغر محجل ولما يكن للمشرفية فيكم ... شعاع كقرن الشمس حين ترجل الْمَدَائِنِيّ عَن أبي زياد بن يزيد بْن قحيف الكلابي قَالَ: قاتل عَبْد الْمَلِكِ زفر بْن الحارث أربعين يوما، ورمى المدينة بالمجانيق حَتَّى ثلم عامة بروجها، فَقَالَ أبناء الكلبيات من قريش واليمانية: إنك قد هدمت مدينتهم فناهضهم غدا ساعة، فخرج الهذيل بْن زفر، ويزيد بْن حمران، ومسلم العقيلي، وهو أَبُو إِسْحَاق بْن مسلم، وعَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الهلالي فصاروا عَلَى برج المدينة، وأقبلت قضاعة مَعَ شروق الشمس فاقتتلوا إِلَى الظهر، ثُمَّ جالت قضاعة وانكشفت، ووقفت القيسية عَلَى البروج، وأقبل روح بْن زنباع الجذامي عند المساء إِلَى برج منها فَقَالَ: من صاحب هذا البرج؟ قيل: عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الهلالي، فَقَالَ روح: نشدتك اللَّه كم قتلنا منكم اليوم؟ قَالَ: إذ نشدتني اللَّه، فلم يقتل منا أحد، ولم يجرح إلا الرجل الواقف صاحب الكردوس الأيمن فإنه طعن طعنة في صدره، وأرجو أن لا يكون عَلَيْهِ بأس، فنشدتك اللَّه كم قتلنا منكم؟ قَالَ: عدة فرسان، وجرحتم مَا لا يحصى، فلعن اللَّه ابْن بحدل، ورجع روح إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: إن ابْن بحدل يمنيك الباطل فأعرض عَن هذا الرجل. علي بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِيّ وغيره: أن رجلا من كلب يقال لَهُ الذيال كَانَ يخرج فِي حصار زفر بقرقيسياء فيشتم، فَقَالَ زفر للهذيل أو لبعض من مَعَهُ من قيس، أما تكفيني هذا؟ فَقَالَ: أنا أجيئك بِهِ، فدخل عسكر عَبْد

الْمَلِكِ ليلا فجعل ينادي من يعرف بغلا من صفته كذا وكذا حَتَّى انتهى إِلَى خباء الرجل وقد عرفه (فَقَالَ) الرجل: رد اللَّه عَلَيْنَا ضالتك، فَقَالَ: يَا عَبْد اللَّهِ إني قد أعييت فلو أذنت لي فاسترحت قليلا، قَالَ: ادخل فدخل والرجل وحده فِي خبائه فرمى بنفسه ونام صاحب الخباء، فقام إِلَيْهِ فأيقظه فَقَالَ والله لئن تكلمت لأقتلنك، ولن سكت وجئت معي إِلَى زفر فلك عهد اللَّه وميثاقه أن أردك إِلَى عسكرك بعد أن يصلك زفر ويحسن إليك، فخرجا وهو ينادي من دل عَلَى بغل ويصف حَتَّى أتى زفر بْن الحارث والرجل مَعَهُ، فأعلمه أنه قد آمنه، فوهب لَهُ زفر دنانير وحمله عَلَى راحلة، وألبسه ثياب النساء، وبعث مَعَهُ رجالا حَتَّى دنوا من عسكر عَبْد الْمَلِكِ فنادوا هذه جارية بعث بِهَا زفر إِلَى عَبْد الْمَلِكِ. وانصرفوا، فلما نظر إِلَيْهِ أَهْل العسكر عرفوه، وأخبروا عَبْد الْمَلِكِ خبره فضحك وَقَالَ: لا أبعد اللَّه رجال مضر، والله إن قتلهم لذل، وإن تركهم لحسرة، وكف الرجل فلم يعد لشتم زفر وأصحابه، ويقال إنه هرب من العسكر. قالوا: وَقَالَ عبد الملك وهو محاصر لزفر بْن الحارث: إنا وجدنا زفر بْن الحارث ... فِي هذه الهنات والهيائث [1] خبيثة من أخبث الخبائث قالوا: وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى زفر بْن الحارث كتابا يدعوه فيه إِلَى الطاعة ولزوم الجماعة ويرغبه ويرهبه، وبعث بالكتاب مع رجاء بن حيوة

_ [1] المهايثة: المكاثرة، والهيثان: إصابة الحاجة من المال والإفساد فيه. القاموس.

الكندي والحجاج بْن يوسف الثقفي، فأتيا زفر بالكتاب وكلّماه فأبى الصلح، وحضرت الصلاة فصلّى رجاء مَعَ زفر، وصلى الحجاج وحده، وَقَالَ: لا أصلي مَعَ مشاق منافق، فلما انصرفا قَالَ عَبْد الْمَلِكِ لرجاء: كيف لم تفعل مَا فعل الحجاج؟ قَالَ: مَا كنت لأدع الصلاة مَعَ قوم يقيمونها وأصلي وحدي. وَقَالَ الهذيل بْن زفر لأبيه: لو صالحت هذا الرجل فقد أكلتك وقومك الحرب وأنت مذ سنون فِي هذه المدينة وقد أعطى النَّاس الرجل طاعتهم، واجتمعوا عَلَيْهِ، وهو خير لك من ابْن الزُّبَيْرِ، وأمر عَبْد الْمَلِكِ مُحَمَّد بْن مروان أن يعرض عَلَى زفر وابنه الهذيل الأمان عَلَى أنفسهما ومن معهما، وأن يعطيا مَا أحبا، ففعل مُحَمَّد ذَلِكَ فأجاب الهذيل، وكلم أباه فأجاب عَلَى أن لَهُ الخيار عَلَيْهِ، فبينا الرسل تختلف فِي ذَلِكَ، إذ جاء رجل من كلب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قد هدمت أربعة أبرجة، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: لا أصالحهم وناهضهم فهزموا أصحابه حَتَّى دخلوا عسكره، وأزالوه عَن موقعه، فَقَالَ: أعطوهم مَا أرادوا، فَقَالَ زفر: كَانَ هذا قبل هذه الحال أمثل، قَالَ: واستقر صلح زفر عَلَى أن آمنه عَبْد الْمَلِكِ وابنه وكل من كَانَ مَعَ زفر وعلى وضع الدماء والأموال، وأن لا يقاتل زفر مَعَ عَبْد الْمَلِكِ، ولا يقاتل لَهُ حَتَّى يموت عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ لبيعته لَهُ، وأن يعطى مالا يقسمه فِي أصحابه، وخاف زفر أن يغدر بِهِ عَبْد الْمَلِكِ كما غدر بعمرو بْن سعيد الأشدق، فتوقف عَن إتيانه حَتَّى بعث إِلَيْهِ بقضيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمانا لَهُ. وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَم بْنِ عدي عن يعقوب بن داود قال: لما تم الصلح بين عَبْد الْمَلِكِ (وزفر) خرج إِلَيْهِ فرأى قلة أصحابه

فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: لو علمت أنه فِي هذه القلة لحاصرته أبدا حَتَّى ينزل عَلَى حكمي فبلغ زفر قوله فَقَالَ: إن شئت رجعت ورجعنا إِلَى أمرنا فَقَالَ: بل نفي لك يَا أبا الهذيل. قَالَ: ودخل زفر عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فأجلسه مَعَهُ عَلَى سريره فَقَالَ ابْن عضاة الأشعري: أنا كنت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أحق بهذا المجلس، فَقَالَ زفر: كذبت لست هناك إني عاديت فضررت، وواليت فنفعت. ودخل الأخطل غياث بْن غوث عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، فرأى زفر بْن الحارث مَعَهُ عَلَى سريره، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أيقعد زفر هذا المقعد وقد قاتلك وحاول زوال نعمتك وسلبها؟ فَقَالَ زفر: إنا كنا قاتلناك بالأمس ثُمَّ أرانا اللَّه خيرا مما كنا فيه فواليناك ودخلنا فِي أمرك فنحن اليوم فِي طاعتك عَلَى أشد مما كنا فيه من معصيتك، فلا تسمعن مَا يقول هذا الفدوكسي النصراني ولا قول قومه، فإنا أمس بك قرابة، وأوجب عليك حقا. قالوا: ودخل زفر عَلَى عَبْد الْمَلِكِ وقد مد رجله، ولم يقبل عَلَيْهِ كما كَانَ يقبل لكلام النَّاس فِي إجلاسه إياه عَلَى سريره، فلما دنا زفر من السرير قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقبض رجلك عَن مجلس خالك، وفه لي بما أخذت عَلَيْهِ صفقتي ونلت بِهِ طاعتي فقبض رجله وجلس زفر. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قوله خالك يعني أن أم عبد شمس من بني سليم، وأم أبيه آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر. قالوا: وَكَانَ ممن يتكلم فِي أمر زفر عند عَبْد الْمَلِكِ خالد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ فَقَالَ زفر:

أبا هاشم لست الحليم فترتحبى ... ولست أبيا صابرا حين تجهل ستمنعني قيس من الضيم والقنا ... وتمنعني بيض تحد وتصقل أبعد سعيد يوم قام بخطبة ... أزال بِهَا عنك الخلافة تجذل سعيد بْن مالك بْن بحدل. قالوا: وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لزفر: بلغني أنك من كندة؟ فَقَالَ: وما خير من لا ينفي حسدا ولا يدعى رغبة. قالوا: وساير زفر عَبْد الْمَلِكِ يوما، فلما كَانَ بالمرج طعن فِي جنبه بمخصرته ثُمَّ قَالَ: أبكاها اللَّه ولا ذهبت، فغضب زفر وخنس من موكبه، فافتقده وَقَالَ: أين أَبُو الهذيل؟ فَقَالُوا: تخلف فوقف فدعي، فَقَالَ: يَا أبا الهذيل إنما مزحت معك قَالَ: فهلا بغير هذا. وَقَالَ الجحاف بْن حكيم السلمي: وكنت زبيريا فأصبحت شيعة ... لمروان وأرتد الهوى لابن بحدل وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كانت الرباب بنت زفر بْن الحارث عند مسلمة بْن عَبْد الْمَلِكِ، فكان يؤذن عَلَيْهِ لأخويها الهذيل وكوثر فِي أول النَّاس، فَقَالَ عاصم بْن عَبْد اللَّهِ الهلالي لمسلمة: أمسلم قد منيتني ووعدتني ... مواعيد خير إن رجعت مؤمرا أيدعى الهذيل ثُمَّ أدعى وراءه ... فيا لك مدعى مَا أذل وأحقرا فلست براض عنك حَتَّى تحبني ... كحبك صهريك الهذيل وكوثرا وكيف ولم يشفع لي الليل كله ... شفيع إذا ألقى قناعا ومئزرا فَقَالَ الهذيل وفخر عَلَى عاصم:

مَا فخر ذي فخر علي وإنما ... نشأنا وأمانا معا أمتان أَبِي كَانَ خيرا من أبيك وأفضلت ... عليك قديما جرأتي وبياني. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: لما أتى زفر قرقيساء ومات مروان، كتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى أبان بن عقبة بن أبي معيط وهو عَلَى حمص يأمره أن يسير إِلَى زفر، فسار وعلى مقدمته عَبْد اللَّهِ بْن زميت الطائي، فواقع زفر بْن الحارث فقتل من أصحاب ابن زميت ثلاثمائة فلامه أبان عَلَى عجلته، وأقبل أبان فوقع زفر بْن الحارث فقتل ابنه وكيع بْن زفر، وأدركت طيّئ ثقل زفر ونساء لَهُ فاستوهب مُحَمَّد بْن حصين بْن نمير النساء، فألحقهن بقرقيساء، وَقَالَ زفر: علقنا بحبل من حصين لو أنه ... تغيب حالت دونهن المصاير أبوكم أبونا فِي القديم وإنني ... لغابركم فِي آخر الدهر شاكر وَكَانَ يقال إن زفر بْن الحارث من كندة [1] .

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض ولله الحمد.

خبر عصبية قيس وكلب ويوم بنات قين

خبر عصبية قيس وكلب ويوم بنات قين قَالَ هِشَام بْن الْكَلْبِيّ وغيره: صار زفر بْن الحارث إِلَى قرقيسياء فتحصن بِهَا، وجعل يغير منها على بلاد كلب لأن كلبا كانوا مروانية، وكانت قيس زبيرية، فكان يقتل ويسوق الأموال، وكانت كلب تفعل مثل ذَلِكَ بقيس، وَكَانَ عمير بْن الحباب السلمي يغير مَعَ زفر أيضا ببني تغلب وذلك بعد انصراف عمير من جيش عبيد اللَّه بْن زياد حين قتل وقبل وقوع الحرب بين قيس وتغلب، وغزا زفر تدمر وعليها عامر بْن الأسود الْكَلْبِيّ من بني عامر الأجدار بْن عوف بْن كنانة بْن عوف بْن عذرة بْن زيد اللات، ومعه ابنه الهذيل بْن زفر فقتلهم جميعا ففي ذَلِكَ يقول زفر: يَا كلب قد كلب الزمان عليكم ... وأصابكم مني عذاب تنزل إن السماوة لا سماوة فالحقوا ... بمنابت الأشنان [1] وابني بحدل فأجابه جواس بْن القعطل الكلبي.

_ [1] بهامش الأصل: الزيتون.

دسنا ولم نفشل هوازن دوسة ... تركت هوازن كالفريد الأعزل من بعد مَا دسنا ترائق هامها ... بالمشرفية والوشيج الذبل وأذل معطسكم وأضرع خدكم ... قتلى فزارة إذ سما ابنا بحدل قالوا: فلما رأت كلب المدار مَا لقيته كلب البوادي من زفر بْن الحارث، وعمير بْن الحباب أمروا عليهم حميد بْن حريث بْن بحدل الْكَلْبِيّ، فخرج حَتَّى نزل بتدمر، وعَبْد الْمَلِكِ يومئذ يريد أن يزحف إِلَى زفر بْن الحارث، ثُمَّ يأتي العراق لمحاربة مصعب بْن الزُّبَيْرِ، وَكَانَ من شهد المرج من بني نمير بْن عامر بناحية الشام بقرب تدمر، وبينهم وبين أَهْل تدمر عهد وعقد، فأرسل إليهم حميد بْن حريث عَن نفسه، وعن أَهْل تدمر: إنا قد نقضنا عهدكم فالحقوا بمأمنكم من الأرض، ثُمَّ سار إليهم فقتلهم، ويقال: إنه وجه إليهم جماعة من كلب فأتت عليهم، وإن حميدا لم يكن مَعَهُمْ، وسار حميد يريد بني تغلب لمظاهرتهم عمير بْن الحباب وقيسا عَلَى كلب، فوجد عميرا قد أغار عَلَى قوم من كلب فمضى فِي طلبه ودليلاه العكبش بْن حليطة الْكَلْبِيّ والمأموم بْن زيد الْكَلْبِيّ، فلم يلحقه ولحق قوما من قيس ممن كَانَ مَعَ عمير فقتلهم، ولم ينج منهم إلا رجل عريان ركب فرسه وأتى عميرا فَقَالَ عمير: مَا زلت أسمع بالنذير العريان حَتَّى رأيت، ولحق عمير بقرقيسياء وانطلق حميد إِلَى من قتل من أولئك القيسية الذين كانوا مَعَ عمير، فقطع آذانهم ونظمها فِي خيط ومضى بِهَا إِلَى الشام. وانتهى الخبر إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، وعَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ يومئذ بِمَكَّةَ، وَكَانَ عند عَبْد الْمَلِكِ حسان بْن مالك بْن بحدل الْكَلْبِيّ، وعَبْد اللَّهِ بْن مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْن حذيفة بْن بدر الفزاري، فأتي عَبْد الْمَلِكِ بالغداء فَقَالَ

عَبْد الْمَلِكِ لعَبْد اللَّهِ بْن مسعدة: ادن فكل، فَقَالَ ابْن مسعدة: والله لقد أوقع حميد بسليم وعامر وأخلاط قيس وقعة لا ينفعني مَعَهَا غداء، ولا يسوءني بعدها شراب حَتَّى يكون لها غير، فَقَالَ حسان بْن مالك: يا بن مسعدة غضبت لقيس إن قتلت، وأنسيت دخولهم قرقيسياء يغيرون عَلَى أَهْل البادية منا قوم ضعفاء لا ذنب لهم، فلما رأى حميد مَا نزل بقومه وما نالهم طلب بثأره فأدركه، وبلغ حميدا قول ابْن مسعدة فَقَالَ: والله لأوقعن بفزارة وقعة تشغل ابْن مسعدة عَن الغضب لعامر وسليم، فتجهز وخرج حَتَّى أتى فزارة ومعه دليل من كلب يقال لَهُ العكبش بْن حليطة وآخر يقال لَهُ المأموم بْن زيد بْن مضرس الْكَلْبِيّ، ومعه كتاب قد افتعله عَلَى لسان عَبْد الْمَلِكِ بتوليته صدقاتهم، فلما اجتمعت إِلَيْهِ وجوههم قال: يا بني فزارة هذا كتاب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وعهده، وقد كَانَ ضرب فسطاطا وخباء فجعل يدعو الرجل منهم فيدخل الفسطاط، ثُمَّ يخرج من مؤخرة فيقتل، وعلم قوم من خارج الفسطاط بما يفعل بأصحابهم فامتنعوا من الدخول، فكثرهم بمن مَعَهُ فقتلهم فكان جميع من قتل منهم: من بني بدر خمسين رجلا، سوى من قتل من غيرهم، وأخذ أموالهم ثُمَّ رجع حميد إِلَى الشام. فلما قتل عَبْد الْمَلِكِ مصعب بْن الزُّبَيْرِ بالعراق وقدم النخيلة بالكوفة، كلمه أسماء بْن خارجة بْن حصن، وبنو فزارة، وذكروا مَا صنع حميد بْن حريث بْن بحدل، وحدثوه بأنه ادعى أنه مصدقه وقالوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أقدنا منه فأبى عَبْد الْمَلِكِ ذَلِكَ وَقَالَ: كنتم فِي فتنة، والفتنة كالجاهلية ولا قود فيها، ولكني صانع بكم مَا لا أصنعه بغيرهم أدي كل قتيل منكم بدية من أعطيه قضاعة وحمير ممن بأجناد الشام، فقبل القوم الديات، فَقَالَ

عَمْرو بْن المخلى، وبعضهم يقول: ابْن المخلاة، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: هو المخلى. خذوها يَا بني ذبيان عقلا ... عَلَى الأحياء واعتقدوا الخزاما مواعد من بني مروان دينا ... ندافعكم بِهَا عاما فعاما فلما قبضوا الديات، مضى قوم منهم إِلَى اليمن، فاشتروا الخيل والسلاح، فلما قدموا أغارت بنو فزارة عَلَى بني عبد ود وبني عليم من كلب وهم عَلَى ماء يقال لَهُ بنات قين، وَقَالَ غير أَبِي مخنف: هو ماء عند جبل يقال لَهُ بنات قين، فقتلوا منهم مائة وثمانين، ويقال: نيفا وخمسين، وَكَانَ قائدا القوم: سعيد بْن عيينة بْن حصن، وحلحلة بْن قيس بْن الأشيم بْن سيار من بني العشراء من فزارة. فَقَالَ عويف القوافي ابْن مُعَاوِيَةَ: فسائل جحجبى وبني عدي ... وتيم اللات من عقد الحزاما فإنا قد جمعنا جمع صدق ... يفرج عَن مناكبه الزحاما فِي أبيات. وبلغ عَبْد الْمَلِكِ أن كلبا جمعت لتغير عَلَى قيس وفزارة خاصة، فكتب إليهم يقسم لهم بالله لئن قتلوا من بني فزارة رجلا ليقيدنهم بِهِ، فكفوا وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الحجاج بْن يوسف، وهو عامله عَلَى الحجاز يأمره بأن يحمل إِلَيْهِ سعيد بْن عيينة، وحلحلة بْن قيس الفزاريين، فبعث بهما إِلَيْهِ فحبسهما، وقدم عَلَى عَبْد الْمَلِكِ وفد كلب فعرض عليهم الديات فأبوها، فَقَالَ: إنما قتل منكم الشيخ الكبير والصبي الصغير، فَقَالَ لَهُ النعمان بْن فرية: قتل منا من لو كَانَ أخاك لاختير عليك، فغضب عَبْد الْمَلِكِ، وأراد

ضرب عنقه فقيل لَهُ: إنه شيخ كبير خرف فأمسك، وَقَالَ أبناء القيسيات، وهم: الوليد وسليمان ابنا عَبْد الْمَلِكِ، وأبان بْن مروان لعَبْد الْمَلِكِ: لا تجبهم إلا إِلَى الديات، وَقَالَ خالد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ وأبناء الكلبيات: لا إلا القتل واختصموا، وتكلم النَّاس فِي ذَلِكَ فِي المقصورة حَتَّى علت أصواتهم، وكاد يكون بينهم شر، فلما رأى عَبْد الْمَلِكِ ذَلِكَ أخرج سعيد بْن عيينة وحلحلة بْن قيس، فدفع حلحلة إِلَى بني عبد ود من كلب، وحلحلة يقول: إن أك مقتولا أقاد برمتي ... فمن قبل قتلي مَا شفى نفسي القتل وقد تركت حربي رفيدة كلها ... مجاورها فِي داهرها الخوف والذل ومن عبد ود قد أبرت قبائلا ... فغادرتهم كلا يطيف بِهِ كل وَقَالَ أيضا: إن يقتلوني يقتلوني وقد شفى ... غليل فؤادي مَا أتيت إِلَى كلب فقرت بِهِ عيني وأفنيت جمعهم ... وأثلج لما أن قتلتهم قلبي شفى النفس مَا لاقت رفيدة كلها ... وأشياخ ود من طعان ومن ضرب ووقف حلحلة بين يدي عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لعَبْد الْمَلِكِ: مَا تنتظر بنا يا بن الزرقاء فو الله لو ملكناها منك مَا أنظرناك طرفة عين، فلما قدم ليقتل قيل لَهُ: اصبر يَا حلحلة فَقَالَ: أَصْبَرُ مِنْ عود بجنبيه جلب ... قد أثرت فيه الغروض والحقب أصبر من (ذي) ضاغط عركرك [1] ... ألقى بوابي زوره للمبرك

_ [1] العركرك: الركب الضخم، والجمل الغليظ. القاموس.

ومد عنقه وهو يقول: اجعلها خير الميتتين فقتل، وَكَانَ الَّذِي تولى قتله شعيب بْن سويد، ودفع سعيد بْن عيينة بْن حصن إِلَى بني عليم من كلب فقتلوه، ويقال إن سعيدا هو الَّذِي قَالَ لعَبْد الْمَلِكِ: يابن الزرقاء مَا تنتظر بنا؟. وَقَالَ حين حبس: فإن أقتل فقد أقررت عيني ... وقد أدركت قبل الموت ثأري وما قتل عَلَى حر كريم ... أباد عدوه يوما بعار فإن أقتل فقد أهلكت كلبا ... ولست عَلَى بني بدر بزار وَقَالَ حلحلة وهو فِي الحبس: لعمري لئن شيخا فزارة أسلما ... لقد حزنت قيس وقد ظفرت كلب فلا تأخذوا عقلا وخصوا بغارة ... بني عبدود بين دومة والهضب سلام عَلَى حيي هلال ومالك ... جميعا وخصوا بالسلام أبا وهب أَبُو وهب زبان بْن سيار بْن عَمْرو، أحد بني العشراء من فزارة، ومالك بْن سعد بْن عدي بْن فزارة، وَقَالَ زبان حين بلغه شعر حلحلة: رحم اللَّه أبا ثوابة قد كفانا النار والعار، وأدرك بالثأر، ولنا فِي القوم فضل فلم يحرضنا عليهم، وَقَالَ بعض الفزاريين: لقد وفى أَبُو الذبان [1] لكلب وآثرهم عَلَى بني عمه. وَقَالَ علي بْن الغدير الغنوي في قتل سعيد وحلحلة:

_ [1] أي عبد الملك بن مروان.

حرب قيس وتغلب

وحلحلة القتيل مَعَ ابْن بدر ... وأهل دمشق أنجية عزين فبعد اليوم أيام طوال ... وبعد خمود فتنتكم فتون خليفة أمة قسرت عَلَيْهِ ... تخمط [1] فاستخف بمن يدين وَقَالَ أرطاة بْن سهية: ألا أبلغ بني مروان عنا ... فقد أعطيتم كرما وخيرا أيقتل شيخنا ويرى حميد ... رخي البال يستبئ الخمورا فناكت أمها قيس جهارا ... وعضت بعدها مضر الأيورا ولا والله مَا كرمت ثقيف ... ولا كانوا عَلَى كلب نصيرا يقول حين حمل الحجاج سعيدا وحلحلة. وَقَالَ رجل من كلب: ونحن قتلنا سيديهم بشيخنا ... سويد فما كانا وفاء بِهِ ذما سويد بْن زمان بْن ماطل. حرب قيس وتغلب قالوا: لما انقضى أمر مرج راهط، وصار زفر بْن الحارث إِلَى قرقيسياء صار مَعَهُ عمير بْن الحباب بْن جعدة السلمي، وهو ابن الصمعاء، والصمعاء أمّة أوجدته، وكانت سوداء، فجعلا يطلبان كلبا واليمانية بقتلى مرج راهط وَكَانَ معهما قوم من بني تغلب يدلونهما ويقاتلون معهما إذا أغارا، فطلبت كلب قوما أغاروا عليهم من بني تغلب مَعَ زفر، ففي ذَلِكَ يقول غياث الأخطل بن غوث:

_ [1] تخمط: تكبر وغضب. القاموس.

نبئت كلبا تمنى أن تحاربنا ... وطال مَا حاربونا ثُمَّ مَا ظفروا [1] وَحَدَّثَنِي دَاوُد بْن عَبْد الحميد قاضي الرقة عَن مشايخ القيسيين قالوا: لما انقضى أمر المرج بايع عمير مروان بْن الحكم وفي نفسه مَا فيها من أمر قتلى قيس يوم المرج، فلما عقد مروان لعبيد اللَّه بْن زياد وجهه إِلَى الجزيرة والعراق، وشخص عمير فِي جيشه، فجعله عَلَى إحدى مجنبتيه وهي الميسرة، وَكَانَ مَعَهُ يوم لقي ابْن صرد بعين الوردة، وأتى مَعَهُ قرقيسياء فكان عمير يثبطه عَن المقام عَلَيْهَا ويشير عَلَيْهِ بتلقي جيش المختار بْن أَبِي عبيد الثقفي قبل أن يدخل الجزيرة، فأغذ ابْن زياد السير حَتَّى لقي إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، فمال عمير مَعَ ابْن الأشتر حَتَّى فض عسكر عبيد اللَّه بْن زياد وقتل عند نهر يقال لَهُ الخازر بقرب الزابي، وكره عمير أن يصير إِلَى المختار، فأتى قرقيسياء، فأقام بِهَا مَعَ زفر بْن الحارث، فكانا يغيران عَلَى كلب واليمانية، وشغل عَبْد الْمَلِكِ عَن زفر فلم يسر إِلَيْهِ، ولم يوجه جيشا، ومل عمير المقام بقرقيسياء فطلب الأمان من عَبْد الْمَلِكِ فآمنه وَكَانَ عَلَيْهِ فِي نفسه مَا كَانَ، ووشى بِهِ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ واش فحبسه فاحتال حَتَّى هرب من الحبس، فيقال: انه اتخذ سلما من خيوط قنب وتسلق بِهِ حَتَّى تخلص من حبسه عَلَى سلم من خيوط من كوة البيت وأنشأ يقول: عجبت لما تظنته الموالي ... بخرّاج من الغمرات ناج ونَوَّمَ شرطة الريان عني ... كميت اللون صافية المزاج

_ [1] ديوان الأخطل ص 188 مع فوارق.

والريان مولى عَبْد الْمَلِكِ وصاحب حرسه، وَكَانَ عمير محبوسا عنده، فسقى أعوانه نبيذا حَتَّى أسكرهم ونجا، ويقال: بل كلم فيه فخلاه، والأول أثبت، فعاد إِلَى الجزيرة وَكَانَ منزله عَلَى النهر المعروف بالبليخ، فاجتمعت إِلَيْهِ قيس فكان يغير بهم عَلَى كلب واليمانية، وَكَانَ من مَعَهُ من القيسية يسيئون جوار بني تغلب ويسخرون مشايخهم من النصارى، فهاج ذَلِكَ بينهم شرا لم يبلغ الحرب وذلك قبل شخوص عَبْد الْمَلِكِ إِلَى زفر والمصعب بْن الزُّبَيْرِ، وكانت قيس زبيرية وتغلب مروانية. وَقَالَ أبو عمرو الشيباني الراوية فيما أخبرني عنه ابنه عَمْرو بْن أَبِي عَمْرو: أغار عمير بْن الحباب عَلَى كلب، ثُمَّ انكفأ راجعا فنزل ومن مَعَهُ من قيس بثني من أثناء الفرات، ويقال: عَلَى الخابور، والخابور نهر يخرج من رأس العين ويصب فِي الفرات، وكانت منازل بني تغلب فيما بين الخابور والفرات ودجلة، وكانت بحيث نزل عمير وأصحابه امرأة من بني تميم ناكح فِي بني تغلب يقال لها أم دوبل ولها غنيمة، فأخذ غلام من بني الحريش بْن كعب بْن ربيعة بْن عامر عنزا منها فذبحها، فشكت ذَلِكَ إِلَى عمير فلم يشكها، وَقَالَ: هذا من مغمرة الجيش فلما رأى الحرشيون أن عميرا لم يغير عَلَى صاحبهم شدوا عَلَى باقي الغنيمة فذبحوها وأكلوها، ومانعهم قوم من بني تغلب حضروهم فقتل رجل منهم يقال لَهُ مجاشع التغلبي، وجاء دوبل وهو من بني مالك بم جشم بْن بكر بْن حبيب، وَكَانَ من فرسان بني تغلب، فأخبرته أمه بما أصيبت بِهِ، فسار فِي قومه، فشكا إليهم مَا صنع بغنم أمه، وجعل يذكرهم تعالي قيس عليهم، وسوء جوابهم لهم، فاجتمعت منهم جماعة، وأمروا عليهم شعيث بْن مليل التغلبي، ثُمَّ أغاروا

عَلَى بني الحريش، ومع بني الحريش حينئذ قوم من إخوتهم بني قشير بْن كعب، فقتلوا منهم واستاقوا ذودا لامرأة من بني الحريش يقال لها أم الهيثم، فلم يقدر القيسيون عَلَى تخلصه من أيديهم، فَقَالَ الأخطل وبلغه الخبر وهو براذان [1] : أتاني ودوني الزابيان كلاهما ... ودجلة أنباء أمر من الصبر أتاني بأن ابني نزار تضاغنا ... وتغلب أولى بالوفاء وبالغدر [2] وَقَالَ الأخطل أيضا: فإن تسألونا بالحريش فإننا ... بلينا بنوك منهم وفجور غداة تحامتنا الحريش كأنّها ... كلاب بدت أنيابها لهرير وجاؤوا بجمع ناصري أم هيثم ... فما رجعوا من ذودها ببعير [3] وَقَالَ عَمْرو بْن الأهتم التغلبي: وإنا يوم سار بنا شعيث ... قريناهم وأي قرى قرينا نصصنا الخيل والرايات حَتَّى ... قضينا من هوازن مَا قضينا وما أبقين من قيس شريدا ... وما غادرن للجشمي دينا فرد عَلَيْهِ نفيع بْن صفار المحاربي بعد مقتل شعيث بْن مليل فَقَالَ: وإنا يوم لاقينا شعيثا ... قريناه فأيّ قرى قرينا في أبيات.

_ [1] راذان الأسفل وراذان الأعلى: كورتان بسواد بغداد. معجم البلدان. [2] ديوان الأخطل ص 175. [3] ديوان الأخطل ص 152.

وَقَالَ القطامي وهو عمير بْن شييم. وإنا يوم نازلهم شعيث ... كليث الغيل أصحر ثُمَّ ثارا وتغلب جدعوا أشراف قيس ... وذاقوا من تخمطها البوارا بضرب يقعص الأبطال منهم ... ويمتكر اللحى منه امتكارا [1] المكر المغرة. ومن رواية أَبِي عبيدة فيما أخبرني عنه علي بْن المغيرة الأثرم: أن غنم أم دوبل، وهي فيما ذكر تغلبية، نفشت فِي زرع لرجل من قيس فِي بعض الليالي، فشكا القيسي ذَلِكَ إليها فلم تشكه وضحكت بِهِ، ثُمَّ نفشت فِي زرعه ليلة أخرى، فأخذ عنزا منها فذبحها، فلما جاء ابنها دوبل أعلمته ذَلِكَ فأتى وأخ لَهُ وعدة معهما من بني تغلب الرجل القيسي فذبحوه عَلَى دم العنز، فأغار قومه عَلَى بني تغلب فقتلوا منهم اثني عشر رجلا فيهم مجاشع التغلبي، وأغارت بنو تغلب وعليها شعيث بْن مليل عَلَى قوم من بني قشير فقتلوا منهم خمسة وعشرين رجلا، ولم يذكر أَبُو عبيدة بني الحريش البتة. وقوم يزعمون: أن شعيثا كَانَ بآذربيجان وَكَانَ يرى رأي الخوارج، فأرسلت إِلَيْهِ تغلب تستنجده، فأقبل فِي ألفي فارس ومعه ثعلبة بْن نياط فعبر دجلة إِلَى لبى وهي بين تكريت والموصل، وأتى الثرثار فوجد قيسا مجتمعين عَلَيْهِ وتغلب بإزائهم وعليهم ابْن هوبر التغلبي، فكره أن يسير تحت لواء ابْن هوبر، فقصد قصد قيس، وأتت عمير بْن الحباب طلائعه فأخبرته بخبر شعيث، فانفرد لَهُ فِي جمع كبير من قيس، وخلّف من يكيفه أمر ابن هوبر

_ [1] امتكر: اختضب. القاموس.

يوم ماكسين

والتغلبيين، فلقي شعيثا، فاقتتلا فظهر عمير عَلَى شعيث، فقتل وأصحابه فلم ينج منهم إلا عدة يسيرة لحقوا ببني تغلب، وَكَانَ ثعلبة بْن نياط فارق شعيثا ولحق ببني تغلب فقاتل مَعَهُمْ، والخبر الأول أثبت، والشعر عَلَى صحته أدل. يوم ماكسين قالوا: استحكم الشر بين قيس وتغلب، وعلى قيس عمير بْن الحباب وعلى تغلب شعيث بْن مليل، فغزا عمير بني تغلب وجماعتهم بماكسين وهي قرية من قرى الخابور، بينها وبين رأس العين يوم أو يومان، فاقتتلوا قتالا شديدا، وهي أول وقعة لهم تزاحفوا فيها، فقتل من بني تغلب خمسمائة، وقتل شعيث بْن مليل، وكانت الوقعة عند قنطرة هناك، فَقَالَ نفيع بْن صفار المحاربي: وأيام القناطر قد تركتم ... رئيسكم لنا غلقا رهينا تركنا الباكيات عَلَى شعيث ... سواجم عبرة مَا ينقضينا وَكَانَ زفر بْن الحارث قَالَ حين أغارت تغلب عَلَى بني الحريش ومن مَعَهُمْ من قشير: شغلت قيس بغزل نسائها عَن هؤلاء النصارى، فَقَالَ عمير بْن الحباب: مَا همنا يوم شعيث بالغزل ... يوم انتضيناهن أمثال الشعل وهن يردين كعقبان الخيل ... من بين دهماء وطرف ذي خصل وزعموا أن رجل شعيث قطعت يومئذ، فجعل يقاتل حَتَّى قتل وهو يقول:

قد علمت قيس ونحن نعلم ... أن الفتى يقتل وهو أجذم وَقَالَ نفيع بْن صفار: وبشاطئ الخابور صبحناكم ... بالمرهفات البيض يفرين الذرى وَقَالَ جرير بْن عطية: تركوا شعيث بني مليل مسندا ... والآسين وأقعصوا شعرورا [1] وَقَالَ نفيع بْن صفار المحاربي: مَا بعد قتل شعيث فِي سراتكم ... وبعد قتل أَبِي أفعى وشعرور وَقَالَ تميم بْن أَبِي (بْن) مقبل العجلاني: قل لابنة الأخطل المسلوب مئزرها ... يوم الفوارس لما راث فاديها ولست سائلها إلا بواحدة ... مَا رد تغلب عنها إذ تناديها [2] وَقَالَ عبيد بْن حصين النميري الراعي: أبا مالك لا تنطق الشعر بعدها ... وأعط القياد القائدين عَلَى كثر ونحن تركنا تغلب ابنة وائل ... كمنكشر الأنياب منقطع الظهر [3] يعني بما كَانَ بينهم يوم الخابور ويوم ماكسين.

_ [1] ديوان جرير ص 225 مع فوارق. [2] ليسا في ديوانه المطبوع، [3] ديوان الراعي النميري- ط. بيروت 1980 ص 116- 117.

يوم الثرثار الأول

يوم الثرثار الأول والثرثار نهر ينزع من هرماس نصيبين ويفرغ فِي دجلة بين الكحيل ورأس الإيل [1] . قالوا: استمدت تغلب بعد يوم ماكسين وحشدت واجتمعت إليها النمر بْن قاسط، وأتاها المجشر بْن الحارث من ولد أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شيبان، وَكَانَ من سادات بني شيبان بالجزيرة، وأتاها زمام بْن مالك الشيباني فِي جمع، وأتت جماعة منهم مالك بْن مسمع قبل يوم الجفرة وقبل مصيره إِلَى ناحية اليمامة والبحرين، فشكوا إِلَيْهِ قيسا وما كَانَ منهم يوم ماكسين وقبله، فَقَالَ: مَا أحسبكم إلا من نبيط تكريت، ولو كنتم من بني تغلب لدافعتم عَن أنفسكم وحرمكم، فَقَالُوا: إنا حي فينا مَا قد علمت من النصرانية، ومضر مضر وأي السلطانين غلب فهو مَعَ قيس، فَقَالَ مالك: اذهبوا فإن أمدهم السلطان بفارس فلكم علي فارسان، وإن أمدهم برجل فلكم رجلان، إن السلطان اليوم لفي شغل عنكم وعنهم، فانطلقوا وقد غضبوا وجعلوا عليهم بعد شعيث بْن مليل زياد بْن هوبر، ويقال يَزِيد بْن هوبر التغلبي، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: هو حنظلة بْن قيس بْن هوبر أحد بني كنانة بْن تيم بْن أسامة بْن مالك بْن بكر بْن حبيب، وَكَانَ عَلَى قيس عمير بْن الحباب السلمي، فلما رأى من مَعَ بني تغلب، استنجد تميما وبني أسد فلم يأته منهم أحد فقال عمير:

_ [1] بهامش الأصل: رأس الأيل، اسم جبل.

أيا أخوينا من تميم هديتما ... ومن أسد هل تسمعان المناديا ألم تعلما إذ جاء بكر بْن وائل ... وتغلب ألفافا تهز العواليا إِلَى قومكم قد تعلمون مكانهم ... وكانوا جميعا حاضرين وباديا وزعموا أن عبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان البكري ممن أنجدهم من ربيعة، فلذلك حقد عليهم المصعب بْن الزُّبَيْرِ حَتَّى قتل أخاه النابئ ولم يقتل صاحبه، وكانت القيسية زبيرية، وأنجد بني تغلب أيضا ركضة بْن النعمان الشيباني. قالوا: ثُمَّ إن الربعيين والقيسيين التقوا عَلَى الثرثار فاقتتلوا قتالا شديدا وجعل بنو تغلب يقولون: ننعى بأطراف القنا المجاشعا ... فإنه كَانَ كريما فاجعا وابن مليل شيخنا المدافعا ثُمَّ إن قيسا انهزمت وقتلت بنو تغلب وألفافهم منهم مقتلة عظيمة، وبقروا بطون ثلاثين امرأة من بني سليم. وقالت ليلى بنت الحمارس التغلبية، ويقال قالها الأخطل: لما رأونا والصليب طالعا ... ومار سرجيس وسما ناقعا والخيل لا تحمل إلا دارعا ... والبيض فِي أيماننا قواطعا خلوا لنا الثرثار والمزارعا ... وحنطة طيسا وكرما يانعا [1] كأنما كانوا غرابا واقعا ويروى: زاذان والمزارعا

_ [1] ديوان الأخطل ص 198- 199 مع فوارق.

يوم الثرثار الثاني

وَقَالَ الأخطل. عتبتم عَلَيْنَا آل عيلان كلكم ... وأي عدو لم نبته عَلَى عتب [1] فِي قصيدة لَهُ. فأجابه جرير بْن عطية فِي قصيدة لَهُ: ستعلم مَا يغني الصليب إذا غدت ... كتائب قيس كالمهنأة الجرب لعلك يَا خنزير تغلب فاخر ... إذا مضر يوما تسامت بِهَا الحرب [2] وَقَالَ الأخطل فِي شعر طويل: لعمري لقد لاقت سليم وعامر ... إِلَى جانب الثرثار راغية البكر وَقَالَ نفيع بْن صفار المحاربي: أبا مالك لا تدع الفخر بالمنى ... فما بسفاه القول يغضب للوتر ولكن بحد المشرفية ينتمى ... بِهَا للمعالي والمثقفة السمر فيقال: إنه بهته بهذا الشعر، بل قاله لَهُ وقد ادعى الأخطل باطلا فِي بعض أيامهم. يوم الثرثار الثاني قالوا: ثُمَّ إن قيسا تجمعت واستمدت واستعدت، وعليها عمير بْن الحباب وهم فِي عسكر، فأتاهم زفر بْن الحارث من قرقيسياء وعَبْد الْمَلِكِ مشغول عنه، فكان فِي عسكر آخر، وَكَانَ رئيس بني تغلب والنمر ومن معهما ابْن هوبر، فالتقوا بالثرثار فاقتتلوا أشد قتال اقتتلته الناس، فانحازت

_ [1] ديوان الأخطل: ص 27. [2] ديوان جرير ص 55 مع فوارق.

يوم الدين

بنو عامر وكانت فِي إحدى المجنبتين، وصبرت بنو سليم وأعصرت حَتَّى انهزمت بنو تغلب، وقتل ابنا عبد يسوع بْن حرب ومحكان، وعَبْد الحارث من بني الأوس بْن تغلب، فَقَالَ عمير بْن الحباب: فدى لفوارس الثرثار نفسي ... وما جمعت من أَهْل ومال وولت عامر عنا فأجلت ... وحولي من ربيعة كالجبال أكاوحهم [1] بدهم من سليم ... وأعصر كالمصاعيب النهال وَقَالَ زفر بْن الحارث: ألا من مبلغ عني عميرا ... رسالة ناصح وعليه زار أتترك حي ذي يمن وكلبا ... وتجعل حد نابك فِي نزار كمعتمد عَلَى إحدى يديه ... فخانته بوهن وانكسار يوم الدين قالوا: وأغار عمير بْن الحباب عَلَى الفدين، وهي قرية عَلَى شاطئ الخابور ولها حصن، فاكتسح مَا فيها وقتل عامة أهلها، ويقال: بل قاتل فيها جميع بني تغلب، وكانوا بِهَا مزاحفة مهزمهم، فَقَالَ ابْن صفار: لو تسأل الأرض الفضاء بأمركم ... شهد الفدين بهلككم والصوّر كذبتك شيبان الأخوّة وأنّفت ... أسيافكم بكم سدوس ويشكر والعامة تسمي هذه القرية الصور، وهي قريبة من الفدين بينهما نحو من أربعة فراسخ.

_ [1] كوحه: قاتله فغلبه، وأذله ورده وشاتمه. القاموس.

يوم السكير

يوم السكير وهو يسمى اليوم سكير العباس، قَالَ: ولقي عمير بْن الحباب تغلب والنمر وعليهم ابْن هوبر بالسكير، وهي قرية تشرع عَلَى الخابور، ومنها ناحية تشرع عَلَى الفرات فاقتتلوا فانهزمت تغلب والنمر، وهرب عمير بْن جندل وَكَانَ من فرسان تغلب، وَقَالَ عمير بْن الحباب: وأفلتنا يوم السكير ابْن جندل ... عَلَى سابح غوج اللبان [1] مثابر ونحن كررنا الخيل قبا شوازبا ... دقاق الهوادي داميات الدوائر وَقَالَ ابْن صفار: صبحناكم بهن عَلَى سكير ... فلاقيتم هناك الأقورينا يوم المعارك والمعارك بين الحضر والعقيق من أرض الموصل، قَالَ: اجتمعت تغلب يوم السكير بهذا المكان، فالتقوا وقيس بِهِ، واشتد قتالهم فانهزمت تغلب، فَقَالَ ابْن صفار: ولقد تركنا بالمعارك منكم ... والحضر والثرثار أجسادا جثا فيقال: إن يوم المعارك والحضر واحد، هزموهم إِلَى الحضر فقتلوا منهم بشرا، وَقَالَ بعضهم: هما يومان مختلفان كانا لقيس والله اعلم.

_ [1] فرس غوج اللبان: واسع جلد الصدر. القاموس.

يوم لبى

يوم لبى قالوا: والتقوا أيضا بلبى عند ديرها، ولبى فوق تكريت من أرض الموصل، فتناصفوا فقيس تقول كَانَ الفضل لنا وتغلب تقول كَانَ الفضل لنا. يوم بلد وَقَالَ أَبُو الوليد الكلابي: كانت بين قيس وتغلب وقعة ببلد تكافأوا فيها، وَقَالَ أَبُو عيسى القيسي: كانت لقيس. يوم الشرعبية قالوا: التقوا بالشرعبية وعلى قيس عمير بْن الحباب، وعلى تغلب وألفافها ابْن هوبر، فكان بينهم قتل شديد وقتل يومئذ عمار بْن المهزم وعاصم السلميان وَكَانَ يوم الشرعبية لتغلب عَلَى قيس، فَقَالَ الأخطل: ولقد بكى الجحاف لما أوقعت ... بالشرعبية إذ رأى الأهوالا [1] والشرعبية من بلاد بني تغلب، وبناحية منبج أيضا شرعبية. فبعضهم يقول إن هذه الواقعة كانت بناحية منبج وذلك غلط. يوم البليخ قالوا: اجتمعت تغلب وسارت إِلَى البليخ وهناك عمير والقيسية، والبليخ نهر بين الرقتين، فالتقوا، وعلى قيس عمير، وعلى تغلب ابْن

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

يوم الحشاك ومقتل عمير بن الحباب السلمي

هوبر، فهزمت تغلب وقتلت وبقرت بطون نساء من نسائهم كما فعلوا يوم الثرثار، وفي ذَلِكَ يقول ابْن صفار: زرق الرماح ووقع كل مهند ... زلزلن قلبك بالبليخ فزالا وأنشدني أَبُو الوليد الكلابي لبعضهم: تسامت جموع بني تغلب ... إلينا فكنا عليهم وبالا بقرنا النساء غداة البليح ... إذا جئننا وقتلنا الرجالا يوم الحشاك ومقتل عمير بْن الحباب السلمي قالوا: لما رأت تغلب إلحاح عمير بْن الحباب عَلَيْهَا، جمعت حاضرتها وباديتها وصاروا إِلَى الحشاك، وهو نهر يأخذ من الهرماس، وعلى الحشاك تلال وقور [1] وبقربه الشرعبية وإلى جنبه براق ويقال براق، ودلف إليهم عمير فِي قيس ومعه زفر بْن الحارث والهذيل ابنه، وعلى تغلب ابْن هوبر، فاقتتلوا عند تل الحشاك أشد قتال وأبرحه حَتَّى جن عليهم الليل ثُمَّ تفرقوا، فاقتتلوا من الغد إِلَى الليل، ثُمَّ تحاجزوا، وأصبحت تغلب فِي اليوم الثالث فتعاقدوا ألا يفروا، فلما رأى عمير جدهم وأن نساءهم مَعَهُمْ قَالَ لقيس: يَا قوم أرى لكم أن تنصرفوا عَن هؤلاء فإنهم مستقتلون، فإذا اطمأنوا وصاروا إِلَى سرحهم وجهنا إِلَى كل قوم منهم من يغير عليهم، فَقَالَ لَهُ عَبْد العزيز بْن حاتم بْن النعمان الباهلي: يا بن الصمعاء قتلت فرسان قيس أمس وأول من أمس ثُمَّ ملئ سحرك وجبنت، ويقال: إن عيينة بن أسماء بن

_ [1] بهامش الأصل: قور جمع قارة.

خارجة الفزاري، وَكَانَ أتاه منجدا لَهُ، قَالَ ذَلِكَ، فغضب عمير من قوله وَقَالَ كأني بك لو حمس الوغى أول فار، فنزل عمير وجعل يقاتل راجلا وهو يقول: أنا عمير وَأَبُو المغلس ... قد أحبس القوم بضنك المحبس وانهزم زفر يومئذ وهو اليوم الثالث فلحق بقرقيسياء، وذلك أنه بلغه أن عَبْد الْمَلِكِ قد عزم عَلَى الحركة إِلَيْهِ بقرقيسياء، فبادر لإحكام أمره والتأهب بما يحتاج إِلَيْهِ، ويقال: أنه ادعى ذاك حين فر تحسنا بِهِ، وركبت تغلب ومن مَعَهَا أكساء [1] القيسية وجعلوا يقولون: أما تعلمون أن تغلب تغلب وشد عَلَى عمير جميل بْن قيس من بني كعب بْن زهير فقتله، فَقَالَ الأخطل لزفر: لعمر أبيك يَا زفر ابْن ليلى ... لقد أنجاك جد بني معاز وركضك غير منقلب إلينا ... كأنك ممسك بجناح بازي [2] ويقال: بل تعاوى عَلَى عمير غلمان من بني تغلب فرموه بالحجارة وقد أعيا حَتَّى أثخنوه، وكر عَلَيْهِ ابْن هوبر فقتله، وأصابت ابْن هوبر يومئذ جراحة فلما انقضت الحرب أوصى بني تغلب وهو لمآبه من جراحته بأن يولوا أمرهم مرار بْن علقمة الزهيري. وروي أيضا: أن ابْن هوبر جرح فِي اليوم الثاني من أيامهم هذه الثلاثة، فأوصى بني تغلب بأن يؤمروا عليهم مرارا، ومات من ليلته فكان

_ [1] ركب اكساءه: سقط على قفاه. القاموس. [2] ديوان الأخطل ص 194.

مرار رئيسهم فِي اليوم الثالث، فعبأهم عَلَى راياتهم، وأمر كل بني أب أن يجعلوا نساءهم خلفهم، فلما أبصرهم عمير قَالَ لأصحابه: يَا معشر قيس إن تغلب حي كثير العدد، وقد اجتمعوا لقتالكم ونساؤهم مَعَهُمْ فأطيعوني وانصرفوا فإذا تفرقوا شددنا عليهم حيا حيا، فقيل لَهُ القول الَّذِي قيل لَهُ وفعل مَا فعل حَتَّى قتله جميل الزهيري، قَالَ المشاعر: أرقت بأثناء الفرات وشفني ... نوائح أبكاها قتيل ابْن هوبر ولم تظلمي إن نحت أم مغلس ... قتيل النصارى فِي نوائح حسر وَقَالَ بعض الشعراء ينكر قتل ابْن هوبر عميرا: وإن عميرا يوم لاقته تغلب ... قتيل جميل لا قتيل ابْن هوبر قالوا: وكانت ابنة الحمارس تنشر شعرها وتحرض النَّاس وهي تقول: إيها بني تغلب إيها إيها ... نحن بنو الحرب نشأنا فيها واستحر القتل يومئذ ببني سليم وغني خاصة، وقد قتل من غيرهم من قيس بشر كثير. وَقَالَ عمير فِي أول يوم لاقى بني تغلب فيه فصابروه فيما ذكر بعضهم: وكنا حسبنا كل بيضاء [1] تمرة ... ليالي لاقينا جذاما وحميرا فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض أبت عيداننا أن تكسرا وإنا لقينا من ربيعة معشرا ... يقودون خيلا للمنية ضمرا سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... عَلَى أنهم كانوا عَلَى الموت أصبرا ويقال: أنّه لغيره والله أعلم.

_ [1] بهامش الأصل: سوداء.

وَقَالَ زفر: ألا يَا كلب غيرك أوجعوني ... وقد ألصقت خدك بالتراب ألا يَا كلب فانتشري ونامي ... فقد أودى عمير بني الحباب وبعثت بنو تغلب برأس عمير بْن الحباب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ وهو بغوطة دمشق مَعَ وفد منهم، فأعطى الوفد وكساهم، فلما صالح عَبْد الْمَلِكِ زفر بعد ذَلِكَ واجتمع النَّاس عَلَيْهِ، قَالَ الأخطل شعرا يقول فيه: بني أمية قد ناضلت دونكم ... أبناء قوم هم آووا وهم نصروا وقيس عيلان حَتَّى أقبلوا رقصا ... فبايعوا لك قسرا بعد مَا قهروا ضجوا من الحرب إذ عضت غواربهم ... وقيس عيلان من أخلاقها الضجر فلا هدى اللَّه قيسا من ضلالتها ... ولا لعا لبني ذكوان إن عثروا ولم يزل لسليم أمر جاهلها ... حَتَّى تعايا بِهَا الإيراد والصدر فقد نصرت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بنا ... لما أتاك بمرج الغوطة البقر يعرفونك رأس ابْن الحباب فقد ... أضحى وللسيف فِي خيشومه أثر [1] وَقَالَ الأخطل فِي قصيدة لَهُ: ألا من مبلغ قيسا رسولا ... فكيف وجدتم طعم الشقاق فإن يك كوكب الصماء نحسا ... بِهِ ولدت وبالقمر المحاق ولاقى ابْن الحباب لَهُ حميا ... كفته كل حازية وراق فأضحى رأسه ببلاد عك ... وسائر خلقه بجبا براق

_ [1] ديوان الأخطل ص 100- 110 مع فوارق.

يوم الكحيل من أرض الموصل في عبر دجلة المغربي

وإلا تذهب الأيام نرفد ... جميلة مثلها قبل الفراق ملأنا جانب الثرثار منهم ... وجهزنا أميمة لانطلاق أميمة امرأة عمير بْن الحباب. يوم الكحيل من أرض الموصل فِي عبر دجلة المغربي قالوا: لما قتل عمير بْن الحباب تجمعت قيس بناحية حدث الرقاق وهي بناحية قيس، فَقَالَ الأخطل: ضربناهم عَلَى المكروه حَتَّى ... حدوناهم إِلَى حدث الرقاق [1] قالوا: ثُمَّ إن تميم بْن الحباب أتى زفر بْن الحارث، فسأله أن يطلب لَهُ بثأره فامتنع من ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الهذيل ابنه: والله لئن ظفر بهم إن ذَلِكَ لعار عليك، وإن ظفروا وقد خذلتهم إن ذَلِكَ لأشد، فاستخلف زفر عَلَى قرقيسياء أخاه أوس بْن الحارث، وعزم عَلَى أن يغير عَلَى بني تغلب ويغزوهم، فوجه يَزِيد بْن حمران فِي خيل إِلَى بني فدوكس، فقتل رجالهم واستباح أموالهم، حَتَّى لم يبق غير امرأة واحدة يقال لها حميدة أعاذها ابْن حمران وقد استعاذت بِهِ، وبعث الهذيل بْن زفر إِلَى بني كعب بْن زهير، فقتل فيهم قتلا ذريعا، وبعث مسلم بن ربيعة أخا بني عقيل إِلَى قوم من بني تغلب مجتمعين فأكثر فيهم القتل، ثُمَّ قصد لبني تغلب وقد اجتمعوا بالعقيق من أرض الموصل، فلما أحست بِهِ بنو تغلب ارتحلت تريد عبور دجلة، فلما

_ [1] ديوان الأخطل ص 207- 210.

صارت بالكحيل، لحقهم زفر بْن الحارث فِي القيسية فاقتتلوا قتالا شديدا، وترجل أصحاب زفر أجمعون وبقي زفر عَلَى بغل لَهُ فقتلوهم ليلتهم وبقروا بطون نساء منهم، وغرق فِي دجلة أكثر ممن قتل بالسيف، وأتى فلهم لبى، فوجه زفر إليهم الهذيل بْن زفر فأوقع بهم إلا من عبر فنجا، وأسر زفر منهم مائتين فقتلهم صبرا، فَقَالَ زفر: ألا يَا عين جودي بانسكاب ... وبكي عاصما وابن الحباب فإن تك تغلب قتلت عميرا ... ورهطا من غني فِي الحراب فقد أفنى بني جشم بْن بكر ... ونمرهم فوارس من كلاب قتلنا منهم مائتين صبرا ... وما عدلوا عمير بْن الحباب فقتلانا نعدهم كراما ... وقتلاهم تعد مَعَ الكلاب وَقَالَ أيضا: قتلنا من بني جشم جموعا ... فما عدلت جموعهم عميرا وقال ابن صفّار المحاربي: ألم تر حربنا تركت حبيبا ... محالفها المذلة والصغار وقد كانوا أولى عز فأضحوا ... وليس بهم من الذل انتصار حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أبيه حَدَّثَنَا ابْن الجصاص قَالَ: وقف عكرمة بْن ربعي التيمي من ربيعة عَلَى أسماء بْن خارجة الفزاري بالكوفة فَقَالَ: قتلت بنو تغلب عمير بْن الحباب، فَقَالَ أسماء: لا بأس إنما قتل فِي ديار القوم مقبلا غير مدبر، ثُمَّ قال:

يدي لك رهن عَن سليم بغارة ... تشيب لها أصداع بكر بْن وائل وتترك أولاد الفدوكس عالة ... يتامى أيامى نهزة للقبائل وَحَدَّثَنِي الأثرم عَن خالد بْن كلثوم عَن المفضل الضبي وغيره قالوا: أسر القطامي فِي يوم من أيامهم، وأخذ ماله، فقام زفر بأمره حَتَّى رد عَلَيْهِ ماله وجميع مَا أخذ منه ووصله فَقَالَ فيه: إني وإن كَانَ قومي ليس بينهم ... وبين قومك إلا ضربة الهادي مثن عليك بما أوليت من حسن ... وقد تعرض مني مقتل بادي فِي شعر طويل. وَقَالَ أيضا: فمن يكن استلام إِلَى ثوي ... فقد أحسنت يَا زفر المتاعا أأكفر بعد دفع الموت عني ... وبعد عطائك المائة الرتاعا وَقَالَ عوانة بْن الحكم وغيره: لما ولى مصعب المهلب بْن أَبِي صفرة الموصل والجزيرة بعث إِلَى بني تغلب وكانوا مروانية: إن تبايعوا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ وإلا أتاكم جيش ينسيكم قيسا ويلحقكم بمن قتلتم منهم وقتلوا منكم فعزل قبل أن يحدث فيهم حدثا، فلذلك قَالَ القطامي: أتاني من الأزد النذيرة بعد مَا ... تناشد قولي بالحجاز المجالس فَقَالُوا عليك ابْن الزُّبَيْرِ فعذ بِهِ ... أبى اللَّه أن أخزى وعز خنابس [1] وما جعل اللَّه المهلب فارسا ... ولكن أمثال الهذيل الفوارس

_ [1] الخنابس: الكريمة المنظر، والأسد، والقديم الشديد الثابت، ومن الليالي الشديد الظلمة. القاموس.

يوم البشر

يوم البشر والبشر جبل فِي عبر الفرات الغربي قالوا: وفد الأخطل عَلَى عَبْد الْمَلِكِ بن مروان فدخل عَلَيْهِ الجّحاف بْن حكيم بْن عاصم بْن قيس السلمي، والأخطل عنده فَقَالَ له عبد الملك: أتعرف هذا يا أخطل؟ قَالَ: نعم هذا الَّذِي أقول فيه: ألا سائل الجحاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر [1] وأنشد القصيدة حَتَّى فرغ منها فتغالظا فِي الكلام، فنهض الجحاف يجر مطرفا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى أتى الديوان فنظر إِلَى مقادير القراطيس التي تكتب فيها العهود، ثُمَّ لطف لبعض الكتاب حَتَّى كتب لَهُ عهدا مفتعلا عَلَى صدقات بكر وتغلب بالجزيرة وَقَالَ لأصحابه: إن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قد ولاني هذه الصدقات فمن أراد اللحاق بي فليفعل وسار حَتَّى أتى الموضع الَّذِي يدعى اليوم برصافة هِشَام، وهو بقرب الرقة فاجتمع إِلَيْهِ أصحابه بِهَا، فَقَالَ لهم: إن الأخطل أتعبني وأسمعني، ولست بوال فمن كَانَ يحب أن يرحض عني العار وعن نفسه فِي فليصحبني فإني آليت أن لا أغسل رأسي أو أوقع ببني تغلب، فرجعوا غير ثلاثمائة قالوا لَهُ: نموت معك ونحيا، فسار ليلته حَتَّى أصبح الرحوب وهو ماء لبني جشم بْن بكر قوم الأخطل فصادف عَلَيْهِ جماعة عظيمة من بني تغلب فقتل منهم مقتلة عظيمة، وأخذ الأخطل وعليه عباءة وسخة فظن آخذه أنه عبد وسئل فَقَالَ: أنا عبد فخلى سبيله فرمى بنفسه فِي جب من جبابهم مخافة أن يراه من يعرفه من قيس فيقتل، وقتل أبوه يومئذ،

_ [1] ديوان الأخطل ص 130.

فلما انصرفت القيسية خرج من البئر وجعلت عبلة امرأته تسله أن يعود إِلَى البئر خوفا عَلَيْهِ من كرتهم وعودتهم فَقَالَ: يَا عبل أكرم حرة فِي قومها ... حسبا وأرعاها لكهل سيد قامت تتبعنا دموعا قرة ... منها بطرف غضيضة لم تبرد ثُمَّ إن الجحاف استخفى فطلبه عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان فمضى حَتَّى دخل بلاد الروم مما يلي أرمينية. وأرادت بنو تغلب دفن موتاهم فَقَالَ لهم الشمرذى: إنكم إن دفنتموهم، فرأى النَّاس كثرتهم غزوكم استقلالا لكم واجترأوا عليكم فأحرقوهم. وَقَالَ الجحاف للأخطل: أبا مالك هل لمتني إذ حضضتني ... عَلَى القتل أم هل لامني لك لائم ألم أفنكم قتلا وأجدع أنوفكم ... بفتيان قيس والسيوف الصوارم بكل فتى ينعي عميرا بسيفه ... إذا أعتصمت أيمانهم بالقوائم فإن يطرودني يطردوني وقد جرى ... بي الورد يوما فِي دماء الأراقم نكحت بسيفي من زهير ومالك ... نكاح اغتصاب لا نكاح الدراهم لقد أوقدت نار الشمرذى بأرؤس ... عظام اللحى معرنزمات [1] اللهازم تحش بأوصال من القوم بينها ... وبين الرجال الموقديها محارم فلا تحمدوا إلا الإمام لترككم ... تمشّون بالخابور دسم العمائم في أبيات.

_ [1] لم أقف لها على معنى في معاجم اللغة.

وَقَالَ نفيع بْن صفار المحاربي: لقد رفعت نار الشمرذى لقومه ... شنارا وخزيا طار كل مطار ولم يزل الجحاف ببلاد الروم حَتَّى طلب لَهُ الأمان من عَبْد الْمَلِكِ فآمنه، وسمعت مشايخ من أَهْل أرمينية يذكرون: أن الجحاف أقام بطرا بزندة ثُمَّ أتى كمخ ثُمَّ أتى قاليقلا وبعث إِلَى بطانة عَبْد الْمَلِكِ من القيسيين حَتَّى أخذوا لَهُ أمانا. قالوا: فلما صار إِلَيْهِ حمله ديات من قتل، وأخذ منه الكفلاء، وأمره بالسعي والاضطراب فَقَالَ: أسأل قومي، فأتى الحجاج بْن يوسف فحجبه فلقي أسماء بْن خارجة فَقَالَ لَهُ: إني لا أعصب لومها إلا بك، فدخل عَلَى الحجاج بْن يوسف فكلمه فأذن لَهُ، فلما دخل عَلَيْهِ حمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إني أعملت المطي إليك من الشام لأنه ليس أمامك مذهب ولا وراءك مطلب وليست يد دون اللَّه تحجزك، وأنت أمير العراق، وسيد قيس ففك رهني وتلاف أمري، فيقال أن الحجاج قَالَ لَهُ: يَا جحاف أعملت المطي من الشام فقلت آتي الحجاج فإن أعطاني شكرت وإن منعني بخلت وذممت، والله مَا أعطيك مال اللَّه فَقَالَ: تعطيني عمالتك، فَقَالَ: هذا نعم فتركها لَهُ، ويقال إن الحجاج قَالَ لَهُ: أعهدتني خائنا؟ فَقَالَ: لا ولكنك سيد قومك، ولك عمالة واسعة، فَقَالَ: لقد ألهمت الصدق، ونظرت بنور اللَّه، فأمر لَهُ بمائة ألف درهم، وكانت عمالة الحجّاج خمسمائة ألف درهم، ثُمَّ أقبل الحجاج عَلَيْهِ يضاحكه ويسأله عَن خبره وخبر بني تغلب والأخطل، فلما ولى قَالَ: لله رجال قيس! وَقَالَ الجحّاف:

رحلت إِلَى الحجاج أطلب رفده ... عَلَى ثقة بالله والرهن قد غلق فأحفى سؤالي ثُمَّ أقبل ضاحكا ... إلي وأعطاني الوفاء من الورق فلما أدى الجحاف مَا ألزمه عَبْد الْمَلِكِ أظهر التوبة وأصحابه ومضى حاجا، فذكروا أن مُحَمَّد بْن سوقة قَالَ: مر بي الجحاف وأنا فِي دكاني فِي السوق فاشترى مني خزا قسمه فِي أصحابه، وإذا هو وأصحابه قد زموا [1] أنفسهم. قلت: مَا هذا الَّذِي أراك وأصحابك صنعتموه فَقَالَ: جعلنا مَا ترى لنذكر خطيئتنا فِي قتل القوم الذين قتلناهم، ونحن نريد الحج فلعل اللَّه يرحمنا ويتوب عَلَيْنَا، وقدم الجحاف مَكَّة وأصحابه مَعَهُ فتعلق بأستار الكعبة فجعل ينادي اللهم اغفر لي وما أظن أن تفعل، فسمعه مُحَمَّد بْن الحنفية فَقَالَ: يَا شيخ القنوط شر من الذنب، ثُمَّ سأل عنه فقيل: هذا الجحاف. وَقَالَ الأخطل: لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ... إِلَى اللَّه منها المشتكى والمعول فإلا تغيرها قريش بملكها ... يكن عَن قريش مستماز ومرحل فإن تحملوا عنهم فما من حمالة ... وإن ثقلت إلا دم القوم أثقل [2] وزعموا أن عَبْد الْمَلِكِ قَالَ لَهُ لما أنشده: يكن عَن قريش مستماز ومرحل قَالَ: إِلَى أين ويلك؟ قال: إلى النار.

_ [1] أي شدوا أنوفهم. القاموس. [2] ديوان الأخطل ص 230- 231.

خبر مصعب بن الزبير بن العوام ومقتله

خبر مصعب بْن الزُّبَيْرِ بْن العوام ومقتله حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ صعب بْن زيد: أن المصعب بْن الزُّبَيْرِ لما فرغ من قتال المختار، كَانَ إِبْرَاهِيم بْن الأشتر عَلَى الموصل والجزيرة وآذربيجان وأرمينية فعزله ووجهه لقتال الأزارقة، ووجه المهلب بْن أَبِي صفرة عَلَى عمله، ثُمَّ عزل المهلب ورد إِبْرَاهِيم بْن الأشتر عَلَى العمل، ووجه المهلب لقتال الأزارقة. قَالَ: وبلغ المصعب إقبال عَبْد الْمَلِكِ نحوه وهو يومئذ بالبصرة قد قدم من عند أخيه بعد أن وفد عَلَيْهِ، فسأل أَهْل البصرة النهوض مَعَهُ وكانت الحرورية قد نزلت سوق الأهواز وعليهم قطري بْن الفجاءة، فَقَالُوا: أصلح اللَّه الأمير كيف نسير معك فهذه الحرورية مطلة عَلَيْنَا وعلى ديارنا وأموالنا، وَقَالَ المهلب للمصعب: اعلم أن أهل البصرة والكوفة قد كاتبوا عَبْد الْمَلِكِ وكاتبهم وأنه إنما اجترأ عَلَى المسير إِلَى العراق بكتبهم، فقال له المهلّب: لا تنحني عنك واجعلني منك قريبا، فَقَالَ لَهُ المصعب: إن أَهْل

البصرة قد أبوا أن يسيروا حَتَّى ابعثك لقتال الحرورية، وأنا أكره إذا أقبل عَبْد الْمَلِكِ إلي ألا أسير إِلَيْهِ فاكفني هذا الثغر، فَقَالَ المهلب: إني لست آمن غدر القوم بك، وإن فعلوا فأبعدهم اللَّه. وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ قالا: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ عَن مُعَاوِيَة بْن صعصعة بْن مُعَاوِيَةَ وهو ابْن أخي الأحنف بْن قيس- قَالَ: والله إني لواقف مَعَ عمي بالحيرة فِي ظل قصر بني بقيلة، إذ أقبل زياد بْن عَمْرو العتكي حَتَّى وقف إِلَى جنب الأحنف فذكر المصعب وسوء رأيه فيما بينه وبينه وعابه، فَقَالَ لَهُ الأحنف: أظنك والله يَا زياد وأصحابك ستدخلون عَلَيْنَا ذلا وبلاء عظيما، أحسبكم والله ستدخلون عَلَيْنَا أَهْل الشام فيقتلونا وينزلون دورنا، فمهلا يَا زياد! فَقَالَ زياد: إن حالي قد اشتدت وإن علي دينا، فَقَالَ الأحنف: وهل تكفيك عشرة آلاف أكلم المصعب فيأمر لك بِهَا، وأيم اللَّه إني لأعلم أنها لا تنفعه عندك، فكلمه الأحنف فأمر بِهَا لَهُ فكان زياد عند ذَلِكَ أسوأ مَا كَانَ رأيا وأشده عَلَى المصعب. قَالَ أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ: قَالَ وهب: قَالَ أَبِي: هذا حين دخل مصعب الكوفة لقتال عبد الملك، وفي تلك الأيام مات الأحنف بالكوفة، ألا ترى أن الأحنف قد كَانَ رجع إِلَى البصرة بعد مقتل المختار، وكتب فِي حمزة بْن عَبْد اللَّهِ مَعَ من كتب فيه من أَهْل البصرة. حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا: حَدَّثَنَا وهب بن جرير عن أبيه، قَالَ وهب: ولا أعلمه إلا عَن صعب بْن زيد: إن أشراف أَهْل العراق

كتبوا إِلَى عَبْد الْمَلِكِ يدعونه إِلَى أنفسهم، ويخبرونه أنهم مبايعوه، فلم يبق بالبصرة شريف إلا كاتبه غير المهلب. وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَخْزُومِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي عيينة قَالَ: سار المصعب يريد عَبْد الْمَلِكِ حَتَّى انتهى إِلَى باجميرا، ثُمَّ التقى هو وعَبْد الْمَلِكِ فغدر أَهْل البصرة بالمصعب فقتل، واجتمع النَّاس عَلَى عَبْد الْمَلِكِ. وَحَدَّثَنَا خلف وأحمد بْن إِبْرَاهِيمَ قالا: حَدَّثَنَا وهب حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كتبوا إِلَى عَبْد الْمَلِكِ يسألونه المسير إليهم ويخبرونه أنهم لو قد رأوه مالوا إِلَيْهِ بمن تبعهم، فأقبل عَبْد الْمَلِكِ وخرج إِلَيْهِ مصعب فلما صفوا للقتال مال أَهْل العراق إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، وبقي المصعب فِي خف من النَّاس، فَقَالَ لابنه عيسى: أي بني انصرف، فأبى وَقَالَ: والله لا آتي قريشا فأخبرهم عَن مصرعك أبدا، قَالَ: فتقدم إذا فتقدم فقتل. وأقبل عبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان فَقَالَ للمصعب كيف ترى اللَّه صنع بك وأخزاك، قَالَ: بل أخزاك، والمصعب راجل وابن ظبيان راكب، قَالَ: فقتل ابْن زياد المصعب، واحتز رأسه فأتى بِهِ عَبْد الْمَلِكِ فألقاه بين يديه وهو يقول: نعاطي الملوك الحق مَا قسطوا لنا ... وليس عَلَيْنَا قتلهم بمحرم فخر عَبْد الْمَلِكِ ساجدا، فكان ابْن ظبيان يقول: مَا ندمت عَلَى شيء قط ندامتي عَلَى ألا أكون ضربت رأس عَبْد الْمَلِكِ حين أتيته برأس المصعب، فأرحت النَّاس، وأكون قد قتلت ملكي العرب فِي يوم واحد.

وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب بن جرير حدثنا الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ بِحَدِيثٍ طَوِيلٍ فَاخْتَصَرْتُهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِثْلُ مَنْزِلَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عِنْدَ الْمُصْعَبِ، فَلَمَّا قُتِلَ الْمُصْعَبُ رَحَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَعَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِمَنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بن الزبير: يا بن أَبِي فَرْوَةَ أَخْبِرْنِي عَنِ النَّاسِ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَرَجْنَا حَتَّى إِذَا وَاقَفْنَا عَبْدَ الْمَلِكِ مَالَ دَاوُدُ بْنُ قَحْذَمٍ بِرَايَةِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَمَالَ فُلانٌ بِرَايَةِ بَنِي فُلانٍ، فَلَمَّا رَأَيْتُ الْمُصْعَبَ قَدْ بَقِيَ فِي رِقَّةٍ مِنَ النَّاسِ أَتَيْتُهُ بِأَفْرَاسٍ قَدْ أَضْمَرْتُهَا فَهِيَ مِثْلُ الْقِدَاحِ فَقُلْتُ لَهُ: ارْكَبْ فَالْحَقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَدَثَّ فِي صَدْرِي دَثَّةً وَقَالَ: لَيْسَ أَخُوكَ بِالْعَبْدِ، وَأَحْبَبْتُ الْحَيَاةَ فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ثَلاثَ مِرَارٍ. حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ مجالد عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: قدم مصعب حين ولي العراقين فبدأ بالبصرة، وولى القباع الْكُوفَة، وَكَانَ خليفة القباع بِهَا عَمْرو بْن حريث، ثُمَّ شخص إِلَى الْكُوفَة فقتل المختار ومعه الأحنف بْن قيس، ثُمَّ عزله أخوه عَن البصرة، وولاها حمزة ابنه فغضب وأقر عَلَى خلافته القباع ومضى إِلَى أخيه فرده عَلَى المصرين، وأقام بالبصرة حَتَّى شخص منها إِلَى الْكُوفَة واستخلف عباد بْن الحصين، ويقال: إنه استخلف سنان بْن سلمة، وجعل عبادا عَلَى شرطه وَكَانَ الأحنف مَعَ مصعب، فمات الأحنف بالكوفة، ثُمَّ إن مصعبا شخص إِلَى مسكن فقتل بها.

وَقَالَ الهيثم: ثُمَّ خرج عَبْد الْمَلِكِ يريد العراق لمحاربة مصعب فِي خمسين ألفا فقصد لزفر بْن الحارث حَتَّى آمنه وخرج مَعَهُ إلى مصعب فشهد حربه ولم يقاتل، وَقَالَ غيره، لما صالح عَبْد الْمَلِكِ زفر بْن الحارث رجع إِلَى دمشق ثُمَّ شخص قصدا فواقع مصعبا. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَن الوليد بْن مُسْلِم وغيره أن عَبْد الْمَلِكِ صالح زفر بْن الحارث، ثُمَّ قدم دمشق فأصلح أمر ملك الروم والجراجمة الذين خرجوا عَلَيْهِ، ثُمَّ استشار فِي المسير إِلَى مصعب بْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ بعض من مَعَهُ: إنك قد واليت بين سنتين، شخصت فيهما فخسرت خيلك ورجالك، وعامك هذا عام جدب فأرج الأمر سنة أو سنتين، واسترح ثُمَّ اشخص فَقَالَ: الشام بلد قليل المال، ولا آمن نفاده، وقد كتب إلي أشراف أَهْل العراق يدعوني إليهم. قَالَ: وَكَانَ يشاور يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص، ثُمَّ يخالفه ويقول: من أراد صواب الرأي فليخالف يَحْيَى بْن الحكم فيما يشير بِهِ عَلَيْهِ، فدعاه فاستشاره فَقَالَ: أرى أن ترضى بالشام وتقيم بِهِ، وتدع مصعبا والعراق، فلعن اللَّه العراق، فضحك عَبْد الْمَلِكِ، ودعا بخالد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد فشاوره فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غزوت مرة فنصرك اللَّه، ثُمَّ ثانية فزادك اللَّه عزا، فأقم عامك هذا، ثم قَالَ لمحمد بْن مروان أخيه: مَا ترى؟ قَالَ: أرجو أن ينصرك اللَّه أقمت أو غزوت فاغز عدوك وشمر فِي طلب حقك، فأمر النَّاس بالاستعداد للمسير، وقدم مُحَمَّد بْن مروان ومعه خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، وبشر بْن مروان وَقَالَ: قد استعملت عليكم سيد النَّاس مُحَمَّد بْن مروان أخي ونصيحي.

وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن عوانة قَالَ: بعثت عاتكة بنت يَزِيد، امرأة عَبْد الْمَلِكِ، وهي أم يَزِيد ابنه: مَا رأيت خليفة قط غزا بنفسه فوجه النَّاس وأقم، فَقَالَ: والله لو بعثت إِلَى مصعب جميع أَهْل الشام لفضهم وفلهم مَا لم أكن مَعَهُمْ، وتمثل: ومستخبر عنا يريد بنا الردى ... ومستخبرات والعيون سواكب وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ والهيثم قَالَ عوانة: لما بلغ مصعبا إقبال عَبْد الْمَلِكِ إِلَيْهِ وأن قد قدم مقدمته وهو بالبصرة، أراد المسير إِلَيْهِ بأهل البصرة، فأبوا أن يسيروا مَعَهُ وقالوا: عدونا من الخوارج مطل عَلَيْنَا، فأرسل إِلَى المهلب وهو عامله على الموصل والجزيرة فولاه قتال الخوارج وخرج فَقَالَ بعض الشعراء: أكل عام لك باجميرا ... تغزو بنا ولا تفيد خيرا وباجميرا موضع كَانَ إذا بلغ مصعبا إقبال الملك نحوه خرج إليه من الكوفة، فبلغه انصراف عَبْد الْمَلِكِ فينصرف. وَقَالَ أَبُو مخنف: ولى عَبْد اللَّهِ مصعبا أخاه العراقين ثُمَّ إن مولى لبني عجل أتى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ بعد مقتل المختار فأشار عَلَيْهِ باستعمال حمزة ابنه على البصرة وَقَالَ لَهُ: إن ذَلِكَ يعجب أهلها ويحبونه فولاه إياها، فأراد المصعب الامتناع من تسليمها، فَقَالَ الأحنف: إن رأيت أن لا يكون بينك وبين أخيك مَا تتضاران فيه فافعل فإن ضرر ذَلِكَ ينالنا، فقدم حمزة البصرة فأقام سنة أو نحوها، فكان إذا عرض عَلَيْهِ مَا يرتفع من الخراج قَالَ: فأين خراج الزاوية؟ فكان الأحنف بْن قيس ومالك بْن مسمع يقولان: أما الفتى فيخبرنا أنه لا يستوفي عندنا سنة حَتَّى يعزل، وخرج مصعب مغضبا إِلَى أخيه

فرده عَلَى المصرين، فأشخص حمزة إِلَى أبيه، ويقال بل قدم حمزة إِلَى أبيه فرد مصعبا، فكتب مصعب من الْكُوفَة إِلَى المهلب وهو عامله بالموصل والجزيرة أن يقدم، فقدم عَلَيْهِ فضمه إِلَى حمزة فولاه قتال الخوارج وسار إِلَى الْكُوفَة وَكَانَ خليفته بِهَا القباع، وَكَانَ سبب خروجه إِلَى الْكُوفَة أنه بلغته حركة عَبْد الْمَلِكِ فأقام بِهَا والأحنف مَعَهُ، فمات بالكوفة قبل مصير مصعب إِلَى مسكن، ومشى فِي جنازته، وظفر مصعب بإبراهيم بْن حيان فقطع يده ونفاه، فصار إِلَى الروم فجنى هناك جناية فقطعوا رجله. قَالَ عوانة: وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن الأشتر عاملا للمختار حين قتل عَلَى الموصل ونواحيها، فكتب إِلَيْهِ المصعب يدعوه إِلَى طاعته والبيعة لعَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ فسارع إِلَى ذَلِكَ، وقدم عَلَيْهِ فولى المهلب مَا كَانَ يليه من الموصل والجزيرة ثُمَّ عزله وأعاد إِبْرَاهِيم بْن الأشتر إِلَى عمله. فلما صح عنده وصول عَبْد الْمَلِكِ يريده بعث إِلَى ابْن الأشتر فأقدمه عَلَيْهِ، فجعله عَلَى مقدمته وسار حَتَّى أتى دمما، وهي من عمل الأنبار، ثُمَّ قطع منها حَتَّى نزل بقرب أوانا وهناك دجيل ودير الجاثليق وباجميرا فعسكره وموضع وقعته بين هذه المواضع، وكاتب عَبْد الْمَلِكِ وجوه أَهْل الْكُوفَة والبصرة ورغبهم فِي الأموال والأعمال، وكتب إِلَيْهِ جماعة منهم يستجعلونه عَلَى نصرتهم إياه وانحرافهم عَن المصعب ولاية أصبهان، فكان يسأل عنها ويقول: مَا أصبهان هذه أتنبت الذهب والفضة، لقد كتب إلي فيها أربعون كتابا، وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى إِبْرَاهِيم بْن الأشتر فجعل لَهُ ولاية العراقين، فأخذ كتابه فدفعه إِلَى المصعب وَقَالَ لَهُ: أصلح اللَّه الأمير إن عَبْد الْمَلِكِ لم يكتب إلي بهذا الكتاب إلا وقد كتب إِلَى هؤلاء الوجوه بمثله وقد أفسدهم

عليك، فأنا أرى أن تأخذ وجوه أَهْل المصرين فتشدهم بالحديد، فَقَالَ لَهُ: يَا أبا النعمان أتأخذ النَّاس بالظنة؟ قَالَ: فاجمعهم فِي أبيض المدائن لئلا يشهدوا الحرب معك، قَالَ: إذا أفسد قلوب عشائرهم، قَالَ: فابعث بهم إِلَى أخيك بِمَكَّةَ، فَقَالَ: ليس هذا برأي، قَالَ: فإن لقيت العدو فلا تمدني بأحد منهم وأتهمهم. قالوا: وبكت عاتكة بنت يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ حين أراد عَبْد الْمَلِكِ المسير نحو العراق، وبكى جواريها فَقَالَ، كأن كثير عزة كَانَ يرى مَا نحن فيه حين يقول: إذا مَا أراد الغزو لم تثن رأيه ... حصان عَلَيْهَا نظم در يزينها نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكى مما شجاها قطينها [1] فسار عَبْد الْمَلِكِ حَتَّى نزل الأحيونية وهي بين مسكن وتكريت، ونزل مصعب دير الجاثليق وهو بمسكن، وبين العسكرين ثلاثة فراسخ، ويقال: فرسخان، وخندق مصعب خندقا عَلَى عسكره وعسكره اليوم يعرف بخربة مصعب، وَقَالَ مصعب: رحم اللَّه أبا بحر- يعني الأحنف بْن قيس- لقد كَانَ يقول لي: لا تلق بأهل العراق عدوا فإنهم كالمومسة تريد كل يوم بعلا، وهم يريدون كل يوم أميرا. وَكَانَ عكرمة بْن ربعي أحد بني تيم اللَّه بْن ثعلبة، وحوشب بْن يَزِيدَ بْن الحارث بْن يَزِيدَ بْن رويم الشيباني يتباريان فِي إطعام الطعام فَقَالَ مصعب: دعوهما فلينفقا من خيانتهما وفجورهما.

_ [1] ديوان كثير- ط. بيروت ص 231.

وأرسل عَبْد الْمَلِكِ إِلَى مصعب رجلا من كلب فَقَالَ لَهُ: أقرئ ابْن أختك السلام وقل لَهُ: يدع دعاءه إِلَى أخيه، وأدع دعائي إِلَى نفسي ونصير الأمر شورى، فَقَالَ مصعب: قل لَهُ: السيف بيننا. فقدم عَبْد الْمَلِكِ مُحَمَّد بْن مروان ومعه بشر بْن مروان وَقَالَ: اللهم انصر محمدا، اللهم انصر خيرنا لهذه الأمة، وقدم مصعب إِبْرَاهِيم بْن الأشتر للقائه فالتقيا وبين عسكر مصعب وبين عسكر ابْن الأشتر فرسخ، فتناوش الفريقان فقتل صاحب لواء مُحَمَّد، وجعل عَبْد الْمَلِكِ يمد محمدا، وجعل المصعب يمد إِبْرَاهِيم، وجعل مُحَمَّد يكف أصحابه عَن مناجزة القوم فوجه إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ يشتمه، فوقف مُحَمَّد رجلا فِي جماعة وأمره أن يمنع من يأتيه من جهة عَبْد الْمَلِكِ من دخول عسكره، فوجه عبد الملك خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد فرده أشد الرد حَتَّى إذا كَانَ قرب المساء قَالَ مُحَمَّد للناس حركوهم فتهايج القوم. ووجه المصعب إِلَى إِبْرَاهِيم بْن الأشتر عتاب بْن ورقاء الرياحي، وَكَانَ قد بايع عَبْد الْمَلِكِ ووعده أن يكيد لَهُ المصعب، فلما رآه إِبْرَاهِيم غمه أمره وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون قد سألته أن لا يمدني بهذا ونظرائه، وانهزم عتاب عَلَى مواطأة منه لأهل الشام، فوقعت الهزيمة وقتل ابْن الأشتر وهو يقول: قد قلت: أعفني من عتاب وذوي عتاب، وَكَانَ الَّذِي قتل ابْن الأشتر مولى لبني عذرة لَهُ عبيد بْن ميسرة، واحتز رأسه وأتى بِهِ عَبْد الْمَلِكِ، وأحرق جثته موالي حصين بْن نمير، وَقَالَ عوانة: لما واقع مُحَمَّد بْن مروان ابْن الأشتر قَالَ ابْن الأشتر لأصحابه: لا تنصرفوا حَتَّى ينصرف أَهْل الشام عنكم، فَقَالَ عتاب بْن ورقاء: ولم لا ننصرف، فانصرف وانهزم النَّاس

حَتَّى أتوا مصعبا، وصبر إِبْرَاهِيم بْن الأشتر حَتَّى قتل، فلما أصبح مُحَمَّد بْن مروان وجه إِلَى عسكر مصعب رجلا وَقَالَ: انظر كيف تراهم فلم يعرف الطريق، فدله عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بْن عربي الكناني فأتى العسكر ثُمَّ انصرف، فَقَالَ: رأيتهم منكسرين، وقاتل مَعَ مصعب شعيث بْن ربيع بْن حشيش العنبري فصبر. قالوا: وأصبح مصعب فدنا من مُحَمَّد، ودنا منه حَتَّى التقوا فنزل قوم من أصحاب مصعب، وأتوا محمدا، فدنا مُحَمَّد من المصعب، وناداه: أنا ابْن عمك مُحَمَّد بْن مروان فأقبل أمان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فقد بذله لك، فَقَالَ: أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ، يعني عَبْد اللَّهِ أخاه، فقال: يا بن عم إن القوم خاذلوك، فأبى مَا عرض وجعل يقول: إن الألى بالطف من آل هاشم ... تأسوا فسنوا للكرام التأسيا والشعر لابن قتة. ودعا مُحَمَّد عيسى بْن مصعب، فَقَالَ لَهُ مصعب: انظر مَا يريد عمك فدنا منه فَقَالَ: إني لكم ناصح، ولك ولأبيك الأمان وناشده، فرجع إِلَى أبيه فأخبره بما قَالَ لَهُ، فَقَالَ: إني أظن القوم سيفون فإن أحببت أن تأتيهم فافعل، فَقَالَ: لا تتحدث نساء قريش بأني خذلتك ورغبت بنفسي عنك، قَالَ: فتقدم حَتَّى احتسبك، فتقدم وناس مَعَهُ فقتل وقتلوا، ونظر مصعب إِلَى عتاب بْن ورقاء فَقَالَ: لا يبعد اللَّه ابْن الأشتر فقد كَانَ حذرنيك، وترك النَّاس مصعبا وخذلوه حَتَّى بقي فِي سبعة نفر، وجاء رجل من أَهْل الشام ليحتز رأس عيسى بْن مصعب فشد عَلَيْهِ مصعب فقتله، وشد على الناس

فانفرجوا عنه، ثُمَّ جاء إِلَى مرفقة ديباج فجلس عَلَيْهَا، ثُمَّ قام فشد عَلَى النَّاس فانفرجوا عنه. وبذل لَهُ عَبْد الْمَلِكِ الأمان، وَقَالَ لَهُ: إنه يعز علي أن تقتل فاقبل أماني ولك حكمك فِي المال والولاية، فأبى وجعل يضارب، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: هذا والله كما قَالَ القائل: ومدجج كره الكماة نزاله ... لا ممعن هربا ولا مستلئم هذا والله الَّذِي لا يجيبنا إِلَى أماننا، ولا يصدف عنا، ودخل مصعب سرادقه، فيقال: إنه تحنط، فرمى السرادق حَتَّى سقط، وخرج فقاتل. وأتاه عبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان فدعاه إِلَى المبارزة، فَقَالَ لَهُ: يَا كلب اغرب مثلي يبارز مثلك، لعمري لقد ألجأني الدهر إِلَى مبارزتك، وشد عَلَيْهِ مصعب فضربه عَلَى البيضة فهشمها وجرحه، فرجع عبيد اللَّه فعصب رأسه، وأتى عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة مصعبا، وَكَانَ كاتبه فَقَالَ لَهُ: جعلت فداك تركك النَّاس وهذا الرجل، يعني عَبْد الْمَلِكِ، مستديم لك لعلك تقبل أمانه وعندي خيل مقدحة فاركب أيها شئت وانج بنفسك فدث فِي صدره، ورجع ابْن ظبيان إِلَى مصعب فحمل عَلَيْهِ، فضربه مصعب وهو مثخن لما أصابته من الجراحة، فلم تعمل ضربته فيه، وضربه عبيد اللَّه بْن ظبيان حَتَّى مات، ويقال: إن ابْن ظبيان ضربه وزرقه زائدة بْن قدامة الثقفي أو رماه، ونادى يَا لثارات المختار فسقط ميتا واحتز ابْن ظبيان رأسه، ويقال: بل أمر غلاما لَهُ ديلميا فاحتز رأسه وحمله إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فوضعه بين يديه وهو ينشد. نعاطي الملوك الحق مَا قسطوا لنا ... وليس عَلَيْنَا قتلهم بمحرّم

فسجد عَبْد الْمَلِكِ، فكان ابْن ظبيان يقول: لقد هممت أن أضرب رأس عَبْد الْمَلِكِ وهو ساجد، فأكون قد قتلت ملكي العرب وأرحت النَّاس منهما، وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لقد هممت أن أقتل ابْن ظبيان فأكون قد قتلت أفتك النَّاس بأشجع النَّاس. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: كتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، وهو مَعَ مصعب، كتابا فأتى بِهِ المصعب قبل أن يقرأه، فلما قرأه قَالَ لَهُ: يَا أبا النعمان أتدري مَا فيه؟ قَالَ: لا، قَالَ يعرض عليك مَا سقت دجلة أو مَا سقى الفرات، فإن أبيت جمعهما لك، وإن هذا لما يرغب فيه، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: مَا كنت لأتقلد الغدر والخيانة، وما عَبْد الْمَلِكِ من أحد بأيأس منه مني، وما ترك أحدا ممن معك إلا وقد كتب إِلَيْهِ، فابعث إليهم فاضرب أعناقهم، وإلا فأوقرهم حديدا، ثُمَّ ألقهم فِي أبيض كسرى ووكل بهم حفظة، فإن ظفرت عفوت عنهم أو عاقبت، فَقَالَ: يَا أبا النعمان إني أخاف في هذا القالة، وو الله لو لم أجد إلا النمل لقاتلت بِهِ أَهْل الشام. قَالَ: فلما اصطف النَّاس مال عتاب بْن ورقاء فذهب، وَكَانَ عَلَى خيل أَهْل الْكُوفَة، وجعل إِبْرَاهِيم يقول لرجل رجل: تقدم فيأبون عَلَيْهِ، فيتقدم هو فيقاتل فلم يزل يفعل ذَلِكَ حَتَّى قتل، ثُمَّ تقدم مصعب فخذله الناس، فقال الحجّار بْن أبجر: تقدم يَا أبا أسيد إِلَى هؤلاء الأنتان، قَالَ: مَا تتأخر إِلَيْهِ أنتن، ثُمَّ قَالَ للغضبان بْن القبعثري: تقدم يَا أبا السمط، فَقَالَ مَا أرى ذاك، فالتفت إِلَى قطن بْن عَبْد اللَّهِ الحارثي، وهو عَلَى مذحج، وأسد فَقَالَ: تقدم فَقَالَ: أسفك دماء مذحج فِي غير شيء، فَقَالَ: أف لكم، ثُمَّ أقبل فِي عدة، فلما برز قَالَ زياد بْن عَمْرو العتكي

لعَبْد الْمَلِكِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن أبا البختري إسماعيل بْن طلحة بْن عبيد اللَّه كَانَ لي صديقا، وقد خفت أن يقتل فآمنه، قَالَ: هو آمن. ودنا مُحَمَّد بْن مروان فأعطى مصعبا الأمان، فأباه ورمي مصعب من كل جانب فأثخن، وقاتل ابنه عيسى حَتَّى قتل، وقتل ابْن ظبيان مصعبا، ويقال: ضربه غلام لَهُ عَلَى جبينه واعتوره النَّاس فقتل ووقف ابْن ظبيان فاحتز رأسه وأتى بِهِ عَبْد الْمَلِكِ. قالوا: وقتل يَحْيَى بْن جعدة فأتي عَبْد الْمَلِكِ برأسه فَقَالَ: مَا لآل جعدة وآل الزُّبَيْر، وقتل عَبْد اللَّهِ بْن شداد بْن الهاد الكناني، ويقال: لم يقتل ولكنه مات فِي تلك السنة، وقتل يَحْيَى بْن مبشر اليربوعي، وشد رجل عَلَى مسلم بْن عَمْرو الباهلي فطعنه فأذراه عَن فرسه، فمر بِهِ رجل وهو مرتث فَقَالَ: هذا صنيعة من صنائع بني أمية يقتل تحت رايات آل الزُّبَيْر، وَقَالَ عوانة: أتي بِهِ عَبْد الْمَلِكِ وقد طلب لَهُ منه الأمان وهو مثقل فَقَالَ: يَا مسلم ويحك نسيت بلاء يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ عندك. قالوا: وَكَانَ قتل مصعب فِي سنة اثنتين وسبعين. قَالَ ابْن الزُّبَيْرِ الأسدي فِي إِبْرَاهِيم بْن الأشتر: سأبكي وإن لم تبك فتيان مذحج ... فتاها إذا الليل التمام تأوبا فتى لم يكن فِي مرة الحرب جاهلا ... ولا بمطيع فِي الوغى من تهيبا أبان أنوف الحي قحطان قتله ... وأنف نزار قد أبان فأوعبا فمن يك أمسى خائنا لأميره ... فما خان إِبْرَاهِيم فِي الموت مصعبا ولما قتل مصعب قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: متى تغذو النساء مثل مصعب لقد حرصنا عَلَى استبقائه ولكن اللَّه أبى ذلك.

وَقَالَ عدي بْن الرقاع العاملي، ويقال البعيث اليشكري: ونحن قتلنا ابْن الحواري مصعبا ... أخا أسد والمذحجي اليمانيا ومرت عقاب الموت قصدا بمسلم ... فأهوت لَهُ ظفرا فأصبح ثاويا [1] يعني مسلم بْن عَمْرو الباهلي. ولعدي بْن الرقاع قصيدته التي يقول. لعمري لقد أصحرت خيلنا ... بأكناف دجلة للمصعب إذا شئت نازلت مستقدما ... إِلَى الموت كالجمل الأجرب فمن يك منا يكن آمنا ... ومن يك من غيرنا يهرب [2] وَقَالَ عبيد اللَّه بْن قيس الرقيات: لقد أورث المصرين خزيا وذلة ... قتيل بدير الجاثليق مقيم فما قاتلت فِي اللَّه بكر بْن وائل ... ولا صبرت عند اللقاء تميم [3] فِي أبيات. وَقَالَ ابْن قيس أيضا: إن الرزية يوم مسكن ... والمصيبة والفجيعه بابن الحواري الَّذِي ... لم يعده يوم الوقيعه يَا لهفتي لو أنّ لي ... بالدير يوم الدير شيعه [4]

_ [1] ليسا في ديوان عدي المطبوع. [2] ديوان عدي بن الرقاع العاملي- ط. بيروت 1990 ص 58- 60 مع فوارق. [3] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 196- 197. [4] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 184.

وَقَالَ الأقيشر الأسدي: حمى أنفه أن يقبل الضيم مصعب ... فمات كريما لم تذم خلائفه ولو شاء أعطى الضيم من رام هضمة ... فعاش ملوما فِي الرجال طرائقه ولكن مضى والموت يبرق خاله ... يساوره مرا ومرا يعانقه تولى كريما لم تنله مذلة ... ولم يك رغدا تطبيه نمارقه [1] وَقَالَ عرفجة بْن شريك أحد بني قيس بْن ثعلبة مَا لابن مروان أعمى اللَّه ناظره ... ولا أصاب رغيبات ولا نفلا يرجو الفلاح ابْن مروان وقد قتلت ... خيل ابْن مروان خرقا ماجدا بطلا يَابْن الحواري كم من نعمة لكم ... لو رام غيركم أمثالها شغلا حملتم فحملتم كل معضلة ... إن الكريم إذا حملته احتملا وَقَالَ الحارث بْن خالد المخزومي: هلا صبرتم بني السوداء أنفسكم ... حَتَّى تموتوا كما ماتت بنو أسد وَقَالَ سويد بْن منجوف السدوسي من أَهْل البصرة يحذر مصعبا غدر أَهْل الْكُوفَة: ألا ابلغ مصعبا عني رسولا ... ولن تلقى النصيح بكل واد تعلم أنّ أكثر من تناجي ... وإن أذنيتهم فهم الأعادي وَقَالَ الأقيشر فِي أبيات لَهُ، ويقال: ابْن الزُّبَيْرِ: من كَانَ أمسى خائنا لأميره ... فما خان إِبْرَاهِيم فِي الحرب مصعبا [2]

_ [1] ليست في ديوان الأقيشر المطبوع. [2] ليس في ديوان الأقيشر المطبوع.

وَقَالَ موسى شهوات: قد مضى مصعب فولى حميدا ... وابن مروان آمن حيث سارا مصعب كَانَ منك أورى زنادا ... حين تغشى القبائل الأقتارا وَقَالَ سالم بْن وابصة الأسدي: أبلغ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رسالة ... ليس المبلد كالجواد المسهب لا تجعلن مؤنثا ذا سرة ... ضخما سرادقة وطئ المركب يغدو إذا مَا الحرب أطفئ نارها ... ويروح مزهوا عظيم الموكب كأغر يتخذ السيوف سرادقا ... يمشي برايته كمشي الأنكب ومشهر فِي الحرب فرج سيفه ... غمرات مخشي الردى متهيب فاذكر ولا تجعل بلاء مُحَمَّد ... والخاذليه لدى الحروب كجندب يدعى إذا مَا الحيس أحسن أدمه ... وإذا تكون عظيمة لم يندب وإلى ابن مروان الأغرّ محمّد ... بين ابن أشتر هم وبين المصعب نفسي فداءك يوم ذَلِكَ من فتى ... يكفي بمشهده حضور الغيب وهي فِي ديوانه طويلة. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: سار مصعب وحوله نفر يسير وقد خذله أَهْل العراق، لعدة عَبْد الْمَلِكِ إياهم، وعد حجار بْن أبجر ولاية أصبهان، ووعدها غضبان بْن القبعثرى، وعتاب بن ورقاء، وقطن بن عبد الله الحارثي، ومحمد بْن عمير بْن عطارد. قَالَ: وَقَالَ عروة بْن المغيرة: خرج مصعب يسير فوقعت عينه علي فَقَالَ: يَا عروة كيف صنع الْحُسَيْن فأخبرته بإبائه النزول عَلَى حكم ابْن زياد وعزمه عَلَى الحرب فَقَالَ:

إن الألى بالطف من آل هاشم ... تأسوا فسنوا للكرام التأسيا والبيت لسليمان بْن قته. قَالَ: وَقَالَ قيس بْن الهيثم لأهل البصرة ويحكم لا تدخلوا أهل الشام عليكم فو الله لئن تطعّموا بعيشكم ليضيّقنّ عليكم منازلكم ادفعوهم عن داركم، فو الله لقد رأيت سيد أَهْل الشام عَلَى باب الخليفة يفرح بأن أرسله فِي حاجة، ولقد رأيتنا فِي الصوائف وإن زاد أحدنا عَلَى عدّة أجمال وإن أحدهم ليغزو عَلَى فرسه وزاده خلفه. قَالَ: والتقى القوم فقتل مسلم بْن عَمْرو الباهلي، وقتل يَحْيَى بْن مبشر أحد بني ثعلبة بْن يربوع فقال جرير: صلّى الإله عليك يا بن مبشر ... إما ثويت بملتقى الأجناد مأوى الضريك إذا السنون تتابعت ... وفتى الطعان عشية العصواد والخيل ساطعة الغبار كأنها ... قصب تحرق أو رعيل جراد [1] قالوا: ولما أخبر ابْن خازم بمسير مصعب يريد عَبْد الْمَلِكِ قَالَ: أمعه عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر؟ قالوا: لا استعمله على فارس، قال: أفعمه المهلب؟ قيل: لا استعمله عَلَى الموصل، قَالَ: أفمعه عباد بْن الحصين؟ قيل: لا استخلفه عَلَى البصرة، قَالَ: وأنا بخراسان. خذيني فجريني ضباع وأبشري ... بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: لما أخبر بأن ابْن معمر والمهلب غائبان عَن مصعب، قَالَ:

_ [1] ديوان جرير ص 98 مع فوارق.

فلو بهما حكت رحا الحرب بركها ... لقاما ولو كَانَ القيام عَلَى رجل وَحَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ قال: قال عبد الملك يوما لجلسائه، من أشد النَّاس؟ قالوا: أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: اسلكوا غير هذه الطريق، قالوا: عمير بْن الحباب، قَالَ: قبح اللَّه عميرا لص ثوب ينازع عَلَيْهِ أعز عنده من نفسه ودينه قالوا: فشبيب، قَالَ: إن للحرورية طريقا، قالوا: فمن؟ قَالَ: مصعب كانت عنده عقيلتا قريش: سكينة بنت الْحُسَيْن، وعائشة بنت طلحة، ثُمَّ هو أكثر النَّاس مالا، جعلت لَهُ الأمان، وضمنت أن أوليه العراق، وعلم أني سأفي لَهُ لصداقة كانت بيني وبينه فأبى وحمي أنفا وقاتل حَتَّى قتل، فَقَالَ رجل: كَانَ يشرب الشراب، قَالَ: ذاك قبل أن يطلب المروءة، فأما مذ طلبها فلو ظن أن الماء ينقص من مروءته مَا ذاقه. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: أتي عَبْد الْمَلِكِ بجيفة مصعب فجعل ينظر إلى جسده ويقول: متى تغذو النساء مثلك عَلَى نفاقك، وكانت عَلَى رأسه جارية تذب عنه فبدا لها ذكره، وأول مَا يعظم من الميت ويستمد جردانه [1] فقالت يَا سيدي: مَا أغلظ أيور المنافقين فَقَالَ: اغربي قبحك اللَّه. حَدَّثَنَا أَبُو بكر الأعين حَدَّثَنَا أَبُو نعيم الفضل بْن دكين حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ [2] عَن عَبْد اللَّهِ بْن شريك العامري قَالَ: إني لواقف إِلَى جنب مصعب فأخرجت إِلَيْهِ كتابا من قبائي فقلت: هذا كتاب عَبْد الْمَلِكِ، فَقَالَ: اصنع ما شئت.

_ [1] الجردان: قضيب ذوات الحافر. القاموس. [2] بهامش الأصل: هذا أبو أبي أحمد الزبيري.

وأخذ رجل من أَهْل الشام جارية لَهُ فصاحت: وا ذلاه، فنظر إليها فأعرض عنها. قَالَ أَبُو نعيم: وقتل مصعب وهو ابْن ست وثلاثين سنة. وَقَالَ الهيثم عَن ابْن عياش: استأمن زياد بْن عَمْرو العتكي لإسماعيل بْن طلحة، وَقَالَ: إنه كَانَ يدفع شر المصعب عني فآمنه، فدنا فصاح بِهِ وَكَانَ زياد ضخما فأتاه وَكَانَ إسماعيل نحيفا فضرب بيده إِلَى منطقته، وكانت مناطقهم حواشي محشوة فاقتلعه من سرجه فَقَالَ: انشدك اللَّه أبا المغيرة فإن هذا ليس بوفاء لمصعب، فَقَالَ زياد: هذا والله أحب إلي من أن أراك غدا مقتولا. قَالَ: خرج عبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان، وداود بْن قحذم القيسي، وبسطام بْن مصقلة بْن هبيرة الشيباني، وعمر بْن ضبيعة إِلَى عَبْد الْمَلِكِ برأس إِبْرَاهِيم بْن الأشتر. وَقَالَ الهيثم: لما قتل عَبْد الْمَلِكِ مصعبا نزل النخيلة أربعين ليلة، فوجه الحجاج إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، وولى بشرا الْكُوفَة، وولى خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد البصرة، ووجه أمية إِلَى أَبِي فديك فهزمه، فقدم البصرة فِي ثلاث، فوجه عَبْد الْمَلِكِ عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر إِلَى أَبِي فديك، ووجه مَعَهُ ابْن عضاه الأشعري وأفرشه ديوان المصرين فانتخب منه، فقتل أبا فديك، وكتب بالفتح إِلَى بشر بْن مروان، فَقَالَ العجاج: لقد شفاك عمر بْن معمر ... من الحروريين يوم العسكر وقع امرئ ليس كوقع الأعور [1]

_ [1] ليست في ديوان العجاج المطبوع.

يعني عَبْد اللَّهِ بْن عمير الليثي، وَكَانَ وجه إِلَى نجدة فلم يصنع شيئا. وَقَالَ غير الهيثم: وجه خالد أخاه أمية، ووجه عَبْد الْمَلِكِ إِبْرَاهِيم بْن عربي إِلَى اليمامة أميرا عَلَيْهَا، فخرج عَلَيْهِ نوح بْن هبيرة، وَكَانَ مَعَهُ من أَهْل الشام ألف فقتلهم. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: لله مصعب لو كَانَ لأخيه سخاؤه، وله شجاعة أخيه، وشدة شكيمته مَا طمع فيهما، عَلَى أن مصعبا كَانَ شجاعا أبيا لقد أعطيناه أمانا لو قبله لوفينا لَهُ بِهِ، ولكنه آثر الموت صابرا عَن الحياة. وَحَدَّثَنِي الحرمازي عَن أَبِي زَيْد عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ: ذكر رجل مصعبا عند عَبْد الْمَلِكِ، فوقع فيه وصغر شأنه فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: اسكت فإن من صغر مقتولا صغر قاتله. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عَوَانَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ: لَمَّا أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَقْتَلَ مُصْعَبٍ أَضْرَبَ عَن ذِكْرِهِ أَيَّامًا، ثُمَّ تَحَدَّثَ بِهِ الإِمَاءُ بِمَكَّةَ فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ صَعَدَ الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ مَلِيًّا لا يَتَكَلَّمُ، وَإِذَا الْكَآبَةُ بَادِيَةٌ فِي وَجْهِهِ وَجَبِينِهِ يَرْشَحُ عَرَقًا، قَالَ: فَقُلْتُ لِصَاحِبٍ لِي: أَلا تَرَاهُ، أَتُرَاهُ يَهَابُ الْمَنْطِقَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَخَطِيبٌ جَرِيءٌ فَمَا تَظُنُّهُ تَهَيَّبَ، قَالَ: أُرَاهُ يُرِيدُ ذِكْرَ مُصْعَبٍ سَيِّدِ الْعَرَبِ، فَهُوَ يَفْظَعُ ذِكْرَهُ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ، وَمُلْكُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [1] ، أَلا وَإِنَّهُ لَمْ يُذَلَّ امرؤ كان معه الحقّ وإن كان

_ [1] انظر سورة آل عمران- الآية: 26.

فَرْدًا وَلَمْ يُعَزَّ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْبَاطِلِ ولو كان الناس معه طرّا، إنّه أَتَانَا خَبَرٌ مِنَ الْعِرَاقِ حَزَنَنَا وَأَفْرَحَنَا، وَسَاءَنَا وَسَرَّنَا، أَتَانَا قَتْلُ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّذِي حَزَنَنَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ لِفِرَاقِ الْحَمِيمِ لَوْعَةٌ يَجِدُهَا حَمِيمُهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، ثُمَّ يَرْعَوِي ذَا الرَّأْيِ وَالدِّينِ وَالْحِجَى وَالنُّهَى إِلَى جَمِيلِ الصَّبْرِ، وَكَرِيمِ الْعَزَاءِ، وَأَمَّا الَّذِي سَرَّنَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ قَتْلَهُ شَهَادَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ ذَلِكَ لَنَا وَلَهُ خِيرَةً، إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَهْلُ الْغَدْرِ وَالنِّفَاقِ أَسْلَمُوهُ وَبَاعُوهُ بِأَقَلِّ ثَمَنٍ وَأَخَسِّهِ فَقُتِلَ. وَإِنَّ قُتِلَ فَمَهْ، قَدْ قُتِلَ أَبُوهُ وَعَمُّهُ [1] وَهُمَا مِنَ الْخِيَارِ الصَّالِحِينَ، إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَمُوتُ حَبَجًا، مَا نَمُوتُ إِلا قَتْلا قَعْصًا بِأَطْرَافِ الأَسِنَّةِ وَظِبَاةِ السُّيُوفِ، لَيْسَ كَمَا يَمُوتُ بنو مروان في حجالهم، فو الله مَا قُتِلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ قَطُّ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ، وَلَئِنِ ابْتُلِيتُ بِالْمُصِيبَةِ بِمُصْعَبٍ، لَقَدِ ابْتُلِيتُ قَبْلَهُ بِالْمُصِيبَةِ بِإِمَامِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَلا وَإِنَّمَا الدُّنْيَا عَارِيَةٌ مِنَ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ الَّذِي لا يَزُولُ مُلْكُهُ، وَلا يَبِيدُ سُلْطَانُهُ فَإِنْ تُقْبِلْ عَلَيَّ لا آخُذُ الأَشِرَ الْبَطَرَ، وَإِنْ تُدْبِرْ عَنِّي لا أَبْكِ عَلَيْهَا بُكَاءَ الْخَرِفِ الْهَتِرِ [2] ، ثُمَّ نَزَلَ وَهُوَ يَقُولُ: خُذِينِي فجريني ضباع وأبشري ... بلحم امرئ لم يشهد الْيَوْمَ نَاصِرُهْ قَالُوا: وَتَمَثَّلَ عَبْدُ اللَّهِ حِينَ قُتِلَ مُصْعَبٌ: لَقَدْ عَجِبْتُ وَمَا بِالدَّهْرِ مِنْ عجب ... أنّي قتلت وأنت الحازم البطل

_ [1] بهامش الأصل: يعني السائب بن العوام قتل يوم اليمامة. [2] الهتر: ذهاب العقل من كبر أو مرض أو حزن. القاموس.

وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: إن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ لو كَانَ خليفة كما يقول لخرج فآسى بنفسه، ولم يغرز ذنبه فِي الحرم، ثُمَّ قَالَ: لله درك يَا مصعب مَا كَانَ أسخى نفسك بنفسك. وَقَالَ أعشى همدان، وهو عبد الرحمن بن الحارث بن نظام قصيدة طويلة أولها: ألا من لهم آخر الليل منصب ... وأمر جليل فادح لي مشيب وفيها: ألا بهلة [1] اللَّه الَّذِي عز جاره ... عَلَى الغادرين الناكثين بمصعب جزى اللَّه حجارا هناك ملامة ... وفرخ عمير من مناج مؤلب وما كَانَ عتاب لَهُ بمناصح ... ولا كَانَ عَن سعي عَلَيْهِ بمغرب ولا قطن ولا ابنه لم يناصحا ... فتبا لسعي الحارثي المخبب وضاربهم يَحْيَى وعيسى ذمامة ... وضارب تحت الساطع المتنصب وأدبر عنه المارق ابْن القبعثرى ... فما كان بالحامي ولا بالمذبّب ولا العتكي إذ أمال لواءه ... فولى بِهِ عنه إِلَى شر موكب ولا ابْن رويم لا سقى الغيث قبره ... فباء بجدع آخر الدهر موعب وما سرني من هيثم فعل هيثم ... وإن كَانَ فينا ذا غناء ومنصب ولا فعل دَاوُد القليل وفاؤه ... فقد ظل محمولا عَلَى شر مركب ولكن عَلَى فياض بكر بْن وائل ... سأثني وخير القول مَا لم يكذب يعني بفرخ عمير مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد، ويعني بالهيثم الهيثم بْن الأسود بْن الهيثم النخعي، ويعني بفياض بكر عكرمة بن ربعيّ من بني تيم

_ [1] البهل: اللعن. القاموس.

اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة وَكَانَ جوادا، ويعني بعيسى عيسى بْن مصعب وبيحيى يَحْيَى بْن مبشر اليربوعي من بني تميم، ويعني بحوشب حوشب بْن يَزِيدَ بْن رويم، ويعني بداود دَاوُد بْن قحذم. وَقَالَ أَبُو السفاح من ولد عميرة بْن طارق اليربوعي: صلى على يحيى وأشياعه ... ربّ غفور وشفيع مطاع يَا سيدا مَا أنت من سيد ... موطّا الرحل رحيب الذراع قوال معروف وفعاله ... عقار مثنى أمهات الرباع وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كَانَ أَبُو العباس الأعمى يهجو آل الزُّبَيْر ويمدح مصعبا من بينهم، ويمدح بني أمية، وَكَانَ عثمانيا فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: أنشدني شعرك فِي مصعب فإنا لا نتهمك فأنشده: رحم اللَّه مصعبا إنّه عا ... ش جوادا وَكَانَ فينا كريما طلب الملك ثُمَّ مات فقيدا ... لم يعش باخلا ولا مذموما فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: صدقت والله كذا كَانَ. وَقَالَ هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ: تزوج مصعب فاطمة بنت عَبْد اللَّهِ بْن السائب، أحد بني أسد بْن عَبْد العزى، فولدت لَهُ عيسى بْن مصعب وعكاشة فقتل عيسى يوم دجيل، ونجا عكاشة بنفسه فَقَالَ الشاعر: ولو كَانَ صلب العود أو ذا حفيظة ... رأى مَا رأى فِي الموت عيسى بْن مصعب والثبت أن البيت قيل فِي حوشب بْن يَزِيدَ بعد هذه الأيام وهو: ولو كَانَ حرا حوشب ذا حفيظة ... رأى مَا رأى فِي الموت عيسى بْن مصعب وقالوا: قَالَ عوانة: اشترط زفر فِي صلحه ألا يقاتل مَعَ عَبْد الْمَلِكِ وابن الزُّبَيْر حي، ولم يدخل الهذيل فِي الشرط، فلما سار عَبْد الْمَلِكِ إلى مصعب

سار الهذيل بْن زفر مَعَهُ، ثُمَّ تحول إِلَى مصعب وقاتل مَعَ إِبْرَاهِيم بْن الأشتر يوم دجيل، فلما قتل استخفى بالكوفة فِي قومه، ثُمَّ إن زفر طلب لَهُ الأمان فآمنه عَبْد الْمَلِكِ وبايعه. ويقال: إنه قدر عَلَيْهِ بغير أمان فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: مَا ظنك بي؟ قَالَ: ظني أنك قاتلي، قَالَ: فقد أكذب اللَّه ظنك بل قد عفوت عنك، وَكَانَ يحبه لشجاعته. قالوا: وبويع عَبْد الْمَلِكِ بدير الجاثليق، ودفنت جثة مصعب هناك فقبره معروف بمسكن بقرب أوانا، ويعرف موضع عسكره ووقعته بخربة مصعب، وبصحراء مصعب، وزعموا أنها لا تنبت شيئا. وبعث عَبْد الْمَلِكِ برأس مصعب إِلَى الْكُوفَة، أو حمله مَعَهُ، ثُمَّ بعث بِهِ إِلَى عَبْد العزيز بمصر، فلما رآه وقد حذى السيف أنفه قَالَ: رحمك اللَّه أما والله لقد كنت من أحسنهم خلقا، وأشدهم بأسا، وأسخاهم نفسا، ثُمَّ رد رأسه إِلَى الشام فنصب بدمشق، وأرادوا أن يطوفوا بِهِ فِي نواحي الشام، فأخذته عاتكة بنت يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ وهي أم يَزِيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فغسلته وطيبته ودفنته، وقالت: أما رضيتم بأن صنعتم مَا صنعتم حَتَّى تطوفوا وتنصبوه فِي المدن هذا بغي. قالوا: وَكَانَ مُحَمَّد بْن مروان أخذ جارية لإبراهيم بْن الأشتر كردية فواقعها فولدت عَلَى فراشه مروان بْن مُحَمَّد الجعدي، فلذلك قيل لمروان ابْن أمة النخع. وَحَدَّثَنِي عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده، وأبي محنف، أن مصعب بْن الزُّبَيْرِ قتل فِي سنة اثنتين وسبعين، فشخص عَبْد الْمَلِكِ إلى الكوفة

وجعل عَلَى شرطه قطن بْن عَبْد اللَّهِ بْن الحصين الحارثي، فكان قائما بأمرها، ثُمَّ ولاها عَبْد الْمَلِكِ بشر بْن مروان، وولى خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد البصرة، وَكَانَ قطن عثمانيا لم يمل إِلَى عَبْد الْمَلِكِ أحد ميله، ومضى عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الشام، ثُمَّ إنه جمع العراقين لبشر، فأتى البصرة فأقام بِهَا أربعة أشهر، ويقال: ستة أشهر، وهو عليل ومات، فولى عَبْد الْمَلِكِ الحجاج العراق ومات عَبْد الْمَلِكِ فِي سنة ست وثمانين، فكانت ولايته بعد قتل مصعب أربع عشرة سنة. وَقَالَ أَبُو اليقظان: عاش عَبْد الْمَلِكِ بعد قتل المصعب أربع عشرة سنة. الْمَدَائِنِيّ عَن مسلمة بْن محارب وعوانة: أن عَبْد الْمَلِكِ قدم الْكُوفَة حين قتل المصعب فَقَالَ للهيثم بْن الأسود: كيف رأيت صنع اللَّه؟ قَالَ: صنع يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خيرا، فخفف الوطء وأقل التثريب، فو الله مَا نيل فضل قط إلا بعفو وصبر واحتمال. وتقدم رجل من الأنصار فأنشده: اللَّه أعطاك التي مَا فوقها ... وقد أراد الملحدون عوقها عنك ويأبى الله إلا سوقها ... إليك حَتَّى قلدوك طوقها وحملوك ثقلها وأوقها [1] قالوا: وهيأ عَمْرو بْن حريث- وَكَانَ خليفة المصعب عَلَى الْكُوفَة حين شخص إِلَى مسكن، وَكَانَ مائلا إِلَى عَبْد الْمَلِكِ وقد كاتبه فيمن كاتبه-

_ [1] الأوق: الثقل: القاموس.

لعَبْد الْمَلِكِ طعاما فدخل عَبْد الْمَلِكِ قصر الْكُوفَة من النخيلة فَقَالَ لَهُ عَمْرو تأذن لخاصتك أم تجعله إذنا عاما؟ فَقَالَ: بل اجعله إذنا عاما، فأذن للناس ووضعت الموائد فأكل عَبْد الْمَلِكِ وأكلوا، ويقال: إن عَبْد الْمَلِكِ اجلس عمرا مَعَهُ عَلَى المائدة فَقَالَ لَهُ: أي الطعام أحب إليك وأطيب عندك؟ فَقَالَ: عناق حمراء قد أجيد تمليحها وأحكم نضجها فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: مَا صنعت يَا أبا سعيد رحمك اللَّه شيئا، فأين أنت عَن عمروس [1] راضع قد أجيد سمطه، واحكم شيه إذا اختلجت منه عضوا تبعك العضو الَّذِي يليه، فلما فرغوا من طعامهم أقبل عَبْد الْمَلِكِ يدور فِي القصر ومعه عَمْرو بْن حريث، وجعل يسأله عما أحدث فيه رجل رجل، ويسأله أيضا عما أشرف عَلَيْهِ من قصور الْكُوفَة فيقول: هذا لفلان، وهذا لفلان، وأحدث هذا فلان، وجعل عَبْد الْمَلِكِ ينشد: فكل جديد يَا أميم إِلَى بلى ... وكل امرئ يوما يصير إِلَى كَانَ ثُمَّ استلقى عَلَى فراشه وأنشد اعمل عَلَى مهل فإنك ميت ... واكدح لنفسك أيها الإنسان فكأن مَا قد كَانَ لم يك إذ مضى ... وكأن مَا هو كائن قد كَانَ وَقَالَ بعضهم: إن عَبْد الْمَلِكِ أمر فاتخذ لَهُ الطعام ووضعت الموائد فجاء عَمْرو بْن حريث يتريبل [2] فِي مشيته فاستدناه وأكل مَعَهُ وسأله عَن أطيب الطعام فأجابه بما ذكرنا، وأن الطعام كان بالخورنق، قال: فلما أكل

_ [1] بهامش الأصل: حمل. [2] يقال لص ريبال وذئب ريبال وهو من الجرأة وارتصاد الشر، والريبال الأسد، والمقصود أنه جاء يمشي على حذر. انظر اللسان.

عَبْد الْمَلِكِ وأكل النَّاس أقبل يطوف ويسأل عمرا عَن الخورنق، وعما أشرف عَلَيْهِ من الأبنية فيخبره بِذَلِكَ ثُمَّ أنشد الشعر. وولى عَبْد الْمَلِكِ الحجاج بْن يوسف محاربة عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، وأنفذه من الْكُوفَة. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ والهيثم بْن عدي وغيرهما: لما دخل عَبْد الْمَلِكِ الْكُوفَة قصد إِلَى المسجد فخطب خطبة ذكر فيها صنع اللَّه لَهُ، ووعد المحسن، وتوعد المسيء وَقَالَ: إن الجامعة التي وضعت فِي عنق عَمْرو بْن سعيد عندي، والله لا أضعها فِي عنق رجل فأنزعها إلا صعدا لا أفكها عنه فكا، فلا يتقين امرؤ إلا عَلَى نفسه ولا يولغني دمه. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: دعا عَبْد الْمَلِكِ بالنخيلة إِلَى البيعة، فجاءت قضاعة فرأى قلتها فَقَالَ: يَا معشر قضاعة كيف سلمتم من مضر مَعَ قلتكم؟ فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن يعلى النهدي: نحن أعز منهم وأمنع، قَالَ: بمن؟ قَالَ: بمن معك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ جاءت مذحج وهمدان فَقَالَ: مَا أرى لأحد مَعَ هؤلاء بالكوفة شيئا، ثُمَّ جاءت جعفي، فلما رآهم قَالَ: يَا معشر جعفي اشتملتم عَلَى ابْن أختكم وواريتموه، يعني يَحْيَى بْن سعيد بْن العاص؟ قالوا: نعم قَالَ: فأتوني بِهِ، قالوا: وهو آمن؟ قَالَ: وتشترطون أيضا؟! فَقَالُوا: إنا والله مَا نشترط جهلا بحقك، ولكنا نتسحب عليك تسحب الولد عَلَى والده، قَالَ: أما والله لنعم الحي أنتم إن كنتم لفرسانا فِي الجاهلية والإسلام، نعم هو آمن، فجاءوا بِهِ، فَقَالَ لَهُ- وَكَانَ يكنى أبا أيوب-: بأي وجه تلقى ربك وقد خلعتني؟ قَالَ: بالوجه الَّذِي خلق فسوى، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: لله دره أي ابْن زوملة هو، يعني عربية.

وتقدم رجل من عدوان فَقَالَ لَهُ: ممن أنت؟ قَالَ: من عدوان، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: غدير الحيّ من عدوا ... ن كانوا حَيَّةَ الأرض بغى بعضهم بعضًا ... فلم يرعوا على بعض ومنهم كانت السادا ... ت والموفون بالقرض ثُمَّ قَالَ للرجل: إيه؟ فَقَالَ: لا أدري، فَقَالَ معبد بْن خالد الجدلي ومنهم حكم يقضي ... فلا يُنقض مَا يقضي ومنهم من يجيز الحج ... بالسنة والفرض فَقَالَ للرجل: لمن هذا؟ قَالَ: لا أدري، قَالَ معبد: هو لذي الإصبع العدواني واسمه حرثان بْن مُحرَّث بْن الحارث بْن شَباب، فَقَالَ للرجل: كم عطاؤك؟ قال: سبعمائة، وَقَالَ لمعبد: فِي كم أنت؟ قَالَ فِي ثلاثمائة، فأمر فحطّ الرجل أربعمائة، وزيدها معبد، فصار في سبعمائة، والآخر في ثلاثمائة وَقَالَ: هذا لجهلك، ثُمَّ أوصى بِهِ عَبْد اللَّهِ بْن إِسْحَاق بْن الأشعث، وَقَالَ لبشر: اجعله فِي صحابتك. وولى عَبْد الْمَلِكِ قطن بْن عَبْد اللَّهِ الْكُوفَة أربعين يوما، ثُمَّ عزله وولى بشرا وَقَالَ: قد وليت عليكم بشرا وأمرته بالإحسان إِلَى محسنكم، واللين لأهل الطاعة والشدة عَلَى أَهْل المعصية والريبة منكم، فاسمعوا لَهُ وأطيعوا وأحسنوا مكانفته ومعاونته، وولى مُحَمَّد بْن عمير همدان وحوشب بْن يَزِيدَ بْن رويم الري، وبعضهم يقول: ولى يَزِيد بْن رويم الري، وذلك وهم، لأن يَزِيد قتل قبل مقتل الزُّبَيْر بْن علي الخارجي، وخروج قطري، وذلك

قبل قتل مصعب، وَقَالَ بعضهم: ولى الري وهمدان مُحَمَّد بْن عمير، وهو أشبه، وفرق العمال ولم يف لأحد وعده بولاية أصبهان. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: لجأ عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ بْن أسد إِلَى علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن العباس، ولجأ إِلَيْهِ أيضا يَحْيَى بْن معيوف الهمداني، ولجأ الهذيل بْن زفر بْن الحارث وعمرو بْن يَزِيدَ الحكمي إِلَى خالد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ، فآمنهم عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْدٍ عَن أَبِي نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كنت أنا والأسود بْن يَزِيدَ فِي الشرط أيام مصعب، قالوا: ولما أراد عَبْد الْمَلِكِ الشخوص إِلَى الشام خطب النَّاس فعظم عليهم حق السلطان، وَقَالَ لهم هو ظل اللَّه فِي الأرض، وحثهم عَلَى الطاعة والجماعة، وذكر ابْن الزُّبَيْرِ وخلافه وخروجه مما دخل النَّاس فيه من بيعة يَزِيد وغيره وحكم اللَّه لَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنه لو كَانَ خليفة كما يزعم لأبدى صفحته وآسى أنصاره بنفسه ولم يغرز ذنبه فِي الحرم، ثُمَّ أعلمهم أنه قد ولي مصرهم أخاه بشرا وآثرهم بِهِ وأمره بالإحسان إِلَى محسنهم ومطيعهم، والشدة عَلَى أَهْل المعصية والريبة منهم وأمرهم بالسمع والطاعة لَهُ، وأن يحسنوا موازرته ومكانفته ويخفوا لما أهاب بهم إِلَيْهِ، وولى خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد البصرة. وأنشدني مُحَمَّد بْن الأعرابي الراوية فِي بيعة عَبْد الْمَلِكِ لرجل من بلقين: بدير الجاثليق عَلَى دجيل ... عقدنا بيعة الملك الهمام عقدنا بيعة لا إثم فيها ... سيحوي فخرها أَهْل الشآم

أمر عبد الله بن الزبير في أيام عبد الملك ومقتله

بسم اللَّه الرحمن الرحيم أمر عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ فِي أيام عَبْد الْمَلِكِ ومقتله قَالَ الواقدي وغيره: لما بويع عَبْد الْمَلِكِ وهو بالشام بعث إِلَى المدينة عروة بْن أنيف فِي ستة آلاف من أَهْل الشام وأمره أن لا ينزل عَلَى أحد وأن لا يدخل المدينة، وأن يعسكر بالعرصة [1] ففعل، وَكَانَ عامل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ عَلَى المدينة الحارث بْن حاطب بْن الحارث بْن معمر الجمحي، ولاه إياها بعد عزله مقوم الناقة لتشاؤم النَّاس بمقوم الناقة، وغلاء السعر فِي ولايته، حَتَّى بلغ مد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ درهمين، فهرب الحارث وَكَانَ ابْن أنيف يدخل فيصلي الجمعة بالناس ثُمَّ يعود إِلَى معسكره، فأقام وأصحابه شهرا لا يبعث إليهم ابْن الزُّبَيْرِ أحدا، ولم يلقوا كيدا، فكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى ابْن أنيف ومن مَعَهُ فِي القفول إِلَى الشام فلم يتخلف منهم أحد، وَكَانَ يصلي بالناس بعده عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سعد القرظ ثُمَّ عاد الحارث بْن حاطب إِلَى المدينة، ووجه ابْن الزُّبَيْرِ سليمان بْن خالد الزرقي من الأنصار، وكان رجلا

_ [1] عرصة عقيق المدينة، من أفضل بقاعها وأكرم نواحيها وأنزه أصقاعها. المغانم المطابة.

صالحا، وجده ممن شهد العقبة، إِلَى الحارث، وأمره بتوليته خيبر وفدك، فخرج سليمان فنزل فِي عمله. وبعث عَبْد الْمَلِكِ عَبْد الواحد بْن الحارث بْن الحكم بْن أبي العاص، ويقال عَبْد الْمَلِكِ بْن الحارث بْن الحكم وهو الثبت، فِي أربعة آلاف إِلَى المدينة فلما نزل أول عمل ابْن الزُّبَيْرِ مما يلي الشام، هرب عماله، وسار عَبْد الْمَلِكِ حَتَّى نزل وادي القرى ووجه منها خيلا عَلَيْهَا أَبُو القمقام إِلَى سليمان بْن خالد فوجدوه قد هرب، فطلبوه حَتَّى لحقوه فقتلوه ومن مَعَهُ، فلما بلغ ذَلِكَ عَبْد الْمَلِكِ اغتم وَقَالَ: قتلوا رجلا مسلما محرما صالحا بغير ذنب، ودخل عَلَيْهِ قبيصة بْن ذؤيب بْن حلحلة بْن عَمْرو الخزاعي، وَكَانَ يتولى خاتم عَبْد الْمَلِكِ، وروح بْن زنباع الجذامي فنعاه إليهما فارتاعا لِذَلِكَ، وترحما عَلَيْهِ. وعزل ابْن الزُّبَيْرِ ابْن حاطب الجمحي، وولى مكانه جابر بْن الأسود بْن عوف الزهري، فوجه جابر أبا بكر بْن أَبِي قيس فِي ستّمائة وأربعين فارسا إِلَى خيبر، فوجدوا أبا القمقام ومن معه وهم الخمسمائة الذين قتلوا سليمان الزرقي مقيمين بفدك يعسفون الناس ويأخذون أموالهم، فقاتلوهم وانهزم أصحاب أبي القمقام، وأخذ منهم ثلاثون رجلا أسرى فقتلهم أَبُو بكر صبرا، ويقال: بل قتل الخمس المائة أو أكثرهم، وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ قد وجه طارق بْن عَمْرو مولى عثمان بْن عفان، وهو الَّذِي يقول فيه الشاعر: ولو تكلمن ذممن طارقا ... والدهر قد أمر عبدا آبقا وأمره أن ينزل بين أيلة ووادي القرى، فيمنع عمال ابْن الزُّبَيْرِ من الانتشار، ويحفظ مَا بينه وبين الشام، ويسد خللا إن ظهر لَهُ، فوجه طارق إِلَى أَبِي بكر خيلا فاقتتلوا، فأصيب أَبُو بكر فِي المعركة، وأصيب من أصحابه

أكثر من مائتي رجل، وَكَانَ ابْن الزُّبَيْرِ قد كتب إِلَى القباع أيام كَانَ عامله عَلَى البصرة فِي البعث إِلَيْهِ بألفي رجل ليعينوا عامله عَلَى المدينة، ويقيموا مَعَهُ بِهَا فوجه رجلا فِي ألفين فكان مَعَ جابر. فلما قتل أَبُو بكر بْن أَبِي قيس، كتب ابْن الزُّبَيْرِ إِلَى القادم من البصرة يأمره أن يخرج فِي أصحابه فيلقى طارقا، وبلغ طارقا الخبر، فصار نحو المدينة فالتقيا بموضع يعرف بشبكة الدوم، فقتل البصري وقتل أصحابه قتلا ذريعا، فطلب مدبرهم وأجهز عَلَى جريحهم ولم يستبق أسيرهم ولم ينج منهم إلا الشريد، فلما بلغ ابْن الزُّبَيْرِ مقتله كتب إِلَى عامله عَلَى المدينة يأمره أن يفرض لألفي رجل من أَهْل المدينة وما والاها ليكونوا رداء لها، ففرض الفرض ولم يأته مال فبطل فسمي ذَلِكَ الفرض فرض الريح. قَالَ الواقدي: ويقال إن هذا الفرض كَانَ فِي ولاية ابْن حاطب. ورجع طارق إِلَى وادي القرى فكان سيارة فيما بين المدينة ووادي القرى وأيله، وَكَانَ عامل ابْن الزُّبَيْرِ مقيما بالمدينة، قَالَ: وعزل ابْن الزُّبَيْرِ جابر بْن الأسود وولى فِي صفر سنة سبعين طلحة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عوف، الَّذِي يعرف بطلحة الندى، فلم يزل عَلَى المدينة حَتَّى أخرجه طارق بْن عَمْرو، وقد قدمها يريد الحجاج والحجاج بِمَكَّةَ، وَكَانَ طارق حسن العفو والتقية لَهُ رفق. وَقَالَ الواقدي: لما قتل عَبْد الْمَلِكِ مصعب بْن الزُّبَيْرِ وأتى الْكُوفَة، وجه منها الحجاج بْن يوسف إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ فِي ألفين، ويقال: فِي ثلاثة آلاف، ويقال فِي خمسة آلاف من أَهْل الشام، وذلك فِي سنة اثنتين وسبعين، فلم يعرض للمدينة ولا طريقها، وسار عَلَى الربذة حتى أتى

الطائف، فكان يبعث البعوث إِلَى عرفة، ويبعث ابْن الزُّبَيْرِ إِلَيْهِ أصحابه فيقتتلون هناك وكل ذَلِكَ تهزم خيل ابْن الزُّبَيْرِ، وترجع خيل الحجاج إِلَى الطائف. وَقَالَ عوانة بْن الحكم: دخل عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان الْكُوفَة حين قتل مصعبا فأقام بِهَا أياما، ثُمَّ وجه جيشا إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ، وهو بِمَكَّةَ واستعمل عَلَيْهِ الحجاج بْن يوسف الثقفي، فأقبل عَلَيْهِ الهيثم بْن الأسود النخعي فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أوص هذا الغلام الثقفي بالكعبة، ومره أن لا ينفر أطيارها، ولا يهتك أستارها، ولا يرمي أحجارها، وأن يأخذ عَلَى ابْن الزُّبَيْرِ بشعابها وفجاجها وأنفاقها، حَتَّى يموت فيها جوعا أو يخرج عنها مخلوعا، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ للحجاج: افعل ذَلِكَ واجتنب الحرم وانزل الطائف. فسار الحجاج حَتَّى نزل الطائف، ثُمَّ إنه كتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ إنك متى تدع ابْن الزُّبَيْرِ وتكف عنه ولا تأمر بزحمه ومصادمته يكثر عدده وعدده وسلاحه فأذن لي فِي قتاله ومناجزته فكتب إِلَيْهِ: افعل مَا ترى، فأمر أصحابه أن يتجهزوا للحج، ثُمَّ أقبل من الطائف، وقدم مقدمته، فنصبوا المنجنيق على أبي قبيس، فلما هبطوا إِلَى منى رأى من فِي عسكر الحجاج المنجنيق منصوبة فَقَالَ الأقيبل بْن شهاب الْكَلْبِيّ، وهو ينسب فِي القين بْن جسر، فيقال القيني: لعمر أَبِي الحجاج لو خفت مَا أرى ... من الأمر مَا ألفيت تعذلني نفسي فلم أر جيشا غر بالحج قبلنا ... ولم أر جيشا مثلنا غير مَا خرس

يقول لا يتكلم ولا ينكر: خرجنا لبيت اللَّه نرمي ستوره ... وأحجاره زفن الولائد فِي العرس دلفنا لَهُ يوم الثلاثاء من منى ... بجيش كصدر الفيل ليس بذي رأس فإلا ترحنا من ثقيف وملكها ... نصل لأيام السباسب والنحس فبلغ الحجاج الشعر، فطلبه ليقتله، فهرب حَتَّى لحق بدمشق، فضرب عَلَى قبر مروان بْن الحكم خيمة مستجيرا بِهِ، فدعا بِهِ عَبْد الْمَلِكِ، فلما صار بين يديه أنشده: إني أعوذ بقبر لست مخفره ... ولا أعوذ بقبر بعد مروانا فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: وأنا لا أعوذ بِهِ أحدا بعدك، وأمر كاتبه أن يكتب لَهُ إِلَى الحجاج بأن يمسك عنه، ويعلمه أنّه قد آمنه، فَقَالَ لَهُ الكاتب: عد إلي، فلما خرج أمره عَبْد الْمَلِكِ أن يكتب إِلَيْهِ إني قد صرفت إليك الأقيبل فاعمل فيه بما ترى فإنك محمود الرأي موفق للصواب فكتبه وختمه، فلما أخذه وانطلق بِهِ متوجها يريد مَكَّة فكر فِي أمره، فَقَالَ لعل الكتاب مثل صحيفة المتلمس ففتحه ودفعه إِلَى من قرأه لَهُ فأنشأ يقول: لأطلبن حمولا قد علت شرفا ... كأنها فِي الضحى نخل مواقير فقد علمت وعلم المرء ينفعه ... أن انطلاقي إِلَى الحجاج تغرير مستحقبا صحفا تدمى طوابعها ... وفي الصحائف حيات مناكير لئن أتيتك يَا حجاج معتذرا ... إذا فلا قبلت تلك المعاذير وإن ظهرت لحجاج ليقتلني ... إني لأحمق من تحدى بِهِ عير ثُمَّ لحق بقومه فِي باديتهم، فلم يزل مَعَهُمْ حَتَّى هلك.

وحصر الحجاج ابْن الزُّبَيْرِ فِي المسجد، وألح عَلَيْهِ بالمنجنيق، وصير عَلَى رماتها رجلا من خثعم فجعل يرمي البيت وهو يقول: خطارة مثل الفنيق المزبد ... نرمي بها عواذ هذا المسجد وقد كَانَ رماة المنجنيق يقولون مثل هذا فِي حصار حصين بْن نمير أيام يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ الواقدي: كتب الحجاج من الطائف إِلَى عَبْد الْمَلِكِ يسأله المدد ويستأذنه فِي حصار ابْن الزُّبَيْرِ ودخول الحرم ويعلمه أنه قد روخي لَهُ فِي خناقه، وأنه فِي فسحة من أمره، فأذن لَهُ فِي ذَلِكَ، وكتب إِلَى طارق بْن عَمْرو يأمره باللحاق به، فقدم المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين، فخرج عامل ابْن الزُّبَيْرِ عنها، وصير عَلَيْهَا طارق بْن عَمْرو رجلا من أهل الشام يقال له ثعلبة، فكان ثعلبة ينكت المخ عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويأكله، ويأكل التمر عَلَى المنبر ليغيظ بِذَلِكَ أَهْل المدينة، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شديدا عَلَى أَهْل الريبة، فأمنت الطرق وَكَانَ أصحابه يتعبثون فيضربهم بالسياط، وأخذ قوما تناولوا من شعير لرجل قد دقّ شعيره فضرب كل امرئ منهم خمسمائة سوط، وأتي برجل اغتصب امرأة نفسها فضربه بالسياط حَتَّى مات، ثُمَّ صلبه عَلَى باب المرأة، وَقَالَ جابر بْن عَبْد اللَّهِ لما رأى صنيعه عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رحم اللَّه عثمان أنكروا من أمره مَا قد رأوا أعظم منه أضعافا، وإن كانت سيرة طارق صالحة. قَالَ: وكانت العير تحمل إِلَى أَهْل الشام من عند عَبْد الْمَلِكِ السويق والكعك والدقيق، لا تفتر حَتَّى أخصبوا.

قَالَ: ونحر ابْن الزُّبَيْرِ ونفر مَعَهُ البدن عند المروة إذ لم يقدروا عَلَى إتيان منى وعرفة، وسأل الحجاج ابْن الزُّبَيْرِ أن يطوف بالبيت فلم يأذن لَهُ فِي ذَلِكَ إذ لم يأذن لَهُ الحجاج فِي حضور عرفة. وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ ينكر رمي البيت فِي أيام يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ أمر بِذَلِكَ، فكان النَّاس يتعجبون منه ويقولون خذل فِي دينه، وحج عَبْد اللَّهِ بْن عمر فِي تلك السنة، فأرسل إِلَى الحجاج أن اتق اللَّه واكفف هذه الحجارة عَن النَّاس، فإنك فِي شهر حرام، وبلد حرام، وقد قدمت وفود اللَّه من أقطار الأرض يضربون آباط الإبل ويمشون عَلَى أقدامهم ليؤدوا فريضة أو يزدادوا مزداد خير، فإن المنجنيق قد منعتهم من الطواف، فكف عَن الرمي حَتَّى قضوا مَا يجب عليهم بِمَكَّةَ. وخرجوا إِلَى مني وعرفة فوقف بالناس بِهَا وشهد مَعَهُمُ المشاهد ولم يعرض ابْن الزُّبَيْرِ للحجاج فِي الزيارة وغيرها، ونادى منادي الحجاج فِي النَّاس أن انصرفوا إِلَى بلادكم، فإنا نعود بالمنجنيق عَلَى الملحد ابْن الزُّبَيْرِ، وتحلب النَّاس إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ ليقاتلوا مَعَهُ إعظاما للبيت وحرمته، وقدم عَلَيْهِ قوم من الأعراب تقعقع وفاضهم، وقالوا: قدمنا لنقاتل معك فأعنّا على قتال أعدائك، فإذا مَعَ كل امرئ منهم سيف كأنه شفرة قد خرج من غمده فَقَالَ: يَا معشر الأعراب لا قرّبكم الله، فو الله إن سلاحكم لرث، وإن حديثكم لغث، وإنكم لعيال فِي الجدب، وأعداء فِي الخصب فتفرقوا عنه. وَقَالَ الواقدي فِي روايته: قدم عَلَى ابْن الزُّبَيْرِ حبشان من الحبشة فقاتلوا مَعَهُ، فكانوا يرمون بمزاريقهم فلا يقع لهم مزراق إلا فِي رجل، فقتلوا من الشاميين جماعة ونهكوا، فحمل عليهم أَهْل الشام فانكشفوا

وجعلوا يعتذرون إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ ويقولون: لسنا بأصحاب مواجهة، ولكنا أصحاب اتباع بالمزاريق إذا ولوا، فلم يزل بعد ذَلِكَ يواجه الشاميين أصحاب السيوف ويتقدم، وإذا ولى القوم أمر أصحاب المزاريق فرموهم، ثُمَّ إنهم فارقوه لضيق الأمر عليهم. قَالَ: وَكَانَ مَعَ ابْن الزُّبَيْرِ قوم قدموا مَعَ ابْن عديس من مصر، ثُمَّ صاروا خوارج ذوو شجاعة وبأس فقاتلوا مَعَهُ دافعين عَن البيت معظمين لحرمته وكانت لهم نكاية فِي أَهْل الشام، فبلغه عنهم مَا يقولون فِي عثمان رضي اللَّه تعالى عنه فَقَالَ: والله مَا أحب أن أستظهر عَلَى عدوي بمن يبغض عثمان، ولا بأن ألقي اللَّه إلا ناصرا لَهُ، وجعل يماكرهم، فَقَالُوا: والله مَا نرى أن نقاتل مَعَ رجل يكفر أسلافنا، وما قاتلنا إلا لحرمة هذا البيت، وأن نردها شورى فتفرقوا عنه فاختل عسكره وعريت مصافه ودنا منه عدوه حَتَّى قاتلوه فِي جوف المسجد، فَقَالَ عبيد بْن عمير: عجبا لك ولما صنعت لهؤلاء القوم، وهم أَهْل البلاء الحسن والأثر الجميل هلا سكت عنهم واحتملتهم إِلَى أن يصنع اللَّه وتضع الحب أوزارها، وقد قلت: لو أن الشياطين أعانتني عَلَى هؤلاء القوم لقبلتهم وقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعين فِي حربه بالمنافقين واليهود. قَالَ: وأصابت النَّاس مجاعة شديدة حَتَّى ذبح ابْن الزُّبَيْرِ فرسا لَهُ وقسم لحمه فِي أصحابه. وَقَالَ الواقدي: حَدَّثَنِي ابْن جريج عَن عطاء قَالَ: رأيت العباد من أصحاب ابْن الزُّبَيْرِ يأكلون لحوم البراذين فِي حصر ابن الزبير.

وَقَالَ الواقدي فِي روايته: وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم، ومد الذرة بعشرين درهما، وإن بيوت ابْن الزُّبَيْرِ لمملوءة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وغيره: كَانَ أَهْل الشام ينتظرون فناء مَا كَانَ عند ابْن الزُّبَيْرِ من الطعام، فكان يحوط ذَلِكَ ولا ينفق منه إلا مَا يمسك الرمق ويقول: أنفسهم قوية مَا لم يفن، يعني أنفس أصحابه. قالوا: ولما صدر النَّاس عَن الحج أعاد الحجاج الرمي بالمنجنيق، فلقد كَانَ الحجر يقع بين يدي عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ وهو يصلي فلا يبرح. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ يَجِيءُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَيُقَالُ لَهُ تَنَحَّ فَيَقُولُ: سَهِّلْ عَلَيْكَ فَإِنَّ الأُمُورَ ... بِكَفِّ الإِلَهِ مَقَادِيرُهَا فَلَيْسَ بِآتِيكَ مُنْهِيهَا ... وَلا قَاصِرٌ عَنْكَ مَأْمُورُهَا وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابن أبي الزناد عن هِشَام بْن عروة عَن أبيه قَالَ: رأيت حجارة المنجنيق يرمى بِهَا الكعبة حَتَّى كأنها جيوب النساء، ولقد رميت بكلب فكفأ قدرا لنا فيها جشيشة [1] فأخذناه فوجدناه كثير الشحم، فكان أشد إشباعا لنا من الجشيشة. وَقَالَ عوانة: رميت الكعبة حَتَّى ارتجت ووهت فارتفعت سحابة ذات برق ورعد فسقطت صاعقة عَلَى المنجنيق فأحرقتها وقتلت من أصحابها اثني عشر رجلا، فذعر أَهْل الشام من ذَلِكَ، وكفوا عن القتال، فقال الحجاج

_ [1] الجشيش: السويق وحنطة تطحن جليلا فتجعل في قدر ويلقى فيها لحم أو تمر فيطبخ. القاموس.

إنها تهامة، وهي بلاد كثيرة الصواعق فلا يروعنكم مَا ترون فإن من قبلكم كانوا إذا قربوا قربانا بعثت نار فأكلته، فيكون ذَلِكَ علامة تقبل ذَلِكَ القربان، فأتي بمنجنيق أخرى وعاود الرمي. الْمَدَائِنِيّ عَن مسلمة عَن أشياخ لَهُ قَالَ: رمى الحجاج البيت، فسقطت عَلَى المنجنيق صاعقة فِي يوم مطير فَقَالَ: لا يروعنكم فإنها صواعق تهامة. قَالَ: وجعل أهل الشام يقولون وهم يرمون: يا بن الزُّبَيْرِ طال مَا عصيكا ... وطال مَا عنيتنا إليكا لتجزين بالذي أتيكا ... لنضربن بسيفنا قفيكا وجعلوا يقولون كقولهم فِي أيام حصار حصين بْن نمير: كيف ترى صنيع أم فروه ... تقتلهم بين الصفا والمروة وَكَانَ مَعَ الحجاج ممّن مع الحصين. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ قالا: حَدَّثَنَا الواقدي حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن يَحْيَى بْن يوسف قَالَ: رمي بالمنجنيق فرعدت السماء وبرقت فتهيب ذَلِكَ أَهْل الشام فرفع الحجاج بيده حجرا ووضعه فِي كفة المنجنيق ورمى بعضهم، فلما أصبحوا جاءت صاعقة فقتلت من أصحاب المنجنيق اثني عشر رجلا فانكسر أَهْل الشام، فَقَالَ الحجاج: يَا أَهْل الشام لا تنكروا مَا ترون فإنما هي صواعق تهامة، وعظم عندهم أمر الخلافة، وطاعة الخلفاء. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: أصابت النَّاس مجاعة فِي أيام ابْن الزُّبَيْرِ وَكَانَ عامله عَلَى وادي القرى الجراح بْن الحصين بْن الحارث الجعفي، وَكَانَ لابن الزبير

بِهَا تمر كثير من تمر الصدقة، فأنهبه فلما قدم عَلَيْهِ جعل يضربه بدرته ويقول: أكلت تمري وعصيت أمرى، فلما كَانَ حصار الحجاج إياه، دعا الحجاج الجراح بْن الحصين فقال له حدثني حديث الملحد وحديثك فدعا وجوه من مَعَهُ فَقَالَ: اسمعوا أهذا ممن يرجى لخير؟! قَالَ: وقدم عَبْد اللَّهِ بْن دراج، مولى مُعَاوِيَة مَكَّة، فاتهمه ابْن الزُّبَيْرِ فقتله، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ الأسدي: أيها العائذ فِي مَكَّة كم ... من دم أجريته فِي غَيْر دم أيد عائذة معصمة ... ويد تقتل من جاء الحرم قالوا: ولما كَانَ قبل مقتل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ بيوم، خطب الحجاج أصحابه وحضهم وَقَالَ: هذا الفتح قد حضر، وقد ترون خفة من مَعَ الملحد ابْن الزُّبَيْرِ من الرجال وقلتهم وما فيه أصحابه من الضيق والجهد، ففرحوا واستبشروا وملأوا مَا بين الحجون إِلَى الأبواب. وقالت أسماء بنت أَبِي بكر، أم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم: والله مَا أنتظر إلا أن تقتل فأحتسبك، أو تظفر فأسر بظفرك فإن كنت عَلَى حق وبصيرة فِي أمرك فما أولاك بالجد ومنازلة هؤلاء القوم، وإلا فالسلم منهم أولى بك، فَقَالَ: يَا أمه إني أخاف إن قتلني أَهْل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني، فقالت: يا بنيّ إن الشاة إذا ذبحت لم تألم السلخ، فامض عَلَى بصيرتك فاستعن بالله ربك فخرج ابْن الزُّبَيْرِ، فدفع أَهْل الشام دفعة منكرة، وقتل منهم ثُمَّ انكشف وأصحابه فرجع، وبلغ أمه الخبر فقالت: خذلوه وأحبوا الحياة ولم ينظروا لدنياهم ولا آخرتهم، ثُمَّ قامت تصلي وتدعو فتقول: اللهم إن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ كَانَ معظما لحرمتك، وقد جاهد فيك

أعداءك وبذل مهجة نفسه لرجاء ثوابك فلا تخيبه، اللهم أظهره وانصره، اللهم ارحم طول ذَلِكَ السجود والنحيب، وذلك الظمأ فِي الهواجر، وما أقول هذا القول تزكية لَهُ، ولكنه الَّذِي أعلمه منه وأنت أعلم بسريرته وعلانيته، اللهم إنه كَانَ برا بوالديه فاشكر ذَلِكَ لَهُ، فلما كَانَ يوم الثلاثاء، وهو اليوم الَّذِي قتل فيه، جاء إِلَى أمه وعليه درعه ومغفره فودعها وقبل يدها فقالت: لا تبعد إلا من النار، وَقَالَ يَا أمه خذلني النَّاس إلا ولدي وأهل بيتي، وَكَانَ الحجاج قد بسط الأمان للناس، فاستأمن إِلَيْهِ خلق واعتزلوا ابْن الزُّبَيْرِ. قالوا: وخرج ابْن الزُّبَيْرِ من عند أمه فقاتل أشد قتال وضرب رجلا من أَهْل الشام فَقَالَ: خذها وأنا ابْن الحواري، فقتله، وضرب آخر وَكَانَ حبشيا فقطع يده وَقَالَ: اصبر أبا حممه، اصبر ابْن حام. وَقَالَ أَبُو مخنف: جعل يقاتل يومئذ قتالا لم ير مثله وهو يقول: صبرا عفاق إنه شر باق قبلك سن النَّاس ضرب الأعناق قد قامت الحرب بنا عَلَى ساق الْمَدَائِنِيُّ عَن يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَن صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: بَرَزَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ فَدَمِيَ وَهُوَ يَقُولُ: لَسْنَا عَلَى الأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدَّمَا وَهَذَا الْبَيْتُ لِخَالِدِ بْنِ الأَعْلَمِ. حَلِيفِ بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُوَ عَقِيلِيٌّ، وَكَانَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَدِمَ فِي فِدَائِهِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ لأَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ.

قالوا: ورأى الحجاج النَّاس يخيمون عَن ابْن الزُّبَيْرِ، فغضب وترجل، وأقبل يسوق النَّاس ويصمد بهم صمد صاحب علم ابْن الزُّبَيْرِ، وهو بين يديه فتقدم ابْن الزُّبَيْرِ صاحب علمه، وضاربهم فانكشفوا، وعرج فصلى ركعتين عند المقام فحملوا عَلَى صاحب علمه فقتلوه عند باب بني شيبة، وصار العلم فِي أيدي أصحاب الحجاج فلما فرغ من صلاته تقدم فقاتل بغير علم، والحجاج يذمر النَّاس، وقد شحنت الأبواب ولم يتخلف من أَهْل عسكر الحجاج أحد من أصحابه وأصحاب طارق، فأصابت ابْن الزُّبَيْرِ رمية فسقط، وصاحت امرأة: وا أمير الْمُؤْمِنِينَاه، وتعاووا عَلَيْهِ فقتلوه. وَقَالَ أَبُو مخنف وغيره: أتى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زيد بْن الخطاب ابْن الزُّبَيْرِ ليلة الثلاثاء فعرض عَلَيْهِ أن يخرج إِلَى الحجاج عَلَى أن يأخذ لَهُ أمانا، وَقَالَ: خرجت منكرا للظلم، متبعا لهدي الصالحين، وقد قتل عَلَى ذَلِكَ قوم معي مستبصرين، فإن قتلت فإني سأجتمع وقاتلي بين يدي الحكم العدل، فلما أصبح سمع الحجاج يقول: خذوا الأبواب لا يهرب، فَقَالَ: لقد ظن ابْن الخبيثة بي ظنه بأبيه ونفسه يوم فر من الحنتف بْن السجف. وَقَالَ أَبُو مخنف فِي روايته: دخل ابْن الزُّبَيْرِ عَلَى أمه فقبل يدها وعانقها، وكانت عمياء، فلما مست الدرع قالت: هذه تثقلك فنزعها وشمر ثيابه وأدرج كمه، فقالت: والله مَا أحب أن أموت يومي هذا حَتَّى أعلم إِلَى مَا يصير أمرك إِلَيْهِ من الظفر الَّذِي أرجوه، أو الأخرى، فأحتسبك وتمض لسبيلك عَلَى بصيرتك ونيتك.

وجعل أهل الشام ينادونه: يا بن العمياء يا بن ذات النطاقين فأنشد: وعيرها الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وقاتل وهو يقول: شيخ كبير عل ... قد عاش حَتَّى مل وَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ- وأخبر أن بني سهم قد مالوا برايتهم إِلَى الحجاج فدخلوا فِي أمانه، وأنه قَالَ: من دخل دار الحارث بن خالد ودار شيبة الجحبي فهو آمن- فَقَالَ: فرت سلامان وفرت النمر ... وقد تلاقى مَعَهُمْ فلا تفر وفي رواية الواقدي: أن أسماء كانت تقول: وابن الزُّبَيْر يقاتل الحجاج: لمن كانت الدولة اليوم، فيقال: للحجاج، فتقول: ربما أمر بالباطل، فإذا قيل هي لعَبْد اللَّهِ قالت: اللهم انصر أَهْل طاعتك، ومن غضب لك. وفي روايته أيضا: أن إِسْحَاق بْن عبيد اللَّه الأسلمي قَالَ: شهدت حصار ابْن الزُّبَيْرِ الآخر، فكان يباشر القتال بنفسه، ولقد رأيته يقتل بيده مثل جميع من يقتله أصحابه، ورأيته اليوم الَّذِي قتل فيه وهو يوم الثلاثاء، وإنه لبين الركن والمقام يقاتلهم أشد القتال حَتَّى إنهم ليغشونه من كل ناحية حَتَّى قتل، وَكَانَ يدعى إِلَى تبييت الحجاج، فيقول: البيات لا يصلح ولا نستحله. قالوا: وعرض عَلَى ابْن الزُّبَيْرِ أن يدخل الكعبة، فَقَالَ: والله إني لأكره أن أدخلها فأوخذ كما تؤخذ الضبع من وجارها، ولكني أقاتل بسيفي هذا حَتَّى أقتل، والله مَا باطن الكعبة عند الحجاج إلا كظاهرها، وَكَانَ

يحمل عَلَى رجليه حَتَّى يبلغ الأبطح كأنه أسد فِي أجمة، ثُمَّ يرجع إِلَى المسجد، وقد جعل الحجاج يومئذ عَلَى كل باب أَهْل جند من أجناد الشام، وجعل ابْن الزُّبَيْرِ يقول: إني إذا أعرف يوم أصبر ... والصبر أولى بالفتى وأعذر وبعضهم يعرف ثُمَّ ينكر وَقَالَ أَبُو مخنف وعوانة فِي روايتهما: قَالَ حمزة بْن الزُّبَيْرِ لعَبْد اللَّهِ: لو رقيت فوق الكعبة يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قاتلنا حولك حَتَّى نقتل جميعا قبلك، فَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ: أبى لابن سلمى أنه غير خالد ... حذار المنايا أي وجه تيمما فلست بمبتاع الحياة بسبة ... ولا مرتق من خيفة الموت سلما ثُمَّ قَالَ لأصحابه: أيكم طلبني، فإني فِي الرعيل الأول. وقيل لَهُ لو لحقت بموضع كذا؟ فَقَالَ: لبئس الشيخ أنا فِي الإسلام لئن أوقعت قوما فقتلوا، ثُمَّ فررت عَن مثل مصارعهم، وَقَالَ لمن بقي مَعَهُ: غضوا أبصاركم عَن البارقة، وعضوا عَلَى النواجذ، ولينظر رجل كيف يضرب، ولا تخطئوا مضاربها فتكسروها، فإن الرجل إذا كَانَ أعضب لا سيف مَعَهُ أخذ أخذا كما تؤخذ المرأة وَكَانَ يقول: لا عهد لي بغارة مثل السيل ... لا ينقضي غبارها حَتَّى الليل قالوا: وقاتل ابْن مطيع حَتَّى قتل وهو يقول: أنا الَّذِي فررت يَوْم الحرة ... والحر لا يفر إِلا مرة فاليوم أجزي فرة بكرة ويقال: إنه أصابته جراح فمات منها بعد أيام، وذلك أثبت.

قالوا: وشرب ابْن الزُّبَيْرِ الصبر أياما، ثُمَّ المسك مخافة أن يصلب فيشم نتنه وَقَالَ طارق، ورأى ابْن الزُّبَيْرِ: مَا ولدت النساء أذكر من هذا، فَقَالَ الحجاج أتقرظ مخالفا لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ وطاعته؟ قَالَ: ذَلِكَ أعذر لنا فِي محاصرته سبعة أشهر ونصفا، أو قَالَ: ستة أشهر ونصفا، وهو فِي غير حصن ولا منعة، فبلغ ذَلِكَ عَبْد الْمَلِكِ ذَلِكَ فصوب طارقا. وَقَالَ الواقدي: حصر ابْن الزُّبَيْرِ فِي غرة ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين، وقتل يوم الثلاثاء فِي جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وَكَانَ الحصار ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، وحج الحجاج بالناس فِي سنة ثلاث وسبعين حجا تاما، وقتل ابْن الزُّبَيْرِ وهو ابْن ثلاث وسبعين سَنَةٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: رَمَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَجُلٌ مِنَ السَّكُونِ بِآجِرَةٍ فَأَثْبَتَهُ فَوَقَعَ، وَتَوَلَّى قَتْلَهُ رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ وَحَمَلَ رَأْسَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَسَجَدَ الْحَجَّاجُ وَأَوْفَدَ السَّكُونِيَّ وَالْمُرَادِيَّ إِلَى عَبْدِ الملك فأعطى كلّ واحد منهما خمسمائة دِينَارٍ، وَفَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَنَصَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَأْسَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَمَرَ فَبُعِثَ بِهِ إِلَى النَّوَاحِي. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الواقدي عَنْ خَالِدِ بْنِ إِلْيَاسَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَبَيْنَ يَدَيْهَا كَفَنٌ قَدْ أَعَدَّتْهُ وَنَشَرَتْهُ وَدَخَنَتْهُ، وَأَمَرَتْ جَوَارِيَ لَهَا أَنْ يُقِمْنَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ صِحْنَ، فَلَمَّا قُتِلَ سَمِعْتُ صِيَاحَهُنَّ فَأَرْسَلَتْ لِتَحْمِلَهُ، فَوَجَدَتِ الْحَجَّاجَ قَدْ حَزَّ رَأْسَهُ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَصَلَبَهُ مُنَكَّسًا، وَإِذَا هِيَ تَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ الْمُبِيرَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ جُثَّتِهِ أَنْ أُوَارِيَهَا.

وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا عَارِمُ بْن الْفَضْلِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ بِجِذْعِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: أَهُوَ هُوَ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: لَقَدْ كَانَ عَنْ هَذَا غَنِيًّا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ شُرَحْبِيل بْن أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَحَسَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالْقَتْلِ تَمَسَّكَ، وَكَانَتْ لَهُ سَجَّادَةٌ كَرُكْبَةِ الْعَنْزِ، فَلَمَّا قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ صَلَبَهُ عَلَى الثَّنِيَّةِ الْيُمْنَى بِالْحَجُونِ، فَأَرْسَلَتْ أَسْمَاءُ إِلَيْهِ: قَاتَلَكَ اللَّهُ عَلَى مَاذَا صَلَبْتَهُ؟ فَقَالَ: إِنِّي اسْتَبَقْتُ أَنَا وَهُوَ إِلَى هَذِهِ الْخَشَبَةِ، فَكَانَتِ اللُّبْجَةُ [1] بِهِ، فَسَبَقَنِي إِلَيْهَا، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي تَكْفِينِهِ، وَدَفْنِهِ فَأَبَى وَوَكَّلَ بِجُثَّتِهِ مَنْ يَحْرُسُهَا، وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِصَلْبِهِ إِيَّاهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ يَلُومُهُ عَلَى صَلْبِهِ، وَيَقُولُ: أَلا خَلَّيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ فَأَذِنَ لَهَا الْحَجَّاجُ فَوَارَتْهُ بِمَقْبَرَةِ الْحَجُونِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَيُقَالُ غَيْرُهُ. وَقَالَ عوانة بْن الحكم: مر عَبْد اللَّهِ بْن عمر حين أخبر بصلب ابْن الزُّبَيْرِ فجعلت ناقته تحتك بخشبته، أو قَالَ: بجذعه، ورائحة المسك تسطع منه فَقَالَ: رحمك اللَّه أبا خبيب، رحمك اللَّه أبا خبيب، والله لقد كنت صواما قواما، ولكنك رفعت الدنيا فوق قدرها وأعظمتها، ولم تكن لذلك بأهل، وإنّ قوما أنت من شرارهم لقوم صدق أخيار. وَقَالَ عوانة: بلغني أن الحجاج ربط إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ هرة ميتة، ويقال: كلبة ميتة، فكانت رائحة المسك تغلب عَلَى ريحها، قَالَ: وتوفيّت أمّه بعده بقليل.

_ [1] لبج: صرع وبالعصا ضرب. القاموس.

قَالَ: ولما قتل ابْن الزُّبَيْرِ كبر أَهْل الشام، فَقَالَ ابْن عمر: لمن كبر من الأخيار لمولده أكثر ممن كبر من الأشرار لقتله، وَكَانَ أول مولود ولد بالمدينة من أبناء المهاجرين. وَقَالَ عوانة وغيره: لما قتل الحجاج ابْن الزُّبَيْرِ وصلبه بعث إِلَى أمه أسماء بنت أَبِي بكر ذات النطاقين لتأتيه، فأبت أن تفعل، فبعث إليها لتقبلن أو لأبعثن إليك من يجرك بقرونك فقالت لرسوله: قل لابن أَبِي رغال: لست أفعل أو تبعث إلي من يجرني بقروني، فلبس سبته وجعل يتوذف [1] فِي مشيته حَتَّى دخل عَلَيْهَا فقال: كيف رأيت ما صنعت بطاغيتك؟ قالت: من عنيت؟ قال: عبد الله، قالت: رأيتك أفسدت عَلَيْهِ دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وإن أعجب مما فعلت تعييرك إياي بالنطاقين، فليت شعري بأي نطاقي عيرتني، أبالذي كنت أحمل بِهِ الطعام إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو فِي الغار، أم بنطاقي الَّذِي تنتطق الحرة بمثله فِي بيتها، أَمَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: « [يكون في ثقيف مبير وكذّاب] » ، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت هو، فانصرف وهو يقول: مبير المنافقين، مبير المنافقين، قالت: بل عمودهم. قالوا: وكتب الحجاج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ يسأله أن يبعث إِلَيْهِ بعروة بْن الزُّبَيْرِ، وَكَانَ عروة بْن الزُّبَيْرِ قد شخص إِلَى عَبْد الْمَلِكِ حين قتل أخوه وذكر أن أموال عَبْد اللَّهِ عنده، فلما وصل الكتاب إليه قال للخرسيّ: خذ بيده، وَكَانَ عروة فِي مجلسه، وقد آمنه فَقَالَ عروة: مَا عَلَى هذا أتيتك؟! فقال: لا بدّ

_ [1] يتوذف: يقارب الخطو، ويحرك منكبيه متبخترا، أو يسرع. القاموس.

من الحجاج فنهض عروة وهو يقول: ليس الذليل من قتلتموه، ولكن الذليل من ملكتموه، فاستحيا عَبْد الْمَلِكِ وَقَالَ للحرسي: خل عنه، وكتب إِلَى الحجاج ينهاه عَن الكتاب فيه فكف عنه، وكانت أم عروة أيضا أسماء. المدائني عن عبد الله بن فائد، قال: ركب عروة ناقة لم يدرك مثلها، فقدم الشام قبل قدوم رسل الحجاج بقتل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، فأتى باب عَبْد الْمَلِكِ فاستؤذن لَهُ، فلما دخل سلم عَلَيْهِ بالخلافة فرد عَلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ ورحب بِهِ وعانقه وأجلسه عَلَى السرير، ثُمَّ قَالَ عروة: نمت بأرحام إليك قريبة ... ولا قرب للأرحام مَا لم تقرب ثُمَّ تحدث حَتَّى جرى ذكر عَبْد اللَّهِ، فَقَالَ عروة: إن أبا بكر بان، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: وما فعل؟ قَالَ: قتل رحمه اللَّه، فخر عَبْد الْمَلِكِ ساجدا، فَقَالَ عروة: فإن الحجاج صلبه فهب جثته لأمه، قَالَ: نعم، وكتب إِلَى الحجاج يعظم مَا بلغه من صلبه، وكتب إِلَيْهِ إياك وعروة فقد آمنته فكان مسيره من الشام راجعا إِلَى مَكَّة ثلاثين يوما، فأنزل الحجاج جثة عَبْد اللَّهِ عَن خشبته، وبعث بِهَا إِلَى أمه فغسلته فلما أصابه الماء تقطع، فَقَالَ: قيل لي فِي المنام يَا أم المقطع، فكنت أظنه المنذر لأنه جدع بالسيوف، ولم أظنه ابني فغسلته عضوا عضوا فاستمسك ودفنته، وصلى عَلَيْهِ عروة. الْمَدَائِنِيّ عَن عامر بْن حفص، قَالَ: صلب الحجاج ابْن الزُّبَيْرِ وقرن بِهِ كلبا ميتا. قَالَ: وكتب الحجاج فِي عروة إن عروة كَانَ مَعَ أخيه، فلما قتل عدو اللَّه أخذ مالا من مال اللَّه، وهرب فكتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ: إنه لم يهرب ولكنه

أتاني مبايعا، وقد آمنته وحللته مما كَانَ، وهو قادم عليك فإياك وعروة فعاوده، فكتب إِلَيْهِ أعرض عنه ولا ترادني فيه. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: قَالَ عوانة: أكثر الحجاج الكتب فِي عروة حَتَّى هم عَبْد الْمَلِكِ أن يشخصه إِلَيْهِ، فَقَالَ عروة: ليس الذليل من قتلتموه، ولكنه من ملكتموه. قَالَ أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: ويقال إن عروة قَالَ: ليس بملوم من صبر حَتَّى مات كريما، ولكن الملوم من خاف من الموت، وسمع مثل هذا الكلام فَقَالَ: لن تسمع أبا عَبْد اللَّهِ منا شيئا تكرهه. قَالَ عامر بْن حفص: ووفد عروة مَعَ الحجاج فَقَالَ يوما: قَالَ أَبُو بكر، فَقَالَ الحجاج: لا أم لك أتكني منافقا عند أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ: ألي تقول لا أم لك، وأنا ابْن عجائز الجنة، أمي أسماء بنت أَبِي بكر الصديق، وجدتي صفية بنت عَبْد المطلب، وخالتي عائشة وعمتي خديجة بنت خويلد؟! وَقَالَ الواقدي فِي بعض روايته: ركبت أسماء دابتها ووقفت عَلَى ابنها مصلوبا، فقالت: لأثنين عليك بعلمي لقد قتلوك مسلما محرما ظمآن الهواجر، مصليا فِي ليلك ونهارك، ودعت لَهُ طويلا وما تقطر من عينها قطرة، ثُمَّ انصرفت وهي تقول: من قتل عَلَى باطل، فلقد قتلت عَلَى حق، وأنت منيع بسيفك فلا تبعد. وفي بعض رواية الواقدي: أن الحجاج وقف عَلَى أسماء فَقَالَ: كيف رأيت نصر اللَّه الحق؟ قالت: إنه ربما أديل الباطل عَلَى الحق ليجعل اللَّه ذَلِكَ فتنة للقوم الظالمين، قَالَ: إن ابنك ألحد فِي البيت، وَقَالَ اللَّه:

وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عذاب أليم [1] وقد أذاقه اللَّه ذَلِكَ العذاب، قالت: كذبت لقد كَانَ أول مولود فِي الإسلام بالمدينة، فسر بِهِ المسلمون، وكبروا يوم ولد، ولقد سررت أنت وأصحابك بقتله، فلمن فرح بِهِ يومئذ خير منك ومن أصحابك، ولقد كَانَ صواما قواما تعوذ بالبيت فما أعذتموه وانتهكتم حرمته، يا بن أم الحجاج إن اللَّه للظالمين بمرصاد، وبلغ عَبْد الْمَلِكِ مَا جرى بينه وبين أسماء فكتب إِلَيْهِ: مَا لك ولابنة الرجل الصالح. وَقَالَ الواقدي: شخص عروة مستأمنا إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، وَكَانَ لَهُ صديقا ومجالسا فِي مسجد المدينة أيام تنسك عَبْد الْمَلِكِ، فآمنه عَبْد الْمَلِكِ وطلبه الحجاج منه، فأراد أن يبعث بِهِ إِلَيْهِ، ثُمَّ تذمم فتركه وأرسل مَعَهُ رسولا إِلَى الحجاج فِي ترك التعرض لَهُ، وأن لا يراجعه فيه بكتاب وأن ينزل عَبْد اللَّهِ من خشبته، ويخلي بين أهله وبين دفنه، فأنزل وصلى عَلَيْهِ عروة. قَالَ الواقدي: وقد سمعت أنه أنزل وعروة غائب، فصلى عَلَيْهِ غيره، والأول أثبت. قَالَ الواقدي: وأما أَبُو الزناد فكان يقول: حال الحجاج بينهم وبين الصلاة عَلَيْهِ وَقَالَ: إنما أمر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بإنزاله ودفنه. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثْتُ عَنْ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْكَرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ تَرْكُهُ ذِكْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في خُطْبَتِهِ، وَقَوْلُهُ حِينَ كُلِّمَ فِي ذَلِكَ: إِنَّ لَهُ أُهَيْلَ سُوءٍ إِذَا ذُكِرَ اسْتَطَالُوا وَمَدُّوا أعناقهم لذكره.

_ [1] سوره الحج- الآية: 25.

وَقَالَ الواقدي: قتل مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ عروة بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، ومعاوية بْن المنذر بْن الزُّبَيْرِ، وحمزة بْن الزُّبَيْرِ، مات من جراح أصابته، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيُّ، وعَبْد اللَّهِ بْن مطيع العدوي، مات من جراح بعد المعركة، وصلّى الحجاج عليه، فقيل أتصلي عَلَيْهِ وأنت قتلته؟ فَقَالَ: أتدرون مَا قلت، إنما قلت: اللهم إنه كَانَ يعادي أولياءك ويوالي أعداءك فأصله النار، وعمارة بْن عمرو بن حزم الأنصاري، وبعث الحجاج برؤوس: عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، وعَبْد اللَّهِ بْن صفوان، وعمارة بْن عَمْرو بْن حزم إِلَى المدينة، فنصبت بِهَا، ثُمَّ أنفذت إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فلما رأى رأس ابْن صفوان قَالَ: ألم يكن أعرج حائنا [1] ؟. وَقَالَ جابر بْن عَبْد اللَّهِ الأَنْصَارِيّ لعَبْد اللَّهِ بْن عمير بعد مقتل ابْن الزُّبَيْرِ: كيف أنت يَا أبا عاصم؟ فَقَالَ: بخير من رجل قتل إمامه وظهر عَلَيْهِ عدوه، فَقَالَ جابر: اللهم لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين [2] . الْمَدَائِنِيّ فِي إسناده، قَالَ: نظر ثابت بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ إِلَى أَهْل الشام فشتمهم، فَقَالَ لَهُ سَعِيد بْن خَالِد بْن (عَمْرو بْن) عُثْمَان بْن عفان: إنما تبغضهم لأنهم قتلوا أباك، قَالَ: صدقت لقد قتلوا أَبِي، ولكن المهاجرين والأنصار قتلوا أباك. وَقَالَ الواقدي: لما فرغ الحجاج من أمر ابْن الزُّبَيْرِ، كنس المسجد الحرام من الحجارة والدم، وأتته ولاية مَكَّة والمدينة، وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ حين

_ [1] الحائن: الأحمق، والحائنة: النازلة المهلكة. القاموس. [2] سورة يونس- الآية: 85.

بعثه لقتال عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ عقد لَهُ عَلَى مَكَّة، ولكنه أحب تجديد ولايته إياها، فشخص الحجاج إِلَى المدينة واستخلف عَلَى مَكَّة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن نافع بْن عَبْد الحارث الخزاعي، فلما قدم المدينة أقام بِهَا شهرا أو شهرين فأساء إِلَى أهلها واستخف بهم، وَقَالَ: أنتم قتلة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عثمان، وختم يد جابر بْن عَبْد اللَّهِ برصاص وأيدي قوم آخرين كما يفعل بالذمة، ثُمَّ عاد فبنى الكعبة عَلَى مَا هي عَلَيْهِ اليوم وذلك لورود كتاب من عَبْد الْمَلِكِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وغير بناءها الَّذِي بناها عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ بعد حصاره الأول، فكان عَبْد الْمَلِكِ يقول بعد ذَلِكَ: لوددت أني قلدت ابْن الزُّبَيْرِ من أمر الكعبة مَا تقلد، وَكَانَ المتولي لبنائها والنفقة عَلَيْهَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن نافع، ويقال: إنه كتب إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ من المدينة أن يأخذ فِي بنائها، فابتدأه ثُمَّ قدم الحجاج مَكَّة فاستتم بحضرته. وَقَالَ الواقدي: استخلف نافع بن علقمة الكناني، خال مروان، ولما رجع إِلَى مَكَّة استخلف عَلَى المدينة عَبْد اللَّهِ بْن قيس بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وَكَانَ إِلَيْهِ القضاء. وروي: أن الحجاج لما فرغ من أمر ابْن الزُّبَيْرِ وبناء الكعبة شخص إِلَى عَبْد الْمَلِكِ واستخلف عَلَى مَكَّة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن نافع، وعلى المدينة عَبْد اللَّهِ بْن قيس، وأشخص مَعَهُ مُحَمَّد ابْن الحنفية بأمر عَبْد الْمَلِكِ، فأمره أن لا يكون لَهُ عَلَيْهِ أمر ورده مكرما، وسأله عمن استخلف بالمدينة فَقَالَ: عَبْد اللَّهِ بْن قيس، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: استخلفته من أحمق أَهْل بيت من قريش، ثُمَّ رجع الحجاج بعد ذَلِكَ فلم يزل واليا عَلَى الحجاز حَتَّى أتته ولايته عَلَى العراق حين مات بشر بْن مروان بالبصرة.

وَقَالَ قوم: كَانَ الحجاج قد وفد إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فأتاه نعي أخيه وهو عنده، فولاه العراق، فشخص من الشام إِلَى الْكُوفَة، وذلك فِي سنة خمس وسبعين، وولى عَبْد الْمَلِكِ مَكَّة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن نافع أقره عَلَيْهَا، وولى المدينة يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص، ثُمَّ بعده أبان بْن عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ الْحَجَّاجُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَنِي مِنْ أُمِّ نَتَنٍ، أَهْلُهَا أَخْبَثُ أَهْلٍ، أَغْشَهُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَحْسُدُهُ لَهُ عَلَى نِعْمَتِهِ، وَاللَّهِ لَوْلا مَا كَانَ يَأْتِينِي مِنْ كُتُبِ أَمِيرِ المؤمنين فيهم لجعلتها مثل جوف الحمار أعواد يَعُوذُونَ بِهَا، وَرِمَّةً قَدْ بَلِيَتْ، يَقُولُونَ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ وَقَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ، فَبَلَغَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ فَقَالَ: إِنَّ أَمَامَهُ مَا يَسُوءُهُ، قَدْ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا قَالَ، ثُمَّ أَخَذَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ أَنْظَرَهُ. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: لما قتل الحجاج ابْن الزُّبَيْرِ دخل المسجد فصلى ركعتين، ثُمَّ وقف عَلَى ابْن الزُّبَيْرِ فرآه صريعا فأمر بِهِ فصلب منكسا، قَالَ: وَكَانَ الحجاج رأى كأنه أخذ ابْن الزُّبَيْرِ فسلخه، ويقال: بل رأى أنه نكحه، فذلك كَانَ سبب تولية عَبْد الْمَلِكِ الحجاج حربه. قَالَ: وَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ يوم قتل أنا ابْن اثنتين وسبعين سنة وأشهر، ثُمَّ قاتل وهو يقول: أنا ابْن أنصار النَّبِيّ أَحْمَد ... عَبْد الإله والرسول المهتدي أضرب منهم كل وغد قعدد قَالَ: وقاتل عروة يوما فَقَالَ: أبى الحواريون إلا مجدا ... من يقتل اليوم يلاق رشدا

وَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ: فما ميتة إِن متُّها غَيْر عاجز ... بعارٍ إِذَا مَا غالت النفس غولها أرى الموت يغشاني عيانا وإنما ... رأيت منايا النَّاس يشقى ذليلها قالوا: وأخر الحجاج الصلاة يوما فَقَالَ ابْن عمر: إن الشمس لا تنتظرك. ووطيء ابْن عمر زج رمح، فكان ذَلِكَ سبب موته فَقَالَ الحجاج: من بك؟ قَالَ: أنت قتلتني وأصحابك. وَقَالَ النهشلي نحن وفينا مقتل الإمام ... بابن الزُّبَيْر وبني هِشَام حَتَّى جعلناهم مَعَ الحمام ... بين مصلى النَّاس والمقام الْمَدَائِنِيّ عَن عامر بْن حفص وغيره، قالوا: قاتل عطاء بْن أَبِي رباح مَعَ ابْن الزُّبَيْرِ. قالوا: وَقَالَ عروة لعَبْد اللَّهِ: قد دعاك هؤلاء القوم إِلَى الأمان وخيروك نزول أي بلد شئت من البلدان، وخيروك من الولاية مَا أحببت، وقد صالح الحسن فكن مثله، قَالَ: أفلا أكون مثل الْحُسَيْن مات كريما. قالوا: وكتب ابْن الزُّبَيْرِ بعد مقتل مصعب إِلَى أَهْل العراق يدعوهم إِلَى طاعته وبعث بكتابه إليهم مَعَ رجل من الأنصار، فرفع ذَلِكَ إِلَى بشر بْن مروان فأخذ الأَنْصَارِيّ فقتله، وَكَانَ هذا الأَنْصَارِيّ نازلا عَلَى نعيم بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة بْن عدس وَكَانَ نعيم يذم بشرا وينسبه إِلَى الفسق والأفن، ويقرظ ابْن الزُّبَيْر، ويدعو إِلَى طاعته سرا، ويقال: إنه كَانَ مَعَ الأَنْصَارِي كتاب من ابْن الزُّبَيْرِ إِلَيْهِ فِي معاونته عَلَى أمره، فسعى بالأنصاري

وبنعيم إِلَى بشر بْن مروان حوشب بْن يَزِيد بْن الْحَارِث بْن يَزِيد بْن رويم الشيباني فقتله وقتل الأَنْصَارِيّ. وَقَالَ بعض الرواة: سعى بهما يَزِيد بْن الحارث نفسه، وذلك غلط، لأن يَزِيد قتل بالري فِي أيام مصعب، قتله الزُّبَيْر بْن علي الحارثي. وبعث بشر بالكتاب الَّذِي كتبه ابْن الزُّبَيْرِ إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فكتب إِلَى الحجاج، والحجاج بالطائف أن سر إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ فانزل مَعَهُ وأشغله، فقدم مَكَّة وحصره ورماه بالمنجنيق. وَقَالَ جواس بْن القعطل الْكَلْبِيّ: إن الخلافة يَا أمية لم تكن ... أبدا تدر لغيركم ثدياها فخذوا خلافتكم بأمر حازم ... لا يحلبن الملحدون صراها سيروا إِلَى البلد الحرام وشمروا ... لا تصلحوا وسواكم مولاها لا تتركن منافقين ببلدة ... إلا أملتم بالسيوف طلاها قالوا: ووجد الحجاج في بيت مال ابْن الزُّبَيْرِ عشرة آلاف ألف درهم فأخذها. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن زهير بْن أَبِي أمية لابن الزُّبَيْر: إن النَّاس قد خذلوك فإن أحببت أن نأخذ لك أمانا أخذناه؟ فَقَالَ: خذ لنفسك أمانا إن أردت، فأما أنا فلا حاجة لي فِي أمانهم، وَقَالَ لَهُ الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة، وهو القباع: أما والله لو قبلت أمان القوم كَانَ خيرا لك مما أنت فيه، فَقَالَ: يَا ابْن آكلة حمام مَكَّة ألي تقول هذا، ويحك إن موتا فِي عز خير من حياة فِي ذل، وطلب عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان الأمان من الحجاج فأومن، وأتى حمزة بْن عَبْد اللَّهِ وخبيب بْن عَبْد اللَّهِ الحجاج، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ لابنه الزُّبَيْر:

إن أردت أن تذهب فاذهب فلأن تحيوا أحب إلي من أن تقتلوا، فَقَالَ: لبئس الولد أنا لك إن لم أواسك بنفسي حَتَّى يصيبني مَا أصابك، فقتل مَعَ أبيه. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: قاتل غلام لابن الزُّبَيْر، أو مولى لَهُ، وهو يقول: العبد يحمي ربه ويحتمي وقتل ابْن صفوان، وحمزة بْن الزُّبَيْرِ، وابناه عروة، والزبير، وأم عطاء بْن أَبِي رباح من ضربة ضربتها. الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: لما بلغ عَبْد الْمَلِكِ مقتل ابْن الزُّبَيْرِ سجد ودعا بمقص فأخذ من ناصيته، وأخذ من نواصي صغار أولاده، وأخذ من ناصية روح بْن زنباع، وَقَالَ أنت منا. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي طَالِبِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مُضْطَجِعًا فِي الْمَسْجِدِ وَوَلَدُهُ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجَّاجِ، وَأَنَا عِنْدَ رِجْلِهِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ، أَيْنَ يَذْهَبُونَ؟ قُلْتُ: إِلَى الْحَجَّاجِ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَكُفُّوا أَصْوَاتَهُمْ فَقَدْ مَنَعُونَا النَّوْمَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَتُرَاهُ جَادًّا، ثُمَّ سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، قَالَ: وَوَقَفَ الْحَجَّاجُ عَلَى جُثَّةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَعَهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَقِيلَ لِنَافِعٍ: مَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: أُرِيدُ صَلْبَهُ، فَنَهَيْتُهُ. وَقَالَ أَبُو دهبل أتاركة عَلِيًّا قريش سراتها ... وساداتها عِنْدَ المقام تذبح وهم عوّذ بالله لجيران بيته ... بِهِ معصمون أن يباحوا ويفضحوا

الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: كتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى ابْن عمر أن بايع الحجاج فإن فيك خصالا لا تصلح لك مَعَهَا الخلافة، منها: البخل، والعي، فَقَالَ ابْن عمر: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا غفرانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ المَصِير [1] يعيّرني ابن مروان بالبخل والعي، فو الله لو وليت فأعطيت النَّاس حقوقهم مَا كَانَ ذَلِكَ من مالي، وما من قرأ كتاب اللَّه وترك القول فيما لا يعنيه بعيي. وَقَالَ جرير بْن عطية فِي ابْن الزُّبَيْرِ دعوت الملحدين أبا خبيب ... جماحا هل شفيت من الجماح [2] وَقَالَ الراعي: مَا إن أتيت أبا خبيب راغبا ... أبدا أريد لبيعتي تحويلا ولا أتيت نجيدة بْن عويمر ... أبغي الهدى فيزيدني تضليلا [3] وَقَالَ سليمان بْن سلام الحنفي: إنا دعونا سميعا فاستجاب لنا ... وما بِهِ حين يدعو العبد من صم أراحنا من بني العوام إذ قسطوا ... واستخلف اللَّه عدلا من بني الحكم مجرب الوقع لا تنبو مضاربه ... يمسي العدو لَهُ لحما عَلَى وضم بابن الزُّبَيْر جنون لا شفاء لَهُ ... إلا سريجية تشفي من اللمم رام الأمور فأعيته مطالعها ... حَتَّى أحل بركن البيت والحرم وغرنا بكتاب اللَّه يدرسه ... ولم يدع بطنه تمرا لمجترم وغال أعطية المصرين يأكلها ... ولم يخف نقمة الرحمن ذي النّقم في أبيات.

_ [1] سورة البقرة- الآية: 285. [2] ديوان جرير ص 78. [3] ديوان الراعي ص 233 مع فوارق.

الْمَدَائِنِيّ، قَالَ: قَالَ ابْن عمر: أَهْل الحجاز أسرع النَّاس إِلَى فتنة، وأهل الشام أطوع النَّاس لمخلوق فِي معصية الخالق، وأهل العراق أسأل النَّاس عَن صغيرة، وأركبهم للكبيرة، يسألون عَن قتل جرادة وقد قتلوا ابْن بنت نبيهم. وتزوج عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ أم الحسن بنت الحسن بْن علي وعائشة بنت عثمان بْن عفان، فولدت بكرا، وتزوج قهطم بنت منظور فولدت حمزة، وخبيبا، والزبير، ومنذرا، وثابتا، وعبادا، ثُمَّ خلف عَلَى أختها أم هاشم، وتزوج ريطة بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام، فولدت لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ، وتزوج حنتمة بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام، فولدت لَهُ موسى، وعامرا. وسودت أم الحسن وجواريها عَلَى عَبْد اللَّهِ حين قتل.

أمر الخوارج فيما بين موت يزيد بن معاوية وولاية عبد الملك بن مروان

أمر الخوارج فيما بين موت يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ وولاية عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان الأزارقة ومقتل نافع قالوا: كَانَ نافع بْن الأزرق من بني حنيفة، ويقال: إنه كَانَ مقيما مَعَهُمْ فنسب إليهم، وَكَانَ يكنى أبا راشد، وَكَانَ مَعَ نجدة بْن عامر ففارقه. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي قَالَ: كَانَ نافع مَعَ نجدة بْن عامر، فأحدث المحنة، وقتل فِي السر، فعابت ذَلِكَ الخوارج وقالوا: أحدثت مَا لم يكن عَلَيْهِ السلف من أَهْل النهروان وأهل القبلة، فَقَالَ: هذه حجة قامت علي لم تقم عليهم، ففارقه الخوارج، فسموا أَهْل الوقوف، لأنهم وقفوا عند الشبهة. وَكَانَ ابْن الأزرق ممن حبس من الخوارج، فدل ابْن زياد علي رجل اتهم برأي الخوارج فحبسه، فَقَالَ لَهُ نافع: لم حبسك ابْن زياد؟ قَالَ حبسني فِي ظنة الحرورية لعنهم اللَّه ولعن من كَانَ عَلَى دينهم، فَقَالَ لَهُ نافع أنت والله ظالم مظلوم ولم يزل نافع محبوسا حَتَّى مات يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ وهرب ابْن زياد. وَقَالَ أَبُو الحسن علي بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِيّ: بايع أَهْل البصرة ابْن زياد بعد موت يزيد، وفي السجن أربعمائة من الخوارج، فكلم فيهم ابْن زياد

فأخرجهم فأفسدوا النَّاس حَتَّى نكثوا بيعته، فتحول عبيد اللَّه بْن زياد إِلَى الأزد، وأقبل الخوارج يأتون المربد كل يوم فيقفون بِهِ فيعيبون الظلم ويدعون إلي قتال السلطان والجبابرة وليس لهم رأس منهم، حَتَّى قتل مسعود الأزدي، وحاربت الأزد وبكر تميما، ثُمَّ أمروا عليهم نافع بْن الأزرق، وأمر النَّاس يومئذ بالبصرة إلي عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، الَّذِي يعرف بببه، وخرجوا إِلَى الأهواز فِي آخر شوال سنة أربع وستين، فتوافوا بالأهواز وهم ثلاثمائة وخمسون فيهم نجدة بْن عامر بْن عَبْد اللَّهِ بْن سيار بْن المطرح بْن ربيعة من بني حنيفة وبنو الماحوز التميميون ثُمَّ السليطيون فأخرجوا عمال الأهواز، وأقاموا شهرا لا يهيجون أحدا، وليس بينهم اختلاف، ثُمَّ إن مولى لبني هاشم كلمهم فَقَالَ: إن الاستعراض وقتل الأطفال لنا حلال، فمال نافع بْن الأزرق إلى مقالته فقال: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [1] ورأى قتل الأطفال (وَقَالَ بالاستعراض) وتأول قول اللَّه تعالى: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [2] وضيق التقية لقول اللَّه عز وجل فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس [3] وقوله يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لومة لائم [4] وبريء من القعد واستحل قتلهم تأولا لقول اللَّه جل وعز: وجاء المعذرون من

_ [1] سورة التوبة- الآية: 5. [2] سورة نوح- الآية: 27. [3] سورة النساء- الآية: 77. [4] بالأصل: يقاتلون في سبيل الله، وهو خطأ. سورة المائدة- الآية: 54.

الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ ورسوله [1] . وامتحن المهاجر وَقَالَ لا يحل لنا مناكحة قومنا ولا موارثتهم ولا أكل ذبائحهم، والدار دار كفر. فخالف نجدة نافعا، فَقَالَ نجدة: البقية واسعة، والمقام فِي دار الكفر حلال، وليس لنا أن نمتحن من جاء مقرا بالإيمان، فبايع نجدة قوم فصار نجدة إلي اليمامة، وبريء وأصحابه من نافع بْن الأزرق ونزل بإباض [2] ، وَكَانَ أَبُو طالوت سالم بْن مطر بالخضارم [3] وقد بايعه قوم فخلعوه وبايعوا نجدة. وَأَبُو طالوت فِي قول ابْن الْكَلْبِيّ مطر بْن عقبة بْن زيد بْن جهينة بْن الفند، وهو سهل بْن شيبان. قَالَ: ويقال سالم بْن مطر، وقد قَالَ غيره: هو سالم بْن مطر مولى بني زمان. وَقَالَ الهيثم: هو حنفي. وكتب نجدة إلي نافع كتابا يدعوه فيه إِلَى معاودة مَا كَانَ من قوله الأول وترك مَا أحدث وَقَالَ: إنه قد قعد عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم فلم يكفروا، وأنزل اللَّه جل وعز: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قوله وَكُلًّا وَعَدَ الله الحسنى [4] فكتب نافع

_ [1] سورة التوبة- الآية: 90. [2] إباض: اسم قرية بالعرض، عرض اليمامة، لها نخل لم ير نخل أطول منها. معجم البلدان. [3] الخضارم: واد بأرض اليمامة، أكثر أهله بنو عجل، وهم أخلاط من حنيفة وتميم، ويقال له جو اليمامة. معجم البلدان. [4] سورة النساء- الآية: 95.

إِلَى نجدة كتابا يقول فيه إن الْمُؤْمِنِينَ من أَهْل مَكَّةَ كانوا يومئذ مقهورين لا يستطيعون أن يعلنوا دينهم، وقد أظهر اللَّه الدين، وقمع النفاق، وقد قعد قوم عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فسماهم كفارا فَقَالَ جل وعز: وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا الله ورسوله وَقَالَ حين شكوا الضعف فَقَالُوا: كنا مستضعفين فِي الأرض: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فتهاجروا فيها [1] وكتب نافع إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ يدعوه إِلَى أمره ويقول لَهُ: إنك تتولى عثمان، وَكَانَ أبوك وعلي وطلحة أشد النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى قتل، وأنت تتولى أباك وطلحة فكيف تجتمع ولاية قاتل ومقتول فِي دين اللَّه، وقد بايع أبوك وطلحة عَلِيًّا، ثُمَّ نكثا بيعته وحارباه فاتق اللَّه الَّذِي إِلَيْهِ المصير ولا تتول الظالمين. وكتب نافع إِلَى من بالبصرة من الحرورية يدعوهم إِلَى الجهاد، ويرغبهم فيه، ويحذرهم الدنيا وغرورها، وينهاهم عَن القعود، فلما أتاهم الكتاب قَالَ أَبُو بيهس هيصم بْن جابر الضبعي بقوله: فِي أن الدار دار كفر والاستعراض مباح وإن أصيب الأطفال فلا حرج عَلَى من أصابهم. وقالت الصفرية وهم أصحاب عبيد اللَّه بْن قبيص، ويقال إنهم أصحاب عبيد الله بْن صفار التميمي، وإنما سموا صفرية لصفرة وجوههم: لا يحل قتل الأطفال تعمدا، ولا الاستعراض، وَقَالَ نصر بْن عَاصِم الليثي: فارقت نجدة وَالَّذِينَ تزرقوا ... وابن الزُّبَيْر وشيعة الكذاب والصفر الآذان حين تخيروا ... دينا بلا علم ولا بكتاب

_ [1] سورة النساء- الآية: 97.

وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن إباض: القوم كفار بالنعم، وليسوا بمشركين، فَقَالَ لَهُ ابْن بيهس أما نافع فغلا فِي الدين فكفر بغلوه، وأما أنت فقصرت فكفرت بتقصيرك، إن آخر هذا الأمر كأوله وعدونا كعدو رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد تحل لنا التقية ومناكحة قومنا وموارثتهم لما تمسكوا بِهِ من الدعوة وكفروا بما أنزل من الأعمال. قَالَ: فأقام نافع بالأهواز، ونجدة باليمامة، وكتب ابْن إباض والصفرية إِلَى نافع ينكرون عَلَيْهِ شهادته عَلَى القعد بالكفر، واستحلاله المال قبل المحاربة، وقتل الأطفال، وما كَانَ عنده من أمانة، وقالوا: إنما أحل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دماء عدوه وأموالهم إذا ناصبوا القتال، فأما عَلَى وجه الأمانة وقبل الحرب فلا، قد قتل رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بْن الأشرف فِي داره فلم يغنم ماله والأمانة مؤداة إِلَى البر والفاجر. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عَن أبيه إن أصحاب نافع بْن الأزرق ونافعا خرجوا بعد مقتل مسعود بْن عَمْرو الأزدي إِلَى الأهواز فغلبوا عَلَيْهَا، فبعث إليهم عبيد الله بن عبيد الله بن معمر، وَكَانَ خليفة أخيه عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، أخاه عثمان بْن عبيد اللَّه فِي جيش، فلقيهم بدولاب، وهي قرية دون سوق الأهواز، فقتل عثمان، وهزم جيشه وقتل منهم ناس كثير. وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالا: حَدَّثَنَا وهب بْن جَرِير عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي عيينة عَن سبرة بْن نخف أن ابْن الأزرق خرج فِي أربعين وصار إِلَى دولاب، فبعث إليهم عبيد اللَّه أخاه عثمان فِي سبعة آلاف من أَهْل البصرة فهزموا جنده وقتلوه فَقَالَ ابْن سهم التميمي.

فلو شهدتنا يوم دولاب أبصرت ... طعان امرئ فِي الحرب غير سؤوم غداة طفت فِي الماء بكر بْن وائل ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم وَحَدَّثَنِي أَبُو خيثمة وأحمد قالا: حَدَّثَنَا وهب عَن أبيه إن أَهْل البصرة بعثوا إليهم جيشا بعده عليهم حارثة بْن بدر الغداني فلما نظر إليهم عرف أنه لا طاقة لَهُ بهم فَقَالَ لأصحابه: كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فأذهبوا وانتدب فِي الجيش القراء، والفقهاء والأغنياء، والفقراء، وأنفقوا أموالهم، واستعملوا عليهم مسلم بْن عبيس الكريزي. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: لما بلغ أَهْل البصرة قول نافع بْن الأزرق، وما دان بِهِ من القتل والاستعراض فزعوا إِلَى الأحنف بْن قيس فَقَالُوا: ليس بيننا وبين هذا العدو إلا ثلاث ليال، وقد جرد السيف، وعاث فِي الأرض، فَقَالَ الأحنف: حكمهم فِي مصركم كحكمهم فِي سوادكم، فاستعدوا لجهادهم وحض الأحنف النَّاس فتسارعوا إِلَيْهِ، واجتمع عشرة آلاف فكلم وجوه أَهْل البصرة عَبْد اللَّهِ بْن الحارث ببة، فأمر عليهم مسلم بْن عبيس بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عبد شمس فخرجوا فِي جمادى الآخرة سنة خمس وستين، فلما كانوا بجسر البصرة قَالَ لهم مسلم: أيها النَّاس إنا لسنا نخرج بالذهب ولا بالفضة، إنما نسير إِلَى قوم إن ظهرنا عليهم كانت غنائمهم أطراف الأسنة، وإنما يقدمون عَلَى الموت ويلقون المنايا، فمن أحب المضي فليمض ومن كرهه فلينصرف من قريب، فتفرقت عنه جماعة، وخرج فيمن بقي مَعَهُ، فلقي نافعا بالأهواز، ونافع في ستمائة، فاقتتلوا فقتل مسلم بْن عبيس، وقد كَانَ قَالَ لأصحابه: إن قتلت فأميركم ربيع بْن عَمْرو الغداني، وهو

الأجذم جذمت يده بكابل مَعَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة، فقاتل نافعا وأصحابه بدولاب فكانت بينهم قتلى، وقتل رجال من بني تميم قدموا عَلَى الخوارج، وقتل رجال من بني سدوس فزمرهم رجل من بني سدوس وَقَالَ: يا بني سدوس مَا بال هؤلاء أجد فِي باطلهم منكم فِي حقكم، أراهم سراعا إِلَى النار وأنتم بطاء عَن الجنة، وحمل وكسر النَّاس، فقتل نافع بْن الأزرق وقام بأمر الخوارج حين قتل ابْن الأزرق عبيد اللَّه بْن بشير بْن الماحوز السليطي، فقاتلهم ربيع بْن عَمْرو عشرين يوما، ثُمَّ قتل وأخذ الراية الحجاج بْن ناب بعد أن طلب إِلَيْهِ فِي أخذها فلم يفعل، وَقَالَ: إنها مشؤومة، فقاتل الحجاج بْن ناب حَتَّى قتل، وأخذ الراية بعده حارثة بْن بدر الغداني. وَقَالَ هِشَام بْن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ: قول من قَالَ حارثة بْن بدر غلط، إنما هو حارثة بْن بدر بْن ربيعة بْن بدر بْن سيف بْن جارية بْن سليط بْن الحارث بْن يربوع، وهو الَّذِي قَالَ: كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا وجاءت خيل المحكمة من ناحية اليمامة، تكون أربعين، ويقال مائتين، فمشي ابْن بدر برايته القهقرى، وعدل نحو دجيل فغرق يومئذ دغفل بْن حنظلة أحد بني شيبان، وصار ابْن بدر بناحية نهر تيري، ولم يتبعه الخوارج لما بهم من الجراح، وأقام عبيد اللَّه بْن بشير بْن الماحوز بالأهواز ثلاثة أشهر، فَقَالَ صالح بْن عَبْد اللَّهِ العبشمي: لعمرك إني فِي الحياة لزاهد ... وَفِي العيش مَا لم ألق أم حكيم لعمرك إني يوم ألطم وجهها ... لمستسرع فِي الغي غير حليم رأت فتية باعوا من اللَّه عهدهم ... بجنات عدن عنده ونعيم

فلو شهدتني يوم دولاب أبصرت ... طعان امرئ فِي الحرب غير مليم غداة طفت فِي الماء بكر بْن وائل ... وألفافها من يحمد وسليم ومال الحجازيون نحو بلادهم ... وعجنا صدور الخيل نحو تميم وكان بعبد القيس أول حدها ... وولت شيوخ الأزد ثُمَّ تعوم فلم أر يوما كَانَ أكثر مقعصا ... يمج دما من كاظم وكليم قالوا: وَكَانَ عَلَى الأزد يوم ابْن عبيس قبيصة بْن أَبِي صفرة، جد هزار مرد، وَقَالَ بعض الشعراء: يرى من جاء ينظر فِي دجيل ... شيوخ الأزد طافية لحاها وَقَالَ الشاعر يرثي مسلم بْن عبيس والحجاج بْن ناب الحميري: ألا يَا عين ويحك أسعديني ... بدمعك ليس ذا حين الجمود عَلَى النفر الألى قتلوا جميعا ... بدولاب علي دين المجيد هم صبروا عَلَى حر المنايا ... ولما يرهبوا جمع الجنود ثوى ابْن عبيس الماضي حميدا ... إله النَّاس صل عَلَى الشهيد إذا نسبت قريش كَانَ فرعا ... قديم العز فِي البيت المشيد وما ألفوا ربيعا ثُمَّ نكسا ... ولا رعديدة عند الورود غلام من غدانة فِي ذراها ... بحيث النَّاس فِي الحسب التليد وحجاج بْن ناب غادرته ... رماح القوم ملقى بالصعيد غلام حميري لم يخنه ... قراف الأمهات ولا الجدود وَقَالَ بعض الخوارج فِي مقتل نافع بْن الأزرق: شمت ابن بدر والحوادث جمة ... والجائرون [1] بنافع بن الأزرق

_ [1] بهامش الأصل: ويروى «والحائرون» .

قد مات غير مداهن فِي دينه ... ومتى يمر بذكر نار يصعق والموت حتم لا محالة واقع ... من لا يصبحه نهارا يطرق فلئن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أصابه ... ريب المنون فمن يصبه يعلق وقالت عمرة أم عمران بْن الحارث الراسبي وَكَانَ عمران بْن الحارث الراسبي مَعَ ابْن الأزرق فقتل: اللَّه أيد عمرانا وأسعده ... وَكَانَ عمران يدعو اللَّه فِي السحر يدعوه جهرا وإسرارا ليرزقه ... شهادة بيدي ملحادة غدر ولى صحابته التسعون إذ دهموا ... وشد عمران كالضرغامة الهصر أعني ابْن عمرة إذ لاقى منيته ... يوم ابْن ناب يحامي عورة الدبر فِي أبيات قالوا: وقتل مَعَ ابْن الأزرق عوف بْن أحمر الضبعي فبكاه الحارث بْن كعب الشني فَقَالَ: أجيهان [1] قد أبلى عظامي وشفها ... وأسهر ليلي ذكر عون بْن أحمر فتى كَانَ لا يخشى سوى اللَّه وحده ... ويطمع فِي معروفه كل معتر يجاهد فِي اللَّه ابْن أحمر صادقا ... إذا مَا ارتضى بالجور كل مقصر فِي أبيات: وَكَانَ عوف ممن شهد النهر فاعتزل، ثُمَّ شهد النخيلة فنجا، فقتل مَعَ نافع، وَكَانَ الحارث بْن كعب الشني مَعَ نافع فنجا، ثُمَّ أخذه الحجاج بن

_ [1] جيهان بالفارسية الدنيا.

يوسف بعد فقطع يديه ورجليه وصلبه، فطرق حرسه الخوارج ليلا فاستنزلوه، ولم يعرضوا للحرس حَتَّى مضوا بِهِ فدفنوه. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عَن مُحَمَّد ابْن أَبِي عيينة قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن قرة قَالَ: خرجنا مَعَ ابْن عبيس ونحن نحو من عشرين ألفا، فقام ابْن عبيس خطيبا، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاس إنا إنما خرجنا حسبة، فمن كَانَ منكم عَلَى مثل رأينا فلينهض معنا، ومن لا يك عَلَى مثل رأينا فليرجع عنا، فحصلنا فِي ألفين فسرنا حَتَّى لقيناهم بدستوا فاقتتلنا، فقتل منا خمسة أمراء، وكانت الحرورية خمسمائة، فلما أمسينا بقيت شرذمة نحو من ستين، وقتل ابْن الأزرق وابن عبيس، قَالَ: فقمنا وقاموا ينظرون إلينا وننظر إليهم مَا منا رجل يبسط يده للقتال من اللغوب، فَقَالَ النَّاس: أمسكوا عنهم حَتَّى يسود عليهم الليل، وَقَالَ بعضهم: لا نقتلهم عَلَى غرة، فاستقام رأيهم عَلَى تركهم حَتَّى يصبحوا. قَالَ: وطرقهم مدد من اليمامة، وَكَانَ نافع يبقر النساء، ويقتل الصبيان. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عَدِيٍّ عَنِ ابن عياش والمجالد ويونس بن أبي إسحق قَالُوا: قَالَ الشَّعْبِيُّ: خَافَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ نَافِعَ بن الأزرق وأصحابه حين جاؤوهم، فَقَرَّبُوا الإِبِلَ لِيَرْتَحِلُوا عَنْهَا، وَالْمُتَوَلِّي لأَمْرِ الْبَصْرَةِ إِذْ ذَاكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بَبَّةُ، وَذَلِكَ عِنْدَ هَرَبَ ابْنِ زِيَادٍ، وَكَانَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ كَتَبُوا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِارْتِضَائِهِمْ إِيَّاهُ، فَأَقَرَّهُ سَنَةً ثُمَّ عَزَلَهُ، وَكَانَ يكنى أبا مُحَمَّد، فعقد ببة لمسلم بْن عبيس، ووجه مَعَهُ القراء والمستبصرين فِي قتال الحرورية، فأتوا دولاب، فاقتتلوا فقتل مسلم وقتل نافع أيضا، فرأس أَهْل البصرة

عليهم ربيعا الأجذم، أحد بني سليط ورأست الأزارقة عليهم عبيد اللَّه بْن الماحوز التميمي، فقتل الأجذم، فرأسوا عليهم الحجاج بْن ناب الحميري حليف قريش فقتلا جميعا، فرأس أَهْل البصرة عليهم حارثة بْن بدر، ورأست الحرورية الزُّبَيْر بْن الماحوز فَقَالَ حارثة بْن بدر: كرنبوا ودولبوا يَا أَهْل البصرة وحيث شئتم فاذهبوا. فلست لكم بصاحب، وقتل من أَهْل البصرة بشر كثيرا فَقَالَ عبيد بْن هلال: لعمرك إني فِي الحياة لزاهد [1] الشعر الَّذِي قد كتبناه وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: الأزارقة لا يكفرون من أَهْل الكبائر فِي دار هجرتهم إلا القاتل، فيقولون: القاتل قصد قطع الحجة لأن المسلم حجة. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: حدث أَبُو عمران الجوني واسمه عَبْد الْمَلِكِ بْن حبيب عَن أَبِي الجلد جيلان بْن فروة الجوني قَالَ: أتاني نافع بْن الأزرق قبل أن يخرج، فَقَالَ: أريد الخروج، فقلت: لا تفعل فَقَالَ: قد طال مقامنا بين هؤلاء الذين أماتوا السنة، وأحيوا البدعة، قَالَ: فقلت لَهُ: أما إذ أبيت إلا الخروج، فإني رويت أن لجهنم سبعة أبواب باب منها للحرورية فاخرج إن شئت أو دع، فخرج إِلَى الأهواز. الْمَدَائِنِيّ عَن عامر بْن عَبْد الْمَلِكِ قَالَ: جاء نافع بْن الأزرق إِلَى مالك بْن مسمع وعليه سيف عريض قصير، فقام إِلَيْهِ ابْن مسمع فأخذ

_ [1] نسبه من قبل لصالح بن عبد الله العبشمي.

بحمائل سيفه فَقَالَ لَهُ: يَا مالك خل عَن سيف ابْن عمك، فَقَالَ مالك: يَا نافع ألا تعيننا عَلَى أمرنا هذا؟ فَقَالَ: إني لا أرى القتال معكم. وروي عَن الجارود بْن أَبِي سبرة قَالَ: خرج نافع إِلَى الأهواز فأقام وأصحابه سبعة أشهر لا يستعرضون النَّاس وسيرتهم حسنة، ثُمَّ استعرضوا وبسطوا، فقتل نافع فِي جمادى الآخرة سنة خمس وستين، فقام بأمر الخوارج عبيد اللَّه بْن بشير بْن الماحوز، وعلى أَهْل البصرة ربيع الأجذم. الْمَدَائِنِيّ عَن هِشَام بْن قحذم قَالَ: خرج قوم من الأزارقة بموقوع [1] ، فقيل لببة: إن بموقوع خوارج، فَقَالَ: دعونا نمسي ونرى رأينا، فأرسل إليهم خيلا ليلا فالتقطوا. قَالَ: ومات الأزرق أَبُو نافع، وَكَانَ رجلا سنيا صالحا، فقدم نافع من سفر لَهُ وقد مات أبوه فلم يصل عَلَيْهِ وَقَالَ: دونكم صاحبكم، فلما بلغ ابْن زياد ذَلِكَ أخذه فحبسه، فَقَالَ لرجل محبوس مَعَهُ: لأي شيء حبسك ابْن زياد؟ فَقَالَ أخذني بظنة الخوارج لعنهم اللَّه، فَقَالَ نافع: هذا الظالم المظلوم يحبسه ابْن زياد ويشتم الخوارج. قَالَ: ولقي نافع امرأة عَلَى حمار لها، وذلك فِي أيام الطاعون فَقَالَ لها: أين تريدين؟ قالت: أفر من الطاعون قَالَ: ويلك أتفرين من اللَّه عَلَى حمار؟!. وَقَالَ سلامة الباهلي: قتلت نافعا فطالبتني بثأره امرأة كانت تدعوني إِلَى البراز ونحن نقاتل عبيد اللَّه بْن الماحوز.

_ [1] موقوع: ماء بناحية البصرة. معجم البلدان.

أمر عثمان بن عبيد الله ابن معمر في قتال ابن بشير ابن الماحوز

أمر عثمان بْن عبيد اللَّه ابْن معمر فِي قتال ابْن بشير ابْن الماحوز قالوا: أقام عبيد اللَّه بْن بشير بْن الماحوز بالأهواز بعد مقتل مسلم وأصحابه ثلاثة أشهر، وهاب النَّاس بالخوارج وكره ببة القتال، فلزم منزله فكتب أَهْل البصرة إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ، فكتب إِلَى أنس بْن مالك فِي تولي الصلاة، فصلى أربعين يوما، ثُمَّ ولى ابْن الزُّبَيْرِ البصرة عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، وكتب إِلَيْهِ بعهده عَلَيْهَا وَكَانَ يريد العمرة، فقلد خلافته عبيد اللَّه بْن عبيد اللَّه أخاه، وندب عمر بْن عبيد اللَّه لقتال الأزارقة وهم بالأهواز، أخاه عثمان، ويقال إن عبيد اللَّه ندبه وبلغ الخوارج ذَلِكَ فأقبلوا من الأهواز يريدون البصرة، فَقَالَ حارثة بْن بدر: مَا عذرنا عند أَهْل مصرنا إن وصل إليهم الخوارج ونحن دونهم إليهم، فأقبل من نهر تيرى، وَكَانَ بِهَا، فعبر دجيلا، وأقبل الخوارج فقاتلهم حَتَّى رجعوا إِلَى دولاب، وقدم عثمان بْن عبيد اللَّه بْن معمر فِي عشرة آلاف من أَهْل البصرة، فسار ومعه ابْن بدر إِلَى ابْن بشير بْن الماحوز. فلما التقى العسكران قَالَ عثمان لحارثة بْن بدر: أما الخوارج إلا من أتاني؟ فَقَالَ حارثة: حسبك هؤلاء، فَقَالَ: لا جرم لا أطعم

طعاما حَتَّى أناجزهم، فَقَالَ حارثة: أذكرك اللَّه إن هؤلاء لا يقاتلون بالتعسف، فاستبق نفسك وجندك فَقَالَ: أبيتم يَا أَهْل العراق إلا جبنا وما هؤلاء الأكلب، فَقَالَ حارثة: أنا أعلم بهؤلاء منك، فَقَالَ عثمان: أنت بغير الحرب أعلم، فغضب حارثة واعتزل، وناهضهم عثمان بعد الظهر فاقتتلوا حَتَّى غابت الشمس، وقد قتل عثمان قتله ابْن برز مولى عَبْد القيس، ويقال إنهم: تحاجزوا عند المساء، ثُمَّ بيتهم الخوارج فقتل عثمان، وَقَالَ حارثة: أيها النَّاس أنا حارثة بْن بدر، فقاتل الخوارج ومنعهم من اتباع الناس، وبلغ قتل عثمان أَهْل البصرة وذلك فِي ذي القعدة سنة خمس وستين، ورجع الخوارج إِلَى الأهواز، ورجع حارثة إِلَى نهر تيرى فَقَالَ رجل يرثي عثمان بْن عبيد اللَّه، وَكَانَ مقتله بدولاب أيضا: ونال الشهادة منهم فتى ... بدولاب كالقمر الأزهر طويل النجاد رفيع العماد ... كهمك من فارس مسعر أطاع الكتاب رجاء الثواب ... وقاتل عَن دبر المدبر ليعذره اللَّه والمسلمون ... ومعذرة اللَّه للمعذر فِي أبيات: وَقَالَ رجل من بني تميم: مضى ابْن عبيس صابرا غير عاجز ... وأعقبنا هذا الحجازي عثمان فأرعد من قبل اللقاء ابْن معمر ... وأبرق والبرق اليماني خوان فلم ينك عثمان جناح بعوضة ... فأضحى عداة الدين حربا كما كانوا فلولا ابْن بدر للعراقين لم يقم ... بما قام فيه للعراقين إنسان إذا قيل من حامي الحقيقة أومأت ... إِلَيْهِ معد بالأكف وقحطان

قالوا: ثُمَّ عزل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، وولى البصرة الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي، وهو القباع، سنة ست وستين وحارثة بْن بدر بنهر تيرى، فكتب إِلَى القباع يسأله توليته قتال الخوارج، وأن يمده بجيش فهم أن يفعل ثُمَّ أنشد فيه: ألم تر أنَّ حارثة بْن بدر ... يُصلّي وهو أكفر من حمار وأن المال يَعْرف من وعاه ... ويعرفك البغايا والغفار [1] فكتب إِلَيْهِ القباع: أن اشخص إِلَى مصرك فإني مول هذا الأمر غيرك، فَقَالَ: لا أبرح حَتَّى يقدم من يقوم مقامي، فرفضه أصحابه، وقفلوا حَتَّى بقي فِي عصيبة من قومه فَقَالَ: لا صحبكم اللَّه: كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا وَقَالَ حارثة: أير الحمار فريضة لنسائكم ... والخصيتان فريضة الأعراب ولدى الموالي جلد أير أبيهم ... والأنثيان قلادة وسخاب [2] ولما علم الخوارج خفة من مَعَ حارثة قطعوا إِلَيْهِ دجيلا فبيتوه، وأتى دجيلا فركب سفينة ولحق بِهِ قوم من بني تميم فرسبت السفينة فغرقوا جميعا. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: قَالَ أَبُو أمية بْن يعلى: ركب حارثة سفينة فجاء شكيم التميمي وقد دفع الملاح فناداه يَا حارثة إن مثلي لا يضيع، فَقَالَ للملاح: أدن سفينتك فقربها إِلَى جرف فرمى بنفسه من الجرف وعليه سلاحه، فمالت السفينة ودخلها الماء فرسبت وغرقت، وغرق حارثة ومن معه.

_ [1] الغفار: القفا. القاموس. [2] السخاب: قلادة. بلا جوهر. القاموس.

قالوا: وأقام عبيد اللَّه بْن بشير بْن الماحوز بعد غرق حارثة بنهر تيرى يجبي مَا حوله، وبعث الزُّبَيْر بْن علي، وهو ابْن عمه، إِلَى الفرات فجباه، وَكَانَ فِي جماعة، ثُمَّ إنه أتي الجسر الأكبر بالبصرة، فقطع النَّاس الجسر الأكبر فعقده، وعبر فصار بين الجسرين، وخرج النَّاس إِلَيْهِ فِي السفن وعلى الدواب، فلما انتهوا إِلَيْهِ خرج النَّاس من السفن فاسودت الأرض، فلما رأى كثرة النَّاس قَالَ: أبى قومكم إلا كفرا، ورجع حَتَّى عبر الجسر. وفزع النَّاس إِلَى الأحنف بْن قيس فأتى الأحنف القباع، فشكا إِلَيْهِ مَا النَّاس فيه، فَقَالَ: أشيروا علي بمن أولي؟ فأشار قوم بمالك بْن مسمع الجحدري، وأشار قوم بزياد بْن عَمْرو العتكي، فَقَالَ الأحنف: لا أرى لهم غير المهلب، فكلم القباع المهلب وَقَالَ لَهُ: إن أَهْل مصرك قد ارتضوك ورجوك وأملوا أن يقمع اللَّه هذا العدو بك، فَقَالَ المهلب: لا حول ولا قوة إلا بالله إني عند نفسي لدون مَا قالوا، وقد ولاني أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ خراسان، وأمرني بأمر فأنا أكره ترك أمره، فَقَالَ الأحنف: يَا أبا سعيد لو أتيت عملك لم تنتفع بِهِ مَعَ هؤلاء لا طلالهم عَلَى مصرك ومن تخلف من أهلك، ونحن نكتب إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فيعفيك مما ولاك، وتكتب إِلَيْهِ فتستعفيه وتعلمه مَا رغبنا فيه إليك، فكتبوا وكتب فأجابهم ابْن الزُّبَيْرِ إِلَى مَا سألوا، ويقال إنهم زوروا كتابا، واشترط المهلب أن ينتخب من أحب من المقاتلة فَقَالُوا لَهُ: ذاك لك، وأن يكون والي كل بلد تغلب عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ القباع: ذاك لك، ويقال: إنه سأل أيضا خراج مَا غلب عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ القباع: ذاك للمسلمين، فإن أخذته كنت وعدوهم سواء، ولكن لك مَا فضل من أعطيات أصحابك، فكتب لَهُ بما سأل كتاب وضع عَلَى يد الصلت بْن حريث

الثقفي، فانتخب المهلب اثني عشر ألفا من جميع الأخماس، وعسكر بالجسر، وأعان المهلب النَّاس، واتخذ ألوية ورايات، وقاتل الخوارج فهزمهم، وعقد الجسر، وأمر أن لا يتبعوا، فصاروا إِلَى نهر تيرى وانضموا إِلَى عبيد اللَّه بْن بشير بْن الماحوز فَقَالَ رجل من الأزد: أبا سعيد جزاك اللَّه صالحة ... عَن العراق ليالي الحرب تلتهب والناس فِي فتنة عمياء مظلمة ... والدين مهتضم والمال منتهب لولا دفاعك إذ حل البلاء بهم ... لأصبحوا عَن جديد الأرض قد ذهبوا وجبى المهلب خراج الفرات وغيره، وأعطى النَّاس وانضم إِلَيْهِ مُحَمَّد بْن واسع الأزدي الناسك، وَأَبُو عمران الجوني، وعَبْد اللَّهِ بْن رياح الأَنْصَارِيّ، وَكَانَ مَعَهُ مُعَاوِيَة بْن قرة المري، ووعظ المهلب النَّاس فَقَالَ: هذا عدوكم الَّذِي لا ريبة فِي أمره، ولا توقف عنه، وقد لقيهم قبلكم مسلم بْن عبيس الصابر المحتسب، وعثمان بْن عبيد اللَّه بْن معمر العجلي المفرط، وحارثة بْن بدر العاصي المخالف فالقوهم رحمكم اللَّه بصبر وعزم، وجعل المهلب عَلَى تميم الحريش بْن هلال، وسار حَتَّى نزل بنهر تيرى، وقد صار الخوارج إِلَى الأهواز، فجبى خراج السوس ومناذر، واستخلف أخاه المعارك، فبعث عبيد اللَّه بْن بشير إِلَى المعارك مولى لأبي صفرة يقال لَهُ فايد من سبي الجاهلية فِي خمسين من الخوارج، فيهم صالح بن مخراق، فقتلوا المعارك وصلبوه، فبعث المهلب ابنه المغيرة فأنزل عمه ودفنه، وسار المهلب فأتى سولاف من مناذر، وقد صار الخوارج إليها، فقاتلهم فكشف المهلب، وقتل عَبْد الرَّحْمَنِ الإسكاف مولى الأزد، ويقال من أنفسها، وَكَانَ فارسا راميا، رمى طائرين فشكهما، فقيل خرزهما فسمي إسكافا فَقَالَ الشاعر:

بسولاف أضعت دماء قوم ... وطرت عَلَى مواشلة [1] درور ثُمَّ إن بعض المنهزمة رجعوا، وأتى المهلب سلى وسلبرى وهما من مناذر الصغرى وقد ثاب النَّاس إِلَيْهِ، فأقام المهلب ثلاثا بسلى وسلبرى فَقَالَ عبيد اللَّه بْن بشير للخوارج: مَا تنتظرون بعدوكم، فحاربهم المهلب ثلاثة أيام، وقاتل بيديه أشد قتال، وقدم ابنه المغيرة فقاتل ومر عَلَى القبائل يحضهم عَلَى القتال ويحرضهم، وأمر أصحابه أن يكثروا الرمي بالحجارة، فجعلت تصرع الراجل، وترد الفارس، فقتل عبيد اللَّه بْن بشير بْن الماحوز، وَكَانَ أمره ستة عشر شهرا، وَكَانَ مقتله فِي شوال سنة ست وستين، وقتل من أصحاب المهلب أكثر ممن قتل من الخوارج وقام بأمر الخوارج الزُّبَيْر بْن عَلِيِّ بْن الماحوز، وكان المهلب ربما افتعل الحديث ينشط بِهِ النَّاس إِلَى القتال فَقَالَ الشاعر: أنت الفتى كل الفتى ... لو كنت تصدق مَا تقول وسماه بعضهم الكذاب وقال بعض الخوارج: كم من قتيل تنقر الطير عينه ... بسولاف غرته المنى والجعائل وَقَالَ مجاهد المنقري: تبعنا الأعور الكذاب نمشي ... نزجي كل أربعة حمارا فيا لهفي علي تركي عطائي ... معاينة وأخذيه ضمارا كأن دموع عينك يابن عصم ... خرير المنجنوق [2] سقي الديارا

_ [1] وشل يشل وشلا- سال أو قطر. القاموس. [2] المنجنوق: هو المنجنيق، القاموس.

وَقَالَ ابْن قيس الرقيات: ألمت وعرض السوس بيني وبينها ... ورستاق سولاف حمته الأزارقة إذا نحن شئنا قارعتنا كتيبة ... حرورية فيها من الموت بارقة [1] وَقَالَ بيهس بْن صهيب: بسلى وسلبرى مصارع فتية ... كرام وعقرى من كميت ومن ورد وَقَالَ آخر: قل للأزارقة الذين تمزقوا ... بسلى وسلبرى لقيت نحوسا قتل المهلب جمعكم وأخذتم ... من رسله بعد المساء رءوسا وَكَانَ المهلب بعث برأس عبيد اللَّه بْن بشير بن الماحوز ورؤوس قوم من أصحابه إِلَى القباع مَعَ رسول لَهُ من الأزد، فلقيه بنو بشير فَقَالُوا: هل من خبر؟ فَقَالَ: نعم قتل هذا المارق، وهذا رأسه معي، فأخذوا رأس أبيهم فدفنوه، وحفروا حفيرة فدفنوا الرؤوس الباقية فيها، وأخذوا الأزدي فقتلوه ومن مَعَهُ وهربوا، فلما كَانَ الحجاج أخذ ابنا لعبيد اللَّه بْن بشير فقتله، وقد أتاه مسلما عَلَيْهِ، ودفع ابنين لَهُ آخرين إِلَى ورثة الأزدي. وكتب المهلب إِلَى القباع مَعَ الرقاد بْن عَبْد اللَّهِ والصعب بْن زيد عم جرير بْن حازم: «إنا لقينا الأزارقة بسلى وسلبرى فكانت فِي النَّاس جولة، ثُمَّ ثاب أَهْل الدين والعزم والحفاظ، فرزقنا اللَّه النصر عليهم، ونزل القضاء بأمر اللَّه فجازت النعمة فيه الأمل فصاروا دريئة رماحنا، وضرائب سيوفنا، وقتل اللَّه صاحبهم عبيد اللَّه بْن بشير بن الماحوز في رجال من فرسانهم

_ [1] ديوان ابن قيس الرقيات- ط. دار صادر بيروت ص 162 مع فوارق.

وحماتهم، وبقيت منهم بقية شذوا عَن عسكرهم ليلا، وأرجو أن يكون آخر هذه النعمة كأولها. فكتب إِلَيْهِ القباع: «هنيئا لك يَا أخا الأزد، شرف الدنيا وعزها، وثواب الآخرة وفضلها. قَالَ المهلب: مَا أجفا أَهْل الحجاز أما تراه عرف اسمي. وَقَالَ بعض الخوارج فِي المهلب: أتانا بأحجار ليقتلنا بِهَا ... وهل تقتل الأقران ويحك بالحجر وَكَانَ المهلب قَالَ: ارموهم بالحجارة فإنها تنفر الخيل، وتصرف وجوهها، وتحير الرجالة وتعقرهم، وَكَانَ الخوارج أكثر سلاحا من البصريين وطعن رجل من الخوارج رجلا من أَهْل البصرة فذكر أمه فَقَالَ الخارجي: أمك خير لك مني صاحبا ... تسقيك محضا وتعل رائبا وَقَالَ بعضهم فِي قتل عبيد اللَّه بْن بشير بْن الماحوز: ويوم سلى وسلبرى أحاط بهم ... منا صواعق لا تبقي ولا تذر حَتَّى تركنا عبيد اللَّه منجدلا ... كما تجدل جذع مال منعقر قَالَ أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: عبيد اللَّه بْن بشير بْن يَزِيدَ- وهو الماحوز طعن رجلا فقيل: محزه محزا كما يمحز الحمار- ابْن مساحق بْن زبيد بْن ضباب بْن سليط، والزبير بْن عَلِيِّ بْن يَزِيدَ بْن مساحق ويزيد أخو الحارث بْن مساحق.

أمر الزبير بن علي من آل الماحوز

أمر الزُّبَيْر بْن علي من آل الماحوز قالوا: لما قتل عبيد اللَّه بْن بشير، استخلف من الخوارج الزُّبَيْر بْن علي، فرأى جزع أصحابه عَلَى ابْن بشير ومن قتل منهم فَقَالَ: لا تجزعوا عَلَى من صار إِلَى الجنة واذكروا أيامكم: قتلتم ابْن عبيس. وربيع الأجذم والحجاج بْن ناب. وحارثة بْن بدر. والمعارك والحرب سجال والعاقبة للمتقين [1] وخرج فنزل فِي تخوم أصبهان فأقام شهرا ثُمَّ أتى السوس فقاتله المهلب، ثُمَّ أتى تستر فقاتله المهلب وصار إِلَى أرجان من فارس، وقدم مصعب بْن الزُّبَيْرِ عَلَى البصرة والكوفة من قبل عَبْد اللَّهِ أخيه فِي أول سنة سبع وستين، والزبير بْن علي بأرجان، فكتب مصعب إِلَى المهلب فِي القدوم عَلَيْهِ، ووجه بكتابه مَعَ مُحَمَّد بْن الأشعث فقدم واستخلف ابنه المغيرة بْن المهلب، وَقَالَ لأصحابه: إنكم لا تفقدوني مَا كَانَ المغيرة عليكم، فإنه أَبُو صغيركم فِي الشفقة، وابن كبيركم فِي البر والطاعة، فلتحسن طاعتكم لَهُ، فما أردت صوابا

_ [1] سورة القصص- الآية: 83.

قط إلا سبقني إِلَيْهِ. وقدم المهلب البصرة وكتب مصعب إِلَى المغيرة: «إنك إلا تكن كأبيك، فإنك بحمد اللَّه كاف لما وليت، وعليك بالجد فِي أمرك والحذر لعدوك» ، وسار مصعب ومعه المهلب وعمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر إِلَى المذار، فقتل أحمر بْن شميط، ثُمَّ أتى الْكُوفَة وهما مَعَهُ، فقتل المختار بْن أَبِي عبيد، ثُمَّ وجه عمر بْن عبيد اللَّه إِلَى البصرة فشهد الحيرة. وولى المهلب بْن أَبِي صفرة الموصل والجزيرة وأرمينية. وأتى البصرة فتلافى أمر أصحاب الجفرة، وولى البصرة عباد بْن زياد. ويقال ولاها سنان بْن سلمة بْن المحبق الهذلي، وجعل عبادا عَلَى شرطه، وولى عمر بْن عبيد اللَّه فارس، فألفى الزُّبَيْر بْن علي بإصطخر فعسكر عَلَى أربعة فراسخ من معسكره، فبيته الزُّبَيْر والخوارج فقاتلهم فرجعوا ولم يظفروا، وأصاب منهم طرفا، ثُمَّ إنه قدم إليهم عبيد اللَّه ابنه، وأمه من ولد قيس بْن عدي السهمي من قريش فِي خيل فقتلوه، وأبوه لا يعلم، لأنه كَانَ مشغولا بإصلاح قنطرة هناك تهدمت، ثُمَّ سال عَن ابنه فقيل قتل والله كريما صابرا، فاحتسبه فاسترجع، وترحم عَلَيْهِ وَقَالَ: عند اللَّه أحتسبه. وَقَالَ قطري بْن الفجاءة للزبير بْن علي: لا تقاتل عمر اليوم فإنه موتور، فأبى وقاتله فقتل من فرسان الخوارج تسعون وطعن عمر بْن عبيد اللَّه صالح بْن محزاق فشتر عينه، وضرب قطريا عَلَى جبينه ففلقه، وانهزم الخوارج، واستشهد يومئذ رجل من ولد معبد بْن العباس بْن عَبْد المطلب، يقال لَهُ عباس بْن عَبْد اللَّهِ، وستة من ولد الحارث بْن عَبْد المطلب، وكتب عمر إِلَى مصعب «إني لقيت هذه العصابة المارقة، فاستشهد عبيد الله بن

عمر، ورجال صالحون، ثُمَّ إن اللَّه منحنا أكتافهم فقتلنا من كَانَ يومه حان وكل إِلَى حين وخسران» . وصار الزُّبَيْر بْن علي إِلَى سابور، فلقيه عمر بكازرون، وَكَانَ مَعَهُ مجاعة بْن سعر، فقتل مجاعة بعمود كَانَ بيده من الخوارج أربعة عشر رجلا، ودافع عَن عمر يومئذ، فوهب لَهُ تسعمائة ألف درهم، وَكَانَ مجاعة اجتباها من خراج إصطخر، ويقال أكثر من ذَلِكَ فَقَالَ يَزِيد بْن الحكم: ودعاك دعوة مرهق فأجبته ... عمر وقد نسي الحياة وضاعا فرجعت حين دعاك غير معتم ... تحمي وكنت لمثلها رجاعا فرددت عادية الكتيبة عَن فتى ... قد كاد يترك لحمه أقطاعا وولى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ ابنه حمزة البصرة، وكتب إِلَى المصعب أن يلحق بِهِ من مَعَهُ من رجال أَهْل البصرة، فألحق بِهِ المهلب، وولى مكانه إِبْرَاهِيم بْن الأشتر، فوجه حمزة المهلب لقتال الخوارج لمسألة أَهْل البصرة إياه ذَلِكَ. وَقَالَ قوم: عزل حمزة المهلب عَن الموصل ووجهه لقتال الخوارج وهذا قول من زعم أن حمزة ولي البصرة والكوفة، وذلك غلط. وأتى الخوارج رامهرمز فِي أيام حمزة، فقاتلهم المهلب، فأتوا أرجان ومضوا إِلَى أصبهان، وغضب مصعب، فمضى إِلَى أخيه وعامله عَلَى الْكُوفَة القباع، وعلى الموصل ابْن الأشتر، فرده أخوه عَلَى البصرة والكوفة وعزل حمزة ابنه فقدم مصعب البصرة ولم يعزل حمزة عمر بْن عبيد اللَّه عَن فارس، وأقبل الزُّبَيْر بْن علي من أصبهان إِلَى الأهواز، فَقَالَ مصعب: «العجب لعمر بْن عبيد اللَّه، قطع هذا العدو أرض فارس فلم يقاتلهم، ولو قاتلهم لكان أعذر

له» وكتب إليه: «يابن معمر مَا أنصفتني، تجبي الفيء وتحيد عَن العدو، فاكفني أمرهم» ، فأقبل عمر من فارس، وخرج مصعب من البصرة ومعه المهلب يريدان جميعا الزُّبَيْر وأصحابه، فبلغهم ذَلِكَ، وانحازوا إِلَى السوس ثُمَّ أتوا الكلتانية وخرجوا إِلَى كسكر، وأتوا المدائن وعليها كردم بْن مزيد الفزاري، فتحصن فِي القصر فأتوا ساباط فقتلوا أحمر طيّئ، وَكَانَ من فرسان عبيد اللَّه بْن الحر فقال الشاعر: تركتم فتي الفتيان أحمر طيّئ ... بساباط لم يعطف عَلَيْهِ خليل فلو كنت من خلانه لحميته ... ولكن خلان الصفاء قليل وقتل يومئذ كاتب الزُّبَيْر بْن علي ومولاه، وبسط الخوارج فِي القتل، فقتلوا النساء، والصبيان، والأطفال، وقتلوا أم ولد ربيعة بْن ناجذ الأزدي وغيرها، وقالت لهم أم ولد ربيعة: أتقتلون أومن ينشّؤوا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [1] فَقَالَ لهم رجل منهم: استحيوها، فَقَالُوا: لقد أعجبتك وفتنتك، فأمسك. وسرحوا صالح بْن مخراق إِلَى بكر بْن مخنف، وَكَانَ عامل مصعب على إستان العال وهو بادوريا والأنبار، وقطربل ومسكن، فلقوه بكرخ بغداد فقتلوه، فَقَالَ سراقة يرثيه: ألا يَا لقوم للهموم الطوارق ... وللحدث الجاري بإحدى البوائق لحى اللَّه قوما عردوا عنك بكرة ... ولم يصبروا للامعات البوارق تولوا فأجلوا بالضحى عن عميدهم ... وسيدهم بالمأزق المتضايق

_ [1] سورة الزخرف- الآية: 18.

وَكَانَ مَعَ الأزارقة رجل من بني العم يقال لَهُ راشد، شديد البأس، فقاتلهم راشد، وانحاز الخوارج فحماهم فَقَالَ الشاعر: وعبأ راشد العمي خيلا ... إِلَى خيل فقاتلهم جهارا وحامى راشد العمي عنا ... وقد جازت فوارسنا المذارا فِي أبيات. وأقبل الزُّبَيْر وأصحابه يريدون الْكُوفَة، وعليها من قبل مصعب القباع، فخرج إِلَى النخيلة متثاقلا، فكلمه شبث بْن ربعي، وإبراهيم بْن الأشتر وغيرهما- ويقال إن ابْن الأشتر كَانَ بالموصل- فِي أمر العدو، وقالوا: قد أظلنا، فخرج تجرجرا، فصار إِلَى دير عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ يومئذ عَلَى الموصل وَقَالَ الشاعر: إن القباع سار سيرا نكرا ... يسير يوما ويقيم شهرا وجعل يتردد بين دباها ودبيرا. فَقَالَ الشاعر: إن القباع سار سيرا ملسا ... يسير يوما ويقيم خمسا ثُمَّ سار إِلَى الصراة وَقَالَ: إذا لقيتم عدوكم فأحسنوا القتال، فإن أول الحرب المشاتمة، ثُمَّ الرمي بالنبل، ثُمَّ إشراع الرماح والطعان، ثُمَّ السلة [1] ، فَقَالُوا: لقد أحسن الأمير الصفة. وأتى الخوارج الصراة فقتلوا سماك بْن يَزِيدَ السبيعي وابنيه، والقباع معسكر فِي ستة آلاف، فقطع الجسر، ورجع الخوارج، وانصرف القباع إلى

_ [1] يقال: أتيناهم عند السلة: أي استلال السيوف. القاموس.

الْكُوفَة، وأتى الخوارج المدائن، ومضوا إِلَى جوخى فأغاروا ببراز الروز [1] فقتلوا وأصابوا أموالا، وأتوا البندنيجين، ثُمَّ حلوان، ومضوا إِلَى أصبهان، فنزل الزُّبَيْر بْن علي بعقوة عتاب بْن ورقاء الرياحي، وَكَانَ مصعب ولاه إياها، ويقال كَانَ الَّذِي ولاه إياها أَبُو يَزِيد الْخَطْمِيّ وابن مطيع، فأقره مصعب، ثُمَّ عزله ليحضر مَعَهُ حرب عَبْد الْمَلِكِ، فحقد عَلَيْهِ ذَلِكَ، وكاتب عَبْد الْمَلِكِ، فبعث إِلَيْهِ عتاب مَا أغراك بي وأنا ابْن عمك؟ فَقَالَ: إن البعيد والقريب من المشركين عندنا سواء. فحصره الخوارج أشهرا، ثُمَّ إن الخوارج أتوا الري وعليها يزيد بْن الحارث بْن يزيد بْن رويم الشيباني، وَكَانَ المصعب ولاه إياها، وأقره عَلَيْهَا، فحصره شهرا، ثُمَّ قاتله، فقتله الزُّبَيْر بْن علي، ونادى يَزِيد ابنه حوشب بْن يَزِيدَ، فهرب ولم يلو عَلَى أحد، وقتل الخوارج لطيفة أم حوشب، وَكَانَ علي بْن أَبِي طالب صلوات اللَّه عَلَيْهِ دخل عَلَى يَزِيد يعوده، فَقَالَ لَهُ علي: إن عندي جارية لطيفة الخدمة فبعث بِهَا إِلَيْهِ فسماها لطيفة، وَقَالَ بعض الشعراء بعد قتل مصعب: مواطننا فِي كل يوم كريهة ... أسر وأسنى من مواطن حوشب دعاه يَزِيد والأسنة شرع ... فلم يستجب إن الفتى غير محرب ولو كَانَ حرا حوشب ذا حفيظة ... رأى مَا رأى فِي الموت عيسى بْن مصعب وَقَالَ بشر بْن مروان ذات يوم، ومعه حوشب بْن يَزِيدَ، وعكرمة بْن ربعي: من يدلني عَلَى فرس جواد؟ فَقَالَ عكرمة: فرس حوشب فإنه نجا

_ [1] من طساسيج السواد ببغداد من الجانب الشرقي. معجم البلدان.

عَلَيْهِ يوم الري فضحك بشر، وَقَالَ: بشر يوما: من يدلني عَلَى بغلة قوية ظهيرة؟ فقال حوشب: بغلة واصل بْن مساور بْن رياب حملت مساورا وواصلا، وَكَانَ عكرمة يتهم بامرأة واصل، وإنما عناها بقوله: «بغلة واصل» فضحك بشر، وَقَالَ: لقد انتصف. وقيل فِي حوشب بْن يَزِيدَ: نجى حليلته وأسلم شيخه ... تحت الأسنة حوشب بْن يَزِيدَ وقيل أيضا: نجى حليلته وأسلم شيخه ... لما رأى وقع الأسنة حوشب وأتي الزُّبَيْر أصبهان منحطا من الري، فحارب عتاب بْن ورقاء أشهرا. وَقَالَ رجل من أصحاب عتاب يكنى أبا هريرة: قل لابن ماحوز وللأشرار ... كيف ترون يَا كلاب النار شد أَبِي هريرة الهرار فكمن لَهُ عبيدة بْن هلال فضربه فصرعه، ثُمَّ حامى عَلَيْهِ أصحابه، فسلم فكان الخوارج ينادونهم: مَا فعل الهرار؟ فيقولون: مَا عَلَيْهِ بأس وخرج إليهم فَقَالَ: أنا أَبُو هريرة الهرار ثُمَّ إن عتاب بْن ورقاء عقد لواء لياسمين جاريته، وَقَالَ: من أراد الهوينا فليأت لواء ياسمين، ومن أراد الصبر فإلي، وخرج إِلَى الخوارج فقاتلهم وهو فِي ألفين، ويقال ألفين وسبعمائة، فاقتتلوا أشد قتال وقتل الزُّبَيْر بْن علي وبشر مَعَهُ وفشت فيهم الجراح، ومضى فله، فلم يتبعوا، وَقَالَ

الأعشى فِي قتل الزُّبَيْر- وذكر أن الحارث بْن عميرة الهمداني قتله- فِي قصيدة أولها: إن المكارم أكملت أسبابها ... لابن القيول الزهر من قحطان حَتَّى تداركهم أغر سميدع ... فحماهم إن الكريم يمان الحارث بْن عميرة الليث الَّذِي ... يحمي العراق إِلَى قرى نجران [1] وَقَالَ رجل من ضبة: خرجت من الكتيبة [2] مستميتا ... ولم أك فِي كتيبة ياسمينا وآثرت الحياء عَلَى حياتي ... ولم أترك لها حسبا ودينا ولم أك فِي المدينة ديدبانا ... أرجم فِي نواحيها الظنونا أعاذ اللَّه قومي أن يكونوا ... مَعَ السمك الَّذِي بالفارقينا وَقَالَ ابْن حسان [3] يَزِيد: صبحنا بزار [4] الروز منا بغارة ... كورد القطا فيها الوشيج المقوم وملنا عَلَى جابي المدينة كردم ... فأفلتنا فوت الأسنة كردم ونجى ابْن ورقاء الرياحي سابح ... شديد مناط القصرتين [5] عثمثم ونحن شفينا من يَزِيد صدورنا ... ومن خيله وصاحب الحرب مغشم وَقَالَ رجل من أصحاب عتاب:

_ [1] ليست في ديوان الأعشى المطبوع. [2] بهامش الأصل: المدينة. [3] ديوان شعر الخوارج ص 98- 99. [4] بزار: قرية على فرسخين من نيسابور. معجم البلدان. [5] القصرة: العنق وأصل الرقبة، والعثمثم: القوي الشديد. النهاية لابن الأثير.

نحن قتلنا الزُّبَيْر مارقكم ... فأصبح الفل منكم مزقا وذلك الفعل فعلنا أبدا ... إذا جهول من قومنا مرقا وولى الخوارج بعد قتل الزُّبَيْر بْن علي قطري بْن الفجاءة، واسم الفجاءة مازن بْن زياد بْن يَزِيدَ بْن حَنْثَر بْن كابية بْن حُرْقُوص بْن مازن بْن مالك بْن عمرو بْن بْن تميم، ويقال مازن بْن زياد بْن يَزِيدَ بْن حنثر بْن حارثة بْن صعير بْن خزاعي بْن مازن. وَقَالَ الشرقي بْن القطامي: اسم الفجاءة جعونة. وكانوا قد أرادوا تولية أمرهم عبيدة بْن هلال، فَقَالَ لهم: أنا أدلكم عَلَى من هو خير مني، قطري، فبايعوه سنة إحدى وسبعين. فسار قطري، ويكنى أبا نعامة من أصبهان حَتَّى أتى الأهواز، ثُمَّ رفع إِلَى كرمان فَقَالَ بعض أصحابه: هربنا نريد الخفض من غير كلة ... وللحرب ناب لا يفل ومخلب فلما بلغه البيت انحط إلي إيذج من كور الأهواز. وبلغ مصعبا أن عَبْد الْمَلِكِ مجد فِي الحركة إِلَيْهِ، فكتب إِلَى عماله فِي النواحي من الوجوه فجمعهم إِلَيْهِ غير المهلب، وعمر بْن عبيد اللَّه، ويقال إن المهلب كتب إِلَيْهِ يسأله أن يكون بقربه، وَقَالَ لَهُ: قد بلغني أن وجوه المصرين قد كاتبوا عَبْد الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ: إن أَهْل المصر سألوني أن لا أصرفك عَن وجهك، وأبوا أن يخرجوا معي إن أخليت هذا الوجه منك. وواقع المهلب قطريا فنحاه عَن إيذج وعن الأهواز كلها وَقَالَ الأحنف وهو بالبصرة، قبل أن يدخل مصعب الْكُوفَة للتوجه إِلَى مسكن وقد ذكر

قطري أنه أَبُو نعامة: إن ركب بنات سجاح وقاد بنات صهال [1] وأمسي بأرض وأصبح بأخرى، وجبى المال، طال أمره فأبلغ قطريا ذَلِكَ رسول كَانَ لَهُ بالبصرة، فنادى فِي عسكره: ألا لا يصحبنا إلا رجل مَعَهُ بغل، فكان ذَلِكَ مما ينكر عَلَى الأحنف، وقاتل قطري عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر بفارس، ثُمَّ أتى أصبهان، ثُمَّ الأهواز، وقتل مصعب فِي سنة اثنتين وسبعين والخوارج برامهرمز، والمهلب بإزائهم. وَقَالَ الهيثم بْن عدي والمدائني: برز المصعب لحرب عَبْد الْمَلِكِ، والمهلب فِي وجوه الخوارج وهو يحمي البصرة والأهواز منهم، وعمر بْن عبيد اللَّه بفارس، وعباد بْن الحصين بالبصرة، فبلغ ذَلِكَ عَبْد اللَّهِ بْن خازم فاسترجع، وَقَالَ: أنا بخراسان، وفي إبراهيم ابن الأشتر ماسد بعض المسد وأنشد: خذيني فجريني ضباع وأبشري ... بلحم امرئ لم يشهد العام ناصره وَكَانَ مقتل قطري فِي أيام الحجاج، وسأذكر ذَلِكَ فِي موضعه إن شاء اللَّه. قَالَ: وَكَانَ الخوارج يسألون أصحاب المهلب عَن ابْن الزُّبَيْرِ فيقولون إمام هدى، فلما قام عَبْد الْمَلِكِ سألوهم عنه فَقَالُوا: إمام هدى، فَقَالُوا لهم: يَا كفرة قلتم بالأمس قولا تقولون اليوم خلافه، لعنكم الله يا عبيد الدنيا.

_ [1] لم أقف لسجاح على اسم في كتب أنساب الخيل، وذكر الغندجاني في كتابه أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها- ط. بيروت 1402 هـ ص 149 «الصهال- لرجل من غطفان يقال له أنيف الذئب» .

أمر نجدة ابن عامر الحنفي

أمر نجدة ابن عامر الحنفي قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: هو نجدة بْن عامر بْن عَبْد اللَّهِ بْن سيار بْن المطرح بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد الحارث بْن عدي بْن حذيفة، وسمي المطرح لأن بني كلاب أصابوه وهو غلام فأخذوه، وَكَانَ شهاب بْن حبيب بْن الحارث بْن عَبْد الحارث يغير عَلَى القبائل فَقَالَ لَهُ ربيعة بْن الحارث: أنت تغير، وابني فِي بني كلاب مطرح. وَكَانَ نجدة مَعَ نافع بْن الأزرق ففارقه مَعَ قوم فارقوه لتبرئه من القعد، وامتحانه المهاجر إِلَيْهِ، وتحريمه التقية فِي دار قومه، وصار نجدة إِلَى اليمامة فنزل بإباض، ودعا أبا طالوت، وهو فِي قول الْكَلْبِيّ مطر بْن عقبة بْن زيد بْن جهينة بْن الفند، وهو شهل بْن شيبان بْن ربيعة بْن زمان بْن مالك بْن صعب ودعا سالم بْن مطر مولى بني مازن بْن مالك بْن صَعب بْن عَلِيِّ بْنِ بَكْر بْن وائل إِلَى نفسه، فبايعه خمسون عَلَى أنهم إن وجدوا من هو خير لهم منه بايعوه وبايعه معهم.

ثُمَّ إن أبا طالوت صار إِلَى الخضارم وكانت لبني حنيفة، فأخذها مُعَاوِيَة بْن أَبِي سفيان، فصير فيها رقيقا مبلغهم ومبلغ أولادهم ونسائهم أربعة آلاف، ويقال كانوا أربعة آلاف بيت، فأخذ سالم ذَلِكَ الرقيق فقسمه فِي أصحابه وأقام أشهرا، وذلك فِي سنة خمس وستين، وأتاه النَّاس، وكثر أصحابه، وخرجت عير من البحرين أربعين راحلة تحمل مالا وغير ذَلِكَ يراد بِهَا ابْن الزُّبَيْرِ، فخرج نجدة في عشرة آلاف فلحقهم بجبلة من أرض بني تميم، وهي عَلَى خمس ليال من هجر فأخذ العير بما فيها، وَقَالَ بعضهم: خرجت العير من البصرة يراد بِهَا عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، وفيها ثلاثون رجلا من شيعته وأكرياؤهم من بني تميم، فخرج إليهم نجدة فِي ستين راكبا، ومعهم ثور بْن حليلة بْن ثور الحنفي، فساق العير حَتَّى أتى بِهَا أبا طالوت بالخضارم، فَقَالَ نجدة: اقتسموا هذا المال واجعلوا غلة هذه الشيوخ لكم ولمن لحق بكم، وردوا هذا الرقيق فدعوهم كما كانوا يعتملون الأرض ويعمرونها، فإن ذَلِكَ أرد وأنفع، فاقتسموا المال، وقالوا لأبي طالوت: إنا كنا بايعناك عَلَى أنا إن وجدنا خيرا منك بايعناه وبايعته، ونجدة خير لنا منك، فبايعوه عَلَى مَا يبايع عَلَيْهِ الخلفاء أن لا يخلع إلا عَن جور ظاهر، ولم يبايعوه عَلَى مَا بايعوا عَلَيْهِ أبا طالوت، وبايعه أَبُو طالوت أيضا وذلك فِي سنة ست وستين ونجدة يومئذ ابن ثلاثين سنة. وخرج سراج بْن مجاعة الحنفي إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ ليأخذ لقومه أمانا، فَقَالَ لَهُ ابْن الزُّبَيْرِ: يَا سراج ألم تر مَا صنع قومك والله لأوجهن إليهم جيشا، فَقَالَ: والله مَا صنع هذا إلا حرورية.

قالوا وأقام نجدة أشهرا، وكثر أصحابه فَقَالُوا: لو غزونا، فسرح نصر بْن مبارك الحنفي في ثلاثمائة إِلَى البحرين، وَقَالَ: إن قتل فأميركم أَبُو سعدة العجلي، وعلى البحرين يومئذ سعيد بْن الحارث الأَنْصَارِيّ، وَكَانَ من قبل يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ فبقي بِهَا، فمنعهم سعيد بْن الحارث من دخولها، فوجه نجدة قدامة بْن المنذر بن النعمان في ثلاثمائة وَقَالَ: إن قتل فأميركم أَبُو سعدة، فإن قتل فأميركم إساف اليشكري، فإن قتل فأميركم المطرح بْن نجدة، فإن قتل فأميركم أَبُو سنان حيي بْن وائل اليشكري. وَقَالَ بنو كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، لكلاب بْن قرة بْن هبيرة القشيري: إنها فتنة فلو أتينا سوق المجاز فأغرنا، فإن بِهَا بزا منشورا، وتمرا منثورا، فأجابهم كلاب ومعه أخوه غطيف، فكتب نجدة إِلَى ابْن المنذر، وأبي سعدة والذين وجههم إِلَى البحرين فردهم، ووجه حر بْن وائل إِلَى ابْن كعب وهم بالمجاز، وقدامة بْن النعمان فِي ثلاثمائة، واتبعهم نجدة في أربعمائة، ويقال خمسمائة، فالتقوا بذي المجاز، فهزمهم نجدة، وقتلهم قتلا ذريعا، وصبر كلاب وغطيف ابنا قرة، وجعل كلاب يقول لأخيه: صبرا غطيف إنها الشهادة ... كل امرئ مفارق أولاده وصبرا حَتَّى قتلا وانهزم قيس بْن الرقاد الجعدي، فلحقه أخوه لأمه مُعَاوِيَة بْن قرة، فسأله أن يحمله ردفا فلم يفعل، وقدم جفينة بْن قرة عَلَى أهله خفية، فأتته امرأته بزبد وتمر- فجعل يأكل وهي تسأله عَن إخوة لها وإخوته فلم يجبها فقالت: اجتحف وأخبر فَقَالَ: لا يستوي الجحفان جحف بزبدة ... وجحف حروري بأبيض صارم

فلما فرغ قَالَ: سلي، فلم تسأله عَن أحد من إخوته وإخوتها إلا نعاه، فشقت جيبها وقالت: ويحك ألا صبرت حَتَّى تقتل مَعَهُمْ، وَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا قاتل اللَّه قيس الجعد كيف دعا ... كعبا لأسباب أمر غير ميمون حَتَّى إذا التقت الأبطال وأطعنوا ... فعل الديافية المطلية الجون طرح رايتنا قيس وبرزه [1] ... عَن الطعان طويل الشخص ملبون [2] فِي أبيات وَقَالَ قيس: أسأل مُعَاوِيَة بْن قرة إذ دنت ... منه الأسنة أي فعل يفعل فإذا أتيت أباك فاشتر مثله ... إن الرداف عَن الأحبة يشغل يريد مثل فرسه. وَقَالَ جفينة- وهو جفنة- يحرض ابْن الزُّبَيْرِ: عَلَى أي شيء أنت بالركن واقف ... مقيم وقد سارت بهن الركائب ولا شيء إلا الموت إذ برزت لنا ... حنيفة أرباب السيوف القواضب فِي أبيات قالوا: ورجع نجدة إِلَى اليمامة وكثر أصحابه، فصاروا ثلاثة آلاف، فخاف أن يطأ الجنود اليمامة، وأن يغزى أهلها، فاستخلف باليمامة عمارة بْن سلمى من ولد الدول بْن حنيفة، وهو عمارة الطويل وأتى البحرين فِي سنة سبع وستين، فقالت الأزد: نجدة أحب إلينا من ولاتنا، لأنه منكر للجور،

_ [1] برزه تبريزا: أظهره وبينه. القاموس. [2] الملبون: من به كالسكر من شرب اللبن. القاموس.

وولاتنا يجورون، فعزموا عَلَى مسالمته، واجتمعت عَبْد القيس ومن بالبحرين غير الأزد عَلَى محاربته، فَقَالَ بعضهم: نجدة أقرب إليكم منه إِلَى الأزد فلا تحاربوه، وَقَالَ بعضهم: أندع نجدة وهو حروري مارق تجري أحكامه عَلَيْنَا، فالتقوا بالقطيف، وأقبل وكيع أحد بني جذيمة من عَبْد القيس يرتجز ويقول: يَا أم يعقوب تجنبيني ... لا تحذري علي واحذريني إن علي واقيا يقيني ... أنا وكيع لست بالهجين اليوم أحمي حسبي وديني ... مَا ملكت قائمة يميني فقتل وكيع وجماعة من العبديين، وسبى نجدة من قدر عَلَيْهِ من أَهْل القطيف. قَالَ الشاعر: نصحت لعَبْد القيس يوم قطيفها ... وما نفع نصح قيل لا يتقبل وأقام نجدة بالقطيف، ووجه ابنه المطرح إِلَى فل أَهْل القطيف من عَبْد القيس، فقاتلوه بالثوير [1] فقتل المطرح وجماعة من النجدية، فَقَالَ جمال بْن سلمة الشاعر: إن تقتلونا بالقطيف فإننا ... قتلناكم يوم الثوير وصحصحا وإن تقتلوا منا وكيعا وعاصما ... فإنا قتلنا طارقا والمطرحا

_ [1] موقع وعر من جبال حمى ضرية، وضرية: قرية في طريق مكة من البصرة من نجد. معجم البلدان.

ووجه نجدة رجلا من عكل يقال لَهُ ذواد إلى الخطّ [1] فطفر بهم، فَقَالَ سويد بْن كراع العكلي: صبحت الخط بنا صباحا ... تحمل من عكل فتى وضاحا مهرية ترى بِهَا مراحا وأقام نجدة بالبحرين، فلما قدم مصعب بْن الزُّبَيْرِ البصرة سنة تسع وستين، بعث إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن عمير الليثي الأعور فِي أربعة عشر ألفا، ويقال فِي عشرين ألفا، ويقال إن حمزة بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ الموجه لَهُ حين ولي البصرة، فجعل ابْن عمير يقول: اثبت يا أبا المطرح فإنا لا نفر، فقدم ونجدة بالقطيف فنزل عَلَى ميل من عسكره، وصير البحر خلفه، والأثقال أمامه، وأناخ الإبل أمام الأثقال، وَقَالَ لآخذن نجدة أخذا، وحض نجدة أصحابه، فرغبهم فِي الشهادة والجنة، وزهدهم فِي الدنيا، واعتزل قوم من أصحابه منهم ذواد العكلي فلم ينهض مَعَهُ، فَقَالَ نجدة: إن إخوانكم هؤلاء أحبوا البقاء وثبت نجدة فيمن بقي مَعَهُ وأتى ابْن عمير فِي عسكره وهو غار فقاتلهم طويلا، وأصبح ابْن عمير فهاله أمر من رأى فِي عسكره من القتلى والقطعى والجرحى، وتشاغل ومن فِي عسكره بموتاهم وجرحاهم، فأتاهم نجدة فحمل عليهم فلم يلبثوا أن انهزموا فلم يلو أحد منهم عَلَى أحد، وحوى نجدة العسكر، وأصاب جواري لابن عمير وفيهن أم ولد لَهُ، فعرض نجدة عَلَيْهَا أن يردها عَلَيْهِ، فقالت: لا حاجة لي فيمن فر عني، وورد ابْن عمير البصرة فارا، فقال الفرزدق:

_ [1] الخط- كما يبدو- خط عبد القيس بالبحرين، وهو كثير النخل. معجم البلدان.

مَا فر من جيش أمير براية ... فيدعي طوال الدهر إلا منافقا تمنيتهم حَتَّى إذا مَا لقيتهم ... تركت لهم دون النساء السرادقا وأعطيت مَا تعطي الحليلة بعلها ... وكنت حبارى إذ رأيت البوارقا [1] وَقَالَ العجاج حين قتل عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، أبا فديك: لقد شفاك عمر بْن معمر ... من الحروريين يوم العسكر وقع امرئ ليس كوقع الأعور [2] يعني عَبْد اللَّهِ بْن عمير فِي حرب نجدة. وبعث نجدة بعد هزيمة ابْن عمير عطية بْن الأسود الحنفي إِلَى عمان وقد غلب عَلَيْهَا عياذ بْن عَبْد اللَّهِ وهو شيخ كبير، وابناه سعيد وسليمان يعشران السفن ويجيبان البلاد، فمانعوه وقاتلوه فقتل عياذ وغلب عطية عَلَى عمان فأقام بِهَا أشهرا، ثُمَّ خرج منها واستخلف رجلا يكنى أبا القاسم فقتله سعيد وسليمان ابنا عياذ وأهل عمان، وخالف عطية نجدة فعاد إِلَى عمان فلم يقدر عَلَيْهَا فركب البحر وأتى كرمان، وضرب دراهم كَانَ يقال لها العطوية، وأقام بكرمان، فيقال إن المهلب بعث إِلَيْهِ جيشا فلحق بسجستان، ثُمَّ صار إِلَى السند فقتلته خيل المهلب بقندابيل، ويقال إن الخوارج قالوا لَهُ: هاجر فَقَالَ أنا مهاجر عَلَى ديني فقتلوه. وسمع أبو حزابة امرأة كانت مَعَ عطية تقول وهو بكرمان: هل من سيف هل من رمح، فَقَالَ: أتريدين نيزكا فرفعته إِلَى عطية فضربه أسواطا، وقال الفرزدق لبني حنيفة:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 47 مع فوارق كبيرة. والحباري: طائر. القاموس. [2] ليس في ديوان العجاج المطبوع.

وهم من بعيد فِي الحروب تناولوا ... عياذ بْن عَبْد اللَّهِ والخيل شحب [1] قالوا ووجه نجدة بعد هزيمة ابْن عمير إِلَى البوادي من يأخذ من أهلها الصدقة، فكانوا يدعون القوم فإذا أجابوهم أخذوا الصدقة منهم، فقاتل أصحابه بنو تميم بكاظمة وأعانهم أَهْل طويلع [2] ، وقتلوا رجلا من الخوارج، فوجه نجدة إِلَى أَهْل طويلع من أغار عليهم وقتل منهم نيفا وثلاثين رجلا وسبى، ثُمَّ إنه دعاهم بعد ذَلِكَ فأجابوه وأخذ منهم الصدقة، وَقَالَ الفرزدق: لسنا بأقوام يبيعون دينهم ... إذا علموا أن لا سبيل إِلَى التمر وما كنت مذ شدت على السيف قبضتي ... لانقض بيعا بين زمزم والحجرة [3] يعني بيعة ابْن الزُّبَيْرِ. قَالَ علي بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِيّ: وخرج نجدة إِلَى صنعاء فِي خف فبايعه أهلها، وخافوا أن يكون وراءه جمع كثير، فلما أقام أياما ولم يروا مددا يأتيه ندموا عَلَى بيعته، وبلغه ذَلِكَ فَقَالَ: إن شئتم أقلتكم بيعتكم وجعلتكم فِي حل منها وقاتلتكم، فقالوا: ما كنا لنستقيل بيعتنا، فبعث إِلَى مخاليفها، فأخذ منهم الصدقة، ووجّه نجدة أبا فديك إلى حضرموت فجبى صدقات أهلها، وحج نجدة فِي سنة ثمان وستين، ويقال فِي سنة سبعين، وهو الثبت، وقد كَانَ فِي أيام يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ قاتل مَعَ ابْن الزُّبَيْرِ غضبا للبيت، وما انتهك من حرمته، فلما حج مرته هذه كان في ثمانمائة وستين رجلا، ويقال في ألفين

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 74 مع فوارق. [2] طويلع: ماء لبني تميم. معجم البلدان. [3] ليسا في ديوانه المطبوع.

وستمائة، فصالح ابْن الزُّبَيْرِ عَلَى أن يصلي كل واحد بأصحابه ويقف بهم ويكف بعضهم عَن بعض عَلَى مثال مَا كانت الأزارقة عَلَيْهِ أيام مقاتلتها مَعَهُ. فلما صدر نجدة عَن الحج توجه إِلَى المدينة، فتأهب أهلها لقتاله، وتقلد عَبْد اللَّهِ بْن عمر السيف، فلما كَانَ نجدة بنخل، وأخبر بلبس ابْن عمر السلاح رجع نجدة إِلَى الطائف وأصاب ابْن بحدج ابنة لعبد الله بن عمرو بن عثمان كانت عند ظئر لها، فضمها نجدة إِلَيْهِ، فَقَالَ بعضهم: إن نجدة ليتعصب لهذه الجارية، فامتحنوه بأن سأله بعضهم بيعها منه، فَقَالَ: قد أعتقت نصيبي منها فهي حرة، قَالَ: فزوجني إياها، قَالَ: هي بالغ، وهي أملك بنفسها، فأنا أستأمرها، فقام من مجلسه ثُمَّ قَالَ قد استأذنتها فكرهت الزوج، وقيل إن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ كتب إِلَيْهِ: «والله لئن أحدثت فيها حدثا لأطأن بلادك وطأة لا يبقي بِهَا مَعَهَا بكري» ، وكتب نجدة إِلَى ابْن عمر يسأله هل ساروا بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحربة واللواء، وعن الرجل يغشى المرأة فِي الحيض، فَقَالَ: سلوا ابْن عباس، فَقَالَ: يرحم اللَّه أبا عَبْد الرَّحْمَنِ أين كَانَ يوم حنين قد سير بِذَلِكَ بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرجعه من حنين، وأما الَّذِي يغشى المرأة فِي الحيض فِي أوله فدينار وَالَّذِي يغشى فِي الكدرة [1] فنصف دينار، فبعث إِلَيْهِ نجدة: فإن لم يجد؟ قَالَ: يقوم الَّذِي يلزمه طعاما، ويصوم لكل مد يوما، وَقَالَ ابْن عباس: قاتله اللَّه يقتل المسلمين، ويسأل عَن المحقرات.

_ [1] الكدرة في اللون نقيض الصفاء. القاموس.

ولما رجع نجدة من نخل وقرب من الطائف أتاه عاصم بْن عروة بْن مسعود فبايعه عَن قومه، فلم يدخل نجدة الطائف، فلما قدم الحجاج الطائف لمحاربة ابْن الزُّبَيْرِ قَالَ لعاصم: يا ذا الوجهين بايعت نجدة؟! فَقَالَ: أي والله وذو عشرة أوجه أعطيت نجدة الرضا، ودفعته عَن قومي وبلدي. قالوا: وأتى نجدة تبالة ثُمَّ شخص عنها واستعمل الحازوق الحنفي وهو- حزاق- عَلَى الطائف وتبالة والسراة، واستعمل سعد الطلائع على مايلي نجران، ووجه إِلَى بعض أصحابه يقال إنه عَمْرو بْن همام العقيلي، ووجه حاجب بْن خميصة لقبض صدقات بني هلال ونمير، فمنعوه إياها، فقاتلهم فقتل منهم رجلان، وتولى قتلهما رجلان من بني كلاب، فطالبوا بدمهما فهرب الكلابيان، ورجع نجدة إِلَى البحرين فقطع الميرة عَن أَهْل الحرمين من اليمامة والبحرين، فكتب إِلَيْهِ ابْن عباس: إن ثمامة بْن أثال لما أسلم قطع الميرة عَن أَهْل مَكَّةَ وهم مشركون حَتَّى أكلوا العلهز [1] ، فكتب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ثمامة: «إن أَهْل مَكَّةَ أَهْل اللَّه فلا تمنعهم الميرة فخلهم وإياها» وإنك قطعتها عنا ونحن مسلمون، فخلى لهم نجدة الميرة، وأقام عمال نجدة فِي النواحي حَتَّى وقع الاختلاف بينه وبين أصحابه، فاجترأ النَّاس عليهم، فأما الحازوق فطلبوه بالطائف فهرب، فلما كَانَ فِي عقبة فِي طريقه إذا قوم يطلبونه فرموه حَتَّى قتلوه وهو يقول: أتقتلوني قتلة الزناة، ليبارزني منكم من شاء، وأخذوا فرسه فقالت أخته، أو ابنته تبكيه:

_ [1] العلهز: القراد الضخم، وطعام من الدم والوبر كان يتخذ في المجاعة. القاموس.

أعيني جودا بالدموع عَلَى الصدر ... عَلَى الفارس المقتول بالجبل الوعر فإن تقتلوا الحازوق وابن مطرف ... فإنا قتلنا حوشبا وأبا جسر أقلب عيني فِي الركاب فلا أرى ... حزاقا فعيني كالحجاة من القطر ومن يغنم العام الوشيك ولا حقا ... وقتل حزاق لا يزل عالي الذكر فِي أبيات وَقَالَ هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن النعمان الدوسي سيد الأزد بالسراة، وهو قتل الحازوق الحنفي أيام نجدة، وَكَانَ أوغل فِي بلاد الأزد، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ حين بلغه قتل الحازوق: إن الأزد هم الأسد قتلوا الحازوق وإن من خثعم سلمى، أوتدرون من هي؟ هي امرأة فِي الجاهلية كانت. وقالوا: قتل سعد الطلائع ناجية الجرمي، وأراده عَلَى الصدقة، فمنعه إياها وقاتله فقتله ناجية. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: لقيت رسل نجدة لطلب الصدقة بهدل بْن مالك بْن الطفيل بْن حبيب بْن منيف الطائي، ومعه رجال من طيّئ فاقتتلوا، فقتل نويرة بْن بحير الطائي منهم بالأجفر سبعة خوارج، وكانت راية طيّئ يومئذ مَعَ زيد بْن حبال بْن بشر الطائي، فقتل يومئذ عبس بْن سمي بْن الأغر الطائي، ونافذ بْن زهير بْن ثعلبة الطائي، وله يقول المعنى الطائي: يَا عين بكي نافذا وعبسا ... يوما إذا كَانَ البراء نحسا قَالَ: وَكَانَ أميرهم فِي الحرب زياد بْن جد بْن وبرة قتل من الخوارج اثني عشر، وكانوا يقاتلون أياما.

قالوا: وخالف نجدة أَبُو سنان حي بْن وائل، وذلك لأنه أشار عَلَيْهِ بالبسط عَلَى من كَانَ أجابه وتابعه تقية فنهره وشتمه نجدة، فهم بالفتك بِهِ وحي هو القائل: أما أقاتل عَن ديني عَلَى فرس ... ولا كذا رجلا إلا بأصحاب لقد لقيت إذا شرا وأدركني ... مَا كنت أزعم فِي قومي من العاب ويروي فِي خصمي من العاب. فبعث إِلَيْهِ نجدة من ناظره فَقَالَ: أكلف اللَّه أحدا علم الغيب؟ قَالَ: لا، قَالَ: فإنما عَلَيْهِ أن يحكم بما ظهر، فقبل منهم ورجع إِلَى نجدة. وَحَدَّثَنِي الكردي وغيره قالوا: كَانَ سبب خلاف عطية بْن الأسود عَلَى نجدة لأن نجدة وجه سرية برا وسرية بحرا، فأعطى سرية البر أكثر مما أعطى سرية البحر، فنازعه حتى أغضبه فشتمه نجدة فغضب وألب النَّاس عَلَيْهِ، وقد كَانَ كلم نجدة فِي رجل فأعطاه فرسا فَقَالَ: ألا ترونه يعطي عَلَى الشفاعة؟!. وأعطى نجدة مالك بْن مسمع حين هرب إِلَى ثأج [1] مالا. وكلم فِي رجل شرب الخمر فِي عسكره، فَقَالَ هو شديد النكاية، وقد استنصر رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمشركين. قالوا: وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى نجدة يدعوه إِلَى طاعته وبيعته، عَلَى أن يهدر لَهُ مَا أصاب من الدماء والأموال، وأن يوليه اليمامة وما حولها، فطعن عَلَيْهِ عطية وَقَالَ: مَا كاتبه عَبْد الْمَلِكِ حَتَّى علم منه إدهانا فِي الدين، فخرج عطية إِلَى عمان مفارقا لَهُ، وخالف نجدة أيضا قوم استتابوه فحلف أن لا يعود ثم

_ [1] ثأج: عين من البحرين على ليال. معجم البلدان.

ندموا عَلَى استتابته وتفرقوا، وخالف عَلَيْهِ عامة من كَانَ مَعَهُ وانحازوا عنه وولوا أمرهم أبا فديك عَبْد اللَّهِ بْن ثور، أحد بني قيس بْن ثعلبة، وكانوا حين فارقوا نجدة بايعوا ثابتا التمار، ثُمَّ قالوا: لا يقوم بأمرنا إلا رجل من العرب، وجعلوا الاختيار إِلَيْهِ، فاختار لهم أبا فديك عَبْد اللَّهِ بْن ثور، واستخفى نجدة، وأرسل أَبُو فديك فِي طلبه جماعة من أصحابه وَقَالَ: إن ظفرتم بِهِ فجيئوني بِهِ، وأتى أَبُو فديك إباض وبريء وأصحابه من نجدة وقيل لأبي فديك أنك إن لم تقتل نجدة تفرق النَّاس عنك، فألح في طلبه، وكان نجدة مستخفيا فِي قرية من قرى حجر، ويقال بين حجر وجو، وَكَانَ للقوم الذين أخفوه جارية يخالف إليها راع لهم، فأتاها ليلا وقد غسل نجدة رأسه ودعا بطيب فأخذت الجارية من الطيب شيئا فمسته، فسألها الراعي عَن أمر الطيب فأخبرته خبر نجدة، وغدا الراعي إِلَى أصحاب أَبِي فديك فدلهم عَلَى مكانه فطرقوه، فنذر بهم، فأتى أخواله من بني تميم فاستخفى عندهم، وَقَالَ آتي عَبْد الْمَلِكِ فأضع يدي فِي يده، فَقَالُوا: لك عندنا زاد وحملان قَالَ: فأعهد إِلَى أم المطرح عهدا فأتاها فنذروا بِهِ، فأذنوا أصحاب أَبِي فديك بموضعه، فسبق إِلَيْهِ رجل من بني عقيل من الفديكية فخرج نجدة مصلتا بالسيف فضن بِهِ العقيلي عَن القتل، فنزل عَن فرسه ومشى مَعَهُ، وَقَالَ: إن فرسي هذا فرس لا يدركه شيء، فلعلك تنجو عَلَيْهِ، فإن الخيل طالعة عليك، فَقَالَ: مَا أحب البقاء وقد تعرضت للشهادة فِي مواطن مَا هذا الموطن بأخسها، وغشية الوازع أخو أَبِي فديك لأمه، وَأَبُو طالوت وَأَبُو هاشم مولى بني مازن، واسمه راشد فِي ثمانية عشر رجلا فيهم ثابت التمار وجههم أَبُو فديك لقتل نجدة، فطعنه أَبُو هاشم، ويقال طعنه رجل من بني عدي بْن

حنيفة، وضربه القوم فقتلوه، وبقي الحنفي الَّذِي يقال إنه طعن نجدة، فلقيه حصين بْن نجدة بدمشق فقتله، فوجدوه مقتولا فاتهموا حصينا بقتله فحبسوه، ثُمَّ أخرج، وَقَالَ رجل من جرم يرثي نجدة: أبعد أَبِي المطرح يوم حجر ... يقوم بسوقها أبدا مجير فليت سيوفكم يَا أَهْل حجر ... أتاها يوم نجدة مستعير فأصبحت اليمامة بعد عز ... أذل رقابها الأسد العقير فلم يستبدلوا منه ابْن ثور ... فقد ضاعت بكاظمة الثغور فِي أبيات. وَكَانَ الجرمي وقوم مَعَهُ من بني جرم، نزلوا قريبا من ذي المجاز، فأغار عليهم بنو قشير فأصابوا لهم أموالا، فلما ظفر نجدة ببني كعب، رد عَلَى الجرميين مَا أخذ منهم، فلذلك رثاه الجرمي، وَكَانَ نجدة ذا شجاعة وسخاء، فَقَالَ نصر بْن سيار يوما لرجل من بني حنيفة: من كَانَ سيدكم؟ قَالَ: مجاعة، قَالَ: مَا أدري مَا مجاعتكم من عصيدكم، والله مَا كَانَ فيكم قط أكرم كرما ولا أعظم سؤددا من نجدة وهو الَّذِي يقول: وإن جر مولانا عَلَيْنَا جريرة ... صبرنا لها إن الكرام الدعائم وَقَالَ أَبُو الحسن: كَانَ نجدة استخلف عَلَى البحرين هميان بْن عدي السدوسي، فلما وافى مالك بْن مسمع ثأج بعد الجفرة، كتب هميان إِلَى نجدة إنه قد ورد عَلَيْنَا قوم لهم شرف وقديم، لو قدموا عَلَى أَبِي بكر وعمر لعرفا مكانهم، فإن رأيت أن أعطيهم من سهم المؤلفة فعلت، فكتب نجدة: ليس فِي عطية المؤلفة وقت معلوم، فأعطهم مَا ترى أنه يحل أن يعطى مثلهم،

فأعطاهم هميان كل مَا كَانَ فِي بيت المال ثُمَّ لحق بهم، وحمل نجدة مالكا عَلَى ناقة وحمل ابنه عَلَى فرس، فكان ذَلِكَ مما أنكروه عَلَيْهِ. قالوا: وفارق أبا فديك قوم حين قتل نجدة، فقتل بِهِ مسلم بْن جبير، وهو من أَهْل الحجاز فوجأه اثنتي عشرة وجأة، وَقَالَ: وخالفت قومي فِي دينهم ... خلاف صبا حين جاءت جنوبا أرجي الإله وغفرانه ... ويرجون درهمهم والجريبا قالوا: فقتل مسلم، وحمل أَبُو فديك جريحا فبرأ. وسنكتب خبر أَبِي فديك ومقتله فِي موضعه إن شاء اللَّه. وَكَانَ أَبُو فديك من الجرميين من ولد قَيْس بْن ثَعْلَبَة بْن عُكابة.

خبر عبد الرحمن ابن بحدج بن ربيعة بن سمير بن عاتك ابن قيس من بني عامر بن حنيفة

خبر عَبْد الرَّحْمَنِ ابْن بحدج بْن ربيعة بْن سمير بْن عاتك ابْن قيس من بني عامر بْن حنيفة قالوا: فارق عَبْد الرَّحْمَنِ بْن بحدج نجدة ناقما عَلَيْهِ، فأتى فارس فَقَالَ الأعلم- وهو نعمان بْن عبادة بْن فياض بْن شراحيل النكري من عَبْد القيس- لعمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، وهو عَلَى فارس: إن دخول هؤلاء بلدا أنت فيه وهن، فندب ابْن معمر قوما مَعَ النعمان ووجهه إِلَى ابْن بحدج، فصير النعمان عَلَى مقدمته أبا المنازل، وسار الأعلم، وكتب إِلَى عمر بْن عبيد اللَّه: فلا أعرفنكم بعد ما تقرع العصا ... ترومون أمرا منكم متفاقما فلما قرأ عمر البيت قَالَ: أما النعمان فلا يرجع حَتَّى يظفر أو يموت. قالوا: وأصاب النعمان كسر في فخذه فأبطأ في السير، وتقدم أبو المنازل فلقي الخوارج فقاتلهم وصبروا جميعا، ثُمَّ تحاجزوا وانحاز الخوارج، ولزموا الطريق، فلقوا النعمان بذي القاف، فقاتلهم النعمان، فانكشف أصحابه وصبر فحمل عَلَيْهِ حسان بْن بحدج فضربه فلم يصنع شيئا، وعانقه النعمان فصارا إِلَى الأرض، فضغطه النعمان إِلَى الأرض بصلبه حَتَّى قتله النعمان، وحمل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن بْن بحدج عَلَى النعمان فقتل كل واحد منهما صاحبه

ويقال بل حمل عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى النعمان فقتل النعمان وأتاهم أَبُو المنازل فقاتلهم وهو يقول: اصبر عَلَى حظك فيما مضى ... فإنما النصر مَعَ الصابر فقتل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن بحدج، وانهزم الخوارج وتفرقوا. قَالَ الْمَدَائِنِيّ: ذو القاف بين فارس والبحرين، وبعمان أيضا موضع يقال لَهُ ذو القاف، وقوم يقولون: إن أبا فديك وجه ابْن بحدج، والخبر الأول أثبت. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: ولم يزل النعمان النكري مقيما بفارس، ولم يكن هاجر إِلَى البصرة، فلما قدم عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر فارس واليا للمصعب تلقاه النعمان، وَكَانَ جسيما طويلا، فَقَالَ عمر: إن هذا لخليق للبأس والنجدة، فَقَالَ: من أنت؟ قَالَ: النعمان بْن عبادة النكري، قَالَ: أصحبني، فأكرمه وولاه شرطته، فلما وجهه إِلَى ابْن بحدج ولى مجاعة شرطته، وتزوجت امرأة النعمان بعده رجلا من قريش، فَقَالَ لها رجل من عَبْد القيس: إنك لن تستبدلي أم أيمن ... طوال الليالي فانكحي أو تأيمي فكان يمر زوجها فِي الطريق فينشدون هذا البيت. وَقَالَ الهيثم: ولي عَبْد الْمَلِكِ حين قتل مصعبا يَزِيد بْن هبيرة المحاربي اليمامة، فخرج عَلَيْهِ خارجي يقال لَهُ سوار بْن عبيد، فخرج إِلَيْهِ بأهل اليمامة فقتله، وتزوج يَزِيد امرأة من آل قيس بْن عاصم، فأدخلت عَلَيْهِ وقد ألبست العصب والثياب الرقاق فَقَالَ:

للبس عباءة وتقر عيني ... أحب إِلَى من لبس الشفوف وبكر يتبع الأظعان صعب ... أحب إِلَى من بغل زفوف وبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف وولى بعده أدهم بْن عربي.

أمر عبد الملك بن مروان

أمر عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان [1] وأما عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْن عبد شمس بْن عبد مناف، فأمه عَائِشَةُ بنت مُعَاوِيَة بْن المغيرة بْن أَبِي العاص بْن أمية، وَهُوَ الَّذِي جدع أنف حمزة بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ يَوْم أحد، فقتل عَلَى أحد بَعْد انصراف قريش بثلاث، قتله علي بْن أَبِي طالب بأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأمها فاطمة بنت عامر بْن حزيم من بني جمح، وأمها سكينة بنت أَبِي معيط. بويع لَهُ فِي شهر ربيع من سنة خمس وستين بدمشق، ولعَبْد العزيز أخيه، واستخلف فِي شهر رمضان سنة خمس وستين وكانت ولايته بعد مقتل عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ ثلاث عشرة سنة سنة وثمانية أشهر، وقتل ابْن الزُّبَيْرِ فِي سنة ثلاث وسبعين، وكانت فتنته تسع سنين، ومات عَبْد الْمَلِكِ وله اثنتان وستون سنة، وصلى عَلَيْهِ الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ، ودفن بمقبرة الباب الصغير وذلك فِي سنة ست وثمانين، وكنيته عبد الملك أبو الوليد.

_ [1] بهامش الأصل: «خلافة عبد الملك بن مروان» .

وَقَالَ الواقدي: مات وله ثلاث وخمسون سنة، وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ يلقب «رشح الحجر» لبخله، و «أبا الذبان» لنتن فمه وفساد عمور أسنانه، واجتماع الذبّان عَلَيْهَا وعلى شفتيه، ولم يزل يتنسك قبل الخلافة، وقد روى الحديث عَن عثمان وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري، وَكَانَ مُعَاوِيَة ولاه ديوان المدينة بعد زيد بْن ثابت الأَنْصَارِيّ، ولما ولى عثمان مروان البحرين، ولاه هجر فَقَالَ فيه الشاعر: وبدارين [1] من قريش أمير ... عبشمي نفاعه ضرار ويقال إنه ولد لسبعة أشهر، وَقَالَ فيه ابْن قيس الرقيات: أنت ابْن عائشة التي ... فضلت أروم [2] نسائها لم تلتفت للداتها ... ومضت علي غلوائها [3] وَقَالَ أَبُو اليقظان: العرب تسمي الأبخر أبا الذبان، فلذلك قيل لعَبْد الْمَلِكِ أَبُو الذبان: وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كَانَ عَبْد الْمَلِكِ آدم جميلا أقنى كأنه من رجال يهوذ فِي تمامه. وَقَالَ فيه ابْن قيس الرقيات: يعتدل التاج فوق مفرقه ... عَلَى جبين كأنه ذهب [4]

_ [1] دارين: فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند. معجم البلدان. [2] الأرومة: الأصل. [3] البيت الأول فقط في ديوان ابن قيس الرقيات ص 118. [4] ديوان ابن قيس الرقيات ص 5.

فسمعه رجل فَقَالَ: يعلم والله أنه قد رآه. فولد عَبْد الْمَلِكِ: الوليد، وسليمان، ومروان الأكبر، وداود، درجا. وعائشة تزوجها خالد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ، وأمهم ولادة بنت العباس بن جزء بن بْن الحارث بْن زُهَيْر بْن جذيمة بْن رواحة بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث بْن قطيعة بْن عبس، ولها يقول العجاج: من بين مروان قريع الإنس ... وابنة عباس قريع عبس [1] وَقَالَ بعض الشعراء: لقد أنجبت لَهُ إمامي بلاده ... فإنهما مستخلف ومؤمل ويزيد ومروان الأصغر ومعاوية أمهم عاتكة بنت يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ. وهشاما أمه أم هِشَام واسمها عائشة بنت هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. وأبا بكر أمه عائشة بنت موسى بْن طلحة بْن عبيد اللَّه. والحكم وأمه أم أيوب بنت عَمْرو بْن عثمان بْن عفان. وعَبْد اللَّهِ، ومسلمة، والمنذر، وعنبسة، ومحمدا، وسعيد الخير، وَكَانَ حين استنزل بنهر سعيد (حفر النهر وعمر غيضته فلقب بِهِ) وَكَانَ يَزِيد يقول: إن سعيد الخير لأهل لأن أستخلفه. والحجاج وقبيصة لأمهات أولاد شتى. وفاطمة أمها أم المغيرة بنت المغيرة بْن خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةَ تزوجها عمر بْن عَبْد العزيز.

_ [1] ديوان العجاج- ط. بيروت 1971 ص 481.

وَقَالَ أَبُو اليقظان: سمي عَبْد الْمَلِكِ المنذر باسم رجل من أَهْل الشام كَانَ ناسكا، وقد شهد المنذر هذا قتال حبيش بْن دلجة الحنتف بالربذة، ولا أعلم لَهُ عقبا، قَالَ وسمي قبيصة باسم قبيصة بْن ذؤيب الخزاعي، وَكَانَ قبيصة عَلَى خاتم عَبْد الْمَلِكِ وبيت ماله، وولد لَهُ الوليد بْن قبيصة، فدرج ولا عقب لَهُ، قَالَ: وسمى الحجاج باسم الحجاج بْن يوسف، وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: سميته الحجاج بالحجاج ... بالناصح المعاون الدماج نصحا لعمري غير ذي مزاج فوهب الحجاج بْن يوسف للحجاج بْن عَبْد الْمَلِكِ دارا بدمشق تعرف بدار الحجاج، وَكَانَ أَبُو بكر ضعيفا، فكان يسمى بكارا، حج من المدينة حين وردها ماشيا عَلَى اللبود، وقتله بعد عَبْد اللَّهِ بْن علي، وولد لعنبسه بْن عَبْد الْمَلِكِ الفيض بْن عنبسة لا عقب لَهُ. ووجه عَبْد الْمَلِكِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الحجاج أيام ابْن الأشعث، وإلى أَهْل العراق، فعرض عليهم عزل الحجاج فلم يقبلوا، فأمر الحجاج بقتالهم، وولاه أخوه الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ حمص، وغزا الصائفة وولاه مصر فمرض، فكتب إِلَيْهِ الوليد أن اكتب لي أموالك فَقَالَ: اكتبوها لَهُ فليتني لم أعرف الوليد ولا أباه، ومات فَقَالَ الوليد: رحم اللَّه عَبْد اللَّهِ خاف التبعة فِي الآخرة وتحرج مما أصاب وقد جعلته من ذَلِكَ فِي حل، فبكاه الشاعر وَقَالَ: فهلا عَلَى قبر الوليد أخي الندى ... وقبر سليمان الَّذِي عند دابق وقبر أَبِي عَمْرو أخي وأخيهم ... بكيت لحزن في الجوانح لا حق

وفيه يقول الشاعر: فإن بمصر عَبْد اللَّهِ يأسو ... ويجبر عظم ذي الكسر المهيض وأوفد مسلمة بْن عَبْد الْمَلِكِ مروان بْن عَبْد الْمَلِكِ إِلَى يَزِيد بْن عَبْد الْمَلِكِ بقتل يَزِيد بْن المهلب، وأوصى عَبْد الْمَلِكِ الوليد وسليمان أن يستخلفا أحد ابني عاتكة يَزِيد أو مروان وهو الأصغر فمات مروان وَكَانَ ضعيفا وله يقول كثير: أبا خالد فارقت مروان عَن رضا ... وَكَانَ يزين الأرض أن تنزلا معا [1] وولد لمروان هذا: مُعَاوِيَة بْن مروان، فولد مُعَاوِيَة الوليد بْن مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ من رجالهم ولي دمشق وله عقب. وللحكم بْن عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان يقول رؤبة [2] : يَا حكم الوارث عَن عَبْد الْمَلِك ... ميراث أحساب وجود منسلك إليك أشكو عض دهر منتهك ... بالمنكبين والجران مبترك وقد علمنا ذاك علما غير شك ... أنك بعد اللَّه إن لم تدرك مفتاح حاجات أنخناهن بك ... فالذكر فيها عندنا والأجر لك مَا بعدها من طلب ولا درك

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] ديوان رؤبة بن العجاج- ط. لا يبزغ 1903 ص 118 مع فوارق.

وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ فِي بنية: يَزِيد زيادة الرحمن فينا ... وصاحب عزوة الأمر الشديد ومروان الصفي صفي نفسي ... شبيه النفس مني والجدود وعَبْد اللَّهِ صاحب كل حرب ... وغزو تحت أبدان الحديد فقد علقت حبهم جميعا ... عَلَى أن الخلافة للوليد سليمان الشعار شعار قلبي ... أحب إِلَى من ذوب الشهود ورأيي فِي هِشَام أن فيه ... حياة للجنود وللوفود وقالوا: تزوج عَبْد الْمَلِكِ شقراء بنت مسلمة بْن حنظلة الطائي، وصفت لَهُ، وَكَانَ الواصف لها ابْن معرض الطائي، فَقَالَ: والله لوددت أن الله جعل حظ طيّئ كلها من نار جهنم فِي حر شقراء ليلتها هذه وكانت عظيمة الركب، ويقال بل خرج عَبْد الْمَلِكِ متنزها، فرأى خباء حريدا فوقف عَلَيْهِ، فخرج إِلَيْهِ أَبُو شقراء فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: مَا أنزلك متنحيا؟ فَقَالَ إن لي ابنة لها بهاء قرشية، وحسن غطفانية، وفم طائية، وجسم عامرية، فتزوجها فماتت عنده فصالحهم من ميراثها عَلَى ألف ألف درهم. وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى هِشَام بْن إسماعيل وهو بالمدينة اخطب علي امرأة من قريش من كمالها ومن طولها ومن بياضها فكتب إِلَيْهِ: إني لا أعلم هذه الصفة إلا فِي بنات المغيرة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحارث بْن هِشَام، وَكَانَ المغيرة جميلا، وكن بناته ذوات جمال وكمال، وللمغيرة يقول الشاعر: ألا يا أيها الأعراب سيروا ... فما بعد المغيرة من مقام

المدائني عن إبراهيم بن سعد أن عَبْد الْمَلِكِ رأى فِي منامه كأن امرأته المخزومية قلعت رأسه، ثُمَّ لطعت منه عشرين لطعة [1] ، فبعث إِلَى سعيد بْن المسيب من سأله عَن الرؤيا، فَقَالَ: تلد منه ولدا يملك عشرين سنة، فولدت هشاما فملك عشرين سنة، ويقال إنه رأى أيضا كأنه وتدت فِي ظهره أوتاد، فقصت رؤياه عَلَى سعيد، فَقَالَ: يخرج من صلبه أولاد يلون الخلافة. وتزوج عَبْد الْمَلِكِ ابنة لعلي بْن أَبِي طالب، وتزوج أم أبيها بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر فطلقها، وقد ذكرنا قصتها فيما تقدم من أخبار آل أَبِي طالب. وتزوج أم الحكم بنت ذؤيب بْن حلحلة بْن عَمْرو الخزاعي، وهي أخت قبيصة بْن ذؤيب صاحبه. وأما مسلمة بْن عَبْد الْمَلِكِ فسنذكره بعد هذا الموضع إن شاء اللَّه، وَكَانَ صاحب رأيهم، وفتح الطوانة وغزا الصوائف غير مرة ومات بالحانوتة من مضر [2] سنة إحدى وعشرين ومائة وَكَانَ مولده عام أخرج ابْن الزُّبَيْرِ بني أمية من المدينة.

_ [1] اللطع: اللحس، وأن تضرب الإنسان برجلك، ولطعه بالعصا: ضربه. القاموس. [2] الحانوته أو الناعورة على الفرات قرب الرقة كان فيه قصر لمسلمة بن عبد الملك من حجارة صلدة. بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم- ط. دمشق 1988 ج 1 ص 64.

ما قيل في عبد الملك وأخباره بعد مقتل ابن الزبير

مَا قيل فِي عَبْد الْمَلِكِ وأخباره بعد مقتل ابْن الزُّبَيْرِ الْمَدَائِنِيُّ عَن مَسْلَمَةَ قَالَ: رَأَى مُعَاوِيَة عَبْدَ الْمَلِكِ فَقَالَ: هَذَا أَبُو الْمُلُوكِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: كُنْتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَلَمَّا قَامَ أَتْبَعَهُ بَصَرَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلَّهِ دَرُّ هَذَا الْفَتَى مَا أَعْظَمَ مُرُوءَتَهُ. الْمَدَائِنِيّ عَن المنهال بْن عَبْد الْمَلِكِ قَالَ نظر رجل إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، وكانت فِي رأسه شامة مدورة، فَقَالَ: أما ليملكن فَقَالَ: ليت لنا من عرفج خوصة [1] . الْمَدَائِنِيّ وغيره قالوا دخل عَبْد الْمَلِكِ عَلَى يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن لك أرضا بوادي القرى ليست لها غلة فإن رأيت أن تأمر لي بها

_ [1] العرفج شجر وقيل هو ضرب من النبات، له ثمرة خشناء كالحسك. معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس لمحمود مصطفى الدمياطي- ط. القاهرة 1965. وانظر المثل في معجم الأمثال العربية لرياض مراد. ط. الرياض 1986. ج 3 ص 153.

فَقَالَ يَزِيد: إنا لا نخدع عَن صغير ولا نبخل بكبير، قَالَ: فإن فيها كذا وكذا، قَالَ: هي لك، قَالَ: فلما ولى قَالَ يَزِيد: هَذَا الَّذِي يقال إنه يلي بعدنا، فإن كَانَ ذَلِكَ باطلا فقد وصلناه، وإن كَانَ حقا فقد صانعناه. الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ رَأَى عُثْمَانُ عَبْدَ الْمَلِكِ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: رَأَيْتُنِي أَخَذْتُ بُرْنُسِي فَوَضَعْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَدْ وَلَدَهُ أَبُو الْعَاصُ مَرَّتَيْنِ، وَلَئِنْ خَرَجَتْ مِنِّي إِلَيْهِ مَا ذَاكَ بِكَبِيرٍ. الْمَدَائِنِيُّ وَالْحِرْمَازِيُّ عَنِ الْعُتْبِيِّ قَالا: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَمْرُو بن العاص: لله درّ عبد الملك مازلت أَعْرِفُهُ آخِذًا بَأَرْبَعٍ تَارِكًا لِثَلاثٍ، آخِذًا بِقُلُوبِ الرجال إذا حَدَثٍ، وَبِحُسْنِ الاسْتِمَاعِ إِذَا حَدَّثَ، وَبِتَرْكِ الْجِدَالِ إِذَا خُولِفَ، وَبِإِظْهَارِ الْبِشْرِ إِذَا لَقِيَ، تَارِكًا لِخِلَّةِ الظَّنِينِ فِي دِينِهِ، وَمُلاحَاةِ الْغَلِقِ خَوْفًا لِشِذَّاتِهِ، وَلِلدُّخُولِ فِيمَا لا يَعْنِيهِ هَذَا مَعَ حِلْمٍ وَعِلْمٍ. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: وصف رجل عَبْد الْمَلِكِ، فَقَالَ: إنه ليترك مخالفة الجليس توقيا لسوء المجالسة، ويدع مماراة اللجوج كراهة لعداوته. الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي هاشم الحراني، كاتب بشر بْن مروان قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ للشعبي، حين وفد عَلَيْهِ وحدثه: لقد حدثتني بأحاديث قد مرت بمسامعي، ولكني أنصت حَتَّى تظن أني لم أسمعها، وإن ذَلِكَ لطرفا من الأدب. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدم، عَنْ وكيع قَالَ: حَدَّثَنَا الأعمش عَن ذكوان قَالَ: كَانَ فقهاء المدينة يعدون أربعة، منهم عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان.

حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن قَالَ: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عَن أبيه عَن نافع قَالَ: لقد رأيت المدينة وما بِهَا شاب أشد تشميرا، ولا أملك لنفسه، ولا أظهر مروءة من عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان. قَالَ: وَكَانَ يقال لعَبْد الْمَلِكِ بالمدينة حمامة المسجد لعبادته. قَالَ: وشكي بعض العمال إِلَى ابْن عمر، وعَبْد الْمَلِكِ يصلي إِلَى سارية، فَقَالَ ابْن عمر: لو وليهم عَبْد الْمَلِكِ هذا مَا رضوا بِهِ، يضرب بِهِ المثل فِي الفضل والصلاح. الْمَدَائِنِيّ وغيره إن عَبْد الْمَلِكِ قَالَ حين وجه يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ الجيش إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ: ليت السماء وقعت عَلَى الأرض، إعظاما لِذَلِكَ، ثُمَّ إنه ابتلي بعد ذلك بأن وجه الحجاج فقتله بِمَكَّةَ ورمى البيت. وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ مجالد عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: دخلت عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فقلت: أنا الشَّعْبِيّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: لو لم نعرفك لم نأذن لك، فلم أدر مَا أقول، فَقَالَ: علم بني الشعر، فإنه ينجدهم ويمجدهم. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مر ابْن زمل العذري بسعيد بْن المسيب فدعاه فجاءه، وهو فِي المسجد، فَقَالَ: بلغني إنك مدحت عَبْد الْمَلِكِ فأنشدني مَا قلت فيه فأنشده: فما عابتك فِي خلق قريش ... بيثرب حين أنت بِهَا غلام فَقَالَ: صدقت كذا كَانَ وهو عندنا.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ عَن الأشياخ: بايع مروان بْن الحكم لأبنيه: عَبْد الْمَلِكِ، وعَبْد العزيز حين رجع من مصر بالصنبرة [1] ، أو بدمشق وولى عَبْد الْمَلِكِ فلسطين، فلما مات مروان أتاه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أم الحكم، فسلم عَلَيْهِ بالخلافة. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: لما قتل عَبْد الْمَلِكِ عَمْرو بْن سعيد قَالَ ابْن الزُّبَيْرِ: إن أبا الذبان قتل لطيم الشيطان وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون [2] وبلغ ذَلِكَ ابْن الحنفية فَقَالَ: فَمَنْ نَكَثَ فإنما ينكث على نفسه [3] يرفع لَهُ يوم القيامة لواء بغدرته، ويلعنه اللَّه والملائكة. وَقَالَ الواقدي: كَانَ عَبْد الْمَلِكِ يكنى أبا الوليد عابدا ناسكا قبل الخلافة، وسمع من عثمان، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، ومات بالشام سنة ست وثمانين، وقبض وله ثمان وخمسون سنة. وروى مروان عَن عمر وعثمان وهاجر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وله ثمان سنين، ومات سنة خمس وستين وله ثلاث وسبعون سنة. وقالوا: كتب عَبْد اللَّهِ بْن عمر حين قتل ابْن الزُّبَيْرِ إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان: «من عَبْد اللَّهِ بْن عمر، سلام عليك، فإني مقرّ لك بالسمع والطاعة عن سنة اللَّه عز وجل وسنة رسوله مَا استطعت» . الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْبَيْعَةِ، فَقِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: أَتَرْضَى بِأَنْ يُكْتَبَ إِلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا مِنْ أَبِي عَبْدِ الرحمن كثير.

_ [1] قرب طبرية. [2] سورة الأنعام- الآية: 129. [3] سورة الفتح- الآية: 10.

وكتب ابْن الحنفية ببيعته، وقد كتبنا خبره وخبر عَبْد الْمَلِكِ والحجاج فيما تقدم من خبر ابْن الحنفية. قالوا: ووفد الحجاج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بعد قتل ابْن الزُّبَيْرِ، وأوفد مَعَهُ ابْن الحنفية، وعَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان، وعمر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف، وعيسى بْن طلحة، ومحمد بْن سعد بْن أَبِي وقاص فِي رجال آخرين، قالوا: فدخل عيسى بْن طلحة عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فِي هذه الوفادة، ويقال فِي غيرها، فسأله أن يخليه، فَقَالَ: إنه ليس دون الحجاج سر، فَقَالَ: والله لئن لم تخلني لا قبلت صلتك ولأرجعن ساخطا، قد قطعت رحمي فأخلاه، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سلطت عَلَيْنَا هذا الغلام من ثقيف، لا يعرف لقومك حقا، فَقَالَ: إنكم مَا تعرفون منه شيئا إلا وأنا عارف بِهِ، وأنا عازله عنكم عزلا جميلا، فلا يسمعن هذا منك أحد فإني أخبره أنك أثنيت عَلَيْهِ، وخرج فأخبر عَبْد الْمَلِكِ الحجاج أن عيسى أثنى عَلَيْهِ، فأتى الحجاج عيسى فوقف عيسى عَلَى بابه ووصله. وَقَالَ بعضهم: إن المتكلم بهذا الكلام وَالَّذِي أخلاه عَبْد الْمَلِكِ عمر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف. حَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر العُمري عَن الْهَيْثَم بْن عَدِيٍّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَن الزهري قَالَ: سمع عَبْد الْمَلِكِ بعض أَهْل الشام ممن توجه إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ أيام يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ يقول: والله لنرمين البيت بالحجارة والنار إن أقام الملحد ابْن الزُّبَيْرِ عَلَى مَا هو عَلَيْهِ، عَلَى رغم أنف من رغم، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: فإني أشهد اللَّه أن أنفي إن كَانَ ذَلِكَ، وأعوذ بالله، أول راغم، قَالَ: فلم يلبث أن رماه الحجاج وهو عامله وصاحبه بأمره.

وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَبْد الْمَلِكِ أول خليفة بخل، وَكَانَ يقول: إعطاء الشعراء من السرف، ولكنهم قوم يتأتى لهم من الذم الباقي السائر مَا لا يتأتى لغيرهم فأنا أتقيهم ببعض النوال ولا أتجاوز القصد. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: لما مات مروان صلى عَلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ ودفنه، ثُمَّ صعد المنبر فَقَالَ: إني والله مَا أنا بالخليفة المصانع، ولا الخليفة المستضعف، ولا الخليفة المطعون عَلَيْهِ [1] ، إنكم تأمرونا بتقوى اللَّه وتنسون ذَلِكَ من أنفسكم، والله لا يأمرني أحد بعد يومي هذا بتقوى اللَّه عز وجل إلا ضربت عنقه ثُمَّ نزل. الْمَدَائِنِيّ عَن عوانة قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: زينة الكهل العلم، وجنته الحلم. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: تزوج عَبْد الْمَلِكِ ولادة بنت العباس العبسي فولدت لَهُ الوليد وسليمان، فَقَالَ عثمان بْن مسعود العبسي يوما للحضين بْن المنذر: يَا حضين أنت عجوز بكر بْن وائل، فَقَالَ: لا ولكني كبيرها وسيدها، وأنت من قوم سادهم فِي الجاهلية عبد يعني عنترة وتقدمهم فِي الإسلام بحر إن ندى نديتم، وإن جف جففتم. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِي بكر بْن عياش عَن حصين قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيّ: وفدت عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، فما أخذت فِي حديث أرى أنه لم يسمعه إلا سبقني إِلَيْهِ، وربما غلطت فِي الشيء وقد علمه فيتغافل عنّي تكرّما.

_ [1] بهامش الأصل: عنى بالمصانع معاوية، وبالمستضعف عثمان، وبالمطعون عليه يزيد.

وصية عبد الملك إلى مؤدب ولده

الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أتى رجل عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: إن لك عندي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نصيحة فِي فلان، فَقَالَ لَهُ: نسمعها منك عَلَى أنك إن كنت صادقا مقتناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن أحببت أن نقيلك أقلناك؟ قَالَ: فأقلني، قَالَ: قد فعلت. الحرمازي عَن جهم السليطي قَالَ: دخل أعرابي عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فسأله فَقَالَ: إن عَلَيْنَا فِي مالنا حقوقا هي أوجب من حقك، فَقَالَ: والله لو كنت مثلك مَا منعت راغبا، فَقَالَ: أعطوه، فأبى قبول عطيته وخرج، فقيل لَهُ: لم امتنعت من قبول صلته؟ فَقَالَ: إن يد البخيل ثقيلة. [وصية عبد الملك إلى مؤدب ولده] وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عن عوانة قَالَ: دعا عَبْد الْمَلِكِ بمؤدب ولده فَقَالَ: إني قد اخترتك لتأديب ولدي وجعلتك عيني عليهم وأميني، فاجتهد فِي تأديبهم ونصيحتي فيما استنصحتك فيه من أمرهم، علمهم كتاب اللَّه عز وجل حَتَّى يحفظوه وقفهم عَلَى مَا بين اللَّه فيه من حلال وحرام حَتَّى يعقلوه، وخذهم من الأخلاق بأحسنها، ومن الآداب بأجمعها، وروهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أصدقه، وجنبهم محادثة النساء، ومجالسة الأظناء، ومخالطة السفهاء، وخوفهم بي، وأدبهم دوني، ولا تخرجهم من علم إِلَى علم حَتَّى يفهموه، فإن ازدحام الكلام فِي السمع مضلة للفهم، وأنا أسأل اللَّه توفيقك وتسديدك، ثُمَّ أسمى له الرزق، وبدأه بصلة حسنة. [وصية معاوية إلى بني أمية] حَدَّثَنِي أَبُو أيوب الرقي المؤدب عَن أبيه قَالَ: دعا عَبْد الْمَلِكِ مؤدب ولده فَقَالَ لَهُ: رو ولدي مَا فِي هذا القرطاس، وإذا فيه وصية مُعَاوِيَة فكانت:

«بسم الله الرحمن الرحيم يا بني أمية إنه لما قرب مني مَا كَانَ بعيدا، وخفت أن يسبق الموت إلي، ويسبقكم بي سبقته إليكم بالموعظة، لأبلغ عذرا، وإن لم أرد قدرا، إن الَّذِي أخلفه لكم من دنياي أمر تشاركون فيه، أو تقبلون عَلَيْهِ، وإن الَّذِي أخلف لكم من رأيي مقصور عليكم نفعه إن فعلتموه، مخوف عليكم ضرره إن ضيعتموه فاجعلوا مكافأتي قبول نصيحتي، وإن قريشا شاركتكم فِي أنسابكم وتفردتم دونها بأفعالكم، فقدمكم مَا تقدمتم فيه إذ أخر غيركم ما تأخروا له، ولقد جهر لي فعلمت، ونعم لي ففهمت حَتَّى كأني أنظر إِلَى أولادكم بعدكم كنظري إِلَى آبائهم قبلهم، إن دولتكم ستطول وكل طويل مملول، وكل مملول مخذول، فإذا انقضت مدتكم كَانَ أول ذَلِكَ اختلافكم بينكم، واتفاق المختلفين عليكم، فيدبر الأمر بضد مَا أقبل بِهِ، فلست أذكر عظيما ينال منكم ولا حرمة تنتهك لكم إلا وما أكف عَن ذكره أعظم منه، فلا معول عَلَيْهِ عند ذَلِكَ أفضل من الصبر واحتساب الأجر، فيا لها دولة أنست أهلها الدول فِي الدنيا، والعقوبة فِي الآخرة، فيمادكم القوم دولتكم تماد العنانين فِي عنق الجواد، فإذا بلغ اللَّه بالأمر مداه، وجاء الوقت الَّذِي حده رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضعفت الحيلة، وعزب الرأي وصارت الأمور إِلَى مصائرها فأوصيكم عندها بتقوى اللَّه عز وجل الَّذِي يجعل لكم العاقبة إن كنتم متقين» . حَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار عَن الوليد عَن روح بْن جناح عَن الزهري أن عَبْد الْمَلِكِ رأى عند بعض ولده حديث المغازي، فأمر بِهِ فأحرق، وَقَالَ: عليك بكتاب اللَّه فاقرأه، والسنة فاعرفها واعمل بها.

ما قيل في عبد الملك وأخباره

[ما قيل في عبد الملك وأخباره] وَكَانَ المنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يقول الخلفاء ثلاثة: مُعَاوِيَة وكفاهُ زِيَاد، وعَبْد الْمَلِك وكفاه الحجاج، وأنا ولا كافي لي. وَقَالَ المنصور أيضا وذكر ملوك بني أمية: كَانَ عَبْد الْمَلِكِ أشدهم شكيمة، وأمضاهم عزيمة، وَكَانَ هِشَام رجلهم. حَدَّثَنِي الحرمازي عَن أَبِي عبيدة قَالَ: كانت عبس تستطيل بتزويج عَبْد الْمَلِكِ ولادة بنت العباس العبسي، فَقَالَ الوليد بْن القعقاع العبسي ليزيد بن عمر بن هبيرة: يابن الفرار، فقال يابن الضراط، قال الوليد: يابن اللخناء، قَالَ: بل أنت نزوة خوار عَلَى أمة ... لا يدرك الحلبات اللؤم والخور قَالَ ابن هبيرة: يابن الفجواء [1] لقد قدمتك أعجاز النساء وقدمني صدور الخيل والقنا. وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار قَالَ: حَدَّثَنِي الوليد بْن مسلم قَالَ: سمعت شيخا من أَهْل دمشق مسنا يحدث عَن أَبِي الزعيزعة قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ للهذيل بْن زفر، وحاتم بْن النعمان الباهلي: إني أريد اختصاصكما ومجالستكما، فلا تمدحاني فِي وجهي، فإني أعلم بنفسي منكما، ولا تطريا عندي ظنينا فأستغشكما، ولا تكذباني فليس لمكذوب رأي، ولا تغتابا عندي أحدا، وقولا مَا شئتما. وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن بُكَيْر عَنِ الْهَيْثَمِ بْن عَدِيٍّ عَن ابْن عياش الهمذاني قَالَ: دعا عَبْد الْمَلِكِ الهذيل بْن زفر بْن الحارث الكلابي، وحاتم بن النعمان

_ [1] التفجية: الكشف والتنحية، والفجا: تباعد ما بين الفخذين أو الركبتين، أو الساقين. القاموس.

وصية عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز

الباهلي، فَقَالَ: إني قد عزمت عَلَى أن تجالساني وتسامراني، فلا تمدحاني فِي وجهي فإني أعلم بنفسي منكما، ولا تطريا عندي فاسقا فأمقتكما، ولا ظنينا فأستغشكما، ولا تكذباني فإنه لا رأي لمكذوب، ولا تغتابا عندي أحدا، وقولا بعد ذَلِكَ ما شئتما. قَالَ: فكان الهذيل يتبع هواه فيما لَهُ وعليه مما يشينه ويزينه، وَكَانَ حاتم بْن النعمان يخالفه فيما خاف عَلَيْهِ عاقبته وضرره، فَقَالَ لَهُ الهذيل: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنما يخالفك حاتم ليري النَّاس جرأته عليك، فوقع ذَلِكَ فِي نفس عَبْد الْمَلِكِ فجفاه وحجبه، فبينا عَبْد الْمَلِكِ يسير فِي مسير لَهُ: إذ بصر بحاتم فِي الموكب فدعا بِهِ، وَقَالَ لَهُ: مالي لا أراك فِي مسيري إذا سرت، ونزولي إذا نزلت؟ فَقَالَ: مَا أبرح من عسكر أمير المؤمنين أصلحه اللَّه، ولا أخرج عنه، وَقَالَ: إن مسيري فِي المسير ومنزلي ... لبالمنزل الأقصى إذا لم أقرب ولست وإن أدنيت يوما بقائل ... مقالة ذي غش لكم لتحبب وقد عدها قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي وإني أرى حق الإمام ونصحه ... وطاعته فرضا كما هي للأب فدعاه وأدناه وسمع منه. [وصية عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز] حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مصفى الحمصي عَن الوليد عَن بعض ولد عمر بْن عَبْد العزيز قَالَ: قدم عَبْد العزيز بْن مروان علي أخيه عَبْد الْمَلِكِ من مصر فِي بعض الأمور، فلما أراد الشخوص إليها قَالَ لَهُ: انظر مَا أوصيك بِهِ فاجعله لك إماما: ابسط بشرك، وألن كنفك، وآثر الرفق فِي الأمور فهو أبلغ بك، وانظر حاجبك فليكن من خير أهلك، فإنه وجهك ولسانك، ولا يقفنّ أحد

ما قيل في عبد الملك وأخباره

ببابك إلا أعلمك مكانه لتكون أنت الَّذِي تأذن لَهُ أو ترده، وإذا خرجت إِلَى مجلسك فابدأ جلساءك بالكلام يأنسوا بك، وتثبت فِي قلوبهم محبتك، وإذا انتهى إليك أمر مشكل فاستظهر عَلَيْهِ بالمشاورة فإنها تفتح مغاليق الأمور المبهمة، واعلم أن لك نصف الرأي، ولأخيك نصفه، ولن يهلك امرؤ عَن مشورة، وإذا سخطت عَلَى أحد فأخر عقوبته فإنك عَلَى العقوبة بعد التوقف عنها أقدر منك على ردها بعد إمضائها. [ما قيل في عبد الملك وأخباره] حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قَالَ: كَانَ عَبْد الْمَلِكِ جالسا وعنده قوم من الأشراف، فَقَالَ لعبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان البكري: يَا عبيد اللَّه بلغني أنك لا تشبه أباك؟ فَقَالَ: بلى والله إني لأشبه بِهِ من الماء بالماء، والقتة بالقتة، والتمرة، بالتمرة، والغراب بالغراب، ولكن إن شئت أخبرتك بمن لم تنضجه الأرحام، ولم يولد لتمام، ولم يشبه الأخوال والأعمام. قَالَ: ومن هو؟ قَالَ: سويد بْن منجوف فلما خرج عبيد اللَّه وسويد، قَالَ سويد: والله مَا يسرني بمقالتك لَهُ حمر النعم، قَالَ عبيد اللَّه: وما يسرني والله باحتمالك إياي وسكوتك عني سودها، وإنما عرض بعَبْد الْمَلِكِ، وَكَانَ ولد لسبعة أشهر. قالوا: ودخل أَبُو العباس الكناني الأعمى عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: أخبرني عَن مصعب فأنشده قوله فيه: يرحم اللَّه مصعبا إنه مات ... كريما ورام أمرا عظيما طلب الملك ثُمَّ مات حفاظا ... لم يعش باخلا ولا مذموما ليت من عاش بعده من قريش [1] ... موتوا قبله وعاش سليما

_ [1] بهامش الأصل: من بني العوام.

خطبة عبد الملك في أهل الحجاز

فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: صدقت كَانَ مصعب نابا من أنياب قريش، وصنديدا من صناديدها. حدثني أبو هشام الرفاعي عَن عمه كثير بْن مُحَمَّد عَن ابْن عياش المنتوف قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: شممت الطيب حَتَّى مَا أبالي رائحة مَا وجدت، وأتيت النساء حَتَّى مَا أبالي رأيت امرأة أم حائطا، وأكلت الطعام حَتَّى مَا أبالي مَا أكلت، وما بقيت لي لذة إلا فِي محادثة رجل ألقي التحفظ بيني وبينه. وَحَدَّثَنِي أَبُو أيوب الرقي عَن الحجاج بْن أَبِي منيع الرصافي قَالَ: أوصى عَبْد الملك ولده، وأهل بيته، فقال: يا بني مروان ابذلوا معروفكم، وكفوا أذاكم، واعفوا إذا قدرتم ولا تبخلوا إذا سئلتم، ولا تلحفوا إذا سألتم، فإنه من ضيق ضيق عَلَيْهِ، ومن وسع وسع عَلَيْهِ. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قيل لعَبْد الْمَلِكِ: قد شبت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: وكيف لا أشيب وأنا أعرض عقلي عَلَى النَّاس فِي كل جمعة- يعني الخطبة-. [خطبة عبد الملك في أهل الحجاز] حَدَّثَنِي أَبُو صالح الأنطاكي عَن الْحَجَّاجُ بْن مُحَمَّد عَن ابْنُ جُرَيْجٍ عَن إسماعيل بْن مُحَمَّد قَالَ: قدم عَلَيْنَا عَبْد الْمَلِكِ حاجا فِي سنة خمس وسبعين، فصعد الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أما بعد ذلكم أيها النَّاس فلست بالخليفة المستضعف- يعني عثمان- ولا بالخليفة المداهن- يعني مُعَاوِيَة- ولا بالخليفة المأفون- يعني يَزِيد- ألا وإن من قبلي من الولاة كانوا يأكلون ويؤكلون، وإني والله لا أداويكم إلا بالسيف، فمن أحب أن يبدي صفحته فليفعل، فلا تكلفونا أعمال المهاجرين، ولستم تعملون أعمالهم، فو الله مَا زلتم تزدادون استجراحا ونزداد لكم عقوبة، حَتَّى التقينا نحن وأنتم عند السيوف، هذا عَمْرو بْن سعيد قَالَ براسه كذا، فقلنا بسيفنا كذا، ألا فليبلغ

الشاهد الغائب إنه ليست من لعبة إلا ونحن نحتملها، مَا لم تبلغ أن تكون صعود منبر أو نصب راية، ألا وإن جامعة عَمْرو بْن سعيد التي جعلناها فِي عنقه عندنا، وإني أعطي اللَّه عهدا أن لا أجعلها فِي عنق أحد فأخرجها منه إلا صعدا، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لي ولكم. الْمَدَائِنِيّ عَنْ مسلمة قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: إن الخلفاء قبلي كانوا يداوونكم بأدوائكم، فيأكلون ويؤكلون، وإني والله لا أداويكم، إلا بالسيف، إن اللَّه عز وجل فرض فرائض وحد حدودا، فما زلتم تزدادون فِي الذنوب ونزداد فِي العقوبة حَتَّى اجتمعنا نحن وأنتم عند السيف، فليبق امرؤ عَلَى نفسه. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْن جُعْدُبَةَ قَالَ: هَدَمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الدُّورَ الَّتِي كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: أَنْتُمْ حَلَلْتُمْ عَلَى الْكَعْبَةِ وَلَمْ تَحِلَّ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ أَثْمَانَ دُورِهِمْ، فَلَمَّا قُتِلَ تَظَلَّمُوا إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ أَخَذَ حَقًّا فَلَيْسَ لَكُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَإِنْ كَانَ ظَلَمَكُمْ، فَإِنِّي لا أُحِبُّ إِخْرَاجَهُ مِنَ الظُّلْمِ. قالوا: دخل حميد بْن ثور الهلالي عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: مَا الَّذِي أقدمك يَا حميد؟ فَقَالَ: أتاك بنا اللَّه الَّذِي فوق من ترى قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: وماذا؟ قَالَ: وفضل ومعروف عليك دليل قَالَ: وماذا؟ قَالَ: ومطوية الأقراب أما نهارها ... فسير وأما ليلها فذميل فوصله وأعطاه.

عبد الملك يتهدد أقاربه

الْمَدَائِنِيّ قَالَ: خطب عَبْد الْمَلِكِ أَهْل المدينة. وقد قدمها يريد الحج فَقَالَ: إني لأعلم أني لا أحبكم مَا ذكرت قتل عثمان، وأنكم لا تحبوني مَا ذكرتم الحرة وحبيش بْن دلجة، فأنا وأنتم كما قَالَ الشاعر: أبى لي قبر لا يزال مواجهي ... وضربة فأس فوق رأسي فاقره [عبد الملك يتهدد أقاربه] قَالَ: وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ يتهدد أَهْل بيته بمثل مَا صنع بعمرو بْن سعيد، فكتب إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان: «إنك قد عرفت بلاء عثمان عندك، وعند أَهْل بيتك، ورفعه أقداركم، وما أوصاك بِهِ مروان من قضاء دين عَمْرو بْن عثمان، وتأخيرك ذَلِكَ، فإن تؤثر مَا أوصاك بِهِ أبوك فأهله نحن، وإلا تفعل فسيغني اللَّه عنك والسلام» . وَكَانَ مروان أوصى عَبْد الْمَلِكِ بقضاء دين عَمْرو، فكتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ: قد أتاني كتابك، وعمرو بْن سعيد كَانَ أقرب منك رحما، وأوجب علي حقا، فأخطأ موضع قدمه، ففرقت بين رأسه وجسده، وقد هممت بأن الحقك بِهِ. فكتب إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو: أتاني كتابك بما ذكرت مما هممت، فإن تفعل فإني رجل معرق لي فِي الشهادة، أنا ابْن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عثمان، وابن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عمر، وكانت أمه حفصة بنت عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر. الْمَدَائِنِي عَنْ عَلِي بْن حماد قَالَ: قَالَ عَبْد الملك السياسة هيبة الخصاصة، مَعَ صدق مودتها، وإفساد قلوب العامة بالإنصاف لها، واحتمال هفوات الصنائع، فإن شكرها لأقرب الأيادي إليها. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أبيه عَن أَبِي مخنف وغيره أن عَبْد الْمَلِكِ كَانَ فاسد الفم، فوقعت فيه الإكلة، فكان ينادي يَا أَهْل العافية

وصية عبد الملك إلى ولده قبيل وفاته

لا تستقلوها، فيسمع صوته بِذَلِكَ من عدة منازل، فلما اشتدت بِهِ العلة دعا بنية فقال لهم حين حضروا: يا بني أوصيكم بتقوى اللَّه فإنها عصمة باقية وجنة واقية، وقروا كبيركم وارحموا صغيركم، وابذلوا للناس معروفكم، وجنبوهم أذاكم، وأكرموا مسلمة بْن عَبْد الْمَلِكِ فإنه سنكم الَّذِي بِهِ تتزينون، ونابكم الَّذِي عنه تفترون، وسيفكم الَّذِي بِهِ تصولون، فاقبلوا قوله، واصدروا عَن رأيه، وأسندوا جسيم أمركم إِلَيْهِ، وأكرموا الحجاج بْن يوسف، فإنه وطأ لكم المنابر ودوخ لكم البلاد، قد عرفتم بلاءه فِي الملحد ابْن الزُّبَيْرِ، وفي طغاة أَهْل العراق، واجتهاده فِي طاعتنا، ومحاماته عَلَيْنَا ولم يلبث أن مات، فصلى عَلَيْهِ الوليد. [وصية عبد الملك إلى ولده قبيل وفاته] الْمَدَائِنِيّ عَن عامر بْن حفص قَالَ: مرض صديق لعَبْد الْمَلِكِ بْن مروان من جرح كَانَ بِهِ، فَقَالَ لروح بْن زنباع الجذامي: أتيت فلانا؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فأين جرحه؟ قَالَ فِي عجانه، قَالَ: مه، ثُمَّ قَالَ لشبة بْن عقال: اذهب فانظر أين جرحه، فمضى ثُمَّ أتاه فَقَالَ: جرحه بين الثنة والصفنة، وهي جلدة الخصيتين، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لروح: قل كذا. الْمَدَائِنِيّ عَن خالد بْن يَزِيدَ بْن بشر عَن أبيه: إن عَبْد الْمَلِكِ أتي برجل من قيس فَقَالَ لَهُ: زبيري عميري يعني عمير بْن الحباب، فَقَالَ لَهُ: والله لا يحبك قلبي أبدا، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنما يبكي عَلَى الحب المرأة، ولكن عدلا وإنصافا. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عَن عوانة وابن عياش قالا: دخل الهيثم بْن الأسود النخعي عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، وقد أتي بخارجي من النخع، وعَبْد الْمَلِكِ يحلف ليقتلنه فَقَالَ للهيثم: هذا رجل من

رأي المنصور في بعض خلفاء بني أمية

قومك، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فهب جاني قوم لوافدهم، قَالَ: هو لك، فخرج الهيثم والخارجي مَعَهُ وهو يقول: تألى عَلَى اللَّه فكذبه، وغالب اللَّه عز وجل فغلبه. وقوم يزعمون أن الهيثم قَالَ هذا لمعاوية، وقوله إياه لعبد الملك أثبت. [رأي المنصور في بعض خلفاء بني أمية] الْمَدَائِنِيّ عَن شبيب بْن شبة قَالَ: قَالَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المنصور- وذكر بني أمية- أما عبد الملك فكان جبارا لا يبالي ما أقدم عليه، وأما الوليد فكان مجنونا، وأما سليمان فكان همه بطنه، وأما عمر بْن عَبْد العزيز فكان أعور بين عميان، وأما يَزِيد بْن عَبْد الْمَلِكِ فكان ركيكا ماجنا، ورجل القوم هِشَام. الْمَدَائِنِيّ عَن مسلمة قَالَ: وفد الحجاج بْن يوسف عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، فدخل عَلَيْهِ وعنده خَالِد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ خالد: إِلَى كم هذا البسط، إِلَى كم هذا القتل؟ فَقَالَ الحجاج: مادام بالعراق رجل يزعم أن أباك كَانَ يشرب الخمر، فأسكته. حَدَّثَنِي أَبُو مسعود الكوفي عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: دَخَلَ ولد مسلم بْن عقبة المري عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، فَقَالَ لهم: إن أباكم كَانَ جلدا لئيما، فمضى بجلده وخلف فيكم لؤمه فلا حاجة لنا بكم. الْمَدَائِنِيّ عَن عوانة إن حسان بن مالك بن بحدل الكلبي، ومنظور بْن زبان بْن سيار مرضا، فعادهما عَبْد الْمَلِكِ، وهو خليفة فبدأ بحسان، ثُمَّ بمنظور، ثُمَّ خرج وهو يقول: فما لي فِي دمشق ولا قراها ... مبيت إن عرضت ولا مقيل وما لي بعد حسان سمير ... وما لي بعد منظور خليل

ما قيل في عبد الملك وأخباره

[ما قيل في عبد الملك وأخباره] وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عَن عوانة قَالَ: مرض حسان بْن مالك بْن بحدل، ومنظور بْن زيد بْن أفعى الْكَلْبِيّ أحد بني حارثة بْن عبد ود، فعادهما عَبْد الْمَلِكِ وَقَالَ: فما لي فِي دمشق ولا قراها ... مبيت إن عرضت ولا مقيل وما لي بعد حسان سمير ... وما لي بعد منظور خليل وهذا أثبت وأصح. الْمَدَائِنِيّ عَن زيد بْن عياض بْن جعدبة قَالَ: حج عَبْد الْمَلِكِ، فلقيه عُمَر بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم الشاعر، فلما سلم عَلَيْهِ قَالَ: ويحك أما ترعوي من فتونك، لقد علمت قريش أنك من أطولها صبوة، وأبطأها توبة، وجفاه فَقَالَ عمر: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بئست التحية من ابْن العم لابن عمه عَلَى طول النوى. وقيل لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سلم عليك ابْن أَبِي ربيعة، وهو فتى قريش وشاعرها فلقيته بالغلظة والجفوة، فلو دعوته فآنست وحشته، وبسطته، فدعاه، فدخل عَلَيْهِ، وجارية تغمز رجله، وأخرى تغمز رأسه، فَقَالَ لَهُ: إني كنت ضجرا فأسمعتك مَا لم أكن أحب أن أقول مثله لك فسلني حوائجك، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قد علمت قريش أني من أكثرها مالا وأحسنها حالا، وأنضها عينا، وأقلها دينا، وأعظم حوائجي بقاؤك. ثُمَّ انصرف، فقيل لَهُ: يَا أبا الخطاب دعاك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فعرض عليك الحوائج فلم تسأله شيئا؟ فَقَالَ: إنه أجلس القمر عند رجله، والشمس عند رأسه، ثُمَّ قَالَ: تصدق، وما كَانَ ذاك ليكون أبدا.

قَالَ القاسم بْن سلام: يقال أن مُعَاوِيَة أو عَبْد الْمَلِكِ قَالَ: مَا غضبي عَلَى من أملك فأنا أقدر عَلَيْهِ وما غضبي عَلَى من لا أملك ويدي لا تناله. وَحَدَّثَنِي عمر بْن بكير عَن هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ عَن ابْن مسكين المديني عَن أبيه قَالَ: حج عَبْد الْمَلِكِ فمر بمنزل حبى المدينية بالمدينة، وَكَانَ فتيان قريش يجلسون إليها فيتحدثون عندها، فأشرفت عَلَيْهِ ونظر إليها وهي تدعو لَهُ، فوقف وَقَالَ: يَا حبي أنا عَبْد الْمَلِكِ، فقالت: قد علمت فبأبي أنت وأمي، الحمد لله الذي أراني وجهك قبل موتي، كيف أنت يَا سيدي؟ قَالَ: بخير يَا حبي كيف ماؤك المبرد، ومن كَانَ يغشاك من فتيان قريش؟ قالت: بخير يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أقتلت أخاك عَمْرو بْن سعيد؟ قَالَ: نعم والله ويعز علي، ولكنه أراد قتلي، قالت: فلا أحاله، فأمر لها بخمسمائة دينار وأهدت لَهُ أشياء فقبلها. حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَن الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: ابْنُ كَمْ كَانَ أَبُوكَ حِينَ عَقَدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَيْشِ؟ قَالَ ابْنَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ: فَهَؤُلاءِ يَعِيبُونَنَا حِينَ عَقَدْنَا لِلْوَلِيدِ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: ظلم النَّاس عروة بْن الورد حين قدموا عليه حاتم طيّئ فِي السخاء، لقد كَانَ سخيا حازما. حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد النحوي المعروف بالتوزي عَن الأصمعي عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ: نازع رجل من قريش رجلا من بني تميم، فَقَالَ التميمي: أما قريش فلها فضلها ولكن منا الأحنف بْن قيس أحلم النَّاس، وإياس بْن قتادة أحمل النَّاس، حمل دماء الأزد، وفارس العرب الحريش بْن

هلال، فبلغ ذَلِكَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، فَقَالَ: قد كَانَ الأحنف حليما، وَكَانَ إياس حمولا، وأما الحريش فإن عباد بْن الحصين أولى بما وصفه بِهِ منه. الْمَدَائِنِيّ إن عَبْد الْمَلِكِ حج فنزل بالمدينة دار مروان، فمر الحجاج بخالد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ وهو قاعد فِي المسجد وعلى الحجاج سيف مجلجل وهو يخطر، فَقَالَ رجل لخالد: من هذا الخطار؟ قَالَ خالد: بخ بخ هذا عَمْرو بْن العاص، فَقَالَ الحجاج: أقلت هذا عَمْرو بْن العاص؟ مَا يسرني أن العاص ولدني ولكني إِلَى الأشياخ من ثقيف والعقائل من قريش، وأنا الَّذِي جمعت مائة ألف سيف بسيفي هذا وكلهم يشهد أن أباك كَانَ يشرب الخمر، ويضمر الكفر. ثُمَّ ولى وهو يقول: بخ بخ هذا عَمْرو بْن العاص. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حبيب مولى بني هاشم عَن أَبِي فراس السلمي عَن هِشَام ابن الْكَلْبِيّ عَن عوانة قَالَ: ولى عَبْد الْمَلِكِ الحجاج مَكَّة سنتين ثُمَّ ضم إِلَيْهِ المدينة وَكَانَ يتولاها قبله طارق ثُمَّ ولاه العراق، فاستخلف عَلَى مَكَّة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن نافع بْن الحارث بْن جبالة بْن عمير الخزاعي، وَكَانَ نافع قد ولي مَكَّة لعمر بْن الخطاب، وولى المدينة عَبْد اللَّهِ بْن قيس بْن مخرمة بْن عَبْد المطلب بْن عبد مناف، فأما عَبْد اللَّهِ بْن قيس فعزله عَبْد الْمَلِكِ، وَقَالَ للحجاج: وليته وهو من أحمق أَهْل بيت من قريش؟ وولى المدينة يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص وأقر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن نافع عَلَى مَكَّة مَا شاء اللَّه عز وجل. وَقَالَ أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: كَانَ الحجاج عَلَى مَكَّة سنتين، وَكَانَ طارق عَلَى المدينة ثُمَّ ضمها عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الحجاج فاستخلف عَلَيْهَا عَبْد اللَّهِ بْن قيس بْن مخرمة، ثُمَّ ولى الحجاج العراق فاستخلف عَلَى مَكَّة والمدينة عَبْد

اللَّهِ بْن قيس بْن مخرمة، فبعث عَبْد الْمَلِكِ عَلَى مَكَّة نافع بْن علقمة بْن صفوان الكناني، وولى المدينة يَحْيَى بْن الحكم، ثُمَّ ولى عَبْد الْمَلِكِ المدينة أبان بْن عثمان، وولى عَبْد الْمَلِكِ اليمامة يَزِيد بْن هبيرة المحاربي، ثُمَّ إِبْرَاهِيم بْن عربي، وولى الموصل يوسف بْن الحكم بْن أَبِي العاص، ولما مات عَبْد العزيز بمصر ولاها عَبْد الْمَلِكِ ابنه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الْمَلِكِ. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: بلغ عَبْد الْمَلِكِ أن بعض عماله يقبل الهدايا فأشخصه إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أقبلت هدية مذ وليت؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بلادك عامرة، وخراجك زاج وافر، ورعيتك عَلَى أفضل حال، قَالَ: أجب عما سألتك عنه؟ قَالَ: نعم قد قبلت، فَقَالَ لئن كنت قبلت هدية ولم تعوض عَلَيْهَا إنك للئيم ولئن كنت أنلت مهديها مَا كافأته بِهِ من مال المسلمين، أو قلدته من عملك مَا لم تكن لتقلده إياه قبل هديته إنك لخائن جائر، ولئن كنت عوضت المهدي إليك من مالك مَا أتهمك عند من ائتمنك، وأطمع فيك أَهْل عملك إنك لأحمق، وإن من أتى أمرا لم يخل فيه من لؤم أو حمق لحقيق أن لا يصطنع ثُمَّ عزله. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: وفد إِلَى عَبْد الْمَلِكِ رجل من أَهْل المدينة كَانَ يألفه أيام تنسكه فأذن لَهُ وأدخل إِلَيْهِ أسراء فأمر بضرب أعناقهم قبل أن يناظرهم فَقَالَ لَهُ الرجل: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لقد أقست الخلافة قلبك بعد أن كنت رءوفا، قَالَ: كلا إن الخلافة لم تقس قلبي، ولكنه أقساه احتمال الضغن بعد الضغن. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: خاض جلساء عَبْد الْمَلِكِ فِي قتل عثمان فَقَالَ رجل منهم: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أي سنك كنت يوم قتل عثمان؟ قَالَ: دون المحتلم، قَالَ: فما

بلغ من حزنك عَلَيْهِ؟ قَالَ: شغلني الغضب لَهُ عَن الحزن عَلَيْهِ. وَقَالَ: قدم عَلَى عَبْد الْمَلِكِ عقيل بْن علفة المري فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: مَا أحسن أموالكم عندكم؟ قَالَ: مَا ناله أحدنا عَن صاحبه تفضلا، قَالَ: ثُمَّ أيها؟ قَالَ: مواريثنا، قَالَ: فما أسرها لكم؟ قَالَ مَا استفدناه فأكسبنا نعما، وأفادنا عزا، قَالَ: فما مبلغ عزكم؟ قَالَ: لم يطمع فينا ولم تؤمن بوادرنا، قَالَ: فما مبلغ جودكم؟ قَالَ: أحب أموالنا إلينا مَا اعتقدنا بِهِ منة وأبقي لنا ذكرا، قَالَ: فما بلغ من حفاظكم؟ قَالَ: يدافع الرجل منا عَن جاره كدفاعه عَن نفسه، قَالَ: عَبْد الْمَلِكِ مثلك فليصف قومه. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم المساور بْن هند بْن قيس بْن زهير بْن جذيمة العبسي عَلَى الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ، وأمه ولادة بنت العباس بن جزي بن الحارث بن زهير بن جذيمة، فنزل عَلَى رجل من قومه يدعى برزا فأقام أشهرا فلم يصنع الوليد بِهِ خيرا، فارتحل وَقَالَ: ثلاثة أشهر فِي دار برز ... أرجي نائلا عند الوليد فلا تشكي الكلال بدار برز ... ولكن إن نجوت فلا تعودي وإن ضن الوليد كما زعمتم ... فما نال الضنانة من بعيد فبلغت أبياته عَبْد الْمَلِكِ، فبعث فِي أثره فرده وَقَالَ لَهُ: أمن قبلنا جاءته الضنانة، أم من قبلكم؟ قَالَ: لا بل من قبلنا، فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: هات حاجتك، قَالَ: علي ثلاثة عشر ألف درهم للتجار فقضاها عنه وَقَالَ للوليد: أكانت هذه تفقرك لو دفعتها إِلَيْهِ قبل أن تسمع مَا سمعت؟!.

حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بْن عدي عَنِ ابْن عياش قَالَ: كَانَ علي شرط عَبْد الملك ابن أَبِي كبشة السكسكي، ثُمَّ أَبُو نائل رياح الغساني، ثُمَّ عَبْد اللَّهِ بْن زيد الحكمي، ثُمَّ كعب بْن حامد العبسي، فمات وهو عَلَى شرطه، وَكَانَ عَلَى حرسه الريان فمات، فصير مكانه خالد بْن الريان، وَكَانَ كاتبه عَلَى الخراج والجند سرجون الرومي، وعلى رسائله أَبُو الزعيزعة مولاه، وعلى الخاتم قبيصة بْن ذؤيب فمات قبيصة سنة ست وثمانين، ويكنى أبا إسحق فصير مكانه عَمْرو بْن الحارث مولى بني عامر بْن لؤي. قالوا: وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الحجاج بعد يوم دير الجماجم أن يعطي النَّاس عطاءهم، فكتب إِلَيْهِ: «إنهم نكثوا العهد، ونقضوا البيعة، وفارقوا الجماعة، وطعنوا عَلَى الأئمة» ، فكتب إِلَيْهِ: «إنما تجب طاعتنا عليهم، بأن نعطيهم حقوقهم» . الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أتي عَبْد الْمَلِكِ بأسارى، فهم بقتلهم فَقَالَ لَهُ رجاء بْن حيوة: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أذكرك آلاء اللَّه عندك بالعفو، فعفا عنهم، وأمر بتخليتهم. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أراد الحجاج قتل من بقي فِي ديوان ابْن الأشعث من أصحابه حين ظفر بهم، فَقَالَ لَهُ قتيبة بْن مسلم: أصلح اللَّه الأمير إن اللَّه قَدْ أعطاك مَا تُحبّ من الظفر، فأعطه مَا يحب من العفو، فبلغ ذَلِكَ عَبْد الْمَلِكِ، فَقَالَ: لله در قتيبة لقد أبلغ فِي الموعظة، ولقد أحسن الحجاج فِي القبول. الْمَدَائِنِيّ عَن مسلمة قَالَ: كتب الحجاج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ إنه بلغني أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عطس فشمته من حضر، فأجابهم أن يهديكم اللَّه ويصلح بالكم، فيا ليتني كنت مَعَهُمْ فأفوز فوزا عظيما.

الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي اليقظان عَن جويرية بْن أسماء قَالَ: قام رجل من أَهْل اليمن إِلَى عَبْد الْمَلِكِ وهو يخطب، فَقَالَ: إن مُحَمَّد بْن يوسف- يعني أخا الحجاج، وَكَانَ عَلَى اليمن- يسفك الدم الحرام، ويأخذ المال الحرام، فَقَالَ: اجلس فجلس، ثُمَّ قام فَقَالَ مثل مقالته، فَقَالَ لَهُ: ويحك اجلس فجلس، ثُمَّ قام فَقَالَ مثل مقالته فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: لقد هممت أن أقتلك، قَالَ: مَا قمت هذا المقام إلا وبطن الأرض أحب إلي من ظهرها إني سمعت أنه تكون نبوة، ثُمَّ خلافة ورحمة، ثُمَّ ملك وجبرية، فقد ذهبت النبوة والخلافة، وهذه الجبرية. المدائني قال: قال عبد الملك بن مروان لأمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد: مالك ولابن حرثان؟ قَالَ: إنه أتى حدا فأقمته عَلَيْهِ، قَالَ: أفلا درأت عنه بالشبهة؟ قَالَ: كَانَ الأمر أظهر من ذَلِكَ، قَالَ: أما والله لقد أوجعك ولوددت أنك كنت سلمت منه، وما سرني أني هجيت، وأن لي مثل كل شيء أصبحت أملكه، وَكَانَ الَّذِي قَالَ فيه ابْن حرثان: أضاع أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ثغورنا ... وأطمع فينا المشركين ابْن خالد وبات عَلَى حور الحشايا [1] ممهدا ... يعانق أمثال المها فِي المجاسد وبتنا قياما فِي الحديد وتارة ... سجودا نناجي ربنا فِي المساجد إذا هتف العصفور ريع فؤاده ... وليث حديد الضرس عند الثرائد وَقَالَ أَبُو اليقظان: حَدَّثَنَا جويرية بْن أسماء قَالَ: كَانَ لعَبْد الْمَلِكِ بيت مال لا يدخله إلا مال طيب لم يظلم فيه مسلم ولا معاهد وقد عرف وجوهه،

_ [1] أي بيض الحشايا. القاموس.

فكان يشتري منه الإماء اللاتي يتخذهن أمهات أولاد ويتزوج منه، ويقول لا أستحل إلا طيبا فإن ذَلِكَ فِي الأولاد. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كَانَ عَبْد الْمَلِكِ يلبس جبة ورداء، ويجلس للناس، وينظر فِي أمورهم، ويقف عَلَى بنيه فِي الكتاب فيقول للمعلم: أحسن تأديبهم ويكلمهم، قَالَ: وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لإسماعيل بْن مهاجر، مؤدب مسلمة، ويزيد، وعنبسة: علم بني القرآن، وخذهم بمكارم الأخلاق، وحثهم عَلَى صلة الأرحام، ووقرهم فِي الملأ، وأخفهم فِي السر، فإن الأدب أملك بالغلام من الحسب، وتهددهم بي، وأدبهم دوني ولا تخرجهم من علم إِلَى علم حَتَّى يفهموه فإن ازدحام الكلام فِي السمع مضلة للفهم. الْمَدَائِنِيّ عَن بكر بْن عَبْد العزيز قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ لإسماعيل [1] مؤدب بنيه: علم بني الصدق حَتَّى إن قتل أحدهم قتيلا اعترف بِهِ عَلَى نفسه، والصق بابن عاتكة- يعني- يَزِيد فإن مهر أمه من عرق جبيني. قَالَ: وَكَانَ مَعَ سعيد بْن عَبْد الْمَلِكِ معَبْد الجهني. الْمَدَائِنِيّ عَن علي بْن حماد قَالَ: قام رجل إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قطعت إليك القفر لأمر ضاق بِهِ الصدر، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: ابني بثغر كذا، وقد اشتد إِلَيْهِ شوقي، وطال توقي، قَالَ: فكتب فِي رده فأقفل. الْمَدَائِنِيّ عَن عَبْد الحليم الأشج عَن أَبِي قرة أن عَبْد الْمَلِكِ خطب زينب بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام فقالت: والله لا يتزوجني أبو الذّبّان،

_ [1] كتب تحتها بالهامش: هو مولى بني مخزوم.

عبد الملك أول خليفة بخل

فتزوجها يَحْيَى بْن الحكم، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: لقد تزوجته أسود أفوه، فَقَالَ يَحْيَى أما إنّها أحبت مني ما كرهت منه. [عبد الملك أول خليفة بخل] حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن عياش وأبي جناب قَالَ: رأى الغضبان بْن القبعثرى صبيا يلعب عند عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، فَقَالَ: من هذا الصبي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: ابني من عائشة بنت موسى بْن طلحة، قَالَ: سيناله السخاء بولادة طلحة لَهُ، فَقَالَ لَهُ: ويحك أو بخيل أنا؟ قَالَ: أي والله الذي لا إله إلا هو لا أستثني، فضحك. وَقَالَ ابْن عياش: كَانَ عَبْد الْمَلِكِ أول خليفة بخل. الْمَدَائِنِيّ عَن مُحَمَّد بْن عيسى قَالَ: سأل رجل عَبْد الْمَلِكِ فألح عَلَيْهِ، وألحف فِي المسألة، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: قد ألحفت فِي المسألة؟ فَقَالَ إنك والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لترد السائل الملح بالمنع المصرح. أراد عَبْد الْمَلِكِ أن يتزوج زينب بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام فتزوجها يَحْيَى بْن الحكم فغضب، واصطفى كل شيء لَهُ فَقَالَ يَحْيَى: كعكة وزينب، فلما رأى عمر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف أسف عَبْد الْمَلِكِ عَلَيْهَا، قَالَ لَهُ: أدلك عَلَى أجمل منها بنت إسماعيل بْن هِشَام، وهو عندك، فخطبها فتزوجها. الْكَلْبِيّ عَن عوانة قَالَ: دخل مسلمة بْن زيد بْن وهب الفهمي عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: أي الزمان أدركت أفضل وأي من أدركت من الملوك أكمل؟ قَالَ: أما الملوك فلم أر منهم أحدا إلا وله ذام ومادح، وأما الزمان فرأيته يرفع أقواما ويضع آخرين، وكل النَّاس إذا صدق نفسه ذم الزمان، لأنه يبلي الجديد ويهرم الصغير، وكل مَا فيه منقطع إلا الأمل، فإنه أبدا

ما قيل في عبد الملك وأخباره

جديد، قَالَ: فأخبرني عَن فهم، قَالَ: هم كما قَالَ القائل: درج الليل والنهار عَلَى فه ... م بْن عَمْرو فاصبحوا كالرميم وخلت دارهم فصارت يبابا ... بعد عز وثروة ونعيم وكذاك الزمان يذهب بالنّا ... س وتبقي ديارهم كالرسوم قَالَ فمن الَّذِي يقول: رأيت النَّاس قد خلقوا جميعا ... يحبون الغني من الرجال وإن كَانَ الغني قليل خير ... بخيلا بالقليل من النوال فما أدري علام وفيم هذا ... وماذا يرتجون من البخال [ما قيل في عبد الملك وأخباره] قَالَ الْكَلْبِيّ: فهم بْن عَمْرو بْن قيس بْن عَيْلان، وَكَانَ الحارث أخو فهم عدا عَلَيْهِ فقتله فسمي عدوان. الْمَدَائِنِيّ عَن سفيان الثوري قَالَ: قدم الحجاج عَلَى عَبْد الْمَلِكِ وافدا، ومعه معاوية بن قرة أبو إياس، فسأله عَبْد الْمَلِكِ عَن الحجاج فَقَالَ: إن صدقناكم قتلتمونا، وإن كذبناكم خشينا اللَّه عز وجل، فنظر إِلَيْهِ الحجاج فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: لا تعرض لَهُ يَا حجاج فغربه إِلَى السند. الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم بْن حَفْص قَالَ: كَانَ الحجاج يقول سألت قبل أن أقدم العراق عَن وجوه رجاله، فذكروا زياد بْن عَمْرو العتكي، فما كَانَ أحد أثقل علي منه، فقدمت عَلَى عَبْد الْمَلِكِ وهو معي فِي ناس من الأشراف، فأثنوا علي فما كَانَ أحد منهم أحسن صفة لي منه، ولا قام أحد منهم مثل مقامه. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن الحجاج سيفك الَّذِي لا ينبو، وسهمك الَّذِي لا يطيش، وخادمك الَّذِي لا تأخذه فِي أمرك لومة لائم، فلقد رأيتني وما أحد من الخلق بعد ذَلِكَ اليوم يعدله عندي.

المواضع التي كان يقيم عبد الملك فيها صيفا وشتاء

[المواضع التي كان يقيم عبد الملك فيها صيفا وشتاء] هِشَام بْن عمار والمدائني عَن أشياخهم قالوا: كَانَ عَبْد الْمَلِكِ يشتو بالصنبرة من الأردن، فإذا انسلخ الشتاء نزل الجابية، وأمر لأصحابه بأنزال ويفرق أغناما عَلَى قدر منازلهم، فإذا مضت أيام من آذار دخل دمشق فنزل دير مران [1] ، حَتَّى إذا جاءت حمارة القيظ أتى بعلبك فأقام بِهَا حَتَّى تهيج رياح الشتاء، فيرجع إِلَى دمشق فإذا اشتد البرد خرج إِلَى الصنبرة. قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وبها مات يوم مات. الْمَدَائِنِيّ قَالَ تغدي شبة بْن عقال يوما عند عَبْد الْمَلِكِ فأتي بخزيرة [2] ، فضحك شبة، فغضب عَبْد الْمَلِكِ وَقَالَ: مَا أضحكك؟ قَالَ: تعيير جرير مجاشعا بالخزيرة، وهي مائدة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وإنما ضحك من السخينة التي تعير بِهَا قريش. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دعا عَبْد الْمَلِك عبيد اللَّه بْن زِيَاد بْن ظبيان أو غيره إِلَى الغداء فأكل مَعَهُ، فجعل يتناول مما بين يديه فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ- ويقال بعض من كَانَ عَلَى رأسه: كل مما بين يديك، فَقَالَ: أو فِي مائدة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ حمى؟ فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: لا كل من أيها شئت. حَدَّثَنِي بعض الشاميين قَالَ: خطب عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان وأعرابي يسمع خطبته، فَقَالَ لَهُ رجل من قريش: كيف مَا تسمع؟ فَقَالَ لو كان كلام يؤتدم به لكان هذا.

_ [1] خارج دمشق عند خانق الربوة حيث قصر الشعب الجديد. [2] الخزيرة: شبه عصيدة بلحم وبلا لحم، عصيدة أو مرقة من بلالة النخالة، والسخينة: طعام رقيق يتخذ من دقيق ولقب لقريش لاتخاذها إياه، وكانت تعير به. القاموس.

قصة عن حلم عبد الملك وأخباره

[قصة عن حلم عبد الملك وأخباره] وَقَالَ الهيثم بْن عدي: تكلم عَبْد الْمَلِكِ بْن عمير عند عَبْد الْمَلِكِ وأعرابي حاضر فَقَالَ: لو أن كلاما يؤتدم بِهِ لكان هذا الكلام. الْمَدَائِنِيّ وغيره قالوا: كتب عبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان إِلَى عَبْد الْمَلِكِ: إنه قد كَانَ من بلائي مَا قد رأيت ولم يكن من جزائك لي إلا مَا علمت فأنا كما قَالَ الجعدي: كفينا بني كعب فلم نر عندهم ... لما كَانَ إلا مَا جزى اللَّه جازيا [1] قالوا: وبلغ عَبْد الْمَلِكِ قول عبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان، حين قَالَ لما خر عَبْد الْمَلِكِ ساجدا، حين أتاه برأس مصعب: هممت بضرب رأسه، فأكون قد قتلت ملكي العرب، فحجبه، ثُمَّ أذن لَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنا والله مَا نكره سخط من رضاه الجور، فإن يكن لك عَلَيْنَا طاعة فيما أحببت، فإن لنا عليك العدل فيما وليت، فلست مستكملا طاعتنا إلا بعدلك، فآثر طاعة اللَّه عز وجل فينا تسلم لك نصائحنا، وتخلص نياتنا، ولا تبغ الفساد فِي الأرض، إِنَّ اللَّهَ بصير بعملك وإليه مصيرك، فغضب عَبْد الْمَلِكِ غضبا شديدا وَقَالَ: لولا أن خير الأمور مغبة، وأكرمها عاقبة، كريم العفو بعد القدرة لأعلمت هذا الجلف أي مورد تورده الجهالة والاستطالة، فَقَالَ الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ولم تستبقي مثله، ولم ير لك هيبة الخلافة، وجلالة السلطان، وواجب الطاعة وإن كَانَ ذا غناء ودالة ولم يوقرك توقير المسلمين إياك، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: مَا كل شيء تعلمه، وأنشد عبد الملك:

_ [1] ديوان النابغة الجعدي- ط. دمشق 1964 ص 175.

ما قيل في عبد الملك وأخباره

ترى النَّاس أخلاطا جميعا وإنهم ... عَلَى ذاك شتى والهوى يتفرق ترى المرء إن جالسته ذا صناعة ... وسائر مَا فيه سوى ذاك أخرق وتلقى أصيل اللب ليس لسانه ... بمخرج ما في قلبه حين ينطق [ما قيل في عبد الملك وأخباره] أَبُو الْحَسَن المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري: أن عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ بْن أسد بْن كرز القشيري من بجيلة، دخل عَلَى عَبْد الْمَلِكِ ومعه ابنه خالد بْن عَبْد اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: هذا ابنك؟ قَالَ: نعم، قَالَ مَا أشبهه بك. قَالَ: ذاك أحب إلي، وأبرأ لساحة أمه. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قدم الحارث بْن خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةَ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم الشاعر عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فلم يصله ويقال إنه أقام ببابه شهرا لا يأذن لَهُ فانصرف وهو يقول: تبعتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها فما بي إن أقصيتني من ضراعة ... ولا افتقرت نفسي إِلَى من يسومها عطفت عليك النفس حَتَّى كأنما ... بكفيك بؤسي أو لديك نعيمها فبلغه ذَلِكَ، فأرسل إِلَيْهِ فرده، فَقَالَ: يَا حارث أترى عَلَى نفسك غضاضة فِي وقوفك ببابي؟ فَقَالَ: لا والله، ولكن طالت غيبتي، وانكسرت ضيعتي، ووجدت فضلا من قول فقلت، وعلي دين فَقَالَ: وكم دينك؟ قَالَ: ثلاثون ألفا، قَالَ: أقضاء دينك أحب إليك، أم ولاية مَكَّة؟ قَالَ: ولاية مَكَّة، فولاه إياها فبعثت عائشة بنت طلحة بْن عبيد اللَّه بْن الحارث وهي بِمَكَّةَ، وقد أقيمت ذات يوم الصلاة، وهي تطوف: إني لم أقض طوافي، فتوقف بالناس حَتَّى فرغت من طوافها، ثُمَّ صلى، فبلغ ذَلِكَ عَبْد الْمَلِكِ فعزله، وَقَالَ: إني لم استعملك لتنتظر بالناس فِي صلاتهم طواف عائشة.

قالوا: وَكَانَ الحارث يحب عائشة، وكانت تحبه، فخطبها فلم تتزوجه، فقيل لها أحبك رجل وأحببتيه عشرين سنة، ثُمَّ خطبك فلم تتزوجيه؟ فقالت: كان في عيب ما يسرني أن لي طلاع الأرض، وأنّه اطلع عَلَيْهِ، فكان يظن أنه سوء الخلق. حَدَّثَنِي الحرمازي عَن الحسن بْن علي الْعُتْبِيّ عن أبيه عن أبي المقدام عن رجل من أَهْل مَكَّةَ قَالَ: قدمت المدينة فإذا غلمان بيض، عليهم ثياب بياض يدعون النَّاس إِلَى الغداء، وكانت بي إِلَيْهِ حاجة فدخلت، فإذا عائشة بنت طلحة عَلَى السرير، وإذا النَّاس يطعمون، قَالَ: فلما أكلت، قالت لي: كأنك غريب؟ قلت: نعم، قالت: فمن أين بك؟ قلت: من مَكَّة، قالت: كيف تركت الأعرابي قلت بخير، فلما خرجت قلت: عَن من سألتني؟ قالوا: عَن الحارث بْن خالد، فلما قدمت مَكَّة أخبرته فأنشأ يقول: من كَانَ يسأل عنا أين منزلنا ... فالأقحوانة منا منزل قمن إذ نجعل العيش صفوا مَا يكدره ... طول الحياة ولا ينبو بنا الزمن قَالَ الحرمازي: وبناحية من الشام موضع يعرف بالأقحوانة [1] أيضا. الْمَدَائِنِيّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن سلم وغيره قالوا: قدم عُمَر بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، فسأله أن يصير إِلَيْهِ صدقة علي بْن أَبِي طالب، فتمثل عَبْد الْمَلِكِ قول ابْن الحقيق اليهودي: إنا إذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت السامع للقائل واعتلج القوم بآرائهم ... نقضي بحكم عادل فاضل

_ [1] بلدة كانت قرب عقبة أفيق في وادي الأردن ليس بعيدا عن طبرية، أما الأقحوانة الأولى فموضع قرب مكة. معجم البلدان.

ولا نجعل الباطل حقا ولا ... نلظ [1] دون الحق بالباطل نخاف أن تسفه أحلامنا ... فنخمل الدهر مَعَ الخامل لا لعمري لا أخرجها من ولد الْحُسَيْن إليك، ووصله عَبْد الْمَلِكِ ورجع من عنده. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ للهيثم بْن الأسود: مَا مالك؟ قَالَ: قوام من عيش وغنى عَن النَّاس، فقيل لَهُ: لو أخبرته، فَقَالَ لو أعلمته مالي لحسدني إن كَانَ كثيرا، أو حقرني إن كَانَ قليلا، وقوم يقولون أن الهيثم قَالَ هذا لمعاوية، والثبت أنه قاله لعَبْد الْمَلِكِ. وَقَالَ الهيثم: كَانَ يقال لا تخبروا قريشا بمالكم، فإن كَانَ كثيرا حسدوكم، وإن كَانَ قليلا حقروكم. الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي مُحَمَّد المقرئ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ لرجل من ثقيف: مَا المروءة فيكم؟ قَالَ: إصلاح المال والمعاش والفقه فِي الدين، وسخاء النفس، وصلة الرحم، فَقَالَ: كذلك هي فينا. قالوا: وتزوج بكر بْن حصين من بني عامر بْن لؤي رقية بنت سعيد بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، فتقدمت إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان حين حج وَهُوَ بالمدينة، فتكلمت فِي أمر زوجها، فَقَالَ ومن زوجك؟ قَالَتْ: بَكْر بْن حُصين، قَالَ: انسبي لي أبا آخر فإن عهدي بالقوم بعيد، قالت: ابْن أويس، قَالَ: ويحك أو تنكح المرأة عبدها؟ فقالت: يا أمير المؤمنين:

_ [1] اللظ: اللزوم والإلحاح.

إن القبور تنكح الأيامى ... النسوة الأرامل اليتامى المرء لا تبقى لَهُ السلامى الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: رأيت الفجور فِي بني الروميات، ورأيت الفارسيات أذلق [1] النساء، وأمنع جانبا، ورأيت بني الهنديات أصبر لصدور العوالي. ودخل جرير عَلَى عَبْد الْمَلِكِ وعنده عدي بْن الرقاع العاملي [2] ، ولم يكن جرير رآه قبلها، فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: يَا جرير أتعرف هذا؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فمن هو؟ قَالَ: رجل من عامله، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هذا من الذين قَالَ اللَّه عز وجل: عاملة ناصبة [3] ؟ قَالَ: لا ويلك، فأنشأ جرير يقول: ويقصر باع العاملي عَن العلى ... ولكن أير العاملي طويل [4] فَقَالَ ابْن الرقاع: أأمك يَا ذا أخبرتك بطوله ... أم أنت امرؤ لم تدر كيف تقول [5] فَقَالَ: بل لم أدر كيف أقول.

_ [1] أذلق: أحدّ، وأقلق، وأضعف. القاموس. [2] شاعر كبير من أهل دمشق، كان مقدما عند بني أمية، مداحا لهم، خاصا بالوليد بن عبد الملك. الأعلام للزركلي. [3] سورة الغاشية: الآية: 88. [4] ليس في ديوان جرير المطبوع. [5] ديوان عدي بن الرقاع العاملي- ط. بيروت 1990 ص 94.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّ عَبْد الْمَلِكِ كتب إِلَى الحجاج جنبني دماء آل أَبِي طالب فإن بني حرب لما قتلوا حسينا نزع الملك منهم. الْمَدَائِنِيّ عَن يَزِيد بْن عياض [1] قَالَ: أراد عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر أن يفد إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، وعلى المدينة أبان بْن عثمان بْن عفان، فأرسل إِلَيْهِ بديحا يستأذنه، فَقَالَ أبان: قل لَهُ: فليبعث إِلَى جاريته فلانة، فرجع فأخبره بقوله فَقَالَ ابْن جعفر: لا، ولا كرامة، وَقَالَ لَهُ: ارجع إِلَى بقيع- وَكَانَ أبان أبرص أبقع- فقل لَهُ: أما الجارية فلا، قَالَ: فليبعث إلي بغلامه الزامر، فبعث بِهِ إِلَيْهِ، وَقَالَ: هو شبيهه، ثُمَّ أذن له، فوفد عَلَى عَبْد الْمَلِكِ. الْمَدَائِنِيّ عَن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: دخل عَبْد اللَّه بْن جعفر عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فحثه عَلَى صلة ابْن أَبِي عتيق، وهو مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرحمن بن أبي بكر الصديق وذكر لَهُ خلته، فدخل ابْن أَبِي عتيق عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: يا بن أَبِي عتيق، أخبرني عنك عَبْد اللَّهِ بضيق من الحال؟ قَالَ: كذب يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا بي من حاجة وما أنا فِي ضيقة، فدخل ابْن جعفر عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فأخبره بقول ابْن أَبِي عتيق، فلقيه ابْن أَبِي عتيق، فَقَالَ لَهُ ابْن جعفر: ويحك أتركت حظك من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وقد عطفته عليك، وحثثته علي برك؟ فَقَالَ: إني دخلت عَلَيْهِ وعنده جارية لَهُ، مَا رأيت شيئا

_ [1] هو ابن جعدبه المتقدم ذكره.

قط أحسن منها، فأخبرني بقولك وهي تسمع وتنظر إلي، أفكنت ترى لي يابن أم أن أقر بالفقر بين يديها؟! الْمَدَائِنِيّ وغيره قالوا: نذر عَبْد الْمَلِكِ دم ابْن قيس الرقيات لقوله: إنما مصعب شهاب من الل ... هـ تجلت عَن وجهه الظلماء [1] قَالَ ابْن قيس: فسألت عَن من أستعين بِهِ عَلَيْهِ، فقيل لي روح بْن زنباع، فأتيت روحا فَقَالَ: مَا ذاك عندي، فأتيت عَبْد اللَّهِ بْن جعفر، فاستجرت بِهِ، فَقَالَ: لي أقم، فإن لي فِي كل ليلة رجلا أدخله معي إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فكن ذَلِكَ الرجل، فلما كَانَ الليل أدخلني، وأمرني أن أجيد الأكل وآخذ مَا بين يديه، وبين يدي عَبْد الْمَلِكِ، فنظر إلي، فَقَالَ: من هذا؟ قَالَ ابْن جعفر هذا القائل مَا نقموا من بَنِي أمية إلا ... أنهم يحلمون إن غضبوا وإنهم سادة الملوك فما ... تصلح إلا عليهم العرب [2] فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: ابْن قيس؟ قَالَ: نعم: فَقَالَ أما دمه فقد حقنه اللَّه عز وجل، وأما العطاء فلا عطاء لَهُ عندي، فَقَالَ ابْن جعفر لابن قيس: اللهم غفرا، إذا خرج العطاء فلك عندي عطاؤك. وَقَالَ كثير يمدح عَبْد الْمَلِكِ: يحيون بسامين طورا، وتارة ... يحيون عباسين شوس الحواجب من النفر البيض الذين إذا انتجوا ... أقرت لنجواهم لؤي بن غالب

_ [1] ديوان ابن قيس الرقيات ص 91. [2] ديوان ابن قيس الرقيات ص 91.

كريم يؤول الراغبون ببابه ... إِلَى واسع المعروف جزل المواهب إمام هدى قد سدد اللَّه رأيه ... وقد أحكمته ماضيات التجارب [1] وَقَالَ فيه أيضا: قضى نحبه مروان ثُمَّ وليتنا ... فكن يا بن مروان تجود وتدفع [2] وَقَالَ كعب بْن جعيل: أمير المؤمنين هدى ونور ... كاجلى دجى الظلم النهار قريع بني أمية من قريش ... هم السر المهذب والنضار وَقَالَ أَبُو قطيفة عَمْرو بْن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط: نبئت أن ابْن القلمس عابني ... ومن ذا من النَّاس الصحيح المسلم فأبصر سبل الرشد سيد قومه ... وقد يبصر الرشد الرئيس المعمم فمن أنتم ها خبرونا من أنتم ... فقد جعلت أشياء تبدو وتكتم فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: مَا كنت أرى أن مثلنا يقال لهم من أنتم؟ أما والله لولا مَا تعلم، لقلت قولا يلحقكم بأصلكم الجلائب، ولضربتك حَتَّى تموت. وَقَالَ أعشى بني شيبان: عرفت أمية كلها ... لبني أَبِي العاص الإمارة لأبرها وأحقها ... عند المشورة بالإشارة المانعين لما ولوا ... والنافعين ذوي الضرارة وهم أحقهم بِهَا ... عند الحلاوة والمرارة

_ [1] ديوان كثير ص 44- 46. وفيه الممدوح: يزيد بن عبد الملك. [2] ليس في ديوانه المطبوع.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: قَالَ قبيصة بْن ذؤيب ووشى بِهِ قوم إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فجفاه وكانت لَهُ منزلة عنده: إن مسيري فِي المسير ومنزلي ... لبالمنزل الأقصى إذا لم أقرب وما أنا إن قربت يوما ببائع ... خلاقي وديني لابتغاء التحبب ولكن أرى حق الإمام ونصحه ... وطاعته حقا كما هي للأب وهذا باطل وقد نسبنا الشعر إِلَى صاحبه الَّذِي قاله، وذكرنا حديثه فيما مضى من أحاديث عَبْد الْمَلِكِ. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أمر عَبْد الْمَلِكِ مسلم بن ربيعة أبا إسحق بْن مسلم أن يقتل رجلا من قيس فأبى فحبسه فَقَالَ: ألا أبلغ سراة الحي قيسا ... شآميهم ومن هو بالعراق بأني بالرهاء بِهَا مقيم ... قصير الخطو مشدود الوثاق وما كانت عقوبتهم بسجني ... لمعصية وما خافوا شقاقي ولكني كرهت دماء قومي ... وما لي بعد قومي من تلاق ويقال أن مُحَمَّد بْن مروان أمره بِذَلِكَ. الْمَدَائِنِي عَنْ عَلِي بْن حماد قَالَ: قَالَ الأخطل لعَبْد الْمَلِكِ بْن مروان: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ زعم ابْن المراغة أنه يبلغ مدحك فِي ثلاثة أيام وقد أفنيت فِي مدحك حولا بقصيدة قلتها فما بلغت كل الَّذِي أردته، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: فأنشدني قصيدتك فأنشده: خف القطين فراحوا عنك أو بكروا ... وأزعجتهم نوى فِي صرفها غير [1]

_ [1] ديوان الأخطل- ط. بيروت 1986 ص 100.

فجعل عَبْد الْمَلِكِ يتطاول، ثُمَّ قَالَ: ويحك يَا أخطل أتريد أن أكتب إِلَى الآفاق بأنك أشعر العرب؟ قَالَ: أنا أكتفي بقولك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فأمر لَهُ بقصعة مملوءة دنانير ودراهم، وألقى عَلَيْهِ خلعته وخرج بِهِ مولى لعَبْد الْمَلِكِ وهو يقول: هذا شاعر أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فائد قَالَ: قَالَ سعيد بْن المسيب لعَبْد الْمَلِكِ: بلغني يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أنك شربت الطلاء؟ قَالَ: والدماء يَا أبا مُحَمَّد فنستغفر اللَّه. الْمَدَائِنِيّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن مسلم الفهري قَالَ: دخل الأخطل عَلَى عَبْد الْمَلِكِ وهو سكران فَقَالَ لَهُ: يَا أبا مالِك مالك؟ قَالَ: إن أبا نسطور وضع فِي جمجمتي ثلاثا وأنشد: إذا شرب الفتى منها ثلاثا ... بغير الماء حاول أن يطولا مشي قرشية لا عيب فيها ... وأرخى من مآزره ذيولا [1] المدائني قَالَ: دخل عَلَى عَبْد الْمَلِكِ رجل فتكلم فأحسن حَتَّى سكت، فأراد أن يسبر عقله ليعرف مَا عنده، فإذا هو مضعوف فَقَالَ: زيادة منطق عَلَى عقل خدعة، وزياد عقل عَلَى منطق هجنة، وأحسن ذَلِكَ مَا زين بعضه بعضا، وبعضهم يروي هذا عَن سليمان بْن عَبْد الْمَلِكِ، وهو عَن عَبْد الْمَلِكِ أثبت. وَقَالَ: وذكر تشقيق الخطب والإسهاب عند عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: من أكثر فأحسن قدر على أن يقل فيحسن.

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع.

حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ عوانة قَالَ: كتب عبد الملك إلى الحجاج: أما بعد فإنه بلغ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أنك تنفق فِي اليوم مَا ينفق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي الجمعة، وتنفق فِي الجمعة مَا ينفق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي الشهر، وتنفق فِي الشهر مَا ينفق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي السنة، وهذا مَا لا قوام مَعَهُ يَا حجاج. عليك بتقوى اللَّه فِي كل حالة ... وكن لوعيد اللَّه ربك تخشع ووفر خراج المسلمين وفيئهم ... وكن لهم حصنا يذود ويمنع فكتب إِلَيْهِ الحجاج: أتتني كتب للخليفة ضمنت ... قراطيس تطوى كي تصان وتطبع ومنها كتاب فيه لين وشدة ... وذكر وفي الذكرى لذي اللب منفع وكانت بلادا جئتها ذات فتنة ... بِهَا كل نيران الحوادث تلمع فما زلت فيها أعمل الحزم جاهدا ... فاعطي عَلَى حين العطاء وأمنع فلا تتهمني إنني لك ناصح ... ولست مَعَ النصح المبين أضيع فرد عَبْد الْمَلِكِ عَلَيْهِ كتابه، وكتب فِي حاشيته: «صدقت يَا أبا مُحَمَّد وبررت. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: أي الشعراء أشجع شعرا؟ قالوا: عَمْرو بْن معد يكرب، قَالَ وكيف وهو يقول: وجاشت إلي النفس أول مرة ... فردت عَلَى مكروهها فاستقرت [1] فقيل ابْن الإطنابة؟ فَقَالَ وكيف وهو القائل: أقول لها وقد جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

_ [1] شعر عمرو بن معدي كرب- ط. دمشق 1974 ص 54.

فَقَالُوا عنترة؟ فَقَالَ: وكيف وهو يقول: إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي [1] قيل: فعامر بْن الطفيل؟ فَقَالَ: وكيف وقد قَالَ: أقول لنفس لا يجاد بمثلها ... أقلي مراحا إنني غير مدبر [2] ولكن أشجع الناس شعرا المزني الذي يقول: وإني لدى الحرب العوان موكل ... بتقديم نفس لا أحب بقاءها وعباس بْن مرداس حين يقول: أقاتل فِي الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كَانَ فيها أم سواها الْمَدَائِنِيّ عَن عوانة قَالَ: كتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الحجاج فِي أمر استشاره فيه واستكتمه إياه فانتشر وبلغ عَبْد الْمَلِكِ ذَلِكَ، فكتب إِلَيْهِ كتابا عاتبه فيه، وتمثل بهذين البيتين فِي كتابه: ألم تر أن وشاة الرجا ... ل لا يتركون أديما صحيحا فلا تفش سرك إلا إليك ... فإن لكل نصيح نصيحا العمري عَن الهيثم عَن ابْن عياش قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ للشعبي: لله در ابْن قميئة حيث يقول: كأني وقد خلفت تسعين حجة ... خلعت بِهَا عني عذار لجام رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يرمى وليس برام فلو أنها نبل إذا لا تقيتها ... ولكنني أرمى بغير سهام

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] ديوان عامر بن الطفيل- ط. دمشق 1994 ص 92.

فَقَالَ الشَّعْبِيّ: وقد أحسن لبيد أيضا حين يقول: كأني وقد خلفت تسعين حجة ... خلعت بِهَا عَن منكبي ردائيا [1] قَالَ: ففكر عَبْد الْمَلِكِ ثُمَّ أنشد: إذا مَا سلخت الشهر أهللت مثله ... كفى قاتلا سلخي للشهور وإهلالي قَالَ: ولما قتل مصعب واستقام الأمر لعَبْد الْمَلِكِ دخل عَلَيْهِ عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، وسويد بْن منجوف، ونعيم بْن مسعود التميمي، وقيس بن الهيثم السلمي بعد أن حبسهم عَلَى بابه حينا، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: إنكم سعيتم مَعَ الشيطان فكنتم حزبه، فلما نكص نكصتم، ولم يبق أحد ممن شب نار الفتنة وسعى فِي الفرقة، وشتت الألفة إلا أحدث من جرمه توبة، وظهرت منه إنابة غير قتادة فكففنا عنه العقوبة أفما ترضون أن تكونوا إسوة من أبصر بعد العمى، وعرف بعد الجهل واستحق بالإنابة العفو؟ فتكلم سويد بْن منجوف فَقَالَ: إنا كنا وزراء فأصبحنا أعجازا، فخذ بالتي هي أحسن ذكرا، وأبقى جمالا. ثُمَّ قَالَ عمر بْن عبيد اللَّه: والله مَا نعتذر إليك من معصية، ولا نتوسل إليك بطاعة، ولقد ولينا لعدوك الأعمال، وكسبنا الأموال، وقتلنا الرجال ولأن نكون كنا عَلَى ضلال، فأصبحنا عَلَى هدى، خير من أن نكون عَلَى هدى ثُمَّ نصبح عَلَى ضلال فإن تصطنعنا نكن لك كما كنا لمن كَانَ قبلك.

_ [1] ليس في ديوان لبيد المطبوع.

ثُمَّ تكلم نعيم بْن مسعود فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنا كنا أمس زبيريين فقد أصبحنا مروانيين، فأقلل العتاب، وأكرم الغلبة، وأقل بعفوك العثرة. ثُمَّ تكلم قيس بْن الهيثم فَقَالَ: إنا لسنا بالحلو المأكول، ولا بالمر الملفوظ، ولا عفوك بمنكر، ولا عقابك بحتم، قد والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قارعناك عَن الدين والدنيا جميعا، فليسعنا مَا لم يضق عَن غيرنا من عفوك، فمثلنا أسديت إِلَيْهِ العارفة فشكرها، واتخذت عنده الصنيعة فعرفها قَالَ: فرضي عنهم وأسني جوائزهم. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أنشد عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ قول أنس بْن زنيم فِي مصعب حين تزوج عائشة: بضع الفتاة بألف ألف كامل ... ويبيت أرباب الجيوش جياعا لو أنني عمرا أقول مقالتي ... وأبثه مَا قد أرى لارتاعا فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: صدق إن مصعب قدم أيره وأخر خيره، فبلغ عَبْد الْمَلِكِ قوله فَقَالَ: لكنه أخر أيره وخيره. الْمَدَائِنِيّ عَن علي بْن حماد قَالَ: أجرى عَبْد الْمَلِكِ الخيل فحمل مسلمة عَلَى فرس، وكانت أمه أم ولد فجاء سابقا، فَقَالَ لمصقلة بْن رقبة العبدي: إن صاحبكم لقليل المعرفة بأولاد أمهات الأولاد حين يقول: نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... عَلَى خيلكم يوم الرهان فتدركوا وما يستوي المرآن هذا ابْن حرة ... وهذا ابْن أخرى بطنها متشرك ترعد كفاه ويسقط سوطه ... وتفتر فخذاه فلا يتحرك وتدركه أعراق سوء ذميمة ... ألا إن عرق السوء لا بد مدرك

قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إن من الإماء ذوات شرف فيمن هن منه، وليس أولئك عنى، وقد يشتري الرجل الجارية فيعتقها ويحصنها فتكون كالحرة، وإنما عنى جمهور الإماء اللواتي لا مواضع لهن ولا هيئات. أخبرني عَبَّاس بْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أبيه قَالَ: سقى عَبْد الْمَلِكِ رجلا من كلب شرابا يَزِيد فِي الباه، ثُمَّ انصرف من عنده فأصابه شبق شديد، فلم يصل إِلَى منزله حَتَّى أتبعه بجارية وَقَالَ لرسوله: قل لَهُ: إنا سقيناك شرابا تحتاج مَعَهُ إِلَى مَا بعثنا بِهِ إليك، وقد كفيت أشتراءها [1] فدونكها. الْمَدَائِنِيّ عَن بكر بْن حبيب السهمي قَالَ: ولد لعَبْد الْمَلِكِ ابْن فَقَالَ لَهُ روح بْن زنباع: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسقه لبن الإبل، فاشترى عَبْد الْمَلِكِ لظئر الصبي لقحة، فكانت تحلب وتشرب الظئر لبنها وَقَالَ الحالب: كيف أحلبها أخنفا، أم مصرا، أم فطرا، والخنف ضم اليد عَلَى الضرع، والفطر أن يحلب كما يعقد ثلاثين والمصر بأطراف الأصابع؟ فَقَالَ بل أحلبها مصرا، ويقال الخنف باليد كلها والفطر أن يحلب يعقد ثلاثين، والمصر أن لا يقبض عَلَى الضرع. حَدَّثَنِي عباس بْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن عوانة قَالَ: توفي أمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد بالصنبرة من الأردن، ومات خالد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ، وروح بْن زنباع فِي عام واحد، فكان يسمى عام الملوك، فأرسل عَبْد الملك فأحصى أضياف أمية، فوجدهم خمسمائة فوصلهم عبد الملك.

_ [1] بهامش الأصل: استبراءها.

وَكَانَ أمية لما قدم الشام قَالَ النَّاس: قدم أمية أخو خالد فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: أراك ببلد لا تعرف فيه إلا بخالد، وأنت أعز من بِهَا، فجعل لَهُ حاجتين فِي كل يوم، فأصبح النَّاس عَلَى بابه يسألونه الحوائج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ ولما مات هؤلاء الثلاثة رثاهم عَبْد الْمَلِكِ: لعمرك لا أنسى أمية أظلمت ... علي بِهِ أرضي معا وسمائيا ومن يوم روح قد علتني كآبة ... وبل دموعي بالرشاش ردائيا وقد كاد ينسينيهما يوم خالد ... أَبِي هاشم إذ كدت أنسى حيائيا ألاك الأخلاء المصافون مَا بقوا ... وكنت لهم مَا صاحبوني مصافيا فقد أوحشت أوطانهم وبلادهم ... وأوحش منهم مجلسي وفنائيا أشد بهم ركني سريري وموكبي ... فكيف بصبري بعدهم وعزائيا الْمَدَائِنِيّ قَالَ: مر عَبْد الْمَلِكِ عَلَى قبر مُعَاوِيَة، ومعه عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، وابن بحدل الْكَلْبِيّ فَقَالَ: هذا قبر رجل كَانَ يسكته الحلم، وينطقه العلم، هذا قبر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَة ثُمَّ أنشد: وَمَا الدهر والأيام إلا كَمَا أرى ... رزية مالٍ أو فراق حبيب الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْن محارب قَالَ: دَخَلَ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عباس عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فِي يَوْم شديد البرد وَقَدْ حال بينه وبينه دخانُ العود فَقَالَ: يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ احْمدِ اللَّه عَلَى مَا أَنْتَ فِيهِ من الدفء، مَعَ مَا النَّاس فِيهِ من البرد، ودعا لَهُ بالبقاء، فَقَالَ لَهُ: يَا أبا مُحَمَّد أَبَعْدَ ابْن هند- وَكَانَ أميرا عشرين سنة وخليفة مثلها- أصبحت تهز عَلَى قبره ينبوته مَا هو إلا كما قَالَ الشاعر:

وَمَا الدهر والأيام إلا كَمَا أرى ... رزية مال أو فراق حبيب وإن امرأ قد جرب الدهر لم يخف ... تقلب عصريه لغير أريب الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي بكر الهذلي قَالَ: ركب عَبْد الْمَلِكِ فتلقاه مُحَمَّد بْن جُبَيْر بْن مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عبد مناف، فمرا يتسايران حَتَّى إذا بلغا المقابر، عدل عَبْد الْمَلِكِ فوقف، ومحمد بْن جبير مَعَهُ عَلَى قبر مُعَاوِيَة، وإذا عَلَيْهِ ثمامة أو عوسجة تهتز، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ يرحمك اللَّه أبا عَبْد الرَّحْمَنِ والتفت إِلَى مُحَمَّد بْن جبير فَقَالَ: يَا أبا سَعِيد مَا كَانَ علمك بِهِ قَالَ: كَانَ علمي بِهِ والله أنه كَانَ ممن ينطقه العلم، ويسكته الحلم، قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: كذلك والله كَانَ ثُمَّ ولى وهو يَقُول: وما الدهر والأيام إلا كما أرى ... رزية مال أو فراق حبيب ابْن الْكَلْبِيّ عَن عوانة قَالَ: لما أنشد عَبْد الْمَلِكِ قول خريم بْن فاتك الأسدي: لقيت من الغانيات العجابا ... ليالي أدركن مني شبابا علام يكحلن حور العيون ... ويحدثن بعد خضاب خضابا ويبرقن إلا لما تعلمون ... فلا تحرموا الغانيات الضرابا فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: نعم الشفيع لهن خريم. الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم بْن حفص، وعلي بْن مجاهد قالا: مات عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر بضمير [1] وهي قرية من قرى دمشق، فخرج عَبْد الْمَلِكِ فصلى عَلَيْهِ وقعد عَلَى قبره، فقالت امرأة: يا سيد العرب، تعني عمر،

_ [1] ما تزال تحمل الاسم نفسه خارج دمشق على الطريق الموصل إلى تدمر.

فقال لها رجل من أهل الشام: اسكتي تقولين هذا وأَمِير الْمُؤْمِنِينَ حاضر؟ فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: مه دعها فقد صدقت وَقَالَ: ألا ذهب العرف والنائل ... ومن كَانَ يعتمد السائل ومن كَانَ يطعم [1] فِي سيبه ... غني العشيرة والعائل ثُمَّ قام عَبْد الْمَلِكِ عَلَى قبر عمر فَقَالَ: رحمك اللَّه أبا حفص، فقد كنت لا تحسد غنينا ولا تحقر فقيرنا. الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم بْن حفص قَالَ: أخذ إِبْرَاهِيم بْن عربي إبلا للبعيث المجاشعي، فخرج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: من تحب أن نأمره بجمع إبلك وردها عليك؟ فَقَالَ: حصين بْن خليد العبسي، وَكَانَ عَلَى بادية قيس، فأمره بجمعها، وردها فَقَالَ البعيث: إني لأبواب الملوك قروع وَقَالَ أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: ويقال إن البعيث أتى شبة بْن عقال، فأدخله عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، فدخل رجل أحمر أزرق فسلم سلاما جافيا، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: أهو هو؟ فَقَالَ: إي والله لأنا هو، قد قلت وقيل لي وأنا الَّذِي أقول: إذا شئت عاطتني الزلال خريدة ... من البيض شنباء اللثاث شموع سمت بجدود فِي العرانين وانتمت ... بحيث تنمى حاجب ووكيع قَالَ: فما فرغ من كلامه حتى سرني، وإني لأستحيي من رثاثة هيئته ومحمد بْن عمير جالس، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: يَا أبا عَمْرو زوجتموه؟ قَالَ: نعم امرأة شبيهة بِهِ وهي ابنة خاله.

_ [1] بهامش الأصل: يطمع.

الْمَدَائِنِيّ عَن مُحَمَّد بْن عدي بْن النهاس بْن قهم قَالَ أصابت النَّاس قحمة، أو قَالَ حطمة، فخرجوا إِلَى الشام يطلبون الريف، فصارت جارية من العرب إِلَى بيت من يهود تخدمهم، فوقع عَلَيْهَا رجل منهم غصبها نفسها، فضرب عَبْد الْمَلِكِ عنق اليهودي، وأخذ ماله فأعطاه أَهْل الجارية، ويقال إنه صلب اليهودي حين قتله. الْمَدَائِنِيّ عَن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُعَاوِيَةَ الزيادي قَالَ: حج عَبْد الْمَلِكِ فجعل يطوف بالبيت ومعه الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي، فلما كَانَ فِي الطواف السابع دنا من البيت ليلتزمه فجذبه الحارث فقال: مالك يَا حار؟ قَالَ: أتدري أول من فعل هذا؟ قَالَ: لا، قَالَ: عجوز من قومك عَلَى غير سنة، فمضى ولم يلتزمه. الْمَدَائِنِيّ عَن مُحَمَّد بْن صالح عَن موسى بْن عقبة أن عَبْد الْمَلِكِ حج فلقيه رجل من ولد عمر، قد نالته ولادة من أَبِي بكر، فسأله فحرمه، وَقَالَ متمثلا: ومن لا يذد عَن حوضه بسلاحه يهدم فَقَالَ الرجل: إذا ذدت عَن حوضك ابْن الفاروق، وابن الصديق فمن تورده؟ قَالَ: بني عبد مناف. الْمَدَائِنِيّ عَن حباب بْن موسى عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: سمعت عَبْد الْمَلِكِ يدعو: اللهم إن ذنوبي قد عظمت وجلت، وهي صغيرة يسيرة فِي جنب عفوك فاغفرها لي برحمتك، فحسدته. المدائني عن أبي اسحق بْن ربيعة قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ لموسى بْن طلحة: يَا أبا عيسى مَا بقي من ظنك؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زالت قريش

تزنني وإياك بِذَلِكَ ونحن غلمان، فضحك عَبْد الْمَلِكِ. الْمَدَائِنِيّ عَن بشر بْن أَبِي عيسى قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ للأبرش الْكَلْبِيُّ- واسمُه سَعِيد بْن الْوَلِيد بْن عَبْدِ عَمْرو- وهو يتغدى مَعَهُ: يَا أبرش إن أكلك لأكل معدي. قَالَ: تأبى ذَلِكَ قضاعة. حَدَّثَنِي العباس بْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أبيه قَالَ: أصحب عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان ذبيان بْن نعيم بْن حصين بْن سعدانة الْكَلْبِيّ، أخاه عَبْد العزيز، حين شخص إِلَى مصر، فرأى منه جفوة فكتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ. أبلغ أَمِير المؤمنين ودونه ... فراسخ تطوي الطرف وهو حديد بأني أرى عَبْد العزيز مؤخرا ... يقدم قبلي راسب وسعيد وقد كنت أدنى فِي القرابة منهما ... وأشرف إن كنت الشريف تريد فكتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ فِي أمره، فبره وسهل أذنه وأدنى مجلسه. الهيثم عَن ابْن عياش عَن أبيه قَالَ: سمعت عَبْد الْمَلِكِ يقول لعَبْد اللَّهِ بْن مسعدة الفزاري: إن أفضل النساء السواحر اللاتي يقول أَهْل الرجل: قد سحرنه، وغلبن عَلَى عقله. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: بينا بنو عَبْد الْمَلِكِ عنده إذ مد الوليد رجله فِي حجر أخيه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الْمَلِكِ، فنبذها وَقَالَ: اقبض رجلك، فَقَالَ الوليد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ألا ترى إِلَى ابْن البربرية؟ فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: أجل والله، إني لابن البربرية، وإنها لابنة أملاك كرام، وليست كأمك ابنة الأعرابي الجلف البائل عَلَى عقبيه، فَقَالَ الوليد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ألا تسمع؟ فقال عبد الملك: إيها الآن اعرضا عَن هذا، فكفا.

وعَبْد اللَّهِ القائل حين احتضر وجاءه مال من مصر: مَا لي وله، ليته والله كَانَ بعرا حائلا بنجد. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: رأى عَبْد الْمَلِكِ كأنه بال فِي الكعبة، فبعث إِلَى سعيد بْن المسيب من سأله عَن ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: لا تخبره من صاحب الرؤيا، فَقَالَ لَهُ الرجل: رأيت كذا، فَقَالَ لَهُ سعيد مثلك لا يرى هذه الرؤيا، فرجع إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فأخبره فَقَالَ: ارجع إِلَيْهِ فأخبره أني رأيتها فرجع إِلَيْهِ فأخبره فَقَالَ: يخرج من صلبه من يلي الخلافة. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عبد الله بن جعفر عن حبيب بن قنيع قَالَ: جلست إِلَى سعيد بْن المسيب يوما والمسجد خال، فجاءه رجل فَقَالَ: يَا أبا مُحَمَّد رأيت فِي النوم كأني أخذت عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان فوتدت فِي ظهره أربعة أوتاد، وتدا بعد وتد، فَقَالَ: مَا أنت رأيت هذه الرؤيا فأخبرني من رآها؟ قال: أرسلني إليك ابن الزبير بهذه الرؤيا لتعبرها، فَقَالَ: إن صدقت الرؤيا قتل عَبْد الملك عبد الله بن الزبير، وخرج من صلب عَبْد الْمَلِكِ أربعة كلهم يكون خليفة، قَالَ: فرحلت إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فدخلت عَلَيْهِ وهو فِي الخضراء بدمشق فأخبرته الخبر، فسره وسألني عَن سعيد وحاله، وسألني عَن ديني فقلت: أربعمائة دينار، فأمر لي بِهَا من ساعته ومائة دينار أخرى، وحملني طعاما وزيتا وكسيا، فانصرفت راجعا إِلَى المدينة. الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ الطائي قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ لعمرو بْن حريث: إني أراك ظاهر الدم لين البشرة، فليت شعري مم ذاك؟ فَقَالَ طعامي لباب البر، وصغار المعز، ولباسي الكتان، ودهني البنفسج.

الْمَدَائِنِيّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن سلم عَن أبيه قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ للعجاج: أتحسن الهجاء؟ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هل رأيت صانعا إلا وهو عَلَى الإفساد أقدر منه عَلَى الإصلاح، قَالَ فما يمنعك من الهجاء؟ قَالَ إن اللَّه عز وجل أعطانا عزا منعنا من الظلم وحلما منعنا من أن نظلم، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: الهجاء أشد من المديح وحرك رأسه. هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ عَن عوانة قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: أي النساء يا بن مسعدة أفضل؟ قَالَ: الساحرة، يعني قول الرجل: قد سحرتني فَقَالَ صدقت. الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم بْن حَفْص قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان: إن من وثائق الحزم أن تحمل النَّاس بالمال فإنهم أتباعه. قَالَ: وَقَالَ عَبْد الملك: الحلم يحيا بحياة السؤدد. حدثني أَبُو مسعود الكوفي قَالَ: دخل كثير بْن الرحمن عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، فَقَالَ: أنشدك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ بكم؟ قَالَ كثير. بطرف ومذعان وألف وحلة ... وسيف عتيق من جياد الصفائح [1] فَقَالَ: يَا غلام عجل بجميع مَا قَالَ الساعة، فأتي بفرس رائع، وناقة مذعان، وحلة وسيف، ثُمَّ أنشده شعره الَّذِي مدحه بِهِ فأمر لَهُ بمال. الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم بْن حَفْص قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ لأسيلم بْن الأخيف [2] ، أبي اليقظان، وكان مضموما إلى الوليد: أخبرني عن الوليد؟

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] في هامش الأصل: ما جاء في اللحن.

قَالَ: أعفني يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: لتقولن قَالَ يلحن لحنا فاحشا يعرفه من لا يبصر العربية، ويظن ظنا سيئا أخاف أن يوبقه [1] ويوثقه ويستحيي أن يسأل فيعلم، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ للوليد: بلغني أنك تلحن لحنا فاحشا وتسيء الظن وتستحيي أن تسأل فتعلم، فَقَالَ: أما السؤال فما أدعه للحياء منه، ولكني لا أرى أحدا أهلا لأن أسأله عَن شيء، وأما سوء الظن فمن ذا ينبغي لَهُ أن يحسن الظن بالناس بعد قتل مروان، وأما اللحن فمر الفصحاء بتقويم لساني. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ لربيعة بْن الغاز: إني أحب الوليد، وأريد توليته؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن وليته الجباية فاستقصى ذم، وإن قصر عجز، ولكن وله الصوائف فيكون ذَلِكَ لَهُ شرفا وذكرا. قالوا: وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لأسيلم بْن الأخيف: كيف ترى الوليد: فَقَالَ: إنه ليلحن لحنا قبيحا، قَالَ: إنه كَانَ أحب ولدي إلي، فلم تطب نفسي بمفارقته فأسترضع لَهُ بالبادية، كما استرضعت لسليمان. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ لخالد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ: ألا تقيمون لسان عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صعب عَلَيْنَا من تقويم لسانه مَا صعب عليكم من تقويم لسان الوليد، قَالَ: وَكَانَ الوليد رديء اللسان، قَالَ يوما: يَا غلام رد الفرسان الصادان عن الميدان.

_ [1] بهامش الأصل: يوقعه.

الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي مُعَاوِيَة بْن عامر قَالَ: تكلم عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة عِنْدَ عَبْد الْمَلِكِ فلحن، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: اللحن من الشريف أقبح من الجدري فِي الوجه الحسن. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان: إن المغيرة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحارث بْن هِشَام ليفخم اللحن كما يفخم نافع بْن جبير الإعراب. وَكَانَ المغيرة يلحن ويتشدق. الْمَدَائِنِيّ عَن علي بْن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: اللحن هجنة فِي الشريف والعجب آفة للرأي والخرس خير من البيان بالكذب، لأن الكذب فساد كل شيء. الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم بْن حفص قَالَ: صحف عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان فَقَالَ لقوم من كندة: من كَانَ الميل منكم؟ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هو المثل بْن مُعَاوِيَةَ الأكرمين. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: لما أنشد الأخطل عَبْد الْمَلِكِ قوله: فإلا تغيرها قريش بملكها ... يكن عَن قريش مستمال ومرحل [1] فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: إِلَى أين يابن اللخناء؟ قَالَ: إِلَى النار. قَالَ: لو قلت غيرها قطعت لسانك.

_ [1] ديوان الأخطل ص 231.

الْمَدَائِنِيّ عَن الوليد بْن مسلم قَالَ: كَانَ الحارث الأشعري قاضي عَبْد الْمَلِكِ، فأخبر عَبْد الْمَلِكِ أن امرأته كلمته فِي رجل فقضى لَهُ بقضية وأن الرجل أهدى إِلَى امرأة الأشعري هدية، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: إذا رشوة من باب بيت تقحمت ... لتسكن فيه والأمانة فيه سعت هربا منه وولت كأنها ... حليم تولى عَن جوار سفيه

بيعة الوليد وسليمان

بيعة الوليد وسليمان قالوا: كَانَ مروان بايع لعَبْد الْمَلِك ولعَبْد الْعَزِيز من بعده، وولى عَبْد العزيز مصر، فأراد عَبْد الْمَلِكِ أن يخلع عَبْد العزيز ويبايع لابنه الوليد، فكتب إِلَى عَبْد العزيز: «إن رأيت أن تصير هذا الأمر لابن أخيك وولدك» ، فأبى فكتب إِلَيْهِ يسأله أن يجعلها للوليد من بعده ويقول له: لولا أن الوليد أعز الخلق علي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لم يسألك هذا لَهُ، فكتب إِلَيْهِ: «إني أرى فِي أَبِي بكر بْن عَبْد العزيز، مثل الَّذِي ترى فِي الوليد» . فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: اللهم إنه قد قطعني فاقطعه، وكتب إِلَيْهِ: «احمل إلي خراج مصر» ، فكتب إِلَيْهِ عَبْد العزيز: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنا قد بلغنا سنا لم يبلغها أحد من أَهْل بيتك، إلا كَانَ بقاؤه بعدها قليلا، وإنا لا ندري أينا يأتيه الموت أولا، فإن رأيت أن لا تغثث علي بقية عمري فافعل» ، فرق لَهُ عَبْد الْمَلِكِ وَقَالَ: لعمري لا فعلت ذاك ولا سؤت أخي، وَقَالَ لبنيه إن يرد اللَّه أن يعطيكم إياها لا يقدر أحد من العباد عَلَى ردها عنكم، وَقَالَ لابنيه الوليد وسليمان: هل قارفتما حراما قط؟ قالا: لا والله، قَالَ: اللَّه أكبر وليتماها ورب الكعبة.

قالوا: وشاور عَبْد الْمَلِكِ قبيصة بْن ذؤيب الخزاعي، فَقَالَ: لا تعجل، فلعل اللَّه سيكفيك، ولم تظهر غدرا ولم يسؤ عنك السماع، وَكَانَ يلي السكة والخاتم، فلم يشعر ذات يوم إلا وقد كتب بنعي عَبْد العزيز، فأدخل الكتاب علي عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قد جاءك مَا كنت أردت، ولم تقطع رحم عَبْد العزيز ولم تأت أمرا يعاب. وَقَالَ أعشى بني أَبِي ربيعة شعرا يحث فيه عَبْد الْمَلِكِ عَلَى بيعة الوليد وخلع أخيه عَبْد العزيز: ابنك أولى بملك والده ... وعمه إن عصاك مطرح ورثت عثمان وابن حرب ومر ... وإن وكل لله قد نصحوا فعش حميدا واعمل بسنتهم ... تكن بخير وأكدح كما كدحوا فِي قصيدة. وأراد عَبْد الْمَلِكِ البيعة للوليد قبل أمر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، وكتب الحجاج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ يزين لَهُ بيعة الوليد، وأوفد وفدا فيهم عمران بْن عصام العنزي من بني هميم بْن عَبْد العزى بْن ربيعة بْن تيم بْن يقدم بْن عنزة بْن أسد بْن ربيعة الشاعر، وقد قتله الحجاج بدير الجماجم بعد، فَقَالَ عمران: أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إليك نهدي ... عَلَى النأي التحية والسلاما أجبني فِي بنيك يكن جوابي ... لهم أكرومة ولنا قواما فلو أن الوليد أطاع فيه ... جعلت لَهُ الخلافة والزماما شبيهك حول قبته قريش ... بِهِ يستمطر النَّاس الغماما ومثلك فِي التقى لم يصب يوما ... لدن خلع القلائد والخداما

فإن تؤثر أخاك بِهَا فإنا ... وجدك مَا نطيق لها اتهاما ولكنا نحاذر من بنيه ... بني العلات إن نسقى السماما ونخشى إن جعلت الملك فيهم ... سحابا أن يكون لها جهاما فِي أبيات. فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: إنه عَبْد العزيز يَا عمران، فَقَالَ احتل لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قالوا: وَكَانَ الحجاج كتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ يشير عَلَيْهِ باستكتاب مُحَمَّد بْن يَزِيدَ الأَنْصَارِيّ، وكتب إِلَيْهِ: إن أردت رجلا عاقلا فاضلا وديعا مأمونا مسلما كتوما للسر، تتخذه لنفسك، وتضع عنده سرك، وما لا تحب أن يظهر من أمرك، فاستكتب مُحَمَّد بْن يَزِيدَ، فكتب عَبْد الْمَلِكِ: أن احمله إلي، فحمله إِلَيْهِ فاستكتبه. قَالَ مُحَمَّد: فلم يكن يأتيه كتاب إلا دفعه إلي، فإني لجالس يوما نصف النهار إذا أنا ببريد قد قدم من مصر، فَقَالَ: الإذن، قلت: ليست هذه ساعة إذن فأعلمني مَا الَّذِي قدمت لَهُ، فأبى فقلت: هل معك كتاب؟ فَقَالَ: لا، فدخل بعض من حضرني عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فأخبره، فأذن للرجل، وصرت إِلَيْهِ فَقَالَ حين دخل: آجرك اللَّه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عَبْد العزيز، فاسترجع وبكى، ووجم ساعة وَقَالَ: رحم اللَّه عَبْد العزيز، فقد مضى لسبيله، ولا بد للناس من علم يسكنون إِلَيْهِ، وقائم يقوم بالأمر من بعدي، فما ترى؟ قلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سيد الناس، وأرضاهم عندهم، وأفضلهم الوليد بن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: صدقت وفقك اللَّه، فمن ترى أن يكون بعده؟ قلت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أين تعدل عَن سليمان فتى العرب؟! قال:

صدقت والله ووفقت، أما إنا لو تركنا الوليد وإياها جعلها لبنيه، اكتب عهدا للوليد ولسليمان من بعده، قَالَ: فغضب الوليد علي حين أشرت بسليمان بعده، وَكَانَ أول من تجبر من الخلفاء، قَالَ وصير عَبْد الْمَلِكِ مَعَ ابنيه حين بايع لهما عبيدة بْن قيس العقيلي. الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جعدبة قَالَ: كتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى هِشَام بْن إسماعيل المخزومي، وهو بالمدينة، يأمره أن يدعو النَّاس إِلَى بيعة الوليد وسليمان، فبايعوا غير سعيد بْن المسيب، فإنه قَالَ: لا أبايع لأحد وعَبْد الْمَلِكِ حي، فضربه هِشَام ضربا مبرحا، وألبسه المسوح، وحمله إِلَى ثنية بالمدينة كانوا يقتلون عندها ويصلبون، فظن أنهم يريدون قتله، فلما انتهوا إليها ردوه، فَقَالَ: لو ظننت أنهم لا يصلبوني مَا لبست سراويل مسوح، ولكن قلت يسترني. وبلغ عَبْد الْمَلِكِ خبر سعيد فَقَالَ: قبح اللَّه هشاما، إنما كَانَ ينبغي لَهُ إذ أبى أن يضرب عنقه، وكتب إِلَى هِشَام يلومه ويقول: إن سعيدا لم يكن ممن تخافه، وقد كَانَ ينبغي لك أن تدعه. الْمَدَائِنِيّ قَالَ أَبُو المقدام: مروا بسعيد بْن المسيب عَلَيْنَا، وإنا فِي الكتاب، وعليه تبان شعر. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي قَالَ: ضرب هِشَام بْن إسماعيل فِي سنة ست وثمانين سعيد بن المسيب ستين سوطا، وطاف به فِي ثياب من شعر حَتَّى بلغ بِهِ رأس الثنية، فلما كروا بِهِ قَالَ: إِلَى أين تكرون بي؟ قالوا: إلى السجن، قال: والله لولا إني ظننته الصلب ما لبست هذا التبان أبدا، فرده إِلَى السجن، وحبسه، وكتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بخلافه وتركه البيعة للوليد وسليمان من بعده وذلك حين مات عَبْد العزيز بْن مروان بمصر، فكتب عَبْد

الْمَلِكِ إِلَيْهِ يلومه فيما صنع ويقول: كَانَ سعيد والله أحوج إِلَى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم أنه مَا عند سعيد شقاق ولا خلاف. قَالَ الواقدي: وَكَانَ الَّذِي دخل بالكتاب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فِي ضرب سعيد قبيصة بْن ذؤيب، وَكَانَ عَلَى السكة والخاتم، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كيف يفتات عليك هشام بمثل هذا، ويضرب ابْن المسيب، ويطوف بِهِ والله لا يكون أبدا أمحك ولا ألج منه حين فعل بِهِ مَا فعل، أو سعيد ممن يخاف فتفه وغوائله؟ قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: قد كتبت إِلَيْهِ أعلمه بكراهتي لما صنع بِهِ، وكتبت إِلَى سعيد أعتذر إِلَيْهِ، فلما قرأ سعيد كتاب عَبْد الْمَلِكِ قَالَ: حكم اللَّه بيني وبين من ظلمني، قَالَ: وصنعت لسعيد ابنته طعاما كثيرا حين حبس، وبعثت بِهِ إِلَيْهِ، فأرسل إليها لا تعودي لمثل هذا، فإني لا أدري مَا قدر حبسي، وإنما غاية هِشَام بْن إسماعيل أن يذهب بمالي فلا تزيديني علي القوت الَّذِي كنت آكله فِي بيتي، وكان يصوم الدهر، وكان الوليد سيئ الرأي فِي هِشَام، فلما ولي عزله عَن المدينة، وأمر أن يوقف للناس، فدعا سعيد ولده ومواليه فقال: إن هذا الرجل قد كَانَ أساء إلينا، فلا يذكرنه أحد منكم بسوء، ولا يعرضن لَهُ ولا يؤذينه بكلمة، فقد تركنا مجازاته لله والرحم، وإن كَانَ ما علمته سيئ النظر لنفسه، فأما كلامه فلا أكلمه أبدا. قَالَ: وأرسل هِشَام إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْن هِشَام: أكفني أمر ابْن المسيب فإنه رجل عند النَّاس كما علمت، فَقَالَ: لا بأس عليك منه، فَقَالَ: إنه حقود قَالَ: أما مَا صنعت بِهِ فلن يخرج من قلبه، ولكنك لن ترى منه سوءا.

وَقَالَ مُحَمَّد بْن سعيد لأبيه: خل بيننا وبينه، فَقَالَ سعيد: لا يعرض لَهُ، فإنك إن فعلت لم أكلمك بكلمة أبدا، وحج الوليد، فدخل مسجد المدينة، فأخرج النَّاس ولم يجترئ أحد عَلَى إخراج سعيد، وقيل لَهُ هذا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: لا والله لا قمت إلا فِي الوقت الَّذِي كنت أقوم فيه، وجعل عمر بْن عَبْد العزيز يعدل بالوليد عنه، وإن عَلَيْهِ لريطتين [1] مَا تساويان خمسة دراهم، وذلك لكراهة عمر أن يراه فينكر جلوسه، وحانت من الوليد التفاتة، فَقَالَ: من الجالس؟ قيل: سعيد بْن المسيب، ولو علم بمكان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لقام إِلَيْهِ، فَقَالَ الوليد: قد عرفت حاله، ونحن نأتيه، فنسلم عَلَيْهِ، فجاء الوليد حَتَّى وقف عَلَى رأسه وَقَالَ: كيف أنت أيها الشيخ وهو جالس فقال: بخير والحمد لله، فكيف أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وكيف حاله؟ فقال الوليد: خير حال والحمد لله، فانصرف وَهُوَ يَقُول لعمر: هذا بقية النَّاس، فكان عمر إذا حلف يقول: لا وَالَّذِي صرف عَن سعيد شر الوليد مَا كَانَ كذا، ولأفعلن كذا، وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن جده قَالَ: لما ضرب سعيد بْن المسيب لامتناعه من بيعة الوليد، أقيم للناس، فمرت بِهِ أمة لبعض أَهْل المدينة فقالت لَهُ: يَا شيخ لقد أقمت مقام خزي فَقَالَ لها: من مقام الخزي فررت. ولما مات عَبْد العزيز قَالَ الشاميون: رد عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أمره، فدعا عَلَيْهِ فاستجيب لَهُ، لقول عَبْد الملك: إنّه قطعني فاقطعه.

_ [1] الريطة: كل ملاءة غير ذات لفقين كلها نسج واحد، وقطعة واحدة، أو كل ثوب لين رقيق. القاموس.

الْمَدَائِنِيّ وغيره أن عَبْد الْمَلِكِ قَالَ لأسماء بْن خارجة الفزاري: بلغني عنك خصال كريمة، فأخبرني بِهَا، فَقَالَ وصفها من غيري أحسن، فَقَالَ: لتقولن، قَالَ: أما إذ أبيت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إلا أن أخبرك فإني لم أمد رجلي بين يدي جليس لي قط كراهة أن يظن أني أرى أن لي عَلَيْهِ طولا، ولا دعوت رجلا قط إِلَى طعام فأجابني إلا لم أزل أعرف لَهُ الفضل علي ولا سألني رجل حاجة قط فرأيت أن شيئا من الدنيا عوض من بذل وجهه إلي فيها واختياره إياي لها، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: يحق لك أن تكون سيدا. وَقَالَ الوليد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بلغني أنه أتاه الأخطل فِي ناس من قومه يسألونه دية، فلقيهم ببشر وطلاقة، وأمر لهم بثلاث بدر فَقَالَ: بدرة لممشاكم، وبدرة لإيثاركم إياي علي غيري، وبدرة لصاحبكم، ثُمَّ قَالَ لابنيه: مرا للقوم من مالكما بما أحببتما فأمرا لهم بعشرين ألف درهم فَقَالَ الأخطل: إِذَا مات ابْن خارجة بْن حصن ... فلا مطرت عَلَى الأرض السماء ولا رجع البشير بغنم جيش ... ولا حملت عَلَى الطهر النساء فيوم منك خير من رجال ... كثير حولهم نعم وشاء فبورك فِي بنيك وفي أبيهم ... إذا ذكروا ونحن لك الفداء [1] فأعجب عَبْد الْمَلِكِ حديث الوليد لَهُ، وروايته مَا روى من شعر الأخطل وَقَالَ لَهُ: معرفتك بفضل أهل الفضل فضيلة يا بني.

_ [1] ليست في ديوان الأخطل المطبوع.

حَدَّثَنِي ابْن أَبِي شيخ الكوفي عَن عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى قَالَ: بلغني أن عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان قَالَ للحجاج: إنه ليس أحد إلا وهو يعرف عيبه، فعزمت عليك لما خبرتني بما فيك من العيوب، فَقَالَ: أنا حسود حقود لجوج قَالَ: حَسْبُك فما فِي الشيطان إلّا دون هذه الخلال. الْمَدَائِنِيّ عَن علي بْن مجاهد قَالَ: حبس عَبْد الْمَلِكِ يَحْيَى بْن سعيد بْن أَبِي العاص بعد قتل أخيه أربعين يوما، ثُمَّ دعا بِهِ فاستشار من حضره فِي أمره، فَقَالَ بعضهم: أقتله، وَقَالَ بعضهم من عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن مسعدة بْن حكمة الفزاري: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن لَهُ رحما وقرابة والعفو أقرب للتقوى، فمن عَلَيْهِ وسيره إِلَى عدوك فلعل اللَّه يكفيك إياه بخيل من خيلك، فلحق بعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْرِ، فقال له: إنّ أخاك كان سيئ البلاء عندي فالحق بمصعب، فلحق بالعراق فولده بالكوفة وواسط. حدّثني عَلِيُّ بْنُ حَمَّادٍ عَنِ الْحِزَامِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: وَفَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَأَهْدَى إِلَيْهِ مِنْ أَلْطَافِ الْمَدِينَةِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بِأَلْطَافِ وَكِسِيٍّ وَفَرَسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْيُعْسُوبُ، وَكَانَ قُتِلَ عَنْهُ، فَقَبِلَ الْهَدَايَا، وَرَدَّ الْفَرَسَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْزِمُ عَلَيْهِ لَيُخْبِرَنَّهُ لِمَ رَدَّ الْفَرَسَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا كُنْتُ لا قدم عَلَى قَوْمِي بِأَسْلابِهِمْ. قالوا: وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لأسماء بْن خارجة: زدني من صفة مذاهبك وأخلاقك، قَالَ: مَا شتمت رجلا قط، ولا شتمني إلا حلمت عنه إن كَانَ كريما، فأنا أولى من غفر زلته، وإن كَانَ لئيما لم أجعل عرضي خطرا لَهُ، فَقَالَ: أحسنت والله مَا شئت.

الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل تميم بْن الحباب السلمي أخو عمير بْن الحباب عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فقال: أنشدني بعض مارثيت بِهِ أخاك عميرا، فأنشده: وذي ميعة لا يستطاع قياده ... مَعَ الخيل إلا ممسكا بلجام وزعت بِهِ الغارات حَتَّى تركته ... حزوز [1] الضحى من نهكة وسآم فكم من دم يوما هرقت ومن دم ... حقنت ومن وفد حبوت كرام فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: مَا كَانَ كما وصفت يابن الحباب، فَقَالَ: بلى والله، وإن رغم الراغمون. الْمَدَائِنِيّ عَن عوانة قَالَ: قدم عَلَى عَبْد الْمَلِكِ قادم من العراق، فَقَالَ لَهُ: كيف تركت بشرا- يعني أخاه؟ قَالَ: تركته لينا فِي غير ضعف، قويا فِي غير عنف، يعرف موضع العقوبة فيعاقب عَلَى قدر الذنب، قَالَ: ذاك ابْن حنتمة- يعني عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه-. وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لأعرابي: إنك لحسن الكدنة، فَقَالَ: ذاك عنوان نعمة اللَّه علي، إني أدفئ رجلي فِي الشتاء، وآكل عند الشهوة وأذود غاشية الهم يعني بالشراب. قالوا: وبعث عَبْد الْمَلِكِ روح بْن زنباع إِلَى أم البنين، وهي عاتكة بنت يَزِيد يسألها أن تجعل مالها لابنيها يَزِيد ومروان الأصغر، فقد أدركا، فقالت: علي بشهود عدول فلما دخلوا عَلَيْهَا قالت: اشهدوا أني قد تصدقت بمالي عَلَى فقراء آل أَبِي سفيان صدقة بتة بتلة، وقالت لروح: يَا أبا زرعة أتراني أخاف عَلَى ولدي العيلة وهما ابنا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟! فأتى عَبْد الملك فأخبره،

_ [1] أي حين أو وقت.

فغضب فَقَالَ لَهُ روح: لا تغضب يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فإنها لم تخط فيما صنعت، ولا فِي الاتكال عَلَى من اتكلت عَلَيْهِ. وَقَالَ الواقدي: كَانَ النَّاس يصلون ركعات بعد الظهر، وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ أول من مد الصلاة من الظهر إِلَى العصر، وَكَانَ أول خليفة بخل. الْمَدَائِنِي عَنْ عامر بْن أَبِي مُحَمَّد قَالَ: تنبأ رجل يقال لَهُ خالد أيام عَبْد الْمَلِكِ، فأمر بِهِ فصلب حيا، فَقَالَ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ [1] فطعنه رجل فانثنت الحربة، فسجد أصحابه، فنكت عَبْد الْمَلِكِ فِي الأرض، ثُمَّ تلا: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رسول الله وخاتم النبيين [2] يَا أبا زرعة اطعن فِي الجانب الأيسر فإن الشيطان يدفع عَن الجانب الأيمن، فطعنه تحت الخاصرة فأخرج السنان من ظهره، فَقَالَ عبد الملك: جاء الحق وزهق الباطل [3] . الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: السياسة هيبة الخاصة مَعَ صدق مودتها، واقتياد قلوب العامة وإنصافها، والإحسان إليها. الْمَدَائِنِيّ عَن عمر بْن الحباب قَالَ دخل زفر بْن الحارث عَلَى عَبْد الْمَلِكِ بعد الصلح، فَقَالَ لَهُ: يَا أبا الهذيل مَا بقي من حبك الضحاك بْن قيس؟ قَالَ: مَا لا ينفعه، ولا يضرك، قَالَ: لشد مَا أحببتموه معاشر قيس، قَالَ: أحببناه، ولم نواسه ولو كنا فعلنا لأدركنا مَا فاتنا منه، قَالَ: مَا منعك من مواساته يوم المرج؟ قَالَ: مَا منعك من مواساة عثمان يوم الدار.

_ [1] سورة غافر- الآية: 28. [2] سورة الأحزاب- الآية: 40. [3] سورة الأسراء- الآية: 81.

وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لزفر: بلغني أنك من كندة قَالَ: وما خير من لا ينفي حسدا ولا يدعى رغبة. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دَخَلَ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عباس عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فتغديا جميعا ثُمَّ دعا بشراب فأتي بِهِ فِي عس، فبدا بعلي فسقاه ثُمَّ شرب، وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ اللحن هجنة الشريف والعجب آفة، والكذب فساد كل شيء والخرس خير من الكذب. الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي خالد التميمي عَن أَبِي لؤلؤة المازني أن عياش بْن الزبرقان دخل عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، وعنده روح بْن زنباع، وَأَبُو الزعيزعة مولى بني مروان فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: يَا عياش أما ترى هذا اليماني- يعني روحا- يفخر بملوك اليمن؟ فَقَالَ عياش: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نحن بنو إسماعيل بْن إِبْرَاهِيمَ فملك إخوتنا بني اسحق بْن إِبْرَاهِيمَ أعظم من ملكهم، ملك سليمان بْن دَاوُد مَعَ النبوة، ونحن بنو إسماعيل ففينا النبوة والملك، فملكنا وملك إخوتنا أعظم من ملكهم، والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو مت ولم أدع وارثا، لكان أَبُو الزعيزعة أولى بي من روح فقام أَبُو الزعيزعة فقبل رأس عياش وألقى عَلَيْهِ مطرفه فأسكت روح. قالوا: وقاد عياش بْن الزبرقان إِلَى عَبْد الْمَلِكِ خمسة وعشرين فرسا، فلما نظر إِلَى الخيل نسب كل فرس منها إِلَى أبيه، وحلف عَلَى كل فرس منها بيمين غير اليمين التي حلف بِهَا عَلَى الفرس الآخر، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: مَا أعجب من نسبته للخيل ولكن أعجب من حلفه عَلَى كل فرس بيمين غير الأخرى.

الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل أسيلم بْن الأخيف الأسدي عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فأدناه، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أنشدني بعض مَا قيل فيك، فامتنع فعزم عَلَيْهِ فأنشده شعرا: ألا أيها الركب المجدون هل لكم ... بسيد أَهْل الشام تحبوا وترجعوا أسيلم ذاكم ليس يخفى مكانه ... عَلَى مقلة ترنو وأذن تسمع جلا المسك والحمام والبيض كالدمى ... وفرق المذاري [1] رأسه فهو أنزع فضحك عَبْد الْمَلِكِ، ثُمَّ قَالَ: مَا قَالَ قيس بْن الأسلت خير مما قلته، قَالَ: وقد حصبت البيضة [2] رأسي فما أطعم نوما غير تهجاع. وزعموا أن رجلا من الأعراب أهدى إِلَى عَبْد الْمَلِكِ شيئا، فَقَالَ: كيف أقبل هديتك وأنا أظنك لا تحسن أن تطاف [3] ، فَقَالَ: مهلا يا أمير المؤمنين، فو الله لأطيل المشي حَتَّى أتوارى كراهة أن أرى، وأستقبل الريح، واشتم النسيم، وأقدم رجلا وأؤخر أخرى، وأخوي تخوية الظليم، وأمسح بالحجر، وأجتنب المدر، فضحك منه وقبل هديته، ووهب لَهُ. حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ مالك بْن أنس قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان لسعيد بْن المسيب: يَا أبا مُحَمَّد صرت أعمل الخير فلا أسر بِهِ، وأفعل الشر فلا أسله، قَالَ: الآن تكامل فيك موت القلب. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سعد عَن الواقدي عَن مسلم بْن حماد عَن عمر بْن حَفْص عَن الزهري عَن قبيصة بْن ذؤيب بْن حلحلة قَالَ: كنا فِي خلافة مُعَاوِيَة فِي آخرها نجتمع فِي حلقة في مسجد بالليل أناو مصعب بن الزبير،

_ [1] النزع من الرأس: هو انحسار الشعر من جانبي الجبهة وهو أنزع. ومذره تمذير فتمذر: فرقه فتفرق. القاموس. [2] الحصبة: بثور. [3] طاف: ذهب ليغوط. القاموس.

وعروة بْن الزُّبَيْرِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام، وعَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن المسور بْن مخرمة وإبراهيم بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وكنت أنا آتي زيد بْن ثابت حَتَّى مات، وَكَانَ عروة يغلبنا بدخوله عَلَى عائشة رضي اللَّه عنها، وكانت أعلم النَّاس. الْمَدَائِنِي قَالَ: قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر وسمع رجلا يشتم الحكم بْن أَبِي العاص: لا تسب الحكم فإنه كَانَ رجلا وديعا، ولكن سب مروان وابن مروان، ثُمَّ قَالَ: أيخوفني عَبْد الْمَلِكِ بالحرب، وأنا ابْن الحرب وأخوها، فيها ولدت، وفيها غذيت. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِحِ بْن مُسْلِمٍ العجلي أخبرني الثقة عَن مجالد عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: دخلت عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فصعد فِي بصره وصوبه ثُمَّ قَالَ: يَا شعبي إنك لضئيل، فقلت: زوحمت فِي الرحم يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ توأما، قَالَ: ثُمَّ أنشأت أقول متمثلا: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم وكأين ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه فِي التكلم قَالَ وَكَانَ الأخطل حاضرا فَقَالَ: لا يعجبنك من جليس خطبة ... حَتَّى يكون مَعَ المقال أصيلا إن الكلام من الفؤاد وإنما ... جعل الكلام على العقول دليلا [1]

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع.

قَالَ الشَّعْبِيّ: فأنشدته فِي هذا المعنى غير شعر، فَقَالَ الأخطل: أنا أفرغ من وعاء واحد وأنت تفرغ من أوعية كثيرة. الْمَدَائِنِيّ عَن ثور بْن يَزِيدَ قَالَ: ذكرت خطباء أَهْل الشام الخلافة فعظموها، ثُمَّ أطروا عَبْد الْمَلِكِ، فالتفت إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زرعة الحميري فقال: يا بن زرعة مَا منزلتي عند اللَّه عز وجل؟ قَالَ: أما ترضى أن تكون منزلتك منزلة دَاوُد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّه عز وجل: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تتبع الهوى [1] الآية قَالَ: فهذا قول اللَّه عز وجل لنبيه، فكيف بك، فأطرق عَبْد الْمَلِكِ فلم يتكلم. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: دخل رجل من بني تميم عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن لي بلاء، أصيبت عيني يوم الدار فوصله. وَكَانَ لرجل من جلساء عَبْد الْمَلِكِ وأحبائه ابْن أعور فَقَالَ لَهُ: إني مدخلك عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فقل لَهُ كما قَالَ فلان التميمي وأراد أن يضحك عَبْد الْمَلِكِ منه، فأدخله عَلَيْهِ فَقَالَ كما قَالَ الرجل الأول، فَقَالَ: ومن يعلم صدقك؟ قَالَ: هذا- يعني ابْن عمه-. قَالَ: كذب والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أصيبت عينه إلا يوم المرج مَعَ الضحاك بْن قيس فطرده عَبْد الْمَلِكِ، فَقَالَ الرجل الَّذِي أدخله: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هذه ورطة قد وقعت فيها، قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: وكيف؟ قَالَ: إن لَهُ أربع بنين كالأسود مَا آمنهم أن يفتكوا بي فأمر لَهُ عَبْد الْمَلِكِ بمال، وَقَالَ كفهم عَن نفسك بهذا، فلما خرج من عند عبد

_ [1] سورة ص- الآية: 26.

الْمَلِكِ تلقاه بنو الرجل فَقَالُوا: غررت أبانا وغررت بِهِ، قَالَ: لا تعجلوا فالذي صنعت خير هذه صلة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فدفعها إِلَى أبيهم فكفوا عنه. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ لأبي الزعيزية مولاهم: هل أتخمت قط؟ قَالَ: لا، قَالَ: وكيف ذاك؟ قَالَ: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا أدققنا ولا نكد المعد ولا نخليها. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما بلغ عَبْد الْمَلِكِ خروج ابْن الأشعث، قَالَ لمحمد بْن عمير بْن عطارد، وهو عنده: من بالعراق ممن إن دعا أجيب؟ قَالَ: لا أعلمه إلا أن يكون عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث. الْمَدَائِنِيّ قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: اللحن فِي الرجل الشريف كالجدري فِي الوجه الحسن. وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لابن لَهُ لحن بين يديه: اخز من اللحن كما تخزي من الفاحشة يعلمها النَّاس. قَالَ: وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لعَبْد العزيز أخيه حين أمره بقتل عَمْرو بْن سعيد الأشدق، فلم يفعل: لقد أشبهت أمك الأعرابية البائلة عَلَى عقبيها، فحلف عَبْد العزيز أن لا يعطي شاعرا يمدحه حَتَّى يذكر أمه فِي مديحه، فَقَالَ ابْن قيس الرقيات: أمك بيضاء من قضاعة في ال ... بيت الَّذِي يستظل فِي طنبه وأنت فِي الجوهر المهذب من ... عبد مناف يداك فِي سببه [1] المدائني عن عبد الله بن فائد قال: كَانَ يقال: مُعَاوِيَة أحلم وعَبْد الْمَلِكِ أحزم.

_ [1] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 14.

الْمَدَائِنِيّ عَن جويرية بْن أسماء قَالَ: كتب مروان إِلَى مُعَاوِيَة يسأله أن يصير إِلَى عَبْد الْمَلِكِ ديوان المدينة فصيره، فلم يزل عَلَيْهِ حَتَّى كانت الفتنة. الْمَدَائِنِيّ قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: مَا رأيت هذا البربط الأقنى الَّذِي يذكرونه قط، فَقَالَ بعضهم: صدق لم يرتفع إلي البربط إنما رأى الطنبور وَقَالَ آخر: كذب والله إني لأراه يضرب بِهِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمٍ قَالَ: فرش لعَبْد الْمَلِكِ عَلَى سطح وهو يشتكي فمه، فلما استلقى عَلَى فراشه قَالَ: يَا دنيا مَا أطيبك مَعَ العافية، وَكَانَ يصيح حَتَّى يسمع صياحه من خارج القصر: يَا أَهْل العافية لا تستقلوها. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: ركب عَبْد الْمَلِكِ فِي يوم شديد البرد، وعليه جباب خز مظاهرة، فلقيه علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن عباس فَقَالَ: يَا أبا مُحَمَّد تدق أم دفر [1] دقا، يعني الدنيا، فما أتت عَلَيْهِ جمعة حَتَّى مات. الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم بْن حفص قَالَ: أوصى عَبْد الْمَلِكِ بنيه فِي مرضه الَّذِي مات فيه فَقَالَ: أوصيكم بتقوى اللَّه فإنها أزين حلية، وأحصن كهف، ليعطف الكبير منكم عَلَى الصغير، وليعرف الصغير حق الكبير، وانظروا مسلمة فاصدروا عَن رأيه فإنه نابكم الَّذِي عنه تفترون، ومجنكم الَّذِي عنه ترمون، وأكرموا الحجاج فإنه الَّذِي وطأ لكم المنابر، ودوخ لكم البلاد، وأذل الأعداء، وكونوا بني أم بررة لا تدب بينكم العقارب، وكونوا فِي الحرب أحرارا، فإن القتال لا يقرب منيه قبل وقتها، وكونوا للمعروف

_ [1] أم دفر: الدنيا.

منازل فإن المعروف شيء يبقى آخره وذخره وذكره، وضعوا معروفكم عند ذوي الأحساب، فإنهم أصون لَهُ، وأشكر لما يؤتى إليهم منه، وتغمدوا ذنوب أَهْل الذنوب، فإن استقالوا فأقيلوا، وإن عادوا فانتقموا. المدائني عن أبي إسحق الزيادي قَالَ: قَالَ بعض أطباء عَبْد الْمَلِكِ: إن شرب الماء مات، فاشتد عطشه فَقَالَ: يَا وليد اسقني قَالَ: لا أعين عليك، فَقَالَ: يَا فاطمة اسقيني، فقامت لتسقيه فمنعها الوليد فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ لتدعنها أو لأخلعنك، فَقَالَ: لم يبق بعد هذا شيء فسقته فخمد. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: جعل عَبْد الْمَلِكِ يقول حين احتضر [1] إن بني صبية صيفيون ... أفلح من كَانَ لَهُ ربعيون إن بني صبية صغار ... أفلح من كان له كبار فَقَالَ عمر بْن عَبْد العزيز وهو عنده: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلى [2] قالوا: ودخل الوليد عَلَى عَبْد الْمَلِكِ وعند رأسه فاطمة ابنته وهي تبكي، فَقَالَ: كيف أَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟ قالوا: هو صالح، فلما خرج قَالَ عَبْد الْمَلِكِ: ومستخبر عنا يريد أخا الردى ... ومستخبرات والدموع سواجم قالوا: وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ يقول: أخاف الموت فِي شهر رمضان، فيه ولدت، وفيه فطمت، وفيه جمعت القرآن، وفيه بايع لي الناس، فمات

_ [1] تحكى هذه القصة عن سليمان بن عبد الملك وقت إحتضاره. [2] سورة الأعلى- الآيتان: 14- 15.

للنصف من شوال حين أمن الموت فِي نفسه، وَكَانَ موته فِي سنة ست وثمانين، وهو ابْن ثلاث وستين، بدمشق، وكانت ولايته بعد مقتل ابْن الزُّبَيْرِ ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، وخمسة عشر يوما، ودفن خارج باب الجابية بدمشق، وصلى عَلَيْهِ الوليد فتمثل هِشَام أو سليمان: فَمَا كَانَ قيسٌ هَلْكُهُ هَلْكُ واحدٍ ... ولكنه بنيان قوم تهدما فَقَالَ لَهُ الوليد: اسكت فإنك تتكلم بلسان شيطان ألا قلت كما قَالَ أوس بْن حجر: إذا مقرم منا ذرا حد نابه ... تمخط منا ناب آخر مقرم [1] وقيل إن سليمان المتمثل بالبيت الأول، لأن هشاما كَانَ يوم مات أبوه ابْن أربع عشرة سنة، ولد عام قتل مصعب. قالوا: ولما أخرج عَبْد الْمَلِكِ احتزم الوليد ومشى بين يدي سريره، وَكَانَ فِي طريقهم إِلَى المقابر دار إذا هدمت كَانَ الطريق أقرب إِلَى المقابر، فأمر الوليد بهدم الدار قبل أن تخرج الجنازة، فهدمت [2] . وخطب الوليد حين رجع من الجنازة، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ: لم أر مثلها مصيبة، ولم أر مثله ثوابا، فإن لله وإنا إِلَيْهِ راجعون لعظم المصيبة، والحمد لله عَلَى حسن العطية، إني قد كفيت مَا كانت الخلفاء قبلي تتكلم بِهِ، فمن كَانَ فِي قلبه شك فليمت بدائه، من أمال أذنه أملنا أذنيه.

_ [1] ديوان أوس بن حجر: ط. بيروت 1979 ص 122. [2] بهامش الأصل: بلغ العراض بالأصل الثالث ولله الحمد. نصف الكتاب.

قَالَ الشاعر يرثي عَبْد الْمَلِكِ: سقاك ابْن مروان من الغيث مسيل ... أحش شمالي يجود ويهطل فما فِي حياة بعد موتك رغبة ... لحر وإن كنا الوليد نؤمل ورثاه كثير وغيره.

خبر رستقاباذ في أيام عبد الملك وولاية الحجاج ابن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل العراق

خبر رستقاباذ فِي أيام عَبْد الْمَلِكِ وولاية الحجاج ابْن يوسف بْن الحكم بْن أَبِي عقيل العراق حَدَّثَنِي عباس بْن هِشَام، عَن أبيه، عَن لوط بْن يَحْيَى، وعن عوانة: أن بشر بْن مروان هلك بالبصرة وهو عَلَى الْكُوفَة والبصرة واستخلف خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد بن أبي العاص عَلَى البصرة، فمكث نحوا من شهرين، ثُمَّ ولى عَبْد الْمَلِكِ الحجاج بْن يوسف العراق كله، غير خراسان وسجستان، فإنه كَانَ عليهما أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، فأقره عَبْد الْمَلِكِ سنتين بعد قدوم الحجاج من الحجاز، وأبى عَبْد الْمَلِكِ أن يقر خالدا عَلَى عمله، وكلم فِي ذَلِكَ فلم يجب إِلَيْهِ، وَقَالَ: أساء التدبير، وعجز عَن العراق، وضعف عَن أَهْل المصر، فقدم الحجاج من الحجاز، وَكَانَ واليا عَلَيْهِ، فأقبل حَتَّى دخل الْكُوفَة متلثما فقصد إِلَى المنبر، فصعده، ثُمَّ جلس ساعة لا يتكلم، فَقَالَ مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد للهيثم بْن الأسود: مَا لَهُ- ترحه اللَّه- لا يتكلم؟ مَا أعياه وأشنأه وأدمه! والله إني لأظن خبره أسوأ من مرآته، ثُمَّ أخذ كفا من حصى ليحصبه، فلم يفعل حَتَّى قام الحجاج، فحسر نقابه ثم قال:

خطبة الحجاج في أهل الكوفة

[خطبة الحجاج في أهل الكوفة] أَنَا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتَى أضع العمامة تعرفوني إني لأرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها. قد شمرت عَن ساقها فشمري ... ليس هذا أوان عشك فادرجي هذا أوان الشد فاشتدي زيم ... قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ... ولا بجزار عَلَى ظهر وضم قد لفها الليل بعصلبي ... مهاجر ليس بأعرابي إني والله يَا أَهْل العراق لا أحلق إلا فريت ولا أعد إلا وفيت، والله إني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله، وأجزيه بمثله. إن اللَّه ضرب مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يصنعون [1] . فأنتم أولئك، أو أشباه أولئك، فاستوسقوا واستقيموا ولا تميلوا، فقد بين الصبح لذي عينين، والله لأمرينكم بالهوان حَتَّى تدوروا، ولأعصبنكم عصب السلمة حَتَّى تذلوا، ولأقرعنكم قرع المروة حَتَّى تلينوا، ولأضربنكم، ضرب غريبات الإبل حَتَّى تنقادوا، إنه والله مَا يقعقع لي بالشنان، ولا أغمر تغماز التين، ولا أجلس عَلَى الدبر، إني امرؤ فررت عَن ذكاء، وجريت إِلَى الغاية وانتضيت عَن تجربة، إن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَبْد الْمَلِكِ نكت كنانته، ونثلها

_ [1] سورة النحل- الآية: 112.

بين يديه، وعجم عيدانها، فوجدني أمرها معجما، وأشدها مكسرا، فوجهني إليكم، ورمى بي فِي نحوركم، فأنتم أَهْل بغي وخلاف، وشقاق ونفاق، طالما أوضعتم فِي الضلال، وسننتم سنن الغي تسائلون ماذا قَالَ أميركم؟ وماذا يقول؟ وها، وها. وإياي وهذه الزرافات والجماعات، وَكَانَ ويكون، وما أنتم وذاك؟ إني أرى الدماء بين العمائم واللحى، وَالَّذِي نفس الحجاج بيده لتسلكن طريق الحق، ولتستقيمن عَلَيْهِ، أو لأجعلن لكل امرئ منكم شغلا فِي جسده، فاقبلوا الإنصاف، ودعوا الإرجاف، وقول القائل منكم: أخبرني فلان عَن فلان، قبل أن أوقع بكم إيقاعا يترك النساء أيامى، والولدان يتامى، فتقلعوا وقد جنيتم العافية، وغنمتم حظوظكم من السلامة، إلا ولا يركبن رجل إلا وحده، ولا يحفظن إلا نفسه. فَقَالَ مُحَمَّد بْن عمير: لله أبوه! لقد كدنا نقع منه فِي شر، وجعل الحصا يتناثر من بين أصابعه. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ فِي إسناده: قدم الحجاج فِي سنة خمس وسبعين فِي رجب، فبدأ بالكوفة، فخطب أهلها وتوعدهم، وأرسل إِلَى وجوههم، وإلى كثير من العامة، فَقَالَ: أخبروني عَن الولاة قبلي، مَا كانوا يعاقبون بِهِ العصاة؟ قالوا: الضرب والحبس، قَالَ: لكني لا أعاقبهم إلا بالسيف، إن المعصية لو ساغت لأهلها مَا قتل عدو، ولا جبي فيء، ولا عز دين، ولو لم يغز المسلمون المشركين، لغزاهم المشركون. وقد أجلتكم ثلاثا، فمن وجدته بعد ثالثة من جيش ابْن مخنف، فبرئت منه الذمة. وَقَالَ ليزيد بْن علاقة السكسكي صاحب شرطه: اجعل سيفك سوطا، فمن وجدته بعد ثالثة عاصيا فاقتله.

وقيل إن الحجاج قَالَ فِي خطبته: جاءت بِهِ والقلص الأعلاط [1] ... تهوي هوي سائق الغطاط [2] ليس هذا أوان عشك فادرجي. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ ابن كناسة الأسدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أشياخنا قالوا: قدم الحجاج الْكُوفَة، فخطب خطبته التي توعد النَّاس فيها، ثم قال: إياي وهذه الجماعات والزرافات والإخبار والاستخبار وسوء الأراجيف، لا يركبن أحد منكم إلا وحده ولا يخافن إلا ذنبه، إنه لو ساغت لأهل المعصية معصيتهم، مَا جبي فيء، ولا قوتل عدو، ولعطلت الثغور، وأهملت الأمور، ولولا أنكم تغزون كرها مَا غزوتم طوعا، وقد بلغني رفضكم المهلب، وإقبالكم إِلَى مصركم، عصاة مخالفين، وأقسم بالله: لا أجد أحدا بعد ثالثة ممن أخل بمركزه، إلا ضربت عنقه، ثُمَّ دعا بالعرفاء فَقَالَ لهم: ألحقوا النَّاس بالمهلب، وأتوني بكتبه بموافاتهم ولا أستبطئكم فأضرب أعناقكم. فلما كَانَ اليوم الثالث من مقدمه، سمع فِي السوق تكبيرا عاليا، فصعد المنبر، فَقَالَ: يَا أَهْل العراق يَا أَهْل الشقاق والنفاق، ومساوئ الأخلاق، إني سمعت تكبيرا ليس بالتكبير الَّذِي يراد بِهِ اللَّه فِي الترغيب، ولكنه تكبير يراد بِهِ الترهيب، وقد عرفت أنها عجاجة تحتها قاصف، أيا بني اللكيعة، وعبيد العصا، وأبناء الأيامى، إلا يربع أحدكم على ظلعه، ويحسن حمل

_ [1] العلاط: الطوال من النوق. القاموس. [2] البعير يغط غطيطا: هدر. القاموس.

رأسه ويحقن دمه، ويبصر موضع قدمه، فأقسم بالله ليوشك أن أوقع بكم، وقعة تكونون بِهَا نكالا لما قبلها، وأدبا لمن بعدها. فقام عمير بْن ضابئ التميمي ثُمَّ البرجمي، فسأله أن يقبل منه بديلا، وكان وطيء عَلَى بطن عثمان وهو مقتول فضرب عنقه. قالوا: ولقي رجل أعرابيا من بني تميم، فَقَالَ مَا الخبر؟ قَالَ: قدم الْكُوفَة رَجُل من شر أحياء العرب، من هذا الحي من ثمود، حمش الساقين [1] ، ممسوح الجاعرتين [2] ، أخفش العينين [3] ، فقدم سيد هذا الحي، فضرب عنقه. وَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ لإبراهيم بْن عامر الأسدي: أقول لإبراهيم لما لقيته ... أرى الأمر أمسى منهبا متشعبا تحرز فأسرع والحق الجيش لا أرى ... سوى الجيش إلا فِي المهالك مذهبا تخير فإما أن تزور ابْن ضابئٍ ... عُميرًا، وإما أن تزور المهلبا هما خطتا سوء، نجاؤك منهما ... ركوبك حوليا من الثلج أشهبا فأمسى ولو كَانَتْ خراسان دونه ... رآها مكان السوق أو هي أقربا قالوا: وأتي الحجاج بعاص من بني سعد، فَقَالَ أما سمعت جريرا يقول: إِذَا ظَفَرتْ يداه بحبل عاصٍ ... رَأَى العاصي من الأجل اقترابا [4]

_ [1] حمش الساقين: دقيق الساقين. القاموس. [2] الجاعرة: الاست، أو حلقة الدبر. القاموس. [3] الخفش: صغر العين، وضعف البصر خلقة، أو فساد في الجفون بلا وجع، أو أن يبصر بالليل دون النهار. القاموس. [4] ديوان جرير ص 21 مع فوارق.

ثُمَّ أمر بِهِ فضربت عنقه. وَقَالَ أَبُو عبيدة معمر بْن المثنى: كَانَ الحجاج يفرض في ثلاثمائة، ففرض للحرنفش- أحد بني ثعلبة بْن سلامان وَكَانَ يأخذ من فرض لَهُ بفرس جواد، وسلاح شاك فَقَالَ الحرنفش: يُكلفني الحجاج درعًا ومغفرًا ... وطِرفًا كُمَيْتًا رائعًا بثلاث وستين سهمًا صنعة يثربية ... وقوسًا طروح النبل غير لباث ففي أي هذا أجعلن دراهمي ... فربي من هذا الحديث غياثي الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم بْن حَفْص قَالَ: كَانَ قدوم الحجاج الْكُوفَة يوم جمعة فخطب ونزل فصلى، وقرأ: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ [1] . وَقَالَ فِي خطبته: أقسم بالله لتقبلن الإنصاف ولتتركن الإرجاف، وَكَانَ وَكَانَ، وأخبرني فلان عن فلان، والهبر والهبر لأهبرنكم بالسيف هبرا يدع النساء أيامى، والولدان يتامى، وحتى تمشوا السمهى [2] ، وتقلعوا عن ها، وها، وإياي وهذه الزرافات والجماعات. وَقَالَ أَبُو مخنف: لما خطب الحجاج خطبته، أمر مناديه فنادى: أن برئت الذمة من عاص مخل بمركزه، وجدناه بالكوفة بعد ثلاث، فألحقوا ببعث المهلب، وبمكاتبكم [3] من الثغور، ومغازيكم للخوارج.

_ [1] سورة المعارج- الآية: 1. [2] سمه سموها: جرى جريا لا يعرف الإعياء، وذهبت إبله السمهى: تفرقت في كل وجه. القاموس. [3] أي حيث كتبت أسماؤهم في ديوان الجند.

خبر رستقاباذ

[خبر رستقاباذ] وجاءه عمير بْن ضابئ بْن الْحَارِث بْن أرطاة البرجمي، من بني تميم، فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير إني شيخ كبير عليل، وهذا ابني حنظلة وليس فِي بني تميم رجل أشد منه ظهرا وبطشا، فإن رأيت أن تخرجه مكاني بديلا فافعل. فَقَالَ الحجاج: والله لهذا خير لنا من أبيه، فَقَالَ لَهُ عنبسة بْن سعيد، أخو عَمْرو بْن سعيد الأشدق، وَكَانَ أليف الحجاج وجليسه: إن هذا الَّذِي فعل بعثمان كذا، وَقَالَ كذا، وحدثه حديث ضابئ، وأنشده شعره، وقد كتبناه فِي مقتل عثمان، فَقَالَ الحجاج: أفهلا بعثت حين أردت غزو عثمان بديلا. أضربوا عنقه. فضربوا عنقه، فلما ضربت عنق عمير، تطايرت عصاة الجيوش إِلَى مكاتبهم التي رفضوها. ولم يبق من أصحاب المهلب أحد إلا لحق بِهِ، وكان بإزاء الخوارج برا مهرمز من الأهواز، فركب العراض حين عرفوا حضورهم وعرضوهم، ولحق كل مخل بثغره ومركزه، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ الأسدي شعره المقدم ذكره وهو: تخير فإما أن تزور ابْن ضابئٍ ... عُميرًا وإما أن تزور المهلبا هما خطتا سوء نجاؤك منهما ... ركوبك حوليا من الثلج أشهبا فجاء ولو كَانَتْ خراسان دونه ... رآها مكان السوق أو هي أقربا وَكَانَ الحجاج أول من ضرب أعناق العصاة. ثُمَّ خرج إِلَى البصرة فولاها الحكم بْن أيوب بْن الحكم بْن أَبِي عقيل، وخطب فَقَالَ: إن العوان لا تعلم الخمرة، فالزموا الطاعة، تحسن لكم بِهَا العائدة، ومن كَانَ بالبصرة من جيش المهلب، فليلحق بِهِ فإني إن وجدت منهم أحدا بعد ثالثة ضربت عنقه، فأتاه شريك بْن عَمْرو اليشكري، وَكَانَ

بِهِ فتق، وَكَانَ أعور يضع عَلَى عينه قطنة، فسمي ذا الكرسف، فَقَالَ لَهُ: أصلح اللَّه الأمير إني عرضت عَلَى بشر بْن مروان، فأمر العراض أن يوقعوا عَلَى اسمي «زمنا» وأعطوني، فهذا عطائي قد جئتك بِهِ، لترده إِلَى بيت المال، فَقَالَ الحجاج: إن لها لسائقا عشنزرا [1] ... عَلَى نواحيها مزخا [2] مزجرا إذا ونين ونية تغشمرا ثُمَّ أمر بِهِ فضربت عنقه لاستعفائه، وَكَانَ عريفا، فلم يبق بالبصرة عاص إلا لحق بالمهلب وبمكتبه، وقيل أن الحجاج أنشد هذه الأبيات: «إن لها لسائقا» بالكوفة فِي خطبته بِهَا. وَقَالَ الفرزدق ويقال كعب الأشعري: لقد ضرب الحجاج بالمصر ضربة ... تقرقر منها بطن كل عريف [3] وبلغ المهلب خبر الحجاج، فَقَالَ: لقد أتى القوم وال ذكر. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: كَانَ الحجاج يغدي النَّاس، إذ أتى قوم من بني سليم برجل فَقَالُوا: هذا عاص فَقَالَ: والله مَا شهدت عسكرا قط، ولا أثبت لي اسم قط فِي ديوان، وإنما نساج، فضرب عنقه فأمسك النَّاس عَن الطعام، فَقَالَ الحجاج مَا لي أراكم قد اصفرت وجوهكم، وخلت أيديكم من قتل

_ [1] العشنزر: الشديد الخلق، العظيم من كل شيء. القاموس. [2] أي الحادي: سار سيرا عنيفا. القاموس. [3] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.

رجل واحد؟ كلا والله، إن الذئب يكنى أبا جعدة، وإنه من لا يذد عَن حوضه يهدم [1] . وخرج الحجاج إِلَى رستقاباذ ومعه أَهْل الْكُوفَة وأهل البصرة وبين رستقاباذ والأهواز ثمانية فراسخ، وبينها وبين المهلب يومئذ ثمانية عشر فرسخا، وإنما أراد أن يشد ظهره وظهور أصحابه بمكانه وأن لا يبرح حَتَّى يهلك اللَّه الخوارج. وبعث بالعراض إِلَى المهلب برامهرمز، فَقَالَ الشاعر: قل للمهلب قد أتتك معاشر ... حشروا إليك كحشر أَهْل البرزخ طاروا إليك برأس كل طمرة ... جرداء تحمل كل قرم أبلخ إني أرى الحجاج يقطع أذرعا ... بأكفها ورؤوس قوم تشدخ أخذ البريء بما جناه غيره ... إن السعيد هناك من لم يلطخ أودى عمير والقتال سبيله ... قل للعصاة تحرزي أو دربخي [2] وَقَالَ سوار بْن المضرب أحد بني ربيعة بْن كعب بْن سعد، وَكَانَ عاصيا: أقاتلي الحجاج إن لم أزر لَهُ ... دراب وأترك عند هند فؤاديا يريد درابجرد [3] إذا جاوزت قصر المجيزين ناقتي ... فباست أَبِي الحجاج لما ثنائيا

_ [1] من قول زهير: ومن لا يذد عَن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم [2] دربخ: طأطأ الرجل رأسه وسط ظهره. القاموس [3] در أبجرد: كورة بفارس نفيسة معناه دراب كرد، دراب اسم رجل، وكرد معناه عمل، فعرب بنقل الكاف إلى الجيم. معجم البلدان.

خطبة للحجاج في رستقاباذ

فإن كنت لا يرضيك حَتَّى تردني ... إِلَى قطري مَا إن إخالك راضيا أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي ... ودوني تميم والفلاة أماميا قَالَ: المجيزون كانوا يحفظون الطريق ويجيزون السابلة، ولهم قصر بسفوان البصرة، يعرف بهم، كانوا ينزلونه. قالوا: وقام الحجاج برستقاباذ حين نزلها خطيبا، فحمد اللَّه عز وجل وأثنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْل المصرين، هذا المكان والله مكانكم، جمعة بعد جمعة، وشهرا بعد شهر، وسنة بعد سنة، حَتَّى يهلك اللَّه عز وجل هؤلاء الخوارج المطلين عليكم. فَقَالَ لَهُ النَّاس: ولم تحبسنا أصلح اللَّه الأمير بهذا المكان، سر بنا إِلَى هؤلاء الكلاب فما هم إذا اجتمع أَهْل المصرين عليهم بشيء. ودخل عَلَيْهِ الوجوه ذات يوم فرأى الهذيل بن عمران بْن الفضيل البرجمي، وَكَانَ من أشراف أَهْل البصرة، وَكَانَ ينادم بشر بْن مروان، وكانت لَهُ منه منزلة، وهو يجر ثوبه، فَقَالَ: يَا هذيل ارفع ثوبك، فَقَالَ: إن مثلي أيها الأمير لا يقال لَهُ هذا القول فَقَالَ الحجاج: بلى والله، وتضرب عنقه، فخرج الهذيل وهو يقول: قاتله اللَّه جذيا [1] مَا أتيهه فِي نفسه وفي الهذيل يقول الشاعر: يا أيها السائل فِي الرفاق ... إن الهذيل سيد العراق [خطبة للحجاج في رستقاباذ] ثُمَّ إن الحجاج خطب يوما فَقَالَ: إن الزيادة التي زادكم إياها ابْن الزُّبَيْرِ، إنما هي زيادة ملحد منافق فاسق، ولسنا نجيزها. وَكَانَ مصعب قد زاد النَّاس مائة مائة فِي العطاء، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن الجارود، واسم

_ [1] جذيا: يقال رجل جاذ أي قصير الباع. العين.

الجارود بشر بْن عَمْرو بْن حنش بْن المعلى العبدي: أيها الأمير، ليست بزيادة ابْن الزُّبَيْرِ، إنما هي زيادة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَبْد الْمَلِكِ، إذ أنفذها وأجازها، وجرت لنا عَلَى يد بشر بْن مروان. فَقَالَ لَهُ الحجاج: مَا أنت والكلام لتحسن حمل رأسك أو لأسلبنك إياه. فَقَالَ: ولم؟ والله إني لك لناصح، وإن قولي هذا لقول من ورائي فنزل الحجاج، ومكث أشهرا لا يذكر الزيادة، ثُمَّ أعاد القول فيها، فرد عَلَيْهِ ابْن الجارود مثل رده الأول، فقام مصقله بْن كرب بْن رقبة بْن خوتعة العبدي، وهو أَبُو رقبة بْن مصقلة، الَّذِي يتحدث عنه [1] ، فَقَالَ: إنه ليس للرعية أن ترد عَلَى راعيها، وقد سمعنا مَا قَالَ الأمير، فسمعا وطاعة، فيما أحببنا وكرهنا، فَقَالَ لَهُ عَبْد الله بن الجارود: يا بن الجرمقانية، وما أنت وما هاهنا؟ ومتى كَانَ مثلك يتكلم وينطق فِي مثل هذا؟ وأتى الوجوه عَبْد اللَّهِ بْن الجارود، فصوبوا قوله ورأيه، فِي رده عَلَى الحجاج، وإبائه مَا أتى بِهِ، وَقَالَ لَهُ الهذيل بْن عمران البرجمي، وعَبْد اللَّهِ بْن حكيم بْن زياد المجاشعي، وغيرهم: نحن معك ويدك وأعوانك، إن هذا الرجل غير كاف أو ينقصنا هذه الزيادة، فهلم نبايعك عَلَى إخراجه من العراق، ثُمَّ نكتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ نسأله أن يولي عَلَيْنَا غيره، فإن أبى خلعناه، فإنه هائب لنا مَا دامت الخوارج، فبايعه النَّاس سرا، وأعطوه المواثيق عَلَى الوفاء، وأخذ بعضهم عَلَى بعض العهود، وبلغ الحجاج مَا هم فيه، ففرق بين أخماس أَهْل البصرة، وأرباع أَهْل الْكُوفَة، وجعل بينهم طرقا، وصير فيها حرسا،

_ [1] كتب فوقها بالأصل: الذي يروى عنه الحديث.

تمرد في رستقاباذ ضد الحجاج

وأحرز بيت المال، والناس في أمرهم. [تمرد في رستقاباذ ضد الحجاج] فلما استتب لهم أمرهم أظهروه، وذلك فِي شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين، وأتى عَبْد اللَّهِ بْن الجارود عَبْد القيس، فأخرجهم عَلَى راياتهم، وخرج النَّاس مَعَهُ حَتَّى بقي الحجاج وليس مَعَهُ إلا خاصته وأهل بيته. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كَانَ خروجهم قبل الظهر فَقَالَ رجل من بني عجل لعَبْد اللَّهِ بْن الجارود: أخلق بعَبْد اللَّهِ إن يسوسا ... وأن يقود جحفلا خميسا أهل العراقين الكرام الشوسا ... ويخلعوا الخليفة المتعوسا إذ قلدوا أمرهم الرئيسا ... أكرم بِهِ من قائد قدموسا نحن قتلنا مصعبا وعيسى ... وكم قتلنا منهم بئيسا وقطع ابْن الجارود ومن مَعَهُ الجسر، وكانت خزائن الحجاج من ورائه، وغلبوا عَلَى السلاح، وأرسل الحجاج أعين صاحب حمام أعين وهو فِي قول الْكَلْبِيّ مولى بشر بْن مروان، وفي قول أَبِي اليقظان مولى سعد بْن أَبِي وقاص إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الجارود، فأتى الصف، فرد، فَقَالَ: إنما أنا رسول، فأذن لَهُ، فَقَالَ: أجب الأمير، فَقَالَ ابْن الجارود: ومن الأمير ولا نعمة عين لابن أَبِي رغال؟ ولكن ليخرج عنا مذموما مدحورا، وإلا قاتلناه. فَقَالَ أعين: أما إذ لم تجبه فأنه أمرني أن أقول لك: أتطيب نفسا بقتلك

وقتل أَهْل بيتك وعشيرتك، وَالَّذِي نفس الحجاج بيده لئن لم تأتني لأدعن قومك عامة، وأهل بيتك خاصة كأمة قد بادت، وحديثا للغابرين. وَكَانَ الحجاج قد حمل أعين هذه الرسالة، وَقَالَ لَهُ: إن لم يأتني فأوردها إليه، فقال ابن الجارود لأعين: والله يابن الخبيثة لولا أنك رسول لضربت عنقك، وأمر فوجئ فِي عنقه، وأخرجوه. قالوا: واجتمع النَّاس لابن الجارود، فأقبل بهم زحفا نحو الحجاج، وَكَانَ رأيهم أن يخرجوه عنهم ولا يقاتلوه، فلما صاروا إِلَيْهِ انتهبوا مَا فِي فسطاطه وأخذوا مَا قدروا عَلَيْهِ من متاعه ودوابه، وجاء أَهْل اليمن حَتَّى احتملوا امرأته، ابنة النعمان بْن بشير الأَنْصَارِيّ، وجاءت مضر فاحتملوا امرأته الأخرى أم سلمة بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سهل بْن عَمْرو القرشي أخي سهيل فحصنوها مخافة السفهاء. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَأَبُو اليقظان: هي أم سلمة بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سهل بْن سهيل بْن عَمْرو، وكانت عند الحجاج، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ، ثُمَّ سليمان بْن عَبْد الْمَلِكِ، ثُمَّ هِشَام بْن عَبْد الْمَلِكِ. ثُمَّ إن القوم انصرفوا عَن الحجاج وتركوه، وأتاه قوم من أَهْل المصرين، فصاروا مَعَهُ، مستوحشين من محاربة السلطان ومخالفته، فجعل الغضبان بن القبعثرى الشيباني يقول لعَبْد اللَّهِ بْن الجارود: تعش بالجدي قبل أن يتغدى بك أما ترى من قد أتاه منكم؟ ولئن أصبح ليكثرن ناصره وليضعفن مدتكم. فَقَالَ: قد قرب المساء، ولكنا نعاجله بالغداة. وَكَانَ مَعَ الحجاج عثمان بْن قطن بْن عَبْد اللَّهِ الحارثي، وزياد بْن عَمْرو العتكي، وَكَانَ زياد عَلَى شرطه بالبصرة، فَقَالَ لهما: مَا تريان؟ فَقَالَ زياد: أرى أن

آخذ لك من القوم أمانا، وتخرج حَتَّى تلحق بأَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فقد أرفض جمهور النَّاس عنك، ولا أرى لك أن تقاتل بمن معك، ولا أحب لك أن تضيع نفسك وتهلكها، فَقَالَ عثمان بْن قطن: لكني لا أرى ذَلِكَ، إن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قد أشركك فِي أمره، وخلطك بنفسه، واستنصحك وسلطك وملكك، فسرت إِلَى ابْن الزُّبَيْرِ، وهو أعظم النَّاس خطرا فقتلته، فولاك اللَّه عز وجل شرف ذَلِكَ، وسناه وذخره وأجره، وولاك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الحجاز، ثُمَّ رفعك إِلَى ولاية العراقين. أفالآن حين جريت إِلَى المدى، وأصبت الغرض الأقصى وهابتك العرب، تخرج عَلَى قعود تدأدى [1] يوجف بك إِلَى الشام والله لئن فعلتها لا نلت من عَبْد الْمَلِكِ مثل الَّذِي أنت فيه من السلطان أبدا، وليتضعن شأنك، ولتسقطن عنده، ولتهونن عَلَى كل عدو، ولكني أرى أن نمشي بسيوفنا معك، فنضارب هؤلاء القوم، حَتَّى نلقى ظفرا أو نموت كراما. فَقَالَ لَهُ الحجاج: قرعتني بما فِي قلبي قرعا، الرأي مَا رأيت. فحفظ هذه لعثمان بْن قطن، واحتمل تلك عَلَى زياد بْن عَمْرو. وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ عَن أَبِي الْيَقْظَانِ: إِنَّ عُثْمَانَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْقِتَالِ، وَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ طَارِقٍ الْعَبْشَمِيَّ، وَكَانَ عَلَى شَرْطِهِ، قَالَ لَهُ: إِنَّمَا نَحْنُ فِي عُصْبَةٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السِّلاحِ. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْقَلِيلَ الطَّيِّبَ خَيْرٌ مِنَ الْكَثِيرِ الْخَبِيثِ وَكَثِيرًا مَا يَنْصُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَلِيلَ عَلَى الكثير.

_ [1] دأدأ: عدا أشد العدو، أو أسرع. القاموس.

قالوا: وأتى الحجاج مالك بْن مسمع فَقَالَ إني قد أخذت لك من النَّاس أمانا فجعل الحجاج يرفع صوته ليسمع الناس فيقول: والله لا أو منهم أبدا حَتَّى يأتوا بالهذيل وعَبْد اللَّهِ بْن حكيم فإنهما سعرا هذه الفتنة، ودعا الحجاج ابن الغرق مولاه فَقَالَ لَهُ: ائت عبيد بْن كعب النميري فقل لَهُ وَكَانَ عَلَى خمس أهل العالية: هلم إلي فامنعني فَقَالَ: قل لَهُ: إن أتيتني منعتك، فَقَالَ: لا والله ولا كرامة. وبعثه إِلَى مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد بْن حاجب بْن زرارة بْن عدس فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِكَ، فَقَالَ ابْن عمير: إن أتاني منعته، فَقَالَ: إنه لا يأتيك ولكنك تأتيه فِي قومك، فَقَالَ: لا ناقة لي فِي هذا الأمر ولا جمل، ثُمَّ أرسل إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن حكيم المجاشعي، وهو رأس تميم، يسأله النصر فَقَالَ مثل قول أصحابه: يأتيني. وَقَالَ لَهُ سحيم بْن شعيب الحنفي: إن شئت أخذت لك أمانا ولحقت بصاحبك فلم يجبه الحجاج بشيء، وَقَالَ: إن تكلم أو تحرك فاضربوا عنقه، ثُمَّ تكلم الحجاج رافعا صوته فَقَالَ: إن هؤلاء القوم أرسلوا إلي يطلبون مني الأمان، ولا والله لا أؤمنهم فلم ينطق الحنفي وجلس. قالوا: ومر عباد بْن الحصين الحبطي بابن الجارود والهذيل بْن عمران وعَبْد اللَّهِ بْن حكيم وهم يتناجون فَقَالَ: أشركونا فِي نجواكم، فَقَالُوا: هيهات أن يدخل فِي نجوانا أحد من بني الحبط، فغضب وصار إِلَى الحجاج فِي مائة، فَقَالَ لَهُ الحجاج: أعلي أم لي؟ فَقَالَ: لك أيها الأمير، فَقَالَ الحجاج: مَا أبالي من تخلف بعدك، وتخاذل النَّاس وسعى قتيبة بْن مسلم فِي أعصر وَقَالَ: والله لا أدع قيسيا عَلَى الحجاج يقتل وينتهب ماله وأظاهر ابْن الجارود عَلَيْهِ، فأقبل فِي نحو من ثلاثين فسلم عَلَى الحجاج بالإمرة، فَقَالَ:

أقتيبة بْن مسلم؟ فَقَالَ: نعم، قَالَ: تقدم، وَكَانَ الحجاج قد يئس من الحياة فلما جاءه هؤلاء اطمأن وقد كَانَ هم باللحاق بعَبْد الْمَلِكِ عَلَى كل حال، ثُمَّ أتاه سبرة بْن علي الكلابي فسلم وانتسب، فَقَالَ لَهُ خيرا، ثُمَّ جاء سعيد بْن أسلم بْن زرعة الكلابي فسلم عَلَيْهِ، فَقَالَ: هاهنا ادن مني، وأتاه جعفر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الأزدي فسلم ثُمَّ انتسب، فَقَالَ لَهُ: قف مكانك أما والله لنعم القوم قومك، وأرسل إليه مسمع بن مالك بْن مسمع إن شئت أتيتك، وإن شئت أقمت فثبطت النَّاس عنك، فبعث إِلَيْهِ: أن أقم فثبطهم. فلما رأى الحجاج إنه قد اجتمع إِلَيْهِ عدد يمتنع بمثله خرج إليهم، فكتبهم وعبأهم، وجعل لهم حرسا، وتحارس الآخرون أيضا، وتلاحق النَّاس بالحجاج فلما أصبح وطلعت الشمس نظر فإذا حوله نحو من ستة آلاف وذلك الثبت، وقوم يقولون ألف وستمائة، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الجارود لعبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان: مَا الرأي؟ قَالَ: تركت الرأي أمس حين قَالَ لك الغضبان تعش بالجدي قبل أن يتغدى بك وقد ذهب الرأي وبقي الصبر فدعا ابْن الجارود بدرع فلبسها مقلوبة فتطير، وحرض الحجاج أصحابه وَقَالَ: لا يهولنكم مَا ترون من كثرة عدد عدوكم فإنه ليس بكم بحمد اللَّه قلة ولا ذلة، فشدوا عليهم يتطايروا تطاير الأجم [1] المنفر، إنهم أخور من اليراع وإن صدقتموهم الضرب سألوكم الأمان، فتزاحف القوم وعلى ميمنة ابْن الجارود الهذيل بْن عمران، وعلى ميسرته عبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان

_ [1] الآجام: الضفادع. القاموس.

وعلى ميمنة الحجاج قتيبة بْن مسلم ويقال عباد بْن الحصين وعلى ميسرته سعيد بْن أسلم بْن زرعة الكلابي، وحمل ابْن الجارود وأقدم أصحابه حَتَّى جاز أصحاب الحجاج، وعطف عَلَيْهِ الحجاج بأصحابه فاقتتلوا ساعة، ثُمَّ إن سهم غرب جاء يهوي حَتَّى أصاب عَبْد اللَّهِ بْن الجارود وإنه لكالظاهر عَلَى الحجاج فوقع ميتا، ويقال إنه لما خرج دخل ديرا قريبا منه ومعه قوم من الهجريين، فأحرق الدير عليهم، فخرجوا فقتل ابْن الجارود والهجريون، ونادى منادي الحجاج بإيمان الناس إلا الهذيل وعبد الله بن حكيم، وأمر أن لا يتبعوا، وَقَالَ الأتباع لهم من سوء الغلبة. ولما هلك ابْن الجارود قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن فضالة الأزدي لعكرمة بْن ربعي من بني تيم اللَّه بْن ثعلبة، ولابن ظبيان: قد هلك هذا الرجل، وما أرى لي إلا اللحاق بخراسان، فَقَالَ عكرمة: أما أنا فلاحق بالشام فقد كَانَ لي عند عَبْد الْمَلِكِ بلاء هو راع لَهُ، وَقَالَ ابْن ظبيان: وأنا سأمضي إِلَى بعض النواحي، فحملوا حَتَّى إذا اختلط النَّاس وثار الغبار أخذ كل واحد منهم نحو الوجه الَّذِي أراده، فأتى عكرمة يَزِيد بْن أَبِي النمس الغساني واستجار بِهِ فكلم فيه عَبْد الْمَلِكِ وذكر لَهُ بلاءه، وَقَالَ: هفا وزل، فآمنه عَبْد الْمَلِكِ، وَكَانَ ابْن أَبِي النمس أثيرا عند عَبْد الْمَلِكِ سمعه يوما يقول هممت أن أقطع كل حبلة بالشام، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ من أحب أن يعصى عصي فضحك عَبْد الْمَلِكِ. وأتى ابْن ظبيان سعيد بْن عباد بْن زيد بْن عبد بْن الجلندى الأزدي بعمان، فقيل لسعيد: إنه رجل فاتك فأحذره، فلما جاء البطيخ بعث إِلَيْهِ بنصف بطيخة قد سمها وَقَالَ لرسوله: قل لَهُ: هذا أول شيء رأيناه من

البطيخ العام، فأكلت نصف بطيخة، وبعثت إليك بنصفها فأكل عبيد اللَّه بْن زياد بْن ظبيان نصف البطيخة فقتلته، ولما أحس بالسم قَالَ: أردت أن أقتله فقتلني. وخرج عَبْد اللَّهِ بْن فضالة إِلَى أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد إِلَى خراسان، فكان عنده، ثُمَّ أخذه حبيب بْن المهلب فبعث بِهِ إِلَى الحجاج فخرجت امرأته فكلمت امرأة عَبْد الْمَلِكِ فيه، فكلمته فكتب إِلَى الحجاج فِي أمره فآمنه، وكلم عكرمة بْن ربعي روح بْن زنباع فِي الغضبان بْن القبعثرى، فسأل عَبْد الْمَلِكِ أن يؤمنه فآمنه. وأتي الحجاج برأس عَبْد اللَّهِ بْن الجارود فَقَالَ اغسلوه ثُمَّ عمموه، ففعلوا ذَلِكَ بِهِ فَقَالَ: هو هو. وَقَالَ عباد بْن الحصين، وسعيد بْن أسلم بْن زرعة، وقتيبة بْن مسلم للهذيل بْن عمران، وعَبْد اللَّهِ بْن حكيم: نحن نكلم الحجاج فيكما فعجلا إِلَى الحجاج فأتياه وهما يجران مطرفيهما فلما نظر إليهما قَالَ: اضربوا عدوي اللَّه، اقتلوهما، فمشى عبيدة مولى الحجاج إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن حكيم، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن حكيم: علي عهد ذي القرنين كانت مجاشع ... حتوفا عَلَى الأعداء لدا خصومها فضربه بالسيف فعثر فِي مطرفه وَقَالَ: إن الراحة منكم لراحة، وَكَانَ أمر الله قدرا مقدورا [1] ، وقتل سريع مولى الحجاج الهذيل بْن عمران، ثُمَّ أمر الحجاج بصلبهم فصلب ابْن الجارود بين ابن حكيم

_ [1] سورة الأحزاب- الآية: 38.

والهذيل، وبعث برأس ابن الجارود ورؤوس هذين ورؤوس سواها إِلَى عسكر المهلب، مَعَ حاتم بْن سويد بْن منجوف لييأس الخوارج مما بلغهم من فساد أمر الحجاج، ويقوي متن المهلب وأصحابه. ونادى الحجاج فِي النَّاس أن يلحقوا بأمصارهم ففرقهم، وأقبل حَتَّى دخل البصرة، فقتل أشيم بْن شقيق بْن ثور الهذلي، ويقال إنه دخل فِي أمانه من آمن، فرآه فِي مجلسه فَقَالَ لَهُ: يَا أشيم أخرجت مَعَ ابْن الجارود؟ قَالَ: نعم وقد أتى عفوك عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مَعَ الحجاج كراز بْن كراز العبدي، وهو صاحب لواء ابْن الجارود، وراشد بْن عوف العبدي، ومسلم مولى مالك بْن مسمع، وعبيد اللَّه بْن كعب النميري، والغضبان بْن القبعثرى الشيباني، أخذهم برستقاباذ، فحبسهم عنده، ثُمَّ حبسهم بالبصرة أيضا، ثُمَّ قَالَ لعبيد بْن كعب: أنت القائل قل للحجاج يأتيني فإني لا آتيه؟ ومن أنت يا بن اللخناء، هل أنت إلا عبد من أَهْل هجر وحبسه وعذبه حَتَّى مات، وَقَالَ لمحمد بْن عمير بْن عطارد بْن دهمان: أنت القائل لا ناقتي فِي هذا ولا جملي؟ لا كانت لك فِي مثلها ناقة ولا جمل ولا رحل وأنشد: ثعالب فِي السنين إذا أحصت ... وأسد حين تمتلئ الوطاب وَكَانَ يقال: أن عميرا أباه كَانَ صدر عَن عكاظ، فمر ببني دهمان فعرضوا لامرأته فأخذوها، ثُمَّ ردوها حاملا. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم وغيره قالوا: رأى أَبُو جابر العبدي وَكَانَ جسيما ابْن الجارود مصلوبا بين الهذيل وبين حكيم وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن الجارود

قصيرا يسمى لقصره بظير العناق فَقَالَ: ليتني كنت بينهما فقد فضحنا هذا بقصره. قالوا: وكتب الحجاج إلى عَبْد الْمَلِكِ: «أما بعد فالحمد لله الَّذِي حفظ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، إني لما نزلت منزلي من رستقاباذ وثب علي أَهْل العراق فخالفوني ونابذوني، ودخل فسطاطي، وانتهبت أموالي، وقالوا اخرج من بلادنا إِلَى من بعثك إلينا، ففارقني البعيد، وأسلمني القريب، ويئس مني الشفيق، فشددت عليهم بسيفي، ولقيتهم بشيعتي، وقلت الموت قبل البراح، فو الله مَا رمت العرصة حَتَّى جعل اللَّه لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ منهم أنصارا، فضربت بمقبلهم مدبرهم وبمطيعهم عاصيهم، فقتل اللَّه عز وجل طاغية القوم عدو اللَّه ابْن الجارود، وثمانية عشر من رؤوسهم، وضرب اللَّه عز وجل وجوههم، فأخذوا شرقا وغربا، ثُمَّ إني آمنت النَّاس غائبهم وشاهدهم، فتراجعوا واجتمعوا وألحقت النَّاس بأمصارهم، ولله الحمد كثيرا، والسلام» . فكتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ: «أما بعد فقد بلغني كتابك، وأنت الناصح النجيب الأمين بالغيب القليل العيب، فإذا رابك من أَهْل العراق ريب فاقتل أدناهم، يرعب منك أقصاهم والسلام» . وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: أتي الحجاج بخليفة بْن خالد بْن الهرماس وقد ضرب عَلَى وجهه، فَقَالَ لَهُ الحجاج: من أنت؟ قَالَ: أحد الكفرة الفجرة، قَالَ: خلوا سبيله، فَقَالَ لَهُ سويد بْن صامت العجلي هذا الَّذِي يقول: فلله حجاج بْن يُوسف حاكمًا ... أراق دماء المسلمين بلا جرم فأمر بخليفة فقتل.

قالوا: وبعث عَبْد الْمَلِكِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مسعود الفزاري إِلَى الحجاج، وأهل العراق لينظر فِي مظالمهم، وما يشكون من الحجاج، وأمر بإطلاق كراز وقد كَانَ قد كلم فيه، فبلغ الحجاج ذَلِكَ فعجل عَلَى كراز وراشد بْن عوف، ومسلم مولى مالك بْن مسمع فقطع أيديهم وأرجلهم، فدخل ابْن مسعود ودماؤهم تشخب، ولما قدم ابْن مسعود عَلَى الحجاج صعد الحجاج المنبر، وصعد ابْن مسعود درجتين أو ثلاثا، ثُمَّ قَالَ: ألا من كَانَ يطلب الحجاج بمظلمة فليقم، فَقَالَ الحجاج: مه، فَقَالَ: لا والله مَا من مه، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْل العراق جمع اللَّه لكم خير الدنيا والآخرة فإياكم والشقاق والفتنة، إني قد تركت ورائي خيلا من حديد وقوما لهم دين وليست لهم دنيا، فإياكم أن تجمعوا دنياكم إِلَى دينهم، ثُمَّ إنه انصرف إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فأخبره بسوء سيرة الحجاج وظلمه وعذابه النَّاس، فبلغ ذَلِكَ الحجاج فكتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ: «إن ابْن مسعود امرؤ ظنين علي، قد بلغني أنه أساء علي الثناء، وإن شيعة ابْن الزُّبَيْرِ لن تحبني أبدا، وهو من شرارها وفجارها، وليس مثله قرب ولا صدق، والسلام» ، فكتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ: «أما بعد فقد بلغني كتابك فِي ابْن مسعود، وليس مثله اتهم، ولا ظن به ظن السوء، والسلام» . وَكَانَ ابْن مسعود صديقا لحضين بْن المنذر، فلقيه فسلم عَلَيْهِ فَقَالَ الحضين: ومن أنت عافاك اللَّه؟ فأعلم الحجاج ذَلِكَ، فَقَالَ الحجاج: يَا حضين أتعرف هذا، قَالَ: لا، قَالَ: كذبت ولكنك خفت أن يبلغني أنك سلمت عَلَيْهِ فأظن بك أنك تبلغه الأخبار قَالَ: صدق الأمير وبر، قَالَ: فلا تخف، فسلم عَلَيْهِ حضين وكلمه.

وَقَالَ الحكم بْن المنذر بْن الجارود: أبا مطر أقررت عين عدونا ... وكل إِلَى مَا صرت سوف يصير أبا مطر لو يدفع الموت بالفدا ... لكان رجال مشفقون كثير أبا مطر لو يدفع الموت بالرشا ... لقد كَانَ مال سارح وبدور وَقَالَ الشاعر: بكر النعي بسيد الأمصار ... حامي الذمار وناقص الأوتار بابن المعلى ذي السماحة والندى ... كهف الضعيف وطالب الآثار عثرت بِهِ بعض الجدود وهدنا ... يَا للرجال لجدنا العثار قالوا: وَكَانَ غضبان بْن القبعثرى محبوسا عند الحجاج فكلم عكرمة بْن ربعي روح بْن زنباع فِي أمره فكلم عَبْد الْمَلِكِ فِي إيمانه فكتب بِذَلِكَ إِلَى الحجاج فدعا بِهِ الحجاج فَقَالَ له: قد سمنت يَا غضبان وصفا لونك؟ قَالَ: القيد والرتعة، ومن يكن ضيف الأمير يسمن، قَالَ: أنت القائل لابن الجارود: تعش بالجدي قبل أن يتغدى بك؟ قَالَ: مَا نفعت من قالها ولا ضرت من قيلت لَهُ قال: أتحبني قال: أو فرق خير من حب، قَالَ: ولم لا تحبني؟ قَالَ: لأنك أخذت مالي ووضعت شرفي قَالَ: فإن رددت مالك ورفعت قدرك؟ قَالَ: الرضا مَعَ الإحسان والسخط مَعَ الغضب قَالَ: لأحملنك عَلَى الأدهم قَالَ: مثل الأمير حمل عَلَى الأدهم والكميت، قَالَ: إنه حديد، قَالَ: يكون حديدا خير من أن يكون تليدا فحمل من بين يديه ليطلق من حديده، فلما استقل بِهِ من حمله قَالَ: الحمد لله الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مقرنين [1] فضحك الحجاج.

_ [1] سورة الزخرف- الآية: 13.

قصة أنس بن مالك والحجاج

[قصة أنس بن مالك والحجاج] قالوا: [1] وقتل مَعَ ابْن الجارود عَبْد اللَّهِ بْن أنس بْن مالك الأَنْصَارِيّ، وَكَانَ شجاعا شديد البطش، حمل بخراسان بدرة بفمه فعبر بِهَا نهرا، فلما بلغ الحجاج خبر مقتله قَالَ: لا أرى أنسا يعين علي، فلما دخل البصرة استصفى مال أنس، فأتاه فلما دخل عَلَيْهِ قَالَ: لا مرحبا ولا أهلا إيها يَا خبيث، شيخ ضلالة جوال فِي الفتن، مرة مَعَ أَبِي تراب، ومرة مَعَ ابْن الزُّبَيْرِ، ومرة مَعَ ابْن الجارود أما والله لأجردنك جرد القضيب، ولأعصبنك عصب السلمة، ولأقلعنك قلع الصمغة، فَقَالَ أنس: من يعني الأمير؟ قَالَ إياك أصم اللَّه صداك فرجع أنس فأخبر ولده بما لقيه الحجاج بِهِ فأشاروا عَلَيْهِ بأن يكتب بِذَلِكَ إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فكتب إِلَيْهِ كتابا شكا فيه الحجاج وما صنع بِهِ وما قَالَ لَهُ، فأجابه جوابا لطيفا، وكتب إِلَى الحجاج: «أما بعد يَا ابْن أم الحجاج فإنك عبد طمت بك الأمور فعلوت فيها حَتَّى عدوت طورك وتجاوزت قدرك، وأيم اللَّه يَا ابْن المستفرمة [2] بعجم الزبيب لأغمزنك غمزة كبعض غمزات الليوث الثعالب، ولأخبطنك خبطة تود لها أنك رجعت فِي مخرجك من بطن أمك، أما تذكر حال آبائك بالطائف حيث كانوا ينقلون الحجارة عَلَى ظهورهم، ويحتفرون الآبار بأيديهم فِي أوديتهم ومناهلهم، أم نسيت حال آبائك فِي اللؤم والدناءة فِي المروءة والخلق، وقد بلغ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي كَانَ منك إِلَى أنس بْن مالك جرأة وإقداما، وأظن أنك أردت أن تسبر مَا عند أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي أمره، فتعلم إنكاره ذلك أو إغضاءه

_ [1] بهامش الأصل: قصة أنس بن مالك مع الحجاج. [2] الفرم والفرمة: دواء تتضيق به المرأة. القاموس.

عنه، فإن سوغك مَا كَانَ منك مضيت عَلَيْهِ قدما، فعليك لعنة اللَّه من عبد أخفش العينين أصك الرجلين، ممسوح الجاعرتين ولولا أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يظن أن الكاتب كثر فِي الكتاب من الشيخ إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فيك لأتاك من يسحبك عَلَى ظهرك وبطنك حَتَّى يأتي بك أنسا، فيحكم فيك، فأكرم أنسا وأهل بيته، وأعرف لَهُ حقه وخدمته رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا تقصر فِي شيء من حوائجه، ولا يبلغن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عنك خلاف مَا تقدم فيه إليك من أمر أنس وبره وإكرامه، فيبعث إليك من يضرب ظهرك ويهتك سترك، ويشمت بك عدوك، والقه فِي منزله متنصلا إِلَيْهِ، وليكتب إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ برضاه عنك إن شاء اللَّه، والسلام» . وبعث بالكتابين مَعَ إسماعيل بْن عَبْد اللَّهِ مولى بني مخزوم، فأتى إسماعيل أنسا بكتاب عَبْد الْمَلِكِ إِلَيْهِ فقرأه، ثُمَّ أتى الحجاج بالكتاب إِلَيْهِ، فجعل يقرأه ووجهه يتغير ويتمعر وجبينه يرشح عرقا وهو يقول: يغفر اللَّه لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فما كنت أظنه يبلغ مني هذا كله، ثُمَّ قَالَ لإسماعيل: انطلق بنا إِلَى أنس، قَالَ إسماعيل: فقلت: بل يأتيك، قَالَ: فنعم، فأتى أنسا فأقبلا جميعا حَتَّى دخلا عَلَى الحجاج فرحب بِهِ الحجاج وأدناه وَقَالَ يَا أبا حمزة عجلت يرحمك اللَّه باللائمة والشكية إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قبل أن تعلم كل الَّذِي لك عندي، إن الَّذِي فرط مني إليك عَن غير نية ولا رضا بما قلت، ولكني أردت أن يعلم أَهْل العراق إذ كَانَ من ابنك مَا كَانَ أني إذا بلغت منك مَا بلغت، كنت إليهم بالغلظة والعقوبة أسرع، فَقَالَ أنس: مَا شكوت حَتَّى بلغ مني الجهد، وحتى زعمت أننا الأشرار، وقد سمانا اللَّه جل وعز الأنصار، وزعمت أننا أَهْل النفاق ونحن الذين تبوأوا الدار والإيمان وسيحكم اللَّه عز وجل بيننا وبينك، فهو أقدر عَلَى الغير

انتقام الحجاج من الثائرين عليه

لا يشبه الحق عنده الباطل، ولا الصدق الكذب، وزعمت أنك اتخذتني ذريعة وسلما إلي مساءة أَهْل العراق باستحلال مَا حرم اللَّه عز وجل عليك مني، ولم يكن بي عليك قوة، فوكلتك إِلَى اللَّه عز وجل، وإلى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فحفظ من حقي مَا لم تحفظه، فو الله لو أن النصارى عَلَى كفرهم رأوا رجلا خدم المسيح عيسى بْن مريم يوما واحدا لعرفوا من حقه مَا لم تعرفه من حقي، وقد خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين، وبعد، فإن رأينا خيرا حمدنا اللَّه عز وجل وأثنينا بِهِ، وإن رأينا غير ذَلِكَ صبرنا والله المستعان، فرد الحجاج عَلَيْهِ مَا كَانَ قبض من أموالهم. [انتقام الحجاج من الثائرين عليه] قالوا: وأتي الحجاج بدينار صاحب حفرة، وَكَانَ هدم قصر الحجاج فأخذه ببنائه، فلما بناه ضرب عنقه بين شرفتين منه، ويقال ذبحه بينهما، وقتل زياد بْن مقاتل بْن مسمع فِي المعركة، ويقال قتل مَعَ ابْن الأشعث فبكته أخته فقالت: أعيني جودي ولا تجمدي ... وبكي زعيم بني جحدر وقتل الحريش بْن هلال، ويقال قتل يوم (دير) الجماجم، وقتل عَبْد اللَّهِ بْن رزام فقالت فيه امرأة: عَلَى ابْن رزام تبكي العيون ... ومثل الحريش الفتى الأزهر وَقَالَ بعضهم: قتل أَبُو رهم بْن شقيق بْن ثور، والثبت أنه خرج مَعَ ابْن الأشعث، فرآه الحجاج فِي مجلسه، فَقَالَ لَهُ: أخرجت علي؟ فَقَالَ: أتى عفوك على ذنوبنا، فَقَالَ لبعض من مَعَهُ: ضع هذا المنديل فِي عنقه وأخرجه فاضرب عنقه.

قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ دخل البراء بْن قبيصة الثقفي عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، وَكَانَ الحجاج يطلبه لخروجه مَعَ ابْن الأشعث فأنشده قوله: أرى كل جار قد وفى بجواره ... وجار أمين اللَّه فِي الأرض يخذل ويروى: وجار أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المؤمل. وفي ابْن أَبِي النمس اليماني بجاره ... وروح بْن زنباع، وجارك يؤكل وراح الفتى البكري ينفض عطفه ... وذا ابْن عمير آمنا مَا يزلزل فما هكذا كنتم إذا مَا أجرتم ... وما هكذا كانت أمية تفعل فَقَالَ لَهُ: صدقت وآمنه، وأمر الحجاج أن يمسك عنه.

أمر شارزنجي [1] والزنج الذين خرجوا بفرات البصرة

أمر شارزنجي [1] والزنج الذين خرجوا بفرات البصرة حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن المقرئ قَالَ: سمعت علي بْن نصير الجهضمي يحدث عَن جرير بْن حازم عَن عمه الصعب قَالَ: تجمع الزنج بفرات البصرة فِي آخر أيام مصعب بْن الزُّبَيْرِ، ولم يكونوا بالكثير فأفسدوا، وتناولوا الثمار، وولي خالد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أسيد البصرة وقد كثروا فشكا النَّاس مَا نالهم منهم، فجمع لهم جيشا كثيفا، فلما بلغهم ذَلِكَ تفرقوا، وقدر عَلَى بعضهم فقتلوا وصلبوا، فلما كَانَ من أمر عَبْد اللَّهِ بْن الجارود وخروجه عَلَى الحجاج مَعَ وجوه أَهْل العراق مَا كَانَ، وهو برستقاباذ، خرج الزنج أيضا، فاجتمع منهم خلق من الخلق بالفرات وصيروا عليهم رجلا منهم يقال رياح شيرزنجي، ومعنى شارزنجي أسد الزنج فلما فرغ الحجاج من أمر من خرج عَلَيْهِ برستقاباذ وعاد إِلَى البصرة وجه إليهم فقتلوا،

_ [1] شار بالفارسية: لقب ملك الحبشة، وتعني أيضا: دولة، مملكة، مدينة وسياق الخبر قد يرجح هذا التفسير على الذي سيقدمه المصنف بعد قليل.

وَحَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن عَن عمه- يعني أَبِي هِشَام قَالَ حَدَّثَنِي سحيم بْن حفص وغيره أن الزنج خرجوا أيام الحجاج بالفرات وعلى شرطة البصرة زياد بْن عَمْرو العتكي، فوجه إليهم زياد حفصا ابنه فِي جيش من مقاتلة البصرة، وذلك بأمر الحجاج فواقعهم فقتلوه وهزموا أصحابه، وَكَانَ عَلَى الأبلة كراز بْن مالك السلمي ثُمَّ البهزي. وَحَدَّثَنِي روح بْن الوليد بْن هِشَام بْن قحذم قَالَ: خرج شيرزنجي بالفرات واتبعه خلق من الزنج ومعهم لفيف من أَهْل الكلاء [1] وغيرهم بيضان، فغلب عَلَى كورة الفرات، وَكَانَ عَلَى الأبلة والفرات يومئذ كراز السلمي وذلك فِي أيام خروج الحجاج إِلَى رستقاباذ، فكتب شيرزنجي إِلَى كراز السلمي: «من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رياح شيرزنجي إِلَى كراز السلمي، أما بعد: فقد حضرت ولادة سكة أم الْمُؤْمِنِينَ، فابعث إليها امرأتك لتقبلها، والسلام» . فهرب كراز وأخلى عمله ودخل البصرة، ثُمَّ إن زياد بْن عَمْرو العتكي وجه إِلَيْهِ وهو عَلَى شرطة البصرة، وخلافة الحجاج بِهَا جيشا عَلَيْهِ ابنه حفص بْن زياد، فقاتله أشد قتال، فقتل حفصا وهزم أصحابه، وقوي أمر شيرزنجي، فلما قدم الحجاج البصرة قَالَ: يَا أَهْل البصرة إن عبيدكم وكساحيكم رأوا معصيتكم فتأسوا بكم، وأيم اللَّه لئن لم تخرجوا إِلَى هؤلاء الكلاب فتكفوني أمرهم لأعقرن نخلكم، ولأنزلن بكم مَا أنتم لَهُ أَهْل باستخراجكم وفسادكم، فانتدب النَّاس من كل خمس من أخماس البصرة،

_ [1] الكلاء: هو مكان ترفأ فيه السفن، وهو ساحل كل نهر، والكلاء: اسم محلة مشهورة وسوق بالبصرة. معجم البلدان.

ووجه عليهم وعلى جماعة من المقاتلة كراز بْن مالك السلمي فلم يزل يقاتل الزنج حَتَّى صاروا إِلَى صحارى دورق [1] ، فواقعهم هناك فقتل شيرزنجي والزنج، فقل من أفلت منهم، قَالَ فلما قَالَ جرير للأخطل: لا تطلبن خؤولة فِي تغلب ... فالزنج أكرم منهم أخوالا [2] انبرى لَهُ سنيح بْن رياح مولى بني سامة بْن لؤي فَقَالَ: إن الفرزدق صخرة عادية ... طالت فليس ينالها الأوعالا [3] ورميت تغلب وائل في دراهم ... فأصبت عند التغلبي نضالا والزنج لو لاقيتهم فِي حربهم ... لاقيت ثُمَّ حجاجا أبطالا قتلوا ابْن عَمْرو حين رام رماحهم ... ورأى رماح الزنج ثُمَّ طوالا هذا ابْن عجل قد علمتم منهم ... غلب الرجال سماحة وفعالا وبنو الحباب مطاعم ومطاعن ... عند الشتاء إذا تهب شمالا وبنو زبيبة عنتر وهراسة ... وسليك المتحمل الأثقالا والزنج قد شهد النَّبِيّ بجودهم ... وببأسهم إن حاربوا الأقتالا يعني بابن عَمْرو زياد بْن عَمْرو، وبابن عجل عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي كانت أمه سوداء يقال لها عجل، وكانت أم عمير بْن الحباب سوداء، وكانت أم سليك سلكة سوداء، وقوله: شهد النَّبِيّ بجودهم، ذهب إِلَى الحديث الَّذِي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السودان: [إن فيهم

_ [1] دورق: بلد بخوزستان. معجم البلدان. [2] ديوان جرير ص 363. [3] بهامش الأصل: أي طالب الأوعال، فليس ينالها، يعني حفص بن زياد بن عمرو.

لخلتي صدق: السماحة والنجدة] » ، وروى سفيان بْن عيينة وعمرو بْن عوسجة مولى ابْن عباس قَالَ: ذكر الحبش عِنْدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [ «لا خير فِي الحبش وإن فيهم لخلتين إطعام الطعام، وبأس عند البأس [1]] . وَحَدَّثَنِي حفص بْن عمر عَن الهيثم ابْن عدس وهشام بْن الْكَلْبِيّ قالا: دخل الوليد بن يزيد بن عبد الملك على هِشَام وعنده ولده، وفيهم مسلمة بْن هِشَام المكنى أبا شاكر، فقال الوليد لمسلمة، وكان ظريفا: مَا اسمك؟ قَالَ: شيرزنجي يعرض بأنه يكثر شرب النبيذ إكثار الزنج، ويطرب طربهم، وَكَانَ شيرزنجي خرج بفرات البصرة فِي خلق من الزنج فقتل، فلما قام الوليد ليخرج قام مَعَهُ أَبُو شاكر فوثب الوليد عَلَى فرسه ولم يمس السرج ولا المعرقة، فأعجبه فعله، فَقَالَ لأبي شاكر: أيصنع أبوك مثل هذا؟ فَقَالَ أَبُو شاكر: لأبي مائة عبد يصنعون مثل هذا وأكثر منه، فبلغ هشاما ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا لَهُ قاتله اللَّه وما أظرفه، عَلَى أنه قد غلبني مجونا.

_ [1] انظره في كنز العمال- الحديث 25094.

أمر عبد الرحمن بن محمد ابن الأشعث بن قيس الكندي

بسم اللَّه الرحمن الرحيم أمر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد ابْن الأشعث بْن قيس الكندي حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن المقرئ، مولى باهلة قَالَ: حَدَّثَنِي عمي عَن سحيم بْن حفص عَن شيخ من كندة قَالَ: كَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث بْن قيس معجبا عظيم الكبر وَكَانَ شخص إِلَى سجستان مَعَ خال لَهُ فِي طلب ميراث، فجعل يختلف إِلَى بغي يقال لها ماهنوس فأخذ مَعَهَا، فشهد عَلَيْهِ كردم الفزاري الَّذِي يقول النَّاس فيه: كل النَّاس بارك فِيهِ، وكردم لا يبارك فيه، وَكَانَ أَبُو كردم مرثد بْن نجبة مَعَ خالد بْن الوليد فقتل عَلَى سور دمشق، وشهد عَلَيْهِ مَعَهُ زفر بْن عَمْرو الفزاري، ومحمد بْن قرظة، ويزيد بْن زهير، فضرب حدا، ولم تذهب الأيام حَتَّى صار هؤلاء النفر فِي جنده، وقد ولي سجستان فأساء بهم ودس إليهم قوما شهدوا عليهم بالزنا، فحدهم فَقَالَ قائلهم: شهدنا بحق وانتقمت بباطل ... فأبنا بأجر واشتملت عَلَى وزر فلما كانوا بدير الجماجم خرج عيينة بْن أسماء الفزاري إِلَى الحجاج وفارق ابْن الأشعث، ثُمَّ إنه رفع عَلَى هؤلاء النفر أنهم كانوا موافقين لابن

الأشعث، وعلى رأيه، فحبسهم الحجاج وَقَالَ: لا تقتلوهم فيقول عدونا أنا نقتل أصحابنا، فأتاهم بعض أصحابه ليلا فقتلهم. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير بْن حازم عَن أبيه عَن عمه، أن المهلب بْن أَبِي صفرة لما فرغ من قتال الأزارقة قدم عَلَى الحجاج فأكرمه وأجلسه عَلَى سريره ووصله وأهل الغناء ممن كَانَ فِي جيشه، وَقَالَ: هؤلاء أَهْل الفعال والاستحقاق للأموال، هؤلاء غياظ الأعداء وحماة الثغور وولاه خراسان وسجستان، فَقَالَ: ألا أدلك عَلَى من هو أعلم بسجستان مني؟ قَالَ: بلى قَالَ: عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة، فقد كَانَ وطيء هذا الثغر وعرف أموره، فولى ابْن أَبِي بكرة سجستان. وَحَدَّثَنِي عباس بْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أبيه، وحفص بْن عمر عَن الهيثم بْن عدي عَن المجالد بْن سعيد قَالَ: بعث الحجاج عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، ليطلب لَهُ ولاية خراسان وسجستان، وَكَانَ عَلَى الثغرين أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: لست بنازع أمية عَن الثغرين للحجاج، وَكَانَ لَهُ محبا، ولكن إن شئت وليتك إياهما، فَقَالَ: مَا كنت لأخون الحجاج وقد أرسلني ووثق بي، ثُمَّ إن عَبْد الْمَلِكِ استقصر أمية بْن خالد وأمره، واستبطأه فِي جباية الأموال وأتته جبايات الحجاج كثيرة موفرة، فكتب إِلَى الحجاج بولاية الثغرين، وبعث إِلَيْهِ بعهده عليهما فِي سنة ثمان وسبعين، فولى الحجاج المهلب خراسان، وعبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة سجستان. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ وغيره لما قدم عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة سجستان منعه رتبيل الإتاوة التي كَانَ يؤتيها، فكتب عبيد اللَّه بِذَلِكَ إِلَى الحجاج فكتب الحجاج

إِلَيْهِ يأمره بغزوه وأن لا يبرح حَتَّى يستبيح أرضه، ويهدم قلاعه، ويقتل مقاتلته، ويسبي حريمه، فغزاه بمن مَعَهُ من أَهْل الْكُوفَة والبصرة، وَكَانَ عَلَى أَهْل الْكُوفَة شريح بْن هانئ الحارثي، فسار ابْن أَبِي بكرة متوغلا فِي بلاد العدو، فأصاب من الغنيمة مَا شاء اللَّه عز وجل، فَقَالَ لَهُ شريح: إن اللَّه عز وجل قد غنمنا وسلمنا وأذل عدونا، فارجع بنا من مكاننا ونحن وافرون معافون، فإني أتخوف إن كاثرت رتبيل وأهل بلده، والتمست فتح مدائنهم وقلاعهم فِي غزوة واحدة أن لا تطيق ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: اصبر أيها الرجل ودع هذا، فَقَالَ (ابْن) هانئ: إنه ليس لقصير أمر، والله إنك لتعمل فِي هلاك نفسك وجندك، وسار حَتَّى قرب من كابل، وجعل لا يظهر لَهُ أحد، وتفرق أصحابه يطلبون العلف وانتهى بهم إِلَى شعب فأخذه عليهم الترك ولحقه رتبيل، وليس بالقوم قتال، فبعث ابْن أَبِي بكرة إِلَى شريح إني مرسل إِلَى هؤلاء فمصالحهم ومعطيهم مالا عَلَى أن يخلوا بيننا وبين الخروج، فَقَالَ شريح: إنك لا تصالحهم عَلَى شيء إلا حسبه الحجاج عليكم من أعطياتكم فَقَالَ ابْن أَبِي بكرة: حرمان العطاء أيسر عَلَيْنَا من الهلاك، وبعث إِلَى رتبيل يطلب منه الصلح على أن يعطيه خمسمائة ألف درهم، ويقال سبعمائة ألف درهم، وعدة من وجوه من مَعَهُ وثلاثة من ولده يكونون عنده، وأن لا يغزوهم مَا كَانَ واليا، وَكَانَ الثلاثة من ولده: نهار، والحجاج، وَأَبُو بكرة، ومعهم العاقب بْن سعيد فَقَالَ لَهُ شريح: اتق اللَّه عز وجل وقاتل هؤلاء القوم، ولا تشتر الكفر بالإيمان، وزيادة خمسمائة ألف درهم، ويقال سبعمائة ألف، وتدفع قوما من المسلمين إِلَى المشركين، ثُمَّ تشترط لهم أن لا تقاتلهم ولا تجبيهم خراجا هربا من الموت الَّذِي أنت إِلَيْهِ صائر، هذا

وأنت لا تدري مَا يكون من سخط الحجاج، ثُمَّ قَالَ شريح: والله لقد فني عمري وذهب، ولقد تعرضت للشهادة فِي غير موطن، فأبى اللَّه عز وجل أن يبلغني إرادتي منها ثُمَّ قاتل وقاتلت مَعَهُ جماعة مطوعة من مذحج وهمدان فقتل، وقتل مَعَهُ من أَهْل المصرين ومن أَهْل الشام جماعة، وبعث ابْن أَبِي بكرة إِلَى رتبيل حين استعد شريح لقتال العدو وزحف لِذَلِكَ: إني عَلَى صلحك وما فارقتك عَلَيْهِ، وهذا رجل واحد من أصحابي عصاني ولست أنصره عليك، فخذله وجرأ رتبيل عَلَيْهِ، وَقَالَ شريح وهو يمشي إِلَى الكفار: أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا ... قد عشت بين المشركين أعصرا ثمت أدركت النَّبِيّ المنذرا ... وبعده صديقه وعمرا ويوم مهران ويوم تسترا ... والجمع فِي صفينهم والنهرا هيهات مَا أطول هذا عمرا وَكَانَ شريح من شيعة علي. قالوا: واجتنب بنو عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة مَا كَانَ رتبيل يعرضه عليهم من النساء والخمر، فعظموا فِي عينه وأعين أصحابه. وخرج ابْن أَبِي بكرة من بلاد العدو، وجعل جنده يؤتون بالطعام فإذا أكلوه ماتوا، ثُمَّ إنهم أطعموا السمن فلانت أمعاؤهم، فلم يصلوا إِلَى بست إلا وهم خمسة آلاف.

وَكَانَ ابْن أَبِي بكرة حين رأى مَا النَّاس فيه من القحط وهم يأكلون دوابهم فِي بلاد العدو يشتري الطعام ثُمَّ يبيعه جيشه حساب القفيز بدرهم، حَتَّى أصاب النَّاس ضر شديد ومرض، وَكَانَ يبعث إِلَى الحصرم فيضعه فِي أسواقهم ويبيعهم إياه يقول: هذا صالح لمرضاكم، وباعهم التبن غربالا بدرهم، ففي ذَلِكَ يقول عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحارث، وهو أعشى همدان فِي قصيدة لَهُ أولها: مَا بال حزن فِي الفؤاد مولج ... ولدمعك المتحدر المتهيج أسمعت بالجيش الذين تمزقوا ... وأصابهم ريب الزمان الأعوج حبسوا بكابل يأكلون جيادهم ... بأضر منزلة وشر معرج لم يلق جيش فِي البلاد كما لقوا ... فلمثلهم قل للنوائح تنشج واسأل عبيد اللَّه كيف رأيتهم ... عشرين ألف مجفف ومدجج بعثا تخيره الأمير جلادة ... بعثا من المصرين غير مزلج وليت شأنهم وكنت أميرهم ... فأضعتهم والحرب ذات توهج مَا زلت نازلهم كما زعموا لنا ... وتفلهم وتسير سير الأهوج وتبيعهم فيها القفيز بدرهم ... فيظل جيشك بالملامة ينتجي ومنعتهم أتبانهم وشعيرهم ... وتجرت بالعنب الَّذِي لم ينضج ونهكت ضربا بالسياط جلودهم ... ظلما وعدوانا ولم تتحرج والأرض كافرة تضرم حولكم ... حربا بِهَا لقحت ولما تنتج فتساقطوا جوعا وأنت صفندد [1] ... شبعان تصبح كالايد الأفحج

_ [1] لم أجد لهذه الكلمة معنى.

رخو النسا والحالبين ملثما ... فِي مثل جحفلة الحمار الديزج [1] وظننت أنك لم تعاقب فيهم ... والله يصبح من أمام المدلج حَتَّى إذا هلكوا وباد كراعهم ... رمت الخروج وأي ساعة مخرج وأبى شريح أن يسام دنية ... حرجا وصحف كتابهم لم تدرج وبقيت فِي عدد يسير بعدهم ... لو سار وسط مراغة لم يرهج لا تخبر الأقوام شأنك كله ... وإذا سئلت عَن الحديث فلجلج فِي أبيات. قالوا: فمات ابن أبي بكرة كمدا، ويقال اشتكى أذنيه فمات، وبلغ الحجاج خبر ابْن أَبِي بكرة وأنه قد استخلف ابنه أبا برذعة، فكتب إِلَى المهلب أن يوجه إِلَى سجستان من قبله رجلا فوجه وكيع بْن بكر، فَقَالَ كعب الأشعري: مَا زال أمرك يَا مهلب صالحا ... حَتَّى ضربت سرادقا لوكيع وجعلته ربا عَلَى أربابه ... ورفعت منه غير جد رفيع فلما قدم عَلَى أَبِي برذعة أهدى إِلَيْهِ أَبُو برذعة ثلاثمائة ألف درهم، وهدايا سوى ذَلِكَ، وأقام أَبُو برذعة بسجستان حَتَّى قدم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث من وجه الخوارج فولاه الحجاج كرمان. وَقَالَ أَبُو مخنف وعوانه: لما هلك عبيد اللَّه بْن أَبِي بكرة بسجستان، غم الحجاج مهلكه غما شديدا، وكتب إِلَى عبد الملك يعلمه ذلك ويستطلع

_ [1] الجحفلة: بمنزلة الشفة للخيل والبغال والحمير. والديزج- معرب ديزه: اللون الأسود، الرمادي. القاموس.

رأيه فِي تولية هذا الفرج رجلا فكتب إِلَيْهِ: «بلغني كتابك بما ذكرت من مصاب المسلمين بسجستان حَتَّى لم ينج منهم إلا الشريد، وجرأة العدو لِذَلِكَ وقوتهم عَلَى أَهْل الإسلام، فأولئك قوم كتب القتل عليهم فبرزوا إِلَى مضاجعهم وعلى اللَّه عز وجل ثوابهم، فأما مَا استطلعت فيه الرأي، فإن رأيي أن تمضي ولاية من رأيت توليته موفقا رشيدا. قالوا: وَكَانَ الحجاج مبغضا لعَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ رجلا معجبا، ذا نخوة وأبهة، وَكَانَ الحجاج يقول: مَا بالعراق رجل أبغض إلي منه وما رأيته قط ماشيا أو راكبا إلا أحببت قتله، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ يقول: مَا رأيت قط أميرا فوقي إلا ظننت أني أحق بإمرته منه، وَكَانَ أيضا يقول: لو قد رأيت البياض، وقرأت القرآن، وماتت أم عمران- يعني أمه- لطلبت الغاية التي لا مذهب بعدها. حَدَّثَنِي حَفْص بْن عمر عَن الهيثم عَن مجالد عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: إني لعند الحجاج إذ دخل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث يتمشى فَقَالَ: انظروا إِلَى مشية المقيت والله لهممت أن أضرب عنقه، فلما سلم عَلَيْهِ قَالَ: إنك لمنظراني، قَالَ: ومخبراني أصلح اللَّه الأمير، ثُمَّ جعل يقول: أنا منظراني أنا منظراني. قَالَ الشَّعْبِيّ: فحدثت عَبْد الرَّحْمَنِ بما قَالَ الحجاج حين رآه يتمشى، فَقَالَ: اكتم علي والله لأحاولن إزالة سلطانه إن طال بي وبه عمر. قالوا: ثُمَّ إن الحجاج انتخب اثني عشر ألفا ويقال عشرة آلاف من أَهْل الجلد والقوة والهيئة، فأعطاهم وجهزهم وقواهم واستعمل عليهم عطارد بْن عمير بْن عطارد بْن حاجب، ويقال بعض ولد ذي الجوشن الضبابي، وسار

بهم إِلَى البصرة وانتخب من أَهْل البصرة مثلهم، وجعل عليهم عطية بْن عَمْرو العنبري الَّذِي يقول فيه أعشى همدان: فابعث عطية فِي الخيول ... تكبهن عَلَيْهِ كبا فإذا جعلت دروب فا ... رس خلفنا دربا فدربا فلما تتاموا واجتمعوا سمي ذلك الجيش جيش الطواويس، ويقال إن النَّاس سموهم بِذَلِكَ لتكامل أهبتهم وعدتهم ونبلهم وشجاعتهم، وأمر فأمضى ذَلِكَ الجيش إِلَى الأهواز وكتب إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث بولاية سجستان وضم إِلَيْهِ ذَلِكَ الجيش، وَكَانَ الحجاج قد وجه عَبْد الرَّحْمَنِ لقتال الخوارج، فشخص بهم عَبْد الرَّحْمَنِ حَتَّى قدم سجستان ثُمَّ نزل بست، فأتته رسل رتبيل، وأتى إسماعيل بْن الأشعث الحجاج فأشار عَلَيْهِ أن لا يولي عَبْد الرَّحْمَنِ وَقَالَ: إني والله أخاف خلافه، والله مَا جاز جسر الفرات قط فرأى أن لأحد عَلَيْهِ سلطانا، فَقَالَ: ليس هناك إني لست كأولئك هو لي أهيب، وفيما لدي أرغب من أن يخالفني أو يخرج يدا من طاعتي فقدم سجستان فِي آخر سنة تسع وسبعين. وَقَالَ أَبُو عبيدة: كَانَ الحجاج وجه هميان بْن عدي السدوسي إِلَى كرمان، وجعله مسلحة بِهَا ليمد عامل سجستان إن احتاج إِلَى ذَلِكَ، فعصى بمن مَعَهُ، فوجه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأشعث لمحاربته فحاربه فهزمه، وأقام بموضعه، فلما مات ابْن أَبِي بكرة ضم إِلَيْهِ جيشا أنفق عَلَيْهِ ألفي ألف درهم، وكتب إِلَيْهِ فِي محاربة رتبيل بمن مَعَهُ وبذلك الجيش. وَقَالَ أَبُو مخنف: خطب ابْن الأشعث النَّاس حين دخل سجستان فَقَالَ: إن الأمير الحجاج ولاني ثغركم، وأمرني بجهاد عدوكم الَّذِي استباح

بلادكم، وأباد خياركم، ثُمَّ عسكروا وأخرجت لَهُ الأسواق، وبلغ ذَلِكَ رتبيل فكتب إِلَيْهِ: إنه ليست أمة من الأمم أعظم فِي أنفسنا، ولا أحق بالإجلال والإكرام والتبجيل عندنا منكم، وقد كان من مصاب إخوانكم مَا علمتم وما كَانَ ذَلِكَ عَن هوى مني، ولا إرادة وقد كنا صالحناكم عَلَى صلح فيما مضى، ولولا أن ابْن أَبِي بكرة نقض وبدل لجرينا فِي أمره مجرانا فِي أمر غيره، ونحن نسألك أن تصالحنا وتقبل منا مَا كَانَ غيرك ممن قبلك يقبله، وأهدى إِلَيْهِ خاله العاقب بْن سعيد، وَكَانَ ابْن أَبِي بكرة رهنه مَعَ ولده، ثُمَّ اتبعه جميع الرهن الذين كانوا قبله، فلم يجبه حَتَّى أعد لَهُ القاسم بن محمد بن الأشعث أخاه، وَكَانَ ورد عَلَيْهِ من طبرستان فِي خيل عظيمة، وأمره أن يغير عَلَيْهِ بمكانه الَّذِي هو بِهِ، وَكَانَ مَعَ رتبيل رجل من بني تميم يقال لَهُ عبيد بْن سبع بْن أَبِي سبع، ويقال عبيد اللَّه بْن سبع، وَكَانَ يرى رأي الخوارج فيما يقال، وَكَانَ مقيما بسجستان فِي ولاية زياد بْن أَبِي سفيان وبعد ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: قد جاءك أغدر العرب وأشدهم أبهة وكبرا، فتحول من مكانك فإني لا آمن عليك أن يأتيك وأنت غار، فخرج من مكانه مسرعا، وورد القاسم فلم يجد إلا عجائز وشيوخا وقتلى من المسلمين فكفنهم وصلى عليهم ودفنهم ثُمَّ لم ينشب أن سار إِلَيْهِ فِي الجنود. أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ عَن أشياخه قالوا: قدم عَبْد الرَّحْمَنِ سجستان، فأقام حَتَّى استمر النَّاس وأراحوا، وحضر الغزو فخرج من بابشير [1] ، فعرض النَّاس وخطبهم، وحرضهم، ثُمَّ لما كان في أول المفازة عرضهم فلم

_ [1] قرية على مقدار فرسخ من مرو. معجم البلدان.

يتخلف عنه أحد منهم، وقطع المفازة ونزل بست [1] ، فتلقاه رتبيل واعتذر إِلَيْهِ من مصاب المسلمين وَقَالَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كره مني، وعرض عَلَيْهِ الفدية وسأله أن يقبل منه مَا كَانَ يقبله من قبله، وبعث بالرهن وفيهم خاله العاقب بْن سعيد، فأخذ الرهن ولم يجبه إِلَى شيء مما يريد، وقدم القاسم أخاه أمامه ثُمَّ سار، وجعل رتبيل يدع البلاد حصنا حصنا طمعا فِي أن ينال منه مَا نال من غيره، وحذر ابْن الأشعث فكان لا يأتي حصنا ولا يجاوز عمرانا إلا خلف فيه قائدا فِي كثف من المسلمين، ورتب الرجال فأنزل القاسم أخاه الرخج ونزل هو بست وكره التوغل فِي البلاد وكتب إِلَى الحجاج بِذَلِكَ، فكتب إليه: يابن الحائك الغادر، كتابك إلي كتاب رجل يحب الهدنة والموادعة لعدو قليل ذليل، ولعمري يابن أم عَبْد الرَّحْمَنِ إنك حين تكف عَن ذَلِكَ العدو ومعك جندي وحدي لسخي النفس عمن أصيب من المسلمين، إني لم أعدد رأيك مكيدة، ولكني عددته ضعفا وجبنا، والتياث رأي، فأمض لما أمرتك بِهِ من الوغول فِي أرضهم والهدم لحصونهم، فإنها داركم حَتَّى يفتحها اللَّه عز وجل عليكم» . فأغضب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد ذَلِكَ، وَقَالَ: يكتب إلي ابْن أَبِي رغال بمثل هذا الكتاب، وهو والله الجبان، وأبوه من قبله، وعزم عَلَى خلع الحجاج، وَكَانَ مَعَهُ سوى جند الْكُوفَة والبصرة الذين جعله الحجاج عليهم بالأهواز، جند قدموا مَعَ الصباح بْن مُحَمَّد، والقاسم بْن مُحَمَّد أخويه، كانوا بطبرستان، فكتب الحجاج فِي إشخاصهم إليه معهما، وبعث الحجاج

_ [1] بست: مدينة بين سجستان وغزنين وهراة، من أعمال كابل. معجم البلدان.

أيضا إلى عبد الرحمن: اسحق بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، فِي جند آخر، وكتب إِلَيْهِ: «إن توقفت عَن المسير فِي بلاد العدو، وليت إسحق بْن مُحَمَّد بْن الأشعث جندك، وصيرتك من تحت يده كبعض أَهْل المصر. فأظهر خلع الحجاج وَقَالَ أيها النَّاس إني والله لكم ناصح، ولصلاحكم محب، وفيما يعمكم نفعه ناظر، وقد استشرت ذوي أحلامكم والتجربة منكم، فأشاروا علي بما علمتم من ترك التوغل فِي بلاد العدو، وإن الحجاج كتب إلي بإنكار ذَلِكَ وكراهته إياه، وأمرني أن أتوغل بكم تغريرا لجماعتكم، كما غرر بإخوانكم بالأمس، فَقَالُوا: لا بل نأبى عَلَى عدو اللَّه عز وجل أمره ولا نسمع لَهُ ولا نطيع، فإن ابْن أَبِي رغال لا يريد بنا خيرا، وعقد لمن وثق بِهِ، وحل ألوية من أَبِي منهم، وافتعل كتابا من الحجاج فِي تولية قوم، وعزل آخرين، ليفسد قلوبهم، وكانوا وجوها أشرافا. قالوا: وَكَانَ أول من تكلم عامر بْن واثلة الكناني، وَكَانَ خطيبا شاعرا: فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ: أما بعد، فإن الحجاج والله مَا يرى لكم إلا مَا يرى القائل الأول: احمل عبدك عَلَى الفرس فإن هلك هلك، وإن نجا فهو لك، والله مَا يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلادا كثيرة اللهوب والعقارب والأشب، فإن ظفرتم وغنمتم جبى وحاز الأموال، وإن ظفر بكم كنتم الأعداء البغضاء، فاخلعوه وبايعوا أميركم فإني والله أول خالع للحجاج عدو اللَّه. ثُمَّ قَالَ عَبْد المؤمن بْن شبث بْن ربعي: إنكم إن أطعتم الحجاج جعلها بلادكم مَا بقيتم وجمركم تجمير فرعون لجنده، والله مَا يبالي أن تهلكوا

أو تقتلوا، فنادى النَّاس من كل جانب: خلعنا الحجاج عدو اللَّه ووثبوا إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ يبايعونه فيقول لهم: تبايعون عَلَى خلع عدو اللَّه الحجاج، وعلى نصرتي، وعلى جهاد عدو اللَّه وعدوي معي حَتَّى ينفيه اللَّه عز وجل من أرض العراق، فبايعه النَّاس، ولم يذكروا خلع عبد الملك. وقال أَبُو مخنف: كانت بيعته عَلَى كتاب اللَّه، وخلع أئمة الضلال، وجهاد المحلين. قَالَ: فلما بايعوا ابْن الأشعث قالوا: ننصرف إِلَى العراق فنخرج الحجاج عدو اللَّه من العراق فإن جهاده أولى. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: أخبرني عمر بْن ذر الهمداني أن أباه ذر بْن عَبْد اللَّهِ بْن زرارة كَانَ مَعَ ابْن الأشعث، وأنه ضربه وحبسه لانقطاعه إِلَى أخويه القاسم وإسحق ابني مُحَمَّد، وضرب، وحبس مَعَهُ عدة منهم: عمران بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، وقتادة بْن قيس، فلما خلع دعا بهم فحملهم وكساهم وأعطاهم، وأقبلوا مَعَهُ فيمن أقبل، فأما ذر بْن عَبْد اللَّهِ فكان قاصا خطيبا، فثبت مَعَهُ وناصحه وأما عمران بْن عَبْد الرَّحْمَنِ فناصحه وثبت مَعَهُ وأما قتادة ففارقه ولحق بالحجاج. قالوا: ولما خلع الحجاج عَبْد الرَّحْمَنِ وأصحابه، وادع رتبيل وكتب بينه وبينه كتابا وعاهده أن لا يرزأ منه شيئا، فإن ظفر بالحجاج لم يسأله خراجا أبدا مَا بقي، وإن قوي عَلَيْهِ الحجاج لجأ ومن مَعَهُ إِلَيْهِ فمنعهم، ثُمَّ انصرف ابْن الأشعث إِلَى بست فاستعمل عَلَيْهَا عياض بْن عَمْرو السدوسي، وهو الثبت، ويقال عياض بْن همام، وَكَانَ عياض قاتل عَبْد الرَّحْمَنِ حين قدم سجستان فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة. وبعث إِلَى

الحجاج برؤوس من قتل وهرب حَتَّى لحق برتبيل فلما بلغه خلعه الحجاج أتاه فبايعه، وولى عَبْد اللَّهِ بْن عامر التميمي ثُمَّ المجاشعي ولقبه البعّار زرنج، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ البعار علقمة بْن حوي بْن سفيان بْن مجاشع. وأقبل عَبْد الرَّحْمَنِ بن محمد يريد العراق، فهرب منه إسحق بْن مُحَمَّد، والقاسم، والصباح، والمنذر إخوته، فأما القاسم فانه رأى إسحق يناجي الصباح دونه، فغضب فعاد إِلَى أخيه، وأما الآخرون فلحقوا بالحجاج، وجعل أعشى همدان يجري عَلَى فرس لَهُ، وقد خرج عَبْد الرَّحْمَنِ عَن سجستان مقبلا إِلَى الحجاج وهو يقول: شطت نوى من داره بالإيوان ... إيوان كسرى ذي القرى والريحان فالبندنيجين إِلَى طرازاستان [1] ... فالجسر فالكوفة فالغريان من عاشق أمسي بزابلستان ... إن ثقيفا منهم الكذابان كذابها الماضي وكذاب ثان ... إنا سمونا للكفور الخوان حين طغى فِي الكفر بعد الإيمان ... بالسيد الغطريف عَبْد الرَّحْمَنِ سار بجمع كالدبا من قحطان ... ومن معد قد أتى ابْن عدنان بجحفل جم كثير الأركان ... فقل لحجاج ولي الشيطان أثبت لجمع مذحج وهمدان ... والحي من بكر وقيس عيلان فإنهم ساقوك كاس ذيفان [2] ... أو ملحقوك بقرى ابن مروان

_ [1] طراز: بلد من ثغور الترك. والبندنيجين: بلدة مشهورة في طرف النهروان. معجم البلدان. [2] الذيفان: السمّ.

وقال أبو جلدة اليشكري وكان مع ابْن الأشعث: نحن جلبنا الخيل من زرنجا ... مَا لك يَا حجاج منا منجى لتبعجن بالرماح بعجا ... أو لتفرن وذاك أنجى حَدَّثَنِي خلف بْن سالم وأحمد بْن إِبْرَاهِيمَ قالا: حَدَّثَنَا وهب بْن جرير عَن ابْن عيينة أن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث لما خلع كتب إِلَى المهلب يسأله الخلع مَعَهُ، فَقَالَ المهلب: مَا كنت لأغدر بعد سبعين سنة، ثُمَّ قَالَ: مَا أعجب هذا يدعوني إِلَى الغدر من بعض ولدي أكبر منه، وَقَالَ لرسوله: قل لَهُ: اتق اللَّه فِي دماء المسلمين ولم يجبه عَن كتابه، وبعث بِهِ إِلَى الحجاج. وَحَدَّثَنِي عباس بْن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قال: لما عاهد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث رتبيل وكتب بينه وبينه كتاب الوثيقة، وثب رجل من همدان يقال لَهُ فندش بْن حيان الهمداني عَلَى رجل من الكفار من أصحاب رتبيل جرى بينه وبينه خلاف فِي شيء فضربه فندش بعود مَعَهُ فشجه شجة خفيفة فبعث رتبيل إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بفندش ولم يقتله، فأمر عَبْد الرَّحْمَنِ بقتله، فَقَالَ أعشى همدان، وَكَانَ فندش صديقا ونديما لَهُ: تعوذ إذا مَا بت من بعد هجعة ... من المرء فِي سلطانه المتفحش ومن رجل لا تعطف الرحم قلبه ... جريء عَلَى أخواله متحمش لجوج شديد بطشه وعقابه ... متى يأته ساع بعمياء يبطش أفي خدشة بالعود لم يدم كلمها ... ضربت بمصقول علاوة فندش وأزهقت فِي يوم العروبة [1] نفسه ... بغير قتيل صاحيا غير منتش

_ [1] أي يوم الجمعة. القاموس.

أَبِي رتبيل قتله فقتلته ... وأنت عَلَى خوارة وسط مفرش وباكية تبكي عَلَى قبر فندش ... فقلت لها أذري دموعك واخمشي وإنا لنجزي الذحل بالذحل مثله ... ونضرب خيشوم الأيل الغطمش فتى كَانَ مقداما إذا الخيل أجحمت ... ضروبا بنصل السيف ليس بمرعش ويقال أن فندشا والأعشى ورجلا آخر، كانوا عَلَى شراب لهم، وهم فِي عسكر ابْن الأشعث فنودي يوما بالسلاح، فمر بهم المنادي فأمرهم باللحاق بالناس، فَقَالَ فندش: لا نريم حَتَّى نفرغ من شرابنا، فعلاه المنادي بالسوط، فوثب فندش عَلَيْهِ فضربه بعصا عَلَى رأسه فانطلق إِلَى ابْن الأشعث فأعلمه، فأمر بقتل فندش، فقتل، والأول أثبت. قالوا: وَكَانَ مَعَ ابْن الأشعث أَبُو جوالق أحد بني غسل بْن عَمْرو اليربوعي، وقوم يقولون عسل، والأول قول ابْن الْكَلْبِيّ، وَكَانَ أَبُو جوالق شجاعا وفيه يقول الشاعر: سبعون ألفًا كلهم مُفارق ... مثل الحريش وأبي جوالق يعني الحريش بْن هلال القريعي. قالوا: وأقبل عَبْد الرَّحْمَنِ يسير بالناس، وسأل عَن أبي إسحق السبيعي، فقيل لَهُ: ألا تأتيه فقد سأل عنك، فكره أن يأتيه ونزل أبو إسحق بفارس، ولم يدخل فِي الفتنة حَتَّى انقضت، وأتى عَبْد الرَّحْمَنِ كرمان فولاها عَمْرو بْن لقيط العبدي ثُمَّ أتى فارس فولاها خرشة بْن عَمْرو التميمي. وَحَدَّثَنِي علي بْن المغيرة عَن أَبِي عبيدة قَالَ: كتب المهلب إِلَى ابن الأشعث من خراسان: «يا بن أخي إنك قد وضعت رجليك فِي ركابين

طويل غيهما عَلَى أمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تركت قتال المشركين، وأقبلت لقتال المسلمين، أما تذكر بلاء الحجاج عندك حين جمع لك الجندين جميعا. قالوا: وَقَالَ أعشى همدان: من مبلغ الحجاج أ ... ني قد نبذت [1] إليه حربا حربا مذكرة عوا ... نا تترك الشبان شهبا وصفقت فِي كف امرئ ... جلد إذا الأمر عبا لابن الأشج قريع كن ... دة لا أبين فيه عتبا أنت الرئيس بْن الرئيس ... وأنت أعلى القوم كعبا فِي قصيدة. قَالَ: وتمثل ابْن الأشعث حين أقبل يريد الحجاج بشعر مغفر بْن حماد البارقي: سائل مجاور جرم هل جنيت لهم ... حربا تزيل بين الجيرة الخلط وهل تركت نساء الحي ضاحية ... فِي باحة الدار يستوقدن بالغبط [2] وتمثل أيضا: خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شجر العرى وعراعر الأقوام قَالَ: وأخرج ابْن الأشعث لأي بْن شقيق بْن ثور عامل الحجاج عَن كرمان، وأخذ مَا فِي بيت مالها وقدم لأي بْن شقيق بْن ثور عَلَى الحجاج فأخبره خبره، فكتب مَعَهُ إِلَى عَبْد الْمَلِكِ يستمده قَالَ: وقالت ابنة سهم بْن غالب الهجيمي:

_ [1] بهامش الأصل: ندبت. [2] الغبط: القبضات المحصورة المصرومة من الزرع. القاموس.

يَا أيها السائل عما قد كَانَ ... أبشر أتاك الغوث من سجستان ابنا نزار وسراة قحطان ... وفيهم المنصور عَبْد الرَّحْمَنِ يقود جيشا جحفلا ذا أركان ... سبعين ألفا لا بسين الأبدان قد ذهب الملك عَن آل مروان ... والثقفي زال عنه السلطان قالوا: فلما صار ابْن الأشعث ومن مَعَهُ بفارس قَالَ بعضهم لبعض: إذا خلعنا الحجاج، فقد خلعنا عَبْد الْمَلِكِ، فاجتمعوا إِلَى ابْن الأشعث فكان أول النَّاس قَالَ خلعت عَبْد الْمَلِكِ: تيحان بْن أبجر أحد ولد ربيعة بْن نزار، ثُمَّ أحد بني بكر بْن وائل، قام فَقَالَ: يَا أيها النَّاس إني قد خلعت أبا ذبان كخلعي قميصي هذا، فخلعه النَّاس، وَكَانَ أَبُو حزابة وهو الْوَلِيد بْن حنيفة بْن سُفْيَان بْن مجاشع بْن ربيعة بْن وهب بْن عبدة بْن ربيعة بْن حنظلة بْن مالك بكرمان، فلما وردها ابْن الأشعث تعرض له فقال: يا بن قريع كندة الأشج ... أما تراني فرسي فِي المرج وما هنوش ذهبت بسرجي ... فِي فتنة النَّاس وهذا الهرج فضحك وَقَالَ: افتكوا سرجه قبحه اللَّه، وَكَانَ قد رهنه عَلَى خمسين درهما عند بغي يقال لها ماهنوش وبات ليلته عندها. والأشج قيس بْن معد يكرب، شج فِي بعض أيامهم. وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي القاسم بْن سهل النوشجاني قَالَ: حَدَّثَنِي عدة من آل المهلب أن المهلب كتب إِلَى ابْن الأشعث حين بلغه خلعه: «إنك يا بن مُحَمَّد قد وضعت رجلك فِي غرز طويل الغي، فالله الله يا بن أخي انظر لنفسك ولا تهلكها، واتق اللَّه

عز وجل فِي دماء المسلمين أن تسفكها، والبيعة فلا تنكثها، والجماعة فلا تفارقها، فإن قلت أخاف النَّاس عَلَى نفسي فالله أحق أن تخافه والسلام» . قَالَ: وقالوا: كتب المهلب إِلَى الحجاج: «أما بعد فإن أَهْل العراق قد أقبلوا إليك وهم مثل السيل المنحط من عل ليس يرده شيء حَتَّى ينتهي إِلَى قراره، ولأهل العراق شرة فِي أول مخرجهم، وبهم صبابه إِلَى أبنائهم ونسائهم فليس يبلى بردهم دون أهليهم فلا تستقبلهم وخل لهم الطريق حَتَّى يأتوا البصرة فيواقعوا نساءهم ويتنسموا أولادهم، فترق قلوبهم، ويخلدوا إِلَى المقام في منازلهم، فيتفرقوا عَن ابْن الأشعث، ثُمَّ واقع من حاربك منهم فإن اللَّه عز وجل ناصرك عليهم» ، فلما قرأ الحجاج كتابه قَالَ: ويلي عَلَى المزوني والله مَا لي نظر ولكن لابن عمه نصح، ثُمَّ إنه نظر بعد ذَلِكَ فِي كتابه فَقَالَ: رحم اللَّه المهلب، فقد كَانَ ناصحا للإسلام وأهله. وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة عن هارون بْن معروف عن ضمرة بْن ربيعة عَن ابْن شوذب قَالَ: كتب عمال الحجاج إِلَيْهِ: «إن الخراج قد انكسر، وإن أَهْل الذمة قَدْ أسلموا ولحقوا بالأمصار» . فكتب إِلَى أَهْل البصرة وغيرها: «إن من كَانَ لَهُ أصل فِي قرية فليخرج إليها فخرج النَّاس فعسكروا وجعلوا يبكون ويقولون: وا محمداه، وجعلوا لا يدرون أين يذهبون، فجعل قراء أَهْل البصرة يخرجون إليهم متقنعين فيبكون مَعَهُمْ، وقدم ابْن الأشعث عَلَى بغتة ذَلِكَ فاستبصر أَهْل البصرة فِي قتال الحجاج مَعَ ابْن الأشعث:

وَقَالَ أَبُو مخنف وعوانة: ورد عَلَى الحجاج أمر ابْن الأشعث وهو نازل بلعلع [1] فَقَالَ إنها لغليقة من الأمر، وكتب إلي عَبْد الْمَلِكِ يخبره وسأله إمداده بالجنود، وأتى الحجاج موضع واسط حين فصل من لعلع فابتنى بِهِ مسجدا، وَقَالَ: هذا مكان واسط، فسميت واسط القصب، ثُمَّ بناها بعد ذَلِكَ. قالوا: ولما ورد الكتاب عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فِي أمر ابْن الأشعث، نزل عَن سريره، وبعث إِلَى أَبِي هاشم خالد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ فأقراه الكتاب، فلما رأى خالد مَا بِهِ من الجزع والارتياع قَالَ: إنما يخاف الحدث من خراسان، وهذا الحدث من سجستان فلا تخفه، ثُمَّ خرج عَبْد الْمَلِكِ عَلَى النَّاس فحمد اللَّه عز وجل وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إن أَهْل العراق قد استطالوا عمري فاستعجلوا قدري فسلط اللهم عليهم سيوف أَهْل الشام حَتَّى تبلغ رضاك. وصار الحجاج إِلَى البصرة فأقام بِهَا، وعزم عَلَى لقاء ابْن الأشعث، وَكَانَ المهلب كتب إِلَيْهِ يشير عَلَيْهِ أن لا يقاتله حَتَّى يرد النَّاس منازلهم، فيركنوا إلي الدعة وتمنعهم الرقة عَلَى أولادهم وعيالاتهم من المحاربة، وتحدث لهم آراء غير آرائهم وينتقصوا عند التفرق عَن أمرهم، ويعظ الرجل أخوه، والرجل قومه، فينفسح عزمه، فلم يلتفت إِلَى كتابه ومشورته، وَكَانَ الحجاج أقدم سفيان بْن الأبرد الْكَلْبِيّ من طبرستان، وأخذه بالحساب، فكان محبوسا عنده، فلما حدث هذا الحدث دعا بِهِ خاليا فشاوره فيه، فرأى لَهُ أن يستقبل ابْن الأشعث ويجعله عَلَى خيله، وأحب بِذَلِكَ التخلص من الغرم، فقبل قوله لموافقته هواه، ورفض رأى المهلب، وجعل

_ [1] لعلع: منزل بين البصرة والكوفة. معجم البلدان.

يوم دجيل وهو يوم تستر

فرسان أَهْل الشام يأتونه من قبل عَبْد الْمَلِكِ أرسالا، يأتيه فِي اليوم المائة والعشرة، وأكثر من ذَلِكَ وأقل، فبعضهم يأتي عَلَى البريد، وبعضهم عَلَى الخيل العتاق المقدحة، وبعضهم عَلَى الإبل الناجية، وكانت أخبار ابْن الأشعث تأتيه بنزوله مكانا مكانا وسار الحجاج بأهل الشام حَتَّى نزل تستر الأهواز، وقدم بين يديه عَبْد اللَّهِ بْن زميت الطائي ومظهر بْن حيي العكي وجعل ابْن زميت من تحت يده. يوم دجيل وهو يوم تستر قالوا: وقدم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث مُحَمَّد بْن أبان بْن عَبْد اللَّهِ الحارثي في ثلاثمائة فوجه إِلَيْهِ مظهر بْن حيي العكي عَبْد اللَّهِ بْن زميت، فهزم ابْن أبان وأصحابه حَتَّى اضطرهم إلي دجيل الأهواز، فوجه مظهر مولى لَهُ يقال لَهُ منقذ إِلَى الحجاج بالفتح وعظم الأمر، وأخبر أنه لقي مقدمة ابْن الأشعث فهزمهم وقتل أكثرهم، ولما رأى ابْن الأشعث مَا فعل بأصحابه جمع النَّاس وعبأهم، ثُمَّ قَالَ: اعبروا إِلَى أصحاب الحجاج، فأقحم النَّاس خيولهم فِي دجيل حَتَّى صاروا إلي موضع الوقعة ومظهر فِي سبعة آلاف من أَهْل الشام، وذلك فِي يوم ضباب لا يكاد الرجل يتبين فيه صاحبه، فحمل عليهم عطية بْن عَمْرو العنبري فضعضعهم، ثُمَّ حمل عليهم جرير بْن هاشم بْن سعد بْن قيس الهمداني، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثُمَّ أتاهم الحريش بْن هلال القريعي من خلفهم، وحمل النَّاس عليهم من بين أيديهم، فهزموا هزيمة قبيحة، وقتلوا قتلا ذريعا، وركب أصحاب الخيول

فِي طلبهم فقتلوهم وأسروهم أنى شاءوا، وَكَانَ فِي الأسرى رجل من همدان فَقَالَ لابن الأشعث: أصلح اللَّه الأمير أنا أحد أخوالك، فَقَالَ: ابدأوا بخالي فقدم وقتل وذلك يوم النحر سنة إحدى وثمانين يوم الجمعة، ويقال عشية عرفة، واستباحوا عسكرهم، وَكَانَ الحجاج حين جاءه رسول مظهر صعد المنبر فخطب وَقَالَ: أحمدوا اللَّه عَلَى هلاك عدوكم، فما نزل حَتَّى جاءه بخبر هذه الوقعة عبيد بْن سرجس مولاه، فَقَالَ: أيها النَّاس ارتحلوا بنا إِلَى البصرة، فإن هذا مكان لا يحتمل الجند، وانصرف حَتَّى نزل الزاوية، وبعث إِلَى طعام التجار بالكلاء فأخذه فحمله إِلَيْهِ، فَقَالَ: من كَانَ منهم وليا لنا رددنا عَلَيْهِ، ومن كَانَ عدوا فماله ودمه حلال لنا، وخلى البصرة لأهل العراق وَكَانَ عامله عليهم الحكم بْن أيوب الثقفي الَّذِي يقول فيه الشاعر: قَدْ كَانَ عندك صيد لو قنعت بِهِ ... فِيهِ غنًى لَكَ عَن دراجة الحكم وفي عوارض مَا تَنْفَكّ تأكلها ... لو كَانَ يشفيك أكل اللحم من قرم وَكَانَ الحكم بن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل هذا أبخل الخلق، وكانت لَهُ دراجة يؤتى بِهَا بعد الطعام، وَكَانَ استعمل رجلا من بني تميم يقال لَهُ العظرت عَلَى بعض الفروض فقدم عَلَيْهِ والدراجة بين يديه، فدعاه إِلَى الأكل فأكل مَعَهُ من دراجته، فعزله وَقَالَ لَهُ الحق بأهلك، والعوارض مَا أنكسر فنحر، يقال: أهذا لحم عبيط، أم لحم عارضة؟ وَقَالَ الهيثم بْن عدي: هزم ابْن الأشعث صاحب الحجاج يوم دجيل وقتل من أصحابه ثمانية آلاف، وَقَالَ غيره: قتل ألفين.

قال وجاء ابْن الأشعث وأهل العراق حَتَّى دخلوا البصرة فبايعه أهلها عَلَى حرب الحجاج وخلع عَبْد الْمَلِكِ، وسارع إِلَيْهِ القراء والكهول، وَكَانَ الحجاج أمر سفيان بْن الأبرد الْكَلْبِيّ حين أقبل إِلَى البصرة أن يكون فِي أخريات النَّاس فيهدم القناطر، ويقطع الجسور، وضم إِلَيْهِ جماعة ففعل سفيان ذَلِكَ، وَكَانَ نزول الحجاج الزاوية يوم الخميس لسبع ليال بقين من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين، وَكَانَ عياش بْن الأسود بْن عوف الزهري حين بلغه أمر ابْن الأشعث جمع بسوق الأهواز رجالا ثُمَّ أتاه ومحمد بْن الأسود فكانا مَعَهُ، وَكَانَ أول من دخل البصرة هميان بْن عدي السدوسي، وَكَانَ شجاعا، وَكَانَ الحجاج قد حبس امرأته فِي قصر المجيزين، وهي أم بكر من ولد شقيق بْن ثور السدوسي، وَكَانَ مَعَهُ قوم نصروه فأخرجوها وقوما كانوا محبوسين مَعَهَا، فَقَالَ الشاعر: فمن للمرهقين إذا استجاروا ... ونادى المحصنات أبا جرير وهي كنية هميان، وعارض سفيان بْن الأبرد هميان حين أخرج امرأته من محبسها فقاتله حَتَّى دخل ابْن الأشعث والناس. وَقَالَ زادا نفروخ بْن تيرى المجوسي كاتب الحجاج: إنك إن منعتهم من دخول البصرة حاربوك بجد واجتهاد لطول غيبتهم عَن أوطانهم، وإن أنت تنحيت وتركتهم فرجعوا إِلَى أهليهم قل من يحاربك منهم.

يوم الزاوية

يوم الزاوية قالوا: ودعا ابْن الأشعث بعباد بْن الحصين وقد كبر وفلج فَقَالَ: أشر علي بالرأي فَقَالَ: يَا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع أرى أن تخندق عَلَى المربد وما يليه، ثُمَّ تدعهم حَتَّى يخرجوا من معسكرهم بالزاوية فيأتوك معيين كالين، ويخرج النَّاس إليهم نشاطى جامين، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن مسمع، وَكَانَ قد صار إِلَيْهِ وَكَانَ قبل قدومه عَلَى شرطة البصرة، وبشر بْن مُحَمَّد بْن الجارود وعَبْد الحميد بْن منذر بْن الجارود: أنخندق عَلَى تميم ونترك دورنا ودور الأزد، فخندق ناس من النَّاس عَلَى مَا يليهم، وخندق ابْن الأشعث، ولم يبلغ فِي الحفر وخندق الحجاج عَلَى عسكره، وخرج سورة بْن أبجر إِلَى الحجاج فصار مَعَهُ، وخرج إِلَى ابْن الأشعث رجل من أَهْل الشام يقال لَهُ نويرة الحميري، وَكَانَ شجاعا، فصار مَعَهُ، وَكَانَ قوم من أصحاب الحجاج يخرجون فيناوشون قوما من أصحاب ابْن الأشعث، ثُمَّ إن الحجاج ضم إِلَيْهِ خيله، وجعلت الرجال تأتيه من عند عَبْد الْمَلِكِ عَلَى البريد والإبل والدواب، وكتب كل واحد منهما ترد عَلَى صاحبه فِي كل يوم، وَقَالَ الحريش بْن هلال السعدي لعَبْد الرَّحْمَنِ: علام تدع الحجاج يأتيه كل يوم مدد من أَهْل الشام، عاجله. قبل أن يكثر جمعه، فَقَالَ ابْن الأشعث: إن اللَّه جل وعز قد جمع كلمتكم، وأعز دعوتكم فاخرجوا إليهم فجاهدوهم عَلَى اسم اللَّه عز وجل، فخرج

وخرج النَّاس، فجعل عَلَى الميمنة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوسجة الهمداني وعلى الميسرة الحريش بْن هلال السعدي وعلى مجففته [1] طفيل بْن عامر بْن واثلة وتيحان البكري ثُمَّ التميمي، وعلى الرجالة زياد بْن مقاتل بْن مسمع، وخرج الحجاج إليهم وعلى ميمنته سفيان بْن الأبرد الْكَلْبِيّ وعلى ميسرته أيوب بْن الحكم بْن أَبِي عقيل الثقفي، فَقَالَ الحجاج لأصحابه: يَا أَهْل الشام إنكم عَلَى الحق، فاصبروا صبر المحق، فإن اللَّه عز وجل مَعَ الحق، والناكث المبطل أولى بالفرار، ثُمَّ إنهم اقتتلوا قتالا شديدا، فجعل الشاميون يقولون للحجاج: لو صبرت حَتَّى يجيء مدد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فيقول: لو كنت مبطلا انصرفت، وجعل العراقيون يدخلون عسكر الحجاج حَتَّى بلغوا بيت ماله وسجنه، وانهرم عنه أَهْل بيته ثُمَّ رجعوا إِلَيْهِ، وجاء مولى لقيس بْن الهيثم السلمي يقال لَهُ توبة إِلَى الحجاج وهو يظنه ابْن الأشعث لكثرة من رأى فِي عسكره من العراقيين. فَقَالَ: أقر اللَّه عينك أيها الأمير، الحمد لله الَّذِي أخزى الحجاج، فَقَالَ الحجاج: اقتلوه لعنه اللَّه فقتل، ثُمَّ إن الحجاج جثا عَلَى ركبتيه، وثاب أصحابه إِلَيْهِ، وحمل سفيان عَلَى النَّاس فهزمهم، فَقَالَ: زباد بْن عَمْرو العتكي للحجاج: قد هزموا والحمد لله عَلَى عونه، وَكَانَ مَعَهُ. وقتل فِي المعركة يوم الزاوية عَلَى مَا ذكر هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ: عياش بْن الأسود بْن عوف الزهري، ويقال بل أسر بهراة من خراسان وأتي بِهِ الحجاج

_ [1] أي الذين لبسوا التجافيف جمع تجفاف، والتجفاف آلة للحرب، يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب. القاموس.

فقتله وقتل مُحَمَّد بْن الأسود أخوه، وقتل عقبة بْن عَبْد الغافر الأزدي، وقتل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوسجة أَبُو سفيان، وقتل عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن مسمع، وقد كَانَ عَلَى شرط الحجاج بعد زياد بْن عَمْرو، حين غضب عَلَى زياد، فلما أتي الحجاج براسه قَالَ: والله مَا كنت أرى هذا فارقني، وقتل الطفيل بْن عامر بْن واثلة الكناني، وَكَانَ قد قَالَ: ألا أبلغ الحجاج أن قد أظله ... عذاب بأيدي الْمُؤْمِنِينَ مصيب فمر بِهِ الحجاج، وهو فِي القتلى، وقد كَانَ بلغه شعره، فَقَالَ: تمنيت لنا أمرا كَانَ فِي العلم أنك أولى بِهِ، فعجل اللَّه عز وجل ذَلِكَ لك فِي الدنيا، وهو معذبك فِي الآخرة وَكَانَ قتالهم يوم الأحد، وَكَانَ البراء بْن قبيصة بْن أَبِي عقيل مَعَ الحجاج فانهزم مَعَ من انهزم من أَهْل بيته، وفارقوه فِي صدر يوم الأحد فرجعوا إِلَيْهِ جميعا، إلا البراء فإنه مضى إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فعاذ بِهِ، فَقَالَ الحجاج: والله لا آمنته إلا أن أضربه ضربة بالسيف أخذت مَا أخذت، وأبقت مَا أبقت، فَقَالَ البراء فِي أبيات: أخوف بالحجاج يومأ ومن يكن ... طريدة ليث بالعراقين يفرق كأن فؤادي بين أظفار طائر ... من الخوف في جو السماء محلق وكان امرأ قد كنت أعلم أنه ... مَتَى مَا يَعِدْ من نفسه الشر يصدق وصبر آل سعيد بْن العاص مَعَ الحجاج، فَقَالَ ابْن موهب، كاتب الحجاج ومولاه، واسمه عبيد: لعمري لقد فر البراء وابن عمه ... وفرت قريش غير آل سعيد يعني مصعب بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عقيل، وَكَانَ عنبسة بْن سعيد أيضا جال جولة، ثُمَّ رجع إِلَى الحجاج من ساعته فلم يفقده، وظفر الحجاج

بأهل الزاوية حين فاء الفيء يوم الأحد، وأقبل إِلَى البصرة فقاتله النَّاس قتالا شديدا عَلَى أفواه السكك، فَقَالَ الحجاج: دعوهم فإنهم منهزمون والآن يتفرقون، وانصرف عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، واستخلف عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب وَقَالَ لَهُ: قاتل بالناس فإن عندهم قتالا شديدا، ولهم نشاط، فإني منصرف إِلَى الْكُوفَة وممدك بالرجال ووثب أَهْل البصرة إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس فبايعوه عَلَى الصبر، فقاتل بهم الحجاج، ثُمَّ انصرف وكانت تلك الفعلة من ابْن الأشعث هزيمة، وَكَانَ يقول: إنما انصرفت وفي الناس فضل، وعندهم قتال لأنه بلغني أن مطر بْن ناجية الرياحي وثب بالكوفة، فغاظني أن أكون فتحت بابا دخل مطر منه، وأن يكون إنما قدر عَلَى الوثوب بي فيكون لَهُ صوت معي، فأريد أن ألحقه فأحول بينه وبين إرادته، فأقبل عَبْد الرَّحْمَنِ نحو الْكُوفَة فِي ألف من أهلها، وقاتل ابْن العباس آخر يوم الأحد، ويوم الاثنين، ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وليلة الخميس وهي ليلة الهرير، وصبر أَهْل البصرة عَلَى قتال الحجاج عَلَى أفواه السكك، وفقد ابْن الأشعث فأمر الحجاج فرفعت راية أمان وناداهم أصحاب الحجاج بأمره: ثكلتكم أمهاتكم علام تقاتلون وقد ترك صاحبكم القتال ومضى، فدخلوا فِي الأمان وتفرقوا، وخرج ابْن العباس ومن مَعَهُ من أَهْل الْكُوفَة والأقوياء من أَهْل البصرة حَتَّى لحق بابن الأشعث، وجاء الحجاج حَتَّى دخل البصرة، فنادى مناديه: يَا أَهْل الشام لا تنزلوا البصرة، ونزل هو دار المهلب فرأى عندها جماعة نسوة، فَقَالَ: إن هؤلاء النسوة لجأن إلي وخشين أن يدخل عليهن، فليرجعن فنحن أغير عليهن من أزواجهن وَقَالَ حميد الأرقط فِي ابْن عبد

الرَّحْمَنِ بْن سمرة، وَكَانَ أعور، وذلك فِي أيام الزاوية. يَا أعور العين فديت العورا ... لا تحسبن الخندق المحفورا يدفع عنك القدر المقدورا ... ودائرات الدهر أن تدورا وصعد الحجاج المنبر فذكر اللَّه عز وجل بما هو أهله، ثُمَّ قَالَ: إن اللَّه عز وجل لم ينصركم يَا أَهْل الشام عَلَى عدوكم، لأنكم أكثر منهم عددا، وأظهر قوة، ولقد كانوا أثرى منكم وأقوى وهم فِي بلادهم، ومادتهم تأتيهم من مصرهم وبيوتهم، فهم يستندون إِلَى ذَلِكَ ويعتصمون بِهِ، ولكنكم كنتم أَهْل الطاعة، وكانوا أَهْل المعصية، فنصركم اللَّه عز وجل بغير حول منكم ولا قوة فاحمدوا اللَّه عز وجل عَلَى نعمه ولا تبغوا ولا تظلموا، وإياكم أن يبلغني أن رجلا منكم دخل بيت امرأة فلا يكون لَهُ عندي عقوبة إلا السيف، أنا الغيور ابْن الغيور لا أداهن فِي الريبة، ولا أصبر عَلَى الفاحشة. قالوا: وأصابت الحريش يومئذ جراحة، وَكَانَ يقاتل قتالا شديدا ويقول: أنا الحريش وَأَبُو قدامه ... أضرب بالسيف مقيل الهامة أشجع من ذي لبد ضرغامه وأتى سفوان [1] فمات من جراحته.

_ [1] سفوان: ماء على قدر مرحلة من باب المربد بالبصرة.

وقالت حميدة ابنة مقاتل ترثي أخاها زياد بْن مقاتل بْن مسمع: يَا عين جودي ولا تفتري ... وبكي رئيس بني جحدر ولما تولت جموع العراق ... وأسلم من كَانَ فِي العسكر وحامى زياد عَلَى قومه ... وفر محامي بني العنبر فسمعها البلتع وَكَانَ يبيع سمنا لَهُ عند بعض بني العنبر فأتزر بكسائه، وجاء حَتَّى قام عندها وهو يقول: علام تلومين من لم يلم ... تطاول ليلك من مقصر فقد تبطح الخيل تحت العجاج ... غير الشهيد ولا المعذر ونحن منعنا لواء الحريش ... وطاح لواء بني جحدر ورجع إِلَى أصحابه فقال: قد شفيتكم منها. وَقَالَ عامر بْن واثلة، أَبُو الطفيل يرثي ابنه: خلى طفيل عَلَى الهم فانشعبا ... فهد ذَلِكَ ركني هدة عجبا وابني سهيمة لا أنساهما أبدا ... فيمن نسيت وكل كَانَ لي نصبا وأخطأتني المنايا لا تطالعني ... حَتَّى كبرت فلم يتركن لي شذبا فِي أبيات. وولى الحجاج الحكم بْن أيوب البصرة فِي صفر، واتبع ابْن الأشعث، وسلك طرق البر وَكَانَ زادا نفروخ بْن تيرى مستخفيا بالبصرة، فخرج من دار إِلَى دار فقتله بعض من رآه من أصحاب ابْن الأشعث، فاستكتب الحجاج مكانه ابنه مردانشاه.

أمر مطر بن ناجية الرياحي

أمر مطر بْن ناجية الرياحي قالوا: وَكَانَ مطر عامل الحجاج على المدائن وناحيتها، فأتى الْكُوفَة فَقَالَ حين نزل من المنبر: إن ابْن الأشعث قد هزم أَهْل الشام، فهلموا نخرج من عندنا منهم، فكثرت تابعته، وجاء حَتَّى أحاط بالقصر، وفيه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عامر الحضرمي، عامل الحجاج عَلَى الْكُوفَة، وهو فِي أربعة آلاف من أَهْل الشام، ويقال فِي ألفين، فأشرفوا عليه وصالحوه على أن يجلوا ويخلوا القصر والمصر، وكان يونس بن أبي إسحق يحدث أن مطرا لما أراد دخول القصر زحمه بغل فضربه بسيفه فقطع جحفلته، ثُمَّ قَالَ: اللهم أخزه زحمني وقد آمنت صاحبه، فأعطاه بغلا مكانه، وأسلف النَّاس مائتي درهم مائتي درهم، وصحت عنده هزيمة ابْن الأشعث، فخطب النَّاس فَقَالَ: إن ابْن مُحَمَّد قد هزم، وأنا لكم مكانه، أقوم مقامه، فبايعه نفر من قومه قليل، وأمسك النَّاس، فلم يبايعوه، فلما رأى ذَلِكَ دخل القصر، ثُمَّ خرج بالعشي فَقَالَ: أيها النَّاس إن ابْن مُحَمَّد لقي الحجاج بالزاوية إِلَى جانب البصرة، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثُمَّ تحاجزوا فنظروا فإذا ابْن مُحَمَّد مفقود، لا يدري أفي الأحياء هو أم فِي الأموات، فثار

النَّاس عند ذَلِكَ إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب فبايعوه، فعهد العاهد بِهِ وقد حصر الحجاج وظهر عَلَيْهِ، فقوموا فبايعوا لَهُ، فإنه رجل من قريش ثُمَّ من بني هاشم من أَهْل بيت نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام إِلَيْهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى فبايعه، ثُمَّ بايعه حمزة بْن المغيرة بْن شعبة، ثُمَّ إنه دخل وأمر مطر بْن أَبِي ليلى أن يبايع النَّاس ففعل، فَقَالَ صدقة وتوبة ابنا عبيد اللَّه بْن الحر الجعفي: مَا هذه البيعة؟ نحن عَلَى بيعتنا الأولى، ويقال إنهما ضربا وجه ابْن أَبِي ليلى بحصى كَانَ معهما وقالا: نحن عَلَى بيعتنا التي بايعنا عَلَيْهَا صاحبنا حَتَّى ننظر مَا صنع، وقام ناس كثير فَقَالُوا مثل ذَلِكَ وصاحوا بابن أَبِي ليلى أنزل فنزل، وسمع ابْن ناجية الصوت فَقَالَ: مَا هذا؟ قالوا لَهُ: قد اختلف النَّاس، فرجع إليهم فَقَالَ: أيها النَّاس أنا رجل منكم فمن استقمتم لَهُ ورضيتم بِهِ وبايعتموه بايعته، فسكن النَّاس، وأقبل ابْن الأشعث وسمع النَّاس بمجيئه، فخرجوا إِلَيْهِ يستقبلونه. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: أقبل ابْن الأشعث من سجستان وقد خلع فنزل الخريبة بالبصرة، فخندق عَلَى عسكره، واقتتل هو والحجاج بالزاوية، وبلغ ابْن الأشعث أن مطر بْن ناجية قد أخذ الْكُوفَة، فدعا خاصته فأعلمهم أنه يريد الْكُوفَة، واستخلف عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس بْن ربيعة، وسار فِي نحو من ألف ففقد وقاتل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عباس بالبصرة خمسة أيام، ثُمَّ انهزم وقدم ابْن الأشعث الْكُوفَة. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِي مخنف وغيره: لما خرج النَّاس لتلقي ابْن الأشعث فرأى كثرة من استقبله عدل عَن الطريق كراهة أن يروا من مَعَهُ من

الجرحى، وجعل أصحابه يقولون: إن اللَّه عز وجل قد أخزى الحجاج وهزمه وفرق جمعه، وأقبل حَتَّى نزل عند دار فرات بْن مُعَاوِيَةَ وَقَالَ: لا والله لا أبرح ولا أدخل منزلي حَتَّى أستنزل مطرا، ثُمَّ جلس فِي أصحاب الخلقان، فرآه رجل من بني أسد يقال لَهُ عَبْد اللَّهِ فَقَالَ: مَا أخلق هذا الرجل لأن يخلق أمره، وجاء النَّاس إِلَيْهِ من كل مكان، وسبقت إِلَيْهِ همدان بالناس، وكانوا أخواله وتفرق النَّاس عَن ابْن ناجية، وأراد قوم من بني تميم أن يقاتلوا عنه، فلم يطيقوا ذَلِكَ، فأمسكوا، وَقَالَ ابْن الأشعث: كفوا عنه ولا تقتلوه وأتوني بِهِ سليما، فدعا النَّاس بالسلاليم، فوضعت عَلَى القصر، وصعدوا فأخذ فأتي بِهِ ابْن الأشعث، فَقَالَ لَهُ: استبقني فإني أفضل فرسانك وأعظمهم غناء عنك، فأمر بِهِ إِلَى الحبس ثُمَّ دعا بِهِ بعد ذَلِكَ فبايعه: فَقَالَ الأقيشر الأسدي: ابني تميم مَا لمنبر ملككم ... لا يستقر فعوده يتمرمر يبكي إذا مطر علا أعواده ... شم الكرام وَقَالَ مَا قد ينكر إن المنابر أنكرت أشباهكم ... فادعوا خزيمة يستقر المنبر قوم رأيت اللَّه ينصر دينهم ... عند اللقاء ودينكم لا ينصر خلعوا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وبايعوا ... أحواك كندة بيعة لا تظفر بايعتم مطرا وكانت هفوة ... خلف لعمرك من أمية أعور [1] قالوا: ودخل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث القصر، وجاءه النَّاس من كل أوب، وأتاه أَهْل البصرة، وتقوضت إِلَيْهِ المسالح، وجاءه

_ [1] ديوان الأقيشر الأسدي- ط. بيروت 1991 ص 39، وورد في الديوان أربعة أبيات فقط مع فوارق.

قوم من الثغور، ولحق بِهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن العباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب فِي جماعة من فرسان أَهْل البصرة ووجوههم ممن لم يأمن الحجاج، ولم يثق بأمانه، وتلاحق بِهِ أصحابه، وقام الحجاج بالبصرة خطيبا فَقَالَ: إنكم خالفتم وعصيتم وأحللتم بأنفسكم، فعفوت عنكم، وقد قدرت، وأنا أقسم لكم بالله لئن عدتم لمثل فعلكم لأقتلن مقاتلتكم ولأحربنكم بأموالكم. وأقام فيما يقال بالبصرة نحوا من شهر، ثُمَّ خرج منها إِلَى الْكُوفَة ومعه زياد بْن عمرو العتكي، فرفع إِلَى الحجاج أن عند زياد ثقل عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ بْن المغفل ونجائبه وإبله، فسأله الحجاج عَن ذَلِكَ فأقر بِهِ، وَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير كَانَ رجلا من قومي، فو الله مَا شعرت بشيء حَتَّى رأيته فِي داري وثقله، فاستحييت منه، وخرج هاربا، وكانت مليكة بنت يَزِيد بْن المغفل أخته امرأة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، قَالَ: أفتؤوي ثقله، وقد عرفت عداوته لي وللمسلمين، فأين ثقله الآن؟ قَالَ: ألحقته بِهِ، إلا مَا لا بال بِهِ، فشده فِي الحديد، وخرج بِهِ مَعَهُ، فبعث زياد ابنه الحواري بْن زياد إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فأعلمه علمه، فكتب إِلَى الحجاج: «أما بعد فإنه بلغني أنك حبست زياد بْن عَمْرو العتكي، وليس مثل زياد حبس، ولا ظن بِهِ سوء، فخل سبيله حين يأتيك كتابي، فإنه من أَهْل السمع والطاعة والمناصحة قديما، والسلام» . فخلى سبيله وهو بدير الجماجم.

خبر دير الجماجم

خبر دير الجماجم قالوا: سار الحجاج من البصرة فِي البر فمر بين القادسية والعذيب، فبعث ابْن الأشعث إِلَيْهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس فِي خيل أَهْل الْكُوفَة والبصرة. وَكَانَ ابْن الأشعث جمع بالبصرة سلاحا كثيرا وتجافيف، فسار ابْن العباس إِلَيْهِ فِي خلق من المجففة فمنعوه من نزول القادسية، وبلغه كثرة من مَعَ ابْن الأشعث واجتماعهم عَلَى قتاله فارتفع عنهم، وسايروه حَتَّى نزل دير قرة [1] . وَكَانَ قد عزم عَلَى الارتفاع نحو الجزيرة ليقرب من عَبْد الْمَلِكِ ولا يكون بينه وبينه أحد يتخوفه، فلما صار إِلَى دير قرة قَالَ: والله مَا بهذا المنزل بين أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وأهل الشام بعد، ولا أحد يحول بيني وبينهم ولا أتخوف أن يأتيني من ورائي أحد، وإني لفي رساتيق من الفلوجة وبالقرب من عين التمر، وأرجو أن تحملنا هذه الرساتيق، ولنزولي مَعَهُمْ فِي بلادهم أشد عليهم من نزولي نائيا عنهم.

_ [1] قريب من دير الجماجم، على طرف من البر، ودير الجماجم مما يلي الكوفة. معجم البلدان.

فنزل بدير قرة، ونزل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس بدير الجماجم، وخرج ابْن الأشعث حَتَّى صار إِلَى دير الجماجم فعسكر فَقَالَ الحجاج: نزلنا بدير قرة ونزل عدو اللَّه بدير الجماجم أفما أتفاءل بهذا، وخندق الحجاج عَلَى نفسه، وخندق ابْن الأشعث أيضا عَلَى نفسه. واجتمع قراء أَهْل الْكُوفَة إِلَى جبلة بْن زحر الجعفي فجعلوه رئيسا عليهم، وَكَانَ الحجاج كتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ حين قدم من البصرة فخبره بكثرة أَهْل العراق وجدهم واجتماعهم عَلَى حربه، فسرح إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الْمَلِكِ ابنه فِي عشرين ألفا من أَهْل الشام، ومحمد بْن مروان أخاه فِي عشرين ألفا من أَهْل الجزيرة، فوافوا الحجاج بدير قرة بعد تضييق أَهْل العراق عَلَيْهِ، فلما قدموا عَلَيْهِ قوي أمره وروخي من خناقه. ولم يكن بين الفريقين قتال قبل قدوم عَبْد اللَّهِ ومحمد، إلا أن أَهْل العراق كانوا يأتون عسكر الحجاج فيكون بينهم تناوش عَلَى خندقه عند أبوابه فِي غير تزاحف. وَكَانَ من قبل عَبْد الْمَلِكِ من وجوه النَّاس من قريش وغيرها قالوا لَهُ: إذا كَانَ رضا أَهْل العراق بعزل الحجاج فاعزله عنهم تخلص لك طاعتهم وتحقن دماءهم ودماء أَهْل الشام. فَقَالَ لابنه: إذا اجتمعت ومحمدا عمك فاعرض عَلَى أَهْل العراق أن تعزل الحجاج عنهم، وتجري عليهم أعطياتهم كما تجري عَلَى أَهْل الشام، وتجري عَلَى ذريتهم كما تجري عَلَى ذرية أَهْل الشام، وأن ينزل ابْن الأشعث أي بلد شاء ويكون عَلَيْهِ واليا مَا دام حيا، فإن قبلوا ذَلِكَ كَانَ مُحَمَّد بْن مروان الأمير عليهم، وإن أبوا فالحجاج أمير عليك وعلى مُحَمَّد والناس.

وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ كتب إِلَى مُحَمَّد بْن مروان فِي المسير إِلَى العراق من الجزيرة لأنه كَانَ عامله عَلَيْهَا، وكتب إِلَيْهِ بمثل مَا أوصى بِهِ ابنه عَبْد اللَّهِ، وقوم يزعمون أن محمدا كَانَ حاضرا فأوصاه مشافهة، والأول أثبت. قالوا: فلما قدم عَبْد اللَّهِ ومحمد عَلَى الحجاج، وقد أوصيا بما أوصيا بِهِ، اشتد ذَلِكَ عَلَى الحجاج فكتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ: والله لئن أعطيت أَهْل العراق مَا يحبون من نزعي، وعرفوا أنك تحب مداراتهم لم يلبثوا إلا قليلا حَتَّى يخالفوك ويسيروا إليك، ألم تسمع بوثوب أَهْل الْكُوفَة عَلَى عثمان، فلما سألهم عما يريدون قالوا: نزع سعيد بْن العاص، فلما نزعه لم تتم لهم السنة حَتَّى ساروا إِلَيْهِ فقتلوه، وإن بعض الشدة أبلغ فِي السياسة وأحزم فِي الرأي فإن الحديد بالحديد يفلح، خار اللَّه لك فيما ارتأيت. وأبى عَبْد اللَّهِ إلا عرض هذه الخلال عَلَى أَهْل العراق طلبا للعافية، فخرج عَبْد اللَّهِ ومحمد حَتَّى وقفا عَلَى عسكر أَهْل العراق فَقَالَ لهم: أنا عَبْد اللَّهِ ابْن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وهذا عمي مُحَمَّد بْن مروان، وإن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يعطيكم كذا وكذا، وأدى رسالة أبيه، فَقَالُوا: ترجع العشية لنعرفك رأينا. ثُمَّ اجتمعوا إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، فَقَالَ لهم: إنكم قد أعطيتم مَا سمعتم فاقبلوا مَا عرض عليكم وأنتم أعزاء أقوياء، إن كانوا قد نالوا منكم يوم الزاوية قبلا فقد نلتم منهم يوم تستر مثله، وهذه فرصة لكم فانتهزوها.

فوثب النَّاس من كل جانب فَقَالُوا: إن اللَّه قد أهلكهم فأصبحوا فِي الأزل والضنك والمجاعة والقلة والذلة، ونحن ذوي العدد الكثير والمادة القريبة، لا والله لا نقبل، وأعادوا حلفا ثانيا. وَكَانَ إجماعهم عَلَى خلع عَبْد الْمَلِكِ بدير الجماجم أكثر من اجتماعهم عَلَى خلعه قبل ذَلِكَ، فرجع عَبْد اللَّهِ ومحمد إِلَى الحجاج فقالا: شأنك بعسكرك وجندك فاعمل برأيك فإنا قد أمرنا أن نسمع ونطيع لك، فكانا يسلمان عَلَيْهِ بالإمرة ويسلم عليهما بالإمرة أيضا، وخلياه والحرب، فعبأ جنده، وعبأ ابْن الأشعث جنده فجعل عَلَى خيله عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس الهاشمي، وعلى القراء جبلة بْن زحر الجعفي، وَكَانَ فِي القراء عامر الشَّعْبِيّ وسعيد بْن جبير مولى بني أسد وقوم يقولون إنه مولى سعيد بْن العاص وذلك باطل. وَكَانَ الحجاج وجهه عَلَى نفقات جيش الطواويس، فصار مَعَ ابْن الأشعث بعد، وَأَبُو البختري الطائي واسمه سعيد بن فيروز مولى بني نبهان. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: اسمه سعيد بْن جبير، وَقَالَ علي بْن المديني: اسمه سعيد بْن عمران. وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى الأَنْصَارِيّ، ومسلم بْن يسار مولى طلحة بْن عبيد اللَّه من بني تيم من قريش، وعَبْد اللَّهِ بْن غالب الجهضمي من الأزد، وعقبة بْن وساج البرساني من الأزد، وَأَبُو صالح ماهان الحنفي، ومحمد بْن سعد بْن أَبِي وقاص، فجعلوا يتزاحفون فمرة ينتصفون ومرة يكون لهؤلاء ومرة لهؤلاء، وَكَانَ أَهْل العراق فِي خصب وأهل الشام فِي غلاء من السعر وضر، وَكَانَ ابْن الأشعث قد بعث عَبْد اللَّهِ بْن

إِسْحَاق بْن الأشعث، لحشر النَّاس من الْكُوفَة، فأخرج جعفر بْن عَمْرو بْن حريث، وبعض آل أَبِي معيط إِلَى عسكر ابْن الأشعث، وأمر كميل بْن زياد أن يحرض النَّاس فأخرج وهو شيخ كبير فحمل حَتَّى أقعد عَلَى المنبر دون عَبْد اللَّهِ بْن إِسْحَاق بدرجتين فخطب خطبة طويلة يقول فيها: إنكم قد غلبتم عَلَى فيئكم وبلادكم، ولقد فتح اللَّه عليكم الموصل وأداني الجزيرة وجميع آذربيجان وأرمينية ثُمَّ انتزعها منكم مُعَاوِيَة، فجعل عليكم غزوها وجعل لأهل الشام خراجها، إنه والله لا ينفي عنكم الظلم والعدوان إلا التناصح والتأسي، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين، والصبر عَلَى الطعان بالرماح والضرب بالسيوف، إنكم يَا أَهْل العراق منيتم بشر أَهْل بيتين فِي العرب: بآل الحكم بْن أَبِي العاص بْن أمية وآل أَبِي عقيل، فتباذلوا وتناصحوا وتواسوا بالأنفس والأبدان. قالوا: ولم تكن كتيبة أشد عَلَى أصحاب الحجاج من كتيبة القراء، لأنهم كانوا يحملون فلا يكذبون، ويحمل عليهم فلا يبرحون. ثُمَّ إن الفريقين تعبوا فعبأ الحجاج لكتيبة القراء ثلاث كتائب وبعث عَلَيْهَا الجراح بْن عَبْد اللَّهِ الحكمي، فحمل أَهْل الشام عليهم ثلاث حملات، ثُمَّ قَالَ ابْن أَبِي ليلى: إن الفرار قبيح، وليس هو بأحد من النَّاس أقبح بِهِ منكم فإني سمعت عَلِيًّا رفع اللَّه درجته فِي الصالحين وأثابه أحسن ثواب الشهداء الصديقين يقول: [من أنكر منكرا بقلبه فقد برئ منه، ومن أنكره بلسانه أجر، ومن أنكره بالسيف فقد أصاب سبيل الهدى، ونور قلبه باليقين، قاتلوا هؤلاء المحلين المبتدعين الذين جهلوا الحق فليس يعرفونه، وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.]

وقال أبو البختري الطائي: قاتلوهم فو الله لئن ظهروا عليكم ليفسدن دينكم وليغلبنكم عَلَى دنياكم. وَقَالَ الشعبي: قاتلوهم فو الله مَا أعلم أحدا عَلَى بسيط الأرض أجور منهم فِي حكم، ولا إغلاء فِي ظلم لا تركا ولا ديلما. وَقَالَ سعيد بْن جبير: قاتلوهم بنية ويقين ولا تتأثموا فِي قتالهم، فعلي كل إثم يدخل عليكم فِي ذَلِكَ، قاتلوهم عَلَى جورهم فِي الحكم وتجبرهم فِي الدين واستذلالهم الضعفاء، وإماتتهم الصلاة. قَالَ: ثُمَّ تهيأوا للحملة، فَقَالَ جبلة بْن زحر: احملوا حملة صادقة. فحملوا فضربوا الكتائب الثلاث حَتَّى أزالوهم، فوجد جبلة بْن زحر صريعا لا يدري من قتله فهدهم ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو البختري: إنما كَانَ ابْن زحر رجلا منكم فاعتصموا بالصبر وارجعوا إِلَى اللَّه فِي الأمر. ويقال إن الحارث بْن جعونة العامري طعن جبلة فقتله. وحمل الحجاج رأس جبلة عَلَى رمحين وَقَالَ: مَا كانت فتنة قط فخبت حَتَّى يقتل فيها رجل من أَهْل اليمن، وقتلت جماعة من القراء. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِي مخنف وعوانة: كَانَ قتالهم بالدير مائة يوم، ثُمَّ اقتتلوا فهزموا، وضعف أمر ابْن الأشعث، وقتل أَبُو عيسى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى، ويقال إنه قتل يوم دجيل الأهواز، وَأَبُو البختري وابن شداد بْن الهاد، ويقال يوم دجيل أيضا، ويقال إن أبا البختري قتل يوم دجيل أيضا. قالوا: وَكَانَ بسطام بْن مصقلة بْن ميسرة الشيباني بالري فلما بلغه خلع النَّاس وابن الأشعث، قام ابْن مصقلة خطيبا فَقَالَ: إن عبد

الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث قد خلع الحجاج وعَبْد الْمَلِكِ وأخرج الحجاج من العراق فانصرفوا إِلَى نسائكم وأولادكم، فتصدع النَّاس وتركوا قتيبة، ووثبت ربيعة إِلَى بسطام، وصار أَهْل اليمن إِلَى جعفر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف فبقي قتيبة ليس مَعَهُ أحد، وخاف أن يحارب فلما انصرفوا عنه وتركوه ولم يقاتلوه سر بِذَلِكَ. وأقبل بسطام مسرعا حَتَّى أتى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بالجماجم، فيقال إن قتيبة استخلف عَلَى عمله وسار يستقري الجبال ويسكن النَّاس والدهاقين حَتَّى صار إِلَى عكبرا، وكتب إِلَى الحجاج يعرفه خبره فكتب إِلَيْهِ، قد وفيت وسمعت وأطعت ونصحت فأقبل إلي، فصار إِلَيْهِ، ثُمَّ رده حين كثرت عنده الأمداد. ويقال: إنه لم يبرح من الري، وَكَانَ بسطام بدير الجماجم عَلَى ربيعة، فاقتتلوا فحمل حَتَّى دخل عسكر الحجاج فسبى نحوا من ثلاثين امرأة من بين أمة وسرية، فلما دنا من عسكر ابْن الأشعث خلاهن، فَقَالَ الحجاج: أولى لَهُ، أما والله لو لم يفعلها لسبيت غدا نساءهم إذا ظهرت عليهم. وَكَانَ أَبُو البختري وسعيد بْن جبير يقولان: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة نؤته منها وسنجري الشاكرين [1] ثم يحملان.

_ [1] سورة آل عمران- الآية: 145.

حَدَّثَنِي يوسف بْن موسى، ثنا جرير بْن عَبْد الحميد عَن معين عَن البزيغ بْن جبلة وخالد الضبي قَالَ: سمعت الحجاج خطب عَلَى المنبر فَقَالَ: أخليفة أحدكم فِي أهله أكرم عَلَيْهِ أم رسوله فِي حاجته؟ فَقَالَ: قلت: علي لله ألا أصلي خلفك أبدًا، وإن رَأَيْت قومًا يجاهدونك أن أجاهدك. فخرج فِي الجماجم فقتل. وَقَالَ أَبُو المخارق الراسبي: قاتلناهم مائة يوم أعدها، نزلنا دير الجماجم مَعَ ابْن الأشعث غداة يوم الثلاثاء فِي شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين، وهزمنا يوم الأربعاء لأربع عشرة مضت من جمادى الآخرة عند ارتفاع الضحى، وما كنا قط عليهم أجرأ منا فِي ذَلِكَ اليوم، خرجوا إلينا فاقتتلنا قتالا شديدا ونحن للهزيمة آمنون، وعليهم ظاهرون، ثُمَّ خرج عَلَيْنَا سفيان بْن الأبرد الْكَلْبِيّ من قبل ميمنة أصحابه، فانحط عَلَى ميسرتنا وفيها الأبرد بْن قرة التميمي فانكشف، فظن النَّاس أنه كوتب واستميل لأن الفرار لم يكن من عادته فتقوضت الصفوف لفعله، وركب النَّاس رؤوسهم بِهِ وصعد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد منبره وجعل ينادي: عباد اللَّه، أنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد. وجاءه قوم فأحاطوا بِهِ فيهم بسطام بْن مصقلة وهو فارس النَّاس، وأتاه عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ بْن المغفل أخو امرأته فَقَالَ لَهُ: انزل فإن النَّاس قد ذهبوا، وإن أَهْل الشام قد كثروا، وأنا أخاف إن لم تنزل أن تؤسر، ولعلك إن انصرفت عنهم أن تجمع لهم جمعا يهلكهم اللَّه بِهِ. وَقَالَ الحجاج حين انهزموا: لا تتبعوهم، فنزل ابْن الأشعث فخلى أَهْل العراق والعسكر ومضى مَعَ بني جعدة حَتَّى جاؤوا بِهِ قرية بني جعدة بالفلوجة، فعبروا وانتهى إليهم بسطام بْن مصقلة فَقَالَ: أفيكم ابن محمد؟

أفيكم الأمير؟ فلم يكلموه، فأتى أهله فأوصاهم ثُمَّ خرج من الْكُوفَة فأتى المدائن ثُمَّ أتى مأمنه. واستقبل مطر بْن ناجية النَّاس فحمل عَلَى أصحاب الحجاج فِي خيل لبني حنظلة فخرقهم حَتَّى جازهم، ثُمَّ حمل عليهم راجعا فَقَالَ الحجاج: دعوهم لا تتبعوهم. ثُمَّ إن النَّاس مضوا منهزمين، وجال أصحاب الخيل فِي متونها، واسودت الأرض من الرجالة، وتنحى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عباس بْن ربيعة فِي ناس، ناس كثير فقاتلوا مَعَهُ قتالا شديدا بعد ما ذهب أكثر النهار، وشغل الحجاج وأهل الشام عَن النَّاس حين انهزموا وكثرت عليهم الأسراء فقتل بعضهم وعفا عَن بعض كراهة أن يفنيهم، وَقَالَ من لثغورهم إذا ذهبوا؟ وأمر الحجاج فنودي: إن من رجع فهو آمن، ومضى حَتَّى نزل دير النساء [1] ، وَكَانَ عَلَى الْكُوفَة من قبل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد: عَبْد اللَّهِ بْن إِسْحَاق بْن الأشعث فهرب حَتَّى لحق بعَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد، ومضى عَبْد الرَّحْمَنِ إِلَى المدائن، ثُمَّ أتى مسكن الأهواز وهي بقرب تستر، واجتمعت إِلَيْهِ فلوله من أَهْل الْكُوفَة وغيرهم وتلاوموا فِي الفرار. وَقَالَ الهيثم بْن عدي وغيره: أتى ابْن الأشعث بعد الجماجم الْكُوفَة فحمل ولده ونساءه وماله، ثُمَّ أتى المدائن فزحف إِلَيْهِ الحجاج فمضى نحو البصرة فقاتله الحجاج بفج دجيل.

_ [1] لعل المعني هنا هو دير العذارى الذي ذكره الشابشتي في كتابه الديارات- ط. بغداد 1966 ص 107- 108.

مقتل بسطام

مقتل بسطام وقد كَانَ بسطام بْن مصقلة لحق بِهِ، ثُمَّ إن بسطاما حلق رأسه وَقَالَ: حَتَّى متى تكون الحياة، وقاتل وخلق مَعَهُ تبايعوا عَلَى الموت حَتَّى قتلوا جميعا، فهد ذَلِكَ ابْن الأشعث. قالوا: وفصل ابْن الأشعث من مسكن فأمر بقنطرة وشاذروان هناك فهدما فلم تصلح القنطرة إِلَى هذه الغاية. قالوا: ورجع مُحَمَّد بْن مروان إِلَى الجزيرة وعَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الشام، وخلوا الحجاج والعراق، فجاء حَتَّى نزل الْكُوفَة فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْل العراق، إن الشيطان قد استبطنكم، فخالط اللحم منكم والعصب والأعضاء والأطراف، وجرى مجرى الدم ومضى إِلَى الأمخاخ والأصماخ فحشاها شقاقا ونفاقا وسوء رعة، ثُمَّ عشش فيها وباض وفرخ ودب ودرج، اتخذتموه دليلا تتابعونه وقائدا تطاوعونه فلن ينفعكم مَعَهُ تجربة ولا تعظكم وقعة ولا يحجزكم إسلام ولا يكفكم بيان، ألستم أصحابي بالأهواز حين رمتم النكر وسعيتم بالغدر واجتمعتم عَلَى الكفر، فأقسم بالله إني لأرميكم بطرفي وإنكم لتسللون متفرقين كل امرئ منكم ناكس رأسه عَلَى عنقه حذار السيف رعبا وجبنا وذلا مكنه اللَّه فِي قلوبكم، ويوم الزاوية وما يوم الزاوية بما كَانَ فشلكم وتخاذلكم وبراءة اللَّه منكم ونكوص وليكم بعد أن غركم فوليتم أستاهكم السيوف هاربين لا يسأل الشيخ عَن بنيه، ولا يلوي امرؤ عَلَى أخيه حَتَّى عضكم السلاح وأقعصتكم الرماح، ويوم دير الجماجم وما دير الجماجم، كانت الملاحم والمعارك العظام بضرب يزيل الهام

عَن مقيله ويذهل الخليل عَن خليله، فما الَّذِي اذكر منكم يَا أَهْل العراق وما الَّذِي أتوقع وما الَّذِي استبقيكم لَهُ، إن بعثتكم إِلَى الثغور جبنتم، وإن أمنتم رجعتم، وإن خفتم نافقتم، لا تجزون بحسنة ولا تشكرون نعمة، هل استنبحكم نابح واستغواكم غاو واستخفكم ناكث واستفزكم عاص إلا بايعتموه وتابعتموه وكيفتموه وأجلبتم حوله؟! وهل شغب شاغب، ونعب ناعب، وظهر كاذب إلا كنتم أشياعه وأنصاره، يَا أَهْل العراق لم تنفعكم التحارب وتحكمكم المواعظ عَن سوء مَا أتيتم واجتنيتم، ولا انتفعتم بالعبر فِي الوقائع، ولا وزعتكم موارد الأمور ومصادرها، ثُمَّ يَا أَهْل الشام أنا لكم كالظليم المحافظ عَلَى فراخه ينفي عنهن القذر، ويباعد المدر، ويكنفهن عند المطر، ويحرسهن من الذباب. أنتم العدة والجنة إن حارب محارب وجانب مجانب، وما أنتم إلا كما قَالَ نابغة بني جعدة: تحين المنايا بأيديكم ... ومن يك ذا أمل يكذب [1] قالوا: ولم يدخل فِي الأمان إلا نحو من ألف، فأمر الحجاج مصقلة بْن كرب بْن رقبة العبدي بتوبيخهم وتصغير أنفسهم إليهم فجلس عَلَى كرسي يبايعهم ويوبخهم ويشتمهم، حَتَّى جاء زهير بْن مسلم الأزدي، وَكَانَ قد ولاه قبل ذَلِكَ ميسان، فَقَالَ الحجاج: يَا هؤلاء ألا أعجبكم هذا الَّذِي عهدي فِي يده ولم يجف خاتمه، ثُمَّ خرج علي. وركب النَّاس وجوههم إِلَى المدائن حَتَّى اجتمعوا إِلَى ابْن الأشعث بمسكن وهو من الأهواز.

_ [1] في ديوان النابغة ص 30: وحانت منايا بأيديكم ... ومن يك ذا أجل يجلب

وَقَالَ الهيثم: صار الحجاج إِلَى البصرة فوجه جيشا لمحاربة ابْن الأشعث وضمه إِلَى ابنه مُحَمَّد بْن الحجاج فواقعه بمسكن فقتل بسطام بْن مصقلة وجماعة بايعوه عَلَى الموت ثُمَّ بعد مسكن بالسوس ساعة من نهار، ثُمَّ إن ابْن الأشعث انهزم وأصحابه حَتَّى صاروا إِلَى سابور من فارس فاجتمعت إِلَيْهِ مَعَ أصحابه الأكراد فقاتلهم عمارة قتالا شديدا ثُمَّ إن ابْن الأشعث انهزم ومن مَعَهُ. وقاتلت الأكراد بعد مضي ابْن الأشعث عمارة قتالا شديدا عَلَى العقبة. وأتى ابْن الأشعث كرمان فتلقاه عَمْرو بْن لقيط العبدي، وَكَانَ خلفه عَلَيْهَا، فهيأ لَهُ نزلا، وَقَالَ رجل من عَبْد القيس لابن الأشعث: والله لقد بلغنا أنك كنت جبانا؟ فَقَالَ: والله مَا جبنت، ولقد دلفت بالرجال إِلَى الرجال ولففت الخيل بالخيل، وقاتلت فارسا وراجلا وما تركت العرصة للقوم حَتَّى لم أجد مقاتلا، ولكن زاولت ملكا مؤجلا لَهُ مدة. وأمد الحجاج عمارة بْن تميم بخيل كثيفة، وأمر محمدا ابنه بالانصراف إِلَيْهِ، وولى عمارة بْن تميم سجستان، ثُمَّ إن ابْن الأشعث فوز بمن مَعَهُ فِي مفازة كرمان، وأهل الشام يتبعونه، فدخل بعض الشاميين فضل فِي المفازة، فإذا فيه شعر كتبه بعض أصحاب ابْن الأشعث فِي صحيفة، ويقال فِي حائط: أيا لهفي ويا حزني جميعا ... ويا حر الفؤاد لما لقينا تركنا الدين والدنيا جميعا ... وأسلمنا الحلائل والبنينا ألا كنا أناسا أَهْل دين ... فنصبر للبلاء إذا ابتلينا

ألا كنا أناسا أَهْل دنيا ... فنمنعها وإن لم نرج دينا تركنا دورنا لطغام عك ... وأنباط القرى والأشعرينا ثُمَّ إن ابْن الأشعث سار إِلَى مدينة زرنج بسجستان وفيها رجل من بني تميم كَانَ خلفه عَلَيْهَا يعرف بالبعار، فلما علم أن ابْن الأشعث منهزم، أغلق باب المدينة دونه ومنعه من دخولها التماسا للتقرب بِذَلِكَ إِلَى الحجاج وتلافي أمره عنده، فأقام عنده، فأقام ابْن الأشعث عَلَيْهَا أياما فلما لم يصل إليها أتى بست فاستقبله عياض بْن عَمْرو السدوسي صاحبه بِهَا وَقَالَ لَهُ: انزل، فجاء حَتَّى نزل، فلما تفرق أصحابه فِي المنازل وأغفلوه وثب عَلَيْهِ فأوثقه ليأمن بِهَا عند الحجاج ويتخذ لديه مكانة. وعلم رتبيل بمقدم ابْن الأشعث فاستقبله فِي جنوده، فلما أوثق ابْن الأشعث ذهب رجال من أصحابه يركضون حَتَّى استقبلوا رتبيل فأخبروه بما ركب عياض صاحبه منه، فجاء رتبيل حَتَّى أحاط ببست، ثُمَّ نزل وبعث إِلَى عياض فَقَالَ: والله لئن أقذيت عينه أو ضررته أدنى مضرة أو رزأته حبلا من شعر، لا أبرح حَتَّى أقتلك وجميع من معك، ثُمَّ أسبي ذراريكم. فأرسل إِلَيْهِ: أعطنا أمانا عَلَى أنفسنا وأموالنا، ونحن ندفعه إليك سالما موفورا، فأمنهم ففتحوا الباب لابن الأشعث وخلوا سبيله. واستأذن ابْن الأشعث رتبيل فِي قتل عياض فَقَالَ: قد أمنته، قَالَ: فأذن لي فِي الاستخفاف بِهِ فأذن لَهُ فِي ذَلِكَ، فأمر أن يوجأ عنقه ثُمَّ تركه، ويقال إن رتبيل وجه من يخلص ابْن الأشعث وقدم إِلَيْهِ بعياض، ولم يتول أمره.

ولما صار ابْن الأشعث إِلَى رتبيل أعظمه وأكرمه وقام لَهُ الأتراك ولمن مَعَهُ، ووفى بما كَانَ بينه وبينه قبل شخوصه عَن سجستان. وقدم فلال ابْن الأشعث عَلَيْهِ من كل وجه، فاجتمع إِلَيْهِ منهم عشرون ألفا فأمروا عليهم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس الهاشمي، وحاولوا فتح زرنج، وكتبوا إِلَى ابْن الأشعث فأتاهم فلما صار بزرنج وفتحها أخذ البعار فضربه وحبسه. وَقَالَ أصحاب ابْن الأشعث حين قرب منهم عمارة بْن تميم بْن فروة اللخمي: أخرج بنا من سجستان ودعها لأصحاب الحجاج وائت خراسان، فَقَالَ: إن بخراسان يَزِيد بْن المهلب وهو رجل شاب شجاع ولن يترك لكم سلطانه لو دخلتموها، ولن يدع أَهْل الشام أيضا اتباعكم فأكره أن يجتمع عليكم أَهْل الشام وجند خراسان. فَقَالُوا: إنما أَهْل خراسان منا، نرجو إن دخلتها أن يكون من يتبعك منهم أكثر ممن يقاتلك. وهي أرض طويلة عريضة نتنحى منها إِلَى حيث شئنا إن أردنا التنحي، ونقيم بِهَا إِلَى أن يهلك اللَّه عَبْد الْمَلِكِ والحجاج ونرى من رأينا. فَقَالَ: سيروا عَلَى اسم اللَّه، فسار ابْن الأشعث بأصحابه حَتَّى قرب من هراة فلم يشعر حَتَّى فارقه عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة القرشي فِي ألفين، وأخذ طريقا غير طريقهم، وجعل يفسد النَّاس عَلَى ابْن الأشعث. وَقَالَ بعضهم: أتى البصرة بعد ذَلِكَ فغلب عَلَيْهَا ثُمَّ هرب. وَقَالَ ابْن الأشعث لأصحابه إني قد شهدت بكم هذه المواطن فليس منها مشهد إلا وأنا أصبر لكم فيه نفسي حَتَّى لا يبقى معي منكم أحد، فلما

رأيت أنكم لا تقاتلون ولا تصبرون أتيت ملجأ ومأمنا، فكنت بِهِ فجاءتني كتبكم بأن أقبل إلينا فقد اجتمعنا بزرنج، وأمرنا واحد، وكلمتنا مجتمعة، فأبيتم قتال عدوكم ورأيتم أن نمضي إِلَى خراسان، وزعمتم أنكم مجتمعون لي وأنكم لن تتفرقوا عني، وهذا عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة قد صنع مَا رأيتم فحسبي منكم فاصنعوا مَا بدا لكم فإني منصرف إِلَى صاحبي الَّذِي أتيتكم من عنده، فمن أحب منكم أن يتبعني فليفعل، ومن كره ذَلِكَ فليذهب إِلَى حيث أحب فِي خيار من اللَّه. فتفرقت منهم طائفة، وخرجت مَعَهُ منهم طائفة حَتَّى أتوا مَعَهُ رتبيل، وبقي عظم العسكر فوثبوا إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس الهاشمي فبايعوه. وانتهوا إِلَى هراة فلقوا بِهَا الرقاد الأزدي فقتلوه. وسار إليهم يَزِيد بْن المهلب فلقي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العباس ومعه خلق كثير فقاتلهم بهراة فهزمهم يَزِيد وفلهم وقتل خلقا منهم فما أحصوا إلا بالقصب، وأخذ رؤوس من مَعَهُمْ أسرى فكان فيهم مُحَمَّد بْن سعد بْن أَبِي وقاص وعمر بْن موسى بْن عَبْد اللَّهِ بْن معمر التيمي، وَكَانَ عَلَى شرطته بعد الجماجم، وعتبة بْن عُبَيْدِ اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة بْن حبيب بْن عبد شمس، وعاصم بْن قيس التميمي. وأسر يومئذ الهلقام بْن نعيم بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة بْن عدس، وعياض بْن الأسود بْن عوف الزهري، ويقال إنه قتل بالزاوية. وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن طلحة الطلحات الخزاعي، ويقال يَزِيد بْن طلحة الطلحات. وفيروز حصين المنسوب إِلَى حصين العنبري، وَكَانَ مولاه فحبس ابْن طلحة الطلحات عنده وأمنه، وبعث بالباقين إِلَى الحجاج،

ويقال إنه صفح عن جميع الأسراء اليمانية وبعث بمن سواهم فَقَالَ الحجاج لمحمد بْن سعد حين رآه، وَكَانَ أحول أسود: هذا ظل الشيطان، وثاب فِي كل فتنة، ألست صاحب يوم الحرة تقتل أصحابك كما تقتل عدوك، قال: أو ليس ذاك كَانَ أحب إليك، قَالَ: أما والله لا تقاتل بعدها فِي فتنة أبدا ثُمَّ ليصلينك اللَّه نارا كلما خبت زيدت سعيرا. فَقَالَ: إن اللَّه قد أعدها لك ولقومك أكباد الحمر، وأما أنا فقد والله حشدت عليك فيمن حشد وجهدت مَعَ من جهد، وايم اللَّه مَا أعطيت بيدي طائعا، ولكني ضربت بسيفي حَتَّى انقطع. فأمر بِهِ الحجاج فقتل. ويقال إنه قَالَ: يَا ظل الشيطان أنت أعظم النَّاس كبرا وتيها، تأبى بيعة يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ تشبها بابن عمر والحسين ثُمَّ تتابع حواك كندة؟ فَقَالَ لَهُ: ملكت فأسجح، فضرب عنقه. ثُمَّ دعا بعمر بْن موسى بْن عَبْد اللَّهِ فَقَالَ: أنت صاحب شرطة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عباس؟ فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير، كانت فتنة شملت البر والفاجر، فدخلنا فيها وقد أمكنك اللَّه منا فإن عفوت فبحلمك وفضلك، وإن عاقبت عاقبت ظلمة مذنبين. فَقَالَ: أما قولك: شملت البر والفاجر فقد كذبت فيه، مَا شملت إلا الفجار ولقد عوفي منها الأبرار، أما اعترافك بذنبك فعسى أن ينفعك، فعزل ناحية ورجا لَهُ النَّاس السلامة. وَقَالَ للهلقام: مَا رجوت من اتباع ابْن الأشعث؟ أظننت أنه يكون خليفة؟ قَالَ: نعم قد رجوت أن يكون خليفة وطمعت فِي ذَلِكَ، وأن ينزلني منه بمنزلتك من عَبْد الْمَلِكِ، فغضب وَقَالَ: اضربوا عنقه.

ونظر إِلَى عمر بْن موسى وقد نحي، فَقَالَ: اضربوا عنقه فقتل، ويقال إنه قَالَ لعمر بْن موسى: أتقوم بالعمود عَلَى رأس ابْن الأشعث الحائك، وتشرب مَعَهُ الشراب، يَا فرزدق أنشده مَا قلت فيه فانشده. أخضبت أيرك للزناء ولم تكن ... يوم الهياج لتخضب الأبطالا [1] قال: فو الله لقد أكرمته عَن عقائل نسائكم. وقتل عتبة بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سمرة وجميع الأسراء. وَكَانَ يَزِيد بْن المهلب أمر حين انهزم عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عبد المطلب ومن مَعَهُ أن لا يتبعوا، فهرب عَبْد الرَّحْمَنِ إِلَى السند فمات بِهَا. وَكَانَ ممن خرج مَعَ ابْن الأشعث: ببة، وهو عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، فلحق بعمان وهو شيخ كبير فمات بِهَا. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ فِي إسناده: لما خرج ابْن الأشعث من هراة، أشار عَلَيْهِ مودود بْن بشر العنبري ألا يأتي رتبيل وأن يتحصن ويقاتل حَتَّى يظفر أو يؤمن أو يموت كريما فأبى، وأتى رتبيل وأقام مودود متحصنا فِي مدينة زرنج، فأتاه عمارة بْن تميم اللخمي فِي أَهْل الشام فحصره حينا ثُمَّ أمنه وأصحابه فوفى لهم الحجاج وَقَالَ لمودود: أي الأرض أحب إليك؟ قَالَ: البصرة. قَالَ: فأيها أبغض إليك قَالَ: عمان. فسيره إِلَى عمان. وفي مودود يقول بعض همدان ممن كان مع عمارة:

_ [1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.

مقتل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث

لله عينًا من رَأَى مِنْ فوارسٍ ... أكَرُّ عَلَى المكروه منهم وأصبرا فما برحوا حَتَّى أعضوا سيوفهم ... بذي الهام منا والحديد المسمرا فلو أنهم لاقوا قواما مقاربا ... ولكن لقوا موجا من البحر أخضرا مقتل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث قالوا: ولما صار عَبْد الرَّحْمَنِ إِلَى رتبيل منصرفه من خراسان وأقام عنده. كتب الحجاج إِلَى رتبيل: «أما بعد فإن الكذاب الشرود عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث بْن قيس بْن معدي كرب، فأما معدي كرب فإنه عاهد مهرة فغدر بهم فظفروا بِهِ فجدعوا أنفه وأذنيه، وشقوا بطنه وملأوه حصى، وأما قيس فإنه عاهد مذحج ثُمَّ غدر بهم فقتلوه، وأما الأشعث فإنه كفر بعد إيمانه وغدر بقومه فأسلمهم لينجو، وأما مُحَمَّد فغدر بأهل طبرستان وهذا رجل غدار فاجر مائق معرق لَهُ فِي الغدر والفجور، فلا تثق بِهِ ولا تمنعه ولا تؤوه» . وتتابعت كتب الحجاج إِلَى رتبيل فِي ابْن الأشعث بالوعيد والترغيب والترهيب، حَتَّى كَانَ خوفه أكثر من رجائه، وَقَالَ فِي بعض كتبه: «لئن لم تسلمه وتبعث بِهِ إلي أو تخرجه من بلادك إِلَى غير حرز لأبعثن إليك مائة ألف ومائة ألف من أَهْل الشام والجزيرة وأرمينية وأهل خراسان، ولئن أسلمته أو أخرجته لأضعن عنك الأتاوة سبع سنين. وَكَانَ عند رتبيل رجل من بني يربوع يقال لَهُ عبيد بْن سبع بْن أَبِي سبع، فَقَالَ لرتبيل: أنا آخذ لك من الحجاج أمانا وكتابا بوضع الخراج عَن أرضك سبع سنين، ولا تغزى، عَلَى أن تدفع عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد إِلَيْهِ.

فسفر بينه وبينه عمارة بْن تميم، ويقال إنه أتى الحجاج فتوثق منه لرتبيل. وبعث رتبيل إِلَى الحجاج برأس ابْن الأشعث، فوفى لَهُ الحجاج بالصلح، فيقال أن ابْن الأشعث مات حتف أنفه، فلما أرادوا دفنه احتز رتبيل رأسه وبعث بِهِ إِلَى الحجاج، ويقال بل دس لَهُ شربة أضنته وقتلته، فأخذ رأسه حين مات وبعث بِهِ إِلَى الحجاج فكانت امرأته مليكة- كما زعموا- تقول: مات ورأسه عَلَى فخذي، فلما أرادوا دفنه أمر رتبيل فاحتز رأسه، وَكَانَ قد أصابه السل. وَقَالَ الهيثم بْن عدي عَن أشياخه: كَانَ عبيد بْن سبع مولى بني تميم تاجرا يدخل بلدان رتبيل وَكَانَ عاقلا، وهو كَانَ الداخل بين ابْن الأشعث ورتبيل فِي الصلح، فبلغ ابْن الأشعث عنه شيء فأراد قتله، فصار عَلَيْهِ، فلم يزل يحذر رتبيل الحجاج ووفاءه بما كَانَ يتوعده بِهِ، ويخوفه أَهْل الشام، وَقَالَ: ابعثني أتوثق لك وعمارة ففعل، واشترط لَهُ عمارة ألا تؤخذ الجزية منه عشر سنين ولا يغزى. فكتب عمارة بِذَلِكَ إِلَى الحجاج فأنفذه الحجاج وأجازه، فلما هم رتبيل بالغدر بابن الأشعث قَالَ لَهُ: فرق أصحابك فإن البلاد لا تحملهم، ففعل، ثُمَّ صنع طعاما فحضره وجعل يعظمه، وأمر أساورته فكفروا لَهُ، وأقبل عَلَى طعامه، ثُمَّ أشار إِلَى أساورته بأن يأخذوه ومن مَعَهُ فِي البيت من آل الأشعث. وتسامع أصحاب ابْن الأشعث بِذَلِكَ فهربوا عَلَى وجوههم، وأخذ من أَهْل بيته جماعة يقال ثمانية عشر، ويقال سبعة وعشرين فبعث بهم إِلَى

عمارة فقتلهم جميعا، وبعث بابن الأشعث إِلَى الحجاج فرمى بنفسه من قصر أنزله فِي طريقه فمات فأخذ رأسه. وَقَالَ أَبُو الحسن علي بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِيّ فِي إسناده: أتى عبيد بْن سبع عمارة وهو ببست فَقَالَ: مَا تجعلون لي ولرتبيل إن دفع إليكم ابن الأشعث؟ فجعل له ثلاثمائة ألف درهم وجعل لرتبيل ألا يؤخذ منه الخراج سبع سنين ولا يغزى. وكتب إِلَى الحجاج أن عبيد بْن سبع أحد بني يربوع ذكر كذا وسأل كذا. فكتب إِلَيْهِ: أعطه مَا سأل لنفسه، وأعط رتبيل ما سأل له. ثُمَّ قدم عَلَى رتبيل فَقَالَ لَهُ: مَا كنت صانعا فاصنعه فقد توثقت لك وإلا أتاك مَا لا قبل لك بِهِ من جنود أَهْل الشام والمصرين والجزيرة وخراسان، وهيبه الحجاج، وأخبره بغدر ابْن الأشعث، فأجابه إِلَى إسلام ابْن الأشعث. وجاء ابْن الأشعث فدخل عَلَى رتبيل فلما جلس قام رتبيل فَقَالَ: قد جاشت نفسي. وترك ابْن الأشعث فِي المجلس فقام إِلَيْهِ النعار، وقد كَانَ أخرج من محبسه فضرب رأسه بعمود حديد كَانَ مَعَهُ فشجه وأثخنه، فَقَالَ: ويلك أخذت لها جعلا. ثُمَّ أخذوا ابْن الأشعث فأوثقوه وناسا من آل ابْن الأشعث، وقيل لأصحابه إنكم آمنون فاذهبوا حيث شئتم، وبعث بابن الأشعث ومن مَعَهُ من حرمه إِلَى عمارة بْن تميم اللخمي لينفذهم إِلَى الحجاج ووكل بهم جماعة من جند رتبيل فسلموهم إِلَى عمارة بْن تميم.

وصير عليهم عمارة رجلا من بني تميم وسير مَعَهُ رجلا من بني ربيعة بْن حنظلة كَانَ أتى عنزا فلقب أبا العنز، فجعل مَعَ ابْن الأشعث فِي سلسلة واحدة. فلما صار بالرخج رمى ابْن الأشعث نفسه من جبل، ويقال من فوق سطح عال كَانَ إِلَى الطريق وَأَبُو العنز فوقه فتدهدى وَأَبُو العنز يقول لَهُ: أنشدك اللَّه والصحبة، فلما وافيا الأرض مات أَبُو العنز، ثُمَّ لم يلبث ابْن الأشعث أن مات. واحتز رأسه وحمل إِلَى الحجاج، وقدم بالقاسم بْن مُحَمَّد وأهل بيته ومليكة بنت يَزِيد الأزدي امرأة عَبْد الرَّحْمَنِ وأمه عَلَى عمارة فحملهم، فَقَالَ الحجاج: يَا مليكة: أسلطاننا خير أم سلطان رتبيل فظنت أنه عرض بِهَا فقالت: مَا كنت فحاشا. فَقَالَ: إني لم أذهب إِلَى حيث ذهبت. فقالت: سلطانك خير لنا. وَقَالَ الحجاج لأم عَبْد الرَّحْمَنِ: ويقال لأمرأته: أخذت مال اللَّه فوضعته تحت ذيلك، فَقَالَ عنبسة بْن سعيد بْن العاص: لقد أعففت المنطق، قَالَ: أفكنت تراني أقول الأخرى؟ ولما رأى الحجاج رأس ابن الأشعث قَالَ: لقد كنت عالما بتيهه وموقه وسخافة عقله، ولكن اللَّه أراد أن يهلك بِهِ جيلا من خلقه كانت لَهُ فيهم نقم. وتمثل: أبى حينه والموت إلا تهورا ... فلاقاه عبل الساعدين شتيم كريه المحيا باسل ذو عرامة ... فروس لأعناق الكماة أزوم

فَقَالَ ناعصة بْن يَزِيدَ القيني. ويقال إنه من غير القين: لا يبعد اللَّه إلا من عصاك. قالوا: وبعث برأسه إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فبعث بِهِ عَبْد الْمَلِكِ، إِلَى عَبْد العزيز بمصر، فَقَالَ الشاعر: هيهات موقع جثة من رأسها ... رأس بمصر وجثة بالرخج قتلوه قسرا ثُمَّ قالوا بايعوا ... وجرى البريد برأس قرم أبلج وقدم بالقاسم بْن مُحَمَّد ومن مَعَهُ من أهله عَلَى الحجاج فاستبقى القاسم ولم يقتله. قَالَ: ولم يقتل من آل ابْن الأشعث أحدا يعرف غير عَبْد الرَّحْمَنِ وعَبْد اللَّهِ بْن إِسْحَاق بْن الأشعث. وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد ولى عَبْد اللَّهِ بْن إِسْحَاق الْكُوفَة فلما هزم عَبْد الرَّحْمَنِ خرج وهو يريد عَبْد العزيز بمصر وَكَانَ ابْن خالته، فأخذ طريق السماوة فانتهى إِلَى ماء من مياه كلب. فنزله فوجد الأعراب منه ريح الطيب فَقَالُوا: إن لهذا شأنا، ولم يعلمهم من هو فأخذوه فأتوا بِهِ عَبْد الْمَلِكِ فضرب عنقه. وكانت أم عَبْد اللَّهِ بْن إِسْحَاق الشعثاء بنت زبان بْن الأصبغ الْكَلْبِيّ، وأم عَبْد العزيز ليلى بنت زبان. وَقَالَ هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ: خرج الحجاج فِي أيامه تلك ومعه حميد الأريقط وهو يقول: ما زال يبني خندقا ويهدمه ... هيهات من مصعده منهزمه إن أخا الكظاظ [1] من لا يسأمه.

_ [1] الكظاظ: الشدة والتعب. وطول الملازمة والممارسة الشديدة في الحرب. القاموس.

فَقَالَ الحجاج: هذا أصدق من قول الفاسق أعشى همدان: إن بني يوسف للزل انزلق، وقد تبين من زال وتب. ومن دحض فانكب. ورفع صوته ففرغ الأريقط فَقَالَ لَهُ: مالك؟ قَالَ: إن سلطان اللَّه عزيز، ورأيتك قد غضبت فأرعدت خصائلي واسترخت مفاصلي وأظلم بصري. فَقَالَ: صدقت. إن سلطان اللَّه عزيز فعد إِلَى مَا كنت فيه. وَقَالَ أَبُو الحسن علي بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِيّ: كَانَ صلح رتبيل سنة ثلاث وثمانين والمدة سبع سنين ويقال تسع، ويقال عشر سنين. قالوا: وَكَانَ مَعَ ابْن الأشعث عَبْد الرَّحْمَنِ اليحصبي، وَكَانَ أطول النَّاس صلاة، فهرب إِلَى خراسان ودخل حائطا ليصلي وبعث غلامه إِلَى السوق ليبتاع لَهُ مَا يصلحه فجاء ناس فجلسوا إِلَى جنبه وظنوا أن مَعَهُ مالا فوثبوا عَلَيْهِ وهو قائم يصلي فقتلوه ثُمَّ نظروا فإذا ليس مَعَهُ شيء. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كَانَ عباد بْن الحصين الحبطي مَعَ ابْن الأشعث وأشار عَلَيْهِ بأشياء بلغت الحجاج، فهرب إِلَى سجستان وصار إِلَى ناحية كابل، واعتزل فِي قرية هناك، وَكَانَ صاحب القرية شابا فكان يراسل أمة لَهُ، فسقى عبادا يوما شيئا فقتله فوثب ابنه جهضم، وبه كَانَ يكنى. عَلَى العلج فقتله فاجتمع أَهْل تلك القرية عَلَى بنيه ومن مَعَهُ فقاتلوهم فقتلوا بعضهم، فيقال إن جهضما قتل يومئذ، ويقال أن الحجاج ظفر به فقتله لخروجه مَعَ ابْن الأشعث. وَقَالَ عوانة وغيره: بدأت فتنة ابْن الأشعث فِي سنة اثنتين وثمانين وانقضت سنة ثلاث وثمانين، ومات عَبْد الْمَلِكِ سنة ست وثمانين.

قالوا: وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الحجاج: «أن جمر أَهْل العراق وتابع عليهم البعوث واستعن عليهم بالفقر فإنه جند اللَّه الأكبر. ففعل ذَلِكَ بهم سنتين. ثُمَّ إنه كتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ كتابا يقول فيه: «إن اللَّه إنما نصرنا بطاعته والوفاء ببيعة خليفته، وإنما هلك أَهْل العراق. بمعصيتهم وخلافهم ونكثهم. وإن لهم فِي هذا الفيء حقا ونصيبا، وإني أخاف إن حبسناه عليهم أن ينصروا عَلَيْنَا، فإن رأى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن يأمر لهم بحقوقهم فليفعل. وإلا فلا يحرمن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الذرية الذين لا ذنوب لهم» . فكتب إِلَيْهِ أن: «آمر للناس جميعا من أَهْل المصرين مقاتلتهم وذريتهم بحقوقهم» ، فوضع للحجاج سريره فِي المسجد، ثُمَّ دعا النَّاس بعد الجماجم بسنتين فأعطاهم عطاءين للسنة الأولى والثانية. وعزل الحجاج عمارة بْن تميم اللخمي وولى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سليم الْكَلْبِيّ ثغر سجستان فظفر عَبْد الرَّحْمَنِ بعطية بْن عَمْرو العنبري وخرشة، وكانا متحصنين فِي القلعة وبعث بهما إِلَى الحجاج، فقتلهما وصلبهما عَلَى بابي منزليهما. قالوا: وَكَانَ منادي الحجاج حين هزم أَهْل دير الجماجم نادى: من لحق بقتيبة بْن مسلم فهو آمن، فلحقت بِهِ جماعة.

أمر الشعبي

أمر الشَّعْبِيّ وَكَانَ منهم عامر بْن شراحيل الشَّعْبِيّ وَكَانَ قتيبة بالري، وسأل الحجاج عَن الشَّعْبِيّ فأخبره يَزِيد بْن أَبِي مسلم، مولى الحجاج، بمصيره إِلَى قتيبة، فكتب إِلَى قتيبة بإشخاصه فلما قدم بِهِ استشار ابْن أَبِي مسلم فِي أمره فَقَالَ: مَا أدري مَا أشير بِهِ، غير أن أعتذر مَا استطعت، فلما دخل عَلَى الحجاج سلم بالإمرة ثُمَّ قَالَ: أيها الأمير إن النَّاس أمروني أن أعتذر إليك بغير الحق، وأيم اللَّه لا قلت فِي مقامي هذا إلا حقا، قد والله سعرنا عليك الحرب واجتهدنا كل الجهد فما ألونا، ولقد نصرك اللَّه عَلَيْنَا وظفرك بنا، فإن سطوت عَلَيْنَا فبذنوبنا وما كسبت أيدينا، وإن عفوت فبحلمك عنا وبعد الحجة عَلَيْنَا. فَقَالَ: أنت والله أحب إلي قولا ممن يدخل عَلَيْنَا وسيفه يقطر من دمائنا فيقول والله مَا فعلت ولا شهدت، فقد أمنت عندنا يَا شعبي فانصرف، قَالَ الشَّعْبِيّ: ثُمَّ دعاني فارتعت حَتَّى ذكرت قوله أنت آمن عندنا فاطمأننت، فلما دخلت عَلَيْهِ قَالَ: هيه يَا شعبي. فقلت: أصلح اللَّه الأمير، أوحش الجناب وأحزن المنزل ونبا بنا، واستشعرنا الخوف، واكتحلنا السهر، واستحلسنا

البلاء، وفقدنا الصالحين من الإخوان- أو قَالَ صالحي الإخوان- وشملتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء، وما أعتذر إِلَى الأمير إلا أكون شيعت عَلَيْهِ، وقد كنت أكتب إِلَى يَزِيد بْن أَبِي مسلم بعذري وأعلمه حالي فصدقه يَزِيد. فَقَالَ الحجاج: قد قبلت عذرك يَا شعبي، وأمر بعطائه فرد عَلَيْهِ وَقَالَ: انصرف مصاحبا. حَدَّثَنَا يوسف بْن موسى القطان عَن جرير عَن مغيرة قَالَ: دخل الشَّعْبِيّ عَلَى الحجاج فَقَالَ لَهُ: مَا الَّذِي نقمت؟. قَالَ: لا يسألني الأمير مَا نقمت ولكن ليسلني لم بطرت. حَدَّثَنِي عمر بْن شبة، ثنا حفص بْن إسماعيل عَن عيسى الحناط قَالَ: لما ظهر الحجاج عَلَى ابْن الأشعث، جعل يؤتى بالناس فأتي بالشعبي فَقَالَ: هيه يَا شعبي. قَالَ: أصلح اللَّه الأمير، أجدب الجناب واعترانا السهر، وامتلأنا رعبا، وأتينا فتنة لم نكن فيها أبرارا أتقياء ولا فجارا أقوياء. قَالَ: صدق الشَّعْبِيّ، خلو سبيله. وروي عَن مخلد بْن الحسن عَن أسماء بْن عبيد عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: هربت من الحجاج فأتيت المدينة. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عن مجالد عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: لما انهزم ابْن الأشعث ضاقت بي الأرض وكرهت ترك عيالي وولدي، فأتيت يَزِيد بْن أَبِي مسلم، وَكَانَ لي صديقا، وكانت الصداقة تنفع عنده، فقلت: قد صرت إِلَى مَا ترى؟ قَالَ: إن الحجاج لا يكذب ولا يخدع ولكن قم بين يديه وأقر بذنبك واستشهدني عَلَى مَا شئت، قال: فو الله مَا شعر الحجاج إلا وأنا قائم بين يديه فَقَالَ: أعامر؟ قلت: نعم أصلح اللَّه الأمير. قال: ألم أقدم

العراق فأحسنت إليك ووفدتك إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ واستشرتك؟ قلت: بلى. قَالَ: فأنى كنت فِي هذه الفتنة؟ قَالَ: استشعرنا الخوف، واكتحلنا السهر، وأحزن بنا المنزل وأوحش الجناب وفقدنا صالحي الإخوان وشملتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء، وقد كنت أكتب إِلَى يَزِيد بْن أَبِي مسلم بعذري. فصدقه يَزِيد، فَقَالَ الحجاج: هذا، لا من ضربنا بسيفه ثُمَّ جاءنا بالأحاديث كَانَ وَكَانَ. حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُعَلَّمِ الرَّقِّيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَتَى بِي الْحَجَّاجُ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْبَابِ لَقِيَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ يَا شَعْبِيُّ لِمَا بَيْنَ كَفَّيْكَ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ بِيَوْمِ شَفَاعَةٍ، بُؤِ الأَمِيرَ بِالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ عَلَى نَفْسِكَ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ تَنْجُوَ، ثُمَّ لَقِيَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَةِ يَزِيدَ. فَقَالَ لِي الْحَجَّاجُ: وَأَنْتَ يَا شَعْبِيُّ فِيمَنْ خَرَجَ عَلَيْنَا؟. فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ، أَحْزَنَ بِنَا الْمَنْزِلُ، وَأَجْدَبَ الْجِنَابُ، وَضَاقَ الْمَسْلَكُ، وَاكْتَحَلْنَا السَّهَرَ وَاحْتَلَسْنَا الْخَوْفَ وَوَقَعْنَا فِي خِزْيَةٍ لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أَقْوِيَاءَ. فَقَالَ: صَدَقَ وَاللَّهِ، مَا بَرُّوا بِخُرُوجِهِمْ وَلا قَوَوْا بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَيْنَا إِذْ فَجَرُوا، أَطْلَقَ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: مَا تَقُولُ فِي أُمٍّ وَأُخْتٍ وَجَدٍّ. قُلْتُ: اخْتَلَفَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. قَالَ: مَا قَالَ فِيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ إِنْ كَانَ لَمُتْقِنًا؟. قُلْتُ: جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا فَأَعْطَى الأُمَّ الثُّلُثَ وَلَمْ يُعْطِ الأُخْتَ شَيْئًا. قَالَ: فَابْنُ مَسْعُودٍ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ فَأَعْطَى الأُخْتَ النِّصْفَ ثَلاثَةً، وَالْجَدَّ الثُّلُثَ اثْنَيْنِ،

وَالأُمَّ سُدُسًا. قَالَ: فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا أَثْلاثًا. قَالَ: فَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا مِنْ تِسْعَةٍ، أَعْطَى الأُمَّ الثُّلُثَ ثَلاثَةَ وَالْجَدَّ أَرْبَعَةً، وَالأُخْتَ اثْنَيْنِ. قَالَ: فَأَبُو تُرَابٍ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ، أَعْطَى الأُخْتَ النِّصْفَ ثَلاثَةً، وَالأُمَّ الثُّلُثَ، وَالْجَدَّ السُّدُسَ. فَقَالَ: مُرُوا الْقَاضِيَ أَنْ يُمْضِيَهَا عَلَى قَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: فارق ابْن الأشعث عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة فأتى زابلستان فأقام بِهَا برهة من دهره، ثُمَّ صار إِلَى خراسان فحبسه قتيبة بْن مسلم، وخرج ابنه أَبُو بكر بْن عبيد اللَّه إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فطلب لَهُ الأمان فأمنه وكتب بِذَلِكَ إِلَى الحجاج، فرتب الحجاج أمره، وبعث إِلَى قتيبة رسولا ودفع إِلَيْهِ زبيبة وَقَالَ: ضعها فِي يد قتيبة ثُمَّ اغمز عَلَيْهَا، ففعل، فبعث قتيبة إِلَى عبيد اللَّه من غمه حَتَّى قتله- وكتب الحجاج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ أن رسوله وافاه وقد مات. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: لما هزم ابْن الأشعث من مسكن هرب عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة إِلَى خراسان فاستخفى بِهَا فعلم بِهِ يَزِيد بْن المهلب فأخذه وحبسه، وَكَانَ قد فارق ابْن الأشعث. فلما عزل يَزِيد وولي المفضل بْن المهلب كتب إِلَيْهِ الحجاج فِي قتله، فكتب إِلَيْهِ: «إنه لما بِهِ، وستكفاه بغير قتله» ، فلما ولي قتيبة خراسان ومات عَبْد الْمَلِكِ خرج أَبُو بَكْر بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَنِ إِلَى الوليد فكلمه فِي أبيه فكتب إِلَى الحجاج بأمانه، وبلغ الحجاج الخبر فسبق بتوجيه رجل إِلَى قتيبة فقتله ودفنه.

أمر سعيد بن جبير

أمر سعيد بْن جبير حَدَّثَنِي عدة من المشايخ قالوا: سمعنا أبا نعيم الفضل بْن دكين يقول: خرج مَعَ ابْن الأشعث من أَهْل الْكُوفَة: سعيد بْن جبير، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوسجة، والشعبي، وذر، وطلحة بْن مصرف، وعَبْد اللَّهِ بْن شداد، وَأَبُو البختري الطائي، والحكم بْن عتيبة، وعون بْن عَبْد اللَّهِ فيما يقال، ومن أَهْل البصرة: مُسْلِم بْن يسار، وجابر بْن زَيْد أَبُو الشعثاء الأزدي، وعقبة بْن عَبْد الغافر، وقتل مَعَهُ، وَأَبُو الجوزاء وقتل مَعَهُ، وعَبْد اللَّهِ بْن غالب وقتل مَعَهُ، وعقبة بْن وساج، وطلق بْن حبيب، وَأَبُو شيخ الهنائي، من الأزد، واسمه خيوان بْن خالد. وَقَالَ أَبُو نعيم: كَانَ مَعَ ابْن الأشعث ثمانون ألف فارس ومائة واثنان وعشرون ألف راجل. قالوا: وَكَانَ خالد بْن عَبْد اللَّهِ القسري عامل الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ سعيد بْن جبير هرب إِلَى مَكَّة فاستخفى بِهَا حَتَّى مات عَبْد الْمَلِكِ ثُمَّ ظهر، فكتب الحجاج إِلَى خالد فِي إشخاصه وإشخاص طلق بْن حبيب العنزي، فأشخصهما إليه فقتلهما.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: أخذ سعيد بْن جبير خالد بْن عَبْد اللَّهِ القسري بِمَكَّةَ فحمله إِلَى الحجاج مَعَ إسماعيل بْن أوسط البجلي، فَقَالَ لَهُ: ألم أقدم العراق فأكرمتك؟ وذكر لَهُ أشياء فعلها بِهِ، فَقَالَ: بلى، قَالَ: فما أخرجك علي. قَالَ: كانت لابن الأشعث بيعة فِي عنقي وعزم علي، فغضب وَقَالَ: رأيت لعدو اللَّه الحائك عزمة لم ترها لله ولخليفته ولي؟ والله لا أرفع قدمي حَتَّى أقتلك وأعجل بك إِلَى النار، قَالَ: إذا أخاصمك بين يدي اللَّه، قَالَ: أنا أخصمك، قَالَ: إن الحاكم يومئذ غيرك، فأمر بقتله، فقام إِلَيْهِ مسلم الأعور ومعه سيف عريض حنفي، فضرب بِهِ عنقه. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبان الواسطي عَن جرير بْن حازم، وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ وَهْبِ بْنِ جرير عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ أن الحجاج وجه سعيد بْن جبير فِي جيش الطواويس وأعطاه ألفي ألف درهم، وولاه نفقات الجيش وَقَالَ لَهُ: إذا رأيت خللا فسده، ومن كَانَ من ضعيف فاحمله، ومن جريح فانفق عَلَيْهِ، وولاه أمر الغنائم إذا غنم الجيش، فخرج عَلَيْهِ مَعَ ابْن الأشعث، وَكَانَ يقول: مَا خرجنا عَلَيْهِ حَتَّى كفر بالله. الْمَدَائِنِيّ عَن جرير بْن حازم قَالَ: قَالَ سعيد بْن جبير: أليس كافر بالله من زعم أن عَبْد الْمَلِكِ أكرم عَلَى اللَّه من مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْمَدَائِنِيّ عَن يَحْيَى بْن زكرياء عَن سالم الأفطس قَالَ: لما قتل الحجاج سعيد بْن جبير عرفوا تغير عقله لأنه قتله، ثُمَّ قَالَ: قيود، ثُمَّ دعا بِهَا ليقيده. حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن الْمُقْرِئ، حَدَّثَنِي علي بْن نصر الجهضمي قَالَ: كَانَ خالد بْن خليفة يحدث عَن بواب الحجاج قَالَ: ضربت عنق سعيد بْن جبير فبدر رأسه وهو يقول: لا إله إلا الله.

الْمَدَائِنِيّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن مروان قَالَ: لما أمر الحجاج بقتل سعيد بْن جبير جاءت خالة لَهُ فدفع إليها يده فقبلتها، وَقَالَ لَهُ الحجاج حين أدخل عَلَيْهِ: أنت شقي بْن كسير. قَالَ: لا بل سعيد بْن جبير. قَالَ: ألم أصنع بك؟ ألم أكرمك، ألم أولك ألم أأتمنك؟. قَالَ: بلى. قال: فواله لأقتلنك. قَالَ: إذا أخاصمك غدا. قَالَ: إذا أخصمك يَا عدو اللَّه. فضحك سعيد، فَقَالَ: مَا يضحكك؟. قَالَ: التعجب من جرأتك عَلَى اللَّه. الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي مريم صاحب الدستوائي قَالَ: رأيت سعيد بْن جبير مقيدا بِمَكَّةَ، واستأذن خالد بْن عَبْد اللَّهِ فِي توديع البيت، فأذن لَهُ فطاف أسبوعا وهو مقيد، وقد اتكأ علي، أو قَالَ عَلَى رجل، فَقَالَ: اللهم إن كنت قضيت للحجاج قتلي فاجعل ذَلِكَ كفارة لذنوبي. الْمَدَائِنِيّ عَن مُحَمَّد بْن ذكوان قَالَ: أخذ سعيدا عَبْد اللَّهِ بْن أسد ابْن أخي خالد فَقَالَ لَهُ: قد كنت أكره أن يجري أمرك عَلَى يدي. قَالَ: فهلا إذ كرهت ذَلِكَ قلت كما قَالَ العَبْد الصالح: إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ليقتلوك [1] . وَكَانَ الكرى [2] الَّذِي حمل سعيد بْن جبير زيد بْن مسروق اليربوعي، وَالَّذِي أدخله إِلَى الحجاج إسماعيل بْن أوسط البجلي. الْمَدَائِنِيّ عَن رجل عَن عَمْرو بْن أَبِي وحشية قَالَ: رأيت رأس سعيد بْن جبير فِي فم كلب يعدو به بين الأطناب.

_ [1] سور- القصص- الآية: 20. [2] الكرى مفرد الأكرياء. القاموس.

الْمَدَائِنِيّ عَن عَمْرو بْن هِشَام قَالَ: قيل لسعيد بْن جبير: إن الحجاج إذا أخذ رجلا كان مع ابْن الأشعث فأقر لَهُ بالكفر، خلى سبيله، وإن الحسن [1] قَالَ يدفع عَن نفسه، فَقَالَ سعيد بْن جبير: يرحم اللَّه أبا سعيد، لا تقية فِي الإسلام. الْمَدَائِنِيّ عَن جرير بْن حازم عَن واصل عَن عَبْد اللَّهِ بْن سعيد بْن جبير قَالَ: قتل أَبِي وله تسع وأربعون سنة. وَحَدَّثَنَا عفان بْن مسلم، ثنا هشيم، أَنْبَأَنَا أَبُو بشر عَن سعيد بْن جبير قَالَ: أنا ممن أنعم اللَّه عَلَيْهِ ببني أسد. الْمَدَائِنِيّ عَن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَن عَبْد الْمَلِكِ بْن أَبِي سُلَيْمَان قَالَ: رأى خالد بْن عَبْد اللَّهِ سعيد بْن جبير وطلق بْن حبيب العنزي ورجالا يطوفون بقيودهم فَقَالَ: مَا هؤلاء؟ قَالَ: الأسراء الذين أمرت بحملهم قَالَ: امنعوهم من الطواف. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْن شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النبيل عَن رجل عَن جرير عَن مغيرة أن الحجاج كَانَ يعرف سعيد بْن جبير فسأله مالخبر، فَقَالَ سعيد: تركت الخمر تباع بالكوفة ظاهرة، ويباع الحكم بالرشا، فَقَالَ الحجاج: والله لئن وليت لأغيرن، فلما قدم رد شريحا عَلَى القضاء، ومنع أن تباع الخمر. الْمَدَائِنِيّ عَن جرير بْن حبيب بْن أَبِي عمرة أن الحجاج أمر سعيد بْن جبير أن يصلي بالناس فِي شهر رمضان، فصلى بهم فكساه الحجاج برنوس خزّ أسود فلبسه.

_ [1] الحسن البصري.

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النبيل، أَنْبَأَنَا عَمْرو بْن قيس قَالَ: كتب الحجاج إِلَى الوليد: «إن قوما من أَهْل الشقاق والنفاق قد لجأوا إِلَى مَكَّة، فإن رأى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أن يأذن لي فيهم» ، فكتب الوليد إِلَى خالد بْن عَبْد اللَّهِ القسري فيهم، فأخذ عطاء، وسعيد بْن جبير، ومجاهدا، وطلق بْن حبيب، وعمرو بْن دينار. فأما عطاء وعمرو فخليا، وأما الآخرون فبعث بهم إِلَى الحجاج، فمات طلق فِي الطريق، وحبس مجاهد حَتَّى مات الحجاج، وقتل الحجاج سعيد بْن جبير. حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُحَمَّد النَّاقِد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْن أَبِي سُلَيْمَان قَالَ: أخذ خالد القسري سعيد بْن جبير، وطلق بْن حبيب، وحبيب بْن أَبِي ثابت، وأصحابهم فقيدوا، فكانوا يطوفون بالبيت فِي قيودهم. قالوا: وبعث إِبْرَاهِيم إِلَى سعيد فِي السر: إن القوم لن يستحيوك فاصلب لهم. حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْن الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بن زياد عَن الربيع بْن أَبِي صالح قَالَ: دخلت عَلَى سعيد بْن جبير حين جيء بِهِ فبكيت فَقَالَ: مَا يبكيك؟ قلت: الَّذِي أرى بك، قَالَ: فلا تبك فإن هذا كَانَ فِي علم اللَّه، وقرأ: مَا أَصَابَ مِنْ مصيبة إلى قوله: نبرأها [1] . الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي بكر بْن عياش، عَن عاصم بْن بهدلة قَالَ: مَا تكلم سعيد بشيء وذلك أنه كره المثلة.

_ [1] سورة الحديد- الآية: 22.

حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِي بكر بْن عياش عَن يَزِيد بْن أَبِي زياد قَالَ: لما جيء بسعيد جعل يحدثنا لا ننكر منه شيئا، حَتَّى جاءت ابنته فتحرك فانكشفت قيوده، فبكت الجارية فَقَالَ سعيد: اسكتي يا بنية، لا تغمي أباك. فهذا أكثر مَا رأينا منه. حَدَّثَنِي حفص عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَن ابْن عياش قَالَ: قَالَ الحجاج لسعيد: أكفرت بخروجك؟ قَالَ: مَا كفرت مذ آمنت. قَالَ: اختر أي قتلة أقتلك. قَالَ: اختر أنت لنفسك أي القصاص شئت فإن القصاص أمامك، فقتله، فما قتل أحدا بعده. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَهْبُ بْن جرير عَن أبيه عَن المفضل بْن سويد قَالَ: جيء بسعيد بْن جبير فقمت عَلَى رأس الحجاج، فَقَالَ لَهُ الحجاج: ألم أشركك فِي أمانتي، ألم أستعملك، ألم أفعل ألم أفعل؟. قَالَ: بلى. قَالَ: فما حملك عَلَى خروجك علي؟ قَالَ: عزم علي الرجل. فَقَالَ: رأيت لعزمة عَبْد الرَّحْمَنِ حقا ولم تر لله ولا لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ ولا لي عليك حقا؟!! اضرب عنقه، فضربت عنقه فندر رأسه وعليه كمة بيضاء لا طية صغيرة. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ سَلم بْن قُتَيْبَة: كنت عند الحجاج فَقَالَ لسعيد: أخرجت علي؟ قَالَ: كانت للرجل فِي عنقي بيعة. قَالَ: أتفي لعدو اللَّه ولا تفي لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟. اضرب عنقه، فضربت عنقه فسال منه دم كثير. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُفْيَانُ بْن عيينة عَن سالم بْن أَبِي حفص قَالَ: لما أدخل سعيد بْن جبير عَلَى الحجاج قَالَ: أنت شقي بْن كسير؟. قَالَ: لا بل أنا سعيد بْن جبير. قَالَ: أما والله لأقتلنك، قَالَ: إني

إذا لكما سمتني أمي سعيد، دعوني أصلي ركعتين. فَقَالَ: وجهوه إِلَى قبلة النصارى. قَالَ: أينما تولوا فثم وجه الله [1] . وَحَدَّثَنِي علي بْن الْحُسَيْن بْن عرفة عَن أبيه عَن الحارث بْن أَبِي الزُّبَيْر المدني عَن عَبْد العزيز بْن زمعة العامري حديثا طويلا اختصرته، أن الحجاج أرسل إِلَى سعيد بْن جبير فأتي بِهِ فلما دخل عَلَيْهِ قَالَ: أنت شقي بْن كسير؟ قَالَ: أنا سعيد بْن جبير. قَالَ: أنت شقي بْن كسير. قَالَ: أمي كانت أعلم باسمي منك، فَقَالَ لصاحب عذابه: أسمعني صوته فعذبه صاحب العذاب فلم يسمع لَهُ الحجاج صوتا فَقَالَ لَهُ: ألم آمرك أن تصب عَلَيْهِ العذاب حَتَّى تسمعني صوته؟ قَالَ: قد عذبته بألوان العذاب فلم أر أصبر منه قط. فدعا بِهِ الحجاج فَقَالَ: أو تصبر عَلَى عذابي؟. قَالَ: إن من ذكر عذاب اللَّه هان عَلَيْهِ عذابك. فَقَالَ: لألحقنك بأمك الهاوية، فَقَالَ سعيد: لو علمت أن ذَلِكَ إليك لاتخذتك إلها دون اللَّه. ثُمَّ أمر بِهِ أن يقتل فتبسم، فَقَالَ لَهُ: ألم تقل لي أنك لم تضحك قط؟. قَالَ: ضحكت للتعجب من جرأتك عَلَى اللَّه واغترارك بحلمه. وانحرف إِلَى القبلة فعدل بِهِ عنها فَقَالَ: أينما تولوا فثم وجه الله. وَقَالَ سعيد: اللهم لا تمهله، فقدم فضربت عنقه، ويقال ذبح ذبحا، فأخذ الحجاج الزمهرير، وقرح جوفه حَتَّى كانت القديدة تدلى فِي حلقه ثُمَّ تجبذ فيخرج فيها الدود وهو يصيح: مالي ولسعيد بْن جبير، فلم يزل كذلك حَتَّى مات.

_ [1] سورة البقرة- الآية: 115.

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ أَبِي بكر بْن عياش عَن يَزِيد بْن أَبِي زياد قَالَ: لما دخل سعيد بْن جبير عَلَى الحجاج أمر بِهِ أن يقتل فنهض رجل من أَهْل الشام فَقَالَ لَهُ: ألصق بالمنكبين. حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد النحوي المعروف بالتوزي عَن أَبِي عبيدة عَن يونس النحوي قَالَ: لما أتي بسعيد بْن جبير قَالَ الحجاج: لعن اللَّه ابْن النصرانية- يعني خالد بْن عَبْد اللَّهِ- والله لقد كنت أعرف مكانه ولوددت أنه بعث بغيره ولم يبعث بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا أخرجك علي؟. فَقَالَ: أنا رجل من النَّاس أخطئ وأصيب. قَالَ: ألم أكرمك؟. قَالَ: بلى. قَالَ: فما حملك علي مَا فعلت؟ قَالَ: كانت للرجل فِي عنقي بيعة. فاستشاط الحجاج غضبا وَقَالَ: أفلم تكن لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي عنقك بيعة ثُمَّ، أخذتها عليك بالكوفة؟. قَالَ: بلى. قَالَ: فنكثت بيعة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ووفيت ببيعة ابْن الحائك. اضربا عنقه. فذلك قول جرير بْن عطية: يَا رب ناكثِ بَيْعَتَيْنِ تركتَه ... وخضاب لحيته دم الأوداج [1] وَقَالَ أَبُو عبيدة: أتي الحجاج بسعيد بْن جبير وهو يريد الركوب، فَقَالَ: والله لا أركب حَتَّى تتبوأ مقعدك من النار، اضربوا عنقه. فضربت عنقه، فخولط والتبس عقله مكانه فجعل يقول: قيودنا قيودنا. فظنوا أنه يقول: القيود التي عَلَى سعيد، فقطعوا رجليه من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود. حَدَّثَنِي شجاع بْن مخلد الفلاس، ثنا جَرِير بْن عَبْد الحميد عَنِ المغيرة قَالَ: كَانَ الحجاج يقول حين قتل سعيد بْن جبير: ولع يا لك من ولع [2] .

_ [1] ديوان جرير ص 74. [2] ولع: استخف، وكذب، وبحقه ذهب. القاموس.

حَدَّثَنِي عمر بْن شبه، ثنا عبيد بْن جناد عَن عطاء بْن سالم قَالَ: لما قتل سعيد بْن جبير قَالَ ميمون بْن مهران: مَا أدري بما أكافئ أخي إلا بأن أتزوج ابنته، فأقدم عَلَى سيف الحجاج. وانطلق فتزوج ابنة سعيد بالكوفة، وقدم بِهَا الرقة. قَالَ عطاء: فمضيت حَتَّى رأيتها فإذا امرأة مسنة جليلة عابدة قاعدة فِي مسجدها، فالتمست عندها حديثا فلم أجده. وَقَالَ عبيد بْن جناد: وَكَانَ فِي الطريق أَهْل مسلحة يمنعون النساء فجلس إليهم ميمون فألقى تحت مصلى لهم ثلاثمائة درهم ثُمَّ قَالَ: معي امرأة، فَقَالُوا: وهل يمنع مثلك، امض راشدا. حَدَّثَنَا أَبُو أيوب المؤدب الرقي، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مصفى عَن الوليد بْن مسلم، ثنا عَبْد الْمَلِكِ بْن مُحَمَّد قَالَ: سمعت ثابت بْن مُحَمَّد يقول: هرب سعيد بْن جبير من الحجاج فكان عندي سنين أو قَالَ سنتين. حَدَّثَنَا عُمَر بْن شَبَّةَ عَنْ أَبِي عَاصِم النَّبِيلِ، حَدَّثَنِي شيخ من أَهْل مَكَّةَ قَالَ: كَانَ رجل من أَهْل مَكَّةَ ضعيفا فمازحه سعيد وهو يطوف، أو قَالَ: زحمه. فَقَالَ: أنت تفر من الحجاج وتجيء إِلَى ههنا. فضربه عكرمة بْن خالد وناس من قريش حَتَّى كاد ينبسط. حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: قيل ليزيد بْن زياد: هل كَانَ سعيد يحدث؟ قَالَ: نعم ويضحك غير أني رأيت ابنته جاءت فجلست فِي حجره فسمعت حركة القيود فبكت فَقَالَ: مه، قَالَ: وأخذ بكفلاء لئلا يلقي نفسه فِي الفرات إذا مر بِهِ فكنت من كفل بِهِ فِي آخرين.

حَدَّثَنِي عمر بْن شبه عَن مُحَمَّد بْن حاتم: عَن القاسم بْن مالك، ثنا أَبُو الجهم قَالَ: دخل عَلَيْنَا سعيد بْن جبير الديماس [1] ولم يكن لكل واحد منا فيه مقعد إلا قدر مَا يمد رجله، فأوسعت لَهُ إِلَى جنبي فلما كَانَ يوم أخرج ليقتل قَالَ لي: شد علي ثيابي، قَالَ: فشددت عَلَيْهِ بركتي [2] قباء كَانَ عَلَيْهِ من خلفه وخرج بِهِ فقتل. حَدَّثَنِي عمر بْن شبه عَن عَبْد الْمَلِكِ بْن عَبْد اللَّهِ القطان عن هلال بن جناب قال: جيء بسعيد إِلَى الحجاج فَقَالَ لَهُ: والله لأقتلنك. قَالَ: إني إذا لسعيد كما سمتني أمي. قَالَ: فقتله فلم يلبث بعده إلا نحوا من أربعين يوما فكان إذا نام يراه فِي منامه يأخذ بمجامع ثوبه ويقول: يَا عدو اللَّه فيم قتلتني؟ فيقول: مَا لي ولسعيد بْن جبير. وَحَدَّثَنِي عمر عَن مُحَمَّد بْن حاتم عَن القاسم بْن مالك عَن رجل من أَهْل هجر عَن عَبْد الْمَلِكِ بْن سعيد بْن جبير قَالَ: لما قدم سعيد بْن جبير عَلَى الحجاج قَالَ: أنت شقي بْن كسير؟ قَالَ: أنا سعيد بْن جبير. قَالَ: والله لأقتلنك. قَالَ: إذا ألقى اللَّه بعملي وتلقاه بدمي، لقد أصابت أمي إذا إذ سمتني سعيدا، فَقَالَ الحجاج: يَا حرسي اضربه ضربة عَلَى حبل عاتقه تخالط رئته، قَالَ: فأذن لي أصلي ركعتين، قَالَ: صل. فلما توجه إِلَى القبلة فَقَالَ اللَّه أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، قَالَ الحجاج: لا، إلا إِلَى قبلة النصارى، فَقَالَ سعيد: أينما تولّوا فثمّ وجه الله فصلى، ثُمَّ ضربه الحرسي ضربة خالطت رئته.

_ [1] الديماس سجن للحجاج لظلمته. القاموس. [2] البركة: برد يماني. القاموس.

وقال الفضل بْن دكين أَبُو نعيم: قتل سعيد فِي سنة خمس وتسعين وهو ابْن تسع وأربعين سنة. وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود الْكُوفِيّ عَن عوانة قَالَ: لما أخذ الأعراب عَبْد اللَّهِ بْن إِسْحَاق بْن الأشعث فأتوا بِهِ عَبْد الْمَلِكِ قَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ وقد أدخل عَلَيْهِ بحمص: ألم أقدم الْكُوفَة حين قتلت مصعبا فوجدتك في ستمائة من العطاء فبلغت بك ألفين، ووليت بشرا أخي الْكُوفَة فأمرته أن يجعلك فِي صحابته، وحملتك عَلَى دابة من دواب رجلي وخلعت عليك ثيابا من ثياب بدني؟. قَالَ: بلى. قَالَ: ثُمَّ بلغني أن بشرا غضب عليك فِي حمقة من حمقاتك، فإنك من أَهْل بيت حمق ولؤم، فأغزاك أصبهان فكتبت إِلَيْهِ أعزم عَلَيْهِ أن يقفلك ويعيدك إِلَى حالك ففعل؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فلعنتني عَلَى منبر البصرة وشتمتني عَلَى منبر الْكُوفَة وأخذت رسولي فقطعت يديه ورجليه وصلبته منكوسا؟ قَالَ: بلى. قَالَ: فأنت ترجو الهوادة عندي لا أم لك. وتمثل: أبعد الذي بالنعف نعف كويكب [1] ... رهينة رمس من تراب وجندل أذكر بالبقيا عَلَى من أصابه ... وبقياي أني جاهد غير مؤتل أنختم عَلَيْنَا كلكل الحرب مرة ... فنحن منيخوها عليكم بكلكل

_ [1] النعف: ما انحدر من حزونة الجبل، وارتفع من منحدر الوادي، ومن الرملة: مقدمها وما استرق منها. وكويكب: مسجد بين تبوك والمدينة للنبي صلى الله عليه وسلم. القاموس.

قم يَا عتاب بْن مسروق فاضرب عنقه، ودع عَلَيْهِ من ثيابه مَا يواري عورته. فَقَالَ: قد أمنني عَبْد العزيز، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: مَا يقول؟ فأخبر بِهِ، فَقَالَ: كذب ولو أمنه لم أجز أمانه، فضربت عنقه. قَالَ ابْن شبه فِي روايته: وأتي عَبْد الْمَلِكِ بالمسور بْن مخرمة بْن عوف الْكَلْبِيّ فَقَالَ: ألم يأتني بك الأصبغ يدعيك عبدا، فقلت أرى جلدة عربية ولأن يكون لك ابْن عم خير من أن يكون لك عبدا، فأثبت نسبك وفرضت لك في أربعمائة، ثُمَّ أصحبتك للوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ حين أغزيته وأمرته أن يجعلك من البشراء؟. قَالَ: بلى. قال: قم يا أبا العباس فاضرب عنقه. ففعل. ثُمَّ أتي بابن عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد الْخَطْمِيّ، من الأنصار، فَقَالَ لَهُ: من أنت؟ قَالَ: أنا ابْن عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الْخَطْمِيّ. قَالَ: من أَهْل بيت سبابة؟ قَالَ: اقبل فِي وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأنصار أن يقبل من محسنهم ويعفى عَن مسيئهم. فَقَالَ: خلوا سبيله. وأتي بغطيس الجهني ومعه ابْن لَهُ يتعلق بِهِ وهو يقول: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَبِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي، فرحمه وَقَالَ: قد وهبتك لابنك.

(اخبار عبد الملك

(من) (أخبار عَبْد الْمَلِكِ ) الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم قَالَ: دخل عروة بْن الزُّبَيْرِ عَلَى عَبْد الْمَلِكِ وعنده الحجاج، فكلم عروة عَبْد الْمَلِكِ بكلام فيه بعض الغلظة، فَقَالَ لَهُ الحجاج: يا بن العمياء، أتقول هذا لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ عروة: وما أنت وهذا يا بن المتمنية، يعني أن الفارعة بِنْت همّام بْن عروة بْن مَسْعُود، وهي أم الحجاج تمنت أنها عَلَى سطح فياح وعندها نصر بْن حجاج فقالت: هل من سبيل إِلَى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج الْمَدَائِنِيّ عَن علي بْن سليم عَن مُحَمَّد بْن علي الكناني قَالَ: حج عَبْد الْمَلِكِ فأتى الطائف فسايره أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هشام، وعبد الرَّحْمَنِ بْن أم الحكم أخت مُعَاوِيَة، فذكر ابْن أم الحكم الطائف ففضلها وفضل أهلها، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، جاء الإسلام وفينا من قريش عدة نساء فكثر، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لأبي بكر: مَا تقول؟ فَقَالَ: إذا لا تجد فيهن مغيرية، فَقَالَ ابْن أم الحكم: نحن أعلم بقومنا، إنا نعتام الكرام لمناكحنا، ونأتي الأودية من ذروتها ولا نأتيها من أذنابها. فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: قاتلك اللَّه فما أسبّك.

الْمَدَائِنِيّ قَالَ: جرت بين عَبْد الْمَلِكِ وبين عَمْرو بْن سعيد منازعة فِي شيء، فأغلظ لَهُ عَمْرو بْن سعيد، فَقَالَ خالد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ: إن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لا يكلم مثل هذا الكلام، فقال: اسكت، فو الله لقد سلبوك ملكك وغلبوك عَلَى أمرك فما كَانَ عندك نكير فما هذه النصيحة لَهُ، أنت والله كما قَالَ الشاعر: ومرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بنيها فلم ترفع بِذَلِكَ مرفعا وَقَالَ الهيثم بْن عدي: لما أمر عَبْد الْمَلِكِ بقتل عَمْرو بْن سعيد شاور خالد بْن يَزِيدَ فيه فَقَالَ لَهُ: اقتله، فَقَالَ عمرو: اسكت فو الله لقد سلبت ملكك ونيكت أمك فما عندك نكير، فما هذه النصيحة؟ فَقَالَ: أما أنت فقد وقعت فِي الأنشوطة فانظر كيف تخلص، وإنما أنت كما قَالَ الأول: أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ لثابت بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ: أبوك كَانَ أعلم بكم حيث كَانَ يشتمكم. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أتدري لم كَانَ يشتمني؟، إني نهيته أن يقاتل بأهل مَكَّة وأهل المدينة، لأن أَهْل مَكَّةَ أخرجوا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخلفوه، ثُمَّ جاؤوا إِلَى المدينة فأخرجهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها وسيرهم، يعرض بالحكم بْن أَبِي العاص. وأما أَهْل المدينة فخذلوا عثمان حَتَّى قتل بينهم لم يروا أن يدفعوا عنه. المدائني عن مسلمة بن محارب عن بشير بْن عبيد اللَّه إِن عُمَر بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر دخل عَلَى عَبْد الْمَلِكِ وعليه جبة حبرة مصدأة، عَلَيْهَا أثر الحمائل فَقَالَ لَهُ أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد: يَا أبا حفص أي رجل أنت لو كنت من غير من أنت منه من قريش؟ قَالَ: مَا أحب أني من غير من

أنا منه، إن منا لسيد النَّاس فِي الجاهلية عَبْد اللَّهِ بْن جدعان، ومنا سيد النَّاس فِي الإسلام بعد رسول اللَّه أَبُو بكر الصديق، وما هذه يدي عندك، إني استنقذت أمهات أولادك من عدوك وهن حبالي فولدن فِي حجالك، يعني استنقاذه إياهن من أَبِي فديك بالبحرين. وَقَالَ أمية لعَبْد الْمَلِكِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن هذا دهره الامتنان علي، وهو كما قال الشاعر: فو كنت كذئب السوء لما رَأَى دمًا ... بصاحبه يومًا أحال عَلَى الدم وأنشد عمر: ولو كنت صلب العود أو كابن معمر ... لخضت حياض الموت والليل مظلم فتبسم عَبْد الْمَلِكِ وَقَالَ: قل لَهُ كما قَالَ لك. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أجرى عَبْد الْمَلِكِ الخيل فسبق عباد بْن زياد فَقَالَ الشاعر: سبق عباد وصلى [1] وثلث ... بخيله تلك الخفيفات الجثث فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: سبق عباد وصلت لحيته ... وَكَانَ خرازا يجود قربته قَالَ: ويقال! إن عبادا كَانَ خرازا ثُمَّ ادعاه زياد بعد، وَكَانَ باع أمه وهي حامل بِهِ ثُمَّ أقر بعد أنه ولده، فشكا عباد قول عَبْد الْمَلِكِ إِلَى خَالِد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ فَقَالَ خالد: والله لأضعنك منه بحيث يكره، فزوجه أخته، فكتب الحجاج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ: إن مناكح آل أبي سفيان قد ضاعت،

_ [1] أي جاء تاليا للسابق. القاموس.

فأخبر عَبْد الْمَلِكِ خالدا بكتاب الحجاج فَقَالَ خالد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أعلم امرأة منا ضاعت ولا اغتربت إلا عاتكة بنت يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ فإنها عندك، وما عنى الحجاج غيرك، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: بل عنى الدعي بْن الدعي عبادا. فَقَالَ خالد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أفأدعي رجلا لا أزوجه، إنما كنت ملوما لو زوجت دعي غيري. قالوا: واستعمل عَبْد الْمَلِكِ نافع بْن علقمة بْن صفوان بْن محرث عَلَى مَكَّة فخطب ذات يوم وأبان بْن عثمان تحت المنبر فشتم طلحة والزبير، فلما نزل قَالَ لأبان: أأرضيتك فِي المدهنين فِي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لا ولكن سؤتني فحسبي أن يكونا شركاء فِي أمره، فبلغ ذَلِكَ عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: صدق أبان، وكتب إِلَى نافع ينهاه عَن مثل مَا كَانَ منه. الْمَدَائِنِيّ عَن عَبْد الحكيم الأشج عَن أَبِي قرة أن عَبْد الْمَلِكِ خطب زينب بنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام فأبت أن تتزوجه وقالت: والله لا يتزوجني أَبُو الذبان، فتزوجها يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: والله لقد تزوجته أسود أفوه، فَقَالَ يَحْيَى: أما إنها إذا أحبت مني مَا كرهت منه. وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ رديء الفم، كَانَ يدمى فيقع عَلَيْهِ الذباب. الْمَدَائِنِيّ أن ليلى الأخيلية استأذنت عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فأمر حاجبه أبا يوسف أن يدخلها، ويقال بل كانت بثينة صاحبة جميل، فدخلت امرأة طويلة يعلم أنها قد كانت جميلة، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: يَا أبا يوسف ألق لها كرسيا. ففعل، فَقَالَ لها عَبْد الْمَلِكِ: ويحك مَا رجا ثوبة- أو قَالَ جميل- منك؟ فقالت: رجا مني الَّذِي رجته منك الأمة حين ولتك أمرها.

وروى الأصمعي عَن نافع بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي نعيم المقرئ قَالَ: قَالَ عَبْد الملك للحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وهو القباع: مَا كَانَ الكذاب- يعني ابْن الزُّبَيْرِ- يقول فِي كذا؟ قَالَ: مَا كَانَ كذابا. فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْن الحكم: من أمك يَا حار؟ فَقَالَ: هي من تعلم. فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: اسكت فإنها أنجب من أمك. وكانت أم الحارث نصرانية فلما ماتت أتاه قوم من المسلمين يحشدون لَهُ ويجلسون مَعَهُ فَقَالَ: رحمكم اللَّه انصرفوا فإن لها ولاة غيركم، وكانت سبية سباها أبوه من اليمن. الْمَدَائِنِيّ عَن مسلمة بْن علقمة المازني أن عَبْد الْمَلِكِ قَالَ: العجب لخالد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، وليته البصرة وأمرته أن يجرد السيف ويمنع المال، فبذل المال وأغمد السيف. فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن فضالة الزهراني: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لو جرد السيف لوجد سيوفا مجردة، ولو منع المال لوجد أيديا تنازعه. الْمَدَائِنِيّ عَن الفضل بْن سليمان أن عَبْد اللَّهِ بْن خالد بْن أسيد تزوج امرأة من مراد فولدت لَهُ جارية تزوجها عَبْد اللَّهِ بْن مطيع العدوي، فدخلت المرادية عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ لها: خدعتم الشيخ حَتَّى زوج ابْن مطيع فما رجا ابْن مطيع وما رجوتم منه؟ فقالت: مَا رجا أبوك من بني حنطب وقالت: وما لي لا أبكي وتبكي قرابتي ... وقد نكح البيض الأوانس حنطب بني لسوداء المغابن جعدة ... لها نسب فِي آل دومة مطنب الْمَدَائِنِيّ عَن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ، عَن عجلان مولى عباد قَالَ: كنت عند عَبْد الملك فأتاه أبو يوسف حاجبه فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هذه بثينة جميل

بالباب. فَقَالَ: أدخلها، فدخلت امرأة أدماء طويلة يعلم أنها كانت جميلة، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: يَا أبا يوسف ألق لها كرسيا. فألقاه لها، فَقَالَ لها عَبْد الْمَلِكِ: ويحك مَا رجا جميل منك؟ قالت: الَّذِي رجت منك الأمة حين ولتك أمرها. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: اصطرع مُحَمَّد وهشام ابنا عَبْد الْمَلِكِ بين يديه فصرع هِشَام محمدا وقعد عَلَى صدره فَقَالَ هِشَام: أنا ابْن الوحيد. وكانت أمه مخزومية. فغاظ ذَلِكَ عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: عودا، فصرع مُحَمَّد هشاما فقعد عَلَى صدر هِشَام وَقَالَ: سأرهقه صعودا، فضحك عَبْد الْمَلِكِ وضم محمدا إليه. المدائني قال: ضرب يحيى بن سعيد بْن العاص يوم قتل عَبْد الْمَلِكِ عَمْرو بْن سعيد الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ عَلَى إليته، فحبسه عَبْد الْمَلِكِ أربعين يوما ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أبا قبيح، لو قتلت الوليد بأي وجه كنت تلقى ربك؟ قَالَ: بالوجه الَّذِي خلق، وَكَانَ يكنى أبا قبيح لقبح وجهه. وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: لله دره أي ابْن زوملة هو، يعني عربية، وكانت كنيته أبا أيوب. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: حرم الحجاج أَهْل العراق أعطيتهم لمظاهرتهم ابْن الأشعث، وكتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ يعلمه ذَلِكَ فكتب إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ: «إنا إنما نستوجب طاعتهم بإدرار أرزاقهم، فأعطهم إياها فإن فِي ذَلِكَ أعظم الحجة لنا عليهم، وهبك حرمت المقاتلة لسوء الطاعة فما بال الذراري؟! قالوا: وأتى الحجاج بحطيط الحرامي الزيات وحرام بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة بن تميم، فسأل الحجاج حطيطا عَن أَبِي بكر فَقَالَ خيرا، ثُمَّ عَن عمر فَقَالَ خيرا، ثُمَّ سأله عَن عثمان فَقَالَ: لم أولد إذ ذاك. قال الحجاج: يابن اللخناء، أولدت زمان أَبِي بكر وعمر ولم تولد زمان عثمان؟

فقال: يا بن اللخناء لا تعجل علي، إن النَّاس أجمعوا عَلَى أَبِي بكر وعمر، واختلفوا فِي عثمان، فوسعني أن أكله إِلَى اللَّه. قَالَ: أما والله لألحقنك بالنار. قَالَ: أما ترضى أن تكون مالكا فِي الدنيا حَتَّى تكون مالكا فِي الآخرة، فَقَالَ الحجاج: علي بصاحب العذاب، فدفعه إِلَيْهِ وَقَالَ: أسمعني اليوم صوته. قَالَ: نعم. فَقَالَ حطيط: كذب. فجعل يعذبه حَتَّى وضع الدهق عَلَى ساقيه وَكَانَ ثقيلا فكسر إحدى ساقيه وَقَالَ: أنا فلان، فَقَالَ حطيط: لعنك اللَّه تتكنى علي لئن كسرت ساقي. فجعل يعذبه هو ساكت لا يتكلم فأخبر الحجاج بأمره، فدعا بِهِ فحمل حَتَّى وضع بين يديه فَقَالَ لَهُ الحجاج. أتقرأ من القرآن شيئا؟ فَقَالَ حطيط: بل أنت تقرأ. فقرأ الحجاج: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حَتَّى بلغ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [1] فَقَالَ حطيط: وأنت تقتلهم. قَالَ: فبينا هو يحاوره إذ وقع ذباب عَلَى بعض جراحاته فقال: حس، فقال الحجاج: يابن اللخناء أتجزع من ذباب ولا تجزع من العذاب؟ قال: يابن اللخناء إني عاهدت اللَّه عليك ولم أعاهده عَلَى الذباب. عاهدت اللَّه لأجاهدنك بيدي ولساني وقلبي، فأما يدي فما أجد عليك أعوانا، وأما لساني فقد تسمع، وأما قلبي فالله أعلم بما فيه. فَقَالَ الحجاج: علي بمسال الحديد فجعلت تدخل فيما بين الظفر واللحم وهو ساكت، فَقَالَ بعض جلساء الحجاج: مَا أصبره، فقال

_ [1] سورة الأنسان- الآيات: 1- 8.

حطيط: أو مَا علمت أن اللَّه عز وجل يفرغ الصبر إفراغا، فأمر بِهِ فأدرج فِي عباء وضرب بالخشب حَتَّى قتل. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ مُحَمَّد بْن فضيل بْن غزون عَن إِبْرَاهِيم المؤذن قَالَ: لما صلب ماهان الحنفي طعن وهو يسبح وفي يده أربع وعشرون، فرأيته عَلَى الخشبة والعقد فِي يده، وكنا نرى السرج بالليل عند خشبته. وروى أَبُو بكر بْن عياش عَن عمار الدهني قَالَ: لما صلب ماهان أَبُو صالح، اجتمع النَّاس فنظر إلي فَقَالَ: يَا عمار، وأنت ههنا أيضا. قالوا: وَكَانَ الحجاج بعث إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى فَقَالَ: بلغني أنك تشتم أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عثمان، فَقَالَ: إنه ليمنعني من ذَلِكَ ثلاث آيات فِي كتاب اللَّه، قوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إِلَى قوله: الصادقون. وقوله: والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم إلى قوله: رؤوف رحيم [1] وأنا منهم. فأعجب الحجاج قوله. ثُمَّ إن ابْن أَبِي ليلى أدخل عَلَى الحجاج بعد ذَلِكَ فَقَالَ: يَا أَهْل الشام إن أردتم رجلا يشتم أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عثمان فدونكم هذا. فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ مثل قوله الأول، فَقَالَ الحجاج: صدق. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ عَن هشيم، ثنا الأَعْمَشِ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى وقد ضربه الحجاج ووقفه على باب المسجد. فجعلوا

_ [1] سورة الحشر- الآيات: 8- 10.

يقولون لَهُ: العن الكذابين، فيقول: لعن اللَّه الكذابين ويسكت، ثُمَّ يبتدئ فيقول: عَليّ بْن أَبِي طَالِب وعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر والمختار بْن أَبِي عبيد. فجعلت أعرف حين سكت ثُمَّ ابتدأ أنه لا يريدهم. وحدثت عَن أَبِي بكر بْن عياش، وحفص بْن غياث عَن الأَعْمَشِ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى عَلَى المصطبة. وكأن ظهره مسح أسود لضرب الحجاج إياه، وهم يقولون لَهُ: العن الكذابين، فيقول: لعن اللَّه الكذابين ثُمَّ يسكت، فيقول: عَليّ بْن أَبِي طَالِب وعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر والمختار بْن أَبِي عبيد، وأهل الشام حوله كأنهم حمير مَا يعقلون مَا يقول. وقوم يقولون: غرق ابْن أَبِي ليلى بدجيل، وآخرون يقولون: قتل يوم الجماجم، وَكَانَ الحجاج أقامه قبل ذَلِكَ. قالوا: وأتي الحجاج بالفضيل بْن بزوان العدواني فَقَالَ لَهُ: فضيل؟ قَالَ: فضيل! قَالَ: ألم أكرمك؟ قَالَ: بل أهنتني. وَكَانَ قد ولاه حين قدم العراق عملا فهرب. قَالَ: ألم أقربك؟ قَالَ: بل باعدتني. قَالَ: والله لأقتلنك. قَالَ: بغير جرم ولا فساد فِي الأرض؟ قَالَ: كل ذَلِكَ قد أتيت بمعصيتي، فقتله. ويقال إنه قَالَ لَهُ: إذًا أُخاصمك فِي دمي. قَالَ: إذًا أخصمك. قَالَ: إن الحاكم يومئذ غيرك. قالوا: ودخل الحسن بْن أَبِي الحسن عَلَى الحجاج بعد قتل ابْن الأشعث فَقَالَ: حملت علي السلاح؟ قَالَ: والله مَا فعلت، فأخرج

الحجاج إِلَيْهِ كفه فمسح عَلَيْهَا ثُمَّ لم يأمنه فتوارى، فيقال إنه توارى تسع سنين، وَكَانَ يتنقل فِي منازل النَّاس ثُمَّ لزم منزله فتوارى فيه. حَدَّثَنِي خلف بْن هِشَام وعفان قالا، ثنا هشيم بْن بشر: أَنْبَأَنَا العوام بْن حوشب أنه لما انطلق بإبراهيم التيمي إِلَى السجن قَالَ لَهُ أصحابه: هل توصي إِلَى إخوانك بشيء تحب أن نبلغهم إياه عنك، ألك حاجة؟. قَالَ: نعم تذكروني عند غير الرب الَّذِي عناه يوسف. قَالَ خلف: يقول تدعون اللَّه لي ولا تشفعون لي إِلَى السلطان. وإن إِبْرَاهِيم لم يسأل العافية مما هو فيه حَتَّى مات فِي محبسه، وَكَانَ يقول: اللهم هذا بعينك، اللهم قد ترى. وَحَدَّثَنَا عَمْرو النَّاقِد عَن سفيان بن عينية عَن أَبِي سعد قَالَ: دخل عَلَيْنَا إِبْرَاهِيم التيمي السجن فتكلم، فَقَالَ أَهْل السجن: مَا يسرنا أنا خارجون منه. حَدَّثَنِي عمر بْن شبه عَن الأصمعي قَالَ: قَالَ يَزِيد بْن أَبِي مسلم: هاتوا إِبْرَاهِيم فقيل: إنهما إبراهيمان التيمي والنخعي. قَالَ: هاتوهما جميعا. فمات التيمي فِي الحبس واستخفى النخعي. حَدَّثَنَا خلف البزار، ثنا أَبُو شهاب عَن الحسن بْن عَمْرو قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم النخعي ليالي الحجاج متواريا وَكَانَ المسجد عَلَى بابه، فكان لا يخرج فيصلي فيه. الْمَدَائِنِيّ عَن عامر بْن حفص قَالَ: حبس الحجاج إِبْرَاهِيم التيمي فجاءت ابنته فلم تعرفه حَتَّى كلمها، وَكَانَ الحجاج يطعم أَهْل السجن دقيق الشعير والرماد مخلوطين.

ومات إِبْرَاهِيم التيمي فِي السجن فرأى الحجاج فِي الليلة التي مات فيها قائلا يقول: مات فِي هذه الليلة رجل من أَهْل الجنة، فلما أصبح قَالَ: من مات الليلة بواسط؟. قالوا: إِبْرَاهِيم التيمي قَالَ: نزغة من نزغات الشيطان، وأمر بِهِ فألقي. وَقَالَ الأصمعي: مات الحجاج وَأَبُو عَمْرو بْن العلاء مستخف فسمع أعرابيا يقول: مات الحجاج. وأنشد: ربما تشفق النفوس من الأم ... ر لَهُ فرجة كحل العقال فَقَالَ أَبُو عَمْرو: مَا أدري أبموت الحجاج كنت أسر أم بقوله فرجة، إنما كنا نرويها فرجة. وأتي الحجاج برجل من ثقيف كَانَ فِي الأسرى فشهق فمات. قالوا: وأتي الحجاج بأعشى همدان فقال له: يابن اللخناء ألست القائل: أمكن ربي من ثقيف همدان ... يوما إِلَى الليل تخلي مَا كَانَ فقد أمكن اللَّه ثقيفا من همدان، أو لست القائل [1] : وسألتني بالمجد أين محله ... فالمجد بين مُحَمَّد وسعيد بين الأشج وبين قيس في الذرا ... بخ بخ لوالده وللمولود والله لا تبخبخ لأحد بعد اليوم أبدا، ثم أمر بضرب عنقه.

_ [1] الأغاني ج 6 ص 46. مع فوارق.

قالوا: وأتي بابن القرية فَقَالَ: أئذن لي فِي الكلام. فَقَالَ: لا تكلمني. قَالَ: ائذن لي جعلت فداك فِي ثلاث كلمات كالدهم الواقفات، فأمر بِهِ فضربت عنقه. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قتل الحجاج أيوب بْن السائب بْن النمر بْن قاسط وأمه القرية. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: أمره أن يكتب كتابا إِلَى ابْن الأشعث فكتبه، وَقَالَ: انطلق بِهِ إِلَيْهِ، فأتاه بالكتاب، فَقَالَ: أنت كتبته؟ قَالَ: لا. قَالَ: بلى والله لا جرم لتكتبن جوابه فكتبه، وأتى الحجاج فلما قرأه قَالَ: هذا كتابك. قَالَ: أكرهني عَلَيْهِ. فقتله. وَقَالَ عليّ بْن مُحَمَّد أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِيّ عَن أشياخه: قتل زياد بْن مقاتل بْن مسمع مَعَ ابْن الأشعث فقالت امرأته بنت شقيق بْن ثور: وما كنت أخشى أن أقوم سوية ... لأبغي زيادا لا أموت وأكمد وحبس الحجاج مسمع بْن مالك، فكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الحجاج: قد كَانَ من بلاء مالك بْن مسمع عندنا مَا يعفي عَن ذنب مسمع ابنه، فخل عنه ووله سجستان. فولاه إياها فظهر أَبُو جلدة اليشكري فِي ولايته، وَكَانَ مستخفيا من الحجاج، فكتب إِلَيْهِ الحجاج فِي حمله، فكتب إِلَيْهِ: إنه قد مات، فكتب إِلَيْهِ: لا رحمه اللَّه، ابعث إلي بشعره. فأراد أَبُو جلدة أن يشخص إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أتكذبني ويلك، أقم ولا تظهر. وبعث إِلَى الحجاج بشعره، ثُمَّ عتب أَبُو جلدة عَلَى مسمع فقال:

إذا كَانَ خير قلت قيس عشيرتي ... تميل عَلَيْنَا جائرا فِي قضائكا وإن كانت الأخرى فبكر بْن وائل ... تخاف عَلَيْهَا ردها من ورائكا قضية سوء مَا قضيت ابْن مالك ... أما إن ستجزى فاعلمنّ بذلك فأعطاه عشرة آلاف درهم فَقَالَ: يَا مسمع بْن مالك بْن مسمع ... أنت الجواد والخطيب المصقع فاصنع كما كَانَ أبوك يصنع فَقَالَ: لعنه اللَّه أمرني أن أفعل بأمي مَا كَانَ يفعل أَبِي، ويقال أن الفرزدق قَالَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: أتي الحجاج بطفيل بْن حكيم بمسكن، فَقَالَ لَهُ: ألم أجعلك عريفا، ألم أفعل، ألم أفعل؟ قَالَ: بلى. قَالَ: فما أخرجك علي؟ قَالَ: يَا أبا مُحَمَّد، إن رأيت أن تأذن لي فألحق بأهلي؟ قَالَ: نعم، الحق بهم. فلما ولى قَالَ الحجاج: مَا كنت أرى أن بِهِ البائس من الضعف كل هذا. قَالَ الْمَدَائِنِيّ: قدم إِلَى الحجاج قيس بْن مسعود فَقَالَ: مَا كنت أظنك إلا عند أَبِي حفص، يعني عمر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عقيل، وَكَانَ بالبلقاء، فَقَالَ يَزِيد بْن أَبِي كبشة: أَكُفَّارُكُمْ خير من أولئكم [1] قَالَ الحجاج: كأنك ترى أن مَا قلت لَهُ ينجيه، وأمر بِهِ فقتل، وكانت ابنته عند عمر بْن مُحَمَّد بْن أَبِي عقيل فلذلك قَالَ لَهُ مَا قَالَ. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: قتل مَعَ ابْن الأشعث عَبْد اللَّهِ بْن رزام، والحريش بْن هلال، وعمر بْن عتبة بْن أَبِي سفيان، ويزيد بْن كعب العدوي الشاعر، ونويرة الحميري وَكَانَ لَهُ هوى فِي أهل العراق فأعلمهم بمكانهم فقتل

_ [1] سورة القمر- الآية: 43.

وطفيل بْن عامر بْن واثلة، وغرق ابْن أَبِي ليلى بدجيل الأهواز، ويقال قتل يوم الجماجم. وقتل مرة بْن شراحيل الهمداني الَّذِي يقال لَهُ مرة الطيب. وَقَالَ لَهُ الحجاج: أما فِي الفتنة فأنت صحيح تحض وتأمر، وأما فِي الجماعة فأنت مريض سقيم ثُمَّ تسعى عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عثمان. قَالَ: وقتل بالكوفة رجالا من أَهْل الشام رأوا رأي ابْن الأشعث فأعانوه ويقال تعصبوا لَهُ باليمانية. وغرق عَبْد اللَّهِ بْن شداد بْن الهاد الليثي يوم مسكن فِي دجيل الأهواز. ويقال قتل يوم دير الجماجم. وأتي الحجاج بعمران بْن عصام العنزي الشاعر أحد بني هميم، فَقَالَ: يَا عمران ألم أوفدك إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فوصلك، ثُمَّ قدمت فوصلتك؟ قَالَ: بلى ولكن باذام مولى ابْن الأشعث أخرجني. قَالَ: أما كَانَ فِي حجلة [1] امرأتك مقعد لك؟ قَالَ: قد فعلت فأخرجني باذام بالسيف. فهم بالعفو عنه فنظر إِلَى رأسه فإذا هو محلوق فقتله. ويقال إن الحجاج أتي بعمران بْن عصام فَقَالَ لَهُ: أقررت بالكفر؟. قَالَ: مَا كفرت مذ آمنت، فقتله. قَالَ: وأخذ ماهان الحنفي بِمَكَّةَ فحمل إِلَى الحجاج فشد عَلَيْهِ قصبا قد شق ثُمَّ أمر بِهِ فجذب فقطع جلده فكان يقول أخذت فِي حرم اللَّه، وأنا بعين اللَّه، ونعم القادر اللَّه، فألقي وقد ذهب مَا عَلَى عظامه من اللحم، فرق له

_ [1] الحجلة: كالقبة، وموضع يزين بالثياب والستور للعروس. القاموس.

أصحابه وبكوا فَقَالَ: لا تجزعوا فإن كانت النار فما أيسر هذا فيما يراد بي، وإن كانت الجنة فهذا محتمل. قَالَ: وقتل الحجاج فيروز حصين فِي العذاب وَكَانَ مَعَ ابْن الأشعث، وَكَانَ الحجاج جعل فِي رأسه عشرة آلاف درهم وجعل هو فِي رأس الحجاج مائة ألف. فلما قدموا بِهِ فِي الأسرى من خراسان قَالَ: احبسوا أبا عثمان، فحبس واستأداه فَقَالَ: إن أمنني عَلَى دمي لم أكتمه شيئا. فلم يؤمنه وعذبه فَقَالَ: أخرجوني فإن لي عند النَّاس ودائع فأخرج وكثر النَّاس فَقَالَ: أيها النَّاس. أنا فيروز حصين فليبلغ الحاضر الغائب، إن من كَانَ لي عنده مال فهو لَهُ. فَقَالَ لصاحب العذاب: اقتله. فوضع الدهق عَلَى صدره حَتَّى قتله. قَالَ: ويقال إن فيروز كتب ماله ولم يسم من هو عنده وَقَالَ: لا أسميهم أو تؤمنني عَلَى دمي، فلم يؤمنه وقتله. وقتل الحجاج عُمَر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر وَقَالَ لَهُ: ألست صاحب ليلة سابور مَعَ ابْن الأشعث وقد خضبت أيرك؟ فَقَالَ: لقد كنت أرغب بِهِ عَن عقائل نساء قومك. فقتله. وقتل الحجاج عتبة بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن سمرة حين حمل إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: أتي بعمران بْن عصام فَقَالَ لَهُ: ألم أقدم العراق وأنت خامل فنوهت باسمك وزوجتك مولاتك ابنة مقاتل بْن مسمع ولست لها بكفء، وأوفدتك إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بلى. قَالَ: فخرجت علي تضربني بسيفك مَعَ ابْن الحائك؟. قَالَ: قد فعلت. قَالَ: أكفرت بخروجك علي؟. قَالَ: مَا كفرت مذ

أسلمت. فأمر بِهِ فضربت عنقه، فَقَالَ عَبْد الملك: أقتل عمران بْن عصام بعد قوله: وبعثت من ولد الأغر معتب ... صقرا يلوذ حمامه بالعوسج مهما طبخت بناره أنضجته ... وإذا طبخت بغيرها لم ينضج قَالَ: وَكَانَ ممن خرج مَعَ ابْن الأشعث: يُوسُف بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان بْن أَبِي العاص الثقفي فهرب، ثُمَّ مثل بين يدي الحجاج فلما رآه قَالَ: ثكلتك أمك. قَالَ: وأبي مَعَ أمي. قَالَ: أين ألقتك الأرض بعدي؟ قَالَ: مَا قمت مقاما أوسع من مقامي، إن اللَّه استعملك عَلَيْنَا فأبينا فأبى عَلَيْنَا. فأمنه. وقتل الحجاج آدم بْن عَبْد الرَّحْمَنِ أخا صالح بْن عَبْد الرَّحْمَنِ. ويقال بل قتله لأنه كَانَ يرى رأي الخوارج. الْمَدَائِنِيّ عَن سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ عَن مالك بْن دينار قَالَ: حبس الحكم بْن أيوب الثقفي علي بْن زيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مليكة بْن عَبْد اللَّهِ بْن جدعان التيمي، والحسن يومئذ مُستخفٍ ونحن مَعَهُ مُسْتَخْفُون فأتاه الحسن ليلا وأتيناه فأجلسه مَعَهُ عَلَى السرير، فما كنا عنده ليلتنا إلا مثل الفراريج. فذكر يوسف وإخوته فَقَالَ: باعوا أخاهم وحزنوا أباهم، ومكانهُ من أبيه مكانه، ثُمَّ لقي يوسف عَلَيْهِ السلام مَا لقي من الحبس وكيد النساء ثُمَّ أداله اللَّه منهم وأعلى كعبه. فلما أكمل أمره وجمع أهله وأقر عينه بأبويه قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ

لكم وهو أرحم الراحمين [1] قَالَ الحكم: وأنا أقول: لا تثريب عليكم، لو لم أجد إلا ثوبي هذا لسترتكم بِهِ، وأطلق عَلِيًّا. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: وأخذ الحجاج عَبْد اللَّهِ بْن شريك الأعور وَكَانَ خرج مَعَ ابْن الأشعث فقتله، ويقال: كَانَ هرب إِلَى سجستان فبعث بِهِ إِلَى الحجاج. وأتي بالمساور بْن رئاب السليطي فقتله، وَقَالَ: ادفعوه إِلَى أهله فأهل القتيل يلون القتيلا. ويقال: قتل يوم الزاوية فِي المعركة. قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وَكَانَ الحجاج إِذَا قتل رجلًا فتزوجت امرأته كف عنها، وإذا لم تتزوج حبسها فِي قصر المسيرين، فحبس من قدر عَلَيْهِ من نساء أصحاب الأشعث. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: لما أتي الحجاج برأس ابْن الأشعث سجد وَقَالَ: كنت أحب أن أوتي بِهِ أسيرا فأقيمه فيخطب عَلَى حزبه خطبة إبليس عَلَى أَهْل النار: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ [2] الآية. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ، وَسُحَيْمِ بْن حفص قالا: عرض الحجاج أَهْل البصرة بعد هزيمة ابْن الأشعث عَلَى الإقرار بالكفر والنفاق فمن أقر ختم فِي يده، ومن أبى قتله فما أبى ذَلِكَ إلا ثلاثة قتلهم، فكان ابْن سيرين يلبس رداء وإزارا ولم يكن ختم فيمن ختم، فقيل لَهُ: لو لبست قميصا ليكون أستر ليدك فمن رآك ظن أنك قد ختمت فأبى ذلك.

_ [1] سورة يوسف- الآيتان: 91- 92. [2] سورة إبراهيم- الآية: 22.

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شعبة عَن عَمْرو بْن مرة قَالَ: لما كَانَ يوم الجماجم أراد القراء أن يؤمروا عليهم أبا البختري الطائي فَقَالَ: إني مولى فأمروا رجلا من العرب. وروى سفيان بْن عيينة عَن العلاء بْن عَبْد الكريم قَالَ: رآني طلحة بْن مصرف وأنا أضحك، فَقَالَ: أما هذا فلم يشهد الجماجم. حَدَّثَنَا عَمْرو النَّاقِد عَن أَبِي أَحْمَد عَن عَبْد الجبار الهمداني عَن عطاء بْن السائب قَالَ: قَالَ لي أَبُو البختري الطائي يوم الجماجم: أين تفر؟. النار أشد حرا من السيف، فقاتل حَتَّى قتل. أخبرنا عَمْرو عَن أَبِي نعيم عَن إسرائيل بْن الحكم قَالَ: سمعت ذرا بالجماجم يقول: هل هي إلا حديدة فِي يد كافر مفتون. قَالَ: وَقَالَ زادان: وددت أن دماء أَهْل الجماجم فِي كسائي هذا وأنا خصمهم عند اللَّه. حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن علي، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عياش عَن الأعمش قَالَ: قلت لإبراهيم: مالك لا تخرج، قد خرج ابْن أَبِي ليلى، وسعيد بْن جبير، وَأَبُو البختري. وعددت عَلَيْهِ، فَقَالَ: إني رجل جبان- يقول عما أقدموا عَلَيْهِ [1]-. قالوا: وأتي الحجاج بكميل بْن زياد، أتى بِهِ قومه، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْد النخع كنت ممن سار إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عثمان فعفا عنك مُعَاوِيَة، ثُمَّ عفا عنك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَبْد الْمَلِكِ، فأقمت فِي بيتك مقعدا لا تشهد للمسلمين جمعة ولا جماعة حَتَّى إذا خلع حواك كندة خرجت فقعدت عَلَى المنبر ثُمَّ قلت: إنّ شرّ

_ [1] بهامش الأصل: كميل بن زياد.

بيتين تحت أديم السماء الحكمين: الحكم بْن أَبِي العاص، والحكم بْن أَبِي عقيل، ثُمَّ أمر بِهِ فضربت عنقه، وهو شيخ كبير. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: التقى الحجاج وابن الأشعث بمسكن من أبرقباذ فقتل عَبْد اللَّهِ بْن شداد بْن الهاد فِي عسكر ابْن الأشعث، وقتل مَعَهُ بسطام بْن مصقلة بْن ميسرة الشيباني، وعمير بْن ضبيعة الرقاشي، وبشر بْن المنذر بْن الجارود، والحكم بْن مخربة العبدي، فجعل الحجاج ينظر إِلَى رأس بسطام بْن مصقلة ويقول: إِذَا مررتَ بوادي حيةٍ ذكرٍ ... فاذهب ودعني أمارس حية الوادي قَالَ: وبكى مسمع بْن مالك بْن مسمع فَقَالَ الحجاج: أجزعا عليهم؟ قَالَ: لا ولكن جزعا لهم من النار. قَالَ الهيثم: وَكَانَ قبل مولى زياد عاملا لابن الأشعث عَلَى الأبلة، فأعد سفينة بحرية، فلما صار ابْن الأشعث إِلَى الأبلة حمله فِي السفينة، وركب مَعَهُ فمر بعباد بْن الحصين وهو فِي ضيعته بعبادان فناداه: يَا أبا مالك احملني معك فإني أخاف الحجاج، فَقَالَ ابْن الأشعث: إياك أن تدنو منه فإنما يريد أن يتقرب بك إِلَى الحجاج، فلما لم يطمع فيه نادى: ويلك لا يغلبنك ابْن الأشعث، تقرب بِهِ إِلَى الحجاج تأمن عَلَى نفسك وولدك، فأتوا جنابا [1] ثُمَّ ركبوا الدواب إِلَى سابور، ثُمَّ مضى إِلَى سجستان. قَالَ الهيثم: وَكَانَ ممن تبع ابْن الأشعث: سوار بْن مرواريذ.

_ [1] جنابة: بلدة صغيرة بساحل فارس- معجم البلدان.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: قَالَ ابْن عون: رأيت ابْن الأشعث يخطب عَلَى منبر البصرة متربعا مَا رأيت متربعا قط عَلَى منبر غيره، فجعل يوعد الذين ينهون عَن اتباعه، فقيل: إنما يعني الحسن. قَالَ: فأتيت الحسن فما دخل عَلَيْهِ أحد إلا نهاه عَن اتباعه. حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ عن أبيه، ثنا أَبُو معدان عَن مالك بْن دينار قَالَ: شهدت الحسن بْن أَبِي الحسن، ومسلم بْن يسار وسعيدا ومسلما يأمرون بقتال الحجاج مَعَ ابْن الأشعث فَقَالَ الحسن: إن الحجاج عقوبة جاءت من السماء، أفتستقبل عقوبة اللَّه بالسيف؟. ولكن استغفروا وادعوا وتضرعوا. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قيل لابن الأشعث: إن أردت أن يقاتل معك أَهْل البصرة جميعا فأخرج الحسن. فيقال إنه أخرجه كرها. حَدَّثَنَا أَبُو الربيع الزهراني عَن حماد بْن زيد قَالَ: حَدَّثَنِي أيوب أنه أخرج كرها وَكَانَ ينهي عنه. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: حمل عياش بْن الأسود بْن عوف الزهري إِلَى الحجاج أسيرا، حمله يَزِيد بْن المهلب، وَكَانَ شيخا فَقَالَ الحجاج: هذا والله الأشمط الغمت [1] الغفل، أتى بالعراق مذ كذا لم أوله وجها قط، ولم أسمع لَهُ بذكر، حَتَّى إذا كانت الفتنة خرج فيها تابعا لابن الحائك. ثُمَّ أمر بِهِ فقتل. قَالَ: وقتل مُحَمَّد بْن الأسود أخوه يوم الزاوية. قَالَ: وحمل إِلَيْهِ أيضا ابْن لعَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن رستم فإذا غلام حدث فقال: أصلح الله الأمير

_ [1] غمته: ثقل على قلبه فصيره كالسكران. القاموس.

ما لي ذنب. كنت غلاما صغيرا مَعَ أَبِي وأمي لا أمر لي ولا نهي. قَالَ: وكانت أمك مَعَ أبيك فِي هذه الفتن كلها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: عَلَى أبيك لعنة اللَّه. وروى عَبْد اللَّهِ بْن المبارك قَالَ: كَانَ مطرف بْن المغيرة بْن شعبة مَعَ ابْن الأشعث، ثُمَّ اعتزله فأتي بِهِ الحجاج بعد ذَلِكَ فَقَالَ: يَا مطرف: أكفرت؟ فَقَالَ: لم نبلغ ذَلِكَ، ولو نصرنا الحق وأهله كَانَ خيرا لنا. حَدَّثَنَا الحرمازي، أخبرني أَبُو عبيدة معمر بْن المثنى أن الهلقام بْن نعيم التميمي قَالَ للحجاج حين أدخل عَلَيْهِ، وقد حمله إِلَيْهِ يَزِيد بْن المهلب: لعنك اللَّه يَا حجاج إن فاتك هَذَا المزوني [1] وقد قدم قومك وأخر قومه، فوقر ذَلِكَ فِي قلب الحجاج وَقَالَ: أتخذني ابْن المهلب جزارا أجزر مضر وترك قومه اليمانية، وَكَانَ قد أمسك عَن حمل اليمانية، وحمل غيرهم من خراسان. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: لما قتل عَبْد الْمَلِكِ عَبْد اللَّهِ بْن إِسْحَاق بْن الأشعث أصابوا فِي ثقله جارية فقالت: أنا لنافع كاتب الحجاج استودعني قوما بالبصرة، فلما خرج الحجاج عَن البصرة دلوا ابْن الأشعث علي فأخذني فصرت إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن إِسْحَاق. فبعث بِهَا إِلَى الحجاج فَقَالَ الحجاج لنافع: هذه جاريتك وقد وطئها ابْن إِسْحَاق المنافق فلا تقربها، فأعتقها ابْن نافع وعوضه الحجاج منها خمسة آلاف درهم فتتبعتها نفسه فتزوجها وأحبلها، وغضب الحجاج عَلَيْهِ فِي سر أفشاه إِلَى صالح بْن عَبْد الرَّحْمَنِ فِي كتاب أقرأه إياه وفي مائة ألف درهم ارتشاها. وبلغه أن الجارية حبلى فأرسل إليه فقطع يديه ورجليه، وسأله عَن كتب كانت عنده، فقال: أين تلك الكتب؟ فقال:

_ [1] أي يزيد بن المهلب.

في حرامك. فقطع لسانه وَقَالَ: قطعت لسانك لإفشائك سري، وقطعت يديك ورجليك للرشوة، وزعمت أنك تزوجت هذه الجارية ولم تقم البينة عَلَى تزويجك فأنا أرجمك. فرجمه، وقيل: مات قبل أن يرجم. وَكَانَ أيضا تزوج أم ولد للحجاج بغير علمه، وَكَانَ نافع مولى لمصعب، فانضم إِلَى الحجاج حين ولي العراق فاستكتبه.

خبر مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي وخروجه على الحجاج

خبر مطرف بْن المغيرة بْن شعبة الثقفي وخروجه عَلَى الحجاج حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةَ الأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عبيدة قَالَ: سمع مطرف الحجاج يقول: أرسول أحدكم أكرم أم خليفته؟ فوجم وَقَالَ: كافر والله، والله إن قتله لحلال. وَحَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بْن عدي عَن ابْن عياش الهمداني قَالَ: قدم الحجاج الْكُوفَة فاستعان بولد المغيرة، فولى عروة الْكُوفَة وأمه أمة كانت لمصقلة بْن هبيرة، فلم يزل عَلَى الْكُوفَة حَتَّى رجع إليها الحجاج بعد رستقباذ. وولى حمزة بْن المغيرة المدائن، وأرسل إِلَى مطرف بْن المغيرة وَكَانَ يتأله فَقَالَ لَهُ يوما: إن عَبْد الْمَلِكِ خليفة اللَّه وهو أكرم عَلَى اللَّه من رسله. فوقرت فِي نفس مطرف، وَكَانَ يعتقد إنكار المنكر ولا يبلغ قول الخوارج، فمر شبيب بْن يَزِيدَ الخارجي بالمدائن ومطرف بِهَا فناظره فخالفه فِي رأيه ووافقه عَلَى الخروج. وَقَالَ هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِي مخنف وغيره: كَانَ بنو المغيرة صلحاء نبلاء، فاستعمل الحجاج عروة بْن المغيرة عَلَى الْكُوفَة فكتب إِلَى عبد الملك

كتابا ذم فيه الحجاج ونسبه إِلَى العجلة والتسرع إِلَى القتل. فبعث عَبْد الْمَلِكِ كتابه إِلَى الحجاج فضربه بالسياط حَتَّى مات وذلك بالكوفة. وَقَالَ أَبُو عبيدة: كتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى عروة وإلى مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد يسألهما عَن سيرة الحجاج. فأما مُحَمَّد بْن عمير فأتى الحجاج بكتابه فأقراه إياه وكتب جوابه برضاء الحجاج وإرادته. وأما عروة فكتب ينسب الحجاج إِلَى التجبر والعجلة فِي الأمور، والتسرع إِلَى العذاب، والإقدام عَلَى الدماء، فضربه حَتَّى قتله بالتجني عَلَيْهِ. وَقَالَ هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ: استعمل الحجاج حمزة بْن المغيرة عَلَى همذان واستعمل مطرفا عَلَى المدائن ونواحيها. وخرج شبيب بْن يَزِيدَ الخارج عَلَى الحجاج، فجاء حَتَّى نزل مدينة بهرسير [1] ، فَقَالَ بشر بْن الأجدع الهمداني لمطرف: إني أعيذك بالرحمن من نفر ... حمر السبال كأسد الغابة السود فرسان شيبان لم يسمع بمثلهم ... أبناء كل كريم النجر صنديد شدوا عَلَى ابْن حصين فِي كتيبته ... وغادروه صريعا ليلة العيد وابن المجالد إذ أودت رماحهم ... كأنما زل عَن خلفاء منجود سعيد بْن المجالد بْن عمير بْن ذي مرار الهمداني يعني أصحاب شبيب الخارجي. فقطع مطرف الجسر بينه وبين شبيب، وبعث إِلَى شبيب أن ابعث إلي رجالا من صلحاء أصحابك لأناظرهم فيما تدعو إِلَيْهِ، فبعث إِلَيْهِ قعنبا وسويد بْن سليمان فِي آخرين.

_ [1] بهرسير: إحدى المدائن السبع التي سميت بها المدائن.

واحتبس شبيب رسل مطرف ليكونوا رهناء عنده بأصحابه، فلما دخلوا عَلَى مطرف قَالَ سويد: السلام عَلَى من خاف مقام ربه وعرف الهدى وأهله. قَالَ مطرف: أجل فسلم اللَّه أولئك فقصوا عَلَيْنَا أمركم وخبرونا إِلَى مَا تدعون. فحمد اللَّه سويد وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: الَّذِي ندعو إِلَيْهِ كتاب اللَّه وسنة نبيه، وقد نقمنا عَلَى قومنا الاستئثار بالفيء، وتعطيل الحدود، والتسلط بالجبرية. فَقَالَ مطرف: مَا دعوتم إلا إِلَى حق، ولا أنكرتم إلا منكرا، ولا نقمتم إلا جورا ظاهرا، وأنا لكم عَلَى مثل هذا متابع فأجيبوني إِلَى مَا أدعوكم إِلَيْهِ يجتمع أمري وأمركم، وتكن يدي وأيديكم واحدة. قالوا: هات اذكر مَا تريد أن تذكر، قَالَ مطرف: أدعوكم إِلَى أن نقاتل هؤلاء الظلمة الغاصبين عَلَى مَا أحدثوا وندعوهم إِلَى الكتاب والسنة، وأن يكون هذا الأمر شورى بين المسلمين يولون من ارتضوه عَلَى مثل الحال التي تركهم عَلَيْهَا عمر بْن الخطاب، فإن العرب إذا علمت أنه إنما يراد الرضا من قريش رضوا وقنعوا، فإنما الأئمة من قريش. فَقَالُوا: هذا ما لا نجيبك إليه يا بن المغيرة، ولو كَانَ القوم يريدون غدرا كنت قد أمكنتهم من نفسك ففزع لها وَقَالَ: صدقت وإله موسى. ومضى القوم فأخبروا شبيبا بقول مطرف، فطمع فيه، وبعث إِلَيْهِ من الغد سويدا، فانطلق ومعه رجل آخر، فَقَالَ لَهُ مطرف: من هذا الَّذِي ليس لك دونه سر؟ قَالَ: هذا الشريف الحسيب، هذا ابْن مالك بْن زهير بْن جذيمة العبسي. قَالَ مطرف: بخ بخ استكرمت، فاربط، إن كَانَ دينه عَلَى قدر حسبه فهو الكامل.

ثُمَّ أقبل سويد عَلَى مطرف فَقَالَ لَهُ: قد ألقينا إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا قلت، وهو يقول لك: إنا لا نرى قريشا أحق بهذا الأمر منا، فكما اختارت قريش أفضلها بعد وفاة رسول اللَّه فكذلك لنا أن نختار أفضلنا. وانصرف الرجلان، ثُمَّ إن مطرفا دعا رجالا من ثقاته ونصحائه فيهم الربيع بْن يَزِيدَ الأسدي فَقَالَ لهم: إنكم نصحائي وأهل مودتي ومن أثق بصلاحه وحسن رأيه، ولم أزل لأعمال هؤلاء الظلمة كارها أنكرها بقلبي، فلما عظمت خطيئتهم، ورأيت هؤلاء يجاهدونهم لم أرهم أولى بمجاهدتهم مني، ولم يسعني إلا مخالفتهم ومحاربتهم إن وجدت أعوانا عليهم، ولو كَانَ هؤلاء الخوارج أجابوني إِلَى الشورى، ولم يركبوا أهواءهم لقاتلت مَعَهُمْ، وخلعت عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان والحجاج. فَقَالَ لَهُ يزيد بن أبي زياد مولاه: إني لا آمن أن يؤدى مَا كَانَ منك إِلَى الحجاج، ويزاد عَلَى كل كلمة مما تتكلم بِهَا عشرة أمثالها، وأرى لك أن تطلب دارا غير المدائن فإن أصحاب شبيب سيتحدثون بما دار بينك وبينهم حَتَّى يفشو خبرك وخبرهم، ونحن مجيبون لك إِلَى دعوتك. فَقَالَ: إني أشهدكم أني قد خلعت عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان والحجاج بْن يوسف، فمن أحب صحبتي فليصحبني ومن أباها فليذهب حيث شاء فإني لا أحب أن يتبعني من لا نية لَهُ فِي جهاد أَهْل الجور، وأني أدعوكم إِلَى قتالهم، فإذا جمع اللَّه لنا أمرنا كَانَ هذا الأمر شورى بين المسلمين يرتضون من قريش من أحبوا. فوثب إِلَيْهِ أصحابه فبايعوه، وأتاه قوم من أَهْل المدائن فبايعوه أيضا، وارتحل حَتَّى أتى الدسكرة، ثُمَّ خرج منها متوجها نحو حلوان وقد صارت مَعَهُ جماعة يرون رأيه.

وبلغ الحجاج بْن حارثة خروج مطرف فاتبعه وصار مَعَهُ فِي ثلاثين، ودخل مطرف حلوان فقاتله عامل حلوان قتالا خفيفا عذر فيه، ثُمَّ بعث إِلَيْهِ العامل أن اخرج من حلوان فإني أكره أن ينالك وأصحابك مني مكروه، فمضى وعرض لَهُ الأكراد فأوقع بهم، فلما دنا من همذان كره أن يدخلها فيتهم أخوه حمزة عند الحجاج، فبعث إِلَيْهِ يسأله إعانته بمال وسلاح، وَكَانَ رسوله يَزِيد بْن أَبِي زياد، فصرفه إِلَيْهِ بما سأله. وبلغ الحجاج ذَلِكَ فعزل حمزة، وكتب إِلَى قيس بْن سعد العجلي، وهو عَلَى شرطة حمزة بْن المغيرة، بولايته همذان، وأمره أن يحبس حمزة فحبسه، فيقال إنه مات فِي الحبس. وسار مطرف حَتَّى نزل بقرب أصبهان، ثُمَّ صار إِلَى ناحية قم وقاشان وعلى أصبهان البراء بْن قبيصة بْن أَبِي عقيل الثقفي، وهو الَّذِي يقول فيه الشاعر. حوى الملك حجاج عليك كما حوى ... عليك الندى والمكرمات براء فبعث الحجاج نحوا من ألف رجل من موالي الإمارة عليهم عبيد مولاه إِلَى البراء، وأمره أن ينهض إِلَى مطرف، فأنهضهم وعدة مَعَهُمْ ممن قبله إِلَيْهِ، فقاتلوه فهزمهم حَتَّى لحقوا بالبراء وهو بجي [1] . وَكَانَ مطرف قد كتب كتبه بالدعاء، وبث دعاته فِي النواحي فأجابه خلق من النَّاس، فكتب البراء إِلَى الحجاج: إن كانت لك فِي أصبهان وغير أصبهان حاجة فابعث إِلَى مطرف جيشا كثيفا يستأصله،. فإنه لا تزال

_ [1] جي: اسم مدينة ناحية أصفهان القديمة. معجم البلدان.

العصابة بعد العصابة تأتيه فقد كثرت تابعته، واستفحل أمره، واشتدت شوكته، فكتب إِلَيْهِ الحجاج: إذا أتاك كتابي فاخرج بمن معك، ومن بعثت بِهِ إليك من الموالي، فعسكر حَتَّى يصير إليك عدي بْن وتاد الأيادي من الري فقد كتبت إِلَيْهِ أن ينهض إليك ثلاثة أرباع أَهْل الري، فإذا صار إِلَى مَا قبلك كَانَ أمير الجيش كله فسمعت لَهُ وأطعت. فوافاه عدي فيمن نهض مَعَهُ، واجتمعا عَلَى قتال مطرف، والأمير: عدي بْن وتاد ومعه عَمْرو بْن هبيرة الفزاري عَلَى إحدى مجنبتيه، وهو فِي حد دستبى. فلما تدانوا وعظهم مطرف ودعاهم إِلَى مجاهدة الظلمة، ثُمَّ أمر بعض أصحابه فنادى: يَا أَهْل قبلتنا أسألكم بالله الَّذِي لا إله غيره لما أنصفتمونا وصدقتمونا فإن اللَّه شهيد عَلَى نياتكم أخبرونا عَن عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان والحجاج بْن يوسف، ألا تعلمونهما جبارين يتبعان الهوى ويزيغان عَن الحق ويأخذان بالظنة ويقتلان عَلَى الغضب؟. فَقَالُوا من كل جانب: كذبت يَا عدو اللَّه، فَقَالَ مطرف: قل لهم: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بعذاب وقد خاب من افترى [1] قد استشهدتكم فكتمتم الشهادة، وَقَالَ اللَّه عز وجل: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثم قلبه [2] . وَكَانَ الرجل بكير بْن هارون البجلي، فخرج إِلَيْهِ صارم مولى عدي بْن وتاد فقتله بكير وجعل يقول: صارم قد لاقيت سيفي صارما ... غير كهام يختلي الجماجما

_ [1] سورة طه- الآية: 61. [2] سورة البقرة- الآية: 283.

ثُمَّ لقي القوم فاقتتلوا قتالا شديدا، فانكشفت ميسرة مطرف حَتَّى انتهت إِلَيْهِ، فجعل يقول: يا أهل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مسلمون [1] . وقاتل أشد قتال حَتَّى قتل واحتز رأسه عَمْرو بْن هبيرة الفزاري، وذكروا أنه هو قتله، وقيل إن الَّذِي قتله غير ابْن هبيرة، وإن ابْن هبيرة احتز رأسه فأوفده بِهِ عدي بْن وتاد إِلَى الحجاج وبذلك حظي وذكر. وقتل يَزِيد بْن أَبِي زياد مولى المغيرة، وَكَانَ صاحب راية مطرف. ثُمَّ انصرف عدي وأصحابه إِلَى الري، وطلبت بجيلة الأمان لبكير بْن هارون فأمنه عدي، وَكَانَ رجال من أصحاب مطرف لما أحيط بهم فِي عسكره نادوا: يَا براء خذ لنا الأمان، يَا براء اشفع لنا. فشفع لهم، فنزلوا. وأسر عدي خلقا فخلى سبيلهم وبسط للناس الأمان فسلموا. وأتى الحجاج بْن حارثة الري فطلب إِلَى عدي بْن وتاد فيه وهو مستخف، فَقَالَ: هذا رجل مشهور مَعَ صاحبه، وهذا كتاب الحجاج فيه أن أحمله إِلَيْهِ إن كَانَ حيا، ولا بد من السمع والطاعة له، ولولا كتابه لم أعرض لَهُ ولم أطلبه ولآمنته. فلم يظهر الحجاج ولم يزل خائفا حَتَّى عزل عدي بْن وتاد عَن الري، وقدم خالد بْن عتاب بْن ورقاء الرياحي واليا على الري، فكلم فيه فأمنه وظهر.

_ [1] سورة آل عمران- الآية: 64.

وَقَالَ بعضهم: كَانَ مطرف يرى رأي الخوارج، وذلك باطل، إنما كَانَ رأيه كرأي من خرج مَعَ ابْن الأشعث من القراء. قَالَ الشاعر: فيا فرحه مَا يغرمن عدونا ... إذا لم يكن فِي دستبى مطرف فنعم الفتى تعشو إِلَى ضوء ناره ... ونعم الفتى عند القنا المتقصف وَقَالَ بعضهم: وجه الحجاج إِلَى مطرف أولا علقمة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، ويقال خريم بْن عَمْرو المري. وَكَانَ عمر بْن هبيرة فِي جنده، ثُمَّ كتب إِلَى ابْن وتاد أن يلقاه وولاه الجيش الَّذِي بعثه إِلَيْهِ وَقَالَ قوم: تولى حرب مطرف خريم، وهو أوفد ابن هبيرة إِلَى الحجاج، وأمر ابْن وتاد أثبت. حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صالح العجلي قَالَ: كتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى أَبِي يعقوب عروة بْن المغيرة، وإلى مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد: إنكما من سراة أَهْل العراق فاكتبا إلي بسيرة الحجاج وأمره وأصدقاني عنه. فأما مُحَمَّد بْن عمير فأتى الحجاج بالكتاب وَقَالَ: آمرني بأمرك فكتب إِلَيْهِ بما أملاه الحجاج. وأما عروة فكتب: إن فِي الحجاج عجلة، وإن فِي لسانه ذربا. فبعث عَبْد الْمَلِكِ بالكتاب إِلَى الحجاج، فدعا بعروة فضربه بالسياط حَتَّى مات وذلك بالكوفة. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كتب عروة: إن فيه غربا وتسرعا وإقداما عَلَى الدماء. فضربه الحجاج حَتَّى قتله. وَحَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام عَن أَبِيهِ عَن عوانة قَالَ: كانت الفارعة بِنْت همّام بْن عروة بْن مَسْعُود بْن معتب أم الحجاج بْن يوسف عند المغيرة بْن شعبة، فولدت لَهُ ابنة فماتت فخاصم الحجاج فِي ميراثها عروة بْن المغيرة إِلَى ابْن زياد، فأغلظ لَهُ عروة بن المغيرة وقال: مالأختك عندنا ميراث. فكان

يحقد ذَلِكَ عَلَى عروة. فلما كتب فيه إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بما كتب بِهِ قدم رسول عَبْد الْمَلِكِ إِلَى الحجاج بكتابه وعروة عنده فَقَالَ لَهُ: مَا هذا الكتاب؟ فلم يجبه. فضربه الحجاج وهو شيخ فمات تحت السياط. وَقَالَ قوم: أخرج من الْكُوفَة فمات بظهر الْكُوفَة من ذَلِكَ الضرب. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: ابْتَاعَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِنْ مَصْقَلَةِ بْنِ هُبَيْرَةَ جَارِيَةً لَهُ، وَكَانَ بِهَا حَبَلٌ، فَوَلَدَتْ لَهُ مُطَرِّفَ بْنَ الْمُغِيرَةِ فَتَنَازَعَا فِيهِ، وَاخْتَصَمَا إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَضَى بِالْوَلَدِ لِلْمُغِيرَةِ، وَقَذَفَ مَصْقَلَةَ الْمُغِيرَةَ فَقَالَ لَهُ: يَا زَانٍ. فَيُقَالُ إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَرَادَ أَنْ يَحِدَّ مَصْقَلَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ إِنَّهُ حَدَّهُ وَوَلَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ طَبَرِسْتَانَ. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قدم مصقلة يريد طبرستان فرأى قبر المغيرة فَقَالَ: إن تحت الأحجار حزما وعزما ... وخصيما ألد ذا مصداق حية فِي الوجار أربد لا ين ... فع منه النفوس رقي الراقي وَقَالَ أَبُو عبيدة: هلك مصقلة بطبرستان فقدم بثقله إِلَى الْكُوفَة وفيه جارية لَهُ حامل، وكانت وضيئة، فأخذها المغيرة بمال كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، فولدت لَهُ مطرفا فكان الحجاج يقول: لو كَانَ مطرف من ولد المغيرة مَا خرج عَلَى السلطان ولكان ذا سمع وطاعة واستقامة وسلامة كما سمع حمزة أخوه وأطاع، ولكنه ابْن مصقلة كما قيل وهذا الدين معروف لبني شيبان وليس فينا شيء منه بحمد اللَّه ونعمته. وَكَانَ يقول أيضا: مَا لثقيف وهذا الرأي، إنما هذا الرأي لبني شيبان.

أمر الخوارج في أيام عبد الملك بن مروان

أمر الخوارج فِي أيام عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان أمر قطري بْن الفجاءة: قالوا: لما قتل الزُّبَيْر بْن علي بأصبهان أراد الخوارج أن يولوا أمرهم عبيدة بْن هلال، فَقَالَ عبيدة: أنا أدلكم عَلَى من هو خير مني. قطري بن الفجاءة. فبايعوه، وَكَانَ قطري يكنى أبا نعامة. فلما بلغ الأحنف خبره ومسيره من أصبهان قَالَ: إيه أبا نعامة، إن ركب بنات سجاح وقاد بنات صهال، وأمسي بأرض وأصبح بأخرى وجبى المال، وأعطى الرجال طال أمره، فبلغ ذَلِكَ قطريا فنادى فِي عسكره: ألا لا يصحبنا إلا رجل مَعَهُ بغل فكان ذَلِكَ مما ينكر عَلَى الأحنف. واسم الفجاءة فيما ذكر الْكَلْبِيّ عَن شرقي القطامي جعونة. وَقَالَ غيره أن اسمه مازن بْن زياد بْن يَزِيدَ بْن حنثر بْن حارثة بْن صعير بْن خزاعي بْن مازن بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: غاب مازن بْن زياد باليمن دهرا ثُمَّ أتاه فجاءة فسمي الفجاءة، وَكَانَ اعتقاد قطري وبيعته فِي سنة إحدى وسبعين.

وأتى قطري فارس وعليها عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر فاقتتلا، ثُمَّ صار قطري والخوارج إِلَى رام هرمز وَكَانَ المهلب بْن أَبِي صفرة بالبصرة، وقد أراد المصعب بْن الزُّبَيْرِ المصير إِلَى باجميرى [1] للقاء عَبْد الْمَلِكِ فسأله المهلب أن يكون مَعَهُ أو بقربه فأبى وَقَالَ: إن أَهْل مصرك محتاجون أن تدفع عنهم هذا العدو المطل عليهم فأنا أؤثرهم بك لأني خائف أن تسبيهم الحرورية فسار المهلب لقتال الخوارج فلما بلغ ذَلِكَ قطريا صار إِلَى كرمان فَقَالَ بعض أصحاب قطري: هربنا نريد الخفض من غير علة ... وللحرب ناب لا يفل ومخلب فقولا لأصحاب القرآن نصيحة ... دعو الظن إن الظن بالناس يكذب عسى أن تقولوا أن فينا منافقا ... يعيب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ويقصب فلا وَالَّذِي أرسى ثبيرا مكانه ... ورضوى بأكناف الحجاز وكبكب لقد قلت هذا غير طالب عيبه ... وفي عيبه لو عبت جذع موعب [2] فلما بلغ قطريا الشعر رجع إِلَى رامهرمز، فسار إِلَيْهِ المهلب فقاتله ثلاثة أشهر أو أكثر، وقتل مصعب بْن الزُّبَيْرِ فبلغ خبر قتله قطريا قبل أن يبلغ المهلب، فناداهم الخوارج: مَا تقولون فِي مصعب؟ قالوا: إمام هدى. قالوا: فما تقولون فِي عَبْد الْمَلِكِ؟ قالوا: ضال مضل. فمكثوا يومين أو ثلاثة ثُمَّ أتى المهلب قتل مصعب واجتماع النَّاس عَلَى عَبْد الْمَلِكِ، وورد عَلَى المهلب كتاب عَبْد الْمَلِكِ بتوليته قتال الخوارج فضجوا في عسكره، وأقبل

_ [1] باجميرى: موضع دون تكريت. معجم البلدان. [2] أوعب: جمع والجذع استأصله، والشيء في الشيء أدخله فيه كله. القاموس.

الخوارج فوقفوا عَلَى الخندق فَقَالُوا: مَا تقولون فِي مصعب بْن الزُّبَيْرِ؟ قالوا: لا نخبركم، قالوا: فعَبْد الْمَلِكِ؟ قالوا: إمام هدى. قالوا: يَا أعداء اللَّه كَانَ بالأمس عندكم ضالا وهو اليوم إمام هدى. لعنكم اللَّه يَا فساق يَا عبيد الدنيا. وهذا أثبت الأخبار ولم يأت قطري فارس لمكان عمر بْن عبيد اللَّه، فقتل مصعب وقطري برامهرمز.

ولاية خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد

ولاية خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد قالوا: قدم خالد البصرة واليا من قبل عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، وجهه من الْكُوفَة وَقَالَ لَهُ: أكرم جفريتك- يعني من نصره يوم الجفرة- فعزل خالد المهلب عَن قتال الأزارقة: قطري وأصحابه، وولاه الأهواز وكور دجلة، وولى فارس ابنيه، فجعل أحدهما فِي بعض كورها، والآخر عَلَى باقيها، وبعث أخاه عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّهِ عَلَى قتال قطري وأصحابه، فسار إِلَى قطري ومعه فرسان أَهْل البصرة، ومعه مقاتل بْن مسمع، وَكَانَ مَعَهُ ابْن قيس الرقيات. وَقَالَ أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: لما قدم خالد وذكر عزل المهلب عَن قتال الأزارقة قَالَ لَهُ ابْن النعمان بْن صبهان الراسبي: إن أَهْل البصرة قد كانوا أمنوا العدو والمهلب بالأهواز وابن معمر بفارس، وقد عزلت معمرا عَن فارس فإن عزلت المهلب لم تأمن العدو. فَقَالَ خالد: ذهب المهلب بحظ هذا المصر فأعزله وأوجه عَبْد العزيز إِلَى هذه المارقة، فَقَالَ لَهُ أمية أخوه: لا تعزل المهلب فإن ظفره لك وهزيمته عَلَيْهِ. فأبى إلا عزله. وكتب إِلَى المهلب فقدم عَلَيْهِ.

وتجهز خالد وشخص إِلَى الأهواز، وأقبل قطري والخوارج إِلَى الأهواز فخرج إليهم خالد ومعه المهلب فالتقوا بكريج دينار، فقاتلوا خالدا ومنعوه من حط أثقاله وصبر لهم يومه كلّه فقتل الربيع بْن زياد اليشكري، وهو يومئذ عَلَى شرطته. وتحاجزوا عند المساء فَقَالَ لَهُ المهلب: إنك لا تدري أتطول حربك أم تقصر وما ههنا لا يحمل متعلقك وسرحك، فاقطع دجيلا فتصير بين مناذر والسوس وجنديسابور ونهرتيرى. ففعل وارتحل قطري فنزل مدينة نهرتيرى، وَكَانَ الخوارج قد بنوها وخندقوا وعقدوا جسرا وجعلوا كرسيه فِي الخندق. ونزل خالد رستاقا من مناذر يقال لَهُ برتا، فَقَالَ المهلب: إن قطريا قد تحصن وأنت أولى بهذا منه فخندق وفرغ سفنك وأدخلها الزايذان فإني لا آمن البيات، قَالَ: يَا أبا سعيد الأمر أعجل من ذَلِكَ، فَقَالَ المهلب لبعض أصحابه: أخرجوا مَا كَانَ لكم من متاع فِي هذه السفن فإني أرى أمرا ضائعا، وَقَالَ لزياد بْن عَمْرو: خندق فخندق. ودعا المهلب فيروز حصين إِلَى التحول إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أبا سعيد الرأي رأيك ولكني أكره مفارقة أصحابي. قَالَ: فكن يَا أبا عثمان قريبا منا إذا رأيت مفارقة أصحابك، فَقَالَ: أما هذا فنعم. وَكَانَ زياد يومئذ عَلَى شرطة خالد بْن عَبْد اللَّهِ، وقاتلهم الخوارج أربعين يوما لا ينفسونهم. وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى بشر بْن مروان أن يمد خالدا بجيش عَلَيْهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث الكندي ففعل، وَقَالَ بشر لعَبْد الرَّحْمَنِ: إذا فرغتم من الحرب فسر إِلَى الري. فقدم عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى خالد، وَقَالَ

المهلب لخالد: أصلح اللَّه الأمير إنك قد أبيت أن تخندق وأن تدخل سفنك الزايذان فحول مَا فِي سفنك فأبى. وأقبل الخوارج يريدون أن يبيتوا خالدا، فأخذوا سفنا فيها قصب فألهبوا فيها النيران وحدروها عَلَى سفن خالد، وأقبلوا هم عَلَى خيولهم، وأحرقت النيران سفن خالد، وأقبل الخوارج حَتَّى خالطوا عسكر خالد لا يلقون أحدا إلا قتلوه ولا دابة إلا عقروها ولا فسطاطا إلا هتكوه وألهبوا فيه النار، فبعث المهلب يَزِيد ابنه فِي مائة فارس فخرج من الخندق، وجاء الصلت بْن الغضبان الجذعي فِي مائة، وجاء فيروز حصين فِي مائة من مواليه، وجاء عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في مائة، فحمل الخوارج عليهم فصرع يَزِيد بْن المهلب فقاتلوا عنه حَتَّى ركب، وأبلى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأشعث فصرع، وحامى عَلَيْهِ قوم من همدان، وأبلى الصلت، ورماهم فيروز بالنشاب حَتَّى أخرجوهم من العسكر، فانصرفوا عَلَى حاميتهم إِلَى عسكرهم، ونادى ملاحو قطري ملاحي خالد: تعالوا إِلَى خير النَّاس وأوفاهم فَقَالَ أعشى همدان لعَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأشعث فِي قصيدة. ويوم أهوازك لا تنسه ... ليس الثنا والمدح بالبائد وأصبح عسكر خالد كأنه حرة سوداء من الرماد، فنادى الخوارج خالدا: ذهبت سفنك لولا هذا الساحر المزوني لأهلكك اللَّه وأخزاك. وَقَالَ خالد للمهلب لما رأى مَا بعسكره من القتلى والجرحى: كدنا نفتضح. فَقَالَ: إن لم تخندق عادوا إليك. فَقَالَ: اكفني أمر الخندق فقام المهلب بالخندق حَتَّى أحكمه فقاتل قطري خالدا بعد أن خندق ثلاث

مرات، ثُمَّ ارتحل إِلَى كرمان. ورجع خالد إِلَى البصرة وخلف أخاه عَلَى الأهواز عاملا عَلَيْهَا. وَقَالَ قطري لما بلغه انصراف خالد: إن أتاكم عتاب بْن ورقاء أتاكم شجاع يلقاكم فِي سرعان الخيل، وإن أتاكم حجازي فهو مَا تريدون، وإن أتاكم ابْن معمر فليست ثُمَّ مناظرة، هي دفعة إما لَهُ وإما عَلَيْهِ وفيها الموت. وإن جاءكم المهلب فإن ناجزتموه ناجزكم وإن طاولتموه طاولكم وهو البلاء. قَالَ أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: أقام قطري وأصحابه بكرمان خمسة أشهر ثُمَّ أتوا فارس فَقَالَ لَهُ مقاتل بْن مسمع: ول عَبْد العزيز قتال الأزارقة وانتخب لَهُ، ففعل. وشخص عَبْد العزيز فِي ثلاثين ألفا ويقال فِي خمسة وعشرين ألفا وعلى شرطه هراسة بْن الحكم، أحد بني ضبيعة بْن قيس بْن ثعلبة، وعلى بكر بْن وائل مقاتل بْن مسمع، وعلى بني تميم عبس بْن طلق، وحمل عَبْد العزيز مَعَهُ امرأته ابنة المنذر بْن الجارود، واستعمل خالد المهلب عَلَى الأهواز، فأقام بها في ثلاثمائة. وَقَالَ عَبْد العزيز حين سار للقاء الخوارج: زعم البصريون أن هذا الأمر لا يقوم لَهُ إلا المهلب، وسيعلمون. وَكَانَ الخوارج بأزدشيرخره، فلما قرب عَبْد العزيز منهم قيل لَهُ: إن الخوارج منك قريب فانزل النَّاس عَلَى غير تعبئة، فما حطوا الأثقال حَتَّى طلع عليهم سعد الطلائع في سبعمائة وهم عَلَى غير تعبئة فناوشوهم ثُمَّ ولى الخوارج منهزمين مكيدة منهم، وَقَالَ سعد: استطردوا لهم، واتبعهم عَبْد

العزيز والناس فقيل لَهُ: ارجع واتركهم حَتَّى يحط النَّاس أثقالهم. فَقَالَ: لا حَتَّى أخرجهم من هذا الرستاق فانتهوا إِلَى عقبة فصعدوا فيها ولهم بِهَا كمين، ثُمَّ انحدروا من العقبة واتبعهم عَبْد العزيز وأصحابه، وخرج الكمين عليهم فحكموا، وعطف قطري والخوارج فقاتلوهم فَقَالَ عَبْد العزيز لعبس بْن طلق: انزل. فنزل وهو أعرج فقتل، وصبر النَّاس فقتل مقاتل بْن مسمع وهراسة بْن الحكم وسليم بْن سلمة الليثي وجعفر بْن دَاوُد بْن قحذم أحد بني قيس بْن ثعلبة، وانحاز عَبْد العزيز والناس واتبعوهم فقتلوهم حَتَّى فرسخين وأسروا منهم أسرى فشدوهم وثاقا وألقوهم فِي غار، وسدوا عليهم بابه فماتوا فيه. وحوى قطري عسكر عَبْد العزيز وأخذوا امرأته أم حفص بْن المنذر بْن الجارود. وأخذوا امرأة سليم بْن سلمة وغيرها. وساقوا النساء إِلَى عسكرهم، وضربت امرأة منهن الرجل الَّذِي أخذها بسوارها فشجته فقتلها وَكَانَ يقال لها ريمة، ونادوا عَلَى أم حفص فتزايد عَلَيْهَا قوم أسلموا من المجوس وصاروا خوارج ففرض لهم الخوارج في خمسمائة خمسمائة فسموا البنجكية حَتَّى بلغوا بِهَا سبعين ألفا، فغم ذَلِكَ قطري بْن الفجاءة وَقَالَ: مَا ينبغي لرجل من المسلمين المهاجرين أن يكون لَهُ سبعون ألف درهم، وإن هذه لفتنة، فضربها أَبُو الحديد العبدي فقتلها فأخذوه فَقَالَ قطري: مهيم يَا أبا الحديد. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خشيت الفتنة عليهم فِي هذه المشركة، قَالَ: أحسنت، وَقَالَ آل الجارود: مَا ندري أنذم أبا الحديد أم نشكره؟ فَقَالَ رجل من الخوارج:

كفانا فتنة عظمت وجلت ... بحمد اللَّه سيف أَبِي حديد تغالى المسلمون بِهَا وقالوا ... عَلَى فرط الهوى هل من مزيد فزاد أَبُو الحديد بنصل سيف ... رقيق الحد فعل فتى رشيد وجاء يومئذ العلاء بْن مطرف بْن شهاب التميمي من بني عبشمس ومعه امرأتان لَهُ إحداهما عبشمية من بني ملادس والأخرى ضبية يقال لها أم جميل وهي مطلقة، وَقَالَ: ألست كريما إذ أقول لفتيتي ... قفوا فاحملوها قبل بنت عقيل بنت عقيل يعني العبشمية المطلقة ولم لم يكن عودي نضارا لغودرت ... بخسف غداة الروع أم جميل فقلت لبئس الفحل فحلك إن نجا ... وآل ولما يذعروا بقتيل وما سر لي من والد ترك عرسه ... فكيف إذا غب الحديث أقول وحممتها عند الفراق ببكرة ... حفاظا وإخوان الحفاظ قليل العلاء ابْن عم عَمْرو القنا الخارجي، وَكَانَ قطري يقدمه أمامه، وَكَانَ العلاء يتمنى أن يلقاه عَمْرو فلقيه فتمثل عَمْرو: تمناني ليلقاني لقيط ... وذاك عَلَيْهِ لو يدري بلاء ثُمَّ قَالَ لَهُ: النجاء يَا أبا الصدي. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: كَانَ عَلَى عَبْد العزيز سلاح مظاهر، فضرب ثلاثين ضربة فلم تحكم فيه، وفر فَقَالَ بعضهم: قبح اللَّه ابْن السوداء، فر وإن الدولة لَهُ.

قَالَ: وَقَالَ ابْن قيس الرقيات: عاهد اللَّه إن عدته المنايا ... ليعودن بعدها حرميا مرة يسكن الصفاح ونعمان [1] ... ن ومرا ومرة فِي حديا حيث لا يشهد الصفوف ولا يسم ... ع يوما لركز خيل دويا [2] حَدَّثَنِي خلف بْن سالم عَنْ وهب بْن جرير عَن أبيه عَن عمه صعب بْن زيد قَالَ: لما توجه عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد إِلَى قطري أتاني كردوس حاجب المهلب وأنا بالأهواز فَقَالَ: أجب. فأتيته فَقَالَ: يَا صعب كأني أنظر إِلَى هزيمة عَبْد العزيز ولا أدري من يفجأنا وليس معي جند فأعلم أين مستقر عَبْد العزيز، فخرجت حَتَّى علمت مكانه وما بينه وبين الخوارج، ثُمَّ خلفت عمران بْن عزيز البرساني ليكتب بخبرهم، وإذا كردوس قد دعاني بعد مقدمي بثلاث، فأتيت المهلب وأقرأني كتاب عمران بْن عزيز بهزيمة عَبْد العزيز، فَقَالَ: اخرج حَتَّى تلقى الفل وتعلم العلم، فخرجت عَلَى فرسي فسمعت بالليل كلام عَبْد اللَّهِ بْن قيس الجهضمي فناديته فعرفني فقلت: مَا وراءك؟ قَالَ: الشر. قلت: أين عَبْد العزيز؟ قَالَ: أمامك. فانتهيت إِلَى ماهزويان [3] فإذا خمسون فارسا مَعَهُمْ لواء فجاءني رجل يركض فقلت: لمن هذا اللواء؟ فقال: لعبد العزيز. فدنوت

_ [1] نعمان: قرب الكوفة من ناحية البادية والصفاح: موضع بين حنين وأنصاب الحرم، ولم أقف على تحديد للموقعين الآخرين. معجم البلدان. [2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان ابن قيس الرقيات المطبوع. [3] ماه اسم القمر كانوا يقحمونه على اسم كل بلد ذي خصب، لأن القمر هو المؤثر في الأنداء والمياه التي منها الخصب معجم البلدان، هذا ولم يذكر ياقوت هذا الماه في معجمه.

منه فسلمت عَلَيْهِ ثُمَّ قلت: أيها الأمير لا يعظم عندك مَا لقيت فإنك كنت فِي شر جند كلهم متأمر مقاتل وهراسة والهذيل بْن عمران وأشباههم، ثُمَّ تركتهم وأقبلت إِلَى المهلب فقلت: الخبر مَا يسرك، هزم الرجل وافتضح. فَقَالَ: ويحك، وما يسرني فِي فضيحة رجل من قريش وفل جيش المسلمين، فوجهني إِلَى خالد فامتنعت وقلت أهديك إذا إِلَى بيت اللَّه، فوجه عمران بْن عزيز وَقَالَ: أنا بينه وبين أخيه فلا أجد بدا من أن أبعث إِلَيْهِ بخبره قَالَ: فلما أتى خالدا فأخبره قَالَ: كذبت وكذب من بعث بك والله لهممت أن أضرب عنقك. قَالَ عمران: ورد علي رجل من قريش وَقَالَ: كذبت فقلت: أصلح اللَّه الأمير إن كنت كاذبا فاقتلني وإن كنت صادقا فأعطني مطرف هذا المتكلم. قَالَ: لهان مَا أخطرت بِهِ دمك. قَالَ صعب: وقدم عَبْد العزيز عَلَى المهلب فوصله وكساه وبره وشخص مَعَهُ إِلَى البصرة، واستخلف بالأهواز ابنه حبيب بْن المهلب وَقَالَ: لا تبرح موضعك حَتَّى ترى الخيل فإن رأيتها فصر إِلَى مناذر ثُمَّ اقطع الجسر وخذ عَلَى نهر تيرى حَتَّى تقدم إِلَى البصرة، ففعل حبيب ذَلِكَ حين رأى الخوارج وقدم البصرة فغضب خالد فتوارى حبيب حَتَّى كلمه فيه المهلب فرضي. وتزوج حبيب فِي تواريه أم عباد بْن حبيب وهي من بني هلال. قَالَ صعب: وكتب خالد إِلَى عَبْد الْمَلِكِ يعتذر لعَبْد العزيز وَقَالَ للمهلب: مَا تراه صانعا فِي؟ قَالَ: يعزلك. قَالَ: تراه قاطعا رحمي؟. قَالَ: نعم قد علم أمر أمية وانهزامه عَن أَبِي فديك، وعلم أمر عَبْد العزيز وأخذ خالد مَا كَانَ فِي بيت المال.

وَقَالَ الهيثم: لما أمد المهلب بعَبْد الرَّحْمَنِ بن محمد بن الأشعث قال له: يابن أخي خندق عَلَى أصحابك. قَالَ: يَا أبا سعيد أنا أعلم بهم منك، والله لهم أهون عليّ من ضرطة جمل. فقتل من أصحابه ولقوا شرا ولقب ضرطة الجمل. فَقَالَ الشاعر: تركت فرساننا تدمى نحورهم ... وجئت منهزما يَا ضرطة الجمل وَقَالَ أَبُو عبيدة معمر بْن المثنى: أخذ خالد بْن عَبْد اللَّهِ مَا كَانَ فِي بيت المال بالبصرة وهو خمسة عشر ألف ألف درهم. وَقَالَ أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ وغيره: كتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى خالد: إني عهدت إليك أن تولي المهلب قتال الخوارج، فلما ملكت أمرك آثرت هواك عَلَى طاعتي فعزلت المهلب ووليته الجباية، ووليت أخاك عَبْد العزيز قتال الأزارقة فقبح اللَّه هذا الرأي، أتبعث أخاك وهو رجل من أَهْل مَكَّةَ وتدع المهلب وقد مارسهم وقد قَالَ الأول: يَا عجبا من ضأن يطأن الرحض [1] ولعمري لو عاقبتك عَلَى قدر جرمك لأتاك مالا بقية بعده، ولكني ذكرت الرحم فحجزني ذَلِكَ فجعلت عقوبتك عزلك. وانتشر الخوارج وَقَالَ بعض الشعراء: بعثت غلاما من قريش فروقة ... وأخرت ذا الرأي الأصيل المهلبا أبى الذم واختار الوفاء وجربت ... مكيدته عند الأمور وجربا وَقَالَ أَبُو الحديد:

_ [1] الرحض: الشنة والمزادة الخلق. القاموس.

عَبْد الْعَزِيز فضحت جيشك كلهم ... وتركتهم صرعى بكل سبيل من بين ذي رمق يجود بنفسه ... وملحب [1] وسط الغبار قتيل هلا صبرت مَعَ الشهيد مقاتل ... إذ رحت منتكث القوى بأصيل وتركت جيشك لا أمير عليهم ... فارجع بعار فِي الحياة طويل ونسيت عرسك إذ تقاد سبية ... تبكي العيون برقة وعويل وَقَالَ أيضا: عَبْد الْعَزِيز فضحت جيشك كلهم ... وتركتهم صرعى بكل مكان لما رأيت أبا نعامة مقبلا ... نجيت نفسك والرماح دوان ورأيت سعدا فِي الطلائع معلما ... ولصالح شغبا عَلَى الأقران أسلمت عرسك والبلاء موكل ... بالقول عند تشاجر المران [2] وَقَالَ آخر: ألا ليت شعري مَا يقولن خالد ... إذا الخيل جالت والقنا يتشاجر أتصبر إن الصبر ليس سجية ... لآل أسيد يوم تسبى الحرائر وَقَالَ الفرزدق: فر اللئيم عَن اللقاء مبادرا ... وثوى بمنزله الكريم مقاتل [3] وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: نكس خالد الرماح عَلَى عواليها، وترك المهلب المعروف بالنجدة والعلم بمكيدة الخوارج فجعله جابيا، وولى أخاه قتال الخوارج.

_ [1] الملحب: المضروب بالسيف. القاموس. [2] بهامش الأصل: المران: الرماح، واحدها مرانة. [3] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.

بشر بن مروان

[بشر بن مروان] قالوا: ولما عزل عَبْد الْمَلِكِ خالدا جمع لبشر بْن مروان الْكُوفَة والبصرة وكتب إِلَى بشر: إنك أخو أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يجمعك وإياه مروان، وإن خالدا يجمعني وإياه أمية فانظر لنفسك وانظر المهلب فإنه حازم صارم فوجهه إِلَى هذه المارقة، وأمده من أَهْل الْكُوفَة بثمانية آلاف. فغم بشرا كتابه فِي المهلب وقال: والله لأقتلنه فإنه زبيري. فَقَالَ لَهُ موسى بْن نصير: أصلح اللَّه الأمير. إن للمهلب بلاء وطاعة ووفاء. فسار بشر من الْكُوفَة إِلَى البصرة فِي آخر سنة أربع وسبعين وأول سنة خمس وسبعين، فكتب موسى بْن نصير وعكرمة بْن ربعي، وَكَانَ عكرمة وادا للمهلب، إِلَى المهلب: أن ألق الأمير متذللا. فلقيه عَلَى بغل أو حمار وسلم مَعَ العامة ثُمَّ انصرف. ودخل بشر البصرة وعن يمينه الهذيل بْن عمران البرجمي وعن يساره الحكم بْن المنذر بْن الجارود. فَقَالَ المهلب: أميركم يشرب. قد كنا نكتفي بشاهد واحد وهذان شاهدان، وكانا يشربان. ولما نزل بشر دار الإمارة سأل عَن المهلب وَقَالَ: لم أره. فقيل: بلى، قد أتاك وهو شاك. فأراد أن يوجه إِلَى قطري وأصحابه عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن مَعْمَر أَوْ غيره فشاور، فَقَالَ لَهُ أسماء بْن خارجة: مَا ولاك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إلا لتعمل بما ترى. فَقَالَ لَهُ عكرمة: لا تفعل ولكن راجع أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وأعلمه شكاة المهلب. فأوفد بشر إِلَى عَبْد الْمَلِكِ وفدا يخبرونه بوجع المهلب وأن قوما من أَهْل البصرة يغنون أكثر من غنائه. فخلا بعَبْد اللَّهِ بْن حكيم المجاشعي فَقَالَ لَهُ: إن لك عقلا ورأيا فمن ترى لمحاربة هذه المارقة؟

قَالَ: المهلب. قَالَ: إنه وجع. قَالَ: ليس وجعه مما يمنعه النهوض. فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: أرى بشرا يريد أن يعمل بما عمل بِهِ خالد. فكتب إِلَيْهِ يعزم عَلَيْهِ أن يوجه المهلب، فأرسل بشرا إِلَى المهلب أن انتخب من أحببت. فَقَالَ: أنا عليل لا أقدر عَلَى الاختلاف، فأمر فحمل إِلَيْهِ الديوان فانتخب فلم يجز لَهُ بشر عامة من انتخب، وكلمه فِي قوم فخلفهم. واستقرض المهلب مالا من التجار وغيرهم وبلغت الجعالة بين النَّاس أربعة آلاف، وسار إليهم المهلب فلقوه فأبلى يَزِيد بْن المهلب وهو ابْن إحدى وعشرين سنة فنفاهم عَن الأهواز، فأتوا فارس، فوجه إليهم المهلب ابنه المغيرة فقيل لَهُ: طاول هؤلاء الكلاب وإلا فإنك ستلزم بيتك إن فرغت من أمرهم. فَقَالَ: ليس هذا من الوفاء. ثُمَّ رجع الخوارج إِلَى رامهرمز فكتب بشر بْن مروان إِلَى خليفته بالكوفة أن اعقد لعَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف عَلَى ثمانية آلاف، فلما قدم عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: قد علمت حالك عندي فكن عند ظني بك، انظر هذا المزوني فخالفه وأوعده، فخرج ابْن مخنف وهو يقول: سبحان اللَّه، مَا طمع فيه هذا الغلام مني؟ يأمرني بتصغير شيخ من شيوخ قومي وساداتهم. ونزل ابْن مخنف رامهرمز، ومات بشر واستخلف خالد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أسيد فرفض أَهْل الْكُوفَة وقدموا إِلَى بلدهم، وأراد أَهْل البصرة أن يفعلوا مثل ذَلِكَ فَقَالَ لهم المهلب: لستم تقاتلون لبشر ولا لخالد إنما تقاتلون عَن بلادكم فلا تصنعوا كما صنع أَهْل الْكُوفَة فتحربوا عدوكم عليكم. فأقام بعضهم ورجع بعض عصاة إِلَى البصرة، وأقام المهلب فِي البصريين وأقام عَبْد الرَّحْمَنِ فِي ناس من أَهْل بيته لم يكن بقي معه أحد غيرهم.

المهلب والخوارج

[المهلب والخوارج] فلما قدم الحجاج العراق واليا فِي سنة خمس وسبعين بدأ بأهل الْكُوفَة فخطبهم وتهددهم وتوعد العصاة بالقتل وقتل بعضهم، وخطب أيضا بالبصرة وألحق النَّاس بالمهلب. وكتب الحجاج إِلَى المهلب: «إن بشرا رحمه اللَّه بعثك مستكرها لنفسه عليك وأراك غناءه عنك، وإنى أعرفك حاجتي إليك فناهض عدوك ودع العلل، فو الله لأحشرن النَّاس إليك حشرا، فإني آخذ السمي بالسمي، والولي بالولي، حَتَّى يكون قليل من يأتيك ككثير من فارقك، واقتل من خفته على المعصية فإني قاتل من قبلي من أَهْل الطبقة، فإن العاصي يجمع خلتين: إنه أخل بمركزه ووعر المسلمين من نفسه، وهو أجير لهم ليس لَهُ أن يأخذ إلا بقدر مَا عمل» . فكتب إِلَيْهِ المهلب: «ليس معي إلا مطيع، وإن النَّاس إذا أمنوا العقوبة صغروا الذنوب، وإذا يئسوا من العفو كفرهم ذَلِكَ، فهب لي الذين سميتهم عصاة، وإنهم فرسان أرجو أن يقتل اللَّه بهم هذا العدو، إن شاء اللَّه» . وَقَالَ المهلب لجنده: «لقد جاءكم وال ذكر، ولولا هو كنا بمضيعة، فعليكم بالجد والحزم فإني رأيت البقاء مَعَ الحزم، واستشعروا الصبر واعلموا أنه ليس كل غاز يؤوب إِلَى أهله، ولا كل سلامة تدوم لأهلها، وهؤلاء القوم يقاتلونكم عَن دينكم ودنياكم، فأكرموا الخيل تنفعكم عند اللقاء، وأطيلوا الرماح فإنها قرون الخيل، وعيروا الجبان يأنف، فلقد رأيتني مَعَ الحكم بْن عَمْرو بخراسان وإنا لنعد فِي سرعان النَّاس رجالا مَا يعابون إلا بالجبن وإن

خلفهم لرجالا مَا يحتملون إلا عَلَى النَّاس، فما رجع مستقدم، ولا تقدم مستأخر، والرجال يحمل غثها سمينها، والشجاعة ضراوة» . فلما كثر النَّاس قَالَ قطري وهو برامهرمز: من يأتي سردن [1] فإنها حصينة. قَالَ عبيدة: بل نأتي سابور، ونخرج إِلَى كرمان، فنمضي منها إِلَى حيث نشاء. فأتى قطري سابور، ونزل المهلب أرجان، وبعث خيلا إِلَى سردن، وخاف أن يأتيها الخوارج فيتحصنون بِهَا، وليست بمدينة، ولكنها جبال وعقاب منيعة. وأتى المهلب كازرون فخندق، وأقبل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف فِي جند أَهْل الْكُوفَة فنزل ناحية، وذلك أن الكوفيين أبوا أن يخالطوا البصريين، فأرسل إِلَيْهِ المهلب: إما أن تنزل معنا وإما أن تخندق عَلَى نفسك، فأرسل إِلَيْهِ: خنادقنا سيوفنا. وكتب الحجاج إِلَى المهلب وهو بكازرون: إنك أقبلت عَلَى جباة الخراج وأبطأت عَن قتال العدو، وقد هممت أن أولي عباد بْن حصين أو عبيد اللَّه بْن حكيم المجاشعي مَا وليتك قبل خروج النَّاس عليك. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: استبطأ الحجاج المهلب فكتب إِلَيْهِ: «إنك مزوني وابن مزوني [2] ، وللعجب منك حين تهاب قتال الأزارقة، كأنك ترى

_ [1] سردن: كورة بين فارس وخوزستان من أعمال فارس. معجم البلدان. [2] بهامش الأصل: في حاشية الأصل بغير الخط: قد صحف الناسخ وإنما هو: مزوي- ومزون قبيلة من الأزد سكنت أرض مزون.

أنك ترث الأرض، وأيم اللَّه لئن لم تناجزهم لأبعثن إليك من يحملك عَلَى مكروه أمرك والسلام» . فكتب إِلَيْهِ: «أما بعد فقد جاءني كتابك وإني لمزوني وابن مزوني مَا أنكر ذَلِكَ، وإنما مزون عمان سمعتها العجم بِذَلِكَ ولكن الأمير أصلحه اللَّه من قبيلة قد ادعت إِلَى حمير وعدة قبائل وما استقر قرارها بعد، كانوا بقية ثمود ثُمَّ انتموا إِلَى وحاظة من حمير، ثُمَّ إِلَى أياد، ثُمَّ إِلَى عدوان، ثُمَّ إِلَى قسي بْن منبه» . فلما قرأ الحجاج الكتاب تبسم ثُمَّ قَالَ: أفحشنا للرجل فأفحش. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كتب إِلَيْهِ الحجاج: «إنك تشاغلت بالجباية عَن الحرب» . فكتب إِلَيْهِ: «إن من ضعف عَن الجباية فهو عَن القتال أضعف، ولو وليت غيري ممن سميت لرجوت أن يكونا للولاية أهلا فِي فضلهما وجرأتهما، وذكرت أني رجل فِي الأزد من أَهْل عمان وإن شرا من الأزد قبيلة تنازعتها ثلاث قبائل، ثُمَّ لم يستقر لها بيت فِي واحدة منهن» . وناهض المهلب قطريا وأصحابه بكازرون فِي شهر رمضان سنة خمس وسبعين، وقاتل مَعَهُ جعفر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف فِي رجال من أَهْل الْكُوفَة، وجعل عبيدة يقاتل وهو يرتجز. إني لمذك للشراة نارها ... ومانع مما أتاها دارها وغاسل بالطعن عنها عارها ثُمَّ تراجعوا، وأبلى يومئذ عياش الكندي، وَكَانَ من الفرسان، فلما هلك قَالَ المهلب: لا وألت أنفس الجبناء بعد عياش، وَكَانَ من رجال المهلب.

وقتل مرة الكنان فبكى قطري حين أتي برأسه. فقيل لَهُ: أتبكي عَلَى رَجُل من أَهْل النار؟ فَقَالَ: إنما يبكى عَلَى أَهْل النار. وَكَانَ من قومه. وأبلى أَهْل الْكُوفَة يوم كازرون حَتَّى عرف مكانهم، وحذر المهلب الحريش ومن مَعَهُ من بني تميم البيات فَقَالَ الحريش للمغيرة بْن المهلب: يَا أبا خداش، لا تخافن البيات من قبلنا. وأراد الخوارج أن يبيتوهم فلم يقدروا. وَقَالَ الحريش: وجدتمونا وقرا أنجادا ... لا كشفا ميلا ولا أوغادا وترجل أَبُو الأحوص صاحب مسعود وخزيمة بْن نصر العبسي وغيره، وقاتلوا فقتل ابْن مخنف وارتث جعفر ابنه. وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف يلقب فِي قول بعضهم ضرطة الجمل، ويقولون إنه القائل مَا حكي عَن ابْن الأشعث من قوله: هم علي أهون من ضرطة جمل. وَقَالَ حميد بْن مسلم يرثي ابْن مخنف: إن يقتلوك أبا حكيم غرة ... فيما يشد ويقتل الأبطالا ولمثل قتلك هد قومك كلهم ... من كَانَ يحمل عنهم الأثقالا فِي أبيات. وَقَالَ سراقة بْن مرداس البارقي: أعيني جودا بالدموع السواكب ... وكيفا كراس شنة [1] مع راكب

_ [1] وكف: قطر. والشن: القربة الخلق الصغيرة. القاموس.

وكونا بخير قبل قتل ابْن مخنف ... وكل فتى يوما لبعض المذاهب أمات دموع الشيب من أهل مصره ... وعجل في الشبان شيب الرواسب وَقَالَ أيضا: ثوى سيد الأزدين أزد شنوءة ... وأزد عمان وهو رمس بكازر وصابر حَتَّى مات أكرم ميتة ... بأبيض من بيض الحديد البواتر فِي أبيات. وواقع المهلب الخوارج مرات صابرهم فيها وصابروه، وَكَانَ الحجاج يوجه إِلَيْهِ من يأخذه بالقتال والمناجزة، ووجه إِلَيْهِ أمينا فكتب بخبره، فَقَالَ الشاعر فِي أبيات لَهُ: فمن مبلغ الحجاج أن أمينه ... زيادا أصابته رماح الأزارق وكتب الحجاج إِلَى عتاب بْن ورقاء، فصار إِلَى المهلب، فكان عَلَى جيش عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: بعث الحجاج الجراح بْن عَبْد اللَّهِ إِلَى المهلب مستحثا بالمناجزة، فَقَالَ المهلب: يَا أبا عقبة مَا تركت حيلة أبلغ بِهَا مكيدة إلا وقد أعملتها، وقد انتهيت فِي قتال هذا العدو إِلَى العذر، ولكن البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يعمله. وكتب الحجاج إِلَى المهلب: «إنك أقمت فِي خندق احتجارا من قتال هؤلاء المارقة» ، فكتب إِلَيْهِ المهلب: «أتاني كتابك تعتب فيه علي عَلَى الخندقة، والخندقة حرز وحصن، وقد خندق رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمر اللَّه، وذكرت أنك لا تظن في جبنا وعاتبني معاتبة الجبناء، وأوعدتني كما يوعد العاصي، فسل الجراح عما رأى» . فلما سأل الجراح قَالَ: لم أر كما رأيت،

اقتتلوا ثلاثة أيام ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح وخبطا بالعمد، فَقَالَ: لشد مَا مدحته أبا عقبة، فَقَالَ: كلا ولكنه يحتمل المصيبة ويلقى كثيرا بقليل. ولم يزل عتاب بْن ورقاء مَعَ المهلب حَتَّى بعث إِلَيْهِ الحجاج فِي القدوم للقاء شبيب، فأعطي المهلب أَهْل البصرة ولم يعط أَهْل الْكُوفَة، فسأله عتاب إعطاءهم فلم يفعل فَقَالَ لَهُ: حدثت إنك شجاع فرأيتك جبانا، وحدثت أنك جواد فرأيتك بخيلا. فَقَالَ المهلب: يابن اللخناء. فَقَالَ: إنها لمعمة مخولة، فغضبت بكر بْن وائل للمهلب فشتم بسطام بْن نعيم بْن هبيرة أخو مصقلة عتابا للحلف، وَكَانَ المهلب كارها لحلف بكر والأزد، فلما رأى أن بكرا قد نصرته سره ذَلِكَ الحلف، فلم يزل بعد ذَلِكَ يشدده ويقويه. وغضبت تميم البصرة لعتاب، وأزد الْكُوفَة للمهلب. فمشى المغيرة فيما بين أبيه وعتاب حَتَّى أصلحه وكلم أباه فأعطى الكوفيين، فَقَالَ رجل من أَهْل هجر: ألا أبلغ أبا ورقاء عنا ... فلولا أننا كنا غضابا عَلَى الشيخ المهلب إذ جفانا ... للاقت خيله منا ضرابا وَكَانَ عتاب وبنو تميم يحمدون المغيرة، وَقَالَ عتاب: إني لأعرف فضله عَلَى أبيه. وَكَانَ مقام عتاب مَعَ المهلب ثمانية أشهر يقاتل مَعَهُ الخوارج بفارس وكرمان، واتخذ المهلب ركب الحديد، وكانت ركب النَّاس الخشب. فكان الفارس يضرب ركابه فيقطع الركاب وقدمه، فَقَالَ عمران بْن عصام العنزي من عنزة:

ضربوا الدراهم فِي إمارتهم ... وضربت للحدثان والحرب حلقا ترى منه مراكلها ... كمناكب الحمالة الحرب وقالوا: كَانَ قتال المهلب قطريا وأصحابه بسابور وما حولها ثمانية عشر شهرا. ووجه المهلب بشر بْن مالك إِلَى الحجاج وأمر لَهُ بجائزة فردها وَقَالَ: إنما الثواب بعد الاستحقاق، فلما ورد عَلَى الحجاج قَالَ لَهُ: كيف تركت المهلب؟ قَالَ: أدرك مَا أمل وأمن مَا خاف. فَقَالَ: كيف هو لجنده؟ قَالَ: والد رؤوف. قَالَ: كيف جنده لَهُ: قَالَ: ولد بررة. قَالَ: هذه السياسة. وَكَانَ مَعَ قطري رجل حداد يقال لَهُ أبزي يتخذ نصالا مسمومة. فذكر ذَلِكَ للمهلب فَقَالَ: أكفيكموه. فكتب المهلب إِلَى أبزي: «إنه قد أتتنا نصالك، وقد بعثت إليك بألف درهم فزدنا نصالا» . وبعث بالكتاب فألقي فِي عسكر قطري فأخذ الكتاب فدفع إِلَى قطري، فسأل أبزي عَن الخبر فَقَالَ: لا أدري ولا أعلم مَا هذا الكتاب. فأمر بِهِ فقتل. فَقَالَ لَهُ عبد ربه: قتلت رجلا بغير ثقة ولا بيان يحل بِهِ دمه؟ فَقَالَ: يمكن هذا أن يكون حقا، ويمكن أن يكون باطلا. فرأيت فِي قتله صلاح الدين أمثل، وللإمام أن يحكم بما يرى فيه الصلاح، وليس للرعية أن ترد عَلَيْهِ. فتنكر لَهُ عبد ربه وجماعة وخالفوه فِي القول ولم يفارقوه. وأرسل المهلب رجلا نصرانيا وَقَالَ لَهُ: إذا رأيت قطريا فاسجد لَهُ فإن نهاك فقل إنما سجدت لك، ففعل النصراني ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ قطري: مه. إنما السجود لله. قَالَ: مَا سجدت إلا لك، فَقَالَ رجل من أصحابه: قد عبدك من دون اللَّه، وقرأ: إِنَّكُمْ وَمَا تعبدون من دون الله حصب

جهنم [1] . فَقَالَ قطري: قد عَبْد النصارى المسيح ابْن مريم، وإنما عنى اللَّه الأصنام، فقام رجل فقتل النصراني فَقَالُوا: قتلت ذميا، فاختلفوا. ودس المهلب أيضا إِلَى عسكر قطري رجلا فَقَالَ: أرأيتم إن خرج إليكم رجلان مهاجران فمات أحدهما قبل أن يصل إليكم، وأتاكم الآخر فامتحنتموه فلم يجز المحنة فما تقولون فِي الميت؟ فَقَالَ بعضهم: الَّذِي مات مؤمن وهذا كافر حَتَّى يجيز المحنة. وَقَالَ آخر: هما كافران. واختلفوا فارتحل قطري إِلَى اصطخر فِي سنة سبع وسبعين فِي صفر. وَقَالَ المهلب: الاختلاف أشد عليهم وأسرع فِي هلاكهم فلا تشغلوهم بالقتال عَن الجدال، فتركهم شهرين، ثُمَّ أتاهم باصطخر، فتركهم شهرا وهم يخوضون فِي اختلافهم. فَقَالَ لهم صالح بْن محزاق مولى قريش، ويقال مولى آل مصقلة الشيباني: إن المسلم يغضي عينه عَلَى مَا يقذيها، ويدع حسنا لقبيح، وصغيرا لمخافة كبير، والله إن الأمر الذي أتيتموه لقبيح، وفي الفتنة الحق، فاتقوا اللَّه وراجعوا سلامة صدوركم فقد أطمع اختلافكم عدوكم فيكم. وخرج عَمْرو القنا فنادى: يَا معشر المحلين، هل لكم فِي الطراد فلا عهد لنا بِهِ منذ حين. وَقَالَ: ألم تر أنا مذ ثلاثون ليلة ... قريب وإعلاء الكتاب على خفض

_ [1] سورة الأنبياء- الآية: 98.

فتصايحوا، وأبلى المغيرة بْن المهلب وصرع فاستنقذه فرسان من الأزد، واستاق الخوارج سرح المهلب فَقَالَ الرجل الَّذِي كَانَ يسوق السرح: نحن خدعناكم بسوق السرح ... وقد نكأنا القرح بعد القرح فلحق ذَلِكَ الرجل بنو المهلب فردوا السرح. وأراد الخوارج هدم فسا، فاشتراها أزادمرد بْن الهربذ منه بمائة ألف درهم، وارتحل الخوارج يريدون كرمان فنزلوا صاهك [1] الصغرى وهي من اصطخر، فاتبعهم المهلب فقاتلهم، فَقَالَ غلام لأكتل بْن منجب السدوسي: اليوم آتيك بجارية من جواريهم. فَقَالَ أكتل: أخلاج إنك لن تعانق طفلة ... سرحا بِهَا الحادي كالتمثال حَتَّى تلاقي فِي الكتيبة مقدما ... عَمْرو القنا وعبيدة بْن هلال وترى المقعطر فِي الكتيبة معلما ... فِي عصبة قسطوا مَعَ الضلال والمقعطر عبدي. قالوا: ومضى قطري إِلَى السيرجان، ورجع المهلب إِلَى فارس، وبعث الحجاج كردما عَلَى فارس فسأل المهلب الحجاج أن يجعل لَهُ كورا سماها ففعل، فكان المغيرة والرقاد يجبيان ولا يعطيان الجند فَقَالَ رجل من بني ضبة: ولو علم ابن يوسف ما نلاقي ... من البلوى بمنزلة الطراد بكت عيناه من شفق عَلَيْنَا ... وأصلح مَا استطاع من الفساد قرونا أرض فارس فِي جمادى ... إِلَى شعبان نقطع كل واد

_ [1] صاهك: مدينة بفارس لها عمل برأسها، دخلت في كورة اصطخر. معجم البلدان.

خطبة قطري في الخوارج

ترى الشيخ البجال عَلَى حمار ... يسوق بِهِ فتى رخو النجاد ألا قل للأمير جزيت خيرا ... أرحنا من مغيرة والرقاد وفي كردم يقال: لو رآها كردم لكردما ... كردمة العير أحسّ الضيغما [خطبة قطري في الخوارج] قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: وهو كردم بْن مرثد الفزاري: وأتى المهلب السيرجان فقاتل قطريا بِهَا فصعد قطري المنبر [1] فخطب فَقَالَ: «أما بعد فإني أحذركم الدنيا فإنها حلوة نضرة، حفت بالشهوات ورامت بالقليل، وتحببت بالعاجلة، وتحلت بالآمال، وتزينت بالغرور، لا يدوم خيرها، ولا تؤمن فجيعتها، غرارة ضرارة، وحائلة زائلة، ونافذة بائدة، أكالة غوالة، لا تعدو إذا هي تناهت إِلَى أمنية أَهْل الرغبة فيها، والرضى عنها أن تكون كما قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ على كل شيء مقتدرا [2] . مع أنّ امرأ لم يكن منها فِي حيرة إلا أعقبته بعدها عبرة، ولم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا، ولم يطله فيها رخاء إلا هطلت عَلَيْهِ مزنة بلاء، وحري إذا أصبحت لَهُ منتصرة أن تمسي لَهُ خاذلة متنكرة. وإن جانب منها اعذوذب وحلا، أمر منها جانب وأوبأ، وإن أتت امرأ من غضارتها ورقا أردفته من نوائبها تعبا، ولم يمس امرؤ منها فِي جناح أمن

_ [1] بهامش الأصل: خطبة قطري. [2] سورة الكهف- الآية: 45.

إلا أصبح منها فِي قوادم خوف. غرارة غرورها فيها، فانية فان من عَلَيْهَا، لا خير فِي شيء من زادها إلا التقوى. من أقل منهما استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه ويطيل حزنه ويبكي عينه، كم من واثق بِهَا قد فجعته، وذي طمأنينة قد صرعته، وذي احتيال قد خدعته، وكم ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرا، وذي نخوة قد ردته ذليلا، ومن ذي تاج قد أكبته لليدين والفم. سلطانها ذل وعيشها رنق، وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام، حيها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام، ملكها مسلوب وعزيزها مغلوب، وسليمها منكوب وجارها مخروب، مَعَ أن وراء ذَلِكَ سكرات الموت وهول المطلع، والوقوف بين يدي الحكم العدل لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى [1] ألستم فِي مساكن من كَانَ أطول منكم أعمارا وأوضح منكم آثارا وأعد عديدا وأكثف جنودا، وأشد عنودا، تعبدوا للدنيا أي تعبد، وآثروها أي إيثار، فظعنوا عنها بالكره والصغار، فهل يعلم أن الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية، أو أغنت عنهم فيما أهلكتهم بخطب، بل قد أرهقتهم وضعضعتهم بالنوائب، وقد رأيتم شكرها لمن دان لها وآثرها وأخلد إليها حين ظعنوا عنها لفراق الأبد إِلَى آخر المسند، هل زودتهم إلا الشغب أو أحلتهم إلا الضنك أو توردت بهم إلا الظلمة أو أعقبتهم إلا الندامة؟. فهذه تؤثرون؟ أم على هذه تحرصون أم إليها تطمئنون؟

_ [1] سورة النجم- الآية: 31.

يقول اللَّه تبارك وتعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وهم فيها لا يبخسون [1] . فبئست الدار لمن أقام فيها، فاعملوا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها لأبد، فإنما هي كما وصفها اللَّه عز اسمه باللعب واللهو، وقد قال: أتبنون بكل ربع آيَةً تَعْبَثُونَ. وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذَا بطشتم بطشتم جبارين [2] . وقد قالوا من أشد منا قوة [3] ثُمَّ حملوا إِلَى قبورهم فلا يدعون ركبانا، وأنزلوا فلا يتركون ضيفانا. وجعل لهم من الضريح أجنانا ومن التراب أكفانا. ومن الرفات جيرانا. وهم جيرة لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما. إن أخصبوا لم يفرحوا وإن قحطوا لم يقنطوا جميع وهم آحاد، جيرة وهم أبعاد متناؤون لا يتزاورون. حلماء قد ذهبت أضغانهم. وجهلاء قد ماتت أحقادهم. لا يخشى فجعهم ولا يرجى دفعهم. وكما قَالَ اللَّه عز اسمه: فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قليلا وكنا نحن الوارثين [4] استبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة، فجاؤوها كما فارقوها حفاة عراة فرادى غير أن ظعنوا بأعمالهم إِلَى الحياة الدائمة وإلى خلود الأبد. يقول اللَّه عز وجل: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فاعلين [5]

_ [1] سورة هود- الآية: 15. [2] سورة الشعراء- الآيات: 128- 130. [3] سورة فصلت- الآية: 15. [4] سورة القصص- الآية: 58. [5] سورة الأنبياء- الآية: 104.

الملهب والخوارج

فاحذروا مَا حذركم اللَّه، واشفعوا بمواعظه، واعتصموا بحبله، عصمنا اللَّه وإياكم بطاعته، ورزقنا وإياكم أداء حقه» . [الملهب والخوارج] ثُمَّ ارتحل قطري إِلَى جيرفت واتبعه المهلب فنزل عَلَى ليلتين منه، واختلفوا فَقَالَ المهلب: الاختلاف خير لنا وشر لهم، وإنما اختلفوا لأنهم اتهموا عبيدة بْن هلال بامرأة رجل قصار رأوه يدخل إليها بغير إذن متفضلا فأخبروا قطريا فَقَالَ لهم: إنه عبيدة وموضعه من الدين والعسكر مَا علمتم، فَقَالُوا: لا نصالح عَلَى الفاحشة. فَقَالَ قطري لعبيدة: إني عَلَى أن أجمع بينك وبينهم فلا تكاشف مكاشفة البذيء ولا تخضع خضوع المريب. ثُمَّ جمع قطري بينهم وبينه فقرأ عبيدة: إِنَّ الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم [1] الآية. فبكوا وقاموا إِلَيْهِ فعانقوه وقالوا: استغفر لنا. فَقَالَ عبد ربه الصغير مولى بني قيس بْن ثعلبة: والله لقد خدعكم، وإنه لكما ظننتم. فبايع عبد ربه منهم قوم وتنكروا لقطري وخالفوه فِي أمور فعلها نقموها عَلَيْهِ، فصار مَعَ عبد ربه نصف عسكر قطري، فحارب عبد ربه قطريا فقتل من أصحابه قوم، وقتل صالح بْن مخراق مَعَ عبد ربه، فكره قطري أن يقيم بين عسكرين يقاتلانه، فخرج يلتمس منزلا، فجاء المهلب حَتَّى نزل فِي معسكره، وقاتل عبد ربه وكتب إِلَى الحجاج بالخبر وأشار عَلَيْهِ أن يوجه إلى قطري من يتبعه ويحاربه.

_ [1] سورة النور- الآية: 11.

وألصق المهلب بعبد ربه، وَقَالَ عبد ربه: يَا معشر المهاجرين إن قطريا وعبيدة هربا رجاء البقاء ولا سبيل إِلَيْهِ فالقوا عدوكم غدا فإن غلبكم عَلَى الحياة فلا يغلبنكم عَلَى الموت. فقاتلوا المهلب فقتل عبد ربه، وطلب بعض أصحابه الأمان، ومضى عَمْرو القنا إِلَى خراسان فمات بِهَا، ومضى بعضهم إِلَى سجستان. وحوى المهلب عسكر الخوارج وأصاب بِهِ جرحى فدفع كل جريح إِلَى قومه، ورجع المهلب إِلَى جيرفت فَقَالَ: الحمد لله الَّذِي ردنا إِلَى الخفض والدعة فما كَانَ عيشنا بعيش. قالوا: ونظر المهلب فِي مجلسه إِلَى قوم لا يعرفهم فَقَالَ: مَا أشد عادة السلاح. قالوا: فقام فِي الحين فلبس سلاحه وَقَالَ: خذوا هؤلاء فأخذوا فَقَالَ: من أنتم؟ قالوا: أردنا غرتك لنقتلك. فقتلهم. وَقَالَ الهيثم بْن عدي: اعتزل عبد ربه الصغير فِي أربعة آلاف، والصغير مولى بني قيس، واعتزل عبد ربه الكبير فِي سبعة آلاف، والكبير مولى بني يشكر. فقاتل المهلب الصغير فقتله وأصحابه، ومضى قطري وبقي الكبير فقاتله المهلب فقتله أيضا. قالوا: وكتب المهلب إِلَى الحجاج: «أما بعد فالحمد لله الكافي بالإسلام فقد مَا سواه، الَّذِي أوجب المزيد بالشكر، وقد كَانَ من أمرنا وأمر عدونا مَا قد انتهى إليك خبره بعد مطاولة نلنا فيها منهم مَا لم ينالوه منا، وأدنيت السواد من السواد حَتَّى تعارفوا بالوجوه وقاتلت الأغمار، وكان

مَا يسوءهم منا دون مَا يسرهم [1] ، وما يسرنا منهم فوق الَّذِي يسوءنا حَتَّى وقع بينهم الاختلاف ففرق اللَّه أهواءهم وألقى بأسهم بينهم، ولم يزل اللَّه يمحصنا [2] ويمحقهم، وينصرنا ويخذلهم حَتَّى بلغ بنا وبهم الكتاب أجله، فقطع دابر الكافرين والحمد لله رب العالمين [3] » . فكتب إِلَيْهِ الحجاج: «إن اللَّه صنع بالمسلمين خيرا، وقد فرغتم من عدوكم وأراحكم من كثير مما كنتم فيه، فاقسم مَا أفاء اللَّه عليك فيمن معك. فأما قطري وعبيدة فنحن كافوك إياهم بعون اللَّه وتوفيقه، فأقبل وليكن معك بنوك وفرسانك ولا تطمعن أحدا فِي اللحاق بأهله دون قدومك علي، واستخلف عَلَى كرمان» . فاستخلف ابنه يَزِيد وأوصاه بالقصد والمبالغة فِي الأمور، وَكَانَ قد بعث بكتاب الفتح مَعَ كعب الأشقري، ومرة بْن تليد الأزدي، أزد شنوءة، فأنشد كعب الحجاج قوله: يَا حفص إني عداني منكم السفر.. فَقَالَ الحجاج: أخطيب أنت أم شاعر؟ فَقَالَ: خطيب شاعر. قَالَ: فأخبرني عَن بني المهلب. قَالَ: المغيرة سيدهم وأشجعهم وحسبك بيزيد فارسا وما يستحي شجاع أن يصد عَن مدرك، وما لقي الأبطال مثل حبيب، وعَبْد الْمَلِكِ موت ناقع، وكفاك ببأس مفضل ونجدته، وأسخاهم قبيصة، ومحمد ليث عاد. ثُمَّ قَالَ لابن تليد: أخبرني

_ [1] بهامش الأصل: وكان ما يسرهم منادون ما يسوءهم. [2] التمحيص: الابتلاء والاختبار. القاموس. [3] الآية في سورة الأنعام (45) (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.

كيف كانت حالكم. قَالَ: كنا إذا لقيناهم بعفونا وعفوهم يئسنا منهم وإذا لقيناهم بجدنا طمعنا فيهم، قَالَ: فكيف كَانَ بنو المهلب؟ قَالَ: حماة السرح نهارا وفرسان البيات. قَالَ: فأين السماع من العيان؟ قَالَ: السماع دون العيان. قَالَ: فأيهم أفضل؟ قَالَ: هم الحلقة المفرغة لا يعرف طرفاها. فوصل بني المهلب وأهل البلاء والغناء ممن كَانَ مَعَهُ وزادهم فِي الأعطية. وولى الحجاج المهلب خراسان، وَكَانَ المهلب يقول: مَا أحب أن لي مكان بيهس بْن صهيب ألف فارس. فقيل إنه ليس بشجاع؟ قَالَ: لكنه سديد الرأي عاقل حذر فهو لا يدع الاحتراس والسؤال، ولو وجد مكانه ألف فارس شجاع لناموا حَتَّى يحتاج إليهم. قالوا: وعقد الحجاج لسفيان بْن الأبرد الْكَلْبِيّ عَلَى خمسة آلاف، وضرب عَلَى أَهْل الْكُوفَة بعثا فخرجوا فِي عشرة آلاف عليهم الصباح بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، ويقال إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّهِ بْن الأشعث. وجعل عَلَى جماعة النَّاس سفيان بْن الأبرد وَقَالَ لَهُ الحجاج: أتدري إِلَى أين تسير؟ قَالَ: نعم إِلَى كلاب النار. قَالَ: اعلم أنك تسير إِلَى أسد الشرى وسباع العرب، يرون الموت قربة إِلَى اللَّه ويعدون الفرار كفرا فعليك بالصبر والعزم، والقوم أصحاب مناجزة فإياك والعجلة. فصار سفيان وجعل عَلَى ساقته البختري بْن عامر العاملي، فمر بالأخضر بْن ورقاء الْكَلْبِيّ ومصاد بْن زياد القيني والوازع بْن دوالة الْكَلْبِيّ وهم سكارى فشتموا البختري، فَقَالَ لَهُ سفيان: هلا ضربت أعناقهم. وبلغ الحجاج أمرهم فحلق عَلَى أسمائهم فكتب فيهم فردها.

مقتل قطري بن الفجاءة

[مقتل قطري بن الفجاءة] قالوا: ومضى قطري وأصحابه نحو مكران وما وراءها، فأوقع ببعض من كَانَ بأطراف بلاد السند، ومضى بعض أصحابه إِلَى سجستان، وأتى عبيدة بْن هلال قومس فصار بِهَا، ومضى قطري فِي طريق خراسان ثُمَّ عدل يريد الأصبهبذ بطبرستان. وبلغ الإصبهبذ ذَلِكَ فبعث إِلَى قطري والخوارج يسألهم عَن أمرهم فَقَالَ قطري: نحن قوم أنكرنا جور سلطاننا فتنحينا عنه، ونحن قوم لا نظلم أحدا ولا نغصبه ولا ننزل عَلَيْهِ إلا برضاه. فأذن لَهُ الإصبهبذ فِي دخول بلاده، فدخل قطري طبرستان فِي أصحابه، فلما استقر بعث إِلَى الإصبهبذ يدعوه إِلَى الإسلام أو الجزية فَقَالَ الإصبهبذ لرسله: قولوا لَهُ أنت رجل دخلت بلادنا طريدا فآويناك وأحسنا إليك فتبعث إلي بمثل هذه الرسالة. فأرسل اليه: إنه لا يسعني فِي ديني غير هذا. فصار الإصبهبذ إِلَيْهِ ليخرجه عَن بلده فأوقع بِهِ قطري وهزمه وقتل ابنه وأخوه، فخرج حَتَّى أتى الري. وغلب قطري عَلَى طبرستان وأتى الطبري سفيان بْن الأبرد وقد وافى الري فوضع يده فِي يده، وحدثه بما صنع قطري وَقَالَ لَهُ: أنا أدخلك عَلَيْهِ فِي طريق مختصرة حَتَّى توافيه وهو لا يشعر بك ففعل، فقاتل سفيان ومن مَعَهُ قطريا وأعانه الإصبهبذ وأساورته، وجعل قطري يقول: أنا أَبُو نعامة الشيخ الهبل ... أنا الَّذِي ولدت فِي أخرى الإبل. فطعنه رجل من أَهْل الشام فِي صدغه وانهزم أصحابه، فاتبعهم أَهْل الشام فقتلوا منهم خلقا.

وعثر بقطري فرسه فاندقت فخذه ووقع بين صخرتين، وانتهى إِلَيْهِ باذام مولى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث فَقَالَ باذام: الساقط بين الصخرتين والله قطري. فَقَالَ قطري: يَا فاسق أنا غزيلكم، أو قَالَ: أرينبكم الَّذِي تطلبون، فاختلف وباذام ضربتين فكانت ضربه قطري ضعيفة. وضربه باذام فأبان يده ثُمَّ احتز رأسه، وادعى سورة بْن الحر التيمي أنه قتله مَعَهُ. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: انهزم قطري فإذا هو قد دفع إِلَى غيضة، فنزل عَن فرسه فقاده حَتَّى انتهى إِلَى موضع فيه ماء فأقام عنده وذلك فِي الصبح. وأقبل سورة بْن الحر، وباذام مولى الأشعث بن قيس وشنظيز الثعلبي أحد بني ثعلبة بْن يربوع يطلبون قطريا فأخبروا بأن رجلا دخل الغيضة فطلبوه فيها فوجدوه قائما يصلي وقد نزف دمه وضعف. فَقَالَ لهم: أنا غزيلكم الَّذِي تطلبون، فَقَالَ سورة لباذام إن شئت أتيته أنا من بين يديه وأتيته أنت من خلفه، وإن شئت فأنا آتيه من خلفه وأنت من بين يديه. فتلقاه سورة من بين يديه وأتاه باذام من خلفه فقتلاه واحتزا رأسه فاختصما فيه، ووافاهم أَبُو الجهم الْكَلْبِيّ فأخذ الرأس وأتى بِهِ سفيان فبعث بِهِ إِلَى الحجاج. ويقال إن سورة كَانَ يقول: رأيت قطريا وهو عَلَى فرس وخلفه امرأة عَلَى بغل فاتبعته أنا وباذام ونحن لا نعرفه فحملت عَلَى المرأة فلما غشيتها نادت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فعطف علي وشددت عَلَيْهِ فعانقته فسقطنا إِلَى الأرض فصار تحتي، وندر سيفه من يده فزحف يريد السيف وصارت إبهامه فِي يدي فرضضتها حَتَّى فتر، وجاء باذام فضرب بالسيف بطنه واقتتلت أنا وباذام على رأسه.

ويقال إن الَّذِي قتل قطريا عثمان بْن أَبِي الصلت. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة بْن محصن الكندي: رأيت قطريا وقد صرع فِي الشعب وهو يهوي ولا أعرفه، وحوله نسوة وفيهن عجوز، فحملت عليهن فانتضت العجوز السيف فضربتني فجرحتني فِي عنقي فضربتها فقتلتها. وأتى علج قطريا وهو لا يعرفه فَقَالَ لَهُ: اسقني ولك سلاحي، فمضى العلج فحدر عَلَيْهِ صخرة فأوهنت فخذه، وأتاه سورة فقتله، واختصم فِي رأسه سورة وباذام وشنظيز الثعلبي، وعثمان بْن أَبِي الصلت، وجعفر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مخنف، والصباح بْن مُحَمَّد بْن الأشعث. وَقَالَ جعفر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ: إني لما عرفته لم تكن لي همة إلا قتله لأنه قتل أَبِي. قالوا: ولما قتل قطري وبعث سفيان برأسه، أتى قومس وبها عبيدة بن هلال فحصره ثلاثة أشهر، ويقال خمسة أشهر، ووضع عَلَيْهِ المنجنيق، فضاقوا وضجروا وصاروا إِلَى ذبح دوابهم وأكل لحومها، وأكلوا الجيف، فذلك حين قَالَ عبيدة: إِلَى اللَّه أشكو مَا نرى بجيادنا ... بقومس هزل مخهن قليل فإن يك أفناها الحصار فربما ... تشحط فيما بينهن قتيل وأشرف عبيدة عليهم فَقَالَ: أقرأ عليكم أو أنشدكم؟ فَقَالُوا: أنشد. فَقَالَ: يَا فسقة. قد علمت أنكم تؤثرون الشعر عَلَى القرآن. ونادى سفيان: من خرج فهو آمن. فهم قوم بالخروج كثير. وَقَالَ الهيثم: نادى سفيان: يَا معشر الأزارقة لا أمان عندي إلا لمن

جاء برأس صاحبه فكان الرجل منهم يخاف ابنه وأخاه عَلَى قتله لما هم فيه من الجهد. وخرج عبيدة فاقتتلوا فِي يوم الجمعة إِلَى المساء، ثُمَّ دخل عبيدة القصر، وانهزم قوم من أصحابه فلم يدخلوا فاتبعهم سفيان، فأخذ منهم أسرى فقتلهم. وَقَالَ عبيدة: وما زالت الأقدار حَتَّى قذفنني ... بقومس بين الفرخان وصول إِلَى اللَّه أشكو لا إِلَى النَّاس أشتكي ... بقومس إذ فيها الشراة حلول ووعظ أصحابه فَقَالَ: إنما هي ساعة حَتَّى تظفروا أو تستشهدوا، فخرجوا وشدوا عَلَى سفيان وأصحابه وقالوا الحصن لمن غلب، فكشف أصحاب سفيان، ثُمَّ بقي فِي جماعة من أَهْل الشام ليسوا بالكثير فَقَالَ سفيان: يَا أَهْل الشام، يَا أَهْل الصبر والحفاظ، يَا حماة الأدبار أعن هؤلاء الأكلب تفرون، فتراجع النَّاس فَقَالَ سفيان: الأرض، فنزلوا جميعا وصبروا فَقَالَ عبيدة: يَا إخوتي روحوا إِلَى الجنة، وقاتل فقتل عبيدة وعامة أصحابه واستأمن الباقون، فأمنهم سفيان، وَكَانَ من المستأمنة حطان الأعسر فَقَالَ شعرا: بليت وأبلاني الجهاد وساقني ... إِلَى الموت، إخوان لنا وأقارب شريت فلم أقتل وما زلت لم أصب ... كذاك صروف الدهر فينا عجائب واستأمن قيس الأصم وهو قيس بْن عسعس ويلقب الخشبي، ثُمَّ كف بصره فمر بقومس فَقَالَ لقائده: أي موضع هذا؟ فأخبره. فَقَالَ: قف بي أبكي إخواني. وَقَالَ: ذكرت الشراة الصادقين بقومس ... وذكري لهم مما يهيج شجوني

وَكَانَ الحجاج كتب إِلَى سفيان يستبطئه فِي أمر عبيدة ويصغر مَا عمل فَقَالَ: أن أبا مُحَمَّد لا يرضي حَتَّى جعل المحسن مسيئا والمطيع عاصيا. قالوا: وكانت عند قطري العيوف بنت يَزِيد بْن حبناء التميمي فولدت ابنتين: مزنة والفجاءة فأخذ سفيان الفجاءة فبعث بِهَا إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فصارت إِلَى العباس بْن الوليد فولدت لَهُ الحارث والمؤمل فلما ولي عمر بْن عَبْد العزيز وأمر برد سبايا الأزارقة قَالَ للعباس: خل سبيلها أو تزوجها إن رضيت، فتزوجها برضى منها، ويقال: إنه كانت عند العباس نعامة بنت قطري. قَالَ الْمَدَائِنِيّ: وفد عَلَى عمر بْن عَبْد العزيز قوم من بني مازن فِي أمر بنت قطري، فَقَالَ شاعرهم: أتيناك زوارا ووفدا إِلَى التي ... أضاءت فما يخفى عَلَى النَّاس نورها أبوها عميد الحي عَمْرو وأمها ... من الحنفيات الكرام قبورها فإن تك كانت حيث كانت فإنها ... لها أسرة منا كرام نفيرها فَقَالَ عمر: قد تزوجها برضاها. وَقَالَ رجل للحارث بْن العباس، أنت ابْن الخلائف الأربعة. قَالَ: ويحك من الرابع؟ قَالَ: قطري. وَقَالَ الهيثم: بعث سفيان برأس قطري ورؤوس أعلام من مَعَهُ إِلَى الحجاج مَعَ الوليد بْن بخيت الْكَلْبِيّ.

أمر أبي فديك عبد الله بن ثور أحد بني قيس بن ثعلبة بن عكابة

أمر أَبِي فديك عَبْد اللَّهِ بْن ثور أحد بني قَيْس بْن ثعلبة بْن عكابة قالوا: ولما خالف نجدة بْن عامر من خالفه من أصحابه، ولوا أمرهم أبا فديك عَبْد اللَّهِ بْن ثور [1] ، وكانوا بايعوا قبله ثابتا التمار، وكانت أخته عند أَبِي فديك، ثُمَّ قالوا: لا يقوم بأمرنا إلا رجل من العرب، وجعلوا الاختيار إِلَيْهِ فاختار لهم أبا فديك. فلما ولي خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد البصرة، وجه أخاه أمية بْن عَبْد اللَّهِ إِلَى أَبِي فديك وهو بالبحرين فهزمه أَبُو فديك وفضحه فَقَالَ الفرزدق: جاؤوا عَلَى الريح أَوْ طاروا بأجنحة ... ساروا ثلاثا إِلَى الجلحاء من هجرا [2] حَدَّثَنَا أَبُو خلف بْن سالم المخزومي، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أبيه عَن عمه صعب بْن زَيْد ومحمد بْن أَبِي عُيَيْنَة قَالا: خرج أَبُو فديك بالبحرين فلقيه أمية بْن عَبْد اللَّهِ فهزمه، فركب أمية فرسا لَهُ جوادًا كَانَ يقال

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 310 وفيه: «إلى البحار من هجرا» .

لَهُ المهرجان فدخل البصرة عَلَيْهِ فِي ليلتين أو ثلاث. فَقَالَ يوما وَهُوَ بالبصرة: لَقَدْ سرت عَلَى المهرجان إِلَى البصرة فدخلتها فِي ليلتين أو قَالَ ثلاث، فَقَالَ لَهُ بَعْضهم: هَذَا المهرجان، فلو ركبت النوروز لَمْ تسر ليلة حَتَّى تدخلها. حَدَّثَنَا خلف بْن سالم وَأَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيّ قالا، ثنا وهب بْن جَرِير عَنْ أَبِيهِ عَنْ صعب بْن زيد وغيره قالوا: خرج أَبُو فديك بالبحرين فبعث إِلَيْهِ خَالِد أخاه أمية فهزم، فبعث إِلَيْهِ عمر بْن عَبْد اللَّهِ بْن معمر فقتله، وقالوا: هزم أَبُو فديك أمية، وهزم قطري عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّهِ بالأهواز بعد ذَلِكَ وفضحه، فَقَالَ الفرزدق: كُل بَنِي السوداء قَدْ فر فرة ... فلم تبق إلا فرة عِنْدَ خَالِد فضحتم قريشا بالفرار وأنتم ... لدى الحرب أنكاس قصار السواعد [1] قَالَ الهيثم: هزم أَبُو فديك أمية بْن عَبْد اللَّهِ، فندب عَبْد الْمَلِكِ عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر وضم إِلَيْهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عضاه الأشعري، ومعه وجوه أَهْل الشام، وقدم الْكُوفَة فأجلسه بشر عَلَى سريره وأكرمه، فسار فواقع أبا فديك فانهزم أَهْل البصرة، وقاتل فِي أَهْل الشام والكوفة فقتل أبا فديك. وَكَانَ لقاؤه إياه بالبحرين، وَكَانَ أَبُو فديك فِي اثني عشر ألفا. وَكَانَ عَلَى جند البصرة عباد بْن الحصين، ونصب رأس أَبِي فديك في رحبة البصرة.

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع.

قَالَ ودعا عمر أعشى همدان فَقَالَ لَهُ: يَا أبا المصفح [1] سر إِلَى بشر بالفتح، وقل فيه شعرا. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ مُحَمَّد بْن موسى بْن طلحة بْن عَبْد اللَّهِ التيمي، وعمر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر يتباريان فِي فعلهما وكانا فِي جيش عمر بْن عبيد اللَّه. فقال عبد الله بن شبل البجلي يفضل عُمَر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر، وهو الَّذِي خرج مَعَ ابْن الأشعث بعد، فقتله الحجاج: تباري ابن موسى يابن موسى ولم تكن ... يداك جميعا تعدلان لَهُ يدا تباري امرأ إحدى يديه مفيدة ... وإحداهما تبني بناء مشيدا ووجه مُحَمَّد بْن موسى بعد إِلَى شبيب فقتله شبيب. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عَلَى جيش أَهْل البصرة مَعَ عمر بْن عبيد اللَّه حين توجه إِلَى أَبِي فديك: عُمَر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر، وَكَانَ أخا عَبْد اللَّهِ بْن عامر لأمه، أمهما: دجاجة بنت الصلت، وعلى جيش أَهْل الكوفة: محمد بْن موسى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ. وَقَالَ العجاج: لقد شفاك عَمْرو بْن معمر ... من الحروريين يوم العسكر وقع امرئ ليس كوقع الأعور يعني عَبْد اللَّهِ بْن عمير الليثي، وَكَانَ قد وجه إِلَى بعض الخوارج نجدة أو غيره فهزم. وَقَالَ العجاج في أرجوزته في عمرو أولها:

_ [1] بهامش الأصل: أبا صبح.

قد جبر الدين الإله فجبر ... هذا أوان الجد إذ جد عمر وصرح ابْن معمر لمن ذمر [1] الْمَدَائِنِيّ عَن أشياخه قالوا: بويع عَبْد اللَّهِ بْن ثور أَبُو فديك أحد الحرقيين، والحرقيان: تيم وسعد ابنا قيس بْن ثعلبة بْن عكابة سنة إحدى وسبعين، فأقام باليمامة ستة أشهر، ثُمَّ فتك بِهِ مسلم بْن جبير وهو من أَهْل الحجاز لمخالفته إياه فِي رأيه، وقوله بقول نجدة فوجأه اثني عشرة وجأة، وَقَالَ: خالفت قومي فِي دينهم ... خلاف صبا الريح جاءت جنوبا أرجى الإله وغفرانه ... ويرجون درهمهم والجريبا فقتل مسلم وحمل أَبُو فديك فبرئ من جراحاته، وقيل لأبي فديك: لا خير لك فِي المقام باليمامة مَعَ بني حنيفة لأنا لا نأمنهم عليك، فخرج أَبُو فديك إِلَى البحرين فأقام بجواثا، فوجه إِلَيْهِ مصعب بْن الزُّبَيْرِ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الإسكاف، فَقَالَ أَبُو فديك: «يَا معشر المسلمين إن اللَّه قد أذهب عنكم نزغ الشيطان وأنقذكم من فتنة نجدة وصيركم إِلَى أنصاركم فأنتم تناضلون عَن دين اللَّه، أو مَا سمعتم مَا أعد اللَّه للمجاهدين فِي سبيله حين قَالَ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [2] فمن كَانَ اللَّه مَعَهُ فهو المفلح المنجح. وَقَالَ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [3] . فاشروا

_ [1] ديوان العجاج ص 4- 9. [2] سورة العنكبوت- الآية: 69. [3] سورة آل عمران- الآية: 169.

أنفسكم تنالوا الفوز كما وعدكم واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا اللَّه لعلكم تفلحون، وإياكم والفرار من الزحف فتبوءوا بسخط من اللَّه ويحل عليكم غضبه، ثُمَّ ناهضهم. وَكَانَ البصريون يرون أن ابْن الإسكاف إذا عاين أبا فديك قتله. فلم ينتصف النهار حَتَّى انهزم البصريون، ومضى ابْن الإسكاف منهزما. وأقام أَبُو فديك بالبحرين، وسار مصعب إِلَى الْكُوفَة، وتشاغل بأمر عَبْد الْمَلِكِ ولقائه، فجمع زياد بْن القرشي جمعا من أَهْل البحرين ومن أَهْل البصرة، ولقي أبا فديك محتسبا فَقَالَ لَهُ السائب بْن الأخرس من ولد اللبوء بْن عَبْد القيس: ويحك يا بن القرشي لا تخرج إليهم، فأبى وسار إليهم، فلقيه عمارة الطويل، وهو عمارة بْن عقبة بْن مليل، وعمير بْن سلمى من ولد زيد بْن يربوع بْن ثعلبة بْن الدؤل بْن حنيفة، فقتل ابْن القرشي، وتفرق أصحابه فَقَالَ الشاعر: تمتع قبل جيش أَبِي فديك ... وقبل عمارة الرجل الطويل أغر صميدع يمشي إذا مَا ... تتابع مشية الجمل الصؤول وقبل الطير ينهش لحم قوم ... بمعترك البياذق والخيول وقبل معرس [1] لا شك فيه ... سينأى بالخليل عن الخليل فما لك حين تقطع صرّتاج [2] ... إِلَى البيض العباهر من سبيل لقاء الأسد أهون من لقاء ... بِهِ التحكيم يشهر بالأصيل

_ [1] المعرس: السائق الحاذق السياق، إذا نشطوا سار بهم، وإذا كسلوا عرس بهم، أي نزل بهم في آخر الليل، والموضع معرس ومعرّس. القاموس. [2] لعل صرتاج اسم مكان، والعبهر: الممتلئ الجسم والعظيم، والناعم الطويل من كل شيء. القاموس.

قالوا: وقتل مصعب فِي سنة اثنتين وسبعين، وقدم خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص واليا عَلَى البصرة من قبل عَبْد الْمَلِكِ، فوجه أخاه أمية بْن عَبْد اللَّهِ فِي سنة ثلاث وسبعين إِلَى أَبِي فديك فِي اثني عشر ألفا، وأبو فديك في سبعمائة. فلما تواقف الجمعان وتراءيا قَالَ أَبُو فديك: قد ترون عدوكم والقليل المنصور خير من الكثير المخذول فاستنصروا ربكم واصبروا لعدوكم. فاقتتلوا ثُمَّ تحاجزوا عَلَى السواء، ثُمَّ عاودوا القتال فقاتلوهم حَتَّى زالت الشمس، فكمن لهم ثابت التمار فِي مائة واستطرد الخوارج، واتبعهم أمية فلما جاوز موضع الكمين خرجوا عليهم وهم يحامون من خلفهم، وكر أَبُو فديك وأصحابه فصبر البصريون ساعة ثُمَّ انهزموا، وصرع أمية فحماه عون بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سلامة التيمي، وحوى أَبُو فديك عسكرهم. ومضى أمية والناس منهزمين إِلَى البصرة، وأصاب أمية فِي طريقه ضر، ولم يجد طعاما، فلقي أعرابيا فَقَالَ لَهُ عون: مَا معنا دراهم ولكني أعطيك درعي هذه وتبيعني ناقتك؟ قَالَ: لا أب لك، أتراها تساوي ناقتي؟ قَالَ: والله لهي خير منك ومن أبيك ومن ناقتك، فأخذ الدرع ونحروا الناقة فأصابوا منها، فأكثر أمية الأكل فَقَالَ عون: ألم ينهك الطبيب عَن لحم الجزور؟ قَالَ: ويحك اسكت فليس هذا بموضع مزاح. فلما قدموا البصرة لزم أمية بيته استحياء من النَّاس حين هزم وفر، فأتاه خَالِد بْن صفوان بْن عَبْد اللَّهِ بْن الأهتم التميمي فَقَالَ: الحمد لله الَّذِي خار لنا عليك ولم يخر لك عَلَيْنَا، أما والله لقد كنت حريصا عَلَى الشهادة

طالبا لها، ولكن اللَّه أبى إلا أن يزين بك مصرنا ويؤنس بك وحشتنا، ويجلو بك غمنا. وَقَالَ الفرزدق يذم أمية: أمي هلا صبرت النفس إذ جزعت ... فتبلي اللَّه عذرا مثل من صبرا طاروا سراعا وما سلوا سيوفهم ... وخلفوا فِي جواثا سيدي مضرا ساروا عَلَى الريح أَوْ طاروا بأجنحة ... ساروا ثلاثا إِلَى الجلحاء من هجرا لو كنت إذ جشأت ربطت جرونها ... ولم تولهم يوم الوغى الدبرا [1] يعني بسيدي مضر: عَبْد اللَّهِ بْن الحشرج الجعدي، والحارث بْن عَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْنِ عَبْد المطلب، ارتث بجواثا فحمل إِلَى البصرة فمات بِهَا ودفن، ويقال بل مات هناك فحمل فِي صندوق إِلَى البصرة. وَقَالَ بعض الشعراء: يوما بني خالد يومان قد فضحا ... يوم بفسا ويوم كَانَ فِي هجرا وَقَالَ آخر لأمية: أما القتال فلا أراك مقاتلا ... ولئن فررت ليعرفن الأبلق وَقَالَ أَبُو الحسن علي بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِيّ وغيره: بلغ عَبْد الْمَلِكِ أمر أمية بْن عَبْد اللَّهِ فَقَالَ لعمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن تيم بْن مرة، وهو عنده: اكفني أبا فديك. فَقَالَ: لا يمكني. فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: والله لتسيرن إِلَيْهِ. قَالَ: والله لا أفعل. قال: فارفع

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 310، مع فوارق.

حسابك لفارس وصححه. قَالَ: نعم. وقام فاتبعه روح بْن زنباع الجذامي فَقَالَ: يَا أبا حفص. ترد عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ويقسم فتقسم. قَالَ: يَا أبا زرعة إن أخاه بشرا بالكوفة وابن عمه خالد بْن عَبْد اللَّهِ بالبصرة وهما حائلان بيني وبين مَا أريد من النخبة، وأن يندبا معي إلا ضعفة النَّاس من لا يحامي عَلَى دين ولا حسب، فإن صبرت قتلت ضيعة وإن أنحزت افتضحت. فرجع روح إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بقول عمر، فأرسل إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ فرده وَقَالَ: يَا أبا حفص، لو رأيت بين عيني أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وتدا أما كنت نازعه وواقيا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مكروهه؟ قَالَ: بلى والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بنفسي وأهلي ومالي. قَالَ: فإن أبا فديك وتد بين عيني فاكفني أمره. قَالَ: نعم إن أعفيتني من عنت بشر وخالد قَالَ: فليس لأحد عليك سلطان فِي بلد تنزله وليس لك أن تصلي بالناس ولا تجبي الخراج وأنت مسلط عَلَى الدواوين فانتخب من شئت وكم شئت، وكتب لَهُ بِذَلِكَ إِلَى بشر، فسار حَتَّى قدم الْكُوفَة عَلَى بشر، فأكرمه وأقعده مَعَهُ عَلَى السرير وَقَالَ: والله لو لم يكتب إلي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بما كتب فيك، لقويت، فهذه الدواوين فانتخب من شئت، وهذا المال فأعطهم، فانتخب من كل ربع ألفين وأعطاهم أعطياتهم، فلم يكلمه بشر فِي تخليف أحد، وَقَالَ لهم: سيروا إِلَى البصرة، واستعمل عليهم مُحَمَّد بْن موسى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ. وساروا وتزوج عمر بالكوفة عائشة بنت طلحة فأقام عندها أياما، ثُمَّ اتبع مُحَمَّد بْن موسى وحمل مَعَهُ عائشة فقدم البصرة وأوصل كتاب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى خالد، وانتخب من أَهْل البصرة ثلاثة عشر ألفا، فكلمه خالد فِي قوم ليخلفهم فأبى ذَلِكَ فمنعه خالد الديوان، فَقَالَ بيهس بْن صهيب الجرمي:

إن بشر بْن مروان لم يكلمه فِي تخليف أحد، وهو أخو أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ولم يطمع فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: إنه لم يدع لي محدثا ولا سميرا. فكف خالد حَتَّى استكمل مَا أراد فَقَالَ العجاج: لقد سما ابْن معمر لما اعتمر ... مغزى بعيدا من بعيد وصبر فِي نخبة النَّاس الَّذِي كَانَ افتخر ... ثلاثة وستة واثني عشر ألفا يجرون من الخيل العكر [1] فَقَالَ عمر بْن عبيد اللَّه: لا حول ولا قوة إلا بالله. وَكَانَ المهلب بالبصرة قد عزله خالد عَن قتال الأزارقة وولى قتالهم عَبْد العزيز أخاه، فأثبته عمر فيمن يخرج مَعَهُ، وأثبت عباد بْن الحصين، فَقَالَ لَهُ المهلب: إني رمد العين فاختر أي بني شئت ليخرج معك واعفني. قَالَ: لا. وعسكر عمر، وأخذ النَّاس فِي الجهاز، وأعطاهم أعطياتهم ورأى المهلب فَقَالَ لَهُ: مر ابنك المغيرة بالتجهز والخروج مكانك فإن أَهْل مصرك محتاجون إليك يَا أبا سعيد. وبعث خالد إِلَى عمر بمال فَقَالَ: اقسمه فِي فرسانك، فقسمه فيهم وفضل المغيرة بْن المهلب، وَقَالَ: أما والله لأربحن عَلَيْهِ ربحا رغيبا. فتجهز النَّاس بجهاز حسن وأداة كاملة، وخرجوا إِلَى المعسكر بالنحيت [2] ، وخرج المغيرة فِي ثلاثين مجففا فعرضهم عمر، فجاءه الصلتان

_ [1] ديوان العجاج ص 50- 51 مع فوارق. [2] بهامش الأصل: النحيت: موضع على أربعة أميال من البصرة.

العبدي فَقَالَ: حاجتك؟. قَالَ: أنشدك. قَالَ: إياك أن تكلمني فِي أن أعفي أحدا من وجهه هذا. قَالَ: مَا كنت لأرغب بأحد عنك. قَالَ: هات. فأنشده: لن يعدم الخابط المؤمل إن ... حل بدار ابْن معمر ورقا لا يخلف الوعد حين تسأله ... ولا يرى عابسا ولا غلقا فِي أبيات. فَقَالَ: حاجتك؟ قَالَ: مَا تركت لي حاجة غير صحبتك. قَالَ: مَا أرغبني فِي أن تصحبني ولكني أكره أن أعرضك فَقَالَ الصلتان: رأيت صروف الدهر ليس يفوتها ... صغير ولا ذو حنكة يتفكر فكم من شجاع طاول الحرب قد نجا ... ومن حائد عَن عمره لم يعمر قَالَ: صدقت، وأمر لَهُ بأربعة آلاف درهم وحمله عَلَى فرس وأعطاه سلاحا، وصير عمر بْن عبيد اللَّه عَلَى أَهْل الْكُوفَة جميعا وهم ثمانية آلاف مُحَمَّد بْن موسى بْن طلحة، وعلى ربع أَهْل المدينة: بشر بْن جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي، وعلى ربع كندة وربيعة: إِسْحَاق بْن الأشعث وعلى ربع تميم وهمدان: مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد ويقال مطر بْن ناجية ويقال عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد بْن قَيْس الهمداني، وعلى ربع مذحج وأسد: زياد بْن النضر الحارثي وابنه، ويقال زحر بْن قيس الجعفي، وَكَانَ عَلَى جماعة أَهْل البصرة: عُمَر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر، وعلى خمس أَهْل العالية: سنان بْن سلمة بْن المحبق الهذلي، ويقال سعيد بْن أسلم بْن زرعة الكلابي. وعلى بكر بْن وائل: أَبُو رهم بْن شقيق بْن ثور السدوسي. وعلى

تميم: عباد بْن الحصين، وإليه الخيل كلها. وعلى عَبْد القيس: الحكم بْن مخربة. وعلى الأزد: المغيرة بْن المهلب. وحمل عمر بْن عبيد اللَّه مَعَهُ عائشة بنت طلحة، وخلف رملة بنت عَبْد اللَّهِ بْن خلف فلم يحملها مَعَهُ، فَقَالَ الشاعر: أنعم بعائش فِي عيش لَهُ أنق ... وانبذ برملة نبذ الجورب الخلق ويروى: عيش بعائش عيشا غير ذي رنق. وَقَالَ أيضا: من يجعل الديباج عدلا للزيق ... بين الحواري وبين الصديق كبكرة مما تباع فِي النوق قالوا: وسار بالناس فلما نزل الوفراء [1] وجه خمسمائة فارس وبعث مَعَهُمُ الفعلة وَقَالَ: احفروا لي خندقا فإذا فرغتم فأعلموني. فتقدموا فحفروا لَهُ خندقا وأعلموه فارتحل فنزل الخندق وقدمهم ليحفروا فِي المنزل الآخر خندقا، فلم يزل يصنع ذَلِكَ وتحفر لَهُ الخنادق وينزلها حَتَّى أتى هجر ونزل جواثا فِي خندق وَأَبُو فديك بالمشقر [2] فِي جمع كثير من الأعراب كانوا ضووا إِلَيْهِ بعد هزيمة أمية، فَقَالَ أَبُو فديك لأصحابه: قد أتاكم هؤلاء القوم فمن أحب لقاء اللَّه فليقم ومن أراد الدنيا فليذهب حيث شاء فهو في حل.

_ [1] اكتفى ياقوت بقوله: الوفراء: اسم موقع. [2] المشقر حصن بالبحرين عظيم قبل مدينة هجر. معجم البلدان.

فتفرقوا عنه، وبقي فيما بين التسعمائة إِلَى الألف، وعمر فِي أحد وعشرين ألفا. وَقَالَ رجل لأبي فديك: إن عطية بْن الأسود بريء من نجدة فإن كنا مخطئين فنجدة محق، وإن كنا محقين فعطية لنا ولي فما تقول؟. قَالَ: ليس هذا يوم نظر. عدونا قد نزل فنجتمع عَلَى حربه حَتَّى يحكم اللَّه بيننا، ثُمَّ ننظر فيما سألت عنه، قَالَ: فعلام أسفك دمي؟ ولحق باليمامة. وجعل عمر عَلَى الحرس: عباد بْن الحصين الحبطي فخرج ليلة فتلقاه المغيرة بْن المهلب فَقَالَ عباد: من هذا؟ وَقَالَ المغيرة: من هذا؟ فضربه عباد فشجه. فقيل لَهُ: هذا المغيرة فكف عنه، فغضبت الأزد للمغيرة ولبسوا السلاح فجاء رجل من هناءة من الأزد وَكَانَ متألها فَقَالَ لَهُ رجل من قومه: اتق اللَّه. فَقَالَ: اغرب، تقول لي اتق اللَّه وقد ضرب ابْن المهلب؟. وبلغ عبادا فَقَالَ: أعلى هذه الحال ونحن بإزاء العدو، ولئن كانت بيننا صيحة ليهلكن هذا الجيش. فمشى إِلَى المغيرة فاعتذر إِلَيْهِ، ويقال إنه إنما كان هذا أيام مايرْنا بنهر تيرى وهم يقاتلون الأزارقة، وضرب عباد المهلب فغضبت الأزد، والأول أثبت. وأقام عمر بْن عبيد اللَّه ثلاثة أيام ثُمَّ أتاهم أَبُو فديك فنزل بإزائهم وخندق خندقا دون خندق وخرج عمر من معسكره ينظر ومعه رجلان من بني حنيفة فلقوا رجلا من أصحاب أَبِي فديك فحملوا عَلَيْهِ فَقَالَ: سبحان اللَّه أما تستحيون؟ ثلاثة عَلَى فارس واحد؟ ليبرز إِلَى رجل رجل. فبرز إِلَيْهِ أحد الحنفيين فلم يصنع شيئا، وطعنه الخارجي فقتله.

وخرج إِلَيْهِ عمر بْن عبيد اللَّه بنفسه فوقف لَهُ الخارجي فلما دنا منه وحش بالرمح ثُمَّ ضربه بالعمود عَلَى رأسه فصرعه ونزل إِلَيْهِ فأجهز عَلَيْهِ. ورجع عمر إِلَى أصحابه فَقَالَ: مَا يئست من الحياة قط إلا يومي هذا فدفع اللَّه، رأيت الحنفيين جميعا قد أحسنا القتال وطعناه فلم يصنعا شيئا فعلمت أن عَلَى جسده شيئا يقيه الطعن فقلت لا يقتله إلا العمود، فلما قتله نظرت فإذا عَلَيْهِ سنون [1] . فلما كَانَ اليوم الرابع من مقام عمر قَالَ أَبُو ماعز الحارثي: لو خرج منا إِلَى هؤلاء القوم فوارس فذاقوهم، فخرج أَبُو ماعز فِي ثلاثمائة فارس حَتَّى أتى خندق أَبِي فديك فأشرفوا عليهم فخرج إليهم فوارس من الخوارج فاستطرد لهم أَبُو ماعز وأصحابه حَتَّى إذا انقطعوا عطفوا عليهم فصرعوا من الخوارج أربعة أو خمسة. وبلغ ذَلِكَ عمر فأقبل فِي النَّاس وقد تحاجزوا وانصرف الخوارج فلام عمر أبا ما عز وَقَالَ: كدتم تفضحونا، لو قتل منكم رجل واحد لهد العسكر، فَقَالَ مجاعة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ العتكي: قد وقى اللَّه مَا حذرت. ورجع عمر إِلَى عسكره فلما كَانَ الغد نهض عمر للقتال وصف النَّاس وقدم الرجالة، وخرج الخوارج من عسكرهم فركزوا رماحهم واستتروا بالبراذع فَقَالَ أَهْل البصرة للرجالة: حركوهم. فَقَالَ عباد: إن خلف هذه البراذع أذرعا شدادا وأسيافا حدادا وأنفسا سخية بالموت، وهم شادون عليكم شدة لا يقوم لها شيء، فإن كانت فيكم جولة فليكن انصرافكم على

_ [1] لم أقف على معنى محدد لهذه الكلمة في المعاجم، مع أن المقصود منها واضح هنا.

حامية يمنع بعضكم بعضا فإنهم يتبعونكم وأكثرهم رجالة فإذا لغبوا فكروا عليهم. قَالَ: وَقَالَ رجل من الخوارج: شدوا عليهم واحذروا تخطئة الحمار [1] . يقول احذروا قول عباد حين قَالَ ليكن انصرافكم عَلَى حامية فإذا لغبوا فكروا عليهم فنحوا البراذع وأصلحوا رماحهم وسيوفهم وشدوا عَلَى الميسرة وفيها أَهْل البصرة فكشفوهم فذهبوا فِي الأرض. وصرع المغيرة فحماه الكوثر بْن عبيد، ويقال عبد بْن معمر، واعتزل المغيرة بْن المهلب ومجاعة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الأزدي فِي فوارس فقاتلوهم، وتراجع النَّاس فردوا الخوارج وحازوهم إِلَى موقعهم، ومر أصحاب عمر بْن عبيد اللَّه بعمر بْن موسى جريحا فاحتملوه وشدوا عَلَى الخوارج حَتَّى أدخلوهم عسكرهم وأحرقوا فيه تبنا، وهاجت الريح فأمالت الدخان فِي وجوههم فقتلوا منهم ثلاثة ويقال ثمانية وذلك الثبت، وأسروا ثلاثة نفر فقتلهم عمر صبرا. فلما كَانَ اليوم الثالث من هذا اليوم باكرهم أَبُو فديك بالقتال، فَقَالَ لأصحابه: إن قتلت فأميركم أَبُو طالوت. وزحفوا جميعا مستميتين، فشدوا عَلَى النَّاس شدة أزالت الميمنة والميسرة والقلب من أَهْل العراق، فبقي عباد بْن الحصين وسنان بْن سلمة والمغيرة بْن المهلب، فأمر عباد غلمانه: مهيرا ووازعا، وميسرة فجثوا وأشرعوا رماحهم، ونادى عباد: أيها النَّاس أنا عباد. فَقَالَ لَهُ غلامه الوازع: يَا سيدي لا تنوه باسمك فيقصدوا إليك،

_ [1] في هامش الأصل: سمّوا عبّادا.

قَالَ: ويحك، إني إن ثبت ولم أنوه باسمي أقدموا علي فإذا عرفوني لم يقدم علي منهم أحد. فرجع مجاهد بْن بلعاء فِي الخيل، وَكَانَ عباد صيره خليفته عَلَى الخيل، فرجع فِي عدة من البصريين وجماعة من أَهْل الْكُوفَة من بني تميم، ومضى الباقون فلم يكن لهم ناحية دون البصرة، فَقَالَ عباد لمجاهد: احمل عليهم، فَقَالَ: إني عليك لهين حين تأمرني بالإقدام بالخيل وليس معي رجالة تقيها. فَقَالَ عباد: فليترجل بعضهم، فترجلوا، وَقَالَ عمر لعباد: مَا ترى؟ فقد ذهب النَّاس. قَالَ: الصبر. فَقَالَ: مَا شاورتك إلا وأنا أريد أن أسألك أي موتة ترى أن أموت قَالَ: انزل، فنزل عَن برذون لَهُ أشهب أبيض وأقدموا عليهم، فكان عباد يحمل عليهم فيطاعنهم ثُمَّ يرجع فيقول: إنا لله. وصبروا مليا فسمعوا صارخا يقول: صرع أَمِير الْمُؤْمِنِينَ- يعني أبا فديك- وأطافوا بِهِ فأقبل عمر كأنه جمل هائج قاصدا لمصرع أَبِي فديك وحماه أصحابه حوله، فشدوا عَلَيْهِ بأسيافهم فما انثنى حَتَّى أخذ برجل أَبِي فديك فسحبه والدم يسيل من كمه والسيوف تأخذه، فذب عنه عباد بْن الحصين والمغيرة بْن المهلب وسنان بْن سلمة ومحمد بْن موسى ومجاهد بْن بلعاء حَتَّى أفرجوا عنه وانحازوا وإن رجل أَبِي فديك لفي يده، فَقَالَ: احتزوا رأسه فاحتزوه وبعث بِهِ من ساعته إِلَى البصرة. واتبع ابْن بلعاء الخوارج، ثُمَّ رجع ومضى الخوارج إِلَى المشقر، فوجه عمر بْن عبيد اللَّه إليهم مجاهد بْن بلعاء وبيهس بْن صهيب الجرمي

وعرفطة بْن رجاء اليشكري، فحصروا الخوارج حَتَّى نزلوا عَلَى حكم عمر فقتل الموالي واستحيى العرب. وَكَانَ عَلَى خيل أَبِي فديك عَبْد اللَّهِ بْن صباح الزماني، فلما طلب الأمان كلم قوم من بني حنيفة عمر وقالوا إنا قد آمناه. فَقَالَ: لا ولا نعمة عين، وأرسل إِلَيْهِ فحبسه فهرب من السجن فلقي أعرابيا مَعَهُ بعيران فَقَالَ: أتكريني إِلَى اليمامة؟ فَقَالَ: نعم بكذا وكذا. فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: بل أضعفه لك عَلَى أن ترفق بي فِي السير. قَالَ: ذاك إليك، فحمله. وطلبه عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، وبلغ الأعرابي أن عمر يطلب ابْن صباح الزماني، فلما سار بقية يومه قَالَ للأعرابي: أتدري من أنا؟. قَالَ: لا. قَالَ: أنا عَبْد اللَّهِ بْن صباح الزماني هربت من السجن وعمر يطلبني وإن يأخذني هلكت وذهب بعيرك فأنت أعلم. قَالَ: غررتني. قَالَ: أتراني أضعفت لك كراءك وأنا آمن. فطرد بِهِ شلا حَتَّى قدم اليمامة، ثُمَّ أتى البصرة فاستجار بعامر بْن مسمع فأخذ لَهُ عامر بْن مسمع الأمان من خالد، فكان يغدو إِلَى خالد. وتزوج ابْن صباح ابنة عطية بْن الأسود، فأقام بالبصرة حَتَّى قدم الحجاج بْن يوسف فدخل عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: من أنت؟. فَقَالَ: رجل من ربيعة. قَالَ: هات نسبا أقرب من هذا. قَالَ: من بني بكر بْن وائل. قَالَ: من أيهم؟. قَالَ: من بني مازن. قَالَ: فمن أنت؟ قَالَ: عَبْد اللَّهِ بْن صباح. قَالَ: صاحب خيل أَبِي فديك؟. قَالَ: نعم. قَالَ: لئن تغيبت عني لأقطعن يدك ورجلك، ولأضربن عنقك.

فخاف وهرب إِلَى اليمامة فكان فِي أصحاب إِبْرَاهِيم بْن عربي، وأظهر التوبة من رأي الخوارج، فرأى يوما رءوسا تشيط فغشي عَلَيْهِ، فعلم أنه عَلَى رأيهم. قالوا: وقدم المنهزمة من أصحاب أَبِي فديك إِلَى البصرة، فكان أول من دخلها منهم عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان بْن أَبِي العاص الثقفي، ثُمَّ تتابعوا فسر ذَلِكَ خالد بْن عَبْد اللَّهِ، ودعا بسرير لَهُ فجلس عَلَيْهِ وأعلم النَّاس أن عمر قد انهزم، وأرسل إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عمير الليثي وَكَانَ قد انهزم عَن بعض الخوارج فبشره بانهزام عمر، فأعتق كل مملوك لَهُ. وبعث خالد يوم جاء خبر هزيمتهم رسولا إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عبيد اللَّه بْن معمر فأخبره بأن أخاه قد انهزم فَقَالَ: إنا لله وإنا إِلَيْهِ راجعون، إني لأنتظر من اللَّه إحدى الحسنيين الشهادة أو الظفر، فأما الهزيمة فلا أخافها عَلَيْهِ لا سيما ومعه ابنة عمه. ودخل المهلب عَلَى خالد فَقَالَ لَهُ: يَا أبا سعيد مَا عندك من خبر أَبِي حفص؟. فَقَالَ: عندي أن أبا فديك قد قتل ورأسه يأتيك. قَالَ: وما علمك؟ قَالَ: وجهت مَعَ المغيرة ابني غلامين فقلت: إن ظفر عمر فوجه إلي فلانا، وإن ظفر أَبُو فديك فوجه فلانا، ولا ترسل واحدا منهما حَتَّى يتبين لك الظفر. فبعث بالذي أمرته أن يرسله إذا ظفر عمر. قَالَ: مَا أتاك الغلام إلا منهزما. قَالَ: مَا بِذَلِكَ أخبرني. قالوا: فإنه ليحدث إذ دخل رسول عمر بْن عبيد اللَّه برأس أَبِي فديك فألقاه بين يديه فَقَالَ: ويحك كيف كَانَ الأمر؟ قَالَ: انهزم النَّاس وصبر عمر وعباد ونفير يسير معهما ساعة ثُمَّ كر أَهْل الحفاظ فقاتلوا الخوارج فقتل

أَبُو فديك، وأخذ الرسول بأذنيه ثُمَّ هزه وَقَالَ: يَا أبا فديك كيف رأيت ضرب بني عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة بْن كعب بْن لؤي؟ وذلك أن عمر بْن عبيد اللَّه من ولده. فتناول خالد نعليه فانتعل وَقَالَ: أف، ودخل مغموما. فكان عباد بْن الحصين يقول: مَا رأيت أحدا يقاتل يوم أَبِي فديك غير المغيرة بْن المهلب وسنان بْن سلمة بْن المحبق. وقالت عائشة بنت طلحة يومئذ: من الرجل الَّذِي كَانَ إذا صاح كادت الأرض تتصدع من صوته؟ فَقَالَ لها عمر: ذاك عباد بْن الحصين. وَقَالَ خير بْن حبيب بْن عطية، أحد بني مالك بْن سعد: استأذنت عَلَى عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر بالبحرين فَقَالَ آذنه: من أنت؟ قلت: خير. فدخل ثُمَّ رجع إلي فَقَالَ: أي خير؟ قلت: خير بْن حبيب. وعلمت أنه قد عرفني وتفاءل باسمي، فدخل ثُمَّ رجع فأذن لي فدخلت عَلَيْهِ وجاريته تشد عَلَيْهِ جيب الدرع وهي تبكي. فكلمته بحاجتي ثُمَّ خرجت وخرج، فقتل يومئذ أَبُو فديك. قَالَ: ثُمَّ أرسل إلي بعد ذَلِكَ بأيام فدخلت عَلَيْهِ وعائشة إِلَى جنبه فلم أر زوجا قط أحسن منهما. فَقَالَ: مَا قلت فِي عائشة؟ قلت: من يجعل الديباج عدلا للزيق. وبين يديه لؤلؤ منثور، فَقَالَ: تناول من هذا اللؤلؤ. وحفن لي حفنات منه. فبعت ذَلِكَ اللؤلؤ واشتريت بثمنه أرضا وكانت عائشة بنت طلحة تقول لعمر: أي اليومين كَانَ أشد عليك؟ يوم أَبِي فديك أو يوم فارقت رملة؟ فيضحك.

ويقال إنها قالت: أو يوم كنت تزور فيه رملة فترى خلقتها وعظم أنفها؟ وَكَانَ مقتل أَبِي فديك فِي سنة أربع وسبعين. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: كانت هزيمة عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّهِ بعد مقتل أَبِي فديك، وأوفد عمر إِلَى عَبْد الْمَلِكِ ببشارة الفتح وفدا فيهم الصلتان وهو قثم بْن خبية بْن قثم العبدي، ويقال هو تميم بْن خبية بْن قثم. فَقَالَ لَهُ عَبْد الْمَلِكِ: يَا صلتان لعمر ثناؤك وعليه جزاؤك. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إني لأعيش من جدواه وأتقلب فِي نعماه، وإن خيره علي لكثير وقد أدرك فِي عدوك مَا أدرك وهو محمود. فَقَالَ: صدقت، وأمر لَهُ بألفي درهم. وَقَالَ بعض الشعراء: ضجت جواثا ولم تفرح بمقدمنا ... لما قدمنا وماذا ينفع الضجر كانت لنا هجر أرضا نعيش بِهَا ... فأرسل النار فِي حافاتها عمر وَقَالَ أعشى همدان فِي قصيدة لَهُ طويلة يذكر فيها قتالهم بجواثا ويفخر بصبر الكوفيين، ويذم البصريين فِي هزيمتهم، فمنها قوله: ألم يأت بشرا مَا أفاءت رماحنا ... وبشر بْن مروان بِذَلِكَ أسعد فإنك قد جهزت جيشا مباركا ... ومثل أَبِي مروان بالخير يحمد أطعت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وإنما ... جعلت غياثا كل خير تغمد وأعطيتنا منك العطاء مضاعفا ... وزودتنا حَتَّى جعلنا نحسد ولما رأينا القوم ليس لديهم ... لمن زار إلا المشرفي المهند مشينا إليهم فِي الحديد كأننا ... سحاب يضيء البرق فيه ويخمد ولما رأى أَهْل البصيرة حزمهم ... تولوا سراعا خيلهم ثُمَّ تطرد وما قاتلت فرسانهم عَن رجالهم ... وما منعوا قتلاهم أن يجردوا

ولكنهم حاصوا من الموت حيصة ... فهم فِي أصول النخل شتى وموحد وأهلك جمع المارقين فأصبحوا ... أحاديث إذ جاروا عَن الحق واعتدوا حدثني العمري عن الهيثم بن عدي أن سعيد بْن خالد من ولد عثمان بْن عفان قَالَ لبيهس بْن صهيب الجرمي: يَا أبا المقدام، أمية أفضل أم عمر بْن عبيد اللَّه؟. فَقَالَ: أو كلما نشأ ناشئ من بني أمية أردتم أن تجعلوه مثل عمر؟ لا والله لعمر أجود منه جودا، وأكرم منه نفسا وأشد منه بأسا، فغضب سعيد وَقَالَ: مَا أنت وذاك يَا أخا جرم. فَقَالَ: اسكت فما أنت بالأول ولا الثاني ولا الثالث، ولقد كنت الرابع فربحت.

الجزء الثامن

[الجزء الثامن] [تتمة أمر عبد الملك بن مروان بن الحكم] [تتمة أمر الخوارج في زمان عبد الملك] أمر صالح بن مسرح [1] أحد بني امرئ القيس بْن زَيْد مناة بْن تميم: قال الهيثم بن عدي: خرج صالح بن مسرح أحد بني امرئ القيس بْن زيد مناة وكان من مخابيث الخوارج، وكان لا يرفع رأسه خشوعًا، وكان يكني أبا مالك، فخرج ومعه فرسان من فرسانهم منهم ثور بن البطين بن سويد، ومرة، وخطامة، وشوذب، وشبيب، وهم من بني شيبان، فخرج بجوخي، ثم أتى النهروان فصلى في مصارع أصحابه وقال: اللهم ألحقنا بهم فإنهم مضوا على طاعتك، ثم أتى قرية بين الموصل والعراق وفيها قصر فنزله، فبعث إليه بشر بن مروان زفر بن عمرو الفزاري فنكص عنه، وبعث إليه الحارث بن عميرة بن ذي المشعار الهمداني فواقعه فقتله، وقتل للحارث ابنان، وكان الذي طعن صالحا فقتله: الأشعث بن الحارث بن عميرة.

_ [1] بهامش الأصل: مسرّح بفتح الراء

وقال هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف: كان صالح بن مسرح أحد بني امرئ القيس بْن زَيْد مناة بْن تميم ويكني أبا مالك متخشعا، فأتاه شبيب بن يزيد الشيباني، فقال له صالح: إن الحكيم السعيد إذا سمع الحق نور الله قلبه وجلا العمى عن بصره. ثم إن شبيبا أتى الموصل وهو يريد الشام في أمر من أموره، فقدم صالح بن مسرح الموصل وهو بها، وصالح يريد نصيبين للقاء قوم من أصحابه بها، فصار صالح إلى نصيبين، ومضى شبيب إلى عبد الملك بن مروان بالشام، ثم أتى دار صالح بن مسرح بها فقال لصالح: يا أبا مالك رحمك الله، أخرج بنا فو الله ما تزداد السنة إلا دروسا ولا يزداد المجرمون إلا طغيانا واستجراحا. فبعث صالح الرسل إلى أصحابه فتواعدوا للخروج في صفر سنة ست وسبعين ليلة أربعاء، فاجتمعوا جميعا للميعاد، فقال شبيب لصالح: أرى أن نستعرض الناس فإن الكفر قد علا وإن الظلم قد فشا. فقال صالح: بل ندعوهم فإن الدعاء أقطع للحجة، ولا نريد أن نعيب على قوم أعمالًا ندخل فيها، وكان رأي صالح البسط بعد الدعاء، فأقاموا بأرض دارا [1] بضع عشرة ليلة، فتحصن منهم أهل دارا ونصيبين وسنجار. وكان خروج صالح في مائة وعشرين فأخذوا دواب من دواب محمد بن مروان كانت بقربهم، وقد كان أمرهم بلغ محمدا فاستخف به وهو على الجزيرة ونواحيها من قبل أخيه عبد الملك بن مروان، فوجه محمد إليهم

_ [1] دارا: بلدة في لحف جبل بين نصيبين وماردين. معجم البلدان.

عدي بن عدي بن عميرة الكندي في خمسمائة، ثم أمدّه بخمسمائة فصار في ألف، فأتى الخوارج وهم بدوغان [1] من حران، وقد جعل صالح على ميمنته شبيبا وعلى ميسرته سويد بن سليم. وكان عدي متنسكا متوقيا للدماء، فأرسل إلى صالح: إني لست على رأيك ولكني أكره سفك الدماء، فواقعه، فكب عدي رايته وهرب فحوى صالح عسكره فغضب محمد بن مروان، وبعث مكانه الحارث بن جعونة العامري في ألف وخمسمائة، وبعث أيضا خالد بن جزي السلمي في ألف وخمسمائة وقال: أيكما سبق فهو الأمير، فتوافيا جميعا، فوجه صالح شبيب إلى (الحارث بن) جعونة العامري في شطر أصحابه، وتوجه هو إلى خالد بن جزي في النصف الثاني، فاقتتلوا بآمد [2] حتى حجز المساء بينهم وقد قتل من الخوارج ثلاثون ومن أصحاب محمد بن مروان سبعون، وسار صالح فيمن بقي معه حتى أتى الموصل ثم أتى إلى الدسكرة. ووجه بشر بن مروان الحارث بن عميرة بن مالك بن حمزة بن أنفع بن زبيب بن شراحيل، وكان يقال لحمزة: ذو المسعار الهمداني في ثلاثة آلاف من أهل الكوفة، وصالح في تسعين، ويقال بل وافاه في أربعة آلاف من مقاتلة أهل الكوفة وستة آلاف من الفرض. وكان على ميمنة الحارث بن عميرة أبو الرواع الشاكري من همدان، وعلى ميسرته الزبير بن الأروج التميمي، فثبت صالح فقتل، وضارب

_ [1] دوغان: قرية كبيرة بين رأس عين ونصيبين، كانت سوقا لأهل الجزيرة يجتمع إليها أهلها في كل شهر مرة. معجم البلدان. [2] آمد: بلد قديم حصين ركين، مبني بالحجارة السود على نشز دجلة. معجم البلدان.

شبيب حتى صرع عن فرسه فوقع في الرجالة، فلما رأى صالحا قتيلًا قال: إليّ يا معاشر المسلمين. فلاثوا به واجتمعوا إليه وحامى بعضهم على بعض حتى دخلوا حصنا بجواثا [1] فقال لهم شبيب: بايعوني أو من شئتم منكم، ثم اخرجوا بنا حتى نبيتهم فإن الليل أخفى للويل، وهم آمنون لكم. فبايعوا شبيبا وأتوا باللبود فبلوها بالماء ثم ألقوها على الجمر وخرجوا فلم يشعر ابن عميرة وأصحابه إلا والخوارج يضربونهم بالسيوف في جوف عسكرهم، وضارب الحارث بن عميرة حتى صرع فاحتمله أصحابه وانهزموا وخلوا لهم العسكر وما فيه ومضوا إلى المدائن. ومات ابن عميرة، ويقال أن صالحا جرح جراحات مات منها في ليلته، وأمر أن يبايع شبيب بعده واستخلفه والأول أثبت. وكان قتل صالح بن مسرح في أيام بشر بن مروان، وقال قوم: كان قتله في سنة ست وسبعين يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، ويقال يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة. وقال الجعد بن ضمام: أيا عين فابكي صالحا إن صالحا ... شرى نفسه لله يبغي بها الخلدا وقد كان ذا رأي ثخين ورأفة ... صفوحا عن العوراء يدفعها عمدا وقد كان في الحرب العوان يشبها ... ويسعرها بالخيل محبوكة جردا في أبيات.

_ [1] المعروف أن جواثا حصن في البحرين، ولم أقف على ذكر جواثا أخرى في الجزيرة، أو العراق.

وَقَالَ أعشى همدان، وهو عَبْد الرَّحْمَنِ بْن بسطام، أحد بني مالك بن حاشد بن جعشم بن خيران بن نوف بن همدان: إلى ابن عميرة تحدي بنا ... على أينها [1] القلص الضمر ولابن المسرح في جحفل ... دلفت وفرسانه حضر شبيب وقعنبهم والبطين ... وعمرو وفارسهم أبجر ليوث عرين هم ما هم ... إذا حكموا وإذا كبروا فلم ير تحت ظلال السيو ... ف مثلك محتسبا أصبر ولا مثل أشبالك الضاريا ... ت ولا مثل معشركم معشر وقال رجل من بني تميم يرثي صالحا، واسمه المنهال: أمنهال إنّ الموت غاد وروائح ... ولا خير في الدنيا وقد مات صالح إذا قلت أنسى صالحا عاد ذكره ... جديدا لما انضمت عليه الجوانج لئن كان أمسى صالحا ثل عرشه ... لقد كان لا تخشى عليه الفضائح في أبيات. وقال الحويرث الراسبي: أقول لنفسي في الخلاء ألومها ... هبلت دعيني قد مللت من العمر ومن عيشة لا خير فيها دنية ... مذممة عند الكرام ذوي الصبر سأركب حدباء الأمور لعلني ... ألاقي التي لاقى المحرق في القصر وما كان غمرا صالح غير أنه ... رمته صروف الدهر من حيث لا يدري

_ [1] الأين: الإعياء. القاموس.

أمر يزيد بن بعثر

أمر يزيد بن بعثر قال الهيثم: خرج يزيد بن بعثر السعدي من تميم بجوخى [1] ، فوجه إليه بشر بن مروان خيلا فقتل. فقال عمران بن حطان: لقد كان في الدنيا يزيد بن بعثر ... حريصًا على الخيرات حلوا شمائله في أبيات. وقال الهيثم بن عدي: خرج في أيام ابن عربي وولايته اليمامة خوارج من السجن، وكانوا مقيدين فحكموا، فقال لهم رجل منهم: اطلقوا قيودكم. قالوا: ولم؟ لسنا نريد الفرار. فلم يخرج إليهم إبراهيم بن عربي وأخرج رجلًا يقال له عطية بن جناب من أصحابه، ومعه رجل من موالي آل أبي مرثد الغنوي فقاتلاهم فقتل الخوارج.

_ [1] جوخى: اسم نهر عليه كورة واسعة في سواد بغداد.

أمر هدبة الطائي بن عمرو

أمر هدبة الطائي بن عمرو من بني جدعاء، وأمه شيبانية وكان فيهم. وقال: وخرج هدبة الطائي بجوخي على بشر بن مروان في جماعة فقتله سيف بن هانئ، وكان على مسالح جوخي والطريق، وكان موكلًا بقتال الخوارج في نواحيه، فقال أيوب بن سعفة: إن يك خلي هدبة اليوم قد مضى ... فإني بآلاء الفتى أنا نادبه فيا هدب للهيجا وللسّيف والقنا ... ويا هدب يوما للخصيم يجاذبه في أبيات. ويقال: إن هدبة شيباني وهو هدبة بن عبد عمرو من ولد قيس بن خالد الشيباني، وقال المدائني: قتل هدبة سيف في أيام الحجاج.

أمر شبيب بن يزيد الشيباني

أمر شبيب بن يزيد الشيباني قال ابن الكلبي عن لوط وغيره: غزا يزيد بن نعيم بن قيس بْن عمرو بْن قَيْس بْن شراحيل بْن هَمام بْن مُرة بْن ذُهْلِ بْن شَيْبَان بن ثعلبة بن عكابة الروم فابتاع جارية من السبي ووقع عليها فولدت له شبيب بن يزيد في سنة خمسة وعشرين في يوم النحر، فقال أبوه: ولد في اليوم الذي تهراق فيه الدماء، وأحسبه سيكون صاحب دماء، وكان اسم أم شبيب جميرة. وقال الهيثم بن عدي: كان اسم أمه غزالة واسم امرأته جهيزة بنت عمرو. قال الكلبي: وانتقل يزيد من الكوفة إلى الموصل وكان شبيب صاحب فتك وغارات وكان يبيت الأكراد، فقال الشاعر: لم أر أياما كأيام مالك ... ولم أر ليلًا مثل ليل شبيب وكان مالك رجلًا يغير بالنهار فيأخذ ما استطف [1] له، وكان شبيب في الديوان فرض له حين أدرك. ثم إنه تنسّك وارتدع، وذلك أنه سمع رجلا

_ [1] خذ ما طف لك واستطف: ما ارتفع لك وأمكن ودنا منك. القاموس.

يقرأ: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا. إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا. فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) إلى قوله: ولا يكتمون الله حديثا [1] ، فقال: ما أغفل شبيب عما خلق له وعما يراد به، فأعجب أباه ما رأى من حاله. ثم إن شبيبا حج فأتى الكوفة فنزل على القعقاع بن شور الذهلي في بدأته فبره وأكرمه، ثم سار فلما قضى حجته وصار بالربذة أيدع به [2] وانقطع بقوم معه أيضا فمرت بهم هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري فقاموا إليها فسألوها فأمرت لهم بزاد وحملان. ثم إن شبيبا قدم الكوفة فجعل يسأل عن أهل العبادة والصيام فدل على صالح بن مسرح، فسمع منه وقبل قوله. ومضى شبيب بعد أن لقي صالحا إلى الموصل، وسار صالح يريد نصيبين للقاء أصحاب له هناك، ثم أتى دارا ومضى شبيب إلى عبد الملك بن مروان وقد كان اسمه سقط من الديوان لكثرة غيبته وتخلفه عن الاعتراض من العراض فحلق على اسمه فكلم الناس عبد الملك في الفك عن اسمه وإدرار أرزاقه عليه فأبى وقال إن بكر بن وائل وبني تميم حيان كثير شرهما وما أحب أن يكثروا بهذه البلاد. فأخبر شبيب بقول عبد الملك فقال: والله لأسوءنه فأبلغوه عني فله مني يوم أرونان [3] .

_ [1] سورة النساء- الآيات: 39- 42. [2] أيدع الحج على نفسه: أوجبه. القاموس. [3] الأرونان: الصعب من الأيام. القاموس.

ثم قدم على صالح بن مسرح وهو بدارا فكان منه ما ذكرنا، وقتل صالح فبايعه أصحابه. وقال الهيثم بن عدي: كان بنو مروان لا يفرضون لبكر ولا تميم بالشام فخرج شبيب يطلب الفريضة وقد سبقه صالح بن مسرح بالخروج والخوارج يرون من خرج منهم، ثم خرج بعده آخران الثاني تبع للأول فكان شبيب معه حتى قتل فبويع بعده فوجه إليه بشر بن مروان خيولا فهزمها شبيب. وأقام على ذلك نحوا من سنة حتى مات بشر بن مروان، وقدم الحجاج العراق، فأقام سنة لا يعرض لشبيب حتى كثف أمره واشتدت شوكته. وبلغ قطري بن الفجاءة خروج شبيب في أيام الحجاج فقال: إن الله قد قيض للفاسق أخي ثمود رجلًا من الصفرية سيشجيه ويخزيه، والله ما نبالي في أي الفريقين كان الفتح. وقال ابن الكلبي: لما اعتقد شبيب ارتفع إلى أرض الموصل، فدعا سلامة بن سيار الشيباني إلى الخروج معه، وكان فضالة بن سيار أخوه يقول: الفضل بن سيار قد خرج قبل خروج صالح بن مسرح فقتلته عنزة، ففرض لهم عبد الملك وأنزلهم بانقايا من حرة الموصل- فاختار سلامة من أصحابه ثلاثين فأغار بهم على عنزة فقتل منهم بشرا، وقال شعرا يقول فيه: فصبحتهم قبل الشروق بفتية ... مساعير لا كشف اللقاء ولا عزل وليست دماء اليقدميين بالتي ... توازي دماء الحي شيبان في القتل لعل جيادي أن تعود عليهم ... فتنزلهم دار الصغار مع الذّلّ

فيقال: إن سلامة كان معه، ويقال إنه اعتذر بشغل له. وأقبل شبيب في أصحابه نحو زاذان [1] ومعه أمه في مظلة من مظال الأعراب، وكان حملها من الموصل معه، وانضم إليه قوم، منهم أبو الصقر إبراهيم المحلمي وكان نازلًا في بني تميم بن شيبان، وكان الحجاج قد ولى سفيان بن أبي العالية الخثعمي طبرستان فكتب إليه أن ينكفئ راجعًا لمواقعة شبيب، ونادى في جيش الحارث بن عميرة الهمداني بالكوفة والمدائن فساروا عليهم سورة بن أبجر بن نافع بن العرباض أحد بني أبان بن دارم فلم يتخلف منهم كثير أحد. وعجل سفيان بن أبي العالية إلى محاربة شبيب بخانقين قبل مصير سورة إليه، وأكمن شبيب لابن أبي العالية مصاد بن يزيد أخاه، واستطرد لهم حتى ظنوا أنهم قد هزموه، ثم خرج عليهم الكمين فقاتلوهم من ورائهم، وكر شبيب فواجههم فانهزموا، وثبت سفيان بن أبي العالية في نحو من مائتين فقاتلهم فأحاط به أصحاب شبيب فقاتل دونه غلام له يقال له غزون. وأقبل سفيان إلى مهروذ [2] فنزل بها وكتب إلى الحجاج بخبره ومواقعته شبيبا بخانقين، وكتب الحجاج إلى سورة يعنفه ويأمره أن يأتي شبيبا، فبعث سورة إلى المدائن فانتخب له منها خمسمائة رجل من جندها فتوافوا إليه مع من معه وخرج لطلب شبيب وهو يجول (بجوخي) وأتى شبيب المدائن فقتل من ظهر له وأخذ دواب من دواب الجند ولم يدخل البيوت.

_ [1] موضع قرب الرقة في ديار مضر. [2] مهروذ: من طساسيج سواد بغداد. معجم البلدان.

ثم إن شبيبا أتى النهروان فوقف أصحابه على قبور من قتله علي بن أبي طالب فاستغفر لهم وكان في مائة، فلقيه سورة في نخبة من معه فقاتله شبيب وهو يقول: «من ينك العير ينك نياكا» . فهزمه شبيب واتبعه حتى بلغ المدائن ودنا من بيوتها، فرمي وأصحابه من فوق البيوت. ثم أتى شبيب كلواذي [1] ، ثم أقبل يسير إلى أرض جوخي وصار إلى جبال تكريت ولحق الجند بالكوفة فغضب الحجاج على سورة بن أبجر وقال: والله لأسوءنه، ووجه الجزل وهو سعيد بن شرحبيل بن عمرو بن الأرقم الكندي، وبعضهم يقول سعيد بن عمرو. والأول أثبت. وضم إليه أربعة آلاف مقاتل، وأقبل الجزل يطلب شبيبا في أرض جوخي وشبيب يريه الهيبة له فيخرج من طسوج إلى طسوج، وكان يومئذ في ستين ومائة. واستبطأ الحجاج الجزل فولى سعيد بن المجالد بن عمير بن ذي مران الهمداني- جد المجالد بن سعيد المحدث- جيشه وضمه إليه فصار من تحت يده وقال له: لا تفعل كما فعل الكندي يطلب طلب السبع ويحيد حياد الضبع. وأتى شبيب براز الروز [2] فالتقوا وعلى ميمنة ابن المجالد عياض بن أبي لينة وعلى ميسرته عبد الرحمن بن عوف الرؤاسي أبو حميد بن عبد الرحمن، فهزمهم شبيب وحمل على سعيد بن المجالد فضربه ضربة خالطت دماغه فقتله شبيب.

_ [1] كلواذى: طسوج قرب بغداد. معجم البلدان. [2] براز الروز: من طساسيج السواد ببغداد. معجم البلدان.

وقاتل الجزل قتالًا شديدا حتى صرع فسقط بين القتلى، فحمل إلى المدائن ولحق الجيش بالكوفة، وكتب الجزل إلى الحجاج بالخبر فأجابه بجواب لطيف، وفيه يقول بعض الكنديين: جاؤوا بشيخهم وجئنا بالجزل ... شيخ إذا ما لقي القوم نزل ولم يلبث الجزل أن مات، وقال المحلّ بن وائل: كيف رأيت يا بن ذي مران ... جلادنا عند قرى الهروان أذاقك العلقم والذيفان ... والموت أسياف بني شيبان وبعث الحجاج إلى الجزل ابن أبجر الطبيب ليعالجه وبألف درهم. وأقبل شبيب إلى كرخ بغداد ولم يعرض لأهل سوقها العتيق، ثم سار شبيب جوادا حتى أتى الكوفة فنزل عند دار الرزق وقد أمر الحجاج أهل الكوفة فعسكروا بالسبخة وعليهم عثمان بن قطن الحارثي. ووجه الحجاج سويد بن عبد الرحمن السعدي للقائه فحمل عليه شبيب حملة منكرة، ومضى حتى قطع بيوت الحيرة، ثم مضى شبيب إلى الأنبار ثم أتى دقوقا، ثم مضى إلى آذربيجان وناحية أرمينية، فتركه الحجاج وخرج إلى البصرة واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة. ثم إن شبيبا أقبل يريد الكوفة وبلغ الحجاج ذلك فأقبل من البصرة جوادًا إلى الكوفة وأتى شبيب حربي [1] وهي دجلة فعبر منها، وقال لأصحابه: ليس الحجاج بالكوفة فما دون دخولها بإذن الله شيء.

_ [1] بليدة في أقصى دجيل بين بغداد وتكريت.

فخرج مبادرا ونزل الحجاج الكوفة العصر، ونزل شبيب السبخة المغرب، فلما صلى المغرب والعشاء الآخرة جاء حتى ضرب باب القصر بعمود وتمثل. عاري الجواعر من ثمود أصله ... عَبْد ويزعم أنه من يقدم ثم إنه اقتحم المسجد الأعظم وعلا المنبر وأقعد غزالة وهي امرأته وهي من سبي أصبهان على المنبر لئلا يصيبها الرمي، ويقال بل كانت نذرت أن تصعد المنبر فصعدته. وقال بعضهم: لم تكن امرأته ولا أمه ولكنها كانت من الخوارج ثم خرج. ونادى الحجاج في الناس فكان أول من أتاه: عثمان بن قطن بن عبد الله، ثم وجه الحجاج بشر بن غالب الأسدي في ألفين وزائدة بن قدامة الثقفي وأبا الضريس مولى بني ثعلبة بن يربوع تميم في ألف، وأعين مولى بشر بن مروان- ويقال مولى سعد بن أبي وقاص- في ألف، ووجه محمد بن موسى بن طلحة التيمي، وزياد بن عمرو العتكي فنزل هؤلاء الأمراء أسفل الفرات فتجنبهم شبيب وأخذ نحو القادسية. وبعث الحجاج زحر بن قيس الجعفي في ألف وثمانمائة جريدة وقال: اتبعه فإن لم يعطف إليك فلا تقاتله. وبلغ شبيبا خبره فأقبل إليه والتقيا فهزم أصحاب زحر ونزل فقاتل حتى صرع، فلما أمسى تحامل حتى دخل الكوفة وبه بضع عشرة ضربة، فأكرمه الحجاج وبره وقال: من أراد أن يرى شهيدا يمشى على الأرض وهو من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.

ويقال إن زائدة لقيهم وعلى ميمنته بشر بن غالب وعلى ميسرته زياد بن عمر العتكي، فصير شبيب سويد بن سليم في كردوس حيال الميمنة، وصير أخاه حيال الميسرة، ووقف بحيال القلب، فشد سويد على زياد فصابره ساعة ثم انهزم زياد وقد أحاط به ثلاثون سيفا، وقتل زائدة، وبلغ شبيبا مكان الأمراء بأسفل الفرات فسار إليهم ودافعهم وأفرد بإزاء كل أمير منهم جماعة من أصحابه وعليهم رجل يسوسهم، فقتل زائدة بن قدامة، وقاتل زياد بن عمر العتكي من يليه فصابرهم ثم هزموه. وقاتل محمد بْن موسى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فقتل، ودخل أبو الضريس جوسقا هناك فقال شبيب لأصحابه: ارفعوا السيف، فبايعه قوم منهم عبد الرحمن بن جندب وأبو بردة بن أبي موسى، ثم خرج شبيب بأصحابه إلى نفر [1] ثم أتى خانيجار [2] فأقام بها، فوجه إليه الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في كثف ومعه من كندة خمسمائة فارس فدخل على الجزل وهو يعالج الموت فقال له: إنك تقاتل قوما كأنهم قد خلقوا من أضلاع الخيل وبنوا على ظهورها أسود غاب يستطعمون الموت، هجهجوا [3] أقدموا وإن كف عنهم لم يكفوا. فأقبل شبيب حتى نزل جولايا [4] ونزل ابن الأشعث بقربه وذلك في أيام

_ [1] نفر: بلد من نواحي بابل بأرض الكوفة. معجم البلدان. [2] خانيجار: بليدة بين بغداد وإربل قرب دقوقا. معجم البلدان. [3] هجهج بالسبع: صاح، وبالجمل: زجره، والهجهاج: النفور، والشديد الهدير الجمال، والداهية. القاموس. [4] ليس في معجم البلدان.

العشر، فبعث إليه شبيب: إن هذه أيام عيد فإن رأيت أن توادعنا حتى تمضي. وكان يحب المطاولة فوادعه فكتب عثمان بن قطن بذلك إلى الحجاج وبإقبال عبد الرحمن على الجباية واستيكاله الرعية، فولاه جيش عبد الرحمن، وولى المدائن مطرف بن المغيرة بن شعبة مكانه. وكان ابن أبي عصيفير الثقفي على المدائن فعزله الحجاج وولى المدائن عبد الرحمن، وخرج ابن أبي قطن فتسلم عسكر عبد الرحمن بن الأشعث، وواقع شبيبا، وهو في مائة وأحد وثمانين، فترجل عثمان وكان على ميسرته عقيل بن شداد السلولي فجعل يقول: لأضربن بالحسام الباتر ... ضرب شجاع بطل معاور فحمل عليه شبيب فقتله، ووقع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في نهر جولايا، فدفع إليه رمح فتعلق به، وقال له محمد بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي: اركب. فقال: أينا الردف؟. فبلغ الحجاج فقال: أنخوة وهو منهزم؟ وظهر شبيب عليهم، فأمر برفع السيف، ودعا إلى البيعة فبايعة قوم من الرجالة، وقتل من كندة يومئذ مائة وعشرون ومن سائر الناس ألف، وقتل عثمان بن قطن، قتله مصاد أخو شبيب ثم أتى شبيب سفح ساتيدما [1] فقتل قوما من بكر بن وائل لم يتبعوه، ثم أتى المدائن فناظر حذيفة بن اليمان فقال الحجاج لمن قبله: والله لتقاتلن عن فيئكم أو لأبعثن إلى قوم هم أسمع وأطوع وأصبر على اللأواء منكم، فليقاتلن عدوكم وليأكلنّ فيئكم.

_ [1] جبل ساتيدما ميافارقين وسعرت قرب أرزن. معجم البلدان.

فقام زهرة بن حوية التميمي فقال: إني كبير السن ضعيف، ولكن أبعث رجلًا، وأكون معه وأشير عليه، فقال الحجاج: جزاك الله خيرا عن أول أمرك وآخره. وكان زهرة ممن شهد القادسية، فكتب إلى عبد الملك يخبره أن أهل الكوفة قد عجزوا وضعفوا عن شبيب، ويسأله أن يبعث إليه رجلًا ذا شجاعة ونصيحة، فوجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي في أربعة آلاف، وحبيب بن عبد الرحمن الحكمي في ألفين، ويزيد بن هبيرة المحاربي معهما، وبعث الحجاج قبل قدومهم إلى عتاب بن ورقاء الرياحي وهو مع المهلب، فقدم عليه فجعله على أهل الكوفة وضم إليه زهرة بن حوية. وكان بشر بن مروان وجه عتابا إلى المهلب وهو بالأهواز فحارب قطري بن الفجاءة، وأتى شبيب بهرسير [1] فنزل مدينتها، وبعث إليه مطرف بن المغيرة أن ابعث إليّ من أناظره فكان من أمره ما كان مما قد ذكرناه في كتابنا هذا. ووجه الحجاج عتاب بن ورقاء، وشبيب يومئذ في ستمائة فواقعه عتاب فقاتل وصبر فقتل عتاب، قتله رجل يقال له عمرو بن عبد عمرو من بني تغلب ويقال الفضل بن عامر الشيباني ويقال عامر بن عمرو، ووطيء زهرة بن حوية فجعل يذب بسيفه وهو شيخ ضعيف البصر لا يستطيع القيام، فجاء الفضل بن عامر الشيباني فقتله وذلك بسوق حكمة على ستة فراسخ من المدائن، فلما رأى شبيب زهرة قال: لئن كنت قتلت ضالا لربّ

_ [1] بهرسير: من نواحي سواد بغداد قرب المدائن. معجم البلدان.

يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك وعظم فيه غناؤك، ولرب خيل للمشركين قد هزمتها، وسرية لهم قد ذعرتها. واستمكن شبيب من أهل العسكر فقال: ارفعوا عنهم السيف، ودعاهم إلى البيعة فبايعوه ثم هربوا من تحت ليلتهم، ودخل سفيان بن الأبرد الكلبي وحبيب بن عبد الرحمن الكوفة فيمن معهما. وخطب الحجاج أهل الكوفة فقال: لا أعز الله من أراد العز بكم، لا تشهدوا معنا قتال عدونا والحقوا بالنصارى واليهود. وأقبل شبيب إلى الكوفة فقتل عامل سوراء [1] ، وأخذ ما كان عنده من المال، وزحف إليه الحجاج نفسه ومعه سفيان بن الأبرد، فجعل أهل الكوفة يقولون: دبوا دبيبا ... واحذروا شبيبا وسار شبيب إلى السبخة فوجه إليه الحجاج غلمانا له فقتلهم، ووجه إليه عمارة الطويل فاستعلى عليه، فقال شبيب: قاتلني رجل ما أحسبه ولا أراه إلا طويل بني المجنون. وأخذ أهل الكوفة بأفواه السكك وأشرعوا الرماح في وجوههم، وقاتل خالد بن عتاب بن ورقاء الخوارج فقتل مصاد أخا شبيب وجهيزة أم شبيب وكانت قد قاتلت قتالًا شديدا، وقال الناس: أم شبيب ولدت شبيبا ... هل تلد الذّيبة إلا ذيبا

_ [1] سوراء: موضع إلى جانب بغداد. معجم البلدان.

وقتلت غزالة وأحتز رأسها فقال الحجاج: والله ما قوتل شبيب قبل يومه هذا ومرته هذه. وهرب شبيب فبعث الحجاج في إثره حبيب بن عبد الرحمن الحكمي في ثلاثة آلاف من أهل الشام فقاتله بالأنبار حتى كره بعضهم بعضا. وأتى شبيب واسطا من ناحية أرض جوخى، ثم أتى الأهواز وتجاوزها إلى فارس حتى إذا قوي واستراش عاد إلى الأهواز فلقيه سفيان بن الأبرد وحبيب والشاميون عند جسر دجيل بالأهواز، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى اضطر الخوارج إلى الجسر فلم يجدوا عنه محيصا، فلما انتهى شبيب إلى الجسر نزل ونزل معه مائة فقاتل أشد قتال، فلما رأى سفيان صعوبة أمرهم أمر الرماة فرشقوهم بالنبل، وكر شبيب على الرماة فصرع منهم أكثر من ثلاثين، ثم قال لأصحابه: اعبروا رحمكم الله. وقدمهم وبقي في أخريات الناس. ورأى فرسه رمكة [1] بعض أصحابه فتحصن [2] فزلت رجل فرسه فسقط في الماء وهو يقول: لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا [3] . ويقال إنه لما قاتلهم قال لأصحابه في المساء: قد انصرف عنكم عدوكم فاعبروا بنا فإذا أصبحنا قاتلناهم، ومر وهو يركض فلما سار في وسط الجسر قطعه قوم من بني شيبان كانوا حقدوا عليه قتل من قتل في ساتيدما، فغرق.

_ [1] الرمكة: الفرس الأنثى والبرذونة تتخذ للنسل. القاموس. [2] أحصن: تزوج، والمحصن: الفرس الذكر والمقصود أن حصانه أراد أن ينزو. القاموس. [3] سورة الأنفال- الآية: 42.

ويقال إنه لما حجز بينهم الليل عبر شبيب الجسر، وبصر بهم قوم من أصحاب سفيان فقطعوا الجسر فماج بهم فغرق شبيب وجماعة معه، قالوا: فأمر سفيان فاستخرج شبيب بالشباك وشق بطنه فوجد قلبه كأنه صخرة يضرب به الأرض فلا يثبت وينبو عنها نبو الحجر، وكان غرقه ليلًا. والشراة يقولون كان على قلبه شعر وذلك باطل. وقال معمر بن المثنى: خرج شبيب في أيام بشر بن مروان حين قتل صالح بن مسرح، وكان معه فلم يزل يتنقل في جوخي حتى ولي الحجاج فبعث إليه عبيد بن المخارق القيني من أهل الشام، فهزمه شبيب، ثم بعث إليه زحر بن قيس فهزم أصحابه وارتث وبه ثلاثون طعنة، وضربه حتى حمل في القطن، ثم بعث إليه عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الأشعث فهزمه، ثم عتابا فقتله، ثم الجزل الكندي فقتله، ثم بعث إليه زياد بن عمرو العتكي فانهزم، ثم بعث محمد بْن موسى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فقتله، فقال قطري حين بلغه أمر شبيب: إن الله قد قيض للفاسق أخي ثمود رجلًا من الصفرية قد أشجاه، والله ما نبالي بأي الفريقين كان الفتح. ووجه الحجاج إلى شبيب يزيد بن هبيرة المحاربي فهزمه. وحدثني الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ وابن عياش وغيرهما قالوا: لما قتل صالح بن مسرح وبويع شبيب بعده في ولاية بشر، بعث إليه بشر خيلا ففضها، ومكث شبيب ينتقل بجوخى والسواد سنة، ثم وجه الحجاج إليه عبيد بن أبي المخارق القيني فهزمه شبيب، ثم وجه إليه يزيد بن هبيرة المحاربي فهزمه، ثم بعث إليه زحر بن قيس الجعفي فهزمه وارتث وبه ضربات وطعنات وكان يحمل في القطن وكانت ضربة منها قد فلقت عينه،

فقال الحجاج: من أحب أن ينظر إلى الشهيد الحي فلينظر إلى زحر بن قيس. ثم بعث عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهزمه، ثم بعث عتاب بن ورقاء فلقيه بالفلوجة فقتله شبيب، ثم بعث إليه الجزل الكندي فوجه إليه شبيب المهذب السكوني والبطين الشيباني فقال شاعر أهل العراق: جاؤوا بشيخهم وجئنا بالجزل ... شيخا إذا ما عاين الموت نزل فقتل الجزل، ثم بعث إليه عثمان بن قطن الحارثي فقتله شبيب، ثم بعث إليه طهمان مولى آل عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عَمْرو بن أمية. وقال غير الهيثم: هو مولى عثمان. وكان على فرس للحجاج فشد عليه شبيب وهو يظنه الحجاج فقتله. ثم بعث إليه أبا الورد مولاه فقتله ثم بعث إليه زياد بن عمرو العتكي فصابره يوما وليلة ثم انهزم زياد، ومع زياد يومئذ النضر بن القعقاع بن شور الذهلي. فلما رآه شبيب منهزما كف عن جري فرسه ليد كانت لأبيه عنده، ثم قال: أيا نضر، لا حكم إلا الله، قلها لتنجو، فقال الخوارج: أتعصبا في دين الله؟ قال: لا، ثم حمل على النضر فقتله. ثم بعث إليه محمد بْن موسى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ فقتله شبيب، ثم بعث إليه أبا الضريس مولى تميم فقتله. ومكث شبيب أربع سنين، ثم ضرب الحجاج البعث على أهل الكوفة، وخرج حتى عسكر بالسبخة، وجعل شبيب يتنقل فيما بين السواد والجبل، وبعث إليه الحجاج عبد الله بن زميت فما شعر الحجاج وهو في

عسكره بالسبخة إلا وقد أقبل شبيب، وقد سبق أصحابه في ثلاثين فارسًا، ففرقهم في نواحي عسكر الحجاج ثم حكموا، فانذعر الناس ودخل عامتهم الكوفة، وقتل من أصحاب الحجاج نحو من مائة وثلاثين، ولم يقتل من أصحاب شبيب إلا رجلان. ثم انصرف شبيب فلقي أصحابه على الطريق فردهم، ثم أقبل فأتى الفلوجة فأقام بها خمس عشرة ليلة، ثم أتى كوثي، فبعث إليه الحجاج علقمة بن عبد الرحمن الحكمي فكسره ثم انحاز إلى الأنبار وكتب الحجاج إلى عبد الملك: «الغوث الغوث يا أمير المؤمنين، وجه إلى أهل الشام فإنه لا غناء عند أهل الكوفة» . فبعث إليه أربعة آلاف رجل فقدموا عليه وشبيب بالأنبار، فقال شبيب: لنذعرن ابن أبي رغال. فأقبل وقد قرط [1] فرسه عنانه، وقرّط الخوارج خيلهم أعنّتها حتى دخلوا الكوفة ليلا بعد ما صليت العشاء الأخيرة ومعه مائة وخمسون رجلًا، ومعه جهيزة امرأته وغزالة أمه وكانت من سبي أصبهان، وفي المسجد أصحاب الأساطين والبرانس يصلون والأحراس في السكك، فقال شبيب لأصحابه: ليقم على كل باب رجلان فلا يمر بهما أحد إلا قتلاه، وقال لأمه وامرأته: اقعدا على المنبر لا تصبكما معرة. ثم اعترض من في المسجد فقتلوا، وقتل أصحابه من شد فأراد الخروج وقتل أبو سليم، وهو أبو ليث بن أبي سليم المحدث في عدّة من النسّاك.

_ [1] قرط الفرس: ألجمها، أو جعل أعنتها وراء آذانها عند طرح اللجم. القاموس.

وطلب حوشب بن يزيد فاستخفى، وأخذ ميمون العذاب مولى حوشب بن يزيد بن رويم الشيباني، وكان حوشب يومئذ على الشرطة والاستخراج، وميمون خليفته على الاستخراج وطلب حوشبا فلزم منزله ولم يبرح، وجعل أصحاب شبيب يضربون باب القصر ويقولون: يا عدو الله، يابن أبي رغال، يا أخا ثمود، أخرج. ففي ذلك يقول وصيلة بن عتبان الشيباني: لعمري لقد نادى شبيب وصحبه ... على الباب لو أن الأمير يجيب فأبلغ أمير المؤمنين رسالة ... وذو النصح لو تصغي إليه قريب أتذكر إذ دارت عليك رماحنا ... بمسكن والكلبي ثم غريب فلا صلح ما دامت منابر أرضنا ... يقوم عليها من ثقيف خطيب فإنك إلا ترض بكر بن وائل ... يكن لك يوم بالعراق عصيب فلا ضير إن كانت قريش عدى لنا ... يصيبون منا مرة ونصيب فإن يك منهم كان مروان وابنه ... وعمرو، ومنهم هاشم، وحبيب فمنا سويد والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب غزالة ذات النذر منا حميدة ... لها في سهام المسلمين نصيب يقال إنها نذرت أن تصعد منبر الكوفة. ومنا سنان الموت وابن عويمر ... ومرة فانظر أي ذاك تعيب فقال عبد الملك: كلهم والله أعيب. فلما طلع الفجر قال شبيب لبعض أصحابه: أذن، فأذن وأقام وتقدم شبيب فصلى بهم الغداة وقرأ بهم بسورة البقرة وآل عمران حتى كادت الشمس تطلع، ثم جلس وسط المسجد ساعة وأقبلت الخيول فقال

لأصحابه: اركبوا. ونادى منادي الحجاج: يا خيل الله اركبي. وأقبل الناس فجالدهم شبيب وأصحابه في المسجد ثم خرج شبيب وأصحابه واتبعه الناس واضطربوا في موضع السوق ساعة ثم زاحفهم الحجاج في أربعة آلاف من أهل الشام وقال: لا يخرجن من أهل الكوفة أحد إلا خالد بن عتاب بن ورقاء فإنه ثائر بأبيه، وغير جهم بن زحر بن قيس. وكان الحجاج أشد الناس انقطاعا في الحرب إنما كان مولاه أبو كعب هو الذي يأمر وينهى، فصابرهم شبيب وأصحابه يومهم الأطول في السبخة، وكان قتيبة يومئذ مع الحجاج، وأحجم الناس عن شبيب، وعلا شبيب مزبلة كانت هناك يشرف منها على الكوفة فجالدوه حتى أزالوه عنها، وصاروا جميعا بالأرض فتقاتلوا حتى كثرت الجراح في الفريقين، وولى شبيب وأصحابه منهزمين واتبعهم علقمة بن عبد الرحمن الحكمي وأصحابه حتى انتهوا إلى القرب من دار الرزق، وخرج شبيب من وجهه إلى الأنبار، فقال عبد الواحد الأزدي من الخوارج: يا ليتني في الخيل وهي تدوسهم ... في السوق يوم الظفر بالحجاج بأخي ثمود وقرب ما أخطانه ... ولقد بلغن العذر في الادلاج أصبحن بالأنبار ثم أتينه ... مثل السعالي تحت ليل داج فبطحن ميمون العذاب لوجهه ... وتركنه متقطع الأوداج ولقد تخطأت المنايا حوشبا ... فنجا إلى أجل وليس بناج [1] وقال أسامة بن زيد الأحمسي: - وقال بعضهم الأبيات لعمران بن حطان. فطلبه الحجاج فهرب إلى الشام:

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 202.

صدعت غزالة قلبه بكتيبة ... تركت شراسته كأمس الدابر أسد علي وفي الحروب نعامة ... خرجاء تنفر من صفير الصافر هلا خرجت إلى غزالة فِي الوغى ... بل كَانَ قلبك في جوانح طائر ألق السلاح وخذ وشاحي معصر ... واعمد لمنزلة الجبان الكافر فقال الحجاج: لا أمان له عندي. وكان شبيب أصاب بجوخي رمكة فحمل عليها رجلًا من أصحابه وقال: اركبها حتى يقسم ثمنها، فبلغ ذلك خوارج الكوفة فركب إليه مسلم بن أبي الجعد، أخو سالم بن أبي الجعد الأشجعي، ودجاجة الحنفي، وكانا من رؤوس الخوارج حتى أتياه وهو بالأنبار فقالا: أعطيت مسلما الغلول، ما كان هذا من سيرة من مضى من المسلمين. فقال: إنما أعطيته إياها ليركبها ثم نقسم قيمتها. قالا: فلو نفقت، فتب فكره أن يتوب فيخلع. فبرئ منه مسلم ودجاجة. وبعث الحجاج إلى شبيب علقمة بن عبد الرحمن الحكمي وأمره بطلبه، فلحقه واقتتلا يوما وليلة ثم ولى شبيب منهزما فكان وجهه بادرايا وباكسايا، ثم توجه منها إلى الأهواز. ووجه الحجاج في طلبه سفيان بن الأبرد الكلبي فطلبه حتى بلغ إلى دجيل الأهواز، فأقبل شبيب نحوه وسفيان في ألفي رجل، فلما ذهب ليجوز إلى سفيان أمر سفيان بقطع جسر دجيل فاستدارت به السفن فغرق، فاستخرجه سفيان بالشباك فاحتز رأسه، وقتلت أمه وامرأته وعدة من أصحابه، وانصرفت فرقة منهم إلى الجزيرة وتفرقت فرقة في السواد.

قال الهيثم: فأخبرني مخبر [1] عن ابن عياش أنه حارب سفيان حتى حجز المساء بينهما، فلما عاد سفيان إلى معسكره قال شبيب لأصحابه: اعبروا بنا، فعبر فتحصن فرسه فسقط في دجيل فقال أصحابه: غرق أمير المؤمنين. ويقال: بل قطع الجسر قوم من بني بكر بن وائل وكانوا قد تبرأوا منه لما فعل بالرمكة التي حمل عليها صاحبه. ويقال إنه لم يكن لهم هزيمة إلا على الجسر، فقطعه سفيان، فغرق شبيب ومن كان على الجسر. وقال أيمن بن خريم في قصيدة له: رأيت غزالة إذ طرحت ... بمكة هودجها والغبيطا سمت للعراقين في سومها ... فلاقى العراقان منها أطيطا أبى الجبناء من أهل العراق ... على الله في الحرب إلا قسوطا أيهزمهم مائتا فارس ... من السافكين الدماء العبيطا وخمسون من مارقات النساء ... يجررن للمبديات المروطا [2] في قصيدة طويلة. وقال أعشى بني أبي ربيعة: صب أبو يحيى على كل مارق ... كما صب بزيار [3] على صيده صقرا ألا انظر هداك الله في شأن حاجتي ... فمثلك أعطى الخير واحتسب الأجرا

_ [1] بهامش الأصل: غير واحد. [2] لم يرد هذا البيت في نسخة الأصل. [3] البازيار: مدرب البزاة.

وقال المدائني: دخل شبيب الكوفة ثلاث مرات، واجتمع له ستمائة رجل فأتى منبج وذعر أهل الشام، وأتى أرمينية. ورثى الفرزدق محمد بن موسى بن طلحة فقال: وإذا ذكرتك يا بن موسى أسبلت ... عيني بدمع دائم الهملان ما كنت أبكي الهالكين لفقدهم ... ولقد بكيت وعز ما أبكاني [1] وقال أعشى همدان [2] : أعيني ما بعد ابن موسى ذخيرة ... فجودا إذا أبعدتما الدمع بالدم قال: وولى الخوارج بعد شبيب: البطين، فغلب على سوق الأهواز فسار سفيان إلى البطين فقاتله أياما فطلب أصحابه الأمان فأمنهم وتفرقوا، وهرب البطين فظفر به الحجاج بعد ذلك فقتله في دار قومه فقال جرير: قد نصر الحجاج والله نصر ... أخزى شبيبا والبطين إذ كفر [3] وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى: لما صعدت غزالة منبر الكوفة قَالَ أيمن بْن خريم بْن فاتك الأسدي: أبي الجبناء من أهل العراق ... على الله والناس إلا قسوطا أيهزمهم مائتا فارس ... من السافكين الدماء العبيطا وخمسون من مارقات النساء ... يجررن للمبديات المروطا وهم مائتا ألف ذي قونس [4] ... يئطّ العراقان منها أطيطا

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 325. [2] كذا وهو للفرزدق كما سيمر بعد قليل. [3] ليس في ديوان جرير المطبوع. [4] القونس: أعلى الرأس. القاموس.

رأيت غزالة إذ طرحت ... بمكة هودجها والغبيطا سمت للعراقين في سومها ... فلاقى العراقان منها البطيطا [1] الا يتقي الله أهل العراق ... إذا قلّدوا الغانيات السّموطا وخيل غزالة تحوي النهاب ... وتسبي السبايا وتجبي النبيطا وتحجرهم في حجال النساء ... كما تحجر الحيّة العضرفوطا [2] وقد قال أهل الوفاء اهبطوا ... نقاتل فلم يستطيعوا هبوطا من الغش إما شقاق الأمير ... وإما نفاقا وإما قنوطا ولكنهم يمنعون الفرار ... إذا ما غزالة غطت غطيطا كأنهم في الصعود الكؤود ... نعام نوافر لاقت حطوطا أقامت غزالة سوق الضراب ... لأهل العراقين حولًا قميطا وأنتم دبا الأرض عند العطاء ... وفي الحرب تأبون إلا شطوطا أهابوا غزالة أم قد رضوا ... غزالة إذ خالطوها خليطا في أبيات. وقال عبيدة: قال حبيب بن حدرة في قتل عتاب بن ورقاء: ألوت لعتاب شوازب [3] خيلنا ... ثم انثنت لكتائب الحجاج لأخي ثمود فربّما أخطانه ... ولقد بلغن العذر في الإدلاج

_ [1] بهامش الأصل: أمر بطيط، أي عظيم. [2] من دواب الجن وركائبهم. القاموس. [3] الشوازب: الضمر. القاموس.

حتى تركن أخا الضلال مسهدا ... متمنعا بحوائط ورتاج ولعمر أم العبد لو أدركنه ... لسقينه صرفا بغير مزاج ولقد تخطأت المنايا حوشبا ... فنجا إلى أجل وليس بناج [1] قال أبو عبيدة: وجه عبد الملك بن مروان محمد بْن موسى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ أميرا على سجستان، فمر بالكوفة فقال له الحجاج: إن هذا المارق قد أفسد البلاد وأخاف السبل وهو بالأهواز، فقاتله لعل الله يظفرك به فيكون أجر ذلك وذخره لك، ثم تسير إلى عملك. فمضى محمد إلى الأهواز وسار إلى شبيب فقال له شبيب: لا يغرنك هذا العبد من نفسك، فامض لشأنك وما بعثت له، فأبى إلا مباكرته بالقتال فقال شبيب: لا يدعه صلفه وعجبه حتى يحارب. فأمر البطين بالخروج إليه فخرج، فقال له: قل لشبيب فليبارزني، فبرز له شبيب فتجاولا ساعة لا يقدر أحدهما على صاحبه، ثم إن محمدا غفل غفلة فضربه شبيب بعمود على بيضته فهشم رأسه في البيضة، وانهزم عسكر محمد، وأمر شبيب بالكف عنهم. فقال الفرزدق يرثي محمد بن موسى: نام الخلي وما أغمض ساعة ... أرقا وهاج الشوق لي أحزاني فإذا ذكرتك يا بن موسى أسبلت ... عيني بدمع دائم الهملان ما كنت أبكي الهالكين لفقدهم ... ولقد بكيت وعز ما أبكاني لا حيّ بعدك يا بن موسى فيهم ... يرجونه لنوائب الحدثان أودى ابن موسى والمكارم والندى ... والعز عند تحفظ السلطان

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 228- 229.

جمع ابن موسى والمكارم والندى ... في القبر بين سبائب الكتان ما كان فيهم بعد طلحة مثله ... للسائلين ولا ليوم طعان ولئن جيادك يا بن موسى أصبحت ... ملس الظهور يجلن في الأشطان لبما [1] تقاد إلى العدو ضوامرا ... جردا مجنبة مع الركبان [2] وقال الفرزدق: أعيني ما بعد ابن موسى ذخيرة ... فجودا إذا أنفدتما الدمع بالدم وهيجا إذا نام الخلي وأسعدا ... عليه بنوح منكما كل مأتم كريم رأى أن الحياة قليلة ... وأن المنايا ترتقي كل سلم [3] في أبيات. وقال رجل من بجيلة: قتلنا شبيبا واستلبنا عقابه ... وأفلتنا فوت الرماح بطين وقال بعض بني عذرة: لاقيت منا يا شبيب خادرا ... وفتية يهدون موتا حاضرا يزجى إليك رائحا وباكرا ... ضربا هذا ذيك وموتا فاقرا [4] حدثني أبو مسعود القتات عن ابن كناسة عن أبيه، أن قوما من الخوارج تجمعوا والحجاج بواسط، وعلى شرطة الكوفة حوشب بن يزيد بن رويم الشيباني، ودخلوا الكوفة فأخذوا على أهلها بأفواه السكك مما يلي

_ [1] بهامش الأصل: لهما. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 325. [3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 253 مع فوارق. [4] الفاقرة: الداهية وهذاذيك: قطعا بعد قطع. القاموس.

الحيرة، فقال إياس بْن حصين بْن زياد بْن عُقفان بْن سُوَيْد بْن خَالِد بْن أسامة بْن العنبر بْن يربوع بْن حنظلة، لبنيه وقومه: ليخرج إلى هؤلاء الخوارج عدتهم منكم. فخرجوا فقتلوا الخوارج إلا من هرب منهم، وبلغ الخبر الحجاج ففرض لهم في ثلاثمائة. فقال: ما في ثلاث ما يجهزن غازيا ... ولا في ثلاث متعة لفقير فقال الحجاج: افرضوا له في شرف العطاء، ففرضوا له في ألفين.

أمر أبي زياد المرادي

أمر أبي زياد المرادي قال الهيثم: لما قتل شبيب أبو زياد، وهو رجل من مراد، وكان بنهر الملك من السواد فخرج بجوخي، وكان الجراح بن عبد الله الحكمي يومئذ ببابل والفلّوجتين، فبعثه الحجاج على محاربته في ثمانمائة فلما تواقفا قال الجراح لأصحابه: الأرض. فقال أبو زياد: نحن والله أولى بالأرض والصبر منكم يا فسقة، فعرقبت الخوارج دوابهم، فلما رأى الجراح ذلك قال لأصحابه: موتوا يا بني الحرائر، ثم شدوا عليهم فقتلوهم جميعا. وتمثل الجراح: قالوا الركوب فقلنا تلك عادتنا ... أو النزول فإنا معشر نزل

أمر أبي معبد الشني من عبد القيس

أمر أبي معبد الشني من عبد القيس قالوا: ثم خرج بعد أبي زياد المرادي رجل من عبد القيس يقال له أبو معبد، قدم من ناحية البحرين، وكان خروجه بموقوع [1] ، فبعث إليه الحكم بن أيوب خليفة الحجاج على البصرة الشرط فقتل هو وأصحابه. قال أبو الحسن المدائني: يقال كان خروج أبي معبد في أيام عبد الملك، ويقال في أيام الوليد بن عبد الملك. وقال أبو الحسن المدائني: قال بعض الشرط: ما لناو الخوارج؟ فقال له بعضهم: وما لنا لا نقاتلهم؟ أليست أعطياتنا دارة علينا؟ فقال عمران بن حطان: فلو بعثت بعض اليهود عليهم ... يؤمهم أو بعض من تنصرا لقالوا رضينا إن أقمت عطاءنا ... وأجريت ذاك الفرض من برّ كسكرا [2]

_ [1] موقوع: ماء بناحية البصرة. معجم البلدان. [2] ديوان شعر الخوارج ص 175، وجاء بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث، ولله كل حمد.

خبر المصل الطائي

خبر المصل الطائي قال الهيثم بن عدي: لما هرب الناس من الحجاج أيام الجماجم، تجمع ناس من الخوارج بالفلوجة، فقال رجل من جديلة طيّئ يقال له المصل: لولا مكان ابنتي هذه لسريت إلى سيف بن هانئ وكان سيف على جوخي وجولايا في رابطة أعدوا للخوارج تدفعهم عن الناس، فقال له رجل من الخوارج: هي مع بناتي لا يسعني بيتي ويعجز عنها. قال: فاشترى حمارا، وأعطي نفقته، فخرج إلى راذان فرآه سيف في الصف الأول وعليه أطمار فاستراب به فقال لأصحابه: خذوه حتى أصلي. وفتش فوجد معه خنجر فضرب سيف عنقه وصلبه. ولما قدم للقتل قال: الحمد لله لا حكم إلا لله ثم أنشد: يا لهف نفسي على سيف وشيعته ... لو كنت ألحقت سيفا بالخبيثينا أبرا إلى الله من سيف وشيعته ... ومن علي ومن أصحاب صفينا ومن معاوية الغاوي وشيعته ... أخزى إله الورى تلك العتانينا

خبر خارجي من عبد القيس بالبحرين

خبر خارجي من عبد القيس بالبحرين قال علي بن محمد أبو الحسن المدائني: خرج رجل من بني محارب بْنِ عَمْرِو بْنِ وَدِيعَةَ بْنِ لُكَيْزِ بْنِ أفصى بن عبد القيس بالبحرين على محمد بن صعصعة، في سنة ثمان وسبعين، قبل أن يقتل قطري، فكتب الحجاج إلى عبد الملك: «إن قطريا قد شغل من قبلي من المقاتلة، فَإِن رأى أمير الْمُؤْمِنِينَ أن يكتب إِلَى إبراهيم بن عربي في أمر هذا الخارجي» ، فكتب إلى إبراهيم وهو باليمامة: «أن سر إلى البحرين، فإن ظفرت بالمحاربي فلا تقتله وأحسن إليه، واحفظ له بلاءه، عند أمير المؤمنين مروان، فإنه لجأ إليهم يوم الجمل، ثم تحول إلى بني هميم» . فخرج إبراهيم إلى البحرين في ألفين فهزم الخوارج وتفرقوا، ورجع إبراهيم إلى اليمامة.

أمر الريان النكري

أمر الريان النكري قال أبو الحسن: وخرج بعد هذا المحاربي على محمد بن صعصعة الكلابي: ريان النكري، نكرة بني لكيز بن أفصى سنة سبع وسبعين على فراسخ من سوق الخط [1] . وقدم ميمون الخارجي من عمان في أصحابه فنزلوا دارين [2] ، فكتب إليه الريان أن أقبل إلي. فصار ميمون إلى الزارة [3] ، وأتاه الريان، فندب محمد بن صعصعة الناس، فأبطأ عنه العبديون، وأتاه قوم من أهل الخط فوجه إلى الخوارج رجلًا من الأزد ويقال وجه إليهم عبد الله بن عبد الملك العوذي، فهزمهم الخوارج وقتلوا أميرهم، ورجع الفل إلى محمد بن صعصعة، فخافهم محمد ولم يكن معه جند سواهم.

_ [1] الخط: خط عمان، وهو سيف البحر، خط عبد القيس بالبحرين، وهو كثير النخل، وهو المراد هنا معجم البلدان. [2] دارين: فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند. معجم البلدان. [3] الزارة: قرية كبيرة بالبحرين. معجم البلدان.

وخذله العبديون فخرج من البحرين، وأقام ميمون بالبحرين أربعين يوما، ثم انصرف إلى عمان، وأقام الريان بالزارة. وبلغ الحجاج الخبر فبعث يزيد بن أبي كبشة السكسكي وهو يزيد بن حيويل بن يسار بن حي بن قرط بن شبل بن المقلد، مددا لمحمد بن صعصعة، فسار يزيد وقدم محمد على الحجاج فهم بقتله فقال: إن الناس خذلوني ولم يكن معي أحد من أهل الشام، وانهزم من وجهت إلى الخوارج وفروا عن أميرهم حتى قتل، فحبسه في السجن حتى مات. وقدم يزيد بن أبي كبشة البحرين في اثني عشر ألفًا، وكان الريان في ألف وخمسمائة فالتقوا، وقتل الريان وهزم أصحابه، وأسر منهم أسرى فقتلهم يزيد وصلبهم، وصلب الريان، وكتب الى الحجاج بالفتح وبعث بالرؤوس، فولى الحجاج زياد بن الربيع بن زياد على البحرين، وقدم ابن أبي كبشة والشاميون على الحجاج.

أمر داود بن محرز العبقسي

أمر داود بن محرز العبقسي قال أبو الحسن: وخرج داود بن محرز أحد بني عبد القيس ومعه جماعة، فأنزلوا الريان وأصحابه ودفنوهم وأعانهم أهل البحرين على إنزالهم ودفنهم، ثم أقام داود بالقطيف فلقيه أبو الفضل خليفة أبي البهاء صاحب الشرطة فهزم داود أبا الفضل، فخرج إليهم أبو الحر عبد الرحمن بن النعمان العوذي، من الأزد ثم من بني عوذ بن مسود بن الحجر بن عمران، أخوة زهران بن الحجر، فقاتلهم في سوق القطيف في موقف الإبل وهو يرعى المراغة [1] ، فعقر بعبد الرحمن فحماه ابن عمه عنبسة بن عبد الرحمن، وتحاجزوا فلما أصبحوا اجتمع الناس وكثروا فقتل الخوارج. وكان أهل بيت عبد الرحمن قوم لهم نية في قتل الخوارج فقد لقوهم مرارا، فقال أبو البهاء في فرار خليفته:

_ [1] المراغة: الروضة، أو الكثيرة النبات. القاموس.

لولا أبو الحر ولولا عنبسة ... أودى أبو الفضل وخلى الطنفسه ولى حثيثا وهو يغزو الكعنشه [1] ... إذ كثرت تحت السيوف الوسوسه وغضب الحجاج على أهل البحرين، وأخذ عم عبد الله بن سوار العبدي وكان يقال له عميرة بن حصين، وقال: لعن الله عبد القيس قبيلتك فإنما أنتم لص أو خارجي أو نصراني فمر به زاني فقطع يده، وأخذ يزيد بن الفضل فحبسه في قصر المسيرين. وذكر بشر بن عاصم الليثي الخوارج فشتمهم، فسمعه رجل منهم، فمكث أياما ثم أتاه فقال له: أصب لي سيفا قاطعا. وكان لبشر غلام صيقلي، ويقال عدة غلمان صياقلة، فاشترى له من بعضهم سيفا فتناوله الخارجي وهزه ثم قال لبشر: كيف ترى هذا في هامة الشيخ الكافر؟ فوقع في نفس بشر إنه أراده لعيبه الخوارج وشتمه إياهم. فقال: أرى فيه شيئا يحتاج إلى إصلاحه فناولنيه. فلما أخذه أدخله في غمده ودخل البيت هاربا من الخارجي، ثم ألقى إليه بسيفه فأخذه الخارجي وقال: أولى لك، وحكم على الناس وهو يقول: وأبيض من سر الحديدة صارم ... يخبره الليثي بشر بن عاصم أقود جياد الخيل قبا بطونها ... أرجي ثواب الله يوم التخاصم إلى ابن زياد خيب الله سعيه ... إلى شر وال من معدّ وحاكم [2]

_ [1] تكعنش الطائر: نشب في الشبكة، وفي الشيء غرق. القاموس. [2] ديوان شعر الخوارج ص 204.

خبر الخطار النمري من النمر بن قاسط

خبر الخطار النمري من النمر بن قاسط قالوا: وخرج الخطار النمري، وكان نصرانيا فأسلم، ودعته الخوارج فأجابها، وخرج على سفيان بن هانئ الهمداني، فحاربه سفيان فقتله وأصحابه، فقال سلامة بن عامر القشيري: ألا خبراني بارك الله فيكما ... متى العهد بالخطار يا فتيان يذكرني الخطار كل منطق ... يجول به عند اللقاء حصان فيا حزني ألا أكون شهدته ... بزاذان والخيلان تصطفقان فتى لا يرى نوم العشاء غنيمة ... ولا ينثني من رهبة الحدثان فما طمعت عيناي نوما للذة ... وما زالتا من ذكره تكفان [1]

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 204.

خبر داود بن النعمان العبدي

خبر داود بن النعمان العبدي قالوا: كان داود بن النعمان أحد بني أنمار بْنِ وَدِيعَةَ بْنِ لُكَيْزِ بْنِ أَفْصَى بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ جديلة بْن أسد بن ربيعة، عابدا مجتهدا، وكان يقول لأصحابه: إني مللت الدنيا والمقام في دار الكفر مع الظلمة الكفرة، وقد انقطع العذر. فقال له أصحابه: فما يمنعك من الخروج؟ قال: مكان أبي بهذه البلاد. ثم حج ورجع فقال لأصحابه: اخرجوا بنا إلى البصرة فإن لنا بها إخوانا، فأجابه أربعون رجلًا. وبلغ أباه أمره فقال: يا بني إني أخاف أن يشفي بك أمرك هذا على أمر يفسد دينك ودنياك فاتق الله وانظر لنفسك فإن الناس قد اختلفوا، فقال: يا أبت فإن الله أكرم من أن يضل طالبه. فقال: يا بني إن لي مالًا كثيرا عينا قد ذخرته لك، قال: لا حاجة لي فيه، إن الله يقول: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سبيل الله) [1] الآية.

_ [1] سورة التوبة- الآية: 34.

فقال: يا بني. إني أصرم نخل أربعة آلاف جريب. فقال: يا أبت إن في حائطك بعوضا وأنا أريد حائطا لا بعوض فيه. ثم خرج ومعه أخته، وخرج معه أربعون رجلًا، فودعه أبوه وهو يبكي، فقدم البصرة فأقام بها حتى فرغ من جهازه، ولقي من أراد، ثم خرج إلى موقوع سنة ست وثمانين فوجه إليه الحكم بن أيوب عبد الملك بن المهلب. وقال قوم: كان الحكم غائبا عن البصرة وخليفته عبد الملك بن المهلب، فوجه إليهم عبد الملك: عبد الله بن كرمان الجهضمي، فالتقوا فقال داود لأخته: تقدمي فإني أخاف أن تبقي بعدي فتسبين وتسترقين، فتقدمت فقاتلت فقتلت، وقتل أصحابه وبقي وحده وأحاطوا به قرب البلد وألجأوه إلى حائط ثم رموه بالنبل وطعنه رجل وقال: ذق بما قدمت يداك فقال: ويحك، حر النار أشد من هذا، ومات فقال زياد الأعسم: سقى الله أجسادا تلوح عظامها ... بفرضة موقوع سحابا غواديا فإن يك داود مضى لسبيله ... فقد كان ذا شوق إلى الله تاليا وقد كان ذا أهل ومال وغبطة ... وكان لما يغني من العيش قاليا كأن الفتى داود لم يك فيكم ... ولم نره يوما من الصوم باليا أقيم على الدنيا كأني لا أرى ... زوالا لها أو أحسب العيش باقيا [1] وقال سعيد المرادي:

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 207.

ألا يا في سبيل الله شالت ... بداود وإخوته الجذوع مضوا قتلا وتشريدا وصلبا ... تظل عليهم طير وقوع إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فأسفر عنهم وهم ركوع يعالون النحيب إليه شوقا ... وإن خفضوا فربهم سميع [1] قال أبو الحسن: يقال ان داود قتل في أول سنة ست وثمانين قبل موت عبد الملك، ويقال إنه قتل في أيام الوليد بن عبد الملك في سنة سبع وثمانين. وقال أبو الحسن: كان داود بالبصرة فكان يأتي سوق الإبل فينادي: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، إنكم لفي أمر مريح. ثم يقول: مكذبين ورب الكعبة. وطلب فرسا فقيل له: لا تشتره فإن بظهره شامة ولم يكن بظهر فرس شامة إلا قتل فارسه فقال: وكيف لي بالقتل؟ لقد رغبتموني فيه، فاشتراه.

_ [1] نسب هذه الأبيات في ديوان شعر الخوارج ص 70، إلى عيسى بن فاتك الخطي مع فوارق.

أمر مطر بن عمران بن شور

أمر مطر بن عمران بن شور وهو ابن أخي القعقاع بن شور الذهلي. قال الهيثم بن عدي: خرج على محمد بن مروان، وهو والي الجزيرة والموصل مطر بن عمران بالموصل، فقتلته خيل الموصل، وعليها ثوبان الحضرمي، وقد انحاز إلى باجرمى، فقتل بباجرمى وبعث ثوبان بأسراء من أصحابه إلى الحجاج فقتلهم، وكانوا يكرهون أن يقتلوا خارجيا بالجزيرة والشام مخافة أن تتخذ الخوارج ما هناك دار هجرة. وقال المدائني: خرج مطر قبل خروج صالح بن مسرح، فقتلته خيل محمد بن مروان بناحية باجرمى أو بدقوقا من أرض الموصل، فبلغ امرأته خبره وكان أهلها منعوها من الخروج فماتت أسفا، فقال الجعد بن أبي ضمام الدوسي: أرى مطرا قد باع لله نفسه ... بما ظل يعطى للشراة ويوعد فأصبح قد نال الكرامة كلها ... بما كان يسعى في بغاها ويجهد فإن يك قد لاقى مقادير قومه ... فقد بان منا الخاشع المتعبّد [1]

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 197.

أمر أبو الحريرة

في قصيدة. وقال محمد بن دثار: على حميد صلوات الأبرار ... ومطرا فاغفر له يا غفار قد كان صواما طويل الأسحار قال: وخرج على محمد في أيام عبد الملك خارجي يقال له: سكين المجملي، فوجه إليه قائدا من أهل الجزيرة فحاربه فأسره وأتى به محمدا، فبعث به إلى الحجاج ليقتله. فقال له: أجمعت القرآن؟ فقال: أو كان متفرقا فأجمعه ولكني أقرأه وأحفظه. قال: ما تقول في أمير المؤمنين؟ قال: ومن أمير المؤمنين؟ قال: عبد الملك! قال: لعنة الله عليه وعليك معه. قال: إنك مقتول. قال: إذا ألقى الله بعملي وتلقاه بدمي. فأمر الحجاج به فقتل وصلبه. [أمر أبو الحريرة] قال الهيثم: وكان باليمامة رجل يكنى أبا الحريرة من بني حنيفة، وكان متعبدا، فرأى قوما يكلمون امرأة فقال: ما هذا؟ قالوا: إنّا اكتريناها نهارا وليلا. فقال: هبكم اكتريتمونها نهارا للخدمة فما بال الليلة؟ قالوا: ننكحها. ثم عمد إلى سيف له ثم هجم على القوم وهم سبعة عشر رجلًا وقال: إمّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سواء إن الله لا يحب الخائنين) [1] . فأخذوا سلاحهم وقاتلهم فقتلهم ثم حكم بسوق حجر فقتل عدة، ثم قتل.

_ [1] سورة الأنفال- الآية: 58.

أمر جواز الضبي

أمر جواز الضبي قال الهيثم: أتى جواز الضبي الشام، وكان من رؤساء الخوارج، مع من شهد حصار ابن الزبير، وكان هاربا من الحجاج، فنزل بالشام على عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وكانوا يضيفون من يعرفون ومن لا يعرفون، وكان عبد الله بن يزيد، وروح بن زنباع، أكرم من بالشام إضافة، وكانا يتعديان مع عبد الملك ويتعشيان، فإذا انصرفا دعوا بطرف ما عندهما فأكلاه مع أضيافهما [1] . وكتب الحجاج إلى عبد الملك يعظم فيه أمر الخلافة، ويذكر أن الخليفة أعظم منزلة عند الله من الملائكة المقربين لأنه جعل آدم خليفته، ثم أمر الملائكة بالسجود له، وجعلهم رسلًا إليه. فحسن موقع ذلك من عبد الملك وأعجبه وازدهاه، فقال: وددت أن عندي بعض الخوارج فأخاصمه بكتاب الحجاج، فلما انصرف عبد الله بن

_ [1] بحاشية الملكية: قف. تعظيم الحجاج لعبد الملك على الملائكة والمرسلين، وجواب جواز الضبي.

يزيد حدث أضيافه بما كان، فقال له جواز: توثق لي منه ثم أعلمني. فراح إليه فتوثق له ثم أعلمه ذلك، فلما أصبح جواز اغتسل وتحنط ولبس ثوبين أبيضين، وأدخله إلى عبد الملك فدعا بكتاب الحجاج فقال: اقرأه. فقال جواز: جعلك: مرة ملكا، ومرة نبيا، ومرة خليفة، فإن كنت ملكا فخبرنا متى نزلت، وإن كنت نبيا فأعلمنا متى نبئت، وإن كنت خليفة فأعلمنا أعن ملأ من المسلمين استخلفت أم عن ابتزاز لأمورهم؟ وكان أمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد حاضرًا فقال: هو الله منهم. فقال جواز: يا أمية لو كنت منهم عرفتني يوم أبي فديك حين هزمك. فقال عبد الملك: قد أعطيناك عهدا وموثقا فلا سبيل لنا إلى قتلك، ولكنك والله لا تساكني في بلد، الحق بحيث شئت. قال: فإني أختار مصر، فنزل مصر وأتى المغرب فأفسد أهله، وكان يرى رأي الصفرية. فلما مات عبد الملك كتب الحجاج إلى الوليد: «إن ذمة أمير المؤمنين عبد الملك قد وفت ولا أمان لعدو الله جواز الضبي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يبعث إليّ به» ، وكانت بنو أمية لا تقتل خارجيا بالشام والجزيرة لئلا يتخذ دار هجرة. فكتب الوليد إلى قرة بن شريك: أن ابعث إليّ بجواز الضبي فبعث به إليه، فلما دخل عليه قال: انطلقا به إلى الحجاج، فقال: إني في أمان أبيك وذمته. قال: لا بدّ من الحجاج، فقال: مثلك والله أخفر أباه، واستخف بذمته وأخفرها.

فلما قدم به على الحجاج قال: بلغ من أمرك يا جواز أن ترد على أمير المؤمنين؟ قال: (اقض مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدنيا) [1] . وكان صالح بن عبد الرحمن الكاتب السجستاني عدوا ليزيد بن أبي مسلم (كاتب) [2] الحجاج، وكان جبلة أخو صالح خارجيا، فدعا صالحًا فأدخله في رأيه، فأشار على الحجاج أن يأمر صالحا بقتل جواز، فقال له: يا صالح قم فاقتله، قال صالح: فأردت أن أطرح السيف ثم خفت الحجاج أن يسبي بناتي فقتلته، ثم لم يزل خائفا من الخوارج. فلما عذبه عمر بن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك وطرح على مزبلة على باب دار العذاب وبه رمق، كان وهو على المزبلة يقول: لا حكم إلا الله، استغفر الله من قتل جواز، اللهم اغفر لي ولا أراك فاعلا. وقال بعض الخوارج: لا بارك الله في قوم أجاز لهم ... حكامهم ان أصابوا المرء جوازا إن يقتلوه فما فازوا بمقتله ... وقد أصاب الذي رجى وقد فازا [3] وقال ابن الكلبي: خرج سكين أحد بني محلم بن ذهل بن شيبان بدارا، فأصابته خيل محمد بن مروان، وهو يلي الجزيرة، فبعث به إلى الحجاج، فكلمه كلامًا شديدًا، فضرب الحجاج عنقه. وقال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم الأعرج وهو بالمدينة يريد الحج:

_ [1] سورة طه- الآية: 72. [2] زيد ما بين الحاصرتين من تاريخ خليفة بن خياط ص 411 حيث جاء عنده: «قالوا: وكاتب الخراج زاذان فروخ، فمات فولى الحجاج يزيد بن أبي مسلم» . [3] ديوان شعر الخوارج ص 209- 210.

ما بالنا نكره الموت؟ قال: لأنكم أخربتم آخرتكم، وعمرتم دنياكم، فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب. وقال أبو حازم لسليمان- وقال له لم لا تأتينا؟ -: إن الأمراء كانت تأتي العلماء رغبة فيما عندهم، فقد صار العلماء يأتون الأمراء فسقطوا من أعين الناس. فقال الزهري: إياي تعني يا أبا حازم- وذلك أنه كان عند سليمان- فقال: ما تعمدتك ولكنه ما تسمع. وقال سليمان: يا أبا حازم، أي الناس أكرم على الله؟ فقال: أهل المروءة والنهي، قال: فأيهم أكيس؟ قال: رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليها. قال: فكيف نحن يا ليت شعري؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله تعلم ذلك. فبعث سليمان إليه بصلة فلم يقبلها [1] .

_ [1] بهامش الأصل: ... ينبغي أن يكون في أخبار سليمان لا هاهنا. وجاء بهامش الملكية من هنا إلى الترجمة لا مناسبة له بهذا المحل، إنما ينبغي أن يكون في أخبار سليمان

أمر الوليد بن عبد الملك بن مروان

أمر الوليد بن عبد الملك بن مروان أم الوليد: ولادة بنت العباس بن جزي بْن الحارث بْن زُهَيْر بْن جذيمة بْن رواحة بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث بْن قطيعة بْن عبس بْن بغيض بْن رَيْث بْن غطفان بْن سَعْد بْن قيس، وأم ولادة سوداء. قال القعقاع بن خليد بن جزي للعباس: غششت أمير المؤمنين يا عدو الله حين زوجته ابنة السوداء. وكانت عند الوليد نفيسة بنت زيد بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب، وأمها لبابة بنت عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، فتوفيت وهي حامل فجعل ولدها يركض في بطنها. فهم الوليد بأن يبقر بطنها، حرصا على أن يكون له منها ولد يبقى بعده، فلم يفعل. وكانت عند الوليد: آمنة بنت سعيد بن العاص، ثم تزوجها خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد بن أبي العيص. وأم البنين بِنْت عَبْد العزيز بْن مروان، وأمها ليلى بنت سهيل بن عامر من بني جعفر بن كلاب. وأم عَبْد اللَّهِ بنت عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بن عثمان، وهي أم عبد الرحمن. وامرأة من بني فزارة وهي أم أبي عبيدة. وعاتكة بنت عبد الله بن مطيع.

قال المدائني: كان الوليد تزوج في خلافته ثلاثا وستين امرأة، فكان يطلق الثلاث والاثنتين والواحدة، فقالت عاتكة بنت عبد الله بن مطيع لما تزوجها: إنّا اشترطنا على الحمالين الرجعة فما رأيك؟ قال: أقيمي. فصبر عليها أربعة أشهر ثم طلقها، فولد الوليد بن عبد الملك: عبد العزيز، ومروان، وعنبسة، ومحمد، أمهم أم البنين بنت عبد العزيز، وأمها ليلى بنت سهيل بن حنظلة بن طفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب. وعبد الرحمن أمه أم عَبْد اللَّهِ بنت عَبْد اللَّهِ بْن عمرو بن عثمان بن عفان. والعباس وكان أكبرهم وبه كان يكنى الوليد. ويزيد، وإبراهيم، وروحا، وبشر، ومبشر، وصدقة، ومسرورا وعمر، ومسلمة، وخالدا، وتماما، وجزي، ويحيى، ومنصور لأمهات أولاد شتى. وأبا عبيدة أمه من ولد سيار الفزاري. وأبا بكر. قال المدائني: كان أبو عبيدة ضعيفا، وكان يقول الشعر، فأرسل إليه هشام بن عبد الملك: لئن بلغني أنك قلت بيتا لأزحمنك زحمة سوء، ويقال إنه قال لأحلقنّ جمّتك جمة السوء. وفيه يقول الشاعر: أبو عبيدة سراق الفراريج وكان أجمل ولد الوليد، فلما كانت أيام أبي العباس لجأ إلى أخواله من فزارة فأخذ فقتل. وأما إبراهيم بن الوليد فولي شهرا أو شهرين ثم خلع وسنذكر خبره إن شاء الله. وأما يزيد بن الوليد فإنه ولي أشهرًا ثم مات وسنذكر خبره أيضا.

قال المدائني: وأما يحيى بن الوليد فقتل حاجب بن حميضة الكلابي من ولد ملاعب الأسنة، وكان يشرب عنده فقال له: لم جلد الوليد أباك؟ فسكت، فأعاد عليه فقال له: في أمك، فأمر به فألقي من فوق البيت. فاستعدي بنو كلاب هشاما، فكتب هشام إلى عامل دمشق: أحلف خمسين رجلًا من بني الوليد بالله ما قتلوا ولا علموا قاتلًا، فلم يحلفوا وحملوا الدية. قال أبو الحسين: ولم يعقب تمام، وقال فيه الشاعر: بنو الوليد كرام في أرومتهم ... نالوا المكارم قدما غير تمّام وكان مسرور ناسكا، كتب إلى قتادة بن دعامة، فجعل قتادة يقول: كتب إليّ ابن أمير المؤمنين. وكانت عنده ابنة الحجاج. وكان بشر من فتيانهم، وكان روح من غلمانهم، وكان عمر بن الوليد من رجالهم، كتب إلى عمر بن عبد العزيز فأغلظ له، فكتب إليه عمر، فوضع ذلك منه، فقال الفرزدق يمدح عمر بن الوليد: إليك سمت يا بن الوليد ركابنا ... وركبانها كانوا أجد وأجهدا إلى عمر أقبلت معتمدا به ... فنعم مناخ الركب حين تعمدا فلم تجر إلا كنت في الخير سابقا ... ولا عدت إلا كنت في العود أحمدا [1] وقال الفرزدق: كفى عمر ما كان يخشى انعتاقه ... إذا نزلت بالدين إحدى البوائق يلين لأهل الدين من لين قبله ... لهم وغليظ قلبه للمنافق [2]

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 148 مع فوارق واضحة. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 41، وقال ذلك في مدح عمر بن هبيرة.

وكان لعمر بن الوليد ستون ابنا يركبون معه إذا ركب، وكان يقال له: فحل بني مروان. وقال المدائني: كان أبو بكر بن الوليد مائقا، قال يوما لرجل من كلب: ما أحسن الغرة التي في يد فرسك. وكان العباس بن الوليد فارسهم، وله يقول الفرزدق: إن أبا الحارث العباس نأمله ... مثل السماك الذي لا يخلف المطرا [1] وله يقول جرير بن عطية: إن الندى حالف العباس إن له ... بيت المكارم ينمي جده صعد يعطي الجزيل بلا من ولا نكد ... يكفي العيون إذا شؤبوبها وقدا إن العدو إذا راموا قناتكم ... لم يلق من رامها وصما ولا أودا [2] فولد العباس: المؤمل، والحارث، وأمهما ابنة قطري بن الفجاءة فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة قال: خل سبيلها وإلا رجمتك أو تزوجها. فتزوجها، وقد ذكرنا أمرها في خبر قطري. قال: وكان محمد بن الوليد سخيا يقول: إني لا أحب أن أسأل. وله عقب. وقال المدائني: كان لبني الوليد غاشية يأتونهم فيعطونهم. قالوا: وكان عبد العزيز سيد ولد الوليد بن عبد الملك، وأراد الوليد أن يبايع لعبد العزيز بعد سليمان، وزوجه أم أيوب بنت سليمان، وزوج بعض بني سليمان بعض بناته وقال له: اهد ابنتك إلى عبد العزيز في داري لتكون

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 341، وفيه «نائله» . [2] ديوان جرير ص 126 مع فوارق.

عندي، وحول بيتك إليّ لتضم إليهم بناتي استعطافا له، فأبى سليمان عليه إرادته. وقال الراجز: وهو من عذرة للوليد: يا ليتها قد خرجت من فمه ... إن ولي عهده ابن أمه ثم ابنه ولي عهد عمه ... قد رضي الناس به فسمه خليفة الله ولا تعمه ... أبرز لنا يمينه من كمه أصبح فيضا يستقى بجمه ... به استقام الأمر في أسطمه فرد عليه رجل من الأزد يقال له المثنى: عذريهم عض ببظر أمه ... إذ جعل الدّرص إلى خضمّه فلما ولي سليمان تلقاه عبد العزيز فقال: دفنت أم أيوب بنت سليمان ثم جئتني؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن المصيبة بها علي أعظم. قال: ونازعت الحارث ابن أمير المؤمنين الصلاة عليها؟ قال: لم يبلغ من سفهي هذا كله. وقال سليمان لعبد العزيز بن الوليد: والله لو كنت بايعت لك لقطعت يدك، فلم يزل عبد العزيز طامعا في الخلافة، فلما مات سليمان وهو بالشام عقد ألوية وشخص إلى طبرية ودعا إلى نفسه فقيل له: إن خالك قد استخلف، فحل ألويته ورجع، فقال له عمر حين بايعه: أيا عبد العزيز أردت أن تشق عصا المسلمين. وتضرب بعضهم ببعض، لقد كنت أربا بك عن هذا الرأي. فقال: يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي استنقذني بك، لولا مكانك ما ملكها عليّ أحد.

وكان يقال: لو وضع بنو الوليد في كفه ميزان وعبد العزيز في كفة لرجح بهم عبد العزيز، وكان سخيا وكان يقول لخاصته: والله لا يرمقني رجل ببصره ولا يبسط إليّ لسانه إلا أعطيته فامنعوني أو دعوا. وله يقول الشاعر: وأنت ابن ليلى الخير خير ظعينة ... وليلى عدي لم تلدك الزعانف وليلى عدي، أم عَبْد العزيز بْن مروان: ليلى بِنْت زبان بن الأصبغ، وليلى الأخرى: أم أم البنين. وقال المدائني: قال الجرمي عن أبيه: كنا مع عبد العزيز بن الوليد: وهو مريض، فخرج إلى منزل كان ينزله، ومعنا حجر بن عقيل الرياحي، فأنشده: فما أخرجتنا رغبة عن بلادنا ... ولكن ما قد قدر الله كائن لحين نفوس لم تجد متأخرا ... فلا تبعدن تلك النفوس الحوائن فقلت: قطع الله لسانك. فهلك عبد العزيز في وجهه ذلك في خلافة هِشَام بْن عَبْد الملك. وكان الوليد بن عبد الملك ضم إلى عبد العزيز أبا عبيدة محمد بن عمار بن ياسر، وكان لعبد العزيز بن الوليد من الولد، عتيق، وعبد الملك، أمهما من ولد أبي بكر الصديق، وكان له قدر. وكان لعبد الملك قدر وكان يكني أبا مروان. وقال الشاعر: إني رأيت بني أم البنين لهم ... مجد طويل وفي أعمارهم قصر مات الهمام أبو مروان فاختشعت ... كلب وأي بلاء يبتلى مضر

فقال الوليد ليزيد بن الحصين بن نمير السكوني: بايع لعبد العزيز، فقال: أما يميني فبايعت بها لسليمان وإن شئت بايعت لعبد العزيز بشمالي. قالوا: وكان الوليد بن عبد الملك يقول: إذا احتلم الصبي من ولدي فضموا إليه مؤدبا له صلاح وفضل وشرف، وضموا إليه عشرة يجالسونه ويكونون عيونا عليه يحولون بينه وبين من يجالسه من أهل الدناءة والسخف. وكان يقول: سيدنا عبد العزيز، وفتانا بشر، وعالمنا روح، وفارسنا العباس، وفحلنا عمر. وقال الوليد: من رأى مثل ولدي: عبد العزيز على دمشق، والعباس على حمص، وبشر على قنسرين، وعمر على الأردن. فقال له عباد بن زياد: كان عبيد الله بن زياد على العراق، وأخوه عثمان خليفته على أحد المصرين، وعباد على سجستان، وعبد الرحمن على خراسان. فسكت. قالوا: وكان بنو الوليد ثمانية عشر سراة، فكانوا يركبون، فإذا رجعوا مضوا مع أكبرهم إلى منزله، فإذا دخل انصرفوا مع الذي يليه إلى آخرهم. قالوا: وكان على شرط الوليد كعب بن حامد ثم عزله وولى أبا ناتل رياح بن عبدة الغساني، ثم عزله وأعاد كعبا. واستقضى سليمان بن حبيب المحاربي، وولى عمر بن عبد العزيز المدينة وأمره أن يبني مسجدها ويجعله مائتي ذراع في مائتي ذراع، وبعث من الفعلة من الشام، وكتب إلى ملك الروم يعلمه أنه قد أمر بهدم مسجد

رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسأله أن يعينه في بنائه، فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهبا وبمائة فاعل، وبأربعين حملًا فسافسا، فبنى عمر المسجد وبنى الوليد مسجد دمشق فقال لأصحابه: أقسمت عليكم لما أتاني كل واحد منكم بلبنة. فجعل رجل من أهل العراق يأتيه بلبنتين، فقال له: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق. فقال: يا أهل العراق تفرطون في كل شيء حتى في الطاعة. قالوا: وأعطى الوليد المجذمين، وقال: لا تسألوا الناس، وأعطى كل مقعد خادما، وكل ضرير قائدا. وكان الوليد صاحب بناء واتخاذ للمصانع، وكان عند أهل الشام أفضل خلفائهم، فلما ولي سليمان كان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يتلاقون في زمن الوليد فيسألون عن البناء والمصانع وما أشبه، ويسألون في زمن سليمان عن التزويج والجواري والطعام. وولي عمر بن العزيز فكان الناس يسألون عن الفقه والقرآن، فيقول هذا: متى ختمت، ويقول هذا: كم تصوم من الشهر. المدائني قال: كتب الوليد إلى بعض عمال أبيه: «أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر ما أختص الله به أمير المؤمنين من خلافته، وأنك بايعت من قبلك فحسنت إجابتهم وسارعوا إلى الطاعة، وأمير المؤمنين يحمد الله على ما أكرمه به واصطنع، ويسأله العون على ذلك، وذكرت أنك بعثت إلى أمير المؤمنين ببيعة من قبلك مع أبان بن سويد وهو في صالحي أهل بلاده، وقد قدم على أمير المؤمنين بكتابك، فأحسن صلته، والسلام. وكتب جناح مولى أمير المؤمنين» . وكان جناح على رسائله وهو مولاه.

المدائني قال: خطب الوليد يوم جمعة فأتت الصلاة فناداه رجل: الصلاة، وجلس فلم يعرف، فقال الوليد: أيها الناس والله ما نعاتبكم على العلانية وإنما نعاتبكم على أن تسروا لنا العداوة. وقال الوليد: أنا أنفق على الكعبة وأكسوها وأطيبها فعلام يأخذ بنو شيبة هداياها، لأمنعنهم إياها العام، فبلغهم ذلك فأرمضهم، وخرج الوليد حاجا فخرجوا يتلقونه فوجدوا الحجاج معه فقالوا له: أنت وإن كنت معزولا عنا، فأنت محمود عندنا ورحمنا وحرمتنا ما لا تنكر، وقد بلغنا كذا وفزعنا إليك، قال: إذا دخلتم على أمير المؤمنين فتحينوني عنده، ثم سلموا عليه خالي الوجه ودعوني أكفيكموه ففعلوا، فلما خرجوا قال الحجاج: علام تدع هؤلاء وهدايا الكعبة؟ قال: قد أجمعت على أخذها، قال، افعل فإني كنت أشرت بهذا على أمير المؤمنين عبد الملك فلم يفعل، فقال: أنا أبرأ إلى الله مما برئ منه أمير المؤمنين عبد الملك. وتركها لهم. المدائني قال: قام رجل من أهل حمص إلى الوليد فقال: يا أمير المؤمنين إني أتيت ذنبا فاستغفر لي غفر الله لك. فقال بعضهم: مقادي [1] يقوم أمير المؤمنين بنفسه. وقال المدائني: قدم ذبيان بن نعيم بن حصين العليمي من كلب على الوليد فقال: يا أمير المؤمنين: إني قد فرضت لنفسي فسلم ذلك لي. قال: وفي كم؟. قال: في ستين دينارا. قال: قد أجزناها لك، ثم بعثه إلى عبد

_ [1] أي حسب أمير المؤمنين أن يقوم بنفسه. وكلمة: / قد/ (مخففة) مرادفة ل: يكفي. أو ل: بحسب. القاموس.

العزيز بن الوليد، وهو على قنسرين وأوصاه به، فكان يأذن لرجلين من قيس يقال لهما راسب وسعيد قبله فغضب وكتب إلى الوليد فقال: أبلغ أمير المؤمنين ودونه ... فراسخ تطوي الطرف وهو حديد بأني لدى عبد العزيز مؤخر ... يقدم قبلي راسب وسعيد فكتب إلى عبد العزيز إن يقدمه. وقال هشام ابن الكلبي عن أبيه: إنما ضمه عبد الملك إلى عبد العزيز بن مروان فجفاه، فكتب إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك إلى عبد العزيز ببره وصلته وتقديمه. المدائني أن الوليد قال لعباد بن زياد: أين كان زياد من الحجاج؟ فقال: إن الحجاج لمقدام. قال: أين تدبيره من تدبيره قال: قدم زياد العراق على راحلته فضبطه بمداراة ورفق وحسن سياسة، وقدم الحجاج فكسر الخراج وأفسد قلوب الناس ولم يضبطهم بأهل الشام وأهل العراق، ولو رام منهم ما رام زياد لم يفجأك شيء دون قدومه عليك يوجف على قعوده. وقالوا: استعمل الوليد عبد العزيز على بعض الشام فأتاه رجل فقال: نصيحة. قال: إن كانت لك رددناها عليك، وأن كانت لنا فلا حاجة لنا فيها. قال: جار لي أخل بمركزه، قال: بئس الجار أنت نحن ناظرون فيما ذكرت فإن كنت صادقا مقتناك وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن أحببت أن نعفيك أعفيناك. قال: اعفني. قال: قد فعلت. وقال المدائني: كان عبد الملك استعمل أخاه محمدا على قنسرين والجزيرة وأرمينية وآذربيجان، فلما ظهر محمد على أرمينية وأذربيجان عزله

عبد الملك عن قنسرين فلما مات عبد الملك استعمل الوليد على عمل محمد: مسلمة بن عبد الملك، فأضر مسلمة بمحمد، فدخل محمد على الوليد ومعه ابنه مروان يتوكأ عليه، فقال: إن أخي عبد الملك كان يصلني ويشركني في سلطانه حتى ذهب لسبيله، وقد بلغت من السن ما ترى وأنا لك بمنزلة الوالد، فطأطأ الوليد ثم تمثل: إن تصبرا فالصبر خير مغبة ... وإن تجزعا فالأمر ما تريان فقام محمد وهو يتمثل: فإن جزعنا فمثل الشر أجزعنا ... وإن صبرنا فإنا معشر صبر ثم انصرف إلى الرها [1] ، فأقام بها حتى مات. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَ الْوَلِيدَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: [ «لا يَنْبَغِي لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُنَاشَدَ» ،] فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ شِهَابٍ، إِنْ كَانَ حَدَّثَ بِهَذَا، لَقَدْ أَعْظَمَ الدُّنْيَا. أَيُحَدِّثُ الْوَلِيدَ بِمِثْلِ هَذَا وَهُوَ يَعْرِفُ الْوَلِيدَ؟. وَيْحَهُ أَمَا سَمِعَ قَوْلَ أخي بني كعب حين قال: لا هم إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا ... حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا أَفَيُنَاشِدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يُنَاشِدُ الْخَلِيفَةَ؟. الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ أُسَيْلِمُ بْنُ الأَخْيَفِ لِلْوَلِيدِ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ: إِذَا ظَنَنْتَ ظَنًّا فَلا تُحَقِّقْهُ، وَإِذَا سَأَلْتَ الرِّجَالَ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا تَعْلَمُ، فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا سُرْعَةَ

_ [1] هي أورفا حاليا في تركيا.

فَهْمِكَ ظَنُّوا أَنَّكَ فِيمَا لا تَعْلَمُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، وَأَقِلَّ الْكَلامَ يَقِلَّ لَحْنُكَ. وَكَانَ الْوَلِيدُ لَحَّانًا. المدائني عن عامر بن عبد الأعلى قال: حدث الوليد أنه جمع بين هند بنت الحسن الإيادي، ويقال العمليقي وبين جمعة بنت عابس الإيادي، فقيل لجمعة: أي الرجال أحب إليك؟. قالت: «الغليظ الكبد، الظاهر الجلد، الشديد الجذب بالمسد» . ثم قيل لهند: أي الرجال أحب إليك؟ قالت: «القريب الأمد، الواسع البلد، الذي يوفد إليه ولا يفد» ، فقال الوليد: من هذا الرجل؟ فقال له هاشم بن عبد الأعلى الفزاري: أنت يا أمير المؤمنين. قالوا: وكتب الوليد بن عبد الملك- ويقال سليمان- إلى عثمان بن حيان المري، وهو عامله على المدينة يأمره أن يحصي المخنثين قبله، فصحف الكاتب فقرأ: اخص المخنثين فخصى عدة منهم فيهم الدلال، فقال: الآن تمّ لي الخنث. المدائني عن شراحيل بن علي قال: أمر الوليد وهو على المنبر بقراءة كتاب جاءه من الحجاج يذكر فيه طاعته ونصيحته ويقول: «إني أرجو بصدق نيتي وخلوصها لأمير المؤمنين شفاعته لي» . فقال أبو معتمر الحمصي: مقادي أمير المؤمنين ينجو بنفسه. قالوا: خرج الحجاج من العراق حاجا أو معتمرا، فمر بالمدينة وعليها عمر بن عبد العزيز فقال: كيف أميركم؟ فأثنوا عليه خيرا. فقال: كيف هيبتكم له مع ما تذكرون من حسن سيرته؟ قالوا: ما نقدر أن نملأ عيوننا منه إذا جالسناه. قال: فما عقوبته؟. قالوا: ما بين الخمس عشرة

ضربة إلى الثلاثين، فقال: أهذه الهيبة مع هذه العقوبة؟ قالوا: نعم. قال: الأمر إلى الله، لقد حذرت أمير المؤمنين إياه، وإن الوليد لأهل للنصيحة. فكتب الحجاج إلى الوليد: إن أهل المدينة قد اتخذوا عمر بن عبد العزيز كهفا، وقد تحبب إلى أهل المدينة، فما يتقدمه عندهم أحد. فعزل الوليد عمر عن المدينة، وولى عليها عثمان بن حيان المري. وأخبر عمر بن عبد العزيز بلحن الوليد فقال: إنه وإن لحن لأجد الجدين. وقرأ الوليد في الحاقة: (يَا لَيْتَهَا كانت القاضية) [1] ، فقال سليمان: وأنا والله وددتها، وكان سليمان يسمع الوليد يلحن في خطبته فيقول: الله المستعان. المدائني قال: مرض الوليد بن عبد الملك فرهقته غشية، فمكث عامة يومه عندهم ميتا، فبكى عليه وخرجت البرد بموته، فقدم رسول على الحجاج بمثل ذلك، فاسترجع ثم أمر بحبل فشد في يده ثم أوثق إلى أسطوانة وقال: اللهم لا تسلط علي من لا رحمة له. فطالما سألتك أن تميتني قبل أمير المؤمنين، فبينا هو كذلك إذا قدم عليه بريد بإقامته فخر ساجدا وأعتق كل مملوك له. ويقال إنه قال: اللهم إني لم أدعك في موطن أصابني فيه سوء إلا استجبت لي، وقد سألتك أن تقدم يومي قبل يوم الوليد، فلما جاءه البريد بعافيته خر ساجدا، وأعتق كل مملوك له، وتصدق بصدقة كثيرة.

_ [1] سورة الحاقة- الآية: 27.

قالوا: ولما أفاق الوليد قال: ما أحد أسر بعافية أمير المؤمنين من الحجاج، فورد كتابه بعد أيام بتهنية الوليد بالعافية، وبعث إليه بأنبجات [1] من أنبجات الهند. ثم لم يمت الحجاج حتى ثقل على الوليد، فقال خادم للوليد: إني لأوضئه يوما لصلاة الغداة إذ مد يده فجعلت أصب عليها الماء وهو ساه والماء يسيل ولا أقدر أن أتكلم، ثم نضح الماء في وجهي وقال: أناعس أنت؟ ثم رفع رأسه إليّ فقال: ويلك أتدري ما جاء الليلة؟ قلت: لا. قال: ويلك مات الحجاج. فاسترجعت فقال: اسكت فما يسر مولاك أن في يده تفاحة يشمها وأنه لم يمت. المدائني قال: قال الماجشون: لما مات الحجاج أتيت عمر بن عبد العزيز فأخبرته فقال: رغم أنفي لرب لم يقطع مدتي حتى أراني موت الحجاج، فأتى الوليد فأخبره فترحم عليه، ثم قال لعمر: أما لقد كان حسن القول فيك يا أبا حفص، وهل كان إلا منا أهل البيت. وحدثني الحرمازي عن أبي عمرو المديني قال: لما مات الحجاج والوليد بن عبد الملك جعل الإماء والصبيان بالمدينة يقولون: يا مهلك الاثنين أهلك ذاك الإنسان- يعنون عثمان بن حيّان-

_ [1] الانبج: ثمرة شجرة هندية، وهو معرب أنبة وزان رغبة، قال أبو حنيفة: شجر الأنبج كثير بأرض العرب من نواحي عمان، يغرس غرسا، ويعظم شجره حتى يكون كشجر الجوز، وورقة كورقه. تاج العروس.

وكان الوليد عزل عمر بن عبد العزيز وولاه المدينة، فلما عزل عثمان قالوا: يا مهلك الإثنين أهلك ذاك الإنسان، ومن ذاك الإنسان، عثمان بن حيان. الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ لِلْوَلِيدِ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنَ الْخِلافَةِ كفافا لا عليّ ولالي، فَقَالَ: كَذَبْتَ أَوْ قَالَ: كَذَبْتُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ: لا تُحَدِّثُونَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَإِنَّ حَدِيثَهُ طُعِنَ عَلَيْنَا. قال: وحج الوليد وحج محمد بن يوسف أخو الحجاج من اليمن، وحمل هدايا للوليد، فَقَالَتْ أم البنين بِنْت عَبْد الْعَزِيز امْرَأَة الوليد: اجعل لي هدية محمد بن يوسف، فأمر بصرفها إليها، فجاءت رسل أم البنين إلى محمد بن يوسف لقبض الهدايا فأبى وقال: لا أسلمها حتى يراها أمير المؤمنين، فغضبت ودخلت على الوليد فقالت: لا حاجة لي في هدايا محمد فإنه بلغني أنه أخذها من الناس ظلما وغصبا وسخّرهم لعملها. فلما حملها إلى الوليد قال له: بلغني أنك اغتصبتها الناس وكلفتهم عملها وظلمتهم. فقال: معاذ الله. فأحلفه خمسين يمينا بين الركن والمقام أنه ما ظلم أحدا ولا أصابها إلا من طيب فحلف، فقبلها الوليد، وبعث بها إلى أم البنين. ومات محمد بن يوسف باليمن، أصابه داء تقطع منه. قالوا: وقدم على الوليد أَبُو بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْمٍ في رجال من الأنصار، وكان له فضل ودين ورأي، وكان عظيم اللحية طويلها، فقال له الوليد: أما تعمل طول لحيتك فقد غمتني لك، اقبض قبضة ثم

أخرى، وأمر أن يجز منها بعد قبضتين. ففعل وكأنه لم يجز شيئا، فاغتمت الأنصار لذلك، وبلغ الوليد اغتمامهم فاعتذر إليهم وقال: ما فعلت هذا استخفافا، وأجازه ووصله. وكان قد أهدى إلى الوليد رطبا كثيرا، يقال إنه بأربعين ألف درهم، فقبله ثم رده عليه وقال: إن في لحيتك له موضعا فاقسم منه ما شئت في أصحابك. قالوا: وأتى الوليد رجل من بني مخزوم يسأله في دية، فقال: نعم إن كنت مستحقًا لذلك. قال: يا أمير المؤمنين وكيف لا أكون مستحقا لذلك مع قرابتي؟. قال: أقرأت القرآن؟. قال: لا. قال: ادن، فدنا منه فنزع عمامته بقضيب كان في يده وقرعه بالقضيب قرعات ثم قال لرجل: ضم إليك هذا فلا يفارقك حتى يقرأ القرآن. ثم قام إليه بعض ولد خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد فقال: يا أمير المؤمنين إن علي دينا، فقال: أقرأت القرآن؟ قال: نعم. فاستقرأه عشر آيات من الأنفال، وعشرا من براءة، فقال: نعم نقضي دينكم، ونصل أرحامكم على هذا. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ قَالَ: مر الوليد يوما بكتاب فيه وصيفة فقال للمعلم: ما هذه؟ قال: أعلمها الكتاب والقرآن. قال: ويحك، ليكن الذي يعلمها من الغلمان أصغر سنا منها. المدائني قال: كان الوليد يمر بالبقال فيقف عليه فيتناول حزمة من البقل فيقول: بكم هذه؟ فيقال: بفلسين. فيقول: زد فيها فإنك تربح.

قال المدائني: أتى رجل الوليد فقال: يا أمير المؤمنين إنك تعيش أربعين سنة خليفة، فقال الوليد: إن أمير المؤمنين لا يرضى بضعف ذلك. المدائني عن عقبة بن رؤبة قال: قال رؤبة: أوفد إبراهيم بن عربي وفدا من اليمامة أنا وأبي وجرير فيهم إلى الوليد، فلما كنا بحوارين قال أبي: يا بني إنا قد أتينا هذا الرجل وقد ولدته كريمة من كرائم العرب ولم تذكرها بشيء، فقلت: إلى ابن مروان قريع الإنس ... وبنت عباس قريع عبس [1] وقلت أبياتا. فضرب خيشوم راحلتي وقال: أنا أحق بها منك. قال فدعي بنا قبل جرير، ثم خرجنا ومالنا عند جرير ذنب فقال: أما والله يا بني أم العجاج لئن وضعت كلكلي عليكما لأطحننكما طحنا لا يغني معه مقطعاتكما هذه شيئا. ويقال إن هذه الوفادة كانت إلى عبد الملك. المدائني قال: كان عند الوليد رجل من أخواله بني عبس فجعل يقع في بني أسد، فثقل ذلك على الوليد، فقال الوليد لحاجبه: ابغني رجلًا من بني أسد ظريفا يكفيني هذا العبسي فأتاه برجل منهم شاعر، وأخبره بأمر العبسي والذي يريده، فقال العبسي: ممن الرجل؟ قال: من بني أسد، فانبرى العبسي يقع في بني أسد، ثم قال: من أيهم أنت؟ قال: من بني الصيداء، قال: أتعرفون قول الشاعر: إذا ما اللؤم حل بدار قوم ... هداه إلى بني الصّيداء غاد

_ [1] ديوان العجاج- ط. بيروت، مكتبة دار الشرق ص 481 مع فوارق.

فقال الأسدي: ممن أنت؟ قال: من بني رواحة من عبس، فقال الأسدي: ما أدري ما قال الشاعر ولكني أقول: فإن اللؤم لم يضلل ولكن ... أذاعته رواحة في البلاد إذا عبسية ولدت غلاما ... فبشرها بلؤم مستعاد حدثنا أبو عدنان البصري عن الهيثم بن عدي أن الوليد قال لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: أزوجت الحجاج ابنتك؟ قال: أبوك زوجها، لم يقض ديني فزوجتها، وتمثل: من يك نائبا ويكن أخوه ... أبا الضحاك ينتشج الشمالا فكتب الوليد إلى الحجاج يأمره بطلاقها، فقال لها الحجاج: إن أمير المؤمنين قد كتب إليّ يأمرني بطلاقك، فقالت: هو والله أبر بي ممن زوجنيك، فطلقها الحجاج فكان يجري عليها في كل شهر ألفي درهم، وبعث إليها بأحمال كسى وعطر. وقال المدائني وغيره: إن الوليد خطب يوما وتحت سريره أعرابي فسمعه يقول: «إن علي بن أبو طالب كان لصا من لصوص صب عليه شؤبوب [1] » . فقال الأعرابي: ما يقول صاحبكم هذا؟ وقال الحرمازي: قال الوليد: «إن الزبير كان لص من لصوص، وكان علي بن أبو طالب حمار من حمر» فقال أعرابي: ما يقول؟ فقال له صاحبه: يذكر أضغانا كانت بينه وبينهم.

_ [1] الشؤبوب: الدفعة من المطر، وحد كل شيء وشدة دفعه. القاموس.

أَبُو الْحَسَن المدائني عن عَبْد اللَّهِ بْن عبد الملك، مولى قريش، قال: أجرى الوليد يوما الخيل فقال: رد الفرسان الصادان عن الميدان، فقال عباد بن زياد: الفرسين الصادين. قال: وقال رجل لعبد الملك: أفسدت لسان الوليد فقال: ما ذاك إلا من حبي له، أشفقت عليه فلم أسترضع له في البادية. وقال الوليد لسالم بن عبد الله بن عمر: ما أدمك؟ قال: الخل والزيت. قال: أفما تأجمهما [1] ؟ قال: بلى ولكني إذا أجمتهما تركتهما وأكلت خبزا قفارا حتى أشتهيهما. وقال المدائني: أغزى الوليد جيشا في الشتاء فسلموا وغنموا فقال لعباد بن زياد: كيف ترى؟ وكأنه عرض بقول زياد: جنبوني عدوين لا يقاتلان. الشتاء وبطون الأودية. فقال: يا أمير المؤمنين قد سلموا وأخطأت، وما كل عورة تصاب. وقال المدائني: ركب الوليد فحدا به الحادي وهو من عذرة يا أيها البكر لقد أراكا ... تحل سهل الأرض في ممشاكا ويحك هل تعلم من علاكا ... خليفة الله الذي امتطاكا فقدم الوليد مكة وطاف بالبيت ثم استند إلى حائط يلي زمزم، والفضل بن العباس بن أبي لهب يستقي من زمزم ويقول: أيها السائل عَنْ عليِّ ... تسأل عَنْ بدرٍ لنا بدري مردد في المجد أبطحي ... زمزمُ يَا بوركت من طوي بوركت للساقي وللمسقي ... اسقي على مأثرة النّبيّ

_ [1] أجم الطعام وغيره: كرهه مله. القاموس.

ثم أتي الوليد بماء فشربه ومسح منه على وجهه. حدثنا محمد بن الأعرابي قال: قال الأخطل للوليد بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين أصلح بين ابني نزار، فقال بيهس بن صهيب الجرمي: لا أصلح الله بينهم. فقال الأخطل: والله ما أدري ما تكره من ذاك؟ فقال: بهيس: وأنا والله ما ادري ما ينفعك من ذاك. وقال كعب بن جعيل يمدح الوليد: أرجو الخليفة إذ رحلت أريده ... والنفس تبلغ بالرحيل مناها وإذا علقت عن الوليد بذمة ... سكنت إلي جوانحي وحشاها أنت الإمام ابن الإمام لأمة ... أضحى بكفك فقرها وغناها وقال رجل من غطفان في الوليد يمدحه: إني وإن قال أقوام تكلفني ... نفسي لأذكر منه فوق ما ذكروا قالوا الفرات وما أرضى به شبها ... ولن يوازي جاري سيبه البحر في أبيات، فلم يعطه شيئا فقال: أتيت الوليد فألفيته ... كما قد علمت غبيّا بخيلا بطيء العطاء عسير القضاء ... لا يفعل الخير إلا قليلا وقال أيضا: أتيت الوليد فألفيته ... كما يعلم الناس وخما وبيلا فليت لنا خالدا بالوليد ... وعبد العزيز بيحيى بديلًا يعني خالد بن يزيد بن معاوية، وعبد العزيز بن مروان، ويحيى بن الحكم. وقال أبو قطيفة للوليد:

ألا ابلغ أمير المؤمنين رسالة ... فغير التي تأتي من الأمر أصوب أفي الله أن ندنى إذا ما فزعتم ... ونقصى إذا ما تأمنون ونحجب ويجعل دوني من تود لو أنكم ... ضرام بكفي قابس يتضرم فها أنتم داويتم الكلم ظاهرا ... فمن لقروح في الصدور تخرب ومدحه الأخطل بشعر يقول فيه: لقد ولدت جذيمة من قريش ... فتاها حين تحزبها الأمور وأسرعها إلى الأعداء سيرا ... إذا ما استبطئ الفرس الجرور [1] وقال خالد بن خيار: وعند الوليد إن أردنا عطاءه ... نوال كثير دونه الباب يقفل إذا ما رجونا أن يجود سحابه ... بخير أبت كف تضن وتبخل المدائني أن أخا الأحوص شهر على أخيه السيف بالمدينة، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد، فكتب إليه الوليد أن اقطع يده. فقطع عمر يده فتعلق على عمر بذلك. قال وكتب الوليد إلى عمر أن اضرب خبيبا لأنه كان يقول ملك بني مروان زائل عن قريب، وكانت عنده أحاديث، فضربه عمر لذلك فمرض وبرئ، ثم مرض فمات، فظن أنه مات من ضربه، فأعتق ثلاثين رقبة. ويقال إنه ضربه أربعين سوطا، وصب عليه جرة ماء، فمات فأعتق ثلاثين رقبة. قال: وقال بعضهم: لما قتل عبد الله بن الزبير بايع عبد الله بن خازم السلمي صاحب خراسان لخبيب بن عبد الله بن الزبير، فكان ذلك في نفس

_ [1] ديوان الأخطل ص 183.

عبد الملك والوليد، فلما ولي الوليد أراد فضيحة خبيب، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بضرب خبيب فضربه. قال المدائني: وهذا غلط لأن ابن خازم قتل قبل مقتل ابن الزبير. المدائني قال: أدخل بعض الخوارج على الوليد بن عبد الملك فكلمه فشتمه الخارجي وشتم أباه، فقال الوليد لعمر بن عبد العزيز: ما ترى؟ قال: أظنه مغلوبا على عقله فإن فعلت بما يشبهك ويشبه من أنت منه خليته. فقال الوليد لعمر: حروري والله. قال عمر: مجنون والله. فاخترط خالد بن الريان سيفه وهو يرى أن الوليد يأمره بقتل عمر، فقام الوليد مغضبا فدخل على أم البنين أخت عمر فقال: ألا ترين إلى ما قال لي أخوك الحروري الأحمق، قالت: أنت أولى بما قلت له، ما أسقط عمر سقطة مذ كان غلامًا. وقال لعبد العزيز ابنها: اخرج إلى خالد بن الريان فاصرفه. وقال عمر لخالد: أكنت قاتلي لو أمرك الوليد؟ قال: أي والله. قال: إنك لجرىء على طاعة المخلوق في معصية الخالق. وأرسلت أم البنين إلى خالد أن اخرج من العسكر، فخرج فكان مع سليمان في عسكره. المدائني قال: خطب الوليد يوم جمعة وكان لحانا فقال أعرابي: لقد خلط بين وبر وصوف- أي أخطأ وأصاب-. وقال الكلبي: كان الوليد وسليمان وليي عهد عبد الملك، فأراد الوليد حين ولي أن يبايع لابنه عبد العزيز ويخلع سليمان، فأبى سليمان،

فأراده على أن يجعله بعده، فأبى سليمان أيضا، فبذل له الوليد أموالًا عظيمة كثيرة على أن يفعل ذلك. وكتب الوليد إلى عماله أن يبايعوا لعبد العزيز، ودعا الناس إلى ذلك فلم يجيبوا إلا الحجاج وقتيبة بن مسلم، وخواص من أصحابه، فقال له عباد بن زياد: إن الناس لا يجيبونك إلى هذا ولو أجابوك لم تأمنهم على الغدر بابنك، فاكتب إلى سليمان فمره بالقدوم عليك فإن لك عليه طاعة فإذا قدم فأرده على البيعة لعبد العزيز من بعده، فإنه لن يقدم على الامتناع عليك وهو عندك، فإن أبى كان الناس عليه. فكتب الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم عليه، فأبطأ وتثاقل، فعزم الوليد على المسير إليه وخلعه فأمر الناس بالتأهب، وأمر بحجره فأخرجت، ومرض الوليد فمات قبل أن يسير. وقال الوليد ليزيد بن حصين بن نمير السكوني: بايع لعبد العزيز، فقال: أما يميني فقد بايعت لسليمان، فإن شئت بايعت لعبد العزيز بشمالي. وقال جرير بن عطية للوليد: إذا قيل من أهل الخلافة بعده ... أشارت إلى عبد العزيز الأصابع [1] فوصله عبد العزيز وأمه، فلما قام سليمان خافه فأتاه ممتدحا لأيوب فعفا عنه سليمان وقال كثير: جمعت هوانا يا بن بيضاء حرة ... رجا ملكه لما استهل القوابل [2]

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] ليس في ديوانه المطبوع.

المدائني عن أبي اليقظان عن هشام بن حسان قال: أرسل الوليد إلى رجل من أهل الشام كان ذا فضل وعقل فقال له: ما عطاؤك؟ قال: كذا. فأضعفه له وأمر أن يلحق عياله بشرف العطاء، وقضى دينه ثم قال له: إن أمير المؤمنين قد أحب أن يضمك إلى ولده ليأخذوا بهديك وينتفعوا بأدبك، فامتنع عليه وقال: لست أفرغ لهم. قال: فيصيرون إليك في الجمعة يوما. قال: لا يمكني. فأسقط رزقه فلقيه رجل من أصحاب الوليد فقال: يا عبد الله ما دعاك إلى الامتناع مما سألك أمير المؤمنين؟ فقال ونظر إلى دابة ميته: والله لأن آتي هذه الجيفة غدوة وعشية فأتمعك عليها أحب إلي من أن أجيبه إلى ما سأل. قال: وكم يكفيك في كل شهر؟ قال: خمسون درهما. قال: فهي لك ما بقيت. قال المدائني: وقال في الوليد أبو عدي عَبْد اللَّهِ بْن عدي بْن حارثة بْن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد شمس: عبد شمس أبوك وَهُوَ أبونا ... لا نناديك من مكان بعيد والقرابات بيننا واشجات ... محكمات القوى بعقد شديد فأنبني ثواب مثلك مثلي ... تلقني للثواب غير جحود حدثني الحرمازي عن أبي زبالة وغيره قال: كانت أم البنين بِنْت عَبْد العزيز بْن مروان أخت عمر بن عبد العزيز عند الوليد، وكان معجبا بها محبا لها، وكانت امرأة برزة عفيفة تحب الشعر فبعثت إلى كثير أن صفني وامدحني فكره ذلك، فقالت له: قل الشعر في غاضر جاريتي فذلك حين يقول: أغاضر لو ترين غداة بنتم ... جنود العائدات على وسادي

قصة وضاح اليمن مع أم البنين بنت عبد العزيز زوج الوليد بن عبد الملك.

قصة وضاح اليمن مع أم البنين بنت عبد العزيز زوج الوليد بن عبد الملك. أو أم البنين بنت المخترم، والأول أصح. وحجت مع الوليد فرأت وضاح اليمن الشاعر، أحد الأبناء، وهو ينشد، فأعجبها فأرسلت إليه أن اصحبنا، وأمرته فقال فيها شعرا، فبعثت إليه بكسوة وجائزة، فلما صارت إلى الشام وهو معهم جعلت ترسل إليه فيدخل عليها سرا وهي من وراء الستر فينشدها ويحادثها. وبلغ ذلك الوليد فغمه فأمر خادما أن يدخل عليها فإن وجد وضاحا عندها قتله، فلما أحست أم البنين بالخادم أدخلت وضاحا صندوقا وأقفلته، فأخذ الخادم الصندوق وحفر حفرة ثم دفن الصندوق فيها. وحدثني الأثرم عن أبي عبيدة عن ابن جعدبة قال: كان وضاح من أبناء اليمن وكان جميلًا وهو الذي يقول: مالك وضاح دائم الغزل ... ألست تخشى تقارب الأجل وكانت أم البنين بنت المخترم امرأة جميلة فعشقها وأحبته وكان زوجها من حمير فسمعها تقول: يا وجه وضاح لقد ... أورثت قلبي حزنا وكان وضاح لنفسي ... ويح قلبي شجنا فطلقها. ولها يقول وضاح: وأنت التي كلفتني البرد شاتيا ... وأوردتنيه فانظري أي مورد وحجت أم البنين، فبلغ الوليد أمرها وهو حاج، فبعث فتزوجها وحملها فاتبعها وضاح.

قال أبو عبيدة: وحدثني جماعة من أهل العلم أن التي قتل وضاح بسببها أم البنين بِنْت عَبْد العزيز بْن مروان. قال: وقال ابن ذئب: أم البنين بنت المخترم امرأة كانت للوليد بن عبد الملك، تزوجها من أهل البادية، وكان وضاح اليمن قدم على الوليد قدوم الشعراء فعلقته أم البنين، وبلغ الوليد أمره ففعل به خادمه ما فعل بأمره. والأول أثبت. ووضاح الذي يقول: مالك وضاح دائم الغزل ... ألست تخشى تقارب الأجل وحدثني الحرمازي قال: أم البنين التي قتل الوضاح بسببها ابنة عبد العزيز بن مروان وابنة المخترم غيرها، وهي التي قال فيها عمر بن أبي ربيعة: فلو كنت إذ عبتني في الجمال ... كأم البنين ابنة المخترم [1] المدائني قال: حج الوليد فنظر إلى عمر بن أبي ربيعة فقال له: من أنت؟ قال: عمر بن أبي ربيعة قال: الشاعر؟ قال: مثلي يا أمير المؤمنين لا ينسب إلى الشعر وإنما إلى بيته وآبائه. قال: فأنشدنا فأنشده، فبره. المدائني قال: ناضل الوليد نوفل بن عبد الله فنضله نوفل، فقال الوليد: رمية من غير رام، قال: إنها من رام أكثر. قال: وقدم الوليد بن عبد الملك بيت المقدس فنزل على قوم من غسان فذبحوا له الغنم، والبقر، والدجاج، والفراخ، والأوز، والحجل،

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

ونحروا الجزور، فجعلوا يلقون في قدور لهم عظام من كل ما ذبحوا ونحروا ويخلطون ذلك- فسمي ذلك الطبخ: الغسانية مذ ذاك. وقوم يقولون أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لما قدم الشام أتي بطعام فجعل يخلط بعض الألوان ببعض فسمي ما خلط الغسانية. والأول أثبت. المدائني عن علي بن سليم قال: كانت ابنة سعيد بن العاص عند الوليد، فمات عبد الملك فلم تبك عليه، فقال لها: ما منعك من البكاء على أمير المؤمنين؟ فقالت: ما أقول له إلا أن أدعو الله أن يحييه ويزيد في سلطانه حتى يقتل أخا لي آخر؟ فقال: أي والله لقد قتلناه وكسرنا ثناياه. قالت: قد علمت من شقت استه، فقال: الحقي بأهلك. قالت: ألذ من الرفاء والبنين. قالوا: وقال الوليد لبديح غلام عبد الله بن جعفر: يا بديح خذ بنا في التمني فو الله لأغلبنك، قال: ستعلم. فقال الوليد: ابدأ أنت فتمنى فإني سأتمنى ضعف ما تتمنى. فقال بديح: فإني أتمنى سبعين كفلًا من العذاب، وأن يلعنني الله لعنًا كثيرًا، فقال: غلبتني قبحك الله. قالوا: ودخل على الوليد رجل من العرب يشكو ختنه فقال: إن ختني أخذ مالي وظلمني، قال: ومن ختنك فظن أن يسأله عمن أعذره، فلم يجبه. فقال عمر بن عبد العزيز: من ختنك؟ قال: فلان بن فلان. وقال الوليد لرجل دنا منه: قبلك قبلك، يريد: مكانك. حدثني هشام بن عمار الدمشقي عن مدرك بن حجوة أن قومًا دخلوا على الوليد وعنده أخوه مسلمة فشكوا أمرًا من أمرهم، فلم يبينوا

ولا أحسنوا العبارة عما في أنفسهم، فتكلم رجل منهم فأفصح وأوضح وعبر عن نفسه وعن القوم، فقال مسلمة: ما شبهت كلام هذا الرجل في إثر كلام القوم إلا بسحابة لبدت عجاجا. قالوا: ومرض الوليد فذكر له موسى بن نصير طبيبا قدم به من المغرب روميا فأدخله إليه، وعنده ابن رأس البغل، ويقال ابن رأس الحمار، وكان يعالجه، وكان طبيب عبد العزيز بن مروان، وكان من أهل الإسكندرية، فتراطنا بالرومية فقال أحدهما لصاحبه: ما داؤه؟ قال: السل. قال: صدقت. ودعا له صاحب موسى بفرخ فطبخ وألقي على مرقه دواء وحساه منه جرعا فلم يلبث في جوفه وقاءه، فقال: لا أرى هذا وافقك وعندي ما هو أسهل منه وأنا آتيك به في غد، فخرج من عنده وقال: والله لا يصبح حيا، فمات في السحر. وتوفي الوليد ويكني أبا العباس في سنة ست وتسعين وهو ابن تسع وأربعين، وملك تسع سنين، ودفن خارج الباب الصغير بدمشق، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، فرثاه جرير فقال: إن الخليفة قد وارت شمائله ... غبراء ملحدة في حالها زور أضحى بنوه وقد جلت مصيبتهم ... مثل النجوم هوى من بينها القمر كانوا جميعا فلم يدفع منيته ... عبد العزيز ولا روح ولا عمر [1]

_ [1] ديوان جرير ص 229 مع فوارق.

وقال المدائني: لما قدم ابن حيان المدينة واليا دخل دار مروان فقال: هذه المحلال المظعان، ثم قال: مجرب قد حلبت الدهر أشطره ... مجرس [1] سد رأي منه تعليم فقيل له: إن الوليد ثقيل فقال: إن كان أمير المؤمنين ثقيلًا، فإن سليمان لأخوه لأبيه وأمه وولي عهده، ولقد هد ما ذكرتم ركني. وقال هشام ابن الكلبي: ولي الوليد بن عبد الملك في شوال لعشر خلون منه سنة ست وثمانين وولي تسع سنين وتسعة أشهر، وتوفي يوم السبت لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين، وهو ابن ثلاث وأربعين سنة. المدائني قال: كان القعقاع بن خليد عند الوليد بن عبد الملك، وعنده ابن رأس الجالوت، فقال الوليد: إنكم تزعمون أن في ولد داود علامة يعرفون بها فما هي؟ قال: تنال يد أحدنا ركبته وهو قائم، فقال القعقاع: فيدي تنال ركبتي. فقال الوليد: فافعل، فذهب يفعل فضرط فعيّر بذلك شيبة بن الوليد بن القعقاع فقال الشاعر: يا شيب هل لك في ألف مدرهمة ... بضرطة ليس في إرسالها حرج كذاك شيخك إذ هوى بركبته ... فحاز فقحته من ضعفها الشّرج

_ [1] التجريس: التحكيم والتجربة. القاموس.

الخوارج في أيام الوليد بن عبد الملك بن مروان

الخوارج في أيام الوليد بن عبد الملك بن مروان أمر زياد الأعسم: قال أبو الحسن المدائني عن أصحابه: كان زياد الأعسم من بني عصر بن عوف بن عمر بن عبد القيس من أنفسهم، ويقال كان مولى لهم يرى رأي الأزارقة، وكان يبيع بسوق الزيادي، فلما قدم داود بن النعمان البصرة للتجهز قال لأصحابه: أريد أن أشتري غلالة تكون تحت درعي أجعلها كفنا، فأتى سوق الزيادي فقال: من عنده غلالة رقيقة؟ فقال له زياد الأعسم وهو لا يعرفه، وظن أنه بعض فتيان أهل البصرة، وكان داود جميلًا: يا فتى عندي غلالة فإن شئت أن أبيعك إياها أرق من دينك فعلت. فلم يكلمه داود ومضى، فقال رجل لزياد: أتعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا داود فاتبعه زياد فاعتذر إليه وواعده مكانا يلقاه فيه، فاتعدا قصر أوس [1] ، فالتقيا من غد فكلمه داود فأجاب داود ورجع عن رأيه، وأتى

_ [1] قصر أوس بالبصرة، ينسب إلى أوس بن ثعلبة، وكان سيد قومه، وكان قد ولي خراسان في الأيام الأموية. معجم البلدان.

المسجد الذي كان يصلي فيه بالأزارقة من أصحابه فأخذوه، ويقال إنه كان أباضيا. وخرج الأعسم في جماعة، فيقال إن ابن رباط خرج إليهم فقتلهم، وقال زياد الأعسم حين خرج: تعاتبني عرسي على أن أطيعها ... وقبل سليمى ما عصيت الغوانيا فكفي سليمى واتركي اللوم إنني ... أرى فتنة صماء تبدي المخازيا وكيف قعودي والشراة كما أرى ... عزين [1] يلاقون البلايا الدّواهيا في قصيدة.

_ [1] العزين: الحلقة المتجمعة من الناس، وأصلها عزوة فحذفت الواو، وجمعت جمع السلامة على غير قياس. النهاية لابن الأثير.

خبر الهيصم بن جابر

خبر الهيصم بن جابر وهو أبو بيهس أحد بني سعد بْن ضبيعة بْن قيس بْن ثعلبة. وقَالَ أبو الحسن علي بن محمد عن أصحابه: طلب الحجاج أبا بيهس الهيصم بن جابر فهرب إلى المدينة، فطول شعره، ولعب بالحمام واختضب، فلم يعرفه بها أحد. وطلبه الحجاج وسأل عنه فأعياه وجوده، وبلغ الوليد بن عبد الملك أنه بالمدينة فكتب إلى عثمان بن حيان المري فيه ووصف له صفته وحلاوة، فقرأ عثمان الكتاب على الناس والهيصم جالس فنظر إليه رجل إلى جنبه فقال: إنك لصاحب الصفة وما أنا بمخليك. قال: إنك إن فعلت أثمت، واقترفت ذنبا عظيما، فأخذه وأتى به عثمان فأقر أنه الهيصم فأعجبه ما رأى منه فحبسه، وكتب إلى الوليد بأخذه إياه. وكان عثمان بن حيان يرسل إليه في كل ليلة فيسامره ويحدثه، وكان معجبا به، فأتاه كتاب الوليد أن اقطع يديه ورجليه واقتله، فقال له عثمان: اعهد عهدك فقد كتب أمير المؤمنين يأمر بقتلك. فقال: أجميعا أم

متفرقا؟. قال: متفرقا. قَالَ: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال له عثمان: هل لك من حاجة؟ فأوصى ببنية له بالمدينة أن ترد إلى أهله. وأنفذ فيه أمر الوليد، فمر به رجل حين قطعوا يديه ورجليه فشتمه، فقال له أبو بيهس: إن كنت عربيا فإنك من هذيل، فإنهم أسوأ قوم أخلاقا، وإن كنت من العجم فإنك بربري. ومر به عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان فقال: اصبر أبا بيهس، فقال: أما إن أمرت بالصبر إنك لجميل المزداة [1] عظيم، حسن القدم في الإسلام. وقتله عثمان بن حيان، فقال عويف القوافي أو غيره: إن ابن حيان شفى الصدورا ... أصبح في يثرب مستنيرا قد أدرك الله به الثؤورا [2] ... أتبع رأس هيصم مثجورا [3] لصين كانا عليا فجورا وقال الهيثم: هرب نبراس بن مالك العنزي من الحجاج، وقد طلبه فبينا الحجاج يخطب إذ مثل بين يديه فأنشد شعرًا له يظهر فيه التوبة، فقال له الحجاج: الزم بابي ودع الطعن على الولاة، فكان يضرب أعناق الخوارج بين يدي الحجاج.

_ [1] أزدى: صنع معروفا. القاموس. [2] جمع ثأر. القاموس. [3] الثجرة: الوهدة من الأرض، ومجتمع أعلى الحشا أو وسطه، وما حول الثغرة، وثجر الثمر: خلطه بثجير البسر: أي ثفله. القاموس.

أمر سليمان بن عبد الملك

بسم الله الرحمن الرحيم أمر سليمان بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك وأمه وأم الوليد ولّادة بنت العباس بن جزي، ويكنى أبا أيوب، وكان فصيحا، نشأ في أخواله بني عبس، وكان أبيض جعدا، ولي سنة ست وتسعين، وكان جميل المذهب، حسن السيرة، أخرج المحبسين، ورد المسيرين، وأنصف من المظالم. وكان الوليد أخوه ولاه فلسطين، فأحدث مدينة الرملة وبنى مسجدها، وأتاه نعي الوليد، وكان ولي العهد بعده فخرج من فلسطين إلى دمشق، فكانت ولايته سنتين وثمانية أشهر، ومات بدابق [1] ، ودفن بها، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، وذلك في سنة تسع وتسعين، وكان يوم مات ابن خمس وأربعين سنة. فولد سليمان بن عبد الملك: أيوب وأمه أم أبان بنت خالد بن الحكم بن أبي العاص، وأمها أم عُثْمَان بنت خَالِد بْن عقبة بْن أبي معيط.

_ [1] دابق قرية في هضبة حلب، منطقة عزاز، فيها تل أثري في شمال القرية، أقيم عليه ضريح سليمان بن عبد الملك. المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري.

ويحيى، وعبد الله، أمهما عائشة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان. ويزيد، والقاسم، وسعيدا، أمهم أم يزيد بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة. وعبد الواحد، وعبد العزيز، أمهما أم عمرو بنت عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد. وداود، ومحمدا، وعمر، وعمرا، وعبد الرحمن، لأمهات أولاد شتى، والحارث لأم ولد. وأم أيوب كانت عند عبد العزيز بن الوليد فهلكت، فجاء عبد العزيز إلى سليمان أبيها، فقال له سليمان: أدفنت أم أيوب ثم تأتيني؟. فقال: يا أمير المؤمنين أنا بها أعظم مصيبة منك. قال: وبلغني أنك نازعت الحارث ابن أمير المؤمنين في الصلاة عليها، فقال: ما بلغ بي الجهل أن أفعل ذلك. فأما أيوب بن سليمان، فكان من فتيان قريش عفافا وأدبا، وكان أبوه قد بايع له بالعهد، وكان مؤدبه وحاضنه عبد الله بن عبد الأعلى الشاعر، وقال فيه جرير: إن الإمام الذي ترجى فواضله ... بعد الإمام ولي العهد أيوب [1] وهلك في حياة أبيه. وقال الفلتان أخو بني عبد الله بن دارم: من يك جارا لقوم لا وفاء لهم ... فإن جاري ولي العهد أيوب ورثاه عبد الله بن عبد الأعلى بقصيدة يقول فيها:

_ [1] ديوان جرير ص 34 مع فوارق.

ولقد عجبت لذي الشماتة إن أري ... جزعي ومن يذق الفجيعة يجزع فاشمت فقد قرع الحوادث مروتي ... واجذل بمروتك التي لم تقرع إن تبق تفجع بالأحبة كلهم ... أو تردك الأحداث إن لم تفجع من لا تخرمه المنية لا يرى ... منها على خوف لها وتوقع قد بان أيوب الذي لفراقه ... سر العدو غضاضتي وتخشعي أيوب كنت تجود عند سؤالهم ... وتظل منخدعا وإن لم تخدع ولا عقب لأيوب. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، أَبُو الْوَلِيدِ، عن مسلم بن أبي سليم الحمصي قال: خرج سليمان إلى دابق ليغزي الناس، فأغزاهم وعليهم ابنه أيوب بن سليمان، ومعه مسلمة بن عبد الملك. وكان أيوب ولي عهده، فلما احتضر سليمان قال: إن ابني أيوب بإزاء عدو ولا أدري ما يحدث به فإن أهمل الأمر إلى قدومه ضاع وانتشر ولم تؤمن الفتنة على الناس في جميع الأقطار، ولعل الحدثان أن يكون قد غاله، على أني وليته العهد وأنا أظن أن عمري يطول. وهو حدث. فولى عمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك من بعده، وأيوب إن كان بعد يزيد، وكره أن يخرجها من ولد عبد الملك فيختلفوا ويحدثوا أحداثا تدعو إلى الفتنة. وصوب رجاء بن حيوة رأيه في ذلك، وقوى عزمه. وتوفي أيوب في غزاته وقد أقبل، وذلك حين شارف الثغر خارجا أو داخلًا. وقال هشام: وقد تقول قوم أن نعي أيوب أتى سليمان يوم مرض ففعل ما فعل.

وقال المدائني، وأبو اليقظان: مات بالشام. وأما محمد بن سليمان فكان صاحب فتوة وباطل، وقد أدرك الوليد بن يزيد. وأما عبد الواحد فولاه مروان بن محمد بن مروان مكة والمدينة فصلى بالناس بالموسم، ثم هرب من الإباضية حيث خرجوا عليه، فقال الشاعر: جاء الذين يخالفون بدينهم ... دين النبي ففر عبد الواحد ترك القتال وما به من علة ... إلا الوهون وعرقة من خالد [1] وقتله صالح بن علي بن عبد الله، وأخذ ماله بالشام. وله عقب. ومدحه ابن هرمة فقال: إِذَا قيل من خيرُ من يُرتجى ... لمعتِّر فهر ومحتاجها ومن يعجل الخيل عند الوغى ... بألجامها قبل إسراجها أشارت نساء بَنِي مَالِك ... إليه به قبل أزواجها [2] وأما عبد الرحمن بن سليمان فهلك وهو شاب. وأما الحارث بن سليمان فكان من رجالاتهم جلدا وذكرا، وأدرك قتل الوليد بن يزيد، وقال فيه الشاعر: كأنك برد ذو حواش مسهم ... به حرق قد شابه وهو واسع بلوناكم حتى عرفنا خياركم ... فخيركم رث المروءة واضع

_ [1] بهامش الأصل: يعني خالد بن أسيد. [2] ديوان ابراهيم بن هرمة ص 85- 86.

فقال هشام بن عبد الملك لهذا الشاعر: ويلك عممت بني مروان. فقال: لا ولكني عنيت بني سليمان. وأما يزيد بن سليمان فمات قبل المسودة، وقتل ابنه عبد الله بن علي. وأما داود بن سليمان فهو الذي قال له رجل: هلك أبوك بشما [1] ، وهلكت أمك بغرا [2] ، وكانت أم داود عطشت في طريق مكة، فشربت فأكثرت فماتت. قالوا: وكان الحجاج بن يوسف وقتيبة بن مسلم أشارا على الوليد بتولية ابنه عبد العزيز العهد مكان سليمان أو بعده، فحقد على قتيبة سليمان، فلما استخلف سليمان قال قتيبة وهو بخراسان: أيها الناس قد وليكم هبنقة القيسي، وذلك أن سليمان كان يعطي أهل الشرف واليسار والنباهة ولا يرفع خسيسة ولا يصطنع خاملًا، وذلك أن هبنقة كان يخص سمان إبله بالمرعى والعلف ويضرب المهازيل، ويقول: أنا لا أصلح ما أفسد اللَّه، ولا أفسد ما أصلح، فنسب إلى الحمق، وكان ذلك سبب مخالفة قتيبة حتى قتل بخراسان: وفي سليمان يقول الفرزدق: وإلى سُلَيْمَان الَّذِي سكنتْ ... أروى الهضاب له من الذعر وتراجع الطرداء إذ وثقوا ... بالأمن من رتبيل والشحر [3]

_ [1] انظر خبر وفاة سليمان بسبب إكثاره من الطعام في المعمرين والوصايا لأبي حاتم السجستاني- ط القاهرة 1961 ص 165- 168. [2] بغر: شرب ولم يرو فأخذه داء من الشرب. القاموس. [3] الشحر ساحل مهرة باليمن.

كنا نناجي الله نسأله ... في الصبح والأسحار والعصر ألا يميتك أو يكون لنا ... أنت الإمام ووالي الأمر فأجاب دعوتنا وأنقذنا ... بخلافة المهدي من ضر إني لأرجو أن يقيم لنا ... سنن الخلائف من بني فهر [1] والقصيدة طويلة. وقال فيه أيضًا: وكم أطلقت كفاك من قيد بائس ... ومن عقدة ما كان يرجى انحلالها [2] المدائني عن عوانة قال: خرج سليمان بن عبد الملك يستسقي فسمع أعرابيا يقول: يا ربنا رب العباد مالكا ... قد كنت تسقينا فما بدا لكا أنزل علينا الغيث لا أبا لكا فقال سليمان: صدق والله فما لله أب ولا صاحبة ولا ولد. المدائني عن أبي اليمان القرشي قال: خطب سليمان بن عبد الملك فقال: «اتخذوا كتاب الله إماما، وارضوا به حكما، واجعلوه لكم قائدا، فإنه ناسخ لما قبله، ولن ينسخه كتاب بعده» . فما سمعت خطبة أوجز منها. حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش قال: قال سليمان بن عبد الملك يوما: يا غلام ادع صالحا، فقال بعض الحرس:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 262- 265. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 76.

يا صالحا. فقال سليمان: أنقض من صالحك ألف، فقال عمر بن عبد العزيز: وأنت يا أمير المؤمنين فزد في ألفك ألفا. المدائني عن الفضل بن تميم قال: دخل رجل على سليمان فتكلم فأراد أن يسبر عقله فإذا هو مضعوف، فقال سليمان: زيادة منطق على عقله خدعة، وزيادة عقل على منطق هجنة، وأحسن من ذلك ما زان بعضه بعضا. وَحَدَّثَنِي حفص بْن عمر عَن الْهَيْثَم عَن ابن عياش قال: تقدم أبو السمال إلى سليمان بن عبد الملك فقال: إن أبينا هلك، فوثب أخانا على مالنا فأخذه، فانظر في أمرنا. فقال سليمان: لا رحم الله أباك ولا عافى أخاك، ولا رد عليك مالك. نحوه عني. وقال المدائني: دخل أبو السربال الكلبي على سليمان قبل الخلافة، وهو يتغدى، فدعاه للغداء فقال سليمان: ادن يا أبا السربال. فقال: لا والله أو أعرف من أكلائي، قال: هذا. قال: ومن هذا؟ قال: روح بن زنباع. قال رجل: والله ما اعتركت الأضياف على باب أبيه قط. قال: فمن هذا؟ قال: فلان. قال: إنه لصغير القمة، ونظر إلى رجل من قريش أحمر أقشر، فقال أبو السربال: أما هذا فلا أسال عنه، هذا قيصر. فضحك سليمان. وجلس أبو السربال يأكل، وجاؤوا بفالوذجة، فجعل سليمان يأكل بأصابعه كلها فقال: يا أبا السربال دونك فإن هذا يزيد في الدماغ، فقال: أصلح الله الأمير، لو كان هذا كما قلت لكان رأسك مثل رأس البغل.

حدثني العمري عن الهيثم عن ابن عياش قال: تقدم رجل إلى سليمان وهو بدابق فقال: يا أمير المؤمنين، هلك أبينا، وظلمنا أخينا، فانظر في أمرنا، نظر الله إليك، فقال سليمان: نحوه لعنه الله. فنحي. حدثني هشام بن عمار عن الوليد عن أشياخ لهم أن سليمان قال: الحسود لا يسود. المدائني عن عامر بن حفص ومسلمة: أن سليمان بن عبد الملك قال ليزيد بن أبي مسلم: لعن الله رجلًا ولاك فأجرى رسنك [1] واختارك لأمر من أمور المسلمين، فقال: يا أمير المؤمنين! إنك رأيتني والأمر عني مدبر ولو رأيتني وهو علي مقبل عظم عندك ما استصغرت، وحسن ما استقبحت من أمري. فقال: ما تقول في الحجاج؟. فقال: يأتي يوم القيامة بين أبيك وأخيك فضعه حيث شئت. حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أَبِيهِ عن الجريري قَالَ: شكا سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بن عثمان موسى شهوات إِلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك، وأمه آمنة بنت سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بن أبي أحيحة، وقال: هجاني، فقال لا أم لك بم هجوته؟ قال: يا أمير المؤمنين إنما فضلت عليه سَعِيد بْن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، وذلك أني عشقت جارية بدمشق فسألته أن يبتاعها لي بمائتي دينار فقال لي: بورك فيك، فقال سليمان: ليس هذا موضع بورك فيك. قال: وأتيت سعيد بن خالد بن عبد الله فدعا بمطرف

_ [1] الرسن: الحبل، وما كان من زمام على أنف. القاموس.

خز وأمر جاريته فصرت في كل زاوية منه مائتي دينار فمدحته. فقال: قل ما شئت بعد هذا واستنشده ما قال فأنشده: عقيل الندى ما عاش يرضى بِهِ الندى ... فَإِن مات لم يرض الندى بعقيد سعيد الندى أعني سَعِيد بْن خَالِد ... أَخَا العرف لا أعني ابْن بنت سَعِيد ولكنني أعني ابْن عَائِشَة الَّذِي ... كلا أبويه خَالِد بْن أسيد عائشة بنت عبد الله بن خلف أخت طلحة الطلحات، فقال سعيد بن خالد: إذا كان الأمير عليك خصما ... فلا تكثر فقد غلب الأمير وأنشد: ونستعدي الأمير إذا ظلمنا ... فمن يعدى إذا ظلم الأمير وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ ابن كناسة قال: بعث يزيد بن المهلب سريعا مولى عمرو بن حريث إلى سليمان. قال سريع: فعلمت أنه سيسألني عن المطر، ولم أكن ارتق بين كلمتين، فأعطيت أعرابيا درهما وقلت: كيف أقول إن سئلت عن المطر؟ فقال: قل جاء مطر غزير درير، فعمد الثرى واخضر العمير، واستأصل العرق، ولم أر واديا إلا داريا. فلما دخلت على سليمان سألني عن المطر فقلت هذا الكلام. فقال: هذا كلام لست بأبي عذره فأصدقني. فحدثته فضحك، وضرب برجليه، وقال: لقد أصبت ابن بجدتها. المدائني عن مسلمة قال: زحل أيوب بن سليمان وهو عند أبيه فقال له: مالك يا بني؟ قال: خدرت رجلي. فقال سليمان: يا بني، اذكر أحب الناس إليك، فقال: صلى الله على محمد. فقال سليمان: ابني سيد، وإني عنه لفي غفلة، وولاه عهده.

المدائني قال: كان محمد بن يزيد الأنصاري مع سليمان فوجهه إلى العراق حين ولي، فأطلق أهل السجون، وقسم الأموال، وضيق على يزيد بن أبي مسلم، وحمله إلى سليمان فظفر به يزيد بإفريقية عند المغرب في شهر رمضان، فجعل محمد يقول: اللهم احفظ لي إطلاقي الأسرى وإعطائي الفقراء، فقال له يزيد: أمحمد طال والله ما سألت الله أن يمكنني منك بلا عهد ولا عقد، قال: وأنا والله قد سألته أن يجيرني منك، قال يزيد: فو الله ما أجارك ولا أعاذك ولا أجابك. والله لا أريم مكاني حتى أقتلك. وأقيمت الصلاة فبادر إليها، وكان أهل إفريقية قد أجمعوا على قتله، فضربه رجل منهم بعمود على رأسه فقتله، وقال لمحمد: اذهب حيث شئت. قالوا: وكان سليمان نهما بخيلًا على الطعام فمد رجل يده إلى دجاجة كانت بين يديه، فقال له: كل مما بين يديك. فقال: أو ههنا حمى؟! فرمى إليه بالدجاجة وقال: كلها لا بارك الله لك فيها. المدائني قال: قال سليمان ليزيد بن المهلب: أكره منك ثلاثا، خفك أبيض مثل ثوبك، وطيبك يرى وطيب الرجل يوارى، وأنك تكثر مس لحيتك. فغير الخف والطيب، ولم يدع مس لحيته. وكان يزيد يقول: ما رأيت عاقلًا قط إلا ومعوله إذا فكر على لحيته. المدائني قال: ضم سليمان بن عبد الملك عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ إلى ابنه أيوب، فأتاه فحجبه، فجلس في بيته فتعتب أيوب عليه

فعاتبه عون فغضب فشكاه إلى أبيه فلامه فقال: ضممتني إلى رجل إن أتيته حجب، وإن جلست عنه عتب، وإن عاتبته غضب. حدثني أبو مسعود القتات عن ابن الكلبي أن قوما وفدوا إلى سليمان فقال متكلمهم: إنا والله ما أتيناك رغبة ولا رهبة، أما الرغبة فدخلت علينا منازلنا، وأما الرهبة فآمنناها فضلك وعدلك، ولقد حببت إلينا الحياة، وهونت علينا الموت، لأنا نثق بإحسانك لأنفسنا، ونرجوك لمن تخلف بعدنا من أعقابنا، فأحسن صلتهم والنظر لهم. قالوا: وكان سليمان أكولا يؤتي في كل يوم من صلاة الغداة بعشر رقاقات وخروفين عظميين، ودجاجتين سمينتين، فيأكل ذلك كله بخل فيه الجذان ومرى [1] . وقال الواقدي: غزا سليمان الصائفة مسلمة بن عبد الملك وعلى الصائقة أيوب ابنه فلما جاوزوا الدرب مات، ومات سليمان، وقد نفذ مسلمة، فأقفله عمر بن عبد العزيز. المدائني قال: حج سليمان فقال لقيمه على طعامه: أطعمني من خرفان المدينة، أو قال من جداء المدينة، ودخل الحمام ثم خرج وقد شوي له أربعة وثمانون خروفا أو جديا، فجعل القيم يأتيه بواحد واحد فيتناول

_ [1] كذا بالأصول، ولعله أراد الجذاذ ومره، والجذاذ: السويق الجذيذ، والجذيذة: جشيشة تعمل من السويق الغليظ لأنها تجذ، أي تقطع قطعا وتجش، والمرة: بقلة تنفرش على الأرض لها ورق مثل ورق الهندبا أو أعرض، ولها نورة صفراء، وأرومة بيضاء، وتقلع فتغسل ثم تؤكل بالخل والخبز، وفيها عليقمة يسيرة، ولكنها مصحة. اللسان.

جرمازجة [1] ويضرب بها شحم كليته، فأكل أربعة وثمانين جرمازجة بشحم أربعة وثمانين كلية، ثم قال: ادع يا غلام عمر بن عبد العزيز، وأذن الناس. ووضع الغداء فأكل معهم كما أكلوا. وقال المدائني: حج سليمان وأتى الطائف فلقيه ابن أبي زهير الثقفي رجل من أهلها فسأله أن ينزل عليه فقال: إني أخاف أن أبهظك. فقال: قد رزق الله خيرا كثيرا، فنزل عليه فجعل يأتيه من حائطه، وهو فيه، بخمس رمانات خمس رمانات حتى أكل مائة وسبعين رمانة. ثم أتى بخروف، وست دجاجات فأكل ذلك، ثم أتي بمكوك زبيب فأكله، ثم وضع الطعام فأكل وأكل الناس. وفتح ابن أبي زهير أبواب الحيطان فأكل الناس من الفاكهة، فقال سليمان: قد أضررنا بالرجل. وأقام بالطائف سبعا ثم صار إلى مكة وقال لابن أبي زهير: الحقني. فلم يفعل فقيل له: لو لحقته، قال: أقول ماذا؟ أعطني ثمن طعامي؟! وقال المدائني: خرج سليمان من منزله يريد منزل يزيد بن المهلب فقال يزيد: الغداء يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فأكل أربعين دجاجة جردناج سوى ما أكل سوى ذلك من الطعام. وقال المدائني: أكل سليمان اثنين وثمانين ناهضا [2] ، وفخّارة فيها هريسة.

_ [1] المرجح أن الجرزمانة من الطيور المذبوحة والمسموطة. انظر الأغاني ج 14 ص 113، وانتبه للتصحيف وكما سيأتي في خبر غداء يزيد بن المهلب. [2] الناهض: فرخ الطائر الذي وفر جناحه وتهيأ للطيران. القاموس.

قال: وأتاه وهو بدابق رجل من النصارى كان منقطعا إليه من قبل الولاية فقال له: هل أهديت لي شيئا؟. قال: نعم أهديت تينا وبيضا، فأتاه بزبيل مملوء بيضا مطبوخا، وبزبيل مملوء تينا فجعل يقشر البيض ويأكل بيضة بتينة حتى أتى على الزبيلين، ثم أتوه بقصعة مملوءة مخا مخلوطا بسكر فأكل ذلك فأتخم ومرض فمات. المدائني قال: كان حنظلة بن عقال أكولا فأكل عند سليمان وهو يرتجز: أعددت للفم عظيم الفلق ... تكاد أطراف الرغيف تلتقي حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ الضحاك بن زمل أن سليمان أتي بطبق عليه ثلاثمائة عيون البقر [1] ، وهو الساهلوج، فأكل جميع ما في الطبق، ثم دعا بالغداء فأمعن كأنه لم يأكل شيئا. وقال الضحاك بن زمل: قال سليمان حين نزل من عقبة أفيق: هل عندكم شيء؟ فأتي بست دجاجات وفرخين وعشرة أرغفة، في كل رغيف رطل فأكل وهو على بعير، إذا رجل يصيح: يا أمير المؤمنين إن عاملك على كذا ظلمني، وهو يقول: كذبت لا أم لك ويأكل، فلما فرغ فهم عنه، فأمر فكتب بإنصافه. قال: وقال الضحاك: قال سليمان وذكر عنده تشقيق الخطب والإسهاب في الكلام: من أكثر القول فأحسن، قدر على أن يقل فيحسن، وليس من قصر فأحسن بقادر على أن يطيل فيحسن.

_ [1] عيون البقر: ضرب من العنب أسود كبير غير صادق الحلاوة، وعيون البقر بفلسطين يطلق على نوع من الاجاص، وهو المرجح هنا. معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس.

وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ مولى لسليمان قال: كان سليمان يأكل بخمس أصابع، ويجعل له منديل على صدره ومنديل على فخذيه، وكان لا يرفع رأسه إذا أكل حتى يشرب عسا ضخما فيه عسل، تعتري [1] ربما استعان عليه بركبتيه أحيانا، فإذا شربه تكلم. فقام إليه رجل وهو يأكل فقال: يا أمير المؤمنين إني زوجت ابني وليس عندي ما أجمع به أهله إليه فأسلفني عطائي من بيت المال، فقال: ما يزال عاض لبظر أمه يقوم إلينا فيفسد علينا طعامنا، فتنحى الشيخ وجلس، فلما فرغ من طعامه قال: قلت ماذا لله أبوك؟. فرد عليه مسألته فقال: وكم عطاؤك لله أبوك؟. قال: مائتا دينار. قال: يا قسامة أعطه مائتي دينار ومائتي دينار ومائتي دينار. وطول نفسه حتى انقطع فنظر فإذا جميع ذلك قيمة اثنين وسبعين ألف درهم. ثم قال: أبا زجي رضيت؟ قال: نعم فرضي الله عنك يا أمير المؤمنين. قال: يا قسامة فأضعفها له، فأخذ مائة وأربعة وأربعين ألف درهم. حدثني الحرمازي وأبو مسعود الكوفي قال: قال سليمان بْن عَبْدِ الملك لسالم بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب: يا أبا عمر اذكر لي حوائجك، فقال: إني لا أسأل في بيت الله غيره. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الواقدي قَالَ: انصرف سليمان من صلاة الجمعة فأكل شحم كلى أربعين جديا وصحفة مملوءة مخا وغير ذلك، ثم

_ [1] لعله أراد أن العس له عروة أي مقبض.

جامع وقام عن الجارية موعوكا فمات بدابق، وكان جميل الوجه، حسن الخلق، يقول: أنا الملك الشاب. قال الحزين: فيا قوم ما بالي وبال ابن نوفل ... وبال بكائي نوفل بن مساحق ولكنها كانت سوابق عبرة ... على نوفل من كاذب غير صادق فهلا على قبر الوليد سفحتها ... وقبر سليمان الذي عند دابق وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده وعوانه قالا: لما مات الحجاج، وكان قد استخلف على حرب العراق يزيد بن أبي كبشة، وعلى خراجها يزيد بن أبي مسلم مولاه فأقرهما الوليد حتى مات، وأقر عمال الحجاج، وكان الوليد يقول: الحجاج جلدة ما بين عيني، لا بل جلدة وجهي كله. وكان موت الوليد للنصف من جمادي الآخرة سنة ست وتسعين، فلما ولي سليمان بن عبد الملك، وهو بالرملة، ولى يزيد بن أبي كبشة صلاة العراق وحربها، وصالح بن عبد الرحمن السجستاني مولى بني مرة بن عبيد خراج العراق، وولى سليمان بعد أربعين يوما من خلافته يزيد بن المهلب حرب العراق وخراجه فاستعفاه من الخراج، فأراد تولية يزيد بن أبي مسلم الخراج، وقد كان ابن المهلب وصفه له بالعفاف، فقال عمر بن عبد العزيز: أتولي ابن أبي مسلم؟ فقال: نعم إنه عفيف عن الدرهم، فقال عمر: إن الشيطان أيضا عفيف عن الدرهم لم يأخذ درهما قط. فاستشار يزيد بن المهلب فيمن يوليه خراج العراق فأشار عليه بصالح بن

عبد الرحمن، وكان صالح كاتبا للحجاج بعد زاذانفروخ بن بيزي كاتبه المجوسي. وشخص يزيد بن المهلب إلى العراق وخراسان مضمومة إليه، فلما قدم واسطا وجد الجراح بن عبد الله الحكمي على البصرة من قبل ابن أبي كبشة، فكتب إليه في القدوم عليه، وولى البصرة رجلًا من أصحابه، وكتب سليمان إلى يزيد بن المهلب في الشخوص إلى خراسان لإصلاحها، وتسكين الناس بها بعد أن كان من أمر قتيبة ما كان، فاستخلف يزيد بواسط: الجراح بن عبد الله. المدائني: أن يزيد بن المهلب كان عامل سليمان على العراق، فولى البصرة سفيان بن عمير الكندي فجاءته امرأة بزوجها تطالبه بصداقها فقال: ما لها عندي شيء، قال: فأين صداقها؟ قال: أكله الذئب. قال: فأنت والله ذلك الذئب، أعطها صداقها. المدائني أن سليمان بن عبد الملك قال لعمر بن عبد العزيز: يا أبا حفص أيكون المؤمن في حال يعتدل فيها سرورة ومكروهه؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا يستوي عند أحد السراء والضراء ولكن معول المؤمن الصبر. المدائني قال: قال سليمان بن عبد الملك لمحمد بن مالك الهمداني: قد رأيت ولد المهلب فكلهم جزل، فأخبرني عن المهلب، فقال: كان لا يستنهض عن عجز ولا يكفكف عن جهل، ولم أر بالعراق مثله. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ عوانة قَالَ: قال سليمان بن عبد الملك: لله كلمة ما قالها إلا حكيم وهي: لا ينفعك رأي من لم ينفعك ظنه. حدثني أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَر المنصور: أما الوليد

فكان مجنونا، وأما سليمان فكان نهما همه بطنه وفرجه، ورجل القوم هشام. المدائني عن خالد بن يزيد قال: جزع سليمان بن عبد الملك على ابنه أيوب فقال رجل: يا أمير المؤمنين إن من حدث نفسه بطول البقاء لعازب الرأي، فكأن ذلك عرف في سليمان. المدائني قال: وقع بين سليمان بن عبد الملك وبين أخيه مروان بن عبد الملك في حياة عبد الملك شر، فقال سليمان لمروان: يا بن اللخناء. ففتح فمه ليجيبه وإلى جانبه عمر بن عبد العزيز فأمسك على فمه وقال: أخوك يا أبا عبد الملك، وله السن عليك، فقال: يا أبا حفص رددت في جوفي أحر من الجمر ومال لجنبه فمات، وكان أخا يزيد بن عبد الملك لأمه عاتكة بنت يزيد، وفيه يقول جرير: أبا خالد فارقت مروان عن رضى ... وكان يزين الأرض أن ينزلا معا فسيروا فلا مروان للحي إذ شتوا ... ولا الركب إن أمسوا مخيفين جوعا [1] ونظر إليه عبد الملك وهو يكفن فقال: الحمد لله الذي رضانا بموت أبنائنا ودفنهم. وكتب إلى عبد الملك بعض ولد الحكم يعزيه بمروان فكتب إليه عبد الملك. كتبت تسأل عن صبري لتعلمه ... على الرزية بالمأمول مروان فقد صبرت بعون الله محتسبا ... لموعد الله من فوز ورضوان

_ [1] ليسا في ديوان جرير المطبوع.

المدائني قال: الثبت أن أيوب بن سليمان توفي بالشام ولم يكن غازيا، وإنما كان الغازي مسلمة بن عبد الملك، وكان سليمان أراد أن يغزيه على الجيش فمرض. قال: فلما احتضر أيوب دخل عليه وهو يجود بنفسه، ومعه عمر بن عبد العزيز، ورجاء بن حيوة، فجعل ينظر في وجهه فتخنقه العبرة فيردها، ثم نظر إلى عمر فقال: إنه والله ما يملك أحد أن يستبق إلى قلبه الوجد عند المصيبة والناس في ذلك أصناف: فمنهم من يغلب صبره جزعه، فذلك الجلد الحازم المحتسب، ومنهم من يغلب جزعه صبره، فذلك المغلوب الضعيف، وإني أجد في قلبي لوعة إن أنا لم أبردها بعبرة خفت تتصدع كبدي كمدا وأسفا. فأما عمر فنهاه عن البكاء وأمره بالصبر، وأما رجاء فقال: افعل ولا تفرط فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هلك إبراهيم ابنه قال: « [تدمع العين ويفجع الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، وَإِنَّا عليك يا إبراهيم لمحزونون» .] فلما دفن أيوب وقف سليمان على قبره وقال: وقفت على قبر مقيم بقفرة ... متاع قليل من حبيب مفارق ثم قال: عليك السلام يا أيوب. كنت لنا أنسا ففارقتنا، فالعيش من بعدك مر المذاق. ثم ركب دابته وقال: فإن صبرت فلم ألفظك من جزع ... وإن جزعت فعلق منفس ذهبا فقال عمر: الصبر يا أمير المؤمنين فإنه أقرب الوسائل إلى الله. قال: وعزى رجل سليمان عن أيوب فقال له: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تجعل آخر أمرك أوله فافعل. فقال سليمان: لقد أوجزت في التعزية وسكنت من اللوعة، عند الله أحتسب أيوب.

حدثني الحرمازي الحسن بن علي عن العتبي قال: دخل سليمان بن عبد الملك على طاووس يعوده فلم يعظمه ولم يجبه بما يجاب به الخلفاء، فعوتب طاووس على ذلك فقال: أحببت أن يعلم ان في الناس من يستصغر ما يستعظمه المغرون مما هو فيه. قالوا: بينا سليمان يمشي في بستان ومعه جماعة يمشون حوله من أهل بيته وغيرهم، ومعهم يزيد بن المهلب فنظر فقال: يا يزيد ارتدف فأنا أكرم ردافة من النعمان. قال: يا أمير المؤمنين بل أمشي. فقيل ليزيد: ما منعك من الإرداف خلف أمير المؤمنين فتسيران والناس جميعا يمشون؟ فقال: ما غبيت عن ذلك ولكني خشيت أن أثب فأقصر عن الركوب، وكرهت أن أدعو من يرفعني، وأن تنال أمير المؤمنين يدي. قالوا: وكان عمير الهجري رواية لخطب الحجاج، فقدم فلسطين ويزيد بها عند سليمان وذلك بعد موت الحجاج، فجلس إليه عمير فذكر شيئا منها فأمر به يزيد فأقيم ثم قال: احبسوه، ثم قال: خلوه. فقيل لعمير: ماذا دعاك إلى ما قلت؟ ألم تعلم ما بين يزيد والحجاج؟ قال: لم أعلم أن ههنا أميرين. وحج سليمان فقدم الطائف فارتفعت سحابة فرعدت وبرقت وهو مشرف على عقبة، ثم أمطرت وانجلت فقال سليمان لعمر: يا أبا حفص كاد قلبي ينصدع. فقال: يا أمير المؤمنين كان ما رأيت من قدرة الله مع رحمته، لو كانت مع عذاب؟!

الخوارج في أيام سليمان بن عبد الملك

الخوارج في أيام سليمان بن عبد الملك أمر داود بن عقبة العبدي: قال أبو الحسن المدائني: كان داود بن عقبة العبدي من عباد الخوارج والمجتهدين، فطلب بالبصرة، وكان كبيرا فتوارى عند رجل من بني تميم على رأيه، فأمر امرأته أن تتعهده، وخرج لبعض شأنه فغاب أربعين ليلة، وكان داود مخفض الطرف لا ينظر إلى شيء، فقدم التميمي بعد أربعين ليلة فقال لداود: كيف رأيت خدمة الزرقاء؟ فقال داود: والله ما أدري أزرقاء هي أم كحلاء. ثم خرج داود بالبصرة في سنة تسعين ومروان بن المهلب على البصرة خليفة يزيد، فوجه إليه خيلا فقتل وأصحابه بموقوع. وداود الذي يقول: إلى الله أشكو فقد فتيان غارة ... شهدتهم يوم النخيلة والنهر شهدتهم أسدا إذا الحرب شمرت ... مساميح منهم بالمهندة البتر أولئك إخواني منيت بفقدهم ... فلهفي عليهم أن يروا آخر الدهر مضوا سلفا قبلي وأخرت بعدهم ... وحيدا لأقوام تنابلة خزر ويقال إن الذي قتله وأصحابه: زاذويه الأسواري.

وقال أبو عبيدة: وجه إليهم وهم بموقوع: دبيق الأزدي، ثم أتبعه زاذويه الأسواري في أساورة فرماهم بالبنجكان [1] ، وقال للأزدي بالفارسية: أظننت أن القتال أكل الزبد؟ قال: وخرج أيام سليمان خمسة من الخوارج بعسفان التي بناحية البصرة، فوجه إليهم خمسمائة من الشرط فهزمهم الخوارج، فوجه إليهم مروان بن المهلب زاذويه، ويقال ازذويه الأسواري. فلما رآهم خمسة قال لأصحابه: قفوا، وقال لغلامه: ناولني خمس نشابات، ودنا منهم فحملوا عليه فاستطرد لهم ثم عطف فرمى رجلًا فصرعه، ثم استطرد، ورمى آخر فصرعه فلم يزل يصنع مثل ذلك حتى قتلهم جميعا، وأمر فاحتزت رؤوسهم. وخرج خوارج فوجه إليهم مسلم بن الشمردل الباهلي في خيل، فلما التقوا كسروا جفون سيوفهم ونثروا دقيقا كان معهم فقال الباهلي، قد نثرتم الدقيق خار الله لكم. وترك قتالهم وانصرف. فوجه إليهم غيره فقتلهم. المدائني قال: دخل سليمان المدينة، فرأي عبد الله بن عوف بن أبي عوف من آل أبي وداعة السهمي، فتوهم أنه من قريش فأشار إليه فتقدم، فقال: ممن أنت؟ فأخبره، فجعل يسأله عن دار دار حتى صار إلى دار ابن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال: لمن هذه الدار؟ قال: لابن بديل. قال: ما أعرفك بدور قتلة عثمان، ثم مضى وتركه، فبعث إليه بعد ثالثة فقال:

_ [1] البجنكان في الفارسية المعاصرة: بندقية ذات خمس طلقات. ومن هذا يتضح أن البجنكان أداة رمي للبندق أو لسواه.

يا بن أبي عوف، أبطأ عليك رسولنا حتى ساء ظنك. فقال: القلوب إلى حسن الظن بك أميل منها إلى سوء الظن فيك. وإذا رزمة وخريطة فيها خمسمائة دينار ووصيف عليه ثياب بياض. فقال للوصيف: احمل هذه الخريطة والرزمة وانطلق مع سيدك فأنت له وما حملت.

أمر عبد العزيز بن مروان بن الحكم وولده

بسم الله الرحمن الرحيم أمر عبد العزيز بن مروان بن الحكم وولده ومن ولد مروان بن الحكم: عَبْد الْعَزِيز بْن مَرْوَان ويكني أبا الأصبغ وأمه ليلى بنت زبان بن الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب الكلبي، ولاه مروان أبوه العهد بعد عبد الملك. وكان عبد الملك قد هم بخلعه وتولية الوليد ابنه العهد، فقال له قبيصة بن ذؤيب الخزاعي: لا تفعل فلعل الله سيكفيكه. فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتاه خبر موت عبد العزيز، فقال له قبيصة: سلمت من الغدر والنكث وبلغت إرادتك وفي الصبر خير كثير. فولى حينئذ عهده الوليد وسليمان. وكان قبيصة الخزاعي على خاتم عبد الملك وبريده وكان أنسا به قابلًا لقوله. وكان عبد العزيز جوادا كريما، وفيه يَقُول أيمن بْن خريم بْن فاتك الأسدي حين ولاه أخوه عبد الملك مصر: بشر أهل مصر فَقَدْ أتاهم ... مَعَ النيل الَّذِي فِي مصر نيل فتى لا يرزأ الخلان إلا ... مودتهم ويرزؤه الخليل

وقال فيه كثير: قليل الألايا حافظ ليمينه ... إذا سبقت منه الألية برت [1] وقال ابن قَيْس الرقيات: أعني ابْن ليلى عَبْد الْعَزِيز ... بباب اليون تأتي جفانه رذما الواهب البخت والوصائف كالغزلان ... والخيل تألك اللجما [2] وقال عبد العزيز: أنا أخبركم عن نفسي بغير تزكية لها. ما رجل رغب إلى فوضعت معروفي عنده إلا رأيت أنّ يده عندي مثل يدي عنده. وما رجل استجار بي من خوف فلم ابذل دمي دون دمه إلا رأيتني مقصرا بحبسي ولو لم يدخل على البخلاء من بخلهم إلا سوء ظنهم بربهم في الخلف لكان ذلك عظيما. وقال رجل من خثعم يهجوه: أرى عَبْد الْعَزِيز يصد عني ... بأنف مثل فيشلة [3] الحمار فَمَا عَبْد الْعَزِيز لنا برب ... ولا دار الهوان لنا بدار وَقَالَ كثير يرثيه: أبعد ابْن ليلى يأمل الخلد واحد ... من الناس أم يرجو الثراء مثمر وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن أبي جهم بن حذيفة العدوي:

_ [1] الألايا: جمع ألوة وهي اليمين وما يقسم به، والألية: القسم. ديوان كثير ص 59. [2] ديوان ابن قيس الرقيات ص 152، وبابليون حاضرة مصر قبل الفتح، وقام في موقعها مدينة الفسطاط. [3] الفيشلة: الحشفة. القاموس.

عمر بن عبد العزيز [1] :

أبعدك يا عَبْد الْعَزِيز لحاجة ... وبعد أَبِي الزبان يستعتب الدهر فلا صلحت مصر لحي سواكما ... ولا سقيت بالنيل بعدكما مصر ولا زال مجرى النيل بعدك يابسا ... يموت بِهِ العصفور واستبطئ القطر أبو زبان: الأصبغ بن عبد العزيز. فمن ولد عبد العزيز بن مروان: عمر بن عبد العزيز [1] : ويكنى أبا حفص، وأمه أم عَاصِم [2] بْنت عَاصِم بْن عُمَر بْن الخطاب، خطبها عبد العزيز من أبويها وحملت إليه، فولدت لَهُ: أَبَا بَكْرٍ، وعمر ابني عَبْد العزيز. وتوفيت عنده، فتزوج حفصة بنت عاصم وكانت عند إبراهيم بن نعيم بن عبد الله النحام من بني عدي بن كعب بن لؤي، فقتل عنها يوم الحرة، وحملت أيضا إلى عبد العزيز. وكانت أم عاصم حين حملت مرت بأيلة فأهدى إليها مجنون هناك يقال له شرشير هدية فأثابته وكسته. ومرت حفصة فأهدى لها فأغفلته فقال: ليس حفصة من رجال أم عاصم. وحكى بعض البصريين أن حفصة لم تحظ عنده كحظوة أم عاصم فقال: ليست حفصة من رجال أم عاصم، والأول أثبت.

_ [1] بهامش الأصل: خلافة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ رضي اللَّه عنه. [2] بهامش الأصل: قال ابن الأثير في كتابه جامع الأصول: اسم أم عاصم: ليلى.

وقال الكلبي: كان ولد عبد العزيز: عمر، وأبا بكر، وعاصما، ومحمدا أمهم أم عاصم بنت عاصم بن عمر. والأصبغ وهو أبو زبان لأم ولد. وسهلًا وسهيلًا وأم الحكم أمهم أم عَبْد اللَّهِ بنت عَبْد اللَّهِ بْن عمرو بن العاص السهمي. وزبان وأم البنين أمهما ليلى بنت سهل بن حنظلة بن الطفيل الجعفري. وقالوا: ولى سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز الخلافة، وكتب كتابا سماه فيه، ويزيد بن عبد الملك إن كان بعده. فلما مات سليمان بن عبد الملك أخرج رجاء بن حيوة الكتاب وأظهر اسمه وبايعه الناس، فقال لرجاء: ذبحتموني بغير سكين. وكان عمر بن عبد العزيز أشج، ضربه حمار وهو بمصر، فلما رآه أخوه الأصبغ قال: هذا والله أشج بني أمية، يملأ الأرض عدلًا. وكانت خلافته ثلاثين شهرا، ووفاته وهو ابن تسع وثلاثين سنة. وتوفي في سنة إحدى ومائة، ودفن بدير سمعان [1] ، وكان نزوله بخناصرة من عمل جند قنسرين، وصلى عليه رجاء بن حيوة. ويقال مسلمة بن عبد الملك. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعَجْلِيُّ، ثنا إسماعيل بن أبان عن أبي الأحوص عن ضرار بن مرة الشيباني قال: لما ولي عمر بن عبد

_ [1] على مقربة من معرة النعمان، أعيد ترميمه حديثا.

العزيز صَعَدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس: يبلغنا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ويدلنا من العدل على ما لم نهتد له، ويؤدي الأمانة إذا حملها، ويعيننا على الخير، ويدع ما لا يعنيه. فمن كان كذلك فحي هلابه، ومن لم يكن كذلك فلا يقربنا» . قال أبو سنان: فحجبوا والله دونه، قال: وهذا أول كلام تكلم به حين استخلف. حدثني هشام بن عمار عن أشياخه قالوا: لما ترعرع عمر بن عبد العزيز استأذن أباه في إتيان المدينة وقال: أحب أن أكتب العلم، وأحضر قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقرب على الحج، فأذن له في ذلك، فأتى المدينة. حدثني عبد الله بن صالح عن عبثر أبي زبيد قال: أراد عمر بن عبد العزيز توليه ابن شهاب الزهري الصدقة، فبلغه عنه ما كان منه حين ولي السعاية على الصدقة من قبل رجل كان ضربه، فكره توليته. وولى الكوفة عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بن الخطاب. وقال الواقدي: أذن له أبوه في إتيان المدينة وقال له: اجتنب آل عبد الرحمن بن عوف، وآل سعيد بن العاص فإن ثم شرارة وشراسة وسوء أخلاق، فكان يجالس أهل العفة والورع. المدائني عن أبي اليقظان قال: أوصى عبد العزيز لعمر بأربعين ألف دينار، ودفعها إلى رجل من أهل المدينة يقال له ابن رمانة، وكان مولى لبعضهم، فلما توفي عبد العزيز أتاه بالمال فقبضه ثم ذهب ابن رمانة فحدث بذلك أبا بكر بن عبد العزيز، فغضب وكتب إلى عمر: إنك أخذت هذا المال دوننا.

ثم شخص عمر من المدينة فقدم الشام، فلما استخلف الوليد بن عبد الملك- وهو صهره، كانت أم البنين بنت عبد العزيز عنده، فولدت له عبد العزيز بن الوليد، ومروان بن الوليد، وعنبسة، ومحمدا- ولاه الوليد المدينة فأحسن السيرة، إلا أنه كان لباسا عطرا، وإنما تقشف بعد ذلك، فكان يعمل له ثوب الخز بمائة دينار فيستخشنه، ثم إنه كان يؤتي بالثوب الخشن بأقل من دينار أو بدينار فيقول: ما أصنع بهذا ائتوني بأخشن منه وأقل ثمنا. وكان ابن رمانة لمغاضبته إياه يرفع على عماله، ويقع فيهم حين عزل عن المدينة، فقال عمر: لو أشاء أن آخذ كتاب الوليد إلى عامل المدينة في ضرب ابن رمانة مائة سوط، وحلق رأسه ولحيته فعلت، ولكني رأيت متقي الله منجى. وفي ولاية عمر بن عبد العزيز يقول الأحوص بن محمد الأنصاري: وأرى المدينة إذ وليت أمورها ... أمن البريء بها وخاف المذنب [1] وقال أيضا: وأرى المدينة حين كنت أميرها ... أمن البريء بها ونام الأعزل وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل [2] الكلبي عن عوانة قال: أنشد رجل عمر: أعوذ برب الناس من كل نعمة ... تقر بها عيناي فيها أذاهما فقال عمر: أعاذك الله ورحمك، ما أحسن ما قلت.

_ [1] ليس في ديوان الأحوص المنشور. [2] شعر الأحوص الأنصاري- ط. القاهرة 1990 ص 214.

حدثني هشام بْن عمار قَالَ: بلغنا أن عُمَر بن عبد العزيز كان يساير سليمان بن عبد الملك، فرعدت السماء وبرقت، فقال عمر: يا أمير المؤمنين، هذه قدرة الله عند الرحمة، فكيف بها عند العذاب. المدائني قال: قال عمر بن عبد العزيز لرجل: من سيد قومك؟ قال: أنا. لو كنت كذلك ما قلته. قال: وقال سليمان بن عبد الملك ليزيد بن المهلب: من أعز أهل البصرة؟. فقال: نحن وحلفاؤنا من ربيعة، فقال عمر بن عبد العزيز: من تحالفتم عليه أعز. المدائني وغيره قالوا: كان جل من هرب من الحجاج لجأ إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب الحجاج إلى الوليد إن عمر بن عبد العزيز قد صار كهفا لمنافقي أهل العراق، فما أحد يهرب منهم إلا لجأ إليه. فكان ذلك سبب عزل عمر. وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قال: كان عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الهذلي من القراء، وكان عمر بن عبد العزيز يكرمه، فدخل عليه يوما، وجرير بن عطية الخطفى بالباب فسأله أن يستأذن على عمر، وكان عون معتما فأذن له فسلم وخرج ولم يقبل عليه عمر، ويقال إنه لم يؤذن له فقال جرير: يا أيها القارئ المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... إني لدى الباب كالمصفود في قرن [1]

_ [1] ديوان جرير ص 486.

المدائني عن أبي اليقظان قال: جمع عمر بني مروان فقال لهم: يا بني مروان إني أظن نصف جميع مال الأمة عندكم فأدوا بعض ما عندكم إلى بيت مال المسلمين. فقال هشام: لا يكون والله ذاك حتى تذهب أرواحنا. فغضب عمر وقال: أما والله يا بني مروان إن لله فيكم ذبحا ولولا أن تستعينوا علي بمن أطلب هذا المال له لأضرعت [1] خدودكم. حدثني هِشَام بْن عمار عَنِ الوليد بْن مسلم، وقال أبو اليقظان أيضًا: كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه: إن مدينتنا تحتاج إلى مرمة فكتب إليه: «أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه فحصن مدينتك بالعدل ونقها من الظلم، والسلام» . المدائني قال: كتب عمر إِلَى عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بن الخطاب عامله على الكوفة: «اجتنب الحاجات عند حضور الصلوات، والسلام» . وَحَدَّثَنِي مَنْصُور بْن أَبِي مزاحم عَنْ شُعَيْب بن صفوان: ولى عمر رجلًا من قريش من أخواله القضاء فأتاه خصمان فلم يتجه له الحكم بينهما، فغرم للمدعي ما ادعى، فكتب إليه: «يا خال إنا لم نولك لتغرم» ، وعزله، وولى غيره. المدائني قال: ولى عمر رجلًا من أخواله عملًا فتحاكم إليه رجلان في دينار فلم يحسن القضاء بينهما، وغرم دينارا أصلح به بينهما، فكتب إليه عمر: «إني لم أولك لتغرم» ، وولى غيره.

_ [1] ضرع: خضع وذل واستطان. القاموس.

حدثني هشام بن عمار. أنبأنا الوليد عن سعيد بن واقد قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: أي الجهاد أفضل؟ قال: جهاد المرء هواه. المدائني عن أبي بكر عن رجل عن رجاء بن حيوة قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز فكاد المصباح يطفأ فقمت لأصلحه فقال: مه، إن جهلًا بالرجل أن يستخدم ضيفه، ثم قام فوجد غلامه نائما فلم يوقظه وتولى إصلاح المصباح ثم عاد فقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز وقعدت وأنا عمر بن عبد العزيز. قالوا: وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز زاهدا خيرا فقال له: يا بني لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك. فقال: ولأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب. فلما مات عبد الملك خرج عمر إلى الناس وقد اكتحل فسئل عنه فقال: قد سكن علزه [1] ورجاه أهله، وما كان في حال أحب إلي من حاله، ثم علم بموته فقيل له: قد فعلت ما فعلت وقد مات، فقال: أحببت أن أرغم الشيطان. وانصرف من جنازته فرأى قوما ينتضلون فقال لبعضهم أخطأت فافعل كذا. فقيل له في ذلك فقال: ليس في موت عبد الملك ما يشغل عن نصيحة المسلم. وقال أبو اليقظان: كتب إلى عمر عامله على عمان وهو عامر بن عبد الله بن أبي طلحة، يعلمه أن من كان قبله كانوا يستعينون بالجند، وأن قد

_ [1] العلز: قلق وخفة وهلع يصيب المريض، والأسير والحريص والمحتضر. القاموس.

اختار ثلاثين رجلًا من أهل عمان فولاهم الصدقات. ويسأله أن يقفل من قبله من الجند. فكتب إليه: «قد فهمت ما ذكرت فاقفل من قبلك من الجند بعد أن تخيرهم بين ركوب البحر وسلوك البر، فمن اختار البحر فاكتر له وزوده من بيت مال المسلمين، ومن اختار البر فاكتر له ظهرا وزوده ما يقيمه أيضا والسلام» . وقال سحيم بن حفص أبو اليقظان: استعمل عدي بن سعيد بن مسعود المازني على عمان فأخذ رجلا من الأزد يقال له خليد بن سعوة، فضربه مائة سوط في باقة أرادها ابن مسعود، فأتى عمر فشكا ذلك إليه، وأنشده قول كعب الأشعري: إن كنت تحفظ ما يليك فإنما ... عمال أرضك بالعراق ذئاب لم يستقيموا للذي تدعو له ... حتى تضرب بالسيوف رقاب بأكف منصلتين أهل بصائر ... في رفعهن مواعظ وعقاب لولا قريش نصرها ودفاعها ... أمسيت منقطعا بي الأسباب فقال عمر: لمن هذا الشعر؟ قال: لرجل من الأزد من أهل عمان يقال له كعب. فقال له: ما كنت أرى أهل عمان يقولون مثل هذا الشعر، وكتب عمر إلى عدي بن أرطاة: «إن استعمالك سعيد بن مسعود قدر من الله قدره عليك، وبلية ابتلاك بها، فإذا أتاك كتابي فابعث إليه من يعزله، وابعث به إليّ مشدودا موثقا» . فعزله واستعمل عبد الرحمن بن قيس، وحمل سعيدا إلى عمر فجعل سعيد يرتجز ويقول: كيف ترى الشيخ أبا الزبير ... يدل بعد خطب الأمير سوق الروايا وحدا البعير

فلما دخل عليه كلمه عمر فقال: أصلحك الله أتكلمني وأنا موثق؟ أطلق عني حتى أتكلم بحجتي، فأطلق عنه وقال للأزدي: اضربه، فقال قمير بن سعيد: أنا الذي ضربته ولم يضربه أبي، قال: فأعطي الأزدي سوطا، وقال عمر: قم فاجلده كما جلدك. فجلد قميرا مائة سوطا، فقال له أبوه: يا قمير أصرر أذنيك إصرار الفرس الجموح، وعض عَلَى نواجذك، واذكر أحاديث غد، وإياك وذكر الله فإنه معجزة. وقال أبو اليقظان: قام رجل من بني كلاب إلى عمر وهو على المنبر فأنشد: إن الذين بعثت في أقطارها ... نبذوا كتابك واستحل المحرم جلس الذئاب على منابر أرضنا ... كل بنقص نصيبنا يتكلم وأردت أن يلي الأمانة منهم ... عدل وهيهات الأمين المسلم فقال عمر: صدقني والله. حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صالح العجلي قَالَ: سمعت حمزة الزيات يحدث أن عمر بن عبد العزيز غضب على رجل غضبا شديدا فأتي به وأمر بالسياط فأحضرت، فقال: لولا شدة غضبي عليك لأوجعتك. المدائني أن عمر بن عبد العزيز قال: ما قرن شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم، وعفو إلى مقدرة. قال: وقال عمر بن عبد العزيز: تعلموا العلم فإنه زين للغني، وعون للفقير، لا أقول أنه يكسب به ولكنه يدعوه إلى القناعة. حَدَّثَنِي بَكْر بْن الهيثم عن سُفْيَان بْن عيينة قال: قدم وفد على عمر بن عبد العزيز من العراق، فنظر عمر إلى شاب منهم يتهيأ للكلام فقال عمر:

ليتكلم أكبركم سنا، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، ليس الأمر بالسن ولو كان كذلك كان في المسلمين من هو أسنن منك، قال: صدقت. فتكلم فقال: إنا لم نأتك رغبة ولا رهبة، أما الرغبة فأتتنا في بلادنا ودخلت علينا منازلنا، وأما الرهبة فإنا أمناها بعدلك. قال: فما أنتم؟ قال: نحن وفد الشكر. فنظر محمد بن كعب القرظي إلى وجه عمر يتهلل، فقال: يا أمير المؤمنين لا يغلبن جهالة القوم بك معرفتك بنفسك، فإن من الناس ناسا غرهم الستر وخدعهم حسن الثناء وأنا أعيذك بالله من أن تكون منهم. فبكى عمر. حدثني عبد الرحمن بن حزرة أحد ولد جرير بن عطية الخطفي قال: وفد جرير على عمر بن عبد العزيز فغبر حينا لا يصل إليه، ثم رأى ذات يوم عون بن عبد الله المسعودي يريد الدخول عليه وكان قارئا فقام إليه جرير فقال له: يا أيها القارئ المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... إني لدى الباب كالمصفود في قرن فقال له عون: إن أمكنني ذلك فعلت إن شاء الله. فلما دخل عون على عمر سلم وجلس حتى فرغ من حوائج الناس، ثم أقبل عليه فقال: يا أمير المؤمنين إن ببابك جرير بن عطية وهو يطلب الإذن، فقال عمر: أو يمنع أحد من الدخول؟. قال: لا يا أمير المؤمنين لكنه يطلب إذنا خاصا ينشدك فيه. قال: يا غلام أدخل جريرا. فأدخل إليه وعون جالس فأنشد جرير عمر:

أأذكر الجهد والبلوى التي شملت ... أم أكتفي بالذي نبئت من خبر كم بالمواسم من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر ممن ترجى له من بعد والده ... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر [1] فبكى عمر حتى بلت دموعه لحيته، وأمر بصدقات تفرق على الفقراء في النواحي فقال جرير: هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر فقال له: يا جرير أنت من أبناء المهاجرين الأولين؟ قال: لا. قال: أفمن أبناء الأنصار؟. قال: لا. قال: أفمن أبناء التابعين بإحسان؟. قال: لا. قال: أفمن فقراء المسلمين أنت فنجريك على ما نجري عليه الفقراء؟ قال: قدرتي فوق ذلك. قال: أفأنت ابن سبيل فنعينك على سفرك؟ قال: قدرتي فوق ذلك. فقال: يا جرير ما أرى لك بين الدفتين حقا. فولى جرير فقال عون: يا أمير المؤمنين إن الخلفاء كانت تعوده الإحسان، وإن مثل لسانه يتقى، فقال عمر: ردوه فرد فقال له عمر: يا جرير إن عندي من مالي عشرين دينارا وأربعة أثواب فأقاسمك ذلك. فقال: بل توفر يا أمير المؤمنين وتحمد. فلما خرج تلقاه الناس فقالوا له: ما وراءك؟ قال: خرجت من عند رجل يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، وإني له لحامد. ولم يذكره بسوء. وقال فيه حين مات:

_ [1] ديوان جرير ص 210- 211.

فالشمس كاسفة ليست بطالعة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمر [1] المدائني عن عوانة قال: كتب صالح بن عبد الرحمن وصاحب له إلى عمر بن عبد العزيز وكان يلي الخراج بالعراق: «إنه لا يصلح الناس إلا السيف» فغضب عمر وقال: أما تعجبون لربذتين من الربذ [2] ، خبيثين من الخبث يعرضان لي بدماء المسلمين، ما من الناس أحد إلا ودماؤكما أهون علي من دمه. المدائني قال: كتب عمر إلى أهل البصرة كتابا ذكر فيه يزيد بن المهلب فقال: «إنه لم يكن من أئمة الهدى، ولا الأعوان على التقوى» . المدائني قال: أتى رجل من آل قتيبة عمر بن عبد العزيز فوقع في يزيد بن المهلب عنده وتظلّم وهو ساكت، ثم قذفه فقال عمر: أخرج مما قلت فلم يخرج، فأمر سليمان بن حبيب فحده. المدائني قال: حبس عمر يزيد بن المهلب فقيل له: إنه شريف له موضع. فقال: إنه صاحب فتك، وليس له خير من السجن. حَدَّثَنِي دَاوُد بْن عَبْدِ الحميد قَاضِي الرقة عن مروان بن معاوية عن عيسى بن المغيرة عن مزاحم بن زفر قال: كنا بسمرقند وعليها محمد بن المهلب فخرج علينا شار يوم جمعة وضرب رجلًا من بني عجل بالسيف فأخذ. ودعا محمد بن الضحاك ابن مزاحم صاحب التفسير فسأله عن أمره فقال: أرى أن تحبسه حتى تنظر ما حال المضروب. فحبسه وكتب إلى

_ [1] ديوان جرير ص 235. [2] الربذة: رجل لا خير فيه. وخرقة الحائض وخرقة يجلو بها الصائغ الحلى. القاموس.

يزيد بن المهلب، فكتب به إلى سليمان بن عبد الملك فوافاه الكتاب وقد مات سليمان، وولي عمر بن عبد العزيز، فكتب عمر: «أما بعد فانظر فإن كان المضروب مات من ضربة الحروري فادفعه إلى أوليائه ليقتلوه، وإن كان قد برئ فأقصه منه ثم احبسه في محبس قريب من أهله حتى يتوب من هواه الخبيث الذي خرج عليه أو يموت» . قالوا: وأشرف سليمان في حجته من عقبة قديد، فنظر إلى عسكره، فأعجبه ما رأى من كثرة سواده، فقال: كيف ترى يا أبا حفص؟. فقال: أرى دنيا يأكل بعضها بعضا، أنت المبتلى بها والمسؤول عنها. ونعب غراب فقال: ما تراه يا أبا حفص يقول؟. قال: لا أدري وإن شئت قلت لك. المدائني قال: مرض عمر بن عبد العزيز فقال مسلمة: آتيك بمائة ألف درهم تتصدق بها؟ قال: أفلا تصنع خيرا من ذلك؟ قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: تردها إلى حيث أخذتها منه فإنه خير لك. المدائني قال: قال مسلمة لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين أما تمل الخل والزيت؟ قال: إذا مللتها تركتهما حتى اشتهيتهما. حدثنا هشام بن عمار عن الوليد قال: دخل بعضهم على عمر بن عبد العزيز حين ولي الخلافة فقال: من تكن الخلافة زينته فإنك زينتها، وإنك لكما قال الشاعر: وتزيدين طيب الطيب طيبا ... إن تمسيه أين مثلك أينا فإذا الدر زان حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا

قال: دعني فأنا أعلم بنفسي وذنوبي، إني إلى عفو الله عني أحوج مني إلى تقريظك إياي. قال: وقال الوليد: أثنى قوم على عمر فقال لهم: يا هؤلاء دعونا من ثنائكم وأمدونا بدعائكم. حدثني أبو بكر الأعين عن السهمي عن أبيه وغيره أن عدي بن أرطاة كتب إلى عمر بن عبد العزيز يستأذنه في عذاب قوم من عمال الخراج بلحوا [1] في يديه وامتنعوا من أداء ما عليهم، فكتب إليه: «أما بعد فالعجب كل العجب من استئذانك إياي في عذاب البشر، كأني جنة لك من عذاب الله، أو كأن رضائي ينجيك من سخط الله، فمن أعطاك ما قبله عفوا فاقبله، ومن قامت عليه البينة فخذه بما ثبت بالبينة عليه، ومن أنكر فاستحلفه، فو الله لأن يلقوا الله بجناياتهم أحب إلي من أن ألقاه بعذابهم، والسلام» . وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا سعيد بن عامر عن عون بن المعمر قال: كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز: «أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد مات» ، فكتب إليه عمر: «أما بعد فكأنك بالدنيا وكأنها لم تكن، وكأنك بالآخرة وكأنها لم تزل، والسلام» . حدثني أبو أيوب الرقي المعلم عن النفيلي قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى الجراح بن عبد الله الحكمي: «أما بعد فكأنك بالدنيا وكأنها لم

_ [1] بلح: أعيا. القاموس.

تكن، وكأنك بالآخرة وكأنها لم تزل، واعلم أن من علم أن كلامه من عمله أقل كلامه إلا فيما يعنيه وينفعه. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ المبارك بن سعيد عن أبي حمزة الثمالي قال: أطرى ابن الأهتم بني أمية، وأفرط في مدحهم فقال عمر: من سَرَّهُ أن ينظر إِلَى الأفاك الأثيم فلينظر إِلَى ابن الأهتم. فَلَمَّا استخلف قال: لا يدخل علي ابن الأهتم ولا خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري فإنهما مُقْوِلان، وإن من البيان ما فيه سحر. حدثني عبد الله بن صالح عن زهير بن معاوية أن عمر بن عبد العزيز عزل بعض قضاته، فلما قدم عَلَيْهِ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لم عزلتني؟ قال: لأن كلامك أكثر من كلام الخصمين إذا تحاكما إليك. وقال هشام بن عمار: قال همام بن مصاد: دخلت على عمر، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا بن مصاد إن في الجسد مضغة إليها يأوي خيره وشره فأصلحوا قلوبكم تصلح أعمالكم. حَدَّثَنِي دَاوُد بْن عَبْدِ الحميد قَاضِي الرقة عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض عماله: «أنزل رعيتك بمنزلة ولدك، فوقر كبيرهم، وارحم صغيرهم، وقوم ناشئهم» . حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح عَن الليث بْن سعد قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى الجراح بن عبد الله الحكمي: «أما بعد: فدع من الحلال ما يكون حاجزًا بينك وبين الحرام، فإن من استوعب الحلال كله تاقت إلى الحرام نفسه، وعليك بالقصد فإن الإسراف من عمل الشيطان، والسلام» .

حدثني محمد بن الأعرابي عن الأباني قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى سالم بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة الكندي، فقال: قد وليت هذا الأمر وابتليت به فأشيروا علي، فقال سالم: اجعل الناس ثلاثة أصناف أبا، وأخا، وابنا. فبر أباك، وصل أخاك، وارحم ابنك. وقال محمد بن كعب: اجعل الدنيا يوما صمته عن لذاتك، فكأن فطرك عليه الموت. وقال رجاء بن حيوة: أحب للناس ما تحبه لنفسك، وأكره ما تكرهه لنفسك، واعلم أنك أول خليفة يموت. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ عَنْ يحيى بْن يمان عَنْ سُفْيَان قَالَ: بلغنا أن محمد بن يوسف أخا الحجاج ضرب على أهل اليمن خرجا جعله وظيفة أخصبوا أو أجدبوا، فلما ولى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتب إليه عامله يعلمه ذلك فكتب: «ألغ تلك الوظيفة، واقتصر بالناس على عشر ما سقي سيحا أو سقته السماء ونصف عشر ما سقي بالغرب والسواني [1] ، فو الله لأن لا يأتيني من اليمن حفنة كتم أحب إِلَى منَ إقرار هَذِهِ الوظيفة» . فلما ولي يزيد بْن عَبْد الملك أمر بردها. المدائني عن مسلمة بْن محارب قَالَ: لما ولي محمد بْن يوسف اليمن أساء السيرة، وظلم الرعية وضرب عَلَى أهل اليمن خراجا جعله وظيفة عليهم، فلما ولى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتب إِلَى عامله يأمره بإلغاء تلك الوظيفة والاقتصار على العشر والصدقة، وقال: «والله لأن لا يأتيني من

_ [1] الغرب: الراوية والدلو العظيمة والسانية: الغرب وأداته والناقة يسقي عليها.

اليمن حفنة كتم أحب إِلَى منَ إقرار هَذِهِ الضريبة» . فلما ولي يزيد أمر بردها وكتب إلى عروة بن محمد: إن ابن عبد العزيز كان مغرورا منك ومن أشباهك فأعد على أهل اليمن الضريبة التي كان عمر أمر بإسقاطها، ولو صار أهلها حرضا [1] . المدائني قال: دخل على عمر بن عبد العزيز سالم السندي، وكان من خاصته، فقال له: أسرك ما وليت أم ساءك؟ قال: سرني للناس وساءني لك. قال: إني أتخوف أن أكون قد أوبقت نفسي، قال: ما أحسن حالك إن كنت تخاف، إنما أخاف عليك ألا تخاف. قال: عظني. قال: إن آدم أخرج من الجنة بخطيئة، فتدبر أمرك، واحفظ نفسك. قال: وقال عمر لمحمد بن كعب: عظني. فقال: لا أرضى نفسي لموعظتك لأني لأصلي بين الفقير والغني فأميل إلى الغني، ويدخل الفقير والغني علي فأوسع للغني. فقال عمر: فاستغفر الله. وبكى. المدائني عن سحيم بن سفيان قال: ولى عمر بن عبد العزيز أيام توليته المدينة للوليد بن عبد الملك رجلًا يقال له راشد، ويكني أبا علي، الربذة فضرب رجلًا من بني أسد يقال له بعثر، فركب إلى عمر وأنشأ يقول: أقول لراشد أمسك كتابي ... وخل لناقتي عنك السبيلا ستجمع بالمدينة وابن ليلى ... وحكمته التي تشفي الغليلا وأتى عمر فشكا إليه فبعث إلى راشد ثم قال لبعثر: اضربه كما ضربك، فضربه ثم أتى راشد بإهاب فلبسه فقال بعثر:

_ [1] أي حتى لو أشرفوا على الهلاك وطال همهم وسقمهم. القاموس.

رأيت أخا الصفاء أبا علي ... يعاتبني ويدرع الإهابا يقول ظلمتني وأقول كل ... أصاب إلى أخيه ما أصابا وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَن الوليد بْن مُسْلِم عمن سمع عمر بن عبد العزيز يقول: ما كذبت مذ عرفت أن الكذب يضر بأهله. وقال أبو اليقظان: ثنا جويرية بن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم كاتب عمر بن عبد العزيز، وهو مولى لآل الزبير قال: ما كتبت له قط في أكثر من شبر حتى خرج من الدنيا. وقال أبو اليقظان: لما قدم عمر المدينة واليا عليها، دخلت عليه قريش، فقال أبان بن عثمان بن عفان: قد أتاكم أمير مضطلع بأمره. وقال أبو اليقظان، ثنا جويرية بن أسماء عن إسماعيل قال: قال عمر: ما تركت من الدنيا شيئا تتوق إليه نفسي إلا البراذين فإني كنت أجد لها تحت ذي وطاء لا أجده لغيرها من المراكب. حدثنا محمد بن مصفى الحمصي عن أبيه قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز كتب إليه سابق البريري أو أنشده: باسم الذي أنزلت من عنده السور ... والحمد لله أما بعد يا عمر إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر ... فكن على حذر قد ينفع الحذر واصبر على القدر المجلوب وارض به ... وإن أتاك بما لا تشتهي القدر فما صفا لامرئ عيش يسر به ... إلا سيتبع يوما صفوه كدر في أبيات.

قالوا: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي: إياك والمزاح، فإنه يذهب بالمروءة، وينبت الضغائن. وقال عمر بن عبد العزيز: قال عمر بن الخطاب: الرأي كثير والحزم قليل. وقال أبو اليقظان عن جويرية: غضب عمر بن عبد العزيز فقال ابنه عبد الملك: أتغضب في قدرك وموضعك الذي وضعك الله به؟ فقال: أو ما تغضب أنت يا عبد الملك؟ فقال: فما ينفعني سعة جوفي إذا أنا لم أردد الغضب فيه حتى يسكن. فتبسم عمر. فلما حضرت عبد الملك بن عمر الوفاة قال له عمر: كيف تجدك يا بني؟ قال: أجدني في الموت فاتق الله يا أبه واصبر. فقال: يا بني ما خلق الله عينا تطرف أحب إلي ولا أعز علي منك، ولأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك. فقال: يا أبه. ولأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب. فمات يوم خميس، فخرج عمر في جنازته وقد اكتحل وسرح لحيته وقال: أحببت أن أرغم الشيطان. وقال: الذي نزل بعبد الملك أمر كنا نتوقعه، فلما أتى لم ننكره. وقال كثير: وحض الذي ولى على البر والتقى ... ولم يهمم الباقي بأن يتخشعا ولو نزلت مثل الذي نزلت به ... بركن شديد من أجأ لتصدعا فأصبحت كالمبقي له بعض نفسه ... عياضا وبعض قد تولى فودّعا [1]

_ [1] ديوان كثير ص 113، وفيه البيتين الأول والثاني فقط.

فلما كان يوم الجمعة صعد المنبر فقال: الحمد لله على ما أعطى والحمد لله على ما بقى، والحمد لله على ما أخذ. ثم كتب إلى جميع عماله: عدي بن أرطاة الفزاري وغيره: «إن الله وهب عبد الملك بن عمر فمتعني به ما شاء أن يمتعني به، ثم قبضه إليه، فأعوذ بالله أن تكون لي مشيئة في غير ما أحب الله، فإذا جاءك كتابي هذا فلا أعلمن ما بكي عليه قبلك، وأكثر من الاستغفار له إن شاء الله، والسلام» . وقال سحيم بن حفص: قام عمر على قبر ابنه حين دفنه فقال: رحمك الله إن كنت لتسرني حيا فأنا بك اليوم أسر، فرحم الله من قال: رحمك الله يا عبد الملك. المدائني عن سحيم أن عبد الملك قال لعمر أبيه: يا أبه لعله يمنعك أن تقوم بالحق مخافة هؤلاء- يعني بني مروان- فو الله لوددت أن القدور تغلي بنا وبهم. فقال: يا بني صبرا فإن الخمر كانت محرمة عند الله، فأنزل فيها آيتين قبل أن ينزل تحريمها. وقال أبو اليقظان: بلغ عمر عن ابنه عبد الملك أمر كرهة فكتب إليه: «بلغني عنك بعض ما أكره، ولو كنت تقدمت إليك فيه لأتاك مني ما تكرهه، واذكر أن أباك كان عند أبيه مطرحا يفضل عليه الكبير ويؤثر عليه الصغير، واذكر أن أمك كانت أمة من الأعاجم وليست من خيارهم، فلئن عدت ليأتينك مني ما لا تحب إن شاء الله» . وقال عمر بن عبد العزيز: إنه لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا خشية له، وإن أيمن أحدكم وأشأمه لسانه، فمن حفظ لسانه أراح نفسه وسلم المسلمون منه، وإن قوما صحبوا سلاطينهم بغير ما يحق عليهم فعاشوا

بخلافهم وأكلوا بألسنتهم وخلبوا الأمة بالمكر والخيانة والخديعة، ألا إن كل ذلك في النار، ألا فلا يقربنا من أولئك أحد لا سيما خالد بن صفوان وخالد بن عبد الله. المدائني قال: قال عمر بن عبد العزيز لمعلمه: كيف كانت طاعتي لك وأنت تعلمني؟ قال: أحسن طاعة. قال: فقد ينبغي أن تطيعني كما كنت أطيعك، خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك، وخذ من قميصك حتى تبدو عقباك. حدثني عبد الواحد بن غياث البصري عن جويرية بن أسماء قال: كتاب أَبُو بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْمٍ إلى عمر ثلاثة كتب فأجابه عنها في كتاب واحد إليه: «إن من كان قبلي من أمراء المدينة كانت تجري عليهم أرزاق للشمع، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجريها لي فليفعل» . وكتب إليه: «إن مسجد بني عدي بن النجار، أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استهدم فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر ببنائه فليفعل» . وكتب إليه إن قوما من الأنصار قد بلغوا أسنانا ولم يبلغ عطاؤهم الشرف فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإثباتهم في شرف العطاء فليفعل» . فافتض عمر كتبه ثم كتب: «أما ما ذكرت من أمر الشمع فطالما مشيت في طرق المدينة في الليلة الظلماء، وأنت لا يمشى بين يديك بشمع، ولا يمشي خلفك رجال قريش والأنصار. وأما مسجد بني عدي فقد كنت أحب أن أخرج من الدنيا ولم أضع لبنة على لبنة ولا آجرة على آجرة، فابنه واقتصد في النفقة.

وأما ما ذكرت من أمر الرجال الذين بلغوا سنا ولم يبلغ عطاؤهم الشرف، فإنما الشرف شرف الآخرة، والسلام» . المدائني عن مسلمة أن عدي بن أرطاة كتب إلى عمر: «إن قوما من أهل الذمة تعوذوا بالإسلام مخافة الجزية، فليكتب إلي أمير المؤمنين فيهم برأيه» ؟ فكتب إليه: «إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم داعيا ولم يبعثه جابيا فمن دخل في المسلمين فله ما لهم وعليه ما عليهم، فانظر من كان من أهل الذمة فأظهر الإسلام واختتن وقرأ سورا من القرآن، فأسقط الجزية عنه إن شاء الله والسلام» . المدائني وغيره قالوا: كتب عمر إلى عدي: «أما بعد فما بقاء الدين مع وسوسة الشيطان، وجفوة السلطان، فأعط كل ذي حق حقه والسلام» . حدثني إسماعيل بن أبي زيد الأنطاكي، أخو ثمامة الكاتب، قال: حدثني شيخ لنا قال: أصابت الناس زلزلة، فكتب عمر: أما بعد فإن الله ذو قدرة غالبة وعزّ قاهر، يعفو عمن يشاء، ويؤاخذ من أراد، وإن هذه الرجفة عتاب من الله لخلقه، فاعتبوه بطاعته، وخافوا عقابه، فإنه يقول: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ. أو أمن أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ. أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إلا القوم الخاسرون) [1] .

_ [1] سورة الأعراف- الآيات: 97- 99.

وحدثنا الْحُسَيْن بْن علي الأسود العجلي عَنْ يَحْيَى بْن آدم عن فضيل بن عياض قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عدي بن أرطاة: «أما بعد فإن الله سبحانه وبحمده إنما جعل الجزية على من رغب عن الإسلام غيا وخسرانا، فانظر من كان قبلك من أهل الذمة ممن كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت محاسنه فأجر عليه قوته من بيت مال المسلمين والسلام» . حدثني الحسين عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قال: كتب عمر بن عبد العزيز: «من غلب الماء على شيء فهو له» [1] . حدثني الحسين بن علي الأسود، ثنا محمد بن يزيد العقدي عن محمد بن طلحة عن داود بن سليمان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن: «أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة، وجور في الأحكام، وسنن سنها عليهم عمال السوء، وإن قوام الدين، وصلاح الرعية العدل والإحسان، فلا يكونن شيء أهم إليك من نفسك حتى توطنها بطاعة الله، وأنا آمرك أن توظف عليهم خراجهم ولا تحمل خرابا على عامر، ولا عامر على خراب، وخذ من الخراب ما أطاق وأصلحه حتى يعمر، ولا تأخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسهيل من غير عنف وإرهاق لأهل الأرض ولا تأخذ في الخراج إلا وزن سبعة ليس فيها آيين [2] ، ولا أجور الصرافين، ولا هدايا النوروز والمهرجان، ولا دراهم

_ [1] الخراج ليحيى بن آدم ص 92. [2] الآيين: الرسم أو العادة، أو الدأب، أو المتداول أو التشريفات. المعجم الذهبي، فارسي عربي.

النكاح، ولا ثمن الصحف، ولا أجر البيوت، ولا أجور الفيوج [1] ، ولا خراج من أسلم من أهل الذمة، ولا تعجل دوني بقتل ولا قطع، والسلام» . قالوا: وكتب عمر إلى العمال: «أما بعد: فإنه كان في الناس من أهل هذا الشراب أمر ساءت فيه رعيتهم حتى بلغت بهم إصابة الدم الحرام، والمال الحرام، والفرج الحرام، وهم يقولون: شربنا شرابا لا باس به، وإن شرابا حمل على هذه المحارم لعظيم البلاء كثير الإثم، وقد جعل الله المندوحة والسعة في أشربة ليس في الأنفس منها حاكة [2] ، ولا ريب الماء الفرات واللبن العذب والعسل الماذي والسويق، وفي أشربة كثيرة من نبيذ التمر والزبيب المنبوذ في أسقية الأدم التي لازفت فيها، فإنه بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه [نهى عن نبيذ الظروف المزفتة وعن الدباء والحنتم،] وقيل كل مسكر حرام، فاستغنوا بما أحل الله عما حرم، فإنه من شرب بعد تقدمنا إليه من هذه الأشربة المكروهة أوجعناه عقوبة، ومن استخفى عنا فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا، وقد أردت بكتابي إليكم اتخاذ الحجة عليكم في اليوم وما بعده، نسأل الله أن يزيد المهتدي منا ومنكم هدى وأن يقبل بالمسيء منا ومنكم إلى التوبة في يسر منه وعافية، والسلام» . المدائني عن خالد بن يزيد عن أبيه قال: أغلظ رجل لعمر بن عبد العزيز فأمر بتجريده ثم قال: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) [3] خلّوا سبيله.

_ [1] الفيوج: الرسل. [2] أي شك. القاموس. [3] سورة آل عمران- الآية: 134.

المدائني قال: أبلغ رجل عمر كلاما عن رجل غاظه فهم بعقوبته ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منه اليوم ما ينال مني في مثله غدا، خلوا سبيله. المدائني عَنِ المبارك بْن فضالة قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عدي بْن أرطاة: «أما بعد فإني كنت كتبت إِلَى عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ أن يقسم ما وجد بعمان من عشور الحب والتمر في فقراء أهلها، ومن سقط إليها من أهل البادية وإضافته إليها أهل الحاجة والمسكنة وانقطاع السبل، فكتب إِلَى أنه سأل عاملك قبله عن ذلك الطعام والتمر فذكر أنه قَدْ باعه وحمل إليك ثمنه، فأردد إِلَى عَمْرو ما كان عاملك حمل إليك من ثمن التمر والحب ليضعه في المواضع التي أمرته بوضعه فيها، ويصرفه إليها إن شاء الله، والسلام» . المدائني قال: قدم يزيد بن المهلب أخاه إلى خراسان فحبس وكيع بن أبي سود، فبكى فقيل له: أتبكي يا أبا مطرف جزعا من الحبس؟ فقال: وددت أني ويزيد بن المهلب، وسليمان بن عبد الملك في النار فلعن الله أجزعنا، ولكني أبكي لأني قتلت قتيبة ثم يعزلني ابن العبسية، ويولي يزيد. فلما ولي عمر بن عبد العزيز بلغه ذلك فقال: لوكيع على جفائه خير من يزيد بن المهلب، على أنه لا خير في واحد منهما. قال المدائني: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وولى عدي بْن أرطاة الفزاري البصرة أراد أن ينشئ غرفًا فوق دار الإمارة، فكتب إليه عمر:

«هبلتك أمك يا بن أم عدي، أيعجز عنك منزل وسع زيادا وآل زياد» ؟. فأمسك عدي. حَدَّثَنَا بَسَّامٌ الْجَمَّالُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عن أيوب أن قتيلًا وجد بالبصرة في بني نمير فكتب فيه إلى سليمان بن عبد الملك، فكتب إلى عامله «أن استحلف خمسين رجلًا على قاتله، فإن حلفوا فأقده» . فلم يفعل حتى ولي عمر بن عبد العزيز، فكتب إلى عمر في أمره فكتب: «إن شهد على قاتله عدلان فاقتله، وإلا فلا تقتله» . المدائني عن عبيس بن بيهس قال: جاء رجل من بني عزيز بن ثعلبة بن يربوع إلى عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين اسقني سقاك الله. قال: أين؟. قال: بالخرنق [1] فإنه طريق لا يطؤه الناس ولا يتطرقونه. فكتب عمر إلى عدي بن أرطاة: «أما بعد: فإن رجلًا من بني ثعلبة بن يربوع يقال له فلان استحفرني بالخرنق فاحفره، ومن جاءك من أسود الناس وأبيضهم يستحفرك فأحفره، واشترط أن ابن السبيل أول ريان، وأن حريم البئر طول رشائها، والسلام» . قالوا: وكتب عمر إلى عدي: «أما بعد فاستوص بمن في سجون أرضك خيرا، ولا تصيبنهم ضيعه، وأقم لهم ما يصلحهم من الطعام والأدام من مال الصدقة إن شاء الله» .

_ [1] الخرنق: موضع بين مكة والبصرة. معجم البلدان.

وكتب إلى عدي: «أما بعد فما كان عندك من لقطة فحال عليها الحول فأخرج ما يجب فيها من الصدقة فضعه في أهل المسكنة والحاجة، ما كانت عندك، حتى يجيء لها طالب، وليكن ذلك شأنك وشأنها حتى يبقى منها ما لا تجب فيه الصدقة إن شاء الله، والسلام» . وكتب عمر إلى بعض عماله: «أما بعد فقد بلغني أن كثيرا ممن قبلك من أهل الذمة قد لبسوا العمائم وتشبهوا بالمسلمين في زيهم، فامنعهم من ذلك أشد المنع، وخذهم بأن يحلقوا أوساط رؤوسهم، إن شاء الله، والسلام» . المدائني قال: وعظ عمر بن عبد العزيز قوما من أهل بيته، فقال مسلمة: جزاك الله يا أمير المؤمنين خيرا، فلقد ألنت منا قلوبا قاسية، وأبكيت عيونا جامدة، وأحييت لنا في الصالحين شرفا وذكرا. المدائني قال: خطب عمر فقال: أيها الناس أصلحوا من سرائركم تصلح علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تكفوا أمر دنياكم، فإنّ امرأ ليس بينه وبين آدم أب حي لمعرق له في الموت. شريح عن إسماعيل بن علية أن صالح بن عبد الرحمن بعث توبة العنبري إلى سليمان في أمر فقال: إذا فرغت من أمر سليمان فائت عمر بن عبد العزيز فاعرض عليه الحوائج. فلما أتى قال: عليك بتقوى الله وما يبقى لك عند الله فإن الذي يبقى لك عنده باق عند الناس والذي لا يبقى لك عند الله غير باق لك عند الناس. فأبلغ ذلك صالحا فقال: أسمعتم قط بكلام أحسن من هذا؟

المدائني عن موسى بن يزيد عن عمه قال: قال هشام لرجاء بن حيوة: ألست صاحب عمر يوم ناجيته في الدار وقد توفي سليمان؟ فقال: يا أمير المؤمنين، والله ما دعاني ولا ناجاني إلا في صرف الخلافه عنه. فقال هشام: رحم الله أبا حفص كان في أمر وكنا في غيره. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ مسلمة بن عبد الملك لعمر: ألا توصي ببنيك؟ قال: أوصي بهم الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. المدائني قال: قال عبد الملك بن مروان يوم احتضر: إن بني صبية صغار ... أفلح من كان له كبار إن بني صبية صيفيون ... أفلح من كان له ربعيون فقال عمر بن عبد العزيز وكان عنده: (أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [1] . قال: وكتب عمر إلى الناس: «أما بعد فإن صدقة الفطر سنة مؤكدة، فأدوا صدقة الفطر عن أهليكم: حرهم ومملوكهم، صغيرهم، وكبيرهم، وليكن ما تؤدون عن كل رأس صاعا من شعير أو تمر، أو نصف صاع من بر ليقسم عاملكم ذلك في أهل المسكنة والحاجة من الحاضرة دون أهل البادية إن شاء الله، والسلام» . قالوا: وكتب عبد الحميد بن عبد الرحمن إلى عمر بن عبد العزيز: «إن قوما من أهل الخراج كانوا إذا أرادوا كسر خراجهم جلوا من أرض إلى

_ [1] سورة الأعلى- الآيتان- 14- 15.

أخرى، وإني أمرت أن تجعل أرض من جلا صافية، وأرجو أن يتركوا بذلك عادتهم إن شاء الله» . فكتب إليه عمر: «أما بعد فقد بلغني كتابك، ولعمري لئن لم تدع رجلًا خرج من أرض إلى أرض ومن قرية إلى قرية إلا أخذت أرضه ثم عزلت أم مت لينقطعن صاحب الأرض عنها وتبوء بإثمه، وما يجلو رجل عن أرضه إلا بأن يحمل فوق طاقته، فإياك أن تعمل وعمالك بعمل ابن يوسف وعماله، فإنهم كانوا مفسدين وقد قضى الله بأنه لا يصلح عمل المفسدين، وتألف أهل الأرض فإن أرضيهم وبلادهم أحب إليهم من الجلاء إذا عدل عليهم ورفق بهم إن شاء الله والسلام» . المدائني عن بقية بن عبد الرحمن عن أبيه قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى بعض إخوانه: «أوصيك بتقوى الله الذي ابتدأك بإحسانه واحتج عليك بأنبيائه وبرهانه، فإنك مختبر بما كلفت، ومرتهن بما عملت، وكأن قد وافيت مضجعك، وطالعت مرجعك، واضمحلت عنك الدنيا، ثم بعثت يوم النشور، ووقفت بين يدي الملك القدير ليجزيك بما كدحت، ويسألك عما اجترحت. فاعمل بدنك فيما ينجيك، ودع عنك ما لا يعنيك، فإن الدنيا قد أدبرت، وإن أمورها قد تكدرت، وقد رأيت من تقلب أحوالها وتصرف أمورها ما فيه معتبر وموعظة لمن أبصر، أعاننا الله وإياك على تقواه، وألهمنا وإياك رضاه، تعاهدني يا أخي بكتابك فإن الكتب من الإخوان تديم الود والعهد، وتدعو إلى التواصل والتناصح، ولا قوة إلا بالله» . وقال بعضهم: إن الرجل كتب إلى عمر بهذا الكتاب.

وقال محمد بن مصفى الحمصي: كتب عمر إلى الجراح الحكمي أو غيره من عماله: «أما بعد، فإذا قدرت على عقوبة العباد، فاذكر قدرة الله عليك، فاعف له ما لم يكن في العفو مفسدة في الدين واستخراج من القوم المذنبين، فإنك بالله تعز، واليه ترجع» . المدائني قال: كتب عمر إلى أبي أمامة الحمصي يعزيه بابن له استشهد: «أما بعد: فالحمد لله على آلائه وقضائه، وقد بلغني الذي ساق الله إلى عبد الله بن أبي أمامة من الشهادة، فقد عاش في الدنيا مأمونا وأفضى إلى الآخرة شهيدا، فقد فاز بما خص الله به الشهداء من الفضيلة والكرامة، فليس شيء نعلمه وإن عظم خطره وجل ثوابه أعظم عند الله تبارك وتعالى وعند عباده الذين أوتوا العلم والفهم من الشهادة، فمن خصه الله بها فقد أفلح وأنجح وربح، ووسمه الله سمة الأبرار، فهو في جوار الله وتحت عرشه قد انقطعت عنه مرارة الدنيا وعلاجها، وصار إلى عيش الأخرة وحبورها، نسأل الله الذي بيده نواصي العباد أن يرزقنا وإياكم الشهادة والسعادة بقدرته والسلام» . حدثنا عمرو الناقد وأبو عبيد القاسم بن سلام قالا: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، أنبأنا سفيان بن حسين أن عاملا لعمر بن عبد العزيز كتب إليه فترك نقط سين «بسم الله» وتبيينها، فأشخصه إليه فقال الناس: فيم أشخص فلان؟ فقيل: أشخص في سين، فعلقها الناس. المدائني عن مسلمة قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عماله: «أما بعد فإن الصلاة أحق ما تعهده المرء من نفسه، ومن ولاه الله أمره. فأقيموا الصلاة في بيوتكم ومساجدكم لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها، وترتيل

ما تقرأون من القرآن فيها، فإن الله جعلها (عَلَى المؤمنين كتابا موقوتا [1] ، وتعهدوا الناس في الزكاة وحضوهم عليها، فإن من أداها أجر، ومن استخف بحقها وبذر كانت حجة عليه، نسأل الله أن يجعلنا مطيعين له مجتهدين في مرضاته، والسلام» . وكتب عمر إلى عدي بن أرطاة: «أما بعد فقد أتاني كتابك تسأل عن القضاء بين الناس، والقضاء بين الناس باتباع ما في كتاب الله، ثم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ما حكم به أئمة الهدى، ثم استشارة ذوي الرأي والعلم، فما أتاك من الحكم فلم تجده في الكتاب نصا، ولا في السنة رواية، ولا أخبرك به مخبر عن الأئمة الأبرار، فسل عنه أهل العفة والمعرفة، ثم احكم بالعدل، ولا تؤثر أحدا على أحد، إن شاء الله. وسألت عن ميراث رجل وهب ولاءه أو باعه غير مستكره فإن الولاء لمن أعتق، لا يباع ولا يوهب، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم [أن الولاء لمن أعتق] . وسألت عن الكافر يعتقه المسلم فهو مولى للمسلم، وميراثه راجع إلى بيت المال، لأنه لا يتوارث أهل ملتين، ويعقل عنه إذا جنى من مال الله. وسألت عن المرأة ترمي الرجل بنفسها أو يوجد معها وليس معهما أحد سواهما، والرجل جاحد وقد اتهم وأظن، وأن الحدود لا تقام إلا بالبينات أو الاعتراف، فاجلد من أخذته على ذلك جلد النكال على غير حد، ولا تقم الحدود بالتهم فإنها تدرأ بالشبهات، وما ستر الله عباده فاسترهم

_ [1] سورة النساء- الآية: 103.

به، واعلم أنك متمسك بالعدل ما أزلت الشك بالبينة، والشهود والعدول، والسلام» . قالوا: وكتب عمر إلى عدي بن أرطاة: «أما بعد: فاحص أهل المسكنة بالبصرة، واكتب إلي بعدتهم إن شاء الله» . فأحصاهم فبلغوا ثلاثين ألفا وتسعمائة وخمسة عشر إنسانا، فكتب إلى عدي يأمره أن يعطي كل إنسان جريبا في كل شهر من طعام كسكر والسواد إذا قدم عليه بالطعام» . قال: وجه عمر جيشا إلى الروم فمشى معهم ثم ودعهم وقال: اتقوا الله وقاتلوا أعداءه ابتغاء ثواب الآخرة، فإن الأجر للصابرين (فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) [1] . وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ قَالَ: بلغنا عَن عمر بن عبد العزيز أَنَّهُ قَالَ: التقى مفحم ملجم. حدثنا سعيد بن سليمان عَنِ المبارك بْن فضالة قَالَ: كتب عُمَر بن عبد العزيز إلى عامل له: «أمت كل بدعة، وأحي كل سنة من سنن الإسلام، وشريعة من شرائعه، ولا تأخذنك في الله لومة لائم» . المدائني عن المبارك بن سلام عن مجالد أن عاملا لعمر بن عبد العزيز كتب إليه يستأذنه في عذاب العمال، والبسط عليهم، ويذكر مقاسمة عمر بن الخطاب عماله، فكتب إليه: «قد فهمت كتابك ولم تعلمني عن مقاسمة عمر عماله شيئا إلا وقد علمته، ولعمري لغير ما استأمرتني فيه من أمر العمال أجمل في عاجل الأمر، وأسرع في درك البغية مما كان ابن يوسف

_ [1] سورة البقرة- الآية: 177.

وابن أبي مسلم، وصالح بن عبد الرحمن يفعلونه من العذاب بالجوامع، والمحبس الضنك، وسوء المطعم والمشرب، وغلظ الملبس، وفر من ذلك أشد الفرار، وانظر من كان في السجون في وثاق أو في مطعم سوء ومشرب سوء، فنفس عنهم وأطلقهم، وأحسن أسار من أسرت، وليس رأيي في العمال إلا محاسبتهم فيما ولوا فمن أدركنا عليه حقا أخذناه به، ومن لم ندركه عليه خلينا سبيله حتى يحكم الله فينا وفيهم بما شاء والسلام» . وقالوا: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: «كتبت تسال عن الرجل من الموالي يكون له ذوو رحم لهم عدد، وله مال يرثونه دون مواليه فيحدث حدثا، أيكون عقله عليهم دون مواليه، وإن الموالي لا يحملون العقل، والموالي ثلاثة: مولى رحم، ومولى عتاقة يورث ولا يرث ومولى عقل لا يرث ولا يورث وميراثه لعصبة رحمه» . حدثنا عفان بن مسلم، ثنا جرير بن حازم قال: قرأت كتاب عمر إلى عدي: «أما بعد فقد بلغني كتابك تسأل عن شهادة الأربع النسوة المرضيات أتجيزها أم لا، وكتبت تسال عن العبد يقذف الحر، وذكرت أنه بلغك أني كنت أضربه في عملي على المدينة أربعين جلدة، ثم جلدته في آخر عملي ثمانين، وإن جلدي الأول كان رأيا رأيته، وإن جلدي الآخر وافق ما في كتاب الله لأن الله يقول: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شهداء فاجلدوهم ثمانين جلده) [1] لم يسمّ فيها حرا ولا مملوكا، فاجلده ثمانين.

_ [1] سورة النور- الآية: 4.

فأما شهادة النسوة الأربع فإني لم أسمع في الكتاب بشهادة خلصت فيها نساء إلا ومعهن رجل فانته من الأمر إلى ما تعرف، ودع ما تنكر، واعلم أنّ أحدا لا يستطيع إنفاذ حقوق الناس بينهم حتى لا يبقى منها شيء، ولا بد من أن تستأخر قضايا كثيرة إلى يوم الحساب، والسلام» . حدثني عمر بن شبه، ثنا عمرو بْن عاصم عَنْ حماد بْن سلمة عن حميد أن رجلًا اختلس طوقا من عنق جارية فارتفعوا إلى عدي بن أرطاة، فسأل عدي الحسن [1] فقال: لا تقطعه. وقال إياس بن معاوية بن قرة: اقطعه. فكتب عدي بذلك إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب عمر: «إن العرب كانت تسمي هذا: العادي، فاجلده، واستودعه الحبس» . حدثني خلف بن هشام البزار، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أبي النجود أن عدي بن أرطاة كتب إلى عمر: «إني أخذت رجلًا يسبك فهممت بقتله، ورفع إلي رجل قتل في السوق فاتهم به فساق من فساق أهل البصرة، ولم تقم عليهم البينة» ؟ فكتب إليه: «أنظر القتيل فده من بيت مال المسلمين، وانظر الفساق فاحبسهم عن المسلمين، وأنفق عليهم من بيت المال، وانظر الذي سبني فسبّه، وإلا فخلّ سبيله، فو الله لو كنت قتلته لقتلتك به» . حدثني منصور بن مزاحم عن شعيب بن صفوان قال: استبطأ عمر بن عبد العزيز عديا في بعض الأمر، فكتب إليه: «إنك غررتني يا بن أم عدي بعمامتك السوداء» . المدائني عن عبد الله بن سلم أن عدي بن أرطاة خطب فشتم عليا

_ [1] الحسن البصري.

ولعنه، فكتب الحسن [1] بذلك إلى عمر فكتب عمر إلى عدي: «بلغني عنك أنك شتمت عليا ولعنته، ولبئس الرجل أنت، إن فعلت ذلك، وأقدمت عليه، فقبحك الله وترحك، وأنا أقسم لئن عدت لمثلها لأنهكنك عقوبة، ثم لأسيئن عزلك» . فأمسك عدي. فقال الشاعر: وليت فلم تشتم عليا ولم تخف ... بريئا ولم تقبل مقالة مجرم حدثني أبو بكر الأعين عن سعيد بن سليمان عن خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني قال: كتب عدي بن أرطاة إلى عمر: «إن الناس أصابوا خصبا وخيرا كادوا يبطرون له» ، فكتب إليه عمر: «إن الله رضي من أهل الجنة حين دخلوها بأن قالوا: الحمد لله رب العالمين، فمر من قبلك أن يحمدوا الله على ما آتاهم إن شاء الله والسلام» . المدائني قال: كتب عمر إلى عدي: «أن سل الحسن: ما بال نصارى العرب لا يؤخذ منهم الجزية» ؟ فسأله فقال: اكتب إليه: «إنك متبع ولست بمبتدع، إن عمر رأى في ذلك صلاحا» . حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ عَنْ عَوْفٍ قَالَ: كَتَبَ عمر إلى عدي: «أن سل الحسن: ما مَنَعَ مَنْ مَضَى مِنَ الأَئِمَّةِ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَ الْمَجُوسِ وَبَيْنَ مَا يَجْمَعُونَ مِنَ النِّسَاءِ» ؟ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنَ مَجُوسِ هَجَرَ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى مَجُوسِيَّتِهِمْ وَمَنَاكِحِهِمْ، وَأَقَرَّهُمْ أَبُو بَكْر، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ» . حدثني محمد بن أبان الطحان، ثنا أبو هلال الراسبي، ثنا شهر بن حوشب أنه استأذن على عدي بن أرطاة فقال الآذن: إنّ الأمير يقول:

_ [1] الحسن البصري.

لا تأذن له فإنه سبني. فقال له قتادة: إن خادم البيت يخبرك بما في أنفس أهلها، وإن عديا قد أخبرك بما في نفس صاحبه عمر، فلا غفر الله لمن لا يستغفر لهما- يعني عليا وعثمان-. المدائني عن الفضل بن سويد الضبي قال: كتب عمر إلى عدي: «أما بعد فإنه بلغني أن قوما قبلك إذا توضئوا رفعوا الطساس من بين أيديهم واحدا واحدا، وذلك من زي العجم، فلا يرفعن طس قبلك حتى يمتلئ أو يفرغ من آخر القوم» . المدائني عن يزيد بن إبراهيم، عن أيوب قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز: «مروا أهل الصلاح يتذاكروا السنن في مجالسهم، ومساجدهم، وأسواقهم» . المدائني قال: كتب عدي إلى عمر: «إنه قد ذكرت لي امرأة من أهل البصرة أعجبني دينها وموضعها وجمالها، وقد أحببت يا أمير المؤمنين أن تزوجنيها» . فكتب إليه: «إن كنت أصبت بعدي مالًا، فأهلك الذي صبروا على فقرك أحق بك. وإلا تكن أصبته فإن أجمل بك ألا يكون كما قال ابن دارة: إن الفزاري لا ينفعك. وأستغفر الله» . المدائني عن إسحاق المالكي قال: كتب عدي إلى عمر يستأذنه في تزوج هند بنت أسماء، فكتب إليه عمر: «إن الفزاري لا ينفعك، والسلام» . - يريد قول ابن دارة-:

لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكننها [1] بأسيار إن الفزاري لا ينفعك مغتلما ... يواصل الدهر تهدارا بتهدار عباس بن هشام الكلبي عن أبي مخنف قال: كانت الولاة من بني أمية قبل عمر يشتمون عليا ويلعنونه- فلما ولي عمر بن عبد العزيز أمسك عن ذلك. فقال كثير: وليت فلم تشتم عليا ولم تخف ... بريئا ولم تتبع مقالة مجرم تكلمت بالحق المبين وإنما ... تبين آيات الهدى بالتكلم فصدقت معروف الذي قلت بالذي ... فعلت فأضحى راضيا كل مسلم ألا إنما يكفي القنا بعد زيغه ... من الأود البادي ثقاف المقوم [2] فقال عمر حين أنشده هذا الشعر: أفلحنا إذا. المدائني عن أبي هلال الراسبي عن قتادة قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عدي: «أما بعد فإذا أبردت إلي بريدا فأبرده حسن الاسم حسن المنطق، خفيف اللحية يفهم عني ويفهمني مثل عذام الضبي» . حدثنا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عن سفيان عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر إلى عدي: «أنظر كل قرية ليسوا بأهل عمود، فمرهم أن يجمعوا» . حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ خليد بن دعلج قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عماله «أن اجعلوا أثمان كبول من تسجنونه من بيت المال، وإيّاكم أن تغرّموهم أثمانها» .

_ [1] الكن: وقاء كل شيء وستره. القاموس. [2] ديوان كثير ص 215.

المدائني عن أبي هلال قال: كتب عمر إلى عدي: إذا أشكل عليك أمر فسل عنه الحسن بن أبي الحسن» . المدائني قال: كتب عمر إلى عماله: «إن الله يقول: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [1] أي لا تقاتل من لا يقاتلك من النساء والصبيان والرهبان. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو داود الطيالسي، ثنا أبان بن جمعة، ثنا بكر بن عبد الله قال: كتب عدي بْن أرطاة إِلَى عُمَر بْن عبد العزيز يسأله عن أم الولد إذا زنت وقد ولدت من سيدها، هل تباع؟. قال: لا تباع وإن بغت. حدثنا شيبان بن فروخ، ثنا حماد بن سلمة، ثنا قتادة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطاة: «إن امرأة المفقود تعتد أربع سنين» . حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، أنبأنا حميد أن رجلًا كاتب عبده واشترط عليه أن له سهما في ميراثه. فسأل عدي إياس بن معاوية، فقال: السهم في كلاب العرب السدس، فكتب عدي إلى عمر بن عبد العزيز بذلك، فكتب إليه: «إن قضاء الله قبل شرطه. ليس له شيء» . حدثنا عمر بْن شبه عَن عفان عَن حماد بن سلمه عن حميد أن رجلًا أسلم على يد عبيدة بن أبي عاصم السلمي وترك عشرين ألفا فكتب عدي إلى عمر في ذلك، فكتب: «إن عبيدة أحق بميراثه» .

_ [1] سورة البقرة- الآية: 190.

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سلمة عن حميد أن رجلًا من موالي بني جشم قتل رجلًا خطأ، فسأل عدي الحسن عن ذلك، فقال: لا تعقل العرب عن الموالي، فكتب إلى عمر بذلك فكتب إليه عمر: «إن مولى القوم من أنفسهم، وهم أحق بميراثه، فليعطوا عنه» ، فجعل الدية عليهم. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة عن حميد أن قتيلا وجد بين بني عبس وبني قشير بالبصرة، فكتب فيه عدي إلى عمر، فكتب فيه عمر: «إن من القضايا قضايا لا يقضى فيها إلى يوم القيامة، وإن هذا منها» . حدثنا عفان عن حماد بن سلمة عن قتادة أن رجلًا باع امرأة حرة من رجل بأربعمائة درهم، وهربا فوجدا، وإذا ثمنها في هميان [1] في حقوها، فكتب فيها عدي إلى عمر، فكتب عمر: «أن عزرهما، واستودعهما السجن، ولا تقطعهما» . المدائني عن العباس بن محمد عن أبيه أن عمر كتب إلى بعض عماله: «أما بعد فإن الله أكرم بالإسلام أهله، ورفع به عنهم الصغار والذلة، فانظر من ادعى الإسلام فشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسوله، وأنه يؤمن بالله وملائكته ورسله، وأن عيسى عبد الله وكلمته ورسوله، إذا كان نصرانيا، وأن عزيزا عبد الله إن كان يهوديا، وحفظ عدد الصلاة وأوقاتها، وقرأ من القرآن فاتحة الكتاب فما زاد، وأحسن الوضوء، ووجدته مختتنا فضع عنه الجزية» .

_ [1] الهميان: شداد السراويل، ووعاء للدراهم. القاموس.

المدائني عن مسلمة وغيره قالوا: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل له: «أما بعد فإن الله أكرم بالإسلام أهله وشرفهم وأعزهم، وضرب الذلة والصغار على من خالفهم، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، فلا تولين أمور واحد من المسلمين أحدا من أهل ذمتهم وخراجهم فتنبسط عليهم أيديهم وألسنتهم فتذلهم بعد أن أعزهم الله، وتهينهم بعد أن أكرمهم الله، وتعرّضهم لكيدهم والاستطالة عليهم مع ما لا يؤمن من غشهم إياهم، فإن الله يقول: (لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا ودوا ما عنتّم) [1] . ويقول: (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أولياء بعض) [2] والسلام» . المدائني عن مسلمة قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عدي في عزل من كان من العمال من أهل الذمة وأن لا يستعين بهم. فعزل ابن رأس البغل، وابن زاذانفروخ بن بيزي، وأقر زاد مرد بن الهربذ، فكتب إليه في عزله فعزله. قال: وكتب عمر في إباحة الأحماء ليرعى الناس فيها، وكتب إلى بعض عماله: «كتبت تسأل عن الأسير أيكتب إلى أهله بوصيته وفيها عتق ووصايا، فأجز وصيته وعتقه إذا علم أنه على دينه لم يغيره، وشهد العدول من المسلمين على وصيته» .

_ [1] سورة آل عمران- الآية: 118. [2] سورة المائدة- الآية: 51.

المدائني قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عدي: «أما بعد فإنه ذكر لي أن رجالًا من أهل الجفاء وقلة الفقه يشترون الطعام ثم يبيعونه قبل أن يقبضوه، ولعمري إن ذلك من الربا الذي لا شك فيه ولا مرية، فإذا جاءك كتابي هذا فامنع من قبلك منه أشد المنع وحذرهم العقوبة عليه أبلغ التحذير، ومن كان عنده من ذلك شيء اشتراه من مسلم فليرده إلى صاحبه، ومن كان منهم على بيع شيء منه فليرفضه، وإن قدرت على أحد منهم فعل ذلك بعد نهيك عنه فأوجعه عقوبة واجعله نكالا لمن رآه وسمع به، إن شاء الله، والسلام» . حدثني عبد الله بن صالح عن سلام بن مسكين قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عدي وأهل البصرة فنهاهم عن القبالة [1] والصرف دراهم بدراهم إلا مثلا بمثل، ولبس الحرير والتماثيل وعن الأوعية الأربعة: الدباء والنقير والحنتم والمزفت [2] . المدائني عن عمرو بن ميمون أن عمر كتب إلى عدي- وكان عدي كتب إليه في الرجل يفلس بالمال العظيم، إنه قد كان بعض الفقهاء يرى بيعه-: «قد فهمت كتابك في أمر المفلس فلا يباعن حر، وإن فلس» . المدائني قال: كتب عمر إلى عدي: «إن رجالا يولون نساءهم الطلاق: فيجعلون أمر نسائهم في أيديهنّ، وإن الله لم يجعل للنساء من

_ [1] القبالة: الكفالة والضمان. القاموس. [2] الدباء: القرع، كانوا ينتبذون فيها فتسرع الشدة في الشراب. والحنتم جرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة. والنقير: أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر، ويلقى عليه الماء ليصير نبيذا مسكرا. والمزفت هو الإناء الذي طلي بالزفت، ثم انتبذ فيه. النهاية لابن الأثير.

الطلاق شيئا، فأيما رجل جعل أمر امرأته بيدها فاختارت نفسها فواحدة وهو أملك بها، وإن ردت الأمر إليه فليس بشيء» . حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة عن هارون بْن معروف عن ضمرة بن ربيعة عن علي بن أبي حملة قال: رأيت يزيد بن المهلب يطاف به في عسكر عمر بن عبد العزيز في محمل وإلى جنبه رجل من الحرس، وهو يقول: ارفع رأسك يا فاسق. وقال المدائني: حبس عمر يزيد بن المهلب بما كتب به إلى سليمان بن عبد الملك، وحبس عدي إخوة يزيد بالبصرة. المدائني عن أبي جزي عن داود بن أبي هند قال: كتب بعض عمال عمر إليه في غلام ابن إحدى عشرة سنة افتض جارية ابنه تسع، فكتب عمر إليه: «إن الحدود والنكال لا يكون إلا لمن بلغ الحلم وعلم ماذا له في الإسلام، وماذا عليه. والسلام» . وكتب عمر في مسلم أسر فتنصر: «أن تزوج امرأته، وتكون في عدتها من حين يبلغها تنصره، ولا يتوارثان، وإن مات هي في عدتها» . وكتب عمر: «إنه لا قطع على المختلس ولكنه لا يرثي له من طول حبس» . وكتب عمر إلى بعض عماله: «اجلد القاذف حرا كان أو عبدا ثمانين إذا افتريا، فإن الله يقول: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) [1] ولم يسمّ عبدا ولا حرّا» .

_ [1] سورة النور- الآية: 4.

وكتب عمر إلى عدي بن أرطاة: «إنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ما نكحت عليه امرأة من صداق فهو لها أو عدة لأهلها قبل أن تنكح فهو لها، وما كان من حباء لأهلها بعد أن تنكح فهو لهم» ] . المدائني عن شيخ من أهل الجزيرة قال: كتب عمر إلى بعض عماله: «أما بعد فلا يغلبنك جهل الجاهل بك على علمك بنفسك، فإن من الناس ناسا غرهم الستر وفتنهم حسن الثناء، فأعاذنا الله وإياك من أن نكون مغرورين بستر الله مفتونين بمدح الناس، والسلام» . حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي عن سليمان بن حبيب قال: شتم رجل رجلًا فادعى شهادة قوم غيب أن ما قال كما قال، فلم يشهدوا له، فقال عمر لسليمان: يا سليمان اضرب وفرق فلا يقع سوط على سوط. المدائني قال: كتب عمر إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن: «إنه لا يقتل رجل شتم رجلًا إلا أن يكون نبيا» . المدائني قال: دخل أبو مجلز لاحق بن حميد على عمر بن عبد العزيز فلما أخبر بمكانه قال: إني لم أعرفك. قال: فهلا يا أمير المؤمنين إذ لم تعرفني أنكرتني فسألت عني. حدثني هشام بن عمار قال: قال عمر بن عبد العزيز: إن من الغرة بالله أن يصر العبد على المعصية، ويتمنى على الله المغفرة. المدائني عن أبي عبد الرحمن التميمي عن عبد الله بن يزيد بن جابر قال: قال رجاء بن حيوة: قال لي سليمان بن عبد الملك في مرضه: إلى من ترى أن أعهد، وله بنون رجال قد بلغوا، أمهاتهم أمهات أولاد، فهم

لا يطمعون في الخلافة، وأولاد من المهائر صغار، قلت: يا أمير المؤمنين قد سمعتك تقول ما ورث خليفة ميراثا أفضل من ولي عهد صالح يعمل في الرعية بالعدل بعده. وخرجت فقام إلي عبد الملك بن أرطاة فقال لي: إلى من عهد أمير المؤمنين؟ قلت: لم يعهد بعد وقد شاورني. قال: هل لك في رجل إن ولي الناس لم ير منه خلل ولا زيغ إن شاء الله؟ قلت: من هو؟ قال: عمر بن عبد العزيز المرضي المأمون. قلت: كنت أريده وقد قوى رأيي وعزمي قولك فيه، فدخلت فأشرت به على سليمان فعهد إليه. فلما مات واستخلف عمر، خطب الناس فقال: أيها الناس. والله ما سألت الله هذا الأمر في سر ولا علانية، ولا دسست فيه بكلمة، ولا خطوت فيه خطوة فإن شئتم فبيعتكم مردودة عليكم. فقال هشام بعد ذلك: لقد ندمت يوم قال بيعتكم مردودة عليكم إذ لم أقل: نعم فأقلناها. فبلغ قوله عمر فقال: لو أن الأحول فعل لفعلت، فكان أول ما قضى به رده فدك إلى ما كانت عليه عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال: حدثني عوانة قال: مات سليمان واستخلف عمر بن عبد العزيز فخطب الناس فقال: والله ما أردتها ولا تمنيتها، ولا سعيت لها فاتقوا الله وأعطوا الحق من أنفسكم وردوا المظالم فإني والله ما أصبحت وبي موجدة على أحد من أهل القبلة، إلا على ذي سرف حتى يرده الله إلى قصد، ثم نزل وقد فرشوا له، فترك الفرش وجلس ناحية.

وكتب إلى مسلمة وهو بأرض الروم يأمره بالقفول، وأذن للناس بالقفول. المدائني: قالوا: كتب عمر إلى سالم بن عبد الله بن عمر أن يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب، فكتب إليه: إن عمر كان في غير زمانك ورجالك فإن قدرت أن تعمل في زمانك عمل عمر كنت أفضل منه. المدائني عن غياث بن إبراهيم قال: قاد الناس الخيل إلى سليمان بن عبد الملك فمات قبل أن يجريها فاستحيا عمر من الناس فأجرى الخيل التي جمعت، ثم أعطى الناس ولم يخيّب أحدا، ثم لم يجر فرسا حتى مات. المدائني عن ابن جعدبة قال: ارتد ابن وابصة وأتى الروم، فبعث عمر في فداء من بأيدي الروم من المسلمين رجلًا، فمر في طريق من طرقهم فسمع رجلًا يغني بشعر ابن دارة: وكائن بالبلاط [1] إلى المصلّى ... إلى أحد إلى ما حاز ريم [2] إلى الجماء [3] من خد أسيل ... نقي اللون ليس به كلوم يلومك في تذكرها رجال ... ولو بهم كما بك لم يلوموا فدخل عليه ودعاه إلى الإسلام فِأبى. ويقال بل أسلم ورجع إلى المدينة. فروى جويرية بن أسماء عن بعض أصحابه أنه رأى جنازة ابن وابصة بالمدينة [4] .

_ [1] البلاط موضع بالمدينة بين المسجد المقدس وسوق البلد. المغانم المطابة. [2] اسم واد قرب المدينة. المغانم المطابة. [3] الجماء جبل بالمدينة، على ثلاثة أميال، من ناحية العقيق، إلى الجرف. المغانم المطابة. [4] بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث، ولله الحمد.

المدائني قال: قال أبو عاصم: خناصرة من قنسرين، وبها مرض عمر ومات بدير سمعان من أرض حمص. وبين خناصرة ودير سمعان ثلاثون أو أربعون ميلا وهو على تخوم قنسرين. قالوا: واشترى عمر موضع قبره من نصراني بدير سمعان بأربعين درهما وهو مريض، فقال النصراني: وتعطيني قميصك، فأعطاه إياه. وعند قبر عمر زيتون. المدائني عن ابن جعدبة قال: كان ليث بن أبي رقية، وإسماعيل بن أبي حكيم مولى الزبير كاتبين لعمر بن عبد العزيز فدخلا عليه يوما فقال: يا معشر العلوج أما يستطيع أحدكم إذا غدا أن يسرح لحيته؟. المدائني عن خالد بن يزيد بن بشر عن أبيه قال: كان من خاصة عمر: ميمون بن مهران، ورجاء بن حيوة، ورياح الباهلي. وكان دون هؤلاء عنده: عون بن عبد الله بن عتبة، ومحمد بن الزبير الحنظلي. الْمَدَائِنيّ عَن مسلمة بْن محارب قَالَ: خرج بلال بن أبي بردة، وأخوه عبد الله إلى عمر، يختصمان إليه في الأذان في مسجدهم فارتاب بهما فدس إليهما من عرض عليهما ولاية العراق على أن يجعلا له جعلا فقال له بلال: أعطيك مائة ألف درهم، وقال أخوه: أعطيك أكثر من مائة ألف درهم. فأخبر عمر بما بذلا، فقال لهما: الحقا بمصركما. وكتب إلى عبد الحميد: «لا تول بلالا الشرّ، ولا أحدا من ولد أبي موسى شيئا» . ويقال إنه كتب: «بليل الشر- صغره-» .

المدائني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لما دفن عمر بن عبد العزيز قام غليم أو جويرية من أهله وقد سود ذراعيه فقرأ: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [1] فما بقي أحد حضر إلا بكي. المدائني عن علي بن مجاهد قال: كتب عمر بن عبد العزيز: «اقطعوا رؤوس التصاوير، ولا تدعون المعلمين يحملون الصبيان إذا حذقوا» [2] . حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف قال: قال المنصور أمير المؤمنين: ما ردّ أحد علينا حقنا إلا عمر بن عبد العزيز. المدائني عن مسلمة بن محارب قال: دخل عنبسة بن سعيد على عمر فقال: يا أمير المؤمنين كان من قبلك من الخلفاء يصلون أرحامنا ويعرفون حقنا، وإنك قد أمسكت عنا فإما أن تصنع بنا ما كانوا يصنعون وإما أن تأذن لنا في اللحاق بأهلنا فنشاهدهم ونصلح من شأنهم. فقال عمر: أما من كان من قبلنا فقد كانوا يفعلون ما ذكرت، وما كان ذلك لهم، وأما ما سألت من الانصراف فهو إليك. فولى عنبسة فدعاه فظن أنه قد بدا لعمر فيما كلمه به فقال: اذكر الموت فإنك لا تذكره في حال سعة إلا ضاقت عليك ولا تذكره في حال ضيق إلا اتسعت لك. المدائني قال: قال عمر لابنه: لا تحقرن أحدا، فلعل بعض من تزدريه عينك أقرب إلى الله وسيلة منك.

_ [1] سورة التكوير- الآية: 1. [2] حذق الصبي القرآن: تعلمه كله ومهر فيه. القاموس.

أبو الحسن المدائني عن أبي بحر الأصبهاني عن أبي سيار قال: اشتريت لعمر بن عبد العزيز ثوبين من خز السوس، ذكر أهل السوس أنهم لم يعملوا مثلها لأحد، فقال لي: ما أخشنهما فلما استخلف اشتريت له ثوب كتان بستة عشر درهما فقال: ما ألينه، فقلت في ذلك فقال: قلت ما قلت يومئذ وأنا في نفسي صادق، وقلت هذا وأنا في نفسي صادق. وروي أن بلال بن أبي بردة قدم وعليه عمامة سوداء وكان من أطول الناس صلاة فقيل لعمر: ما رأينا أطول من صلاة بلال فلو استعنت به فإنه من أهل بيت لهم قدم في الإسلام، فقال لكاتبه: اعلم لي علمه، فأتاه فقال: إن أمير المؤمنين ذكرك للعراق فما تجعل لي؟ قال: مثلي لا يكلم بهذا. قال: والله لأصرفن عنك الولاية إن لم ترضني. قال: فلك مائة ألف درهم، قال: فاكتب لي رقعة بخطك فإني لا آمن الغدر، فكتب له رقعة وأشهد عليها خاصته. ثم أتى الكاتب عمر بالرقعة فنخس به عمر من الشام، وكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن: «لا تولين أحدًا من آل أبي موسى الأشعري شيئا من العمل، ولا سيما بليل» . وحدثني عبد الله بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ الْقُرَشِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا نَظَرُكَ إِلَيَّ؟ قُلْتُ: أَعْجَبُ لِمَا حَالَ مِنْ لَوْنِكَ وَنَحَلَ مِنْ جِسْمِكَ. فَقَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَيْتَنِي يَا مُحَمَّدُ بَعْدَ ثَالِثَةٍ فِي قَبْرِي وَقَدْ سَالَتْ حَدَقَتَايَ عَلَى وَجْنَتَيَّ- أَوْ قَالَ خَدَّيَّ- وَرَأَيْتَ جِلْدِي قَدِ امْتَلأَ صَدِيدًا وَدُودًا وَقَدِ انْشَقَّ بَطْنِي فَبَدَا مَا فِيهِ كُنْتَ لِي أَشَدَّ إِنْكَارًا، حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتُكَ تُحَدِّثُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: قُلْتُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ

أَشْرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ. اقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي صَلاتِكُمْ.] وَمَنْ [نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ، وَإِنَّمَا تَتَجَالَسُونَ بِالأَمَانَةِ،] وَمَنْ [سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ،] [أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ: مَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ وَجَلَدَ عَبْدَهُ، وَمَنَعَ رِفْدَهُ. أَلا] [أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ: مَنْ لا يَقِيلُ عَثْرَةً، وَلا يَقْبَلُ مَعْذِرَةً، وَلا يَغْفِرُ ذَنْبًا] . [أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ: مَنْ يَبْغَضُ النَّاسَ وَيَبْغَضُونَهُ،] أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ [ذَلِكَ: الَّذِي يُخَافُ شَرُّهُ وَلا يُرْجَى خَيْرُهُ،] إِنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ قَالَ لِبَنِي [إِسْرَائِيلَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تُعَلِّمُوا الْحِكْمَةَ غَيْرَ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا، وَلا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ» ] . قالوا: وأتى رجل نصراني عمر بن عبد العزيز فتظلم من هشام وادعى أن في يده ضيعة، فقال: يا هشام قم مع خصمك. قال: بل أوكل وكيلا بخصومته. قال: لا. فقام فجلس بين يديه، فجعل هشام ينتهر خصمه فقال له عمر: يا أحول عندي تنتهره؟. إن عدت عاقبتك. فادعى النصراني فقال هشام: ضيعتي وقطيعة أقطعنيها عبد الملك ومعي سجل من الوليد وسليمان. فقال عمر لابنه عبد الملك: يا بني انظر في سجلاته وأمره. فنظر فقال: أرى أمر النصراني قويا، وحجته عالية، وحق الله أولى ما أوثر. فقال عمر: أحرق سجلاته. فأحرقها، ورد على الرجل ضيعته. فلما ولي هشام استؤذن في أخذ الضيعة من يد النصراني فقال: لا تردوا حكما حكم به عمر.

المدائني عن أبي يعقوب قال: أجاز عمر بن عبد العزيز عبد الحميد بن عبد الرحمن بعشرة آلاف درهم. قالوا: وكتب عمر إلى سليمان بن أبي كريمة: «إن أحق العباد بإجلال الله وخشيته من ابتلاه بمثل ما ابتلاني به، ولا أحد أشد حسابا ولا أهون على الله مني إن عصيته، فقد ضاق بما أنا فيه ذرعي، فادع الله لي في غزاتك، فإنك بعرض خير وإجابة. حدثني روح بن عبد المؤمن، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ قَالَ: نظر عمر إلى رجل يكتب على الأرض: بسم الله الرحمن الرحيم. فنهاه وقال: لا تعد. المدائني عن إدريس بن قادم عن ميمون بن مهران قال: قال لي عمر: إني وضعت الوليد بن عبد الملك في حفرته ثم نظرت فإذا وجهه أسود، فإذا مت فاكشف عن وجهي. ففعلت فرأيت وجهه أحسن مما كان في أيام تنعمه رضي الله عنه. المدائني عن عبد الله بن سلم وغيره قال: دخل ناس من بني أمية على عمة لعمر فكلموها في أن تأتي عمر فتسأله أن يجري عليهم ما كان جاريا لهم من الأرزاق، ويقال بل أرادت كلامه في أرزاقها، فلما صارت إليه ظن ما جاءت له فقال لها: إني قد ظننت ظنا فاسمعي ما أصف لك من حالي. إن اللَّه بعث محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بشيرا ونذيرا، فبلغ رسالات ربه، ثم اختار له ما عنده، فقبضه إليه والناس على منهاج واضح مستقيم، فولي ولاة بعده سلكوا سبيله واهتدوا بهديه، وكان الطريق واحدا، ثم ولي بعد ذلك أقوام اشتقوا من تلك الطريق طرقا مختلفة وانتهى الأمر إلي وقد كادت أعلام تلك الطريق النهجة تدرس فأردت إقامة تلك الأعلام، فضج من ذلك من

أخذ يمينا وشمالًا، وثقل عليهم أن يرجعوا عن طريقهم التي سلكوها وسألوني اتباعهم، وفي اتباعهم النار، فما ترين؟ قالت: أرى أنهم أحق أن يتبعوك. ثم قال: حاجتك؟ قالت: ما أنا بذاكرة بعد ما سمعت شيئا. المدائني عن مسلمة أن عمر بن عبد العزيز قال لعبد الملك ابنه: يا بني إن الشباب عون على مساوئ الأخلاق، فاذكر فضل الله علينا واغتنم فراغ نفسك، وإياك والغفلة عن أمر معادك، فإن الله قد أحسن إلينا في اللطيف والجليل من أمرنا. المدائني عن عمر بن مجاشع أن مسلمة بن عبد الملك دخل على عمر فدعا عمر بالغداء فأتى بخل وزيت فأكلا، ثم قال: يا أبا سعيد هل تشتهي شيئا أو كنت تأكل شيئا لو أتيت به؟ قال: لا. قال: فأرى ما في يديك من الدنيا لا تقدر على أن تصيب منه من المطعم والمشرب إلا بقدر ما يطيق بدنك فعلام يهلك من أهلك نفسه؟ أبو الحسن المدائني: أن عمر بن عبد العزيز قال: ما أحب أن يهون علي الموت لأنه آخر ما أؤجر عليه. قال: وقال عمر: لا يكون الرجل تقيا حتى يسلم الناس من لسانه ويده. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ عمر: ما كان الحجاج صاحب دين ولا دنيا، لأن صاحب الدين من لم يسفك الدماء ولم ينتهك المحارم. ثم قدم العراق والخراج كثير دار فما زال بالخرق والاعتداء حتى صار إلى خمسة وعشرين ألف ألف درهم.

حدثني هشام بن عمار عن سعيد المري قال: وعظ عمر بن عبد العزيز رجل فقال: «إنك أدركت من الحق رسما قد عفا، وأمرا قد أدبر، فأنت لا ترى شيئا واضحا فتتبعه، فكأنك في بحر تضطرب أمواجه، فاعتصم بحبل الله، واستعن بالله، وعليك بالعدل الذي به تدمغ الباطل وتزهقه» . المدائني قال: أتي عمر بقوم على شراب وفسق، ومعهم شيخ مسن، فلما رآه عمر حسبه شاهدا فدعاه فقال له: هات بماذا تشهد؟ فقال: إني أصلحك الله مبتلى. فاسترجع عمر وأجلسه مع القوم. قال: وجاؤوا إلى عمر برجل شتم عثمان فقال له: لم شتمته؟ قال: لأني أبغضه. قال: أو كلما أبغضت رجلًا شتمته؟ قال: نعم. فضربه عشرين سوطا. المدائني قال: دخل محمد بن الزبير الحنظلي على عمر بن عبد العزيز فدعا له بغداء فلما وضعت المائدة بين يديه قال عمر: إذا ما مات ميت من تميم ... فسرّك أن يعيش فجيء بزاد المدائني عن خالد بن يزيد بن بشر عن أبيه قال: سئل عمر بن عبد العزيز عن علي، وعثمان وأمر الجمل وصفين فقال: «تلك دماء كف الله عنها يدي، فأنا أكره أن أغمس بها لساني» . حدثني هشام بن عمار عن ابن واقد قال: بلغ صاحب الروم موت عمر بن عبد العزيز فقال: ليس العجب من الرهبان والعباد الذين تعذرت الدنيا عليهم إنما العجب ممن رفض الدنيا وهو يملكها. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: قَالَ عبد الملك بن عمر لعمر: ما يمنعك من إنفاذ رأيك في رد المظالم؟ قال: إني أروض الناس رياضة

الصعب، فإن أبقاني الله أنفذت رأيي، وإن عجلت بي منيتي، فقد علم الله أني أخاف إن بادهت الناس بما أريد أن يلجوا ويلجئوني إلى السيف، ولا خير في أمر لا يأتي إلا بالسيف. حدثني هشام بن عمار قال: عزم عمر بن عبد العزيز على أخذ ما في أيدي بني أمية من حقوق الناس، ورده على أهله، فاجتمعوا إليه فكلموه، فقال: إنكم أعطيتم في هذه الدنيا حظا فلا تنسوا حظكم من الله، وإني لأحسب شطر أموال أمة محمد في أيديكم ظلما، والله ما تركت في يد واحد منكم حقا لمسلم ولا معاهد إلا رددته. المدائني عن المقدمي أن عمر قال لابنه حين استحثه في رد المظالم: أي بني إن نفسي مطيتي، فإن لم أرفق بها لم تبلغني، إن الحقحقة في السير قلما تورد إلى خير. وقال هشام: بلغني أن عمر بن عبد العزيز قال لمسلمة بن عبد الملك- ورأى عليه حلة يمينة: يا أبا سعيد إن أفضل الاقتصاد ما كان بعد الجدة، وأفضل اللين ما كان في الولاية، وأفضل العفو ما كان بعد القدرة. المدائني أن رجلًا أتى عمر من مصر فقال له: يا أمير المؤمنين إن عبد العزيز أخذ أرضي ظلما، فقال: وأين أرضك يا عبد الله؟ قال: حلوان. قال: أعرفها ولي شركاء، وهذا الحاكم بيننا. فمشى عمر إلى القاضي فقضى عليه، فقال عمر: قد انفقنا عليها. قال القاضي: ذلك بما نلتم من غلتها، فقد نلتم منها بمثل نفقتكم. فقال: لو حكمت بغير ذلك ما وليت لي أمرا ابدا، وأمر بردها.

المدائني عن إدريس بن قادم قال: قال عمر لميمون بن مهران- ويكنى أبا أيوب، وكان مهران مكاتبا لبني نصر بن معاوية، وكان ميمون مملوكا لامرأة من الأزد من ثمالة يقال لها أم أيمن فأعتقته بالكوفة، ثم تحول إلى الجزيرة في أيام الجماجم-: يا أبا أيوب كيف لي بأعوان أثق بهم وآمنهم؟! قال: يا أمير المؤمنين لا تشغل قلبك بهذا فإنك سوق، وإنما يحمل إلى كل سوق ما ينفق فيه، فإذا عرف الناس أنه لا ينفق عندك إلا الصحيح لم يأتك إلا الصحيح. المدائني قال: قال عمر بن عبد العزيز: لا تعدم من الأحمق خلتين: كثرة التلفت وسرعة الإجابة. وكتب عمر إلى عدي: «أما بعد فلا تسر سيرة الحجاج، فإنه كان بلاء وافق من قوم خطايا» . قالوا: وكان عمر بن عبد العزيز يتحدث أول الليل، ويسل عن أمور الناس، ويصلي آخره ويقول: إن محادثة الرجال تلقيح لألبابها. وحدثني أبو عبد الرحمن الجعفي مشدانة عن عبد الله بن المبارك قال: قال زياد بن أبي زياد مولى ابن أبي ربيعة: دخلت على عمر بن عبد العزيز فترجل لي عن صدر المجلس ثم قال: إذا دخل عليك من لا ترى لك عليه فضلا، فلا تأخذ عليه شرف المجلس. حدثني محمد بن مصفى قال: بلغنا أن عمر بن عبد العزيز خطر بيده خطرة ثم بكى فقيل له: ما أبكاك؟ قال: ذكرت النار فأشفقت من أن تغل يدي في الآخرة.

المدائني قال: حمل إلى عمر مسك فأمر ببيعه، فلما أخرج أخذ عمر بأنفه وقال: هذا للمسلمين وإنما ينتفع بريحه، ولا حاجة لي في الانتفاع بشيء من حق المسلمين. قالوا: وسابق عمر الخيل بالمدينة، وكان فيها فرس لمحمد بْن طَلْحَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أبي بكر، وفرس لرجل جعدي فتقدم فرس الجعدي، فجعل يرتجز ويقول: غاية مجد نصبت يا من لها ... نحن حويناها وكنا أهلها لو ترسل الطير لجئنا قبلها فلم ينشب أن سبقه فرس ابن طلحة فقال عمر: سبقك والله ابن السباق إلى الخيرات. المدائني عن مسلمة بْن محارب وغيره قَالُوا: بعث عدي بن أرطاة إلى عمر رسولا من بني تميم بقتل الخوارج الذين خرجوا في مسجد الحرورية فقتلوا، وبهم سمي مسجد الحرورية، فقال للتميمي: ممن أنت؟ قال: من بني تميم. قال: جفاء كثير. قال: وخير كثير. فقال عمر: وخير لعمري كثير. ثم قال عمر: من أين خرج هؤلاء؟ قالوا: قدموا من البحرين. قال: إن لهم هناك لسنخا [1] . قال: ودخل عبد الملك بن أرطاة على عمر فقال: يا أبا خالد جزاك الله عني جزاءك، فقد جعلتني غرضا للحتوف، ودريئة للبلايا. فقال:

_ [1] السناخة: الريح المنتنة، والوسخ، وآثار الدباغ. القاموس.

يا أمير المؤمنين لا تجزع فإن الله إن علم منك الاجتهاد في النية، والقسم بالسوية، والعدل في الرعية، شكر سعيك، وولي أمرك. وحدثني الْعُمَرِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ قال: دخل ميمون بن مهران على عمر وهو محزون فقال: ما بك يا أمير المؤمنين؟ قال: إني قلدت أمرا عظيما ولم أشاور فيه قبل وقوعه، ولم أطلبه، فقد تفرق علي أمري حتى وددت أن أمي لم تلدني. المدائني عن ابن جعدبة قال: قال عمر بن عبد العزيز لزياد، وكان عبدا لآل عياش بن أبي ربيعة، فطلبه عمر فأعتقوه، فقدم عليه فقال له: يا زياد (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ ربي عذاب يوم عظيم) [1] قال: يا أمير المؤمنين إني لا أخاف عليك أن تخاف، إنما أخاف عليك ألا تخاف. إن آدم أخرج من الجنة بذنب واحد فصيح به في الأمم وذكر في الكتب، فقال الله: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [2] فالنجاء النجاء يا عمر. وقد روي هذا عن غيره. قالوا: وأتى عمر رجل فقال: يا أمير المؤمنين جاءت بي الحاجة، ونزعت بي إليك الفاقة، فانتهيت منك إلى الغاية، والله سائلك عن مقامي على عيال قد أعييتهم وأعيوني. فقال: كيف أعييتهم؟ قال: أعييتهم أن أكسبهم غنى، وأعيوني أن يموتوا. فألحق له عياله وأعطاه نفقته. ويقال ألحق له شطر عياله. المدائني عن رجل عن الشرقي قال: قدم رجل من البصرة على عمر فشكا إليه عدي بن أرطاة فقال: غرني بعمامته السوداء، قد كتبت إليه: من

_ [1] سورة الأنعام- الآية: 15. [2] سورة طه- الآية: 121.

جاءك ببينة على حق هو له فسلمه إليه وقد عناك إلي. فكتب إليه بما سأله، وأعطاه نفقة من بيت المال وأعطاه دريهمات من ماله فقال: اشتر بها لحما. المدائني عن فرات بن السائب عن ميمون قال: قال عمر لمسلمة: كفني إذا مت بدينار من عطائي فإن ربي إن كان راضيا عني فسيبدلني خيرا منه. قال: وسأل عمر بن عبد العزيز إسماعيل بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري حوائج فقال: ألم آمركم أن تلحقوا بأمصاركم، لست قاضيا لك حاجة حتى تلحق بمصرك، ودفع عنه، فقال: والله ما كنا ندفع هذا المدفع عن محمد صلى الله عليه وسلم. فوجم عمر ساعة وتغرغرت عينه، ثم قضى حوائجه. المدائني عن أبي بكر الهذلي قال: قال عمر بن عبد العزيز لابنه عبد الملك: يا بني التمس الرفعة بالتواضع، والشرف بالتقوى وإيّاك والخيلاء، ولا تحقرنّ أحدا فإنك لا تدري لعل بعض من تزدريه عينك أكرم على الله منك، ولا تنس نصيبك من الله ونصيب الناس منك. قال: ومات عبد الملك وهو ابن تسع عشرة سنة. حدثني هشام بن عمار قال: بكى عمر بن عبد العزيز فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت انصراف أقوام كانوا يتقلبون في النعم السابغة، والفضل العظيم في الدنيا إلى النار لا ينالهم الله برحمة منه أبدا. المدائني عن أيوب عن خالد بن عجلان قال: كان عند فاطمة بنت عبد الملك جوهر فقال لها: من أين صار إليك؟. قالت: أعطانيه أمير المؤمنين- تعني أباها- فقال: إما أن ترديه إلى بيت المال، وإما أن تأذني في فراقك- وكانت امرأته- فإني أكره أن أكون أنا وأنت في بيت وهو عندك.

قالت: لا بل أختارك على أضعافه، قال: فضعيه في بيت المال. فلما ولي يزيد بن عبد الملك قال لها: إن شئت رددته عليك، وإن شئت أعطيتك قيمته. قالت: أطيب به نفسا في حياته ثم أرجع فيه بعد وفاته، لا حاجة لي فيه، فقسمه يزيد بين ولده، وأهله. قالوا: وكان عمر بن عبد العزيز يتلو كثيرا وهو جالس للناس: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ. مَا أَغْنَى عَنْهُمْ ما كانوا يمتّعون) [1] يبكي. المدائني عن يزيد بن قحيف قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز كان يتمثل كثيرا بقول الشاعر: تسر بما يبلى وتشغل بالهوى ... كما غر باللذات في النوم حالم نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم ولست إلى الأمر الرشيد بمرعو ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم المدائني عن مسلمة بن عثمان القرشي قال: بلغني أن عمر لما ولي الخلافة نظر إلى ما كان له من عبيد وإماء، ورقيق، ومتاع، ولباس، وعطر، وغير ذلك فأمر به فبيع فبلغ ثمنه ثلاثة وعشرين ألف دينار، فجعل ذلك في السبيل. المدائني عن أبي إسماعيل الهمداني عن أبيه قال: رأيت عمر بن عبد العزيز وقد ركب يوما وقد بدت ساقه أو ركبته من ضيق أسفل قميصه. المدائني عن بشر بن عبد الله قال: مشى رجال من بني مروان إلى عمر بن عبد العزيز حين أسرع في بيت المال بما رد من المظالم فقالوا: يا أمير

_ [1] سورة الشعراء- الآيات: 205- 207.

المؤمنين إنك ترد أمرًا وليه غيرك فأمضاه فدعهم وما عملوا، واستقبل أمرك. فقال: والله لوددت أنه لم يبق مظلمة إلا رددتها ثم خرجت نفسي. المدائني عن عمر بن مجاشع قال: دخل عنبسة بْن سَعِيد بْن العاص بْن أَبِي أحيحة على عمر بن عبد العزيز فسأله حوائج، وبين يديه سراج، يكاد يطفأ مرة ثم يضيء مرة، وفي ناحية الدار كتاب يكتبون وبين أيديهم شمع، فقال: يا أمير المؤمنين لو أمرت بشمعة فوضعت بين يديك. قال: ذاك للمسلمين تكتب به حوائجهم، وهذا لي وهو يجزيني. ثم قال لعنبسة: يا أبا خالد ألك حاجة؟. فسأله معونة وزيادة في عطائه فقال: يا عنبسة إن كنت غارما قضينا عنك، وإن كنت محتاجا أعطيناك ما يقيمك ويصلحك، انظر من أين جمعت مالك فإن كان حراما فارفضه وانظر لنفسك قبل يوم يتمنى فيه المفرط الرجعة. المدائني عن شيخ من قريش قال: كان حميد الأمجي يشرب الخمر وكان منزله أمج [1] فقيل فيه: حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر ذي الشيبة الأصلع أتاه المشيب على شربها ... وكان كريما فلم ينزع فقدم على عمر فلما رآه قال: حميد الذي أمج داره...... قال: يا أمير المؤمنين كذب علي. قال: فاستغفر الله.

_ [1] أمج من أعراض المدينة. المغانم المطابة، وفيه الشعر بزيادة بيت واحد.

حدثنا القاسم بن سلام عن مروان بن معاوية عن توبة بن سالم قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عبد الحميد بن عبد الرحمن: «أما بعد: فارفع سوطك عن الناس، وكفى بثلاثين سوطا تضربها الرجل نكالا، إلا في حد» . حدثني داود بن عبد الحميد عن أبيه قال: اشتهى عمر بن عبد العزيز أو احتاج إلى عسل، فقيل له ابعث رجلا على البريد إلى قرية كذا ليأتيك به فقال: ما كان الله ليراني اشغل جناح المسلمين أو قال جناحا من أجنحة المسلمين في شهوة أشتهيها. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده قال: كتب عمر إِلَى عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بن الخطاب عامله على الكوفة: «أما بعد فقد بلغني أنّ من قبلك يسبّون الحجاج، فانْهم عن ذلك، فإنه بلغني أن المظلوم يدعو على الظالم، فيكون المظلوم ظالما والظالم مظلوما» . حدثني بكر بن الهيثم، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان عن طلحة بن يحيى قال: كان عمر بن عبد العزيز ولى الكوفة الزهري، فبلغه عنه شيء فنخس به وتثقله حتى رده إلى المدينة، ولم يستعمله وولى عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بن الخطاب الكوفة» . حدثني عمر بن شبة عن عفان، ثنا عمر بن علي قال: سمعت أبا سعيد مولى ثقيف قال: أول كتاب قرأه عبد الحميد من عمر كتاب فيه سطران. قالوا: وكتب عمر إلى عبد الحميد: «أما بعد: فلا أعلمن ما جعلت على أهل السجون قيودا ثقالًا تمنعهم من الصلاة قياما، وذكرت أن قبلك

قوما فساقا إن تركوا أفسدوا البلاد، وإن حبسوا استراح الناس من معرتهم وبوائقهم، فإن كان أمر هؤلاء القوم ظاهرا فاحبسهم في السجون، وأجر على كل امرئ منهم في كل شهر خمسة دراهم وكساء وقميصا في الشتاء وإزارا ورداء في الصيف» . المدائني عن أبي المليح الرقي عن ميمون بن مهران قال: دخلت على عمر وهو متغيظ على عبد الحميد فقلت: ما له يا أمير المؤمنين؟. قال: بلغني أنه قال: لا أظفر بشاهد زور إلا قطعت لسانه، قلت: يا أمير المؤمنين إنه لا يتم على ذلك إنما يهيب الناس، فقال: انظروا إلى هذا الشيخ، إن خصلتين خيرهما الكذب لخصلتا سوء. حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن وهب عَنِ ابْن لهيعة عن عبد الأعلى بن عبد الحميد عن أبي الزناد قال: كتب عبد الحميد بن عبد الرحمن إلى عمر بن عبد العزيز إنه فضل عندنا من المال شيء كثير بعد العطاء. فكتب إليه عمر: «انظر من كان عليه دين في غير سرف فاقض عنه، ومن تزوج فلم يجد ما ينقد فانقد عنه» . ففعل، ثم كتب إليه يخبره أن قد فضل بعد ذلك مال كثير أيضا، فكتب عمر إليه: «أن قو به ضعفة أهل الذمة، فإنا لا نريدهم لسنة ولا لسنتين» . المدائني قال: كتب عمر إلى بعض عماله إن البريد جناح المسلمين، وبه نفاذ أمور السلطان، وتعجل ما يحتاجون إلى معرفته من الأخبار، فأحسن تعهده والقيام عليه وإدرار أرزاق قوامه وأعوانه ولتجد [1] له علوفته وينظر في مصلحته إن شاء الله، والسلام» .

_ [1] بهامش الأصل: لتتخذ.

حدثني العباس النرسي، ثنا يزيد بن زريع، ثنا فضيل أبو معاذ أن أهل بيت من أهل الري من أهل العهد لحقوا بالديلم، فأغارت خيل المسلمين على الديلم فأصابت أهل ذلك البيت، فكتب الحارث بن عباد إلى عبد الحميد في أمورهم إلى عمر فكتب إليه: اجمع من قبلك من أهل الرأي فإذا اتفقوا على شيء فأمضه. فجاء عبد الله بن ذكوان أبو الزناد إلى حلقه في المسجد فيها الشعبي والحكم بن عتيبة فقال: إنكم ستدعون إلى كذا، فاتفق رأيهم على أن الأبوين وما استفادا من ولد ومال بالديلم في سهام المسلمين، وما أدخلا الديلم من ولد صغير فليس عليه شيء، فأمضى عمر رأيهم على ما اتفقوا عليه. حدثني أبو عبد الرحمن الجعفي عن عبد الله بن المبارك، ثنا يوسف بن المهاجر أن الأصبهبذ صاحب طبرستان أهدى إلى عبد الحميد حين قدم الكوفة هدية من زعفران وطيالسة وورق وأشباه ذلك فقبلها وعزلها وكتب فيها إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه عمر: «إن كان الأصبهبذ عودك الهدية بالجزيرة فاقبل هديته، وإلا فانها هديته لولايتك عليه فارددها، فإن أبى قبولها فبعها وأدخل قيمتها بيت المال، واحتسبها من خراجه، إن شاء الله» . حدثنا عفان، أنبأنا شعبة عن حماد قال: سألني عبد الحميد عن دية النصراني واليهودي والمجوسي فقلت: قال إبراهيم مثل دية المسلم، فكتب إلى عمر فقال: النصف من دية المسلم. وقال حماد: قول عمر أحب إلي.

حدثني عمر بن شبه عن أبي نعيم، ثنا سفيان عن حماد قال: سألني عبد الحميد عن بيع الآجام [1] فقلت: كان إبراهيم يكرهه. فكتب إلى عمر فقال عمر: لا بأس به كنا نسميها الحبس. قال سفيان يعني السمك. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْن مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَة عَنْ حماد قال: سألني عبد الحميد عن النصراني تسلم امرأته فقلت: قال إبراهيم: هما على نكاحهما، فكتب إلى عمر، فكتب عمر: يفرق بينهما. فقال حماد: وقول عمر أحب إليّ. وروى عن خصيف قال: كتب عبد الحميد إلى عمر بن عبد العزيز في نصرانية أسلمت وزوجها نصراني كيف يصنع بالولد؟ فكتب أن فرق بينها وبين زوجها وألحق الولد بها. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ بَيَانٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنِ الْخِيَارِ فَقُلْتُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ، وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلا شَيْءَ. وَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: [إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا،] وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ وَإِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلاثٌ لا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، فَاخْتَارَ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قالوا: وسير الوليد بن عبد الملك الأحوص الشاعر إلى دهلك [2] فلما استخلف عمر كتب إليه:

_ [1] بالقاموس: الآجام: الضفادع. [2] دهلك جزيرة في بحر اليمن، بلدة ضيقة حرجة حارة. معجم البلدان.

كيف ترى للنوم طعما ولذة ... وخالك أمسى موثقا بالحبائل فمن يك أمسى سائلا عن شماتة ... ليشمت بي أو شامتا غير سائل فقد عجمت منى الحوادث ماجدا ... صبورا على عضات تلك البلابل [1] فبعث عمر إلى عراك الغفاري، وكان الذي شهد عليه، فقال: ما ترى في هذا البائس فقد كتب بما ترى؟ فقال عراك: مكانه خير له، فلما ولي يزيد أقدم الأحوص وسير عراكا، فقال الأحوص: الآن استقر الملك في مستقره ... وعاد لعرف أمره المتنكر طريد تلافاه يزيد برحمة ... فلم يمس من نعمائه يتعذّر [2] أي يتعذر- يعني يزيد-. قالوا: وكتب عبد الحميد إلى عمر: «إني وجدت الموالي يتزوجون إلى العرب، والعرب إلى الموالي» . فكتب إليه: «إني نظرت فيما ذكرت فلم أجد أحدا من العرب يتزوج إلى الموالي إلا الطمع الطبع، ولم أجد أحدا من الموالي يتزوج إلى العرب إلا الأشر البطر، ولا أحرم حلالا، ولا أحل حراما، والسلام» . وروي إنه كتب، أمض فإن الله قد أحله. المدائني: إن محمد بن الوليد بن عتبة بن أبي شعبان خطب إلى عمر فقال عمر رادا عليه: الحمد لله ذي العز والكبرياء، وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء، أما بعد: فقد أحسن بك ظنا من أودعك كريمته، واختارك ولم يختر عليك. قد زوجتك على ما جاء في كتاب الله: (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [3] .

_ [1] شعر الأحوص الأنصاري ص 226- 227 مع وفارق. [2] شعر الأحوص الأنصاري ص 142. [3] سورة البقرة- الآية: 229.

عمر بن شبه عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن أبي الزناد قال: كنت مع عبد الحميد بالكوفة فقضى باليمين مع الشاهد، فأنكر ذلك ناس من أهل الكوفة، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في ذلك فكتب إليه أن أقض بها، وقال: وقد شهد عندي رجل من كبرائهم أنه شهد شريحا قضى بها. قالوا: وكتب عمر بن عبد العزيز: «لا يحملن الخمر من رستاق إلى رستاق» . قالوا: وكتب عبد الحميد إلى عمر بن عبد العزيز: «إن يزيد بن المهلب دعا موسى بن الوجيه، ودعا بالسياط، وقال: إن طلقت امرأتك وإلا قتلتك» ، فكتب: «إن يزيد ظلم نفسه، وأما موسى فقد جاز طلاقه» . وروي عن أبي هلال الراسبي قال، ثنا يونس: أن مرتدا ارتد بالكوفة في أيام عمر بن عبد العزيز فشاور عامله عبد الحميد الناس فقالوا: «اقتله فكتب إلى عمر فيه، فكتب إليه: «إن اضرب عليه الجزية، ثم خل عنه» . قالوا: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد: «لا تقض بالجوار، ولا تدع صورة على باب إلا كسرتها» . حدثني عمر بن شبه عن سريج بن النعمان عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خرجت حرورية في العراق في خلافة عمر بن عبد العزيز وأنا مع عبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد، فكتب عمر إلى عبد الحميد: «أن ادعهم مرتين أو ثلاثا، فإن رجعوا، وإلا فقاتلهم، فإن الله لم يجعل لهم سلفا يحتجون بهم علينا» .

فبعث إليهم عبد الحميد جيشا فهزمهم الخوارج، فلما بلغ ذلك عمر بعث مسلمة بن عبد الملك في جيش من أهل الشام، وكتب إلى عبد الحميد: «قد بلغني فعل جيشك جيش السوء- قال ابن أبي الزناد فسموا جيش السوء إلى اليوم- وقد بعثت إليهم مسلمة بن عبد الملك فخل بينه وبينهم» . فلم ينشب أن أظفره الله بهم. وحدثت عن سويد بن سعيد عن بقية بن الوليد عن محمد بن زياد عن ميمون بن مهران أن حرورية دخلوا على عمر فقالوا: السلام عليك يا إنسان فقال: وعليكم السلام، فقالوا: لا حكم إلا الله. قال: نعم لا حكم إلا لله. حدثنا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، ثنا إسحاق أبو النصر قال: أخذ معي فلس بهرج [1] زمن الحجاج فضربني ابن أبي مسلم وحبسني، فتكلم فيّ الحواري بن زياد فأخذوا مني ألفا وتركوني، فلما استخلف عمر أتيته فأخبرته فبكى وقال: ألف درهم في فلس بهرج، وكتب إلى عبد الحميد: إن كان الأمر كما ذكر فاعطه ألف درهم، قال فأتيته فإذا سياط موضوعة فقلت في نفسي أتيت أمير المؤمنين فلم أر سياطا. قال: فأعطاني ألفا وكتب لي عملًا وأعطاني نفقة. وروي عن الصلت بن بهرام قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول حين شكونا إليه عبد الحميد عامله: لقد عجلتم علي، لعلكم ترون أنكم ترون عدلا. والله لا ترون عدلا أبدا.

_ [1] البهرج: الباطل والرديء. القاموس.

قالوا: وقع بين امرأة من أهل المدائن وبين عريفها مشاجرة فأسقط اسمها من الديوان، فأتت عمر بن عبد العزيز فكتب بيده إلى عبد الحميد بأن يفك عن اسمها ويعيده، ويخدمها خادما، وأمر لها بخمسمائة درهم وكراها، فقدمت على عبد الحميد وقد مات عمر فأوصلت إليه الكتاب فعرف خطه، فبكى ثم قال: والله لأنفذن ما فيه. ولما مات عمر رضي الله عنه أحب عبد الحميد أن يتقرب إلى يزيد بن عبد الملك فكتب إلى محمد بن جرير يأمره بمحاربة شوذب الخارجي. فقال الخوارج: ما فعل هذا إلا وقد مات الرجل الصالح، وأقر يزيد بن عبد الملك عبد الحميد على الكوفة، حتى خلع يزيد بن المهلب ووجه إليه يزيد مسلمة. المدائني عن عيسى بن يزيد قَالَ: كتب أَبُو بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلى سليمان بن عبد الملك: إن الشمع الذي كنت اخرج به إلى الصلاة في وقت العشاء والصبح قد نفد، وكذلك القراطيس التي كنت أكتب فيها، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بشمع وقراطيس، وأن يلحقني بشرف العطاء بالحجاز. فوصل الكتاب إلى عمر وقد مات سليمان فكتب إليه: «أما بعد فقد قرأت كتابك إلى سليمان في الشمع وقد عهدتك تخرج في الليلة المطيرة الشديدة الظلمة إلى المسجد بلا شمع، وأنت يومئذ خير منك اليوم، وكتبت تسأل إلحاقك بشرف العطاء بالحجاز، وقد عهدتك وأنت لا تحب الأثرة، وأنت يومئذ خير منك اليوم، وقد كتبت إلى صاحب مصر آمره أن يحمل إليك القراطيس على ما كان يحمل، فألطف القلم، واجمع الحوائج العدة في

كتاب واحد، ولا تطنب في الإملاء، فلا حاجة لنا في كثرة الكلام والسلام» . قالوا: تزوج رجل من بني فراص- كانت أخته عند عدي- امرأة من الحدان كان لها موضع من قومها، فطلقها وهو يشرب، ثم جحد فأتت إياس بن معاوية بشاهد فعدله، وجاءت بعبد لها وقد أعتقته فعدل، فانتزعها إياس من الفراصي، فأمر عدي بها فردت على الفراصي. وأراد عدي أن يقدم على إياس بمشورة وكيع بن أبي سود، فقال له داود بن أبي هند: (إِنَّ الْمَلأَ يأتمرون بك ليقتلوك) [1] . فهرب إياس إلى عمر بن عبد العزيز، وولى عدي الحسن بن أبي الحسن القضاء، وكتب عدي إِلَى عُمَر يعلمه ذلك فكتب إليه عُمَر: «الحسن أهل لما وليته، ولكن ما أنت والقضاء؟ فرق بين الرجل والمرأة، فرق الله بين أعضائك» . المدائني قال: كتب عمر إلى عماله: إنه بلغني أن نساء ذوات سعة يخرجن عند موت الميت ناشرات شعورهم ينحن، وهذا فعل أهل الجاهلية، وإن الله لم يرخص للنساء في وضع خمرهن مذ أمرهن بضربها على جيوبهن، فتقدم في هذه النياحة تقدما شديدا، وقد كانت هذه الأعاجم تلهو بأشياء زينها الشيطان لهم، فازجر من قبلك من المسلمين عن ذلك، فلعمري لقد آن لهم أن يتركوه مع قراءة كتاب الله، وانه عن ذلك الباطل واللهو من الغناء وما أشبهه، فمن لم ينته فنكل به غير معتد ولا مسرف، إن شاء الله، والسلام» .

_ [1] سورة القصص- الآية: 20.

المدائني قال: كتب عمر إلى عدي في كتابه: «إن الله جعل لأهل الخير أعوانا عليه، ولأهل الشر أصحابا مزينين له، وقد نهيتك عن كاتبك فلم أرك متحاشيا لذلك ولا زاجرا له عن ظلم الرعية وانتقاص حقوقهم، وإنك حين تفعل ذلك يا عدي لمغتر بي تارك حظك من الله، فاطرد عنك هذا الشائن، ولا تشركه في أمانتك، وأخرجه عن المصر، فإني لو أشركت أحدا من حزب الشيطان في أمانتي لاستعنت بابن أبي مسلم [1] ، فاكفني نفسك يا عدي، ولا تحملني على مكروهك، إن شاء الله، والسلام» . قالوا: وكتب عمر إلى عماله: «أن انظروا من كان في أسواقكم من باعة اللحم من أهل الذمة فليؤخذوا بأن لا يذبحوا ذبيحة إلا ذكروا اسم الله عليها، وأن لا تكسر ولا تنخع حتى تموت، ولتترك متشحطة مذبوحة ومنحورة، ولا ينفخوا في اللحم فإنه من الغش، والسلام» . المدائني عن ابن جعدبة قال: كتب عمر إلى أبي بكر بن حزم: «أما بعد فإن الطالبين الذين نجحوا، والتجار الذين ربحوا، هم الذين اشتروا الباقي الذين يدوم بالفاني المذموم، فاغتبطوا ببيعتهم، وأحمدوا عاقبة أمرهم، فاعمل لنفسك وبدنك صحيح، وأنت مريح، قبل أن تنقضي أيامك وينزل بك حمامك فإن العيش الذي أنت فيه ظل يتقلص ويزول» . وكتب إلى عبد الحميد: «أما بعد فإنه من ابتلى بأمر الناس فقد عظمت بليته، نسأل الله عافيته وحسن معونته، فكن لمن وليت أمره ناصحا وعليهم شفيقا حدبا، واملك نفسك عند الهوى والغضب واكفف يدك

_ [1] هو يزيد بن أبي مسلم وكان من كتاب الحجاج. انظر تاريخ خليفة ج 1 ص 411.

ولسانك عن الأموال والأعراض والأبشار، واستر ما استطعت من عورات الناس إلا شيئا أبداه الله لا يصلح ستره، فإن سبق منك هوى أو غضب فاستغفر ربك وراجع أمرك، نسأل الله تعالى أن يصلح لنا أعمالنا ويكفينا أمورنا، وما نرجع إليه بعد الموت، والسلام» . المدائني عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران قال: كتب عمر إلى الجراح بن عبد الله: «إن ولاة السلطان بعرض مكاره وبلاء إلا من وقى الله وأعان، فاتق الله حق تقاته، واذكر موقفك بين يديه، وإذا حضرك خصم جاهل فرأيت منه رعة سيئة فارفق به وسدده وبصره، وخذ له الحق غير متجانف على خصمه، وإن أتى رجل ذنبا يستحق به العقوبة فلا تعاقبه بغضب تجده في نفسك، ولكن لما أتى وجنى، جعلنا الله وإياك ممن (لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا) [1] ، أو من المتقين الذين لهم العاقبة، والسلام» . المدائني قال: كتب عمر إلى عدي بن أرطاة، بلغني أن عمالك بفارس يخرصون [2] الثمار ثم يقومونها على أهلها بسعر فوق سعر الناس الذي يتباعون به، ثم يأخذون ذلك ورقا، وإن طوائف من الأكراد يأخذون العشر من السابلة والمارة في الطرق. ولو علمت أنك أمرت بذلك أو رضيته ما ناظرتك ولأتاك مني ما تكره. وقد بعثت بشر بن صفوان وعبد الله بن عجلان للنظر في ذلك، ورد الثمن الذي أخذ من الناس إلى ما باع أهل الأرض في

_ [1] سورة القصص- الآية: 83. [2] الخرص: الحزر، والكذب، وكل قول بالظن، وخارصه: بادله. القاموس.

غلاتهم، فلا تعرض لهم فيما وجهتهم له من ذلك، وأحسن معونتهم عليه، إن شاء الله، والسلام» . حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة عن يونس بن عبيد أن رجلًا من الأنصار أتى عمر بن عبد العزيز فقال: أنا فلان بن فلان، قتل جدي فلان يوم أحد. وجعل يذكر مناقب سلفه، فنظر عمر إلى عنبسة بن سعيد فقال: هذه والله المناقب لا يوم مسكن، ويوم الجماجم، ويوم مرج راهط. تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا المدائني قال: كتب عمر إلى أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حزم: «أما بعد فليكن سعيك في الدنيا للآخرة فليس لك إلا ما قدمت، واعلم أن مقطعات الأمور أمامك، وأن الله غير مدخل جنته إلا من رضي عنه، وإنك لا تزداد من حسنة ولا تستعتب من سيئة بعد الموت» . قالوا: وكتب عمر إلى عمال الثغور: «أما بعد: فلا تشتروا للأمراء من حظ العامة من المغنم شيئا، وأمروا القسام أن يجزئوا ما أفاء الله عليكم من السبي والغنيمة خمسة أخماس ثم ليقرعوا عليها بخمسة أسهم، لله الخمس وأربعة للعامة الذي قاتلوا عليها، فحيث وقع سهم الخمس فليحرر ثم يخلى بين الناس وأنصبائهم، والسلام» . المدائني عن حباب بن موسى قال: قال عمر بن عبد العزيز: نشأت على بغض علي لا أعرف غيره، وكان أبي يخطب فإذا ذكر عليا نال منه فلجلج، فقلت: يا أبه إنك تمضي في خطبتك فإذا أتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيرا، قال: أفطنت لذلك؟ قلت: نعم. قال: يا بني إن الذين من حولنا لو نعلمهم من حال عليّ ما نعلم تفرقوا عنا.

حدثني منصور بن أبي مزاحم عن شعيب بن صفوان قال: كتب عمر بن عبد العزيز: «أما بعد فإنه يجب على المسلمين أن يضعوا من أهل الشرك والكفر ما وضع الله منهم، وأن ينزلوهم بمنزلتهم التي أنزلهم الله بها من الذل والصغار، ولا يشركوهم في أمانتهم ولا يسلطوهم على أهل الإسلام فتجري عليهم أحكامهم ويستخدموهم بالطمع فيما عندهم، وينزلوا بهم حاجاتهم فيغشونهم ويحرمونهم، فلا يبق احد ممن قبلك على غير الإسلام على شيء إلا عزلته واستبدلت به رجلًا من المسلمين ترضى دينه وأمانته وعفافه، وخذهم بشدّ المناطق، وركوب الأكف، وحلق أوساط رؤوسهم، وأطع الله واتقه، فإنه لا حرز لك ولا منعة إن عصيته والسلام» . وكتب عمر إلى عدي بن أرطاة: «أما بعد: فقد أتاني كتابك تذكر أنك لما قدمت البصرة جعلت سفيان بن فرقد حاجبا وتقدمت إليه الا يرزأ أحدا شيئا، فبلغك عنه أمر تكرهه فأتاك بخمسين دينارا ذكر أنه أعطاه إياها رجل، فقبضتها وعزلتها في بيت المال إلى أن يأتيك أمري، وليس بيت المال بموضع للرشاء فاردد ذلك الذهب إلى صاحبه الذي أخذ منه فإن ابن فرقد يعرفه، إن شاء الله، والسلام» . وكتب عمر إلى عدي: «إن بعض من ورد علينا أخبرني عن ناحية من نواحي فارس خرابا، فأسهرني ذلك وغمني، فتعهد أهل عملك بالكتب والرسل، واجتهد في عمارة البلاد بالعدل والرفق وترك الاستقصاء، واعلم إنما يلتمس إصلاح قوم آثروا سيئا واجتهدوا في فساد ما تحت أيديهم حتى بلغ الأمر ما بلغ، وليس بكثير على الله جل ثناؤه أن يجعل في عمارة سنة ما يعدل

خراب سنين مضت قبلها فيجبره بها، فإن الله يبلغ من تضعيفه لمن يشاء أكثر من ذلك، (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ واسع عليم) [1] ، والسلام» . قال: وكتب عمر إلى أبي بكر بن محمد: «ذكرت أن ناسا من بني أسد وفزارة تلاحوا، فرمي فراس الأسدي بحجر فأصاب ركبته، ثم تفرقوا، ومكث سنة وجعا من رميته فاصطلحوا على مائتين من الإبل وإنه لا صلح إلا ما يجوز في الإسلام، فأنفذ الصلح بينهم على مائة من الإبل فليس بدم صاحبهم عن ذلك مذهب، ولولا السنة لم أبال ما أعطاهم بنو فزارة من أموالهم، والسلام» . الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ عمر بن عبد العزيز: لم أر رجلًا كان أعلم بأمر الدنيا من عبد الملك، ولا رجلًا كان أغضب للدنيا ولا اشتدت غلبة الدنيا عليه مثل الوليد، ولا رجلًا آكل للدنيا من سليمان، وهذه الدنيا تريد أن آكلها وتأكلني، والله لا أفعل. المدائني عن خالد بن يزيد بن بشر عن أبيه قال: شتم رجل معاوية عند عمر بن عبد العزيز، فأمر بضربه ثلاثة أسواط. المدائني عن بشر بن عبد الله قال: دخل عبد الملك بن عمر على أبيه فقال: يا أبه ما يؤمنك أن يأتيك أمر الله بياتا وأنت نائم، فقال: يا بني إن نفسي مطيتي وإن لم أرحها لم تحملني، وإني لأحتسب من الأجر في العدل ما أرجو أن لا يقصر بي عن الأجر في ترك النوم.

_ [1] سورة البقرة- الآية: 261.

وقال عمر لميمون: لأن أبقى لهذا المال حتى أسلكه سبيله أحب إلي من أن أتركه لولدي ميراثا، لا أحاسب بشيء منه. المدائني عَنِ المبارك بْن فضالة قَالَ: كتب عمر بن عبد العزيز: «إن من كان عليه دين له وفاء به فليقض من ماله، ومن لم يكن عنده فلينظره غرماؤه، فإنما وضعوا أموالهم عنده على أن يصادفوا مالا أو عدما» . وروى الهيثم بن عدي عن عدي قال: كتب عمر إلى عبد الحميد: «كتبت تذكر أنك وجدت في بيت المال سبعة آلاف درهم مما أخذ ممن كان يختلف بالخمور، ولا حاجة لي في خبيث، فإن وجدت له أهلًا فاردده عليهم، والسلام» . المدائني قال: كتب إلى عمر صديق له من النساك: «إلى العبد المبتلى بأمور المسلمين من أخيه فلان، أما بعد: فإنك ممتحن بما وليت ومجزي بما عملت، فأصلح نيتك وتوق على دينك فإنك بعرض خير وشر، فإن اتبعت الخير سعدت، وإن ملت إلى الشر غويت، وكان يقال من تقلد شيئا من أمور المسلمين فإنما فتح له باب إلى الجنة، وباب إلى النار، فأيهما اختار فهو والجه، عصم الله دينك ووفر من الأجر حظك ووفقك للخير ووفقه لك» . فكتب إليه عمر: «فهمت كتابك يا أخي، وقد عظمت علي البلية، فاسأل الله العون والكفاية، لا تخلني رحمك الله من كتبك بالنصيحة، فإنك تقضي بها حق المودة، والسلام» . المدائني عن المسيب بن شريك قال: قدم على عمر بشير من الصائفة فقال له: إن شئت زدناك في عطائك، وإن شئت ألحقنا لك عيلا. فقال: كلاهما وتمرا، فقال عمر: إنك لبطال وليس لبطال عندنا شيء.

المدائني: أن عمر كتب إلى محمد بن عروة السعدي عامله على اليمن: «أن أخرج من بيت المال قبلك مائة ألف درهم للغارمين ولا تعط منها من كان دينه في سرف وتبذير، واعط من تزوج أو ابتاع ذا رحم فأعتقه أو تاجرا أتى على ما في يديه، وأخرج مائة ألف درهم لأبناء السبيل، ومر رهطا من ذوي الدين والحسبة والنية الحسنة أن يقعدوا بها على طريق الحاج فلا يدعوا منقطعا به منهم ولا محسورا إلا أعانوه، ولا مرملا إلا زودوه، ولا راجلًا إلا حملوه، ولا عاريا إلا كسوه إن شاء الله، فإن سبيل الحاج خير السبل» . وقال كثير يرثي عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أقول لما أتاني ثم مهلكه ... لا يبعدن قوام الأهل والدين قد غادروا في ضريح اللحد منجدلا ... بدير سمعان [1] قسطاس الموازين [2] وقال الجمحي: ثلاثة ما رأت عيني لهم شبها ... يضم أعظمهم في المسجد الحجر وأنت تتبعهم لم تأل مجتهدا ... سقيا لها سبلا بالعدل تفتقر فإن قصرت عن العليا التي بلغوا ... وأنت تطلبها واغتالك القدر فما بلغت التي من دون ما بلغوا ... ففت في ذاك من تثنى له السير لو كنت أملك للأقدار تروية ... تأتي رواحا وتبيتا وتبتكر دفعت عن عمر الخيرات مصرعه ... بدير سمعان لكن تغلب المرر [3]

_ [1] يعرف الموقع الآن باسم «قرية الدير الشرقي» قرب معرة النعمان. [2] ليسا في ديوانه المطبوع. [3] بهامش الأصل: المرر جمع مرة وهي القوة، هذا ولم أهتد إلى معرفة اسم هذا الجمحي.

قالوا: وكان عمر بن عبد العزيز أمر أن يخرج الفرزدق من مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، وذلك أنه كان ينشد فيه الهجاء، ويتبذى فقال فيه الشاعر: نفاك الأغر ابن عبد العزيز ... ومثلك يُنفَى عن المسجد فلقي الفرزدق مخنثًا فقال له: ما فعلت عمتنا؟ فقال: نفاها الأغر ابن عبد العزيز. المدائني قال: تزوج عبد الرحمن بن عمرو بن سهل بْن عَمْرو من بني عامر بْن لؤي بنتا لعبد الله بن عمر بن الخطاب، فكانا أحسن زوج بالمدينة، فكلمته يوما وقد مرض فأعرض عنها فقالت: يا حبيبي مالك أعرضت عني؟ قال: أموت وتتزوجين بعدي. قالت: فإني لا أفعل إن- وأعوذ بالله- حدث بك حدث بل أنا المتقدمة قبلك، فخطبها عمر بن عبد العزيز فتزوجته، فدخل عليها ابن قارظ الكناني فقال لها: مثلك ما قال القائل: تبدلت بعد الخيزران جريدة ... وبعد ثياب الخز أحلام نائم فقالت: ما ذاك مثلي، ولكنه ما قال أرطاة بن سمية: ما كنت إلا والها ذات عولة ... على شجوها بعد الحنين المرجع متى لم تجده تنصرف لطياتها ... من الأرض أو ترجع لأنف ومرجع فأفحمته. وكانت ابنتها من عبد الرحمن عند الحجاج بن يوسف فقال لها: مات أبوك فجزعت، فقال: لم تجزعين وقد تزوجت أمك عمر بن عبد العزيز؟ وحدثني الحسين بن علي الحرمازي، ثنا العتبي قال: سمع عمر بن عبد العزيز رجلًا يمدح فاطمة بنت الحسين، ويقال فاطمة بنت عبد الملك

امرأته فقال: ما تعرف من الشر شيئا. فقال عمر: معرفتها بالشر جنبتها إياه. وقال سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز وهما بطريق مكة، وأراد أن يذكر له شيئا، فسأله: هل علينا من عين؟ قال: نعم عليك من الله عين بصيرة وأذن سميعة. قال العتبي: قرأ قارئ عند عمر بن عبد العزيز آية فلحن، فقال مسلمة: لحن والله يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أو ما شغلك معناها عن لحنه. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ، أنبأ عثمان بن خالد بن دينار عن أبيه عن ميمون بن مهران قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: لا تأتين سلطانا وإن أمرته بمعروف، ولا تخلون بامرأة وإن قرأت عليها القرآن، ولا تصحبن عاقا فإنه لن يصلك، وقد عق والديه. الْمَدَائِنِيُّ عَن عِيسَى بْن يَزِيدَ قَالَ: لَمَّا احتضر عمر بن عبد العزيز قيل له: اكتب إلى يزيد وأوصه بالأمة فقال: وبماذا أوصيه، إني لأعلم أنه من بني مروان. ثم كتب إليه: «أما بعد: فاتق الله يا يزيد الصرعة بعد الغفلة حين لا تقال العثرة، ولا تقدر على الرجعة، إنك تترك ما تترك لمن لا يحمدك، وتصير إلى من لا يعذرك، والسلام» . حدثني عباس عن أبيه عن عوانة قال: أنشد عمر بن عبد العزيز قول الأحوص بن محمد الأنصاري:

سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ... سريرة حب يوم تبلى السرائر [1] فبكى عمر وقال: ويحه ما أغفله عن قول الله (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ. فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصر) [2] . وقالوا: كان على شرطة عمر روح بن يزيد بن يستر السكسكي. حدثني عمرو بن محمد عن الحجاج الرصافي عن أشياخهم قال: عزى رجل عمر بن عبد العزيز عن ابنه عبد الملك فقال: تعز أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذى الصغير ويولد هل ابنك إلا من سلالة آدم ... وكل له حوض المنية مورد قالوا: ومرض عمر بن عبد العزيز، فقيل له: لو تداويت. فقال: لو كان دوائي في مسح أذني ما مسحتها، نعم المذهوب إليه ربي. وحدثني محمد بن خالد الطحان عن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد قَالَ: كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى أبي بكر بن عمرو بن حزم: «أن انظر ما كان من حَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحديث عمرة بنت عبد الرحمن فاكتبه، فإني قد خفت دروس العلم، وذهاب أهله» . قال الواقدي: قال عمر بن عبد العزيز: ما بقي أحد أعلم بحديث عائشة من عمرة. وحدثني عمرو بن محمد عن الحجاج قال: اشتهى عمر بن عبد العزيز في صحته عسلا يؤتى به من قرية على فراسخ، فقيل له: توجه رسولا على

_ [1] شعر الأحوص الأنصاري ص 145. [2] سورة الطارق- الآيتان: 9- 10.

دابة من دواب البريد ليأتيك به، فقال: معاذ الله، لا يراني الله شاغلا جناحا من أجنحة المسلمين في شهوة أشتهيتها. حدثني هِشَام بْن عمار عَنِ الوليد بْن مسلم عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن عمر أنه قال لمحمد بن كعب: عظني. فقال: يا أمير المؤمنين إن فيك جرأة، وجبنا، وكيسا، وعجزا، فداو بعض ما فيك ببعض، وعليك بأهل الدين والعقل فإنهم يكفونك أنفسهم ويعينونك على غيرهم، وإياك ومن مودته لك بقدر حاجته إليك فإذا انقطعت حاجته ذهبت مودته. وإذا اصطنعت صنيعة فأحسن ربها وغذاءها. فقال عمر: أحسن الله جزاءك. وحدثني هشام بن عمار قال: بلغني أن رجلًا تكلم عند عمر بن عبد العزيز فرفع صوته فقال عمر: بحسب الرجل أن يسمع جليسه، لو أدرك شيء خيرا بشدة صوت لأدركته الحمير. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ حماد بن عمرو قال: سمع عمر بن عبد العزيز باكية في جنازة أبيها وهي تقول: يا أبتاه، كان يقصر المجلس إذا أتاه. فقال: ما أحسن ما وصفت أباها. هشام عن بقية قال: تزوج رجل يقال له سليمان بن عثمة امرأتين فقال بعض الشعراء: ليهن ابن عثمان ما عنده ... فلست وإن حسدوا حاسدا مهاتان لونهما واحد ... يذيقانه ثغبا باردا فبورك فيه وفي أهله ... وفي ماله ونما صاعدا فشكاه إلى عمر فقال: ما أرى هجاء، ولكنه شهره، فأدّبه.

وكتب عمر إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن: «اعلم أن كل ذي عادة مقتض ما سننت له» . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الواقدي عن مالك بن أنس قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يقوم قال: إذا شئتم. وكان مالك يفعل ذلك، وكان قبيصة إذا أراد أن يقوم يتناول نعله. حدثني داود بن عبد الحميد قال: كان مشايخنا يحدثون أن عمر بن عبد العزيز كان صديقا لعدي بن أرطاة قبل الخلافة، وكان يقول: ما رأيت أشبه بمن مضى في مذهبه وعفافه من عدي. فلما استخلف ولاه البصرة. حدثنا عفان، ثنا أبو هلال قال: كان عدي يخطب فإذا خطب جلس في الخطبة الأولى، ثم يقوم فيخطب الثانية حتى إذا فرغ مد يده يدعو. قالوا: وحفر عدي نهره، وخرج الناس ينظرون إليه، والحسن يمشي خلف حمار عدي، فالتفت عدي فرآه فنزل عن الحمار، وحمل عليه الحسن، وجعل يمشي بحيث كان الحسن يمشي من الحمار، والحسن راكب. قالوا: وكتب عمر إلى عدي: «أن يجري على من كبرت سنه، وضعفت قوته، وذهبت مكاسبه من أهل الذمة، من بيت مال المسلمين، وقال إن عمر بن الخطاب رَأَى شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَقُومُ عَلَى أَبْوَابِ النَّاسِ يَسْأَلُهُمْ فَقَالَ: مَا أَنْصَفْنَاكَ. أَخَذْنَا منك الخراج شابا، فلما كبرت سنك خذلناك. فأجرى عليه قوته من بيت المال» .

المدائني قال: عاد عدي وكيع بن أبي سود فقال له عدي: كيف تجدك؟ قال: وثابا على العتب، أكالا للعصب، قال: فما بلغ عدي منزله حتى نعي له. قال أبو عبيدة: وبعث عدي إليه رجلًا يعوده فقال له: الأمير يقرئك السلام. فقال: أَنَا والله الأمير ولكني مظلوم، ثم قال: يقول لك كيف تجدك؟ قال: أجدني قفازا على العتب فلم يبلغ الرسول حتى سمع الواعية عليه. وروي عن أبي شور القليبي قال: أشرف عدي على وكيع من دار الإمارة وهو مريض في داره فقال وكيع لبنيه: ارفعوا صدري. فقال له عدي: أبا مطرف كيف تجدك؟ قال: صالحا من رجل يجد أرواح طعامك ولا يأتيه منه شيء. قال: وكيف تراك لو رأيت منه شيئا؟. قال: أكون قفازا على العتب غشوما. فقال عدي: أطيلوا الحائط بيني وبينه فلا أراه ولا يراني. وأتى وكيع الحسن فقام فناوله نعليه فقيل له: أتقوم إلى وكيع مع جفائه؟ فقال: بلغني أن في جسده كذا وكذا طعنة وضربة في سبيل الله، وأنا أكرمه لذلك. وقالوا: أرسل عدي إلى محمد بن سيرين رجلًا وقال له: قل له عن نفسك إني رأيت أني حلبت ناقة فامتككتها حتى حلبتها دما. فقال ابن سيرين: لم تر أنت هذه الرؤيا، وإنما رآها عدي فارجع إليه فقل له: اتق الله فإنك قد جاوزت في حلبك وجبايتك ما أحل الله لك إلى ما حرمه عليك.

قالوا: ولما قدم عدي البصرة قال لإياس بن معاوية بن قرة المزني: أنت من أهل البلد وأعلم به مني فدلني على قوم من القراء استعملهم. فقال: إن القراء ضربان: ضرب يقرأون لله فلا حاجة لهم في عملك، وضرب يقرأون للدنيا، فإذا استعملتهم أمكنتهم مما أرادوا. قال: فأشر عليّ بقوم من أهل البيوتات، فإنهم عسى أن يستحيوا لأحسابهم ويرعوا على أنفسهم ويتصنعوا لطول الولاية. ثم شاور مالك بن دينار فقال له: أما أهل الدين فقد استغنوا عنك بما عندهم، وأما أهل الدنيا فمنهم تهرب. قال: فمن بقي؟ قال: عليك بأهل الشرف فإنهم يحامون على قديمهم، ويربون حديثهم. قال أبو داود الطيالسي: حدثني من سمع عديا يخطب على منبر البصرة وهو يقول: ما أنا وهذه الشهادات، ما أنا وهذه الخصومات. فتحت لكم بابي وأجلست فيكم إياسا ولا أراكم تزدادون إلا كثرة، لقد كنت أرى القاضي من قضاة المسلمين وما عنده أحد، ولقد أتيت شريحا فقلت: يا أبا أمية أين أنت؟. قال: بينك وبين الحائط. قلت: إني تزوجت امرأة، قال: بالرفاء والبنين. قلت: ولدت غلاما. قال: ليهنك الفارس. قلت: وشرطت لها دارها ثم بدا لي أن أحولها إلى الشام. قال: أنت أحق بأهلك. قلت: فاقض. قال: قد فعلت. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن صالح بن حسان قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خلافته وذكر أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هناك شرفا وفضلا ونسكا واحتمالا.

الواقدي قال: كان من سراة الموالي أبو كثير مولى أسلم، وهو من سبي فارس، وكان يقال له زاد الركب. فبعث معه عبد العزيز بن مروان بألف دينار إلى عمر بن عبد العزيز فنسيها في دار عبد العزيز ومضى فأتى عبد العزيز بالألف، فلما قدم أبو كثير المدينة دفع إلى عمر ألف دينار من ماله، واكتتب منه البراءة، فلما قدم مصر أتى به عبد العزيز وكان تاجرا يتجر إلى مصر فقال له: ما فعلت الألف دينار؟ قال: دفعتها إلى عمر وأحضر البراءة، فقال: كيف دفعتها وهي عندنا؟ قال: نسيتها ولم أدر أين هي فكرهت أن أسر عدوا فأشمته، أو أكبت صديقا فأغمه، وخفت أن لا أصدق، وعلي فضل من الله فاحتملتها. فقال عبد العزيز: ألك حاجة؟. قال: نعم، توضع عني العشور إذا دخلت مصر بتجارتي. فقال: نعم. ووضعها عنه. وكان عبد العزيز يقول: من آمن من ابن أبي كثير؟! ودفع إليه الألف دينار. حدثني ابن القتات عن شيخ من الشاميين قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: قيدوا العلم بالكتاب وقيدوا النعم بالشكر. حدثني داود بن عبد الحميد حدثني أبي عن جدي أن عمر بن عبد العزيز أتى بسكران فقال: ألقوا رداءه في أردية فألقي. وقال: انظروا فإن لم يعرفه ولم يخلصه من الأردية فحدوه.

الخوارج في أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

الخوارج في أيام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه خبر بسطام بن مري اليشكري ولقبه شوذب [1] . قال أبو الحسن المدائني. خرج بسطام بن مري أيام عمر بن عبد العزيز بن مروان، فقال لأصحابه: يا أخلائي إنكم قد باينتم قومكم في ولاية هذا الرجل، وهو يأمر بالعدل ويظهره ويعمل به فاعذروا فيما بينكم وبينه، وادعوه إلى أمركم. فكتبوا إليه فعظموا طاعة الله وأمره، وعابوا الظلم وأهله، وأكفروا أهل الكبائر، وبرئوا منهم، ودعوه إلى رأيهم وإلى البراءة من علي وعثمان ورد أحكام عثمان، وما حكم به علي بعد الحكمين، واستأذنوه في أن يوجهوا من يناظره ويحاجه على أن يؤمنه، فكتب عمر إليهم: «إلى العصابة الذين خرجوا بزعمهم التماس الحق، أما بعد ذلك: فإن الله لم يلبس على العباد أمورهم، ولم يتركهم سدى، ولم يجعلهم في عمياء، فبعث إليهم النذر وأنزل عليهم الكتب، فبعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، وأنزل عليه كتابا حفيظا (لا يَأْتِيهِ الباطل من بين يديه

_ [1] بهامش الأصل: بلغت عراضها بالأصل الثالث ولله كل حمد.

وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [1] ) فيه علم ما يأتون وما يتقون، فأوصيكم بتقوى الله، وشكر نعمته، والاعتصام بحبله، والتوكل عليه، فإنه (من يتّق الله يجعل له مخرجا) [2] ، وقد بلغني كتابكم، وما دعوتم إليه، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يدعى إلى الإسلام) [3] وقد خاب من دعي إلى الحق ولم يجب. وذكرتم ما اعتقد الله في عباده، وأمرهم به من الطاعة (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) [4] . وسألتموني أن أحكم بالعدل، وأقوم بالقسط، وفي الحق مقنع وفوز ونجاة لمن عمل به، (ولكل نبأ مستقر) [5] فلكم التي سألتم وبالله التوفيق. وسألتموني رد ما حكم به من كان في صدر هذه الأمة من الأئمة إلا ما كان من حكم أبي بكر وعمر وعلي قبل الحكمين، وهم ومن كان بعدهم من الأئمة كانوا أقرب عهدا برسول الله صلى الله عليه سلم وأصحابه، والله يشهد على أحكامهم ويعلمها. وسألتموني الإذن لكم في قدوم طائفة منكم علي، فمن أحب ذلك منكم فليقدم آمنا لا أحجبه ولا أبسط إليه يدا، وإني أدعوكم إلى الله ورسوله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإنابة إلى أمر الله، وأذكركم

_ [1] سورة فصلت- الآية: 24. [2] سورة الطلاق- الآية: 2. [3] سورة الصف- الآية: 7. [4] سورة الأنعام- الآية: 49. [5] سورة الأنعام- الآية: 67.

الله أن تخالفوا كتاب الله وسنة نبيه، فقد بين لكم الهدى وأراكم البينات، فاقبلوا أمر الله، وإياكم والبدع والغلو في الدين، والسؤال عما قد كفيتموه، فقد سبق فيه من الله ما قد سمعتم من قوله: (يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تبد لكم تسؤكم [1] ف (هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بصيرة [2] فإن تقبلوا يقبل الله منكم، وإن تعرضوا فإن الله أمامكم ومن ورائكم، فمن ذا يعجز الله و (شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصّمّ البكم) [3] . وقلتم لا حكم إلا لله العلي القدير، (ومن أحس من الله حكما لقوم يوقنون» ) [4] . وبعث بكتابه إليهم مع عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، ومحمد بن الزبير الحنظلي وقال لهما: إن هؤلاء القوم قد خرجوا علينا بأسيافهم، فإذا قدمتم عليهم فادعوهم إلى الحق والجماعة فإن دعونا من كتاب الله إلى ما لم أعمل به فاضمنا عني العمل به، وإن دعونا من كتاب الله إلى ما قد علمناه وجهلوه فحاجوهم به حتى يرجعوا إليه. قال: فقد ما عليهم، فقال عون: أيتها العصابة إنا قد أقمنا من كتاب الله ما قد حفظنا وعملنا بما علمنا فهل عندكم من علم فتخرجوه لنا، أم أمنتم على أنفسكم ما خفتم على قومكم، أم رجوتم شيئا لأنفسكم يئستم منه لقومكم، أم تقولون ذنوب قومكم شرك وذنوبكم ذنوب؟

_ [1] سورة المائدة- الآية: 101. [2] سورة يوسف- الآية: 108. [3] سورة الأنفال- الآية: 22. [4] سورة المائدة- الآية: 50.

قالوا: نترك الذنوب كفرا لقول الله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافرون) [1] قال: أخطأتم التأويل، من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا له فهو كافر فأما حاكم وقع حدا قد رآه عن صاحبه وهو مقر بالآية فلا يكون كافرا لأن الله تبارك وتعالى قال: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) [2] وقال الله: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يبعثوا) [3] وهؤلاء يؤمنون بالبعث، وأمير المؤمنين مجتهد لنفسه في الحكم بالعدل، وإحياء ما قد أميت منه، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم. قالوا: فإن عمال صاحبك يظلمون. قال: فتولوا أعماله. قالوا: لا نعمل له. قال: فكونوا أمناء على عماله، فأي عامل منهم عمل بغير الحق فاعزلوه. قالوا: ولا هذا، وقرءوا كتاب عمر فقالوا: نوجه رجلين يكلمانه فإن أجابنا فذاك، وإن أبى كان الله من ورائه، فأرسلوا مولى لبني شيبان يقال له عاصم، ورجلا من بني يشكر من أنفسهم، فقدموا جميعا على عمر وهو بخناصرة، فصعد إليه عون، ومحمد بن الزبير، وهو في غرفة، وعنده ابنه عبد الملك بن عمر، وكاتبه مزاحم فأخبراه بمكان الرجلين فقال: فتشوهما لعل معهما حديدا، ثم أدخلوهما ففعلا، فلما دخلا قالا: السلام عليكم. وجلسا فقال عمر: ما أخرجكم هذا المخرج، وما الذي نقمتم؟ فقال عاصم وكان حبشيا: ما نقمنا سيرتك لتحري العدل والإحسان فأخبرنا

_ [1] سورة المائدة- الآية: 44. [2] سورة فصلت- الآية: 26. [3] سورة التغابن- الآية: 7.

عن قيامك بهذا الأمر أعن رضى من المسلمين ومشورة كان أم ابتززتم إمرتهم؟ قال: ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم على مشيئتهم، وعهد إلي رجل عهدا لم أسأله الله قط لا في سر ولا علانية، فقمت به ولم ينكره علي أحد، ولم يكرهه غيركم، وأنتم ترون الرضا بكل من عدل وأنصف من كان من الناس فانزلوني ذلك الرجل، فإن خالفت الحق، وزغت عنه فلا طاعة لي عليكم. قالا: بيننا وبينك أمر واحد. قال: وما هو؟ قالوا: رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك وسميتها مظالم وسلكت غير طريقهم فإن كنت على هدى وهم على ضلالة فالعنهم وابرأ منهم، فقال عمر: قد علمت أنكم لم تخرجوا طلبا للدنيا ولكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم طريقها، إن الله لم يبعث رسوله صلى الله عليه وسلم لعّانا، وقال إبراهيم: (فمن اتّبعني فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [1] وقال الله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتده) [2] وقد سميتم أعمالهم ظلما وكفى بذلك لهم ذما ونقصا، فابلوا الله حسنا فيما آتاكم ودعوا ما فاتكم، فليس لعن أهل الذنوب فريضة لا بدّ منها، فإن قلتم إنها فريضة فاخبرني أيها المتكلم متى لعنت فرعون؟ قال: ما أذكر متى لعنته. قال: أفيسعك ألا تلعن فرعون وهو أخبث الخلق وشرهم، ولا يسعني إلا لعن أهل بيتي وهم مصلون؟ قال: أو ما هم كفار بظلمهم؟ قال: لا لأَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا الناس فكان من أقر بالإيمان وشرائعه قبل منه، فإن أحدث حدثا أقيم عليه

_ [1] سورة ابراهيم- الآية: 36. [2] سورة الأنعام- الآية: 90.

الحد، فقال الخارجي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى التوحيد بالله والإقرار بما نزل من عنده والعمل بما سن من سنته، ولو قالوا نؤمن بما جاء من عند الله ونخالف سنتك ما قبل ذلك منهم. فقال عمر: فليس أحد يقول لا أعمل بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ القوم أسرفوا على أنفسهم على علم منهم بأن الذي أتوا محرم عليهم، ولكن غلب عليهم الشقاء. قال: فابرأ مما خالف عمالك ورد أحكامهم. قال: أخبرني عن أبي بكر وعمر أليسا من أسلافكم؟ قال: بلى. قال: فهل تعلمون أن أبا بكر حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتدت العرب قاتلهم وسبى الذراري وأخذ الأموال؟ قالا: نعم. قال: أفتعلمون أن عمر رد السبايا بعده إلى عشائرهم بفدية فدوهم بها؟. قالا: نعم. قال: فهل برئ عمر من أبي بكر؟ قالا: لا. قال: أفتبرءون أنتم من واحد منهما؟ قالا: لا. قال: فأخبروني عن أهل النهر وهم من أسلافكم، هل تعلمون أن أهل الكوفة خرجوا فلم يسفكوا دما ولم يأخذوا مالا، وأن من خرج إليهم من أهل البصرة اعترضوه، وقتلوا عبد الله بن خباب وجاريته؟. قالا: نعم. قال: فهل برئ من لم يقتل ممن قتل واستعرض؟ قالا: لا. قال أفتبرءون أنتم من إحدى الطائفتين؟. قالا: لا. قال: أفوسعكم أن توليتم أبا بكر وعمر وأهل البصرة وأهل الكوفة وقد علمتم اختلاف أعمالهم في الفروج والأعمال، ولا يسعني إلا البراءة من أهل بيتي والدين واحد، فاتقوا الله فإنكم جهال تقبلون من الناس ما رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتردون عليهم ما قبل، ويأمن عندكم من خاف عنده، ويخاف عندكم من أمن عنده، ويخاف

عندكم من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وكان من فعل ذلك عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمنا، وحقن دمه، وأحرز ماله ووجبت حرمته، وأنتم تقتلونه ولا تقتلون سائر أهل الأديان فتحرمون دماءهم ويأمنون عندكم. قال اليشكري: أرأيت رجلًا ولي قوما وأموالهم فعدل فيها، ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون، أتراه أدى الحق الذي يلزمه، أو تراه قد سلم؟ قال: لا. قال: أفتسلم هذا ليزيد من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق؟ قال: إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي. قال: أفترى ما صنع من ولاه حقا؟ فبكى عمر، ثم خرجا فقال مولى بني شيبان: لقد رأيت رجلا يتحرى الخير، وما سمعت حجة أبين ولا مأخذ أقرب من قوله فارجع بنا إليه، فرجعا فقال عاصم الحبشي: أما أنا فأشهد أنك على الحق. فقال عمر لصاحبه اليشكري: ما تقول أنت؟ قال: ما أحسن ما قلت وما وصفت ولكني لا أفتات على المسلمين بأمر حتى أعرض عليهم ما قلت وأعلم ما حجتهم. فمضى الرجلان وسرح عمر معهما رجلًا يعلم خبر القوم فأخبرهم اليشكري بما جرى بينه وبين عمر، فأقاموا وقالوا: كفوا عنه ما ترككم. فقال لهم رسول عمر: فهو يكف عنكم ما لم تفسدوا، فرجع إلى عمر، ونزل بسطام وأصحابه حزة [1] من الموصل، وأقام عاصم الحبشي عند عمر فأمر

_ [1] حزة موضع بين نصيبين ورأس عين على الخابور، وحزة أيضا قرب إربل من أرض الموصل معجم البلدان.

له بعطاء، فمات بعد خمسة عشر يوما. وكان عمر يقول: أهلكني أمر يزيد وخصموني فيه فاستغفر الله. وكتب عمر إِلَى عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بن الخطاب بما كان بينه وبين الخوارج من القول والكتاب، ويأمره أن يكفّ عنهم ما كفّوا وأن يجاهدهم إن قاتلوه، فبعث عبد الحميد إليهم: محمد بن جرير بن عبد الله البجلي في الفين، وبعث عمر: هلال بن أحوز في ألف، وكان بسطام في ثلاثمائة ويقال في ستمائة، فكان ابن جرير وهلال بإزائهم لم يقاتلوهم حتى مات عمر، فقال رجل من الخوارج لهلال. خرجت إلى الشراة وأنت حرب ... لقد غررت يا بن أبي هلال وإنا معشر قتلوا عليا ... وعباد بن أخضر في الضلال وإن بصيرتي لما تبدل ... وإن الدين دين أبي بلال وانصرف هلال وأصحابه بعد موت عمر وولاية يزيد بن عبد الملك، وتوجه بسطام إلى الموصل فقتل عاملها، فقاتله محمد بن جرير، فهزمه بسطام، وهرب أصحابه، وكان بمحمد طعنة ولم تكن له ولمن معه ناهية دون الكوفة. وتشاغلوا بخروج يزيد بن المهلب على بسطام، فأرسل يزيد بن المهلب حبيب بن خدرة أو غيره ممن هو على رأيه يدعو إلى نصره، فضرب بسطام رسوله عشرين سوطا، وقال: لولا مكانك من الدين لقتلتك. فلما قتل يزيد بن المهلب، وجه مسلمة، أو عامل الجزيرة، إلى بسطام وهو بالموصل السحاح بن وداع الأزدي فقتل وانهزم أصحابه، ومضى بسطام يريد الجزيرة، فانتدب له تميم بن الحباب أخو عمير بن الحباب

السلمي وقال: إن قتلنا بسطاما أغرنا على ربيعة، فعقد له عامل الجزيرة على ثلاثة آلاف فواقع بسطاما، فقتل تميم ومالك بن عمير وهو ابن أخيه، وكانت الحرب بينهما بتامرا [1] وقتل من الخوارج عدة فقال الشاعر: لقد أسلمت قيس تميما ومالكا ... كما أسلم السحاح قبلك تائبه تركنا تميم بن الحباب ملحبا [2] ... تبكي عليه عرسه وقرائبه وأقبل من حران يحمل راية ... يغالب أمر الله والله غالبه في قصيدة. وقال آخر: تركنا تميم بن الحباب مجدلا ... بغيضة تامرا قليلا عوائده ينادي سليما وهي صم سموعها ... وقد أسلمته إذ دعاها حواشده وأتى بسطام جوخى [3] فوجه إليه مسلمة بن عبد الملك من الكوفة سعيد بن عمرو الحرشي وقال بعضهم: وجه يزيد بن عبد الملك نفسه في أربعة آلاف فلقيه بسطام بجوخى فانهزم سعيد ثم كر فقتل بسطام وأصحابه وانهزم من بقي وقتل أكثر أصحاب سعيد، وقتل مع بسطام الريان بن عبد الله اليشكري، فقال حسان وهو أحد الخوارج: يا عين أذري دموعا منك تسجاما ... وابكي صحابة بسطام وبسطاما في أبيات.

_ [1] تامرا: طسوج من سواد بغداد بالجانب الشرقي. معجم البلدان. [2] لحب: بالسيف ضرب، الشيء أثر فيه، واللحم قطعة طولا. القاموس. [3] جوخى: اسم نهر عليه كورة واسعة في سواد بغداد. معجم البلدان.

وقد قال قوم: إن عمر وجه مسلمة إلى الحرورية فظفر بهم، وكان عبد الحميد وجه إليهم من واقعهم تقربا إلى يزيد، فهزمه الخوارج. قالوا: ولما مات سليمان بدابق، وبلغ عبد العزيز بن الوليد موته، عقد ألوية وصار إلى طبرية وهو لا يعلم من ولي بعده، ودعا إلى نفسه، فلما بلغه أن عمر الوالي وصح ذلك عنده حل ألويته، وأتاه فبايعه، فقال له عمر: أردت أن تشق عصا المسلمين وتفتنهم؟ فقال: يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي استنقذني بك، والله لو يليها غيرك ما ملكها عليّ.

فولد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

فولد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عبد الله الأكبر، وأم عمار، أمهما لميس بنت علي من بني الحارث بن كعب. وإبراهيم، ومروان، أمهما أم شعيب بن زبان الكلبية: وإسحاق، ويعقوب، وموسى، أمهم فاطمة بنت عبد الملك بن مروان. وعبد الملك الناسك، وعبد الله الأصغر، وعاصم، والوليد، وعبد العزيز، وزبان، ومحمد الأصغر، لأمهات أولاد شتى. فأما عبد الله الأكبر، فكان شجاعا، جوادا ولي العراقين ليزيد بن الوليد بن عبد الملك خلافته كلها، وهي ستة أشهر، فلما مات يزيد أقام واليا على العراقين فأراد أهل العراق أن يبايعوا له بالخلافة لمكان أبيه وقالوا: هذا ابن الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز، فقال في ذلك يحيى بن منصور الذهلي: خلافتكم حلوة عذبة ... وتدعى على اسمك أحلى لها فدونكها يا بن عبد العزيز ... سربلك الله سربالها وقال بعض الشعراء:

لعبد الله عبد الله تجري ... صحائفنا أمير المؤمنينا لمن زادته إمرته اتضاعا ... فذلك سنة المتخشعينا وهو احتفر نهر ابن عمر، ونسب إليه، وساوم عبد الله بن عمر رجلًا بشيء فقال له الرجل: ما أشد مكابتك. فوجم عبد الله ثم قال: ويحك إياك أن تغضب قريشا فإن القرشي إذا غضب لم يكن له بقية. وخرج في أيام ولايته عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بن جعفر بن أبي طالب وقد كتبنا خبره. حدثني جماعة من أهل العلم منهم عباس بن هشام الكلبي عن أبيه، وقد ذكر ذلك المدائني، قالوا: لما ولي يزيد الناقص، بعد قتل الْوَلِيد بْن يَزِيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِك، وجه منصور بن جمهور إلى العراق واليا عليها وأمره أن يحمل يوسف بن عمر إليه، فنفذ منصور إلى العراق في خمسة آلاف ويقال إنه لم يوله العراق، ولكنه أمره بحمل يوسف بن عمر، فوافى منصور العراق، وقد هرب يوسف منه إلى منزل له بالبلقاء من عمل دمشق، وأقام منصور بالعراق أشهرا ثم ولى يزيد بْن الوليد بْن عَبْد الملك، وهو الناقص، عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وقال له: أن أهل العراق يحبونك فأحسن السيرة فيهم، فلما قدمها قال لمنصور بن جمهور: أنت أحد أخوالي، والخال والد فلا يتلعبن بك فتيان قريش وأقم معي. وقال الهيثم بن علي: دخل منصور بن جمهور الكوفة، لأيام خلت من رجب، فأخذ بيوت الأموال، وأخرج العطاء والأرزاق، وأطلق من في السجون التي ليوسف من العمال وأهل الخراج، وأقام بالكوفة نحوا من

شهرين وخليفته عليها عبيد الله بن العباس بن يزيد الكندي. واستعمل على البصرة جرير بن يزيد بْن جرير بْن عَبْد الله البجلي. فلما قوي أمر يزيد بن الوليد وجاءته البيعة من الآفاق، وَلِّي عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، فقدم على منصور فسمع له منصور وأطاع، وكذلك جميع قواد الشام، وقد كان خاف ألا يسلم له منصور. قالوا: وأجرى عبد الله بن عمر على منصور في الشهر مع نزله ثمانية آلاف درهم، وكان يقاتل معه، وولى عبد الله: المسيح بن الحوارى بن زياد بن عمرو العتكي أزدشير خرة من كور فارس، وسليمان بن حبيب بن المهلب الأهواز، واقر نصر بن سيار الليثي على خراسان، وأعطى الناس أعطياتهم وأرزاقهم، فنازعه قواد الشام وقالوا: تقسم على هؤلاء فيئنا وهم عدونا؟ فقال عبد الله لأهل العراق: إني قد أرد فيئكم فيكم، وعلمت أنكم أحق فنازعني هؤلاء وأنكروا علي، فخرج أهل الكوفة إلى الجبانة وتجمعوا، فأرسل إليهم قواد أهل الشام يعتذرون ويحلفون أنهم لم يقولوا شيئا مما بلغهم. وثار غوغاء الناس وسرعانهم من الفريقين فتناوشوا، وأصيب منهم رهط لم يعرفوا، وعبد الله بن عمر حينئذ بالحيرة، وعبيد الله بن العباس الكندي بالكوفة، وكان منصور استخلفه عليها فأراد أهل الكوفة إخراجه من القصر، فأرسل عبيد الله بن العباس إلى عمر بن الغضبان بن القبعثري فأتاه فنحى الناس عنه، وزجر السفهاء، حتى تحاجزوا من بعضهم بعضا، فبلغ ذلك ابن عمر فأرسل إلى ابن الغضبان وكساه وحمله وأعظم جائزته، وولاه

شرطه وخراج السواد، وأمر أن يفرض لقومه من بني شيبان، ففرض لهم في ستين وفي سبعين. وولى عبد الله بن عمر صلاة الكوفة: عاصم بن عمر أخاه، وقدم عبد الله والحسن ويزيد بنو مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أبي طالب على عبد الله بن عمر، فنزلوا في النخع في دار مولاهم الوليد بن سعيد، فأكرمهم ابن عمر وأجازهم وأجرى عليهم في كل يوم ثلاثمائة درهم، فكانوا كذلك حتى هلك يزيد بن الوليد، وبايع الناس أخاه إبراهيم بن الوليد، ومن بعده عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك فقدمت بيعتهما على ابن عمر وهو بالكوفة، فبايع الناس لهما وزادهم في العطاء مائة مائة، وكتب ببيعتهما إلى الآفاق فجاءته البيعة، فبينا هو كذلك إذ أتاه الخبر بأن مروان بن محمد بن مروان قد سار في أهل الجزيرة إلى إبراهيم، وأنه امتنع من البيعة له، فاحتبس عبد الله بن عمر عبد الله بن معاوية عنده، وزاد في البر، وفي ما كان يجري عليه، وأعده ليبايع له إن ظفر مروان بإبراهيم، ويقاتل مروان معه. فماج الناس في أمرهم وقرب مروان من الشام، وخرج إليه إبراهيم فقاتله فهزمه مروان وظفر بعساكره، ومضى إبراهيم هاربا، وثبت عبد العزيز بن الحجاج، فقاتل حتى قتل. وأقبل إسماعيل بن عبد الله القسري أخو خالد هاربا حتى قدم الكوفة، وكان في عسكر إبراهيم فقاتل معه، فافتعل إسماعيل كتابا على لسان إبراهيم بولاية الكوفة، وأرسل إلى اليمانية فأعلمهم أن إبراهيم ولاه العراق،

ووعدهم الإحسان والتفضيل، وقال: إني لا آمن أن يعترض علي ابن عمر. فتقبلوا ذلك منه. وبلغ الخبر ابن عمر فباكره مع صلاة الغداة فقاتله ومعه عمر بن الغضبان، فلما رأى إسماعيل ذلك، ولا عهد معه، وأن صاحبه الذي افتعل العهد على لسانه وقد هزم وهرب، وخاف أن يظهر أمره فيفتضح ويقتل، قال لأصحابه: إني كاره لسفك الدماء، ولم أظن أن الأمر يبلغ هذا، فكفوا أيديكم. فتفرقوا عنه، ثم قال لأهل بيته: إن إبراهيم قد هزم وهرب ودخل مروان دمشق، فتحدث بذلك أهل بيته، واشتهر الخبر، واشرأبت الفتنة، ووقعت العصبية بين الناس. وكان سبب الفتنة أن عبد الله بن عمر أعطى مضر وربيعة عطايا عظاما، ولم يعط جعفر بن نافع بن القعقاع بن شور الذهلي، وعثمان بن الخيبري أحد بني تيم اللات بن ثعلبة شيئا، ولم يسوهما بنظرائهما، فدخلا عليه فكلماه كلاما غليظا، فغضب ابن عمر وأمر بهما أن ينحيا فدفعهما عبد الملك الطائي، وكان يقوم على رأسه فخرجا مغضبين. وكان ثمامة بن حوشب بن يزيد بن رويم الشيباني حاضرا، فغضب لصاحبيه، فخرجوا جميعا إلى الكوفة وابن عمر حينئذ بالحيرة، فلما دخلوا الكوفة نادوا: يا ربيعة، فاجتمعت إليهم ربيعة واجتمعوا وائتمروا وبلغ الخبر ابن عمر، فبعث إليهم أخاه عاصما، فأتاهم وهم بدير هند، فاجتمعوا وحشدوا، فألقى نفسه بينهم وقال: هذه يدي لكم فاحكموا، فاستحيوا منه وتشكروا له، وأقبلوا على صاحبيهم فسكنوهما فسكنا وكفّا.

فلما أمسى ابن عمر بعث من تحت ليلته إلى عمر بن الغضبان بمائة ألف فقسمها في قومه، وأرسل إلى جعفر بن نافع بن القعقاع بعشرة آلاف درهم، وإلى عثمان بن الخيبري بعشرين ألفا، فلما رأت الشيعة ضعف ابن عمر أغمزوا فيه واجترأوا عليه وطمعوا فيه، ودعوا إلى عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بن جعفر، وكان الذي ولي ذلك هلال بن أبي الورد مولى بني عجل، فثاروا في غوغاء الناس حتى أتوا المسجد فاجتمعوا فيه، وهلال القائم بالأمر، فبايعه ناس من الشيعة لعبد الله بن معاوية، ثم مضوا من فورهم إلى عبد الله بن معاوية فأخرجوه من دار الوليد بن سعيد حتى أدخلوه القصر، وحالوا بين عاصم بن عمر وبين القصر، فلحق بأخيه عبد الله بالحيرة. وجاء ابن معاوية الكوفيون فبايعوه وفيهم عمر بن الغضبان بن القبعثري ومنصور بن جمهور، وإسماعيل بن عبد الله القسري، ومن كان من أهل الشام له بالكوفة أصل وأهل. وأقام ابن معاوية بالكوفة أياما، فبايعه الناس، وأتته الشيعة من المدائن، وفم النيل، واجتمع له الناس، فخرج يريد عبد الله بن عمر بالحيرة. وبرز له ابن عمر بمن كان معه من أهل الشام، فخرج رجل من أهل الشام يسأل البراز فبرز له القاسم بن عبد الغفار العجلي، فقال له الشامي: لقد دعوت حين دعوت وما أظن أنه يخرج إلي إلا رجل مكره، إني والله ما أريد قتالك ولكني أحببت أن ألقي إليك ما انتهى إلي. أخبرك أنه ليس معكم رجل من أهل اليمن: منصور، ولا إسماعيل، ولا غيرهما إلّا وقد

كاتب ابن عمر، وقد كاتبته مضر وندموا على ما كان منهم، ولم أر لكم معشر ربيعة كتابا ولا رسولا، وليسوا مواقعيكم يومكم حتى تصبحوا فيواقعوكم، فإن استطعتم ألا تكون بكم الحرة [1] دون اليمن ومضر فافعلوا، فإني رجل من قيس، وسنكون غدا بإزائكم فإن أردتم الكتاب إلى صاحبنا أبلغته إياه، وإن أردتم الوفاء لمن خرجتم معه فقد أعلمتكم حال الناس، فدعا القاسم بن عبد الغفار رجالًا من قومه فأعلمهم ما قال له القيسي وأن من مع ابن عمر من مضر وربيعة سيقفوا بإزاء ميسرته وفيها ربيعة، فقال ابن معاوية: إن هذه علامة ستظهر لنا إذا أصبحنا فإن أحب عمر بن الغضبان فليأتني الليلة، وإن منعه شغل بما فيه فهو في عذر، وإني لأظن القيسي قد كذب. وأرسل إليه بذلك فأتى الرسول عمر بن الغضبان فرده إليه بكتاب يقول فيه: إن رسولي هذا بمنزلتي عنده فتأمره أن يتوثق من منصور وإسماعيل، فأبى ابن معاوية أن يفعل، وأصبح الناس غادين على القتال وقد جعل ابن معاوية أهل اليمن في الميمنة ومضر وربيعة في الميسرة، ونادى مناديه: من جاء برأس فله كذا، ومن جاء بأسير فله كذا، والمال عند عمر بن الغضبان. والتقى فاقتتلوا، وحمل عمر بن الغضبان على ميمنة ابن عمر فانكشفوا، ومضى إسماعيل ومنصور من فورهما إلى الحيرة، وزحمت غوغاء الناس أهل اليمن فقتلوا منهم أكثر من ثلاثين رجلًا، وقتل الهاشمي وهو العباس بن عبيد الله بن عبد الله زوج بنت الملاءة، أصابه سهم. وقتل

_ [1] كذا بالأصل وأرجح أنها تصحيف «الميسرة» .

مكبر بن الحواري بن زياد في غيرهم، ثم انكشفوا وفيهم عبد الله بن معاوية حتى دخلوا القصر بالكوفة، وبقيت الميسرة من مضر وربيعة ومن بإزائهم من أهل الشام، وحمل أهل القلب من أهل الشام على الزيدية فانكشفوا حتى دخلوا الكوفة وبقيت الميسرة وهم نحو من خمسمائة. قالوا: كانت عاتكة بنت الملاءة تزوجت أزواجا منهم: العباس بن عبيد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ- ببة- بْن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْنِ عبد المطلب، فقتل أيام عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ في العصبية بالعراق، قالوا: وهو أخو عبد الله بن معاوية بن معاوية لأمه أمهما بنت عون بن العباس بن ربيعة بن الحارث. واقبل عامر بن ضبارة: ونباتة بن حنظلة، وعطية بن عبد الرحمن التغلبي، والنضر بن سعيد بن عمر الحرشي، حتى وقفوا على ربيعة فقالوا لعمر بن الغضبان: أما نحن يا معشر ربيعة فما كنا نأمن عليكم ما صنع الناس بأهل اليمن، ونتخوف عليكم مثلها فانصرفوا، فقال عمر: ما كنت ببارح أبدا حتى أموت. فقال: إن هذا غير مغن عنك ولا عن أصحابك شيئا. فأخذوا بعنان دابته حتى أدخلوه بيوت الكوفة. قال أبو عبيدة: دخل ابن معاوية وأخاه القصر، فلما أمسوا قال لعمر بن الغضبان وأصحابه: يا معشر ربيعة: قد رأيتم ما صنع الناس بنا، فإن كنتم مقاتلين معنا قاتلنا معكم، وإن كنتم ترون الناس خاذلينا وإياكم، فخذوا لنا ولكم أمانا، فقد رضينا لأنفسنا ما رضيتم به لأنفسكم، فقال عمر: ما نحن بتاركيكم من إحدى الخلتين. إما أن نقاتل معكم، أو نأخذ لكم أمانا. كما نأخذه لأنفسنا فطيبوا نفسا. فأقاموا في

القصر والزيدية على أفواه السكك يغدوا عليهم أهل الشام ويروحون يقاتلونهم أياما، ثم إن ربيعة أخذت لأنفسها وللزيدية ولعبد الله بن معاوية أمانا ألا يتبعوهم، وأن يذهبوا حيث شاءوا. وأرسل ابن عمر إلى عمر بن الغضبان يأمره بنزول القصر، وإخراج عبد الله بن معاوية، فأرسل إليه ابن الغضبان فرحله ومن معه من شيعته ومن تبعه من: أهل المدائن، وأهل السواد، وأهل الكوفة، فسارت بهم رسل ابن عمر حتى أخرجوهم من الجسر، ونزل ابن عمر القصر. وكانت أم عبد الله بن معاوية ابنة عون بن العباس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، فقال الفضل بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن الْعَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب: لقد أنكرت أن تأتي بخير ... وأمك أخت يَعْقُوب بن عون قال أبو عبيدة: وكان وفاة يزيد بن الوليد بدمشق لانسلاخ ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، وهو ابن ست وأربعين سنة، فكانت ولايته ستة أشهر وليلتين، وبويع إبراهيم، وأمه أم ولد، بدمشق فلم يلبث إلا شهرا أو نحوه حتى أقبل مروان من الجزيرة، فدخل دمشق لثلاث خلون من صفر، فهرب إبراهيم وخلع، وبايع الناس مروان بن محمد، وأمه أم ولد، ويكنى أبا عبد الملك. قال أبو عبيدة: فلما ظهر مروان، واستقام أمره، كتب إلى النضر بن سعيد بن عمرو الحرشي بولاية العراق، وإلى من معه من النزارية يأمرهم بالسمع والطاعة له، والنضر يومئذ مع عبد الله بن عمر مقيم بالحيرة، فقال من مع النضر من المضرية الشاميين: إنه لا طاقة لنا بمن مع ابن عمر من

اليمانية إلا أن يأتيك مدد من قبل مروان يعلم به هؤلاء صحة أمرك وتولية مروان إياك، وغلبة مروان على الشام، واتساق الأمر له، فكتب النضر بذلك إلى مروان، وبلغ ذلك ابن عمر فبادر فأخرج النضر من الحيرة، فأتى الكوفة، فانطوت عليه ربيعة، وأنزلوه دار مصقلة بن هبيرة الشيباني، وتقوضت إليه مضر الشام فأتوه بالكوفة فأنزل عامر بن ضبارة دار المسور بن عطاء في بني شيبان، وأنزل أبان النميري إخوته دار حوشب بن يزيد بن رويم، وأنزل نباته ومن معه دار عتبة بن النهاس العجلي، وفرق بقية أصحابه في دور بكر بن وائل. ولما بلغ كتاب النضر مروان وجه إليه خالد بن الغزيل الكلابي، أحد بني خويلد بن نفيل، في ثلاثمائة فارس، وأبان بن معاوية النميري ثلاثمائة، وبلغ ابن عمر مسيرهما فبادر إلى النضر ليقتله أو يخرجه من العراق قبل قدوم المدد، ووجه رجلًا من بني تميم إلى الغزيل وقد قرب من الكوفة فقال له: أنا رسول النضر بن سعيد إليك وهو يقول لك: إنا قد توادعنا هذين اليومين لننظر في أمرنا، فأقم في مكانك وأجم خيلك، فإذا مضى اليومان فأقبل فإن ابن عمر قد وعدنا أن يصير إلى طاعة أمير المؤمنين مروان. وأراد ابن عمر أن يربّثه ليخلو به فيقتله، أو يخرجه من الكوفة، فظن ابن الغزيل أن الخبر حق، فاستراح إلى المقام، فأقام، وأقبل ابن عمر إلى النضر فيمن معه من اليمانية والنزارية، وأتاه النضر في النزارية من أهل العراق والشام، وكانوا قليلا، فلم يقم لهم النضر، وأقبل منهزما حتى دخل الكوفة، وبقي أخوه مسلمة بن سعيد، وأبو أمية بن المغيرة الثقفي يحمون الناس على أفواه السكك.

وحلف ابن عمر ليحرقن دور بكر بن وائل، وبلغ ابن الغزيل الخبر وهو بموضعه، فعلم أنه مكر به فأقبل مغذا في سرعان خيله حتى دخل الكوفة، فحمل ابن عمر وأصحابه، وحمل مسلمة بن سعيد عليهم أيضا فهزموهم حتى أدخلوهم الحيرة، ثم أن حنظلة بن نباته، وعامر بن ضبارة، والريان بن سلمة اجتمعوا فقالوا: إنما نطلب هذا الأمر لأهله من بني مروان، وأي رجل منهم ظفر بالملك فغير خارج منهم، فعلام تقتلون أنفسكم؟ فانصرفوا إلى عساكرهم، وبعث ابن عمر في جوف الليل إلى ابن الغزيل مائة ألف، ووعده إن غلب عدات أرغب له فيها، فتثاقل عن نصرة الحرشي، وخرج أيوب بن حوشب بن يزيد في رهط من أصحابه في طلب الحرشي، وكان قد صار إلى دير الأعور، فرده من ليلته، وأصبح في منزله. ثم تغادوا للقتال وجعلوا يغدون ويروحون للقتال حتى بلغهم إقبال الضحاك بن قيس الخارجي في ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف من الحرورية إلى العراق. وقال الهيثم بن عدي: كتب مروان إلى النضر بن سعيد بولايته على العراق، فامتنع عليه ابن عمر، فصار الناس فرقتين: أهل اليمن، وخصائص من قريش مع ابن عمر، ومضر كلها من أهل العراق وأهل الشام مع النضر بن سعيد في طاعة مروان. وتحول النضر: إلى دار مصقلة بن هبيرة الشيباني، وتحولت إليه المضرية كلها، وابن بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان، والحكم بن عبد الملك، وآل بشر بن مروان، فنهض إليهم ابن عمر يوم جمعة فهزمهم حتى دخلوا البيوت، ثم انصرف، فلما كانت ليلة السبت قدم ابن الغزيل من

قبل مروان في أربعة آلاف من أهل الجزيرة وقنسرين، فدخلوا الكوفة ليلة السبت، ثم غدوا بغلس فأخذوا في أطراف الكوفة حتى انتهوا إلى الغريين. وخرج ابن عمر في اليمانية إلى غربي الحيرة وكردس الكراديس، وكان منصور بن جمهور معه، وكان يومئذ على الميمنة، وأقبل الحرشي في القيسية حتى حمل على ابن عمر في اليمانية، فانكشفوا حتى بلغوا أدنى بيوت الحيرة، وانحدر منصور إلى غربي بيوت الحيرة، ثم أخذ على النجف حتى ظهر على الطريق الغربية من حيث تجري الخيل فصار من وراء القيسية، ثم حمل عليهم وهو في نحو من أربعمائة وهيأ له الحرشي جلد أصحابه: ابن الغزيل ومن معه. قال الهيثم: فأزالهم منصور قدر غلوة، ثم ثبتوا له في الخصاصات [1] ، ثم حمل عليهم منصور مرة أخرى فقتل منهم نحوا من سبعين فانكفأوا حتى لجأوا إلى مصلى خالد بن عبد الله، ثم حمل عليهم فأدخلهم البيوت، ثم غدوا يوم الأحد فسألهم الحرشي الموادعة إلى أجل سماه. وأقبل الضحاك بن قيس الحروري، فلما بلغ ابن عمر والنضر بن عمرو الحرشي إقباله اجتمعت كلمة ابن عمر والنضر على قتاله، ودخل ابن عمر قصر الكوفة، وتحولت اليمانية، فنزلت في عشائرها بالكوفة، وذلك في رجب سنة سبع وعشرين ومائة، وأقبل الضحاك حتى نزل النخيلة، وخندق

_ [1] الخص: البيت من القصب، أو البيت يسقف بخشبة كالأزج، وحانوت الخمار، والخصاصة: ما يبقى من الكرم. القاموس.

ابن عمر خندقا في أطراف الكوفة، وسنكتب أخبار الضحاك فيما بعد إن شاء الله. وقال ابن الكلبي: لما ظهر مروان دعا عبد الله بن عمر إلى نفسه، وقال: أنا عين بن عين بن عين، أقتل ميم بن ميم بن ميم، فأظهر أهل العراق الرغبة فيه إذ كان ابن عمر بن عبد العزيز، وقالوا: هذا ابن الرجل الصالح، وهو أولى بالأمر من الجعدي، فقال فيه يحيى بن منصور الذهلي: عليك بها يا بن عبد العزيز ... سر بلك الله سربالها وولى عبد الله بن عمر: عمرو بن سهيل بن عبد العزيز البصرة، وهو كليجة. ثم إن الضحاك بن قيس الشيباني الحروري أقبل من ناحية الموصل مما يلي شهرزور فيمن معه من الخوارج، فلما بلغ ابن عمر إقباله إليه وهو بالحيرة استعد له وتحول إلى قصر الكوفة، فنزل الضحاك بإزائه فواقعه فهزمه الضحاك، وقتل ممن معه: عاصم بن عمر أخوه، قتله البرذون بن مورق الشيباني أو غيره وجعفر بن العباس الكندي أخو عبيد الله بن العباس، قتله عبد الملك بن علقمة العبدي. وكان جعفر على شرطة ابن عمر، وكانت المعركة بين الكوفة والحيرة، ومضى عبد الله بن عمر نحو واسط، وسار النضر بن سعيد الحرشي يريد مدينة واسط، فلم يدخلها لمنع عامل ابن عمر إياه من دخولها ودفعه له عنها، وهو شبيب بن مالك الغساني، وكان شبيب لما بلغه قرب النضر من واسط أغلق أبواب المدينة وتحصن، وبدر ابن عمر فدخلها وتحصن بها، واتبعه الضحاك فحصره بها أشهرا حتى أظهر الجنوح إليه وصالحه على أربعة آلاف ألف درهم، وعلى أن يسير الضحاك إلى مروان

فيحاربه، فإن هو ظفر بمروان سمع وأطاع له، وإلا فلا بيعة له عليه إن غلبه مروان. وتعاقدا على محاربة مروان وأصحابه. وغلب الضحاك على الكوفة وسوادها، وتوجه الضحاك يريد مروان، وسار مروان يريد العراق لقتال الضحاك، فلما بلغه وهو بقرب قرقيساء أن سليمان بن هشام بن عبد الملك قد خرج عليه انصرف إليه فلقيه بخساف [1] أو قربها، فاستباح عسكره، وكان سليمان خليفة إبراهيم على عسكره، ثم أمنه مروان، ثم خرج أيضا عليه، وانصرف مروان إلى الرقة وأتى حران وكان سليمان في موال لهشام، فلقي الضحاك فصار معه وصلى خلفه، فقال بعض الخوارج: ألم تر أن الله أنزل نصره ... وصلت قريش خلف بكر بن وائل ويقال إن ذلك قيل في ابن عمر، حين جنح إلى السلم. وبلغ مروان انتقاض أهل حمص عليه، فأتاها وأقام عليها حتى فتحها، وهدم حائطها، ثم إن الضحاك أتى الجزيرة فحاصر نصيبين فلم يظفر بها، فأتى حران ومنزل مروان بها فواقعه مروان ثلاثة أيام ثم قتل. وولى مروان يزيد بن عمر بن هبيرة العراق فسار إلى واسط وعبد الله بن عمر بها وقد تهيأ للحصار، وانضم إليه قوم من الخوارج من قبل الضحاك، وعزم على قتال ابن هبيرة، ثم تفرقت الخوارج عنه، فتجمعت مضر ممن كان بواسط فردموا باب القصر على ابن عمر، وبعثوا العلاء بن مزروع إلى

_ [1] خساف برية بين بالس (مسكنة) وحلب، مشهورة عند أهل حلب وبالس. معجم البلدان.

ابن هبيرة يخبرونه أنهم قد حصروه فأقبل لا يلوي على شيء وحصره ثم أعطاه الأمان على حكم مروان، وكتب إلى مروان بذلك فكتب إليه مروان اقتله ولا تناظره. فراجعه في أمره فكتب إليه أن احمله إلي فقال: أنا ابن عمر بن عبد العزيز وأرجو ألا يقدم علي مروان. فحمله ابن هبيرة فحبسه مروان، ثم بعث إليه من اغتاله بشربة سقيها، ويقال ديس بطنه، ويقال غم حتى مات. وقتل ابن عمر وكان لابن عمر ابن يقال له بشر كان في صحابة المهدي أمير المؤمنين. وأما منصور بن جمهور الذي قيل له، منصور بن جمهور أمير غير مأمور، فإنه خلع مروان وأقام بالجبل يجبي خراجه، ومال إلى شيبان خليفة الضحاك وولي عهده. ثم مضي إلى السند فغلب عليها حتى قدم عليه مغلس العبدي واليا على السند من قبل أبي مسلم فحاربه حتى قتله وهزم جنده، فلما بلغ أبا مسلم قتل عامله عقد لموسى بن كعب التميمي على السند فقدمها وواقع منصورا فهزمه وجيشه وقتل أخاه منظور بن جمهور، وخرج منصور مفلولا هاربا حتى ورد الهل [1] فمات عطشا. وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قال: قتل مع ابن عمر: عاصم أخوه فدفنه إلى جانب الأشعث، قال: وقتل جعفر بن العباس بن يزيد الكندي مع ابن عمر حين قاتل الضحاك والخوارج بين

_ [1] لم أقف على تعريف لهذا الموقع.

- ومن ولد عبد العزيز بن مروان: أبو بكر،

الكوفة والحيرة، وكان عبيد الله بن العباس بن يزيد يقاتل مع أخيه، ثم جنح إلى الخوارج. فقال أبو عطاء السندي. فقل لعبيد الله لو كان جعفر ... هو الحي لم يجنح وأنت قتيل جنحت وقد ردوا أخاك وأكفروا ... أباك فماذا بعد ذاك تقول فقال: أقول أعضك الله ببظر أمك. وولي عبيد الله لأبي العباس أمير المؤمنين قنسرين، وللمنصور أرمينية. وبها مات. وقال امرأة من الصفرية: نحن قتلنا عاصما وجعفرا ... والفارس الضبي حين أصحرا ونحن جبنا الخندق المقعرا - ومن ولد عبد العزيز بن مروان: أبو بكر، وكان من خيار ولده وكان يقدر فيه إذا أفضت الخلافة إليه أن يوليه عهده، وله عقب. وعاصم بن عبد العزيز. وكان من ولده: الأصبغ بن سفيان بن عاصم، وكان الأصبغ مخنثا وأمه ابنة عمر بن عبد العزيز. ومن ولد عبد العزيز: الأصبغ بن عبد العزيز، وأمه أم ولد. وكان من ولده: دحية بن مصعب بن الأصبغ بن عبد العزيز، خرج أيام موسى أمير المؤمنين بمصر، فقتله عامله عليها بعد قتال، وهو الفضل بْن صالح بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العباس، وبعث برأسه، فنصب ببغداد على الجسر، ويقال أن الذي حاربه وبعث برأسه علي بن سليمان بن علي.

ومن ولد عبد العزيز بن مروان: سهيل بن عبد العزيز،

فتنة ابن سهيل: ومن ولد عبد العزيز بن مروان: سهيل بن عبد العزيز، وكان ابنه عمرو بن سهيل بن عبد العزيز يدعى كيلجة لقصره، من رجال قريش، ولاه عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ البصرة. وكان الذي يلي شرط البصرة قبله المسور بن عباد بن عمرو بن الحصين الحبطي من بني تميم، فاستعمل عمرو بن سهيل رجلًا من بني سدوس، فحقد ذلك المسور عليه وجانبته تميم غضبا للمسور. وقتل عبد الله بن علي عمرو بن سهيل فيمن قتل وصلبه فيمن صلب من بني أمية. المدائني وغيره قالوا: اجتمع الناس على يزيد بن الوليد بن عبد الملك، فاستعمل على العراق عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، فكتب عبد الله إلى عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عُثْمَان بْن عَبْد الله بن أمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد بولاية البصرة، ولم يكن معه جند فضعف أمره، وكان أهل البصرة قد تراضوا به حتى قتل الوليد، وهرب عامل يوسف بن عمر عنها. وقدم سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة المخزومي داعية لمروان بن محمد، فنزل عند أبي العسكر المسمعي مستخفيا، ودس إلى وجوه أهل البصرة يدعوهم إلى الدخول في طاعة مروان، وجعل يعدهم الأموال ويمنيهم أن تأتيهم من قبل مروان. فلما تأخر ذلك ولم يروا لقوله مصداقا جعل الصبيان يقولون في السككك: من يبايع بنسية ابن جعدة الشقية. ظنوا أن جعدة امرأة. وبلغ ابن عمر بن عبد العزيز وهن أمر عبد الله بن أبي عثمان، فولي البصرة عمرو بن سهيل، ووجه معه جندا من النجارية من أهل الشام فيهم

أبو بحر الجذامي، فهرب ابن جعدة، واستعمل عمرو على شرطه محمد بن وكيع بن أبي سود. ومات يزيد بن الوليد الناقص في آخر ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، وكتب مروان إلى المسور بن عمر بن عباد، ووجوه بني تميم، يدعوهم إلى طاعته والوثوب بابن سهيل. ويقال بل كتب المسور إلى مروان مبتدئا ببيعته وطاعته واستأذنه في الوثوب بابن سهيل، وجعل المسور يبايع الناس لمروان ويدعوهم إليه حتى فشا ذلك والمسور في داره بالحبطات. وبلغ ابن سهيل خبره فناهضه، ومعه الأزد، وربيعة، وقريش والنجارية ومن معه من أهل الشام، وكان مع ابن سهيل سفيان بن معاوية، وداود بن حاتم، وكان المسور في: بني تميم، وباهله، وبني عامر بن صعصعة، فكان يتقاتلان ثم يتحاجزان، ويصير المسور إلى داره. فلامه حرب بن قطن الهلالي على مصيره إلى منزله وحذره أن يطرقه ابن سهيل ليلا، وقال: أخاف ألا يأتيك غياثك حتى يقضي القوم أربهم منك. فتحول إلى بني العنبر، وتحول من كان منزله نائيا عن بني تميم مثل: الحكم بن يزيد الأسيدي، والترجمان بن هريم بن أبي طحمة المجاشعي، والمغيرة بن الفزع، فكان يقاتلهم. واتهم ابن سهيل محمد بن وكيع فعزله عن شرطته، وولاها المنهال بن حاتم بن سويد بن منجوف. وخندق المسور على أبواب السكك لما رأى من احتفال الأزد، وربيعة مع ابن سهيل واختذال نجاريته ومن معه من الشاميين. وكان مع المسور عمرو بن قتيبة، فكانوا يقتتلون خلف الخنادق ويخرجون فيقتتلون.

ثم إن بني سعد بن زيد مناة بن تميم قالوا: قد كتب مروان إلى وجوهنا، كما كتب إلى المسور فلا نرضى أن تكون رئيسا. ففارقوه ورأسوا عليهم القاسم بن محمد الثقفي، وتابعهم على ذلك: ضبة، وعدي، والرباب. وبلغ ذلك ابن سهيل فوجه إليهم أبا بحر الجذامي في الخيول فلما ناوشهم استطرد لهم حتى باعدهم عن أفواه السكك، ثم كر عليهم فهزمهم وقتل منهم. وكان رؤبة بن العجاج يركب فرسه ويجول في هذه الفتنة ويقول: صبرا بني الكرام يا حماة الأدبار ... إن الفرار يا بني تميم عار [1] ثم إنهم حكموا عبد الكريم بن سليط الحنفي في أن يجعل الرئاسة لمن يرى فحكم للمسور لبأسه، وكثرة ولده، ومواليه، وفرسانه، وكان الحكم مائلًا إلى المسور، فاقتتلوا فهزم ابن سهيل وأصحابه وكشفوا ووقعت العصبية، فنزل أبو الفيض الشامي وأصحابه فصار مع قيس، وكان أحد بني عبد الله بن غطفان، وجعل يرمي أصحاب ابن سهيل وهو يقول: اللهم اخز عدوك. ولم يزالوا يقتتلون حينا. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: اقتتلوا سبعة أشهر. قالوا: وألقى القاسم الحنفي نارا في قصب وأتبان كانت على نهر بني جشم بن سعد فقال حرب بن قطن الهلالي للمسور: وجه إلى بني حنيفة من يحرقهم. فقال: فيهم قوم براء لا نؤاخذهم بفعلة فاسق سفيه.

_ [1] ليس في ديوان رؤبة المطبوع.

ثم مضى حرب مخالفا له فحرق على بني حنيفة ليلته حتى أصبح، قالوا: فبيناهم على أمرهم هذا إذ أقبل مروان يريد العراق، والضحاك الشاري قد حصر عبد الله بن عمر في مدينة واسط، ومعه منصور بن جمهور فجنح منصور إلى الضحاك وهذا الثبت، وكلب تقول: لم يجنح إليه، وبايعه ابن عمر وسلم الأمر إليه على شريطة اشترطها. قال أبو عبيدة: ولحق النضر بن عمرو بمروان، ووجه الضحاك إلى البصرة عمارا الحروري في أربعين رجلًا فنزلوا ببلاباذ [1] ونادى مناديهم: أيما رجل علق على بابه صوفة حمراء فقد جنح للسلم، وبايعته الأزد، وربيعة، وكانوا شيعة ابن سهيل، وثبتت مضر في مواضعها، فلما رأى ابن سهيل إن ابن عمر قد غلب، وأن مروان قد أقبل هرب ليلًا فأصبحت دار الإمارة وليس فيها أحد، وهرب عمار لهرب ابن سهيل، وإنما كان مجيئه للعقد بين ابن عمر والضحاك. وغدا المسور، وكان قد اختضب، فسرح الحناء ولم يغسله، وكان شعره كأنه الليف طويلًا سبطا وهو على بغلة، فمنعه بنو سعد أن يدخل دار الإمارة حسدا له، فلما رأى ذلك عدل إلى بيضاء ابن زياد فنزلها. وجاءت بنو سعد بعباد بن منصور الناجي فأنزلوه دار الإمارة، فكان يصلي بالناس، واصطلحوا عليه، ثم إن بني قيس بن ثعلبه أحدثوا أحداثا، فسار إليهم المسور فقاتلهم، ثم حرق دورهم وسوقهم التي بالمربد، ولم يزل المسور على هذه الحال حتى قدم سلم بن قتيبة عاملًا

_ [1] قرية في شرقي الموصل من أعمال نينوى، بينها وبين الموصل رحلة خفيفة. معجم البلدان.

ليزيد بن هبيرة على البصرة، ومات المسور بعد ذلك بقليل، وكان المسور قد خرب دور آل المهلب لما بلغه قدوم سلم، فلما قدم سلم حال بينه وبين ما بقي من دورهم. وكان عمرو بن سهيل حيا حتى قتله عبد الله بن علي فيمن قتل من بني أمية بالشام. حدثني الحرمازي عن أبي عبيدة قال: قال عمر لابنه عبد الله: ما على خاتمك؟ قال: لكل عمل ثواب. قال عمر: فاستثب رب الأرباب. قالوا: وكان عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتب إلى ابن سهيل يأمره أن يوفد إليه وفدا فأرسل إليه جماعة يأمرهم بذلك، وأرسل إلى عمرو بن عبيد فامتنع عليه، فأعاد إليه شبيب بن شيبة فقال عمرو لشبيب: قل له أن أول ما يسألني عنه عن سيرتك فما تراني قائلًا فيك؟ فكف عن عمرو، فخرج في الوفد: شبيب بن شيبة، وإسماعيل المكي، وواصل بن عطاء. قال خالد بن صفوان: فدخلوا على عبد الله بن عمر وأنا عنده فتكلموا رجلًا رجلًا فما بقي فن من فنون الكلام إلا تكلموا فيه، وبقي واصل آخرهم وقد سبق إلى أبواب الفنون، فتكلم رجل ضئيل الصوت، خفي المنطق فلم يزل يعلو صوته ويرتفع، وكأنما جمعت له محاسن الأقوال فهو يتخيرها على بصيرة، فأمر لهم بألفين ألفين فقبلوا إلا واصلًا، فقال لهم واصل: والله لئن كنتم شخصتم لله فما فيما أعطيتم عوض مما شخصتم له، ولئن كنتم شخصتم للدنيا فما أعطيتم ما تستحقون. وجعل يعطي واصلًا ويزيده حتى بلغ مائة ألف درهم، فقال واصل: إني لم آب ما أمرت به، ولا استقلالا له، ولا استزادة لك، ولو

كنت إنما أتيت لذلك لقد بذلت ما مثله كفى وأقنع، ولكني شخصت لغير ما أعطيت. وقال الأصمعي: قدم ابن هبيرة فأقر المسور على الأحداث، وعباد بن منصور على القضاء والصلاة، قال غيلان بن حريث الربعي: أما ورب الكعبة المفضله ... على البيوت كلها المؤثله إن بني الأعز أعني حنظله ... وآل عمرو ألحموا في المنزله بمأزق يخاف فيه المقتله ... ضنك ترى أبطاله مجدله تميميون [1] حول الترجمان قنبله ... حول أغر لم يكن يزمله من آل سفيان كريم المعدله ... مرتفع الطرف طويل المحمله يضرب في الغما ليوث الغيطله في أبيات. وقال أيضا: يا مسور بن عمر بن عباد ... يا سيد المصرين وابن الأسياد وخير من غاب وخير الشهاد ... كم فيكم أبيض واري الأزناد مقابل العم كريم الأجداد ... إنك يوم السبت غير حياد بالسيف ضراب رؤوس الصداد وقال رؤبة بن العجاج: إن تميما تبتلى بأقوام ... ليسوا بأخوال ولا بأعمام لا يتقون [2] لحدود الإسلام ... من رقة الدين وبعد الأرحام

_ [1] بهامش الأصل: يمشون. [2] بهامش الأصل: موقون.

منهم لكيز وهي شر الأصرام ... والأزد والأزد صغار الأحلام وقد رأوا في مستهل زمزام ... في لجب بحر كأركان الرام كتيبة للترجمان المقدام ... والمسور السامي بغير إحجام منازل تملأ عين المغتام ... إذا الكماة استمسكوا بالإعصام [1] في أبيات. وقال أبو عبيدة: لما قام مروان، وقدم يزيد بن عمر العراق شذب قتادة الخوارج ومن لحق بهم من شيعة يزيد بن الوليد، وطار آل المهلب تحت كل كوكب، وولى يزيد: سلما البصرة. ومن ولد عبد العزيز بن مروان: أبو زبان، واسمه الأصبغ بن عبد العزيز، وكان عالما ينظر في النجوم والطب، وكان ذا قدر في بني أمية، وهلك بمصر قبل أبيه بخمس عشرة ليلة [2]

_ [1] ديوان رؤبة ص 136- 139. [2] بهامش الأصل: بلغ العرض ولله الحمد.

أمر يزيد بن عبد الملك بن مروان [1]

أمر يزيد بن عبد الملك بن مروان [1] يكنى يزيد أبا خالد، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وإليها ينسب، بويع له بالخلافة سنة إحدى ومائة، وكان سليمان بن عبد الملك ولى عمر بن عبد العزيز العهد في مرضه ويزيد بعده. وقال سليمان: لولا أني أخاف اختلاف بني مروان بعدي ووقوع الفتنة ما وليت يزيد ولاقتصرت على عمر بن عبد العزيز. وقال عمر بن عبد العزيز حين احتضر: لو اخترت للإمامة غير يزيد كان أولى، ولكني أخاف أن أخرجتها من بني عبد الملك أن تقع في ذلك فتنة وفرقة، وأنا أولي سليمان ما تولى، والمسلمون أولى بالنظر في أمرهم، فكانت ولاية يزيد بن عبد الملك أربع سنين وشهرا، ودفن بالجولان من سواد الأردن وذلك سنة خمس ومائة، ويقال في أول سنة ست ومائة، وله سبع وثلاثون سنة وأشهر، ويقال ابن اثنتين وأربعين سنة، ويقال مات بالبلقاء من عمل دمشق.

_ [1] بهامش الأصل: خلافة يزيد بن عبد الملك في سنة 101.

قالوا: وكان يزيد جميلًا، حسن الشعر أهدل [1] ، وكان صاحب لهو وطرب وهزل، وهو أول من غالى بالقيان. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ الْهَيْثَم بْن عدي عَن ابْن عياش الْهَمْدَانِيّ قال: كان يزيد صاحب طرب وفتوة، وهو أول من اشترى حلة بخمسة آلاف دينار. قالوا: وكان نديمه الأحوص بن عبد الله بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، واسمه قيس بن عصمة بن أمية بن ضبيعة بْن زيد بْن مَالِك بْن عوف بْن عَمْرو بْن عوف بْن مَالِك بْن الأوس، وكان يرمى بالأبنة، وكان منفيا، نفاه الوليد بن عبد الملك بشهادة عراك الغفاري إلى دهلك، فلما ولي يزيد بن عبد الملك أقدمه، ونفى عراكا فقال الأحوص: الآن استقر الملك في مستقره ... وعاد لعرف أمره المتنكر طريد تلافاه يزيد برحمة ... فلم يمس من نعمائه يتعذر [2] حدثني أبو حسن المدائني عن أبي جزي قال: عمد يزيد بن عبد الملك إلى كل ما صنعه عمر بن عبد العزيز مما لم يوافقه فرده، ولم يرهب فيه شنعة عاجلة، ولا إثما آجلا. المدائني قال: وظف محمد بن يوسف أخو الحجاج على أهل اليمن وظيفة جعلها عليهم خراجا، فكتب عمر بن عبد العزيز إِلَى عامله يأمره بإلغاء تلك الوظيفة والاقتصار على العشر، وقال: لأن لا يأتيني من اليمن حفنة كتم أحب إلي من أن تقر هذه الوظيفة.

_ [1] أي مسترخي الشفة. القاموس. [2] شعر الأحوص الأنصاري ص 45.

فلما ولي يزيد بن عبد الملك بعد عمر أمر بردها، وكتب إلى عروة بن محمد عامله إن ابن عبد العزيز كان مغرورا منك ومن أشباهك، فأعد على أهل اليمن الضريبة التي كان عمر أسقطها ولو صاروا حرضا [1] . حدثني أبو مسعود عن عوانة قال: أقر يزيد عدي بن أرطاة الفزاري عامل عمر بن عبد العزيز على البصرة، وولى عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري المدينة، فشكته فاطمة بنت الْحُسَيْن بْن علي، وهي أم عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن بْن علي وإخوته وكتبت إليه كتابا وأرسلت رسولا وقالت إنه يدعوني إلى تزوجه وأنا امرأة لا حاجة لي في التزوج لأني مشبلة على ولدي ولا آمن من أن يتكذب على ولدي حتى يوقعهم فيما أكره ليغيظني بذلك، وأمير المؤمنين أحق من نظر في ودافع عني، فإني ابنة عمه وإحدى نسائه. فكان ذلك سبب غضبه عليه وعزله ومطالبته بمال أخرج عليه، فلما أراد الخروج من المدينة بكى ثُمَّ قَالَ: والله ما أبكي جزعا من العزل ولا أسفا عَلَى الولاية، ولكني أربأ بهذه الوجوه أن يهينها من لا يعرف لَهَا مثل الَّذِي أعرف، ولا يوجب من حقها ما أوجب. ثُمَّ أنشد: فما السجن أضناني ولا القيد شفني ... ولكنني من خشية النار أجزع على أن أقواما أخاف عليهم ... إذا غبت أن يعطوا الذي كنت أمنع المدائني عن محمد بن خالد قال: كان لسعيد بن خالد بن أسيد قصر بحيال قصر يزيد بن عبد الملك، فكان يزيد إذا ركب إلى الجمعة توافيا في

_ [1] أي حتى لو أشرفوا على الهلاك. القاموس.

موضع واحد، فقال له يزيد في بعض الجمع: أما تخل بجمعة واحدة؟ فقال سعيد: إن قصري بحيال قصرك فإذا ركبتَ ركبتُ فالتقينا في هذا الموضع، فقال يزيد: فإن لي إليك حاجة. قال: إذا لا ترد عنها يا أمير المؤمنين. قال: قصرك. قال: هو لك. قال: فلك به خمس حوائج فاذكرها. قال: أولاهن أن ترد القصر علي. قال: قد فعلت فاذكر الأربع فذكرها فقضاها له. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ عوانة قَالَ: قال يزيد: لذة الدنيا في أربع: الغناء، والطلاء، ومجالسة من تحب، وإعطاء السائل. حدثني محمد بن سعد كاتب الواقدي عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ: لما ولى يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة خطب فاطمة بنت عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب فأبت وقالت: ما النكاح من حاجتي أنا مشبلة مقيمة على ولدي، فألح عليها الخطبة فقال: والله لئن لَمْ تفعلي لأخذن أكبر ولدك، يعني عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن بْن علي بن أبي طالب في شراب، ثم لأضربنه على رؤوس الناس، ولأفعلن بعد هذا، ولأفعلن حتى أفضحك، فبعثت إلى يزيد بن عبد الملك رسولًا، وكتبت معه كتابا، فذكرت قرابتها ورحمها، وشكت عبد الرحمن وذكرت ما أرادها عليه، وبعثت به إليه وسألته أن يجيرها منه، وقالت: إنما أنا حرمتك واحدى نسائك، والله لو كَانَ التزويج من شأني ما كَانَ لي بكفء، وإن عمر بن الخطاب كان يقول عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأمنعن ذوات الأحساب إلا من الأكفاء.

قال وكان ابن هرمز على الديوان بالمدينة، وأراد الخروج، فأرسلت إليه وأخبرته بما تلقى من ابن الضحاك، وسألته أن ينمي ذلك إلى يزيد، فلما دخل على يزيد سأله عن المدينة وأهلها فبينا هو يخبره، إذ أتى حاجب يزيد فأخبره بمكان رسول فاطمة، فذكر ابن هرمز ما حملته وأعلمه أنها أرسلت إليه، فألقت إليه أمرها وأمر ابن الضحاك، فدعا يزيد برسولها وقرأ كتابها فغضب غضبا شديدا، ونزل عَن سريره إلى الأرض، وضرب بقضيب كان معه الأرض حَتَّى أثار الغبار، وقال: ابن الضحاك يتزوج امرأة من بني عبد مناف؟ ثم قال: من يسمعني صوت ابن الضحاك بعذابه إياه وأنا على فراشي؟ قال ابن هرمز: أنا أدلك عليه. عبد الواحد بن عبد الله النصري، وهو بالطائف، فكتب إليه يزيد كتابا يأمره فيه بالمسير إلى المدينة وولايتها، وأن يغرم عبد الرحمن بن الضحاك أربعين ألف دينار، ويقفه للناس، وأمر لرسول فاطمة بجائزة وصرفه. فمر الرسول الموجه إلى الطائف بابن الضحاك فوقع في نفسه خوف العزل، فأعطاه ألف دينار فأخبره الخبر وأحلفه أن لا يبرح المدينة. وجلس ابن الضحاك على رواحله حتى لحق بمسلمة بن عبد الملك فقال له: يا أبا سعيد كن لي جارا من أمير المؤمنين فإن لي رحما وقرابة، وإن خليتني من يديك افتضحت. فلقي مسلمة يزيد في غبش الليل فكلمه فيه فقال يزيد: لا أرين وجهه ولا يخرج إلى عسكري حتى يرجع من حيث جاء فينفذ فيه أمري. فرجع من دمشق حتى وافى المدينة فوجد النصري بها فأغرمه أربعين ألف

دينار، فلم يصل إليها حتى سأل الناس فيها، وكان أخذ هذه الأربعين الألف الدينار من بيت المال ففرقها على نفر من قريش وغيرهم. قال الواقدي: وحدثني عقبة بن سنان قال: لما رجع ابن الضحاك إلى المدينة اتبع الناس فأخذ ذلك المال منهم، فمنهم من وجد عنده ما أعطاه، ومنهم من لم يوجد عنده لأنه فرقه في غرمائه، فكان يطاف به في جبة صوف يسأل فيها: وقال الواقدي: حدثني زفر بن محمد الفهري عن أشياخه قال: لما أحس عبد الرحمن بالعزل فرق هذا المال في قومه فكتب يزيد أن يحتسب ذلك ويغرمه. قالوا: فتنازع محمد بن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن، وعبد الله بن حسن بن حسن، وزيد بن علي فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن لزيد: يا بن السندية الساحرة، فيقال إنه قال له: يا بن الهندكانية، فانصرف زيد إلى عمته فاطمة بنت علي بن الحسين، وهي أم عبد الله بن حسن فقالت: إن سب أمك فسبني فعاد للخصومة فشتمه فقال له زيد: أتذكر ابن الضحاك حين كانت تبعث إليه أمك معك بالعلك الأخضر والأحمر والأصفر فتقول له: فمك فمك فتطرح ذلك في فمه. فأتاها بنوها فأخبروها فغضبت وقالت: كنتم فتيانا فكنت أداريه فيكم وأمنيه أن أتزوجه حتى كتبت فيه إلى يزيد فعزله. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ قالا: ثنا الواقدي قال: وفد خالد بن المطرف، والمطرف بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بن عفان على يزيد بن عبد الملك، فخطب إليه أخته فَقَالَ لَهُ: إِن عَبْد اللَّهِ بْن عمرو بن

عُثْمَان أَبِي قَدْ سن لنسائه عشرين ألف دِينَار فَإِن أعطيتنيها وإلا لَمْ أزوجك. فَقَالَ له يزيد: أو ما ترانا أكفاء إلا بالمال؟ قَالَ: بلى والله إنكم لبنو عمنا وأشراف قومنا، فقال يزيد: إني لأظنك لو خطب إليك رجل من قريش لزوجته بأقل مِمَّا ذكرت من المال؟ قَالَ: أي لعمري لأنها تكون عنده مالكة مملكة، وهي عندك مملوكة مقهورة. وأبى أَن يزوجه، فأمر أَن يحمل على بعير صعب وينخس به إلى المدينة، وكتب إلى عبد الرحمن بن الضحاك بْن قَيْس الفهري وَهُوَ عامله عَلَى المدينة أن وكل بخالد بن عبد الله المطرف من يأخذه بيده كُل يَوْم وينطلق بِهِ إِلَى شيبة بْن نصاح المقرئ: ليقرأ عَلَيْهِ الْقُرْآن فَإِنَّهُ من الجاهلين. فلما قرأ على شيبة قال حين قرأ: ما رأيت أحدًا أقرأ للقرآن منه، وإن الَّذِي جهله لأجهل منه. ثُمَّ كتب يَزِيد إِلَى عامله: بلغني أن خالدا يذهب ويجيء فِي سكك الْمَدِينَةِ، فمر بَعْض من معك أَن يبطش بِهِ، فضربوه حَتَّى مرض وَمَاتَ وله عقب بالمدينة. وحدثني أبو مسعود عن عوانة قال: قال يزيد بن عبد الملك، وهو ابن عاتكة بنت يزيد بن معاوية: كان عمر بن عبد العزيز خيرا لنفسه، وأنا خير للناس. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر الزهري عن عبد الواحد بن أبي عون قال: لما ولي الوليد بن عبد الملك، استعمل عمر بن عبد العزيز على المدينة، ثم عزله وولي عثمان بن حيان المري على المدينة، فاستقضى أبا بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْمٍ، وكانت ولاة البلدان تستقضي القضاة من أهل الفضل والمروءة والهيئة والعلم، وكان القاضي

لا يركب مركبا ولا يذهب لحاجة إلا استأذن أمير البلد لأن يطيب له الرزق، فقال أَبُو بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْمٍ لابن حيان بعد العصر مساء عشرين يوما من رمضان، وعند عثمان أيوب بن سلمة المخزومي، فقال أبو بكر: إن رأى الأمير أن يأذن لي غدا فأنام بعد الصبح ولا أجلس للناس لأن أقوى على قيام ليلة إحدى وعشرين، فإنه يذكر أنها ليلة القدر. فقال له ابن حيان: نعم. فلما ولى قال أيوب: ألا ترى إلى هذا الذي استأذنك فيما استأذنك فيه؟ فقال ابن حيان: والله ما هو إلا رياء، ولست لحيان إن لم أسأل عنه غدوة فإن وجدته نائما ضربته مائة، وحلقت رأسه ولحيته. قال أيوب: فقال أمرًا سرني، فلما انصرفنا رجعت إلى منزلي مسرورا، فلما كان في السحر خرجت فإذا سراج في دار مروان فقلت: عجل والله المري فأدخل الدار فإذا أنا بأبي بكر بن حزم وقد جاءته ولايته من قبل سليمان بن عبد الملك وهو جالس على المنبر والشمع بين يديه، وابن حيان جالس بين يديه وابن حزم يقول: صيروا هذه الكبول في رجل ابن حيان، قال أيوب: فنظرت إلى ابن حيان ونظر إلي فقال: جاؤوا على أدبارهم كشفا ... والأمر يحدث بعده الأمر فلما صلى وحضر الناس دعا بقوارير كانت في منزل ابن حيان، فقال: ما هذا الشراب؟ قال، شراب أشربه من الطلا. فقال أبو بكر لمن حضره: أنشدكم الله ما تقولون في هذا الشراب؟ قالوا: هو الخمر. قال: أكنت تشرب من هذا الشراب؟ قال: نعم فأمر بتلك القوارير فكسرت وضربه الحد، وجاء عبد الله بن عمرو بن عثمان بالبينة أنه قال له: يا مخنث أو يا منكوح فضربه له حدا آخر. فلما ولي يزيد بن عبد الملك ولى على

المدينة عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري، وخرج عثمان بن حيان مع مسلمة بن عبد الملك حين خرج يريد يزيد بن المهلب فحمل رأسه حين قتل يزيد [1] إلى يزيد بن عاتكه [2] فقال له يزيد: ما تحب أن أصنع بك يا بن حيان؟ قال: تقيدني من ابن حزم، قال: كيف أقيدك من رجل اصطنعه أهل بيتي وله فضل، ولكني أوليك المدينة فتفعل ما رأيت. قال: إن ضربته في سلطاني قال الناس إنما ضربه في سلطانه. قال: فاكتب إلى عبد الرحمن بن الضحاك كتابا ننتفع به، فكتب إليه يزيد: «أما بعد فإذا جاءك كتابي فانظر فيما ضرب ابن حزم ابن حيان فيه، فإن كان ضربه في أمر بين فلا تلتفت إليه، وأمض الحد- يعني على ابن حيان- وإن كان في أمر منكر مشكل يختلف فيه فأمض الحد أيضا، وإن كان في أمر لا يختلف فيه فأقده منه» . فلما قرأ ابن الضحاك الكتاب رمى به من يده وقال: ما ضربك إلا في أمر بين وما لك في هذا الكتاب منفعة. فقال له عثمان: إنك إن أردت أن تحسن أحسنت. قال: الآن أصبت المطلب. قالوا: فأرسل إلى أبي بكر فلم يسأله عن حرف حتى ضربه حدين في مقام واحد، وانصرف أبو المغرى عثمان بن حيان وهو يقول: والله ما قربت النساء منذ ضربني ابن حزم فاليوم أقربهن. وكان ابن حزم قَالَ: نَحْنُ ضَرَبْنَا الْفَاسِقَ ابْنَ حَيَّانَ ... حَدَّيْنِ لمّا يخلطا ببهتان

_ [1] المقتول المحمول رأسه: يزيد بن المهلب. [2] بالأصل: يزيد بن أبي عاتكة، وأبي زائدة حذفتها.

فقال ابن حيان: نحن ضربنا الفاسق ابن حزم ... حدين لما يخلطا بإثم قال الواقدي: ولما أغرم عبد الرحمن بن الضحاك أربعين ألف دينار نهى ابن حزم حاشيته ومن معه أن يعرضوا له بشيء يكرهه، وأمر له بجميع ما احتاج إليه، فكان ابن الضحاك يذكر ما صنع به، وما صنع ابن حزم فيعجب ويقول: كان والله خيرا مني. حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن رجل من آل الأهتم قال: كتب يزيد بن عبد الملك إلى عمر بن هبيرة، وهو عامله على العراق: «إنه ليست لأمير المؤمنين بأرض العرب خوصة تمر على القطائع، فحز فضولها لأمير الْمُؤْمِنِين، فجعل عُمَر يأتي القطيعة فيسأل عنها ثُمَّ يمسحها حَتَّى وقف عَلَى أرض فقال: لمن هذه؟ قال صاحبها: لي. قال: ومن أين صارت لك؟ فقال: ورثناهن عن آباء صدق ... ونورثها إذا متنا بنينا ثُمَّ أن الناس ضجوا من ذلك فأمسك عمر بن هبيرة. قالوا: وبعث يزيد بن عبد الملك رسولا في حمل ابن سريج [1] فلما انتهى إلى أداني مكة سمع رجلًا يغني: فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحج أفتن ذا هوى

_ [1] هو عبد الله بن سريج، وكنيته أبو يحيى، كان أحسن الناس صوتا وغناء، وكان يغني مرتجلا، ويوقع بقضيب، وهو أول من ضرب بالعود بمكة. مات في خلافة هشام بن عبد الملك وقد بلغ خمسا وثمانين سنة. جمهرة المغنين لخليل مردم بك. ط. دمشق 1964 ص 71- 72.

وإذا الرجل ابن سريج، فقال الرسول: ما أجهل هؤلاء، بعثوا إلى غير هذا وتركوه، فأتى الوالي فبعث ابن سريج فإذا هو الذي رآه الرسول، فقال: لقد أنكرت أن يكون ابن سريج غيرك. وقال الهيثم بن عدي وغيره: كان المغنون يأتون يزيد فيصلهم، وكان معبد [1] وابن سريج يزورانه فيقيمان عنده زمانا فيجيزهما، وكان الأحوص يزوره من المدينة فيجزل عطيته ويحسن جائزته، وكان ممن يتغنى بين يدي يزيد الغزيل الشامي، وقد غنى يزيد لنفسه ومن غنائه: أضحى لسلامة الزرقاء في كبدي ... صدع مقيم طوال الدهر والأبد وقال ابن الكلبي: هذا الغناء ليزيد والناس ينحلونه معبد والغزيل الشامي. وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَم بْنِ عدي عن ابن عياش قال: قدم عمر بن هبيرة على يزيد وهو عامله على العراق، وأهدى له هدايا كثيرة، وأتاه بغنائم وفيها مسك فأخذ ابن له من ذلك المسك وولى، فقال يزيد: أي بني إن هذا غلول، فقال ابن هبيرة: إن رجلًا من قراء أهل العراق كان بخراسان كان ينهى عن الغلول، ويغل المسك، فقيل له في ذلك فقال: إن الله يقول: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة) [2] أما والله

_ [1] هو أبو عباد معبد بن وهب، مولى ابن قطر، وكان أبوه أسود، وكان هو خلاسيا، وكان مديد القامة أحول، غنى في أول دولة بني أمية ومات أيام الوليد بن يزيد. جمهرة المغنين ص 85- 86. [2] سورة آل عمران- الآية: 161.

قصة سلامة

لآتين طيب الريح خفيف المحمل. قال يزيد: يا بني أما إذا رخص القراء فيه فخذه. وكان يزيد صاحب سلامة وحبابة اللتين ذكرهما أبو حمزة المختار بن عوف الأزدي الخارجي فقال، وذكره: أقعد سلامة عن يمينه، وحبابة عن يساره، ثم قال: أطير، ألا فطر إلى لعنة الله وحرقه. [قصة سلامة] - وكان من قصة سلامة أنها كانت لرجل من أهل مكة فاشتراها منه سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ويقال إن سهيلًا هو رباها وعلمها، ولم يشترها مغنية. والأول أثبت. وكان عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار- أحد بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، وقد أصابته منه من صفوان بن أمية الجمحي- ينزل مكة، وكان فقيها عابدا يسمى القس لعبادته واجتهاده، فمر يوما بمنزل مولى سلامة فسمع غناءها فتوقف يسمعه فرآه مولاها فقال له: هل لك أن تدخل فتسمع فأبى ذلك فقال له: هل لك في أن أخرجها إليك؟ فأبى ذلك، فلم يزل حتى أخرجها، فلما رآها وسمع غناءها ظاهره شغف بها، وهويته أيضا، وكان جميلًا فكان يأتي مولاها ويغشاه ليسمع غناءها ويراها، فزعموا أنها قالت له يوما على خلوة: أنا والله أحبك. قال: وأنا والله. قالت: وأحب أن أضع بطني على بطنك. قال: وأنا والله أحب ذلك. قالت: فما يمنعك؟ أن موضعنا خال. قال: إني سمعت الله يقول: (الأَخِلاءُ يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين) [1] . وأنا أكره أن تؤول

_ [1] سورة الزخرف- الآية: 67.

خلتنا إلى عدوة. ثم قام فانصرف وعاد إلى عبادته، وقد كان قال فيها شعرا منه: ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا طربت في صوتها كيف تصنع تمد نظام القول ثم ترده ... إلى صلصل من صوتها يترجع ومنه أيضا ما بال قلبك لا يزال يهيجه ... ذكر عواقب غيهن سقام باتت تعللنا وتحسب أننا ... في ذاك أيقاظ ونحن نيام حتى إذا سطع الصباح لناظر ... فاذا وذلك بيننا أحلام قد كنت أعذل في السفاهه أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيام فاليوم اعذرهم وأعلم أنما ... سبل الضلالة والهدى أقسام ومنه: ألا قل لهذا القلب هل أنت مبصر ... وهل أنت عن سلامة اليوم مقصر ألا ليت أني حيث صارت بها النوى ... جليس لسلمى كلما عج مزهر إذا أخذت في الصوت كاد جليسها ... يطير إليها قلبه حين ينظر كأن حماما راعبيا معلما ... إذا نطقت من صدرها يتغشمر [1] ومنه: على سلامة القلب السلام ... تحية من زيارته لمام أحب لقاءها وألوم نفسي ... كأنّ لقاءها منّي حرام

_ [1] الغشمرة: اتيان الأمر من غير تثبيت، وركوب الإنسان رأسه في الحق والباطل لا يبالي ما صنع. القاموس.

إذا ما عج مزهرها وعجت ... أصاخ إلى مقالتها الكرام وأصغوا نحوها الآذان حتى ... كأنهم- وما ناموا- نيام ومنه قوله: سلام ويحك هل تحيين من ماتا ... أو ترجعين على المحزون ما فاتا ادعي بمزهرك المحنوّ فاحتفلي ... ثم امنحي السمع مني منك أصواتا ومنه: سلام هل لي منكم ناصر ... أم هل لقلبي عنكم زاجر قد سمع الناس بوجدي بكم ... فمنهم اللائم والعاذر قال فشهر أمر عبد الرحمن القس حتى نسبها الناس إليه فقالوا: سلامة القس، وفي سلامة يقول عبد الله بن قيس الرقيات: لقد فتنت ريا وسلامة القسا ... فلم تتركا للقس عقلا ولا نفسا فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالا وأخرى منهما تشبه الشمسا يكنان أبشارا رقاقا وأوجها ... عتاقا وأطرافا مخضّبة ملسا [1] وغنى في الشعر مالك بن أبي السمح. وفيها يقول ابن قيس أيضا: أختان إحداهما كالشمس طالعة ... في يوم دجن وأخرى تشبه القمرا [2] أبو الحسن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ قال: قدم يزيد بن عبد الملك المدينة في خلافة سليمان أخيه، فتزوج سعدة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان على عشرين ألف دينار وربيحة بنت محمد بن

_ [1] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 33- 35. [2] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 138.

قصة حبابة

عبد الله بن جعفر على مثل ذلك، فلما ولي الخلافة اشترى سلامة القس من سهيل بن عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف دينار، ويقال إن التي تزوج: رقية بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان، وتزوجه سعدة أثبت. [قصة حبّابة] وقال المدائني: كانت حبابة تسمى الغالية، وكانت لرجل من الموالي بالمدينة، فلما قدم يزيد وتزوج ابنة عبد الله بن عمرو وربيحة بنت محمد، اشترى الغالية من مولاها بأربعة آلاف دينار. وبلغ ذلك سليمان فقال: لأحجزن على هذا المائق السفيه، فلما بلغه قول سليمان استقال مولى الغالية فأقاله وشخص بها مولاها إلى إفريقية فباع الغالية هناك. فلما استخلف يزيد واشترى سلامة من مولاها، قالت له ابنة عبد الله بن عمرو بن عثمان امرأته: هل بقي لك من الدنيا شيء مما تحبه لم تنله؟ قال: نعم الغالية، وقد بلغني أنها بيعت بإفريقية. فبعثت بعض مواليها إلى إفريقية فاشتراها بأربعة آلاف دينار، وقدم بها فهيأتها ابنة عبد الله بن عمرو وأجلستها في البيت، وقالت ليزيد: إن رأيت الغالية تعرفها؟ قال: نعم لقد رأيتها فما أنساها، فرفعت الستر فرآها فقال: هي هذه. قالت: فهي لك، وأخلتها فسماها حبابة، وحظيت ابنة عبد الله بن عمرو عنده. وخطب يزيد إلى خالد بن عبد الله بن عمرو وأخي مسعدة، ابنة أخ له فقال: أما يكفيه أن أختي عنده حتى يخطب إلي بنات أخي؟ فغضب يزيد من ذلك، فقدم خالد يسترضيه فبينا هو في فسطاطه أتته جارية لحبابة في خدمها فقالت: مولاتي تقرأ عليك السلام وتقول: قد كلمت أمير المؤمنين فيك فرضي عنك فارفع إليّ حوائجك، فرفع رأسه إلى من حضر فقال:

ومن مولاتها؟ فقالوا: حبابة وحدثوه حديثها فقال للجارية: ارجعي إلى مولاتك فقولي لها إن للرضى عني سببا لست به. فشكت حبابه ذلك إلى يزيد فغضب، وأرسل إلى خالد، أعوانا، ومعهم خدم حبابة فاقتلعوا فسطاطه وقطعوا أطنابه حتى سقط عليه وعلى من معه، فقال: ويلكم ما هذا؟ قالوا: رسل حبابة. فقال: ما لها أخزاها الله؟ ما أشبه رضاها بغضبها. وذكروا أن يزيدا أقبل يوما يريد البيت الذي فيه حبابة، فقام من وراء الستر فسمعها ترنم وتقول: كان لي يا يزيد حبك حينا ... كاد يقضي علي يوم التقينا فرفع الستر فوجدها مضطجعة محولة وجهها إلى الحائط، فعلم أنها لم تعلم به ولم ترده بما قالت في ذلك الوقت ليسمعه فألقى نفسه عليها يقبلها وحركت منه. قالوا: وجلس يزيد يوما وحبابة عن يمينه، وسلامة عن يساره، فغنتا فطرب، ثم قال لحبابة: غني صوتا. فغنت: وبين التراقي واللهاة حرارة ... مكان الشجا [1] ما تطمئن فتبرد فقال: أطير. ومد يديه. فقالت: كما أنت. إن لنا فيك حاجة. فقال: والله لأطيرن. قالت: فعلى من تخلف الخلافة والملك؟ قال: عليك والله.

_ [1] بهامش الأصل: الحشا.

المدائني قال: غنت حبابة يوما، فطرب يزيد طربا شديدا، فقال: يا حبيبتي هل رأيت أطرب مني قط، قالت: نعم معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار، فكتب إلى عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس عامله على المدينة في إشخاصه إليه، فأشخصه مكرما، فلما بلغه ما أراده له قال: سوءة أعلى كبر السن يستدعى طربي. فلما قدم على يزيد، دعا يزيد لنفسه بطنفسة خز ودعا له بمثلها، وأمر فأتي بجامين مملوئين مسكا فوضعت بين يديه واحدة، وبين يدي معاوية واحدة، ثم دعا بحبابة فغنت، فأخذ معاوية وسادة فوضعها على رأسه وجعل يدور في البيت ويصيح: الدجر [1] بالنوى، الدجر بالنوى، فأعجب به يزيد، فضحك وأمر له بثمانية آلاف دينار. وحدثني صاحب لي عن الزبير بن بكار الزبيري أن يزيد بن عبد الملك قال لحبابة وسلامة: أيتكما غنتني ما في نفسي فلها حكمها، فغنته سلامة، فلم تصب إرادته، ثم غنته حبابة: خلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين يسرعون الركوبا فأصابت ما في نفسه، فقال: احتكمي. قالت: تهب لي سلامة ومالها. قال: اطلبي غيرها، فأبت، فقال: خذيها ومالها ففعلت، فتداخل سلامة من ذلك أمر جليل، فقالت له حبابة: لن ترى مني خيرا، فسألها يزيد أن تبيعها منه بحكمها فقالت: اشهد أنها حرة فاخطبها إليّ حتى أزوجك إياها فأكون قد زوجتك مولاتي، فضحك.

_ [1] الدجر: اللوبياء. والحيرة والهرج والسكر. القاموس.

وذكر إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن ابن كناسة أخبره أن حبابة وسلامة اختلفتا في صوت لمعبد وهو: ألا حي الديار بسعد إني ... أحب لحب فاطمة الديارا فبعث يزيد إلى معبد، فأتي به فسأله عما بعث له إليه فأخبر، فقال: لأيتهما المنزلة؟ فقيل: لحبابة. فلما عرضتا الصوت عليه قضى لحبابة فقالت سلامة: والله ما قضى لها إلا لحظوتها، وإنه ليعلم أني المصيبة ولكن ائذن لي يا أمير المؤمنين في صلته فإن له حقا، فأذن لها. قال معبد، فكانت أوصل لي من حبابة. قالوا: ودخلت حبابة ذات يوم على يزيد، وعلى يدها دف وهي تغني: ما أحسن الجيد من مليكة واللبات ... إذ زانها ترائبها يا ليتني والإله إذ هجع الناس ... ونام الكلاب صاحبها في ليلة لا نرى بها أحد ... يخبر عنا إلا كواكبها والغناء لابن سريج، فقام إليها يزيد فقبل يدها، فخرج بعض خدمه وهو يقول: سخنت عينك فما أسخفك. وقال أبو الحسن المدائني: مرضت حبابة فقعد يزيد عند رأسها، وقال: كيف أنت بأبي؟ فلم تجبه، فبكى. ويقال كان يزيد وحبابة في بستان فضاحكها ومازحها فأخذ حبة من عنب فحذفها بها فدخلت في فمها فأصابها شرق، وكان ذلك سبب مرضها الذي ماتت منه. وقال هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ عَن عوانة قَالَ: قَالَ مسلمة بن عبد الملك: خرجت مع يزيد في جنازة حبابة فجعلت أعزيه وأسليه وهو ضارب بذقنه

على صدره ما يجيبني بكلمة، فلما انصرفنا ودنا من باب القصر قال: فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد [1] ثم دخل قصره فو الله ما خرج منه إلا ميتا لحزنه وكمده عليها. وقال أبو الحسن المدائني: لما دفن يزيد حبابة مرض فمات بعد أربعين ليلة، ويقال بعد خمس عشرة ليلة. وقال رجل من أهل الشام: أتى يزيد من ناحية الأردن، وحبابة معه، فماتت فمكث ثلاثا لا يدفنها حتى أنتنت، وهو يشمها ويقبلها وينظر إليها ويبكي، فكلم في أمرها حتى أمر بدفنها، فحملت في نطع وخرج بها وهو معهم حتى أجنها، ثم أنشد قول كثير: فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد فما مكث إلا أياما حتى دفن إلى جانبها. وروى الهيثم بْن عدي عَنِ ابْن عياش أَن يزيد أراد الصلاة على حبابة، فسأله مسلمة بن عبد الملك ألا يفعل وقال: أنا أكفيك الصلاة عليها، فتخلف يزيد، ومضى مسلمة فأمر بعض أصحابه فصلى عليها. وقال بعضهم: نبئت أن يزيد ضعف حين ماتت حبابة، فلم يستطع الركوب من الجزع، وعجز عن المشي فأمر مسلمة فصلى عليها، ثم قال يزيد: إني لم أصل عليها فانبشوا عنها وأخرجوها حتى أصلي عليها، فقال له مسلمة: أنشدك الله أن تفعل فأمسك، ولم يزل كئيبا، ولم يأذن للناس عليه إلا مرة واحدة حتى مات، وصلى عليه مسلمة.

_ [1] ديوان كثير ص 88.

وقال المدائني: جعل يزيد يطوف في داره فيقف على المواضع التي كانت تقعد فيها، فبينا هو كذلك إذ سمع وصيفة كانت لها تنشد: كفى حزنا للهائم الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا فبكى. وكان يجلس تلك الوصيفة عنده فيحدثها ويذاكرها أمر حبابة، ويأنس بها حَتَّى مات. وَحَدَّثَنِي عباس بن هِشَام الكلبي عن أبيه قال: أراد يزيد أن يتشبه بعمر بن عبد العزيز في بعض أيامه، فبدا لحبابة هجران منه فأرسلت إلى الأحوص وكان مقيما عنده: أنشد أمير المؤمنين شيئا يدعوه إلى ترك ما أخذ فيه فأنشده: ألا لا تلمه اليوم إن يتبلدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلدا بكيت الصبا جهدي فمن شاء لا مني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا إذا كنت معزافا عن اللهو والهوى ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا هل العيش إلا ما تلذ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنآن وفندا [1] فقام يزيد وهو يقول: «هل العيش إلا ما تلذ وتشتهي» حتى دخل على حبابة، وعاد إلى أمره الأول، ثم ماتت فجزع عليها، وخرج حاملًا جنازتها حتى كلمه مسلمة في ذلك، فرجع إلى قصره، ومات بعدها بخمسة عشر يوما. وقال المدائني: لم يعلم بموت يزيد بن عبد الملك حتى سمعوا صوت سلامة من فوق القصر وهي تقول:

_ [1] شعر الأحوص الأنصاري ص 117- 122.

قد لعمري بت ليلي ... كأخي الداء الوجيع ويبيت الحزن مني ... دون من لي من ضجيع كلما أبصرت ربعا ... خاليا فاضت دموعي موحشا من سيد ... كان لنا غير مضيع وا أمير المؤمنيناه قال: والشعر لبعض الأنصار إلا البيت الأخير. وقال بعض الرواة: اشترى يزيد حبابة وسلامة بمائتي ألف دينار، والأول أثبت.

أمر عمر بن هبيرة في أيام يزيد بن عبد الملك

أمر عمر بن هبيرة في أيام يزيد بن عبد الملك حدثني جماعة من أهل العلم سقت حديثهم ورددت من بعضه عَلَى بعض قالوا: قدم عُمَر بْن هبيرة بْن مُعَية بْن [1] سكين بن حديج بْن بغيض بْن مالك بْن سعد بْن عدي بن فزارة بن ذبيان بْن بغيض بْن ريث بْن غطفان بْن سعد بن قيس من البادية فافترض مع مدد أمد به بعض ولاة الحرب. وكان يقول: إني لأرجو أن لا تنقضي الأيام حتى ألي العراق. وكان شخص مع عمرو بن معاوية العقيلي في غزو الروم فأتي عمرو بفرس رائع إلا أنه كان إذا دنا منه من خلفه دان رمح، وإن دنا من بين يديه كدم، فكان لا يستطاع ركوبه، فقال عمرو بن معاوية: من ركبه فهو له، فقام ابن هبيرة فشد عليه ثوبه ثم تنحى عن الفرس وأقبل يحضر حتى إذا كان بحيث تناله رجلًا ذلك الفرس إن رمحه وثب فصار في سرجه، وطعنه في

_ [1] بهامش الأصل: معية هو معاوية.

بعض حروبه طاعن فأذراه [1] عن فرسه فسقط إلى الأرض، ثم إنه وثب فاستوى على ظهر فرسه. ولما خلع مطرف بن المغيرة بن شعبة الحجاج، وأمر الحجاج عدي بن وتاد الإيادي بالمصير إليه من الري لمحاربته، كان عمر بن هبيرة بالري معه وهو مغمور يومئذ، فسار في جنده، فلما التقي عدي ومطرف، جنح ابن هبيرة إلى صف مطرف فحكم وتشبه بمن معه فآمنه مطرف وأمنه، فلما جال الناس ودخل بعضهم في بعض وثب ابن هبيرة على مطرف فضربه فقتله واحتز رأسه، ويقال بل قتله غيره واحتز رأسه ودفنه في خيمته، فلما أجلت الحرب وانهزم من بقي من أصحاب مطرف أتى عديا بالرأس فأعطاه مالًا وأوفده بالرأس إلى الحجاج، فأوفده الحجاج إلى عبد الملك، فأجاز عبد الملك ابن هبيرة وأقطعه قطيعة ببرزة [2] . ورجع إلى الحجاج فحركه في أمور: وجهه إلى كردم بن مرثد الفزاري وهو على جازر [3] والمدائن في حمل مال فحمله وكان مبلغه ثمانين ألف درهم، ثم هرب فلحق بعبد الملك فقال: أنا عائذ بالله يا أمير المؤمنين من رجل يطلبني بترة وإحنة، قتلت ابن عمه مطرفا وأتيت أمير المؤمنين برأسه ثم رجعت فأراد قتلي، ولست آمن أن ينسبني إلى أمر يكون فيه هلاكي. فقال: أنت في جواري فِأقام.

_ [1] ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته، وذرته: أطارته وأذهبته. القاموس. [2] بأحواز مدينة دمشق، ما تزال تحمل الاسم نفسه. [3] جازر: قرية من نواحي النهروان من أعمال بغداد، قرب المدائن، وهي قصبة طسوج الجازر. معجم البلدان.

وكتب فيه الحجاج يحكي أمره وهربه بالمال ويسأل رده إليه، فكتب عبد الملك: أمسك عن ذكره واله عنه. وزوج عبد الملك ابنا له ابنة للحجاج، فكان عمر بن هبيرة يلطفها بما يلطف به مثلها، ويشير عليها بالرأي، فكتبت إلى أبيها تثني عليه، فكتب إليه الحجاج كتابا لطيفا وأمره أن ينزل به حاجاته. وروي أيضا أن ابن هبيرة قدم الشام في أيام ابن الأشعث يطلب الفريضة، وهو أعرابي، ففرض له مع خريم بن عمرو المري في ثلاثين درهما، ثم زيد عشرة مع من شهد الجماجم فكان في أربعين. وكان يأتي كردما، وصار إليه بفارس، فلم يلق منه خيرا، فمر بالمهلب بن أبي صفرة فلما سلم عليه وكلمه قال: أرآك الحجاج؟ قال: لا. قال: أما لو رآك لاستغنيت عن كردم وأشباهه، وأمر له بعشرة آلاف درهم. فكان يشكر المهلب على ذلك. وقدم بأسراء آل المهلب على يزيد بن عبد الملك حين قدم بهم، فشفع فيهم، وقيل إن الحجاج وجه إلى مطرف قبل عدي بن وتاد علقمة بن عبد الرحمن أو خريم بن عمرو، وكان عمر بن هبيرة معه، وقال بعضهم: قاتل خريم مطرفا فقتله، وبعث برأسه إلى الحجاج مع ابن هبيرة والله أعلم. حدثني علي بن المغيرة عن الأصمعي قال: بعث الحجاج خريما فقتل مطرفا وبعث برأسه مع ابن هبيرة فزاده الحجاج على رزقه عشرة فصار رزقه خمسين درهما، ثم أوفده الحجاج بالرأس إلى عبد الملك، فزاده في رزقه عشرة تتمة ستين، وأقام بالعراق حتى وليه يزيد بن المهلب فوصله بثلاثة آلاف درهم، دفعها إليه مروان بن المهلب.

ثم أتى كردما وهو على خراج فارس من قبل الحجاج، والمهلب بإزاء الخوارج بشيراز، فلم يصنع به كردم خيرا فأتى المهلب فلما كلمه قال: أنت والله أحق بالعمل من ابن عمك، وأمر له بعشرة آلاف درهم وذلك قبل صلة يزيد إياه بالثلاثة الآلاف بحين. قال: وهم ابن عاتكة بسبي نساء آل المهلب، فطلب إليه ابن هبيرة فيهن، فكتب كتبا كثيرة حتى كف، فكان ذلك مما يعد من شكر ابن هبيرة للمهلب ويزيد ابنه. المدائني قال: غلبت حبابة على يزيد بن عبد الملك، وانقطع إليها عمر بن هبيرة، وكان يهدي إليها، فلطفت منزلته من يزيد حتى كان يدخل عليه في أي الأوقات شاء. قال: وحسد قوم من بني أمية مسلمة بن عبد الملك وقدحوا فيه عند يزيد، وقالوا: وليته العراق فإن اقتطع من خراجه شيئا أجللته عن تكشيفه لسنه وبلائه وحقه، وقد علمت أن أمير المؤمنين عبد الملك لم يطمع أحدا من أهل بيته في ولاية الخراج، فوقع ذلك في نفس يزيد وعزم على عزله. وعمل ابن هبيرة في ولاية العراق من قبل حبابة، فكانت تعمل له في ذلك حتى ولاه إياها يزيد. وقال المدائني والهيثم بن عدي: كان الذي بين عمر بن هبيرة وبين القعقاع بن خليد العبسي سيئا وكانا يتحاسدان فقيل للقعقاع: إن ابن هبيرة قد أشرف على ولاية العراق. قال: ومن يطيق ابن هبيرة. حبابة بالليل وهداياه بالنهار، فلم تزل حبابة تعمل لابن هبيرة حتى ولي العراق. وماتت حبابة فقال القعقاع:

هلم فقد ماتت حبابة سامني ... بنفسك تقدمك الذرا والكواهل أغرك أن كانت حبابة مرة ... تميحك فانظر كيف ما أنت فاعل فأقسم لولا أن فيك نغالة ... وبخلا وغدرا سودتك القبائل المدائني قال: قاول ابن هبيرة القعقاع فقال لابن هبيرة: يا بن اللخناء. فقال عمر: يا بن الفحواء [1] قدمتك أعجاز النساء وقدمتني صدور القنا. وأراد مسلمة أن يفد إلى يزيد فقال له الأصم عَبْد العزيز بْن حاتم بْن النعمان الباهلي: إنك لذو عهد به قريب فأقم، فأبى فقال له عبد العزيز: إن لم تقم فأول من يلقاك عامل على عملك، فلقيه ابن هبيرة مقبلًا إلى العراق فأعظم مسلمة وترجل له، فقال له: إلى أين يا بن هبيرة؟ قال بعثني أمير المؤمنين لاصطفاء أموال بني المهلب. فقال: في حفظ الله، فلما خرج قال له الأصم: والله ما هو إلا وال مكانك. وولي العراق وخراسان فقال الفرزدق: راحت بمسلمة البغال مودعا ... فارعى فزارة لا هناك المرتع ولقد علمت إذا فزاره أمرت ... أن سوف تطمع في الإمارة أشجع وأرى البلاد تنكرت أعلامها ... حتى أمية عن فزارة تنزع نزع ابن بشر وابن عمرو قبله ... وأخو هراة لمثلها يتوقّع [2]

_ [1] لعلة أراد: يا بن ذات الرائحة الفائحة، والفحواء: التوابل. القاموس. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 408 مع فوارق 8.

عبد الملك بن بشر، ومحمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة، وأخو هراة: سعيد بن عبد العزيز خدينة، فعارضه خليفة بن براز الأقطع مولى بني قيس بن ثعلبة فقال: قل للفرزدق إن فزارة أرتعوا ... فانهوا قيون مجاشع أن يجزعوا في أبيات. فعرض لخليفة حكم القرد مولى بني الهجيم فقال: إلي هلم دون أبي فراس ... فقد لاقيت أشوس ذا مراس قالوا: ولما قدم ابن هبيرة شخص عبد الملك بن بشر، واستخلف على البصرة شريك بن معاوية الباهلي أحد بني قتيبة بن معن، فأقره ابن هبيرة يسيرا ثم عزله، وولى سعيد بن عمرو الحرشي البصرة، فولى شرطه شريك بن معاوية، وكان شريك يلقب: مقابل الريح، وكان أدلم [1] طوالًا يقابل الريح فيقول: شمال جنوب، صبا دبور. فقيل مقابل الريح. ثم عزل ابن هبيرة سعيد الحرشي، وولاه خراسان، واستعمل على البصرة حسان بن مسعود بن عبد الرحمن بن مسعود الفزاري، وكان فراس بن مسعود زوج أم ابن هبيرة، وكان ابن هبيرة زوج أم حسان بن مسعود، ثم عزل حسان وولى البصرة فراس بن سمي الفزاري فولى شرطته محمد بن رباط الفقيمي، فهجا الفرزدق ابن رباط فقال: بكى المنبر الشرقي والناس إذ رأوا ... عليه فقيميا قصير القوائم أليس عجيبا أن يسود محمد ... ألا تلك من إحدى الدواهي العظائم [2]

_ [1] الأدلم: الشديد السواد. القاموس. [2] ليسا في ديوانه المطبوع.

وأرسل فراس بن سمي يطلب الفرزدق فحذره فهرب، فأرسل إلى النوار امرأته فحبسها، ولحق الفرزدق بالبادية، ثُمَّ لحق بيزيد بن عبد الملك، وقال ليزيد: سبقت إليك الطالبين وإنهم ... لخلفي وقدامي على كل مرصد [1] فأجاره ووصله وأحسن الأحوص محضره عنده. قالوا: وعزل ابن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي عن خراسان، وولاها مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي، فلما قدم على سعيد قيده وحمله إلى ابن هبيرة، وكان ابن هبيرة أمره بذلك، فلما أدخل إليه قال له ابن هبيرة: يا بن نسعة فعلت وفعلت. قال: يا بن بسرة لم أفعل، فغضب ابن هبيرة فأمر به فضرب مائة سوط وعذب ثم نفخ في دبره بكير وأمر به فحبس. بسرة بنت الحارث بن عمرو بن حرجة الفزاري. وقال لمعقل بن عروة القشيري: قدمت العراق فوجدت سعيدا صعلوكا خاملا فوليته خراسان، فبعث إلي ببرذونين أعرجين ودعوته لأعاتبه وقلت له: يا بن نسعة فقال لي: يا بن بسرة، فقال معقل: أو فعل ابن الزانية؟. قال: نعم، فأتاه معقل وهو في السجن فقال له: يا بن نسعة التي اشتريت بثمن عنزة جرباء فكانت رافعة رجلها للصادر والوارد، أجعلتها إلى ابنة الحارث بن عمرو بن حرجة! فلما قدم خالد بن عبد الله واليا على العراق استعداه سعيد على معقل، فضربه له الحد، فقال رجل من بني كلاب لمعقل: يا بن عروة

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

كيف رأيت عاقبة الظلم، ظلمت ابن عمك فضربك حدا، وتركك لا تقبل لك شهادة أبدًا. فقال معقل: فهل لك أن ألتحك [1] بمثلها وتحدني؟. قال: لا والله وما حاجتي إلى ذلك؟. وقال سعيد لمعقل: والله لولا ما أوهى مني ابن هبيرة لثقبت عن جوفك بخمسة أسواط. وكان يقول: أوهى ابن هبيرة فعل الله به وفعل مني بصرا حديدا، وساعدا شديدا. وقال عمر بن هبيرة لجلسائه: من رجل قيس الذي يقوم بأمرها إن اضطرب الحبل؟ قالوا: الأمير، قال: ما صنعتم شيئا. أما الذي تلقي إليه قيس مقاليدها فالأحمر الذي لو تورى ناره أتاه عشرون ألفا لا يسألونه لم دعوتنا، الهذيل بن زفر بن الحارث. وأما فارسها فهذا الحمار المحبوس- يعني سعيد بن عمرو الحرشي، ولقد هممت بقتله، وأما لسانها فالأصم عَبْد العزيز بْن حاتم بْن النعمان الباهلي، وأما داهيتها فعثمان بن حيان المري، وأما أعطف قيس عليها وأبرها بها، فعسيت أن أكونه. فقال له أعرابي من بني فزارة: ما أنت أيها الأمير كما وصفت. قال: وكيف ويحك؟ قال: لأنك لو كنت أبرها لم تحبس فارسها، ثم تهم بقتله. قالوا: وولى ابن هبيرة مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة ثم عزله فقال له: أعزلتني عن خيانة أو تقصير في جباية؟. فقال: لا، فارجع إلى عملك. فقال: ما كنت لألي إلا أجل منه. فولاه أصبهان، ثم فعل به

_ [1] لتح: ضرب، أو رمى. القاموس.

مثل ذلك فقال له هذا القول حتى ولاه خراسان وقال له: لا تتخذن في عملك ضيعة فيصغر قدرك عند أهله، ولا تتجرن في عملك فتغش رعيتك، وإن اشتكي إليك عامل فاعزله. قال المدائني: لقي رجل رجلًا من فزارة فقال له: من أين أقبلت؟. فقال: من عند ابن عمنا عمر بن هبيرة، فو الله لقد كلمته في سيد قيس سعيد بن عمرو، وكلمته في سيد الموالي جبلة بن عبد الرحمن فو الله ما شفعني، ولقد حملني ووصلني بعشرة آلاف درهم، وإني لذام له. المدائني قال: سأل رجل من عبس ابن هبيرة فمنعه، فلما كان الغد أتاه فسأله وقال: أنا العبسي الذي سألك أمس. قال: وأنا الفزاري الذي منعك أمس، فقال: والله ما ظننتك إلا ابن هبيرة المحاربي. قال: فقال: والله أهون لك علي يموت مثله من قومك فلا تعلم بموته، وينشأ مثلي في قومك فلا تعرفه. وولى عمر بن هبيرة أعرابيا من فزارة عملًا فلما رأى الناس يهدون في يوم النوروز أهدى إلى ابن هبيرة ضبا وقال: حبا الجام عمال الخراج وحبوتي ... محذفة الأذناب صفر الشواكل رعين الربا والهجل [1] حتى كأنما ... كساهن سلطاني ثياب المراجل سيحل بمهديه لعمري فضيلة ... على كل حاف من معد وناعل

_ [1] الهجل: المطمئن من الأرض. القاموس.

وولى ابن هبيرة رجلًا همذان فأتى ما سبذان، فأخذ عاملها فقيده، فقال له العامل ووجوه أهل البلد: انظر في عهدك فنظر فإذا هو همذان فقال: خذوا عاملكم لا بارك الله لكم فيه. وأتى همذان، فعمد إلى رجل عليه خراج فنصبه ثم رماه بسهم فقتله، فأعطوه خراجهم مبادرين، ولم يلتووا عليه في درهم فما فوقه. المدائني قال: ألقى ابن هبيرة إلى مثجور بن غيلان بن خرشة الضبي فصا أزرق، فقال له: اجعله في خاتمك فإنه حسن- يريد قول الشاعر: لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر ... كما كل ضبي من اللؤم أزرق فشد مثجور على الفص سيرا ثم رده عليه- يريد قول سالم بن دارة: لا تأمنَنَّ فزاريًا خلوتَ بِهِ ... عَلَى قلوصك واكننها بأسيار فقال ابن هبيرة: خرج منها. قالوا: وتنبى في ولاية ابن هبيرة رجلان: ضبي يقال له الأخطل، ورجل من الموالي يقال له سعيد، فكتب إلى يزيد في أمرهما، فكتب: اقتلهما، فقتلهما. العمري عن الهيثم بن عدي عن عطاء قال: دخلت امرأة جميلة على عمر بن هبيرة، فشكت زوجها وهو شيخ كبير فقال الشيخ: والله إنهم ليعلمون أني أقضي حقوقها وأقوم بنوائبها. فقال للمرأة: يا عدوة الله أحين أدبر غزيره وأقبل هزيره [1] ، إن دخل ذل وإن خرج ظن نشزت عنه تريدين البدل منه؟. خذ عدوة الله فأدخلها أضيق بيوتك ثم أوجعها ضربا.

_ [1] هزر: أكثر من العطاء، وضحك وأسرع في الحاجة، وأغلى في البيع. القاموس.

المدائني عن المفضل بن فضالة قال: بعث ابن هبيرة إلى الحسن والشعبي، فاجتمعا عنده، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك عبد من عباد الله أخذ عهده لهم وأعطوه عهودهم أن يسمعوا له ويطيعوا، وإنه يأتيني منه أمور لا أجد من إنفاذها بدا، والحسن ساكت، فقال له: ما تقول يا أبا سعيد؟. قال: إن الله مانعك من يزيد، وإن يزيدا غير مانعك من الله، وإنه يوشك أن ينزل بك أمر من السماء فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، فلا يوسعه إلا عملك، يا بن هبيرة إني أنهاك عن الله أن تتعرض له، فإن الله إنما جعل السلطان ناصرا لدين الله وعباده، فلا تركبوا عباد الله بسلطان الله فتذلوهم، وإنه لا طاعة لمخلوق في معصية خالق. المدائني قال، أتي ابن هبيرة بقوم فأراد ضربهم فقال له عامر الشعبي: أصلح الله الأمير إن أول من وضع الحبس كان حليما فمر بحبسهم إلى أن تنظر في أمرهم، فقال: صدقت، وحبسهم. المدائني: لما ولي عمر بن هبيرة العراق أراد الخيانة فخاف وكان صالح بن عبد الرحمن عند يزيد بن عبد الملك، فقال لكاتبه ابن عبدة العنبري: هل إلى صالح سبيل؟. قال: لا والله وكيف وهو أعف الناس إلا أن تظلمه، قال: فكيف لي بظلمه؟. قال: إنه كان دفع إلى يزيد بن المهلب ستمائة ألف درهم ولم يأخذ بها منه براءة، فكتب ابن هبيرة إلى يزيد بن عبد الملك، إن لي إلى صالح حاجة فإن رأى أمير المؤمنين أن يوجهه إلي فعل، قال: فدعا يزيد صالحا فأخبره فقال: والله ما به إلي حاجة ولقد تركت العراق ولو أتاه أكمه أبكم عرف ما فيه، فكتب ابن هبيرة يذكر ما قبله

من المال، فدعاه يزيد فأعلمه ذلك فانتفى منه وقال: والله ما بقي علي درهم، قال: فانطلق إليه ليحاسبك ثم تعود. فانحدر إلى العراق فأمر به ابن هبيرة فعذب، فكان كلما عذب بنوع من العذاب قال: هذا القصاص قد كنت أعذب الناس بمثل هذا. حتى عذب بنوع من العذاب يدعى الفزاري فقال: هذا مما لم أعذب به. وكان إياس بن معاوية المري دل ابن هبيرة على ذلك، فلما ألح ابن هبيرة على صالح بالعذاب جاء جبلة بن عبد الرحمن أخو صالح، وجيهان بن محرز، والنعمان الكسكري فضمنوا صالحا وما عليه فقال الكاتب: أحضروا المال، قالوا: أقبل الليل، فأعلم الكاتب ابن هبيرة ذلك فلم يخرج إليهم حتى أمسوا وانصرفوا، وأصبح صالح ميتا على مزبلة ألقي عليها ليلًا وبه رمق حتى مات. وقال أبو عبيدة: كان محمد بن سعد، كاتب يزيد بن عبد الملك، هو الذي عمل في حدر صالح إلى ابن هبيرة، وذلك أن يزيد بن عبد الملك كان ولى صالحا خراج العراق، وخاف مسلمة على إقطاعه، فقال ابن سعد لصالح: احمل إلى مائتي ألف درهم. فقال: ومن أين أحملها فو الله ما في مالي سعة لها، وما كنت لأخون أمير المؤمنين. فلما أفضى ابن سعد إلى صالح بذلك وجل منه، فعمل فيه حتى حدره إلى ابن هبيرة، وكان ابن سعد هذا مولى لبعض اليمانية وكان قد ولي قسمة أرزاق أهل اليمامة فأتاه جرير فحرمه، فقال جرير: تظل عيالي لا فواكه عندهم ... وعند ابن سعد سكر وزبيب وقد كان ظني بابن سعد سعادة ... وما الظن إلا مخطئ ومصيب

فإن ترجعوا رزقي إلي فإنه ... متاع ليال والأداء قريب [1] قالوا: وكان ابن هبيرة أول عمال العراق اختان، فقال يوما لإياس بن معاوية: ما يقول الناس في؟ قال: خيرا أيها الأمير، قال: أسألك بالله لما صدقتني. قال إياس: فقلت في نفسي: والله لأؤثرن الله عليك، فقلت له: يزعم الناس أن ثم أمير يصانع بالمال، فإذا أتي به جاءت فلانه جاريته فاحتملته. فقال ابن هبيرة: ما يخفى على الناس شيء. ولم يعزل يزيد ابن هبيرة حتى عزله هشام حين استخلف، وولى العراق خالد بن عبد الله القسري. المدائني قال: أتى ابن سيرين واسطًا فسأله ابن هبيرة عن البصرة فقال: تركت العلم بها فاشيا. فغضب ابن هبيرة، وأبو الزناد عنده فجعل يقول إنه شيخ، ثم عرض شيء تكلم فيه فضحك ابن هبيرة، وأمر لابن سيرين بمال فلم يقبله، فقال إياس بن معاوية: ألا تقبل صلة الأمير؟ فقال: إن كان صدقة فلا حاجة لي فيها وإن كان لما علمني الله فلست آخذ عليه أجرا، فأعجب به ابن هبيرة. المدائني قال: التقى عمرو بن مسلم وجبلة بن عبد الرحمن في طريق ضيقة من طرق واسط، لا يجوز فيها فارسان، فقال عمرو لجبلة: ارجع، فقال: بل ارجع أنت فإنك أقرب إلى السعة مني، فقال: ارجع وإلا وضعت السوط بين أذنيك، ثم ضرب رأس بغلة عمرو حتى رجعت، وتحدث أهل واسط بذلك وأرادوا الإيقاع به، فاستجار بالقصابين فحموه،

_ [1] ديوان جرير ص 39.

وقدم ابن هبيرة فحبسه، ثم دعا به فلما كلمه أعجب به وقال: قبح الله من ضيع مثلك، وأنشد: أكمثرى يزيد الحلق لينا ... أحب إلي أم تين نضيج يعرض له بولاية نهاوند أو كرمان. فقال: تين نضيج، فأطلقه وعقد له على كرمان، وعقد يومئذ لمسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي على خراسان، فقال جبلة: كان هذا يتبعني طمعا في أن أولى عملًا أوليه بعضه قرية أو قريتين، ثم هو اليوم يعقد له على خراسان، ويعقد لي على كرمان. وقال أبو عبيدة: أخرج جبلة إلى ابن هبيرة مقيدا فقال ابن هبيرة: ولقد جريت لما ترى من غاية ... فاصبر لما جرمت يمينك حار فقال جبلة: لعمرك ما جنيت على سليم ... بأشعاري فيهجوني الشريد وأودع ابن هبيرة قوما أموالا، فأخذ سيرا فلواه على عود ثم كتب عليه: عند فلان كذا وعند فلان كذا، فلما نشره ورمى بالعود جاء الكتاب مفرق الحروف لا تجتمع لقارئها، فكان يلوي ذلك السير على عود فتجتمع [1] .

_ [1] بهامش الأصل: بلغت المعارضة بالأصل الثالث، ولله الحمد.

أمر يزيد بن المهلب وقصته قبل ولاية يزيد بن عبد الملك وفي أيامه

أمر يزيد بن المهلب وقصته قبل ولاية يزيد بن عبد الملك وفي أيامه حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف، وقال المدائني عن أشياخه وغيرهما قالوا: ولى الحجاج المهلب خراسان. قال المدائني: وبعض ولد المهلب يقول: ولاه إياها عبد الملك بن مروان. فمات المهلب بزاعول وهي قرية بمرو الروذ، وأوصى حبيب بن المهلب أن يسير بجيشه حتى يسلمه إلى يزيد ابنه وكان بمرو. وقال: يزيد خليفتي على خراسان، فتولى يزيد بن المهلب أمر خراسان بعد أبيه، وكان متجبرا متكبرا فبلغ الحجاج عنه ما يكرهه. ويكتب المفضل بن المهلب وهو أخوه لأمه بهلة بخبره فيلقيه إليه، فكتب الحجاج إلى حبيب بن المهلب بعد سنة من ولاية يزيد يأمره بالقدوم عليه، فقدم فولاه كرمان، وكتب إلى يزيد أن ابعث إلي أوثق من قبلك في نفسك، فبعث إليه الخيار بن سبرة المجاشعي، وكان من رجال المهلب وخاصته، فقال له الحجاج: أخبرني عن يزيد، فقال: أخبر سرا أم أخبر علانية؟ قال: بل أخبر سرا، واستدناه فقال: لقد رأيت رجلًا إن أقررته

ولم تهجه فبالحري أن يفي لك، وإن رمت عزله فلا أحسبه والله يعطيك طاعة أبدا. فقال الحجاج: صدقت، فاحتبسه الحجاج عنده ولم يزعجه للرجوع وولاه عمان وأوصاه بإذلال من بها من أهل بيت المهلب وقال: إن الخيار قدم علي فرأيت رجلًا جزلا ذا عقل فاحتجت إليه لولاية عمان فوليته إياها. ثم إنه كتب إلى يزيد بعد أشهر يعلمه حاجته إلى مشافهته بأمر لا يحتمله الكتاب، ولا تحمله الرسل، فكتب إليه يعتل بالعدو وبشدة شوكته وانتشاره، فكتب إليه إنه لا بد لك من القدوم، فاستخلف المفضل أخاك على عملك واقدم علي منبسط الأمل، واثقا برأي أمير المؤمنين فيك. فأشار عليه حضين بن المنذر الرقاشي بالمقام والمدافعة، وأشار عليه المفضل بالقدوم على الحجاج وقال له: إن شيخنا أوصانا بالطاعة التي هي عزنا وبها كان نباتنا، وإليها تؤول أمورنا. فقال له: ويحك، لئن طمعك في ولاية خراسان فولاك إياها لم يقرك بعدي إلا يسيرا. وفكر يزيد فقال: إنا قوم شرفنا بالطاعة وبورك لنا فيها، فإن خلعنا أيدينا منها غيرنا ما بنا، والله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يغيّروا ما بأنفسهم) [1] وأرجو أن لا يقدم الحجاج علي بسوء مع رأي أمير المؤمنين عبد الملك في المهلب وولده وحفظه ما كان من آثاره وبلائه، فاستخلف يزيد المفضل، وسار إلى الحجاج حتى إذا صار إلى اصطخر لقيه موت عبد الملك وقيام الوليد بن عبد الملك، فقال: الآن هلكنا. فلما قدم على الحجاج أظهر إكرامه وإعظامه وجعل يسايره إذا ركب ولا يحجب عنه.

_ [1] سورة الرعد- الآية: 11.

ثم كتب إلى حبيب بن المهلب، وهو الحرون، وكان قتيبة بن مسلم على الري ودستبى فكتب إليه بولاية خراسان، وأن يحمل المفضل بن المهلب إلى ما قبله، فقدم قتيبة عبد الرحمن بن مسلم أخاه خليفة له، وأمره بأخذ المفضل وعماله وكتابه والاستيثاق منهم إلى قدومه، فلم يشعر المفضل به حتى ورد عليه، فاستوثق منه ومن أصحابه، وقدم قتيبة خراسان فحمله إلى الحجاج فلما توافى عنده: يزيد، وحبيب، والمفضل، وعبد الملك وكان على شرطة البصرة حبسهم أربعتهم، وحبس أبا عيينة بن المهلب، وكان اتهمه بأن لهم أموالا عنده، وكان أبو عيينة هو الذي زوجه هند بنت المهلب فلم يعبأ بذلك. وذكروا أن يزيد بن المهلب كان يهوى امرأة رجل كان معه من عبد القيس يقال له عليب، فدعاه إلى الشخوص إلى الحجاج فاعتل عليه، فدس إليه من سقاه شربة فقتله، وحول أهله وولده إليه، فكان يأتي المرأة، وبلغ الحجاج ذلك، فلما أراد حبسه بدأ بضربه حدا وقال له: أتزني وأنت والي خراسان؟ فقال الشاعر: أيور الناس من عصب ولحم ... وأيرك يا بن دحمة من عظام وأيرك يا يزيد على المخازي ... جريء حين يختلط اللطام وقال أيضا: أباح يزيد أيره عرس جاره ... وكان يزيد لا يخاف المخازيا قالوا: وتحركت الأكراد بجبال الأهواز، فسار الحجاج حتى نزل رستقاباذ، وبنو المهلب معه، فعسكر بها وخندق على عسكره، وحبس بني المهلب في حظيرة من قصب بالقرب منه، وأمر فحفر حولها خندق وضربت

عليهم فساطيط ووكل بهم حرس من أهل الشام، وأمر بعذابهم والبسط عليهم. وكانت مع الحجاج امرأته هند بنت المهلب فسمعت أصواتهم فصرخت وولولت، فقال الحجاج: يا عدوة الله أتصيحين بحضرتي؟ فقالت له: لا حاجة لي فيك، فطلقها وبعث إليها بمائة ألف درهم فلم تقبلها. ثم إن يزيد بن المهلب بعث إلى يزيد بن أبي مسلم، وكان على خراجه واستخراجه بمال فلم يقبله، وكان صحيحا، وقال: لقد لجأت إلي فو الله لأعملنّ في أمرك عملا، لو كنت قبلت هذا المال منك ما زدت عليه، فكلم الحجاج في أن يكفل ولد المهلب ويوظف عليهم وظيفة جرما يؤدونها، فأجابه إلى ذلك، وسأل يزيد بأن يخرج عبد الملك بن المهلب ليسعى في أمرهم ويبيع خيلهم وغيرها، وأن يوجه حبيبا إلى البصرة ليلقى قوما من صنائعهم وأهل ودائعهم في إعداد ما لهم عندهم وليبيع عقدهم، وجعل يكتب إلى عرفاء الأزد ليأتوه ويجتمعوا عنده فكان كالمناظر لهم في أمر كفالته، وكان يهيئ لهم وللحراس الموكلين بهم طعاما فيعشّيهم، فتعشوا ذات ليلة وقد أظلموا، وأمر فاتخذت له لحية بيضاء مثل لحية طباخه، وللمفضل لحية صفراء كبعض لحى عرفاء الأزد. فلما تعشى الناس وأزعج الحرس من عند يزيد للانصراف لبس ثيابا مثل ثياب طباخه وربط اللحية، ووضع على رأسه جونة من جون الطعام، ووضع الخباز على رأسه قدرا أو طنجيرا فلم يؤبه لذلك، وخرج المفضل وقد اعتم ولحيته صفراء فبادر مع الناس، فخرجا، واحتال عبد الملك بحيلة حتى تخلص من أيدي الموكلين به الذين كانوا

يدورون معه فاجتمعوا في موضع اتعدوا للاجتماع فيه، وواعدوا من يقوم بأمرهم وخدمتهم أن يعدوا لهم خيلا من الخيل التي كانوا يظهرون أنهم يريدون بيعها وأداء قيمتها فيما ألزمهم الحجاج إياه، وكان الذي ألزمهم ستة آلاف ألف درهم فساروا ليلتهم حتى صاروا إلى زورق قد أعد لهم بجوخى الأهواز، وانتهوا إلى مفتح دجيل الأهواز فركبوا سفينة أعدت لهم أخرى، ثم خرجوا إلى البطيحة، وتوجهوا إلى موضع كان فيه مروان بن المهلب وقد أعد لهم نجائب فركبوها وساروا إلى الشام، ودليلهم رجل من كلب يقال له عمارة، واستخفى حبيب بن المهلب بالبصرة في بني راسب، وانغمس مروان وبقي أبو عبيدة في يد الحجاج وطلب القوم فلم يقدر عليهم. وكان المتوجهون إلى الشام: يزيد، والمفضل، وعبد الملك، وقيل إن مروان كان معهم. وصار هؤلاء إلى فلسطين، وبها سليمان بن عبد الملك بن مروان، وكان واليا عليها من قبل أخيه الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان ولي العهد بعده، فكتبوا إلى رجاء بن حيوة الكندي بخبرهم، وشرحوا له أمرهم، وكان أثيرا عند سليمان جريئا عليه آنسا به، فقال له: إن يزيد بن المهلب قد أتاك مستجيرا بك، فامتعض من ذلك، فقال له رجاء بن حيوة: من ذا يرجوك وأنت ولي عهد وقد استجار بك مثله فلم تجره، ولم يزل به حتى أجاره، ودعا به وبأخويه فأمنهم، وكتب إلى الوليد يعلمه ذلك، فكتب الوليد إليه فيه كتابا غليظا يعجزه فيه في أمرهم ويقول: لهممت أن ألزمك ما يطالب به يزيد، وكان كتاب الحجاج قد سبق إليه بخبرهم.

وكتب الوليد إلى سليمان يعزم عليه أن يحملهم إليه مستوثقا منهم فوجه بيزيد ومعه ابنه أيوب، وقال له: إذا دخلت على أمير المؤمنين فكن أنت وهو في سلسلة. فلما رآه الوليد قال: إنا لله، لقد شققنا على سليمان. فحط عن آل المهلب ثلاثة آلاف ألف درهم من الستة الآلاف الألف وألزمهم دمشق، فيقال إن سليمان غرمها عنهم، ثم كتب يسأل ردهم إليه ففعل الوليد ذلك. ويقال إن الوليد نجمها عليهم، فجمع لهم زمل بن عمرو السكسكي من أهل دمشق نجما، وجمع لهم يزيد بن حصين بن نمير السكوني نجما آخر، وسار عبد الملك إلى الشام فجمع لهم مالا عظيما فأدوا الأنجم. ثم كتب سليمان إلى الوليد يسأله رد يزيد بن المهلب وأخويه إليه فردهم، فأقام يزيد عند سليمان مكرما يؤنسه ويخصه حتى مات الوليد، وولي سليمان الخلافة. وقال حضين بن المنذر في مخالفة يزيد إياه حين أمره بترك القدوم على الحجاج: أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما وخاف أن يبلغ الحجاج بيته هذا فزاد فيه: فما أنا بالباكي عليك صبابة ... وما أنا بالداعي لترجع سالما وقال نهار بن توسعة التيمي من ربيعة، ويقال ابن سحبان الباهلي حين شخص يزيد من خراسان ثم حبس ومعه المفضل: أبني بهلة إنما أخزاكما ... ربي غداة غدا الهمام الأزهر أغدرتما بأخيكما فوقعتما ... في قعر مظلمة أخوها المغور

عوذا بتوبة مخلصين فإنما ... يأبى ويأنف أن يتوب الأخسر لله در الغافلين لقد عدا ... فيهم ندى جم وملك قسور وتبدلت مرو به لخرابها ... والدهر يتعس بالجدود ويعثر عوران باهلة الألى في ملكهم ... مات الندى فمضى وعاش المنكر شتان من بالصنج أدرك والذي ... بالسيف أدرك والحروب تسعر كان مسلم بن عمرو يضرب عند يزيد بن معاوية بالصنج. وقال الفرزدق: أبا خالد ضاعت خراسان بعدكم ... وقال ذوو الحاجات أين يزيد فلا أمطر المروان بعدك قطرة ... ولا اخضر بالمروين بعدك عود [1] وقال الفرزدق حين هرب يزيد وإخوته من حبس الحجاج وأجارهم سليمان بن عبد الملك: لم أر كالقوم الذين تتابعوا ... على الجسر والحراس غير نيام مضوا وهم مستيقنون بأنهم ... إلى أجل يلقونه وحمام فساروا إلى أوفى قريش لجاره ... وخيرهم من أيمن وشآم [2] وقال عمارة الكلبي دليلهم: وناس من أبناء الملوك هديتهم ... بلا علم باد ولا ضوء كوكب ولا قمر إلا ضئيل كأنه ... سوار حناه صانع السور مذهب ألا جعل الله الخلائق كلهم ... فداء على ما كان لابن المهلّب

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 137 مع فوارق. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 265 مع فوارق ولم يرد في الديوان البيت الثالث.

حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَن لوط بْن يَحْيَى وعوانة بْن الحكم أن سليمان كتب إلى الوليد في أمر يزيد بن المهلب: «أما بعد يا أمير المؤمنين فقد كنت أظن أني لو أجرت عدوا منابذا لأجرته ولم تخفر ذمتي، فكيف وإنما أجرت سامعا مطيعا له شرف وسلف، ولأبيه بلاؤه وآثاره، وله نصيحته ومكانفته، وقد بعثت به إليك، وأنا أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من اجترار قطيعتي، وترك بري وصلتي بإخفار ذمتي وحلّ عقدي، فو الله ما تدري ما بقاؤنا، ومتى يفرق الموت بيننا، فإن رأى أمير المؤمنين أن لا يأتي علينا أجل الوفاة إلا وهو لي واصل، ولحقي راع، وعن مساءتي نازع، فليفعل وليصفح لي عن يزيد، وكل ما طالبه به الحجاج فإنه علي، فعل إن شاء الله، والسلام» . وقام يزيد حين دخل على الوليد فقال: يا أمير المؤمنين إن بلاءكم عندنا أهل البيت أحسن البلاء، فمن ينس ذلك فلسنا بناسيه، ومن يكفر فلسنا بكافريه، وقد كان من آثارنا في طاعتكم والطعن في أعين أعدائكم ما المنة علينا فيه عظيمة. فقال له الوليد: اجلس يا يزيد اجلس، وأمنه وكتب إلى الحجاج: «إني لم أصل إلى يزيد بن المهلب وإخوته مع أخي سليمان فاكفف عن آل المهلب جميعا، ولا أعلمن ما راجعتني فيهم» . فكف الحجاج عنهم وخلى سبيل أبي عيينة، وظهر مستخفوهم فلحقوا بالشام. وحج المفضل وعبد الملك، فولى الوليد يزيد بن أبي كبشة السكسكي- وكان صديق الحجاج- حرب العراق، وأقر يزيد بن أبي مسلم على الخراج.

قالوا: ولما استخلف سليمان بن عبد الملك تتبع من كان بالشام وغير الشام من آل أبي عقيل [1] فدفعهم إلى يزيد، وكان يزيد أول من عزاه بالوليد وسلم عليه بالخلافة، وأمره أن يستأديهم ويبسط عليهم، فولى أمرهم أخاه عبد الملك بن المهلب، فعذب الحكم بن أيوب بْن الحكم بْن أَبِي عقيل بْن مَسْعُود بْن عامر بْن مُعَتّب بْن مالك بْن كعب بْن عَمْرو بْن سعد بْن عوف بن ثقيف حتى قتله بأمر سليمان. وألح عبد الملك على يوسف بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الحكم بْن أَبِي عقيل بن مسعود وغضب عليه يوما فرماه بسفرجلة فشتر عينه، وكان عبد الملك يوكل به من يحفظه وهو يطوف في غرمه، فدفعه يوما إلى الحارث بن الجهضمي، فخرج يطوف به، وكان الحارث مغفلًا فقال له يوسف: أريد دخول هذه الدار فإن فيها عمة لي أسألها في غرمي شيئا، فتركه فدخل الدار ولها بابان فخرج من الباب الآخر فهرب. وبعث يزيد بن المهلب إلى البلقاء من عمل دمشق، وبها خزائن الحجاج بن يوسف وعياله فنقلهم وما معهم إليه، وكان فيمن أتى به أم الحجاج بنت محمد بْن يُوسُف بْن الحكم بْن أَبِي عقيل، وهي بنت أخي الحجاج بن يوسف وكانت امرأة يزيد بن عبد الملك بن مروان، وأم الوليد بْن يزيد بْن عَبْد الملك المقتول، فكان عبد الملك يعذبها بأمر أخيه يزيد بن المهلب في منزله، فكلمه فيها فأبى أن يشفعه فيها، فقال: الذي وظفتم عليها علي، فأبى قبول ذلك فقال يزيد: أما والله لئن وليت من الأمر

_ [1] بهامش الأصل: اسم أبي عقيل، عمرو.

شيئا لأقطعن منك طابقا، فقال يزيد بن المهلب: وأنا والله- فلئن كان ذلك- لأرمينك بمائة ألف عنان. وقال قوم: لم يفعل ذلك بأم الحجاج بنت محمد، وإنما فعله بأختها، فجرى هذا القول بينه وبين يزيد بسببها. وقال أبو الحسن المدائني: زعم قوم أن يزيد بن عبد الملك حمل المال عنها، وكان مائة ألف، ويقال أكثر من ذلك. قال: ولما مضت لسليمان بن عبد الملك أربعون ليلة من خلافته، ولى يزيد بن المهلب حرب العراق وخراجه فاستقال من الخراج، فأراد أن يولي الخراج يزيد بن أبي مسلم، وكان يزيد بن المهلب وصفه له بالعفاف لتسهيله أمره، فقال عمر بن عبد العزيز: أتولي يزيد بن أبي مسلم؟ فقال يزيد: هو عفيف عن الدراهم، فقال عمر: إن الشيطان أيضا عفيف عن الدراهم لم يأخذ درهما قط. واستشار سليمان يزيد بن المهلب فيمن يوليه الخراج غير ابن أبي مسلم، فأشار عليه بصالح بن عبد الرحمن وكان صالح مع زاذانفروخ بن بيزى كاتب الحجاج، فلما قتل في أيام ابن الأشعث استكتب ابن زاذانفرّوخ، ثم استكتب صالحا وهو من سبي سجستان، مولى لبني تميم، وقوم يزعمون أنه مولى لباهلة. وأمر يزيد وهو على العراق باتخاذ ألف خوان ليطعم عليها، فقال له صالح: بيت المال لا يقوم لهذا، ومنعه إياه. وشخص يزيد بن المهلب إلى العراق وخراسان مضمومة إليه، وتخلف المفضل وعبد الملك عند سليمان، وكان بهما معجبا، فلما قدم يزيد واسطا

وجد الجراح بن عبد الله الحكمي على البصرة من قبل يزيد بن أبي كبشة، فكتب إليه في المصير إليه، وولى البصرة رجلًا يقال له مروان بن المهلب، وولى سجستان مدرك بن المهلب، وولى عمان زياد بن المهلب، وأمره بقتل الخيار بن سبرة المجاشعي، فقتله فقال الفرزدق: فلو كنت مثلي يا خيار تعسفت ... بك البيد ضرب العوهجي وداعر ترى إبلا ما لم تحرك رءوسها ... وهن إذا حركن غير الأباعر [1] في أبيات. وولى السند حبيب بن المهلب، وكان قتيبة بن مسلم مباينا لسليمان فخافه حين مات الوليد فخلعه، وذكر عمال خراسان وقبائل من قبائل العرب فعابهم وذمهم، فاجتمعوا عليه فقتلوه، وقلدوا أمرهم وكيع بن أبي سود التميمي. وَحَدَّثَنِي عَلِي الأثرم عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: أمر سليمان يزيد إن كان قتيبة لم يخلع أن يقتل وكيعا، وإن كان خلع فلا. وبلغت قتيبة ولاية يزيد بن المهلب العراق وخراسان فقال: رماني سليمان بأمر أظنه ... سيحمله مني على شر مركب رماني بجبار العراق ومن له ... على كل حي حد ناب ومخلب فأصبحت للعبد المزوني خائفا ... وكان أبي قدما على دين مصعب فقال حضين بن المنذر يرد عليه: أقتيب قد كسبت يداك خطيئة ... فاهرب قتيبة أين منه المهرب فلأنت أحقر والذي أنا عنده ... في عينه من بقّة تتذبذب

_ [1] العوجهي وداعر فحلان من الإبل. ديوان الفرزدق ج 1 ص 237.

وكتب سليمان إلى يزيد بن المهلب في الشخوص إلى خراسان لإصلاحها، وتسكين الناس بها، ولم ما انتشر من أمرها، فاستخلف الجراح على العراق، وأتى جرجان ففتحها، وفتح دهستان، وكتب إلى سليمان بفتحهما، وأن قد غنم غنائم عظيمة، فأدى إلى كل ذي حق حقه وبقي بعد ذلك عنده ستة آلاف ألف درهم، ويقال أربعة آلاف ألف درهم، فلم يصل الكتاب إلى سليمان حتى مات، وكان وروده على عمر بن عبد العزيز، وقد استخلف بعد سليمان، فكتب إليه عمر: «أما بعد فإن سليمان كان عبدا من عبيد الله قبضه إليه بعد نفاد أكله وانقضاء أجله، ثم وليت الأمر بتصييره إلي، ويزيد بن عبد الملك إن كان من بعدي، وليس الذي ولاني الله من ذلك بهين علي، ولو كانت رغبتي في اتخاذ الأزواج واعتقاد الأموال كنت قد بلغت من ذلك أفضل ما يبلغه أحد، وقد بايع من قبلنا، فبايع من قبلك، إن شاء الله» . فلما قرأ يزيد الكتاب قال: الرجل عازلنا لا محالة، وكان عمر رأى يزيد يوما، وقد دخل على سليمان مختالا، فقال: إني لأحسب في رأسه غدرة. فقال سليمان: لا تقل هذا يا أبا حفص، وإن يزيد رجل منا، فأغلظ له يزيد، فلما أتى منزله قال: ماذا لقينا من لطيم الحمار. ثم أتاه يزيد فاعتذر إليه، ولم يلبث يزيد أن كتب إليه عمر يأمره أن يستخلف رجلا ويقدم إلى ما قبله، فاستخلف ابنه مخلد بن يزيد وخرج ومعه وجوه أهل خراسان، وفيهم وكيع بن أبي سود وكان محبوسا قبله فحمله، وكان معه عبد الله بن هلال الهجري الذي يعرف بصديق إبليس،

فيزعمون أنه قال له: والله لا تدخل البصرة أميرا أبدًا، فانتهى إلى واسط وهو أمير. وقال معمر بن المثنى أبو عبيدة: قدم يزيد واسطا قبل موت سليمان، وكان مسيره على طريق الري وحلوان، فكتب إلى سليمان يسأله أن يأذن له في دخول البصرة فأذن له فانحدر وهو لا يعلم بموت سليمان، وقدم عدي بن أرطاة حين قدم واسطا بعد موت سليمان وهو أمير، ثم شخص إلى البصرة فلما دخل نهر معقل وأشرفت له البصرة ورأى الجنيدة التي تسمى الشهارطاق قال: أين ابن هلال قبحه الله وقبح علمه الذي يدعيه، ثم نظر فإذا سفينة كثيرة الجذافين ليس فيها وطاء، وفيها عدي بن أرطاة الفزاري، وقد ولاه عمر بن عبد العزيز العراق، فقدم واسطا بعد خروج يزيد منها ببعض يوم فاستعجل ليلحقه، فلما لحقه عدي خرج إليه فصار معه في السفينة، ودفع إليه كتاب عمر فقال: سمعا وطاعة، ثم خرجا عند الجسر، وقدمت إلى يزيد الدواب فركب، وأمر فقدمت لعدي ومن معه دواب فركبها. وحشدت الأزد ليزيد وضربوا قباب الآس، وهم يرون أنه الأمير، وصار عدي إلى دار الإمارة ويزيد معه حتى دخلها، ثم دعا بيزيد فدخل، وكان صالح بن عبد الرحمن مع عدي فقال: قيده أصلح الله الأمير، فقيده عدي، فلم يزل محبوسا عنده حتى كتب عمر إليه بحمله. وقال أبو عبيدة: بل كان في عهده أن يقيده ويحمله، قالوا: فحمله عدي إلى عمر مع موسى بن الوجيه الحميري، وكان يزيد أخذ موسى بتطليق امرأته، وهي أخت أم الفضل بنت غيلان بْن خرشة الضبي، امرأة يزيد بن المهلب، وقال: لا أرضي بمسالفتك، وضربه حتى طلقها تحت السياط،

وذلك في أيام سليمان بن عبد الملك، فكان موسى يشتمه في طريقه ويزيد يقول له: يا دعيّ فقال له: يا بن المزونية، وأي دعي أبين دعوة منك، ألست مولى عثمان بن العاص الثقفي، أو لم يقل الشاعر: نحن قطعنا من أبي صفرة ... قلفة من قد خالف الفطرة لما رأى عثمان غرموله [1] ... أنحى له عثمان بالشفرة ألم يكن أبو صفرة مجوسيا اسمه ... بسفروخ فقلتم أبو صفرة وحدثني عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ قال: لما احتبس سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب عنده، ثم ولاه العراق، عزل خراسان عنه، فلم يوله إياها، وولى خراسان قتيبة بن مسلم، وكتب عهده عليها وبعث به إليه، فلما خلع وقتل ولاها يزيد بن المهلب. قالوا: ولما وافى يزيد بن المهلب عمر بن عبد العزيز قال له: هذا كتابك وهذا خاتمك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، كتبته استعطافا لسليمان علي، وعلمت أنه لا يأخذني مع رأيه في بالمال. قال: فنحن آخذوك بإقرارك. وولى عمر الجراح بن عبد الله خراسان، وحبس يزيد بن المهلب، فزعموا أنه مرض في محبسه فأمر عمر بقيوده ففكت عنه، وقدم بمخلد بن يزيد فأتي به عمر فلما دخل عليه وعليه كمة لاطية، وقد شمر ثيابه، قال عمر: ما هذا الزي؟ قال: شمرتم فشمرنا، ثم قال: يا أمير المؤمنين ليسعنا ما وسع الناس من عدلك، ولا نكن أشقى هذه الأمة بك، فقال:

_ [1] الغرمول: الذكر، أو الضخم الرخو قبل أن تقطع غرلته.

إن أباك قد أقر بهذا الكتاب. قال: فِأنا أضمن المال الذي فيه، قال: أنت وذاك. قال: فصالحني على بعضه قال: لا، لا. أنا أرى أن آخذه به كله أو أعلم أنه لا شيء عنده فأنظره إلى الميسرة. فقال: يا أمير المؤمنين، إنما أراد استعطاف سليمان بما كتب إليه به، وهو يحلف، ثم أتى أباه فقال: أتحلف على ما قلت وادعيت؟. فقال: لا والله لا تتحدث العرب بأني صيرت يميني على مال أبدا، فلم يزل محبوسا حتى مرض عمر، فخاف أن يلي يزيد بن عبد الملك فيناله بمعرة لما في نفسه عليه. وكان يزيد بن المهلب في غرفة أسفلها بيت فاحتيل له- وقد تشاغلت الأحراس عنه- ويقال رشوا وصونعوا فملئ البيت تبنا، ثم نقب السقف وألقى نفسه ونكر لحيته ولباسه، وأعد له إخوته إبلا ناجية، فركب وركبوا معه، ومضى يؤم العراق، وكان عمر كلم في يزيد فقال: هو رجل سوء قتال، والحبس خير له. وقال علي بن محمد المدائني: حمل الجراح بن عبد الله الحكمي مخلد بن يزيد من خراسان على البريد في سلسلة، فقدم به الكوفة ليحمل منها على البريد إلى عمر، فسأله قوم فوصلهم، فقال الناس: ما رأينا أسيرا أكرم من هذا، ما فعل كرام الأمراء إلا دون ما فعل. وأتاه حمزة بن بيض الحنفي في حمالة فأمر له بها، وله يقول: أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحبا تجب المرحب ولا تكلنا إلى معشر ... متى يعدوا عدة يكذبوا

وهمك فيها جسام الأمور ... وهم لداتك [1] أن يلعبوا بلغت لعشر مضت من سنيك ... ما يبلغ السيد الأشيب ثم حمل على البريد من الكوفة حتى ورد على عمر فدخل عليه فجرى بينهما ما ذكرناه، وشخص حمزة بن بيض إلى يزيد بن المهلب فمدحه فقال: اصبح في قيدك السماحة والجود ... وحمل الديات والحسب لا فرح إن تظاهرت نعم ... وصابر في البلاء محتسب برزت سبق الجواد في مهل ... وقصرت دون شأوك العرب فكتب له بخمسمائة دينار، وكتب له إلى وكيله بمال. وقال الهيثم بن عدي: حبس عمر بن عبد العزيز يزيد بن المهلب في حصن حلب، فلما مرض عمر وهو بدير سمعان، وبلغ ذلك يزيد بن المهلب، دس إلى عامل حلب مالًا وإلى الأحراس، وقال: قد ثقل عمر فليس يرجى فلا تشيطوا بدمي، فإن يزيد إن ولي لم ينظرني فواقا [2] ، فأخرجوه فهرب وهم معه قد أعدوا له الدواب فركبها وأم البصرة، وكتب إلى عمر كتابا وقال: إن برئ فليدفع إليه. وكان فيه: «إني والله لو وثقت بحياتك ولم أخف وفاتك لم أخرج من محبسك، ولكني لم آمن أن تهلك ويلي يزيد فيقتلني شر قتلة» . فورد الكتاب وبه رمق فقال: اللهم إن كان يريد بالمسلمين سوءا فأحقه به وهضه، فقد هاضني.

_ [1] لداتك: تربك، أبناء جيلك. [2] الفواق: الذي يأخذ المحتضر عند النزع، والريح التي تشخص من الصدر، أو بين فتح يدك وقبضها على الضرع. القاموس.

قالوا: وتوفي عمر بن عبد العزيز بدير سمعان يوم الجمعة لخمس ليال بقين من رجب سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر، وذلك قول الواقدي. وقال أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ سُفْيَانَ الثوري: كان عمر حين توفي ابن أربعين سنة، ويقال ابن تسع وثلاثين. وقال سفيان بن عيينة: قال عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: مات عمر ابن تسع وثلاثين سنة، قلت: ابن تسع وثلاثين؟ قال: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ من فضله) [1] . وولي يزيد بن عبد الملك، فلم يكن له همة إلا يزيد بن المهلب، فأخبر بهربه، وقد كان أشير عليه أن يأتي مسلمة وكان بالناعورة وهي من عمل حلب فيستجير به فلفته عن ذلك معاوية ابنه، وكان دليلهم يعدل بهم حتى كادوا يموتون عطشا. ووجه يزيد في طلب يزيد بن المهلب الكوثر بن زفر بن الحارث، ويقال الهذيل بن زفر، ويقال الوثيق بن زفر، ويقال تميم بن عمير بن الحباب، ويقال عبد الرحمن بن سليم الكلبي في جماعة، ويقال إنه وجه كل واحد من هؤلاء في وجه، فلم يلحق، ولم يوقع له على أثر. وكتب يزيد إلى عدي بن أرطاة وهو مقر على البصرة، وإلى عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بن الخطاب وهو مقر على الكوفة، يخبرهما بموت عمر، وبهرب يزيد، ويحذّرهما إياه، ويأمرهما بطلبه ويأمر عديا

_ [1] سورة النساء- الآية: 54.

بحبس من قبله من آل المهلب والاستيثاق منهم، ففعل عدي ذلك، وأشار عليه وكيع بن أبي سود بقتلهم جميعا للذي كان في نفسه على يزيد بن المهلب، فقال عدي: ما كنت لأفعل ذلك ولم يجلوا بأنفسهم، قال: فأهدم دورهم فلا يجد يزيد ما يؤوي، فأبى، قال: فافتح بيت المال واعط الناس يقاتلوا عنك، قال: لم يؤذن لي في ذلك، قال: كأني بك وقد أخذت برقبتك. ومات وكيع في أيامه. وقال بعضهم: كان الوثيق بن زفر قد كاد يظفر بيزيد فقيل له: إنك أمسكت عنه ولم تجاده، فقال: أجل، قلت إن أدركته فقتلته قتلت رجلًا واحدا، وإن بلغ أهله انقادوا له، ورجوت أن يخلع، فيقتله الله وأهل بيته، فإن في رأسه نزوة. وقال أبو مخنف: أقبل يزيد بن المهلب حتى ارتفع فوق القطقطانية، فبعث عبد الحميد بن عبد الرحمن: هشام بْن مساحق بْن عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة- أحد بني عامر بن لؤي- في شرطة الكوفة وأهل القوة منهم فقال هشام: أصلح الله الأمير أآتيك به أسيرا، أم آتيك برأسه؟ فضحك عبد الحميد ثم قال: ذاك إليك، فسار ابن مخرمة حتى نزل العذيب، ومر يزيد قريبا منه فأخبر هشام بذلك فركب فحاد عنه متعمدا، ومضى نحو البصرة. وقال أبو عبيدة: بعث عبد الحميد: سليمان بن سليم بن كيسان الكلبي لتلقي يزيد وأخذه، فلم يقدر عليه، وقيل إنه غيب عنه. وقال الهيثم بن عدي: أدرك يزيد بن المهلب الطلب، ورأسه في حجر جاريته فهابته أن توقظه، فرمت غلاما له بحصاة وأومأت إليه أن نواصي الخيل قد طلعت فأيقظه غلامه، فقال: اطرد بغلتي في وجوههم فإذا

سألوك: لمن هذه؟ فقل ليزيد، فإن قالوا: فأين هو؟ فقل هو ذا فإنهم إذا علموا بموضعي أحجموا، وإن هجموا علي استقلوا من معي فلم يرجعوا. ففعل الغلام ذلك وسألوه فأخبرهم: فأقاموا ولم يقدموا عليه، وجاءه وصيف بالمصلى، والإبريق فتوضأ وما معه إلا برذون أدهم أبيض الأذنين، وعجلان وأبو فديك ومولى له آخر ومن على ثقله. وقال المدائني: مر يزيد يحدث الرفاق، وهناك منزل الهذيل بن زفر، وكان يزيد خائفا من الهذيل، فلم يشعر إلا وقد دخل يزيد عليه، ثم دعا بلبن فشربه فاستحيا منه الهذيل وعرض عليه خيله وغيرها فلم يأخذ منه شيئا، ثم أتى الرصافة [1] وسار في البر حتى أتى القادسية، فوجه عبد الحميد في طلبه فأعجزه حتى دخل البصرة. المدائني عن بشر بن عيسى أن يزيد بن المهلب دخل البصرة ليلة البدر من شهر رمضان سنة إحدى ومائة، وعليه درع وهو معتم، فمر بالحرس الذين في الأزد ليلًا وعليهم بدل بن نعيم من بني ثعلبة بن يربوع، وكان عدي بن أرطاة صيره هناك في جماعة من بني تميم، فقالوا: من هذا؟ قالوا: الأمير أبو خالد، قالوا: قدمتم خير مقدم ادخلوا بسلام. فأتى يزيد دار المهلب فاستفتح، فقالوا: حتى يأتي المنهال بن أبي عيينة، وكان عدي صير أمر الدار إليه ليعلمه قدوم يزيد، فبسط له في الرحبة فجلس، وجاء المنهال فقال: افتحوا للأمير، ففتحوا له الباب فلم يدخل، وبعثت إليه هند بنت المهلب بطعام فلم يأكله ولم يقبله، ثم دخل

_ [1] على مقربة من الرقة تبعد عنها قرابة الخمسة عشر ميلا.

الدار بعد، وجاء بدل بن نعيم إلى عدي فقال له: قدم يزيد الساعة فسرح معي خيلًا حتى آخذه قبل أن يقوى أمره، فأبى عدي ذلك وتفرقت المسالح التي في الأزد. وكتب يزيد من ليلته إلى يزيد بن عبد الملك يسأله الأمان وبعث إليه بكتابه مع خالد ابنه، وحميد بن عبد الملك بن المهلب، والمثنى بن عبد الملك بن الربعة. ويقال بعث به مع حميد ويزيد بن جديع والمثنى بن عبد الله، ويقال: بعثه مع حميد، ويزيد بن جديع، والمثنى بن عبد الله. وبعث إلى عدي بن أرطاة: القاسم بن عبد الرحمن الهلالي، وأمه فاطمة بنت أبي صفرة، يسأله أن يخلي سبيل إخوته، وقال: أقره السلام وقل له: إني لم أخلع ولم أرد شقاقا، وقد كتبت إلى أمير المؤمنين أسأله أن يؤمنا، فخل سبيل إخوتي لنخرج عن المصر، فإن أتى كتاب أمير المؤمنين بما نحب فذاك وإلا كنت قد سلمت منا وسلمنا منك. فأبلغ القاسم بن عبد الرحمن عديا رسالته، فقال عدي للقاسم: ما ترى؟. قال: أرى أن تشد يدك بهم حتى يضع يزيد يده في يدك، ثم ترى من رأيك. ورجع القاسم إلى يزيد فقال: قد أبى إلا أن تضع يدك في يده، فبعث يزيد إلى الأزد وربيعة فجاءت الأزد وأبطأت ربيعة، ثم جاؤوا فقال يزيد: لو كنا ندعوكم إلى معصية إن كان ليجب عليكم أن تجيبونا وأنتم إخواننا، فكيف وإنما ندعوكم إلى حق، علام يحبس هذا الرجل إخوتي بغير جرم.

وأمر يزيد العرفاء أن يفرضوا للناس ففرضوا، وجعل يعطيهم قطع الفضة يقطعها لهم غلمان رجل من الصيارفة يقال له حريث، وأتى يزيد قوم من القراء والقصاص، وأرسل يزيد إلى الأسواق فحولها أو أكثرها إلى الأزد، واشترى السلاح واعتزل فنزل مقبرة بني يشكر. وكانت اليمانية والربعية تختلف إليه، وكانت مضر تأتي عديا، وكان سبرة بن نخف بن أبي صفرة يختلف إلى عدي معتصما بالطاعة، فبعث إليه يزيد: يا أبا عمرو إنك تأتي هذا الرجل ولا آمن أن يغتالك بعض المضرية فيذهب دمك، فترك عديا ولزم بيته. وكان البختري بن معن بن المغيرة بن أبي صفرة يرى الطاعة أيضا ويكره ما صنع يزيد فخرج إلى الشام وأتى يزيد بن عبد الملك فقيل له: إنه عين ليزيد بن المهلب. فحبسه، فقال قصيدته التي يقول فيها: فإن أكن مفردا بالشام مغتربا ... دوني رتاج له قفل وإقليد وأصبحت بعد قرب الدار نازحة ... أم الخليل بأرض دونها البيد وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ وَهْبِ بْن جرير بْن حازم عَنْ أبيه أن عديا حبس من بني الملهب: حبيبا الحرون، ومروان، والمفضل، وعبد الملك، واستخفى محمد بن المهلب في الحدان، وتغيب بقية ولد المهلب في قبائل الأزد، فلم يقدر عدي عليهم، وكانوا امتنعوا من المصير إليه، فبعث إليهم من وجوه أهل المصر قوم ناشدهم وقالوا: لا تخافوا أميركم فقالوا: قد مات عمر بن عبد العزيز ولا ندري ما فعله بنا، فلم يزالوا بهم حتى أتوا عديا فلما أتوه حبسهم.

وحدثني رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ نصر الجهضمي عن مشايخهم أن عديا بعث الحسن بن أبي الحسن إلى ولد المهلب في عدة منهم: عبد الله، وخالد ابنا عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد فناشدوهم أن يأتوا أميرهم ولا يؤثروا على الطاعة شيئا، فقال عبد الملك بن المهلب: إنكم واطأتم عديا على هلاكنا وليست طاعته بواجبة علينا، فقال له الحسن: كذبت. فغضب عبد الملك وقال للحسن: أتكذبني يا بن اللخناء، وأخذ بقائم سيفه وقال: والله لولا أن أعير بقتلك وأنت في منزلي لضربت عنقك، فأنك عبد تريد استذلال أهل المصر بتخاشعك، وقد حمقت نفسك وعدوت طورك وقدرك، فلم يزل المفضل أخوه يقسم عليه ويسكنه حتى سكن، ولم يجبه الحسن بشيء. ثم قال له: يا حسن ألم تطمر نفسك من الحجاج حينا، وليس هذا سلطان بني أمية، وذلك سلطانهم، ولسنا نأتي عديا على هذه الحالة لأنا لا نأمنه على دمائنا كما لم تأمن الحجاج على دمك. قال الحسن: فإن عديا أمنكم من كل ما تكرهون، وأمرني أن أعقد لكم أمانا، وأضمن لكم عنه الوفاء. فوثق المفضل بقوله ولم يزل بعبد الملك حتى مضى معه إلى عدي، وتخلف الآخرون. فلما دخلا على عدي أخفر الحسن وحبسهما مع حبيب ومروان، ثم بعث فأتي بأبي عيينة ومدرك فحبسهما فصاروا ستة فقيدهم جميعا. فلما حبس بني المهلب صعد المنبر فنعى عمر وأخبر بقيام يزيد بن عاتكة، وكان المغيرة بن عبد الله الباهلي في خمسمائة فارس بالطف، قد

جعلهم عدي هناك ليمنع يزيد من دخول البصرة، فلما دنا منه انهزم وأصحابه من غير قتال، فلما انتهى إلى محرس بني تميم قالوا: من هذا؟ قيل الأمير يزيد، فسلموا عليه بالإمرة ودعوا له ثم انصرفوا إلى عدي فأخبروه بمقدم يزيد، فغضب عليهم وشتمهم وقال: تركتموه حتى دخل، ثم جئتموني تخبروني عنه. قالوا: فعاجله الساعة قبل أن يغلظ أمره وتشتد شوكته فإنه إن أصبح لم تصل إليه. وسأل يزيد عن إخوته الذين حبسهم عدي مع حبيب ومدرك فقال: هب هذين وليا، فما بال الآخرين؟ وكان مدرك ولي ليزيد سجستان وولي حبيب السند، فلما عزلهما عدي حبسهما. ولم يعط عدي الناس من بيت المال شيئا، وجعل يعطيهم في اليوم درهمين درهمين سلفا من مال يقترضه ويقول: خذوا هذا حتى يأتيني أمر أمير المؤمنين يزيد، فقد كتبت إليه أن يطلق لي إعطاءكم من بيت المال، وإن أقدمت على إعطائكم من بيت المال لم آمن لائمته وأن لا يحسب ما تأخذونه لي، فقال الفرزدق: أظن رجال الدرهمين تقودهم ... إلى الموت آجال لهم ومصارع وأحزمهم من كان في قعر بيته ... وأيقن أنّ الغرم لا بدّ واقع [1] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو عَاصِمٌ النبيل عن أبي عامر الخزاز قال: فرض عدي لأصحابه درهمين درهمين، فرأيت رجلًا من أصحاب

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 421.

الحرس وقد طعن فخرج تربه [1] وإنه ليقال له: قل لا إله إلا الله فيقول هاتوا الدرهمين. حتى خرجت نفسه. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْن شَبَّةَ عَن أَبِي عَاصِمٍ عن أبي عامر الخزاز بِمِثْلِهِ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عن أبي مخنف قال: جمع عدي لقدوم يزيد، أهل البصرة وخندق عليها، فبعث على خمس الأزد المغيرة بن زياد بن عمرو العتكي، وعلى خمس تميم محرز بن حمران السعدي أو جيهان ابنه، ويقال عبيد الله بن مضارب الدارمي، وعلى بكر بن وائل عمران بن عامر بن مسمع ويقال نوح بن شيبان المسمعي. والثبت أن رجلًا من بني قيس بن ثعلبة يقال له أبو منقذ قال: إن الراية لا تصلح إلا في بني مالك بن مسمع، فدعا عدي بن شيبان بن مالك بن مسمع فعقد له على بكر بن وائل، وعقد لمالك بن المنذر بن الجارود على عبد القيس، وعقد لعبد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بن عامر بن كريز على أهل العالية. وقال غير أبي مخنف: عقد لعبد الأعلى بن الفرات الأسدي على أهل العالية. وأقبل يزيد لا يمر بخيل من خيلهم ولا قبيل من قبائلهم إلا تنحوا له عن الطريق حتى يمضي. وحدثني روح بن عبد المؤمن عن علي بن نصر الجهضمي عن محمد بن أبي عيينة قال: غضب عمران بن عامر بن مسمع فمال إلى يزيد. وقال أبو الحسن المدائني وأبو عبيدة: كان بالأهواز رجل من أهل الشام من السكاسك يكني أبا السكن، واسمه عبد الله بن هارون، فلما بلغه

_ [1] الترب والترائب: عظام الصدر، أو ما ولي الترقوتين منه، أو ما بين الثديين والترقوتين، القاموس.

أمر يزيد أقبل لينصر عدي بن أرطاة، فخاف عدي أن يعرض له يزيد، فبعث لمسور بن عمر بن عباد بن الحصين والزِّرد بن عبد الله السعدي ليمنعاه ممن أراده، فبعث يزيد إليه محمد بن المهلب- أخاه- والمهلب بن العلاء بن أبي صفرة، فالتقوا عند الجسر، ففر الزرد والتقى محمد والمسور فضرب محمد المسور فأصاب أنف البيضة، فجرحه على أنفه، وضرب المسور محمدا فتناول محمد السيف من المسور وجذبه فحز في أصابع محمد، والتقى ابن العلاء وأبو السكن فطعنه ابن العلاء ففقأ عينه وتحاجز القوم، فقال الشاعر: وأفلت في يوم الخميس بنفسه ... وكاد يلاقي الموت زرد بني سعد حززنا بحد السيف كف محمد ... ولم نبتئس إن فر زرد بني سعد وقال قوم من الأزد: كانت ليزيد رمكة بالأهواز فوجه المهلب بن العلاء ليقدم بها، وبلغ ذلك عديا فسرح المسور لذلك، وأرسل يزيد أخاه ليمنع منه فالتقوا بصهر تاج [1] ووافاهم أبو السكن على تلك الحال فقاتل مع مسور ففقئت عين أبي السكن وجرح مسور على أنفه، وانهزموا. وقال المدائني: ولى يزيد بكير الفراهيدي من الأزد الجسر، فأقام هناك، ونظم عدي ما بين دار الإمارة والمربد بالخيل والرجال. قالوا: وسار يزيد لمحاربة عدي، وعدي في دار الإمارة، فأمر بظلال السوق فأحرقت وهدمت الدكاكين، فقال هريم بن أبي طحمة، واسمه

_ [1] صهرتاج: موضع بالأهواز. معجم البلدان.

عدي بْن حارثة بْن الشريد بْن مرة بن سفيان بن مجاشع بن دارم، وهو أبو الترجمان بن هريم، والمسور بن عمر بن عباد بْن الحصين الحبطي، من بَنِي تميم لعدي: ما تناظر من هذا المزوني وأنت أعز منه وأعد، فأمرهما أن يسيرا إلى المربد، وبث خيله في النواحي واستعد للحرب، وكتب إلى يزيد بن عبد الملك يعلمه خلع يزيد بن المهلب، وخرج هريم بن أبي طحمة في جمع كثيف من بني تميم ومن قيس إلى المربد، ووقف هو في القلب في حنظلة وسعد، فوجه يزيد إليهم محمد بن المهلب والمشمعل الشيباني، ودارس مولى حبيب بن المهلب فقاتل دارس وأصحابه بني تميم من أصحاب عدي، وكانوا في إحدى المجنبتين وهو يقول: أنا غلام الأزد واسمي دارس ... إنّ تميما سماء ما تمارس إذا دعونا فارسا لفارس وقال الفرزدق تفرقت الجعراء أن صاح دارس ... ولم يصبروا عند السيوف الصوارم جزى الله قيسا عن عدي ملامة ... ألا صبروا حتى تكون ملاحم [1] وقاتل محمد بن المهلب قيسا وهم في المجنبة الأخرى فهزمهم، وانكشف أصحاب عدي جميعا، وأعان بشر بن حاتم بن سويد بن منجوف أصحاب يزيد، وقاتل فأبلى، وأتاه محمد بن المهلب شاكرا له، وبعث إليه يزيد بصلة سنية مع عثمان بن المفضل بن المهلب، فزعموا أنه قيل لابن سيرين: أن بكرا أعانت الأزد فتمثل:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 224 مع فوارق كثيرة.

إذا كانت الأنصار بكر بن وائل ... فذلك دين ناقص غير زائد وكان فيمن قاتل يومئذ سالم المنتوف فقال بعضهم: إن تميما ساء ما تمارس ... ويل لها من سالم ودارس وقال الفرزدق: والأزد قد نظمت بالمربدين وقد ... حلوا بأرعن مثل الطود جرار [1] وإنما كره محمد ودارس أن يصير أصحاب عدي إليه فيقوى بهم، وكره أصحاب عدي أن يولوا فيكب محمد ودارس عليهم. قالوا: ولما كان من الغد بعث عدي هريم بن أبي طحمة المجاشعي إلى المسجد المعروف بمسجد الأنصار في خيل، فأرسل يزيد أخاه محمدا وهو ابن الطالقانية، فشد على هريم فاحتضنه وأخذ بمنطقته فقال هريم: عمك يا بن أخي، فتركه. وقال أبو مخنف في بعض روايته: التقوا عند مسجد الأنصار ليلًا، فأهوى محمد لمنطقة هريم ليحمله فيقتلعه من السرج، فانقطعت منطقته فتركه، وأقبل مسور بربذ [2] فضربه محمد على أنفه وانهزم أصحاب عدي. وقال أبو عبيدة: ضرب محمد بن المهلب مسورا، ضربة على أنفه، فقال خلف بن خليفة الأقطع: كسروا راية ابن أم هريم ... وحذوا مسورا على الخرطوم ووجه يزيد عثمان بن المفضل بن المهلب نحو عدي، وقد برز عدي إلى رحبة القصابين، فلقى عثمان خيل عدي فهزمهم وأسر منهم رجلين

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] الربذ: خفة، الخفيف القوائم في مشيه، وربذ العنان: منفرد منهزم. القاموس.

أطلقهما يزيد، وأبلى عثمان يومئذ بلاء مذكورا فزوجه يزيد ابنته الفاضلة بنت يزيد. وهزم أصحاب عدي في كل ناحية، وقتل خالد بن واقد العقيلي وغيره، وهرب عدي فدخل الدار. وأخذ دينار السجستاني مولى آل المهلب في العطارين، ثم صار إلى الوزانين، فرمي بصخرة من سطح فأصابت ظهره فمات واحتز رأسه رجل من بني تميم فأتى به عديا، وقال: هذا رأس بعض بني المهلب، فبعث به عدي إلى المحبسين الذين عنده من ولد المهلب، فقالوا هذا رأس دينار مولانا. وكان محمد بن المهلب ودارس ومن معهما مواقفين لهريم ومسور وأصحابها لا يقدم بعضهم على بعض، وذلك عند مسجد الأنصار حيث كانت وقعتهم، فلم يزالوا على تلك الحال حتى ظهر يزيد على عدي. قالوا: والتقى عثمان بن المفضل وأصحاب عدي في الرحبة التي عند دار الإمارة فاقتتلوا، فصرع جيهان بن محرز السعدي، فحماه معاوية بن أبي سفيان بن زياد، فقال الفرزدق: دعا ابن أَبِي سُفْيَان والخيل دونه ... تثير عجاجا بالسنابك ساطع فكرّ عليه مثل ما كرّ مخدر ... من الأسد يحمي واردات المشارع [1] وأم معاوية هذا أم أبان بنت حكيم بن قيس بن عاصم التميمي. ودنا الناس إلى عدي وهو في دار الإمارة، وألصقوا بالدار، فجعلت نبالهم تقع في الدار، فقال عدي لحبيب بن المهلب: أجرني. قال: لا،

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع.

ولا كرامة. فقال لأبي عينية وعبد الملك: أجيراني. فقالا: نعم. وكانت الأصوات إذا خفيت دنا بنو المهلب إلى عدي كأنهم يتعوذون به، وإذا علت دنا عدي منهم متعوذا بهم. وجاء عبد الله بن دينار مولى بني عامر وكان على حرس عدي منهزما، فدق الباب، وقال: افتحوا فقد أخزى الله ابن المهلب فلم يفتح له حتى أسر، ودعا عثمان بن المفضل بسلم فوضعه على بيت المال أو دار الديوان فصعد الناس ثم انحازوا وخرجوا إلى دار الإمارة فأخذوا عديا، وفتحوا الباب، وأرسل عثمان إلى يزيد رجلا أعلمه الخبر، فأقبل يزيد حتى وقف على باب الدار وأخرج إليه إخوته، فأمر بإطلاق قيودهم فأطلقت، ولم يدخل الدار ليكون الأمر- زعم- شورى ونادى مناديه: الناس آمنون إلا عديا وموسى بن وجيه الحميري، فقتل موسى، قتله رجل عطار، وقام أخو جرير بن حازم واسمه مخلد فاعتنق ابن وجيه وقال: اقتلوني وموسى فأصابه السيف، فحمل وهو مثقل فمات بعد أيام. ويقال إن شقران مولى العتيك شد على موسى فعانقه، وقال: اقتلوني وموسى. وارتث شقران فحمل إلى العتيك فعاش أياما ثم مات. وأمر يزيد فحول إليه عدي بن أرطاة وابنه، وحاضر بن أبي حاضر الأسدي ويقال أبو حاضر نفسه، وابن السمط بن شرحبيل بن السمط الكندي، وزياد بن الربيع الحارثي وغيرهم ممن أخذ من أصحاب عدي فقيدوا جميعا فقال له عدي: لا تغرنك نفسك يا يزيد فقد رأيت جنود الله من أهل الشام وبلاءه عندهم فتدارك أمرك قبل أن يشخصوا إليك، واعلم أن بقائي أبقى لك، ولئن طلبت الإقالة فهو خير لك.

وقال الفرزدق: أعطى عدي باسته واست أمه ... أبا خالد والخيل تدمى نحورها [1] وأجمع قوم على الخروج من البصرة منهم: هريم بن أبي طحمة، والمسور، وعمر بن يزيد بن عمير الأسدي، ومحمد بن رباط الفقيمي، وهداب بن مسعود المازني، ومالك بن المنذر بن الجارود، والحواري بن زياد بن عمرو العتكي، فمضوا إلى الكوفة، فأكرمهم عبد الحميد بن عبد الرحمن الأعرج عامل الكوفة من قبل يزيد بن عبد الملك، وكان عاملا لعمر بن عبد العزيز، فأقره يزيد على الكوفة وأدنى مالك بن المنذر، فحسده عمر بن يزيد فسعى به وقال: هو عين ليزيد عليك. وقال السرادق الباهلي: غاب العرانين من قيس ولو شهدوا ... يوم ابن أرطاة ما سبت به مضر قالوا: ولما ظهر يزيد على عدي أقام يومه ذاك في دار بحيال المسجد الجامع، فلما أصبح أمر فنودي في الناس فحضروا المسجد وحشدوا، فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «يا أيها الناس إنا غضبنا لكم فانظروا لأنفسكم رجلًا يحكم فيكم بالعدل، ويقسم فيكم بالسوية، ويقيم فيكم الكتاب والسنة، ويسير بسيرة الخلفاء الراشدين» . فقال الحسن بن أبي الحسن البصري: يا عجبا من يزيد إنه بالأمس يضرب أعناق هؤلاء الذين اتبعوه تقربا إلى بني مروان، حتى إذا منعوه شيئا من دنياهم، وأخذوه بحق الله عليه غضب فعقد خرقا على قصب ثم نعق

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

بأعلاج فاتبعوه، وقال: إني قد خالفت هؤلاء فخالفوهم، ثم يدعوهم إلى كتاب الله وسيره الخلفاء الراشدين، ألا وإن من سيرة الخلفاء الراشدين أن يوضع في رجله قيد ويرد إلى محبس عمر، فقال رجل للحسن: كأنك راض عن أهل الشام؟ فقال: قبح الله أهل الشام وترحهم. أليسوا الذين أحلوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام. وأباحوه أنباطهم وأقباطهم، لا يتناهون عن سيئة ولا انتهاك حرمة، ثم نصبوا المجانيق يرمون بيت الله، فلم يهج يزيد الحسن وكف عنه. وحدثني أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطيالسي، ثنا شعبة عن الحسن أنه قال في فتنة يزيد بن المهلب: كلما نعر لهم ناعر اتبعوه، هذا عدو الله ابن المهلب. وحدثني عبد الواحد بن غياث عن جويرية بن أسماء قال: ذكر ابن المهلب عند الحسن فقال: فاسق قاتل الناس مع هؤلاء على غير هدى، ثم غضب غضبة، فعقد خرقا على قصب، ثم نعق بأعلاج وطغام فاتبعوه، فهو يزعم أنه يدعوهم إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيره الخلفاء الراشدين ألا وإن من سيرة الخلفاء الراشدين أن يوضع في رجله قيد ويرد إلى حبس عمر. وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا وهب بن جرير بن حازم، ثنا عمر بن يزيد قال: سمعت الحسن أيام ابن المهلب يقول: والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا لم يلبثوا أن يفرج الله عنهم، ولكنهم يفزعون إلى السيف فيكلهم الله إليه، فو الله ما جاء الجازع إلى السيف بيوم خير قط.

قالوا: وبايع الناس يزيد بن المهلب على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحول إلى دار الإمارة، ووجد في بيت المال عشرة آلاف ألف درهم، وخندق على البصرة، وولى شرطته عثمان بن أبي الحكم الهنائي من الأزد، واستعمل محمد بن المهلب على فارس، وهلال بن عياض الهنائي على الأهواز، وزياد بن المهلب على عمان، والمهلب بن أبي عيينة على جزيرة ابن كاوان، والأشعث بن عبد الله بن الجارود أو مهزم بن القرن العبدي على البحرين، وولى مدرك بن المهلب خراسان، وولى وداع بن حميد اليحمدي من الأزد قندابيل، فقال له حبيب بن المهلب: لا توله فإن في رأسه وعينيه غدرة، فكان من أمره أنه أغلقها دونهم، فقال المفضل: رحم الله أبا بسطام- يعني حبيبا- لأنه كان يرى أمر وداع، ويقال إن وداعا كان قتل قبل هربهم إلى قندابيل. قالوا: ولما كان يوم الفطر خرج يزيد بن المهلب إلى المصلى فخلع يزيد بن عبد الملك، وشتم بني مروان، ودعا إلى الرضا من بني هاشم، وذكر عبد الحميد بن عبد الرحمن فقال: وهذه الضبعة العرجاء مضطجعا بالكوفة، فأخذ الناس عليه قوله: الضبعة، وإنما هي الضبع والذكر ضبعان. وأصاب الناس يومئذ مطر شديد، فانصرفوا وانصرف يزيد عن المصلى إلى الأزد وصحبه ناس قليل فغداهم وكساهم وأعطاهم مالا قسم بينهم، ثم رجع إلى دار الإمارة. ووجه يزيد بن المهلب إلى بسطام بن مرّي المعروف بشوذب الشاري السميدع، ويقال حبيب بن خدرة يدعوه إلى نصرته، فقال شوذب للذي

أرسله يزيد من هذين الرجلين: لولا مكانك من الدين لقتلتك. أتدعوني إلى نصر يزيد؟ وضربه عشرين سوطا. وكان السميدع وحبيب صفريين. قالوا: وقدم عبد الملك ومالك ابنا مسمع بن مالك بن مسمع من السند، فكرها أن يقاتلا يزيد، فدعوا بني بكر إلى نصرة عدي، وكتبا إلى يزيد بن عبد الملك كتابا في أمر يزيد بن المهلب، فصار الكتاب إلى ابن المهلب فقال: أراهما يعينان علي ويبغياني الغوائل فحبسهما مع عدي وأصحابه. قالوا: وكان قتادة بن دعامة السدوسي الفقيه ينتقص يزيد بن المهلب وينال منه، فبلغ ذلك يزيدا فأرسل يزيد إليه، وهو في الأزد، فلما دخل عليه شتمه، فأغلظ له قتادة فقال السميدع: دعني أبعج بطن هذا الأعمى، أعمى الله قلبه كما أنه أعمى البصر والقلب، فقال يزيد: أنا أراقب قومه، وأمر به فوجئ في عنقه ووضع فيها حبل وبعث به إلى الأهواز فحبس فيها. وخرج قتادة وهو يبكي فقال له رجل: أتبكي يا أبا الخطاب؟ قال: نعم مما أرى. فلم يزل محبوسا حتى قتل يزيد فأخرجه صاحب السجن وكان من بني عجل. وكتب ابن المهلب إلى زياد بن المهلب، وهو بعمان، أن يفرض ففرض لثلاثة آلاف رجل من أهل عمان، واستعمل عليهم المشماس بن عمرو الأزدي ثم الجديدي، فقدموا على يزيد، قالوا: وكان بالبصرة قاض يقال له زيد [1] . فشاور الحسن في صحبة يزيد فنهاه فصحبه، فأخبر يزيد

_ [1] بهامش الأصل: زيدل: باللام.

بقول الحسن فقال: يا قوم مالي وللحسن يخذل الناس عني، إني لأخاف والله نفسي عليه، فكان الحسن يقول: يأتينا أقوام فينتصحونا فننتصح لهم فيسيئون بنا. زيدل، وما زيدل. لعن الله زيدلا. وقال يزيد وذكر الحسن: والله ما أدري ما استبقائي إياه فإنه شيخ جاهل، لهممت أن أضربه حتى يموت، فقال المفضل: أصلح الله الأمير. إن له قدما وفضلًا وقدرا بالمصر، فكفه ذلك عنه. وقال الشاعر: لبئس ما أبلت تميم أمس ... عند ابن أرطاة وعند البأس لم يصلحوا إلا للقم دحس ... وفلق البرني [1] والتحسي ولت تميم بظهور قعس ... وأسلمت أدبارها للنخس وقال يحيى بن أبي حفصة: لو نال عقدا عدي من حبالهم ... ما حل بالسجن في قيد وأصفاد إن يقتلوك فِإن الله قاتلهم ... ودون قتلك يوم شره باد آل المهلب قوم خانة غدر ... لن يهدي الله كيد الخائن العادي وحدثت عن مرحوم العطار عن أبيه قال: لما كانت فتنة يزيد اختلف الناس في أمره، فانطلقت ورجل آخر إلى محمد بن سيرين فقلنا: ما ترى يا أبا بكر؟ قال: انظروا حين قتل عثمان ما صنع ابن عمر فاقتدوا به، فإن عبد الله بن عمر كفّ يده.

_ [1] الدحاس: الامتلاء والزحام، ودحس الصفوف لم يترك بينها فرجا. القاموس النهاية، والبرني من أنواع التمر الجيد.

حدثني أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد بن زيد عن كلثوم بن جبر قال. قلت للحسن: إن أكرهني يزيد بن المهلب على الخروج معه فحمل علي رجل؟ قال: تناشده. قلت: فإن أبى؟ قال: فكن عبد الله المقتول. قال: فخرجت إلى مكة فسألت مجاهدا فقال لي مثل قول الحسن. ودعا يزيد للفضل بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن الْعَبَّاس بْن ربيعة بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هاشم وبايعه فتوارى، وهرب عبد الواحد من ولد ابن عامر بن كريز، وخالد بْن صفوان بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم المنقري الخطيب وجماعة من بني تميم وغيرهم. قالوا: ولما ورد حميد بن عبد الملك بن المهلب، وخالد بن يزيد بن المهلب على يزيد بن عبد الملك بكتاب ابن المهلب إليه في طلب الأمان استشار الناس في أمانة، فقالت المضرية: لا تؤمنه فإنه أحمق غدار، وقالت اليمانية تؤمنه فتحقن الدماء ويستصلحه قومه. فأمر فكتب له أمان على أن يقيم ببلده، وأنفذه مع خالد بن عبد الله القسري، وعمر بن يزيد الحكمي، وصرف حميدا وخالدا معه، فتقدم خالد بن يزيد إلى أبيه بالبشارة. وكان يزيد بن عبد الملك قد ولى عبد الرحمن بن سليم الكلبي خراسان، فلما كان ببعض الطريق مما يلي الكوفة بلغه ما صنع يزيد بن المهلب بعده، فأقام بمكانه، وورد خالد بن عبد الله القسري، وعمر بن يزيد الحكمي ومعهما حميد بن عبد الملك بن المهلب فلقيهم الحواري بن زياد بن عمرو العتكي، وكان قد صار إلى عبد الحميد فحمله من الكوفة على البريد إلى يزيد بن عبد الملك فأخبرهم بما فعل يزيد بن المهلب وقال: تركت عديا محبوسا مقيدا فقال حميد: إن هذا عدو لنا فهو يشنع علينا.

وساروا حتى بلغوا الموضع الذي به عبد الرحمن بن سليم بقرب الكوفة فشد عبد الرحمن على حميد بن عبد الملك فاستوثق منه، وأخبر عبد الرحمن بن خالد بن عبد الله والحكمي بما فعل يزيد بن المهلب وقال: لا تنفذا إليه. وقال أبو مخنف: ولى يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن سليم الكلبي خراسان، فلما كان بقرب الكوفة، بلغه ما كان من ابن المهلب، فأقام وكتب إلى يزيد بن عبد الملك: إن جهاد من خالفك أحب إلي من ولاية خراسان فاجعلني ممن تنهضه لقتال ابن المهلب، فقد عصا وخلع وحبس عديا. وورد عليه خالد بن عبد الله، وعمر بن يزيد بالموضع الذي أقام به، ومعهما حميد فقال لهما: لا تنفذا، وشد عبد الرحمن على حميد فبعث به إلى يزيد بن عبد الملك فحبسه. ووثب عبد الحميد بن عبد الرحمن على خالد بن يزيد بن المهلب حين قدم الكوفة يريد أباه ليبشره- زعم- بالأمان، فبعث به إلى يزيد أيضا فحبسه، فلم يفارق حميد وخالد الحبس حتى هلكا فيه بالطاعون ويقال بل قتلا فيه، ويقال إن ابن جهم بن زحر كان معه فحبسه عبد الحميد. وورد الحواري على يزيد بن عبد الملك فصدقه عن خبر ابن المهلب فعندها أمر بتوجيه الجنود إليه، وبعث يزيد إلى أهل الكوفة رجالًا من أهل الشام يسكنونهم ويثنون عليهم بطاعتهم، ويعدونهم الزيادة في أعطياتهم، وفيهم القطامي بن جمال الكلبي واسم القطامي حصين. وكان القطامي في حين بلغه أمر يزيد بن المهلب قال:

لعل عيني أن ترى يزيدا ... يقود جيشا جحفلا رشيدا نسمع للأرض به وئيدا ... لا برما جبسا ولا حسودا ولا جبانا في الوغى رعديدا ثم إنه بعد ذلك سار مع مسلمة بن عبد الملك فحارب يزيد بن المهلب، فقال يزيد: ما أبعد شعر القطامي بن جمال من فعله. وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن بُكَيْر عَنِ الْهَيْثَمِ بْن عَدِيٍّ عَنْ عوانة قال: مر يزيد بن المهلب بفرقد السبخي، ومع يزيد إخوته: عبد الملك، والمفضل، وأبو عيينة، فوقف على فرقد وعليه جبة صوف وعلى عاتقه منجل، فقال له: يا أبا يعقوب إن بني أمية ابتزوا الناس أمورهم فلو خرجت سارع الناس إليك، فقال: هيه، اذهب عنا. فقال إخوته: من هذا؟ قال: فرقد السبخي. فقال المفضل: إنا لله وإنا إليه راجعون، بعد الأحنف بن قيس والمهلب، ومالك بن مسمع صرنا إلى فرقد السبخي؟ هلكنا ورب الكعبة. قالوا: ووجه يزيد بن عبد الملك- وهو يزيد بن عاتكة- مسلمة بْن عَبْد الملك، والعباس بْن الْوَلِيد بن عبد الملك في جمع عظيم من أهل الشام والجزيرة يقال إن مبلغه سبعون ألفا، ويقال ثمانون ألفا. وكان يزيد حين خلع قال: إني لأرجو أن أهدم مدينة دمشق حجرا حجرا. فقال الفرزدق: تخبرك الكهان أنك ناقض ... دمشق التي قد كانت الجن جزت لها من جبال الثلج صخرا كأنه ... قناعيس [1] حتى أشرفت واشمخرت

_ [1] القناعيس جمع قنعاس وهو من الإبل: العظيم، والرجل الشديد المنيع، العظيم الخلق. القاموس.

أتتك خيول الشام تخطر بالقنا ... لها خرق كالطير لما استعلت يقود نواصيها إليك مبارك ... إذا ما تصدى للكتيبة ولت من آل أبي العاصي حوالي لوائه ... ثمانون ألفا كلها قد أظلت [1] حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ أَشْيَاخِهِ قَالَ: نَزَلَ مَسْلَمَةُ وَالْعَبَّاسُ النَّخِيلَةَ بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ مَسْلَمَةُ: لَيْتَ هَذَا الْمَزُونِيَّ لا يُكَلِّفُنَا اتِّبَاعَهُ فِي هَذَا الْبَرْدِ، فَقَالَ حَسَّانٌ النَّبَطِيُّ: أَنَا أَضْمَنُ لَكَ أَنَّ يَزِيدَ لا يَبْرَهُ الأَرْصَةَ- يُرِيدُ: أَنَا أَضْمَنُ لَكَ أَنَّ يَزِيدَ لا يَبْرَحُ الْعَرْصَةَ- فَقَالَ الْعَبَّاسُ: لا أُمَّ لَكَ أَنْتَ بِالنَّبَطِيَّةِ أَبْصَرُ مِنْكَ بِهَذَا، فَقَالَ حَسَّانٌ لَهُ: نَبَّطَ اللَّهُ وَجْهَكَ أَشْقَرَ أَحْمَرَ أَزْرَقَ لَيْسَ إِلَيْهِ طَابِئُ الْخِلافَةِ- يُرِيدُ أَشْقَرَ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ طَابَعُ الْخِلافَةِ، فَقَالَ مَسْلَمَةُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، لا يَهُولَنَّكَ قَوْلُ الْعَبَّاسِ. قَالَ: إِنَّهُ أَهْمَقُ لا يَأْرِفُ- يُرِيدُ أَحْمَقُ لا يَعْرِفُ-. قَالُوا: وَقَدْ كَانَ جَرَى بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَمَسْلَمَةَ اخْتِلافٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ بْنَ عَاتِكَةَ، فَوَجَّهَ عُثْمَانَ بْنَ حَيَّانَ الْمُرِّيَّ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَضَمِنَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ عَاتِكَةَ إِنْ فَعَلَ أَنْ يَفُكَّ عَنْهُ حَدَّيْنِ كَانَ حَدَّهُ إِيَّاهُمَا أَبُو بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْمٍ الأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَامِلُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى الْمَدِينَةِ، أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ لَهُ: يَا مُخَنَّثُ، أَوْ يَا مَنْكُوحُ، وَالآخَرُ فِي شَرَابٍ. فَلَمَّا أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا وَاسْتَقَامَ أَمْرُهُمَا عَزَلَ يَزِيدُ ابْنَ حَزْمٍ، وَكَانَ عَامِلُهُ بَعْدَ سُلَيْمَانَ وَعُمَرَ أَيْضًا، فَاقْتَصَّ عُثْمَانُ مِنْهُ الْحَدَّيْنِ. وَكَانَ شَاعِرَ الأنصار قال:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 111- 112 مع فوارق كبيرة.

نَحْنُ ضَرَبْنَا الْفَاسِقَ ابْنَ حَيَّانَ ... حَدَّيْنِ لَمْ نَخْلِطْهُمَا بِبُهْتَانٍ فَقَالَ شَاعِرُ قَيْسٍ: نَحْنُ ضَرَبْنَا الْفَاسِقَ ابْنَ حَزْمٍ ... حَدَّيْنِ لَمْ نَخْلِطْهُمَا بِإِثْمٍ قَالُوا: وَلَمَّا بَلَغَ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ إِقْبَالُ مَسْلَمَةَ وَالْعَبَّاسُ فِي جُنْدِ أَهْلِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ، كَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَلَّبِ فِي الْقُدُومِ مِنْ فَارِسَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ: ائْتِ فَارِسَ فَإِنَّ بِهَا قِلاعًا مَنِيعَةً فَإِنْ أُعْطِيتَ مَا تُرِيدُ، وَإِلا أَتَيْتَ خُرَاسَانَ، فَقَالَ: أَمَعَ الْوُعُولِ بِفَارِسَ؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَقِمْ فَقَاتِلْ بِأَهْلِ مِصْرِكَ. فَقَالَ حَبِيبٌ: لا تَخْدَعَنَّ فَإِنَّ أَهْلَ مِصْرِكَ غَيْرُ مُقَاتِلِينَ مَعَكَ، وَلَكِنِ احْمِلْ هَذَا الْمَالَ وَاخْرُجْ إِلَى الْمَوْصِلِ فَادْعُ عَشِيرَتَكَ بِهَا، فَقَالَ: يَا أَبَا بِسْطَامٍ أَرَدْتَ أَنْ تُقَرِّبَنِي مِنْ عَدُوِّي فَيُقَاتِلَنِي فِي بِلادِهِ؟ لا وَلَكِنِّي آتٍ وَاسِطًا ثُمَّ أَقْرَبُ مِنَ الْكُوفَةِ وَأَرْتَادُ مَكَانًا فِيهِ مَجَالٌ لِلْخَيْلِ، وَأَرْجُو أَنْ يَنْضَمَّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِثْلُ مَنْ مَعِي مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. فَعَسَّكَر بِالْبَصْرَةِ عِنْدَ الْجِسْرِ، وَأَمَرَ مَرْوَانَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَنْ يَسْتَنْفِر النَّاسَ، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُثَبِّطُ النَّاسَ عَنْهُ وَيُحَذِّرُهُمُ الْفِتْنَةَ، فَأَخَذَ مَرْوَانُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ فَحَبَسَهُمْ فَكَفَّ عِنْدَ ذَلِكَ فَخَلاهُمْ مَرْوَانُ. ثُمَّ وَجَّهَ يَزِيدُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ الْمُهَلَّبِ فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ إِلَى وَاسِطَ فَأَتَاهَا، وَخَرَجَ يَزِيدُ مِنَ الْبَصْرَةِ يَؤُمُّ وَاسِطًا، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْبَصْرَةِ مَرْوَانَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، فَأُتِيَ مَرْوَانُ بِمُرْتَدٍّ فَاسْتَشَارَ فِيهِ الْحَسَنَ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ،] فَقَتَلَهُ. وقدم يزيد واسطا في ستة عشر ألفا، وشخص معه بعدي بن أرطاة ومن حبسه معه، وتكلم الناس فعظموا أمر أهل الشام، فخطبهم فقال:

رأيت ارتجاس هذا العسكر بقولهم جاء مسلمة، وجاء العباس، وجاء أهل الشام. وما أهل الشام هل هم إلا تسعة أسياف سبعة منها لي وسيفان علي؟ وما مسلمة؟ جرادة صفراء. وما العباس؟ نسطوس بن نسطوس أتاكم في برابرة وجرامقة وجراجمة وأنباط وأبناء فلاحين وأوباش أخلاط كاسلاء اللحم وأقباط. أليس لكم جنن [1] كجننهم، أوليسوا بشرا يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون، فأعيروني سواعدكم ساعة تصفعون بها خراطيمهم. وكان خالد بن صفوان هرب من البصرة فلقيه يزيد بواسط وكانت بوجهه بثرة عليها دواء فاستأذنه وقال إنه وصف لي شرب التيادر [2] بطوس، فأذن له، فتنحى. وقال يزيد بن الحكم بن أبي العاص أو غيره: أبا خالد قد هجت حربا فلا تقم ... وقد شمرت حرب عوان فشمر فقال يزيد حين بلغه هذا البيت: قد كان ذاك. وإن بني مروان قد زال ملكهم ... فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر فعش ملكا أو مت كريما وإن تمت ... وسيفك مشهور بكفك تعذر فقال يزيد: أما هذا فنعم. وقال عطية بن السائب الشني أبا خالد إن المنايا مطلة ... فمت صابرا قدما كما مات مصعب ولا تقبلن خسفا فما من سعادة ... لمن عاش مذموما يلام ويقضب

_ [1] الجنن: القلب، والروع، والروح. القاموس. [2] لم اهتد إلى التعريف بهذا الشراب.

فلما سمع يزيد قوله: كما مات مصعب. قال: صدق فوك. ووجه يزيد إخوته يرتادون له موضعا للمعسكر فاختاروه بالعقر، فخلف على واسط ابنه معاوية بن يزيد، وخلف عدي بن أرطاة ومن حبس معه عنده، وسار يزيد حتى نزل معسكره بالعقر بين المدائن والكوفة وهو من سوراء [1] ، وأتاه ناس من أهل الكوفة يعينونه. ونزل عبد الحميد بن عبد الرحمن النخيلة وبثق الأنهار لئلا يصل أحد إلى الكوفة، وبعث مع سند بن هانئ الهمداني جيشا إلى مسلمة ليقاتلوا ابن المهلب معه، وقال الفرزدق: هلا زجرت الطير إن كنت زاجرا ... غداة نزلت العقر إنك تعقر [2] ولما قرب أهل الشام منه وجه أخاه محمدا، وكان يسمى المشؤوم، وابنه المعارك، في جمع كثيف فلقوا العباس بن الوليد بسوراء وهو في أربعة آلاف سوى من صار إليه من أهل البصرة مخالفين ليزيد، فالتقوا فانكشف أهل الشام، وصبر هريم بن أبي طحمة وأهل البصرة، فناداهم هريم: يا أهل الشام لا تسلمونا. فعطفوا، وأقدم هريم وهو يقول: لما رأوني في الكتيبة معلما ... أغشى الكريهة مثل ضوء الكوكب فاستيقنوا مني بضرب صادق ... ليست عداوتنا كبرق خلب فهزموا أصحاب يزيد حين بلغوا إليه، فقال الفرزدق: أَحَلَّ هريمٌ يوم سَوراء بالقنا ... نذور نساء من تميم فحلّت [3]

_ [1] سوراء: موضع يقال هو إلى جنب بغداد، وقيل هو بغداد نفسها. معجم البلدان. [2] ليس في ديوانه المطبوع. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 111.

وقال محمد بن المهلب ليزيد: لو وجهت إليهم خيلا فحركتهم. فعقد يزيد لعبد الله بن حيان العبدي على أربعة آلاف، وضم إليه فضيل بن هناد الأزدي ثم الفراصي في خيل، وضم إليه سالما المنتوف في خيل، وصيره على خيل بكر بن وائل فعبروا الصراة. ووجه إليهم مسلمة سعيد بن عمرو بن أسود بن مالك بن كعب بن وقدان بن الحريش بْن كعب بْن ربيعة بْن عامر بن صعصعة في أربعة آلاف، وكان لأهل الشام كمين فاقتتلوا فقتل عبد الله بن حيان، وفارس من أصحاب فضيل بن هناد، وجال أهل العراق وخرج كمين أهل الشام عليهم عند جولتهم فكانت الهزيمة فلم يلووا على أحد حتى أتوا يزيد، وعثر بسالم المنتوف فرسه فصرع فأخذوه أسيرا فقال لمسلمة: استبقني لقتال الروم، فقال: يا بن اللخناء طالما كفيناك قتال الروم وكفاناهم الله قبلك، وأمر به فقتل. فقال موسى بن حكيم السعدي: وبالمنتوف عبدكم فخرتم ... فهلا بالصراة حمى الذمارا ثم عبر مسلمة الصراة، وخلف الأثقال، وخندق خندقين، فقال المهلب بن العلاء بن أبي صفره: إن هؤلاء قد خندقوا خندقا بعد خندق ولا آمن من يصلوا بخندقهم إلى خندقنا فعاجلهم، فضحك يزيد وقال: إن وصلوا فمه. فما أظن العسكرين ضما رجلًا أضعف قلبا منك، فقال حبيب بن المهلب: أما والله إنك لتعرفه بغير الجبن وقد أشار عليك بالرأي ورماك به فبيتهم وعاجلهم. فهم يزيد بذلك فقال بعض من معه من القراء: لا يحل لنا أن نبيتهم حتى ندعوهم، فأقاموا أياما ثم التقوا.

قالوا: ولما كان اليوم الذي قتل فيه يزيد، وهو يوم الجمعة، لأربع عشرة ليلة خلت من صفر، سنة اثنتين ومائة، خرج منسر لأهل الشام ومنسر لأهل العراق فتهايجوا، فسمع يزيد ضجة فقال: ما هذا؟ فقيل: الناس يقتتلون. فدعا يزيد بدرعه وثيابه فلبسها وخرج ووضع له كرسي على باب خندقه، ووضع لمحمد كرسي آخر وجعلا يتحدثان، وقد كانت أصابت يزيد خلفه [1] قبل ذلك فضعف، فأمر الناس فتقدموا وعلى ميمنته حبيب بن المهلب، وعلى الميسرة المفضل بن المهلب، والراية مع المهلب بن العلاء، وركب محمد فرسه فلحق بهم فصار ومن معه على حاميتهم. وزحف أهل الشام، وفي ميمنتهم الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي، وفي الميسرة القعقاع بن خليل بن جزي العبسي، ويقال الوليد بن تليد العبسي، والوضاح البربري مولى عبد الملك في الوضاحية. ولوضاح هذا يقول جرير بن عطية: لقد جاهد الوضاح بالحق معلما ... فأورث مجدا باقيا أهل بربرا [2] فاقتتلوا وصبر الناس، فقال مسلمة للوضاح: انطلق إلى جسر الصراة فأحرقه وأحرق السفن التي في الصراة. فأحرق الجسر وبعض السفن فلما رأوا النار اضطرب عسكر يزيد فقال يزيد ما للناس؟ قيل: انهزموا. قال: ولم؟ قيل: أحرق الجسر. فقال: لعنهم الله رعاج [3] نفخ فطار، بئس حشو الكتيبة والعسكر، كأنهم غنم شد في ناحيتها ذئب.

_ [1] يقال أخذته خلفه: كثر تردده إلى المتوضإ. القاموس. [2] ديوان جرير ص 187. [3] الرعج: البرق تتابع لمعانه. القاموس.

وصبر أهل الحفاظ، وفقئت عين المفضل، وجاء محمد وقد ضرب على جبهته بعمود فقال له يزيد: من ضربك؟ قال: لا أدري إلا أنه قال حين ضربني: أنا الغلام الحرشي فظننته سعيد بن عمرو الحرشي. وكان يزيد جالسا على كرسيه ينقل من مكان إلى مكان، ووضع على نشز من الأرض فنظر فإذا فرس حبيب بن المهلب قد جاء غائرا. فقال: هذا والله فرس أبي بسطام ولا أحسبه إلا قد قتل، وقال له بعض من معه: إني لأظنه كما قلت وأنت تشم التفاح، وكان معه تفاحة يشمها لضعفه. فدعا يزيد بفرسه الأشقر ثم ذكر قول القائل في الأشقر: إن تقدم نحر وإن تأخر عقر، فتطير وقال: ائتوني بفرسي الأشهب فأتي به فركبه وحمل فلما توسط المعركة لقيه القحل [1] بن عياش بن حسان بن سمير بن شراحيل بن عزين من ولد زهير بن جناب الكلبي، فاختلفا ضربتين فقتل كل واحد منهما صاحبه، وله يقول المسيب بن رفل بن حارثة بن جناب بن قيس بن أبي جابر بن زهير بن جناب الكلبي: قتلنا يزيد بن المهلب بعد ما ... تمنيتم أن يغلب الحق باطله وما كان في أهل العراق منافق ... عن الدين إلا من قضاعة قاتله تخلله فحل بأبيض صارم ... حسام جلا عن شفرتيه صياقله وقال أبو مخنف: جلس مسلمة على تل وحوله حماة أهل الشام، وقصد أصحاب يزيد التل فلما رآهم مقبلين انحدر، وركب يزيد فرسا له أشهب وقاتل فصدم أهل الشام أهل العراق صدمة منكرة واختلط الناس،

_ [1] بهامش الأصل: اسم القحل عمرو.

وفقد يزيد فقال المهلب بن العلاء: ويحكم اطلبوا محمد بن المهلب فإن فيه خلفا من يزيد إن كان يزيد قتل، فطلب يزيد فلم يوجد فألقى ابن العلاء اللواء وخنس في الناس. ودخل أهل الشام عسكر يزيد فأسروا ثلاثمائة فسمي ذلك اليوم يوم التل، ويوم العقر لأن مسلمة كان على تل، فلما أقبل الناس نحوه نزل عنه. وقتل في المعركة يزيد بن المهلب، وحبيب، ومحمد بنو المهلب، وعبد ربه، والحجاج بنو يزيد بن المهلب، وحرب بن محمد. وقال قوم من قيس: قتل يزيد الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي، وقيل للهذيل: أنزل فاحتز رأسه فأنف وقال: أنا أنزل فأحتز رأسه؟ - استنكافا-. وقدم فل يزيد بن المهلب واسطا على معاوية بن يزيد بن المهلب، فقدم عدي بن أرطاة ومن في الحبس معه فقتلهم، وأراد قتل نساء آل المهلب لئلا يؤسرون فأغلقن الباب دونه، فقال: أولى، أما والله لو ظفرت بكن ما أبقيت منكن واحدة، والله أولى بالعذر. ومضى معاوية إلى البصرة، وتحمل منها ففي ذلك يقول ثابت قطنة. وما سرني قتل الفزاري وابنه ... عدي ولا أحببت قتل ابن مسمع ولكنها كانت معاوي زلة ... وضعت بها أمرًا على غير موضع وكان الذين قتل معاوية بن يزيد بن المهلب: عدي بن أرطاة، وعبد الله بن عروة النصري، وابني مسمع.

وقال أبو الحسن المدائني: لما قتل يزيد جاء قوم يقولون: جاء الفتح، ثم جاءت حقيقة الخبر، فقتل معاوية بن يزيد وهو على واسط عديا، وجميع من كان معه، وكان عدي قال ليزيد: استبقني فهو خير لك، فقال له: إني لخليق أن أشدك بالحديد وأضعك بيني وبين أهل الشام. فقال: إذا لا يمنعهم ذلك من الإغراق في النزع. قال: وأسر من أصحاب يزيد في المعركة ألفان وثمانمائة، فبعث بهم مسلمة بن عبد الملك من العقر إلى ذي الشامة محمد بن عَمْرو بْن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط بن أبي عمرو بن أمية وكان عامله على الكوفة. وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمَعْرُوفُ بِالْعَمْرِيِّ عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَن ابْن عياش، وأخبرني الأثرم عن أبي عبيدة وقرأت على المدائني قالوا: لما قتل يزيد وأتى برأسه ورؤوس أصحابه إلى مسلمة أرسل بها مسلمة والعباس بن الوليد مع عذام بن شتير الضبي إلى يزيد بن عبد الملك وافدا وبشيرا، وبعث برأس يزيد خاصة مع محمد بن عمر المخزومي، فلما وردت الرؤوس على يزيد بن عبد الملك سجد ودعا بحجام فأخذ من ناصيته ونواصي من حضره، وكان ابن شهاب الزهري فيمن حضره، وكان أصلع شديد الصلع، فأخذ الحجام شعرات من قفاه. وأقطع يزيد بْن عَبْد الملك مُحَمَّد بْن عُمَر المخزومي مهلبان [1] ، وأقطع عذام بن شتير أرض زياد بن المهلب. وقال الفرزدق.

_ [1] لم يرد ذكر مهلبان في المصادر الجغرافية.

لولا دفاعك يوم العقر ضاحية ... عن العراق ونار الحرب تلتهب لولا دفاعك عنهم عارضا لجبا ... لأصبحوا عن جديد الأرض قد ذهبوا لما التقوا وجنود الشام فاجتلدوا ... بالمشرفية فيها الموت والحرب خلوا يزيد فتى المصرين منجدلا ... بالعقر منهم ومن ساداتهم عصب حامي سنان عليه في كتيبته ... وأسلمته هناك العجم والعرب [1] سنان مولى بني مسمع، كان صبر في أربعمائة من القراء. قالوا: وكان سعيد بن عمرو الحرشي قال قبل القتال لمسلمة بن عبد الملك: إن محمدا كان لي ودا، فلو أذنت لي فلقيته فأعطيته أمانا، لعله يصرف يزيد عن رأيه، قال: فسر إليه فأعطهم جميعا الأمان، فدنا سعيد بن عمرو من عسكرهم ونوه بمحمد فأتاه فقال: يا أبا حرب أعن رأي ملئكم كان هذا؟ قال: إن يزيد خاف على نفسه، ففعل ما ترى، فأمنه، فأبى يزيد قبول الأمان. وقال أبو الحسن المدائني: نظر الحسن بن أبي الحسن إلى النضر بن أنس بن مالك، أو موسى بن أنس، وهو يقول: أيها الناس ما تنقمون من أن يقام لكم كتاب الله، فقال الحسن: وهذا ابن أنس قد شمر، قاتل الله ابن المهلب، اطرقي وميّشي، خرقاء وجدت صوفا [2] .

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 92. [2] اصل الطرق: ضرب الصوف ونحوه بالمطرقة وهي العصا التي يطرق بها الصوف أي ينفض لينتفش ويتداخل ويقال هذا المثل للذي يخلط في كلامه بين صواب وخطأ. انظر الأمثال لأبي عبيد ص 53.

الطرق: الضرب ومنه قيل مطرقة الصانع، ومطرقة النجار وهي عوده. والميش: خلط الشعر بالصوف. ميشت، أميش، ميشا. وهذا مثل سائر. ومن رواية أبي مخنف أن يزيد قام فحرض الناس على القتال فقال: إن هؤلاء قوم لن يردعهم عن غيهم إلا الطعن في أعينهم، والضرب على هامهم، إنه ذكر لي أن هذه الجرادة الصفراء- يعني مسلمة- وعاقر الناقة نسطوس بن نسطوس- يعني العباس- الذي كان سليمان بن عبد الملك عزم على نفيه فكلمته فيه حتى أقره على نسبه، ليس يهمهما إلا تشريدي في الأرض ولو جاؤوا بأهل الأرض جميعا ما برحت العرصة حتى تكون لي أو لهم. فقيل له: إنا نخاف أن تصنع كما صنع ابن الأشعث. قال: أن ابن الأشعث فضح الذمار وفضح حسبه، هل كان يخاف أن يفوت أجله. المدائني عن رجل عن ابن عياش عن جعفر بن سليمان الأزدي قال: لما انتهى يزيد إلى سوراء من أرض بابل نزل العقر فقال: ما اسم هذا المنزل؟ قيل: العقر. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وتطير ثم دعا بدرعه فصبها عليه وتقلد بسيفه، ثم دعا بقباء محشو فلبسه، ثم دعا إسماعيل بن عطارد فقال: حدثني عن ابن الأشعث. قال: هزم من الزاوية، فأتى دير الجماجم فهزم، فأتى المدائن فهزم، فأتى مسكن وهي عند دجيل الأهواز فهزم، فأتى جنديسابور فهزم، فأتى سابور. فقال يزيد: سوءة له، أما استطاع أن ينغمس في الموت ثم يغمض إغماضه، فو الله ما هي إلا رقدة إلى يوم القيامة، فعلم أنه وطن نفسه على أنه لا يبرح حتى يموت- وتمثل بقول الشاعر:

بأست امرئ لم يطب نفسا بميتته ... إن الكرام على ما نابهم صبر فلما التقوا أغمض كما قال حتى قتل. قال: ولما لبس سلاحه، دخلت عليه جاريته بسامة، وكانت من أحب الناس إليه، وقد تهيأت وتلبست فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فكرة ذلك كراهة شديدة، وتبسم وقال: رويدك حتى تنظري عم تنجلي ... غمامة هذا العارض المتألق ثم خرج فقال لدارس: كن قريبا، ثم أطاف على رايات أهل الشام يسأل عن راية راية منها، فقال: أوه، يقاتلني بقومي من لا قوم له. وقال أبو مخنف: لما قتل يزيد وانهزم الناس كان المفضل يقاتل أهل الشام، وهو لا يعرف خبر يزيد، ولا أنه قد قتل وأن الناس انهزموا، وإنه لعلى برذون له سمند [1] قريب من الأرض، وأمامه مجففة كلما حمل عليهم انكشفوا فيحمل ثم يرجع، حتى يكون من وراء أصحابه، وكان لا يلتفت من أصحابه أحد إلا قال له: لا تلتفت وأقبل بوجهك على عدوك. وجعل عامر بن العميثل الأزدي يضرب بسيفه ويقول: قد علمت أم الصبي المولود ... أني بنصل السيف غير رعديد وانكشف جل ربيعة، فناداهم المفضل: الكرة، الكرة يا معشر ربيعة، نفسي لكم الفداء، اصبروا ساعة فما كنتم بكشف ولا لئام وما الفرار لكم بعادة ولا يؤتينّ أهل العراق من قبلكم.

_ [1] السمند: الفرس. القاموس.

فبينا هو كذلك إذ قيل له: ما تصنع ههنا وقد قتل يزيد، وحبيب، ومحمد، وانهزم الناس؟. فتفرق من مع المفضل، وأخذ المفضل الطريق إلى واسط، وجاء أهل الشام إلى عسكر يزيد بن المهلب. وقال أبو الحسن المدائني: قال أبو اليقظان: لما قتل يزيد أقبل عبد الملك إلى المفضل فكره أن يخبره بقتل يزيد فيستقتل، وقال: إن الأمير قد انحدر إلى واسط، فانحدر المفضل بمن بقي من ولد المهلب إلى واسط، فلما علم بقتل يزيد حلف ألا يكلم عبد الملك أبدا، فما كلمه حتى قتل بقندابيل. قال: وكانت عين المفضل فقئت في الحرب فقال: فضحني عبد الملك آخر الزمن، وما عذري عند الناس إذا نظروا إلى شيخ أعور مهزوم، ألا صدقتني فقتلت كريما؟. وقال المفضل: لا خير في طعن الصناديد بالقنا ... ولا في لقاء الحرب بعد يزيد وقال هشام بن محمد الكلبي عن أبيه محمد بن السائب: قتل يزيد بن المهلب يوم التل القحل بن عياش، واسم القحل عمرو، وقتله يزيد أيضا ضرب كل واحد منهما صاحبه. وقال المدائني: يقال إن الهذيل بن زفر قتل يزيد، وأن القحل احتز رأسه، وجاء به إلى مسلمة. والخبر الأول أثبت. المدائني عن سحيم بن حفص: أن يزيد بن عبد الملك لما قدم عليه برأس يزيد بن المهلب، ورؤوس من قتل معه من أهل بيته أمر أن يطاف بها

في أجناد الشام، وكان الذي عرّفهم الرؤوس: الحواري بن زياد بن عمرو العتكي. وبادر العباس بن الوليد فوجه بالبشارة إلى يزيد بن عاتكة عذام بن شتير، قبل أن يوجه بها مسلمة أحدا. وقال الهيثم بن عدي: قال ابن عياش وعوانة: نزل يزيد العقر من سوراء ومعه ثلاثة آلاف من الأباضية عليهم جعفر بن شيمان الأزدي فقال يزيد. يا دارس كن مني قريبا. وتقدم محمد بن المهلب فأنشب الحرب، وكان مشئوما فقتل أهل الشام من الاباضية نحوا من ألفين، وعطفوا على يزيد فقاتل فقتل، وطلبه أصحابه فلم يقدروا عليه، وأصيب دارس مقتولا، ونظروا فإذا في وجه يزيد وصدره نحو من عشرين ضربه وطعنة، واحتزوا رأسه. وعمد معاوية بن يزيد بن المهلب، وهو على واسط، فقتل عديا، ومن حبس معه من الأسارى فقال ثابت بن قطنة الأزدي: ما سرني قتل الفزاري وابنه ... عدي ولا أحببت قتل ابن مسمع ولكنها كانت معاوي زلة ... وضعت بها أمرا على غير موضع وأسر من أصحاب يزيد في المعركة، وممن كان في عسكره، ألفان وثمانمائة رجل، فبعث بهم مسلمة من العقر إلى ذي الشامة محمد بن عَمْرو بْن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وكان عامله على الكوفة، وعلى شرطه بالكوفة العريان بن الهيثم. فقال ذو الشامة للعريان: لست من هؤلاء في شيء فشأنك بهم. فميزهم فقال: يا أهل اليمن أنتم الشعار دون الدثار، وأنتم معشر ربيعة الإخوة والحلفاء، وأما هؤلاء- يعني بني تميم-

فأعدى الأعداء. فكان يخرج في كل يوم عشرين من بني تميم فيضرب أعناقهم حتى قتل منهم ثمانين ومائة، ويقال قتل منهم خمسين ومائة، ويقال قتل عشرين ومائة. فقال حاجب بن ذبيان المازني: رأيت المعيطيين خاضوا دماءنا ... بغير دم حتى انتهى بهم الوحل فما حمل الأقوام أثقل من دم ... حرام ولا ذحل إذا اتبع الذحل حقنتم دماء المصلتين عليكم ... وحر [1] على فرسان غيرهم القتل وقي بهم العريان فتيان قومه ... فيا عجبا أين الأمانة والعدل في أبيات. وكان قتل يزيد في سنة اثنتين ومائة. وقال أبو مخنف: أسر من عسكر يزيد بن المهلب ثلاثمائة رجل، فسرح بهم مسلمة إلى محمد بن عمرو بالكوفة، وجاء كتاب يزيد بن عاتكة إلى مسلمة بقتل الأسارى، فأمر محمد بن عمرو بذلك، فقال للعريان: أخرجهم عشرين عشرين. فقام قوم من بني تميم فقالوا: نحن انهزمنا بالناس فابدأوا بنا قبل الناس، فما هو إلا أن فرغ من قتلهم حتى جاء كتاب مسلمة بالكف عن قتلهم، فكان العريان يقول: والله ما أردتهم حتى قالوا: ابدأوا بنا. وقال المدائني: كانت هزيمة أصحاب يزيد من قبل الوضاحية، والوضاح مولى عبد الملك بن مروان، كانت معه خيل مفردة.

_ [1] يقال: بالحرا أن يكون ذلك، وإنه لحري بكذا، وحر. القاموس.

قالوا: ولما وصل رأس يزيد بن المهلب إلى يزيد بن عبد الملك بعث به إلى امرأته أم الحجاج بنت محمد بن يوسف التي عذبها، وكلمه يزيد بن عبد الملك فيها فلم يجبه إلى ما سأله في أمرها، فبصقت في وجهه وقالت: أراك شيخا أحمق تطلب الباطل، فقال يزيد بن عبد الملك، والله ما أشبهت أم الحجاج أمي عاتكة بنت يزيد حين أتيت برأس الحسين بن علي فأراد الرسول أن يضعه على الأرض فشتمته ودعت بوسادة فوضع عليها، ثم غسلته وطيبته. وقال المدائني وغيره: خرج مروان بن المهلب من البصرة هاربا وخلاها فوثب عليها شبيب بن الحارث المازني فأخذها، ودعا ليزيد بن عبد الملك، وصلى بالناس حتى قدم عبد الرحمن بن سليم الكلبي من قبل مسلمة. وكان جيهان بن محرز نازع شبيبا فيها فقهره شبيب ببني مازن، وكان جيهان قاتل مع عدي بن أرطاة. وقام عطاء مولى بني شقرة- واسم شقرة مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن تميم- وكان عطاء أعور فجعل يقول: جاءكم الأمان. فقال الشاعر: أليس عجيبا بحق الإله ... قيام عطاء على المنبر يخبر عنهم بأخبارهم ... وما خبر الكاذب الأعور المدائني عن الربيع بن صبيح قال: جاءتنا هزيمة يزيد بن المهلب ومقتله فلما كان نصف النهار قال أبو نضرة: من يصلي بالناس؟ وخرج شبيب بن الحارث إلى الأبلة، وأمر الحسن أن يصلي بالناس فقال أنس: إني عليل. فغضب أبو نضرة وقال: يا سبحان الله تأتي جمعة لا يصلي فيها بمصر

من أمصار المسلمين، ودخل على الحسن فقال له: إن الناس لا يصلون حتى تخرج، فإذا الحسن قد جاء معتمدا على رجل، فقام على الأرض فخطب وقرأ في خطبته: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تقنطوا من رحمة الله) [1] ولم يقعد في الخطبة ثم أقام المؤذنون فقرأ: الجمعة، وسبح اسم ربك الأعلى. قالوا: وصلب مسلمة بن عبد الملك جثة يزيد بن المهلب، وعلق معه خنزيرا ومرديا [2] وزق خمر وسمكة. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو داود الطيالسي، ثنا الحكم بن عطية قال: سمعت الحسن سئل عن قول الله: (زخرف القول غرورا) [3] فقال: ألم تروا إلى عدو الله ابن المهلب يدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه وقد نبذهما وراء ظهره. حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ أَبِي بَكْر الهذلي قال: كُنَّا عند الْحَسَن فذكر يزيد فقال: عجبا لهذا الحمار النهاق يدعو- زعم- إلى كتاب الله وسنة نبيه وقد نبذهما وراء ظهره، اللهم اصرع ابن المهلب صرعة تجعله بها نكالا لما بين يديه وما خلفه وموعظة للمتقين. وا عجبا لهذا الحمار النهاق بينا هو يضرب أعناقنا بالأمس تقربا إلى بني أمية، إذ رأى منهم نبوة وأصابته جفوة فنصب قصبا عليها خرق، ثم قال: أدعوكم إلى السنة، ألا وإن من السنة أن تجعل رجلاه في قيد، ويجعل حيث جعله عمر بالأمس.

_ [1] سورة الزمر- الآية: 53. [2] دفع الملاح السفينة بالمردي، دفعها بخشبة للدفع. القاموس. [3] سورة الأنعام- الآية: 112.

خبر آل المهلب بقندابيل [1]

خبر آل المهلب بقندابيل [1] قالوا: وهرب آل المهلب بعيالاتهم إلى قندابيل، فحرقت منازلهم بالبصرة وهدمت، وأراد مسلمة أن يوجه تميم بن زيد القيني ليتيع فل يزيد وولد المهلب ثم قال له: لوجّهت رجلًا من بني تميم كان أبلغ فيما تريد، فوجه هلال بن أحوز المازني، وهو هلال بْن أحوز بْن أربد بْن محرز بن لأي بن سمير بن صباري بن حجية بن كايبة بْن حُرْقُوص بْن مازن بْن مالك بْن عمرو بْن غنم من بني تميم، فعقد له على اثني عشر ألفا من أهل الشام وأهل العراق، فسار وعلى مقدمته الحارث بن سليمان التجيبي فِأتى قندابيل، فنصب هلال رايته ونادى مناديه: من هرب فهو آمن، ومن أتى هذه الراية فهو آمن إلا أن يكون من ولد المهلب، فتسارع الناس إليه. الْمَدَائِنِيّ عَن جهم بْن حسان السليطي قَالَ: التقى هلال بن أحوز وبنو المهلب بقندابيل وقد عبأ هلال ميمنة وميسرة، فخرج مدرك بن المهلب يطلب المبارزة، فخرج إليه سلم بن أحوز فقيل له: أنت أخو الأمير وليس

_ [1] قندابيل: مدينة بالسند، كانت قصبة لولاية يقال لها البودهية. معجم البلدان.

ينبغي أن تبارزه فرجع، فلامه أخوه هلال وشتمه فخرج فبارز مدركا فقتله سلم. وكان لمدرك سيف قاطع فجعل ينبو فقال: إن هذا لأمر يراد، الله المستعان، خذلتنا سيوفنا أيضا. ويقال إن هلالا آمن الناس إلا معاوية بن يزيد لقتله عديا وأبا حاضر الأسيدي، أو حاضر بن أبي حاضر، وإنما قتلهم وهم أسراء في يده، فانتدب معاوية بن يزيد فقال: أنا قاتل أبي حاضر الأسيدي، أو قال: قاتل حاضر بن أبي حاضر، وعدي وابنه، فحمل عليه رجل من أهل الشام فقتله، ويقال قتله رجل من بني كعب بن عمرو بن تميم كأنه سفود من شدة سواده. وكان أمير آل المهلب بقندابيل المفضل بن المهلب وهو أعور، أصيبت عينه يوم العقر، وكان لواؤهم مع عمرو بن قبيصة بن المهلب. ونادى هلال: من جاء برأس فله ألف درهم حتى أتي برأس المفضل فقيل له: هذا رأس المفضل رئيس القوم، فقال: ما عهدي به أعور، فقالوا: فقئت عينه يوم العقر، فنزل حتى جلس على بساط، وأسر عثمان بن المفضل وأتى به هلال فكان الذي يخبره عن رؤوس آل المهلب فحبسه وسهل عليه فهرب من الحبس. ولما قتل ولد المهلب وكل هلال بالحرم من يحفظهم، وفر عثمان بن المفضل، وأبو عينية بن المهلب، وعمر بن يزيد بن المهلب. ونادى منادي هلال: ألا برئت الذمة ممن اتبع موليا. وأمر أن لا يعرض أحد للنساء وما في أيديهن وقال: من رفع سترا أو دخل على امرأة فلا ذمة له.

وشكت امرأة من آل المهلب أن رجلًا دخل منزلها فضرب عنقه، وكان نساء آل المهلب يقلن: لو أن المهلب ولينا ما فعل بنا إلا دون ما فعل هلال بن أحوز. وأتته ميسون بنت المغيرة فسألته أن يأذن لها في دفن جثث رجالها فأذن لها. وقال المدائني عن بشر بْن عِيسَى عن أَبِي صفوان قال: أخذت امرأة من آل المهلب صحيفة فأعطتها مولى لها فكتب قتل فلان، ثم فلان، ثم فلان. للميراث. وحدثني خلف بن سالم المخزومي وأبو خيثمة عَنْ وهب بْن جرير بْن حازم عَنْ أبيه، ومحمد بن أبي عينية قالا: وجه مسلمة: عبد الرحمن بن سليم الكلبي فهدم دور آل المهلب، وولى على شرطته عمر بن يزيد الأسيدي. قالوا: وفي عبد الرحمن بن سليم يقول الفرزدق: أرى ابن سليم يعصم الله دينه ... به وأثافي الحرب تغلي قدورها هو الحجر الرامي به الله من بغى ... إذا الحرب بالناس اقشعرت ظهورها [1] في قصيدة. ثم عزل مسلمة: الكلبي عن البصرة، وولاه عمان، واستعمل على البصرة عبد الملك بن بشر بن مروان، ووجه مسلمة مدرك بن ضب في اتباع فل آل المهلب، فلما انتهى إلى كرمان لقي بها مدرك بن المهلب مقبلا

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 258 مع فوارق.

من خراسان وقد انضم إليه بعض فل يزيد من أهل الكوفة وغيرهم فاقتتلوا. وقال أبو مخنف وغيره: لقي مدرك بن ضب: مدرك بن المهلب، ومعه النعمان، ومالك ابنا إبراهيم بن الأشتر، ومحمد، وعثمان ابنا إسحاق بن محمد بن الأشعث، وصول مولى يزيد بن المهلب، فاقتتلوا فقتل يومئذ النعمان بن إبراهيم ومحمد بن إسحاق، وجرح عثمان بن إسحاق جراحة فمضى متحاملا حتى انتهى إلى حلوان، فدل عليه فقتل، وبعث برأسه إلى مسلمة. ومضى مالك بن إبراهيم بن الأشتر إلى الكوفة فطلب الأمان من مسلمة فأمنه، وأسر صول فبعث به ابن ضب إلى مسلمة فقال: أنت الذي كتبت على سهمك: صول يدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه؟ وأمر به فضربت عنقه، وتخلص مدرك فقتل بقندابيل. حدثني علي الأثرم عن أبي عبيدة عن يونس النحوي عن أم ولد معاوية بن يزيد بن المهلب قالت: كنا بقندابيل فما راعنا إلا خيل هلال بن أحوز، وإن معاوية لجالس يأكل شهدانج وسمسما، فقام متعجلًا فلبس سلاحه، ثم خرج فقتل هو وأهل بيته، وقتل المفضل وهو أميرهم، وعبد الملك أخوه لأمه بهلة، وزياد وكان- قيل- على عمان، ومروان وكان على البصرة، والمنهال بن أبي عيينة وعمرو والمغيرة ابنا قبيصة بن المهلب، وحملت رؤوسهم وفي آذانهم الرقاع بأسمائهم.

وقال الهيثم بن عدي: أسر من آل المهلب ثلاثة عشر رجلًا، فقدم بهم على مسلمة، وهو بواسط فوجههم إلى يزيد بن عاتكة وعنده كثير بن عزة فأنشده: حليم إذا ما نال عاقب مجملا ... أشد عقاب أو عفا لم يثرب فعفو أمير المؤمنين وحسبة ... فما تأته من صالح لك يكتب أساءوا فإنّ تعفو فإنك قادر ... وأفضل حلم حسبة حلم مغضب [1] فقال يزيد: يا أبا صخر هيهات، أطت بك الرحم. لا سبيل إلى ذاك، إن الله أقاد منهم بأعمالهم الخبيثة. ثم قال: من يطلب آل المهلب بدم فليقم، فقام يزيد بن أرطاة فقال: يا أمير المؤمنين قتلوا أخي، وابن أخي. فقال: خذ منهم رجلين فاقتلهما ففعل. وقام ابن لعبد الله بن عروة البصري فقال: يا أمير المؤمنين قتلوا أبي، فقال: اقتل منهم رجلًا. ثم أمر ببقيتهم فقتلوا حتى كان آخرهم غلام، فقالوا: هذا غلام صغير. فقال: اقتلوني فما أنا بصغير، فقيل: انظروا أنبت؟ فقال: أنا أعلم بنفسي قد شوكت ووطئت النساء فقال يزيد: اضربوا عنقه، فقتل. وقال يزيد لرجل من اليمانية: كيف كانت غزاتكم بالعراق؟ قال: قتلنا أشرافنا وجئناك فقال: أما يزيد فقد طلب عظيما ومات كريما. وكتب يزيد في قبض آل المهلب وهدم دورهم ولم يكن ليزيد دار، إنما كان ينزل دار المهلب، وكان يزيد يقول: داري السجن أو دار الإمارة.

_ [1] ديوان كثير ص 47- 48.

قالوا: وبعث هلال بن أحوز إلى أم الفضل بنت غيلان بن خرشة، وهي أم مخلد بن يزيد أن اختاري من يخرج معك فاختارت قوما من مواليهم يخرجون معها ومع نساء آل المهلب، وبعث معهم بمشيخة من أهل الشام، وبعث بالرؤوس إلى مسلمة بن عبد الملك فورد العراق وقد عزل مسلمة بن عبد الملك، وولي عمر بن هبيرة، فأخذ ما كان في أثقالهن وبسط عليهن حتى استنطف ما كان عندهن فأخذ الرقيق لنفسه، وخاف أن يخرج النساء إلى الشام فيخبرن بما صار إليه فكتب إلى يزيد يستعفيه لهن من الشخوص فأعفاهن. وقال أبو عبيدة: لما طيف برأس يزيد والرؤوس التي كانت مع رأسه بالشام، ردت إلى البصرة فنصبت بها. قالوا: وأقام مسلمة بعد يزيد على العراق ثمانية أشهر، ويقال ستة أشهر، فقدح فيه عند يزيد بن عبد الملك، وقيل إنه غير مأمون على الخراج، وليس هو ممن يكشف عنه. فعزله وولى العراق عمر بن هبيرة. قالوا: وجعلت طوائف من الأزد تقول بعد قتل يزيد إنه حي. فلما تزوج عمر بن يزيد امرأته عاتكة بنت الملاءة قال الفرزدق: لقد بينت بنت الملاءة من نعى ... لأزد عمان جيفة ابن المهلب [1] قال المدائني: ولم يزل هلال على السند وقندابيل حتى قدم ابن هبيرة العراق، وقدم نساء المهلب فقال لأم مالك بنت زياد بن المهلب: قد علمت أني الوالي وأني أقدر على مضرتكم ونفعكم، وقد قتل هلال رجالكم فلم

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

يبق، وأنا كاتب في هلال أذكر خيانته فصدقيني. وكتب إلى يزيد بن عبد الملك بذلك، وبعث بأم مالك وقرظها في كتابه إلى يزيد فكذبته، وأثنت على هلال وقالت: أحسن ولايتنا بعد أن بالغ في أمرك ولم يبق غاية في طاعتك، فكتب يزيد إلى ابن هبيرة يعنفه. وقد قيل إن النساء أشخصن إلى يزيد أشخصهن ابن هبيرة فخلى سبيلهن. قالوا: وبقي عيينة بن المهلب، وعثمان بن المفضل بن المهلب، وعمر بن يزيد بن المهلب، عند رتبيل بسجستان، فبعثت هند بنت المهلب إلى يزيد في طلب الأمان لأبي عيينة فأمنه فقدم العراق وبقي عمر بن يزيد، وعثمان بن المفضل عنده حتى قدم أسد بن عبد الله القسري أميرا على خراسان، فكتب إليهما بأمانهما فقدما خراسان. وقال بعض الرواة: كان الأسراء الذين قدم بهم على يزيد بن عبد الملك فأمر بقتلهم: المعارك، وعبد الله، والمغيرة، بني يزيد بن المهلب، ودريد، والحجاج ابني حبيب بن المهلب، وغسان، وشبيب والفضل بني المفضل بن المهلب، والمفضل بن قبيصة بن المهلب، والفضل، والمنجاب ابني يزيد بن المهلب. وقال الفرزدق حين قتل يزيد بن المهلب: إذا ما المَزُونيّات أصبحن حُسَّرًا ... يُبكِّينَ أشلاء على عقر بابل فكن طالبا بنت الملاءة إنها ... تذكّر ريعان الشباب المزايل [1]

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع.

المدائني قال: أتى الحسن يزيد بن المهلب في حاجة قبل محاربته عديا، فقام يزيد فأخذ بركابه فحدث بذلك سوار بن عبد الله، فقال: إن هذا الخبر صدق. في يزيد إعظامه أهل الدين والعلم. وقال أبو الحسن المدائني: وجه يزيد بن عبد الملك على البصرة رجلًا من أهل الشام يقال له سفيان بن عمير الكندي، وهو الذي خطب فقال: إن المرأة لا تجوز ذبيحتها، وقال: العارية ترد والمنحة ترد والعمرى لمن أعمرها. حدثني هدبة بن خالد عن أبي هلال الراسبي عن قتادة قال: قلت لسفيان بن عمير وقال لي: ما تقول في امرأة زعمت أن زوجها لا يأتيها. قلت: تستحلف بالله. فقال الحسن: ما تقول أنت. قال: يجرب بغيرها. فقال: أما إن قتادة قال بقول أهل الشام. وقالوا: أتى سعيد بن عمرو الحرشي يزيد بن المهلب وهو محبوس، فأمر له بخمسين ألفا فقال عدي بن الرقاع العاملي: لم أر محبوسا من الناس واحدا ... حبا زائرا في السجن غير يزيد سعيد بن عمرو إذ أتاه أجازه ... بخمسين ألفا عجلت لسعيد [1] وقال أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْن مُحَارِبٍ. مات هلال بن أحوز عند هشام فصلى عليه فقال له جميري أخوه: يا أمير المؤمنين لو دعوت له بالمغفرة. فقال رجل من أهل الشام: أو لم يغفر الله له وقد صلى عليه أمير المؤمنين؟

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع.

وقال الفرزدق: لعمرك ما أنسى ابن أحوز ما جرى ... الرياح وما ناح الحمام وغردا [1] وقال معن بن عمرو: وباكية هبت بليل فراعني ... تحوبها تبكي على ابن المهلب فقلت لها لما سمعت نحيبها ... ألا فاندبي البهلول غير المجدب أعف وأحيا من فتاة حيية ... وأجرأ من ليث بخفان أغلب الهيثم عن الضحاك بن زمل قال: لما قدم على يزيد بأسرى آل المهلب الذين بعث بهم مسلمة، شاور من حضره فقال: ما تقولون في هؤلاء؟ قال: بعض من حضر: قد قدرت يا أمير المؤمنين فاعف، فقام عثمان بن حيان المري فقال: والله (لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلا فاجرا كفّارا) [2] فقال رجاء بن حيوة: بل نقول كما قال الله: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [3] وكان يلعن يزيد بعد خلعه. وقال رجاء لعثمان: ما دعاك إلى ما قلت؟ قال: أبا المقدام. إن الله خلق للنار أهلًا فجعلني منهم، وخلق للجنة أهلًا فجعلك منهم، فقال رجاء: ما أنا عند نفسي من أهل الجنة. ثم دفعهم يزيد إلى زيد بن أرطاة وإلى ابن النصري وغيرهما فقتلوا.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 131. [2] سورة نوح- الآيتان: 36- 37. [3] سورة الأنعام- الآية: 164.

شعر في مقتل بني المهلب

قالت الحوراء بنت عروة النصري: أيزيد حاربت الملوك ولم تكن ... تلقى المحارب للملوك رشيدا لما وجدت عصابة أوردتها ... حوضا سيورث ورده التفنيدا فالبيت ذا الحرمات لست بنائل ... والأكرمين شمائلا وجدودا رهط النبي بنى الإله عليهم ... سقف الهدى ومن القرآن عهودا قوم هم منوا عليك وأفضلوا ... حتى لبست من الطراز برودا فكفرت نعمتهم هناك وإنما ... تلد العبيد المقرفون عبيدا طلب الخلافة في هجان فلم يجد ... بهجان من شجر الخلافة عودا حدثني هدبة بن المبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن يقول: وا عجبا من يزيد علج أهل هجان، وطائر من أطيار الماء، اتخذ سيفه برهة مخراقا في طاعة بني أمية حتى إذا منع لماظة من عيش نصب خرقا على قصب وقال: إني غضبت، فاغضبوا فاتبعه فراش نار، وذئبان طمع، يدعو إلى سنة العمرين، يا فاسق إن من سنتهما أن ترد إلى محبس عمر بن عبد العزيز. وقال أبو النجم: إن الذي مد علينا نقمه ... وقد ظلمنا أنفسا مظلمه حين أحاطت بالعراق الدمدمة ... فالله نجّانا بكفّي مسلمة من بعد ما وبعد ما وبعدمه ... كانت نفوس القوم عند الغلصمة وكادت الحرة أن تدعى أمه [شعر في مقتل بني المهلب] وقال الأحوص بن محمد في شعر مدح به يزيد بن عاتكة وذكر ابن المهلب:

ما زال ينوي الغدر والنكث راكبا ... لعمياء حتى استكّ منه المسامع وحتى أبيد الجمع منه فأصبحوا ... كبعض الألى كانت تصيب القوارع فأضحوا بنهري بابل ورؤوسهم ... تخب بها فيما هناك الخوامع [1] وقال الفرزدق: لقد عجبت من الأزدي جاء به ... يقوده للمنايا حين مغرور حتى رآه عباد الله في دقل ... منكس الرأس مقرونا بخنزير القلس أهون بأسا أن تعود به ... في الماء مطلية الألواح بالقير [2] وقال الأسدي: عجبت لهذي العلوج اللئام ... تمنى الخلافة في كل عام تمنى الخلافة غلفانها ... ولما تناطح طول العلام [3] وقال جرير: آل المهلب جذ الله دابرهم ... أضحوا رمادا فلا أصل ولا طرف إن الخلافة لم تجعل ليملكها ... عبد لأزدية في بطنها عقف ما نالت الأزد من دعوى مضلهم ... إلا المعاصم والأعناق تقتطف والأزد قد جعلوا المنتوف قائدهم ... فقتلتهم جنود الله وانتتفوا [4]

_ [1] شعر الأحوص الأنصاري ص 190 مع فوارق. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 215 مع فوارق. [3] العلام: الراية، وما يعقد على الرمح، وسيد القوم. القاموس. [4] ديوان جرير ص 304- 308.

وقال الفرزدق: أَحَلَّ هريمٌ يوم سَوراء بالقنا ... نذور نساء من تميم فحلت عشية لا يدري يزيد أينتحي ... على السيف أم يعطي يدا حين شلّت وما كرّ إلا كان أول طاعن ... ولا أبصرته الخيل إلا اقشعرت كأنّ رؤوس الأزد خطبان حنظل ... تحرز عن أكنافها حين ولت [1] وقال أيضا: كيف ترى بطشة الله التي بطشت ... بابن المهلب إن الله ذو نقم قاد الجياد من البلقاء منصلتا ... شهرا تقلقل بالأرسان واللجم حتى أتت أرض هاروت لعاشرة ... فيها بنو دحمة الحمراء كالحمم فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ... كأنهم من ثمود الحمر أو إرم [2] وقال الطرماح ليزيد: لحى الله قوما أسلموك ببابل ... أبا خالد تحت السيوف البوارق فتى كان عند الموت أكرم منهم ... حفاظا وأعطى للجياد السوابق وقائلة تنعى يزيد وقائل ... سقى الله جزل السيب عف الخلائق ولما نعى الناعي يزيد تزلزلت ... بنا الأرض وارتجّت بمثل الصواعق [3] في أبيات. وقال ذو الرمة: لودت الأزد إذ رثت حبائلهم ... أن المهلب لم يولد ولم يلد

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 111- 112، والخطبان نبت كالهليون. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 252 مع فوارق. [3] ديوان الطرماح- ط. دمشق 1968 ص 337- 339.

كانوا ذوي عدد ثر وعائرة ... من السلاح وأبطالا ذوي نجد فما ترى منهم من بعد كثرتهم ... إلا الأرامل والأيتام من أحد [1] وقال الفرزدق من قصيدة له: ونحن أرينا الباهلية ما شفت ... به نفسها من كل رأس معلق ونحن أزحنا عن خويلة جحدر ... شجى كان منها في مكان المخنق الباهلية أم عباد بن عطية، وكانت امرأة عدي بن أرطاة. ونحن قتلنا بابن أرطاة منهم ... ثمانين تحت العارض المتألق وكائن بقندابيل من جسد لهم ... وبالعقر من رأس تدهدى ومرفق وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلالًا لمن يبني بها لم تطلق جعلنا أثافي قدرنا رأس زوجها ... وكفيه في أيد سقطن وأسوق [2] وقال الفرزدق: تبكي على المنتوف بكر بن وائل ... وينهى عن ابني مسمع من بكاهما غلامان شابا في الحروب وأدركا ... كريم المساعي قبل وصل لحاهما فلو كان حيا مالك وابن مالك ... إذا أوقدا نارين يعلو سناهما [3] وقال الفرزدق في هلال بن أحوز في أبيات: جدعت عرانين المزون فلا أرى ... أذل وأخزى منهم حين صرّعوا

_ [1] ديوان ذي الرمة- ط. بيروت 1993 ج 1 ص 181- 182 مع فوارق. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 37- 38 مع فوارق. [3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 203 مع فوارق كبيرة.

وحمّلت أعجاز البغال رؤوسهم ... محذفة في كل بيداء تلمع جماجم أشياخ كأن لحاهم ... ثعالب موتى أو ثعام مترع [1] وقال رؤبة: والأزد سوء صنيعها موصوف ... قد أزحفتها الفتية الزحوف لو زادها يزيد والمنتوف ... عقلا وطير بابل العكوف [2] يقول: لو كان يزيد قتيل هؤلاء عكوف الطير عليهم عقلا. وقال حاجب بن ذبيان المازني: لقد قرت بقندابيل عيني ... وساغ لي الشراب على الغليل غداة بنو المهلب من أسير ... يقاد به ومصلوب قتيل خلا سيف ابن أحوز عن نزار ... وشدات ابن أحوز كل قيل بكل مقلص [3] يمشي العرضنى ... ظماء [4] اللحم مشرفة التليل أبزن [5] بني المهلب في فواق ... وكل مهند عضب صقيل تقطعت الأمور بهم وكانت ... عليهم مثل راعية الفصيل أضلهم ابن دحمة [6] وازدهتهم ... مشبهة تضل ذوي العقول أليس من العظائم أن يروموا ... وراثات الخلائف والرسول

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 407 مع فوارق. [2] لم يرد هذا الرجز في ديوان رؤبة المطبوع. [3] القلوص من الإبل: الشابة، أو الباقية على السير. القاموس. [4] ظماء اللحم: قليلة اللحم. القاموس. [5] البزز: الغلبة وأخذ الشيء بجفاء وقهر. القاموس. [6] بهامش الأصل: ابن دحمة: يزيد بن المهلب.

مقتل يزيد بن المهلب

وقال ثابت قطنة: وليوم قندابيل أورث ذلة ... قومي ويوم العقر شيب مفرقي يا هند إن أخاك صادف حتفه ... بحبائل الأجل الذي لم يسبق وتغيبت عنه الكماة وغاله ... زمن كظل السرجة المتصفق والدهر لا يبقي على حدثانه ... عصم موقنة برأس محلق كيف العزاء وقد أصيب ذوو الحجا ... منا وأهل النائل المتدفق وقال أبو الحمراء المنقري: أبا خالد لو خلد الجود واحدا ... أبا خالد كنت الجواد المخلدا سقى الله أجسادا ببابل غودرت ... غداة رأينا الراعبي مقصدا حبيبا وعبادا وذا الباع والندى ... يزيدا وأسقى الله ربي محمدا أقول لهم لما أتاني نعيهم ... جزى الله خيرا ما أعفّ وأمجدا [مقتل يزيد بن المهلب] قالوا: وكان رجاء بن حيوة يلعن يزيد بن المهلب حين أتاه خبره، وقد قيل في آل المهلب شعر كثير جدًا. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةَ الأَثْرَمُ عَنْ أَبِي عبيدة قال: لما كتب يزيد بن المهلب إلى ابن عاتكة يطلب الأمان كتب له أمانا ووجه به خالد بن عبد الله، وأتاه كتاب عدي بخلع يزيد فبعث فرد رسل يزيد بن المهلب وقال: كذبتم أمير المؤمنين وأوطأتموه العشوة، فقالوا: أما عهدنا به فإنه لم يخلع ولم يسفك دما. فأمر بهم إلى السجن فلم يخرجوا منه حتى قدم بآل المهلب من قندابيل. ومن رواية أبي عبيدة معمر بن المثنى أن الأسرى لما حملوا إلى يزيد بن عبد الملك قام خالد بن عبد الله القسري فذكر العفو والصفح، وكان مفوها، وقال: أنهم أحداث لا جرائم لهم ورققه عليهم بجهده حتى هم

بالعفو عنهم، فقام عثمان بن حيان المري فقال: كلا يا أمير المؤمنين لا تعف عنهم واحصدهم بمعصيتك كما انبتّهم بطاعتك، فلعمري ما ترضى عشيرة منا أذنبت ذنبا وقد صفحت عن هؤلاء إلا أن تصفح عن ذنوبهم، فمن هؤلاء الأعلاج الذين لا أصل لهم ولا فرع. نكل بهم يرتدع غيرهم يا أمير المؤمنين. وأشار عليه رجاء بن حيوة بالعفو عنهم وقال: إن اللَّه يَقُول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) فأبى يزيد بن عاتكة أن يعفو عنهم، ودفع بكل رجل ممن قتل مع عدي بن أرطاة رجلًا إلى وليه، ثم خلى الباقين ويقال قتلهم. وقال أبو عبيدة: وجه مسلمة في إثر معاوية بن يزيد بن المهلب عبد الرحمن بن سليم الكندي، وكان معاوية قد أعد له سفينة في الزردات، فركبها حتى وافى الأهواز، فلم يلحقه عبد الرحمن وأقام بالبصرة فولاه مسلمة إياها، ثم عزله وولاه عمان، وولى البصرة ابن بشر بن مروان. وقال أبو عبيدة: استأذنت بأهله في صلب يزيد بن المهلب، فأذن لها فصلبوه منكسا وشدوا على بطنه سمكة، ثم نزعوها وشدوا مكانها زقا من خمر، ثم نزعوه وشدوا إليه خنزيرة بيضاء كانوا يرونها في قرية عند موضع الوقعة. وقال أبو عبيدة: أراد مسلمة ألا يواقع يزيد حتى يعرض عليه الأمان، فقال العباس بن الوليد: لا تؤمنه فلا يبقى أحد إلا خلع وأفسد وسفك الدماء ثم ركن إلى الأمان، فأبى وأمنه فلم يقبل يزيد أمانه.

وقال أبو عبيدة في روايته: كان يزيد حين شهد الحرب في رجالة قد أطافت به فأصاب برذونه سهم فشب به وضرب بيده ورجله حتى عقر عدة ممن كان حوله، ثم صرعه أو نزل يزيد عنه فغار البرذون فعرفه بعضهم فقال: هذه دابة يزيد، فثاروا يطلبونه وجعلت العمانية تقول: التل التل، لتل كان هناك عظيم عال قد وقف مسلمة عليه حين قصدت الأزد وربيعة له فنزل عنه، وكان يزيد بن المهلب أخرج قوما مستكرهين فخذلوه، ومالوا إلى مسلمة. وقال أبو عبيدة: بعث مسلمة برأس يزيد مع سالم بن وابصة الأسدي، وكان سالم في الوفد الذي أوفدهم برأسه ورؤوس من حملت رؤوسهم معه، فقال سالم وقد وضع الرأس بين يدي يزيد بن عاتكة: أتينا به ما نسمع الصوت في السرى ... ولا نشتكي شكوى أبين ولا قبر نعرف أهل الحق بالشام رأسه ... من الذل مخطوم الخياشم والثغر وقال أبو عبيدة: قال يزيد بن المهلب لدهقان برس [1] : أتدلني على أرض طيبة أغرس فيها النخل والشجر، فقال: يبقيك الله ويسلمك ثم تنظر في هذا فما أكثر الأرضين. ثم قال: أرأيتم أعجب من هذا، قد غشيه البلاء وهو يسال عن الأرضين. وكانت بيزيد خلفة من داء أو هيضة، فكان ضعيف البدن، ومعه ريحان يشمه فقال له بعض أهله: قد قرب القوم منا وأنت تشم الريحان؟ فعندها ركب فقاتل.

_ [1] برس: موضع بأرض باب. معجم البلدان.

وقال أبو عبيدة: بعث يزيد إلى الخيار بن سبرة بن ذؤيب بن ناجية بْن عقال بْن مُحَمَّد بْن سُفْيَان بن مجاشع بن دارم، وهو على عمان من قبل عدي بن أرطاة، ولاه إياها بعد عامل كان له عليها، فنهاه عمر بن عبد العزيز عن توليته، والخيار لا يعلم بأمر يزيد حتى دخلت عليه رسله، وعليهم زياد بن المهلب فضربوا عنقه، وكان متحاملا على الأزد بعمان، فقال الفرزدق: لو كنت مثلي يا خيار حزمتها ... بكل علاقي من الميس فاتر فقد كنت فِي أرض المهاري مُسلطًا ... على كل بادٍ من عمان وحاضر ترى إبلًا ما لم تحرك رءوسها ... فإن حركت أبصرت عين الأباعر [1] قال أبو عبيدة: وكان على السند من قبل عدي: عمرو بن مسلم، فبعث إليه يزيد بن المهلب: وداع بن حميد وهو رجل من أهل اليمن في ستة نفر ويقال في أربعة نفر فقيل له: رسل الأمير على الباب. فظن أنهم رسل عدي فأذن لهم، فلما قرأ الكتاب الذي مع وداع قال: أتحبون أن أعطيكم حياتي؟. وراطن غلاما له طخاريا بالطخارية أن انطلق إلى بني وأهل بيتي فمرهم أن يلبسوا السلاح ويسرعوا فإن هؤلاء القوم أعداء، فدخلوا البيت مصلتين، وثار وداع وأصحابه نحو عمرو فاقتتلوا، فقتل وداع ومن معه، وأمر عمرو فاحتزت رؤوسهم وألقيت في السوق.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 237 مع فوارق.

وكان ليزيد بن عبد الملك بن مروان من الولد:

وكان ليزيد بن عبد الملك بن مروان من الولد: الوليد بن يزيد المقتول، ويحيى، وعاتكة، أمهم أم الحجاج بنت محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف الثقفي. وعبد الله، وعائشة، أمهما سعدة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان. والغمر لأم ولد. وهاشم وأبو سفيان لأم ولد. فأما الوليد فسنكتب خبره إن شاء الله، وأما عبد الجبار فِإن ابنة محمد بن عبد الملك كانت عند روح بن الوليد بن عبد الملك، فأغضبها ففرق الوليد بن يزيد بينهما وزوجها عبد الجبار أخاه، فحقد ذلك بنو الوليد بن عبد الملك على الوليد بن يزيد. وأما سليمان بن يزيد فكان ممن أعان على قتل أخيه الوليد بن يزيد، وأما الغمر فهو صاحب سيح الغمر باليمامة، وكان جلدا عاقلا عفيفا، وكان أعرج ولي الصائفة غير مرة فغنم ما لم يغنمه أحد قط، وكانت إحدى صوائفه في سنة ست وعشرين ومائة، وولي اليمامة وكانت له ضياع بالسواد، فقبضها بنو هاشم. وقال إسماعيل بن يسار مولى بني تميم بن مرة: إذا عدد الناس المكارم والعلى ... فلا يفخرن منهم على الغمر فاخر فما مر من يوم من الدهر واحد ... على الغمر إلا وهو للناس غامر أغر بطاحي كأن جبينه ... إذا ما بدا بدر على النجم باهر

تراهم خشوعا إن رأوه مهابة ... كما خشعت يوما لكسرى الأساور نماه إلى فرعي لؤي بن غالب ... أبوه أبو العاصي وحرب وعامر فأضحى بإعطاء الجزيل كأنما ... رماه بوتر ماله فهو ثائر قوله: حرب يعني حرب بن أمية، لأن أم أبيه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن صخر بن حرب، وأم عاتكة ابنة عبد الله بن عامر بن كريز. وقتل الغمر عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بن عباس بالشام مع من قتل من بني أمية، فقال حين قدم ليقتل: ليسعني في عدلكم ما وسعكم في جورنا. فقال عبد الله: اقتلوه. فقال: إني شيخ مسن وإن تركتني كفتك إياي منيتي. فقال له: قد كان الحسين بن علي شيخا فقتلتموه. وأما عبد الله بن يزيد فولدته سبعة خلفاء: أبوه يزيد، وجده عبد الملك، وجد أبيه مروان وأم أبيه عاتكة بنت يزيد بن معاوية، وأم عبد الله بن يزيد التي قامت عنه سعدة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان وأم عبد الله بن عمرو بن عثمان بنت عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب. وكان لعبد الله هذا ابن يقال له عبد المطلب عظيم القدر عند المهدي والرشيد.

الخوارج في أيام يزيد بن عبد الملك

الخوارج في أيام يزيد بن عبد الملك - خبر عقفان: قال أبو الحسن المدائني: خرج رجل يقال له عقفان بناحية دمشق في ثلاثين، فأراد يزيد بن عبد الملك أن يبعث إليه جندا فقيل له: إن قتل بهذه البلاد أتخذوها دار هجرة. قال: فما الرأي؟ قالوا: تبعث إلى كل رجل رجلًا من أهل بيته يكلمه ويرده. فكان يبعث إلى كل رجل أخاه وابنه وابن عمه وأباه، فكلموهم وقالوا: إنا نخاف أن نؤخذ بكم وأومنوا فرجعوا، وبقي عقفان وحده فبعث يزيد إليه أخاه وكان أعرج يقال له ربيعة، فقال له: يا أخي إنا لا نأمن أن يجتاحنا الخليفة ويصطلمنا. فرجع وأمنه يزيد بن عبد الملك. فلما ولي هشام بن عبد الملك ولاه أمر العصاة فقدم ابنه تمة بن عقفان من خراسان عاصيا فشده وثاقا، وبعث به إلى هشام، فقال هشام: لو خاننا عقفان لكتم أمر ابنه ثم قال لتمه: قد وهبتك لأبيك فالحق بمكتبك، وولاه هشام الصدقة. وكان لأخيه أربعون شاة فذبح شاة منها، ثم سأل أخاه الصدقة فقال له: قد كانت لي أربعون شاة فذبحتم شاة منها، وبقي لي تسع وثلاثون شاة

- أمر مسعود بن أبي زينب العبدي:

فلا صدقة عليها، فلم يفارقه حتى أخذ منه الصدقة شاة. ومكث عقفان عشرين سنة واليا لهشام. - أمر مسعود بن أبي زينب العبدي: قالوا: خرج مسعود بن أبي زينب أحد ولد محارب بن عبد القيس بالبحرين على الأشعث بن عبد الله بن الجارود، فخرج الأشعث عن البحرين وأخذ مسعود عبد الرحمن بن النعمان العوذي [1] ، ومنصور بن أبي رجاء العوذي فقتلهما، ثم خرج إلى اليمامة وعليها سفيان بن عمرو العقيلي، ولاه إياها عمر بن هبيرة الفزاري في أيام يزيد بن عبد الملك، فخرج سفيان بن عمرو العقيلي بأهل اليمامة فلقي مسعودا بالخضرمة [2] فقاتله فانكشف أهل اليمامة عن سفيان، ثم كروا والتقى عضاض بن تميم بن محلم العدوي- عدي الرباب- ومسعود فاختلفا ضربتين فقتل عضاض مسعودا. وقام بأمر الخوارج هلال بن مدلج فقاتلهم يومه كله فقتل ناس من الخوارج، وقتلت زينب أخت مسعود، فلما أمسى هلال تفرق عنه أصحابه، وبقي في عصبة، فدخل قصرا فتحصن فيه، فقال عبيد الله بن مالك عم تميم بن محلم: علام تدع هذا وقد حبس لكم نفسه، وقد تفرق أصحابه ولعل طائفة منهم تعود إليه. فطلبوا سلما فلما وجدوه أحجم الناس عنه وهابوا الإقدام، فرقى عبيد الله إلى حائط القصر وتلقاه هلال بن مدلج

_ [1] بهامش الأصل: عوذ من الأزد. [2] الخضرمة: بلد بأرض اليمامة لربيعة، وقيل: جو اليمامة: قصبة اليمامة، ويقال لبلدها خضرمة. معجم البلدان.

- أمر سعيد بن أبي زينب أخي مسعود، وعون بن بشر:

الخارجي على الحائط فاختلفا ضربتين فقتل عبيد الله هلالا، وجرحه هلال فبرئ من جراحاته، واستأمن من بقي في القصر فأمنهم. وقال الهيثم بن عدي: قتل مسعودا رقيب بن عبد الرحمن، مولى بني شيبان، واحتز رأسه رجل من بني سعد. والأول أثبت. وقال الفرزدق: لقد عض عضاض على السيف عضة ... بأنيابه قد أثكلت أم زينبا كفت ضربة العضاض إذ سل سيفه ... رجالًا شهودا من تميم وغيبا [1] وقال أيضا: لعمري لقد سلت حنيفة سلة ... سيوفا أبت يوم الوغى أن تعيرا تركن لمسعود وزينب أخته ... رداء وسربالا من الموت أحمرا أرين الحروريين يوم لقائهم ... ببرقان يوما يجعل الجو أشقرا [2] وقال الهيثم بن عدي: غلب مسعود على البحرين وناحية اليمامة تسع عشرة سنة، حتى قتله سفيان بن عمرو العقيلي، سار إليه ببني حنيفة. - أمر سعيد بن أبي زينب أخي مسعود، وعون بن بشر: قالوا: لما قتل مسعود قام سعيد أخوه بالبحرين، فقال سعيد: قال الله: (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تعلموا ما تقولون) [3] فلا تحل الصلاة للسكران، وما حرم السكر، ففارقه عون بن بشر أحد بني الحارث بن عامر بن حنيفة

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 226 مع فوارق. [3] سورة النساء- الآية: 43.

- أمر مصعب بن محمد الوالبي:

وأكفره، فصار أصحاب سعيد فرقتين فرقة معه وفرقه مع عون، فخرج عون عن هجر فأتى القطيف [1] فجاءه ناس كثير، وبقي سعيد بهجر، فدس سعيد رجلين ليفتكا بعون أحدهما حبشي يقال له بكير، فقدما القطيف فوجأه بكير بخنجر في خاصرته، وأخذ بكير فدفع إلى الوالي فقيل له: من أمرك بهذا؟ قال: أنت. فدفعه إلى عون فقتله، ومات عون بن بشر، وأقام سعيد بن أبي زينب بهجر ولم يقتعد. - أمر مصعب بن محمد الوالبي: قالوا: طلب عمر بن هبيرة مصعب بن محمد، ومالك بن الصعب، وجابر بن سعد، وهم من رؤساء الخوارج، فتراسلوا والتقوا بالخورنق، فخرجوا وأمروا عليهم مصعبا ومعه أخته آمنة، فلما هلك يزيد بن عبد الملك وولي هشام بن عبد الملك وولي خالدين عبد الله القسري، وجه خالد إليهم سيف بن هانئ الهمداني فواقعهم فقتلوا بحزة [2] . وقال بعض الرواة: قتلوا في آخر أيام يزيد، بعث ابن هبيرة إليهم سيفا فقال فيهم بعض الشراة:

_ [1] الهجر بلغة حمير والعرب العاربة: القرية، وهجر مدينة، وهي قاعدة البحرين، والقطيف قصبة البحرين. معجم البلدان. [2] حزة: موضع بين نصيبين ورأس عين على الخابور، وحزة أيضا قرب إربل من أرض الموصل. معجم البلدان.

- أمر سعيد بن بهدل:

فتية تعرف التخشع فيهم ... كلهم حكم القرآن غلاما قد برى لحمه التهجد حتى ... عاد جلدا مصفرا وعظاما غادروهم بقاع حزة صرعى ... فسقى الغيث أرضهم يا إماما قال الهيثم: لما أجمعوا على الخروج قال مصعب: إن شئتم كنت أميرا، وإن شئتم كنت وزيرا. قالوا: قد رضيناك أميرا. قال: وقال أيوب بن خولي البجلي يرثي جابرا بقصيدة أولها: كفى حزنا أني تذكرت جابرا ... على جابر صلت خيار الملائك قتيل قضى إذ عاهد الله نحبه ... ولم ينتظر إذ قيل إنك هالك - أمر سعيد بن بهدل: قال الهيثم بن عدي: كان سعيد بن بهدل من أصحاب مروان الضعيف، وكان رأس الخوارج، وسمى الضعيف لأنه قيل له: ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فقال: والله ما بي ضعف عن ذلك، ولكني ضعيف البدن وإني لا أجد أعوانا، ثم جلس سعيد بن بهدل في أصحابه فقال: لقد خفت أن يأتيني الموت بغتة قبل أن أقضي حق الله علي، فكيف طيب أنفسكم بالموت؟ قالوا: ما أطيبها به. وكان عنده البهلول الشيباني، والضحاك بن قيس، فأقام خمسا ثم اعتقد وبايعوه فمات بعد أيام، ولم يلق أحدا، فقال فيه الضحاك بن قيس: سقى الله يا خوصاء قبرا وحشوه ... إذا رحل الشارون لم يترحل فيا ملحق الأرواح هل أنت ملحقي ... بموتى مضى فيهم سعيد بن بهدل ثم بويع البهلول بن بشر.

وقال أبو الهيثم: هو أبو عمرو الشيباني، ويكنى أبا بشر، ويقال إن خروج ابن بهدل كان في أيام هشام بعد خروج البهلول. قال: وزوج عمر بن هبيرة في أيام يزيد خارجية أتي بها من رجل من أصحابه، فقالت لزوجها: ممن أنت؟ قال: من قيس. فقالت: أنا على دين قيس، فلما أصبح قال له ابن هبيرة: كيف رأيت امرأتك فقال: خلوت بها ليل التمام فأصبحت ... من الدين إلا دين قيس تخلت [1]

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله كل حمد وفضل.

أمر مسلمة بن عبد الملك

بسم الله الرحمن الرحيم أمر مسلمة بن عبد الملك ومسلمة بن عبد الملك يكنى أبا سعيد، وأمه أم ولد، ولقبه الجرادة، لصفرة كانت تعلوه، وكان شجاعا، وقال عبد الملك في وصيته: أكرموا مسلمة فإنه نابكم الذي عنه تفترون. وله مغاز كثيرة بالروم وأرمينية، وافتتح طوانة من بلاد الروم، وولاه يزيد بن عبد الملك العراق فقتل يزيد بن المهلب، وقال لهشام في إمرته: كيف ترجو الخلافة وأنت بخيل جبان؟ قال: إني عفيف حليم. وقال مسلمة: عجبت لمن قدر كيف لا يغفر، ولمن وسع عليه كيف لا يجود. المدائني قال: قدم أعرابي الشام فلاحى رجلًا فقال له: يا ذا الذي يبول ابنه بول الحمار، فرفع إلى القاضي فلم يعرف ما قال الأعرابي فسأل مسلمة بن عبد الملك عنه فقال مسلمة: البول سفاد [1] الحمار، فجلده القاضي حدا فقال: وا عجبا أأضرب هكذا فلاطا، قال القاضي: والله

_ [1] سفد: نزا. القاموس.

ما أدري ما يقول وسأل عنها مسلمة فقال: الفلاط المفاجأة. فهجاه شاعر لهم فقال: كيف وجدت ضربه فلاطا ... ينحط منه جلدك انحطاطا لما رأيت فوقك السياطا ... خضعت خضعا أفزع الأشراطا فقال الأعرابي: يا رابع الشعراء ما أغراك بي أظننت أني مفحم لا أنطق؟: الشعراء أربعة: شاعر مفلق، وشاعر مجيد، وشاعر متكلف، وشويعر ماص لبظر أمه. فقال مسلمة: ويحك يا أعرابي ما أطرفك، ما سقط إلينا مثلك. ووصله وماره [1] . المدائني قال: كان لمسلمة صديق وأليف يقال له شراحيل فمات فجزع عليه مسلمة جزعا شديدا، وخرج فصلى عليه، فأتاه عبد الله بن عبد الأعلى الشيباني فعزاه فبكى وقال: وهون وجدي عن شراحيل أنني ... إذا شئت لاقيت امرأ مات صاحبه حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ هشام التنوخي قال: كنا مع مسلمة بأرمينية أيام هشام فعرض الناس فمر به رجل ضخم، فأبلغ عنه أمرا وجب عليه عقوبته فقال له: ما اسمك: قال عبد الله بن عبد الرحمن. قال: ممن أنت؟ قال: من بنو تغلب. قال: ارجع، وأمر بضربه. فلما ضرب سوطا قال: بسم الله. قال مسلمة: خلوا عنه قبحه الله فلو ترك اللحن في حال لتركه تحت السياط.

_ [1] مارة: زوده بالميرة. القاموس.

هشام ابن الكلبي عن عوانة قال: تكلم قوم فأكثروا الخطأ والخطل، ثم أتاهم رجل بليغ فجعل لا يخرج من لفظ حسن إلا إلى أحسن منه، فقال مسلمة: ما شبهت كلام هذا في أثر كلام القوم إلا بسحابة لبدت عجاجا. وحدثني أبو مسعود الكوفي أن ابن كناسة الأسدي قال: قال مسلمة بن عبد الملك إنه لا عفة مع الشح، ولا مروءة مع الكذب. المدائني: أن مسلمة بن عبد الملك كان يتنقص العباس بن الوليد بن عبد الملك حين بعث يزيد بن عبد الملك بهما لمحاربة يزيد بن المهلب بالعراق، ويحمقه فبلغ العباس ذلك فكتب إليه كتابا فيه هذه الأبيات، يقال إنها له، يقال إنها لابن سيار، وإنما تمثل بها: ألا تقني الحياء أبا سعيد ... وتقصر عن ملاحاتي وعذلي فلولا أن أصلك حين تنمى ... وفرعك منتهى فرعي وأصلي وإني إن رميتك هضت عظمي ... ونالتني إذا نالتك نبلي لقد أنكرتني إنكار خوف ... يقصر منك عن شتمي وأكلي لقول المرء عمرو في القوافي ... أريد حياته ويريد قتلى قالوا: وشتم رجل من أهل الشام يزيد بن المهلب، فقال له مسلمة: اسكت أتقول هذا لرجل سار إليه قريعا قريش؟ إن يزيد حاول أمرا جسيما ومات كريما. المدائني قال: قيل لمسلمة بن عبد الملك: ما يمنعك من العمل ولو أردته لتوليت أجسمه؟ فقال: يمنعني منه ذل الطلب، ومرارة العزل، وهول الخطب، وقرع حلق البريد.

المدائني قال: قال مسلمة بن عبد الملك: ما فرحت قط بفتح كان على غير تقدير. المدائني: أن مسلمة قال لعمر بن عبد العزيز: أوص. فقال: مالي مال أوصي به، قال: فأنا آتيك بمائة ألف درهم توصي فيها بما أحببت. قال: أفلا تفعل خيرا من ذلك، تردها إلى موضعها الذي أخذت منه، قال: رحمك الله يا أمير المؤمنين فقد لينت منا قلوبا قاسية، وزرعت لنا في قلوب الناس المحبة، وأبقيت لنا في الصالحين ذكرا. المدائني عن خالد بن بشر قال: بلغ مسلمة بن عبد الملك أن رجلًا شتمه وعلم الرجل بذلك فانقبض عن إتيانه، وسأل مسلمة عنه فأتاه وأجاد الاعتذار إليه، فقال مسلمة: اللهم عفوا كف عن هذا رحمك الله، ولم ير منه تغيرا له. قال: وشتم مسلمة قوم من أهل الأردن، وبلغه ذلك فبعث إليهم وأعطاهم وكساهم وكتب إلى الوالي عليهم يأمره بالإحسان إليهم. المدائني عن عامر بْن حَفْص قَالَ: قَالَ أبو نخيلة السعدي: دخلت على مسلمة بن عبد الملك فقلت: أمسلم يا منسوب كل خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض تلافيتني لما أتيتك عاريا ... بخير لحاف سابغ الطول والعرض وأنبهت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض فقال: أين أنت من الرجز يا أخا بني سعد؟ فقلت: أنا أرجز الناس، قال: فأنشدني بعض رجزك، فأذهب الله عني كل ما كنت أحفظه

مما قلت، فأنشدته أرجوزة للعجاج، فلما أمعنت فيها قال: حسبك، أنا أعلم بها منك، وأعرض عني فظننت أنه مقتني على كذبي إياه. وَحَدَّثَنِي هِشَام بْن عمار قَالَ: سَمِعْتُ الْوَلِيد يقول: أخبرني من سمع مسلمة بن عبد الملك وذكر رجل فقيل هو قنوع. فقال: إن القناعة أحد اليسارين، أو قال أحد المالين. وقال هشام بن محمد الكلبي: كانت عند مسلمة بن عبد الملك الرباب بنت زفر بن الحارث الكلابي، فكان يأذن لأخويها الهذيل وكوثر أول الناس، فقال عاصم بن عبد الملك، وهو أبو زفر بن عاصم الهلالي: أمسلم قد منيتني ووعدتني ... مواعيد صدق إن رجعت مؤمرا أيدعى الهذيل ثُمَّ أدعى وراءه ... فيا لك مدعا ما أذل وأحقرا وكيف ولم يشفع لي الليل كله ... شفيع إذا ألقى قناعا ومئزرا فلست براض عنك حَتَّى تحبني ... كحبك صهريك الهذيل وكوثرا فقال الهذيل: ما فخر فخار علي وإنما ... نشأنا وأمانا معا أمتان أَبِي كان خير من أبيك وأفضلت ... عليك قديما جرأتي ولساني ورثى عبد الله بن عبد الأعلى مسلمة فقال: أبا سعيد أراك الله عافية ... فيها لروحك عند العسر تيسير فقد أقمت قناة الحق فاعتدلت ... إذ أنت للدين مما نابه سور فولد مسلمة بن عبد الملك: سعيد الأكبر وأمه أم ولد، وسعيدا الأصغر أمه الزعوم بنت قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي.

قالوا: ولما قتل مسلمة يزيد بن المهلب، جمع له يزيد بن عبد الملك العراقين، فولى ذا الشامة محمد بْن الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط الكوفة. وقال المدائني: أخذ مسلمة من عسكر بني المهلب ألفين وثمانمائة: فبعث بهم إلى ذي الشامة وكان على الكوفة، وصاحب شرطه العريان بن الهيثم، فقال ذو الشامة: يا أبا الحكم لست من هؤلاء في شيء فشأنك بهم، فقتل منهم من كان من بني تميم، ولم يقتل اليمانية والربعية. فقال حاجب بن ذبيان المازني: لعمري لقد خاضت معيط دماءنا ... بأسيافهم حتى انتهى بهم الوحل وما حمل الأقوام أثقل من دم ... حرام ولا ذحل إذا اتبع الذحل وقال أبو نعيم الفضل بن دكين عن موسى بن قيس: أقبل مسلمة حتى نزل الحيرة فأتاه مسلمة بن كهيل، وزبيد اليامي فأعطاهما خمسمائة خمسمائة. حدثني عمر بن محمد عن أبي نعيم عن زهير بن معاوية قال: رأيت مسلمة يأكل هكذا بأربع أصابع. وحدثني عمرو عن أبي نعيم قال: سمعت سفيان يقول: قال عمر بن عبد العزيز لمسلمة: إذا مت فارفع لبنة من قبري، فانظر ما خرجت به من الدنيا. قال: ففعل فلم يزل ذلك يعرف فيه. وقال المدائني عن رجل عن ابن عياش قال: لم يرفع مسلمة بن عبد الملك من الخراج كبير شيء فأراد يزيد بن عبد الملك عزله فاستحيا منه فكتب إليه: استخلف على عملك وأقدم، ويقال: بل شاور مسلمة عَبْد العزيز بْن حاتم بْن النعمان الباهلي في الشخوص إلى يزيد زائرا، فقال: أمن

شوق بك إليه، إنك لطروب، وإن عهدك به لقريب. قال: لا بد من ذلك. قال: فإنك لا تخرج من عملك حتى يلقاك وال مكانك. فلما بلغ دورين [1] لقيه عمر بن هبيرة على خمس من دواب البريد فقال: إلى أين يا بن هبيرة؟ قال: وجهني أمير المؤمنين لحيازة أموال آل المهلب، فلما فارقه أتاه عبد العزيز بن حاتم فقال له: قد أنبأتك أن سيلقاك وال مكانك، قال: فإنه قال لي كذا. فقال: وا عجبا يصرف عن الجزيرة ويوجه لحيازة أموال آل المهلب وليس معه إليك كتاب بمعاونته على ما وجه له. فلم يلبث أن جاءه عزل ابن هبيرة عماله وغلظته عليهم. وقال ذو الشامة يرثي مسلمة: ضاق صدري وعيل صبري فلا ... صبر دون ما أراه أتاكا كل ميت قد اعتفرت فلم أجزع ... عليه إذا جاور الهلاكا قبل ميت وقبل قبر على الخابور ... ولم استطع عليه اتّراكا قالوا: ودخل أعرابي على مسلمة فقال: يا بن الخليفة زرتك وأنت غرة مضر وحسيبها حين تذكر، قد تعطفت عليك الأملاك فليس يخاف ضيفك الهلاك، وأنت في فرع نضار، ورثته عن ذوي الأخطار، ولك يد تمطر الندى، وأخرى تقتل العدى، وقد رزقت من الناس الحمد، فدل عليك فضلك، فقال مسلمة: يا أعرابي إنك لفصيح، قال: أجل وإني

_ [1] دوران: موضع خلف جسر الكوفة، وهناك دوران أخرى من قرى فم الصلح من نواحي واسط. معجم البلدان.

لصريح، فقال مسلمة: قلما تجد أعرابيا عاقلًا قال: وما يذهب عقله إذا كان كاملًا؟ قال: قلة مخالطته الناس. فقال: ذلك أكيد له عند الناس، قال مسلمة: وأني له بذلك وهو لا يرى القتال؟ قال: يكون غمرا فيجترئ على الأبطال، قال مسلمة: احتكم يا أعرابي. قال: عشر جلال تمر، وعشر أعنز، وقطيعة للعيال، وجملًا نحمل عليه متاعا وثلاثين درهما، فأمر له بضعف ما طلب.

أمر هشام بن عبد الملك بن مروان

بسم الله الرحمن الرحيم أمر هشام بن عبد الملك بن مروان هشام بن عبد الملك بن مروان، ويكنى أبا الوليد، وكان أحول بخيلًا، وأمه أم هشام واسمها فاطمة بنت هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بن مخزوم، ويقال عائشة بنت هشام، ويقال مريم بنت هشام، وكانت أمه حمقاء أمرها أهلها ألا تكلم عبد الملك حتى تلد، وكانت تثني الوسادة ثم تركبها وتزجرها، وتشتري الكندر [1] فتمضغه وتجعل منه تماثيل، وتضع التماثيل على الوسائد، وقد سمت كل تمثال باسم وتنادي: يا فلانة يا فلانة، فطلقها عبد الملك، وسار إلى مصعب وهي حامل فلما قتله بلغه مولد هشام فسماه منصورا تفاؤلا بذلك، وسمته أمه هشاما باسم أبيها. وولد هشام بن عبد الملك عام قتل مصعب سنة اثنتين وسبعين. وولد هشام: مسلمة أبا شاكر، وأمه أم حكيم بنت يحيى بن الحكم، ويقال هي أم حكيم بنت الحارث بن الحكم.

_ [1] الكندر: نوع من العلك. القاموس.

وسعيدا، أمه أم ولد، ويقال أمه أم عثمان بنت سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بن عفان. ومعاوية، وأمه عبدة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد بْن معاوية بن أبي سفيان. وعبد الملك، وأمه مخزومية. محمدا، أمه الطليحة، ويقال أم ولد. ومروان: درج صغيرا وأمه أم ولد. وتزوج هشام من النساء: أم حكيم بنت يحيى بن الحكم. وحفصة بنت عمران بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّه، وعبدة بنت عبد اللَّه الأسوار بْن يزيد بْن مُعَاوِيَة. ورقية بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان وأمها أم عمر بنت مروان، ولدت له عائشة بنت هشام، تزوجها عبيد الله بن مروان بن محمد، ويقال عبد الله، وعبيد الله أصح. وأم سلمة بنت عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو. وأم عبد الملك المخزومية. وأتت هشاما الخلافة وهو بالزيتونة [1] ، ومات هشام بالرصافة التي بقرب الرقة في شهر ربيع الآخر لست خلون منه سنة خمس وعشرين ومائة، وصلى عليه ابنه مسلمة، ويقال بعض ولده غير مسلمة، وكان خلافته عشرين سنة إلا خمسة أشهر. ويقال إنه مات ليلة الأربعاء لسبع خلون من شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين ومائة، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.

_ [1] الزيتونة: موضع كان ينزله هشام بن عبد الملك في بادية الشام.

ويقال كانت خلافته تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وأحدا وعشرين يوما، ومات وله أربع وخمسون سنة. قال المدائني: كان على شرطة هشام كعب بن حامد العبسي ثلاث عشرة سنة ثم عزله وولاه أرمينية بعد الجراح بن عبد الله الحكمي، وولى الشرط يزيد بن يعلى بن الضخم العبسي. وولى الرسائل سالم بن عبد الرحمن مولى سعيد بن عبد الملك بن مروان، أو المنذر بن عبد الملك. وولى الحرس نصرا مولاه ثلاث سنين، ثم ولى الحرس الربيع مولى بني الحريش وهو الربيع بن شابور، وولاه أيضا خاتم الخلافة. وولى ديوان الخراج والجند أسامة بن زيد، ثم عزله، وولى ابن الحبحاب، ثم ولى ابن الحبحاب مصر وصير مكانه على ديوان الخراج والجند سعيد بن عقبة مولى بني الحارث بن كعب. وكان قاضي هشام نمير بن أوس الأشعري، ثم يزيد بن أبي مالك الهمداني. قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني: لما خلع يزيد بن المهلب وجه إليه يزيد بن عبد الملك مسلمة بْن عَبْد الملك والعباس بْن الْوَلِيد بن عبد الملك، وقال: أمير الجيش مسلمة فإن حدث به حدث فالعباس بن الوليد، فقال العباس بن الوليد ليزيد: يا أمير المؤمنين، إن أهل العراق قوم غدر كثير إرجافهم وأنت توجهني محاربا والأحداث تحدث ولا آمن أن يرجف أهل العراق ويقولوا: مات أمير المؤمنين، ولم يعهد فيفت ذلك في

أعضاد أهل الشام ويدخلهم له الوهن والفشل، فلو بايعت لعبد العزيز بن الوليد، قال: غدا إن شاء الله. وبلغ مسلمة بن عبد الملك ذلك فدخل على يزيد فقال: يا أمير المؤمنين، أولد عبد الملك أحب إليك أم ولد الوليد؟. قال: ولد عبد الملك إخوتي وأحب إلي، قال: فابن أخيك أحق بالخلافة من أخيك؟ قال: لا. قال: أفتبايع لعبد العزيز؟ قال: لا، غدا أبايع لهشام أخي وبعده للوليد ابني. وبلغ عبد العزيز قوله، وأتاه مولى له وهو لا يعرف الخبر فقال له: يا أبا الأصبغ غدا نبايع لك. قال عبد العزيز: هيهات، أفسد ذلك علينا مسلمة ونقضه. فلما كان الغد بايع يزيد لهشام، ومن بعده لابنه الوليد بن يزيد، فكان إذا نظر إلى الوليد قال: الله بيني وبين من جعل هشاما بيني وبينك. المدائني أن عبد الملك بن عياش قال لهشام قبل الخلافة، وكان يسحب ثيابه: قد أطلت قميصك يا أبا الوليد، قال: وما يضرك؟ قال، إنك تجره في الطين فارفعه. قال: وما ينفعك؟. المدائني عن الحارث بن يزيد قال: حدثني مولى لهشام قال: بعث معي مولى لهشام كان على بعض ضياعه بطائرين ظريفين فدخلت عليه وهو جالس على سرير في عرصة الدار، فجعل ينظر إليهما، فقلت: يا أمير المؤمنين جائزتي. فقال: ويلك وما جائزة طيرين؟. فقلت: ما كان. فقال: خذ أحدهما، فعدوت في الدار لآخذ أحدهما فقال: مالك؟.

قلت: أختار أحدهما. فقال: أو تختار أيضا وتدع شرهما؟. قلت: نعم. قال: دعهما ونعطيك خمسين درهما. قال: وكتب سليمان بن هشام إلى أبيه: «إن بغلتي قد عجزت فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بدابة فعل» ، فكتب إليه: «قد فهم أمير المؤمنين كتابك، وقد ظن أمير المؤمنين أن عجز بغلتك عنك من قلة تعهدك لها، فإن علفها يضيع، فتعهد دابتك وقم عليها وسيرى أمير المؤمنين رأيه في حملانك إن شاء الله، والسلام» . قال: وكتب بعض عمال هشام إليه: «إني قد بعثت إلى أمير المؤمنين بسلة فيها دراقن فليكتب إليّ بوصلها» . فكتب إليه: «قد بلغ أمير المؤمنين كتابك ووصل الدراقن وأعجبه، فزد أمير المؤمنين منه، واستوثق من الوعاء الذي توعيه إياه، والسلام» . وكتب إلى بعضهم: «قد أتت أمير المؤمنين الكمأة التي بعثت بها وهي خمسون وقد تغير بعضها ولم يؤت ذلك إلا من قبل حشوها، فإذا بعثت إلى أمير المؤمنين بشيء من الكمأة فأجد الحشو في طرفه بالرمل حتى لا يضطرب ولا يصيب بعضه بعضا إن شاء الله، والسلام» . قال: وكان سالم بن عبد الرحمن كاتبا لهشام، ثم إنه صير ابنه كاتبا له يخلفه عنده، فقال له: إن ابنك يا سالم لبيب فقال، يا أمير المؤمنين أخا يرك به أي بنيك شئت. المدائني قال: قال هشام لأبي أيوب: أخرج فأنظر كيف ترى السحاب، فخرج فنظر فقال: قد تفرق وإن اجتمع فعسى.

المدائني قال: قال هشام: إن لأهل العراق رائدين لا يكذبان دجلة والفرات. المدائني قال، قدم علباء بن منظور الليثي على هشام فأنشده: إنا أناس ميت ديواننا ... ومتى يصبه ندى الخليفة ينشر فقال: ما أحسن ما قلت وسألت، وأمر له بخمسمائة درهم وأن يلحق له عيل، فقدم البصرة فقال الفرزدق: الحذيا [1] ، فأعطاه مائة درهم، فقال: اجعلها يا أمير المؤمنين لابنتي، قال: إنما حاولت الجريبين، وكان لكل واحد من الذرية في كل عام مائة درهم، وفي كل شهر جريبان، وإنما ذلك لعيال أهل الديوان. وقال هشام للأبرش- وهو سعيد بن الوليد بن عمرو بن جبلة بن وائل بن قيس بن بكر بن عامر، وهو الجلاح بن عوف بن بكر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف بن بكر بْن عوف بْن عذرة بْن زيد اللات بن رفيدة بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان، وكان الأبرش جليسه وأنيسه-: كيف تكون أخص الناس بي وأنت أخص الناس بمسلمة أخي؟. فتمثل الأبرش: أؤاخي رجالًا لست أخبر بعضهم ... بأسرار بعض إن قلبي واسع قال: وقال الأبرش لهشام: يا أمير المؤمنين، لو ينادى في عرض الناس يا مفلس فسمع رجل من جلسائك نداءه ما ظن أنه عنى غيره. المدائني عن عمر بن يزيد عن الوليد بن خليد قال: رآني هشام على برذون طخاري فقال: ما هذا البرذون؟ قلت: حملني عليه الجنيد بن عبد

_ [1] الحذيا: هدية البشارة، والقسمة من الغنيمة. القاموس.

الرحمن المري. فحسدني وقال، لقد كثرت الطخارية، ولقد مات عبد الملك وما في دوابه إلا برذون طخاري، فتنافسه ولده أيهم يأخذه وما منهم أحد إلا وهو يرى أنه إن لم يأخذه لم يرث من أبيه شيئا، فصار لي فما ورثت من عبد الملك شيئا كان أحب إلي منه. المدائني عن يزيد بن الحارث قال: كان هشام وبنو مروان كلهم لا يكسون الناس الخز الأحمر والأصفر ويكسونهم ما وراء ذلك من الألوان، ويدخرون الأحمر والأصفر لكسوتهم. قال: وقسم هشام تمرا وجبنا، فقال إبراهيم بن يزيد بن هبيرة السكوني، أخي مالك بن هبيرة السكوني لمولى له: انطلق فجئنا بشيء من تمر العراق وجبنه، فأعطى قوصرة وجبنه، قال مولى ابراهيم: فألفيت القوصرة وما فيها إلا تمر قد سوس وفسد، وإذا الجبنة قد قشرها الفأر وأكل جانبها وثقبها. ودخل أبو النجم العجلي على هشام فقال له: كيف رأيك في النساء فقال: ما لي عندهن خير ولا لهن عندي مير. قال: ما ظنك بأمير المؤمنين؟ قال: مثل ظني بنفسي، فبعث هشام إلى جواريه فأخبرهن بما قال أبو النجم، فقلن: كذب عدو الله ما منا جارية تصلي صلاة حتى تغتسل، فوهب لأبي النجم جارية، ثم سأله عما صنع فأنشده: نظرت فأعجبها الذي في درعها ... من حسنه ونظرت في سر باليا ورأت لها كفلًا ينوء بخصرها ... ثقلا وأجثم في المجسّة [1] رابيا

_ [1] بهامش الأصل: في المحسة.

ورأيت منتشر العجان مقلصا ... رخوا حمائلة وجلدا باليا أدني له الركب الحليق كأنما ... أدنى إليه عقاربا وأفاعيا المدائني قال: كان سهيل بن أبيض أبو البيضاء من أهل المدينة، وكان مضحكًا، وكان هشام والوليد يستملحان حديثه وشعره، فقال له هشام: كيف قلت لداود وامرأته؟. قال: قلت: إنما دل عليه ... مركن كان استعاره فله ما شاء عندي ... إن تخطى العود فاره أو رآه المرء غضياء ... فلم يوجع فقاره وقال غير المدائني: كان داود هذا استعار مركنا يزرع فيه شيئا: أو يستعمله في بعض الأمر، فرأته امرأته فأعجبها فضمها إليه بغير ولي ولا شهود، فلذلك قال إنما دل عليه هذا المركن، يقول: فله ما شاء إن لم يأخذه غضياء بن عياش بن الزبرقان بن بدر، وكان على شرطة المدينة، فيضربه. وقوله: تخطى العود، يعني بالعود العصا. والفار العضل. وكان غضياء يكثر ضرب عضل الرجلين. والعرب تقول: أشبع جارك، وأوجع فارك، أي أوجع عضلك حتى يهزل. وقال لامرأة داود: وجدوا جونة سوء ... بين هرشى والأصافر وجدوا فيها متاعا ... ليس من زاد المسافر وجدوا كارين فيها ... من أديم غير ظاهر وجدوا فيها خطايا ... عجزت عنها الأباعر قال أبو اليقظان: ولد عياش بن الزبرقان- واسم الزبرقان حصين بْن بدر بْن امرئ القيس بْن خلف بْن بهدلة بْن عوف بْن كعب بْن سعد:

غضياء، وكان على شرطة المدينة لخالد بْن عَبْد الملك بْن الْحَارِث بن أبي الحكم بن أبي العاص في أول أيام هشام، وكانت أم عبد الملك بن الحارث ابنة الزبرقان بن بدر، وغضياء القائل: غريب في ديار بني تميم ... ولا يخزي عشيرتي اغترابي وعياش الذي قال له جرير بن عطية: أعياش قد ذاق القيون مياسمي ... وأوقدت ناري فادن عياش فاصطلي [1] فقال: إني إذا لمقرور. وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ: دخلت جارية لهشام عليه، وعنده الأبرش فقال: يا أبرش أهبها لك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين وهو يضحك ويغمز هشاما، فقالت وفطنت: أنت والله يا أبرش أطمع من أشعب. فقال هشام: ومن أشعب؟ فقيل: مضحك مليح يكون بالمدينة، وحدث حديثه. فقال: اكتبوا في أشخاصه، فقال له الأبرش: أيتحدث الناس بأنك كتبت إلى عاملك على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فأشخصت منها مضحكًا لتلهو به؟ فقال: أمسكوا، أمسكوا فإنها وصمة عظيمة، ثم قال شيئا زعموا أنه لم يقل قط شيئا غيره، ويقال إنه إنما تمثل به: إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال المدائني عن إبراهيم بن سعيد القرشي قال: رأى عبد الملك بن مروان بن الحكم في منامه كأن ابنة هشام بن إسماعيل فلقت رأسه فلطعت

_ [1] ديوان جرير ص 368 مع فوارق.

منه عشرين لطعة، فغمه ذلك، فأرسل إلى سعيد بن المسيب من قصها عليه، فقال سعيد: تلد غلاما يملك عشرين سنة، فولدت هشاما. قالوا: وأقطع هشام الضيعة التي تدعى دورين فأرسل في قبضها فإذا هي خراب، فقال لدويد وهو كاتب كان بالشام: ويحك كيف الحيلة؟. قال: ما تجعل لي؟ قال: أربعمائة دينار. قال: فكتب دويد: وقرأها. ثم أمضاها في الدواوين فاتسعت الضيعة وفشت، فلما ولي هشام دخل عليه دويد كالمتقرب بما كان فعل، فلما وقعت عين هشام عليه قال: وقراها، لا يلي لي والله ولاية أبدًا، فأخرجه. قال: وكان هشام يوما على باب يزيد بن عبد الملك، فنظر إلى بغال تعرض عليه وفيها بغل لم ير مثله حسنا وطهارة خلق، ولين سير فقال: ما يصنع أمير المؤمنين بهذه الدواب كلها لو أن رجلًا اجتزأ بهذا البغل وحده كفاه، فلما ولي هشام اتخذ البراذين الطخارية والبغال فقال له الرجل الذي حضره على باب يزيد: أتذكر يوم قلت في البغل كذا وكذا؟. قال: نعم، وأنا عليه، ولكنا نرى شيئا نحسد الناس عليه فنحب أن نحويه دونهم. قالوا: ولما أخرج دويد ثقله أخبر هشام أنه على أربعين جملًا، فأرسل فأخذه. وطلب هشام عسلًا من الخزانة التي هي بالهني والمري [1] والخزانة قرية، فقيل له إن الفقراء والمرضى كانوا يلعقونه فمنع الناس من تلك الكواير، وكتب بجمع العسل وطين الأبواب.

_ [1] نهران كانا بالرقة.

المدائني قال: كان هشام يتكلم بكلمات في العيدين في خطبته لا يقولهن في غير هذين اليومين، ثم يخطب بعد ذلك: «الحمد لله ما شاء صنع، وما شاء أعطى، وما شاء منع، ومن شاء خفض، ومن شاء رفع، ومن شاء ضر، ومن شاء نفع» . المدائني عن عبد الله بن سلم القرشي عن خليد بن عجلان قال: خرج هشام وليس بخليفة يريد بيت المقدس، وأتى دمشق، فدخل على محمد بن الضحاك بن قيس الفهري ودخلنا معه، فقال له محمد وراءه يسحب ثيابه: يا أبا الوليد أدركت أمير المؤمنين عبد الملك؟ فقال: نعم وكان والله مشمرا مهجرا. قال: فما يمنعك من ذلك؟. قال: يمنعني قول الشاعر لأبيك: قصير الثياب فاحش عند بابه ... وشر قريش في قريش مركبا حدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ: كان هشام يلاعب الأبرش بالشطرنج، وقد أشرف هشام على أن يغلب الأبرش، فاستأذن الحاجب لرجل من بني مخزوم من أخواله فأمر بإدخاله، وغطيت الشطرنج بمنديل، فلما دخل المخزومي سلم وجلس، فقال له هشام: يا خال أتقرأ كتاب الله؟ قال: ما أقرأ منه إلا ما أقيم به صلاتي. قال: أفتروي من الآثار شيئا؟ قال: لا. قال: أفتعرف من أحاديث العرب وأشعارها وأيامها ما يعرفه مثلك؟ قال: لا. قال: أفتنسب قريشا وسائر نزار؟ قال: لا أحسن من النسب شيئا. قال: يا غلام! ارفع المنديل فليس من خالنا حشمة، وأخذ في لعبه.

وقال الهيثم: عرض هشام الجند يوما فنفر برجل من أهل حمص فرسه وقد دنا من هشام، فقال له: ويلك أتركب مثل هذه الفرس فإن نفر بك في حرب صرعك فهلكت، قال: والرحمن ما هذه عادته ولكنه شبهك بأبي جبرون البيطار، فقال له هشام: اغرب لعنك الله، وضحك. المدائني وغيره قالوا: قال مسلمة بن عبد الملك لهشام- وتلاحيا في شيء: كيف ترجو الخلافة وأنت جبان بخيل؟ قال: لأني عفيف حليم. وقال هشام ابن الكلبي: قال هشام لمن حضره: من أنعم الناس عيشا؟ فقال بعضهم: أمير المؤمنين، وقال بعضهم: ولد أمير المؤمنين. فقال رجل من الحرس: أنعم الناس عيشا ابن كفيته أمر دنياه، وليس يهتم بأمر آخرته. المدائني قال: كان المنصور يذكر هشاما فيقول: كان رجل القوم. أبو الحسن المدائني عن محمد بن الفضل قال: بعث هشام إلى أبي حازم الأعرج فأبطأ عليه، ثم أتاه فقال: ما منعك من إتياني؟ فقال: والله لولا مخافة شرك ما أتيتك. قال: ما ترى في إنفاق هذا المال؟ قال: إن أخذته من حله ووضعته في حقه سلمت، وإلا فهو ما تعلم. المدائني عن مسلمة بْن محارب قَالَ: كان هشام إذا أحدث قال: القوا عني مؤونة التحفظ. قال: ودخل سليمان بن سعيد الخشني [1] ، أو ابنه على هشام، ومعه كتب يريد عرضها، فقال هشام: أخّرها فإني محموم، وناوله

_ [1] بهامش الأصل: حشن بن النمر بن وبره. واسم خشن وائل.

يده فمس عرقه ثم قال: ما أرى بك حمى، ثم قال: يا بن اللخناء تكذبني. لا تقربني، وأمر بعزله عن الديوان. المدائني عن شبيب بن شيبة قال: كان المنصور إذا ذكر بني مروان يقول: أما عبد الملك فكان جبارا لا يبالي ما أقدم عليه، وأما الوليد فكان مجنونا، وأما سليمان فكان همه بطنه وفرجه، وأما عمر بْن عَبْد العزيز فكان أعور بين عميان، ورجل القوم هشام. قالوا: وكان الجعد بن درهم مؤدب مروان ومعلمه، وكان دهريا، ويقال كان معتزليا شهد عليه ميمون بن مهران أنه قال له ووعظه: لشَاةُ قياد أحَبّ إلي مِمَّا تدين بِهِ. فَقَالَ لَهُ: قتلك اللَّه وَهُوَ قاتِلُك، ويقال إن ميمون بن مهران وعدة شهدوا عند هشام على الجعد بن درهم بالكفر، فطلبه هشام فهرب إِلَى حران، ثُمَّ إنه ظفر بِهِ فحمل إلى هشام فأخرجه من الشام إِلَى العراق، وكتب إِلَى خَالِد بْن عَبْدِ الله القسري وهو عامله على العراق بأن يحبسه فلم يزل محبوسا حينا، ثم إن امرأته رفعت إلى هشام في أمره تعلمه طول حبسه وسوء حاله وحال عياله، فقال: أو حي هو؟ وكتب إلى خالد في قتله، فقال خالد في يوم أضحى: أيها النَّاس انصرفوا إِلَى أضاحيكم فَإِنِّي مُضَحٍّ بعدو الله الجعد بن درهم، وكان الجعد مولى سويد بن غفلة الجعفي. قالوا: وكان غيلان يقول: كلمت الجعد فوجدته معطلًا. المدائني عن ريسان الأعرجي عن عقال بن شبة قال: دخلت على هشام، وعليه قباء أخضر، فجعلت أتأمله، فقال: مالك تتأمل قبائي؟ قلت: رأيت عليك قبل الخلافة قباء أخضر شبهته بهذا القباء، قال: هو

هو، والذي لا إله غيره، ومالي قباء سواه، وما ترون من جمعي المال وصونه إلا لكم. وقال المدائني: كان عقال بن شبة مع هشام، وكان شبه أبو عقال مع عبد الملك، وكان عقال يقول: دخلت على هشام فدخلت على رجل محشو عقلًا. قالوا: وقال هشام لنسطاس أبي الزبير: أترى الناس يرضون بعدي بالوليد بن يزيد؟ قال: قلت: يطيل الله عمرك يا أمير يا أمير المؤمنين ويبقيك بعده، قال: لا بد من الموت. أفترى الناس يرضون به؟ قلت: يا أمير المؤمنين البيعة له في أعناق الناس، قال: لئن رضي الناس بالوليد إن الحديث الذي روي: «إن من ولي الخلافة ثلاثة أيام لم يدخل النار» ، باطل. قال الهيثم بن عدي: بعث يوسف بن عمر إلى هشام ياقوته حمراء يخرج طرفاها من الكف، وحبة لؤلؤ أعظم ما يكون من الحب، قال الرسول: فدخلت على هشام فدنوت منه فلم أر وجهه من طول السرير وكثرة الفرش. فلما تناول الحجر والحبة قال: أكتب معك بوزنهما؟ قلت: يا أمير المؤمنين هما أجل من أن يكتب بوزنهما، ومن أين يوجد مثلهما؟ قال: صدقت. وكانت الياقوتة للرائقة جارية خالد بن عبد الله القسري اشترتها بثلاثة وسبعين ألف دينار.

المدائني وغيره أن هشاما أنشد بيت حسان بن ثابت الأنصاري: أتانا رسول الله لما تجهمت ... له الأرض إذ يرميه كل مفوق [1] وهو يروي «حين تنكرت له الأرض إذ يرميه كل مفوق» . وأنشد أيضا شعر أبي قيس: ثوى فِي قريش بضع عشرة حجة ... يذكِّر لو يلقى صديقا مؤاتيا فقال: ما رأيت أحد أشد امتنانا على الله ورسوله من هؤلاء اليهود- يعني الأنصار-. ومات هشام بالذبحة فروي عن سالم أبي العلاء أنه قال: خرج علينا هشام يوما وهو كئيب، يعرف ذلك فيه، مسترخي الثياب، وقد أرخى عنان دابته فقال: ادعو الأبرش، فدعي فسار بين الأبرش وبيني، فقال الأبرش: يا أمير المؤمنين لقد رأيت منك ما غمني. قال: ويحك كيف لا أغتم وقد زعم أهل العلم أني ميت إلى ثلاثة وثلاثين يوما، قال الأبرش: فلما انصرفت إلى منزلي كتبت: زعم أمير المؤمنين أنه يسافر يوم كذا، فلما كانت ليلة اليوم الذي كمل الثلاثة والثلاثين أتاني رسول هشام فقال: أجب واحمل معك دواء الذبحة، وقد كانت الذبحة عرضت له مرة فتداوى بذلك الدواء فانتفع به فأتيته ومعي الدواء فتغرغر به، فازداد الوجع شدة، ثم سكن، فقال: قد سكن بعض السكون فانصرف إلى أهلك وخلف الدواء عندي، ففعلت، فما استقررت في منزلي حتى سمعت الصراخ فقالوا: مات أمير المؤمنين، فلما مات أغلق الخزان الأبواب، فطلبوا قمقما يسخن فيه الماء لغسله فما وجدوه، حتى استعاروا قمقما.

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 185.

وكان الوليد شخص عن الرصافة لكثرة عبث هشام به، وخلف عياض بن مسلم مولى عبد الملك بن مروان، وهو كاتبه، بالرصافة، وأمره أن يكتب إليه بالأخبار، فعتب عليه هشام فضربه وحبسه وألبسه المسوح، فلما صار هشام إلى الحد الذي لا ترجى له فيه الحياة، أرسل عياض إلى الخزان أن احتفظوا بما في أيديكم فلا يصلن أحد منه إلى شيء. وأفاق هشام إفاقة فطلب شيئا فمنعه، فقال: أرانا كنا خزانا للوليد. ثم مات هشام من ساعته، فخرج عياض من الحبس، وختم أبواب الخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فرشه وحازها، فما وجد له كفن، حتى كفنه غالب مولى هشام. وقال مروان بن شجاع مولى مروان: كنت مع محمد بن هشام، فأرسل يوما إلي فدخلت عليه وقد غضب وهو يتلهف، فقلت: مالك؟ قال: رجل نصراني شج غلامي، وجعل يسبه، فقلت: على رسلك. قال: ما أصنع؟ قلت: نرفعه إلى القاضي، قال: أما غير هذا؟ قلت: لا. فقال خصي له: أنا أكفيك. فذهب فضربه. وبلغ ذلك هشاما فطلب الخصيّ فعاذ بمحمد، فقال محمد بن هشام: لم آمرك، وقال الخصي: قد والله أمرني، فضرب هشام الخصي، وشتم ابنه وهجره أياما ثم رضي عنه. قالوا: وكان في موكب هشام ثمانمائة فارس: أربعمائة من الشرط، وأربعمائة من الحرس، ولم يكن أحد يسير في موكب إلا مسلمة بن عبد الملك.

ورأى هشام ذات يوم سالما كاتبه في موكب فزجره، وقال: لا أعلمن ما سرت في موكب، فكان يقدم الرجل الغريب فيسير معه، فيقف سالم ويقول: ما حاجتك، ويمنعه أن يسير معه. وكان سالم عظيم القدر عند هشام، وكان يتمثل بشعر النعمان بن بشير في غلام له، كان يقال له سالم وهو: يذودونني عن سالم وأذودهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم وكان حاجب هشام يسير وحده، ولم يكن أحد من بني مروان يأخذ عطاء إلا وعليه الغزو، فمنهم من يغزو بنفسه، ومنهم من يخرج بديلًا، وكان لهشام مولى يقال له يعقوب فكان يأخذ عطاء هشام، وهو مائتا دينار ودينار، يفضل بدينار، فيأخذ يعقوب ذلك ويغزو عنه. وكانوا يصيرون أنفسهم في أعوان الديوان، وفي بعض ما يجوز لهم معه المقام، فيوضع عنهم الغزو. فكان دَاوُد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس، وعيسى بن علي، وهما لأم في أعوان السوق بالعراق لخالد بن عبد الله القسري، فأقاما عنده ووصلهما، ولولا ذلك لم يقدر على تصييرهما عنده، ولأخذا بالغزو فجعلهما في الأعوان، وكانا يسامرانه ويحدثانه. قالوا: وكان هشام أراد أن يصير ابنه مسلمة ولي عهده بعد الوليد بن يزيد، فقال الكميت بن يزيد الأسدي: إن الخلافة كائن أوتادها ... بعد الوليد إلى ابن أم حكيم قالوا: فأضر هشام بالوليد بن يزيد، فدخل عليه يوما فقال له العباس بن الوليد بن عبد الملك: يا أبا العباس كيف حبك للروميات؟ قال: إني لأحبهن، وكيف لا نحب من لا يزال يأتي بمثلك. فترك الوليد

الرصافة وخرج، فكان بالأزرق من أرض بلقين وفزارة، فكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك يكتب إلى الوليد بما أجمعوا عليه من خلعه. قالوا: وضم هشام إلى ولده: سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة المخزومي، وقالوا: ولى هشام مولى له ضيعة فعمرها حتى جاءت بغلة كثيرة، وعمرها أيضا فأضعفت غلتها وحمل ما ارتفع من مالها مع ابنه، فقدم به على هشام فجزى أباه خيرا، فلما سمع ذلك انبسط فقال: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة. قال: وما هي؟ قال: زيادة عشرة دنانير في عطائي. قال: ما يظن أحدكم أن زيادة عشرة دنانير في العطاء إلا نقد الجوز، لا لعمري لا أفعل. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد عن الواقدي عن ابن جعدبة قَالَ: قَالَ هِشَامٌ: لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ الشِّعْرَ لَقُلْتُهُ، وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْهُ إِلا قَوْلُ مُعَاوِيَةَ، أَوْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّ الشِّعْرَ أسرى خلال الدنيء، وَأَدْنَى خِلالِ السُّرَى، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أن مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً» ] فَهَلْ تَكُونُ حِكْمَةٌ مِنْ دنيء. حدثني أبو محمد النحوي عن أبي عبيدة قال: حج هشام بن عبد الملك سنة ست ومائة، فأتى الكوفة فحج منها، فقال يزيد بن المر قال: كنت في اكرياته، فلم يأمر لنا بشيء، فقلت لأصحابه: أنا أكلمه. فوضعت غرائر وقمت عليها فقلت: يا أمير المؤمنين نحن أكرياؤك وخدامك. فأمر لنا بصلة. قالوا: وقال إبراهيم بن هشام المخزومي: ما كان من هشام في حجة شيء أنكرناه، إلا حاديا حدا بين يديه وهو يسير فقال:

إنَّ عليك أيها البختي ... أكرم من تحمله المطي فقال: صدق فوك لعمر الله، وزوج ابنا له بالكوفة. حدثني التوزي النحوي عن أبي عبيدة عن الزعبل بن الكلب العنبري قال: خازمت- يقول: عارضت- إلى هشام حين قدم يريد الحج فأهديت له ناقة فلم يقبلها، فلما قوضت سرادقاته ورفعت حجره واستوى في غرز [1] ناقته ناديت فقلت: يا أمير المؤمنين جعلت فداءك إنها مرباع هلواع مقراع حلباة ركباة. فضحك وأمر لي بصلة. قال: المرباع: التي تربع إلى الصوت، مرباع: سريعة الحمل. هلواع: حديدة القلب من الهلع. مقراع: تقر للفحل حتى يقرعها. ويقال: ناقة حلباة ركباة وحلبانة ركبانة وحلبوت ركبوت. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده قال: قال هشام بن عبد الملك: اثنان يتعجلان النصب ولعلهما لا يظفرا بالبغية: الحريص في حرصه ومعلم البليد ما لا يبلغه فهمه. المدائني قال: قال هشام لرجل متصل به سرقت له عشرة آلاف درهم: هل حدثت نفسك أن تفعل بها شيئا من أنواع البر؟ قال: لا. قال: فهل حدثت نفسك أن تنفقها في شيء تتمتع به في الدنيا؟ قال: لا، قال: فخذ حجرا يزن عشرة آلاف درهم فضعه موضعها، فإن الحجر وتلك العشرة الآلاف سواء.

_ [1] الغرز: الركاب.

قالوا: وخطب هشام بنت القاسم بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بن عفان، وأم القاسم فاطمة بنت الحسين، وكان القاسم جلدا من رجال قريش فقال لرسوله: لا أزوجه حتى يقضي ديني ويأمر لي بعشرة آلاف درهم، ويعطي أخي عبد العزيز عشرة آلاف درهم، وآمنة أختي عشرة آلاف درهم. فأدى الرسول قوله إلى هشام، فغضب هشام وشتمه، ثم بعث القاسم رسوله إلى هشام في حوائج له فقال: لا ولا نعمة عين لا تقضى له حاجة، فو الذي أكرمني بخلافته ما هممت بظلم مسلم ولا معاهد مذ وليتها ولا ظلم القاسم، ولم يقض حاجته. فلما مات القاسم تزوج هشام امرأته، وزوج ابنه ابنة القاسم، وحملها إلى الشام، فبكى أهل المدينة جزعا على القاسم. قالوا: وأهدى حسان النبطي لهشام بن عبد الملك هدايا كثيرة من ثياب وجوهر وغير ذلك فاستكثرها هشام، وقال: بيت المال أحق بهذه الهدايا، فأمر ببيعها فبلغ ثمنها خمسمائة ألف درهم فابتاعها حسان ممن اشتراها وحملها إلى هشام وقال: قد طابت لك فمر بقبضها. فأمر هشام فنودي: ألا إن حسان سيد موالي أمير المؤمنين. قالوا: ودخل هشام الكوفة فنزل الحيرة فسمع أصوات المؤذنين بالكوفة للغداة فقال لخليفة خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسُري- وَكَانَ خَالِد عامل هشام على العراق، وخليفته بالكوفة العريان بن الهيثم-: ما هذه الأصوات؟ أتراهم فعلوها؟ قال: يا أمير المؤمنين هذه أصوات المؤذنين، فقال هشام:

إن بلدا تبلغ أصوات مؤذنيه ما أسمع لبلد يجب حفظه وحفظ أهله. وكان جبانا. وحج هشام فدخل عَلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدَ اللَّه بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ وهو مريض فقال له: يا أبا عمر ألك حاجة؟ قال: اتق الله. قال: أوصني بأهلك. قال: هم في سعة من فضل الله. فمات في سنة ست ومائة وصلى عليه هشام. حَدَّثَنَا الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنِ ابن عياش قال: لما حج هشام فدخل المدينة قال لرجل من أصحابه: انظر من ترى في المسجد، قال: أرى رجلًا طوالًا أدلم. قال: هذا سالم بن عبد الله بن عمر، ادعه. فأتاه فقال: أجب أمير المؤمنين. فأرسل من يأتيك بثيابك. قال: ويحك يزور بيت الله زائره في ثوبين ولا أدخل على هشام فيهما. فلما دخل على هشام وصله بعشرة آلاف درهم. ثم قدم المدينة منصرفا من الحج فقيل له إن سالما شديد الوجع، فدخل عليه فسأله عن حاله، ومات سالم فصلى عليه هشام وقال: ما أدري أي الأمرين أنا أشد به سرورا، إتمام حجي أم صلاتي على أبي عمر. حدثني عُمَر بْن بكير عن هشام بْن مُحَمَّد الكلبي عن أبيه قال: حج هشام فلما قدم المدينة دعا سالم بن عبد الله فآنسه، ودعا له بصلة وقال: هذا بقية الناس وابن الفاروق وخير أهل زمانكم، ثم انصرف وقد حم فقال: أترون الأحول لعقني بعينه، فكان هشام يقول: سروري بالصلاة على أبي عمر كسروري بتمام حجي أو كما قال.

قالوا: وكان مما أنكر على هشام قوله لأشكون سليمان أخي يوم القيامة لاختياره يزيد بن عبد الملك علي. قالوا: وأراد هشام أن يبايع لمسلمة بن هشام، ويخلع الوليد بن يزيد، فكاتب أهل الشام في ذلك فأجابه إلى إرادته خلق كثير، فكان ممن أجابه: سعيد بن عبد الملك، ومحمد، وإبراهيم ابنا هشام المخزومي، والوليد وعبد الملك ابنا القعقاع بن خليد العبسي، وغيرهم من بني أمية، فأضر بالوليد وأقصاه وكان يشتمه ويسفهه ويعيره بالشراب، وولى مسلمة بن هشام الموسم وأعطاه مالًا عظيما أمره أن يقسمه فقسمه فقال مولى من أهل المدينة: يا أيها السائل عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر الواهب الجرد بأرسانها ... ليس بزنديق ولا فاجر يعرض بالوليد، وقال قوم أن هشاما عاب الوليد ووبخه في الشراب فقال: يا أيها الباحث عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر نشربها صرفا وممزوجة ... بالسخن أحيانا وبالفاتر [1] فقال هشام لمسلمة: يعيرنا الوليد بشربك، فالزم الأدب، واحضر الصلوات، والزم مجلسي غدوة وعشية. ويقال إن الذي قال هذا الشعر عبد الصمد بن عبد الأعلى أخو عبد الله بن عبد الأعلى الشاعر.

_ [1] شعر الوليد بن يزيد- ط. عمان 1979 ص 66.

قالوا: وكان الخلفاء وأبناء الخلفاء من بني أمية يتبدون ويهربون من الطاعون، فينزلون البرية خارجا عن الناس، فلما أراد هشام أن يترك الرصافة قيل له: لا تخرجن فإن الخلفاء لا يطعنون ولم نر خليفة قط طعن، فقال: أبي تريدون أن تجربوا، الرصافة- وهي قرية- وابتنى قصرين وأقام بها، والرصافة رومية بناها بعض ملوك الروم، وهي تنسب إلى هشام. ويقال إنه أراد أن يخرج من الرصافة إلى البادية فرارا من الطاعون، فقيل إنه لم يطعن بها أحد فقال: أبي تجربون. قالوا: وأنشد أبو النجم هشاما أرجوزته اللامية حتى بلغ: والشمس قد همت ولما تفعل ... فهي على الأفق كعين الأحول فغضب هشام وأمر به فأخرج، وروي أيضا أن خالدا بعث إلى هشام بحاد فحدا بهذين البيتين فغضب هشام وطرده. المدائني عن مسلمة أن الفرزدق حج عام حج هشام فوصله ابراهيم بن اسماعيل المخزومي بخمسمائة درهم فقال: أميركم شر الولاة علمته ... وشر ولاة المؤمنين هشام [1] فأراد إبراهيم أن يضربه فقيل: تضربه ثم تخلي عنه فيهجونا. المدائني عن أبي عاصم عن رجل من بني ضبة قال: مر بي معاوية بن هشام وأنا في مزرعة لي قد اختبزت خبزة، فوقف علي فقلت: الغداء. فنزل فأخرجتها ووضعتها في لبن فأكل، ثم جاء الناس فركب وثار بين يديه

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

ثعلب فركب في إثره، وعثر فرسه فسقط فاحتملوه ميتا. فقال هشام: أرشحه للخلافة ويتبع كلبا. وكانت عند معاوية امرأتان: أحداهما ابنة إسماعيل بن حربي فأخرج كل واحدة منهما من نصف الثمن بأربعين ألف درهم. ورثى الكميت معاوية بقصيدة قال فيها: سأبكيك للدنيا وللدين إنني ... رأيت يد المعروف بعدك شلت المدائني قال: قال هشام لغيلان أبي مروان: ويحك يا غيلان قد أكثر الناس فيك، فتنازعنا في أمرك، فإن كان حقا اتبعناك، وإن كان باطلًا نزعت عنه. وكان غيلان كاتبا من كتابهم، وهو مولاهم، فترك خدمتهم وبسط لسانه فيهم بسوء القول، فدعا هشام ميمون بن مهران ليكلمه فقال له: يا ميمون سل فأقوى ما تكونون إذا سألتم، فقال ميمون: أشاء الله أن يعصى؟ قال: لا. قال: فعصي كارها؟ قال: هو كاره للعصيان الذي نهى عنه وليس هو بالمحمول على أمر يكرهه، ويقال إنه لم يجب بشيء وقال: أقلني. فقال هشام: لا أقالني الله إن أقلتك، وأمر بقطع يديه ورجليه وسل لسانه، وألقي على مزبلة يراه الناس. وكان من أصحاب الربيع [1] : خطبان، والوضين بن عطاء، وهما من أهل اليمن، فأما الربيع فرآه المنصور أمير المؤمنين بالبصرة عند عمرو بن

_ [1] لعله الربيع بن صبيح السعدي المتوفي سنة 160 هـ. انظر: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار. طبعة الدار التونسية ص 93. وتهذيب التهذيب لابن حجر طبعة حيدر آباد 1302 هـ ج 3 ص 247.

عبيد قبل الخلافة، فذكر محمد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن فقال الربيع: ما ندري ما محمد لم نره، وأما أنت فرجل منا نقول بما تقول به من الحق والتنزيه لله، قد عرفنا مذهبك وما أحد أحق بالخلافة منك. فشكر له أبو جعفر ذاك فولاه دار الضرب بدمشق. وكان عمر بن عبد العزيز ولاه [1] بيع خزائن بني مروان، فباع متاع عبد الملك، والوليد فنودي على جورب فبلغ مائة دينار، فقال غيلان: ما لهؤلاء لعنهم الله، جورب بمائة دينار؟ فحقد ذلك عليه هشام. وقال جعفر بن سليمان بن علي: قال لي عبد الله بن علي: جمعت بين دواوين بني مروان فلم أر ديوانا أصح ولا أصلح من ديوان هشام في أمر الخاصة والعامة والسلطان. المدائني عن غسان بن عبد الحميد قال: لم يكن أحد من بني مروان أسد نظرا في أمر أصحابه ودواوينه، ولا أشد مبالغة في الفحص عن أموره من هشام. قال: ودخل نسطاس على هشام، وعلى نسطاس جبة يسحبها، فقال له: من أين هذه الجبة لك؟ قال: بعث بها إلي فلان. قال: ولم بعث بها إليك؟ فما زال يبحثه ويفتشه عنها حتى علم أنها مصانعة، فحجبه أياما ثم كلم فيه فأذن له. وقال الهيثم: خرج الفرزدق مع هشام حين حج في سنة ست ومائة، فأمر له هشام بخمسمائة درهم فقال:

_ [1] الضمير عائد هنا إلى غيلان.

تحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوى منيبها فقلت كفاكم لم تكن كف سيد ... وعينا له خوصاء جما عيوبها [1] قالوا: وكان مع هشام حجر جوهر فقال: من شاء فليسبني ويأخذه، فقال له الأبرش الكلبي: هاته يا أحول. فقال: خذه لا بارك الله لك فيه. وقال هشام: أنعم الناس عيشا رجل له امرأة صالحة قد غضت بصره عمن سواها، وسداد من عيش يقيمه، فهو مقبل على أمر معاده، ولا يعرفنا ولا نعرفه. وقال هشام بن عمار: كان هشام بناحية من الشام، فوقع الطاعون هناك فقيل: يا أمير المؤمنين إنه لم يمت ههنا خليفة قط، قال: أفبي تجربون. حدثنا محمد بن الأعرابي عن المفضل الضبي قال: دخل قرواش بن حبيب على هشام في غمار الناس فقال: إنا أنضاء سفر، وفل سنة [2] ، وعندكم أموال فإن تكن لله فبثوها في عباد الله، وإن تكن لهم فعلام تمنعونهم إياها، وإن تكن بينكم وبينهم فقد أسأتم الأثرة وتركتم النصفة. فقال هشام: نحن أقفال عند الله مفاتيحها، فإذا أذن في شيء فتحنا له. المدائني عن عبد الله بن محمد القرشي قال: أتى إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ الله هشام بن عبد الملك حين حج فمر بالمدينة فقال له:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 47 مع فوارق. [2] أنضاه جرده وهزله، والفل: ما ندر عن الشيء كبراده الحديد، والأرض الجدبة، والسنة: القحط القاموس.

اعدني يا أمير المؤمنين على نافع بن علقمة فإنه أخذ داري. قال: أفلا رفعت ذلك إلى أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: قد فعلت فسلك غير طريق الحق. قال: أفلا رفعت إلى الوليد. قال: قد فعلت فسلك بي طريق أبيه. قال: فعمر بن عبد العزيز. قال: عوجل رحمه الله. فغضب هشام وقال: لا يزال أحدكم يتكلم بما يستحق به أن يدق أنفه ويسحب برجله. فقال: إذا يسبق خيرك شرك، وتقطع رحمك، وتكون يد الله فوق يدك، أما والله إن اقتضاء ليتعقب. فقال هشام: لو كان فيك مضرب لضربتك، قال: في والله مضرب. فقال هشام: اكتمها علي. وحدثني أبو عدنان عن الأصمعي قال: دخل أعرابي على هشام فقال: يا أمير المؤمنين إن يكن المال الذي في أيديكم لله فبثوه في عباد الله، وإن كان بينكم وبينهم فلقد أسأتم الأثرة عليهم، وأثمتم في حرمانكم إياهم، وإن كان لكم دونهم فتصدقوا فإن الله يحب المتصدقين. فقال: والله ما ترك واحدة من ثلاث، فأعطاه فخرج وهو يقول: ما أكز يده بالمعروف. حدثني أبو عدنان عن هشام بن محمد، والهيثم بن عدي عن عوانة قال: أتى خالد بن صفوان باب هشام، فطلب له مسلمة الإذن فقيل: قد ركب أمير المؤمنين متنزها. قال خالد: وكان العام عاما قد بكر وسميه [1] وتتابع وليه [2] ، فكأن على الأرض زرابي مبثوثة من نورها ووشيها، فأشار إلي

_ [1] الوسمي: مطر الربيع. القاموس. [2] الولي: المطر بعد المطر. القاموس.

مسلمة أن تكلم، فنظرت إلى الثمار والشجر فو الله ما دريت ما أقول، فقلت: قاتل الله عدي بن زيد حيث يقول: أَيْنَ كسرى كسرى الملوك أنوشروان ... أم أَيْنَ قبله سابور وبنو الأصفر الكرام ملو ... ك الروم لم يبق منهم مذكور وأخو الحضر [1] إذ بناه وإذ ... دجلة تجبى إليه والخابور لم يهبه ريب المنون فباد ... الملك عنه فبابه مهجور [2] قال هشام: قبح الله رأيك يا مسلمة فليس هذا بأول يوم غممتني فيه وقام مغضبا وتفرقوا، قال خالد: فأتاني بعض الشاميين فقال: أين هذا العراقي الذي أغضب أمير المؤمنين؟. قلت: خرج. فخرجوا يسعون فأخذت في ناحية أخرى، وكان هشام لا يكاد يذكر في مجلسه الموت تطيرا منه. وحدثني أبو عدنان عن الهيثم بن عدي وهشام ابن الكلبي عن عوانة قال: وفد على هشام بن عبد الملك وفد كلهم من قريش، وكلهم خطيب، فتكلموا ثم قال إسماعيل بن محمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي أو غيره من ولد أبي الجهم: يا أمير المؤمنين هذه خطباء قريش قد نطقت فأطنبت وتكلمت فأسهبت، فو الله ما بلغ متكلمهم قدرك، ولا جاوز أبلغهم فضلك أفأوجز أم أطيل؟. قال: بل أوجز. قال: تولاك الله يا أمير المؤمنين

_ [1] كانت العرب تسمي ملك الحضر باسم الضيزن، ونشرت في بغداد دراسة جيدة عن الحضر وآثارها من اعداد: فؤاد سفر، ومحمد علي مصطفى- بغداد 1974. [2] ديوان عدي بن زيد- ط. البصرة 1964 ص 87- 88.

بالحسنى، وزينك بالتقوى، ويسرك لليسرى، وجمع لك خير الآخرة والأولى، إن لي يا أمير المؤمنين حوائج أفأذكرها؟. قال: نعم. قال: كبرت سني، وكثر عيالي فإن رأى أمير المؤمنين أن يصلني بصلة يجبر بها كسرى، وينفي بها فقري فعل. قال: وما صلتك التي تفعل بك هذا الذي ذكرت؟. قال: ألف دينار، وألف دينار، وألف دينار. قال: هيهات، هيهات، رمت مراما صعبا، هذا والله ما لا يحتمله بيت مال المسلمين. ثم نكس هشام وإسماعيل ماثل بين يديه، فرفع رأسه ثم قال: هيه. قال: وما هيه يا أمير المؤمنين كأنك آليت إلا تقضي لي حاجة في مقدمي هذا، أما والله إن الأمر لواحد، إلا أن الله آثرك بهذا المجلس، فإن تعطني فحقي أعطيت، وإن تمنعني فإني أسل الله الذي بيده ما حويت، فإن الله جعل العطية محبة والمنع مبغضة، وو الله لأن أحبك أحب إلي من أن أبغضك. قال: فألف دينار لماذا؟. قال: أقضي بها دينا، فدحني حمله، وأضر بي أهله. قال: نعم المسلك أسلكتها تؤدي حقا وتضع عنك ثقلًا، أو قال تؤدي عن أمانتك، وتحط حملًا ثقيلًا عن ظهرك. وألف لماذا؟ قال: أزوج بها من أدرك من ولدي. قال: تغض بصرا، وتعف فرجا، وترجو نسلا، نعم المسلك أسلكتها. وألف لماذا؟ قال: أشتري بها أرضا يكون فضلها لنفقتي في حياتي ويبقى عقده لعقبي. قال: فإنا قد أمرنا لك بما سألت، قال: المحمود على ذلك الله، فلما ولى قال هشام: إذا كان القرشي فليكن مثل هذا، ثم قال هشام: أما والله ما نعطي تبذيرا، ولا نمنع تقتيرا، وإنما نحن خزان الله على بلاده، وأمناؤه على عباده، فإذا شاء

أعطينا، وإذا منع أبينا، ولو كان كل قائل يصدق، وكل سائل يستحق ما جبهنا قائلًا، ولا رددنا سائلًا. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح عَنِ الهيثم، أخبرني الضحاك بن زمل قال: بلغ هشام قول الحسن البصري: لا يعدل أحد عن قصد، ولا يبقى كثير على إسراف، فقال هشام: صدق لله أبوه. حدثني محمد بن أنس الأسدي عن ابن كناسة الأسدي قال: قدم رصافة هشام رجل من بني أسد، ثم من بني فقعس على هشام، فدخل عليه حين جلس للعامة، فقال: يا أمير المؤمنين أتت علينا سنون ثلاث أجحفت بالأموال ونحبت قلوب الرجال، فأما الأولى منهن فأذابت الشحم، وأما الثانية فنحضت [1] اللحم، وأما الثالثة فهاضت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن تكن لله فبثوها في عباد الله، وإن تكن لهم فعلام تحظرونها عنهم وتمنعونها ذوي خلتهم، وإن تكن لكم فتصدقوا ف (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) [2] قال هشام: هذه حاجتك في خاصتك، فما حاجتك في عامتك؟. قال: مالي حاجة في خاصة دون عامة، فكتب هشام إلى خالد بن عبد الله أن أنفق على من أقحمته السنة حتى يأتي الله بالحيا والخصب. وكتب بمثل ذلك إلى إبراهيم بن هشام عامله بالمدينة فأنفقا، فاحتسب بألفي ألف درهم، واحتسب إبراهيم بسبعين ألف دينار فسميت السنة سنة خالد.

_ [1] نحض: قل لحمه. القاموس. [2] سورة يوسف- الآية: 88.

ويروى عن الأصمعي أن عراقيا قال لبعضهم- هشام أو غيره-: إن كان هذا المال لكم فقد بخلتم به، وإن كان بينكم وبين رعيتكم فقد أسأتم الأثرة ومنعتم الحق، وإن كان لكم أن تعطوا ولكم أن تمنعوا فأنتم كما قال الله: (هَذَا عَطَاؤُنَا فامنن أو أمسك بغير حساب) [1] . المدائني عن أبي محمد القرشي قال: كان يفطر عند هشام قوم في شهر رمضان فسأله رجل منهم حاجة فقال هشام: ألم أنهكم عن أن يكلمني أحد في حاجة في هذا الشهر؟. فقال له رجل يكنى أبا نوح من بني تميم، ممن كان يفطر معه: والله لقد أمر لي أمير المؤمنين بخصي فما منعني من تنجز ذلك إلا هذا الشهر. قال هشام: ما أعلمني أمرت لك بشيء، قال: بلى يا أمير المؤمنين قد أمرت لي به ولكنك نسيت. قال: فمن يعلم ذلك؟. قال: إبراهيم بن هشام خالك، قال: أكذلك يا إبراهيم؟. قال: نعم يا أمير المؤمنين وما كنت أرى نسيانك يبلغ هذا، فأمر له هشام بالخصي. فلما خرج أبو نوح وقف لإبراهيم، فلما خرج إبراهيم قال: جزاك الله خيرا، قال: لكن لا جزاك الله خيرا، ويحك ألا أعلمتني أنك تريد هذا قبل أن تقوله، ثم قال: إياك أن تعود لمثلها. المدائني قال: استأذن المهاجر بن عبد الله هشاما في الحج فأذن له، وحج هشام فشكاه الناس، فراح إلى رواق هشام، فقال هشام لجارية له: انظري من في الرواق، فخرجت ثم رجعت فقالت: فيه أجمل الناس وآدب الناس، فقال: انطلقي إلى هذا الذي زعمت أنه أجمل الناس فادعيه

_ [1] سورة الأحزاب- الآية: 37.

فخرجت إلى المهاجر فقالت: أجب أمير المؤمنين. قال: انطلقي فإن للأمير حاجبا غيرك، فأرسل إليه خصيا فدعاه فقال: دونك هذه الجارية فاطلب ولدها فإنها نعمت أم الولد. قالوا: وكان المهاجر بن عبد الله يمر في مسجد دمشق فيعدل عن القناديل لئلا يكسرها بطوله، وقد مدحه جرير فقال: إن المهاجر حين يبسط كفه ... سبط البنان طويل عظم الساعد ولقد حكمت وكان حكمك مقنعا ... وجعلت بين منابر ومساجد [1] وقالوا: قدم عمرو بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص على هشام فجفاه فقال: لعمرك للربيع أقل دينا ... وأكثر صامتا مني مرارا وأكثر زائرا مني كثيرا ... وَأجدر بالرصافة أن يزارا قالوا: وكان هشام يقف على القصاب فيسأله عن سعر اللحم، ورأى رجلًا من خاصته يبتاع لحما فغمزه فأتاه فقال: بكم تشتري؟. قال: بدرهم، قال: أحسنت، وأكثر من هذا سرف، وقال هشام: لا يلام المرء على إصلاح ماله والقصد فيه. قال المدائني: دخل هشام بستانا له فأقبل من معه يأكلون من ثمرته ويقولون: اللهم بارك لأمير المؤمنين، فقال: كيف يبارك في شيء تأكلون منه هذا الأكل، فقلع شجر ذلك البستان وجعل مكانه زيتونا.

_ [1] ديوان جرير ص 100 مع فوارق.

حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال: قال هشام: ما ندمت على شيء ندامتي على ما أهب. إن الخلافة تحتاج إلى الأموال كما يحتاج المريض إلى الدواء. حَدَّثَنِي دَاوُد بْن عَبْدِ الحميد قَاضِي الرقة، حدثني أبي أن رجلًا من قريش دخل على هشام فقال له: ما أقدمك؟. قال: حاجة جليلة، وفضل أمير المؤمنين أجل منها. قال: وما هي؟. قال: تصلني بألف دينار وألف دينار وألف دينار. قال: ألف لماذا؟. قال: أصرفها في قضاء ديني. قال: حسن جميل، تقضي حقا، وتحط ثقلًا، وتؤدي أمانة. وألف دينار لماذا؟ قال: أزوج بها ولدي. قال: حسن جميل. تعف فرجا، وتصل سببا، وترجو عقبا. وألف لماذا؟ قال: استعين بها على نوائب الزمان وجفوة الإخوان، قال: حسن جميل، تستر بها نفسك، وتصون وجهك، وتصلح معاشك. ثم سكت فخرج من عنده. ثم عاد في اليوم الثاني فقال له: قد أمرنا لك بثلاثة آلاف دينار، وإنما نحن خزان الله، فإن أذن لنا في عطاء شيء أمضيناه، وإذا لم يأذن فيه منعناه. قالوا: وكتب هشام بخطه: «من عبد الله هشام أمير المؤمنين إلى رياح مولى مسلمة ابن أمير المؤمنين، أما بعد، فقد قرئ على أمير المؤمنين كتابك بما ذكرت من تكلفك من المؤونة في القراطيس، وسيرى أمير المؤمنين في أمر القراطيس لك ولغيرك رأيه، إن شاء الله» . وكتب هشام إلى يوسف بن عمر: أما بعد فقد وليت عبد الله بن نافع ما كان سعيد يليه من عمل بعلبك، وأمرته بقبض العهد الذي كان

لسعيد، والأخذ بما فيه، فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين، وأحسن جوار عبد الله، وأعنه على ما استعانك عليه فيما وافق الحق، وما هو له، ولما تحت يده صلاح، ولا تجعل له إلى شكيتك سبيلا إن شاء الله» . قالوا: بعث خالد بن عبد الله القسري إلى هشام بمال، وأرسل قوما يشهدون أنه طيب أخذ من حله، فصانع رجل بألفي درهم حتى جعل مع الشهود، وصير آخرهم، فقدموا على هشام فقال: أين المزكون، فدعا رجلًا رجلًا فحلفوا بالله أنه ما أخذ شيئا من ذلك المال إلا من حلال، ولا حمل إليه خالد إلا الفضل بعد أن أعطى كل ذي حق حقه، حتى قام ذلك الرجل المصانع بالألفين فحلف بالله لقد شهدوا بزور وفجور. فقال هشام: أراك مستأجرا؟ فقال: والله لقد صانعت بألفي درهم حتى ألحقت بالشهود، قال: أفأنت خارجي؟ قال: لا والله ما أنا بخارجي، ولكني نظرت لك فاتق الله. فقال هشام لمن حضره: ما ترون؟ فقالوا: نرى أن تقتله فإن له مذهب سوء، وإلا فلم صانع ليخبث بنفس أمير المؤمنين، ويجرح شهادات مثل هؤلاء فقتله وصلبه، ويقال بعث به إلى خالد فقتله وصلبه بواسط. وقال بعضهم كان خالد بن عبد الله أبلغ عن الكميت بن زيد تنقصا له، وكان متهما بالرفض عندهم، وأنشد قصيدته الهاشمية التي يقول فيها. إلى النفر الغر الذين بحبهم ... إلى الله فيما نابني أتقرب وقالوا ترابي هواه ورأيه ... بذلك أدعى فيهم وألقّب [1]

_ [1] الروضة المختارة ص 26- 28.

فحبسه خالد فلبس ثياب النساء وخرج فعاذ بمسلمة بن هشام وقال: خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل ... على الرغم من تلك النوابح والمشلي [1] علي ثياب الغانيات وتحتها ... عزيمة رأي شبهت سلة النصل فأصبحت مغبوطا ومحسود أمة ... بأبيض محسود على مثله مثلي من النفر البيض الذين أكفهم ... سمام العدى والشافيات من النبل [2] وأخبرني عباس بن هشام عن أبيه عن جده قال: بلغ هشام بن عبد الملك أمر عابه به، وأنشد قصيدته الهاشمية البائية، فكتب إلى خالد في حبسه، فحبسه فكان أبان بن الوليد يعده ويمنيه ويضمن له عن خالد ما يحب، وخالد يومئذ بواسط، وكان المستهل بن الكميت يعمل في أمره من قبل عبد الرحمن بن عنبسة، فجاء كتاب هشام بقطع يدي الكميت ورجليه ولسانه، فأخبر خالد بن عنبسة بذلك، فأخبر ابن عنبسة المستهل بذلك ليعلمه إياه فيوصي ويعهد، فأخبر المستهل أمه فلبست درعين وخمارين ونطاقين، ثم أتت الكميت فأخبرته فلبس أحد درعيها، وأحد خماريها، وأحد نطاقيتها، ثم خرج على البوابين فلم ينكروه ومضى من فوره إلى مسلمة بن هشام فأجاره مسلمة وأخواه. وقال في أبان بن الوليد: أخلق وأبل أبا الوليد ... فقد لبست ثياب غادر وكتب خالد إلى هشام بخبره، فكتب إليه هشام: أما امرأته فخاطرت بنفسها لزوجها فلا سبيل عليها فأطلقها. وأما أنت فقد ضيعت. وقال الكميت:

_ [1] المشل: الحلب القليل، ومشل مشولا: قل، وامتشل السيف: استله. القاموس. [2] شعر الكميت ج 2 ص 50 مع فوارق.

خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل ... الأبيات. وقال الكميت يحذر هشاما غدر خالد- ويذكر ما تدعى اليمانية من مصير الأمر إليهم، فإن ابن الأشعث كان ادعى ذلك لنفسه، ثم يزيد بن المهلب بعده، وأن خالدا أطمع نفسه في ذلك- قصيدة، وقال في ذلك. أنواما يقول بني لؤي ... عن الأمر المرشح ذي البزول أرى أمرًا سيعظم أصغراه ... لتم لقاح مبسقة [1] حفول دفوع للفصال بمنكبيها ... خبوط عند درتها ركول كما لقيت ثمود ولا يكونوا ... لكم مثلا براغية الفصيل [2] فيقال إن مسلمة بن هشام دخل على هشام فلم يفارقه حتى عزل خالدا، وأمسك عن الكميت لأنه كذب ما قيل فيه: وقال الكميت في مسلمة أبي شاكر بن هشام: إن الخلافة كائن أوتادها ... بعد الوليد إلى ابن أم حكيم [3] فقال خالد: أنا اكفر بخليفة يكنى أبا شاكر، فكأن مسلمة قد حقد ذلك عليه. وقال الكميت في هشام قصيدة يقول فيها: وكنا متى ما ندع مروان للتي ... نخاف نذد عن حوضنا أن يفجرا وأنتم أناس يجمع الله دينه ... بكم ويقيم الله من كان أصورا [4]

_ [1] البسوق: الطويلة الضرع من الشاء، وأبسقت الناقة: وقع في ضرعها اللبأ قبل النتاج. القاموس. [2] ليست في شعر الكميت المنشور. [3] ديوان الكميت ج 2 ص 105. [4] صور: مال. القاموس.

وجدنا أبا العاصي أبا أبويكم ... ومجدكم المستقدم المتأخرا كساه من المجد الهشامان حلة ... مغيرية منها ارتدى وتأزرا وقال الكميت: أبني أمية إنكم ... أهل الوسائل والأياصر أنتم معادن للخلافة ... كابرا عن كل كابر والى القيامة لا يزال ... لشافع منكم وواتر الأطيبون الأكثرون ... من الأطايب والأكابر الآن صرت إلى أمية ... والأمور إلى المصائر يا مسلم ابن أبي الوليد ... لميت إن شئت ناشر علقت حبالي من حبا ... لك ذمة الجار والمجاور والناس قد علموا رجائي ... فيك من باد وحاضر أنت المقابل في أمية ... في قوادمها الفواقر الضامنين الدهر للحدثان ... والجار المجاور حدثني عمرو بن أبي عمرو الشيباني الراوية، قال: لم يزل مسلمة بهشام حتى أمن الكميت وأنشده شعره فيه، وكان يحب أن يشرف ابنه مسلمة، ويرفع ذكره، فأظهر الرضا عنه، وتشفيع ابنه فيه. وقال الكميت لعبد الملك بن هشام: من عبد شمس لك السنام ... ومن عبد مناف لبيتك الطنب وأنت في البيت ذي الدعائم ... من مخزوم في بيت علا به النسب فما لحي مجد ولا مكرمة ... إلا لكم فوق مجده رتب وقال في مسلمة بن هشام:

أمسلم إن الحلم والحزم والندى ... ببابك ما يزداد إلا تجددا وأنتم نجوم الناس والمهتدى بهم ... وأكرم أهل الأرض كهلًا وأمردا وقال يرثي معاوية بن هشام تقربا بذلك إلى هشام وولده وقد كان ممن دفع عنه: أتانا بموت ابن الخليفة حادث ... به نهلت منا القلوب وعلت فإن تك أرض يا معاوي غيبت ... جداك وأرض منك أخرى تجلت فنعم فتى الهيجا ونعم شهابا ... إذا البيض تحت المشرفيات صلت ربيع إذا ضن الشتاء بقطرة ... وليث إذا ما المشرفية سلت سأبكيك للدنيا وللدين إنني ... رأيت يد المعروف بعدك شلت وغلق أبواب الندى وتنغصت ... إلى الناس أخرى عيشهم وتقلت [1] المدائني عن زيد بن الحارث قال: كان سعيد بن هشام يركب متنزها فإذا برز عن الناس نزع ثيابه حتى يبقى في قميص فيضعه على عاتقه ويعدو فيقول: أرسلت كلبي يبتغي ما يأكله، فلا يلقى امرأة إلا غصبها نفسها، وكان ماجنا، وكان يخالف إلى امرأة عمرو بن قيس، وكان على حمص، فقال فيه الشاعر وهو من طيّئ ثم من بني بحتر: بلغ لديك أمير المؤمنين فقد ... خصصتنا بأمير غير عنين طورا يخالف عمرا في حليلته ... وعند تاجة يبغي البر في الدين وقال الكلبي: عمرو بن قيس بن ثور بن حمران السكوني، وهو أبو عيسى عمرو بن قيس، وعيسى هو أبو الجمل الحمصي وتاجة بنت عمرو الغنوي امرأة عمرو بن السليل من الرباب.

_ [1] ورد بيت واحد من هذه القصيدة في شعر الكميت ج 1 ص 147، وهو الخامس، وبالنسبة للشواهد المتقدمة في هذه الصفحة والتي تقدمتها فلم يرد أي منها في شعره المنشور.

وقال يزيد بن الحارث: كنا نعرف شبهه في قوم بحمص نرى أنهم ولده، قال فخرج مرة متنزها فلم أخرج معه، وخرج معه صفوان بن عمرو الكلاعي، فلما رجع خرجت أتلقاه. فقال: ما منعك من الخروج معنا؟ فاعتذرت إليه، فسايرته ثم نزلنا فقال: أترى هذا الخلق ما فيهم أشبق مني. قلت: إن مثلك لا يقول مثل هذا. قال: اسكت أنا أعلم بنفسي منك. ورفع عليه عند هشام أنه يزني فعزله وقال: لا تلي لي عملًا ابدًا لعنك الله، أيزني القرشي، إن مثلك لا يزني، أتدري ما فسق القرشي وفجوره، إنما هو أن يأخذ مال هذا فيعطيه هذا: ويقتل هذا ويظلم هذا. قالوا: وخرج سعيد يوما بحمص في غب مطر يسير، وقد التحف بطيلسانه، وهو على فرسه: وقد كادت صنعة طيلسانة تصيب الأرض، فمر برجل وهو لا يعرفه، فقال: يا عبد الله قد أفسدت ثوبك وما يضرك لو رفعته؟ فقال: وددت أنك وثوبك في النار. فقال: وما ينفعك؟ وقال أبو محمد السفياني: حبس سعيد بن هشام معنا، فكان في بيت على حده فكنت أسمع صوت أوتار عود، فخرجت يوما إلى البيت الذي هو فيه، فإذا هو قد أخذ جفنة فثقبها، وعلق عليها أوتارا، فقلت: ويحك، على هذه الحال؟ قال: لا أبا لك لولا هذه لمت غما. المدائني عن إسماعيل بن إبراهيم قال: سمعت شيخا يقول: خطب هشام حين ولي فقال: «الحمد لله الذي أنقذني من النار بهذا المقام» . فأخبرت محمد بن عمرو بن حزم فقال: لكن عمر بن عبد العزيز كان إذا

خطب بكى ثم قال: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ به) [1] . حدثني العمري قال: ولى هشام ابنه سعيدا حمص، فكان يرسل إلى تاجة بنت عمرو الغنوي، وهي امرأة عمرو بن السليل من بني تيم الرباب، فشهد بذلك عند أبيه، فحده أبوه وقال: يا بن الخبيثة أتزني وأنت ابن أمير المؤمنين، لا جرم. لا وليتك عملًا أبدًا، إنما فجور قريش منع هذا ما يستحق، وإعطاء ذاك ما لا يستحق، فيقال إن سعيدا مات من ذلك الضرب، والثبت أنه بقي بعد موت أبيه. قالوا: وقدم مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس على هشام فكره ذلك وأمر بفسطاطه فقوض وقال: قولوا له الحق بمنزلك، وانتظر دولتكم التي تتوقعونها. فقال له الأبرش الكلبي: يا أمير المؤمنين إن كان الذي يقال حقا فقد ينبغي أن تصانعهم، وإن كان باطلًا فعلام تقطع رحم هذا وقد قصد إليك. حدثني حفص بن عمر عن الهيثم قال: كتب هشام لابنه محمد بن هشام، وأراد أن يبعثه على الصائفة كتابا نسخته: «إني رأيت أن أعهد إليك في أشياء من أمر خاصتك، أحب أن أحملك فيها على أدبي، ليكون حجة عليك وتأدية لحق الله علي لك، وأنا أرجو أن يتولى الله حفظك بالتنزيه عن كل قبيح، والعصمة من كل مكروه، والتحصين من كل آفة أخشاها عليك في دينك وبدنك ورأيك وعرضك، وأن يبليني في جميع ذلك أجمل ما عوّدني

_ [1] سورة النساء- الآية: 123.

فيك، فحميد هو على ما يولي، مشكور على ما يبلي، وليس امرؤ وإن ظوهرت له العظة ونخلت له النصيحة بمنتفع بشيء من ذلك حتى يكون له من توفيق الله داع، ومن نفسه عليه معين يبصره فضل ما يوعظ به على ما يوعظ عليه، فإنه لا يوفق للخير ويعين عليه إلا الله وحده لا شريك له. وقد كان مما أحدث الله لي فيك من النعمة، ما أسأل الله تمامه، وحسن المزيد فيه، والعون على أداء شكره عليه، فإنه قد أراني فيك من معالم الفضل وأمارات الخير ما قذف به في نفسي توجيهك لما وجهتك له من الأمر الذي أرجو أن يجعله الله لك إلى قصوى غايات الفضل سببا وسبيلا، فيما يعرفنا من بصرك بالأمور واستقلالك بالقيام لله بالنصيحة، وحسن السياسة، والرفق في مستقبل أمرك، ومفتاح عملك، فليكن أول ما تبدأ به إيثار تقوى الله ربك بالاجتهاد في طاعته، والحيطة لدينه وعباده ليجزيك بذلك جزاء كريم سلفك الماضين، وصلحاء أهلك الباقين، فإن به تمام كل نعمة، وإليه منتهى كل رغبة» . حدثني الأثرم عن أبي عبيدة قال: دخل أعرابي على هشام في غمار الناس، فقال هشام لحاجبه: أكل من شاء أن يدخل دخل؟ فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين إن دخولي عليك لا ينقص من قدرك، وهو يزيد في قدري. فقال: لا بأس إذا، أذكر حاجتك، فتظلم من واليهم، فكتب بإنصافه. ويقال إن هشاما- أو الوليد بن عبد الملك- كان يقف على البقال قبل الخلافة فيقول: ناولني تلك الحزمة، فيناوله حزمة من البقل فيقول: بكم هذه؟ فيقول: بفلسين، فيقول: زد فيها.

وفي هشام يقول الشاعر: باتصال دعوت يا عبد شمس ... بعد ما نابهن أو يا مغيرا قمري مكة المضيء دجاها ... يجلوان الدجنة الديجورا وقال الواقدي: خرج عشرون ألفا منَ الروم في سنة ثلاث وعشرين ومائة فنزلوا عَلَى ملطية، فأغلق أهلها أبوابها. وخرج رسولهم مستغيثا فلحق بهشام وهو بالرصافة، فندب هشام الناس إلى ملطية، وتقلد سيفا ثغريا، وركب يطوف على الناس بالرقة، وأتاه الخبر بأن الروم قد قفلوا فأخبر الرسول بذلك، وبعث معه بشرا ليرابطوا بملطية. حدثني أبو الوليد هشام بن عمار قال: سمعت من يحدث أن هشاما قال: لسان المرء من خدم عقله وأول واحد يخبر ما عنده. قال: وبلغني أن هشام بن عبد الملك قال: إن اللسان في حكايته صادق عن عقل صاحبه. قال المدائني: كان عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله بن عامر بن كريز يفد إلى هشام فيتكلم عنده، فيعجب مسلمة بن عبد الملك كلامه ويقول: والله إني لأرفع كور العمامة عن أذني لاستفرغ كلام ابن عامر، وكان مسلمة يقول: إن الرجل ليكلمني في الحاجة يستوجبها فيلحن فكأنه يقضمني حب الرمان الحامض حتى يسكت فأرده عنها، ويكلمني الرجل في الحاجة ما يستوجبها فيعرب فأجيبه إليها. قالوا: وحضر الوليد بن يزيد مجلس هشام: ثم خرج فوثب على فرسه وقال لأبي شاكر بن هشام: أيحسن أبوك أن يركب كذا؟ فقال: لأبي

مائة عبد يفعلون أكثر من هذا. فقال هشام: لله مسلمة ابني ما أظرفه لولا مجونه. المدائني قال: حج هشام: فأخذ الأبرش قوما معهم برابط، فقال: احبسوهم وبيعوا متاعهم هذا وصيروا ثمنه في بيت المال، فإذا صلحوا فردوا الثمن عليهم. وقال بشر مولى هشام: أتي هشام برجل عنده قيان وخمر وبربط، فقال: اكسروا الطنبور على رأسه، وضربه فجعل الشيخ يبكي. قال بشر: فقلت له عليك بالصبر، فقال: أتراني أبكي لضرب أمير المؤمنين إياي، إنما أبكي لاحتقاره العود حين سماه طنبورا. وقال هشام بن محمد الكلبي: دخل الوليد بن يزيد المقتول على هشام بن عبد الملك وعنده ولده، وفيهم مسلمة بن هشام، المكنى أبا شاكر، فقال الوليد لمسلمة، وكان ظريفا: ما اسمك؟ - كأنه لا يعرفه- فقال: شارزنجي. يعرض بأنه يكثر شرب النبيذ إكثار الزنج ويطرب طربهم، وقد كتبنا خبر شارزنجي مع أخبار عبد الملك بن مروان. وقال المدائني: استأذن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وأخوه عبد العزيز معه على هشام، فأذن لمحمد قبل عبد العزيز، فقال عبد العزيز: يرحم الله حسينا- من غير أن يجري للحسين ذكر- فأنكر هشام ذلك وقلب عينه وقال: ما ذاك؟ قال: ذاك لأني ومحمدا أبناء عبد الله، وأمي أموية بنت خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، وأم محمد فاطمة بنت حسين، وقد قدم علي وأنا أسن منه لأن فاطمة ولدته. فقال هشام لآذنه: قدمه بعد مرته هذه.

وحضر محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وعبد الله بن الحسن بن الحسن باب هشام فخرج الآذن فقال: محمد بن عبد الله. فلم يقم. فدنا الآذن فقال: ادخل، فقال: عبد الله بن الحسن ههنا. فرجع إلى هشام فأخبره بقوله، فقال: محمد بن عبد الله، فلم يقم. ففعل ذلك مرات، فقال هشام: ائذن لعبد الله، فخرج الآذن فقال: عبد الله بن حسن. فقام وقام معه محمد بن عبد الله. المدائني: أن هشاما قال لمسلمة بن عبد الملك: يا أبا سعيد هل دخلك ذعر لحرب شهدتها، أو لعدو كادك؟ قال: ما سلمت من ذعر لا يذهلني عن حيلة ولم يغشني ذعر يسلبني رأيي، فقال هشام. هذه البسالة. قال المدائني: قال إبراهيم بن هشام لهشام بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين أقبل عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص يوما، وعندي إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، وعلى عبد الرحمن بن عنبسة ثياب خضر: الجبة والمطرف والعمامة، فقال إبراهيم: قد أقبل ابن عنبسة في زينة قارون. فضحكت، فقال عبد الرحمن: ما أضحكك أيها الأمير؟ قلت: قال إبراهيم حين أقبلت كذا وكذا. فقال عبد الرحمن: لولا أني أخافه علي وعليك وعلى المسلمين إن هو غضب لأجبته. قلت: وما تخاف من غضبه؟ قال: بلغني أن الدجال يخرج لغضبة يغضبها، وإبراهيم أعور وأنا أظنه الدجال، فقال إبراهيم: لولا أن له عندي يدا عظيمة لأجبته، قلت: وما يده؟ قال: سعى عليه غلام بمدية فأصابه فأشواه، فلما نظر إلى الدم جعل لا يدخل عليه مملوك إلا قال له: أنت حر، ودخلت عليه عائدا له

فقلت له: كيف تجدك؟ قال: أنت حر، قلت: أنا إبراهيم بن عبد الله، قال: أنت حر، فأعتقني في ظنه فهذه يده. قالوا: وهرب هشام من الطاعون، فانتهى إلى دير فأدخله الراهب بستانا على أربعة أجربة، وجعل يأتيه بأطايب الفاكهة والبالغ منها، فقال هشام: أتبيعني بستانك؟ فسكت. فأعاد عليه القول وهو ساكت فقال: مالك لا تتكلم يا راهب؟ قال: وددت أن الناس ماتوا غيرك. قال: ولم؟ قال: حتى تشبع إذا بقي كل شيء في الدنيا لك. فضحك وقال: أما تسمع يا أبرش. قال: ما لقيك حر غيره. المدائني قال: دخل جديع الكرماني على هشام فقال له: من أنت؟ قال: جديع. قال: الكرماني؟ فكأنه كرهها، فقال هشام: لا تفعل وإذا شهرت بلقب تكرهه فإنه نسب. قالوا: ووقف هشام يوما بحائط له فيه زيتون ومعه عثمان بن حيان، فسمع هشام نفض الزيتون، فقال لعثمان: انطلق إليهم فقل لهم: القطوه لقطا ولا تنفضوه نفضا فتتفقأ عيونه وتتكسر غصونه. قالوا: وأدخلت على هشام جارية أعجبته، فاشتط صاحبها في الثمن، فأعطاه هشام عشرة آلاف فأبى فاشتراها الأبرش بحكم صاحبها وسومه، وبعث بها إلى هشام. وأتي هشام بمال فقسمه على ولده وأهله، وقال لأم حكيم بنت يحيى بن الحكم، وقد عزل مائة وعشرين ألف درهم: من أحق بهذا المال؟ قالت: أنا. قال: قد أخذت قسمك.

وقال لعبدة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة: قولي فإنكم آل أبي سفيان تدعون الرأي؟ قالت: أحق الناس بهذا المال من جاد لك بما بخلت به على نفسك، قال: صدقت، وأمر بحمل ذلك المال إلى الأبرش، وقال: هذا الآن في هذا الموضع أحسن منه في ذلك الموضع. قالوا: وقدم على هشام وفد وفيهم ابن عمار بن ياسر، فقال له هشام: من أنت؟ فأخبره. فقال: ترجو الصغير وقد أعياك والده ... وفي أرومته ما ينبت العود لا والله ما نال مني خيرا أبدًا ما بقيت. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ خالد بن صفوان: دخلت على هشام بن عبد الملك في يوم شديد الحر وهو في بركة ماؤها يغمر الكعبين، وقد وضع له كرسي فجلس عليه، فلما رآني دعا لي بكرسي، ثم جلس يسائلني فأقبلت أحدثه، ثم قال: يا خالد لرب خالد جلس مجلسك كان أحب إلي منك- يعني خالد بن عبد الله القسري- قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، لو تفضلت عليه بصفحك وتغمدته بحملك؟ فقال: إن خالدا أدل فأمل، وأوجف فأعجف، فسكت. حدثني العمري عن الهيثم قال: أهدى خالد بن عبد الله وهو على العراق إلى ولد هشام وحشمه هدايا، وأغفل خادما له، فأخذ الخادم ابنا له صغيرا فوقف به حيث يسمع هشام الكلام، ثم قرصه قرصة أبكته فقال: والله لو كنت من ولد خالد بن عبد الله القسري ما عدا، فسمع هشام قوله فكان ذلك أول ما وقر في قلبه.

قالوا: ولما غضب هشام على خالد أرسل إليه يذكره حرمته، فقال: إن الإفراط في الدالة يفسد الحرمة. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنْ عوانة قَالَ: قال هشام: أرخى الناس بالا من تخلى عن الدنيا ومتاعها فدافع الأيام، وأصبح أجله أحب قادم إليه. وقال هشام للأحوص: ما لنا وللفرزدق، حفر لنا خالد نهرا. فقال: أنفقت مال الله في غير حقه ... على نهرك المشؤوم غير المبارك [1] فقال الأحوص: ما هذا من كلامه. قال هشام: قاتلهم الله، إذا جاءت الحقائق نصر بعضهم بعضا. المدائني عن سحيم بْن حَفْص قَالَ: مرَّ ابن هشام بن عبد الملك على إسماعيل بن يسار وقد اتخذ منزلًا وهو يصوره [2] ، فقال: يا إسماعيل ما هذا من منازلك، قال: بلى والله إنه لمن منازلي ومنازل آبائي ولكن منزلك خباء مضروب من شعر أو صوف على عمود من خشب. قالوا: وتفقد هشام بعض ولده فلم يره يحضر الجمعة فقال له: ما منعك من الصلاة في يوم الجمعة في مسجد الجماعة؟ فقال: نفقت دابتي فعجزت عن المشي إلى الجمعة. وقال هشام لخالد بن صفوان: عظني وأوجز، فقال: أنت فوق الخلق وليس فوقك إلّا اللَّه، وأنت صائر إِلَى الله، فاتّق الله.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 59. [2] صار وجهه يصوره ويصيره: أقبل به، والشيء قطعة وفصله. القاموس.

المدائني عن حمزة بن إبراهيم قال: قال الحجاج لمعبد الجهني: يا معبد أتتكلم في القدر؟ قال: نعم، زعم فساق أهل العراق أن الله قضى وقدر أن يقتل عثمان، فقلت: كذبتم. فقال: صدقت. فبلغ هشاما قوله فقال: لقد قدر الله قتل عثمان لما كتب على قاتليه من الشقاء، وكذب معبد والحجاج. قالوا: وقدم رواية الفرزدق وجرير والأخطل على هشام، فدخل رواية جرير في فرو، ودخل الآخر في خز، فأنشد رواية الفرزدق شعرا: كأن مفالق الرمان فيه ... وجمر غضى قعدن عليه حام [1] فغضب هشام ولم يصل راوية الفرزدق والأخطل، ووصل راوية جرير. المدائني عن عبد الرحمن بن خالد قال: رأيت هشاما وهو يقول لغلمانه وهم يلقطون زيتونا في أرض له: القطوا لقطا، ولا تخبطوا خبطا، فإن الخبط يفقأ عيونه ويكسر غصونه، وكان معه عثمان بن حيان فوجهه من وجهه إلى العراق للمسألة عن خالد فقدم عليه فأخبره، فكان ذلك سبب عزل خالد. حدثني هشام بن عمار قال: بلغنا أن هشاما حدث بأن خالدا يعطي من جاءه من قومه، فازداد غيظا عليه وغضبا وقال: إني أبخل بهذا المال عن نفسي وأهلي وولدي، وخالد يفرقه في قومه، فحدثه بعض حضره أن رجلًا من بجيلة دخل عليه فسأله فمنعه فقال:

_ [1] هذا البيت ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.

إذا المرء أثرى ثم قال لقومه ... أنا السيد المفضى إليه المعمم ولم يولهم خيرا أبوا أن يسودهم ... وهان عليهم رغمه وهو أظلم فرده وأعطاه فقال هشام: والله لأنقضن كور عمامته، ولأدعنه وهو لا يفضى إليه. حدثني أبو مسعود عن ابن كناسة قال: اختلف هشام ومسلمة في إعراب حرف أو معنى حرف من الغريب، فحكما رجلًا فقال: القول قولك يا أمير المؤمنين، فقال مسلمة: هذا حكم الجهال وقولهم. حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال: هدم إبراهيم بن هشام المخزومي دار عبد الله بن عامر بن الزبير بأمر هشام، فمر به وهو يصلي فقال: اصبر، فقال: إني أعرضكم على الله في كل يوم خمس مرات- يعني الدعاء-. أَبُو الْحَسَن المدائني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عن عامر بن عبد الله قال: أراد هشام الحج فقال: من بقي من رجال قريش في المدينة ممن يتكلم؟ فقالوا: لم يبق أحد يرد على السلطان، فحج فأتاه عبد الله بن عروة بن الزبير فقال: يا أمير المؤمنين أعدني على خالك إبراهيم بن هشام، فإنك وليته ما بين المدينة واليمن فلم يمنعه كثير ما في يديه عن قليل ما في أيدينا، فأنشدك الله أن تصل رحما بقطيعة أخرى. قال: لا أعديك عليه قال: ولم فو الله ما منعنا أن نموت مع عبد الله إلا هذه الأموال، وقد أخذت ولأن يموت الرجل عزيزا خير له من أن يموت ذليلًا، فقال هشام: هذا واحد.

ثم آتاه إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن عُبَيْدِ الله فقال: يا أمير المؤمنين أعدني على نافع بن علقمة، فإنه أخذ داري. قال: أفلا رفعت ذلك إلى أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: قد فعلت فسلك بي غير طريق الحق، قال: أفلا أتيت الوليد؟ قال: قد فعلت فسلك بي طريق أبيه. قال: أفلا رفعت إلى سليمان؟ قال: قد فعلت فسلك بي طريق أبيه وأخيه. قال: فعمر بن عبد العزيز؟ قال: عوجل رحمه الله، فغضب هشام وقال: لا يزال الرجل يتكلم عند أمير المؤمنين بما يستحق من يتكلم بمثله أن يدق أنفه ويسحب على وجهه. قال: إذا يسبق خيرك شرك، وتقطع رحمك، وتكون يد الله فوق يدك، وأمر الله من ورائك، أما والله، أن القضاء ليتعقب وإن الفاسق ليصلح. فقال هشام: قبح الله من زعم أن قومي قد ذهبوا، هذا زعم إن قضائي يرد، وابن عروة يتهددني. ثم قال لإبراهيم: لو كان فيك مضرب لضربتك مائة، قال إبراهيم: في مضرب ألف، قال هشام: سوءة اكتمها علي. قال: فما أخبرت بها أحدا حتى مات، فلما مات حدثت بها لأنها مكرمة. وقال الفرزدق وقد خاف خالدا. ألم تعلموا يا آل مروان نعمة ... لمروان عندي مثلها تحقن الدما وما كان عني رد مروان إذ طغى ... عليّ زياد بعد ما كان أقسما ليقتطعن حرفي لساني الذي به ... لخندف أرمي عنهم من تكلما

وكنت إلى مروان أسعى إذا جنى ... علي لساني بالمقال وأجرما وما تركت كفا هشام مدينة ... بها عوج في الدين إلا تقوما [1] وقال الكميت في خالد بن مسلمة: الشمس أدتك إلا أنها مرة ... والبدر أداك إلا أنه رجل الغالب النفس حلما عند طيرتها ... والمستثيب حلوم القوم إن جهلوا ما أنت في الجود إذ عدت فواضله ... ولا ابن مامة إلا البحر والوشل قال: ولم يقدم جرير على هشام فيمن أتاه من الشعراء عشر سنين، ثم تهيأ للخروج إليه وقال: وكيف ولا أشد إليك رحلي ... أروم إِلَى زيارتك المراما [2] فمات قبل أن يخرج إلى هشام. قالوا: وقدم عروة بن أذينة الليثي على هشام، فسأله: ألست القائل: لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو صبرت أتاني لا يعنيني وإني لأحسبك ممن يفضل قوله فعله، فقال عروة: فإني استغفر الله وأستقيله ولا أرغب إلا إليه، فخرج من عنده ولم يبت إلا في الطريق منصرفا إلى أهله. وتذمم هشام مما استقبله به حين بلغه انصرافه، فبعث إليه بألف دينار، فلما أتاه بها رسوله قال: أقرئ أمير المؤمنين السلام وقل له إني

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 188 مع فوارق. [2] ديوان جرير ص 409.

رضيت بالله ورغبت إليه فأتاني برزقي على فراشي، فقال هشام: صدق. إنما نحن خزان الله، فإذا أذن في شيء أمضيناه على محبة منا وكرامة. المدائني قال: قال هشام لسعيد الأبرش: أوضعت أعنزك؟ قال: أي والله قال: لكن أعنزي تأخر ولادها فاخرج بنا إلى أعنزك نصب من ألبانها، قال: نعم. وقدم خباء فضرب وغدا هشام والأبرش وغدا الناس فقعد هشام والأبرش على كرسيين، فقدموا إلى كل واحد منهما شاة فحلب هشام الشاة بيده ثم قال: يا أبرش إني لم أنس الحلب. ثم أتي بخبزة أمر الأبرش بها فعملت بين يدي هشام، فأوقد هشام النار بيده وفحصها، وألقى الخبزة فيها وجعل يقبلها في النار بالمحراث ويقول: يا أبرش كيف ترى رفقي، حتى نضجت، ثم أخرجها فجعل يضربها بالمحراث ويقول: جنبيك، جنبيك والأبرش يقول: لبيك لبيك، وهذا شيء كان يقوله الصبيان إذا خبزت لهم الخبز، ثم تغدى وتغدى الناس وانصرف هشام. المدائني قال: قال رجل من أهل المدينة: انتقص الناس بعد هشام، ما كان أحد يشد رحله إلى رجل إلا وجد عنده رأيا وعقلًا وسخاء، فلما مات هشام انتقص ذلك. وسئل هشام يوما عن مكحول، فذمه فقال مسلمة: مه يا أمير المؤمنين فقد سمعته يقول: اللهم لا تبقني بعد هشام. المدائني عن شيخ من جرم أنه قال: إني لباقريتين، وبينها وبين دمشق مرحلتان على الإبل، إذ نزلت قافلة جاءت من أرمينية فيها خلق، فجاء رجل من كلب من قبل هشام، ورجل آخر معه فقالا: أيتها النازلة

أفيكم غيلان بن مسلم؟ فقام رجل أحمر عليه قباء نصيبي مجلد الأزرار فقال: أنا غيلان أبو مروان. فقالا: أين صالح، فقام رجل ربعة حسن الوجه فقال: أنا صالح أبو عبد السلام فشداهما في الحديد وحملاهما إلى هشام، فقال هشام لغيلان: ويلك ما هذا الذي يبلغني عنك من القول؟ فسبقه صالح فقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وسعها) [1] ، فقال له هشام: أتركت أن تتلو كتاب الله محكمه، وتلوت متشابهه، إن هذا ليحقق ما قيل فيكما، قال: أو هذا متشابه؟ قال: أخرجوهما فاضربوهما سبعين سبعين، فضربا، وجاء قوم فشهدوا عليهما بأنهما قالا: ما ولى الله هشاما شيئا قط، وإن الناس يتغالبون على الأرزاق، وتأتيهم بالاتفاقات. فقال: لعلكم شهدتم لأمر وجدتم عليهما فيه، أو لعداوة واجبة؟ فقالوا: لا، ولكنك إمام وقد خرجنا إليك مما في أعناقنا، فقطع أيديهما وأرجلهما، فمر عليهما عثمان بن حيان المري فقال: يا غيلان، كان هذا بقضاء الله وقدره؟ فقال: كان في علم الله. ثم أمر هشام بإخراج ألسنتهما من أقفيتهما أو قطعها فلم يلبثا أن ماتا. وقيل إن غيلان وصاحبه كانا بأرمينية يتكلمان في هشام، فلما شخصا عنها، وكان قد وضع عليهما عيونا فأخبر بنزولهما حيث نزلا، فدس شهودا شهدوا عليهما، فصنع بهما ما صنع ثم صلبهما. قالوا: وعمل هشام منجنونا [2] وكتب إلى صاحب الرقة يأمره أن يبتاع

_ [1] سورة البقرة- الآية: 286. [2] المنجنون: الدولاب يستقى عليه، أو المحاله يسنى عليها. القاموس.

له ثور المنجنون فاشتراه بثلاثين درهما، وبعث به إليه مع بعض الشرط، فلما رأى هشام الثور أعجبه وقال: بارك الله فيك وفيمن وجه بك، أعطوا الرسول عشرة دراهم. فقال: يا أمير المؤمنين زدني في عطائي خمسة دنانير فقال: جئت بثور اشتري بثلاثين درهما وإنما بيننا وبين الرقة ثلاثون ميلًا، وأنت تنال خمسة دنانير في عطائك، أنت أحمق. إذهب بارك الله فيك. المدائني قال: قال عمرو بن عتبة المخزومي: أذن هشام يوما إذنا عاما، فدخل أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين قد كبرت سني، ورق عظمي فأعني بالفرض لابني فإنهما كما يحب أمير المؤمنين في طاعتهما وجلدهما قال: ما ذاك لك عندنا، قال: فأقطعني دارا إلى جانب داري كانت ليهودي هلك، ولا وارث له أوسع بها منزلي. قال: بيت المال أحق بها، قال: فأزرعني مزرعة إلى جانبي تخفف من خراجها عني. قال: لا. فولى الرجل وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط رجلًا أفحش بخلًا ولا أسوأ ردًا، وسمع هشام كلامه فنكس، ورفع الشرط عليه العمد، قال عمرو: فضممت إلي ثوبي مخافة أن يقتل فيصيبني دمه، أو يشدخ فينتضح علي من دماغه، فقال الأعرابي: ما ينبغي أن ألومك وإني لأعلم أنك عبد من عبيد الله لا تعطي ولا تمسك إلا بإذنه، قال هشام: ردوه، كيف قلت؟ فأعاد قوله فقال: صدقت، أعد علي حوائجك، فقضاها. قالوا: وأهدى إلى هشام حسان النبطي هدايا كثيرة، وركب هشام فعرضها عليه وأرضى حسان كل من يطيف بهشام غير خادمين له صغيرين احتقرهما، فدخل هشام المتوضأ وجاء الوصيفان بالماء، فقال أحدهما أما تعلم أمير المؤمنين أن حسان لم يهد ما أهدى حتى أخذ لنفسه مثله؟ قال

الآخر: بل لنفسه عشرة أمثاله، أفمن بيت أمه أهدى هذا؟ وسمعهما هشام، فلما دخل عليه حسان قال: وهبت لهذين شيئا؟. قال: لا ولقد أغفلتهما. قال: فأحسن إليهما. فبعث إلى كل واحد منهما بألفي درهم. وخلا به هشام وهما على باب البيت، فقال أحدهما: نحن نتكلم في أمر هذا الرجل بما لا نعلم، وأمير المؤمنين أعلم بنصيحته وتوفيره، وقال الآخر: ما صارت له عند أمير المؤمنين هذه المنزلة إلا بفضل نصيحته وما فعل أحد مثل فعله، عماله يأكلون الدنيا ولا يهدون شيئا. فقال هشام لحسان: أرضيتهما؟ قال: نعم. فضحك هشام وقال: ما أخبثهما قد رأينا أثر ذلك. المدائني قال: لما اشتد وجع هشام بكى نساؤه وولده، فقال جاد لكم هشام بالدنيا وجدتم له بالبكاء، فترك لكم ما جمع، وتركتم عليه ما كسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له، ثم فاظت نفسه. المدائني قال: أتى هشاما محمد بن يزيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب فسأله فقال: لست معطيك شيئا، فإياك أن يغرك الناس فيقولون إن أمير المؤمنين لم يعرفك، قد عرفتك، أنت محمد بن يزيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب، فلا تقم فينفق ما معك، والحق بأهلك. حدثني علي الأثرم عن الأصمعي قال: حج هشام فأراد سالم بن عبد الله الدخول عليه بالمدينة فقال له بنوه: لو اعتممت فاستعاروا له عمامة، ولما دخل على هشام قال له: يا أبا عمر العمامة لا تشبه الثياب. قال: أنا استعرناها. قال: ما طعامك؟ قال: الخل والزيت. قال: أما تأجمهما؟ قال: إذا أجمتهما تركتهما حتى أشتهيهما. ثم قام فخرج فقال

هشام: ما رأيت قط ابن سبعين أقوى كدنة [1] منه. فما وصل إلى بيته إلا محموما، فقال: أترون الأحول لعقني بعينه. ولم يبرح هشام المدينة حتى صلى عليه، وقد كتبنا خبره من جهة أخرى. المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري قال: دخل زيد بن علي بن الحسين على هشام، فلما مثل بين يديه لم ير لنفسه موضعا يجلس فيه، فعلم أنه إنما فعل ذلك به على عمد، فقال: يا أمير المؤمنين إنه ليس أحد فوق أن يؤمر بتقوى الله، ولا أحد دون أن يأمر بها. قال: اسْكُتْ لا أُمَّ لَكَ. قَالَ: أُمٌّ لَمْ تلدني؟ قال: أنت الذي تنازعك نفسك الخلافة وأنت ابن أمة؟. قال: يا أمير المؤمنين إن لك جوابا، قال: هاته فما أنت وجوابك. قال: إن الأمهات لا يقعدن بالرجل دون بلوغ الغايات، كانت أم إسماعيل أمة، فلم يمنعه ذلك أن ابتعثه الله نبيا، وجعله أبا العرب وأخرج من صلبه محمدا صلى الله عليه وسلم، أفتقول هذا لي وأنا ابن فاطمة وجدي علي؟. قال: صدقت، ثم خرج فقال هشام لمن بقي عنده من أهل بيته: زعمتم أن أهل هذا البيت قد بادوا. لا لعمري ما انقرض قوم هذا خلفهم. قالوا: وخرج زيد على هشام بالكوفة، وقتل ودفن ليلًا، فدل على قبره عامل الكوفة فنبش وصلب، وكان فيمن نبشه خداش بن حوشب أخو العوام بن حوشب المحدث.

_ [1] الكدن: الشحم، واللحم، والقوة. القاموس.

وكتب هشام إلى عامله بالعراق: إن زيدا قدم علي فرأيت حولًا قلبا خليقا لصوغ الكلام وتنميقه، وقد كتبت خبر زيد ومقتله في نسب آل أبي طالب وأخبارهم. حدثني هِشَام بْن عمار عَنِ الوليد بْن مسلم قال: قال هشام: إني لأرى الرجل فأعرف عقله من حسن سماعه، وكان يقول: أنا أعرف الجاهل الأحمق بسرعة جوابه بالخطأ، وكثرة تلفته، وتدويمه نظره إلى جليسه بغير علة يصوب ويصعد فيه. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن إسماعيل بن عبد الملك بن نافع عن أبي عبيدة بن محمد قال: شرق ما بين ربيعة الرأي وأبي الزناد وكانا قديما يجالسان القاسم بن محمد بن أبي بكر، فلما ولي خالد بن عبد الله بن الحارث بن الحكم المدينة من قبل هشام، ولى أبا الزناد الخراج وما وراء بابه، وكان خالد قد علم الذي بينهما، فأرسل إلى ربيعة، وخثيم بن عراك، ومحمد بن عطاء الليثي، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد، فوجد عبد الرحمن قد تغيب فضرب هؤلاء وحلقهم، وقال: إنهم يطعنون على الأئمة ويرون رأي الخوارج. وكتب خالد إلى هشام يعلمه ضرب هؤلاء النفر، وأنه طلب عبد الرحمن فوجده قد تغيب، وتوجه إلى ابن شريح بخراسان يدعو إليه، فجاء الكتاب إلى هشام وهو يومئذ بالرصافة فقال: أي رجل عبد الرحمن بن القاسم؟. فقال إبراهيم بن هشام: يا أمير المؤمنين، من أهل السنة والجماعة، فرمى بالكتاب فقرأه فقال: باطل والله يا أمير المؤمنين، وما خرج ابن القاسم إلا إليك. فأفرخ روع هشام، فقال: أرى ذلك، ووكل

إبراهيم غلاما له يتفقد عبد الرحمن عند مسلحة عليها طريق من قدم من المدينة إلى هشام، فكان مقيما عندها أياما، ثم طلع عليه عبد الرحمن على بغلة له وهو معتم فسلم فقالوا: من الرجل؟. قال: رجل من قريش. قالوا: من أي قريش أنت؟ فأخبرهم، فأتى عبد الرحمن إبراهيم بن هشام، فأتى به إبراهيم هشاما، فأدخله إليه فقال: السلام عليكم يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ: وعليك السلام، كيف أنت يا عبد الرحمن، كيف أهل بيتك؟. قال: بخير يا أمير المؤمنين. قال: أحب أن يكونوا بخير، فما أقدمك يا عبد الرحمن؟. قال: ظلامتي، خاصمت إلى خالد: ابن أبي عتيق، فمال علي ميلًا بينا، فرحلت إلى أمير المؤمنين مستغيثا به لينصرني. فكتب إلى خالد: «أما بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فأحضر رجالًا من أهل الفضل والستر والصدق والعفاف ممن يخيرهم عبد الرحمن بن القاسم، ثم اجمع بينه وبين خصمه، ثم مرهم أن يجزموا القضاء على أحدهما، ولا تعرض لعبد الرحمن في خصومة ولا غيرها، فإن لعبد الرحمن فضلًا، ومكان أبي بكر في الإسلام مكانه» . ثم ختم الكتاب ودفعه إلى عبد الرحمن فقال عبد الرحمن: قد بررت وقضيت الحاجة وأعفيتني من الظلم وعليّ أربعمائة دينار. فقال: يا عبد الرحمن، لو جمعنا لأحد أن نرد ظلامته ونقضي دينه لفعلنا ذلك بك، ولكنا لا نفعله بأحد فامض لشأنك. قال عبد الرحمن: فلحقني حسان النبطي فقال: قد سمعت كلامك في دينك، وهذه أربعمائة دينار من مالي فخذها واقض بها دينك. فقال عبد

الرحمن: ما أستجيز أخذها منك وأنا استجيزه من الخليفة، وأنا أقبلها على أن تكون قرضا، فأخذها على هذه الجهة فقضاه إياها ورثة عبد الرحمن بعد ذلك. قال ابن شوذب يمدح أبا الزناد نصر بن ربيعة وأصحابه: حتى إذا ما دخيل الهم أرقني ... فوق الفراش وكاد النوم يمتنع وقلت حين أناجي النفس من رجل ... والرأي مشترك والهم ملتفع [1] فصرت نحوك من أرضي لتنفعني ... إذا بلغتك والمعروف متبع أبا الزناد فلا تقعد بحاجتنا ... إن الكريم إذا ما هز ينخدع تحوي من العلم ما يشقي السقيم به ... ويجبر العظم منه حين ينصدع ما زلت بالحق إذ ضلت عقولهم ... حتى ردعت ألي الأهواء فارتدعوا

_ [1] اللفاع: الملحفة أو الكساء أو النطع، أو الرداء، ولفع الشيب رأسه: شمله. القاموس.

الجزء التاسع

[الجزء التاسع] [تتمة بنو عبد مناف بن قصي بن كلاب] [تتمة بنو عبد شمس] [تتمة ولد أمية الأكبر] [تتمة ولد أبي العاص بن أمية الأكبر] [تتمة أيام هشام بن عبد الملك بن مروان بن حكم بن أبي العاص] الخوارج في أيام هشام بن عبد الملك أمر صبيح الخارجي [1] : قال أبو الحسن المدائني: اشترى سَوّار بن الأسعر المازني غلامًا من سبي الأزارقة غُلامًا يُقالُ له صبيح، فكان عنده حينًا فلمّا صارَ رجلا أعتقه، وكان يرى رأي الخوارج، فخرج في حاجة لسوار وصحبه رجل من طيّئ فحضرت الصلاة فَصَلَّى صبيح ولم يصلّ الطائي فقال له: ألست مسلمًا؟ قال: بلى! قال: فما بالك لم تصلّ؟ فقال: وما أنت وهذا؟ أقبل على شأنك. فحكّم صبيح وقتل الطائي. واجتمعَ إليه رجال فخرج وسار إلى هَرَاة وأغارَ على إبل لبني سعد وقتل رجالا، فأتى السعديون ضرار بن الهلقام بن نُعَيْم التميمي، وهو عامل للجنيد بن عبد الرحمن المريّ على بعض خراسان، فخرج ضرار إلى الخوارج فسار في المفازة ولقيه صبيح في أربعمائة، وضرار في جمع كثير من بني

_ [1]- بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث ولله الحمد.

تَميم وغيرهم، ومعهم البختي بن ضبيعة المرّي، فاقتتلوا فقتل من أصحاب صبيح خمسون، وقتل عامة من كان مع ضرار، ورجع صبيح إلى سجستان فقال سوار لعمري لئن أغفلتُ من خشية الردى ... زرنَجَ [1] ولم أخرج حذار صبيح لَبِئْسَ إذًا حامي الحقيقة بعدها [2] ... ولابس ثَوْبِي ذلةٍ وفضوح فكتب خالد بن عبد الله إلى عبد الله بن أبي بُرْدَة بطلب صبيح رجاء أن يظفر به دون الجنيد، ونزل صبيح قرية كانت صلحًا، فأخذوه أسيرًا وأتوا به ابن أبي بردة، وقالوا: ما تجعل لنا إن أخذنا صبيحًا؟ قال: ما شئتم. فاشترطوا عليه الحطيطة من الأتاوة وشيئًا غير ذلك، فدفعوهُ إليه فبعث به إلى خالد، وبعث به خالد إلى هشام، فأراد قتله وصلبه فقيل له: إذًا تتخذ الخوارج الرصافة [3] دار هجرة، فردّه إلى خالد فقتله وصلبه، وأخذ الجنيد الخوارج ممن كان مع صبيح وعلى رأيه بخراسان فجعل يقتلهم حتى قتل مائة. ويُقال إن الجنيد أخذ رجلًا منهم أعمى فقال: أنا أدلك عليهم، فجعل يدله على رجل رجل من أهل السنة فيقتله حتى قتل مائة ثم قال: لعنك اللهُ يا أحمق. تزعم أن دمي حلال لك، وأنا أدلك على قوم فتقتلهم، والله ما قتلتُ إلا أصحابك وما دللتك من أصحابي على أحد. فقدمه فقتله.

_ [1] زرنج: مدينة هي قصبة سجستان، معجم البلدان. [2] بهامش الأصل: يروى: لبئس إذا حامى الذمار ابن سعر. [3] رصافة هشام على مقربة من الرقة، بقاياها قائمة.

أمر خالد الخارجي

أمر خالد الخارجي قال أبو الحسن المدائني: خرج خارجي من قبيل بُوشنج [1] وهراة في جمع عظيم فكان لا يأتي قرية إلا افتدوا منه بِمال، ومضى إلى مرو الروذ وعليها ضرار بن الهلقام فأراد أن يُعطيه شيئًا وينصرف عنه فجبَّنُوه وعجَّزُوهُ. وكان عامة الناس غزاة فقال: دعوني أردّ هذا الخارجي عنكم بشيء ولا نقاتله فإن عامة الناس غزاة، قالوا: جبنت وضعفت. فقال: كأني بكم منهزمين تكسع [2] الريح أدباركم، وخرج إليهم وأخرج معه الوجوه والأشراف من العرب والموالي، فبيت خالد عسكرهم فقتل من صبر وعامة من هرب، فلم ينج منهم إلا القليل، وأسروا ضرارا ثم قتلوه وأصحابه الذين بقوا معه، فقال منصور بن هبيرة التميمي ثم المازني قصيدة طويلة يرثيهم ويقول فيها:

_ [1] بلدة نزهة خصيبة في واد مشجر من نواحي هراة بينهما عشرة فراسخ. معجم البلدان. [2] كسع: ضرب دبره بيده أو بصدر قدمه. القاموس.

لقد تماصوا وقد آسوا أميرهم ... عند اللقاء حذار الذمّ والعار وقال رجلٌ من بني العنبر في قصيدة له: أَأُمام قد ذهب التجلد والأسى ... فانعي فوارس مازنٍ وضرارا ثم إن خالدًا مات من جراح كانت به، ويُقالُ مات حتف أنفه.

أمر عباد المعافري

أمر عباد المعافري قال أبو الحسن المدائني: خرج باليمن في أول سنة ست ومائة عباد المعافري فقابله مسعود بن عوف الكلبي، فلم يظفر به، فلم يزل باليمن حتى وليها يوسف بن عمر الثقفي فقتله. [أمر زحّاف الحميري] وخرج على يوسف زحّاف بن عباد الحميري الأباضي فبعث إليه يوسف كثيرًا أبا العاج السلمي فقتله فقال جرير بن عطية. الله أهلكَ عبادًا وشيعته ... عادات ربك في أمثال عباد لاقوا بعوث أمير المؤمنين لَهم ... كالريح إذْ بُعثتْ نحسًا على عاد فيهم ملائكة الرحمن ما لهم ... إلا التوكل والتسبيح من زاد [1]

_ [1] ديوان جرير ص 121.

خبر الأشهب العنزي

خبر الأشهب العَنزي قالوا: خرج رجل من عنزة يُقالُ له الأشهب بناحية الفرات في ستين فارسًا، فوجه خالد بن عبد الله القسري: السمط بن مسلم البجلي في سبعمائة فلقيهم قريبًا من الكوفة فقاتلهم فضربَ السمط على يده فندر سيفه، وأسرعَ سيف الضارب في يده، وانهزمَ العنزي هو وأصحابه، فقتلوهم حتى دخلوا الكوفة، ورماهم الناس بالحجارة، ثم برئ السمط من الضربة وشلت يده، فكان يطلب سيفه عند قعد الخوارج بالكوفة.

خوارج بموقوع [1] في أيام هشام ويوسف بن عمر على العراق

خوارج بموقوع [1] في أيام هشام ويوسف بن عمر على العراق قالوا: خرج خوارج بموقوع وكانوا تسعة عشر رجلا وامرأة، والقاسم بن محمد الثقفي على البصرة، فقتلوا وأسرت الامرأة فلما قُدم بها على القاسم قالت: يا حسن الوجه إني خُدعت. قال عمر بن سعيد: فأرسلني القاسم إلى يوسف بن عمر فقدمت عليه بالفتح وبالمرأة فقال: ما استبقاؤه هذه؟ وقتلها. ثم أرسلني يوسف بالرؤوس إلى الشام. وقال الهيثم: بعث بالرؤوس إلى الوليد، وكان هشام قد مات، فأقرَّ الوليد يوسف على العراق، فلمّا قدم رسوله على يوسف قال: كيف الوليد الفاسق؟ ثم قال: إياك أن يسمع هذا منك أحد، فحلف له رسوله بالطلاق ألا يسمعه منه أحد فضحك يوسف.

_ [1] موقوع ماء بناحية البصرة. معجم البلدان.

أمر خارجي بالموصل

أمر خارجي بالموصل قال المدائني: وخرج خارجي يذكر من عنزة بالموصل في ثلاثة عشر رجلا، في أيام هشام، فوجه إليه الحرّ بْن يُوسُف بْن يَحْيَى بْن الحكم: المستنير بن عجلان العَنَزِي، أحد بني يذكُر، فقال المستنير: لا ألقاهُ إلا في عدَّة من معه، فقاتلهم فظهر عليهم، فأوفده الحرّ إلى هشام، فقال له: ألك حاجة؟ فقال: تَخرجنا من ربيعة وتردّنا إلى بني أسد، فقال: نعم. فقال بنو يقدُم بن عَنَزة: لا نتحوّل، وقالت يَذْكُر بن عنزة: بلى. فاصطلحوا على أن صُيِّروا سبعًا على حدة.

خبر البهلول بن بشر الشيباني

خبر البهلول بن بشر الشيباني ويُقال ابن عمرو، ويلقب كثارة. قال أبو الحسن المدائني: خرج البهلول بن بشر الشيباني أيام خالد بن عبد الله القسري في سبعين رجلا كان من أهل الديوان معروفًا بالشجاعة، وكان سبب خروجه أنه حج، فلما كان ببعض قرى السواد أرسل غلامه ليأتيه بخلّ فأتاهُ بخمر فردّها فأبى الخمار أن يقبلها، فاستعدى عليه والي القرية وكان من أهل الشام فلم يُعده، وقال: خارجي خبيث، والله لهي خير منك وإني لأنْفَسُ بها على مثلك، فتركه ومضى لحجه، وجعل يُخبر من لقي من إخوانه ويعجبّهم، ويدعوهم إلى الخروج، فلمّا قضوا حجهم رجع إلى القرية التي كان بِهَا الشامي فقتله، ثم أتى الموصل فاتبعه قوم من أهلها وأهل الجزيرة. وأقبلَ خالد من الكوفة فلمّا كان في موضع يُقالُ له قياض [1] ، وجه إليه

_ [1] قياض موضع بنواحي بغداد، وقياض أيضا موضع بين الكوفة والشام، يرتحل منه إلى عين أباغ. معجم البلدان

خالد: يزيد بن قيس بن ثمامة الأودي أبو عافية بن يزيد الأودي القاضي، وكان على شرطة خالد، وكان في خف فلم يقاتله، فقال البهلول: إن صاحبكم هذا الأشجع الخلق وأحمق الخلق. ومضى البهلول إلى عين التمر ثم أتى لَعْلَعَ [1] فأقامَ بها وهو في مائة وستين من الخوارج، وأقبل إليه عشرة نفر من الكوفة من أهل راية [2] فعرض لَهم قوم فقتلوهم قبل أن يصلوا إليه. وبلغه ذلك فسار إلى القرية التي قتلوا بها فقال لهم: من قتل هؤلاء الرهط فله عشرة آلاف درهم. فادعى قتلهم جماعة فقتلهم، فتنكر له قوم من أصحابه وقالوا: غدرت بالقوم. فقال: أما كان لي أن أقتلهم وقد قتلوا إخوانكم؟ قالوا: بلى ولكنك كذبتهم. قال: إنا في دار حرب والحربُ خدعة. قالوا: تُبْ وإلا اعتزلناك. فتاب فقبلوا منه، ورجع فأقام بلعلع. وكان معه رجلٌ يُقالُ له أثال فتذكر أهله وولده فبكى، فقال بهلول: بكى جزعًا بعبرته أثال ... وليس بحين مكبى للرجال فلما أهل الديار لنا بأهلٍ ... ولا المالُ المراح لنا بِمال وقال أيضًا: من كان يكره أن يلقى منيته ... فالموتُ أشهى على قلبي من العسل فلا التقدم في الهيجاء يعجبني ... ولا الحذار ينجيني من الأجل فوجه إليه خالد رجلا من آل حوشب بن يزيد بن رويم الشيباني، فارتحلَ بهلول عن مكانه فسار يصبح بأرض ويُمسي بأخرى يجول بالسواد،

_ [1] لعلع: منزل بين البصرة والكوفة. معجم البلدان. [2] راية موضع في بلاد هذيل. معجم البلدان.

حتى أحفى دوابهم، ثم لقيهم وقد ضجروا وكلّت خيولهم، فلم يكن بينهم كبير قتال حتى انكشفوا، وصبر الرويمي في نُفَيْرٍ قتلوا، وأهوى له بهلول ليطعنه فقال: أسألكَ بالرحم فاذكرك الله إني مستجير جانح، فأمسك عنه وأتى فَلَّهُم الكوفة، وقدم قائد من أهل الشام في تلك الأيام وهو من بلقين ليوجهه خالد إلى الهند، فقال له: سر إلى هذه المارقة فإن قتلتهم لم أغزكم الهند، فسار القيني في أصحابه وهم ألفان من أهل الشام، وضم إليه خالد جندًا من أهل الكوفة، فكان في خمسة آلاف، منهم ثلاثة آلاف من أهل الكوفة. فجعل البهلول ينتقلُ في السواد حتى قطع خيولهم، ثم أتى لعلع فالتقوا بها فقُتل القيني، طعنه البهلول طعنة هتكت سلاحه وأوجره الرمح، فقال: قتلتني. قال: أبعدك الله يا عدو الله، وانهزم الشاميون، فقال البهلول لأصحابه: عليكم بالشاميين فإن الكوفيين أخرجوا كرهًا. فاتبعوهم فكانوا إذا لحقوا الشامي قتلوه وإذا لحقوا عراقيًا لم يقتلوهُ. فقال رجل ممن نجا من الشاميين: ما كنتُ أدري ما السيوف ووقعها ... حتى لقيت فوارس البهلول يُضْحي بأرضٍ والمبيتُ بغيرها ... هيهات من ممساك حيث تقيل وقال البهلول لأصحابه لما قتل القيني: علام نقيم على خالد وندع الذي أَمَّرَهُ؟ فتوجه إلى الموصل وهو يريدُ الشام، فوجه إليه والي الموصل قائدًا يُقال له سفيان، فهزمه البهلول. فكتب صاحب الموصل إلى هشام يُخبره خبر البهلول ويستمده، فكتب هشام إلى عامل الجزيرة أن يُمده فسرح إليه قائدًا من أهل الجزيرة في خمسمائة، ووجه هشام من الرصافة جندًا، وكتب إليه أن ضم إليهم جند الموصل واستعملَ عليهم كثارة، وهو لا يعلم

أن كثارة هو الخارجي، فتوافت الجنود بالموصل وبهلول نازل إلى جانب دير بالكحيل [1] . فجعل عامل الموصل عليهم رجلا يُقالُ له ابن أبي عطاء، فساروا حتى لقوا البهلول، فانهزمَ ابن أبي عطاء وأهل الشام، ولجأ بعضهم إلى الدير فحصرهم البهلول أيامًا. وقدم جند من أهل الشام، أيضًا مددًا، وانضم إليهم الفل فنزلوا بعقوة البهلول، وخرج إليهم من كان في الدير محصورا فتلا البهلول: يا أيها النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [2] وحمل على أهل الشام فقتل منهم رجلا، ثم قال لأصحابه: يا أخلاء إِنَّما خرجتم غضبًا لله فلا تجزعوا ولا تكبروا القتل في الله، وناهضهم وقال: إن أصبتُ فأميركم دعامة بن عبد الله الشيباني. فعاجلوهم وكثر القتلُ والجراح في الفريقين، ثم ترجل البهلول وأصحابه عند المساء فشدوا عليهم، فجال أهل الشام والبهلول يُقاتل ويقول: من كان يكرهُ أن يلقى منيته ... فالموتُ أشهى إلى قلبي من العسل وكمن له أبو الموت الجدلي- جديلة قيس- فمر به فطعنه فأثبته، ويُقال: الذي قتل البهلول عمرو بن ثوبان الحضرمي صاحب خيل الموصل، فقام بالأمر دعامة فانحازوا وتحاجزوا وقد أمسوا والجراح في الطائفتين فاشية، فقالت الخوارج لدعامة: فررت من الزحف وكفرت. فقال: إِنَّما انحزت ولم أفرّ، فأبوا أن يرضوا به وبايعوا عمرو بن غالب اليشكري

_ [1] الكحيل: موضع بالجزيرة، وقيل مدينة على دجلة بين الزابين فوق تكريت من الجانب الغربي. معجم البلدان. [2] سورة الأنفال- الآية: 64.

وأصبحوا فعاودهم القتال فقتل وقتل الخوارج غير نفير يسير انحازوا إلى العراق، وقال بعض الشعراء من الخوارج في دعامة: لبئس أمير القوم معترفًا به ... دعامة في الهيجاء شر الدعائم وكان الضحاكُ بن قيس- أحد بني مُحلم- جرح يومئذ فنزف وعطش، فرفع له خباء، فأتاهُ فوجد فيه امرأة، فاستسقى فسقته، وسقط فلم يقدر على النهوض، فلما أفاق مما كان به وبرئ أتى أصحابه من القعد فقالوا: فررت من الزحف. ولم يقرّ بالفرار واعتذر فلم يقبلوا عذره فكانوا لا يجالسونه ولا يكلمونه، فقال الضحاك: اللهم إني قد صدقتهم فكذبوني وبذلت نفسي فردّوني، اللهم أنت خير لي منهم. وقال: لا تطردوني إذا ما جئت زائركم ... أرجو الفلاح وكونوا اليوم إخوانا بُدّلت بعد أبي بشر وصحبته ... قومًا عليّ مع الأحزاب أعوانا في أبيات. ثم إنه أقرّ بالكفر واستتابوهُ فتاب. قالوا: وكان بهلول لين السيرة لا يُقاتل إلا من قاتله ولا يعرض لأحد ولا يأخذ شيئًا إلا بثمن.

أمر ابن شبيب بن يزيد: ويكنى أبا الصحارى

أمر ابن شبيب بن يزيد: ويُكنى أبا الصُّحارى قال أبو الحسن: وأتى ابن لشبيب بن يزيد الخارجي خالد بن عبد الله فقال: افرض لي، فقال: ابن شبيب ماله وللفريضة؟ فخرج وأرسلَ خالد في طلبه فأبى أن يرجع فتعلقوا به ومنعوهُ من المضي، فانتضى سيفه فهربوا، ومضى على فرسه إلى الفرات فعقر فرسه، وركب سفينة وأتى ناسًا من بني تيم اللات كانوا بجبل فدعاهم إلى الخروج فخرجوا، فوجه إليهم خالد خيلا فقتلوا جميعا.

أمر وزير الخارجي

أمر وزير الخارجي قال أبو الحسن المدائني وغيره: خرج عَلَى خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري وزير الخارجي، فحكّم بالكوفة في ثلاثة عشر رجلا، وخالد بالحيرة، فقتل من لقي وحرق وغلب على بيت المال، فتلقته الفرسان فقُتل بعض الخوارج وأُسرَ بعضهم وارتثّ وزير فأُتِيَ به خالد، فجعل يقرأ القرآن ويعظُ خالدًا حتى رقّ له واستبقاهُ، وأمر به فحبس فكان يخرجه من الحبس فيسامره، وبلغ ذلك هشامًا فكتبَ إلى خالد: أتستحيي فاسقًا مارقًا قد قتل وحرق وفرق بيت المال فأحرقه، فلمّا أتاهُ كتاب هشام أخرجه ومن كان بقي معه من أصحابه فصبّ عليهم النفط ثم حرقوا في طنان [1] القصب وقد أشعلت فيها النيران، فلم يجزع وزير ولم يتحرك وجعل يقرأ: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حرا لو كانوا يعلمون [2] . وجزع أصحابه واضطربوا. تمت أخبارُ الخوارج في أيام هشام.

_ [1] طنان القصب: حزم القصب. القاموس. [2] سورة التوبة- الآية: 81.

ولد هشام

ولد هشام قال أبو اليقظان: ولد هشام: مسملة، ويزيد، ومحمدًا، وأم هاشم، أمهم أم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاص، وأمها زينب بنت عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام المخزومي. وعبد الرحمن، ومروان، أمهما أم عثمان بنت سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان، وأمها أم عمرو بنت مروان بن الحكم. وعائشة أمها عبدة بنت عبد الله بن الإسوار بن يزيد بن معاوية. ومعاوية، والوليد، وسليمان، وقريشًا، لأمهات أولاد شتى. وكانت عائشة تسير مع هشام في موكبه لإعجابه بها، وكانت لها خيل تسبق، وتزوجها عبد الله بن مروان بن محمد، وأما معاوية فكان أكبر القوم.

أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام

أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام قالوا: كان ابن هبيرة عاملا ليزيد بن عبد الملك على العراق، وولي هشام فأقره، وكان خالد بن عبد الله بن أسيد بن كُرْز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق بن سعد بن يشكر بن رهم بن أفرك بن نذير بن قَسْر- واسم قسر: مالك- بن عبقر. وأخته بَجيلة ابنة صعب بْن سَعْد العشيرة بْن مَالِك بْن أدد بْن زيد بْن يشجب بْن عريب بْن زيد بن كهلان، ضرب وهو على مكة من قبل الوليد بن عبد الملك حبابة جارية ابن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، وكانت قينة تسمى العالية فصارت ليزيد بن عبد الملك وسماها حبابة. فلما ولي يزيد خافه خالد، وخاف حبابة، وتبناها عمر بن هبيرة فسأله خالد أن يترضاها له وأهدى إليها هدايا ففعل. فقالت: قد وهبته لك، فلم يشكر له خالد ذلك وحبسه حين ولي العراق بعده. قالوا: وعزل هشام: عمر بن هبيرة، وولى: خالد بن عبد الله العراق في أول سنة من ولايته.

وقالوا: قال عمر بن يزيد الأسيلمي- من بني تَميم-: دخلتُ على هشام وخالد بن عبد الله القسري عنده يذكر طاعة أهل اليمن ووفاءهم، وذلك قبل ولايته العراق، وقال: فصفقت تصفيقة دوى منها البهو، وقلت: ما رأيتُ كهذا القول خطأ وخطلا، والله ما قبحت فتنة في الإسلام إلا باليمن فهم سعوا على عثمان أمير المؤمنين فقتلوهُ، وهم خلعوا أمير المؤمنين عبد الملك، وإن سيوفنا لتقطرُ من دماء آل المهلب. فلمّا خرجت لحقني رجلٌ من أهل الشام. فقال: يا أخا بني تَميم وريت بك زنادي، قد شهدت مقالتك، وأميرُ المؤمنين مُوَلٍّ خالد العراق وليس هو لك بدار. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى عن عبد الله بن أسيد الكلابي: إن إياس بن معاوية قال: كنتُ عند ابن هبيرة في يوم جمعة وقد أذنوا فجاء غلام له يعدو فقال: إن قومًا دخلوا علي البريد ووكلوا بالباب من يَحفظه، قال إياس: فقمتُ فخرجتُ فمنعني الحرس، فقال وهو فزع منبهر: هكذا تقوم القيامة. وأقيمت الصلاة فصلى خالد بن عبد الله بالناس، وقرأ عهده، وكتبه، ثم أرسلَ إلينا فأتيناهُ، فقلتُ: أنا إياس بن معاوية، فأطلقني، وحبس ابن هبيرة. وقال إسماعيل بن عمار يُعارض الفرزدق: عَجِبَ الفرزدق من فزارة أنْ رأَى ... عنها أميةُ بالمشارق تنزع فلقد رأى عجبًا وأُحدث بعده ... أمرٌ تراعُ له القلوب وتفزع

بكت المنابرُ من فزارةَ شجوها ... فاليوم من قسر تضج وتَجزع وملوك خندف أضرعتنا للعدى ... لله دَرّ ملوكنا ما تصنع فلما حبس خالد قال الفرزدق: لعمري لئن نابت فزارة نوبة ... لمن حدث الأيام تسجنها قَسْرُ لقد حبس القسري فِي سجن واسط ... فتى شيظمى الا ينهنه الزجر فتى لم تُوَرِّكْهُ الإماء ولم يكن ... غداءٌ له لحم الخنازير والخمر [1] فقال ابن هبيرة: ما رأيتُ أكرمَ من الفرزدق: هجاني أميرًا ومدحني أسيرًا. وكان الفرزدق هجا ابن هبيرة فقال في أيام يزيد: أمير المؤمنين وأنت عفّ ... كريم لست بالطبع الحريص أأطعمتَ العراق ورافديه [2] ... فزاريًّا أَحَدَّ يَدَ القميص ولم يك قبلها راعي مخاضٍ ... ليأمنه على وركي قلوص تفهق بالعراق أَبُو المثنى ... وعلَّم قومه أكل الخبيص [3] وقال فيه بعد هذا الشعر: يلين لأهل الدين من لين قلبه ... لَهم وغليظٌ قلبه للمنافق [4] فقال خالد: فأينَ أبو فراس، وطمع في أن يقعَ في يده فيعاقبه فحذره الفرزدق.

_ [1] ليست في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] بهامش الأصل: رافديه: دجلة والفرات. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 389. [4] ديوان الفرزدق ج 2 ص 41.

قالوا: وكتب هشام إلى خالد في عذاب ابن هبيرة والاستقصاء عليه. وروي عن الصعق بن حَزَن أنه قال: رأيتُ خالدًا لَمّا قدم العراق يُعذب عمر بن هبيرة فأُخرج يومًا من السجن وعليه عباءة فألقي فتكشف فنظرت إليه وقد رفع إصبعه إلى السماء يدعو فعلمتُ أنه سينجو. وقال أبو عبيدة: حدثني خالد بن جَبَلَة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: كنتُ مع ابن هبيرة في حبس خالد وكان ابن هبيرة قد ضربني قبل ذلك، فقال: يا جبلة، إن الْحَفظة تذهب الحقد وقد أمرتُ موالي أن يحفروا لي، وهم منتهون إليّ الليلة، فهل لك في الخروج؟ قلت: لستُ فاعلا. قال: فأشر علي. قلت: لا تخرجنّ في دار قوم، قال: لا. وكان أمر مولى له فاستأجرَ دارًا إلى جانب السجن واتخذ فيها ألف نعجة فكانوا يحفرونَ الليل ويتخذونَ التراب في الدار فيصبح الشاء قد وطئته ولبدته بأبوالها فأفضوا بنقبهم إلى جبلة، فقال لهم: لست بصاحبكم فأتوا عمر بن هبيرة فقام حتى دخل النقب فخرج منه. وكان جبلة أشار عليه أن يقدم كتابًا إلى هشام ويبعث معه رسولا، فوجه بكتابه أبا الفوارس الباهلي الأعرج، فقدم به إلى الرصافة غدوة، وقدم ابن هبيرة عشية. المدائني قال: سمع ابن هبيرة في طريقه امرأة من قيس تقول: لا والذي أسألهُ أن ينجي عمر بن هبيرة فقال: يا غلام اعطها ما معكَ وأعلمها أني قد نجوت. ولما فقد الحرس ابن هبيرة من السجن أخبروا خالدًا، فوجه في أثره سعيد بن عمرو الحرشي، لأن ابن هبيرة عزل سعيدًا عن خراسان، وضربه

حين قدم عليه مائة سوط ونفخَ في دبره بكير، وحبسه فكان سعيد بن عمرو إذا ذكره قال: قبح الله ابن هبيرة فإنه أوهى مني بصرًا حديدًا وساعدًا شديدًا، فلم يزل محبوسًا حتى قدم خالد فأكرمهُ فلم يقدر سعيد على ابن هبيرة، فترك خالدًا وتم على وجهه إلى الشام. وقدم ابن هبيرة فأشارت عليه قيس بأن يستجير بأم حكيم بنت يحيى امرأة هشام، فقال: امرأة؟ قالوا: فاستجر بأبي شاكر مسلمة بن هشام. قال: صبي، ولكني أستجيرُ بأبي سعيد مسلمة بن عبد الملك، قالوا: أتستجيرُ به وقد وليت ما كان يليه ولم تبق عليه؟ فقال: هو كريم ولا يسلمني أبدًا، فتوجه إليه ومعه وجوه القيسية، فلمّا رآهُ مسلمة كره مصيره إليه، وانطلقَ إلى هشام فكلمه فيه وقال: هذا رجلٌ خاف تحامل خالد عليه للمُضريَّة، فأمنه هشام على أن يؤدي ما طولب به فأدّاه. وقال عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: كنا في رصافة هشام ومعنا مسلمة بن عبد الملك وسليمان بن هشام وابن هبيرة، فخرج علينا رسول هشام فقال: إن أمير المؤمنين يعزم عليكم أن تتلقوا أبا الهيثم خالد بن عبد الله، وكان قدم على هشام للسلام عليه، ولمناظرته في أمور، لم تحتملها المكاتبة والرسل، وحمل معه أموالا وألطافًا، فقال ابن هبيرة: وأنا أيضًا؟ قال: ما أراد أميرُ المؤمنين غيرك، فركب الناس لتلقيه، وركب ابن هبيرة بغلته. قال عبد العزيز: فسرنا حتى لقينا خالدًا فسلم علينا وسلمنا عليه، فلم يسلم خالد على ابن هبيرة فتقدم على بغلته، فصاح خالد: إباقًا كإباق العبيد، قال ابن هبيرة: أنومًا كنوم الأمة، ويُقال إنه قال له: أبقْتَ أباق العبد، فقال له: نعم حين نِمت نوم الأمة.

أخبار خالد القسري

[أخبار خالد القسري] وقال الفرزدق في هرب ابن هبيرة لَمَّا رأيتَ الأرض قد سد ظهرها ... فلم تَرَ إِلَّا تَحتها لك مخرجا دعوت الذي ناداهُ يونس بعد ما ... هوى في ثلاث مظلمات ففرّجا خرجت ولم تمنن عليك شفاعة ... سوى ربذ [1] التعريب من آل أعوجا وظلماء تحت الليل قد خُضتَ هولها ... ولونًا كَلَوْنِ الطيلساني أدعجا هما ظلمتا ليل وأرض تلاقيا ... على جامح من همه ما تعوجا [2] وقال: قد ضَيَّعَ السجن والتضييعُ عادته ... حتى نَجَا سالِمًا من سجنه عمر وانقضت من قوى القسريّ مرَّتَهُ ... وأحكمت من حبالٍ غيرها مرر [3] وقال أيضًا: أَلَا قَطَعَ الرحمنُ ظهر مطيَّة ... أتتنا تَخَطَّى من دمشق بِخالد وكيف يؤمّ الناس من كان أمه ... تدين بأن الله ليس بواحد [4] قال: وجلس هشام لينظر فيما بين ابن هبيرة وسعيد بن عمرو الحرشي، وتظلم سعيد منه فخرج الربيع بن شابور مولى بني الحريش وهو حاجبه، فقال عمرو بن سعيد: لا يقم غيرهما. فقال سعيد: ولاني خراسان ففعلت ما يجب علي، وحمدني أهل البلاد، فكافأني بأن ضربني فأوهى بصري وأخذ مالي.

_ [1] ربذ: خفيف القوائم في مشيه. القاموس. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 117- 118. [3] ليسا في ديوانه المطبوع. [4] ليسا في ديوانه المطبوع.

الأبرش الكلبي يكيد لابن هبيرة عند هشام

فقال هشام: ما تقولُ يا عمر؟ قال: وليت العراق فوجدت هذا صعلوكًا ليس له إلا فرسه ورمحه، لا يعرفه أحد إلا أن له حظًّا من نجدة، فوليته البصرة ثم عزلته ووليته خراسان، فسرق الفيء واحتجنه ولم يبعث إلي إلا ببرذونين حطمين، فعزلته وضربته، وأخذت ماله، ووضعته في بيت المال. فقال: ألكَ يا سعيد حجة غير ما ذكرت؟ قال: لا. قال: فأنت يا عمر؟ قال: لا. قال: فليمسك كل واحد منكما عن صاحبه حتى يرى أمير المؤمنين رأيه، فأمسكا. [الأبرش الكلبي يكيد لابن هبيرة عند هشام] قالوا: وَلَمَّا قدم ابن هبيرة على هشام وأمنه، كاده الأبرش وأصحاب خالد بن عبد الله، فأعدوا مائة من خيل المضمار سياسها وقوامها فقدموها وأضمروها، وأمروا مجريها أن يعارضوا بها هشامًا إذا ركب يومًا، فعورض بها، فسأل عنها، ورأى خيلا لا يعرفها لنفسه، فقالوا: هذه لابن هبيرة. فاستشاط غضبًا، وقال: وا عجبا، اختان ما اختان ثم قدم؟ فو الله ما رضيت عنه بعد وهو يوائمني في الخيل، عليّ بعمر، فدعي به وهو يسير في عرض الموكب فجاء مسرعًا وقد بلغه الخبر، فقال له هشام: ما هذه الخيل؟ قال: خيل أمير المؤمنين اخترتها وطلبتها من مظانها حتى جمعتها لك فمر بقبضها، وكان ذلك سبب نقاء قلبه له، وانشراح صدره بالرضا عنه. ثم لم يزل عمر يتأتى لِهشام حتى أنس به، فقال له يومًا: هل لك في أمر لم يطمع فيه أحد ولم يعرضه عليك قبلي أحد؟ قال: وما هو؟ قال: اعمل لك من قبل الوليد بن يزيد في البيعة لمسلمة ابن أمير المؤمنين. قال: أو تفعل؟ قال: نعم. قال: فإن فعلت وليتك العراق.

أخبار خالد القسري

فأتى ابن هبيرة الوليد فقال له بعد حديث طويل جرى بينهما: أيّها الأمير لم تزل تلقى مثل ما تلقى من هذا الأحوال فيك، قد علم خؤولتنا لك وميلنا إليك فهو يجرعنا الغيظ بسببك لتصغيره إياك مرة وتهدده مرة، ولست آمنة عليك، فإن أذنت لي عملت لك في أمر تتعجل نفعه وتأمن به، ثم الأمر فيه إليك. قال: وما هو؟ قال: تدعو هشامًا إلى أن يعقد الأمر بعدك لابنه أبي شاكر وتتعجل لك منه مالا رغيبًا جليلا فإن حدث بِهشام حدث نظرت في أمرك فإن شئت خلعت مسلمة وعقدت الأمر لِمن أحببت، فقد علمت طاعتي في قيس وهم أخوالك، فالأمرُ منته إلى ما رأيت وأردت. قال: فافعل. [أخبار خالد القسري] فأتى هشامًا فقال: قد حكمت الأمر فهات العهد على العراق فإذا بويع لمسلمة مضيت. فأعطاهُ عهدًا، وكان خالد يَخاف ابن هبيرة خوفًا شديدًا، فيُقال إنه دس رجلا فضرب مضربًا في طريق ابن هبيرة إلى هشام، فلمّا مرّ به قام إليه فقال: أنا مولاك وقد لغبتَ فهل لك في شربة عسل تخوض بِماء بارد، فشربها ثم نهض يريد منزله، وقوض الرجل مضربه وانشمر، ومات ابن هبيرة من يومه ويُقال أنه فلج فمات. وقال المدائني: كان يُقال: رجل أهل الشام عمر بن هبيرة، ورجل أهل البصرة عمر بن يزيد الأسيدي، ورجل أهل الكوفة بلال بْن أَبِي بردة بْن أَبِي مُوسَى الأشعري. فذكر ذلك لعمر بن يزيد فقال: صدقوا ولكن بلالا حية، فقيل ذلك لبلال فقال: رمتني بدائها وانسلت.

عمال خالد القسري على البصرة

[عمال خالد القسري على البصرة] وقال المدائني: لما ولي خالد بن عبد الله العراق ولي البصرة أبان بن ضبارة من أهل اليمن، ثم عزله وولي عقبة بن عبد الأعلى الكلاعي، من أهل الشام، ثم عزله وولي عامر بن نُفَيْل الكلاعي أو الكلابي، فكلهم كانوا على الصلاة بالبصرة. وعلى الشرط والأحداث مالك بن المنذر بن الجارود العبدي من قبل خالد [1] . وقال المدائني: أخذ الفضل بن بُرْجَان اللص العُطَاردي من بني تَميم أخذه شعيب بن الحبحاب الفقيه في العتيك، فرفعه إلى مالك فضربه حتى مات ثم صلبه، وأخذ مالك بن المنذر سَهمًا الصُّبَيْرِي أحد بني صُبير بن يربوع بن حنظلة فقتله، وكان سهم لصًا، وقتل جَمَاعة من اللصوص فقال خليفة الأقطع: إن كنتِ لم تسألي سهمًا وصاحبه ... عن مالك فسلي فضل بن بُرْجَان في أبيات. وذكروا أن ابن المنذر سأل الحسن عن امرأة عذبت جاريتها حتى ماتت، فأمرهُ أن يعزرها ولم ير عليها قودًا. حدثني عمر بن شبه وغيره عن أبي عاصم النبيل قال: صلى مالك بن المنذر فِي ثوب رقيق، فَقَالَ لَهُ البتيّ [2] : لا تصلّ في ثوب واحد رقيق، فلمّا ولي أرسلَ إليه فضربه عشرين سوطًا فقال: علام تضربني؟ قال: لأنك تأمر الناس ألا يصلوا إلا في الحجاب.

_ [1] بهامش الأصل: مالك بن المنذر. [2] البتي هو عثمان، رأى أنس بن مالك وروى عن الحسن البصري. اللباب لابن الأثير.

ولاية مالك بن المنذر شرطة البصرة

[ولاية مالك بن المنذر شرطة البصرة] قالوا: وبعث مالك إلى الحسن: ما هذه الجموع؟ لئن جلست مجلسك لأضربنّك ثلاثِمائة سوط، فقال: يكفيني من ذلك سوطان، فجلس في بيته وأمسكَ عن ذكر الأمراء. حدثنا خلف عن عَبْد الوارث عن مُحَمَّد بْن ذكوان قال كان مالك بن المنذر على الشرط، فضرب ثابتًا البُناني، وشتم الحسن وقال: اعتزلَ مجلسنا وإلا ضربتك مائة سوط على ظهرك وبطنك فإنك تعيب أمير المؤمنين، والأميرُ، وتحرم القبالات. المدائني قال: كتب مالك بن المنذر إلى خالد يذكر له أمر الحسن وعيبه الأمراء، فكتب إليه: إنك لست من الشيخ في شيء، فَالْهُ عَنْ ذكره وإيّاكَ أن تعرض له، فأتاهُ رسول مالك فقال له: إن أبا غسان يقرئك السلام ويقول إن رأيت أن تأتي المقصورة. فجعل يقول: إن أبا غسان يقرئك السلام ويقول: إن رأيت أن تأتي المقصورة فافعل، يردد ذلك ثلاثًا: لا، لا، لا. ثم دخل على مالك فوعظه وقال: اتق الله ولا تترجح في هذه الأماني فإن أحدًا لم يُعْطَ شيئًا بأمنية دون عمل. وقال هشام ابن الكلبي: ضرب مالك عمر بن يزيد الأسيدي بالسياط حتى قتله. قالوا: وكان عمر لِمالك صديقًا فوشى بِهِ بالكوفة إلى عَبْد الحميد بْن عَبْد الرحمن في أيامه فأزعجه من عنده، ووشى بِهِ إِلَى الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك حتَّى أزعجه، ثُمَّ وشى بِهِ إلى مسلمة بْن عَبْد الملك فلم يقبل منه، فلما رأى عمر أن مسملة لا يقبل صالَحَ مالكًا، فلما ولي مالك أحداث البصرة ذكر عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله بن عامر، فنفاهُ من أبيه وعنده

عمر بن يزيد، وحفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر وغيره، فأتى عُمَر بْن يزيد عَبْد الأعلى فأبلغه قول مالك، وقَالَ: أَنَا أشهد لَكَ عَلَيْهِ فشخص عَبْد الله إلى خالد وهو بواسط، وأشخصَ معه عُمَر بْن يزيد وحفص بْن عُمَر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر فشهدا على مالك بِمَا قال فكذبهما خالد وتهددهما وقال لعمر بن يزيد: أنا أعرفُ شرارتك ومحلك وحبسه عنده ودس شهودًا فشهدوا أنه يشرب الخمر فضربه خالد حَدًّا وَحَدرَه إلى مالك فضربه بالسياط حتَّى وقذه، ثُمَّ أمر بِهِ فحمل إلى السجن فلويت عنقه فمات، وادّعي أنه مصّ خاتمه فمات، وإنّما أشاعَ ذلك أصحاب خالد. فلمّا مات عمر جزعت بنو تَميم، وتنمرت لربيعة، وحدبت ربيعة على مالك ومالت إليه، واشرأب الناسُ للفتنة فقمعهم السلطان. وحدثني عُمَر بْن شبه، حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن معاوية عن المشجع قَالَ: دخلتُ عَلَى عُمَر بْن يزيد بْن عمير السجن فَقَالَ: ما فَعَلَتْ داري؟ قلت: هُدمت. قَالَ: فَنَخْلي؟ قلت: قُطع. قَالَ: ما أهون ذلك عليّ إن سلمت نفسي. المدائني عن سحيم بْن حَفْص قَالَ: قَالَ الحسن: إن مالكًا قتل عمر بن يزيد ليعزّ، فلم يزده الله إلا ذلا، وإن عُمَر بْن يزيد قُتل شهيدًا، وكان مالك شاور بشير بن عبد الله بن أبي بكر وعمرو بْن مُسْلِم الباهلي فِي أمر عُمَر بن يزيد، فَقَالَ لَهُ بشير: إن قَتَلْتَه قتلت عصفورًا، وإن تركته تركت أسدًا، وقال عمرو: أقتله، فقال الفرزدق:

لله قومًا شاركوا فِي دمائنا ... وكنا لَهُمْ عونًا عَلَى العثراتِ فجاهرنا بالغش عَمْرو بْن مسلم ... وأوقد نارًا صاحب البكرات [1] وقال الفرزدق: يا لتميمٍ ألا لله أمكم ... لقد رُميتم بإحدى المصمئلات [2] واستشعروا بثبات الذل واغتربوا ... إن لم تروعوا بني أفصى بغارات أَوْ تقتلوا بفتى الفتيان قاتله ... وتقتلوا بصعيد غير أشتات لله در فتى راحوا بِهِ أصلا ... مهشم الوجه مهشوم الثنيات [3] فخرجت رجال تَميم وخرجت عاتكة بنت الملاءة امرأة عمر فدخلت على امرأة هشام، فجعلت لا ترى معها شيئًا حسنًا من جارية أو غيرها إلا قالت: ما أحسن هذا، فتقول: هو لك، فلما جهدت وجهد القومُ نزلوا على عثمان بن حيان المري. قالت ابنة الملاءة: فأتيناهُ وهو في مزرعة له فشكونا إليه أمرنا، فقال: قد والله بلغنا أمركم فساءنا وأحفظنا، ولبس ثيابه ثم أقبلَ معنا إلى هشام وكان لا يُحجب عنه، وأَطَفْنَا به، فصاح عثمان: قبح الله طاعة لا تُعرف لأهلها، ونصيحة لا تُشكر لِمن عُرف بها، فأسمع هشامًا فخرج الخدم يقولون: من هذا؟ فقيلّ عثمان بن حيان. فدخلوا فأعلموا هشامًا ثم خرجوا إليه فقالوا: ليدخل عثمان، فدخلَ فأعلم هشامًا وكلمه فقال

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 116. [2] المصمئلات: الدواهي. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 107- 108 مع فوارق.

هشام: ويحك أتتهمني في أمر عمر؟ والله لولا أن السماء والأرض قامتا بالعدل لقتلتُ قاتل عمر وعشيرة قاتله. ثم أقبل على الحر بْن يُوسُف بْن يَحْيَى بْن الحكم بن أبي العاص فقال: ما رأيتُ الرجل الصبيح الفصيح عمر بن يزيد بن عمير الأُسيدي فإنه قتل، والله ما كنت أحب أن أمي ولدت رجلا من العرب غيره، قال: يا أميرَ المؤمنين فمثل هذا يقتل دونك، قال: قد كتبت في حمل قاتله. قالت عاتكة بنت الملاءة: فقدمنا ومالك قاعد على ضفة النهر فأخبر بِمقدمنا ومقدم رسول هشام معنا فركب سفينة ثم أتى الكوفة فلم يفارقه الرسول حتى حمله إلى هشام. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شَبَّةَ عَن أَبِي عَاصِم النبيل، أخبرني العُذَافر بن يزيد قال: لَمّا قدم مالك بن المنذر واسطًا، أتيته أنا وأبي فجاءه رسول لأمير المؤمنين فكلمه على باب خالد، فقال: يا دُكين اكسر أنفه، فدخل الرسول على خالد فقال: كسر أنفي على بابك. فقال: مالك له يا مالك؟. قال: منعني الدخول. فلمّا أراد الخروج قال: ما يسرني أن الله عافاني من النقرس ورجعني من وجهي سليمًا وإني لم أكن فعلت به الذي فعلت. المدائني قال: لَما قتل مالك عمر دله أو كاد يدله [1] ، حتى كان يسلك الطريق من طرق البصرة فيقول: أين أنا؟. وكان عمر يقول لَمّا ضربه مالك: يا هشام يا هشام. وقال الفرزدق:

_ [1] الدله: ذهاب الفؤاد من هم ونحوه. القاموس.

أَلَمْ يَكُ قَتْلُ عبد القيس ظلمًا ... أبا حفصٍ من الكُبر العظام قتيل جماعة في غير جرمٍ ... ينادي وهو يُضرَبُ يا هشام [1] المدائني وغيره قالوا: أُدخل مالك بن المنذر على هشام فقال: لا مرحبًا ولا أهلا، لا قَرَّبَ اللَّه داركَ ولا سهلّ محلّتك، أقتلت عمر بن يزيد، فوالله لَهو كان خيرًا منك حسبًا ونسبًا وريشًا وعقبًا، فقال مالك: ولم يا أمير المؤمنين؟ ألست ابن المنذر بن الجارود ومالك بن مسمع؟. فأمرَ به فوجئت عنقه، ثم أمر بحبسه وإثبات البينة عليه، فمات فِي السجن، فيُقال إن القيسية دسوا إليه من قتله في السجن، ويُقال، مصَّ خاتمه، ويُقال: مرض ومات حتف أنفه. وقال الفرزدق: لئن مالك أمسى قد انشعبتْ به ... شَعُوب التي يودي بها كل ذاهب وإن مالكًا أمسى ذليلا لطالَما ... سعى في التي من صادفت غير آئب [2] في أبيات. وقال أيضًا: ألم تر أن الله ربي بحوله ... وقوَّته أخزى ابنَ عمرةَ مالكًا فمن يك عنه سائلا بصنيعةٍ ... فقد ظلَّ في أرض الرصافة هالكًا تظل الضباع العاويات بنشنه ... إذا جنّ مسودّ من الليل حالكا [3]

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 276 مع فوارق [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 31 مع فوارق. [3] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الفرزدق المطبوع.

أخبار خالد القسري

[أخبار خالد القسري] وقال أبو اليقظان: كان مالك حبس الفرزدق، وذلك أن خالدًا حين كان على مكة من قبل الوليد بن عبد الملك ضرب محمد بن طلحة بن عبيد الله أو عبد الله بن شيبة مائة سوط، فكتب سليمان بن عبد الملك إلى طلحة بن داود الحضرمي، وكان على قضاء مكة يأمره أن يَقُصَّهُ منه، فضربه مائة سوط فمر به الفرزدق وهو يضرب فقال له: اضمم إليك جناحيك يا بن النصرانية، وقال: لَعَمْرِي لقد صُبَّت على ظهر خالدٍ ... شآبيب ما استهللنَ من سَيَل القطر وعمري لقد صالَ ابن شيبة صولة ... أرتك نجومَ الليل مُظْهَرَةً تجري أتضرب في العصيان تزعم من عصى ... وتعصي أمير المؤمنين أخا قَسْر فَنَفْسَكَ لُمْ فيما أتيتَ فإنها ... جزيتَ جزاء بالمجدرجة السُّمْر ولولا يزيد بن المهلبِ حلقت ... بكفك فتخاءُ [1] الجناحِ إلى الوكر [2] قالوا: وكان سليمان أمر بقطع يده، فسأله يزيد أن يُضرب كما ضرب الرجل. قال هشام ابن الكلبي: هو عبيد الله الأعجم بن شيبة بن عثمان بْنِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عثمان بن عبد الدار، ضربه القسري فضرب له. وقال الفرزدق: سلوا خالدًا لا أصلحَ الله خالدًا ... متى وَلِيَت قَسْرٌ قريشا بدينها

_ [1] الفتخاء: العقاب. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 301.

أَبَعْد رسول الله أم قبل عهده ... أم اضحت قريش قد أغثَّتْ سمينَها أَرَدْنا هُداه لا هَدَى الله قلبه ... وما أمُّهُ بالأم يُهْدَى جنينها [1] كانت أم خالد سوداء نصرانية، فكتب خالد إلى مالك: خذ الفرزدق فإنه هجا نهر أمير المؤمنين فأمر مالك أيوب بن عيسى الضبي فتلطف له حتى أخذه، فلما قيل لِمالك: قد أخذ الفرزدق، انتفخَ وريده غضبًا، فلمّا وقف بين يديه أنشده قوله: أقول لنفسي حين غَصَّتْ برِيقها ... ألا ليت شعري ما لها عند مالك لها عنده أن يُرجع الله روحها ... إليها وتنجو من عظام المهالك وأنت ابن جَبَّارَي ربيعة أدركا ... بك الشمس والخضراء ذات الحبائك [2] قال: فسكن غضبه وأمر به إلى السجن فقال وهو في السجن: رأيتُ أبا غسان عَلَّق سيفه ... على عاتقي شغْب على من يشاغبه ترى الناس كالدَّمْعَى له وقلوبهم ... تَنَزَّى وما فيهم عريب يُخاطبه أذلّ به الله الذي كان ظالِمًا ... وَعَزَّ بِهِ المظلوم واشتد جانبه وقد علم المصر الذي ضاع أنه ... سيُحْمَى وتَمشي بالسيوف كتائبه [3] وقال في السجن: يا مال هل لك في كبير قد أتت ... تسعونَ فوق يديه غير قليل يا مال هل هو مهلكي ما لم أقل ... وليعرفنّ من القصائد قيلي

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 334. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 56. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 70- 71 مع فوارق كبيرة.

لا تأخذن عليّ قول مُحَرِّشٍ ... ضغن عليّ وَتَرْتُه متبول إني بذمة مالك وبِمنذرٍ ... أبويك محترسٌ لكل محول [1] وأم مالك عمرة بنت مسمع، ولم يطلقه حتى حبس عمر بن يزيد معه ثم قتله وأشاعَ أنه مصّ خاتمه فمات، فقال له الفرزدق: لقد قيل قد مَصَّ الأسيديّ خاتمًا ... وقد دُقَّ منه عظمه ومفاصله وإني لأخشى مثلها منه إنه ... إذا علقت أنيابه وحبائله بقرنٍ أصابَ القلب منه بِمخلبٍ ... تَرَمَّلَ منه أنفه وجحافله [2] فلما حمل مالك قال الفرزدق: ستعلم عبد القيس إن زال ملكها ... على أيّ حالٍ يستمر مريرها وكان يجير الناس من سوط خالد ... فأصبح يبغي نفسه من يجيرها وكنت كعنز السوء قامت لحينها ... إلى مديةٍ مدفونةٍ تستثيرها [3] وقال الفرزدق: وزهَّدني في شرطة الْمِصْر أنني ... رأيتُ عليها مالكًا عقب الكلب وما مالك إلا عجوز كبيرة ... مضببة الأنياب توجف في الركب [4] وقال أيضًا: لعمرك ما أشبهت جدك مالكًا ... ولا جدك الجارود يا عقب الكلب [5]

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 122- 123 مع فوارق. [2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الفرزدق المطبوع. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 198 مع فوارق. [4] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع. [5] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.

ولاية بلال بن أبي بردة البصرة

ولم يزل الفرزدق محبوسًا حتى ولي النَّضْر بن عمرو فقال: ألا طَالَ مَا رسّفتُ في قيد مالك ... فأصبح في رجليه فيدي محوَّلا وأطلقني النَّضْرُ بن عمروٍ وربّما ... بكفيه قد فكّ الأسير المكبلا [1] [ولاية بلال بن أبي بردة البصرة] قالوا: وَلَمَّا هلك مالك ولى خالد بن عبد الله شرط البصرة: بلال بْن أَبِي بردة بْن أَبِي مُوسَى [2] . وولى صلاتها النضر بن عمرو، وذلك في سنة عشر ومائة. المدائني عن الوضاح بن خيثمة قال: رأيتُ النضر بن عمرو، وبلال بن أبي بردة، يمشيان في جنازة الحسن بن أبي الحسن والنضر على الصلاة، وبلال على الأحداث. قال أبو بكر الهذلي: بعثني النضر إلى الحسن أسأله عن يوم عرفة ما كان الناس يَصْنَعُونَ فيه، فقال: وما لِهذا وليوم عرفة؟ قلت: إنه لمن خيرهم، قال: صدقت إنه لمن خيرهم. قالوا: ذكر الحسن من تقدم من هذه الأمة ثم أقبل على النضر بن عمرو فقال: قد أصبحت والله مخالفًا للقوم في هديهم وسيرتهم، وأنت تتمنى على الله الأماني، وتترجح فيها، فإن أخاكَ من صدقك ونصح لك في دينك، ولَمن صدقك ونصح لك في دينك خير لك ممن غشك وغَرَّكَ، وكان ثمامة بن أنس على القضاء من سنة ست ومائة إلى سنة عشر ومائة.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 151. [2] بهامش الأصل: بلال بن أبي بردة.

قالوا: وكتب خالد إلى بلال بعهده على البصرة، وولاه القضاء، فولى بلال الأحداث عبد الأعلى من الأزد، وكان بلال يقضي بين الناس وهو أمير، فقال رؤبة بن العجاج: بلال يا بن الشرف الأمحاض ... والثابت النعل على الإدحاض أنت ابن كل سند فياض ... وأنت يا بن القاضيين قاض معتزم على الطريق ماض [1] وكان ثَمامة موضحًا [2] وكان مُخِلطًا استعدته امرأة على رجل ولم تقم البينة، فأراد إحلافه فقالت المرأة: إنه رجل سوء يحلف ليذهب حقي، ولكن استحلف إسحاق بن سويد فإنه جاره، فأرسل إلى إسحاق بن سويد ليستحلفه فقال خلف بن خليفة الأقطع يذكر بلالا: وكنا قبل مقدمه علينا ... من الشيخ المولع في بلاء يعني ثمامة بن أنس. ومدح بلالا رؤبة، وذو الرمة، وكان رؤبة بخيلا، فقال رؤبة لبلال: علام تعطني؟ فقال ذا الرمة: والله ما يمدحك إلا بِمقطعاتنا هذه، يعمد إليها فيوصلها ثم يمدحك بها، فقال: لو لم أعطه إلا على تأليفها لأعطيته. المدائني قال: بثق بلال نَهر معقل في الفيض، واحتفر نَهر بلال، وبنى عليه الحوانيت، ونقل إليه السوق وجعله ليزيد بن خالد القسري، ومدحه الفرزدق، فمن شعره:

_ [1] ديوان رؤبة بن العجاج ص 81، 83 مع فوارق. [2] الوضح: البرص. والمخلط: الذي فيه حمق. القاموس.

ومظلمة علي من الليالي ... جلا ظلماءها عني بلال بخير يمين مدعو لخير ... تعاونها إذا نهضت شمال ترى الأبصار شاخصة إليه ... كما ينظرن حين يُرى الهلال [1] حدثنا عُمَر بْن شَبَّةَ عَنْ أَبِي عَاصِم النَّبِيلِ قال: قال يزيد بن طلحة الطلحات لبلال، واستبطأهُ في عيادته، وعاد الزعل الجرمي: أفي حُمَّى ثلاثٍ زرت جرمًا ... وتترك شيخ قومك يا بلال وقال أبو عاصم: أوصى يزيد فجعل للإناث من ولده مثلي ما للذكور، ولعن في وصيته من غيرها، فأتي بها بلال فقال: أنا أول من غيرها فعلى يزيد لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. حدثنا عباس بن هشام الكلبي عن خراش بن إسماعيل قال: ولى خالد بلالا البصرة فانحدرَ إليها ابن بيض [2] وكان له صديقًا وأقامَ على بابه أيامًا لا يؤذن له فكتب إليه. قل للأمير جزاهُ الله صالِحةً ... أهل التقى والذي يحيا به الدين يا هل ترى حرجًا في شرب خابيةٍ ... صهباء يكسر عن خرطومها الطين وهل ترى حرجًا في نيك أرملة ... مسكينة ناكها قوم مساكين

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 135. [2] حمزة بن بيض الحنفي، شاعر اسلامي من شعراء الدولة الأموية، كوفي خلع ما جن، من فحول طبقته، وكان كالمنقطع إلى المهلب بن أبي صفرة وولده، ثم إلى أبان بن الوليد، وبلال بن أبي بردة، واكتسب بالشعر من هؤلاء مالا عظيما، ولم يدرك الدولة العباسية. الأغاني ج 16 ص 202.

فلمّا قرأها قال: هذا والله ابن بيض، أدخلوهُ الفاسق، فلما دخل عليه قال: والله يا فاسق ما كنت لأصل إليك إلا بالشر. وأرسلَ بلال علي بن يزيد إلى هند بنت المهلب يخطبها فقالت: مالي عنه رغبة، وهذا كتاب خالد بن عبد الله يخطبني ولو أردت التزويج ما عدوته. المدائني قال: كتب خالد بن عبد الله إلى بلال أَنْ وَلِّ نَصْر بن حسان العنبري ولاية، فأرسل إليه بلال يدعوهُ فقال للرسول: قل له أصلّي ثم آتيك. فقال للرسول: قل له: إن الذي كنت تصلي له قد جاءك فدع الصلاة وأقبل. وقال رجل من بني صُبَيْر: جيء بابن عون إلى بلال فتحدثنا بيننا أنه إنّما جيء به بسبب قتادة فجاء قتادة فقام إليه ابن عون فقال: يا أبا الخطاب اتق الله فقد وجدتها بدار مَضْيَعَة. تعدو الذئاب عَلَى من لا كلاب لَهُ ... وتتقي صولة المستأسد الحامي ثم لم نلبث أن دخلنا على بلال فقال لنا: اخرجوا، فبقي ابن عون وقتادة فقال له بلال: طلقها، قال: هي طالق. قال: طلقها ثلاثًا. قال: واحدة تبينها مني. قال: أتعلمني وأنا ابن أبي موسى صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. قال: فهي طالق ثلاثًا. قال: يا أبا الخطاب في هذا شيء أكبر من هذا. قال: قد كانت الولاة تؤدب في هذا، أو قال: تعزر في هذا السوطين والثلاثة، فأمر بضربه ونحن نراهُ، فضربه أربعة وأربعين نعدّها ثم خرج والدم يسيل.

قال أبو عبيدة: أخبرني يونس بن حبيب قال: زعم بلال أنه لو كان مكان أبي موسى ما خدعه عمرو بن العاص، وقد خدعه يوسف بن عمر مجنون من ثقيف، كتب إليه: لا سبيل عليك إنما وليت الصلاة والقضاء فأقم بمكانك وخذ العمال قِبَلَك بالاستخراج، فأقامَ واستخرجَ له ما أراد ثم عدا عليه فحبسه حتى مات في حبسه. قالوا: وكان بلال إذا غربت الشمس، أو كادت تغرب، وضع طعامه، فإذا مدّ الناس أيديهم نودي بالصلاة فقام وقاموا، فنودي مرة بالصلاة وقتادة يأكل فلم يقم ولم يقم رجل آخر معه فلحظه، قال الرجل فلم يؤذن لي بعد ذلك أشهرًا، ثم إن امرأتي استعدته علي وادّعت أني أَضْرُبُها وأضر بها، فقال: صدقت وضربني أربعين سوطًا، وإنّما ضربني لأكلي طعامه مع قتادة. وكان الناس يتفرقونَ عن طعام بلال للصلاة، فيأخذه العسس والخدم، فكان من حوله يشترون ذلك، فكان من قرب منه يقولون: ما رأينا جارًا خيرًا من بلال. وقال بكر بن حبيب الباهلي: حكمت بلالا في حاجة فقلت: أنت في كرمك وعدلك أحق من فعل هذا. فقال: وأنت في بلاغاتك وفصاحاتك لا تنقلبُ اليوم بِحاجاتك. فقلتُ: لو علمت أن اللحن ينفعني عندك لخضرمت خضرمة أبي شيخ الفقيمي وكان لحانا، فقال له أبو شيخ: كيف

ذكرتني وتركت ابن عمك الذي يقرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالون، ويُقال لحضجت بها حضجات [1] أبي شيخ. وقال العريان بن الهيثم لبلال بن أبي بردة إنه ليريبني بياض راحتيك، ورَوْح قدميك، وانتشار منخريك، وجعودة شعرك- يُعرض له بالزنجية- فقال بلال: إني لأكرهُ أن أجعل أبا موسى ندًّا للأسود، وأبا بردة ندًّا للهيثم ونفسي ندًّا لك، ثم تمثّل: أنا مسكين لمن يعرفني ... ولِمن ينكرني جد نطق لا أبيع الناس عرضي إنني ... لو أبيعُ الناس عرضي لنفق قالوا: ودخل مسلم بن الشمردل الباهلي على بلال فتربع، فقال له بلال: جلست جلسة بغي، فقال له مسلم: وإنك بجلوسهن لعالم. فقال: يا بن اللخناء. وقال أبو نوفل لبلال: أبلال إني رابني من أمركم ... قولٌ تَزَيِّنُهُ وفعل مُنْكَرُ ما لي أراكَ إذا أردت خيانةً ... جَعَلَ السجودُ بِحُرِّ وجهك يظهر متخشعًا طبًّا بكل عظيمةٍ ... تتلو القران وأنت ذئب أغبر وقال الجارود بن أبي سبرة لبلال: أتدري ما قال حارثة بن بدر لعبد الرحمن بن أم الحكم؟ قال: ما قال له؟. قال: قال: نَهَارُهُ فِي قَضَايَا غَيْرِ عَادِلَةٍ ... وَلَيْلُهُ فِي هوى سعد بن عباد

_ [1] التحضيج شبه التضجيع في الكلام المبتدإ، والاضجاع في القوافي كالاكفاء أو الإقواء، وفي الحركات: كالإمالة والخفض. القاموس.

فأمر صاحب الجالية فأغرمني ثلاثمائة درهم وما في أرضي ذمي واحد. وقال ابن نوفل: أقولُ لِمَن يسائل عن بلال ... وعبد الله عند ثنا الرجال بلالٌ كان ألأم مَنْ علمنا ... وعبد الله أَلأَمُ مِنْ بلال هما أخوان أما ذا فَجَوْنٌ [1] ... وأما ذا فأحمر ذو سبال وقال بلال وهو في حبس يوسف بن عمر: لو سئلت مائة ألفٍ، أو مائتي ألف، أو ألف ألف لأدّيتُها، ولكني دُفعتُ إلى مجنون، فقال لصاحب عذابه من آخر الليل: إن أدّى عشرة آلاف ألف درهم قبل طلوع الشمس وإلا فأزهق نفسه، فقلتُ: لو كان عندي بدرٌ مهيئة ما فرغت من استيفائها في هذه المدة. وقال بعضهم: ما قتل بلالا إِلا دَهْيَه، قال للسجان: خذ مني مائة ألف وأَعْلِمْ يوسف بن عمر أني قَدْ مِتُّ. وكان يوسف بن عمر إذا سمعَ بِموت محبوس قال: ادفعوهُ إلى أهله، فأتى السجان يوسف فقال: قد مات بلال، فقال: أرنيه ميتًا فإني أحبُّ أن أراهُ وهو ميت، فجاءه السجان فألقى عليه شيئًا غمه به حتى مات، ثم أراهُ يوسف. قالوا: وخاصم عيسى بن عمر النحوي إلى بلال وجعل يُعرب وخصمه ينظر إليه متعجبًا، فقال بلال: أَقْبِل على حجتك ودَع النظر إلى خصمك فلأن يذهب حقه أحبُّ إليه من أن يلحن.

_ [1] الجون: النبات يضرب إلى السواد من خضرته، والأحمر والأبيض والأسود. القاموس.

قالوا: وحبس بلال بن أبي بردة ثلاثة نفر اتهمهم بالزندقة، فبلغ خبرهم ابن برهمة، وكان من أخص الناس بِخالد بن عبد الله، فاستأذنه في إتيان البصرة فقدمها فأتاهُ الناس ولم يأته بلال وجعل يوهم الناس أنه قدم ناظرًا من قبل خالد فأتاهُ ابن أبي العوجاء وعنده عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب، فرفع ابن أبي العوجاء وعبد الرحمن جالس على البساط، فقال ابن صُديقة وكان ماجنًا: عبد الرحمن على البساط وابن أبي العوجاء على الفراش، ثم جاءه فكلمه في الذين حبسهم فخلاهم، فقال يحيى بن نوفل: زعم الزاعمونَ أن حسين بن عبيد ... بن برهمة زنديق ولعمري لئن هم زعموه ... ما اشتطّوا وإنّه لخليق إن من يشرب الخمور ويزني ... في خلاء بِما رُمِي لَحقيق قال: وكان بلال سكيرًا يعلن بشرب النبيذ. قال أبو الحسن المدائني: أرسل بلال رسولا إلى قصاب في جواره بالسحر، قال: فدخلتُ عليه وبين يديه كانون، وفي صحن الدار تيس، فقال للقصاب: اذبحه. قال: فذبحه وسلخه وشَرَّحَهُ وأنا بين يديه فأكله إِلَّا عظامه، وبقيت مضغة على الكانون فقال لي: كلها، وجاءت جارية بقدر فيها دجاجتان وناهضان [1] وأرغفة فأكل ما فيها، ثم دعا بشراب فشرب منه أقداحًا ثم أمر لي بقدح فشربته ثم قال: الحق بأهلك. قالوا: واتخذ بلال حوانيت كانوا يبيعونَ فيها النبيذ فقال بعضهم: لله در عصابة نادمتهم ... في كل بيت من بيوت بلال باتوا موتَّرةٌ عليَّ قسيّهم ... يرمونني رشقا بغير قتال

_ [1] الناهض: فرخ الطائر. القاموس.

الأصمعي عن أبي الزناد عن أبي الزناد عن أبيه قال: عاتبتُ ابن هبيرة في بلال بن أبي بردة، وقلت: أراك تَجفوهُ وتقصيه فقال: ويلك إن قربته أخذني فجعلني في كمه. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْن شَبَّةَ عَن أَبِي عَاصِمٍ، أخبرني أبي قال: كان كاتب يكتب خلف بلال فأقطر على ثوبه قطرة فقال: أتراني أحبك بعد هذا أبدًا. المدائني قال: كان بلال يخاف الجذام، فوصف له السمن، فكان يستنقع فيه، ثم يبيعه فترك أهل البصرة أكل السمن إلا أن يسلأه رجل في بيته. وروي عن الجارود بن أبي سبرة قال: قال لي بلال بن أبي بردة: أتأتي صديقك اليوم عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله بن عامر؟ قلت: نعم. قال: فما تصنعون؟ قلت: نأتيه وهو متصبّح [1] فنقعد حتى يستيقظ فإن حدثناهُ أحسن الاستماع، وإن سكتنا ساقطنا أحسن الحديث، ثم يأتي خبازه فيخبر بِما عنده مما أعد، فإذا وُضعت المائدة أخوى تخوية الظليم وَعَذَّر في الأكل، ويجيء من عند بناته ونسائه ألطافٌ، حتى إذا أمعنَ القوم في الأكل حسر عن ذراعيه وجثا على ركبتيه واستأنفَ الأكل. علي بن محمد المدائني قال: استرضعَ أبو موسى لابنه أبي بردة في بني فُقَيم في العراق في آل الغَرِق، فلمّا قدم بلال البصرة قيل له: لو وليت أبا العجوز ابن أبي شيخ بن الغرق، فقال: رأيت منه ثلاثًا: رأيته يحتجم في بيوت أخوانه، ورأيتُ عليه مظلة وهو في الظل، ورأيته يبادر إلى بيض البُقيلة. قال أبو الحسن المدائني: لَمّا ولي بلال قال خالد بن صفوان: «سحابة

_ [1] الصبحة: نوم الغداة. القاموس.

صيفٍ عن قليل تَقَشَّعُ» فدعا به فقال له: أنت القائل: سحابة صيف عن قليل تَقَشَّع؟. أما والله لا تقشع حَتَّى يصيبك منها شُؤبوب [1] بَرَدٍ فضربه مائة سوط. ويُقالُ إن خالدًا كان يغشاهُ في سلطانه ويغتابه إذا غابَ عنه، ويقول: ما في قلب بلال من الإيمان مثل ما في بيت أبي الزرد من الجوهر، وكان أبو الزرد الحنفي مفلسًا، فأخذه بلال، وخاف خالد أن يقتله، فقال بلال: والله لا أتركك إلا بكفالة عشرة فيهم نعيم أخوك، فكفلوا به على أنه إن غابَ فعليهم مائة ألف، فهرب خالد وأحضرهم فأخذ منهم بلال المائة الألف، فقال خالد: فلا تحسبني يا بن واهصة [2] الخُصى ... ضعيف القوى لا يستطيع التحولا أتيح لنا من أرضه وسمائه ... بلال أراحَ الله منه فَعَجَّلا فلمّا أخذ يوسف بن عمر بلالا وثب عليه خالد فقال: أصلح اللَّه الأمير، هَذَا بلال بْن أَبِي بردة بن أبي موسى، وكان جده حلاقًا فاكتنى بموساه، وكانت جدته طهفة بنت ذمون حالكة الجلدة، قردة الشعر [3] ، وكانت أمه أَمَةً لأبيه يضربها في الدرهم، وتطوف في الأسواق وكأن رجليها حوافر حمار، يغمز العبيد شواكلها [4] . فقال بلال: أنت تكلمني والأمير عنك راض وعليّ ساخط، وأنا غريبٌ، وأنت على باب منزلك. وكان يوسف بالحيرة يومئذ فنسبه إلى أنه من أهل الحيرة. قال: ألست

_ [1] الشؤبوب من المطر: الدفعة من المطر. القاموس. [2] الوهص: الجب والخصاء. القاموس. [3] قرد الشعر: تجعد. القاموس. [4] شكلت المرأة شعرها: ضفرت خصلتين من مقدم رأسها عن يمين القاموس.

أخبار خالد القسري

خالد بن صفوان بن الأهتم القائم على برثنه [1] ، وإنّما أنت بمنزلة الكلب يجترئ على باب أهله، علق أبوه وعمه محررتين من محررات أهل البصرة، حتى إذا خافَ أهلوهما فضيحتهما زوجوهما بِهما، فأنت ابن أمة بني زياد، فقال خالد ليوسف: أيها الأمير، هذا أحمق الناس والله ما يدري أين دار أعرابيته من دار هجرته، فقال بلال: بلى والله إن دار أعرابيتي اليمن ودار هجرتي المدينة، وأخبرك عن دار أعرابيتك وهجرتك، أما دار أعرابيتك فالحيرة وأما دار هجرتك فالبصرة. ولم يزل بلال على البصرة حتى عزل هشام: خالدًا [2] عن العراق في سنة عشرين ومائة، وولى يوسف بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الحكم بْن أَبِي عقيل بن مسعود الثقفي. وكان خالد جوادا. [أخبار خالد القسري] حدثني عمرو بن محمد الناقد وعمر بن شبه قالا: حدثنا أبو نعيم، أنبأ فضيل بن الزبير قال: سمعتُ خالدًا يقول: زمزم لا تُنزح ولا تَذَمّ، بلى والله إنَّها لتُنْزح وتُذَم، هذا أمير المؤمنين قد ساق لكم قناة بمكة من حالها وحالها. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ أن خالدًا قال: إن نبيّ الله إسماعيل استسقى ربه فسقاهُ ملحًا أُجاجًا، وسقي أمير المؤمنين عذبًا زلالا، بئرًا احتفرها له. وقال أبو عاصم النبيل: ساق خالد الماء إلى مكة فنصب طستًا إلى جانب زمزم، ثم خطب فقال: قد جئتكم بِماء الغادية لا يشبه ماء أم الخنافس- يعني زمزم-.

_ [1] البرثن: الكف مع الأصابع. القاموس. [2] بهامش الأصل: خالد القسري.

وخطب خالد فأُرتج عليه، فقال: إن الكلام يجيء أحيانًا ويَعْزُبُ أحيانًا، وربما طُلِبَ فأبى، وكوبر فعصى، والتأني لمجيئه أيسر من التعاطي لأبِيّه، وقد يختلج من الجريء جنانه، ويعتاص على الذرب لسانه، ثم قال: لا يُكابَر القول إذا امتنع، ولا يُرَدُّ إذا اتّسع، وسأعودُ فأقول إن شاء الله. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ ابن كناسة قال: ارتجّ على خالد في خطبته فقال: أيها الناس إن الكلام يجيء أحيانًا ويذهبُ أحيانًا، فينطلقُ اللسان إذا أتى ويعجز إذا أبى، ولم يقصر بنا عن القول عي، ولا عَرَض لنا دون بلوغ الإرادة إفحام، وللجواد كبوة، وللصارم نبوة، وسنعود فنقول إن شاء الله. حدثني عمرو بن محمد الناقد وغيره قَالُوا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عن رجلٍ أخبره عن سفيان بن أبي عبد الله قال: سمعت خالدًا يقول اللهم العن عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بن هاشم زوج فاطمة وأبا الحسن والحسين، هل كنيت [1] . المدائني قال: صعد خالد المنبر فأرتج عليه فقال: إن الكلام يعرض أحيانًا فيتيسر ويَمتنع عند عزوبه، وأولى من عذر على النبوة من عُرفت سهولته عليه. ثم نزل. أبو عاصم النبيل عن عمر بن قيس أنه سمع خالدًا يقول حين أخذ سعيد بن جبير وطلق بن حبيب بِمكة: كأنكم أنكرتم ما صنعتُ، والله لو كتب إليّ أميرُ المؤمنين أن أنقضها حجرا حجرا لفعلت- يعني الكعبة-.

_ [1] بهامش الأصل: عليك....... رضي الله عن علي وسائر الصحابة أجمعين.

قالوا: وأمر خالد ببناء بيعة لأمه [1] فكلم في ذلك فقال: نعم يبنونَها فلعنهم الله إن كان دينها شرًّا من دينكم. قالوا: وكلم في عامل له ضرب رجلا، وسئل أن يقتص منه، فقال: أقتص من عامل؟ فو الله لئن اقتصصت منه لأقص من نفسي، ولئن اقتصصت من نفسي ليقصنّ أمير المؤمنين من نفسه، ولئن أقص أمير المؤمنين من نفسه ليقصن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه، ولئن أقص رسول الله من نفسه ليقصن هاه هاه- يريده تبارك وتعالى [2]-. ويُقال إنه قال: أرسول أحدكم أكرم عليه أم خليفة؟. ويُقال إن الحجاج قال ذلك [3] . حدثني عمر بن شبه عن أبي نعيم عن سفيان الثوري قال: كان أول سلطان خالد يُقال له العُرْس. المدائني قال: لحن خالد في خطبته فقال: إن تكونوا رجبيّون فإنا رمضانيّون، وكان يقول: اللهم أصلح عبدك وخليفتك هشام أمير المؤمنين. وقال خالد للفرزدق وقد مدحه: ما بالك لم تَقُلْ فيَّ كَما قلتَ في قوم سمّاهم من قريش وغيرهم؟ فقال: هات أنسابًا كأنسابِهم وشرفًا كشرفهم حتى أقولُ فيك كما قلت فيهم. فأرادَ السطوة به ثم كف عنه لكبر سنه. قالوا: وكان عاصم ابن راعي الإبل أتى خالدًا ومعه ابنان له فوصله، ومات أحد ابنيه فدخلَ على خالد فقال: أتيناك ثلاثة ونؤوب

_ [1] بهامش نسخة الملكية: لأنها كانت نصرانية سوداء، ولعنها الله ولعن ابنها. [2] بهامش الملكية: كفر خالد القسري غير ما مرة، وهذه أقبحها وأشنعها. [3] بهامش الأصل: ذبح الله من قال ذلك.

اثنين. قال: وما ذاك؟ قال: مات ابني. قال: ذاك مالا أقدرُ على منعه. قال: فَدِيَتُهُ تدفعها إليّ. قال: نعم. فدفع إليه دية فقال: سننت من الموت الوداء ولم يكن ... مقاديره يودي لحيٍّ مثيلها فما سنّها من حميري متوج ... ولا مِنْ مَعَدٍّ حيث يلقى فضولها وقال الكميت ليوسف بن عمر: حلفتُ بربّ البيت ما أم خالدٍ ... بأمك إذ أصواتنا الهالُ والهبُ وإذ خالد يستطعم الماء قائمًا ... يرى الحرب والداعي إلى الموت يَنْعَبُ [1] وهجاهُ زياد الأعجم فقال: لعمرك ما أدري وإني لسائل ... أمختونة من بظرها أم خالد فإن تكن الموسى جرت فوق بظرها ... فما خُتنت إلا ومَصّان قاعد [2] المدائني قال: لَمَّا أتى رسول هشام خالد بن عبد الله لتوليه العراق قال: رويدًا يجفّ قميصي، فقال الرسول: انطلق أيها الرجل فإنك تدعى إلى قمص كثيرة. حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ حَمّاد بن سعيد الصنعاني عن زياد بن عبيد الله قال: أتيتُ الشام فبينا أنا على باب هشام إذ خرج رجلٌ من عند هشام فقال: من أنت يافتى؟ قلت: رجل من أهل اليمن، أنا زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ الحارثي. فتبسم وقال: قم معي، ثم قال لي: قل لأصحابي- وأشار إليهم-: إن أمير المؤمنين ولاني وأمرني بالمسير ووكل بي من يزعجني، قلت: من أنت رحمك الله؟. قال: خالد بن عبد الله القسري. ثم

_ [1] شعر الكميت ج 1 ص 85- 86. [2] شعر زياد بن الأعجم ص 16- 17.

قال: يعطى منديل ثيابي وبرذوني الأصفر، فأُعطيتُ ذلك، وقال: إذا سمعت إني قد وليت العراق يومًا فالحق بي، فما أمسى بعسكر هشام أجود ثوبًا ولا أكرم مركبًا مني، ولم ألبث إلا يسيرًا حتى قيل: قد ولى هشام خالد بن عبد الله العراق فخرجت ووكلت العريف بقبض أرزاقي على أنها له إلى قدومي، وشخصت إلى العراق، فلما قدمت على خالد الكوفة وسلمت عليه أمر لي بدنانير وكسوة بقيمة ستمائة دينار. وقال لي يومًا هل تكتب يا زياد؟ قلت: لا أنا أقرأ ولا أكتبُ. فضرب بيده على جبينه وقال: إنا لله، سقط تسعة أعشار ما كنت أريده بك وبقي لك واحد، واشترى غلامًا كاتبًا حاسبًا وبعث به إلي فعلمني الكتاب حتى قرأتُ قراءة جيدة وكتبتُ، فدفع إليّ كتابًا من عامله، عامل الري فقرأته فسرّ بذلك وقال: قد وليتك عمله، فخرجتُ حتى قدمتُ الريّ، فأخذتُ عامل الخراج فأرسلَ إليّ: إن أمير المؤمنين هشامًا لم يُوَلِّ قط عربيًّا الخراج، فتغطرست عليه، فقال: خذ مني ثلاثمائة ألف درهم وأمسك عني، وأقمتُ على عملي، ثم كتبتُ إلى خالد: إني قد اشتقتُ إلى الأمير فليرفعني إليه. فلمّا قدمتُ عليه ولاني شرطه. قالوا: وكان خالد أقرّ الصقر بن عبد الله على شرطه أشهرًا، وكان ابن هبيرة ولاهُ الشرط ثم عزله، واستعمل خالد على الكوفة عبد الملك الأزدي، من أهل فلسطين، ثم عزله، وولى رجلا يُقالُ له عبد الله بن عمرو مِنْ بجيلة، ثم عزله، واستعمل أخاهُ عاصم بن عمرو، وولى زياد بن عبيد الله بعد عدَّة عزلهم، فلم يزل عليها إلى أن ولي يوسف بن عمر العراق.

وقال بعضهم: كتب خالد بن عبد الله إلى أمه حين ولي العراق يدعوها إلى الإسلام ويسألها أن تقرب منه ليكون ذلك أقوى له على برّها، فلمّا قرئ عليها كتابه دعت بداوة وقرطاس وقالت للرسول: اكتب: «قد قرأتُ كتابك، فأمّا دعاؤك إيّاي إلى دينك فقد نصحت لي فيه بجهدك لأنك ارتضيتَ لي ما ارتضيت لنفسك، وديني لي ودينك لك. وأمّا برّي فلعمري إنك قادرٌ عليه حيثما كنت، واعلم بأني قرأتُ في بعض الكتب أن الرجل إذا أتى كبيرة اسودّ ثلث قلبه، وإذا أتى أخرى اسودّ ثلثا قلبه، فإذا أتى الثالثة اسودّ قلبه كله، فأتى ما أتاهُ من قبيح وهو يراهُ حسنًا، وأكبر من ذلك كله الدماء» . فلما جاءه كتابها يئس منها، فأرسلَ إليها بِمال اتخذت به بيعة بالشام تدعى بيعة أم خالد. وحدثني عبد الله بن صالِح عن قوم من أهل الكوفة قالوا: اتخذ خالد طستًا في مسجد الكوفة ميضأة، وحفر لها قناة من الفرات، ثم أخذ بيد أسقف النصارى يمشي به في المسجد حتى وقف على الطست ثم قال للأسف: ادع لنا بالبركة، فو الله لدعاؤك أرجى عندي من دعاء علي بن أبي طالب. قال: واتخذ كنيسة لأمه في قصر الإمارة، وكانت امتنعت من القدوم عليه فلم يزل بها حتى قدمت الكوفة، وأمر المؤذنين ألا يؤذنوا حتى يضرب النصارى بنواقيسهم. وقال هشام ابن الكلبي والهيثم بن عدي: لما بنى خالد البيعة بالكوفة لأمه، كتب نصارى البصرة إلى من كلم أمه، فكتبت إليه أن يبني لهم بالبصرة بيعة، فكتب إلى بلال يأمره ببنائها فكتب بلال: إن أهل البصرة لا يقارّوني

على ذلك، فكتب إليه: ابنها لَهم فلعنة الله عليهم إن كانوا شرًّا منهم دينًا، فبنى بيعة في اللبادين فقال الفرزدق. بنى بيعة فيها الصليبُ لأمه ... وتهدم للبيعات فينا المساجد [1] وحفر خالد النهر المعروف بالمبارك فقال الفرزدق، ويُقال الموج التغلبي: كأنك بالمبارك بعد شهر ... تَخوضُ غموره بقع الكلاب كذبت خليفة الرحمن عنه ... وسوف يرى الكذوبَ جزا الثواب [2] وقال الفرزدق في شعر له: أعطى خليفته بقوة خَالِد ... نَهرًا يفيضُ له عَلَى الأنهار أن المبارك كاسمه يسقى به ... حرث السواد وناعم الْجَبَّارِ وكأن دجلة حين أقبلَ مَدّها ... ناب نمد له بحبل قطار إن كان أجرى ماء دجلة خالدٌ ... فلطالما أَعْيَتْ على الإجرار يا دجل كنت عزيزة فيما مضى ... حتى أصابك خالد بصغار [3] وكتب خالد إلى هشام يستأمرهُ في عمل منظرة عَلَى دجلة، فكتب إليه هِشَام: لو كان هذا ممكنًا لسبق الفرس إليه: فراجعه فكتبَ إليه هشام: إن تيقنت أنها تتم فاعملها. فعملها فلم يلبث أن قطعها الماء فأغرمه هِشَام ما أنفق عليها.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 160 مع فوارق. [2] ليسا في ديوان الفرزدق. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 269 مع فوارق.

وكان الفرزدق قال حين لم يُثِبْهُ خالد على الشعر الذي قاله في المبارك: أهلكت مال الله في غير حقه ... على نهرك المشؤوم غير المبارك وتضربُ أقوامًا صحاحًا ظهورهم ... وتترك حق الله في ظهر مالك أإنفاقُ مال الله في غير حقه ... وتركًا لِحق المرملات الضرائك [1] يعني مالك بن المنذر بن الجارود. حدثني أبو مسعود الكوفي قال: بنى خالد لأمه بيعة هي اليوم بسكة البريد بالكوفة، وكانت أمه نصرانية، فقال الفرزدق. لعمري لئن كَانَتْ بجيلةُ زانها ... جرير لقد أخزى بجيلة خالد بنى بيعةً فيها الصليبُ لأمه ... ولم تُبْنَ فينا إذ بناها المساجد ويروى: وتُهدم للبيعات فينا المساجد. قالوا: وبنى خَالِد حوانيت أنشأها، وجعل سقوفها أزاجا معقودًا بالآجر والجصّ وحفر خالد النهر المعروف بالجامع، واتخذ في القرية قصرًا يعرف به. قال الأصمعي وغيره: خرج خالد يومًا يتصيد فإذا هو بأعرابي على أتان له ومعه عجوز، فقال له خالد: ممن الرجل؟. قال: من أهل المآثر والحسب. قال: فأنتَ إذًا من مضر، فمن أيها؟ قال: من الطاعنين على الخيول، المعانقين في النزول. قال: فأنت إذًا من بني عامر، فمن أيها؟ قال: من الطالبين الثار، والمانعين الجار، قال: فأنتَ إذًا من بني كلاب، فمن أيها؟ قال: من بدرها وشمسها وليوثها في خيسها. قال: فأنت إذًا من بني

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 59 مع فوارق.

الأحوص. قال: نعم. قال: فما أقدمك هذه البلاد؟. قال تتابع السنين وقلة الرافدين، قال: فمن أردت بِهذا البلد؟. قال: أميركم هذا الذي ترفعه إمرته، وتضعه أسرته. قال: وما أردت منه إذ كان كذلك؟. قال: كثرة دراهمه لا كَرَمَ آبائه. قال: أفتوصلتَ إليه بشعر؟ قال: نعم. قال: فأنشدناهُ. فقال: يا أم جحش أنشديه. قالت: هيه كم تسومنا اليوم مدح اللئيم. قال: إنه لا بد منه. فأنشدت: إليك ابنَ عبد الله للحمد جاوزت ... بنا البيد عيسٌ كالقِسيِّ عَياهِم عليهنّ بيضٌ من ذؤابة عامرٍ ... حَدَتْهُم سِنُون مُجحفاتٌ مَشَائِمُ يَزُرْنَ امرأ يعطي على الحمد ما له ... تهونُ عليه للثَّنَاءِ الدراهم فإن يعطنا شيئًا فهذا ثناؤنا ... وإنْ تكن الأخرى فَمَا لكَ لائم فقال خالد: ما أعجب أمرك، تقول فيه ما قلت ثم تَمدحه بِهذا الشعر، أفتعرفني؟ قال: لا. قال: أنا خالد وسأعطيك ولا أكافئك. فقال: يا أم جحش اصرفي وجه الأتان راجعةً. قال: إني مُغْنيك. قال: ما كنت لأسمع رجلا مكروها ثم أَرْزَؤُهُ شيئًا. فقال خالد: بِمثل صبر الشيخ أدرك آباؤه من الشرف ما أدركوا. ويُقال إن خالدًا خرج ومعه بعض ولد المغيرة، وبعض ولد جرير بن عبد الله، فرأى هذا الأعرابي وكان مسنًا فقال لَهُ: ما تقولُ فِي المغيرة بْن شعبة؟ قال: أعور زَنّاء. قال: فما تقولُ في الأشعث؟ قال: لا يعتزى [1] قومه ما بقي

_ [1] بهامش الأصل: يعزى.

أحد من ولده. قال: فما تقولُ في خالد بن عبد الله؟. قال: ترفعه إمرته وتضعه أسرته. قال: فهذا من ولد المغيرة وهذا من ولد جرير وأنا خالد. فقال: يا أم جحش انصرفي عنهم. فقالوا له: صر معنا إلى الكوفة نرفدك ونصلك ولا نؤاخذك بقولك. فقال: ما كنت لأستمنحَ قومًا أسمعتهم كلامًا. وانصرف [1] . حدثنا عبد الله بن صالِح قال: بلغنا أنه دخل على خالد بالكوفة شيخٌ كبير فمثل بين يديه فقال: شيخ كبير ضرير، حدته إليك سنة أبدت العظام وألزمت الغني الإعدام، ذهب ماله، ودُعدت [2] آباله، وغيرت أحواله، فإن رأى الأمير أن يجبره بفضله، وينعشه بِسَجْلِه، ويردَّه إلى أهله. فقال خالد: مِمن الرجل؟ وإياك أن تكذب فإن الكذب عارٌ لازم وذل دائم. قال: رجل من بني تَميم. قال: لا قرب الله دارك، ولا سهل محلك، ولا حيّا مزارك. فقال الأعرابي: ما رأيتُ كاليوم منطقًا أقطعَ، ولا كلامًا أشنع، ولا ردًّا أوجع، لقد سمعتُ قولا أمرّ من الحنظل، وأيبس من الجندل، وأحرّ من المرجل، ما أعطيت من قُدرة ولا نَعَشْتَ من عثرة، ولا أقلتَ من صرعة. قال خالد: هل لك في أن أقارعكَ وإن قرعتك لم أعطك شيئًا، وإن قرعتني أعطيتك؟. فقارعه خالد فقرعه فقال: أَقِلْنِي فأقاله. ثم قارعه فقرعه خالد فقال: أقلني فأقاله، ثم قارعه فقرع خالدًا فقال: أقلني. قال: لا أقالني الله إذًا. قال: أعطوهُ بدرةً يدخلها في حِر أمه، فقال الأعرابي: وأخرى في استها، فضحك وأمر له ببدرتين.

_ [1] بهامش الأصل: قال ابن الأعرابي: هذا الخبران مصنوعان. [2] التدعدع: مشية الشيخ الكبير. القاموس.

وأتت امرأة من بني قشير خالدًا فمثلت بين يديه فقالت: إليك يابن السادة الأماجد ... يعمد في الحاجات كل عامد أشبهت يا خالد خير والد ... أشبهت عبد الله في المحامد فالناس بين صادر ووارد ... مثل حجيج البيت نحو خالد ليس طريف المجد مثل التالد فقال لها خالد: من أنت؟. قالت: امرأة أكبَّ عليها الزمان فلم يدع لَها سبدًا ولا لبدًا ولا صافنًا ولا ماهنًا. فقيل لها: هل لك أن يتزوجك الأمير؟. قالت: والله لئن فقدتُ نشبًا ما فقدتُ حسبًا وما كنتُ لأتزوج دعيًّا، وإن كان مثريًا غنيًا. الهيثم بن عدي قال: ألقيت بين يدي خالد تراسٌ فقال لِمن عنده: اغمزوها أيها أصلب. فغمز رجل منهم يُقال له عامر ترسا فضرط، فقال خالد: ما على رجل أمر رجلا بأمر فأضرطه؟. قالوا: أربعون درهمًا. فأمر له خالد بأربعين ألف درهم فقال شاعر من بني تَميم: أيضرط عامر من غمز ترس ... فيحبوه الأمير بها بدورا فيا لَك ضرطة عادت بخير ... ويا لك ضرطة أغنت فقيرا فَوَدَّ القوم لو ضرطوا جَميعًا ... فنالوا من عطيته عَشيرا أتقبل ضارطًا ألفًا بألفٍ ... فَتَرخِصُ أصلح الله الأميرا فقال: خالد: ما سررنا بواحدة لما جاءتنا فما حاجتنا إلى ألف. أعطوهُ ألفي درهم. وقد قيل إن هذا كان عند بشر بن مروان، وهو الثبت. وقال بعضهم: أيقبضُ أربعين معًا ألوفًا ... لقد أُعطي بضرطته كثيرا

وقال خالد حين أُنشدَ قول الكميت: إن الخلافة كائن أوتادها ... بعد الوليد إلى ابن أم حكيم [1] يعني مسلمة بن هشام أبا شاكر، فقال خالد: أنا كافر بكل خليفة يكنى أبا شاكر. وبلغ أبا شاكر قوله فحقده عليه، فلما مات أسد بن عبد الله أخو خالد كتب مسلمة إلى خالد كتابا فيه شعر لا بن نوفل، وكان معه، لحق به هاربًا من خالد. أراحَ من خالد وأهلكه ... رب أراحَ العباد من أسد أما أبوه فكان مؤتشبا ... عبدًا لئيمًا لأعْبُدٍ قعد يَرَى الزِّنَاءَ والصَّلْبَ والخمر ... والخنزير حِلا والغَيَّ كالرَّشدِ وأمه هَمُّها وبُغْيَتُهَا ... هَمُّ الإماءِ الْمَواهِنِ الشرُّدُ كافرةٌ بالنبيِّ مؤمنةٌ ... بِقَسِّهَا والصليبُ والعُمُد [2] فلما قرأ خالد الكتاب قال: يا عباد الله من رأى كهذه تعزية رجل عن أخيه. المدائني قال: بصق خالد يومًا فقصر عن حيث أراد، فقام عنبسة بن سعيد بن العاص فأخذ بصاقه بمطرفه حتى اقتلعه، فقال خالد: لحسنٌ والله ما صنع، ثلاثٌ لا تُعاب على الشريف: خدمته أميره وقيامه بنفسه، وخدمته ضيفه. ثم قال: ما مالك يا أبا خالد؟ فقال: وهل تركت لي دار أبي بالكوفة وواسط مالا. فقال خالد: والله لعلالتنا أمثلُ من علالتك،

_ [1] شعر الكميت ج 2 ص 105. [2] بهامش الأصل: يعني بالعمد، المعمودية.

قد أمرنا لك في دارك بواسط بمائة ألف درهم وفي دارك بالكوفة بخمسين ألفًا. المدائني وعبد الله بن صالِح قالا: قال خالد بن عبد الله يعرض بعَنَبَة بن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هشام المخزومي، وكان عَنَبَة يستدين: إن الرجل لا يزال يستدين في ماله حتى إذا أنفده استدانَ في دينه. فقال عَنَبَة: إن الرجل يكون ماله أكثر من مروءته فيبقى له ماله، وتكون مروءته أكثر من ماله فيفنى ماله وتبقى له مروءته، فقال خالد: صدقت وإنك لمنهم. قال عبد الله بن صالِح: أراد عبد الرحمن بن عَنْبَسَة بناء داره بظاهر الكوفة، فركب معه خالد بن عبد الله القسري ومع خالد: العُرْيَان بن الهيثم، وهو يومئذٍ على شرطة خالد فجعل خالد يطوف ويقول: قدّم الحبل أيها الغلام، فيقول العريان: أنشدكَ الله أن تضيق على أحيائنا وأمواتنا. فقال عبد الرحمن بن عنبسة: اسكت فو الله ما أنطقك إلا السيف الذي قلدناك. فقال العريان: بل سيف عمي الذي أخرج به أباك حتى ألحقه بالمدينة قال: أما والله لأَبْشُرَنَّكَ بشر الأديم، فقال: شفرتُك أَكَلُّ من ذاك. فقام إسماعيل بن واسط البجلي فقال: يا عريان، أترفع صوتك على صاحب الأمير؟ فقال: اسكت. يا مالكُ بن مالك بن سيف ... ذميم يجهل حقَّ الضيف سلح حباري سلحت في صيف

وتكلم عبد الله بن عياش فقال له العريان: إنما قيمة همدان كلها رغيف. فقال ابن عياش: اسكت فإنّما تشبع النخع في كل أضحى، وسارَ خالد وبني عبد الرحمن داره. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النبيل، حدثني نصر بن أشرس الباهلي قال: دخل العريان على القسري فقال: مكرمة لم تُسْبَق إليها. قال: وما هي؟ قال: تَمنع الموالي من أن يشربوا في عساس الخلنج [1] ، وأن يتكلموا بالعربية، وأن يشربوا لبن اللقاح. فقال جبلة بن عبد الرحمن: أما الخلنج فإنا غرسناه في أرضنا رطبًا ونجرناه يابسًا فنحنُ أولى به، وأمّا ألبان العرب فإن لنا في البان البخاتي غنى عنه، وأما العربية فقد صدق هم أَوْلَى بها، ولكن لِيَدعُوا الخزّ، وركوب البراذين، وأكل الشبارقات [2] ، وأمّا الكلام فلن نتكلم إلا بالزنجية. وقال يحيى بن نوفل للعريان: أعريان ما يدري امرؤ سيل عنكم ... أَمِنْ مِذحج تُدْعونَ أَمْ لإياد فإن قلتم من مذحجٍ إنّ مذحجًا ... لبيض الوجوه غير حر [3] جعاد وأنتم صغار الهام سودٌ كأنّما ... وجوهكم مطلية برماد وقال أيضًا: سَمَّتْكَ أمك عُريانًا وقد صَدَقَتْ ... عُرِّيتَ من صالِح الأخلاقِ والدين زعمتَ أنك عدلٌ في إمارتكم ... وأنت أسرق من ذئب السراحين

_ [1] خلنج: شجر، فارسي معرب، يتخذ من خشبة الأواني. القاموس. [2] الشبارقات: ما اقتطع من اللحم صغارا وطبخ. القاموس. [3] الحر من الوجه: ما بدا. القاموس.

وقال أيضًا: هل أنتَ يا عُريان وَيْحَكَ مُخْبِري ... بأبيكَ دُونَ الهيثم بن الأسودِ وله فيه شعر أيضًا. فحلف العريان ليضربنّه حتى يسلح من سوط أو أكثر، فلم بزل يحتال له حتى أتي به، وقد كان صار إلى مسلمة بن هشام، وبلغ ابن نوفل يمينه فضربه فجعل يقول: قد فعلت، فقال العريان: لا والله أو يفضح بها، فافتضحَ فقال: قد خريت أو قال قد سلحتُ فقال العريان: محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا وقال العريان: تَيَمَّمْ حميرًا واترك ثقيفا ... فهم جلدوك يوم الدار حدّ فلمّا أنْ جُلدتَ وكنت فَسْلًا ... سلحتَ ولم تَجد من ذاك بُدَّا قالوا: وأرسلَ بلال عون بن عبيد وآخر من أصحابه إلى هنادة بنت عيينة بن أسماء بن خارجة يخطبانها فقالت: والله ما كنت لأتزوج رجلا أنتما خِدناه وأليفاه من هذا المصر. وهجا ابن نوفل خالدًا بصحبته عون هذا فقال: ولو كنت عونيًا لأدنيت مجلسي ... إليكَ أخا قيسٍ ولكنني فَحْلُ رأيتك تُدنى ناشئًا ذا عجيزة ... يحجر عينيه وحاجبه الكحل فو الله ما أدري إذا ما خلوتما ... وأُرْخِيَت الأستار أَيّكُما البَعْلُ أأنت الذي يعلو عليك إذا خلا ... بك الأقمر المولى أمَ أَنت الذي تعلو

وقال ابن نوفل في خالد: ألا أيهذا الذي نفسه ... إلى كل مُنْكِرَةٍ تائِقه رضيت من العيش والعالمين ... بعون اليفا وبالرائقة بضخم المآكم [1] في كمه ... دنىء مَوَدَّتُهُ مائِقَه وكفاك كف تحوز العطاء ... وكفٌ لأرزاقنا سارقه وقال ابن نوفل: ونبِّئْتُ عونًا وتبًا له ... ونبئت عن خِدْنِهِ خالدِ بأنهما عند وقت العشاء ... يبيتان في نمطٍ واحدِ ويغتبقانِ الشراب الذي ... يُحَلُّ به الْجلْدُ للجالدِ شرابًا يوافق شرب اليهود ... ويُكرهُ للناسكِ العابدِ قالوا: وبعث خالد محمد بن عبد الرحمن بن اسعد بن زر الأنصاري إلى إسماعيل بن جرير بن عبد الله يخطب إليه ابنته أم إسحاق بنت إسماعيل، فقال: أبلغ الأمير السلام وأعلمه أن عمه جريرًا أوصى ألا تخرج واحدة من بناته إلا إلى رجل من قريش وهو أحق من لم يثرب وصية عمه، ولم يحاول نقضها مع أنا أمَّلْنَاهُ لعيالنا وأعقابنا، فو الله ما كان عنده ما ظننا به ما سهل في أذن ولا رفع من قدر، فلما أتت خالدا رسالته أمسك. وبلغ الخبر ابن نوفل فقال: لعمري لقد أصبحت حاولت خطة ... ممنعة والدهر يقذف بالعجب أتخطب جهلا إن وليت إمارة ... بنات جرير في المكارم والحسب

_ [1] المأكمة: لحمة على رأس الورك، وهما اثنتان، أو لحمتان وصلتا بين العجر والمتنين، جمعه مآكم. القاموس.

وأنت دعي ليس يعرف أصله ... منوط بقسر كالعلاقة في الحقب فردك رد العبد إذ جئت خاطبا ... وهل ينكح الأحرار عبدا إذا خطب في أبيات. وقال أيضًا: أخالد لا جزاك الله خيرًا ... وأيرٌ في حر أمِّكَ من أميرِ تمنى الفخر في أولاد قسرٍ ... كأنّك من سراة بني جرير وكنت لدى المغيرة عبد سوءٍ ... تبولُ من المخافة للزبير وقد قلت اطعموني الماء جُبنًا ... ولؤمًا إذ خريت على السرير

وكان المغيرة بن سعيد [1]

وكان المغيرة بن سعيد [1] هذا ظهر أيام خالد وكان يظهر التشيع لآل علي فروي عن جعفر بن محمد أن المغيرة بن سعيد كان يأتي محمد بن علي فيستفتيه ثم يمضي فيكذب عليه، فقتل بالكوفة، قتله خالد بن عبد الله القسري. حدثنا محمد بن يزيد الرفاعي عن أبي بكر بن عياش عن عيسى بن المغيرة قال: كان الشعبي يقول للمغيرة بن سعيد مولى بَجيلة: ما فعل الإمام؟ فيقول: لا تهزأ به. فيقول: لست أهزأ به، إنما أهزأ بك. ودخلَ المغيرة على عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن فَقَالَ: إنا نَجد المهدي ابنكَ محمدًا فأَرِنيه، فأراهُ إياهُ، فقال: هُوَ هُوَ. حدثنا محمد بن الصباح البزار عن يحيى بن المتوكل عن كثير النَّواء قال: قال أبو جعفر: [فعل الله بالمغيرة وبيان فإنّهما كذابان علينا أهل البيت] .

_ [1] بهامش الأصل: المغيرة بن سعيد.

ولاية القسري مكة

قالوا: وأتى المغيرة جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن فقال له: أقِرَّ بعلم الغيب حتى أجبي لك العراق. فقال: أعوذُ بالله. ثم أتى محمد بن علي بن الحسين فقال له مثل ذلك فزجره وشتمه. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدريس عن جار له قال: سمعتُ مغيرة بن سعيد يقول: مات عثمان بن عفان وهو يعبد سبعة آلهة، فأخبر خالد بن عبد الله بذلك، فأرسلَ إليه فأخذه فاعترضته فقلت: في أي شيء أخذت؟ قال: لا أدري إلا أن يكون حميمات لأنبي. قالوا: وكثر تبع مغيرة وتنبأ، وتنبأ بيان فخرج على خالد فقتله وصلبه فيقال إن خالدًا أحرقهما. وقال خالد حين بلغه أمر المغيرة وبيان: اطعموني ماء. فقال ابن نوفل في ذلك ما قال. وقال مالك بن أسماء بن خارجة: طال التجاوز من بيانٍ واقفًا ... ومن المغيرة فوق جسر العاشر يا ليته قد سال جذعًا نخلةٍ ... بِبُنَيّ درٍّ وابن قيس الماصر [1] [ولاية القسري مكة] وقال الأصمعي وأبو عبيدة: كان خالد على مكة. ولاهُ الوليد بن عبد الملك سنة خمس وتسعين فكان عليها حتى مات الوليد، وولي سليمان فأقرّه أشهرًا ثَمانية أو سبعة ثم تنازعَ الأعجم عبيد الله بن شيبة بن عثمان ومصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان

_ [1] مصر الشاة أو الناقة: حلبها بأطراف الأصابع الثلاث، أو الإبهام والسبابة فقط، وهي ماصر: بطيئة خروج اللبن. القاموس.

العبدريان، فكان هوى خالد مع مصعب، فكتب الأعجم إلى سليمان مع ابن ابنه محمد بن طلحة بن الأعجم يشكو تَحامل خالد عليه، وعلى ولده، فكتب سليمان إلى خالد أنه لا سبيلَ لك على الأعجم وولده، فقدم طلحة بالكتاب على خالد وهو بفخ مستنقع في ماء، فلما رآه قال: صيدك إن لم تحرمه [1] ، ثم ضربه مائة سوط، وقال أبو عبيدة: ضرب الأعجم نفسه فخرج بنفسه وثيابه التي ضُرِبَ فيها فألقاها بين يدي سليمان، وقال: إنه لما قرأ كتابك ضربني، فكتب سليمان إلى داود بن طلحة بن هدم الحضرمي، وكان عامله على قضاء مكة، بولايته على مكة وبقطع يد خالد. فكلم يزيد بن المهلب سليمان، وكان حاضرًا، فقال: إن كان ضربه قبل أن يقرأ كتابك ضُرب فكتب سليمان: إن كان ضربه بعد قراءته كتابي فاقطع يده، وإن كان ضربه قبل قراءته فاضربه مائة سوط كما ضربه، فقدم بالكتاب عشية عرفة وخالد واقف بالناس، فدفع الكتاب إلى داود الحضرمي، فقرأه وأمر بخالد فنحي عن مقامه، ووقف بهم داود. فلما انقضى الموسم وخالد محبوس قعد له وللأعجم، فادعى أنه ضربه بعد قراءته الكتاب فخافَ خالد على يده أن تقطع فجعل يصيح: نشدتُ الله رجلا شهد ضربي إيّاهُ قبل أن أقرأ الكتاب إلا قام بشهادته، فقام دَاوُد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس، وكان على السقاية يومئذ فشهد له بذلك، وشهد له عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله بن عامر بن كريز، فأمر داود بن طلحة بجلد خالد فضرب مائة سوط، فجزع جزعًا شديدا وجعل يمد يده وو الفرزدق حاضر فقال: اضمم

_ [1] ورد هذا المثل في: مجمع الأمثال للميداني تحت رقم (2088) بعنوان: صيدك لا تحرمه.

إليك جناحك يا بن النصرانية. فضم خالد يده فكان ذلك أهون للضرب عليه. فقال: والله ما أراد الفرزدق نصيحتي. وقال الفرزدق: سلوا خالدًا لا قدس الله خالدا ... متى وليت قسر قريشا بدينها في أبيات قد ذكرناها. ويُقالُ إن خالدًا أمر الأعجم بفتح البيت فأبى ذلك عليه فكان ذلك في نفسه على الأعجم حتى ضربه به، وسمي الأعجم لرتَّةٍ كانت في لسانه. وقالت أم الضحاك النضرية من بني نضر بن معاوية: لعمري لقد باعَ الفرزدق عرضه ... بخسفٍ وصلّى عرضه حامي الجمر وكيف يسامي خالدًا ويسبّه ... خميصٌ من التقوى بطين من الخمرِ فلم يزل خالد محبوسًا بِمكة حتى حج سليمان سنة سبع وتسعين فكلمه فيه المفضل بن المهلب، فقال له سليمان: يا أبا عثمان، أطَّتْ بك الرحم ولا رحم بينكما، إنه قبحه الله قد جَرَّعَني غيظًا، قال: فلْيَهبَ ذلك أمير المؤمنين لي. قال: قد فعلت وأيم الله، ليخرجنّ إلى الشام راجلا، فمشى خالد إلى الشام وشكر ليزيد والمفضل ما كان منهما، فأجازَ عبد الرحمن بن يزيد حين ولي العراق بِمائة ألف. وكتب هشام إليه يأمره أن يستنفرَ الناس إلى الغزو مع الجراح بن عبد الله، فقدم عليه ناس من آل المهلب فردّهم ولم يُغزِهِم إلا عثمان بن المفضل فإنه وصله وأغزاه، وقال: لولا مخافة ألا يحتملها لي أمير المؤمنين لعقدت له على البصرة.

وقالوا: كان أسد بن عبد الله على خراسان من قبل أخيه، وكان شديد العصبية لا يملك نفسه، فأخبر عن نصر بن سيار، ومنصور بن أبي الخرقاء السُّلمي، والبَخْتَري بن مجاهد مولى بكر بن وائل، وعبد الرحمن بن نعيم وسَوْرة بن الحرّ أنهم يُصَغّرونه ويقولون أُمَيْر، فدعا بِهم وضربَهم في جوانب مجلسه، وحلق رؤوسهم ولِحاهم، وأرسلَ بِهم إلى خالد، فلما أُتي بِهم خالد سَبَّ أسدًا أخاهُ حين لم يبعث برؤوسهم وقال: أشبه أمه. وكانت من عُرَيْنَة، ثم أمر بهم خالد فحبسوا، ثم أمر ابنه يزيد أن يكلمه فيهم ليشرفه بذلك فكلمه فأخرجهم وأجازهم وخيرهم أين ينزلون، فاختاروا أن يردهم إلى خراسان، إلا نصر بن سيار، فإنه قدم البصرة فابتنى مسجدًا بحضرة بني يشكر، وهو يعرف به، ولم يأت خراسان حتى عزل عنها أسد، وولي أشرس السلمي، فقال الفرزدق: أخالد لولا الله لم تُعط طاعةً ... ولولا بني مروان لم توثقوا نَصْرا إذًا لوجدتم دون شد وثاقه ... بني الموت لا كَشْفَ اللقاء ولا ضُجْرا مصاليت أبطالا إذا الحرب شمرت ... أَمرّوا بأطراف القنا مررًا شَزْرا [1] في أبيات. قالوا: وبعث خالد إلى هشام بِمال، وبعث إلى علي بن عبد الله، ومحمدًا ابنه بِمال، وكان يتعهدهما بصلته.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 323.

أخبار خالد القسري

[أخبار خالد القسري] حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح المقرئ عَن ابْن كُناسة وغيره قالوا: كتب خالد إلى مالك بن المنذر أن خذ الفرزدق فاحبسه، وكان يحقد عليه أشياء، وأظهرَ أنه إنَّما حبسه لأنه هجا نَهر هشام، فأمر مالك أيوب بن عيسى الضبي، فاحتالَ له حتى أخذه. وكانت ضبة أخوال الفرزدق فهجا أيوب بشعر فيه: ستأتي ابن زبّ الخنفساء قصيدة ... يكونُ له مني عذابًا يُباشره مَتَتُّ له بالرحم بيني وبينه ... فألفيتُه مني بعيدًا أواصره وقلتُ امرؤٌ من آل ضَبَّة فاعتزى ... إلى غيرهم جلد استه ومناخره فلو كنت ضبيًّا عرفت قرابتي ... ولكن زنجيًّا غليظًا مَشَافِرهُ [1] فلما ورد بالفرزدق على مالك أمر أن يوقر حديدًا ويجلس فقال، وكان يصلي قاعدًا: خذا بيديَّ فارفعاني إليكما ... لعليّ أصلّي قائِمًا غير قاعد لئن قاربَ القسريّ خَطوي لطالما ... تناولتُ أطرافَ الهمومِ الأباعدِ بِمأمومة الأعضاد خوص من السّرى ... خفاف الأداوي ناقصات المراود [2] وقال أبو عبيدة: أخبرني أعين بْن لَبطة بْن الفرزدق عن أَبِيهِ قال: كنتُ آتي مالك بن المنذر لأنشده شعر أبي فأحجب، ويرسل إليّ: إنّ أمر أبيكَ إلى غيري، فالتمسوا له وجهًا سواي. فكتب الفرزدق مع ابن أخ له، ومعي إلى هشام بشعر يقول فيه:

_ [1] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 132- 133 مع فوارق كبيرة.

بعثتُ إليك ابني يا خير من مشى ... ويا خير مطلوب إليه الخائف فلو كنت أخشى خالدًا أن يروعني ... لطرتُ بوافٍ ريشه غير جاذف كما طرتُ من مصري زيادٍ وإنه ... لتصرف لي أنيابه بالمتالف ألم يك منكم آل مروان منعم ... عليّ بِنُعمى بادئٌ ثم عاطف ألم يَكْفِني مروان لما أتيتُه ... زيادًا وَرَدَّ النفس بين الخوالف عجبتُ لقومي إن رأوني تضرعوا ... وإن غبتُ كانوا بين واشٍ وقاذف [1] وقال لسعيد بن الوليد الأبرش الكلبي: إلى الأبرش الكلبي أسندت حاجةً ... تَوَاكَلَهَا حيا تَميم ووائل على حين إن زَلَّتْ بي النعل زلَّةً ... وأخلف ظني كل حافٍ وناعلِ فدونكها يابن الوليد فقم بها ... قيام امرئ في قومه غير حامل فإنك من قوم كرام أعزة ... إذا عض يومًا شره بالكواهل [2] فكلم فيه هشامًا، فكتب إلى خالد بتخلية سبيل الفرزدق، فقال الفرزدق: لقد وثب الكلبي وثبة ماجد ... إلى خير خلق الله نفسًا وعنصرا أبي حلف كلب في تَميم وعقدها ... لما سنَّتِ الآباء أن يتغيرا [3] ويُقالُ إن هشام بن عبد الملك أنفذَ كتابه إلى خالد مع جرير بن عطية، فلما قدم عليه أنشده جرير:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 7- 11 مع فوارق واضحة. [2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الفرزدق المطبوع. [3] ليسا في ديوانه المطبوع.

لقد كان داء بالعراق فما لقوا ... طبيبًا شفى أدواءهم غير خالد سقاهم برفقٍ خالط الْيُمْنَ والتُّقَى ... وسيرة مهديٍّ إلى الحق قاصد فهل لك في عانٍ وليس بشاكرٍ ... فتنقذه من طول عض الحدائد يعود وكان الخبث منه سجية ... وإن قال إني معتب غير عائد بني مالك إن الفرزدق لم يزل ... كسوبًا لعار المخزيات الخوالد [1] ويُقال: كان الرسول غير جرير. ويُقال: وفد عمارة بْن عقيل بْن بلال بْن جرير في أمر الفرزدق إلى هشام حتى أخذ كتابًا بإطلاقه فقال الفرزدق: أنا أسير قسريّ، في حبس عبدي، طليق كلبيٍّ. وقال: لا فضل إلا فضل أمٍّ على ابنها ... كفضل أبي الأشبال عند الفرزدقِ تداركني من هوَّة كان قعرها ... ثَمانين باعًا للطويل الْعَشَنَّقِ [2] وكان أسد حين ورد كتاب هشام خليفة أخيه بواسط، وذلك أن خالدًا كان غائبًا عن واسط، يُقال إنه حج في سنته. وقال في أسد: وكم لأبي الأشبال من فضل نعمة ... تُعَدُّ وَأَيْدٍ أطلقتني سعودها فأصبحت أمشي فوق رجلي قائمًا ... عليها وقد كانت طويلا قعودها وكم يا بن عبد الله من فضل نعمة ... بكفيك عندي لم يغيّب شهودها [3] في أبيات.

_ [1] ديوان جرير ص 136- 140. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 52، والعشنق: المفرط الطول. [3] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الفرزدق المطبوع.

حدثنا الرفاعي عَن عمه عَن عَبْد اللَّهِ بْن عياش الهمداني، والمجالد بن سعيد عن الشعبي قال: حضرت خالدًا وقد أُتي بقوم فأمر بضربِهم فقلت: أصلح الله الأمير، إن أول من جعل السجن كان حليمًا، فعليك بالتؤدة، وإياك والعجلة فإنك على فعل ما لم تفعل أقدر منك على رد ما فعلت، فأمر بحبسهم حتى يثبت في أمرهم. قال: أصبتَ أبا عمرو، وحبسهم. وقال المدائني: هذا لعمر بن هبيرة. حَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر العُمري عَنِ الْهَيْثَمِ قال: كان خالد يزوج أقار به ويسوق عنهم المهر، فأراد أن يزوج بعضهم فذهبت عنه الخطبة فقال: إني والله أروي في النّكاح كذا وكذا خطبة، وما يحضرني الآن منها شيء، فاشهدوا إني قد زوجت فلانًا فلانة، وأصدقتها عنه كذا. المدائني عن غير واحد قالوا: كان خالد سخيًّا بالمال شحيحًا على الطعام، ولم يكن له طعام إلا لنفسه خاصة، لا يحضره أحد يأكل معه، فأكلَ معه رجلٌ يومًا فأجاد الأكل فقال لحاجبه: لا يدخلن هذا علي. وقال الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال: كان مصقلة العبدي طويل اللحية عريضها، فدخل على خالد بن عبد الله فقال له: يا مصقلة، لو أخذت من لحيتك. فقال: أَعَزْمَةٌ فأُطيع أم مشورة فَأَقْبَلُ؟. قال: لا واحدة منهما ثم قال: ما فعلَ ابنك الفضل؟ وكانت- أمه ابنة الغضبان بن القَبعثري- فقال: هلك رحمه الله فقد كان آخذًا لأربع تاركًا لثلاث، كان آخذًا لقلوب الرجال إذا حَدَّثَ، حسن الاستماع إذا حُدِّث،

حسن البشر إذا هو لقي، جميل القول إذا خولف، تاركًا لمداعبة الأحمق ومقارفة المآثم، وإتيان ما يُعتذرُ منه. قال الهيثم: وقال خالد بن عبد الله: إني لأحبّ قتل الرجل ما له عندي ذنب إلا استخفاف حاجبه بي وشدة حجابه لي. وقال الأصمعي: قال خالد: كنت أطعم في الحَطْمَةِ ستة وثلاثين ألفًا في كل يوم تَمرًا وسويقًا. قال أبو الحسن المدائني: إنّما أطعم الأعراب في حطمة أصابتهم في كل يوم ثلاثين ألف إنسان خبزًا وسويقًا وتَمرًا، فقيل لأعرابي: لو أتيت خالدًا فإنه يُطعم الأعراب فأبى وقال: يقول ابن حجاج تجهز ولا تمت ... هزالا بحرّان تَعاوي ذئابها فأقسم لا أبتاع رغفان خالدٍ ... بأرواح نجدٍ ما أقام ترابها وقال الهيثم بن عدي: قال ابن عياش: كانت حطمة خالد، فجاءت قيس وتَميم وأسد وكلب وبَلي، فكان يطعمهم ثلاث أكلات: أكلة بلحم، وأكلة بعدس، وأكلة بلبن أو بخل وزيت، وكان يُحَسِّيهم السمن ويقول: لا تبدأوهم بالطعام فيموتوا فإن الأمعاء تضيق، ثم يُحَسُّونَ بعد السمن المرق، فأنفقَ عليهم تسعين ألف ألف درهم، وكتب إلى هشام: إني أنفقتُ على الأعراب من مالك ليكثر لك الدعاء وعليك الثناء ويجب لك الأجر. فكتب إليه هشام: يا بن أم خالد إيّاي والخدع، والله لا أحسبها لك أبدًا. فقال جُوانانبه ابن رأس البغل: لك عندي خمسة آلاف ألف درهم،

وقال بعضُ الدهاقين: لك عندي عشرة آلاف ألف، وتبادر الدهاقين حتى حملوها عنه. المدائني قال: دخل رجلٌ على خالد بن عبد الله فقال: أصلحَ الله الأمير، أكلمك بهيبة الآمل أم بجرأة اليائس؟ قال: بهيبة الآمل، وقضى حوائجه. حدثني أحمد بن الحارث عن المدائني عن عوانه وأبي إسماعيل الهمداني قالا: كفل ابن بيض الحنفي بهشيم بن صفوان، وجميل بن حمران بألف ألف، فمات هشيم فجلس ابن بيض فكتب إلى أبان بن الوليد: مستكين بألف ألف أسير ... هالك أو إخال إني مُودِ لو بعشرين أو ثلاثين حبسي ... كان حبسي بالهين الموجود فتذكرتُ من لروعات دهرٍ ... ذي بنات بيضٍ وحُمْرٍ وسُود من لها يا سعيد قال أبان ... فاغتنمها أبان يابن الوليد فأرادَ أبان أن يكلم خالدًا فيه فوافاهُ، وقد جاءه كتاب منه فيه: ألم ترَ أني على عَيْلَتي ... تَحَمَّلْتُ للحين حملا ثقيلا هُشَيْمًا تَحملتُ من شقوتي ... وَثنَّيْتُ بعد هُشيم جَميلا فأودى هُشيم بِما عنده ... فأورثني ذاك هَمًّا دخيلا وما بي تفرق أيتامه ... وإن أصبحوا بعد عيش كلولا ولكن بني الألى عن قليل ... يرونَ أباهم وشيكًا قبيلا أطعني فإني امرؤ ناصح ... وخذ من فزارة غيري كفيلا عليك عيينة أو مالكًا ... وقيسًا تَجده وقورًا حمولا فخذهم جَميعًا بِما عندهم ... فأهل القتيل يلون القتيلا

وأبان بن الوليد [1] بن عبيد الله بن مالك البجلي.

وإن عدت في مثلها بعده ... وجئتك من عثرة مستقيلا فمر بي عطاءً وأشياعه ... ينوطونَ رجليّ حتى أبولا يعني عطاء بن مقدّم، كان على عذاب خالد بن عبد الله، واستخراجه. وكان ابن هبيرة ولى هشيم بن صفوان الفزاري فارس، فلما ولي هشام وشى هشيم بابن هبيرة وزعم أنه اقتطعَ اثنا عشر ألف ألف درهم. وأبانَ بن الوليد [1] بن عبيد الله بن مالك البجلي. قالوا: وكان أبان بن الوليد يُجالس إبراهيم وابن شبرمه، فكان إبراهيم إذا نظر إليه قال: ويحه أي خارجي هو، فلما قدم خالد بن عبد الله الكوفة عرض على ابن شبرمه العمل فقال: لا حاجة لي فيه ولكن اجعلني من أعوانك وارفع عني النوبة والمكروه ففعل فكان في الديوان. وقال المدائني: كان أبان كاتبًا لإياس بن معاوية بن قرة المزني، وكان إياس يلي سوق واسط والحسبة، أجبره ابن هبيرة على أن ولاه ذلك وضربه أربعين سوطًا حتى تقلده، فكان أبان يحمل الدواة والقرطاس لإياس، فلما قدم خالد ولاه الشرطة فقال ابن نوفل: وهذا أبان بني الوليد ... خطيبًا إذا قام لم يحصر أبعد الدواة وحمل الطروس ... وبعد الكتاب على الدفتر ظللت أميرًا بأرض العراق ... للهفي على البيدق الأعور

_ [1] بهامش الأصل: أبان بن الوليد.

وحمل أبان الحربة يومًا، فجعل ينتظر خروج خالد ليحملها بين يديه، فقال له رجل: لو وضعت الحربة حتى يخرج الأمير أو دفعتها إلى من يمسكها، فقال: لوددت أن رجلا أعطاني حربة أخرى أسير بها بين يديه. وكتب هشام إلى خالد: إنك وليت شرطتك رجلا حدثًا فلو وليتها ذا حنكة، ونقلت صاحبك إلى ما هو أجدى عليه منه، فقال خالد لأبان: قد جعل أمير المؤمنين أصلحه الله السبيل لي إلى ما أحب فيك، فولاهُ فارس وقال: كلها هنيئًا مريئًا، وولى شرطته العريان بن الهيثم بن الأسود النخعي، فأتى علي بن زيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مليكة، واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان أبان بن الوليد بفارس فوصله بخمسة عشر ألف درهم، ويُقال بثلاثة عشر ألفًا فقال له: إن منيت بها على شيخ من قريش كانت إليها حاجة، قال يا أبا الحسين منَّتُكَ علينا في زيارتنا أعظم. وقال ابن نوفل يَهجو أبان بن الوليد: أخالد وليت امرأ حدّ سارق ... حكومة أهل المصر يا ضيعة الحكم أليس أبان أمس بالري أُرسلتْ ... عليه سياط الجعفري بلا ظلم فلا تضربنّ الدهر للخمر شاربًا ... فمن قبلهم أغلى بعاتقة الكرم وقال ابن نوفل أيضًا: ما سمعنا لابن الوليد أبان ... باب دون عامر بن قداد فكان أبان يقول: قولوا لابن نوفل ينتسب إلى أبوين من حمير، فأمّا أبواهُ من موالي ثقيف فمعروفان. وكان ابن نوفل يزعم في أيام الحجاج أنه من ثقيف، فلما كانت أيام خالد قال: أنا من حمير، فقال أبو عطاء السندي.

يقول ابن نوفل فيما يقول ... أنا ابن الكلاعي من حمير ودار الكلاعي عُلويَّة ... ودارُ ابن نوفل في نفر وللكميت في أبان شعر منه قوله: لا واضعٌ عن مطيّ الحمد أرجله ... يومًا ولا هو للعوراء منتدب أحلامكم لسقام الجهل شافية ... كما دماؤكم تشفي من الكلب وأتى أبان بن الوليد جندل بن الراعي عبيد بن حصين النميري فقال له: نفس عصام سوَّدت عصاما فأعرض عنه واستلقى فقال ابن نوفل: رأيتُ أبا الوليد وفيه إحن ... إذا ما المرء واجهه الكلاما أقر لِجندلٍ والقوم فوضى ... علانية وشبَّهه عصاما ووقره لها جهلا وأَغْضَى ... عليه العين فاستلقى وناما ولما حبس يوسف بن عمر عمال خالد حبس أبان بن الوليد وعذبه فقال: طال في الحبس مجلسي وثوائي ... واصطباري للجهد والأواء كل يوم يُعْدَى علي ولا قوة ... لي أو يراح بالعذراء فإلى الله لا إلى الناس أشكو ... ما أرى من شماتة الأعداء ربّ إني كُلّفتُ ما ليس عندي ... فعويلي إليك رب السماء فلئن مت أو قتلت فمحمود ... كريم الصنع في الأحياء كم وكم منه ستذكر إن مت ... لديهم ومن يدٍ بيضاء فاندبيني إن مت أم حصين ... للندى والتقى وبذل العطاء

أخبار خالد القسري

[أخبار خالد القسري] المدائني وغيره قالوا: أُتِيَ خالد بن عبد الله برجلٍ تنبأ بالكوفة وقال إنه قد أُنزل علي قرآن فقال له خالد: ما قرآنك؟. قال: «إنا أعطيناك القاهر، فصل لربك وجاهر، ولا تطع كل فاجر، مغتر بالله كافر» . فأمر به خالد فضرب حتى أثخن، ثم أمر به فصلب، فقال له حمزة بن بيض الحنفي وهو يشد على الخشبة: إنا أعطيناك العمود، فأطل عليه الركود، وصلّ لربك على عود، وأنا ضامن ألا تعود» . ولم يلبث أن مات. قالوا: وأتى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان خالدًا يستمنحه فلم ير منه ما يُحب فقال: أما المنافع فللهاشميين، وأما نحنُ فما حبوتنا منه إلا شتمه عليًّا على منبره. فبلغ ذلك خالدًا فقال: إن أحبّ تناولنا له عثمان بشيء المدائني قال: كان عامة عمال خالد الدهاقين فقتل دهقان منهم بفارس، فأمر خالد بنفي العرب وعيالاتِهم من السواد، فقال ابن نوفل: أَيُقْتَلُ عامل بدرابجردٍ ... فتنفونَ العباد من السواد لعلك أن ترى عما قليل ... عيالك يُسْلَبُونَ بكل واد المدائني قال: خطبَ أخو خالد إسماعيل بن عبد الله عند أبي العباس، ويُقال عند أبي الجهم بن عطية، أحد رجال الدولة، فذم عمال بني أمية والحجاج وابن هبيرة ويوسف بن عمر، ولم يذكر خالدًا، فقام بعض من حضر فقال: جزاك الله من خطيب خيرًا، ذكرت أهل بيت اللعنة وعمالهم وأحسنتَ في ذمهم، إلا أنك تركت خالدًا، وهو ابن زُوَينية اجتمعَ في بطن أمه الخمر

ولحم الخنزير، وسلط أهل الذمة على المسلمات فعلقوهنّ بثديهن، وبنى البيع غير متحرج ولا مرتاب. وقال ابن نوفل: عليك أمير المؤمنين بخالدٍ ... وعماله إن كنت تطلب خالدا بنى بيعة فيها الصليبُ لأمه ... وخرّب من بعد الصلاة المساجدا وقال حمزة بن بيض بن يمن بن عبد الله بن شمر بن عمرو بن عبيد الله بن عمرو بن عبد العزيز بن سحيم بن مرة بن الدؤل بن حنيفة: ليتني من بجيلة اللؤم حتى ... يعزل العامل الذي بالعراق وإذا عامل العراق تولى ... عدت من أسرتي الكرام العتاق وقال أبو نعيم الفل بن دكين، ثنا الفضل بن الزبير قال: أمسى خالد بالصلاة يومًا فقام إليه شاب من كندة فقال: الصلاة أصلحكَ الله. فقال: لعنك الله، أو لسنا في الصلاة؟. حدثني داود بن عبد الحميد عن مروان بن معاوية، حدثني عبيد الله بن الوليد قال: قلتُ لعطاء بن أبي رباح: ما تقول في صَاحِبٍ صَاحَبَ هؤلاء فلم يكتب معهم شيئًا مما يدخل ويَخرج؟ قال: من الرأس؟ قلت: خالد بن عبد الله. قال: أما تقرأ ما قال العبد الصالِح: رَبِّ بِمَا أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين [1] . ومدح ابن بيض خالدًا فقال: وأبوك آدم كان عند وفاته ... أوصاكَ وهو يجود بالحوباء ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم ... وكفيت آدم عيلة الأبناء

_ [1] سورة القصص- الآية: 17.

أخبرني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح عَن ابْن كُناسة أن خالد بن عبد الله كان يقول: أيها الناس عليكم بالمعروف فإن فاعل المعروف لا يُعدم جوازيه، فمهما ضعف الناس عن أدائه قدر الله على جزائه. وقال أيضًا: أيها الناس تنافسوا في المكارم فإنها أعظم المغانم واشتروا الحمد بالجود، ولا تكسبوا بالمطل ذمًّا. وقال خالد: أيها الناس عليكم بالمعروف فإن المعروف لو كان رجلا لرأيتموهُ حَسَنًا بسنًا [1] ذا بشر ومروءة ولا تملوا النعم فتعود نقمًا. وقال: أيها الناس لو رأيتم البخل لرأيتموهُ مشوهًا قبيحًا تنفر عنه القلوب وتُغَض دونه الأبصار، ومن لم يطب حرثه لم يَزْكَ نبتهُ. حدثني محمد بن أنس الأسدي عن ابن كناسة قال: دخلَ الطرماح على خالد فقال: يا أبا نفر أنشدني، فقال: اجلس ثم أنشدك، فقال: لا إلا قائمًا وإلا فلا شيء لك عندنا فخرج وقال: حرًّا أموتُ ولم يَشِني مطمعٌ ... إني نقيّ بطائن الأطمار [2] وقال بعض قريش: إن أبا نفر لعظيم المروءة. المدائني قال: لما أتى ابن الراعي خالدًا فماتَ ابنه وأعطاهُ خالد ديته، قال أبو الجويرية العبدي. وَبَدْأَهُ مجدٍ لم تكن فاقترحتها ... إلى كل أفقٍ فاحتوتها القصائد ضمنت ابن راعي الإبل أن حان يومه ... وشقّ له قبرٌ بأرضكَ لأحد

_ [1] بسن: اتّباع لحسن وأبسن الرجل: حسنت سحنته. القاموس. [2] ديوان الطرماح- ط. دمشق 1968 ص 240، وفيه «الإضمار» .

خباء لمثوى زائر فوديته ... فدتك الأكفّ طلقها والجوامد وقد كان مات الجود حتى نشرته ... وأذكيت نار الجودِ والجود خامد فأعطاهُ ثَمانية آلاف، وقال: أنت أشعر من ابن الراعي. وقال الفرزدق: وما الشمس ضوء المشرقين إذا بدت ... ولكن ضوء المشرقين بِخالدِ [1] قالوا: وكان طارق مولى خالد ابن أخت سعيد بن راشد، وسعيد مولى النخع، وكان طارق يأخذ من كل سفينة ذات شراع أربعة دراهم، ومن كل مصعدة ثَمانية دراهم، وكان متحاملا على عبد الله بن عبد الرحمن بن سعيد بن عتاب بن أسيد، وابن لعنبسة بن سعيد. فشكواه إلى خالد وقالا: هو يضربنا في أرضين لنا. فقال خالد: أما سمعتما قول القائل: أسجد لقرد السوء في زمانه ... وارفق به مادام في سلطانه وإن تلقّاكَ بقيروانه قالا: بلى. قال: فأرضياهُ. فحملا عهدتي أرضيهما وأتيا طارقًا. فقال: ما حاجتكما؟ فقالا: كنا ننازعكَ فيما تأخذه منا، وقد أتيناكَ بعهدتي أرضينا فاقبضهما هنيئًا مريئًا. فقال: فعلتما ما أنتما أهله في شرفكما. ودعا بأشربة عنده على ضياع فقال: دونكما هذه العُهَد وعُهدتيكما فدخلا على خالد بَعْدُ، فقال: أسجدتما للقرد؟ قالا: نعم وقد أحسن وأجمل. حدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنِ ابْن كناسة قَالَ: كان بين عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص وبين جعفر بن عمرو بن حريث

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 132.

مماظة [1] ومعاتبه، فدخل جَعْفَر بْن عَمْرو عَلَى خالد، وعنده عبد الرحمن بن عنبسة، وعلى صدر خالد صبي يقبله ويلاعبه، فقال لعبد الرحمن وكان جالسًا إلى جنبه وخالد لا يسمع: من هذا الصبي؟ قال: ابني. قال: أصلح الله الأمير، نح هذا الصبي عن صدرك فما رأيتُ أقذرَ منه وأنتَ تقبله، فقال خالد: أفي نفسك على أبي عبد الله موجدة أو شيء؟ قال: ومن أبو عبد الله؟ قال: أسد أخي. فقال: أصلحَ الله الأمير، ما عرفته ولكن هذا الفاسق خدعني وغرني وزعم أنه ابنه، فضحك خالد حتى فحص برجليه. قالوا: وأتى خالدًا رجل من ولد السليل الشيباني فقال: أصلح الله الأمير إني حملت عشر ديات وأتيتكَ معتمدًا، قال: فاحتكم. قال: نصفها. قال: قد فعلت. فخرج فلامه أصحابه وقالوا: حكّمك الأمير أفلا حكمت بها كلها، وسمع خالد ذَرْوًا [2] من قولهم فقال: ما يقولون؟ فأخبر به فقال: ردوه، فلما ردوهُ قال: قد أقلتك، وأمر له بالعشر كلها. قال: فانصرف بألف بعير. المدائني قال: دخل خالد بن عبد الله على عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته فقال له: ما زينتك الخلافة، ولكنك زينتها، ولا شرفتك ولكنك شرفتها وإنك لكما قال الشاعر:

_ [1] مظظته: لمته وماظظته مماظة ومظاظا: شاررته ونازعته، والخصم لازمته. القاموس. [2] ذرت الريح شيئا: أطارته، والذرو من الحديث ما ارتفع إليك وترامي من حواشيه وأطرافه. النهاية لابن الأثير.

وتزيدين طيب الطيب طيبا إن تمسيه ... أين مثلك أينا وإذا الدُّر زان حُسْنَ وجوهٍ ... كان للدر حسنُ وجهك زينا فقال عمر: أعطي هذا الرجل مقولا ولم يُعط عقلا. حدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي قَالَ: كان فروخ أبو المثنى على ضياع هشام متقبلا بها، وكان قد تقبل بنهر الرمان، فقيل له فروخ الرماني فثقل على خالد فقال لِحسان النبطي: ويحك اخرج إلى أمير المؤمنين فزد على فروخ، فزاد عليه ألف ألف، فثقل حسان على خالد فجعل يَضُرُّ به، فقال له: لا تفسدني فإني صنيعتك ولا تضرنّ بي، فأبى، فشخص حسان فقال لخادم من خدم هشام: إن تكلمت بكلمة أقولها لك حتى يسمعها أمير المؤمنين فلك عندي ألف دينار. قال: فعجلها، ففعل. فقال: بك صبيا من ولد هشام، فإذا بكى فقل: تبكي كأنك من ولد خالد القسري، غلته ثلاثة عشر ألف ألف لا يؤدي منها شيئًا وهو يأكل العراق، فسمعها هشام، ودعا بحسان فسأله عما سمع فقال: لعمري إن غلته هذا المال. فكانت في نفس هشام حتى عزله. وكان خالد يقول لابنه يزيد: ما أنتَ بدون مسلمة بن هشام، وإنك لتفخر على الناس بثلاث لا يفخرُ أحد بمثلها: سَكَرتُ دجلة ولم يتكلف ذلك أحد، ولي سقاية بمكة، وولاية العراق. المدائني قال: كان خالد كثيرًا مما يذكر هشامًا فيقول: ابن الحمقاء الورهاء [1] ، وكانت أم هشام كذلك فكتب مرة إلى هشام كتابًا غاظه فيه

_ [1] الورهاء: الحمقاء. القاموس.

فكتب إليه هشام: بلغني أنك تقول ما ولاية العراق بشرف لي، فيا بن اللخناء كيف لا تكون إمرة العراق شرفًا لك، وأنت من بجيلة، القليلة الذليلة، أما والله إني لأظن أول من يأتيك صقر من قريش يشد يدك إلى عنقك. قالوا: وكتب هشام إلى خالد: بلغني أنك تقول أنا خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز، وو الله ما أنا بأشرف الخمسة، أما والله لأردنّك إلى بغلتك وطبلسانك القيروي. وبلغ هشام أن خالدًا يقول لابنه: كيف أنت إذا احتاجَ إليك ولد هشام، فأغضب ذلك هشامًا. وأتى رجل هشامًا فسأله عن خالد فقال: لقد سمعته يقول فيك قولا عظيمًا فبحثه عنه فقال: هو أفظع من أن يواجه به أمير المؤمنين فقال: أقال لك الأحول؟ قال: أعظم من ذلك. ولم يزل يُبلغ هشامًا عنه ما يكره حتى تغير رأيه فيه، وكان أثيرًا عنده، والذي كان الرجل سمعه يقول ابن الورهاء. وأتى دهقانٌ خالدًا فقال له: إن غلة ابنك اليوم عشرة آلاف ألف ولا آمن من أن يبلغ ذلك أمير المؤمنين فيستكثره، وإن الناس يُحبونَ جسدك، وأنا أحب روحك وجسدك، فقال: ويحك دع ابني فلربما طلب ألف درهم فلم يقدرُ عليها. قالوا: وأتت امرأة خالدًا فقالت: أصلحَ الله الأمير، إني امرأةٌ مسلمة وإن عاملكَ فلان وثب علي وهو مجوسي فأكرهني على الفجور،

ولاية يوسف بن عمر الثقفي العراق

وغصبني نفسي، فقال: كيف وجدتِ قلفته؟ فكتب حسان بذلك إلى هشام، فكان ذلك مما دعاهُ إلى عزل خالد، وولاية يوسف بن عمر. وقال خالد: أن أكرم الناس عفوًا من عفا عن ذنب أخيه بعد قدرة، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته، والفروع على مغارسها تنمى، وعلى أصولِها تسمو نشأ الصغير على أخلاق والده ... إن العروق عليها ينبت الشجر [ولاية يوسف بن عمر الثقفي العراق] قالوا: أخفى هشام عزل خالد بن عبد الله، وكان: يوسف بن عمر الثقفي [1] عامله على اليمن، فكتب هشام إليه بِخطه يأمره أن يقبل في ثلاثين من أصحابه إلى الكوفة، وبعث بالكتاب بعهده على العراق، ووجه بذلك شَعْوَذيًا [2] . ويُقالُ بل كان عنده رسول ليوسف بعثه في حوائج له فحمله العهد، وكتب الولاية والتسليم، فخرج يوسف حتى صار إلى الكوفة في سبعة عشر يومًا فعرس [3] قريبًا منها، وقد ختن طارق خليفة خالد على الخراج ولده، فأُهدي له ألف عتيق وألف وصيفة سوى المال والثياب وغير ذلك، فجاء رجل إلى طارق فقال له: إني رأيت قوما أنكرتهم وزعموا أنهم سفار.

_ [1] بهامش الأصل: يوسف بن عمر. [2] الشعوذي: رسول الأمراء على البريد. القاموس. [3] أي نزل بآخر الليل للإستراحة. القاموس.

عزل خالد القسري عن العراق وحبسه

وصار يوسف إلى دور ثقيف فأمر بعضُ الثقفيين أن يَجمع له من قدر عليه من مضر ففعل، فدخل يوسف المسجد مع الفجر فأمر المؤذن بالإقامة، فقال: حتى يأتي الإمام. فانتهره فأقام، وتقدم يوسف فصلى وقرأ: إذا وقعت الواقعة [1] وسأل سائل [2] ، ثم أرسلَ إلى خالد وطارق وأصحابهما فأخذوا، وإن القدور لتغلي. [عزل خالد القسري عن العراق وحبسه] وقال أبو عبيدة: حبس يوسف خالدًا فصالَحه أبان بن الوليد عنه وعن أصحابه على تسعة آلاف ألف درهم، ثم ندم يوسف وقيل له: لو لم تقبل هذا المال لأخذت منه مائة ألف ألف درهم، فقال: ما كنت لأرجع عن شيء رهنت به لساني. وأخبرَ أصحاب خالد خالدًا فقال: أسأتم حين أعطيتموهُ هذا المال في أول وهلة. ما يؤمنني أن يأخذها ثم يرجع عليكم فارجعوا إليه. فأتوه فقالوا: إنا أخبرنا خالدًا بِمَا فارقناك عليه من المال، فذكر أنه ليس عنده، فقال: أنتم أعلم وصاحبكم فأما أنا فلا أرجعُ عليكم وإن رجعتم لم أمنعكم، قالوا: فإنا قد رجعنا، قال: فو الله لا أرضى بتسعة آلاف ألف ومثلها ومثلها، فذكر ثلاثين ألف ألف ويُقال مائة ألف ألف. وقال الكميت يَمدح يوسف ويَهجو خالدًا بقصيدة طويلة منها: لأجري من الآلاء آل أبي عمر ... اللائي لَها كنت أضرب [3] أناس يبارونَ الرياح فلا القرى ... بكيّ ولا الجاني لديهم مؤنّب

_ [1] سورة الواقعة- الآية: 1. [2] سورة المعارج- الآية: 1. [3] عجز هذا البيت مضطرب الوزن.

أخبار خالد القسري

يظل اليتامى الشعث حول جفانهم ... عيالا عليهم والضريك المعصّب فداهم من الأقوام أولاد خالد ... ومعشره أيام يرجّى ويُرْهَبُ فأنتَ لدين الله فينا وطيده ... وأنت على الأحساب فينا المذبِّبُ خرجت لَهم تَمشي البراح ولم يكن ... ليحصنه منه الرتاج المضبّب [1] [أخبار خالد القسري] حدثنا العمري عن ابن عياش قال: أجمع هشام على عزل خالد لأنه اتخذ بالعراق أموالا، وحفر أَنْهارًا حتى بلغت غلته عشرين ألف ألف درهم، منها نَهر خالد كان يغل خمسة آلاف ألف درهم، وباجوا، وبارمانا والجامع، والمبارك، ولوبة، وسابور، والصلح، وأمواله بالبصرة والبحرين، وكان يقول كثيرًا: ابني هذا مظلوم، ما تحت قدمي من شيء إلا وهو له، لأن عمر جعل لبجيلة ربع السواد، ثم صالَحهم عنه. قال الهيثم: فحدثني الحسين بن عمارة عن العريان بن الهيثم قال: قلتُ لخالد يومًا: إن الناس قد رمقوك بأبصارهم وحد جوك [2] ، وهي قريش وليس بينك وبينهم آل، وهم يَجدونَ منك بدًّا، وأنت لا تَجدُ منهم بدًّا، فأنشدكَ الله لما كتبت إلى هشام تُخبره خبر أموالك، وتعرض عليه ما أحب منها، فما أقدرك على اتخاذ مثلها ولا يستفسدك، وإن كان حريصًا، وأعطه طائعًا خير من أن تُعطيه كارهًا، وله عندك اليد الجليلة التي تحفظ ولا تنسى، وإنما نلت ما نلت في سلطانه، فإنه إن رفع عليك رافع، وسعى بك ساع لم آمن عليك أن يحوزها.

_ [1] ليست في ديوانه المطبوع. [2] حدج: ضرب بالتهمة، والتحديج: التحديق. القاموس.

قال: ما (أنتُ بمتهم، ولا يكون ذاك أبدا. فقال: أطعني واجعلني رسولك إليه فو الله لا يحل عقدة إلا شددتها، ولا يشد عقدة إلا حللتها، قال: إني والله ما أعطي على الذل، فكان العريان يقول: كأنك بها قد أخذت منه على الذل والصغار. حَدَّثَنَا الْعَمْرِيّ عَنِ الْهَيْثَم عَنِ ابن عياش أن بلال بن أبي بردة كتب إلى خالد، وهو عامله بالبصرة، حين بلغه تعتب هشام على خالد، يستأذنه في القدوم عليه، فأذن له فسار إلى الكوفة في يوم وليلة على الجمّازات [1] فقال له خالد: يا أبا عمرو لقد أتعبت نفسك فقال: لأنه بلغني تعتب أمير المؤمنين عليك، وما بغاكَ به ولده، وأهل بيته، فإن رأيتَ أن تعرض عليه بعض أموالنا ليأخذ من ذلك ما أحبّ فافعل، فإن أنفسنا طيبة بِما نعطيه، فقال: يا بلال إني والله ما أعطي شيئًا قسرًا، فقال: أتكلم أيها الأمير؟ قال: نعم، قال: يقول لك هشام وليتك ولا شيء لك فلم تر على نفسك من الحق أن تعرض علي بعض ما صار إليك، وأخاف أن يزين له حسان النبطي ما لا تستطيع تلافيه ولا تداركه، فاغتنم هذه الفترة. قال: أنظر في ذلك فانصرف راشدًا، فانصرف بلال وهو يقول: كأنكم بِهذا الرجل وقد بُعث إليه رجل بعيد الرحم، سخيف الدين، بغيض النفس، قليل الحياء، فأخذه بالإحن والترات، فكان كما قال. وقال ابن عياش: كان بلال اتخذ داره بالكوفة، وإنّما استأذنَ لينظر إلى داره، فما نزلها إلا مقيدًا، ثم جعلت سجنا إلى اليوم.

_ [1] جمز الإنسان والبعير، وثب، وهو عدو دون الحضر، وفوق العنق. القاموس.

تولية يوسف بن عمر الثقفي العراق

قال ابن عياش: كان خالد يَخطب فيقول: تزعمونَ أني أُغلي أسعاركم، فعلى من يغليها لعنة الله، وكان هشام بن عبد الملك كتب إلى خالد أَلَّا يُبَاعَنَّ من الغلات شيء حتى تُباع غلة ولد أمير المؤمنين، فبلغت الكيلجة [1] درهما. [تولية يوسف بن عمر الثقفي العراق] قالوا: ولَمّا غلب هشام، وقَلّ صبره على ما يبلغه عن خالد، أزمعَ عزله، وكتم ذلك سالِمًا كاتبه، لصداقة كانت بينه وبين خالد، فكتبَ إلى يوسف بن عمر بِخطّه بولاية العراق، وإلى خالد بالتسليم. المدائني عن بشر بن عيسى عن أبيه عن الربيع بن شابور مولى بني الحريش قال: أتى هشامًا كتاب خالد، وقدم عليه في ذلك اليوم رسول ليوسف بن عمر، فقرأ هشام كتاب خالد، فلما صلى المغرب نَهض فصلى ركعتين ثم رفع يده يدعو، فقلتُ في نفسي: إنه ليستخيرُ الله في عزل خالد، فكتب عهد يوسف من ليلته مع الرسول، والرسول لا يدري ما معه. [أخبار خالد القسري] قال الهيثم: فسمعتُ أشرسَ مولى بني أسد، وكان تاجرًا ليوسف يُحدث الحسن بن عمارة قال: أتانا كتاب هشام فقرأه يوسف فكتمنا ما فيه، وقال: أريد العمرة، فخرج وأنا معه ودكين بن شجرة العاملي، وأخوه قرواش، وحجاج النصري، وكانوا أصحاب محمد بن يوسف الذين يؤانسهم، قال: فخرجنا واستخلف ابنه الصلت على اليمن، فما كلم أحدًا منا بكلمة حتى انتهى إلى العُذيب، فأناخَ وقال: يا أشرس، أين

_ [1] الكيلجة: مكيال. القاموس.

دليلك؟ قلت، هوذا، فسألهُ عن الطريق فقال: هذه طريق المدينة، وهذه طريق العراق. فقلتُ: والله ما هي بأيام عمرة، فلم يتكلم حتى أناخَ بين الحيرة والكوفة في بعض الليل، ثم استلقى على ظهره، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال: فما لبثنا العيس أن قذفت بنا ... نوى غربة والعهد غير قديم يا أشرس ابغني إنسانًا أسائله، فأتيته برجل فقال: سله عن ابن النصرانية، فقلتُ: ما فعل خالد؟. قال: في الحمة، اشتكى فخرج إليها، قال: سله عن طارق، فقال: ختن بنيه وهو يطعم الناس بالحيرة وخليفته عطية بن مقلاص يطعم الناس بالكوفة، قال: خلِّ عن الرجل. ثم ركب فأناخَ بالرحبة، ودخلَ المسجد، فصلى يوسف، ثم استلقى على ظهره فمكثنا ليلا طويلا، ثم جاء المؤذنون، وزياد بن عبيد الله الحارثي يومئذ على الكوفة خليفة لِخالد، فأذنوا ثم سلموا وخرج زياد وأقيمت الصلاة فذهب زياد ليتقدم فقال يوسف: يا أشرس نَحِّهِ. فذهب ليتقدم فقلت: يا زياد تأخر، الأمير. فتأخر زياد، وتقدم يوسف وكان حسن القراءة فصيحًا فقرأ: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ وإذا وقعت الواقعة فصلى الفجر وتقدم القاضي فحمد الله وأثنى عليه، ودعا للخليفة وقال: ما اسم أميركم؟ فأخبرَ فدعا له بالصلاح، فما تفرق أهل الصلاة حتى جاء الناس، ولم يبرح يوسف حتى بعث الحكم بن الصلت وعطاء بن مقدم إلى خالد، وبعث محمد بن منظور الأسدي إلى أبان بن الوليد بفارس، وبعث كثير بن عبد الله أبا العاج إلى بلال بن أبي بردة بالبصرة، وبعث إبراهيم بن عاصم العُقَيْلي إلى عبد الله بن أبي بردة بسجستان، وأمر هشام أن يُعزل عمال خالد

جَميعًا إلا الحكم بن عوانة، وكان على السند فأقره حتى قتل هو وزيد بن علي في يوم واحد، قتله ناكهر، ولم يعرض يوسف لزياد بن عبيد الله، وبعث إلى محمد بن القاسم بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن عِضاه الْأَشْعَرِيّ، فقال له: من أنت؟. فانتسبَ له، وقال: إِنّما كنتُ على أعواد كَرْمَان، قال: نِعْمَ أهل البيت أنتم فَأَدِّ شيئًا. قال: قد أخبرتك أني لم أتولّ جباية، فقال: خليّا سبيله. فلما أتى خالد قيل له: الأمير الأمير. قال: دعوني من أميركم، أحيٌّ أمير المؤمنين؟ قيل: نعم. قال: لا بأس عليّ. فلما قُدم بِخالد على يوسف حبسه وضرب يزيد بن خالد ثلاثين سوطًا، فكتب هشام إلى يوسف: أُعطي الله عهدًا لئن شاكت خالد شوكةً لأضربنّ عنقك فخلّ سبيله بثَقَله وعياله. فأتى الشام فلم يزل مقيمًا بالشام يغزو الصوائف حتى مات هشام. وقال غير الهيثم: كانت ولاية خالد العراق في شوال سنة خمس ومائة، ثُمَّ عزل في جمادى الأولى سنة عشرين، وقد قدم عليه يوسف واسطًا فحبسه بها ثم شخص إلى الحيرة، فلم يزل خالد محبوسًا بالحيرة ثَمانية عشر شهرًا، وحبس معه أخوه إسماعيل بن عبد الله، وابنه يزيد بن خالد، وابن أخيه المنذر بن أسد بن عبد الله. واستأذنَ يوسف في البسط على خالد، فلم يأذن له هشام حتى ألحّ عليه بالرسل، واعتلّ بانكسار الخراج لما صار إليه وعماله منه، فأذن له فيه مرة واحدة، وبعث حرسيًا يشهد ذلك، وحلف لئن أتى على خالد أجله وهو في يده ليقتلنه، فدعا به يوسف وجلسَ على دكان بالحيرة، وحضر الناس وبسط عليه فلم يكلمه خالد حتى شتمه يوسف وقال: يا بن الكاهن- يعني

شقّا أحد أجداد خالد وكان كاهنًا-. فقال له: إنك لأحمق، تعيّرني بشرفي لكنك ابن السبّاء، إِنَّما كان أبوكَ يسبي الخمر. ثم ردّه إلى محبسه، فأقام ثَمانية عشر شهرًا، ثم كتب إليه هشام يأمره بتخليه سبيله في شوال سنة إحدى وعشرين ومائة. وأخذ يزيد بن خالد وحده على بلاد طيّئ حتى ورد دمشق، وخرج خالد ومعه إسماعيل أخوه وغيره، وقد جهزهم عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص، فسار خالد حتى نزل القُرّية، وهي من أرض الرصافة، فأقامَ بها بقية شوال، وذا القعدة، وذا الْحجَّة، وصفر لا يأذن له هشام في القدوم عليه والأبرش يُكاتب خالدًا. قال الهيثم: وخرج زيد بن علي على يوسف بن عمر، فكتب يوسف، إن أهل البيت من بني هاشم قد كانوا هلكوا جوعًا حتى كانت همة أحدهم قوت يومه، فلما ولي خالد العراق قوّاهم بالأموال حتى تاقت أنفسهم إلى طلب الخلافة، وما خرج زيد إلا بإذن خالد، وما مقامه بالقرية إلا لأنها مدرجة الطريق، فهل تسأل عن أخباره؟ فقال هشام للرسول، وهو رجلٌ من بلقين: كذبتَ وكذب صاحبك ومهما اتهمنا به خالدًا فإنا لا نتهمه في طاعته وأمر بالرسول فوجئت عنقه. وبلغ الخبر خالدًا فصار إلى دمشق فأقامَ بها حتى حضرت الصائفة، فخرج فيها ومعه يزيد وهشام ابنا خالد، وعبد الله بن يزيد بن خالد، وكان على دمشق يومئذ كلثوم بن عياض بن جُوح بن قيس القشيري، وكان متحاملا على خالد مطابقًا ليوسف على أمره، فلما أدربَ الناس ظهر في دور دمشق حريق في كل ليلة يلقيه رجل من أهل العراق يُقالُ له أبو المعرّس

وأصحاب له، فإذا ارتفعت النار أغاروا يسرقونَ، وكان إسماعيل بن عبد الله، والمنذر بن أسد، وسعيد ومحمد ابنا خالد بالساحل لحدث كان من الروم، فكتب كلثوم إلى هشام يذكر الحريق، ويذكر أنه لم يكن قط قبل قدوم خالد، وأن موالي خالد يريدونَ الوثوبَ على بيت المال ونهب الناس. فكتب هشام إليه يأمره بحبس آل خالد الصغير منهم والكبير، ومواليهم والنساء، وأخذ إسماعيل والمنذر ومحمدًا وسعيدًا من الساحل، فقدم بِهم في الجوامع ومن كان معهم من مواليهم وغلمانِهم، وحبس أم جرير بنت خالد والرائقة وجَميع النساء والصبيان. ثم ظهر على أبي المعرّس، فأُخذ ومن معه، فكتب الوليد بن عبد الرحمن عامل الخراج بدمشق إلى هشام يُخبره ببراءة من حُبس من أهل خالد، وأخذ أبي المعرس وأصحابه. فكتب هشام إلى كلثوم يشتمه ويعنّفه ويأمرهُ بتخليه من حبس من آل خالد ومواليه وغيرهم ممن هو منهم بسبب، فخلاهم جَميعًا. ولَما قدم خالد قال: غزوت في سبيل الله سامعًا مطيعًا، فأخذ حُرَمي، وحرم أهل بيتي فحبسوا مع أهل الجرائم كما يفعل بأهل الشرك، فما منع عصابة منهم أن تقوم فتقول علام حبس حُرَم هذا الرجل، أخفتم أن تقتلوا جَميعًا؟. أخافكم الله. ثم قال: ما لي ولِهشام يسوق بناتي وحُرمي كل يوم إلى السجون، لَيَكُفَّنَّ عني أو لأَدْعُوَنَّ إلى عراقي الهوى شامي الدار حجازي الأهل لو نخر نخرة، أو نعر نعرةً تداعت من أقطارها- يعني مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن

عباس-. فبلغ قوله هشامًا فقال: خرف الرجل. وكتب إليه: إنك هُذَأَةٌ، هُذَرَةٌ، أببجيلةٌ القليلةُ الذليلة تتهددنا؟. وقال رجل من عبس في خالد: ألا إِنَّ بَحرَ الجودِ أصبح ساحيًا ... أسيرَ ثقيفٍ موثقًا في السلاسل فإن يسجنوا القسريَّ لا يسجنوا اسمه ... ولا يسجنوا معروفه في القبائل قال الهيثم: فأقامَ خالد بدمشق، ويوسف ملح على هشام في إشخاص يزيد بن خالد، فكتب إلى كلثوم يأمره بحمل يزيد إلى يوسف، فبعث إليه خيلا وهو في بعض النواحي فقاتلهم ولم يقدروا عليه، فحبس كلثوم خالدًا في سجن دمشق، وسار إسماعيل أخوه حتى أتى الرصافة، فدخل على ابن الزبير حاجب هشام فأخبره بحبس كلثوم خالدًا، فأنهى ذلك إلى هشام، فكتب إلى كلثوم يعنفه ويقول: عجزتَ عمن أمرتك بأخذه، وحبست من لم آمرك بحبسه، وكتب إليه في تخلية سبيل خالد فخلاه. وقال الهيثم: أمر هشام الأبرش فكتب إلى خالد: بلغني أن عبد الرحمن الضبي قام إليك فقال: يا خالد إني أحبك لعشر خلال: إن الله كريم وأنت كريم، والله جواد وأنت جواد، والله حليم وأنت حليم، والله رحيم وأنت رحيم، وعدَّ عشر خلال، وأمير المؤمنين يقسم بالله لئن تَحقق ذلك عنده ليسفكنّ دمك، فاكتب بالأمر على وجهه لأخبر به أمير المؤمنين. فكتبَ إليه خالد: إن ذلك المجلس كان أكثر أهلا من أن يَجوز لأحد من أهل البغي والفجور أن يحرّف ما كان فيه، قام إليّ عبد الرحمن بن ثويب الضبي فقال: إني لأحبك لعشر خلال: إن الله يُحب كل كريم، وأنت كريم فالله يحبك، وعَدَّدَ عشر خلال، ولكن أعظم من ذلك قيام ابن شفي

حبس خالد القسري زمن الوليد بن يزيد

الحميري وقوله: أمير المؤمنين خليفة الله، وهو أكرم على الله من رسوله فأنتَ خليفة ومحمد عليه السلام رسول، ولعمري لضلالة بجيلة بأسرها أهونُ على الخاصة والعامة من ضلالة أمير المؤمنين. فلما قرأ الأبرش الكتاب على هشام قال: خرف أبو الهيثم، فأقامَ خالد بدمشق حتى مات هشام، [حبس خالد القسري زمن الوليد بن يزيد] ثم قام الوليد فقدم عليه خالد فيمن قدم من أشراف الأجناد فلم يأذن لأحد منهم، واشتكى خالد فاستأذنَ فأذن له فرجع إلى دمشق فأقامَ أشهرًا، ثم كتب إليه الوليد: إن أمير المؤمنين قد علم حال الخمسين الألف الألف التي تعلم فاقدم على أمير المؤمنين مع رسوله، فقد أَمَرهُ يُعجلك عن جهازك، فاستشارَ خالد ثقاته فأشيرَ عليه بالامتناع حتى يعطي أمانًا يثق به، فقال: إني لأكره أن تكون الفرقة والاختلاف على يدي، ولمسيري أصلح، وأنا أستعين بالله. وخرج حتى قدم على الوليد، فلم يدع به، ولم يكلمه، وهو في بيته مع مواليه وخدمه حتى قدم برأس يحيى بن زيد بن علي من خراسان، فجمع الناس في رواق وجلس الوليد، وجاء الحاجب فأذن لثلاثة نفر ثم قال: قم يا خالد، فقال: قد تراني لا أقدرُ على المشي، إنّما أحمل حملا لعلّتي، فحُمل على كرسيه وأدخلَ إلى الوليد والموائد موضوعة والناس سماطان، وعقال بن شبة يَخطب، ثم انصرف الناس، وحمل خالد إلى رحله، ثم أتاهُ رسول الوليد فَرُدَّ فلما صارَ إلى باب السرادق وقف به، وخرج إليه رسول الوليد فقال: يقول لك أميرُ المؤمنين أين يزيد بن خالد؟. فقال: كان أصابه من هشام ظفر ثم طلبه فهرب منه، وكنا نراهُ عند أمير المؤمنين، ونحنُ نظن أنه في بلاد قومه بالشراة، فقال: ولكنك خلفته طلبًا للفتنة.

فقال: قد علم أمير المؤمنين أنا أهل طاعة أنّا وأبي وجدي، فقال: والله لتأتين به أو لأزهقن نفسك. فرفع خالد صوته، وكان الوليد بالقرب، فقال: قل له: هذا أردت، وإياهُ اعتمدت، وعليه دُرت، والله لو كان تَحت قدمي ما رفعتهما لك عنه فاصنع ما بدا لك. فأمر الوليد غيلان صاحب حرسه بالبسط عليه وقال: أسمعني صوته. فأتى به غيلان رحله فعذبه بالسلاسل فلم يتكلم فأعلم الوليد بذلك وقال: لم أرَ أصبر منه، ما ينطق بشيء. فقال: احبسه عندك فحبسه حتى قدم يوسف بن عمر بِمال العراق، وجلس الوليد وأذن للناس ويوسف عنده فتكلم أبان بن عبد الله النميري في خالد فقال يوسف: إني أشتريه بخمسينَ ألف ألف درهم، فأرسل الوليد إلى خالد: إن يوسف يشتريك بخمسين ألف ألف درهم فإن ضمنتها وخرجت منها وإلا دفعتك إليه. فقال خالد: ما عهدت العرب تباع، والله لو سألتموني أن أضمن هذا- وأخذ عودًا من الأرض- ما ضمنته فلير أمير المؤمنين رأيه، فدفعه إلى يوسف فنزع ثيابه ودَرَّعَهُ عباءة ولحفَه أخرى وحمله في محمل بغير وطاء ولا غطاء، وجعل زميله أبا قحافة المري ابن أخي الوليد بن تليد، وكان الوليد عامل هشام على الموصل، فانطلقَ به حتى نزلَ على مرحلة من عسكر الوليد ثم دَعَا به فشتمه وذكر أمه فقال: ما ذكر الأمهات لعنك الله، والله ما أكلمك كلمة أبدًا. فبسط عليه وعذبه عذابًا شديدًا وهو لا يكلمه، ثم ارتحلَ به حتى إذا كان في بعض الطريق بعث إليه تَميم بن زيد القيني بشربة سويق حب الرمان مع مولى له يُقالُ له سالم، فبلغ ذلك يوسف فضرب تميما خمسمائة سوط،

مقتل خالد القسري

وضرب سالِمًا ألف سوط، وكان يوسف يُمْشي خالدا في طريقه كثيرا إضرارا به. [مقتل خالد القسري] ثم قدم يوسف الحيرة، فدعا بخالد وبإبراهيم ومحمد ابني هشام بن إسماعيل المخزوميين، وكانا ممن يشير بخلع الوليد، فبسط يوسف على خالد، فلم يكلمه بكلمة، وصبر إبراهيم بن هشام، وجزع محمد، ومكث خالد يومًا في العذاب، ثم وضع على صدره الدهق فقتل من الليل ودفن في ناحية الحيرة في عباءته التي كان فيها، وذلك في المحرم سنة ست وعشرين ومائة، فأقبل عامر بن سهلة الأشعري فعقر على قبره فرسًا، فضربه يوسف سبعمائة سوط. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الفضل بن دُكين قال: حدثني رجلٌ كان مع يوسف بن عمر قال: شهدت خالدًا حين أتى به يوسف فدعا بعود فوضع على قدميه ثم قامت عليه الرجال حتى كسروا قدميه فو الله ما تكلم ولا عبس. وقال الوليد بن يزيد لأبي الزناد: قد أمرت يوسف بعذاب ابني هشام بن إسماعيل، قال: سرور والله، فأخذ الوليد القرطاس وكتب إلى يوسف: إذا أتاكَ كتابي هذا فألحّ في العذاب على ابني هشام وخالد بن عبد الله حتى يموتوا، فكان يُقالُ: ما قتلهم إلا أبو الزناد. وقال المدائني: قالها رجلٌ من قيس ونُحِّلَها الوليد وهو الثبت: وهذا خالد أمسى أسيرًا ... ألا منعوهُ إن كانوا رجالا عظيمهُمُ وسيِّدُهمْ قديمًا ... جعلنا المخزيات له ظِلالا

تتبع عمال خالد القسري

فلو كانت قبائل ذات عز ... لما ذهبت صنائِعه ضلالا [1] وقال عمران بن هلباء الكلبي في قصيدة له: متى تَلْقَ السكون وتلق كلبًا ... بقيس تَخْشَ من ملك زوالا لئن عيرتمونا ما فعلنا ... لقد قلتم وَجدُّكُم مقالا وقال منصور بن جمهور: يا قوم لا تُغلبوا عن رأيكُمْ فلقد ... جربتم الغدر من أولادِ مروانا ما زال من قتلوا عَمْرًا بغدرهم ... يدعونَ غدرًا بعهد الله كَيْسَانا حتى استباحوا سنام الأرض مملكة ... قَسْرًا فَوَلّوا أمور الناس ولدانا وَوَحَّشُوا [2] بكتاب الله واتخذوا ... أهواءهم في معاصي الله قربانا ألا ترى مُضَرًا أضحت تثير معًا ... حربًا وضربًا شتات الأمر وحدانا يقطعون بنا أعناقَ سادتنا ... ويعلقونَ بنا أثواب ذبيانا [تتبع عمال خالد القسري] وقال المدائني: أخذ يوسف عمال خالد وهم ثلاثمائة وخمسونَ، وقال: قد بقي منهم كبش كبير الصوف ولا بد من أن يُجَزّ- يعني الحكم بن عوانة الكلبي، وكان على السند، وكان هشام تقدم فيه إلى يوسف-. واستخرج منهم تسعين ألف ألف درهم ولولا عنفه لأخذ منهم أكثر من ذلك. وأخذ يوسف مولى لِخالد يُقال له داود فسأله عن أموال خالد، فلم يقرّ له بشيء فضربه حتى مات، ودعا بسعيدانف وكان على طراز خالد فضربه

_ [1] لم ترد هذه الأبيات في شعر الوليد بن يزيد المطبوع. [2] وحش بثوبه: رمى به مخافة أن يلحق. القاموس.

أخبار يوسف بن عمر الثقفي

حتى قتله، وهو من بني تَميم، وكان المقفع- واسمه داذ به عذب في استيفاء مال، فتقفّع- على خراج فارس ولاه إياها خالد، فدعا به فدفعه إلى صاحب العذاب فكان يرفق به لأنه تعيَّن منه مائة ألف درهم، فدعا به يوسف فعذب بين يديه حتى مات. وعُرِضَ على يوسف عماله فقال عامل منهم: جَبَيْتُ فلم أَدَعْ في البلاد درهما. فقال: كذبت وضربه ثلاثمائة سوط. وقال آخر: جبيتُ فَبَقَّيْتُ بقايا ليقوى أهل البلاد بها، فقال: بل اجتبيتها، فضربه أربعمائة سوط. وقال آخر: جبيتُ الخراج فازددتُ مالا، فقال: أخربت البلاد وضربه خمسمائة سوط. المدائني قال: قيل لإسماعيل بن يسار: اطلب العمل ونحنُ نضمن عنك، قال: دعوني أنظر كيف معاملة يوسف عند رأس السنة وفعله بالعمال، فلمّا رآهُ يعذبهم قال: رأيتُ صبيحة النوروز أمرًا ... فظيعًا عن إمارتكم نهاني برئتُ من الولاية بعد يحيى ... وبعد النهشلي أبي أبانِ أحاذر أن أُقَصِّرَ في خراجٍ ... وفي النوروز أو في المهرجان [أخبار يوسف بن عمر الثقفي] قالوا: وكان العريان بن الهيثم ضرب الجراح بن عبد الله بن عياش الهمداني بالسياط، وهو على شرطة خالد، فشكاه ابن عياش إلى خالد فلم يشكه، فلما عذب يوسف خالدا أتاه ابنا عياش فشتماه وقالا: أهكذا تضرب ابن النصرانية؟ إنّما كان ينبغي أن تضرب أمه حتى تسلح على وجهه، فقيل لهما: أتشتما رجلا أسيرا يعذب؟ فقالا: ضربنا أميرا ولا نشتمه أسيرا،

فمنى ندرك بثأرنا؟. فقال لَهما خالد: يا بني لئيمي قومهما أفلا صبرتُما للسياط. وغضب لِخالد قوم فضربوهما ومزقوا ثيابَهما فبلغ خبر الضاربين يوسف فقال: لم ضربتم هذين؟. قالوا: غَضبًا لخالد، فضرب كل واحد ألف سوط. وقال المدائني: أمر يوسف ببلال فعذّب فضمن ثلاثمائة ألف وأخذ منه كفلاء، فأخفرهم وهرب إلى الشام، فيُقال إن غلامه أراد أن يشتري له دراجة فعُرِف، ويُقال: بل شرى له غلامه دراجة فأحرقها، فضربه فسعى به، فأُتي به هشام، فأمر به فأقيم في الشمس فقال: ادنوني من أمير المؤمنين فله عليّ ما طلب فأبى، وردّه إلى يوسف فعذبه حتى قتله. وقال عبد الله بن أبي بُردة للسجان: ارفع اسمي في الموتى، فرفعه، فقال يوسف: أرنيه ميتًا، فَغَمَّه السجان حتى مات، ويُقالُ بل كان بلال الذي سأل السجان رفع اسمه في الموتى، والمقتول في العذاب عبد الله. وقال يونس النحوي: ما قتل بلالا إلا دهيُّهُ في نفسه، سأل السجان أن يرفع اسمه في الموتى ويُعطيه مالا فرفع اسمه في الموتى، فقال يوسف: اعرض الموتى عليّ فغمّه حتى مات وعرضه عليه ميتًا. قالوا: وتداعت قيس وتغلب إلى الصلح بعد الذي كان بينهم، فحمل رجل من تغلب في ذلك حمالة، وقدم على خالد، فأمرَ خالد سليمان بن المهاجر مولى بجيلة أن يقول في ذلك أبياتًا فقالها، وأذن خالد إذنًا عامًا فدخل الناس والتغلبي معهم، فأنشدَ سليمان بن المهاجر أبياته: أتغلب أم قيس ترى في بلادها ... من الحرب إذ عضّتهم الحرب أجزع

وإن القبيلين اللذين تداعيا ... إلى الصلح والداعي إلى الصلح أضرعُ أَيَنْسى بنو الغَلباء بالبِشْر وقعةً ... لِجحاف قيس [1] والقبائل تسمع فقال التغلبي: ألا لا ولا تنسى سليم وعامر ... مقام عمير حين ظل يقطع فَدَعْ ذا ولكن ما تقولونَ في الذي ... أتيناكم فيه لنا فيه مطمع فلم يصله ولم يعطه خالد شيئًا فمضى وتركه. حدثني الأثرم عن أبي عبيدة قال: لما عذب يوسف خالدًا ادّعى أنه استودعَ زيد بن علي بن الحسين وداودَ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس مالا عظيمًا، وكتب يوسف بذلك إلى هشام، فكتب هشام إلى خاله إبراهيم بن هشام وهو عامله على المدينة يأمره بحملهما إليه، فحلفا أنه ما أودعهما خالد شيئًا،، فقال: إنكما عندي صادقان ولكن أمير المؤمنين كتب إليّ في حملكما إليه فحُملا، فلما دخلا على هشام أحلفهما بأغلظ الأيمان ما أودعهما خالد شيئًا قط فحلفا، وقال داود: كنت قدمت عليه العراق فأمر لي بِمائة ألف، وقال زيد: كيف يودعني رجل كان يلعن جدي على المنابر؟. فقال هشام: أنتما أصدق من ابن النصرانية، فاقدما على يوسف حتى يَجمع بينكما وبينه فتكذباهُ في وجهه، ففعلا. وقال خالد: مسَّني العذاب ففزعتُ إلى هذه العلة، وقلتُ يفرج الله قبل قدومكما.

_ [1] فيما يتعلق بالجحاف ومعركة البشر، انظر بغية الطلب ج 1 ص 431- 436.

المدائني وغيره قالوا: بدأ يوسف بالكوفة، فدخلها ولم يُقم بها، وخرج إلى واسط فأقامَ بها سنة وأقرّ زياد بن عبد الله الحارثي على الكوفة، ثم ولي يوسف بن عمر: محمد بن القاسم. وقال الكميت: ولَما رأيت الدهر يقلب ظهره ... على بطنه فعل الممعِّكِ في الرملِ أخذتُ بحبل لا أخافُ انجذامه ... من الحكم بن الصلت حَسْبي من حبلِ في قصيدة له. قالوا، ونظر يوسف يومًا إلى أسود مقيد قد جلس على مائدة من الموائد التي يطعمها الناس، وكان يأكل على موائده من أراد، فضرب رجل من الشاميين الأسود بنعل سيفه ليقيمه، فرآهُ يوسف، فدعا بالشامي فضربه مائة سوط، وقال للأسود: ما أنتَ؟. قال: عبد. فأمرَ بابتياعه وأعتقه وقال: احضر طعامنا في كل يوم. وقال المدائني: كان يُقالُ إنه كانت في يوسف خلال حسنة: طول صلاة، وحسن هدي، ووفاء ولزوم للمسجد، وضبط لحشمه وأهل بيته عن الناس وجمال وانبساط لسان، وتواضع في منزله، وحُسن ملكة، وكثرة تضرع ودعاء، وكان يصلي الغداة فلا يزالُ مستقبلا للقبلة يُسبّح ويدعو ولا يكلم أحدًا حتى يصلي الضحى، ولزومٌ للسنة، وحفظ للقرآن واقتصاد، وبُعْد هِمَّةٍ، وبصر بالشعر والأدب. وقال سعيد بن سَلْم: ذكر قوم يوسف فاغتابوه فقال لَهم يوسف بن سليم مولى أبي بكرة: أنصفوا يوسف فإن خالد بن عبد الله اصطنع من اليمن

ومن العجم قومًا نحو أبان بن الوليد فأخملهم يوسف وأفناهم، وأفلتَ منهم واحد وهو ابن الكرماني، فقد رأيتم ما صنع بكم فكيف لو بقي الآخرون؟ حدثني عمر بن شبه عن حيان بن بشر عن جرير عن المغيرة قال: كان الإسلام ذليلا حتى قدم يوسف، وقال ابن نوفل يَمدح يوسف في شعر يقول فيه: أتانا وأهل الشرك أهل زكاتنا ... وحكامنا فيما نُسِرُّ ونجهر فلما أتانا يوسف الخير أشرقت ... له الأرض حتى كل وادٍ مُنَوَّرُ وحتى رأينا العدل في الناس ظاهرًا ... وما كان من قبل العقيلي يظهر في أبيات. ثم قال بعد ذلك فيه: أرانا والخليفة إذ رمانا ... مع الإخلاص بالرجل الجديد كأهل النار حين دُعوا أغيثوا ... جَميعًا بالحميم وبالصديد قالوا: وقال يوسف لكلوب الصريمي: دلني على رجل أوليه كرمان، فدله على نميلة بن مرّة. فولاه فكسر خمسمائة ألف، فضرب كلّوب خمسمائة سوط وضرب نميلة. وولي يوسف عبد الله بن طارق العنبري أمر أكراد فسا ودر أبجرد فقتله بعض الأكراد، فأخذ ابنه قدامة كتاب يوسف إلى عبد الكريم المازني وهو على فسا ودر أبجرد يأمره بدفعه إليه فقال له عبد الكريم: ثأرك ثأري وعلى الرجل من الخراج شيء كثير فدعني أستأديه ثم أدفعهُ إليك، فعجل قدامة فقتله، فكتب عبد الكريم بذلك إلى يوسف فضرب قدامة ضربًا مبرحًا، فلما عزل عبد الكريم رفع عليه قدامة وقال ليوسف: هذا الذي يقول له الشاعر:

إذا زَفَنَتْ [1] عليك سَمَا بُذَخْشٍ [2] ... فقد أَزْجَتْ خراج دَرَابجرد فقال يوسف لعبد الكريم: يا عدو الله وإذا أنت صاحب مثل هذا، فضربه ضربًا مبرحًا. قالوا: وكان يوضع على موائد يوسف أنواع الطعام فيأكل كل امرئ ما يشتهي، فوضعت على مائدة منها سمكة، فقال رجل من أهل الكوفة يُقالُ له حَمَّاد بن أبي الدرداء، وهو من أهل بيت ينتمونَ إلى أبي الدرداء وليسوا منهم، وأهل الكوفة يقولون: بنو أبي الضرطاء، فقال حَمَّاد: أيها الأمير، هذا النون. فقال يوسف: والله لتضربنّ أو لتتكلمنّ بلسان أبيك. فقال: هذا كوارًا وهو السمك بالنبطية، فتركه. قال المدائني: وولي يوسف بن عمر صالِح بن كدين ولاية فخرجت عليه ثلاثونَ ألفًا فحبس بها وبلال يومئذ محبوس، فقال له بلال: إن على العذاب سالِمًا ويلقب رتبيل فإياكَ أن تقول له يا رتبيل، وجعل يردد عليه ذلك فعذبه سالِم فنسي اسمه وكنيته وجعل يقول له: يا رتبيل اتق الله، فيقول: اقتل. فلما خلَّى عنه قال له بلال: أَلم أَنْهَكَ عن رتبيل؟ فقال: وهل ألقاني في رتبيل غيرك، وأنا لم أكن أعرف رتبيل لولا أنت وما تدع شرك في سراء ولا ضراء. قال: وكان على شرط يوسف العباس بن سعد المريّ من مُرة غطفان وكان كاتبه قحذم بن سليمان بن ذكوان، وزياد بن عبد الرحمن مولى ثقيف، وكان على حرسه، وحجابته جندب وفيه يقول الشاعر:

_ [1] الزفن: الرقص. [2] بذخش: بلدة في أعلى طخارستان بينها وبين بلخ ثلاث عشرة مرحلة. معجم البلدان.

أتانا أمير شديد النكال ... لحاجب حاجبه حاجب وولى يوسف مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى القضاء، وكانت به حدَّة فقال له: إِنّما أنت أجير قوم فَوَفِّهم عملك إذا وفّوك أجرك، وإذا أردت الخروج فكل لا أشبع الله بطنك، وانكح لا أعفَّك الله، وإذا غضبتَ فقم. المدائني وغيره: أن يوسف بن عمر قال في خطبته: إن أول من فتح على الناس باب الفتنة وسفك الدماء علي وصاحبه الزنجي- يعني عمار بن ياسر-. قال: وكان في خضراء واسط زوج من البوم فقال: انظروا إليّ رجلا راميا بالبندق، فجيء برجل فرمى وكرهما فخرج أحدهما فرماهُ فقتله، ثم خرج الآخر فرماهُ فقتله فأمر بحبسه فحبس نحوًا من سنة، فلمّا تَحوّل عن واسط ذُكر له فأمر بتخلية سبيله. المدائني عن الحكم بن النعمان قال: أراد الوليد بن يزيد بن عبد الملك عزل يوسف، واستعمال عبد الملك بن محمد بن الحجاج، فكتب إلى يوسف: إنك كتبت إلى أمير المؤمنين تذكر إخراب ابن النصرانية البلاد، وكنت مع ذلك تحمل إلى هشام ما تحمل، وقد ينبغي أن تكون قد عمرت البلاد حتى رددتها إلى ما كانت عليه فأشخصَ إلى أمير المؤمنين مصدقًا ظنته بك: ليعرف أمير المؤمنين فضلك على غيرك لكفايتك، ولَمّا جعل الله بينك وبينه من القرابة، فإنك خاله، وأحق الناس بالتوفير عليه، ولَمّا قد علمت مما أمر به أمير المؤمنين لأهل الشام وغيرهم من الزيادة في أعطياتِهم، وما وصل به أهل بيته لطول جفوة هشام لَهم حتى أضرَّ ذلك ببيوت الأموال.

فخرج يوسف واستخلف ابن عمه يوسف بن محمد، وحمل معه من الأموال والأمتعة والآنية ما لم يحمل مثله من العراق قط، فقدم على الوليد، وخالد بن عبد الله محبوس، فلقيه حسان النبطي ليلا فأخبره أن الوليد على تولية عبد الملك بن محمد بن الحجاج، وقال له إنه لا بدّ لك من إصلاح أمر وزرائه وأصحابه، فقال: ليس عندي فضل درهم. قال: فعندي خمسمائة ألف فإن شئت فهي لك، وإن شئت فارددها إذا تيسرت فقال: أنتَ أعرف بالقوم وأقدارهم ومنازلهم ففرقها عليهم، ففعل فكان جَميع من على باب الوليد يعظمه ويُجله، فقال له حسان: لا تَغْدُ على الوليد ولكن رح إليه، واكتب على لسان خليفتك كتابًا إليك: «إني كتبت كتابي هذا ولستُ أملك إلا القصر، وأمر أبان بن عبد الله النميري أن يتضمن خالدًا بأربعين ألف ألف، ثم زد عليه عشرة آلاف ألف، وتسأل أن يُدفع إليك» . ففعل يوسف ذلك فقال له الوليد: ارجع إلى عملك، ودفع إليه خالدًا فحمله في محمل بغير وطاء، فقال محمد بن القاسم: فرحمته وقد جمعت ألطافًا من أخبصة يابسة وغيرها في منديل، ثم دنوتُ منه فرميت بالمنديل إليه فقال لي: هذا من متاع عُمان لأن أخي الفيض كان عامل عُمان. فقلتُ في نفسي: هذا على هذه الحال وهو لا يدع شرارته. فقال يوسف وفَطَن: ما قلت لابن النصرانية؟ قلت: عرضت عليه الحاجة. فقال: أحسنت وهو أسير، ولو فطن بِمَا صنعت به للقيت منه شرًا. وقالوا: أقرّ يوسف زياد بن عبيد الله الحارثي على الكوفة حتى أخذ له عمال خالد، ثم عزله، وولى العباس الهمداني، ثم الحكم بن الصلت، ثم عزله وولى عدة ثم أعاده، ثم ولى يوسف بن محمد بن القاسم الثقفي،

وعلى شرطته ابن أراكة الثقفي، ثم ولى عبيد الله بن العباس الكندي، وعلى شرطه خراش بن حوشب أخي العوام بن حوشب، وهو تولى نبش زيد بن علي من مدفنه. ولم يزل يوسف على العراق حتى قتل الوليد وولي يزيد بن الوليد، فهرب فظفر به فكان محبوسًا في أيام يزيد وإبراهيم أخيه، ثم قتله ابن خالد القسري في محبسه، وسنذكرُ خبره إن شاء الله. وقال سلم بن قتيبة: أرسلَ إلى يوسف بن عمر، فلمّا دخلت عليه قال: لم أرك. فقلتُ: كنت عليلا. قال: كذبت، ما عليك أثر العلة، امض إلى منزلك فإذا كان مثل هذا اليوم من قابل فائتني. فانصرفتُ وأقمت في منزلي إلى ذلك الوقت ثم وافيته فأذن لي فدخلتُ عليه فسلمتُ فردّ وقال: اجلس، فجلستُ فقال: إني قد هيأت لأمير المؤمنين ألطافًا وهدايا، وكتبتُ إليه أصفك له، وأخطب عليك ولاية خراسان، وأمرت الوفد بإطرائك وصيرتك عليهم، وفي الوفد قمير بن مسعود في نفر من بني تَميم، فلما قدمت على هشام وصفني الوفد، فقال هشام: له في سائر أعمال العراق مندوحة عن خراسان. حدثني عمر بن شبه عن عبيد بن جناد عن عطاء بن مسلم الخفاف قال: لما قدم زيد بن علي على يوسف قال: يزعم خالد القسري أنه أودعني أموالا وكيف يودعني وهو يشتم آبائي على منبره، فأحضر يوسف خالدًا في عباءة فقال له: هذا زيد وهذا داود بن علي وقد حلفا أنك لم تودعهما مالا، فقال: كيف أودع زيدًا وأنا أشتمه وأباهُ، فشتمه يوسف وردّه.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قالا لِخالد: ما دعاكَ إلى ما صنعتَ؟ فقال: غلظ علي في العذاب فادعيت ما ادعيت مستريحًا، ورجوتُ أن يفرج الله قبل قدومكما. المدائني قال: قدم عبد الكريم بن سليط الحنفي على يوسف فأمضاهُ إلى هشام، فقال له هشام: بلغني أن لك بخراسان علمًا، قال: أجل، قال: فمن ترى لها؟ قال: رجل أهلها الكرماني، قال: وممن هو؟ قال: من الأزد. فتبينت الكراهة في وجه هشام. قال: ما اسمه؟ قال: جديع بن علي، فتطير من اسمه وقال: لا حاجة لي فيه. قال: فأبو الميلاء يحيى بن نعيم بن هبيرة، ابن أخي مصقلة بن هبيرة الشيباني، فقال: إن ربيعة لا تسد بها الثغور. قال: فعقيل بن معقل الليثي. فأعجبه، فقال: إن اغتفرت منه خصلة. قال: وما هي؟ قال: ليس هو بعفيف البطن والفرج، قال هشام: فلا حاجة لي فيه. قال: فالمجّرب الأديب منصور بن عمر بن أبي الخرقاء السلمي، فأعجبه. قال: إن اغتفرت منه واحدة. قال: وما هي؟ قال: أشأم العرب، قال: لا حاجة لي فيه. قال: فالمسن العاقل مجشر بن مزاحم السلمي. إن اغتفرت منه واحدة. قال: وما هي؟ قال: أكذب العرب. فقال: أيّ عقل مع الكذب، لا حاجة لي فيه. قال: فابن ذي الطاعة يحيى بن الحضين بن المنذر. قال: ألم أقل أن ربيعة لا تسد بها الثغور. فقال: قَطن بن قتيبة بن مسلم على أنه ثائر بأبيه. قال: لا حاجة لي فيه. فقال: نصر بن سيار، فتفاءل باسمه. قال: فإنه لا عشيرة له بخراسان. قال: أنا عشيرته، لا أبا لك، أتريد عشيرة أكرم

مني، اكتب عهده يا غلام، وأمره في عهده أن يعامل يوسف بن عمر. قال: فخرج بعهده ولم يمر على يوسف وأخذ طريق حلوان. وقالوا: أقر يوسف بلال بن أبي بردة على البصرة ثَمانية أشهر، ثم كتب إليه أن احمل إليّ عمالك فحمل إليه سعيد بن راشد فقال له سعيد: والله ما مثلي ومثلك إلا مثل حلاقين قيل لأحدهما: احلق رأس صاحبك حتى يفرغ فيحلق رأسك. فأقر يوسف بلالا أشهرًا بعد صرف سعيد. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كُناسة والمدائني وغيرهما قالوا: كان يوسف قصيرًا عظيم اللحية، يلبس ثيابًا طوالا يجرها، وكان شديد العقوبة مسرفًا في ضرب الأبشار، وكان يأخذ الثوب اليوسفي فيمر ظفره عليه فإن تعلق به خيط ضرب صاحبه وربما قطع يده. قالوا: وضرب يومًا جَماعة في درهم زائف اخرج من الدار، وفي درهم نقص حبة خمسة آلاف سوط، وأُتي يوسف يومًا بثوب فقال للحائك الذي تولى عمله: ما يُقال لِهذا؟ قال: سهر بسهر فقال: ما تقول ويلك؟ قال قحذم كاتبه: يقول أحمر في أحمر. فقال: لا جرم لأحمرنّ ظهره- فضربه ثلاثمائة سوط. وقال يومًا لكاتبه وقد أتى بثوب: ما تقول في هذا الثوب؟ قال: كان ينبغي أن يكون أصغر أبياتًا من هذه. فقال للحائك: صدق، يابن اللخناء، فقال الحائك: نحن أعلم بهذا، فقال لكاتبه: صدق يا بن اللخناء هو أعلمُ بِهذا منك. فقال قحذم: هذا يعمل في السنة ثوبًا وأنا يمرُ على يدي في كل سنة مائة ثوب مثل هذا. فقال للحائك: صدق يا بن

اللخناء، فلم يزل يكذب هذا مرة وهذا مرة حتى عَدَّ أبيات الثوب فوجدها تنقصُ بيتًا من أحد جوانب الثوب فضرب الحائك خمسمائة سوط. قالوا: وكان له وصفاء صغار، فكانوا يأتون بالزنابير فيفلتونها في البيت الذي هو فيه فتطنّ فيخرج فيقول: يا خبثاء ما هذا؟ ثم يرجع. قالوا: وأراد الخروج إلى بعض النواحي فدعا جواريه فقال لإحداهن: أتخرجين معي؟ قالت: نعم. قال: يا خبيثة هذا كله من حب النكاح، يا خادم، أو يا جديح اضرب رأسها. ثم قال لأخرى: ما تقولين؟ قالت: أحب أن أقيم فأكون مع ولدك. فقال: يا خبيثة أكل هذا زهادة فيّ؟ اضرب يا جديح رأسها. ثم قال لأخرى: ما تقولين؟ قالت: ما أدري ما أقول، إن قلت ما قالت هذه أو هذه لم آمن عقوبتك. قال: يا لخناء أو تناقضين وتحتجينَ عليّ فأمرَ بها فضربت. قال الهيثم عن ابن عياش أن رجلا دخل على يوسف فقال له: لم أرك مذ أيام. قال: كنت خبيث البطن. فقال يوسف: والفرج- وإنَّما أراد وجع البطن-. قالوا: وكان جالسًا في خضراء واسط فنظر إلى عش بومة فيها، فقال لبعض من معه: ارمها فرماها بِجُلاهق فصرعها فقال: إنك لغاوٍ أوجعوا رأسه ولا يحضرني مثله. وقال سعيد بن راشد مولى النخع يومًا: لو فعل الأمير كذا. فقال: يا بن اللخناء أتشيرُ عليّ، وكان سعيد ابن أخت طارق مولى خالد القسري وفيه يقول الشاعر:

وولى يوسف: أبا العاج كثير بن عبد الله السلمي البصرة.

بكى الخز من إبطي سعيد بن راشد ... ومن دبره تبكي بغال المواكب فواعجبًا حتى سعيد بن راشد ... له حاجب بالباب من دون حاجب المدائني قال: ولى يوسف الوازع بن عبّاد بن قيس السُّلمي [1] البصرة فأخذ بلالا فحمله إلى يوسف بالكوفة ولم يدعه يوسف عليها إلا قليلا حتى عزله، ويُقال إنه لم يوله وإنّما وجهه في عمل بلال. وولى يوسف: أبا العاج كثير بن عبد الله السلمي البصرة. وكان سبب توليته إياه أن أبا العاج كان عند هشام يومًا وعنده خاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، فذكر يوسف فنالَ إِبْرَاهِيم مِنْهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو العاج: يا بن السوداء أَيُوسُف يُذكر بِهذا؟ فلم يفهم هشام، وأشير إلى أبي العاج فسكت، ونَمَت إلى يوسف فشكرها له فكتب إليه فزاره فولاهُ البصرة، ويُقال أخرجه معه. قال المدائني: ولى أَبُو العاج شرطته مُحَمَّد بْن واسع العابد، وكان أبو العاج أعرابيًا. المدائني عن يونس النحوي أنه سمع أبا العاج يقرأ: «فأدبر يشتد، يريد: يسعى» [2] .

_ [1] بهامش الأصل: أبو العاج السلمي. [2] ثم أدبر يسعى- سورة النازعات الآية: 22.

وولى أبو العاج رجلا بعض كور دجلة فقدم عليه فوصف له سيرته، وقال: لقد بلغ من رضا أهل عملي بي أَنْ نثروا عليَّ حتَّى كسروا قناديل المسجد الجامع فَقَالَ: لا جَرَمَ لَتُغْرَمَنَّ ثَمنها، أَوْ تشتري مثلها. المدائني عن عمرو بن فائد قَالَ: حفر أَبُو العاج نَهرًا فكان يَمر إليه متنكبًا قوسًا عربية. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شَبَّةَ عَن أَبِي عَاصِم النَّبِيّل قَالَ: عدا رَجُل من باهلة عَلَى رجل من بني ضبيعة فضربه، فاستعدى الباهليونَ أبا العاج واستعانوا عَلَيْهِ بسَلْم بْن قُتَيْبَة، فَقَالَ أَبُو العاج: يأمرني ابْنُ قتيبة أن أتعصب على بني ضبيعة، فو الله ما أُحب أن النَّاس كلهم فِي الجنة إلّا بني ضبيعة، يا غلام ائتني بسياط عليها ثمارها. فقال الباهليونَ لسلم: أصلح أيها الرجل بيننا. فأصلحَ سلم بينهم وانصرفوا وضُبيعة بْن ربيعة بْن نزار، فيُقال أن بُهْثَة سُليم هُوَ بُهْثَة ضُبيعة، والله أعلم. قَالُوا: وكان أَبُو العاج يغضب من «أَبِي العاج» فَتَقَدَّم إِلَيْه رَجُل فَقَالَ: أصلحكَ اللَّه يا أبا العاج فقال أبو محمد: يا بن البظراء، فَقَالَ: لا تقل هَذَا فإنها كانت مسلمة قد حجَّت، فقال: إن ذاكَ لا يمنعها من الحج. وقيل لأبي العاج وأتي برجل مأبون: إن هَذَا يُمَكِّنُ من نفسه. قَالَ: أفتريدون ماذا؟ أُوَكِّلُ بِهِ رجالًا يحفظونَ دبره، لقد وقعت إذًا في عناء. أطلقوهُ فالاست استه يصنع بها ما شاء. تولى أبو العاج البصرة نحوًا من سنة، ثُمَّ عزله يوسف، وولى:

القاسم بن محمد بن القاسم البصرة

القاسم بن محمد بن القاسم البصرة فانحدر إليها من واسط وكان واليًا عليها، وأقامَ على البصرة خَمس سنين وأشهرًا فاتخذ في مصلى البصرة بستانًا، واتخذ حوضين وبنى عليهما صومعة فكان يأمر بالحوضين في يومي العيدين فيملآن ماء يصب فيهما ألفا رواية، فإذا صلى وجلس في الجنيدة وضعت الآنية فيشرب الناس، وأقامَ مكانه حتى يخف الزحام، ثم يأتي دار الإمارة. قالوا: وكتب يوسف إلى القاسم يأمره أن ينتخب له رجالا يجعلهم أمناء على عماله، فانتخبَ رجالا كانوا يُدعونَ القُصّاص لأنهم يقصّونَ أثر العمال، منهم: مطر بن فيل، والحارث الأحول فوجههم في أعماله فأما مطر بن فيل فامتنعَ من العمل فقال له يوسف: ما بالك لا تعمل؟ قال: لا أصلح للعمل. قال: ولِمَ؟ أما تعلمت من جباية أبيك؟ قال: مات وأنا صغير. فقال: والله لأضربنّك ثم لأحبسنّك ثم لأولينّك. فضربه وحبسه فعُمل له بالشام حتى كُتب إلى يوسف فأطلقه. وقال القاسم بن محمد بعد ذلك بيتًا لم يقل قط غيره: نقمتَ الجور مني في زماني ... فكيف تراهُ يا مطر بن فيل وقال الشاعر: عُذْ بالأمير إذا خشيت ظلامةً ... بالقاسم بن محمد بن القاسم وقال حمزة بن بيض: وأمتعنا بالقاسم بن محمد ... أميرًا وزاد الله في عمره عمرا فلا خيرَ في الدنيا إذا لم يكن بها ... أميرٌ عقيلي يشبّهه البدرا

أخبار يوسف بن عمر الثقفي

[أخبار يوسف بن عمر الثقفي] المدائني عن أَبِي بَكْر الهذلي قَالَ: خطبنا يوسف في مسجد الكوفة فتكلم إنسان مجنون فقال يوسف: يا أهل الكوفة ألم أنْهَكُم أن يدخلَ مجانينكم المسجد، اضربوا عنقه، فضربت عنق المجنون فقلتُ: لا أصلي والله خلفك أبدًا، وكان مع هذا طويل الصلاة كثير القراءة للقرآن. المدائني قال: خلع رجل ثيابه ليغتسل وألقى هميانه [1] فجاءت عقاب فحملت الهميان تحسبه لحمًا فخرج الرجل يصرخ ويبكي فأخبر يوسف فقال: كم أكثر ما تطير العقاب؟ قيل: كذا. قال: انظروا أقرب القرى من هَذِهِ الغاية فضمنوا أهلها هميان الرجل. المدائني قال: لَمّا قدم يوسف العراق قال لعامر بن يحيى بن عامر بن مسمع: إيه يا فاسق، أخربت مهرجانقذق. قال: إني لم أكن عليها إنّما كنت على ماه، وقد عمرت البلاد ووفرت الخراج. فأعاد عليه: أخربت مهرجانقذق، فأعاد عليه مثل قوله. فقال عامر: أشهد أنك مجنون. فعذبه حتى قتله. وقال يوسف يومًا لكاتب له: ما حَبَسَكَ؟ قال: اشتكيتُ بضرسي. فدعا بِحجام فقلعه وضرسًا آخر معه. وخطب يوسف فقال- ولم يذكر الله في أول خطبته-: يا أهل المدرة الخبيثة أترجفونَ في فهلا أرجفتم بابن النصرانية الذي قال لأجعلنّ [2] ملئها قمحًا بدرهم، هل نقمتم عليّ إِلا أني لم أَدَعْ جُنْدي يزدرعونَ فيكم.

_ [1] حافظة النقود. [2] بهامش الأصل: يعني ملء يده.

وقال الواقدي: قدم المطلب بن عبد الله بن حنطب وأمه أم سلمة بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية على هشام بسبب هذه الخؤولة، فقضى عنه سبعة عشرة ألف دينار، والبئر التي على طريق العراق تنسب إلى بئر المطلب وهي بئره [1] .

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث، ولله كل حمد وفضل.

خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان

بسم الله الرحمن الرحيم خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان يكنى أبا العباس، ولي الخلافة بعد هشام وقد ذكرنا كيف كانت بيعته، وكانت أيامه سنة وثلاثة أشهر، وقتل لخمس ليال بقينَ من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة: وأمه أم الحجاج بنت محمد بن يوسف بن الحكم، والحجاج عمها، ولقب الوليد البيطار وذلك أنه كان يصيد حمير الوحش فيسمها بالوليد ثم يخليها. [أخبار الوليد بن يزيد] حَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر العُمري عَن الْهَيْثَم بْن عدي عن أبيه وابن عياش أن الوليد نشأ في قصر أبيه على التَرَف فمجن وتهتك، وكان العهدُ له بعد هشام، فكان مسرفًا على نفسه معلنًا للفسوق والشرب واللذات، وكان هشام ينهاه عن ذلك فلا يَزَعَهُ نَهيه ولا يردعه حتى هم بخلعه، وكان شاعرًا وكانت عنده ابنة سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بن عفان، فزارتها أختها سلمى بنت سعيد، وكانت من أحسن الناس وجهًا، فبصر بها الوليد فأعجبته وذلك قبل الخلافة فطلق أختها ثم خطبها إلى أبيها فامتنعَ عليه وقال: إنّما تريد مني أن أتخذك فحلا لبناتي، فكان يَهجوه، وفيه يقول:

من يك مفتاحًا لخير يريده ... فإنك قفل يا سعيد بن خالد [1] وكان يقول في سلمى الأشعار فيغني بها المغنون وينشدها جلساءه ويشكو إليهم حبها حتى افتضحَ وسقط عند الناس. وفيها يقول: تذكر شجوة القلب القريح ... فدمع العين منهل سَفُوح أَلا طرقتكَ بالبلقاء سلمى ... هدوا والمطيُّ بنا جُنُوح فَبِتُّ بها قريرَ العين حتى ... تكلم ناطق الصبح الفصيح [2] وكان مستهترًا بشرب الخمر لا يكاد يصلي، وقال وبلغه أن هشامًا هَمَّ بخلعه: خذوا ملككم لا ثَبَّتَ الله مُلْكَكُمْ ... ثَباتًا يساوي ما حييتُ قبالا ذروا لي سلمى والطلاء وقينة ... وكأسا ألا حسبي بذلك مالا أبا لملك أرجو أن أُعَمِّر فيكمُ ... ألا رُبَّ مُلْكٍ قد أُزيلَ فزالا ألا رُبَّ دارٍ قد تَحَمَّل أهلها ... فأضحت قفارًا والبقاع تلالا إذا ما صفا عيشي برملة عالج ... وعانقت سلمى لا أريد بَدالا [3] المدائني والهيثم قالا: كان الوليد يلعب بالصوالجة في ملعب له، وهو يرتجز ويقول: يا ربّ أمر ذي شؤون جحفل ... قاسيت فيه جالبات الأحول [4]

_ [1] شعر الوليد بن يزيد- ط. عمان 1979 ص 49. [2] بهامش الأصل: يعني الديك. شعر الوليد بن يزيد ص 37. [3] شعر الوليد بن يزيد ص 92. [4] شعر الوليد ص 102 مع فوارق كبيرة.

قال: ولما ولي الخلافة بعث إلى سعيد بن خالد فقسره على أن يزوجه سلمى ابنته، فلما حملت إليه من المدينة اعتلّت في الطريق وماتت ليلة أدخلت عليه، ولم يزل على مجونه حتى وثبت اليمانية فقتلوهُ وبايعوا ليزيد بن الوليد بن عبد الملك. وقال أبو نخيلة السعدي في الوليد: بين أبي العاص وبين الحجاج ... يا لَهما يُوري سراج وهَّاج عليه بعد عمّه عقد التاج قالوا: وكان وَلد الوليد: عثمان وأمه عاتكة من ولد محمد بن أبي سفيان بن حرب. وسعيدًا وأمه أم عبد الملك بنت سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان. والعباس، ويزيد، والحكم وفهر، ولؤي، وقصي والعاص، ومؤمن، وواسط، ودوالة لأمهات أولاد شتى. والوليد، ومفتح لأم ولد. درجوا كلهم. المدائني قال: كان الوليد حين بايع له أبوه بعد هشام ابن إحدى عشرة سنة، قالوا: لَمّا بلغ الوليد الحنث [1] ، ندم أبوه على تولية هشام عهده وقال: لو انتظرت بلوغه ولكن مسلمة لم يدعني وكان إذا رآهُ قال: الله بيني وبين من جعل هشاما بيني وبينك. وتوفي يزيد سنة خمس ومائة، وولي هشام فكان في بدء أمره مكرمًا للوليد فمكث بذلك أعوامًا، وكان مؤدب الوليد عبد الصمد بن عبد الأعلى

_ [1] أي بلغ مبلغ الرجال. النهاية لابن الأثير.

الشاعر، وكان فيما يزعمونَ زنديقًا فحمله على شرب الخمر والاستخفاف فاتخذ ندماء، وولاه هشام الموسم سنة عشرة ومائة فرأى الناس منه تَهاونًا واستخفافًا، فأمرَ مولى له يُقالُ له عيسى بن مقسم فصلى بالناس، وبلغ ذلك هشامًا فطمعَ في خلعه، فأراده على أن يخلعها ويبايع لابنه أبي شاكر مسلمة بن هشام فأبى، فتنكر له هشام وأضرّ به وجعل يشتمه ويتنقصه، وتَمادى الوليد في الشرب واللذات فأفرط فقال هشام: ويحك ما أظنك على الإسلام، فكتب إليه الوليد: يا أيها الباحث عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر نشربها صرفا وممزوجة ... بالسخن أحيانا وبالفاتر [1] ويُقال إن هذين البيتين لعبد الصمد بن عبد الأعلى قالهما فكتب بِهما الوليد إلى هشام. وكان في أبي شاكر بن هشام أيضًا مجون، وكان يكثر الشرب ويدمنه، فغضب هشام على مسلمة وقال: يعيرني الوليد بك، وأنا أرشحك للخلافة؟. فألزمه الأدب وحضور الصلوات والجمعات، وولاهُ في سنة سبع عشرة ومائة الموسم فأظهر النسك ولين الجانب، وقسم بِمكة والمدينة أموالا، فقال مولى لبعض أهل المدينة يعرض بالوليد بن يزيد: يا أيها السائل عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر الواهب الجرد بأرسانها ... ليس بزنديق ولا فاجر وقال الكميت بن زيد:

_ [1] شعر الوليد بن يزيد ص 66.

إن الخلافة كائن أسبابها ... بعد الوليد إلى ابن أم حكيم فكان خالد بن عبد الله القسري يقول: أنا بريء من خليفة يُكنى أبا شاكر. فبلغ مسلمة قول خالد، فلما مات أسد بن عبد الله أخو خالد كتب إليه مسلمة: أراحَ من خالد وأهلكه ... رب أراح العباد من أسد أما أبوه فكان مؤتشبًا ... عبدًا لئيمًا لأعبد فقد والبيتان لابن نوفل قالهما حين مات أسد، فلما قرأ خالد البيتين قال: ما رأيتُ كاليوم تعزية أعجب. المدائني عن أبي محمد القرشي قال: كان هشام يعيب الوليد ويتنقصه فدخل عليه يومًا وعنده جَماعة من بني مروان، وكانوا يعيبونَ الوليد قبل دخوله فيقولون: هو أحمق، فقال له العباس بن الوليد بن عبد الملك: يا أبا العباس كيف حبك للروميات فإن أباكَ كان معجبًا بهن، قال: إني لأحبهن، وكيف لا أحبُ من لا يزالُ يأتي بِمثلك- وأم العباس رومية- فقال: لست بالفحل يجيء عسبه بِمثلي. فقال له الوليد: يا بن البظراء. فقال العباس: يا وليد أتفخرُ عليّ بما قطع من بظر أمك؟. وقال هشام للوليد يومًا: ما شرابك؟. قال: شرابك يا أمير المؤمنين، وقام مغضبًا فقال هشام: هذا الذي يزعمونَ أنه أحمق، ما هو بأحمق ولكني أظنه على غير الملة. المدائني عن أبي محمد القرشي قال: دخل الوليد يومًا مجلس هشام وفيه: سعيد بن هشام بن عبد الملك، وإبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، خال هشام بن عبد الملك، وأبو الزبير مولى بني مروان، ولم

يكن هشام بن عبد الملك حاضرًا في المجلس فأقبلَ على سعيد بن هشام فقال: من أنتَ؟ - وهو يعرفه-، فقال: سعيد ابن أمير المؤمنين. فقال: مرحبًا بك، ثم قال لأبي الزبير: من أنت؟. قال: أبو الزبير. قال: نسطاس، مرحبًا بك. ثم قال لإبراهيم بن هشام: من أنت؟. قال: إبراهيم بن هشام. قال: من إبراهيم بن هشام؟ - وهو يعرفه-. قال: إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي. قال: ومن إسماعيل المخزومي؟. قال: أنا الذي لم يكن أبوك يرى أنه في شيء حتى زوجّه أبي. قال: يا بن اللخناء. وإئتخذا [1] وأقبل هشام فقيل: أمير المؤمنين، فكفا وجلسا ودخل، فما كاد الوليد يتزحزح عن صدر المجلس، فزحل قليلا وجلس هشام فقال: كيف أنت يا وليد؟ قال: صالِح. قال: ما فعلت بَرابِطُك؟ قال: معلمة. قال: فكيف ندماؤك؟ قال: لعنهم الله إن كانوا شرا من جلسائك. وقام فقال هشام، يا بن اللخناء جؤوا في عنقه. فلم يفعلوا ودفعوهُ دفعًا رفيقًا، فقال الوليد: أنا ابن أبي العاصي وعثمان والدي ... ومروان جدي ذو الفعال وعامر أنا ابن عظيم القريتين وعزّها ... ثقيف وفهر والرجال الأكابر نبيّ الهدى خالي ومن يك خاله ... نبي الهدى يعلو الورى في المفاخر [2] وقال أيضًا: أنا الوليد أبو العباس قد علمت ... علياء مَعْد مدى ذكري وأقدامي [3]

_ [1] يقال: ائتخذوا: أخذ بعضهم بعضا. القاموس. [2] شعر الوليد بن يزيد ص 60- 61. [3] بالأصل: «وأقداري» وهو تصحيف قوّم من شعر الوليد بن يزيد ص 115.

إني لدى الذروة العلياء إن نُسبوا ... مقابل بين أخوالي وأعمامي بنى لي المجد بانٍ غير مدرك ... على منار مضيئات وأعلام خلقت من جوهر الأعياص قد علموا ... في باذخ مَشْمَخِرِّ العزّ قَمْقام صعب المرام يناغي النجم مطلعه ... يسمو إلى فرع مجدٍ شامخٍ سامِ قالوا: فلما كثر عيب هشام للوليد وتعبّثه به وبأصحابه وخاصته، خرج في جَماعة منهم فنزل بالأزرق بين أرض بلقين وفزارة، وخلّف بالرصافة كاتبه عياض بن مسلم مولى عبد الملك، وأمره أن يكتب إليه بِمَا يحدث قبله. قالوا: وكان سَعِيد بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن حسان بْن ثابت الأنصاري وفد على هشام، وكان غلامًا وضيء الوجه فجعل يختلف إِلَى عَبْد الصمد بْن عَبْدِ الأَعْلَى الشيباني مؤدب الوليد بن يزيد [1] بسبب الأدب، فراوده عبد الصمد بن علي عن نفسه فأتى باب هشام فأذن له فدخل مغضبًا فَقَالَ: إنه والله لولا أَنْتَ لَمْ ... ينجُ مني سالِمًا عبدُ الصمد قَالَ هِشَام: ولَم ذاك؟. قَالَ: إنه قَدْ رام مني خطة ... لَمْ يَرُمْهَا قبله مني أحد فَهُوَ فيما كان منه كالذي ... يَتَبَغَّى الصيدَ في خيس الأسد فأساء هشام القول في عبد الصمد وَهَمّ به ثم أمسك. قالوا: وكان عبد الصمد بن عبد الأعلى عند الوليد وهم يشربونَ، فقال عبد الصمد:

_ [1] بالأصل: «عبد الملك» وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه مما تقدم.

أظن الوليد دنا ملكه ... فأمسى إليه قد استجمعا وإنّا نؤمل في ملكه ... كتأميل ذي الجدب أن يمرعا عقدنا له محكمات العهود ... طوعًا وكان لها موضعا فبلغ الشعر هشامًا فأغضبه، وكتب إلى الوليد: إنك اتخذت عبد الصمد خدنًا وأليفًا ومحدثًا ونديمًا، وقد صح عندي أنه على غير الإسلام، فحقق ذلك ما يُقال فيك، ولم أرَ بك من سوء فاحمل إلى عبد الصمد مع رسولي مذمومًا مدحورًا. فلم يَجد بدًّا من إشخاصه إليه وأنشأ يقول: لقد قرفوا أبا وهب بأمرٍ ... كبيرٍ أو يزيد على الكبير وأشهد أَنَّهم كذبوا عليه ... شهادة عالِم بِهم خبير [1] قال: فلما صار عبد الصمد إلى هشام أمر بإنفاذه إلى يوسف بن عمر، ومعه أخ له يُقالُ له عبد الرحمن، فبنى لهما يوسف بيتًا وجعلهما فيه وطيّن بابه وصير فيه كوة يرمي منها إليهما بالطعام، ووكل بِهما محمد بن نباتة بن حنظلة، ثم أعطشهما حتى برصا أو برص أحدهما، وماتا عطشًا. وقال هشام لعبد الله بن عبد الأعلى أخيهما وقد كلمه فيهما: أأنت على دينهما؟ قال: أنا عليه، والله ما يدينان إلا بالإسلام. فأمر به فأخرج عنه، وقال: لا يساكنني ولا يكلمنه أحد، فأتى الوليد بن يزيد فلم يأذن له عليه. وكان يجلس في المسجد وقد اجتنبه الناس. المدائني عن مسلمة بن مُحارب عن رجلٍ من قريش قال: قدمتُ الشام فرأيتُ عبد الله بن عبد الأعلى فتمنيت أن يكون حالي مثل حاله، ثم غبت

_ [1] شعر الوليد بن يزيد ص 65.

أعوامًا وقدمتُ الشام فإذا هو مفرد لا يُجالسه أحد ولا يكلمه، فقلتُ له: إني قدمتُ الشام مذ أعوام فرأيتك في حال تَمنيت أن أكون في مثلها، وأنت اليوم على ما أرى، فقال: إنه بلغ قومنا عن شيء فأخذوا بظاهر البلاغ، ولم يطلعوا على باطن الضمير، ومن ورائنا وورائهم الحساب. المدائني عن أبي اليقظان قال: كان بالشام رجل مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بن سهيل، وقد ولي دمشق أو شرطتها مرارًا، فكتب الوليد إلى هشام يُعلمه أنه قد فارق عبد الصمد ويسأله أن يأذن لابن سهيل في القدوم عليه، فضرب هشام ابن سهيل ونفاه، وأخذ عياض بن مسلم وبلغه أنه يكتب بالأخبار إلى الوليد فضربه وألبسه المسوح وقيده وحبسه، فغم ذلك الوليد فقال: من يثق بالناس أو يصطنع المعروف هذا الأحول المشؤوم قدَّمه أبي وولاه الخلافة وهو يصنعُ ما ترون. وقال الوليد: أنا النذير لمسدي نعمة أبدًا ... إلى المقاريف ما لَم يُخبر الدخلا إن أنت أكرمتهم ألفيتهم بطرًا ... وإن أهنتهُمُ ألفيتَهُم ذُلُلا أتشمخون ومنّا أصل نعمتكم ... ستعلمونَ إذا صِرْتُمْ لنا خَوَلا أنظر فإن أنت لم تقدر على مثل ... لَهم سوى الكلب فاضربه لَهم مثلا بينا يُسَمِّنُهُ للصيد صاحبُه ... عدا عليه فلو يَسْطيعُهُ أَكَلا [1] قالوا: وبلغ الوليد أن العَبَّاس بْن الوليد بْن عَبْد الملك وعمر بن الوليد وغيرهما من بني مروان يعيبونه بشرب الشراب فقال:

_ [1] شعر الوليد ص 92- 95.

ولقد قضيتُ- وإن تَجَلَّلَ لَمَّتي ... شيب- على رغم العدى لذَّاتي من كاعباتٍ كالدمى ومناصفٍ ... ومراكبٍ للصيد والنشواتِ إن يَطلبوا بتراتهم يُعطونَها ... أو يُطلَبوا لا يُدركوا بترات [1] قالوا: وقطع هشام عن الوليد ما كان يجري عليه، وأسقطَ أسماء أصحابه وحرسه، وقطع ما كان يجريه عليهم، فكتبَ إليه الوليد: «قد بلغني الذي أحدث أمير المؤمنين أصلحه الله في قطع ما قطع عني وعن أصحابي وحرسي وأهلي، ولم أكن خائفًا لأن يبتلي الله أمير المؤمنين بذلك، ولا يبتليني به منه، فإن يكن طلبي ابن سهيل علة ذلك فلم يبلغ أمر ابن سهيل وكتابي فيه ما بلغَ أمير المؤمنين من قطيعتي، وإن يكن ذلك لشيء في نفس أمير المؤمنين عليّ فقد سبب الله لي من العهد، وكتب لي من العمر، وقسم لي من الرزق ما لا يقدر أحد على قطع شيء منه بدون مدته، ولا صرف شيء منه عن مواقعه، فأقدار الله تجري بِما أحب الناس أو كرهوا، فلا تأخيرَ لعاجلها ولا تعجيل لآجلها، والناس بين ذلك مقترفونَ للآثام على أنفسهم» . فكتب إليه هشام: «قد فهم أمير المؤمنين كتابك، وأمير المؤمنين يستغفر الله من إجرائه ما كان يجري عليك، فإنه للمأثم في ذلك أخوف منه على نفسه في قطعه ما قطعَ لأمرين: أما أحدهما فإيثار أمير المؤمنين إياكَ بِما كان يجريه عليك وهو يعلم المواضع التي تضعه فيها، وإنفاقك إياهُ في سبل المعصية، وأمّا الآخر فلأن أمير المؤمنين أثبتَ صحابتك وإدرار أرزاقهم وليس ينالهم ما

_ [1] شعر الوليد ص 31.

ينال المسلمين في كل عام من المكروه عند قطع البعوث وجهاد العدو، وإنماهم معك تجول بِهم في سِفْهك وبطلانك وفُسُوقك، ولأمير المؤمنين إلى التقصير في التغيير عليك أقرب منه إلى الاعتداء، ولقد بصر الله أمير المؤمنين من قطع ما قطعَ عنك وعن أصحابك المجان ما يرجو أن يكون كفارة لما سلف من إدرار ذلك عليكم وبالله الثقة. وأمّا ابن سهيل فهل زاد- لله أبوكَ- على أن كان زفانًا مغنيًا، قد بلغ في السفه غايته، وليس هو في ذلك بشر ممن تستصحبه مع الأمور التي يكرم أمير المؤمنين نفسه عن ذكرها، مِمّا أنت لعمر الله أهل للتوبيخ بها، فأمّا ما ذكرت مِمَّا سبب الله لك فإن الله قد ابتدأ أمير المؤمنين بذلك وأصفاه به، والله بالغ أمره، ولقد أصبح أمير المؤمنين على اليقين من ربه أنه لا يملك لنفسه فيما أعطاهُ الله من كرامته ضرًّا ولا نفعًا، وإن الله وَلَّى ذلك منه، وإنه أرأف بعباده وأرحم من أن يولي أمرهم غير الرضا منهم، وإن أمير المؤمنين لحسن ظنه بربه على أعظم الرجاء أن ييسر له تسبيب ذلك لِمَن هو أهله في الرضا به، فإن بلاء الله عنده أعظم من أن يبلغه ذكره، ويؤدي حقه فيه شكره إلا بعون منه له، ولئن كان قد قدر لأمير المؤمنين تعجيل وفاة إن في الذي هو مُفْضٍ إليه من كرامة ربه إن شاء الله لخلفًا من الدنيا، ولعمر أمير المؤمنين إن كتابك إلى أمير المؤمنين بِما كتبت به لغير مستنكر من سفهك وحمقك وسقوطك، فَارْبَع على نفسك وغلوائها، فإن لله سطوات وغيرًا يصيبُ بها من يشاء، وأمير المؤمنين يسأل الله العصمة والتوفيق لأحب الأمور إليه، وأرضاها له. والسلام» . فكتب إليه الوليد:

رأيتك تبني جاهدًا في قطيعتي ... فلو كنت ذا عقل لهدَّمْت ما تبني ستترك للباقين مجنى ضغينة ... وَوَيْلٌ لَهم إن مِتُّ من شر ما تَجْنِي [1] وقال الوليد: أليس عظيمًا أن أرى كل واردٍ ... حياضكَ يومًا صادرًا بالنوافل وأرجعَ مجذوذ الرجاء مُصَرَّدًا ... بتخليةٍ عن ورد تلك المناهل فأُويسْتُ مِمَّا كنت آمل فيكم ... وليس يلاقي ما رجا كل آمل كذي قبضةٍ يومًا على عرض هبوةٍ ... يشد عليها كفه بالأنامل [2] وقال المدائني: ذكر الوليد عند لمهدي أمير المؤمنين فقيل: كان زنديقًا، فقال: خلافة الله أَجَلُّ وأكرم عليه من أن يوليها زنديقًا. قال المدائني: وكانت عند الوليد أم عبد الملك بنت سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بن عفان، فمرض سعيد وهو مُتَبَدٍّ، فعاده الوليد بن يزيد، فدخل عليه ولم يعلموا به، فرأى أختها سلمى بنت سعيد لمحة، فوقعت في قلبه، فطلق أختها وخطبها فلم يزوجه إياها أبوها، وكانت أختها أم عثمان بنت سعيد عند هشام، فأرسلَ هشام إلى سعيد: إياك أن تزوجه، فقال: أيريد الوليد أن يكون فحلا لبناتك، يطلّق واحدة ويتزوج واحدة، فلم يزوّجه، فكتب إلى أبيها: أبا عثمان هل لك في صنيع ... تصيب الرشد في صلبي هديتا فأشكر منك ذا المسدى وتُحيي ... أبا عثمان مَيِّتَةً وميتا [3]

_ [1] شعر الوليد ص 125 مع فوارق. [2] شعر الوليد ص 104. [3] شعر الوليد ص 27.

فقال له عبد الصمد بن عبد الأعلى وهو بعد عنده، وليث وغيرهما من أصحابه: ما ترجو بها وقد ردك أبوها عنها، وسيزوجك إذا مات هشام فقال: يعزيني أبو وهب وليث ... ويعذل مالك وأبو ركين فقلت لَهم كلامكُم محالٌ ... دعوني من كلامكم دعوني [1] وقال أبو اليقظان: خرج الوليد إلى فُدَين [2] ومنزل سعيد بن خالد بفدين، فرأى رجلا يبيع الزيت قريبًا من منزل سعيد فأخذ ثيابه ولبسها، وساق حمار الزيت حتى أدخله قصر سعيد، وهو ينادي: من يشتري الزيت. فخرج الجواري فنظرن فقالت جارية منهنّ لسلمى: يا سيدتي ما رأيتُ إنسانًا أشبه بالوليد من هذا الزيات ابن الخبيثة، انظري إليه، فاطلَعَتْ سلمى فقالت للجارية: ويحك هو والله الوليد، قد والله رآني فقولي له يا زيات أخرج لا نريد زيتك. فخرج وقد لمحها وقال: إنني أبصرتُ شخصًا ... حَسَنَ الوجه مليح لابسًا أثواب سوءٍ ... مِن عَبَاءٍ ومُسُوح وأبيع الزيت بيعًا ... خاسرًا غير ربيح [3] وبلغه أنها خرجت في يوم عيد فقال:

_ [1] شعر الوليد ص 122. [2] الفدين قرية من أرض حوران. معجم البلدان، وفي جبل العرب مجموعة تلال اسمها الفدين في منطقة شهبا على بعد 20 كم إلى الشمال الشرقي من بلدة الصورة الصغيرة. المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري. [3] شعر الوليد ص 36.

خَبَّرُوني أنّ سلمى ... خرجت يوم الْمُصَلَّى وإذا ثم غرابٌ ... فوق غصن يتفلّى قلت بالله ادْنُ مني ... قال: ها ثم تدلى قلت هل أبصرت سلمى ... قال: لا ثم تولّى [1] وقال الوليد أيضًا: ألا ليت الإله يحين سلمى ... فإن الله يفعل ما يشاء فيخرجها فيطرحها بأرض ... ويرقدها وقد سقط الرداء ويأتي بي فيطرحني عليها ... فأوقظها وقد قضي القضاء ويرسلُ ديمةً سَحًّا علينا ... فيغسلنا فلا يبقى العناء [2] وقال أيضًا: يا من لقلب في الهوى متشعب ... أم من لقلب في الحبال عميد سلمى هواه فليس يذكر غيرها ... دون الطريف ودون كل تليد إن القرابة والمودة أَلَّفا ... بين الوليد وبين بنت سعيد [3] وقال أيضًا: شاع شعري في سليمى وظهر ... ورواهُ كل بادٍ وحضر وتهادته العذارى بينها ... وتغنين به حتى انتشر قلت قولا لسليمى معجبًا ... مثل ما قال جميلٌ وعمر لو رأينا لسليمى أثرا ... لسجدنا ألف ألف للأثر

_ [1] شعر الوليد ص 89. [2] شعر الوليد ص 145. [3] شعر الوليد ص 48.

واتخذناها إمامًا مُرتضى ... ولكانت حجنا والمعتمر إِنَّما بنت سعيد قمر ... هل حرجنا إن سجدنا للقمر [1] وقال أيضًا: رآني الله يا سلمى حياتي ... وفي يوم الحساب كما أراكِ ألا تجزين من تَيَّمْتِ عُمرًا ... ومن لو تطلبينَ لقد أتاكِ ومن إن مُتِّ مات ولا تموتي ... وإن ينسأ له أَجَلٌ بكاكِ ومن لو قلتِ مُتْ وأَطَاقَ موتًا ... إذًا ذاق الممات وما عصاك ومن حقًا لو أعطي ما تمنى ... من الأرض العريضة ما عداك أثيبي هائمًا كلفًا معنى ... إذا خدرت له رجل دعاك [2] وقال أيضًا: أنا في يمنى يديها ... وهي في يسرى يديَّه إن هذا لقضاء ... غير عدلٍ يا أُخَيَّه ليت من لام محبًّا ... في الهوى لاقى المنيّه فاستراحَ الناس منه ... ميتةً غير سويّه [3] وقال أيضًا: ويح سلمى لوتراني ... لعناها ما عناني متلفًا في اللهو مالي ... عاشقًا حور الغواني ولقد كنت زمانًا ... خالي الذرع لشاني [4]

_ [1] شعر الوليد ص 53. [2] شعر الوليد ص 87. [3] شعر الوليد ص 140. [4] شعر الوليد ص 121.

وقال أيضًا: أنا ابن يزيد بن عبد الملك ... وجدي مروان لا أم لك فكيف إذا ما ملكت البلاد ... وقمت خطيبًا على منبرك فَبَخّ بخٍ بخ ما أكرمك ... وبخٍّ بَخٍ بَخ ما أفخرك [1] وقال أيضًا: من لقلب أمسى كئيبًا حزينًا ... مستهامًا بين اللهى والتراقي أمّ سَلَّام ما ذكرتك إلا ... شَرَقَتْ بالدموع مني المآقي حذرا أن تبين لي دار سلمى ... وتجيء الدنيا لها بفراق [2] وقال أيضًا: نام من كان خليًا من ألم ... ولقد بتّ شجيًا لم أنم احكمي في الوصل إذ وليته ... ليس قتل النفس من عدل الحكم أرقب النجم كأني مسند ... بأكف القوم تغشاني الظُّلَم [3] قالوا: ولم يزل الوليد مقيمًا بالأزرق في البرية حتى مات هشام، فلمّا كان غداة اليوم الذي جاءته فيه الخلافة أرسلَ إلى المنذر بن أبي عمرو فأتاهُ فقال له: يا أبا الزبير ما أتت عليّ ليلة مذ عقلتُ أطول من ليلتي هذه، ما زلت في هموم وحديث نفس واغتمام بأمر هذا الرجل الذي قد أولع بي- يعني هشاما-

_ [1] شعر الوليد ص 85. [2] شعر الوليد ص 83. ورواية الأغاني للبيت الثالث ج 7 ص 84: حذرا أن تبين دار سليمى ... أو يصبح الداعي لها بفراق أقوم وزنا. [3] شعر الوليد ص 108.

وفاة هشام بن عبد الملك

فاركب بنا نتنفس، فركبنا فبينا هو كذلك إذ نظر إلى رهج فقال: هؤلاء رسل هشام نسأل الله خيرهم. [وفاة هشام بن عبد الملك] وبدا له رجلان على البريد أحدهما مولى لأبي محمد السفياني، فلما بصرا بالوليد بن يزيد نزلا ثم دنوا منه فسلما عليه بالخلافة، فوجم ثم قال: أماتَ هشام؟. قالا: نعم. قال: فممن الكتاب؟ قالا: من مولاك سالِم بن عبد الله صاحب ديوان الرسائل، فقرأ الكتاب وانصرفا، ثم دعا مولى السفياني فسأله عن عياض فحدثه حديثه وإحرازه ما أحرز من الخزائن وغير ذلك من أمره. وكتب الوليد إِلَى الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك يأمره أن يأتي الرصافة فيحصي ما فيها من أموال هشام، وأموال ولده، ويأخذ عماله وحشمه إلا مسلمة بن هشام لأنه كان يكثر أن يكلم أباهُ فيه، ويكف عنه شرّه ويسأله الرفق به. فقدم العباس الرصافة فأحكم للوليد ما كتب به إليه، وأتته أم سلمة بنت يعقوب المخزومية وهي امرأة مسلمة بن هشام فقالت: إن مسلمة لا يفيق من الشراب ولا يكترث لِموت أبيه وأمر إخوته. فأخبر العباس مسلمة بِما قالت ووبّخه، فطلقها مسلمة في ذلك المجلس، فشخصت تريد فلسطين، فتزوجها أبو العباس أمير المؤمنين. وكتب العباس بن الوليد إلى الوليد بثبت ما أحصى من أموال هشام وما في خزائنه فقال الوليد: ليتَ هشامًا عاش حتى يرى ... محلبه الأوفر قد أترعا كِلْنَا له بالصاع إذا كالها ... وما ظلمناهُ بها أصوعا

وما أتينا ذاك عن بدعةٍ ... أَحَلَّهُ القرآن لي أجمعا [1] المدائني قال: كان هشام بن عبد الملك خطبَ إلى يزيد بن عمر بن هبيرة أخته أو ابنته على معاوية بن هشام، فأبى أن يزوجه إياها فجرى بعد ذلك بين يزيد بن عمر وبين الوليد بن القعقاع كلام بلغ هشامًا فبعث به هشام إلى الوليد بن القعقاع فضربه مائة سوط، وحبسه فقال ابن طَيْسلة: ما فل خيس رجال لا عقول لَهم ... من يعدلونَ إلى المحبوس في حلب إلى امرئ لم تصبه الدهر معضلة ... إلا استقلَّ بها مُسترخي اللَّبب [2] فلما مات هشام كان البشير بموته إلى الوليد بن يزيد فقال له الوليد: احتكم، فقال: ولاية قنسرين والتخلية بيني وبين الوليد بن القعقاع وأخيه عبد الملك بن القعقاع، فأجابه إلى ذلك، ويُقال إنه ولاه جند قنسرين، فهربَ الوليد وعبد الملك ابنا القعقاع فاستجارا بقبر مروان، فلم يجرهما الوليد وبعث بِهما إلى يزيد بن عمر، وكان على حبسه رجل من فزارة يُقالُ له نوفل بن سُكَين، فدفعهما إليه فحبسهما، فماتَ أحدهما في الحبس في العذاب، ويُقال ماتا جَميعًا، فقال عبد العزيز بن القعقاع: أنوفل من يضمن دمًا من دمائنا ... وشيخًا يُشَقِّقْنَ الجيوبَ أقاربه وقال أبو الشَّغب العبسي واسمه عِكْرِشَة بْن أَرْبَد بْن عُروة بْن مسحل بن شيطان بن جُذَيْم بن جُذَيْمَة:

_ [1] شعر الوليد ص 74. [2] لم يردا في شعره.

أخبار الوليد بن يزيد

أَمْسَتْ قبور بني مروان مُخْفَرَّةً ... لا يُستجارُ ولا يُرْعى لها الراعي قبر التميمي [1] أَوْفَى من قبورهُمُ ... يَسْعَى بذمته في قومه الساعي إنّ البريَّة قالت عند غدْرته ... أُفٍّ لقبر به عاذ ابن قعقاع [أخبار الوليد بن يزيد] وكان الكلام الذي وقع بينهما أن الوليد قال ليزيد: يا بن الفَرَّار- يعني أباهُ حين هرب من سجن خالد- فقال له يزيد: يا بن الضرّاط، فقال الوليد: يا بن اللخناء. فقال يزيد: بل أنتَ نزوة خَوَّارٍ على أَمَةٍ ... لا يَسْبقُ الحلبات اللؤم والخَوَرُ فقال: يا بن الفجواء [2] . قال يزيد: إِنَّما قدمتكم أعجاز النساء وقَدَّمَتْنا صدور العوالي- يعني أن ولَّادة أم الوليد وسليمان كانت منهم، وكان القعقاع بن خليد ضَرطَ عند الوليد، وذلك أن الوليد قال لابن رأس الجالوت: تزعمونَ أن في ولد داود علامة يُعرفونَ بها وهي أن يمد أحدهم يده فتنال ركبته، فقال القعقاع: فيدي تنال ركبتي، وقام لينال ركبته فضرط، فقال الشاعر لشيبة بن الوليد بن القعقاع: يا شيب هل لك في ألف مدرهمة ... بضرطةٍ ليس في إرسالِها لها حَرَجُ كَدَأْبِ شيخك إذ أهوى لركبته ... فخانَ فِقْحَتَهُ من ضَعفها الشَّرَجُ المدائني عن الهيثم ومسلمة قالا: استعمل الوليد بن يزيد العمال. وجاءته البيعة من الآفاق، فأجرى على زمني أهل الشام وعميانهم وكساهم. وأمر لكل إنسان منهم بِجائزة وخادم يَخدمه، وأخرج لعيالات الناس الطيب

_ [1] بهامش الأصل: قبر أبي الفرزدق. [2] الفجا: تباعد ما بين الفخذين، أو الركبتين، أو الساقين. القاموس.

والكُسَى، وزاد الناس في أعطياتِهم عشرات نقصهم إياها يزيد بن الوليد بعد ذلك، فسمي يزيد الناقص، وكان الوليد يُطعم الناس، وقال الوليد: طابَ عيشي وطاب شرب المدامة ... إذ تَحَسَّيْتُها بغير ملامة [1] وقال أيضًا: طاب عيشي وطاب شرب السُّلافة ... إذ أتانا نعي من بالرّصافة وأتانا البريد ينعى هشامًا ... وأتانا بخاتم للخلافة [2] وقال أيضًا: طال ليلي وبتُّ أسقى المداما ... إذ أتانا البريد ينعي هشامًا وأتاني بحلة وقضيب ... وأتاني بخاتم ثم قاما فجعلت الولي من بعد فقدي ... أفضل الناس ناشئًا وغلاما ذاكُمُ ابني وذاك قرم قريش ... خير خَلْفٍ وخيرهم قُدَّاما [3] وقال أيضًا: إني سمعتُ خليلي ... نحو الرصافة رنّه خرجت أسحب ذيلي ... أقول ما شَانَهُنَّه إذا بنات هشامٍ ... يندبن والدهن يندبن شيخا كبيرا ... قد كان يكرمهنّه

_ [1] شعر الوليد ص 177. [2] شعر الوليد ص 82. [3] شعر الوليد ص 110.

فقلن ويلي وعولي ... والويل حَلَّ بِهنَّه أنا المخنث حقًّا ... إنْ لم أنيكهُنَّه [1] قالوا: وكتب مروان بن محمد إلى الوليد بن يزيد: بارك الله لأمير المؤمنين فيما صار إليه من ولاية عبادة ووراثة بلاده، وقد كانت سكرة الولاية غشيت هشامًا فَصَغَّر ما عظم الله من حقِّ أمير المؤمنين ورامَ من الأمر المستصعب عليه الذي أجابه إليه المدخلون في آرائِهم وأديانِهم ما حالَ الله بينه وبينه، فزحمته الأقدار عنه بأشد مناكبها، وكان أمير المؤمنين بِمكان من الله حاطه فيه حتى ألبسه أكرم لباس الخلافة فنهضَ مستقلا بِما حمله فالحمدُ لله الذي اختار أمير المؤمنين لِخلافته واختصه بوثائق عرى كرامته وذبّ عنه ما كاده الظالِمون فيه، فرفعه ووضعهم، وأعزه وأذلهم، فمن أقام منهم على الخطيئة أوبق نفسه وأسخط ربه، ومن عدلت به التوبة نازعًا عن الباطل إلى الحق وجد الله توَّابًا رحيمًا، وإني نَهضتُ إلى منبري فأعلمت من قبلي من المسلمين ما امتنَّ الله به عليهم من ولاية أمير المؤمنين فاستبشروا ببيعتهم، وقد بسطتُ يدي للبيعة فوكدتها عليهم بالوثائق والعهود وتغليظ الأيمان فكل الناس حسنت إجابته وطاعته، فَأثِبْهُم يا أمير المؤمنين بطاعتهم من مال الله الذي أتاك فإنك أجود الناس جودًا وأبسطهم يدًا، فقد انتظروكَ راجينَ فَنَلْهُم بفضلك وأوسع عليهم برفدك وعَرِّفْهُم طَولك على من كان قبلك، وإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في القدوم عليه لأشافهه بأمور أكرهُ الكتاب بِها فَعَلَ إن شاء الله.

_ [1] شعر الوليد ص 128.

وقال الوليد: هلك الأحول المشؤوم ... فقد أرسل المطر وملكنا من بعد ذا ... ك فقد أَوْرَقَ الشجر فاشكروا الله إنه ... زائدٌ كل من شكر [1] ويُقال إن هذا الشعر لغير الوليد. قالوا: وكتب الوليد حين ولي إلى الأطراف: ضَمِنْتُ لكم إن لم تَغُلْنِي منيَّتي ... بأنّ سماء الضُرّ عنكم سَتُقْلَعُ سَتُؤْتَوْنَ إلحاقًا معا وزيادة ... وأعطيةً تأتيكُمُ تَتَسرَّعُ [2] فلما ظهر أمره وتهتكه قال حمزة بن بيض الحنفي [3] : وصلت سماء الضرّ بالضرّ بعد ما ... زعمتَ سماء الضُّرِّ عنكم ستُقلع فليتَ هشامًا كان حيًّا يسوسنا ... فكنا كما كنا نخافُ ونطمعُ قالوا: وتهتك الوليد في الشراب وقال: أحبُّ الغناء وشراب الطِّلا ... وأنس النساء وربِّ السُّوَر ودل الغواني وعزف القيان ... بصَبح يمانٍ قُبيل السَّحَر وأما الصباح فَهَمّي القداح ... وخيل شواح جياد حُضر ونصف النهار عراك الجوار ... وحل الإزار إذا تنبهر [4] وأمّا العشيُّ فأمر جليّ ... وقتل الكميّ بعضب ذكر

_ [1] شعر الوليد ص 55. [2] شعر الوليد ص 77 مع فوارق. [3] كتب بهامش الأصل: «ناقص كراستين» . [4] انبهر انقطع نفسه من الإعياء.

سبتني البَغُوم [1] بدلٍّ رَخيم ... ووجهٍ نضير شبيه القمر وردفٍ نبيلٍ وخد أسيل ... كسيفٍ صقيل يحير البصر [2] وقال أيضًا: علِّلاني بعاتِقاتِ الكروم ... واسقياني بكأس أُمِّ حَكِيم إنّها تشربُ المدامة صرفًا ... في إناء من الزجاج عظيم [3] وأم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاص وهي أم مسلمة بن هشام. قال أبو الحسن المدائني: كسا الوليد الغُزَيِّل أبا كامل المغني قلنسوة برود كانت عليه فكان يصونَها ولا يلبسها إلا في يوم عيد ويقول: كسانيها أميرُ المؤمنين فقد أوصيتُ أهلي أن يضعوها في أكفاني، وقال فيه الوليد: من مبلغ عني أبا كاملٍ ... إني إذا ما غابَ كالهامل وزادني شوقًا إلى قُرْبه ... فيما مضى من دهرنا الحابل إني إذا عاطيته مرَّة ... ظللت بيوم الفرح الجاذل [4] وقال أيضًا: لا عيش إلا بِمالك بن أبي السَّمْحِ ... فلا تَلْحَني ولا تَلُمْ مثل ضياء المصباح أو قبس ال ... قابس في حالك من الظّلم [5]

_ [1] البغوم: المرأة رخيمة الصوت. [2] شعر الوليد ص 54. [3] شعر الوليد ص 113 مع فوارق واضحة. [4] شعر الوليد ص 101. [5] شعر الوليد ص 158 مع فوارق.

ويُقال إن البيتين لحسين بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن العباس. المدائني وغيره قالوا: لَمّا قام الوليد لم يكن له همة إلا تزوج سلمى، فأرسلَ فخطبها فتزوجها فقيل له: قد كنت حلفت بطلاقها إذا تزوجتها ثلاثا. فسأل عن يمينه فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: طالق. وقال آخرون: لا طلاقَ إلا بعد نكاح، فَهَمَّ أن يدخل بها فقيل: أنت إمام وإن دخلتَ بها أخذ الناس ذلك سنَّة فأمسك، وزوجها أخوها من ابن أخي الوليد ودخل بها ثم طلقها ابن أخي الوليد، وقيل أن أباها زوجها من ابن أخي الوليد فلمّا زفَّت إليه وكل به الوليد من منعه من الدخول بها حتى طلقها، ويُقالُ إنه دخلَ بها ثم طلقها، وانتظر الوليد أن تنقضي عدتها فلمّا انقضت خطبها إلى أبيها فتزوجها وقال: خَفَّ من دار جيرتي ... يا خليليَّ أُنسها أفلا تَخرج العروس ... فقد طال حبسها قد دنا الصبح أو بدا ... وهي لم يقض لبسها خرجت كالمهاة في ليلة ... غاب نحسها بين خَمس كواعبٍ ... أكرم الجنس جنسها [1] وقال أيضًا: أسُلمى تلك في العير ... قفي إن شئت أو سيري فلمّا أن دنا الصبح ... وأصوات العصافير

_ [1] شعر الوليد ص 70.

خرجنا نَتَّقي الشمس ... مطايا القوم كالعور إذا ما أَغْرضٌ حالَتْ ... سددناها بتصدير [1] قال: وقالت ابنة سعيد: أبي يصلح للخلافة، فقالت ابنة الوليد: فإنك والخلافة يا سعيد ... لكالحادي وليس له بعير فقالت سلمى: ولم لا يطمعُ في الخلافة وهو ابن أمير المؤمنين عثمان، وغضبت فقال الوليد: غضبتُ سلمى عليَّ سفاهًا ... أَنْ شَتَمْتُ اليوم فيها أباها [2] قالوا: فماتت بعد دخوله عليها بأربعين يومًا ويُقال ليلة دخلت عليه أو بعدها بثلاث، ويُقال بسَنَة، فقال: ألم تعلما سلمى أقامتْ بِمَهْمَهٍ ... مُضَمَّنَةٍ قبرًا من الأرض أُلْحِدا [3] في أشعار. وقالوا: عقد الوليد لابنه الحكم واستعمله على دمشق، وعقد لابنه عثمان بعده، واستعمله على حمص وضم إليه ربيعة الرأي بن أبي عبد الرحمن الفقيه. وقال الهيثم بن عدي: وقال الوليد: ولقد صدنا غزالا سانحًا ... فأردنا ذبحه لَما سَنَحْ فإذا شِبْهُكَ ما ننكره ... حينَ أشجى طرفه ثم لمح

_ [1] شعر الوليد ص 150. [2] شعر الوليد ص 129. [3] شعر الوليد ص 40 مع فوارق.

فتركناهُ ولولا حبكم ... فاعلمي ذاك لقد كان ذُبِحْ أنت يا ظبي طليقٌ آمِنٌ ... فَاغْدُ في الغزلانِ مسرورًا وَرُحْ [1] وقال الهيثم بن عدي: سمي الوليد البيطار لأنه كان يصيدُ الحمر الوحشية فيسمها بالوليد ثم يخلّيها فوجدت في أيام أبي العباس السفاح والمنصور حمر موسومة باسمه. وكان يحب دخول الحيرة والكوفة فخرج كالمتبدي، ثم أتى الكوفة فنادم شراعة بن أبي الزندبوذ، ومطيع بن إياس، وحماد الراوية، وحَمّاد عجرد وبعضُ آل أبي معيط، وقال يومًا لشراعة: أسألكَ عن الأشربة فقال: سل يا أمير المؤمنين. قال: ما تقول في الماء؟ قال: الحياةُ ويشركن فيه البقر والحمير والكلاب. قال: فاللبن؟ قال: ما رأيتُه قط إلا ذكرتُ ثدي أمي. قال: فنبيذُ التمر؟ قال: نبيذ الباعة والمهان ومن لا خلاقَ له، قال: فنبيذُ السكر؟ قال: الخمرة المنتنة. قال: فنبيذُ الزبيب والعسل؟ قال: «مرعى ولا كالسعدان [2] » . قال: فالخمرُ؟ قال: وَاهًا لَهَا، تلك صديقة روحي وحياة نفسي. قال: فعلى أي الوجوه تُحب أن تشربها؟ قال: على وجه السماء. ويُقال إنه لم يخرج إلى الكوفة ولكن أشخص ظرفاؤها إليه، وكان فيهم شراعة بن أبي الزندبوذ.

_ [1] شعر الوليد ص 35. [2] السعدان: نبت من أفضل مراعي الإبل، ومنه «مرعى ولا كالسعدان» وله شوك تشبه به حلمة الثدي. القاموس.

وقال حَمّاد: أنشدته أشعار العرب فلم يهشّ لَها، وأنشدته شعرًا سخيفًا فطرب له واستعادنيه فقلتُ: هذا والله الإدبار، ثم دخلتُ بعد على أبي مسلم فقال: أنشدني قصيدة الأَفْوَه [1] فأنشدته إياها، وجعل يستعيدني قوله: تُهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت ... فإن تولت فبالأشرار تنقادُ فقلتُ: هذا والله الإقبال. وقالوا: وكان مما سمع الوليد بالكوفة- أو ممن أُشخص إليه من أهل الكوفة- فأعجبه، غناء قينتين لعبد الله بن هلال الهجري المعروف بصديق إبليس، وهو من حمير، فقال: يا أهل بابل ما نَفَسْتُ عليكم ... من عيشكم إلا ثلاث خلال خمر الفرات وليل قيظ باردٍ ... وسماع مسمعتين لابن هلال [2] ويروى: ماء الفرات وخمرة حيرية وسورية. قالوا: وكتب الوليد إلى خاله يوسف بن محمد بن يوسف- وكان عامله على مكة والمدينة- أن يأخذ ابني هشام بن إسماعيل: إبراهيم ومحمدًا ويحملهما إلى يوسف بن عمر ليحاسبهما ويأخذ للناس حقوقهم منهما، وكتب في أخذ عمال هشام وحشمه بِما عندهم إلا مسلمة ابنه. وقال الوليد:

_ [1] الأفوه لقب، واسمه صلاءة بن عمرو بن مالك بن عوف الأودي، كان من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية، وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم، وكانوا يصدرون عن رأيه، والعرب تعده من حكمائها. الأغاني ج 2 ص 169. [2] شعر الوليد ص 157.

علّل القوم قليلا ... يا بن بنت الفارسيه غَنِّهم أنت وبشر ... وابن بنت الهذلية انهم قد عاقروا اليوم ... عقارا مقديّه [1] عندنا مسك وريحان ... وعود المندليه [2] وقال أيضًا: عللاني واسقياني ... من شراب الأصبهاني من شراب الشيخ كسرى ... وشراب القيرواني وامزج الكأس ولا تكثر ... مزاج العسقلاني إن بالكأس لمسكًا ... وبكفِّي من سقاني إنّما الكأسُ ربيع ... يتعاطى بالبنانِ [3] وقال أيضًا: اسقنا يا زبيرُ بالقرقاره ... قد طربنا وحنت الزماره اسقني اسقني فإنّ ذنوبي ... قد أحاطت فما لها كفاره [4] وقال أيضًا: أصبح اليوم وليد ... هائما بالغانيات عنده طاس وابريق ... وراح بالفلاة

_ [1] مقديه نسبه إلى قرية بالشام قيل بناحية حمص وقيل بناحية دمشق من أعمال أذرعات. معجم البلدان. [2] شعر الوليد ص 139. [3] شعر الوليد ص 123. [4] شعر الوليد ص 68، والقرقارة: كوب من زجاج طويل العنق.

ابعثوا خيلا لخيلٍ ... ورماة لرماة [1] وقال أيضًا: اسقني يا زيدُ صرفًا ... اسقني بالطرجهاره [2] اسقنيها مزة تأخذني ... منها استداره اسقنيها كي تُسلّي ... ما بقلبي من حراره [3] وقال أيضًا: امدح الكأس ومن أعملَهَا ... واهجُ قومًا قتلونا بالعطشْ إنّما الكأسُ ربيع باكر ... فإذا ما غاب عنا لم نعشْ [4] وقال أيضًا: نزلتْ سلمى بقلبي ... منزلا ذا عَدَوَاءِ فزجرتُ النفس عنها ... لو تناهتْ بانتهاءِ نظرتْ سلمى وقالت ... حين صَدَّت يا نسائي نظر الظبية ريعت ... وهي وسني في ظباءِ [5] وقال أيضًا: وجدتُ العيش يا سلمى ... مزاج الكاس بالكاسِ إذا ما كأسنا دارت ... فهزّت فروة الراس

_ [1] شعر الوليد ص 30. [2] وعاء كالفنجان. [3] شعر الوليد ص 67. [4] شعر الوليد ص 151. [5] شعر الوليد ص 13.

وفتيانًا أنادمهم ... كرامًا غير أنكاسِ فلولا رقبة الله ... وإني رهنُ أرماسِ لقد زرتك يا سلمى ... على خوف وإيجاسِ ولا والله يا سلماي ... ما بالحب من باسِ [1] وقال أيضًا: أم سلام لو لقيت من الوجد ... عُشَيْرَ الذي لقيتُ بَرَاكِ فأثيبي بالودِّ صَبًّا عميدًا ... مُسْتَهامًا لم يشجْهِ ما شجاكِ أنت تَفْدِينَ عَبْدَ [2] من كل خيرٍ ... ومن السّوء هي تكون فداك [3] وقال يرثي مؤمنًا ابنه وكان محبًا له: أتاني سنان بالوداع لِمؤمنٍ ... فقلتُ له إني إلى الله راجعُ وكيف بكائي مؤمنًا ولقد أرى ... بأني له يا نفس لا بدّ تابع ألا أيها الحاثي عليه ترابه ... تَعِسْتَ وشُلّت من يديك الأصابعُ [4] قالوا: وبعث الوليد إلى المدينة فحمل إليه المغنون، فلمّا قربوا منه أمر أن يدخلوا العسكر ليلا كراهة أن يراهم الناس، فأقاموا حتى أمسوا غير محمد بن عائشة مولى كثير بن الصلْت فإنه دخل نهارًا فغضبَ عليه الوليد وأمر بِحبسه حتى شرب ذات يوم وطرب فكلمه فيه معبد فدعا به، فغناهُ حين دخل:

_ [1] شعر الوليد ص 69. [2] بهامش الأصل: يعني عبدة. [3] شعر الوليد ص 86. [4] شعر الوليد ص 76.

أنت ابن مُسْلَنْطح [1] البطاح ... ولم نطرق عليك الحبيّ [2] والولج [3] فرضي عنه. المدائني قال: قدم الأحوص بن محمد الشاعر، ومعبد على الوليد فنزلا في بعض طريقهما على غدير وجارية تستقي منه فزلقت فانكسرت جرّتها فجلست تُغني: يا بيت عاتكة الذي أَتَغزّلُ ... حذر العِدى وبه الفؤاد موكّلُ إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسمًا إليك مع الصدود لأَمْيَلُ [4] فقالا لها: لِمن أنت يا جارية؟ قالت: كنتُ بالمدينة لآل الوليد فاشتراني مولاي وهو من آل الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب، قالا: فلمن الشعر؟ قالت: سمعتُ أهل المدينة يقولون أن الشعر للأحوص، والغناء لِمعبد. فقال معبد للأحوص: قل في هذا شيئًا أغني به فقال: إن زين الغدير من كسر الجر ... وغنى غناء فحل مجيد قلتُ من أنت يا ظعين فقالت ... كنتُ فيما مضى لآل الوليد ثم صرت بعد عزّ قريش ... في بني عامر لآل الوحيد وغنائي لِمعبدٍ ونشيدي ... لفتى الناس أحوصِ الصنديد فتضاحكْتُ ثم قلتُ أنا الأحوص ... والشيخ معبد فأعيدي

_ [1] المسلنطح: الفضاء الواسع. القاموس. [2] الحبيّ: السحاب يشرف من الأفق على الأرض، أو الذي بعضه فوق بعض. [3] الولج: النواحي والأزقة. القاموس. [4] شعر الأحوص الأنصاري ص 207- 208.

فأعادتْ فأحسنت ثم ولَّت ... تتهادى فقلتُ أمَّ سعيد يعجز المال عنك ولكن ... أنتِ في ذمة الإمام الوليد [1] أم سعيد هَوًى كانت للأحوص بالمدينة، فلما قدما على الوليد غناهُ معبد بهذا الشعر وحدثاهُ الحديث. وقال أشعب: قال لي الوليد: أما ترى خالي، كأن المحاجم بين عينيه، فإن أضحكْتَهُ فاحتِكم. فقلتُ: أخذني بطني مرة فخرجتُ فإذا الدنيا فسطاط واحد، فذكرتُ قول نبطي مرةً، قال: من حكمة فارس، إذا أخذك بطنك فَشُدَّ على لسانك، فإن لم يسكن فشد على فخذيك، فإن جاءك أكثر من ذاك فانتف من شعر أستك شعرتين أو ثلاثًا ففعلتُ ذلك فارتفعَ. فضحك وقال: أتفعلُ ذلك وأنت محرم؟ قلت: نعم. فضحك وأخذت الجائزة. قالوا: وأرسلَ الوليد إلى البصرة فحمل إليه الهيثم القارئ: وعبد الله بن عمر البكراوي فاستقرأ الهيثم فقرأ، ثم قال: غنني. فقال: الغناء شيء قد نسيته. المدائني عن العلاء بن المغيرة قال: قلتُ للوليد: إني أريدُ العراق أفلكَ حاجة يا أمير المؤمنين؟ قال: بَرْبَط من صنعة زربي. قال: وكان محمد بن سليمان بن عبد الملك من أضرب الناس وأحسنهم صوتًا وغناء، فكان يدخل على الوليد فيغنيه.

_ [1] شعر الأحوص ص 389 حيث أبدى المحقق شكوكه حول صحة الرواية.

وقال أبو الحسن المدائني: قال العلاء بن المغيرة: وقف الوليد على غدير فأمر بضرب فسطاط له عليه، ثم قال: والله لا أبرحه أو يُشرب جَميع مائه. فجعل الناس ينقلون ماءه بالروايا والقرب حتى نفد ماؤه، فلمّا نظر إليه قال: أنا أبو العباس. وأمر الناس بالرحيل بعد ثالثة. قالوا: وكتب الوليد في إشخاص أشعب الطمع إليه فألبسه سراويل من جلد قرد له ذنب، وقال له: ارقص وغنني صوتًا يُعجبني فرقص وأضحكه فأمرَ له بألف درهم، ويُقال بعشرة آلاف درهم. وقال الكلبي: قال حماد الرواية: دعاني الوليد فقدمت عليه فقال: أنشدني، فأنشدته جيد أشعار العرب فلم يرتح لشيء من ذلك، حتى جرى الحديث والمزاح فأنشدته قول ابن أبي كبار الهمداني وهو عمار بن عبيد بن يزيد بن عمرو بن ذي كبار السبيعي من همدان، وهو: أشتهي منك مكانا مجنبذا ... حَبَّذا ثم حبذا حبذا حبذا من شَذَا بذا فضحك وطرب ووصلني، ثم صرت بعد ذلك إلى أبي مسلم فقال: أنشدني شعر الأَفْوَه الذي يقول فيه: تُهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت ... فإن تَوَلَّتْ فبالأشرار تقتاد لا يصلحُ القوم فوضى لا سراة لَهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا فقلتُ: هذا والله الإقبال لا إدبار الوليد. وقال هشام ابن الكلبي: لم يشخص الوليد إلى الكوفة كما قال بعضُ الناس ولكن فتيانها شخصوا إليه مثل شراعة بن أبي الزندبوذ، ومطيع بن إياس وحماد الراوية، وفتيان آل أبي معيط، وأُشخصت إليه قينتان

لعبد الله بن هلال الهجري الذي يُقالُ له صديق إبليس، وحمل إليه خمر كثير من طيزناباذ والفلاليج، وسوار، وفرات بادقلي فقال في ذلك: يا أهل بابل ما نفست عليكم ... من عيشكم إلا ثلاث خلال خمر الفرات بِماء قيظ بارد ... وغناء مسمعتين لابن هلال [1] وقال الحرمازي: سمعتُ من يحلف عن مشايخ الكوفيين أنه قدم متنكرًا، ثم انصرفَ ومعه ظرفاؤها. وسئل هشام بن عمار عن هذا وجرى حديث الوليد فقال: أما الشخوص إلى الكوفة فلا أدري، ولكنه كان يسير في طريقها المرحلتين والثلاثة ويُحمل إليه ما يحبه منها. وقال هشام بن عمار عن أبيه: كان الوليد منهمكًا على لذاته مشغولا عن أمور الناس، يصطبح الأربعين يومًا وأقل وأكثر فلا يراهُ إلا ندماؤه وخواص خدمه. وقال المدائني: قال الوليد: لمن دِمْنَةٌ أقفرتْ بالجليل ... أنكرتُها بعد إيناسها كخط الصحيفة بعد الزمان ... تبقى حُلُوكَة أنقاسها [2] وأمر ابن عائشة فغنى بِهذا الشعر. المدائني عن جويرية بن أسماء عن إسحاق بن محمد قال: دخلتُ على منصور بن جمهور وعنده جاريتان من جواري الوليد، فقال: اسمع ما يحدثانك به، فقالتا: كنا آثر جواريه عنده فوطئ هذه، وجاء المؤذن يؤذنه بالصلاة فأخرجها وهي جنب متلثمة فصلت بالناس.

_ [1] شعر الوليد ص 157. [2] الأنقاس: المداد. شعر الوليد ص 71.

ولاعب الوليد بن يزيد رياح بن عثمان المرّي فضربه بقضيب كان معه. فقال: أوجعتني يا أمير المؤمنين، وأخذ رياح القضيب منه فضربه ضربة حمّرت فخذه فقال: أوجعتني ويلك يا رياح. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أبي الزناد عن أبيه قال: كنت عند هشام، وعنده الزهري، فذكر الوليد فتنقّصاهُ وعاباهُ عيبًا شديدًا، ولم أعرض لشيء مما كانا فيه، وجاء الوليد فدخل وأنا أعرف الغضب في وجهه، فجلس قليلا ثم قام، فلما مات هشام أرسلَ إلي فحُملت إليه فرحب بي وقال: كيف كانت حالك، وألطفَ في المسألة وقال: أتذكرُ يا عبد الله بن ذكوان يوم الأحول وعنده الفاسق الزهري وهما يعيباني؟ قلت: أذكر ذاكَ ولم أعرض في شيء منه. قال: صدقت، أرأيت الغلام القائم على رأس هشام؟ قلت: نعم. قال: فإنه رفع إلي ما قالا، وايم الله لو بقي الفاسق الزهري لقتلته. قلت: قد عرفت الغضب في وجهك حين دخلت يومئذ، ثم قال: يا بن ذكوان ذهب الأحول بعمري. قلت: يطيل الله عمرك يا أمير المؤمنين ويمتع الأمة ببقائك، ودعا بالعشاء فتعشى، وجاءت المغرب فصلينا وحدثنا حتى جاءت العشاء الآخرة فصلينا وجلس ثم قال: اسقني، فجاؤوا بإناء مغطى وجاء ثلاث جوار فصففن بيني وبينه حتى شرب ثم ذهبن فتحدثنا ثم استسقى فصنع الجواري الثلاث مثل ذلك، فلم يزل يتحدث ويستسقي على ذلك، حتى طلع الفجر، فأحصيت له سبعين قدحًا. أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، يكنى أبا عبد الرحمن، ومات بالمدينة سنة ثلاثين ومائة.

قال: وأرسلَ الوليد إلى محمد الحداد وصارعه، فاحتمله محمد فوضعه على منكبيه، ثم أتى به السرير فوضعه عليه فلطمه الوليد وضحك. المدائني عن أبي محمد القرشي قال: كان عمر الأزرقي مولى سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان صريعًا للوليد فقال عمر: إني لجالسٌ يومًا على باب البيت الذي فيه الوليد وهو مضطجع ما عنده أحد، إذ قال: يا عمر، قلتُ: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: ويحك ما بقي منك؟ قلتُ: أغلبُ الأسدَ ولا تطيقني الرجال، فضحك وسكت، ثم وثب عن السرير فاحتملني على رأسه ثم ضرب بي الأرض فكاد يقتلني، ثم رجع إلى السرير واستلقى فضحك، قلت: يا أمير المؤمنين اغتررتني، أما لو أعلمتني لعلمتَ ما أصنع. قالوا: وكان الوليد شديد البطش طويل أصابع اليدين والرجلين، توتد له سكة حديد وفيها خيط، ويشد الخيط في رجله، ويؤتى بالدابة فيثب عليها فينتزع السكة، ويركب وما يمسّ الدابة بيده. هشام ابن الكلبي والمدائني قالا: خرج الوليد يتصيد ومعه حسين بن عبيد بن برهمة بن أذينة بن حارثة بنت جندلة بن عبيدة بن امرئ القيس بن عبد الله بن جناب الكلبي، فانفردا عن الناس حتى انقطعا عنهم، وتعالى النهارُ، وجاع الوليد فانتهى إلى قرية فرأى بها رجلا جالسًا فقال له: أعندك شيء نأكله؟ قال: نعم، وجاء بخبز شعير وربيثاء [1] وزيت وكراث فأكلَ الوليد وحسين بن برهمة الكلبي وكان ماجنا خليعا فقال:

_ [1] لم أهتد إلى تعريف للربيثاء.

إنَّ مَن يُطْعَمُ الرُّبَيْثَاء بالزيت ... بِهذا المكان والكراث لخليقٌ بلطمة أو بثنتين ... لسوء الصنيع أو بثلاث فقال الوليد: ويحك إنّما ينبغي أن تقول ببدرة أو بثنتين لحسن الصنيع أو بثلاث، وأقاما حتى لحقهما الناس، فأمر الوليد للرجل بثلاث بدر. ولحسين يقول الشاعر: زعم الزاعمونَ أن حسين بن ... عبيد بن برهمة زنديق ولعمري لئن هم زعموه ... ما أشطّوا وإنّه لخليقْ يشرب الخمر كل يوم ويزني ... ويواري قمدّه [1] الصندوق قالوا: وكان الوليد يطأ جواري أبيه اللاتي كان وطئهن، فقالت جارية منهن: والله لقد نالنا بِمَا تعافه البهائم. قال المدائني: كان للوليد مضحك يُقالُ له زبالة، فكتب الوليد بين عينيه بخضرة «حر» ، فكره الناس ذلك وتحدثوا به وعابوه. ومن شعر الوليد: قد كنتُ أحسب أنني جَلْدُ القوى ... حتى رأيت كواعبًا أترابًا يرفلن في وشي البرود عشية ... مثل الظباء وقد ملئن شبابا [2] وأنشدت مغنية للوليد: أطربتني للصبح يوم صَبُوحي ... قينةٌ في يمينها إبريق

_ [1] ذكر قمد: شديد الإنعاظ. القاموس. [2] شعر الوليد ص 15.

فقال: هو كذا فأتمي الأبيات. فقالت: لا أعرفُ منه غير هذا. فقال: قد كان حَمّاد الراوية أنشدنيه مرة، فكتب في إشخاص حَمّاد على البريد فلمّا دخل عليه قال: قينة في يَمينها إبريق. وأنشد: ثم نادوا ألا اصبحونا فقامت ... قينة في يَمينها إبريق قدَّمَتْه على عقار كعين الديك ... صفى سلافها الراووق مَزَّةٌ قبل مزجها فإذا ما ... مُزِجَت لَذّ طعمها من يذوق وطفت فوقها طوافٍ من اليا ... قوت حمر يثيرها التصفيق في أبيات فكساهُ وأجازه وأمر فأقفل من ساعته. قالوا: وكان عبد الجبار بن يزيد بن عبد الملك أخو الوليد يُرمى بالتأنيث فتزوج ابنة محمد بن الوليد بن عبد الملك، فلم يصل إليها، فَفَرَّقَ هشام بينهما فخلف عليها بعده محمد بن روح بن الوليد، فغضب الوليد بن يزيد، وكان آل الوليد بن عبد الملك أعداء آل مروان فأساء بِهم، وتجنى على محمد بن روح فحبسه وحبس عدة منهم فيهم المؤمل بن العباس بن الوليد.

مقتل الوليد بن يزيد

مقتل الوليد بن يزيد قالوا: وكان الناس يتحدثونَ في أيام يزيد بن عبد الملك أن الوليد شهيد بني مروان. وحدثني هشام بن عمار قال: سمعتُ مشايخنا يحدثون أنه كان في نفس الوليد بن يزيد بن عبد الملك على سليمان بن هشام شيء وذلك أنه كان يساعد أباهُ على ذمه ويشير عليه بخلعه وقتله، فلمّا ولي دعا به فقال: ألستَ أعدى الناس لي؟، ألستَ القائل كذا، فأغلظَ له سليمان، فضربه الوليد مائة سوط ضربًا مبرحًا وحلقه وألبسه الصوف وثقله بالحديد، فكلم فيه فأخرجه، فكان أشد الناس تأليبًا عَلَيْهِ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عن جده قال: كان سليمان عدوًا للوليد، فكان يسعى في قتله لا يألو، وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك رجلا حسن العقل، يظهر عفافًا وتورعًا إلا أنه كان ينسب إلى قول غيلان بن مُسلم الذي قتله هشام في القدر، وكان الوليد قد أقصاهُ وجَميع

أخبار الوليد بن يزيد

إخوته وأهل بيته، واستخفَ بِهم وحرمهم، وأغلظَ لَهم، وحبس بعضهم فرموا الوليد بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه وباللواط، وقالوا: قد اتخذ جوامع كتب على كل جامعة منها اسم رجل من بني أمية ليقتله. [أخبار الوليد بن يزيد] قال المدائني عن رجاله: كان الوليد صاحب صيد وتهتك ولهو ولذات يتثقل فيها، فلمّا ولي الأمر جعل يكره المواضع التي يراهُ الناس فيها فلم يدخل مدينة من مدن الشام حتى قتل، وكان تحول فثقل على الناس وعلى جنده واشتد على بني هشام [1] حتى ضرب سليمان بن هشام مائة سوط وو حلق رأسه ولحيته وغرَّبه إلى عَمَّان من أرض الشام. وأخذ الوليد جارية لآل الوليد بن عبد الملك، فكلمه عمر بن الوليد فيها، فقال: لا أردها، فقال عمر: إذًا تكثر الصواهل حول عسكرك. وقال أبو الحسن المدائني: حبس الوليد يزيد بن هشام، وهو الأفقم، وفرّق بين روح بن الوليد وبين امرأته، وحبس عدة من ولد الوليد، وعذب بعضهم وعزم على البيعة لابنيه الحكم وعثمان وقال: نأمل عثمان بعد الوليد ... أو حَكَمًا ثم نرجو سعيدا كما كان من كان من قبلنا ... يزيد يرجّي لتلك الوليد [2] وشاور الوليد في ذلك فأشار عليه ابن بيهس بن صهيب الجرمي ألا يفعل وقال: إنهما صغيران لم يحتلما، ولكن بايع لعتيق بن عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، فغضب عليه وحبسه حتى مات في الحبس.

_ [1] بالأصل: هاشم، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه. [2] شعر الوليد ص 147.

ما نقم الناس على الوليد بن يزيد

قال المدائني: ودعا الوليد خالد بن عبد الله القسري إلى البيعة لابنيه فأبى فقال له بعض أهله: دعاك أمير المؤمنين فخالفته؟ فقال: ويحكم كيف أبايعُ من لا أصلي خلفه ولا أقبل شهادته؟ قالوا: فتقبل شهادة الوليد مع مجونه وفسقه. قال: أمر الوليد أمرٌ غاب عني فلا أتتبعه، وإنّما هي أخبار الناس. فغضب الوليد على خالد وقال: كان الأحول أعرف به. [ما نقم الناس على الوليد بن يزيد] وأراد الوليد الحج، فنهاهُ خالد عن ذلك لأنه خاف أن يفتك الناس به لإنكارهم أمره، فقال له: لم كرهت حجي؟ فقال: لا تحتاج إلى أن أخبرك. فازداد غضبًا وأمر بحبسه واستيدائه ما عليه من أموال العراق، ودفعه إلى يوسف بن عمر فعذبه حتى قتله، وكان من أمره ما قد ذكرناهُ. المدائني عن عمر بن سعيد الثقفي قال: أوفدني يوسف بن عمر على الوليد، فلمّا قدمت عليه قال: كيف الفاسق- يعني الوليد- ثم قال: إياك وأن يسمع هذا منك أحد. فقلتُ: امرأتي طالق إن سمعه مني أحد ما دمتُ حيًّا، فضحك. قالوا: فلمّا فعل الوليد ما فعل من قتل خالد بن عبد الله، وإبراهيم ومحمد ابني هشام بن إسماعيل حين قال: آخذهما بحق الله عليهما وحقوق الناس، وتجنّى عليهما، وما فعل ببني هشام وبني الوليد، وحبسه المؤمّل بن العباس بن الوليد، وبني القعقاع، وآل القعقاع واضْطَغَنَتْ عليه اليمانية لفعله بخالد بن عبد الله، ورمي بالزندقة، وكان أشدهم فيه قولا يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناس مائلينَ إلى قوله لستره وإظهاره النسك، وجعل يقول: ما يسعنا الرضا بالوليد. حتى حمل الناس على الفتك به.

موقف الوليد بن يزيد من القدرية

[موقف الوليد بن يزيد من القدرية] المدائني أن يزيد بن مصاد الكلبي قال: أخبرني عمرو بن شراحيل قال: سيّرنا هشام إلى دهلك، فلم نزل بِها إلى أن مات هشام وقام الوليد فكُلم فأبى ردّنا، ثم قال: والله ما عمل هشام عملا أرجى أن تناله به المغفرة من تسييره هؤلاء، وقتله القدرية- يعني غيلان وصاحبه- وقد كانت جماعة من اليمانية اجتمعت إلى خالد بن عبد الله القسري من أهل دمشق قبل حبسه، منهم: شبيب بن أبي مالك الغساني، ومنصور بن جمهور الكلبي، وحُميد بن نصر اللخمي، والأصبغ بن ذؤالة، وابن زياد بن علاثة، فدعوهُ إلى أمرهم فأبى ذلك، فسألوهُ أن يكتمَ عليهم ففعل، فلمّا حبس قال بعضُ الكلبيين شعرًا على لسان الوليد: وهذا خالد أمسى أسيرا ... ألا منعوه إن كانوا رجالا فلو كانت قبائل ذات عِزٍّ ... لما ذهبت صنائعه ضلالا ولا تركوهُ مسلوبًا أسيرًا ... يُعالج من سلاسلنا الثقالا بِها سمنا البريَّة كل خسفٍ ... وهدّمنا السهولة والجبالا فلا زالوا لنا أبدًا عبيدًا ... نسومهم المذلة والنكالا فازداد الناس على الوليد حنقا، وقال حَمزة بن بيض الحنفي يا وليدَ الخنا تركت الطريقا ... واضحًا وارتكبت فجًّا عميقًا وتَماديتَ واعتديت وأسرفت ... وأغويت وانبعثت فسوقا أبدًا هاتِ ثم هاتِ وهاتِ ... حتى تخرّ صعيقا أنت سكرانُ لا تَفيق فما تَرْتِقُ ... فَتْقًا وقد فَتَقْتُ فُتُوقا جاثليق أسقف كفر وفسقٍ ... ثمّ فقت الأسقف والجاثليقا

أخبار الوليد بن يزيد

[أخبار الوليد بن يزيد] قالوا: وأتت اليمانية يزيد بن الوليد فأرادوه على أن يبايعوهُ، فقال عمر بن يزيد الحكمي ليزيد: إن العباس بن الوليد أخاكَ سيد أهل بيتك، فإن بايعك لم يُخالفكَ الناس، وإن أبى فالناس له أطوع، وإن أبيت مشاورته فأظهر بيعته لك. وكانت أرض الشام في تلك الأيام وبيئة فخرج الناس إلى البوادي، وكان الوليد بن يزيد متبديًا، وكان العباس بن الوليد بالقسطل [1] فأتى يزيد أخاهُ فأخبره الخبر وشاوره وعابَ الوليد فقال له العباس: مهلا يا يزيد فإن في نقض عهد الله فساد الدين والدنيا. فرجعَ يزيد إلى منزله ودَبَّ في الناس فبايعوهُ سرًّا. ودس يزيد بن عنبسة السكسكي رجلا من كلب وقومًا من ثقاته من وجوه الناس وأشرافهم يدعو الناس سرًّا، ثم عاود يزيد أخاهُ العباس، ومعه قطن مولاهم فشاوره وأعلمه أن قومًا يأتونه يريدونه على البيعة، فزبره العباس وقال: إن عدت لمثلها لأشدَّنك وثاقًا ولأحملنّكَ إلى أمير المؤمنين. فخرج يزيد وقطن، وبعث العباس إلى قطن فقال له: ويحك أترى يزيد جادًّا، قال: جعلت فداءك ما أظن ذلك ولكنه قد دخله مما صنع الوليد بن يزيد ببني الوليد بن عبد الملك وبني هشام، وما يسمع من الناس من ذكر استخفاف الوليد وتَهاونه بالأمور ما ضاق به ذرعًا. قال: أما والله

_ [1] هناك أكثر من قسطل، وقد يكون المراد هنا. قرية القسطل في جبل البلعاس- منطقة سلمية، لأن اعمارها قديم فيها آثار كثيرة وصآريج لخزن المياه، أو بلدة القسطل على حواف جبل القلمون بين حمص ودمشق. انظر مادة قسطل في المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري.

إني لأظنه أشأم سخلة في بني مروان، ولولا ما أخاف من عجلة الوليد مع تحامله علينا لشددته وثاقًا وحملته إليه. فازجره عن أمره فإنه يسمع منك. وسأل يزيد بن الوليد قطنًا عما جرى بينه وبين العباس فأخبره به فقال: والله لا أكف، ثم لا أكف. وأتى مُعَاوِيَة بْن عَمْرو بْن عتبة بْن أَبِي سفيان الوليد فقال له: إنك تبسط لساني بالأُنس بك وأنا أكفّه بالهيبة لك وأنا أسمعُ من خوض الناس ما لا تسمع، وأخافُ عليك ما لا أراكَ تأمن، أفأتكلم ناصحًا أم أسكت مطيعًا؟ قال: كل مقبول منك، ولله فينا علم غيب نحن إليه صائرون، ولو علم بنو مروان أنّهم إنّما يوفدونَ على رضفٍ [1] يُلقونه في أجوافِهم ما فعلوا ما يفعلون. ونعود فأسمع منك. وبلغ مروانَ بن محمد وهو بأرمينية أن يزيد يؤلب الناس على الوليد بن يزيد ويدعو إلى خلعه، فكتب إلى سعيد بن عبد الملك بن مروان وكان متألهًا: «إن الله جعل لأهل كل بيت أركانًا يعتمدونَ عليها، ويتوقَّونَ المخاوفَ بها، وأنت بِحمد الله ركن من أركان أهل بيتك، وقد بلغني أن قومًا من سفهاء أهل بيتك قد أسسوا أمرًا إن تمّت لَهم رؤيتهم فيه على ما أجمعوا عليه استفتحوا بابا لن يُغلق عنهم حتى تسفك دماء كثيرة منهم، ولولا انشغالي بِهذا الفرج العظيم أمره، الشديد شوكة أهله لرمتُ فساد أمرهم بيدي ولساني، وأنت أقربُ إليهم مني فاحتل لعلم أمرهم بإظهار المتابعة لَهم، ثم تهددهم بإظهار أسرارهم، وخذهم بلسانك، وخوّفهم العواقب لعل الله يردّ إليهم ما عزب عنهم من دينهم وعقولهم، فإن فيما

_ [1] الرضف: الحجارة المحماة يوغر بها اللبن، أو الداهية. القاموس.

شرعوا فيه تغيير النعم وذهاب الدولة، فعاجل الأمر رحمك الله وحبل الأمة مشتد، وفي الناس سكون والثغور محفوظة، فإن للجماعة دولة من الفرقة، وللسعة دافعًا من الفقر» . وذكر كلامًا بعد ذلك، فبعث سعيد بكتاب مروان إلى العباس، فدعا العباس يزيد فعذله وتهدده، فحذره يزيد وقال: يا أخي لم أفعل وهذا من إرجاف أهل الحسد لنا والسرور بزوال نعمتنا، وحلف له على ترك المعارضة فأمسكَ عنه. وخرج يزيد بن الوليد يومًا على حمار وهو بناحية القريتين فرمى ذئبًا فقتله، فقال له مولى له متفائلا: قتلتَ والله الوليد إن شاء الله. وأتى بشر بن الوليد أخاهُ العباس بن الوليد فكلمه في خلع الوليد وبيعة يزيد، فنهاهُ العباس، وقال: يا بني مروان إني أظن الله قد أذن في هلاككم، وقال: إني أعيذكم بالله من فتن ... مثل الجبال تسامى ثم تندفعُ أرى البرية قد ملّت سياستكم ... فأمسكوا بعمود الدين وارتدعوا لا تبقرنّ بأيديكم بطونكمُ ... فَثَمَّ لا حسرةٌ تُغْنِي ولا جزع قالوا: فلمّا اجتمعَ ليزيد بن الوليد أمره وهو متبدٍّ، أقبلَ إلى دمشق ليلا، وقد بايعَ ليزيد أكثر أهلها سرًّا، وبايع له أهل المزة وأكثرهم يقولونَ بقول غيلان أبي مروان الذي قتله هشام. ولم يُبايع له ابن مصاد وهو سيد أهل المزة، فمضى يزيد من ليلته إلى معاوية ماشيًا في نفرٍ من أصحابه وقد أصابَهم مطرٌ شديد فضربوا الباب وقالوا: يزيد بالباب، ففُتح لهم فدخلوا فقال ليزيد: الفراش أصلحك

استيلاء أنصار يزيد بن الوليد على دمشق

الله، قال: إن في رجليّ طينًا وأكرهُ أن أفسدَ بساطكَ وفراشك. قال: الذي تريدني عليه أَضَرُّ عليّ من فساد بساطي وفراشي، وكلمه يزيد فبايعه، ويُقال إن هشام بن مصاد بايعه أيضا. [استيلاء أنصار يزيد بن الوليد على دمشق] ورجعَ يزيد إلى دمشق على حمار، فنزل دار ثابت بن سليمان بن سعد الخشني، وكان على دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف فخافَ الوباء، فخرج عن دمشق واستخلفَ عليها ابنه، وجعل على شرطته أبا العاج كثير بن عبد الله السلمي، فقيل له إن يزيد خارج عليكم فلم يصدق، وعزم يزيد على الخروج والظهور فأرسلَ إلى أصحابه بين المغرب والعشاء الآخرة من ليلة جمعة في سنة سبع وعشرين ومائة فمكثوا عند باب الفراديس بدمشق، ثم دخلوا المسجد فصلوا وفي المسجد حرس وقد وكلوا فيه بإخراج الناس منه بالليل، فلما قضى الناسُ الصلاة صاحَ بِهم الحرس فخرجوا وتباطأ أصحابُ يزيد فجعلوا يخرجونَهم من باب ويدخلونَ في آخر حتى لم يبق في المسجد غيرهم وغير الحرس، ثم أخذوا الحرس، ومضى يزيد بن عنبسة إلى يزيد بن الوليد فأخذه بيده وقال: قم يا أمير المؤمنين راشدا مهديا، وابشر بعون الله ونصره، فقام وقال: اللهم إن كان هذا رضًى فأعني عليه وسدّدني له، وإن لم يكن رضى فاصرفه عني بِموت عاجل. وأقبل في اثني عشر رجلا، فلما كان عند سوق الحمر أتاهُ أربعونَ رجلا من أصحابه فانضموا إليه، ثم لَمّا كان عند سوق القمح لقيهم زهاء مائتي رجل فصاروا معهم، ثم مضى إلى المسجد وهو في مائتين ونيف وستين رجلا فدخله، وأتى أصحابه باب القصر فدقّوه وقالوا: رسل أمير المؤمنين الوليد

ففتح لَهم فهجموا في القصر وأخذوا أبا العاج كثير بن عبد الله السلمي وهو سكران، وأخذوا خزّان بيت المال وصاحب البريد. وأرسلَ يزيد بن الوليد من ليلته إلى عامل بعلبك وهو مولى لسعيد بن العاص فأُخذ، وأُرسلَ إلى عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف فأخذ، وأمر يزيد ألا تفتح أبواب المدينة إلا لِمَن نادى بشعاره، وأصابَ أصحابُه سلاحًا كثيرًا، وجاء أهلُ المزة، ولم ينتصف النهار حتى تتابع الناسُ إلى يزيد، وتمثّل يزيد: إذا استنزلوا عنهنَّ بالطعنِ أرقلوا ... إلى الموت إرقالَ الجمال المَصَاعِبِ المدائني عن عمر بن مروان الكلبي عن زر بن ماجد قال: غدونا مع عبد الرحمن بن مصاد ونحن زهاء ألف وخمسمائة فلما انتهينا إلى باب الجابية وجدناهُ مغلقًا ووجدنا عليه رسولا للوليد فقال: ما هذه الجماعة والأُهْبَة، أما والله لأعلمنّ أمير المؤمنين- يعني الوليد- فقتله رجل من أهل المزة، فدخلنا من باب الجابية حتى وافينا المسجد الجامع، ودخلنا على يزيد فسلمنا عليه بالخلافة. وكانت السكاسك في نحو ثلاثمائة فدخلوا من الباب الشرقي حتى دخلوا المسجد من باب جيرون، وأقبلَ يعقوب بن عمير بن هانئ في أهل داريا فدخلوا من الباب الصغير، وأقبل حميد بن حبيب اللخمي في أهل دير مُرَّان والأرزة فدخلوا من باب الفراديس، وأقبلَ ربعي وهشام الحارثي في جماعة من قومه ومن بني عُذرة وسلامان فدخلوا من باب توما، وتوافت جموعهم وتتامّتْ فقال الشاعر:

أخبار الوليد بن يزيد

وجاءتهم أنصارُهم حين أصبحوا ... سكاسكها أهل البيوت الصناددِ وكلبٌ فجاءتُهْم بخيلٍ وعدَّةٍ ... من البيض والأبدانِ ثم السَّواعدِ فأكرِم بها قومًا وأنصار سنَّةٍ ... فَهُمْ منعوا حوماتها كلَّ جاحدِ فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها ... قد استوثقوا من كل عات ومارد [أخبار الوليد بن يزيد] قالوا: وأرسلَ يزيد بن الوليد إلى عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان وأمرهُ أن يقف بباب الجابية، وقال لبني الوليد بن عبد الملك: تفرقوا في الناس وحضوهم، وقال: من كان له عطاء فليأت لقبض عطائه، ومن لم يكن له عطاء فله ألف درهم معونة. وحدثني هشام بن عمار عن صدقة بن خالد قال: دعا يزيد إلى نفسه، فبايعه أهل المزة وأكثرهم غيلانية وقدرية، وبايعه أهل دمشق وجَميع من أنكرَ سيرة الوليد وشغله بلهوه ولعبه وبالشرب، ففتح يزيد بيت المال وأعطى الناس، وجاءت أموال من الكور ففرقها وَوَجَّهَ عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان في كثفٍ من الناس إلى الوليد وهو بالبخراء [1] وكان نزلها للعلاج، وشرب اللبن لوجعٍ وجده في كبده لإدمانه الشراب. وقال أبو الحسن المدائني: أمر يزيد رجلا فنادى: من ينتدب للفاسق الوليد وله ألف درهم؟ فاجتمعَ أقل من ألف على أن يأخذوا ألفًا ألفًا، ثم أمر فنودي: من ينتدب وله ألف وخمسمائة؟ فانتدب يومئذ ألف وخمسمائة،

_ [1] على مقربة من تدمر تعرف الآن باسم «البخرة» بسبب الروائح النتنة الناتجة عن الينابيع الكبريتية هناك.

ويُقال إنه ندبهم إلى ألفين ألفين، فأتاهُ ألفان فعقد لِمنصور بن جمهور على طائفة، وليعقوب بن عبد الرحمن بن سليم الكلبي على طائفة، وعقد لِحميد بن حبيب اللخمي على طائفة، وعقد لغيرهم على جماعة وجعل عليهم عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، فخرج عبد العزيز فعسكر بالمزة. قالوا: ودعا الوليد بن يزيد السفياني وهو أبو مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن يَزِيد بْن معاوية فأجازه ووجَّهَه إلى دمشق، فلمّا انتهى أبو محمد إلى قرب دمشق وجه إليه يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد فسالمه أبو محمد وبايعَ ليزيد بن الوليد، وأتى الخبر الوليد وهو بالأزرق فقال: يا ويحَ جندي الألى خاروا وما نظروا ... في غب أمر عمود الدين لو وقعا ألقحتها ثم شالت عاقدًا أنفًا ... ما نَتّجُوها فيلقوا تَحتها ربعا [1] ولا ارتقوا من صميم المحض آونة ... لكنهم يحتسونَ الصاب والعلقا ما كنتُ أجزعهم من عرك كلْكَلِها ... حتى تدرّ نجيعًا أحمرًا دفقا من كل ليث شتيم الوجه ذي زيرٍ ... ضرغامةٍ تحذر الآساد ما صنعا غضنفرٍ أَهْرَتِ [2] الشّدقين قَسْوَرَةٍ ... كأنه ظالع نقبًا وما ظلعا يلقاكَ في الليلة الظلماء منفردًا ... كأن في رأسه نجمين قد طلعا [3]

_ [1] شالت الناقة: رفعت ذنبها للقاح، والعاقد: الناقة تعقد بذنبها عند اللقاح فيعلم أنها حملت، والأنف التي حملت لأول مرة، والربع: الفصيل. [2] أهرت الشدقين: واسع الشدقين. [3] شعر الوليد ص 73.

وقال الوليد أيضًا: ضمنتُ لكم إن سلَّم الله مهجتي ... عطاءً ورزقًا كاملا في المحرَّم فلا تعجلوني لا أبًا لأبيكم ... فإني لكم كالوالد المترحّم [1] قالوا: وقال بَيْهَس بن زميل الكلابي: يا أمير المؤمنين، سر حتى تنزل حمص فإنّها حصينة، ثم وجّه الخيل إلى يزيد فيقتل أو يؤسر، ويُقال بل قال له ذلك يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية، فقال عبد الله بن عنبسة بن سعيد بن العاص: ما ينبغي للخليفة أن يدفع عسكره وخزائنه وحرمه قبل أن يقاتل ويعذر، والله مؤيدٌ أمير المؤمنين وناصره. فأخذَ بقول عنبسة، فقال له الأبرش سعيد بن الوليد الكلبي: يا أمير المؤمنين تدمر حصينة وبها قوم يَمنعوك. فقال: ما أرى أن آتي تدمر وأهلها بنو عامر وهم الذين خرجوا عليّ، واسمها أيضًا اسمها. قال: فهذه البخراء. قال: ويحك ما أقبحَ أسماء هذه الأماكن. فنزل البخراء في قصر النعمان بن بشير وهو حصن كان للأعاجم، وقال: إذا لم يكن خير مع الشر لم تَجد ... نصيحًا ولا ذا حاجة حيث تفزُع إذا ما هُمُ هَمُّوا بأحدى هَنَاتِهِم ... حسرت لَهم رأسي فلا أَتَقَنَّعُ [2] قال أبو الحسن: وكان بَيْهَس بن زُميل أشارَ عليه حين كره حمص بالبخراء فقال: أخافُ بها الطاعون. فقال: الذي يراد بك أشد من الطاعون.

_ [1] شعر الوليد ص 116. [2] شعر الوليد ص 79.

وندب يزيد بن الوليد الناس إلى البخراء فتلقاهم ثقل الوليد فأخذوهُ، ونزلوا بالقربِ من الوليد، وأتى الوليد بن يزيد رسول العباس بن الوليد بن عبد الملك: إنني آتيكَ فيمن أجابني إلى نصرتكَ والاعتصام ببيعتك، فخرج في ناس من ولده ومواليه وخاصته، وأمر الوليد بسرير فأخرج فجلس عليه في وسط عسكره وقال: أعليّ يتوثب الرجال وأنا أثبُ على الأُسْدِ وأتخصّر بالأفاعي، وجعل ينتظرُ العباس بن الوليد بن عبد الملك. فقاتلهم عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك وعلى ميمنته عمرو بن حوي السكسكي، وعلى القلب منصور بن جمهور بن حصن بن عمرو بن خالد بن حارثة بن المتطرس أحد بني العبيد بن عامر الكلبي، وعلى الميسرة عمارة بن كلثوم الأزدي أو غيره، وركب عبد العزيز بغلا له أدهم وبعث إلى الوليد وأصحابه زياد بن حصين ليدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فقتله مولى الوليد، فانكشفَ أصحاب يزيد فترجّل عبد العزيز وكرَّ أصحابه وقد قتل منهم عدة، وحملت رؤوسهم إلى الوليد، وأمر الوليد فأُخرج لواء مروان بن الحكم الذي عقده بالجابية لِمحاربة الضحاك بن قيس فجُعل بباب حصن البخراء وقتل من أصحاب الوليد عدة. وبلغ عبد العزيز مسير العباس بن الوليد في خاصته وولده ومواليه ليكون مع الوليد، فأرسلَ منصور بن جمهور في خيل وقال: إنك تلقى العباس بن الوليد في الشعب ومعه جُميعة فَخُذْهُم، فنفذهم منصور في الخيل، فلما صارَ بالشِّعب إذا هو بالعباس في ثلاثينَ فارسًا فقال له: اعدل إلى عبد العزيز بن الحجاج، فأبى فقال له منصور بن جمهور: يا بن قسطنطين لئن أبيتَ لأضربنّ الذي فيه عيناك، فعدل معه إلى عسكر عبد العزيز وقال:

مقتل الوليد بن يزيد

بايع لأخيك يزيد بن الوليد فبايع، ووقف، ونصبوا راية وقالوا: هذه راية العباس وقد بايع لأخيه يزيد أمير المؤمنين، فقال العباس: إنا لله خدعة من خدع الشيطان، هلك بنو مروان، وكان عندهم كالأسير. [مقتل الوليد بن يزيد] قالوا: وتفرق الناس عن الوليد بن يزيد وأتوا عبد العزيز والعباس، فظاهر الوليد بين درعين، وأتوا بفرسين يُقال لَهما السندي والزائد فقاتلهم، فناداهم رجل: اقتلوا عدو الله قتلة قوم لوط ارموهُ بالحجارة، فلما سمعَ ذلك دخل القصر وأغلقَ الباب. فقال: أما فيكم رجل شريف ذو حسب أكمله، فقال له يزيد بن عنبسة السكسكي: تكلم. فقال: ومن أنت؟ قال: أنا يزيد بن عنبسة. قال: يا أخا السكاسك ألم أزد في أعطياتكم؟ ألم أرفع المؤن عنكم؟ ألم أعط فقراءكم؟ ألم أخذكم زمناكم؟ فقال له: ما ننقمُ عليك في أنفسنا ولكنا ننقمُ عليك انتهاكَ ما حرّم الله من شرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله، وإتيانكَ الذكور، قال: حسبك يا أخا السكاسك فلعمري لقد أغرقت وأكبرت، وإن في ما أحل الله لمندوحة عما ذكرت، والله لا يرتق فتقكم ولا يلمّ شعثكم ولا تجتمعُ كلمتكم، ورجع إلى الدار فجلس وأخذ مصحفًا وقال: يوم كيوم عثمان، ونشر المصحف يقرأه، فعلوا الحائط، وكان أول من علاهُ يزيد بن عنبسة، فنزل وسيف الوليد إلى جانبه فقال له يزيد: نحِّ سيفك، فقال الوليد: لو أردت السيف كانت لي ولك حال. فأخذ بيد الوليد وهو يريد أن يحبسه ويؤامر يزيد بن الوليد فيه، فنزل من الحائط عشرة فضربه واحد على وجهه وضربه آخر على رأسه، وجرّه خمسة منهم ليخرجوهُ فصاحت امرأة كانت معهم في الدار فكفوا عنه فلم يخرجوه.

واحتزّ أبو علاقة القضاعي رأسه وأخذ عقبًا فخاطَ الضربة التي في وجهه وحمل الرأس إلى يزيد بن الوليد روح بن مقبل، وقال: أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق، وكان يزيد يتغدى فسجد ومن كان معه، وأخذ يزيد بن عنبسة بيد يزيد بن الوليد وقال: قم يا أمير المؤمنين وابشر بنصر الله وصنعه، فاختلج يزيد يده من كفه وقال: اللهم إن كان هذا الأمر لك رضًى فسددني ووفقني. قالوا: وكان على ميسرة الوليد بن يزيد الوليد بن خالد أخي الأبرش الكلبي في بني عامر، وكانت بنو عامر ميمنة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك فلم تقاتل الميسرة والميمنة، ومالوا جَميعًا إلى عبد العزيز، وقال بعضهم: رأيتُ خدم الوليد وحشمه يأخذونَ بأيدي الرجال فيدخلونَهم عليه. وقال الهيثم بن عدي: خرج الوليد وعليه قباء خز وقد تحزّم بريطة، فأتاهُ قوم من أهل حمص ينصرونه، عليهم عبد الرحمن بن أبي الجنوب البهراني، وأتاهُ بنو سليم بن كيسان صاحب باب كيسان بدمشق في ستة عشر فارسًا، وتلقاهُ بنو النعمان بن بشير الأنصاري في فوارس، ثم صار إلى الخبراء فضاق العلف على أصحابه، فاشترى زرع القرية فقالوا له: لا حاجة لنا في البقل إنما تسترخي عليه دوابنا وتضعف، أعطنا دراهم. وأُخبر بإقبال عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك من قبل يزيد الناقص، فلم يكترث لذلك، وكان العباس بن الوليد قد أقبل يريد الوليد كراهة لنقض بيعته فوجه إليه عبد العزيز فحازه إليه.

وسمع الوليد تكبير أصحاب عبد العزيز بالبخراء فخرج خالد بن عثمان فعبأ الناس، ولم يكن بينهم قتال حتى طلعت الشمس. وكان مع أصحاب الناقص كتاب معلق في رمح فيه: إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وأن يكون الأمر شُورَى، فاقتتلوا فقتل عثمان الخشبي وكان من أولاد بعض الخشبية الذين كانوا مع المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقتل من أصحاب الوليد زهاء ستين رجلا. وكان الأبرش على فرس له فجعل يصيح بابن أخيه: يا بن اللخناء قدم رايتك، قال: لا أجدُ مُتَقَدِّمًا، إنها بنو عامر. وقال هشام بن عمار: حُدثتُ أن العباس بن الوليد قاتل مع الوليد بن يزيد وفاء ببيعته، فطعنه رجلٌ من أصحاب عبد العزيز فأرداه عن فرسه، فعدل إلى عبد العزيز فسقط في يد أصحاب الوليد وانكسروا، ومكث العباس عند عبد العزيز أسيرًا، ثم إن أخاهُ يزيد بن الوليد صفح عنه وكان به بَرًّا. قالوا: وكان الوليد بن يزيد أرسلَ إلى عبد العزيز بن الحجاج يعرضُ عليه أن يُعطيه خمسين ألف دينار ويَجعل له ولاية حمص طعمة ما بقي، ويؤمنه على كل أمر كان منه على أن ينصرفَ ويكفّ عنه، فلم يجبه إلى ذلك، وجعل أصحاب الوليد يستعجلونَ ويشترطونَ عليه الشروط فيجيبهم إلى ذلك فانتقض عسكر الوليد وانهزم أصحابه، ودخل الوليد القصر، وجاء رجل طوال كان على فرس له فدنا من حائط القصر ثم تسلقه، وكان الوليد قد ألقى سلاحه وأخذ مصحفًا يقرأُ فيه، ويقول: يوم كيوم أمير المؤمنين عثمان، فوجده الرجل وعليه قميص قصب وسراويل وشيء، ومعه

سيف في غمده وإذا الناس يشتمونه وهو يسمع، فقام الوليد فضربه الرجل على رأسه، ودخل عبد العزيز والناس حين تسلق الرجل فتعاوروه بأسيافِهم، وأكبّ الرجل الطويل فاحتزّ رأسه. وكان يزيد قد جعل على رأسه مائة ألف درهم. وجاء أبو الأسود مولى خالد بن عبد الله القسري، فسلخ من جلدة رأس الوليد قدر الكف فأتى بها يزيد بن خالد بن عبد الله، وكان محبوسًا في عسكر الوليد، حبسه حين دفع أباهُ إلى يوسف بن عمر، وانتهب الناس خزائن الوليد وما في عسكره. وقال المدائني عن عمر بن مروان الكلبي: لَمَّا قتل الوليد قطعت كفه اليسرى وفيها خاتمه، وبُعث بها إلى يزيد بن الوليد فسبقت رأسه إليه بليلة، وقُدم برأسهِ من الغد فنصبه للناس بعد الصلاة. وكان أهل دمشق قد أَرجفوا بعبد العزيز فلمّا نصب لَهم رأس الوليد سكتوا. قالوا: ولَمّا أمر يزيد الناقص بنصب رأس الوليد قال له يزيد بن فروة مولى بني مروان: إِنَّما ينصب رأس خارجي وهذا ابن عمك وخليفة من الخلفاء ولا آمن إن نصبته أن ترقّ له قلوب الناس ويَغضب له أهل بيتك وتدركهم الحميَّة. فقال: والله لا نصبه غيرك. فنصبه على رمح ثم قال: انطلق فطف به في مدينة دمشق وأدخله دار أبيه، ففعل فصاح النساء وأهل الدار، ثم رُدَّ إلى يزيد فقال: انطلق به إلى منزلك. فمكث عنده قريبًا من شهر ثم قال: ادفعهُ إلى أخيه سليمان بن يزيد، وكان سليمان ممن سعى على الوليد أخيه، فغسل ابن فروة الرأس ووضعه في سفط وأتى به سليمان فقال

أخوه: أشهد أنه كان شروبا للحرام، ما جنا فسقا، ولقد أرادني على نفسي فأبيتُ، فخرج ابن فروة من الدار وتلقته مولاة الوليد فقال لها: ويحك، زعم أنه أراده على نفسه، فقالت: كذب والله لو أراده على نفسه لفعل، وما كان يقدر على الامتناع منه. وقال هشام ابن الكلبي: خرج الوليد إلى البخراء لشرب الدواء والعلاج، وكان عليل الجوف من الصَبُوح والغبوق، وكان صاحب شُرَطه خالد بن عثمان بن بحدل الكلبي، وخليفته على الشرطة يزيد بن يعلى بن الضخم بن قرة العبسي، فلمّا أظهر يزيد بن الوليد أمره وبايعه أهل المزة والغيلانية وأهل دمشق والناس وفتح بيت المال فأعطي الناس، وَجَّهَ عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان في كثف من الناس نَهضوا احتسابًا وحنقًا، حتى نزلوا بالوليد فقاتلوا أصحابه حتى قتل، وكان الذي قتله مولى لَهم يُقالُ له وجه الفَلْس وكان طوالا صغير الوجه. المدائني عن عمرو بن مروان قال: حدثني يزيد بن مصاد عن عبد الرحمن بن مصاد قال: بعثني يزيد بن الوليد إلى أبي محمد السفياني، وكان الوليد وجهه حين بلغه خبر يزيد بن الوليد واليًا على دمشق، فلقيته فسالمني، وبايع ليزيد فلم أفارقه حتى رُفع لنا شخص مقبل من ناحية المزة، فبعثت إليه فأتيت به فإذا هو أبو كامل الغُزَيّل المغني وإذا هو على بغلة للوليد فأخبرنا أن الوليد قد قُتِلَ، فأتيتُ يزيد فوجدت الخبر قد بلغه. وكان يزيد بن مروان بن محمد يَغزو الصائفة مع الغمر بن يزيد، فلمّا قتل الوليد غلب على الجزيرة حتى قدم مروان بن محمد أرمينية. وقال بشر بن هلباء الكلبي يوم قتل الوليد، وقد ضرب باب البخراء

بسيفه، جوابًا لِمَا روي أن الوليد قاله في خالد بن عبد الله القسري: سنبكي خالدًا بِمهنداتٍ ... ولم تذهب صنائعه ضلالا المدائني قال: قال الحكم بن النعمان مولى الوليد: قَدِمَ برأس الوليد على يزيد الناقص منصور بن جمهور العامري من كلب في عشرة، منهم روح بن مقبل، فقال روح: يا أمير المؤمنين أبشر بقتل الفاسق، وأسر العباس، وكان في العشرة القادمين بالرأس عبد الرحمن بن وجه الفلس، وبشر مولى كنانة من كلب، فأعطى يزيد كل رجل منهم عشرة آلاف درهم. قال: وكان يزيد قال: من جاء برأس فله خمسمائة درهم، فجاء قوم برؤوس فقال يزيد بن الوليد: اكتبوا أسماءهم، فقال رجل من مواليه جاء برأس ليس هذا بيوم يعمل فيه بنسيئة. قالوا: وكان العباس بن الوليد لما صار يزيد إليه يستشيره قال: أنا أكتب إلى الوليد أمير المؤمنين بحجتك، فكتب إليه، فقال لرسوله: أترك صاحبك الصدق أي حجة لمن جاهر الله بعداوة خليفته وشق عصا المسلمين؟ قالوا: وكان مع الوليد مالك بن أبي السمح الطائي المغني وعمر الوادي فلما تفرق أصحاب الوليد عنه وحصر قال مالك لعمر: اذهب بنا، فقال عمر: ليس هذا من الوفاء وليس يُعرض لنا لأنّا ليس ممن يقاتل. فقال مالك: ويلك والله لئن ظفروا بنا لا يُقتل أحد قبلنا فيوضع رأس الوليد بين رأسينا، ليقول الناس انظروا من كان معه الفاسق في هذه الحال، ولا يُعاب بشيء أشد من هذا، فالنجاء عافاك الله، فهربا.

الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ أيوب السختياني حين بلغه خبر الوليد: ليتهم تركوا لنا خليفتنا ولم يقتلوهُ- وإنّما قال ذلك خوفًا من الفتنة-. المدائني عن أبي عاصم الزيادي قال: ادّعى قتل الوليد عشرة فقال: إني رأيتُ جلدة رأس الوليد في يد وجه الفلس، وقال: أنا قتلته وأخذت هذه الجلدة. وقال أمير المؤمنين المهدي، وذكر الوليد: رحمه الله ولا رحم قاتله فإنه كان إمامًا مجتمعًا عليه، وقيل له: إن الوليد كان زنديقًا. فقال: إن خلافة الله أعزّ وأجلّ من أن يوليها من لا يؤمنُ به. حدثني عمرو بن محمد الناقد، وعلي بن محمد المديني، ثنا سفيان بن عيينة قال: لَمّا قتل الوليد اجتمعَ مشيخة من مشيخة أهل الكوفة، إلى الأعمش فقالوا: إنّا نحب ألا نفترقَ إلا على أمر نعرفه، فقال الأعمش: اتّقى امرؤ ربّه، وكفّ يده وحفظ لسانه، ولزم بيته، قوموا وأنا النذير لكم. قالوا: وكان يزيد بْن خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري محبوسًا، حبسه الوليد حين وجّه أباهُ إلى العراق مع يوسف بن عمر، فلمّا تشاغل الناس وغفل عنه حفظته كسر قيده فخرج وأتى على الوليد، وهو صريع فضربه تسع ضربات وقال: قتلتم خالدًا بالظلم قسرًا ... وما يبغي سوى الإسلام دينًا قتلتُ إمامكم بأبي فحسبي ... وقد قتلوا سواه آخرينا

وحدثني داود بن عبد الحميد قاضي أهل الرقة قال: سمعتُ أشياخنا يتحدثونَ أن الوليد خرج إلى البخراء للعلاج وشرب اللبن، وكان في عسكر عظيم، وصاحب شرطه خالد بن عثمان بن بحدل الكلبي، ويُقال زيد بن يعلى بن الضخم بن قرة العبسي. فدعا يزيد بن الوليد إلى نفسه وأظهره، وكان يقول: والله ما أريد بِهذا الأمر إلا إراحة الإسلام والمسلمين من هذا الرجل الذي لا يحلّ تركه. والله ما أريدُ أحفر فيكم نَهرًا ولا أبني قصرًا، ولا أجعلُ أموالكم وقفًا على اللذات والنشوات، وركوب ما لم يُحلّه الله، وما غايتي إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله. فبايعهُ الغيلانية، وصارت معه اليمانية طالبًا بثأر خالد القسري فغلب على دمشق. وبعث يزيد إليه عبد العزيز بن الحجاج فقاتلوا الوليد وأصحابه بالبخراء، ودخل الوليد حصن البخراء فحصروهُ ورموه بالحجارة وهم يقولون: يا فاسق هذه سنَّة في اللواطين أمثالك، تهيئ الذكور بهيئة النساء وتفسق بِهم، وترتكبُ العظائم، ثم تسوَّروا عليه وهو مصطبح بشرابه، فعمد إلى مصحف ففتحه فلم ينفعه ذلك وقتل، وكان ممن تولى قتله مولى لهم يقال لهم وجه الفلس وقد كان بعض ولده مع عبد الله بن طاهر. قالوا: وكانت ولاية الوليد سنة وشهرين وأيامًا، ويُقال سنة وثَمانية أشهر والأول أثبت، وقتل في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة وله ست وثلاثون سنة، ويُقالُ تسع وثلاثون سنة، ويُقال اثنتان وأربعونَ سنة، ويُقالُ خمس وأربعونَ وأشهر، وكان الشيب قد وخطه. ولم يُصلّ عليه أحد، ودفن بالبخراء، ثم إنه حمل إلى دمشق سرًا فدفن في المقبرة التي عند باب الفراديس ليلا، وحمل رأسه إلى يزيد فنصب عند باب الفراديس.

أخبار الوليد بن يزيد

[أخبار الوليد بن يزيد] قالوا: وتغيب عثمان والحكم ابنا الوليد بن يزيد في سَرَبٍ في القصر، فطلبهما عبد العزيز فوجدهما في السرب فأتى بِهما يزيد فدفعهما إلى عمهما سليمان بن يزيد بن عبد الملك فمكثا عشرة أيام ثم ردّهما وقال: قد كثر اختلاف الناس إليهما، وقد كان أبوهما بايع لَهما فأخافَ أن أغلب عليهما فإن في الناس غواة، فأمر يزيد بحبسهما فحبسا بالخضراء، فدخل عليهما الأفقم وهو يزيد بن هشام السجن، وكان الوليد قد ضربه وحلقه فشتم أباهما ولعنه، فبكى الحكم فزجره أخوه عثمان، وقال: اسكت، وقال للأفقم: ويحك تشتم أبي؟ قال: نعم فقال عثمان: لكني لا أشتمُ عمي هشامًا، وايم الله لو كنت من بني مروان ما شتمتُ أبي، ولكنك لست من بني الحكم فانظر إلى وجهك في المرآة، فإن رأيتَ حكميًّا يشبهك فأنت منهم، ولا والله ما في الأرض حكميّ مثل وجهك. قال أبو الحسن المدائني: قال محمد بن راشد الخزاعي: دخلتُ على الحكم وعثمان وهما محبوسان بالخضراء فحادثتهما ساعة فقال الحكم: ما أصابني في هذا الأمر شيء كان أغيظ لي من ذهاب بغلي المديزج [1] . قال: قلتُ: قبح الله رأيك. قتل أبوك، وسُلبت ملكك فلم يعظم عليك ذلك، وتتلهف على بغل ذهب منك؟ قال أبو الحسن: قتل الوليد يوم الأربعاء ليومين بقيا من الشهر سنة ست وعشرين ومائة وكانت ولايته سنة ونصفًا، فلمّا قتل الوليد اختلف بنو مروان بينهم، وكان سليمان بن هشام محبوسًا بعَمَّان فخرج من السجن فأخذ

_ [1] لم أهتد إلى ما يعرّف هذه السمة.

أبيات في رثاء الوليد بن يزيد

جَميع ما كان بَعَمّان من المال، وأقبل إلى دمشق وجعل يلعن الوليد بن يزيد ومن يهوى هواه ويعيبه ويكفره. [أبيات في رثاء الوليد بن يزيد] وقال ابن ميّادة المرّي، وميادة أمه، واسمه الرمّاح بْن الأبرد بْن شريان بْن سُراقة بْن سامي بن ظالِم بن جذيمة: أيا لَهفي على الملك المرجّى ... غداة أصابه القدر المتاحُ ألا أبكي الوليد فتى قريشٍ ... وأسمحها إذا فقد السماح وأجبرها لذي عظم مهيضٍ ... إذا ضَنَّت بدَرَّتها اللقاحُ لقد فعلتْ بنو مروان فعلا ... ذميمًا ما يسوغ به القراحُ فظلّ كأنه أسد عقيرٌ ... تكسر في مناكبه الرماحُ [1] وقال بعضهم: أُمُّ الوليد فشقّي الجيب وانتحري ... إن الوليد وربُّ البيت قد قُتلا وقال أبو محجن مولى خالد بن عبد الله: لو شاهدوا حدَّ سيفي حين أُدْخِلُهُ ... في است الوليد لَمَاتوا عندها كمدا وكان أدخل سيفه في استه.

_ [1] شعر ابن ميادة- ط. دمشق 1982 ص 95.

أمر يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان

بسم الله الرحمن الرحيم أمر يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان قالوا: ولَمّا قتل الوليد بويع ليزيد بن الوليد بن عبد الملك وكان أقيل [1] ، ويُكنى أبا خالد، وأمه شاهفريد بنت فيروز بن يزدجرد بْن شهريار بْن كسرى أبرويز بْن هرمز بن أنوشروان كسرى بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد بن بِهرام جور بن يزدجرد بن سابور ذي الأكتاف بن أزدشير. وجعل أخاهُ إبراهيم بن الوليد ولي عهده، ومن بعده عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك لقيامه له بِما قام به من محاربة الوليد، فبويعا أيضًا في سنة ست وعشرين ومائة. ونقص يزيد بن الوليد الناس العشرات التي كان الوليد زادهم إياها، فسمي يزيد الناقص.

_ [1] لعل قوله أقيل محمول على لفظ أقيال، أي ملك بحكم نسبه من جهة أمه وأبيه أو لأنه كان فصيحا متمكنا من القول. انظر مادة «قيل» في النهاية لابن الأثير.

قال المدائني: يُقال إنه سمي ناقصًا لأن مروان سماهُ ناقصًا حين ولي، قال: وكان ناقص العقل، والثبت أنه نقص الناس العشرات التي زادهم إياها الوليد فسمي ناقصًا والله أعلم. وقال أبو الحسن المدائني: كان يزيد بن الوليد أسمر، مديد القامة، صغير الرأس، وكان جَميلا وفي فمه بعضُ السعة، وأمه أم ولد من ولد المخدج بن يزدجرد، وكان المخدج ولد بخراسان، فلما فتح قتيبة بن مسلم ما فتح من خراسان أصابَ جارية من ولد المخدج بن يزدجرد فبعث بها إلى الحجاج بن يوسف، فأهداها الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك، فولدت له يزيد بن الوليد. وكان ليزيد بن الوليد من الولد: أبو بكر وعبد المؤمن وعلي، وأمهم من كلب من ولد زبان الكلبي. وعبد الله، أمه أم ولد. وخالد والوليد، قتلهما مروان حين أسرهما. ويزيد القائل: أنا ابن كسرى وأبي مروان ... وقيصر جدي وجدي خاقان وليس إبراهيم بأخي يزيد لأمه، إبراهيم لأم ولد أخرى. قالوا: وكان يزيد يُعرف بالتنسك والتألّه والتواضع، وكان الوليد بن عبد الملك يذكر ولده فيقول: عبد العزيز سيدهم، والعباس أفرسهم، ويزيد ناسكهم، وروح عالِمهم، وعمر فحلهم، وبشر فتاهم. قالوا: وكان الوليد بن يزيد قد حج في سنة ست عشرة أو سنة سبع عشرة، وحج أيضًا يزيد بن الوليد في تلك السنة فلمّا رآهُ يزيد وهو يطوف

خطبة يزيد الناقص عقب مقتل الوليد بن يزيد

بالبيت قال: ورب هذه البَنِيَّةِ إن هذا الذي يطوف لكافر بِهذه البنيَّة ولئن ولي أمر الأمة وأنا حيّ لأجاهدنّه. قالوا: ولقي يزيد بن الوليد أيوب السختياني في السنة التي حج فيها فكتب عنه، وكان يزيد كثير الصلاة طويل الليل. قالوا: وعاتبته امرأته هند الكلبية فقالت: أوسِعْ علينا، وكانت تدعى ابنة الحضرمية لأن أمها التي قامت عنها من حضر موت، وذلك حين ولي، فقال: قد فسدت علي فيمن فسد، أما لو علمتُ أنكم تَميلونَ إلى الدنيا هذا الميل لكانَ أن أَخِرّ من السماء إلى الأرض أحبّ إليّ من أن ألتبسَ بِما التبستُ به، ومالك في هذا المال إلا ما لسوداء أو حَمراء من المسلمين، ولكن يا قطن [1] ائتني بثيابي، فجاءت بتختٍ، فقالَ لها: هذه ثياب كنت أتزين بها فشأنك فخذيها فإنه لا حاجة لي اليوم فيها، فأما مال المسلمين فلا حق لي ولا لك فيه إلا مثل ما للمسلمين. [خطبة يزيد الناقص عقب مقتل الوليد بن يزيد] قالوا: ولَما قتل الوليد خطب يزيد فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «أيها الناس، إني والله ما خرجتُ بطرًا ولا حرصًا على الدنيا ولا رغبةً في الملك، وما أقولُ هذا إطراء لنفسي، إني لظلوم لَها إن لم يرحمني ربي. ولكن خرجتُ غضبًا لله ولدينه، وداعيًا إلى الله وكتابه وسنة نبيه، لَمّا هُدمت معالم الدين، وعُفي أثر الحق وأُطفئ نور الهدى، وظهر الجبار العنيد المستحلّ لكل حرمة، والراكب لكل بدعة، مع أنه والله ما كان يصدّق بالكتاب، ولا يؤمنُ بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في

_ [1] القطن: الأمة، والمملوك، والحشم، والخدم والأتباع. وهو هنا اسم علم. القاموس.

النسب، وكفئي في الحسب، فلمّا رأيتُ ذلك استخرتُ الله في أمره وسألته أن لا يكلني إلى غيره، ودعوتُ إلى مجاهدته، فأجابني من أجابني من أهل ولايتي، وسعيتُ عليه حتى أراحَ الله منه العباد بحول الله وقوته لا بحولي وقوتي. أيها الناس إن لكم أن لا أضع حجرًا على حجر ولا لبنة على لبنة، ولا أكري فيكم نَهرًا، ولا أبني قصرًا ولا أكنزُ مالا، ولا أؤثر به زوجةً ولا ولدًا، ولا أنقلُ مالا من بلد إلى بلد حتى أسدّ ثغره وخصاصة أهله بِما يعينهم، فإن فَضَلَ فَضْلٌ نقلته إلى البلد الذي يليه مما هو إليه أحوج، ولكم علي ألا أُجمركم فأفتنكم، ولا أفتن أهليكم، ولا أغلقُ بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحملُ على أهل جزيتكم ما أجليهم به عن بلادهم، ولكم عندي إدرار أعطياتكم في كل سنة، وأرزاقكم في كل شهر حتى تستدر المعيشة بين المسلمين، فيكون أقصاهم كأدناهم، فإن أنا وفيت لكم بِما قلت فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكانفة، وإن أنا لم أَفِ لكم أن تَخلعوني إلا أن تستتيبوني فإن تبتُ قبلتم مني، وإن علمتم مكان رجل يُعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه ما أعطيتكم فبايعوهُ إن أردتم ذلك، فأنا أول من يبايعه ويدخل في طاعته. أيُّها الناس إنه لا طاعة لمخلوق في معصية خالق، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم» . ودعا الناس إلى البيعة فجدد بيعة أخرى، فكان أول من بايعه يزيد الأفقم، وبعضهم يقول الأشدق بن هشام بن عبد الملك.

مقتل يوسف بن عمر

وقام قيس بن هانئ العبسي فقال: يا أمير المؤمنين دُمْ على ما أنت عليه، فما قامَ مقامك أحد من أهلك، ولئن قالوا عمر بن عبد العزيز فإنك أخذتها بسبب صالِح، وأخذها بسبب سوء، فلمّا بلغ مروان بن محمد قوله قال: قاتله الله عابنا جَميعًا، فلما ولي مروان أمر أن يُطلب في المسجد فوُجد يصلي فأُتي به فقتله. قالوا: وأتى يزيد بن حجوة الغساني يزيدًا، فقال: يا أمير المؤمنين إني لا أرى أحدًا من قيس غشيك ولا وقفَ ببابك، وما قلوبهم بالمنشرحة لك. فقال يزيد: لولا أني أكره البسط لعاجلتُ قيسًا بالمكروه. والله ما عزّتْ قيس قط إلا ذَلَّ الإسلام. [مقتل يوسف بن عمر] قالوا: ولى يزيد بن الوليد منصور بن جَمهور الكلبي العراق، ويُقال بعثه خليفة للحارث بن العباس بن الوليد بن عبد الملك، وأمره أن يحمل يوسف بن عمر إلى ما قبله. وقال بعضهم: لم يولّه العراق ولا بعثه خليفة لأحد، ولكنه وجهه لحمل يوسف ولكنه وَرَّى بذكر خلافة الحارث عن أمره، فهرب يوسف بن عمر الثقفي، وكان عامل هشام والوليد من بعده على العراق وأتى دمشق فأُخذ وأُتي به يزيد فحبسه مع عثمان والحكم ابني الوليد. وقال قوم إن منصور أتى العراق متغلبًا، فهرب منه يوسف، وليس ذلك بثبت.

ويُقال إن يوسف أتى يزيد حتى وضع يده في يده، فقال له يزيد: لست أطالبك بحقد ولا إحنة ولكني أريدُ أخذك بِمال المسلمين حتى أستخرج لَهم حقهم الواجب لَهم، وأمر بحبسه ومحاسبته. وكانت اليمانية ويزيد بن خالد بن عبد الله حقدوا على يوسف عذابه خالدًا حتى قتله فدعا اليمانية يزيد [1] إلى الطلب بدم أبيه فوثبوا بيوسف فقتلوه ونصبوا رأسه بدمشق، وذلك في أيام يزيد بن الوليد. وكانت ولاية يزيد الناقص ستة أشهر، ويُقال كانت خَمسة أشهر وأيامًا. وقال الهيثم بن عدي: خرج سليمان بن هشام من مجلسه حين قتل الوليد، ونفذ منصور بن جَمهور على حاميته في خَمسة آلاف إلى العراق، فهربَ يوسف بن عمر إلى منزله بالبلقاء، فوجه إليه يزيد بْن خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري، وهو على شرطة يزيد بن الوليد: محمد بن سعيد الكلبي من أهل المزَّة فوجده في قرية له بأرض البلقاء، ففتش داره فاستخفى بين إمائه وبين الحائط، فأخذ ابنًا له فضربه فقال له: ذاك أبي، فأخذه وقدم به على يزيد بن الوليد فلم يزل محبوسًا في خلافته، وفي أيام إبراهيم بن الوليد أخيه حتى بلغَ يزيد بن خالد قدوم مروان بن محمد الجعدي للطلب بدم الوليد، فأخرجه يزيد بن خالد فقتله. قالوا: ولَمّا قدم منصور بن جمهور العراق قال الناس: منصور بن جمهور أمير غير مأمور، أتى بالعهد منشور، وفيه الكذب والزور، وكان

_ [1] أي يزيد بْن خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري.

رسالة يزيد الناقص إلى أهل العراق

الصبيان والخدام يقولون هذا في الطرق، ثم ولى يزيد بن (الوليد) عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ العراق وقد كتبنا خبره مع نسبه. [رسالة يزيد الناقص إلى أهل العراق] قالوا: وكتب يزيد بن الوليد إلى أهل العراق وكان كاتبه ثابت بن سليمان بن سعيد: «أما بعد فإن الله اختار الإسلام وارتضاهُ وأظهره وطَهَّره، وافترضَ فيه حقوقًا أمر بها، ونَهى فيه عن أمور حرّمها ابتلاءً لعباده فأكمل فيه كل عدل، ختم كل فصل ثم تولاه الله فكان له حافظًا ولأهله المقيمين حدوده وليًّا وناصرًا، فلم يكرم الله بالخلافة أحدًا فيأخذ بأمر الله وحقه فيناوئه مشاقٌّ أو يُحاول صرف ما حباهُ الله به باغ إلا كان كيده الأضعف، ومكره الأهون، حتى يتم الله له ما أعطاهُ ويتولاه فيما ولاه، ويجعل عدوه الأضل سبيلا، والأخسر عملا، فتناسخت خلفاء الله وولاة دينه قاضين بحكمه متبعين لكتابه حتى أفضى الأمر إلى عدو الله الوليد المنتهك للمحارم، والراكب للعظائم التي لا يأتي مثلها مسلم، ولا يُقدم عليها كافر تكرّمًا عن غشيان مثلها، فلما استفاض ذلك وَعَلَن، واشتد فيه البلاء، وسُفكت الدماء، وأخذت الأموال بغير حقها مع أمور فاحشة لم يكن الله ليملي لِمن عمل بها، سرتُ إليه بعد انتظار مراجعته منكرًا لعمله، وما اجترأ عليه من معاصي الله، راجيًا من الله إتمام ما نويت في ذلك من اعتدال عمود الدين، والأخذ في أهله بِمَا هو لله رضى حتى وافقت جندًا قد وغرتْ صدورهم على عدو الله بِما رأوا منه مِمّا لا مرية فيه ولا شك، ولا عليه غطاء، ولا به خفاء، فدعوتهم إلى تغيير ما أحدث من الأحداث التي بدّل بها أمر الله وسنن نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسرعوا إلى الإجابة وأحسنوا على الحق المعاونة، فبعثتُ عليهم عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، فلاقى عدو الله ومن معه وهو بجانب

ولاة يزيد الناقص على بعض الأمصار

قرية من قرى حمص تدعى البخراء، فدعاهُ إلى أن يجعل الأمر شورى ينظر فقهاء المسلمين وصلحاؤهم فيه لأنفسهم، فأبى ذلك متتابعًا في ضلالته، فقتله الله على شر عمله وأسوأ أثره بين عصبة من بطانته الخبيثة، فأطفأ الله جمرته، وأراحَ العباد منه فبعدًا له ولِمَن كان على طريقته، أحببتُ أن أعلمكم ذلك لتحمدوا الله عليه وتشكروهُ، فبايعُوا منصور بن جمهور لأمير المؤمنين فقد ارتضيته لكم ووليته أمركم، فإن العدل مبسوط لكم لا يُسار فيكم بخلافة إن شاء الله، نسأل الله ربنا وولينا حُسْن توفيقه وتسديده، وكُتب لليلتين خلتا- أو بقيتا- من رجب سنة ست وعشرين ومائة» . [ولاة يزيد الناقص على بعض الأمصار] المدائني قال: عامل الناقص على العراق: عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وعلى مكة والمدينة: عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وعلى مصر: إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز. ويُقال إنه ولاه إياها فلم يقبل عهده على مصر. قالوا: ولَمّا مات يزيد الناقص بن الوليد وثبَ الحكم بن ضبعان بن روح بن زنباع الجذامي بأرض فلسطين، فخلع واستمالَ لَخمًا وجذامًا ودعا لسليمان بن هشام بن عبد الملك. وأقامَ منصور بن جمهور بالعراق، وكان قد انضم إلى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ حين ولاه يزيد العراق فأكرمه وقدمه وصفح عما صار إليه من المال. وقال الهيثم بن عدي: لَم يَصْفَ ليزيد بن الوليد إلا دمشق ومات بعد أشهر.

وفاة يزيد الناقص

وقال ابن الكلبي: أقام منصور مع ابن عمر، ثم وجه مروان يزيد بن عمر بن هبيرة على العراق فقدم واسطًا وبها ابن عمر، فحصر ابن هبيرة ابن عمر، ثُمَّ أخذه وبعث بِهِ إلى مروان فحبسه بحران. وخالف منصور بن (جمهور) مروان وجعل يُجبي مال الجبل ويَحمله إلى شيبان الخارجي وهو بكرمان، ومضى إلى السند فغلب عليها حتى كانت دولة بني العباس. وبعث أبو مسلم عامله فركب منصور المفازة حتى مات عطشًا، وقد كتبنا قصصهم على التمام فيما تقدم من الجزء الذي قبل هذا. [وفاة يزيد الناقص] وكان موت يزيد بدمشق وهو ابن ست وأربعين سنة، ويُقال ابن نيف وثلاثين سنة، ويُقال ابن ثلاثين سنة، وصلى عليه إبراهيم أخوه، وولي عهده، وكان أخوه العباس قد مات من جراحة أصابته يوم حروب الوليد، وقيل إنه بقي بعد ذلك معتزلا منفردًا حتى توفي.

أمر ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمر إِبْرَاهِيم بْن الوليد بن عبد الملك قالوا: بويع إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد- وهو المخلوع.. بالخلافة في أول سنة سبع وعشرين ومائة بعد موت أخيه يزيد الناقص، وكان مروان بْن مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم حين قُتل الوليد قدم الجزيرة فدعا إلى نفسه سرًّا، وسمّى الوليد الخليفة المظلوم، وأظهرَ أنه يطلب بدمه وقال: إنّما قتله قدرية غيلانية. فبايعه خلق من أهل الجزيرة، ثم أظهروا أمره بعد بيعة إبراهيم بن الوليد بشهر أو بأكثر منه بأيام بحرّان، وقال: أمري شبيه بأمر معاوية حين طلب بدم الخليفة المظلوم عثمان، ثم إنه سار بأهل الجزيرة وقنسرين وحمص يريدُ إبراهيم وبعث إلى الناس: «انهضوا لِمحاربة هذا القدري أخي القدري الغيلاني المبتزّ لأمور الناس، الآمر بالبدعة والضلالة، فإن جهاده واجب على كل مسلم، فقد كنتُ على مجاهدة أخيه فسبقني به أجله، وصار إلى نار الله وحرّ سعيره، مبتدعًا ضالا. فوجّه إليه إبراهيم بن الوليد أخويه بشر بن الوليد ومسرور بن الوليد فأسرهما، وفض عسكرهما، فوجّه إليه إبراهيم: سليمان بن هشام بن عبد

توجه مروان بن محمد إلى دمشق

الملك في خيول أهل دمشق فالتقيا بعين الجر من البقاع من عمل بعلبك، وذلك في صفر سنة سبع وعشرين ومائة فتناوشوا يومهم، ثم بكروا على الحرب فاقتتلوا أشد قتال وأبرحه، فانهزمَ سليمان ومن معه، وكان محدودا [1] ، فلحقوا بابراهيم. [توجه مروان بن محمد إلى دمشق] وكتبَ مروان إلى وجوه أهل دمشق كتبًا يعلمهم فيها أن الذين بايعوا يزيد الناقص شرارهم ورعاعهم وغواتهم ويدعوهم إلى طاعته ويعدهم ويمينهم، ويحلف لَهم على الوفاء والإحسان فانتقضوا على إبراهيم. ونزل مروان بن محمد الغوطة، فخرج إليه خلق من الناس فبايعوه، فلمّا رأى ذلك عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، ويزيد بن خالد بن عبد الله القسري أخذ عثمان والحكم، ابني الوليد بن يزيد فقتلاهما في محبسهما، وخافا أن يتخلصا، فكان الناس يقولون: يا معشرَ الفتيان أين الحكم وعثمان. وقال بعضُ الرواة إنَّهما قتلا يومئذ يوسف بن عمر، وقال بعضهم قتل في أيام يزيد بن الوليد، قتله يزيد بن خالد واليمانية. قال أبو الوليد هشام بن عمار: قَتْلُهُ في ولاية يزيد أثبت، لأنه بلغنا أن الناقص قال: عجلتم بقتله قبل أخذ ما عليه للمسلمين من الأموال. قال هشام بن عمار: وسمعتُ من يقول أن الحكم وعثمان قتلا حين تحرك مروان من حران، وقبل نزوله الغوطة والله أعلم. وقال الشاعر حين أقبل مروان:

_ [1] المحدود: المحروم والممنوع من الخير. القاموس.

تنازل إبراهيم بن الوليد عن الخلافة

أتاك مروان شبيه مروان ... يجر جيشًا غضبًا للرحمن بتغلب الغلباء وقيس عيلان فقال بعض أصحاب إبراهيم: قد جاء مروان شبيه مروان ... يقود جيشًا غضبًا للشيطان بتغلب اللؤم وقيسَ عيلان [تنازل إبراهيم بن الوليد عن الخلافة] قالوا: ولَما بويعَ مروان بالغوطة، وقوي أمره، ووهن أمر إبراهيم استخفى إبراهيم بن الوليد حتى أُخذ له الأمان فكان مع مروان وفي طاعته، ولم يزل حيًّا حتى قتله عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بن العباس سنة اثنتين وثلاثين ومائة مع من قتل من بني أمية. ويُقالُ إنه أتى مروان خالعًا لنفسه حتى وضع يده في يده فاعتذرَ إليه، ويُقال أيضًا إن مروان ظفر به فقتله وصلبه. والخبر الأول أثبت. وكانت أيام إبراهيم أربعة أشهر، ويُقال ثلاثة أشهر، وبعضهم يقول أربعونَ يومًا. ولَمّا دخلَ مروان دمشق طلب عبد العزيز بن الحجاج، ويزيد بن خالد القسري فظفر بِهما فقتلهما بعثمان والحكم، وصلبهما على باب الجابية، ويُقالُ على باب الفراديس بدمشق، وقال هشام بن عمار: كان الذي ظفر بِهما زامل بن عمرو الجذامي عامل مروان، وبايعَ مروان لابنيه عبد الله وعبيد الله.

أمر أبي محمد السفياني بعد مقتل الوليد

أمر أبي محمد السفياني بعد مقتل الوليد قالوا: ولَمّا قتل الوليد غضب له مروان بن محمد بن مروان، ومروان بن عبد الله بن عبد الملك، وأبو مُحَمَّد زِيَاد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن يَزِيد بن معاوية بن أبي سفيان، وكان مروان بن عبد الله عاملا للوليد على حمص، وكان من سادة بني مروان نبلا وفضلا وكمالا، فأكبر قتل الوليد ودعا أهل حمص إلى الطلب بدمه فأجابوه، وتأهب للمسير إلى يزيد بن الوليد الناقص فوقع بينه وبين أبي محمد السفياني اختلاف، فقال أبو مُحَمَّد زياد بن عبد الله السفياني: يا أهل حمص إن مروان بن عبد الله يريد أن يريثكم عن الطلب بدم الخليفة، ووقع فيه، فوثبَ السَّمْط بن ثابت من ولد شُرَحْبيل بن السمط الكِنْدي، والصَّقر بن صفوان الكندي، وغالب بن ربعي الطائي في جَماعة فقتلوا مروان بن عبد الله بن عبد الملك، فلم يشعر أبو محمد السفياني إلا برأس مروان بن عبد الله على رمح، فاغتم وقال: لم أُرِد هذا، قالوا: فقد كان.

وبايعوا أبا محمد السفياني، وأقبل حتى نزل جوسكية [1] وهو حصن من حصون حمص، وبلغ يزيد بن الوليد الناقص أمره فوجه إلى أهل حمص سليمان بن هشام، وعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، فنزلا ثنية العقاب، وأقبل أبو محمد السفياني فنزل موضعًا يُعرف بقطيّفة [2] هشام، وكان هشام بن عبد الملك اتخذها فقصد سليمان بن هشام إلى أبي محمد فالتقوا بالسليمانية، وكان سليمان بن عبد الملك اتخذها فقاتلهم أبو محمد فخذله جنده فأُسرَ وقُدم به على يزيد الناقص فحبسه مع ابني الوليد الحكم وعثمان، ثم أمر أيضًا بحبس يزيد بن عثمان بن محمد بن أبي سفيان فحبس معهم. وحدثني داود بن عبد الحميد عن أشياخه قالوا: لم يزل الغيلانية بيزيد الناقص حتى بايع لإبراهيم ولعبد العزيز بن الحجاج من بعده، ومات يزيد لعشر بقينَ من ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، ولم يتم لإبراهيم بن الوليد أمر. كان يُسلّم عليه جمعة بالخلافة، وجمعه بالإمارة. وكان يُقال له: الصلتان، وكانت أمه بربرية، ولم تكن أم يزيد الناقص. وقال بعضُ الشعراء: نبايع إبراهيمَ في كل جمعةٍ ... ألا إنّ أمرًا أنتَ واليهِ ضائعُ نبايع إبراهيم في كل جمعة ... فكم كم إلى كم كل يومٍ نبايعُ فما زالَ على هذه الحال حتى قدم مروان فخلع نفسه، وقتل مروان عبد العزيز بن الحجاج، وإبراهيم الخشبي من أولاد المختارية.

_ [1] تعرف الآن باسم «جوسية» . [2] ما تزال تحمل الاسم نفسه وتبعد عن دمشق قرابة الأربعين كم. ويلاحظ أن تفاصيل هذه الرواية تتعارض مع الرواية المتقدمة ص 175/.

قالوا: ولَما ولي مروان بن محمد نبش قبر يزيد بن الوليد بن عبد الملك واستخرجه وصلبه، فيزعمونَ أنّهم وجدوا كتابًا فيه: يا مبذّر الكنوز، يا سجاد الأسحار كانت ولايتك لَهم رحمة وعليهم حجة، أخذوك فصلبوك. وقد ذكر بعضهم أن الناقص سئل أن يولي أخاه إبراهيم عهده، فلم يفعل فلما أغمي عليه أو مات كتب قطن كتابًا، وختمه بِخاتم الناقص عهدًا لإبراهيم بالخلافة.

يوم القاع ويوم الفلج الأول [1] باليمامة

يوم القاع ويوم الفَلَج الأول [1] باليمامة قالوا: لَمّا قتل الوليد كان على اليمامة من قبل يوسف بن عمر الثقفي: علي بن المهاجر بن عبد الله الكلابي فقال له الْمُهَيْر بن سلمى بن هلال أحد بني الدئل بن حنيفة: أخل لنا بلادنا فأبى ذلك فجمع له المهير وسار إليه وهو في قصره بقاع حَجر فالتقوا بالقاع بسوق حجر، فهزمه المهير حتى أدخله قصره، وخرج من ناحية القصر فهرب إلى المدينة، وقتل المهير بن سلمى ناسًا من أصحابه، وكان يحيى بن أبي حفصة أشار على ابن المهاجر أن لا يُقاتلَ فَعَصَاهُ فقال: بذلت نصيحتي لبني كلاب ... فلم تقبل مشوراتي ونصحي فدى لبني حنيفة مَنْ سواهم ... فإنهم فوارس كل فتحِ وقال شقيق بن عمرو السدوسي:

_ [1] هناك أكثر من قاع لأن القاع ما انبسط من الأرض الحرة السهلة الطين التي لا يخالطها رمل فيشرب ماءها، وهي مستوية ليس فيها تطابق ولا ارتفاع. والفلج قيل هو اسم بلد، ومنه قيل لطريق تأخذ من طريق البصرة إلى اليمامة طريق بطن فلج، وقيل هو واد بين البصرة وحمى ضرية. معجم البلدان.

إذا أنتَ سالَمت المهير ورهطهُ ... أَمِنْتَ من الأعداء والخوف والذعر به دفع الله النفاق وأهله ... وأحيا به أهل المجاعة والفقر فتى راحَ يوم القاع روحة ماجد ... أرادَ بها حسن السماع مع الأجر وتأمَّر المهير على اليمامة، وكان على شرطه عبد الحكم بن حَكَّام العبيدي فركب المهير والناس معه فشدَّ قوم على عبد الحكم فقتلوهُ فقال القُحَيْف العُقيلي: لقد جمَع المهير لنا فقلنا ... ألسنا نحن عرضتنُا الجموع ثم مات المهير واستخلفَ عبد الله بن النعمان أحد بني قيس بن ثعلبة بن الدؤل. قالوا: فاستعملَ عبد الله بن النعمان المندلث بن إدريس الحنفي على الفَلج- والفلج قرية من قرى بني عامر بن صعصعة، وقَالَ عمارة بْن عقيل بْن بلال بْن جرير بن عطية بن الخطفي: هي لبني نُمير- فجمع له بنو كعب بن ربيعة بن عامر ومعهم بنو عقيل، وأتوا الفلج فقاتلهم المندلث بالفلج فقُتل المندلث، قتله رَحّال بن فروة القشيري، وقتل أكثر أصحابه وظفرت بنو عامر ولم يُقتل منهم كبير أحد، وقتل يومئذ يزيد بن المنتشر، وأمه الطثرية من طثر بن عنز بن وائل، وكان معهم فقال القحيف: إن تقتلوا منّا شهيدًا صابرًا ... فقد تركنا منكمُ مجازرا خمس مئين [1] لم يدخلوا المقابرا وقال ثور بن الطثرية يرثيه:

_ [1] بهامش الأصل: خمس متن.

يوم الفلج الثاني:

أرى الأَثْلَ مَن نحو العقيق مجاوري ... مقيمًا وقد غالت يزيدًا غوائله مضى فورثناهُ دلاصًا مفاضةً ... وأبيض هنديًّا طوالا حمائله وقد كان يحمي المحجرين بسيفه ... ويبلغ أقصى حجرة الحيّ نائله في أبيات. وقال القحيف: أتانا بالعقيق صريخ كعبٍ ... فحَلَّ النبع والأسلُ النهال يوم الفلج الثاني: لَما أتى عبد الله بن النعمان خليفة المهين قَتْلَ المنْدَلث جَمع جَمعًا بلغ ألفًا من حنيفة وغيرها من ساكني اليمامة فغزا الفلج، فلمّا تصافّ الناس انهزمَ أبو لطيفة بن مسلم العقيلي فقال الراجز: فرّ أبو لطيفةُ المنافق ... والْجَعْوَنِيان وفرّ طارق لما أحاطت بِهم البوارق ... والموتُ حيث الخرَّق الخوافق طارق بن عبد الله القشيري، والجعونيان من بني قشير، وتجللت بنو جُعدة البراذع وقاتلوا حتى قُتلوا إلا نفرًا منهم، وقُطعت يد زياد بن حيّان الجعدي فجعل يقول: أنشُدُ كفًّا ذهبت وساعدا ... أنشُدها ولا أراني واجدا ثم قتل. وقال الأسوار بن عمرو مولى بني هزان: سلوا الفَلَج العاديّ عنا وعنكم ... وأطمَةَ إذ سالت مدامعها دما عشيَّة لو شئنا سبينا نساءكم ... ولكنْ صفحنا عفَّة وتكرّما

- يوم معدن الصحراء:

وقال بعض الربعيّين: سمَونا لكعبٍ بالصفائح والقَنَا ... وبالخيلِ شُعْثًا تنتحي في الشّكائم فما غابَ قرن الشمس حتى رأيتنا ... نسوقُ بني كعبٍ كسوق البهائم بضربٍ يزيلُ الهام عن سكناته ... وطعن كأفواه المزاد الشّواجم وفر أبوك يا لطيفة هاربًا ... ولم ينج من أسيافنا وهو سالِم - يوم معدن الصحراء: وأغارت بنو عُقيل وقُشير، وجعدة بن كعب، ونُمير بن عامر بعد الفلج الثاني، وقد تجمعوا عليهم بنو سهلة النميري، على من كان من بني حنيفة بِمعدن الصحراء، فقتلوا من وجدوا من بني حنيفة، وسلبوا نساءهم، وكفّت بنو نُمير عن النساء، غير أن رباح بن جندل بن الراعي سبى امرأة واحدة مُخَصَّلَةً بخصل الفضَّة، فقال القحيف: ورثنا أبانا عامرًا مشرفيَّةً ... صفائح فيها اليوم أنصاف ما بها ضربنا بها أعناق بكر بن وائلٍ ... جهارًا وجاوزنا بها من ورائها يوم النَشّاش [1] : قالوا: ولَما أوقعَ بالعامرييّن يوم الفلج الثاني قال عمر بن الوازع الحنفي: لستُ بدون عبد الله بن النعمان وغيره ممن يغير، وهذه فترة يُؤْمَن فيها السلطان، فمضى يريد أُضاخ [2] ، فلمّا كان بأرض الشريف بثّ خيله فأغارت وأغارَ فملأ يده من الغنائم، وأقبلَ ومن معه حتى

_ [1] النشاش: واد كثير الحمض كانت فيه وقعة بين بني عامر وبين أهل اليمامة. معجم البلدان. [2] أضاخ: من قرى اليمامة: معجم البلدان.

نزلوا النشاش، وأقبلت بنو عامر حاشدة حتى أغارت فلم يرعْ عمر بن الوازع إلا رغاء الإبل، فجمع ابن الوازع النساء في فسطاط وأقامَ عليهنّ حرسًا من ثقاته، ولقي القوم فقاتلهم فهزمت حنيفة ومن معها، وهرب ابن الوازع فلحق باليمامة، وتساقط منهم خلق في قلب النشاش من العطش وشدة الحر، فطُلب ابن الوازع فلم يُقدر عليه، ورجعوا بالأسرى والنساء. فقال بعض بني نُمير: إذا عُدَّ الفعال وجدتُ قومي ... نُمَيْرًا بَذَّ فعلُهُمُ الفَعالا هم قتلوا البهيم بِهَا وَجَوْنًا ... علانيةً وما قُتِلا اغتيالا بهيم بن عَزَّة. وقال حُدَيْج النميري: كأن أبانا عامرًا لم يلد لنا ... أخًا غير نصل السّيف عند الشدائد فنحنُ نداوي بالقنا صفحاتِهم ... وبالبيض نخليها مناط القلائد وقال دَلَمُ بن صامت النُّمَيْري: أنا النميري الذي يحمي مُضر ... يرفعُ من أبصارهم فوق البصرْ مُبارك الراية مرزوق الظَّفرْ ... إنّ اليمانيين فرسان الحمر لم يصبروا للمشرفيات البُتُرْ ... والطعن بالْمُرَّان أجواف البهر لَما ضربناهُمْ بِصَيَّاحٍ ذكر ... طاير عنه القين شذّان [1] الشّرر

_ [1] شذان: جمع شاذ، وهو المتفرق من الحصى وغيره. النهاية لابن الأثير.

وقال القحيف أيضًا: وبالنشّاش يومٌ طارَ فيه ... لنا ذكرٌ وَعُدَّ لنا فعال وقال أيضًا: فداءٌ خالتي لبني عقيلٍ ... وكعبٌ حين تزدحمُ الجدودُ وهُم تُركوا على النشاش صَرْعى ... بضربٍ ثَمَّ أَهْوَنُه شديدُ وقال حصين النميري: يا دارَ جمل بلوى مُتَالِعِ [1] ... كأنّها بعد الجميع الرابعِ سَحْقُ يمانٍ بَعْدَ لَوْنٍ ناصعِ [2] ... الله لَقَّى عمر بن الوازعِ دائرة السوء بِفَجْعٍ فاجعِ ... لَما لقونا خلفه الطلائعِ وَلّوا شلالا كالنَّعام الفازعِ وقال بعضُ بني نُمَير: فليتَ ابن المهير رأى نُميرًا ... بِنَشّاشٍ تواجهنا النّخيلُ وفي أيماننا بَيْضٌ رقاقٌ ... صَوارم ما يقوم لَها قبيلُ غزا يرجو الغنيمة من نُمير ... فلم يغنم وأعجزه القفول

_ [1] متالع جبل بناحية البحرين بين السوده والأحساء، وقيل متالع ماء شرقي الظهران. معجم البلدان. [2] الناصع: الخالص من كل شيء، وناصع: جبل أحمر بأسفل الحجاز مطل على الغور عن يسار ينبع. القاموس.

وقال القحيف العقيلي: مَن مبلغٌ عنا قريشًا رسالةً ... وأفناءَ قيسٍ حيث سارتْ وحَلَّتِ بأنّا تركنا من حنيفة بعد ما ... أغارت على أهل الحمى ثم وَلَّتِ تَسُكُّ نميرٌ بالقَنَا صفحاتِهم ... فكم ثَمَّ من نَذْرٍ لَها قد أَحَلَّتِ في أبيات: وقال سعد بن عَيّاش الغَنَوي: نحنُ صَبَحْنَا عمر بن الوازع ... ملمومةٌ ذات غبار ساطعِ باكَرَهُ الْوِرْدُ بموتٍ ناقعِ ... تحت ظلال الخرَّقِ اللوامعِ وقال القحيف: تركنا على النشّاش بكر بن وائل ... بطونُ السّباع العاويات قبورها قتلناهُمُ حتى رفعنا أكفّنا ... بِمشهورةٍ بيضٍ حِدادٍ ذكورها وشيبان قد كانت لِحيْنٍ وشقوةٍ ... كباحثة عن شفرةٍ تستثيرها قالوا: وكفّت قيس يوم النشّاش عن السلب، فجاءت عكل من الحلة فسلبتهم، ولم يكن لحنيفة بعد هذا اليوم جمع، غير أن عبيد الله بن مسلم الحنفي جمع جَمعًا وأغارَ على ماءِ لقشير يُقالُ له حلبان [1] فقال الشاعر: لقد لاقتْ قشير يوم لاقتْ ... عبيد الله إحدى المنكراتِ لقد لاقت على حلبان ليثا ... هزبرا لا ينام على التّرات وأغارَ على عكل فقتل منهم عشرين رجلا، فقال نوح بن جرير بن عطية: وَضَيَّعْتُمُ يا عكل بالسرّ نسوةً ... فباتت علوج القريتين تكومها [2]

_ [1] حلبان: قليل الماء خبيثة، وهو لبني معاوية بن قشير. معجم البلدان. [2] كام المرأة: نكحها. القاموس.

ولاية المثنى بن يزيد على اليمامة

[ولاية المثنى بن يزيد على اليمامة] ثم قدم المثنى بْن يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة واليًا على اليمامة من قبل أبيه، حين ولي العراق من قبل مروان الجعدي، فوردها وهي سلْم فلم يُحارب، وتشاهدت بنو عامر على بني حنيفة فتعصب لَهم المثنى بالقيسية، فضرب عدة من بني حنيفة فقال بعضهم: إن تضربونا بالسياط فإننا ... ضربناكم بالمرهفات الصوارم وإن تحلقوا منا الرؤوس فإننا ... قطعنا رءوسًا منكم بالغلاصم ثم إن المثنى جعل يرفعهم إلى قاضيه طلحة بن إياس العدوي، فلم يقبل شهادة عامريّ فهدأت البلاد وسكنت، ولم يزل عبيد الله بن مسلم مستخفيًا حتى قدم السريّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الحارث بْن عباس بن عبد المطلب واليًا على اليمامة، من قبل بني العباس فدُلّ عليه فقتله لما صنع، فقال نوح بن جرير: فلولا السريّ الهاشمي وسيفه ... أعاد عبيد الله شرًّا على عكل

أمر محمد بن مروان وولده

بسم الله الرحمن الرحيم أمر محمد بن مروان وولده وأمّا محمد بن مروان بن الحكم، ويُكْنَى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وأمه أم ولد، وَكَانَ من أشد ولد مَرْوَان وأشجعهم فِي حسن خلق، وهو الذي حارب مصعب بن الزبير بن العوام فقتله بِمسكن من أرض السواد، وقتل إبراهيم بن الأشتر النخعي وقد كتبنا خبره. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة متقدمًا محمد بن مروان عِنْدَ عَبْد الْمَلِك، وَذَلِكَ لأن أخته عاتكة بنت يزيد كانت عنده، وكان يحبها وكان يُقالُ إن عبد الملك كان يحسد محمدًا لأنه كان يرى جلد أخيه وبأسه وعارضته، ويحب أن يصغّر منه لا سيما بعد قتله المصعب، فعزم محمد على إتيان أرمينية فأمرَ بإبله فرحّلتْ، فدخل على عبد الملك مودّعًا وقال: إني أريدُ الغزو بأرمينية، وتمثّل: فإنك لَنْ ترى طردًا لحرٍّ ... كإلزاقٍ به بعض الهوان ولو كُنَّا بِمنزلةٍ جَميعًا ... جريتَ وأنت مضطرب العنانِ فَقَالَ عَبْد الْمَلِك: أقسمت عليك يا أخي لَما أقمت في الرحب والسّعه، فو الله لا أقذي في عينك ولا أُقدم عليك غيرك ولا ترى مني سوءًا ما بقيتُ، وولاه الجزيرة وأرمينية.

أمر مروان بن محمد بن مروان

أمر مروان بن محمد بن مروان فولد مُحَمَّد بْن مَرْوَان: يَزِيد، وأمه أم يَزِيد بنت يَزِيد بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن شيبة بْن ربيعة. وعَبْد الرَّحْمَنِ، وأمه أم جَميل من ولد عُمَر بْن الْخَطَّاب. وعبد العزيز لأم ولد. ومروان بن محمد، وهو الجعدي، وأمه كردية أخذها أبوهُ من عسكر ابن الأشتر، وكان مروان يُكنى أبا عبد الملك. وقال أبو الحسن المدائني: وقوم يقولون إن أم مروان عربية من تنوخ، وذلك باطل. ويُقال: كانت أمه جارية لِمصعب أُخذت وبها حمل، ويُقال: كانت جارية لزربي طباخ مصعب أو خبازه. قالوا: وبويع مروان لأربع عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وعشرين ومائة، وكان أبيض أحمر أزرق أهدل الشفة لا يخضب، ولم يكن بالذاهب طولا، وكنتُ إذا استدبرته ظننت أن على منكبيه رجلين جالسين، واسع الصدر. وكان يقول: اللهم لا تبلني بطلب ما لم تجعل لي فيه رزقا:

وكان يقول في خطبته: اللهم إنك أعلم بولينا وعدونا منا، فكن لنا وليًا وحافظًا، وكان يقول: ما كان أبو بكر ولا عمر بأعفّ من هذا مني. قال: وكان غيورًا، وجد كتابًا إلى جارية له من أمها فقال: من أدخلَ هذا الكتاب؟ فقال خصي: أنا رحمتُ أمها لبكائها. فقطع يد الخصي. قالوا: وعرض مروان الجند فشكوّا في حلية رجل فأسقطه، فقال: هلا بعين الجر حليتني ... لما توافى القوم في الخندق فقال: أجيزوهُ، فأجازوهُ. وكان مروان أول من حلّى الجند. وكان كاتبه عبد الحميد بن يحيى بن سعيد، مولى بني عامر بن لؤي ويُقالُ مولى بني مروان، ويُقال كان من أهل الأنبار، وكان على شرطه الكوثر الغنوي، وكانت حرسه نوائب. قال الشاعر: يا أيها السائل عن مروانا ... دونكَ مروان بعسقلانا يجيد ضرب القوم والطعانا ... حتى ترى قتلاهم ألوانا وكان مروان بخيلا. وولد مروان بن محمد: عبد الله وعبيد الله. وقال أبو اليقظان: لا يُعلم له ولد غيرهما، وغير عبد الملك بن مروان وعبد الغفار. وولي مروان بَعْد خلع إِبْرَاهِيم بْن الْوَلِيد بْن عَبْد الملك خمس سنين، وقتل بِمصر سنة ثَلاث وثلاثين ومائة، وَهُوَ ابْن تسع وستين سنة. قالوا: وكان الجعدُ ساير يومًا مروان في أول خلافة هشام، وقبل تولية هشام إياهُ أرمينية فأصابت ركبته ركبة مروان فقال: أعجلتْني دابتي. فقال: على نفسك فأبق.

أخبار مروان بن محمد

[أخبار مروان بن محمد] قرأتُ على أبي الحسن المدائني، وحدثني غيره من أهل العلم، قالوا: كان هشام بن عبد الملك ولى مروان بن محمد أرمينية وآذربيجان، فلمّا ولي الوليد بن يزيد أقره، فقتل الوليد ومروان بكُسال من أرض أرمينية، فأتاهُ خبره وهو بها، فعزم على إتيان الجزيرة والشام فقيل له: إن عطّلت الثغر اصطلم الخزر ومن فيه من الأمم أهله من المسلمين، فخطبَ مروان ودعا الناس إلى السمع والطاعة والبيعة لِمن يَجتمع الناس عليه، وأعطاهم أرزاقهم، وفرض لعشرة آلاف من الأبناء وغيرهم، وبعث إسحاق بن مسلم العقيلي، وثابت بن نعيم الجذامي إلى أهل الباب والأبواب وملوك الجبال وتفليس يدعوهم إلى بيعة من رضي المسلمون به، وولى آذربيجان حميد بن عبد الرحمن اللخمي، فلمّا رجع ثابت بن نعيم من حيث وجهه إليه مروان فارقَ مروان وخالفه، ودعا أهل الشام إلى الخروج معه، وقال: قد قتل الْوَلِيد بْن يَزِيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِك فسيروا على راياتكم إلى الشام قافلين، فأجابوهُ وقالوا: قد قتل الخليفة فليس لأحد علينا سلطان، فالرأي أن نأتي الشام فنكونَ مع من يَجتمع الناس عليه ويرضونَ به، فعسكروا وبلغَ مروان ذلك فقال: إنكم إنَّما أردتم الإغارة على أهل الذمة فيما بينكم وبين الشام. فاجتمعَ على قتالِهم ودعا أهل الجزيرة إلى ذلك فأجابوه، فترك أهل الشام ما أجمعوا عليه من أمر ثابت بن نُعيم ورفضوه، وأسلموا ثابتًا فأخذه مروان فحبسه وحبس بنيه وهم: نعيم، وبكر، ورفاعه، وعمران، وهَمَّ بقتلِهم. فطُلب إليه فيهم فخلّاهم. واستخلفَ مروان على أرمينية عاصم بْن عَبْد اللَّهِ بْن يزيد الهلالي، وتوجّه يريد الشام، وقَدمَ ابنه عبد الملك بن مروان بن محمد إلى الجزيرة،

وبلغ يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أن مروان قد عزم على إتيان الشام ليبايع ليزيد بن الوليد، فكتب إليه: العجب لك تبايع ليزيد وهو قتل الوليد فلم يبق أحد من بني مروان إلا وهو طامع في الخلافة وأنت سنهم وشيخهم. فلما قرأ كتابه أقامَ بالجزيرة، فأرسلَ إليه يزيد بن الوليد الناقص يعقوب بن عبد الرحمن بن سليم الكلبي، وحميد بن نصر اللخمي، وعمارة بن كلثوم بن أبي كلثوم الأزرق ليأتوهُ ببيعته، وبيعه من قبله من أهل الجزيرة، وضمن له إن سارعَ إلى بيعته ولم يُقدّم ويؤخر أن يوليه أرمينية وآذربيجان والجزيرة، فيُقال إنه أبى ذلك ودسّ إلى من معه أن يأبوا بيعة يزيد. فقالوا: لا نبايع الناقص وقد قتل خليفتنا. فقال بعض رسل يزيد لمروان: إن هذا الأمر تحت كنفك وتدبيرك. فقال له: يا بن اللخناء لَهممتُ أن أضرب عنقك. ويُقال إنه كتب إلى يزيد ببيعته مع رسله ثم ردهم، ثم جاءته وفاة يزيد، وقيام إبراهيم بن الوليد، فردّ الرسل الذين مضوا ببيعته من قنسرين، ودعا الناس إلى الطلب بدم الوليد، وأتى أهل حمص وأهل قنسرين بيعة إبراهيم وتحرزوا، فوجّه إبراهيم بشرًا ومسرورًا ابني الوليد بن عبد الملك إلى قنسرين في خمسة آلاف، ووجّه عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك إلى حمص، ونادى عبد العزيز: من وافى فله كذا. فقال الحنتف الضبي من بني ضبة بن سعد بن ليث بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة: لبيك لبيك ولي العهد ... أتاكَ قومي ضبَّة بن سعدِ قد لبسوا الدروعَ فوقَ الزَّرْدِ ... وجرروا كل حصان ورد

ونشروا للحرب كل نَهْدِ ... ونهدةٍ تزلّ تَحت اللّبد إيها فداكم طار في وتلدي ... فجالدوا عن دينكم بجدِّ وعن ذواتِ الحجل الممتد ... أتاكَ مروانٌ بكل عبدِ مخالف ينصر دين الْجَعْدِ ... مُكَذّبٌ يَجْحد يوم الوعدِ فسار مروان بجند أهل الجزيرة، فلقيه بشر ومسرور، ومالت قيس كلها، ويزيد بن عمر بن هبيرة إلى مروان، ومضى إلى حمص ومعه أهل الجزيرة وقنسرين، وكان عبد العزيز بن الحجاج محاصرًا لأهل حمص، فلمّا دنا منه مروان رجع عبد العزيز إلى دمشق، فوجه إبراهيم إلى مروان سليمان بن هشام، فأقبل في خلق من الخلق فنزل بعين الجرّ، ورجع إليه مروان بأهل الجزيرة وقنسرين، وهو في زهاء سبعين ألفًا، فنزل بدير الأبرش وسليمان بعين الجر وبينهما ثلاثة أميال وذلك في صفر سنة سبع وعشرين ومائة. وكتب مروان كتابًا منه إلى أهل فلسطين: إني نزلت بدير الأبرش، وسليمان بعين الجر فطالعت عسكره بنفسي فرأيتُ جيشًا كثيفًا، وأنا متوجه إليكم في طريق كذا، ودفع الكتاب إلى رجل قال له: تعرّض لَهم. ففعل فأخذ وأُتي به سليمان بن هشام، فلمّا قرأ الكتاب قال: أنا أبو أيوب هرب مروان، والله لأَحُولَنَّ بينه وبين ذلك. وقال مروان لابنه عبد الله: إني مرتحلٌ غدوة فإن ارتحلَ سليمان من هذا المنزل فانزله، وخَلّفه في غيضة هناك كامنًا في العين. وأصبح مروان يوم الأربعاء فغدا متوجهًا في طريق المغرب، وخرج سليمان زعم يبادره إلى الطريق التي ذكر مروان في كتابه أنه يسلكها، وأقبل

ابن مروان فنزل عسكره، وسرح إلى أبيه رسولا يُعلمه ذلك فلمّا أعلمه الرسول رجع وقد سار ستة أميال فصار في عسكر سليمان فقال سليمان: مكر بنا مروان، وإنّما فعل ذلك لأن عسكر سليمان أخصب وأحصن وأكثر مياهًا، فقاتلهم مروان فظفر بِهم وقتل منهم مقتلة عظيمة يُقال عشرة آلاف، وأخذ يزيد بن العقار الكلبي، والوليد بن مصاد فضربهما مروان بالسياط حتى ماتا. ومضى سليمان منهزمًا إلى دمشق فأخذ مالها فقسمه بين أصحابه، وأتى عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك الخضراء في جَماعة منهم يزيد بن خالد القسري، وفيها الحكم وعثمان ابنا الوليد بن يزيد، وأبو مُحَمَّد زِيَاد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن يَزِيد السفياني، ويزيد بن عثمان بن محمد بن أبي سفيان وهو خال عثمان بن الوليد بن يزيد، ويوسف بن عمر الثقفي، فوثبت أبو الأسود مولى خالد بن عبد الله فقتل الحكم وعثمان ويوسف بن عمر، وكان الناس قد أحجموا عن قتل ابني الوليد وقالوا: هما صبيّان. وقيل لرجل كان محبوسًا من الأعاجم: اقتلهما. فقال: أنا أقتل الفرسان ولا أقتلُ الصبيان، ويُقال إنه قتل ابني الوليد أبو الأسود، قتلهما بعمود، ثم دخل يزيد بن خالد إلى يوسف فأخذ بلحيته وكانت طويلة، فجذبه ونتره نترًا شديدًا، فقال له يوسف: ما هذا السّفه يرحمك الله؟ قال: أنت والله أسفه مني يا بن الحمقاء حين ضربتني بالعراق ألوف أسياط. فقال: فعلتموها، والله ما فعلتم هذا حتى أخزاكم الله ولقد انهزمتم، فأخرجه فضربه، وقال: لعلك يا بن الزانية ترى أنني أقتلك بأبي، وقال: ما أقتلك إلا بغلامنا غزوان أو طهمان، ثم رجعَ فأخذ بيد

خال عثمان بن الوليد فقتله، وبقي أبو محمد السفياني فقام فردّ الباب وكان حديدًا وألقي محبسه وراءه واعتمد عليه، فدفع الباب فلم يقدر على فتحه. وماج الناس حين قُتل الصبيّان ابنا الوليد وانهزمَ سليمان، وهرب عبد العزيز، ويزيد بن خالد ومن كان معهما. وجاء مولى لأبي محمد السفياني يُقالُ له مهران فنادى من خوخة من ناحية المسجد: يا أبا محمد أبشر فقد أتاكَ الفرج، فقال: ويحك أما ههنا أحد؟ قال: بلى. قال: فجئني بِمَن قدرت عليه، فأتى بِجماعة ففتح أبو محمد الباب فاحتملوه في قيوده حتى وضعوه على المنبر، فدعا لِمروان وبايعه الناس فقال: شَدَدْنَا ملكنا ببني نزار ... وَقَومْنَا بِهم ما كان مالا وطحْطَحْنا بِهم قحطان حتى ... أقروا بالصّغار لنا ذلالا وقال بعض شعراء بني عامر بن صَعْصَعَة: ويوم بعين الجر يفخر جاثمًا ... سليمان كاليَعْفور جَمّ الهزائِم وطار عليها المخلصونَ لربّهم ... سراعًا نَبيعات الأكفّ السلائم فلما تمطّت في الغبار وواجهت ... دمشق شجرنا رأسها بالشكائمِ يقول: حبسنا شجرته عن الأمر: حبستُه. ومن زعم أن أبا محمد قتل في محبسه فقد غلط. وأقبل مروان على اثني عشر ميلا من دمشق، وهرب سليمان بن هشام، وقال أبو محمد السفياني: من جاء برأس عبد العزيز بن الحجاج فله عشرة آلاف درهم، فطلبه الناس وأتوا داره فأحاطوا بها ليحرقوها فقال بعضهم: إنه ألقى إليهم بِدْرَةً نثرها فتشاغلوا بها، وخرج من باب آخر

فرأته امرأة فعرفته، ومرّ بها قوم يطلبونه فدلّتهم عليه فوطئوه حتى قتلوه. فقال الشاعر: رجاء أخذها عبد العزيز بسيفه ... فصارَ قتيلا في الأزقة يُسلبُ ويُقال إن مروان أقبل، فتلقاهُ أبو محمد السفياني، وعبد الله بن سفيان بن عتبة بن يزيد بن معاوية، فسلم عليه أبو محمد بالخلافة وعزّاهُ عن الوليد وابنيه وقال له: يا أمير المؤمنين إن الحكم وعثمان جعلا لك العهد بعدهما، وكان مع مروان حوثرة بن سهيل الباهلي، والكوثر الغنوي والوثيق بن الهذيل، وأبو الورد الكلابي، وعبد الرحمن بن الأشهب الجعدي، ونُباتة العُقيلي، وابن سعيد الحرشي فقال مروان: إن هذين الغلامين جعلا لي الأمر بعدهما، والله يعلم أنني لم أطلبها في ليل ولا نَهار. ثم ارتحلَ فنزل مرج راهط فقال له ابن سُرَاقة الأزدي: هذا والله الموضع الذي ضرب فيه جدك مروان فسطاطه. فنظر إليه فسره ذلك. وقيل لسراقة: كذبته وغررته فقال: اسكتوا، من كان يقوم فيردّ علي؟ فبويعَ مروان ثم دخل دمشق من باب الجابية فرأى عبد العزيز مقبلا فقال: يا كوثر من هذا؟ قال: السفيه عبد العزيز. فقال مروان: لا يزال صبي من آل مروان يتعرض للفتن، وطلب إبراهيم وسليمان ونادى بأمانهما فأتياهُ، فخلع إبراهيم نفسه فأمنه، وأمرّ سليمان بن هشام، واستعملَ مروان على حمص معاوية بن يزيد بن حصين بن نُمير السكوني، ثم اتهمه فعزله، واستعملَ عبد الله بن شجرة فناصحه ابن شجرة، واستعملَ على فلسطين ثابت بن نُعيم- وكان قد رضي عنه بعد حبسه إياه واستصلحه- ويُقال ولاهُ فلسطين والأردن، والأول أثبت.

وولى قنسرين عبد الملك بن الكوثر، ووجه في طلب من شايع على قتل الوليد فأُتي بنحو من مائتي رجل، فقتل بعضهم، وقطع أيدي بعض. وأمرّ إسحاق بن إبراهيم بن الوليد وسليمان بن يزيد بن عبد الملك فبايعاه. ثم حمل مروان ما كان بدمشق وترك بها زامل بن عمرو السكسكي، وخلّف معه خالد بن يزيد بن هبّار في ألف فارس، فأقامَ في حران ثلاثة أشهر أو أربعة، ثم بلغه أن ثابت بن نعيم بن زرعة بن روح بن زنباع بن روح بن سلامة بن حُداد بن حديدة الجذامي قد خلع، وكان عامله على فلسطين، فسار يريده فكان من أمره دونه ما نحنُ ذاكروهُ إن شاء الله.

تمرد أهل حمص على مروان

[تمرد أهل حمص على مروان] أمر حمص ودمشق وأمر يزيد بن خالد القسري قالوا: سار مروان يريد ثابت بن نعيم فنزل حماه من حمص ليلة الفطر سنة سبع وعشرين ومائة، وسليمان بن هشام بن عبد الملك معه آثر مَن عنده من بني مروان، وكان قدم عليه حران فأكرمه فصلّى مروان العيد بالناس، ومعه سليمان، وعبد الملك، وعبد الله، وعبيد الله وعبد الغفار بنوه، فلمّا صلى أتاهُ رجلٌ من أهل حمص فأعلمه أن أهل حمص قد غدروا وأن كلبًا دخلت المدينة وعليها الأصْبَغ بن ذؤالة، ومعه بنوه حمزة، وذؤالة، وفرافصة، ومعه عصمة بن المقشعر مولى كلب، وطفيل بن حارثة ومعاوية بن عبد الأعلى السكسكي، وقد بايع ابن ذؤالة من أهل حمص السمط بن ثابت بن يزيد بن شرحبيل بن السمط بن الأسود بن جبلة الكندي وغالب بن ربعي الطائي، فارتحلَ مروان من حماه فنزل على نَهر الأرنط، ثم سارَ على تعبئة إلى حمص فأتاها نصف النهار، وعلى الحائط جماعة من كلب، فأرسلَ مروان إليهم: ما بالكم؟ قالوا: نحنُ على طاعتك وهؤلاء سفهاء دخلوا مدينتنا، فقال: افتحوا بابًا ففتحوه، فاقتحم عمرو بن الوضاح في الوضاحية فقاتلهم وأصيبَ من الفريقين، وهرب

الأصبغ بن ذؤالة، واتبعتهم خيل لِمروان فقتلوا منهم جماعة، ونجا الباقون وأُسرَ في المدينة رجال منهم ذؤالة بن الأصبغ بن ذؤالة، وأخوهُ فرافصة بن الأصبغ بن ذؤالة. وكان الأصبغ قد وجّه ابنه حمزة إلى ثابت بن نُعيم يعلمه دخوله مدينة حمص فبلغته قبل وصوله إلى ثابت هزيمة أبيه وأسر أخويه فمضى إلى تدمر، وقتل مروان الأسرى، وقتل ابني الأصبغ أيضا، وكان الأسرى أربعمائة فصلبوا حول مدينة حمص، وهدم مروان من حائطها مائتي ذراع، وأقامَ بها ثمانية أيام. وروي أيضًا أن اليمانية عصت لتقديم القيسية عليها، فَهَمّ بنو مصاد بن زهير الكلبي أن يفتكوا بمروان، فشاع أمرهم، وكان معهم معاوية بن عبد الأعلى السكسكي، فأتى حمص فدعا أهلها إلى خلع مروان فأجابوه، وأمّروا عليهم السَّمْط بن ثابت ويُقال الأصبغ، فخرج عبد الله بن شجرة عامل مروان على حمص إلى سلمية فقُتل بها، قتله رجلٌ من كلب يُقالُ له المنهال بن عبد الملك. وخرج رجل من حمص يُقال له حُجر، ومروان محاصرهم إلى القرى يستنجدهم، فأخذ وأُتي به مروان فقال مروان: هيه يا حجر، خرجتَ تستنجد أهل القرى ثم تأتي حمص، أما إنك ستأتيها، وأمر به فوضع في المنجنيق ورمي به فصكوا به حائط المدينة فتفسّخ. وأُخذ غلام من المدينة فأتي به مروان فخرجت أمه فقالت: يا أمير المؤمنين أذكرّك الله فإنه ما لي ولد غيره وقد نهيته عن السعي والقتال فعصاني. فقال مروان: ذلك أحرى أن أقتله إذ عصاك، وأمر به فضربت عنقه.

وكان أهل حمص ينادون ومروان محاصر لهم: يا بن مصعب فيقول: شريف كريم، وينادون: يا بن الأشتر، يا بن زربي الخباز، يا بن الكردية. فيقول: خلطتم لعنكم الله. وكان الخوارج في أيامهم ينادونه: يا بن الطنفسة [1] . قالوا: وأمن مروان أهل حمص إلا سعيد بن هشام، والسمط بن ثابت، وكان سعيد مع أهلها، فنجا سعيد بن هشام حتى قتله عبد الله بن علي. وثلم مروان حائط المدينة فقال بعض الحمصين: يا حمص ويحك لا تجزعي ... قصصك [2] الجعدي سُكنينه [3] وكلم الوليد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك، وكان عامل مروان على الأردن، مروان في السمط وعمل في أمره حتى أمنه مروان، وكان يختلف إلى إسحق بن مسلم العقيلي ونزل عليه، قال الحارث بن يزيد: فقال لي الوليد بن معاوية: ألا تعجب من السمط ينزل على إسحاق بن مسلم ويدعني وقد قمتُ بأمره، قال الحارث: فلقيت السمط فقلتُ له في ذلك فقال: أنت عاجز، أنا أدع إسحاق وهو رجل إن غضب غضب لغضبه عشرة آلاف، قال: فأخبرته بذلك فأقعد للسمط رجلين فقتلاه وهو

_ [1] بهامش الأصل: يريدون ألوان الطنفسة. [2] القصص: تتبع الأثر، وأحسن البيان، والصدر أو رأسه أو وسطه، ومن الشاة ما قص من صوفها. القاموس. [3] لم أقف بالمعاجم على ما يشرح هذه الكلمة.

تمرد أهل غوطة دمشق على مروان

يريد مروان، ويُقال بل دسهما مروان، ويُقال دسهما عبد الله بن شجرة. وقال الهيثم بن عدي: قتله مروان. [تمرد أهل غوطة دمشق على مروان] قالوا: ولَمَّا فرغ مروان من أمر حمص بلغه أن أهل غوطة دمشق دعوا إلى ثابت بن نُعيم، وحصروا عامله على دمشق، وهو زامل فوجه مروان إليهم أبا الورد الكلابي، وعمرو بن الوضاح في عشرة آلاف، فلمّا وردا دمشق أتاهم أبو علافة السكسكي، ويزيد بن خالد القسري، فانضما إليهم مخالفينَ لِمروان فاقتتلوا فانهزمَ أبو علافة ويزيد وظفروا بعسكرهما، ثم ظفر أبو الورد بيزيد وأبي علافة بالمزة فقتلهما، وبعث برءوسهما إلى مروان. ويُقال إن يزيد لَما انهزموا خرج من باب الفراديس هاربًا فانتهى إلى برزة، فلقيه رجل من الأشعريين فقال له: ابغني منزلا أكونُ فيه فأدخله منزله، ثم فكرّ فخافَ فدلّ عليه فبعث به إلى مروان فدفعه إلى المضرية فحملوهُ على بغل بإكاف وجعلوا وجهه مما يلي ذنبه، وجعل رجل من محارب يقول: يا معشر الفرسان أين الحكم وعثمان؟ ويُقال إن مروان كتب إلى زامل: إنك لتعلم مكان يزيد بن خالد، وو الله لتأخذنّه، أو لأقتلنّك، فطلبه فأصيبَ في بيت لهيا فقال رجل من موالي بني سلول: تأتونَ به زاملا وهو يَمان فيحبسه ثم يشفع فيه ويستوهبه، فشدّ عليه فطعنه، وذلك لقتله يوسف بن عمر، وكان يزيد بن خالد لَمّا قتل يوسف أمر بحبل فشُدّ في مذاكيره وَجُرَّ بِهِ، فَفُعل بيزيد مثل ذلك. [أخبار مروان بن محمد] ويُقال إن رجلا من لَخم أتى زامل بن عمر فأخبره أن يزيد بن خالد يأتي زرّاعة لَهم بقرب الغوطة مستخفيًا، فأرسلَ زامل خيلا فأصابته في زرّاعة اللخمي، وعليه قميص سُنبلاني، فأخذوهُ وأقبلوا به على بغل بإكاف، وقد

عرض عليه، فتلقاهم رجلٌ من بني نُمير فقتله واحتزّ رأسه وأتى به زامل بن عمر فقال: كُلْهُ بخلّ وخردل، فقال: الأمير أحق برأس ابن عمه. وبعث زامل برأسه إلى مروان وعلق الناس في رجله حبلا فجرره الصبيان في السكك. ويُقال أيضًا إن النميري مر بقومٍ من بجيلة وقد قطع من لحم يزيد قطعًا فألقاها إليهم فقال: كلوا، فجعلوا يأكلون قسرا والسيوف على رؤوسهم، ثم مضى.

أمر ثابت بن نعيم بن زرعة بن روح بن زنباع الجذامي:

أمر ثابت بن نعيم بن زرعة بن روح بن زنباع الجذامي: قالوا: خلع ثابت بن نُعيم وقال: أنا الأصفر [1] القحطاني لستُ لنعيم إن لم أخل الشام من أولاد قيس، وكان مروان قد ولاه فلسطين مستصلحًا له بعد حبسه إياه بأرمينية. وذكر قوم أن سبب خلعه أن عطية بن الأسود مولى كلب قال: يا ثابت بن نُعيم دعوةً جزعًا ... عقَّتْ أباها وعقَّتْ أمها اليمنُ أتاركٌ أنت مال الله يأكُلُه ... عَيْر الجزيرةِ [2] والأَشْراف تُمتهنُ وكان يُقال لمروان حِمار الجزيرة. أُوقِدْ على مُضَرٍ نارًا يَمانيةً ... تشفي الغليل وتحيي بعدها السُّنَنُ ويُقال إنه قال هذا الشعر بعد خلعه. قالوا: فلمّا فرغ مروان من أهل حمص، وثار ما ثار من أهل الغوطة، ومعهم أبو علافة، ويزيد بن خالد القسري فانقضى أمرهم، أقبلَ ثابت من

_ [1] من أنواع المهدي المنتظر. [2] أي مروان بن محمد.

تمرد أهل فلسطين على مروان

فلسطين في كنف من لَخم وغيرهم يكونونَ زهاء خَمسين ألفًا، فحصر الوليد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك بن مروان عامل مروان بطبرية مدينة الأردن، فسار إليه أبو الورد، فلمّا التقوا خرج إليهم الوليد بن معاوية في أهل الأردن فهزموا ثابتًا وقتلوا أصحابه، وتفرّق من بقي منهم عنه. [تمرد أهل فلسطين على مروان] ومضى ثابت إلى فلسطين واتبعه أبو الورد فلحقه، فأسر من بنيه ثلاثة: نعيمًا، وبكرًا، وعمران، فبعث بِهم إلى مروان فحبسهم. وغلب أبو الورد على فلسطين، ولحق ثابت بن نعيم وابنه رفاعة بجبال الشراة فظفرت به خيل لِمروان كان قد وجّهها مادةً لأبي الورد فأخذوهُ وأتوا به مروان وهو بدير أبوب [1] فقتله مروان، وقتل بنيه وقطع أيديهم وأرجلهم، وأفلتَ ابنه رفاعة بن ثابت، وأُخذ مع عثمان بن هلال الجهني وعمرو بن يزيد اللخمي فقتلهم مروان جَميعًا. وقال بعضهم: لحق ثابت بِمصر، فوجّه إليه مروان الكوثر فهزم أصحابه وأخذه أسيرًا فبعث به إلى مروان فقطع يديه ورجليه وصلبه على باب دمشق، سمرَّه بمسامير. وقال بعضُ الشعراء قصيدة له ويُقال إنه الرمّاح بن ميّادة: حذارك أن تلقاكَ يومًا بِموطنٍ ... فوارس يهديها أبو الورد والصّقرُ فوارس صِدْقٍ لا يبالونَ مَنْ ثَوَى ... يجرّون أرماحًا حواملها حُمْرُ وكوثرٌ المهدي لِمصْرَ جياده ... وأرماحه حتى استقامت له مِصْرُ

_ [1] قرية كانت بحوران على مقربة من بلدة نوى. معجم البلدان.

فمالكَ بالشام المقدس منزلٌ ... ولا لك في نجدٍ ذراع ولا شبرُ بنجد ثبا [1] منا وبالشام مثلها ... متى تَعْصَنَا يغضب لنا البرّ والبحر وأقام مروان بدير أيوب إلى هلال المحرم، وبايع به لابنيه: عبد الله وعبيد الله، وزوج عائشة بنت هشام من عبيد الله ابنه، وزوج أم بنت هشام عبد الله بن مروان ابنه، وأقبلَ فنزل الرصافة فأقام بها يوما [2] .

_ [1] بهامش الأصل: ثبا: أي جماعات. [2] بهامش الأصل: بلغ العراض ولله جزيل الحمد والمنة.

أمر سليمان بن هشام بن عبد الملك

أمر سليمان بن هشام بن عبد الملك قالوا: ولَمَّا توجه مروان إلى الرصافة استأذنه سليمان بن هشام في المقام ليتجهز، فأذن له، ومضى فنزل الرقة، ثم أتى قرقيسياء، وأقبلَ عبد الرحمن بن أيوب الضبي إلى سليمان بن هشام وهو بالرصافة ومعه خيل لمروان كان ضمها إليه، فقال لسليمان بن هشام: أنت والله أحق بالخلافة من الجعدي. وكان في نفسه على مروان أشياء في يوم عين الجرّ وغير يوم عين الجرّ، فخلع مروان وصار إلى حمص فدخلها وبايع أهل حمص على الموت، فأقبلَ مروان زاحفًا بعد أن قَرُبَ من قرقيسياء وعلى مقدمته ابنه فألصق بحمص ووضع عليها المجانيق حتى فتحها، وهربَ سليمان بن هشام إلى تدمر، وأقام مروان حتى استقصى هدم حائط حمص. قال أبو الحسن المدائني عن أشياخه وداود بن عبد الحميد قالوا: أظهرَ سليمان خلع مروان وقد فارقه بالرصافة، وقدم مروان الرقة فتوفي ابنه عبد الملك، فترك الانحدار إلى العراق.

ومضى سليمان في خفّ من أصحابه إلى حمص، وبنى ثلمًا كان مروان ثلمه في حائطها. وكان في نَهر الهني [1] قصران يُقال لأحدهما الكامل والآخر العجب، فخلّف فيهما سليمان قومًا من الذكوانية وغيرهم وأكثرهم موالي هشام، وأمرهم أن يمنعوا من أراد مروان من أصحابه ومن يأتيه بالخبر، فبعث إليهم مروان: لئن أقمتم على ما أنتم عليه ثم ظفرت بكم لم أستبق منكم أحدا. فلم يقبلوا، فأمّا من كان في العجب فإنهم نزلوا على حكمه فأمنهم، وأمّا أهل الكامل فأبوا أن يقبلوا أمانه فبعث إليهم خالد بن عمير بن الحباب فعرض عليهم الأمانَ فلم يقبلوهُ، ورجع مروان ومرّ بِهم فشتموهُ، فأمر رجلا من أصحابه بقتالِهم، فنصب عليهم المجانيق فلم ينتصف النهار حتى أفضى إلى القصر فطلبوا منه أمانًا، فأبى أن يؤمنهم إلا على حكمه، فقطع مروان أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وهدم الحصن، وجعل الرجل يقول للرجل منهم: أيما أحب إليك، أقتلك شدخًا أم أفقأ عينك أم أقطع يديك ورجليك، فأُتي برجل منهم فقيل له ذلك فضحك وقال: ما أدري ما أختار من الشرور. فقتلوا بالعمد وبقطع الأيدي والأرجل، فقال بحر بن عمرو القشيري: ظفرت بِهم إذ عاندوك سفاهةً ... فَنَكِّلْ بِهم حتى تدرَّهُمُ العَصبُ فإنّك إذ تفعل تَجدْهُمْ أذلَّةً ... إذا نكبوا يومًا أذلّهُمُ النّكْبُ وقتل مروان يعقوب مولى هشام غدرًا، خرج إليه من الكامل بأمان فقال: لا أعطي أهل الكامل الأمان إلا على حكمي فليس بيني وبينهم إلا السيف، وقتله.

_ [1] في الرقة.

وبايع أهل حمص سليمان، وتبايعوا على الموت، واستوثقوا من حائطهم وبنوا ثلمه، فتوجه إليه مروان فلمّا دنا من حمص جدّد فرسان أهل الشام مِمّن مع سليمان البيعة على الموت، وجدّدها أهل حمص أيضًا وقالوا: اخرجوا إلى الجعدي فإمّا قتلنا وإما ظفرنا به، فانتدبَ منهم ستة آلاف مع معاوية بن عبد الأعلى السكسكي وثبيت البهراني فبلغ ذلك مروان فسار إليهم على تعبئة، وتحرزوا وكمنوا لِمروان في الزيتون فلم يشعر وهو يسير على تعبئته حتى ثاوروه فقاتلهم وصُرع معاوية بن عبد الأعلى وانهزمَ الآخرون، وقتل منهم أربعة آلاف، فقال مروان لِمعاوية: أنت مطاع في أهل حمص فادعهم إلى بيعتي وأؤمنك. قال: نعم. فأرسله إليهم في خيلٍ وأمرهم أن يحفظوهُ ولا يفارقوهُ حتى يردّوه، فأتاهم وهم مشرفونَ من المدينة فدعاهم إلى بيعته فقالوا: لا ولا كرامة، ولا نبايع لابن زربي الخباز. فقال: إذا لم تفعلوا فابعثوا إلى غلامي ميسرة الأسود وليكن معه ثيابي كلها، وانصرفَ إلى مروان، فقال للذين كانوا معه: ماذا قال؟، فأخبروهُ. فقال: أتدرونَ ما أراد؟. قالوا: لا. قال: إذا أمسيتم فاحملوا السلاح وبَيِّتُوهم واحملوا على الميسرة، فأمر بِمعاوية فقطعت يداهُ ورجلاهُ وشدخ بالعمد. وقال بعضهم: إن رجلا من بني مُجاشع كان مع مروان يُقالُ له حُوَيّ أسر معاوية بن عبد الأعلى وأتى به مروان فقال: استبقني فإني أشد العرب. فقال: الذي أسرك أشد منك. وقال مروان: يا ربّ إبراهيم أَمْتِعْنَا بهِ ... إِنَّ حُوَيّا نِعْمَ مَا أَبْلَى بِهِ والسّكْسَكيَّ صاغرًا جانا به

فلمّا أمسى مروان صيّر الفرسان وحماة قيس في الميسرة، فلما مضى ثلث الليل بَيّتهُم أهل حمص وقد حذرهم مروان فاقتتلوا فلم يقدروا على ما أرادوا فرجعوا إلى سليمان، فرأى سليمان صلابة مروان وصعوبة الأمر في محاربته فخرج من حمص وخلّف أخاهُ سعيد بن هشام وأتى تدمر فنزلها، وأقام مروان على حمص يقاتلهم عشرة أشهر أو أقل، وبسط لَهم الأمانَ فقيلَ إنه أمّنَهُم، وقيل إنهم نزلوا على حكمه فلم يقتل إلا عبدًا أسود وشمّاسًا نصرانيًا كان شجاعًا وكان يقول: إن كان السكسكي ذهبَ فأنا السكسكي فقتله. وقال: ما كان خطر ببالي أن أؤمّن شماسًا. ويُقال إنه لم يؤمّن سعيد بن هشام ورجلا من اليهود. وأُتي بأمية بن معاوية بن هشام أسيرًا فقطع يديه ورجليه ثم شدخه، فغلظ الناس على مروان ولعنوهُ، وهدم مروان حائط حمص، وكُلّم في سعيد فأمّنه وكان معه وبقي حتى قتله ابن علي. وقال المدائني: أمَّر مروان سليمان على إحداثه ومقاتلته إيّاه عن الناقص وإبراهيم، فركب سليمان يومًا مع مروان بعين الجرّ، فقال له مروان: يا أبا أيوب- ورفع حاجبيه كالمتوعد- فقال: يا أمير المؤمنين أعرض عن هذا. فلم يزل سليمان مضمرًا له على شر. قالوا: وجمع سليمان بن هشام جَمعًا بتدمر وبايعهُ أهلها، ولجأ إليها كل لص وخارِبٍ [1] ، وعامة أهلها كلب، فصار إليهم مروان، فقال زُمَيْلُ بن سويد:

_ [1] الخارب اللص. العين للخليل بن أحمد.

يا ويح تدمر ويحها وعويلها ... ماذا يُرادُ بعامرية تدمرا يا ويحها من كيد أبيض ماجدٍ ... أعطى بعذراء الجيوش وشمّرا فلمّا أناخَ بها مروان سألوهُ الأمانَ وأن يضع لَهم كل دم أصابوه، فأمّنهم على أن يَهدم حائطها فلم يمكنه، وهرب سليمان حين قرب مروان منها فانحطّ إلى خُساف فنزلها، فوجّه إليه مروان عوف بن إسحاق بن مسلم فأسرته خيل لسليمان، فوجّه إليه مروان الكوثر فقاتله سليمان، وأتاهم مروان فتقاتلوا فاستعلاهم سليمان ثم إنه انهزمَ فاتبعه مروان فالتقوا أيضًا بمرج خلف صفّين، وقدّم مروان ابن الصحصح فاقتتلوا فهرب سليمان وأُسِرَ من أصحابه خلقًا فقتلهم مروان بالعمد بقرب ملاحَة هشام، وصار سليمان مع الخوارج، وقد كتبنا خبره بعد هذه القصص، حتى قتله أمير المؤمنين أبو العباس. ويُقال إن مروان قتل سعيد بن هشام غيلة، ويُقال ضرب عنقه. ويُقال إنه بقي حتى خرج في أيام بني هاشم فقتل، والله أعلم. وأسر خالد بن هشام بن إسماعيل المخزومي أخو إبراهيم ومحمد يوم خُساف، أصابته خلفة [1] فنزل وستره مواليه وأخذ فأتي به مروان، فأمر فشُدخ بالعمد.

_ [1] أخذته خلفة: كثر تردده إلى المتوضإ. القاموس.

خبر يوم المنتهب في أيام مروان

خبر يوم المنتهَب في أيام مروان قال هشام ابن الكلبي، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن نعيم عن معدان بن عُبيد بن عدي بن عبد الله بن خيبري بن أفلت الطائي قال: تزوجت امرأة من بني بدر من فزارة رجلا منا على نبيذ لَهم فأسرعَ فيهم النبيذ وجرت ملاحاة، فوثب رجل منا يُقال له يعقوب بن سلامة فضربَ شابًا منهم فشجّه، فمات من شجته، قال معدان: فقلتُ للبدريين: لك دية صاحبكم، فأبوا إلا أن ندفع إليهم قاتله، فأبيت دفعه. وكنا حين قُتل الوليد بن يزيد ووقعت الفتنة منعنا الصدقة، فلم يؤدّها من بني طيّئ إلا بنو جَرم وبنو نَبهان أو أكثرهم، فأتى البدريونَ أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بن عفان، وكان عامل الأعشار والصدقات بالمدينة، وإليه صدقات الجبلين [1] فأخبروهُ بخبر صاحبهم، فكتبَ أمية إلى مروان يُخبره بِمنعنا الصدقة، وبقتل البدري وامتناعي من دفع قاتله إليهم،

_ [1] جبلا طيّئ: أجأ وسلمى.

وأنا على خلاف ومعصية، فكتب مروان إليّ أن أمكنّ البدريين من صاحبهم، فأدُّوا الصدقة إلى أمية وسعاته، وإلا وجَّهْتُ إليك من حملك إلي، فإن امتنعت عليه أتاني برأسك، ثم والله لأُبِيلَنَّ الخيل في عَرَصَاتِكم. قالوا: فأمر معدان بضرب عنق الرسول، فقال: إن الرسل لا تُقتل والأسير فيكم يا معاشر طيّئ يُسْتَحْيَى، فقال: صدقت، وخلّى سبيله وقال له: أدّيت إلي فأدّ عنّي، قل لابن زربي: أنت تُبِيلُ الخيل في عرصاتنا وبيننا وبينك رملُ عالج، وخلف ظهرك الجبلان، وحولي عديد طيّئ. اجْهَد جهدك واحشد حشدك، فلا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ، وَلا أَرْعَى عليك إن أرعيت. وكتب إليه: ألا مَنْ مُبْلِغٌ مروان عني ... على ما كانَ مِنْ بُعْدِ الْمَزَارِ ألمَ تَرَ للخلافة كيف ضاعت ... لأن صارت لأبناء السَّراري وقال غالب بن الحر المعني: لقد قلتُ للركبان من آل هاشم ... ومن عبد شمس والقبائل تسمعُ قفوا أيها الركبان حتى يجيئنا ... وإياكم الأمر الذي ليس يُدفعُ حتى تروا أين الإمام وتَشْعَبُوا ... عصا الملك إن الخيل رثّ مدعدعُ [1] أرى ضيعةً للمال ألا يَضُمَّه ... إمامٌ وهل في غير أهليه يوضع فأدّى رسوله إليه الرسالة والشعر فاستشاطَ ودعا عبد الحميد بن يحيى كاتبه فأمره أن يكتب منه إلى عَبْد الْوَاحِد بْن سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِك عامله على

_ [1] التدعدع: مشية الشيخ الكبير، ودعدع: عدا في بطء والتواء. والرث: البالي. القاموس.

المدينة، وإلى أمية بن عبد الله عامله على الأعراض [1] والأعشار والصدقات بها، وعلى صدقات طيّئ بالجبلين أن يسيرا بأهل المدينة وأهل البوادي من قيس وغيرها إلى معدان بن عبيد حتى يأخذا صدقات قومه، ويدفعا إلى البدريين قاتل صاحبهم، ويوطئا الخيل بلاده حتى يحملاهُ إليه، أو يقاتل فيقتل في المعركة. وقال بعضهم: كان الكتاب إلى عبد الواحد بن سليمان النصري، فسارا بالناس حتى نزلا فَيْدًا، وبعث أمية إلى معدان بن عبيد بن عدي في أداء الصدقة، فبعث إليه وإلى عبد الواحد: إني غير دافع إليكما شيئًا مِمّا تطلبان، أما الصدقة فإني أحبسها حتى يستقيمَ أمر الناس، وأما وضع يدي في أيديكما فذلك ما لا يكون أو أؤسر أو أقتل، وكتب: إنّ الفرائضَ لا فرائض فاصطبر ... حتى يقوم على البلاد أميرُ فسار أمية وصاحبه في زهاء مائة ألف من أهل المدينة والبوادي من قيس وغيرها، وفي ألف من أهل الشام بعثهم مروان إلى عبد الواحد إعانةً بِهم، وبعث عبد الواحد على مقدمته رجلا من الضباب لحنق قيس على طيّئ واتبعه، ويُقال إنه لم يتبعه، وعسكروا بالمنتهب وهو من أجأ. قال معدان: وكنت في اثني عشر ألفًا من بني معن بن عتود بن عتير بن سلامان بن ثعل، وبني جديلة وغيرهم من طيّئ فذهب يحيى بن الكروس بن زيد المعقلي منهم بستة آلاف، لأنه كره القتال، فبقيتُ في ستة آلاف، فلمّا انتهيت إلى عسكر الضبابي واسمه حزير بن يزيد بن كثيف، إذا

_ [1] الاعراض. ج عرض وهو الناحية. النهاية لابن الأثير.

جبال حديد، وإذا عسكر القوم لا يرى طرفاه، فرفعت النار على أجأ، فاجتمعوا فنحروا الجزر، وعملوا النبال والنشّاب، وقالوا: قبح الله أجزع الفريقين من الموت. قال: فتصافنا فلمّا رموا بالنبل حملنا عليهم حملة رجل واحد، فما كان إلا كلا ولا، حتى قتل الضبابي وانهزمَ الناس أسوأ هزيمة، فقتلنا وانتهبنا، وكان عسكرهم أكبر عسكر رثة [1] ، وأُتيت بأمية أسيرًا فخلّيتُ سبيله، وأتيتُ بجارية له بعد ذلك فبعثتُ بها إلى المدينة وقلت: لا تتبعوا مدبرًا ولا تجهزوا على جريح. قال: ثم قُرئ علينا بعد ذلك كتاب مروان إليهم يأمرهم فيه إذا نشبت الحرب أن يقتلوا ويسبوا، ولو علمتُ ما في الكتاب قبل ذلك ما نجا منهم مخبر. وكتب صاحب المدينة إلى مروان بالخبر فعزم مروان على توجيه عبدة بن رياح الغساني في عشرة آلاف من أهل الشام وقال: أهل المدينة أضعف قوم وأفشله، والأعراب كذلك ما لم يوتَروا ويَطلبوا الطوائل، فبينا هو على لك إذ كتب إليه ابن هبيرة عامله على العراق بقتل ابن ضبارة وإقبال قحطبة فقال: ما شغلنا عشرة آلاف بأعراب طيّئ، فصرف الجيش نَحو العراق، فلم نُعط الصدقة حتى استقامَ أمر الناس واستُخلفَ أبو العباس، والتجأ إلى معدان يومئذ عبد العزيز بن أبي دُهَيل بن يزيد بن الطفيل بن مالك بن جعفر هربا من الحرب.

_ [1] حمل من المعركة رثيثا: أي جريحا وبه رمق. القاموس.

وقتل يوم المنتهب الحُزَيْر، وسرحان مولى قيس، ومهلهل أحد بني بدر، ورجال من فزارة، وقتل من طيّئ المزرّ السنبسي، وسعيد بن الخليل المعني، وحرثان بن خالد الفزيري. وقال معدان في انصراف يحيى بن الكروس عنه فيمن صَرَفَ معه من طيّئ كراهة للقتال: ألا ما لمولى لا يزال كأنه ... أمِيمٌ يداوي رأسه بالمجارفِ لعمرك ما المولى بِمولى حفيظة ... إذا لم يُؤَرَّق بالهموم الصوائفِ فإنْ نحنُ أعطينا فزارة حقها ... بغير يمين أو قسامة حَالِفِ فنحنُ إذًا أولاد قينٍ مُجَنَّبِ ... اليدين ضَروب للمُدى والكثائفِ وأنتم بنو حرٍّ كريم نِجَارُهُ ... من السادةِ الشم الحماةِ الغطارفِ وقال أُنَيْف بن حكيم بن أنيف أرجوزة أولها: هل تعرف الدار بصحراء ريب ... إذْ أَنْتَ غَيْداق الصّبا جَمُّ الطَّرَب يقول فيها: لم أرَ يومًا مثل يوم المنتهب ... أكبر دعوى سالب ومُستلبْ لَمَّا توافَتْ ثَمَّ أبناء العرب ... حتى إذا الجونة [1] كانت في صبب نادى منادي طيّئ يا للحسب ... أين بنو البيض الكريمات النُجُب يا قوم عاداتكم عند الغضب ... تغمغم الأبطالِ من بعدِ الصّخب ضربًا وطعنًا بعد رمي كاللهب ... تحرّقُ النار بأطراف الْقَصَبْ وقال أنيف في قصيدة له طويلة يقول فيها:

_ [1] بهامش الأصل: الجونة: الشمس.

ألا هل أتى أهل المدينة عرضنا ... خلالا من المعروف يعرف حالها عَلَى عاملينا والسيوف مصونة ... بأغمادها ما زايلتها نصالها عَرَضْنا كتاب الله والحق سنَّة ... هي النصف ما يخفى علينا اعتدالها وجئنا إلى فرتاج [1] سمعًا وطاعة ... نؤدي زكاة كان حان عقالها وفي فَيْد صُدِّقنا وجاءت وفودنا ... إلى فيد حتى ما تُعدّ رجالها فلم نَدر حتى راعنا بكتيبةٍ ... يَرُوعُ ذوي الألباب والدين خالها [2] جَمعنا لَهم من عمرو عوف ومالك ... كتائب يُردى الظالمين نكالها ومن دونِ ما مَنَّى أمية نَفْسَهُ ... غمار حتوفٍ ليس يُرجى زوالها وكانت امرأة أبي دُهيل وأمه من نبهان فقالت: أصبحت من طيّئ حتى يقوم لنا ... أمر الإمام وما أصبحت من مُضر الجاعلي بحمد الله إذ شرعت ... في الأسنة بين السمع والبصر والمانعين فلا يُسطاع ما منعوا ... والمحمدين إذا لم يُحمد المطر لقد نهيتُ جريرًا وهو في مَهَلٍ ... وقد أتته ولم يوقن بها النُّذُر وقال الرمّاح بن ميادة: لا تحسبوا أنا نسينا بحائلٍ ... جرير الندى والعسكر المتبددا ولا تستريثوا أمرنا فكأنكم ... بصُمِّ العوالي فيكم اليوم أو غدا فرد عليه معدان بن عبيد:

_ [1] فرتاج: موضع في بلاد طيّئ. معجم البلدان. [2] بهامش الأصل: الخال: الراية، ويقال ما يخيل منها.

أتوعدنا قيس وإن تَلْقَ جَمعنا ... تكن كُشُفا قيس عن الموت حُيَّدَا فلا تحمد القيسيَّ بالنَّفْج كلما ... رأى السَّلم أو أضحى من الزادِ أكبدا إذا ما رأى الحرب اتقى الحرب باسْتِهِ ... وإن أمن القيسي غنَّى وأنشدا ونحنُ أسلنا مُصعدًا بطن حائلٍ ... ولم يُرَ واد قبله سال مُصْعِدا وظلت تُمَنيك است ميادة المنى ... لتجمع أمرًا فاسدًا قد تبددا وقال أبو دهيل: وإن امرأ في الحرب معدان خاله ... إذا ما اختبا من دونه لمنيع قال المدائني: كان الناس يقولون: ما خُيِّرَ مروان بين أمرين إلا اختار أحزمهما، فلما لقي المسوَّدة جعل لا يختارُ شيئًا إلا كان عليه فيه الضرر والنقص. قالوا: وكان مروان بخيلا شديد العقوبة مفرطًا فيها. وقال بعضُ الشاميين: قال الحكم بن الوليد بن يزيد، أو قيلت على لسانه أبيات، فيها: ألا فتيانُ من مُضَرٍ فيحموا ... أسارى في الحديد مكبلينا أيذهبُ عامر بدمي ومُلْكي ... فلا غَثًّا أصبت ولا سمينا فإن أهلك أنا ووليّ عهدي ... فمروانٌ أميرُ المؤمنينا وكان مروان يقول: أنا أطلب الخلافة عن بيعة. المدائني عن سليمان بن المغيرة: حدثني يزيد بن أسيد قال: كنا في غدير مستنقعين أنا وإسحاق بن مسلم، وعبد العزيز بن محمد بن مروان، ورجل آخر فبرد الماء على عبد العزيز بن محمد بن مروان فخرج فلم أر خلقًا قطّ أحسن من خلقه، فتعجبتُ فقال الرجل الذي معنا: أنا والله وضعته في

رحم أمه، فقال إسحاق بن مسلم: والله لأخبرنَّ أمير المؤمنين، فأتاهُ فأخبرهُ فقال: أسَمِعَ هذا معك أحد؟ قال: سمعه يزيد بن أسيد، فدعا يزيد فسأله فأخبره فجعل يقرض لحيته غضبًا ثم قال: اجعلا لي موثقًا ألا يسمع هذا منكما أحد، فأعطيناه موثقًا فقال، أراد أن يفسد أخي فكذب عليه وعضهه [1] . وقال: قوما فلا يسمعنّ هذا منكما أحد. وتفقدناهُ فلم يتغير للرجل في مجلس ولا لسان ولا عطية. المدائني عن أبي سلمة الغفاري قال: أتيتُ مروان أطالبُ بدم فقال لي: إن الوالي وكيل الغائب فإن شئت نازعتك، وإن شئت كتبت لك إلى عامل المدينة آمره بالنظر فيما تدّعي بحضرة الفقهاء، فإن ثبت لك حق أخذ لك به، فقلتُ: نازعني. فكان ينازعني ويناظرني، فأمر يومًا بالرحيل فرحل الناس وأبطأ خروجه فقيل له: إن الناس قد ركبوا وقد أبطأت. قال: ويحك قبائي يُخاط فتقٌ فيه رأيته ولا والله ما عندي غيره. قالوا: وقسم مروان قسمًا في قيس، فقال رجل من بني كلب: إذا كانت القسم ففي القيسية وإذا كان الطعان فللقحطانية، فضرب مروان عنقه، فما بقي قيسي ولا قحطاني إلا حمده وأثنى عليه، لأن هذا تَحريض منه واستدعاء للعصبية. المدائني قال: أمر مروان مضمرًا له أن يوافي بخيله للنصف من المحرم فيُجريها، وكان أسود يُقال له دعيج وقال: من كان في شكّ يُخادع نفسه ... فموعده حرّان نصف المحرّم

_ [1] عضهه: كذب، وسحر، ونمّ. القاموس.

الخوارج في ولاية عبد الله بن عمر العراق ليزيد بن الوليد الناقص إلى آخر أيام مروان بن محمد

بسم الله الرحمن الرحيم الخوارج في ولاية عبد الله بن عمر العراق ليزيد بن الوليد الناقص إلى آخر أيام مروان بن محمد أمر بسطام الشيباني في أيام مروان بن محمد: قال علي بن محمد المدائني وغيره: خرج بسطام الشيباني، وكان يرى رأي البيهسية، ويقتل الأطفال، وكان يقول: أقتلُ المخلوق فألحقه بالخالق. وكان خروجه في شعبان سنة ست وعشرين ومائة بآذربيجان في ثلاثة عشر فارسًا، فقتل عاملا لمروان، ومضى إلى الموصل فقدم الموصل ومعه أربعون فارسًا فقاتله يحيى- أو سلمة- بن الحرّ بْن يُوسُف بْن يَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ ببلد فهزمهم بسطام وأقامَ ببلد أيامًا، ثم أتى باقردى فأقامَ بها ما شاء الله، ثم سارَ إلى ألف فارس من أهل الشام كانوا بين نصيبين ورأس العين، فبيتهم فأصابَ منهم طرفًا، ثم أتى نصيبين وفيها المساور بن عقبة فأعطوهُ الرضا، ثم أتى بازبدى [1] ثم أتى الموصل فأعطوه

_ [1] بازبدى وباقردى كورتان متقابلتان يفصل بينهما دجلة قرب جزيرة ابن عمر. معجم البلدان.

الرضا، فنزل الربض الأعلى، وأقامَ شهرًا وأتته رسل مروان يدعونه إلى طاعته ونصرته فأبى عليهم، وسار بسطام إل بلد فأقامَ بِها شهرًا، فتركه ناس من أصحابه وأتوا مروان، فأتى بسطام آذربيجان فلقي اليمان الحميري، وهو من أصحاب الضحاك، وقد اعتقد وأرادَ أن يأتي مروان فقتله بسطام فسرّح إليه عاصم بن يزيد الهلالي وهو على أرمينية وآذربيجان رجلا يُقالُ له عبد الملك في ستة آلاف، فقتل عبد الملك وهزم أصحابه وقتل منهم بشر، ثم سار بسطام فأتى الحناية من أرض الموصل في يوم سوق فقتل ثمانين رجلا، وأقامَ عشرين يومًا، ثم أتى شهر زور فلقي عاملا لمروان يُقال له جدار بن قيس فلم يقاتله، وسار فلقي أكرادا فقتلهم، ثم سار إلى العراق وأتى المدائن فلقي بالمدائن عاملها غزير بن المتوكل وهو في ألفين فهزمه، وسرح إليه شجرة بن زهير أحد بني تَيم بن شيبان فهزمه بسطام، فوجه إليه مروان الخيبري فبيّته فقتل بسطام وعامة أصحابه وتفرق بقيتهم. فقال الشاعر: حَيّا الإله الخيبريّ الذي ... ألحقَ روح الفاسق المارق بالنار يصلاها كما أنه ... قد يلحق المخلوق بالخالق

أمر الضحاك بن قيس بن حصين بن عبد الله بن ثعلبة الشيباني

أمر الضحاك بن قيس بن حصين بن عبد الله بن ثعلبة الشيباني من بني ذهل بن شيبان. قالوا: بويع الضحاك بن قيس بعد سعيد بن بهدل، فأراد حين بايعوهُ أن يأتي الشام فأبى عليه أصحابه، فوجّه حَبناء بن عصمة الشيباني إلى تكريت فغلب عليها، ووجّه أبا الدبس أحد بني تيم الله بن شيبان إلى حولايا وأرضها، ورجلا آخر إلى الدَّسْكرة فلقي أبو الدبس جُمَيْع بن مقرن وحُرَيْث بن أبي الجهم الكلبيين، فقُتل جَميع بن مقرن، وانهزمَ حريث حتى أتى المدائن، ولقي الرجل الآخر الذي وجهه إلى الدسكرة سعيد التنوخي فقتل وانهزمَ أصحابه، فوجه عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ الأصبغ بن ذؤاله، ويُقال ابنه حمزة بن الأصبغ إلى المدائن فقاتل أبا الدبس، وارتجز الأصبغ فقال: أَعْدَدْتُ للدبس ورهط الدبس ... طعنًا يُنَسِّيهم سؤال الحمس وتَحاجزوا وجاء حبناء بن عصمة إلى المدائن فلما قدمها حبناء عبر الأصبغ دجلة وقطعَ الجسر وصارَ إلى الكوفة. وأقبلَ الضحاكَ من شهر زور في ثلاثة آلاف ويُقال في أربعة آلاف

وعلى مقدمته عبيدة بن سوار في أربعمائة فانتهى عبيدة إلى جسر النهروان، وعليه قائد لأهل الشام في ألفين، وقد قطعَ القائد الجسر فشتموا عبيدة وأصحابه، فقال عبيدة: إِنَّا لم ندع الأموال والأهلين ونحنُ نبالي ما قلتم فاختاروا واحدة من ثلاث: إما أن تجيبونَا إلى أمرنا وتجنحونَ إلينا، وإمّا أن تعقدوا الجسر وتعبروا إلينا ونعطيكم موثقًا ألا يعرض لأحد منكم حتى تتاموا قبَلنا فنحاكمكم إلى الله، أو تعطونا عهدًا- وما أنتم بثقة- ألا تهيجوا أحدًا منا حتى يعبر إليكم عشرة فيقاتلونكم، فإن قتلتموهم عبر إليكم مثلهم حتى تأتوا على آخرنا أو نظفر. فأبوا. وعقد الضحاك بن قيس الجسر وعبر أصحابه إلى المدائن، فكتب إليه القعدُ الذين بالكوفة مع أَصْعَرَ بن عبد الرحمن، وكتب إليه عاصم بن الحدَثان فسرّه ذلك، وقال: قد آن لَهُم أن يكتبوا إليّ، وكان كتاب عاصم مع جميل العجلي: «أمّا بعد فإني أوصيكَ بتقوى الله الذي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين وما تخفي الصدور [1] فإنه قال: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من قبلكم وإياكم أن اتّقوا الله [2] . واعلم يا أمير المؤمنين أن لكل عمل عند الله جزاء: إنْ حسنًا فحسنٌ، وإن سيّئًا فعقوبة، إلا ما عفا الله عنه، واذكر نعمة الله عليك وعلى المسلمين إذ كثركم بعد القلة وأعزكم بعد الذلة، كتبتُ إليك يا أمير المؤمنين وأنا ومن قِبلي من المسلمين في نعم علينا من الله سابغة، نسأل الله تَمام ذلك بِكمال الإسلام والعون والنصر، وقد وجهت إليك مع حُميد

_ [1] سورة غافر- الآية: 19. [2] سورة النساء- الآية: 131.

عصابة من المسلمين نفروا رغبة في الجهاد، واعلم يا أمير المؤمنين أنك مسؤول عما استُرعيت ومحاسَب بِما كتبت يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وبينه أمدا بعيدا [1] . فكتب إليه الضحاك: «قد قدم علي حُميد العجلي بكتابك وفهمت ما أمرت به من طاعة الله فنسأل الله أن يجعلنا وإيّاك ممن يأمر بالمعروف ويَنْهَى عن المنكر، ويُسارع إلى الخيرات. وقد قدمت العصابة وهم على ما وصفت في الرغبة في الخير إن شاء الله، فجزاهم الله عن أنفسهم وإخوانَهم خيرًا ما جزى الغازين في سبيله، ونحنُ ومن قبلنا من المسلمين على أحسن حال، نسأل الله أداء شكره والسلام. وكتب بسطام بن المثنى» . وأقام الضحاك بالمدائن أيامًا فكان رجل من أصحابه ينادي في كل صباح: يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنة، وكان في أصحابه رجلٌ مريض فإذا سمع النداء قام إلى فرسه فأسرجه. فلما كثر ذلك قال: ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلة ... بعيدًا من اسم الله والبركاتِ ثم سار الضحاك من المدائن وقدّم إلى الفرات مسكين بن الحسن المحلمي، فلقي على الفرات عبيد الله بن العباس بن يزيد بن الأسود بن سلمة بن حجر بن وهب بن ربيعة بْن مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن مُعَاوِيَة بْن ثور، وهو كندي، فلما رآهُ عبيد الله قطع الجسر ورجعَ إلى الكوفة، فأرادَ عبد الله بن عمران أن يوجه إليه الأصبغ بن ذؤالة ليمنعه من العبور، فقال له

_ [1] سورة آل عمران- الآية: 30.

عبيد الله بن العباس: عبوره أيسر علينا من طلبنا له فدعه فليعبر. فأخذ برأيه. وسرّح مسكين الخارجي خيلا فصعدت بالسفن فعقدوا الجسر وعبروا، وقد خندق أهل الكوفة على أفواه السكك، فاقتحمَ مسكين الخندق ثم رجع، فسار الخوارج إلى النخيلة فنزلوها في سنة تسع وعشرين ومائة، وابن عمر بن عبد العزيز يومئذ يقاتل النضر بن سعيد الحرشي قبل ذلك أربعة أشهر في العصبية بين أهل اليمن والقيسية: أهل اليمن مع ابن عمر، والقيسية مع النضر بن سعيد، فلما نزل الضحاك النخيلة أرسلَ ابن عمر إلى النضر: إن هذا المارق يريدني ويريدك فهلمّ فلتكن اليدان عليه جَميعًا ثم ننظر. وسفر بينهما العباس بن عبيد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بَبَّةَ بْن الحارث بن عبد المطلب، فأصابه سهم فقتل، ويُقال إنه قتل قبل ذلك، وكان السفير غيره، فصاروا جَميعًا يدًا على الضحاك بن قيس. قالوا: وأصبحوا غداة أربعاء فساروا إلى الخوارج، فالتقوا فقتل من الخوارج يومئذ أربعة عشر رجلا ونِسْوَة، ثم التقوا من الغد فاشتد الأمرُ بينهم وجعل رجل من الخوارج يرتجز ويقول: يا نفسُ من طول الحياة ملّي ... وعيشك المقطع المولّي عَلّي ألقى عاصمًا لعلّي ... في جنة عالية وخل وبيهسٍ وكهمسِ المصلّي فحمل عليه عبيد الله بن العباس بن يزيد فحاد عنه الخارجي فقال له عبيد الله: تتمنى الجنة وتحيد؟ فقال: أحيد لما هو شرٌّ لك يا عدو الله.

وأبلى يومئذ عاصم بن عمر بن عبد العزيز فلم يعرض له فارس إلا قتله، فحمل عليه البرذون بن مؤرّق الشيباني فضربه عاصم على رأسه، وحمل رجل من الخوارج على عاصم فاختلفا ضربتين فقتل عاصم الخارجي ووقعت ضربة الخارجي في رأس عاصم فأثقلته، وبقي ثابتًا على فرسه، ونظر إليه البرذون بن مؤرق الشيباني فرماهُ بنفسه فطعنه فأرداهُ عن فرسه فسقط ميّتًا، وتناول البرذون عمودًا كان على سرجه فإذا عليه مكتوب عاصم بن عمر. واشتد عليهم الحرّ وهم يقاتلونَ، فوضع جعفر أخو عبيد الله بن العباس بن يزيد بيضته عن رأسه يتنفس ويتروّح وهو على شرطة عبد الله بن عمر، فقال عبد الملك بن علقمة العبدي: إني لأحسبُ هذا من فراعنتهم، وحمل عليه فطعنه جعفر في فمه فكسر ثنيته وجرحه في طرف لسانه، فوحش ابن علقمة برمحه وانتضى سيفه وحمل عليه فضربه على هامته فاعتنقَ فرسه، ودعا ابن أخيه وابن عمه: يا هيثم. فأقبلَ نحوه فعرضه رجل من الخوارج فضربه فَفَلَقَ جبين هيثم، ثم برأ بعدُ فكان يُقال له ذا الوجهين. واتبع عبد الملك جعفرًا فلحقه فعانقه فسقطا إلى الأرض فقتله، وانهزمَ ابن عمر وأهل الشام، فانتهى أهل الشام إلى حصّ قد أضجعته الريح فاقتحمه النضر بن سعيد في فوارس فلم يروا منفذًا فقالوا: هلكنا سيحرقونه علينا، ثم وجدوا منفذًا فخرجوا منه. ولحق الخوارج هبيرة بن عبد الرحمن بن حسان بن المنذر بن حسان الضبيّ، وابنًا لأبي سماك فقتلوهما، وجاء الخوارج الخندق فوقفوا مليًّا ثم رجعوا إلى معسكرهم وحمل الناس قتلاهم ودفن آل الأشعث عاصم بن عمر بن عبد العزيز في دورهم.

ثُمَّ التقوا يوم الجمعة، ولقيهم الأصبغ بن ذؤالة في عشرة آلاف فهزمهم الخوارج حَتَّى دخلوا حيطان الكوفة، فلما أمسوا خرج قواد من قواد ابن عُمَر من اليمانية: منصور بن جمهور، والأصبغ بن ذوالة، وخرجت القيسية مع النضر بن سعيد إلى واسط، وهو يريد أن يغلب عليها، فأصبح ابن عُمَر وقد تفرق الناس عنه فحمل الأموال وارتحل فسبقته القيسية إلى واسط، فأرسل إلى النضر بن شبيب بن مالك الغساني، وهو عامل ابن عُمَر عَلَى واسط فقال: افتح لنا باب المدينة لتكون أيدينا واحدة، فأرسل إليه: يا بن السّقاء، يا بن نسعة، قد كنت أحسب أن لك عقلا، كيف أفتح لك باب المدينة وقد عرفت غدرك. الحق بطريق البريد مقعد أبيك فهو أشبه بك. وقدم ابن عُمَر بأثقاله فدخل المدينة، ومات عامله شبيب بن مالك يوم دخل ابن عُمَر المدينة فقالت القيسية: لا ندعكم تعبرون به، فسفروا بينهم حَتَّى أذنوا لَهم أن يعبروا بالجنازة قوم لا سلاح عليهم ودخل الضحاك الكوفة فوجد فِي دار المختار قومًا من أهل الشام فَمَنَّ عليهم، ووجد قومًا فِي دار بلال بن أبي بردة فقاتلوه فقتلهم وأمن الناس. وبعث أبا الرجال وحبناء بن عصمة وعكرمة فباعوا الغنيمة عِنْد قصر الكوفة، وذلك فِي أول يوم من شهر رمضان، وكان من رأي أصحاب الضحاك أن يستعرضوا أهل الكوفة، فمنعهم الضحاك ذلك، فلما دخلوا الكوفة تلقّوهم بالأسوقة، فقال الضحاك: ألم أخبركم بأن لكم بِهَا إخوانًا يكتمون إيمانهم فِي دار الكفر، فمر رجل من الخوارج برجل عَلَى باب داره وكان عظيم البطن فقال له الخارجي: أصائمٌ أنت؟ قَالَ: نعم. قَالَ:

استيلاء الخوارج على الكوفة

ما بطنك ببطن مؤمن ولولا أني أكرهُ أن أفسد سناني بِما فِي بطنك لأخرجته من ظهرك، وجنح إلى الضحاك عبيد الله بن عباس الكندي. [استيلاء الخوارج على الكوفة] وقال هشام ابن الكلبي: شهد عُبيد الله الخوارج بالكوفة وهم يقتتلونَ بين الحيرة والكوفة أيام الضحاك، مع جعفر بن العباس بن يزيد الكندي أخيه، فقتل جعفر، وجنح عبيد الله إلى الخوارج فقال أبو عطاء السندي: ألا يا عبيد الله لو كان جعفر ... هو الحي لم يَجنح وأنت قتيلُ ولم يتبع المرّاق والثأر فيهم ... وَفِي كفّه عضب الذباب صقيل جنحت وقد أرادوا أخاك وأكفروا ... أباك فماذا بعد ذاك تقول تركت أخا شيبان يسكب بزّه [1] ... ونجّاكَ خَوّار العنان رجيل فلا وصلْتكَ الرحم من ذي قرابةٍ ... وطالب وَتْرٍ والذليل ذليل فلما أنشده قوله: فماذا بعد ذاك تقول؟ قَالَ: أقول أعضّك الله ببظر أمك. وقال رجل من الخوارج: نحن عبرنا الخندق المقعّرا ... يوم لقيناكم وجزنا العسكرا حَتَّى قتلنا عاصمًا وجعفرا ... والفاسق الضبيّ لَمّا أدبرا واليمنيين ومن تنزّرا ... لا تحسبوا ضرب الشراة سكّرا وقال عبدُ الله بن عمر يرثني أخاهُ عاصمًا: لعمري لقد نادى المنادي فَأَسْمَعا ... بصوت رفيع حين نادى فأوجعا غداة نعى يوم النخيلة عاصمًا ... فأبكى العيون الجامدات وأقطعا في أبيات.

_ [1] يسكب بزه: يضع سلاحه. انظر القاموس.

وقال خلف بن خليفة يرثي عاصمًا: ألم يك عَاصِم ذخري فدلّتْ ... مَنيَّتُهُ عَلَى ذخري المنونا وكان من المودَّة نُصب عيني ... فأمسى غاب فِي المتغيّبينا تقدمَ صابرًا وثوى شهيدًا ... فلستُ أَعدُّه فِي الميّتينا فِي أبيات. وقال ابن الكلبي: كَانَ ابن بيض الشاعر نديمًا لعمر بن الغضبان بن القبعثري الشيباني، وكان مع عَبْد الله بن عُمَر عَلَى شرطه، ثُمَّ صار مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ الله بن جعفر حين خرج، ثُمَّ أراد الجنوح إلى الضحاك فجاء حَمْزَة بن بيض الحنفي يستشيره، والخوارج يومئذ بالكوفة فأخبر ابن عُمَر أَنَّهُ قد عزم عَلَى الخروج معهم، فقال ابن بيض: عُمَر الخير ما ترى يا بن غضبان فِي الشرا ... أترى لي نفسي فداؤك من نازل الردى ترك سردابك المبلّط فِي طيب الثرى ... وشراب مشعشع جيد ليس يشترى من فلان ولا فلان ولكن من القرى ... وجَوَارٍ بيضُ الوجوه دجوجية الذرَا أنت خير من أن ترى ذاك يا بن القبعثرى قَالَ عُمَر: فلم استشرتني يا فاسق إن كَانَ رأيك هذا؟ وقال ابن بيحان لابن بيض حين دخل الضحاك الكوفة: لو لقيته فأخبرته عَن أهل بلدك وقومك فإن لك لسانًا وبيانًا، فقال ابن بيض: ألا لا تلمني يا بن بيحان إنني ... أخافُ عَلَى فخّارتي أن تحطما فلو أنني لو شئت ابتاع مثلها ... من السوق ما باليتُ أن أتقدما قَالَ أبو الكردي: لما غلب الضحاك عَلَى الكوفة ولاها ملحان بن معروف الشيباني، فخرج ابن الحرشي يريد الشام، فعارضه ملحان فقتله ابن الحرشي وهو النضر بن سعيد.

قالوا: وأقام الضحاك بالكوفة إلى شوال، ثُمَّ استخلف عليها ملحان بن معروف التيمي وعداده فِي بني شيبان، وسار إلى واسط، فلمّا بلغ النضر بن سعيد الحرشي مسيره شخص يريد مروان بالشام فِي نحو من ألف من أهل الشام، ومعه أبو أمية الثقفي، وعطية البعلي، وأقام نباته وجماعة من القيسية فِي الجانب الشرقي، ووادعوا ابن عُمَر، وأعابوه فعرض ملحان بالقادسية للنضر والقيسية فناشدوه الله وقالوا: إنا لا نريدُ القتال. وكان مع ملحان قادم الذكواني فقاتلهم فقتل ملحان، ورجع قادم إلى الكوفة فقال بعض الحرورية: سقى الله ملحانًا وبيّض وجهه ... كما جاهد الأحزاب يوم القوادس ورثاهُ حبيب بن جدرة، ورثى عَبْد الملك بن علقمة فقال: كابن ملحان فينا من أخي ثقة ... أو كابن علقمة المستشهد الشاري من صادق كنت أصفيه مخالصتي ... فباعَ دارًا بأغلى صفقة الدار إخوان صدق أرجيهم وأخذلهم ... أشكو إلى الله خذلاني لأنصاري فلمّا قدم الضحاك حصر ابن عُمَر، فقال ابن عمر لكاتبه الربيع بن سليمان: اعرض الناس فعرضهم فكانوا ثمانية آلاف فقال: ما هَؤُلَاء بشيء فما الرأي؟ قَالَ: إن بواسط خلقًا لا يلقاكَ الضحاك بِمثلهم. قَالَ: فاعرض فعرض لعشرة آلاف. وقاتل الضحاك فكان نباتة يوجه ابنه مُحَمَّد بن نباتة فِي القيسية فيقاتلونَ الضحاك ومعهم إسماعيل بن عَبْد الله البجلي فِي قوم من اليمانية، ثُمَّ يرجعونَ إلى المدينة الشرقية بواسط، ثُمَّ تركهم إسماعيل وشخص إلى البصرة. وكتب نباتة إلى مروان بذلك فكتب إليه مروان كتابًا لطيفًا أمره فيه

بالاستقامة عَلَى منهاجه، والمداومة عَلَى أمره، وندم إسماعيل عَلَى ما كَانَ منه فقاتلهم الضحاك ستة أشهر ويُقال سنة عَلَى باب المضمار، وباب الزاب، وكان يلي قتال الخوارج منصور بن جمهور، ولم تكن القيسية بِمناصحة لابن عُمَر فقتل منصور يومًا رجلا من عُبَّاد الخوارج فِي المعركة يُقال له عكرمة، وجُرح منصور جراحة خفيفة، فأمر له ابن عُمَر بثلاثين ألفًا. ثُمَّ قاتلهم منصور عَلَى باب الزاب، فاستعلى الخوارج، وأكثروا القتل فِي اليمانية، وقتل من الخوارج عَبْد الملك بن علقمة العبدي، طعنه منصور فقتله، وحملت عليه أم العشنزر فأخذت بلجام دابته وضربته ضربة خفيفة، وضربها منصور ضربة شديدة، وقتل أبي جحشنة أخي الضحاك. ودنا الخوارج من المدينة فأمر ابن عُمَر بدواب [1] مقاريف فألبست المشاقة [2] ، ثُمَّ أشعل فيها النار وأُرسلت فِي عسكر الخوارج فذعرتهم وأحرقت فساطيطهم وأخبيتهم، ولم تَمر بشيء إلا أحرقته، فتركوا خيولهم وتركوا عسكرهم، ونزلوا عَلَى أربعة فراسخ منه، ثُمَّ تدانوا فصاروا من ابن عُمَر عَلَى فرسخ أو فرسخين، وخرج منصور بن جمهور فقاتله الخيبري وأصحابه عَلَى باب البصريين أشد قتال حَتَّى تعانقوا، وقتل عَبْد الحميد الكلبي وهو ابن عَم منصور، وقاتل ابن عُمَر الضحاك من ناحية باب الزاب، ثُمَّ تحاجزوا، فقال منصور لابن عُمَر: ما قاتلت مثل هَؤُلَاء القوم عربًا ولا عجمًا. فقال ابن عُمَر: الرأي أن نعطيهم الرضا ونضرب بهم

_ [1] المقرف من الفرس وغيره: ما يداني الهجنة، أي أمه عربية لا أبوه، لأن الاقراف من قبل الفحل والهجنة من قبل الأم. القاموس. [2] المشاقة: ما سقط من الشعر أو الكتان عند المشط. القاموس.

الضحاك بن قيس

مروان. [الضحاك بن قيس] فأجمعَ ابن عُمَر عَلَى مصالحتهم، وبعث رسلا إلى الضحاك فدخلوا إليه وهو يتعشى فدعاهم إلى العشاء فأبوا فقال: إنه عدس طيب وخلّ وزيت، فكلّموهُ وسفروا بينه وبين ابن عُمَر فاصطلحا عَلَى أن يسير الضحاك إلى مروان فإن قُتل الضحاك فليس لأحد فِي عنق ابن عُمَر بيعة، وإن قتل مروان صار ابن عُمَر مع الضحاك. فقال الضحاك: لا بدّ من أن ألتقي وابن عُمَر. فالتقيا مع هذا فوارس، ومع هذا مثلهم، وكان سليمان بن هشام خرج عَلَى مروان فلقيه فأوقعَ به وحوى عسكره، وكانت وقعته بخُساف أو قربها فصار إلى العراق ومعه قومٌ من أهل بيته، وكان سليمان خليفة إِبْرَاهِيم بن الوليد عَلَى عسكره، ثُمَّ صار مع مروان فأكرمه ثُمَّ خرج عليه وحاربه فبايع سليمان بن هشام، وأبان بن معاوية بن هشام. وداود بن سليمان بن عَبْد الملك الضحاك، وكان الذي تولى أخذ البيعة للضحاك عبيدة بن سوار. قالت أم العشنزر لِمنصور: قطع الله يدك إذ لم تدخل النار عَلَى يدي. وأرزق الشهادة عَلَى يدك. وبايع ابن عُمَر اليمانية وأبت القيسية أن تبايع، ومضوا إلى الشام ابن نباتة وأصحابه، واستعملَ الضحاك عَلَى الكوفة المثنى بن عمران العائذي، من عائذة قريش. [أبيات في رثاء قتلى الخوارج] وقال شبيل بن عزرة: ألم تر أن الله أنزل نصره ... وصلت قريش خلف بكر بن وائل ولم يكن شُبيل يرى رأي الخوارج، ولكنه قَالَ هذا بالتقيَّة، بلغ الضحاك عنه شيء فخافه. وقال شبيل بن عزرة:

حَمدنا الله ذا النعماء أنا ... نُحكم ظاهرين ولا نبالي برغم الحاسدينَ لنا وكنا ... نسر الدين فِي الحجج الخوالي مخافة كل جبارٍ عنيدٍ ... غشوم من جبابرة الرجال ندين بدين ضحاك بن قيس ... ومسكين ودين أبي بلال ومروان الضعيف وخيبريٍ ... أولئك منتهى النفر النبال قالوا: فأقام الضحاك بواسط إلى شهر ربيع الآخر، ثُمَّ سار إلى المدائن، فقدم عليه عذار بن بيهس السدوسي فِي وفد من خراسان، فجمع لَهم من أصحابه شيئًا وصلهم به. قالوا: وكان مروان متشاغلا بأهل حمص، وكان معه رجال من البيهسية من أصحاب بسطام، منهم عثعث التغلبي وابن عم له، فقالا لِمروان: اندب معنا قومًا إلى الضحاك، فندب خمسة آلاف فيهم الدبّ القيسي ومروان بن البختري القرشي. وبلغ الضحاك مسيرهم فوجه الخيبري وَالْحَسَن بن منصور فِي خيل، وكان القطران بن أكيمة عَلَى الموصل، فنهى البيهسية من أصحاب مروان عَن قتال أصحاب الضحاك، فلم يقبلوا وأوقعوا بالبيهسية وأسر الدب فمنّ عليه الضحاك. وأتى الْحَسَن بن منصور قطران، فقاتله قطران، ويُقال بل قتل الْحَسَن القطران، وكتب مروان إلى ابنه عَبْد الله، وهو عَلَى معونة الجزيرة يأمره بنزول نصيبين، وكتب مروان إلى الضحاك كتابًا يقول فيه: «قد كَانَ لك فِي نفسك شغل بإصلاح فسادها عَن سفك الدماء» ، فأجابه الضحاك بكتاب يقول فيه: «إن أعظم الشغل وأولاهُ بالإيثار أداء ما فرض الله من جهاد الكفار والمنافقين» .

وتكاتبا مرات، وسار الضحاك وعلى مقدمته مسكين اليشكري وأتى نصيبين فحصر عَبْد الله بن مروان، وبث خيوله فِي أرض الجزيرة فضج أهلُ الجزيرة إلى مروان، فقال إسحاق بن مسلم العقيلي لِمروان: إن الخوارج قد انتشروا بأرض الجزيرة وأحرقوا واستعرضوا وأنا خائفٌ أن يرفض من معك مراكزهم ويلحقوا بحرمهم وأنت مقيمٌ عَلَى هَؤُلَاء. فقال مروان: لو أحاطت الأعداء كلها بي ما برحتُ أو أفتح حمص أو أُقتل. وكتب مروان إلى ابنه عَبْد الله أن اكتب إلى يزيد بن عُمَر بن هبيرة فليأتك، وابن هبيرة يومئذ بنهر سعيد [1] قد وفقه مروان هناك، فكتب إليه: لا حاجة بنا إلى ابن هبيرة لأنا لا نأمنُ أن يكرّ الناس إلى ما قبلنا فيغلو السعر، وفيمن قبلنا كفاية وليسر ابن هبيرة إلى العراق فإنها شاغرة وقد خرج عنها الضحاك. فأعجب مروان ذلك من رأي ابنه عَبْد الله وقال: بأبي أنت وأمي. فكتب إلى ابن هبيرة أن يسير إلى العراق، ونصب مروان المجانيق عَلَى حمص حَتَّى طلبوا الأمان، فأمن الناس غير سعيد بن هشام والسمط بن ثابت، ورجل من بني سليم، ورجل يهودي، وهدم حائط المدينة فقال بعضُ الحمصيين. يا حمص ويحك لا تجزعي ... قصصك الجعدي سكنينه وارتحلَ مروان يريدُ الضحاك، فنزل بحران بباب التبن، وكتب إلى معاوية بن يزيد بن حصين بن نُمير السكوني بحمص، وإلى زامل بن عمرو

_ [1] نهر سعيد نهر دون الرقة من ديار مضر. معجم البلدان.

بدمشق، وإلى ثعلبة بن سلامة بالأردن، وإلى الرّماحس بن عَبْد الْعَزِيز الكناني بفلسطين أن يوجهوا إليه فرسان أهل الشام. ونزل مروان كفرتوثا وقال: ما صنعَ أحد ما صنع عَبْد الله بن عُمَر، ضربني بعشرين ألف سيف واتكأ بواسط، إنه لأدهى العرب. وقال أصحاب الضحاك له: قد اجتمعَ لك ما لم يَجتمع لرجل عَلَى رأيك منذ اختلف الناس، فلا تباشر القتال بنفسك، ووجّه الخيل وكن ردءًا للمسلمين تمدهم إن أرادوا المدد. فقال: مالي فِي الحياة أرب، وقد أعطيتُ الله عهدًا إن ضَمَّني وهذا الجبار معسكر لا أدع جهدًا، فقاتله ثلاثة أيام، ومع الضحاك سليمان بن هشام فِي ذكوانيته، ومن انضم إليه من أهل الشام، ورفاعه بن ثابت، وعصمة بن المقشعر الكلبي، فالتقوا ووقف الخوارج عَلَى تل فأزالهم أهل الشام عنه، ووقفوا عليه فقاتلهم الخيبري، فأزالَ أهل الشام عَن التل ووقفَ عليه سليمان بن هشام فِي الذكوانية، فكره مروان موقفه وقال: يتعلم غلمان بني أمية عَلَى الطعان، وانصرفَ إلى عسكره، ورجع الخوارج مسرورين، فلمّا أصبحوا قَالَ الضحاك: أما منكم أحد يشتاق إلى الجنة ويحب لقاء ربه؟. وأنشدهم شعرًا قيل فيمن مضى من الخوارج، وبكى فاقتتلوا طويلا والخيبري يقول: أَيهن بني شيبان طعنًا تَتْرَى ... طعنًا يرى منه القنا محمرا يترك ذا الضغْن به مزوَرّا ... يركب ردعا للردى مقرّا فلعنة الله عَلَى من فَرَّا [1] وباشر مروان القتال وهو يقول:

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 222.

أربعة تَحمل شيخًا رائعًا ... مجربًّا قد شاهدَ الوقائعا قد صادفت شيبان مُلْكًا ضائعا ويروى: سُمًّا ناقعا. وأصابت الضحاك جراحة، فقال: ليس كل من طلب الشهادة رُزقها. وتَحاجزوا وخرجوا فِي اليوم الثالث وخرج الضحاك وقال: لا أرجع اليوم إلا أن يأبى ربي، ولستُ أملك إلا فرسي وسلاحي، وعليّ سبعة دراهم منها ثلاثة فِي كمي فاقضوها عني وقال: ليس أمير القوم بالخَبِّ الخدع، ثُمَّ ترجل وقال: إن قتلت فليصل بكم شيبان بن سلمة، ويُقاتل عدوكم الخيبري، ولم يعهد إلى أحد. والتقوا نصف النهار وصبروا وصبر أهل الشام فكثرت بينهم القتلى، وهزمت الميمنة التي لِمروان ميسرة الضحاك، واقتتلوا حَتَّى أمسوا، وقتل من الخوارج خلق، وقتل الضحاك عِنْد المساء ولم يعلم مروان بقتله فلما كَانَ فِي الليل جاء مروان رجل من عسكر الضحاك فأخبره بقتله، فأرسلَ مروان من طلبه فِي القتلى فوجده وبوجهه ضربات فاحتزَّ رأسه وأتى به مروان. قالوا: فقال الخيبري لشيبان: يا أبا الذلفاء ولّني قتال القوم، فإذا قُتلت فالمسلمونَ عَلَى رأيهم. قَالَ: نعم. فلم يقاتلهم ثلاثة أيام، وخرج فِي اليوم الرابع فحضّ الناس ثُمَّ لقيهم وعلى ميمنة مروان ابنه عَبْد الله، وعلى ميسرته إسحاق بن مسلم، فانهزمَ يومئذ مروان وضربه رجل ضربة قطعت حمائل سيفه، وضربه مروان فقطعَ يده. ويُقال إنه قاتله فِي صبيحة الليلة التي قتل فيها الضحاك وكان يرتجز:

إن تك مروان فإني الخيبري ... أضرب بالسيف عَلَى حكم النَّبِيّ سابغة درعي حصين مغفري [1] وهاجت ضبابة شديدة فلم يبصر بعضهم بعضًا، ودخل الخيبري عسكر مروان، وانجلت الضبابة وليس مروان فِي العسكر، وظن الخيبري أن مروان قد قتل، واعترضَ العسكر جماعة من أصحابه فقاتل ومعه أبو كيلة وهو يقول: قد فَرَّ مروان عَن الرفاقْ ... نجّاه منا أعوجي باقْ يظلّ يُمريه بعظم الساق [2] ونادى سليمان بن مسروح البربري مولى مُحَمَّد بن مروان- وكان فِي حرس مروان-: كل عَبْد جاءنا فهو حر. فاجتمعَ إليه من العبيد والموالي وغيرهم خلق، فقتل الخيبري، دخلوا عليه وهو عَلَى فرش مروان فضربوهُ بالعمد. وبُشّر مروان بِمقتله، وخرج مروان إلى الناس. وبايعت الخوارج يعقوب التغلبي فقتل، فبايعوا مسكين اليشكري فقتل، فبايعوا شيبان، ويُقال إنَّهم بايعوا شيبان حين قتل الضحاك فكان شيبان الذي ولّى الخيبري القتال. وقال الشاعر فِي قتل الضحاك والخيبري ويعقوب: هم ضربوا الجنود بكفرتوثا ... وهُمْ نزلوا وقد كُرَه الزحام سقى بلدًا تضمّن خيبريا ... ومسكينا ويعقوب الغمام

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 223. [2] ديوان شعر الخوارج ص 223.

هُم ضربوا عَلَى فرع المنايا ... ولم يُفزعهُم الجيش اللهامُ [1] وكان عَبْد الله بن عُمَر وجَّه أبا الرمح بن عُمَر، فأخبره الخبر. وقالت امرأة من الخوارج ترثي أخاها: مَنْ لِعَيْنٍ رَيَّا من الدمع عَبْرَى ... ولنفس من المصائب حَرَّى أفسدتْ عيشنا صروف الليالي ... ووقاع من الكتائب تَمْرَى كلما سكنت حرارةُ وَجْدٍ ... مِنْ فَقيدٍ منا شُجِينا بأُخرى فِي أبيات. وقالت أيضًا: يا عين جودي بالدموع ... وابكي بِجهد المستطيع يا موتُ ويحك ما تَزَالُ ... مفرقًا بين الجميع [2] أبكي وما يُغني التلهف ... والبكاء عَن الجَزُوع وقال حبيب بن خَدْرَة مولى بني هلال وقد صار بعد منهم. أبكي الذين تبوأوا الْغُرَفَ الْعُلَى ... فَجَرَتْ لَهم من تحتها الأنهارُ أبكي لنفسي لا لَهُمْ أبكيهم ... لا صبر حيث تعارف الأبرار [3] فِي أبيات وقد قيل فيهم شعر كثير.

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 236، وكفرتوثا قرية كبيرة من أعمال الجزيرة بين دارا ورأس عين. [2] ديوان شعر الخوارج ص 225. [3] ديوان شعر الخوارج ص 230.

أمر شيبان بن سلمة الأكبر الشيباني

أمر شيبان بن سَلَمة الأكبر الشيباني قَالَ أبو الْحَسَن المدائني وغيره: لَمّا قتل الخيبري غادى شيبان أهل الشام فقاتلهم حَتَّى انتصف النهار، ثُمَّ رجعَ بعضهم عَن بعض فافترقَ الخوارج، فأتت فرقة منهم الجزيرة، وفرقة العراق، وأقامَ الباقون مع شيبان فقاتلهم مروان فانتصفوا، ثُمَّ تحاجزوا، فارتحلَ شيبان إلى الزابين، وسليمان بن هشام معه، فخندق شيبان وأتاهم مروان فخندق فقاتلهم عشرة أشهر، ويُقال تسعة أشهر، ومروان فِي ثلاثين ألفًا، وشيبان فِي خَمسة آلاف فأوسعهم شرا وهزموا مروان فِي تلك الأشهر نيفًا وسبعين مرة، وظفر يزيد بن عُمَر بن هبيرة بالجون بن كلاب بواسط لَمّا توجه من نَهر سعيد واليًا عَلَى العراق، وكان الجون بن كلاب الشيباني- وهو الثبت، بعضهم يقول ابن النعمان- نازلا بالسن [1] رتبه الضحاك بِهَا ليمده بالطعام والعلف، فكتبَ مروان إلى ابن هبيرة يستمده وهو بواسط فأمده بعبيد الله بن العباس بن يزيد الكندي فِي أربعة آلاف، ثُمَّ بعامر بن ضبارة فِي ستة آلاف، فأخذَ عبيد الله بن العباس فِي شرقي دجلة فوجه إليه شيبان ابن السحاج الأزدي

_ [1] السن مدينة على دجلة فوق تكريت. معجم البلدان.

أخبار شيبان بن سلمة

فواقعه فانهزم عبيد الله ورجع إلى ابن هبيرة، فضم أصحابه إلى عَامِر بن ضبارة فأتى ضبارة السن فقاتله الجون بن كلاب الشيباني، وخندقَ ابن ضبارة وقاتل الجون شهرًا وجعل الخوارج يرتجزون: نحن الشراة لا شراة غزَّة ... ولا شراة الكوفة المبتزَّة غزة بعين التمر. ويقولون: نحن بنو شيبان أهل الجنَّة ... نقتلكم على هدى لا ظنّه [أخبار شيبان بن سلمة] وأمد مروان ابن ضبارة بِمصعب بن الصحصح فِي ألفين، فقتل الجون، وقدم فَله عَلَى شيبان، وقوي مروان، وقطع ابن ضبارة عَن شيبان المادة من العراق، وقطع مروان عنهم مادة الشام فضاقَ الخوارج حَتَّى صار الرغيف فِي عسكرهم بدرهم. وخاف شيبان أن يأتيه ابن ضبارة من خلفه فحضّ مروان أصحابه وخرج إليهم فِي يوم أربعاء فواقعهم، ثُمَّ أجمعَ عَلَى أن يغاديهم فِي يوم الخميس، وكان مع مروان رجل يرى رأي الخوارج، فكتبَ إلى شيبان إن القوم مصبحوكَ فاحذر واستعد، ففعل. وزحف إليهم مروان فِي كراديس فشدوا عَلَى الحسن بن منصور اليشكري، وهو فِي ميمنة شيبان، أو فِي ميسرته فأزالوه، وقوّاه شيبان بِمدد فرجع إلى موقعه، وكشفت الخوارج خيل مروان وداست رجالته، وأكثر الخوارج فيهم القتل وصاروا إلى قصر مروان الذي فِي خندقه، فقال حبيب بن خدرة: فلَم أَنْسَهُمْ يوم الخميس وكَرَّهُمْ ... عليه ويوم القصر إذ حُرِسَ الْقَصْرُ ودفعُهُمُ الجعديَّ إذ يطردونه ... وأدركه التحكيم والقضبُ السّمر

فِي أبيات. وقال سليمان بن هشام، ويُقال بل نُحِلَها: وسرتُ مع الضحاك لما تخاذلت ... معاشر أهل الشام شر المعاشر جزى الله عنا الحي بكر بن وائل ... وتغلب خيرًا من محام وناصر هم صبروا يوم الخميس وقد شفوا ... غليل النفوس من سليم وعامر غداة غدا مروان فِي عارض له ... تحرد علينا حَرد أبلج قادر سمونا له منا بجمعٍ معاودٍ ... قراع الأعادي واقتصاص العساكر وفرَّ وفرَّتْ خيله مُبذعرَّةً ... وطارَ به قلب له غير صابر وقال كهمس بن عُثْمَان الرفاعي من بني يشكر لشيبان: وليت المسلمين بكفرتوثا ... عَلَى حالٍ يزلّ به القيام [1] فِي أبيات. وقال رجل من الخوارج: قد علمت خيلُك يا بن الصحصحْ ... بالزابيينِ والعيون تلمَحْ إنا إِذَا صيح بنا لا نبرحْ ... إن الحديد بالحديد يُفْلح لن نبرح الموصل حَتَّى تُفتح [2] وقتل الحباب بن عمير بن الحباب، وقتل شقيق الغنوي فقال بعضُ الخوارج: قَدْ عَلِمَتْ خيلك يا شقيق ... أنك من سُكرك لا تُفيق [3] وقتل عَلَى لواء مروان سبعة عشر رجلا، وقال شيبان: قد ترون

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 241. [2] ديوان شعر الخوارج ص 243. [3] ديوان شعر الخوارج ص 244.

ما نحنُ فيه من الضيق وقد رأيت أن نأتي بلدًا يتسع لكم به المعاش، فمن أراد الجهاد فليمض معي، فصبر معه قوم وتفرقت جماعة من الأعراب فلحقوا بأهاليهم، فأتى آذربيجان فِي أهل البصائر ومعه سليمان بن هشام بن عَبْد الملك، والمعمَّر بن شعبة، وكان ذا بصيرة فيهم، وانصرفَ مروان عَن الموصل وولاها عُثْمَان بن عَبْد الأعلى بن سراقة الأزدي، وهو الثبت، ويُقال زهير بن الأصم. وكتب مروان إلى يزيد بن عُمَر بن هبيرة يعلمه خبر الخوارج، وأن طريقهم عليه، ويأمره بطلبهم وتوجيه الجنود إليهم. قالوا: ووجّه مروان لطلب شيبان أبو سلمة مصعب بن الصحصح الأسدي فِي ألف، وشقيقًا السلمي فِي ألف، وصالِح بن حبيب فِي ألف، وعطيف بن بشر السلمي فِي ألف، وعليهم جَميعًا عَبْد الله بن عَبْد الْعَزِيز بْن حاتم بْن النعمان الباهلي، ووجه ابن هبيرة إليهم خيلا. وأتى شيبان العراق منصرفًا من آذربيجان فنزل المدائن، فقال له المعمر بن شعبة: حَتَّى متى هذا الروغان؟ فقال شيبان: إن فِي مطاولتهم غيظًا لَهم ووهنًا عليهم، وخالفَ المعمر فِي بعض الأحكام ففارقه وصار مع المعمر عامة أصحاب شيبان. وقال المعمر: رأيتُ اليشكري بنا فَرورًا ... فرار الْعَوْدِ لَجَّ به النداد [1] وأتى شيبان الأهواز ومعه سليمان بن هشام ومنصور بن جمهور، ثُمَّ أتى فارس ومنصور معه فكانا مع عَبْد الله بن معاوية، وندم المعمر عَلَى فراق شيبان، وقال لأصحابه: قد وليته فتولوه فقد صدق ما كان قال.

_ [1] العود: الجمل المسن، والنداد: الهرب. ديوان شعر الخوارج ص 242.

مقتل شيبان بن سلمة

ولقي المعمر عَامِر بن ضبارة فقاتله، فأصابت معمرًا جراحات مات منها، وتفرقَ أصحابُ ابن معاوية عنه، فمضى إلى هراة، ومضى سليمان إلى عُمان، ومنصور بن جمهور إلى السند، وتوجه شيبان إلى جزيرة ابن كاوان [1] فأقامَ بِهَا حَتَّى قدم عليه المسيح بن الحواري من قبل أبي العباس فقاتله فانهزمَ أصحاب المسيح والمسيح، وأتى شيبان عُمان فكره الجُلَنْدَي بن مسعود قدومه وقال: تركتُ مُهاجر الضحاك وجئت إلينا؟ فقال: يا أهل عُمان ما تكرهونَ مني؟ أما والله لئن ركبتُ المزنوق وشددتُ عليكم لأكثرنّ فيكم القتل، فنافرهُ الجلندي فقاتلهم حتى قتل. [مقتل شيبان بن سلمة] وكان يزيد بن سالِم الجحدري قَالَ له: هذا الليل فلا تقاتل. فأبى وقاتل ورُمِيَ، وأمسكوا عَن القتال فوُجد ميتًا. وقيل طعنه رجل فِي عينه، ثُمَّ جاءه سهم فمات فِي موضعه، واحتزّ رأسه رجل فنظر إليه يزيد بن سالِم فقال: ثكلتك أمك، أتدري أيّ رأس تحتزّ؟ وكان سليمان بن هشام قد تزوج ابنة شيبان فلمّا قتل شيبان رجع سليمان إلى البصرة، ثُمَّ تزوج امرأة بالكوفة واستؤمن له أبو العباس فأمنه، ثُمَّ أَنَّهُ قتل بعد ذلك. المدائني قَالَ: قَالَ بشر بن محدوج: قد مت من عُمَان وشيبان بجزيرة ابن كاوان، فأُخذت فأُتي بي شيبان فإذا رجلٌ أهتم طويل عَلَى رأسه رجل يُظِله، ثُمَّ قَالَ: ما فعلَ الشيخُ الأزدي؟ - يعني الجلندي بن مسعود- قلتُ: عَلَى ما تحب فِي سمعه وطاعته. فتبسم ثُمَّ قَالَ: لئن بقيت له لأَلْقَيَنَّهُ بفتية يقولون اللهم لا ترجعنا إلى أهلينا.

_ [1] ويقال لها جزيرة بني كان، وجزيرة لافت، بين عمان والبحرين. معجم البلدان.

خبر يزيد بن عمر بن هبيرة والخوارج حين قدم العراق

خبر يزيد بن عُمَر بن هبيرة والخوارج حين قدم العراق قَالَ أبو الْحَسَن المدائني وغيره: كَانَ الضحاك ولى الكوفة سَعْدًا الخصي، وإِنَّما قيل له الخصي لأنه كَانَ أثَطّ [1] وهو من الأزد ثُمَّ عزله وولى الكوفة المثنى بن عمران العائذي من قريش وكان خارجيًّا. ووجه مروان يزيد بن عُمَر بن هبيرة فِي ستين ألفًا وأمره أن ينزل نَهر سعيد، ثُمَّ إنه أمره بإتيان العراق وولاهُ إياه. وبلغَ الضحاك ذلك فوجه الضحاك عبيدة بن سوار إلى الكوفة واليًا عليها ومعه منصور بن جمهور وغيره، وقال قوم: وجهه إلى العراق بعد قتل الضحاك، فبلغَ عبيدة مسيره إلى العراق فسرح إليه المثنى بن عمران ومنصور بن جمهور ومطاعن بن مطيع الأزدي وجحشنة العجلي، فقاتلوهُ بالأنبار وعليهم منصور بن جمهور، فهزمهم ابن هبيرة، وقتل المثنى بن عمران، وقال قوم: لم يقاتلهم بالأنبار ولكنه نزل الأنبار، ثُمَّ مضى إلى عين التمر فعارضه منصور، فالتقوا فقتل المثنى وانهزم منصور وأصحابه فدخلوا

_ [1] الأثط: القليل شعر اللحية والحاجبين. القاموس.

الكوفة، فجمع منصور جمعًا من اليمانية، ثُمَّ خرج إلى ابن هبيرة فالتقوا بالروحاء فقتل البرذون من مورق وانهزمَ منصور فدخلَ الكوفة، ثُمَّ خرج من ليلته فأتى عبيدة بن سوار وهو بالبصرة وأقامَ ابن هبيرة أيامًا ثُمَّ أقبل يريد الكوفة، فلقيه نَصْر بن فراس عامل عبيدة فقُتل نَصْر، قتله أبو عُثْمَان صاحب ابن هبيرة وانهزم أصحاب نَصْر، وظهر ابن هبيرة عَلَى الكوفة وأقامَ بالنخيلة أيامًا فبلغه أن عبيدة، يريد أن يسير إليه، فشخص من النخيلة وولى الكوفة رجلا ومضى يريد عبيدة، ووجه عبيدة مطاعن بن مطيع، فوجه إليه يزيد بن عُمَر بن هبيرة عطية التغلبي فالتقوا عَلَى قناطر السيب، فقتل مطاعن وابنه مجاهد، وقام بأمر عسكر مطاعن رجل يُقال له شيبان بن عَبْد الْعَزِيز الصغير، فقاتل عطية شهرًا وأتاهم عبيدة، واحتفرَ ابن هبيرة خندقًا بين عسكر عبيدة وشيبان هذا، وأظهرَ أَنَّهُ يتحول إليه فغلبه عبيدة وشيبان عَلَى ذلك الخندق فنزلاهُ، وعقدا جسرًا عَلَى الصراة. وعزم ابن هبيرة عَلَى تبييتهم فلمّا صار إليهم وجدهم نيامًا، فكبّر أهل الشام فثار الخوارج إليهم وهم يحكّمون، وجعل أهل الشام يحكمون أيضًا. وقتل بعض الناس بعضًا ثُمَّ اقتتلوا أيامًا فقال عبيدة لأصحابه: حَتَّى متى نحن كذا قبّح الله العيش بعد مُطاعن، فقال له منصور: أذكرك الله فِي نفسك. فلم ينته وخرج هو وأصحابه، وعقر أصحاب عبيدة دوابهم ولم يعقر عبيدة فرسه ثم اقتتلوا وعلى ميمنة ابن هبيرة ابنه داود بن يزيد، عَلَى الميسرة نباتة بن حنظلة، فلقي أهل الشام منهم شرًّا حَتَّى كادوا يستعلونَ، وعبيدة عَلَى تل قد وقف عَلَى فرس له. وقال داود بن يزيد لنباتة: يا أبا المقدام تأخر لي قليلا أحمل عليهم.

فقال له: يا بن أخي أن الرجوع بعد التقدم قبيح بِمثلي، فتقدم داود فحملوا عليه فولّى، فأرسلَ ابن هبيرة إلى خالد بن الغزيل: اضرب داود ثلاثة أسواط فقنعه، ودنا نباتة من التل فانحدرَ عبيدة عَن التل ونزلَ عَن فرسه فغارَ الفرس، فلمّا رأوا الفرسَ غائرًا اضطربَ الناس فقاتلوا قليلا ثُمَّ جالوا فقتل عبيدة وقتل جحشنة العجلي، وانهزمَ فَلّ الخوارج نحو الكوفة، وهرب أبو طالب الحنفي نحو البصرة، وقدم ابن هبيرة وهرب منصور بن جمهور فأتى المدائن فنزل عَلَى عون بن عتاب الجرمي، فأودعه جارية له، وأودعَ حميدًا الأزرق مالا، وأقامَ بالمدائن حَتَّى قدم شيبان الأصغر المدائن، ثُمَّ رجعَ معه إلى فارس، ثُمَّ أتى منصور السند فغلب عليها، ثُمَّ هلك بِهَا. وقال غيلان: لقد جلبتَ الخيل من مغارها ... من غوطة الشام وأقصى دارها فِي لجب أرعن من جرارها ... لا يعرف البلق من اعتكارها كأنها الرايات فِي أقمارها ... عقبان دَجْن الظل فِي أقطارها حَتَّى بعثت الخيل من مغارها ... إلى الصراة وإلى أنبارها لشيخ شيبان وأصل دارها ... ولصّها الداعي إلى بوارها فِي أبيات. وقال أيضًا: يا صاحبي أبشر بِما مُنِّيتا ... من ملك لخيره دُعيتا تريد يا بن الأربعينَ صيتا ... فِي بيت مجد تَجمع الشتيتا سميت بالزائد إذ سميتا ... رآك مروان إذ انتضيتا أهلا لما وُليت إذ وليتا ... نقاوة كنت لما انتقيتا أبليتَ إحسانًا فما نسيتا ... إذ جئت بالصراة مستميتا

جند ابن جمهور بهم أغريتا ... إِذَا خَبَت نارهم حميتا حَتَّى ثُنوا قسرًا وما ثُنيتا ... يقول من مَرَّ به خُزيتا إن كنت عطشانًا فقد رُوِيتَا وكان منصور وقع فِي الماء ثُمَّ أخرج وقال غيلان: لَما رأيت الملحدينَ أسرفوا ... وقادهم للحين دين أحنف رميتهم بذي دهاء تزحف ... قواعد الأرض له وترجف عَمْرًا أصابوا والمثنى أتلفوا ... وأم كردوس نساها ينطف [1] ويوم روحاء العذيب ذففوا [2] ... عَلَى ابن موروق فأضحى ينزف وهرب المجدول ركضًا يزحف يعني منصور بن جمهور. وأم كردوس امرأة عبيدة. وقال مسلم حاجب ابن هبيرة. ألا هل أتى قيسًا وخندف وقعنا ... بأكناف عين التمر فِي حمير الحربِ قتلنا بِها عَمْرو النفاق بكفره ... وأُبْنا بأسرى من تنوخ ومن كلبِ وبالجسر أردينا المثنى وجمعه ... عَلَى حنقٍ والخيل تَجري عَلَى لجب أَذَقْنَا ابن سوار عبيدة حتفه ... وألحقن منصورًا بمنقطع التُرب وقال رجل من غَطَفَان: إِذَا لواء أبي عُثْمَان صبحهُم ... ظنوا بأن المنايا تسبق القَدَرَا لاقوا لدى الحرب آجالا مُعَجَّلةً ... وبالنخيلة ضربًا يجتلي القَصرا [3]

_ [1] النسا: عرق من الورك إلى الكعب. ونطف الماء: سال. القاموس. [2] أي أجهزوا. [3] أي يزيل الأعناق.

أمر شيبان الصغير بن عبد العزيز

أمر شيبان الصغير بن عَبْد الْعَزِيز ومضى شيبان إلى فارس فسار إليه عَامِر بن ضبارة لكتاب يزيد بن عُمَر بن هبيرة إليه فِي محاربته ومواقعته بأقاصي فارس، ثُمَّ صار شيبان إلى جيرفت من كرمان ففضّ عسكره، فهرب شيبان إلى سجستان، ثُمَّ صار من سجستان إِلَى خراسان، فكتب إِلَيْهِ جُديع بن عَليّ- ويُقال ابن سعيد- الأزدي وسعيد أثبت، وهو المعروف بابن الكرماني، وقد خالفَ عَلَى نَصْر بن سيار وخلع مروان. «إنك ونحنُ خالعونَ لمروان، فسر إليّ لنجتمع عَلَى محاربة أوليائه أولياء الشياطين» . فصار إليه فكانا يُحاربان نَصْر بن سيار، وأظهرَ أبو مسلم الميل إلى ابن الكرماني، وبعث إلى نَصْر بن سيار وإلى ابن الكرماني وشيبان: «إني رَجُل أدعو إِلَى الرضا من آل مُحَمَّد، ولستُ أعرض لكم، ولا أعين منكم أحدًا عَلَى صاحبه» . وقوي أمر أبي مسلم، فوجه إلى ابن الكرماني- وقد كَانَ آنسه حَتَّى اغترّ به- من أتاهُ به فحبسه. وَكَانَ أَبُو مُسْلِم قَدْ وادعَ شَيْبَان إِلَى مدة، فوجّه إليه جيشًا فواقعوهُ فكشفوه، فصار إِلَى ناحية أبيورد وأهلها أول من سَوَّد،

فكتب أَبُو مُسْلِم إِلَيْهِ أَن بايع للرضا من آل مُحَمَّد حَتَّى لا أعرض لَك، فبعث إِلَيْهِ: بَل بايعني أَنْتَ. فكتب أَبُو مُسْلِم إِلَى بسام بْن إِبْرَاهِيمَ مَوْلَى بَنِي ليث من كنانة وهو بأبيورد يأمره بِمناهضته فناهضه وقتله وأصحابه إلا عدَّة يسيرة تفرقوا فِي البلاد، ويُقال: بَل صاروا إِلَى نَصْر قبل هربه ثُمَّ تقطعوا.

أمر عمر بن سالم الشيباني

أمر عُمَر بن سالم الشيباني قَالَ أبو الْحَسَن عَليّ بن مُحَمَّد المدائني وغيره: اعتقد عُمَر بن سالم بمسكن السواد وخرج إلى العامل بقطربلّ، وهو الحجاج بن عمارة، فهربَ فاتبعه فأخذه فقتله رجل من أصحاب عُمَر يقال له شنطيز، ورجع عُمَر إلى مسكن فأقام شهرين، فأتاه أهل الأنبار يشكونَ عاملهم عَليّ بن عمر الأسدي، وكان ابن هبيرة استعمله عليها فسار إليه، فلما عاينه العامل رمى بنفسه وفرسه فِي الفرات فهرب. ثُمَّ أتى عُمَر بن سالِم كَرْخ بادُوريا، وعليها رجل يُقال له مروان، فقاتله فانهزمَ وتفرق أصحابه وقد قتل عُمَر منهم عشرين، وأصابَ عُمَر بالكرخ متاعًا فقسمه، وأقام بالكرخ في مائة، فبعث إليه ابن هبيرة أبا بكر الكلاعي فِي ألف فقاتله عُمَر بن سالِم فقُطعت يد عُمَر، فلم يزل ينزف حَتَّى مات، وقتل من أصحابه ثلاثونَ وانهزمَ الآخرون، واحتزَّ رأس عُمَر وحُملَ إلى يزيد بن عُمَر بن هبيرة فأنفذه إلى مروان.

خبر عبد الله بن يحيى بن عمرو بن شرحبيل بن عمرو بن الأسود الكندي وعبد الله بن يحيى هو طالب الحق

خبر عَبْد الله بن يحيى بن عَمْرو بن شرحبيل بن عَمْرو بن الأسود الكندي وعبد الله بن يحيى هو طالب الحق أبو الْحَسَن المدائني وغيره عَن رجالِهم قالوا: كَانَ عَبْد الله بن يحيى الكندي، أحد بني عمرو بن معاوية بحضر موت، وكان مجتهدًا عابدًا، وكان أعور ورأيه رأي الإباضية يقول: قومنا كفار نعمة وليسوا بكفار بالله، نقاتلهم عَلَى بغيهم ولا نغنم لَهُم مالا، فرأى باليمن جورًا وعسفًا شديدًا وسيرة فِي الناس قبيحة، فقال لأصحابه: لا يحل لنا المقام عَلَى ما نرى ولا يسعنا احتماله والصبر عليه، فكتب إلى أبي عبيدة مسلم كورين مولى بني تَميم وإلى غيره من إباضية البصرة يشاورهم فِي الخروج فكتبوا إليه: إن استطعت ألا تقيم يومًا واحدًا فافعل، فإن المبادرة بالعمل الصالِح أفضل فإنك لا تدري متى يبلغ أجلك، ولله خيرة من عباده يبتعثهم إِذَا شاء لنصر دينه، ويخصّهم بالشهادة إكرامًا لَهُم بِهَا. وشخص إليه أبو حَمْزَة المختار بن عوف بن عَبْد الله بن مازن بن مجاشر أحد بني سَليمة، وبلج بن عقبة، وكان قبل ذلك فِي الشرط بالبصرة وهو حُدّاني فِي رجال من الإباضية وهم أصحاب عَبْد الله بن إباض التميمي، فقدموا عليه حضرموت فحثّوهُ عَلَى الخروج، وأتوهُ بكتب أصحابه فقال: إذا خرجتم فلا تَغُلّوا ولا تغدروا واقتدوا بسلفكم الصالِحين، وسيروا

سيرتهم، فقد علمتم أَنَّهُ إنّما أخرجهم عَلَى السلطان العيب لأعمالهم فدعا أصحابه فبايعوهُ، فأتى دار الإمارة بحضرموت، وعلى حضرموت إِبْرَاهِيم بن جبلة بن مخرمة الكندي، فأخذوهُ فحبسوهُ يومًا، ثُمَّ أطلقوهُ فأتى صنعاء. وأقامَ عَبْد الله بن يحيى بحضر موت، وكثر جمَعه، وسمّوه طالب الحق، ويُقال بل هو سمّى نفسه. وكتب إلى من بصنعاء من أصحابه: إني قادم عليكم، ثُمَّ استخلفَ عَلَى حضرموت عَبْد الله بن سعيد الحضرمي، وتوجه إلى صنعاء سنة تسع وعشرين ومائة فِي ألفين. وبلغ القاسم بن عُمَر أخا يوسف بن عُمَر الثقفي، وهو عامل مروان عَلَى صنعاء مسير عَبْد الله بن يحيى، فاستخلفَ عَلَى صنعاء الضحاك بن زمل السَّكسكي، وخرج يريد ابن يحيى والإباضية، فلقوهُ بلحج، وهي قرية، وكان القاسم فِي عدد كثير، وعُدَّة ظاهرة، وسلاح شاك، فقتل من أصحاب القاسم بشر كثير، ومضى هو إلى صنعاء، ثُمَّ خرج منها واستخلفَ عليها ابن زمل، وأقبلَ عَبْد الله بن يحيى فنزل عَلَى ميلين من عسكر القاسم، فوجه إليه القاسم يزيد بن الفيض الثقفي فِي ثلاثة آلاف من أهل الشام واليمن فكانت بينهم مشاولة ثُمَّ تَحاجزوا، ثُمَّ قاتلهم الصَّلْت بن يوسف فقتل فِي المعركة، ثُمَّ قاتلهم يزيد بن الفيض ثُمَّ انهزم أهل صنعاء، فأراد أبرهة بن شرحبيل بن الصباح اتباعهم فمنعه عَبْد الله بن يحيى، ولحق يزيد بن الفيض بالقاسم فأخبره بقتل الصَّلْت فقال القاسم: ألا ليت شعري هل أذودنَّ بالقنا ... وبالهندوانيات قبل مماتي وهل أصبِحَنَّ الحارثين كلاهما ... بطعن وضرب يقطع اللهوات

خطبة عبد الله بن يحيى بأهل اليمن

[خطبة عبد الله بن يحيى بأهل اليمن] ودخل عَبْد الله بن يحيى صنعاء، فأخذ الضحاك بن زمل، وَإِبْرَاهِيم بن جبلة بن مخرمة الكندي فحبسهما، ثُمَّ جمع الخزائن والأموال فأحرزها، وأرسلَ إلى الضحاك وَإِبْرَاهِيم فأطلقهما، وقال: إِنّما حبستكما مخافة عليكما من العامة، وليس عليكما مكروه، فأقيما أو اشخصا، فخرجا. ولَمّا استولى عَبْد الله بن يحيى عَلَى بلاد اليمن خطب فقال: «الحمد لله المتحمد بالآلاء، المنّان بالنعماء، ذي الأمر الغالب، والدين الواصب، أحمده فِي الضرّاء، وأشكره فِي السرّاء، وأستعينه عَلَى احتجاجه علينا، وأستهديه لِما يرضيه، وأؤمن به إسلامًا وإيمانًا، وأشهدُ أن مُحَمَّدًا عبده ورسوله المصطفى ونبيّه المرتضى، أرسله بالحق عَلَى حين فترة من الرسل وكفر من الملل، واختلاف من الدول، والتباس من الحق، وانسحاق من الصدق، وظهور من الأعداء، وبُعْدٍ من الألفة، وأنزلَ عليه الكتاب، وشرع له الشرائع، وفرض له الفرائض، فقام بأمر الله صادعًا بالحق ناطقًا به، زاجرًا عَن الشبهات، داعيًا إلى النجاة، مجاهدا للمعاندين، رءوفا بالمؤمنين، عزيزًا عليه عَنَتُهم، حبيبًا إليه صلاحهم، حَتَّى كمل الإيمان، وأُخسئ الشيطان، وظهر النور، وزهق الباطل، وذل الكفر، وانقطعت الأحقاد، وسلمت الصدور، فجمعهم بعد التفرق، وأمنهم بعد الخوف، فأصبحوا عَلَى نعمٍ مذكورة، وكرامة مشهورة، ودين مقبول، وعلم محمول. ثُمَّ قبضه الله إليه فقيدًا، واختار له ما عنده حَميدًا، صلى الله عليه وعلى ذكره السلام، ورحمة الله وبركاته.

أيها الناس إنكم حُذرتم عظيمًا، وخوفتم جسيمًا، لا تبلغه الصفات، ولا تُحيطُ به الأوهام، العذاب الأليم جهنم، وسعير ولظى والهاوية والحامية، وسقر التي لا تُبقي ولا تذر، نسألُ الله مولانا ولي الإحسان أن يجيرنا من عذابه الذي خوفنا، أيُّها الناس إنا نخيركم بين ثلاث خصال أيها شئتم فخذوا لأنفسكم، رحم الله امرأ أخذ الخيار لنفسه: إما قَالَ امرؤٌ بقولنا، ودان بالدين الذي دِنَّا فحملته نيته عَلَى أن يُجاهد معنا بنفسه، فيكون له من الأجر ما لأفضلنا، ومن قَسْم الفيء ما لبعضنا، أو قَالَ هذا القول ثُمَّ أقام فِي داره، فدعا الناس إليه بقلبه ولسانه فَعَلَهُ، إلا يكون ذلك أخسّ منازله، أو كرهنا فليخرج بأمان إلى ماله وأهله، ويكُفّ عنا يده ولسانه، فإن ظفرنا لم يكن عَرَض لنا نفسه، ولم يحملنا عَلَى سفك دمه، وإن قتلنا كَانَ قد كُفِيَ مؤونتنا، وعسى ألا يُعَمّر بعدنا إلا قليلا. ندعو: إلى الله، وإلى كتابه، وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونجيبُ من دعا إليها، الإسلام ديننا وَمُحَمَّد نبينا والكعبةُ قبلتنا والقرآنُ إمامنا، رضينا بالحلال حلالا لا نبغي به بدلا، ولا نشتري به ثمنًا، ولا قوة إلا بالله، وإلى الله المشتكى وعليه المعَوّل. ندعو: إلى فرائض بيّنات محكمات، وآثارٍ مقتدى بِهَا، ونشهدُ أن الله صادق فيما وعد، عدل فيما حكم. ندعوا: إلى توحيد الرب، واليقين بالوعيد، وأداء الفرائض، والأمر بالمعروف، والنهي عَن المنكر، والولاية لأهل ولاية الله، وإن من رحمة الله أن جعل فِي كل فترة بقايا من أهل العلم يدعونَ من ضلّ إلى الهدى ويصبرونَ عَلَى الألم فِي حب الله، يُقتلونَ فِي سالف الدهر فما نسيهم ربّهم

أبو حمزة الخارجي يستولي على مكة

وما كان ربك نسيّا [1] ، أوصيكم بتقوى الله وحُسْن القيام عَلَى ما وكلكم بالقيام به، قابلوا الله حسنًا فِي أمره وزجره» . [أبو حمزة الخارجي يستولي على مكة] وأقامَ عَبْد الله بن يحيى بصنعاء أشهرًا حسن السيرة، لينّ الجانب كافًّا عَن الناس، فكثر جَمعه، وأتوهُ من كل وجه، فلمّا كَانَ فِي وقت الحج وجه أبا حَمْزَة المختار بن عوف السلمي، وبَلج بن عقبة الأزدي، وأبرهة بن الصباح الحميري إلى مكة في تسعمائة، ويُقالُ فِي ألف ومائة وأمره إِذَا صدر الناس أن يقيم بمكة، ويوجه بلجًا إلى الشام. فأقبلَ المختار إلى مكة فقدمها يوم التروية وعليها عَبْد الْوَاحِد بْن سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِك، وأمه ابنة عَبْد الله بن خالد بن أسيد، فكره قتالهم، فقال لعبد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن عَلِي بن أبي طالب: إني لا آمن أن تفسد هذه العصابة عَلَى الناس أمرهم، فلا يتم للناس فِي عامهم هذا حج فلو لقيتهم فسألتهم أن يكفّوا حَتَّى ينقضي الموسم وأخرج لَهم عَن مكة، فأتاهم عَبْد الله بن الْحَسَن فِي رهطٍ معه، فقال لأبي حَمْزَة: أيها الرجل إنك أتيت بلدًا حرامًا فِي يومٍ عظيمة حرمته فأم أصحابك، ويَؤُم الوالي أصحابه، فإذا أفاضَ الناس وقضوا مناسكهم رأيت رأيك فِي الحرب وخرج عنك. فأجابه إلى ذلك، فصلى عَبْد الواحد ووقف بالجماعة، وصلى أبو حَمْزَة بأصحابه ووقف بِهم، ولم يعرض لأحد حَتَّى صدر الناس، وخرج عَبْد الواحد بن سليمان إلى المدينة فقال مولى لعثمان بن عَفَّان- ويُقالُ قاله موسى شهوات- يعيبُ عَبْد الواحد لتركه البلاد وخروجه عنها: جاء الذين يُخالفونَ بدينهم ... دين الإله ففر عبد الواحد

_ [1] سورة مريم- الآية: 64.

خطبة أبي حمزة في أهل مكة

ترك القتال وما به من علة ... إلا الوهون وعرقه من خالد وكان النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عَلَى آل خالد بن أسيد أن يُلزمَهم العجز ويحرمهم النصر. لو أن والده تخيّر أمه ... لَصَفَتْ مضاربه لعرقٍ صاعد وقال بعضهم أن هذا الشعر لابنة عُمَر بن عَبْد الْعَزِيز. وقال عَبْد الحميد بن يحيى بن فالح بن عباس بن مرداس السُّلمي: طوى الخيل طي العصب حَتَّى إِذَا انطوت ... أياطل منها وهي وار فصيدها فشد عَلَى أهل الحصاب وكاثروا ... ببطن منًى والْبُدْنُ صرعى خدودها فِي أبيات. وأقام أبو حَمْزَة بِمكة، ووجه رجلا إلى الطائف، فخرج أهل الطائف عَن القرية والحصن، فقال عامل الطائف: يا أهل الطائف أين رجالكم؟ فقال له أبو ولهية مولى بني علاج: أصلحكَ الله رجالنا غَيب ونحن مغيبات فاحفظنا فيهم، فأمنهم وقال: هم آمنون. فرجعوا إلى الطائف. ونادى منادي أبي حَمْزَة أربعة أيام، فِي كل يوم: الناس آمنون إلا من حاربنا. ولم يزل مقيمًا حَتَّى خرج إلى قديد. [خطبة أبي حمزة في أهل مكة] ولَمّا أخذ أبو حَمْزَة مكة صعد المنبر متوكئًا عَلَى قوس عربية فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يُقدم ولا يحجم إلا بأمر الله ووحيه، أنزل عليه كتابه وبيّن له ما يأتي وما يتقي فيه، فلم يكن فِي شيء من دينه شبهةً حَتَّى قبضه الله إليه، وقد علّم المسلمين معالِم دينه، وولى أبا بكر صلاتهم وهي عماد دينهم، فولاهُ المسلمونَ أمر دنياهم فقاتلَ أهل الردة، وعمل بالكتاب والسنة حاسرًا عَن ذراعيه حَتَّى قبضه الله إليه رحمة الله عليه.

وولي عُمَر بعده، فسار سيرة من كَانَ قبله، وجبى الفيء، وأعطى الأعطية، ومصر الأمصار، ودوّن الدواوين، وجمع الناس عَلَى قيام شهر رمضان، وجلد فِي الخمر ثَمانين، وغزا العدو فِي ديارهم، ثُمَّ مضى لسبيله عَلَى منهاج صاحبه، وقد جعلها شورى، فرحمة الله عليه. ثُمَّ ولي عُثْمَان فسار دون سيرة صاحبيه ست سنين، ثُمَّ أحبط فيما مضى له ومضى لسبيله. ثُمَّ ولي عَليّ بن أبي طالب، فكان عَلَى سداد، حَتَّى حكّم فِي كتاب الله، وشكّ فِي دينه فلم يبلغ من الحق قصدًا، ولم يرفع له منارًا. ثُمَّ ولي معاوية لعين رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن لعينه [1] ، فاتخذ عباد الله خَوَلا، ومال الله دُوَلا، ودينه دَغَلا، ثُمَّ مضى لسبيله ناكبًا عَن الحق، مداهنًا فِي الدين. ثُمَّ ولي يزيد ابنه فصيص لعنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفاسق فِي بطنه وفرجه، فمضى عَلَى منهج أبيه، لا يعرف معروفًا ولا يُنكرُ منكرًا. ثُمَّ ولي مروان وبنو مروان، فسفكوا الدم الحرام، وأكلوا المال الحرام، فأمّا عَبْد الملك فجعل الحجاج له إمامًا وإلى النار قائدًا. وأمّا الوليد فسفيه أحمق منهوك فِي الضلال يخبطها عشواء مظلمة. وسليمان وما سليمان همه بطنه وفرجه فالعنوهم لعنهم الله، إلا أَنَّهُ قد كَانَ منهم عُمَر بن عَبْد الْعَزِيز هَمّ فلم يفعل وقصرّ عما همّ به. ثُمَّ ولي بعده يزيد بن عَبْد الملك فاسق لم يؤنس منه رشد، وقال الله فِي

_ [1] بهامش الأصل: استغفر الله من سب الصحابة، بل رضي الله عنهم.

اليتامى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أموالهم [1] فأمر أمة مُحَمَّد أعظم من مال اليتيم، مأبون فِي بطنه وفرجه، حيك له بردان فارتدى بأحدهما واتزرَ بالآخر، ثُمَّ أقعد حبابة عَن يمينه وسلامة عَن يساره، وقال: يا حبابة غنيني، ويا سلامة اسقيني حَتَّى ثمل سكرًا، وأخذت الخمر مأخذها منه شق ثوبيه، وقد اتخذ بألف دينار بعد أن ضُربت فيهما الأبشار، وحُلقت الأشعار، وهُتكت الأستار، وأُخذ ما أنفق عليهما من غير حِلّه، ووضع فِي غير حقه، ثُمَّ التفت إلى إحداهما فقال: ألا أطير. بلى، فطر إلى النار، أفهكذا صفة خلفاء الله؟! وقد حضرت كتابًا كتبه إليكم هشام فِي حَطْمَةٍ [2] كانت، أرضاكم به وأسخطَ ربه ذكر فيه أَنَّهُ قد ترك لكم صدقاتكم فزادت الغنيّ غنًى والفقير فقرًا، فقلتم جزاهُ الله خيرًا، بل لا جزاهُ الله إلا شرًا، فلقد كَانَ بخيلا بِماله سخيًّا بدينه، فهؤلاء بنو أمية، فرق الضلالة، بطشهم بطش جبرية يأخذونَ بالظن، ويحكمونَ بالهوى، ويقتلونَ عَلَى الغضب، ويقضونَ بالشفاعة، ويأخذونَ الصدقة من غير موضعها. ويجعلونَها فِي غير أهلها، وقد بيّن الله أصنافها الثمانية [3] ، فجاء صنف تاسع ليس له منها شيء، فأخذها كلها، فهي الفرقة الحاكمة بغير ما أنزلَ الله، وأمّا هذه الشيع فشيع جهلت كتاب الله، وأعظمت الفرية عَلَى الله، لم يقاربوا الناس بعمل بالغ

_ [1] سورة النساء- الآية: 6. [2] الحطمة: السنة الشديدة. القاموس. [3] انظر قوله تعالى في سورة التوبة- الآية: 6: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم.

فِي الدين، ولا ببصر نافذ فِي القرآن، ينكرونَ المعصية عَلَى من عملها، ويرتكبونَ أعظم منها، يبصرونَ الفتنة ولا يعرفونَ المخرج منها، يؤملونَ الدول فيما بعد الموت، ويؤمنون ببعث إلى الدنيا قبل يوم القيامة، جُفاة عَن الدين أتباع كهان، قلدوا دينهم من لم ينظر لهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون [1] . يا أهل مكة إنكم تعيروني بأصحابي وتزعمونَ أَنَّهم شباب، وهل كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا شبابًا، أما إني عالم بتتابعكم فيما يضركم فِي معادكم، ولولا اشتغالي بغيركم ما تركتُ الأخذ فوق أيديكم، نعم شباب متكهلون فِي شبابِهم، غيبة عَن الشر أعينهم، بطيئة عَن الباطل أرجلهم، قد نظر الله إليهم فِي حنادس الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن، إِذَا مرّ أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقًا، وإذا مرّ بآية فيها ذكر النار شهق شهقة حَتَّى كأن زفير جهنم فِي أذنيه، قد وصلوا كلالهم بكلالهم كلال ليلهم بكلال نَهارهم، قد أكلت الأرض جباههم وأيديهم وركبهم، مصفّرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم، أنضاء عبادة مستقلونَ لذلك فِي الله، موفونَ بعهده ومتنجزونَ لوعده، إِذَا رأوا سهام العدو وقد فوقت ورماحهم قد أُشرعت وسيوفهم وقد انتُضيت، وبَرَقت الكتيبة، ورعدت بصواعق الموت، استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، فمضى الشاب منهم قدمًا حَتَّى تختلف رجلاهُ عَلَى عنق فرسه، وقد زملت محاسن وجهه بالدماء، وعفر جبينه بالثرى، وأسرعت إليه سباع الأرض، فكم من عين فِي منقار طائرٍ طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كف بائنة طالما اعتمد عليها

_ [1] سورة التوبة- الآية: 30.

- وقعة قديد:

صاحبها فِي سجوده فِي جوف الليل لله، وكم من خَدّ رقيق وجبين عتيق قد فُلق بعُمد الحديد، رحمة الله عَلَى تلك الأبدان، وأدخل أرواحها الجنان» . - وقعة قديد: قالوا: وكتب عَبْد الواحد بن سُلَيْمَان إلى مروان يعتذر من خروجه عَن مكة ويخبر أن الناس خذلوه، ويُقال بل خرج إلى مروان بن مُحَمَّد فشافهه بِهذا، فكتب مروان إلى عبد العزيز بن عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز، وَهُوَ عامله عَلَى المدينة يأمره أن يوجه جيشًا إلى مكة، فوجه ثَمانية آلاف من قريش والأنصار وغيرهم من التجار، واستعملَ عليهم عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بن عَفَّان، وأمه ابنة عَبْد الله بن خالد بن أسيد، فخرجوا فِي المصبغات ومعهم الملاهي لا يكترثون بالخوارج، ولا يرونَ إلا أَنَّهم فِي أكفهم. وسقط لواء عَبْد الْعَزِيز حين خرج من المدينة فتطير الناسُ وغمّهم ذلك فقال رجلٌ من قريش: لو شاء أهلُ الطائف لكفونا أمر هذه المارقة، أما والله لئن ظفرنا لَنَسْبِيَنَّ أهل الطائف. من يشتري مني سَبْيَ أهل الطائف؟ فلمّا التقوا بقديد، حين التقوا، وانهزمَ أهل المدينة قَالَ لخادمته: غاق باق- يريد أغلقي الباب دهشًا وذلك بعد أربعة أيام يرى أَنَّهم خلفه- فلمّا كَانَ أهل المدينة بذي الحليفة عرضهم عَبْد الْعَزِيز، فمر به أمية بن عنبسة بن سعيد بن العاص فرحّب به وضحك فِي وجهه، ومَرَّ به حَمْزَة بن مصعب بن الزبير فلم يكلمه ولم يلتفت إليه، فقال له عمران بن عَبْد الله بن مطيع: سبحان الله، مَرّ بك شيخ من شيوخ قريش فلم تلتفت إليه، ومَرَّ بك غلام

من بني أمية فضحكت إليه وألطفته؟ أما والله لئن التقى الجمعان لتعلمن أيهما أصبر. فلمّا التقوا وانهزمَ الناس قَالَ أمية بن عنبسة لغلامه: يا مُجنب أدن مني فرسي فلعمري لئن أجررت نفسي بسبب هَؤُلَاء الأكلب إني لعاجز، وركب فرسه فمضى، وصبر حَمْزَة حَتَّى قتل. قَالَ الهيثم: وشد رجل من الخوارج فجعل يقاتل وهو يقول: وخارج أخرجه حب الطمع ... فرَّ من الْمَوْت وَفِي الْمَوْت وقعْ من كَانَ ينوي أهله فلا رجع قالوا: وبلغ أبا حَمْزَة المختار بن عوف إقبال أهل المدينة إليه، فاستخلفَ عَلَى مكة أبرهة بن شرحبيل بن الصباح الحميري، وسار إليهم وعلى مقدمته بلج بن عقبة، وصار بإزائهم، وهو بقديد، فقال لأصحابه: إنكم لاقونَ قومًا أميرهم عُثْمَان بن عَفَّان أول من خالف سيرة الخلفاء، وبدّل السنة، قد بين الصبح لذي عينين فأكثروا ذكر الله وتلاوة القرآن. وصبَّحهم غداة الخميس لسبع- أو تسع- بقين من صفر سنة ثلاثين ومائة، فقال عَبْد الْعَزِيز لغلامه: ابغنا علفًا. قَالَ: هو غالٍ. قَالَ: ويحكَ البواكي علينا غدًا أغلى. وأرسلَ المختار إليهم بلج بن عقبة ليدعوهم، فأتاهم فِي ثلاثينَ راكبًا، فذكرهم الله، وسألهم أن يكفوا أيديهم عنهم حَتَّى يسيروا إلى مروان وقال: خلّو سربنا لنلقى من ظلمكم وجار فِي الحكم عليكم ولا تجعلوا حدّنا بكم، فإنا لا نريد قتالكم، فشتمهم أهل المدينة وقالوا: نخليكم وندعكم تفسدونَ فِي الأرض، فقالت الخوارج: يا أعداء الله، ونحنُ نفسد فِي الأرض؟ وإنما خرجنا لنكفّ الفساد، ونقاتلَ من استأثرَ بالفيء عليكم

فانظروا لأنفسكم واخلعوا من لم يجعل الله له طاعة، فإنه لا طاعة لِمن عصى الله، وادخلوا فِي السلم وعاونوا أهل الحق. فقال عَبْد الرزاق [1] : ما تقول فِي عُثْمَان؟ قَالَ: قد برئ المسلمونَ منه قبلي وأنا متبع آثارهم ومقتدٍ بهم وبِهديهم، فقال عَبْد الْعَزِيز: فارجع إلى أصحابك فليس بيننا إلا السيف فرجع إلى أبي حَمْزَة فأخبره فقال: كفّوا عنهم حَتَّى يبدءوكم بالقتال. ورمى رجلٌ بسهم فِي عسكر أبي حَمْزَة فأصابَ رجلا، فقال أبو حَمْزَة: شأنكم فقد حلّ قتالهم، فحملوا عليهم ولافّ بعضهم بعضًا ساعة ثُمَّ انكشفَ أهل المدينة فلم يتبعوهم، فكرّوا فاقتتلوا قليلا ثُمَّ هزمهم أبو حَمْزَة. وقال رجلٌ من الأنصار من بني زريق: الحمد لله الذي أذلّ قريشًا. وإلى جنبه عمارة بن حَمْزَة بن مصعب، فضربه عمارة فقتله. وكانت راية قريش مع إِبْرَاهِيم بن عَبْد الله بن مطيع، وقتل من أهل المدينة من الأنصار ثَمانونَ، ومن قريش ثلاثمائة ويقال أربعمائة وخمسون، ومن القبائل والموالي ألف وسبعمائة. ويُقال كَانَ القتلى أربعة آلاف. وعرض أبو حَمْزَة من أُسر فِي المعركة فمن كَانَ قريشا قتله، ومن كَانَ أنصاريًّا خلّوا سبيله، وأتوه بِمحمد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان، وهو أخو عَبْد الْعَزِيز، فقال: أنا أنصاري، وشهد له قوم من الأنصار، فقال رجلٌ من اليمانية: والله ما هذا بَدَنُ أنصاري، وما هو إلا بدن قرشي. وقتل من آل الزبير جَماعة، وهرب أمية بن عبد الله بن عمرو بن

_ [1] كذا بالأصل وأرجح أنها تصحيف «عبد العزيز» .

عُثْمَان، وهرب عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان أمير القوم، ومضى بلج إلى المدينة، فدخلوا جَميعًا فِي طاعته وبايعوه، فكف عنهم ورجعَ أبو حَمْزَة إلى مكة. وخاصم بنو زُريق آل الزبير فِي صاحبهم الذي قتله عمارة بن حَمْزَة بن مصعب بن الزبير فقال لَهم آل الزبير: إن حَمْزَة قد قتل فِي المعركة ففيم الكلام، ولم يبق بيت فِي المدينة إلا وفيه مصيبة، فكانوا يقولون: لعن الله السراقي ولعن بلجًا العراقي فإنهما أهل شقاق، وضلال ونفاق. والسراقي أبو بكر مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عَمْرو، من آل سراقة بْن المعتمر بْن أنس بْن أذاه بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب من بني عدي بن كعب، كَانَ مع بلج بن عقبة، وكان السراقي عَلَى شرطة حَمْزَة. وقال ابن الكلبي: كَانَ مع طالب الحق أبو بكر الأشل بْن مُحَمَّد بْنِ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَبْد اللَّهِ بْن مؤمل بن حبيب بن تَميم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح بن عدي بن كعب، وإنّما قيل السراقي لأن سراقة كَانَ شريرًا. قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه [: «أشد النَّاس عذابا كُلّ جَعّار نَعّار صخاب فِي الأسواق مثل سراقة بن المعتمر» [1] ،] ويُقال إن اسم السراقي أيوب بن مُحَمَّد ويُكنى أبا بكر، ويُقال إنه أيوب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان بْن عَبْد الله بن سراقة بن المعتمر. وقالت نائحة تبكيهم: ما للزمان ومالِيَهْ ... أفنى قديد رجالَيهْ فلأبكينّ سريرةً ... ولأبكينّ علانيهْ

_ [1] ترجم له ابن حجر بالاصابة وروي هذا الحديث عن البلاذري.

ولأبكينّ إِذَا خلوت ... مع الكلاب العاويهْ ولأثنينّ عَلَى قديد ... بسوء ما أبلانيهْ وقال بعضهم: أصابوا عَلَى وادي قديدٍ مناسرًا ... أتتها مناياها فَخَفَّتْ وفودها جنائز صدق لَمْ تصب بجريرةٍ ... ولم تنتقض بعد الرسول عهودها وقال عُمَرو بن الْحَسَن مولى من أهل الكوفة كَانَ إباضيًا: وما بال همّك ليس عنك بعازب ... يمري سوابق دمعك المتساكبِ وتبيت تكتلئ الهموم بمقلة ... عبرى تسرّ بكل نجم آئب أخشى معاجلة المنون بداهةً ... لَم أقْضِ من دمع الشراة مآربي فأقود فيهم للعدى شنج النسا ... محضُ الشوى أشرانَ ضَمّ الحالب [1] متجددًا كالسيد أخلص لونُه ... ماء الحشيك من الجلال اللاتب [2] أرمي به من جَمْع قومي معشرًا ... بورًا ألى جبرية ومعايب فتجول نحن وهم وفيما بيننا ... كأس المنون تقول هل من شارب فنظل نسقيهم ونشربُ من قَنَا ... سُمر ومرهفة الشفار قواضبِ بينا كذلك نحن جالت طعنةٌ ... نجلاء بين رهائبي وترائبي [3] جوفاء منهرة مرى تامورها [4] ... ظبتا سنان كالشهاب الثاقب

_ [1] شنج النسا: متقبض العرق، يعني فرسا غير مترهل. عبل الشوى: ممتلئ الأطراف. أشران: شديد المراح. [2] السيد: الذئب. الحشيك: الحسيك. والجلال: الجل الذي يغطي به ظهر الفرس، واللاتب: اللاصق. [3] الرهائب: عظام مشرفة على البطن، والترائب: أعالي الصدر. [4] مرى: استدر واستخرج. التامور: الدم.

وقعة وادي القرى:

يا رب أوجبها ولا تتعلّقَنْ ... نفسي المنون لدى أَكُفّ قرائبي فِي فتية صبر أَلُفُّهُمُ بِهم ... لفّ القداح يد المفيض الضارب [1] فِي أبيات: وقعة وادي القُرى: قالوا: وسار أبو حَمْزَة إلى المدينة، وولى مكة أبرهة بن شرحبيل بن الصباح، وبلغ مروان خبر قديد فوجه عَبْد الملك بن مُحَمَّد بن عطية، أحد بني سعد بن بكر فِي أربعة آلاف وفيهم فرسان أهل الشام، منهم رومي بن ماعز القيسي، ومنهم من أهل الجزيرة ألف اشترطوا عَلَى مروان فقالوا: إِذَا قتلنا الأعور قفلنا إلى الجزيرة، فقال الشاعر: فلمّا أتى مروان بالصدق عنهم ... رصين من الأخبار لا يستزيدها دعا أين من يحمي المساجد فاعترت ... مصاليت من قيس كرام جدودها يداوونَ داءً أو يفيئونَ مغنمًا ... ومجدًا عليها حين تَنْدَى لُبودها وسار عَبْد الملك وأصحابه مسرعين فَحَدا حاديهم: حَرَّم مروان عليهنّ النوم ... إلا قليلا وعليهنّ القوم حَتَّى تَبين أو يقلن بالدّوم [2] وهاب الناس عَبْد الملك وأصحابه فتفرقوا فِي المياه، فلما أتى بلاد خثعم هربوا ومعهم غلام من كنانة، فلما أمنوا قالوا: من يغنينا ويسوق بنا؟. قَالَ الكناني: أنا. فنزل فساق وهو يقول:

_ [1] القداح: السهام والمفيض: الذي يدفع السهام ويرمي بها. ديوان شعر الخوارج ص 251- 252 مع فوارق. [2] الدوم: الظل الدائم. معجم البلدان.

ألا إنني بالٍ عَلَى جمل بال ... يقود بنا بال ويحدو بنا بال فتغيروا وقالوا: قبحك الله ويحك ما تريدُ بنا؟. وقال أبو صخر الهذلي حين بلغهم قدوم عَبْد الملك بن مُحَمَّد وسرهم قدومه: قل للذين استضعفوا لا تعجلوا ... أتاكم النصر وجيش جحفلُ عشرونَ ألفًا كلّهم مسربل ... يقدمهم جلد القوى مستبسلُ دونكم ذا أيمن فأقبلوا ... وواجهوا القوم ولا تستعجلوا عبد المليك القلبي الحول ... أقسم لا يفلى ولا يرجل حتى يبيد الأعور المضلل ... ويقتل الصباح والمفضل الأعور: عَبْد الله بن يحيى طالب الحق. وقال أبو وجزة: قل لأبي وجزة هيد هيد [1] ... أتاكَ بالغادية الصنديد فارجع كما قد جئت من بعيد فبعث أبو حَمْزَة بلج بن عقبة فِي ستمائة ليقاتل عَبْد الملك، فلقيه بوادي القرى فِي جمادى الأولى سنة ثلاثين ومائة، وتواقفوا ودعاهم بلج إلى السنة والعمل بكتاب الله، وذكروا ظلم عَبْد الملك وحكمه بالهوى فشتمهم أهل الشام، وقالوا: أنتم أولى بِما ذكرتم. ثُمَّ حمل عليهم بلج وأصحابه فانكشفَ أهل الشام، وصبر عَبْد الملك فِي عُصَيْبَةٍ ونادى: يا أهل الشام وأهل الحفاظ ناضلوا عَن دينكم وأميركم، فكرّوا وصبروا وقُتل بلج وأكثر أصحابه، واعتصم رجل من همدان يقال له

_ [1] هيد هيد: زجر للإبل. القاموس.

أخبار أبي حمزة

الصباح فِي مائة من الإباضية فجعل يقاتلهم عَبْد الملك ثلاثة أيام فقتل منهم سبعونَ، ورجعَ إلى المدينة ثلاثون، ونصب عَبْد الملك رأس بلج عَلَى رمح فقال أبو وجزة أحد بني ظفر: ورأس بلج مجتلى محزوز ... في عمد من خشب مرزوز [أخبار أبي حمزة] وقالوا: قدم الذين فروا من وادي القرى إلى أبي حَمْزَة وقالوا: فررنا من الزحف، فقال أبو حَمْزَة: أنا لكم فيئة، وخرج أبو حَمْزَة عَن المدينة إلى مكة واستخلفَ عليها رجلا يُقالُ له المفضل، فقاتلهم العبيد وأهل السوق، فقتل المفضل وعامة أصحابه، وهرب الباقون فلم يبق من الإباضية بالمدينة أحد، فقال أبو البيضاء شميل مولى زينب، من ولد الحكم بن أبي العاص: ليت مروان دنا ... يوم الاثنين عشيَّهْ إذ غسلنا العار عنا ... وانتضينا المشرفيّهْ ثُمَّ إن عَبْد الملك بن مُحَمَّد بن عطية قدم المدينة فأقام بِهَا شهرًا، ثُمَّ خرج إلى مكة والمختار بن عوف بِهَا فقال: يا أهل مكة، هَؤُلَاء الذين سألناكم عنهم فقلتم يجورونَ ويظلمونَ فلا تعينوهم علينا. ولقي عَبْد الملك الخوارج من وجهين وقد جعل أصحابه فرقتين فصير طائفة بالأبطح، وصار هو والطائفة الأخرى بأسفل مكة، فاقتتلوا وهزم أهل الشام حَتَّى انتهوا إلى عقبة منى، ثُمَّ كرّوا فقاتلوهم وصبروا فقتل أبرهة، كَمَنَ له ابن هَبّار القرشي عِنْد بئر ميمون فقتله، ويُقال قتله بالأبطح، وتفرق الخوارج. ولقي أبو حَمْزَة عَبْد الملك بن مُحَمَّد بأسفل مكة فاقتتلا فقتل المختار بن عوف أبا حَمْزَة عَلَى فم الشعب، وقتلت معه امرأته وهي تقول:

أنا ابنة الشيخ الكريم الأعلم ... من سال عَن اسمي فاسمي مريمِ بِعْتُ سواريَّ بسيفٍ مخذمِ [1] وتفرق الخوارج، وأسر أهل الشام منهم أربعمائة فدعاهم عَبْد الملك فقال: ما دعاكم إلى الخروج؟ فقالوا: ضمن لنا أبو حَمْزَة الكنَّة- يريدون الجنة-. فقتلهم، وصلب المختار، وأبرهة بن شرحبيل بن الصباح الحميري عَلَى فم شعب الخيف. ودخل عَليّ بن الحصين دارًا من دور قريش فأحاطَ أهل الشام بِهَا فأحرقوها فلما رأى ذلك رمى بنفسه من الدار، فقاتلهم فأُسرَ فقُتل وصُلب مع المختار، فلم يزل مصلوبًا حَتَّى استخلفَ أبو العباس أمير المؤمنين فحج المهلهل الهُجيمي فاستنزلهُ ليلا فدفنه. وقال أبو وجزة: الله أخزى أبرهًا وبلجا ... ومن طغى فِي دينه واعوجَّا وتوارى السراقي فلم يظهر حَتَّى قام أمير المؤمنين أبو العباس، وقال بعضهم: قتل مع أبي حَمْزَة. وكان بمكة مخنثان: يقال لأحدهما أُسَيْلِتٌ، وللآخر صَعْتَرة، فكان أسيلت يرجف بالإباضية فقتلوه، وكان صعترة يرجف بأهل الشام فأخبروا بخبره فقتلوه، وقال قبل أن يُقتل: يا ويلي إنما كنا نعبث ونتكاذب. وطار دم صعترة من الفزع فكان يقال: أصفى دمًا من صعتره، لأن دمه كَانَ صافيًا من الفزع. وقال المدائني: قاتل أبو حَمْزَة، وهو عليل وقد غسل رأسه، واعتمّ

_ [1] المخذم: القاطع. ديوان شعر الخوارج ص 245.

مقتل عبد الله بن يحيى طالب الحق

وهو يقول: أحمل رأسًا قد مللتُ حملهْ ... وقد مللت دهنه وغسلهْ ألا متى يطرح عني ثقلهْ فأجابه أبو مُحَمَّد بن عطية: أصبتَ من يطرح عنك ثقله ... يكفيكَ بالسيف الصقيل حَمْلَهُ ويُقال إن الذي قَالَ هذا طالب الحق نفسه. [مقتل عبد الله بن يحيى طالب الحق] ومضى فَلُّ الإباضية إلى اليمن، وبعث عَبْد الملك عروة بن عطية بالفتح إلى مروان، وأقبل عَبْد الله بن يحيى الإباضي، وهو طالب الحق من صنعاء، وشخص إليه عَبْد الملك وقد استخلفَ بِمكة والطائف خلفاء، فالتقيا بكثبة [1] ، فأكثرَ أهل الشام فِي الخوارج القتل، وتشاغلَ أهل الشام بالغنيمة والنهب، وركبهم الإباضية، فذمرهم عَبْد الملك فكروا وقاتلوا أشد قتال، ثُمَّ تحاجزوا وباكروا للقتال فترجل عَبْد الله بن يحيى وترجل معه ألف رجل وقاتلوا، وجعل عَبْد الله بن يحيى يُقاتل وهو يقول: أضرِبُ قومًا حَبِطتْ أعمالهم ... الله مولانا ولا مولى لَهم فقُتل عَبْد الله بن يحيى، وكان أعور، وانهزمَ أصحابه، وقتلوا فِي كل وجه، ولحق فَلُّهم بصنعاء فقال أبو صخر الهذلي: قتلنا دغيشًا والذي يكتني الكُنى ... أبا حَمْزَة الغاوي المضل اليمانيا وأبرهة الكندي أردت رماحنا ... وبلجًا صبحناه الحتوف القواضيا وما تركت أسيافنا يوم جُرِّدت ... لِمروان جبارًا من الناس عاديا

_ [1] الكثبة: المطمئنة من الأرض بين الجبال. القاموس.

خبر صنعاء وأمر يحيى بن عبد الله بن عمرو بن السياق الحميري:

خبر صنعاء وأمر يحيى بن عَبْد الله بن عَمْرو بن السَيّاق الحميري: قَالَ أبو الْحَسَن عَليّ بن مُحَمَّد المدائني: بعث عَبْد الملك ابنه يزيد بن عَبْد الملك بن مُحَمَّد بن عطية السعدي بقتل عَبْد الله بن يَحْيَى إلى مروان، ورَجع عَبْد الملك إلى مكة، فكتب مروان إلى عَبْد الملك يأمره بالمصير إلى صنعاء، فلما كَانَ يزيد بن عَبْد الملك بن مُحَمَّد بالبلقاء منصرفًا إلى أبيه هلك، وقدم أصحابه بكتاب مروان إلى عَبْد الملك، فاستخلفَ ابنه مُحَمَّد بن عَبْد الملك بن عطية عَلَى مكة وعزل رومي بن ماعز الغطفاني أحد بني مرة، وبعضهم يقول هو كلابي، وأَقَرَّ عَلَى المدينة الوليد بن عروة بن عطية، وأمر مُحَمَّد بن عَبْد الملك ابنه أن يقيم للناس الحج سنة ثلاثين ومائة. وأقفلَ أهل الجزيرة إلى الجزيرة، ووفى لَهم بِما اشترطوا إِذَا قُتل الأعور، وهو عَبْد الله بن يحيى طالب الحق، فلما شارف عَبْد الملك بلاد صنعاء خرج عاملها الذي كَانَ عَبْد الله بن يحيى ولاهُ إياها يريد حضرموت، واتبعه جمهور بن شهاب الخولاني فِي جَماعة من أهل صنعاء فقاتلهم وأصابَ حملين من مال وأثقالا لَهم، فقدم بِما أصابَ إلى صنعاء. وقدم عَبْد الملك بن مُحَمَّد صنعاء، فتبع الخوارج يقتلهم فقتل ثلاثمائة منهم بصنعاء، وبعث عماله وفرقّهم فِي المخاليف، ودَرَّ له الخراج أشهرًا، ثُمَّ خرج عليه يحيى بن عَبْد الله بن عَمْرو بن السياق الحميري من آل ذي الكلاع بالجند [1] فِي جمع كثير، فبعثَ إليه عَبْد الملك عَبْد الرَّحْمَن بن يزيد بن عطية، فلقيه بالجند فهزمه وقتل عامة أصحابه، ورجع عَبْد الرحمن إلى

_ [1] بهامش الأصل: «الجند بفتح الجيم والنون مدينة» . انظرها في معجم البلدان» .

- أمر يحيى بن كرب وعبد الله بن معبد:

صنعاء، ولحق يحيى بن عَبْد الله بِعَدن واجتمع إليه ألفان، فسار إليه عَبْد الملك فواقعه فقتله وقتل عامة أصحابه، وتفرق الباقون، ورجع عَبْد الملك إلى صنعاء. - أمر يَحْيَى بن كرب وعبد الله بن مَعْبَد: وخرج يحيى بن كرب حميري- ويُقال هو مذحجي- بساحل البحر، وانضم إليه جمع من الإباضية، فبعث إليه عَبْد الملك أبا أمية الكندي، فالتقوا بالساحل، فقتل من الإباضية، وتحاجزوا عِنْد المساء، فمضت الإباضية إلى حضرموت وعليها عَبْد الله بن مَعْبد الحضرمي، عامل عَبْد الله بن يَحْيَى بن عمير الحميري، فصار يَحْيَى بن كرب معه، ورجع أبو أمية إلى عَبْد الملك بن مُحَمَّد، فاستخلفَ عَبْد الملك عَلَى صنعاء عَبْد الرَّحْمَن بن يزيد بن عطية وشخص إلى حضر موت. [مصرع عبد الملك] وبلغ عَبْد الله بن معبد مسير عَبْد الملك إليهم، فجمعوا الطعامَ وما يَحتاجونَ إليه في مدينة شبام، وفي حضر موت مخافة الحصار، ثُمَّ رأوا أن يلقوا عَبْد الملك فِي الفلاة، فخرجوا فنزلوا عَلَى أربع مراحل من حضر موت فِي عدد كثير فِي فلاة من الأرض، ووافاهم عَبْد الملك فقاتلهم يومه كله، فلما أمسى بلغه ما تجمعوا من الطعام بشبام، فحدّر عسكرا في بطن حضر موت إلى شبام ليلا فلما أصبح قاتلهم حَتَّى انتصفَ النهار، ثُمَّ تحاجزوا فلما أمسى عَبْد الملك اتبع العسكر الذي وجهه إلى شبام، وأصبح عَبْد الله بن معبد والإباضية فلم يروا من الشاميين أحدًا فاتبعوهم وقد سبقوهم فأخذوا ما كانوا جمعوا من الميرة، وأخذ عليهم عَبْد الملك الطرق بالمسالح وقطع عنهم المادة فلم يقدروا عَلَى الميرة، ثُمَّ جعل يقتل من قدر عليه ويسبي، ويأخذ الأموال.

فلَمّا كَانَ فِي شوال سنة إحدى وثلاثين ومائة كتب مروان إلى عَبْد الملك يأمره أن يستخلفَ رجلا ويحضر الموسم فيقيم للناس الحج، فصالح عَبْد الملك أهل حضرموت عَلَى أن يستعمل عليهم رجلا منهم، فولى عَلَى حضرموت رجلا من أهلها تراضوا به، وردّ عليهم ما عرفوا من متاعهم، وكتب عليهم كتابًا، وكتب إلى الوليد بن عروة يأمره أن يوافي مكة من المدينة، فإن أبطأ قدومه أن يقيم أمر الموسم ويصلي بالناس، ووجه بكتابه إليه رجلا، وأمرَ بإغذاذ السير وإجذامه وترك الفتور فيه، فخرج الرجل يركض إلى الوليد بالمدينة. وخلف عَبْد الملك عَبْد الرَّحْمَن بن زيد بن عطية عَلَى صنعاء، وخرج عَبْد الملك فِي اثني عشر فلمّا كَانَ بأرض مراد- وكان قد أصابَ منهم قومًا مع طالب الحق- عرض له قوم منهم فقال: هذا كتاب أمير المؤمنين إليّ فِي حضور الموسم، فكذبوه وقاتلوه فقتلوه وفتشوا ما معه فوجدوا كتاب مروان إليه فِي توليته الموسم، فجاء قوم من همدان فدفنوهُ. ويُقال إنه خرج فِي أربعين فاتبعه قوم من همدان ومراد وظنوهُ منهزمًا فقتلوهُ، وكانوا خوارج وقالوا له: قتلت عَبْد الله بن يَحْيَى، والمختار وبلجًا، وأبرهة بن الصباح. وقتلوا أصحابه أيضًا، وبعثوا برأس عَبْد الملك إلى حضرموت. وبلغ عَبْد الرَّحْمَن بن زيد بن عطية خبره وهو بصنعاء، فأرسلَ شعيبًا البارقي فِي الخيل فقتل الرجال والصبيان، وبقر بطون النساء، وأخذ الأموال، وأخرب القرى، وأقامَ الحج للناس أبو الوليد عروة، واستعملَ مروان عَلَى مكة والمدينة والطائف يوسف بن عروة بن عطية.

وبعث الوليد بن عروة بن عطية إلى اليمن فقتل البري والنطف [1] ، ووجه إلى يَحْيَى بن كرب وعبد الله بن معبد من حاربهما فقتلهما، ويُقال إنه واقعها بنفسه فقتلهما، ولم يزل الوليد باليمن حَتَّى استخلفَ أمير المؤمنين أبو العباس. قالوا: وكان مروان لَما بعث رسوله إلى عَبْد الملك بن مُحَمَّد ذكره بعد أيام فقال: إنا لله وإنّا إليه راجعونَ، أحسبني قد قتلت عَبْد الملك، يأتيه كتابي فيخافُ أن يفوته ما ندبته له فيخرج مخفًّا فِي قلَّة التماسًا للسرعة، وهو فِي بلاد قوم قد وترهم فيقتل، ثُمَّ قَالَ: إن تنفري فقد وجدت نفرًا ... أمّ عويف وشياها عقرا

_ [1] النطف: الرجل المريب. القاموس.

أمر يزيد بن عمر بن هبيرة عامل مروان على العراق

أمر يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة عامل مَرْوَان عَلَى العراق قالوا: ولَمّا قدم يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة العراق واليًا من قبل مروان، أشخص إليه وفدًا من أهل البصرة منهم داود بن أبي هند، وسعيد بن أبي عروبة فقال: انظروا ما نقمتم عَليّ فيه من أمرٍ فَعَرِّفُونيهِ أَدَعُه، وأيّ عامل رأيتم عزله فأشيروا عَليّ بذلك أعزله. وكان عفيفًا متوقيًّا سخيًّا شجاعًا، وكان يعشي الناس فِي كل يوم: إِذَا صلى العصر توضع الكراسي، فإذا أخذ الناس مجالسهم أُتي بعساس اللبن والأشربة، ثُمَّ أُتي بالأطعمة فيأكلونَ إلى وقت المغرب. ثُمَّ يدعو بالمناديل فيتفرقونَ للصلاة. وكان سُمّارهُ قومًا من الفقهاء منهم دَاوُد بْن أَبِي هند، وابن شبرمه، وابن أَبِي ليلى. فَقَالَ ابْن شبرمه: إِذَا نَحْنُ أَعْتَمْنَا ومادَ بنا الكَرى ... أتانا بإحدى الراحتينِ عياضُ - يعني حاجبه- وَكَانَ يقضي فِي كُل ليلة عشر حوائج، فإذا أصبح أنفذها. حدثني عُمَر بن شبه عَن خلاد الأرقط عَن سلم بن قُتَيْبَة قَالَ: كَانَ

يزيد بن عُمَر بن هبيرة ربما لَحَنَ فِي كلامه وذلك قليل، فقلتُ له يومًا: إنك ربما لحنتَ فلو تعهدت أيها الأمير نفسك. قَالَ فتحفَّظَ من ذلك وقال: يا سلم، أَكُلُّ العلم علمت؟ قلت: ما منه شيء إلا وقد أخذتُ منه ما يكفيني. قَالَ: فما تقول فِي ابنتين وأبوين؟. قلت: للابنتين الثلثانِ وللأبوين السدسان، قَالَ: فإن إحدى الابنتين ماتت؟. قلت: فللأم الثلث وما بقي فللأب. قَالَ: يا سلم أهذا ما يكفيكَ من العلم؟ قالوا: وأخذ يزيد بن هبيرة الأصغر عُمَر بن النجم بن بسطام بن ضرار بن القعقاع ورجلا من بكر بن وائل بسبب رأي الخوارج، فأطلق البكري وحبس التميمي. فلمّا كَانَ يوم الفطر قام أبو نخيلة فأنشده: أطلقت بالأمس أسير بكر ... فهل إلى حلّ القيود السُّمْرِ عَن التميمي القليل العذر ... من سبب أو سلمٍ أو جسر من كَانَ لا يدري فإني أدري ... ما زال مجنونًا عَلَى است الدَّهْرِ فِي حَسَبٍ يَنْمى وعقلٍ يجري وكان يزيد متعصبًا عَلَى صاحب خراسان، وهو نَصْر بن سيار، كَانَ يكتب إليه مستغيثًا به لما ظهر أمر أبي مسلم ودُعاة بني العباس فلا يغيثه، حَتَّى قَالَ: أبلغ يزيد وخير القول أصْدَقُهُ ... وقد تبينت ألا خير فِي الكذب إنّ خراسان أرض قَدْ رَأَيْت بِهَا ... بيضا لو أفْرَخَ قد حُدْثت بالعجب فِي أبيات قد ذكرناها. وكتب إلى مروان بأبيات يقول فيها: فقلتُ من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام

قالوا: وقال أبو عطاء السندي مولى بني أسد فِي ابن هبيرة: أقام عَلَى الفرات يزيد حولا ... فقال الناس أيهما الفرات فيا عجبًا لبحر بات يسقي ... جَميع الناس لم يبلل لَهاتي قصائد حِكْتُهنّ لقرم قيس ... رجعنَ إليَّ صِفْرًا خائباتِ رجعن إليّ لم يُورِينَ زندًا ... سوى أني وُعِدتُ التّرَّهَاتِ فقال ابن هبيرة: يا أبا عطاء كم يَبُلُّ لَهاتك؟ قَالَ: عشرة آلاف درهم، فأَمَرَ له بِهَا. وقال أيضًا: قصائد حكتهنّ لقرم قيس ... رجوتُ بِهَا المودَّة والإخاءَ رجعن عَلَى حواجبهنّ صوفٌ ... فعند الله ألتمسُ الرجاءَ وقال بشار الأعمى فِي قصيدة طويلة: إلى أمير الناس وجَّهْتُهَا ... تجري عَلَى عارٍ من الطحلبِ إلى فتًى تَسقي يداهُ الندى ... حينًا وأحيانًا دمُ المذنبِ [1] فوصله وكساهُ. وقال يزيد بن عُمَر لأبي عطاء السندي وكان أبو عطاء ألثغ. فما صفراء تكنى أمُّ عوفٍ ... كأن رُجَيَلتيْها منجلانِ فقال: أيها الأمير. أردتَ زرادةً وأردتَ أيضًا ... بِما عَايَبْتَ من هذا لِسَانِي ويروى: أجريتَ من هذا. وقد ذكرنا أخبار يزيد بن هبيرة فِي حروبه ومقتله فيما تقدم من كتابنا هذا، وبعد هذا الموضع.

_ [1] ديوان بشار ص 50.

وقتل مروان ببوصير فِي ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة وهو ابن اثنتين وستين سنة، وورد خبر مقتله عَلَى أبي العباس بالكوفة. وكان أول ولاته [1] عَلَى البصرة سُفْيَان بْن مُعَاوِيَة بْن يَزِيد بْن المهلب، ثُمَّ عُزِلَ وولى حفص بن عُمَر بْن عُثْمَان بْن قَبِيصَة بْن أَبِي صفرة، وقصد ابن هبيرة فقتل بواسط.

_ [1] أي ولاة أبي العباس السفاح، فقد كان سفيان بن معاوية أول من سود بالبصرة. تاريخ خليفة بن خياط ص 615.

مقتل مروان بن محمد بن مروان بن الحكم

مقتل مروان بْن مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم قالوا: قوي أمر أبي مسلم بخراسان وعلا شأنه وضعف أمر نَصْر بن سيار والي خراسان فيها، فكتبَ إلى مروان بشعر وهو: أرى خلل الرماد وميض جمر ... خليقًا أن يكون له ضرام فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب يَقْدُمُها الكلام فقلتُ من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام فكتب إليه مروان: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فاحسم الثؤلول قبلك. فلما قرأ نص الكتاب قَالَ: أَمَّا هو فقد أعلمنا أَنَّهُ لا نَصْر عنده. وكتب إِلَى يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة، عامل مروان عَلَى العراق: أنشدك الله أن تضيع خراسان وكان يزيد حسودًا فَكَرِه أن يذهب نَصْر بسمعتها ولم يبل كيف وقع الأمر. وكتب إليه نَصْر: أمدني بألف عمامة شامية، ووجه إلي فِي كل يوم رجلا أو رجلين ليرى أهل خراسان أن لي مددًا، فلم يفعل، وكان يستخف بكتبه إِذَا كتب، فقال نَصْر: والله إني لأَهُمُّ أن أكتب إليه: من نَصْر بن سيار الكناني إلى يزيد بن عُمَر الفزاري. وكتب إليه:

أبلغ يزيد وخير القول أَصْدَقه ... وقد تبين ألا خير في الكذب إن خراسان أرض قَدْ رَأَيْت بِهَا ... بيضا لو أفرخ قد حدثت بالعَجَب فراخ عامين إلا أنها كبرت ... ولم تطر ولقد سُرْبلن بالزّغبِ وإن يطرنَ ولم يُحْتَل لَهنّ بِهَا ... يُلهبن نيران حرب شأنها عجب فكتب إليه ابن هبيرة: «لّاتكثرنّ، فما عندي رجل واحد» . وكتب مَرْوَان إِلَى الْوَلِيد بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ الملك بن مروان عامله بدمشق يأمره بحمل إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بن عباس إلى ما قبله، وكتب إلى نَصْر ألا يدع بخراسان متكلمًا بالعربية إلا قتله، فقال نَصْر: هذا أحمق. وفَسَدت الأمور عَلَى نَصْر وهرب، وقد كتبنا هذا الخبر فيما تقدم من كتابنا هذا عِنْد ذكر أمر الدعوة. وقالوا: استحكمت لأبي مسلم الأمور، فوجه قحطبة بْن شبيب بْن خَالِد بْن معْدان بْن شمس بْن قَيْس بْن أكلب بْن سَعْد بن عَمْرو بن عَمْرو بن الصامت، واسمه أيضًا عَمْرو بْن غَنْم بْن مَالِك بْن سَعْد بْن نبهان بن عَمْرو بن الغوث بن طيّئ بن أدد إِلَى العراق، ومعه أَبُو غانم عَبْد الحميد بن ربعي بن خالد بن معدان وغيره من وجوه أهل خراسان، وحمل قحطبة معه مالا عظيمًا. وكان مقدمة قحطبة ابنه الْحَسَن، فلقي قحطبة نباتة بن حنظلة بجرجان فقتل نباتة، وانهزمَ أهل الشام. ووجه ابن هبيرة أيضًا عَامِر بن ضبارة ومعه دَاوُد بْن يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة، فلقيهم قحطبة بأصبهان فقتل ابن ضبارة. ووجه قحطبة أبا عون عَبْد الملك بن يزيد الأزدي من نهاوند إلى

شهر زور فقتل عُثْمَان بن سُفْيَان، وكان مروان بعثه مقدمة له، فلما بلغه خبر مقتله أقبلَ مروان فنزل رأس العين، ثُمَّ أتى الموصل فنزل عَلَى الزابي وحفر خندقًا. ووجه أبو سلمة الداعية إلى أبي عون عُيَيْنَة بن موسى بن كعب مددًا لأبي عون، وظهر أمير المؤمنين أبو العباس، فولّى عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بن العباس حرب مروان، فلما ورد عَلَى أبي عون تحوّل له عَن سرادقه بِما فيه وخلاه له. وصير عَبْد الله بن عَليّ عَلَى شرطه حبّاش بن حبيب الطائي صاحب الجوبة ببغداد، فِي ظهر ربض حميد بْن قحطبة، فلما كَانَ لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة سألَ ابن عَليّ عَن مخاضةً بالزابي فَدُلَّ عليها، فوجه عُيَيْنَة بن موسى بن كعب فِي خمسة آلاف فانتهى إلى عسكر مروان فقاتلهم، ورُفعت النيران ثُمَّ تحاجزوا، ورجع عُيَيْنَة إلى عسكر عَبْد الله بن عَليّ، وخاضَ أصحابه تلك المخاضة. وأصبحَ مروان فعقد جسرًا وسرح عليه ابنه عبيد الله بن مروان فحفر خندقًا أسفل من عسكر ابن عَليّ، فبعثَ عَبْد الله بن عَليّ المخارق بن عفّان فِي أربعة آلاف، فسرح إليه عبيد الله بن مروان الوليد بن معاوية فبيت المخارق وانهزمَ أصحابه وأُخذ أسيرًا فبعث به إلى مروان مع رؤوس من قُتل فقال مروان: أنت المخارق؟ قَالَ: لا ولكني عَبْد من عبيد أهل العسكر- وكان المخارق نحيفا دميما- فقال له مروان: أفتعرفُ المخارق؟ قَالَ: نعم. قال: فانظر رأسه في هذه الرؤوس، فأومأ إلى رأس منها فقال: هو هذا. فخلى سبيله.

وقال رجل من أصحاب مروان- ورأى المخارق-: لعن الله العبد أبا مسلم جاءنا بهؤلاء يقاتلنا بِهم. وقال العماني وهو من بني فقيم: صبّحهم مروان بالدهارس ... قبل الصباح والصقيع الجامس [1] دَوْسَ الجراجير الحصاد اليابس وبلغ ابن عَليّ خبر المخارق فدعا عَبْد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن صول فاستخلفه عَلَى العسكر، وسار عَلَى ميمنته أبو عون، وعلى ميسرته موسى بن كعب، ويُقالُ عُيَيْنَة ابنه.

_ [1] الدهارس: الدواهي والجامس: الجامد. القاموس.

يوم الزابي من أرض الموصل

يوم الزابي من أرض الموصل قالوا: لقي عَبْد الله بن عَليّ مروان وعلى ميمنة مروان عبيد الله ابنه، وعلى ميسرته الوليد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك بن مروان، وهو صهر مروان عَلَى ابنته. وقال مروان: إن زالت الشمس اليوم ولم يقاتلونا كنا الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم، وإن قاتلونا قبل الزوال فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأرسلَ مروان إلى ابن عَليّ يسأله الموادعةَ إلى بعد صلاة الظهر، فقال: كذبت يا بن زربي، لا تزول الشمس حَتَّى أوطئكَ الخيل إن شاء الله. فقال مروان: قفوا وادفعوهم، فحمل الوليد بن معاوية بن مروان بن عَبْد الملك فغضبَ مروان وشتمه. ونشبت الحرب، ونزل الناس وأشرعوا الرماح، وجثوا عَلَى الركب وقاتلوهم، وجعل أهل الشام يتأخرونَ كأنهم يُدفعونَ. ومشى عَبْد الله بن عَلَى قدمًا وهو يقول: حَتَّى متى نُقتل فيك يا رب. ونادى أهل خراسان: «يا لثارات إِبْرَاهِيم الإمام، يا مُحَمَّد يا منصور، يا لثارات الْحُسَيْن وزيد ويحيى، يا منصور أَمِتْ» . واشتد بينهم القتال.

وروى قومٌ أن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَانَ مع مروان، وذلك باطل، ولكنه كَانَ معه غيره من ولد عُمَر وهو عَبْد الْعَزِيز. وقال مروان لليمانية: انزلوا فقالوا: قل لقيس فلينزلوا- وذلك أنّهم حقدوا عليه تقديمه قيسًا وقتله ثابت بن نعيم الجذامي والسمط الكندي- فقال لصاحب شرطه الكوثر الغنوي: انزل. فقال: والله ما كنت لأجعل نفسي غرضًا. قَالَ: أما والله لأقتلنك ولأسوءنّك إن لم تنزل. فقال: وددت والله أنك تقدر عَلَى ذلك. ثُمَّ انهزمَ مروان وقطع الجسر فغرق ممن معه أكثر ممن قتل. وقال بعضهم: عرض لِمروان وجع فِي بطنه فحركه للخلاء فرآهُ الناس موليًّا فقالوا: منهزم، وانهزموا فلم يقدر عَلَى ردّهم. فلمّا رأى ذلك عبر الجسر الذي للزابي، وأمر بقطعه لئلا يتبع، فغرق ستة عشر رجلا من ولد مروان بن الحكم وفيهم إِبْرَاهِيم بن الوليد المخلوع، ويُقال إن إِبْرَاهِيم بقي حَتَّى قتله ابن عَليّ مع من قتل، ويُقال أنه قتل بعد موت أخيه يزيد الناقص حين ظفر به مروان. والله أعلم. وأثبت ذلك أن عَبْد الله بن عَليّ قتله. وكان عَبْد الله بن عَليّ فِي اثني عشر ألفًا، وأمر عَبْد الله بن عَليّ بإخراج الغرقى فأخرجوا فقرأ: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تنظرون [1] . وأقامَ فِي معسكره سبعة أيام فقال رجل من ولد سعيد بن العاص يعيب مروان: لَجَّ الفرار بِمروان فقلتُ له ... عاد الظلوم ظليما همّه الهرب

_ [1] سورة البقرة- الآية: 50.

هزيمة مروان بن محمد

ولي طريدًا ولم تُحمد عزيمته ... لدى القتال فلا دين ولا حسب [هزيمة مروان بن محمد] وكتب ابن عَليّ إلى أبي العباس بالفتح وبِهرب مروان، وأنه قد حوى عسكره فسجد أبو العباس، ثُمَّ صلى ركعتين وقرأ: فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بنهر [1] الآية. وكتب إلى ابن عَليّ يأمره بأن يصوم سبعة أيام، وصامها أبو العباس، وأمر أبو العباس لمن شهد الوقعة بخمسمائة خمسمائة، ووهب ابن عَليّ لعيينة بن موسى بن كعب جارية كانت لِمروان. وقال إسماعيل بن عَبْد الله القسري: قَالَ لي مروان بحرّان حين هرب بعد يوم الزابي: أبا هاشم إني قد أجمعتُ عَلَى حمل عيالي وقطع الدرب حَتَّى آتي مدينة من مدائن الروم أنزلها وأكاتب صاحب الروم، ولا يزالُ يأتيني الخائف والهارب، ويتلاحق بي الناس حَتَّى يكثر جمعنا، وكان ذلك رأيًا فكرهته لسوء صنيعه إلى أهل اليمن، وقتله من قتل منهم وتقديمه قيسًا، فقلتُ: أعيذك بالله أن يحكم فيك أهل الشرك وتملكهم أمرك، وأمر أهلك وحرمك ولكن استنفر الشام وكوره حَتَّى تصير إلى مصر، فإن رجالها كثير، وتكون بين الشام وإفريقية. فقال: سبحان الله، ومضى ومعه الكوثر الغنوي ومعه الحربة يسيرُ بِهَا بين يديه، فمر بقنسرين فوثبت به تنوخ وطيّئ فاقتطعوا مؤخر عسكره، ومر بِحمص فصنعوا مثل ذلك، ولم يدعوهُ يدخل مدينتهم، ثُمَّ مر بدمشق فروى قوم أنّهم منعوا عامله عليها من دخولها، وهو الوليد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك وكان معه. والثبت أن أهل دمشق لم يمنعوا عامله الوليد منها، فدخلها وأقام بِهَا حَتَّى قتله عَبْد الله بن علي،

_ [1] سورة البقرة- الآية: 249.

ويُقال بل أسره وبعث به إلى أبي العباس فقتله وصلبه. ومر مروان بالأردن، فوثبَ عليه هشام بن عَمْرو القيني، ومر بفلسطين فوثب به الحكم بن ضبعان بن روح بن زنباع، ثُمَّ مضى إلى مصر واتبعه الحجاج بن زمل السكسكي فصار معه، والرماحس بن عَبْد الْعَزِيز الكناني وكان عامله عَلَى الأردن، واتبعه ثعلبة بن سلامة وكان من عماله عَلَى ناحية قريبة من الأردن. فلما صار إلى فلسطين قَالَ: يا رماحس انفرج الناس عنا انفراج الرأس ولا سيما قيس التي وضعنا معروفنا عندهم فِي غير موضعه، وأخرجناهُ من قوم كانت دولتنا تقوم بِهِم، فما رأينا لقيس وفاءً ولا شكرًا. وصار عَبْد اللَّهِ بْن عَلِي إِلَى نَهر أَبِي فطرس [1] بعد أن غلب عَلَى دمشق، ووجه صالِح بن عَليّ بن عَبْد الله لِمحاربة مَرْوَان، وعلى مقدمته عَامِر بْن إِسْمَاعِيلَ بْن عَامِر بن نافع أحد بني مسلية بْن عَامِر بْن عَمْرو بْن عُلة بْن خلد، فحارب عَامِر بن إسماعيل مروان ببوصير فقتله. وقال الهيثم بن عدي: كَانَ الذي قتل مروان مزاحم بن حسان الحارثي، وكان الكوثر الغنوي قد كاتب عَامِر بن إسماعيل فبلغَ مروان ذلك، وهو فِي أول حد مصر فقتله. ويُقال إن قومًا من أصحاب مروان تيقنوا ذلك من فعل الكوثر فقتلوهُ وأتوا مروان برأسه، فقال: أبعده الله. وحمد القوم وقال فيهم خيرًا. وقال قوم: إن عَبْد الله بن عَليّ أتى مصر وذلك غير ثبت. وقال المدائني عَن بعض أشياخه: نزل عَبْد الله بن عَليّ بباب دمشق

_ [1] خارج الرملة في فلسطين.

حصار دمشق

وبِهَا الوليد بن معاوية بن مروان بن عَبْد الملك بن مروان وكان مع مروان بالزابي، فلما صارَ مروان إلى دمشق خلّف بِهَا الوليد، وسار إلى مصر لأن أهل دمشق لم يخالفوه. فحصرهم عَبْد الله بن عَليّ، وقد أغلقوا أبوابها، ثُمَّ وقعت بينهم العصبية فسوَّدت اليمانية، وفتحت الأبواب، فدخلها ابن عَليّ والخراسانية فقتلوا كل مبيض، وأخذوا الوليد، فبعث به عَبْد الله إلى أبي العباس، فقتله وصلبه. ويُقال بل وثبت به اليمانية فقتلوهُ، فبعث إلى أبي العباس برأسه، ويُقال بل قتله ابن عَليّ وبعث برأسه، والله أعلم. [حصار دمشق] وقدم عَبْد الصمد بن عَليّ من قبل أبي العباس فِي أربعة آلاف مددًا لعبد الله بن عَليّ، فوافاهُ بدمشق، وهدم عَبْد الله حائط دمشق، وصار إلى نَهر أبي فطرس فسار صالِح بن عَليّ عَلَى نَهر أبي فطرس إلى مصر فِي ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ومعه عَامِر بن إسماعيل المسْلي، وأبو عون عَبْد الملك بن يزيد الأزدي، فيقال إن عَبْد الله وجّه صالِحًا، ويقال بل ولاه أبو العباس مصر وأمر ابن عَليّ أن يقلده محاربة مروان ويتشاغل هو بأمور الشام حَتَّى يحكمها، فَعَدَلَ صالِح من الرملة، فنزل ساحل البحر وجمع السفن وتجهز للقاء مروان وهو بالفرما من مصر، فجعل صالح يسير عَلَى الساحل والسفن بحياله حَتَّى نزل العريش. وبلغ ذلك مروان فأحرق ما حوله من الأعلاف، وأخذ صالح بعض أصحابه ممن يحرق تلك الأعلاف فقتلهم بالفسطاط. ولَما وافى صالِح الفسطاط عبر مروان النيل وقطع الجسر، وقدّم صالح أبا عون وعامر بن إسماعيل فلقوا خيلا لِمروان فهزموهم وأسروا بعضهم

مقتل مروان بن محمد

فسألوهم عَن مروان فأخبروهم أَنَّهُ فِي كنيسة ببوصير وقد جَمع من بقي معه وضمّهم إليه فهم مطيفون به. [مقتل مروان بن محمد] وقال عَامِر بن إسماعيل: لقينا مروان ببوصير فِي السَّحَر، ونحنُ فِي عدة يسيرة لم يكن أصحابنا تلاحقوا بنا ولا تتامّوا إلينا، فشدّ أصحاب مروان إلينا فلجأنا إلى شجر ونخل هناك ولو يعلمونَ بقلّتنا لهلكنا، وذكرت أن بكير بن ماهان قَالَ لي: أنت والله تقتل مروان، فكأني أسمعكَ تقول: دَهَاد يا جونكان [1] دَهاد يا أهل خراسان. فاشتد قلبي فكررنا عليهم فانهزموا وحمل رجل عَلَى مروان فطعنه بسيفه وكان من أهل البصرة فقتله. وقال أبو الْحَسَن: قتله مُحَمَّد بن شهاب المازني من بني كابية بن حرقوص، واحتز رأسه فحمله إلى صالِح بن عَليّ، وكتب إلى عَبْد الله بن عَليّ، ويُقال إلى أمير المؤمنين أبي العباس بالفتح، وكان فِي كتابه: «إنا اتبعنا عدو الله الجعدي حَتَّى ألجأناه إلى أرض عدو الله فرعون شبيهه فِي كفره، فقتله الله ببوصير» . ثُمَّ رجعَ صالِح إلى الفسطاط. وقال المدائني: يُقال إنه طعنَ مروان رجل نحيف يكنى أبا العود، وهو لا يعرفه فصرعه، وصاح صائح: أمير المؤمنين. فابتدروه، فسبق إليه رجل كوفي كَانَ يبيع الرمان فاحتز رأسه. ويُقال أيضًا إنه قتله مزاحم بن حسان الحارثي، ويُقال بل قتله مُحَمَّد بن شهاب بن عقبة بن شهاب المازني، وأخذ رأسه، فبعث به عامر إلى أبي عون، وبعث به أبو عون إلى صالِح بن عَليّ، وبعث به صالِح إلى الخليفة، وهذا قول من قَالَ أن صالِحًا كان من قبل أبي العباس.

_ [1] تقدموا يا شباب: تقدموا يا أهل خراسان.

قَالَ الهيثم: وكان يُقال: إِذَا حملت مسلية الألوية دَهَت بني أمية الدويهية. قالوا: وَلَمّا نفض رأس مروان ونُقب ليخرج دماغه قطع لسانه فأخذه هر، فقال صالِح: لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلا لسان مروان فِي فم هر، لكان فِي ذلك عبرة وموعظة، ثُمَّ بعث برأسه وخاتمه مع يزيد بن هانئ الكندي إلى أبي العباس، وهو بالحيرة، فنصبه، وبعث به إلى خراسان. ولم يزل صالح عَلَى مصر حَتَّى مات أبو العباس، وعصى عَبْد الله بن علي، وكان الحكم بن ضبعان بن روح بن زنباع من قبل عَبْد الله بن عَليّ عَلَى فلسطين، فسرح إليه صالِح: أبا عون، وَمُحَمَّد بن الأشعث الخزاعي فهربَ الحكم إلى بعلبك، فدلّ عليه بعد فأخذ وذلك فِي ولاية عَبْد الوهاب بن إِبْرَاهِيم الإمام، ولم يُخالف صالِح المنصور حين هرب عَبْد الله بن علي، وكان متمسكًا بطاعته غير متابع لعبد الله بن عَليّ معصيته وخلافه، فلمّا انقضى أمره قدم فلسطين ومعه ليث بن سَعْد وابن لهيعة. وروي أن بنات مروان كُنّ فِي كنيسة عليهن خادم يقوم بأمرهن، فخرج الخادم شاهرًا سيفه وقال: إن مروان أمرني بقتل نسائه وبناته فمنع من ذلك، وأرادوا قتل الخصي فقال: إن قتلتموني ذهب ميراث النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قيل: وما ذاك؟. فدلهم عَلَى القضيب والبرد والقعب المخضب، وكان مروان دفن ذلك أجمع فِي رمل فِي بعض المواضع لئلا يصير إلى بني العباس، وهذا خلاف قول من ذكر أن البرد اشتري من بعض النصارى. والله أعلم.

أمر بني مروان بن محمد

أمر بني مروان بن مُحَمَّد قالوا: لَمَّا التقى مروان وعامر بن إسماعيل ببوصير من أرض مصر، فاقتتلوا ليلا، وقف عَبْد الله وعبيد الله ابنا مروان فِي ناحية، فِي جمع من أهل الشام، فحمل عليهم أهل خراسان فأزالوهم عَن موقعهم، ثُمَّ كروا عليهم فهزموهم حَتَّى ردوهم إلى عسكرهم، وتفرق الناس عَن عَبْد الله وعبيد الله حين قيل قد قتل مروان، وجعل أهل خراسان يقتلونَ من لحقوهُ من الفَلّ فلم يكن لهما همة إلا الخلاص، فمضيا عَلَى وجوههما وذلك فِي السحر، وتفرقَ الشاميونَ فِي الرمال، فرجع أهل خراسان عنهم، فصار ابنا مروان إلى بلاد النوبة فِي عدة من أحشام أبيهما ومواليه وغيرهم، فأكرمهما صاحب النوبة وأجرى عليهما ما يصلحهما فأقاما بأرض النوبة شهرين، ثُمَّ أجمعا عَلَى إتيان اليمن فيمن معهما فنهاهما صاحب النوبة عَن ذلك وقال: إني لا آمنُ عليكما الهلكة، فشكروهُ وساروا فِي بلاد العدو فدخلوا بلاد جاوة فلم يُهجهُم صاحبها وكان يبيعهم ملء القربة من الماء بخمسين درهمًا حَتَّى أخذ منهم مالا كثيرًا، ثُمَّ شخصوا عن بلاده فلقيهم بعض العدو فقاتلوه ونجوا فساروا فعرض لَهم جبل بين طريقين، فسلك عَبْد الله- وقد باين أخاهُ لتنازع وقع

بينهما- إحدى الطريقين، وسلك عبيد الله الطريق الأخرى فلم يلتقوا. وعرض لعبيد الله بعض العدو فقاتلهم بِمن معه فسلبوهم ثُمَّ قتلوهم إلا جُميعةً لا يبلغ عددها الثلاثين، وقتل عبيد الله وأخذت ابنته أم الحكم وهي صبية، وبقي ممن معه قوم فكانوا يتنكبونَ العمران فهلكوا وهلكت دوابهم، وبلغ منهم العطش حَتَّى شربوا أبوال دوابهم وأبوال أنفسهم إلى أن وصلوا إلى البحر، ووافاهم عَبْد الله بن مروان فكانوا خمسة وأربعين فيهم الحجاج بن قُتَيْبَة بن مسلم، فركبوا البحر وصاروا إلى مكة، فيقال إن العامل علم بِهم فلم يعرض لَهم، ويُقال إنه لم يعلم بِهم. وخرجوا مع الحُجاج وعليهم عمائم غلاظ وجباب الأكرياء حَتَّى مروا بقومٍ فرقوا لَهم فحملوهم. وفارق الحجاج بن قُتَيْبَة عَبْد الله بجدة، ثُمَّ أتى عَبْد الله بن مروان ومن معه تبالة بعد أن حج. قالوا: وأتى عَبْد الله بن مروان اليمن مستترًا فأقامَ بِهَا ما شاء الله، فدلّ عليه نَصْر بن مُحَمَّد بن الأشعث الخزاعي، وكان واليًا عليها من قبل أمير المؤمنين المنصور فِي آخر خلافته فأخذه وبعث به إلى المنصور فحبسه فِي القصر، فلما استخلفَ أمير المؤمنين المهدي أراد إخراجه إلى الشام ليخلعَ نفسه عَلَى منابر الشام لأن أباهُ كَانَ ولاه عهده، وكان أبو العباس الطوسي عَلَى المدينة والمطبق والحبوس فبلغه ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين من أشارَ عليك بِهذا الرأي؟ أأبو عبيد الله أَم ابن رغبان أم أبو سُمير؟. هذا رأي لا تؤمن عواقبه، أيدخل ابن مروان مدن الشام وله فِي أعناق أهلها بيعة؟ فيقال إن المهدي أراد تخلية عَبْد الله بن مروان، فقال له عيسى بن عَليّ: يا أمير المؤمنين إن له فِي أعناقنا بيعة. فأمر به المهدي فثقل بالحديد وحوّل إلى المطبق، فلم يلبث أن مات.

وكان أبو عبيد الله من أهل الشام وكذلك أبو سمير، وكان ابن رغبان مولى حبيب بن مسلمة الفهري شاميًا، وهو صاحب المسجد ببغداد. حَدَّثَنِي حَمّاد بن يعسل الوراق عَن سلمويه أبي صالح قَالَ: لَمّا أقيم عَبْد الله بن مروان بين يدي المهدي- وكان عامل اليمن وجهه إلى أبي جعفر- فوافى فقال أبو جعفر: أيكم يعرف هذا؟ فتأمله عَبْد الْعَزِيز بن مسلم العقيلي فقال: آه أبا الحكم كيف كنت بعدي؟ نعم يا أمير المؤمنين هذا عَبْد الله بن مروان، فأمر به إلى المطبق فمات فيه. قالوا: وكان عَلَى عَبْد الله فصّ ياقوت أحمر يساوي ألف دينار، فكان يقول وهو يمشي: ليت لي به دابة أركبها. وقال بعضُ من كَانَ مع عَبْد الله بن مروان: ما رأينا مثله، قاتل فكان أشد الناس، ومشى فكان أقواهم عَلَى المشي، وجاعوا فكان أصبرهم عَلَى الجوع. قالوا: وبلغ مروان وهو بِمصر قَتْلَ من قُتل بنهر أبي فطرس فبكى حَتَّى كاد يموت. وقال بعضُ آل مروان: ما كَانَ شيء أنفعَ لنا فِي هربنا من الجوهر الخفيف الثمن ما يساوي خمسة دنانير فما دونَ، كَانَ يخرجه الصبي والخادم والامرأة فنبيعه، وكنا لا نستطيع إظهار الجوهر الثمين. وقال الحجاج بن قُتَيْبَة: كنتُ مع نَصْر بن سيار، فلحقت بمروان، فصرتُ معه فقال وهو هارب: لقد عزبت عنا عقولنا حين لم نزوج نساءنا الأكفاء من قريش فنكفى مؤونتهم فِي هذه الحال، وأخذ لي سلم بن قُتَيْبَة أخي الأمان فقال لي أمير المؤمنين: أكنتَ مع مروان؟. فقلت: كنت مع

قوم خلطوني بأنفسهم فلم تحسن لي مفارقتهم، فقال: هذا الوفاء. وقيل إن المنصور- أو المهدي- دعا بعبد الله بن مروان فقال له: حَدَّثَنِي حديثك. فَحَدَّثَهُ فَهَمَّ بتخليته، حَتَّى قَالَ عيسى بن عَليّ فيه ما قَالَ.

ذكر من قتل من بني أمية وأتباعهم

ذكر من قتل من بني أمية وأتباعهم المدائني وغيره قَالوا: جلس عَبْد الله بن عَليّ للناس فِي خضراء دمشق، فدخلت عليه قريش وغيرها فتكلم يزيد بن هشام، وهو الأفقم فأطرى بني هاشم وذكر فضلهم وقال: أهل السؤدد والأمانة، وأطنبَ. ثُمَّ تكلم بنو أمية فأثنوا عليه ودعوا ومَتُّوا بالقرابة، فقال ابن علي: صدقتم وبررتم، إن قرابتكم لقريبة، وإن حقكم لواجب، أنتم أكفاؤنا وبنو عمنا ونحنُ أهل وراثتكم، وأنتم أهل وراثتنا لو كان الثاني متلائما. ثم قال: مالي لا أرى عتيق بن عَبْد الْعَزِيز بن الوليد فقيل له: ليس عنده ما تكرهه. فقال: إن أتاني ما بينه وبين ثالثة وإلا فلا أمان له عندي. فأتاهُ ثُمَّ إنه قتله بعد. ودعا عَبْد الله بالغداء، فتقدم من حضر إلا مُحَمَّد بن عَبْد الملك فقال له: اقترب يا مُحَمَّد. فقال: لستُ أطعم اليوم شيئًا، فجعل عَبْد الله ينظر إليه، فلما فرغوا من الغداء وخرج الناس فقيل له: دعاكَ إلى الغداء فلم تفعل، وتكلم أصحابك ولم تتكلم، وقد نظر إليكَ نظرًا شزرًا، وقتله بعد.

ودخل عليه حَمْزَة بن الأصبغ بن ذؤالة الكلبي، وكان حَمْزَة ممن شهد قتل زيد بن عَليّ. فلما رآهُ تمثل عَبْد الله: بسيف ابْن عَبَّاس وسيف ابْن زامل ... بَدت مقلتاها والبنانُ المخضبُ ثُمَّ قتل حَمْزَة بعد أن خرج مع السفياني، وأخذ ابن عَليّ سُلَيْمَان بن سليم بن كيسان فحبسه، وقدم قوم من كلب برأس الفياض بن عنبسة بن عَبْد الملك من البادية، قتل بِهَا. وقتل عَبْد الله بن عَليّ سُلَيْمَان بن سليم وأخوته: كلثومًا، ومسلمًا، ونصرًا، وبشرًا، وحمادًا، وصدقة، ويونس بني سليم، وأخذ ابن عَليّ بدمشق يزيد بن معاوية بن مروان بن عَبْد الملك، وعبد الله بن عَبْد الجبار بن يزيد بن عَبْد الملك فبعث بِهما إلى أبي العباس فقتلهما بالحيرة، أو بعث برءوسِهما أو حمل ابن عَبْد الجبار فقط. وقتل عَبْد الله بن عَليّ صالِح بن عجلان الأفطس، مولى مُحَمَّد بن مروان بن الحكم سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وكان ينزل حران، وسالِم الأفطس الذي يحدث عَن ابن حبيب. وأمر عَبْد الله بن عَليّ الضحاك بن زمل السكسكي بقتل بعض ولد نوح بن الوليد بن عَبْد الملك، وكان حين دعاهُ بلغه أَنَّهُ يريده لذلك فكسر يد نفسه فلم يزل الضحاك أثيرًا عِنْد أبي العباس حَتَّى مات ببغداد، فحضر المنصور دفنه وقام عَلَى قبره. وولى أمير المؤمنين أبو العباس عَبْد الله بن عَليّ الصائفة سنة خَمس وثلاثين ومائة، فتجهز وشخص، وأقبل أبان بن معاوية بن هشام يريده ليعترضه فوجه إليه حميد بن قحطبة فالتقوا، فانهزم أبان وأصحابه وانكشفوا

وتحصنوا فِي حصن كيسوم [1] ، فحصرهم حميد فطلبوا الأمان فأمنهم، وهرب أبان فدُلَّ عليه فأُخذ فِي غار فقطع عَبْد اللَّهِ يديه ورجليه وقتله، ومضى لوجهه. ويُقال إنه كَانَ فِي الغار أمه وأخته وامرأته، فدُلّ عَبْد الله عليه، فوجّه إليه أربعينَ رجلا فلمّا نذر بهم أراد قتالهم فمنعته أخته وأمه فاستسلم، فقطعَ عَبْد الله يديه ورجليه وحشمه وأطافه بالشام ثُمَّ حبسه فحلّ يديه حَتَّى نزف ومات. وتحصن عَبْد الصمد بن مُحَمَّد بن الحجاج بن يوسف فِي حصن، فبعث عَبْد الله من أخذه وأربعة عشر رجلا من آل أبي عقيل، ومع عَبْد الصمد سيف الحجاج فضرب به عنقه وأعناقهم. ويُقال إن صالِح بن عَليّ أخذهم. وقتل ابن عَليّ ذيخ [2] قريش وهو أبو بكر بن عَبْد الملك، وقتل أبا القاسم بن الوليد بن عتبة بن أبي سُفْيَان. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الزِّيَادِيِّ قَالَ: قَالَ عبد الله بن علي بنهر أبي فطرس ومعه بنو أمية، خرجوا معه من دمشق، فأمر ألا يدخلوا عليه وعلى أحد منهم سيف، فانتزعوا سيوفهم، وأمر بالخيل فرتبت حول الحجر، فلما دخلوا من باب المضرب عزلوا ناحية ونودي رجل رجل باسمه فدخل اثنان وسبعون رجلا، ويُقال كَانوا نيفًا وثَمانين. وجاء حباش بن حبيب الطائي صاحب شرطة عَبْد الله بن علي، فأمر

_ [1] من حصون الثغور بينه وبين الحدث سبعة فراسخ. بغية الطلب ج 1 ص 265. [2] الذيخ: الذئب الجريء، والفرس الحصان، وكوكب أحمر، وذكر الضباع. القاموس.

بِهم فنزعت ثيابهم وكُتّفوا فجعل أهل خراسان يشقون أطراف أقبيتهم ويكتفونهم، فقال مُحَمَّد بن عَبْد الملك: يا بني أمية اصبروا فهذا يومكم الذي كنتم توعدون، ولم تأخذوا له أهبته. فضربوا بالخشب والعمد والأيدي والأرجل حَتَّى رضوا جَميعًا. قالوا: ورأى خُفاف بن منصور فرسًا لسليمان بن داود بن عَبْد الله بن مروان فأعجبه فقال: لِمن هذا الفرس؟ فأخبر مولى لسليمان سُلَيْمَان بذلك، فبعث إليه بالفرس فقال: ما كنتُ لأقبله ولكن قل لصاحبك احذر أصحابنا، فحضر يومئذ فقُتل. وقُتل الغمر بن يزيد وقد ذكرنا خبره، وقتل إِبْرَاهِيم بن مسلمة بن عَبْد الملك. وبعث عَبْد الله بن عَليّ إلى البلقاء من قتل سُلَيْمَان بن يزيد بن عَبْد الملك أخا الوليد المقتول، وبعث عبد الله بالرؤوس إلى أبي العباس مع سلمة بن مُحَمَّد الطائي، والوثيْق بن زُفر. وكتب إلى عُثْمَان بن عبد الأعلى بن سراقة وهو بدمشق: إِذَا ورد عليك الوثيق فاقتله واجعل رأسه مع الرؤوس، وانفذ بِهَا سلمة بن مُحَمَّد وجَماعة معه يحفظونَها، فإن بني أمية أرادوا نقض ما جعل الله لنا فِي أعناقِهم فألحقتهم بأمهم الهاوية، والنار الحامية. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لم يوجه عَبْد الله بن عَليّ الوليد بن معاوية بن مروان بن عَبْد الملك بن مروان حين أخذه بدمشق إلى أبي العباس، ولكنه بعثَ بأخيه زيد بن معاوية، فقتله أبو العباس وصلبه بالكوفة. وقتل ابن عَليّ الوليد وبعث برأسه إلى امرأته، وهي ابنة مروان بن

مُحَمَّد، فقالت: والذي ابتلاني بقتله ما تبينت صورة وجهه قط، وقال المدائني: كَانَ يُقال إنه من فتيان قريش. وأما عَبْد الْوَاحِد بْن سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الْمَلِك فقتله صالِح بن عَليّ، دخل عليه وصالح يقرأ، ورجل يأخذ عليه فِي مصحف، فقال له: ما منعكَ من إتيان أمير المؤمنين؟ قَالَ: كتابُ أمير المؤمنين. فقال للذي كَانَ يأخذ عليه: أطبق المصحف. وأمر به فضربت عنقه. وقتل أبو العباس سُلَيْمَان بن هشام وقد كتبنا قصته وسبب قتله. وقتل أبو العباس زيد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك بن مروان وصلبه بالحيرة. وقال هشام ابن الكلبي: قتل ابن عَليّ بنهر أبي فطرس ثَمانين أو نيفًا وثَمانين من بني أمية، فقال حفص بن أبي النعمان مولى عبيد الله بن زياد: أَيْنَ رَوْقًا عَبْد شمسٍ أين هُمْ ... أينَ أهلُ الباعِ منهم والحسبْ قُل لِمن يسأل عنهم إنَّهم ... جثثٌ تلمع من فوق الخشب احلبوا ما شئتم فِي صحنكم ... فستلقونَ صرى [1] ذاك الحلب قَالَ: ويُقال لبني حرب بن أمية، وبني أبي العاص بن أمية: الرّوْقَان. والرَوْق: القرن. وقال ابن الكلبي: صلب عَبْد الله بن عَليّ عَمْرو بْن سهيل بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مروان الذي كتبنا خبره بالبصرة. قَالَ: ولَمّا افتتحَ ابن عَليّ دمشق أسر زيد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن عَبْد الجبار بن يزيد بن عبد الملك، فبعث بهما

_ [1] لبن صرى: متغير الطعم، والصرى: البقية. القاموس.

إلى أبي العباس فصلبهما بالحيرة. وقتل أبو العباس سُلَيْمَان بن هشام وابنه وصلبهما. قَالَ: وقال أبو عدي العَبْلي من بني أمية: تقولُ أُمامة لَمّا رأت ... سهادي لدى هجعة النُّعسِ أبي ما عَرَاك فقلت الهموم ... طرقْنَ أباكِ فلا تُبْلسي لفقد العشيرة إذ نالها ... سهام من الحدث الموئِسِ رَمَتها المنون بلا نصل ... ولا طائشاتٍ ولا نكس أفاض المدامعَ قتلى كرى ... وقتلى بلوثة لم تُرْمَسِ وقتلى بَوَجّ وباللابتينِ ... مِنْ يثرب خير ما أَنْفُسِ وبالزابيين نفوسٌ ثَوَتْ ... وقتلى بنهر أبي فطرسِ أولئكَ قومي أذاعت بِهم ... نوائب من زمن مُتْعَسِ أَذَلَّتْ جبالي لِمن رامها ... وأنزلت الرُّغْمَ بالمعْطَسِ فما أنْسَ لا أَنْسَ قتلاهُمُ ... ولا عاش بَعْدَهُمُ مَنْ نُسي فقتله داود بن عَليّ. وقال بعض الشعراء: تَعْسًا أمية قد زَلَّتْ بكم قَدَمٌ ... فأصبح الْمُلْكُ من أيديكمُ نُزِعَا ونالها من بني العباس مضطلع ... بالحمل لو حَمَّلُوها غيره ظَلَعَا ميراث أَحْمَد كانوا يلعبونَ به ... يا رُبَّ محتصدٍ غير الذي زَرعا الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الأوزاعي قَالَ: قَالَ لي عَبْد الله بن عَليّ: ما ترى فيمن قتلتُه من هَؤُلَاء؟ قلت: أمنتهم ولم يكن ينبغي أن تقتلهم، قَالَ: فما تقولُ فيمن قتلت ولم أؤمنه؟ قلت: لو لم تقتلهم كَانَ

أحبُّ إليّ لك. قَالَ: والله لو كَانَ معنا ثالث من الناس ما رأيت الأحبة. قالوا: وقتل داود بن عَليّ بالمدينة عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الجبار بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَن الواقدي وغيره قالوا: كَانَ إسماعيل بن عَمْرو بن العاص من عُبَّاد الناس وخيارهم وهو صاحب الأعوص [1] فقال عُمَر بن عَبْد الْعَزِيز: لو أن الأمر إليّ لوليتها القاسم بن مُحَمَّد أو إسماعيل صاحب الأعوص، وعرض له داود بن عَليّ فقيل ليست بك حاجة أن تُفزع إسماعيل للدعاء عليك فتركه ولم يعرض له، وعرض لإسماعيل بن أمية بن عَمْرو بن العاص، ولأيوب بن موسى بن عَمْرو بن سعيد فحبسهما بالمدينة. وروى ابن أبي سبرة وسليمان بن بلال عَن إسماعيل صاحب الأعوص، وقيل لصاحب الأعوص ليالي قدم داود: لو تغَيَّبْتَ. فقال: ولا طرفة عين. ولم يتغيب.

_ [1] بهامش الأصل: «الأعوص موضع» على أميال من المدينة. معجم البلدان.

أمر حبيب بن مرة المري

أمر حبيب بن مُرَّةَ الْمُريّ قالوا: وخرج حبيب بن مرة المري بحوران، فكتب ابن عَليّ إلى أبي غانِم عَبْد الحميد بن ربعي الطائي، وعثمان بن سراقة البارقي، وهما بدمشق يأمرهما بالمسير إلى حبيب، فتوجها إليه فغدر أصحاب عَبْد الحميد به وتفرقوا عنه، وذلك لأنهم كانوا يمانية فقالوا: لم نكن لنقاتل إخواننا، فكسر ذلك سائر الجند فرجعوا إلى دمشق منهزمين، فلما رأى ذلك أهل دمشق بَيَّضوا وخلعوا، فأتاهم حبيب بن مرة فأحاط بالمدينة، فبعث أبو غانم سلمة بن مُحَمَّد إلى باب الشرقي ومعه عَبْد الله الطائي فقاتلا أصحاب حبيب، وخرج أبو غانِم من باب الفراديس فمضى، فقال سلمة: غدر أبو غانم، وقاتل سلمة حَتَّى قُتل وناس من أصحابه، وطلب أصحاب حبيب أبا غانم ففاتهم بنفسه وما معه من الأموال والأثقال. وأتى بيروت فنزلها، وكتب إلى عَبْد الله بن عَليّ يُخبره، فكتب ابن عَليّ إلى أشراف ربيعة واليمن يَعِدهُم ويُمنيهم ويقول: إنكم أنصارنا مذ كانت هذه الدعوة. فاعْتزلُوا ورجعوا وخلّوا بينه وبين مضر.

وخرج أهل دمشق، وهم زهاء ثَمانين ألفًا، فعسكروا يريدونَ قتال عَبْد الله بن عَليّ، فلمّا نَزَعت اليمانية والربعية عَن الحرب رجعوا وانكسروا. وأتى عَبْد الله بن عَليّ دمشق فكُلّم فيهم. وقيل إنه لم يكن لَهم ذنب فأمنهم، ثُمَّ ارتحلَ فِي المحرم سنة ثلاث وثلاثين إلى حبيب بن مرة بحوران، فالتقوا فهربَ حبيب إلى البادية ويُقال بل هرب حين شارف ابن عَليّ. وفتح عَبْد الله حوران، ودخلها لعشر بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وقدم عَلَى عَبْد الله بن عَليّ مُحَمَّد بن خالد القسري، ومعن بن زائدة بفتح واسط، وقتل يزيد بن عُمَر بن هبيرة، ورجع أبو غانم بِما حمل إلى دمشق، ودسَّ لِحبيب فقُتل. وكان قتل مروان بن مُحَمَّد فِي سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وله تسع وستون سنة، فكانت ولايته خَمس سنين. تَمَّ أمر آل أبي العاص

ولد أبي عمرو بن أمية

ولد أبي عَمْرو بن أمية ولد أبو عَمْرو بن أمية: أبا مُعيط، واسمه أبان، وأمه آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة. ومسافر بن أبي عَمْرو. وكُمَيْم بن أبي عَمْرو. ولا عقب لكميم. وأبا وجزة واسمه تَميم. وزينب، وصفية، أمهم ريطة بنت الحويرث. ثَقَفِيَّة. وقال أبو اليقظان: يزعمونَ أَنَّهُ عَبْد كَانَ يسمى ذكوان، فاستخلفه أمية فكناهُ أبا عَمْرو فخلف عَلَى آمنة بعد أمية، وقال: بِمكة دار نُسبت إلى كميم ولا عقب له. فأمّا أبو وجزة فله عقب ولَهم أموال بالبصرة. وأُسر الحارث بن أبي وجزة يوم بدر، وسمعه عُمَر بن الخطاب بعد ذلك يمدح خالد بن الوليد فقال له: يا بن أبي وجزة لا يسمعنّ هذا خالد منك فإنه يحب الفخر، وحُبّ الفخر مفسدة فِي الدين. وأما مسافر بن أبي عَمْرو فكان من فتيان قريش جمالا وسخاءً وشعرًا، وكان نديمًا لأبي طالب بن عَبْد المطلب، وكان أتى الحيرة حين اتُّهِمَ بامرأة

يُقالُ لَهَا هند هاربًا فأصابته الدُّبَيْلة [1] من شربه الخمر صرفًا، ويُقال لما ناله من الأسف إذ لم ينلها، فكواهُ رجل فضرط الكاوي فقال مسافر: قد يضرط العير والمكواة فِي النار. ثُمَّ خرج متوجهًا إلى مكة فمات بهبالة [2] ، فقال أبو طالب حين جاءهم نعيه: لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أَبِي ... عَمْرٍو وَلَيْتَ يقولها المحزونُ رجع الركب سالِمين جَميعًا ... وخليلي فِي مَرْمَسٍ مَدفونُ بوركَ الميت الغريب كما بو ... رك صنو الريحان والزيتون ميت صدق عَلَى هَبالةَ قَدْ حالت ... فيافٍ من دونه وحزونُ مدره [3] يدفع الخصوم بأيدٍ ... وبوجهٍ يزينه العرنين رُبّ خال رُزئتُه وابن عم ... وخليل أتت عليه المنون فتعزَّيت بالجلادة والصَّبْر ... وإني بصاحبي لضنين ويُقال إن هذا الشعر لضرار بن عَبْد المطلب، والثبت أَنَّهُ لأبي طالب. وزعم قومٌ أَنَّهُ كَانَ قد زُوِّج هذه المرأة فلم تُهْد إليه، وكان بينهما شيء فهربَ إلى الحيرة. وقال مسافر حين زوّجت:

_ [1] الدبيلة: داء في الجوف. القاموس. [2] هبالة: من مياه بني نمير. معجم البلدان. [3] دره: هجم وطلع، ولهم وعنهم دفع، والمدره: السيد الشريف، والمقدم في اللسان واليد عند الخصومة والقتال. القاموس.

ألا إنّ هندًا أصبحت منك مَحْرمًا ... وأصبحت شيخًا من حُمُوتها حما وأصبحت كالمسلوب جَفْن سلاحه ... يُقلب بالكفين قوسًا وأسْهُمَا ولما مات مسافر نادمَ أبو طالب عَمْرو بن عَبْد ودّ، فلما بارزه عَليّ عليه السلام قَالَ له: إن أباكَ كَانَ لي صديقًا. وقال مسافر: غشيت الدار موحشةً ... فلم تُؤنس بِهَا أحدا عفت آياتها إلا ... أواريًّا [1] ومنتضَدا وأشعث ماثلا خَلِقًا ... وسعفًا حوله ركدا لِهند إنّ ذكراها ... يَهيجُ لقلبك الكمدا ملكتِ فاسْحجي وَعدي ... ومنّينا غدا فغدا فإنّا معشر أنف ... نقيم الدّرء والصّيدا ورثنا المجد عن آبائنا ... فسَموا بنا صُعدا وقال مسافر لأبي أحيحة: تَمُتُّ إلى الأقصى بثديك كله ... وأنت عَلَى الأدنى صروم مُجددُ فإنك لو أصلحتَ من أنت مفسدٌ ... تودّدك الأقصى الذي تتودّدُ أخوكَ الذي إن تَجْنِ يومًا عظيمةً ... يَبتْ ساهرًا إذ سائر الناس رقد وإنّ ابن عم المرء يحمي ذماره ... ويَمنعه حين الفرائص تُرعِدُ وقال عمارة بن عقبة: خلق البيض الحسان لنا ... وجياد الرِّيطِ والأزر كابرًا كنا أحقُّ به ... حين صيغ الشمس القمر

_ [1] الأوار: حر النار والشمس والعطش والدخان واللهب. القاموس.

وكان عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية

فقال مسافر: أعمار بن الوليد وقد يذكر ... الشعار من ذكره هل أخو كاس مخفضها ... ومُوَقٍّ صحبه شكره ومحيّيهُمُ إِذَا شربوا ... ومُقِلٍّ فيهُمُ هَذَرَهْ خُلِقَ البيض الحسانُ لنا ... وجياد الرِّيط والحَبَرهْ كابرًا كنا أحقّ به ... كل حيٍّ تابع كبرهْ وقال مسافر يَهجو سعيد بن العاص أبا أحيحة: فنحنُ البيض أشبهنا قصيا ... وأنتم شبه أستاه [1] المزاد نَسَبَهُ إلى السواد. وقال أبو اليقظان: مات مسافر بالحيرة، وموته بهبالة أثبت، وكان عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عَمْرو بن أمية مطعامًا للطعام. قَالَ الشاعر: مَنْ سَرَّهُ شحم ولحم داهن ... فليأتِ جفنة عقبة بن أبان وقال ضرار بن الخطاب: عينُ بَكي لعقبة بن أبان ... قرم فهر وفارس الفرسان وكان عقبة من أشد الكفار عَلَى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأُسر عقبة يوم بدر فأمر عليًّا فقتله صبرًا بعرق الظبية، وقد كتبنا خبره فِي أول كتابنا. وكانت لأبي معيط ابنتان: حكيمة وصفية وأمهما سالِمة بنت أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي. فولد عقبة بن أبي معيط: الوليد بن عقبة. وخالد بن عقبة. وهشام بن عقبة. وعُمارة. وأم

_ [1] أي سافلة المزاد، واستي الثوب: سداه. القاموس.

كلثوم، وأم حكيم، أمهم أرْوَى بنت كُريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس. وأبان بن الوليد. ويعلى بن الوليد. وعثمان. فأمّا أم كلثوم فكان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرجها معه فِي المغازي فتداوي الجرحى ويضرب لَهَا سَهْمًا، وصافحَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدها بيده وبين يدها ويده ثوب، وخطبها إلى عُثْمَان عَلَى زيد بن حارثة مولاه فَتَكرَّه ذلك عُثْمَان وأباها فأخبرها فقالت: لو أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أتزوج زنجيًّا عظيم المشافر محدّد الأسنان لفعلتُ. فتزوجها زيد فقتل عنها، فتزوجها عَبْد الرَّحْمَن بن عوف الزهري، فهلك عنها، فتزوجها الزبير بن العوام، ثُمَّ طلقها الزبير فتزوجها عَمْرو بن العاص وكانت معه بِمصر. وَحَدَّثَنِي مصعب بن عَبْد الله قَالَ: هاجرتُ أم كلثوم بنت عقبة إلى المدينة فِي الهدنة بين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقريش، فأراد أن يردها فقالت: أتردني يا رسول الله إلى المشركين فيفتنوني عَن ديني؟ فأنزل الله عز وجلّ: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات [1] الآية. فلم يدفعها وزوّجها زيد بن حارثة. وولى عُثْمَان الوليد الكوفة فشهد عليه بشرب الخمر فَحُدَّ، وقد كتبنا خبره، وكان يُكنى أبا وهب، وكان النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى بني المصطلق مصدقًا فأتاهُ فقال: منعوني الصدقة كاذبًا، فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغزوهم فنزلت: يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فعلتم نادمين [2] .

_ [1] سورة الممتحنة- الآية: 10. [2] سورة الحجرات- الآية: 6.

ووقع بين الوليد وبين عَليّ بن أبي طالب كلام فِي أمر هذه الدعوة التي ادّعاها عَلَى بني المصطلق أو غير ذلك فقال: لأنا بالكتيبة وأَضْرِبُ لَهامة البطل المشيح منك. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كمن كان فاسقا لا يستوون [1] . وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو والٍ عَلَى عمل كَانَ ولاهُ إياه، ولما استخلف عُمَر بن الخطاب ولاه صدقة تغلب فقال وكان شاعرًا: إِذَا ما شددت الرأس مني بِمشوذٍ [2] ... فويلك مني تغلب ابنة وائل فعزله. وكان جوادًا سخيًّا. وفيه يقول أبو زيد الطائي: بِحمد الله ثُمَّ فتى قريشٍ ... أبي وهب غدتْ غلبًا غرارا وقال الحطيئة: أبي لابن أروى خلّتان اصطفاهما ... قتال إِذَا يلقى العدو ونائله فتًى يملأ الشيزي ويروي بكفه ... سنان الرديني الأصمَّ وعامله [3] وغزا الوليد أيام ولايته الكوفة آذربيجان فصارت إليه جارية خزرية، فقالت له يومًا ورأت فرسًا جوادًا: احملني عَلَى هذا الفرس. ففعل، فركضت ومضت فلم تُلحق، وكانت حاملا فجاء فتى إلى ولد الوليد فادعى أَنَّهُ ابن الوليد من الخزرية، وذكر أَنَّهُ نشأ بالباب والأبواب من أرمينية، فأنكروهُ ونفوهُ فكان يُسمى الدعيّ، واسمه الحارث، ويُقالُ عقبة. فقال لعمرو بن الوليد المعروف بأبي قطيفة:

_ [1] سورة السجدة- الآية: 18. [2] المشوذ: العمامة. القاموس. [3] ديوان الحطيئة ص 78- 79، والشيزي: الجفان.

يا عمرو يا بن أبي تلافوا أمركم ... حَتَّى متى ترمي بي الرجوان يا ليتَ حظي من تراث أبيكم ... أن ترفعوا لي نسبتي ومكاني وقال الحارث الدعيّ ليعلى بن الوليد بن عقبة: كأنّ عَلَى مفارق رأس يَحيى ... خنافس مُوِّتَت زَمَن البطاح وللوليد أشعار كتبناها فِي مواضع من هذا الكتاب، ولَمّا احتُضرَ قَالَ وهو بالبليخ: «اللهم إن كَانَ أهل الكوفة صَدَقوا عليّ فلا تُلْق روحي رَوْحًا ولا ريحانًا، وإن كانوا كذبوا عَليّ فلا تُرضهم بأمير، ولا ترضَ عنهم أميرًا، وانتقم لي منهم، واجعل قولهم كفارة لِما لا يعلمون من ذنوبي» . وزارَ الوليد معاوية بالشام فقال له: يا أبا وهب ألستَ أكثر قريش مالا؟ قَالَ: بلى. قَالَ: فخرج وأنشأ يقول: أعفّ وأستغني كما قد أمرتني ... فأعطِ سوائي ما بدا لك وابخلِ سأصرف عنك الرّكز إن سجيتي ... إِذَا رابني رَيْبٌ كَسَلَّة منصل وإني امرؤ فِي الدار منى تَطَرَّبٌ ... وليس شبا قفل عليّ بمقفل ثُمَّ أتى الرقة فمات بِهَا، وقال بعضهم: نزل الوليد بالرقة فلم يأت صفين. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الواقدي قَالَ: اعتزلَ الوليد عَليّ بن أبي طالب ومعاوية، وأقامَ بالرقة حَتَّى مات بِهَا أو بالبليخ. وقال أبو اليقظان: أعجبته البليخ فقال: منك المحشر فمات بالبليخ. وولد الوليد بن عقبة: عمرًا، كَانَ يُكنى أبا قطيفة وكان شاعرًا. وقال مصعب: كني أبو قطيفة بِهذه الكنية لأنه كَانَ كثير شعر الرأس

والوجه والجسد [1] ، وسيره ابن الزبير من المدينة إلى الشام مع بني أمية فقال: ليت شعري وأين مني ليت ... هل عَلَى العهد يلبن فبرام [2] أم كعهدي البقيع أم بَدَّلَتْهُ ... بَعْدَنا المعصفاتُ والأَيَّام خشيةً أن يصيبهم حدث الدهر ... وحرب يشيب منه الغلام وبقومي بَدَّلت كلبًا ولخمًا ... وجذامًا وأين مني جذام وقال أبو قطيفة: بكى أحدٌ إن فارق اليوم أهله ... فكيف بذي وَجْدٍ من الْقَوْم آلفُ من أجل أبي بكر جَلَتْ عَن بلادها ... أمية والأعلامُ عوجٌ عَواطِفُ وذكره ابن القَلَمَّس الكناني فعابه عِنْد عَبْد الملك فقال: أنبئتُ أن ابن القلمس عابني ... ومن ذا من الناس البريء الْمُسَلَّمُ تبين سبيل الرشد سيد قومه ... فقد يُبصر الرشد الرئيس المعَمَّمُ فَمَنْ أنتُمُ إنا نسينا من أنتُمُ ... وقد جعلت أشياء تُنْسي وتكْتَمُ فولد عَمْرو بن الوليد وهو أبو قطيفة: ذا الشامة، وهو مُحَمَّد، وأمه ابنة أسماء بن خارجة، وكان صاحب قرآن، ومن قرآنه (إن الباقر تشابه علينا) [3] وكان به شامة، وولاهُ مسلمة بن عَبْد الملك الكوفة، فرماهُ أهلها بالزندقة، وقدم ذو الشامة عَلَى يوسف بن عُمَر، فأمر له بألف دينار فردّها وقال: قد قلت حين تَيَّمَمتْ ... وبدا لها قصد السبيل

_ [1] كتاب نسب قريش للمصعب الزبيري ص 146. [2] يلبن: جبل قرب المدينة وبرام جبل عند الحرة من ناحية النقيع. المغانم المطابة. [3] انظر سورة البقرة الآية: 70.

وأما خالد بن عقبة:

قبح الإله قرابةً ... تُرجى من آل أبي عقيل قومٌ إِذَا ما جئتهم ... بالحق والنسب الأصيل لم يرغبوا أو يرهبوا ... يومًا رجعت بلا فتيل وإذا أردت نَوالهم ... منهم فيعدل ألف ميل وأمّا خالد بن عقبة: فاستقضاهُ مروان بن الحكم عَلَى المدينة فِي أيام معاوية، فوثبَ غلمان لسعيد بن عُثْمَان عليه فقتلوا سعيدًا، فقال عَبْد الرَّحْمَن بن سيحان حليف بني أمية: يلومونني فِي الدار أَن غبت عَنْهُم ... وَقَدْ فرّ عنهم خالدٌ وهو دارعُ وقال خالد: لعمري لقد أبصرتهم فتركتهم ... بعينيك إذ ممشاكَ فِي الدار واسع فولد خالد: خالدًا ولقب أجَيح، ويكنى أبا العباس، وفيه يقول عَبْد الله بن الحجاج الغطفاني: كأني إذ دخلتُ عَلَى أجيحٍ ... دخلتُ عَلَى مُقَوقِيةٍ تَبيضُ إوزَّة غيطة لقحت كشافًا ... لقحقحها إِذَا ربضتْ نقيض [1] فإنْ يَعْرِضْ أبو العباس عني ... ويرمي بي عروضًا عَن عروض ويجعل ماله بخلا لغيري ... ويبغضني فإني من بغيض فإن بمصر عبد الله يأسو ... ويجبر عظم ذي الكسر المهيض عَبْد الله هو ابن عبد الملك بن مروان.

_ [1] القحقح: العظم المطيف بالدبر، والنقيض: الصوت. القاموس.

ومن ولد خالد بن عقبة:

ومن ولد خالد بن عقبة: هشام. ولي الصائفة زمن الوليد بن عَبْد الملك وَفِي الجيش عُمَر بن عَبْد الْعَزِيز. قالوا: ولَمَّا خرج مروان بن الحكم من المدينة قَالَ خالد بن عقبة: فو الله ما أدري وإني لسائل ... تعاجزت يا مروان أم أنت عاجزُ فررتَ ولَمّا تُغن شيئًا وقد تَرى ... بأن سوف ينثو [1] الفعل حادٍ وراجز فأجابه عَبْد الرَّحْمَن بْن الحكم بْن أَبِي العاص فقال: أخالد أكثرت الملامة والأذى ... لقومك لَمّا هَزْهَزَتْكَ الهَزاهِزُ أخالد إنّ الحرب عوصاء مُرَّةٌ ... لَهَا كفل ناب عَن الْكفلِ ناشزُ يُعجز مولاك الذي لست مثله ... وأنت بتعجيز امرئ الصدق عاجزُ هو المرء يوم الدار لا أنتَ إذْ دعَا ... إلى الموتِ يَمْشي حاسرًا من يُبارزُ وقال ابن الكلبي: نزل خالد الجزيرة، فولده بِهَا اليوم. قَالَ: وأبو قطيفة الذي يقول: ألا ليتَ شعري هل تغير بَعدنا ... بقيع المصلّى أو كعهدي القرائن أم الدور أكناف البلاط عوامر ... كما كُن أم هل بالمدينة ساكنُ لعل قريشًا أن تُريعَ حلومها ... ويُزجر بعد الشؤم طير الأيامن وأمّا عمارة بن عقبة بن أبي معيط، فإنه كَانَ مقيمًا بالكوفة، وبها ولده، وله يقول أخوه الوليد بن عقبة: فإن يك ظنّي يا بن أمي صادقا ... عمارة لا لا تطلب بذحل ولا وتر وقد ذكرنا هذا الشعر في موضع آخر.

_ [1] ينث الخبر: يفشيه. القاموس.

ومن ولده: أم أيوب، وأم نافع، أمهما ابنة هانئ بن قبيصة. فأمّا أم أيوب فكانت عِنْد عبيد الله بن زياد، وكانت أم نافع عِنْد زياد بن أبي سُفْيَان. وقال ابن الكلبي: ولى عَبْد الملك أبان بن الوليد بن عقبة حمص وقنسرين، وولى عُثْمَان بن الوليد بن عقبة أرمينية. وقال ابن الكلبي: كَانَ الذي ذهبَ برأس يزيد بن المهلب إلى الشام خالد بن خالد بن الوليد بن عقبة. وقال ابن الكلبي: ولد هشام بن الوليد: معاوية. فولد معاوية: هشام بن معاوية بن هشام بن الوليد، وهو أبو يعيش. ولي الصوائف فِي زمن الوليد بن عَبْد الملك. قَالَ ابن الكلبي: قدم عقفان بن قيس بن عَاصِم، أو متمم بن نويرة المدينة، فنزل عَلَى أروى بنت كريز فأكرمته فقال: خَلِّف عَلَى أروى سلامًا فإِنَّما ... جزاء الثواءِ أَنْ تعِفّ وتُحمدا سلامًا أتى من وامقٍ غير عاشق ... أراد رحيلا ما أعفَّ وأمجدا وكان جساس المعيطي من ولد عمارة، ويُكنى أبا الوليد، واسمه عمارة، شيخا ما جنا تملأ لحيته صدره، وكان يخضب، فمر ومعه صديق له بين منازل أبي معيط فقال لصديقه: ما أشد الحرّ يا أبا الوليد. قَالَ: أو ما تعلم أنك بين منازل الصبية الذي أوجبَ لَهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النار؟. ورأى امرأة قد ضربت الحد، وقد حُملت عَلَى حمار، وهي تُنادي عَلَى نفسها: من رآني فلا يزني. فدنا منها ثُمَّ قَالَ: أَيْ زانية، إنك إذا لمطاعة.

ومَرَّ بخمر قد صُبَّتْ، وطنبور قد كُسر، فقال: اللهم غَيِّرْ ما ترى. وبات مع قوم من أهل الكوفة، فلمّا ناموا قام إلى غلام له ملتح ليفسق به، فلم يُخَلّ بينه وبين ذلك، وقال له: أما تستحي من الناس، ثُمَّ صار إلى غلام له آخر فطاوعه عَلَى ما أراد، فلما أصبح اشتري أثوابًا فجعل يقطع لنفسه منها ثوبًا ولغلامه الذي طاوعه ثوبًا، فقال له الغلام الذي التوى عليه: فأنا مالي؟ قَالَ: أنتَ يا بني تتكلم فِي النوم. قَالَ ابن الكلبي: وكان يُقالُ للوليد بن عقبة: الأشعر بركا، وكان كثير شعر الصدر والجسد، والبرك: الصدر. وقال الكلبي: كَانَ سعيد بن عَبْد الْعَزِيز بن خُدينة عَلَى خراسان من قبل مسلمة، وكان مقيمًا بِهراة فيما ذكر بعضهم، وكان عَبْد الملّك بْن بشر بْن مروان من قبله عَلَى البصرة. وكان ذو الشامة مُحَمَّد بن عَمْرو أبي قطيفة بن الوليد بن عقبة من قبله عَلَى الكوفة. فقال الفرزدق حين عزل مسلمة: عزل ابن عُمَرو وابن بشر قبله ... وأخو هراة لمثلها متوقع [1] قَالَ الحرمازي: قَالَ هراة ولم يقل خراسان لضرورة الشعر.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 408 مع فوارق.

ومن بني سفيان بن أمية الأكبر بن عبد شمس

ومن بني سُفْيَان بن أمية الأكبر بن عَبْد شمس حكيم بن طليق بن سُفْيَان بن امية وكان من المؤلفة قلوبهم، أعطاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حنين مائة من الإبل. وكان لسفيان ابن يُقالُ له: المهاجر، فهلك. وكان سُفْيَان أحد من تعلم الخط العربي من بشير أخي أُكيدر السكوني فِي الجاهلية، وعلّمه غيلان بن سَلمة الثقفي، وله ابنة تزوجها المغيرة بن زياد بن سُمَيَّة، ويُقال زياد نفسه، فَدرج عقب سُفْيَان. وقال الكلبي: كَانَ لسفيان من الولد لصلبه: طليق، والحارث، وحمنه، وَهِيَ أم سَعْد بْن أَبِي وقاص. - ومن بَنِي أَبِي سُفْيَان بْن أمية: سُفْيَان بْن أمية بْن أَبِي سُفْيَانَ بْن أمية الذي ذهب بِموت عَليّ بن أبي طالب إلى الحجاز. ولا عقب له.

وأما عمرو بن أمية

وأمّا عَمْرو بن أمية فولد: يزيد. وأمه أم قتال بِنْت عَبْد اللَّه بْن الحارث بن زهرة. درج ولا عقب لعمرو بن أمية. وأمّا أبو حرب بن أمية فلا عقب له.

ولد حبيب بن عبد شمس

ولد حبيب بن عَبْد شمس وأمّا حبيب بن عَبْد شمس فولد: ربيعة. وأمه فاطمة بنت الحارث بن شجنة. وقال أبو اليقظان: أمه فاطمة بنت عِدّ بن أبي الحارث من عدوان. وسمرة بن حبيب لأم ولد سوداء يقال لها ربيبة. وأخوهُ لأمه أبو جمعة جدّ كثير بن عَبْد الرَّحْمَن بن أبي جمعة الشاعر. وَعَمْرًا، وأمه من بني سهم. فأمّا سمرة بن حبيب فولد: عَمْرًا. وأمه ريطة بنت عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بن تيم. وعبد الرَّحْمَن بن سمرة وأمه كنانية. فأمّا عَمْرو بن سمرة فقطعه النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سرقة. وولده ينزلونَ البصرة، منهم: معاوية بن معاوية السمري. أمه من ولد زياد بن سُمَيَّة. وكان من وجوه قريش وذوي المروءة منهم، وهلك بالبصرة وله عقب. وأمّا عَبْد الرَّحْمَن بن سمرة فكان يُسمى عَبْد كلال. فسماهُ رَسُول اللَّهِ

- فولد عبد الرحمن:

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَن، وقال له النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا عَبْد الرَّحْمَن لا تطلب الإمارة فإنك إن أُتيتها من غير مسألة أعنتَ عليها، وإن أتيتها عَن مسألة وُكلت إلى نفسك فيها» . وكانت له صحبة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولاهُ عَبْد الله بن عَامِر سجستان فافتتحها. وكان متواضعًا فإذا كَانَ اليوم المطير أخذ مسحاة وكسح الطريق. وافتتح كابل، ونزل البصرة، وبنى بِهَا منزلا عَلَى بناء كابل، وقد حُدِّث عنه، ومات بالبصرة فحضر جنازته أبو بكرة، فسمع قائلا يقول: رويدكم بالجنازة فعلاه بسوطه وقال: لقد كنا نهرول بِهَا عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هرولة. - فولد عَبْد الرَّحْمَن: عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سمرة، وكان أعور، وكان من رجال قريش، وكان مع عَبْد الملك بن مروان، فلما خرج عَبْد الرَّحْمَن بن الأشعث خرج معه ابناهُ فقال لعبد الملك: ائذن لي حَتَّى أخرج فأردّ ابنيّ، فأذن له فلحق بابن الأشعث فولاهُ البصرة. وقال فيه الشاعر: يا أعور العين فديت العورا ... لا تحسبن الخندق المحفورا يدفع عنك الْقَدَرَ المقدورا ثُمَّ هرب فأتى خراسان فقال المثنى بن عبيد الأزدي: وتثعلب الرَوّاض بعد مزاحه ... وانسلَّ بين غرارتين الأعورُ الرواض: عَبْد الرَّحْمَن بن العباس الهاشمي، من بني الحارث بن عَبْد المطلب، وكان يركب البغال فيروّضها.

وأما ربيعة بن حبيب بن عبد شمس

ولما بلغ الحجاج أنه بخراسان تخوّف أن يؤمنه عَبْد الملك، فبعث إلى قُتَيْبَة بخرقة وقطنة وتراب وزبيبة فقال قُتَيْبَة: يأمرني أن أقتل ابن زبيبة وهذا كفنه ولباسه فِي تربته. فأخذه فقتله. وزبيبة أم سمرة. وقتل الحجاج ابنه عتبة بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَن بْنِ سمرة بواسط، وهو صاحب درب ابن سمرة بالبصرة. وكان ولد عبيد الله: أبا بكر وهو عتبة، وعثمان، وكانا خرجا مع ابن الأشعث. ولأبي بكر عقب بالبصرة. وأما ربيعة بن حبيب بن عَبْد شمس فولد: كريزًا وأمه خزاعية. فولد كريز: عَامِر بن كريز. وآمنة، وأروى. وأم طلحة وهي أرنب. أمهم البيضاء بنت عَبْد المطلب، وهي أم حكيم. والحارث لأم ولد سوداء، وشهل بن كريز، وعُبَيس بن كريز، أمهما من عَبْد القيس، ويُقال أم ولد. وفاختة. أمها هند بنت جُدعان أخت عَبْد الله بن جُدعان. فأمّا أروى فتزوجها عَفّان بن أبي العاص بن أمية، فهي أم عُثْمَان بن عَفَّان. ثُمَّ خلفَ عليها عقبة بن أبي معيط. وأمّا أم طلحة وهي أرنب فتزوجها عَامِر بن الحضرمي. وأما آمنة فتزوجها الحكم بْن كيسان حليف بَنِي المغيرة، ثُمَّ عَبْد الله بن أبي سعيد، أو سعيد حليف بني أمية بن المغيرة. وأمّا فاختة فتزوجها أَبُو العاص بْن نوفل بْن عَبْد شمس. وأما عَامِر بن كريز فكان مضعوفًا، وأتى عَبْد المطلب فَمَسَّهُ فقال: وأعظم هاشم، ما ولد فِي بني عَبْد مناف مولود أحمق منه. وفيه تقول أم

وأما عبد الله بن عامر [1] بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس،

حكيم: إِذَا ذُكِّرْتُ أمركَ عامَ عندي ... أبيتُ بليلةٍ وُصِلَتْ بشهرِ فلم تُشْبه أباكَ ولا أبانا ... ولكنْ أنت هذرٌ غير صفرِ فلم آتيه سائلةً لشيءٍ ... ولا أدعو له أبدًا بغفرِ فولد عَامِر: عَبْد الله. وأم رافع. أمهما: دجاجة بنت أسماء بن الصَّلْت بن حبيب بن حارثة بن سماك السلمي، وأمها: أميمة بنت الأخنس سلمية. وأبا الصهباء. أمه رومية. فأمّا أم رافع فتزوجها عَبْد الله بن الأسود بن عوف الزهري. وأمّا أبو الصهباء فكانت عنده أم حبيب بنت زياد، فولدت له، وله عقب بالبصرة. وأما عَبْد اللَّه بْن عَامِر [1] بْن كريز بْن ربيعة بن حبيب بن عَبْد شمس، فإن أباهُ عَامِر أتى به النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحنّكَهُ، وقال: هذا أشبه بنا منكم فتثاءب فتفل فِي فيه فازدرد ريقه، فقال النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأرجو أن يكون مسقيًّا. وكان يُكنى أبا عَبْد الرَّحْمَن، واستعمله عُثْمَان بن عَفَّان عَلَى البصرة وأعمالها، فافتتح اصطخر، وجور، وكورًا من فارس، وخراسان وسجستان، وكابل، واتخذ النباج [2] فِي طريق مكة، وغرس بِهَا نخلا وحفر آبارًا وعمر منازلَ واتخذ حياضًا، واتخذ بعرفات حياضًا وسقايات، واتخذ بالبصرة بالنجيب قصرًا يعرف بقصر ابن عامر، وحفر بالبصرة نهرين

_ [1] بهامش الأصل: عبد الله بن عامر. [2] النباج منزل لحجاج البصرة بين البصرة ومكة. معجم البلدان.

أحدهما فِي السوق والآخر الذي يُعرف بأم عَبْد الله، وغرس عليهما غراسًا كثيرًا. وأمر ابن عَامِر زيادًا- وقد استخلفه عَلَى البصرة- أن يحفر نَهر الأُبُلَّة فحفره. وكان ابن عَامِر مسقيًا لَوْ مَسّ صخرة لأماهها- أي أخرج منها الماء- وقال ابن عَامِر: لو كنت تركت لخرجت المرأة فِي حُداجها عَلَى دابتها، ترد كل يوم عَلَى ماء، وسوق حَتَّى ترد مكة. وكان ابن عَامِر أجود العرب وأسخاهم وأكرمهم. أعطى فِي ولاية البصرة أربعة وثَمانين ألف ألف درهم أجازَ بِهَا. وسأل الوليد بن عقبة مروان وهو عَلَى المدينة فأعطاه عشرة آلاف درهم فلم يقبلها، ومر بالمغيرة بن شعبة فأعطاهُ عشرين ألفًا عَلَى يد ابنه عروة، وأما ابن عَامِر فشكا إليه دينه فقضاهُ عنه، وكان دينه مائة ألف، ووهب له مائة ألف أخرى. فقال: ألا جعل الله المغيرة وابنه ... ومروان نعلي بذلة لابن عَامِر لكي يقياه الحر والقرّ والأذى ... ولدغ الأفاعي واحتدام الهواجر يفيض الفرات للذين يَلُونَهُ ... وسَيبك مالي كل بادٍ وحاضرِ وكان يُقال: أفلحَ سائل ابن عَامِر. وقال الراجز لابنه عبد الأعلى: يا بن الذي أفلحَ عفوًا سائله ... وأنجحت لما أتى وسائله المدائني عَن مسلمة عَن الجارود بن أبي سبرة قَالَ: أَحْرَمَ عَبْد الله بن عَامِر من نيسابور شكرًا لله، فأحدث السقايات بعرفات وعَمَّر النباج، قَالَ: فالنباج يعرف بنباج ابن عامر.

وقال أبو السنابل بن عَبْد الله: أنا ابن مُصَدّر الحجاج ريًّا ... بمائهم وألبان اللقاح وكان إذا أصابَ الناس جهد ... يباري الريح من فضل السماح فلما قتل عُثْمَان أتى مكة فقدم مع طلحة والزبير وحضر يوم الجمل فقتل ابنه عَبْد الرَّحْمَن، ثُمَّ لحق بدمشق فقال الشاعر: أتاني من الأنباء أن ابن عَامِر ... أناخَ وألقى فِي دمشق الرواسيا فلما ولي معاوية الخلافة، ولى عَبْد الله بن عَامِر البصرة وأعمالها، وكان عقده عليها بالنخيلة بالكوفة، وزوج معاوية ابن عَامِر هند ابنة معاوية، وكانت ولايته لمعاوية خمس سنين، ثُمَّ عزله معاوية واستعملَ الحارث بن عَبْد الله الأزدي، ثُمَّ استعملَ زيادًا فتحاملَ عَلَى ابن عَامِر. ثُمَّ ولى عبيد الله بن زياد فأضرّ به فِي مواليه وأمواله ودوره وأنهاره، ثُمَّ أتى مكة فماتَ بِهَا ودفن بعرفات، وأوصى إلى ابن الزبير. وقال الواقدي: لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ أتي بعبد الله بن عَامِر وهو ابن خمس أو ست فقال: «إن شبهنا لَفِيه. وَتَفَلَ فِي فمه وقال: لو أَنَّهُ قدح حجرًا أَمَاهَهُ» . قالوا: قدم الأحنف البصرة من خراسان عَلَى فرسه الذي أبدى عليه وبغله الذي عليه ثقله إلا أن معه شيئًا سوى ذلك أتى به ابن عَامِر فقال: هذا شيء ذكر لي أَنَّهُ هدية النوروز، فقال عَبْد الله بن عَامِر: هو لك. قَالَ: لا حاجة لي فيه. قَالَ: فلابنك. قَالَ: ما كنتُ أرضى له إلا بِما أرضى لنفسي. قَالَ الْحَسَن: فضَمّ ذلك إليه رجل مضَمّ. قالوا: وأراد معاوية أن يصطفي أموال ابن عَامِر، فقال ابن عَامِر: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«المقتول دون ماله شهيد» ، والله لأقاتلنه حَتَّى أقتل دونَ مالي. فأعرضَ عنه معاوية. وقال أبو الأسود فِي ابن عَامِر وعيب عليه: ألم تر ما بيني وبين ابن عَامِر ... من الود قد بالت عليه الثعالبُ فأصبح باقي الود بيني وبينه ... كما لم يكن والدهرُ جَمّ العجائبُ فما أنا بالباكي عليه صبابةً ... ولا بالذي تأتيه عني المثالبُ إِذَا المرءُ لَم يحببك إلا تكرهًّا ... بدا لك من أخلاقه ما تجانبُ [1] وقال المدائني: كانت هند بنت معاوية أبرّ الناس بابن عَامِر، فجاءته يومًا بالمرآة والمشط وكانت تولي خدمته نفسها. فنظر فِي المرآة فالتقى وجهه ووجهها فِي المرآة، فرأى شبابها وجَمالها ورأى الشيب فِي لحيته قد ألحقه بالشيوخ فرفع رأسه إليها وقال: الحقي بأهلك وأبيك، فانطلقت حَتَّى دخلت عَلَى أبيها فأخبرته فقال: وهل يُطلق الحرَّةَ حُرٌّ؟! فأرسل إليه: أكرمتك بابنتي فرددتها عليّ. فقال: إنّ الله مَنَّ عليّ بفضله وجعلني كريِمًا لا أحبُّ أن يتفضل أحد عليَّ، وإن ابنتك من أكرم صاحبة وقد أعجزتني مكافأتها لِحسن صحبتها، ونظرت فإذا أنا شيخ وهي شابة لا أزيدها مالا إلى مالها ولا شرفًا إلى شرفها، فرددتُها عليك لتزوّجها، وكان رجلا سخيا كريما. وقال النابغة: فياليت من يأتي ابن هند بحاجتي ... ومروان والأقباء تُهدى وتُجلبُ يخبّر عني ما أقول ابنَ عامر ... فنعم الذي يأوي إليه المصعّب

_ [1] ديوان أبي الأسود ص 158 مع فوارق.

فولد عبد الله بن عامر:

كريم ينال الصالِحين نواله ... ويروى بكفيه السّنان المجرّبُ [1] وقال أبو الأسود: يا خليلي ما الذي غَيَّرَ لي ... وُدَّهُ والنصح حَتَّى ودّعَهْ لا تَهِنِّي بعد أن أكرمتني ... فشديدٌ عادَه مُنْتَزِعَهْ [2] وقال ابن عَامِر لعبد الله بن عُمَر: اتخذت مصنعة كذا، وحفرت بئر كذا، وسقيتَ الناس الماء بمكان كذا، فقال له ابن عُمَر: إِذَا طابت المكسبة زَكَتِ النفقة، وسترد فتعلم. وقال ابن الأعرابي: حَدَّثَنِي سعيد بن سلم عَن أبيه قَالَ: تخاصمَ رجلان من قريش إلى مروان بن الحكم بالمدينة فِي مال، فقال لبعض حرسه: انطلق بِهما إلى عَبْد الله بن عَامِر وقل له: انظر فِي أمر ابن عَمَّيْكَ، فقال: ما قيمة ما تتنازعان فيه؟ قالا: عشرة آلاف دينار. قَالَ: أيعجز مروان أن يغرم عشرة آلاف دينار فِي إصلاح بينكما. فغرمها، فقال مروان: أردنا أن نفضحه ففضحنا. فولد عَبْد الله بن عَامِر: عَبْد الرَّحْمَن الأكبر. وعبد الله الأعمى. وعبد الملك. أمهم كُبيشة بنت الحارث بن كُريز. وعبد الحكيم. وعبد الواحد الأكبر. وأمهم أم حبيب بنت سُفْيَان، كنانية.

_ [1] ديوان النابغة الجعدي- ط. دمشق 1964 ص 7- البيتان الأول والثاني دون الثالث مع فوارق. [2] ليسا في ديوان أبي الأسود المطبوع.

وعبد الحميد الأصغر. وعبد الْعَزِيز. أمهما من بني المطلب بن عَبْد مناف. وعبد الْعَزِيز. وعبد المجيد لأم ولد. وأبا النضر واسمه عَبْد الرَّحْمَن لأم ولد. وعبد الجبار لأم ولد. وعبد ربه. وأم كلثوم وأمهما أمة الله من بني عدي بن كعب. وكانت أم كلثوم عِنْد يزيد بن معاوية. وفيها يقول: إِذَا ظللتُ عَلَى الأنماط متكئًا ... بدير مروان عندي أم كلثوم وأم رافع. وزينب- وكان أبان بن عُثْمَان بن عَفَّان تزوجها-. وأمهما ثقفية. وأمة الحميد وأمها هند بنت سهيل بن عَمْرو. وأم عَبْد الملك، أمها هند بنت أبي العاص بن نوفل بن عَبْد شمس، تزوجها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب بْن أسيد بْن أبي العاص بن أمية. وعبد الكريم. وعبد الرَّحْمَن أبا السنابل لأم ولد. وعبد السلام أمه من بني عَبْد الدار. فأمّا عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الله فقتل يوم الجمل ولا عقب له. وأما عَبْد الله الأعمى فولد: عَبْد الرَّحْمَن. وعبد الأعلى. وأمة الرَّحْمَن لأم ولد. وعبد القدير. وعبد الحميد. وعبد الواحد. وعبد الجبار. وحميدة. وأمهم خزاعية، وعبد الْعَزِيز أمه ابنة الحارث بن نوفل، وأمها هند بنت أبي سُفْيَان بن حرب. وعبد الملك، وأم عَبْد الله، أمهما من بني عقيل. وعبد الغفار، وأم عَبْد الملك أمهما من ولد قدامة بن مظعون. وعبد الله وعبد القدوس أمهما كلبية. فأمّا حميدة فكانت عِنْد مُحَمَّد بن يوسف أخي الحجاج.

وأمّا عَبْد الرَّحْمَن فكان ينزل المدينة وعقبه بها. وأمّا عَبْد الْعَزِيز فكان راوية للشعر، وكان يرمي بالكذب. عَلَى أَنَّهُ كَانَ له قَدْرٌ. وأمّا عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله بن عَامِر فكان يُكنى أبا عَبْد الرَّحْمَن، وكان من أفصح الناس وأسخاهم، وكان شجاعًا، وشهد يوم الزاوية مع الحجاج، ويوم رستقاباذ، وقال فيه رؤبة بن العجاج: لأهديَنَّ مدحة لا تبلى ... إلى ابن عَبْد الله عَبْد الأعلى قد سُربل المجد فتى وكهلا [1] ومات بالبصرة. وكان سخيًّا، وعقبه بالبصرة كثير. وقال بلال بن أبي بردة لرجل: أتأتي صديقك اليوم- يعني عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله- فقال: نعم نأتيه وهو متصبح، ثُمَّ ينتبه فيقعد فإن حدثناه أحسن الاستماع، وإن سكتنا ساقطنا أحسن الحديث، ثُمَّ يأتي طباخه فيخبره بِما عنده مما أَعَدَّ له ثُمَّ يقدمه، ويؤتى من عِنْد نسائه بألطافٍ فيأكلُ ويمعن ثُمَّ يأكل معنا. قَالَ: وقال الفضل بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن الْعَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب: لَكَرم عَبْد الأعلى وسخاؤه أنصعُ وأفضلُ من كرم عَبْد الله بن عَامِر، وسعيد بن العاص وسخائيهما، لأن ذينك كانا يعتمدان فِي إنفاقهما عَلَى بيت المال، وهذا يعتمدُ عَلَى صلب ماله. وولى الرشيد أمير المؤمنين عُمَر بن عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله البصرة، وكور دجلة.

_ [1] لم ترد هذه الأبيات في ديوان رؤبة المطبوع.

وَأَمَّا عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر، فكان يقال له قفيز، وولي بعض فارس للقباع وهو الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة أيام الزبير. وقال ابن الكلبي: ولي البصرة أيام ابن الزبير وولده بالبصرة. فولد عَبْد الملك: عَبْد الكبير. وأم عَبْد الغفار وأمهما حنفية، وكان البراء بن قبيصة الثقفي خطبها فقال: أم عَبْد الغفار هاتي نَوَالا ... وَصِلِي حبل عاشق إرسالا فتزوجها عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الله بن عامر، وو ولد عَبْد الملك بالبصرة. وولد عَبْد الكريم بن عَبْد الله بن عَامِر: عَبْد الحميد، فولد عَبْد الحميد: عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْد الحميد بْن عَبْد الكريم بن عَبْد الله بن عَامِر ولُقّب عبيد الله ترفل، قتله أبو مسلم، وقتل أخاهُ عَبْد الْعَزِيز بن عَبْد الحميد بن عَبْد الكريم، ولترفل يقول ثابت قطنة: أيذهب هذا الدهر لم نَسْقِ ترفلا ... وأشياعه الكأس التي صَبَّحوا جَهْمَا وقد ذكرنا خبر ترفل الذي قيل هذا الشعر فيه مع خبر خدينة سَعِيد بْن عَبْدِ الْعَزِيز بْن الْحَارِث بْن الحكم بن أبي العاص، وعبد الحميد بن عَبْد الكريم بن عَبْد الله بن عَامِر هو الذي قتل ابن ناشرة الحنظلي بسجستان، ويُقال بل قتله ابنه عَبْد الْعَزِيز بن عَبْد الحميد. وقال المدائني عَن أبي اليقظان: قتل ابن ناشرة عَبْد الْعَزِيز بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ، وكان سبب ذلك أن طلحة الطلحات الخزاعي لَمّا احتضرَ استخلفَ رجلا من بني يشكر عَلَى سجستان فأخرجته المضرية، وغلب كل امرئ منهم عَلَى ناحية، فكانوا كذلك حَتَّى قدم هذا الكريزي،

فاتفقت عليه مضر وصالحوه، فدخل مدينة زرنج وقاتل رتبيل، وعاد المضريون إلى أماكنهم التي كانوا يأكلونَها، وأرسلَ إليه عَبْد الله بن ناشرة أن خذ ما فِي بيت المال وانصرف. وغلب ابن ناشرة عَلَى زرنج، وبلغ ذلك وكيع بن أبي سود التميمي فلحقه فردّه، وأخرج ابن ناشرة إلى مكانه، ودلف إليه عَبْد الحميد أو عَبْد الْعَزِيز ابنه ومعه وكيع فتحاربا، وعثر بابن ناشرة فرسه، فاندقّت رجله وهزم أصحابه، وقتل فقال أبو حزابة أو حنظلة بن عرادة لعمري لقد هدّت قريش عروشنا ... بأبيض نفّاح العشيَّات أزهرا فلا صلح حَتَّى تنحط الخيل بالقنا ... بنا وبكم أو نُصدر الأمر مَصَدرا ألا لا فَتى بعد ابن ناشرة الفتى ... ولا شيء إلا قد تولى وأدبرا فتى حنظليٌّ ما تزالُ يَمينه ... تَجودُ بِمعروف وتُنكِرُ مُنْكَرا أكانَ حصادا للمنايا ازْدَرَعْنَهُ ... فهلا تركْنَ النّبْتَ ما كَانَ أخضرا فِي أبيات: ولم يزل هذا الكريزي عَلَى سجستان حَتَّى قتل مصعب فولى عَبْد الملك مكانه رجلا. وقال الكلبي: هذا الكريزي عَبْد الحميد. وقال المدائني: هو عَبْد الْعَزِيز ابنه أخو تُرفُل. وقال ابن الكلبي: اسم ترفل عَبْد الله. وقال غيره: اسمه عَبْد الحميد، وقول الكلبي أثبت. وأمّا أبو السنابل وهو عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الله بن عَامِر فولد: عَبْد المجيد، أمه سلمة من ولد أسيد بن عَبْد العزى. وعبد الله لأم

أخبار عبد الله بن عامر

ولد. وأمة الواحد لأم ولد، ولأبي السنابل عقب، وحضر أبو السنابل- وكان شاعرًا- سيل الجحاف. وأمّا عَبْد الجبار بن عَبْد الله بن عَامِر فولد أولادًا. وكذلك عَبْد الرَّحْمَن بن عَبْد الله بن عَامِر. وكذلك عَبْد الحميد بن عَبْد الله بن عَامِر. وأمّا الحارث بن كريز، وأمه سوداء فولد: عَبْد الله. وعثمان، أمهما من بني سامة بن لؤي. وكبشة، أمها عبدرية. فتزوج كبشة مسيلمة الكذاب، ثُمَّ تزوجها عَبْد الله بن عَامِر. وأما عيسى بن كريز فولد: مسلم بن عيسى، وكان له قدر بالبصرة، قتله الخوارج من الأزارقة وقد كتبنا خبره. [أخبار عبد الله بن عامر] وحدثني عباس بن هشام ابن الكلبي عَن أبيه- وذكره المدائني- قالا: كَانَ يقع بين ابن عَامِر وبين مروان الكلام فيظفر به ابن عَامِر، فقال معاوية لعبد الله بن عَامِر: إنه يكون بينك وبين مروان الشيء فتظفر به. فقال: إنه يَجدني عضًا شديد الخصومة. فقال: لو لقيت رجلا عَرَّفَكَ نفسك. فقال ابن عَامِر: فَكُنْ أَنْتَ ذَلِكَ الرَّجُلَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: أنا ابن هند بنت عتبة. قَالَ: وأنا ابن أم حكيم بنت عَبْد المطلب. قَالَ: ارتفعت جدًّا. قَالَ: وانخفضت يا أمير المؤمنين، فقال معاوية: اذكر دجاجة بنت الصَّلْت. قَالَ: وأنت فاذكر حمامة- وحمامة امرأة من بني غفار نالت معاوية ولادتها وكان يُقالُ فيها. قالوا: وضعف أمر ابن عَامِر، فكتب إليه معاوية فِي القدوم عليه، وذلك فِي سنة أربع وأربعين فاستخلفَ عَلَى البصرة قيس بن الهيثم وقدم فردّه عَلَى عمله، فلمّا ودّعه قَالَ له معاوية: إني سائلكَ ثلاثًا فقل هي لك. قال:

هي لك وأنا ابن أم حكيم. قَالَ معاوية: تردّ عَليّ عملي ولا تغضب. قَالَ: قد فعلت. قَالَ: وتَهب لي مالك بعرفة. قَالَ: قد فعلت. قَالَ: وتَهب لي دارك بِمكة. قَالَ: قد فعلت، قَالَ: وصلتك رحم. فقال ابن عَامِر: يا أمير المؤمنين إني سائلكَ ثلاثًا. قَالَ: هي لك وأنا ابن هند. قَالَ: تردّ عَليّ مالي بعرفة. قَالَ: قد فعلت. قَالَ: ولا تحاسب لي عاملا، قَالَ: قد فعلت. قَالَ: وأنكحني هند ابنتك. قَالَ: قد فعلت. ويُقال إن معاوية قَالَ له: اختر بين أن أردكَ إلى عملك وأحاسبك فاتّبع عليك، وبين أن أسوّغك ما أصبت وأعزلك. فاختار أن يسوغه ذلك. المدائني عَن مسلمة وغيره قَالَ: كَانَ ابن عَامِر ليّن الولاية لا يقطع فِي ولايته ولا يعاقب، وكان أَتْوَه أحمق. وشكا ابن عَامِر إلى زياد فساد الناس، فقال: جَرِّدْ فيهم سيفك. فقال: أصلحهم بفساد نفسي.

بنو ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف

بنو ربيعة بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مَناف ولد لربيعة بن عَبْد شمس: عُتبَة. وشَيْبَة. وريطة. وعاتكة، أمهم خُنَاس من بني عَامِر بن لؤي. وأبا عتبة. وصفية وعاتكة الصغرى. وهالة، وأمهم من بني زهرة يُقال لَهَا ضيزنة. فأما هالة فكانت عِنْد الأفقم بن أبي عَمْرو النصري. وأمّا عتبة فكان سيد قريش فِي زمانه وكان من المطعمين يوم بدر، رُوِيَ عَن عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عتبة سيد قريش في الجاهلية، وقيل: ماساد قريشًا مملق غير عتبة، وأبي طالب. وقتل عتبة عبيدة بن الحارث يوم بدر، ويُقال إنه شرك فِي قتله عَليّ بن أبي طالب، ويُقال قتله حَمْزَة. وقد كتبنا خبره فيما تقدم. فولد عتبة: الوليد. قتل يوم بدر. وأبا هاشم بن عتبة وكان صالِحًا فقيهًا ومات بالشام. وهاشمًا. وآمنة. وأبا الحكم. والمغيرة. وعبد شمس. وهندًا. وفاطمة. وعاتكة. وفاختة، وأمهم من ولد الأوقص السُّلَمي. وأبا حذيفة بن عتبة. وحفص بن عتبة، وأمهما أم حفص ويُقال أم صفوان بنت صفوان كنانية.

ونعمان. وربيعة، أمهما بَرّه دوسيَّة. والفارعة. وقد كتبنا خبر هند بنت عتبة ومن تزوجها، وهي أم معاوية. وتزوج أم أبان بنت عتبة: يزيد بن أبي سُفْيَان فهلكَ عنها، فخطبها عُمَر بن الخطاب فقالت: لا أتزوجه لأنه يدخل عابسًا، ويَخرجُ عابسًا، يغلقُ أبوابه ويُقلّ خيره. ثُمَّ خطبها الزبير بن العوام فقالت: يَدٌ لَهُ عَلَى قروني، ويَدٌ لَهُ فِي السوط. ثُمَّ خطبها عَليّ بن أبي طالب فقالت: ليس للمرأة منه حظ، إلا أن يقعد بين شعبها الأربع. ثُمَّ خطبها طلحة بن عبيد الله فتزوجها فدخل عليها عَليّ فقيل: رددت هذا وتزوجت ابن الحضرمية؟ فقالت: القضاء والقدر. فقال: أما لقد تزوجت أجملنا أمرًا وأجودنا كفًّا، وأكثرنا خيرًا عَلَى أهله. وأما عاتكة فتزوجها أبو أمية بن المغيرة المخزومي. وأما فاطمة فتزوجها القاسم بن حبيب الثقفي. وأما الفارعة فكانت عِنْد جندب بن عَمْرو بن حممة الدوسي. وأما صفية فكانت عِنْد عَبْد شمس بن الشريد المخزومي. وكان عتبة نديمًا لمطعم بن عدي. وأما أبو حذيفة [1] بن عتبة بن ربيعة فأسلمَ واسمه هُشيم، ويُقال مهشم، وأم أبي حذيفة أم صفوان وهي فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرّث

_ [1] بهامش الأصل: أبو حذيفة.

الكناني، وبعضهم يقول أم حفص. والأول أثبت. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُمَر الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْن رومان قَالَ: أسلمَ أبو حذيفة بن عتبة قبل دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم. وقال الواقدي: نزل أبو حذيفة وسالِم مولى أبي حذيفة بالمدينة عَلَى عباد بن بشر، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أبي حذيفة وعبّاد وقتلا جَميعًا باليمامة. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْنُ سَعْدٍ عَن الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدَ أَبُو حُذَيْفَةَ بَدْرًا، فَدَعَا أَبَاهُ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ إِلَى الْبِرَازِ فَقَالَتْ هِنْدٌ أُخْتُهُ: الأَحْوَلُ الأَثْعَلُ الْمَلْعُونُ طَائِرَهُ ... أَبُو حُذَيْفَةَ شَرُّ النَّاسِ فِي الدِّينِ أَمَا شَكَرْتَ أَبًا رَبَّاكَ فِي صِغَرٍ ... حَتَّى شببت شَبَابًا غَيْرَ مَحْجُونِ وَكَانَ عُتْبَةُ قَدْ حُمِلَ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَ قُرَيْشٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَكُنْ عِنْد أَحَدٍ مِنْهُمْ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الأَحْمَرِ» . فَذَكَرَ غَيْرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ عُتْبَةَ دَعَا لِلْبِرَازِ فَتَعَرَّضَ أَبُو حُذَيْفَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْمُرَهُ بِمُبَارَزَتِهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا قُتِلَ بَكَى أَبُو حُذَيْفَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَمْ أَرَكَ تَعَرَّضْتَ لِمُبَارَزَتِهِ فَمَا بَالُكَ تَبْكِي» ؟. أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ: لَوْ أَمَرْتَنِي لَفَعَلْتُ فِعْلا يُعْجِبُ النَّاسَ. وَلَكِنْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَا قُلْتَ فِيهِ، وَكَانَ رَجُلا عَاقِلا، فَلَمَّا قُتِلَ جَزِعْتُ لَهُ مِنَ النَّارِ. وَكَانَ لَهُ قَوْلٌ فِي أَمْرِ الْعَبَّاسِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي خَبَرِ الْعَبَّاسِ. قَالَ: وكان أبو حذيفة رجلا طوالا، حسن الوجه، مترادف الأسنان،

فولد له بالحبشة: محمد بن أبي حذيفة

وهو الثُّعَل [1] وكان أحول، شهدَ بدرًا وأُحدًا والخندق والمشاهد كلها، وقتل يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة وهو ابن ثلاث أو أربع وخمسين سنة. وكان أبو حذيفة من مهاجرة الحبشة فِي المرتين جَميعًا، ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بْن عَمْرو من بني عَامِر بْن لؤي. فولد له بالحبشة: مُحَمَّد بن أبي حذيفة وأمه سهلة. وعاصم بن أبي حذيفة وأمه بنت عَمْرو بن حرب بن أمية، ولا عقبَ له ولا لِمحمد أيضًا، فلما قتل أبو حذيفة كفله عُثْمَان بن عَفَّان وأحسنَ إليه ومانه [2] وأنفقَ عليه، فلمّا خرجَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح إلى مصر واليًا عليها من قبل عُثْمَان، خرج مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر وَمُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة إلى مصر. فغزوا فِي البحر سنة أربع وثَمانين، فصلى عَبْد الله بن سَعْد فكبر مُحَمَّد بن أبي حذيفة خلفه تكبيرًا أفزعه فنهاهُ وقال: لولا أنك حدث أحمق لقاربت بين خطاك. وكان يعيبه ويعيب عُثْمَان بتوليته إياه، ويقول: ولي عُثْمَان رجلا أباحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يَوْم الفتح، ونزل الْقُرْآن بكفره. ثُمَّ أظهر الطعن عَلَى عُثْمَان وذم سيرته، فكتب عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح إِلَى عُثْمَان: «إِن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر، وَمُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة قد أنغلا عليك المغرب وأفسداه» . فقال عُثْمَان: اللهم إني ربيته رحمة له وصلة لقرابته، وكتب إلى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح: «أما مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر فإني أدعه لأبي بكر وعائشة، وأما ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ فإنه ابني وَابْن أخي، وأنا ربيته وهو فرخ قريش» . فكتب عَبْد الله بن سَعْد: «إن هذا فرخ قد استوى ريشه، ولم يبق

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 84- 85. [2] مانه: قام بكفايته. القاموس.

إلا أن يطير» ، فبعث عُثْمَان إلى مُحَمَّد بن أَبِي حذيفة بثلاثينَ ألف درهم وبجمل عَلَيْهِ كسوة، فأمر بذلك فوضع فِي المسجد ثُمَّ قَالَ: يَا معشر الْمُسْلِمِينَ ألا ترونَ إِلَى عُثْمَان يُخادعني عَن ديني ويرشوني عليه، فازداد الناسُ طعنًا عَلَى عُثْمَان واجتمعوا عَلَى ابن أبي حذيفة فرأسوه عليهم. وكتب إليه عُثْمَان يذكره برّه به ويقول: «لقد كنت أنكث المخ عَلَى المائدة فأؤثرك به، فقد عاد ذلك بالمكروه عليّ أحوج ما كنت إلى شكرك» . فلم يزل ابْن أَبِي حُذَيْفَةَ يحرض أَهْل مصر عَلَى عُثْمَان، حَتَّى سَرَّبَهُم إلى المدينة، فاجتمعوا مع أهل الأمصار إليه، فلمّا حوصر عُثْمَان، وثب هو عَلَى عَبْد الله بن أبي سرح فطرده عَن مصر وصلى بالناس. فلما قُتِلَ عُثْمَان، وبويع لعلي بن أبي طالب ولي قيس بن سَعْد بن عبادة مصر، فَقَالَ ابْن أَبِي سرح: أبعد اللَّه ابْن أبي حذيفة، بغى عَلَى ابن عمه، وسعى عليه فجهز الرجال عليه ووثب بعماله، ثُمَّ ولي عليه من هو أبعد رحمًا فلم يمتّعه بسلطان بلده حولا وَلا شهرًا، ولم يره لذلك أهلا. وخرج ابن أبي سرح حَتَّى صارَ إلى معاوية. ثُمَّ إن عَليّ بن أبي طالب اتهم قيس بن سَعْد بالميل إلى معاوية لكفه عَن قتال مسلمة بن مخلد الأنصاري ثُمَّ الخزرجي، وكان قد جمعَ وطلب بدم عُثْمَان، فولى مُحَمَّد بن أبي بكر مصر، فلما مضت صفين بلغ عليًّا التياث الأمر عَلَى ابن أبي بكر، فولى مصر الأشتر فهلك بالقلزم [1] ، وكان من أمر ابن أبي بكر ومقتله ما قد ذكرناه فيما مضى. وأصيب مُحَمَّد بن أبي حذيفة فبعثوا به إلى معاوية وكان ابن خالة

_ [1] السويس حاليا.

وأسلم سالم مولى أبي حذيفة [1] :

معاوية بفلسطين فوَبّخه وعنّفه ثُمَّ حبسه فِي سجن له مُرَفَّهًا مُوَسَّعًا عليه فهربَ، وكان معاوية يهوى خلاصه ويكره إظهار ذلك لأهل الشام، وكان عُثْمَان حَدَّ مُحَمَّد بن أبي حذيفة فِي الشراب، ضربه ثَمانين. وقال أبو مخنف وغيره: فَقَالَ رجل من خثعم يُقال لَهُ عبيد اللَّه بْن عَمْرو بْن ظلام- وَكَانَ عثمانيًا-: أنا أتبع محمدًا، فخرج فِي خيل فلحقه بحوران وقد دخلَ غارًا فكره أن يأتي به معاوية فيعفو عنه فضرب عنقه. وقال هشام ابن الكلبي عَن أبيه: هرب مُحَمَّد بن أبي حذيفة من سجن معاوية بعد قتل معاوية حجر بن عدي الكندي، فطلبه مالك بْن هبيرة بْن خالد الكندي ثُمَّ السلولي، ووضع الأرصاد عليه فقتله غضبًا لحجر، وقد كَانَ التمس خلاص حجر فألفاهُ وقد قتل. وقال ابن الكلبي: قد انقرضَ ولد أبي حذيفة وانقرض ولد عتبة بن ربيعة إلا ولد المغيرة بن عمار بن عَاصِم بن الوليد بن عتبة وهم بالشام. وأسلم سالِم مولى أبي حذيفة [1] : وهو فِي رواية موسى بن عقبة: سالِم بن نبتل، ونبتل من أهل اصطخر، وذكر أن سالِمًا مولى ثبيتة بنت يعار من الأنصار من الأوس، فسالم يذُكر مع الأنصار لأن ثبيتة أعتقته، ويذكر فِي المهاجرين لولاء أبي حذيفة. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بن أبي حبيبة من دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ لِثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارَ الأَنْصَارِيَّةِ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَأَعْتَقَتْهُ سَائِبَةً، فَتَوَلَّى أَبَا حُذَيْفَةَ وَتَبَنَّاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ فَقَالَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ: جِئْتُ إِلَى النبي

_ [1] بهامش الأصل: سالم مولى أبي حذيفة.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [1] فقلت: يا رسول الله إنما إِنَّمَا كَانَ سَالِمٌ عِنْدَنَا وَلَدًا. قَالَ: [ «فَأَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَيَدْخُلُ عَلَيْكُمْ» .] قَالَتْ: فَأَرْضَعْتُهُ وَهُوَ كَبِيرٌ. وَزَوَّجَهُ أَبُو حُذَيْفَةَ ابْنَةَ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، فَلَمَّا قُتِلَ سَالِمٌ يَوْمَ الْيَمَامَةِ أَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ بِمِيرَاثِهِ إِلَى مَوْلاتِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهُ، وَقَالَتْ: إِنِّي سَيَّبْتُهُ. فَجَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الواقدي: فحدثتُ ابن أبي ذئب بِهذا الحديث فقال: أَخْبَرَنِي يزيد بن أبي حبيب عَن سعيد بن المسيب قَالَ: كَانَ سالِم سائبة، فأوصى بثلث ماله فِي سبيل الله، وبثلثه فِي الرقاب وبثلثه لِمواليه. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا: حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفُضَيْلِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أنبأ أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَعْتَقَتْهُ امْرَأَةٌ أَنْصَارِيَّةٌ سَائِبَةً وَقَالَتْ: وَالِ مَنْ شِئْتَ، فَوَالَى أَبَا حُذَيْفَةَ، فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ: إِنِّي أَرَى ذَلِكَ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: «أَرْضِعِيهِ» . قَالَتْ: إِنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ. قَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ» . قَالَ: فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَدُفِعَ مِيرَاثُهُ إِلَى الْمَرْأَةِ. حَدَّثَنِي محمد بن سعيد، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعْيَمٍ، ثَنَا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مَعِي وَقَدْ أَدْرَكَ مَدْرَكَ الرِّجَالِ. فَقَالَ: [ «أَرْضِعِيهِ فَإِذَا فَعَلْتِ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْكِ] » . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قالت

_ [1] سورة الأحزاب- الآية: 5.

أُمُّ سَلَمَةَ: أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ أَحَدٌ بَعْدَ الرَّضَاعِ وَقُلْنَ: إِنَّمَا هَذِهِ رُخْصَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخَذَتْ بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن سَعْد وَالْحَسَن بْنِ الأَسْوَدِ قَالا: ثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْن موسى عَنْ إسرائيل عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَ زيد بن حارثة معروف النسب، وكان سالِم مولى أبي حذيفة غير معروف النسب. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [خُذُوا الْقُرْآنَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ] » [1] . وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ لَمَّا قَدِمُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ نَزَلُوا إِلَى جَنْبِ قُبَاءَ، فَأَمَّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ لأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ. وقال الواقدي: كَانَ سالِم يَؤُمّ المهاجرين من مكة إلى المدينة ويؤمهم بقباء إلى قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة لأنه كَانَ أقرأهم لكتاب الله. حَدَّثَنِي محمد بن حاتم المرزوي، ثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 85- 87.

وقال ابن الكلبي: كان لأبي حذيفة من الولد: عاصم بن أبي حذيفة،

ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ مَكَّةَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلُوا الْعُصَبَةَ [1] فَكَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّهُمْ لأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ. قَالَ: وَآخَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَالِمٍ وَبَيْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَآخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاذِ بْنِ مَاعِصٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ أَحَدُ مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الظَّفَرِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْن ثَابِتِ بْن قَيْسِ بْن شَمَّاسٍ قَالَ: لَمَّا انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ قَالَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ: مَا هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَحَفَرَ لِنَفْسِهِ حُفْرَةً وَقَامَ فِيهَا وَمَعَهُ رَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَالَ غَيْرُ يُونُسَ: فَوُجِدَ رَأْسُ سَالِمٍ عِنْدَ رِجْلَيْ أَبِي حُذَيْفَةَ أَوْ رَأْسِ أبي حذيفة عند رجلي سالما. حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَبَاعَ عُمَرُ مِيرَاثَهُ بَعْدُ فَبَلَغَ مِائَتَيْ دِينَارٍ، فَأَعْطَاهَا أُمَّهُ، وَقَالَ: كُلِيهَا [2] . وقال ابن الكلبي: كَانَ لأبي حذيفة من الولد: عَاصِم بن أبي حذيفة، وأمه آمنة بنت عُمَر بن حرب بن أمية وقد انقرض ولد أبي حذيفة، وانقرض ولد عتبة بن ربيعة إلّا ولد المغيرة بن

_ [1] العصبة: موضع بقباء. المغانم المطابة. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 88.

وأما شيبة بن ربيعة،

عمار بن عَاصِم بن الوليد بن عتبة وهم بالشام. وقال أبو اليقظان: أسلم أبو هاشم بن عتبة وغزا بعض الشام. وقال أبو اليقظان: ولد أبو هاشم عَبْد الله، وأمه ابنة شيبة بن ربيعة، وأم خالد أمها خثعمية. وسالِمًا لأم ولد، فكانت أم خالد عِنْد يزيد بن معاوية، ثُمَّ خلف عليها مروان بن الحكم وهي التي قتلته غمًّا. ولا عقب لأبي هاشم بن عتبة. وأمّا الوليد بن عتبة فقتل يوم بدر، فادعت هند بنت عتبة رجلا يقالُ له عَاصِم أَنَّهُ ابنه، فولاه معاوية المدينة يسيرًا فقال الشاعر: كانت إمارة عَاصِم كسحابة ... بَرَقَت ولم تُمطر بَنوءِ العقرب ولا عقب للوليد. وأما هاشم بن عتبة فولد: درة، وأمها صفية من بني كنانة. وأما شيبة بن ربيعة، ويُكنى أبا هاشم، فكان يؤذي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذى كثيرًا، ولا يتولاه بنفسه، وإنما كَانَ يدسّ من يتولاه، فقتله عبيدة بن الحارث بن المطلب يوم بدر، وذفف عليه حَمْزَة وعلي، ويُقال قتله حَمْزَة، وقد كتبنا خبره فيما تقدم. فولد شيبة: عَبْد الله. وزينبًا، وأمهما الفارعة بنت حرب بن أمية. ورملة، أمها من بني عَامِر بن لؤي، وكانت رملة عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان فقتل عنها.

وأما عبيد الله فولد: يزيد، وأمه ثقفية. وعبد الرَّحْمَن، وأمه ابنة المطلب بن الحويرث من بني أسد بن عَبْد العزى. وأما عَبْد الرَّحْمَن فولد: أبا يسار، وأمه مخزومية، وكان أبو يسار يتيمًا لعثمان بن عَفَّان تبنّاهُ، فدخلَ عليه الزبير بن العّوام يومًا فسبَّه أبو يسار، فقال له الزبير: سُبَّهُ- يعني عُثْمَان- فقال: هذا أبي. فأوجعه الزبير ضربًا. ثُمَّ إنه تزوج ابنة الزبير، واسمها خديجة، فولدت من أبي يسار: عَبْد الرَّحْمَن. وأم عَبْد الله، وعقب أبي يسار بالشام. وأما يزيد بن عبيد الله بن شيبة فولد: فاطمة، تزوجها عَليّ بن عَبْد اللَّه بْن الحارث بْن أُمَيَّة الأصغر. ورملة، تزوجها مُحَمَّد بن مروان بن الحكم. وقال ابن الكلبي: منهم أبو يسار، وهو مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن بن عبيد الله بن شيبة وولده بالبلقاء.

بنو عبد العزى بن عبد شمس

بنو عَبْد العزى بن عَبْد شمس ولد لعبد العزى بن عَبْد شمس: ربيع. وربيعة، أمهما أم المطاع بنت أسد بن عَبْد العزى بن قصي. وقال الشاعر: فأدّى الله خفرتها إليها ... وأداها كنانة والربيعُ هما لا أشعران إِذَا أكبّا ... ولا هبران لَحمهما يضيع يعرض بعتبة وشيبة، يعني خفرة زينب بنت النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سار معها هذان. فولد الربيع بن عَبْد العزى: أبا العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن خالتها هالة بنت خويلد، وَكَانَ أَبُو العاص يُلقب جرو البطحاء أي ابن البطحاء، واسمه لقيط، وذلك الثبت، وبعضهم يقول اسمه القاسم، وزعم بعض البصريين أنّ جَرْوَي البطحاء ربيعة بن عَبْد العزى وأبو العاص معًا. وقد كتبنا خبره فيما تقدم من ذكر أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأولاده. وكان إسلام أبي العاص قبل الحديبية بِخمسة أشهر، ثُمَّ رجعَ إلى مكة ولم يشهد مع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا، ومات فِي ذي الحجة سنة اثنتي عشرة.

فولد أبو العاص: عليا.

فولد أبو العاص: عليًّا. قتل يوم اليرموك شهيدًا. وأمامة، تزوجها عَليّ بن أبي طالب، فقتل عنها، ويُقال إن عليًّا مات صغيرًا. ولا عقبَ للربيع. ومن ولد عَبْد العزى بن عَبْد شمس: كنانة بن عدي بن عَبْد العزى وهو الذي بُعث معه زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها، فعرض لَهَا هبار بْن الأَسْوَدِ بْن المطلب بْن أسد بن عبد العزى ونافع بن عبد قيس. وقد ذكرتُ خبرهما فيما تقدم أيضًا. وكان ولد ربيعة بن عَبْد العزى: عديًّا. وحارثة. ويزيد، وأمهم سلمى بنت عَمْرو بن سُفْيَان الثقفي. فأما عدي بن ربيعة فولد: العلاء. وكنانة الذي ذكرناهُ، وسعيدًا. وربيعة بن ربيعة، أمهم من ولد الغوث بن مرّ. وعليًّا، أمه كريمة كنانية. والوفيّ أمه هالة بنت خويلد وهو أخو أبي العاص بن الربيع لأمه. وأمّا حارثة فولد: محرزًا وحريزًا وحرازًا، وأمهم من بني الغوث بن مر وهي أم ولد عدي بن ربيعة الأربعة [1] ، وبقية ولد محرز بن حارثة بالكوفة. واستخلفَ عتاب بن أسيد محرزًا عَلَى مكة فِي سفرة سافرها. وكان من ولد محرز: العلاء بن عَبْد الرَّحْمَن بن محرز، وكان عَلَى الربع أيام ابن الزبير. وموضع داره بالكوفة دار عيسى بن موسى اليوم.

_ [1] كذا بالأصول وهذا العرض فيه خلل تعذر تقويمه لأن جمهرة ابن الكلبي وجمهرة ابن حزم وكتب الأنساب الأخرى لم تقدم هذه التفاصيل.

ومن ولد يزيد بن ربيعة: عَبْد الله بن الوليد بن يزيد بن ربيعة، قتل يوم الجمل مع عائشة. وقال أبو اليقظان: كَانَ ولد محرز بن حارثة: عَبْد الله، وعبد الرَّحْمَن، وحرازًا، وأم السائب، أمهم هند بنت ربيعة بن عَبْد شمس، وبقيتهم بالكوفة يُقال لَهُم بنو محرز وسكتهم سكة محرز. واستعملَ عُثْمَان بن عَفَّان عَلِيُّ بْنُ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ العزى، وهو ابن الكنانية عَلَى مكة، وشهد الجمل مع عائشة فقالت امرأة منهم: يا ربّنا اعقر بعليٍّ جَمَلَهُ ... وَلا تُبَارِكْ فِي بَعِيرٍ حَمَلَهُ إِلا عليّ بن عديّ ليس لَهْ فقُتل يوم الجمل. وكان عَبْد الله بن عَليّ بن عدي هذا عاملا لعبد الملك عَلَى سجستان، وكان كزّا بخيلا سيئ الخلق لم يُغْن، ولم يأمر بخير، فقال فيه أبو حزابة الحنظلي [1] : يا بن علي بَرِحَ الخفاءُ ... قد علم الجيران والأكْفَاءُ أنك أنت النذل اللقاءُ ... أنت لقبر طلحة الفداءُ بنو عليٍّ كلهم سَواء ... كَأنَّهم زونية جراء [2]

_ [1] أبو حزابة الوليد بن حنيفة، من شعراء الدولة الأموية، بدوي حضر وسكن البصرة. الأغاني ج 22 ص 260. [2] في الأغاني ج 22 ص 261 والحيوان ج 1 ص 255 «زينية جراء» والزينية كلاب قصيرة القوائم.

وقال أيضًا: يا طلحُ يا ليتك عنا تخبر ... حين أتانا الجعطريّ الجيدرُ أقصرُ من شبرين حين يُشْبَرُ ... أنكرهُ سريرنا والمنبرُ ودارنا والمسجد المطهر ... مثل أبي القعواء لا بل أقصر [1] وولد العلاء بن عدي: محمدًا. ويعلى. وبناتٍ، وأمهم أم الحكم بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بن أمية الأصغر. وولد كنانة بن عدي: محمدًا. وعبد الملك. وعلباء. وعثمان الأكبر. وعقبة. وَعَمْرًا. وعثمان الأصغر. وبنات. وقال ابن الكلبي: ومن بني عَليّ بن عدي: عَبْد الله بن عُمَر بن عَبْد اللَّه بْن عَلِيُّ بْنُ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ العزى بْن عَبْد شمس الشاعر، الذي يقول لهشام بن عَبْد الملك، وحج فقسم فِي أخواله من بني مخزوم مالا: خَسَّ حظي إذ كنت من عَبْد شمس ... ليتني كنتُ من بني مخزوم فأفوز الغداة منه بقسم ... وأبيع السَّنَاء مني بلوم

_ [1] الأغاني ج 22 ص 262.

بنو أمية الأصغر بن عبد شمس

بنو أمية الأصغر بن عَبْد شمس وولد أمية الأصغر بن عَبْد شمس: الحارث، وأمه عاتكة بنت عبد مناف بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة، وكان الحارث شاعرًا وهو الذي يُقالُ له: ابن عَبْلَة، وقال فِي عَبْد الله بن جُدْعَان: عطاؤك زين لامرئ إن حبوته ... بِنَيل وما كل العطاء يزينُ وليس بشينٍ لامرئ بذل وجهه ... إليكَ كما بعض العطاء يشين فولد الحارث: عَبْد الله، أمه زينب بنت نوفل بن عَبْد شمس، وأدرك عَبْد الله معاوية وهو شيخٌ كبير، وكان ورث دار عَبْد شمس بِمكة لأنه كَانَ أقعدهم. فلما حج معاوية دخل الدار لينظر إليها فوثبَ عَبْد الله بن الحارث إليه بِمحجنٍ ليضربه فقال: لا أشبعَ الله بطنكَ أما تكفيكَ الخلافة حَتَّى تطلبَ هذه الدار؟ فخرج وهو يضحك. قالوا: ودخلَ عَلَى معاوية- وكان بدينًا- فقال: والله لقد شججت أخاكَ حنظلة فما أعطيتُ عقلا ولا أرشًا، فقال معاوية: إنك هربتَ إلى أخوالك بالطائف. قَالَ: إنه إِذَا مال بي أحد شَقيّ عدلْتُه بالآخر.

وولد أيضًا: عَبْد الرَّحْمَن بن الحارث، وأمه بنت أسيد من ثقيف. وعتبة. وعبد الله الأصغر. وحكيمًا، أمهم من بني مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خصفة. وعقبة، أمه ثقفية. فمن بني أمية الأصغر: أبو جراب وهو مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الله بن الحارث بن أمية الأصغر، قتله داود بن عَليّ بِمكة. وقال بعضهم: كَانَ أبو جراب ينزل الفتق عَلَى ثلاث ليال من مكة، فبلغَ العَرْجي أن أبا جراب بِمكة فأقبلَ إلى قصره، فخرجت إليه جارية لأبي جراب بدوية ودفعته وجعلت ترميه، واستسقاها ماء فلم تسقه فقال: ستعلمينَ. فقال أبياتًا، منها: أمشي كما حركت ريح يَمانية ... غصنًا من البانِ رطبًا طلَّه الرَّهَمُ [1] قالت رضيتُ ولكن جئت فِي قمرٍ ... ألا تَلَبَّثْت حَتَّى يدخل الظُّلَمُ فاتهمها عِنْد أبي جراب حَتَّى حلفت له بين الركن والمقام عَلَى براءتها. وقال أبو اليقظان: كَانَ أبو جراب من أفضل قرشي بِمكة وقد وليها فِي أيام بني مروان، وقتله داود بن عَليّ وهو عَلَى مكة وقال الشاعر لابن أبي جراب: ثلاث طوابح [2] ولهنّ جئنا ... فيسِّرهُنَّ يا بن أبي جراب فإنك ماجدٌ فِي بيت مجدٍ ... بقيّة معشر تحت التراب

_ [1] الرهم: المطر الضعيف الدائم. القاموس. [2] المطبح: السمين. القاموس.

وله يقول الشاعر: إِذَا مُتَّ لم يُوصَلْ بعُرفٍ قرابةً ... ولم يبق فِي الدنيا رجاء لسائل وكانت أم أبي جراب رملة بنت العلاء بن طارق بن المرفع الكناني وهو الذي كانت بناته يقلن: نحن بنات طارق. ويقال إنهن أردن: نحن بنات النجم. ومنهم: الثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية التي كَانَ عُمَر بن أبي ربيعة المخزومي يشبب بِهَا وفيها يقول: أحسن النجم فِي السماء الثريا ... والثريا فِي الأرض زين النساء [1] وتزوجها سهيل بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف فَقَالَ عُمَر: أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان هي شامية إذا ما استقلت ... وسهيل إِذَا استقل يَماني [2] والثريا مولاة الغريض المغني، وكان يعرف بمولى العبلات، وكان يُسمى عَبْد الملك، ويُكنى أبا زيد. وولد عَبْد أمية بن عَبْد شمس: مَعقلا. وعقيلا. وكنود ولدت أبا محجن بن حبيب الثقفي الذي يقول: لا تسألي القوم عَن مالي وكثرته ... وسائلي القومَ عَن مجدي وما خُلُقِي هل أَطعنُ الطعنة النجلاء عَن عَرَضٍ ... وأكتم السر فيه ضربة العنق

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 503.

والأحوص بن عَبْد أمية، كَانَ عاملا عَلَى البحرين فِي أيام معاوية بن أبي سُفْيَان. وقال ابن الكلبي: من ولد عَبْد أمية بن عَبْد شمس: منصور بن عَبْد الله بن الأحوص بن عَبْد أمية وهم بالشام. وقال بعضُ العلماء: كَانَ الأحوص بن عَبْد أمية عَلَى البحرين، وسعى بِمروان بن الحكم. وولد نوفل بن عَبْد شمس- وهو من العبلات-: أبا العاص وأمه فطيمة مخزومية، وقتل أبو العاص بن نوفل يوم بدر كافرًا. فولد أبو العاص بن نوفل: حاجبًا، وعثمانًا، وَهَبَّارًا، وحَزْنًا، وحزامًا، وعبيدًا، وعبدًا، وأمهم فاطمة بنت وهب مخزومية. ومن ولد هبار: خالد بن يزيد بن عُثْمَان بن هبار بن أبي العاص بن نوفل، قتله عَبْد الله بن عَليّ بالشام، وكانت أم أمية الأصغر. وعبد أمية. ونوفل بني عَبْد شمس عبلة بنت عبيد بن جادل من البراجم من بني تَميم، فلذلك سمي هَؤُلَاء العبلات.

بنو المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب

بنو المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب قالوا: كَانَ بنو المطلب بن عَبْد مناف مع بني هاشم يدًا عَلَى جَميع الناس، قسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسمًا بين بني هاشم وبني المطلب، وجعل سهم ذي القربى فِي بني هاشم وبني المطلب، فأتاهُ عُثْمَان، وجبير بن مطعم، فقالا: قرابتنا برسول الله، وقرابة بني عَبْد المطلب واحدة، فكيفَ أعطيتهم دوننا؟ فقال: [ «إنا وبني المطلب كذا وشبك أصابع يديه وكنا فِي الشعب معًا» ] . ويُقال أَنَّهُ قَالَ: [ «كنا وهم فِي الشعب كذا وشبك أصابع يديه» ] . حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَوَهْبُ بُن بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: ثنا يزيد بن هرون عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَلَّمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَقَالا: قَسَمْتَهُ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَنَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ إِلَيْكُمْ فِي النَّسَبِ سَوَاءٌ، فَقَالَ: [ «إِنَّا وَهُمْ لَمْ نَزَلْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَبِيرُنَا وَصَغِيرُنَا شَيْئًا وَاحِدًا، وَكَانُوا مَعَنَا فِي الشِّعْبِ، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» ] . وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنِ ابن اسحق عن الزهري عن سعيد بن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بِمِثْلِهِ.

فولد المطلب بن عَبْد مناف: مخرمة، وأبا رهمٍ، أمهما هند بنت عَمْرو بن ثعلبة من الأنصار. وهاشمًا، وأبا عَمْرو، وأمهما خديجة بنت سعيد بن سعيد بن سهم. وأبا رهمٍ الأصغر، وعبادًا، وأمهما عنترة بنت عَمْرو بن طريف الطائي. والحارث، وأبَا شمران، ومحصن، وأمهم حنظلية من بني تَميم. وعلقمة وعمر، أمهما من بني ضبَّة بن أدٍّ. فمن بني المطلب: عبيدة، والطفيل، والحصين، بنو الحارث بن المطلب بن عَبْد مناف. وكان عبيدة يُكنى أبا الحارث، ويُقال أبا معاوية، وكان أكبرهم سنًا، وشهد بدرًا فبارزَ عتبة بن ربيعة يوم بدر فضربه عتبة عَلَى ساقه، وضربَ عبيدة عتبة، وأعانه عَليّ بن أبي طالب فقتلاهُ، فقالت هند بنت عتبة: أعينيّ جودا بدمع سرب ... عَلَى خير خندف لم ينقلبْ تداعى له قصرة [1] رهطه ... بنو هاشم وبنو المطلب ومات عبيدة بالصّفراء [2] وبها دفن، ووجد من قبره ريح المسك فقيلَ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا وجدنا من قبره ريحُ المسك، فقال: [ «وما ينكر ذلك لأبي معاوية» ،] وكانت عنده زينب بنت خزيمة، من بني هلال، وهي أم المساكين، فخلف عليها النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أبو اليقظان: ولا عقب لعبيدة.

_ [1] القصرة: ما يبقى من المنخل، وهو ابن عمي قصرة: أي داني النسب. القاموس. [2] الصفراء: واد قرب المدينة، بينه وبين بدر مرحلة. المغانم المطابة.

قَالَ الواقدي: كانت زَينب عِنْد الطفيل، ولم تَكُن عِنْد عبيدة. قَالَ الواقدي والكلبي: وأم عبيدة بن الحارث وأخوته سُخيلة بنت خزاعي بن الحارث من ثقيف، وكان لعبيدة من الولد: معاوية، وعون، ومنقذ، والحارث، وَمُحَمَّد، وَإِبْرَاهِيم، وريطة، وخديجة، وسخيلة، وصفية لأمهات أولادٍ شتى، وكان عبيدة أَسَنَّ من النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعشر سنين. وقال الواقدي: كَانَ يُكنى أبا الحارث، والأول قول أبي اليقظان، وكان مربوعًا أسمر حسن الوجه. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْن رومان قَالَ: أسلم عبيدة بن الحارث قبل دخول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم بْن أبي الأرقم، وقبل أن يدعو فيها. وقال الواقدي فِي إسناده خرج عبيدة، والطفيل، والحصين بنو الحارث بن المطلب، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ من مكة للهجرة، فاتعدوا بطن ناجح، فلدغ مسطح فتخلف بالحصاص فأتوه فحملوه، والحصاص وادٍ فِي ذي طوى، فلما قدموا المدينة نزلوا عَلَى عَبْد الله بن سلمة العجلاني، وأقطعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبيدة وأخوته موقع خطتهم بالمدينة فيما بين بقيع الزبير وبني مازن، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عبيدة وبلال، وآخى بين عبيدة وعمير بن الحمام الأنصاري فقتلا ببدر، وَكَانَ أوّل لواءٍ عقده رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحمزة، ثُمَّ لعبيدة. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الظَّفَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَتَلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَجُرِحَ فَدَفَنَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ، وَكَانَ يَوْمَ اسْتُشْهِدَ ابْنَ ثَلاثٍ وستين سنة.

وأم الطفيل بن الحارث أيضًا سُخيلة بنت خزاعي الثقفية، وكان لطفيل من الولد: عَامِر بن الطفيل، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الطفيل والمنذر بن مُحَمَّد بن عقبة بن أحيحة بن الحلاج، هذا في رواية الواقدي. وقال محمد بن اسحق: آخى بينه وبين سُفْيَان بن نسر بن زيد الأنصاري. وقال الواقدي شهد الطفيل بدرًا، وأحدًا، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة. وأم الحصين بن الحارث بن المطلب أيضًا سُخيلة، وهي أم عبيدة، والطفيل، وكان للحصين من الولد: عَبْد الله الشاعر، وأمه أم عَبْد الله بنت عدي بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الحصين ورافع بن عَنْجَدة. وقال مُحَمَّد بن اسحق: آخى بينه وبين عَبْد الله بن جبير أخي خوّات ابن جبير. وقال الواقدي: شهد الحصين مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدرًا، وجَميع المشاهد، وتوفي بعد الطفيل بأشهر فِي سنة اثنتين وثلاثين [1] . ومنهم: أبو حذافة بن الحارث بن المطلب، قتل يوم الفجار فِي الجاهلية. ومن بني المطلب أيضًا عَبْد اللَّه بْن قيس بْن مخرمة بْن المطلب، ولي مكة زمن عُمَر بن عَبْد الْعَزِيز، وولاهُ أيضًا الحجاج حين فارق الحجاز المدينة أو مكة فقال له عَبْد الملك لقد وليته من أحمق بيت فِي قريش، وكان عَبْد الملك

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 50- 53.

يقول: أحمق بيت فِي قريش آل قيس بن مخرمة، وكان قيس بن مخرمة يمكو ويصفر فيسمع صوته من حراء، وفيه نزلت: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وتصدية [1] والتصدية التصفيق أن يسمع لذلك صدى. ومنهم: مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، وهو أحد من قَالَ الأفك فِي عائشة فحد، وأم مسطح ابنة أبي رهم بن المطلب بن عَبْد مناف، وأمها ريطة بنت صخر، خالة أبي بكر الصديق، وكان أبو بكر حلف أن يقطعَ عَن مسطح جراية كَانَ يجريها عليه، ونيلا كَانَ ينيله إيّاه، فنزل فيه: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ والسعة أن يولوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لكم والله غفور رحيم [2] فرد عليه جرايته وما كَانَ ينيله، وكانت أم مسطح من المبايعات. وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين يزيد بن المزين، في رواية محمد بن إسحق. وقال الواقدي: شهد مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب: بدرًا، وأحدًا، والمشاهد كلها مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأطعمه خَمسين وسقًا بخيبر، وتوفي مسطح سنة أربع وثلاثينَ، وهو ابن ست وخَمسينَ سنة، وكان قصيرًا غائرَ العينين شثن الأصابع يكنى أبا أثاثة [3] . قالوا: ولَمّا نزلت الآية قَالَ له أبو بكر: مرحبًا برجل عاتبني فيه ربي. ومنهم:

_ [1] سورة الأنفال- الآية: 35. والمكاء: التصفير بالفم أو تشبيك الأصابع والنفخ فيها، القاموس. [2] سورة النور- الآية: 22. [3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 53.

ركانة بْن عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب كَانَ أشد العرب، صارعه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ فقال: يا معشر قريش ساحروا بِمحمد من شئتم. وَحَدَّثَنِي عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن ابن خربوذ وغيره قَالُوا: قَدِمَ رُكَانَةُ مِنْ سَفَرٍ، فَأُخْبِرَ خَبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيَهُ فِي بعض جبال مكة، فقال: يا بن أَخِي بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ وَلَمْ تَكُنْ عِنْدِي كَذَّابًا، فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلِمْتُ أَنَّكَ صَادِقٌ، فَصَرَعَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال هشام ابن الْكَلْبِيِّ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكَانَةَ بْن عَبْدِ يَزِيدَ بْن هَاشِمِ بْن الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ أَشَدَّ الْعَرَبِ لَمْ يَصْرَعْهُ أَحَدٌ قَطُّ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلامِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لا أُسْلِمُ حَتَّى تَدْعُوَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَكَانَتْ سَمُرَةً أَوْ طَلْعَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْبِلِي بِإِذْنِ اللَّهِ» فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا، فَقَالَ رُكَانَةُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ سِحْرًا أَعْظَمَ فَمُرْهَا فَلْتَرْجِعْ، قَالَ: «ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ» فَرَجَعَتْ، فَقَالَ لَهُ: «وَيْحَكَ أَسْلِمْ» فَقَالَ: إِنْ صَرَعْتَنِي أَسْلَمْتُ وَإِلا فَغَنَمِي لَكَ، وَإِنْ صَرَعْتُكَ كَفَفْتَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَعَهُ ثَلاثًا، فَقَالَ: «أَسْلِمْ» ، قَالَ: لا، قَالَ: «فَإِنِّي آخُذُ غَنَمَكَ» قَالَ: فَمَا تَقُولُ لِقُرَيْشٍ؟ قَالَ: «أَقُولُ صَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فَأَخَذْتُ غَنَمَهُ» قَالَ: فَضَحْتَنِي وَخَزَيْتَنِي، قَالَ: «فَمَا أَقُولُ لَهُمْ» ؟ قَالَ: قُلْ قَمَرْتُهُ قَالَ: «إِذًا أَكْذِبُ» قَالَ: أَوَ لَسْتَ فِي كَذِبٍ مِنْ حِين تُصْبِحُ إِلَى أَنْ تُمْسِيَ، قَالَ: «خُذْ غَنَمَكَ» ، قَالَ: أَنْتَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنِّي وَأَكْرَمُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ» . وَقَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ: قَالَ رُكَانَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَ لِيُسْلِمَ فِي الْفَتْحِ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ إِذْ صَرَعْتَنِي أَنَّكَ أُعِنْتَ عَلَيَّ مِنَ السَّمَاءِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ

وَأَقَامَ بِهَا، وَمَاتَ بِهَا فِي أَوَّلِ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ، وَمَنَازِلُهُمْ فِي دَارِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. ومنهم: العُجَير بن عَبْد يزيد بن هاشم، أخو ركانة، بعثه عُمَر بن الخطاب فيمن بعث لإقامة أنصاب الحرم، وجلد عُمَر بن الخطاب ابنًا لعجير ثَمانين فِي شراب. ومن بني المطلب: ضعيفة بنت هاشم بن المطلب ولدت الحجاج من قبل النساء. قالوا: وكان يزيد بن طلحة بن رُكانة ممن يحمل عنه الحديث، وماتَ أول أيام هشام بن عَبْد الملك. وكان أخوه مُحَمَّد بن طلحة بن رُكانة محدّثًا، ومات فِي أول أيام هشام أيضًا. وكان عَليّ بن يزيد بن ركانة بن عَبْد يزيد، من أشد الناس بطشًا فِي زمانه، فدخل عَلَى عُمَر بن عبد الْعَزِيز، وهو والي المدينة، فقال له: أرني من شدتك شيئًا، فدخل تَحت سريره فحمله من الأرض، ولَهم بقية بالمدينة، وكان لركانة بن يزيد مجذى يضرب به المثل فيقال: أثقل من مجذى ركانة وهو حجر له مقبض يرتج. ومنهم: السائب بْن عُبَيْد بْن عَبْدِ يَزِيد بْن هاشم بن المطلب، وقد كَانَ أسر يوم بدر، وهو أحد من كَانَ يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومن ولده: عباس، وعلي، وشافع جد الشافعي الفقيه، وهو مُحَمَّد بن إدريس بن العباس بن

عُثْمَان بن شافع بن السائب بْن عُبَيْد بْن عَبْدِ يَزِيد بْن هاشم بن المطلب. وقال الكلبي: كَانَ يُقال لعبد يزيد بن هاشم المحض لا قذى فيه، لأن أمه الشفاء بنت هاشم بن عَبْد مناف. وقال المدائني: ضرب خالد بن عجير بن عَبْد يزيد ثَمانين فِي الشراب. ومن بني المطلب: جُهيم بْن الصلت بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف، أسلم بعد الفتح وتعلم الخط بالعربية فِي الجاهلية فجاء الإسلام وهو يكتب بِهَا، وقد كَتَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ما أسلم، ورأى جهيم وهو بين النائم واليقظان أن رجلا أقبلَ عَلَى فرس ومعه بعير لَهُ فَقَالَ: قُتل عتبة بْن ربيعة، وشيبة بْن ربيعة، وأبو الحكم بْن هشام، وأمية بْن خلف وعدد رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش، ثُمَّ ضرب فِي لبة بعيره وأرسله فلم يبق خباء من أخبية عسكر المشركين إلا أصابه نضح من دمه، فبلغت الرؤيا أبا جهل فقال: وهذا أيضًا نبيّ من بني المطلب، سيعلم غدًا من المقتول إِذَا التقينا. ومن بني المطلب بن عَبْد مناف: عَمْرو بن علقمة بن المطلب، وكان خداش بن عَبْد الله بن أبي قيس بن عَبْد وُدّ بن نَصْر بن مالك بن حسل بن عَامِر بن لؤي بن غالب خرج إلى الشام فِي تِجارة، وهو فِي ركب من قريش، فاستأجرَ عَمْرو بن علقمة بن المطلب، فلما كَانَ ببعض الطريق إِذَا هُم بركب يستمتعونَ بفضل حبل، أي يستعيرونه، وشردت أباعرهم، فطرح إليهم عَمْرو بن علقمة حبلا، وكان خداش قد مضى لبعض شأنه، فلما جاء قَالَ: ما حملكَ عَلَى ما صنعت وقد ترانا بأرض لا يوجد بِهَا شيء يُطلب فيشترى أو يستعار وضربه

بعصًا معه، فضمن [1] من ضربته، فلما أحس بالموت كتب إلى أبي سُفْيَان بن حرب، وكان أكبر بني قصي يومئذ، فأخبره بخبره، وأنه لما به [2] حين كتب إليه، فلما قدم خداش من وجهه ذلك طلب بنو عَبد مناف العقل عنده، فأباهُ عليهم، وقال قد مكث أيامًا ليس به بأس، ثُمَّ اشتكى بعد ومات فلم يصدقوه، وأكبوا عَلَى العقل، وكان أبو طالب بن عَبْد المطلب أشد القوم فِي أمره، فقال أبو طالب لِخداش: أفي فضل حبل لا أبا لك صدته ... بمنسأة [3] قد جاء حبل بأحبل هلمّ إلى حكم ابن صخرة إنه ... سيحكم فيما بيننا ثُمَّ يعدل كما كَانَ فِي أشياء كانت تنوبنا ... فيعمد للأمر الجسيم فيفصل ابن صخرة الوليد بن المغيرة، وكانت قريش تتحاكم إليه وكانوا عَلَى أن يتحاربوا، فاستعدوا للحرب، ثُمَّ إنَّهم اصطلحوا بعد عَلَى أن تبرئ صدورهم بنو عَامِر بخمسين يَمينًا عِنْد الحطيم، فحلف منهم خَمسونَ رجلا وامتنعَ حويطب بن عَبْد العزى بن قيس بن عَبْد وُد من اليمين، فافتدى قومه يمينه بأربعين أوقية، والأوقية أربعونَ درهمًا. قالوا: فمات جَميع من حلف وجاء الإسلام ولم يبق منهم أحد، وبقي حويطب وأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه. وقال قوم من العلماء، منهم أبو عمرو الشيباني: إنَّهم كانوا تَحاربوا ثُمَّ مشت السفراء بَيْنهم فاصطلحوا عَلَى خَمسينَ يَمينًا عِنْد الحطيم.

_ [1] الضمنة: المرض والابتلاء في الجسد. القاموس. [2] أي في وضع صحي خطر. [3] المنسأة: العصا. القاموس.

وقال العباس بن عَبْد المطلب: أبا طالبٍ لا تقبل النصف منهم ... وإن أنصفوا حَتَّى تعقَ وتظلما أبى قومنا أن ينصفونا فانصَفت ... قواطع فِي أيماننا تقطر الدما إِذَا خالطت هام الرجال رأيتها ... كبيض نعامٍ فِي الوغى قد تحطما تركناهم لا يستحلونَ بعدها ... لذي رحم يومًا من الناس محرما ضربنا أبا عَمْرو خداشًا تخمّطا [1] ... وملنا عَلَى ركنيه حَتَّى تهدما

_ [1] تخمط: تكبر وغضب، والمتخمط: القهار الغلاب، والشديد الغضب له جلبة من غضبه. القاموس.

بنو نوفل بن عبد مناف بن قصي

بَنو نَوْفَل بن عَبْد مَناف بن قصَيّ ولد نوفل بن عَبْد مناف: عدي بن نوفل، وأمه هند بنت نُسيب بن زيد من بني مازن بن منصور. وعمرو بن نوفل. وعبد عَمْرو، وأمهما قلابة بنت جابر بن نَصْر بن مالك بن حسل بن عَامِر بن لؤي. وعامر بن نوفل. وأمه كهيفة بنت جندل بن أبين بن نهشل بن دارم. وزعموا أن بني نوفل كانوا يدًا مع عَبْد شمس عَلَى سائر بني عَبْد مناف فقال أبو طالب: جزى الله عنا عَبْد شمس ونوفلا ... جزاء مسيء عاجلا غير آجل فمن بني نوفل بن عَبْد مناف: مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف، ويُكنى أبا وهب، زعموا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فقال: [ «يا عماه أجرني حتى حَتَّى أطوف حول البيت» ،] فأجاره حَتَّى طاف، وأعانَ مطعم بني هاشم وبني المطلب عَلَى نقض الصحيفة التي كتبتها قريش عليهم، وعلى إخراجهم من الشعب، وقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر لابنه

جبير بن مطعم: [ «لو كَانَ أبوكَ حيًّا فاستوهب مني هؤلاء الأسرى لوهبتم له» .] وفيه يقول أبو طالب: أجرتُ رسول الله منهم فأصبحوا ... عبيدك ما حل الحجيج وأحرما وقال أبو طالب أيضًا: أمطعم إن القوم ساموكَ خطة ... وإني متى أوكل فلستُ بآيلِ أمطعم لم أخذلكَ فِي يوم نجدة ... ولا مشهدٍ عِنْد الأمور الجلائل ومات مطعم بن عدي فِي سنة اثنتين من الهجرة، قبل بدر، ودفنَ بالحجون، وله بضع وتسعونَ سنة، وأقيمَ النوح عليه سنة. فولد مطعم، جبيرًا، وكان سيدًا عالِمًا نسابة للعرب، وكان إسلامه قبل الفتح، وشهد دفن عُثْمَان بن عَفَّان، وصلى عليه، وسأل عُمَر بن الخطاب جبيرًا، وأتى بسيف النعمان بن المنذر: ممن كَانَ النعمان؟ فقال: من بني قنص بن معد، وذلك أن ولد قنص انتموا إلى لخم بن عدي، ومات جبير بن مطعم- ويُكنى أبا مُحَمَّد- بالمدينة فِي داره فِي أيام معاوية، وكان أول من لبس طيلسانًا بالمدينة. وكان نافع بْن جُبَيْر بْن مطعم بْن عدي تائهًا، عظيم النخوة والكبر، وكان فصيحًا جهير الكلام يفخم كلامه، وكان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يلحن ويفخم كلامه، فقال سُلَيْمَان بن عَبْد الملك بن مروان: إن المغيرة بن عبد الرَّحْمَن ليفخم اللحن كما يفخم نافع بن جبير الأعراب، وكان جبير يتخذ سقاية من أدم يسقي فيها الناس، وكان لنافع بن جبير ابن من امرأته ابنة عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يقال له عَليّ، فقال له: يا بني أنتَ ابن السقايتين، يعني سقاية الحاج التي كَانَ

يقوم بِهَا العباس، وسقاية جبير بن مطعم، فدخلَ عليّ عَلَى أمه فقال لَهَا: إن أبي قال لي: يا بن السقايتين، فقالت يا بني ارجع إليه فأعلمه أن إحداهما ركوة. المدائني قَالَ: تكلم عَبْد اللَّه بْن السائب بْن أبي حبيش فقال له نافع بن جبير: صه فقال له عَبْد الله: ألطه [1] قَالَ نافع: أنا ابن عَبْد مناف، قَالَ: أنا ابن بعثطها [2] ، قَالَ عَبْد الله: عَبْد مناف بيتان: هاشم وعبد شمس فأنت بين دارها والجية [3] . ومن بني جبير بن مطعم: مُحَمَّد بن جبير، ويُكنى أبا سعيد، كَانَ فقيهًا، وكان أبو سُلَيْمَان بن جبير بن مُحَمَّد بن جبير أيضًا فقيهًا. قَالَ الكلبي: وقد كَانَ نافع بن جبير أيضًا فقيهًا. وقال المدائني: جلد ابن لإبراهيم بن مُحَمَّد بن جبير بن مطعم فِي الخمر. وقال الواقدي: مات مُحَمَّد بن جبير، وهو أبو سعيد بالمدينة فِي أيام عمر بن عبد العزيز.

_ [1] لطى: لزق بالأرض. القاموس. [2] أنا ابن بعثطها: كابن بجدتها. وابن بجدتها: العالم بالشيء والدليل الهادي والذي لا يبرح عن قوله. القاموس. [3] الجية: مستنقع الماء. وورد هذا الخبر في كتاب نسب قريش للمصعب الزبيري ص 221: «فقال له نافع: صه، صه، أنا ابن عبد مناف، فالطه، فقال أبو الحارث: أنف في السماء، وسرم في الماء، ذهبت عليك بنو هاشم بالنبوة، وبنو عبد شمس بالخلافة، وبقيت بين فرثها والجية» .

قَالَ: ومات نافع أخوه ويُكنى أبا مُحَمَّد بالمدينة فِي أيام سُلَيْمَان بن عَبْد الملك، وكانا ينزلان دارًا واحدة بالمدينة بينهما. ومنهم: طعيمة بن عدي، أخو مطعم بن عدي، ويُكنى طعيمة أبا الريان، وكان مؤذيًا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسر يوم بدر، فأمر بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل بين يديه صبرًا، وتولى قتله حَمْزَة بن عَبْد المطلب، وقد ذكرنا خبره فيما تقدم. ومن بني نوفل بن عَبْد مناف: الخيار بن عدي بن نوفل وكان عُبَيْد اللَّه بْن عدي بْن الخيار بْن عدي بن نوفل من رجال قريش وصلحائِهم، وهو الذي عقد مجلس القلادة، وكان يَجلسُ فيه أشراف قريش والأنصار وعلماؤهم المتخيرون، لا يجلس فيه غيرهم، فلم يزل كذلك حَتَّى وقع فيه شر ومشاتَمة، فافترقَ أهل ذلك المجلس وانتقض إلى اليوم. ومنهم: عمارة بن الوليد بْن عدي بْن الخيار بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف الذي يقول: تلكَ هند تصد للبين صدا ... أدَلالا أم صرم هند أجَدّا يعلم الله أن قد أورثت مني ... غير مَنّ بذاكَ نصحًا وودّا ما تقربت بالصّفا لأدنو منك ... إلا نأيت وازددت بعدا ومن بني نوفل بن عَبْد مناف: نافع بن ظُريف بن عَمْرو بن نوفل، الذي كتب المصاحف لعثمان بن

عَفَّان، ويُقال لعمر بن الخطاب. ومنهم: الحارث بن عَامِر بن نوفل، كَانَ شريفًا عظيم القدر فِي الجاهلية، وهو أحد المطعمين يوم بدر، وله يقول ابن الزبعرى. والحارث الوهاب أشرق وجهه ... كالبدرِ أشرقَ ليلة الإظلامِ [1] وقتل يوم بدر كافرًا، وهو أحد سرقة غزال الكعبة، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «مَنْ لقي الحارث بن عامر بن نوفل فليدعه لأيتام بني نوفل» ،] وفيهم نزلت: وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أرضنا [2] . وأبو سروعة بن الحارث بن عَامِر بن نوفل، وكان صاحب شراب، حده عَمْرو بن العاص، وحدّ معه ابنا لعمر بن الخطاب. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خرجت أنا وأخي عبد الرحمن بن عمر غَازِيَيْنِ إِلَى مِصْرَ، فَشَرِبَ أَخِي وَأَبُو سِرْوَعَةَ شَرَابًا فَأُتِيَ بِهِمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَجَلَدَ أَبَا سِرْوَعَةَ ظَاهِرًا وَجَلَدَ أَخِي فِي الدَّارِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اجْمَعْ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ وَجُبَّ عَلَيْهِ مِدْرَعَةً، وَاحْمِلْهُ إِلَيَّ عَلَى قِتْبٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَر جَلَدَهُ عَلانِيَةً على رؤوس الناس، وحلق رأسه وحبسه ستة أشهر فبرأ مِنْ جَلْدِهِ ثُمَّ أَغْزَاهُ، فَرَجَعَ فَمَاتَ، وَمَاتَ أَبُو سِرْوَعَةَ بِمَكَّةَ. ومن بني نوفل: مُسْلم بن قرظة بن عَبْد عَمْرو بن نوفل قتل يوم الجمل، وأخته فاختة

_ [1] شعر عبد الله بن الزبعرى ص 47. [2] سورة القصص- الآية: 57.

بنت قرظة امرأة معاوية بن أبي سُفْيَان، وَفِي قرظة يقول أبو طالب، وكان قرظة يُكنى أبا عَمْرو: وإن أبا عَمْرو أبى غير بغضنا ... ليطعننا فِي أهل شاءٍ وحائل [1] وكان قرظة أعمى، وتزوج ابنة عتبة بن ربيعة، فولدت له فاختة بنت قرظة.

_ [1] الحائل: الإبل. القاموس.

بنو عبد الدار بن قصي

بنو عَبْد الدار بن قصي ولد عَبْد الدار بن قصي: عُثْمَان بن عَبْد الدار، ووهب بن عَبْد الدار درج، وكلدة درج، وعبد مناف، وأمهم هند بنت لُؤي بن ملكان من خزاعة، والسباق، وكان ولده أوّل من بغى بِمكة عَلَى قريش فأهلكوا، وأمه من هوازن. فمن بني عَبْد الدار: طلحة، وعثمان الأوقص، وأبو سَعْد بنو طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عبد الدار، قتلوا يوم أحد ومعهم لواء المشركين، ومسافع. والجلاس. وكلاب. والحارث بنو طلحة بن أبي طلحة قتلوا يوم أحد كفارًا، ومعهم اللواء، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة، أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه المفتاح يوم فتح مكة، فنزلت فيه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [1] وقد كَانَ دفع المفتاح إلى العباس فارتجعه منه ورده عليه. وقال الواقدي قدم عُثْمَان بن طلحة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الفتح بأشهر هُوَ وخالد بْن الوليد، وعمرو بْن العاص، فأسلموا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دفع المفتاح إلى عُثْمَان: [ «دونكموها يا بني أبي

_ [1] سورة النساء- الآية: 58.

طلحة تالدة خالدة لا يظلمكموها إلا ظالِم» ،] وكانت الحجابة فيهم. وقال الواقدي: أقام عُثْمَان بن طلحة بن أبي طلحة بالمدينة حين توفي النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رجعَ إلى مكة ونزلها، ومات فِي أيام معاوية، ولعثمان عقب، فمن ولده: إِبْرَاهِيم بن عبيد الله بن عُثْمَان بن عَبْد الله بن عُثْمَان بن طلحة بن أبي طلحة، الذي يُقال له الحجبي، ولاه أمير المؤمنين هرون الرشيد بن أمير المؤمنين المهدي اليمن. ومنهم: يزيد بن مسافع بن أبي طلحة، قتل يوم الحرة. وعبد الله بن مسافع قتل يوم الجمل مع عائشة. ومنهم: شيبة بن عُثْمَان الأوقص بن أبي طلحة، وشيبة الحاجب بعد عُثْمَان بن طلحة بن أبي طلحة، وكان شيبة هذا شديدًا عَلَى المسلمين، وكان ممن دخل فِي الأمان يوم فتح مكة، فلما كَانَ يوم حنين صار مع هوازن طمعًا فِي أن يصيب من النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غرة. قَالَ شيبة: فدنوتُ مِنْهُ فإذا أهله محيطونَ بِهِ، ورآني فقال لي: «يا شيبُ إليّ» فدنوتُ مِنْهُ فمسح صدري ودعا لي فأذهبَ الله كل ما كَانَ فِيهِ وملأهُ إيمانًا، وصار أحبّ النَّاس إليّ، وكان شيبة يُكنى أبا صفية، واصطلحَ الناس عَلَى شيبة بن عُثْمَان بِمكة، فأقامَ لَهم الحج فِي أيام يزيد بن شجرة حين وجهه معاوية لإقامة الحج، وعلى الموسم من قبل عَليّ يومئذ: قثم بن العباس. ومن ولده: أم حجر بنت شيبة كانت عِنْدَ عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، ومسافع بن شيبة، ومات شيبة بِمكة فِي أيام يزيد بن معاوية.

ومنهم: مصعب الخير بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.

ومنهم: عبيد الله بن الأعجم بن شيبة الذي ضربه خالد بن عَبْد الله القسري وهو عَلَى مكة، فضرب له خالد، فقالَ الفرزدق: لعمري لقد صبت عَلَى ظهر خالد ... شآبيب ليست من سحاب ولا قطر [1] هذا قول ابن الكلبي، وقال غيره ضرب مُحَمَّد بن طلحة بن عبيد الله، أو عبد الله بن شيبة، لأنه جرى بينهما كلام، وقد كتبنا خبره فِي خبر خالد القسري فيما تقدم من كتابنا هذا، والحجابة فِي بني شيبة والمفتاح عندهم إلى اليوم. وقاسط بْن شريح بْن عُثْمَان بْن عَبْد الدار، قتل يوم أحد ومعه اللواء. وعامر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، الذي عقد الحلف بين الأحلاف عَلَى المطيبين، وقد ذكرنا قصة المطيبين والأحلاف فِي أول كتابنا هذا. والأسود بن الحارث بن عَامِر، أسر يوم بدر. ومنهم: مصعب الخير بن عمير بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدٍ الْعَبْدَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَتَى مَكَّةَ شَبَابًا وَجَمَالا وَسَيْبًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ يُحِبَّانِهِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ تَكْسُوهُ أَحْسَنَ الثِّيَابِ وَأَرَقَّهَا، وَكَانَ أَعْطَرَ أَهْلِ مَكَّةَ يَلْبَسُ الْحَضْرَمِيَّ مِنَ النِّعَالِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهُ فَيَقُولُ: [ «مَا رَأَيْتُ بِمَكَّةَ أَحَدًا أَحْسَنَ لِمَّةً، وَلا أَرَقَّ حُلَّةً، ولا أنعم نعمة من

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 301 مع فوارق.

مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ» ] فَبَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِي دَارِ الأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ إِلَى الإِسْلامِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَصَدَّقَهُ وَخَرَجَ فَكَتَمَ إِسْلامَهُ خَوْفًا مِنْ أُمِّهِ، فَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا، فَبَصُرَ بِهِ عُثْمَانُ بن طَلْحَةَ يُصَلِّي، فَأَخْبَرَ أُمَّهُ وَقَوْمَهُ بِذَلِكَ، فَخَرَجَتْ أُمُّهُ نَاشِرَةً شَعْرَهَا وَقَالَتْ: لا أَلْبَسُ خِمَارًا، وَلا أَسْتَظِلُّ، وَلا أَدَّهِنُ وَلا آكُلُ طَعَامًا، وَلا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى تَدَعَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ أَخُوهُ فَأَخَذَهُ فَحَبَسَهُ فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا حَتَّى تَخَلَّصَ، وَخَرَجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ، ثُمَّ رَجَعَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ رَجَعُوا، وَهُوَ مُتَغَيِّرُ الْحَالِ مُتَقَشِّفٌ، فَكَفَّتْ أُمُّهُ عَنْهُ مِنَ الْعَذْلِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهُوَ مُصْعَبُ الْخَيْرِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ وَأُمُّهُ خُنَاسُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرِّبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، ويكنى أَبَا مُحَمَّدٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَمُظَفَّرُ بن مرجا قَالا: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّبَذِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَقْبَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ذَاتَ يَوْمٍ بِالْمَدِينَةِ، وَعَلَيْهِ قِطْعَةُ نَمِرَةٍ قَدْ وَصَلَهَا بِإِهَابٍ قَدْ رَدِنَهُ، ثُمَّ وَصَلَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا رَآهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم نكسوا رؤوسهم رَحْمَةً لَهُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يُغَيِّرُونَ عَنْهُ، فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ وَقَالَ: [ «الْحَمْدُ للَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا وَمَا بِمَكَّةَ فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ أَنْعَمَ عِنْدَ أَبَوَيْهِ نَعِيمًا مِنْهُ، ثُمَّ أَخْرَجَتْهُ عَنْ ذَلِكَ الرَّغْبَةُ فِي الْخَيْرِ، وَحُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الْعَنْزِيِّ- مِنْ بَنِي عَنْزِ بن وائل-

قَالَ: كَانَ مُصْعَبٌ لِي خِدْنًا وَصَاحِبًا مُذْ يَوْمِ أَسْلَمَ إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ خَرَجَ مَعَنَا إِلَى الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيعًا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَ رَفِيقِي مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ، فَلَمْ أَرَ رَجُلا قَطُّ كَانَ أَحْسَنَ خُلُقًا، وَلا أَقَلَّ خِلافًا مِنْهُ [1] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو الْوَلِيدِ ثَنَا شعبة أنبأنا أبو اسحق قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، يَعْنِي فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ. وروى الواقدي فِي إسناده عَن مشيخته: أن أهلَ العقبة الأولى الاثني عشر لَما انصرفوا إلى المدينة، ففشا الإسلام فِي دور الأنصار، أرسلَ الأنصار إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألونه أن يبعثَ إليهم رجلا يفقههم فِي الدين ويقرئهم القرآن، فبعث إليهم مصعب بن عمير، فقدم عَلَى أسعد بن زُرارة، وكان يأتي الأنصار فِي قبائلهم ودورهم فيدعوهم إلى الإسلام ويقرأ عليهم القرآن، فيسلم الرجل والرجلان حَتَّى ظهر الإسلام، وكتب إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يستأذنه فِي التجميع بِهم، فأذن له، وكتب إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمره أن ينظرَ إِذَا زالت الشمس يوم الجمعة فيصلي بِهم ركعتين، ويَخطب قبلهما، فجمع بِهم فِي دار سَعْد بن خيثمة، وهم اثنا عشر رجلا فهو أول من جَمع فِي الإسلام يوم جُمَعة. قَالَ: وقد روى قومٌ من الأنصار أن أول من جمع بِهم أبو أمامة أسعد بن زُرارة. ثُمَّ خرج مصعب بن عمير من المدينة إلى مكة مع السبعين الذين وافوا العقبة من الأوس والخزرج، فقدم مكة فجاءَ منزل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 116- 117.

ولَم يأت منزله فجعل يُخبر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الأنصار وسرعتهم إلى الإسلام واستبطائِهم قدوم رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سره، وبلغ أم مصعب قدومه، فأرسلت إليه: يا عاق تقدم بلدًا أنا فيه فلا تبدأ بي؟! فقال: ما كنتُ لأبدأ بأحد قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذهب إلى أمه فقالت: إنك عَلَى صبأتك بعد، قَالَ: أنا عَلَى دين رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الدين الذي ارتضاهُ الله لنفسه ورسله، فقالت: ما شكرت تربيتي، مرة بأرض الحبشة ومرة بأرض يثرب فقال: أفر والله بديني، فبكت فدعاها إلى الإسلام، فقالت: والثواقب لا دخلت فِي دينك، ولكني أدعك وما أنتَ عليه، فأقامَ مصعب مع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وقدم المدينة مهاجرًا قبل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باثنتي عشرة ليلة. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ ثنا رَوْحُ بْنُ عبادة عَن ابن جريج عَن عطاء قَالَ: أول من جمع بالمدينة رجل من بني عَبْد الدار، قلت: بأمر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فبأمر مَنْ؟ وقال الواقدي: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مصعب بْن عمير وسعد بن أَبِي وقاص، وآخى بينه وبين أبي أيوب الأنصاري، ويُقال آخى بينه وبين ذكوان بن عَبْد قيس. وكان لواء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعظم، وهو لواء المهاجرين، مع مصعب ابن عمير، وكان لواء قريش فِي الجاهلية فِي قومه من بني عَبْد الدار، فلذلك خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بينهم. وقال الكلبي والواقدي: شهد مصعب بن عمير بدرًا، وحمل اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمونَ ثبت مصعب، فأقبلَ ابن قميئة، وهو فارس، فضرب يده اليمنى فقطعها، فأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها فحنا عَلَى اللواء وضمه بعضديه إلى صدره، ثُمَّ حمل عليه

الثالثة بالرمح فأنفذه فاندق الرمحُ ووقع مصعب وسقط اللواء، فأخذه أبو الروم أخوه، وكان اسمه عَبْد مناف، فلم يزل فِي يده حَتَّى دخل المدينة حين انصرفَ المسلمون. ويُقال إنه لَمّا قتل مصعب وسقط اللواء أخذ اللواء ملك فِي صورة مصعب، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ له فِي آخر النهار: تقدم يا مصعب، فالتفتَ إليه الملك فقال: لستُ بمصعب، فعرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ملك أيّد به. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعجلِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ثَنَا عُمَرُ بْنُ صُهْبَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عبد الله عن وهب بن فطن عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَهُوَ مُنْجَعِفٌ [1] عَلَى وَجْهِهِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ [2] ثُمَّ قَالَ: [ «أَنْتُمُ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «زُورُوهُمْ وسلموا عليهم فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلا رَدُّوا عَلَيْهِ» ] . وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بن محمد النَّاقِدُ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاهَدْنَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلا نَمِرَةٌ [3] ، فَكُنَّا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ خَرَجَتْ رجلاه، وإذا وضعناها في رجليه

_ [1] جعفه: صرعه. القاموس. [2] سورة الأحزاب- الآية: 23. [3] النمرة: الحبرة، وشملة فيها خطوط بيض وسود، أو بردة من صوف تلبسها الأعراب،

خرج رأسه فقال لها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «اجْعَلُوهَا مِمَّا يَلِي رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» ] [1] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ العبدري عن أبيه قال: كان مصعب بن عُمَيْرٍ رَقِيقَ الْبَشَرَةِ، حَسَنَ اللِّمَّةِ لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ يَزِيدُ شَيْئًا، فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فِي بُرْدَتِهِ مَقْتُولٌ فَقَالَ: [ «لَقَدْ رَأَيْتُكَ وَمَا بِهَا أَرَقُّ حُلَّةً، وَلا أَحْسَنُ لِمَّةً مِنْكَ، ثُمَّ أَنْتَ الْيَوْمَ شَعِثُ الرَّأْسِ فِي بُرْدَةٍ» ،] ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُقْبَرَ، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ أَبُو الرُّومِ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُوهُ، وَكَانَ أَسْلَمَ بَعْدَ إِسْلامِهِ حِينَ أَسْلَمَ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَنْزِيُّ مِنْ بَنِي عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْعَبْدَرِيُّ [2] . وَكَانَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ابْنَةٌ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأُمُّهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَةً. وَقَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ: كَانَ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ مِنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ابْنَةٌ تَزَوَّجَهَا ابْنُ أَبِي عزيزِ بْنِ عُمَيْرٍ. ومنهم: أبو الروم بن عمير، كَانَ اسمه عَبْد مناف، فدعي بكنيته، وكان من مهاجرة الحبشة فِي رواية الكلبي، وقد اختلفَ فِي هجرته فقيل: إنه لم يُهاجر إلى أرض الحبشة، ولكنه هاجر إلى المدينة، وقد ذكرناهُ فِي أول كتابنا هذا، وأبو عزيز بن عمير قتل يوم أحد كافرًا، وكان اسم أبي عزيز زرارة.

_ [1] الاذخر: الحشيش الأخضر، وحشيش طيب الريح. القاموس. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 119- 122.

ولده عبد الدار قصي

[ولده عبد الدار قصي] ومن ولده: مصعب بن عمير بن أبي عزيز بن عمير بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار قتل يوم الحرة [1] . ومن بني عَبد الدار: سويبط بن حرملة- وبعضهم يقول حريملة- بن مالك الشاعر بن عُميلة بْن السباق بْن عَبْد الدار بْن قصي، وأمّه هنيدة بنت خباب خزاعية، وكان سويبط من مهاجرة الحبشة، شهد بدرًا وأحدًا، ومات ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوجه إلى تبوك، وكان يُكنى أبا حرملة. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ فِي سَفَرٍ لَهُ وَمَعَهُ نُعَيْمَانُ الأَنْصَارِيُّ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ وَكِلاهُمَا بَدْرِيٌّ، وَكَانَ سُوَيْبِطٌ عَلَى الزَّادِ فَجَاءَهُ نُعَيْمَانُ فَقَالَ: أَطْعِمْنِي قَالَ: لا حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ نُعَيْمَانُ رَجُلا مَزَّاحًا مِضْحَاكًا، فَقَالَ: لأُغِيَظَنَّكَ، فَذَهَبَ إِلَى قَوْمٍ جَلَبُوا ظَهْرًا، فَقَالَ: ابْتَاعُوا مِنِّي غُلامًا عَرَبِيًّا فَارِهًا ذَا بَيَانٍ وَلِسَانٍ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِالْمُرَاغَمَةِ لِي: أَنَا حُرٌّ فَإِنْ كُنْتُمْ تَارِكِيهِ لِذَلِكَ فَأَعْلِمُونِي وَلا تُفْسِدُوا عَلَيَّ غُلامِي وَتَكْسِرُوهُ، قَالُوا: بَلْ نَبْتَاعُهُ مِنْكَ بِعَشْرِ قَلائِصَ نَسُوقُهَا، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ مَعَهُ، وَهُوَ يَسُوقُ الْقَلائِصَ الْعَشْرَ حَتَّى عَقَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: دُونَكُمُ الْمُوَلَّدَ فَقَالُوا لِسُوَيْبِطٍ: قُمْ فَقَدِ اشْتَرَيْنَاكَ، فَقَالَ سُوَيْبِطٌ: أَنَا رَجُلٌ حَرٌّ وَقَدْ كَذَبَكُمْ، فَقَالُوا عِنْدَنَا خَبَرُكَ وَأَلْقَوُا الْحَبْلَ فِي عُنُقِهِ وَمَضَوْا بِهِ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو بَكْرٍ أُخْبِرَ الْخَبَرَ فَذَهَبَ فِي أَصْحَابٍ لَهُ فَرَدَّ القلائص وأخذ سويبطا.

_ [1] تاريخ خليفة ج 1 ص 296.

ومن بني عَبْد الدار: عكرمة بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بن عبد الدار وهو الذي باع دار الندوة من معاوية بن أبي سُفْيَان. ومنهم: بغيض بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بن عَبْد الدار الذي كتب الصحيفة بين قريش وبني هاشم وبني المطلب ابني عَبْد مناف فشلت يده. وقال غير الكلبي: كتب الصحيفة عكرمة بن عَامِر. وقال بعضهم: كتبها منصور بن عكرمة بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بن عَبْد الدار، والأول أثبت. ومنهم: جهم بن قيس بن شرحبيل بن هاشم، ويُقال: ابن عَبْد شرحبيل بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار، وكان فِي مهاجرة الحبشة. ومنهم: الحارث بن علقمة بن كلدة بن عَبْد مناف بن عَبْد الدار رهينة قريش عِنْد أبي يكسوم الحبشي حين دخل مكة قوم من تجارهم فِي حطمة [1] كانت، فوثبَ أحداث قريش عَلَى بعض ما كَانَ معهم فانتهبوه، فوقعت بينهم منافرة ثُمَّ اصطلحوا بعد أن مضت عدة من وجوه قريش إلى أبي يكسوم، فأرضوه واعتذرَوا إليه وسألوه أن لا يقطعَ تجار أهل مملكته عنهم فدُفع الحارث وغيره رهينة عنده فكان يكرمهم ويصلهم، وكانوا يبضعون البضائع إلى مكة لأنفسهم.

_ [1] الحطمة: السنة الشديدة. القاموس.

وابنه النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عَبْد مناف بن عَبْد الدار ويُكنى أبا فايد، وقد ذكرنا خبره فِي أول كتابنا وقتل يوم بدر كافرًا، أسره المقداد فقتله عَليّ بن أبي طالب صبرًا بَيْنَ يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأخوه النضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة، وكان- فيما قَالَ الواقدي- من مسلمة الفتح، ومات بِمكة، وكان ممن أقام بِمكة فلم يُهاجر إلى المدينة، ولم يذكره مُحَمَّد بن إسحاق فِي الهجرة إلى الحبشة. وقال الهيثم بن عدي: أسلم النضير، وهاجر إلى الحبشة، وقدم إلى مكة فارتد، ثُمَّ صحح الإسلام يوم الفتح أو بعيده، واستشهد يوم اليرموك بالشام. ومنهم: فراس بن النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عَبْد مناف، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وَكَانَ قدومه من أرض الحبشة بعد الهجرة إلى المدينة، وقتل يوم اليرموك شهيدًا ويُكنى أبا الحارث، ولم يذكر الكلبي فراسًا. ومن بني عَبْد الدار: مُحَمَّد بن المرتفع بن النضير بن الحارث بن علقمة صاحب البئر بِمكة، وهي تُعرف ببئر ابن المرتفع، ومات مُحَمَّد بن المرتفع بِمكة، وزعم أبو اليقظان أَنَّهُ من ولد عُثْمَان بن عَبْد الدار، والأول أثبت. ومنهم: عَبْد الله بن أبي مسرة بْن عوف بْن السباق بْن عَبْد الدار، قتل يوم دار عُثْمَان.

ومنهم: أبو السنابل بن بعكك بن الحارث بن السباق، وكان بعكك شريرًا شديد البغي، وقد بقي أبو السنابل حينًا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي قال لسبيعة بنت الحارث، من ولد مالك بن أفصى أخي أسلم، وهي تنسب إلى أسلم فيقال سبيعة الأسلمية، وقد ولدت بعد وفاة زوجها سَعْد بن خولة حليف بني عَامِر بن لؤي، ويُقال مولاهم: لا يحل لكَ النكاح حَتَّى يمضي عليك أربعة أشهر وعشر. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ قَالا: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عينية عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَضَعَتْ سَبِيعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَمَرَّ بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ فَقَالَ قَدْ تَصَنَّعْتِ للأَزْوَاجِ لا أَوْ يَأْتِي عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، قَالَتْ سَبِيعَةُ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ: فَقَالَ: [ «كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ قَدْ حَلَلْتِ لِلأَزْوَاجِ فَانْكِحِي» ] . وَرَوَى قَوْمٌ أَنَّ أَبَا السَّنَابِلِ كَانَ خَطَبَهَا وَقَالَ الشَّاعِرُ: إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ عَنْ عِزٍّ وَمَكْرُمَةٍ ... فَتِلْكَ دَارُ أَبِي السَّبَّاقِ بِالْبَلَدِ قَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ: وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بَنُو جُبَيْرٍ، وَلَهُمْ بَقِيَّةٌ قَلِيلَةٌ بِالْبَصْرَةِ. وَقَالَ: هُوَ بَعْكَكُ بْنُ أَصْرَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السَّبَّاقِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ: نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقِيهًا، مَاتَ فِي فِتْنَةِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ، رَوَى عَنْهُ نَافِعُ وَلَيْسَ نُبَيْهٌ بِأَسَنَّ مِنْهُ.

بنو عبد بن قصي

بَنو عَبْد بن قُصَيٍّ ولد عَبْد بن قصي: وهب بن عَبْد، كَانَ أول من ولي الرفادة، والمنهب بن عَبْد، وهو أبو كبير وبُجير بن عَبْد. منهم: طليب بْن عمير بْن وهب بْن عَبْد بْن قصي، وأمّه أروى بنت عَبْد المطلب بن هاشم بن عَبْد مناف بن قصي، هاجر إلى الحبشة فِي المرة الثانية، وهاجر إلى المدينة مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد يَوْم أجنادين بالشام وَهُوَ ابْن خمسٍ وثلاثين سنة، وكان يُكنى أبا عَدي. وقال الواقدي هو طليب بن عمير بن وهب بن كبير بن عَبْد، والأول قول ابن الكلبي عندنا، وهو أثبت. وقال الواقدي: كَانَ إسلام طُليب بن عمير فِي دار الأرقم، فلمّا أسلمَ دخل عَلَى أمه أروى فقال: قد تبعت محمدًا وأسلمت لله، فقالت: إن أحق من آزرْتَ وعضدت ابن خالك، والله لو كنا نقدر عَلَى ما يقدر عليه الرجال لمنعناه وذببنا عنه، فقال: يا أمه ما يمنعك من أن تسلمي وتتبعيه فقد أسلم

أخوك حَمْزَة؟ فقالت: أنظر ما يصنعه أخواي [1] ثُمَّ أكون كأحدهم، ثُمَّ إنّها شهدت أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، وكانت بعد تعضد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلسانِها، وتحض ابنها عَلَى نصرته، والقيام بأمره. وقال الكلبي والواقدي: شهد طليب بدرًا ولم يكن يذكر ذلك موسى بن عقبة وَمُحَمَّد بن إسحاق، وأبو معشر، وليس لطليب عقب وقالوا: لقي طليب بن عمير أبا أهاب بن عزيز التميمي، أحد بني عَبْد الله بن دارم، وكان أبوه هرب فحالف بني نوفل بن عَبْد مناف، وَقَدْ دُسّ للفتَّك برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضربه بلحي جمل فشجه، فضرب وحمل إِلَى أمه فَقَالَتْ: مُحَمَّد ابْن خاله، وَهُوَ أولى من دافع عَنْهُ وغضب لَهُ، وَقَالَتْ أروى: إن طُليبًا نَصْر ابنَ خاله ... آساه فِي دَمِهِ ومَاله وَكَانَ المسلمونَ يصلونَ فِي شعبٍ فهجم عَلَيْهِم أَبُو جهل، وعقبة بْن أَبِي معيط، وجَماعة من سفهاء أهل مكة، فعمد طليب إِلَى أَبِي جهل فشجه، فأوثقوه فقام أَبُو لهب دونه فتخلصه، وشُكي إِلَى أروى فَقَالَتْ: خير أيامه أَن ينصر محمدًا، وكانت قد أسلمت. ومن بني عَبْد بن قصي: الحويرث بن نقيد- بدال غير معجمة- ابن بجير بن عَبْد، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتله من وجده يوم فتح مكة، فقتل كافرًا، وكان الذي قتله عَليّ عليه السلام. ومن ولده:

_ [1] بهامش الأصل: تعني أبا طالب وأبا لهب.

جبير بن الحويرث بن نقيد بن عَبْد، أدركَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورآهُ ولم يرو عنه شيئًا، وروى عَن أبي بكر. قَالَ أبو اليقظان: لم يبق من بني عَبْد بن قصي أحد، بادوا كلهم حَتَّى ورث آخرهم عَبْد الصمد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العباس بن عبد المطلب ورجل آخر من بني المطلب بن عبد مناف.

بنو عبد العزي بن قصي

بَنو عَبد الْعُزَّى بن قُصَيٍّ وولد عَبْد العزى بن قصّي: أسد بن عَبْد العزى، وأمه ريطه، وهي الحظياء [1] بنت كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة، وهي التي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [2] ، وكانت ورْهَاء [3] تَنقض ما تغزل. فولد أسد بن عَبْد العزى: خويلدًا: وأمّه زهرة بِنْت عَمْرو بْن حنثر من بَنِي كاهل بن أسد بن خزيمة، وإياها عني فضالة بن شريك الأسدي فِي قوله: أقول لغلمتي أدنو ركابي ... أفارق بطن مكة فِي سواد ومالي حِينَ أقطع ذَات عرق ... إِلَى ابْن الكاهلية من معاد ونوفل بن أسد. وحبيب بن أسد، قتلا يوم الفجار الآخر، وصيفي بن أسد، درج، وأمهم خالدة بنت هاشم بن عَبْد مناف بن قصي، والحويرث وأمه ريطة بنت الحويرث الثقفي. وعمرو بن أسد، وهاشم بن

_ [1] بهامش الأصل: الحظياء. بظاء معجمه. [2] انظر سورة النحل الآية 92. [3] الورهاء: الحمقاء التي ليس في عملها حذق. القاموس.

فولد خويلد بن أسد بن عبد العزى:

أسد، ومهاشم بن أسد درجوا وأمهم ناهَية بنت سعيد بن سهم، وطالب بن أسد، وطويلب بن أسد، قتلا يوم الفجار، ولا عقب لَهما، وأمهما من الأوس، وخالد بن أسد لأم ولد، والمطلب بن أسد. والحارث بن أسد لبرة بنت عوف بْن عُبَيْد بْن عويج بْن عدي بْن الحارث بن كعب. فولد خويلد [بن أسد بن عَبْد العزي:] العَوّام، وأمه من بني مازن بن منصور وحزامًا، وخديجة بنت خويلد، زوج النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونوفل بن خويلد، قتل يوم بدر كافرًا، وقتل حِزام يوم الفجار الآخر. [العوام بن خويلد] فمن بني خويلد بْن أسد بْن عَبْدِ العزى بْن قصي: أبو عَبْد الله الزبير بن العوّام بن أسد بن عَبْد العزى، حواري رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي والسائب بن العوام، وأمه صفية، وبجير بن العوام، قتله سَعْد بن الدوسي بأبي أزيهر [1] ، لقيه باليمامة. وعبد الرَّحْمَن. وأسود. وأصرم وبعكك، وأمه من بني السباق. فأمّا الزبير فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ قَالا: ثنا الواقدي عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ إِسْلامُ الزُّبَيْرِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ رَابِعًا أَوْ خَامِسًا، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ إِلَى مَاذَا تَدْعُو؟ فَقَالَ: [ «أَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» ،] قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّه، وَأَنَّكَ رسول اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ شِئْتَ لَنُبَادِيَنَّهُمْ بِالإِسْلامِ وَلا نَسْتَسِرُّ بِهِ، فَإِنَّا عَلَى حَقٍّ وهم على

_ [1] حول قضية أبي أزيهر، انظر نسب قريش للمصعب ص 323.

بَاطِلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِالْقِتَالِ» ، فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ وَلَقِيَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَهُوَ الْعَاصَ بْنَ هَاشِمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْن عبد العزى قال: أفعلتها يا بن الْعَوَّامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّا لا نُقِرُّكَ وَمَا تُرِيدُ مِنْ مُفَارَقَةِ دِينِ آبَائِنَا وَعَيْبِ آلِهَتِنَا. قَالَ الزُّبَيْرُ: اصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ فَإِنَّمَا تَعْبُدُونَ حَجَرًا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ، وَلا يَنْفَعُ وَلا يَضُرُّ، قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: إِنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بينهم فيما هم فيه يختلفون [1] . حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: شَهِدَ الزُّبَيْرُ بَدْرًا وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَن غَزَاةٍ غَزَاهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2] . حَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ مُرَجَّى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ. وَحَدَّثَنِي الوليد بْن صالِح وَمُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة عَن عُرْوَة قَالَ: كنت ربما أخذت بالشعر الذي عَلَى منكبي الزبير، وأنا غلام، فتعلق به إلى ظهره. وقال الواقدي: أَخْبَرَنِي غير واحد من آل الزبير أَنَّهُ كَانَ رجلا ليس بالقصير ولا الطويل، إلى الخفة ما هو في اللحم خفيف اللحية أسمر

_ [1] سورة الزمر- الآية: 3. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 100- 102.

اللون، أشعر لا يغير شيبه [1] . وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه قال: قَاتَلَ الزُّبَيْرُ، وَهُوَ غُلامٌ بِمَكَّةَ، رَجُلا فَكَسَرَ يَدَهُ، وَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا، فَمُرَّ بِالرَّجُلِ إِلَى صَفِيَّةَ وَهُوَ يُحْمَلُ، فَقَالَتْ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالُوا: قَاتَلَ الزُّبَيْرَ فَقَالَتْ: كَيْفَ رَأَيْتَ زَبْرًا ... أَأَقِطًا أَمْ تَمْرًا [2] أَمْ مُشْمَعِلا صَقْرًا وَكَانَتْ صَفِيَّةُ تَزْفِنُ الزُّبَيْرَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَتَقُولُ: إِنَّ ابْنِي الأَصْغَرَ جَبٌّ حَنْكَلٌ [3] ... أَخَافُ أَنْ يَعُقَّنِي وَيَبْخَلَ يا رب أمتعني بِبَكْرِي الأَوَّل ... بِالْمَاجِدِ الْفَيَّاضِ وَالْمُؤَمَّلِ حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَ هشام بن عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ كَانَتْ تَضْرِبُ الزُّبَيْرَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَهُوَ يَتِيمٌ، فَقِيلَ لَهَا: قَتَلْتِهِ، خَلَعْتِ فَؤَادَهُ، أَهْلَكْتِ هَذَا الْغُلامَ فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَضْرِبُهُ كَيْ يَلَبَّ ... وَيَجُرُّ الْجَيْشَ ذَا الْجلَب قَالَ: فَكَسَرَ يَدَ غُلامٍ ذَاتَ يَوْمٍ فَجِيءَ بِالْغُلامِ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: كَيْفَ رَأَيْتَ زَبْرًا ... أَأَقِطًا أَمْ تَمْرًا أَمْ مُشْمَعِلا صَقْرًا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ثنا عَمْرُو بْنُ عاصم الكلابي عن همام عن

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 107. [2] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 101 «أأقطا حسبته أم تمرا» والأقط: شيء يتخذ من المخيض الغنمي. القاموس. [3] الحنكل: اللئيم والقصير، والجافي الغليظ، وحنكل في المشي: تثاقل وتباطأ. القاموس.

هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ عَلَى الزُّبَيْرِ رَيْطَةٌ قَدِ اعْتَجَرَ بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَتْ صَفْرَاءَ، وَكَانَتْ عَلَى الْمَلائِكَةِ يَوْمَئِذٍ عَمَائِمُ صُفْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «نَزَلَتِ الْمَلائِكَةُ الْيَوْمَ عَلَى سِيمَاءِ الزبير» [1]] . حدثنا اسحق بْنُ إِسْرَائِيلَ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ ثَنَا سُكَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا حَفْصُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ شَيْخٍ صَحِبَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ: أَصَابَتِ الزُّبَيْرَ جَنَابَةٌ فِي أَرْضٍ قَفْرٍ، فَقَالَ لِي اسْتُرْنِي فَسَتَرْتُهُ، قَالَ: فَحَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ بِكَ آثَارًا مَا رَأَيْتُهَا بِأَحَدٍ قَطُّ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا مِنْهَا جِرَاحَةٌ إِلا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي سبيل الله. حدثنا أبو يعقوب اسحق بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ عَنْ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَشْتَكِي فَقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا تَعَمَّدَكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرَكْتَ أَعْرَابِيَّتَكَ بَعْدُ» أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: يَعْنِي فِي قَوْلِهِ «جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ» . مُحَمَّدُ بْنُ سعيد [2] عَن الْوَاقِدِيِّ عَن ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: رَأَيْتُ طَلْحَةَ سَمَّى وَلَدَهُ بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ وَأَنَا أُسَمِّي بَنِيَّ بِأَسْمَاءِ الشُّهَدَاءِ لَعَلَّهُمْ يُسْتَشْهَدُونَ، فَسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ: بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَالْمُنْذِرَ: بِالْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسٍ، وَعُرْوَةَ: بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، وَحَمْزَةَ: بِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَجَعْفَرًا: بِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طالب، ومصعب: بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعُبَيْدَةَ: بِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وخالدا:

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 103. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 101.

بِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَمْرًا: بِعَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قُتِلَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بن معين ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنبأ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلزُّبَيْرِ فِي قَمِيصٍ حَرِيرٍ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا يَزِيدُ بن هرون عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلا يَقُولُ: أَنَا ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ كُنْتَ مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ وَإِلا فَلا [1] . حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، ثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ- أخو بهز بن أسد- مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ قَالَ: كَانَ الزُّبَيْرُ عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْيُسْرَى، وَالْمِقْدَادُ عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْيُمْنَى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَلَمَّا هَدَأَ النَّاسُ جَاءَا بِفَرَسَيْهِمَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ الْغُبَارَ عَنْ وُجُوهِهِمَا بِثَوْبِهِ وَقَالَ: [ «إِنِّي جَعَلْتُ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا فَمَنْ نَقَصَهُمَا نَقَصَهُ اللَّهُ] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي» ] . حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قالا: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ» ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» [2]] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أنبا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ أنبا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عن أبيه

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 106. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 104.

أَنَّ الزُّبَيْرَ مَحَا نَفْسَهُ مِنَ الدِّيوَانِ لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بن دكين ثَنَا حَفْصٌ أَبُو غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ جَعَلَ دَارًا لَهُ حَبِيسًا عَلَى كُلِّ مَرْدُودَةٍ مِنْ بَنَاتِهِ [1] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنْبَأَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: فَدَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْر يَوْمَ الأَحْزَابِ بِأَبَوَيْهِ. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّه لا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لأَرَانِي إِلا مِمَّا قُتِلَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ أَكْبَرَ هَمِّي دَيْنِي، أَفَتَرَى دَيْنَنَا يُبْقِي مِنْ مَالِنَا شَيْئًا؟ ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ بِعْ مَالِي وَاقْضِ دَيْنِي، قَالَ: وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ وَقَالَ: إِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَثَلِّثْهُ لِوَلَدِكَ، وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ أُرِيَ [2] بَعْضُ بَنِي الزُّبَيْرِ: خُبَيْبٌ، وَعَبَّادٌ، وَقَالَ: إِنْ عَجَزْتَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ دَيْنِي فَاسْتَعِنْ بِمَوْلايَ- يَعْنِي اللَّهَ تَبَارَكَ وتعالى- قال: فو الله مَا دَرَيْتُ مَا عَنَى حَتَّى أَخْبَرَنِي بِهِ، فَمَا وَقَعْتُ مِنْ دَيْنِهِ فِي كُرْبَةٍ إِلا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ أَقْضِ عَنْهُ فَيَقْضِيَهُ، قَالَ: وَقُتِلَ الزُّبَيْرُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا إِلا أَرْضَيْنِ مِنْهَا الْغَابَةَ [3] ، وَأَحَدَ عَشَرَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، وَدَارًا بِمِصْرَ، وَدَارًا بِالْكُوفَةِ، وَدَارًا بالبصرة، قال: وما ولي

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 105- 107. [2] بهامش الأصل: «أرى أي وغر صدره» . وفي القاموس: إرى: انضم وألف والتصق. [3] الغابة: بجوار أحد خارج المدينة المنورة.

الزُّبَيْرُ إِمَارَةً قَطُّ وَلا جِبَايَةً وَلا خَرَاجًا وَلا شَيْئًا إِلا أَنْ يَكُونَ فِي غَزَاةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، أَوْ مَعَ عُمَرَ، أَوْ مَعَ عُثْمَانَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ الرَّجُلُ يَسْتَوْدِعُهُ الْمَالَ فَيَقُولُ لَهُ الزُّبَيْرُ: هُوَ سَلَفٌ عَلَيْنَا إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ، قَالَ: فَلَقِيَنِي حَكِيمُ بن حزام فقال: يا بن أَخِي كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ قُلْتُ: مِائَةُ أَلْفٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَى أَمْوَالَكُمْ تَتَّسِعُ لِهَذَا، قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أَرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَاسْتَعِينُوا بِي، قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ فَبِيعَتْ بألف ألف وستمائة أَلْفٍ. قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ، قَالَ: فَأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ لَهُ على الزبير أربعمائة ألف، فقال لعبد الله: إن شتم تَرَكْتَهَا لَكُمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لا، فَقَالَ قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا يُؤَخَّرُ إِنْ أَخَّرْتُمْ شَيْئًا؟ قَالَ عَبْدُ اللَّه: لا، قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا، قَالَ: فَبَاعَ ذَلِكَ بِدَيْنِهِ فَاسْتَوْفَاهُ، وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ فباعها بأربعمائة أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا، وَكَانَ مَا بِيعَ قَبْلَ ذلك بتمام ألف ألف وستمائة أَلْفٍ، فَلَمَّا قَضَى دَيْنَ أَبِيهِ قَالَ وَلَدُ الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا فَقَالَ: لا وَاللَّهِ أَوْ أُنَادِي بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ: أَلا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا نَقْضِهِ، فَنَادَى أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ قَسَمَ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ فَرَفَعَ الثُّلُثَ، وَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَصَابَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ ثَمَنِ عَقَارَاتِهِ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَةَ أَلْفٍ، فَكَانَ الثُّمُنُ: أَرْبَعَةَ آلافِ أَلْفٍ وأربعمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ ثُلُثَا الْمَالِ الَّذِي اقْتَسَمَهُ الْوَرَثَةُ خَمْسَةً وَثَلاثِينَ أَلْفِ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئ قَالَ: سمعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة

يقول: اقتسم ميراث الزبير عَلَى أربعين ألف ألف درهم. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قيمة ما ترك الزبير أحد وخمسون أو اثنان وخمسون ألف ألف درهم. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو حَمْزَةَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَتْ لِلزُّبَيْرِ خِطَطٌ بِمِصْرَ، وَالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبِالْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَةِ دُورٌ، وَكَانَتْ لَهُ غَلاتٌ تَأْتِيهِ مِنْ أَعْرَاضِ الْمَدِينَةِ [1] . حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجِ [2] الْحَرَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أرسل إلى جارك» . حدثنا خلف البراز عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْطَعَ عُمَرُ خَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ الأَنْصَارِيَّ أَرْضًا مَوَاتًا، فَاشْتَرَيْنَاهَا مِنْهُ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ الزُّبَيْرَ مَا بَيْنَ الْجُرْفِ إِلَى قَنَاةٍ [3] . وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ أنبا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ بَنِي النَّضِيرِ ذَاتَ نَخْلٍ وَشَجَرٍ. وَرُوِيَ أَنَّ عمر اقطع الزبير العقيق أجمع.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 109- 110. [2] الشرجة مسيل الماء من الحرة إلى السهل، والشراج جمعها. النهاية لابن الأثير. الخراج ليحيى بن آدم ص 106- 107. [3] الخراج ليحيى بن آدم ص 77.

الْمَدَائِنِي عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ جُوَيْرِيَةَ قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير حضر [1] فرسه فركض حتى أعيى فَرَسَهُ، ثُمَّ رَمَى بِالسَّوْطِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَنْبَأَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بكر قالت: تزوجني الزبير وماله فِي الأَرْضِ مَالٌ وَلا مَمْلُوكٌ وَلا شَيْءٌ غَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُهُ وَأَكْفِيهِ مُؤْنَتَهُ وَأَسُوسُهُ، وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ، وَأَعْلِفُهُ، وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ [2] ، وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ الْخَبْزَ فَكُنَّ جَارَاتِي مِنَ الأَنْصَارِ يَخْبِزْنَ لِي، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ عَلَى ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ، قَالَتْ: فَجِئْتُ يَوْمًا وَعَلَى رَأْسِي نَوًى فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، قَالَتْ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ، قَالَتْ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى، فَأَخْبَرْتُ الزُّبَيْر بِمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِاسْتِحْيَائِي مِنْهُ، وَقُلْتُ: عَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ: أَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارُ، وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكَ مَعَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ فَكَفَتْنِي سِيَاسَةُ الْفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُوسَى أنبا الْفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنِي شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ قُرَّةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ. قَالَ قُرَّةُ بْنُ الْحَارِثِ: كُنْتُ مَعَ الأَحْنَفِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَكَانَ جَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ ابْنَ عَمِّي مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَحَدَّثَنِي جَوْنٌ قَالَ: كُنْتُ مع الزبير فجاء

_ [1] الحضر: ارتفاع الفرس في عدوه. القاموس. [2] الغرب: الراوية، والدلو العظيمة. القاموس.

فَارِسٌ، وَكَانُوا لا يُسَلِّمُونَ عَلَى الزُّبَيْرِ إِلا بِالإِمْرَةِ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، قَالَ: إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْا إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَرَ قَوْمًا أَرَثَّ سِلاحًا، وَلا أَقَلَّ عَدَدًا، وَلا أَرْعَبَ قُلُوبًا مِنْهُمْ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَجَاءَ فَارِسٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، قَالَ: جَاءَ الْقَوْمُ حَتَّى أَتَوْا مَكَانِ كَذَا فَسَمِعُوا بِمَا جَمَعَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْحَدِّ فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِيهًا عنك الآن، فو الله لَوْ لَمْ يَجِدِ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلا الْعَرْفَجَ لَدَبَّ إِلَيْنَا فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَجَاءَ فَارِسٌ وَقَدْ كَادَتِ الْخُيُولُ تَرِخُّ مِنَ الرَّهْجِ [1] فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، قَالَ: هَؤُلاءِ الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْكَ، وَلَقِيتُ عَمَّارًا فَقُلْتُ لَهُ وَقَالَ لِي، قَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَفِيهِمْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهِمْ، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَ يُخَالِفُهُ، قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ: ارْكَبْ فَانْظُرْ أَحَقًّا مَا يَقُولُ؟ فَرَكِبَ مَعَهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا حَتَّى وَقَفَا فِي نَاحِيَةِ الْخَيْلِ طَوِيلا ثُمَّ رَجَعَا إِلَيْنَا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ لِصَاحِبِهِ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: صَدَقَكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: يَا جَدْعَ أَنْفَاهُ، أَوْ يَا قَطْعُ ظَهْرَاهُ، قَالَ الْفُضَيْلُ: لا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَهُ أَفْكَلٌ [2] حَتَّى جَعَلَ السِّلاحُ يَنْتَفِضُ، قَالَ جَوْنٌ: فَقُلْتُ: ثَكِلَتْنِي أُمِّي، هَذَا الَّذِي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ مَعَهُ، أَوْ أَعِيشَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَرَى هَذَا إِلا مِنْ شَيْءٍ سَمِعَهُ، أَوْ رَوَاهُ، وَهُوَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَلَمَّا تَشَاغَلَ النَّاسُ انْصَرَفَ فَجَلَسَ عَلَى دَابَّتِهِ ثم ذهب، قال:

_ [1] الرهج: الغبار. النهاية لابن الأثير، ترخ: تصب بالإنهاك. العين، القاموس. [2] بهامش الأصل: أفكل: الرعدة.

فَانْصَرَفَ جَوْنٌ فَجَلَسَ عَلَى دَابَّتِهِ فَلَحِقَ بِالأَحْنَفِ وَجَاءَ فَارِسَانِ حَتَّى أَتَيَا الأَحْنَفَ وَأَصْحَابَهُ فَنَزَلا فَأَكَبَّا يُنَاجِيَانِهِ، فَرَفَعَ الأَحْنَفُ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ، يَا فُلانٌ فَأَتَيَاهُ، فَأَكَبَّا عَلَيْهِ فَنَاجَاهُمَا سَاعَةً، ثُمَّ انْصَرَفَا ثُمَّ جَاءَ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ إِلَى الأَحْنَفِ، فَقَالَ: أَدْرَكَتْهُ بَوَادِي السِّبَاعِ فَقَتَلَتْهُ، فَكَانَ قُرَّةُ يَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ صَاحِبُ الزُّبَيْرِ الأَحْنَفَ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْرَائِيلَ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ أنبا ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ يَقُولُ: أَنَا وَاللَّهِ أَقْرَعْتُ لِمِائَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ سُهْمَانَ بدر، فأسهمت لهم. حدثنا اسحق بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ ثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ إِيَاسٍ أَبُو الْعَلاءِ الضَّبِّيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا دَعَا الزُّبَيْرَ فَقَالَ: أَنْتَ آمِنٌ ابْرُزْ إِلَيَّ أُكَلِّمُكَ، فَبَرَزَ لَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ دَابَّتَيْهِمَا فَقَالَ: يَا زُبَيْرُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ يَمْشِي وَخَرَجْنَا مَعَهُ أَنَا وَأَنْتَ فَقَالَ لَكَ: [يَا زُبَيْرُ لَتُقَاتِلَنَّهُ ظَالِمًا،] وَضَرَبَ كَتِفَكَ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَفَجِئْتَ تُقَاتِلُنِي؟ فَرَجَعَ عَن قِتَالِهِ وَسَارَ مِنَ الْبَصْرَةِ لَيْلَةً فَنَزَلَ بِمَاءٍ لِبَنِي مُجَاشِعٍ، فَلَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ثُمَّ مِنْ بَنِي سَعْدٍ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ، وَجَاءَ بِسَيْفِهِ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: [بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ] . حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ هِلالٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَتَى الزبير فقال: يا بن صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جِئْتَ تُقَاتِلُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟

قَالَ: فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ فَلَقِيَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَلِيٍّ: إِنِّي رَأَيْتُ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ فَقَالَ: [إِلَى النَّارِ، إِلَى النَّارِ] . حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَقِيَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فَدَعَوَاهُ إِلَى بَيْعَتِهِمَا عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَمُخَالَفَةِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: أَنْتُمَا أمر تماني بِبَيْعَتِهِ؟ فَقَالا: أُفٍّ لَكَ إِنَّمَا أَنْتَ فَرِيسَةُ آكِلٍ وَتَابِعُ غَالِبٍ، فَتَرَكَهُمَا وَمَضَى. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن أبان الواسطي ثَنَا جرير عَن الْحَسَن أَنَّهُ ذكر الزبير فقال: عجبًا للزبير أخذ بحقوي أعرابي من بني مجاشع: أجرني، أجرني، حَتَّى قتل، أما والله لقد كنت فِي ذمة منيعة. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنِي أَبُو حَكِيمٍ الْعَدَنِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا اقْتَتَلُوا يَوْمَ الْجَمَلِ فَكَانَتِ الدَّبْرَةُ عَلَى أَصْحَابِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، أَفْضَى عَلِيٌّ إِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا أَصْحَابُ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا رَآهُ وَاجَهَهُ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَتُقَاتِلُنِي، وَقَدْ عَرَفْتَ مَا أَعْطَيْتَنِي مِنْ بَيْعَتِكَ، وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَانْسَلَّ عَلَى فَرَسِهِ مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا صَارَ بِسَفَوَانَ [1] لَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ يُقَالُ لَهُ النعرُ بْنُ زمامٍ فَقَالَ لَهُ: أَجِرْنِي، فَقَالَ النعرُ: أَنْتَ فِي جِوَارِي يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ الأحنف: وا عجبا لِلزُّبَيْرِ لَفَّ غَارَيْنِ [2] مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَدْ نَجَا بِنَفْسِهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنُ جُرْمُوزٍ، فَاتَّبَعَهُ وَأَصْحَابُهُ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ رَأْسَهُ فَأَتَى بِهِ عَلِيًّا، فَبَعَثَ عَلِيٌّ مَنْ دَفَنَهُ مَعَ بَدَنِهِ بِوَادِي السباع.

_ [1] سفوان ماء على قدر مرحلة من باب المربد بالبصرة. معجم البلدان. [2] الغار: الجمع الكثير من الناس. القاموس.

حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن الْمُقْرِئ حَدَّثَنِي أبو عَامِر العقدي عَن الأسود بن شيبان عَن خالد بن سمير قَالَ: قتل الزبير عَمْرو بن جرموز، فقبر بوادي السباع. حَدَّثَنِي عمرو النَّاقِدُ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ قَالَ: دَعَا الأَحْنَفُ بَنِي تَمِيمٍ فَلَمْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ دَعَا بَنِي سَعْدٍ فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَاعْتَزَلَ فِي رَهْطٍ فَمَرَّ الزُّبَيْرُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ ذُو النِّعَالِ، فَقَالَ الأَحْنَفُ: هَذَا الَّذِي أَلَبَ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: فَاتَّبَعَهُ رَجُلانِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا فَطَعَنَهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الآخَرُ فَقَتَلَهُ، وَجَاءَ بِرَأْسِهِ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: [بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّةَ بِالنَّارِ،] فَأَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ وَذَهَبَ. حَدَّثَنِي عَمْرٌو ثَنَا قَبِيصَةُ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: [إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: أخوانا على سرر متقابلين] [1] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثَنَا الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ النَّاسُ: بَايِعُوا الزُّبَيْرَ عَلَى الْخِلافَةِ فَلَمَّا سَمِعَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ قَالَتْ: لا تُبَايِعُوا الزُّبَيْرَ عَلَى الْخِلافَةِ، وَلَكِنْ بَايِعُوهُ عَلَى الْقِتَالِ، فَإِنْ أَظْفَرَكُمُ اللَّهُ فَسَتَرَوْنُ رَأْيَكُمْ، قَالَ: فَوَثَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: يَا زُبَيْرُ أَتَدْرِي مَا تُرِيدُ هَذِهِ؟ تُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ حَارَّ النَّاسِ بِكَ وَبَارِدَهُ لابْنِ عَمِّهَا طَلْحَةَ، اقْعُدْ عَلَى نَجَائِبِكَ ثُمَّ ارم بها مكة حتى تقلع سيوف

_ [1] سورة الحجر- الآية: 47.

العرب وقد أفنيت سراتها ووجوها فَتَرْكَبُ إِلَيْكَ سُعَاتُهَا، قَالَ: فَرَكِبَ الزُّبَيْرُ فَأَصَابَهُ أَخُو بَنِي تَمِيمٍ بِوَادِي السِّبَاعِ. وقال أصحاب السيرة: لَمّا كَانَ يوم الجمل وهو يوم الخميس لعشر ليالي خلونَ من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين بعد القتال، انصرفَ الزبير يريد المدينة، فلقيه النعر بن زمّام المجاشعي فقال: يا حواري رسول الله إليّ فأنتَ فِي ذمتي، وبلغ الأحنف ذلك فقال: مَا أَصْنَعُ إِنْ كَانَ الزُّبَيْرُ لَفَّ بَيْنَ غارين من المسلمين فقتل أحدهما الآخر، ثُمَّ هو يريد اللحاق بأهله، فاتبعه عَمْرو بن جرموز بن قيس، أحد بني جشم بن ربيعة بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة بن تَميم، وفضيل بن عابس، ونفيل بن حابس التميميون، فلحقه ابن جرموز فطعنه، فحمل عليه الزبير، فلما ظن أَنَّهُ قاتله دعا صاحبيه وقال: الله الله يا زبير فأمسكَ الزبير، فحملا عليه وابن جرموز معهم فقتلوه، واحترز ابن جرموز رأسه، وأخذوا سيفه، فلما أتي به عَليّ قَالَ: سيف طال ما جلى به عَن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكرب، ولكنه الحين ومصارع السوء، فذلك قول جرير للفرزدق: قتل الزُّبَيْر وأنتم جيرانه ... غيًا لِمن قتل الزبير طويلا [1] قَالَت عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْن عَمْرو بْن نُفيل امرأة الزبير، وهي التي كَانَ أهل المدينة يقولون: من أراد الشهادة فليتزوجها، وذلك أنها كانت عِنْد عَبْد الله بن أبي بكر، ثُمَّ عِنْد عُمَر بن الخطاب، ثُمَّ عِنْد الزُّبَيْر. غدر ابْن جرموز بفارس بُهْمَةٍ ... يوم اللقاء وَكَانَ غير معرّد يَا عَمْرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشًا رعش السّنان ولا اليد

_ [1] ديوان جرير ص 365 مع فوارق.

وأما السائب بن العوام أخو الزبير

شلت يمينك أن قتلت لمسلمًا ... حلت عليك عقوبة المتعمد ثكلتك أمك هل أخرت بمثله ... فيمن مضى فيما تروح وتغتدي كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طرادك يا بن فقع الفدفد وغزا الزبير مصر فصعد سور النوبة وحده، فقاتل عليه، فكان فتحها بصعوده. وأمّا السائبَ بن العوام أخو الزبير فإن أباهُ مات قبل المبعث، وقال بَعْضهم: قتل فِي الجاهلية، والسائب يرضع وكان السائب حين أسلمَ الزبير صغيرًا، استشهد يوم اليمامة فِي أيام أبي بكر. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ ثَنَا حَمَّادُ بن سلمة عَن هشام بن عروة عَن أبيه فِي حديث طويل قَالَ: التقى المسلمونَ والمشركونَ باليمامة فَوَلّى المسلمونَ مدبرينَ حَتَّى بلغوا الرحال، فقال السائبُ بن العَوّام: أيُّها الناس إنّكم قد بلغتم الرحال لا مفرّ لامرئ بعد رحله، فهزم اللَّه المشركين، وقتل مسيلمة. وقال أبو اليقظان البصري: كَانَ للعوام ابن يُقالُ له الأسود، وكان أكبر ولد العوام، وأمه من بني عَبْد الدار، فلما أسلمَ الزبير قيده واشتد عليه، ولا عقب له. قَالَ وكان له: أصرم وبعكك، أمهما من بني السباق بن عَبْد الدار درجا. قالوا جَميعًا: كَانَ الزبير والسائب لصفية بنت عَبْد المطلب، خلف عليها العوام بعد الحارث بن حرب بن أمية بن عَبْد شمس. وأمّا بجير بن العوام فقتل بأبي أزيهر باليمامة.

وأما عبد الرحمن بن العوام

وأمّا عَبْد الرَّحْمَن بن العوام فاستشهد فِي أيام عُمَر فِي بعض المغازي، وقتل ابنه مع عُثْمَان يوم الدار. وولد للزبير: عَبْد الله بن الزبير وهو أول مولود فِي الإسلام بالمدينة من قريش، فكبر المسلمونَ حين بشروا به، وكان المشركونَ يقولونَ قد انقطعَ نسلهم. وعروة والمنذر. وعاصم. والمهاجر. وخديجة الكبرى. وأم الحسن. وعائشة. أمهم أسماء بنت أبي بكر الصديق. وخالد وعمرو. وحبيبة. وسودة وهند، أمهم أم خالد، وهي أمة بنت خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية. ومصعب. وحمزة. ورملة، أمهم الرباب بنت أنيف بن عبيد من بني عليم من كلب. وعبيدة بن الزبير، وجعفر، أمهما زينب، وهي أم جعفر بنت مرثد بن عَمْرو من بَنِي قَيْس بْن ثعلبة بْن عكابة. وزينب بنت الزبير، أمها أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. وخديجة الصغرى أمها الحلال بنت قيس من بني النضير بْن قعين بْن الحارث بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد. حَدَّثَنِي الحرمازي عَن العتبي قَالَ: قَالَ بعضُ حشم زينب بنت الزبير لزينب: أهزل ما تكونين إِذَا قدم زوجك؟ فقالت: إن الحرة لا تضاجعُ زوجها بملء بطنها، وكانت عِنْد عنبسة بن أبي سُفْيَان. قَالَ: وخطبَ عَبْد الملك رمْلة بنت الزبير، فقالت: إني لا آمن نفسي سوء ظن من قتل أخي، وكانت أخت مصعب لأمه.

وَحَدَّثَنِي التوزي عَن أبي عبيدة قَالَ: قدمت ابنة للزبير مكة حاجَّة فخطبها رجل من بني أمية قد كانت أمها وأمه قبل ذلك عِنْد رجل من قريش فأبت وقالت: أأباه لِخصال ثلاث: لأني أكره أن أرجع إلى أرض هاجر منها أبي، ولأني قدمت حاجة عَلَى ظهر بعير ثُمَّ أتزوج، وأن أكون كنَّةً لِمن كانت لأمي ضرَّة. قالوا: وأسلم مع الزبير حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، ثُمَّ أحد بني خالفة بن أذب بن جزبلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى «بني خالفة» حين وفدوا «بني راشدة» وكانت كنية حاطب أبا مُحَمَّد، وهو حليف الزبير، وقد شهد: يوم بدر، وأحد، والخندق والمشاهد كلها، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسله إلى المقوقس بالإسكندرية. حَدَّثَنِي محمد بن حاتم بن ميمون المروزي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ أنبأ حُصَيْنٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالزُّبَيْرَ، وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، فَقَالَ لَنَا: [ «انْطَلِقُوا حَتَّى تَبْلُغُوا رَوْضَةَ خَاخٍ [1] فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأْتُونِي بِهَا،] قَالَ: فَأَدْرَكْنَاهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: أَيْنَ الْكِتَابُ؟ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَأَنَخْنَا بَعِيرَهَا، وَفَتَحْنَا رَحْلَهَا فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا [2] وَعَلَيْهَا إِزَارٌ مِنْ صُوفٍ فَأَخْرَجَتِ الْكِتَابَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاطِبٍ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ» ؟ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه مَا بِي أَلا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي يد

_ [1] موضع بين الحرمين، بقرب حمراء الأسد، من المدينة. المغانم المطابة. [2] الحجزة: معقد الإزار، ومن السراويل موضع التكة. القاموس.

عِنْدَ الْقَوْمِ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَمَّنْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِمْ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلا وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَذُبُّ عَنْ مَالِهِ وَأَهْلِهِ سِوَايَ، فَقَالَ: «صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلا خَيْرًا» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأْذَنْ لِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: [ «أو ليس هُوَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَمَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّه قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُمُ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ أوجبتُ لَكَم الْجَنَّةَ» ،] فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعلم، فنزلت: يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تلقون إليهم بالمودّة [1] . وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ: «إِنَّ مُحَمَّدًا سَائِرٌ إِلَيْكُمْ» ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ أنبا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَالزُّهْرِيِّ قَالَ: كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ مَعَ امْرَأَةٍ يُقالُ لَهَا سَارَّةُ- قَالَ الْكَلْبِيُّ: مَوْلاةُ عَمْرَو بْنِ هَاشِمٍ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ مَوْلاةُ قُرَيْشٍ- فَوَجَّهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهَا فَوُجِدَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَقَدْ جَعَلَتْ كِتَابَ حاطب في عقصتها، فأخذ منها فنزلت: يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تلقون إليهم بالمودة. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ثَنَا شَبَابَةُ أنبأ لَيْثٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ جاء يشكوه فقال: ليدخلن حاطب النار

_ [1] سورة الممتحنة- الآية: 1.

يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «كَذَبْتَ لا يَدْخُلُهَا لأَنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا» ] . قالوا: وانصرفت سارة إلى مكة مرتدة فقتلها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فتح مكة. قَالَ الواقدي: كَانَ حاطب من الرّماة المذكورين من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات بالمدينة سنة ثلاثين، وهو ابن خمس وستين، وصلى عليه عُثْمَان. قَالَ الواقدي: وَحَدَّثَنِي شيخٌ من ولد حاطب عن أبيه قالوا: كَانَ حاطب رجلا حسن الجسم، خفيف اللحية أجلى [1] ، إلى القصر ما هو، شثن الأصابع. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: تَرَكَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ يَوْمَ مَاتَ أَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ وَدَرَاهِمَ وَدَارًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَانَ تَاجِرًا يَبِيعُ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ. قَالُوا: وَأَسْلَمَ سَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَهُوَ سَعْدُ بْنُ خَوْلِيِّ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ الْقوسَارِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَكْرِ بْن عَوْفِ بْن عُذْرَةَ بْن زَيْدِ اللاتِ بْن رُفَيْدَةَ بْن ثَوْرِ بْن كَلْبِ بْن وَبَرَةَ بْنِ قُضَاعَةَ، وَكَانَ أَصْلُهُ سِبَاءً، فَصَارَ إِلَى حَاطِبٍ فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ وَشَهِدَ بَدْرًا، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَفَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ فِي الأَنْصَارِ. قَالَ ابن الكلبي وَفِي امرأة من ولد القوسار يَقُول أيمن بْن خريم بْن فاتك الأسدي:

_ [1] أي كان منحسر مقدم الشعر، أو نصف الرأس. القاموس.

إن ابنة القوسار يا صاح دلني ... عليها قضاعي يحث جماليا فأعطيت خولّي بن فروة ما اشتهى ... من المشمخرات الذرا والروابيا [1] والقضاعي خولي بن فروة. قَالَ: وخولي بن فروة بن القوسار دله عليها فروة بن القوسار هذا رجل من بني عميرة أيضًا. وقال قومٌ: هو سَعْد بن خولي بن فروة بن القوسار، وذلك وهم. وقال أبو معشر: هو من مذحج وذلك وهم. قالوا: وليس لسعد عقب. قَالَ أبو اليقظان: كَانَ الزبير، حواري رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واحدًا ممن سمي للجنة، وقتل وهو ابن ستين سنة. قَالَ: وتزوج رملة بنت الزبير عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حزام، ثُمَّ خلفَ عليها خالد بن يزيد بن معاوية وقد ذكرت قصتها وشعره فيها فيما مضى من كتابنا هذا. وكانت خديجة بنت الزبير عِنْد أبي يسار بن شيبة بن ربيعة. وكانت عائشة عِنْد الوليد بن عُثْمَان بن عَفَّان. وكانت أم الْحَسَن بنت الزبير عِنْد عَبْد الرَّحْمَن بن الحارث بن هشام، وكانت إحدى بناته عِنْد عنبسة بن أبي سُفْيَان، وكانت أخرى من بناته عِنْد عَبْد الرَّحْمَن بن الأَسْوَدِ بن أبي البختري من ولد أسد بن عَبْد العزى. وأمّا جعفر بن الزبير فكان من فتيان قريش وكان يتغزل وهو القائل: ولِمجلس القرشي حق واجب ... فارعى له حق الكريم الأروع

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 114- 115.

وأما عمرو بن الزبير

ما تأمرينَ بجعفر وبحاجة ... يستامها فِي خلوة وتضرع ولِجعفر عقب بالمدينة. وأمَّا: عبيدة بن الزبير وله عقب، ومن وَلده أبو بكر بن عبيدة، وكان له ابن معتوه يُقال له عَبْد الرَّحْمَن بن أبي بكر، فكان خاله المغيرة بن عَبْد الرَّحْمَن بن هشام يقوم لشأنه، وكان لا يطعم شيئًا إلا رمى به، ولا يكسى ثوبًا إلا خرقه، فكان المغيرة قد اتخذ فِي منزل المعتوه كوى يَجعل فيها ألوان ما يؤكل من خبز ولَحم وفاكهة، وتَجعل الثياب عَلَى معاليق فيأكل المعتوه ويلبس، وهو الذي قالَ لعمرو بن الزبير حيث توجه لقتال عَبْد الله أخيه امض معي إليه وأنت فِي جواري فإن آمنك وإلا رددتك إلى مأمنك، فلم ينفذ عَبْد الله بن الزبير جواره، وقد كتبنا خبره فيما تقدم، فقال الشاعر فِي عبيدة بن الزبير: أعبيد إنَك قد أجرت فجاركم ... تحت التراب تنوبه الأصداءُ أعبيدُ لو كَانَ المجير لَوَلْوَلَتْ ... بعد الهدو برنة أسماءُ اضرب بسيفك ضربة مذكورة ... فيها أداءُ أمانة ووفاء وأما حَمْزَة بن الزبير فلا عقب له، وقتل مع عَبْد الله بن الزبير أخيه. وأمّا خالد بن الزبير فاستعمله عَبْد الله عَلَى اليمن وله عقب، ومنهم: خالد بن عُثْمَان بن خالد بن الزبير، وكان خرج مع محمد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن عَليّ بالمدينة، فقال أبو جعفر أمير المؤمنين المنصور: ما آل الزبير وآل عَليّ؟! وأخذه أبو جعفر فقتله وصَلبه. وأمّا عَمْرو بن الزبير فكان ذا تيهٍ وكبر وعجب، انتدبَ لقتال أخيه فكان من أمره وقتله إيّاه بالاقتصاص منه ما قد ذكرناهُ، وكان يُقال: من نخوته عَمْرو لا يكلم. من يكلمه يندم.

وأما عروة بن الزبير

الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ: قَالَ مالك بن أسماء المنى- وهي أمه-: أنا أغضب معاوية واستجعل عَلَى ذلك جعلا فأتى معاوية، وقد حضر الموسم، فقالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَشْبَهَ عَيْنَيْكَ بِعَيْنَيْ أمك هند فقال: تانكَ عينان طالما أعجبتا أبا سُفْيَان فانظر ما أعطيت فخذه ولا تجعلنا متجرًا لك، فقال له رجل من قريش: لك مِثْلا جُعلك إن قلت لعمرو بن الزبير كَمَا قُلْتَ لِمُعَاوِيَةَ، وَكَانَ عَمْرٌو ذَا نَخْوَةٍ وكبر فَقَالَ لَهُ: مَا أَشْبَهَكَ بِأُمِّكَ يَا عَمْرُو، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ حَتَّى مَاتَ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إلى أمه بديته وَقَالَ: أَلا قُلْ لأَسْمَاءَ الْمُنَى أُمِّ مَالِكٍ ... فإني لعمرو الله أقتلت مالكا يقول: عرضته للقتل بحلمي عنه. ولعمرو بن الزبير عقب، وَفِي ابنه عَمْرو بن (عَمْرو بن) الزبير يقول الشاعر: لو أن اللؤم كَانَ مع الثريا ... تناول رأسَها عَمْرو بن عَمْرو وقتل من قتل من ولد الزبير، وقتل العوام، وقتل خويلد، وقال الشاعر فِي قتل العوام يوم الفجار: وعَوّامًا تركناه صريعًا ... عَلَى إثر الفوارس بالغريف [1] وأمّا عروة بن الزبير ويُكنى أبا عَبْد الله، وكان فقيهًا فاضلا، وقال لعبد الملك حين كتب الحجاج إليه فِي حمله، فأمره عَبْد الملك بذلك: ليس الذليل من قتلتموه، ولكنه من ملكتموه فلما قَالَ هذا القول استحيى عَبْد الملك فلم يهجه، وكتب إلى الحجاج: «أمسك عَن ذكر عروة، فما لك عليه سبيل» .

_ [1] من أجل الغريف، انظر صفة جزيرة العرب للهمداني- ط 1974 ص 290.

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئ قَالَ: قَالَ الحجاج لعروة وَقَدْ أغلظ لعبد الملك فِي كلام: يابن العمياء ألا تسكت، فقال له عروة: يا بن المتمنية، يعني جدته أم أبيه، وكانت كنانية، وهي القائلة: هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج فسمعها عُمَر فأخذ نصرًا فسيره إلى البصرة، وكان نَصْر جميلا. وقال بعضهم: إن المتمنية أم الحجاج الفارعة بِنْت هَمّام بْن عروة بْن مَسْعُود الثقفي. واستودعَ عروة طَلْحَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أبي بكر مالا، وأودعَ غيره، وشخص إلى الشام، فكان يسأل عَن طلحة، فيقال هو يبني الدور ويقسمُ الأموال، فخافَ أن يذهب بِماله، فلما قدم كابره قوم عَلَى ما أودعهم، وأعطاهُ طلحة ماله موفرًا، فقال متمثلا: وما استخبأتُ فِي رجلٍ خبيئا ... كدين الصدق أو حسب عتيق ذوو الأحساب أكرم من رأينا ... وأصبر عِنْد نائبة الحقوق وقال هشام الكلبي: أصابت عروة الأكلة فِي رجله، وهو بالشام عِنْد الوليد بن عَبْد الملك، فقطعت رجله بميشار وهو يقرأ فما تتعتع ولا تَحرك، ولم يشعر الوليد بقطع رجله حَتَّى كويت، وكان ذلك بحضرة الوليد وبقي بعد ذلك ثَماني سنين ثُمَّ هلك فِي ضيعة له بقرب المدينة، وكان يقول: لقد أحسنَ بي ربي أخذ مني واحدة، وتركَ لي ثلاثًا، وأمتعني بسمعي وبصري ولساني، وكان له ابن يحبه فضربته دابة فسقط ميتًا وذلك قبل وقوع الأكلة فِي رجله، فقال حين قطعت رجله صبرًا واحتسابًا: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سفرنا هذا نصبا [1] .

_ [1] سورة الكهف- الآية: 62.

وقال عروة: أعظم من المصيبة سوء العوض وروى ذلك عَن عَبْد الله بن الزبير أيضًا. قَالَ المدائني: عزّى عيسى بن طلحة بن عبيد الله عروة فقال: يا أبا عَبْد الله ذهبَ أقلك وبقي أكثرك، فالحمدُ لله الذي بقي لنا سمعكَ وبصرك فقال: ما عزاني أحد بِمثل ما عزيتني به. قَالَ: ووقعت الأكلة فِي رجله، وضرب برذون ابنه فقتله، وقطعت رجله بميشار وحسمت [1] فلم يقبض وجهه، ولم يُحرك عضوًا منه إلا أَنَّهُ غشي عليه عِنْد الحسم. وأتي الوليد بقوم أصيبوا بمصائب عظيمة فقال ائتوا عروة بهؤلاء ليعلم أن مصائب الدنيا كثيرة. وَحَدَّثَنِي مصعب الزبيري أن عروة صلى بالناس يومًا، وكانوا مقحطين، فقال لَهم: أقنطتم؟ قالوا: نعم قَالَ فتوقعوا الفرج فإن الله يقول: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وينشر رحمته وهو الوليّ الحميد [2] . وكان عروة احتفر بئرًا بالمدينة فهي تعرف ببئر عروة، فلم يكن بالمدينة بئر أعذب منها، وفيها يقول الشاعر: كفنوني إن مت فِي درع أروى ... واستقوا لي من بئر عروة مائي وقال الواقدي: مات عروة فِي مال له بناحية الفرع [3] فِي سنة أربع وتسعين ودفن هناك.

_ [1] حسمه: العرق قطعه ثم كواه لئلا يسيل دمه. القاموس. [2] سورة الشورى- الآية: 28. [3] الفرع قرية من نواحي الربذة، بينها وبين المدينة ثمانية برد. المغانم المطابة.

وقال عروة: إِذَا رأيتم من الرجل خلَّة خير، وكان عندكم رجل سوء فلا تيأسوا منه فإن لَهَا عنده أخوات، وإذا رأيتم من رجل خلَّة شر فاحذروه، وإن كَانَ صالِحًا. فولد عروة بن الزبير: عَبْد الله، أمه ابنة الأسود بن أبي البختري. ومحمدًا، ويحيى بن عروة، ويُكنى أبا عروة وعثمان أمهم ابنة الحكم بن أبي العاص أخت مروان. وَعَمْرًا. ومصعبًا، وعبيد الله. وأمهم ابنة سلمة بن عُمَر بن أبي سلمة المخزومي. وهشام بن عروة لأم ولد. فأمّا عَبْد الله فكان خطيبًا بليغًا، وكان خالد بن صفوان يشبه به فِي بلاغته، وعمي قبل موته، وله عقب بالمدينة. وقتل صالِح بن عَبْد الله بن عروة بقديد [1] قتلته الخوارج. وكان عُمَر بن عَبْد الله فقيهًا، حدث عنه ابن جريج، سمع من القاسم بن مُحَمَّد وغيره، وحج عَبْد الملك بن مروان فأتى المدينة، فدخل عَلَى عَبْد الله بن عروة بن الزبير فقال: يا أمير المؤمنين أعدني عَلَى إِبْرَاهِيم خالك فإنك وليته ما بين المدينة واليمن فلم يمنعه كثير ما فِي يده من قليل ما فِي أيدينا، فنشدتك الله أن تصل رحمك بقطيعة أخرى، فو الله ما يَمنعنا من أن نَموتَ مع عَبْد الله إلا مكان هذه الأموال. وأمّا مُحَمَّد فلم يكن له عقب من الرجال، وكان من أجمل الناس وفيه يقول ابن يسار:

_ [1] قديد: قرية بين خليص وعسفان، بقرب مكة، المغانم المطابة.

وغنينا كابني نويرة حينًا ... بعد عيش ونعمة واتفاق ثُمَّ صرنا لفرقة ذات يوم ... كل قوم مصيرهم للفراق يعني مالكًا ومتمم بن نويرة. وكانت لِمحمد بن عروة ابنة جميلة، تزوجها الحكم بن يَحْيَى بن عروة فطلقها، فتزوجها أميَّة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان، فطلقها فراجعها الحكم عَلَى أن كتبت عليه كتابًا بأربعين ألف درهم وبغلَّة أرضه وبعطائه ولا يغيرها ولا يُخالفها، فإن خالفَ شيئًا من شرطها فأمرها بيدها، فكان يُقال: أثقل من شرط ابنة مُحَمَّد بن عروة. وأما عُثْمَان بن عروة فكان فائق الجمال، وكان خطيبًا جلدًا ومات فِي أيام أبي جعفر المنصور، وله عقب بالمدينة. وأما يَحْيَى بن عروة، فكان له علم بالنسب والناس، فنازع إِبْرَاهِيم بن هشام عامل هشام بن عَبْد الملك عَلَى المدينة فضربه بأمر هشام فمات بعد الضرب، وله عقب بالمدينة. وأما عَمْرو بن عروة فقتل مع عَبْد الله بن الزبير، ولا عقب له. وأما عبيد الله بن عروة فله عقب بالمدينة، وقد روى الزهري عَن عبيد الله بن عروة، ويُكنى أبا بكر، وعن يَحْيَى بن عروة، ويُكنى أبا عروة. وأما هشام بن عروة، ويُكنى أبا المنذر، فكان فقيهًا نبيلا له عقب بالمدينة والكوفة والبصرة، وكان هشام فِي وسط من أيامه عَلَى تدينه يسمع الغناء، فواعد قومًا من أهل المدينة أن يأتوا منزل جارية تتغنى فسبقوه ومضى ليلحقهم، وجعل يقول: قائمتي ألحقاني بالقوم ... لا تعداني كسلا بعد اليوم

فلما سمع غناء الجارية قَالَ: أعيذك بالله إنه لينبغي أن يكتب عَلَى صدرك آية الكرسي، وبين كتفيك المعوذتين ثُمَّ خرج. وقال هشام: ما تم دين لأحد حَتَّى يتم عقله. وقال هشام: الغنى يجعل الغربة وطنًا، والفقرُ يجعل الوطن غُربة. وقال هشام، ورأى رجلا يبني دارًا أسرفَ فِي النفقة عليها: عجبا لمن يبتني القصور وهو غدًا فِي القبور. وقال هشام بن عروة: وجدت خير الدنيا والآخرة في التقى والغنى، وشرهما الفجور والفقر. ومات هشام بن عروة ببغداد فِي سنة ست وأربعين ومائة قبل موت أبي حنيفة بأربع سنين. وأما المنذر بن الزبير بن العوام، ويُكنى أبا عُثْمَان فكان سيدًا حليمًا وقتل مع عَبْد الله بن الزبير وله يقول ابن مُفرغ. لابن الزبير غداة يذمر منذرًا ... أولى بغاية كل يوم وقاع ليس الكريمُ من يغادر أمه ... وبناته بالمنزل العجّاع [1] فمن ولده: مُحَمَّد بن المنذر، أمّه ابنة سعيد بن عَمْرو بن نُفيل العدوي، وعاصم بن المنذر لأم ولد، وكان ينزل البصرة، وعبيد الله بن المنذر أمه ابنة نَهشل بن حري التميمي، وَإِبْرَاهِيم بن المنذر وغيره. المدائني قَالَ: ساب مُحَمَّد بن المنذر بن الزبير عَبْد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان، وهو المطرف، فقال له مُحَمَّد: لقد عشت زمانًا وأنا أظنك جارية أهم أن أخطبك إلى أبيك. قَالَ: أنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: عهدتك

_ [1] بهامش الأصل: الجعجاع، وهو ما جاء في ديوان ابن مفرغ ص 162- 163.

وأما: مصعب بن الزبير

ولك اسم أحب إليك من هذا، وكان يدعى لجمالِه المطرف. وأمّا: مُصْعَب بن الزبير فكان يُكنى أبا عَبْد الله، ويُقال أبا عيسى، وولد له عيسى وعُكاشة، أمهما ابنة السائب بن أبي حُبيش، وعمر لأم ولد. وجعفر لأم ولد. وحمزة لأم ولد، وَمُحَمَّد وخضير واسمه إِبْرَاهِيم لأمهات أولاد شتى. وقال بعضهم اسم خضير مصعب بن مصعب، والأول قول ابن الكلبي، وكان مصعب جوادًا عظيم المروءة وقد كتبنا خبره ومقتله، وكان يقول: أفضل النساء الفخمة الأسيلة، وشرّهن القفرة، وقتل ابنه عيسى معه، فقال الشاعر: ليبك أبا عيسى وعيسى كلاهما ... موالي قريش كلها وصميمها وقال الأصمعي: قدم مصعب البصرة عَلَى راحلته مضطبعًا [1] بردائه، فقال بعض من رآهُ من أشياخ العرب: لقد انتشطَ الملك انتشاطًا. وقال مصعب عَلَى منبر البصرة لبعض بني أبي بكرة: إنما كانت أمكم مثل الكلبة ينزو عليها الأعفر، والأسود، والأبقع، فتودي إلى كل كلب شبهه. ولا عقبَ لعيسى، ولعكاشة بن مصعب عقب بالمدينة، وتزوج عكاشة ابنة عَامِر بن عَبْد الله بن الزبير، فولدت له، فمن ولده مصعب بن عكاشة بن مصعب، قتل يوم قديد فِي أيام مروان بن مُحَمَّد، قتلته الخوارج، فقال الشاعر: قل لأنواح قصيّ كلها ... ونساء موجعات من أسد

_ [1] اضطباع المحرم: أن يدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن، ويرد طرفه على يساره، ويبدي منكبه الأيمن ويغطي الأيسر. القاموس.

وأما عبد الله بن الزبير،

قمن فاندبن رجالا قتلوا ... بقديد ولنقصان العدد ثُمَّ لا تعدلن منهم مصعبًا ... حين يبكي بقتيل من أحد إنه قد كَانَ فينا باسلا ... صادقًا يقدم إقدام الأسد وأما عَمْرو بن مصعب فولده بالبصرة. وأما جعفر بن مصعب، وكان سريًّا فتزوج مُليكة بنت الْحُسَيْن بن عَليّ، فولدت له حَمْزَة، فقتل وابن له يُقالُ له عُمارة يوم قُديد، وله بالمدينة عقب، وكان بعض عمال أهل المدينة أخذ حَمْزَة بن جعفر شاربًا فحده وأقامه للناس. وأما إِبْرَاهِيم بن مصعب وهو خضير فكان عَلَى شرط مُحَمَّد بن عَبْد الله بن حسن حين خرج، ويُقال: اسم خضير مصعب بن مصعب، وله عقب، وقتل خضير مع مُحَمَّد بن عَبْد الله. وقال الأصمعي: قَالَ مصعب لعبد الرَّحْمَنِ بْن عيّاش بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب، وكانت عنده جويرية بنت زياد: أَتَثَأَّرَ الناسُ بسيوفهم واثّأرت بأيرك؟! وقال حين قدم البصرة: بلغني إنكم أهل البصرة تلقبونَ أمراءكم وإني أنا الجزار. قالوا: وكتب كاتب مصعب: «من المصعب» فقال: ما هاتان الزائدتان؟! وأمّا عَبْد الله بن الزبير، فكان يُكنى أبا بكر، وأبا خبيب، وكان من أشد الناس قلبًا ولسانًا، وهو أول مولود ولد بالمدينة فِي الإسلام من أبناء المهاجرين، فكبر المسلمون لِمولده، وكان بخيلا قَالَ الشاعر:

رأيت أبا بَكْر وربك غالبٌ ... عَلَى أمره يرجو الخلافة بالتمر وقتل وَهُوَ ابْن ثَلاث وسبعين سنة، وقد كتبنا أخباره فيما تقدم من كتابنا هذا. فولد عَبْد الله بن الزبير: حَمْزَة وكان مضعوفًا، وخُبيبًا، وثابتًا، وعبادًا، أمهم تُماضر بنت منظور بن زبان الفزاري، وعامر أمه ابنة عَبْد الرَّحْمَن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن عَبْد الله، أمّه أم ولد، وقيسًا درج صغيرًا، وموسى. فأمَّا حَمْزَة فكان جوادًا يُعطي يومًا فيباري الريح، ويَمنع يومًا شسعًا، وكان ابن سريج المغني صديقًا له، وكان حَمْزَة يكرمه ويعظمه، وهو الذي غنى فِي هذا الشعر: حَمْزَة المبتاع حمدًا بالندى ... ويرى فِي بيعه أن قد غُبِنْ [1] فكلم ابن سريج رجل من قريش فِي مسألة حَمْزَة إسلافه ألف دينار، فوهب له ألف دينار، ووهب لابن سريج ألفًا آخر، وقد كتبنا خبر حَمْزَة فِي ولايته العراق، وتزوج حَمْزَة بالبصرة أم عَبْد اللَّهِ بنت عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان بْن أَبِي العاص الثقفي، وأمهما ضُبَاعة بنت الحارث بن نوفل أخت ببة، وكانت عِنْد حَمْزَة فاطمة بنت الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّد بْنِ جَعْفَر بْنِ أَبِي طالب، فقال لَهَا فِي مرضه، كأني بك قد تزوجت طَلْحَة بْن عُمَر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، فحلفت بصدقة مالها، وعتق رقيقها لا تفعل، فلما مات حَمْزَة خطبها طلحة وقال: أنا أخلف عليك مكان كل شيء شيئين، فتزوجته فغرم عنها عشرين ألف دينار، وولدت له: إِبْرَاهِيم، ورملة، فزوج طلحة بن عمر ابنته رملة إسماعيل بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس على مائة ألف دينار، وكانت أجمل

_ [1] الشعر لموسى شهوات. مولى بني سهم. انظر نسب قريش للمصعب الزبيري ص 240.

الناس فقال إسماعيل بن يسار لطلحة: أنت أتجر الناس، تزوجت فاطمة عَلَى أربعين ألف دينار، وزوجت ابنتها عَلَى مائة ألف، فربحت إِبْرَاهِيم وستين ألف دينار. وأمّا خبيب فكان عقيمًا، وكان الوليد بن عَبْد الملك غضب عليه لأمر بلغه عنه، فكتب إِلَى عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز، وَهُوَ عامله عَلَى المدينة، فضربه عُمَر فمات من ضربه إياه، فكان ذلك مما عيب عَلَى عُمَر بن عَبْد الْعَزِيز. وأمّا ثابت بن عَبْد الله فكان يكنى أبا حكمة، وكان بذيئًا ذا لسن، وله عقب، وقيل لثابت: اشتم عَلِيًّا، فقال: ماذا أقول؟ قالوا: قل: سم أبا بكر، ودس لعمر من قتله، وقتل عُثْمَان، فقال: والله ما علمت ذاك فأقوله. قالوا: وأقامه هشام بن إسماعيل فقال: اشتم عليًّا، فقال لعن الله الفاسق الأشقى قَاتل أمير المؤمنين عُثْمَان، قَالَ: هيه اذكر عليًّا فقال: لعن الله الأشدق لطيم الشيطان خالع أمير المؤمنين عَبْد الملك، قَالَ: هيْه اشتم عليًّا الآن قَالَ: لم يبلغه الشتم حَتَّى أشتم غيره، ولم يزل يشاغله. وقال له عَبْد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان يومًا، وهو المطرف: يا ثابت لقد صرت خطيبًا، فقال: أما والله لولا أني أكره ذكر خويلك خويل السوء فأغم بذلك رجالا من ثقيف وقومًا من بني هاشم لذكرته، يعني المختار، لأن أم المطرف ابنة عَبْد الله بن عُمَر، وأمها صفية بنت أَبِي عبيد، أخت المختار. ومن ولده: عَبْد الله بن مصعب بن ثابت الذي كان عامل هرون الرشيد أمير المؤمنين عَلَى المدينة، ثُمَّ عَلَى اليمن، وكان ابنه أبو بكر بكار بن عَبْد الله بن مصعب بن ثابت ولي بعد أبيه، وكان سيّئ الولاية، فلما مات

جعل الناس يقولون: من يكتب إلى مالك؟ يعنون مالكًا خازن جهنم وكان مصعب بن ثابت بن عَبْد الله فقيهًا، ويُكنى أبا عَبْد الله مات بالمدينة سنة سبع وخمسين ومائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وأمّا عامر بن عبد الله فكان من أبعد أهل المدينة فِي زمانه، وكان لا يزوج بناته، وخطب إليه يزيد بن عَبْد الملك، وَإِبْرَاهِيم بن هشام المخزومي فلم يزوجهما، وقتل ابنه عتيق بن عَامِر بقديد، وهدم إِبْرَاهِيم بن هشام دار عَامِر بن عَبْد الله، فقال إِبْرَاهِيم لعامر: اصبر قَالَ: أما إني أعرضك عَلَى الله فِي كل يوم خمس مرات، يقول أدعو عليك فِي أعقاب الصلوات الخمس. وكان عَامِر يُكنى أبا الحارث، ومات قبل موت هشام بن عَبْد الملك بيسير، ومات هشام فِي سنة أربع وعشرين ومائة. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نزل عَامِر بن عَبْد الله بمرّ [1] ، فمر به عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن بْن عَليّ، فقال: يا عامَر نزلت بِمَرّ فمرر عليك عيشك، قَالَ: بل نزلت مرًّا فطاب لي به مأكلي إذ بالست بالس [2] بني مروان، فقال عَبْد الله: أمَا والله لولا عمتي لكنت كبعض الحميدات التوتيات فِي شعاب مكة، يعني صفية. قَالَ عَامِر: ولولا عمتي كنت كبعض ولد عقيل بن أبي طالب ملقى بالأبطح، يعني خديجة بنت خويلد أم فاطمة بِنْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.

_ [1] يرجح أنه قصد مرّ الظهران، وبينه وبين مكة خمسة أميال. معجم البلدان. [2] بالس هي مسكنة حاليا على الفرات في سورية، وهي قريبة من رصافة هشام، والبلس: من لا خير عنده، أو عنده ابلاس وشر القاموس.

وحزام بن خويلد،

وأمّا عباد بن عَبْد الله، فله ولد بالمدينة، وكان يَحْيَى بن عبّاد بن عَبْد الله فقيهًا روى عَن عَبْد الله بن أبي بكر الحزمي، وَمُحَمَّد بن إسحاق، ومات بالمدينة وهو ابن ست وثلاثين سنة. وقال أبو الزناد رأيته معتمًا، فما رأيت شابًّا أحسن فِي العمَّة منه وكانت له مروءة. وأمّا موسى بن عَبْد الله فله عقب بالمدينة، ومن ولده صديق بن موسى بن عَبْد الله بن الزبير، كَانَ سريًا. وأما عَبْد الله بن عَبْد الله، فكان فيما يُقال أشبه القوم بأبيه، وله عقب. قالوا: وزوج عَبْد الله بن الزبير بناته من بني أخوته، وتَمثل قول الشاعر: جعلت بناتي فِي موالي قَصْرةً ... وما راعني [1] ذو هيئة وجمال ولا رزمَتا شكد [2] وبرد معضد [3] ... ولا درع نوبي أسك [4] طوال وقال هشام ابن الكلبي: كَانَ مصعب بن الزبير قتل أبا أشعب الطمع، فكان أشعب يقول: أخذت من مال آل الزبير أضعاف دية أبي [5] . فولد خويلد بن أسد بن عَبْد العزي أيضًا، سوى خديجة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، العوام بن خويلد، وحزام بن خويلد، ونوفل بن خويلد، وأمّه من

_ [1] بهامش الأصل: وروي: ما غرني. [2] الشكد: العطاء والشكر، وأشكد، أعطى، وافتني رذال المال. القاموس. [3] ثوب له علم في موضع العضد. القاموس. [4] الأسك: الأصم. القاموس. [5] بهامش الأصل: بلغ العرض ولله الحمد.

حكيم بن حزام،

عدي قريش، قتله عَليّ بن أبي طالب يوم بدر كافرًا، وكان يُقال لنوفل بن خويلد أسد قريش. وكان الأسود بن نوفل بن خويلد من مهاجرة المسلمين إلى الحبشة، فِي المرة الثانية، وقدم المدينة بعد قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها. وأمّا حزام فولد: حكيم بن حزام، وأمّه ابنة زُهَيْر بْن الْحَارِثِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد الْعُزَّى، واسمها فاختة، وولدته فِي جوف الكعبة. وخالد بن حزام وله عقب بالمدينة، وكان قد أسلم وهاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، فماتَ فِي طريقه قبل أن يصل، وكان حكيم بن حزام يُكنى أبا خالد وشهد بدرًا مع المشركين يوم بدر فنجا ولم يقتل ولم يؤسر، فقال حسان بن ثابت الأنصاري: نجى حكيمًا يوم بدر بشده ... ونجا بِمهر من بنات الأعوج [1] ثُمَّ أسلم فحسن إسلامه، وكان يُقال هو وجبير بن مطعم من سادة مسلمة الفتح، وكان حكيم بن حزام إِذَا بالغ فِي يمينه قَالَ: والذي نجاني يوم بدر. وذكر أبو اليقظان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لحكيم: [ «إن الدنيا خضرة حلوة فمن سألها بإسراف لم يبارك له فيها» .] فكان لا يقبل من أحد شيئًا، وكان لا يأخذ عطاءه فقال عُمَر بن الخطاب: يا معشر المسلمين إني أشهدكم عَلَى حكيم بن حزام أدعوه إلى عطائه فيأباه، وباع حكيم دارًا له بِمكة بعشرة آلاف درهم، فقيل له غبنت، فقال اشتريتها فِي الجاهلية براوية من خمر، وأما والله لتعلمن أني لم أغبن، اشهدوا أن ثمنها فِي سبيل الله فهل غبنت؟

_ [1] ديوان حسان بن ثابت ج 1 ص 187 مع فوارق.

ويُقال بل جعلها فِي سبيل الله، وقال بعضهم: هي دار الندوة، وذلك أعظم الخطأ لأن دار الندوة كانت لبني عَبْد الدار فباعها عكرمة بن عَامِر بن هاشم العبدري من معاوية، فقيل له: بعت شرفك فقال: إنما الشرف اليوم الإسلام والكفاف. وقال حكيم بن حزام: الجواد المبرز من لم يختر مواضع المعروف ولم يبال من أصاب به، وعمر مائة وعشرين سنة، فكان يقول: طول العمر يذكر لك الناس. وحضر حكيم أمر عُثْمَان ودفنه والصلاة عليه، فقال: إنكم سخطتم من أمر عُثْمَان ما سترضون من غيره بأعظم منه. وقال حكيم: من بخل بمعروفه عَلَى صاحبه فإنّما بخل بالأجر عَلَى نفسه. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أنبأ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَلْيَبْدَأْ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ» .] قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ: ثُمَّ قَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادٌ: قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ حَكِيمٌ يَحْتَاجُ إِلَى الشَّيْءِ فَلا يَسْأَلُهُ أَحَدًا، وَيَقُولُ: لَوِ انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِي مَا طَلَبْتُ مِنْ أَحَدٍ شِسْعًا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يَقُولُ: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّتِي خديجة وهي ابنة أربعين سنة، وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنِّي بِسَنَتَيْنِ، وَوُلِدْتُ أَنَا قَبْلَ عَامِ الْفِيلِ بِثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَشَهِدْتُ الْفِجَارَ وَأَنَا

ابْنُ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، قَالَ: وَمَاتَ حَكِيمٌ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ. وَقَالَ حَكِيمٌ: كَانَتْ عَمَّتِي أَسَنَّ مِنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِهِ عِنْدَ بَلاطِ الْفَاكِهَةِ عِنْدَ زُقَاقِ الصَّوَّافِينَ. المدائني عَن ابن جعدبة قَالَ: اشترى حكيم بن حزام حلّة من حلل ذي يزن بثلاثمائة دينار فقال: ما أرى أحدًا لَهَا أهلا إلا محمدًا، فأهداها لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الهدنة التي كانت بينه وبين قريش قبل الفتح، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لو كنت قابلا هدية مشرك قبلت هديتك» ،] فأدخلها حكيم السوق ليبيعها، فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشتريت له ورآها حكيم عليه وقد خرج للصلاة فتمثل حكيم قول الحطيئة فِي علقمة بن علاثة: فما ينظر الحكام بالفصل بعد ما ... بدا واضح ذو غرة وحجول [1] فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إنه كساها أسامة بن زيد بن حارثة مولاه، فقال حكيم بخ، بخ يا أسامة عليك حلة ذي يزن، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «قل له: وما يمنعني وأنا خير منه، وأبي خير من أبيه» ] . وولد حكيم بن حزام: عَبْد الله بن حكيم، وأمه زينب بنت العوام بن خويلد. وهشام بن حكيم. وأما عَبْد الله بن حكيم فقتل يوم الجمل مع عائشة، وكانت عِنْده ابنة الضحاك بن سُفْيَان الكلابي فولدت له عُثْمَان بن عَبْد الله بن حكيم، فولد عُثْمَان بن عَبْد الله بن حكيم: عَبْد الله بن عُثْمَان بن حكيم، أمه رملة بنت الزبير، وكان عثمان بن

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

عَبْد الله بن حكيم ممن ضربه عَمْرو بن الزبير، فاقتص منه، فتزوج عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن حكيم بن حزام سكينة بنت الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طالب، فولدت له قُرين واسمه عُثْمَان، وله عقب، وَفِي عَبْد الله بن عُثْمَان يقول الشاعر: تزوجتها من عترة خير عترة ... أبوها ابن بنت المصطفى خاتم الرسل به أنقذ الله البرية كلها ... وقد غمرتها الجاهلية بالجهل فأكرم بِهَا إلفًا لديك وزوجة ... حويت بِهَا غُنما وفضلا إلى فضل ويروى: ............... ... حويت بِهَا فضلا من الله ذي الفضل وأمّا: هشام بن حكيم بن حزام فكانت له صحبة، وروى عَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال: [ «إن الله يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس» ] . حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الآجُرِّيُّ الأبلي ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّهُ رَأَى نَاسًا مَحْبُوسِينَ فِي الشَّمْسِ، فَدَخَلَ عَلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ لَهُ: مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَوْمٌ حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ، فَقَالَ هِشَامٌ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: [ «إن الله يعذب يوم القيامة الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي دَارِ الدُّنْيَا» ] . وقالوا: كَانَ عمير بن سَعْد الأنصاري يلي بعض الجزيرة. وقالوا: كَانَ هشام بن حكيم عظيم القدر قويًّا عَلَى أمر الإسلام، وكان عُمَر بن الخطاب يقول- إِذَا ذكر أمر فيه وهن عَلَى الإسلام ومخالفة الحق أو سبله-: أما ما عشت وهشام بن حكيم فلا. ولا عقب لِهشام بن حكيم.

وأما خالد بن حزام بن خويلد

وأمّا خالد بن حزام بن خويلد فنهشته أفعى وهو يريد الهجرة إلى الحبشة، ومن ولده: الضحاك بن عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن حزام، ويُكنى أبا عُثْمَان، ماتَ سنة ثلاث وخَمسين ومائة. وولد نوفل بن أسد بن عَبْد العزى: ورقة بن نوفل، وعدي بن نوفل، وعبيد الله بن نوفل درج صغيرًا. فأمّا: ورقة فترك عبادة الأوثان ومال إلى النصرانية، ويُقال طلب دين إِبْرَاهِيم، فمر يومًا ببلال بن رباح والمشركون يعذبونه، وبلال يقول: أحد، أحد فقال ورقة: أحد، أحد، نعم ما قلت فاستغث به، وقد ذكرنا له فيما تقدم من كتابنا هذا أخبارًا، وكان ورقة شاعرًا وهو الذي يقول: أجزيكَ أو أثني عليك وإن من ... أثنى عليك بِما فعلت كمن جزى وقال فِي زيد بن عَمْرو بن نفيل، وكان زيد قد ترك عبادة الأوثان: رشدت فأنعمت ابْن عَمْرو وإنما ... تجنبت تنورا من النارِ حاميا وأمّا عدي بن نوفل فمن ولده: الزبير بن عدي، وله عقب بالحجاز، وعبيد الله بن نوفل بن عدي بن نوفل بن أسد، قتل يوم الحرة. وولد حبيب بن أسد بن عَبْد العزى: تويت بن حبيب، فمن ولد تويت عُثْمَان بن عطاء، وكان سريًا ضربه عَمْرو بن الزبير فيمن ضرب، ولَهم عقب بِمكة، وكانت أم تويت أمة للعباس اسمها مجد. وولد المطلب بن أسد بن عَبْد العزى: الأسود بن المطلب بن أسد، وأبا حبيش بن المطلب بن أسد. فأمّا الأسود فكان يُكنى أبا زمعة، وهو أحد المستهزئين، وكان

فولد الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى:

منيعًا، وقد كتبنا خبره فِي أول كتابنا هذا. وعمي الأسود فلم يحضر يوم بدر، وله شعر فيها وقد كتبناهُ، أوّله: تبكي أن يضل لَهَا بعير ... ويمنعها من النوم الشهود فولد الأسود بن المطلب بن أسد بن عَبْد العزى: زمعة بن الأسود، وهبار بن الأسود، والحارث بن الأسود، فأمّا زمعة بن الأسود فكان يُكنى أبا حكيمة، وفيه يقول أبو طالب بن عَبْد المطلب: عظيم الرماد سيد وابن سيد وقتل يوم بدر كافرًا. وقال معاوية بن أبي سُفْيَان: كَانَ زمعة فينا كهرقل فِي الروم، وكان يُقال له زاد الراكب، فولد زمعة: عَبْد الله، وعقيلا، ووهبًا ويزيد، قتل عقيل يوم بدر كافرًا، ولا عقبَ له. وكان يزيد بن زمعة من مهاجرة الحبشة، واستشهد يوم حنين، ويُقال يوم الطائف. وكان عَبْد الله بن زمعة ممن حضر دار عُثْمَان بن عَفَّان، وقاتل عنه، وقبض النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولعبد الله خمس عشرة سنة، وهو الذي خرج برسالة عُمَر إلى الناس يأمرهم بالصلاة حين قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مروا أبا بكر فليصل» ] . فمن ولد عَبْد الله بن زمعة: يزيد بْن عَبْد اللَّه بْن زمعة بْن الأسود، وأمه زينب بنت أبي سلمة بن عَبْد الأسد المخزومي، وجدته أم سلمة زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد يوم الحرة فأخذ وأتي به مسلم بن عقبة، فدعاه إلى أن يبايع ليزيد عَلَى أَنَّهُ عَبْد قن فأبى وقال: أبايعه عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيّه، وعلى أني ابن عمه، فقدمه فضرب عنقه، فلمّا توجه أهل الشام نحو مكة فمات

مسلم ودفن بالمشلل [1] ، أقبلت أمّ ولد ليزيد بجارية [2] فِي غلمة لَهَا فنبشت قبر مسلم واستخرجته فصلبته. ومن ولد عَبْد الله بن زمعة: أبو عبيدة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن زمعة بْن الأسود، وله عقب وكانت هند بنت أبي عبيدة عِنْد عَبْد الله بن حسن بن حسن فيما ذكر أبو اليقظان، فولدت له: محمدًا، وَإِبْرَاهِيم، وكان أبو عبيدة سريًّا سخيًّا مطعامًا للطعام يعده للأضياف، ومن أتاهُ من إخوانه، وقد روي عنه الحديث، فلقي إِبْرَاهِيم بن هشام المخزومي أبا عبيدة وَإِبْرَاهِيم وال عَلَى المدينة من قبل هشام، فسأله عَن الطريق إلى موضع اعتمده، فقال: خذ عَلَى موضع كذا، ثُمَّ خذ عَلَى أنف مخزوم، فقال: بل عَلَى أنف زمعة، وضحك. قالوا: ومرّ إِبْرَاهِيم بِمنزل أَبِي عبيدة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن زمعة مع طلوع الشمس، ويُقال فِي وقت طلوع الفجر، فدخل إليه وقال له: أنا والله جائع فهل من شيء حاضر، فأمر برؤوس كانت فِي مطبخه فأتي بِهَا من التنور، وقدمت إليه، فأكل، ثُمَّ قدمت إليه حلواء كانت معدة فِي منزله، فقال: تالله ما رأيتُ أكرمَ من هذا الرجل، فقيل: إن الرؤوس اتخذت بالأمس وهي رؤوس غنم ذبحت لضيفان له فأمّا الحلواء فشيء لا يفارق منزله، فقال: هذا والله أعجب. ومنهم كبير بن عَبْد الله، وله عقب فمن ولده أبو البختري وهب بن وهب بن ركانة من بني عَبْد المطلب بن عَبْد مناف، وكان أبو البختري قاضيًا لأمير المؤمنين هارون الرشيد، ثُمَّ ولاه المدينة وكان الحديث يحمل عنه حتى

_ [1] المشلل: جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر. معجم البلدان. [2] أي أناس بالأجرة.

وأما هبار بن الأسود بن المطلب

دخل إلى بعض الكبار، وعنده حمام يسابق بِهَا، فقال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لا سبق إلا فِي حافر أو خف أو جناح» ،] فأسقط حديثه وشُنئت كتبه. وقال الكلبي: قتل عَبْد الله بن وهب بن زمعة يوم الحرة، وكان ابنه يعقوب بن عَبْد الله بن وهب بن زمعة أبو مُحَمَّد محدثًا، مات فِي آخر أيام أبي جعفر المنصور. وأمّا هبار بن الأسود بن المطلب فهو الذي أهوى إلى زينب بنت النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرمح حين أخرجت من مكة إلى المدينة فألقت ما فِي بطنها، وقد ذكرنا خبره حين ذكرنا أولاد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية وقال: [ «إن لقيتم هبار فاجعلوهُ بين حزمتين من حطب وأحرقوه، ثُمَّ قَالَ: سبحان الله، أبعذاب الله، إن لقيتموهُ فاقطعوا يده ثُمَّ رجله» ،] فلم تلقه السرية وقدم هبار مسلمًا وكان يُسابّ رجلا، فقال له النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «سُبّ من سبّك» ] . فمن ولد هبار: إسماعيل بن هبار وأمه أم ولد. قالوا: فاتفق إسماعيل بن هبار ومصعب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف الزهري بالمدينة فِي حَمام، وكان ابن هبار يرمى بالذكور، وكان مصعب ذا عجيزة ضخمة وخلق حسن فمسح يده عَلَى رانفتيه [1] وظهره متعجبًا من عظم عجيزته وقال: ما يحمل النساء إلا دون ما حملت، فحقد مصعب ذلك عليه ولم يظهر له شيئًا مما في نفسه، ولا طفه حَتَّى أمنه، ثُمَّ إنه أتاه ومعه معاذ بن عبيد الله بن معمر التيمي، وعقبه بن جعونة الليثي، ويُقال خالد بن جعونة فدعاه إلى حش طلحة، وهو موضع نخل، فأجابه إلى الانطلاق معه فِي غد يومه ثم

_ [1] الرانفة: أسفل الألية إذا كنت واقفا. القاموس.

إنه بعث إليه عِنْد طلوع الفجر غلامًا له يُكنى أبا زيتونة ليسأله المصير إلى الحش للاجتماع به، فلمّا اجتمعوا حيث أراد، قام مصعب إلى نخلة قد دس فيها سيفًا قاطعًا فأخذه وعلاهُ به، وأعانه التيمي، والليثي وأبو زيتونة عليه فقتله وأخفى أمره، ويُقال إن مصعبًا دعاهُ إلى موضع يعرف بحش بني زهرة فقتله به، وجعل انصرافه إلى حميد بن عبد الرَّحْمَن أخيه فأخبره بما صنع به إسماعيل وبقتله إيّاه، فأخذ حميد ثياب أخيه فألقاها فِي تنور قد سجر وألبسه ثيابًا غيرها، وغدا به معه لصلاة الصبح وقال: إنك ستسمع قائلا يقول: كَانَ من الأمر كيت وذيت حَتَّى كأنه معكم فلا يروعنك ذلك ولا يتغيرنّ له وجهك، وأصبحَ الناس يتحدثونَ بقتل ابن هبار ويرون مصعبًا مع أخيه حميد فيكذبونَ عنه، وكان أخو إسماعيل بن هبار يقوم فِي دبر كل صلاة فيقول: نشدت الله رجلا عنده من أخي علم إلا أخبرنيه، فقام عَبْد اللَّهِ بْن مطيع العدوي من قريش فقال: اللهم إنك تعلم أمره ونعلمه، فقال له: من هو؟ قَالَ: مصعب بن عَبْد الرَّحْمَن، فأدخله إلى مروان فتوقف عنه، وأخذ أبو زيتونة فأدخل إلى مروان فأنكر فضربه فأقر ثُمَّ أنكر، فقيل هذا إقرار منه حين ضرب ولا يقطع الحكم به، وأرسلت أخت إسماعيل إلى عَبْد الله بن الزبير فأخبرته خبرهم، فركب عَبْد الله، والمنذر ابنا الزبير وغيرهما من وجوه بني أسد بن عَبْد العزى إلى معاوية بالشام، وزعم قوم أن معاوية قدم المدينة حاجًا فلقيه عَبْد الله والمنذر ومن معهما فحكم بأن يحلف عشرة من بني أسد بن عَبْد العزى خَمسين يمينًا بالله أن مصعبًا قتله، فإن حلفوا ملكوا دمه، وإن نكلوا عَن اليمين حلف من بني زهرة عشرة بالله ما قتل مصعب إسماعيل وما يدرونَ من قتله فقال بعض آل عَبْد الرَّحْمَن بن عوف: يَختار للحلف عَلَى

دمه المسور بن مخرمة، وبني سَعْد بن أبي وقاص، وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن وعبد الله بن جعفر، ويزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، وعمرو بن عُثْمَان بن عَفَّان، فقال من حضر من هَؤُلَاء: ما بالنا نحلف دون بني زهرة، فرد معاوية اليمين عَلَى بني زهرة. فقال مصعب: والله ما كنت لأحلفَ كاذبًا، وحلف خمسين يَمينًا عِنْد المقام، وحلف العشرة من بني زهرة أَنَّهم لا يعرفونَ قاتله. وقال ابن الكلبي: قالت أخت إسماعيل بن هبار: ما قتل أبا فايد أخي- تعني ابن هبار- إلا مصعب والثلاثة الذين كانوا معه، ولقد جاء أبو زيتونة غلام مصعب فِي الليل فدعاهُ فما رجع، فأخذ مروان أبا زيتونة فضربه فكان يقر تَحت الضرب فإذا رفع عنه قَالَ: والله ما قلت، ما قلت إلا للضرب، وبعثت إلى عَبْد الله بن الزبير والمنذر بن المنذر وأعلمتهما الخبر وقالت: قل لأبي بكر الساعي بذمته ... ومنذر فهو ليث الغابة الضاري جدّا فدى لكما أمي وما ولدت ... ولا تَميلا إلى المخزاة والعار فصارا إلى معاوية بالشام، ويُقال تلقياه بين المسجدين، وكان حاجًّا فكلماه فِي هذا الأمر فحكم بأن يحلف مصعبًا وعشرة معه من بني زهرة أَنَّهُ لم يقتل إسماعيل بن هبار فحلف مصعب وحلفوا خَمسين يمينًا، وكان ممن حلف مُحَمَّد، وأبو سلمة، وحميد بنو عَبْد الرَّحْمَن بن عوف، والمسور بن مخرمة، وبنو سَعْد بن أبي وقاص، وكانت يمين مصعب أَنَّهُ لم يقتل ابن هبار، وحلف الباقونَ أَنَّهم لا يعلمونَ من قتله، وتشاجروا فتدافع الحكم، فقال ابن قيس الرقيات:

ومن ولد هبار بن الأسود: سعد بن هبار

فلن أجيبَ بليل داعيًا أبدًا ... أخشى الغرور كما غُرّ ابن هبار باتوا يجرونه فِي الحش منعفرًا ... بئس الهدية لابن العم والجار [1] ويُقال إن ابن الزبير قَالَ: ليحلف مصعب والتيمي والكناني فحلفوا جَميعًا، وقال الهيثم بن عدي: قيل للأسديين احلفوا أن مصعبًا قتل صاحبكم فقالوا: اليمين عَلَى المنكرين، فحلف الزهريون. وقال بعضُ أهل المدينة: لما اختلطَ الأمرُ وأَشْكَلَ ضُرِبَ المتهمونَ مائة مائة وسجنوا سنة ثُمَّ أخرجوا والله أعلم. ومن ولد هبار بن الأسود: سَعْد بن هبار وكان مع عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي، وَهُوَ ابْن أم الحكم أخت معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، وكان يشاربه ويُجامعه عَلَى هواه، فقال فيه حارثة بن بدر الغُداني: نَهَارُهُ فِي قَضَايَا غَيْرِ عَادِلَةٍ ... وَلَيْلُهُ فِي هوى سعد بن هبار يُعاب أصحابه فيما يسر به ... أخذًا بأخذ وتكرارًا بتكرار لا يسمع الناس أصواتًا لَهم خفيت ... لَهَا دَوِيًّا دَوِيَّ النَّحْلِ فِي الْغَارِ فَيُصْبِحُ الْقَوْمُ أطلاحًا [2] أضَرّ بِهم ... حث الْمَطِيِّ وَمَا كَانُوا بِسُفَّارِ لا يَرْقُدُونَ وَلا يغفي عيونَهم ... ليل التمامِ وليل المدلج الساري وأمّا الحارث بن الأسود بن المطلب فقتل يوم بدر كافرًا. وأمّا أبو حبيش بْن المطلب بْن أسد بْن عبد العزى فمن ولده: السائب بن أبي حبيش، وكان نديًّا ذا نخوة وقدر فِي نفسه وكان أبو حبيش ملازمًا الحجر، فكان يُقال له خيمة أبي حبيش، وقال عمر بن

_ [1] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 183. [2] طلح: أعيا. القاموس.

ومن ولد حويرث بن أسد بن عبد العزى:

الخطاب: ما أحد إلا وَفِي نسبه وصمة غير السائب بن أبي حبيش. وتزوج مصعب بن الزبير ابنة له عَلَى مائة ألف درهم. وكان عالي السن روى عَن عُمَر. ومن ولد حويرث بن أسد بن عَبْد العزى: عُثْمَان بن الحويرث الشاعر، وكان مخالفًا لقريش، وأسر ابنه الحارث بن عُثْمَان بن الحويرث يوم بدر كافرًا. وقال الواقدي وغيره: كَانَ عُثْمَان بْن الحويرث بْن أسد بْن عَبْد العزى قد رفض الأوثان ومات عَلَى النصرانية، فقدم عَلَى قيصر فكان ترجمانه يحرّف ما يقول له فلا يرى عِنْدَ قيصر مَا يحب، فبينا هو ذات يوم يَمر فِي بعض الطريق إِذْ سمع رجلا فِي زي الروم يتكلم العربية ويُنشد بيت شعر فقال له: يا هذا إنك تتكلم بلساني فمن أنت؟ قَالَ: رجلٌ من بني أسد بن خزيمة فاكتم ما سمعت، فشكا إليه أمره وما يلقى من جفوة قيصر له، فَقَالَ: قَدْ بلغني خبرك وإِنَّما تؤتى من الترجمان، ثُمَّ إن عُثْمَان دخل عَلَى قيصر ودعا له الترجمان فقال عُثْمَان: قل للملك: إِن الكذوب الفاجر الغادر، قَالَ: هيه؟ فالتزم عُثْمَان الترجمان يريد أَنَّهُ الموصوف بِهذه الصفة. فقال قيصر: إن لِهذا العربي قصة فدعا له بترجمان آخر يكلم، وأدى عَنْهُ إِلَى قيصر فَقَالَ: إني ضارب للملك عَلَى قريش جزية يؤدونَها كل عام إِذَا وردوا الشام بتجاراتِهم، قَالَ: فافعل، ثُمَّ أتى مَكَّة فَقَالَ لقريش وغيرها: إِن قيصر يأمركم أن تَجعلوا له عليكم ضريبة وخرجًا وإلا منعكم التجارة إلى الشام فزبروا عُثْمَان وقرصوه وعابوا دينه وأمره وقالوا: قبحك الله وما جئت به وكان أشدهم عليه أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية والوليد بن المغيرة، ثُمَّ إن سعيد بن العاص

أما عمرو بن أسد

قدم الشام ومعه أَبُو ذؤيب [1] هِشَام بْن شُعْبَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي قَيْس بن عَامِر بْن لؤي وَكَانَ أَبُو ذؤيب ابْن أخته فسعى بِهما عُثْمَان إِلَى قيصر وَقَالَ: إِن هذين اعترضا عَلِي وحملا قريشًا عَلَى إباء ما كانوا سمحوا به من الجزية والضريبة فحبسهما قيصر وقدم الوليد بن المغيرة فِي آخرين فسعى بِهم عُثْمَان أيضًا فحبسهم مع سعيد بن العاص وأبي ذؤيب، فمات أبو ذؤيب فِي حبس قيصر ثُمَّ إن عُثْمَان كلم قيصر فِي الباقين وأطلقهم، وَفِي ذلك تقول أروى بنت الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِبِ: أبلغ لديك بَنِي عمي مغلغلة ... حربا وعفان أهل الصيت والحسب وانبي ربيعة والأعياص كلهم ... واعمم بَنِي عَبْد شمس سادة العرب مالي أراكم قعودًا فِي بيوتكم ... وخيركم منكم للجار والجنب أبو أحيحة محبوس لدى ملك ... بالشام فِي غَيْر مَا ذنب ولا ريب لو كَانَ بعضكم فِي مثل محبسه ... ألفيتموهُ شديد الهم والنصب إِن الَّذِي صدكم عنه وثبطكم ... عَبْد لعبدٍ لئيم حق مجتلب لو كَانَ فيكم صميمًا فِي أرومتكم ... لشفَّه مَا عناكم غَيْر ما كذب أما عَمْرو بن أسد فهو زَوَّجَ خديجة بنت خويلد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ابن عمها. وأمّا الحارث بن أسد فمن ولده عَبْد اللَّه بْن حميد بْن زُهَيْر بْن لحارث بن أسد قتل يوم أحد كافرًا، وبعضهم يقول قتل يوم بدر كافرًا. وعبد الله بن معبد بن حُميد قتل يوم الجمل، ويقال لبني تويتة بن

_ [1] هو في نسب قريش ص 422- 423، والمنمق لابن حبيب ص 156 «أبو ذئب» وهذا ما أورده الزبير بن بكار في جمهرة نسب قريش ص 428.

ومن بني الحارث بن أسد بن عبد العزى: أبو البختري، وهو العاص ابن هاشم بن الحارث بن أسد،

حبيب بن أسد بن عَبْد العزى ولبني حميد بن زهير التويتات والحميدات، وقال ذاك عَبْد الله بن عباس فِي كلام تكلم به. وقال ابن الكلبي: كَانَ عَمْرو بن أمية بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى من مهاجرة الحبشة، وبِهَا مات. ومن بني الحارث بن أسد بن عَبْد العزى: أبو البختري، وهو العاص ابن هاشم بن الحارث بن أسد، قتل يوم بدر كافرًا، وكان الذي قتله المجذر بن زياد، وقد كتبنا خبره فيما تقدم من كتابنا هذا، وأمه من بني عَبْد الدار بن قصي، وولد أبي البختري يقولون نحن بنو قتيل الملائكة، فقال بعضهم لابن لِمصعب بن الزبير: أنا ابن عقير الملائكة فقال ابن مصعب، عُمَر بن مصعب: أنا ابن من نصرته الملائكة، يعني الزبير يعني حين قتله، وشر مقتول، فقال ابن أبي البختري: أنا ابن من سد البطحاء، فقال ابن مصعب: سدها أبوكَ بِسَلْحِهِ، وفتحها أبي برمحه. ومن ولد أبي البختري: الأسود بن أبي البختري وكان من أشد قريش وشهد الجمل مع عائشة، وكان ابنه عَبْد الرَّحْمَن بن الأسود مع ابن الزبير، وكانت تَحته ابنة الزبير، وهو مِمّن كَانَ أعانَ عَلَى عَمْرو بن الزبير حَتَّى قتل يوم إقامه أخوه للناس، ولولد أبي البختري عقب بالمدينة. قَالَ الكلبي: ومن ولد الأسود بن أبي البختري: طلحة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن الأسود الذي يقول: جدي علي وأبي البختري ... وطلحة التيمي والأسود أم طلحة ابنة سعيد بن الأسود بن أبي البختري، وأمها فاطمة بنت

علي بن أبي طالب، وسعيد بن أبي البختري وكان جميلا وله تقول المرأة: ألا ليتني أشري سواري ودملجي ... بنظرة يوم من سعيد بن الاسود قالوا: وكان من المحدثين أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل من بني أسد بْن عبد العزى بْن قصي، يتيم عروة، مات في آخر سلطان بني أمية. انقضى نسب بني قصي بن كلاب

الجزء العاشر

[الجزء العاشر] بسم الله الرحمن الرحيم [نسب ولد كعب بن لؤي] [نسب ولد مرة بن كعب] [نسب ولد كلاب بن مرة بن كعب] نسب بني زهرة بْن كلاب بْن مرة بْن كعب ولد زهرة بْن كلاب: عبد مَنَاف بْن زهرة، وأمه جمل بنت مالك بْن قصية بْن سعد من خزاعة. والحارث بْن زهرة أمه عقيلة بنت عَبْد العزى بْن غيرة من ثقيف، وبعضهم يقول عفيلة، وذلك تصحيف، وسوداء. وكانت كاهنة تقول: إن فِي نساء زهرة نجابة، فجعل اللَّه ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فولد عبد مَنَاف بْن زهرة: وهب بْن عَبْدِ مَنَاف، وَكَانَ من أشراف قُرَيْش، وَهُوَ جد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أمه آمنة بنت وهب بْن عَبْدِ مَنَاف، وأهيب بْن عَبْدِ مَنَاف، وقيس بْن عَبْدِ مَنَاف، وأبا قَيْس، وَهُوَ راكب البريد كَانَ لَهُ اتصال بملوك العراق والشام، فحمله بعضهم عَلَى البريد فِي أمر من الأمور، فسمي راكب البريد، وكانت الضيزنة ابنته عند عَبْد اللَّهِ بْن جدعان، ويزعمون أن روح بْن زنباع الجذامي ابنه، وأم أهيب، وقيس، وأبي قَيْس: هند بنت أَبِي قيلة وَهُوَ وجرة بْن غالب بْن خزاعة. فمن بني عبد مَنَاف بْن زهرة: الأسود بْن عَبْدِ يغوث بْن وهب، وهو

خال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان من المستهزئين، وقد كتبنا خبره فِي أول هَذَا الكتاب. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَائِنِيُّ، ثنا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَخَذَ جِبْرِيلُ بِعُنُقِ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَحَنَا ظَهْرَهُ حَتَّى احْقَوْقَفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَالِي خَالِي» . فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ دَعْهُ. وابنه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود بْن عَبْدِ يغوث: وَكَانَ من خيار الْمُسْلِمِينَ وشهد يَوْم الحكمين [1] ، وقد روى عَن أَبِي بَكْر الصديق وله بالمدينة دار عند أصحاب الغرابيل والقباب، وَكَانَ المقداد بْن عُمَرَ البهراني ربيب الأسود بْن عَبْدِ يغوث، فنسب إِلَيْهِ، فقيل المقداد بْن الأسود، وَكَانَ خلف عَلَى أمه. (ومنهم) : عَبْد اللَّهِ بْن الأرقم بْن عَبْد يغوث وكان على بيت مال عمر بْن الْخَطَّابِ، ثُمَّ عَلَى بيت مال عُثْمَان، وَكَانَ من الصالحين، ولما أنكر عَلَى عُثْمَان استسلافه مَا استسلف من بيت المال، ألقى مفاتيح بيت المال، واعتزله فولى عُثْمَان بيت المال زَيْد بْن ثَابِت الأَنْصَارِيّ وَلا عقب لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأرقم. ومنهم: مخرمة بْن نَوْفَل بْن أهيب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة، وَكَانَ من علماء قُرَيْش، وأمه ابنة صيفي بْن هِشَام بْن عَبْدِ مَنَاف بْن قصي، وَكَانَ أعمى أدرك الإِسْلام، وَكَانَ يكنى أبا مسور، ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين وله مائة وخمس عشرة سنة، وَقَالَ بعضهم: مات في أيام عثمان، والأول أثبت.

_ [1] حكما صفين: أبو موسى وعمرو بن العاص.

وَكَانَ ابنه الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ بْن نَوْفَل، وأمه أخت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف، أخبر عن يزيد بن معاوية، وقد قدم من عنده، بشر به الخمر، واعتكافه عَلَى اللذات فكتب إِلَى عامله عَلَى الْمَدِينَة أن يضربه حدا، فَقَالَ الشاعر: أيشربها صرفا يفض ختامها ... أَبُو خَالِد ويضرب الحد مسور وَقَالَ عقيل بْن أَبِي طالب للمسيب بْن حزن أَبِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ الفقيه: يا بن الزانية، فرفعه إِلَى عمر وكانت أم المسيب قد أسلمت، فَقَالَ عمر لعقيل: مَا تقول؟ قَالَ: عندي البينة عَلَى مَا رميتها من الزنا، فَقَالَ: هلم بينتك فأتى بمخرمة بْن نَوْفَل بْن أهيب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة، وبأبي جهم بْن حُذَيْفَة العدوي من قُرَيْش، فَقَالَ لهما عمر: مَا تشهدان؟ قَالا: نشهد أنها زانية، قَالَ: وبأي شَيْء عرفتما ذَلِكَ؟ قَالا: نكناها فِي الجاهلية، فجلدهم عمر الحد ثمانين، ثمانين. وَكَانَ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ مع ابن الزبير بمكة، فأصابه حجر، فمات منه. وَكَانَ المسور يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وَكَانَ موته بِمَكَّةَ يَوْم نعي يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فِي شَهْر ربيع الأَوَّل سنة أربع وستين، وصلى عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر، ودفن بالحجون، وَكَانَ حين مات ابْن اثنتين وستين سنة. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات ابْن سبعين، والأول أثبت. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللمسور ثماني سنين، وقد حفظ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر عَنْ أُمِّ بَكْر

بنت المسور قَالَت: ولد المسور بِمَكَّةَ بعد الهجرة بسنتين، وَكَانَ المسور عالما بأمور قُرَيْش، وله أحاديث قد مرت فِي هَذَا الكتاب، وَقَالَ الشاعر: ومسورا وَابْن عوف مصعبا ضرعت ... هَذَا الشجاع وَهَذَا النَّاسك الفهم يعني مصعب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عوف قتل مَعَ ابْن الزُّبَيْر أَيْضًا. ومن ولد الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن المسور، أمه ابنة شُرَحْبِيل بْن حسنة، وَكَانَ شُرَحْبِيل حليف بني جمح، ثُمَّ تحولوا فِي الإِسْلام إِلَى بني زهرة، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن المسور يكنى أبا المسور، وَكَانَ فقيها، ومات بالمدينة فِي سنة تسعين. وهاشم بْن المسور أمه ابنة الزبرقان بْن بدر التميمي، وَكَانَ أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن المسور شاعرا وَهُوَ الذي يقول: بينما نحن سائرون على الق ... اع سراعا والعيس تهوي هويا خطرت خطرة عَلَى القلب من ذك ... راك وهنا فما استطعت مضيا قلت لبيك إذ دعاني لك الش ... وق والحاديين كرا المطيا وَقَالَ الشاعر، وَهُوَ الفضل بْن عَبَّاس بْن عتبة بْن أَبِي لهب فِي هاشم بْن المسور: أودى بعيبة [1] راكب مستعجل ... يَوْم الرويثة هاشم بْن المسور هلا رددت الفضل حين أخذتها ... فتكون معذرة وإن لم تعذر ولقد أتيت عَلَى المشيب بسوءة ... شنعاء إن ذكرت وإن لم تذكر وَكَانَ أخذ عيبة بعض أصحابه. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مخرمة محدثا يكنى

_ [1] العيبة: زبيل من أدم، وما يجعل فيه الثياب. القاموس.

أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص، واسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة،

أبا جَعْفَر، ومات سنة سبعين ومائة وَهُوَ ابن بضع وسبعين سنة. وَكَانَ عَمْرو بْن عتبة بْن نَوْفَل بْن أهيب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة عَلَى النَّاس يَوْم جلولاء [1] الوقيعة، وأمه عاتكة بنت أَبِي وقاص أخت سعد. ومن بني عبد مَنَاف بْن زهرة: أَبُو إِسْحَاقَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، واسمه مالك بْن أهيب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة، وَهُوَ أحد العشرة الذين وجبت لهم الجنة، ولما أسلم أَبُو بَكْر دعا سعدا إِلَى الإِسْلام فلم يبعد، وأتى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ أمره فأخبره بِهِ فأسلم، وأم سعد حمنة بنت سُفْيَان بْن أمية بْن عَبْدِ شمس. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يدعو إِلَى الإِسْلامِ مُسْتَخْفِيًا، فَلَقِيتُهُ بِشِعْبِ أَجْيَادَ [2] وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ فَسَأَلْتُهُ عَمَّا يَدْعُو إِلَيْهِ فَأَخْبَرَنِي، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه، وأنك رسول الله. قال سعد: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ هَرَاقَ دَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي الإِسْلامِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ سَعْدٌ مِنَ الرُّمَاةِ الْمَذْكُورِينَ. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أَبِي بَكْرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: كُنْتُ ثَالِثًا فِي الإِسْلامِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إسناده: كَانَ سعد قصيرا دحداحا غليظا ذا هامة

_ [1] من أشهر معارك فتوح العراق. [2] ما يزال يحمل الاسم نفسه في مكة المكرمة.

شثن الأصابع، أشقر يخضب بالسواد، ومات فِي قصره بالعقيق وَهُوَ عَلَى عشرة أميال مِنَ الْمَدِينَةِ فحمل عَلَى رقاب الرجال إِلَى الْمَدِينَة. وَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: أَسْلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَوُلِدْتُ عَامَ الْفِجَارِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إسناده [1] عَن عَائِشَة بنت سعد: مات أَبِي سنة خمس وخمسين وصلى عَلَيْهِ مروان بْن الحكم وَهُوَ والي الْمَدِينَة وَكَانَ يَوْم مات ابْن بضع وسبعين سنة وَكَانَ يخضب بالسواد [2] . وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: تُوُفِّيَ سعد بالمدينة، ودفن بالبقيع، وله نحو من ثمانين سنة. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِي مخنف: تُوُفِّيَ سعد بالمدينة سنة خمس وخمسين، وله نيف وثمانون سنة. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ» ] . وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَقَدْ رَأَيْتُ سَعْدًا يُقَاتِلُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ فِي الرِّجَالِ قِتَالَ الْفَارِسِ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] بالأصل: «في اسلامه» وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 139- 143.

يَفْدِي أَحَدًا بِأَبَوَيْهِ إِلا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: [ «ارْمِ سَعْدُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» ] . حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ اسْتَخْلَفَ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ عَلَى الْكُوفَةِ فَأَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ، فَأَتَتْهُ فَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَهَا يَضْرِبُهَا عَلَى أَنْ تَعُودَ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ، وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً، فَضَرَبَهُ خَالِدٌ وَحَلَقَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، فَأَتَى النَّصْرَانِيُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَشَكَا خَالِدًا فَأَشْخَصَ عُمَرُ خَالِدًا إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ، وَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَقَالَ عُمَرُ: الْحُكْمُ مَا حَكَمْتَ فِيهِ، وَكَتَبَ إِلَى الأَمْصَارِ أَنْ تُجَزَّ نَوَاصِيهِمْ وَأَنْ لا يَلْبَسُوا أَلْبِسَةَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُعْرَفُوا. وقيل فِي سعد: رأيت سعودا من شعوب كثيرة ... فلم أر سعدا مثل سعد بْن مالك حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَشُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ قَالا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ: أَبِي وَاللَّهِ الَّذِي جَمَعَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَبَوَيْنِ يَوْمَ أُحُدٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد، أنبأ معن بن عيسى عن بَعْضِ آلِ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ: أَلا أَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي ... حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي أَذُودُ بِهَا عَدُوَّهُمُ ذِيَادًا ... بِكُلِّ حَزُونَةٍ وَبِكُلِّ سَهْلِ فَمَا يُعْتَدُّ رَامٍ مِنْ مَعَدٍّ ... بِسَهْمٍ مَعَ رسول الله مثلي [1]

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 142.

وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: [ «اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَهُ إِذَا دَعَاكَ» ] . وَأَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِك بْن أَنَس عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم دَعَا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: [ «اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ دَعْوَتَهُ وَسَدِّدْ رَمْيَتَهُ» .] وَكَانَ مِنْ مَعْدُودِي رُمَاةِ الْمُسْلِمِينَ. وَحَدَّثَنِي شجاع بْن مخلد الفلاس، ثنا جوير بْن عَبْدِ الحميد عَن مغيرة عَن أمه قَالَت: كانت امْرَأَة منا عند بعض آل سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ فزرناها فرأينا امْرَأَة قامتها قامة صبية فقلنا: مَا هَذِهِ؟ قَالُوا ابنة لسعد: وضع لسعد طهور فغمست يدها فِيهِ فطرف لها سَعْد وَقَالَ: قصع [1] اللَّه قرنك، فلم يزل عَلَى ذَلِكَ. وحدثني عبيد اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ، ثنا ابْن عون، حَدَّثَنِي مُحَمَّد الزُّهْرِيّ عَن عامر بْن سَعْد، قَالَ: رأى سَعْد النَّاس مجتمعين عَلَى رجل، وإذا هُوَ يسب عليا، وطلحة، والزبير فنهاه فكأنما أغراه، فَقَالَ ويلك مَا تريد إِلَى سب أقوام هم خير منك، لتنتهين عَن سبهم أو لأدعون اللَّه عليك، فَقَالَ: تخوفني كأنك نبي من الأنبياء، فصلى ودعا عَلَيْهِ فخرجت نجيبة نادة [2] فلم تزل تطأ بطنه حَتَّى طفئ، فجعل النَّاس يتبعون سعدا ويقولون: هنيئا، استجاب اللَّه لك يَا أبا إِسْحَاق. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنِي مَشَايِخُنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عن

_ [1] قصع: مضع ودلك، ودفع، وقصع عطشه: إذا كسره بالري. النهاية لابن الأثير [2] نادة: شاردة. القاموس.

وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: رَأَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَلْبَسُ الْخَزَّ [1] . حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا إِسْرَائِيلُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَتَخَتَّمُ بِالذَّهَبِ، وَيَخْضِبُ بِالسَّوَادِ، وَيَلْبَسُ الْخَزَّ. وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يُسَبِّحُ بِالْحَصَى وَكَانَ يَقُولُ: أَكْرَهُ أَنْ أَتَحَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ فَيَزِيدُوا عَلَيْهَا مِائَةً. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الثَّوْمَ بَدَأَ بِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الحضين قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ أَبِي قَالَ لِسَعْدٍ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْقِتَالِ؟ قَالَ: لا، حَتَّى تَجِيئُونِي بِسَيْفٍ يَعْرِفُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ [2] . حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن زَيْدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: صَحِبْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَمَا سَمِعْتُهُ حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثا حتى رجع.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 143. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 143.

حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أنبأ حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: هَلْ لَكَ فِي مَتْجَرٍ أَدُلُّكَ عَلَيْهِ تُصِيبُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: مَا عِنْدِي مَالٌ، قَالَ ائْتِ سَعْدًا فَاسْتَقْرِضْ مِنْهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَقْرَضَ خَمْسَةَ آلافِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهَا دِيبَاجًا مَنْسُوجًا بِالذَّهَبِ فَأَحْرَقَهُ فَأَصَابَ فَضْلا وَرَدَّ رَأْسَ الْمَالِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا هَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ؟ فَأَخْبَرَهُ كَيْفَ صَنَعَ، فَقَالَ: أَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ أَقْرَضَ كَمَا أَقْرَضَكَ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ لَمَا رَدَدْتَ هَذَا الْفَضْلَ إِلَيْهِمْ. حَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعِيدٍ التَّوَّزِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنِ اكْتُبْ لِي مَا أَحْدَثَتْ فُحُولُ الشُّعَرَاءِ فِي الإِسْلامِ، فَسَأَلَ لَبِيدًا فَقَالَ لَهُ: مَا أَحْدَثْتُ شَيْئًا، لَقَدْ شَغَلَنِي الْقُرْآنُ عَنِ الشِّعْرِ، فَزَادَهُ عُمَرُ فِي عَطَائِهِ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالا: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: «مَرِضْتُ مَرَضًا أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا كَثِيرًا أَفَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لا. قُلْتُ فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لا. قُلْتُ: أَفَأُوصِي بِالثُّلُثِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، [وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، لأَنَّكَ أَنْ تَتْرُكْ وَلَدَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ آخَرُونَ.] [اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ مَاتَ بِمَكَّةَ» ] قَالُوا: يَقُولُ رَجَعَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا.

حَدَّثَنِي بَسَّامٌ الْحَمَّالُ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنْ أَقْبِلْ إِلَيَّ، فَظَنَّ حُذَيْفَةُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ عَنْ سَعْدٍ، فَأَتَى سَعْدًا وَجَلَسَ عِنْدَهُ نَاحِيَةً وَقَالَ لِجُلَسَائِهِ: انْتَسِبُوا، فَانْتَسَبُوا، ثُمَّ قَالَ لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: انْتَسِبْ فَقَالَ: أَنَا سَلْمَانُ ابْنُ الإِسْلامِ، فَقَدِمَ حُذَيْفَةُ عَلَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ سَعْدٍ فَقَالَ: لا أَعْلَمُ إِلا خَيْرًا، غَيْرَ أَنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ أَمْرًا كَرِهْتُهُ، وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى الأَشْعَثِ أَنْ أَقْدِمْ، وَكَانَ مِمَّنِ انْتَسَبَ عِنْدَ سَعْدٍ وَفَخَرَ بِآبَائِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: انْتَسِبْ. فَقَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ مَعَ من انتسبت إِلَيْهِ، وَأَنَا وَسَلْمَانُ ابْنَا الإِسْلامِ. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ، وَيُصَلِّي بَعْدَهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَ ذَلِكَ رَكْعَةً يُوتِرُ بِهَا. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ الْعَلافُ الْبَصْرِيُّ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْلَمَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ سَعْدًا أَمَّهُمْ فِي الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ تَنَحَّى فَرَكَعَ رَكْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ انْصَرَفَ فَاتَّبَعْتُهُ فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّكْعَةُ يَا أَبَا إِسْحَاقَ؟ قَالَ: وِتْرٌ أَنَامُ عَلَيْهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ: كَانَ سَعْدٌ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا سُرَيْجُ بن النعمان عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي صَالِحٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يَقُولُ: إِنِّي لأُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ الثَّلاثَ خَيْرٌ مِنَ الْوَاحِدَةِ، وَأَنَّ خَمْسًا خَيْرٌ مِنْ ثَلاثٍ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ التَّيْسِيرَ عَلَى نَفْسِي.

حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قِيلَ لِسَعْدٍ إِنَّكَ تُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، قَالَ نَعَمْ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِي. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أنبأ شُعْبَةُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ عَابَ عَلَى سَعْدٍ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ قَالَ: أَنْكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى سَعْدٍ رَكْعَةَ الْوِتْرِ، وَقَالَ: مَا أُخْبِرْتُ عَنْ أَحَدٍ قَطُّ بِرَكْعَةٍ، فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تُوَرِّثُ حَوَّاءَ مِنْ بَنَاتِهَا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُوَرِّثُ الْجَدَّاتِ. وَحَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنْ هشام ابن الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ سَعْدٌ لِعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ: إِنَّكَ لَمْ تُنْصِفْ عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيَّ قَالَ: كَذَا، وَقُلْتُ: كَذَا، فَقَالَ عَمْرٌو: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ؟ فَغَضِبَ سَعْدٌ فَشَتَمَهُ وَاحْمَرَّتْ حَدَقَتَا عَمْرٍو وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ وَأَنْشَأَ يَقُولُ: أَيُوعِدُنِي سَعْدٌ وَفِي الْكَفِّ صَارِمٌ ... سَيَمْنَعُ مني أن أذلّ وأخضعا فو الله لَوْلا اللَّهُ لا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَجَلَّلْتُهُ إِيَّاهُ أَوْ يَتَقَطَّعَا [1] فَبَلَغَ شِعْرُهُ سَعْدًا فَأَتَاهُ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أنبأ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَمَرَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُمَرَّ بِهِ عَلَيْهَا فَتَسْتَغْفِرُ لَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة عن

_ [1] شعر عمرو بن معد يكرب ص 126.

سماك بن حرب عن مصعب بن سعد قَالَ: كَانَ رَأْسُ أَبِي فِي حِجْرِي فَدَمِعَتْ عَيْنَايَ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ أَيْ بُنَيَّ؟ قُلْتُ: مَا أَرَى بِكَ. فَقَالَ: لا تَبْكِ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُنِي، إِنِّي مِنْ أَهْلِ الْجِنَانِ، إِنَّ اللَّهَ يَدِينُ الْمُؤْمِنِينَ بِحَسَنَاتِهِمْ فَلْيَطْلُبْ كُلُّ عامل ثواب عمله ممن عمله لَهُ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَيُخَفَّفُ عَنْهُمْ بِحَسَنَاتِهِمْ [1] . حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَليِدِ النَّرْسِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ سَعْدًا أَكْرَمَ شرحبيل بن السمط الكندي وَفَضَّلَهُ عَلَى الأَشْعَثِ فَغَضِبَتْ كِنْدَةُ لِذَلِكَ، وَوَجَّهَهُ [2] سَعْدٌ عَلَى جَيْشٍ فَقَالَ: مَنْ أَتَى حَدًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلْيَأْتِنِي أُطَهِّرْهُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِيهِ فَيَقُولُ: عَمِلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَجْلِدُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَقَالَ: لا يَتَأَمَّرُ عَلَى اثْنَيْنِ مَا بَقِيتُ. هَتَكَ أَسْتَارَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ أَبُو الحسن الْمَدَائِنِيّ: كَانَ بين الأشعث وشرحبيل بْن السمط الكنديين تباعد، فوفد جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجْلِيّ إِلَى عمر فَقَالَ لَهُ الأشعث: إن قدرت أن تنال من شُرَحْبِيل عند عمر فافعل، وَكَانَ شُرَحْبِيل قد شرف بالكوفة، فلما قدم جرير عَلَى عمر سأله عَن النَّاس، فَقَالَ: هم كالقداح فِي حفيرها، فمنها الأعصل الطائش والمقوم الصائب، وسعد ثقافها يقيم أود ذي الأود مِنْهَا، ويغمز عصل ذي العصل، وقد قَالَ القائل: أَلا ليتني والمرء سَعْد بْن مالك ... وزبراء وَابْن السمط فِي لجة البحر فيغرق أصحابي وأخرج سالما ... عَلَى ظهر قرقور أنادي أَبَا بَكْر فَقَالَ: قد فعلها فكيف طاعة النَّاس لَهُ؟ قَالَ: يقيمون الصلاة

_ [1] طبقات ابن سعد: ج 3 ص 146- 148. [2] بهامش الأصل: يعني شرحبيل.

ويؤتون الزكاة. فَقَالَ: إذا أقيمت الصلاة وأديت الزكاة كانت الطاعة والجماعة، وكتب عمر إِلَى سَعْد فِي حمل شُرَحْبِيل بْن السمط وزبراء جارية سَعْد إِلَيْهِ فحملهما، فحبس زبراء بالمدينة، وأخرج شُرَحْبِيل إِلَى الشام، وَكَانَ أبوه كتب يطلبه وَكَانَ من غزاة الشام، فشرف شُرَحْبِيل بالشام، فلما قدم جرير بكتاب علي إِلَى مُعَاوِيَة فِي البيعة لعلي انتظر مُعَاوِيَة قدوم شُرَحْبِيل عَلَيْهِ فقدم، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: قدم جرير فِي كَذَا وَكَذَا فما ترى؟ قَالَ: كَانَ عُثْمَان خليفتنا فإن قويت عَلَى الطلب بدمه وإلا فاعتزلنا. فانصرف جرير، فَقَالَ النجاشي فِي ذَلِكَ: شُرَحْبِيل مَا للدين فارقت أمرنا ... ولكن لبغض المالكي جرير وقولك مَا قد قلت عن أمر أشعث ... فأصبحت كالحادي بغير بعير جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جابر بْن مالك، فنسبه إِلَى مالك. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَليِدِ النَّرْسِيُّ قَالا: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ سَعَوْا بِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى عُمَرَ وَقَالُوا: إِنَّهُ لا يُحْسِنُ الصَّلاةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاةَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أَخْرِمُ مِنْهَا أَرْكُدُ [1] فِي الأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الآخِرَتَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ أَبَا إِسْحَاقَ، وَأَرْسَلَ عُمَرُ رِجَالا يَسْأَلُونَ عَنْهُ بِالْكُوفَةِ فَجَعَلُوا لا يَأْتُونَ مَسْجِدًا مِنْ مَسَاجِدِ الْكُوفَةِ إِلا قَالُوا خَيْرًا، وَأَثْنَوْا مَعْرُوفًا، حَتَّى أَتَوْا مَسْجِدًا مِنْ مَسَاجِدِ بَنِي عَبْسٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَعْدَةَ: أَمَّا إِذَا سَأَلْتُمُونَا عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ لا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ. قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ إن كان كاذبا

_ [1] الركود: السكون. القاموس.

فَأَطِلْ عُمُرَهُ، وَأَدِمْ فَقْرَهُ، وَأَعْمِ بَصَرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ يَتَعَرَّضُ لِلإِمَاءِ فِي السِّكَكِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا سَعْدَةَ؟ قَالَ: كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، فَقِيرٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الزِّيَادِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَعْدِي كَرِبَ الزَّبِيدِيَّ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ أَنْ فَتَحَ سَعْدٌ الْقَادِسِيَّةَ وَمَا فَتَحَ مِنَ السَّوَادِ فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْهُ وَعَنْ رِضَاءِ النَّاسِ بِهِ فَقَالَ: تَرَكْتُهُ يَجْمَعُ لَهُمْ جَمْعَ الذَّرَةِ وَيُشْفِقُ عَلَيْهِمْ شَفَقَةِ الأُمِّ الْبَرَّةِ، أَعْرَابِيٌّ في مرضه، نَبَطِيٌّ فِي جِبَايَتِهِ، يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَيَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ وَيُنْفِذُ بِالسَّرِيَّةِ. فَقَالَ عُمَرُ: كَأَنَّكُمَا تَقَارَضْتُمَا الثَّنَاءَ، وَكَانَ سَعْدٌ كَتَبَ يُثْنِي عَلَى عَمْرٍو. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ مَرِضَ فَعَادَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: كَيْفَ نَجِدُكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَبَكَى، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَبْكِي حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، وَلا جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَعَهِدَ إِلَيْنَا: [ «لِيَكُنْ بَلاغُ أَحَدِكُمُ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ» ] فَأَخْشَى أَنْ نَكُونَ تَجَاوَزْنَا أَمْرَهُ، فَبَكَيْتُ، فَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الأَمِيرُ فَأُذَكِّرُكَ اللَّهَ عِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ، وَعِنْدَ لِسَانِكَ إذا نطقت، وعند يدك إذا بطشت. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ الْوَقَّاصِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَعْدًا أَخَذَ خَمْسَ جَوَارٍ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَ جَلُولاءَ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْهُنَّ فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ يَفْتَتِنَ الْمُسْلِمُونَ بِهِنَّ فَبِعْتُهُنَّ وَجَعَلْتُ ثَمَنَهُنَّ لِلْمُسْلِمِينَ، فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدَهُ كَمَا قَالَ سَعْدُ.

وَحَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: رَأَى سَلْمَانُ مِنْ سَعْدٍ شَيْئًا أَنْكَرَهُ، فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ لَيُبْلِغَنَّهُ عُمَرَ، فَأَرْسَلَ سَعْدٌ إِلَى سَلْمَانَ مِنْ كَلِمَةٍ فِي الإِمْسَاكِ عَنْ ذَلِكَ فَسَكَتَ سَلْمَانُ وَكَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ لا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَقَالَ: أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: لَسْتُ بِذَاكِرٍ لِعُمَرَ شَيْئًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عُثْمَانُ، ثنا وُهَيْبٌ، أنبأ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مُرُّوا بِجِنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَفَعَلُوا، وَوَقَفَ بِهَا حُجَرَهُنَّ فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ يَلِي الْمَقَاعِدَ فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ وَقَالُوا مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى عَيْبِ مَا لا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلا فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ [1] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا عَابَ النَّاسُ إِدْخَالَ جِنَازَةِ سَعْدٍ الْمَسْجِدَ قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوا، لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَمَرَّ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: أَيْنَ صُلِّيَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ؟ فَقَالَ: شُقَّ بِهِ الْمَسْجِدُ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ أرسلن: إنا لا نستطيع الخروج

_ [1] طبقات بان سعد ج 3 ص 148.

إِلَيْهِ، فَدَخَلُوا بِهِ، وَأَقَامُوا بِسَرِيرِهِ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا فَرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ سَعْدٌ بِزَكَاةِ عَيْنِ مَالِهِ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهِيَ خَمْسَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، وَتَرَكَ سَعْدٌ يَوْمَ مَاتَ مِائَتَيْ أَلْفِ وَخَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ قَاسَمَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ مَالَهُ حِينَ عَزَلَهُ عَن الْعِرَاقِ [1] . حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ دَعَا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ حِينَ شَكَوْهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا تُرْضِ عَنْهُمْ أَمِيرًا وَلا تُرْضِهِمْ بَعْدِي بِأَمِيرٍ، فَهُمْ كَذَلِكَ. قَالُوا وَكَانَ بِسَعْدٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ قَرْحٌ، فَلَمْ يُبَاشِرِ الْقِتَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: وَقَاتَلْتُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ ... وَسَعْدٌ بِبَابِ الْقَادِسِيَّةِ يَعْصِمُ فَرِحْنَا وَقَدْ آمَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ ... وَنِسْوَةُ سَعْدٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أَيِّمُ وَقَالَ بِشْرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْخَثْعَمِيُّ صَاحِبُ جَبَّانَةِ بِشْرٍ بِالْكُوفَةِ: تَحِنُّ بِبَابِ الْقَادِسِيَّةِ نَاقَتِي ... وَسَعْدُ بْنُ وَقَّاصٍ عَلَيَّ أَمِيرُ وَسَعْدٌ أَمِيرٌ شَرُّهُ دُونَ خَيْرِهِ ... طَوِيلُ الأَذَى كَابِي الزِّنَادِ قَصِيرُ تَذَكَّرْ هَدَاكَ اللَّهُ وَقْعَ سُيُوفِنَا ... بِبَابٍ قديسٍ وَالْمَكَرُّ عَسِيرُ عَشِيَّةَ وُدِّ الْقَوْمِ لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ ... يُعَارُ جَنَاحَيْ طَائِرٍ فَيَطِيرُ وَسَمِعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلا يُجَبِّنُ سَعْدًا، فَقَالَ أَتُجَبِّنُهُ وَقَدْ رَأَيْتَهُ يُقَاتِلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قتال ليث مجرّب.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 149.

وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَشَوْا بِسَعْدٍ إِلَى عُمَرَ وَقَالُوا: ذَهَبَ بِحُقُوقِنَا وَاعْتَدَى عَلَيْنَا فَعَزَلَهُ وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَدَعَا سَعْدٌ عَلَيْهِمْ. وَكَانَ وَلَدُ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: إِسْحَاقَ الأَكْبَرَ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى دَرَجَ، وَأُمَّ الْحَكَمِ الْكُبْرَى، وَزَيْنَبَ وَأُمَّهُمُ ابْنَةَ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ. وعمر بْن سَعْد ويكنى أبا حفص وَهُوَ صاحب الْحُسَيْن بْن علي، والمتولي لمحاربته، قتله المختار بْن أَبِي عبيد وقد كتبنا خبره. وَمُحَمَّد بْن سَعْد قتل يَوْم دير الجماجم، قتله الحجاج، وفيه يَقُول الفرزدق: ولو شهد الخيل ابْن سَعْد لقنعوا ... عصابته الميلاء عضبا مذكرا [1] وحفصة، وأم الْقَاسِم، وأم كلثوم. وأمهم مارية بنت قَيْس بْن معدي كرب الكندي ويقال ابنة أَبِي الكيسم الكندي، وأخيذة، وعامر، وإسحاق الأصغر، وإسماعيل، وأم عمران، وأمهم أم عامر بنت عَمْرو بْن كعب من بهراء. وإبراهيم، وموسى، وأم الحكم الصغرى، وأم عَمْرو، وهند وأم الزُّبَيْر، وأم مُوسَى وأمهم أم زبراء، وبنوها يزعمون أنها ابنة يعمر بْن شراحيل بْن عَبْدِ عوف من ولد قَيْس بْن ثَعْلَبَة بْن عُكابة مسبية. وعَبْد اللَّهِ، وأمه سلمى من بني تغلب، ومصعب بْن سَعْد، وأمه خولة بنت عَمْرو بْن أوس تغلبية، وعَبْد اللَّهِ وبجير واسمه عَبْد الرَّحْمَنِ، وحميدة وأمهم أم هلال بنت ربيع بْن مرى من مذجح، وعمير بن سعد

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 240 مع فوارق.

الأكبر هلك قبل أَبِيهِ، وحمنة وأمها أم حكيم بنت قارض من كنانة، وهم حلفاء فِي بني زهرة. وعمير الأصغر وعمرو، وعمران، ويحيى، وأم عَمْرو، وأم أَيُّوب، وأم إِسْحَاق، وأمهم سلمى بنت حفصة من بني تيم اللات بْن ثعلبة بْن عكابة. وصالح بْن سَعْد كَانَ نزل الحيرة لشر وقع بينه وبين أخيه عمر بْن سَعْد ونزلها ولده، ثم انتقلوا إِلَى رأس العين من الجزيرة، وأمه ظبية بنت عامر بْن النمر بْن قاسط. وعثمان، ورملة أمهما أم حجير. وعمرة وَهِيَ العمياء تزوجها سهيل بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عوف. وعائشة أمها من سبايا العرب. وَكَانَ لمحمد بْن سَعْد ابْن يقال لَهُ إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بالمدينة، من فقهاء قُرَيْش ونبلهم، وَكَانَ لموسى بْن سَعْد ابْن يقال لَهُ بجاد ولم يكن بذاك، كَانَ بخيلا ضعيفا وضيعا، وفيه يَقُول الشاعر: بجاد بْن مُوسَى وَابْن سَعْد بْن مالك ... كليب قطار لا يسوق وَلا يحمي وقتل المختار حفص بْن عُمَرَ بن سعد مع أبيه. وقال هشام ابن الْكَلْبِيّ: كَانَ عامر وَمُحَمَّد وعائشة، ومصعب، وإبراهيم، ويحيى، وعَبْد الرَّحْمَنِ، وعمر، بنو سَعْد محدثين جميعا، وَكَانَ إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّدِ بْنِ سَعْد فقيها أَيْضًا، ومات عامر بْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ فِي سنة اربع ومائة، ويقال فِي أيام الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك، والأول قول الْوَاقِدِيّ، والثاني قول الْهَيْثَم بْن عدي، ومات مصعب بْن سَعْد فِي سنة ثلاث ومائة.

عتبة بن أبي وقاص:

ومن بني عبد مَنَاف بْن زهرة أَيْضًا عتبة بْن أَبِي وقاص: أخو سَعْد، وَهُوَ الَّذِي كسر رباعية النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد، فيقال أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عَلَيْهِ أَلا يأتي عَلَيْهِ الحول فمات بعد قليل. وَقَالَ قوم: أسلم فِي الفتح ومات بعد الفتح وموته قبل الفتح أثبت. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى أَسْلَمَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةَ زَمْعَةَ بْنَ قَيْسٍ أَخِي سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَقَالَ: اقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ، وَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ كَانَ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ، وَيُقَالُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَعْدٌ: ابْنُ أَخِي، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ- أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي عَنْهُ» ،] لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهَهُ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ. ومن ولد عتبة بْن أَبِي وقاص هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص: وَكَانَ هاشم يدعى المرقال لأنه قَالَ: وَاللَّه لأرقلن إِلَى هَذَا العدو إرقال الجمل المصاعب، وفقئت عينه يَوْم اليرموك بالشام، وقتل يَوْم صفين مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ يقاتل ويقول يَوْم صفين: أعور يبغي أهله محلا ... وقد عالج الحياة حَتَّى ملا

ونافع بن عتبة بن أبي وقاص:

لا بد أن يفل أَوْ يفلا ... قد أكثر القول وَمَا أقلا وَكَانَ هاشم بْن عتبة المرقال قد أفطر فِي آخر يَوْم من شهر رمضان، فشهد عليه بذلك قوم عند سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص عامل عُثْمَان بْن عَفَّان عَلَى الكوفة، فقال له سَعِيد: كيف رأيته بعين واحدة، وعامة الخلق ينظرون بعينين ولم يروه؟ فَقَالَ لَهُ سببت خير عيني، فضربه سَعِيد عند ذَلِكَ حدا، فلما قتل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لحق هاشم بعلي عَلَيْهِ السلام، فاستعمله عَلَى الْكُوفَة، فلما قدمها أخذ سعيدا فضربه بضربة إياه مائة جلدة فَقَالَ هاشم وسعيد يضرب بين يديه: صبرا سَعِيد فإن الحر مصطبر ... ضرب بضرب وتسحاب بتسحاب وقتل المرقال بصفين، وَقَالَ بعضهم: كانت راية علي العظمى بصفين مَعَهُ. ونافع بْن عتبة بْن أَبِي وقاص: ومنهم: عمير بْن أَبِي وقاص أخو سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أسلم وَهُوَ غلام، وأمه أم سَعْد حمنة بنت سُفْيَان بْن أمية، وَكَانَ مَعَ أخيه حين هاجر إِلَى الْمَدِينَة، فلما عرض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس يَوْم بدر جعل يتطاول خوفا من أن يرده رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويستصغره، فلما رآه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رده، فبكى فأجازه، واستشهد يومئذ قتله عَمْرو بْن عَبْدِ ود. ومنهم: عامر بْن أَبِي وقاص، ولم يزل سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ يدعوه إِلَى الإِسْلام حَتَّى أسلم، وأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأظهر إسلامه. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أنبأ شعبة

حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَت لِي أُمِّي: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أَكَلْتُ طَعَامًا وَلا شَرِبْتُ شَرَابًا حَتَّى تَكْفُرَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ فَكَانُوا يَفْتَحُونَ فَاهَا ثُمَّ يُلْقُونَ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فانبئكم بما كنتم تعملون [1] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّد عَنِ ابْن جريج عَنْ مُحَمَّد بْن عباد في قول اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فانبئكم بما كنتم تعملون [2] . قَالَ: نزلت فِي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ وفي والدته نذرت أن لا تكلمه حَتَّى يمس إسافا ونائلة. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ سمَارٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: لَقَدْ أَسْلَمْتُ وَمَا فُرِضَتِ الصَّلاةُ، كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ فَأَخْبَرْتُ أُمِّي بِذَلِكَ فَأَجِدُهَا عَلَى بَابِهَا فَتَصِيحُ: أَلا أَعْوَانُ يُعِينُونِي عَلَيْهِ مِنْ عَشِيرَتِي، أَوْ عَشِيرَتِهِ فَأَحْبِسُهُ فِي بَيْتٍ وَأُطَيِّنُ عَلَيْهِ بَابَهُ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ يَدَعَ هَذَا الدِّينَ الْمُحْدَثَ، فَرَجَعْتُ مِنْ حَيْثُ جِئْتُ وَقُلْتُ: لا أَعُودُ إِلَيْكِ وَلا أَقْرَبُ مَنْزِلَكِ، فَهَجَرْتُهَا حِينًا ثُمَّ أَرْسَلَتْ إِلَيَّ أَنْ عُدْ إِلَى مَنْزِلِكَ، وَلا تَتَضَيَّفِ النَّاسَ، فَتُلْزِمُنَا عَارًا، فَرَجَعْتُ إِلَى منزلي فمرة تلقاني بالشر،

_ [1] سورة العنكبوت- الآية: 8. [2] سورة لقمان- الآية 15.

وَمَرَّةً بِالْبِشْرِ، وَهِيَ تَقُولُ فِي ذَلِكَ: لَكِنَّ ابْنِيَ الْبَرَّ لا يُفَارِقُ دِينَهُ وَلا يَكُونُ تَابِعًا يَعْنِي عَامِرًا، ثُمَّ إِنَّ عَامِرًا أَسْلَمَ فَلَقِيَ مِنْهَا مَا لَمْ يَلْقَ أَحَدٌ مِنَ الصِّيَاحِ وَالأَذَى حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جِئْتُ مِنَ الرَّمْيِ وَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أُمِّي حَمْنَةَ بِنْتِ سُفْيَان، وَعَلَى أَخِي عَامِرِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَانَ إِسْلامُهُ بَعْدَ عَشْرَةٍ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا، فَقُلْتُ: مَا شَأُّن النَّاسِ؟ قَالُوا: هَذِهِ أُمُّكَ قَدْ آخَذَتْ أَخَاكَ عَامِرًا، فَهِيَ تُعْطِي اللَّهَ عَهْدًا أَلا يُظِلَّهَا ظِلٌّ وَلا تَأْكُلُ طَعَامًا وَلا تَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى يَدَعَ صَبْأَتَهُ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى صِرْتُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ: عَلَيَّ فَاحْلِفِي يَا أُمَّهُ: لا تستظلي، فو الله لا تَسْتَظِلِّينَ وَلا تَأْكُلِينَ وَلا تَشْرَبِينَ حَتَّى تتبوئين مَقْعَدَكِ مِنَ النَّارِ، فَقَالَتْ: إِنَّمَا حَلَفْتُ عَلَى ابْنِي الْبَرِّ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا معروفا الآية. وَحَدَّثَنِي أَبُو مسعود بْن القتات، حَدَّثَنِي الوقاصي أن عامر بْن أَبِي وقاص كَانَ سوغ [1] أخيه سَعْد وأصغر منه بنحو من سنتين وَكَانَ يكنى أبا عَمْرو، ووجهه عُمَر بْن الْخَطَّابِ إِلَى الشام بكتابه إِلَى أَبِي عبيدة بْن الجراح بالولاية مكان خَالِد بْن الْوَليِد، وإلى خَالِد بالعزل وأقام مَعَ الْمُسْلِمِينَ ومات فِي طاعون عمواس. قَالَ أَبُو مسعود: سمعت من يَقُول: إنه شخص إِلَى مصر مَعَ من شخص إِلَيْهَا من الْمُسْلِمِينَ فمات بها.

_ [1] وهذا سوغ هذا وسوغته، كلاهما في الذكر والأنثى: ولد بعده، ولم يولد بينهما. القاموس.

حارث بن زهرة

وَقَالَ الْكَلْبِيّ: وَكَانَ نافع بْن عتبة بْن أَبِي وقاص مَعَ أَبِيهِ يَوْم أحد وشهده كافرا. [حارث بن زهرة] وولد الْحَارِث بْن زهرة: عَبْد الْحَارِث، وعَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث، ووهب بْن الْحَارِث، وَهُوَ ذو الفرية، وَكَانَ إذا قاتل أعلم بفرية، أي قطعة فروة. فمن ولد الْحَارِث: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف بْن عَبْدِ الْحَارِث بْن زهرة وَكَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد عَمْرو، فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَنِ، ويكنى أبا مُحَمَّد، وأمه الشفاء بنت عوف بْن عَبْدِ الْحَارِث وَهِيَ ابنة عم أَبِيهِ، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ يدعى الأمين، وَكَانَ صديقا لأَبِي بَكْر بْن أَبِي قحافة، فدعاه أَبُو بَكْر إِلَى الإِسْلام فلم يبعد، وعرض لَهُ شغل فلما قضاه أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يدخل دار الأرقم ويدعو فِيهَا، فشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ، وأن عبادة آبائه ضلال وجهل، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ صهر عُثْمَان بْن عَفَّان لأنه تزوج أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وأمها أروى أم عُثْمَان، خلف عَلَيْهَا عقبة. حَدَّثَنَا الْوَليِدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: أَسْلَمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيِّ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا [1] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ اسْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 124.

عَوْفٍ عَبْدَ الْكَعْبَةِ، فَسَمَّاهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «كيف فَعَلْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فِي اسْتِلامِ الْحَجَرِ؟ قَالَ: اسْتَلَمْتُ وَتَرَكْتُ. قَالَ: أَصَبْتَ» ] . حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرْعَرَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّامِيُّ عَن الْعَقَدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: يَا مِسْوَرُ، مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ خَالِكَ فِي الْهِجْرَةِ الأُولَى وَالآخِرَةِ فَقَدْ كَذَبَ. حَدَّثَنَا الْوَليِدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا هَاجَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ مَكَّةَ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: هَذَا مَالِي أُقَاسِمُكَ إِيَّاهُ، وَلِي زَوْجَتَانِ أَنْزِلُ عَنْ إِحْدَيْهِمَا، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي مَالِكَ وَزَوْجَتِكَ وَلَكِنْ إِذَا أَصْبَحْتَ فَدُلَّنِي عَلَى سُوقِكُمْ فَدَلَّهُ فَرَجَعَ بِحَمِيتٍ [1] مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ [2] قَدْ رَبِحَهُ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَيْ أَخِي، أَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالا، فَانْظُرْ شَطْرَ مَالِي فَخُذْهُ، وَتَحْتِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَيُّهُمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ حَتَّى أُطَلِّقَهَا لَكَ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي على السوق، فدلّوه

_ [1] الحميت: الزق الصغير، أو الزق بلا شعر. القاموس. [2] الأقط شيء يتخذ من المخيض الغنمي. القاموس.

فَاشْتَرَى وَبَاعَ فَرَبِحَ، وَجَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَتَى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ردع [1] مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْيَمْ» ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً قَالَ: «فَمَا أَصْدَقْتَهَا» ؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. [قَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» .] قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَرَأَيْتُنِي وَلَوْ رَفَعْتُ حَجَرًا لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ تَحْتَهُ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زياد عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى ثَلاثِينَ أَلْفًا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: خط رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني زهرة فِي ناحية مؤخر المسجد، فكان لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عوف الحش، والحش نخل صغار لا يسقى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَنِي وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْضَ كَذَا، فَذَهَبَ الزُّبَيْرُ إِلَى عُمَرَ فَاشْتَرَى نَصِيبَهُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ لِعُثْمَانَ: إِنَّ ابْنَ عَوْفٍ قَالَ كَذَا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: هُوَ جَائِزٌ الشَّهَادَةُ لَهُ وَعَلَيْهِ [2] . حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شعبة

_ [1] الردع: العنق، والزعفران، أو لطخ منه، وأثر الطيب في الجسد. القاموس. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 127 مع فوارق حيث جاء «فذهب الزبير إلى آل عمر فاشترى منهم نصيبهم» .

فَسُئِلَ هَلْ أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَلَمَّا كَانَ السَّحَرُ ضَرَبَ عُنُقَ رَاحِلَتِي فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ حَاجَةً فَعَدَلْتُ مَعَهُ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى بَرَزْنَا عَنِ النَّاسِ فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَتَغَيَّبَ عَنِّي حَتَّى مَا أَرَاهُ فَمَكَثَ طَوِيلا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مَاءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقُمْتُ إِلَى قِرْبَةٍ أَوْ قَالَ سَطِيحَةٍ [1] مُعَلَّقَةٍ فِي آخِرِ الرَّحْلِ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ فَأَحْسَنَ غَسْلَهُمَا- قَالَ: أَشُكُّ، قَالَ: دَلِّكْهُمَا بِتُرَابٍ، أَمْ لا- ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ يَدِهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمِّ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ رَكِبْنَا فَأَدْرَكْنَا النَّاسَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَتَقَدَّمَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَهُمْ فِي الثَّانِيَةِ، فذهبت أؤذنه بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي أَدْرَكْنَا وَقَضَيْنَا الَّتِي سُبِقْنَا بِهَا» . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ الْمُغِيرَةُ يَحْمِلُ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثَ بِنَحْوِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَذَلِكَ فِي غَزَاةِ تَبُوكَ: [ «مَا مَاتَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يُصَلِّيَ خَلْفَ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ أُمَّتِهِ» ] . حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بِيَدِهِ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، وَأَرْخَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ» . حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَخَّصَ لِعَبْدِ الرحمن بن

_ [1] السطيحة: المزادة. القاموس.

عَوْفٍ فِي قَمِيصٍ مِنْ حَرِيرٍ فِي سَفَرٍ لِحَكَّةٍ كَانَ يَجِدُهَا بِجِلْدِهِ» . حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، أنبأ أَبُو جَنَّابٍ الْكَلْبِيُّ عَن أَبِيهِ عَن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «شَكَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةَ الْقَمْلِ وَاسْتَأْذَنَهُ فِي لِبْسِ قَمِيصِ حَرِيرٍ، فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَقَامَ عُمَرُ أَتَى بِي أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ قَالَ: مَا هَذَا؟ وَشَقَّهُ مِنْ جَيْبِهِ إِلَى أَسْفَلِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِي فِي لِبْسِ الْحَرِيرِ، أَوْ قَالَ أَحَلَّ لِي لِبْسَ الْحَرِيرِ، فَقَالَ إِنَّمَا أَحَلَّهُ لك لأَنَّكَ شَكَوْتَ إِلَيْهِ الْقَمْلَ، فَأَمَّا لِغَيْرِكَ فَلا» . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، ثنا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «شَكَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ لَهُمَا الْقَمْلَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ» . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجُعْفِيُّ مُشْكَدانَةُ وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا مِسْعَرٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف يلبس البرد والحلة تساوي خمسمائة وأربعمائة. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدِ بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِذَا أَتَى مَكَّةَ كَرِهَ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَهُ الَّذِي نَزَلَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: لأَنَّهُ هَاجَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ الرَّقِّيُّ قَالا: ثنا ابْنُ جَعْفَرٍ

الرَّقِّيُّ عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي مَرْزُوقٍ قَالَ: قَدِمَتْ عِيرٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَكَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ رَجَّةٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: عِيرٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَدِمَتْ، فَقَالَتْ: أَمَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: [ «كَأَنِّي بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى الصِّرَاطِ يَمِيلُ مَرَّةً، وَيَسْتَقِيمُ أُخْرَى حَتَّى يُفْلِتَ وَلَمْ يَكَدْ» .] فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: هِيَ وَمَا عَلَيْهَا صَدَقَةٌ. قَالَ: وَمَا كَانَ عَلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْهَا، وهي يومئذ خمسمائة رَاحِلَةٍ [1] . حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو عَامِرٍ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو الْعَقَدِيُّ مَوْلَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بَاعَ أَرْضًا مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بَأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَسَمَهَا فِي فُقَرَاءِ بَنِي زُهْرَةَ، وَفِي ذَوِي الْحَاجَةِ مِنَ النَّاسِ، وَفِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الْمِسْوَرُ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ بِنَصِيبِهَا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: مَنْ أَرْسَلَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ. فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لا يَحْنُو عَلَيْكُنَّ بَعْدِي إِلا الصَّابِرُونَ» ،] سَقَى اللَّهُ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَجُلا طُوَالا، حَسَنَ الْوَجْهِ، رَقِيقَ الْبَشْرَةِ، بِهِ جَنَأٌ [2] أَبْيَضُ مُشْرَبًا حُمْرَةً، لا يُغَيِّرُ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا قَالَتْ: لَمَّا وَلِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الشُّورَى، كَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى أَنْ يَلِيَ عَلِيٌّ، فإن فاته فسعد بن أبي

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 130- 132. [2] جنأ: أشرف كاهله على صدره. القاموس.

وَقَّاصٍ، فَلَحِقَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: مَا ظَنُّ خَالِكِ بِاللَّهِ إِنْ وَلَّى هَذَا الأَمْرَ أَحَدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ؟ فَقَالَ لِي: مَا أُحِبُّ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لِي: مَنْ قَالَ لَكِ؟ قُلْتُ: لا أُخْبِرُكَ. قَالَ: إِذًا لا أُكَلِّمُكِ أَبَدًا، فَقُلْتُ: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَاللَّهِ لأَنْ تُؤْخَذَ مُدْيَةٌ فَتُوضَعُ فِي حَلْقِي ثُمَّ تَنْفُذُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ أَبُو الْمَعَالِي الْجَزَرِيُّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لأَصْحَابِ الشُّورَى: هَلْ لكم أن أختار لكم وأتفصى [1] منها؟ فقال عليّ: نعم أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَرْضَى فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: [ «أَنْتَ أَمِينٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَمِينٌ فِي أَهْلِ الأَرْضِ» ] [2] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: هاجر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ إِلَى الحبشة فِي المرتين جميعا، ثُمَّ قدم مَكَّة فهاجر مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجر مَعَهُ عامر بْن أَبِي وقاص، أخو سَعْد إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام حَتَّى قدم مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب، ومات عامر بالشام فِي أيام عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وَكَانَ يكنى أبا عَمْرو. حَدَّثَنِي محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أَبِي سَبْرَةَ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ نِيَارٍ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِمَّنْ كَانَ يُفْتِي عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي روايته: لما استخلف عُمَر بْن الخطاب في سنة ثلاث

_ [1] فصى الشيء من الشيء يفصيه: فصله، وأفصى: تخلص من خير أو شر. القاموس. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 134.

عشرة بعث تلك السنة عَلَى الحج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، وحج بِالنَّاسِ أَيْضًا مَعَ عمر آخر حجة حجها عمر سنة ثلاث وعشرين، وأذن عمر فِي تلك السنة لأزواج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحج، فحملن فِي الهوادج، ووكل بهن عُثْمَان بْن عَفَّان، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، فكان عُثْمَان يسير عَلَى راحلته أمامهن فلا يدنو منهن أحد، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ يسير عَلَى راحلته من ورائهن، فلا يدع أحدا يدنو منهن أَيْضًا، وكن ينزلن مَعَ عمر فِي كل منزل، وَكَانَ عُثْمَان وعَبْد الرَّحْمَنِ ينزلاهن فِي الشعاب وينزلان هما فِي أول كل شعب فلا يتركان أحدا يمر عليهن. ولما استخلف عُثْمَان سنة أربع وعشرين بعث تلك السنة على الحج عبد الرحمن فحج بالناس [1] . حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ قَالَتْ: غَشِيَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ غَشْيَةٌ ظَنُّوا أَنَّ نَفْسَهُ فِيهَا فَخَرَجْتُ أَسْتَعِينُ بِمَا أمرت أن أستعين به من الصَّبْرِ وَالصَّلاةِ. قَالُوا: وَمَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاثِينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بَعْدَ الْفِيلِ بِعَشْرِ سِنِينَ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أبي شيبة ثنا وَكِيعٌ ثنا شُعْبَة بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ قَائِمَةِ سَرِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ يَقُولُ: وَاجَبَلاهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ بن عبد الرحمن بن عوف قال:

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 134.

رَأَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَدِّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوف يقول: [اذهب يابن عَوْفٍ فَقَدْ أَدْرَكْتَ صَفْوَهَا وَسَبَقْتَ رَنْقَهَا [1]] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الأَسْوَدِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى يَتِيمَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: أَوْصَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي السَّبِيلِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ قَالَ: تَرَكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَلْفَ بَعِيرٍ، وَثَلاثَةَ آلافِ شَاةٍ بِالْبَقِيعِ وَمِائَةَ فَرَسٍ، وَكَانَ يَزْرَعُ بِالْجَرْفِ على عشرين ناضح، فَكَانَ يُدْخِلُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْ ذَلِكَ لِسَنَتِهِ [2] . حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئ وَمُحَمَّد بْن سَعْد قَالا: ثنا عارم بْن الفضل، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّد بْن سيرين أن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ تُوُفِّيَ، فكان فيما تركه ذهب قطع بالفؤوس حَتَّى مجلت [3] أيدي الرجال منه وترك أربع نسوة فخرجت كل امْرَأَة من ثمنها بثمانين ألفا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَن أسامة بْن زَيْد الليثي عَن صَالِح بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عوف قال: أصاب تماضر بنت الأصبغ

_ [1] أي سبقت كدرها. القاموس. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 135- 136. [3] المجل: أن يكون بين الجلد واللحم ماء، أو المجلة قشرة رقيقة يجتمع فيما ماء من أثر العمل. القاموس.

الأزهر بن عبد عوف: عم عبد الرحمن بن عوف،

الْكَلْبِيّ ربع الثمن فأخرجت بمائة ألف وَهِيَ إحدى أربع نسوة. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ حين وجهه إِلَى دومة الجندل ليدعو أهلها إِلَى الإِسْلام، فأسلم الأصبغ بْن عَمْرو الْكَلْبِيّ، وَكَانَ نصرانيا، فسأله عَبْد الرَّحْمَنِ أن يتزوج بابنته تماضر، فتزوجها وبنى بِهَا، ثُمَّ قدم بِهَا مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَة. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْل بْن دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا كامل أَبُو العلاء قَالَ: سمعت أبا صَالِح قَالَ: مات عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ وترك ثلاث نسوة وبنات فأصاب كل واحدة مما ترك ثمانون ألفا [1] . وقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ اسم عَبْد الرَّحْمَنِ فِي الجاهلية عبد عَمْرو، وَكَانَ صديقا لأمية بْن خلف الجمحي، فكان أمية يَقُول حين أسلم عَبْد الرَّحْمَنِ: أنا لا أعرف عَبْد الرَّحْمَنِ، فكان يدعوه عَبْد الإله. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ من العشرة الذين سموا للجنة وَكَانَ بِهِ برش وَكَانَ اسمه فِي الجاهلية عَبْد الْحَارِث فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن وأذن له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لبس الحرير، وأعتق فِي يَوْم واحد ثلاثين عبد وأوصى بسهم من ستة عشر من ماله لأبي بكرة مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصاب كل امْرَأَة له من ميراثه ثمانون ألفا. وقتل أبوه فِي الجاهلية بالغميصاء قتله بنو جذيمة. ومن بني الْحَارِث بْن زهرة بْن كلاب: الأزهر بْن عَبْدِ عوف: عم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، وقد أدرك الإِسْلام إِلَى زمن عمر فوجهه

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 136- 137.

الأسود بن عبد عوف أخو عبد الرحمن:

عمر مَعَ نفر لإقامة أنصاب الحرم، وَكَانَ ذا سن ومعرفة بِهَا وبقي إِلَى فتنة ابْن الزُّبَيْر وَكَانَ المطلب وطليب ابنا أزهر بْن عَبْدِ عوف فِي قول بعضهم من مهاجرة الحبشة فِي المرتين. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: هاجر المطلب فِي المرة الثانية، وولد لَهُ بالحبشة عَبْد اللَّهِ بْن المطلب. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: هاجرا جميعا فِي المرة الثانية، وماتا بالحبشة، وكانت مَعَ المطلب امرأته رملة بنت أَبِي عوف بْن صبيرة السهمي، وَكَانَ جابر بْن الأسود بْن عَبْدِ عوف عامل ابْن الزُّبَيْر عَلَى الْمَدِينَة، وَهُوَ الَّذِي ضرب سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ ستين سوطا إذ لم يبايع لابن الزُّبَيْر وتجنى عَلَيْهِ فِي امْرَأَة تزوجها. ومنهم: الأسود بْن عَبْدِ عوف أخو عَبْد الرَّحْمَنِ: أسلم فِي الفتح وله صحبة، ووجده عُمَر بْن الْخَطَّابِ فِي مَكَّة شاربا فجلده الحد. وَقَالَ غير الْوَاقِدِيّ: أمر عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي مليكة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جدعان فجلده الحد، وَكَانَ الأسود مَعَ عَائِشَة يَوْم الجمل، فقتله جندب بْن زهير الأَزْدِيّ، وتزوج الأسود أم رافع بنت عامر بْن كريز أخت عَبْد اللَّهِ بْن عامر، وابنة عَبْد اللَّهِ بْن الأسود بْن عوف، رضي أهل البصرة بامرته حين نخسوا بعُبَيْد اللَّهِ بْن زياد، فَقَالَ دعوني أنظر فيما دعوتموني إِلَيْهِ ليلتي فأصبح ميتا، وله عقب بالبصرة.

وقتل مُحَمَّد بْن الأسود يَوْم الزاوية مَعَ ابْن الأشعث، وعياش بْن الأسود قتل مَعَ ابْن الأشعث أَيْضًا. ومنهم: حمنن بْن عَوْفٍ أخو عَبْد الرَّحْمَنِ، أسلم يَوْم الفتح، وكانت لَهُ صحبة، وأوصى إِلَى الزُّبَيْر بْن العوام، وله ولد بالبصرة، منهم: أَبُو المعتمر الزُّهْرِيّ، ومات حمنن بالمدينة فِي داره. ومنهم: عَبْد اللَّهِ بْن عَوْفٍ أخو عَبْد الرَّحْمَنِ، وَكَانَ من سروات قُرَيْش، أسلم فِي الفتح وله دار بالمدينة وبها مات. وابنه طلحة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْن عَبْدِ عوف، وعَبْد الرَّحْمَنِ عمه، وتكنى طلحة أبا عَبْد اللَّهِ، وَكَانَ سخيا جوادا مطعاما للطعام، وَكَانَ يلي سقايات الْمَدِينَة، ومات بالمدينة سنة سبع وتسعين، وَهُوَ ابْن اثنتين وسبعين سنة وقد حدث عَنْهُ، وفيه يَقُول الدكين: من مبلغ طلحة عني قبلي ... هدية مني كما تهدي لِي يَا طلح يَا خير فتى مسول ... أنك عين الماجد البذول وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: يَا طلحة الكامل وَابْن الكامل ... أنت غياث خائف وسائل وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ يقال لَهُ طلحة الندى لجوده، وفيه يَقُول حريث بْن عناب الطائي. إِلَى طلحة الفياض أعملت نصها [1] ... تخب برحلي تارة ثُمَّ ترقل إِلَى ماجد الجدين رحب فناؤه ... لَهُ فِي قديم الدهر مجد مؤثل

_ [1] أي استخرج أقصى ما عند ناقته من السير. القاموس.

وكان لعبد الرحمن بن عوف من الولد

إذا مَا أتاه سائل عَن جناية ... يكون شفيعيه هِشَام ونوفل [1] حليفين ليسا يبر حانك مَا بقى ... سنام وَمَا أرسى حراء ويذبل [2] فلا الجود يخليه ولا البخل حاضر ... سجيس الليالي أو يؤوب المنخل [3] وَكَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ من الولد سالم الأكبر مات فِي الجاهلية، وأمه أم كلثوم بنت عُتْبة بْن رَبِيعَة بْن عَبْدِ شمس. وأم الْقَاسِم ولدت فِي الجاهلية، وأمها بنت شيبة بْن رَبِيعَة. وَمُحَمَّد وبه كَانَ يكنى، وإبراهيم، وحميد، وإسماعيل، وحميدة، وأمه الرحمن، أمهم أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. ومعن، وعمر، وزيد، وأمة الرحمن الصغرى، وأمهم سهلة بنت عَاصِم من بلي. وعروة الأكبر قتل بإفريقية، وأمه بحرية بنت هَانِئ بْن قبيصة الشيباني. وسالم الأصغر، قتل يَوْم فتح إفريقية، وأمه سهلة بنت سهيل بْن عَمْرو، أحد بني عَامِر بْن لؤي. وَأَبُو بكر، وأمه أم حكيم بنت قارظ، حليف بني زهرة.

_ [1] بهامش الأصل: هشام الجود ونوفل البحر. [2] سنام: جبل بالحجاز بين ماوان والربذة. ويذيل: جبل مشهور بنجد. معجم البلدان. [3] المنخل بن مسعود اليشكري: شاعر جاهلي، قتله النعمان بن المنذر، ضربت به العرب المثل في الغائب الذي لا يرجى إيابه، يقولون: لا أفعله حتى يؤوب المنخل. الأعلام للزركلي.

وعَبْد اللَّهِ الأكبر، قتل بإفريقية يَوْم فتحت، وأمه أنصارية من الأوس. وَأَبُو سَلَمَة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، واسمه عَبْد اللَّهِ الأصغر، وأمه تماضر بنت الأصبغ الْكَلْبِيّ، وَهِيَ أول كلبية نكحها قرشي. وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وأمه أسماء بنت سلامة بْن مخربة من بني تميم. ومصعب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وآمنة. ومريم وأمهم أم حريث من بهراء، سبية. وسهيل بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ أَبُو الأبيض وأمه مجد حميرية، ويقال الأبيض. وعثمان وأمه غزال من آل بيت كسرى من سبي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ يَوْم المدائن. وعروة الأصغر درج، ويحيى، وبلال، وسعد لأمهات أولاد درجوا. وأم يَحْيَى وأمها زينب بنت الصباح من سبي بهراء. وجويرية أمها بادية بنت غيلان الثَّقَفِيّ. فأما مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، فولد: عَبْد الْوَاحِدِ، وَكَانَ يضرب بِهِ المثل فِي الغيرة وله عقب بالمدينة. وأما إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وأمه أم كلثوم بنت عقبة، فكان سيدا وَكَانَ قصيرا، وتزوج سكينة بنت الْحُسَيْن فلم يرض بِذَلِكَ بنو هاشم فخلعت منه، ويقال إن بعض بني مروان خطبها فلم تتزوجه، فلما أراد أن

يتزوجها إبراهيم منع من ذَلِكَ، وتوفي إِبْرَاهِيم فِي سنة ست وتسعين، وَهُوَ ابْن خمس وسبعين سنة، وَكَانَ يكنى أبا إِسْحَاق، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ إِبْرَاهِيم فقيها. فولد إِبْرَاهِيم: سَعْد بْن إِبْرَاهِيمَ، وأمه ابنة سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، وولي قضاء الْمَدِينَة ليوسف بْن عُمَرَ. هَذَا قول الْكَلْبِيّ، وَقَالَ غيره: ولاه قضاء الْمَدِينَة إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدِ بْنِ هِشَام بْن إِسْمَاعِيل فِي أيام هِشَام بْن عَبْدِ الملك، وَكَانَ سَعْد يَقُول: أنا ابْن ثلث الشورى: عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْفٍ وَسَعْدَ بْن أَبِي وَقَّاصٍ، وهجاه مُوسَى شهوات فَقَالَ: يتقي النَّاس فحشه وأذاه ... مثل مَا يتقون بول الحمار لا يغرنك سجدة بين عيني ... هـ حذاري مِنْهَا ومنه حذار وَقَالَ أَبُو اليقظان: دخل عَلَيْهِ رجل، وَكَانَ سمجا، ورأى أنه يجب عَلَيْهِ عقوبة لأمر تحققه عَنْهُ، فضربه فَقَالَ: فيم ضربتني؟ قَالَ: فِي السماجة يَا شيخ. فَقَالَ الشاعر: جلد الحاكم سَعْد ... ابْن سلم فِي السماجة فقضى اللَّه لسعد ... من أَمِير كل حاجة وقد روى شُعْبَة عَن سَعْد بْن إِبْرَاهِيمَ، وروى غيره. وَكَانَ سَعْد يكنى أبا إِسْحَاق بكنية أَبِيهِ أَيْضًا، ومات بالمدينة سنة سبع وعشرين ومائة وَهُوَ ابْن اثنتين وسبعين سنة. وَكَانَ صَالِح بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ ممن كتب الحديث عَنْهُ. وروى عَنْهُ: الزُّهْرِيّ، وعمرو بْن دينار، ومات بالمدينة فِي ولاية إِبْرَاهِيم بْن هِشَام فِي أيام هِشَام بْن عَبْدِ الملك، وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ يكنى أبا إِسْحَاق وَكَانَ محدثا وهو

وأما حميد بن عبد الرحمن بن عوف

صاحب المغازي، ومات ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة وَهُوَ ابْن أربع وسبعين، وَكَانَ عَلَى بيت المال للرشيد هَارُون أَمِير الْمُؤْمِنِينَ. وأما حميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ فكان فقيها، وأمه أم كلثوم بنت عقبة وخاله عُثْمَان بْن عَفَّان، وَكَانَ يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، ومات بالمدينة سنة خمس ومائة وَهُوَ ابْن ثلاث وسبعين سنة، وَكَانَ ذا مال، ومن ولده عَبْد الرَّحْمَنِ، وَكَانَ من سروات قُرَيْش ومات فِي أول خلافة أَبِي جَعْفَر. وأما زَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فلا عقب لَهُ. وأما أَبُو سَلَمَة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، واسمه عَبْد اللَّهِ فكان فقيها، وولي شرط سَعِيد بْن العاص بالمدينة. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات سنة أربع وتسعين. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مات سنة أربع ومائة وَهُوَ ابْن اثنتين وسبعين سنة. وقد روى ابْن شهاب الزُّهْرِيّ عَن أَبِي سَلَمَةَ، وَكَانَ لأبي سَلَمَة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن يقال لَهُ عمر بْن أَبِي سَلَمَةَ، قتله عَبْد اللَّهِ بْن علي بالشام مع من قتل من بني أمية، فطالبه بِهِ، ويقال بل قتله وَابْن أخته. وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ وإبراهيم بْنِ عَرْعَرَةَ قَالا: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أدركت من قُرَيْش أربعة بحور: ابْن الْمُسَيِّبِ، وعروة بْن الزُّبَيْر، وأبا سَلَمَة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة. أما مصعب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ فولي شرط الْمَدِينَة لمروان بْن الحكم، وَكَانَ يكنى أبا زرارة، وفيه يَقُول ابْن قَيْس الرقيات وَكَانَ شديدا

وأما عمر بن عبد الرحمن

عَلَى من وجده إذا طاف ليلا، ولم يكن يدع أحدا يخرج مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى يصبح. حال دون الهوى ودو ... ن سرى الليل مصعب وسياط على أك ... فّ رجال تقلب [1] وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان لرجل من أهل الشام: أي فارس لقيته أشد؟ فَقَالَ: مصعب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ. وقتل مَعَ ابْن الزُّبَيْر. وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: مات فِي حصار ابْن الزُّبَيْر الأول بِمَكَّةَ سنة أربع وستين [2] . وأما عمر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فله عقب بالبصرة. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ ابْن يقال لَهُ المسور قتل يَوْم الحرة. وأما سهيل بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فله عقب بالمدينة، ومن ولده عتير بْن سهيل وَكَانَ صاحب شراب. وفيه يَقُول السري بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عويم بْن ساعدة الأَنْصَارِيّ: إذا أنت نادمت العتير وذا الندى ... جبيرا ونازعت الزجاجة خالدا أمنت بإذن بالله أن تقرع العصا ... وأن يوقظوا من نومه السكر راقدا وفي سهيل يَقُول عُمَر بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ: أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان

_ [1] ديوان عبد الله بن قيس الرقيات ص 177. [2] طبقات ابن سعد ج 5 ص 160.

ومن بني الحارث بن زهرة: عبد الجان بن شهاب ابن عبد الله بن الحارث بن زهرة،

هي شامية إذا ما استقلت ... وسهيل إذا استقل يماني [1] وَكَانَ سهيل تزوج الثريا بنت عبد اللَّه بْن الحارث بْن أُمَيَّة الأصغر. ومن بني الْحَارِث بْن زهرة: عَبْد الجان بْن شهاب ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِث بْن زهرة، سماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ، وهاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب، وقدم مَعَهُ، وتوفي فِي أيام عُثْمَان. ومن بني الْحَارِث بْن زهرة أَيْضًا: مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن شهاب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِث بْن زهرة الفقيه الزُّهْرِيّ ويكنى أَبَا بَكْر. قَالُوا: وَكَانَ الزُّهْرِيّ سخيا لا يليق شَيْئًا، فاحتاج فِي بعض أيامه حاجة شديدة حَتَّى لزم بيته، فجمع مولى لَهُ دراهم وأتاه بِهَا وأشار عَلَيْهِ أن يشخص إِلَى الشام ويصرفها فِي نفقته ففعل، وأصاب مالا عظيما من الخليفة وولده، فلما قدم الْمَدِينَة جعل يقسم ذَلِكَ المال فِي أقربائه وإخوته وجيرانه فَقَالَ لَهُ مولاه: يَا أَبَا بَكْر اذكر مَا كنت فِيهِ، وإنه لم يكن أحد يلتفت إِلَيْك، وقد جربت حال العدم، فَقَالَ: يَا هَذَا، أمسك عني فإني لم أر كريما تحكه التجارب فِي ماله، ونحن بالله وله. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَن معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ أنه قَالَ: ذكر الزهد عند الزُّهْرِيّ فَقَالَ: ليس الزهد تقشف الجلد، وَلا شعث الشعر، ولكنه غلبة الهوى، وظلف النفس عَن الشهوات. وَقَالَ ابْن الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنِي يُونُس بْن يَزِيدَ عَنِ الزهري أنه قال:

_ [1] ديوان عمر بن أبي ربيعة- ط. بيروت 1983 ص 503.

لا يدرك أحد حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَدَعَ الْمِرَاءَ فِي الْحَقِّ، والكذب والمزاح. ومات الزُّهْرِيّ فِي مال لَهُ لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة، وَهُوَ ابْن اثنتين وسبعين سنة، وأوصى أن يدفن عَلَى قارعة الطريق. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الأُوَيْسِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا أَرَى أَحَدًا بَعْدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ مِنَ الْعِلْمِ مَا جَمَعَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن وهب عَن حَمَّاد بْن أَيُّوبَ قَالَ: مَا رأيت أحدا أعلم بسنة ماضية من الزُّهْرِيّ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْن همام عَن معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كنا نكره أن يكتب عنا العلم، حَتَّى أكرهنا عَلَيْهِ هَؤُلاءِ الأمراء فرأينا أَلا نمنعه أحدا من الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ معمر قَالَ: كنا نرى أنا قد أكثرنا عَن الزُّهْرِيّ حَتَّى قتل الْوَليِد، فإذا الدفاتر قد حملت على الدواب. حدثني محمد بن سعد، ثنا سفيان بن عينية قَالَ: قَالَ لِي أَبُو بَكْر الهذلي- وَكَانَ قد جالس الحسن، وَابْن سيرين، فذكر بعض حديث الزُّهْرِيّ- فَقَالَ: لم أر مثل هَذَا قط- يعني الزُّهْرِيّ-. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن معين، ثنا عَبْد الرَّزَّاقِ، أنبأ معمر قَالَ: قيل للزهري زعموا أنك لا تحدث عَن الموالي؟ فَقَالَ: إني لأحدث عنهم، ولكني إذا وجدت أبناء المهاجرين والأنصار فما أصنع بغيرهم؟

المدائني قال: قيل للزهري ما العصبية الَّتِي يأثم صاحبها؟ فَقَالَ: أن يرى الرجل أن شرار قومه خير من خيار قوم آخرين. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «اطْلُبُوا الْخَيْرَ مِنَ الْحِسَانِ الْوُجُوهِ» ] [1] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَاللَّهِ مَا عَنَى الْجَمَالَ، وَلَكِنْ مَنْ إِذَا سُئِلَ الْمَعْرُوفَ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حدثت عَن مَالِك بْن أنس ان قَالَ: مَا أدركت بالمدينة فقيها محدثا غير واحد، فقيل: من هُوَ؟ قَالَ: ابْن شهاب الزُّهْرِيّ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي عَبْد الرَّزَّاقِ قَالَ: سمعت عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ: لما نشأت وأردت طلب العلم جعلت آتي الأشياخ فأسأل عَن حديث سالم، فكلما أتيت رجلا منهم قَالَ عليك بالزهري فإنه كَانَ يلزمه، قَالَ: وَكَانَ ابْن شهاب بالشام، فلزمت نافعا فجعل اللَّه فِي ذَلِكَ خيرا كثيرا. وَحَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْن معين، ثنا عَبْد الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنِي معمر عَن صَالِح بْن كيسان قَالَ: كنت أنا والزهري نطلب العلم فكتبنا مَا جاء عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: نكتب مَا جاء عَن الصحابة فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ الضحاك بْن عُثْمَان عَن أَبِي الزناد قَالَ: اجتمعت والزهري عند هِشَام بْن عَبْدِ الملك فقال هشام:

_ [1] انظر في كنز العمال- الحديث 16793، 16795.

يَا زهري. أي شهر كَانَ شهر الزكاة؟ فَقَالَ الزُّهْرِيّ: حَدَّثَنِي السائب بْن يَزِيدَ أن عُثْمَان خطب فَقَالَ: هَذَا شهر زكاتكم، وَلا أدري أي شهر، فَقَالَ لِي هِشَام: يَا بن ذكوان مَا عندك؟ فقلت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أو بهذا إخفاء؟ إن عمر وعثمان كانا يجعلان شهر الزكاة المحرم وَمَا أحد يخالف فِي هَذَا، فَقَالَ هِشَام: استفد يَا زهري، فَقَالَ الزُّهْرِيّ: مجلس أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المجلس الَّذِي يستفاد فِيهِ العلم. قَالَ أَبُو الزناد: وَكَانَ الزُّهْرِيّ حين جلس لا يشك فِي أنه يسأل عَن شَيْء إِلا وجد عنده منه علم، فسئل عَن أيسر الأشياء فلم يعلمه. الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابْنِ جعدبة أن رجلا استشار الزُّهْرِيّ فِي بعض الأمر فَقَالَ: إن عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر كَانَ يَقُول: من الخرق اثنتان: الدالة عَلَى السلطان، والوثبة قبل الإمكان. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ عَن الوقاصي: قارف الزُّهْرِيّ ذنبا فجزع وكاد يهيم عَلَى وجهه، فَقَالَ لَهُ علي بن الحسين: لقنوطك من رحمة اللَّه الَّتِي وسعت كل شَيْء أشد عليك من ذنبك الَّذِي أتيته، فَقَالَ الزُّهْرِيّ: اللَّه أعلم حَيْثُ يجعل رسالاته. وَكَانَ أخو الزُّهْرِيّ وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن مسلم يكنى أبا مُحَمَّد، وَهُوَ أسن من الزُّهْرِيّ. وَكَانَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسلم يروي عَن عمه الزُّهْرِيّ، وَكَانَ يكنى أبا عَبْد اللَّهِ، قتله غلمانه بأمر ابنه، وَكَانَ ابنه سفيها شاطرا فأراد أن يحوي الميراث متعجلا لَهُ، ووثب الغلمان أَيْضًا عَلَيْهِ فقتلوه، وذلك فِي خلافة أَبِي جَعْفَر المنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وقتل ابنه بعده بسنتين أو أكثر.

نسب بني تيم بن مرة بن كعب

نسب بني تيم بْن مرة بْن كعب ولد تيم بْن مرة: سَعْد بْن تيم والأحب، درج. وَقَالَ غير الْكَلْبِيّ أنهم خرجوا من بني تيم وانتسبوا فِي بني عامر بْن لؤي، وأمهما الطويلة بنت مالك بْن حسل بْن عامر بْن لؤي، فولد سَعْد: كعب بْن سَعْد، وأمه نعم بنت وائلة بْن عَمْرِو بْنِ شيبان بْن محارب بْن فهر، وحارثة، والأحب، وأمهما بنت عائش بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر [1] . فمن بني كعب بْن سَعْد أَبُو بَكْر بْن أَبِي قحافة [2] ، واسمه عَبْد اللَّهِ ولقبه عتيق، لقب بِذَلِكَ لرقة حسنه. واسم أَبِي قحافة عُثْمَان بْن عامر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن مرة. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الْمِصْرِيُّ، أنبأ أَبُو إِسْحَاقَ يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: دخل

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث، ولله الحمد. [2] بهامش الأصل: أبو بكر الصديق، رحمت الله عليه، وعلى جميع الصحابة.

أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [يَا أَبَا بَكْرٍ، «أَنْتَ عَتِيقُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ» ،] فَسُمِّيَ يَوْمَئِذٍ عَتِيقًا. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْن همام عَن معمر عَنِ ابْنِ سيرين قَالَ: اسم أَبِي بَكْر عتيق بْن عُثْمَان. حَدَّثَنِي إِسْحَاق الفروي، أَبُو مُوسَى، ثنا المعافي بْن عمران عَن الْمُغِيرَةِ بْن زياد عَنِ ابْنِ أَبِي مليكة قَالَ: اسم أَبِي بَكْر عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان ولقبه عتيق. وَقَالَ بعض الرواة: اسم أَبِي بَكْر عَبْد اللَّهِ، وإنما لقب عتيقا لكرم أمهاته، وكرمه. وَقَالَ أَبُو المنذر بن هشام ابن الْكَلْبِيّ: سمي عتيقا لرقة حسنه وجماله، وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان بْن عامر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة بْن كعب بْن لؤي بْن غالب، وأمه أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم، فصخر عم أَبِي قحافة عُثْمَان، وسلمى ابنة عمه. حَدَّثَنَا الْوَليِدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ. أَسْلَمَ أَبِي أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ وَلا وَاللَّهِ مَا عَقِلْتُ أَبِي إِلا مُسْلِمًا يَدِينُ بِالدِّينِ [1] . وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّائِبُ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَانَ سَبَبُ إِسْلامِ أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه،

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 172.

أَنَّهُ كَانَ صَدِيقًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ غِشْيَانَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَمُحَادَثَتِهِ، وَيَعْرِفُ أَخْبَارَهُ، فَلَمَّا دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النُّبُوَّةِ أَتَى مَعَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، وَسَمِعَ قَوْلَهُ فِيهِ، فَكَانَ مُتَوَقِّعًا لِمَا اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَقَدْ كَانَ شَارَكَ حَكِيم بْن حِزَامِ بْن خويلد بْن أسد بن عبد العزى بن قُصَيٍّ فِي بِضَاعَةٍ، وَأَرَادَ السَّفَرَ مَعَهُ، فَإِنَّهُ ذَاتَ يَوْمٍ لَمَعَ حَكِيمٍ إِذْ أَتَى حَكِيمًا آتٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ عَمَّتَكَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ تَزْعُمُ أَنَّ زَوْجَهَا نَبِيٌّ مِثْلُ مُوسَى، وَقَدْ هَجَرَتِ الآلِهَةَ، فَانْسَلَّ أَبُو بَكْرٍ انْسِلالا حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ خَبَرِهِ فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَقَالَ: صَدَقْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَأَهْلٌ لِلصِّدْقِ أنت: أنا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ أَتَى حَكِيمًا فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا خَالِدٍ، رُدَّ عَلَيَّ مَالِي فَقَدْ وَجَدْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَرْبَحَ مِنْ تِجَارَتِكَ، فَأَخَذَ مَالَهُ، وَلازَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ هِشَامُ بْنُ محمد: فيقال أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الصِّدِّيقَ، وَيُقَالُ بَلْ سَمَّاهُ الصِّدِّيقُ حِينَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، فَجَعَلَ يُخْبِرُهُ بِمَا رَأَى وَهُوَ يَقُولُ: صَدَقْتَ، صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجِبْرِيلَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: [ «إِنَّ قَوْمِي لا يُصَدِّقُونِي، فَقَالَ جِبْرِيلُ: يُصَدِّقُكَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الصِّدِّيقُ] . حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ الْعَجْلِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ «مَا عَرَضْتُ الإِسْلامَ عَلَى أَحَدٍ إِلا كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ أَوْ تَرَدُّدٌ، غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَمْ» ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن أبي شيبة، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا جَرِيرُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: أَكَرِهْتَ إِمَارَتِي؟ قَالَ: لا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي كُنْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ قَبْلَكَ. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ خِيَارِهِمْ وَيَسْتَعِينُونَ بِهِ فِيمَا نَابَهُمْ وَكَانَتْ لَهُ بِمَكَّةَ ضِيَافَاتٌ لا يَفْعَلُهَا أَحَدٌ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَفِينَةَ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ: [ «أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ فَقُلْتُ:] قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا دَعَوْتَ إِلَيْهِ، وَشَهِدْتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّكَ رَسُول اللَّهِ» ، قَالَ: فَمَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى أَسْلَمَ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَعَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الإِسْلامِ، وَقَالَ قَوْمٌ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ قَوْمُ زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ عَنْ شُرَحْبِيلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَا أَنَا فِي مَنْزِلِي بِمَكَّةَ وَأَنَا أُرِيدُ الطَّائِفَ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ إِذْ دَخَلَ عَلَيَّ الْحَارِثُ بْنُ صَخْرٍ فَتَحَدَّثَ وَدَخَلَ حكيم بْنِ حِزَامٍ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ: يَا أَبَا خَالِدٍ زَعَمَ نِسَاؤُنَا أَنَّ عَمَّتَكَ خَدِيجَةَ تَزْعُمُ أَنَّ زَوْجَهَا رَسُولُ

اللَّهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ حَكِيمٌ، وَدَعَوْتُ لَهُمَا بِطَعَامٍ مِنْ سَفْرَةٍ أَمَرْتُ بِاتِّخَاذِهَا لِسَفَرِنَا، فَأَكَلا وَانْصَرَفَ الْحَارِثُ فَقُلْتُ لِحَكِيمٍ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي وَجْهِكَ إِنْكَارَ مَا قَالَ لَكَ فِي عَمَّتِكَ، فقال حكيم: وَاللَّهِ لَقَدْ أَنْكَرْنَا حَالَهَا وَحَالَ زَوْجِهَا، وَلَقَدْ أَخْبَرَتْنِي صَاحِبَتِي أَنَّهَا تَسُبُّ الأَوْثَانَ، وَمَا تَرَى زَوْجَهَا يَقْرُبُ الأَوْثَانَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَمَّا أَبْرَدْتُ خَرَجْتُ أُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَابْتَدَأْتُ فَذَكَرْتُ مَوْضِعَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَمَا نَشَأَ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ لا يُقَارُّكَ قَوْمُكَ عَلَيْهِ، قَالَ: [ «يَا أَبَا بَكْرٍ أَلا أَذْكُرُ شَيْئًا إِنْ رَضِيتَهُ قُلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْتَهُ كَتَمْتَهُ» ؟] قُلْتُ: هَذَا أَدْنَى مَالِكَ عِنْدِي، فَقَرَأَ عَلَيَّ قُرْآنًا، وَحَدَّثَنِي بِبِدَاءِ أَمْرِهِ، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ صَادِقٌ، وَأَنَّ مَا دَعَوْتَ إِلَيْهِ حَقٌّ، وَأَنَّ هَذَا كَلامُ اللَّهِ. وَسَمِعَتْنِي خَدِيجَةُ فَخَرَجَتْ وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَحْمَرُ فَقَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي هداك يا بن أَبِي قُحَافَةَ. فَمَا رُمْتُ مَكَانِي حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَخَرَجْتُ فَإِذَا مَجْلِسٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عبد العزى فيهم: الأسود بن الْمُطَّلِبِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ، فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ عِنْدِ خَتَنِكُمْ وَابْنِ عَمِّكُمْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرْتُ لِي عِنْدَهُ سِلْعَةً يَبِيعُهَا بِنَسِيئَةٍ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ لأَسُومَهُ بِهَا، فَإِذَا سِلْعَةٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِنَّكَ لَتَاجِرٌ بَصِيرٌ، وَمَا كُنَّا نَعْلَمُ مُحَمَّدًا يَبِيعُ السِّلَعَ بِنَسِيئَةٍ، وَأَتَانِي حَكِيمٌ يَقُودُ بَعِيرَهُ فَقَالَ: ارْكَبْ بِنَا، فَقُلْتُ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُقِيمَ، إِنِّي وَقَعْتُ بَعْدَكَ عَلَى بِضَاعَةٍ بِنَسِيئَةٍ مَا عَالَجْتُ قَطُّ أَبْيَنَ رِبْحًا مِنْهَا، قَالَ: وَعِنْدَ مَنْ هِيَ فَمَا أَعْلَمُهَا الْيَوْمَ بِمَكَّةَ؟ قُلْتُ: بلى، وَأَنْت دَلَلْتَنِي عَلَيْهَا فَإِنْ سَمَّيْتُهَا لَكَ فَاللَّهُ لِي عَلَيْكَ أَنْ تَكْتُمَهَا وَلا تَذْكُرْهَا لأَحَدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ لَكَ اللَّهُ عَلَيَّ أَلا أَذْكُرَهَا لأَحَدٍ، قُلْتُ: فَإِنَّهَا عِنْدَ خَتَنِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَوَجَمَ سَاعَةً. فَقُلْتُ: مَالَكَ

يَا أَبَا خَالِدٍ، أَتَتَّهِمُنِي عَلَى عَقْلِي وَدِينِي؟. قَالَ: لا، وَمَا أُحِبُّ لَكَ مَا فَعَلْتَ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ عَنْ شعيب بن حرب، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا، يَعْنِي بِلالا. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جَزِيٍّ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَعَدَ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَا مَنَعَكَ مِنْ بَيْعَتِي وَأَنَا كُنْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ قَبْلَكَ؟. وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلا الْقَائِمَ الثَّانِيَ الْمَحْمُودَ مَشْهَدُهُ ... وَأَوَّلَ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ أَنْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا ... إِلا النَّبِيَّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلا بَرًّا حَمِيدًا لأَمْرِ اللَّهِ مُتَّبِعًا ... يَهْدِي بِصَاحِبِهِ الْمَاضِي وَمَا انْتَقَلا قَالَ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، أَنْشَدَ حَسَّانُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَثَانِيَ اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو بِهِ إِذْ صَعَّدُوا الْجَبَلا وَكَانَ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا ... مِنَ الْبَرِيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ بَدَلا [1] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ» . وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ الأَسْوَدِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ] .

_ [1] ديوان حسان بن ثابت ج 1 ص 125 مع فوارق.

وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ هِلالٍ مَوْلَى رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» .] وَقَدْ كَتَبْنَا قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أَبِي بَكْرٍ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُ بِالصَّلاةِ، وَخَبَرِ بَيْعَتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ: مَنْ كَانَ يُفْتِي عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٌ وَعُمَرُ، وَمَا أَعْلَمُ غَيْرَهُمَا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَمْعَانَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كَانَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، يُفْتُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إسناده: كَانَ أَبُو بَكْر أبيض نحيفا خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره فِي حقويه معروق الْوَجْهِ غَائِرَ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئَ الْجَبْهَةِ عَارِيَ الأَشَاجِعِ. وَقَالَ غير الْوَاقِدِيّ: كَانَ أَبُو بَكْر حسن الجسم معصوب اللحم مشربا صفرة، جعدا، يضرب شعره شحمة أذنيه، مسنون الوجه أكحل العينين سائل اللحية واضح الثنايا. حمش الساقين، هينا لينا متواضعا كريما، تعرف فِيهِ الخير حين تراه، وَكَانَ يمر فِي الطريق فيتعلق الصبيان بثوبه يقولون: يَا أبانا يَا أبانا، وَهَذِهِ رواية عَوَانَة بْن الحكم الْكَلْبِيّ. ويقال: كَانَ أبيض تعلوه صفره، حسن القامة، نحيفا أجنأ، يسترخي إزاره عَن عاتقه وحقويه، أقنى معروق الوجه، يخضب بالحناء والكتم.

ولما استخلف أَبُو بَكْر ارتدت العرب ومنعوا الصدقة باليمامة، فَقَالَ: وَاللَّه لو منعوني عقالا لقاتلتهم، فلم يزل بهم حَتَّى أدوا الصدقة، وقتل مسيلمة الكذاب باليمامة، والأسود العنسي باليمن، وفتح فتوحا بالشام، وقد ذكرنا ذَلِكَ فِي كتاب البلدان. حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ الْفَلاسُ، ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سلمة الماجشون عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ بِأَبِي مَا لَوْ نَزَلَ بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ لَهَاضَهَا، اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب. فو الله مَا اخْتَلَفُوا فِي وَاحِدَةٍ إِلا طَارَ أَبِي بِحَظِّهَا وَغِنَائِهَا عَنِ الإِسْلامِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [ «هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، إِلا النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ» ] [1] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا سُفْيَان الثوري، عَن جامع بْن أَبِي راشد، وعن منذر الثوري، عن محمد بن الحنفية، قَالَ: قلت لأبي: يَا أبه، من خير هَذِهِ الأمة بعد نبيها؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْر ثُمَّ عمر، فما منعني أن أسأله عَن الثالث إِلا أن يجيبني بعثمان. قلت: فما أنت يَا أبه؟ قَالَ: رجل من الْمُسْلِمِينَ. حدثني أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، أنبأ سفيان الثوري،

_ [1] بهامش الأصل: صوابه «والمرسلين» .

عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ إِنَّ أَقْوَامًا طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمَّيْتُمُوهُ الصِّدِّيقَ وَأَصَبْتُمْ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ [1] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْد الْوَاحِدِ بْن زياد، حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم النخعي، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر يسمى الأواه، لرأفته ورحمته. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ كَثِيرُ النَّوَّاءُ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: [أَلا إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوَّاهٌ مُنِيبُ الْقَلْبِ، ألا إِنَّ عُمَرَ نَاصَحَ اللَّهَ فَنَصَحَهُ] [2] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبُو بَكْرٍ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ هَارُونَ الْمُقْرِئِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: [ «إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَتُضِيءُ الْجَنَّةُ لِوَجْهِهِ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وعمر لمنهم وأنعما» ] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 170. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 171.

حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، أنبأ مُغِيرَةُ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِبِلالٍ: مَنْ سَبَقَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ، قَالَ: فَمَنْ صَلَّى؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا أَعِنِّي مِنَ الْخَيْلِ. قَالَ بِلالٌ: وَأَنَا أَعِنِّي فِي الْخَيْرِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ قَاعِدًا» . حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: [أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ؟ أَبُو بَكْرٍ، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، عُمَرُ] . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: [ «قَدْ أُمِرْتُ بِالْخُرُوجِ- يَعْنِي لِلْهِجْرَةِ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَكَ الصُّحْبَةُ» ،] فخرجا حتى أتيا ثورا فاختبا فِيهِ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يأتيهما بخبر مَكَّةَ بِاللَّيْلِ، ثُمَّ يُصْبِحُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَأَنَّهُ بَاتَ بِهَا. وَكَانَ عَامِرُ بْن فُهَيْرَةَ يَرْعَى غَنَمًا لأَبِي بَكْرٍ وَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا فَيَشْرَبَانِ مِنَ اللَّبَنِ، وَكَانَتْ أَسْمَاءُ تَصْنَعُ لَهُمَا طَعَامًا فَتَبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِمَا، فَجَعَلَتِ الطَّعَامَ فِي سَفْرَةٍ، وَلَمْ تَجِدْ شَيْئًا تَرْبِطُهَا بِهِ، فَقَطَعَتْ نِطَاقَهَا وَرَبَطَتْهَا بِهِ، فَسُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، وَكَانَ لأَبِي بَكْرٍ بَعِيرٍ، وَاشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا، فَرَكِبَ النَّبِيُّ بَعِيرَهُ، وَرَكِبَ أَبُو بَكْرٍ بَعِيرَهُ، وَرَكِبَ ابْنُ فُهَيْرَةَ بَعِيرًا. فَكَانُوا يَتَنَقَّلُونَ عَلَى هَذِهِ الأَبَاعِرِ

الثَّلاثَةِ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمْ هَدِيَّةٌ مِنَ الشَّامِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فِيهَا ثِيَابٌ بِيضٌ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، فَلَبِسَاهَا وَدَخَلا الْمَدِينَةَ فِي ثِيَابٍ بِيضٍ [1] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ يَخْتَلِفُ بِالطَّعَامِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر وَهُمَا فِي الْغَارِ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَبُو عُثْمَانَ، ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، أنبأ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: [يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ، اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ؟] حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالا: ثنا شَبَابَةَ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْعُطُوفِ الْجَزَرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ: «هَلْ قُلْتَ فِي أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا» ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَنْشَدَهُ: وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ الْمُنِيفِ وقد ... طاف العدو به إذ صعدوا الجبلا وَكَانَ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ عَلِمُوا ... مِنَ الْبَرِيَّةِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ رَجُلا قَالَ: فَضَحِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قَالَ: «صَدَقْتَ يَا حَسَّانُ وَهُوَ كَمَا قُلْتَ» . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ، وَكَذَاكَ فِي الأَمْرِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 172- 173.

حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أسامة بْن زيد بْن أسلم، عن أبيه، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعْرُوفًا بِالتِّجَارَةِ، لَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَكَانَ يُعْتِقُ مِنْهَا وَيُقَوِّي الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِخَمْسَةِ آلافٍ، ثُمَّ فَعَلَ فِيهَا مِثْلَمَا كَانَ يَفْعَلُ بِمَكَّةَ [1] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابن أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيِّ، عَنْ أَبِي أَرْوَى الدَّوْسِيِّ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ، أَبُو بَكْرٍ [2] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَام بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْحَرُّ بْنُ صَبَاحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَخْنَسِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَخْطُبُ، فَنَالَ عَلِيًّا، فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: [ «النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ،] وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّي الْعَاشِرَ لَفَعَلْتُ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى ذَكَرَ نَفْسَهُ» . وَقَالَ الواقدي: لَمَّا هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، نزل أَبُو بَكْر عَلَى خارجة بْن زَيْد بْن أَبِي زُهَيْر الخزرجي، وتزوج ابنته حبيبة، فولدت لَهُ أم كلثوم بعد وفاته. ويقال بل نزل عَلَى خبيب بن أساف، ولم

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 172. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 171.

يزل فِي بني الْحَارِث بْن الخزرج، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، فَرَآهُمَا يَوْمًا مُقْبِلِينَ فَقَالَ: [ «إِنَّ هَذَيْنِ سَيِّدَا أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، كُهُولُهُمْ وَشُبَّانُهُمْ، إِلا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ» ] [2] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا عَقِلْتُ أَبَوَيَّ، إِلا وَهُمَا يَدِينَانِ هَذَا الدِّينَ، وَمَا مَرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ قَطُّ إِلا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينَا فِيهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً [3] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: لَمَّا أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّورَ بِالْمَدِينَةِ، جَعَلَ لأَبِي بَكْرٍ مَوْضِعَ دَارِهِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ، وَهِيَ الَّتِي صَارَتْ لآلِ مَعْمَرٍ [4] . حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ، ثنا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِذِ اللَّهِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، آخِذًا بطرف ثوبه حتى بدا عن رُكْبَتَيْهِ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَهَا لِي فَأَبَى عَلَيَّ وَتَحَرَّمَ مِنِّي بِدَارِهِ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: [يغفر

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 174. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 174. [3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 172. [4] طبقات ابن سعد ج 3 ص 175.

اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ،] ثَلاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَثِمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَيْسَ هَاهُنَا. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَعَلَ وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا، أَوْ قَالَ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا وَاللَّهِ كُنْتُ أَظْلِمُ، أَنَا وَاللَّهِ كُنْتُ أَظْلِمُ، مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: [أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ كَذَبَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، ثُمَّ آسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» .] مَرَّتَيْنِ. قَالَ: فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا. وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثنا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: مَا حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ حَدِيثًا لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلا أَمَرْتُهُ أَنْ يُقْسِمَ بِاللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، إِلا أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّهُ لا يَكْذِبُ، فَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «مَا ذَكَرَ عَبْدٌ ذَنْبًا أَذْنَبَهُ فَقَامَ حِينَ يَذْكُرُهُ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ لِذَنْبِهِ، إِلا غُفِرَ لَهُ» ] . حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أَرْحَمُ أُمَّتِي بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَقْوَلُهَا بِالْحَقِّ بَعْدَ نَبِيِّهَا عُمَرُ، وَأَشَدُّهَا حَيَاءً بَعْدَ نَبِيِّهَا عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا بِالْقَضَاءِ وَالسُّنَّةِ عَلِيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْقُرْآنِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ بَعْدَ نَبِيِّهَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَعْلَمُ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا بِمَا يَقُولُ، أَبُو الدَّرْدَاءِ،] وَإِنَّ [أَصْدَقَ مَنْ تُظِلُّهُ الْخَضْرَاءُ وَتُقِلُّهُ الْغَبْرَاءُ بَعْدَ نَبِيِّهَا لَهْجَةً] أَبُو ذَرٍّ، وَأَعْلَمُ [هَذِهِ الأُمَّةِ بِالْفَرَائِضِ

بَعْدَ نَبِيِّهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ أَبَا بَكْر إِلَى نَجْدٍ، وَأَمَّرَهُ عَلَيْنَا، فَأَغَارَ عَلَى نَاسٍ مِنْ هَوَازِنَ، فَقَتَلْتُ بِيَدِي مِنْهُمْ، وَكَانَ شِعَارُنَا: أمت! أمت! [1] . حدثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، أَبُو نعيم، حَدَّثَنَا مسعر بْن كدام، عَن أَبِي عون، عَن أَبِي صَالِح قَالَ: قيل لأَبِي بَكْرٍ وعلي يَوْم بدر، مَعَ أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل أَوْ أسرافيل، ملك عظيم يشهد القتال، أَوْ قَالَ يشهد الصف [2] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَمْرُو النَّاقِدُ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [3] بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [4] ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خَلَّتِهِ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اتَّخَذَ صَاحِبَكُمْ خَلِيلا- يَعْنِي نَفْسَهُ- ولو كنت متخذا خليلا، لا تخذت أبا بكر خليلا» ] [5] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 175 وعنده «وقتلت بيدي سبعة أهل أبيات» . [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 175. [3] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 176: «عمرو بن مرة بن عبد الله المرادي (ت 116 هـ) تهذيب التهذيب لابن حجر ج 8 ص 102- 103. [4] أي الصحابي عبد الله بن مسعود. [5] طبقات ابن سعد ج 3 ص 176.

حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا مِنْ أُمَّتِي، لا تخذت أَبَا بَكْرٍ» ] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: [ «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ» ] . حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْجَزِيرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: [ «عَائِشَةُ. قُلْتُ: إِنَّمَا أَعْنِي مِنَ الرِّجَالِ. قَالَ: أَبُوهَا» ] . حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّاد بْن زَيْد، عَن هِشَام، عَن مُحَمَّد بْن سيرين، قَالَ: أعبر هَذِهِ الأمة بَعْدَ نَبِيِّهَا، أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: يعني الرؤيا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْن مُحَمَّد النَّاقِد، وَأَحْمَدُ بْن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَن أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَن الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَظَرْنَا فِي أَمْرِنَا، فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلاةِ، فَرَضِينَا لِدُنْيَانَا، مَا رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا، فَقَدَّمْنَا أَبَا بَكْر] [1] . حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سعيد، حدثنا

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 183.

سُفْيَانُ [1] عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ قَيْسٍ الخارفي من همدان، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: [سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَثَلَّثَ عُمَرُ] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: شهد أَبُو بَكْر بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفع إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رايته العظمى يَوْم تبوك، وكانت سوداء، وأطعمه بخيبر مائة وسق، وكان فيمن ثبت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد، حين ولى النَّاس. وَحَدَّثَنِي روح بن عبد المؤمن، عن علي بن نَصْرٍ الْجَهْضَمِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلا، لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ فِي أَوَّلِ حِجَّةٍ كَانَتْ فِي الإِسْلامِ، ثُمَّ حَجَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّنَةَ الْمُقْبِلَةَ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، اسْتَعْمَلَ عَلَى الْحَجِّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ مِنْ قَابِلٍ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ، وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ، اسْتَعْمَلَ عَلَى الْحَجِّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عُمَرُ يَحُجُّ سِنِيهِ كُلَّهَا حَتَّى قُبِضَ، فَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ، فَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ الرحمن بن عوف على الحج [2] .

_ [1] بهامش الأصل: شقيق. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 177.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن يُونُس، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُبَشِّرٍ (السَّعْدِيِّ عَنِ) [1] ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا، فَقَصَّهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي اسْتَبَقْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِي دَرَجَةٍ، فَسَبَقْتُكَ بِمِرْقَاتَيْنِ وَنِصْفٍ. قَالَ: خَيْرٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، يُبْقِيكَ اللَّهُ حَتَّى تَرَى مَا يَسُرُّكَ وَيَقَرُّ عَيْنَكَ. قَالَ: فَأَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَأَعَادَ أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهِ الْقَوْلَ، ثُمَّ قَالَ: يَقْبِضُكَ اللَّهُ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَأَعِيشُ بَعْدَكَ سَنَتَيْنِ وَنِصْفًا» . حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن زَيْد، عَن سَعِيد بْن أَبِي صدقة، عَن مُحَمَّد بْن سيرين، قَالَ: لم يكن أحد بعد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهيب لما لا يعلم من أَبِي بَكْرٍ، ولم يكن أحد بعد أَبِي بَكْر أهيب لما لا يعلم من عمر، وأنه كانت إذا نزلت بأَبِي بَكْر قضية، فلم يجد لها فِي كتاب اللَّه أصلا وَلا فِي السنة أثرا، قَالَ: أجتهد رأيي، فإن كَانَ صوابا فمن اللَّه، وإن كَانَ خطأ فمني، وأستغفر الله. حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قِيلَ لأَبِي بَكْرٍ: أَنْتَ خَلِيفَةُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ، وَأَنَا بِذَلِكَ رَاضٍ. حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الآجُرِّيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مِقْسَمٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ «اللَّهُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ صَاحِبِي فِي الْغَارِ، فَاجْعَلْهُ صَاحِبِي فِي الْجَنَّةِ» ] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْحُمَيْدِيُّ الْمَكّيُّ، ثنا سفيان بن

_ [1] أضيف ما بين الحاصرتين من طبقات ابن سعد ج 3 ص 177.

عُيَيْنَةَ، عَنِ الْوَليِدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ (ابْنِ صَيَّادٍ) [1] عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لِمَا قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَجَّتْ مَكَّةُ، فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: مَا هَذَا؟! قَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ، فَمَنْ وَلِيَ النَّاسَ بَعْدَهُ. قَالُوا: ابْنُكَ. قَالَ: أَرَضِيَ بِذَلِكَ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ. ثُمَّ ارْتَجَّتْ مَكَّةُ حِينَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَجَّةً هِيَ دُونَ الأُولَى. فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: ما هَذَا؟ قالوا: مات ابنك. فقال: هَذَا خَبَرٌ جَلِيلٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، أَنْبَأَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، أَصْبَحَ غَادِيًا، إِلَى السُّوقِ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ أَثْوَابٌ يَتَّجِرُ بِهَا، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَقَالا لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: السُّوقَ. فَقَالا: تَصْنَعُ مَاذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ!؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ قَالا: انْطَلِقْ حَتَّى نَفْرِضَ لَكَ شَيْئًا، فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا فَفَرَضُوا لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ وَمَا كَسَوْهُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ. فَقَالَ عُمَرُ: إِلَيَّ الْقَضَاءُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِلَيَّ الْفَيْءُ. قَالَ عُمَرُ: فَلَقَدْ كَانَ يَأْتِي عَلَيَّ الشَّهْرُ مَا يَخْتَصِمُ إِلَيَّ فِيهِ اثْنَانِ [2] . حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ شَوْرٍ الْمُقْرِئُ، حَدَّثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ رَجُلا رَأَى عَلَى عُنُقِ أَبِي بَكْرٍ عباءة.

_ [1] أضيف ما بين الحاصرتين من طبقات ابن سعد ج 3 ص 184. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 184.

فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ أَنَا أَكْفِيكَ حَمْلَهَا. فَقَالَ: لِتَدَعْنِي، لا تَغُرَّنِي أَنْتَ وَابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ عِيَالِي. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَنْبَأَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: افْرِضُوا لِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ مَا يُغْنِيهِ، قَالُوا: نَعَمْ، بُرْدَاهُ إذا أخلقا، وَضَعَهُمَا وَأَخَذَ مِثْلَهُمَا، وَظَهْرُهُ إِذَا سَافَرَ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَهْلِهِ، كَمَا كَانَ يُنْفِقُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَخْلَفَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَضِيتُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمُقْرِئُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَاحَ حِينَ اسْتُخْلِفَ إِلَى السُّوقِ، وَقَدْ حَمَلَ أَثْوَابًا لَهُ، وَقَالَ: لا تُغْرُونِي مِنْ عِيَالِي. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا أَبُو بكر بن عياش، عن عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا استخلف أبو بكر، جعل له ألف وخمسمائة، فَقَالَ: زِيدُونِي فَإِنَّ لِي عِيَالا، وَقَدْ شَغَلْتُمُونِي عن التجارة، فزادوه خمسمائة. حَدَّثَنِي الْوَليِدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنِ صَالِحٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ خَيْرًا كُلُّهُ عَلَى حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهِ وَشِدَّةِ غَضَبٍ. قِيلَ فَعُمَرُ؟ قَالَ: كَانَ كَأَنَّهُ طَائِرٌ قَدْ نَصَبْتَ لَهُ أُحْبُولَةً، فَهُوَ يُعْطِي كُلَّ يَوْمٍ بِمَا فِيهِ، عَلَى عُنْفٍ مِنَ السِّيَاقِ. قِيلَ فعثمان؟ قال: كان هينا لينا، صوّاما وقوّاما، يَخْدَعُهُ نَوْمُهُ عَلَى يَقَظَتِهِ. قِيلَ فَصَاحِبُكُمْ؟ قَالَ: كان مزكونا [1] حلما وعلما، وغره

_ [1] زكنه: علمه وفهمه وتفرسه. القاموس.

مِنْ أَمْرِهِ اثْنَتَانِ، سَابِقَتُهُ وَدَالَّتُهُ. قِيلَ: أَكَانَ مَحْدُودًا؟ قَالَ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: اطَّلَعْتُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ آخِذٌ بِلِسَانِهِ يُنَضْنِضُهُ [1] ، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ: يُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لِسَانِي سَبُعٌ فِي فِيَّ، إِنْ أَرْسَلْتُهُ أَتَى عَلَيَّ. وَأَنَّهُ قَالَ: بِحَسْبِ الْمَرْءِ شَرًّا أَنْ يَرَى أَنَّ لَهُ فَضْلا عَلَى مَنْ دُونَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الواقدي، عن أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سبرة، وغيره، قَالُوا: بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، لاثْنَتَيْ عشرة ليلة خلت من شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِالسُّنُحِ [2] عِنْدَ زَوْجَتِهِ حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زُهَيْرٍ، مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. وَكَانَ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ حُجْرَةً مِنْ شعْرٍ، فَمَا زَالَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَحَوَّلَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ بِالسُّنُحِ بَعْدَ أَنْ بُويِعَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَغْدُو عَلَى رِجْلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَرُبَّمَا رَكِبَ فَرَسًا لَهُ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ مُمَشَّقٌ- والمشق: المغرة- فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح. وكان يصلي بِالنَّاسِ إِذَا حَضَرَ، وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ صَلَّى بهم عمر بن

_ [1] أي يحركه. [2] كانت السنح في محال المدينة في طرفها، تبعد عن المسجد النبوي مقدار ميل واحد. المغانم المطابة.

الْخَطَّابِ. وَكَانَ يُقِيمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَدْرَ نَهَارِهِ بِالسُّنُحِ، فَيَصْبُغُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، ثُمَّ يَرُوحُ فَيَجْتَمِعُ بِالنَّاسِ، وَكَانَ رَجُلا تَاجِرًا، يَغْدُو فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَى السُّوقِ فَيَبِيعُ وَيَبْتَاعُ، وَكَانَتْ لَهُ قِطْعَةٌ مِنْ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا خَرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِيهَا، وَرُبَّمَا رَعَيْتَ لَهُ، وَكَانَ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ، فَلَمَّا اسْتَخْلَفَ، قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآنَ لا يُحْلَبُ لَنَا مَنَائِحُ [1] دَارِنَا. فَقَالَ: بَلَى، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خَلْقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ بِالسُّنُحِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا. وَنَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَمْرُ النَّاسِ بِالتِّجَارَةِ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ إِلا التَّفَرُّغُ لَهُمْ، وَالنَّظَرُ فِي أُمُورِهِمْ، وَمَا بُدٌّ لِعِيَالِي مِمَّا يُصْلِحُهُمْ، فَتَرَكَ التِّجَارَةَ، وَاسْتَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يُصْلِحُهُ وَيُصْلِحُ عِيَالَهُ يَوْمًا يَوْمًا، وَمَا يَحُجُّ بِهِ وَيَعْتَمِرُ، وَكَانَ الَّذِي فَرَضُوا لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ سِتَّةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: رُدُّوا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنِّي لا أَخْلُفُ فِي مَنْزِلِي مِنْ ما لهم شَيْئًا. وَأَرْضِي الَّتِي بِمَكَانِ كَذَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا أَصَبْتُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَدَفَعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، ولقوح، وعبد صيقل، وَقَطِيفَةً كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. فَقَالَ عُمَرُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ [2] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: خطب أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ فِي خطبته: إياكم والمحقرات، فإن الصغير يدعو إِلَى الكبير. قَالُوا: واستعمل أَبُو بَكْر عَلَى الحج سنة إحدى عشرة عمر بن

_ [1] المنائح- جمع منيحة- والمنيحة هي الشاة أو الناقة التي فيها لبن. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 186- 187.

الْخَطَّابِ، ثُمَّ اعتمر أَبُو بَكْر فِي سنة اثنتي عشرة، فدخل مَكَّة ضحوة، فأتى منزله وَأَبُو قحافة جالس عَلَى باب داره، ومعه فتيان أحداث يحدثهم، إِلَى أن قيل: هَذَا ابنك، فنهض قائما، وعجل أَبُو بَكْر إِلَيْهِ قبل أن ينيخ راحلته، فنزل عَنْهَا وَهِيَ قائمة، وجعل يَقُول يَا أبه لا تقم، فلاقاه فالتزمه، وقبل أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بين عيني أَبِي قحافة، وجعل الشيخ يبكي فرحا بقدومه، وجاءه والي مَكَّة عَتَّابَ بْن أُسَيْدِ بْن أَبِي الْعِيصِ، وسهيل بْن عَمْرو، وعكرمة بْن أَبِي جهل، والحارث بْن هِشَام، فسلموا عَلَيْهِ بالخلافة: سلام عليك يَا خليفة رَسُول اللَّهِ، وصافحوه جميعا، فجعل أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يبكي إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سلموا عَلَى أَبِي قحافة. فَقَالَ أَبُو قحافة: يَا عتيق أحسن صحبة هَؤُلاءِ الملأ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لقد قلدت أمرا عظيما لا يد لِي بِهِ، وَلا قوة إِلا بالله، ثُمَّ دخل فاغتسل وخرج، فاتبعه أصحابه فنحاهم وَقَالَ: امشوا عَلَى رسلكم. ولقيه النَّاس يبهشون [1] إِلَيْهِ، ويعزونه عَن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يبكي حَتَّى انتهى إِلَى البيت، فاضطبع بثوبه- أَوْ قَالَ بردائه- حَتَّى استلم الركن، ثُمَّ طاف سبعا، وركع ركعتين، ثُمَّ انصرف إِلَى منزله. فلما كَانَ الظهر، خرج فطاف أَيْضًا بالبيت، ثُمَّ جلس قريبا من دار الندوة، فَقَالَ: هل من أحد يشكو ظلامة أَوْ يطلب حقا؟ فما أتاه أحد، وأثنى النَّاس عَلَى واليهم خيرا، ثُمَّ صلى العصر وجلس، فودعه النَّاس، ثُمَّ خرج راجعا إلى

_ [1] أي يسرعون إليه.

الْمَدِينَة. فلما كَانَ وقت الحج سنة اثنتي عشرة، حج أَبُو بَكْر بِالنَّاسِ، وأفرد الحج، وَكَانَ خليفته عَلَى الْمَدِينَة عُثْمَان بْن عَفَّان [1] . حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أُتِيَ بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ فَأَكَلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ: يَا فُلانُ، أَمَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «إِنَّ الصَّدَقَةَ لا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» ] [2] ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَقَاءَ. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، وَغَيْرِهِ، قَالُوا: أَخَذَ يَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ رَجُلا بِالْيَمَنِ قَدْ سَرَقَ فَقَطَعَ يَدَهُ، فَقَدِمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَشَكَا إِلَيْهِ ظُلْمَهُ إِيَّاهُ، وَأَقَامَ بِبَابِهِ يُصَلِّي نَهَارَهُ وَلَيْلَهُ وَيَصُومُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِثْلُ هَذَا يُقْطَعُ بِظِنَّةٍ، وَهَمَّ بِابْنِ مُنْيَةَ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الْيَمَانِيَّ دَخَلَ إِلَى مَنْزِلِ أَبِي بَكْرٍ فَسَرَقَ مِنْهُ مَتَاعًا، فَكَانَ إِذَا سَمِعَ إِنْسَانًا يَذْكُرُ ذَلِكَ أَظْهَرَ التَّعَجُّبَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ مَنْ سَرَقَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِينَ فَاسْتَدْرِكْهُ وَانْتَقِمْ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ الْمَتَاعِ وُجِدَ، فَاسْتُدِلَّ عَلَى بَائِعِهِ، فَلَمَّا عُرِفَ دَلَّ عَلَى الْيَمَانِيِّ فَأُخِذَ فَقُطِعَ أَيْضًا. وَقَالَ الرِّفَاعِيُّ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَطَعَ أَبُو بَكْرٍ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. حَدَّثَنَا بَسَّامٌ الْجَمَّالُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكْر وعتاب بْن أسيد ماتا فِي يوم واحد، فكان يقال: إنهما سمّا.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 187. [2] كنز العمال- الحديث: 16501- 16546.

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجًا مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكُلُّ خَزَنَةِ الْجَنَّةِ يَدْعُوهُ: يَا مُسْلِمُ تَعَالَ» ] [1] . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ هَذَا لَعَبْدٌ لا تَوًى [2] عَلَيْهِ يَدَعُ بَابًا وَيَلِجُ فِي آخَرَ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْكِبِهِ وَقَالَ: [ «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ رَجُلا ضَعِيفَ اللَّحْمِ أَبْيَضَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ شُعَيْبِ بْن طَلْحَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنَّهَا نَظَرَتْ إِلَى رَجُلٍ مَارٍّ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا، فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا أَشْبَهَ بأَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا. فَقُلْنَا: صِفِي أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَتْ: كَانَ رَجُلا أَبْيَضَ نَحِيفًا، خَفِيفَ الْوَجْهِ غَائِرَ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئَ الْجَبْهَةِ، عَارِيَ الأَشَاجِعِ [3] ، هَذِهِ صِفَتُهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ [4] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ معاوية بن إسحاق،

_ [1] كنز العمال- الحديث: 16291. [2] أي لا بأس عليه، أو لا ضياع ولا خسارة. [3] الأشاجع: اصول الأصابع. [4] طبقات ابن سعد ج 3 ص 188.

وفاة أبي بكر

عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِت، عَن أَبِي جَعْفَر الأَنْصَارِيّ، قَالَ: رأيت رأس أَبِي بَكْر ولحيته كأنهما جمر الغضا [1] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَخَضَبَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لَمْ يَشِنْهُ الشَّيْبُ، وَلَكِنْ خَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ، وَخَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَضَّبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ [2] . حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، حَدَّثَنَا ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «غَيِّرُوا وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» ] [3] . فَصَبَغَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَصَفَّرَ عُثْمَانُ، وَصَلُعَ عُمَرُ فَاشْتَدَّ صَلَعُهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «أَجْمَلُ مَا تجمّلون به الحناء والكتم» ] [4] . [وفاة أبي بكر] حدثنا عمرو النَّاقِدُ، ثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إِنِّي لا أَعْلَمُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا، غَيْرَ هَذِهِ اللَّقْحَةِ،

_ [1] الغضا: من نبات الرمل واحدته غضاة. القاموس. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 189. [3] كنز العمال- الحديث 17317. [4] طبقات ابن سعد ج 3 ص 191.

وَهَذَا الْغُلامِ الْصَيْقَلِ، كَانَ يَعْمَلُ سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْدُمُنَا، فَإِذَا مُتُّ فَادْفَعِيهِ إِلَى عُمَرَ، فَلَمَّا دَفَعَتْهُ إِلَى عُمَرَ، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى (بْنِ) أَبِي الْمُسَاوِرِ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ طَيْرًا أَمْثَالَ الْبُخْتِ، يَرْعَيْنَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ تِلْكَ لَنَا غُمَّةٌ، قَالَ: أجل، وأنت لمن يَأْكُلُ مِنْهَا يَا أَبَا بَكْرٍ» [1] . حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ: انْظُرُوا مَا زَادَ فِي مَالِي مُذْ دَخَلْتُ فِي الإِمَارَةِ، فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِي، قَالَت عَائِشَةُ: فَلَمَّا مَاتَ، نَظَرْنَا، فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ نُوبِيٌّ كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح [2] كان يسقى عَلَيْهِ بُسْتَانٌ لَهُ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ، فَبَكَى وَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَعْدَوَيْهِ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَطَفْنَا بِغُرْفَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرْضَتِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا، فَقُلْنَا: كَيْفَ أَصْبَحَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا- وَكَانَتْ عَائِشَةُ عِنْدَهُ، وَهِيَ الَّتِي مَرَّضَتْهُ- فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ كُنْتُ حَرِيصًا على أن أوفر

_ [1] كنز العمال- الحديث: 39273- 39274، والبخت الجمال ذات السنامين، طوال الأعناق. [2] الناضح: الدابة التي يستقى عليها الماء.

لِلْمُسْلِمِينَ فَيْئَهُمْ، مَعَ أَنِّي قَدْ أَصَبْتُ مِنَ اللحم واللبن، فانظروا إذا رَجَعْتُمْ عَنِّي، فَأَبْلِغُوا مَا كَانَ عِنْدَنَا لِعُمَرَ، قَالَ: وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، وَمَا كَانَ إِلا خَادِمٌ وَلَقْحَةٌ وَمِحْلَبٌ، فَلَمَّا جِيءَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، قَالَ: يُرْحَمُ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ [1] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ: انْظُرُوا مَا زَادَ فِي مَالِي مُذْ دَخَلْتُ فِي الإِمَارَةِ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِي فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ أَسْتَعْمِلُهُ وَكُنْتُ أَصَبْتُ مِنَ الْوَدَكِ [2] نَحْوًا مِمَّا كُنْتُ أُصِيبُ مِنَ التِّجَارَةِ. قَالَت عَائِشَةُ: فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا ذَلِكَ عَبْدٌ نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح كان يَسْقِي عَلَيْهِ فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ، قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي جَارِيَتِي أَنَّ عُمَرَ بَكَى، وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ تَعَبًا شَدِيدًا. حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلَيْهِ سِتَّةُ آلافِ دِرْهَمٍ، كَانَ أَخَذَهَا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَدَعْنِي حَتَّى أَصَبْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ سِتَّةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَإِنَّ حَائِطِي بِمَكَانِ كَذَا مِنْهَا [3] ، فلما توفي ذكر ذلك لِعُمَرَ فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَحَبَّ أَلا يَدَعَ لأَحَدٍ بَعْدَهُ مَقَالا وَأَنَا والي الأمر بعده، وقد رددتها عليكم.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 192- 193. [2] الودك: الدسم. [3] كذا بالأصل، ولعل الأفضل «فيها» .

حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ أَصْبَحَ صَائِمًا؟. قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ: أَيُّكُمْ عَادَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا عُدْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ. قَالَ: أَيُّكُمْ تَصَدَّقَ الْيَوْمَ بِصَدَقَةٍ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَسَائِلٌ يَسْأَلُ وَابْنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ- أَوْ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ- مَعَهُ كِسَرٌ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ فَأَخَذْتُهَا فَنَاوَلْتُهُ إِيَّاهَا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [دَخَلْتَ الْجَنَّةَ» ] [1] . الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَمَعَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَكَلَّمَ أَبُو سُفْيَانَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ: اخْفِضْ صَوْتَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ عَنِ ابْنِ حَرْبٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَبَا قُحَافَةَ. إِنَّ اللَّهَ بَنَى بِالإِسْلامِ بُيُوتًا كَانَتْ غَيْرَ مَبْنِيَّةٍ، وَهَدَمَ بِهِ بُيُوتًا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَبْنِيَّةً، وَبَيْتُ أَبِي سُفْيَانَ مِمَّا هَدَمَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ مَوْلَى خُزَاعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حِينَ بُويِعَ فَقَالَتْ: ان أم أيمن، ورباح يَشْهَدَانِ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي فَدَكَ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَبِيكِ، لَوَدِدْتُ أن القيامة قامت يوم مات، ولئن تَفْتَقِرَ عَائِشَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَفْتَقِرِي، أَفَتَرَيْنِي أُعْطِي الأَسْوَدَ وَالأَحْمَرَ حُقُوقَهُمْ وَأَظْلِمُكِ وَأَنْتِ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ إِنَّمَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فَحَمَّلَ مِنْهُ أَبُوكِ الرَّاجِلَ وَيُنْفِقُهُ فِي السَّبِيلِ، فَأَنَا إِلَيْهِ بِمَا وَلِيَهُ أَبُوكِ، قَالَتْ: وَاللَّهِ لا أُكَلِّمُكَ قَالَ: وَاللَّهِ لا أَهْجُرُكِ. قَالَتْ وَاللَّهِ لأَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَلَيْكَ، قَالَ: لأَدْعُوَنَّ اللَّهَ لَكِ.

_ [1] بهامش الأصل: فابشر بالجنة.

حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ] [1] . الْمَدَائِنِيُّ عَن عُثْمَان بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو عبيدة بسن أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْر حليما ركينا، لَهُ وقار وحلم ورأي سديد، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يشاوره ويقدمه فِي المشورة، وكانت قُرَيْش تعظم أَبَا بَكْر لما يرون من تقديم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، وَكَانَ صاحبه فِي الغار، ومعه فِي العريش يَوْم بدر وأرسلت الأسارى يوم بدر فبدءوا بأَبِي بَكْر يطلبون إِلَيْهِ. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: اخْتَلَفْنَا وَأَبُو بَكْرٍ فِي عِذْقٍ [2] ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلأَنْصَارِيِّ كَلِمَةً نَدِمَ عَلَيْهَا فَطَلَبَ إِلَيْنَا أَنْ نَقُولَ لَهُ مِثْلَهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ قَصَاصًا، فَانْطَلَقُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَعْدُونَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَمُّ لِغَمِّهِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ وقال: «يا ربيعة، مالك وَالصِّدِّيقِ» ؟ قُلْتُ: قَالَ كَلِمَةً نَدِمَ عَلَيْهَا، فَقَالَ لِي: تَرُدُّ عَلَيَّ مِثْلَهَا لِيَكُونَ قَصَاصًا، فَأَبَيْتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «أَجَلْ، فَلا تَرُدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ،] فَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ يَبْكِي. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَغَيْرِهِ قَالُوا: كَانَ بِلالٌ يَحْمِلُ الْعَنَزَةَ [3] بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَعْيَادِ وَالْمَشَاهِدِ فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ بِلالٌ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَشْخَصَ إِلَى الشَّامِ، وَكَرِهَ الْمَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهُ فَحَمَلَ الْعَنَزَةَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرِ سَعْدٌ القرظ، وكان

_ [1] كنز العمال- الحديث: 14097، 14101. [2] العذق: النخلة بحملها، وقيل هو: القنو- العنقود- من النخل. [3] رمح قصير له سنان وزج، أشبه بطوله بالحربة.

مُؤَذِّنَهُ، وَحَمَلَهَا بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ، وَكَانَ وَلَدُهُ يَحْمِلُونَهَا بَيْنَ يَدَيِ الْوُلاةِ بِالْمَدِينَةِ [1] . حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن محمد بن أبي شيبة، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، أنبأ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: [رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نِيَارٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَسَمَ أَبِي الْفَيْءَ عَامَ أَوَّلٍ، فَأَعْطَى الْحُرَّ عَشَرَةً، وَالْمَمْلُوكَ عَشَرَةً، وَالْمَرْأَةَ عَشَرَةً، وَأَمَتَهَا عَشَرَةً، ثُمَّ قَسَمَ الْعَامَ الثَّانِي فَأَعْطَاهُمْ عِشْرِينَ عِشْرِينَ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا الأَنْصَارِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ يَسِيرٍ- أَوْ بَشِيرٍ- عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: أَوْصَانِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ إِنَّهُ سَتَكُونُ فُتُوحٌ فَلا يَكُونَنَّ حَظُّكَ مِنْهَا مَا جَعَلْتَهُ فِي بَطْنِكَ وَأَلْقَيْتَهُ عَلَى ظَهْرِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى الْخَمْسَ فَإِنَّهُ يُصْبِحُ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلا يَقْتُلَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ اللَّهِ فَيَطْلُبُكَ اللَّهُ بِذِمَّتِهِ، فَيُكِبَّكَ اللَّهُ عَلَى وَجْهِكَ فِي النَّارِ. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عَزَّةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى بِخُمُسِ مَالِهِ، وَقَالَ أَخَذَ مِنْ مَالِي مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الْخُمُسُ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عَن قَتَادَة والكلبي فِي قوله: «فَأَمَّا من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى [2] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 236- 237. [2] سورة الليل- الآيتان: 5- 6.

قَالا: أعطى زكاة ماله واتقى ربه، نزلت فِي أَبِي بَكْرٍ، قَالَ قَتَادَة: والحسنى نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الْكَلْبِيّ: شهادة الحق. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى رَجُلٍ جَرَّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاءِ] [1] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ إِزَارِي لَيَسْتَرْخِي حَتَّى يَمَسَّ الأَرْضَ، قَالَ: [ «إِنَّكَ لَسْتَ تُرِيدُ ذَاكَ» ] . الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ: مَنْ فَضَلَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَاضْرِبُوهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي، أَوْ قَالَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ بِرَجُلٍ مَعَهُ ثَوْبٌ فَقَالَ لَهُ: أَتَبِيعُهُ؟ قَالَ: لا رَحِمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ: قَدْ قَوَّمْتُ أَلْسِنَتَكُمْ لَوْ تَسْتَقِيمُ. حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: عَرَضَ أَبُو بَكْرٍ خَيْلا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: احْمِلْنِي عَلَى هَذَا الْفَرَسِ: فَقَالَ: لأَنْ أَحْمِلَ غُلامًا قَدْ رَكِبَ الْخَيْلَ عَلَى عَزْلَتِهِ [2] أَحَبُّ إِلَيَّ فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: وَاللَّهِ لأَنَا خَيْرٌ مِنْكَ وَمِنْ أَبِيكَ فَارِسًا، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَمَا مَلَكْتُ نَفْسِي أَنْ رَثَمْتُ [3] أَنْفَهُ فَابْتَدَرَ مِنْخَرَاهُ دَمًا، فَتَهَدَّدَنِي الأَنْصَارُ وَقَالُوا: يُقَادُ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا أقيد ظالما متعديا.

_ [1] انظر كنز العمال- الحديث: 7760- 41157- 41179. [2] بهامش الأصل: عرفته. [3] رثم: كسر.

الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَائِشَةَ: إِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ حَائِطِي، وَإِنِّ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَرُدِّيهِ إِلَى الْمِيرَاثِ، وَانْظُرِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَاغْسِلِيهِمَا وَكَفِّنِينِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ، إِنَيِّ وُلِّيتُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فَأَكَلْتُ مِنْ جَرِيشِ طَعَامِهِمْ، وَلَبِسْتُ مِنْ خَشِنِ ثِيَابِهِمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ قِبَلِي دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ عِنْدِي إِلا هَذَا النَّاضِحُ، وَالْعَبْدُ الْحَبَشِيُّ، وَهَذِهِ الْقَطِيفَةُ فَإِذَا مُتُّ فَابْعَثِي بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَدَّانِيُّ، ثنا أَبُو كِبَاشٍ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن الأشعث بن قيس قال: حدثني عَائِشَةُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى مِنْكِ، وَقَدْ كُنْتُ أَقْطَعْتُكِ أَرْضًا لا إِخَالُكِ رَزَأْتِ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَنَا رَادُّهَا مِيرَاثًا يُقْسَمُ بَيْنَ وَلَدَيَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَإِذَا مُتُّ فَابْعَثِي بِهَاتَيْنِ اللَّقْحَتَيْنِ وَأَحْلاسِهِمَا وَحَالِبِهِمَا، وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ إِلَى عُمَرَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ بَعَثْتُ بِذَلِكَ فَقَبَضَهُ وَرَدَّ الْجَارِيَةَ وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَهُدْبَةُ قَالا ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، أنبأ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِي حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِي أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى، وَلا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْرًا مِنْكِ، وَقَدْ كُنْتُ نَحَلْتُكِ مِنْ أَرْضِي بِالْعَالِيَةِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا وَلَوْ كُنْتُ جَدَّدْتُهُ تَمْرًا عَامًا وَاحِدًا لَحَازَ ذَلِكَ، وهو مال الوارث، وإنما هو أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ، فَقَالَ: قَدْ أُلْقِيَ فِي رُوعِي أَنَّ ذَا بَطْنِ ابْنَةِ خَارِجَةَ جَارِيَةٌ، فَاسْتَوْصِي بِهَا خَيْرًا، فَوَلَدَتْ أُمَّ كُلْثُومٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: كَانَ المال الَّذِي نحله أَبُو بكر

عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا من أموال بني النضير وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعطاه ذَلِكَ المال فأصلحه وغرس فِيهِ وديا [1] . حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، ثنا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ كَأَنَّ أَقْمَارًا ثَلاثَةَ سَقَطَتْ فِي حِجْرِهَا. قَمَرًا بَعْدَ قَمَرٍ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، ثُمَّ دُفِنَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ قَدْ ذَكَرْتُهَا مَعَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يقول: يا معاشر المهاجرين، رسول الله ص كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلا مِنَّا، فَنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الأَمْرَ رَجُلانِ وَاحِدٌ مِنْكُمْ وَالآخَرُ مِنَّا، قَالَ: فَلَمَّا تَتَابَعَتْ خُطَبَاءُ الأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ، قَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانَ إِمَامَنَا وَإِمَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الإِمَامُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ مِنْ حَيٍّ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ مَا صَالَحْنَاكُمْ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بن عينية، أنبأ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا بُنَيَّةُ فَإِنَّكَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ غِنًى، وَأَعَزُّ النَّاسِ عَلَيَّ فَقْرًا، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكَ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي، فَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّكِ حُزْتِهِ وَقَبَضْتِهِ، وإنما

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 195، والودي: فسيل النخل وصغاره. القاموس.

هُوَ أَخَوَاكِ، وَأُخْتَاكِ. قُلْتُ: هَذَانِ أَخَوَايَ فَمَنْ أُخْتَاي؟ فَقَالَ: إِنِّي أَظُنُّ ذَا بَطْنِ بِنْتٍ خَارِجَةٍ جَارِيَةً. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الأبلِّي، ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارَزْمِيُّ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا احْتَضَرَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ كَلِمَةً مِنْ قَوْلِ حَاتِمٍ: لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ [1] فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، هَلا قُلْتِ: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد [2] وَكَذَا كَانَ يَقْرَأُهَا، انْظُرُوا هَاتَيْنِ فَإِذَا مِتُّ فَاغْسِلُوهُمَا وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إِلَى الجديد من الميت. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا مَرِضَ وَثَقُلَ قَعَدَتْ عَائِشَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَتْ: كُلُّ ذِي إِبِلٍ مُوَرِّثُهَا ... وَكُلُّ ذِي سَلَبٍ مَسْلُوبُ [3] فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قُلْتِ يَا عَائِشَةُ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللَّهُ: وَجَاءَتْ سكرة الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ

_ [1] ديوان حاتم الطائي- ط. دار صادر بيروت ص 51 وفيه: «أماوي ما يغني ... » . [2] سورة ق- الآية: 19، ونصها: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ منه تحيد) . [3] ديوان عبيد بن الأبرص- ط. دار صادر بيروت ص 26.

أَنَّ عَائِشَةَ تَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ وَأَبُو بَكْرٍ يَقْضِي: وَأَبْيَضُ يَسْتَسْقِي الْغَمَامَ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلأَرَامِلِ [1] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ ثَابِتٌ عَنْ سُمَيَّةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ وَأَبُوهَا مَرِيضٌ شَدِيدُ الْمَرَضِ: وَمَنْ لا يَزَالُ الدَّمْعُ مِنْهُ مَغِيضًا ... فَلا بُدَّ يَوْمًا أَنْ يُرَى وَهُوَ دافق فقال أبو بكر: وجاءت سكرة الحق بالموت ذلك ما كنت منه تحيد) . حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَن ثَابِت قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر يتمثل، ولم يقل فِي مرضه وَلا غيره: مَا أن يزال المرء ينعى ميتا حتى يكونه ... ولقد يرجّي ما يحبّ بلوغه فيموت دونه حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قِيلَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَيَا أَبَا بَكْرٍ لَوْ بَعَثْتَ إِلَى الطَّبِيبِ فَنَظَرَ إِلَيْكَ، قَالَ: قَدْ نَظَرَ إِلَيَّ الطَّبِيبُ فَقَالَ لِي إِنِّي أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ، يَعْنِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: وَدَدْتُ أَنِّي خَضِرَةٌ تَأْكُلُنِي الدَّوَابُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه:

_ [1] البيت لأبي طالب عم الرسول عليه السلام في مدحه صلى الله عليه وسلم. انظره في سيرة ابن هشام. تحقيق سهيل زكار ص 185.

(توفني مسلما والحقني بالصالحين) [1] . حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِدْتُ أُوَسْوِسُ جَزَعًا فَمَرَّ بِي عُمَرُ يَوْمًا فَسَلَّمَ فَسَهَوْتُ عَنْ أَنْ أَرُدَّ السَّلامَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَلَّمَ عَلَيْكَ عُمَرُ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، فَقُلْتُ: كُنْتُ مُفَكِّرًا فِي تَرْكِي مَسْأَلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الأَمْرِ الَّذِي فِيهِ نَجَاةُ الأُمَّةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: [ «نَجَاةُ الأُمَّةِ فِي الْكَلِمَةِ الَّتِي عَرَضْتُهَا عَلَى عَمِّي فَرَدَّهَا وَهِيَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» ] . حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا اللَّيْثُ، أنبأ عَقِيلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ أَكَلا خَزِيرَةٍ [2] أُهْدِيَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ الْحَارِثُ لأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فو الله إن فيها لسما وَأَنَا وَأَنْتَ نَمُوتُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنْ مُحَمَّد بْن حُمَيْدِ بْنِ يَعْمُرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لأَنْ أُوصِي بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِي بِالرُّبُعِ. وَلأَنْ أُوصِي بِالرُّبُعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِي بِالثُّلُثِ، وَمَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا [3] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إسناده: دعا أَبُو بَكْر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا تسألني عَن أمر إِلا وأنت أعلم به

_ [1] سورة يوسف- الآية: 101. [2] الخزيرة: تؤخذ قطع اللحم الصغيرة فتطبخ بالماء الكثير والملح، فإذا نضجت ذر عليها الدقيق. القاموس. [3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 199.

وصية أبي بكر في استخلاف عمر

مني، ثُمَّ قَالَ: هُوَ وَاللَّه أفضل من رأيك فِيهِ، ثُمَّ دعا عُثْمَان فسأله عَن عمر فَقَالَ: اللَّهُمَّ إن علمي بِهِ أن سريرته خير من علانيته وإنه ليس فينا مثله، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ولو تركته مَا عدوتك، وشاور معهما سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرو وأسيد بْن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار، وَقَالَ أسيد: لن يلي هَذَا الأمر أحد أقوى عَلَيْهِ منه، وَقَالَ رجل: مَا أنت قائل لربك إن سألك عَن استخلافك عمر وقد ترى غلظته؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أبالله تخوفني؟ خاب من تزود من أمركم ظلما، أقول: اللَّهُمَّ إني استخلفت عَلَيْهِم خير أهلك ابلغ عني هَذَا القول من وراءك، [وصية أبي بكر في استخلاف عمر] ثُمَّ اضطجع ودعا عُثْمَان فَقَالَ:» اكتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هَذَا مَا عهد أَبُو بَكْر بْن أَبِي قحافة فِي آخر عهده بالدنيا خارجا مِنْهَا، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فِيهَا، حَيْثُ يؤمن الكافر، ويوقن المرتاب الفاجر، ويصدق الشاك المكذب. إني استخلفت عليكم بعدي عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فاسمعوا لَهُ وأطيعوا، فإني لم آل اللَّه ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا، فإن عدل فذاك ظني بِهِ، وعلمي فِيهِ، وإن بدل فلكل امرئ مَا اكتسب، والخير أردت، وَلا يعلم الغيب إِلا اللَّه (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [1] والسلام عليكم ورحمة اللَّه» . ثُمَّ أمر بالكتاب فختم. قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَقَالَ بعضهم: لما أمل صدر الكتاب غمر وذهب بِهِ قبل أن يسمي أحدا، فكتب عُثْمَان: إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن

_ [1] سورة الشعراء- الآية: 227.

وفاة أبي بكر

الْخَطَّابِ، ثُمَّ أفاق فَقَالَ: اقرأ مَا كتبت بِهِ فقرأ عَلَيْهِ ذكر عمر، فكبر أَبُو بكر وقال: أراك خفت إن انثلت نفسي فِي غشيتي فيختلف النَّاس، فجزاك اللَّه عَن الإِسْلام وأهله خيرا، إن كنت لها أهلا، ثُمَّ أمره فخرج بالكتاب مختوما ومعه عُمَر بْن الْخَطَّابِ وَابْن سعية القرظي، فَقَالَ عُثْمَان: أتبايعون لمن فِي هَذَا الكتاب؟ قَالُوا: نعم. فَقَالَ علي: قد علمناه، هُوَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فأقروا بِذَلِكَ جميعا ورضوا بِهِ وبايعوا، ثُمَّ دعا أَبُو بَكْر عمر خاليا فأوصاه، ثُمَّ خرج من عنده فرفع أَبُو بَكْر يديه مدا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إني لم أرد إِلا صلاحهم، وخفت الفتنة عَلَيْهِم فعملت فيهم بما أنت أعلم بِهِ وَمَا رجوت أن يكون لك رضى، وقد اجتهدت رأيي بهم فوليت عَلَيْهِم خيرهم لهم، وأقواهم عَلَيْهِم، وأحرصهم عَلَى مَا يرشدهم، وقد حضرني من أمرك مَا حضر فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم ولاتهم، واجعل عمر من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبيه، نبي الرحمة، واصلح لَهُ أموره ورعيته [1] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، أنبأ فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: لَمَّا احْتَضَرَ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَ أَنَّهُ يَسْتَخْلِفْ عُمَرَ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِنِ اسْتَخْلَفْتَ ابْنَ الْخَطَّابِ وَقَدْ عَرَفْتَ فَظَاظَتَهُ وَغِلْظَتَهُ وَشِدَّتَهُ؟ فَقَالَ: أَجْلِسُونِي، أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونَنِي. أَقُولُ اسْتَخْلَفْتُ. عَلَيْهِم خير أهلك. [وفاة أبي بكر] حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْوَليِدِ الْفَلاسُ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، أَنْبَأَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بكر في مرضه قال:

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 200.

أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: يَوْمَ الاثْنَيْنِ. فَقَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَقْبِضَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَلَيْهِ ثوب فيه ردع [1] مَشِقٌ. فَقَالَ إِذَا أَنَا مِتُّ فَاغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا، وَضُمُّوا إِلَيْهِ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ، فَقُلْنَا: أَلا نَجْعَلُهَا جُدُدًا كُلَّهَا؟ قَالَ: لا، الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. قَالَتْ: فَمَاتَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ. حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنِي عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ لَهَا: فِي أَيِّ يَوْمٍ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فِي يَوْم الاثْنَيْنِ. فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ. إِنِّي لأَرْجُو ذَلِكَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. قَالَ: فَفِيمَ كَفَّنْتُمُوهُ؟ قَالَت: فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ يَمَانِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ، قَالَ: وَقَالَتْ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: انْظُرِي ثَوْبِي هَذَا فَإِنَّ فِيهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ، أَوْ مِشْقٌ، فَاغْسِلِيهِ وَاجْعَلِي مَعَهُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ. فَقَالَتْ: هُوَ خَلِقٌ. فَقَالَ: الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ. قَالَ عُرْوَةُ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ خَلَّفَ حُلَّةً حَبْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدْرَجَ فِيهَا، ثُمَّ اسْتَخْرَجُوهُ وَكَفَّنُوهُ فِي ثَلاثِ أَثْوَابٍ بِيضٍ، فَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ الْحُلَّةَ وَقَالَ لأُكَفِّنَنَّ نَفْسِي فِي شَيْءٍ مَسَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: وَاللَّهِ لا أُكَفَّنُ فِي شَيْءٍ مَنَعَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ، فَكُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا، وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ وَدُفِنَ لَيْلا، وَمَاتَتْ عَائِشَةُ لَيْلا، وَدَفَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لَيْلا. حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ

_ [1] الردع: اللطخ.

يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَائِشَةَ وَقَدْ ثَقُلَ فِي مَرَضِهِ: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خُذُوا هَذَا الثَّوْبِ- لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مِشْقٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ، قَالَ وَالْمِشْقُ الْمَغَرَةُ- فَاغْسِلُوهُ ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَلِمَ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ أَبُو بَكْرٍ بِهِ أَنَّهُ اغْتَسَلَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ وَكَانَ يَوْمًا باردا فحمّ خمسة عشر يَوْمًا لا يَخْرُجُ إِلَى صَلاةٍ، وَكَانَ يَأْمُرُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَيَدْخُلُ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَعُودُونَهُ وَهُوَ يَثْقُلُ كُلَّ يَوْمٍ، وَذَلِكَ فِي دَارِهِ الَّتِي أَقْطَعَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِجَاهَ دَارِ عُثْمَانَ الْيَوْمَ، وَكَانَ عُثْمَانُ أَلْزَمَهُمْ لَهُ فِي مَرَضِهِ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ مَسَاءَ لَيْلَةِ الثُّلاثَاءِ لِثَمَانِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةَ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَكَانَتْ أَيَّامُهُ سَنَتَيْنِ وَثَلاثَةَ أَشْهُرٍ، وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مَعْشَرٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ كَانَتِ أَيَّامُهُ سَنَتَيْنِ وَثَلاثَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَذَلِكَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فِي سِنِّهِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلاثِ سِنِينَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جُدْعَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَسَنُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ قَالَ: غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهُوَ أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، أنبأ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، ثنا أَشْعَثُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ،

أَحْسَبُهُ قَالَ: ابْنُ صَبْرَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَإِنْ عَجَزَتْ أَعَانَهَا ابْنُهَا مُحَمَّدٌ [1] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَإِنْ عَجَزَتْ فَلَمْ تَسْتَطِعِ اسْتَعَانَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ [2] ، فَلَمْ تَحْتَجْ إِلَى غَيْرِهَا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَهَذَا الْمُثْبَتُ، وَكَيْفَ يُعِينُهَا ابْنُهَا مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ إِذَا مَاتَ، وَعَزَمَ عَلَيْهَا لِمَا أَفْطَرَتْ لأَنَّهُ أَقْوَى لَهَا، فَذَكَرَتْ يَمِينَهُ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَدَعَتْ بِمَاءٍ فَشَرِبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لا أُتْبِعُهُ فِي يَمِينِهِ حَنَثًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، أنبأ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ وَهَذَا يَوْمٌ شَدِيدٌ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ فَقَالُوا: لا [3] . حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، أنبأ حَنْظَلَةُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي رَيْطَتَيْنِ [4] ، رَيْطَةٍ بَيْضَاءَ وَأُخْرَى

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 203. [2] عبد الرحمن بن أبي بكر. [3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 204. [4] الريطة: الملاءة قطعة واحدة. اللسان.

مُمَصَّرَةٍ [1] وَقَالَ: الْحَيُّ أَحْوَجُ إِلَى الْكُسْوَةِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ وَفَمِهِ. حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، ثنا منذر بْن علي العنزي عَن ليث عَن عطاء قَالَ: كفن أَبُو بَكْر فِي ثوبين غسيلين. حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا عَبْد اللَّهِ بْن نمير، أنبأ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قَالَ: كفن أَبُو بَكْر فِي ثلاثة أثواب أحدها ممصر. حدثني وهب بْن بقية، ثنا يَزِيد، أنبأ حميد الطويل عَن بكر بْن عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أن أَبَا بَكْر كفن فِي ثوبين. حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح، أنبا شريك عَن عمران بْن مسلم عَن سويد بْن عقلة قَالَ: كفن أَبُو بَكْر فِي ثوبين معقدين [2] . وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو نعيم الْفَضْل بْن دُكَيْنٍ، أنبا زهير بْن عمران بْن مسلم عَن سويد بْن غفلة أن أَبَا بَكْر كفن فِي ثوبين من هَذِهِ الثياب الموصولة. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ سَمِعَهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا، وَاغْسِلُوهُمَا فَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلِ [3] وَالْبِرَازِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد اللَّهِ الأنصاري عن سَعِيد بن

_ [1] ممصرة: فيها شيء من صفرة. اللسان. [2] المعقد: ضرب من برود هجر. تاج العروس. [3] المهل: صديد الموت. اللسان.

أَبِي عروبة عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كفن فِي ثوبين أحدهما غسيل [1] . حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّامِي قَالا: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَيْنَ صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ. قَالَ: وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ؟ قَالَ: عُمَرُ. قَالَ: كَمْ كَبَّرَ؟ قَالَ: أَرْبَعًا. حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن صَالِح الأَزْدِيّ، ثنا وكيع بْن الجراح عَن كَثِيرِ بْن زَيْد عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أن أَبَا بَكْرٍ وعمر دفنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى عليهما تجاه المنبر. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، أَنْبَأَ خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَبَّرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قُبِرَ أَبُو بَكْرٍ بِاللَّيْلِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلا فَدَفَنَّاهُ قَبْلَ أَنْ نُصْبِحَ [2] . حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا حَفْصُ بْنُ غَيَّاثٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ حِينَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْر في المسجد ربّع.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 306. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 207.

حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أنبأ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي السَّبَّاقِ- أَوِ ابْنِ السَّبَّاقِ- أَنَّ عُمَرَ دَفَنَ أَبَا بَكْرٍ لَيْلا، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَوْتَرَ بِثَلاثٍ. حَدَّثَنَا الْوَليِدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ خَالِدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَضَرْتُ دَفْنَ أَبِي بَكْرٍ فَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْزِلَ، فَقَالَ لِي عُمَرُ: كُفِيتَ [1] . حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ أَقَمْنَ عَلَيْهِ النَّوْحَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَنَهَاهُنَّ عَنِ النَّوْحِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَنْتَهِينَ، فَقَالَ عُمَرُ لِهِشَامِ بْنِ الْوَليِدِ: ادْخُلْ فَأُخْرِجَ إِلَى ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ. إِنِّي أُحَرِّجَ عَلَيْكَ بَيْتِي، فَقَالَ عُمَرُ لِهِشَامٍ: ادْخُلْ فَقَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَدَخَلَ هِشَامٌ فَأَخْرَجَ أُمَّ فَرْوَةَ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ فَعَلاهَا بِالدِّرَّةِ، فَتَفَرَّقَ النَّوْحُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ أَبِي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَأَصْبَحْنَا فَاجْتَمَعَ نِسَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَأَقَمْنَ النَّوْحَ، وَأَبُو بَكْرٍ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ، فأمر عمر بالنوائح ففرّقن، فو الله إِنْ كُنَّ لَيُفَرَّقْنَ وَيَجْتَمِعْنَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولانِ: أوصى أبو بكر عائشة

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 208.

أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ حُفِرَ لَهُ وَجُعِلَ رَأْسُهُ عِنْدَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَلْصَقُوا اللَّحْدَ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُبِرَ هُنَاكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَخْبَرَنِي رَبِيعَة بْن عُثْمَان عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: رأس أَبِي بَكْر عند كَتِفَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأس عمر عند حقوي أَبِي بَكْر، فَقَالَ: قَالَ الْوَاقِدِيّ: وأخبرني ابْن أَبِي سبرة عَن عَمْرو بْن أَبِي عَمْرو عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ قَالَ: جعل قبر أَبِي بَكْر مثل قبر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسطحا ورش عَلَيْهِ الماء. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّهْ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلاثَةِ قُبُورٍ لا مُشْرِفَةٍ وَلا لاطِيَةٍ، فَرَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَدِّمًا، وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَرَأْسُ عُمَرَ عِنْدَ رِجْلَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد، ثنا عَمْرو بْن الْهَيْثَم أَبُو قطن، ثنا الرَّبِيع الصائغ قَالَ: كَانَ نقش خاتم أَبِي بَكْرٍ «نعم القادر اللَّه» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْن طَلْحَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أبي بكر عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَرَّثَ أَبُو بَكْرٍ أَبُوهُ أَبُو قُحَافَةَ السُّدُسَ، وَوَرِثَهُ مَعَهُ وَلَدُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٌ، وَعَائِشَةُ، وَأَسْمَاءُ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَامْرَأَتَاهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَحَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي

زُهَيْرٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ [1] . حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَارِيَابِيُّ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ- وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ-: [كَانَا وَاللَّهِ إِمَامَيْ هُدًى رَاشِدَيْنِ مُفْلِحَيْنِ مُنْجِحَيْنِ خَرَجَا مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصَيْنِ] [2] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: كَلَّمَ أَبُو قُحَافَةَ فِي مِيرَاثِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: رَدَدْتُ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ أَن أَبَا بَكْرٍ تَخَتَّمَ فِي الْيَسَارِ. قَالُوا: وَأُتِيَ أَبُو بَكْرٍ بِمَالٍ فَقَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةٌ فَلْيَأْتِنِي: فَأَتَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَحَفَنَ لَهُ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ [3] . حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ثنا إِسْمَاعِيل بْن علية عَن منصور بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مات أَبُو بَكْرٍ وعمر ولم يجمعا الْقُرْآن، قَالَ إِسْمَاعِيل: يعني لم يحفظاه. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيع الزَّهْرَانِيّ، حَدَّثَنِي حَمَّاد بْن زَيْد وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سعد عن عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ حَمَّادِ بْن زَيْد، أنبأ أَيُّوب وهشام عَن مُحَمَّد بْن سيرين قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْر ولم يجمع القرآن

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 208- 211. [2] بهامش الأصل: هذا الأبر بعلي واللائق بجلالته رضي الله عنه، خلاف ما يقوله الضلال. [3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 211.

خطبة أبي بكر عقب بيعته

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، ثنا عَوْنُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ: ابْسُطْ يَدَكَ نُبَايِعْ لَكَ فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَقْوَى مِنِّي، فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنَّ لَكَ مَعَ فَضْلِكَ قُوَّةً، فَبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أبو معاوية عن السري عن يحيى عَنْ بِسْطَامِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «لا يَتَأَمَّرُ عَلَيْكُمَا أَحَدٌ بَعْدِي» .] [خطبة أبي بكر عقب بيعته] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ قَامَ خَطِيبًا، فو الله مَا خَطَبَ خُطْبَتَهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: فقد وليت هذا الأمر وأناله كاره، وو الله لَوَدَدْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ كَفَانِيهِ، أَلا وَإِنَّكُمْ كَلَّفْتُمُونِي أَنْ أَعْمَلَ فِيكُمْ بِمِثْلِ مَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَقُمْ بِهِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ وَعَصَمَهُ بِهِ، أَلا وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ فَرَاعُونِي، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي غَضِبْتُ فَاجْتَنِبُونِي لا أُوثِرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشَيْبُ، ثنا زُهَيْرٌ، ثنا عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ فَذَكَرَ كَلامًا فِي الْخِضَابِ فَقَالَ: هَذَا الصِّدِّيقُ قَدْ خَضَّبَ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: الصِّدِّيقُ؟. قَالَ: نَعَمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، إِنَّهُ الصِّدِّيقُ [1] . الْمَدَائِنِيّ قَالَ، أخذ المهاجر بْن أَبِي أمية المخزومي قينة باليمن شتمت

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 211- 212.

وولد لأبي بكر رضي الله تعالى عنه:

أَبَا بَكْر بعد صلح النجير [1] فقطع يدها: فكتب إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ: بلغني أنك أخذت امْرَأَة شتمتني فقطعت يدها وقد أهدر اللَّه من الشرك مَا هُوَ أعظم من ذَلِكَ، وتركت المثلة في ظاهر الكفر ففعلت حقا وعملت بحسن، وإذا أتاك كتابي فاقبل الدعة ودع المثلة فإنها مأثمة، وقد نزه اللَّه الإِسْلام وأهله عَن فرط الغضب، وقد أَخَذَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوما آذوه وشتموه وأخرجوه وحاربوه فلم يمثل بهم [2] . وولد لأَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَنِ، وعائشة، وأمهما أم رومان بِنْت عامر بْن عويمر، كنانية، وعَبْد اللَّهِ، وأسماء، وأمهما قتيلة بِنْت عَبْد العزى من بني عامر بْن لؤي، وَمُحَمَّد، وأمه أسماء بِنْت عميس بْن معد الخثعمية، وأم كلثوم، وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير بْن مالك بْن امرئ القيس من الخزرج، وَهَذَا البطن يعرفون ببني الأغر. وأما أبو قحافة [والد أبي بكر:] عُثْمَان بْن عامر بْن عُمَرَ بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم، فإنه أسلم يَوْم فتح مَكَّة وَكَانَ قد سند فِي الجبل يومئذ، وأسماء ابنته تقوده، وَهُوَ مكفوف البصر فرماه بعض الْمُسْلِمِينَ فشجه، وأخذت قلادة أسماء، فأدركه أَبُو بَكْر وَهُوَ يستدمي فمسح الدم عَن وجهه وَقَالَ: رحم اللَّه من فعل بك هَذَا، ثُمَّ إنه أُتِيَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: [يَا أَبَا بَكْرٍ، هلا تركته حَتَّى نأتيه،] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ أولى بإتيانك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فأسلم وبايع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمره بتغيير شيبه فخضب، وَقَالَ أبو

_ [1] النجير حصن منيع قرب حضر موت لجأ إليه المرتدون مع الأشعث بن قيس الكندي. [2] بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث من أول الكتاب ولله الحمد.

أم رومان امرأة أبي بكر

بَكْرٍ: يَا معشر الْمُسْلِمِينَ. نشدت اللَّه رجلا أخذ قلادة الصبية إِلا ردها، فلم ترد. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إن الأمانة لعليلة. قَالُوا: ولما تُوُفِّيَ أَبُو بَكْر سمع أَبُو قحافة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الهائعة [1] فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قيل: تُوُفِّيَ ابنك أَبُو بَكْر فَقَالَ: رحمه اللَّه، رزء جليل، فمن استخلف؟ قيل: ابْن الخطاب. قَالَ: صاحبه، فرضيت بنو عبد مَنَاف بِهِ؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: يفعل اللَّه مَا يشاء. وتوفي أَبُو قحافة فِي المحرم سنة أربع عشرة، وَهُوَ ابْن سبع وتسعين سنة، وَهُوَ كَانَ المنذر لأهل مَكَّة حين أقبل الحبشي بالفيل. وأسلمت أم الخير سلمى بِنْت صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن معد، أم أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما، وَكَانَ إسلامها مَعَ إسلام أَبِي قحافة، وقد كَانَتْ قبل ذَلِكَ مائلة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفيت فيما ذكر الْوَاقِدِيّ قبل وفاة أَبِي بَكْر. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي، أَخْبَرَنِي هِشَام بْن عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ أن أَبَا بَكْر لما تُوُفِّيَ ورثه أبواه، وقالت أسماء بِنْت أَبِي بَكْرٍ: دعاني أَبِي إِلَى الإِسْلام يَوْم أسلم فأسلمنا قبل أن يريم مجلسه، ولقد جاءني يوما وَهُوَ يبكي فقلنا: مَا يبكيك؟ فَقَالَ: مَا لقي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَبِي جهل وابن الغيطلة [2] ، فجلسنا نبكي معه. [أم رومان امرأة أبي بكر] قَالُوا: ولما أسلم سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ أتى أَبَا بَكْرٍ فأخبره بما لقيه بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمعته أم رومان امْرَأَة أَبِي بَكْر وَهُوَ يفاوضه أمر الاسلام،

_ [1] الهائعة: صوت الحزن المفزع والشديد. اللسان. [2] بالأصل: القبطية، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه.

عبد الرحمن بن أبي بكر

فلما خرج سَعْد قَالَت لأَبِي بَكْرٍ: مَا الَّذِي كنتما فِيهِ؟ فأخبرها ودعاها إِلَى شهادة الحق ورفض الأوثان، فأسلمت وقالت: لقد كنت أعلم أن محمدا خليق بكل خير، واسم أم رومان دعد [1] وأبوها عامر بْن عويمر بْن عَبْدِ شمس، من بني كنانة بْن خزيمة، ويقال عمير بْن عامر، وكانت قبل أَبِي بَكْر عند عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث بْن سخبرة الأَزْدِيّ فقدم بِهَا مَكَّةَ وَحَالَفَ أَبَا بَكْرٍ قَبْلَ الإِسْلامِ وتوفي عَنْهَا، فخلف عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ، فولدت عَائِشَة أم الْمُؤْمِنِينَ، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ، وهاجرت أم رومان وماتت بالمدينة فِي ذي الحجة سنة ست، فصلى عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل قبرها وَقَالَ: [من سره أن ينظر إِلَى امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أُمِّ رومان.] [عبد الرحمن بن أبي بكر] وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وأم رومان يدعوان عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر إِلَى الإِسْلام فيأباه ويقول: أف لكما، أتعدانني أن أخرج من القبر بعد أن صرت رمة وبليت أعظمي؟ فأين من خلا من الأمم قبلي، أين أَبُو زهير عَبْد اللَّهِ بْن جدعان؟ أين فلان، وفلان؟. وكانا يستغيثان اللَّه- أي يدعوانه لَهُ بالهدى- ويقولان: ويلك آمن فيقول: هَذَا أساطير الأولين. فنزلت فيه: والذي قال لوالديه أف لكما) [2] الآية، ثُمَّ قَالَ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القول [3] يعني من عدد من ابْن جدعان وغيره. وروي عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَت: نزلت هَذِهِ الآية فِي غير عَبْد الرَّحْمَنِ، وأسلم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر في هدنة الحديبية، ومات في

_ [1] بهامش الأصل: أم واسمها في قول ابن هشام زينب، رواه ابن الأثير في جامع الأصول. [2] سورة الأحقاف- الآية: 17. [3] سورة الأحقاف- الآية: 18.

سنة ثلاث وخمسين خارجا من مَكَّة فجاءة. وذكر بعض الرواة أن عَائِشَة أدخلته الحرم فدفن بِهِ، وَقَالَ أَبُو اليقظان البصري: وَهُوَ أول من مات من أهل الإِسْلام فجاءة وَكَانَ لَهُ شعر، وغزا الشام وشهد الجمل مَعَ عَائِشَة. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر بِحَبَشِيٍّ- وَهُوَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِيلا مِنْ مَكَّةَ- فَحُمِلَ وَدُفِنَ فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ مَكَّة مِنَ الْمَدِينَةِ أَتَتْ قَبْرَهُ فَقَالَتْ [1] : وَكُنَّا كَنَدْمَانِي جُذَيْمَةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... بِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعًا وَقَالَ هِشَامُ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: جُذَيْمَةُ الأَبْرَشُ بْنُ مَالِكِ بْنِ فَهْمِ بْنِ غَانِمِ بْنِ دَوْسِ بْنِ عُدْثَانَ، وَهُوَ الْوَضَّاحُ، وَنَدِيمَاهُ مَالِكٌ وَعَقِيلٌ ابْنَا فَارِجِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جِسْرِ بْنِ شيعِ اللَّهِ بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، وَبَعْضُ النُّسَّابِ يَقُولُ: فَالِجُ بْنُ مَالِكٍ. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ- عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ فِي مَنْزِلِهِ، قَالَ: فَحَمَلْنَاهُ عَلَى رِقَابِنَا سِتَّةَ أَمْيَالٍ إِلَى مَكَّةَ، فلما قدمت عائشة قالت: أروني قبر

_ [1] البيتان من قصيدة لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك الذي قتل في حروب الرده. انظر المفضليات- ط. بيروت 1920 ص 534- 535.

أَخِي فَأَرَوْهَا إِيَّاهُ، فَصَلَّتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ حَضَرْتُكَ لَدَفَنْتُكَ حَيْثُ مِتَّ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ لَمْ أَبْكِ عَلَيْكَ. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَشَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَدَعَا بِالْبِرَّازِ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِيُبَارِزَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ. تَبْعَثُ إِلَيْنَا آبَاءَنَا، فَكَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَيْحَكَ مَا فَعَلَ الْمَالُ؟ فَقَالَ: لَمْ يُبْقِ إِلا شَكَّةً وَيَعْبُوبَ [1] ... وَفَارِسٌ يَضْرِبُ إِذْ خَامَ الشَّيْبُ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَقْدِمُ الشَّامَ فَعَشِقَ ابْنَهُ الْجُودِيِّ الْغَسَّانِيِّ، وَاسْمُهَا لَيْلَى، وَقَالَ فِيهَا: تَعَلَّقَ لَيْلَى وَالسَّمَاوَةُ دُونَهُ ... فَمَا لابْنَةِ الْجُودِيِّ لَيْلَى وَمَالِيَا وَكَيْفَ تَعَاطَى قَلْبَهُ حَارِثِيَّةً ... تُدَمِّنُ بَصَرِي أَوْ تُحِلُّ الجوابيا [2] وكيف أرجّي أن أراها وعلّها ... إذا النَّاسُ وَافَوْا قَابِلا أَنْ تُوَافِيَا وَقَالَ أَيْضًا: يابنة الْجُودِيِّ قَلْبِي كَئِيبٌ ... مُسْتَهَامٌ عِنْدَكُمْ مَا يُثِيبُ جَاوَزَتْ أَخْوَالَهَا حَيَّ عَكٍّ ... فَلِعَكٍّ مِنْ فُؤَادِي نَصِيبٌ قَالَ: وَصَحِبَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ حِجَالٌ فَقَالَ: لَيْتَهَا صَاحِبِي مَكَانَ حِجَالٍ ... وَحِجَالٌ حَيْثُ أم الرئال [3] انها قد سبت فؤادي وأصبح ... ت رهينا للهم والبلبال

_ [1] الشكة: السلاح، واليعبوب: الفرس السريع. اللسان. [2] كانت الجابية قائمة قرب بلدة نوى في حوران سورية وهي ليست نائية عن بصرى. [3] أم الرئال هي النعامة. المرصع لابن الأثير.

محمد بن عبد الرحمن،

وَلَمَّا أَسْلَمَ حَسُنَ إِسْلامُهُ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَمَّا أَغْزَى عُمَرُ الشَّامَ أَعْلَمَهُ عَبْدُ الرحمن كلفه بِابْنَةِ الْجُودِيِّ، فَأَمَرَ إِنْ ظُفِرَ بِهَا أَنْ تُدْفَعَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَدُفِعَتْ إِلَيْهِ، وَقِيلَ إِنَّهَا وَقَعَتْ لَهُ فِي سَهْمِهِ. وَيُقَالُ بِهَا كَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَوَهَبُوا لَهُ سِهَامَهُمْ مِنْهَا، فَحَمَلَهَا مَعَهُ، وَيُقَالُ إِنَّهَا حُمِلَتْ فِي السَّبْيِ وَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَيْهِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ فَلَمْ يَزَلْ نِسَاؤُهُ يَكِيدُونَهَا حَتَّى شَنَأَهَا وَمَلَّهَا وَشَنِفَ لَهَا فَطَلَّقَهَا وَمَتَّعَهَا، فَأَتَتِ الشَّامَ، وَيُقَالُ مَاتَتْ عِنْدَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ عَنْهَا، فَرَجَعَتْ إِلَى الشَّامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فمن ولد عَبْد الرَّحْمَنِ: مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، جلد فِي الشراب هُوَ ومصعب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، جلدهما مروان، وأمه من ولد قَيْس بْن عدي السهمي. وعَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وحفصه، أمهما قريبة بِنْت أَبِي أمية بْن الْمُغِيرَةِ المخزومي، وأمها ابنة عتبة بْن رَبِيعَة. وطلحة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وأمه عَائِشَة بِنْت طلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ، وأمها أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْر الصديق، وَكَانَ طلحة سخيا وفيه يَقُول الحزين الأشجعي أَوِ الكناني: فانك يَا طلح أعطيتني ... جمالية تستخف الصغارا فما كَانَ يفعل لِي مرة ... وَلا مرتين ولكن مرارا أبوك الَّذِي بايع المصطفى ... وسار مَعَ المهتدي حَيْثُ سارا فولد طلحة محمدا، وَكَانَ عاملا عَلَى مَكَّة [1] وفيه يَقُول الشاعر: قد قَالَ لِي صاحبي سرا فقلت لَهُ ... إن ابْن طَلْحَةَ فِي الأركان محتاطا

_ [1] لعمر بن عبد العزيز. تهذيب التهذيب لابن حجر- ط. حيدر أباد ج 9 ص 237.

وله ولد ينزلون خارجا مِنَ الْمَدِينَةِ، وكانت عَائِشَة بِنْت مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ عند سُلَيْمَان بْن علي وَقَالَ فِيهِ البكائي: إن فتى تيم بْن مرة الَّذِي ... لعائشة الصغرى وبنت أَبِي بَكْر وأودعه عروة مالا وخاف أن يكون قد أتلفه، فلما قدم وجده وافرا فتمثل عروة: وَمَا استخبيت فِي رجل خبيئا ... كدين الصدق أَوْ حسب عتيق وعَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي بَكْر الَّذِي يقال لَهُ ابْن أَبِي عتيق، رمى بسهم فِي نضال فَقَالَ: أصبت وأنا ابْن أَبِي عتيق، يعني أبا قحافة، ويقال أن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يكنى أبا عتيق. وَقَالَ أَبُو اليقظان: تناضل عدة من ولد أَبِي بَكْر فَقَالَ أحدهم: أنا ابْن الصديق، وَقَالَ الآخر: أنا ابْن صاحب الغار، وَقَالَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ: أنا ابْن أَبِي عتيق، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ابْن أَبِي عتيق ظريفا كثير الملح. حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ وغيره قَالُوا: كَانَ بعض الأعراب منقطعا إِلَى ابْن أَبِي عتيق، ثُمَّ غاب عَنْهُ حينا فإنه جالس عَلَى باب داره بالمدينة إذ مر بِهِ الأعرابي وَهُوَ مقيد بأزواج فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا ويلك؟ قَالَ: لطت [1] حوضا لِي فثلمه بعض جيراني فخطرت يدي خطرة فأصابت صدره فأتى عَلَيْهِ أجله. فَقَالَ: ولم فعلت ذَلِكَ ويحك؟ فأنشد: وأي امرئ فِي النَّاس يهدم حوضه ... إذا كَانَ ذا رمح ولمّا يماصع [2]

_ [1] لطته: كسوته بالطين. انظر اللسان. [2] يماصع: يجالد ويضارب. القاموس.

فَقَالَ ابْن أَبِي عتيق: أنا وَاللَّه كنت أصلحه بكف من طين وَلا يكون فِي رجلي مَا فِي رجلك. وَحَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ قَالَ: بعثت عَائِشَة إِلَى ابْن أَبِي عتيق تسأله أن يعيرها بغلة لَهُ لترسل عَلَيْهَا رسولا فِي حاجة لها، فَقَالَ لرسولها: قل لها وَاللَّه مَا غسلنا رءوسنا من عار يَوْم الجمل أفمن رأيك أن تأتينا بيوم البغلة؟ الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابْنِ جعدبة قَالَ: سأل ابْن أَبِي عتيق غلامه عَن مرآة لَهُ فَقَالَ: جلوتها بدرهمين فَقَالَ: وَاللَّه لو صديت عين الشمس ما ساوى جلاؤها درهمين. وكانت عَائِشَة بِنْت طلحة سيئة الخلق، فاعتزلت عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر غضبى عَلَيْهِ وجلست فِي غرفة لها، ورفعت السلم، فَقَالَ عمر: ترضها لِي ولك عشرة آلاف درهم، فوقف أسفل الغرفة ثُمَّ قَالَ: يَا بِنْت عم. إنّ هَذَا الرجل قد جعل لِي عشرة آلاف درهم إذا أنت رضيت، فأظهري الرضا عَنْهُ وضعي السلم، ثُمَّ عودي إِلَى مَا عوده اللَّه من سوء خلقك. قَالَ: وسمع ابْن أَبِي عتيق عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ ينشد: من رسولي إِلَى الثريا بأني ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب [1] فَقَالَ: أنا الرسول ومضى إِلَى مَكَّةَ، ويقال إِلَى الطائف فأنشدها البيت، ثُمَّ عدل راحلته منصرفا، فسئل أن يقيم فَقَالَ: إن مقامي بعد قضاء حاجتي جهل وفراغ. وانصرف.

_ [1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 430.

وذكر ابْن أَبِي عتيق رجل من المغنين فَقَالَ: رحمه اللَّه فقد كَانَ يحسن غناء: لمن ربع بذات الجي [1] ... ش أضحى دارسا خلقا [2] وقام منصرفا، ثُمَّ رجع فَقَالَ: لخفيفه لا لثقيلة، ثُمَّ مضى، ويقال إنه قَالَ ذَلِكَ للدلال [3] حين خصي قَالَ: لئن خصيتموه لقد كَانَ يحسن هَذَا الصوت. وعاد ابْن أَبِي عتيق عَائِشَة أم الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَقَالَ: يَا أم الْمُؤْمِنِينَ كيف تجدينك جعلني اللَّه فداك؟ قَالَت: وجعة مَا أراني أمسي، فَقَالَ: لا جعلني اللَّه إذا فداءك. قَالُوا وأنشد نصيب [4] وَكَانَ أسود: وددت ولم أخلق من الطين أنني ... أعار جناحي طائر فأطير فَقَالَ ابْن أَبِي عتيق: يابن أم قل: غاق فإنك تطير- أي أنك أسود-. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئ عَن ابْن كناسة الأسدي قَالَ: كَانَ ابْن أَبِي عتيق وأصحاب لَهُ يجتمعون بالمدينة فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فينشدون الشعر وَكَانَ بناحية من المسجد رجل يصلي فيطيل الصلاة في كل

_ [1] موضع قرب المدينة. معجم البلدان. [2] شعر الأحوص الأنصاري ص 205. [3] كان مخنثا من ظرفاء المدينة، خصاه أبو بكر بن حزم بأمر من سليمان بن عبد الملك. الأغاني ج 4 ص 273- 278. [4] نصيب بن رباح مولى عبد العزيز بن مروان، كان شاعرا مجودا في النسيب والمديح. انظر شعره. ط. بغداد 1968 ص 91 مع فوارق.

ومن ولد عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهم: شعيب بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد،

يَوْم فإذا سلم قَالَ لهم: يَا فسقة أتنشدون الشعر فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فانصرف ابن أَبِي عتيق يوما من المسجد فقالت لَهُ جاريته إن رجلا يصلي قرب حلقتكم يتعرض بي ويدعوني إِلَى مَا لا يحل لَهُ، فَقَالَ: ويحك عديه فإذا دخل إِلَيْك فآذنيني بِهِ، فلما عرض لها أدخلته منزل مولاها فآذنته فلم يلبث أن جاء ابْن أَبِي عتيق وأصحابه فقالت الجارية للرجل: قد جاء مولاي فادخل هَذِهِ الحجلة [1] فدخلها وزرتها عَلَيْهِ، ودعا ابْن أَبِي عتيق بالطعام فأتي بِهِ فأكل هُوَ وأصحابه، ثُمَّ قَالَ: يَا جارية افتحي الحجلة حَتَّى أنام فلما فتحتها نظر الرجل إليهم فَقَالَ: يَا فسقة، مَا تصنعون هاهنا؟ فَقَالَ لَهُ ابْن أَبِي عتيق: استر علينا ستر اللَّه عليك، فخرج الرجل ولم يعد إِلَى المسجد. ونزل ابْن أَبِي عتيق عَن بغلته فبال، ثُمَّ حمله أصحابه عَلَى البغلة فَقَالَ: قد قضيتم مَا عليكم من حملي وبقي مَا علي من الاستمساك. ومن ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم: شعيب بْن طَلْحَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو مُحَمَّد، مات سنة أربع، ويقال خمس وسبعين ومائة. وأما عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْرٍ فإنه شهد يَوْم الطائف مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجرح جراحة انتقضت بِهِ بعد فمات مِنْهَا. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: تزوج عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر عاتكة بِنْت زَيْد فغلبته على رأيه وشغلته عَن سوقه، فأمره أَبُو بَكْر بطلاقها فطلقها واحدة، ثُمَّ قعد لأبيه على الطريق فلما رأى أباه بكى وأنشده: لم أر مثلي طلق العام مثلها ... ولا مثلها في غير ذنب تطلق

_ [1] الحجلة كالقبة وموضع يزين بالثياب والستور للعروس. القاموس.

لها خلق جزل ورأي ومنصب ... وخلق سوي فِي الحياة ومنطق فأمره بمراجعتها. وَقَالَ أَبُو اليقظان: شهد عَبْد اللَّهِ يَوْم الطائف مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجرح بسهم، ثُمَّ بقي إِلَى زمن أَبِيهِ، وتزوج عاتكة بِنْت زَيْد بْن عَمْرو العدوي، فكانت عاقرا لا تطمث وَلا تلد، فأمره أَبُو بَكْر بطلاقها فَقَالَ فِي ذَلِكَ: يقولون طلقها وامسك مكانها ... وذلك قول من رشيد وحازم وإن فراقي أهل بيت جمعتهم ... عَلَى كبر مني لإحدى العظائم وَقَالَ أَيْضًا: لم أر مثلي طلق الْيَوْم مثلها ... وَلا مثلها فِي غير شَيْء تطلق فطلقها وجعل لها مالا عَلَى أن لا تتزوج بعده، ولما هلك ترك سبعة دنانير فاستكثرها أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وقالت عَائِشَة بِنْت زَيْد ترثيه وخلف عَلَيْهَا عمر: فأقسمت لا تنفك عيني سخينة ... عليك وَلا ينفك جلدي أغبرا فولد عَبْد اللَّهِ إِسْمَاعِيل، فهلك وَلا عقب لِعَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أخرج أَبُو بَكْر السهم الَّذِي رمي بِهِ عَبْد اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو محجن الثَّقَفِيّ: أنا بريته ورشته ورميته بِهِ، ثُمَّ رزق اللَّه الإِسْلام. وقد كتبنا خبر أم الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَة، وخبر أسماء بِنْت أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عنهم. وَقَالَ أَبُو اليقظان: ولدت أسماء للزبير عدة، وأراد مرة أن يضربها، فمنعه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر من ذَلِكَ فَقَالَ الزُّبَيْر: إن لم تخل عني فهي طالق. فَقَالَ: لا وَاللَّه لا تحلف بطلاقها بعد هَذِهِ ومنعه مِنْهَا فطلقها، وكانت

وأما محمد بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما،

مَعَ عَبْد اللَّهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فلما أتيت بجيفته عزاها عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ فَقَالَتْ: وَمَا يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا إِلَى بغي من بغايا بني إِسْرَائِيل، ثُمَّ بقيت أسماء حَتَّى بلغت مائة سنة وماتت بِمَكَّةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا. وأما مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما، وأمه أسماء بِنْت عميس الخثعمية فكان من خبره رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بمصر وغيرها مَا قد ذكرنا، وَكَانَ يكنى أبا الْقَاسِم، وَكَانَ من فتيان قُرَيْش، وَكَانَ ممن أعان عَلَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. فولد مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْرٍ: الْقَاسِم بْن مُحَمَّد لأم ولد، وَكَانَ يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وَكَانَ فقيها. وَقَالَ ابْن سَعْد: ويكنى أبا مُحَمَّد ومات فِي سنة اثنتي عشرة ومائة وَهُوَ ابْن سبعين سنة، ويقال اثنتين وسبعين سنة، ويقال مات فِي سنة ثمان ومائة. وَكَانَ قد كف بصره [1] . حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأعرابي الراوية عَن سَعِيد بْن سلم الباهلي عَن أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَوْفٍ عَن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أنه كَانَ يصلي ثُمَّ يسجد فيقول: اللَّهُمَّ أغفر لأبي ذنبه فِي عُثْمَان. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْن أَنَسٍ قَالَ: أتى الْقَاسِم أميرا من أمراء الْمَدِينَة فسأله عَن شَيْء فَقَالَ الْقَاسِم: إن من إكرام المرء نفسه أَلا يَقُول إِلا مَا أحاط بِهِ علمه. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر فقيها

_ [1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 194.

وأم فروة،

صالحا، وَكَانَ يَقُول: من خاف اللَّه فِي الدنيا أمن عذابه فِي الآخرة، وَقَالَ: التقى زاد المؤمن. وسئل الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَن الرجل يكلم امرأته بالرفث إذا خلا، فَقَالَ: إذا غلقت الأبواب فليصنع مَا شاء. وَقَالَ أَبُو اليقظان: ولد الْقَاسِم بْن مُحَمَّد: عَبْد الرَّحْمَنِ، وأم فروة، تزوجها مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بن أبي طالب، ولعَبْد الرَّحْمَنِ عقب بالمدينة. قَالَ ابْن سَعْد: مات عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر أَبُو مُحَمَّد بالفدين من الشام سنة ست وعشرين ومائة، وَكَانَ الْوَليِد [1] بعث إِلَيْهِ وإلى ابْن أَبِي الزناد، وَمُحَمَّد بْن المنكدر، وربيعة الرأي فمات فشهدوه. وأراد عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تزوج أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ خطبها إِلَى عَائِشَة فأنعمت لَهُ وكرهته أم كلثوم، فاستحيت عَائِشَة من عمر، فبعثت إِلَى عَمْرو بْن الْعَاصِ فأخبرته الخبر، فَقَالَ: أنا أحتال فِي هَذَا الأمر، فأتى عمر فَقَالَ: بلغني أنك ذكرت أم كلثوم ولست أرى لك أن تزوجها لأنها مرفهة عند عَائِشَة، فإن حملتها عَلَى معيشتك وخلقك خفت أَلا تصبر فتكون القطيعة بينك وبين آل أَبِي بَكْرٍ، وإن تابعتها عَلَى خلقها أضرت بدينك. فَقَالَ عمر: لقد قلت قولا فما الحيلة؟ قَالَ: أنا أكفيك. قَالَ: فافعل. فأتى عَائِشَة فأخبرها الخبر ثُمَّ انصرف إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عمر: نشدتك اللَّه هل كنت لقيت عَائِشَة؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نعم. فتزوجها طلحة بْن عُبَيْد الله

_ [1] الوليد بن يزيد بعث يستفتيهم عن الطلاق قبل النكاح، والفدين بلدة من أرض حوران. معجم البلدان.

ومن ولد أبي بكر عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم،

فقتل عَنْهَا فتزوجها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُمَرَ بْن أَبِي رَبِيعَةَ المخزومي فولدت لَهُ. ومن ولد أَبِي بَكْر عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِم، ولي قضاء الْمَدِينَة أيام حسن بْن زَيْد. وَقَالَ خفاف بْن ندبة- وَهِيَ أمة أخيذة لبني الْحَارِث بْن كعب، وَهِيَ سوداء، وأبوه عَمير بْن الْحَارِث بْن الشريد- السلمي: ليس لحي فاعلمي من بقاء ... وكل دنيا قصرها للفناء والمال فِي الأقوام مستودع ... عارية والشرط فِيهِ الأداء إن أَبَا بكر هو الغيث إذ لم ... ينبت الجوزاء بقلا بماء فِي أبيات: وقال ابن الكلبي: وتوفي أبو بكر بالمدينة ليلة الثلاثاء لثماني ليال بقين من جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة وَهُوَ ابْن ثلاث وستين وصلى عليه عمر، ودفن ليلا. [وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان] حَدَّثَنِي مُحَمَّد [1] بْن سَعْد عَنِ الواقدي قَالَ: أوصى أبو بكر رضي الله تعالى عَنْهُ رجاله الذين وجههم إِلَى الشام، فَقَالَ ليزيد بْن أَبِي سُفْيَان: إني قد وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك من فيء أهلك، فإن أحسنت زدتك، وإن أسأت عزلتك فعليك بتقوى اللَّه فإنه يرى من باطنك مثل الَّذِي يرى من ظاهرك، وإن أولى النَّاس بِالنَّاسِ أشدهم توليا لَهُ وأقرب النَّاس من اللَّه أشدهم تقرّبا إليه بعمله، وقد وليتك عمل خَالِد بْن الْوَليِد فإياك وعبية [2] الجاهلية، فإن اللَّه يبغضها ويبغض أهلها، وإذا قدمت على جندك فأحسن

_ [1] بهامش الأصل: وصية أبي بكر رضي الله تعالى عنه ليزيد بن أبي سفيان، وفيها فوائد. [2] أي نخوة الجاهلية وكبرها. اللسان.

وصية أبي بكر لعمرو بن العاص

صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه، وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا، فأصلح نفسك يصلح النَّاس لك، وصل الصلوات الخمس لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فِيهَا، وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حَتَّى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون بِهِ، وَلا تريثهم فيروا خللك، ويعلموا علمك، وأنزلهم فِي ثروة عسكرك، وامنع من قبلك من محادثتهم، وكن أنت المتولي لكلامهم، وَلا تجعل سرك كعلانيتك، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة، وَلا تخزن عَن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك، واسمر بالليل فِي أصحابك تأتك الأخبار، وتنكشف عنك الأستار، وأذك حرسك وبددهم فِي عسكرك، وأكثر مفاجأتهم فِي محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه، وعاقبه فِي غير إفراط، واعقب بينهم بالليل، واجعل النوبة الأولى أطول من الآخرة، فإنها أيسرهما لقرب النهار مِنْهَا، وَلا تجاف عَن عقوبة المستحق فتستجرح النَّاس، وَلا تلحن فِي العقوبة، وَلا تسرع إِلَيْهَا وأنت تجد لها مدفعا، وَلا تغفل عَن أهل عسكرك فتفسده وَلا تجسسه فتفضحهم، وَلا تكشف النَّاس عَن أسرارهم، واكتف بعلانيتهم وَلا تجالس العيابين، وجالس أهل الصدق والوفاء. وأصدق اللقاء وَلا تجبن فتجبن النَّاس، واجتنب الغلول، فإنه يقرب الفقر، ويدفع النصر، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم فِي الصوامع فدعوهم وَمَا حبسوا أنفسهم. [وصية أبي بكر لعمرو بن العاص] وَقَالَ لعمرو بْن العاص: أرفق بجندك فِي مسيرك، وتعهدهم بنفسك، وإذا انتهيت إِلَى فلسطين فعسكر هناك حَتَّى تلحقك الجيوش، وإياك والوهن، وَلا تقل رمي بي فِي نحر العدو فقد رأيت نصر اللَّه إيانا ونحن قليل،

وصية أبي بكر لخالد بن الوليد

وأكرم وجوه من معك تستنزل نصائحهم، وتستخرج ما عندهم. [وصية أبي بكر لخالد بن الوليد] وَقَالَ لخالد بْن الْوَليِد: قد وليتك مَا وليتك، فإياك أن تقول إني شاهد وَهُوَ غائب، فإذا قدمت عَلَى القوم فوجدتهم قد كفوك أمرا فأقبله وَلا تنازعهم فِيهِ، وواس جندك فِي اللقاء إذا كَانَ عاما، وإن كَانَ بينكم نوبا فلير مكان نوبتك وحسن أثرك، وإذا قاتلت العدو فاحرص عَلَى الشهادة، وَلا تصبحن إِلا عَلَى ظهر آخذا لأهبة للحرب، وول أمر جيشك أهل النجدة والتجربة وَلا تبادر الفرصة بلا روية التماسا لأن يخلص الأمر لك دونهم فإني لا آمن أن تسلمك المبادرة إِلَى غرة أغفلتها، ومعصية غيبت عَنْهَا، وَلا تبتذل أهل البأس واستبقهم فإنهم حصنك وثقاتك فِي عسكرك وقوام أمرك، وانظر النساء والصبيان وأهل الضعف فارفعهم إِلَى أمنع المواضع، ووكل بهم من يذب عنهم.

طلحة بن عبيد الله بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة،

ومن بني مرة بْن كعب بْن لؤي بْن غالب طلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة، ويكنى أبا مُحَمَّد، وأمه الصعبة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عماد الحضرمي، وأمها عاتكة بِنْت وهب بْن عَبْدِ بْن قصي. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَالِبِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ: حَضَرْتُ سُوقَ بُصْرَى، فَإِذَا رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَتِهِ يَقُولُ: سَلُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمِ أَفِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: ظَهَرَ أَحْمَدُ بَعْدُ؟ قُلْتُ: مَنْ أَحْمَدُ؟ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَذَا زَمَانُهُ، وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وَمَخْرَجُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ إِلَى نَخْلٍ، قَالَ طَلْحَةُ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا قَالَ فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَقُلْتُ: هَلْ كَانَ مِنْ حَدِيثٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الأَمِينُ تَنَبَّأَ وَقَدْ تَبِعَهُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ أَتَبِعْتَ هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، فَأَخْبَرَهُ طَلْحَةُ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَخَرَجَ وَهُوَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ طَلْحَةُ، وَأَخْبَرَ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ الرَّاهِبُ، فَسُرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ أَخَذَهُمَا نَوْفَلُ بْن خُوَيْلِدِ بْن أَسَدِ بْن عَبْد الْعُزَّى، - وَأُمُّهُ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَبِهَا يُعْرَفُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَدَوِيَّةِ، وَكَانَ يُدْعَى أَسَدَ قُرَيْشٍ، وَقَتَلَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ بَدْرٍ- فَقَرَنَهُمَا فَسُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَطَلْحَةُ الْقَرِينَيْنِ [1] . وَقَالَ الشاعر وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن مصعب الزُّبَيْرِيّ فِي صَالِح وَهُوَ من ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ: وأمه من ولد طَلْحَة: يَا صَالِح ابْن القرينين اللذين هما ... مَعَ النَّبِيّ أذلا كُلّ جبار هَذَا المسمى بفعل الخير نافلة ... دون الأنام وَهَذَا صاحب الغار وَقَالَ بعض الرواة: كَانَ عُبَيْد اللَّهِ أَبُو طَلْحَة قرن أَبِي بَكْرٍ وطلحة فِي الجاهلية، فسميا القرينين. وَقَالَ أَبُو اليقظان: لما أسلما قرنهما عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّهِ أخو طَلْحَة بحبل، ولم يبلغنا لَهُ إسلام، وله عقب، وَكَانَ طَلْحَة أحد العشرة الذين سموا للجنة. قَالُوا وَكَانَ يقال لطلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ: طَلْحَة الخير، وطلحة الفياض. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أبي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: وَفَدَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وُفُودٌ مِنْ سَرَوَاتِ أَهْلِ الْيَمَنِ فَأَعْطَاهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالا وَكَسَاهُمْ وَأَحْسَنَ ضِيَافَتَهُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنت الفياض» فسمي الفياض] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 214- 215.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي سُعْدَى بِنْتُ عَوْفٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ طَلْحَةُ، وَهُوَ كَالْحَزِينِ، فَقُلْتُ: مَالَكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَلْ أَنْكَرْتَ مِنْ نَاحِيَتِنَا شَيْئًا؟. قَالَ: لا، وَلَنِعْمَ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ أَنْتِ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي مَالٌ مِنَ الْعِرَاقِ من ضيعتي الشاسبتج [1] يكون أربعمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: تَبْعَثُ غُلامَكَ إِلَى الصَّرَّافِ فَتَأْمُرُهُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ فِي قَرَابَتِكَ وَإِخْوَانِكَ، فَقَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ فَفَرَّقَهَا حَتَّى بَقِيَتْ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقُلْتُ: أَمَا لَنَا فِي هَذَا الْمَالِ نَصِيبٌ قَالَ: بَلَى فَخُذِيهَا إِلَيْكِ، وَقَامَ وَمَا بَقِيَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ [2] . حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمُقْرِئُ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عينية عن طلحة بن يحيى قال حدثتني جَدَّتِي سُعْدَى بِنْتُ عَوْفٍ الْمُرِّيَّةُ قَالَتْ: دَخَلْتُ على طلحة ذات يوم فقلت: مالي أَرَاكَ كَذَا، أَرَابَكَ مِنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَعَتَبْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ حَلِيلَةُ الْمَرْءِ أَنْتِ وَلَكِنْ عِنْدِي مَالٌ قَدْ أَهَمَّنِي- أَوْ قَالَ أَغَمَّنِي- فَقُلْتُ: اقْسِمْهُ، فَدَعَا جَارِيَتَهُ فَقَالَ: أَدْخِلِي عَلَيَّ قَوْمِي فُلانًا وَبَنِي فُلانٍ، وَأَخَذَ يَقْسِمُهُ، فَسَأَلْتُهَا. كَمْ كان المال؟ قالت: قدر أربعمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عن أبيه عن أبي مخنف قال: قال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [مُنِيتُ بِأَشْجَعِ النَّاسِ- يَعْنِي الزُّبَيْرَ- وَبِأَسْخَى النَّاسِ- يَعْنِي طَلْحَةَ- وَبِأَطْوَعِ النَّاس فِي النَّاس- يَعْنِي عَائِشَةَ] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبان الواسطي، ثنا أَبُو هلال عَنِ ابن سيرين قال:

_ [1] لم يذكرها ياقوت في معجمه. [2] انظر طبقات ابن سعد ج 3 ص 220- 221.

كَانَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ جميلا، رأته امْرَأَة يَوْم دخل البصرة فَقَالَتْ: من هَذَا الَّذِي كأنه دينار هرقلي؟ وَكَانَ أشيب لا يغير شيبه. وَحَدَّثَنِي خَلَفٌ الْبَزَّارُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالا: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ طلحة بن عبيد الله فسأله برحم بينهما فَقَالَ: هَذَا حَائِطِي بِمَكَانِ كَذَا وَقَدْ أَعْطَيْتُ به ستمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ شِئْتَ فَالْحَائِطُ. فَاخْتَارَ الْمَالَ، فأوجب الحائط للذي أعطاه به ستمائة ألف درهم، وأحال عليه بثمنه فقبضه. حدثني مصعب بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بلغنا أن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سمع رجلا ينشد: فتى كَانَ يدنيه الغنى من صديقه ... إذا مَا هُوَ استغنى ويبعده الفقر فَقَالَ: ذاك أَبُو مُحَمَّد طَلْحَة رحمه اللَّه. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ يَقُولُ- وَكَانَ مِنْ حُلَمَاءِ قُرَيْشٍ-: إِنَّ أَقَلَّ لِعَيْبِ الرَّجُلِ جُلُوسُهُ فِي مَنْزِلِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عن عبد الملك بن عمير عَنْ قبيصة بْن جابر قَالَ: ما رأيت أحدا أعطى لجزيل عَن غير مسألة من طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ [1] . وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: اشْتَرَى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي غَزَاةِ ذِي قَرَدٍ بِئْرًا فَتَصَدَّقَ بِهَا،

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 221.

وَنَحَرَ جَزُورًا فَأَطْعَمَهَا النَّاسَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «يَا طَلْحَةُ أَنْتَ الْفَيَّاضُ» ] . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ قَيِّضُوا لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَلِيَّهُ لِيَأْخُذَهُ، فَقَيَّضُوا لأَبِي بَكْرٍ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي قَوْمِهِ أَوْ قَالَ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ قُمْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِلَى أَيِّ شَيْءٍ تَدْعُونِي؟ قَالَ: أَدْعُوكَ إِلَى اللاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا اللاتُ وَالْعُزَّى؟ قَالَ: بَنَاتُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَنْ أَبُوهُمَا؟ فَسَكَتَ طَلْحَةُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَجِيبُوهُ فَأُسْكِتَ [1] الْقَوْمُ، فَقَالَ طَلْحَةُ: قُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنِّي أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قرين [2] . وذكر الْوَاقِدِيّ فِي إسناده: لما ارتحل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخرار [3] فِي هجرته إِلَى الْمَدِينَة لقيه من غد ذَلِكَ الْيَوْم طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ جائيا من الشام فِي عير فكسا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَا بَكْر من ثياب الشام، فخبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باستبطاء أهل الْمَدِينَة لقدومه وتوقعهم إيّاه، فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسير وأغذه، ومضى طَلْحَة إِلَى مَكَّةَ فقضى حوائجه، ثُمَّ خرج بعد ذَلِكَ مَعَ آل أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ الَّذِي قدم بهم إِلَى الْمَدِينَة فنزل عَلَى سَعْد بْن زرارة، وآخى

_ [1] بهامش الأصل: يقال سكت الرجل وأسكت. [2] سورة الزخرف- الآية: 36. [3] الخرار: واد من أودية المدينة. المغانم المطابة.

رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن نفيل، وآخى بينه وبين أَبِي بْن كعب [1] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَة وسعيد بْن زَيْد إِلَى طريق الشام يتحسسان [2] خبر عير قُرَيْش الَّتِي كَانَ القتال بسببها يَوْم بدر، فقدما الْمَدِينَة فِي الْيَوْم الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الوقعة، وخرجا يريدان رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقياه وَهُوَ منحدر من بدر يريد الْمَدِينَة، ولم يحضرا بدرا، فأسهم لهما رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسهم لعثمان بْن عَفَّان، وَكَانَ قد تخلف عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: شهد طَلْحَة وقعة أحد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فثبت مَعَ من ثبت من النَّاس حين ولى الْمُسْلِمُونَ، وبايعه عَلَى الموت، فرمى مالك بْن زُهَيْر الجشمي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتقاه طَلْحَة بيده، فأصاب السهم خنصره فشلت، فَقَالَ حين أصابته الرمية: حس. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لو قَالَ بسم اللَّه لدخل الجنة والنَّاس ينظرون إِلَيْهِ» .] قَالَ: ويقال إن الَّذِي رمى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبان بْن العرقة، وأصابت رأس طَلْحَة يومئذ المصلبة [3] ضربه رجل من المشركين ضربتين وَهُوَ مقبل، وأخرى وَهُوَ معرض فنزف منهما، وَكَانَ ضرار بْن الخطاب بْن مرداس بْن كبير، من ولد محارب بْن فهر يَقُول: أنا ضربته يومئذ، وشهد طَلْحَة الخندق والمشاهد كلها مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم ضرار يَوْم الفتح ومات بالشام غازيا.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 215- 216. [2] التحسس: الاستماع لحديث القوم وطلب خبرهم في الخير، والحاسوس، الجاسوس- أو هو في الخير، وبالجيم في الشر. القاموس. [3] أي صارت الضربة كالصليب. النهاية لابن الأثير.

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ ثنا هَشِيمُ بْنُ بَشِيرٍ، أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ طَلْحَةَ قَالَ: لَمَّا أُصِيبَتْ إِصْبَعُ طَلْحَةَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: حَسِّ، [فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتَ قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ لَرَأَيْتَ بَيْتًا يُبْنَى لَكَ فِي الْجَنَّةِ وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا» ] . وَقَالَ الْكَلْبِيّ وغيره: أصاب طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ يَوْم أحد سهم رمى بِهِ حبان بْن العرقة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتلقاه طَلْحَة بيده فقطع أصبعه الخنصر فجف عصبه. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: وَابْن العرقة: حبان بْن أَبِي قَيْس بْن علقمة بْن عَبْدِ بْن عَبْدِ مَنَاف من بني معيص بْن عامر بْن لؤي، والعرقة: قلابة بِنْت سَعِيد بْن سهم، وَهِيَ أم عبد بْن عَبْدِ مَنَاف بْن الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص، نسبوا إليها، وحبّان هُوَ الَّذِي رمى سَعْد بْن معاذ الأَنْصَارِيّ يَوْم الخندق وَقَالَ: خذها وأنا ابْنُ العرقة، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «عرق اللَّه وجهك فِي النار» ،] وسميت العرقة لطيب ريح عرقها. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين عن زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أُصِيبَ أَنْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَبَاعِيَتِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَوَقَاهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ، فَضُرِبَتْ فَشُلَّتْ أُصْبُعُهُ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو، ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بن أبي حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ أُصْبُعَيْ طَلْحَةَ مِنَ الْيَدِ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شُلَّتَا. وروي أن أَبِي بْن خلف شد عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد بحربة، فتلقاها طَلْحَة بيده.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ سَعِيد بْن منصور، ثنا صالح بن موسى عَن مُعَاوِيَة بْن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ، وأم إِسْحَاق ابنتي طَلْحَة قالتا: جرح أبونا يَوْم أحد أربعا وعشرين جراحة، ووقعت مِنْهَا فِي رأسه شجة مربعة، وقطع نسأه وشلت إصبعه، وَكَانَ سائر جراحه فِي جسده [1] . وَحَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى إِسْحَاق الفروي، ثنا عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَكِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: جرح طَلْحَة سبعا وثلاثين جراحة، وشلت أصبعه الَّتِي تلي الإبهام. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ الْعَجْلِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أنبأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنِي محمد بن إسحاق بن يحيى بن عباد عن أبيه عن جده عَنْ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ» ] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «من أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَقَدْ قُضِيَ نَحْبُهُ فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ طَلْحَةُ رَجُلا آدَمَ كَثِيرَ الشَّعْرِ، لَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلا السَّبْطِ، حَسَنَ الْوَجْهِ دَقِيقَ الْعِرْنِينِ، إِذَا مَشَى أَسْرَعَ وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَعْرَهُ. حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ- امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَوْ عَنْ أَسْلَمَ- أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رأى على طلحة

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 217- 218.

ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا طَلْحَةُ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ مَصْبُوغٌ بِمَدَرٍ [1] . فَقَالَ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ، وَلَوْ رَآكَ جَاهِلٌ لَقَالَ عَلَى طَلْحَةَ ثِيَابٌ مُصَبَّغَةٌ، أَوْ قَالَ لَوْ رَآكَ جَاهِلٌ لَقَالَ طَلْحَةُ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصَبَّغَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، إِنَّ أَحْسَنَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْبَيَاضُ، فَلا تَلْبَسُوا عَلَى النَّاسِ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أنبأ عَمْرُو بْنُ عَفَّانَ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ يَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَاتِ، أَوْ قَالَ الْمُصَبَّغَاتِ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ طَلْحَةَ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ. وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، ثنا نُعَيْمٌ، ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عِمْرَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي يَدِ طَلْحَةَ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ فَنَزَعَهَا وَجَعَلَ مَكَانَهَا جِزْعَةً فَأُصِيبَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَهُوَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ قَالا: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجْتُ عَائِشَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أزواجه من بعده أبدا [2] . وَقَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ: هُوَ طَلْحَةُ بن عبيد الله.

_ [1] المدر: الطين المتماسك، ومصبوغ بالمدر، مصبوغ بالطين. النهاية لابن الأثير. [2] سورة الأحزاب- الآية: 53.

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، ثنا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عباد عن أبيه عن جده عن الزبير قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ يَقُولُ: [ «أَوْجَبَ طَلْحَةُ» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد مولى بَنِي هاشم، ثنا عَبْد اللَّهِ بْن مسلمة بْن قعنب، أنبأ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَن أشياخهم قَالُوا: كَانَتْ غلّة طلحة بن عبيد اللَّهِ فِي كُلّ يَوْم ألف واف، وفي رواية وزن كل درهم درهم وثلث وأقل وأكثر [1] . حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ طَلْحَةَ بَاعَ أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بسبعمائة أَلْفٍ فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا أُتِيَ بِهَا قَالَ: إِنَّ رَجُلا تَبَيَّتَ هَذِهِ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ وَلا يَدْرِي مَا يَطْرُقُهُ مِنْ أَمْرٍ لَغَرِيرٌ بِاللَّهِ، فَبَاتَ وَرُسُلُهُ تَخْتَلِفُ بِهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَسْحَرَ وَمَا عِنْدَهُ مِنْهَا دِرْهَمٌ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بن عينية عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْن جابر قَالَ: مَا رأيت أحدا أعطى لجزيل مِنَ الْمَالِ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. وعن مُوسَى بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ طَلْحَة يغلّ بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالشراة عشرة آلاف دينار وأقل وأكثر، وكانت لَهُ بالأعراض غلات، وَكَانَ لا يدع سائلا من بني تيم إِلا كفاه مؤونته ومؤونة عياله، وَكَانَ يزوج أياماهم، ويخدم من لا خادم لَهُ منهم، ويقضي دين غارمهم، ولقد كَانَ يبعث إِلَى عَائِشَة إذا جاءته غلته بعشرة آلاف.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 220- 221.

وقال الواقدي: حَدَّثَنِي إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أن مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ: كم ترك أَبُو مُحَمَّد رحمه اللَّه من العين؟ قَالَ: قلت: ترك ألفي ألف ومائتي ألف دينار وَكَانَ ماله قد اغتيل كَانَ يدخل نصابه كل سنة من العراق أربعمائة ألف سوى غلاته من الشراة وغيرها عَلَى عشرين ناضحا، وإنه لأول من زرع القمح بقناة [1] فَقَالَ مُعَاوِيَة: عاش حميدا سخيا شريفا وقتل فقيدا. حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل، أَوْ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَن مُحَمَّد بْن يوسف عَن السائب بْن يَزِيدَ قَالَ: صحبت طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ، وسَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، والمقداد، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، فما سمعت أحدا منهم حدث عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أني سمعت طَلْحَة يحدث بحديثه يَوْم أحد. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْن أَبِي سبرة عَن محمد بن زيد بن مهاجر عن إبراهيم بْن مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: كَانَتْ قيمة مَا ترك طَلْحَة من العقار والأموال، وَمَا ترك من الناض ألف ألف درهم، وترك من الناض ألفي ألف درهم ومائتي ألف دينار، والباقي عروض. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن يَحْيَى عَن جدته سعدى أم يَحْيَى قَالَت: قتل طَلْحَة وفي يد خازنة ألف ألف درهم ومائتي ألف درهم، وقومت عقاراته بثلاثين ألف ألف درهم. حَدَّثَنَا الْوَليِدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْوَالِبِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يزيد قال: صحبت طلحة بن عبيد الله في

_ [1] بهامش الأصل: قناة اسم مكان بالمدينة.

مصرع طلحة بن عبيد الله

السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا أَعَمَّ سَخَاءً منه على الدرهم والدينار والثوب والطعام [1] . [مصرع طلحة بن عبيد الله] قَالُوا: وَكَانَ طَلْحَة شديدا عَلَى عُثْمَان فلما كَانَ يَوْم الجمل قَالَ: إنا داهنا فِي أمر عُثْمَان فلا نجد الْيَوْم شَيْئًا أفضل من ان نبذل له دماءنا اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي حَتَّى يَرْضَى. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ العجلي، حدثني أبو اسامة عن اسماعيل بن حكيم الأحمسي قال: قال طلحة يوم الجمل: إنا داهنا فِي أمر عُثْمَان فلا نجد اليوم شيئا أفضل من بذل دمائنا فيه، اللهم خذ لعثمان مني حَتَّى يرضى. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سعد قالا: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَن نافع قَالَ: رأى مروان فرجة فِي درع طَلْحَة يَوْم الجمل فرماه بسهم فقتله [2] . حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أَبُو بَكْرٍ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَوْمَ الْجَمَلِ: لا أَطْلُبُ أَحَدًا بِثَأْرِي فِي عُثْمَانَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَرَمَى طَلْحَةُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَكَانَ الدَّمُ يَسِيلُ، فَإِذَا أَمْسَكُوا رُكْبَتَهُ انْتَفَخَتْ، فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ سَهْمٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ، اللَّهُمَّ خُذْ لِعُثْمَانَ مِنِّي حَتَّى يَرْضَى. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا روح بن عبادة عن

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 222- 223. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 223.

سَعِيدِ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: رُمِيَ طَلْحَةُ فَاعْتَنَقَ فَرَسَهُ، فَرَكَضَ حَتَّى مَاتَ فِي بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَصْرَعَ شَيْخٍ أَضْيَعَ [1] . حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ أَنَّ مَرْوَانَ رَمَى طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَهُوَ وَاقِفٌ إِلَى جَنْبِ عَائِشَةَ فَأَصَابَ سَاقَهُ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا أَطْلُبُ قَاتِلَ عُثْمَانَ بَعْدَكَ أَبَدًا، فَقَالَ طَلْحَةُ لِمَوْلًى لَهُ: أَلْقِنِي مَكَانًا فَقَالَ: مَا أَدْرِي أَيْنَ أُلْقِيكَ، فَقَالَ طَلْحَةُ: هَذَا وَاللَّهِ سَهْمٌ أَرْسَلَهُ اللَّهُ، اللَّهُمَّ خُذْ مِنِّي لِعُثْمَانَ حَتَّى يَرْضَى ثُمَّ وَسَّدَ حَجَرًا فَمَاتَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَصَابَ ثَغْرَةَ نَحْرِ طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ سَهْمٌ فَجَعَلَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مَصْرَعَ شَيْخٍ أَضْيَعَ. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْن مروان: لولا أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مروان أَخْبَرَنِي أنه هُوَ قتل طَلْحَة مَا تركت من ولد طَلْحَة أحدا إِلا قتلته بعثمان، فهو كَانَ أشد النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى قتل. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّاد بْن زَيْد، ثنا قرة بْن خَالِد، أنبأ مُحَمَّد بْن سيرين أن مروان رمى طَلْحَة لما جال النَّاس يَوْم الجمل بسهم فأصابه فقتله. قَالَ أَبُو مخنف فِي روايته: أحيط بطلحة يَوْم الجمل فجعل يَقُول: اللَّهُمَّ اعط عُثْمَان مني حَتَّى يرضى، ومروان يقاتل مَعَهُ فلما رأى مروان النَّاس قد انهزموا، قَالَ: وَاللَّه لا أطلب ثأري بعثمان بعد الْيَوْم أبدا فما كنت إِلَيْهِ أقرب مني الساعة، فانتحى لطلحة بسهم فأصاب بِهِ ساقه فأثخنه، وأتى طَلْحَة مولى لَهُ

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 223.

ببغلة فركبها وجعل يَقُول لمولاه: أما من موضع أقدر عَلَى النزول فِيهِ؟ فيقول: لا، قد لحقك القوم فيقول: مَا رأيت مصرع شيخ أضيع، ثُمَّ صار فِي دار من دور بني سَعْد فمات بِهَا ودفن. حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن علي الأسود، أنبأ حَمَّاد بْن أسامة عَن إِسْمَاعِيل بْن قَيْس قَالَ: رمى مروان طَلْحَة بسهم فأصابه فِي ركبته فمات، فدفنوه عَلَى شاطئ الكلاء [1] فرأى بعض أهله أنه قَالَ: أَلا تزيحوني من هَذَا الماء، فإني قد غرقت، فنبشوه من قبره، وَهُوَ أخضر كأنه السلق ونزفوا عَنْهُ الماء، ثُمَّ استخرجوه فإذا مَا عَلَى الأرض من لحمه ووجهه قد أكلته الأرض، فاشتروا دارا من دور آل أَبِي بَكْرة فدفنوه فِيهَا. قَالُوا: وَكَانَ يَوْم الجمل يَوْم الخميس لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وَكَانَ طَلْحَة يَوْم قتل ابْن أربع وستين سنة، ويقال ابْن اثنتين وستين. وَقَالَ أَبُو اليقظان وغيره من البصريين: دفن طَلْحَة عند قنطرة قرة بالبصرة، فرأت عَائِشَة بِنْت طَلْحَة بعد ثلاثين سنة أنه يشكو النز، فأمرت فاستخرج فوجد طريا، وتولى استخراجه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سلامة التميمي، فدفن بالهجريين، وقبره هناك معروف. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا أَبَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ جَالِسٌ إِذْ جَاءَ ابْنٌ لِطَلْحَةَ فَسَلَّمَ فَرَحَّبَ به علي فقال:

_ [1] الكلاء: كل مكان ترفأ فيه السفن، وهو ساحل كل نهر، والكلاء: اسم محلة مشهورة وسوق بالبصرة. معجم البلدان.

أَتُرَحِّبُ بِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ قَاتَلْتَ أَبِي- وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَدْ قَتَلْتَ وَالِدِي، وَأَخَذْتَ مَالِي؟ - فَقَالَ: أَمَّا مَالُكَ فَهُوَ مَعْزُولٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَاغْدُ فَخُذْهُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ قَاتَلْتَ أَبِي فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَأَبُوكَ مِن الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غلّ) [1] فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ- قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: أَحْسَبُهُ الْحَارِثَ الأَعْوَرَ- أَعُوذُ بِاللَّهِ، اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَصَاحَ عَلِيٌّ صَيْحَةً كَادَ يَتَدَاعَى لَهَا الْقَصْرُ، فَقَالَ: مَنْ أُولَئِكَ، إِذَا لَمْ نَكُنْ أُولَئِكَ؟!. وحدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، أنبأ أَبُو مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى طَلْحَةَ قَالَ: دَخَلَ عِمْرَانُ بْنُ طَلْحَةَ عَلَى عَلِيٍّ بَعْدَ يَوْمِ الْجَمَلِ فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ وَأَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا قَالَ: (إِخْوَانًا على سرر متقابلين) [2] ، وَرَجُلانِ جَالِسَانِ عَلَى نَاحِيَةِ الْبِسَاطِ فَقَالا: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ، تَقْتُلُهُمْ بِالأَمْسِ وَتَكُونُوا إِخْوَانًا فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: قُومَا إِلَى أَبْعَدِ أَرْضٍ وَأَسْحَقِهَا، فَمَنْ هُمْ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَنَا وَطَلْحَةُ، ثُمَّ قَالَ لِعِمْرَانَ: كَيْفَ أُهْلِكَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ وَلَدِ أَبِيكَ؟ أَمَا إِنَّا لَمْ نَقْبِضْ أَرْضِيكُمْ هَذِهِ السِّنِينَ- أَوْ قَالَ هَذِهِ السَّنَتَيْنِ- وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَأْخُذَهَا إِنْ قَبَضْنَاهَا مَخَافَةَ أَنْ يَخْتَطِفَهَا- أَوْ قَالَ يَنْهَبَهَا- النَّاسُ. يَا فُلانُ اذْهَبْ مَعَهُ إِلَى ابْنِ قَرَظَةَ فَمُرْهُ فَلْيَدْفَعْ إِلَيْهِ أَرْضَهُ وَغَلَّتَهَا لِهَذِهِ السَّنَتَيْنِ- أَوْ قَالَ: السِّنِينَ شك أحمد بن ابراهيم- يا بن أَخِي ائْتِنَا فِي الْحَاجَةَ إِنْ كَانَتْ لَكَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: توفيت الصعبة أم طَلْحَة عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، واخبرني بعض آل طلحة أنها أسلمت.

_ [1] سورة الحجر- الآية: 47. [2] سورة الحجر- الآية: 47.

ومنهم عثمان بن عبيد الله أخو طلحة،

ومنهم عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّهِ أخو طَلْحَة، كَانَ لَهُ قدر فِي الجاهلية، وَهُوَ الَّذِي أخذ أَبَا بَكْر وطلحة فقرنهما فِي حبل فِي بعض الرواية. ومن ولده مُحَمَّد بْن عُثْمَان، يقال لَهُ: ابْن الطويل، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ، مات سنة ثمانين لم تبعد سنة. ومنهم مالك بْن عُبَيْد اللَّهِ، أخو طَلْحَة، قتل يَوْم بدر كافرا، وله عقب بالمدينة. وولد لطلحة بْن عُبَيْد اللَّهِ: مُحَمَّد السجاد وبه كَانَ يكنى، وعمران وأمهما حمنة بِنْت جحش أخت زينب بِنْت جحش، زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمهما أميمة بِنْت عَبْد المطلب. وموسى بْن طَلْحَةَ، وأمه خولة بِنْت القعقاع بْن معبد بْن زرارة بْن عدس التميمي. ويعقوب بْن طَلْحَةَ، وزكريا، وإسماعيل، وعائشة أمهم أم كلثوم بِنْت أبي بكر الصديق. وعيسى، ويحيى، أمهما سعدى بِنْت عوف بْن خارجة بْن سنان بْن أَبِي حارثة المري. وأم إِسْحَاق بِنْت طَلْحَة، تزوجها الْحَسَن بْن علي، فولدت لَهُ طَلْحَة، وتوفي عَنْهَا فخلف عَلَيْهَا الحسين عليه السلام، فولدت له فاطمة، وأمها أم الْحَارِث بِنْت قسامه من طي. والصعبة بِنْت طَلْحَة لأم ولد، ومريم لأم ولد. وإسحاق أمه أم أبان بِنْت عتبة بْن رَبِيعَة. وصالح بْن طَلْحَةَ أمه تغلبية، وَلا عقب له.

فأما محمد بن طلحة

فأما مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ فكان كثير الصلاة، يعرف بالسجاد، وقتل يَوْم الجمل مَعَ أَبِيهِ، وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: كَانَ يكنى أبا الْقَاسِم، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ كَانَ يكنى أبا سُلَيْمَان. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مهاجر عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ جَاءَتْ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: سَمِّهِ يَا رسول الله، فقال: [ «اسميه محمد وَكُنْيَتُهُ أَبُو إِسْحَاقَ، لا أَجْمَعُ لَهُ اسْمِي وَكُنْيَتِي» ] [1] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: روى مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ عَن عمر، وأمره عمر بالنزول فِي قبر خالته زينب بِنْت جحش زوج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولما شهد مُحَمَّد الجمل مَعَ أَبِيهِ، نهى عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَنْهُ وَقَالَ: إياكم وصاحب البرنس فقتله شريح بْن أوفى العبسي الَّذِي خرج بعد مَعَ الحرورية وَقَالَ: وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما يرى العين مسلم هتكت لَهُ بالرمح حضن قميصه ... فخر قتيلا لليدين وللفم عَلَى غير شَيْء غير أن ليس تابعا ... عليا ومن لا يتبع الحق يظلم يناشدني حاميم والرمح شارع ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم وَقَالَ حين غشيه بالرمح: أنشدك حاميم، ومر بِهِ علي عَلَيْهِ السلام وَهُوَ صريع فَقَالَ: [هَذَا السجاد قتله بره بأبيه] . فولد مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ: إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد وأمه خوله بنت منظور بنت

_ [1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 53.

عمران بن ابراهيم،

زبان الفزاري، وَكَانَ إِبْرَاهِيم أصلع أعرج، ولاه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر خراج الْكُوفَة، وَكَانَ يقال لَهُ: أسد الحجاز، وقد ذكرنا خبره بالكوفة فيما تقدم. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: روى إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَن أَبِي هريرة، وعَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ العاص، ومات بالمدينة سنة عشر ومائة، وَقَالَ بعض الرواة: بِمَكَّةَ محرما، والأول أثبت، ولقي هشاما فكلمه كلاما شديدا وقد ذكرنا ذَلِكَ فِي خبر هِشَام بْن عَبْدِ الملك، فَقَالَ هِشَام: من زعم أن قومي ذهبوا؟!. وولد إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد: عمران بْن إِبْرَاهِيمَ، وأمه ابنة عمر بْن أَبِي سَلَمَةَ المخزومي، وموسى بْن إِبْرَاهِيمَ، ويعقوب بْن إِبْرَاهِيمَ، وأمهما ابنة إِسْمَاعِيل بْن طَلْحَةَ، وأمها لبابة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس. فمن ولد عمران بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد بْن طَلْحَة: مُحَمَّد بْن عمران، وحفصة بِنْت عمران، تزوجها الْقَاسِم بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان، فمات عَنْهَا، وتزوجها هِشَام بْن عَبْدِ الملك، فطلقها فتزوجها مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بْن عُثْمَان، ثُمَّ طلقها فتزوجها عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن الْحَسَن، ثُمَّ تزوجها عون بْن مُحَمَّد بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب، ثُمَّ تزوجها عُثْمَان بْن طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر، فكانت تسمى ذات الأزواج. وَكَانَ مُحَمَّد بْن عمران بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد السجاد بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ عَلَى قضاء الْمَدِينَة من قبل أَبِي جَعْفَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ومات وَهُوَ عَلَى القضاء بالمدينة، ويكنى أبا سُلَيْمَان، قضى لبني أمية وبني هاشم، ومات سنة أربع وخمسين ومائة، فَقَالَ أَبُو جَعْفَر المنصور: الْيَوْم استوت قُرَيْش. وَكَانَ بخيلا. قَالَ الشاعر فِيهِ: وإني لأستحيي لتيم لما أرى ... بقدرة عمران الطويل من البخل

وأما موسى بن ابراهيم

وَقَالَ آخر: بنو حسن كانوا مناخ ركابنا ... قديما وَمَا كنا ابْن عمران نتبع وولي بعد مُحَمَّد بْن عمران هَذَا قضاء الْمَدِينَة ابنه عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد وَهُوَ لأم ولد، ولاه إياه المهدي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ سخيا، وولاه الرشيد هَارُون ابْن المهدي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَكَّة. وأما مُوسَى بْن إِبْرَاهِيمَ فمن ولده عَبْد اللَّهِ بْن مُوسَى بْن إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، ولي شرطة الْمَدِينَة. وأما عمران بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ فلا عقب لَهُ وكانت عنده أم كلثوم بِنْت الفضل بْن الْعَبَّاس. وأما مُوسَى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، فكان من خيار ولد طَلْحَة وذوي القدر والنبل منهم، وتوفي فِي سنة ثلاث ومائة، ويقال فِي سنة أربع ومائة. فولد مُوسَى بْن طَلْحَةَ: مُحَمَّد بْن مُوسَى وأمه ابنة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ، وامرأة أمها أَيْضًا ابنة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر الصديق، تزوجها عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان. وعمران بْن مُوسَى، أمه أم ولد يقال لها جيداء. وأما مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن طَلْحَةَ، فكان عَلَى جيش أَهْل الْكُوفَةِ أيام ساروا مَعَ عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر إِلَى أَبِي فديك الخارجي وَهُوَ باليمامة. وَكَانَ عُمَر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى أهل البصرة، وكانا يتباريان فِي الفقه، فَقَالَ عَبْد الله بن شبل البجلي: يفضل عمر بن مُوسَى- ويقال فضل الطلحي- عَلَى العمري. تباري ابن موسى يا بن مُوسَى ولم تكن ... يداك جميعا يعدلان لَهُ يدا

وأما عمران بن موسى بن طلحة

تباري أمرأ إحدى يديه مفيدة ... وأخراهما تبني بناء مشيدا ويروى: يسرى يديه مفيدة ويمناهما. ثُمَّ وجه عَبْد الْمَلِكِ: مُحَمَّد بْن مُوسَى إِلَى شبيب الخارجي فقتله شبيب. وأما عمران بن موسى بن طلحة فكان سخيا، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ الشاعر: فإن يك يَا جداح علي دين ... فعمران بْن مُوسَى يستدين تلم بِهِ الخصاصة ثُمَّ يأوي ... إِلَى أبياته كرم ودين فما يعدمك لا يعدمك منه ... نبيذ التمر واللحم السمين وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَن ابْن عياش الهمداني قَالَ: تحول مُوسَى بْن طَلْحَةَ إِلَى الْكُوفَة فنزلها، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وهلك بِهَا سنة ثلاث ومائة وصلى عَلَيْهِ الصقر بْن عَبْدِ اللَّهِ عامل عمر بْن هبيرة عَلَى الْكُوفَة. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات مُوسَى، وَأَبُو بردة والشعبي فِي جمعة، ماتوا سنة أربع ومائة [1] . وأما يَعْقُوب بْن طَلْحَةَ فقتل يَوْم الحرة، وله يَقُول ابْن الزُّبَيْر الأسدي: لعمري لقد جاء الكروس [2] كاظما ... عَلَى خبر للمؤمنين وجيع

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 211. [2] الكروس: العظيم الرأس من الناس، والأسود، والجمل العظيم الفراسن، الغليظ القوائم. القاموس.

شباب كيعقوب بْن طَلْحَةَ أقفرت ... منازلهم من رومة فبقيع وله عقب. ومن ولد يَعْقُوب: الخربشت، وسمي الخربشت لأنه كَانَ أحدب واسمه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ يوسف بْن يَعْقُوب بْن طَلْحَةَ، ولي شرطة الْكُوفَة. وأما زَكَرِيَّا بْن طَلْحَةَ فمن ولده: أَبُو نعرة، وَهُوَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بْن طَلْحَةَ، ولي شرطة الْكُوفَة لعيسى بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس وفيه يَقُول الأقيشر: نضر اللَّه بالسلام وحيا ... زَكَرِيَّا بْن طَلْحَةَ الفياض حين ناديته عَلَى نازلات ... من جدوب وعثرة واعتراض [1] فِي أبيات. وأما عِيسَى بْن طَلْحَةَ فكان ناسكا، وَهُوَ الَّذِي وفد مَعَ الْحَجَّاج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ، فشكا الْحَجَّاج، وقد ذكرنا خبره. ومن ولده: مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ، وكانت فاطمة بِنْت مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ عند أَبِي جَعْفَر المنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ولدت لَهُ سُلَيْمَان ويعقوب وعيسى. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مات عِيسَى بْن طَلْحَةَ فِي زمن عمر بْن عَبْدِ العزيز بْن مروان. ومن ولده: طَلْحَة بْن عِيسَى بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه الَّذِي يقال فِيهِ: تتباهى عرفات ... بابن عِيسَى ومناها

_ [1] ديوان الأقيشر الأسدي- ط. بيروت 1991 ص 52، البيت الأول فقط مع فوارق.

فيقول الركن واها ... لك يَا طَلْحَة واها وعلى قطبك يا طلح ... ة تطاف رحاها وأنشدت لمحمد بْن عِيسَى بْن طَلْحَةَ صهر المنصور وَكَانَ شاعرا: فلا تعجل عَلَى أحد بظلم ... فَإِن الظلم مرتعه وخيم فِي أبيات قد كتبناها فِي خبر المنصور. وأما يَحْيَى بْن طَلْحَةَ فكان خيرا يروى عَنْهُ الفقه، وَكَانَ طَلْحَة بْن يَحْيَى فقيها. وكان إسحاق بن يحيى بْن طَلْحَةَ فقيها مات فِي أيام المهدي. وبلال بْن يحيي بْن طَلْحَةَ الَّذِي مدحه الحزين الشاعر فَقَالَ: بلال بْن يحيى غرة لا خفى بِهَا ... لكل أناس غرة وهلال وَكَانَ بلال يلقب وسخ الظفر. وأما إِسْمَاعِيل بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ فكان سريا، وَكَانَ مصعب بْن الزُّبَيْر وجهه إِلَى بعض النواحي، وعقد له على أربعمائة وكانت عنده ابنة لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس، وكانت عند إِسْمَاعِيل امْرَأَة من بني حنيفة، فأوصاها عند موته أَلا تتزوج أخاه مُوسَى فلما هلك تزوجته. وأما إِسْحَاق بْن طَلْحَةَ فاستعمله مُعَاوِيَة عَلَى خراسان شريكا لسعيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان فِي الخراج، فَقَالَ ابْن مفرّغ: فيا لهفي على تركي سعيدا ... وإسحاق بْن طَلْحَةَ واتباعي عُبَيْد اللَّهِ عبد بني علاج ... عبيدا فقع قرقرة بقاع [1] ومات إِسْحَاق بالري. ولعُبَيْد اللَّهِ بْن إِسْحَاقَ بْن طَلْحَةَ، يَقُول الأقيشر الأسدي:

_ [1] ديوان يزيد بن مفرغ ص 152- 153 مع فوارق.

إن الأغر عُبَيْد اللَّهِ ليس لَهُ ... فِي المشعرين عروق ذات إنفاق اردد علي سلامي غير متّئب [1] ... وامنع سلامك مني يا بن إِسْحَاقَ مَا يذكر الدهر إِلا كنت أوله ... ولست ألقاك أَوْ يلقاك بي لاق أخطأت من طَلْحَة الفياض نائله ... وَمَا وقاك أدق الدقة الواقي [2] وله عقب. قَالَ الْكَلْبِيّ: بنو طَلْحَة: مُحَمَّد السجاد، وعمران بْن طَلْحَةَ، وموسى بْن طَلْحَةَ، ويعقوب بْن طَلْحَةَ، وإسماعيل بْن طَلْحَةَ، وإسحاق بْن طَلْحَةَ، وزكريا، ويوسف، ويحيى، وعيسى. وكانت عَائِشَة بِنْت طَلْحَة من نبل نساء قُرَيْش تزوجها عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر الصديق، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا مصعب بْن الزُّبَيْر، ثُمَّ عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر التَّيْمِيّ من قُرَيْش. قَالُوا: وشكت عَائِشَة أم الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَة بِنْت طَلْحَة وعددت ذنوبا لها، وقالت: مات ابْن خالها عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فما فتحت فاها عَلَيْهِ، وكانت عَائِشَة بِنْت أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْر. حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي إن المصعب بْن الزُّبَيْرِ قَالَ لحبى المدينية: ابغيني امْرَأَة أتزوجها، فَقَالَتْ: بأبي أنت وأمي، عَائِشَة بِنْت طَلْحَة عَلَى عظم فِي أذنيها وقدميها، فَقَالَ المصعب: أما الأذنان فيغطيهما الخمار، وأما القدمان فيغطيهما الخفان. فتزوجها، وأصدقها خمسمائة ألف درهم، وأهدى لها خمسمائة ألف درهم، فَقَالَ يُونُس بْن أَبِي أناس الديلي، ويقال ابن همام السلولي:

_ [1] وأبه: فعل به فعلا يستحيا منه، أو أغضبه، أو رده بخزي عن حاجته. القاموس. [2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الأقيشر المطبوع.

أبلغ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رسالة ... من ناصح مَا إن يريد متاعا بضع الفتاة بألف ألف كامل ... وتبيت سادات الجيوش جياعا فلو أنني الفاروق أخبر بالذي ... شاهدته ورأيته لارتاعا يعني بأمير الْمُؤْمِنِينَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. الْمَدَائِنِيّ عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ مجالد عَنْ الشعبي قال: ركبت مع مصعب يوما، فلما نزل أمرني بالنزول فأخذ بيدي فلم أزل أدخل مَعَهُ حَتَّى صرت إِلَى بيت قد سدلت ستوره فترك يدي ودخل فبقيت لا أقدر عَلَى تقدم وَلا تأخر، ثُمَّ ناداني من وراء الستر: ادخل يَا شعبي، فدخلت فإذا هُوَ وعائشة بِنْت طَلْحَة عَلَى سرير فو الله مَا شبهت بوجهها إِلا القمر طالعا، فكلمني ثُمَّ قَالَ لِي: انصرف. وَقَالَ: هَذِهِ وأنا كما قَالَ القائل: وَمَا زلت فِي ليلى لدن طر شاربي ... إِلَى الْيَوْم أبدي أحنة وأواحن وأضمر فِي ليلى لقومي ضغينة ... وتضمر فِي ليلى علي الضغائن فَقَالَتْ: وَاللَّه لا تنصرف إِلا بجائزة، قَالَ: فأظنه قَالَ: أمر لِي بعشرة آلاف درهم، وأمرت لِي بمثلها. قَالَ: فلما كَانَ الغد دخلت عَلَيْهِ والنَّاس عنده، وَهُوَ عَلَى سريره فاستدناني فدنوت حَتَّى ألصقت صدري بالسرير، فَقَالَ: أدن فمددت إِلَيْهِ عنقي فَقَالَ: كيف رأيت ذَلِكَ الإنسان؟ قلت: وَاللَّه مَا رأيت مثله قط فبارك اللَّه للأمير، ثُمَّ رجعت إِلَى مقعدي. حَدَّثَنَا الْحِرْمَازِيُّ عَنِ الْعُتْبِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْمِقْدَامِ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ تُشَارُّ أَزْوَاجَهَا، فَغَضِبَتْ يَوْمًا عَلَى زَوْجِهَا عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر الصديق، وَكَانَ أَبَا عُذْرِهَا فَخَرَجَتْ تَجْزَعُ

الْمَسْجِدَ، مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ مَا غَذَاكِ أَهْلُكَ، مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وَجْهًا مِنْكِ. حَدَّثَنِي العمري عَن الْهَيْثَم عَن صَالِح بْن حسان قَالَ: دخل مصعب عَلَى عَائِشَة وَهِيَ تمتشط فأنشد: مَا أنس لا أنس مِنْهَا نظرة عرضت ... بالحجر يَوْم جلتها أم منظور [1] فقيل لَهُ: إن أم منظور حية، وَهِيَ من بني عذرة، فدعا بها وقال: حديثني عن قول جميل وأنشدها هَذَا البيت وسألها عَن حديثها، فَقَالَتْ: مشطت رأس بثينة بِنْت حبا بْن ثعلبة العذرية، وجعلت بين ذؤابتين من ذوائبها خلوقا وألبستها وشاحا من بلخ، ثُمَّ أقبل جميل عَلَى بعيره فرآها بمؤخر عينه حَتَّى مضى. فَقَالَ مصعب: فاصنعي بعائشة مثل ذَلِكَ ففعلت، وركب مصعب راحلته وأقبل ينظر إِلَيْهَا بمؤخر عينه حَتَّى توارى عَنْهَا، حكاية بجميل والحجر حجر ثمود. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قيل لعمر بْن عُبَيْد اللَّهِ: أَلا ترى سوء خلق عَائِشَة فلو طلقتها استرحت من تعذيبها إياك؟ فَقَالَ: يقولون طلقها وتصبح ثاويا ... مقيما عليك الهم أضغاث حالم وإن فراقي أهل بيت أودهم ... لهم زلفة عندي لإحدى العظائم الْمَدَائِنِيّ وغيره قَالُوا: قدم الْحَارِث بْن خَالِد المخزومي عَلَى عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، فأقام ببابه ستة أشهر لا يأذن له فانصرف وهو يقول: تبعتك إذ عيني عَلَيْهَا غشاوة ... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها

_ [1] ديوان جميل بثينة ص 70، مع فوارق.

فما بي إن أقصيتني من ضراعة ... ولا افتقرت نفسي إِلَى من يسومها عطفت عليك النفس حتى كأنما ... بكفيك بؤسي أولديك نعيمها ورحل فأرسل إِلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ فرده وَقَالَ: يَا حارث ترى عَلَى نفسك غضاضة فِي وقوفك ببابي؟ قَالَ: لا وَاللَّه ولكن طالت غيبتي وانتشرت ضيعتي، ووجدت فضلا من قول فقلت. فَقَالَ: كم دينك؟ قَالَ: ثلاثون ألفا. قَالَ: فإنما تختار قضاءها عنك أَوْ توليتك مَكَّة، فاختار توليه مَكَّة، فولاه إياها فقدمها وبها عَائِشَة، فأقيمت الصلاة وَهِيَ تطوف فأرسلت إِلَيْهِ إني لم أقض طوافي فقام بِالنَّاسِ ينتظر فراغها من الطواف فكتب بِذَلِكَ إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فعزله، وَقَالَ: إني لم استعملك لتنتظر بِالنَّاسِ طواف عَائِشَة بِنْت طَلْحَة. قَالُوا وَكَانَ الْحَارِث بْن خَالِد يحب عَائِشَة وكانت تحبه فخطبها الْحَارِث قبل تزوج مصعب إياها فلم تجبه، فقيل لها: أحبك رجل وأحببتيه حينا، ثُمَّ خطبك فلم تتزوجيه؟ فَقَالَتْ: كَانَ في عيب ما يسرني أن لي طلاع الأرض ذهبا، وأنه اطلع عَلَيْهِ، فقيل هُوَ سوء الخلق، وقيل عظم الأذنين والقدمين. حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ عَن الْعُتْبِيّ عَن أَبِيهِ عَن أَبِي المقدام عَن رجل من أهل مَكَّة أنه قدم الْمَدِينَة فإذا غلمان بيض عَلَيْهِم ثياب بيض يدعون النَّاس إِلَى الغداء، قَالَ: فدخلت فإذا عَائِشَة بِنْت طَلْحَة عَلَى سرير، وإذا النَّاس يطعمون، فَقَالَتْ: يَا هَذَا كأنك غريب؟ قلت: نعم. قَالَت فمن أين أنت؟ قلت: من أهل مَكَّة، قَالَت: كيف تركت الأعرابي؟ قلت: من الأعرابي؟ قَالَت: لا أحسبك تعرفه. اقعد فاطعم، فلما خرجت قيل لِي إنما سألتك عَن الْحَارِث بْن خَالِد المخزومي، فَقَالَ فقدمت مَكَّة فأخبرته فَقَالَ:

من كَانَ يسأل عنا أين منزلنا ... فالأقحوانة [1] منا منزل قمن [2] إذ نلبس العيش صفوا لا يكدره ... طعن الوشاة وَلا ينبو بنا الزمن قَالُوا: وكانت عند عمر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر رملة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي، وكانت مسنة، فلما تزوج عَائِشَة بِنْت طَلْحَة وأشخصها إِلَى البحرين، وخلف رملة قَالَ الشاعر: عش بعايش عيشا غير ذي دنق ... وانبذ برملة نبذ الجورب الخلق ولم تلد عَائِشَة إِلا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ الشاعر لعمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر: يومان بؤس يَوْم رملة منهما ... ويوم ابنة الفياض طلق وأسعد وَكَانَ تزوج عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ عَائِشَة بالكوفة، وقدم بِهَا البصرة، وحملها مَعَهُ حَتَّى سار إِلَى أَبِي فديك وخلف رملة وَقَالَ الشاعر: من يجعل الديباج عدلا للزيق ... بين الحواري وبين الصديق كبكرة مما تباع فِي السوق وأم عَائِشَة أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْرٍ، وجعل طَلْحَة حواريا، وكانت عَائِشَة تقول لعمر: أي اليومين كَانَ أشد عليك؟ أيوم أَبِي فديك أم يَوْم فارقت رملة؟ فيضحك. ويقال إنها قَالَت لَهُ: أيوم أَبِي فديك كَانَ أشد عليك، أم يَوْم كنت تزور رملة فترى خلقتها وعظم أنفها؟ ولما مات عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ جعلت عَائِشَة بِنْت طَلْحَة تنوح عَلَيْهِ قائمة، فقيل لها: لم تفعلي هَذَا بغيره من أزواجك؟ فَقَالَتْ: فعلت هَذَا

_ [1] وقعت الأقحوانة في وادي الأردن قرب عقبة أفيق. معجم البلدان. [2] قمن: خليق. جدير. القاموس.

وأما مريم بنت طلحة

لثلاث خلال كن فِيهِ، ولم تكن فِي غيره من أزواجي: كَانَ أقربهم رحما، وَكَانَ سيد بني تيم بْن مرة، وعزمت أن لا أتزوج أحدا بعده. وأما مريم بِنْت طَلْحَة فتزوجها عنبسة بْن سَعِيد بْن العاص، وَكَانَ مر ببابها فاستسقى فسقته الجارية فِي إناء مطيب، فتمنى أن يتزوجها فتزوجها. وأما الصعبة فتزوجها الْمُغِيرَة بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر. ومن بني تيم بْن مرة بْن كعب: عُثْمَان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد ابْن مرة، ويقال لعثمان: شارب الذهب، وذاك أنه دق لؤلؤات فشربهن، ويقال: بل كَانَ يبذل الدنانير فِي الخمر فقيل إنما يشرب الخمر بالذهب، وقيل كَانَ سخيا فقيل هُوَ يشرب الذهب شربا لكثرة نفقته. فولد عُثْمَان: معمر بْن عُثْمَان، وعمرو بْن عُثْمَان، وعمير بْن عُثْمَان، وزهرة بْن عُثْمَان، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُثْمَان، وَكَانَ يقال لَهُ: ابْن شارب الذهب، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: دخلنا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عمرة القضية فسلك فيما بين الصخرتين اللتين فِي المروة مصعدا فِيهَا. فولد معمر: معبد بْن معمر، وعُبَيْد اللَّهِ بْن معمر، وعثمان بْن معمر بْن عُثْمَان وَكَانَ معبد فيما ذكر أَبُو اليقظان ممن تولى دفن عُثْمَان بْن عَفَّان، وليس يعرف لمعبد عقب. وأما عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَمْرو فهو من مهاجرة الحبشة، واستشهد يَوْم القادسية. وأما عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر فكان يكنى أبا معاذ، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز حين غزا فارس عَلَى مقدمته، فاستقبله أهل إصطخر بمكان يعرف بدامجرد فقتلوه، ودفن فِي بستان هناك، وَكَانَ يدعى الشهيد.

وأما عبيد الله بن عبيد الله

فولد عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر بْن عُثْمَان: عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ، وموسى بْن عُبَيْد اللَّهِ، وعثمان بْن عُبَيْد اللَّهِ، وأمهم فاطمة بِنْت الْحَارِث بْن أَبِي طَلْحَةَ العبدري. وعُبَيْد اللَّه بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن مَعْمَر لأم ولد ويكنى عُبَيْد اللَّهِ أبا معاذ بكنية أَبِيهِ. ومعاذ بْن عُبَيْد اللَّهِ، وَهُوَ ممن حضر دفن عُثْمَان أَيْضًا، وَهُوَ جد التَّيْمِيّ عمر بْن مُحَمَّدِ بْنِ معاذ بْن عُبَيْد اللَّهِ الَّذِي يَقُول: من يسامج، من يقاذر ... من يقاصر بزياد هُوَ فِي الطول كشبر ... هُوَ فِي الشر كعاد من يبادلني قريبي ... ببعيد من إياد وأما عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ أَبُو معاذ فولاه ابْن الزُّبَيْر البصرة، ويقال ولى عمر أخاه، فاستخلفه عمر عَلَيْهَا، وحضر قتل مصعب، فلما قتل هرب ثُمَّ أَوْ من بعد واستعمله عَبْد الْمَلِكِ عَلَى السوس تقصيرا بِهِ فمات بِهَا. فَقَالَ الفرزدق: إن الرزية لا رزية مثلها ... جبل الأباطح مات بالأهواز [1] وله عقب بالبصرة منهم: زياد بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر ويلقب الطويل، وفيه يَقُول عمر بْن مُحَمَّد التَّيْمِيّ: من يسامج من يقاذر ... من يقاصر بزياد من يبادلني قريبي ... ببعيد من إياد وأما مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر فهلك بسجستان غازيا في ولاية عبد

_ [1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.

وأما عمر بن عبيد الله بن معمر،

الرحمن بن سمرة. واستعمل عمر بن عبيد اللَّهِ بْنِ معمر ابنه عمر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ، وأمه خزاعية، وَكَانَ جميلا، عَلَى جيش بالبصرة، حين غزا أبا فديك الحروري، وَهُوَ الَّذِي ذكره عَبْد اللَّهِ بْن شبل بْن معَبْد الْبَجْلِيّ وَهُوَ يفضله حين قال: «تباري ابن موسى يابن مُوسَى» ، وقد كتبنا الشعر فيما تقدم من نسب طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ وخرج مَعَ ابْن الأشعث ثُمَّ انهزم، فَقَالَ الفرزدق: ولو شهد الخيل ابْن مُوسَى أمامه ... لهاب ولكن ابْن مُوسَى تأخرا [1] وظفر بِهِ الْحَجَّاج فلما دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا عار قُرَيْش. ثُمَّ قتله صبرا، وَكَانَ عزله بأخيه فطمع بالحياة ثم بدا له فضربت عنقه بين يديه. وَكَانَ لعمر بْن مُوسَى ابْن يقال لَهُ: عُثْمَان بْن عُمَرَ بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ، ولاه أَبُو جَعْفَر المنصور قضاء عسكره، وولى الرشيد عمر بْن عُثْمَان هَذَا قضاء البصرة. وَكَانَ حفص بْن عُمَرَ بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ بفارس فوثب عَلَيْهِ غلمانه فقتلوه. وَكَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر يلقب، المفتي لأنه أمر يوما لأكارين لَهُ بسبع تمرات سبع تمرات. وأما عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر، فكان يكنى أبا حفص، وكان من أجود العرب كفا، ولي البصرة لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْر، وولي فارس لمصعب بْن الزُّبَيْر، وولي البحرين لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وقتل أبا فديك الخارجي. قال العجاج:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 240 مع فوارق.

هذا أوان الجد إذ جد عمر ... وصرح ابن معمر لمن ذمر وظهر الحق وأودى من كفر [1] ومات بالشام بضمير [2] ، وصلى عَلَيْهِ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، وقعد على قبره فقالت امرأة: يا سيد العرب، تعني عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ، فَقَالَ لها رجل من أهل الشام: اسكتي. أتقولين هَذَا وأمير الْمُؤْمِنِينَ حاضر؟ فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: دعها فقد صدقت. وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ متمثلا: أَلا ذهب العرف والنائل ... ومن كَانَ يعتمد السائل ومن كَانَ يطمع فِي سيبه ... غني العشيرة والعائل ثُمَّ قام عَبْد الْمَلِكِ عَلَى قبره فَقَالَ: رحمك اللَّه أبا حفص فقد كنت لا تحسد غنينا، وَلا تحقر فقيرنا. وَقَالَ الفرزدق يرثيه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لا تبكوا عَلَى أحد ... بعد الَّذِي بضمير وافق القدرا من يقتل الجوع بعد ابْن الشهيد ومن ... بالسيف يضرب كبش القوم إن عكرا بكي هبلت أبا حفص وصاحبه ... أبا معاذ إذا المولى بِهِ انتصرا [3] ومات عمر وَهُوَ ابْن ستين سنة، وَكَانَ سمي عمر بعُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَالَ الفرزدق: ألم تريا أن الجواد ابْن معمر ... لَهُ راحتا غيث يفيض مديمها إذا جاءه السؤال فاضت عَلَيْهِم ... سماء يديه فاستقل عديمها نمته بنو تيم بْن مرة للعلى ... وحاطت حماة من قريش قرومها

_ [1] ديوان العجاج ص 1429. مع فوارق. [2] ما تزال تحمل الاسم نفسه إلى الشرق من دمشق في أحوازها. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 235- 236.

وهم سادة الإِسْلام والقادة الألى ... يقوم عَلَى الحكام يوما حلومها [1] وَقَالَ بعض ولد عُثْمَان لبيهس بْن صهيب الجرمي: يَا أبا المقدام، أمية بْن عَبْدِ اللَّهِ أفضل أم عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ؟ فَقَالَ: عمر وَاللَّه أجود منه جودا، وأكرم نفسا وأشد بأسا. قَالُوا: وكانت للمغيرة بن حبناء التيمي جارية نفيسة كَانَ محبا لها، فاضطر إِلَى بيعها فجعل يمسك حَتَّى قَالَت لَهُ: لو بعتني فانتفعت واتسعت بثمني كَانَ أمثل مما أراك. قَالَ: أفعل وَاللَّه عَلَى كره، فعرضها للبيع فاشتراها عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر بمائة ألف فقبضها وَقَالَ: لولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شَيْء سوى الموت فاعذري أروح بهم فِي الفؤاد مبرح ... أناجي بِهِ قلبا قليل التصبر عليك سلاما لا زيارة بيننا ... وَلا وصل إِلا أن يشاء ابْن معمر فلما بلغ عمر الشعر قَالَ: قد شاء ابْن معمر، فرد الجارية وسوغه المال. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْن سَلَمَةَ عَن حميد بْن سُلَيْمَانَ بْن قتة قَالَ: بعث معي عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بألف دينار إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وبألف دينار إِلَى الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر، فقبل ابْن عُمَرَ مَا بعث بِهِ، وأخذه بيده وَهُوَ فِي المغتسل وَقَالَ: وصلته رحم فقد جاءتنا عَلَى حاجة، وأبي الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أن يقبلها فقالت امرأته: إن لم تقبلها فهاتها.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 261 مع فوارق.

قَالَ وَكَانَ عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ يبعث هَذِهِ الثياب المعمرية إِلَى الْمَدِينَة فيقسمها بينهم، فَقَالَ ابْن عُمَرَ: جزى اللَّه من أفشى هَذِهِ الثياب بالمدينة خيرا. قَالَ ابْن قتة: وَقَالَ لِي ابْن عُمَرَ: بلغني عَن صاحبك أنه يعطي المهاجرين ألفا ألفا ويعطي الأنصار سبعمائة سبعمائة فأعلمت عمر قوله فسوى بينهم. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: ولي عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر بَعْد ببَّة عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر البصرة، وَكَانَ سخيا شجاعا ممدحا، وَقَالَ المهلب بْن أَبِي صفرة: مَا رأيت مثل أحمر قُرَيْش فِي شجاعته، مَا لقينا خيلا قط إِلا كَانَ فِي سرعان خيلنا، يعني عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ، وَقَالَ فِيهِ نصيب: وَاللَّه مَا يدري امرؤ ذو جناية ... وَلا جار بيت أي يوميك أجود أيوم إذا ألفيته ذا يساره ... فأعطاك عفوا منه أَوْ يَوْم يجهد وإن حليفيك السماحة والندى ... يقيمان بالمعروف مَا كنت توجد [1] وله يَقُول يَزِيد بْن الحكم بْن أَبِي العاص الثَّقَفِيّ: فما كعب بْن مامة وَابْن سعدي ... بأكرم منك يَا عمر الجوادا فِي شعر. وَقَالَ هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ: وفد رجل إِلَى عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، فأقام ببابه شهرا فلم يحل منه بشيء، فَقَالَ: رأيت أبا حفص تجهم مقدمي ... ولظ بقول عذرة أو مواربا فلا تحسبنّي إذ تجهمت مقدمي ... أرى ذاك عارا أَو أرى الخير ذاهبا ومثلي إذا مَا بلده لم تؤاته ... تنكب عنها واستدام المعاتبا

_ [1] شعر نصيب ص 79.

طلحة بن عمر

فبلغ عمر شعره فدعا بِهِ وَقَالَ: كم أقمت؟ فَقَالَ: ثلاثين يوما. فأمر لَهُ بثلاثين ألفا، وحمله وكساه فَقَالَ: جزى اللَّه خيرا والجزاء بكفه ... عَن الزور يأتيه الكريم ابْن معمر تذمم إذ عاتبته ثُمَّ نالني ... بما شئت من مال وبر محبر وَكَانَ العطاء كالمقام عديده ... ألوفا كثيرا بعد عرض موفر المدائني عن عبد الله بن فائد قال: قَالَ عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر: أنا بما أعطيت أسر مني بما تركت. فمن ولد عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر: طَلْحَة بْن عُمَرَ وأمه رملة بِنْت عُبَيْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي أخت طَلْحَة الطلحات، وكانت ابنته أم عُثْمَان عند عُبَيْد اللَّهِ بْن زياد، وكان ابنه عُبَيْد اللَّهِ بفارس فقتلته الخوارج من الأزارقة. قَالُوا: وَكَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْرة استخلف عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى سجستان، وشخص إِلَى زياد، فلما قدم وهب لَهُ كُلّ شَيْء كَانَ فِي بيت المال وَكَانَ عمر أتاه زائرا. قَالَ الأَصْمَعِيّ وَأَبُو عبيدة: البستان الَّذِي تدعوه العامة بستان ابْن عامر بقرب مَكَّة، هُوَ بستان ابْن معمر. قَالُوا: وكانت رملة بِنْت عَبْد اللَّهِ عند عمر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر. فولدت لَهُ طَلْحَة بْن عُمَرَ، وكبرت عنده وكانت تصغر سنها وتجحد كبرها وانقطاع طمثها، فربما تغسلت لتظهر أنها تحيض، فَقَالَ عون بْن سلامة التَّيْمِيّ:

جعل اللَّه كُلّ قطرة حوز [1] ... خرجت منك فِي حماليق عيني ولما مات عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ تزوج رملة بعده خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِد بْن أسيد، فمات عَنْهَا، فلما ماتت رملة أرسل طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ ابنها إِلَى يَزِيد بْن طَلْحَةَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خلف يطلب ميراثه فكتب إِلَيْهِ يَزِيد: بعثت إِلَي عزرة فِي بلادي ... وقد أنفقت مالك فِي حرين [2] فلا يذهب بك الرحمن حَتَّى ... أرى رجليك فِي خفي حنين فغضب لَهُ عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن معمر فَقَالَ: إذا مَا النادبات ندبن يوما ... بحمل غرامة وثقيل دين فلا تندب لمكرمة ولكن ... لحلب معاقر ولكعثبين [3] إذا الآباء زانهم بنوهم ... فلست لمن نسبت لَهُ بزين وَقَالَ واثلة بْن خليفة السدوسي يهجو عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ، وَكَانَ نقله فِي ولايته فارس من مكان إِلَى شر منه، وَكَانَ فِي جنده هناك: نبت بك أم من ثمالة جانبت ... بك القصد واجترت إِلَيْك المخازيا كفيناكم جل الأمور وأنتم ... بني معمر لا تعملون العواليا ولو كنت من خلان رملة ضمني ... جنابك أَو أقررتني بمكانيا وكانت رملة شفعت لقوم فأقرهم، وكانت أم عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ من بني عَبْد الدار، وأمها أزدية من ثمالة فلذلك قال أم من ثمالة.

_ [1] الحوز: النكاح وفرج المرأة والمحاوزة: المخالطة والوطء. القاموس. [2] حرين: بلد قرب آمد. معجم البلدان. [3] الكعثب: الركب الضخم. القاموس.

قَالُوا: وكانت عند طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ فاطمة بِنْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَر ذي الجناحين بْن أَبِي طالب، فولدت لَهُ إِبْرَاهِيم بْن طَلْحَةَ، وَكَانَ خيرا نبيلا، ذا جلالة، وكانت فاطمة قبله عند حمزة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْر، وكانت بارعة الجمال، فلما احتضر أوصاها بألا تتزوج طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، وأحلفها عَلَى ذَلِكَ فحلفت أَلا تتزوجه بصدقة مالها، وعتق رقيقها، فلما مات حمزة خطبها طَلْحَة وَكَانَ جميلا بهيا، فأعلمته مَا حلفت بِهِ، فضمن لها أن يعطيها إذا تزوجته وحنثت بكل شَيْء شيئين، فتزوجت بِهِ، ووفى لها فأعطاها، عشرين ألف دينار، ومهرها أربعين ألف دينار، فولدت لَهُ إِبْرَاهِيم بْن طَلْحَةَ، ورملة بِنْت طَلْحَة، فزوج طَلْحَة بْن عُمَرَ ابنته رملة إِسْمَاعِيل بْن عَلِيّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى مائة ألف دينار، وكانت فائقة الجمال فَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن يسار النساء لطلحة بْن عُمَرَ: أنت أتجر النَّاس، تزوجت فاطمة بِنْت الْقَاسِم عَلَى أربعين ألف دينار، وأعطيتها ليمينها عشرين ألف دينار، فولدت لك إِبْرَاهِيم، ورملة، فزوجت رملة بمائة ألف دينار وربحت إِبْرَاهِيم وأربعين ألف دينار، وَكَانَ يقال: إذا رأيت إِبْرَاهِيم بْن طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، وإعظام قُرَيْش لَهُ ظننت أنهم عبيد لَهُ، وَكَانَ عظيم الشأن كثير الأتباع، وسقط سوطه فابتدره ثلاثون من أهل بيته حَتَّى أخذه من أخذه منهم، وناوله إياه فوصلهم. وَكَانَ كثير الغاشية والأتباع يمر فِي طريقه إِلَى المسجد فلا يتجاوزه أحد من قُرَيْش وغيرها بل يتزاحمون خلفه، ومات إِبْرَاهِيم بْن طَلْحَةَ وله ستون سنة، واقتسم ولده ميراثه، فأصاب كُلّ ذكر منهم مال جسيم. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كره الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك تزوج طَلْحَة بن عمر

وأما جعفر بن طلحة

فاطمة، وَكَانَ هم بتزوجها، فكتب إِلَى عامله عَلَى الْمَدِينَة أن يخرجه إِلَى السوق ويجبره عَلَى طلاقها فلم يطلقها. قَالُوا: ومات طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، فورث كُلّ ولد لَهُ ذكر أربعين ألف دينار. وأما جَعْفَر بْن طَلْحَةَ فأنفق ماله فِي ضيعته الَّتِي سماها أم العيال بالفرع [1] ، وَكَانَ لها قدر عظيم، فأقام بِهَا وأصابه وَهُوَ فِيهَا الوباء، فقدم الْمَدِينَة وقد تغير، فرآه مَالِك بْن أَنَسٍ الفقيه، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي عمر ماله وأخرب بدنه، وقد تفرقت تلك الضيعة وصارت فِيهَا شرك، وركب عُثْمَان بْن طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّه دين فأراد الشخوص إِلَى العراق فِي أمر دينه، فبلغ ذَلِكَ أخاه جَعْفَر فَقَالَ: لا بارك اللَّه فِي مال بعد عُثْمَان أخي فجمع لَهُ ألفي دينار فقضي دينه، وأقام بالمدينة. وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن طَلْحَةَ بْن عُمَرَ من وجوههم، وَكَانَ يلي صدقتهم ولاه إياها الرشيد هَارُون أَمِير الْمُؤْمِنِينَ. وَكَانَ مُحَمَّد بْن طَلْحَةَ بْن عُمَرَ من خيار قُرَيْش، وأمه أم ولد، وَهِيَ أم أخيه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن طَلْحَةَ. وعثمان بْن طَلْحَةَ، ولاه المهدي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قضاء الْمَدِينَة فلم يأخذ عَلَيْهِ رزقا، وقال: أكره أن أرتزق فيضريني ذَلِكَ عَلَى ولاية القضاء، ثُمَّ استعفى عُثْمَان المهدي فأعفاه. وَقَالَ الزُّبَيْرِيّ: تغدى عُثْمَان بْن طلحة مع العباس بن محمد بن

_ [1] الفرع: قرية من نواحي الربذة عن يسار السقيا، بينها وبين المدينة ثمانية برد. المغانم المطابة.

عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاس ببغداد، فَقَالَ لَهُ: دلني عَلَى براح بنخله أشتريه وأعتمله، فَقَالَ: هُوَ عندي. قَالَ: بكم هُوَ، قَالَ: بخمسة آلاف دينار فوثق بقوله وأعطاه الثمن عَلَى مَا قَالَ. وَقَالُوا: ودعا الْحَسَن بن زيد- إذ كَانَ يلي الْمَدِينَة- إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ بْن طَلْحَة بْن عُمَرَ بْن عُبَيْد اللَّهِ إِلَى القضاء عَلَيْهَا فأبى ذَلِكَ، فحبسه وحلف أَلا يخليه أَوْ يلي القضاء، فكلم فِيهِ فدعا بِهِ وَقَالَ: إنك قد ألححت وقد حلفت فأبر يميني ففعل، وأرسل مَعَهُ حسن جندا حَتَّى جلس فِي المسجد فجاء رجل من مواليهم فوقف عَلَى رأسه فَقَالَ: طلبوا الفقه والمروءة والفض ... ل وفيك اجتمعن يَا إِسْحَاق فأمر بتنحيته وأعفاه حسن بْن زَيْد عَن القضاء، فلما صار إِلَى منزله أعطى الَّذِي أنشده البيت خمسين دينارا وَقَالَ: استعن بِهَا عَلَى أمرك، ويقال أنه مولى لَهُ يقال لَهُ: داود بْن سلم. وَقَالَ الزُّبَيْرِيّ: كَانَ داود بْن سلم نبطيا وأمه مولاتهم فادعى ولاءهم. وَقَالَ أَبُو اليقظان: وَكَانَ عُثْمَان بْن عُمَرَ بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى قضاء الْمَدِينَة لجعفر بْن سُلَيْمَان بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عُثْمَان بْن عُمَرَ بْن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى قضاء الْمَدِينَة فِي أيام مروان بْن مُحَمَّد، ثُمَّ ولاه المنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قضاءه، فكان مَعَ المنصور حَتَّى مات بالحيرة قبل تحول المنصور إِلَى بغداد. وَكَانَ ابنه عمر بْن عُثْمَان بْن عُمَرَ بْن مُوسَى من وجوه قُرَيْش وبلغائها ولاه الرشيد قضاء البصرة فحج ثُمَّ أقام بالمدينة واستعفى فأعفاه الرشيد من

ومن ولد عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة:

القضاء، وأقره بالمدينة فلم يزل بِهَا حَتَّى مات، وقيل لَهُ: إنك متواضع وينبغي للقاضي أن يكون مهيبا فَقَالَ: إنكم إذا وليتم القضاء وضعتموه على رؤوسكم، وأنا أضعه تحت قدمي، وخاصمه بعض القرشيين فَقَالَ وقد حمل القرشي عَلَيْهِ: عَلَى رسلك فإنك سريع الإنفاد، وشيك الانقطاع، ولست وَاللَّه بمكافئ لِي دون أن تبلغ غاية المدى، وأبلغ غاية الإعذار. قَالُوا: وَكَانَ مَعَ عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بالبصرة أخوه عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر فبعثه بفارس لقتال الأزارقة فقتله ابْن برز مولى عَبْد القيس فَقَالَ الشاعر: ونال الشهادة منهم فتى ... بدولاب كالقمر الأزهر طويل النجاد رفيع العماد ... كهمك من ماجد معسر [1] أطاع الكتاب رجاء الثواب ... فقاتل عَن دبر المدبر ليعذره اللَّه والْمُسْلِمُونَ ... ومعذرة اللَّه للمعذر وفر الَّذِينَ أرادوا الفرار ... كأنهم خشب العرعر فِي أبيات. ومن ولد عمير بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عمير وأمه سلامة [2] ، أم ولد، وإليها ينسبون، وزعم ولدها أن سلامة كَانَتْ تخدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ هَذَا المتولى لاستخراج طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ من قبره، وتحويله إِلَى موضعه اليوم.

_ [1] بهامش الأصل: مسعر. [2] بهامش الأصل: ولدها يقولون سلامة بالتخفيف.

ومنهم: عون بن عبد الرحمن بن عمير بن عثمان

ومنهم: عون بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عمير بْن عُثْمَان وَكَانَ لَهُ قدر، وَكَانَ صديقا لأمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، فمرض فلم يعده أمية فَقَالَ: إن من غره أمية بعدي ... مثل من غره أجيج السراب كنت أرجو أن يحفظ العهد مني ... فإذا عهده كعهد الغراب وَكَانَ عون هَذَا خاف الْحَجَّاج فهرب منه، وأنشأ يَقُول: وددت مخافة الْحَجَّاج أني ... بكابل فِي است شيطان رجيم فأخذ هَذَا مساور الوراق فَقَالَ: ما زال بي صوت دندان [1] يؤرقني ... والنَّاس من بين مجلود ومحبوس حَتَّى تمنيت أني من مخافته ... بكابل استار حولا فِي است جاموس فقيل: لو قلت فوق جاموس، فَقَالَ: ذاك أخفى. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن عون بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عمير بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد قائدا من قواد خراسان بمرو فوقعت بين بكر بْن وائل وتميم فتنة، بسبب حوانيت ابتناها عُبَيْد اللَّهِ بْن عون أخو خَالِد بْن عون فِي بعض أفنية بكر بْن وائل فهدموها. وأما زهرة بْن عُثْمَان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم فولد هِشَام، ويقال هاشم بْن زهرة. كَانَ صريعا، فأمره عُمَر بْن الْخَطَّابِ أن يصارع رجلا قدم يتحدى النَّاس بالمصارعة فصرعه هِشَام، وجلد مروان بْن الحكم عَبْد اللَّهِ بْن هاشم بْن زهرة بْن عُثْمَان بْن عَمْرو فِي الخمر ثمانين، ويقال ابْن هِشَام. ومن بني تيم بْن مرة: عَبْد اللَّهِ وعمير ابنا جدعان بْن عَمْرِو بن

_ [1] الدندنة: صوت الذّباب والزبابير، وهينمة الكلام. القاموس.

فأما عمير بن جدعان

كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة، وكلدة ابْن جدعان، قتل يَوْم الفجار. فأما عمير بْن جدعان فولد: قنفذ بْن عمير، أدرك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان مؤذيا لَهُ فَقَالَ أَبُو طالب فِيهِ وفي عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّهِ: وإني أرى عُثْمَان أمسى وقنفذا ... ومن جمعا من شر تلك القبائل وَكَانَ المهاجر بْن قنفذ بْن عمير بْن جدعان عَلَى شرط عُثْمَان بْن عَفَّان، وَكَانَ عمر جلده وامرأته ثمانين ثمانين فِي شراب. وأما عَبْد اللَّهِ بْن جدعان، وأمه سعدى بِنْت عويج، فكان شريفا سيدا فِي الجاهلية ولما كبر حجر عَلَيْهِ قومه أن يتلف ماله فكان يَقُول للرجل: أدن مني ألطمك وطالبني بالقود، فيلطم الرجل فيرضيه قومه عَنْهُ من ماله، فَقَالَ ابْن قَيْس فِي ذَلِكَ: وَالَّذِي إن أشار نحوك لطما ... تبع اللطم نائل وعطاء [1] وَكَانَ لَهُ ذكر فِي العرب، فسأل كسرى يوما عَن دين العرب، وأمر البيت وَقَالَ: إني لأحب أن ألقى من أهل مَكَّة رجلا ذا عقل وفهم فأسائله عَن أمورهم، فذكر لَهُ قوم من العرب كانوا بحضرته أمر عَبْد اللَّهِ بْن جدعان، فكتب إِلَى صاحب اليمامة يأمره بالمسير إِلَى مَكَّةَ ليشخص إِلَيْهِ ابْن جدعان مكرما، فأشخصه إليه فلما رآه كسرى أعجبته هيئته وعقله ونبله، وَكَانَ قد أهدى إِلَيْهِ عصبا يمانيا وأدما فقبل هديته وآنسه فكان يدعو بِهِ يسائله وبينهما ترجمان، فإذا قام منصرفا قَالَ: مَا ظننت أن فِي العرب مثل هَذَا فِي حلمه وثخانته [2] وجودة رأيه. وَكَانَ يؤاكله، ثُمَّ إنه وصله وزوده من ثياب

_ [1] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 93. [2] الثخين: الحليم. القاموس.

العراق وطرائفه وَقَالَ لَهُ وَهُوَ يأكل: هل لك فِي حاجة تذكرها؟ قَالَ: نعم، تهب لِي هَذَا الطباخ الَّذِي يتخذ لك هَذِهِ الحيسة يعني الفالوذ، فوهب لَهُ طباخا، فلما انصرف فقدم مَكَّة أمر باتخاذ الفالوذ فكان يتخذ ويطعمه أهل مَكَّة، فَقَالَ أمية بْن أَبِي الصلت الثَّقَفِيّ: وأبيض من بني عَمْرو بْن كعب ... وهم كالمشرفيات الحداد لَهُ داع بِمَكَّةَ مشمعل [1] ... وآخر فوق داريه ينادي إِلَى ردح من الشيزى [2] ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد لكل قبيلة ثبج وهاد ... وكنت الرأس يقدم كُلّ هادي فما لاقيت مثلك يا بن سعدى ... لمعروف وخير مستفاد [3] وأم عَبْد اللَّهِ جمحية واسمها سعدى، وقد سمعت فِي قدومه عَلَى كسرى وجها آخر، وَهُوَ أن الْحَارِث بْن ظالم لما خاف النعمان استجار بزرارة بْن عدس ثُمَّ التمس أحرز من مكانه عنده، فأتى مَكَّة واستجار بعَبْد اللَّهِ بْن جدعان، فكره النعمان ومن جمع لَهُ أن يأتوا مَكَّة وَهِيَ حرم، فكتب النعمان إِلَى كسرى يعلمه فتك الْحَارِث وشرارته وأنه يسعى بالفساد فِي عمله، ويسأله أن يكتب إِلَى صاحب اليمامة فِي أشخاص الْحَارِث إِلَيْهِ وأخذ من هُوَ عنده بِهِ، فلما صار صاحب اليمامة بقرب مَكَّة كره أن يطأها بجيش وانتظر يوما من أيام أسواقهم بعكاظ وغيرها، فلما اجتمعوا فِيهِ لقي ابْن جدعان فسأله أن يسلم إِلَيْهِ الْحَارِث بْن ظالم فَقَالَ: إنه فارقني، فأشخص صاحب

_ [1] المشمعل: الرجل الخفيف الظريف، أو الطويل. القاموس. [2] الردح: الجفنة العظيمة. والشيزى: خشب أسود للقصاع. القاموس. [3] ديوان أمية بن أبي الصلت- ط. دمشق 1977 ص 380- 381 مع فوارق.

اليمامة ابْن جدعان إِلَى كسرى، ويقال إن باذام صاحب كسرى باليمن تعبث بأهل مَكَّة فِي شَيْء التمسه منهم، فشخص ابْن جدعان فِي عدة من قُرَيْش إِلَى كسرى يشكونه، فكتب لَهُ إِلَى باذام بما أراد، وَاللَّه أعلم. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إسناده: كَانَ بنو تيم فِي حياة ابْن جدعان كأهل بيت واحد يقوتهم ابْن جدعان، وَكَانَ يطعم كُلّ يَوْم فِي داره الدهر كله جزورا، فينادي مناديه: من أراد اللحم والشحم فعليه بدار ابْن جدعان، ووفد عَلَى ملك فارس فَقَالَ لَهُ: بلغني أنك أعظم العرب مروءة فسلني حوائجك، فسأله طباخا يعمل الفالوذ، فكان يطعمها قريشا. وَكَانَ لرجل من بني جشم بْن بكر عَلَى رجل من بني كنانة دين، فأعدم الكناني، فأتى إِلَى الجشمي بقرد فَقَالَ: من يشتري هَذَا القرد بدين الجشمي علي، فوثب الجشمي فقتل القرد، فاقتتل بنو كنانة وبنو بكر فأصلح بينهم ابْن جدعان، وحمل ذَلِكَ الدين. وَكَانَ ابْن جدعان يكنى أبا زهير، وفي داره كَانَ اجتماع أهل حلف الفضول حين عقدوه، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر: «لو كَانَ أَبُو زهير أَوْ مطعم بْن عدي حيا فاستوهبهم لوهبتهم لَهُ» . وسكر ابْن جدعان ليلة من الخمر فجعل ليتناول القمر، فأخبر بِذَلِكَ فترك الشراب وَقَالَ: شربت الخمر حَتَّى قَالَ صحبي ... ألست عَن الشراب بمستفيق وحتى مَا أوسّد في منام ... أبيت به سوى الترب السحيق وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان: إنما تقسم الشرف بعد أَبِي زهير عَبْد اللَّهِ بْن جدعان، وَكَانَ مقدما عند قُرَيْش، ومدح أمية بْن جدعان

فَقَالَ: أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء وعلمك بالحقوق وأنت فرع ... لك الحسب المهذب والسناء كريم لا يغيره صباح ... عَن الخلق الجميل وَلا مساء يباري الريح مكرمة وجودا ... إذا مَا الكلب أحجره الشتاء وأرضك أرض مكرمة بناها ... بنو تيم وأنت لها سماء [1] وَقَالَ أمية يرثيه فِي أبيات: آباؤك الشّم المراجي ... ح المساميح الأخاير علم ابن جدعان بن عم ... رو أنّه يوما مدابر ومسافر سفرا بعي ... دا لا يؤوب له المسافر فقدوره بفنائه للضي ... ف مترعة زواخر زبدا وغرغرة [2] كغرغرة الفح ... ول إذا تخاطر وكأنهنّ إذا حمين بما شج ... ين بِهِ ضرائر وكأنما يدعى عرينة فِي ... طوائفها وضاطر [3] وإذا تشام بروقهم ... جادت أكفهم المواطر لا يحتويهم جانب ... نأي المحل وَلا مجاور قوم حصونهم الأس ... نّة والأعنّة والبواتر

_ [1] ديوان أمية بن أبي الصلت ص 333- 335. [2] الغرغرة: صوت القدر إذا غلت. [3] عرينة وضاطر من قبائل العرب. انظر جمهرة الأنساب العرب لابن حزم ص 235- 236، 387- 388.

ولد عبد الله بن جدعان

نزلوا البطاح ففصلت ... بهم البواطن والظواهر [1] وله يَقُول أمية أَيْضًا: نعم الفتى وأخو العشيرة إنه ... يعطي الجزيل وَلا يكد السائلا [2] وَقَالَ خداش بْن زهير بْن رَبِيعَة بْن عَمْرِو بْنِ عامر بْن رَبِيعَة بْن عامر بْن صعصعة يهجو ابْن جدعان: أغرك أن قَالَت قُرَيْش مسود ... وأنك مكفي بِمَكَّةَ طاعم فبعث إليه فأرضاه. قالوا: ولما مروا بنعش ابن جدعان صرخت ضباعة بِنْت عَامِر بْن قرط بْن سَلَمَةَ بْن قشير بْن كعب بْن ربيعة بن عامر بن صعصعة- وكانت عند ابْن جدعان، خلف عَلَيْهَا بعد أَبِي هوذة الحنفي فلم تلد منه، وَكَانَ عقيما فسألته الطلاق فطلقها فتزوجها هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، فولدت لَهُ سَلَمَة- فَقَالَ لها زوجها هِشَام: مَا هَذَا؟ قَالَت: إنه نعم زوج الغريبة. فَقَالَ: أي وَاللَّه والقريبة، مَا ألومك أن تبكي سيد قريش. [ولد عبد الله بن جدعان] قَالُوا: وَكَانَ ابْن جدعان عقيما فادعى بنوة رجل فسماه زهيرا، وكناه أبا مليكة فولده كلهم ينسبون إِلَى أَبِي مليكة، ويقال أَبُو مليكة بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جدعان، فمن ولد أَبِي مليكة عُبَيْد اللَّهِ وعَبْد اللَّهِ ابني أَبِي مليكة. وذكر أَبُو اليقظان أن أهل مَكَّة يقولون فِي مثل لهم يضربونه: حتى

_ [1] ديوان أمية بن أبي الصلت ص 411- 414 مع فوارق. [2] ليس في ديوان أمية المطبوع.

يرجع أَبُو مليكة إِلَى عصيدته، وذلك أنه أمر أن تعمل لَهُ عصيدة ففقد فلم بعد إِلَيْهَا. فأما عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي مليكة فأقامه عُمَر بْن الْخَطَّابِ مقيما للحدود بِمَكَّةَ. وأما عَبْد اللَّهِ فمن ولده زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مليكة، وَكَانَ زَيْد مَعَ بعض ولد زياد بْن أَبِي سُفْيَان بسجستان، فقتله الترك، وَكَانَ ابنه عَلِيّ بْن زيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مليكة الَّذِي يقال لَهُ: عَلِيّ بْن زَيْد بْن جدعان محدثا، روى عَن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ وغيره، ومات فِي أرض بني ضبة بالطاعون وَلا عقب لَهُ. ولأخيه مُحَمَّد بْن زَيْد بْن أَبِي مليكة عقب بالبصرة. حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ الحجري عَن أَبِيهِ قَالَ: سمعت ابْن أَبِي مليكة يَقُول: إذا غلب عَلَى العالم الطمع ذهب بهاؤه. قَالَ: سوار بْن زهدم الجرمي فِي بعض ولد أَبِي مليكة: بنى تيم بْن مرة إن فيكم ... مكارم لسن فِي أحد سواكم فمنهن الطعان إذا لقيتم ... وإعطاء المضاف إذا اعتراكم وسعيكم إِلَى المعروف سهل ... ولم تحلل إِلَى جهل حباكم وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْدِ اللَّهِ بْن أَبِي مليكة يروي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس، مات سنة سبع عشرة ومائة. وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: كَانَ من ولد جدعان: يَعْقُوب بْن زَيْد بْن طَلْحَةَ، ويكنى أبا عرفة، وَكَانَ قاصا، روى عَنْهُ مَالِك بْن أَنَسٍ، مات فِي خلافة أَبِي جَعْفَر.

محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة،

ومن بني تيم بْن مرة: مُحَمَّد بْن المنكدر بن عبد الله بْن الهدير بْن عَبْدِ العزى بْن عَامِر بْن الْحَارِث بْن حارثة بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة، وَكَانَ الهدير منقطعا إِلَى عَائِشَة ووصلته بعشرة آلاف درهم فاشترى أم ولد. قَالَ أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ عَن الْحَجَّاج بْن مُحَمَّد عَن أَبِي معشر أن عَائِشَة وهبت للمنكدر عشرة آلاف درهم فابتاع مِنْهَا جارية بألفي درهم، فولدت لَهُ: محمدا، وأَبَا بَكْرٍ، وعمر بني المنكدر، فأتى رجل بمال فَقَالَ: دلوني عَلَى رجل فاضل بالمدينة أدفع إِلَيْهِ هَذَا المال، فدل عَلَى عمر بْن المنكدر، فلم يقبل المال فدل عَلَى أَبِي بَكْر فلم يقبله، فدل عَلَى مُحَمَّد فلم يقبله، فَقَالَ الرجل: يَا أهل الْمَدِينَة، إن استطعتم أن يلدكم كلكم المنكدر فافعلوا. وَقَالَ ابْن عُيَيْنَةَ: كَانَ مُحَمَّد بْن المنكدر من معادن الصدق، وَكَانَ يجتمع إِلَيْهِ الصالحون. أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ عَن عَلِيّ بْن الْحَسَن عَن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ قَالَ: قلت لمحمد بْن المنكدر أي الأعمال أحب إِلَيْك؟ قَالَ: إدخال السرور عَلَى المسلم، قيل فما بقي مما تستلذه؟ قَالَ: الإفضال عَلَى الإخوان. قَالُوا: وَكَانَ مُحَمَّد بْن المنكدر يضع خده بالأرض ثُمَّ يَقُول لأمه: قومي فضعي قدمك عَلَى خدي، وَكَانَ ابْن المنكدر يقوم الليل فيصلي فسمع صياح جار لَهُ مبتلى، فكان يرفع صوته بالحمد فقيل لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: رفع هَذَا صوته بالبلاء وأرفع صوتي بالنعمة. حَمَّاد بْن زَيْد عَن عمر بْن جابر عَن مُحَمَّد بْن المنكدر قَالَ: إن المتكلم يخاف مقت اللَّه وإن المستمع يرجو رحمة اللَّه. وَقَالَ عمر بْن مُحَمَّدِ بْنِ المنكدر: كنت أمشي مَعَ أَبِي فِي الطريق فإذا مر

بهذه القراطيس الممزقة أمرني أن آخذها فأجعلها فِي كوة، ويأخذها هُوَ أَيْضًا. وروى ابْن الْمُبَارَكِ عَن أسامة بْن زَيْد، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن المنكدر قَالَ: كَانَ يقال شر قتيل قتل فِي الإِسْلام قتيل يقتل بين ملكين يريدان الدنيا. أَحْمَد بْن أَبِي مُعَاوِيَة، ثنا مُحَمَّد بْن سَوْقَةَ عَن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِرِ أنه كَانَ يستقرض ويحج، فقيل لَهُ: آلحج بالدين؟ فَقَالَ: الحج بالدين أقضى للدين. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ أسلم عَن زائدة بْن قدامة، أنبأ مُحَمَّد بْن سوقة، سمعت مُحَمَّد بْن المنكدر يَقُول: إن اللَّه يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده، وأهل دويرته، وأهل الدويرات حوله، فما يزالون فِي حفظ من اللَّه مادام فيهم، وَكَانَ الغاضري [1] ربما حضر مجلس ابْن المنكدر. وَقَالَ سُفْيَان: لما حضرت ابْن المنكدر الوفاة جزع فَقَالُوا: ادع أبا حَازِم يعزيه، فجاء أَبُو حَازِم فَقَالَ لَهُ ابْن المنكدر: إن اللَّه يَقُول: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لم يكونوا يحتسبون) [2] ، وأخاف أن يبدو لِي من اللَّه، مَا لم أكن أحتسب، فجعلا يبكيان جميعا. ويقال إن القائل هَذَا عمر بْن المنكدر. وقيل لابن المنكدر: أتصلي عَلَى رجل يرتهن؟ فَقَالَ: إني أكره أن يعلم اللَّه من قلبي أن رحمته تعجز عَن واحد. حَدَّثَنِي غسان بْن المفضل قَالَ: أعطى مُحَمَّد بْن المنكدر حَتَّى بقي فِي إزار، وقالت أم عمر بْن المنكدر لعمر: يَا بني أني لأشتهي أن تنام فقال:

_ [1] لعله أراد عمران بن الحصين أبو نجيد الخزاعي الغاضري، له صحبة. اللباب لابن الأثير. [2] سورة الزمر- الاية: 47.

إني لأستقبل الليل فيهولني، فيدركني الصبح وَمَا قضيت حاجتي. حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيّ قَالَ: حج مُحَمَّد بْن المنكدر ومعه فتيان من قُرَيْش، وكانت الريح إذا رفعت ستارة عَن وجه امْرَأَة فِي قبتها وعمارتها قَالَ: برقة، فرفعت الريح ستارة مِنْهَا فإذا وجه امْرَأَة سوداء فَقَالَ مُحَمَّد بْن المنكدر أما هَذِهِ فصاعقة. وَقَالَ الْحِرْمَازِيّ: قيل لمحمد بْن المنكدر: إن ههنا رجلا يغني غناء السفهاء. قَالَ: وَمَا يَقُول؟ قالوا يَقُول: أطوف بالبيت فيمن يطوف ... وأرفع من مئزري المسبل قَالَ: قد أحسن ونعم مَا صنع، ثُمَّ أنشد: وأسجد بالليل حَتَّى الصباح ... وأتلو من المحكم المنزل فَقَالَ: هَذَا رجل صدق، فأنشد: عسى فارج الهم عَن يوسف ... يسخر لِي ربة المحمل قَالَ: آه، آه امسكوا، هَذَا رجل سوء. وأخبرني بعض أصحابنا عَن الحرامي أنه ذكر أن سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ المنشد هَذَا الشعر، الَّذِي غنى بِهِ ابْن جامع السهمي وَاللَّه أعلم. وأنشد ابْن المنكدر: فما تولت حَتَّى تضرعت حولها ... وأعلمتها مَا أنزل اللَّه فِي اللمم فَقَالَ: لمن هَذَا؟ قَالَ: لوضاح اليمن. فضحك وَقَالَ: إن وضاح لمقيتا لنفسه. ومات مُحَمَّد بْن المنكدر فِي سنة ثلاثين ومائة، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ. وكلم ابْن المنكدر عَبْد الْمَلِكِ فِي قضاء دينه فَقَالَ: أقضيه عنك عَلَى أن

لا تعود للدين. فَقَالَ: إن المؤمن لا يُلدَغ من جُحر مرتين، يَقُول: لا أسألك بِهَا قضاء دين. وَكَانَ أَبُو بَكْر بْن المنكدر فقيها. وَقَالَ أَبُو اليقظان: ولد الهدير رَبِيعَة، وعَبْد اللَّهِ والمنكدر، فولد المنكدر محمدا، وأَبَا بَكْرٍ، وعمر، وكلهم كَانَ دينا خيرا. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّد بْن المنكدر: بات أخي عمر يصلي بالليل، وبت أغمز قدمي أمي، فما تسرني ليلته بليلتي. قَالَ: ودخل أعرابي الْمَدِينَة فرأى إعظام النَّاس بني المنكدر وذكرهم لهم، فسئل عَن أهل الْمَدِينَة لما خرج مِنْهَا فَقَالَ: تركتهم بخير، وإن استطعت أن تكون من بني المنكدر فكن. وحج مُحَمَّد بْن المنكدر فأعطى مَا مَعَهُ وتصدق وفرق، فلم يبق مَعَهُ شَيْء، فَقَالَ لأصحابه: ارفعوا أصواتكم بالتلبية، ورفع صوته فمر ببعض المياه وعليه مُحَمَّد بْن هِشَام المخزومي فَقَالَ: بلغني أن ابْن المنكدر أنفق نفقة كبيرة، وَمَا أظن مَعَهُ شَيْئًا، فبعث إِلَيْهِ بأربعة آلاف درهم، فأخذها وحمد اللَّه كثيرا وَقَالَ: إن من أفضل أعمال أهل الإيمان إطعام الشبعان. قَالَ وَكَانَ رَبِيعَة الرأي ابْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ، مولى بني الهدير، وَكَانَ رَبِيعَة يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ أَيْضًا بكنية أَبِيهِ، وَكَانَ اسم أَبِيهِ فروخ، وَكَانَ يسار النساء من سبي أذربيجان مولاهم أَيْضًا، وَكَانَ يشتري متاع العرائس ويبيعه، وكانت تلك تجارته فقيل لَهُ: يسار النساء، وَكَانَ إِسْمَاعِيل بْن يسار، وَمُحَمَّد بْن يسار، وسليمان بْن يسار أخوه. قَالَ مُحَمَّد بْن يسار لإسماعيل أخيه:

عون بن عبد الله بن عياش بن أبي هند،

تلوم عَلَى القطيعة من أتاها ... وأنت سننتها فِي النَّاس قبلي وَقَالَ إِسْمَاعِيل: لا تحسبني كمعشر كذب ... علفتهم مَا أنيت فاعتلفوا وقد فرق اللَّه بين نيتينا ... فِي كُلّ أمر فكيف نأتلف وَكَانَ إِسْمَاعِيل يكنى أبا فايد، وَكَانَ شاعرا سديد العقل، ذا رأي، وَكَانَ سُلَيْمَان بْن يسار منقطعا إِلَى ابْن الزُّبَيْر، وليس هُوَ سُلَيْمَان بْن يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ بِنْت الْحَارِث بْن حزن الهلالية الفقيه. وَكَانَ الماجشون مولى بني الهدير أَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: كَانَ رَبِيعَة بْن عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ أَبُو سَلَمَة بْن الهدير فقيها، روى عَن أَبِي بَكْرٍ وعمر [1] . وَكَانَ رَبِيعَة بْن عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الهدير فقيها ومات فِي سنة أربع وخمسين ومائة وَهُوَ ابْن سبع وسبعين سنة، ويكنى أبا عُثْمَان. قَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني تيم بْن مرة: عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي هند، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ، وَكَانَ لَهُ قدر بفارس، وولي اصطخر لمنصور بْن زياد، وهلك منصرفا من مَكَّة. وَقَالَ ابْن سَعْد: كَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن صبيحة التَّيْمِيّ من قُرَيْش وقد حج مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وروى عَنْهُ، وله بالمدينة دار عند أصحاب الأقفاص. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ صبيحة بْن الْحَارِث بْن جبيلة بْن عامر بْن كعب بْن سَعْد فيمن بعثه عُمَر بْن الْخَطَّابِ لإقامة أنصاب الحرم. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: ومن بني تيم بْن مرة: الحارث بن خالد بن

_ [1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 27.

ومنهم: خالد بن عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم

صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم، وَكَانَ من مهاجرة الحبشة فِي المرة الثانية، وقد ذكرناه فيما تقدم من كتابنا هَذَا. ومنهم: خَالِد بْن عَبْدِ مَنَاف بن كعب بن سعد بن تيم وهو الشرقي وبعضهم يَقُول الشرفي، وَكَانَ يأتي مشارف الشام، وَكَانَ فِيهِ وفي أهل بيته بغي وشرارة. ومن ولده: شييم بْن قَيْس بْن خَالِد بْن عَبْدِ مَنَاف، وله تقول أمه سبيعة بِنْت لاحب النصرية: أبني لا تظلم بمك ... ة لا الصغير وَلا الكبيرا إني رأيت الظلم أورث ... هم لبغيهم ثبورا والفيل أهلك جيش ... هـ يغشى عناتهم الصخورا وَاللَّه آمن طيرها ... والوحش حين أوت ثبيرا وأنشدنيه عَمْرو بْن الأسود الشيباني: لا تظلمن من جاء مك ... ة من صغير أَوْ كبير أبني من يظلم بمك ... ة يلق أطراف الشرور واحفظ محارمها ولا يغرر ... ك بالله الغرور فالله آمن طيرها ... والوحش تعقل في ثبير والفيل أهلك جيش ... هـ يرمون فيها بالصخور فاسمع إذا حدّث ... ت وافهم كيف عاقبة الأمور والرواية الأولى رواية الْحِرْمَازِيّ. وقالت لَهُ أَيْضًا: أبني إني رابني حجر ... يغدو بكفك كلما تغدو

ومنهم مسافع بن عياض بن صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم

قَالَ: ومنهم مسافع بْن عياض بْن صخر بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم وَهُوَ الَّذِي هجاه حسان بْن ثَابِت الأَنْصَارِيّ فَقَالَ: يَا آل تيم أَلا تنهون جاهلكم ... قبل القذاف بأمثال الجلاميد [1] ومنهم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن الْحَارِث بْن خَالِد بْن صخر بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم الفقيه أَبُو عَبْد اللَّهِ مات سنة عشرين ومائة، وابنه مُوسَى بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مات فِي خلافة المهدي. قَالَ: ومن بني تيم بْن مرة: أَبُو الغشم بْن عَبْدِ العزيز بْن عَامِر بْن الْحَارِث بْن حارثة بْن سَعْد بْن تيم. والحويرث بْن دباب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِر بْن الْحَارِث بْن حارثة بْن سَعْد، وَكَانَ من قصة دباب، وذكر أَبِي طالب إياه مَا قد شرحناه مَعَ تسمية ولد أَبِي طالب لصلبه. وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التَّوَّزِيّ النحوي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ العلاء قَالَ: كَانَ ابْن جدعان يوجه أبا مليكة وغيره بالهدايا إِلَى ملك الحيرة، وإلى كسرى، ويفد إليهم فِي الأمور، ويكاتبهم، فبعث بهدايا إِلَى ملك الحيرة، فقطع عَلَى رسله بنو يربوع، فأغار ابن جدعان بقريش ومن لافهم عَلَى بني يربوع، ولم يعرض لغيرهم من بني تميم. وَقَالَ ابْن جدعان فِي ولد سبيعة بِنْت الأحب، وفي خَالِد بْن عَبْدِ مناف بن كعب بن سعد بن تيم وإخوته: إذا ولد السبيعة فارقوني ... فأي مراد ذي حسب أرود أأقعد بعدهم فِي النَّاس حيا ... وقد هلك المصاليت الأسود يكبون العشار لمن أتاهم ... إذا مَا لم يكن فِي الأرض عود

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 349.

حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ اسماعيل عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ يُضِيفُ الضَّيْفَ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ كَيْفَ وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ: رَبِّ اغْفِرْ (لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين) [1] ؟

_ [1] سورة الشعراء- الآية: 82.

نسب ولد يقظة بن مرة بن كعب

نسب ولد يقظة بْن مرة بْن كعب ولد يقظة بْن مرة: مخزوم بْن يقظة، وأمه كلبة بِنْت عامر بْن لؤي. فولد مخزوم: عَمْرو بْن مخزوم، وعامر بْن مخزوم، وحبيب بْن مخزوم، وأسد بْن مخزوم، فدرج حبيب وأسد وأمهم عنبة، ويقال: غنى بِنْت سيار واسمها لبنى بِنْت سيار بْن نزار بْن معيص بْن عامر بْن لؤي. وعمران بْن مخزوم، وعميرة وأمهما سعدى بِنْت وهب بْن تيم بْن الأدرم بْن غالب. فولد عمر بْن مخزوم: عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، وعبيد بْن عُمَرَ، وعَبْد العزى بْن عُمَرَ وأمهم برة بِنْت قصي بْن كلاب. فولد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ بْن مخزوم: الْمُغِيرَة بْن عبد الله إليه البيت والعدد، وعائد بْن عَبْدِ اللَّهِ- بدال غير معجمة- وأسد بْن عَبْدِ اللَّهِ- وهو ابن جندب- وخالد بْن عَبْدِ اللَّهِ، وعثمان. وأمهم ريطة بِنْت عَمْرو بْن كعب بْن أسعد بْن تيم بْن مرة. وهلال بْن عَبْدِ اللَّهِ وأمه برة بِنْت ساعدة بْن مشنوء بْن عَبْدِ حبتر من خزاعة.

فولد المغيرة بن عبد الله:

فولد الْمُغِيرَة بْن عَبْدِ اللَّهِ: هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وهاشم بْن الْمُغِيرَةِ درج وَلا عقب لَهُ، وأبا حُذَيْفَة بْن الْمُغِيرَةِ واسمه مهشم، وأبا رَبِيعَة، وَهُوَ ذو الرمحين، واسمه عَمْرو، وأبا أمية بْن الْمُغِيرَةِ، واسمه حُذَيْفَة، وأبا زهير بْن الْمُغِيرَةِ واسمه تميم، والفاكه قتلته كنانة وأمه ريطة بِنْت سَعِيد بْن سهم بْن عَمْرِو بْنِ هصيص، وبعضهم يَقُول: ريطة بِنْت سَعِيد بْن سَعْد بْن سهم، والأول قول الْكَلْبِيّ. والوليد بْن الْمُغِيرَةِ وَكَانَ يقال لَهُ: العدل، وَهُوَ الوحيد، وعبد شمس بْن الْمُغِيرَةِ وأمهما صخرة بِنْت الْحَارِث بْن عَبْدِ اللَّهِ من قشير بجيلة، وحفص بْن الْمُغِيرَةِ، وأمه حبيبة بِنْت شيطان من بني كنانة، ويقال حنتمة، وكانت لَهُ: حفصة، وصفية، وهند. فأما حفصة فكانت عند حنطب بْن الْحَارِث بْن عُبَيْد بْن عُمَر بْن مخزوم فَقَالَتْ: ومالي لا أبكي وأحلق جمتي ... وقد نكح البيض الأوانس حنطب وكانت هند وصفية عند أَبِي أحيحة بْن سَعِيد بْن العاص بْن أمية. قَالُوا: وَكَانَ الْمُغِيرَة بْن عَبْدِ اللَّهِ ذا قدر فِي قُرَيْش، وَكَانَ يطعم الطعام، وأطعم يوما قوما من خزاعة فَقَالَ: قبح اللَّه هَذِهِ الوجوه أعناق ضباع كرم، وأكل غثم أي شديد، فَقَالَ الخزاعي، وَكَانَ الْمُغِيرَة يكنى أبا هِشَام، وَمَا قَالَ الْمُغِيرَة ذاك إِلا ليعلم علم مَا قد يستثير: سيغني عن خزير [1] أَبِي هِشَام ... صفايا كثة الأوبار خوز وَقَالَ قوم ممن يلتمس الطعن عَلَى الْمُغِيرَة أنه استرضع للمغيرة فِي بني شجع بْن عَامِر بْن ليث بْن بكر بْن عَبْدِ مَنَاف بن كنانة بن خزيمة، فمات

_ [1] الخزيز: العوسج الجاف جدا. القاموس.

فجعلت الشجعية ابنها مكانه، وسمته الْمُغِيرَة، وادعت أن الميت ابنها فوقع لما شب فِي بئر فَقَالَ: يَا أخوتي يَا شجع، وَكَانَ عابد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم حاضرا فَقَالَ: عال يديك وارتفع ... أنا أخوك لا شجع وَقَالَ قوم: إن المسترضع لَهُ الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ، فمات الْوَليِد فجعل الشجعي مكانه، فلما وقع فِي البئر قَالَ لَهُ هَذَا القول بعض أخوته من بني الْمُغِيرَة، وَاللَّه أعلم. وَقَالَ حسان بْن ثَابِت للوليد: فمالك فِي كعب قناة صليبة ... وإن قلت من شجع فأنت كذوب [1] ونفاه حسان من شجع أَيْضًا لأنه يقال إن الشجعية جعلت مكان الميت المسترضع لَهُ ابْن عَبْدِ لهم يقال لَهُ صقعب وكان اسم الصبي ديسم بن صقعب. وَقَالَ حسان فِي بني الْمُغِيرَة من بني مخزوم أَوْ بني الْوَليِد: إذا ذكر الأطايب من قُرَيْش ... تلاقت دون نسبتكم كلاب نفتك بنو هصيص عَن أبيها ... بشجع حَيْثُ تسترق العياب وعمران بْن مخزوم فدعها ... هناك العز والحسب اللباب [2] وَكَانَ كُلّ من حج من العرب ينزلون عَلَى بطون قُرَيْش فيعطونهم ثيابا يطوفون فِيهَا، ويلقون ثيابهم ويأخذ البطن الَّذِي ينزلون عَلَيْهِم مَا ينحرون من الجزر حَتَّى منع مَا ينحره رجل من فزاره من بني شمخ، وكان نازلا على

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 409. [2] ديوان حسان ج 1 ص 342 مع فوارق.

فأما هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم،

الْمُغِيرَة، فتهدده الْمُغِيرَة فترك الحج وَقَالَ: يَا رب هل عندك من عقيره ... أصبح مالي تاركا محيره إنّ منى مانعها الْمُغِيرَه فأما هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، فكان يكنى أبا عُثْمَان، وَكَانَ سيدا من سادات قُرَيْش فِي زمانه إطعاما للطعام وتوسعا عَلَى النَّاس. وَقَالَ أَبُو اليقظان: روى عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: [ «لو دخل مشرك من العرب الجنة لدخلها هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، إن كَانَ لأقراهم للضيف وأحملهم للكل» ،] وكانت قُرَيْش جعلت موته تاريخا. تقول كَانَ هَذَا ليالي مات هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ موت هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ بِمَكَّةَ فَقَالَ الشاعر: وأصبح بطن مَكَّة مقشعر ... لأن الأرض ليس بِهَا هِشَام فبكيه ضباع وَلا تملي ... البكاء فانه رجل إمام إمام الحلم والتقوى وسيب ... عَلَى الأقوام إن فقد الغمام يروح كأنه أثناء سوط ... وفوق خوانه حيس ركام وقالت ضباعة القشيرية ترثيه: إن أبا عُثْمَان لم أنسه ... وإن صمتنا عَن بكاء لهوب تفاقدوا من معشر مَا لهم ... أي كريم دفنوا بالقليب وَقَالَ هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ: مات هشام بن المغيرة بعد عبد اللَّه بْن جدعان بيسير، وَكَانَ شريفا سيدا فِي أخلاقه، فلم تقم سوق عكاظ ثلاثا، وَقَالَ فِيهِ ابْن عبلة الشاعر وَهُوَ الْحَارِث بْن أمية الأصغر: ألا ذهب الفياض والحامل الثقلا ... ومن لا يصون عَن عشيرته فضلا

وعان تريك يستكين لعلة ... فككت أبا عُثْمَان عَن يده الغلا وَمَا أنت كالهلكى فتبكى بكاءهم ... ولكن ترى الهلاك فِي جنبه وغلا وَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْمُغِيرَةِ الأثرم عَن أَبِي عُبَيْدَة معمر بْن المثنى قَالَ: لما قَالَ الْحَارِث: «وَمَا أنت كالهلكى» قَالَ بنو حرب بْن أمية إنما عرضت بأبينا حرب فِي قولك: «وَمَا أنت كالهلكى» وضربوه ليموت، فهرب إلى الطائف، وأخربوا منزله الَّذِي فِي بني عبد شمس، فاشترى لَهُ بنو هاشم داره الَّتِي فِي أجياد، فقدم من الطائف. وَقَالَ بحير بْن عَبْدِ اللَّهِ القشيري: دعيني أصطبح يَا بكر إني ... رأيت الموت نقب عَن هِشَام وود بنو الْمُغِيرَة لو فدوه ... بألف مقاتل وبألف رام وود بنو الْمُغِيرَة لو فدوه ... بألف من رجال أَوْ سوام [1] قَالُوا: وأتى هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ نجران فِي أمر من أموره، وبها أسماء بِنْت مخربة بْن جندل بْن وبير- ويقال: أبير- بْن نهشل بْن دارم، وقد هلك عَنْهَا زوج لها، وكانت جميلة لبيبة فقيل إن ههنا امْرَأَة من قومك، فلما رآها رغب فِيهَا فَقَالَ: هل لك فِي أن أتزوجك وأنقلك إِلَى مَكَّةَ؟ فَقَالَتْ: مَا أعرفك ولكني أنكحك عَلَى أن تحملني إِلَى مَكَّةَ فتزوجها وحملها إِلَى مَكَّةَ، فولدت لَهُ عَمْرو بْن هِشَام ويكنى أبا الحكم، وَهُوَ أَبُو جهل، والحارث بْن هِشَام، ثُمَّ هلك عَنْهَا فخلف عَلَيْهَا أَبُو رَبِيعَة بْن الْمُغِيرَةِ فولدت لَهُ عياش بْن أَبِي رَبِيعَةَ. وَقَالَ أَبُو اليقظان: سأل مُعَاوِيَة رجلا عَن بني مخزوم، فَقَالَ: معزى مطيرة غير بني الْمُغِيرَة. فولد هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم أبا جهل بن

_ [1] السوام: الإبل الراعية. القاموس.

وأما أبو جهل هشام

هِشَام، واسمه عَمْرو، وَكَانَ يكنى أبا الحكم فكناه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جهل، قتل يَوْم بدر كافرا وَقَالَ فِيهِ حسان بْن ثَابِت: النَّاس كنُوه أبا حكم ... وَاللَّه كناه أبا جهل [1] وقد ذكرنا أخباره ومقتله فيما تقدم من كتابنا. وكانت جويرية ابنته عند عَتَّابَ بْن أُسَيْدِ بْن أَبِي الْعِيصِ بْن أمية. قَالُوا: وَكَانَ هِشَام، وَابْن جدعان، وحرب بْن أمية يتجالسون، فلما مات حرب بْن أمية جاء أَبُو سُفْيَان ليجلس مكان أَبِيهِ فنحاه هِشَام، فَقَالَ: وَاللَّه ليجلسني مجلس أَبِي من هُوَ أشرف منك، عَبْد اللَّهِ بْن جدعان. والحارث بْن هِشَام أمه أسماء بِنْت مخربة النهشلية، وسلمة بْن هِشَام وأمه ضباعة القشيرية، والعاص بْن هِشَام قتل يَوْم بدر كافرا، وجاء هِشَام بْن العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ يَوْم الفتح إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إِلَى خاتم النبوة، ووضع يده عَلَيْهِ، فأقعده رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يديه وضرب فِي صدره ثلاثا، ثُمَّ قَالَ: [ «الهم أذهب عَنْهُ الغل والحسد» ] فكان ولده يقولون: نحن أقل قُرَيْش حسدا، وخالد بْن هِشَام أسر يَوْم بدر كافرا، وَلا عقب لَهُ وأمهما مخزومية، وأم حرملة بِنْت هِشَام تزوجها العاص بْن وائل السهمي، فولدت لَهُ هِشَام بْن العاص، ومعبد بْن هِشَام درج. وأما أَبُو جهل هِشَام فولد: عِكْرِمَة، وَكَانَ فارسا، أسلم يَوْم فتح مَكَّة، وكانت لَهُ صحبة واستشهد بالشام يَوْم أجنادين سنة ثلاث عشرة وَهُوَ الثبت، ويقال يَوْم اليرموك سنة خمس عشرة وَلا عقب لعكرمة وَكَانَ يكنى أبا هشام.

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 261 مع فوارق.

وأما الحارث بن هشام، أخو أبو جهل

وأما الْحَارِث بْن هِشَام، أخو أَبُو جهل فكان يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، أسلم يَوْم فتح مَكَّة وحسن إسلامه، وَقَالَ: لا أدع واديا سلكته فِي قتال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا سلكته فِي سبيل اللَّه، وَلا أدع درهما أنفقته فِي قتاله إِلا أنفقت مثله فِي طاعة اللَّه وطاعة رسوله، فغزا الشام فهلك فِي طاعون عمواس [1] ، وقيل بل استشهد يَوْم أجنادين، وخلف عُمَر بْن الْخَطَّابِ عَلَى امرأته ابنة الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ، وَهِيَ أم عَبْد الرَّحْمَنِ الأصغر المكنى أبا شحمة، ودفع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عرفة بين الْحَارِث وبين أَبِي سُفْيَان بْن حرب. فولد الْحَارِث بْن هِشَام: أبا سَعِيد وَلا عقب لَهُ، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث، وأمه فاطمة بِنْت الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ ويقال خالدة بِنْت الْوَليِد، وَكَانَ يقال لَهُ ولامرأته- وَهِيَ فاختة بِنْت عنبه بْن سهيل من بني عامر بْن لؤي- شريفا قُرَيْش، وذلك لأن أبويهما غزوا فهلكا بالشام، وجيء بهذين صغيرين فَقَالَ عُمَر بْن الخطاب: زوجوا هَذَا بهذه لعل اللَّه أن يخرج بينهما ذرية فزوجا. وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام من سادة قُرَيْش وخيارهم وله دار بالمدينة، وزوجه عُثْمَان بْن عَفَّان ابنته، وكانت فيمن حضر جمع الْقُرْآن فِي المصحف وإقامته عَلَى لغة قُرَيْش، ثُمَّ شهد يَوْم الجمل مَعَ عَائِشَة، فكان أول منهزم حَتَّى أتى الْمَدِينَة فَقَالَ لهم: إني سمعت اللَّه يَقُول: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عبادي الشكور) [2] فالزموا مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يخلون من بعضكم، وَكَانَ يكنى أبا مُحَمَّد. ووقف عُثْمَان بْن عَفَّان عَلَى

_ [1] كان طاعون عمواس سنة 18 هـ، وعمواس قرية قريبة من القدس. [2] سورة سبأ- الآية: 13.

بني مخزوم فِي مجلسهم فَقَالَ: إنه ليعجبني مَا أرى من جمال أمركم وهيبتكم، فَقَالَ بعضهم: فلو زوجت بعضنا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: إن خطب إلي عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: فإني أخطب إِلَيْك، فزوجه ابنته، وأرسلته عَائِشَة إِلَى مُعَاوِيَة فِي أمر حجر بْن عدي فوجده قد قتله فعاتبه عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: غاب عني مثلك من حلماء قومي. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ أَبُو يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا بِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَأَمَرَهُمْ يَنْسَخُوا الصُّحُفَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فِي الْمَصَاحِفِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَائِلُ لِمُعَاوِيَةَ، وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ: هُوَ لِي نَاصِحٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَطْعِمْنَا مِصْرَ كَمَا أَطْعَمْتَهُ إِيَّاهَا، ثُمَّ خُذْنَا بِمِثْلِ نَصِيحَتِهِ، إِنَّا رَأَيْنَاكَ يَا مُعَاوِيَةُ تَضْرِبُ عَوَامَّ قُرَيْشٍ بِأَيْدِيَكَ فِي خَوَاصِّهَا كَأَنَّكَ تَرَى أَنَّ كِرَامَهَا جَازَوْكَ عَنْ أَيَّامِهَا، وَكَأَنَّكَ بِالْحَرْبِ قَدْ حُلَّ عِقَالُهَا، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّكَ لَتَفْرُغُ مِنْ وِعَاءٍ فَعُمْ [1] فِي إِنَاءٍ ضَخْمٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَابْنَ أَخِي مَا أَحْوَجَ أَهْلُكَ إِلَيْكَ. وولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام: محمدا وبه كَانَ يكنى، وأَبَا بَكْرٍ، وعمر، وعثمان، والوليد، أمهم فاختة بِنْت عنبه بْن سهيل. والمغيرة، وعوفا، أمهما سعدى بِنْت عوف بْن خارجة بْن سنان المري، وعياشا أمه أم الْحَسَن بِنْت الزُّبَيْر بْن العوام، وعكرمة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وعُبَيْد اللَّهِ لأم ولد. وأسماء، وأم خَالِد، وزينب الواصلة، وصلت حسن

_ [1] فعم الإناء: امتلأ. القاموس.

فأما محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام

خلقها وخلقها بحسن وجهها، ويقال الموصلة، وتزوجها يَحْيَى بْن أَبِي الحكم بْن أَبِي العاص عَلَى مائة ألف درهم، وكانت قبله عند أبان بْن مروان بْن الحكم، وَكَانَ عَبْد الْمَلِكِ أرادها فعصت فأخذ مال يَحْيَى فَقَالَ: كعكة وزينب، وتزوج أم خَالِد عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ عُثْمَان بْن عَفَّان، وتزوج أسماء الْوَليِد بْن عتبة بْن أَبِي سُفْيَان. فأما مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام فقد روى عَنْهُ الزُّهْرِيّ وغيره وله عقب. وأما أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام فكان ذا قدر وفضل ومنزلة من عَبْد الْمَلِكِ، وأوصى بِهِ وبعَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر الْوَليِد، ولم يمت حَتَّى عمي، وله عقب بالمدينة. وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أم الحكم: جاء الإِسْلام وفينا معشر ثقيف من قُرَيْش عدة نساء، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذا لا تجد فيهن مغيرية، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ: إنا نعتام [1] لمناكحنا فنأتي الأودية من ذروتها وَلا نأتيها من أذنابها، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: ويحك مَا أسبك. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَن عَبْد اللَّهِ بْن عِكْرِمَة قَالَ: سمعت أَبِي يَقُول: مَا رأيت أحدا قط جمع اللَّه فِيهِ من خصال الخير مَا جمع فِي أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْن هِشَام عبادة وحلما وشرفا وأفضالا، وإغضاء عَن الأذى، واحتمالا لكل ما ناب العشيرة [2] .

_ [1] اعتام: أخذ. والعيمة: شهوة اللبن، والعطش. القاموس. [2] ترجم ابن سعد لأبي بكر بن عبد الرحمن: ج 5 ص 207- 209، لكنه لم يورد هذا الخبر.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَالَ ابْن أَبِي سبرة: وزوج أَبُو بَكْر فِي غداة واحدة عشرة من بني الْمُغِيرَة وأصدقهم وأخدمهم وبعثر مالا عظيما فأداه فِي ديات تحملها. قَالَ: وَقَالَ ابْن أبي سبرة: قَالَ صَالِح بْن حسان: سمعت عمر بْن عبد العزيز يقول في خلافته، وذكر أبا بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إن هناك شرفا وفضلا ونسكا واحتمالا. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ ابْن أَبِي الزناد: منع النَّاس من أن يرووا عَن أَبِي بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فيكبروا جلالته وهيبته ونبله. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ أَبُو عون مولى الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ: رأيت أَبَا بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وقد ذهب بصره يفرش له وسط الدار، وهي دار فِيهَا من أهل بيته خلق، مَا يفتح باب وَلا يغلق، وَلا يدخل داخل، وَلا يخرج وَلا يمر بِهِ أحد حَتَّى يقوم إعظاما لَهُ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الواقدي عن إبراهيم بن مُوسَى الربعي قَالَ: قَالَ لِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ لِي أَبِي: يَا بني لا يفقدن مني جليسي إِلا وجهي، هَذَا عهدي إِلَيْك وَهُوَ عهد أَبِي كَانَ إلي. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الْوَاقِدِيِّ قَالَ: كَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام يكنى أبا مُحَمَّد، وكان حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْن عشر سنين، وأشف، ومات فِي أيام مُعَاوِيَة، وروى عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وَكَانَ فِي حجره لأن أمه كَانَتْ عنده، خلف عَلَيْهَا بعد أَبِيهِ، قَالَ: وولد ابنه أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أيام عمر واسمه وكنيته واحدة، وَكَانَ يقال

وأما عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة

لأَبِي بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ راهب قُرَيْش لكثرة صلاته وصومه وزهده، وَكَانَ مكفوفا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: صلى العصر ودخل مغتسله فسقط فحمل فجعل يَقُول: وَاللَّه مَا أحدثت فِي صدر نهاري شَيْئًا فلم تغرب الشمس حَتَّى مات، وذلك بالمدينة سنة أربع وستين [1] . ومن ولد أَبِي بَكْرٍ: عِيسَى بْن عُمَرَ بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي يَقُول فِيهِ سهيل أَبُو الأبيض: كَانَ مما زانني ربي بِهِ ... طيب الأثواب عِيسَى بْن عُمَرَ حسن الوجه كريم ماجد ... سبط الكفين وهاب الغرر وأما عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ فأن ابْن الزُّبَيْر استعمله عَلَى الْكُوفَة، فأعطاه المختار بْن أَبِي عبيد مائة ألف درهم وانصرف عَنْهُ، ثُمَّ صار مَعَ الْحَجَّاج، ومات بالعراق وقد ذكرنا خبره فِي أخبار المختار. وَكَانَ مُحَمَّد بْن عُمَرَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنه من رجال قُرَيْش، وَهُوَ الَّذِي أتى يَزِيد بْن عَبْدِ الملك بْن مروان برأس يَزِيد بْن المهلب فأقطعه دارا وبعض ضياع المهلب وعقبه بالكوفة. وَكَانَ عتبة بْن عُمَرَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنه أَيْضًا من دهاة قُرَيْش وعلمائهم ومياسيرهم، وَكَانَ ذا سخاء فلم يزل مَعَ الْحَجَّاج وَكَانَ الْحَجَّاج يقدمه ويأنس بِهِ، وحفص وسهيل ابناه أَيْضًا ولهما عقب بالبصرة وواسط. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ: قَالَ خَالِد بْن عَبْدِ الله القسري يوما: إن

_ [1] طبقات ان سعد ج 5 ص 207- 208.

وأما عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام،

أقواما ينفقون أموالهم فإذا أنفدوها أدانوا فِي أديانهم، فظن عتبة بْن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام أنه يعرض بِهِ فَقَالَ: إن أقواما أموالهم أكبر من مروءاتهم فلا ينفقونها فتبقى لهم، وإن أقواما مروءاتهم أكبر من أموالهم فهم ينفقون أموالهم فإذا أنفدوها ادانوا عَلَى فضل اللَّه وسعة رزقه، قَالَ: صدقت وإنك لمنهم. وأما عِكْرِمَة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فكان يكنى أبا عَبْد اللَّهِ، ومات فِي أيام يَزِيد بْن عَبْدِ الملك، وَكَانَ ابنه عَبْد اللَّهِ بْن عِكْرِمَة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث يكنى أبا مُحَمَّد، وَكَانَ محدثا وولي صدقات حنظلة، وعمرو بْن تميم. وأما أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث فمن ولده: عَبْد الْمَلِكِ بْن أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ سخيا سريا، فمات فِي أول أيام هِشَام بْن عَبْدِ الملك. وأما عُثْمَان بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام فولد: عُثْمَان بْن عُثْمَان، وَكَانَ عُثْمَان من خيار الْمُسْلِمِينَ من قُرَيْش وذوي الهيئة منهم، وَكَانَ يكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ وله عقب بالبصرة، وولد أَيْضًا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُثْمَان بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ لَهُ عقب فانقرضوا. وأما الْوَليِد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام فله عقب. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ لحفص بْن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام عقب بالبصرة وواسط. وأما المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هِشَام فكان مطعاما للطعام، جوادا. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة بْن الحكم قَالَ:

كَانَ عَبْد الْمَلِكِ بْن بشر بْن مروان، وعمران بْن مُوسَى العمري من بني تيم قُرَيْش، وبعض آل أَبِي سُفْيَان بْن حرب، وخالد بْن الْوَلِيد بْن عُقْبَةَ بْن أَبِي معيط يتوسعون فِي الطعام وَلا يمنعونه من حضر، فقدم الْكُوفَة الْمُغِيرَة الأعور بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ المخزومي، فكان يطعم طعاما كثيرا خاصا وعاما، وكانت مائدته أسرى من موائد الآخرين، وَكَانَ يأمر فتتخذ لَهُ حيسه تجعل عَلَى الأنطاع فيأكل منها الراكب، ويطعم النَّاس لحم الجزور فِي الجفان حَتَّى غمر الباقين، وعجزوا عَن مجاراته فأمسكوا فَقَالَ الأقيشر: أتاك البحر طم عَلَى قُرَيْش ... مغيري فقد راغ ابْن بشر وراغ الحدي حدي [1] التيم لما ... رأى المعروف منه غَيْر نزر ومن أولاد عقبة قَدْ شفاني ... ورهط الحاطبي ورهط صخر [2] وابتاع منزل أَبِي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزله بألف دينار من أفلح مولى أَبِي أَيُّوب، ونزل أفلح دارا غيرها فكان الْمُغِيرَة يمر بِهِ فيقول: فريق فِي الجنة وفريق فِي السعير، فيقول: فتنتني الدنانير يَا أبا هاشم. ولما اشتراها تصدق بِهَا، وقد صارت دار أفلح لعمر بْن بزيع، ودخل داره أعرابي وَهُوَ يطعم النَّاس الثرد وعليها العراق، فلما رآه أعور قَالَ: الدجال وَاللَّه، وخرج من الدار مبادرا، ولم يطعم شَيْئًا، وكانت عينه ذهبت بأرض الروم وفيه يَقُول الشاعر: لقد علموا أن الْمُغِيرَة قائل ... لمن بين سديها ادخلوا بسلام

_ [1] الحديا: المنازعة والمباراة. القاموس. [2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الأقيشر المطبوع.

قَالُوا: ولما شخص الْمُغِيرَة الأعور بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث عَن الْكُوفَة قَالَ الشاعر: أَلا يَا معشر الأعراب سيروا ... فما بعد الْمُغِيرَة من مقام وخطب الْمُغِيرَة امْرَأَة من بني جَعْفَر بْن كلاب، وخطبها ابْن عم لها فزوجها الْمُغِيرَة، فَقَالَ ابْن عمها: إذا دخلت دار الْمُغِيرَة ضمها ... مصاريع أبواب غلاظ وحاجب إذا حال أبواب الْمُغِيرَة دونها ... وعرض الفيافي لم يزرها الأقارب فقالت حين بلغها الشعر: فإذا شممت ريح طعام الْمُغِيرَة لم يكن شيء إلا أرى قريبا. ومر الْمُغِيرَة فِي سفر لَهُ بغدير آجن الماء، فأمر بزقاق العسل فشقت فِيهِ وخيض ماء الغدير بِهِ، ثُمَّ سقاه من مَعَهُ. فولدت الكلابية للمغيرة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ يفرق شعره من خلف وقدام، فسمي ذا القرنين، وَكَانَ للمغيرة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن آخر يقال لَهُ صدقه وأمه الكلابية أَيْضًا، ويقال أمه كلبية- وَكَانَ صدقة سيدأ مطعاما، وله عقب بالمدينة، وَقَالَ رجل لغلام للمغيرة: عَلَى أي شَيْء جعلتم ثريدكم هَذَا عَلَى العمد؟ فَقَالَ بل عَلَى أعضاد الإبل، فأعتق الغلام ووهب لَهُ دنانير. وأمر الْمُغِيرَة أن يدفن بأحد مَعَ الشهداء وأوصى أن يطعم النَّاس بألف دينار عند قبره، فمنع إِبْرَاهِيم بْن هِشَام من ذَلِكَ، وصرف صدقته فِي عمارة ضيعة وقفها. وَقَالَ أَبُو اليقظان: قدم مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام عَلَى

وأما سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم،

زياد بْن أَبِي سُفْيَان فزوجه ابنته، وعقبه بالبصرة منهم مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن عُبَيْد اللَّهِ كَانَ جميلا نبيلا. وولد مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر هَذَا: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد، ويكنى أبا مُحَمَّد وَكَانَ قاضيا لمحمد بْن سُلَيْمَانَ بْن علي عَلَى البصرة. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ قَالَ: قَالَت عَائِشَة: لأن أكون حبست عَن مسيري إِلَى البصرة أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي عَشْرَةُ بَنِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ولد الْحَارِث بْن هِشَام أَوْ قَالَت: مثل ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هِشَام. وأما سَلَمَة بْن هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بن مخزوم، ويكنى أبا هاشم، وأمه ضباعة القشيرية فإنه أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فتية من قُرَيْش فعرض عَلَيْهِم الإِسْلام وقرأ عَلَيْهِم الْقُرْآن، وزهدهم فِي عبادة حجارة صم لا تسمع وَلا تبصر، فأسلموا وهاجر سَلَمَة إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مَكَّة فحبسه فِيهَا أخوه أَبُو جهل، وقد ذكرناه فِي مهاجره الحبشة، واستشهد بالشام يَوْم مرج الصفر سنة أربع عشرة. وَقَالَ أَبُو اليقظان وغيره، قَالَت ضباعة: لاهم رب الكعبة المحرمه ... انصر عَلَى كُلّ عدو سَلَمَه أجرأ من ضرغامة فِي أجمه ... يحمي غداة الروع يَوْم الملحمه بسيفه عورات سرب المسلمه فقالت أَيْضًا: لقد نماه للذرا هِشَام ... قدما وآباء لَهُ كرام جحاجح خضارم عظام

وأما العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم

وأما العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم فإن أبا لهب لاعبه عَلَى إمرة مطاعة، فقمره أَبُو لهب فأسلمه قينا، ثُمَّ إنه لاعبه أَيْضًا فقمره فأرسله مكانه إِلَى بدر فقتله عُمَر بْن الْخَطَّابِ. فحدثني أَبُو عدنان الأعور عَن هِشَام ابْن الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ساير عَلَي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْحَارِث بْن خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةَ المخزومي فأصاب ساقه ركاب علي فَقَالَ: يَا سبحان اللَّه مَا رَأَيْت أحدا يسايرُ الناسَ بمثل هَذَا الركاب، فَقَالَ عَلِي: إنه من عمل قين كَانَ بِمَكَّةَ يُعرض بالعاص بْن هِشَام حِينَ أسلمه أَبُو لهب قينا. فولد العاص بْن هِشَام: خالدا، والوليد. فأما الْوَليِد فقتل يَوْم أحد، وأما خَالِد بْن العاص فولد الْحَارِث بْن خَالِد بْن العاص الشاعر، صاحب عَائِشَة بِنْت طَلْحَة، وقد كتبنا خبره، وخبرها، ويزعمون أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ ولى خَالِد بْن العاص عملا. وَقَالَ مُحَمَّد بْن العاص: أسلم خَالِد بْن العاص يَوْم الفتح، وأقام بِمَكَّةَ، وَهُوَ أَبُو عِكْرِمَة، والحارث الشاعر. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: ولد خَالِد بْن العاص أَيْضًا: عِكْرِمَة بْن خَالِد بْن العاص أخا الْحَارِث الشاعر، وعَبْد الرَّحْمَنِ فكان شاعرا. وَقَالَ أَبُو اليقظان: ولى يَزِيد بْن مُعَاوِيَة فِي أيام عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر الْحَارِث بْن خَالِد بْن العاص مَكَّة فتقدم ليصلي فمنعه ابْن الزُّبَيْر من الصلاة، وولاه أيضا عبد الملك مكة ثُمَّ عزله. وَقَالُوا: قدم الْحَارِث بْن خَالِد الشام، ومعه مال وفير فدعا ابْن سريج فظن أنه يريد صلته، قَالَ: فدخلت عَلَيْهِ فرحب بي ثُمَّ قَالَ: قم إِلَى الكوة

وأما هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة

فخذ مَا فِيهَا من الرقاع فاعمل من الشعر الَّذِي فِيهَا غناء تحسنه وتعجله. فأخذتها ومن رأيي أن أخرقها إذ لم أحل منه بشيء، فلما نظرت فيها أعجبني شعره فتغنيت فِيهِ وسيرته. وأما هِشَام بْن العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ فيقال إن لَهُ هجرة، ومن ولده: خَالِد بْن سَلَمَةَ بْن هِشَام بْن العاص بْن هِشَام، كَانَ شريفا بالكوفة، وَكَانَ فقيها، وَكَانَ يَزِيد بْن عُمَرَ بْن هبيرة بواسط، وَكَانَ بطيئا فكان يلقبه الحبلي. ومن ولد العاص بْن هِشَام أَيْضًا: مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأوقص، كَانَ قاضيا لأمير الْمُؤْمِنِينَ أَبِي جَعْفَر عَلَى مَكَّة. وأما خَالِد بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ أخو أَبِي جهل أَيْضًا، فإنه أسر يَوْم بدر، ثُمَّ أسلم وبقي إِلَى أيام مُعَاوِيَة، وَلا عقب لَهُ. وَقَالَ أَبُو اليقظان: وَكَانَ من ولد العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ: خَالِد بْن إِسْمَاعِيل، وَكَانَ ذا قدر، وَهُوَ الَّذِي اتخذ الغمير منزلا فيما بين ذات عرق [1] والبستان، ويدعى ذَلِكَ الموضع وادي كندة وَقَالَ غير أَبِي اليقظان: هُوَ من ولد خَالِد بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، والأول أثبت. وَقَالَ الشاعر: لعمرك إن المجد مَا عاش خَالِد ... عَلَى الغمر من ذي كندة لمقيم وأما هاشم بْن الْمُغِيرَةِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، ويكنى أبا عبد مَنَاف فولد: حنتمة أم عُمَر بْن الْخَطَّابِ. وأما أبو رَبِيعَة بْن الْمُغِيرَةِ فهو ذو الرمحين، قاتل في يوم من أيامهم

_ [1] ذات عرق: مهل أهل العراق، وهو الحد بين نجد وتهامة، والغمير: موضع بين ذات عرق والبستان، وقبله بميلين قبر أبي رغال. معجم البلدان.

وعبد الله بن أبي ربيعة،

برمحين معا، ويقال كسر واحدا، ثُمَّ اخلف آخر فَقَالَ ابْن الزبعرى: وذو الرمحين أشباك ... من القوة والحزم [1] فولد أبو ربيعة عمرو بْن الْمُغِيرَةِ: عياش بْن أَبِي رَبِيعَةَ، وعَبْد اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ، ولقبه بجير، وأمهما مخربة النهشلية. وفي عَبْد اللَّهِ يَقُول الشاعر: بجير بْن ذي الرمحين قرب مجلسي ... يروح ويغدو فضله غير نائم وبعضهم يرويه بحير. ولما استخلف أَبُو بَكْرٍ، واعتزل الزُّبَيْر، وجهه أَبُو بَكْر مَعَ مُحَمَّد بْن مسلمة الأَنْصَارِيّ إِلَيْهِ فعقله بجير وصرعه وكسر سن سيفه، فَقَالَ الزُّبَيْر: أما وَاللَّه لئن كسرته الْيَوْم لرب كربة فرجتها عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واستعمله أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى بعض اليمن، ويقال عَلَى جميع اليمن، وهلك فِي أيام عُثْمَان بْن عَفَّان فرثاه رجل من بني نهشل فَقَالَ: نعيت ابْن أسماء الَّذِي هد يومه ... بيوت بني كعب وأسغب دارما فلو كنت يابن النهشلية شاهدا ... لأبرمت ميمونا من الأمر حازما فولد عَبْد اللَّهِ وَهُوَ بجير: الْحَارِث، وأمه أم ولد نصرانية، وَكَانَ أبوه أصابها من ساحل البحر، وكانت سوداء وتسمى: سيخا، وكانت صادت طائرا من حمام مَكَّة فأكلته. وَحَدَّثَنِي الأثرم عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: سبى عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ أم ولده، وكانت نصرانية، وسبى معها ستمائة من الحبش، وَهُوَ عامل لعثمان فَقَالَتْ: لِي إِلَيْك ثلاث حوائج: تعتق هَؤُلاءِ الضعفاء، وَلا تمسني حَتَّى تصير إِلَى بلدك، وتقرني عَلَى ديني، فأجابها إلى ذلك.

_ [1] شعر عبد الله بن الزبعرى ص 48.

وأما الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة،

وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ربيعة، أمه ليلى ابنة عطارد بْن حاجب بْن زرارة بْن عدس، وعمر بْن عَبْدِ اللَّهِ، أمه أم ولد يقال لها مجد. وأما الْحَارِث بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، فكان ذا قدر، وولاه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر البصرة، فأتاه أهلها بمكيال لهم فَقَالَ: إن هَذَا القباع وَهُوَ الأجود فلقب القباع. وَقَالَ أَبُو الأسود لابن الزُّبَيْر: أَبَا بَكْر جزاك اللَّه خيرا ... أرحنا من قباع بني الْمُغِيرَه [1] وَقَالَ أَبُو اليقظان: اتخذ مكيالا سماه القباع، والأول قول الْكَلْبِيّ. قَالُوا: وهدم دار الفرزدق مرتين فَقَالَ: أحارث داري مرتين هدمتها ... وكنت ابْن أخت لا تخاف غوائله فأقسم لا آتيك سبعين حجة ... ولو وشرت [2] كف القباع وكاهله [3] وولاه مصعب أَيْضًا الْكُوفَة، ثُمَّ أتى مَكَّة فهلك بِهَا فنعاه الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك إِلَى أَبِيهِ عَبْد الْمَلِكِ فَقَالَ: هلك سيد بني مخزوم، فَقَالَ: أهكذا تقول؟ قل: مات سيد قُرَيْش، وَلا عقب لَهُ، وقد ذكرنا أمر ولايته فِي أخبار عبد الله بْن الزُّبَيْر ومصعب، وَقَالَ لَهُ ابْن الزُّبَيْر- وقد قَالَ لَهُ: اقبل أمان يزيد-: يابن آكلة حمام مَكَّة، أتشير علي بمثل هَذَا الرأي. حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الأثرم عَن الأَصْمَعِيّ عَن نافع عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي نعيم قَالَ: قَالَ عَبْد الْمَلِكِ للحارث بْن عبد الله بن أبي ربيعة، وهو

_ [1] ديوان أبي الأسود الديلي ص 220 مع فوارق. [2] وشر الخشبة بالميشار: نشرها. القاموس. [3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 172.

وأما عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة

القباع، وَكَانَ حازما: مَا كَانَ الكذاب يَقُول فِي هَذَا؟ فَقَالَ: مَا كَانَ كذابا، فَقَالَ يَحْيَى بْن الحكم: من أمك يَا حار؟ قَالَ: هِيَ من تعلم، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان، اسكت فإنها أنجب من أمك، قَالَ: وكانت أم الْحَارِث نصرانية، فلما ماتت أتاه قوم من الْمُسْلِمِينَ يعضدونه ويحشدون لَهُ ويجلسون مَعَهُ، فَقَالَ: رحمكم اللَّه انصرفوا فإن لها ولاة سواكم، وَكَانَ أبوه سباها من اليمن. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كناسة قَالَ: كَانَتِ ام القباع سوداء، فوقع بينه وبين يَحْيَى بْن الحكم بْن أَبِي العاص كلام، فقال له يحيى: يابن السوداء، يابن آكلة حمام مَكَّة. وضرب القباع مرة بْن محكان السعدي فقال: عمدت فعاقبت امرأً كَانَ ظالمًا ... فألهب فِي ظهري القُباع وأوقدا سياطًا كأذناب الكلاب معدة ... إذا أخلق السوط المدحرج جددا وأما عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ بْن الْمُغِيرَةِ فكان أحول، وَقَالَ الشاعر: يَا ليل يَا أم الغلام الأحول ... أم غلام الْحُسَيْن المكحل جودي بما منيتنا لا تبخلي وَكَانَ ذا كبر، وتزوج أم كلثوم بِنْت أَبِي بَكْر بعد طَلْحَة فولدت لَهُ، وله عقب بالمدينة، وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَأَى منه يوما شَيْئًا فعرك أذنه وَقَالَ: نخوة بني مخزوم، وتزوج أَيْضًا بِنْت الْوَلِيد بْن عَبْد شمس بْن الْمُغِيرَةِ الَّتِي كَانَتْ عند عُثْمَان، وَقَالَ مُعَاوِيَة: غلبنا عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى أيامي قُرَيْش، وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَنِ لولده: إني كنت أنال من علي تقربا إِلَى

وأما عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة،

الله فمن فعل ذلك اتباعا لِي فلا يفعلنه ومن كَانَ يفعله تدينا فليفعله. وأما عُمَر بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي رَبِيعَةَ بْن الْمُغِيرَةِ، فكان يكنى أبا الخطاب، وَهُوَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ الشاعر، وَكَانَ ذا فتوة وغزل وظرف، فلما حج عَبْد الْمَلِكِ لقيه فَقَالَ لَهُ: لقد علمت قُرَيْش أنك من أطولها صبوة وأبطئها توبة، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. بئست تحية ابْن العم لابن عمه عَلَى طول العهد وشحط [1] النوى، فقيل لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سلم عليك فتى قُرَيْش فتجهمته بهذا القول: فَقَالَ: صدقتم، ودعا بِهِ، فلما دخل عَلَيْهِ رأى عند رأسه جارية وعند رجله جارية فَقَالَ لَهُ: يَا أبا الخطاب سلني حوائجك، فَقَالَ: قد علمت قُرَيْش أني أكثرها عينا، وأقلها دينا، وَمَا حاجتي إِلا بقاؤك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فلما خرج من عنده قيل لَهُ: يَا أبا الخطاب، دعا بك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي مجلس خاص، وأمرك أن تسأله حوائجك فلم تفعل، فَقَالَ: إنه جعل الشمس عند رأسه والقمر عند رجله، ثُمَّ قَالَ تصدق، وَاللَّه مَا كَانَ هَذَا ليكون أبدا. وَقَالَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ: ابتدأت أنشد ابْن عَبَّاس فقلت: تشط غدا دار جيراننا. ... فَقَالَ: .... والدار بعد غد أبعد فقلت: كَذَا وَاللَّه قلت، فَقَالَ: إن الآراء تتفق. وَقَالَ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الموصلي: كَانَ يقال: إذا أعياك أن يطرب القرشي فأسمعه غناء ابْن سريج بشعر عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ فإنك ترقصه.

_ [1] شحط: بعد. القاموس.

وَقَالُوا: كَانَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ موزعا [1] بالثريا بِنْت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن أمية الأصغر، وكانت تنزل الطائف، وَكَانَ عمر يغدو فيتلقى الَّذِينَ يقدمون بالفاكهة فيسألهم خبر الطائف وأهله ويتحسس من خبرها، فلقي يوما بعضهم وسأله عما حدث فَقَالَ: مَا حدث إِلا خير غير أني سمعت صياحا عَلَى امْرَأَة من قُرَيْش تسمى باسم نجم من النجوم، فَقَالَ عمر: الثريا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وَمَا لها؟ قَالَ: ماتت أَوْ هِيَ مشفية عَلَى ذَلِكَ، وقد كَانَ بلغه قبل ذَلِكَ أنها عليلة، فركض فرسه قبل الطائف، وأخذ فِي طريق كرا [2] حَتَّى انتهى إِلَيْهَا فوجدها سالمة فَقَالَتْ: مه؟ فأخبرها الخبر، فضحكت وقالت: أنا وَاللَّه أمرتهم لأنظر حالي عندك. فَقَالَ عمر: تشكى الكميت الجري لما جهدته ... وبين لو يسطيع أن يتكلما [3] وفيها يَقُول: من رسولي إِلَى الثريا بأني ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب [4] يريد كتاب اللَّه عز وجل حلف بِهِ، فبلغ قوله ابْن أَبِي عتيق فَقَالَ: أنا وَاللَّه رسوله إِلَيْهَا، وخرج حَتَّى قدم مَكَّة بغير عمرة، وكانت الثريا تسكن الطائف، فخرج إِلَيْهَا بالطائف حَتَّى يصلح بينهما، وانصرف إِلَى الْمَدِينَة وقد قيل أنه خرج مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ انصرف وطلب إِلَيْهِ فِي المقام فلم يقم. وَقَالَ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الموصلي: حَدَّثَنِي كلثوم الفهري عَن أَبِيهِ قَالَ: رأيت عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ عظيما طويلا آدم يتهافت في مشيته تهافتا.

_ [1] موزعا: مغرى- القاموس. [2] كرا: ثنية بين مكة والطائف. معجم البلدان. [3] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 462. [4] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 430.

قَالُوا: وكانت رملة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن خلف، أخت طَلْحَة الطلحات الخزاعي، وَهِيَ أم طَلْحَة بْن عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التَّيْمِيّ حجت، فتعرض لها عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ حين لقيها، ففيها يَقُول: قلت من أنتم فصدت وقالت ... أمبد سؤالك العالمينا نحن من ساكني العراق وكنا ... قبلها قاطنين مكة حينا قد صدقناك إذ سألت فمن أن ... ت عسى أن يجر شأن شؤونا [1] وَقَالَ عمر فِي رملة: تشط غدا دار جيراننا ... والدار بعد غد أبعد تحمل للبين جيراننا ... وقد كَانَ قربهم يحمد [2] فِي قصيدة. وَكَانَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ يغني بقوله: يَا أم طَلْحَة إن البين قد أفدا ... قل الثواء لئن كَانَ الرحيل غدا [3] والغناء لَهُ أَوْ لغيره. ولما تزوج عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَائِشَة بِنْت طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّهِ قَالَ جبر بْن حبيب وَكَانَ كري عمر حين خرج من البصرة: أنعم بعائش فِي عيش وفي أنق ... وانبذ برملة نبذ الجورب الخلق وكانت رملة حسنة البدن وفي وجهها ردة [4] ، وفي أنفها عظم، فقالت لَهُ عَائِشَة: أنت أشجع النَّاس حين قدمت عَلَى أنف رملة، وقال عمر:

_ [1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 300- 301 وقولها: أمبد: أي أمفرق سؤالك أنت بين العالمينا. [2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 308- البيت الأول فقط. [3] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 317 مع فوارق كبيرة. [4] الردة: القبح. القاموس.

أشارت بمدراها [1] وقالت لأختها ... أهذا المغيري الَّذِي كَانَ يذكر لئن كَانَ إياه لقد حال بعدنا ... عَن العهد والإنسان قد يتغير [2] يعني عَائِشَة بِنْت طَلْحَة. وَقَالَ مُحَمَّد بْن سلام الجحمي: كَانَ بين عَائِشَة بِنْت طَلْحَة وزوجها عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر ليلة من الليالي كلام فسهرت ليلتها، فَقَالَ: ويح عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ مَا أجهله بليلي حين يَقُول: ووال كفاها كُلّ شَيْء يهمها ... فليست لشيء آخر الليل تسهر [3] قَالُوا: وَكَانَ سبب تزوج عمر بْن عُبَيْد اللَّهِ عَائِشَة أنه أتاها يخطبها عَلَى بشر بْن مروان بْن الحكم فقالت لَهُ: أما وجد بشر رسولا إِلَى ابنة عمك غيرك، وأين بك عَن نفسك؟ قَالَ: وتفعلين؟ قَالَت: نعم، فتزوجها. قَالَ الجحمي: قَالَ الأَصْمَعِيّ، قَالَت رملة لعمر: أسائل أنت كُلّ امْرَأَة تلقاها؟ أفمن رأيك أن تحدث النَّاس بأني من نسوتك اللاتي تزعم أنهن يعشقنك ويراسلنك فذلك قوله: قلت من أنتم فصدت وقالت ... أمبد سؤالك العالمينا أي أسائل أنت كُلّ إنسان عَلَى حدته لا ترى أحدا إِلا سألته، ويروى: أمبث. وَقَالَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ: وبالأمس أرسلنا بِذَلِكَ خالدا ... إليك وبيّنا له الشّأن أجمعا

_ [1] المدرى: ما تصلح به الماشطة شعر النساء. [2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 93- 94 مع فوارق كبيرة. [3] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 95.

وفي قصيدة لَهُ يعني خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري، وذلك أن عَبْد الْمَلِكِ حين تسيير ابْن سَعِيد بْن العاص سير عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ لأنه كَانَ عَلَى شرطة عَمْرو بْن سَعِيد الأشدق، فصار إِلَى مَكَّةَ ومعه ابنه خَالِد، وَهُوَ غلام، فنشأ بِمَكَّةَ، وكان فيه لين. وَقَالَ الأَصْمَعِيّ: وأنشد سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الملك، أَوِ انشد قول عمر: تبالهن بالعرفان لما عرفنني ... وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا وقربن أسباب الصبا لمقتل ... يقيس ذراعا كلما قَيْس أصبعا [1] فَقَالَ: إن من هَذَا اشتق النسيب. قَالَ: وَكَانَ عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ وجميل العذري يتعارضان فِي الشعر، فَقَالَ عمر: أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجر [2] فَقَالَ جميل: أغاد أخي من آل ليلى فمبكر ... ابْن لِي أغاد أنت أم متهجر [3] فلم يصنع جميل مَعَ عمر شَيْئًا وعارضه عمر فِي قوله: خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي [4] فَقَالَ: جزى ناصح بالود بيني وبينها ... فقربني يَوْم الحصاب إِلَى قتلي [5]

_ [1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 179 مع فوارق. [2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 92. [3] ديوان جميل بثينة ص 62 وعنده «آل سلمى» بدلا من «آل ليلى» . [4] ديوان جميل بثينة ص 99. [5] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 344، ويوم الحصاب هو يوم رمي الجمار.

فلم يصنع مَعَ جميل شَيْئًا. وروي عَنِ ابْنِ أَبِي الزناد قَالَ: خرج عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ يريد الشام إما غازيا وإما إِلَى بعض بني أمية، فلما كَانَ بالخبار [1] لقيه جميل فَقَالَ لَهُ عمر: أنشدني فأنشده: خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي فِي قصائد لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ جميل: أنشدني يَا أبا الخطاب فأنشده: ألم تعرف الأطلال والمتربعا ... ببطن خليات دوارس بلقعا [2] حَتَّى مر بقوله: فلما تواقفنا وسلمت أشرقت ... وجوه زهاها الْحَسَن أن تتقنعا تبالهن بالعرفان لما رأينني ... وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا فصاح جميل أَلا إن النسيب أخذ من هَذَا، ثُمَّ أنشده جميل طرفا من غزله، فَقَالَ عمر لجميل: امض بنا إِلَى بثينة نسلم عَلَيْهَا فَقَالَ: إن السلطان أحل لهم ضربي إن وجدوني بأرضهم، وهاتيك أبياتها فاتاها عمر، فوقف ببابها وتأنس حَتَّى كلم، فَقَالَ: يَا جارية أنا عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ فأعلمي بثينة مكاني، فخرجت إِلَيْهِ فِي مباذلها ثُمَّ قَالَت: يَا عمر، وَاللَّه لا أكون من نسائك اللاتي تزعم أن قد قتلهن الوجد بك. قَالَ عمر: فانكسرت، وإذا امْرَأَة أدماء طويلة. وذكر بعض القرشيين أن امْرَأَة شريفة أرسلت إِلَى عُمَرَ بْن أبي ربيعة أن

_ [1] الخبار: موضع قريب من المدينة. معجم البلدان. [2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 177، وبطن حليات: موضع قرب المغمس الواقع في طريق الطائف.

يوافيها بالصورين [1] ليلا وَهُوَ فِي طرف الْمَدِينَة، وسمت لَهُ ليلة فوافاها فتحدث عندها حَتَّى أدركه السحر، ثُمَّ ركب راجعا إِلَى مَكَّةَ ولم يدخل الْمَدِينَة، وَقَالَ: وَاللَّه مَا بي زهادة فِي زيارة قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصلاة فِي مسجده، ولكني لا أخلط زيارتك بشيء، وَلا أدخل مَكَّة إِلا حلالا، وَقَالَ يكنى عَنْهَا بزينب: ألمم بزينب إن البين قد أفدا ... قل الثواء لئن كَانَ الرحيل غدا [2] وقيل إنه قَالَ هَذَا الشعر فِي غير هَذِهِ المرأة. وَقَالَ القحذمي: حجت امْرَأَة من آل أَبِي بَكْرة من أهل البصرة، فرآها عمر فشيعها حَتَّى بلغت الخرنق [3] وَقَالَ: وكيف طلابي عراقية ... وقد جاوزت عيرها الخرنقا تؤم الحداة بِهَا منهلا ... من الطف ذا بهجة مؤنقا [4] فقالت لَهُ: لو بلغت أهلي فخطبتني زوجوك، فَقَالَ: لا أخلط تشييعي بخطبة، ولكني أرجع ثُمَّ آتيك خاطبا. وَقَالَ بعضهم اسمها سميعة وَهِيَ أم ولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرة، وأنشد ابْن قحذم فِيهَا لعمر: من البكرات عراقية ... تسمى سميعة أطريتها من آل أَبِي بَكْرة الأكرمين ... خصصت بودي فأصفيتها ومن حبها زرت أهل العراق ... وأسخطت أهلي وأرضيتها

_ [1] الصوران: موضع بالنقيع. المغانم المطابة. [2] أفدا: دنا وقرب. ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 317 وفيه: أبلغ سليمى بأن البين قد أفدا ... وأنبئ سليمى بأنا رائحون غدا [3] الخرنق: موضع بين مكة والبصرة. معجم البلدان. [4] ديوان عمر بن أبي ربيعه ص 443.

وأقسم لو أن مَا بي بِهَا ... وكنت الطبيب لداويتها [1] حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عن عَبْد اللَّه بْن عَيَّاشٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ قَالَ: تَرَكَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ قَوْلَ الشِّعْرِ وَغَزَا فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ: لَقَدْ كَانَ هَزْلُهُ هَزْلا، وَجَدُّهُ جَدًّا. وقال هشام ابن الْكَلْبِيّ: ولد عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ حين تُوُفِّيَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فكان يقال: أي خير رفع وأي شر وضع، ثُمَّ إنه تاب وغزا فَقَالَ ابْن عُمَرَ: لقد تلافى نفسه من سفهها بخير عملها. قَالُوا: ولقي عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان فَقَالَ لَهُ: كيف تهكمك الْيَوْم بنساء قُرَيْش؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ليس وراء ذَلِكَ مكروه وَلا إثم واستغفر اللَّه. قَالُوا: وآلى عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ أَلا يَقُول بيتا إِلا أعتق نسمة، فبينا هُوَ ذات ليلة فِي الطواف إذ فتى يتبع جارية مثل المهاة فأخذ عمر بيده فقال له: يابن عم خل عني فإني أموت إن حبستني عَنْهَا. قَالَ: وَمَا خبرك؟ قَالَ: أنا فلان بْن فلان وَهَذِهِ ابنة عمي وأحب النَّاس إلي، خطبتها إِلَى عمي وأبت أمها أن تزوجني إياها فخلى يده، ومضى إِلَى أَبِي الجارية فضرب بابه فسئل من هُوَ؟ فَقَالَ: عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ، فخرج إِلَيْهِ أَبُو الجارية فَقَالَ لَهُ: يَا أبا الخطاب لم تعنيت؟ ولو أرسلت إلي أتيتك فما حاجتك بأبي أنت؟ قَالَ: جئتك خاطبا لابنتك. قَالَ: أمرها فِي يدك، فَقَالَ: قد زوجتها ابْن أخيك وأصدقتها عَنْهُ أربعة آلاف درهم، وأمر فحمل المال إِلَيْهِ وأهديت الجارية إِلَى الفتى يقال من ليلتها، واستلقى عمر عَلَى فراشه حين انصرف من عند الرجل فجعل يأتيه

_ [1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 487.

وأما عياش بن أبي ربيعة

الشعر، ويذكر يمينه فيتململ فقالت لَهُ جاريته: لقد عراك فِي هَذِهِ الليلة شر، وأنشا يَقُول: تقول وليدتي لما رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حينا بعيشك هل رأيت لها رسولا ... فشاقك أم رأيت لها خدينا فقلت شكا إلي أخ محب ... لبعض زماننا إذ تعلمينا وقص علي مَا يلقى بسعدى ... فوافق بعض مَا كنا لقينا [1] ولم يزل يَقُول حتى استتم اثنا عشر بيتا، ويقال ثمانية أبيات فأعتق بكل بيت مملوكا، وكان له نحو من مائة مملوك في أعمال ومهن وللخدمة. وغزا فِي بحر الشام فمات ويقال فِي غير البحر، فقالت جارية من جواري بني أمية كَانَتْ ربيت بالمدينة أَوْ بِمَكَّةَ: مات عمر بْن أَبِي رَبِيعَةَ فمن للظرف بالحجاز بعده؟ فقيل: قد نشأ فتى من ولد عُثْمَان لَهُ ظرف وغزل وتشبيب بالنساء، فَقَالَتْ: الحمد لله الَّذِي لم يخل حرمه من فتى يزينه، ويؤنس أهله ويذكر ملاحة نسائه أَوْ كما قَالَت. قَالُوا: ولقي عمر ابنة الْحَارِث بْن عَوْفٍ المري وَهُوَ يسير عَلَى بغلة لَهُ فَقَالَ لها: قفي انشدك مَا قلت فيك فأنشدها: ألا ياليل إن شفاء قلبي ... نوالك إذ بخلت فنولينا وقد حضر الرحيل وحان منا ... فراق فانظري مَا تأمرينا [2] فَقَالَتْ: آمرك بتقوى اللَّه وترك مَا أنت عَلَيْهِ. وأما عياش بْن أَبِي رَبِيعَةَ فكان من المستضعفين، وأمه أسماء بنت

_ [1] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 403. [2] ديوان عمر بن أبي ربيعة ص 502، مع فوارق.

وأما مهشم بن المغيرة

مخربة، وأخوه لأمه أَبُو جهل والحارث بْن هِشَام، أسلم فاشتد عَلَيْهِ أخوه أَبُو جهل وضربه، فتخلص وهاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ومعه امرأته ابنة سَلَمَة بْن مخربة، فولدت لَهُ بالحبشة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ثُمَّ قدم مَكَّة وَكَانَ من خبره فِي الهجرة إِلَى الْمَدِينَة مَا قد ذكرناه فِي أخبار مهاجرة الحبشة، وَكَانَ بعد أَنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى الشام فغزا وجاهد، ورجع إِلَى مَكَّةَ فأقام بِهَا إِلَى أن مات، ولم يبرح ابنه عَبْد اللَّهِ الْمَدِينَة وَكَانَ مولده بالحبشة. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْحَارِث بْن زَيْد كَانَ شديدا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء وَهُوَ يريد الإِسْلام، فلقيه عياش أَبِي رَبِيعَةَ وَعَيَّاشٌ لا يَدْرِي فَحَمَلَ عَلَيْهِ فقتله، فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مؤمنا إلا خطأ) [1] الآية. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: من ولد عياش بْن أَبِي رَبِيعَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عياش بن أبي ربيعة، مات فِي أول خلافة أَبِي جَعْفَر، وَكَانَ زياد بن عبيد اللَّهِ استعمله عَلَى تبالة فأصاب بِهَا مالا فقدم فبنى بالمدينة دارا وسماها تبالة، فاشتراها موسى بن جعفر من ورثته، وَكَانَ أَبُو سَلَمَة عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا خرج مَعَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَن فأخذ أسيرا فقتله المنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ. وأما مهشم بْن الْمُغِيرَةِ ويكنى أبا حُذَيْفَة فإنه أشار عَلَى قُرَيْش أن يضع الركن أول من يدخل من باب بني شَيْبَةَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ قُرَيْش: قد دخل الأمين، ونحن نرضى بِهِ، فوضع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ [1] سورة النساء- الآية: 92.

وأما أبو أمية بن المغيرة

الحجر، وَلا عقب لمهشم، وَكَانَ ابنه هاشم- ويقال هِشَام- بْن أَبِي حُذَيْفَة من مهاجرة الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب، وقدم الْمَدِينَة ومات فِي أيام تبوك رَضِيَ اللَّهُ عنهم أجمعين. وأما أَبُو أمية بْن الْمُغِيرَةِ واسمه حُذَيْفَة، وأمه ريطة بِنْت سَعِيد بْن سهم فكان يقال لَهُ: زاد الراكب، وَكَانَ يطعم من صحبه في سفره ويموّنهم، وكان ذا قدر، وهلك بموضع ناحية اليمامة يعرف بسرو سحيم، فرثاه أَبُو طالب فَقَالَ: أرقت وبت الليل فِي العين عائر ... وجادت بما فِيهَا العيون الغزائر كأني عَلَى رضراض قض [1] وجندل ... من الليل أَوْ تحت الشعار المجامر أَلا إن زاد الركب غير مودع ... بسرو سحيم غيبته المقابر وَكَانَ إذا يأتي من الشام قافلا ... تقدمه تسعى إلينا البشائر أخا ثقة لن يبرح الدهر عنده ... مجعجعة أدم سمان وباقر إذا أكلت يوما أتى الغد مثلها ... زواهق زهم أو مخاض بهازر البهازر: العظام، واحدها بهزرة. ضروب بنصل السيف سوق سمانها ... إذا عدموا نادى فإنك عاقر فإن لم يكن لحم غريض [2] فإنه ... يكب عَلَى أفواههن الغرائر فمالك من ناع حبيت بألة [3] ... مؤللة تصفر مِنْهَا الأظافر وقال أبو أحيحة يرثيه:

_ [1] أي أرض ذات حصى. القاموس. [2] غريض: طري القاموس. [3] الإل: الجزع عند المصيبة، والألة: الأنة. القاموس.

فأما أم سلمة

أَلا هلك الماجد الرافد ... وكل قُرَيْش لَهُ حامد ومن هُوَ عصمة أيتامنا ... وغيث إذا فقد الراعد وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ يقال إن أبا أمية كَانَ ربما كسا أهل مَكَّة حَتَّى تبيض البطحاء من كسوته. فولد أَبُو أمية: زهير بْن أَبِي أمية، وعَبْد اللَّهِ، أمهما عاتكة بِنْت عَبْد المطلب. وأم سلمة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمها من بني مالك بْن كنانة. وقريبة أمها بِنْت عتبة بْن رَبِيعَة. وقريبة الصغرى أمها كنانية. والمهاجر، ومسعود بْن أَبِي أمية قتل يَوْم بدر، قتله علي عَلَيْهِ السلام، وهشام بْن أَبِي أمية. فأما أم سَلَمَة فكانت عند أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الأسد، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كتبنا خبرها فِي قصة أزواج النبي صلى الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي الهجرة إِلَى الْمَدِينَة. وأما قريبة فتزوجها عُمَر بْن الْخَطَّابِ، ثُمَّ طلقها فخلف عَلَيْهَا مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان فِي أيام عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهم. وأما قريبة الصغرى فكانت عند عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما. وأما زهير بْن أَبِي أمية، فكان ممن أعان على نقض الصحيفة، ومات ولم يسلم، وله عقب بِمَكَّةَ. وأما عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أمية ففيه نزلت: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا

وكان المهاجر بن أبي أمية

من الأرض ينبوعا) إلى قوله (ملكا رسولا) [1] . ثُمَّ إنه أسلم واستشهد يَوْم الطائف، وَكَانَ شاعرا. فولد عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أمية: عَبْد اللَّهِ وَكَانَ شريفا، وفد عَلَى مُعَاوِيَة وقد خضب بالسواد، فَقَالَ مُعَاوِيَة: هَذَا شَيْء مادام فِي الوجه ماؤه وطراوته فإذا ذهب ماء الوجه فليس بشيء، وَكَانَ يَقُول الشعر. وَكَانَ المهاجر بْن أَبِي أمية مر بالزبرقان بْن بدر، وَهُوَ عَلَى ركي لَهُ فاستسقاه لنفسه وركابه فلم يسقه، فشكا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فدعا بالزبرقان فَقَالَ: مَا بالك لم تسقه، وَابْن السبيل أولى بأن يكون أول ريان؟ فَقَالَ الزبرقان: فإن لِي أن أمنع مَا استنبطته بمالي وعبيدي، فَقَالَ لَهُ عمر: لئن عدت لمنع فضل الماء لا تنزل من نجد قاعا، يَقُول أنفيك عَنْهُ، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أمية وَكَانَ مَعَ عمه: وَمَا الزبرقان يَوْم يمنع ماءه ... بمحتسب تقوى وَلا متوكل وَلا ناظر فِي نفعه غير أنه ... يرفع أعضاد الحياض بمعول وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قتل نَوْفَل بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أمية يَوْم الخندق كافرا، وقتل أخوه عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ يَوْم أحد أَوْ يَوْم بدر كافرا، وأما المهاجر بْن أَبِي أمية فولاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض اليمن، وكتب إِلَيْهِ أَبُو بَكْر أن يصير إِلَى زِيَادِ بْن لَبِيدٍ الْبَيَاضِيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، فيكون مددا لَهُ، وولاه عمر بعض الصدقات. وأما مسعود فدرج. وأما هِشَام فدرج أَيْضًا، وقد يقال إن لهما عقب، وأما الفاكه بْن الْمُغِيرَةِ فقتله بنو كنانة فِي الجاهلية، وقتل ابنه أبو

_ [1] سورة الأسراء- الآيات 90- 95.

وأما حفص بن المغيرة،

قيس بن الفاكه بْن الْمُغِيرَةِ يَوْم بدر كافرا، قتله حمزة عَلَيْهِ السلام، ويقال الحباب بْن المنذر وَلا عقب لَهُ، وكانت هند أم مُعَاوِيَة عند الفاكه أَيْضًا. وأما حفص بْن الْمُغِيرَةِ، فكان سيدا فِي زمانه مطعاما للطعام، وفيه يَقُول الشاعر: وناد الضعيف المستضيف وقل لَهُ ... إذا جئت حفص بْن الْمُغِيرَةِ فاجلس وكانت عنده هند بِنْت عتبة أم مُعَاوِيَة قبل أَبِي سُفْيَان، وَكَانَ أَبُو عَمْرو بْن حفص شريفا، وَكَانَ ابنه عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عَمْرو بْن حفص أول من خلع يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، وفد إِلَى يَزِيد فوصله وأسنى جائزته، ثُمَّ قدم الْمَدِينَة فَقَالَ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أني وفدت عَلَى يَزِيد، فأعطاني وأحسن جائزتي وإني أشهدكم أني قد خلعته كما خلعت عمامتي. فخلعوه بالمدينة، وَهُوَ الَّذِي أهاج يَوْم الحرة فقتل، فَقَالَ الشاعر: إذ يناديهم أين حنظلة الخي ... ر وقد يسمع البعيد النداء وببطن الغرارة ابن أبي عم ... رو قتيل جادت عَلَيْهِ السماء ولأبي عَمْرو عقب بِمَكَّةَ، وكانت عند أَبِي عَمْرو فاطمة بِنْت قَيْس أخت الضحاك بْن قَيْس فطلقها البتة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا نفقة لها عَلَيْهِ، ثُمَّ تزوجت أسامة بْن زَيْد بْن حارثة. وأما عبد شمس بْن الْمُغِيرَةِ فولد: الْوَليِد بْن عَبْدِ شمس، فولد الْوَليِد: عمارة بْن الْوَليِد، وابنة كَانَتْ عند عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، فولدت لَهُ: سَعِيد بْن عُثْمَان، وَكَانَ عمارة فِي قول أَبِي اليقظان عاملا لابن الزُّبَيْر عَلَى اليمن، وفيه يَقُول أَبُو دهبل الجمحي:

وأما الوليد بن المغيرة

نعم منه خير من ثمانين حلقة ... من آخر أعطى أَوْ تولى فعردا [1] أخ لِي عَلَيْهِ كُلّ شَيْء أهمني ... إذا مَا ينلني الْيَوْم لا يعتلل غدا وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ الأزرق، وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن الْوَليِد بْن عَبْدِ شمس بْن الْمُغِيرَةِ، عاملا لابن الزُّبَيْر عَلَى اليمن، وَكَانَ أجود العرب، وَهُوَ الَّذِي كَانَ أَبُو دهبل يمدحه، وَهَذَا أثبت الخبرين، ومات الأزرق بتهامة. وأما الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ فكان يكنى أبا عبد شمس، ويقال كَانَ يكنى أبا الْمُغِيرَة، وَكَانَ عظيم القدر فِي زمانه، وَكَانَ من المستهزئين، وقد كتبنا خبره فيما مضى من هَذَا الكتاب، وَكَانَ يقال لَهُ العدل لأنه كَانَ يكسو الكعبة سنة وتكسوها قُرَيْش سنة فكان يعدلها، وقيل لَهُ الوحيد، فَقَالَ اللَّه عز وجل: (ذرني وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا) [2] . وَقَالَ أَبُو اليقظان: يسمى ماله الْيَوْم بالطائف الممدود، وَقَالَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادع ربك أن يَزِيد فِي مالي مثله» ، فَقَالَ اللَّه عز وجل: (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أزيد) [3] ويقال أن ماله ههنا ولده. وَاللَّه أعلم. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ ديسم بْن صقعب عبدا روميا، فرغب فِيهِ الْمُغِيرَة، فادعاه وسماه الْوَليِد، وَهَذَا الخبر الَّذِي قبله مما يكذب في الجاهلية. قال حسان:

_ [1] عرد تعريدا: هرب، والسهم في الرمية نفذ منها، وفلان: ترك الطريق، والنجم إذا ارتفع، وإذا مال للغروب. القاموس. [2] سورة المدثر- الآيتان: 11- 12. [3] سورة المدثر- الآية: 15.

وأما الوليد بن الوليد

قل للوليد متى سميت باسمك ذا ... أم كَانَ ديسم فِي الأسماء كالحلم [1] وَكَانَ الْوَليِد شريفا يتحاكم إِلَيْهِ وأمه صخرة، فَقَالَ أَبُو طالب: هلم إِلَى حكم ابْن صخرة إنه ... سيحكم فيما بيننا ثُمَّ يعدل فولد الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ: خَالِد بْن الْوَليِد وأمه لبابة الصغرى، وَهِيَ العصماء بِنْت الْحَارِث بْن حزن بْن بجير، أخت لبابة الكبرى، أم عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس، وأخت ميمونة بِنْت الْحَارِث، زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت صفية بِنْت حزن عمه ولد الْحَارِث، أم أَبِي سُفْيَان بْن حرب. وعمارة بْن الْوَليِد أمه كنانية. وهشام بْن الْوَليِد أمه قشيرية. والوليد بْن الْوَليِد. وخالدة تزوجها الْحَارِث بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ. وأبا قَيْس بْن الْوَليِد، قتل يَوْم بدر كافرا، قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وَلا عقب لَهُ. وأما الْوَليِد بْن الْوَليِد فكان من المستضعفين الْمُؤْمِنِينَ، وهاجر إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشيا، وقد كتبنا خبره فِي أول هَذَا الكتاب، وَقَالَ الْوَليِد: هاجر وليد وبع الأنباقة [2] ... واشتر منه جملا وناقة ورم بنفس نحوهم مشتاقة

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 262. [2] النبق: ثمر السدر، وأشبه شيء به العناب أن تشتد حمرته. ودقيق يخرج من لب جذع النخلة حلو يقوى بالدبس ثم يجعل نبيذا. النهاية لابن الأثير. القاموس.

ومات الْوَليِد فرثته أم سَلَمَة زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنها: أبكي الوليد بن الولي ... د أبا الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ أن الْوَليِد بْن الولي ... د أبا الْوَليِد فتى العشيرة قد كَانَ غيثا للصدي ... ق وجعفرا [1] هطعا [2] وميرة وضمت الْوَليِد بْن الْوَليِد إِلَيْهَا، فرآه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالَت: الْوَليِد بْن الْوَليِد. فَقَالَ: لقد اتخذتم الْوَليِد حنانا [3] ، وسماه عَبْد الله. وزوّج عبد الله بن الوليد بْن الْوَليِد سعدى بِنْت عوف بْن خارجة بْن سنان المري فولدت لَهُ: سَلَمَة، فولد سلمة: يعقوب وأيوب. فمن ولد سَلَمَةَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْوَلِيد بْن الْوَليِد: أم سَلَمَة بِنْت يَعْقُوب، تزوجها أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَبُو الْعَبَّاس، وأخوها مُحَمَّد بْن يَعْقُوب بْن سَلَمَةَ. وذكروا أن محمدا قتل رجالا من ولد أَبِي هريرة فِي الفتنة. وأما أَيُّوب بْن سَلَمَةَ بْن عَبْدِ اللَّهِ فكان تائها، وتزوج فاطمة بِنْت حسن بْن حسن بْن علي، فخوصم فِي ذَلِكَ، وَكَانَ ساب عَبْد اللَّهِ بْن حسن بهذا السبب، ورفع أمره إِلَى هِشَام بْن عَبْدِ الملك فَقَالَ هشام: والله لا يدخل عليها نهارا.

_ [1] الجعفر: النهر الصغير، أو النهر الملآن، أو فوق الجدول. القاموس. [2] هطع: أقبل مسرعا، أو أقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه. القاموس. [3] لم يكن اسم الوليد من الأسماء المرغوب بها عند المسلمين، على أساس أنه اسم فرعون موسى عليه السلام أو غير ذلك، والحنان: الصالح الذي يتمسح به. النهاية لابن الأثير.

وأما هشام بن الوليد بن المغيرة

وولى أَبُو الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِسْمَاعِيل بْن أَيُّوبَ بْن سَلَمَةَ مَكَّة، وَكَانَ ذا قدر فِي قُرَيْش، وله عقب بالمدينة. قَالُوا: ودخل نصيب عَلَى إِبْرَاهِيم [1] بْن هِشَام فأنشده مديحا لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا بشيء. أين هَذَا من قول أَبِي دهبل لصاحبنا الأزرق؟ فغضب نصيب فخلع عمامته وبرك عَلَيْهَا وَقَالَ: ائتوني برجل مثل الازرق نأتكم بأجود من شعر أَبِي دهبل: لقد غال هَذَا القبر من بطن عليب ... فتى كَانَ من أهل الندى والتكرم [2] وأما هِشَام بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ فهو قاتل أَبِي أزيهر الدَّوْسِيّ بعقر أَبِيهِ عنده، وَكَانَ الْوَليِد تزوج ابنة لأبي أزيهر فأمسكها عنده ولم يهدها إِلَيْهِ، وقد ذكرنا أمره فِي أول كتابنا، فأوصى الْوَليِد أن يطلب أَبُو أزيهر بعقره، وأسلم هِشَام فحسن إسلامه، وَهُوَ الَّذِي بعثه عمر إِلَى الْكُوفَة للمساءلة عَن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ حين رفع عَلَيْهِ وشكي، فكثر عَلَى سَعْد، فدعا عَلَيْهِ سَعْد أن يسلبه اللَّه عقله، فجن فِي آخر عمره، فكان يكشف ذكره ويخرج حَتَّى يراه النَّاس، وأدرك أيام عُثْمَان بْن عَفَّان. فولد هِشَام بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ: إِسْمَاعِيل، أمه من بني أسد بْن عبد العزي، فولد إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَةِ: هشاما وَمُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، أمهما من بني قَيْس بْن ثعلبه، وولى عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان هِشَام بْن إِسْمَاعِيل الْمَدِينَة.

_ [1] نصيب بن رباح- أبو محجن- شاعر فحل، مقدم في النسيب والمدائح، توفي كما هو مرجح سنة 108 هـ/ 726 م. الأعلام للزركلي. [2] بهامش الأصل: موضع هذه الحكاية بعد سبعة أسطر.

وأما عمارة بن الوليد بن المغيرة،

فولد هِشَام: إِبْرَاهِيم ومحمدا، وأمهما جيداء أم ولد، وعائشة ويقال فاطمة وتكنى أم هِشَام، تزوجها عَبْد الْمَلِكِ، فولدت لَهُ هِشَام بْن عَبْدِ الملك، ولي الخلافة، وأمها مرية يقال لها مريم، ويقال إن اسمها هُوَ مريم. وَكَانَ إِبْرَاهِيم بْن هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الْوَليِد عاملا لهشام بْن عَبْدِ الملك عَلَى الْمَدِينَة سنة، ثُمَّ عزله عَنْهَا، فلما ولي الْوَليِد بْن يَزِيدَ بْن عَبْدِ الملك بعث به إِلَى يوسف بْن عُمَرَ الثَّقَفِيّ فعذبه حَتَّى قتله، وكان يشير على هشام بخلعه. وَكَانَ مُحَمَّد بْن هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الْوَليِد أخوه بخيلا، وولاه هِشَام بْن عَبْدِ الملك مَكَّة، ثُمَّ ولاه الْمَدِينَة فتحول إِلَيْهَا، وقد كَانَ هِشَام ولى إِبْرَاهِيم الموسم فِي بعض سنيه فحج بِالنَّاسِ. وَقَالَ رجل من بني أسد بْن خزيمة: إذا كنت ترجو الخير أَوْ تبتغي الندى ... فحط قتود الرحل عند مُحَمَّد فقتله يوسف بْن عُمَرَ أَيْضًا، وله عقب بالمدينة. وأما عمارة بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ، فكان يكنى أبا فايد، وَكَانَ فتى قُرَيْش جمالا، وقالت قُرَيْش لأبي طالب: أعطنا محمدا وخذ إِلَيْك عمارة، فَقَالَ بِئْسَ مَا سُمْتُمُونِي أَدْفَعُ إِلَيْكُمُ ابْنَ أَخِي لتقتلوه وأخذ ابنكم فأغذوه. وقد كتبنا خبره وشخوصه إِلَى الحبشة مَعَ عَمْرو بْن الْعَاصِ، وَمَا فعل بِهِ الحبشي فِي أول كتابنا مَعَ ذكر من هاجر إِلَى الحبشة وَلا عقب لَهُ. وأما خَالِد بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ويكنى أبا سُلَيْمَان، وقد كَانَ قبل ذَلِكَ يكنى أبا الْوَليِد، فإنه أسلم فِي صفر سنة ثمان قبل الفتح،

وأمه لبابة الصغرى بِنْت الْحَارِث الهلالية، أخت مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولبابة أم عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس، وَهُوَ الَّذِي حمى النَّاس يَوْم مؤتة وقدم بهم، وَقَالُوا: إنه انكسرت فِي يده يومئذ عدة أسياف، وَهُوَ الَّذِي قتل مسيلمة، وَكَانَ لَهُ أجمل بلاء فِي أهل الردة فِي أيام أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبالشام وبالحيرة، وقد ذكرت خبره فِي كتاب البلدان، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذكر لنا: [ «لا تسبوا خالدا إنه سيف اللَّه» ،] وَكَانَ يقال لَهُ: خَالِد سيف اللَّه، وتوفي خَالِد بحمص ودفن فِي قرية عَلَى ميل مِنْهَا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فسألت عَن تلك القرية فقيل دثرت، وأوصى إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّابِ وَكَانَ موته سنة إحدى وعشرين. وَقَالَ أَبُو اليقظان: حدث شُعْبَة بْن الْحَجَّاج أن خالدا لما مات أتى عمر منزله فكف النساء عَن البكاء، ثُمَّ قَالَ عمر: وَمَا عَلَى نساء بني الْمُغِيرَة لو بكين أبا سُلَيْمَان فِي غير نقع وَلا لقلقة [1] . ولما حج عمر سمع حاديا من أهل الشام يَقُول: إذا رأيت خالدا تجففا ... وهبت الريح شمالا حرجفا [2] وود بعض القوم لو تخلفا ... رأيته فِي الحرب ليثا أغضفا فبكى عمر حتى نشج، وَقَالَ: لو كَانَ حيا لرددته عليكم. وَكَانَ خَالِد يَقُول: مَا ليلة يهدي إلي فِيهَا عروس أحبها، أو أبشر فيها

_ [1] النقع: رفع الصوت، وشق الجيب. واللقلقة: كل صوت في اضطراب، أو شدة الصوت. القاموس. [2] الحرجف: الريح الباردة الشديدة الهبوب. القاموس.

عبد الرحمن بن خالد.

بمولود ذكر، بأسرّ إلي من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد، وأنا فِيهَا فِي سرية أصبح العدو. وَقَالَ بعض الرواة عَن مَالِك بْن أَنَسٍ: كَانَ خَالِد بْن الْوَليِد يشبه عمر، فخرج عمر فِي السحر فلقيه رجل فَقَالَ: مرحبا بك يَا أبا الْوَليِد فرد عَلَيْهِ عمر فَقَالَ الرجل: عزلك ابْن الخطاب؟ قَالَ عمر: نعم. قَالَ: أما شبع لا أشبع اللَّه بطنه؟ قَالَ عمر: فماذا عندك؟ قَالَ: مَا عندي إِلا سمع وطاعة. فلما أصبح عمر أخبرهم الخبر وضحك وَقَالَ عمر: مَا عتبت عَلَى خَالِد إِلا فِي المال. وولد خَالِد بْن الْوَليِد: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِدٍ. وَكَانَ يلي الصوائف. فحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: تُوُفِّيَ خَالِد بْن الْوَليِد بحمص سنة عشرين، أَو إحدى وعشرين، وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد يلي الصوائف فيبلي ويحسن أثره، فعظم شأنه بالشام، ومال النَّاس إِلَيْهِ فحسده مُعَاوِيَة وخافه، فدس إِلَيْهِ متطببا يقال لَهُ: ابْن أثال، وجعل لَهُ خراج حِمْص فسقاه شربة فمات، فاعترض خَالِد بْن المهاجر بْن خَالِد بْن الْوَليِد، ويقال خَالِد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ابْن أثال وَكَانَ يعرف بالأركون، والأركون كالرئيس فِي الناحية، فقتله فرفع ذَلِكَ إِلَى مُعَاوِيَة فحبسه أياما ثُمَّ أغرمه ديته ولم يقده. وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَم بْن عدي وَابْن الْكَلْبِيّ عَن عَوَانَة عَن أَبِيهِ والمدائني عَن غياث بْن إِبْرَاهِيمَ أن مُعَاوِيَة ولى الصائفة- وقد جاشت الروم- عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد، وكتب لَهُ عهدا ثُمَّ قَالَ لَهُ:

مَا أنت صانع بعهدي؟ قَالَ: سأتخذه إماما ومثالا فلا أتجاوزه، فَقَالَ: رد علي عهدي. فَقَالَ: أتعزلني ولم تخبرني؟ أما واللَّه لو كنا ببطن مَكَّة عَلَى السواء مَا فعلت بي هَذَا، فَقَالَ مُعَاوِيَة: لو كنا ببطن مَكَّة لكنت مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حرب وكنت عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد، وَكَانَ منزلي بالأبطح وَكَانَ منزلك بأجياد أعلاه مدرة وأسفله عذرة، ثُمَّ بعث إِلَى سُفْيَان بْن عَوْفٍ الغامدي من الأزد فَقَالَ لَهُ: وليتك الصائفة وَهَذَا عهدي فما أنت صانع؟ قَالَ اتخذه إماما مَا أم الحزم فإذا خالفه أعملت رأيي وسألت اللَّه التوفيق، فَقَالَ مُعَاوِيَة: أنت لها، فلما ودعه قَالَ مُعَاوِيَة: هَذَا وَاللَّه الَّذِي لا يدفع من بطء وَلا يكفكف من عجلة، وَلا يضرب عَلَى الأمور ضرب الجمل الثقال، فغزا بِالنَّاسِ الصائفة ثُمَّ هلك واستخلف عَبْد اللَّهِ بْن مسعود الفزاري، وَقَالَ لَهُ: احرص عَلَى أن ترجع بِالنَّاسِ سالمين، فغزا بهم ورجع منهزما، وقد كَانَ الشاعر قَالَ فِيهِ: أقم يَا بن مَسْعُود قناة صَليبة ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عوف يقيمها وسمْ يابن مَسْعُود مدائن قيصر ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عَوْفٍ يسومها فلما قدم عَلَى مُعَاوِيَة قَالَ له: أقم يابن مسعود. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قرنتني إِلَى رجل قل أشباهه فِي حزمه وبأسه، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إن من فضلك عندي معرفتك بفضل من هُوَ أفضل منك، ولكنك قلت هذه أول ولا يأتي ومحني فحرصت فغررت، وَاللَّه يغفر لك. وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ يلي بعد ذَلِكَ الصوائف- وَكَانَ كعب بْن جعيل صديقا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن خَالِد فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: لم ترث صديقك، ولو كَانَ للشعراء عهد لرثيته، فَقَالَ: قد قلت فيه:

أَلا تبكي وَمَا ظلمت قُرَيْش ... بإعلان البكاء عَلَى فتاها لو سئلت دمشق وبعلبك ... وحمص من أباح لها حماها لقالت أن سيف اللَّه أوهى ... معاقل عزها وحوى قراها وأنزلها مُعَاوِيَة بْن حرب ... وكانت أرضه أرضا سواها فكان مُعَاوِيَة يكرم كعبا ويتقيه. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قتل المهاجر بْن خَالِد بْن الْوَليِد مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طالب بصفين، والمهاجر القائل: إما تريني أشمط الحسنات ... فقد لهوت بالنساء الحرات فِي بعثط [1] البطحاء مضرجات وَقَالَ أَيْضًا: رب ليل ناعم أحييته ... فِي عفاف عند قباء الحشا ونهار قد لهونا بالتي ... لا يرى شبه لها فيمن مشى وَكَانَ خَالِد بْن المهاجر مَعَ ابْن الحنفية فِي الشعب فعلق عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر زكرة [2] فِيهَا الخمر، ثُمَّ ضربه الحد، وَهُوَ قاتل ابْن أثال طبيب كَانَ بدمشق. قَالَ وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد ناسكا وشهد صفين مَعَ مُعَاوِيَة، وَكَانَ الْحَجَّاج بْن علاط السلمي ادعى عُبَيْد اللَّهِ بْن رياح، وذكر أنه أتى أمه فِي الجاهلية، وَكَانَ رياح عبد أسود لخالد بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ، فخاصم فِيهِ نصر بْن الْحَجَّاج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن خَالِد بْن الْوَليِد إِلَى مُعَاوِيَة، وَقَالَ نصر

_ [1] البعثط: سرة الوادي. القاموس. [2] الزكرة: زق للخمر والخل. القاموس.

وولد عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:

لعبيد الله بن رياح: أبا خَالِد لا ترهبن ابْن خَالِد ... فلم يكن الْحَجَّاج يرهب خالدا أبا خَالِد لا تجعلن بناتنا ... موالي مخزوم وكن مواجدا أبا خَالِد أوصيك أمك حية ... وأوصى إِلَى عواده والعوائدا فقضى مُعَاوِيَة بِهِ لبني مخزوم، وناول نصرا حجرا، فَقَالَ نصر: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ] . فَقَالَ نصر: فهلا قضيت بهذه القضية فِي زياد؟ وَقَالَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة: مَا أنت من بهز وَمَا كَانَ منهم ... أبوك ولكن أنت مولى لخالد وولد عابد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم: أبا السائب، واسمه صيفي بْن عابد، وأبا رفاعة واسمه أمية، وعتيق بْن عابد، وزهير بْن عابد، أمهم برة بِنْت أسد بْن عَبْدِ العزى بْن قصي [1] . فمن بني عابد: عَبْد اللَّهِ بْن السائب بْن أَبِي السائب، وَكَانَ أَبُو السائب شريك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجاهلية، وأتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح مسلما، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هل تعرفني؟ فَقَالَ: ألست شريكي؟ قَالَ: بلى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فكنت خير شريك، كنت لا تداري وَلا تماري وَلا تظلم، وقتل السائب بْن أَبِي السائب يَوْم بدر، قتله الزُّبَيْر. ورفاعة، وصيفي ويكنى أبا السائب، وَأَبُو المنذر، وزهير بنو أبي رفاعة أمية بن عابد.

_ [1] بهامش الأصل: بلغت عرضا ولله الحمد كله.

فأما رفاعة فقتل يَوْم بدر، قتله سَعْد بْن الرَّبِيع. وأما صيفي وَهُوَ السائب بْن رفاعة فقتله عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ يَوْم بدر. وأما زهير فقتله أَبُو أسيد الساعدي يَوْم بدر. وَأَبُو صيفي بْن أَبِي رفاعة أسر يَوْم بدر، ولم يكن لَهُ فداء فأطلق. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ وغيره قَالَ: روى عَبْد اللَّهِ بْن السائب بْن أَبِي السائب ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يَقُول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حسنة) [1] مَعَ أحاديث غير ذَلِكَ [2] . وروى عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ. كَانَ قَيْس بْن السائب مولى مجاهد بْن جبر صاحب التفسير. وقالت امْرَأَة منهم ترثيهم: إخوتي لا تبعدوا أبدا ... وبكى والله قد بعدوا لو تملتهم عشيرتهم ... لثراء المال أَوْ ولدوا هان من بعض التذكر أَوْ ... هان من بعض الَّذِي أجد كُلّ من يمشي بعقوتها ... وارد الماء الَّذِي وردوا وقالت هَذَا لأنهم لم يعقبوا. ومنهم مُحَمَّد بْن صيفي بْن أَبِي رفاعة، وجدته أم أمه خديجة بِنْت خويلد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، كَانَتْ فِي الجاهلية عند عتيق بْن عابد، فولدت لَهُ جارية يقال لَهَا هند، فتزوجها صيفي بن أبي رفاعة، وهو أمية بن

_ [1] سورة البقرة- الآية: 201. [2] طبقات ابن سعد ج 5 ص 445، بدون هذا الحديث.

وولد أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:

عابد بْن عَبْدِ اللَّهِ، فيقال لبني مُحَمَّد بْن صيفي بالمدينة: بنو الطاهرة، لأنه كَانَ يقال لخديجة الطاهرة. وقتل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن السائب بْن أَبِي السائب يَوْم الجمل، وَكَانَ للسائب ابْن يقال لَهُ عطاء، ذكر ذَلِكَ الزُّبَيْرِيّ [1] ، ويقال إنه لم يكن فِي بني عابد هجرة. وَقَالَ الشاعر: وإن تصلح فإنك عابدي ... وصلح العابدي إِلَى فساد قَالُوا: وعمر أَبُو السائب صيفي بْن عابد، شريك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطاف مُعَاوِيَة بالبيت ومعه جنده، فزحم أَبُو السائب فسقط، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَة جئتنا بأوباش يصرعونا، وَاللَّه لقد أردت أن أتزوج أمك، فَقَالَ: ليتك فعلت، فجاءت بمثل أَبِي السائب، يعني عَبْد اللَّهِ بْن السائب. وولد أسد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم: عبد مَنَاف، وَهُوَ أَبُو الأرقم، وجندب، وعَبْد العزي، وعبد. فمنهم: الأرقم بْن أَبِي الأرقم بْن أسد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، وشهد بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخفيا فِي داره، يدعو النَّاس إِلَى الإِسْلام. وَقَالُوا: أم الأرقم بْن أَبِي الأرقم: أميمة بِنْت عَبْد الْحَارِث من خزاعة، وخاله: نافع بْن عَبْدِ الْحَارِث الخزاعي عامل عُمَر بْن الْخَطَّابِ عَلَى مَكَّة، وَكَانَ أرقم بْن أَبِي الأرقم يكنى فِي الجاهلية أبا عبد مَنَاف، فلما أسلم كنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في داره عند الصفا، وفيها مات أرقم فِي زمن مُعَاوِيَة وولده يقولون أنه سابع سبعة في الإسلام،

_ [1] كتاب نسب قريش للمصعب الزبيري ص 333.

وولد عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:

وكانت داره صدقة عَلَى ولده، فلما كَانَتْ خلافة أَبِي جَعْفَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ خرج بعض ولده مَعَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن، فصارت لأبي جَعْفَر ابتياعا، ثُمَّ صارت للخيزران أم ولد أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المهدي بإقطاع من المهدي، ثُمَّ صارت لجعفر بْن مُوسَى وَهِيَ الَّتِي يسكنها أصحاب العدني والشطوي. وشهد الأرقم المشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآخى بينه وبين أَبِي طَلْحَةَ، وأوصى أرقم أن يصلي عَلَيْهِ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، ومروان عَلَى الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة، ومات الأرقم فاحتبس سَعْد لأنه كَانَ فِي قصره بالعقيق، فَقَالَ مروان: أنحبس صاحب رسول الله لرجل غائب، وأراد الصلاة عَلَيْهِ فأبى ذَلِكَ عُبَيْد اللَّهِ بْن الأرقم، وقامت مَعَهُ بنو مخزوم، ووقع بينهم كلام وجاء سَعْد فصلى عَلَيْهِ، فِي سنة خمس وخمسين بالمدينة، وهلك الأرقم وله بضع وثمانون سنة. وَكَانَ للأرقم من الولد: عُبَيْد اللَّهِ لأم ولد، وعثمان لأم ولد والعقب لَهُ، وَكَانَ بعضهم بالشام. وَكَانَ للأرقم بنات: مريم، وصفية، وأمية. وولد عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم: عَمْرو بْن عُثْمَان، وأمه قلابة بِنْت عَمْرو من خزاعة، وعرفجة، وعريفجة، وعثمان، وأبا برد. وولد عَمْرو بْن عُثْمَان: الْحَارِث، والحويرث، والوليد، وأمهم فاطمة بِنْت الْمُغِيرَة بْن عَبْدِ اللَّهِ، منهم عَمْرو، وسعيد ابنا حريث بْن عَمْرِو بْنِ عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّه بْن عمرو بْن مخزوم.

حريث

[حريث] فأما سَعِيد، فصحب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الْوَاقِدِيّ: سَعِيد أسن من أخيه عَمْرو بْن حريث، ويقولون إنه شهد الفتح مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن خمس عشرة سنة وَكَانَ إسلامه قبل الفتح، وَهُوَ الَّذِي قتل ابْن خطل الأدرمي، وقسم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وجده فِي البيت فأعطاه منه. وتحول سَعِيد إِلَى الْكُوفَة فنزل مَعَ أخيه بِهَا، وغزا خراسان، وزعموا أن غلمانه قتلوه بظهر الْكُوفَة، وَلا عقب لَهُ. وأما عَمْرو بْن حريث فكان يكنى أبا سَعِيد. قَالَ أَبُو نعيم الْفَضْل بْن دُكَيْنٍ: تُوُفِّيَ سنة خمس وثمانين. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن اثنتي عشرة سنة، وَكَانَ عمال العراق زياد وغيره يستخلفونه عَلَى الْكُوفَة إذا خرجوا مِنْهَا، ويتولى أمرهم وشرطهم إذا حضروها، وكان عمرو ابتاع سفطا كَانَ للنخيرجان فربح فِيهِ، فكان أول من اعتقد مالا عظيما بالكوفة وله بِهَا عقب. قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن همام السلولي يمدح عَمْرو بْن حريث: أبوك المنقى من قُرَيْش زناده ... وخالك زاد المرملين هِشَام وحي بني سهم إذا عد مجدهم ... أصابك منه حارك [1] وسنام حَدَّثَنِي هدبة بْن خَالِدٍ، ثنا أَبُو هلال، ثنا حميد بْن هلال قَالَ: خطب عَمْرو بْن حريث إِلَى عدي بْن حاتم الطائي ابنته، فقال عدي: ما أنا بمزوّجك إلا عَلَى حكمي. ثُمَّ رجع عَمْرو إِلَى أصحابه فَقَالَ: امرأة من قُرَيْش أتزوجها عَلَى أربعة آلاف درهم أحب إِلَى من امْرَأَة من طيّئ

_ [1] الحارك: أعلى الكاهل، وعظم مشرف من جانبيه، ومنبت أدنى العرف إلى الظهر الذي يأخذ به من يركبه. القاموس.

أتزوجها عَلَى حكم أبيها، قَالُوا: إن ذاك كذاك، ثُمَّ عاد فخطبها فزوجه إياها عَلَى حكمه وقال له: ما حكمك؟ قال: أربعمائة وثمانون، سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثنتا عشرة أوقية، والأوقية أربعون فبعث إليه عمرو بن حريث بأربعمائة وثمانين درهما مهرا، وبعشرة آلاف درهم سوى الصداق، وَقَالَ: هِيَ هدية. قَالَ أَبُو هلال: يقال أن ولد عَمْرو بْن حريث من ابنه عديّ خير ولده. حَدَّثَنِي أَبُو صَالِح الفراء الأنطاكي، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الفزاري عَن الشيباني عَن سَعِيد بْن جبير قَالَ: اعتكفت فِي مسجد الحي، فأرسل إلي عَمْرو بْن حريث، وَهُوَ أَمِير الْكُوفَة يدعوني فلم آته، ثُمَّ أتيته فَقَالَ: مَا منعك من إتياننا؟ قلت: كنت معتكفا. فَقَالَ: وَمَا عَلَى المعتكف يشهد الجمعة، ويعود المريض ويمشي مَعَ الجنازة ويأتي الإمام. حدثني عمر بْن شبة قَالَ: قَالَ خلف بْن خليفة: أراني أَبِي عَمْرو بْن حريث وأنا ابْن ست سنين فرأيت عَلَيْهِ عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين يديه وطرفها الآخر خلفه، فَقَالَ النَّاس: هَذَا قد صلى خلف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَن خَالِد بْن خَالِدٍ قَالَ: قَالَ عَمْرو بْن حريث: مَا ظلمت فِي داري هَذِهِ أجيرا، وإن أصلها لمن عطية رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ ضُرَيْسٍ قَاضِي الرَّيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ يَعِظُهُمْ، وَيَقُولُ: مَنْ تَعَزَّزَ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْرَثَهُ اللَّهُ الذلة.

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْن شَبَّةَ، ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيُّ، ثنا سُفْيَانُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ أَجَازَ شَهَادَةَ الْمُخْتَبِئِ. وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ جَعَلَ السِّلْعَةَ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ [1] . وروي عَنِ الشَّعْبِيِّ أن رجلا ابتاع جارية بستين دينارا، فنقد ثلاثين واحتبس الجارية حَتَّى يأتيه بالثلاثين الباقية فأتاه بِهَا، فدفعها إِلَيْهِ وقد ماتت الجارية، فاختصما إِلَى عَمْرو بْن حريث فَقَالَ: أما الثلاثون الَّتِي أخذتها والجارية حية فهي لك، وأما الثلاثون الَّتِي أخذتها وقد ماتت الجارية فردها، وَكَانَ الشَّعْبِيّ يستحسن ذَلِكَ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ خَالِدٍ الطَّحَّانِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَهُوَ صَاحِبُ زُقَاقِ عَمْرٍو بِالْكُوفَةِ: مَا تَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ ثَالِثٍ إِلا ظَنَّ بِهِمَا اغْتِيَابًا لَهُ أَوْ طَيًّا لأَمْرِهِمَا عَنْهُ فَأَحْنَقَتْهُ تِلْكَ وَأَوْحَشَتْهُ هَذِهِ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كِنَاسَةَ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ لابْنِهِ: اصْحَبْ مَنْ إِذَا صَحِبْتَهُ زَانَكَ وَإِذَا اختلك مَانَكَ [2] ، وَإِذَا رَأَى مِنْكَ حَسَنَةً أَظْهَرَهَا، وَإِذَا رَأَى سَيِّئَةً سَتَرَهَا، مَنْ لا يُخَافُ بَوَائِقَهُ وَلا تَخْتَلِفُ عَلَيْكَ طَرَائِقُهُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سعيد عن مولى

_ [1] بهامش الأصل: يعني من ثمنها. [2] مانه: قام بكفايته. القاموس.

لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلَيْنِ تَمَازَحَا: إِنَّ آخِرَ الْمُزَاحِ جِدٌّ فَكُفَّا. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو هَاشِمٍ عَنِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّهُ لَيْسَتْ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ، فَمَنْ أَخْطَأَتْهُ الْجَنَّةُ دَخَلَ النَّارَ، فَلا تَكْذِبُوا. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ أَضَرَّ الْكَذِبِ بِكَ كَذِبُكَ نَفْسَكَ. قَالَ شريك: وَكَانَ عَمْرو يَقُول: من رضي الجهل استغنى عند نفسه عَن الحلم. وَقَالُوا: قدم سدرة الهجيمي واسمه الهملع بْن أعفر الْكُوفَة، وَكَانَ حافيا، فرأى بالكناسة عمرا، وعليه ثياب خز مضاعفة، فَقَالَ: هَذَا سيد القوم، فأتاه فسأله فَقَالَ لَهُ عَمْرو: إن كنت تريد الخز، فهو حاضر، وإن كنت تريد النقد فعليك بصاحب البرذون الأشهب، قَالَ: الدال عَلَى الخير كفاعله. فقال: ومن هو؟ قال: أسماء بن خارجة، وعن يمينه لبيد بْن عطارد، وحجار بن أبجر، وشمر ذي الجوشن، فأنشأ يَقُول: إِلَيْك تخطت عَن قُرَيْش ولم ترد تميما ولم تعرض لبكر بْن وائل وَلا عامرا لم يعتمد للتي بِهَا ... وَلا غيرهم من جمع تلك القبائل فوصله وَقَالَ لَهُ: عد إلي فأقم عندي، فَقَالَ لَهُ: إني أشأم العرب، مَا صحبت أحدا قط إِلا مات، فَقَالَ لَهُ: ليس فِي العرب شؤم، فمضى ثُمَّ قدم عَلَيْهِ فوافق جنازته محمولة، فَقَالَ: شؤمي وَاللَّه قتله.

فمن ولد عمرو بن حريث: جعفر بن عمرو بن حريث، وكان فقيها

فمن ولد عَمْرو بْن حريث: جَعْفَر بْن عَمْرِو بْنِ حريث، وَكَانَ فقيها ذا هيئة. حدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنِ ابْن كناسة قَالَ: كَانَتْ بين عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عنبسة بن سعيد بن العاص وبين جعفر بن عَمْرِو بْنِ حريث مماظة [1] ومعاتبه، فدخل جَعْفَر بْن عَمْرو عَلَى خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري يوما وعنده عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عنبسة، فلما استقر بجعفر مجلسه قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ورأى صبيا عَلَى صدر خَالِد وَهُوَ يقبله: من هَذَا الصبي؟ قَالَ: ابني فَقَالَ: أصلح الله الأمير، نح هذا الصبي عن صدرك فما رأيتُ أقذرَ منه وأنتَ تقبله، فقال خالد: أفي نفسك على أبي عبد الله موجدة؟ يعني أخاه أسد بْن عَبْدِ اللَّهِ. فقال: أصلح اللَّه الأمير، إن هَذَا الفاسق خدعني وزعم أنه ابنه، فضحك خالد حتى فحص برجليه. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» . وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ الأَثْرَمُ عَنْ خَالِدِ بْنِ كُلْثُومٍ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ أَنَّهُ قَالَ: قَلَّمَا يَسْعَدُ بِرَأْيِهِ مُسْتَبِدٌّ. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: من ولد عَمْرو بْن حريث: عون بْن عَمْرو وجعفر بْن عون الفقيه. وولد خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم: وابصة بْن خَالِدٍ، فولد

_ [1] ماظظته مماظة ومظاظا: شاررته ونازعته. القاموس.

وولد هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:

وابصة: العاص بن وابصة. فمن ولد وابصة: العطاف بن خالد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَان بْن العاص بْن وابصة، وَكَانَ العطاف محدثا، حَدَّثَنَا عَنْهُ إِسْحَاق بْن أَبِي إِسْرَائِيل، وهشام بْن عمار. وولد هلال بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم: عَبْد الأسد، وأمه نعم بِنْت عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قرظ بْن رزاح، فولد عَبْد الأسد: أبا سَلَمَة، واسمه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الأسد، وأمه برة بِنْت عَبْد المطلب، هاجر إِلَى أرض الحبشة مرتين ومعه امرأته أم سَلَمَة بِنْت أَبِي أمية، وَكَانَ أول من قدم الْمَدِينَة مهاجرا، وَكَانَ قدومه إياها لعشر خلون من المحرم، وقدوم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها لاثنتي عشرة ليلة خلت من شَهْر ربيع الأول. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: رَحَّلَ أَبُو سَلَمَةَ بَعِيرَهُ، وَحَمَلَنِي عَلَيْهِ وَفِي حِجْرِي ابْنِي سَلَمَةُ وَهُوَ يُرِيدُ بِي الْهِجْرَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَآهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ قَالُوا لَهُ: هَذِهِ نفسُك قَدْ غلبتَنا عَلَيْهَا فَمَا بَالُ صَاحِبَتِكَ؟ لا نَدَعُكَ وَتَسْيِيرِهَا فِي الْبِلادِ، ثُمَّ انْتَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذُونِي، فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ وَقَالُوا: وَاللَّهِ لا نَتْرُكُ ابْنَهَا عِنْدَهَا إِذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِهَا، وَتَجَاذَبُوا ابْنِي سَلَمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ. قَالُوا: فَكَانَتْ مَخْلُوعَةً حَتَّى مَاتَ، وَانْتَزَعَهُ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ وَانْطَلَقُوا بِي، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَمَضَى زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الأَبْطَحِ فَأَبْكِي حَتَّى أُمْسِي، فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي فَرَحِمَنِي لِمَا رَأَى بِي، فَكَلَّمَ بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي

وقَالَ: أَلا تَرَوْنَ مَا بِهَذِهِ الْمِسْكِينَةِ مِنَ الْجَهْدِ لِتَفْرِيقِكُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا؟ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ إِنْ شِئْتِ، وَرَدَّ عَلَيّ بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ ابْنِي، قَالَتْ فَرَحَلْتُ بَعِيرِي وَوَضَعْتُ ابْنِي فِي حِجْرِي، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فَلَمَّا كنتُ بِالتَّنْعِيمِ لقيتُ عُثْمَانَ بْن طَلْحَةَ بْنِ أبي طلحة العبدري فقال: أين تريدين يا بنة أَبِي أُمَيَّةَ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِيَثْرِبَ. فَقَالَ: أو معك أحد؟ قلت: لا. فَقَالَ: مالك مترك، وأخذ بخطام البعير وانطلق معي يقودني، فو الله مَا رَأَيْت أَكْرَمَ مُصَاحَبَةً مِنْهُ، كُنْتُ أَبْلُغُ الْمَنْزِلَ فَيُنِيخُ جَمَلِي، ثُمَّ يَسْتَأْخِرُ عَنِّي فَإِذَا نزلت حطّ عن بعيري وفيّده، ثُمَّ أَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا أَرَدْنَا الرَّوَاحَ قَدِمَ الْبَعِيرُ فَرَحَّلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ وقَالَ: ارْكَبِي ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَخَمُ الْبَيْتِ أَلا اسْتَقِلِّي ... ثُمَّ هِلالا وَعَلَيْهِ قِلِّي فَإِذَا اسْتَوَيْتُ قَادَ فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا رَأَى قَرْيَةَ بَنِي عَمْرو بْن عَوْفٍ بِقُبَاءٍ قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّه، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ [1] . وَحَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ مِثْلَهُ [2] . قَالُوا: وَكَانَ أَبُو سَلَمَة وحمزة أخوي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرضاع، أرضعتهم ثويبة مولاة أَبِي لهب بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وشهد أَبُو سلمة بدرا

_ [1] لم يرد هذا الخبر في أي من ترجمتي أبي سلمة وأم سلمة في طبقات ابن سعد. [2] سيرة ابن هشام ج 1 ص 322- 323.

واحدا، فرماه أَبُو أسامة الجشمي بسهم أصاب عضده فانتقض عَلَيْهِ، فمات منه لثماني ليال خلون من جمادى الآخرة سنة أربع، فلما انقضت عدة أم سَلَمَة تزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت أحد فِي شوال سنة ثلاث، وبعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سَلَمَة فِي المحرم سنة أربع فِي سرية إِلَى قطن [1] ، وَهُوَ لبني أسد فكان انتقاض الجرح بِهِ بعد ذَلِكَ، وكانت أم سَلَمَة أول ظعينة قدمت الْمَدِينَة مهاجرة. وولد لأبي سَلَمَة: سَلَمَة، وعمر، وزينب الَّتِي كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لها: «مَا فعلت زناب» ؟ وَكَانَ مولدها بالحبشة، ونضح النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجهها ماء وَهُوَ يغتسل، فلم يتبين عَلَيْهَا الكبر، ولم يزل وجهها طريا بمائه، وتزوجها عَبْد اللَّهِ بْن زمعة بْن الأسود بْن المطلب بن أسد بن عبد العزى، ودرة، وأمهم أم سَلَمَة، واسمها هند بِنْت أَبِي أمية. ولما أقطع الرسول صَلَّى الله عليه وسلم الدور بالمدينة جعل لأبي سلمة موضع داره التي عند الزهريان اليوم، ثم بيعت بعد. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَن الزُّهْرِيِّ عَن قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا سَلَمَةَ الْوَفَاةُ، حَضَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسَاءِ سِتْرٌ فَبَكَيْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَهْ. إِنَّ الْمَيِّتَ يَحْضُرُ وَيُؤَمِّنُ عَلَى مَا يَقُولُ أَهْلُهُ، وَإِنَّ الْبَصَرَ لَيَشْخَصُ لِلرُّوحِ حَتَّى يُعْرَجَ بِهَا» .] فَلَمَّا فَاظَتْ نَفْسُهُ بَسَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ فأغمضهما [2] .

_ [1] قطن: ماء ويقال جبل من أرض بني أسد بناحية فيد. معجم البلدان. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 241.

والأسود بن عبد الأسد،

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغْمَضَ أَبَا سَلَمَةَ حِينَ مَاتَ وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَ أُمِّ سَلَمَةَ وَوَلَدِهَا فِي خَبَرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْهِجْرَةِ. والأسود بْن عَبْدِ الأسد، قتل يوم بدر كافرا، وكان الأسود حلف يَوْم بدر ليكسرن حوض النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقاتل أشد قتال حَتَّى وصل إِلَى الحوض، فأدركه حمزة عَلَيْهِ السلام وَهُوَ يكسره فقتله، واختلط دمه بالماء، وكانت أمه كندية. وسفيان بْن عَبْدِ الأسد وله عقب، ولد لَهُ لصلبه: الأسود بْن سُفْيَان، وهبار بْن سُفْيَان هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب، ثُمَّ قدم الْمَدِينَة قبله واستشهد يَوْم مؤته، ويقال يَوْم أجنادين، والأول قول الْكَلْبِيّ، وهاجر مَعَ هبار أخوه عُبَيْد اللَّهِ بْن سُفْيَان بْن عَبْدِ الأسد، وقتل يَوْم اليرموك بالشام. ومن ولد سُفْيَان بْن عَبْدِ الأسد: مُحَمَّد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي سَلَمَةَ بْن سُفْيَان بْن عَبْدِ الأسد، استقضاه مُوسَى الهادي عَلَى مَكَّة، وَكَانَ الأوقص المخزومي استخلفه عَلَى القضاء حين تُوُفِّيَ، فأقره مُوسَى عَلَى القضاء، واستقضاه هَارُون الرشيد أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو اليقظان: سرقت ابنة لسفيان بْن عَبْدِ الأسد عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقطعها وكلموه فِي ذَلِكَ فَقَالَ: [ «لو كَانَتْ فاطمة بِنْت مُحَمَّد لقطعتها» .]

وولد عبيد بن عمر بن مخزوم:

وقال معن بن أوس المزني فِي نخل لَهُ: لعمري مَا نخلي بحال مضيعة ... وَلا ربها إن غاب عَنْهَا بخائف فإن لها جارين لن يغدرا بِهَا ... ربيب النَّبِيّ وَابْن خير الخلائف يعني بربيب النَّبِيّ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْد الأسد، وبابن خير الخلائف عَاصِم بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر الصديق. وَقَالَ مصعب الزُّبَيْرِيّ: كَانَ عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طالب قَالَ لعاصم بْن عُمَرَ: امض بنا إِلَى مصعب نستحذيه من مال العراق، فأعطى عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر أربعين ألف دينار، وأعطى عاصما عشرين ألف دينار، وإنما حكم عاصما فاحتكم فاشترى بِهَا عَاصِم صدقته بالأكحل [1] ، وكانت قبله لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْر، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ لمصعب: مَا بالك لم تحكمني كما حكمت عاصما؟ فَقَالَ: خفت أن تحربني أَوْ تنحلني. فَقَالَ: لو فعلت لفعلت. ومن ولد الأسود بْن سُفْيَان بْن عَبْدِ الأسد: رزق، وأمه أم حبيب بِنْت الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وولد عبيد بْن عُمَرَ بْن مخزوم: الْحَارِث بْن عبيد، وأمه كنود بِنْت الْحَارِث من بني تيم الأدرم بْن غالب بْن فهر. فولد الْحَارِث بْن عبيد: حنطب بْن الْحَارِث، وأمه من بني أسد بْن خزيمة. فولد حنطب بْن الْحَارِث: المطلب بْن حنطب بْن الحارث بْن عُبَيْد،

_ [1] الأكحل: من توابع المدينة ومخاليفها قريبا من النقيع خارج المدينة. المغانم المطابة.

الحكم الجواد بن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم.

أسر يَوْم بدر، وأمه مخزومية، وَكَانَ آخر من بقي بالمدينة، فكان يعمل فِي حائط لأبي أَيُّوب الأَنْصَارِيّ حَتَّى فدي. ومن ولد المطلب بْن حنطب: الحكم الجواد بْن المطلب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب بْن الْحَارِث بْن عُبَيْد بْن عُمَر بْن مخزوم. حَدَّثَنِي مشايخ من أهل منبج منهم مزاحم الكاتب قَالَ: نزل الحكم الجواد بْن المطلب منبج، فكان أهلها يقولون: أغنى فقراءنا وَلا مال لَهُ يومئذ، كَانَ متزهدا، قيل وكيف ذَلِكَ؟ قالوا: حضّنا على التبارّ والتعاطف والتآسي، فأفضل غنينا عَلَى فقيرنا حَتَّى استغنى. وسأله رجل حملانا إِلَى الثغر فأعطاه فرسا من فرسين كانا لَهُ. وفي الحكم يَقُول ابْن هرمة: لا عيب فيك يعاب إِلا أنني ... أمسي عليك من المنون شفيقا إن القرابة منك يأمل أهلها ... صلة وتأمل جفوة وعقوقا [1] وَقَالَ أَيْضًا: رأيت الإله كفاني الَّذِي ... يهم وشيب بني المطلب قضوا لِي بلا خلف حاجتي ... أَلا مثل سائلهم لم يخب [2] ولزم رجلا من وجوه قُرَيْش دين، وَكَانَ لَهُ مال من نخل وزرع، فخاف أن يباع عَلَيْهِ فشخص مِنَ الْمَدِينَةِ يريد خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري فِي العراق، وَكَانَ خَالِد يبر من قدم عَلَيْهِ من قريش، وأعدّ لخالد هدية من

_ [1] ديوان ابن هرمة ص 149- البيت الأول فقط. [2] ليسا في ديوان ابن هرمة المطبوع.

طرف الْمَدِينَة، فلما صار بفيد وجد بِهَا الحكم بْن المطلب وَهُوَ عَلَى سعاية الْمَدِينَة والحجاز وبعض نجد، فأتاه فلما رآه قام إِلَيْهِ وأجلسه عَلَى فراشه وسأله عَن مقدمه فشرح لَهُ قصته ثُمَّ قَالَ لَهُ: إني لم أتلقاك ولكني أشيعك إِلَى منزلك، فلما دخل منزل القرشي رأى تلك الهدايا فَقَالَ: لمن هَذِهِ؟ فقدمت إِلَيْهِ فأكل مِنْهَا، وَقَالَ القرشي لغلمانه: احملوا إِلَى منزله فحملت، ثُمَّ قَالَ: ههنا مال من مال الصدقات وأنت غارم فأنت أحق بِهِ فأعطاه ذَلِكَ المال وَهُوَ أربعة آلاف دينار، وإنما كَانَ دينه قريبا من ثلاثة آلاف دينار، وَقَالَ لَهُ الحكم: قد قرب اللَّه عليك الخطوة فانكفأ القرشي راجعا وشيعه الحكم، فلما أراد مفارقته قَالَ لَهُ: إن زوجتك تسألك عَن طرائف العراق، وهذه خمسمائة دينار، وكانت مَعَهُ فِي صرة، فأعطاه إياها عوضا عن هدية العراق. ولما عزل عن السعاية أخذ بالحساب وَقَالَ لَهُ الَّذِي ولاه: أين الأبل والغنم؟ قَالَ: أكلنا لحومها بالخبز وأطعمناها. قَالَ: فأين الدنانير والدراهم؟ قَالَ: اعتقدنا بِهَا الأيادي، وقضينا الحقوق، فأمر بِهِ فحبس، فَقَالَ بعض شعراء الأنصار: خليلي إن الجود فِي السجن فابكيا ... عَلَى الجود إذ سدت علينا طرائقه ترى عارض المعروف كل عشية ... وكل ضحى يستن فِي السجن بارقه فأعطاه ثلاثة آلاف درهم وَهُوَ محبوس. وَكَانَ قد هوي جارية نفيسة فاشتراها بمال عظيم، فلما أراد أن يدخل عَلَيْهَا لبس ثيابا سرية، ودخل عَلَى أَبِيهِ ليدعو لَهُ بالبركة فَقَالَ: أقسمت عليك يَا بني لما وهبت الجارية لأخيك الْحَارِث بْن المطلب، وَكَانَ أبوه يحب

الحارث بن المطلب

الْحَارِث بْن المطلب حبا شديدا، فوهبها لَهُ وخلع عَلَيْهِ الثياب الَّتِي كَانَ لبسها، فَقَالَ الْحَارِث نشدتك اللَّه لما رددت الجارية إِلَى منزلك ولبست ثيابك، فَقَالَ: هِيَ حرة إن أنت لم تقبلها فصارت له. [الحارث بن المطلب] ومات الْحَارِث بْن المطلب قبل أَبِيهِ، فنظر إلى مضجعه بعد حول فَقَالَ: هَذَا مضجع ابني الْحَارِث وشهق شهقة خرجت معها نفسه: ولما تنسك الحكم كَانَ يعلق اللحم بيده إِلَى منزله تواضعا، ومات الحكم بمنبج وبها دفن، فَقَالَ الراتجي يرثيه: ماذا بمنبج أمسى فِي مقابرها ... من التهدم بالمعروف والكرم سألوا عَن الجود والمعروف مَا فعلا ... فقلت إنهما ماتا مَعَ الحكم ماتا مَعَ السيد الموفي بذمته ... قبل السؤال إذا لم يوف بالذمم قَالُوا: وانقطع شسع نعل الحكم فطرحها فأخذها بعضهم فأصلحها وأتاه بِهَا، فوهب لَهُ ثلاثين دينارا وَقَالَ: خذ النعل فهي لك. [عبد العزيز بن المطلب] وَكَانَ عَبْد الْعَزِيزِ بْن المطلب أخو الحكم، والحارث ابني المطلب، ويكنى أبا المطلب، قاضيا عَلَى الْمَدِينَة لأمير الْمُؤْمِنِينَ أَبِي جَعْفَر المنصور، وعَبْد الْعَزِيزِ الَّذِي يَقُول: ذهبت وجوه عشيرتي فتخرموا ... وبقيت بعدهم لشر زمان أبغي الأنيس فما أرى من مؤنس ... لم يبق لِي سكنا من السكان وَكَانَ عَبْد الْعَزِيزِ بْن المطلب تزوج امْرَأَة قد تزوجها قبله أربعة، فلما مرض قَالَت: من لِي بعدك يَا سيدي؟ قَالَ: السادس الشقي. وَكَانَ عَبْد الْعَزِيزِ رديء العين، فكان لا يكاد يرفع طرفه، وَكَانَ يَقُول: كَانَ أخي الْحَارِث عليل العين وَكَانَ يكحل، فيقال اكتحل مَعَ أخيك، فأفسدت عيني.

وقضى عَبْد الْعَزِيزِ بقضية عَلَى مُحَمَّد بْن لوط بْن الْمُغِيرَةِ بْن نَوْفَل بْن الْحَارِث بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ مُحَمَّد: لعنك اللَّه ولعن من ولاك، فَقَالَ: لعنت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّه الحميد لأوجعنك ضربا، برزوه، فبرز ليضرب فَقَالَ: وَاللَّه لئن ضربتني سوطا لتضربن مكانه سوطين، فَقَالَ لجلسائه: إنما يريد أن يحردني لأضربه فتقول قُرَيْش: أنت جلاد أهلك، لا وكرامة لا أضربك، خلوا سبيله فشكره مُحَمَّد بْن لوط وَقَالَ: مَا سمعت بكرامة فِي موضع قط أحسن مِنْهَا فِي هَذَا الموضع، وسكن عَبْد الْعَزِيزِ عَنْهُ. وَكَانَ عَبْد الْعَزِيزِ حديدا قضى عَلَى حسين بْن زَيْد بْن علي، فَقَالَ حسين: هَذَا قضاء يرد عَلَى استه فحك عَبْد الْعَزِيزِ لحيته حردا، وَقَالَ: وَاللَّه العظيم لقد أغلظ لِي وَمَا أراد إِلا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لأن قضائي قضاؤه، وَاللَّه لأضربنه حَتَّى يسيل دمه ولأحبسنه حَتَّى يكون أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المخرج لَهُ، فَقَالَ حسين: أَوْ تعفو عني وتصل رحمي؟ فَقَالَ: خلوا عَنْهُ. وخاصم إِلَيْهِ بعض ولد أَبِي بَكْر الصديق، فقضى عَلَيْهِ، وأمر بِهِ إِلَى الحبس، فبلغ ذَلِكَ أباه، فاستأذن عَلَى عَبْد الْعَزِيزِ، فبعث عَبْد الْعَزِيزِ إِلَيْهِ: أنا غضبان وأنت غضبان وَلا أحب أن يلتقي غضبانين، وقد عرفت مَا جئت لَهُ وأمرت بإخراج ابنك من الحبس. وفي عَبْد الْعَزِيزِ يَقُول الشاعر: إذا قيل من للعدل والحلم والتقى ... أشارت إِلَى عَبْد الْعَزِيزِ الأصابع أشارت إِلَى حر المحامد لم يكن ... ليدفعه عَن غاية المجد دافع وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الواقدي قَالَ: كَانَتِ ام المطلب بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب بْن حنطب أم سَلَمَة بِنْت الحكم بْن أَبِي العاص بْن أمية،

وولد عامر بن مخزوم:

فوفد إِلَى هِشَام بْن عَبْدِ الملك بهذه الخؤولة فقضى عَنْهُ سبعة عشر ألف دينار من مال الصدقات، والبئر الَّتِي عَلَى طريق العراق تنسب إِلَى المطلب، هِيَ بئره. وولد عامر بْن مخزوم: هرمي وأمه خديجة بِنْت الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص، وعنكثة بْن عامر وأمه غنى بِنْت عَمْرو، من تيم الأدرم. فمن ولد عامر بْن مخزوم: شماس بْن عُثْمَان بْن الشريد بْن سويد بْن هرمي، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وأمه صفية بِنْت رَبِيعَة بْن عَبْدِ شمس، واستشهد يَوْم أحد، وَقَالَ بعضهم يَوْم بدر، يعرف بابن ساقي العسل، وَكَانَ هرمي بْن عامر يسقي النَّاس العسل بِمَكَّةَ، وَكَانَ اسم شماس عُثْمَان، ويكنى أبا المقدام، وقتل وله أربع وثلاثون سنة وَلا عقب لَهُ. ومنهم سَعِيد بْن يربوع بْن عنكثة بْن عامر، كَانَ من المؤلفة قلوبهم، وعاش مائة وعشرين سنة، وشهد يَوْم حنين فأعطاه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة من الإبل، وَكَانَ يكنى أبا هوذ، باسم ابْن لَهُ، ومات فِي سنة أربع وخمسين، وَكَانَ استأذن عمر فِي الغزو فلم يأذن لَهُ وَقَالَ: لم يبق من أهل بيتك غيرك، ووهب لَهُ جارية فأولدها. وَقَالَ الشاعر: ويربوع بْن عنكثة بْن أرض ... وأعتقه هبيرة بعد حين يعني هبيرة بْن أَبِي وهب، وَكَانَ مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ نسابه خبيث اللسان، فنفى آل يَزِيد بْن يربوع بْن عنكثة فجلد الحد.

وولد عمران بن مخزوم:

ومنهم أم مكتوم، وَهِيَ عاتكة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عنكثة بْن عامر بْن مخزوم، وَهِيَ أم الأعمى الَّذِي يعرف بابن أم مكتوم. ومنهم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَعِيد بْن يربوع، ويكنى أبا مُحَمَّد، وَكَانَ فقيها صالحا وتوفي فِي سنة تسع ومائة. ومنهم عَبْد الْمَلِكِ بْن عبيد بْن سَعِيد بْن يربوع، كَانَ فقيها، ويكنى أبا المسور. وولد عمران بْن مخزوم: عائذ بْن عمران، بذال معجمة، وعبد بْن عمران لا عقب لَهُ، وأمهما تخمر بِنْت قصي بْن كلاب بْن مرة. فمن بني عائذ: فاطمة بِنْت عَمْرو بْن عائذ أم أَبِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [سعيد بن المسيب بن حزن بْن أَبِي وهب بْن عَمْرِو بْنِ عائذ بن عمران بن مخزوم] ومنهم حزن بْن أَبِي وهب بْن عَمْرِو بْنِ عائذ وأم حزن مارية الهموم، وَكَانَ يقال فِيهَا وَهِيَ أَيْضًا أم هبار بْن الأسود من بني عَبْد العزى بْن قصي، ورمى عقيل بْن أَبِي طالب أم المسيب بْن حزن بما رماها بِهِ حين شهد لَهُ مخرمة، وقد ذكرنا ذَلِكَ فِي نسب بني زهرة. قَالُوا: وأتى حزن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «أنت سهل؟ فَقَالَ: بل أنا حزن، فَقَالَ: أنت سهل فَقَالَ: أنا حزن فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأنت حزن» . قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ: فمازلت أعرف تلك الحزونة فينا، وكان سعيد شرسا سيئ الخلق. فولد حزن بْن الْمُسَيِّبِ أبا سَعِيد، وَكَانَ يتجر بالزيت، فكان سَعِيد لا يكلمه حَتَّى مات، وأم سَعِيد سلمية.

وَقَالَ الشاعر: أَلا يَا حزن أقصر عَن فخار ... فقد أخزتك مارية الهموم وقيل لسعيد بْن الْمُسَيِّبِ يَوْم الحرة: بايع ليزيد عَلَى أنك عبد قن فَقَالَ: أنا أبايع عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه وسيرة أَبِي بَكْر وعمر، وعلى أني ابْن عمه، فأراد مسلم بن عقبة قتله، فشهد له قوم أنه مجنون، فخلى سبيله. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ عظيم القدر عند النَّاس لخلال، ورع يابس، وكلام للسلطان بالحق، وعلم بارع من رواية، ورأي صليب، وكانت فِيهِ عزة لا يكاد يراجع إِلا محك. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: مَا كنت أقدر عَلَى مواجهته بمسألة حَتَّى أقول: قَالَ فلان: كَذَا، وَقَالَ فلان: كَذَا فيجيب حينئذ ويقول مَا عنده. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الهذلي قَالَ: سمعت سُلَيْمَان بْن يسار يَقُول: سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ فقيه النَّاس، وسمعت سَعِيد يَقُول للسائل إذا سأله عَن شَيْء: اذهب إِلَى سُلَيْمَان بْن يسار مولى ميمونة، فإنه أعلم من بقي الْيَوْم [1] . قَالُوا: وَكَانَ الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن البصري لا يدع شَيْئًا فعله وَقَالَ بِهِ حَتَّى يأتيه عَن سَعِيد خلافه فيأخذ بقول سَعِيد. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ أَبُو مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب أنه قَالَ: سُلَيْمَان بْن يسار أفهم عندنا من ابْن الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: نزع ابْن الزُّبَيْر عَبْد الرَّحْمَنِ بن محمد بن الأشعث عن

_ [1] انظر طبقات ابن سعد ج 5 ص 119- 122.

الْمَدِينَة فِي سنة ثمان وستين وولى جابر بْن الأسود بْن عَوْفٍ، فضرب سعيدا ستين سوطا فِي بيعة ابْن الزُّبَيْر، فَقَالَ والسياط تأخذه: والله مارغت عَن الكتاب، يَقُول اللَّه: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) [1] فنكحت الخامسة فِي عدة الرابعة، فكتب إِلَيْهِ ابْن الزُّبَيْر يلومه وَقَالَ: مَا لنا ولابن المسيب، تثور علينا صوتا نعارا [2] . حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزناد عمن أخبره أن سعيدا أنشد بين القبر والمنبر ثلاثة أبيات للزبير بن عبد المطلب وهي: وكاس لو تبين لها كلاما ... إذا قَالَت أَلا لهم استبيت أهنت لشربها نفسي ومالي ... فآبوا حامدين وَمَا زريت تبين لك القذى إن كَانَ فيها ... بعيد النوم شاربها هبيت [3] وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْد الله بن جعفر عن حبيب بن نفيع قال: جلست إلى سعيد بن المسيب يوما والمسجد خال، فجاءه رجل فَقَالَ: يَا أبا مُحَمَّد إني رأيت فِي النوم كأني أخذت عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان فوتدت فِي ظهره أربعة أوتاد، قَالَ: مَا أنت رأيت ذَلِكَ، فأخبرني من رآه، قَالَ أرسلني إِلَيْك ابْن الزبير بهذه الرؤيا لتعبرها، فقال: إن صدقت الرؤيا قتل عَبْد الْمَلِكِ عَبْد اللَّهِ بْن الزبير، وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة، قَالَ: فرحلت إِلَى عَبْد الْمَلِكِ فدخلت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الخضراء فأخبرته

_ [1] سورة النساء- الاية: 3. [2] انظر طبقات ابن سعد ج 5 ص 123، فالرواية أوضح، لأن الذي تزوج هو جابر. [3] الهبيت: الجبان الذاهب العقل. القاموس. ولم يرد الخبر في كتاب نسب قريش للمصعب.

الخبر فسر بِهِ، وسألني عَن سَعِيد بْن المسيب وحاله، وسألني عن ديني فقلت أربعمائة دينار فأمر لي بأربعمائة دينار من ساعته وبمائة دينار أُخْرَى وحملني طعاما وزيتا وكسى ثُمَّ رجعت إِلَى الْمَدِينَة. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أنه قَالَ: الغيبة توأم الحسد وليسا من أخلاق الكرماء ولا الصلحاء. وقال الْوَاقِدِيُّ: حج الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك سنة تسع وسبعين فأرسل إِلَى سَعِيد يسأله فأمره أن يحرم من البيداء [1] فأحرم من البيداء. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ضرب هِشَام بْن إِسْمَاعِيل المخزومي في سنة ست وثمانين سعيد بن المسيب ستين سوطا وطاف بِهِ فِي تبان من شعر حَتَّى بلغ بِهِ رأس الثنية، فلما كروا بِهِ قَالَ: أين تكرون بي؟ قَالُوا: إلى السجن، قال: والله لولا إني ظننته الصلب ما لبست هذا التبان أبدا، فرده إِلَى السجن وكتب إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بامتناعه من البيعة للوليد وخلافه عَلَيْهِ، فكتب إِلَيْهِ يلومه فيما صنع، ويقول: سَعِيد وَاللَّه أحوج إِلَى أن نصل رحمه من أن نضربه، وإنا لنعلم أنه ليس عند سَعِيد شقاق وَلا خلاف، وَلا هُوَ ممن يخاف عَلَى مكروه، وَكَانَ الَّذِي دخل عَلَى عَبْد الْمَلِكِ بكتاب هِشَام بْن إِسْمَاعِيل عامله عَلَى الْمَدِينَة فِي أمر سَعِيد قَبِيصَة بْن ذؤيب، وَكَانَ عَلَى السكة والخاتم والأخبار. وَقَالَ قَبِيصَة: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كيف يفتات عليك هِشَام بمثل هَذَا ويضرب ابْن الْمُسَيِّبِ ويطوف بِهِ ويقيمه، والله لا يكون سعيد أبدا أمحك

_ [1] البيداء: اسم لأرض ملساء بين مكة والمدينة، وهي إلى مكة أقرب، تعد من الشرف أمام ذي الحليفة. معجم البلدان.

وَلا ألج منه حين فعل بِهِ هَذَا، وسعيد ممن لا يخاف فتقه وغوائله عَلَى الإِسْلام وأهله، وَهُوَ من أهل الجماعة، فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: اكتب كتابا منك إِلَى سَعِيد تخبره برأيي فِيهِ وكراهتي مَا صنع بِهِ، وأن هشاما قد خالف رأيي فيما كَانَ منه إِلَيْهِ، فكتب قَبِيصَة بِذَلِكَ، فَقَالَ سَعِيد حين قرا هَذَا الكتاب: اللَّه بيني وبين من ظلمني، وكتب عَبْد الْمَلِكِ إِلَى هِشَام يعنفه عَلَى مَا كَانَ منه، ويأمره بإكرام سَعِيد والوصاة به وبحفظه. قَالُوا: ولما ضرب هِشَام بْن إِسْمَاعِيل سعيدا أقامه فِي سوق الطعام، فمرت بِهِ امْرَأَة فَقَالَتْ: لقد أقمت يَا شيخ مقام خزي. فَقَالَ: من مقام الخزي فررت. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي سلم مولى بني مخزوم قَالَ: صنعت ابنة سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ طعاما كثيرا حين حبس وبعثت بِهِ إِلَيْهِ، فلما جاءه الطعام دعاني فَقَالَ لِي: اذهب إِلَى ابنتي فقل لها: لا تعودي لمثل هَذَا فإن هشاما إنما يريد أن يذهب بمالي فأحتاج إِلَى مَا فِي أيديهم، ولست أدري مَا مدة حبسي، وانظري القوت الَّذِي كنت آكله فِي بيتي فابعثي بِهِ إلي، فكانت تبعث بِذَلِكَ لا تتجاوزه، وَكَانَ سَعِيد يصوم الدهر. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن يَزِيدَ الهذلي قَالَ: دخلت عَلَى سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ فِي السجن، وقد ذبحت لَهُ شاة وجعل إهابها عَلَى ظهره ثُمَّ جعلوا لَهُ بعده قصبا رطبا يضطجع عَلَيْهِ ويقولون: يذهب بالأثر، فكان كلما نظر إِلَى عضديه قَالَ: اللَّهُمَّ انصرني عَلَى هِشَام، فلما كَانَتْ سنة تسع وثمانين مات عَبْد الْمَلِكِ وولي الْوَليِد وَكَانَ سيئ الرأي فِي هِشَام بْن إِسْمَاعِيل فعزله عَن المدينة وأمر أن يوقف للناس، فدعا سعيد ولده ومواليه،

فَقَالَ إن هَذَا الرجل قد وقف للناس فلا يتعرضنّ له أحد ولا يؤنبنّه بكلمة، فقد تركنا مجازاته لله وللرحم، وإن كَانَ مَا علمته لسيء النظر لنفسه، فاما كلامه فلا أكلمه أَبَدًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن محمد بن عبد اللَّهِ الزُّهْرِيّ عَنِ ابْنِ شهاب الزُّهْرِيّ قَالَ: سمعت سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ يَقُول، وقيل لَهُ: هَذَا هِشَام بْن إِسْمَاعِيل موقوف للناس: اللَّه بيني وبينه، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد ابنه: خل بيننا وبينه، فَقَالَ لَهُ سَعِيد: لا تعرض لَهُ فإنك إن فعلت لم أكلمك أبدا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وأرسل هِشَام بْن إِسْمَاعِيل إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ المخزومي: اكفني ابْن الْمُسَيِّبِ فإنه رجل حاله عند النَّاس عَلَى مَا علمت، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لن يأتيك منه شَيْء تكرهه أبدا، قَالَ: إنه حقود. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أما الحقد فهو فِيهِ، وَالَّذِي صنعت بِهِ غير خارج من نفسه أبدا ولكنه لن يعرض لك وَلا لأحد منك بسبيل فكان كَذَلِكَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وكلم هِشَام بْن عَبْدِ الملك الْوَليِد فِي هِشَام بْن إِسْمَاعِيل وَهُوَ جده أَبُو أمه فانتهره وأغلظ لَهُ، ثُمَّ أجابه بعد فصفح عَنْهُ، وحج الْوَليِد وَهُوَ خليفة سنة إحدى وتسعين فأتاه أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بذي خشب، وقد كف بصره، فَقَالَ لَهُ: قد غمني عناؤك عَلَى حالك هَذِهِ، فَقَالَ: إن تبرّني يا أمير المؤمنين فقد كَانَ أبوك يبرني، فَقَالَ: إنما أقبل وصية أَبِي فيك، ولقد سمعته يَقُول: لربما أردت بأهل الْمَدِينَة سوءا فما يمنعني منه إِلا الحياء من أَبِي بَكْر. ودخل المسجد ومعه عمر بْن عَبْدِ العزيز فجعل ينظر إِلَى بنائه، وقد أخرج النَّاس من المسجد فما بقي أحد إِلا سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، وذلك أن

الحرس تهيبوا إخراجه إكراما له ولم يجترؤوا عَلَيْهِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ إِلا ريطتان [1] لا يساويان خمسة دراهم وَهُوَ فِي مصلاه، فقيل لَهُ: لو قمت. فَقَالَ: وَاللَّه لا أقوم حَتَّى يأتي الوقت الَّذِي كنت أقوم فِيهِ، قيل: فلو سلمت عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: وَاللَّه لا أقوم إِلَيْهِ. قَالَ عمر بْن عَبْدِ العزيز: فجعلت أعدل بالوليد فِي ناحية المسجد حَتَّى لا يرى سعيد حَتَّى يقوم، فحانت من الْوَليِد نظرة إِلَى القبلة فَقَالَ: مَا ذاك الجالس؟ أهو الشيخ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ؟ فجعل عمر يَقُول: يَا أَمِير المؤمنين من حاله وأمره، ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك لأنه ضعيف البصر، فَقَالَ الْوَليِد: قد علمت حاله، ونحن نأتيه فنسلم عَلَيْهِ، فدار فِي المسجد ثُمَّ وقف عَلَى سَعِيد فَقَالَ: كيف أنت أيها الشيخ؟ فو الله مَا تحرك لَهُ وَلا قام، فَقَالَ: بخير يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ والحمد لله، فكيف أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وكيف حاله، فَقَالَ الْوَليِد: بخير حال والحمد لله، فانصرف وهو يقول لعمر: هذا بقية النَّاس، فَقَالَ عمر: أجل يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ عمر بْن عَبْدِ العزيز فِي شَيْء: إن الَّذِي سخر الْوَليِد فِي تجبره وعتوه حَتَّى جاء يمشي إِلَى ابْن الْمُسَيِّبِ فسلم عَلَيْهِ قادر عَلَى أن يسهل هَذَا الأمر، وَقَالَ عمر فِي شَيْء حلف عَلَيْهِ: لا وَالَّذِي صرف عَنِ ابْنِ المسيب شر الْوَليِد، وسخره لَهُ مَا كَانَ كَذَا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ومات سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ فِي سنة أربع وتسعين وَهُوَ ابْن خمس وسبعين، ومات عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب عليهم السلام

_ [1] الريطة: كل ملاءة غير ذات لفقين كلها نسج واحد، وقطعة واحدة، أو كل ثوب لين رقيق. القاموس.

فِي أول السنة بالمدينة، ثُمَّ مات سَعِيد بعده، ثُمَّ مات عروة بْن الزُّبَيْر، ومات فِي هَذِهِ السنة أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام، فسميت سنة أربع وتسعين سنة الفقهاء. وقيل لسعيد بْن الْمُسَيِّبِ حين مات عَلِيّ بْن الْحُسَيْن: أَلا تشهد هَذَا الرجل الصالح فِي البيت الصالح؟ فَقَالَ سَعِيد: صلاة ركعتين أحب إلي من أن أشهد هَذَا الرجل الصالح فِي البيت الصالح. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فخرج سُلَيْمَان بْن يسار فصلى عليه، وقال: شهادة جنازته أحب إلي من صلاة تطوع فغمز سعيدا فِي ذَلِكَ. قَالُوا وَكَانَ سَعِيد يصلي خلف هِشَام بْن إِسْمَاعِيل بعد ضربه إياه لا يفوته بسجود وَلا ركوع. وَقَالَ ابْن أَبِي الزناد: سئل سَعِيد عَنْ حَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مريض، فَقَالَ: اجلسوني فإني اكره أن أحدث بحديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطجع. وَقَالَ سَعِيد: مَا لقيت المنصرفين من الجمعة مذ أربعون سنة، يَقُول أمضي فأدرك الخطبة والصلاة. قَالَ: وتوفي سَعِيد وَهُوَ ابْن خمس وسبعين سنة، وكانت ابنة أَبِي هريرة عنده. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي ذئب عن أبي الحويرث أنه شهد مُحَمَّد بْن جبير بْن مطعم يستفتي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عن الواقدي عن هشام بن سعد عن الزُّهْرِيّ أنه سئل عَن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: أخذ علمه من زَيْد بْن ثَابِت، وجالس

ابْن عَبَّاس، وَابْن عُمَرَ، وسَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَانَ يدخل عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة وأم سَلَمَة، وسمع عُثْمَان بْن عَفَّان، وعليا، وصهيبا، وَمُحَمَّد بْن مسلمة، وجل روايته المسنده عَن أَبِي هريرة، وَكَانَ زوج ابنته، وسمع من أصحاب عمر وَكَانَ يقال: ليس أحد أعلم بما قضى عمر وعثمان مِنْهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا قدامة بْن مُوسَى الجمحي قَالَ: كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ يفتي وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحياء. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا الأسود بْن عامر، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْد عَن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: بلغت ثمانين سنة وإن أخوف مَا أخاف علي النساء. حَدَّثَنَا ابْن أَبِي شَيْبَةَ عَن يَحْيَى بْن أَبِي بَكْرٍ عَن شُعْبَة قَالَ: تُوُفِّيَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ سنة ثلاث وتسعين. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَن معمر عَن قَتَادَة عَن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: ولدت لسنتين مضتا من أيام عمر. حَدَّثَنَا وهب بْن بقية وَمُحَمَّد بْن سَعْد قَالا ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَن همام عَن قَتَادَة قَالَ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَن وسعيد بْن الْمُسَيِّبِ عَن بدري مشافهة إِلا سَعِيد عَن سَعِيد. حَدَّثَنَا وهب بْن بقية وَمُحَمَّد بْن سَعْد قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا مسعر بْن كدام عَن سَعْد بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فما بقي أحد أعلم بكل قضاء قضاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بكر وعمر مني، قَالَ يَزِيد: وأحسبه قَالَ وعثمان ومعاوية.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن جارية بْن أَبِي عمران عَن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حبان أنه قَالَ: رأس أهل الْمَدِينَة فِي دهره والمقدم عَلَيْهِم فِي الفتوى سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، وَكَانَ يقال لَهُ فقيه الفقهاء. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَن إِسْمَاعِيل بْن أمية قَالَ: قَالَ مكحول: مَا حدثتكم بِهِ فهو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ والشعبي. حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوب الرَّقِّيّ المعلم، ثنا عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر عَن أَبِي الْمَلِيحِ عَن مَيْمُونِ بْن مِهْرَانَ قَالَ: قدمت الْمَدِينَة فسألت عَن أفقه أهلها فدفعت إِلَى سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ بمثله. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العزيز التنوخي قَالَ: سألت مكحولا من أعلم من لقيت؟ قَالَ: سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ [1] . حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ مالك بن أنس قَالَ: سئل الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَن مسألة فقيل لَهُ إن ابْن الْمُسَيِّبِ يَقُول فِيهَا كَذَا فَقَالَ الْقَاسِم: ذَلِكَ سيدنا وعالمنا وحبرنا. وَحَدَّثَنِي مصعب، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي ذئب عمن شهد مُحَمَّد بْن جبير بْن مطعم يستفتي سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو مروان عَن أَبِي جَعْفَر قَالَ: سمعت أَبِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن يَقُول: سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ أعلم النَّاس بما تقدمه من الآثار وأفقهم في رأيه.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 120- 122.

سمعت هِشَام بْن عمار يَقُول: حَدَّثَنَا مالك قَالَ: بلغنا أن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: كنت أسير الأيام والليالي فِي طلب الحديث الواحد. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيّ: سمعت سُلَيْمَان بْن يسار يَقُول: كنت وسعيد بْن الْمُسَيِّبِ، وقبيصة بْن ذؤيب نجالس ابْن عَبَّاس، فأما أَبُو هريرة فكان سَعِيد أعلمنا بمستنداته لصهره، كَانَ عَلَى ابنته. قَالَ: وَقَالَ بكير بْن عَبْدِ اللَّهِ الأشج: كَانَ جل مَا أخذه سَعِيد عَن زَيْد بْن ثَابِت، وَكَانَ إذا حكي لَهُ عَن بعضهم شَيْء ينكره قَالَ: فأين زَيْد بْن ثَابِت عَن هَذَا، وزيد أعلم النَّاس بما تقدمه من قضاء وأبصرهم بما يرد عَلَيْهِ مما لم يسمع فِيهِ بشيء، ثُمَّ يَقُول سَعِيد: لا أعلم لزيد قولا لا يعمل بِهِ فِي شرق وغرب، وإن غيره لتروى عَنْهُ أشياء لا يعمل أحد بها فيما علمنا. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أنه قَالَ: من الحزم انتهاز الفرص وَلا فرصة إِلا فيما كَانَ لله رضى. حَدَّثَنِي العمري عَن الْهَيْثَم بْن عدي عَنِ المجالد عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: وَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنة أم قرفة الفزارية لحزن بن أَبِي وهب، واسم أَبِي وهب حُذَيْفَة وَقَالَ: ادفعوها إِلَى خالي. وَكَانَ مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ خبيث اللسان، عالما بالنسب، وَكَانَ ابنه عمران بْن مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيد عَلَى مثل ذَلِكَ، فاستعدي عَلَيْهِ عَبْد الْعَزِيزِ بْن المطلب بْن عَبْد اللَّهِ بْن المطلب بْن حنطب المخزومي قاضي المنصور فِي بعض الأمور، فقضى عَلَيْهِ وأمر بِهِ إِلَى الحبس، وَكَانَ جد عَبْد الْعَزِيزِ وَهُوَ المطلب بْن حنطب أسر يَوْم بدر، أسره أَبُو أَيُّوب الأَنْصَارِيّ، فكان يعمل

وهبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ الشاعر

فِي حائط لأبي أَيُّوب حَتَّى فدي، فَقَالَ عمران حين أمر بِهِ إِلَى الحبس: أين أحبس؟ فِي حائط أَبِي أَيُّوب؟ فَقَالَ: ردوه وخلوه فقد علمت مَا أراد. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: ومن بني عمران بْن مخزوم: حاجز، وعويمر ابنا السائب بْن عويمر بْن عائذ بْن عمران قتلا يَوْم بدر كافرين، وبعض الرواة يَقُول: جابر وعويمر، وبجاد بْن السائب أخوهما قتل بأبي أزيهر باليمامة، وعائذ بْن السائب أخوهما أسر يَوْم بدر، وهبيرة بْن أَبِي وهب بْن عَمْرِو بْنِ عائذ الشاعر وَكَانَ من الفرسان، وَكَانَ أحد من يؤذي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قتل فِي قول بعضهم يَوْم الخندق، وقيل بل بقي إِلَى الفتح فهرب إِلَى اليمن فمات بِهَا كافرا، وَهُوَ الثبت، وَكَانَ عنده أم هَانِئ بِنْت أَبِي طالب فخطبها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد هبيرة فَقَالَتْ: وَاللَّه لقد كنت أحبك فِي الجاهلية فكيف فِي الإِسْلام؟ ولكني مصبية، فأكره أن يؤذيك صبياني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «خير نساء ركبن المطايا نساء قُرَيْش، أحناه عَلَى ولد فِي صغر وأرعاه عَلَى زوج فِي ذات يده» ] . وولدت أم هَانِئ لهبيرة بْن أَبِي وهب: جعدة بْن هبيرة، ولاه عَلِيّ بْن أَبِي طالب خراسان فالتاث عَلَيْهِ أمرها، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن جعدة بْن هبيرة مَعَ سَعِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان فأثر أثرا جميلا، فَقَالَ الشاعر: لولا ابْن جعدة لم يفتح قهندزكم [1] ... وَلا خراسان حَتَّى نفخة الصور وَكَانَ يَحْيَى بْن جعدة بْن هبيرة من رجال قُرَيْش، قتله بهدل ومروان الطائيان اللصان، والسمهري العكلي فويق الثعلبية [2] ، وَهُوَ خارج من

_ [1] قهندز: اسم الحصن أو القلعة في وسط المدينة في خراسان. معجم البلدان. [2] الثعلبية: من منازل طريق مكة من الكوفة. معجم البلدان.

ومن ولد جعدة بن هبيرة: سعيد بن عمرو بن جعدة:

العراق، فطلب عقيل بْن جعدة بدمه فحبس لَهُ بهدل ومروان بالمدينة، ثُمَّ قتلا، ولم يقتدر عَلَى السمهري ثُمَّ إنه حبس بالمدينة فِي جناية أُخْرَى، وأفلت وجعل آل جعدة فِيهِ جعلا رغيبا فعرفته امْرَأَة بصحراء منعج [1] فقالت لأخيها وغلام كَانَ معهم من بني عمهم: هَذَا وَاللَّه السمهري فأخذ وجعل للمرأة، فلما قدم بالسمهري الْمَدِينَة حبس فَقَالَ: سيرضي الَّتِي قَالَت بصحراء منعج ... لِي الشرك يَا بني فايد بْن حبيب ويضرب فِي لحمي بسهم ولم يكن ... لها فِي دماء الْمُسْلِمِينَ نصيب وكانت أم الْحَسَن بِنْت علي عند جعدة بْن هبيرة ثُمَّ خلف عَلَيْهَا جَعْفَر بْن عقيل، فقتل عَنْهَا بالطائف، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. ومن ولد جعدة بْن هبيرة: سَعِيد بْن عَمْرِو بْنِ جعدة: وَكَانَ قدم البصرة داعية لمروان بْن مُحَمَّد فِي الفتنة بعد قتل الْوَلِيد بْن يَزِيد بْنِ عَبْدِ الْمَلِك وإظهار مروان الطلب بدمه، فلم يتم لَهُ ذَلِكَ، وجعل يعدهم الأموال ويمنيهم أن تأتيهم الأعطية من قبل مروان، فلما تأخر ذلك ولم يروا لقوله مصداقا جعل الصبيان والإماء يقولون فِي السكك بالبصرة. من يبايع بنسية ... ابْن جعدة الشقية أنها بئس القضية ظنوا أن جعدة امرأة، وقد كتبنا هَذَا الخبر فيما تقدم عَلَى تمامه. وَقَالَ الزُّبَيْرِيّ: من ولد عائذ بْن عمران بْن مخزوم: السائب وعامر ابنا عويمر بن عائذ [2] .

_ [1] منعج: واد بين حفر أبي موسى والنباج. القاموس. [2] نسب قريش للمصعب الزبيري ص 343.

فولد السائب بن عويمر: عبدنهم، وقيسا، وربيعة، وحاجزا قتل يَوْم بدر كافرا، قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام، وعويمر بْن السائب قتل يَوْم بدر كافرا. فولد قَيْس بْن السائب بْن عويمر: عبد ربه الأكبر، أمه دجاجة بِنْت أسماء بْن الصلت، وأخوه لأمه عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز، وعَبْد اللَّهِ بْن عمير الليثي من كنانة. وَقَالَ أَبُو اليقظان: تزوج دجاجة بِنْت أسماء بْن الصلت عامر بْن كريز، فولدت لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن عامر، وتزوجها عمير بْن عَمْرو الليثي، فولدت لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن عمير، ثُمَّ تزوجها عَبْد ربه بْن قَيْس المخزومي، فولدت لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ، وماتت بالبصرة. وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بكار: أم عبد، وعائذ ابني عمران: برة بِنْت قصي والكلبي يَقُول: تخمر بِنْت قصي، وَقَالَ الزُّبَيْر لا عقب لعبد بْن عمران إِلا نساء.

نسب ولد هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب

نسب ولد هصيص بْن كعب بْن لؤي بْن غالب وولد هصيص بْن كعب: عَمْرو بْن هصيص، وأمه قسامة سوداء، فولد عَمْرو: جمح بْن عَمْرو، وسهم بْن عَمْرو وأمهما الألوف بِنْت عدي بْن كعب بْن لؤي، وَكَانَ اسم جمح تيما، واسم سهم زيدا فجلست الألوف يوما ومعها أترجة يقال أنها كَانَتْ من ذهب ويقال من فضة، فدحت بِهَا وقالت لتيم وزيد: استبقا إِلَيْهَا فمن أخذها فهي لَهُ فسبق إِلَيْهَا سهم، فأخذها فَقَالَتْ: كأنك وَاللَّه يَا زَيْد سهم مرق من رميته، وكأن شَيْئًا جمح بك عَنْهَا يَا تيم، فقيل لهذا: أنت جمح، ولهذا: أنت سهم، فسميا بِذَلِكَ. فولد جمح بْن عمرو: حذافة، وحذيفة، وسعدا، وأمهم أميمة بِنْت بوي بْن ملكان خزاعية. فولد حذافة: وهب، ووهيب، ووهبان، وأمهم قتيلة بِنْت ذؤيب بْن جذيمة بْن عَوْفِ بْن نَصْرِ بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْرِ بْن هوازن بْن منصور. فولد وهب: خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح، وَكَانَ شريفا

أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح،

مطعاما للطعام، وفيه يَقُول الشاعر: خلف بْن وهب كَانَ كثر أهله ... وعياله من جوده بعيال وَقَالَ مُعَاوِيَة: آل وهب قوم ورثوا الشرف أبا عَن أب، ولم يرثوه عَن عم ولا ذي قرابة. فمن بني وهب بْن حذافة: أمية بْن خلف بْن وهب بْن حذافة بْن جمح، كَانَ عظيما من عظماء أهل الكفر، وَكَانَ أحد المطعمين يَوْم بدر، وقد ذكرنا خبره فيما تقدم من هَذَا الكتاب، وقتل يَوْم بدر كافرا، وقتل ابنه عَلِيّ بْن أَبِي طالب يَوْم بدر أَيْضًا. وَكَانَ ولد أمية بْن خلف صفوان بْن أمية، وربيعة بْن أمية، ومسعود بْن أمية، والجعيد بْن أمية. فأما صفوان بْن أمية فكان يكنى أبا وهب، وَكَانَ شريفا. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ خلف بْن وهب يطعم فِي كُلّ يَوْم بِمَكَّةَ حَتَّى مات، ثُمَّ كَانَ أمية بْن خلف يفعل ذَلِكَ، ثُمَّ صفوان بْن أمية، ثُمَّ عَبْد اللَّهِ بْن صفوان، وَكَانَ عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صفوان يفعل ذَلِكَ وينادي مناديه أن احضروا غداء عَمْرو. ولما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة هرب صفوان بْن أمية، فتكلم فِيهِ عمير بْن وهب الجمحي وقَالَ: سيد قومي هارب خوفا، فآمنه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلحقه عمير فأعلمه ذَلِكَ فلم يثق حتَّى بعث إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببردة كَانَ معتجرًا بِهَا فاطمأن ورجع مَعَ عمير، وأقام كافرا، وأعار رسولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة درع بأداتها، وشهد حنينا والطائف مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى غنما كثيرة من الغنيمة، فنظر إِلَيْهَا فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أعجبتك؟ قَالَ: نعم.

قَالَ: فهي لَكَ، فَقَالَ: وَاللَّه مَا طابت بِهَا إِلا نفس نبي» ، وأسلم وأقام بِمَكَّةَ فقيل لَهُ: لا إسلام لمن لم يهاجر، فأتى الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «عزمت عليك أبا وهب لما رجعتَ إِلَى أباطح مَكَّة» ،] فرجع ومات أيام خروج النَّاس إِلَى البصرة للجمل. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، بعث صفوان بْن أمية مَعَ أخيه لأمه، وَهُوَ كلدة بْن الحنبل إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بضفابيس [1] وجداية، وأم صفوان جمحية اسم أبيها عمير. وَحَدَّثَنِي الأثرم عَن أَبِي عبيدة قَالَ: كَانَتْ قُرَيْش إذا ضربت بالقداح قَالَت: باسم اللَّه وبجد أَبِي صفوان، وصفوان، يعنون أمية بْن خلف، وصفوان بْن أمية، وكانا ذوي ثروة، قَالَ: وأصيب عُثْمَان بْن عَفَّان حين سوي عَلَى صفوان بْن أمية، وجاء نعي أَبِي بَكْر حين سوي عَلَى عتاب بْن أسيد. وَقَالَ أَبُو اليقظان وغيره: مر عُمَر بْن الْخَطَّابِ فِي أيامه بصفوان بْن أمية وَهُوَ يَقُول بِمَكَّةَ: أنا ابْن أبطحيها كدائها وكديها، فَقَالَ لَهُ عمر: إن كنت تقيا فإنك كريم، وإن كنت حسن الخلق فلك مروءة، وإن كنت عاقلا فإن لك شرفا، وإلا فأنت شر من كلب. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أقام صفوان بْن أمية بِمَكَّةَ حين رده رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: [ «يَا أبا وهب من لأباطح مَكَّة» ؟] فلم يزل بِهَا حَتَّى مات فِي أيام خروج النَّاس ليوم الجمل إِلَى البصرة، وَكَانَ يحرض النَّاس عَلَى الخروج والطلب بدم عُثْمَان، ويقال إنه مات في أول أيام معاوية.

_ [1] بهامش الأصل: هي صغار القثاء.

عبد الله الطويل بن صفوان،

فولد صفوان بْن أمية: عَبْد اللَّهِ الطويل بْن صفوان، أمه ثقيفة، وعَبْد الرَّحْمَنِ أمه بِنْت أَبِي سُفْيَان بْن حرب، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن صفوان يكنى أبا صفوان، وَكَانَ سيدا من سادات أهل مَكَّة، وقدم مُعَاوِيَة مَكَّة فَقَالَ لَهُ: كيف أنت أبا صفوان؟ فَقَالَ: خير لمن أراد الخير وشر لمن أراد الشر، وأهدى إِلَى مُعَاوِيَة غنما كثيرة فَقَالَ لَهُ: سل حاجتك فَقَالَ: قد قدمت عَلَى قومك فصل أرحامهم واقض حوائجهم فَقَالَ: افعل ذَلِكَ فسلني حاجتك فِي خاصة نفسك، فَقَالَ: حاجتي أن تنظر من بِمَكَّةَ من العرب فتحسن جوائزهم وتنظر فِي أمورهم، قَالَ: أفعل، فسل حاجتك، قَالَ: تحسن إِلَى من بِمَكَّةَ من الموالي. فَقَالَ: أفعل فما حاجتك؟ قَالَ: مَا لِي بعد الَّذِي سألت حاجة. وبايع عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر وَكَانَ مَعَهُ فقتل وقد كتبنا خبره، وقيل إنه قتل وَهُوَ متعلق بأستار الكعبة، وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن صفوان لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر: مَا نعاتب أحدا من فتياننا عَلَى اللهو إِلا قَالَ: هَذَا ابْن جَعْفَر يلهو، فَقَالَ ابْن جَعْفَر: وَمَا نأخذ أحدا من فتياننا بتعلم الْقُرْآنِ إِلا قَالَ: هَذَا ابْنُ صَفْوَانَ لا يقرأ من كتاب اللَّه شَيْئًا. أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ عَن عَلِيّ بْن سليم قَالَ: حضر قوم من قُرَيْش مجلس مُعَاوِيَة فيهم عَمْرو بْن الْعَاصِ، وعَبْد اللَّهِ بْن صفوان بْن أمية، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، فَقَالَ عَمْرو بْن الْعَاصِ: احمدوا اللَّه يَا معشر قُرَيْش إذ جعل والي أمركم مَنْ يُغْضِي عَلَى الْقَذَى وَيَتَصَامُّ عَنِ الْعَوْرَاءِ وَيَجُرُّ ذَيْلَهُ عَلَى الْخَدَائِعِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ

عمرو بن عبد الله،

لمشينا إِلَيْهِ الضراء، ودببنا إِلَيْهِ الْخُمُرَ [1] ، وَقَلَبْنَا لَهُ ظَهْرَ الْمِجَنِّ، وَرَجَوْنَا أَنْ يقوم بأمرنا من لا يطعمك مال مصر. قَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى مَتَى لا تُنْصِفُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِث: إِنَّ عَمْرًا وَذَوِيهِ أَفْسَدُوكَ عَلَيْنَا وَأَفْسَدُونَا عَلَيْكَ، مَا ضارك لو أغضيت عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ عَمْرًا لِي نَاصِحٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث: أطعمنا مثل مَا أطعمته ثُمَّ خذنا بمثل نصيحته، إنا يَا مُعَاوِيَة رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ عَوَامَّ قُرَيْشٍ بِأَيَادِيكَ فِي خَوَاصِّهَا، كَأَنَّكَ تَرَى أَنَّ كِرَامَهَا جَازَوْكَ عَنْ لِئَامِهَا، وايم اللَّه انك لتفرغ فِي وعاء ضخم من إناء فعم ولكأنك بالحرب قد أطلق عليك عقالها ثُمَّ لا تنظر إليك، فقال معاوية: يا بن أخي مَا أحوج أهلك إِلَى حياتك وأنشد: أغر رجالا من قُرَيْش تتابعوا ... عَلَى سعة مني الحيا والتكرم وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ: قدم عَلَى مُعَاوِيَة وفد من قُرَيْش فيهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صفوان بْن أمية بْن خلف، وَابْن الزُّبَيْرِ فَوَصَلَهُمْ، وَفَضَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِم، أعطاه ألف أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: يَا مُعَاوِيَة إنما صغر حقوقنا عليك وهون أمرنا عندك أنا لَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ غَيْرُنَا، وَلَوْ كُنَّا فَعَلْنَا كُنَّا كَابْنِ جَعْفَر! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي أعطيكم فتكونون بين رجلين إما معد بما أعطيه لحربي، وإما مضم لَهُ مَعَ بُخْلٍ بِهِ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْن جَعْفَر يعطي أكثر مما يأخذ، ثُمَّ لا يأتيني حَتَّى يدان أكثر مما أعطي، فخرج عَبْد اللَّهِ بْن صفوان وَهُوَ يَقُول: وَاللَّه إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَيَحْرِمُنَا حَتَّى نَيْأَسَ، وَيُعْطِينَا حَتَّى نطمع. فولد عَبْد اللَّهِ الطويل بْن صفوان بْن أمية: عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ، كان

_ [1] الخمر: جماعة من الناس، وخمر توارى. القاموس.

وكان صفوان بن عبد الله بن صفوان

سيدا كريما وفيه يَقُول الشاعر لسليمان بْن عَبْدِ الملك: يَا أيها الراكب المزجي مطيته ... لو كنت عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ لم تزد وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْن جريج عَن عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّه بْن صفوان بْن أُمَيَّة بْن خلف أنه كَانَتْ لَهُ أبال، مِنْهَا إبل عادية، وَهِيَ مَا عدا فِي السحر، وإبل واضعة وَهِيَ مَا أكل الحمض، وإبل أوارك وَهِيَ مَا أكل الأراك، فكان يبعث إِلَى رجل من بني مخزوم يقال لَهُ خَالِد بْن يَزِيدَ، من ولد العاص بْن هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ بلبن فِي كُلّ يَوْم، فبلغه عَن المخزومي شَيْء هجره لَهُ، فلما أمسى ولم يأته اللبن أرسل إِلَيْهِ: لا تجمع علينا غضبك ومنع لبنك، فبعث إِلَيْهِ بلبن ورضي عَنْهُ. وَقَالَ ابْن جريج: كَانَ عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صفوان يطعم فِي كُلّ يَوْم سويقا بتمر، فأكل يوما وقد ضاقت المجالس، فقام قائما يأكل ولم يزعج أحدا، فرآه رجل وقد قام فَقَالَ: هَذَا أكرم النَّاس وأشرفهم. وَكَانَ يَحْيَى بْن حكيم بْن صفوان بْن أمية ذا قدر، ولاه عَمْرو بْن سَعِيد مَكَّة، ورجع عَمْرو إِلَى الْمَدِينَة. وَكَانَ صفوان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صفوان محدثا. وأما رَبِيعَة بْن أمية بْن خلف، فكان صاحب شراب، فقصد عُمَر بْن الْخَطَّابِ لمنزله وقد أخبر خبره فدخله، فَقَالَ لَهُ: نهاك اللَّه عَن التجسس فَقَالَ: صدقت، أفلم ينهك عَن شرب الخمر؟. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدِ بْنِ عرعرة الشامي، وعباس بْن يَزِيدَ البحراني قَالا! ثنا عَبْد الرَّزَّاقِ بْن همام، ثنا مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: جلد عمر: رَبِيعَة بْن خلف فِي الخمر، فلحق بهرقل فتنصر.

وأما مسعود بن أمية

وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن جَدِّهِ، وَعَوَانَةَ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَهُوَ يَشْرَبُ، فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ يَنْهَكَ اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ؟ قَالَ: بَلَى وَنَهَاكَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَخْرَجَهُ فَجَلَدَهُ حَدًّا وَغَرَّبَهُ فَلَحِقَ بِأَرْضِ الرُّومِ فَقَالَ عُمَرُ: لا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ أَحَدًا. وَقَالَ أَبُو اليقظان: حد عمر رَبِيعَة بْن أمية، فغضب ولحق بهر قل فتنصر ومات غرقا من الخمر. وأما مسعود بْن أمية فولد: عامر بْن مسعود، وَكَانَ يلقب دحروجة الجعل لدمامته وقصره، ولاه زياد بْن أَبِي سُفْيَان صدقات بكر بْن وائل، ولما نخس بعُبَيْد اللَّهِ بْن زياد اصطلح أَهْل الْكُوفَةِ عَلَيْهِ، فقام بأمرهم، وولاه عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر الْكُوفَة، وفيه يَقُول عَبْد اللَّهِ بْن همام السلولي: واشف الأرامل من دحروجة الجعل. وَكَانَ الْحَجَّاج بْن يوسف الثَّقَفِيّ يَقُول: العجب لأَهْل الْكُوفَةِ حَيْثُ رضوا بقضاء القرد، وقد كتبنا خبره فيما تقدم من هَذَا الكتاب، وولده بالكوفة. وأما الجعيد بْن أمية فولد: حجير بْن الجعيد، وَكَانَ حجير شريفا بالكوفة وله بِهَا دار تنسب إِلَيْهِ. وأما أَبِي بْن خلف، أخو أمية، فإنه كَانَ أشد النَّاس عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كتبنا خبره فِي أول هَذَا الكتاب، ودنا من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد فَقَالَ: واللات والعزى لأقتلنك يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «بل أقتلك إن شاء اللَّه» ،] فأخذ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حربته من يده ويقال حربة بعض الأنصار فقتله بِهَا، فجعل يخور خوار الثور وَقَالَ الشاعر:

وأما أحيحة بن خلف

لقد ورث الضلالة عن أبيه ... أبيّ حين بارزه الرسول وأخذ أَبِي عظما نخرا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أتزعم أن ربك يَحْيَى هَذَا العظم؟ فَقَالَ: «نعم» . ففته ونفخه ثُمَّ قَالَ: باست هَذَا حديثا فنزلت فِيهِ: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وهي رميم [1] ) إلى آخر السورة. فولد أَبِي: عَبْد اللَّهِ. فولد عَبْد اللَّهِ: عُبَيْد اللَّهِ. فولد عُبَيْد اللَّهِ: صفوان بْن عُبَيْد اللَّهِ، فولد صفوان: مُحَمَّد بْن صفوان بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي بْن خلف، ولي القضاء أيام هِشَام بْن عَبْدِ الملك، وَكَانَ ابنه عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ عَلَى القضاء ببغداد لأبي جَعْفَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وولاه أَيْضًا الْمَدِينَة. وأما أحيحة بْن خلف فمن ولده: أَبُو دهبل الشاعر، واسمه وهب بْن وهب بْن زمعة بْن أسيد بْن أحيحة بْن خلف. وأما وهب بْن خلف بْن حذافة بْن جمح فمن ولده: عمير بْن وهب بْن خلف، وَهُوَ المضرب، أسر يَوْم بدر، ثُمَّ أسلم وحسن إسلامه، وبعثت قُرَيْش عميرا فحزر الْمُسْلِمِينَ يَوْم بدر، ولما مضى يَوْم بدر قَالَ عمير بْن وهب لصفوان بْن أمية: لولا دَين علي وعيال لأتيت محمدا فقتلته، فضمن لَهُ صفوان قضاءَ دينه وأمر عياله، فمضى حَتَّى أتى الْمَدِينَة وقصد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرآه عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فشد عَلَيْهِ فأخذه، وانطلق بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: «مَا أقدمك» ؟ قَالَ: أمر وهب بْن عمير فإنه أسير، فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا شرطت لصفوان وَمَا شرط لك] » ؟ فَقَالَ: وَاللَّه مَا علم الذي كان

_ [1] سورة ياسين- الآية: 78.

وأما أسيد بن خلف

بيني وبينه أحد، فَقَالَ عمير: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رسول الله، فو الله مَا أخبرك خبرنا إِلا اللَّه، وقد كتبنا خبره بعد قصة يَوْم بدر. وَقَالَ بعضهم: الذي ضمن لصفوان ما ضمن وهب بْن عمير بْن وهب، والأول أثبت، وشهد عمير يَوْم أحد مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقي إِلَى أيام عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وَكَانَ يكنى أبا أمية. وأما أسيد بْن خلف فمن ولده: كلدة بْن أسيد بْن خلف، وَهُوَ أَبُو الأشدين، وفيه نزلت: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) [1] . وَقَالَ حين نزلت هَذِهِ الآية (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عشر [2] ) : زعم مُحَمَّد أن أصحاب النار تسعة عشر، فأنا أكفيكم خمسة منهم أحملهم عَلَى ظهري، وأربعة بيدي فاكفوني بقيتهم، فنزلت: (وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار إلّا ملائكة) [3] . وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن أسيد بْن خلف قتل يوم الجمل مع عائشة. [حبيب بن وهب] [معمر بن حبيب] ومن بني وهب بْن حذافة بْن جمح: معمر بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة، وكان أحد الرؤوس يَوْم الفجار. ومظعون بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة، ولد: عُثْمَان بْن مظعون، هاجر إِلَى الحبشة مرتين، وقدم فهاجر إِلَى الْمَدِينَة وتوفي بِهَا فِي ذي الحجة سنة اثنتين، فصلى عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبله وَهُوَ ميت ودفنه بالبقيع، وَقَالَ حين تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيم بْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «ادفنوه عند سلفنا الصالح عُثْمَان بْن مظعون» ،] فدفن إِلَى جنبه وَكَانَ يكنى أبا السائب.

_ [1] سورة البلد- الآية: 4. [2] سورة المدثر- الآية: 30. [3] سورة المدثر- الآية: 31.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أقبل عُثْمَان مَعَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ وأبي عبيدة، وقد تبين الحق فلما قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن أسلم قبل دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم ودعائه فِيهَا، وأمه سخيلة بِنْت العنبس بْن وهبان الجحمي، ويقال إن أمه من خزاعة، وَهُوَ خال حفصة بِنْت عمر زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن أمها زينب بِنْت مظعون، شهد بدرا ومات بالمدينة سنة اثنتين، وقبله رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ميت، ودفن إِبْرَاهِيم بْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جنبه بالبقيع، وحرم عُثْمَان عَلَى نفسه شرب الخمر فِي الجاهلية، وَقَالَ: لا أشرب شَيْئًا يذهب عقلي، ويضحك بي من هُوَ أدنى مني، ويحملني عَلَى أنكح كريمتي من لا أريد، فنزلت الآية فِي الخمر، فمر بِهِ رجل فأخبره بِذَلِكَ وتلاها عَلَيْهِ، فَقَالَ: تبا لها قد كان رأيي فِيهَا ثابتا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الإِفْرِيقِيِّ عَنْ عِمَارَةَ الْيَحْصُبِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تَرَى امْرَأَتِي عَوْرَتِي. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ ابْنَ مَظْعُونٍ لَحَيِيٌّ سِتِّيرٌ» . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ أَرَادَ أَنْ يَخْتَصِي وَيَسِيحَ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أَلَيْسَ لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَأَنَا آتِي النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ وَأُفْطِرُ، وَخِصَاءُ أُمَّتِي الصَّوْمُ، وَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنِ خَصَى وَاخْتَصَى] » . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عن معاوية الجرمي عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ اتَّخَذَ بَيْتًا فَقَعَدَ فِيهِ يَتَعَبَّدُ فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِعُضَادَتَيِ الْبَابِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَالَ: « [يَا عُثْمَانُ، إِنَّ

اللَّهَ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ وَلَمْ يَبْعَثْنِي بِالرَّهْبَانِيَّةِ] » . وروي ان أمرأته قالت: هنيئا لك أبا السائب الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كيف بمنعه مَا لا يغنيه وكلامه فيما لا يعنيه، وَاللَّه إني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أدري مَا يفعل بي] » ، فلما قَالَ: «ادفنوا إِبْرَاهِيم عند سلفنا الصالح» سرى ذَلِكَ عَن الْمُسْلِمِينَ بما تداخلهم من الغم لهذا القول. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ السَّمِينِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عَقِيلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: « [لَوْ جَازَ ذَلِكَ لاخْتَصَيْنَا] » . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيّ عن سَعِيد بنحوه [1] . حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ قَالا: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَعِدَّةٌ مَعَهُ أَنْ يَدَعُوا أَكْلَ اللَّحْمِ وَيَخْتَصُوا، وَكَانَ عُثْمَانُ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَنَهَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ذَلِكَ ونزلت فيهم: (يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لكم) [2] وَنَزَلَتْ فِيهِمْ: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وأحسنوا والله يحب المحسنين) [3] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 393- 398. [2] سورة المائدة- الآية: 87. [3] سورة المائدة- الآية: 93.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الأُوَيْسِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ عَنْ أَبِيهَا عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ تَشُقُّ عَلَيَّ الْعُزْبَةُ فِي الْمَغَازِي فَاخْصِنِي. قَالَ: [لا وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ مَجْفَرَةٌ] » [1] . حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ لَهَا: مَالَكِ سَيِّئَةُ الْهَيْئَةِ وَمَا فِي قُرَيْشٍ أَيْسَرُ مِنْ زَوْجِكِ؟ فَقَالَتْ: مَا لَنَا فِيهِ شَيْءٌ، أَمَّا نَهَارُهُ فَصَائِمٌ، وَأَمَّا لَيْلُهُ فَقَائِمٌ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ لَهُ ذَلِكَ فَلَقِيَهُ فَقَالَ: « [يَا عُثْمَانُ أَمَالَكَ أُسْوَةٌ فِيَّ إِنَّ لِعَيْنِكَ مِنْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لِجَسَدِكَ مِنْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَصَلِّ وَنَمْ وَأَفْطِرْ وَصُمْ] » [2] . ولما مات عُثْمَان صلى عَلَيْهِ النَّبِيّ، وكبر عَلَيْهِ أربعا، وقام عَلَى قبره حَتَّى دفن بالبقيع، ونزل فِي قبره عَبْد اللَّهِ بْن مظعون، وقدامة بْن السائب بْن عُثْمَان، ومعمر بْن الْحَارِث. وَرَوَى قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ قَبَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سالت دموعه على وجهه.

_ [1] الجفور: انقطاع الفحل عن الضراب، وأجفر: عن المرأة انقطع. القاموس. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 395.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ بِمِثْلِهِ [1] . قَالُوا: وَكَانَ عُثْمَان لما قدم من أرض الحبشة استجار بالوليد بْن الْمُغِيرَةِ، فرد عَلَيْهِ جواره وَقَالَ: لا أستجير بغير اللَّه، فحضر مجلسا لقريش وفيه لبيد بْن رَبِيعَة الْجُعْفِيّ الشاعر، فأنشد قوله: أَلا كُلّ شَيْء مَا خلا اللَّه باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل [2] فَقَالَ كذبت، نعيم الجنة غير زائل، فَقَالَ لبيد: يَا معشر قُرَيْش، وَاللَّه مَا عهدتكم يؤذى جليسكم فَقَالَ رجل منهم: هَذَا سفيه من سفهائنا ممن فارق ديننا، فرد عَلَيْهِ عُثْمَان حَتَّى قام الرجل فلطم عينه فخضرها، فَقَالَ عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إن تك عيني فِي رضا اللَّه نالها ... يدا ملحد فِي الدين ليس بمهتد فقد عوض الرحمن مِنْهَا ثوابه ... ومن يرضه الرحمن يَا قوم يسعد وَقَالَ الْوَليِد لعثمان حين رأى عينه: مَا كَانَ أغناك عَن هَذَا يَا بني؟! فَقَالَ عُثْمَان: مَا أنا بغنى عَنْهُ لأنه ذخر لِي عند اللَّه، وإن عيني الصحيحة محتاجة إِلَى مثل مَا نال صاحبتها. فَقَالَ: لقد كنت فِي ذمة منيعة فعد إِلَى جواري؟ فَقَالَ: وَاللَّه لا أعود فِي جوار غير جوار اللَّه أبدا، وَكَانَ الَّذِي لطم عين عُثْمَان عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أمية، فوثب عَلَيْهِ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ فكسر أنفه فكان ذَلِكَ أول دم هريق فِي الإِسْلام، وَقَالَ قوم هُوَ عَبْد اللَّهِ بْن عثمان جد

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 396- 397. [2] ديوان لبيد بن ربيعة- ط. 1984 ص 256.

قدامة بن مظعون

عَمْرو بْن حريث بْن عَمْرِو بْنِ حريث بْن عَمْرِو بْنِ عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ، والأول أثبت. وَكَانَ عُثْمَان أول من قبر بالبقيع، ووضعت عَلَى قبره علامة وَقَالَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذهبت ولم تلبس من الدنيا بشيء] » . ومن ولد مظعون أَيْضًا: أَيْضًا: قدامة بْن مظعون رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أسلم مَعَ أخيه، وَكَانَ يكنى أبا عَمْرو، وولاه عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ البحرين. الْمَدَائِنِي عَنْ سحيم بْن حفص وغيره قَالُوا: ولى عمر قدامة بْن مظعون البحرين، وَهُوَ خال عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ وحفصة بِنْت عمر، فخرج الجارود العبدي من البحرين بغير إذن قدامة، فكتب فِيهِ قدامة إِلَى عُمَرَ يعلمه أنه خرج مشاقا عاصيا، وأتى الجارود الْمَدِينَة فنزل عَلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، ويقال عَلَى عُثْمَان بْن عَفَّان، فأعلم الَّذِي نزل عَلَيْهِ أن قدامة يشرب الخمر فراح إِلَى عُمَرَ فأخبره بخبر الجارود، فَقَالَ عمر: لقد هممت بابْن عَبْدِ القيس أن أقتله أَوِ أحبسه بالمدينة أَو أسيره إِلَى الشام، فَقَالَ الرجل الَّذِي عنده الجارود للجارود مَا قَالَ عمر، فَقَالَ: أما قتلي فإنه لم يكن ليؤثرني عَلَى نفسه فأدخل الجنة ويدخل النار، وأما حبسي بالمدينة فعند قبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومهاجره ومنازل أزواجه، وأما تسييري إِلَى الشام فأرض المحشر والأرض المقدسة. ثُمَّ أصبح غاديا عَلَى عمر فَقَالَ لَهُ: يَا عدو اللَّه جئت عاصيا بغير إذن أميرك فما عندك؟ قَالَ: أشهد أن قدامة بْن مظعون شرب الخمر صراحية. قَالَ: ومن يشهد معك؟ قَالَ: أَبُو هريرة. قَالَ: أخيتنك لأوجعن ظهره، قَالَ: أيشرب ختنك وتوجع ختني؟! قَالَ: ومن أيضا؟

قَالَ: علقمة الصدوق، قَالَ فكره عمر أن يَقُول الخصي فَقَالَ: السليم؟ قَالَ: فكتب عمر إِلَى قدامة وأبي هريرة، وعلقمة فقدموا فشهد الجارود أنه شرب الخمر، وشهد أَبُو هريرة أنه شرب الخمر مَعَ ابْن دسر، وَقَالَ علقمة: أتقبل شهادة مثلي؟ قَالَ: نعم أقبل شهادة مثلك، قَالَ: اشهد أن قدامة مج الخمر، فقال عمر: وأنا أشهد أنه إذ قاءها إنه قد شربها، فَقَالَ الجارود: أقم عَلَى قدامة الحد. فَقَالَ عمر: أشاهد أم خصم؟ قَالَ: شاهد. قَالَ: فقد أديت مَا عليك، وَكَانَ قدامة مريضا فشاور عمر النَّاس فِيهِ، فَقَالُوا: لا تضربه حَتَّى يبرأ فَقَالَ عمر: بل أقيم عَلَيْهِ الحد فإن مات لقي اللَّه وقد أقيم عَلَيْهِ الحد، فلما أتي بِهِ ليضرب قَالَ لَهُ عمر: أشربت الخمر؟ قَالَ: وَمَا بأس بِذَلِكَ؟ أليس قد قَالَ اللَّه: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وأحسنوا) [1] ؟ فَقَالَ عمر: تشرب الخمر وتخطئ فِي التأويل، لو اتقيت اللَّه لم تشربها. ثُمَّ قَالَ ليرفأ حاجبه ومولاه: هات سوطا فجاءه بسوط لَهُ شعب فَقَالَ: هات غير هَذَا فجاءه بسوط رضيه فضربه ثمانين سوطا. وَقَالَ عمر: مَا وليت أحدا كَانَ علي فِيهِ هوى غيره، فما بورك لِي فِيهِ. ومر الجارود بامرأة من ولد عمر فَقَالَتْ: قبح اللَّه هاتين العينين الخفشاوين اللتين شهدتا عَلَى خالي. فَقَالَ: قبح اللَّه هاتين العينين اللتين شرب خالهما الخمر، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ للجارود قبل أن يشهد عَلَى قدامة: غدا يفضحك اللَّه، فَقَالَ: غدا يفضح اللَّه خالك أو يحيف أبوك.

_ [1] سورة المائدة- الاية: 93.

قَالُوا: وعلقمة بْن سهل من بني رَبِيعَة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم، وَكَانَ يكنى أبا الوضاح، وَكَانَ لَهُ إسلام وفضل ويسار بعمان، وَكَانَ أسر باليمن فِي الجاهلية، فهرب ثُمَّ ظفر بِهِ فهرب ثانية، ثُمَّ أخذ فخصي، فهرب ثالثة وأخذ جملين يقال لهما عوهج وداعر، فصارا بعمان وإليهما تنسب العوهجية والداعرية. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: الداعرية نسبت إِلَى داعر بْن الحماس بْن رَبِيعَة الحارثي فوقع إِلَى عمان فحل من الداعرية. وعلقمة الخصي الَّذِي يَقُول وَهُوَ مختصي. يَقُول رجال من صديق وحاسد ... نراك أَبَا الوضاح أصبحت ثاويا فلا يعدم الباقون بيتًا يكنهم ... وَلا يعدم الميراث بعدي واعيا وجفت عيون الباكيات وأقبلوا ... إلى مالهم إذ بِنْت منهم وماليا حراصًا عَلَى مَا كنت أجمعه لهم ... هنيئًا لهم جمعي فَمَا كنت واليا ومات علقمة بالبحرين، وقوم يقولون إن الْحَارِث بْن كعب نفر بِهِ بعيره فسقط، والأول أثبت. وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن عامر بن ربيعة، وكان أبو شَهِدَ بَدْرًا، أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ خَالُ حَفْصَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَدِمَ الْجَارُودُ سَيِّدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى عُمَرَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ قُدَامَةَ شَرِبَ فَسَكِرَ، وَإِنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ رَأَيْتُ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَهُ إِلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنْ شَهِدَ مَعَكَ؟ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ.. فَدَعَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: بِمَاذَا تَشْهَدُ؟ قَالَ: لَمْ أَرَهُ يشرب

وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُ سَكْرَانُ يَقِيءُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ تَنَطَّعْتَ فِي الشَّهَادَةِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى قُدَامَةَ أَنْ يَقْدِمَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ فَقَامَ الجاردو فَقَالَ: أَقِمْ عَلَى هَذَا كِتَابَ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَصْمٌ أَنْتَ أَمْ شَهِيدٌ؟ قَالَ: بَلْ شَهِيدٌ. قَالَ: أَدَّيْتَ شَهَادَتَكَ، فَصَمَتَ عَنْهُ الْجَارُودُ حَتَّى غَدَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَقِمْ عَلَى هَذَا حَدَّ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلا خَصْمًا وَمَا شَهِدَ مَعَكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ، قَالَ الْجَارُودُ: إِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ، فَقَالَ عُمَرُ: لتمسكن لسانك أو لأسوءنّك، قَالَ الْجَارُودُ: وَاللَّهِ مَا ذَاكَ بِالْحَقِّ أَنْ يَشْرَبَ ابْنُ عَمِّكَ وَتَسُوءُنِي؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ كُنْتَ تَشُكُّ فِي شَهَادَتِنَا فَأَرْسِلْ إِلَى ابْنَةِ الْوَليِدِ فَسَلْهَا، وَهِيَ امْرَأَةُ قُدَامَةَ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ الْوَليِدِ يَنْشُدُهَا اللَّهَ، فَأَقَامَتِ الشَّهَادَةَ عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ عُمَرُ لِقُدَامَةَ: إِنِّي حَادُّكَ، فَقَالَ: لَوْ شَرِبْتُ كَمَا يَقُولُونَ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَحُدُّونِي. قَالَ عُمَرُ: وَلِمَ؟ قَالَ قُدَامَةُ: لِقَوْلِ اللَّهِ: (لَيْسَ عَلَى الذين آمنوا جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا) الآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: أَخْطَأْتَ التَّأْوِيلَ، أَمَا لَوِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ اجْتَنَبْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ قُدَامَةَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: لا نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ مَا كَانَ وَجِعًا. فَقَالَ عُمَرُ. لأَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَحْتَ السِّيَاطِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَاهُ وَإِثْمُهُ فِي عُنُقِي، ائْتُونِي بِسَوْطٍ تَامٍّ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِقُدَامَةَ فَجُلِدَ فَغَاضَبَ عُمَرُ قُدَامَةَ، وَهَجَّرَهُ فَحَجَّ قُدَامَةُ مَعَهُ وَهُوَ مُغَاضِبٌ لَهُ، فَلَمَّا قَفَلا مِنْ حَجِّهِمَا- وَقَالَ بَكْرٌ فِي حَدِيثِهِ انْصَرَفَا مِنْ حَجِّهِمَا- وَتَرَكَ عُمَرُ بِالسُّقْيَا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ مِنْ نَوْمِهِ فقال: عجلوا عليّ بقدامة فو الله لَقَدْ رَأَيْتُ آتِيًا أَتَانِي فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: سالم قدامة فإنه أخوك، فعجلوا عليّ به فَلَمَّا أَتَوْهُ أَبَى أَنْ يَأْتِيَ عُمَرَ، فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يُجَرَّ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَكَلَّمَهُ عُمَرُ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ صُلْحِهِمَا.

عبد الله بن مظعون،

وحدثني بكر بن الهيثم عن شيخ من بني جمح عَن أَبِيهِ قَالَ: هجر عمر قدامة بْن مظعون حينا، ثُمَّ رأى فِي منامه أن يرضى عَنْهُ ويصالحه، فرضي عَنْهُ وعانقه واستغفر لَهُ. قَالُوا: وبقي قدامة إِلَى زمن مُعَاوِيَة، ولم يدخل فِي شَيْء من أمرهم. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ قدامة يكنى أبا عَمْرو، ومات فِي سنة ست وثلاثين وَهُوَ ابْن ثمان وستين سنة، وَهُوَ أثبت الخبرين فِي موته، وَكَانَ قدامة من مهاجرة الحبشة فِي المرة الثانية، وقدم مَكَّة وهاجر إِلَى الْمَدِينَة، وفي قدامة يَقُول الهذلي، وأتاه بصلة: أآمل خيرا من قدامة بعد ما ... علا السوط منه كُلّ عضو ومفصل شربت حراما يَا قدام فأرسلت ... عليك سياط الشارب الخمر من عل فلا تشربن خمرا قدام فإنها ... حرام عَلَى أهل الكتاب المنزل [1] ومن ولد مظعون أَيْضًا: عَبْد اللَّهِ بْن مظعون، ويكنى أبا مُحَمَّد، أسلم مَعَ أخويه حين أسلما، وَهُوَ بدري وأمه سخيلة بِنْت أهبان من بني جمح، مات فِي سنة ثلاثين، وَهُوَ ابْن ستين سنة ومنهم: السائب بْن عُثْمَان بْن مظعون هاجر مَعَ أَبِيهِ إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم فهاجر مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة، وأصابه سهم يَوْم اليمامة فِي أيام أَبِي بَكْر فمات وَهُوَ ابْن بضع وثلاثين سنة، وولد حين ولد ولأبيه ثلاثون سنة. [ولد معمر بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بن جمح] [الحارث بن معمر] ومن بني وهب بْن حذافة أَيْضًا، حاطب، وحطاب، ومعمر بنو الْحَارِث بْن معمر بْن حبيب بْن وهب بْن حذافة بْن جمح. فأما حاطب بْن الْحَارِث فهاجر إِلَى الحبشة في المرة الثانية وبها مات،

_ [1] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الهذليين.

وأما حطاب بن الحارث،

وولد لَهُ بِهَا: مُحَمَّد بْن حاطب، وأرضعته أسماء بِنْت عميس، وَهِيَ أم عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر بْن أَبِي طالب، وأرضعت أمه عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر، فهما أخوان من الرضاع، فكانا يتواصلان عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مُحَمَّد بْن حاطب يكنى أبا إِبْرَاهِيم، وشهد مَعَ علي مشاهده، ومات بالكوفة فِي ولاية بشر بْن مروان أيام عَبْد الْمَلِكِ، وحفظ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه «رقاه حين احترقت يده» وَكَانَ مَعَ حاطب بأرض الحبشة ابنه الْحَارِث فقدم فِي إحدى السفينتين مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب ومعه أخوه مُحَمَّد. وأما حطاب بْن الْحَارِث، ويكنى أبا معمر، فيقال إنه هاجر إِلَى أرض الحبشة فمات بِهَا، ويقال مات فِي البحر وَهُوَ منصرف مِنْهَا، ويقال إنه لم يهاجر إِلَى أرض الحبشة. وأما معمر بْن الْحَارِث، أخو حاطب، وحطاب، فإنه قديم الإِسْلام، أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم المخزومي، وشهد بدرا وجميع المشاهد، وتوفي فِي أيام عمر، ونزل فِي قبر عُثْمَان بْن مظعون. ومن ولد حاطب بْن الْحَارِث: عِيسَى بْن لقمان بْن حاطب بْن الْحَارِث. ولاه أَمِير الْمُؤْمِنِينَ المهدي الْكُوفَة وقد كَانَ ولي للمنصور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، وقد روى عَنْهُ ابْن إدريس الأودي. ومن بني وهب بْن حذافة أَيْضًا: جميل بْن معمر بْن حبيب بْن وهب، ويكنى أبا معمر، وَهُوَ ابْن أخي مظعون، وَكَانَ شريفا وكانت لَهُ رئاسة فِي قُرَيْش ينكر عَلَيْهَا المنكر فيطاع. وكانت قُرَيْش تدعوه ذا القلبين لفهمه وفيه نزل: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جوفه) [1] . وكان جوادا وفيه يقول

_ [1] سورة الأحزاب- الاية: 4.

ولد وهبان بن حذافة بن جمح

الهذلي. وفجع أضيافي جميل بْن معمر ... بذي كرم تأوي إِلَيْهِ الأرامل [1] وقيل فِيهِ أَيْضًا: وكيف الثواء بالمدينة بعد ما ... قضى وطرا مِنْهَا جميل بْن معمر وسفيان بْن معمر بْن حبيب أخو جميل هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ومات فِي أيام عمر، ويقال فِي أول أيام عُثْمَان، وَكَانَ مَعَهُ بالحبشة ابناه: جناده، وجابر، وأمهما حسنة أم شُرَحْبِيل بْن حسنة، وَكَانَ قدومه الْمَدِينَة بعد الهجرة، وقبل قدوم جَعْفَر بْن أَبِي طالب. ومن بني وهب بْن حذافة أَيْضًا: هبار بْن وهب، ذكر مُحَمَّد بْن إسحاق أنه من مهاجرة الحبشة [2] . [ولد وهبان بن حذافة بن جمح] ومن بني أهبان بْن حذافة: نبيه بْن عُثْمَان بْن رَبِيعَة بْن أهبان، وَهُوَ وهبان بْن حذافة بْن جمح، هاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، وأقام حَتَّى ركب السفينة مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب ومات فِي البحر. ومن بني وهيب وَهُوَ أهيب بْن حذافة: أَبُو عزَّة عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّه بْن عمير بْن أهيب بْن حذافة، وَكَانَ أصاب أبا عزة مرض وسقي بطنه، فأخرجته قُرَيْش من مَكَّة مخافة العدوى، فلما طال عَلَيْهِ البلاء أخذ مدية فوجأ بِهَا بطنه ليستريح مما كَانَ فِيهِ، فسال الماء من بطنه وبرئ، وذهب مرضه، وعاد صحيحا سليما فأنشأ يَقُول: لا هم رب وائل ونهد ... واليعملات والخيول الجرد

_ [1] ديوان الهذليين- ط. القاهرة 1995 ص 148. [2] في ابن اسحق- السير والمغازي ص 225 «هبار بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بْن هلال» .

وولد سعد بن جمح:

ورب من يسعى بأرض نجد ... أصبحت عبدا لك وَابْن عَبْدِ أبرأت مني برصا بجلدي ... من بعد ما شردت فِي معد فرجع إِلَى مَكَّةَ وأسر يَوْم بدر، فشكا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاقته وكثرة عياله، وأعطاه عهدا أَلا يخرج عَلَيْهِ أبدا، وَلا يعين قريشا، فلما كَانَ يَوْم أحد خرج يقاتله مَعَ المشركين ويحرضهم عَلَى قتال الْمُسْلِمِينَ، فأسر فضرب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنقه بيده صبرا، فيقال أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقتل بيده غير أَبِي عزة، وأبي بْن خلف. ومنهم: مسافع بْن عَبْدِ مَنَاف، وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن عمير بْن أهيب الشاعر، وأخوه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سابط بْن أَبِي حميضة بْن عَمْرِو بْنِ أهيب الفقيه، وأخوه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سابط، وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سابط بْن أَبِي حميضة بْن عَمْرِو بْنِ أهيب كَانَ فقيها. قَالَ الْهَيْثَم بْن عدي والواقدي: مات سنة ثماني عشرة. ومنهم: أَيُّوب بْن حبيب بْن أَيُّوبَ بْن علقمة بْن رَبِيعَة بْن الأعور بْن أهيب، قتل بقديد قتلته الخوارج. وولد سَعْد بْن جمح: عريج، وَهُوَ دعموص الرمل، ولوذان، وأمهما ليلى بِنْت عائش بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر. ومنهم: سَعِيد بْن عامر بْن حذيم بْن سَلْمَان بْن رَبِيعَة بْن عريج بْن سَعْد بْن جمح، كَانَ خيرا فاضلا ورعا، ولاه عُمَر بْن الْخَطَّابِ الرقة وكورها وحمص، فلم يلبث إِلا قليلا حَتَّى مات فِي سنة عشرين، فولى مكانه عمير بْن سَعْد الأَنْصَارِيّ ففتح رأس العين. حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا احْتَضَرَ

أوس بن معير بن لوذان بن ربيعة بن عريج بن سعد، مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم.

سَعِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حُذَيْمٍ أَمَرَ فَكُتِبَ إِلَى عُمَرَ: «إِنَّ الْغِلْظَةَ مَعَ النَّصِيحَةِ خَيْرٌ مِنَ اللِّينِ مَعَ الْغِشِّ، وَقَدْ كُنْتَ مُنْكِرًا لأَمْرِ مَنْ أَمْرِكَ فَلَمْ أُوَاجِهْكَ بِهِ إِذْ لَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ مَوْضِعًا، وَقَدْ خِفْتُ أَنْ أَمُوتَ وَلَمْ أُلْقِهِ إِلَيْكَ، إِنِّي رَأَيْتُ مِنْكَ فِي أَمْرِ قُدَامَةَ صِهْرِكَ تَحَامُلا عَلَى الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ، وَمُخَاصَمَةٍ عَنْهُ، وَالْحَاكِمُ لا يَكُونُ خَصْمًا، فَاحْذَرْ مِثْلَهَا، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْهَا، وَاذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ لِسَانِكَ إِذَا نَطَقْتَ، وَعِنْدَ يَدِكَ إِذَا قَسَمْتَ وَبَطَشْتَ، وَعِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُخَادِعُ وَلا يَقْبَلُ إِلا نَخِيلَةَ الأَعْمَالِ بِخَالِصِ النِّيَّاتِ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ جَهْلٍ، وَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ» . فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الْكِتَابَ بَكَى وَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا عَمْرٍو، فَلَقَدْ مَضَيْتَ طَاهِرَ الثَّوْبِ، نَاصِحَ الْجَيْبِ، لا يَأْخُذُكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَمَّاعَةَ الْفَقِيهُ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حُذَيْمٍ الْجُحَمِيَّ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَنْ تَخْشَى اللَّهَ فِي النَّاسِ، وَلا تَخْشَى النَّاسَ فِي اللَّهِ، وَأَنْ تُحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ يَعْتَدْكَ نَظَرُكَ وَقَضَاؤُكَ لِقَرِيبِ النَّاسِ وَبَعِيدِهِمْ، وَلا تَقْضِي فِي أَمْرٍ بِقَضَائَيْنِ فَتُوبِقَ نَفْسَكَ، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ حَيْثُ عَلِمْتَهُ، وَلا تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ يَسْتَطِيعُ هَذَا؟ قَالَ سَعِيدُ: مَنْ جَعَلَ اللَّهُ فِي عُنُقِهِ مَا جَعَلَ فِي عُنُقِكَ، إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْمُرَ فَيُتَّبَعُ أَمْرُكَ فَقَالَ عُمَرُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، وَأَنَا أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَطَاعَتِهِ مَا اسْتَطَعْتَ. ومنهم أَبُو محذورة، واسمه فيما ذكر الْكَلْبِيّ أوس بْن معير بْن لوذان بْن رَبِيعَة بْن عريج بْن سَعْد، مؤذن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ وغيره: هُوَ سمرة بْن معير واسم أخيه أوس [1] . وَقَالَ أَبُو اليقظان: اسم أَبِي محذورة سَلْمَان، وأوس أخوه قتل يَوْم بدر كافرا، وأسلم أَبُو محذورة يَوْم الفتح، وجاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائذن لِي فِي الأذان مَعَ بلال فأذن لَهُ، فكان يؤذن فِي الفجر فقط، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن مكه كَانَ أَبُو محذورة يؤذن فِي الأوقات كلها، وأقام بِمَكَّةَ فيمن تخلف بِهَا، ولم يهاجر، وَكَانَ يَقُول: لولا الأذان لهاجرت، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لسمرة وأبي محذورة: [ «آخر كما موتا فِي النار» ،] فكان القادم يقدم مَكَّة فيسأله أَبُو محذورة عَن سمرة بْن جندب، وَكَانَ القادم يقدم من مَكَّة فإذا لقيه سمرة سأله عَن أَبِي محذورة، فمات أَبُو محذورة، ثُمَّ مات سمرة وَكَانَ موته بالكوفة فِي آخر أيام مُعَاوِيَة، وَكَانَ يكنى أبا سَعِيد، وفي أَبِي محذورة يَقُول أَبُو دهبل الشاعر الجمحي: أما ورب الكعبة المستورة ... وَمَا تلا مُحَمَّد من سوره والنعرات من أَبِي محذورة ... لأفعلن فعلة مذكوره وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ لأبي محذورة أخ يقال لَهُ أنيس بْن معير قتل يَوْم بدر كافرا. ومنهم: سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن جميل بْن عامر بْن حذيم بْن سَلْمَان بْن رَبِيعَة بْن عريج بْن سَعْد، ولي قضاء بغداد في أيام الرشيد.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 5 ص 450.

وَقَالَ أَبُو اليقظان: من بني جمح: لوذان بْن رَبِيعَة بْن عريج بْن سَعْد بْن جمح، قتله عَلِيّ بْن أَبِي طالب يَوْم بدر. ومنهم: رَبِيعَة بْن دراج أسر يَوْم بدر.

نسب بني سهم بن عمرو بن هصيص بن مرة بن كعب بن لؤي

نسب بني سهم بْن عَمْرِو بْنِ هصيص بْن مرة بْن كعب بْن لؤي فولد سهم بْن عَمْرو: سَعْد بْن سهم، وسعيد بْن سهم وأمهما نعم بِنْت كلاب بْن مرة، ورئاب بْن سهم، وعمرو بْن سهم، وعَبْد العزى. درجوا. فولد سَعْد: عدي بْن سَعْد، وحذيم بْن سَعْد أمهما تماضر بِنْت زهرة بْن كلاب، وحذيفة، وحذافة، وسعيد بْن سَعْد، أمهم عاتكة بِنْت عبده من بني غاضرة بن صعصعة، منهم قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم، كَانَ شريفا تتحاكم إِلَيْهِ قُرَيْش، وكانت عنده الغيطلة، وَهُوَ اسمها، من ولد شنوق بن مرة بن عبد مناة بْن كنانة بْن خزيمة، فهم ينسبون إِلَيْهَا ويدعون الغياطل، ويقال لبني قَيْس أَيْضًا المقايس، ويقال إن الغيطلة من خزاعة، وأنها كَانَتْ كاهنة، وَقَالَ أَبُو طالب: لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا ... بني خلف قيضا بنا والغياطل وفي قَيْس يَقُول الشاعر: لا يبتدي فِي مثل داره الندي ... كأنه فِي العز قَيْس بْن عدي ويروى: فِي داره يؤتى وداره الندي ... كأنه فِي العز قَيْس بْن عدي

فولدت الغيطلة: الْحَارِث بْن قَيْس، وَهُوَ صاحب الأوثان كَانَ كلما رأى حجرا أحسن من الَّذِي عنده أخذه وألقى مَا عنده، وفيه نزلت: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) [1] ومقيس بْن قَيْس، وعدي بْن قَيْس. وَكَانَ فِي ولد قَيْس عرام، وفي بيت مقيس اقتسم الغزال الَّذِي سرق من الكعبة، وكانت لَهُ قينتان، وقد ذكرنا خبره فِي حديث أَبِي لهب حين كتبنا نسبه. وَكَانَ مقيس بْن قَيْس بْن عدي سكر من خمر فجعل يخط ببوله نعامة أَوْ بعيرا، فلما أفاق أخبر بِذَلِكَ فحرم الخمر وَقَالَ: لا تشرب الخمر إن الخمر فاضحة ... تزري بمن كَانَ ذا لب وذا كرم حَتَّى يرى ضحكة فِي النَّاس محتقرا ... كأنما مسه طيف من اللمم حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أقامت قُرَيْش بِمَكَّةَ لا يبغي بعضها عَلَى بعض، فكان أول من بغى من قُرَيْش بِمَكَّةَ المقايس، وهم: بنو قَيْس بْن عدي بْن سهم: تباغوا بينهم، فبعث اللَّه فأرة عَلَى ذبالة [2] فِيهَا نار فجرتها إِلَى خيام لهم فاحترقوا، ثُمَّ كَانَ من بني السباق بْن عَبْدِ الدار بْن قصي بغي وظلم، فألقى اللَّه عَلَيْهِم الفناء فقالت سبيعة بِنْت لاحب من بني نصر بْن مُعَاوِيَة وكانت عند عبد مَنَاف بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة لابنها، وكان ذا شرارة وبغي وظلم:

_ [1] سورة الجاثية- الاية: 33. [2] الذبالة: الفتيلة. القاموس.

أبني لا تظلم بِمَكَّةَ لا الصغير وَلا الكبير ... واحفظ مكارمها وَلا تعلقك أسباب الغرور أبني من يظلم بِمَكَّةَ يلق أطراف الشرور ... اللَّه أمن طيرها والوحش يعقل فِي ثبير وكسا البنية تبع إذ جاءها حلل الحبير وقالت أَيْضًا: أَلا ليت شعري عَن مقيس وأهله ... أأفلت منهم فِي المحلة واحد أم النار لم تخطئ من القوم واحدا ... فكلهم فِي هوة القبر خَالِد قَالُوا: وَكَانَ أمية بْن عَبْدِ شمس بْن عَبْدِ مَنَاف رجلا جميلا، وَكَانَ طريقه عَلَى منزل وهب بْن عَبْد مَنَاف بْن زهرة بْن كلاب، وكانت لوهب قينتان فكره وهب ممره عَلَى رحله فنهاه عَن ذَلِكَ فأبى فضربه وهب بالسيف عَلَى اليته فَقَالَ: مهلا أمي فإن البغي منقصة ... لا يكسبنك يوما شره ذكر فنفرت لِذَلِكَ بنو عبد مَنَاف بْن قصي، والمطلب بْن عَبْدِ مَنَاف يومئذ حي، فغضب لابن أخيه، فأجمعوا عَلَى إخراج بني زهرة من مَكَّة، فعزم بنو زهرة عَلَى الرحلة، فبينا هم عَلَى ذَلِكَ إذ صاح صائح من دار عدي بْن قَيْس وَكَانَ سيدا عزيزا: أَلا إن الركب مقيم أصبح ليل. فقالت بنو عبد مَنَاف: من الصارخ؟ قيل: عدي بْن قَيْس بْن عدي، وَكَانَ فِي سهم ثروة وعدد ومنعة فاجتمع بنو عبد مَنَاف إِلَى المطلب بْن عَبْدِ مَنَاف بأسفل مَكَّة وتجمعت بنو سهم وبنو زهرة، فعرف بنو زهرة أنهم ممنوعون، وَكَانَ أمية حليما، فلما رأى ذَلِكَ أتى عمه المطلب فَقَالَ: يَا عماه قد وهبت الضربة لبني عمي

أبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي،

فاصطلحوا، وَهَذَا الْيَوْم يسمى يَوْم عز الركب، ويوم الصلح فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزبعرى: نحن منعنا من الإجلاء إخوتنا ... لما أنخت مطايا القوم حالينا لما رأوا مكفهرا لا كفاء لَهُ ... من شر سهم وناداهم منادينا بأن أقيموا وأصبح ليل إن لنا ... أمرا سيكفيهم منا ويكفينا [1] وَقَالَ أَبُو عبيدة: هَذَا الشعر فيما أحسب قيل فِي الإِسْلام، وقاله بعض بني سهم، وَقَالَ بعض بني زهرة الَّذِي ضرب الية أمية ذو الفرية. وَقَالَ أَبُو اليقظان: أراد بنو عبد مَنَاف أن يأخذوا المفتاح من بني عَبْد الدار، فأعانهم قَيْس بْن عدي فلم يؤخذ. وَقَالَ أَبُو اليقظان: وثب أَبُو جهم بْن حُذَيْفَة العدوي عَلَى أمية بْن خلف الجحمي فلطمه لأمر جرى بينهما، فوثبت جمح عَلَى بني عدي فغلبوهم، فأعانهم عدي بْن قَيْس بْن عدي عَلَى بني جمح فلم يقدروا عَلَى مضرتهم وَقَالَ: سأحنو عَلَى حيي عدي مسيرا ... خفارتهم مَا بين أذني ومنكبي تأشب عيصي [2] مَا حييت وعيصهم ... تأشب عيص الغيضة المتأشب ومن ولد قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم: أَبُو قَيْس بْن الْحَارِث بْن قَيْس بْن عدي، هاجر إلى الحبشة في المرة

_ [1] ليست في شعر عبد الله بن الزبعرى المطبوع. [2] العيص: الشجر الملتف. القاموس.

عبد الله بن الزبعرى بن قيس،

الثانية، فيقال إنه قدم مَعَ جَعْفَر، ويقال قبل ذَلِكَ، واستشهد يَوْم اليمامة فِي أيام أَبِي بَكْر. وسعيد بْن الْحَارِث هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وقتل يَوْم اليرموك. وتميم بْن الْحَارِث هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، واستشهد يَوْم أجنادين فِي الشام. وعَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِث هاجر إِلَى أرض الحبشة مَعَ إخوته فِي المرة الثانية، ومات بالحبشة. والحجاج بْن الْحَارِث يقال إنه هاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، وقدم الْمَدِينَة بعد هجرة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد بالشام، ويقال إنه لم يكن لَهُ هجرة إِلَى أرض الحبشة، والواقدي يثبتها. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: لم يهاجر، وأسر يَوْم بدر، ثُمَّ أسلم بعد. والحارث بْن الْحَارِث يقال هاجر إِلَى أرض الحبشة، وليس ذَلِكَ بثبت، ولكنه استشهد بالشام. والسائب بْن الْحَارِث، هاجر إِلَى الحبشة، وقدم الْمَدِينَة بعد الهجرة، ومات من جراحة أصابته يَوْم الطائف، ويقال بل استشهد بالشام، والواقدي يثبت هجرته إِلَى الحبشة، وبعضهم لا يثبتها. ومن ولد قَيْس بْن عدي: عَبْد اللَّهِ بْن الزبعرى بْن قَيْس، وَكَانَ يهجو النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه يَقُول حسان بْن ثَابِت الأَنْصَارِيّ: أَلا ترون بأني قد ظلمت إذا ... كَانَ الزبعرى لنعلي ثابت خطرا [1]

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 346.

ومنهم: خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم،

وأباح رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يَوْم الفتح، فأسلم قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ. وَمَدَحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِمَ يعرض لَهُ، ولما أسلم ابْن الزبعرى قال لحسان: تعالى حَتَّى نتهاجى فإنك كنت تهجوني وجبريل معك، فَقَالَ حسان: إني لا أهجو من دخل فِي الإِسْلام. ومنهم: خنيس بْن حذافة بْن قَيْس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم، أسلم وهاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم إِلَى مَكَّةَ، وهاجر إِلَى الْمَدِينَة مَعَ الْمُسْلِمِينَ فمرض ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر وَهُوَ مَعَهُ، وتوفي مقدم رَسُول اللَّهِ من بدر فصلى عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفنه إِلَى جنب عُثْمَان بْن مظعون وَلا عقب لَهُ، وكانت عند خنيس حفصة بِنْت عمر، فخلف عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأم خنيس بْن حذافة: ضعيفة بِنْت حذيم من بني سهم، وَكَانَ خنيس يكنى أبا حذافة، ويقال أبا الأخنس. وعَبْد اللَّهِ بْن حذافة بْن قَيْس أخو خنيس، أسلم وهاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله بكتابه إِلَى كسرى بْن هرمز يدعوه إِلَى الإِسْلام، وأمره أيام منى أن ينادي: إنها أيام أكل وشرب، وَكَانَ عَمْرو بْن الْعَاصِ ولاه الإسكندرية، فأسرته الروم، فكتب عمر إِلَى قسطنطين يتوعده بان يغزوه بنفسه إن لم يخل سبيل عَبْد اللَّهِ بْن حذافة فخلاه فمات عَبْد اللَّهِ فِي أيام عُثْمَان بْن عَفَّان. وقيس بْن حذافة هاجر مَعَ إخوته إِلَى الحبشة، وبعض الرواة يدفع هجرته والواقدي يثبتها، ويقول قدم من الحبشة بعد هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المدينة.

العاص بن قيس بن عبد قيس بن عدي

ومن بني قَيْس بْن عدي أَيْضًا: العاص بْن قَيْس بْن عَبْدِ قَيْس بْن عدي قتل يَوْم بدر كافرا. ومن بني سَعْد بْن سهم أَيْضًا: عروة بْن قَيْس بْن حذافة بْن سَعْد قتل يَوْم بدر. ومنبه ونبيه ابنا الْحَجَّاج بْن عَامِر بْن حُذَيْفَة بْن سَعْد بْن سهم، كانا شريفين فِي الجاهلية، وكانا ممن يؤذي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كتبنا خبرهما فِي أول كتابنا، وقتلا يَوْم بدر كافرين، وكانا من المطعمين. وقتل العاص بْن منبه يَوْم بدر أَيْضًا وَكَانَ لَهُ ذو الفقار سيف النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال كَانَ لمنبه، ويقال كَانَ لنبيه. والثبت أنه كَانَ للعاص بْن منبه. وولد سَعِيد بْن سَعْد: أسد بْن سَعِيد، وحذيم بْن سَعِيد، وصبيرة، وحذيفة وأمهم أم الخير بِنْت سَعِيد بْن سهم، فعاش صبيرة دهرا ويقال مائة سنة، ولم يشب، وله يَقُول الشاعر: حجاج بيت الله إنّ صبي ... رة السّهمي ماتا سبقت منّيته المس ... يب وَكَانَ ميتته افتلاتا [1] فتزودوا لا تهلكوا ... من دون أهلكم خفاتا ومن ولد صبيرة: أَبُو وداعة بْن صبيرة أسر يَوْم بدر، وابنه: المطلب بْن أَبِي وداعة كَانَ شريفا، وإسماعيل بْن جامع بْن إِسْمَاعِيل بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب بْن أَبِي وداعة المغني فِي أيام هَارُون الرشيد، وعامر بْن أَبِي عوف بْن صبيرة قتل يَوْم بدر كافرا، هُوَ وأخوه عاصم بن أبي عوف،

_ [1] افتلت: مات فجأة. القاموس.

وهاشم بن سعيد،

وكثير بن كثير بن المطلب كان يحدث عَنْهُ، وَكَانَ شاعرا شيعيا، وَهُوَ الَّذِي يَقُول لعمر بْن عَبْدِ العزيز: يَا عمر بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ ... إن وقوفي بفناء الأبواب يدفعني الحاجب بعد البواب ... يعدل عند الحر دق الأنياب وله شعر فِي التشيع منه قوله: لعن اللَّه من يسب عليا ... وحسينا من سوقة وإمام وكانت أم المطلب بْن أَبِي وداعة ابنة الزُّبَيْر بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْن هاشم، وَكَانَ ينزل الْمَدِينَة، وله بِهَا دار، وله عقب بِمَكَّةَ. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ ولد المطلب بْن أَبِي وداعة: حرب بْن أَبِي شيخ بْن المطلب، كَانَ من فتيان قُرَيْش، وَكَانَ مَعَ يَزِيد بْن المهلب بخراسان، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: يَا حرب إنك قد مضيت لطية [1] ... ظلت مفرفة وبين مقطع وَكَانَ المطلب بْن السائب بْن أَبِي وداعة عَلَى ابنة سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ، وولد سَعِيد بْن سهم: مهشم بْن سَعِيد، وهاشم بْن سَعِيد، وهشام بْن سَعِيد، وهشيم بْن سَعِيد، وأمهم عاتكة بِنْت عَبْد العزى بْن قصي. فمن بني سَعِيد بْن سهم: العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بْن سهم، وَكَانَ ممن يعادي النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم ويؤذيه.

_ [1] الطية: الضمير والنية. القاموس.

فأما عمرو بن العاص:،

ولما تُوُفِّيَ الْقَاسِم بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَالَ العاص بْن وائل: قد انقطع نسل مُحَمَّد وَهُوَ أبتر. فأنزل الله: (إن شانئك هو الأبتر) [1] . فولد العاص: عَمْرو بْن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأمه النابغة بِنْت خزيمة، وَهِيَ امْرَأَة من عترة سبيئة، يقال إنها ممن سقط إِلَى مَكَّةَ. وهشام بْن العاص وأمه حرملة بِنْت هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ. وَقَالَ أَبُو اليقظان: يروى فِي الحديث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «ابنا العاص مؤمنان» ] . فأما عَمْرو بْن الْعَاصِ:، ويكنى أبا عَبْد اللَّهِ، فإن الْمُسْلِمِينَ لما هاجروا إِلَى الحبشة، بعثته قُرَيْش فِي عدة من المشركين إِلَى النجاشي ليكيدوهم عنده ويسألوه إخراجهم عَن بلاده، وجعلوا لَهُ جعلا، وشرطوا لَهُ شروطا، فأبى إجابتهم إِلَى مَا سألوا، وجعل يحقق أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويخبرهم بصدقه، فانصرفوا إِلَى مَكَّةَ. فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عن الواقدي عن ابن أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سُهَيْلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَسْلَمْتُ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، وَبَايَعْتُهُ عَلَى الإِسْلامِ، فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ، وَنَحْنُ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمَّا رَجِعَ مِنْ خَيْبَرَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَعْلَمْتُهُ قُدُومِي رَاغِبًا فِي الْهِجْرَةِ، وَفِي إِظْهَارِ الإِسْلامِ، وَأَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ أَثَرِي وَغِنَائِي فِي الإِسْلامِ، فَطَالَمَا كُنْتُ عَوَّنًا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «الإسلام يجبّ ما قبله» .

_ [1] سورة الكوثر- الاية: 3.

فلما كَانَ هلال جمادى الآخرة بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جيفر وعبد ابني الجلندي، وكتب إِلَيْهِمَا كتابا فانتهى إِلَى عمان، وَكَانَ الملك جيفر فاخبرته خبر النجاشي وإسلامه، فَقَالَ: أنظر مَا تقول، فقلت: مَا خلة أفضح لرجل من كذب، وَمَا يستحل الكذب فِي ديننا. فَقَالَ: تكلم بهذا الكلام عبدا، ففعلت فأجابا إِلَى الإِسْلام، وصدقا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخليا بيني وبين الصدقة، والحكم فيما بينهم، فلم أزل مقيما معهما حَتَّى بلغتني وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الثبت من خبر عَمْرو بْن الْعَاصِ أنه قدم عَلَى النَّبِيّ مسلما فِي صفر سنة ثمان قبل فتح مَكَّة بأشهر، وَكَانَ الفتح فِي شهر رمضان، فوجهه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جمادى الآخرة سنة ثمان إِلَى ذات السلاسل فِي سرية، ومعه أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْن الْجَرَّاحِ، فلقي العدو من قضاعة، وعاملة، ولخم، وجذام، وكانوا مجتمعين، ففضهم وقتل منهم بشرا كثيرا، ثُمَّ بعث بِهِ إِلَى ابني الجلندي: عبد، وجيفر، بعمان فأسلما وَكَانَ أميرا عليهما، ومعه أَبُو زَيْد الأَنْصَارِيّ عَلَى الصلاة، وأخذ الإِسْلام عَلَى النَّاس، وتعليمهم الْقُرْآن، فلم يزل عَمْرو بعمان حَتَّى قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعمرو بْن العاص هُوَ الَّذِي فتح مصر ونواحيها فِي أيام عمر، وعزله عُثْمَان عَنْهَا فَقَالَ لَهُ: يَا عَمْرو أعلمت أن اللقاح قَدْ دَرَّتْ بَعْدَكَ أَلْبَانُهَا؟ فَقَالَ: لأَنَّكُمْ أَعْجَفْتُمْ أَوْلادَهَا، وله أخبار مَعَ عُثْمَان ومعاوية وقد ذكرناها فِي مواضعها فِي هَذَا الكتاب.

وتوفي عَمْرو بْن الْعَاصِ فِي أيام مُعَاوِيَة بمصر، وَهُوَ عامله عَلَيْهَا يَوْم الفطر سنة اثنتين وخمسين، وذلك قول الْهَيْثَم بْن عدي [1] . حَدَّثَنِي حفص بْن عُمَرَ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيّ هِشَام بْن مُحَمَّد عَن عَوَانَة قَالَ: لما اشتدت علة عَمْرو بْن الْعَاصِ بمصر وشارف الموت قَالَ لَهُ ابنه عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو: يَا أبه كنت تقول ليتني أرى رجلا عاقلا عند نزول الموت يحدثني بما نجد وقد نزل بك مَا ترى وعقلك معك فصف الَّذِي تجده؟ فَقَالَ: يَا بني كأن جنبي فِي طخت [2] وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يجر من قدمي إِلَى هامتي، ثُمَّ قَالَ متمثلا بقول أمية بْن أَبِي الصلت الثَّقَفِيّ اليهودي: ليتني كنت قبل مَا قَدْ بدا لِي ... فِي رؤوس الجبال أرعى الوعولا اجعل الموت نصب عينك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا [3] ليتني كنت حيضا عركته الإماء بدرين الإذخر [4] ، ثُمَّ مد يديه فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا أنا ذو براءة فاعتذر وَلا ذو قوة فأنتصر. اللَّهُمَّ إني مذنب مستغفر. وَحَدَّثَنِي حفص بْن عُمَرَ العمري عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيّ والهيثم بْن عدي، عَن عَوَانَة عَن أَبِيهِ قَالَ: جعل عَمْرو بْن الْعَاصِ يَقُول حين نزل بِهِ الأمر:

_ [1] لحق ترجمة عمرو بن العاص في طبقات ابن سعد ج 4 ص 254 سقط من أولها، لذا لم ترد هذه الروايات في المطبوع. [2] أي طست. [3] ديوان أمية بن أبي الصلت ص 451. [4] الاذخر: الحشيش الأخضر، وهو طيب الريح يسقف به البيوت فوق الخشب. والدرين: حطام المرعى إذا تناثر وسقط على الأرض. النهاية لابن الأثير. معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس.

اللَّهُمَّ إنك أمرتنا فلم نأتمر، وزجرتنا فلم ننزجر، اللهم فإنا لا نعتذر ولكن نقر ونستغفر. قَالَ ولما احتضر قَالَ لابنه: ائتني بجامعة فشد بِهَا يدي إِلَى عنقي ففعل، ثُمَّ رفع طرفه إِلَى السماء فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنك أمرتني فعصيت أمرك، ونهيت فجزت نهيك، ولست عزيزا فأنتصر، ولا بريئا فاعتذر، ولكني أشهد أن لا إله إِلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك. ثُمَّ قَالَ لابنه: إذا مت فعجّل أمري، وإذا دفنتني فعجّل الانصراف فو الله مَا أحسبكم تنصرفون حَتَّى تسمعوا صوتا. وَقَالَ أَبُو اليقظان: لما احتضر عَمْرو قَالَ: خدوا لِي الأرض خدا، وسنوا عَلَى التراب سنا، ووضع إصبعه فِي فمه وضع المفكر المتندم حَتَّى مات، وَكَانَ يَوْم مات ابْن ثلاث وتسعين سنة، وصلى عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ ابنه، ثُمَّ صلى بِالنَّاسِ يَوْم الفطر. وَقَالَ غير أَبِي اليقظان: مات وله ثمان وثمانون سنة، والله أعلم [1] .

_ [1] بهامش الأصل: «في صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهدي قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت يبكي طويلا، وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول له: ما يبكيك يا أبتاه؟ أما بشرّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشرك رسول الله بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعدّ شهادة أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، إني كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو متّ على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي فقال: «مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن اشترط، قال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الاسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله» ؟ وما أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم

فأما عبد الله

فولد عَمْرو بْن الْعَاصِ: عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو رَضِيَ اللَّهُ عنهما، ويكنى أبا مُحَمَّد، وأمه ريطة بِنْت منبه بْن الْحَجَّاج السهمي. وَمُحَمَّد بْن عَمْرو وأمه ريطة أَيْضًا، ويقال غيرها. فأما عَبْد اللَّهِ فأسلم قبل أَبِيهِ، وَكَانَ صالحا ومات سنة خمس وستين وَهُوَ ابْن اثنتين وسبعين سنة، وقد حفظ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عَن أَبِي بَكْر وعمر وقد ذكرنا خبره فِي يَوْم صفين. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو صحبة، واستأذن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أن يكتب مَا يسمع، فكتب وَكَانَ يَقُول: مَا شَيْء فِي الأرض أعز علي من كتاب كتبته عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ضيعتي الوهط [1] ، وَقَالَ: مَا سرني أن لِي أبا عير عَمْرو بْن الْعَاصِ، وقاتل يَوْم صفين طاعة لأبيه، ولم يقره مُعَاوِيَة عَلَى عمل أَبِيهِ. فولد عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بن العاص: محمد بن عبد الله بن عمرو، فولد مُحَمَّد: شعيب بْن مُحَمَّد. فولد شعيب عَمْرو بْن شعيب. وَكَانَ عَمْرو بْن شُعَيْب بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ بْن وائل بْن هاشم بْن سَعِيد بْن سهم فقيها راوية للحديث، وَكَانَ عمرو بن شعيب سريا، ربما ولا أحلى في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن املأ عيني منه ولو متّ على تلك الحال لرجوت ان أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا متّ فلا تصحبني نائحة، ولا نار، فإذا دفنتموني فسنّوا على التراب سنّا ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى استأنس بكم وانظر ماذا أراجع به رسل ربي» . كتبته لكثرة فوائده.

_ [1] الوهط: ما كان لعمرو بن العاص بالطائف، وهو كرم كان على ألف ألف خشبة، شرى كل خشبة بدرهم. معجم البلدان.

وأما هشام بن العاص بن وائل أخو عمرو بن العاص،

قسم فِي مجلس واحد صدقة جده خمسين ألفا، وفيه يَقُول الشاعر: يَا عَمْرو إني بأرض غيرها وطني ... نائي المحلة فِي مطل وتمجيج يَا ليت لِي بمكان الوهط منزلة ... من دونها ردم يأجوج ومأجوج وولد عَمْرو بْن شعيب بالطائف، والوهط بالطائف. وَكَانَ شعيب بْن شعيب أخو عَمْرو بْن شعيب سريا، وكانت أم عَمْرو وشعيب ابني شعيب بْن مُحَمَّد من ولد عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وكانت أختهما عائذه بِنْت شُعَيْب بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بْن الْعَاصِ عند حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وكانت فائقة الجمال والعقل. وأما هِشَام بْن العاص بْن وائل أخو عَمْرو بْن الْعَاصِ، وَكَانَ قديم الإِسْلام هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم إِلَى مَكَّةَ للهجرة إِلَى الْمَدِينَة فحبسه أبوه، فلم يزل محبوسا بِمَكَّةَ حَتَّى مات أبوه العاص بْن وائل فِي آخر السنة الأولى من الهجرة، وله خمس وثمانون سنة، ثُمَّ حبسه قومه بعد أَبِيهِ فلم يزل يحتال حَتَّى تخلص وقدم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الخندق، وكانت غزاة الخندق فِي ذي القعدة سنة خمس، وَكَانَ من خيار الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يكنى أبا العاص، فكناه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مطيع، وأمه حرملة بِنْت هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جهل خاله، وخرج مَعَ من وجهه أَبُو بَكْر الصديق إِلَى الشام، فقتل فِي قول الْكَلْبِيّ يَوْم أجنادين، وفي قول الْوَاقِدِيّ باليرموك، وَكَانَ أصغر سنا من عَمْرو بْن الْعَاصِ أخيه، وَلا عقب لهشام بْن العاص. وَقَالَ أَبُو اليقظان: قيل لعمرو بْن العاص أأنت أفضل أم أخوك هِشَام؟ قَالَ: أقول فاحكموا: أمه أم حرملة بِنْت هِشَام بْن الْمُغِيرَةِ، وأمي عنزية، وَكَانَ أحب إِلَى أَبِيهِ مني، والوالد أعلم بولده، وأسلم قبلي، وتلك

مهشم بن سعيد

الفضيلة العظمى، فاستبقنا إِلَى اللَّه فسبقني، فاستشهد يَوْم اليرموك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وأرضاه. [مهشم بن سعيد] ومن بني سَعِيد بْن سهم: عمير بْن رئاب بْن مهشم بْن سَعِيد، كَانَ مَعَ خَالِد بْن الْوَليِد بْن الْمُغِيرَةِ بعين التمر [1] ، فقاتلهم النمر بْن قاسط، وعليها عقة بْن قَيْس بْن البشر، ويقال هلال بْن عقة بْن قَيْس النمري فجرح بشير بْن سَعْد الأَنْصَارِيّ، أَبُو النعمان بْن بشير، ومات فدفن بعين التمر، وأصاب عمير بْن رئاب سهم فاستشهد فدفن إلى جنب بشير بْن سَعْد، وَكَانَ من مهاجرة الحبشة فِي المرة الثانية، وقدم مَعَ جَعْفَر أَوْ قبله وَهُوَ القائل: نحن بنو زَيْد الأغر ومثلنا ... يحامي عَلَى الأحساب عند الحقائق وَكَانَ اسم زَيْد سهم. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: ولد رئاب بْن سهم: سعدا، وسعيدا، وعديا، وأمهم برة بِنْت تيم من خزاعة، وبعضهم يَقُول مرة. وَقَالَ غير الْكَلْبِيّ: عمير بْن رئاب بْن حذافة بْن سَعِيد بْن سهم، وذلك خطأ ... وانشدت لكثير بن كثير بن الْمُطَّلِبِ السهمي. لعن اللَّه من يسب عليا ... وحسينا من سوقة وإمام أيسب المطيبين جدودا ... والكرام الأخوال والأعمام يأمن الوحش والحم ... أم وَلا يأمن الشفيع عند المقام وقد كتبنا أول بيت من هَذِهِ الأبيات مَعَ نسبه.

_ [1] عين التمر: بلدة قريبة من الأنمار غربي الكوفة. معجم البلدان.

نسب بني عدي بن كعب بن لؤي:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم نسب بني عدي بْن كعب بْن لؤي: وولد عدي بْن كعب: رزاح بْن عدي، وعويج بْن عدي، وأمهما حبيبة بِنْت بجالة بْن سَعْد بْن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان. فولد رزاح: قرط بْن رزاح، وأمه حبيبة بنت وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بْن فهر [1] . فولد قرط: عَبْد اللَّهِ وأمه ليلى بِنْت سُلَيْمَان بْن بوي بْن ملكان بْن أفعى من خزاعة. وبعضهم يَقُول ملكان. فولد عَبْد اللَّهِ بْن قرط: رياح بْن عَبْدِ اللَّهِ، وتميم بْن عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ عَبْد اللَّهِ أَيْضًا، وصداد بْن عَبْدِ اللَّهِ، وأمهم خناس بِنْت الأختم بْن عَمْرِو بْنِ خَالِد بْن أمية بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر. وولد رياح بْن عَبْدِ اللَّهِ: عَبْد العزى، وأذاه- بذال معجمة- وأمهما عاتكة بنت عبد مناف بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة.

_ [1] بهامش الأصل: انتهى الربع الثالث.

نفيل بن عبد العزى

[نفيل بن عبد العزى] [خطاب بن نفيل] منهم: أَبُو حفص عُمَر بْن الْخَطَّابِ بْن نفيل بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح بن عدي بْن كعب، وأمه حنتمة بِنْت هاشم بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم بْن يقظة بْن مرة بْن كعب، وَكَانَ نفيل جد عمر شريفا نبيلا تتحاكم إِلَيْهِ قُرَيْش، وزيد بْن الخطاب أخو عمر، وعمهما عبدنهم بن نفيل قتل يوم الفجار. [إسلام عمر] فأما عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فإنه كَانَ شديدا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أسلم فأعز اللَّه بِهِ دينه. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، ثنا حُصَيْنُ بْنُ هِلالِ بْنِ إِسَافٍ، قَالَ: أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ وغيرهما، يَزِيد بعضهم عَلَى بعض قَالُوا: أسلمت فاطمة بِنْت الخطاب أخت عمر وأسلم زوجها سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل، فكانا يتكتمان بإسلامهما عَن عمر، وَكَانَ عمر شديدا عَلَى من أسلم من قومه، وأسلم نعيم بْن عَبْدِ النحام، وإنما سمي النحام لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «دخلت الجنة فرأيت فِيهَا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وسمعت نحمة من نعيم» ] فسمي النحام. قَالُوا: وَكَانَ شريفا وَكَانَ خباب بْن الأرت يختلف إِلَى فاطمة بِنْت الخطاب فيقرئها الْقُرْآن، فخرج عُمَر بْن الْخَطَّابِ ذات يَوْم متوشحا بالسيف، يريد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورهطا من أصحابه ذكروا لَهُ، وأخبر أنهم

مجتمعون فِي بيت عند الصفا، وهم أربعون، أَوْ نيف وأربعون بين رجال ونساء وَكَانَ مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ: عمه حمزة، وعلي، وَأَبُو بكر، فلقيه نعيم بْن عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: أين تريد؟ قَالَ: أريد محمدا هَذَا الصابئ الَّذِي فرق أمر قُرَيْش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، وذم من مضى من آبائها، فأقتله فيرجع الأمر إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، أيظن مُحَمَّد أن قريشا تنقاد لَهُ؟ كلا واللات والعزى، فَقَالَ لَهُ نعيم: قد وَاللَّه غرتك نفسك يَا عمر، أترى بني عبد مَنَاف تاركيك تمشي عَلَى الأرض إذا قتلت محمدا، لا أعلم رجلا جاء قومه بمثل مَا جئت بِهِ، فلئن تركناك لهي السوءة، ولئن نصرناك لتصطلمن. فَقَالَ عمر: إن مَعَ عدي غيرها من قُرَيْش، وأراك تتكلم عَنْهُ وَمَا أظنك إِلا قد تبعته. فسكت نعيم وَقَالَ ارجع إِلَى بيتك فأقم أمره فَقَالَ: وأي أهل بيتي اتبع محمدا؟ قَالَ: فاطمة أختك، وختنك سَعِيد بْن زَيْد قد وَاللَّه أسلما. فَقَالَ عمر: أراك وَاللَّه صادقا، إن سعيدا قد نازع إِلَى مَا كَانَ أبوه يدين بِهِ من خلاف قومه، وتركه أكل ذبائحهم، وحضور أعيادهم. فمضى عمر يريدهما، قَالَ نعيم: وندمت عَلَى إخباري إياه بما أخبرته بِهِ وإني لم أطو أمرهما عَنْهُ كما طويت أمر نفسي. وَكَانَ عمر قد رأى خبابا يختلف إِلَيْهِمَا، قَالَ: فدخل عمر عَلَى أخته وزوجها، وعندهما خباب، ومعه صحيفة فِيهَا سورة طه وَهُوَ يقرئهما إياها، فلما سمعوا حسه تغيب خباب فِي مخدع لهم فِي البيت، وأخذت فاطمة الصحيفة فجعلتها تحت فخذها، فلما دخل عمر قال: ما هذه الهينمة [1] التي سمعت؟ قالا:

_ [1] الهينمة: الصوت الخفي. القاموس.

مَا سمعت شَيْئًا، قَالَ: بلى وَاللَّه لقد بلغني أنكما تابعتما محمدا عَلَى دينه، وبطش بختنه سَعِيد، فقامت فاطمة لتكفه عَنْهُ فضربها فشجها، فلما فعل ذَلِكَ قَالَت أخته وختنه: نعم وَاللَّه لقد أسلمنا، وآمنا بالله وبرسوله فاصنع مَا بدا لك. فلما رأى عمر مَا بأخته من الدم ندم عَلَى مَا صنع، ورق وارعوى، وَقَالَ لأخته: هاتي الصحيفة لأنظر مَا هَذَا الَّذِي جاء بِهِ مُحَمَّد. وَكَانَ عمر كاتبا فَقَالَتْ: لا أفعل حَتَّى تغتسل فإنه كتاب لا يمسه إِلا طاهر، فاغتسل عمر، ثُمَّ اعطته الصحيفة وفيها: طه. فلما قرأ صدرا مِنْهَا قَالَ: مَا أحسن هَذَا الكلام وأكرمه، فلما سمع خباب قوله طمع فِيهِ فخرج وقرأ عَلَيْهِ السورة، وَقَالَ: يَا عمر إني لأرجو أن يكون اللَّه قد خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس يَقُول: [ «اللَّهُمَّ أيد الإِسْلام بأحب الرجلين إِلَيْك بعمر أَوْ عَمْرو بْن هِشَام» ] . قَالَ عمر: فدلني على محمد حتى آتيه فأسلم، فدله عَلَيْهِ، فخرج حَتَّى انتهى إِلَى دار الأرقم المخزومي، فضرب عَلَيْهِم الباب، فلما سمعوا صوته قَالَ الأرقم: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عُمَر بْن الْخَطَّابِ متوشحا بسيفه، فَقَالَ حمزة بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إن كَانَ يريد خيرا بذلناه لَهُ، وإن كَانَ يريد سوى ذَلِكَ قتلناه بسيفه، فأذن لَهُ، فدخل ونهض إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لقيه فِي الحجرة فأخذ بحجزته، أَوْ بمجمع ردائه ثُمَّ جبذه جبذة شديدة، وَقَالَ: «وَاللَّه مَا أراك تنتهي أَوْ ينزل اللَّه بك قارعة. فَقَالَ: جئتك لأؤمن بالله ورسوله، وَمَا جئت بِهِ من عند اللَّه، فقد سمعت قولا لم أسمع مثله قط، فكبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكبيرة عرف أهل البيت بِهَا أنه قد أسلم، وتفرق

أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكانهم ذَلِكَ، وعزوا بإسلام حمزة، وعمر، وعلموا أنهما سيمنعان رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينتصفان لَهُ من عدوه. ولما أسلم عمر نزل جبريل فَقَالَ: قد استبشرنا باسلام عمر. وعلموا أنهما سيمنعان رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينتصفان لَهُ من عدوه. ولما أسلم عمر نزل جبريل فَقَالَ: قد استبشرنا بإسلام عمر. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ ابْن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ: أَسْلَمَ عُمَرُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلا وَعَشْرِ نِسْوَةٍ، فَمَا هُوَ إِلا أَنْ أُسْلِمَ حَتَّى ظَهَرَ الإِسْلامُ بِمَكَّةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تَعْمَدَ يَا عُمَرُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا، قَالَ: وَكَيْفَ تَأْمَنُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلا قَدْ صَبَوْتَ. فَقَالَ لَهُ: أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى أُخْتِكَ وَخَتَنِكَ فَقَدْ صَبَآ وَتَرَكَا دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، فَمَشَى عمر متذمرا حتى أتاهما وَعِنْدَهُمَا خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ، فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ حِسَّ عُمَرَ تَوَارَى فِي الْبَيْتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الَّتِي سَمِعْتُهَا عِنْدَكُمْ؟ قَالَ: وَكَانُوا يَقْرَأُونَ: طه. فَقَالا: حَدِيثٌ تَحَدَّثْنَاهُ بَيْنَنَا. فَقَالَ: لَعَلَّكُمَا قَدْ صَبَأْتُمَا؟ فَقَالَ خَتَنُهُ: أَرَأَيْتَ يَا عُمَرُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ، قَالَ: فَوَثَبَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا فَجَاءَتْ أُخْتُهُ فَدَفَعَتْهُ عَنْ زَوْجِهَا فَنَفَحَهَا نَفْحَةً بِيَدِهِ فَدَمَى وَجْهُهَا، فَقَالَتْ وَهِيَ غَضْبَى: يَا عُمَرُ إِنَّ الْحَقَّ لَفِي غَيْرِ دِينِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: أَعْطُونِي هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي عِنْدَكُمْ أَقْرَأُهُ، وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكُتُبَ، فَقَالَتْ أُخْتُهُ: إِنَّكَ نَجِسٌ، وَإِنَّهُ (لا يمسه

إلا المطهرون) [1] فَقُمْ فَاغْتَسِلْ، أَوْ تَوَضَّأْ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ: «طه» حَتَّى انْتَهَى إِلَى قوله: (إني أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وأقم الصلاة لذكري) [2] . فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرَ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ فَقَالَ: أَبْشِرْ يا عمر فإني أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لَكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: [ «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الدِّينَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ» ،] قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّارِ الَّتِي فِي أَصْلِ الصَّفَا، فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتَّى أَتَى الدَّارَ، وَعَلَى بَابِهَا حَمْزَةُ، وَطَلْحَةُ وَنَاسٌ من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ وَجِلُوا مِنْهُ، فَقَالَ حَمْزَةُ: هَذَا عُمَرُ فَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُسْلِمُ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ يَكُنْ قَتْلُهُ عَلَيْنَا هَيِّنًا، قَالَ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ يُوحَى إِلَيْهِ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى عُمَرَ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَحَمَائِلِ سَيْفِهِ، وَقَالَ: مَا أَرَاكَ يَا عُمَرُ مُنْتَهِيًا حَتَّى يَنْزِلَ بِكَ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ كَمَا نَزَلَ بِالْوَلِيدِ [3] اللَّهُمَّ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَعِزَّ بِهِ الدِّينَ. فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. وَأَسْلَمَ ثُمَّ قَالَ: أَخْرُجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَنُصَلِّي حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلَهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا فَصَلَّيْنَا وَطُفْنَا. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ. ثنا أسد بن موسى، وأبو نعيم

_ [1] سورة الواقعة- الاية: 79. [2] سورة طه- الاية: 14. [3] بهامش الأصل: «كان يقال لفرعون: الوليد بن مصعب» والمقصود هنا حسب التراث فرعون موسى عليه السلام.

قَالا: ثنا سُفْيَانُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كَانَ إِسْلامُ عُمَرَ فَتْحًا، وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ رَحْمَةً، لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُصَلِّيَ وَنَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا نُصَلِّي. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَمَّا أَسْلَمْتُ قُلْتُ: أَيُّ قُرَيْشٍ أَنْقَلُ لِلْحَدِيثِ؟ فَقِيلَ: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا جَمِيلُ هَلْ عَلِمْتَ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَبَايَعْتُ مُحَمَّدًا؟ فَمَا رَاجَعَنِي جَمِيلٌ حَتَّى قَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَقَامَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ: أَلا إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ: كَذَبَ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَدَخَلْتُ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَثَارُوا إِلَيْهِ فَمَا زَالَ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ حَتَّى قَامَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ وَطَلَحَ [1] ، فَقَعَدَ وَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ وَنَالُوا مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: اصنعوا ما شئتم فأقسم لو كنا ثلاثمائة لتركناها لكم أو تركتموها لنا، فبيناهم عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ حَبْرَةٌ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ فَقَالُوا: صَبَأَ عُمَرُ، قَالَ: فَمَهْ؟ رَجُلٌ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا فَمَا تُرِيدُونَ مِنْهُ؟ أترون بني عدي يسلمونه؟ فو الله لَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كَشَفَ عَنْهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُلْتُ لأَبِي بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ إِلَى المدينة: يا أبه من الرجل

_ [1] أي أصيب بالإعياء.

الَّذِي زَجَرَ النَّاسَ عَنْكَ بِمَكَّةَ يَوْمَ أَسْلَمْتَ؟ فَقَالَ: ذَاكَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَاقِدِيُّ وَالْوَلِيدُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمْتُ تَذَكَّرْتُ أَيَّ أَهْلِ مَكَّةَ أَشَدَّ عَدَاوَةٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَقُلْتُ: أَبُو جَهْلٍ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى ضَرَبْتُ بَابَهُ فَخَرَجَ إِلَيَّ وَرَحَّبَ بِي وَقَالَ: مَا جاء بك يا بن أَخِي؟ قُلْتُ: جِئْتُ لأُخْبِرَكَ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَاتَّبَعْتُ مُحَمَّدًا، قَالَ فَصَفَقَ الْبَابَ فِي وَجْهِي، وقال: قبحك الله وقبح ما جئت به. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالُوا: كَانَ عُمَرُ إِذَا لَقِيَ رَجُلا يَقُولُ لَهُ: قَدْ صَبَأْتَ؟ يَقُولُ: كَذَبْتَ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَبَرِئْتُ مِنَ اللاتِ وَالْعُزَّى وَالأَصْنَامِ، وَشَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى لَقِيَهُ الوليد بن المغيرة فقال: يا بن أَخِي أَصَبَأْتَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَا صَبَأْتُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ أَضَنُّ بِدِينِ آبَائِكَ مِنَ أَنْ تَتَّبِعَ أَمْرَ مُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَشَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: إذهب فو الله لَوْ كَانَ أَبُوكَ حَيًّا مَا تَبِعْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ، وَتَرَكْتَ دِينَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْن أَبِي الْمُغِيرَة عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير قَالَ: جاء جبريل عَلَيْهِ السلام النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [ «أقرئ عمر السلام، وأخبره أن رضاه حكم، وغضبه عز» ] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ الأَغَرِّ عَنْ

أَبِيهِ عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ظَهَرَ الإِسْلامُ، وَدُعِيَ إِلَيْهِ عَلانِيَةً، وَجَلَسْنَا حَوْلَ الْبَيْتِ حَلَقًا وَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَانْتَصَفْنَا مِمَّنْ غَلُظَ عَلَيْنَا وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَقِيَنِي ابْنُ الأصدَاءِ وَابْنُ الْغَيْطَلَةِ [1] بِأَجْيَادَ فَخَنَقَانِي حَتَّى غُشِيَ عَلَيَّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لابْنِ الْخَطَّابِ فَخَرَجَ وَأَخَذَ بِيَدِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطُلَيْبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى نَلْقَى ابْنَ الأصدَاءِ فَبَدَرَنَا عُمَرُ إِلَيْهِ وَأَخَذَ بِجَمْعِ ثَوْبِهِ فَخَنَقَهُ بِرِدَائِهِ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، وَانْصَرَفْنَا وَكُنَّا نَطْلُبُ ابْنَ الْغَيْطَلَةِ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَأَسْفَلِهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَالَ فَكُنْتُ أَرَاهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُقْصِرِينَ عَنِّي. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: وُلِدْتُ قَبْلَ الْفِجَارِ الآخَرِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَوُلِدَتْ حَفْصَةُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ سِنِينَ، قَالَ: وَأَسْلَمَ عُمَرُ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَأَشْهُرٍ، وَتُوُفِّيَ لِهِلالِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ هَذَا أَثْبَتُ مَا سَمِعْنَا فِي عُمُرِهِ، وَكَانَتْ أَيَّامُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا، وَيُقَالُ مَاتَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، وَقَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَسْلَمَ أَبِي وَلِي سِتُّ سِنِينَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عن أبيه قال: توفي عمر وله ستون سنة [2] .

_ [1] تقدم ذكرهما في الجزء الأول. [2] ترجمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في طبقات ابن سعد ج 3 ص 265- 378.

وولد لعمر:

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا هشيم عَن عَلِيّ بْن زَيْد عَن سالم بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: تُوُفِّيَ عمر وَهُوَ ابْن ستين سنة. قَالُوا: وولد لعمر: عَبْد اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وعَبْد الرَّحْمَنِ الأكبر، وحفصة، أمهم زينب بِنْت مظعون الجمحي. وزيد الأكبر لا بقية لَهُ، ورقية أمهما أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وزيد الأصغر، وعُبَيْد اللَّهِ قتل مَعَ مُعَاوِيَة يَوْم صفين وقد كتبنا خبره، وأمهما أم كلثوم بِنْت جرول بْن مالك الخزاعي، وَكَانَ الإِسْلام فرق بينهما فراجعها أَبُو الجهم بْن حُذَيْفَة العدوي، وكانت عنده قبل فطلقها ثُمَّ طلقها أَبُو الجهم فراجعها عمر. وعاصم بْن عُمَرَ، وأمه جميلة بِنْت ثَابِت بْن أَبِي الأقلح من الأنصار من الأوس. وعَبْد الرَّحْمَنِ الأوسط وأمه لهية أم ولد وَهُوَ أَبُو المجبر، ويقال هُوَ المجبر لقب. وعَبْد الرَّحْمَنِ الأصغر الَّذِي ضربه عمر، وَلا عقب لَهُ، وَهُوَ أَبُو شحمة. وزينب وَهِيَ أصغر ولد عمر وأمهما فكيهة أم ولد، ويقال أن أم أَبِي شحمة ابنة الْمُغِيرَة المخزومي، وعياض وأمه عَاتِكَةَ بِنْت زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الله بن سابط قال: لما احتضر أبو بَكْرٍ ذَكَرَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالُوا: مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ وَقَدْ عَرَفْتَ فَظَاظَتَهُ وَغِلْظَتَهُ وَشِدَّتَهُ. فَقَالَ أَجْلِسُونِي، أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُونِي؟ أَقُولُ: أَيْ رَبِّ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ علية، ثنا يزيد بن عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ

عمر بن الخطاب

أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصَبْتُ مَالا أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْتَ بِهَا وَحَبَسْتَ أَصْلَهَا» ] فَجَعَلَهَا عُمَرُ صَدَقَةً لا تُبَاعُ وَلا تُوهَبُ وَلا تُوَرَّثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَالْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالضَّيْفِ وَفِي الرِّقَابِ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَيُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالا، قَالَ: وَأَوْصَى بِهَا إِلَى حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، ثم إلى الأكابر فالأكابر من ولده. [عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْيَسَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَوَّلَ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا فِي الإِسْلامِ صَدَقَةُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْعَلاءِ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ حُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: [ «إِنِّي لَسْتُ أَدْرِي مَا بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنَ مِنْ بَعْدِي، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ (ابْنِ) [1] أُمِّ عَبْدٍ» ] . حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ: «أُتِيتُ فِي مَنَامِي بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُهُ حَتَّى رَأَيْتُ الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَشَرِبَ فَضْلَتَهُ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْمُ» ] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الوليد عن الزبيدي عن

_ [1] أضيف ما بين الحاصرتين لاستقامة السياق، وابن أم عبد: عبد الله بن مسعود.

الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ ابن عُلَيَّةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ فَهُوَ يَقُولُ بِهِ» ] . حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: [ «جُعِلَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ، وَفِي قَلْبِهِ» ] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَة، أنبأ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: كنا نتحدث أنه ينطق عَلَى لسان عمر ملك. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ وُضِعَ عِلْمُ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَ عِلْمُ عُمَرَ فِي كِفَّةٍ لَرَجَحَ بِهِ عِلْمُ عُمَرَ. قَالَ: وَقَالَ الأَعْمَشُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنْ كُنَّا لَنَحْسَبُ أَنَّ عُمَرَ قَدِ انْفَرَدَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ. وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَمِرٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: عِلْمُ النَّاسِ مَدْسُوسٌ فِي جُحْرٍ مَعَ عِلْمِ عُمَرَ. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عبيد الطَّنَافِسِيّ فِي إسناد لَهُ لم أحفظه عَن رجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ: دفعت إِلَى مجلس عُمَر بْن الْخَطَّابِ فإذا الفقهاء عنده مثل الصبيان، قد استعلى عَلَيْهِم فِي فقهه وعلمه. حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن علي الأسود ثنا مُحَمَّد بْن الفضل عَن الأشعث عَن عامر الشَّعْبِيّ قَالَ: إذا اختلف النَّاس فِي أمر فانظر كيف قضى فِيهِ عمر، فإنه لم يكن يقضي فِي أمر لم يقض فِيهِ من قبله حَتَّى يشاور.

حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَلأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلأَبِي ذَرٍّ: مَا هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ولم يَدَعْهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى مَاتَ إِلا عَبْدُ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ عَن صَالِح بْن كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قَالَ لعمر «الفاروق» ، ولم يبلغنا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر من ذَلِكَ شَيْئًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سعد: ثنا مُحَمَّدُ الأَزْرَقِيِّ الْمَكِّيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «أن اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ، وَقَلْبِهِ، وَهُوَ الْفَارُوقُ فَرَقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ» ] . حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ عَنْ مُوسَى بْنُ دَاوُدَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنْ كَلامٍ وَلا أَنْفَعُ مِنْ كَلامٍ، أَخَذْتُ مَضْجَعِي فَسَمِعْتُ قَائِلا يَقُولُ: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الْمَنْزِلِ، خُذُوا مِنْ دُنْيَا فَانِيَةٍ لآخِرَةٍ بَاقِيَةٍ وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَعَادِ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لا قَلِيلٌ مِنَ الأَجْرِ، وَلا غَنِيٌّ عَنِ اللَّهِ، وَلا عَمَلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَصْلَحَ اللَّهُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ. الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابْنِ جعدبة قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْهُ يَقُولُ: النَّاس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، قَالَ: وَكَانَ عمر يَقُول: أطيب طيبكم الماء. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَدَّمَ فَضْلَ الْمَالِ وَأَمْسَكَ فَضْلَ الْكَلامِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ ثنا يَعْمُرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، أنبأ

يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَنَّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَعَا بِقَمِيصٍ لَهُ جَدِيدٍ فَلَبِسَهُ قَالَ أَحْسَبُهُ بَلَغَ تَرَاقِيَهُ حَتَّى قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا، فَمَا أَحْسَبُهَا بَلَغَتْ تَرَاقِيَهُ حَتَّى قَالَ مِثْلَ مَا قُلْتُ، وَذَكَرَ كَلامًا» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حرب، ثنا عبد العزيز بن أَبِي رَوَّادٍ، ثنا نَافِعٌ أَنَّ مُؤَذِّنًا لِعُمَرَ يُقَالُ لَهُ مَسْرُوحٌ أَذَّنَ بِلَيْلٍ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُعِيدَ وَيُنَادِي: إِنَّ مَسْرُوحًا وَهِمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الأُوَيْسِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: غَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ أُمِّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَهِيَ ابْنَةُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ، وَكَانَ اسْمُهَا عَاصِيَةَ، فَسَمَّاهَا جَمِيلَةَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ: إِنَّ اسْمِي عَاصِيَةُ فَسَمِّنِي، قَالَ: أُسَمِّكِ جَمِيلَةً، وَرَآهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ لَهُ: اسْمِي عَاصِيَةُ، فَسَمِّنِي فَقَالَ: «أَنْتِ جَمِيلَةٌ» فَقَالَتْ: كَذَا سَمَّانِي عُمَرُ، فَقَالَ: «أَمَا عَلِمْتِ إن الله جعل الحق على لسان عمر وَيَدِهِ» ؟. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حماد بن زيد، ثنا يَزِيدُ بْنُ حَازِمٍ أنبأ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بِضَجْنَانَ [1] فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَرْعَى غَنَمَ الْخَطَّابِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَكَانَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ فَظًّا غَلِيظًا، ثُمَّ أَصْبَحْتُ الْيَوْمَ وَأَمْرُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِلَيَّ وَتَمَثَّلَ:

_ [1] ضجنان: جبل على بريد من مكة. معجم البلدان.

لا شَيْءَ مِمَّا تَرَى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ... يَبْقَى الإِلَهُ وَيَفْنَى الْمَالُ وَالْوَلَدُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَكَمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: حَجَّ عُمَرُ فَلَمَّا كَانَ بِضَجْنَانَ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، لَقَدْ كُنْتُ أَرْعَى إِبِلَ الْخَطَّابِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فِي مِدْرَعَةِ صُوفٍ، وَكَانَ فَظًّا غَلِيظًا يَتَعَنَّتَنِي إِذَا عَمِلْتُ، وَيَضْرِبُنِي إِذَا قَصَّرْتُ، وَقَدْ أَمْسَيْتُ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ أَحَدٌ. وَتَمَثَّلَ: لا شَيْء فِيمَا تَرَى تَبْقَى بَشَاشَتُهُ ... يَبْقَى الإِلَهُ وَيَفْنَى الْمَالُ وَالْوَلَدُ لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزَ يَوْمًا خَزَائِنُهُ ... وَالْخُلْدَ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوا وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ قَالا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ عُمَرَ قَافِلِينَ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِشِعَابِ ضَجْنَانَ وَقَفَ وَوَقَفَ النَّاسُ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي هَذَا الْمَكَانِ وَأَنَا فِي إِبِلِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ فَظًّا غَلِيظًا، أَخْبِطُ عَلَيْهَا مَرَّةً، وَأَحْطَبُ أُخْرَى، ثُمَّ أَصْبَحْتُ الْيَوْمَ يَضْرِبُ النَّاسُ بِجَنَبَاتِي لَيْسَ فَوْقِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ تَمَثَّلَ هَذَا الْبَيْتَ: لا شيء فيما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإِلَهُ وَيَفْنَى الْمَالُ وَالْوَلَدُ قَالَ وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بَيْتَيْنِ آخَرَيْنِ هُمَا قَوْلُهُ: لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزَ يَوْمًا خَزَائِنُهُ ... وَالْخُلْدَ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوا حَوْضٌ هُنَالِكَ مَوْرُودٌ بِلا كَذِبٍ ... لا بُدَّ مِنْ وِرْدِهِ يَوْمًا كَمَا وَرَدُوا وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد: سألت عَن منزل عمر فِي الجاهلية، فقيل لِي كَانَ ينزل فِي أصل الجبل الَّذِي يقال لَهُ اليوم جبل عمر، وَكَانَ يسمى العاقر، فنسب إِلَى عُمَرَ، وبه كَانَتْ منازل بني عدي بْن كعب.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ» .] فَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ. قَالُوا: ولما هاجر عمر إِلَى الْمَدِينَة نزل على رفاعة بن عبد المنذر بقباء، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عمر وأَبِي بَكْرٍ، وبينه وبين عويم بْن ساعدة، ويقال بينه وبين معاذ بْن عفراء، وأقطعه رَسُول اللَّهِ منزله وخطه لَهُ، وشهد عمر بدرا، وأحدا والخندق، وجميع المشاهد، وَكَانَ ممن انكشف يَوْم أحد ممن غفر لَهُ، وخرج فِي عدة سرايا كَانَ أَمِير بعضها. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، ثنا عَوْفٌ عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَعْطَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَر بْنَ الْخَطَّابِ اللِّوَاءَ بِخَيْبَرَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: أَنْشِدْنِي لأَشْعَرِ شُعَرَائِكُمْ زُهَيْرٍ، قُلْتُ: وَكَيْفَ جَعَلْتَهُ أَشْعَرَ شُعَرَائِنَا؟ قَالَ: لأَنَّهُ كَانَ لا يُعَاظِلُ [1] بَيْنَ الْكَلامِ، وَلا يَطْلُبُ حُوشِيَّهُ، وَلا يَمْدَحُ الرَّجُلَ إِلا بِمَا يَكُونُ فِي الرِّجَالِ، وَقَالَ عُمَرُ: أَشْعَرُ الشُّعَرَاءِ مَنْ يَقُولُ: فَلَسْتُ بِمُسْتَبْقٍ أَخًا لا تَلُمُّهُ ... عَلَى شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ الْمُهَذَّبُ وَهُوَ النَّابِغَةُ [2] .

_ [1] عاظل في الكلام: حمل بعضه على بعض. [2] ديوان النابغة الذبياني- ط. دار صادر، بيروت ص 18.

سبب تأخر اسلام عمر

الْمَدَائِنِيّ عَن عَلِيّ بْن هاشم عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سمعت زَيْد بْن علي يَقُول مَا البراءة من أَبِي بَكْر وعمر إِلا كالبراءة من عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهم أجمعين. [سبب تأخر اسلام عمر] الْمَدَائِنِيّ عَن عِيسَى بْن زَيْد بْن دأب وَابْن جعدبة عَن صَالِح بْن كيسان وغيره قَالُوا: كَانَ إسلام عمر متأخرا، أسلم أخوه زَيْد بْن الخطاب قبله، وَكَانَ سبب تأخر إسلامه أنه خرج إِلَى الشام ومعه مال فلقيه قوم فخافهم فألقم المال ناقته فَقَالُوا: إنا ننكر سقوط عيني هذه الناقة وإنا لنحسبه قد ألقمها مالا كَانَ مَعَهُ فنحروها واستخرجوا الدنانير من بطنها، وَقَالَ بعضهم بل قاتلوه وأخذوا المال منه وشقوا مَا بين قصه إِلَى ثنته، فوأل [1] إِلَى أهل بيت من العرب فعالجوه، وأقام بالشام سنين وَقَالُوا سنتين وَقَالَ: متى ألق زنباع بْن روح ببلدة ... إِلَى النصف منه يقرع السن من ندم ثُمَّ شخص إِلَى الْمَدِينَة وَقَالَ: يَا ليت قد فصلن من معان ... يحملن من زيت ومن دهان وزعفران كدم الغزلان فقدم مَكَّة فكانت فِيهِ غلظة عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فمر بثقل عامر بْن رَبِيعَة، وَهُوَ يريد الخروج إِلَى الحبشة مهاجرا فَقَالَ لامرأته: إِلَى أين يَا أم عَبْد اللَّهِ؟ قَالَت: إِلَى أرض اللَّه الواسعة إذ آذيتمونا حَتَّى يجعل اللَّه لنا فرجا ومخرجا، قَالَ: صحبكم اللَّه. فرأت منه رقة فأخبرت زوجها بِذَلِكَ فَقَالَ: أَوْ طمعت فِي إسلامه، لا يسلم حَتَّى يسلم حمار الخطاب. ثُمَّ إنه أسلم. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ، أنبأ الحسن بن

_ [1] القص: الصدر أو رأسه، والثنة: العانة، ووأل: التجأ. القاموس.

عمر بن الخطاب

[عمر بن الخطاب] صَالِح عَنْ أَبِي الجحاف عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر شاعرا، وَكَانَ عمر شاعرا، وَكَانَ عَلِيّ بْن أَبِي طالب شاعرا. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ يَحْيَى بْن آدَمَ عَن الْحَسَن عَن أَبِي الجحاف عَن عامر الشَّعْبِيّ بمثله، وزاد فِيهِ: وَكَانَ عَلَى أشعر الثلاثة. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَشْيَاخٍ حَدَّثُوهُ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسِيرُ يَوْمًا إِذْ ظَلَعَتْ نَاقَتُهُ فَعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ مَعَهُ نَاقَةٌ فَرَكِبَهَا عُمَرُ فَقَالَ: كَأَنَّ رَاكِبَهَا غُصْنٌ بِمِزْوَدَةٍ ... إِذَا تَخَطَّتْ بِهِ أَوْ شَارِبٌ ثَمِلٌ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ الظَّرِبِ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي حَالَكَ فِي جَاهِلِيَّتِكَ وَإِسْلامِكَ. قَالَ: أَمَّا جَاهِلِيَّتِي فَمَا نَادَمْتُ إِلا لِمَّهْ وَلا حُمْتُ عَنْ بُهْمِهِ [1] ، وَلا صَبَوْتُ إِلَى أُمَّهْ وَلا رَآنِي رَجُلٌ إِلا فِي نَادِي عَشِيرَةٍ، أَوْ خَيْلٍ مُغِيرَةٍ، أَوْ حِمْلِ جَرِيرَةٍ، فَأَمَّا مُذْ أَسْلَمْتُ فَلَسْتُ مُزَكِّيًا نَفْسِي، فَقَالَ عُمَرُ: أَحْسَنْتَ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوِ اسْتَطَعْتَ الأَذَانَ مَعَ الْخَلِيفَا [2] لأَذَّنْتُ. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الواقدي عَنْ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ صَالِحِ بْن كَيْسَانَ قال: حج عمر، فحدا بهم رياح الْمُغْتَرِفِ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَلَمَّا قَطَعَ قَالَ له عمر: خذ في غنائك.

_ [1] اللمة: الجماعة والصحابة ما بين الثلاثة إلى العشرة، أو أصحاب السن الواحدة، والبهمة، الخطة الشديدة أو الأمر المشكل، وابن الظرب هو عامر بن الظرب العدواني، سيد مضر وحكمها وفارسها. [2] بهامش الأصل: يعني الخلافة.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَن صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ أَعْوَرَ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ فِي غَزَاةٍ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ عِنْدَهُ على رؤية هلال شهر رَمَضَانَ: بِأَيِّ عَيْنَيْكَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: بِشَرِّهِمَا يَعْنِي الصَّحِيحَةَ. فَقَالَ عُمَرُ وَإِنْ أَفْطَرْتَ فَمَا أَنْتَ صانع؟ قال: أفطر معكم، فَقَبِلَ قَوْلَهُ. حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن عَمِّهِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الإِجَابَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ الاسْتِغْفَارَ لَمْ يُمْنَعَ الْقَبُولَ، قَالَ اللَّهُ تعالى: (ادعوني أستجب لكم) [1] وقال: (لئن شكرتم لأزيدنكم) [2] وقال: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) [3] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لَهُ، وَقَالَ: [ «يَا أَخِي أَشْرِكْنَا فِي صَالِحِ دُعَائِكَ وَلا تَنْسَنَا» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن نمير عَنِ الأَعْمَشِ عَن أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ عَبْد اللَّهِ: أفرس النَّاس ثلاثة أَبُو بَكْرٍ وعمر وصاحبه مُوسَى حين قَالَت: (اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) [4] وصاحبة يوسف [5] .

_ [1] سورة غافر- الاية: 60. [2] سورة ابراهيم- الاية: 7. [3] سورة نوح- الاية: 10. [4] سورة القصص- الاية: 26. [5] انظر سورة يوسف- الآيات: 51- 53.

حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَاكُسَائِيُّ، ثنا الْفَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَنِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِفَمِهِ كُلِّهِ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، كَانَ يَكْسُوهُمُ اللِّينَ، ويلبس الخشن، وَيُطْعِمُهُمُ الطِّيبَ، وَيَأْكُلُ خُبْزًا مَغْلُوثًا [1] ، وَأَعْطَى رَجُلا عَطَاءً وَزَادَهُ أَلْفًا، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ زِدْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَإِنَّهُ ابْنُكَ وَهُوَ لِذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ. فَقَالَ: هَذَا ثَبُتَ أَبُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَبُو هَذَا. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعَجْلِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَوِ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا بِرُومِيٍّ يُقِيمُ لَنَا حِسَابَ فَرَائِضِنَا. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، أنبأ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي الْوَفَاةُ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ، أَوْ قَالَتْ: الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ، فَقَالا: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ؟ قَالَ: عُمَرُ، قَالا: فَمَاذَا أَنْتَ قَائِلٌ لِرَبِّكَ؟ قَالَ: أَبِاللَّهِ تَفْرِقَانِي. أَنَا أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِعُمَرَ مِنْكُمَا، أَقُولُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِم خَيْرَ أَهْلِكَ. الْمَدَائِنِيّ فِي إسناده أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ فِي مرضه الَّذِي مات فِيهِ: أنا ميت فِي مرضي هَذَا، إني رأيت بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني قد فقت ثلاث فوقات فدسعت [2] فِي الآخرة منهن طعاما فمرضت بعده

_ [1] الخبز المغلوث: ما صنع من خليط القمح مع الشعير أو مع الذرة. [2] الدسع: التقيؤ.

مرضتين، وَهَذِهِ الثالثة فأنا ميت. ودخل عَلَيْهِ عدة من أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ: فما تقول فِي عمر؟ قَالَ: قوي أمين وفيه غلظة. فَقَالَ: إني أرى مَا ترون، ولو قد أفضى إِلَيْهِ أمركم لترك كثيرا مما تنكرونه، إني قد رمقته وتأملته فإذا غلطت فِي أمر أراني التسهيل، وإذا لنت فِي أمر تشدد. وسأل عُثْمَان فَقَالَ: خبرني عَن عمر؟ قَالَ: كفى بعلمك بِهِ، قَالَ: لتقولن، قَالَ: علمي بِهِ أنه يخاف اللَّه، وأنا مَا ههنا مثله، (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يرحمك اللَّه) [1] ولو عدوته مَا تركتك، ولخير لَهُ أَلا يلي، فإني رأيت أثقل النَّاس ظهرا من تولى أمرهم. وَقَالَ علي: يَا خليفة رَسُول اللَّهِ أمض رأيك فِي عمر، فما نعلم منه إِلا خيرا. وَقَالَ طَلْحَة والزبير: أتستخلفه مَعَ مَا ترى من فظاظته علينا وأنت فينا. ونازله فِيهِ طَلْحَة، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ إن شاء اللَّه خيركم لكم، ولو وليتك لرفعت نفسك فوق قدرك حَتَّى يكون اللَّه هُوَ يضعك، أتريد أن تزيلني عَن رأيي. الْمَدَائِنِيّ عَن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ آل عَبَّاس بْن مرداس السلمي يدعون قبل آل الشريد، فدعاهم عمر قبلهم، فَقَالَ هوذة بْن أشيم وَهُوَ ابْن أخي عَبَّاس: لقد دار هَذَا الأمر فِي غير أهله ... فأبصر أمين اللَّه أين تريد أتدعى رياح والشريد إمامنا ... وتدعى خثيم قبلنا وطريد فإن كَانَ هَذَا فِي الكتاب فكلكم ... بنو ملك حر ونحن عبيد رياح بْن يقظة، ومالك بْن يقظة، والشريد بْن رياح بْن يقظة بن

_ [1] الإضافة من طبقات ابن سعد ج 3 ص 199.

خطبة عمر عقب توليته

عصية بْن خفاف، ويعني بطريد: مطرود بْن مالك بْن عَوْفِ بْن رغل بْن سليم. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ لِثَمَانِيَ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ، فَاسْتَقْبَلَ عُمَرُ بِوِلايَتِهِ يَوْمَ الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر. [خطبة عمر عقب توليته] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عُمَرُ، حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَقَدِ ابْتُلِيتُ بِكُمْ، وَابْتُلِيتُمْ بِي، وَخُلِّفْتُ فِيكُمْ بَعْدَ صَاحِبِي، فَمَا كَانَ بِحَضْرَتِنَا بَاشَرْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا، وَمَا غَابَ عَنَّا وَلَّيْنَاهُ أَهْلَ الْقُوَّةِ وَالأَمَانَةِ، فَمَنْ أَحْسَنَ جَزَيْنَاهُ حُسْنًا وَمَنْ أَسَاءَ عَاقَبْنَاهُ، وَيَغْفِرُ اللَّهُ لناولكم» . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ كَلامٍ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ حِينَ صَعَدَ الْمِنْبَرِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي شَدِيدٌ فَلَيِّنِّي، وَإِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّنِي، وَإِنِّي بَخِيلٌ فَسَخِّنِي» . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا جرير بن حازم قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ شَهِدَ وَفَاةَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا فَرَغَ عُمَرُ مِنْ دَفْنِهِ نَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ، ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا مَكَانَهُ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ بِي، وَابْتَلانِي بِكُمْ، وَأَبْقَانِي فِيكُمْ بعد صاحبيّ، فو الله لا يَحْضُرُنِي شَيْءٌ مِنْ أَمْرِكُمْ فَيَلِيهِ أَحَدٌ دُونِي، وَلا يَغِيبُ عَنِّي فَآلُو عَنِ اخْتِيَارِ أَهْلِ الْجَزَاةِ وَالأَمَانَةِ لَهُ، فَلَئِنْ أَحْسَنُوا لأُحْسِنَنَّ إليهم، ولئن أساءوا لأنكلنّ بهم» ، قال

خطبة لعمر في أصحابه

الرجل: فو الله مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لِيَعْلَمَ مَنْ وَلِيَ هَذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِي أَنْ سَيُرِيدُهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ عَلَيْهِ، وَإِنِّي لأُقَاتِلُ النَّاسَ عَنْ نَفْسِي قِتَالا، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَقْوَى عَلَيْهِ مِنِّي، لَكَانَ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبُ عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أن أليه وأتقدمه. [خطبة لعمر في أصحابه] حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ قَالا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِيُّ عَنْ أَيُّوبَ وَابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا بِبَابِ عُمَرَ فَمَرَّتْ جَارِيَةٌ فَقَالُوا: سَرِيَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: مَا أَنَا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِسَرِيَّةٍ، وَمَا أَحِلُّ لَهُ إِنِّي لَمِنْ مَالِ اللَّهِ، فَمَا هُوَ إِلا قَدْرُ أَنْ بَلَغْتُ حَتَّى جَاءَ الرَّسُولُ فَدَعَانَا فَقَالَ: مَاذَا قُلْتُمْ؟ قُلْنَا: لَمْ نَقُلْ بَأْسًا، مَرَّتْ بِنَا جَارِيَةٌ فَقُلْنَا هَذِهِ سَرِيَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ مَا أَنَا بِسَرِيَّتِهِ وَلا أَحِلُّ لَهُ فَمَاذَا يَحِلُّ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا أُخْبِرُكُمْ، يَحِلُّ لِي حُلَّتَانِ: حُلَّةُ الشِّتَاءِ، وَحُلَّةُ الْقَيْظِ، وَمَا أَحُجُّ عَلَيْهِ وَأَعْتَمِرُ مِنَ الظَّهْرِ، وَقُوتِي وَقُوتُ أَهْلِي كَقُوتِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَيْسَ بِأَغْنَاهُمْ وَلا بِأَفْقَرِهِمْ، ثُمَّ أَنَا بَعْدُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُصِيبُنِي ما أصابهم. حدثنا خلف بن هشام البزاز، ثنا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ عَنِ الْحَرِيرِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ الْوَحْيُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا أَعْرِفُكُمْ بِمَا تُظْهِرُونَ، فَمَنْ أَظْهَرَ خَيْرًا ظَنَنَّا بِهِ خَيْرًا، وَمَنْ أَظْهَرَ شَرًّا ظَنَنَّا بِهِ شَرًّا، فَأَحْبَبْنَا ذَلِكَ وَأَبْغَضْنَا هَذَا، وَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ لا يقرأ القرآن أحد إلا الله، وَقَدْ خُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّ

قَوْمًا يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ يُرِيدُونَ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ مَا عِنْدَ النَّاسِ فَأَرِيدُوا اللَّهَ بِعِلْمِكُمْ وَقِرَاءَتِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَبْعَثُ عُمَّالِي عَلَيْكُمْ لِيَضْرِبُوا أَجْسَادَكُمْ، وَلا يَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، وَلَكِنْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ فَمَنْ فَعَلَ غير ذلك فارفعوا إليّ أمره، فو الله لأَقُصَّنَّ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤَدِّبُ رَعِيَّتَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا تَعَدَّى، فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ، لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ وَكِيعٍ ثنا سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِيَ الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ. حَدَّثَنِي رُوحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا عارم بْن الفضل، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لا يَحِلُّ لِي مِنَ الْمَالِ إِلا مَا كُنْتُ آكِلا مِنْ صُلْبِ مَالِي. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ ثنا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنِ الْحُسَيْنِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ رُبَّمَا اسْتَقْرَضَ مِنْ خَازِنِ بَيْتِ الْمَالِ فَيُقْرِضُهُ، فَرُبَّمَا لَزِمَهُ حَتَّى يَحْتَالَ مَا اسْتَقْرَضَ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهُ حَتَّى يَخْرُجَ عَطَاؤُهُ، أَوْ يَجِيئَهُ سَهْمُهُ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْبِضُهُ. حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا عِيسَى بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ عَنِ ابْنٍ لِلْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ أَنَّ

عمر بن الخطاب

عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ يَوْمًا حَتَّى أَتَى الْمِنْبَرَ، وَقَدْ كَانَ اشْتَكَى، فَنُعِتَ لَهُ الْعَسَلَ، وَفِي بَيْتِ الْمَالِ عُكَّةٌ مِنْ عَسَلٍ، فَقَالَ: إِنْ أَذِنْتُمْ لِي فِيهَا أَخَذْتُهَا وَإِلا فَإِنَّهَا عليّ حرام فأذنوا له فيها. [عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَرْسَلَ لِي عُمَرُ يَرْفَأُ فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ فِي مُصَلاهُ عِنْدَ الْفَجْرِ، أَوْ قَالَ عِنْدَ الظُّهْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ هَذَا الْمَالَ يَحِلُّ لِي مِنْ قَبْلِ أَنْ أَلِيَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَمَا كَانَ قَطُّ أَحْرَمُ عَلَيَّ مِنْهُ إِذْ وُلِّيتُهُ، وَقَدْ أَنْفَقْتُ عَلَيْكَ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَهْرًا وَلَسْتُ بزائدك، ولكني مُعِينُكَ بِثُمْنِ [1] مَالِي بِالْغَابَةِ، فَاجْدُدْهُ وَبِعْهُ، ثُمَّ ائْتِ رَجُلا مِنْ قَوْمِكَ مِنْ تُجَّارِهِمْ فَقُمْ إِلَى جَنْبِهِ فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَاسْتَشْرِكْهُ، وَأَنْفِقْ عَلَى أَهْلِكَ. حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحِرْمَازِيُّ عَنِ الْعُتْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلا مَرَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَسْقَاهُ فَخَاضَ لَهُ عَسَلا بِمَاءٍ وَأَتَاهُ بِهِ فَلَمْ يَشْرَبْهُ، وَقَالَ: قَالَ الله: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا [2] فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَتِ الآيَةُ لَكَ قَالَ اللَّهُ: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فَقَالَ: صَدَقْتَ وَشَرِبَ. الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَن صَالِحِ بْن كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ مَنْ ظَلَمَهُ أَمِيرُهُ وَأَسَاءَ بِهِ فَلا أَمِيرَ عَلَيْهِ دُونِي. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ عَنْ جَمِيعِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: شهدت

_ [1] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 277 «بثمر» والجداد: صرام النخل. القاموس. [2] سورة الأحقاف- الآية: 20.

جَلُولاءَ، فَابْتَعْتُ مِنَ الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ قَالَ لِي: أَرَأَيْتَ عُرِضْتُ عَلَى النَّارِ فَقِيلَ لَكَ افْتَدِهِ أَكُنْتَ مُفْتَدِيَّ؟ قُلْتُ: وَاللَّه مَا مِنْ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ إِلا كُنْتَ مُفْدَيِكَ مِنْهُ، فَقَالَ كَأَنِّي شَاهِدُ النَّاسِ حِينَ تَبَايَعُوا فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ وَابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَأَنْتَ كَذَاكَ، فَكَانَ أَنْ يَرْخُصُوا عَلَيْكَ بِمِائَةٍ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُغْلُوا عليك بدرهم، وإني قاسم مسؤول، وَأَنَا مُعْطِيكَ أَكْثَرَ مِنْ رِبْحِ تَاجِرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لَكَ أَنْ تَرْبَحَ لِلدِّرْهَمِ دِرْهَمًا، قَالَ: ثم دعا التجار فابتاعوا ذلك بأربعمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَ إِلَيَّ مِنْهَا ثَمَانِينَ أَلْفًا، وبعث بثلاثمائة وَعِشْرِينَ أَلْفًا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: اقْسِمْ هَذَا الْمَالَ فِي الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَادْفَعْهُ إِلَى وَرَثَتِهِ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَكَانَ بِهِ جُذَامٌ فَكَانَ إِذَا قَعَدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى طَعَامِهِ يَقُولُ لَهُ عُمَرُ: يَا فُلانُ كُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا سِوَاكَ كَانَ يَكُونُ بِهِ مِثْلُ الَّذِي بِكَ فَيَقْعُدُ مِنِّي عَلَى أَدْنَى مِنْ قَيْسِ [1] رُمْحٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ قَالَ: كَانَ بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُذَامٌ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ عَلَى مَا سَاقَهُ عَلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا سُلَيْمَانُ بن داود الهاشمي، أنبأ

_ [1] بهامش الأصل: قيد.

إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَقِيَ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ بِعَسَفَانَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ مَوْلًى لَنَا، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى. قَالَ: اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِم مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ» .] قَالَ عَمْرٌو قَالَ سُلَيْمَانُ: «يَرْفَعُ بِهِ مَنْ قَرَأَهُ وَيَضَعُ بِهِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ أَوْ مَنْ قَرَأَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ» . حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الصَّقْرِ الضَّبِّيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ يَسْتَحْمِلُهُ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لَهُ: أَنَا نَاقَتِي دَبِرَةٌ نَقِبَةٌ فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَسَمِعَهُ عُمَرُ يَحْدُو بِاللَّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ: أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ ... مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلا دَبَرْ فَاغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ فَقَالَ عُمَرُ: يَا فُلانُ هَلْ عَلِمْتَ أَنِّي مَعَكُمْ؟ قَالَ لا، فَحَمَلَهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: أَقْبَلَ قَوْمٌ غُزَاةٌ مِنَ الشَّامِ يُرِيدُونَ الْيَمَنَ، وَكَانَتْ لِعُمَرَ جَفْنَاتٌ يَضَعُهَا إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَلَسَ يَأْكُلُ فَجَعَلَ يَتَنَاوَلُ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ، وَكَانَ يَتَعَهَّدُ النَّاسَ عِنْدَ طَعَامِهِمْ: كُلْ بِيَمِينِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: هِيَ مَشْغُولَةٌ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ دَعَا بِهِ فقال: ما شغل يدك

الْيَمِينُ؟ فَأَخْرَجَهَا فَإِذَا هِيَ مَقْطُوعَةٌ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أُصِيبَتْ يَدَيَّ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ. قَالَ: فَمَنْ يُوَضِّئُكَ؟ قَالَ: أَتَوَضَّأُ بِشِمَالِي وَيُعِينُ اللَّهُ، قَالَ: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْيَمَنَ إِلَى أُمٍّ لِي لَمْ أَرَهَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةٍ. قَالَ: وَبَرٌّ أَيْضًا، فَأَمَرَ لَهُ بِخَادِمٍ وَخَمْسَةِ أَبَاعِرَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَوْقَرَهَا لَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ مُجَالِدٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَتَذَاكَرُوا الأَحْسَابَ، فَقَالَ عُمَرُ: حَسَبُ الْمَرْءِ دِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ، وَأَصْلُهُ عَقْلُهُ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ ثنا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَلْخَرَقُ فِي الْمَعِيشَةِ أَخْوَفُ عِنْدِي عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَوْنِ، أَنَّهُ لا يَقِلُّ قَلِيلٌ مَعَ الإِصْلاحِ، وَلا يَبْقَى كَثِيرٌ مَعَ الْفَسَادِ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ سَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ سَتَرَهُ اللَّهُ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عَنِ ابن عياش عن أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَى عُمَرُ رَجُلَيْنِ يَتَفَاخَرَانِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَكُمَا تُقًى فَلَكُمَا حَزْمٌ، وَإِنْ كَانَ لَكُمَا دِينٌ فَلَكُمَا حَسَبٌ، وَإِنْ كَانَ لَكُمَا عَقْلٌ فَلَكُمَا مُرُوءَةٌ وَإِنْ كَانَ لَكُمَا مَالٌ تَعُودَانِ بِفَضْلِهِ فَلَكُمَا شَرَفٌ، وَإِلا فَأَنْتُمَا شَرٌّ مِنْ حِمَارَيْنِ، وَلَئِنْ رَأَيْتُكُمَا تعودان للتفاخر لأُوجِعَنَّ رُءُوسَكُمَا. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن أَبِي زُبَيْدٍ عَبْثَرٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: الْكَفَافُ مَعَ الْقَصْدِ أَكْفَى مِنَ السَّعَةِ مَعَ الإِسْرَافِ. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن جَدِّهِ قَالَ: وَفَدَ عَلَى

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شِهَابُ بْنُ جَمْرَةَ، أَحَدُ بَنِي ضِرَامِ بْنِ مَالِكٍ الْجُهْنِيِّ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: شِهَابٌ. قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ جَمْرَةَ قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنَ الْحُرَقَةِ أَحَدِ بَنِي ضِرَامٍ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ حَرَّةِ النَّارِ، قَالَ: وَأَيْنَ مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: بِلَظًى. فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، وَمَا أَظُنُّ أَهْلَكَ إِلا قَدِ احْتَرَقُوا، فَانْصَرَفَ فَوَجَدَ نَارًا قَدْ أَحَاطَتْ بِأَهْلِهِ. قَالَ هِشَامُ: وَالْحُرَقَةُ وَلَدُ حُمَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَوْدُوعَةَ بْنِ جُهَيْنَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَسُمُّوا الْحُرَقَةَ لأَنَّهُمْ أَحْرَقُوا بَنِي سَهْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ قَيْسِ بِالنَّبْلِ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أَبِي عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ وَذَكَرَتْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كان والله أحوزيّا نسيج وحده، وقد أعد للأمور أقرانها. الْمَدَائِنِيّ عَن سَعِيد بْن عُثْمَان قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه: مَا أعلمني بطريق الدنيا لولا الموت وخوف الحساب. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: اتَّقِ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَتَقُولُ هَذَا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: دَعْهُ فَلا خَيْرَ فِيهِمْ إِذَا لَمْ يَقُولُوهَا، وَلا خَيْرَ فِينَا إِذَا لَمْ تَقُلْ لَنَا. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ، وَمَنْ أَقْرَضَ اللَّهَ جَزَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ كَفَاهُ، وَلا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لِمَنْ لا حَسَنَةَ لَهُ.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ وُزِنَ رَجَاءُ الْمُؤْمِنِ وَخَوْفُهُ لَوُجِدَا سَوَاءً، وَيُرْوَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: كَفَى سَرَفًا أَلا أَشْتَهِي شَيْئًا إِلا اشْتَرَيْتُهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى السُّوقِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رُقْعَةً، إِحْدَاهُنَّ أَدِيمٌ، وَفِي يَدِهِ الدِّرَّةُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ وَغَيْرِهِ قَالَ: قَالَ الأَحْنَفُ: مَا كَذَبْتُ قَطُّ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً، رَأَى عُمَرُ رِدَاءَ عَلِيٍّ فَقَالَ: بِكَمِ ابْتَعْتَهُ؟ فَأَلْغَيْتُ ثُلُثَيْ ثَمَنِهِ فَقَالَ: إِنَّهُ حَسَنٌ لَوْلا كَثْرَةُ ثَمَنِهِ. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سلمة، عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ رَأَى جَارِيَةً تَطِيشُ هُزَالا فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هَذِهِ إِحْدَى بَنَاتِكَ، قَالَ: وَأَيُّ بَنَاتِي هَذِهِ؟ قَالَ: ابْنَتِي. قَالَ: وَمَا بَلَغَ بِهَا مَا أَرَى؟ قَالَ: إِنَّكَ لا تُنْفِقُ عَلَيْهَا فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَغُرُّكَ مِنْ وَلَدِكَ، اسْعَ عَلَى وَلَدِكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ. حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَتْ حَفْصَةُ لأَبِيهَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ الرِّزْقَ، وَفَتَحَ عَلَيْكَ الأَرْضَ، وَأَكْثَرَ لَكَ مِنَ الْخَيْرِ، فَلَوْ أَكَلْتَ أَلْيَنَ مِنْ طَعَامِكَ وَلَبِسْتَ أَلْيَنَ مِنْ لِبَاسِكَ فَقَالَ: سَأُخَاصِمُكَ إِلَى نَفْسِكَ، أَمَا تَذْكُرِينَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ، أَمَا تَذْكُرِينَ، أَمَا تَذْكُرِينَ؟ فَمَا زَالَ يَذْكُرُهَا حَتَّى أَبْكَاهَا، ثُمَّ قَالَ إِنِّي قَدْ قُلْتُ لَكَ: إِنِّي وَاللَّهِ

إِنِ اسْتَطَعْتُ لأُشَارِكَنَّهُ وَخَلِيفَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي عَيْشِهِمَا الشَّدِيدِ، لَعَلِّي أَلْقَى مَعَهُمَا عَيْشَهُمَا الرَّخِيَّ، قَالَ: يُرِيدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو عَقِيلٍ، أنبأ الْحَسَنُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَبَى إِلا شِدَّةً وَحَصْرًا عَلَى نَفْسِهِ، فَجَاءَ اللَّهُ بِالسَّعَةِ، فَأَتَى الْمُسْلِمُونَ فَدَخَلُوا عَلَى حَفْصَةَ فَقَالُوا لَهَا: أَبَى عُمَرُ إِلا شِدَّةً، وَحَصْرًا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ بَسَطَ اللَّهُ فِي الرِّزْقِ، فَلْيَبْسُطْ فِي هَذَا الْفَيْءِ أَوْ مَا شَاءَ مِنْهُ، فَهُوَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَأَنَّمَا قَارَبَتْهُمْ فِي هَوَاهُمْ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهَا دَخَلَ عَلَيْهَا عُمَرُ فَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْلِ الْقَوْمِ فَقَالَ عُمَرُ: يَا حَفْصَةُ بِنْتَ عُمَرَ نَصَحْتِ قَوْمَكِ وَغَشَشْتِ أَبَاكِ، إِنَّمَا حَقُّ أَهْلِي عَلَيَّ فِي نَفْسِي وَمَالِي، فَأَمَّا فِي دِينِي وَأَمَانَتِي فَلا. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلافِ الْبَصْرِيُّ قَالا: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَتَّجِرُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَجَهَّزَ عِيرًا إِلَى الشَّامِ، وَبَعَثَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَسْتَقْرِضُهُ أَرْبَعَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: قُلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ يَرُدَّهَا. فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَقَالَ: أَنْتَ الْقَائِلُ خُذْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فَإِنْ مِتَّ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ الْمَالُ قُلْتُمْ أَخَذَهَا عُمَرُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دَعُوهَا لِوَرَثَتِهِ، وَأُؤْخَذُ بِهَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لا وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَخْذَهَا مِنْ رَجُلٍ حَرِيصٍ شَحِيحٍ مِثْلِكَ، فَإِنْ مُتُّ أَخَذَهَا مِنْ مِيرَاثِي، أَوْ قَالَ مِنْ مَالِي. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ: كَمْ أَنْفَقْنَا فِي حَجَّتِنَا هَذِهِ؟ قُلْتُ: خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا.

وَحَدَّثَنَا عَمْروُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ أَخْبَرَنِي شَيْخٌ لَنَا قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى مَكَّةَ فَمَا ضَرَبَ فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ كَانَ يَسْتَظِلُّ بِالنَّطْعِ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: صَحِبْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فِي الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعْنَا فَمَا ضَرَبَ فُسْطَاطًا، وَلا كَانَ لَهُ بِنَاءٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ يُلْقِي نَطْعًا أَوْ كِسَاءً عَلَى شَجَرَةٍ فَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهُ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الأُبَلِّيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لأَمِيرُ جَيْشٍ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَمِيرِ مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ، لأَنَّ صَاحِبَ الْمِصْرِ يُرِيدُ الأَمْرَ فَيُرَاجِعُنِي، وَصَاحِبُ الْجَيْشِ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُرَاجِعُنِي. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ، أنبأ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا بَعَثَ عُمَّالَهُ أَوْصَاهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَقَالَ: لا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تَحْرِمُوهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلا تَرْكَبُوا بِرْذَوْنًا، وَلا تَأْكُلُوا نَقِيًّا، وَلا تُغْلِقُوا بَابًا دُونَ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ، وَجَرِّدُوا الْقُرْآنَ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، ثنا عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ جَيْشًا فِي السُّفُنِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: أَحْمِلُ أُمَّةً عَلَى لَوْحٍ فَأُغْرِقُهُمْ، لا وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، أنبأ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ يَعْلَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لا يَسْأَلُنِي اللَّهُ عَنْ رُكُوبِ الْمُسْلِمِينَ بَحْرًا أَبَدًا.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَسْأَلُهُ عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ، فَقَالَ عَمْرٌو فِي جَوَابِ كِتَابِهِ: «دُودٌ عَلَى عُودٍ، فَإِنِ انْكَسَرَ الْعُودُ هَلَكَ الدُّودُ» فَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يَحْمِلَهُمْ فِي الْبَحْرِ، وَأَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ أَنِ ارْزُقْهُمُ الطِّلاءَ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبان الواسطي حَدَّثَنِي جرير بْن حَازِم قَالَ: سمعت الْحَسَن يحدث قَالَ: قدم أَبُو مُوسَى فِي وفد أهل البصرة عَلَى عمر، قَالُوا: فكنا ندخل عَلَيْهِ كُلّ يَوْم فنجد لَهُ خبزة تلت فربما وافقناها مأدومة بزيت، وربما وافقناها مأدومة بسمن، وربما وافقناها مأدومة بلبن، وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت، ثم أغليت بها، وربما وافقنا اللحم الغريض [1] وذلك قليل، فَقَالَ لنا يوما: أيها القوم إني وَاللَّه أرى تعذيركم فِي الأكل وكراهتكم لطعامي، وإني وَاللَّه لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وأرفعكم عيشا، أما وَاللَّه مَا أغبى عَن كراكر وأسنمة وصلائق [2] ولكني سمعت اللَّه عير قوما بأمر فعلوه فقال: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فاستمتعتم بها [3] . وَكَانَ أَبُو مُوسَى كلمنا فَقَالَ: لو كلمتم أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ففرض لنا من بيت المال أرزاقا، فو الله ما زال بنا حَتَّى كلمناه فَقَالَ: يَا معشر الأمراء أما ترضون

_ [1] اللحم الغريض: اللحم الطري. النهاية لابن الأثير. [2] الكراكر: زور البعير، والصلائق: الخبز الرقيق وقيل هي الحملان المشوية، اللسان. [3] سورة الأحقاف- الآية: 20.

لأنفسكم بما أرضى بِهِ لنفسي؟ قلنا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن الْمَدِينَة أرض العيش بِهَا شديد، وَلا نرى طعامك يغشى وَلا يؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وان أميرنا يغشى ويؤكل طعامه، فنكث عَلَى الأرض ساعة، ثُمَّ رفع رأسه فَقَالَ لأبي مُوسَى: نعم فإني قد فرضت لك كُلّ يَوْم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كَانَ الغداة فضع إحدى الشاتين عَلَى أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك، ثُمَّ ادع بشرابك فاشرب، ثُمَّ اسق الَّذِي عَن يمينك، ثُمَّ الَّذِي يليه، ثُمَّ الَّذِي يليه، ثُمَّ قم لحاجتك، فإذا كَانَ العشي فضع الشاة الغابرة عَلَى الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، وادع بشرابك أَلا واشبعوا النَّاس فِي بيوتهم واطعموا عيالهم، ومع ذَلِكَ وَاللَّه مَا أظن رستاقا يؤخذ منه كُلّ يَوْم شاتان، وجريبان إِلا أسرع ذَلِكَ فِي خرابه. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الزَّاهِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ أَنَّ حَفْصَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيَّ كَانَ يُحْضِرُ طَعَامَ عُمَرَ فَلا يَأْكُلُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ طَعَامِنَا؟ فَقَالَ: إِنَّ طَعَامَكَ جَشِبٌ [1] غَلِيظٌ، وَإِنِّي أَرْجِعُ إِلَى طَعَامٍ لَيِّنٍ قَدْ صُنِعَ لِي فَأُصِيبُ مِنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتَرَانِي أَعْجَزُ عَنْ أَنْ آمُرُ بِشَاةٍ يُلْقَى عَنْهَا شَعْرُهَا، وَآمُرُ بِدَقِيقٍ يُنْخَلُ فِي خِرْقَةٍ ثُمَّ آمُرُ بِهِ فَيُخْبَزُ خُبْزًا رِقَاقًا وَآمُرُ بِصَاعٍ مِنْ زَيْتٍ فَيُقْذَفُ فِي سَعْنٍ [2] ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيُصْبِحُ كَأَنَّهُ دَمُ غَزَالٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي لأَرَاكَ عَالِمًا بِطَيِّبِ الطَّعَامِ وَرَخِيِّ الْعَيْشِ، فَقَالَ: أَجَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا أَنْ تنتقص حساتي لشاركتكم في لين عيشكم.

_ [1] جشب: غليظ خشن. اللسان. [2] السعن: شيء يتخذ من أدم شبه دلو، إلا أنه مستطيل مستدير. اللسان.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَفَدَ الرَّبِيعُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَعْجَبَتْهُ هَيْئَتُهُ وَنَحْوَهُ، فَشَكَا عُمَرُ طَعَامًا غَلِيظًا أَكَلَهُ، فَقَالَ الرَّبِيعُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِطَعَامٍ لَيِّنٍ، وَمَرْكَبٍ وَطِيءٍ، وَمَلْبَسٍ لَيِّنٍ لأَنْتَ، فَرَفَعَ عُمَرُ جَرِيدَةً كَانَتْ مَعَهُ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهُ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهَذَا إِلا مُقَارَبَتِي، هَلْ تَدْرِي مَا مَثَلِي وَمَثَلُ هَؤُلاءِ؟ مَثَلِي وَمَثَلُهُمْ مثل قَوْمٌ سَافَرُوا فَدَفَعُوا نَفَقَاتِهِمْ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَالُوا: أَنْفِقْ عَلَيْنَا فَهَلْ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ مِنْهَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: لا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَمْ أَسْتَعْمِلْ عَلَيْكُمْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَيَشْتُمُوا أَعْرَاضَكُمْ، وَيَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ، وَلَكِنِّي اسْتَعْمَلْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ كِتَابَ رَبِّكُمْ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، فَمَنْ ظَلَمَهُ عَامِلُهُ بِمَظْلَمَةٍ فَلْيَرْفَعْهَا إِلَيَّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَدَّبَ أَمِيرٌ رَجُلا مِنْ رَعِيَّتِهِ، أَتَقُصُّهُ مِنْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَمَا لِي لا أَقُصُّهُ مِنْهُ إِذَا تَعَدَّى، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ. وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ أَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تَحْرِمُوهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بن همام، ثنا معمر عن قَتَادَةَ قَالَ: حَضَرَ طَعَامَ عُمَرَ قَوْمٌ وَفَدُوا إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَرَآهُمْ يَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ لهم: كلوا فو الله لَوْ شِئْتُ لَكُنْتُ أَطْيَبَكُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا، أَتَرَوْنِي أَغْبَى عَنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ وَصِغَارِ الْمَعْزِ بِلُبَابِ الْبُرِّ، وَلَكِنِّي وَجَدْتُ اللَّهَ ذَمَّ قَوْمًا فَقَالَ: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعم بها.

البدء بالتأريخ بالهجرة

حدثني الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ حِينَ افْتَتَحَ أَذْرَبِيجَانَ فَصَنَعَ سَفَطَيْنِ فِيهِمَا خَبِيصٌ وَأَلْبَسَهُمَا الْجُلُودَ وَاللُّبُودِ ثُمَّ بَعَثَ بِهِمَا إِلَى عُمَرَ مَعَ سُحَيْمٍ مَوْلاهُ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: مَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ أَذَهَبٌ أَمْ وَرَقٌ؟ وَأَمَرَ بِهِ فَكَشَفَ عَنْهُ فَذَاقَ الْخَبِيصَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَطَيِّبٌ لَيِّنٌ أَفَكُلُّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلَ مِنْهُ شِبَعَهُ؟ قَالَ: لا إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ خَصَّكَ بِهِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ فَلَيْسَ مِنْ كَدِّكَ، وَلا كَدِّ أُمِّكَ، وَلا كَدِّ أَبِيكَ، لا تَأْكُلُ إِلا مَا شَبِعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ فِي رِحَالِهِمْ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الآجُرِّيُّ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ كَاتِبًا لأَبِي مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: «مِنْ أَبُو مُوسَى» فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَاضْرِبْ كَاتِبَكَ سَوْطًا وَاعْزِلْهُ عَنْ عَمَلِكَ. وَحَدَّثَنِي شَيْبَانُ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالا: ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: تَكَلَّمَتِ امْرَأَةُ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَمْرِ فَانْتَهَرَهَا وَقَالَ: مَا أَنْتِ وَهَذَا، إِنَّمَا أَنْتُنَّ لُعَبٌ، فَأَقْبِلِي عَلَى مِغْزَلِكِ وَلا تَعْرِضِي فِيمَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِكِ. حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَليِدِ، ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ أنبأ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَرَ كِتَابًا فَلَحَنَ فِيهِ الْكَاتِبُ حَرْفًا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اجْلِدْ كَاتِبَكَ سوطا، واتخذ كاتبا حنيفا. [البدء بالتأريخ بالهجرة] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، ثنا حَسَّانٌ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ إنه

يَأْتِينَا مِنْكَ كُتُبٌ لا نَعْرِفُ عَهْدَهَا وَتَارِيخَهَا، فَأَرِّخْ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخْ لِمَبْعَثِ رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال بَعْضُهُمْ: أَرِّخْ لِمَوْتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أُؤَرِّخُ لِمُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ فَرَقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مُهَاجَرُهُ فَأَرَّخَ بِهِ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ قِيلَ لِعُمَرَ خَلِيفَةُ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ فَمَنْ جَاءَ بَعْدَ عُمَرَ مَا يُقَالُ لَهُ؟ أَيُقَالُ خَلِيفَةُ خَلِيفَةِ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ، هَذَا يَطُولُ وَلَكِنْ أَجْمِعُوا عَلَى اسْمٍ تَدْعُونَ بِهِ الْخَلِيفَةَ، وَيُدْعَى بِهِ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ وَعُمَرُ أَمِيرُنَا، فَدُعِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ التَّارِيخَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وقد حدثت أن عمر قال: أنتم الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنَا أَمِيرُكُمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ هُوَ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَبْد الأَعْلَى بْن حَمَّاد النَّرْسِيُّ أَبُو يَحْيَى، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَ مُطِيعٍ عَلَى الْكُوفَةِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ عَهْدَهُ، وَقَالَ: لا تُخْبِرَنَّ أَحَدًا فَذَهَبَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَعْمَلَنِي عَلَى الْكُوفَةِ فَاسْتَعِيرِي لِي أَدَاةَ الرَّاكِبِ، فَبَعَثَتْ إِلَى أُخْتِهَا وَهِيَ تَحْتَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَقَالَتْ لَهَا: إِنَّ زَوْجِي قَدِ اسْتُعْمِلَ عَلَى الْكُوفَةِ فَابْعَثِي إِلَيْهِ بِأَدَاةِ الرَّاكِبِ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُغِيرَةُ أَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، فَأَتَى بَابَ عُمَرَ نِصْفَ النَّهَارِ، وَقَدْ تَبَوَّأَ لِلْمَقِيلِ، فَقَالَ لِلْبَوَّابِ اسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ ولك أربعمائة دِرْهَمٍ فَأَذِنَ لَهُ، فَكَانَتْ تِلْكَ أَوَّلُ رِشْوَةٍ فِي الإِسْلامِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللَّهُ يا أمير

الإدارة زمن عمر

الْمُؤْمِنِينَ لَقَدِ اسْتَعْمَلْتَ قَوِيًّا أَمِينًا. قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: ابْنَ مُطِيعٍ اسْتَعْمَلْتَهُ عَلَى الْكُوفَةِ. قَالَ: وَيْحَكَ مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: السِّقَايَاتُ يَتَحَدَّثْنَ بِهِ فِي الطُّرُقِ، قَالَ: فَهَلْ عِنْدَكَ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اذْهَبْ فَخُذِ الْعَهْدَ مِنْهُ، ثُمَّ اذْهَبْ إِلَى الْكُوفَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الَّذِي كَانَ وَلاهُ قَبْلَ الْمُغِيرَةِ جُبَيْرُ بْنُ مطعم. [الإدارة زمن عمر] وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ عمه الزهري وغيره قَالُوا: كَانَ عُمَرُ أَوَّلَ مَنْ دُعِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَوَّلَ مَنْ أَرَّخَ لِلْكُتُبِ أَرَّخَهَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي الصُّحُفِ، وَأَوَّلَ مَنْ سَنَّ قِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى الْبُلْدَانِ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نُورُ اللَّهِ لِعُمَرَ كَمَا نُورُ مَسَاجِدِنَا، وَجَعَلَ عُمَرُ بِالْمَدِينَةِ قَارِئَيْنِ: قَارِئًا لِلرِّجَالِ وَقَارِئًا لِلنِّسَاءِ يُصَلِّي بِهِنَّ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وَضَرَبَ فِي السُّكْرِ ثَمَانِينَ، وَقَالَ: مَنْ سَكِرَ شَتَمَ فَأَبْلَغَ بِهِ إِذَا صَحَا حَدَّ الْقَاذِفِ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنِ اشْتَدَّ عَلَى أَهْلِ الرِّيَبِ، وَأَحْرَقَ عُمَرُ بَيْتَ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ حَانُوتًا، وَغَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيَّ إِلَى خَيْبَرَ، وَكَانَ صَاحِبَ شَرَابٍ، فَدَخَلَ أَرْضَ الرُّومِ فَارْتَدَّ، وَكَانَ عُمَرُ أَوَّلَ مَنْ عَسَّ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَحَمَلَ الدَّرَّةَ وَأَدَّبَ بِهَا حَتَّى قِيلَ بَعْدَهُ: لَدِرَّةُ عُمَرَ أَهْيَبُ مِنْ سَيْفِكُمْ هَذَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتَحَ الْفُتُوحَ، بَعْدَ الَّذِي فُتِحَ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ، فَتَحَ الْجَزِيرَةَ، وَطَائِفَةً مِنَ الشَّامِ، وَفَتَحَ مِصْرَ وَالسَّوَادَ، وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى الأَرْضِ وَالْجِزْيَةَ عَلَى الطَّبَقَاتِ، وَقَالَ: لا يَعُوزُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ فِي الشَّهْرِ، فَبَلَغَ خَرَاجُ السَّوَادِ عَلَى عَهْدِهِ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفِ أَلْفِ وَافٍ، وَالْوَافِي وَزْنُ مِثْقَالٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مَصَّرَ الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ، وَالْجَزِيرَةَ، وَالشَّامَ وَالْمَوْصِلَ، وَأَنْزَلَهَا

الْعَرَبَ، وَأَوَّلُ مَنِ اسْتَقْضَى الْقُضَاةَ فِي الأَمْصَارِ، وَأَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَكَتَبَ النَّاسَ عَلَى قَبَائِلِهِمْ، وَفَرَضَ الأَعْطِيَةَ مِنَ الْفَيْءِ، وَأَوَّلُ مَنْ حَمَلَ الطَّعَامَ فِي السُّفُنِ مِنْ مِصْرَ فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَرَدَ الْجَارَ، ثُمَّ حَمَلَ مِنَ الْجَارِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلا كَتَبَ لَهُ مَالَهُ ثُمَّ قَاسَمَهُ الْفَضْلَ عَلَيْهِ، فَقَاسَمَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمُعَاذٌ، وَكَانَ يَسْتَعْمِلُ رِجَالا مِمَّنْ صَحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَيَدَعُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مِثْلَ: عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَغَيْرِهِمْ، لِقُوَّةِ أُولَئِكَ عَلَى الْعَمَلِ وَبَصَرِهِمْ بِهِ، وَلإِشْرَافِ عُمَرَ عَلَيْهِمْ وَهَيْبَتِهِمْ لَهُ. وَقِيلَ لَهُ: مَالَكَ لا تُوَلِّي الأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُدَنِّسَهُمْ بِالأَعْمَالِ. وَاتَّخَذَ عُمَرُ دَارًا لِلرِّزْقِ فِيهَا الدَّقِيقُ، وَكَانَ يَجْعَلُ فِيهَا السَّوِيقَ، وَالتَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالزَّيْتَ، وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَيُعَيِّنُ بِذَلِكَ الْمُنْقَطِعَ بِهِ، وَيُقْرِي الضَّيْفَ، وَوَضَعَ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ مَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ مِمَّنْ يَنْقَطِعُ بِهِ، وَوَسَّعَ مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَثُرَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَخْرَجَ الْيَهُودَ مِنَ الْحِجَازِ، وَأَخْرَجَ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى النَّجْرَانِيَّةِ بِالْكُوفَةِ، وَخَرَجَ إِلَى الْجَابِيَةِ بِالشَّامِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصَّلاةَ، وَحَضَرَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَسَمَ الْغَنَائِمَ بِالْجَابِيَةِ، وَخَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ الشَّامَ فِي جُمَادَى الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ فَلَمَّا بلغ سرع [1] أخبر بوقوع

_ [1] سرع: قرية بالشام هي أوله وآخر الحجاز في وادي تبوك، بينها وبين المدينة المنورة ثلاث عشرة مرحلة: معجم البلدان.

تمصير الأمصار

الطَّاعُونِ بِالشَّامِ فَرَجَعَ مِنْ سُرُعَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَتَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ. وَفِي أَيَّامِهِ كَانَ طَاعُونُ عَمْوَاسَ [1] ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتِ الرَّمَادَةُ، أَصَابَ النَّاسُ مَحَلٌ وَجَدْبٌ وَمَجَاعَةٌ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ فِي أَوَّلِ سِنِيهِ- وَهِيَ سَنَةُ ثَلاثَ عَشْرَةَ- عَلَى الْحَجِّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَحُجُّ فِي كُلِّ سَنَةِ أَيَّامِهِ كُلِّهَا، فَحَجَّ بِهِمْ عَشْرَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةٍ وَاعْتَمَرَ فِي أَيَّامِهِ ثَلاثَ عُمَرٍ، وَحَجَّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ، وَكَانَتْ أَوَّلُ عُمْرَةٍ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَالثَّانِيَةُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَالثَّالِثَةُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ آخِرُ الْمَقَامِ إِلَى مَوْضِعِهِ الْيَوْمَ، وَكَانَ مُلْصَقًا بالبيت. [تمصير الأمصار] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ عَنِ الأَشْعَثِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَصَّرَ الأَمْصَارَ: الْمَدِينَةَ، وَالْبَصْرَةَ، وَالْكُوفَةَ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامَ، وَالْجَزِيرَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَهَانَ عَلَيَّ فِي إِصْلاحِ قَوْمٍ أَنْ أُبْدِلَهُمْ أَمِيرًا بِأَمِيرٍ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْوَدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: مَا أَحَدٍ يُفَتِّشُ إِلا فَتَّشَ عَنْ جَائِفَةٍ أَوْ مُنَقِّلَةٍ [2] ، إِلا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَابْنَهُ.

_ [1] عمواس: بلدة على ستة أميال من الرملة، على طريق القدس. معجم البلدان. [2] المنقلة من الجراح: ما ينقل العظم عن موضعه. والمنقلة: السفر، والطريق في الجبل. القاموس.

عمر بن الخطاب

حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: إِمَامُنَا فِي الجماعة عمر، وإمامنا في الفتنة ابنه. [عمر بن الخطاب] حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَلْقَى الْحَصَى فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَانَ النَّاسُ إِذَا رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ مِنَ السُّجُودِ نَفَضُوا أَيْدِيَهُمْ، فَأَمَرَ بِالْحَصَى فَجِيءَ بِهِ مِنَ الْعَقِيقِ فَبُسِطَ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لا يُرْحَمْ مَنْ لا يَرْحَمْ وَلا يُغْفَرُ لِمَنْ لا يَغْفِرُ، وَلا يُوقَى مَنْ لا يَتَوَقَّى، وَلا يُتَابُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ. قَالَ: وَقَالَ شُعْبَةُ: أُتِيَ عُمَرُ بِصَبِيٍّ لَهُ فَحَمَلَهُ فِي حِجْرِهِ، وَأَقْبَلَ يُقَبِّلُهُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ، وَهُوَ ابْنُ الْمُنْتَفِقِ [1] : مَا فَعَلْتُ مِثْلَ هَذَا بِصَبِيٍّ لِي قَطُّ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ قَلْبِكَ فَمَا ذَنْبِي! وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُنْتَفِقِ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَبِّلُ ابْنَهُ فَقَالَ: أَتُقَبِّلُ ابْنَكَ وَأَنْتَ خَلِيفَةٌ، وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ مِثْلَكَ مَا قَبَّلْتُ ابْنًا لِي أَبَدًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَمَا ذَنْبِي إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْكَ! إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ عَذِيرِي مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، إِنِ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْهِمُ الضَّعِيفَ حَقَّرُوهُ وَإِنِ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْهِمُ الْقَوِيَّ فَجَّرُوهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. أَيْنَ أَنْتَ عَنْ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: ذَاكَ

_ [1] عبد الله بن المنتفق، له ترجمة في أسد الغابة ج 4 ص 416.

بِالشَّامِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَمَّا الْمُؤْمِنُ الضَّعِيفُ فَلَهُ إِيمَانُهُ وَعَلَيْكَ ضَعْفُهُ، وَأَمَّا الْفَاجِرُ الْقَوِيُّ فَلَكَ قُوَّتُهُ وَعَلَيْهِ فُجُورُهُ، قَالَ عُمَرُ: فَلَعَلَّكَ يَا أَعْوَرُ إِنْ وَلَّيْتُكَ تَعُودُ لِشَيْءٍ مِمَّا رُمِيتَ بِهِ، قَدْ وَلَّيْتُكَ الْكُوفَةَ وَأَجَّلْتُكَ ثَلاثًا حَتَّى تَشْخَصَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَوَانَةَ وَمَسْلَمَةَ قَالا: كَانَ عُمَرُ إِذَا وَلَّى عَمَلا رَجُلا قَالَ لَهُ: إِنَّ الْعَمَلَ كِيرٌ فَانْظُرْ كَيْفَ تَخْرُجُ مِنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ: مَنِ اتَّقَى وُقِيَ، وَمَنْ وُقِيَ اسْتَحْيَا، وَمَنِ اسْتَحْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَفْضَلُ اللِّينِ مَا كَانَ مَعَ سُلْطَانٍ، وَأَفْضَلُ الْعَفْوِ مَا كَانَ عَنْ قُدْرَةٍ. الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: إِنَّ مَنْ فَقَّهَكَ رَفَّقَكَ فِي مَعِيشَتِكَ. حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَليِدِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو اللَّيْثِ الْيَمَانِيُّ، عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: السَّيِّدُ الْجَوَادُ حِينَ يُسْأَلُ، الْحَلِيمُ حِينَ يُسْتَجْهَلُ، الْكَرِيمُ الْمُجَالَسَةِ لِمَنْ جَالَسَهُ، الْحَسَنُ الْخُلُقِ عِنْدَ مَنْ جَاوَرَهُ، أَوْ قَالَ حَاوَرَهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَنْ يُقِيمَ أَمْرَ اللَّهِ فِي النَّاسِ إِلا عَفِيفُ الْفِعْلِ، بَعِيدُ الْقَعْرِ، لا يُطَّلَعُ مِنْهُ عَلَى عَوْرَةٍ وَلا يَحْنَقُ عَلَى جَرَّهُ [1] ، ولا يأخذه في الحق لومة لائم.

_ [1] الجرة: الجماعة يقيمون ويظعنون، وربما أراد هنا «الجريرة» . النهاية لابن الأثير. القاموس.

قَالَ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ بِالْقَادِسِيَّةِ: أَنْ جَنِّبِ النَّاسَ أَحَادِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الأَحْقَادَ وَتُنْشِئُ الضَّغَائِنَ، وَعِظْهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ مَا نَشِطُوا لِلاسْتِمَاعِ. الْمَدَائِنِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فائد قَالَ: قَالَ عمر: آخ من آخيت عَلَى التقوى وَلا تجعل حديثك بذلة لمن لا يريده، وشاور الَّذِينَ يخافون اللَّه. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ كِنَاسَةَ وَالْهَيْثَمِ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ: النُّخَيْلَةُ خَيْرٌ أَمِ الْحَبَلَةُ [1] ؟ فَقَالَ: الْحَبَلَةُ، أَتَزَبَّبُهَا وَأَتَشَتِّيهَا، وَأَقِيلُ فِي ظِلِّهَا، وَأُصْلِحُ بِهَا سِقَامِي، وَآدَمُ بُرْمَتِي. فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: كَذَبَ، إِنْ آكُلُ الزَّبِيبَ أَضْرَسُ، وَإِنْ أَتْرُكْهُ أَغْرَثُ [2] ، لَيْسَ كَالصَّقْرِ السَّائِلِ مِنْ رُؤُوسِ الرَّقْلِ [3] : الرَّاسِخَاتِ فِي الْوَحْلِ الْمُطْعِمَاتِ فِي الْمُحْلِ، صَمْتَةَ الصَّغِيرِ وَتُحْفَةَ الْكَبِيرِ، وَزَادَ الْمُسَافِرِ، وَتَحْرُسُهُ مَرْيَمُ بِنْتُ عمران، ينضج ولا يعيي طَابِخًا، وَتَحْتَرِشُ بِهَا الضَّبَابُ بِالصَّلْعَاءِ [4] ، فَضَحِكَ عُمَرُ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أيضا.

_ [1] الحبلة: الكرمة. [2] أغرث: جاع. [3] الرقلة: النخلة فاتت اليد. القاموس. [4] الصلعاء: الأرض لا نبت فيها، وحرش الضب يحرشه حرشا وتحرشا: صاده. القاموس.

حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ عَنْ كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، قَالَ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَنَعَهَا، ثُمَّ عَاوَدَتْهُ فَمَنَعَهَا، ثُمَّ عَاوَدَتْهُ فَمَنَعَهَا. الْمَدَائِنِيّ عَن عُمَر بْن الْخَطَّابِ أنه قَالَ: تعلموا العربية فإنها تزيد فِي المروءة، وتعلموا النسب فرب رحم مقطوعة قد وصلت بمعرفة نسبها. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَضْحَكْ إِلا تَبَسُّمًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْتَسِمْ مُذْ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَمْزَحْ إِلا سَاهِيًا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ الْعَافِيَةَ، وَعَفَا عَمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ رَزَقَهُ اللَّهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ [1] . الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يحيى بْن يمان عَنْ سُفْيَان قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لا يُلْهِكَ النَّاسُ عَنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ الأَمْرَ يَصِلُ إِلَيْكَ دُونَهُمْ وَلا تَقْطَعِ النَّهَارَ بِاللَّعِبِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْفُوظٌ عَلَيْكَ وَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ، فَإِنِّي لم أرقط أَشَدَّ طَلَبًا وَلا أَسْرَعَ دَرَكًا مِنْ حَسَنَةٍ حَدِيثَةٍ لِذَنْبٍ قَدِيمٍ. حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَخِيهِ أُمَيَّةَ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ حِينَ اسْتُخْلِفَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَعْزِلَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَليِدِ وَالْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ، لِيَعْلَمَا أَنَّ اللَّهَ هو الناصر لدينه وَلَيْسَ إِيَّاهُمَا فَعَزَلَهُمَا. حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْنُ عَليّ الأَسْوَدُ، ثنا عُبَيْد اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا سُفْيَانُ عَنْ عِيسَى عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَقَدْ تَرَكْتُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلالِ مَخَافَةَ الحرام.

_ [1] بهامش الأصل: بلغت المعارضة بالأصل الثالث من أول هذا الباب، ولله الحمد.

حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو حَيَّانَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ: انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ فَاقْسِمْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَبْقَيْتَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَالا تُعِدُّهُ لِنَائِبَةٍ تَحْدُثُ أَوْ شَيْءٍ يَكُونُ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ كَلِمَةٌ أَلْقَاهَا الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ لَقَّانِي اللَّهُ حُجَّتَهَا وَوَقَّانِي فِتْنَتَهَا أَعْصَى الْعَامَ مَخَافَةَ قَابِلٍ، أُعِدُّ لَهُمْ مَا أَعَدَّ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعَدَّ لَهُمْ طَاعَةَ اللَّهِ. حَدَّثَنِي الأَثْرَمُ أَبُو الْحَسَنِ، ثنا الأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاءِ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمْسَكَ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ ثُمَّ جَالَ فِي مَتْنِ فَرَسِهِ وَكَانَ أَيْدًا [1] . قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَخَرَجَ عُمَرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَعَ عُمَارَةَ بْنِ الْوَليِد بْنِ الْمُغِيرَةِ إِلَى الشَّامِ أَجِيرًا، فَشَذَّتْ نَاقَةٌ لَهُ فَلَحِقَهَا عُمَرُ بَعْدَ طَلَبٍ فَاعْتَقَلَهَا وَطَرَحَهَا لِجَنْبِهَا كَسِيرًا، فَحَسَدَهُ عُمَارَةُ عَلَى مَا رَأَى من قوته فقال: انحرها وهيئ لَنَا طَعَامًا فَاخْتَبَزَ عُمَرُ وَأَطْبَخَ، وَقَدَّمَ إِلَى عُمَارَةَ طَعَامًا فَقَالَ لَهُ: الشَّحْمُ الْحَارُّ عَلَى الْخُبْزِ الْحَارِّ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ؟ مَا تُرِيدُ إِلا قَتْلِي، ثُمَّ وَثَبَ لِيَضْرِبَهُ فَبَادَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ بِالسَّيْفِ فَهَرَبَ عُمَارَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ. وَعُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْلا شُعْبَةٌ مِنَ الْكَرَمْ ... وسبطة فِي الْحَيِّ مِنْ خَالٍ وَعَمْ لَضَمَّنِي الشَّرُّ إلى شر مضمّ ... وما أساء مطعم وَلا ظَلَمْ إِنْ خَلَطَ الْخُبْزَ بِلَحْمٍ وَدَسَمْ

_ [1] أي كان قويا.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ، الْمُلَقَّبُ بِعَيْنِ الْحِدَأَةِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دلافٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلا إِنَّ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ قِيلَ سَبَقَ الْحَاجَّ، فَادَّانَ مُعْرِضًا [1] فَأَصْبَحَ قَدْ دِينَ بِهِ، ألا وإنّا قاسموا مَالِهِ غَدًا بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَحْضُرْ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَليِد النَّرْسِيُّ قَالا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجْلِيِّ أَنَّ رَجُلا كَانَ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَكَانَ ذَا بَأْسٍ وَنِكَايَةٍ فِي الْعَدُوِّ، فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوسَى بَعْضَ سَهْمِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ فَجَلَدَهُ عِشْرِينَ سَوْطًا وَحَلَقَهُ، فَجَمَعَ الرَّجُلُ شَعْرَهُ ثُمَّ رَحَلَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ فُلانًا أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتَ فَعَلْتَ بِهِ ذَاكَ فِي مَلأٍ مِنَ النَّاسِ فَعَزَمْتَ لَمَّا قَعَدْتَ لَهُ فِي مَلأٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَقْتَصَّ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ فِي خَلاءٍ لَمَا قَعَدْتَ لَهُ فِي خَلاءٍ حَتَّى يَقْتَصَّ مِنْكَ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى قَالَ لَهُ النَّاسُ: اعْفُ عَنْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لا عَفَوْتُ عَنْهُ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى إِذَا قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَقْتَصَّ مِنْهُ، رَفَعَ الرَّجُلُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ لَكَ. حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الدُّورِيّ الْمِنْقَرِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ حميد عن

_ [1] أي استدان معرضا عن الوفاء، وكان أسيفع يشتري الرواحل، ويسبق الحجاج، فيتغالى بثمن ما اشتراه، فأفلس. الاصابة لابن حجر.

أَنَسٍ أَنَّ رَجُلا خَطَبَ عِنْدَ عُمَرَ فَأَكْثَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُطَبِ مِنْ شَقَائِقِ الشَّيْطَانِ. حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ الْمُعَلَّمُ عَنِ الْحَجَّاجِ الرُّصَافِيِّ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: الرَّأْيُ كَثِيرٌ، وَالْحَزْمُ قَلِيلٌ. وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ مِنْ حُزَمَاءِ الرِّجَالِ، وَقَالَ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَدَّمَ فَضْلَ الْمَالِ، وَأَمْسَكَ فَضْلَ الْكَلامِ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَليِدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لا يَغُرَّنَّكَ خُلُقُ امْرِئٍ حَتَّى يَغْضَبَ، وَلا دِينُهُ حَتَّى يَطْمَعَ. حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا ابْنُ بَطْحَائِهَا كِدَائِهَا وَكُدْيَهَا [1] . فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا فَأَنْتَ كَرِيمٌ، وَإِنْ كُنْتَ حَسَنَ الْخُلُقِ فَإِنَّ لَكَ مُرُوءَةٌ، وَإِنْ كُنْتَ عَاقِلا فَإِنَّ لَكَ أَصْلا، وَإِلا فَأَنْتَ شَرٌّ مِنْ كَلْبٍ أَوْ قَالَ مِنْ حِمَارٍ. الْمَدَائِنِيّ عَن مسلمة بْن محارب عَن حرب بْن خَالِد بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَة قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة: خذوا من الحديث مَا كَانَ فِي عهد عمر، فإن عمر أتقن ذَلِكَ فِي حياته، وأخاف النَّاس فِي كثرة الحديث عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لا تكذبوا عَلَيْهِ. الْمَدَائِنِيّ عَن الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد عَن عَلِيّ بْن أبي طلحة قال: قال

_ [1] كداء: موضع بأعلى مكة، وكدي: موضع بأسفل مكة- معجم البلدان.

عيينة بن حصن لعثمان: كَانَ عمر خيرا لنا منك، إن عمر أعطانا فأغنانا، وأخشانا فأتقانا. الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي الْوَليِد المكي قَالَ: أقبل رجل أعرج إِلَى عُمَرَ وَهُوَ يقود ناقة تظلع، فوقف عَلَيْهِ وَقَالَ: إنك مسترعى وإنا رعية ... وإنك مدعو بسيماك يَا عمر لذي يَوْم شر شره بشراره ... قد حمّلتك اليوم أثقالها مضر فَقَالَ عمر: لا حول وَلا قوة إِلا بالله. وشكا الرجل ظلع ناقته فقبضها عمر وحمله عَلَى جمل وزوده وَقَالَ: أين تريد؟ قَالَ: أريد أما لِي لم أرها منذ زمان، فزاده. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ، قَالَ اسْتَعْمَلَ عُمَرُ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى كِنَانَةَ، فَقَدِمَ مَعَهُ بِمَالٍ فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا يَا عُتْبَةُ؟ قَالَ: خَرَجْتُ مَعِي بمال فتجرت فيه. قال: ومالك تُخْرِجُ الْمَالَ مَعَكَ، انْظُرْ مَا كَانَ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِبْحٍ فَاحْمِلْهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ فَفَعَلَ، فَلَمَّا قَامَ عُثْمَانُ قَالَ لأَبِي سُفْيَانَ: إِنْ طَلَبْتَ مَا أَخَذَ عُمَرُ مِنْ عُتْبَةَ رَدَدْتُهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّكَ إِنْ خَالَفْتَ صَاحِبَكَ الَّذِي قَبْلَكَ سَاءَ رَأْيُ النَّاسِ فِيكَ، إِيَّاكَ أَنْ تَرُدَّ أَمْرَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ فَيَرُدُّ مَنْ بَعْدَكَ أَمْرَكَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لا يُعَاشُ بِعَقْلِ رَجُلٍ حَتَّى يُعَاشُ بِظَنِّهِ، قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا لَمْ أَعْلَمْ إِلا بِمَا رَأَيْتُ فَلا عَلِمْتُ. الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِمُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ: مَا بلغ من جزعك على أخيك مالك بن نُوَيْرَةَ؟ قَالَ: لَمْ أَنَمْ حَوْلا، وَلَمْ أَرَ نَارًا إِلا بَكَيْتُ لأَنَّهُ كَانَ

يَأْمُرُ أَنْ تُوقَدَ نَارُهُ إِلَى الصُّبْحِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ ضَيْفٌ فَلا يَعْرِفُ مَكَانَهُ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي الْمُنْذِرِ عَنْ عَوَانَةَ أَنَّ مُتَمِّمَ بْنَ نُوَيْرَةَ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: مَا بَلَغَ مِنْ جَزَعِكَ عَلَى أَخِيكَ؟ قَالَ: بَكَيْتُ حَوْلا حَتَّى أَسْعَدَتْ عَيْنِي الذَّاهِبَةُ عَيْنِي الصَّحِيحَةَ، وَمَا رَأَيْتُ نَارًا إِلا كِدْتُ أَنْقَطِعُ لَهَا أَسَفًا، لأَنَّهُ كَانَ يُوقِدُ نَارَهُ إِلَى الصُّبْحِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ ضَيْفٌ فَلا يَعْرِفُ مَكَانَهُ، فَقَالَ: صِفْهُ لِي. قَالَ: كَانَ يَرْكَبُ الْفَرَسَ الْجَرُورَ فِي اللَّيْلَةِ الْقَرَّةِ بَيْنَ الْمَزَادَتَيْنِ النَّضُوحَيْنِ، وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ فَلُوتٌ مُعْتَقِلا رُمْحًا خَطْلا فَيَسْرِي لَيْلَهُ وَيُصْبِحُ كَأَنَّ وَجْهَهُ فَلْقَةُ قَمَرٍ، قَالَ: فَأَنْشَدَنِي مِنْ شِعْرِكَ فِيهِ، فَأَنْشَدَهُ مَرْثِيَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جُذَيْمَةَ حِقْبَةً ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَحْسَنْتُ قَوْلَ الشِّعْرِ لَرَثَيْتُ زَيْدًا أَخِي، فَقَالَ مُتَمِّمٌ: وَلا سَوَاءَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قُتِلَ أَخِي كَافِرًا، وَقُتِلَ أَخُوكَ مُسْلِمًا مُجَاهِدًا، وَلَوْ صُرِعَ أَخِي مَصْرَعَ أَخِيكَ مَا رَثَيْتُهُ وَلا بَكَيْتُهُ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا عَزَّانِي أَحَدٌ عَنْ أَخِي بِأَحْسَنَ مِمَّا عَزَّيْتَنِي بِهِ. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مر بمزبلة فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا فَكَأَنَّ أَصْحَابَهُ تَأَذَّوْا بِرِيحِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ دُنْيَاكُمُ الَّتِي تَحْرِصُونَ عَلَيْهَا. حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا تَرَكَ الْمَوْتُ لِذِي لُبٍّ قُرَّةَ عَيْنٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي إِبِلِ الصدقة يمرن [1] أخفافها،

_ [1] أي دهن ما حفي منها. القاموس.

فَجَاعَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْجُوعُ وَالْحَرُّ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ نَأْكُلُهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قُبَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فَأَتَوْهُ بِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ شَرِبَ مَاءً وَمَسَحَ بَطْنَهُ وَقَالَ: وَيْلٌ لِمَنْ أَدْخَلَتْهُ بَطْنُهُ النَّارَ، إِنَّمَا يَكْفِي الرَّجُلَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ غَسَّانَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: فَقَدَ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، وَلَمْ يَشْهَدْ مَعَهُمُ الصَّلاةَ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى أُسَيْدٍ فَقَالَ: مَا أَقْعَدَكَ عَنَّا؟ فَأَخْبَرَهُ بِشُغُلٍ فَقَالَ: لِلَّهِ الْحَمْدُ، خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ تَرَكْتَ الصَّلاةَ مَعَنَا لأَمْرٍ كَرِهْتَهُ مِنَّا. قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرَى مِنْكَ شَيْئًا مُنْكَرًا وَلا أَنْهَاكَ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْهُ جَاهَدْتُكَ عَلَيْهِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مسلمة بن محارب عَن بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرةَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ: «إِنَّ النَّاسَ ابْتَنَوْا بِالْقَصَبِ، فَكَثُرَ الْبِنَاءُ، وَلا نَأْمَنُ الْحَرْقَ، وَقَدِ اسْتَأْذَنُونِي فِي الْبِنَاءِ بِالْمَدَرِ، فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ لَهُمْ فِيهِ دُونَ أَمْرِكَ فِيهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عمر: «إني قد كُنْتُ أَكْرَهُ لَهُمُ الْبِنَاءَ فَأَمَّا إِذْ فَعَلُوهُ فَلْيُقِلُّوا السَّمْكَ، وَيَعْرِضُوا الْجُدُرَ وَيُقَارِبُوا بَيْنَ الْخَشَبِ فِي السُّقُوفِ» . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ كَثِيرٌ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَجْلانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِقَوْمٍ يَرْمُونَ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَسَيْتَ. فَقَالَ عُمَرُ: سُوءُ اللَّحْنِ أَسْوَأُ مِنْ سُوءِ الرَّمْيِ. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عمر: من ظلمه أميره فلا أَمِير عَلَيْهِ دوني. حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ يَعُسُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ سَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ.

هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هَلْ سَبِيلٌ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ سَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ هُوَ نَصْرُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلاطٍ السُّلَمِيُّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ شَعْرًا، وَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَعْتَمَّ فَفَعَلَ فَازْدَادَ حُسْنًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تجامعني بأرض أنابها وأمر له بما يُصْلِحُهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: غرب عمر نصر بْن الْحَجَّاج إِلَى البصرة فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أعلمهم أنك إنما أخرجتني لهذا الشعر لا لغيره. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَعِسُّ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِنِسْوَةٍ يَتَحَدَّثْنَ، وَإِذَا هُنَّ يَقُلْنَ: أَيُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصْبَحُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: أَبُو ذُؤَيْبٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ هُوَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ رَآهُ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ وَاللَّهِ ذِئْبُهُنَّ، أَنْتَ وَاللَّهِ ذِئْبُهُنَّ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تُجَامِعُنِي فِي بَلَدٍ أَنَا فِيهِ، قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ لا بُدَّ مُسَيِّرِي فَسَيِّرْنِي إِلَى حَيْثُ سَيَّرْتَ ابْنَ عَمِّي نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ، فَسَيَّرَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَمَرَ لَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ هِشَامِ بن عروة وابن عون عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ أُلْقِيَ إِلَى عُمَرَ كِتَابٌ فِيهِ: أَلا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولا ... فدى لك من أخي ثقة إزار قَلائِصُنَا هَدَاكَ اللَّهُ إِنَّا ... شُغِلْنَا عَنْكُمُ زَمَنَ الْحِصَارِ فَمَا قُلُصٌ وَجَدْنَ مُعَقَّلاتٍ ... قَفَا سَلْعٍ بِمُخْتَلَفِ التِّجَارِ قَلائِصُ مِنْ بَنِي جُشْمِ بْنِ بَكْرٍ ... وَأَسْلَمَ أَوْ جُهَيْنَةَ أَوْ غِفَارِ

يُعَقِّلُهُنَّ جَعْدَةُ مِنْ سَلِيمٍ ... مُعِيدًا يَبْتَغِي سَقَطَ الْعِذَارِ يُعَقِّلُهُنَّ أَبْيَضُ شَيْظَمِيٌّ [1] ... وَبِئْسَ مُعَقِّلِ الذَّوْدِ الظُّؤَارِ [2] فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى جَعْدَةَ فَضَرَبَهُ مِائَةً مَعْقُولا [3] ، وَنَهَاهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ، وَلَمْ يَضْرِبْهُ حَتَّى أَقَرَّ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّ جَعْدَةَ بْنَ عَبْدِ الله السلمي كان يحدث النساء، ويخرج الْجَوَارِي إِلَى سَلْعٍ وَيُلاعِبُهُنَّ، وَيَعْقِلُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَقُولُ لَهَا قُومِي فِي الْعِقَالِ فَإِنَّهُ لا يَصْبِرُ فِي الْعِقَالِ إِلا حِصَانٌ، فَتَقُومُ سَاعَةً ثُمَّ تَسْقُطُ فَرُبَّمَا انْكَشَفَتْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَجُلا مِنْ كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ نُمَيْلَةُ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ: «أَلا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولا» الأَبْيَاتَ كُلَّهَا، فَدَعَا بِجَعْدَةَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الأَمْرِ فَأَقَرَّ فَقَالَ: أَنْتَ كَمَا وَصَفْتَ أَبْيَضُ شَيْظَمِيٌّ فَضَرَبَهُ مِائَةً مَعْقُولا، وَنَهَاهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ، فَكَلَّمَ فِيهِ فَأَذِنَ لَهُ فَرَجَعَ وَلَمْ يَدْخُلِ الْمَدِينَةَ، فَكَلَّمَ فِيهِ فَأَذِنَ لَهُ بَعْدُ فِي أَنْ يَجْمَعَ، ثُمَّ يَخْرُجُ، وَكَانَ عُمَرُ إِذَا رَآهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَتَوَعَّدُهُ إِنْ عَاد وَيَقُولُ لَهُ: يَا فَاسِقُ فَقَالَ جَعْدَةُ: أَكُلُّ الدَّهْرِ جَعْدَةُ مُسْتَحِقٌّ ... أَبَا حَفْصٍ لِشَتْمٍ أَوْ وَعِيدِ فَمَا أَنَا بِالْبَرِيءِ بَرَاهُ عُذْرٌ ... وَلا بِالْخَالِعِ الرَّسَنِ الشَّرِيدِ فَأَذَّنَ لَهُ مَرَّتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أبي عون عن

_ [1] الشيظمي: الطويل الجسم الفتي من الناس. القاموس. [2] الذود: القطيع من النوق، والظئار هو أن تعطف الناقة على ولد غيرها بشد أنف الناقة وعينيها. اللسان. [3] بهامش الأصل: أي طويل.

مُحَمَّدٍ أَنَّ بُرَيْدًا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَنَثَرَ كِنَانَتَهُ فَبَدَرَتْ صَحِيفَةٌ فَأَخَذَهَا وَقَرَأَ فِيهَا: أَلا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولا ... فِدًى لَكَ من أخي ثقة إزار قَلائِصُنَا هَدَاكَ اللَّهُ إِنَّا ... شُغِلْنَا عَنْكُمُ زَمَنَ الْحِصَارِ فَمَا قُلُصٌ وَجَدْنَ مُعَقَّلاتٍ ... قَفَا سَلْعٍ بِمُخْتَلَفِ التِّجَارِ قَلائِصُ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ... وَأَسْلَمَ أَوْ جُهَيْنَةَ أَوْ غِفَارِ يُعَقِّلُهُنَّ جَعْدَةُ مِنْ سُلَيْمٍ ... سَفِيهٌ يَبْتَغِي سَقَطَ الْعِذَارِ فَقَالَ: ادْعُوا إِلَيَّ جَعْدَةَ، فَدُعِيَ فَجَلَدَهُ مِائَةً مَعْقُولا، وَنَهَاهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى امْرَأَةٍ مُغَيَّبَةٍ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَجُلا يُنْشِدُ: أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ شَرِّ مِعْقَلٍ ... إِذَا مِعْقَلٌ رَاحَ الْبَقِيعَ مُرَجَّلا [1] فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ: جُزَّ شَعْرَكَ فَجَزَّهُ، وَكَانَ جَمِيلا حَسَنَ الشَّعْرِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ امْرَأَةً لَيْلا وَهِيَ تَقُولُ: تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ واخضلّ جانبه ... فأرّقني إلّا حليل ألاعبه فو الله لَوْلا اللَّهُ لا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَحَرَّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ فَسَأَلَ عُمَرُ: كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقِيلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْحَصَانِ لَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَأَقْفَلَ عُمَرُ زَوْجَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، وَصَيَّرَ الْقُفُولَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عن

_ [1] الترجيل: تسريح الشعر.

عمر يمنع من تدوين الحديث

عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذْ بَرَدَ بَرِيدًا إِلَى مَوْضَعٍ، نَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى بَلَدِ كَذَا. حَدَّثَنِي بَكْرُ بن الهيثم ومحمد بن سعد، قالا: ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثنا عَاصِمُ بْنُ الْعَبَّاسِ الأَسَدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُحِبُّ الصَّلاةَ فِي كَبِدِ اللَّيْلِ، يَعْنِي فِي وَسَطِ اللَّيْلِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَدِ اعْتَرَاهُ نِسْيَانٌ فِي الصَّلاةِ فَجَعَلَ رَجُلٌ خَلْفَهُ يُلَقِّنُهُ، فَإِذَا أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ أَوْ يَقُومَ فَعَلَ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ أَخُو بَهْزٍ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي دَبْرَةِ الْبَعِيرِ وَيَقُولُ: إِنِّي لخائف أن أسأل عما بك. [عمر يمنع من تدوين الحديث] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ فِي الْعَامِ الَّذِي طُعِنَ فِيهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي أُكَلِّمُكُمْ بِالْكَلامِ فَمَنْ حَفِظَهُ فَلْيُحَدِّثْ بِهِ حَيْثُ انْتَهَتْ به راحلته، ومن لم يحفظه فليمسك، فإني أحرّج بالله على امرئ أن يقول عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ» . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَنَ فَاسْتَخَارَ اللَّهَ شَهْرًا، ثُمَّ أَصْبَحَ وَقَدْ عَزَمَ لَهُ فَقَالَ: ذَكَرْتُ قَوْمًا كَتَبُوا كِتَابًا فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ وَابْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الْقِرْقِسَانِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ أَتَى بِمَالٍ

عمر بن الخطاب

فَجَعَلَ يَقْسِمُهُ بَيْنَ النَّاسِ فَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يُزَاحِمُ النَّاسَ حَتَّى خَلُصَ إِلَيْهِ، فَعَلاهُ عُمَرُ بِالدَّرَّةِ وَقَالَ: إِنَّكَ أَقْبَلْتُ لا تَهَابُ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ فأحببت أَنْ أُعَلِّمَكَ أَنَّ سُلْطَانَ اللَّهِ لَنْ يَهَابَكَ. [عمر بن الخطاب] حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَسُلَيْمَانُ الرَّقِّيُّ قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ حَجَّامًا كَانَ يَقُصُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَكَانَ عُمَرُ رَجُلا مَهِيبًا فَتَنَحْنَحَ، قَالَ عَمْرٌو: فَأَحْدَثَ الْحَجَّامُ حَدَثًا، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: فَحَبَقَ الْحَجَّامُ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَخَرَجَتْ مِنْ رَجُلٍ رِيحٌ، وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَى مَنْ كَانَتْ هَذِهِ الرِّيحُ مِنْهُ إِلا قَامَ فَتَوَضَّأَ، فَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْزِمْ عَلَيْنَا جَمِيعًا أَنْ نَقُومَ فَنَتَوَضَّأَ فَهُوَ أَسْتَرُ. فَفَعَلَ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ شُبَيْلٍ الْيَحْصُبِيِّ قَالَ: كَانَتْ لِي حَاجَةٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَغَدَوْتُ لأُكَلِّمَهُ فِيهَا، فَسَبَقَنِي إِلَيْهِ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَسَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لَهُ: لَئِنْ أَطَعْتُكَ لِتُدْخِلَنِي النَّارَ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ مُعَاوِيَةُ. أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ شُبَيْلٍ بِمِثْلِهِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد عن سعيد بن المسيب قَالَ: حَمَلَ عُمَرُ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ اكْسِرْ بِهِمَا، فَكَسَرَ بِهِمَا وَنَجَوْا.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَعْدٌ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَجْرَأَهُمْ عَلَى عُمَرَ فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَوْ كَلَّمْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ يَأْتِي طَالِبُ الْحَاجَةِ فَتَمْنَعُهُ هَيْبَتُهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ حَتَّى يَرْجِعَ وَلَمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أنشدك الله: أعليّ، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعدا، وَبَعْضُهُمْ أَمَرُوكَ بِهَذَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَاللَّهِ لَقَدْ لِنْتَ لِلنَّاسِ حَتَّى خَشِيتَ اللَّهَ فِي اللِّينِ، ثُمَّ اشْتَدَدْتَ عَلَيْهِمْ حَتَّى خِفْتَ اللَّهَ فِي الشِّدَّةِ، فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ؟! فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَبْكِي وَيَجُرُّ إِزَارَهُ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ: أُفٌّ لَهُمْ بَعْدَكَ، أُفٌّ لَهُمْ بَعْدَكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: كَانَ عُمَرُ كُلَّمَا صَلَّى صَلاةً جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ نَظَرَ فِيهَا، فَصَلَّى صَلَوَاتٍ لَمْ يَجْلِسْ بَعْدَهَا فَأَتَيْتُ الْبَابَ فَقُلْتُ: يَا يَرْفَأُ، أَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عِلَّةٌ مِنْ شَكْوٍ؟ قَالَ: لا، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ عُثْمَانُ، فَدَخَلَ يَرْفَأُ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: قم يا بن عباس فدخلنا على عمر وبين يديه صبر مِنْ مَالٍ فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ فَلَمْ أَجِدْ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرَ عَشِيرَةً مِنْكُمَا، فَخُذَا هَذَا الْمَالَ فاقسماه بين الناس، وإن فضل فَضُلَ فَرُدَّاهُ، قَالَ فَجَثَوْتُ لِرُكْبَتِي فَقُلْتُ: وَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ رَدَدْتَ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: شَنْشَنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ، أَيْنَ كَانَ هَذَا وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ الْقَدَّ؟ قُلْتُ: لَوْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَصَنَعَ غَيْرَ الَّذِي تَصْنَعُ. قَالَ: وَمَا كَانَ يَصْنَعُ؟ قُلْتُ: إِذًا لأَكَلَ وَأَطْعَمَنَا. قَالَ: فَنَشَجَ حَتَّى اخْتَلَفَتْ

أَضْلاعُهُ وَقَالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنَ الأَمْرِ كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لِي. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أُصِيبَ بَعِيرٌ مِنَ الْفَيْءِ فَنَحَرَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَأَرْسَلَ مِنْهُ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعَ مَا بَقِيَ، فَدَعَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ صَنَعْتَ لَنَا كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ هَذَا فَأَكَلْنَا عِنْدَكَ وَتُحَدِّثُنَا، فَقَالَ عُمَرُ: لا أَعُودُ لِمِثْلِهَا، إِنَّهُ مَضَى صَاحِبَايَ وَقَدْ عَمِلا عَمَلا وَسَلَكَا طَرِيقًا، وَإِنِّي إِنْ عَمِلْتُ بِغَيْرِ عَمَلِهِمَا سَلَكْتُ فِي غَيْرِ طَرِيقِهِمَا. حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَعَدَ الْمِنْبَرَ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ مِنْ نَوَاحِي مَكَّةَ، فَعَلَّمَهُمْ وَأَمَرَهُمْ، وَنَهَاهُمْ، وَتَوَعَّدَهُمْ، ثُمَّ أَتَى أَهْلَهُ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُمْ وَإِنْ أَتَى أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِمَّا نُهِيتُ عَنْهُ أَضْعَفْتُ لَهُ الْعُقُوبَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حكيم- أَوِ ابْنِ أَبِي حَكِيمٍ- عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِذَا أَتَاهُ الْخَصْمَانِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمَا، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرُدُّنِي عَنْ دِينِي. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هَوْذَةَ بْنِ خَلِيفَةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا بَقِيَ فِيَّ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلا أَنِّي لَسْتُ أُبَالِي أَيُّ النَّاسِ نَكَحْتُ وَأَيُّهُمْ أَنْكَحْتُ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشَدُّ أُمَّتِي فِي أَمْرِ اللَّهِ عمر» .]

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد عن سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَا أُبَالِي إِذَا اخْتَصَمَ إِلَيَّ رَجُلانِ لأَيِّهِمَا كَانَ الْحَقُّ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَدَّانِيُّ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَبَيْنَكَ وَبَيْنَ أَهْلِ نَجْرَانَ قَرَابَةٌ؟ قَالَ الرَّجُلُ: لا. قَالَ عُمَرُ: بَلَى، قَالَ الرَّجُلُ: لا. قَالَ عُمَرُ: بَلَى، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَنْشُدُ اللَّهَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَعْلَمُ أَنَّ بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَهْلِ نَجْرَانَ قَرَابَةٌ لَمَا تَكَلَّمَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: بَلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ نَجْرَانَ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ كَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: مَهْ، إِنَّا لا نَقْفُوا الآثَارَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، أنبأ سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرَ النَّاسِ صِيَامًا، وَأَكْثَرَ النَّاسِ سِوَاكًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ يُونُسَ، أنبأ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَة، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْن أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ كُنْتُ أُطِيقُ الأَذَانَ مَعَ الْخَلِيفَاءِ لأَذَّنْتُ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْلا أَنْ أَسِيرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ أَضَعَ جَبِينِي فِي التُّرَابِ لِلَّهِ أَوْ أُجَالِسُ قَوْمًا يَلْتَقِطُونَ طَيِّبَ الْقَوْلِ كَمَا تُلْتَقَطُ الثَّمَرَةُ، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ لَحِقْتُ بِاللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن عمر بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتِ الشِّفَاءُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ- وَرَأَتْ فِتْيَانًا يَقْصِدُونَ فِي الْمَشْيِ

وَيَتَكَلَّمُونَ رُوَيْدًا-: مَا هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: نُسَّاكٌ، فَقَالَتْ: كَانَ وَاللَّهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا تَكَلَّمَ أَسْمَعَ، وَإِذَا مَشَى أَسْرَعَ، وَإِذَا ضَرَبَ أَوْجَعَ، وَهُوَ وَاللَّهِ النَّاسِكُ حَقًّا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: كُنَّا نَلْزَمُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَتَعَلَّمُ مِنْهُ الْوَرَعَ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أويس عَنِ الزُّهْرِيِّ عَن سالم قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ وعَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ لا يعرف فيهما البر حَتَّى يقولا أَوْ يفعلا، قَالَ: قلت: يَا أَبَا بَكْر مَا تعني بِذَلِكَ؟ قَالَ: لم يكونا متماوتين. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لا يَزَالُ النَّاسُ مُسْتَقِيمِينَ مَا اسْتَقَامَتْ أَئِمَّتُهُمْ وَهُدَاتُهُمْ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَا آتِي النِّسَاءَ لِلشَّهْوَةِ وَلَوْلا الْوَلَدُ مَا بَالَيْتُ أَلا أَرَى امْرَأَةً بِعَيْنِي. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، أنبأ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا غَالِبٌ القطان عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَكْسَبَةٌ فِيهَا بَعْضُ الدَّنِيَّةِ خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: مَثَلُ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، وَتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ بِكِرَاءٍ وَعَسْبِ [1] الْفَحْلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ

_ [1] الكراء الذي يؤخذ من ضرب الفحل. والمعروف أن ذلك مكروه. اللسان.

رأي لعمر في أصحاب الشورى

أَنَسٍ عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ الأَجْدَعِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الرَّوْحَاءِ [1] ، سَمِعَ صَوْتَ رَاعٍ فِي جَبَلٍ فَعَدَلَ إِلَيْهِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ صَاحَ. يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ، فَأَجَابَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي مَرَرْتُ بِمَكَانٍ هُوَ أَخْصَبُ مِنْ مَكَانِكَ، وإن كل راع مسؤول عن رعيته، ثم عدل صدور الركاب. [رأي لعمر في أصحاب الشورى] حَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر العُمري عَن الْهَيْثَم بْن عَدِيٍّ عَنْ عَوَانَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ مَنْ يُوَلَّى الْخِلافَةَ بَعْدَهُ فَقَالَ: إِنْ أُوَلِّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أُوَلِّ رَجُلا صَالِحًا فِي نَفْسِهِ، أَخَافُ إِيثَارَهُ قَرَابَاتِهِ، وَأَنْ يَغْلِبُوهُ عَلَى رَأْيِهِ، وَإِنْ أُوَلِّ عَلِيًّا أُوَلِّ شُجَاعًا تَقِيًّا عَلَى دُعَابَةٍ [2] فِيهِ، وَخَلِيقٌ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ صَالِحَةٍ، وَإِنْ أوّل الزبير فوعقة لقس [3] فيه شراسة وشعاسة، وَإِنْ أُوَلِّ طَلْحَةَ أُوَلِّ رَجُلا ذَا بَأْوٍ وَكِبْرٍ، وَإِنْ أُوَلِّ ابْنَ عَوْفٍ أُوَلِّ رَجُلا لَيِّنَ الْجَانِبِ سَلِسَ الْقِيَادَةِ، فَلَيْسَ يُصْلِحُ هَذَا الأَمْرَ إِلا شِدَّةٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، وَلِينٌ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ، وَلَكِنِّي أَدَعُهَا شُورَى بَيْنَهُمْ فَيَخْتَارُ الْمُسْلِمُونَ لأَنْفُسِهِمْ مِنْ هَؤُلاءِ مَا شَاءُوا. [عمر بن الخطاب] حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الأَسَدِيُّ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَعَا بِحَلاقٍ فَحَلَقَهُ بِمُوسَى يَعْنِي جَسَدَهُ، قَالَ: فَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ، وَلَكِنَّ النُّورَةَ [4] مِنَ النَّعِيمِ فكرهتها.

_ [1] موضع قريب من المدينة من أعمال الفرع على نحو من أربعين ميلا من المدينة. المغانم المطابة. [2] الدعابة: اللعب والمزاح. [3] رجل وعقه: سريع التبرم مع ضجر وصخب. واللقس: الشحيح. اللسان. [4] النورة: الكلس الذي يستخدم لإزالة شعر العانة. اللسان.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمَّانِيُّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الْحَوْتَكِيَّةِ قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: لَوْلا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَزِيدَ فِي الْحَدِيثِ أَوِ أَنْقُصَ لَحَدَّثْتُكُمْ بِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمًا، وَدَخَلَ حَائِطًا، يَقُولُ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ، وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ: عُمَرُ بن الخطاب أمير المؤمنين بخ، والله يابن الْخَطَّابِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ اللَّهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: الرَّعِيَّةُ مُؤَدِّيَةٌ إِلَى الإِمَامِ حَقَّهُ مَا أَدَّى الإِمَامُ إِلَى اللَّهِ، فَإِذَا رَتَعَ الإِمَامُ رَتَعُوا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: يَا أَسْلَمُ أَخْبَرَنِي عَنْ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ بِبَعْضِ شَأْنِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حِينِ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ حَيْثُ انْتَهَى مِنْ عُمَرَ. حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، ثنا مندل بْن علي العنزي عَن أَبِي عُثْمَان النهدي قال: والله الذي لو شاء لأنطق قناتي هَذِهِ، لو كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ ميزانا لما كَانَ فِيهِ ميط شعيرة [1] . وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ قَالَ: سَمِعْتُ سفيان بن عينية قال: قال

_ [1] أي ميل شعره.

عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ مَنْ رَفَعَ إِلَيَّ عُيُوبِي. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيُّ الْمَكِّيُّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أيها الناس لقد رأيتني ومالي مِنْ أَكَالٍ إِلا أَنَّ لِي خَالاتٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ كُنْتُ أَسْتَعْذِبُ لَهُنَّ الْمَاءَ، فَيَقْبِضْنَ لِي الْقَبَضَاتِ مِنَ الزَّبِيبِ» ، ثُمَّ نَزَلَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ فِي نَفْسِي شَيْئًا فَأَرَدْتُ أَنْ أُطَأْطِئَ مِنْهَا. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْهُرْمُزَانَ رَأَى عُمَرَ بْنَ الخطاب رضي الله تعالى عنه مضطجعا فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ حَوْلَهُ أَحَدٌ فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ آخِرُ الْمُلْكِ الْهَنِيءِ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثنا الْهَيْثِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيَّ مَعَ مَرَضِي مَرَضٌ آخَرُ، يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنِّي وَلَّيْتُ عَلَيْكُمْ خَيْرَكُمْ فَكُلُّكُمْ وَرِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْفُهُ يَوَدُّ أَنَّ الأَمْرَ يَكُونُ لَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا وَلَمْ تُرِدْهُ، وَقَدْ أَشْرَفَتْ لَكُمْ، وَلَمَّا تَأْتِكُمْ، وَكَأَنْ قَدْ أَتَتْكُمْ حَتَّى تَتَّخِذُوا نَضَائِدَ الدِّيبَاجِ وَسُتُورَ الْحَرِيرِ، وَحَتَّى يَأْلَمَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَنَامَ عَلَى الصُّوفِ كَمَا يَأْلَمُ أَنْ يَنَامَ عَلَى شَوْكِ السَّعْدَانِ، إِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ يَضِلُّ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ هُدَاتَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أُفَتِّشْ مَنْزِلَ فَاطِمَةَ وَلَوْ نَصَبَ عَلِيٌّ لِي الْحَرْبَ. وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَحْرِقِ الْفُجَاءَةَ السُّلَمِيَّ وَقَتَلْتُهُ قَتْلا مريحا، أو أطلقته إطلاقا سريحا. وودت أَنِّي قَتَلْتُ الأَشْعَثَ حِينَ أُتِيتُ بِهِ، فَإِنَّهُ يُلْقَى فِي رُوعِي أَنَّهُ

لا يرى غيّا إلا اتبعه، وودت أَنِّي يَوْمَ السَّقِيفَةِ أَخَذْتُ بِيَدِ أَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ فَبَايَعْتُهُ فَكُنْتُ وَزِيرًا، وَلَمْ أَكُنْ أَمِيرًا. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ فَقَالَ: إِنَّ لِلَّهِ حَقًّا فِي اللَّيْلِ لا يَقْبَلُهُ فِي النَّهَارِ وَحَقًّا فِي النَّهَارِ لا يَقْبَلُهُ فِي اللَّيْلِ، وَلا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ وَإِذَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْحَقَّ، ولحقّ لِمِيزَانٍ وُضِعَ فِيهِ الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلا، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لا يُوضَعُ فِيهِ إِلا الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا، إِنَّهُ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّخَاءِ مَعَ آيَةِ الشِّدَّةِ لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ رَاغِبًا رَاهِبًا، وَلَوْ وُزِنَ رَجَاءُ الْمُؤْمِنِ وَخَوْفُهُ لَوُجِدَا سَوَاءً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجْلِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يَأْخُذُ أُذُنَ الْفَرَسِ بِيَدٍ ثُمَّ يَأْخُذُ أُذُنَهُ الأُخْرَى بِيَدٍ ثُمَّ يَنْزُو عَلَى مَتْنِهِ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ مَرْحُومٍ الْعَطَّارِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذِمْ، أَيْ أَسْرِعْ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَأْمُرُ عُمَّالَهُ أَنْ يُوَافُوهُ بِالْمَوْسِمِ فَإِذَا اجْتَمَعُوا قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ عُمَّالِي عَلَيْكُمْ لِيُصِيبُوا مِنْ أَبْشَارِكُمْ وَلا مِنْ أَمْوَالِكُمْ، إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ لِيَحْجِزُوا بَيْنَكُمْ وَيَقْسِمُوا فَيْئَكُمْ فَمَنْ فُعِلَ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَلْيَقُمْ، فَمَا قَامَ إِلا رَجُلٌ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عَامِلَكَ

فُلانٌ ضَرَبَنِي مِائَةَ سَوْطٍ. قَالَ: فِيمَ ضَرَبْتَهُ؟ فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ فَقَالَ: قُمْ فَاقْتَصَّ مِنْهُ فافتدي مِنْهُ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ كُلَّ سَوْطٍ دِينَارَيْنِ. حَدَّثَنِي أبو عمر الدوري، ثنا عباد بن عَبَّادٌ عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تَعَلَّمُوا إِعْرَابَ الْقُرْآنِ كَمَا تُعَلَّمُونَ حِفْظَهُ. وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ عَنِ الْحُسَيْنِ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَمَاتَ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرُ شَهِيدٍ. حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَعُسُّ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَلا يَرَى فِيهِ أَحَدًا إِلا أَخْرَجَهُ إِلا رَجُلا قَائِمًا يُصَلِّي، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ قَالَ: نَفَرٌ مِنْ أَهْلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: مَا خَلْفَكُمْ بَعْدَ الصَّلاةِ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ. فَجَلَسَ مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لأَدْنَاهُمْ: خُذْ فِي الدُّعَاءِ فَدَعَا فَاسْتَقْرَأَهُمْ رَجُلا رَجُلا حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ وَأَنَا بِجَنْبِهِ فَقَالَ: هَاتِ. فَحُصِرْتُ وَأَخَذَنِي أَفْكَلٌ [1] فَقَالَ: قُلْ وَلَوْ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا. قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُمَرُ فِي الدُّعَاءِ فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَكْثَرَ دَمْعَةً وَلا أَشَدَّ بكاء منه، ثم قال: تفرقوا الان.

_ [1] أفكل: رعدة. اللسان.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَليِدِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا وَيَسْتَلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ، وَيَرْفَعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ فَلا عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ جَنْبَهُ فَهُوَ أَجْدَرُ أَلا يَقِلَّ جُلُوسُهُ. حَدَّثَنِي رُوحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْد، قَالا: ثنا عارم بْن الفضل، ثنا حَمَّاد بْن زَيْد عَن أَيُّوب وهشام عَنِ ابْنِ سيرين قَالَ: قتل عمر ولم يجمع الْقُرْآن، قَالَ روح يعني أنه لم يحفظه. الْمَدَائِنِيّ عَن ابْن جُعْدُبَةَ عَن صَالِحِ بْن كَيْسَانَ. قَالَ: كَانَ عُمَرُ كَثِيرَ النِّسَاءِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قَدْ بَدِنْتَ، فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَأَنَا بَيْنَ نِسَاءٍ لا هِمَّةَ لَهُنَّ إِلا مَا وَضَعْنَهُ فِي بَطْنِي، وَاللَّهِ مَا ذَاكَ إِلا لأَنْفُسِهِنَّ دُونِي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: شَخَصَ رَجُلٌ مِنَ الدَّهَاقِينَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي مَظْلَمَةٍ لَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ عُمَرَ فَقِيلَ: هُوَ ذَاكَ وَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ قَدْ جَمَعَ إِزَارَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، وَدِرَّتَهُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قِيلَ: فَذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَقَدْ غُرِرْتُ بِنَفْسِي وَذَهَبْتُ بِنَفَقَتِي، ثُمَّ دَنَا مِنْ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ، فَأَخَذَ قِطْعَةَ جِلْدٍ فَكَتَبَ فِيهَا بِخَطِّهِ: «لَيُنْصَفَنَّ هَذَا الدِّهْقَانُ، أَوْ لأَبْعَثَنَّ مَنْ يُنْصِفُهُ» . فَقَالَ الدِّهْقَانُ: لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ، أنفقت مالي وأتبعت نَفْسِي، وَتَجَشَّمْتُ هَذَا السَّفَرَ الْبَعِيدَ الشَّدِيدَ، ثُمَّ رَجَعْتُ بِقِطْعَةِ جِلْدٍ مِنْ صَحِيفَةٍ، وَهَمَّ أَنْ يُلْقِيَهَا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْعَامِلِ

وَدَفَعَهَا إِلَيْهِ قَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى أَنْصَفَهُ، فَقَالَ الدِّهْقَانُ: هَذَا وَاللَّهِ الْمَلِكُ، وَهَذِهِ الطَّاعَةُ لا مَا كُنَّا فِيهِ. حَدَّثَنِي عباس بن هشام ابن الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوَانَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ وَالِيًا فَكَانَ يَجْلِسُ لِلرَّعِيَّةِ فَوْقَ جَبَلٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَأَسْهِلْ تُثْمِرْ وَالسَّلامُ. فَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ أَسْفَلَ الْجَبَلِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ لا تُمْلَكُ رَقَبَتُهُ إِلا وَلَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ، وَلَئِنْ عِشْتُ لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِي بِالْيَمَنِ حَقُّهُ قَبْلَ أَنْ يَحْمَرَّ وَجْهُهُ فِي طَلَبِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ يُبْلِغُ بِهِ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أَوِ مُنِعَهُ وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا أَنْ يكون عبد مملوك، وَمَا أَنَا فِيهِ إِلا كَأَحَدِكُمْ، وَلَكِنَّا عَلَى مَنَازِلِنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالرَّجُلُ وَبَلاؤُهُ فِي الإِسْلامِ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ، وو الله لَئِنْ بَقِيتُ لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِي بِجَبَلِ صَنْعَاءَ حَظُّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ بِمَكَانِهِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَرْحُومٍ الْعَطَّارِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِذَا أَذَّنْتَ فتزيل، وإذا أقمت فاحذم [1] .

_ [1] التزييل: التفريق، والحذم الاسراع. القاموس.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبا أَبُو عَقِيلِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَدِمَتْ رُفْقَةٌ مِنَ التُّجَّارِ فَنَزَلُوا الْمُصَلَّى فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: هَلْ لَكَ أَنْ تَحْرُسَهُمُ اللَّيْلَةَ مِنَ السَّرَقِ؟ فَبَاتَا يَحْرُسَانِهِمْ وَيُصَلِّيَانِ. فَسَمِعَ عُمَرُ بُكَاءَ صَبِيٍّ فَتَوَجَّهَ نَحْوَهُ فَقَالَ لأُمِّهِ: اتَّقِي اللَّهَ وَأَحْسِنِي إِلَى صَبِيِّكِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَانِهِ فَسَمِعَ بُكَاءَهُ فَعَادَ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ سَمِعَ بُكَاءَهُ فَقَالَ لأُمِّهِ: وَيْحَكِ إِنِّي أَرَاكِ أُمَّ سُوءٍ، أَرَى ابْنَكِ لا يَقَرُّ مُنْذُ اللَّيْلَةِ. قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ قَدْ أَبْرَمْتَنِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ أَنِّي أُرِيغُهُ عَلَى الْفِطَامِ غِيَابًا، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لأَنَّ عُمَرَ لا يَفْرِضُ إِلا لِلْفَطِيمِ قَالَ: وَكَمْ لَهُ؟ قَالَت: كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: وَيْحَكِ لا تَعْجِلِيهِ، فَصَلَّى الْفَجْرَ وَمَا يَسْتَبِينُ النَّاسَ قِرَاءَتَهُ مِنَ الْبُكَاءِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: يَا بُؤْسَ لِعُمَرَ كَمْ قَتَلَ مِنْ أَوْلادِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ مُنَادٍ فَنَادَى: لا تُعْجِلُوا صِبْيَانَكُمْ عَنِ الرَّضَاعِ بِالْفِطَامِ فإنا نَفْرِضُ لِكُلِّ مَوْلُودٍ فِي الإِسْلامِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الآفَاقِ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأُلْحِقَنَّ آخِرَ النَّاسِ بِأَوَّلِهِمْ وَلأَجْعَلَنَّهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا. حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ حَدَّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: لأُلْحِقَنَّ أَسْفَلَ النَّاسِ بِأَعْلَاهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ قَالا: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عمر

قَالَ: لَئِنْ عِشْتُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ لأَجْعَلَنَّ عَطَاءَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ثَلاثَةَ آلافٍ أَلْفًا لِكُرَاعِهِ وَسِلاحِهِ، وَأَلْفًا نَفَقَةً لَهُ وَأَلْفًا نَفَقَةً لأَهْلِهِ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ الآجُرِّيُّ وَهُدْبَةُ قَالا: ثنا أَبُو الأَشْهَبِ، ثنا الْحَسَنُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْ قَدْ عَلِمْتُ نَصِيبِي مِنْ هَذَا الْمَالِ لآتِي الرَّاعِي بِسَرَوَاتِ حَمِيرٍ نُصِيبُهُ مِنْهُ لا يَعْرَقُ فِيهِ جَبِينُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عارم بن الفضل، ثنا حماد بن زيد عَنْ عَمْرٍو قَالَ: قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بين أهل مكة عشرة عَشَرَةً فَأَعْطَى رَجُلا فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ مَمْلُوكٌ فَقَالَ: رُدُّوهُ، ثُمَّ قَالَ: دَعُوهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ هَارُونَ الْبَرْبَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكِيلَ لَكُمُ الْمَالَ بِالصَّاعِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَحْمِلُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ، يَحْمِلُ الرَّجُلُ إِلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ، وَالرَّجُلَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ: احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَسُحَيْمٌ زِقٌّ؟ قَالَ نَعَمْ. وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لا يَغُرَّنَّكَ خُلُقُ امْرِئٍ حَتَّى يَغْضَبَ، وَلا دِينُهُ حَتَّى يَطْمَعَ.

حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ قَائِفًا صَلِيبَ الرَّأْيِ كَأَنَّ عَزْمَهُ حُسَامٌ ذَكَرٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، أَنْبَأَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عُمَرُ يُرْسِلُ إِلَيْنَا بِأَحَاظِينَا حَتَّى مِنَ الرؤوس وَالأَكَارِعِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالا: ثنا يَعْلَى بْنُ عبيد، ثنا هَارُونُ الْبَرْبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لأَزِيدَنَّهُمْ مَا زَادَ الْمَالُ، لأَعُدَّنَّهُ لَهُمْ عَدًّا، فَإِنْ أَعْيَانِي كِلْتُهُ لَهُمْ كَيْلا، فَإِنْ أَعْيَانِي حَسَوْتُهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا الْحَسَنُ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى: اجْعَلْ يَوْمًا فِي السَّنَةِ لا يَبْقَى فِيهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ حَتَّى يُكْتَسَحَ اكْتِسَاحًا لِيَعْلَمَ اللَّهُ أَنْ قَدْ أَدَّيْتُ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، قَالَ الْحَسَنُ: فَأَخَذَ وَاللَّهِ صَفْوَهَا وَتَرَكَ كَدَرَهَا، حَتَّى أَلْحَقَهُ اللَّهُ بِصَاحِبَيْهِ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَعْدَوَيْهِ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ أَنْبَأَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَيَّانَ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دَعَانِي عُمَرُ فَأَتَيْتُهُ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ نِطْعٌ عَلَيْهِ الذَّهَبُ مَنْثُورًا، وَجَثَا فَقَالَ: هَلُمَّ فَاقْسِمْ هذا بين قومك فالله أعلم حيث زوى هَذَا عَنْ نَبِيِّهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَعْطَيْتُهُ، أَلِخَيْرٍ أَعْطَيْتَهُ أَمْ لِشَرٍّ، قَالَ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أَقْسِمُ وَأُفَرِّقُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ الْبُكَاءَ فَإِذَا صَوْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ فِي بُكَائِهِ: كَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا حَبَسَهُ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ وأَبِي بَكْرٍ إِرَادَةَ الشَّرِّ بِهِمَا، وَأَعْطَاهُ عُمَرَ إِرَادَةَ الْخَيْرِ به.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سيرين أن صهر لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فَعَرَضَ لعمر بأن يعطيه من بيت المال فانتهر وَقَالَ: أَرَدْتَ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ مَلِكًا خَائِنًا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَعْطَاهُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ. حَدَّثَنِي عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ، دَخَلَ عَلَى عُمَرَ شَابٌّ وَقَدْ طُعِنَ فَقَالَ لَهُ وَرَآهُ يَجُرُّ ثَوْبَهُ: ارْفَعْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَتْقَى لِرَبِّكَ وَأَبْقَى لِثَوْبِكَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَجِبْتُ لِعُمَرَ أَنْ رَأَى حَقًّا عَلَيْهِ فَلَمْ يَشْغَلْهُ مَا هو فيه مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: أَيُّمَا عَامِلٍ لِي ظَلَمَ أَحَدًا، فَبَلَغَتْنِي مَظْلَمَتُهُ فَلَمْ أُغَيِّرْهَا، فَأَنَا ظَلَمْتُهُ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لا يَحْرُجُ أَنْ أَسْتَعْمِلَ الرَّجُلَ وَأَنَا (أَجِدُ) [1] أَقْوَى مِنْهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ مَاتَتْ سَخْلَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ ضَيَاعًا لَخَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله عن الزهري

_ [1] أضيف ما بين الحاصرتين من طبقات ابن سعد ج 3 ص 305.

عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ عمر خيلا موسومة في أفخاذها: «حبس فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ فِرَاسٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ الْفَزَارِيِّ قَالَ: عَقِلْتُ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فحمل عَلَى ثَلاثِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ في كل حول، وعلى ثلاثمائة فَرَسٍ، وَكَانَتِ الْخَيْلُ تَرْعَى بِالنَّقِيعِ، وَكَانَ حَمَى النَّقِيعَ [1] لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرُّوخَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يُصْلِحُ أَدَوَاتَ الإِبِلِ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَرَاذِعَهَا وَأَقْتَابَهَا، فَإِذَا حَمَلَ رَجُلا عَلَى بَعِيرٍ جَعَلَ مَعَهُ أَدَاتَهُ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم [قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي» ] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ قَمِيصًا سُنْبُلانِيًّا [2] طَوِيلَ الْكُمَّيْنِ، فَدَعَا بِشَفْرَةٍ لِيَقْطَعَ كُمَّيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، فَقَالَ: أَنَا أَقْطَعُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي أَسْتَحْيِي مِنَ النَّاسِ فَقَطَعَهُ عُمَرُ. أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ قَالَ: قال عمر لأعرابي وهو يعلمه الصلاة:

_ [1] النقيع: من اودية الحجاز، على عشرين ميلا من المدينة المنورة. معجم البلدان. [2] السنبلاني: الثوب السابغ الطويل، وقد يكون منسوبا إلى مكان. اللسان.

إِنَّ الصَّلاةَ أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ ... ثُمَّ ثَلاثٌ بَعْدَهُنَّ أَرْبَعٌ ثُمَّ صَلاةُ الصُّبْحِ لا تَضِيعُ قَالَ: وهما رَكْعَتَانِ. الْمَدَائِنِيُّ عَن شُعْبَةَ عَن عَمْرو بْن مُرَّةَ قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ: مَنْ شَرُّ النَّاسِ؟ قَالَ: الَّذِي لا يُبَالِي أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ مُسِيئًا. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ، وَكَذَاكَ فِي الأَمْرِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ. حَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنه قَالَ: كَانَتْ درة عمر أهيب فِي الصدور من سوطكم هَذَا. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إنما أنا فِي مالكم هَذَا كوالي اليتيم إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف قضما كقضم البهمة لا خضما كخضم الكودن الهرم [1] . قَالَ: وَقَالَ عمر فِي خطبة لَهُ: يَا معشر الْمُسْلِمِينَ تعلموا أنسابكم تصلوا أرحامكم، وتعلموا القرآن تعرفوا به، واعلموا بما فِيهِ تكونوا من أهله ولم يبلغ حق ذي حق أن يطاع فِي معصية اللَّه. وَقَالَ عمر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي بعض خطبه: أَيُّهَا النَّاسُ، إن بعض الطمع فقر حاضر، وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون مَا لا تأكلون، وتأملون مَا لا تدركون، وأنتم مؤجلون فِي دار غرور. وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أظهروا لنا أحسن أخلاقكم، والله أعلم

_ [1] الخضم: الأكل بجميع الفم. والكودن هو البرذون البطيء. اللسان.

بسرائركم، فإنه من أظهر لنا علانية حسنة ظننا بِهِ حسنا، ومن أظهر لنا سوءا، وزعم أن سريرته حسنة لم نصدقه. وَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اتقوا اللَّه وأصلحوا أموالكم وَلا تلبسوا نساءكم القباطي [1] فإنها إِلا تشف تصف، وَاللَّه لوددت أني أنجو من أمركم كفافا لا علي وَلا لِي، وإني لأرجو إن عمرت يسيرا أَوْ كثيرا أن أعمل فيكم بالحق، وألا يبقى أحد من الْمُسْلِمِينَ إِلا أتاه نصيبه من مال اللَّه، فأصلحوا أموركم واعلموا أن قليل الرزق فِي رفق خير من كثيره مَعَ عنف وخرق. وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي خطبة لَهُ: إن الدنيا خضرة حلوة فإياكم وإياها، خافوها عَلَى أعمالكم حيثما كنتم، وإن نزلتم بأرض عدو لا يفهمون كلامكم فأشار أحدكم إِلَى السماء لبعضهم فقد أمن لأنه يظن أن ذَلِكَ عقده. وَقَالَ عمر: إني فرضت الضيافة ثلاثة أيام، فأتت رفقة جن عَلَيْهَا الليل فاضطرها إِلَى قرية مصالحة فلم ينزلوهم حَتَّى باتوا بالعراء فقد برئت من أهل تلك القرية الذمة. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كُنَّا نَعُدُّ المقرض بخيلا، إِنَّمَا كَانَتِ الْمُؤَاسَاةُ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْن مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَة عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّ هَلا بِعُمَرَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الوليد، حدثني

_ [1] القباطي: ثياب كتان رقاق كانت تعمل في مصر. اللسان.

الزَّبِيدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ [اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى أَنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْمَ» ] . الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمْ يَفْضُلْ عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَنَّهُ كَانَ أَطْوَلَهُمْ وَأَكْثَرَهُمْ صِيَامًا، وَلَكِنَّهُ فَضَلَهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ أَزْهَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَشَدَّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ عَبْدُ رَبِّهِ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: [يَا وَهْبُ، أَلا أُنَبِّئُكَ بِأَفْضَلِ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَرَجُلٌ آخَرُ] . وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا أَبُو شِهَابٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كَانَ عُمَرُ حِصْنًا حَصِينًا، وَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِيهِ وَلا يَخْرُجُونَ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ انْثَلَمَ الْحِصْنُ فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَلا يَدْخُلُونَ، فَإِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيِّ هَلا بِعُمَرَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا يَعْرِفُ مِنَ الشَّرِّ شَيْئًا، فَقَالَ ذَلِكَ أَوْقَعُ لَهُ فِيهِ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا سُفْيَانُ عَنْ عِيسَى عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ تَرَكْتُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلالِ مَخَافَةَ الحرام.

الْمَدَائِنِيُّ عَنْ طُعْمَةَ بْنِ غَيْلانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَسْلَمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ غَسِيلانِ فَقَالَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ حَمِيدًا، وَانْبَعِثْ شَهِيدًا، وَيُعْطِكَ اللَّهُ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» ] . وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: رَوَى لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: [ «إِنَّ اللَّهَ أَيَّدَنِي مِنَ الْمَلائِكَةِ بِجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَمِنْ أَهْلِ الأَرْضِ بأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَمَنْ خَالَفَهُمَا فَقَدْ خَالَفَنِي» ] . وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الأَمْصَارِ، أَوْ قَالَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ: أَنْ عَلِّمُوا أَوْلادَكُمُ الْفُرُوسِيَّةَ وَالْعَوْمَ، وَرَوُّوهُمُ الشِّعْرَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُغْزِي الْعَزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَالْفَارِسَ عَنِ الْقَاعِدِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سَبْرَةَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُعَاقِبُ بَيْنَ الْغَزَاةِ وَيَنْهَى أَنْ تُحْمَلَ الذُّرِّيَّةُ إِلَى الثُّغُورِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ عُمَرَ غَضِبَ قَطُّ، فَذُكِرَ اللَّهُ عِنْدَهُ أَوْ خَوْفٌ أَوْ قَرَأَ عِنْدَهُ إِنْسَانٌ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ إِلا وَقَفَ عَمَّا كَانَ يُرِيدُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ مَالِكٍ الدَّارِعِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: صَاحَ عُمَرُ عَلَيَّ يَوْمًا وَعَلانِي بِالدَّرَّةِ فَقُلْتُ: اذْكُرِ اللَّهَ، فَطَرَحَهَا وَقَالَ: لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي عَظِيمًا.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن عمر عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ بِلالٌ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ فَقُلْتُ: إِنَّهُ نَائِمٌ، فَقَالَ: يَا أَسْلَمُ كَيْفَ تَجِدُونَ عُمَرَ؟ قُلْتُ: هُوَ خَيْرُ النَّاسِ إِلا أَنَّهُ إِذَا غَضِبَ فَهُوَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ بِلالٌ: لَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ إِذَا غضب قَرَأْتُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ حَتَّى يَذْهَبَ غَضَبُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أَمَلِكٌ أَنَا أَمْ خَلِيفَةٌ؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: إِنْ أَنْتَ جَبَيْتَ مِنَ الأَرْضِ دِرْهَمًا أَوِ أَقَلَّ ثُمَّ وَضَعْتَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَأَنْتَ مَلِكٌ غَيْرُ خَلِيفَةٍ، فَاسْتَعْبَرَ عُمَرُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِث عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَخَلِيفَةٌ أَنَا أَمْ مَلِكٌ؟ فَإِنْ كُنْتُ مَلِكًا فَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: إِنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، إِنَّ الْخَلِيفَةَ لا يَأْخُذُ إِلا حَقًّا وَلا يَضَعُهُ إِلا فِي حَقٍّ، وَأَنْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَالْمَلِكَ يَعْسِفُ النَّاسَ فَيَأْخُذُ مِنْ هَذَا وَيُعْطِي هَذَا، قَالَ: فَسَكَتَ عُمَرُ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: عُمَرُ إِمَامُنَا فِي الْجَمَاعَةِ، وَابْنُهُ إِمَامُنَا فِي الْفُرْقَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ عَامِلا كَتَبَ مَالَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ عُمَّالَهُ فَكَتَبُوا أَمْوَالَهُمْ مِنْهُمْ

سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَشَاطَرَهُمْ إِيَّاهَا، فَأَخَذَ نِصْفًا وَأَعْطَاهُمْ نِصْفًا وَقَالُوا: قَاسَمَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ وَلاهُ الْبَحْرَيْنِ، وَقَاسَمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَقَاسَمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَكَثَ عُمَرُ زَمَانًا لا يَأْكُلُ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِ خَصَاصَةٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشَارَهُمْ فَقَالَ: قَدْ شُغِلْتُ بِهَذَا الأَمْرِ فَمَا يَصْلُحُ لِي مِنَ الْمَالِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: كُلْ وَأَطْعِمْ، وَقَالَ سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ، قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْبَقَّالُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: مَا أَحَدٍ يُفَتِّشُ إِلا فَتَّشَ عَنْ جَائِفَةٍ أَوْ مُنَقِّلَةٍ إِلا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَابْنَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُوتُ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَيَكْتَسِي الْحُلَّةَ فِي الصَّيْفِ، وَرُبَّمَا خُرِقَ الإِزَارُ فِي الصَّيْفِ حَتَّى يُرَقِّعَهُ فَمَا يُبْدِلُ مَكَانَهُ، وَمَا مِنْ عَامٍ يَكْثُرُ فِيهِ الْمَالُ إِلا وَكُسْوَتُهُ فِيهِ أَدْنَى مِنَ الْعَامِ الْمَاضِي، فَكَلَّمَتْهُ حَفْصَةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا أَكْتَسِي مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا يَبْلُغُنِي. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُوسَى بْن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْتَنْفِقُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ، وَأَنْفَقَ فِي حَجَّتِهِ ثَمَانِينَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ صالح مولى التوأمة عَنِ ابْنِ الزُّبَيْر قَالَ: أَنْفَقَ عُمَرُ فِي حَجَّتِهِ مِائَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، وَقَالَ: قَدْ أَسْرَفْنَا فِي هَذَا الْمَالِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَمِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا عَلَى صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ خَمْسَةُ عَشَرَ دِينَارًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنَ الْمَالِ وَاحْتَرَفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَهْدَى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ لامْرَأَةِ عُمَرَ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ طِنْفِسَةً أَرَاهَا تَكُونُ ذِرَاعًا وَشِبْرًا، فَرَآهَا عُمَرُ عِنْدَهَا فَقَالَ: أَنَّى لَكِ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: أَهْدَاهَا لِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، فَأَخَذَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهَا حَتَّى نَفَضَ رَأْسَهَا، ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ بِأَبِي مُوسَى وَأَتْعَبُوهُ فَأُتِيَ بِهِ وَقَدْ أُتْعِبَ وَهُوَ يَقُولُ: لا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى أَنْ تُهْدِي لِنِسَائِي ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَضَرَبَ بِهَا فَوْقَ رَأْسِهِ وَقَالَ: خُذْهَا فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا عبد الله بن عمر عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: يَا أَسْلَمَ أَمْسِكْ عَلَيَّ الْبَابَ وَلا تَأْخُذَنَّ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، قَالَ: فَرَآى عَلَيَّ يَوْمًا ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قُلْتُ كَسَانِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَخُذْ مِنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلا تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا.

خطبة لعمر عقب توليته

قَالَ أَسْلَمُ: وَجَاءَ الزُّبَيْرُ وَأَنَا عَلَى الْبَابِ فَسَأَلَنِي أَنْ يَدْخُلَ فَقُلْتُ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَشْغُولٌ، قِفْ سَاعَةً. قَالَ: فَدَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَنِي خَلْفَ أُذُنِي ضَرْبَةً صَيَّحَتْنِي، فَدَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ أَرَى، قَالَ: وَأَدْخَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضَرَبْتَ هَذَا الْغُلامَ؟ فَقَالَ الزُّبَيْر: زَعَمَ أَنَهُ يَمْنَعُنَا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ رَدَّكَ عَنْ بَابِي قَطُّ؟ قَالَ: لا، فَقَالَ عُمَرُ: أَفَقَالَ لَكَ اصْبِرْ سَاعَةً فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَشْغُولٌ فَلَمْ تَعْذِرْنِي، إِنَّهُ وَاللَّهِ إِنَّمَا يَدْمَى السَّبُعُ لِلسِّبَاعِ فَتَأْكُلُهُ [1] . حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه كان يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَدَّمَ فَضْلَ الْمَالِ وَأَمْسَكَ فَضْلَ الْكَلامِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لا شَيْءَ أَنْفَعُ فِي دُنْيَا وَأَبْلَغُ فِي أَمْرِ دين من كلام. [خطبة لعمر عقب توليته] الْمَدَائِنِيُّ فِي إِسْنَادِهِ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ وَلِيَ فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ، وَلَوْلا رَجَائِي أَنْ أَكُونَ خَيْرَكُمْ لَكُمْ، وَأَقْوَاكُمْ عَلَيْكُمْ، وَأَشَدَّكُمُ اضْطِلاعًا بِمَا يَنُوبُ مِنْ مُهِمِّ أَمْرِكُمْ، مَا تَوَلَّيْتُ ذَلِكَ مِنْكُمْ، وَلَكَفَى عُمَرَ مُهِمًّا مُحْزِنًا انْتِظَارُ الْحِسَابِ عَلَى مَا يَصْنَعُ بِكُمْ وَيَسِيرُ بِهِ فِيكُمْ، وَلَمْ يُصْبِحْ عُمَرُ يَنُوءُ بِقُوَّةٍ وَلا حِيلَةٍ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَعَوْنِهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَإِنِّي مُعْطِي الْحَقِّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ أَوْ مَظْلَمَةٌ أو عتب عليّ في خلق فليؤذنّي،

_ [1] المعروف أن الذئب إذا رأى دما على ذئب أقدم عليه ليأكله، وأراد هنا: إن رفقي بكم جرأكم علي.

خطبة لعمر

وعليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم وحرماتكم وَأَمْوَالِكُمْ وَأَعْرَاضِكُمْ، وَأَعْطُوا الْحَقَّ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَلَيْسَ بيني وبين أحد هوادة» . [خطبة لعمر] قَالُوا: وَقَالَ عُمَرُ فِي خُطْبَةٍ لَهُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ زَمَانٌ قَلِيلُ الأُمَنَاءِ وَالْفُقَهَاءِ، كَثِيرُ الأُمَرَاءِ وَالْقِرَاءِ، يَعْمَلُ فِيهِ أَقْوَامٌ بِعَمَلِ الآخرةِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا الَّتِي تَأْكُلُ دِينَ صَاحِبِهَا كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصْبِرْ» . وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنا لا نَبْعَثُكُمْ أُمَرَاءَ جَبَّارِينَ، وَلَكِنَّا نَبْعَثُكُمْ أَئِمَّةَ هُدًى يُقْتَدَى بِكُمْ، فَأَدِرُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَقْحَتَهُمْ، وَلا تَضْرِبُوهُمْ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلا تَجْهَلُوا عَلَيْهِم فَتُحَرِّجُوهُمْ، وَقَاتِلُوا الْكُفَّارَ بِهِمْ طَاقَتَهُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ بِهِمْ كَلالا فَكُفُّوهُمْ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ» . حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ أُعَشِّرُ بَنِي تَغْلِبَ إِذَا أَقْبَلُوا وَإِذَا أَدْبَرُوا، فَانْطَلَقَ شَيْخٌ مِنْهُمْ إِلَى عُمَرَ فَشَكَا إِلَيْهِ فَقَالَ: تَكْفِي ثُمَّ أَتَاهُ الشَّيْخُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ. قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْمُسْلِمُ، وَكَتَبَ إِلَيَّ أَلا تُعَشِّرْهُمْ فِي السَّنَةِ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأَسْوَدِ عَن أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: «أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِأَهْلِ الأَمْصَارِ فَإِنَّهُمْ جُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَرِدْءُ الْمُسْلِمِينَ، أَنْ يَقْسِمَ فِيهِمْ بِالْعَدْلِ وَلا يَحْمِلْ مِنْ عِنْدِهِمْ فَضْلَ إِلا أَنْ تَطِيبَ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَأُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُوفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَاءِهِمْ وَلا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طاقتهم» .

عمر يفرض لشيخ ذمي

[عمر يفرض لشيخ ذمي] حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَن إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَأَى شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَقُومُ عَلَى أَبْوَابِ النَّاسِ يَسْأَلُهُمْ فَقَالَ: مَا أَنْصَفْنَاكَ، أَخَذْنَا مِنْكَ الْخَرَاجَ شَابًّا فَلَمَّا كَبِرْتَ خَذَلْنَاكَ. فَأَجْرَى عَلَيْهِ قُوتَهُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا حَفْصُ بْنُ غَيَّاثٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُصَالِحُ أَهْلَ السَّوَادِ فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِم الضِّيَافَةَ، وَأَنْ يُهْدُوا ابْنَ السَّبِيلِ. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَنَحْنُ بَرَاءٌ من معّرة الجيش، قالوا: وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ حَبَسَتِ الرجل علة أو مطر أَضَافُوهُ يَوْمًا آخَرَ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَإِنْ زَادَ اسْتُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ، وَأَنْ لا يَتَعَدَّى مَا عندهم من طعام وعلف. [عمر بن الخطاب] حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، أنبأ خَالِدُ بْنُ سَمِيرٍ أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ انْتَقَشَ عَلَى خَاتَمِ الْخِلافَةِ، فَأَصَابَ خَرَاجًا مِنْ خَرَاجِ الْكُوفَةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ انْتَقَشَ عَلَى خَاتَمِ الْخِلافَةِ فَأَصَابَ خَرَاجًا مِنْ خَرَاجِ الْكُوفَةِ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَنَفِّذْ أَمْرِي فِيهِ، وَأَطِعْ رَسُولِي، فَلَمَّا صَلَّى الْمُغِيرَةُ الْعَصْرَ وَأَخَذَ النَّاسُ مَجَالِسَهُمْ، خَرَجَ الْمُغِيرَةُ وَمَعَهُ رَسُولُ عُمَرَ، فَاشْرَأَبَّ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَعْنٍ فَقَالَ لِلرَّسُولِ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَنِي أَنْ أُطِيعَ فِيهِ أَمْرَكَ فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ فَقَالَ: ادْعُ بِجَامِعَةٍ فَاجْعَلْهَا فِي عُنُقِهِ فَفَعَلَ وَجَبَذَهَا جَبْذًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: احْبِسْهُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَك فِيهِ أَمْرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَفَعَلَ، وَكَانَ السِّجْنُ يَوْمَئِذٍ مِنْ قَصَبٍ، فَتَحَيَّلَ مَعْنٌ

وصف عمرو بن معدي كرب للسلاح

لِلْخُرُوجِ، وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ أَنِ ابْعَثُوا إِلَيَّ بِنَاقَتِي وَجَارِيَتِي وَعَبَاءَتِي الْقَطَوَانِيَّةِ فَفَعَلُوا، وَخَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَرْدَفَ جَارِيَتَهُ، وَسَارَ حَتَّى إِذَا رَهِبَ أَنْ يَفْضَحَهُ الصُّبْحُ أَنَاخَ نَاقَتَهُ وَعَقَلَهَا، ثُمَّ كَمَنَ حَتَّى إِذَا سَكَنَ عَنْهُ الطَّلَبُ، أَعَادَ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَبَاءَةَ وَأَرْدَفَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ سَارَ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ وَهُوَ يُوقِظُ الْمُتَهَجِّدِينَ النُّوَّامَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، وَمَعَهُ دِرَّتُهُ، فَجَعَلَ نَاقَتَهُ وَجَارِيَتَهُ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ، ثُمَّ دَنَا مِنْ عُمَرَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ قَدْ جِئْتُكَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ تَقْدِرَ عَلَيَّ فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ مَعْنٌ فَلا حَيَّاكَ اللَّهُ، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَكَانَكُمْ. فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَالَ: هَذَا مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ انْتَقَشَ عَلَى خَاتَمِ الْخِلافَةِ فَأَصَابَ بِهِ خَرَاجًا مِنْ خَرَاجِ الْكُوفَةِ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ. فَقَالَ قَائِلٌ: اقْطَعْ يَدَهُ وَقَالَ قَائِلٌ: اصْلُبْهُ، وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ سَاكِتٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ قَالَ: [رَجُلٌ كَذَبَ كِذْبَةً عُقُوبَتُهُ فِي بَشَرِهِ،] فَضَرَبَهُ عُمَرُ ضَرْبًا شَدِيدًا، أَوْ قَالَ مُبَرِّحًا، وَحَبَسَهُ فَكَانَ مَحْبُوسًا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى صَدِيقٍ لَهُ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ كِلِّمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَخْلِيَةِ سَبِيلِي فَقَدْ بَلَغَ مِنْ عُقُوبَتِي مَا أَرَادَ، فَكَلَّمَهُ الْقُرَشِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ قَدْ أَصَبْتَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِمَا كَانَ لَهُ أَهْلا فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: «ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَقَدْ كُنْتُ نَاسِيًا» ، ثُمَّ دعا بمعن فضربه وَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، فَبَعَثَ مَعْنٌ إِلَى كُلِّ صَدِيقٍ لَهُ لا تَذْكُرُونِي لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ انْتَبَهَ لَهُ فَقَالَ: مَعْنُ فَأُتِيَ بِهِ فَقَاسَمَهُ مَالَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، أَوْ قَالَ فقاسمه ما كان له. [وصف عمرو بن معدي كرب للسلاح] حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عُثْمَانَ الزِّيَادِيُّ أَبُو حَسَّانٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي

عمر بن الخطاب

خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَعْدِي كَرِبَ الزَّبِيدِيَّ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَ فَتْحِ الْقَادِسِيَّةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ سَعْدٍ وَعَنْ رِضَا النَّاسِ عَنْهُ، فَقَالَ تَرَكْتُهُ يَجْمَعُ لَهُمْ جَمْعَ الذَّرَةِ، وَيُشْفِقُ عَلَيْهِمْ شَفَقَةَ الأُمِّ الْبَرَّةِ، أَعْرَابِيٌّ فِي نَمِرَتِهِ [1] ، نَبَطِيٌّ فِي جِبَايَتِهِ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ وَيَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ وَيَبْعُدُ بِالسَّرِيَّةِ، فَقَالَ عُمَرُ: كَأَنَّكُمَا تَقَارَضْتُمَا الثَّنَاءَ، وَكَانَ سَعْدٌ كَتَبَ يُثْنِي عَلَى عَمْرٍو، فَقَالَ عَمْرٌو: كلا يا أمير المؤمنين ولكني أثنيت بما أعلم. قَالَ: يَا عَمْرُو أَخْبِرْنِي عَنِ الْحَرْبِ. قَالَ: مُرَّةُ الْمَذَاقِ إِذَا قَامَتْ عَلَى سَاقٍ، مَنْ صَبَرَ فِيهَا عُرِفَ، وَمَنْ ضَعُفَ عَنْهَا تَلِفَ. قَالَ: فأخبرني عَنِ السِّلاحَ، قَالَ: سَلْ عَمَّ شِئْتَ مِنْهُ. قَالَ: الرُّمْحَ؟ قَالَ: أَخُوكَ وَرُبَّمَا خَانَكَ، قَالَ: فَالسِّهَامُ؟ قَالَ: رُسُلُ الْمَنَايَا تُخْطِئُ وَتُصِيبُ. قَالَ: فَالتُّرْسُ؟ قَالَ: ذَلِكَ الْمِجَنُّ وَعَلَيْهِ تَدُورُ الدَّوَائِرُ، قَالَ: فَالدِّرْعُ؟ قَالَ: مَشْغَلَةٌ لِلْفَارِسِ مَتْعَبَةٌ لِلرَّاجِلِ، وَإِنَّهَا لَحِصْنٌ حَصِينٌ. قَالَ: فَالسَّيْفُ؟ قَالَ هُنَاكَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، فَقَالَ عَمْرو: الحمى أضرعتني إليك [2] . [عمر بن الخطاب] حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الآجُرِّيُّ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، فَاجْتَمَعَ لِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَالَ: وَعَدُوَّ كِتَابِهِ، سَرَقْتَ مَالَ اللَّهِ؟ قَالَ: قلت:

_ [1] النمرة: شملة مخططة من مآزر العرب. اللسان. [2] مثل يضرب عند ما يضطر القائل إلى قبول الذل، والمراد هنا أن الاسلام وامرة المؤمنين أرغمت عمرا على السكوت والإغضاء.

لَسْتُ بِعَدُوٍّ لِلَّهِ، وَلا لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَالَ: وَلا كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا، وَلَكِنْ خَيْلٌ تَنَاتَجَتْ وَسِهَامٌ اجْتَمَعَتْ، قَالَ: فَأَخَذَ مِنِّي اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا فَلَمَّا صَلَّيْتُ الْغَدَاةَ قُلْتُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُمَرَ. قَالَ: وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيُعْطِيهِمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدُ قَالَ: أَلا تَعْمَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: قَدْ عَمِلَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ: (قَالَ اجْعَلْنِي على خزائن الأرض) [1] قُلْتُ: يُوسُفُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ بْنُ أُمَيْمَةَ، وَأَخَافُ مِنْكُمْ ثَلاثًا، وَاثْنَتَيْنِ. قَالَ: فَهَلا قُلْتَ خَمْسًا. قُلْتُ: أَخْشَى أَنْ تَضْرِبُوا ظَهْرِي، وَتَشْتُمُوا عِرْضِي، وَتَأْخُذُوا مَالِي، وَأَكْرَهُ أن أقول بغير حلم، وَأَحْكُمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ وَرَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالا: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْبَحْرَيْنَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ، أَسَرَقْتَ مَالَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَسْتُ عَدُوَّ اللَّهِ، وَلا عَدُوَّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا، لَمْ أَسْرِقْ مَالَ اللَّهِ. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ اجْتَمَعَ لَكَ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: خَيْلٌ تَنَاسَلَتْ، وَعَطَاءٌ تَلاحَقَ، وَسِهَامٌ اجْتَمَعَتْ فَقَبَضْتُهَا مِنْهُ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ نَحْوَ الَّذِي ذَكَرَ أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ قَالَ لَهُ عُمَرُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: سِهَامٌ اجْتَمَعَتْ وَخَيْلٌ تَنَاتَجَتْ وَعَطَاءٌ تَلاحَقَ، فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ، ثُمَّ قَاسَمَهُ مَالَهُ، فَأَخَذَ خمسة آلاف وترك له خمسة آلاف.

_ [1] سورة يوسف- الاية: 55.

وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: إِنَّ عِنْدَكَ مَالا أَصَبْتَهُ مِنَ الْيَمَنِ؟ فَقَالَ: قَدْ طَيَّبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَعْرِضْ لِي فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَتَرَكَهُ عُمَرُ، فَرَأَى مُعَاذٌ فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ، فَأَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ فَلَمْ يَقْدِرْ، فَقَصَّ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا أَظُنُّ هَذَا إِلا لِمَكَانِ الْمَالِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: اقْسِمْهُ قِسْمَيْنِ فَاجْعَلْ شَطْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَسَمَهُ فِيهِمْ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الأسود عَن يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَكْتُبُ أَمْوَالَ عُمَّالِهِ إِذَا وَلاهُمْ وَيُقَاسِمَهُمْ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَرُبَّمَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ بِمِصْرَ أَنَّهُ قَدْ فَشَتْ لَكَ فَاشِيَةٌ مِنْ مَتَاعٍ وَرَقِيقٍ وَآنِيَةٍ وَحَيَوَانٍ لَمْ تَكُنْ لَكَ حِينَ وُلِّيتَ مِصْرَ؟ فَكَتَبَ عَمْرٌو: إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضُ مَتْجَرٍ وَمُزْدَرَعٍ، فَنَحْنُ نُصِيبُ فَضْلا عَمَّا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَفَقَتِنَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنِّي قَدْ خُبِّرْتُ مِنْ عُمَّالِ السُّوءِ مَا كَفَى، وَكِتَابُكَ إِلَيَّ كِتَابُ ضَجِرٍ قَدْ أَقْلَقَهُ الأَخْذُ بِالْحَقِّ، فَقَدْ سُؤْتُ بِكَ ظَنًّا، وَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْك مُحَمَّد بن مسلمة لِيُقَاسِمَكَ مَالَكَ، فَاخْرُجْ مِمَّا يُطَالِبُكَ بِهِ، وَاعْفِهِ مِنَ الْغِلْظَةِ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ بَرِحَ الْخَفَاءَ. عَلِيُّ بْن مُحَمَّد أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ عَن ابْنِ الْمُبَارَكِ بِمِثْلِهِ. الْمَدَائِنِيُّ عَن عِيسَى بْن يَزِيدَ قَالَ: لَمَّا قَاسَمَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ عَمْرٌو: إِنَّ زَمَانًا عَامَلَنَا فِيهِ ابْنُ حَنْتَمَةَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ لَزَمَانُ سُوءٍ، لَقَدْ كَانَ الْعَاصُ يَلْبَسُ الْخَزِّ بِكِفَافِ الدِّيبَاجِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَهْ يَا عَمْرُو فَلَوْلا زَمَانُ ابْنِ حَنْتَمَةَ هَذَا الَّذِي تَكْرَهُهُ لأَلْفَيْتَ مُعْتَقَلا عَنْزًا بِفِنَاءِ بَيْتِكَ يَسُرُّكَ

غَزْرُهَا وَيَسُوءُكَ بُكْؤُهَا [1] ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تُخْبِرَ عُمَرَ بِقَوْلِي، فَإِنَّ الْمَجَالِسَ بِالأَمَانَةِ، فَقَالَ: لا أَذْكُرُ شَيْئًا مِمَّا جَرَى بَيْنَنَا وَعُمَرُ حَيٌّ. الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُول: لا يُسَمِّيَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، أَوِ ابْنَهُ الْحَكَمَ، وَأَبَا الْحَكَمِ، وَلا يَرْكَبَنَّ الدَّابَّةَ فَوْقَ اثْنَيْنِ وَلا تَرْكَبُوا عَلَى مُسُوكِ [2] السِّبَاعِ، وَعَلَيْكُمْ بِالأُزْرِ وَالْبِغَالِ وَبِالسِّوَاكِ وَتَقْلِيمِ الأَظَافِرِ، وَقَصِّ الشَّوَارِبِ. حَدَّثَنِي أَبُو حَسَّانٍ الزِّيَادِيُّ عَنْ مُوسَى بْنُ دَاوُدَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّد بْن سَوْقَةَ عَن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِرِ التَّيْمِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه: مَا شَيْءٌ أَحْسَنُ وَلا أَنْفَعُ مِنْ كَلامٍ، وَحَدَّثَ فَقَالَ: حَلَلْتُ إِزَارِي وَأَخَذْتُ مَضْجَعِي فَسَمِعْتُ قَائِلا يَقُولُ: السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الْمَنْزِلِ خُذُوا مِنْ دُنْيَا فَانِيَةٍ لآخِرَةٍ بَاقِيَةٍ، وَاخْشَوُا الْمَعَادَ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لا قَلِيلٌ مِنَ الأَجْرِ، وَلا غِنًى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا عَمَلَ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَصْلَحَ اللَّهُ أَعْمَالَكُمْ [3] . وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: قَالَ عُمَرُ: ارْكَبُوا الْحَقَّ، وَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ، وَكُونُوا وَاعِظِي أَنْفُسِكُمْ، وَالْزَمُوا أَدَبَ اللَّهِ لَكُمْ. الْمَدَائِنِيّ أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ: لا بأس بالأبيات يقدمها الرجل أمام حاجته يستنزل بِهَا الكريم، ويستعطف بِهَا اللئيم، قَالَ: وَقَالَ عمر: ليس العاقل الَّذِي يحتال للأمر إذا وقع فيه، ولكنه الذي يحتال لئلا يقع.

_ [1] بكؤها: قلة لبنها. اللسان. [2] المسوك: الجلود. اللسان. [3] بهامش الأصل: بلغ العرض بالأصل الثالث من أول هذا الباب ولله كل حمد وجمال.

الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ قَالَ: مَنْ طَعَنَنِي؟ قَالُوا: أَبُو لُؤْلُؤَةَ، فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: هَذَا عَمَلُكَ وَعَمَلُ أَصْحَابِكَ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَى أن تجلبوا إلينا منهم أحدا، الحمد الله الَّذِي لَمْ أُخَاصِمْ فِي دَمِي أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنِي عَبْد الأَعْلَى بْن حَمَّاد النَّرْسِيُّ أَبُو يَحْيَى، ثنا وَهْبُ بْنُ خَالِدٍ، أنبأ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ بَلَغ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا كَتَبَ كِتَابَ دَانِيَالَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَرْتَفِعَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ جَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُ بَطْنَ كَفِّهِ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قرآنا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص) [1] قَالَ عُمَرُ: أَفَقَصَصٌ أَحْسَنُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ فقال الرجل: يا أمير المؤمنين اعفني فو الله لأَمْحُوَنَّهُ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ الآجُرِّيُّ، ثنا الْبَرَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطاب أنه كان يقول: اقرأوا الْقُرْآنَ، وَسَلُوا اللَّهَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ أَقْوَامٌ يَسْأَلُونَ اللَّهَ بِهِ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ أَيُّوبُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، أَوْ قَالَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَازِنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ بِسْطَامٍ أَنَّ رَجُلا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَدَفَعَ عَنْهُ فَقَالَ: إِنِّي جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَلا أَدَّخِرَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا مِنْ مَالِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هَذَا الأَخُ الْبَارُّ؟ فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: ما مالك؟ قال: ناقتان أتيتك بهما. قال: ما عيالك؟ فأخبره،

_ [1] سورة يوسف: الآيات: 1- 3.

فَقَالَ: مَا أَرَى لَكَ عَنْ عِيَالِكَ فَضْلا خُذْهُمَا، وَدَعَا لَهُ بِنَاقَتَيْنِ فَقَالَ: خُذْهُمَا فَهُمَا عِنْدَكَ مِنْحَةٌ، وَإِذَا حَلَبَتْ فَاجْعَلْ فِي سِقَائِكَ مَاءً وَاغْبِقْ عِيَالَكَ، وَإِنْ كَانُوا نِيَامًا فَلا تُوقِظْهُمْ فَإِنَّ النَّوْمَ عَوْنٌ لَكَ عَلَيْهِم صَالِحٌ، ثُمَّ أَتَاهُ بِهِمَا بَعْدَ وَضْعِهِمَا وَمَعَهُمَا فَصِيلانٍ فَوَهَبَ ذَلِكَ لَهُ. حَدَّثَنِي بَسَّامُ الْجَمَّالُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَهَّزَ جَيْشًا فَغَنِمُوا مَغْنَمًا، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ اسْتَقْبَلَهُمْ وَقَدْ لَبِسُوا أَقْبِيَةَ الدِّيبَاجِ وَثِيَابَ الْعَجَمِ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ وَقَالَ: أَلْقُوا عَنْكُمْ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ، فَأَلْقَوْهَا وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ وَقَالُوا: إِنَّا أَرَدْنَا أَنْ نُرِيَكَ الَّذِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا، قَالَ: فَلا تَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي لِبَاسِهِمْ، فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ، وَأَذِنَ فِي الْعَلَمِ [1] مَا كَانَ إِصْبَعَيْنِ وَثَلاثًا وَأَرْبَعًا. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا شعيب بْنُ حَرْبٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قال: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ: «أَمَّا بَعْدُ فَارْتَدُوا وَاتَّزِرُوا، وَأَلْقُوا السَّرَاوِيلاتِ، وَانْتَعِلُوا، وَأَلْقُوا الْخِفَافَ، وَارْمُوا بِالأَغْرَاضِ [2] ، وَاقْطَعُوا الرَّكْبَ، وَانْزُوا عَلَى الْخَيْلِ نَزْوًا، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشِنُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْحَرِيرِ، إِلا مَا كَانَ هَكَذَا وَهَكَذَا: ثَلاثَ أَصَابِعَ، وَأَرْبَعَ أصابع.

_ [1] العلم: رسم الثوب، ورقمه في أطرافه، والرقم: مخطط من الوشي. اللسان. [2] الغرض: الحزام. اللسان.

حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جَدِّهِ وَعَوَانَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَعِنْدَهَا جَارِيَةٌ تَضْرِبُ بِدُفٍّ، فَلَمَّا رَأَتْهُ خَبَّأَتِ الدُّفَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفِرُّ إِذَا سَمِعَ حِسَّ عُمَرَ» ] . الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي معَبْدٍ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِنَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ: إِنَّكُمْ تَتَّخِذُونَ مَجَالِسَ فَلا يَجْلِسَنَّ اثْنَانِ مَعًا حَتَّى يُقَالَ مَنْ جُلَسَاءِ فُلانٍ مَنْ صَحَابَةُ فُلانٍ؟ فَتُحُومِيَتِ الْمَجَالِسُ. قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هَذَا رَأْيُ فُلانٍ، وَقَوْلُ فُلانٍ، فَلا يَقُولُوا ذَلِكَ فَيُقَسِّمُوا الإِسْلامَ أَقْسَامًا. وَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ مَلُّونِي وَمَلِلْتُهُمْ، وَلا أَدْرِي مَا يَكُونُ مِنَ الْكَوْنِ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اتَّخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ أَفْرَاسًا بِالْمَدِينَةِ، فَمَنَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَكَلَّمُوهُ فِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فَقَالَ: لا آذَنُ لَهُ إِلا أَنْ يَجِيءَ بِعَلَفِهَا مِنْ غَيْرِ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَفَهَا مِنْ أَرْضٍ لَهُ بِالْيَمَنِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْمُزَنِيِّ ابْنِ عَوْنٍ [1] عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَتَى عُمَرَ رَجُلٌ فَقَالَ، أَنَا مُسْلِمٌ فَعَلامَ تُؤْخَذُ مِنِّي الْجِزْيَةُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَعَلَّكَ تَتَعَوَّذُ بِالإِسْلامِ، قَالَ: أَوَ مَا فِي الإِسْلامِ مَا يُتَعَوَّذُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى فَكَتَبَ: لا تُؤْخَذَنَّ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فَكَفَى بِالإِسْلامِ معاذا.

_ [1] بالأصل المبني، وهي تصحيف صوابه ما أثبتناه، فهو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني، رأى أنس بن مالك وروى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، وأنس بن سيرين، ومحمد بن سيرين وابراهيم النخعي وزياد بن جبير بن حية والحسن البصري والشعبي ... تهذيب التهذيب ج 5 ص 346- 347.

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلا خَطَبَ عِنْدَ عُمَرَ فَأَكْثَرَ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُطَبِ مِنْ شَقَائِقِ الشَّيْطَانِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ أَنَّ نَفَرًا كَلَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالُوا: كَلِّمْ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْشَانَا حَتَّى مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَدُومَ فِيهِ أَبْصَارَنَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِعُمَرَ، فَقَالَ: أَوَقَدْ قالوها فو الله لَقَدْ لِنْتُ لَهُمْ حَتَّى خِفْتُ اللَّهَ وَاشْتَدَدْتُ عَلَيْهِم حَتَّى خِفْتُ اللَّهَ، وَاللَّهِ لأَنَا أَشَدُّ فَرَقًا مِنْهُمْ، مِنْهُمْ مِنِّي. حَدَّثَنِي عَفَّانُ، ثنا الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عمر إذا كنت بمنزلة تسعني وتعجز عن النَّاسَ فَلَيْسَتْ تِلْكَ لِي بِمَنْزِلَةٍ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَظَرَ عُمَرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَالْحَارِثِ بن نوفل بن الحارث، فقال، يا بن عَبَّاسٍ، إِنَّ قَوْمَكُمْ يَكْرَهُونَ إِلْفَتَكُمْ وَيَخَافُونَ أَنْ يَصِيرَ الأَمْرَ لَكُمْ وَيَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَظٌّ مَعَكُمْ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَفْلَحَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ لِعُمَرَ: هَلُمَّ أُكَلِّمُكَ. قَالَ: إِنِّي عَنْكَ لَفِي شُغُلٍ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَهَابُ عَصَاكَ وَيَدَكَ وَأَنْتَ سُوقَةٌ، فَكَيْفَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْنِي إِلَيْهِمْ وَحَبِّبْهُمْ إِلَيَّ» ، قَالَ مَالِكٌ: فَانْصَرَفْتُ وَمَا فِي الأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَعْطَى عُمَرُ النَّاسَ يَوْمًا فَأَعْطَى رَجُلا لِقْحَةً، فَاتَّبَعَهَا فَصِيلٌ لَهَا، فَقَالَ عُمَرُ مُتَمَثِّلا:

وَمُطْعِمُ الْغُنْمِ يَوْمَ الْغُنْمِ مَطْعَمُهُ ... أَنَّى تَوَجَّهَ وَالْمَحْرُومُ مَحْرُومُ حَدَّثَنِي مُظَفَّرُ بْنُ مُرَجِّي، ثنا عَفَّانُ، أنبأ شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ: «كَانَ فِيمَنْ مَضَى مِنَ الأُمَمِ قَوْمٌ قَبْلَكُمْ يُحَدِّثُونَ وَيُكَلِّمُونَ وَلَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ مِثْلُهُمْ فَعُمَرُ» ] . قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ عَنْ حَمَّاد بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ أَخِي أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، حَدَّثَنِي صَاحِبُ أَذْرِعَاتٍ [1] قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَدَفَعَ إِلَيَّ قَمِيصًا فَقَالَ: اغْسِلْهُ وَارْقَعْهُ، فغسلته ورقعته، قال: فأتتيه بِقَمِيصٍ قِبْطِيٍّ فَقُلْتُ: الْبَسْ هَذَا فَرَمَى بِهِ إِلَيَّ وَقَالَ: هَذَا أَنْشَفُ لِلْعَرَقِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: عُمَرُ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، الْوَلَدُ أَلْوَطُ [2] بِالْقَلْبِ، وَلَكِنَّ عُمَرَ أَعَزُّ الْخَلْقِ عَلَيَّ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ عُمَرُ قَالَ عَلِيٌّ: حَلَبْتُ حَلْبًا لَكَ شَطْرُهُ، بَايَعْتُهُ عَامَ أَوَّلٍ، وَبُويِعَ لَكَ الْعَامُ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذٍ عَن شُعْبَةَ عَن عَمْرو بْن مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّهُ قَالَ: مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الشَّرِّ إِلا رَجُلٌ فِي عُنُقِهِ الْمَوْتُ، وَلَوْ قَدْ مَاتَ لَقَدْ صَبَّ عَلَيْكُمُ الشَّرَّ. حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ عَنِ ابْنِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أن

_ [1] يعتقد أنها درعا الحالية في سورية. [2] ألوط: ألصق. القاموس.

عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الأَمْصَارِ، أَوْ قَالَ: إِلَى أَهْلِ الشَّامِ: أَنْ عَلِّمُوا أَوْلادَكُمُ الْفُرُوسِيَّةَ وَالْعَوْمَ وَرَوُّوهُمُ الشِّعْرَ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَطُوفُ الأَسْوَاقَ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ حَيْثُ أَدْرَكَهُ الْخُصُومُ، وَكَتَبَ إِلَى الْحُكَّامِ: لا تَبُتُّوا الْقَضَاءَ إِلا عَنْ مَلأٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ رَأْيَ الْوَاحِدِ يَقْصُرُ، وَمَنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فَلْيَصْبِرْ وَلْيَحْتَسِبْ، وَلا تَحْمِلُوا عَلَى حُكَّامِكُمْ مَا جَرَّ عَلَيْكُمْ شُهُودُكُمْ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَوْ يَشْهَدُ بِهِ عِنْدَهُ وَاللَّهُ حَسِيبٌ لِلشَّاهِدِ وَالآخِذِ لِغَيْرِ الْحَقِّ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِعُمَرَ: لَوْ قَدَرْتُ جَعَلْتُ خَدِّي نَعْلا لَكَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِذًا يُهْيِنكَ اللَّهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: لَوْ كَلَّمْنَا عُمَرَ فَزَادَ فِي أَرْزَاقِهِ مَا يَتَهَيَّأُ بِهِ لِلْوُفُودِ وَمُلُوكِ الأَعَاجِمِ، فَقَدْ كَثُرَتِ الْفُتُوحُ، ثُمَّ خَافُوا أَنْ يَتَلَقَّوْهُ بِذَلِكَ، فَأَتَوْا حَفْصَةَ فَذَكَرُوا لَهَا ذَلِكَ. وَقَالُوا: كَلِّمِيهِ فَإِنَّهُ مِنْكِ أَسْمَعُ، فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ: لَوْ عَرَفْتُ الَّذِينَ أَشَارُوا بِهَذَا لَسَوَّدْتُ وُجُوهَهُمْ، أَخْبِرِينِي مَا أَفْضَلُ مَا اقْتَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِكِ مِنَ اللِّبَاسِ؟ قَالَتْ ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ كَانَ يَلْبَسُهُمَا لِلْوُفُودِ. قَالَ: فَأَيُّ طَعَامٍ نَالَهُ عِنْدَكِ أَرْفَعُ؟ قَالَتْ: خُبْزَةٌ صَبَبْنَا عَلَيْهَا أَسْفَلَ عُكَّةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا وَتَلَمَّظَ اسْتِطَابَةً لَهَا. قَالَ: فَأَيُّ بِسَاطٍ بَسَطَهُ عِنْدَكِ أَوْطَأُ؟ قَالَت: كِسَاءٌ لَنَا، وَأَتَيْنَاهُ يَوْمًا بِطَعَامٍ عَلَى مَائِدَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَنِ الأَرْضِ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ. قَالَ عُمَرُ: فَأَخْبِرِينِي عَنْ ثَلاثَةٍ اصْطَحَبُوا فَمَشَى سَيِّدُهُمْ أَمَامَهُمْ وَلَحِقَهُ الثَّانِي

مُتَّبِعًا أَثَرَهُ، هَلْ يَبْلُغُهُمَا الثَّالِثُ إِنْ خَالَفَ طَرِيقَهُمَا؟ فَأَعْلِمِيهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَلَّغَ بِالتَّجْزِئَةِ وَقَدَّمَ الْفُصُولَ فَوَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا، وَاللَّهِ لأَتَّبِعَنَّ أَثَرَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. حَدَّثَنَا بَسَّامٌ الْجَمَّالُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَهْضَمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ أَخًا لِعُمَرَ، قَالَ: فَسَأَلْتُ اللَّهَ حَوْلا أَنْ يُرِيَنِي عُمَرَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ حَوْلٍ وَهُوَ يَسْلِتُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ، فَقَالَ: هَذَا أَوَانُ فَرَغْتُ وَإِنْ كَادَ عَرْشِي (لَيُهَدُّ) [1] لَوْلا أَنِّي لَقِيتُ رَبًّا رَحِيمًا. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: مَرَّ بِعُمَرَ رَجُلٌ ضَخْمٌ طَوِيلٌ سَبْطٌ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ رَجُلٌ نَحِيفٌ جَعْدٌ أَسْوَدُ، فَقَالَ عُمَرُ: هُمَا أَخَوَانِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُمَا أَخَوَانِ، وَكَانَ عُمَرُ قَائِفًا. وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ: اسْتَغْفِرْ لِي فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ، وَمَرَرْتُ بِهِ: نِعْمَ الْفَتَى، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ فِي لِسَانِ عُمَرَ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ» ] . حَدَّثَنِي شيبان بْن فروخ عَن عُثْمَان المري [2] عَن الْحَسَن قَالَ: يرحم اللَّه عمر ولي الْمُسْلِمِينَ فأحسن ولايتهم ثُمَّ مات خائفا، هكذا الْمُؤْمِنُونَ. حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ معمر عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لا يَزَالُ الإِسْلامُ صَالِحًا مَا حُوفِظَ عَلَى أَرْبَعٍ: أَنْ يجمع هذا المال من

_ [1] أضيف ما بين الحاصرتين من طبقات ابن سعد ج 3 ص 375. [2] بالأصل: البري، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه، انظر تهذيب التهذيب ج 7 ص 117 ففيه روى عثمان بن سعيد المري عن الحسن بن صالح.

حِلِّهِ، وَيُوضَعَ فِي حَقِّهِ، وَأَنْ تُوَفَّرَ أَقْسَامُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ، وَأَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الأَنْصَارِ، وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: أمر عمر ملك الدار أن يكسو عُبَيْد اللَّهِ ابنه حلة فكساه حلة، فلما رآها عمر قَالَ: هلا كسوته دونها وأمره أن يأتي بِهَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ فيكسوه إياها ففعل، واشترى لعُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ دونها، وبعث عَبْد الرَّحْمَنِ بالحلة إِلَى عُبَيْد اللَّهِ. وَقَالَ: هَذِهِ كسوة مني، قَالُوا وملك الدار كَانَ عَلَى نفقات من فِي دار عمر، وَهُوَ الَّذِي أعتق ذكوان، الَّذِي يقال لَهُ ذكوان مولى عمر، وملك هُوَ مالك بْن عياض. الْمَدَائِنِي عَنْ مَسْلَمَةَ بْن مُحَارِبٍ عَنْ خَالِد الْحَذَّاءِ قَالَ: أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ عُمَرَ وَهُوَ يَفْرِضُ لِلنَّاسِ، وَكَانَ أَبُوهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ افْرِضْ لِي فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ فَنَخَسَهُ، فَقَالَ عُمَرُ حَسِّ وَأَقْبَلَ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ. قَالَ: يا يرفأ أعطه ستمائة فأعطاه خمسائة فَلَمْ يَقْبَلْهَا عُمَيْرٌ وَرَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فقال: أعطه ستمائة وَحُلَّةً، فَلَمَّا لَبِسَ الْحُلَّةَ أَلْقَى الثِّيَابَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا بُنَيَّ خُذْ ثِيَابَكَ هَذِهِ لِتَكُونَ لِمِهْنَةِ أَهْلِكَ وَتَكُونَ هَذِهِ لِزِينَتِكَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي الْوَليِدِ الْمَكِّيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَإِنَّا لَنَسْرِي لَيْلَةً. وَقَدْ دَنَوْتُ مِنْهُ إِذْ ضَرَبَ مَقْدِمَ رَحْلِهِ بِسَوْطِهِ وَقَالَ: كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ يُقْتَلُ أَحْمَدُ ... وَلَمَّا نطاعن دونه ونناضل ونسلمه حتى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلائِلِ

ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَسَارَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ إِلا قَلِيلا ثُمَّ قَالَ: وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحَمَّدِ وَأَكْسَى لِبَرْدِ الْخَالَ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ ... وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ الْمُتَجَرِّدِ ثُمَّ قَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ يا بن عَبَّاسٍ، أَبُوكَ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَنْتَ ابْنُ عَمِّهِ، فَمَا مَنَعَ قَوْمَكُمْ مِنْكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا أَدْرِي. قَالَ: لَكِنِّي أَدْرِي، يَكْرَهُونَ أَنْ تَجْتَمِعَ فِيكُمُ النُّبُوَّةُ وَالْخِلافَةُ. الْمَدَائِنِيُّ عَن يَعْقُوبَ بْن دَاوُد الثَّقَفِيّ عَن إِبْرَاهِيمَ بْن حَكِيمٍ عَنْ عَاصِمِ بْن عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِذَا ذَكَرَ عُمَرَ قَالَ: لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ حَنْتَمَةَ، قَدِمْتُ عَلَيْهِ بِمَالٍ مِنْ مِصْرَ فَقَالَ: مَا جَبَيْتَ إِلا هَذَا؟ قُلْتُ: أَتَسْتَقِلُّ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ الأَرْضَ حَفَلَتْ حَفْلا لَمْ تَحْفَلْ مِثْلَهُ فَحَلَبْتَ وَبَقِيتَ، فَمَا أَخْطَأَ، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ وَأَنَا أُعْطِيكَ عَهْدًا أَلا أَخُونَكَ، وَأَعْطِنِي مِثْلَهُ أَلا تَصَدَّقَ عَلَيَّ، فَقَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ إِنِّي لا آمَنُ إِنْ فَعَلْتُ أَنْ تَهِمَّ وَإِنْ هَمَمْتَ حَنَثْتَ، وَايْمُ اللَّهِ لأُكَمِّمَنَّ أَفْوَاهَكُمْ عَنْ هَذَا الْمَالِ كَمَا ظَلَفْتُ نَفْسِي عَنْهُ، فَلَوْ قَدْ مُتُّ لَتُكَافِحُنَّ عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ، فَكَانَ كَمَا قَالَ. قَالُوا: وَحَدَّ عُمَرُ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيَّ، وَقَدْ كَتَبْنَا خَبَرَهُ مَعَ نَسَبِهِ، وَحَدَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ أَيْضًا، وَقَدْ كَتَبْنَا خَبَرَهُ أَيْضًا، وَحَدَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. حَدَّثَنِي عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أنبأ مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رِيحًا فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا فَزَعَمَ أَنَّهُ الطِّلاءُ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنِ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَهُ فَإِنْ كَانَ يسكر جلدته.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَحَدَّثَنِي السَّائِبُ أَنَّهُ شَهِدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ جَلَدَهُ فِي ذَلِكَ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَهُ، وَحَدَّثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بِمِثْلِهِ. وحدثنا الْقَوَارِيرِيُّ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالا: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُولُ: ذُكِرَ لِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَصْحَابًا لَهُ شَرِبُوا شَرَابًا، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ حَدَدْتُهُمْ. قَالَ سُفْيَانُ: فَحَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ أَنَّهُ حَدَّهُمْ. وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ ابْنِ أُخْتِ النَّمِرِ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ فصلى على جِنَازَةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ وَأَنَا أَسْمَعُ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ آنِفًا مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رِيحَ شَرَابٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ طِلاءٌ، وَإِنِّي سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ، ثُمَّ شَهِدْتُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَدَ عُبَيْدَ اللَّهِ ثَمَانِينَ فِي رِيحِ الشَّرَابِ الَّذِي وَجَدَهُ مِنْهُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ رَجُلا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الشَّرَابِ الْحَدَّ تَامًّا. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَليِدِ قَالا: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ وَأَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ غَازِيَيْنِ إِلَى مِصْرَ فَشَرِبَ أَخِي وَأَبُو سِرْوَعَةَ شَرَابًا، فَأُتِيَ بِهِمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَجَلَدَ أَخِي فِي الدَّارِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اجْمَعْ يَدَيْهِ

إِلَى عُنُقِهِ وَجُبَّ عَلَيْهِ مِدْرَعَةً وَاحْمِلْهُ إِلَيَّ عَلَى قِتْبٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَر جَلَدَهُ علانية على رؤوس النَّاسِ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَحَبَسَهُ فِي السِّجْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَبَرِئَ مِنْ جَلْدِهِ، ثُمَّ اعْتَرَاهُ وَجَعٌ فَمَاتَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْحَلْقُ سُنَّةٌ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ضَرَبَ أَبَا شَحْمَةَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُمَرَ، وَقَدِمَ بِهِ مِنْ مِصْرَ، فِي الشَّرَابِ فَقَالَ: الْمَوْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِذَا لَقِيتَ رَبَّكَ فَاعْلِمْهُ أَنَّ أَبَاكَ يُقِيمُ الْحُدُودَ، وَمَاتَ مِنْ ضَرْبِ عُمَرَ إِيَّاهُ. وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَكْبَرُ ابْنُ عُمَرَ، أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَوْسَطُ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَبُو الْمُجَبِّرِ وَأُمُّهُ لُهَيَّةُ أُمُّ وَلَدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الأَصْغَرُ، وَهُوَ أَبُو شَحْمَةَ أُمُّهُ فُكَيْهَةُ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَمَنِ، وَيُقَالُ أُمُّ وَلَدٍ. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عمر فِي خطبة خطبها: عَلَيْكُمْ بتقوى اللَّه فِي أنفسكم، وأموالكم، وأعراضكم، وأعمالكم، وَمَا ملكت أيمانكم فإنكم محاسبون عَلَى مَا كسبتم، ومجزون بما عملتم. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شَبَّةَ عَن أَبِي عَاصِم النَّبِيلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ رَأَى بِيَدِهِ جُرْحًا: بُطَّهُ [1] وَلَوْ بِعَظْمٍ. وَحَدَّثَنِي عُمَر بْن شَبَّةَ عَنْ أَبِي عَاصِم النَّبِيلِ عَنِ ابْنِ خُرَيْمٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: التُّرَابُ رَبِيعُ الصِّبْيَانِ. وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَرْسِيٍّ الْخَيَّاطُ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ مِقْسَمٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِصِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ بِالتُّرَابِ فَقَالَ: التُّرَابُ رَبِيعُ الصِّبْيَانِ.

_ [1] بط الجرح: شقه. القاموس.

عام الرمادة

[عام الرمادة] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي حَرَامُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا صَدَرَ النَّاسُ عَنِ الْحَجِّ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ أَصَابَ النَّاسُ جَهْدٌ شَدِيدٌ وَأَجْدَبَتِ الْبِلادُ، وَهَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ، وَجَاعَ النَّاسُ، وَهَلَكُوا حَتَّى كَانُوا يَسِفُّونَ الرُّمَّةَ، وَيَحْفِرُونَ أَنْفَاقَ الْيَرَابِيعِ وَالْجُرْذَانِ فَيُخْرِجُونَ مَا فِيهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْد الْمَجِيدِ بْن سُهَيْلٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُمِّيَ ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الرَّمَادَةِ لأَنَّ الأَرْضَ كُلَّهَا صَارَتْ سَوْدَاءَ فَشُبِّهَتْ بِالرَّمَادِ، وَكَانَ ذَلِكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَامَ الرَّمَادَةِ: «مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْعَاصِي بْنِ الْعَاصِي سَلامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ: أَفَتَرَانِي هَالِكًا وَمَنْ قِبَلِي وَتَعِيشُ أَنْتَ وَمَنْ قِبَلَكَ، فَيَا غَوْثَاهُ، يَا غَوْثَاهُ» . فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: «سَلامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ أَتَاكَ الْغَوْثُ فَلأَبْعَثَنَّ إِلَيْكَ بِعِيرٍ أَوَّلُهَا عِنْدَكَ وَآخِرُهَا عِنْدِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . فَلَمَّا قَدِمَ أَوَّلُ الطَّعَامِ كَلَّمَ عُمَرُ الزبير بن العوام فقال: تعترض العير فتميلها إِلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَأَبَى الزُّبَيْرُ وَاعْتَلَّ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَكِنَّ هَذَا لا يَأْبَى، فَكَلَّمَهُ عُمَرُ فَفَعَلَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: انْظُرْ مَا لَقِيتَ مِنَ الطَّعَامِ فَمِلْ بِهِ إِلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَاجْعَلِ الظروف لحفا يلبسونها، وانحر الإبل لهم يأكلون لحومها، ويحتملون مِنْ وَدَكِهَا وَلا تَنْتَظِرْ أَنْ تَقُولَ نَنْتَظِرُ بِهَا الْحَيَا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ بِالْفَرَجِ، وكان

عُمَرُ يَصْنَعُ الطَّعَامَ وَيُنَادِي مُنَادِيهِ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ طَعَامَنَا فَيَأْكُلَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ فَلْيَأْتِ فَيَأْخُذَهُ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي أَسَانِيدِهِ: كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنْ يَحْمِلَ الطَّعَامَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عَلَى الإِبِلِ، وَفِي السُّفُنِ فَفَعَلَ، فَبَعَثَ عُمَرُ مِنْ عَدْلٍ بِالإِبِلِ مِنْ أَفْوَاهِ الشَّامِ يَمِينًا وَشِمَالا فَنُحِرَتِ الْجُزُرُ، وَأَطْعَمَ الدَّقِيقَ وَكَسَا الْعِبَادَ، وَبَعَثَ إِلَى الْجَارِ فَحَمَلَ مَا بُعِثَ بِهِ عَمْرٌو إِلَى تِهَامَةَ، فَأَطْعَمَهُ النَّاسَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ أَبِي: رَأَيْتُ رُسُلَ عُمَرَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ الَّذِي وَرَدَ الْجَارَ مِنْ قِبَلِ عَمْرٍو، قَالَ: وَبَعَثَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَوْ مُعَاوِيَةُ، مِنَ الشَّامِ بِطَعَامٍ فَبَعَثَ عُمَرُ مَنْ تَلَقَّاهُ بِأَفْوَاهِ الشَّامِ، فَصَنَعَ بِهِ كَمَا صَنَعَ بِمَا بَعَثَ بِهِ عَمْرٌو عَلَى الإِبِلِ، وَبَعَثَ إِلَى سعد فبعث بالطعام من الْعِرَاقِ، وَكَانَ عُمَرُ يُطْعِمُ النَّاسَ قَبْلَهُ الثَّرِيدَ مِنَ الْخُبْزِ يَأْدُمُهُ بِالزَّيْتِ، وَيَنْحَرُ لَهُمْ فِي الأَيَّامِ الْجَزُورَ، فَيَجْعَلُ لَحْمَهَا عَلَى الثَّرِيدِ، وَيَأْكُلُ مَعَ النَّاسِ كَمَا يَأْكُلُونَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بعث عَمْرو بعشرين سفينة تحمل الدقيق والودك، وبعث فِي البر بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وبثلاثة آلاف عباءة، وبعث عَمْرو بخمسة آلاف كساء، وبعث سَعْد بألفي بعير عَلَيْهَا دقيق، ويقال بعث بِذَلِكَ غير سَعْد. مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَصُومُ الدَّهْرَ، فَكَانَ فِي زَمَانِ الرَّمَادَةِ إِذَا أَمْسَى أُتِيَ بِخُبْزٍ قَدْ ثُرِدَ بِالزَّيْتِ، إِلَى أَنْ نَحَرُوا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ جَزُورًا، فَلَمَّا طَعِمَهَا النَّاسُ

وَغَرَفُوا لَهُ طَيِّبَهَا فَأُتِيَ بِهِ، فَإِذَا فِدْرٌ [1] مِنْ سِنَامٍ، وَكِبْدٌ فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ بِئْسَ الوالي أنا إن أكلت طيّبها وأطعمت الناس كَرَادِيسَهَا، ارْفَعْ هَذِهِ وَهَاتِ لَنَا غَيْرَ هَذَا الطَّعَامِ، قَالَ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَجَعَلَ يَكْسِرُ بِيَدِهِ، وَيَثْرِدُ ذَلِكَ الْخُبْزَ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا يَرْفَأُ، احْمِلْ هَذِهِ الْجَفْنَةِ حَتَّى تَأْتِيَ بِهَا أَهْلَ بَيْتٍ ذَكَرَهُمْ لَهُ بِثَمْغٍ [2] فَإِنِّي لَمْ آتِهِمْ مُذْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَحْسَبُهُمْ مُقْفِرِينَ فضعها بين أيديهم. وروى الْوَاقِدِيّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أحدث عمر فِي زمان الرَّمَادَة أمرا مَا كَانَ يفعله قبل، كَانَ يصلي بِالنَّاسِ العشاء، ثُمَّ يدخل إِلَى بيته فلا يزال يصلي إِلَى آخر الليل، ثُمَّ يخرج فيأتي الأنقاب [3] فيطوف عَلَيْهَا، وإني لأسمعه ليلة فِي السحر وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ لا تجعل هلاك أمة مُحَمَّد عَلَى يدي، وفي ولايتي. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: رَكِبَ عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ دَابَّةً فَرَاثَتْ شَعِيرًا، فَقَالَ عُمَرُ: الْمُسْلِمُونَ يَمُوتُونَ هَزْلا، وَهَذِهِ الدَّابَّةُ تَعْتَلِفُ الشَّعِيرَ، وَاللَّهِ لا أَرْكَبُهَا حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْن زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ عَامَ الرَّمَادَةِ بِخُبْزٍ مَفْتُوتٍ بِسَمْنٍ، فَدَعَا رَجُلا بَدَوِيًّا فَأَكَلَ مَعَهُ، فَجَعَلَ الْبَدَوِيُّ يَتَتَبَّعُ الْوَدَكَ فِي جَانِبِ الْقَصْعَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَأَنَّكَ مُقْفِرٌ من الودك؟ فقال: أجل، ما أكلت

_ [1] فدر: قطع. [2] ثمغ: موضع بخيبر، وكان مالا لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه. المغانم المطابة. [3] أنقاب المدينة: الطرق المؤدية إليها. اللسان.

ابن الصعق يدعو عمر إلى محاسبة عماله

سَمْنًا وَلا زَيْتًا وَلا رَأَيْتُ آكِلا لَهُ مُذْ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ، فَحَلَفَ عُمَرُ أَلا يَذُوقَ لَحْمًا وَلا سَمْنًا حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا أَكَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَمْنًا وَلا سمينا في الرمادة حتى أحيا الناس. [ابن الصعق يدعو عمر إلى محاسبة عماله] الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمَّادٍ وَسُحَيْمِ بْنِ حَفْصٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا: قَالَ أَبُو الْمُخْتَارِ يَزِيدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الصَّعْقِ كَلِمَةً رَفَعَ فِيهَا عَلَى عُمَّالِ الأَهْوَازِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهِيَ: أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رِسَالَةً ... فَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ فِي النَّهْيِ وَالأَمْرِ وَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ فِينَا وَمَنْ يَكُنْ ... أَمِينًا لِرَبِّ الْعَرْشِ يَسْلَمْ لَهُ صَدْرِي فَلا تَدَعَنْ أَهْلَ الرَّسَاتِيقِ وَالْقُرَى ... يُسِيغُونَ مَالَ اللَّهِ فِي الآدَمِ الْوَفْرِ فَأَرْسِلْ إِلَى الْحَجَّاجِ فاعرف حسابه ... وأرسل إِلَى جزء وأرسل إِلَى بِشْرِ وَلا تَنْسَيَنَّ النَّافِعَيْنَ كِلَيْهِمَا ... وَلا ابْنَ غَلابٍ مِنْ سَرَاةِ بَنِي نَصْرِ وَمَا عَاصِمٌ مِنْهَا بِصِفْرٍ عِيَابُهُ [1] ... وَذَاكَ الَّذِي فِي السُّوقِ مَوْلَى بَنِي بَدْرِ وَأَرْسِلْ إِلَى النُّعْمَانِ فَاعْرِفْ حِسَابَهُ ... وَصِهْرِ بَنِي غَزْوَانَ إِنِّي لَذُو خُبْرِ وَشِبْلا فَسَلْهُ الْمَالَ وَابْنَ مُحَرِّشٍ ... فَقَدْ كَانَ فِي أَهْلِ الرَّسَاتِيقِ ذَا ذِكْرِ فَقَاسِمْهُمُ نَفْسِي فِدَاؤُكَ إِنَّهُمْ ... سَيَرْضَوْنَ إِنْ قَاسَمْتَهُمْ مِنْكَ بِالشَّطْرِ وَلا تَدَعُونِي لِلشَّهَادَةِ إِنَّنِي ... أَغِيبُ وَلَكِنِّي أَرَى عجب الدهر نؤوب إذا آبوا ونغزو إِذَا غَزَوْا ... فَأَنَّى لَهُمْ وَفْرٌ وَلَسْنَا ذَوِي وَفْرِ فَقَاسَمَ عُمَرُ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ، فَأَخَذَ شَطْرَ أموالهم حتى أخذ نعلا وترك

_ [1] العياب جمع عيبة وهي الوعاء يكون من أدم للمتاع. اللسان.

خبر المغيرة بن شعبة

نَعْلا، وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَمْ أَلِ لَكَ شَيْئًا، فَقَالَ: أَخُوكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَعُشُورِ الأُبُلَّةَ فَهُوَ يُعْطِيكَ الْمَالَ تَتَّجِرُ فِيهِ، فَأَخَذَ مِنْهُ عَشْرَةَ آلافٍ، وَيُقَالُ قَاسَمَهُ فَأَخَذَ شَطْرَ مَالِهِ، قَالَ: وَالْحَجَّاجُ الَّذِي ذَكَرَهُ: الْحَجَّاجُ بْنُ عَتِيكٍ الثَّقَفِيُّ، وَكَانَ عَلَى الْفُرَاتِ، وَجُزْءُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَمُّ الأَحْنَفِ وَكَانَ عَلَى سُرَّقَ [1] ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُحْتَفزِ، وَكَانَ على جنديسابور. وَالنَّافِعَانِ: نُفَيْعُ أَبُو بَكْرةَ، وَنَافِعُ بْنُ الْحَارِث بْنِ كَلْدَةَ أَخُوهُ، وَابْنُ غَلابٍ: خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي دُهْمَانَ بْن نَصْرِ بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْرِ بْن هَوَازِنَ وَكَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِأَصْبَهَانَ، وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الصَّلْتِ كَانَ عَلَى مَنَاذِرَ، وَالَّذِي فِي السُّوقِ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ كَانَ عَلَى سُوقِ الأَهْوَازِ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَضْلَةَ- وَيُقَالُ نُضَيْلَةُ- بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَرْثَانَ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، كَانَ عَلَى كُوَرِ دِجْلَةَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: مَنْ مُبْلِغِ الْحَسْنَاءَ أَنَّ حَلِيلَهَا ... بِمِيسَانَ يُسْقَى مِنْ زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ وَقَدْ كَتَبْنَا هَذَا الْخَبَر وَالشِّعْرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَخْبَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَصِهْرُ بَنِي غَزْوَانَ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِيِّ كَانَتْ عِنْدَهُ ابْنَةُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَكَانَ عَلَى صَدَقَاتِ الْبَصْرَةِ وَشِبْلِ بْنِ معَبْدٍ الْبَجْلِيِّ ثُمَّ الأَحْمَسِيِّ كَانَ عَلَى قَبْضِ الْمَغَانِمِ وَابْنِ مُحَرِّشٍ أَبُو مَرْيَمَ الْحَنَفِيِّ كَانَ عَلَى رَامَهُرْمُزَ، وَكَانَ جُزْءٌ عَلَى الفرات. [خبر المغيرة بن شعبة] وحدثني [2] عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ. وَوَهْبِ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سلمة عن علي بن زيد

_ [1] سرق: من كور الأهواز. معجم البلدان. [2] بهامش الأصل: خبر المغيرة بن شعبة.

وَغَيْرِهِمْ، فَسُقْتُ حَدِيثَهُمْ، قَالُوا: كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي هِلالِ بْنِ عَامِرٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ مِحْجَنِ بْنِ الأَفْقَمِ بْنِ شُعَيْثَةَ بْنِ الْهَزْمِ بْنِ رُوَيْبَةَ، وَكَانَ لها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بْن عتيك، فبلغ ذلك أَبَا بكرة بْن مَسْرُوحٍ، مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مِنْ مُوَلَّدِي ثَقِيفٍ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْبَجَلِيَّ، وَنَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ، وَزِيَادَ بْنَ سُمَيَّةَ، فَرَصَدُوهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا هَجَمُوا عَلَيْهِ فَإِذَا هُمَا عُرْيَانَانِ وَهُوَ مُتَبَطِّنُهَا، فَخَرَجُوا حَتَّى أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَشَهِدُوا عِنْدَهُ بِمَا رَأَوْا، فَقَالَ عُمَرُ لأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ إِلَى بَلَدٍ قَدْ عَشَّشَ فِيهِ الشَّيْطَانُ، قَالَ: فَأَعِنِّي بِعِدَّةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَبَعَثَ مَعَهُ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَبَا نُجَيْدٍ الْخُزَاعِيَّ، وَعَوْفَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ، فَوَلاهُ الْبَصْرَةَ، وَأَمَرَهُ بِإِشْخَاصِ الْمُغِيرَةِ فَأَشْخَصَهُ بَعْدَ قُدُومِهِ بِثَلاثٍ، فَيُقَالُ إِنَّهُ رَأَى امْرَأَةً فِي طَرِيقِهِ فَخَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا، وَكَانَ نَكَّاحًا شَبِقًا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّهُودِ، فَقَالَ نَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ: رَأَيْتُهُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَةٍ يَحْتَفِزُ عَلَيْهَا، وَرَأَيْتُهُ يُدْخِلُ مَا مَعَهُ وَيُخْرِجُهُ كَالْمُلْمُولِ [1] فِي الْمُكْحُلَةِ، ثُمَّ شَهِدَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ مِثْلَ شَهَادَتِهِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ زِيَادٌ رَابِعًا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ: أَمَا إِنِّي أَرَى وَجْهَ رَجُلٍ أَرْجُو أَلا يُرْجَمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٍ بِشَهَادَتِهِ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ قَدْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ زِيَادٌ: رَأَيْتُ مَنْظَرًا قبيحا، وسمعت نفسا عاليا، وما أدري أخالطها أَمْ لا، وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِشَيْءٍ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِالثَّلاثَةِ فَجُلِدُوا، فَقَالَ شِبْلٌ: أَيُجْلَدُ شهود الحق، ويبطل

_ [1] الملمول: الميل في الدارجة.

الْحَدُّ، فَلَمَّا جُلِدَ أَبُو بَكْرَةَ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ زَانٍ، فَقَالَ عُمَرُ: حِدُّوهُ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [إِنْ جَعَلْتَهَا شَهَادَةً فَارْجُمْ صَاحِبَكَ،] فَحَلَفَ أَبُو بَكْرَةَ أَلا يُكَلِّمَ زِيَادًا أَبَدًا، وَكَانَ أَخَاهُ لأُمِّهِ سُمَيَّةَ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَدَّهُمْ إِلَى مِصْرِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ أَوَّلُ الشُّهُودِ قَالَ عُمَرُ: وَيْحَكَ يَا مُغِيرَةُ قَدْ ذَهَبَ رُبُعُكَ، ثُمَّ لَمَّا شَهِدَ الثَّانِي قَالَ: قَدْ ذَهَبَ نِصْفُكَ، ثُمَّ لَمَّا شَهِدَ الثَّالِثُ قَالَ: قَدْ ذَهَبَ ثَلاثَةُ أَرْبَاعِكَ، ثُمَّ قَالَ لِزِيَادٍ: أَرَى وَجْهَ رَجُلٍ لا يُخْزِي اللَّهُ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَتِهِ فَعُذِرَ فِي الْقَوْلِ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ زِيَادًا، وَنَافِعًا، وَأَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، كَانُوا فِي غُرْفَةٍ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَأَشْرَفُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ، فَإِذَا الْمُغِيرَةُ بَيْنَ فَخِذَيِ الْمَرْأَةِ وَهُمْ يَتَثَبَّتُونَ مَا يَصْنَعُ، فَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا أَنْ يَقُومُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ أَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فَمَنَعَهُ أَبُو بَكْرَةَ وَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا تُصَلِّي، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْكَ مَا رَأَيْنَا، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنِ اقْدُمُوا عَلَيَّ فَلَمَّا قَدِمُوا شَهِدَ أَبُو بَكْرَةَ، وَنَافِعٌ، وَشِبْلٌ، وَقَالَ زِيَادٌ: رَأَيْتُ رِعَةً سَيِّئَةً وَلَكِنِّي لا أَدْرِي أَتَبَطَّنَهَا أَمْ لا، فَجَلَدَ عُمَرُ الشُّهُودَ الثَّلاثَةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ حِينَ حُدَّ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَحُدَّهُ ثَانِيَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنْ عَدَدْتَ شَهَادَةَ أَبِي بَكْرَةَ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، فَارْجُمْ صَاحِبَكَ. الْمَدَائِنِيّ عَن القافلاني عَنْ قَتَادَةَ أن هَؤُلاءِ الَّذِينَ سمينا اتهموه فرصدوه، ثُمَّ شهدوا بما رأوا إِلا زيادا. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا هُشَيْمٌ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ

كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في القضاء

عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْمُغِيرَةَ يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الإِمَارَةِ وَسَطَ النَّهَارِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَلْقَاهُ فَيَقُولُ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَيَقُولُ: حَاجَةً لِي. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الأَمِيرَ يُؤْتَى وَلا يَأْتِي أَحَدًا وَيُزَارُ وَلا يزور. [كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في القضاء] حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوَارِزْمِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ [1] كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ، وَانْفِذِ الْحَقَّ إِذَا وَضَحَ لَكَ، وَآسِ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي مَجْلِسِكَ ووجهك وعملك، حَتَّى لا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلا يَيْأَسْ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ النَّاسِ، إِلا أَنْ يَكُونَ صُلْحًا حَرَّمَ حَلالا، أَوِ أَحَلَّ حَرَامًا، وَلا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ الْيَوْمَ فَرَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ وَهُدِيتَ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ فِيهِ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ وَلا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ، وَإِنَّ مُرَاجَعَةَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّرَدِّي فِي الْبَاطِلِ. الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِكَ مِمَّا لَيْسَ فِي قُرْآنٍ وَلا سُنَّةٍ، وَاعْرِفِ الأَشْبَاهَ وَالأَمْثَالَ وَقِسِ الأُمُورَ ثُمَّ اعْمِدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ، وَاجْعَلْ لِمَنِ ادَّعَى حَقًّا غائبا أو بينة غائبة أَمَدًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أَخَذْتَ لَهُ بِحَقِّهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اسْتَحْلَلْتَ عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ، فَإِنَّهُ أَبَّلُغ لِلْعُذْرِ، وَأَجْلَى لِلْمَعْمَى، وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبَةً عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظَنِينَ فِي وَلاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمُ السَّرَائِرَ، وَدَرَأَ عَنْكُمُ الْبَيِّنَاتِ وَالأَيْمَانَ، وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّيَ بالناس عند تنافر الخصوم، والتنكر لهم

_ [1] بهامش الأصل: مكتوب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. قد سبق من هذا في هذا الكتاب أيضا.

فَإِنَّ تَرْكَ الْغَضَبِ فِي مَوَاطِنِ الْحُكْمِ مِمَّا يُوجِبُ اللَّهُ بِهِ الأَجْرَ، وَيُحْسِنُ فِيهِ الذُّخْرُ، فَمَنْ خَلُصَتْ نِيَّتُهُ لِرَبِّهِ كَفَاهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ شَانَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ عَبْدِهِ إِلا مَا كَانَ خَالِصًا، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ غَيْرِ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلامُ» . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ: «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَفَهْمٌ يَقْسِمُهُ اللَّهُ، افْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ، وَاقْضِ إِذَا فَهِمْتَ، وَأَنْفِذْ إِذَا قَضَيْتَ، ثُمَّ اعْرِفْ أَهْلَ الْمَحْكِ وَالشَّغْبِ وَاللَّظِّ فِي الْخُصُومَةِ، فَإِذَا عَرَفْتَ أُولَئِكَ فَأَنْكِرْ وَغَيِّرْ فانه من لَمْ يَزَعِ النَّاسَ عَنِ الْبَاطِلِ لَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى الْحَقِّ، قَاتِلْ هَوَاكَ كَمَا تُقَاتِلُ عَدُوَّكَ، وَأَوْجِبِ الْحَقَّ غَيْرَ مُضَارٍّ فِيهِ، وَإِذَا حَضَرَكَ الْخَصْمُ فَرَأَيْتَ مِنْهُ الْعِيَّ وَالْفَهَاهَةَ فَسَدِّدْهُ وَارْفُقْ بِهِ فِي غَيْرِ مَيْلٍ وَلا جَوْرٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَشَاوِرْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ جُلَسَائِكَ وَإِخْوَانِكَ فإنه مجلس لا يحابى فيه قريب، وَلا يُجْفَى فِيهِ بَعِيدٌ، عَادِ وَلَدَكَ وَأَهْلَ بَيْتِكَ فِيمَا وُلِّيتَ مِنَ الْحُكْمِ، فَإِنَّ فِيهِ مُقْحِمَاتِ جَهَنَّمَ، وَلَيْسَ لِوَالٍ وَلا قَاضٍ أَنْ يَأْخُذَ بِظِنَّةٍ، وَلا بِعِلْمِهِ دُونَ مَا وَضَحَ لَهُ بِالْبَيِّنَاتِ الْعَادِلَةِ، وَأَبْلِغِ النَّاسَ رِيقَهُمْ، وَأَفْهِمْهُمْ حُجَجَهُمْ، وَإِيَّاكَ وَالضَّجَرَ وَالتَّبَرُّمَ بِالْخُصُومِ وَالتَّأَذِّيَ بِهِمْ، وَالسَّلامُ» . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلنَّاسِ وُجُوهًا يَرْفَعُونَ حَوَائِجَهُمْ، فَأَكْرِمْ وُجُوهَ النَّاسِ، وَبِحَسْبِ الْمُسْلِمِ الضَّعِيفِ أَنْ يُؤْتَى نصيبه من القسم والحكم، والسلام» .

من كتب عمر إلى عماله

[من كتب عمر إلى عماله] وَرُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَوْ مُعَاوِيَةَ: «أَمَّا بَعْدُ فَالْزَمْ خَمْسَ خِلالٍ يَسْلَمْ لَكَ دِينُكَ، وَتَظْفَرْ بِأَفْضَلِ حَظِّكَ: عَلَيْكَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَالأَيْمَانِ الْقَاطِعَةِ وَإِدْنَاءِ الضَّعِيفِ حَتَّى يَبْسُطَ لِسَانَهُ، وَيَقْوَى قَلْبُهُ، وَتَعَهَّدِ الْغَرِيبَ فَإِنَّهُ إِذَا طَالَ احْتِبَاسُهُ تَرَكَ حَقَّهُ وَلَحِقَ بِأَهْلِهِ، وَإِنَّمَا أَبْطَلَ حَقَّهُ مَنْ أَرْجَأَ أَمْرَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْسًا، وَاحْرِصْ عَلَى الصُّلْحِ بَيْنَ النَّاسِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكَ وَجْهُ الْقَضَاءِ، وَالسَّلامُ» . حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: «أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَاكَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَأَنْهَاكَ عَمَّا نَهَاكَ عَنْهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآمُرُكَ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَالْفِقْهِ وَالتَّفَهُّمِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَعِبَارَةِ الرُّؤْيَا، وَإِذَا قَصَّ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ رُؤْيَا فَلْيَقُلْ: خَيْرٌ لَنَا، وَشَرٌّ لِعَدُوِّنَا» . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَلا تَجْلِدَ فِي النَّكَالِ إِلا عِشْرِينَ سَوْطًا. حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الآجُرِّيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الرُّومِيِّ عَنْ أُمِّ طَلْقٍ قَالَتْ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهَا الْخُضَيْرَاءُ سَتَرَتْ بَيْتَهَا كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَكَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْبَصْرَةِ أَبِي مُوسَى: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ سَتَرَتْ بَيْتَهَا كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ، وَإِنِّي عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا أَرْسَلْتَ إِلَيْهَا حِينَ تَقْرَأَ كِتَابِي مَنْ يَنْزِعَ سُتُورَهُ» ، فَلَمَّا قَرَأَ أَبُو مُوسَى الْكِتَابَ سَارَ إِلَيْهَا وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى دَخَلُوا الْبَيْتَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لأَصْحَابِهِ: لِيَكْفِنِي كُلُّ قَوْمٍ مَا يَلِيهِمْ، فَنُزِعَتِ السُّتُورُ كُلُّهَا، وَوُضِعَتْ وَسَطَ الْبَيْتِ، وَدَعَا أَبُو مُوسَى بِنَارٍ لِيُحْرِقَهَا فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ

عام الرمادة

أَمَرْتَ بِهَا فَبِيعَتْ وَأَمَرْتَ بِقِسْمَةِ ثَمَنِهَا بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ كَانَ خَيْرًا مِنْ أَنْ تَحْرِقَهَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أُمَّ طَلْقٍ بِأَيِّ شَيْءٍ سَتَرْتِ بَيْتَكِ؟ قَالَت: بِالسَّبَائِبِ مِنَ الكرابيس [1] . [عام الرمادة] حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: تُقَرْقِرُ بَطْنُ عُمَرَ عَامَ الرَّمَادَةِ، وَكَانَ يَأْكُلُ الزَّيْتَ لأَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ السَّمْنَ حِينَئِذٍ، فَنَقَرَ بَطْنَهُ بِإِصْبَعِهِ وَقَالَ: يَقَرُّ تَقَرْقُرُكِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا غَيْرُهُ، حَتَّى يَحْيَا النَّاسُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: لَتَمُوتِنَّ أَيُّهَا البطن على الزيت، مادام السَّمْنُ يُبَاعُ بِالأَوَاقِيِّ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَصَابَ النَّاسُ عَامُ سِنَةٍ، فَغَلا السَّمْنُ، فَكَانَ عُمَرُ يَأْكُلُهُ، فَلَمَّا قَلَّ قَالَ: لا آكُلُهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ، فَكَانَ يَأْكُلُ الزَّيْتَ، فَقَالَ: يَا أَسْلَمَ اكْسِرْ عَنَّا حَرَّهُ بِالنَّارِ، فَكُنْتُ أَطْبُخُهُ لَهُ فَيَأْكُلُهُ فَيُقَرْقِرُ عَنْهُ بَطْنُهُ، فَقَالَ: تُقَرْقِرُ؟ لا وَاللَّهِ لا تَأْكُلَهُ- يَعْنِي السَّمْنَ- حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُسَيْدِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْدِ بْن الْخَطَّابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَرَّمَ عُمَرُ عَلَى نَفْسِهِ اللَّحْمَ عَامَ الرَّمَادَةِ حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ فَكَانَتْ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بَهْمَةٌ فَجَعَلَتْ فِي التَّنُّورِ فَخَرَجَ رِيحُهَا عَلَى عُمَرَ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَظُنُّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِي اجْتَرَأَ عَلَى هذا، وقال: يا أسلم

_ [1] السبائب: الشقق، والكرابيس: القطن.

اذْهَبْ فَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ هَذِهِ الرِّيحُ، قَالَ: فَوَجَدْتُ الْبَهْمَةَ فِي التَّنُّورِ فَخَرَجَ رِيحُهَا، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: اسْتُرْ عَلَيَّ سَتَرَكَ اللَّهُ، فَقُلْتُ: قَدْ عَرَفَ حِينَ أَرْسَلَنِي أَنِّي لا أَكْذِبُهُ، قَالَ: فَاسْتَخْرَجَهَا ثُمَّ جَاءَ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِهَا وَقَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ اشْتَرَيْتُهَا لابْنِي فَقَرِمَ إِلَى اللَّحْمِ [1] فَذَبَحْتُ لَهُ وَشَوَيْتُ [2] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ حَنْتَمَةَ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ عَامَ الرَّمَادَةِ وَقَدْ حَمَلَ عَلَى ظَهْرِهِ جِرَابَيْنِ، وَفِي يَدِهِ عُكَّةُ زَيْتٍ، وَإِنَّهُ لَيَعْتَقِبُ هُوَ وَأَسْلَمُ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مِنْ أَيْنَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قُلْتُ: قَرِيبًا، فَقَالَ: كُنْ مَعَنَا، فَحَمَلَنَا ذَلِكَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى صِرْمٍ [3] نَحْوِ عِشْرِينَ بَيْتًا مِنْ مُحَارِبٍ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَقْدَمَكُمْ؟ قَالُوا: الْجَهْدُ، فَأَخْرَجُوا لَنَا جِلْدَ مَيْتَةٍ مَشْوِيًّا كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَرِمَّةَ عِظَامٍ مَسْحُوقَةٍ كَانُوا يَسْتَفُّونَهَا، فَرَأَيْتُ عُمَرَ طَرَحَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ ائْتَزَرَ فَمَا زَالَ يَطْبُخُ لَهُمْ وَيُطْعِمُهُمْ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَرْسَلَ أَسْلَمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَ بِأَبْعِرَةٍ فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهَا حَتَّى أَنْزَلَهُمُ الْجَبَّانَةَ ثُمَّ كَسَاهُمْ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى غَيْرِهِمْ حَتَّى رَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَامَ الرَّمَادَةِ مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ تَعْصِدُ عَصِيدَةً [4] لَهَا فَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا، وَأَخَذَ المسوط [5] فقال: هكذا وأراها.

_ [1] قرم إلى اللحم: اشتهاه. اللسان. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 313- 314. [3] صرم: عدة أبيات مجتمعة. اللسان. [4] العصيدة: دقيق يلت بالسمن ثم يطبخ. اللسان. [5] المسوط ما يخلط به من عصا ونحوها. القاموس.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَامَ الرَّمَادَةِ يَقُولُ: لا تَذَرَنَّ إِحْدَاكُنَّ الدَّقِيقَ حَتَّى يَسْخَنَ الْمَاءُ ثم تذروه قَلِيلا قَلِيلا وَتَسُوطُهُ بِمِسْوَطِهَا فَإِنَّهُ أَرْيَعُ لَهُ وَأَحْرَى أَنْ لا يَتَقَرَّدَ [1] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَامَ الرَّمَادَةِ وَهُوَ أَسْوَدُ اللَّوْنِ، وَعَهِدْتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَبْيَضَ فَقُلْتُ: لِمَ اسْوَدَّ؟ فَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ السَّمْنَ وَاللَّبَنَ، فَلَمَّا أَمْحَلَ النَّاسُ حَرَّمَهُمَا حَتَّى يَحْيَوْا فَأَكَلَ الزَّيْتَ فَغَيَّرَ لَوْنَهُ، وَجَاعَ فَأَكْثَرَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ عُمَرُ أَبْيَضَ أَمْهَقَ [2] تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، طُوَالا أَصْلَعَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: جَاءَتْنَا الأُدْمَةُ [3] مِنْ قِبَلِ أَخْوَالِي وَالْخَالُ أَنْزَعُ شَيْءٍ، وَجَاءَنِي الْبَضْعُ [4] مِنْ قِبَلِ أَخْوَالِي فَهَاتَانِ الْخَلَّتَانِ لَمْ تَكُونَا فِي أَبِي، كَانَ أَبِي أَبْيَضَ لا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ لِشَهْوَةٍ إِلا لِطَلَبِ الْوَلَدِ. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن سُفْيَان الثوري عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ جيش قَالَ: رأيت عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي يَوْم عيد، فرأيته آدم شديد الأدمة. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا لا يعرف عندنا إِلا أن يكون رآه فِي زمن الرَّمَادَة، فإنه كَانَ تغير لونه لما أكل من الزيت.

_ [1] يتقرد: يركب بعضه بعضا. اللسان. [2] أمهق: شديد البياض. اللسان. [3] الأدمة: السمرة. اللسان. [4] لعله أراد الميل إلى السمنة. أو الرغبة بالنكاح. القاموس. اللسان.

قَالَ: وَكَانَ عمر يصفر لحيته ويرجل رأسه بالحناء، ودفن فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ عَنْ أسامة بْن زَيْد عَنْ أَبِيهِ عَن جده قَالَ: كنا نقول: لو لم يرفع اللَّه المحل عَام الرَّمَادَةِ لظننا أن عمر يموت هما بأمر الْمُسْلِمِينَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، أُخْتِ الْمُخْتَارِ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَتْ: حَدَّثَنِي بَعْضُ نِسَاءِ عُمَرَ قَالَتْ: مَا قَرُبَ عُمَرُ امْرَأَةً زَمَنَ الرَّمَادَةِ حَتَّى أَحْيَا النَّاسَ، هَمًّا. مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ فِرَاسٍ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ لِمَوَائِدِهِ عِشْرِينَ جَزُورًا مِنْ جُزُرٍ بَعَثَ بِهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ مِصْرَ، وَيُطْعِمُهَا النَّاسُ. مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الْجَحَّافِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: نَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَامَ الرَّمَادَةِ إِلَى بِطِّيخَةٍ فِي يَدِ بَعْضِ وَلَدِهِ فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ، تَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ هَزْلَى؟ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ هَارِبًا وَبَكَى فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ أَمْرِ تِلْكَ الْبِطِّيخَةِ فَقِيلَ لَهُ اشْتَرَاهَا بِكَفٍّ مِنْ نَوَى فَأُسْكِتَ عُمَرُ. مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الْجَحَّافِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ عَامَ الرَّمَادَةِ: نُطْعِمُ النَّاسَ مَا وَجَدْنَا مَا نُطْعِمُهُمْ فَإِنْ أَعْوَزْنَا جَعَلْنَا مَعَ كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ مِمَّنْ يَجِدُ عُدَّتَهَمْ مِمَّنْ لا يَجِدُ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ بِالْحَيَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ لَمْ أَجِدْ لِلنَّاسِ مِنَ الْمَالِ مَا يَسَعُهُمْ لأَدْخَلْتُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ عُدَّتَهُمْ فَقَاسَمُوهُمْ أَنْصَافَ

بُطُونِهِمْ، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِالْحَيَا، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْلَكُوا عَلَى أَنْصَافِ بُطُونِهِمْ. الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أُمِّ بَكْرِ بِنْتِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ بَعْدَ أَنْ رَفَعَ اللَّهُ الْمَحْلَ فِي الرَّمَادَةِ: لَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ اللَّهُ لَجَعَلْتُ مَعَ أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كان عام الرماة تَحَلَّبَتِ الْعَرَبُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَمَرَ رِجَالا أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِمْ وَيَقْسِمُوا أَطْعِمَتَهُمْ وَإِدَامَهُمْ بَيْنَهُمْ، مِنْهُمُ ابْنُ أُخْتِ [1] النَّمِرِ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْقَارِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فَكَانُوا إِذَا أَمْسَوُا اجْتَمَعُوا عِنْدَ عُمَرَ فَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ مَا كَانُوا فِيهِ، وَكَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الأَعْرَابُ حُلُولا فِيمَا بَيْنَ رَأْسِ الْبَنِيَّةِ إِلَى بَنِي حَارِثَةَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ إِلَى الْبَقِيعِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ بِنَاحِيَةِ بَنِي سَلَمَةَ، فَسَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لَيْلَةً وَقَدْ تَعَشَّى النَّاسُ: أَحْصُوا مَنْ تَعَشَّى عِنْدَنَا فَأَحْصَوْهُمْ مِنَ الْقَابِلَةِ فَوَجَدُوهُمْ سَبْعَةَ آلافِ رَجُلٍ، وأحصوا الْعِيَالاتِ الَّذِينَ لا يَأْتُونَ الْعِشَاءَ وَالْمَرْضَى وَالصِّبْيَانَ فَوَجُدوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا، ثُمَّ مَكَثْنَا لَيَالِيَ فَزَادَ النَّاسُ فَأَحْصَوْهُمْ فَوُجِدَ مَنْ تَعَشَّى عِنْدَ عُمَرَ عَشْرَةَ آلافٍ وَوُجِدَ الآخَرُونَ خَمْسِينَ أَلْفًا فَمَا بَرِحُوا حَتَّى أَرْسَلَ اللَّهُ السَّمَاءَ فَلَمَّا أَمْطَرَتْ رَأَيْتُ عُمَرَ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهَؤُلاءِ النَّفَرِ مَنْ في نواحيهم يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوة وحملانا إلى باديتهم، ولقد رأيت عمر يخرجهم بِنَفْسِهِ، قَالَ أَسْلَمُ: وَكَانَ الْمَوْتُ وَقَعَ فِيهِمْ فَأَظُنُّهُ مَاتَ ثُلُثَاهُمْ، وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَكَانَتْ قُدُورُ عمر يقوم

_ [1] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 316 «يزيد ابن أخت النمر» .

عمر بن الخطاب

إِلَيْهَا الْعُمَّالُ فِي السَّحَرِ فَيَعْمَلُونَ الْكركوزِ [1] حَتَّى يُصْبِحُوا ثُمَّ يُطْعِمُونَ الْمَرْضَى مِنْهُمْ وَيَعْمَلُونَ الْعَصَائِدَ، وَكَانَ عُمَرُ يَأْمُرُ بِالزَّيْتِ فَيَصِيرُ فِي الْقُدُورِ الْكِبَارِ عَلَى النَّارِ حَتَّى يَذْهَبَ حَرُّهُ، ثُمَّ يُثْرَدُ الْخُبْزُ وَيُؤْتَدَمُ بِذَلِكَ الزَّيْتُ، كَانَتِ الْعَرَبُ تُحَمُّ مِنْ ذَلِكَ الزَّيْتِ، وَمَا أَكَلَ عُمَرُ فِي بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِهِ وَنِسَائِهِ ذَوَاقًا زَمَانَ الرَّمَادَةِ، وَلا كَانَ يَأْكُلُ إِلا مَعَ النَّاسِ حَتَّى أَحْيَا النَّاسُ أَوَّل مَا أَحْيَوْا. مُحَمَّدُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَصْرٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ عَامُ الرَّمَادَةِ قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ قَوْمِي مِائَةٌ أَهْلُ بَيْتٍ فَنَزَلُوا بِالْجَبَّانَةِ، وَكَانَ عُمَرُ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ النَّاسِ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالدَّقِيقِ وَالتَّمْرِ وَالأَدَمِ فِي مَنْزِلِهِ، فَكَانَ يُرْسِلُ إِلَى قَوْمِي مَا يَصِلُهُمْ شَهْرًا شَهْرًا، وَكَانَ يَتَعَهَّدُ مَرْضَاهُمْ وَيُقِيمُ أَكْفَانَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ وَقَعَ فِيهِمْ حِينَ أَكَلُوا الثَّفِلَ، فَكَانَ عُمَرُ يَأْتِي بِنَفْسِهِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ صَلَّى عَلَى عَشْرَةٍ جَمِيعًا، فَلَمَّا أَحْيَوْا قَالَ: أَخْرِجُوا مِنَ الْقَرْيَةِ إِلَى مَا كُنْتُمُ اعْتَدْتُمْ مِنَ الْبَرِّيَّةِ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَحْمِلُ الضَّعِيفَ مِنْهُمْ حَتَّى لَحِقُوا بِبِلادِهِمْ [2] . حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يَتَحَلَّبُ فُوهُ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قال: أشتهي جرادا مقلوا. [عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ

_ [1] لم أقف لها على معنى في معاجم العربية والمعربات. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 314- 317.

عُمَرَ قَالَ: ذُكِرَ لِعُمَرَ جَرَادٌ بِالرَّبَذَةِ فَقَالَ: لَوَدَدْتُ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْهُ فِقَعَةً أَوْ فِقَعَتَيْنِ فَنَأْكُلُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكَلَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِحَشَفِهِ [1] . حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُطْرَحُ لَهُ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ فَيَأْكُلُهُ حَتَّى الْحَشَفَ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: ارْزُقِ النَّاسَ مِنَ الطِّلاءِ الَّذِي قَدْ طُبِخَ حَتَّى بَقِيَ ثُلُثُهُ، قَالَ: جُوَيْرِيَةُ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنِ اسْتَنْشِدِ الشُّعَرَاءَ قِبَلَكَ فَأَمَّا الأَغْلَبُ فَقَالَ: أَرَجَزًا تُرِيدُ أَمْ قَصِيدًا ... إِذًا يَكُونُ عِنْدَنَا عَتِيدًا وَقَالَ لِلَبِيدٍ: أَنْشِدْنَا فَقَالَ: شَغَلَنِي الْقُرْآنُ عَنِ الشِّعْرِ فَزَادَهُ عُمَرُ فِي عطائه خمسمائة. وَنَقَصَ الأَغْلَبَ فَأَتَاهُ فَكَلَّمَهُ فَأَقَرَّ زِيَادَةَ لَبِيدٍ وَلَمْ يُنْقِصِ الأَغْلَبَ، فَلَمَّا وَلِيَ زِيَادٌ نَقَصَ لبيد زِيَادَةَ عُمَرَ فَقَالَ: هَذِهِ أَلْفَاي، فَأَيْنَ الْعِلاوَةُ؟ أَعْطِنِيهَا فَمَا أَحْسَبُنِي أَقْبِضُهَا بَعْدَ عَامِي هَذَا، فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ وَدُفِنَ بِالْكُوفَةِ. حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ الْفِهْرِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عيينة عن عاصم بن

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 318.

عام الرمادة

عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَمْسَحُ يَدَيْهِ- وَقَدْ أَكَلَ لَحْمًا- بِرِجْلَيْهِ وَنَعْلَيْهِ وَيَقُولُ: إِنَّ مَنَادِيلَ آلِ عُمَرَ نِعَالُهُمْ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ- ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَى عُمَرَ الثُّفْلُ وَأَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ النَّبِيذُ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا عَفَّانُ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مَا ادَّهَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى قُتِلَ إِلا بِسَمْنٍ أَوِ إِهَالَةٍ أَوْ زَيْتٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الأَغَرُّ الْمَكِّيُّ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ ابْنَتِهِ فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ مَرَقًا بَارِدًا وَخُبْزًا، وَصَبَّ عَلَى الْمَرَقِ زَيْتًا، فَقَالَ: أَأَدَمَانِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ؟ لا أَذُوقُهُ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ. حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ هِشَامٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ فَاسْتَسْقَاهُ وَهُوَ عَطْشَانُ فَأَتَاهُ بِعَسَلٍ مَضْرُوبٍ بِمَاءٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: عَسَلٌ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لا يَكُونُ هَذَا فِيمَا أُحَاسَبُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [1] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: وَاللَّهِ مَا نَخَلْتُ لِعُمَرَ دَقِيقًا قَطُّ إِلا وأنا له عاص. [عام الرمادة] حَدَّثَنِي ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ الله تعالى عنه يصلي في

_ [1] انظر طبقات ابن سعد ج 3 ص 319.

جَوْفِ اللَّيْلِ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الرَّمَادَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لا تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ، وَارْفَعْ عَنَّا الْبَلاءَ، يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلِمَةَ. ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ فِرَاسٍ الدِّيلِيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي زَمَنِ الرَّمَادَةِ إِزَارًا فِيهِ سِتَّ عَشْرَةَ رُقْعَةً، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ هَلَكَةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَى رِجْلِي. مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَامَ الرَّمَادَةِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْعُوا اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْكُمُ الْمَحْلَ، وَهُوَ يَطُوفُ، وَعَلَى عُنُقِهِ دَرَّةٌ، قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَاعِدَةَ: رَأَيْتُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ نَادَى أَيُّهَا النَّاسُ (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) [1] وَتُوبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَاسْتَسْقُوهُ سُقْيَا رَحْمَةٍ لا سُقْيَا عَذَابٍ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ. مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَرَأَ هَؤُلاءِ الآيَاتِ: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) [2] يَقُول اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ نَزَلَ فَقِيلَ لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ أَنْ تَسْتَسْقِيَ فَقَالَ: طَلَبْتُ الْمَطَرَ بِمَجَادِيحِ [3] السَّمَاءِ الَّتِي يَنْزِلُ بِهَا الْمَطَرِ. مُحَمَّد عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ خَرَجَ بِنَا إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي فَكَانَ أَكْثَرَ

_ [1] سورة نوح- الاية: 10. [2] سورة نوح- الآيتان: 10- 11. [3] مجاديح السماء: أنواء السماء. اللسان.

عمر يستسقي بعم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

دُعَائِهِ الاسْتِغْفَارُ حَتَّى قُلْتُ لا يَزِيدُ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى، وَدَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ وَيَخْرُجَ بِالنَّاسِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَخْرُجُوا يَوْمَ كَذَا، وَأَنْ يَتَضَرَّعُوا إِلَى رَبِّهِمْ وَيَطْلُبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ هَذَا الْمَحْلَ عَنْهُمْ، وَخَرَجَ عُمَرُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَيْهِ بُرْدُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمُصَلَّى فَخَطَبَ النَّاسَ فَتَضَرَّعَ، وَجَعَلَ النَّاسُ يُلِحُّونَ فَمَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ إِلا الاسْتِغْفَارَ حَتَّى إِذَا قَرُبَ أَنْ يَنْصَرِفَ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَجَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْيَسَارِ ثُمَّ الْيَسَارَ عَلَى الْيَمِينِ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَيَبْكِي بُكَاءً طَوِيلا حَتَّى اخْضَلَّ لِحْيَتَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ إِلْيَاسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ عَامَ الرَّمَادَةِ رَكْعَتَيْنِ وَكَبَّرَ فِيهِمَا خَمْسًا أَوْ سبعا. [عمر يستسقي بعم رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَا أَبَا الْفَضْلِ كَمْ بَقِيَ عَلَيْنَا مِنَ النُّجُومِ؟ قَالَ: الْعَوَّاءُ. قَالَ: كَمْ بَقِيَ مِنْهَا؟ قَالَ: ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ. فَقَالَ عُمَرُ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: أَعِدَّ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: فَلَمَّا أَلَحَّ عُمَرُ بِالدُّعَاءِ أَخَذَ بِيَدِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ رَفَعَهَا وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ أَنْ تُذْهِبَ عَنَّا الْمَحْلَ وَتَسْقِيَنَا الْغَيْثَ» ، قَالَ: فَلَمْ

عام الرمادة

يَبْرَحُوا حَتَّى سُقُوا، فَأَطْبَقَتِ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ أَيَّامًا فَلَمَّا مُطِرُوا وَأُحْيُوا، أَخْرَجَ عُمَرُ الْعَرَبَ مِنَ المدينة وقال: ألحقوا ببلادكم. [عام الرمادة] حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ يَوْمًا فِي الرَّمَادَةِ وَقَدْ غَدَا مُتَبَتِّلا مُتَضَرِّعًا عَلَيْهِ بُرْدٌ لا يَبْلُغُ رُكْبَتَيْهِ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالاسْتِغْفَارِ، وَعَيْنَاهُ تُهْرِقَانِ عَلَى خَدَّيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَدَعَا يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَعَجَّ إِلَى رَبِّهِ وَدَعَا، وَدَعَا النَّاسَ مَعَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ الْعَبَّاسِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِعَمِّ رَسُولِكَ» فَمَا زَالَ الْعَبَّاسُ إِلَى جَانِبِهِ مُلَبِّيًا يَدْعُو وَعَيْنَاهُ تَهْمِلانِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ نَافِعِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فِي زَمَنِ الرَّمَادَةِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَفِيمَا غَابَ عَنِ النَّاسِ مِنْ أَمْرِكُمْ، فَقَدِ ابْتُلِيتُ بِكُمْ، وَابْتُلِيتُمْ بِي، فَمَا أَدْرِي السَّخْطَةَ عَلَيَّ دُونَكُمْ، أَمْ عَلَيْكُمْ دُونِي، أَمْ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، فَهَلُمُّوا فَلْنَدْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَنَا، وَيُصْلِحَ قُلُوبَنَا، وَيَرْفَعَ عَنَّا الْمَحْلَ، فَرُئِيَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَدَعَا النَّاسُ، وَبَكَى وَبَكَوْا مَلِيًّا ثُمَّ نَزَلَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ سَخْطَةً عَمَّتْنَا، فَاعْتُبُوا رَبَّكُمْ، وَانْزَعُوا وَتُوبُوا إِلَيْهِ وَأَحْدِثُوا خَيْرًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا فِي الرَّمَادَةِ لا نَرَى سَحَابًا، فَلَمَّا اسْتَسْقَى عُمَرُ بالناس مكثنا أياما

ثُمَّ جَعَلْنَا نَرَى قَزَعَ السَّحَابِ [1] وَجَعَلَ عُمَرُ يُظْهِرُ التَّكْبِيرَ كُلَّمَا دَخَلَ وَخَرَجَ، وَجَعَلَ النَّاسُ يُكَبِّرُونَ حَتَّى نَظَر إِلَى سَحَابَةٍ سَوْدَاءَ جَاءَتْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَكَانَ الْحَيَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ قَدْ عَلِمَتِ الْيَوْمَ الَّذِي اسْتَسْقَى فِيهِ عُمَرُ وَقَدْ بَقِيَتْ غَبَرَاتٌ [2] مِنْهُمْ فَخَرَجُوا يَسْتَسْقُونَ كَأَنَّهُمُ النُّسُورُ الْعِجَافُ تَخْرُجُ مِنْ وُكُورِهَا يَعِجُّونَ إِلَى اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَخَّرَ الصَّدَقَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ فَلَمْ يَبْعَثِ السُّعَاةَ، فَلَمَّا كَانَ قَابِلُ وَرَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ الْجَدْبَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فَأَخَذُوا عِقَالَيْنِ [3] فَأمَرَهَمْ أَنْ يَقْسِمُوا عِقَالا، وَيُقَدِّمُوا عَلَيْهِ بِعِقَالٍ أَيْ صَدَقَةِ سَنَةٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ كَرْدَمٍ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ مُصَدِّقًا عَامَ الرَّمَادَةِ فَقَالَ أَعْطِ مَنْ أَبْقَتْ لَهُ السَّنَةَ غَنَمًا وَرَاعِيًا، وَلا تُعْطِ مَنْ أَبْقَتْ لَهُ غَنَمَيْنِ وَرَاعِيَيْنِ. حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، ثنا سُفْيَانُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَأَخْبَرَنَا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل. قال: وَحَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيد كلهم عن عاصم بن

_ [1] قزع السحاب: قطع السحاب رقاق. اللسان. [2] غبرات: بقايا. اللسان. [3] العقال: صدقة عام. اللسان.

عمر بن الخطاب

أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خَرَجَ مَخْرَجًا لأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَكَانَ آدَمَ طَوِيلا أَعْسَرَ يَسَّرَ أَصْلَعَ مُتَلَبِّبًا بِرِدَاءٍ قَطَرِيٍّ يَمْشِي حَافِيًا مُشْرِفًا عَلَى النَّاسِ كَأَنَّهُ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا عِبَادَ اللَّهِ هَاجِرُوا وَلا تَهْجُرُوا وَاتَّقُوا الأَرْنَبَ أَنْ يَحْذِفَهَا أَحَدُكُمْ بِالْعَصَا، أَوْ يَرْمِيَهَا بِالْحَجَرِ ثُمَّ يَأْكُلُهَا، وَلَكِنْ لِيَذِلَّ لَكُمُ الأَسَلَ [1] وَالنَّبْلَ، قَالَ: يَقُولُ كُونُوا مُهَاجِرِينَ خُلَصَاءَ وَلا تَكُونُوا مُتَشَبِّهِينَ بِهِمْ [2] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: لا نَعْرِفُ عِنْدَنَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ آدَمَ إِلا أَنْ يَكُونَ رَآهُ عَامَ الرَّمَادَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ حِينَ أَكَلَ الزَّيْتَ وَاغْتَمَّ وَجَاعَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عِمْرَانَ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَجُلا أَبْيَضَ أَمْهَقَ، تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، طُوَالا أَصْلَعَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد عن الْوَاقِدِيُّ عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قال: ما رأيت عمر مع قوم قط إلا رأيت أنه فوقهم. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا أَبُو هِلالٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا التَّيَّاحِ يُحَدِّثُ فِي مَجْلِسِ الْحَسَنِ قَالَ: لَقِيَ رَجُلٌ رَاعِيًا فَقَالَ لَهُ: أَشَعَرْتَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الأَعْسَرَ الْيَسِرَ- يَعْنِي عُمَرَ- قَدْ أَسْلَمَ؟ فَقَالَ: الَّذِي يُصَارِعُ فِي سُوقِ عُكَاظَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللَّهِ لَيُوسِعَنَّهُمْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا. [عمر بن الخطاب] حدثني عبيد الله بن معاذ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سماك بن

_ [1] الأسل: نبات له أغصان كثيرة بلا ورق، والأسل الرماح. اللسان. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 320- 323.

حَرْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَجُلا جَسِيمًا كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِي سَدُوسَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ هِلالٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُسْرِعُ فِي مِشْيَتِهِ، وَكَانَ آدَمَ وَكَانَ فِي رِجْلَيْهِ رَوْحٌ [1] . حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْن عطاء، أنبأ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: صلع عمر فاشتد صلعه. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثنا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْلَمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا غَضِبَ أَخَذَ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى سَبَلَتِهِ [2] ، أَوْ قَالَ: شَارِبَهُ فَقَالَ بِهَا إِلَى فَمِهِ وَنَفَخَ فِيهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ بِلادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الإِسْلامِ ثُمَّ تُحْمَى عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن سعد، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَكِبَ عُمَرُ فَرَسًا فَانْكَشَفَ ثَوْبُهُ عَنْ فَخْذِهِ فَرَأَى أَهْلُ نَجْرَانَ بِفَخِذِهِ شَامَةً سَوْدَاءَ فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي نَجِدُ فِي كِتَابِنَا أَنَّهُ يخرجنا من أرضنا.

_ [1] الروح: اما سعة بين الرجلين أو انبساط في صدر القدم. اللسان. [2] السبلة: الدائر وسط الشفة العليا، وقيل طرف الشارب. اللسان.

حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هارون، ثنا حميد الطويل عن أنس ابن مَالِكٍ قَالَ: خَضَّبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ، وَيُرَجِّلُ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ. حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَن أَبِيهِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي طلحة قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ رَقَعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلاثٍ لَبَدَ بَعْضُهُنَّ عَلَى بَعْضٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَرْقُوعٌ بِفَرْوٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَالٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُ بَيْنَ كَتِفَيْ عُمَرَ أَرْبَعَ رِقَاعٍ فِي قَمِيصٍ لَهُ. حدثني خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ فِي ظهره أربع رقاع فقرأ (وفاكهة وأبا) [1] فَقَالَ مَا الأَبُّ؟ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ وَمَا عَلَيْكَ أَلا تَدْرِي مَا الأَبُّ، الأَبُّ الْحَشِيشُ الْيَابِسُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ، عَلَيْهِ إِزَارٌ قِطْرِيٌّ مرقوع برقعة من أدم. حدثنا عَفَّانُ، ثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، ثنا سَعِيدٌ الجريري عن أبي عثمان

_ [1] سورة عبس- الاية: 31.

النَّهْدِيِّ قَالَ: طَافَ عُمَرُ بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً إِحْدَاهُنَّ مِنْ أَدَمٍ أَحْمَرَ. حَدَّثَنَا خَلَفٌ الْبَزَّارُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يَرْمِي الْجِمَارَ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَرْقُوعٌ عَلَى مَوْضِعِ الْقُعُودِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الأَعْمَشِ عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون قَالَ: رأيت عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّابِ يَوْم أصيب إزار أصفر. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ وَكِيعٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَقَّالِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: أَمَّنَا عُمَر بْن الْخَطَّابِ فِي بَتٍّ [1] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عمرو بن ميمون قال: رأيت على عمر لَمَّا طُعِنَ مِلْحَفَةً صَفْرَاءَ قَدْ وَضَعَهَا عَلَى جُرْحِهِ وَهُوَ يَقُولُ: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) [2] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ بُدَيْلِ ابن مَيْسَرَةَ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا إِلَى الْجُمُعَةِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ سُنْبُلانِيٌّ فَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إِلَى النَّاسِ فَيَقُولُ حَبَسَنِي قَمِيصِي هَذَا وَجَعَلَ يَمُدُّ كُمَّهُ فَإِذَا تَرَكَهُ رَجَعَ إِلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ زِيَادٍ الْهُذَلِيُّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: حَدَّثَنِي دِهْقَانُ قَرْيَةِ كَذَا قَالَ: مَرَّ بِي عُمَرُ فَأَلْقَى إِلَيَّ قَمِيصَهُ فَقَالَ: اغْسِلْ هَذَا

_ [1] البت: كساء غليظ أخضر. اللسان. [2] سورة الأحزاب- الاية: 38.

بِالأُشْنَانِ، فَعَمِدْتُ إِلَى ثَوْبَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْهُمَا قَمِيصَيْنِ وَأَتَيْتُهُ بِهِمَا فَقُلْتُ: الْبَسْ هَذَيْنِ فَإِنَّهُمَا أَجْمَلُ وَأَلْيَنُ، فَقَالَ: أَمِنْ مَالِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الذِّمَّةِ؟ قُلْتُ: لا إِلا خِيَاطَتَهُ. فَقَالَ: اعْزُبْ عَنِّي [1] ، هَلُمَّ قَمِيصِي، قَالَ: فَلَبِسَهُ وَإِنَّهُ لأَخْضَرُ مِنَ الأُشْنَانِ. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَليِدِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عُمَرَ إِزَارًا فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رُقْعَةً بَعْضُهَا أُدُمٌ، وَمَا عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَلا رِدَاءٌ وَهُوَ مُعْتَمٌّ مَعَهُ الدَّرَّةَ يَطُوفُ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ [2] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ يَأْتَزِرُ فَوْقَ السُّرَّةِ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، أنبأ شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ عُبَيْدَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْخَزِّ فَقَالَ: وَدَدْتُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْهُ وَمَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا وَقَدْ لَبِسَهُ إِلا عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عيسى، ثنا سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَن عُمَرَ تَخَتَّمَ فِي الْيَسَارِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى

_ [1] أي: اذهب أو ابعد عني. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 328- 330.

عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ تَوَفَّنِي مَعَ الأَبْرَارِ وَلا تَخْلُفْنِي فِي الأَشْرَارِ، وَقِنِي عَذَابَ النَّارِ، وَأَلْحِقْنِي بِالأَخْيَارِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عُمَرَ أَبَاهَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي قَتْلا فِي سَبِيلِكَ، وَوَفَاةً فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَأَنَّى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِأَمْرِهِ أَنَّى شَاءَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّاسَ جُمِعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَإِذَا رَجُلٌ أَعْلَى مِنْهُمْ بِقَدْرِ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ، فَقَالَ:: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ: بِمَاذَا يَعْلُوهُمْ؟ قَالُوا: إِنَّ فِيهِ ثَلاثُ خِصَالٍ: لا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وَإِنَّهُ خَلِيفَةٌ مُسْتَخْلَفٌ، وَشَهِيدٌ مُسْتَشْهَدٌ، فَحَدَّثَ عَوْفُ أَبَا بَكْرٍ بِذَلِكَ فَدَعَا عُمَرَ فَبَشَّرَهُ بِهِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ، وَانْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ رَأَى عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ لَهُ: اقْصُصْ عَلَيَّ رُؤْيَاكَ فَقَصَّهَا، فَقَالَ: أَمَا أَلا أَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ فَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا خَلِيفَةٌ مُسْتَخْلَفٌ فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَنِي عَلَى مَا وَلانِي، وَأَمَّا شَهِيدٌ مُسْتَشْهَدٌ فَأَنَّى لِي بِالشَّهَادَةِ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ جزيرة العرب، ولست أغزو وَالنَّاسُ حَوْلِي، ثُمَّ قَالَ: بَلَى بَلَى يَأْتِي اللَّهُ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن أمية البصري، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عَن سَعْد مولى عُمَر بْن الْخَطَّابِ أن كعب الأحبار قَالَ لعُمَر بْن الْخَطَّابِ: إنا لنجدك فِي كتاب اللَّه عَلَى باب من أبواب جهنم تمنع النَّاس أن يقعوا فِيهَا، فإذا مت لم يزالوا يقتحمونها إِلَى يَوْم القيامة.

حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي انْتَهَيْتُ إِلَى جَبَلٍ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَهُ، وَإِلَى جَنْبِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَإِذَا هُوَ يومىء إِلَى عُمَرَ أَنْ تَعَالَ، فَقُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ. مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَقُلْتُ أَلا تَكْتُبُ بِهَذَا إِلَى عُمَرَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأَنْعَى إِلَيْهِ نَفْسَهُ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعَرَفَاتٍ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ رُكْبَتَهُ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ غُرُوبَ الشَّمْسِ لِنُفِيضَ، فَلَمَّا رَأَى تَكْبِيرَ النَّاسِ وَدُعَاءَهُمْ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ، كَمْ تَرَى هَذَا يَبْقَى لِلنَّاسِ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ عَلَى الْفِتْنَةِ بَابًا، فَإِذَا كُسِرَ الْبَابُ، أَوْ فُتِحَ خَرَجَتْ. فَفَزِعَ فَقَالَ: وَمَا ذَلِكَ الْبَابُ وَمَا كَسْرُ بَابٍ أَوْ فَتْحُهُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ. فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ مَنْ تَرَى قَوْمَكَ يُؤَمِّرُونَ بَعْدِي؟ قُلْتُ: رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: بَيْنَا عُمَرُ وَاقِفٌ عَلَى جِبَالِ عرفة إذ سَمِعَ رَجُلا يَصْرُخُ يَقُولُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَزْدِ يَزْجُرُ وَيَعْتَافُ فَقَالَ: مَالَكَ فَكَّ اللَّهُ لَهَوَاتِكَ؟ قَالَ جُبَيْرٌ: فَإِنِّي مِنَ الْغَدِ وَاقِفٌ مَعَ عُمَرَ عَلَى الْعَقَبَةِ يَرْمِي إِذْ جَاءَتْ حَصَاةٌ غَائِرَةٌ فَنَقَفَتْ رَأْسَ عُمَرَ فَأَدْمَتْهُ، فَسَمِعْتُ رَجُلا مِنَ الْجَبَلِ يَقُولُ: أَشْعُرُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لا يَقِفُ عُمَرُ هَذَا الْمَوْقِفَ بَعْدَ الْعَامِ أَبَدًا، قَالَ جُبَيْرٌ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ الأَزْدِيُّ بِعَيْنِهِ فَاشْتَدَّ عَلَيَّ ما سمعت.

مصرع عمر

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ لِعُمَرَ أَشْعُرُ، مِنْ قَوْمٍ مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَهَبِ بْنِ حُجْرِ بْن كَعْبِ بْن الْحَارِث بْن كَعْبِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مَالِك بْن نصر بْن الأزد، وهم أَعْيَفُ الْعَرَبِ وَأَزْجَرُهُمْ. مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَنْ صَاحِبُ هَذِهِ الأَبْيَاتِ: جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ إِمَامٍ وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتق وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ وَفَاتُهُ ... بِكَفِّ سَبَنْتَى [1] أَحْمَرِ الْعَيْنِ مُطْرِقِ فَقَالُوا: لِمُزَرِّدِ بْنِ ضِرَارٍ أَخِي الشَّمَّاخِ، قَالَتْ: فَلَقِيتُ مُزَرِّدًا فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا شَهِدَ هَذَا الْمَوْسِمِ الَّذِي سَمِعْتُ فِيهِ هَذِهِ الأَبْيَاتَ [2] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ عُمَرُ حَجَّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَلَمَّا صَدَرَ عَنْ عَرَفَةَ أَقْبَلَ رَاكِبٌ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ وَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلامُ مِنْ إِمَامٍ وَبَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ....... الأَبْيَاتَ، وَأَوَّلُهَا: «جَزَى اللَّهُ خَيْرًا» . فكان يقال انه جنّي. [مصرع عمر] حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ عَنْ مِنًى أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ فَجَمَعَ كَوْمًا مِنَ الْبَطْحَاءِ فَأَلْقَى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ ثُمَّ اسْتَلْقَى وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت

_ [1] السبنتي: النمر الجريء، وقيل الأسد. اللسان. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 333- 335.

رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلا مُفَرِّطٍ، قَالَ سَعِيدٌ: فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحَجَّةِ حَتَّى قُتِلَ. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الأَزْدِيُّ ثُمَّ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي نَقْرَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَسُوقُ اللَّهُ لِي الشَّهَادَةَ وَيَقْتُلُنِي رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ فِي يَوْمَ جُمُعَةٍ فَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي وَلا أَرَاهُ إِلا حُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ قَوْمًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضِيعَ دِينَهُ وَخِلافَتَهُ، وَالَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ فَإِنْ عَجِلَ بِيَ أَمْرٌ فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلاءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَطْعَنُ فِي هَذَا الأَمْرَ أَقْوَامٌ بَعْدِي أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الإِسْلامِ، فَإِن فَعَلُوا فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الضَّالُّونَ، ثُمَّ إِنِّي لَمْ أَدَعْ شَيْئًا هُوَ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنَ الْكَلالَةِ [1] ، وما رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مُرَاجَعَتِي إِيَّاهُ فِيهَا، وَمَا أَغْلَظَ لِي مُذْ صَحِبْتَهُ مَا أَغْلَظَ لِي فِي أَمْرِهَا حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي بَطْنِي فَقَالَ: يَا عُمَرُ، يَكْفِيكَ الآيَةُ الَّتِي آخِرَ النِّسَاءِ وَإِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، ثم قال: اللهم إني أشهدك على

_ [1] الكلالة: من لا ولد له ولا والد، وما لم يكن من النسب لحّا، أو من تكلل نسبه بنسبك كابن العم وشبهه، أو هي الأخوة للأم، أو بنو العم الأباعد، أو ما خلا الوالد والولد، أو هي من العصبة من ورث معه الأخوة للأم. القاموس.

أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ فَإِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ، وَيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ، وَيَقْسِمُوا فَيْئَهُمْ فِيهِمْ، وَيَرْفَعُوا إِلَيَّ مَا أَشْكَلَ مِنْ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ: الْبَصَلِ وَالثَّوْمِ، وَقَدْ كُنْتُ أُرِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ فَأُخِذَ بِيَدِهِ فَأُخْرِجَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى الْبَقِيعِ فَمَنْ كَانَ لا بُدَّ آكِلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا. حَدَّثَنِي شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ عَنْ عُثْمَانَ الْبِرْتِيِّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ اعْتَزِلْ عَدُوَّكَ وَتَجَانَبْهُ وَتَحَرَّزْ مِنْ خَلِيلِكَ وَاحْذَرْهُ، وَلا تُفْشِ سِرَّكَ إِلَى فَاجِرٍ فَيُضَيِّعُهُ، وَشَاوِرْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالُوا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ التَّمِيمِيِّ قَالَ: حَجَجْتُ عَامَ تُوُفِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَأَتَى الْمَدِينَةَ فَخَطَبَ فَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي. فَمَا عَاشَ إِلا تِلْكَ الْجُمُعَةَ حَتَّى طُعِنَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَهْلُ الشَّامِ، ثُمَّ أَهْلُ الْعِرَاقِ، قَالَ: وَكُنَّا آخِرُ مَنْ دَخَلَ إِلَيْهِ فَكُلَّمَا دَخَلَ قَوْمٌ بَكَوْا وَأَثْنَوْا، قَالَ فَكُنْتُ فِيمَنْ دَخَلَ فَإِذَا هُوَ قَدْ عَصَبَ جِرَاحَتَهُ قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ الْوَصِيَّةَ وَمَا سَأَلَهُ الْوَصِيَّةُ أَحَدٌ غَيْرُنَا، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا اتَّبَعْتُمُوهُ وَأُوصِيكُمْ بِالْمُهَاجِرِينَ فَإِنَّ النَّاسَ يُكْثِرُونَ وَهُمْ يَقِلُّونَ وَأُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ شِعْبُ الإِسْلامِ الَّذِي لَجَأَ إِلَيْهِ، وَأُوصِيكُمْ بِالأَعْرَابِ فَإِنَّهُمْ أَصْلُكُمْ وَمَادَّتُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَعَدُوُّ عَدُوِّكُمْ، وَأُوصِيكُمْ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ وَأَرْزَاقُ عِيَالِكُمْ. قُومُوا عني. حدثني عمرو النَّاقِدِ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ

غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ، ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ وَاقِفًا عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ وَهُوَ يَقُولُ لَهُمَا: أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَلْتُمَا عَلَى الأَرْضِ مَا لا تُطِيقُ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَقَدْ حَمَلْتُهَا مَا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ وَمَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ: لَوْ شِئْتُ لأَضْعَفْتُ مَا عَلَى أَرْضِي، فَجَعَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا مَا لَدَيْكُمَا أَنْ تَكُونَا حَمَلْتُمَا عَلَى الأَرْضِ فَوْقَ طَاقَتِهَا، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لا يَحْتَجْنَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدِي أَبَدًا. قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ حَتَّى أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَامَ بَيْنَ الصُّفُوفِ ثُمَّ قَالَ: اسْتَوُوا وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، فَلَمَّا كَبَّرَ طُعِنَ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُول قَطَعَنِي الْكَلْبُ، أَوْ قَالَ أَكَلَنِي الْكَلْبُ، وَطَارَ الْعِلْجُ وَمَعَهُ سِكِّينٌ ذَاتُ طَرَفَيْنِ مَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ يَمِينًا وَشِمَالا إِلا طَعَنَهُ فَأَصَابَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مَاتَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا لَهُ فَأَخَذَهُ فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، قَالَ عَمْرٌو: وَمَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حِينَ طُعِنَ إِلا ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ فَصَلَّوُا الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ صَلاةً خَفِيفَةً، فَأَمَّا أَهْلُ نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَلا يَدْرُونَ مَا الأَمْرُ لأَنَّهُمْ حِينَ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ جَعَلُوا يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفُوا كَانَ أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي، فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَجَالَ سَاعَةً حَتَّى اسْتَثْبَتَ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: غُلامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الصَّنَّاعُ، قَالَ: وَكَانَ نَجَّارًا، فَقَالَ: مَا لَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا. وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَا أَنَّكَ وَأَبُوكَ كُنْتُمَا تُحِبَّانِ أَنْ يَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْنَا؟ فَقَالَ: بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمُوا بِكَلامِكُمْ، وَصَلَّوْا

صَلَوَاتِكُمْ، وَنَسَكُوا نُسُكَكُمْ. فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ فَدَعَا بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ الْمَوْتُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ كَمْ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ؟ قَالَ: فَحَسَبَهُ فَوَجَدَهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنْ وَفَّى بِهَا مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهَا عَنِّي مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَفِ بِهَا أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِيهَا بَنِي عَدِيٍّ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِيهَا قُرَيْشًا وَلا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اذْهَبْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ لَهَا: يُقْرِئُكِ عُمَرُ السَّلامَ وَلا تَقُلْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لَهُمْ بِأَمِيرٍ، وَيَقُولُ: أَتَأْذَنِينَ أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ، فَأَتَاهَا ابْنُ عُمَرَ فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: عُمَرُ يَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أريده لنفسي ولأؤثرنّه الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا جَاءَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: ارْفَعَانِي فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ انْظُرْ إِذَا أَنَا مُتُّ فَاحْمِلْنِي عَلَى سَرِيرِي، ثُمَّ قِفْ عَلَى الْبَابِ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لَكَ فَأَدْخِلْنِي، وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ لَكَ فَادْفِنِّي فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا حُمِلَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ إِلا يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَأَذِنَتْ لَهُ عَائِشَةُ، فَدُفِنَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر، وَقَالُوا لَهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: لا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وسعد بن أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: إِنْ أَصَابَتْ سَعْدًا فَذَاكَ، وَإِلا فَأَيُّهُمُ اسْتُخْلِفَ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلا خِيَانَةٍ، قَالَ: وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَعَهُمْ يُشَاوِرُونَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ.

فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اتْرُكُوا أَمْرَكُمْ إلى ثلاثة نَفَرٍ مِنْكُمْ فَجَعَلَ الزُّبَيْرُ أَمْرَهُ إِلَى عَلِيٍّ، وَجَعَلَ طَلْحَةُ أَمْرَهُ إِلَى عُثْمَانَ، وَجَعَلَ سَعْدٌ أَمْرَهُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَائْتَمَرُوا أَمْرَ أُولَئِكَ الثَّلاثَةِ حِينَ جُعِلَ الأَمْرُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَبْرَأُ مِنَ الأَمْرِ وَيَجْعَلُ الأَمْرَ إِلَيَّ، وَلَكُمْ عَلَيَّ أَلا آلُوكُمْ نُصْحًا، فَأَسْكَتَ الشَّيْخَانُ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ، فَقَالَ عَبْدُ الرحمن: أتجعلانه إلي وأنا أخرج منها فو الله لا آلُوكُمْ عَنْ أَفْضَلِكُمْ وَخَيْرِكُمْ لِلْمُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَخَلا بِعَلِيٍّ فَقَالَ: إِنَّ لَكَ مِنَ القرابة برسول الله والقدم مالك، فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنِ اسْتُخْلِفْتَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنِ اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ لَتَسْمَعَنَّ وَتُطِيعَنَّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَخَلا بِعُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: نَعَمْ، فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ عَلِيٌّ وَالنَّاسُ. وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَعْرِفُ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلامِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَجُبَاةُ الْمَالِ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إِلا بِحُقُوقِهِمْ، أَوْ قَالَ: فَضْلُهُمْ عَنْ رِضًى مِنْهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ، وَأَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الإِسْلامِ، أَنْ تُؤْخَذَ صَدَقَاتُهُمْ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَلا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ [1] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عُمَرَ الأَزْدِيُّ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 338- 339.

معاوية، ثنا أبو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: شَهِدْتُ عمر رضي عَنْهُ حِينَ طُعِنَ فَأَتَاهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ وَهُوَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ فَطَعَنَهُ وَطَعَنَ اثْنَيْ عَشَرَ مَعَهُ، وَكَانَ الثَّالِثَ عَشَرَ قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُ عُمَرَ بَاسِطًا يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَدْرِكُوا الْكَلْبَ فَقَدْ قَتَلَنِي، فَمَاجَ النَّاسُ وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ فَأَخَذَهُ، فَمَاتَ مِمَّنْ جَرَحَ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، وَحُمِلَ عُمَرُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَتَاهُ الطَّبِيبُ فَقَالَ: أَيُّ الشَّرَابِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: النَّبِيذُ. فَدَعَا بِنَبِيذٍ فَشَرِبَ مِنْهُ فَخَرَجَ مِنْ إِحْدَى طَعَنَاتِهِ فَقَالُوا: إِنَّمَا هَذِهِ صَدِيدُ الدَّمِ. فَدَعَا بِلَبَنٍ فَشَرِبَ مِنْهُ فَخَرَجَ فَقَالَ: أَوْصِ بِمَا كُنْتَ موصيا به، فو الله مَا أَرَاكَ تُمْسِي. وَأَتَاهُ كَعْبٌ فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ تَمُوتُ شَهِيدًا فَتَقُولُ: مِنْ أَيْنَ وَأَنَا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؟ قَالَ: وَقَالَ رَجُلٌ: الصَّلاةُ يَا عِبَادَ اللَّهِ فَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ فَتَدَافَعُوا حَتَّى قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَرَأَ أَقْصَرَ سُورَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ: وَالْعَصْرَ، وَإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ائْتِنِي بِالْكَتِفِ الَّذِي كُنْتَ كَتَبْتَ فِيهَا بِشَأْنِ الْجِدِّ بِالأَمْسِ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُتِمَّ هَذَا الأَمْرَ لأَتَمَّهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: نَحْنُ نَكْفِيكَ مَحْوَهَا، فَقَالَ: لا وَأَخَذَهَا فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ دَعَا بِسِتَّةِ نَفَرٍ: عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَطَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّه، وَالزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّامِ، فَدَعَا عُثْمَانَ أَوَّلَهُمْ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، إِنْ عَرَفَ لَكَ أَصْحَابُكَ سِنَّكَ وَصِهْرَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَلا تَحْمِلْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَوْصَاهُ، ثُمَّ أَمَرَ صُهَيْبًا أَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثَلاثًا [1] . حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ بن

_ [1] انظر طبقات ابن سعد ج 3 ص 340- 341.

يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ يَوْمَ طُعِنَ فَمَا مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أَكُونَ مِنَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ إِلا هَيْبَتُهُ، وَكَانَ رَجُلا مَهِيبًا فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَانَ عُمَرُ لا يُكَبِّرُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ الصَّفَّ الْمُتَقَدِّمَ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ رَأَى رَجُلا مُتَقَدِّمًا مِنَ الصَّفِّ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ ضَرَبَهُ بِالدَّرَّةِ، فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنِي مِنْهُ فَأَقْبَلَ عُمَرُ فَعَرَضَ لَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غُلامُ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ فَتَأَخَّرَ عُمَرُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ طَعَنَهُ ثَلاثَ طَعَنَاتٍ، قَالَ: فَسَمِعْتُ عُمَرَ وَهُوَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ وَقَدْ بَسَطَهَا: دُونَكُمُ الْكَلْبَ قَدْ قَتَلَنِي، وَمَاجَ النَّاسُ فَجَرَحَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، وَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ فَاحْتَضَنَهُ وَاحْتُمِلَ عُمَرُ وَمَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ حَتَّى قَالَ قَائِلٌ: الصَّلاةُ عِبَادَ اللَّهِ، طَلَعَتِ الشَّمْسُ. فَدَفَعُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى بأقصر سورتين في القرآن: إذ جاء نصر الله والفتح، وإنا أعطيناك الكوثر، وَاحْتُمِلَ عُمَرُ فَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ اخْرُجْ فَنَادِ فِي النَّاسِ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ أَعَنْ مَلأٍ مِنْكُمْ هَذَا؟ فَقَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ. مَا عَلِمْنَا وَلا اطَّلَعْنَا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي الطَّبِيبَ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ: أَيُّ الشَّرَابِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: النَّبِيذُ. فَسُقِيَ نَبِيذًا فَخَرَجَ مِنْ بَعْضِ طَعَنَاتِهِ فَقَالَ النَّاسُ: هَذَا صَدِيدٌ، اسْقُوهُ لَبَنًا فَخَرَجَ فَقَالَ الطَّبِيبُ. مَا أرك تُمْسِي فَمَا كُنْتَ فَاعِلا فَافْعَلْهُ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَاوِلْنِي الْكَتِفَ، فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَمْضِيَ مَا فِيهَا أَمْضَاهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَنَا أَكْفِيكَ مَحْوَهَا. فَقَالَ: لا وَاللَّهِ لا يَمْحُوَهَا أَحَدٌ غَيْرِي، فَمَحَاهَا عُمَرُ بِيَدِهِ وَكَانَ فِيهَا فَرِيضَةُ الْجِدِّ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدًا، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ غَيْرَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، لَعَلَّ

هَؤُلاءِ الْقَوْمَ يَعْرِفُونَ لَكَ قَرَابَتَكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِهْرَكَ، وَمَا آتَاكَ اللَّهُ مِنَ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ، فَإِنَّ وُلِّيتَ هَذَا الأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، لَعَلَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ سَيَعْرِفُونَ لَكَ صِهْرَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِنَّكَ وَشَرَفَكَ، فَإِنْ وُلِّيتَ هَذَا الأَمْرَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَلا تَحْمِلَنَّ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي صُهَيْبًا فَدُعِيَ فَقَالَ: صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلاثًا وَلِيُخَلَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ فِي بَيْتٍ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَاضْرِبُوا رَأْسَهُ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ عُمَرَ قَالَ: إِنْ وَلُّوهَا الأَجْلَحَ سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ، يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ؟ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، ثم دخل عليه كعب فقال: جاءالحق من ربك فلا تكن من الممترين [1] قَدْ أَنْبَأْنَاكَ أَنَّكَ شَهِيدٌ، فَقُلْتَ أَنَّى لِي بِالشَّهَادَةِ وَأَنَا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، ثنا أَشْيَاخُنَا قَالُوا: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَصْلُحُ إِلا بِالشِّدَّةِ الَّتِي لا جَبْرِيَّةَ مَعَهَا، وَاللِّينِ الَّذِي لا وَهَنَ فِيهِ. الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ الرَّأْيُ كَثِيرٌ، وَالْحَزْمُ قَلِيلٌ، وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ الْعَبْسِيُّ مِنْ حُزَمَاءِ الرِّجَالِ، وَأَشَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى عُمَرَ أَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُ الْعَجَمَ وَقَالَ: إِنِّي لأَخَافُ عَلَيْكَ هَذِهِ الْحَمْرَاءَ، فَلَمَّا طُعِنَ قَالَ: مَا فَعَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ؟ قَالُوا: مَاتَ قَالَ: لِلَّهِ رأي بين الحاجر

_ [1] سورة آل عمران- الآية: 60.

وَالرَّقَمِ [1] ، وَيُقَالُ إِنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ قَبْرٌ بَيْنَ الْحَاجِرِ وَالرَّقَمِ لَقَدْ ضَمِنَ رَأْيًا وَحَزْمًا. حَدَّثَنِي شَيْبَانُ الآجُرِّيُّ عَنْ نَافِعٍ أَبِي هُرْمُزَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ شَيْءٍ رَأْسٌ وَرَأْسُ الْمَعْرُوفِ أَعْجَلُهُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ الرُّومِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ طَلْقٍ بَيْتَهَا فَإِذَا سَمْكُهُ قَصِيرٌ يَكَادُ يَنَالُهُ رَأْسِي فَقُلْتُ لَهَا يَا أُمَّ طَلْقٍ، مَا أَقْصَرُ سَقْفَ بَيْتِكِ! فَقَالَتْ: أَيْ بُنَيَّ أَوْ مَا عَلِمْتَ مَا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الأَمْصَارِ وَالآفَاقِ، كَتَبَ لا تُطِيلُوا بُيُوتَكُمْ فَإِنَّهُ مِنْ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ. قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتِ أَبَا ذَرٍّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ بَيْتَهُ، قُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتِ هَيْئَتَهُ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُهُ أَشْعَثَ أَغْبَرَ وَبِيَدِهِ عُودَانِ قَدْ خَالَفَ بَيْنَهُمَا وَإِلَى جَانِبِهِ صُوفٌ مَنْفُوشٌ فَهُوَ يَأْخُذُ مِنْهُ وَيَغْزِلُ، فَأَعْطَيْتُهُ شَيْئًا مِنْ دَقِيقٍ أَوْ سُوَيْقٍ كَانَ مَعِي فَأَخَذَهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: ثَوَابُكِ أَوِ أَجْرُكِ عَلَى الله. حدثني محمد بن سعد، ثنا عبد الْكَرِيمِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، ثنا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ سِمَاكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا احْتُضِرَ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَسُنَّةٌ، وَإِنْ لَمْ أَسْتَخْلِفْ فَسُنَّةٌ، تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَخْلَفَ. فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: [عَرَفْتُ وَاللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،] فَذَاكَ حِينَ جَعَلَهَا شُورَى بَيْنَ: عَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرِ، وَطَلْحَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وسعد، وقال

_ [1] الحاجر موضع قبل معدن النقره على طريق مكة، والرقم جبال دون مكة بديار غطفان. معجم البلدان.

أمر الشورى

لِلأَنْصَارِ: أَدْخِلُوهُمْ بَيْتًا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنِ اسْتَقَامُوا، وَإِلا فَادْخُلُوا عَلَيْهِمْ فَاضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ [1] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، أنبأ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ مُسْنَدًا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ عِنْدَهُ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنِّي لَمْ أَقُلْ فِي الْكَلالَةِ شَيْئًا، وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ بَعْدِي أَحَدًا، وَأَنَّهُ مَنْ أَدْرَكَ وَفَاتِي مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِ اللَّهِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: أَمَا أَنَّكَ لَوْ أَشَرْتَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ائْتَمَنَكَ النَّاسُ. فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ رَأَيْتُ مِنْ أَصْحَابِي حِرْصًا سَيِّئًا، وَإِنِّي جَاعِلٌ هَذَا الأَمْرَ إِلَى هَؤُلاءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ الَّذِينَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عَنْهُمْ رَاضٍ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَدْرَكَنِي أَحَدُ رَجُلَيْنِ فَجَعَلْتُ هَذَا الأَمْرَ إِلَيْهِ لَوَثَقْتُ بِهِ: سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؟ فَقَالَ لَهُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ. وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ اللَّهَ بِهَا. أَسْتَخْلِفُ رَجُلا لَمْ يُحْسِنْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ؟ قَالَ عَفَّانُ: يَعْنِي بِالرَّجُلِ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثنا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لِعُمَرَ: لَوِ اسْتَخْلَفْتَ. قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: تَجْتَهِدُ. لَوْ أَنَّكَ بَعَثْتَ إِلَى قَيِّمِ أَرْضِكَ أَلَمْ تَكُنْ تُحِبُّ أَنْ تَسْتَخْلِفَ مَكَانَهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الأَرْضِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ بَعَثْتَ رَاعِيَ غَنَمِكَ أَلَمْ تَكُنْ تُحِبُّ أَنْ تستخلف رجلا حتى يرجع؟ [أمر الشورى] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزهري عن أبيه عن

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 342.

مصرع عمر

صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أخبرني سالم بن عبد الله أن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلَ الرَّهْطُ عَلَى عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ لَكُمْ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَ النَّاسِ شِقَاقًا إِلا أَنْ يَكُونَ مِنْكُمْ، وَإِنَّمَا الأَمْرُ إِلَى هَؤُلاءِ الستة، وكان طلحة غائبا في ماله بالشراة، وَإِنَّمَا يَؤُمُّ قَوْمَكُمْ أَحَدُكُمْ أَيُّهَا الثَّلاثَةُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، فَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَلا تَحْمِلَنَّ ذَوِي قَرَابَتِكَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ يَا عُثْمَانُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَلا تَحْمِلْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ يَا عَلِيُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَلا تَحْمِلَنَّ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَتَشَاوَرُوا وَأَمِّرُوا أَحَدَكُمْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَقَامُوا يَتَشَاوَرُونَ، فَدَعَانِي عُثْمَانُ لِيُدْخِلَنِي فِي الأَمْرِ، وَلا وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ دَخَلْتُ فِيهِ، عَلِمَا أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أَمْرِهِمْ ما قال أبي، فو الله لَقَلَّمَا رَأَيْتُهُ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ قَطُّ إِلا كَانَ حَقًّا، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيَّ عُثْمَانُ قُلْتُ لَهُ: أَلا تَعْقِلُونَ؟ أَتُؤَمِّرُونَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَيٌّ؟ فو الله لَكَأَنَّمَا أَيْقَظْتُ عُمَرَ مِنْ رَقْدَةٍ فَقَالَ: أَمْهِلُوا فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ ثَلاثَ لَيَالٍ، ثُمَّ اجْمَعُوا أَمْرَكُمْ فَمَنْ تَأَمَّرَ عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ سَالِمٌ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ: ابْدَأْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ عَلِيٍّ. قَالَ: نعم والله. [مصرع عمر] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي شِهَابٍ قَالَ: كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ

اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لا يَأْذَنُ لِصَبِيٍّ قَدِ احتلم في دخول الْمَدِينَةَ حَتَّى كَتَبَ الْمُغِيرَةُ وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ يَذْكُرُ غُلامًا لَهُ صَانِعًا، وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي دُخُولِهِ الْمَدِينَةَ، وَيَقُولُ إِنَّ عِنْدَهُ أَعْمَالا كَثِيرَةً فِيهَا مَنَافِعُ لِلنَّاسِ، إِنَّهُ: حَدَّادٌ، نَقَّاشٌ، نَجَّارٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَضَرَبَ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ مِائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ شَهْرٍ، فَجَاءَ إِلَى عُمَرَ يَشْتَكِي إِلَيْهِ شِدَّةَ الْخَرَاجِ وَثِقَلَهُ فَقَالَ لَهُ: مَاذَا تُحْسِنُ؟ فَذَكَرَ لَهُ الأَعْمَالَ الَّتِي يُحْسِنُهَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَا خَرَاجُكَ بِكَثِيرٍ فِي جَنْبِ مَا تَعْمَلُ، فَانْصَرَفَ سَاخِطًا يَتَذَمَّرُ فَلَبِثَ عُمَرُ لَيَالِيَ، ثُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ مَرَّ بِهِ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَقُولُ لَوْ أَشَاءُ لَصَنَعْتُ رَحًى تَطْحَنُ بِالرِّيحِ؟ فَالْتَفَتَ الْعَبْدُ إِلَى عُمَرَ سَاخِطًا عَابِسًا، وَكَانَ مَعَ عُمَرَ رَهْطٌ، فَقَالَ: لأَصْنَعَنَّ لَكَ رَحًى تَتَحَدَّثُ النَّاسُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ بِهَا. فَلَمَّا وَلَّى الْعَبْدُ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى الرَّهْطِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فَقَالَ لَهُمْ: أو عدني العبد آنفا، فلبث ليالي ثم اشتمل عَلَى خِنْجَرٍ ذِي رَأْسَيْنِ نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ، فَكَمَنَ فِي زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْمَسْجِدِ فِي غَبَشِ السَّحَرِ، فَلَمْ يَزَلْ هُنَاكَ حَتَّى خَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُوقِظُ النَّاسَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، وَكَانَ عُمَرُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَنَا عُمَرُ مِنْهُ وَثَبَ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ ثَلاثَ طَعَنَاتٍ إِحْدَاهُنَّ تَحْتَ السُّرَّةِ فَخَنَقَتِ [1] الصِّفَاقَ، وَهِيَ الَّتِي قَتَلَتْهُ ثُمَّ أَغَارَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَطَعَنَ مَنْ يَلِيهِ حَتَّى طَعَنَ سِوَى عُمَرَ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا، ثُمَّ انْتَحَرَ بِخِنْجَرِهِ، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ أَدْرَكَهُ النَّزْفُ وَانْقَصَفَ النَّاسُ عَنْهُ: قُولُوا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، ثُمَّ غَلَبَ عُمَرَ النَّزْفُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاحْتَمَلْتُهُ فِي رَهْطٍ حَتَّى أَدْخَلْتُهُ، ثُمَّ صَلَّى لِلنَّاسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ صوت عبد الرحمن، قال ابن

_ [1] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 345 «فخرقت» وهو أوضح وأقوم.

عَبَّاسٍ: فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَ عُمَرَ وَلَمْ يَزَلْ فِي غَشْيَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أَسْفَرَ الصُّبْحُ، ثُمَّ أَفَاقَ فَنَظَرَ إِلَى وُجُوهِنَا ثُمَّ قَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لا إِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ، ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ يَا عَبْدَ اللَّهِ فَسَلْ مَنْ قَتَلَنِي، قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى فَتَحْتُ بَابَ الدَّارِ فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ جَاهِلُونَ بِخَبَرِ عُمَرَ، فَقُلْتُ مَنْ طَعَنَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: طَعَنَهُ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو لُؤْلُؤَةَ غُلامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثُمَّ طَعَنَ مَعَهُ رَهْطًا، ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ قَاتِلِي يُحَاجِّنِي عِنْدَ اللَّهِ بِسَجْدَةٍ سَجَدَهَا لَهُ قَطُّ، مَا كَانَتِ الْعَرَبُ لِتَقْتُلَنِي. قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ: أَرْسِلُوا إِلَى الطَّبِيبِ يَنْظُرُ فِي جُرْحِي هَذَا فَأَرْسَلُوا إِلَى طَبِيبٍ مِنَ الْعَرَبِ فَسَقَاهُ نَبِيذًا فَشُبِّهَ النَّبِيذُ بِالدَّمِ حِينَ خَرَجَ مِنَ الطَّعْنَةِ الَّتِي تَحْتَ السُّرَّةِ، قَالَ فَدَعَوْتُ طَبِيبًا آخَرَ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَقَاهُ لَبَنًا فَخَرَجَ مِنَ الطَّعْنَةِ أَبْيَضَ، فَقَالَ الطَّبِيبُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اعْهَدْ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَنِي أَخُو بَنِي مُعَاوِيَةَ، وَلَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ كَذَّبْتُكَ. قَالَ: فَبَكَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ حِينَ سَمِعُوا قَوْلَهُ، فَقَالَ: لا تَبْكُوا عَلَيْنَا أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [: «يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» ،] فَبَلَغَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنها قوله فقال: [ «إِنَّمَا مَرَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نُوَّحٍ يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ، فَقَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ يَبْكُونَ وَصَاحِبُهُمْ يُعَذَّبُ وَكَأَنَّ قَدِ اجْتَرَمَ ذَلِكَ» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الْمَدِينَةَ ضَرَبَ عَلَى غُلامِهِ أَبِي لُؤْلُؤَةِ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فِي كُلِّ شَهْرٍ، أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فِي الْيَوْمِ، وَكَانَ خَبِيثًا إِذَا نَظَرَ إِلَى السَّبْيِ الصِّغَارِ مَسَحَ رُؤُوسَهُمْ وَبَكَى وَقَالَ: إِنَّ الْعَرَبَ أَكَلَتْ كَبِدِي،

فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ مِنْ مَكَّةَ جَاءَ أَبُو لؤلؤة إِلَى عُمَرَ يُرِيدُهُ فَوَجَدَهُ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ سَيِّدِي الْمُغِيرَةَ يُكَلِّفُنِي مِنَ الضَّرِيبَةِ مَا لا أُطِيقُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَكَمْ كَلَّفَكَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، قَالَ: وَمَا تَعْمَلُ؟ قَالَ: الأَرْحِيَةَ، وَسَكَتَ عَنْ سَائِرِ أَعْمَالِهِ. قَالَ: فِي كَمْ تَعْمَلُ الرَّحَى؟ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: وَبِكَمْ تَبِيعُهَا؟ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ كَلَّفَكَ يَسِيرًا، انْطَلِقْ فَاعْطِ مَوْلاكَ مَا سَأَلَكَ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ عمر: ألا تعمل لنا رحى؟ قال: بلى أَعْمَلُ لَكَ رَحًى يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الأَمْصَارِ فَفَزَعَ عُمَرُ مِنْ كَلِمَتِهِ وَقَالَ لِعَلِيٍّ وَكَانَ مَعَهُ: مَا تَرَاهُ أَرَادَ؟ قَالَ: أَوْعَدَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ عُمَرُ: يَكْفِينَاهُ اللَّهُ، قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِكَلِمَتِهِ غَوْرًا. قَالُوا وَكَانَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ مِنْ سَبْيِ نَهَاوَنْدَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ هَرَبَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ وَجَعَلَ عُمَرُ يُنَادِي: الكلب، الكلب، وطعن نفسه، فأخذ أبو لُؤْلُؤَةَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، وَهَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَرَجُلٌ، فَطَرَحَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ خَمِيصَةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَانْتَحَرَ بِالْخِنْجَرِ حِينَ أُخِذَ، وَاحْتَزَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ رَأْسَ أبي لؤلؤة، وقال هشام ابن الْكَلْبِيِّ: وَثَبَ كُلَيْبُ بْنُ قَيْسِ بْنِ بُكَيْرٍ الْكِنَانِيُّ الْجَزَّارُ عَلَى أَبِي لُؤْلُؤَةَ فَقَتَلَهُ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عن رقبة بْنِ مَصْقَلَةَ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ حِينَ طُعِنَ يقول: وكان أمر الله قدرا مقدورا [1] .

_ [1] سورة الأحزاب- الآية: 38. طبقات ابن سعد ج 3 ص 348- 349.

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى أُمَرَاءِ الْجُيُوشِ أَلا تَجْلِبُوا عَلَيْنَا شَيْئًا مِنَ الْعُلُوجِ أَحَدًا جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسِيُّ، فَلَمَّا طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: غُلامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. قَالَ: قَدْ قُلْتُ لَكُمْ: لا تَجْلِبُوا عَلَيْنَا مِنَ الْعُلُوجِ أَحَدًا فَغَلَبْتُمُونِي. حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا يعلى بْن عبيد عَن يَحْيَى بْن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: طعن الَّذِي طعن عمر اثني عشر رجلا بعمر، فمات منهم ستة بعمر، وأفرق [1] ستة. حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا طُعِنَ جَعَلَ يُغْمَى عَلَيْهِ، فَقِيلَ إِنَّكُمْ لَنْ تُنَبِّهُوهُ أَوْ لَمْ تُفْزِعُوهُ بِمِثْلِ الصَّلاةِ إِنْ كَانَتْ بِهِ حَيَاةٌ. فَقَالُوا: الصَّلاةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّلاةُ فَقَدْ صُلِّيَتْ، فَانْتَبَهَ فَقَالَ: الصَّلاةُ؟ هَا اللَّهُ إِذًا، وَلا حَظَّ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ. قَالَ: فَصَلَّى وَإِنَّ جُرْحَهُ لَيَثْغَبُ دَمًا. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي عَاتِكَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طُعِنَ فَقَرَأَ فِي الأُولَى: وَالْعَصْرِ. وَفِي الثانية: قل يا أيها الْكَافِرُونَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ فَجَعَلْتُ أُثْنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: بأي شيء تثني عليّ يا بن عَبَّاسٍ؟ بِالإِمْرَةِ أَمْ بِغَيْرِهَا؟ قَالَ: قُلْتُ: بِكُلٍّ، قَالَ: لَيْتَنِي أَخْرُجُ مِنْهَا كَفَافًا بِلا أَجْرٍ ولا وزر.

_ [1] أفرق المطعون: برأ. اللسان.

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا وَهْبُ بن جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ السِّكِّينَ الَّذِي قُتِلَ بِهِ عُمَرُ، فَقَالَ: رَأَيْتُ هَذَا السِّكِّينَ أَمْسِ مَعَ الْهُرْمُزَانِ وَجُفَيْنَةَ فَقُلْتُ: مَا تَصْنَعَانِ بِهَذَا السِّكِّينِ؟ فَقَالا: نَقْطَعُ بِهِ اللَّحْمَ، فَإِنَّا لا نَمَسُّ اللَّحْمَ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنْتَ رَأَيْتَهَا مَعَهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ سَيْفَهُ ثُمَّ أَتَاهُمَا فَقَتَلَهُمَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى قَتْلِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَهُمَا فِي ذِمَّتِنَا، فَأَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ عُثْمَانَ فَصَرَعَهُ حَتَّى قَامَ النَّاسُ فَحَجَزُوهُ عَنْهُ، وَكَانَ حِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ أَخَذَ سَيْفَهُ فَتَقَلَّدَهُ فَعَزَمَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنْ يَضَعَهُ فَوَضَعَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عيسى، ثنا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ عُمَرَ الوفاة قال: أبالإمارة تغيظونني، فو الله لَوَدَدْتُ أَنِّي أَنْجُو كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لِي، قَالَ مَالِكُ: فَحَدَّثَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: كذبت. قال سليمان: أو كذبت؟ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيّ بْن مُحَمَّد الْمَدَائِنِيّ قَالَ: سمع عمر بكاء من سقيفة النساء وفيهن خولة بِنْت حكيم بْن أمية بْن حارثة بْن الأوقص امْرَأَة عُثْمَان بْن مظعون، فأتاهن وخولة تبكي فَقَالَ لها: مَا يبكيك؟ فَقَالَتْ: رأيت ديكا أحمر وثب عليك فنقرك ثلاث نقرات، فأولت ذاك أن رجلا علجا أحمر يطعنك ثلاث طعنات، فَقَالَ: أنى لِي بالشهادة ولست بأرضها وبيني وبين الروم مسيرة أشهر. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ عُيَيْنَة بْن حصن لعمر: إن اللَّه قد جعلك فتنة عَلَى

أمة مُحَمَّد، فَقَالَ: كذبت. إن ربي ليعلم أني لم أضمر لها غير العدل والإحسان، فَقَالَ عُيَيْنَة: لم أذهب هناك، ولكن يفقدون سيرتك فيضرب بعضهم رقاب بعض، فَقَالَ: مَا أنا لِذَلِكَ بآمن، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ احترس من الأعاجم، وأخرجهم مِنَ الْمَدِينَةِ، فإني لا آمنهم عليك، فلما طعن قَالَ: مَا فعل عُيَيْنَة؟ قَالُوا: مات بالحاجر، فَقَالَ: إن هناك لرأيا. قَالَ: وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر: دعا عمر أبا لؤلؤة عَبْد الْمُغِيرَة فَقَالَ لَهُ: اعمل لِي رحى، فَقَالَ: نعم أعمل لك رحى يسمع بِهَا من بين لأبتيها [1] ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو لؤلؤة من سبي نهاوند. قَالَ الْمَدَائِنِيّ: ومن رواية بعضهم أن عمر افتتح سورة النحل فطعنه أَبُو لؤلؤة، وجال فِي الصفوف، فطعن من عرض لَهُ قريبا، فرماه رجل ببرنس، كَانَ عَلَيْهِ فصرعه فنحر نفسه، قَالَ: ويقال إن الَّذِي رمى أبا لؤلؤة رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي رباح يقال لَهُ حطان بْن مالك. قَالَ: ويقال إنه مات من طعنه أربعة منهم: إياس بْن البكير بْن عَبْدِ ياليل الكناني، وكليب بْن قَيْس الجزار الكناني، فأخبر عمر، فَقَالَ: مَا كنت أرى كليبا يسبقني إِلَى الجنة. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيّ: طعن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَوْم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجة، وَقَالَ غيره لست بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وتوفي لهلال المحرم سنة أربع وعشرين، وتوفي ابْن ستين سنة وذلك أثبت الأقاويل، قَالَ: وَكَانَ مغشيا عَلَيْهِ حَتَّى قيل لَهُ الصلاة، فَقَالَ: نعم الصلاة، وَلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.

_ [1] لابتيها: حرّتيها، فاللأبة: الحرة، والمدينة بين حرتين. معجم البلدان.

الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا رَأْسُ عُمَرَ فِي حِجْرِي إِذْ قَالَ: ضَعْ رَأْسِي بِالأَرْضِ، قُلْتُ: وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يَكُونَ فِي حِجْرِي هُوَ أَوْقَى لَهُ، قَالَ: ضَعْهُ لا أُمَّ لَكَ، قَالَ فَوَضَعْتُهُ. فَقَالَ: وَيْلٌ لِعُمَرَ وَلأُمِّ عُمَرَ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ لاحِقٍ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: لَيْتَنِي أَنْجُو مِنَ الأَمْرِ كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لِي، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ضَعْ خَدِّي عَلَى الأَرْضِ، وَيْلٌ لِعُمَرَ وَأُمِّ عُمَرَ إِنْ لَمْ يُنْجِهِ اللَّهُ مِنَ النَّارِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عاصم بن عمر عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ كَعْبَ الأَحْبَارِ قَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ مَيِّتٌ فِي ثَلاثٍ، أَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَجِدُ اسْمِي وَنَسَبِي؟ قَالَ: لا وَلَكِنِّي أَجِدُ صِفَتَكَ وَسِيرَتَكَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَيُوعِدُنِي كَعْبٌ ثَلاثًا أَعُدُّهَا ... وَلا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَ لِي كَعْبُ وَمَا بِيَ خَوْفُ الْمَوْتِ إِنِّي لَمَيِّتٌ ... وَلَكِنَّ خَوْفِي الذَّنْبَ يَتْبَعُهُ الذَّنْبُ وَقَالَ الشاعر: ليبك عَلَى الإِسْلام من كَانَ باكيا ... فقد أوشكوا هلكا وَمَا قدم العهد وأدبرت الدنيا وأدبر أهلها ... وقد ملها من كَانَ يؤمن بالوعد الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ وَهُوَ مُسَجًّى فَقَالَ: مَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: أَيُغَسَّلُ الشَّهِيدُ؟ قَالَ: كَانَ عُمَرُ شَهِيدًا فَغُسِّلَ، وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الآجُرِّيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ مِقْسَمٍ الْبُرِّيُّ عن نافع

قَالَ: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعُمَرَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى الْقَوِيِّ الأَمِينِ تَسْتَخْلِفُهُ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: وَيْحَكَ مَا أَرَدْتَ اللَّهَ بِقَوْلِكَ، وَلأَنْ يَمُوتَ فَأُكَفِّنُهُ بِيَدِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوَلِّيَهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَائِدٍ وَابْنِ جُعْدُبَةَ قَالا: لَمَّا مَاتَ عُمَرُ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الشُّورَى لِيُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْحِرْصُ، وَقَدَّمَ صُهَيْبًا فَصَلَّى، وَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ وَلَّى صُهَيْبًا الصَّلاةَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ يَخْتَارُهُ السِّتَّةُ وَدُفِنَ عُمَرُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الجلحي: ثَلاثَةٌ لا تَرَى عَيْنٌ لَهُمْ شَبَهًا ... تَضُمُّ أَعْظُمُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحُجَرُ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَدَبَتْهُ ابْنَةُ أَبِي حَثْمَةَ فَقَالَتْ: وَاعُمَرَاهُ أَقَامَ الأَوَدَ وَأَبْرَأَ الْعُمُدَ وَأَمَاتَ الْفِتَنَ وَأَحْيَا السُّنَنَ، وَاعُمَرَاهُ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا نَقِيَّ الثَّوْبِ بَرِيئًا مِنَ الْعَيْبِ. وَقَالَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدٍ تَرْثِيهِ: فَجَّعَنِي فَيْرُوزُ لا دَرَّ دَرُّهُ ... بِأَبْيَضَ تَالٍ لِلْقُرَانِ مُنِيبِ عَطُوفٍ عَلَى الأَدْنَى غَلِيظٍ عَلَى الْعِدَى ... أَخِي ثِقَةٍ فِي النَّائِبَاتِ نَجِيبِ مَتَى مَا يَقُلْ لا يَكْذِبُ الْقَوْلَ فِعْلُهُ ... سَرِيعٌ إِلَى الْخَيْرَاتِ غَيْرِ قَطُوبِ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أنبأ إِسْرَائِيلُ عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَسَمِعْنَا الصَّيْحَةَ عَلَى عُمَرَ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَتْ

أُمُّ كُلْثُومٍ: وَاعُمَرَاهُ، وَكَانَ مَعَهَا نِسْوَةٌ يَبْكِينَ، فَارْتَجَّ الْبَيْتُ بُكَاءً، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى الأَرْضِ لافْتَدَيْتُ بِهِ نَفْسِي مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَلا تَرَاهَا إِلا قَدْرَ مَا قَالَ اللَّهُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا [1] لَقَدْ كُنْتَ مَا عَلِمْنَاكَ تَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، وَتَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ. قَالَ: فَضَرَبَ عَلَى كَتِفَيِ ابْنِ عباس وقال: تشهد يابن عَبَّاسٍ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَشْهَدُ بِهِ. حَدَّثَنِي عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، ثنا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، ثنا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ طُعِنَ، فَقَالَ: احْفَظْ مِنِّي ثَلاثًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لا يُدْرِكَنِي النَّاسُ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَقْضِ فِي الْكَلالَةِ، وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ خَلِيفَةً، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي عَتِيقٌ. قُلْتُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، صَاحَبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَلْتَ صُحْبَتَهُ وَوُلِّيتَ أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَوِيتَ فِيهِ، وَأَدَّيْتَ الأَمَانَةَ. قَالَ: أَمَّا تَبْشِيرُكَ إياي بالجنة فو الله الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَوْ أَنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِي، وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي إِمْرَةِ المؤمنين فو الله لَوَدَدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنْ ذَلِكَ كَفَافًا لا لِي وَلا عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَتِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَاكَ. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عن أبي سعيد الخدري قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ وَنَحْنُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَشَكَا إِلَيْنَا أَلَمَ الْوَجَعِ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قالا: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، ثنا هَارُونُ بْنُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ

_ [1] سورة مريم- الآية: 71.

عبيد الله بن عمر يقتل المتآمرين على قتل والده

عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا طُعِنَ سُقِيَ لَبَنًا فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَلَمَّا رَأَى بَيَاضَهُ بَكَى، وَأَبْكَى النَّاسَ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ، قَالُوا: فَهَذَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: مَا أَبْكَانِي غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ كَانَ إِسْلامُكَ نَصْرًا، وَإِمَارَتُكَ فَتْحًا، وَلَقَدْ مَلَأْتَ الأَرْضَ عَدْلا، فَقَالَ عُمَرُ: أجلسوني، فلما جلس قال: يابن عَبَّاسٍ أَعِدْ عَلَيَّ كَلامَكَ، فَأَعَادَهُ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ لِي بِهَذَا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ عُمَرَ وَفَرِحَ بِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ جُلَسَاؤُهُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ مَنْ غَرَّهُ عُمُرُهُ لَمَغْرُورٌ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أَخْرُجُ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ فِيهَا، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هول المطلع. [عبيد الله بن عمر يقتل المتآمرين على قتل والده] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ حِينَ قُتِلَ عُمَرُ: مَرَرْتُ عَلَى قَاتِلِ عُمَرَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ فَيْرُوزٍ، وَمَعَهُ جُفَيْنَةُ، وَالْهُرْمُزَانُ وَهُمْ نَجِيٌّ، فَلَمَّا بَغَتَهُمْ ثَارُوا فَسَقَطَ مِنْ بَيْنِهِمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ وَنِصَابُهُ وَسَطَهُ، فَانْظُرُوا مَا الْخِنْجَرُ الَّذِي قُتِلَ بِهِ عُمَرُ فَنَظَرُوهُ فَإِذَا هُوَ الْخِنْجَرُ الَّذِي نَعَتَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَانْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَعَهُ السَّيْفُ حَتَّى دَعَا الْهُرْمُزَانَ فَلَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِ قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي نَنْظُرُ إِلَى فَرَسٍ لِي، وَتَأَخَّرَ عَنْهُ حَتَّى إِذَا مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ عَلاهُ بِالسَّيْفِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا وَجَدَ حَرَّ السَّيْفِ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَدَعَوْتُ جُفَيْنَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ نَصَارَى الْحِيرَةِ وَكَانَ ظِئْرًا لِسَعْدِ بْنِ أبي

وَقَّاصٍ أَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لِلْمِلْحِ [1] الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَكَانَ يُعَلِّمُ الْكِتَابَ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا عَلَوْتُهُ بِالسَّيْفِ صُلِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَتَلَ ابْنَةً لأَبِي لُؤْلُؤَةَ صَغِيرَةً تَدَّعِي الإِسْلامَ، وَأَرَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَنْ لا يَتْرُكَ يَوْمَئِذٍ سَبْيًا بِالْمَدِينَةِ إِلا قَتَلَهُ، فَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ الأولون عليه فنهوه وتوعدوه فَقَالَ: وَاللَّه لأَقْتُلَنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ، وَعَرَّضَ بِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ فَلَمْ يَزَلْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِهِ حَتَّى دَفَعَ إِلَيْهِ السَّيْفَ، فَلَمَّا دَفَعَهُ إِلَيْهِ أَتَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْسِ صَاحِبِهِ يَتَنَاصَيَانِ حَتَّى حُجِزَ بَيْنَهُمَا، وَأَقْبَلَ عُثْمَانُ قَبْلَ أَنْ يُبَايَعَ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي فَكَلَّمَهُ حَتَّى تَنَاصَيَا، وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ يَوْمَ قَتَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْهُرْمُزَانَ وَجُفَيْنَةَ وَابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ عَلَى النَّاسِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي قَتْلِ هَذَا الَّذِي فَتَقَ فِي الدِّينِ مَا فَتَقَ فَأَجْمَعَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُشَايِعُونَ عُثْمَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَجُلُّ النَّاسِ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُونَ: لَجُفَيْنَةُ وَالْهُرْمُزَانُ أَبْعَدَهُمَا اللَّهُ، لَعَلَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُتْبِعُوا عُمَرَ ابْنَهُ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ فِي ذَلِكَ وَالاخْتِلافُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: هَذَا أَمْرٌ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَلَى النَّاسِ سُلْطَانٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ خُطْبَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَوَدَى عُثْمَانُ الرَّجُلَيْنِ وَالْجَارِيَةَ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَرْحَمُ اللَّهُ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا مِمَّنْ شَجَّعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ قَتْلِهِمْ. مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ وَإِنَّهُ لَيُنَاصِي عثمان وشعر عبيد الله في

_ [1] الظئر: العاطفة على ولد غيرها المرضعة له، في الناس وغيرهم، للذكر والأنثى، والملح: الرضاع القاموس.

عمر بن الخطاب

يَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ قَتَلْتَ رَجُلا يُصَلِّي، وَصَبِيَّةً صَغِيرَةً، وَآخَرَ مِنْ ذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا فِي الْحَقِّ تَرْكُكَ. فَعَجِبَ النَّاسُ لِعُثْمَانَ حِينَ وَلِيَ كَيْفَ تَرَكَهُ وَلَكِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لَفَتَهُ عَنْ رَأْيِهِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ جُبَيْرَةَ عَن عَاصِم بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَن مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: مَا كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ إِلا كَالسَّبْعِ الْحَرِبِ، وَجَعَلَ يَعْتَرِضُ الْعَجَمَ بِالسَّيْفِ حَتَّى جَلَسَ فِي السِّجْنِ فَكُنْتُ أَحْسَبُ عُثْمَانَ يَقْتُلُهُ إِنْ وُلِّيَ لِمَا كُنْتُ أَرَاهُ يَصْنَعُ بِهِ، وَكَانَ هُوَ وَسَعْدٌ أَشَدَّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عَلَيٌّ هَرَبَ وَلَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ. الْوَاقِدِيّ قَالَ: لما تناصى عُثْمَان وعُبَيْد اللَّهِ جعل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُول: لعمري لقد أصبحت تهدر دائبا ... وغالت أسود الأرض عنك الغوائل وجعل عُبَيْد اللَّهِ يَقُول: وَمَا أنا باللحم الغريض تسيغه ... فكل من خشاش الأرض إن كنت آكلا قَالَ وحبسه عُثْمَان ثُمَّ أطلقه. قَالُوا: وكانت تلك أول مغالظة بين عمار بْن ياسر وعثمان فِي أمر عُبَيْد اللَّهِ، قَالَ لَهُ: اتق اللَّه واقتله بالهرمزان فإنه مسلم قد حج. [عمر بن الخطاب] وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: تطاول عَمْرو بْن الْعَاصِ للشورى فَقَالَ عمر: اطمئن كما وضعك اللَّه، وَاللَّه لا أجعل فِيهَا أحدا حمل السلاح عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْن زَيْد عَن الْمُطَّلِبِ بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا يَصْلُحُ لِلطُّلَقَاءِ وَلا

لأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ. وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا طَمِعَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَمُعَاوِيَةُ أَنْ أَسْتَعْمِلَهُمَا عَلَى الشَّامِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ: أَلْصِقْ خَدِّي بِالتُّرَابِ، وَكَانَ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: وَيْلٌ لِعُمَرَ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ، وَيْحَ عُمَرَ إِنْ لَمْ يُنْجِهِ اللَّهُ مِنَ النَّارِ، وَجَعَلَ يَلْوِي رِجْلا عَلَى رِجْلٍ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ وَهُوَ يَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لا أَدْرِي أَيَذْهَبُ بِي إِلَى الْجَنَّةِ أَمْ إِلَى النَّارِ؟ فَقَالَ: [أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ فَقَالَ: أَوَ تَشْهَدُ لِي بِهَا يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ:] نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ] . الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: مَا يُبْكِيكَ وَفِيكَ خِصَالٌ لا يُعَذِّبُكَ اللَّهُ بَعْدَهَا: إِنَّكَ إِذَا قُلْتَ صَدَقْتَ، وَإِذَا حَكَمْتَ عَدَلْتَ، وَإِذَا اسْتَرْحَمْتَ رُحِمْتَ. مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى الْقَوِيِّ الأَمِينِ لِهَذَا الأَمْرِ؟ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَخٍ بَخٍ أَرَدْتُ أَنْ أَحْمَدَكَ وَلَمْ تُرِدِ اللَّهَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سعد عن الواقدي عن سفيان الثوري عن حسين بن عبد الرحمن عن عمرو بن مَيْمُونٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جَعَلَ الشُّورَى إِلَى السِّتَّةِ، وَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَعَكُمْ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ ابْنُ عَوْنٍ، ثنا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى إِلَى حَفْصَةَ، فَإِذَا مَاتَتْ فَإِلَى الأَكْبَرِ مِنْ آلِ عمر.

عمر يذكر ابنه بخصال الإيمان

حَدَّثَنِي هُدبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا هَمَّامٌ عَنِ قَتَادَةَ قَالَ: أَوْصَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالرُّبُعِ. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدِ اسْتَسْلَفَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثَمَانِينَ أَلْفًا، فَدَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: بِعْ فِيهَا أَمْوَالَ عُمَرَ فَإِنْ وَفَّتْ، وَإِلا فَسَلْ بَنِي عَدِيٍّ، وَإِلا فَسَلْ قُرَيْشًا وَلا تَعْدُهُمْ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَلا نَسْتَقْرِضُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَقُولَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ بَعْدِي أَمَّا نَحْنُ فَقَدْ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا لِعُمَرَ، فَلَيْزَمُنِي تَبِعَتُهُ، ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: اضْمَنْهَا، فَضَمِنَهَا، قَالَ: فَلَمْ يُدْفَنْ عُمَرُ حَتَّى أَشْهَدَ بِهَا عَبْدَ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ أَهْلَ الشُّورَى وَعِدَّةً مِنَ الأَنْصَارِ فَمَا مَضَتْ جُمُعَةٌ بَعْدَ دَفْنِ عُمَرَ حَتَّى حَمَلَ ابْنُ عُمَرَ الْمَالَ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَأَحْضَرَ الشهود على البراءة ودفع المال. [عمر يذكر ابنه بخصال الإيمان] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بن عبد الله بن يونس: ثنا أبو الأَحْوَصِ عَنْ لَيْثٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ: أَوْصَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَقَالَ: عَلَيْكَ بِخِصَالِ الإِيمَانِ. قَالَ: وَمَا هُنَّ يَا أَبَةِ؟ قَالَ: الصَّوْمُ فِي شِدَّةِ أَيَّامِ الصَّيْفِ، وَقِتَالُ الأَعْدَاءِ بِالسَّيْفِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي، وَتَعْجِيلُ الصَّلاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وترك ردعة الخبال، فقال: وما ردعة الْخَبَالِ؟ قَالَ: شُرْبُ الْخَمْرِ. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي رَاشِدٍ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لابْنِهِ: إِذَا قُبِضْتُ فَأَغْمِضْنِي، وَاقْتَصِدْ فِي الْكَفَنِ، ولا تخرجنّ

عمر بن الخطاب

مَعِي امْرَأَةٌ وَلا تُزَكُّونِي بِمَا لَيْسَ فِيَّ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ أَعْلَمُ بِي، وَأَسْرِعُوا فِي الْمَشْيِ بِي فَإِنَّهُ إِنْ يَكُنْ لِي عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ قَدَّمْتُمُونِي إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لِي، وَإِنْ كُنْتُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُنْتُمْ قد ألقيتم عن رقابكم شرا. [عمر بن الخطاب] مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنْ وَلَّيْتُمْ سَعْدًا فَسَبِيلُ ذَاكَ، وَإِلا فَلْيَسْتَشِيرُهُ الْوَالِي، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ سَخْطَةٍ. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: أَنَا آخِرُكُمْ عَهْدًا بِعُمَرَ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: ضَعْ خَدِّي بِالأَرْضِ. فَقَالَ: فَخْذِي والأرض سواء، فَقَالَ: ضَعْ خَدِّي بِالأَرْضِ لا أُمَّ لَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَقَالَ: وَيْلِي وَوَيْلَ أُمِّي إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لِي حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ. حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ شعبة عن عاصم بن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ تَبِنَةً مِنَ الأَرْضِ فَقَالَ: لَيْتَنِي كُنْتُ هَذِهِ التَّبِنَةَ، لَيْتَنِي كُنْتُ هَذِهِ التَّبِنَةَ، لَيْتَنِي لَمْ أُخْلَقْ، لَيْتَ أُمِّي لم تلدني، ليتني لم أكن شيئا، ليتني كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا. حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ، ثنا حَبِيبُ بْنُ عُبَيْدٍ الرَّحَبِيُّ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ قَالَتْ حَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، وَيَا أَمِيرَ

أمر الشورى

الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهَا: أُحَرِّجُ عَلَيْكَ بِمَا لِي عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَنْدُبِينِي بُعْدَ مَجْلِسِكِ، وَأَمَّا عَيْنَاكِ فَلَنْ أَمْلُكَهُمَا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو الْوَليِدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ نَهَى أَهْلَهُ أَنْ يَبْكُوا عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى فِي ثِيَابِهِ الَّتِي جُرِحَ فِيهَا ثَلاثًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ اسْتَأْذَنَ عَائِشَةَ فِي حَيَاتِهِ، فَأَذِنَتْ لَهُ فِي أَنْ يُدْفَنَ فِي بَيْتِهَا، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: إِذَ مُتُّ فَاسْتَأْذِنُوهَا فَإِنْ أَذِنَتْ لَكُمْ وَإِلا فَدَعُوهَا، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ أَذِنَتْ لِي لِسُلْطَانِي، فَلَمَّا مَاتَ أَذِنَتْ لَهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا زلت أضع خماري وأ تفضّل [1] فِي ثِيَابِي فِي بَيْتِي حَتَّى دُفِنَ عُمَرُ فِيهِ، فَلَمْ أَزَلْ مُتَحَفِّظَةً حَتَّى بَنَيْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقُبُورِ جِدَارًا. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، ثنا قَتَادَةُ أن عُمَر طعن يوم الأربعاء ومات يوم الخميس. [أمر الشورى] حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ أَنْ كُنْ في

_ [1] تفضلت المرأة: لبست ثوبا واحدا. اللسان.

عمر بن الخطاب

خَمْسِينَ مِنْ قَوْمِكَ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَ هَؤُلاءِ النَّفَرِ، فَإِنَّهُمْ سَيَجْتَمِعُونَ فِيمَا أَحْسَبُ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمْ، فَقُمْ عَلَى الْبَابِ بِأَصْحَابِكَ، فَلا تَتْرُكْ أَحَدًا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ، وَلا تَتْرُكْهُمْ يَمْضِي الْيَوْمُ الثَّالِثُ حَتَّى يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ، اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلِيفَتِي عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: وَافَى أَبُو طَلْحَةَ فِي أَصْحَابِهِ سَاعَةَ قَبْرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَزِمَ الشُّورَى، فَلَمَّا جَعَلُوا أَمْرَهُمْ إِلَى عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَخْتَارُ لَهُمْ، لَزِمَ أَبُو طَلْحَةَ بَابَ ابْنِ عَوْفٍ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى بَايَعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: طعن عُمَر بْن الْخَطَّابِ يَوْم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يَوْم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة من متوفى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَالَ عُثْمَان بْن مُحَمَّد الأخنسي: تُوُفِّيَ عمر لأربع بقين من ذي الحجة، وبويع لعثمان بْن عَفَّان يَوْم الأثنين لليلة بقيت من ذي الحجة فاستقبل عُثْمَان بولايته المحرم من سنة أربع وعشرين. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وأثبت مَا يقال فِي سنة أنه تُوُفِّيَ ابْن ستين سنة، وقد قيل أنه تُوُفِّيَ ابْن ثلاث وستين سنة، وليس ذلك بثبت. [عمر بن الخطاب] قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: تُوُفِّيَ عمر وَهُوَ ابْن خمس وخمسين سنة. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن صباح البزاز، ثنا هشيم عَن عَلِيّ بْن زَيْد عَن سالم بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: تُوُفِّيَ عمر وَهُوَ ابْن خمس وخمسين سنة. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَهِيدًا. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابن عمر أَنَّ عُمَرَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَهِيدًا. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْد الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِئُ، وَأَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالا: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ: أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى أَلا يُغَسِّلُوهُ بِمِسْكٍ وَلا يُقَرِّبُوهُ مِسْكًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غُسِّلَ ثَلاثًا بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا وَكِيعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِيُّ [1] ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عن سالم عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كُفِّنَ فِي ثلاثة أَثْوَابٍ، قَالَ وَكِيعٌ: ثَوْبَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ثَوْبَيْنِ صَحَارِيَّيْنِ، وَقَمِيصٍ كَانَ يَلْبَسُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَن سَعْد بْن بشير عَنْ قَتَادَةَ عَن الحسن أن عمر رضي الله تعالى عنه كفن في قميص وحلة.

_ [1] بهامش الأصل: الأسدي.

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالُوا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: لا تَجْعَلُوا فِي حَنُوطِي مِسْكًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَوْصَى عُمَرُ أَنْ لا يُتْبَعَ بِنَارٍ، وَلا تَتْبَعُهُ امْرَأَةٌ، وَلا يُحَنَّطَ بِمِسْكٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ يَقُولُ: لَمَّا وُضِعَ عُمَرُ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ أَقْبَلَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ جَمِيعًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِيَدِ الآخَرِ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: قُمْ يَا أَبَا يَحْيَى فَصَلِّ عَلَيْهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فَإِذَا صُهَيْبٌ يُصَلِّي بِهِمُ الْمَكْتُوبَاتِ بِأَمْرِ عُمَرَ، فَقَدَّمُوا صُهَيْبًا فَصَلَّى عَلَى عُمَرَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ: إِنْ قُبِضْتُ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ ثَلاثًا، ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَبَايِعُوا أَحَدَكُمْ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَوُضِعَ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ أَقْبَلَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ أَيُّهُمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى الإِمَارَةِ، لَقَدْ عَلِمْتُمَا مَا هَذَا إِلَيْكُمَا وَلَقَدْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَكُمَا، تَقَدَّمْ يَا صُهَيْبُ فَصَلِّ عَلَيْهِ، فَتَقَدَّمَ صُهَيْبٌ فَصَلَّى عَلَيْهِ.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ قَالَ: سَأَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: مَنْ صَلَّى عَلَى عُمَرَ؟ فَقَالَ: صُهَيْبٌ. قَالَ: كَمْ كَبَّرَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَرْبَعًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ صُهَيْبًا كَبَّرَ عَلَى عُمَرَ أَرْبَعًا. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قالا: ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ إِلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَزِيدَ مولى الأسود قَالَ: كنت عند سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ فمر عَلَيْهِ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عليهما السلام فَقَالَ: أين صلي عَلَى عمر؟ فَقَالَ سَعِيد: بين القبر والمنبر. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَزَلَ فِي قَبْرِ عُمَرَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَسَعِيدُ بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثنا خَالِد بْن أَبِي بَكْرٍ قَالَ: دفن عمر فِي بيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس عمر عند حقوي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس أَبِي بَكْر عند كتفي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْبَارِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا سَقَطَ الْحَائِطُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبِي بَكْر وَعُمَرَ رَضِيَ الله عنهما

فِي زَمَنِ الْوَليِدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي بِنَائِهِ فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا وَجَدُوا أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: وَاللَّهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا هِيَ إِلا قَدَمُ عُمَرَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْوَكِيعِيُّ قَالا: ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ يَوْمَ أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْيَوْمَ وَهَى الإِسْلامُ، وَقَالَ طَارِقٌ: كَانَ ظَنُّ عُمَرَ كَيَقِينِ رَجُلٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْيَوْمَ أَصْبَحَ الإِسْلامُ مُوَلِّيًا مَا رَجُلٌ بِأَرْضِ فَلاةٍ يَطْلُبُهُ الْعَدُوُّ فَيَحْذَرُهُ، بِأَشَدَّ فِرَارًا مِنَ الإِسْلامِ الْيَوْمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ عَنْ سَالِمٍ الْمُرَادِيِّ، ثنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ وَقَدْ صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَبَقْتُمُونِي بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ لا تَسْبِقُونِي بِالثَّنَاءِ، فَقَامَ عِنْدَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: نِعْمَ أَخُو الإِسْلامِ كُنْتَ يَا عُمَرُ. جَوَادًا بِالْحَقِّ، بَخِيلا بِالْبَاطِلِ، تَرْضَى حِينَ الرِّضَا، وَتَغْضَبُ حِينَ الْغَضَبِ، عَفِيفَ الطَّرْفِ طَيِّبَ الظَّرْفِ لَمْ تَكُنْ مَدَّاحًا وَلا مُغْتَابًا، ثُمَّ جَلَسَ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ أَبُو مُوسَى، وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَلِيًّا دَخَلَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَهُوَ مُسَجًّى فَقَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى بَيْنَكُمْ.

حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ الطَّحَّانُ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَظَرَ عَلِيٌّ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ مُسَجًّى فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ صَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى. حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَخَلَفُ الْبَزَّارُ قَالا: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَأَبِي جَهْضَمٍ قَالُوا: لَمَّا مَاتَ عُمَرُ دَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ، مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمَا فِي صَحِيفَتِهِ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْخَزَّازُ الْوَاسِطِيُّ ثنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: بَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ ذَكَرَ عُمَرَ فَبَكَى حَتَّى ابْتَلَّ الْحَصَى مِنْ دُمُوعِهِ وَقَالَ: كَانَ حِصْنًا لِلإِسْلامِ حَصِينًا يَدْخُلُونَ فِيهِ وَلا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ انْثَلَمَ الْحِصْنُ فَالنَّاسُ يَخْرُجُونَ مِنَ الإِسْلامِ وَلا يَدْخُلُونَ. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَنَعَى إِلَيْنَا عُمَرَ، فَلَمْ أَرَ يَوْمًا كَانَ أَكْثَرَ بَاكِيًا وَحَزِينًا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمْ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُحِبُّ كَلْبًا لأَحْبَبْتُهُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسَبُ الْعِضَاةَ [1] قَدْ وَجَدَتْ فَقْدَ عُمَرَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَكَى سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يا

_ [1] العضاة: اسم يقع على شجر من شجر الشوك. اللسان.

أَبَا الأَعْوَرِ مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: أَبْكِي عَلَى الإِسْلامِ، إِنَّ مَوْتَ عُمَرَ ثَلَمَ الإِسْلامَ ثَلْمَةً لا تُسَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَن إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيمَ بْن عُقْبَةَ عَن زياد بْن أَبِي بشير عَن الْحَسَن قَالَ: إن أهل بيت لم يجدوا فقد عمر لأهل سوء [1] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَالَ أَبُو عبيدة بْن الجراح يوما وَهُوَ يذكر عمر: إن مات عمر رق الإِسْلام، مَا أحب أن لِي مَا طلعت عَلَيْهِ الشمس وأني أبقى بعد عمر، فَقَالَ لَهُ قائل: ولم؟ قَالَ: لأنه إن ولي وال بعد عمر فأخذهم بما كَانَ عمر يأخذهم بِهِ لم يطعه النَّاس بِذَلِكَ ولم يحتملوه، وإن صعب [2] عَلَيْهِم قتلوه. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ مَاتَ عُمَرُ: الْيَوْمَ نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حَافَّةِ الإِسْلامِ. حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ الإِسْلامُ فِي زَمَنِ عُمَرَ كَالرَّجُلِ الْمُقْبِلِ لا يَزْدَادُ إِلا قُرْبًا، فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ كَانَ كَالرَّجُلِ الْمُدْبِرِ لا يَزْدَادُ إِلا بُعْدًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ حَاضِرٍ وَلا بَادٍ إِلا وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ بِقَتْلِ عمر نقص.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 372. [2] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 372 «ضعف عنهم» .

ولد عمر بن الخطاب

حدثنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ الشُّورَى اجْتَمَعُوا: فَلَمَّا رَآهُمْ أَبُو طَلْحَةَ وَمَا يَصْنَعُونَ قَالَ: كُنْتُ لأَنْ تَتَدَافَعُوهَا أَخْوَفَ مني لأن تتنافسوا فيها، فو الله مَا أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فِي مَوْتِ عُمَرَ نَقْصٌ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: مَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِصَحِيفَتِهِ إِلا هَذَا الْمُسَجَّى بَيْنَكُمْ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو جَهْضَمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ لِي خَلِيلا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ لَبِثْتُ حَوْلا أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُرِينِيهِ فِي الْمَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: هَذَا أَوَانُ فَرَغْتُ، وَإِنْ كَادَ عَرْشِي لَيُهَدُّ لَوْلا أَنِّي لَقِيتُ رَبًّا رَءُوفًا رَحِيمًا. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَوْتُ اللَّهَ سَنَةً أَنْ يُرِيَنِي عُمَرَ فَرَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: كَادَ عَرْشِي يهوي لولا أني وجدت ربا رحيما. [ولد عمر بن الخطاب] وأما عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ الخطاب [1] ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ فكان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بارع الفضل، مبرز الزهد، وأراد علي عَلَيْهِ السلام أن يوليه الشام فأبى وعرضت عليه الخلافة

_ [1] بهامش الأصل: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

فأباها وقد ذكرنا لَهُ أخبارا فيما تقدم من كتابنا هَذَا فِي المغازي وغيرها، وكانت أمه وأم حفصة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا زينب بِنْت مظعون الجمحي. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كره عَبْد اللَّهِ بيعة علي، وبايع عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان خوفا عَلَى نفسه [1] . وَقَالَ أَبُو اليقظان: رأت حفصة لِعَبْدِ اللَّهِ رؤيا قصتها عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَقَالَ: نعم الرجل أخوك لو كَانَ يكثر الصلاة من الليل، فكان بعد ذَلِكَ أكثر النَّاس صلاة] . قَالَ: وسمع رجلا من أهل العراق يستفتي فِي محرم قتل جرادة، وآخر يستفتي فِي قتل قملة، وآخر يستفتي فِي نملة، فقال: وا عجبا لأهل العراق يقتلون ابْن بِنْت نبيهم ويستفتون فِي قتل الجرادة، والقملة، والنملة. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عُمَرَ: أَلا تُقَاتِلُ مَعَ عَلِيٍّ؟ فَقَالَ: أَنَا مِثْلُ الْبَعِيرِ الرَّازِحِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَوْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِثْلَكَ مَا قَامَ الدِّينُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ لَوْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِثْلِي مَا بَالَتْ أُمُّكَ أَلَّا تُغْلِقَ عَلَيْهَا بَابَهَا. قَالَ: وَقَالَ بعض أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فينا معشر أصحاب مُحَمَّد أحد إِلا ولو قيل فِيهِ لصدق عَنْهُ، غير عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، فإنه لم يدخل فِي شَيْء من الفتن. قَالَ: وبقي عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ إِلَى زمن عَبْد الْمَلِكِ، فيزعمون أن الْحَجَّاج دس لَهُ رجلا فسم زج رمحه وجعله فِي طريقه فطعنه فِي ظهر قدمه، فدخل عَلَيْهِ الْحَجَّاج يعوده، فَقَالَ: يَا أبا عبد الرحمن من أصابك؟

_ [1] كذا بالأصل وهو وهم، صوابه أن يقول: «كره بيعة ابن الزبير» .

قال: أنت أصبتني، قال: لا تقل هذا رحمك اللَّه، قَالَ: حملت السلاح فِي بلد لم يحمل فِيهِ قبلك، فمات فصلى عَلَيْهِ عند الردم. قال الواقدي: وطيء ابْن عُمَرَ عَلَى زج بعض أصحاب الْحَجَّاج: فَقَالَ لَهُ: من أصابك بهذا؟ قَالَ: أنت وأصحابك، يَقُول لأنكم أدخلتم مَكَّة السلاح. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: شهد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ الخندق وَمَا بعده، وَكَانَ إسلامه مَعَ إسلام أَبِيهِ بِمَكَّةَ وَهُوَ صغير ومات فِي سنة أربع وسبعين بِمَكَّةَ، ودفن بفخ وَهُوَ ابْن أربع وثمانين سنة. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَن الْفَضْل بْن دُكَيْنٍ أَبِي نعيم قَالَ: تُوُفِّيَ ابْن عُمَرَ فِي سنة ثلاث وسبعين. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات بعد ابْن الزُّبَيْر بشهرين أَوْ ثلاثة أشهر. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن ابن عمر أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ وَلَدَهُ عَلَى اللَّحْنِ، وَلا يَضْرِبُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ فِي الْقُرْآنِ. حَدَّثَنِي مُصْعَبٌ عَنِ ابْنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ بَنِيهِ عَلَى اللَّحْنِ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَكَانَ يَلْحَنُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: إِمَّا أَنْ تَتَنَحَّى عَنَّا وَإِمَّا أَنْ نَتَنَحَّى عَنْكَ. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن عَبْد الْمُؤْمِنِ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الْخَصِيبِ قَالَ: جَاءَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَجُلٍ فَقَامَ الرَّجُلُ عَن مَجْلِسِهِ فَلَمْ يَقْعُدْ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَقَعَدَ فِي مكان آخر، وقال: «قام رجل لرجل عَنْ مَجْلِسِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ» .

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، ثنا هُشَيْمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنِ الْوَليِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «بِأَنَّ مَنْ شَهِدَ جِنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ» ] فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ بِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَإِنَّكَ تُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ حَتَّى أَتَى عَائِشَةَ فَصَدَّقَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَ يَشْغَلُنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرْسُ الْوَدِيِّ [1] ، وَلا الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَعْلَمُنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ وَأَحْفَظُنَا لِحَدِيثِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالا: ثنا زهير بْن مُعَاوِيَة عَن مُحَمَّد بْن سوقة عَن أَبِي جَعْفَر قَالَ: لم يكن مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد أجدر أَلا يَزِيد فِي حديث سمعه من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا ينقص منه، وَلا كَذَا وَلا كَذَا من عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ [2] . حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: ذَرْ مَا لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، وَلا تَنْطِقْ فِيمَا لا يَعْنِيكَ، وَأَحْرِزْ لِسَانَكَ كَمَا تُحْرِزْ دَرَاهِمَكَ، قَالَ: وَقَالَ يُونُسُ: أَمَا والله إن أحدهما لأشد عليك إضاعة. حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيِّ عَنْ طَيْسَلَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ. مَنِ الْمُؤْمِنُ؟ فقال: من إذا نزل بعقوته عَارِفٌ أَوْ مُنْكِرٌ أَمِنَهُ عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ

_ [1] الودي: فسيل النخل وصغاره. اللسان. [2] طبقات ابن سعد ج 4 ص 144.

قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لا تَمُوتَنَّ وَأَحَدٌ يَطْلُبُكَ بِدَيْنٍ فَيُؤْخَذُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِكَ. حَدَّثَنِي الأَعْيَنُ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلاتِ مِنْ قُرَيْشٍ: احْفَظْ عَنِّي ثَلاثًا: لا تَمُوتَنَّ وَعَلَيْكَ دَيْنٌ وَلا لَهُ وَفَاءٌ، وَلا تَنْتَفِيَنَّ مِنْ وَلَدِكَ فَتَفْضَحَهُ فِي الدُّنْيَا، وَيَفْضَحَكَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَانْظُرْ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ فَلا تَدَعْهُمَا فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ. حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ السَّامِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو النَّصِيبِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ يَقْنَعْ حَسَدَ، وَمَنْ حَسَدَ هَلَكَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْبَصْرِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: يُعَدُّ الْحِلْمُ وَالْجُودُ وَالسُّؤْدُدِ، وَيُعَدُّ الْعَفَافُ وَإِصْلاحُ الْمَالِ مِنَ الْمُرُوءَةِ. الْمَدَائِنِيّ عَن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الملك قَالَ: كتبت أم ولد لمروان بْن الحكم إِلَى وكيل لها بالمدينة: ابتع لِي غلاما عالما بالسنة، قارئا لكتاب اللَّه، فصيح اللسان، عفيفا. فكتب إِلَيْهَا: قرأت كتابك وطلبت لك غلاما عَلَى مَا وصفت فلم أجده إِلا عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وقد رأى أهله أَلا يبيعوه. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا مَعْمَرٌ، أنبأ مَنْصُورٌ عَنِ الْحَكَمِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لا يَعِيبُ الرَّجُلُ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَتْرُكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ صَادِقٌ، وَالْكَذِبَ وَهُوَ مَازِحٌ. حَدَّثَنَا بَسَّامٌ الْجَمَّالُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَجُلا مَدَحَ ابْنَ عُمَرَ فَحَثَا نَحْوَ وَجْهِهِ التُّرَابَ بِأَصَابِعِهِ وَقَالَ: قَالَ

رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «إذا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ» ] . الْمَدَائِنِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لابْنِهِ وَاقِدٍ: انْسِبْ نَفْسَكَ وَأُمَّهَاتِ أَبِيكَ، فَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ نَسَبَهُ لَمْ يَصِلْ رَحِمًا، وَلَمْ يَقْضِ حَقًّا، قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: تَعَلَّمُوا أَنْسَابَكُمْ تَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، فَرُبَّ رَحِمٍ قَدْ قُطِعَتْ لِجَهْلِ صَاحِبِهَا بِهَا. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُمَازِحُهُ: إِنَّكَ لَتُحِبُّ الْفِتْنَةَ. فَاغْتَمَّ الرَّجُلُ لِذَلِكَ وَوَجَمَ، فَضَحِكَ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: وَيْحَكَ أَلَسْتَ تُحِبُّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ؟ ثُمَّ تَلا: إنما أموالكم وأولادكم فتنة [1] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِي هِلالٍ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ شَيْء فَقَالَ: لا عِلْمَ لِي بِهِ، ثُمَّ قَالَ لِنَفْسِهِ: أَحْسَنَ ابْنُ عُمَرَ، سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ لا يَعْرِفُهُ فَقَالَ: لا عِلْمَ لِي بِهِ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَشْعَبَ الطَّمَّاعَ أَبَا الْعَلاءَ كَانَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ، وَكَانَ يُبْغِضُنِي فِي اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ قَالَت أم أشعب لأشعب: ويلك الزم عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، فأتاه فلما قام من مجلسه قَالَ لَهُ: أن أمي أمرتني أن ألزمك فلا تبرح، فقيل لأمه فجاءت إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا عدو اللَّه إنما أمرتك أن تجلس إِلَيْهِ وتسمع منه.

_ [1] سورة التغابن- الآية: 15.

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الزِّيَادِيُّ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى رَاعٍ فَقَالَ لَهُ: يَا رَاعِي. أَتَبِيعُ شَاةً مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ: إِنِّي لا أَمْلِكُهَا، وَإِنَّمَا اسْتَرْعَانِيهَا رَجُلٌ، فَقَالَ: تَقُولُ لِصَاحِبِهَا: أَكَلَهَا الذِّئْبُ. قَالَ: أَمَا إِنَّكَ سَمْحٌ بِدِينِكَ، فَمَاذَا أَقُولُ لِلَّهِ غَدًا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ مَعَهُ ثَوْبٌ؟ فَضَنَّ الْقَوْمُ بِثِيَابِهِمْ، فَأَخَذَ عُمَرُ رِدَاءَهُ، أَوْ قَالَ إِزَارَهُ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ ثِيَابُنَا. قَالَ: لا، وَأَلْقَى الرِّدَاءَ أَوِ الإِزَارَ إِلَى الرَّاعِي. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ يَوْمًا بِرَاعٍ مَمْلُوكٍ فَقَالَ لَهُ: أَلا تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ أَسْتَرْعِيهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَأَيْنَ الْعِلَلَ؟ قَالَ الْغُلامُ: فَأَيْنَ اللَّهُ، فَاشْتَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ فَأَعْتَقَهُ، وَابْتَاعَ الْغَنَمَ فَوَهَبَهَا لَهُ. وَقَالَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ: لَمَّا أَعْتَقَهُ قَالَ: أَسْأَلُ الَّذِي رَزَقَنِي الْعِتْقَ الأَصْغَرَ أَنْ يَعْتِقَكَ الْعِتْقَ الأَكْبَرَ، وَيُقَالُ إِنَّهُ قَالَ: أَسْأَلُ الَّذِي أَعْتَقَنِي الْعِتْقَ الأَصْغَرَ مِنَ الرِّقِّ أَنْ يَعْتِقَكَ الْعِتْقَ الأَكْبَرَ مِنَ النَّارِ. وَحَدَّثَنِي أَبُو الْوَليِدِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وطيء زُجًّا مِنْ أَزِجَّةِ أَصْحَابِ الْحَجَّاجِ فَمَرِضَ، فَعَادَهُ الْحَجَّاجُ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: سَلْ أَصْحَابَكَ. فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْحَجَّاجَ دَسَّ مَنْ أَلْقَاهُ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ. الْمَدَائِنِيُّ قَالَ: صَلَّى أَشْعَبُ فَخَفَّفَ صَلَاتَهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيْحَكَ لَقَدْ خَفَّفْتَ صَلاتَكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُخَالِطْهَا رِيَاءٌ. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ حُجْرٍ القيسي عن

الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ الْحَارِثِيِّ قَالَ: جَلَسَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَجُلٍ مُذَكِّرٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: لا تَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الذِّكْرِ. ولعَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما أحاديث، قد ذكرناها فيما تقدم من كتابنا. قَالَ أَبُو عبيد: وروي عَن عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: إني وأخي عاصما لا نشاتم أحدا، قَالَ ونازع عَاصِم بْن عُمَرَ رجل فِي أرض ادعياها، فَقَالَ الرجل: إن كنت رجلا فضع رجلك فِيهَا، فَقَالَ لَهُ عَاصِم: وقد بلغ بك الغضب مَا أرى، إن كَانَتْ لك فهي لك، وإن كَانَتْ لِي فهي لك، فاستحيا منه الرجل وتركها وأبي عَاصِم أن يقبلها [1] .

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض ولله كل حمد وفضل.

وأما عبد الله بن عبد الله بن عمر

فولد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَبْد اللَّهِ، أمه صفية، بِنْت أَبِي عبيد الثَّقَفِيّ، وخاله المختار بْن أَبِي عبيد. وعُبَيْد اللَّهِ كَانَ أسن من أخيه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ. وسالم بْن عَبْدِ اللَّهِ أمه أم ولد. وعاصم بْن عَبْدِ اللَّهِ. وحمزة بْن عَبْدِ اللَّهِ ويكنى أبا عمارة. وبلال بْن عَبْدِ اللَّهِ. وواقد بْن عَبْدِ اللَّهِ. وزيد بْن عَبْدِ اللَّهِ. والمجبر بْن عَبْدِ اللَّهِ وبنات كَانَتِ احداهن عند عروة بْن الزُّبَيْر، وكانت أُخْرَى عند عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَفَّان. وأخبرني بعض العمريين أن المجبر سقط فجبر فِي مواضع. وأما عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر فأوصى إِلَيْهِ أبوه، وَكَانَ من رجال قُرَيْش ومات بالمدينة فِي أول خلافة هِشَام وله عقب بالمدينة. ومن ولده:

وأما سالم بن عبد الله بن عمر

عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّه بْن عُمَرَ، ولي كرمان للمهدي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ ولاه مُوسَى الهادي بالمدينة. وأخوه عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ العزيز، كَانَ زاهدا عابدا، وهلك فِي بادية بقرب الْمَدِينَة. ومن ولد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ: خَالِد بْن أَبِي بَكْر بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ، ومات خَالِد هَذَا سنة اثنتين وستين ومائة، وروي عَنْهُ الحديث. وأما سالم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، فكان يكنى أبا عمر، وَكَانَ من خيار المسلمين وعبّادهم وفقهائهم، وهلك بالمدينة، فصلى عَلَيْهِ هِشَام بْن عَبْدِ الملك فِي سنة ست ومائة، ودفن بالبقيع، وَكَانَ هِشَام حج فِي تلك السنة فَقَالَ: مَا أدري أي الأمرين أسر إلي: تمام حجي أم صلاتي عَلَى أَبِي عمر. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات سالم فِي سنة ثمان ومائة. الْمَدَائِنِيّ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ عَن عِكْرِمَة بْن خَالِد قَالَ: قَالَ الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك لسالم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- وذكر لَهُ زهده: مَا أدمك؟ قَالَ: الخل والزيت، قَالَ: فما تأجمهما [1] ؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فما تصنع إذا أجمتهما؟ قَالَ: أدعهما حَتَّى أشتهيهما. وَكَانَ جَعْفَر بْن سَالِمِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فقيها، وروى عَن أبيه، والقاسم بن محمد.

_ [1] أجم الطعام: كرهه. اللسان.

وأما عاصم بن عبد الله بن عمر

وأما عاصم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رحمه اللَّه: فولد محمدا، وعقبه بالكوفة. وأما واقد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: فسقط من بعيره وَهُوَ محرم فهلك. وفي عَبْد اللَّهِ بْن واقد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُول الشاعر، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن واقد ذا هيئة وجسم: أحب من النسوان كُلّ خريدة ... لها حسن عباد وجسم ابْن واقد يعني عباد بْن حمزة بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. وقد روى عَبْد اللَّهِ بْن واقد عَنِ ابْنِ عُمَرَ وحدث عَنْهُ يَحْيَى بْن سَعِيد، وأسامة بْن زَيْد، ومات عَبْد اللَّهِ بْن واقد فِي سنة عشر ومائة. وأما بلال بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فكان أشج، وَكَانَ أبوه عَبْد اللَّهِ يَقُول: يَا بلال أرجو أن تكون أشج ولد عمر، فهلك صغيرا وَلا عقب لَهُ. وَكَانَ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب فقيها، ومات بعد خروج مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بسنتين، ومات أخوه عمر بْن مُحَمَّدِ بْنِ زَيْد بعده بقليل. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ من المحدثين من ولد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ: عَبْد الرَّحْمَنِ بْن المجبر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وقد رأيته ومات حديثا. وأما عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، فقد ذكرنا لَهُ أخبارا، وذكرنا مقتله بصفين مَعَ مُعَاوِيَة، وَكَانَ شديد البطش، وأمه خزاعية.

وولد عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ: أَبَا بَكْرٍ، أمه أسماء بِنْت عطارد بْن حاجب. وعثمان، وأم عِيسَى أمهما من بني البكاء، وكانت أم عِيسَى عند يَحْيَى بْن سَعِيد بْن العاص، وكانت أم سَلَمَة بِنْت أَبِي بَكْر بْن عُبَيْد اللَّهِ عند الْحَجَّاج بْن يوسف. حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه قَالَ: قَدِمَ الْحُرُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَدِينَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: أَنَا الْحُرُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ: أَنْتَ ابْنُ أَخِي الشَّيْطَانِ، لَسْتُ أُدْخِلُ فِي هَذَا النَّسَبِ أَحَدًا إِلا بِثَبْتٍ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَكَ بَيِّنَةٌ وَإِلا فَاذْهَبْ، فَانْصَرَفَ مُغْضَبًا فَمَرَّ بِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَ عَاصِمٌ عَالِمًا بِالْقِيَافَةِ فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ هَذَا الْغُلامَ فَلَئِنْ كَانَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنٌ إِنَّهُ لَهَذَا، فَقَالَ: يَا غُلامُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الْحُرُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَرْحَبًا بِكَ أَنْتَ ابْنُ أَخِي لَعَمْرِي، فَقَبِلَهُ آلُ عَاصِمٍ وَزَوَّجُوا وَلَدَهُ نِسَاءَهُمْ، وَأَبَاهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَوَلَدَهُ. ووقد بين الحر وبين عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بْن الخطاب مشاجرة، وكانا بحران فنفاه فاستعدى عَلَيْهِ الْوَليِد بْن عَبْدِ الملك- وَقَالَ بعضهم هشاما- فَقَالَ عَبْد الحميد: اكتب إِلَى قوم- سماهم- من أهل الْمَدِينَة ليأتيك من أمره مَا تحكم بِهِ بيننا. فلما جاءه جواب كتابه قَالَ: إن شئتم فضضت الكتاب وحكمت بما فِيهِ، وإن شئتم أن تدعوه وأنتم عَلَى مَا أنتم عَلَيْهِ فعلتم، فَقَالَ عَبْد الحميد: فضه. وَقَالَ الآخر: لا تفضه. فتركوا عَلَى ذَلِكَ فهم يعيرون بالكتاب. وزوجهم بعد أَبُو بَكْر بْن سَالِمِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فلحقوا بهم، وثبت نسبهم فلا يعلم الْيَوْم أحد يدفعهم. ويقال إن عُبَيْد اللَّهِ كَانَ اكتسب أمة من الْكُوفَة، فنال مِنْهَا، ثُمَّ خرج

وأما عاصم بن عمر بن الخطاب

وتركها فولدت بعده الحر، وولد الحر: البختري بْن الحر، ولولد البختري عدد بحران. وَقَالَ مصعب الزُّبَيْرِيّ: كَانَتْ أم الحر أمة لعُبَيْد اللَّهِ فوقع عَلَيْهَا فاشتملت عَلَى ولد وَهُوَ لا يدري ثُمَّ إنه غضب عَلَيْهَا فضربها وطلبت إِلَيْهِ فِيهَا امْرَأَة من بني أسد فوهبها لها، فولدت عندها، فباعتها من جرير بْن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجْلِيّ، فقالت لجرير: إن هَذَا ابْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، فَقَالَ جرير: مَا كنت لأستعبد ابنا لعمر [1] . وأما عَاصِم بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فكان صالحا عاقلا. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ عَن روح بْن عبادة عَن السري بْن يَحْيَى عَن مُحَمَّد بْن سيرين قَالَ: قَالَ فلان: مَا رأيت رجلا إِلا وقد يتكلم ببعض مَا لا يريد غير عَاصِم، وَكَانَ بين عَاصِم يوما وبين رجل شَيْء فأنشأ عَاصِم يَقُول: قضى مَا قضى فيما مضى ثُمَّ لا ترى ... لَهُ هفوة فيما بقى آخر الدهر وَكَانَ عَاصِم طلق أم عمارة بِنْت سُفْيَان بْن عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيّ، ثُمَّ ندم فَقَالَ: ولما رأيت أنني غير صابر ... وقد فاتني يَا أم عمارة الركب

_ [1] انظر كتاب نسب قريش للمصعب الزبيري ص 363 حيث وردت اشارة عابرة إلى الحر بن عبيد الله.

وأما زيد بن عمر

ركبت عَلَى وجناء يوما فأدركت ... بي القوم مرداة عثانينها صهب [1] عَلَى شرف البيداء حَتَّى تطخطخ الظ [2] ... لام ودون النجم من طخيه حلب وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: سمع عَاصِم من أَبِيهِ، ومات سنة سبعين، وكان يكنى أيضا أبا عَمْرو. وفي عَاصِم يَقُول معن بْن أوس الْمُزَنِيّ: تعرض للأبواب أبواب عَاصِم ... تعرض مملال لها غير لازم فلما رأى أن غاب عَنْهُ شفيعه ... وأخلفه مَا يرتجي عند عَاصِم رمى سدف الظلماء واحتفر السرى ... بمرجمة أود هنات مراجم فولد عَاصِم: حفص بْن عَاصِم، وحفصة، وأم عَاصِم، وأم مسكين، وقد ذكرنا أخبارهن ولهاتين يقال: ليس حفصة من رجال أم عَاصِم [3] . ومن ولد عَاصِم بْن عُمَرَ: عَاصِم بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَاصِم بْن عُمَرَ، خرج عَلَى أَبِي الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وأما أَبُو شحمة بْن عُمَرَ فلا عقب لَهُ. وأما زَيْد بْن عُمَرَ فقتل فِي حرب زجاجة وسنذكرها إن شاء اللَّه. وأما عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عُمَرَ، وَهُوَ المجبر، لقّب بذلك، ويقال هو أبو المجبر، فكان لَهُ ولد بادوا وَلا عقب لَهُ. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: ولي عَاصِم بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ صدقات غطفان. وَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْر بْن سَالِمِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ شريفا ناسكا.

_ [1] العثانين: شعيرات عند مذبح البعير، وصهب: شقر. اللسان. [2] تطخطخ الليل: أظلم. [3] تقدم هذا لدى الحديث عن عمر بن عبد العزيز.

وولي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سَلَمَةَ بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ شرطة الْمَدِينَة. وولي عمر بْن عَبْدِ العزيز بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عمر شرط الْمَدِينَة أَيْضًا. وَقَالَ بعض من روى عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيّ: هُوَ عمر بْن عَبْدِ العزيز بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ، ولي شرط الْمَدِينَة، والأول أثبت. وَأَبُو بكر بْن عُمَرَ بْن حفص بْن عَاصِم: ولي القضاء لمحمد بْن خَالِد القسري. وابنه عَمْرو بْن أَبِي بَكْر. ولي القضاء بالأردن. وعُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي سَلَمَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ ولي القضاء. وعَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن حَفْص بْن عَاصِم ولي القضاء. وعَبْد اللَّهِ بْن واقد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عامر، روى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وحدث عَنْهُ يَحْيَى بْن سَعِيد، وأسامة بْن زَيْد. مات سنة سبع عشرة ومائة. ومن ولد عمر: أَبُو بَكْر بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ، وخالد بْن أَبِي بَكْر. ومات أَبُو بَكْر قديما. وقد روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عمر، وأخوه الْقَاسِم بْن عُبَيْد اللَّهِ، ومات خَالِد سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ومات زمن مروان بْن مُحَمَّد.

وأما زيد بن الخطاب

وأما زَيْد بْن الخطاب أخو عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما ويكنى أبا عَبْد الرَّحْمَنِ وأمه أسماء بِنْت وهب بْن حبيب بْن الْحَارِث، من بني أسد بْن خزيمة، فكان أسن من عمر، وأسلم قبله، وَكَانَ لَهُ من الولد: عَبْد الرَّحْمَنِ، وأسماء. وَكَانَ رجلا طوالا، أسمر، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين معن بْن عدي العجلاني، واستشهدا جميعا باليمامة، وشهد زَيْد بْن الخطاب: بدرا، وأحدا، وَالْخَنْدَقِ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: [ «أَرِقَّاءَكُمْ أَرِقَّاءَكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَإِنْ جاؤوا بِذُنُوبٍ لا تَغْفِرُونَهَا، فَبِيعُوا عِبَادَ اللَّهِ، وَلا تُعَذِّبُوهُمْ» ] [1] وَكَانَ زَيْد يحمل راية الْمُسْلِمِينَ يَوْم اليمامة، وانكشف الْمُسْلِمُونَ يومئذ فجعل زَيْد يَقُول: أما الرجال فلا رجال. وجعل يصيح بأعلى صوته: اللَّهُمَّ إني أعتذر إِلَيْك من فرار أصحابي، وأبرأ إِلَيْك مما جاء بِهِ مسيلمة

_ [1] انظر طبقات ابن سعد ج 1 ص 185 ج 3 ص 377.

الكذاب، ومحكم اليمامة، وجعل يشد بالراية وتقدم بِهَا عَلَى العدو، ثُمَّ ضارب بسيفه حَتَّى قتل، ووقعت الراية فأخذها سالم مولى أَبِي حُذَيْفَة. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ الَّذِي قتل زيدا أَبُو مريم الحنفي، واسمه صبح بْن محرش، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: أقتلت زيدا؟ قَالَ: اللَّه أكرمه بيدي، ولم يهني بيده. فَقَالَ عمر: كم قتل منكم يومئذ؟ قال: ألف وأربعمائة. فَقَالَ عمر: بئس القتلى، وقضى أَبُو مريم بعد ذلك على البصرة. وقال هشام بن الْكَلْبِيّ: قتل زيدا لبيد بْن برغث العجلي، فقدم بعد ذَلِكَ عَلَى عمر، فَقَالَ لَهُ: أأنت الجوالق؟ واللبيد، الجوالق [1] ودخل متمم بْن نويرة عَلَى عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: مَا بلغ من وجدك عَلَى أخيك مالك بْن نويرة؟ فَقَالَ: بكيته حَوْلا حَتَّى أَسْعَدَتْ عَيْنِي الذَّاهِبَةُ عَيْنِي الصَّحِيحَةَ، وَمَا رَأَيْتُ نَارًا إِلا كِدْتُ أَنْقَطِعُ لَهَا أسفا عَلَيْهِ. أَلا أنه كَانَ يُوقِدُ نَارَهُ إِلَى الصُّبْحِ مَخَافَةَ أَنْ يأتيه ضيف، وَلا يعرف مكانه، وَكَانَ مالك قتل فِي الردة مرتدا. فَقَالَ عمر: صفه لِي: فَقَالَ: كَانَ يركب الفرس الحزور [2] ، ويقود الخيل الثفال [3] ، وَهُوَ بين المزادتين [4] النضوحتين فِي الليلة القرة وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ فَلُوتٌ، مُعْتَقِلا رُمْحًا خَطْلا [5] فَيَسْرِي ليلته، ثُمَّ يصبح وكان وجهه فلقة قمر.

_ [1] اللبيد: الجوالق الضخم. اللسان. [2] الفرس الحزوز: الفرس القوي. اللسان. [3] الخيل الثفال: الخيل البطيئة. اللسان. [4] المزادة: الراوية المصنوعة من جلد. اللسان. [5] الرمح الخطل: الرمح الطويل المضطرب. اللسان.

فولد زيد بن الخطاب:

قَالَ: فأنشدني بعض مَا قلت فِيهِ، فَأَنْشَدَهُ مَرْثِيَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: وَكُنَّا كندماني جذيمة حقبة ... منَ الدهر حَتَّى قيل لن يتصدعا فَقَالَ عُمَر: لو كنت أحسن قول الشعر لرثيت أخي زيدًا، فَقَالَ مُتَمِّمٌ: وَلا سَوَاءَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. لو كَانَ أخي صرع مصرع أخيك مَا بكيته، فَقَالَ عُمَر: مَا عزاني أحد بأحسن مَا عزيتني بِهِ. وَقَالَ أَبُو اليقظان: شهد زَيْد بدرا وبينه وبين عمر درع، فجعل كل واحد منهما يَقُول لصاحبه: لا يلبسها غيرك. وشهد يَوْم أحد فصبر فِي أربعة أنفس، ولم يهرب فيمن هرب، وأمره الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصعد الجبل فيتلقى أبا الجهم بْن حُذَيْفَة فيرده، فَقَالَ لَهُ أَبُو الجهم: أنا والغ الدم. فَقَالَ لَهُ زَيْد: قد أتاك والغ مثلك. وَكَانَ يقال لبني عدي ولغة الدم، لأنهم غمسوا أيديهم فِي الدم حين غمسها المطيبون فِي الطيب، يَوْم حلف المطيبين، وَكَانَ عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُول: مَا هبت صبا قط إِلا ذكرت زيدا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِزَيْدٍ أَخِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلا لَبِسْتَ دِرْعِي، فَلَبِسَهَا لِقَسَمِهِ، ثُمَّ نَزَعَهَا فَقَالَ لَهُ: مالك؟ فَقَالَ لَهُ إِنِّي أُرِيدُ لِنَفْسِي مَا تُرِيدُ لِنَفْسِكَ، قَالَ الْعُمَرِيُّ: يَعْنِي بِهَا الشَّهَادَةَ. فولد زَيْد بْن الخطاب: عَبْد الرَّحْمَنِ أمه ابنة أَبِي لبانة بْن عَبْدِ المنذر الأَنْصَارِيّ، وأسماء تزوجها عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، فقتل عَنْهَا بصفين. فولد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد: عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وأمه بكائية.

وعَبْد اللَّهِ، وأمه فاطمة بِنْت عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فأمها أم حكيم بِنْت الْحَارِث بْن هِشَام. وأسيد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أمه ثقيفة فأما عَبْد الحميد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فولاه عمر بْن عَبْدِ العزيز الْكُوفَة، وَكَانَ أعرج، وقد كتبنا خبره فِي ولايته. فمن ولده: إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ الحميد. وَأَبُو يَعْقُوب إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو يَعْقُوب هَذَا يعرف بالخطابي، وله دار بالبصرة، وولده بِهَا. ومنهم: عَبْد الْمَلِكِ بْن عَبْدِ الحميد، ولي البحرين لأبي جَعْفَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ. وعَبْد الكبير بْن عَبْدِ الحميد، وقد ولي الصوائف، وكان له قدر وَكَانَ يَقُول الشعر. وعمر بْن عَبْدِ الحميد، كَانَ سريا جميلا ولي اليمن ومكة لأبي الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤْمِنِينَ. وسعيد بْن عَبْدِ الكريم، وهم بحران.

عمرو بن نفيل

ومن بني عدي بن كعب [عمرو بن نفيل] زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل، وكانت قُرَيْش تتحاكم إِلَى نفيل بْن عَبْدِ العزي هَذَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل يبعث أمة وحده» ] . وَكَانَ قد ترك عبادة الأصنام، وطلب دين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السلام، وَكَانَ يسجد عَلَى يده، ثُمَّ كَانَ يسجد إِلَى الكعبة، وَكَانَ يَقُول فِي صلاته: البر أرجو لا الخال، هل مهجر كمن قَالَ، عذت بما عاذ بِهِ إِبْرَاهِيم، مستقبل الكعبة وَهُوَ قائم يَقُول: أنفي لك عان راغم مهما تجشمني فإني جاشم، ثُمَّ يكبر ويخر ساجدا. وَكَانَ ينتظر مبعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لعامر بْن رَبِيعَة: يَا عام إني أنتظر هَذَا النَّبِيّ، فإن أدركته فلأومنن بِهِ وإلا فأقره مني السلام. فلما بعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره عامر بِذَلِكَ فَقَالَ: وعليه السلام. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ الصَّفَّارُ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ

يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، أنه لقي زيد بن عمرو بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ [1] وَذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، فَقَدَّمَ إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلا آكُلُ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ الْعَجْلِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: [ «يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ» ] . حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن مُوسَى بْنِ شَبَّةَ عَنْ خَارِجَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَذْكُرُ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو فَيَقُولُ: تُوُفِّيَ وَقُرَيْشٌ تَبْنِي الْكَعْبَةَ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ سِنِينَ، وَلَقَدْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ. وَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَيْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «غَفَرَ اللَّهُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَرَحِمَهُ، فَإِنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ» ،] فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو اليقظان: قتلت النصارى زَيْد بْن عَمْرو، وَقَالَ زَيْد: تركت اللات والعزى جميعا ... كَذَلِكَ يفعل الجلد الصبور فلا العزى أدين وَلا ابنتيها ... ولا صنمي بني غنم أزور

_ [1] انظر طبقات ابن سعد ج 1 ص 161- 162، ج 3 ص 379- 381 وبلدح: واد قبل مكة من جهة المغرب. معجم البلدان.

وكان سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل

وَقَالَ ورقة بْن نَوْفَل لزيد: رشدت فأنعمت ابْن عَمْرو وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا دعاؤك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أصنام الطواغي كماهيا وَكَانَ سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأمه فاطمة بِنْت بعجة بْن أمية بْن خويلد، من ولد غنم بْن مليح من خزاعة من المهاجرين الأولين، أسلم قديما قبل عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وَهُوَ أحد العشرة الَّذِينَ سموا للجنة، وَكَانَ يكنى أبا الأعور، وَكَانَ إسلامه مَعَ أَبِي عبيدة فِي يَوْم واحد قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ أبوه زَيْد بْن عَمْرو قد أنكر أمر الأصنام فِي الجاهلية وكرهه، وطلب دين إِبْرَاهِيم، وامتنع من أكل مَا ذبح عَلَى النصب، ولم يتهود ولم يتنصر، وَكَانَ يستقبل الكعبة ويقول: لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا. وَكَانَ يَقُول: رب، لو أعلم لأية جهة أسجد لك لسجدت إِلَيْهَا، فكان يسجد عَلَى راحته، وَكَانَ يفدي كُلّ مولودة يريد أهلها أن يئدوها بِمَكَّةَ إذا أمكنه ذَلِكَ بعبد أَو أمة أَوْ فرس أو إبل أو غنم، فلما كثر عَلَيْهِ ذَلِكَ تضمن مؤونة الَّتِي يريدون أن يئدوها وطعام أمها، وبني خيمة بحراء يتحنث فِيهَا، واعتزل قريشا فسموه الراهب، ومات فدفن فِي أصل حراء، وكانت وفاته وقريش تبني الكعبة قبل الوحي بخمس سنين. وَكَانَ قد طوف ببلاد الشام وناظر أهل الكتب، فسمع علماءهم يخبرون بأنه قد أظل نبي يخرج من بلاده يدعو إِلَى دين إِبْرَاهِيم وملته، ويقاتل العرب ويدعو العجم إِلَى التوحيد، وخلع مَا يعبدون من دون اللَّه، فكان يَقُول لابنه سَعِيد بْن زَيْد: أي بني إني سمعت أهل الكتاب يخبرون

بأنه يبعث من بلدنا هَذَا نبي فلئن أدركته لأتبعنه، ولأقاتلن مَعَهُ، وإن مت أي بني قبل مبعثه فلا تحد عَن اتباعه ونصرته، وكن أول النَّاس إيمانا بِهِ، فإن قومك عَلَى ضلال. فلما ظَهَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحقق أنه يدعو النَّاس إِلَى اللَّه وحده لا شريك لَهُ، أتاه مستخفيا من قومه فأسلم، وَكَانَ سَعِيد يقول: استخفيت بالإسلام سنة سنة. وقد روي أن زيدا كَانَ بالبلقاء فبلغه خروج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمات دونه، والأول أثبت. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ضمه والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجاهلية سفر فنزل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت شجرة ونزل زَيْد مَعَهُ، فدعا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْن حارثة لسفرته، فأكلا جميعا وزيد يعيب دين قُرَيْش، ويذكر دين إِبْرَاهِيم ويقول: إن نبيا يخرج بِمَكَّةَ من أوسط أهلها نسبا، وأحسنهم خلقا، وأظهرهم إصابة، ولئن أدركته لأومنن بِهِ، ولأقاتلن مَعَهُ. وكانت عند سَعِيد بْن زَيْد فاطمة بِنْت الخطاب، أخت عمر فأسلمت يَوْم أسلم، وأتت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا أَبُو صَالِحٍ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا شُعْبَةُ، ثنا الْحُرُّ بْنُ صَيَّاحٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَخْنَسِ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَخْطُبُ فَنَالَ عَلِيًّا، فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: [ «النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ» .] وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّي الْعَاشِرَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى ذَكَرَ نَفْسَهُ.

وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلْحَةَ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَتَحَسَّسَانِ مِنْ خَبَرِ عِيرِ قُرَيْشٍ فَقَدِمَا فَلَقِيَاهُ بَيْنَ مَلَلٍ وَالسَّيَالَةِ مُنْصَرِفًا مِنْ بَدْرٍ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا سَعِيدٌ، وَأَسْهَمَ له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ سَعِيدٌ أُحُدًا وَجَمِيعَ الْمَشَاهِدِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ الأَنْمَاطِيُّ، ثنا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «عَشْرَةُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَنَّةِ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنُ مَالِكٍ، وَسَعِيدُ بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَمَّنْ سَمِعَ عَائِشَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ تُحَدِّثُ قَالَتْ: غَسَّلَ سَعْدٌ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو بِالْعَقِيقِ، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ يَمْشُونَ بِهِ حَتَّى إِذَا حَاذَى سَعْدٌ دَارَهُ دَخَلَ وَمَعَهُ النَّاسُ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَاغْتَسَلَ وَخَرَجَ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَغْتَسِلْ مِنْ غُسْلِ سَعِيدٍ، إِنَّمَا اغْتَسَلْتُ مِنَ الْحَرِّ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَنَّطَ سَعِيدَ بْنَ عَمْرٍو، وَحَمَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِأَنَّهُ اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى، فَأَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ بِالْعَقِيقِ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ قَالا: ثنا

وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَنْبَأَنَا الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَابْنُ عُمَرَ يَتَجَهَّزُ لِلْجُمُعَةِ فَأَتَاهُ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ وَمُحَمَّدٌ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حَنَّطَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ فَقِيلَ لَهُ: أَنَأْتِيكَ بِمِسْكٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَأَيُّ طِيبٍ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا الفضل بن دكين، ثنا ابن عينية عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: دُعِيَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَمُوتُ وَابْنُ عُمَرَ يُرِيدُ الْجُمُعَةَ فَأَتَاهُ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَعْنُ بْنُ عيسى، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أن سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرو مات بالعقيق فحمل إِلَى الْمَدِينَة ودفن بِهَا. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ زَيْدٍ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُوُفِّيَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ، فَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ أَوِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ رَجُلا آدَمَ طُوَالا أَشْعَرَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ مَاتَ سَعِيدٌ بِالْكُوفَةِ فِي وِلايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لِمُعَاوِيَةَ، وَهُوَ صَلَّى عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ حَكِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ- مِنْ وَلَدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ

قالوا: وكان لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل من الولد:

مَنَافٍ- عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى فِي خَاتَمِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [1] . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يرون أن سَعِيد بْن زَيْد مات عندهم، وصلى عَلَيْهِ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَةَ. قَالَ: وَقَالَ مَالِك بْن أَنَسٍ: سمعت جماعة من أهل العلم لا يشكون فِي أنه دفن بالمدينة. وَقَالَ الْهَيْثَم بْن عدي: مات سَعِيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل بْن عَبْدِ الْعُزَّى بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح بْن عدي بْن كعب بالكوفة فِي زمن مُعَاوِيَة، وصلى عَلَيْهِ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَةَ وَهُوَ يومئذ وال. قَالُوا: وَكَانَ لسعيد بْن زَيْد بْن عَمْرِو بْنِ نفيل من الولد: عَبْد الرَّحْمَنِ الأكبر، لا بقية لَهُ، وأمه أم جميل بِنْت الخطاب، واسمها رملة. وعَبْد اللَّهِ الأكبر لا بقية لَهُ. وعَبْد الرَّحْمَنِ الأصغر لا بقية لَهُ، وعمرو الأكبر لا بقية لَهُ، وعمرو الأصغر. والأسود هلك قبل أَبِيهِ لا بقية لَهُ. وإبراهيم الأكبر. وخالد، وأم زَيْد، وكانت عند المختار بْن أَبِي عبيد. وإبراهيم الأصغر. وبنات. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّه بْن سَعِيد بْن زَيْد شاعرا، وَهُوَ القائل ليزيد بْن مُعَاوِيَة: أنت منا وليس خالك منا ... يَا مضيع الصلاة للشهوات وَقَالَ غيره: هَذَا البيت لموسى شهوات. وَقَالَ هِشَام بْن مُحَمَّدِ بْنِ السائب الكلبي: ومن بني عدي: عبدنهم بْن نفيل: قتل يَوْم الفجار فِي الجاهلية.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 382- 385.

وولد أذاه بن رياح بن عبد الله بن قرط:

قَالَ: وولد تَميم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط بْن رزاح: حبيب بْن تميم، وأمه من بني أسد. فولد حبيب: المؤمل، وأمه ابنة عامر بْن بياضة من خزاعة، ومن ولده: أَبُو بَكْرٍ- ويقال اسمه أَيُّوب الأشل- بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مؤمل- كَانَ يرى رأي الخوارج وَكَانَ مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن يَحْيَى المعروف بطالب الحق، وقد ذكرنا خبر طالب الحق فِي كتابنا. وولد صداد بْن عبد اللَّهِ بْن قرط: خلف بْن صداد. وعبد شمس، أمهما ليلى بِنْت سَعْد بْن رباب بْن سهم. وولد أذاه بْن رِياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قرط: عَبْد اللَّهِ بْن أذاه. وأنس بْن أذاه، منهم سراقة بْن المعتمر بْن أنس بْن أذاه، مات كافرا. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أشد النَّاس عذابا كُلّ جَعّار نَعّار صخاب فِي الأسواق مثل سراقة بْن المعتمر» ،] وَكَانَ ابنه عَمْرو بْن سراقة [1] من خيار الْمُسْلِمِينَ، شهد بدرا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي رواية مُوسَى بْن عُقْبَةَ وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ، وأبي معشر، والواقدي جميعا. وذكر مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ أن عَبْد اللَّهِ بْن سراقة شهد مَعَ ابنيه بدرا، ولم يذكر ذَلِكَ غيره، وليس هُوَ بثبت، وشهد عَمْرو بن سراقة مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحدا، والخندق والمشاهد، وتوفي فِي أيام عُثْمَان. وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ عَبْد اللَّهِ بْن سراقة بعد أخيه وَلا عقب لَهُ.

_ [1] بهامش الأصل: عمرو بن سراقة رضي الله عنه.

وَكَانَ لسراقة أَيْضًا ابْن يقال لَهُ: عُبَيْد اللَّهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: من ولد سراقة: زائدة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْنِ سراقة، ولي شرطة الْمَدِينَة، وَكَانَ أخوه أَيُّوب مَعَ الخوارج وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سراقة مَعَ الْحَجَّاج، فقطع الأعراب الطريق فبعثه إليهم، فكان يأخذهم فيعذبهم بالنار. وَقَالَ الْكَلْبِيّ والواقدي: أم عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سراقة: زينب بِنْت عُمَر بْن الْخَطَّابِ، كَانَت أصغر ولد عمر، ومات سنة ثماني عشرة ومائة، وَهُوَ ابْن ثلاث وثمانين سنة، وقد روى عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما.

وولد عويج بن عدي بن كعب

وولد عويج بْن عدي بْن كعب عبيد - بفتح العين- وأمه مخشية بِنْت سلول بْن عدي بْن كعب من خزاعة. فولد عبيد: عوف بْن عبيد. وعَبْد اللَّهِ، وأمهما ماوية بِنْت عدي بْن حجر بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لؤي. فولد عوف: عبد بْن عَوْفٍ. ونفيلة بْن عَوْفٍ. وحرثان بْن عَوْفٍ، وأمهم قلابة بِنْت الْحَارِث هذلية. فمن بني عويج: نعيم [1]- وَهُوَ النحام- بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أسيد بْن عَبْدِ عوف بْن عُبَيْد بْن عويج بْن عدي بْن كعب، وسمي النحام لأَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «دخلت الجنة فرأيت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وسمعت نحمة من نعيم» ،] فسمي النحام. وَقَالُوا: أسلم نعيم بْن عَبْدِ الله قبل دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: أَسْلَمَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بعد عشرة، وكان

_ [1] بهامش الأصل: نعيم النحام، رضي الله عنه.

يَكْتُمُ إِسْلامِهِ، وَكَانَ أَبُوهُ يَقُوتُ فُقَرَاءَ بَنِي عَدِيٍّ، فَلَقِيَهُ الْوَليِدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ فَقَالَ: يا بن عَبْدِ اللَّهِ. هَدَمْتَ مَا كَانَ أَبُوكَ يَبْنِي وَقَطَعْتَ مَا وَصَلَهُ حِينَ تَابَعْتَ مُحَمَّدًا. قَالَ نُعَيْمٌ: قَدْ بَايَعْتُهُ فَلا تَقُلْ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِنِّي إِنَّمَا رَفَعْتُ بُنْيَانَ أَبِي وَشَرَّفْتُهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ نُعَيْمٌ الْهِجْرَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ تَعَلَّقَ بِهِ قَوْمُهُ، وَقَالُوا: دِنْ بِأَيِّ دِينٍ شِئْتَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ لا يَقْرَبُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: [ «يَا نُعَيْمُ، قَوْمُكَ كَانُوا خَيْرًا لَكَ مِنْ قَوْمِي» ،] قَالَ: فَأَصَابَتْ مَنْ مَعَهُ الْحُمَّى وَسَلْسَلَتْ بُطُونَهُمْ، فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَرِبُوا مِنَ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ، فَأَفَاقَ الْمَحْمُومُ وَاعْتَقَلَ بَطْنُ الْمَبْطُونِ [1] . وَقَالَ الْكَلْبِيّ: استشهد نعيم النحام يَوْم مؤته، وَقَالَ أَبُو اليقظان: هاجر نعيم إِلَى أرض الحبشة، وَلا عقب لَهُ، والثبت أنه لم يهاجر إِلَى الحبشة قط. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وغيره: كَانَتْ تحت أسامة بْن زَيْد امْرَأَة من طيّئ تزوجها حين بلغ وَهُوَ ابْن أربع عشرة سنة يقال لها زينب بِنْت حنظلة، فطلقها أسامة، فزوجها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعيما، فولدت لَهُ: إِبْرَاهِيم بْن نعيم بْن عَبْدِ اللَّهِ، فتزوج إِبْرَاهِيم بْن نعيم: أم عُثْمَان بِنْت عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، ثُمَّ توفيت، فتزوج رقية بِنْت عُمَر بْن الْخَطَّابِ فتوفيت عنده، فانصرف بِهِ عَاصِم بْن عُمَرَ من البقيع إِلَى منزله، فاخرج إِلَيْهِ ابنتيه: أم عَاصِم، وحفصة وَقَالَ: اختر. وكانت حفصة أدناهما، فنظر إِلَى جمال أم عَاصِم فَقَالَ: سيصيب بِهَا عَاصِم لهوة من مال فتركها، وقال: زوجني حفصة

_ [1] انظر طبقات ابن سعد ج 4 ص 138- 139.

عدي بن نضلة [1] بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج،

فزوجه إياها، فأرسل إِلَى عَاصِم بْن عُمَرَ بعشرة آلاف درهم، فرد عَلَيْهِ ستة آلاف، وأخذ أربعة آلاف. وخطب أم عَاصِم: عَبْد الْعَزِيزِ بْن مروان بْن الحكم، فتزوجها فولدت لَهُ: أَبَا بَكْرٍ، وعمر ابني عَبْد الْعَزِيزِ، وحملت إِلَيْهِ وَهُوَ والي مصر، فتوفيت عَنْهُ، فتزوج حفصة، وقد كَانَ قتل إِبْرَاهِيم بْن نعيم عَنْهَا يَوْم الحرة، ولما مرت أم عَاصِم بأيلة أهدى لَهَا معتوه كَانَ هناك يقال لَهُ شرشير هدية فأثابته وأحسنت إِلَيْهِ، ومرت بِهِ حفصة ففعل مثل ذَلِكَ فدنت فيما وهبت لَهُ وأغفلته، فَقَالَ: هيهات ليست حفصة من رجال أم عَاصِم، فمرت مثلا. وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُول: رحم اللَّه نعيما، سبقني إِلَى الحسنيين، أسلم قبلي وسبقني إِلَى الجنة. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: استشهد نعيم يَوْم أجنادين، ويقال يَوْم اليرموك سنة خمس عشرة، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: استشهد بمؤتة، وَكَانَ نعيم يكنى أبا عَبْد اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عن الواقدي عن فَرْوَةَ عَنْ أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حازم قَالَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدَارٍ أَكْثَرَ زِيَارَةٍ مِنْهُ لِدَارِ نُعَيْمٍ النَّحَّامِ. وَقَالَ أَبُو الْيَقْظَانِ: لا عَقِبَ لِنُعَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ومن بني عويج: عدي بْن نضلة [1] بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بْن عويج، هاجر فِي المرة الثانية إِلَى أرض الحبشة، ومات بأرض الحبشة، وَهُوَ أول من ورث فِي الإِسْلام، ورثه ابنه النعمان بْن عدي. والنعمان هذا هو الذي

_ [1] بهامش الأصل: عدي بن نضلة رضي الله عنه.

مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج،

ولاه عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما ميسان فَقَالَ: أَلا أبلغ الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى من زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة تحذو عَلَى كُلّ منسم لعل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... وَلا تسقني بالأصغر المتثلم فلما بلغ عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الشعر قَالَ: أي وَاللَّه إنه ليسوءني تنادمهم فمن لقيه فليعلمه أني قد عزلته، وكتب فِي عزله، فلما قدم عَلَيْهِ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّه مَا صنعت شَيْئًا مما ذكرت، ولكني امرؤ شاعر أصبت فضلا من قول فقلته. فَقَالَ عمر. وَاللَّه لا تعمل لِي عملا أبدا. وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ: قد كَانَ النعمان بالحبشة مَعَ أَبِيهِ وله عقب. ومنهم: مطيع بْن الأسود بْن حارثة بْن نضلة بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان بْن عَوْفِ بْن عبيد بْن عويج، كَانَ اسمه العاص، فسماه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطيعا [1] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أسلم مطيع يَوْم الفتح وسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطيعا، وَكَانَ اسمه العاص وأقام بِمَكَّةَ، ومات فِي أيام عُثْمَان، وله بودان أموال ومنازل. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وولد عَبْد اللَّهِ بْن مطيع بْن الأسود عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات بِمَكَّةَ فِي فتنة عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر. قَالَ: وَكَانَ لمطيع أَيْضًا ابْن يقال لَهُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مطيع مَعَ ابْن الزُّبَيْر، وولاه ابْن الزُّبَيْر الْكُوفَة فأخرجه المختار عنها، ثم لحق بابن الزبير فلم

_ [1] بهامش الأصل: مطيع بن الأسود وابنه رضي الله عنهما.

وكان عبد الله بن مطيع أخذ البيعة لابن الزبير

يزل مَعَهُ وأصابته جراحات فمات مِنْهَا بِمَكَّةَ، فصلى عَلَيْهِ الْحَجَّاج، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنه عدوك، كان مواليا لأعدائك، معاديا لأوليائك، فاملأقبره نارا، والعنه لعنا مخزيا. وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بْن مطيع أخذ البيعة لابن الزُّبَيْر عَلَى أهل الْمَدِينَة حين قدم عَلَيْهِم أهل الشام ليواقعوهم إن خالفوا يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، ثُمَّ إنه فر حين ظفر مسلم بْن عُقْبَةَ، فلحق بابن الزُّبَيْر، وفي ذَلِكَ يَقُول وَهُوَ يقاتل مَعَ ابْن الزُّبَيْر فِي الحصار الثاني. أنا الَّذِي فررت يَوْم الحرة ... والحر لا يفر إِلا مرة فاليوم أجزي فرة بكرة قَالَ: وولى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر عَبْد اللَّهِ بْن مطيع الْكُوفَة، فدعا النَّاس إِلَى بيعة ابْن الزُّبَيْر، ولم يسمه، وَقَالَ: بايعوا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فكان فيمن بايعه فضالة بْن شريك الأسدي، ويقال عَبْد اللَّهِ بْن همام السلولي وَقَالَ: دعا ابْن مطيع للبياع فجئته ... إِلَى بيعة قلبي لها غير آلف فأخرج لِي خشناء حين لمستها ... من الخشن ليست من أكف الخلائف من الشزنات [1] الكرم أنكرت مسها ... فليست من البيض السباط اللطائف معاودة ضرب الهراوي لقومها ... فرور إذا مَا كَانَ حين التسائف وَلَمْ يسم إذ بايعته من خليفتي ... وَلَمْ يشترط إِلا اشتراط المجازف وخرج عَلَيْهِ المختار بْن أَبِي عبيد فحصر وخرج من قصر الْكُوفَة واستخفى، وعرف المختار خبره، فبعث إِلَيْهِ بمائة ألف درهم فخرج من الْكُوفَة حين قبضها ولحق بابن الزُّبَيْر، واعتذر إِلَيْهِ بغدر أَهْل الْكُوفَةِ، وقاتل

_ [1] الشزن: شدة الإعياء من الحفا، والشدة، والغلظة. القاموس.

وقتل سليمان بن مطيع يوم الجمل مع عائشة.

مَعَهُ حَتَّى قتل. ويقال بل أصابته جراح مات مِنْهَا بعد الوقعة بأيام وذلك أثبت. قَالَ: وَكَانَ يَزِيد بْن مُعَاوِيَة كتب إِلَى الْوَليِد بْن عتبة: أن خذ عَبْد اللَّهِ بْن مطيع فاحبسه، فأخذه الْوَليِد فحبسه، فاجتمع بنو عدي وفيهم أَبُو جهم بْن حُذَيْفَة، وعَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ فكلموا الْوَليِد، وَقَالُوا: لماذا حبست صاحبنا؟ قَالَ: كتب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إلي فِي حبسه، فأكتب وتكتبون، وأنظر وتنظرون فأتوا السجن فأخرجوه. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مطيع رأس قُرَيْش يَوْم حرب الخوارج بقديد، ومات بالمدينة، وَكَانَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ مكينا عند مُحَمَّد بْن سُلَيْمَانَ بْن علي. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: وقتل سُلَيْمَان بْن مطيع يَوْم الجمل مَعَ عَائِشَة. قَالَ: ومنهم: مسعود بْن حارثة بْن نضلة قتل يَوْم مؤتة، وقيس بْن الْحَارِث بْن نضلة قتل يَوْم الفجار فِي الجاهلية. ومنهم: معمر بْن عَبْدِ اللَّهِ [1] بْن نضلة بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، وَكَانَ قدومه مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب، وَهُوَ كَانَ يرحل رحل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجته، ومات فِي أيام عمر، وَكَانَ إسلامه بمكة. ومنهم:

_ [1] بهامش الأصل: معمر بن عبد الله رضي الله عنه.

عروة بن أبي أثاثة [1] بن عبد العزى بن حرثان،

عروة بْن أَبِي أثاثة [1] بْن عَبْدِ العزى بْن حرثان، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ومات بأرض الحبشة. وولد عَبْد اللَّهِ بن عبيد بْن عويج: عامر بْن عَبْدِ اللَّهِ، وأمه أم سُفْيَان بِنْت رياح بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قرط، فولد عامر بْن عَبْدِ اللَّهِ: غانم بْن عامر، فولد غانم بْن عامر: حذافة بن غانم الشاعر. وحذيفة ابن غانم. فولد حذافة: خارجة بْن حذافة بْن غانم بْن عَامِر، وَكَانَ خارجة قاضيا عَلَى مصر من قبل عَمْرو بْن الْعَاصِ. وَكَانَ فِي جيشه، قتله الخارجي وَهُوَ يظن أنه عَمْرو بْن الْعَاصِ، فلما أخذ وأدخل عَلَى عَمْرو، قَالَ لَهُ: أردت عمرا وأراد اللَّه خارجة، فذهبت مثلا: ومن ولده: سُلَيْمَان بْن أَبِي حثمة بْن حذافة، وأم سُلَيْمَان: الشفاء بِنْت عَبْد اللَّهِ من بني عدي أَيْضًا وللشفاء دار بالمدينة فِي الحكاكين. قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ أن عمر استعمله عَلَى بعض العمل [2] . وحكيم بْن مؤرق بْن حذافة كَانَ شريفا. وحطيط بْن شريق بْن غانم، هلك فِي طاعون عمواس بالشام. وولد حُذَيْفَة بْن غانم: أبا الجهم بْن حُذَيْفَة بن غانم [3] ، وكان من علماء

_ [1] بهامش الأصل: عروة رضي الله عنه. [2] طبقات ابن سعد ج 5 ص 26- 27. [3] بهامش الأصل: أبو جهم بن حذيفة رضي الله عنه.

قُرَيْش ونسابها، وكانت لَهُ صحبة، وقتل ابنه مُحَمَّد بْن أَبِي الجهم بْن حُذَيْفَة يَوْم الحرة، وَكَانَ أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ اللَّهِ، ويقال ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي الجهم فقيها. وَقَالَ الْكَلْبِيّ: ولد صخير بْن أَبِي الجهم بالكوفة مقيمون بِهَا، وَكَانَ صخير يطعم الطعام، وغير الْكَلْبِيّ يَقُول: سحيم. وجلد عُمَر بْن الْخَطَّابِ أبا الجهم بْن حُذَيْفَة ثمانين جلدة فِي شهادته مَعَ عقيل بْن أَبِي طالب ومخرمة بْن نَوْفَل عَلَى زناء أم المسيب، وقد كتبنا هَذِهِ القصة فِي نسب بني مخزوم. وسمعت من يذكر أن اسم أَبِي جهم عبيد. وَهُوَ قول الْوَاقِدِيّ أَيْضًا. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قدم الْمَدِينَة فابتني بِهَا دارا فِي آخر زمن مُعَاوِيَة. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ أَبُو جهم بْن حُذَيْفَة بْن غانم شرسا وَكَانَ قد بقي إِلَى بعد أيام يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، وَكَانَ أَبُو الجهم يَقُول: أعنت عَلَى بناء الكعبة مرتين، مرة حين بنيت فِي الجاهلية قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخرى حين بناها ابْن الزُّبَيْر، وَكَانَ حين بعث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسعى عَلَيْهِ هُوَ وعُمَر بْن الْخَطَّابِ، ثُمَّ رزق اللَّه عمر الإِسْلام، وبقي أَبُو الجهم حَتَّى أسلم فِي فتح مَكَّة، فذكروا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بخميصتين إحداهما معلمة والأخرى غير معلمة، فبعث بالتي لا علم لها إِلَى أَبِي الجهم، ولبس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعلمة وصلى فِيهَا، فلما رأى علمها بعث بِهَا إِلَى أَبِي الجهم، وَكَانَ لَهُ بنون أشداء، وَكَانَ يجلس فِي مجلسه فِي أيام عمر هُوَ وعقيل بْن أَبِي طالب، ومخرمة بْن نَوْفَل الزُّهْرِيّ، فما يكاد يمر بهم رجل من قُرَيْش إِلا ثلبوه، وَقَالُوا: كَانَتْ جدته كَذَا وأمه كَذَا فبلغ عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ففرق بينهم.

وَكَانَ بنو أَبِي الجهم يعيبون عَبْد اللَّهِ بْن مطيع ويسعون مَعَهُ، وَكَانَ مروان بْن الحكم عَلَى الْمَدِينَة وعلى شرطه مصعب بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، فخرج مروان إِلَى مَكَّةَ فتبعه مصعب وجعل يسير مَعَهُ فبينا هُوَ يسير فِي الموسم إذ أقبل عَبْد اللَّهِ بْن مطيع فدنا من مروان فألح عَلَيْهِ فِي الكلام حَتَّى أغلظ لَهُ عَبْد اللَّهِ، فضرب صخير بْن أَبِي الجهم وجه مصعب، ثُمَّ ركض، فبعث مروان فِي طلبه فلم يقدر عَلَيْهِ، وَقَالَ: لئن قدرت عَلَيْهِ لأقطعن يده، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بْن مطيع: لقد أحببت أن يكثر الجدماء فِي قُرَيْش، يعني إنك إن قطعته قطعت أيدي رجال من قُرَيْش، فلما قدموا مَكَّة فقضوا نسكهم، بعث عَبْد اللَّهِ بْن مطيع جارية لَهُ يقال لها خيرة فَقَالَ: تعرضي لمصعب، فتعرضت له فقال لمن أنت؟ قال: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مطيع، فَقَالَ أيبيعك؟ ثُمَّ جاءت فأخبرت مولاها فبعث بِهَا إِلَى مصعب، ثُمَّ ركب عَبْد اللَّهِ بْن مطيع وعَبْد اللَّهِ بْن صفوان بْن أمية إِلَى مصعب فطلبا إِلَيْهِ أن يعفو عَن ضربة السوط، فوهبها لهم، فَقَالَ صخير بْن أَبِي الجهم: نحن ضربنا بالسياط مصعبا ... عمدا عَلَى خيشومه ليغضبا لعل حربا بيننا أن تنشبا ... قد ركبت خيرة منه مركبا ولعبت منه بلهو ملعبا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أن مُعَاوِيَة قَالَ لأبي الجهم بْن حُذَيْفَة: أين سني من سنك؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ! إِنِّي لأَذْكُرُ دُخُولَ أُمِّكَ عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ: أي أزواجها فو الله إِنْ كَانَتْ لَكَرِيمَةَ الْمَنَاكِحِ فَإِيَّاكَ يَا أَبَا الجهم والإقدام بعدي على السلطان [1] .

_ [1] لم يرد هذا الخبر في ترجمة أبي الجهم في طبقات ابن سعد ج 5 ص 451.

الْمَدَائِنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أغلظ أَبُو الجهم بْن حُذَيْفَة لمعاوية وَقَالَ: أراحنا اللَّه منك، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِلَى مَنْ؟ إِلَى بَنِي زُهْرَةَ؟ فما عندهم بصر وَلا فضل، أم إلى بني مخزوم؟ فو الله لو ولوا مِنَ الأَمْرِ شَيْئًا مَا كَلَّمُوكُمْ كِبْرًا. أَمْ إلى بني هاشم؟ فو الله لو ولّوا لا ستأثروا عَلَيْكُمْ. وَقَالَ أَبُو الْجَهْمِ: أَمَرَ لِي مُعَاوِيَةُ بِمِائَةِ أَلْفِ درهم فذممته، فلما ورد يَزِيدُ أَعْطَانِي خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْن الزُّبَيْرِ فَأَعْطَانِي أَلْفًا، فَقُلْتُ: أَبْقَاكَ اللَّهُ، فَإِنَّا لا نَزَالُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيتَ. فَقِيلَ: أتدعو لابن الزُّبَيْر بالبقاء ولم تدع لمعاوية وَلا ليزيد. فقلت: أخشى وَاللَّه أَلا يأتي بعده إِلا خنزير. وَقَالُوا: كَانَتْ عند أَبِي الجهم بْن حُذَيْفَة: خولة بِنْت القعقاع بْن معبد بْن زرارة بْن عدس، وَهِيَ أم مُوسَى بْن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، خلف عَلَيْهَا أَبُو الجهم، وكانت لأبي الجهم سرية تسمى زجاجة وَكَانَ محبا لها، فولدت لَهُ سُلَيْمَان بْن أَبِي الجهم وغيره، فمرضت خولة فدخلت عَلَيْهَا امْرَأَة كَانَتْ تطبب فقالت لها: أنت مسحورة، وَمَا سحرك إِلا زجاجة، وليس لك دواء إلا أن تذبحيها وتطلي ساقيك بدمها، ومخ ساقيها، فذكرت ذَلِكَ لأبي الجهم فَقَالَ: افعلي، وبلغ ذَلِكَ ولدها فكلموا أباهم فَقَالَ: وَاللَّه مَا أمكم عندي مثل خولة، وَمَا أنتم عندي كولدها فانطلقوا فأتوا مُحَمَّد بْن أَبِي الجهم فَقَالُوا لَهُ: إن أمك قَالَت كَذَا، وَقَالَ أبوك كَذَا، فَقَالَ: مَا أنا بالذي أخالف أَبِي وأمي، فلما سمعوا ذَلِكَ انطلقوا إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ فكلموه وأخبروه الخبر فَقَالَ: سبحان اللَّه مَا هَذَا بكائن وَلا أقبله، فلقوا الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيّ فأخبروه بما قَالَ ابْن عُمَرَ فَقَالَ: ليس عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ بمغن عنكم شَيْئًا، ولكن ائتوا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد بْن الخطاب فأتوه فأخبروه الخبر

فعجب وَقَالَ: مَا كنت أرى أن الجفاء بلغ بأبي الجهم وامرأته هَذَا كله، وبعث ابنا لَهُ إِلَى خولة وَقَالَ لَهُ: قل لها إن أَبِي يقرئك السلام، ويقول: مَا الَّذِي تجدين، وَمَا الَّذِي وصف لك؟ فلما بلغها رسالة أَبِيهِ، قَالَت: إن زجاجة سحرتني وقد وصف لِي دمها ومخ ساقيها، فكثر تعجب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زَيْد من ذَلِكَ، وَقَالَ: انطلقوا فاحملوا أمكم وائتوني بِهَا، فانطلقوا فحملوا أمهم فأنزلها منزل عبيد بْن حنين مولاه، ثُمَّ أتى بنو عَاصِم بْن عُمَرَ فأجابهم إِلَى نصرتهم، وكلموا زَيْد بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، وأمه أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عَليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجابهم إِلَى نصرتهم، وكلموا بني المؤمل من بني عدي بْن كعب فأجابوهم إِلَى مثل ذَلِكَ، وبقي آل أَبِي الجهم، وآل عَبْد اللَّهِ بْن مطيع، وآل النعمان بْن عدي بْن نضلة فصار هؤلاء حزبا وهؤلاء حزبا فجعلوا يخرجون فيقتتلون بالعصي وأحيانا بالسيوف، فقيل لأبي الجهم: أدرك ولدك فإنهم يقتتلون، فَقَالَ: دعوا النبع يقرع بعضه بعضا، فلذلك قَالَ الشاعر فِي أبياته فِي ابْن مطيع: معاودة ضرب الهراوي لقومها ... فرور لعمر اللَّه عند التسايف ومر عَبْد اللَّهِ بْن مطيع عَلَى بغلة لَهُ فاتبعه فتية من آل عمر منهم: زَيْد بْن عُمَرَ، وخرج بنو أَبِي الجهم من حوله، وبنو عَبْد اللَّهِ بْن مطيع يريدون عَبْد اللَّهِ بْن مطيع، فتلاحق القوم وتراموا فأصابت زَيْد بْن عُمَرَ رمية، فسقط صريعا، فجعل سُلَيْمَان بْن أَبِي الجهم بْن زجاجة يرتجز لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مطيع: أنا سُلَيْمَان أَبُو الرَّبِيع ... تفرجوا عَن رجل صريع أدركه شؤم بني مطيع

فلما رأى عَبْد اللَّهِ بْن مطيع زَيْد بْن عُمَرَ قد صرع عَن دابته، أقبل يفديه حَتَّى كلمه، ثُمَّ حمله عَلَى دابته، وأتى بِهِ منزله، وزرفت [1] عَلَيْهِ الرمية فمات، وماتت أمه أسفا عَلَيْهِ فِي يَوْم، فصلي عليهما جميعا. وَقَالَ بعض العدويين فيما حَدَّثَنِي بِهِ مصعب الزُّبَيْرِيّ: شج زَيْد بْن عُمَرَ، فلم يزل من شجته مريضا، وأصابه ذرب واختلاف، ومرضت أمه وماتا جميعا، فلم يدر كيف يقسم ميراثهما. وَقَالَ الْمَدَائِنِيّ: سئل زَيْد من ضربه، فلم يسمه، وإنما كَانَ أتى ليصلح بين القوم، فضرب فشج. قَالُوا: وسأل الْحَجَّاج مُحَمَّد بْن يوسف أخاه: من أشد أهل الحجاز مؤونة عَلَى السلطان وأغلظ أمرا؟ فَقَالَ: آل أَبِي الجهم بن حذيفة [2] .

_ [1] زرف الجرح: انتقض بعد البرء. القاموس. [2] بهامش الأصل: بلغت عراضا بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله كل حمد وفضل.

الجزء الحادي عشر

[الجزء الحادي عشر] [نسب بني مدركة بن إلياس بن مضر] [نسب بني خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر] [نسب بني كنانة بن خزيمة بن مدركة] [نسب قريش وهم بني النظر بن كنانة] [نسب بني مالك بن النظر] [نسب بني فهر بن مالك بن النظر] [نسب بني غالب بن فهر بن مالك بن نظر بن كنانة] [نسب بني لؤي بن غالب بن فهر] نسب بني عامر بن لؤي بن غالب بن فهر [1] ولد عامر بن لؤي: حسل بن عامر، وأمه خارجة بنت عَمْرِو بْنِ شيبان بْن محارب بْن فهر. ومعيص بن عامر. وعويص بن عامر، درج. وأمهما ليلى بنت الحارث بن عضل بن الديش من القارة من ولد الهون بن خزيمة. فولد حسل: مالك بن حسل، وأمه قسامه سوداء، وأخوه لأمه عمرو بن هصيص بن كعب. فولد مالك: نصر بن مالك، وأمه ليلى بنت هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. وجذيمة بن مالك، وأمه شحام بنت حرب بْن سَعْد [2] بْن فهم بْن عَمْرِو بْنِ قيس. فولد نصر بن مالك: عبدود. وجابر بن نصر. والأقيشر بن نصر. وعبد أسعد بن نصر، وأمهم ماوية بنت سعد بن سهم.

_ [1] بهامش الأصل: بلغت عراضا بالأصل الثالث من أول الكتاب ولله كل حمد وفضل. [2] بهامش الأصل: أسعد.

عبد شمس.

فولد عبد ود بن نصر: عبد شمس. وأبا قيس وأمهما ناهية بنت عبده بن ذكوان بن غاضرة بن صعصعة. فمن بني عبد شمس بن عبدود: سهيل بن عمرو [1] بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل، وهو الأعلم [2] ، ويكنى أبا يزيد، وإياه مدح أمية بن أبي الصلت فقال: أبا يزيد رأيت سيبك واسعا ... وسجال كفك يستهل فيمطر [3] وكان سهيل من سادة قريش، وكان مكثرا، فقوى المشركين لوقعة بدر بحملان ومال، ولما كان يوم بدر أسره مالك بن الدخشم الخزرجي، وقال: أسرتُ سهيلا فلن أبتغي ... بِهِ غيره من جميع الأمم وخندف تعلم أن الفتى ... سهيلا فتاها إذا يظلم ضربتُ بذي الشفر حتَّى انثنى ... وأكرهتُ نفسي على ذي العلم وكان أعلم الشفة السفلى. ولما قدم بسهيل المدينة رآه أسامة بْن زَيْد بْن حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. هذا الذي كان يطعم السريد بمكة- يعني الثريد- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [نعم هذا الذي كان يطعم الطعام بمكة، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ فَأَمْكَنَ الله منه] » . ورأته سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود زوج رسول

_ [1] بهامش الأصل: سهيل بن عمرو رضي الله عنه. [2] عرف بذلك لشق في شفته العليا، وقيل السفلى. [3] ليس في ديوان أمية المطبوع.

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ في القد، ويده إلى عنقه، فلم تملك نفسها أن قالت: يا أبا يزيد أعطيتم بأيديكم، هلا متم كراما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [أعلى اللَّه ورسوله] » ؟ فقالت: والذي بعثك بالحق ما ملكتُ نفسي حين رَأَيْته عَلَى هَذِهِ الحال، فاستغفر لي يَا رَسُول اللَّه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: « [يغفر اللَّه لَكَ] » . وقَالَ عُمَر: يا رَسُول الله، هذا سهيل خطيب قريش فانزع ثنيتيه فلا يقوم خطيبا بك أبدا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [دعه فعسى أن يقوم مقاما يحمده وينفع الله به] » . فلما كان يوم الفتح أسلم سهيل فحسن إسلامه، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، كان عتاب بن أسيد بن أبي العيص على مكة، فقام سهيل فقال: قد تعلمون أني أكثر قريش قَتَبًا فِي بر وجارية فِي بحر، فأقروا أميركم وأعطوه صدقاتكم، وأنا ضامن إن لم يتم الأمر أن أردها عليكم، وبكى وسكن الناس، ورجع عتاب. ولما كانت أيام عمر بن الخطاب أتاه سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام بن المغيرة ليسلما عليه، فقدم عليهما صهيبا وعمارا، فغضب الحارث لذلك فَقَالَ سهيل: دعينا ودُعوا، فأجابوا وأبطأنا، ثُمَّ تغضب إن تقدموا علينا، فأمَّا إذا فاتنا الجهاد مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنا نطلبه بعده، فخرجا إلى الشام مجاهدين فماتا هناك في طاعون عمواس. وكان سهيل لما أسر يوم بدر هَرَبَ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم بين سمرات [1] ، فأمر فَرُبِطَتْ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ، وَجُنِّبَ إِلَى رَاحِلَتِهِ. وقال الواقدي: رمى سعد بن أبي وقاص سهيلا فأصاب نسأه، فجاء

_ [1] شجر معروف صغار الورق، قصار الشوك، وله برمة صفراء، يأكلها الناس. معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس.

وأسلم عبد الله بن [1] سهيل بن عمرو،

مالك بن الدخشم فأسره، وأسلم أبو جندل بن سهيل بن عمرو، واسمه عمرو، فحبسه أبوه، فلما كان يوم قدوم النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية، وتشاغل الناس، أقبل أبو جندل يرسف في قيده، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد قاضى قريشا، فقام إليه أبوه فضرب وجهه ورده. وقد ذكرنا قصته في أول كتابنا. وأسلم عبد الله بن [1] سهيل بن عمرو، ويكنى أَبَا سهيل، وأمه فاختة بنت عَامِر بن نوفل بن عبد مناف، وهاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية في رواية محمد بن إسحاق والواقدي، ولم يذكر موسى بن عقبة وأبو معشر هجرته، ثم رجع إلى مكة فأخذه أبوه فأوثقه وحبسه عنده وقيده، فأظهر له الرجوع عن الإسلام حتى أخرجه محملا إلى بدر بحملانه ونفقته، فانحاز إلى المسلمين حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقاتل مع المسلمين وأبوه مغيظ عليه. قال الواقدي: شهد بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن سبع وعشرين سنة، وشهد أيضا أحدا، والخندق والمشاهد كلها، واستشهد بجواثا من البحرين في الردة، ويقال استشهد باليمامة، وهو ابن ثماني وثلاثين سنة، فلما حج أَبُو بَكْر الصديق رَضِي اللَّه تَعَالى عنه في أيامه أتاه سهيل بن عمرو، فعزاه أبو بكر عن عبد الله، فقال: لقد بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « [يشفع الشهيد في سبعين من أهله] » ، فأنا أرجو ألا يبدأ ابني في شفاعته بأحد قبلي، وكان يقول حين أسلم في الفتح: لقد جعل الله لي في إسلام ابني خيرا كثيرا، ومات أبو جندل ابنه أيضا في طاعون عمواس [2] . [هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الله وسهيل بن عمرو] وقال الكلبي: كان سهيل بن عمرو أول من نعى رسول الله صلى الله عليه وسلّم

_ [1] بهامش الأصل: عبد الله بن سهيل رضي الله عنه. [2] المغازي للواقدي ج 1 ص 157. طبقات ابن سعد ج 5 ص 453.

بمكة، وأخبرهم بوفاته وضمن لهم الدرك فيما يؤدون من صدقاتهم، قال: ولما كان يوم الحديبية وقد جاء للصلح، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [قد سهل لكم أمركم] » ، وفيه يقول الشاعر: حاط أخواله خزاعة لما ... كثرتهم بمكة الأحياء ولما كتبت القضية بالحديبية، كتب عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه: «بسم اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم» . فَقَالَ سهيل: لا أعرف هَذَا. اكتب كما نكتب: باسمك اللهم. وكتب: «هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الله وسهيل بن عمرو» . وحدثني أبو عدنان عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ العلاء قال: وقع إلي كتاب لمجاهد بن جبر فإذا فيه، قال سهيل بن عمرو بن عبد شمس الأعلم: من عدم إخوانه ولذاته فهو غريب ولو كان في أهله، وقال: كانت الجاهلية عمى جلاه الله عنا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي. وحدثني هشام بْن عمار قَالَ: بلغنا أن سهيل بن عمرو العامري قال: كأن الله أبدلنا بعقولنا عقولا وبقلوبنا قلوبا، فاستقبحنا ما كنا نستحسنه، وأبصرنا ما كنا عميا عنه، وإني لأذكر الأوثان فأستحيي من عبادتنا إياها، فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد فهدانا من الحيرة، وأيقظنا بعد الغفلة. قالوا: وبلغنا أنه كان يقول: جهاد المرء نفسه أفضل من جهاد عدوه، وقالوا: ولم يكن لسهيل عقب من الرجال. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إِسْنَادِهِ أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو بَعَثَ ابْنَهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْفَتْحِ فَأَمَّنَهُ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: بِأَبِي وَأُمِّي هُوَ، فلم يزل

ومنهم سهل بن عمرو [2] أخو سهيل بن عمرو،

حَلِيمًا كَرِيمًا صَغِيرًا وَكَبِيرًا، وَخَرَجَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شِرْكِهِ فَأَسْلَمَ بِالْجُعْرَانَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ [1] . ومنهم سهل بن عمرو [2] أخو سهيل بن عمرو، أسلم في الفتح، وله عقب بالمدينة، ودار وبقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهرا. ومن ولده فيما ذكر الكلبي: عبد الرحمن بن عمرو بن سهل، ولي المدينة. وَقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عمرو بن سهل بن عمرو على بني عامر بن لؤي يوم الحرة، وكانت ابنته أم سلمة بنت عبد الرحمن عند الحجاج بن يوسف، ثُمَّ خلف عَلَيْهَا الوليد بْن عَبْد الْمَلِكِ، ثُمَّ سليمان بْن عَبْد الْمَلِكِ، ثُمَّ هِشَام بن عبد الملك، وله عقب بالمدينة. قال: وكان بكار بن عبد الرحمن أخوها جميلا، وتزوج ابنة سَعِيد بْن خَالِد بْن عَمْرو بْن عُثْمَان بن عفان، فأخذه الوليد بن معاوية عامل مروان على دمشق، فضربه مائة سوط على أن يطلقها فأبى، فبعث مروان بن محمد إلى المرأة فحبسها عنده، ثم زوجها من محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فلم تزل عنده، فلما قتل مروان وولي بنو العباس الخلافة استعدى بنو عامر بن لؤي دَاوُد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن العَبَّاس وهو على مكة على محمد بن عبد الله فلم ينالوا شيئا. والسكران [3] بن عمرو، أخو سهيل أيضا رحمه الله، هاجر إلى

_ [1] انظر طبقات ابن سعد ج 5 ص 453. [2] بهامش الأصل: سهل بن عمرو أخو سهيل رحمهما الله. [3] بهامش الأصل: السكران أخوه، رحمه الله.

وسليط بن عمرو [1]

الحبشة في المرة الثانية، ومعه امرأته سودة بنت زمعة، ويقال إنه هاجر في المرتين جميعا، ثم إنه قدم مكة فمات قبل الهجرة فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف على سودة. وقال بعض الرواة: مات بالحبشة مسلما، وقال بعضهم: إنه قدم مكة، ثم رجع إلى أرض الحبشة مرتدا أو متنصرا فمات بها، وهو قول أبي عبيدة البصري، وليس بصحيح والخبر الأول أثبت وأصح، وليس للسكران بن عمرو عقب. وسليط بن عمرو [1] أخوه رحمه الله، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ومعه امرأته فاطمة بنت علقمة، وقدم المدينة قبل قدوم جعفر بن أبي طالب إياها، وكان إسلامه قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم المخزومي، واستشهد باليمامة سنة اثنتي عشرة، وكان له ابن يقال له سليط بن سليط. وحاطب بن عمرو [2] أخوهم أيضا رحمه الله، وأمه أسماء بنت الحارث من أشجع، أسلم قبل دخول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة في المرتين جميعا، في رواية الْوَاقِدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بن عقبة وأبو معشر. وقال الواقدي: والثبت أن حاطب بن عمرو كان أول من قدم من الحبشة في المرة الأولى، وشهد بدرا، وأحدا، وهو زوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة.

_ [1] بهامش الأصل: سليط أخوه. رحمه الله. [2] بهامش الأصل: حاطب بن عمرو، رحمه الله.

ومن بني أبي قيس بن عبد ود:

وقال محمد بن سعد: وذكر موسى بن عقبة أن سليطا أخاه شهد معه بدرا، ولم يذكره غيره [1] . وروى بعض الرواة أن حاطبا خرج مع جعفر عليه السلام من أرض الحبشة، والقول الأول أثبت وأصح. وقال أبو طالب في عمرو بن عبد شمس وكان شريفا: ألا أبلغا حسلا وتيما رسالة ... جميعا وأبلغها لؤي بن غالب بأن أخا المعروف والبأس والندى ... مقيم فلا يرجى ولا هو آئب وقد عاش محمودا وخلف سادة ... سهيلا وسهلا ذا الندى والمكاسب وخلف أيضا من بنيه ثلاثة ... سليطا مع السكران والمرء حاطب ومن بني أبي قيس بن عبد ود: عبد الله بن أبي قيس، الذي قتل عمرو بن علقمة بن المطلب في سفر لهم فقال أبو طالب: أفي فضل حبل لا أبالك ضربة ... بمنسأة قد جاء حبل بأحبل وقد كتبنا خبره في نسب بني المطلب بن عبد مناف. وأبو ذؤيب وهو هِشَام بْن شُعْبَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن أبي قيس، وكان من أشراف قريش، حبسه ملك الروم في عدة من أشراف قريش فمات في حبسه، وقد كتبنا خبره وخبرهم حين ذكرنا عُثْمَان بْن الحويرث بْن أسد بْن عَبْد العزى في نسب بني أسد بن عبد العزى. ومن ولده: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب الفقيه ويكنى أبا الحارث، مات بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة وهو ابن

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 405.

وعبد الرحمن وعبد الله ابنا حمير بن عمرو بن عبد الله بن أبي قيس

تسع وسبعين سنة، وكان يفتي بالبلد. وروى عنه الواقدي، وكان يقال له ابن أبي ذئب. وعبد الرحمن وعبد الله ابنا حمير بن عمرو بن عبد الله بن أبي قيس قتلا يوم الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها. وعمرو ذو الثدي بن عبد ود بن أبي قيس، وكان فارس قريش يوم الخندق، وهو يومئذ ابن قريب من مائة وأربعين سنة، قتله علي عليه السلام مبارزة. وحويطب بن عبد العزى [1] بن أبي قيس، وكان من علماء قريش، وكان امتنع من الحلف على دم عمرو بن علقمة الكندي، قتله خداش في الحبل الذي أعاره، وحلف غيره من قومه فهلكوا وبقي فورثهم، وكان حويطب من أوسع الناس خطة، وكان سلف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانت عنده أميمة بنت أبي سفيان، فولدت له أبا سفيان بن حويطب، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكان سلفه أيضا من قبل سودة بنت زمعة، كانت عنده أختها أم كلثوم بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود، وهرب حويطب بن عبد العزى يوم فتح مكة، فرآه أَبُو ذَرّ فِي حائط، فأخبر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكانه فَقَالَ: « [أوليس قَدْ أمنا النَّاس إلا من أمرنا بقتله] » ؟ فأخبر حويطب بذلك فأمن، وكان حويطب بْن عَبْد العزى، دخل عَلَى مروان بْن الحكم بعدُ وهو والي المدينة، فقال له مروان: لقد تأخر إسلامك يا شيخ. فقال: والله لقد هممتُ بِهِ غير مرة فكان أبوك يصدني عنه. وقال الواقدي: كان حويطب يكنى أبا محمد، ومات بالمدينة سنة

_ [1] بهامش الأصل: حويطب بن عبد العزى، رحمه الله.

ومنهم: عبد الله بن مخرمة [2] بن عبد العزى بن أبي قيس

أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة، وله دار بالمدينة بالبلاط عند أصحاب المصاحف. وقال الواقدي: بايع حويطب للعباس بن مرداس السلمي حين سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر على ظفر النبي صلى الله عليه وسلم بأهلها، فظفر فقمر حويطب، وأخذ الخطر منه وهو مائة بعير، وكان مع ابن مرداس نوفل بن معاوية، وكان مع حويطب صفوان. وقال أبو اليقظان كان حويطب يكنى أبا صفوان، ثم يكنى أبا محمد، وله عقب بمكة، وكان أقرض رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالا، يقال أربعين ألفا، فردها عليه. فولد أبو سفيان بن حويطب: إبراهيم بن أبي سفيان الذي يقول فيه حشرج الأشجعي: لا بأس بالبيت إلا ما فعلت به ... يبني وتهدمه هدا له غول تقول إني في عز وفي شرف ... أجل صدقت ولكن أنت مدخول نعم شغلت ولا أعطيت من سعة ... حتى يغيب لحين رأسك الجول [1] ومن ولده: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، قتل يوم نهر أبي فطرس مع من قتله عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بن العباس، في أول دولة بني العباس. ومنهم: عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة [2] بْن عَبْد العزى بن أبي قيس ويكنى أبا محمد، وأمه: بهنانة بنت صفوان بن أمية بن محرّث بن مخمّل بن شق بن

_ [1] الجول: التراب. القاموس. [2] بهامش الأصل: عبد الله بن مخرمة رضي الله عنه.

ومنهم: أبو سبرة بن أبي رهم [2] بن عبد العزى بن أبي قيس

رقبة بن مجدع من بني كنانة بن خزيمة، شهد بدرا، واستشهد باليمامة في أيام أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وله إحدى وأربعون سنة، وكان حين شهد بدرا ابن ثلاثين سنة وأشهر، وكان ممن هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية، ثُمَّ قدم مكة، وهاجر إلى المدينة. ومن ولده: نوفل بْن مساحق بْن عَبْد اللَّهِ بْن مخرمة، ولي صدقات بني عامر. وقال الواقدي: كان نوفل بن مساحق يكنى أبا مساحق، ولي قضاء المدينة. ومن ولد نوفل: عبد الملك بن نوفل بن مساحق المحدث، وله يقول الحزين الأشجعي: أقول وما شأني وشأن ابن نوفل ... وشأن بكائي نوفل بن مساحق ولكنها كانت سوابق عبرة ... على نوفل من كاذب غير صادق فهلا على قبر الوليد وبقعة ... وقبر سليمان الَّذِي عند دابق وقبر أَبِي عمرو أخي وأخيهما ... فحزني في كل الجوانح لاحقي أبو عمرو هو عبد الله بن عبد الملك. و (سعيدا) [1] . وولي سعيد شرط المدينة لحسن بن زيد. وقال أبو اليقظان: لا عقب لعبد الله بن مخرمة، ولكن عقب أخيه ينسبون إليه. ومنهم: أبو سبرة بن أبي رهم [2] بْن عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس بْن عبد

_ [1] أضيف ما بين الحاصرتين اقتباسا من نسب قريش للمصعب الزبيري ص 427. [2] بهامش الأصل: أبو سبرة بن أبي رهم، رحمه الله.

وولد جذيمة بن مالك بن حسل:

وُدّ بن نَصْر بن مالك بن حسل، وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخوه لأمه أيضا أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، أسلم قديما، وهاجر إلى أرض الحبشة في المرتين جميعا، وهاجر من مكة إلى المدينة، وتوفي بمكة في أيام عثمان رضي الله تعالى عنه. قال الواقدي: وولده ينكرون رجوعه إلى مكة وموته بها، ويغضبون من ذلك. وكانت مع أبي سبرة بالحبشة امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو. وقال بعضهم: كان أبو سبرة يسمى عبد مناف، وقيل اسمه المطلب. ومن ولده في رواية الكلبي: أَبُو بَكْر بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سبرة، ولي القضاء لداود بن علي. وقال الواقدي: مات أبو بكر بن عبد الله سنة اثنتين وستين ومائة ببغداد وهو ابن ستين سنة، وكان يفتي بالبلد، وكان قد ولي قضاء موسى الهادي بن المهدي وهو ولي عهد، فلما مات بعث إلى أبي يوسف القاضي فاستقضي، وكان ولي قضاء مكة لزياد بن عبيد الله. وأخوه محمد بن عبد الله بن محمد، مات زمن زياد بن عبيد الله وكان ولاه قضاء المدينة. وولد جذيمة بن مالك بن حسل: حبيب وهو ابن شحام، ينسب إلى جدته أم جذيمة وهي شحام، وأمه التي قامت عنه ماوية بنت عبد بن معيص بن عامر، فولد حبيب: الحارث وأمه آمنة بنت اذاه بن رياح. فولد الحارث: ربيعة، وأبا سرح، وأمهما الصماء بنت سعيد بن سهم. منهم هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب الذي كان يتعهد

أبو سرح

بني هاشم وبني المطلب في الشعب، وهو أول من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش عليهم، وزعموا أنه كان أخا نضلة بن هاشم لأمه أميمة بنت عدي من بني سلامان من قضاعة، وله يقول حسان بن ثابت: أخني أبو خلف وأخنى قنفذ ... وابن الربيع وطاب ثوب هشام من معشر لا يغدرون بذمة ... الحارث بن حبيب بن شحام [1] وإنما شدد حبيب لضرورة الشعر. وأبو خرشة بن عمرو بن ربيعة أخوه، وعمير بن حصين بن ربيعة بن الحارث، وأخواه لأمه: عدي بن الخيار، وأبو عزة الشاعر الجمحي. قالوا: وأمسك هشام على من هاجر من قومه دورهم فلم تبع. [أبو سرح] ومنهم وهب بن سعد بن أبي سرح بن حبيب بن جذيمة بن مالك، شهد بدرا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رواية موسى بن عقبة وأبي معشر والواقدي، ولم يذكره محمد بن إسحاق، وشهد أحدا والخندق وقتل يوم مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن أربعين سنة. وعبد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سرح أخوه، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فيجعل الكافرين مكان الظالمين والمتقين مكان المؤمنين، وحكيم مكان حليم، وأشباه ذلك، ويقول لقريش: أنا آتي بمثل ما أتى بِهِ مُحَمَّد. فأنزل اللَّه فِيهِ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ الله [2] ثم إنه لحق بقريش بمكة مرتدا، وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة، فلما فَتْحِ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بقتله فطلب

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 514. نسب قريش للمصعب الزبيري ص 432. [2] سورة الأنعام- الآية: 93.

فيه عثمان أشد طلب حتَّى كف عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: [ «أما كَانَ فيكم من يقوم لهذا الكلب فيقتله قبل أن أؤمنه» ،] وكان يأتي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيسلم عليه، وولاه عثمان حين استخلف مصر والمغرب، فابتنى بمصر دارا، ثم تحول منها إلى فلسطين فمات بها، وبعض الرواة يَقُولُ مات بإفريقية، والأول أثبت. وقال الواقدي: فتح عمرو بن العاص مصر والإسكندرية، واستخلف على الإسكندرية عبد الله بن حذافة السهمي، وسار في جنده إلى المغرب ففتح به فتوحا، ثم ولى عثمان عبد الله بن سعد ما كان عمرو يليه، ففتح إفريقية وغيرها من المغرب فلما التاث الأمر على عثمان تحول إلى فلسطين، وقد كتبت أخباره وفتوحه بالمغرب في كتاب البلدان الذي ألفته [1] . وفي سعد بن أبي سرح يقول حسان: لعمرك ما أدري وإني لسائل ... مهانة ذات النوف ألأم أم سعد [2] يعني أمه. وكان يحدث عن عياض بن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح. وكان يزيد بن معاوية كتب مع عبد بن عمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وهو عامله على المدينة، بنعي معاوية، وأخذ الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير بالبيعة. وكانت لأروى ابنة أويس أرض إلى جنب أرض سعيد بن زيد بن

_ [1] انظر كتاب البلدان وفتوحها وأحكامها- تحقيق سهيل زكار- ط. بيروت 1992 ص 259 264. [2] ديوان حسان ج 1 ص 163 مع فوارق.

وولد معيص بن عامر بن لؤي:

عمرو، فحفرت في حق سعيد ركية فمنعها فشكته فكلم، فقال: والله ما منعتها حقا، وما كنت لأمنعها ذلك وقد سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « [من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه طوقه من سبع أرضين في نار جهنم] » . ولم يعرض لها وقال: اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واجعل ميتتها في ركيتها، فحفرت حتى إذا نبطت الماء جاءت تنظر فعمي بصرها ووقعت في الركية فماتت. وولد معيص بن عامر بن لؤي: عبد بن معيص، وعمرو بن معيص. ونزار بن معيص، وأمهم أنيسة بنت كعب بن عمرو من خزاعة. فولد عبد: حجير بن عبد. وحجر بن عبد، وأمهما ابنة تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة. فولد حجير: ضباب بن حجير. وحبيب بن حجير. وعمرو بن حجير. ووهب بن حجير، وأمهم فاطمة بنت عوف بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة. فولد ضباب: وهب بن ضباب. وأهيب بن ضباب. ووهبان بن ضباب. فمنهم لبيد بن عبدة بن جابر بن وهب، من فرسان قريش وكان شاعرا. وعبيد الله بن مسافع بن أنس بن عبدة بن جابر بن وهب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص. قتل يوم الجمل. وشديد بن شداد بن عامر بن لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب الشاعر الذي يقول لخالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: إذا ما نظرنا فِي مناكح خالدٍ ... عرفنا الذي يهوى وأين يريد

وعبيد الله بن قيس بن شريح [1] بن مالك بن ربيعة بن أهيب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي الشاعر،

وقد ذكرنا خالد في نسب بني حرب بن أمية. وعبيد الله بن قيس بن شريح [1] بن مالك بن ربيعة بن أهيب بن ضباب بْنِ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عامر بن لؤي الشاعر، والذي يقال له ابن قيس الرقيات، وقد ذكرنا له أخبارا وأشعارا فيما تقدم من كتابنا هذا، وإنما قيل ابن قيس الرقيات لأنه كان يشبب برقية بنت عبد الواحد بن أبي سعد بن قيس بن وهب بن وهبان بن ضباب بن حجير، وبابنة عم لها أيضا يقال لها رقية. ومنهم أسامة بن عبد الله بن قيس بن شريح بن مالك، قتل يوم الحرة وله يقول عبيد الله بن قيس الرقيات وكان ابن أخيه: فنعى أسامة لي وأخوته ... فظلت مستكا مسامعيه وقرأ رجل على حماد الراوية الكوفي هذا الشعر: إن الحوادث بالمدينة قد ... أوجعنني وقرعن مروتيه وجببنني جب السنام ولم ... يتركن ريشا في مناكبيه [2] فقال: لقد وضع ابن قيس في هذا الشعر وتخنث فقال له حماد: يا أحمق إن هذا من حر كلام العرب أما سمعت الله يقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ ما حسابيه [3] ويقول: ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيه [4] . ومنهم: العلاء بن وهب بن عبد بن وهبان بن ضباب بن حجير

_ [1] بهامش الأصل: عبيد الله بن قيس الرقيّات الشاعر. [2] ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات ص 98- 99. [3] سورة الحاقة- الآيتان: 25- 26. [4] سورة الحاقة- الآيتان: 28- 29.

ومنهم: شيبه بن مالك بن المضرب بن وهب بن حجير

وقد شهد القادسية، وساد بالكوفة، وولي في أيام عثمان الجزيرة، وفتح الله عليه فيما ذكر الكلبي: ماه، وهمدان. وتزوج هند بنت عقبة بن أبي معيط، فولدت له: محمدا. وعثمان وهم بالجزيرة والرقة أشراف، وعبد الواحد بن أبي سعد بن قيس بن وهب بن وهبان أبو رقية التي كان ابن قيس يشيب بها. ومنهم: شَيْبَة بْن مالك بْن المضرب بْن وهب بن حجير قتل يوم أحد كافرا. وولد حجر بن عبد معيص: رواحة بن حجر، وعمرو بن حجر. وحجير بن حجر ووهب بن حجر، وأمهم ابنة ضاطر بْن حبشيَّة بْن سلول من خزاعة، منهم: حميد بن عمرو بن مساحق بن قيس بن هزم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص، وأمه درة بنت أبي هاشم بْن عتبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس. ويقال هي ابنة أخيه هاشم بْن عتبة بْن ربيعة بْن عَبْد شمس، وكان حميد شريفا بالشام. ومنهم عمرو بن قيس بن زيادة بن الأصم بن هزم بن رواحة بن حجر بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لؤي، وهو الأعمى، وأمه أم مكتوم، واسمها عاتكة بِنْت عَبْد اللَّهِ بْن عنكثة بْن عامر بن مخزوم، وبعضهم يقول زائدة، والأول أثبت، وهو قديم الإسلام، وكان أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقْبِلٌ على الوليد بن المغيرة يكلمه، وقد طمع في إسلامه، فكلمه الأعمى فلم يكلمه فأنزل الله عز وجل: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تصدى. وما

عليك ألا يزكى يعنى وليدا وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يخشى. فأنت عنه تلهى [1] . وقال محمد بن سعد عن الواقدي: قدم ابن أم مكتوم المدينة مهاجرا بعد بدر، فنزل دار مخرمة بن نوفل، وشهد القادسية في أيام عمر بن الخطاب ومعه الراية، ثم رجع إلى المدينة فمات بها، ولم يسمع له ذكر بعد عمر. وقال بعضهم أن اسم ابن أم مكتوم: عبد الله والأول أثبت. وقد روي أن ابن أم مكتوم من أول المهاجرين هجرة إلى المدينة. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَبَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالا: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ [2] . وقال الهيثم بن عدي: مات ابن أم مكتوم في آخر سني عمر، وأول سني عثمان واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة في أكثر غزواته، وقد ذكرنا ذلك في غزوات رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الزَّهْرَانِيُّ أَبُو الرَّبِيعِ، ثنا أَبُو الْمُعَافَى عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ فَلَمَّا نَزَلَتْ: لا يستوي القاعدون من المؤمنين وَالْمُجَاهِدُونَ جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رسول الله إني مكفوف البصر

_ [1] سورة عبس- الآيات: 1- 10. [2] طبقات ابن سعد ج 4 ص 205- 208.

وولد عمرو بن معيص:

لا أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ، فَوَقَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَشْيَةٌ وَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي كَأَنَّهَا رَصَاصٌ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قال: اكتب غير أولي الضرر [1] . حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ قَالا: ثنا وَكِيعٌ، أنبأ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ نَزَلَتْ: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرٌ، فَنَزَلَتْ غَيْرُ أولي الضرر. وولد عمرو بن معيص: منقذ بن عمرو بن معيص. والحارث. وحبيب بن عمرو، وأمهم دعد بنت سعد بن كعب بن عمرو. فولد منقذ: الحارث بن منقذ. وعبيد بن منقذ. ورواحة بن منقذ، وأمهم ميمونة بنت رواحة بن عصية بن خفاف السلمي. فولد الحارث: عبد مناف، ربع الناس في الجاهلية، أي أخذ المرباع، ويربوع بن الحارث. وعبد الحارث بن الحارث. وأمهم سلمى بنت زمعة بن أهيب بن ضباب. والأحب بن الحارث. وأبا الحارث بن الحارث. وعوف بن الحارث. ومالك بن الحارث، وأمهم ليلى بنت هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. ومنهم حبان بْن أَبِي قَيْس بْن علقمة بْن عبد بْن عَبْدِ مَنَاف بْن الْحَارِث بْن منقذ بن عمرو بن معيص وهو ابن العرقة الَّذِي رمى سَعْد بْن معاذ الأَنْصَارِيّ يَوْم الخندق وَقَالَ خذها وأنا ابْنُ العرقة [2] ، فَقَالَ رَسُول اللَّه

_ [1] سورة النساء- الآية: 95 (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضرر والمجاهدون في سبيل الله ... ) . [2] بهامش الأصل: ابن العرقة.

ومنهم: عبد الأكبر بن عبد مناف بن الحارث

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [عرق اللَّه وجهك في النار] » . والعرقة أم عبد بن عبد مناف، وهم ينسبون إليها، وسميت فيما زعموا: العرقة لطيب عرقها. ومنهم: عبد الأكبر بن عبد مناف بن الحارث الذي ربع المرباع. ومنهم: مكرز بن حفص بن الأخيف بن علقمة بن عبد الحارث، وكان ابن لحفص بن الأخيف خرج يبغي ضالة له وهو غلام ذو ذؤابة وعليه حلة، وكان غلاما وضيئا فمر بعامر بن يزيد بن الملوح بن يعمر الكناني وكان بضَجنان [1] . فَقَالَ: من أنت يا غلام؟ قال: أنا ابن حفص بن الأخيف. فقال: يا بني بكر، لكم في قريش دم؟ قالوا: نعم. فقال: ما كَانَ رَجُل ليقتل هَذَا برجله إلا استوفى. فأتبعه رجل من بني بكر فقتله بدم كان له في قريش، فبينا مكرز بن حفص أخوه بمر الظهران إذ نظر إلى عامر بْن يزيد بن الملوح، وهو سيد بني بكر، فقال: ما أطلب أثرا بعد عين، وكان متوشحا بسيفه فعلاه بِهِ حتَّى قتله، ثُمَّ أتى مكة فعلق سيف عامر بأستار الكعبة. وقد كتبنا خبره مع خبر بدر فيما تقدم، وقال مكرز: لما رأيت إنما هو عامر ... تذكرت أشلاء الحبيب الملحب وقلت لنفسي إنما هو عامر ... فلا ترهبيه وانظري أي مركب ربطت له جأشي وألقيت كلكلي ... على بطل شاكي السلاح مجرب وله عقب بالشام. ومنهم غزية بنت دودان بن عوف بن عَمْرو بن عامر بن رواحة، [أم شريك] وهي

_ [1] ضجنان: جبيل على بريد من مكة، أي بينه وبين مكة خمسة وعشرين ميلا. معجم البلدان.

ومنهم خداش بن بشير بن الأصم بن رحضة.

أم شريك التي وهبت نفسها للنبي صَلَّى الله عليه وسلم في قول ابن الكلبي، وقال غيره: أم شريك التي وهبت نفسها للنبي صَلَّى الله عليه وسلم غيرها. ومنهم خداش بن بشير بن الأصم بن رحضة. وعبد الله بن يزيد بن الأصم بن رحضة بن عامر بن رواحة قاتل مسيلمة الكذاب، فيما يقول بنو عامر بن لؤي، وعبد الله بن يزيد بن الأصم بن رحضة بن عامر بن رواحة بن منقذ بن عمرو بن معيص قتل يوم الجمل مع عائشة. وأبو علي بن الحارث بن رحضة قتل يوم اليمامة. وولد نزار بْن معيص بْن عامر بْن لؤي: سيار بن نزار. وجذيمة بن نزار. وعوف بن نزار، وأمهم خالدة بنت عَوْفِ بْن نَصْرِ بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْرِ بْنِ هوازن بن منصور. فولد سيار بن نزار: الحليس بن سيار. وعامر بن سيار. وحبيب بن سيار. وعبد بن سيار. وجذيمة بن سيار. وصخير بن سيار. وعوف بن سيار. وعمران بن سيار. وسيار بن سيار، وأمهم دعد بنت عمرو بن مدلج. منهم بسر بن أبي أرطأة بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن سيار بن نزار بن معيص، وهو الذي وجهه معاوية لقتل من كان في طاعة على بن أبي طالب، فقتل ولد عُبَيْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وقد كتبنا خبره في الغارات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: قبض النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وبسر صغير، وأنكر أن يكون روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا سماعا. وقال الواقدي: بقي بسر إلى أيام عبد الملك.

وقال الكلبي: لم يمت حتى جن فكان يأخذ قضيبا، ويضرب به الوسادة توضع له بين يديه، وكان يسكن الشام وقد كان من غزاة أرض المغرب مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح، وله هناك ذكر ومواضع تنسب إليه، وروي عنه أنه كان يقول إذا رأى الموالي: قاتلكم الله غلب الرقاب، ألسن العرب وأحلام فارس. وقال محمد بن سعد: كان محمد بن عمرو بن عطاء، من بني عامر بن لؤي، ويكنى أبا عبد الله من ذوي السرو والهيئة والمروءة، وكانوا يتحدثون بالمدينة أن الخلافة تفضي إليه، ولقي ابن عباس. قال: وقال الهيثم بن عدي: مات في أيام الوليد بن يزيد [1] .

_ [1] لا ترجمة له في المطبوع من طبقات ابن سعد، وهو عند خليفة بن خياط في طبقاته ص 457 (2327) : «مولى بني عامر بن لؤي» .

نسب بني سامة بن لؤي بن غالب

نسب بني سامة بن لؤي بن غالب وولد سامة بن لؤي: الحارث، وأمه هند بنت تيم بن غالب. وغالب بن سامة، وأمه ناجية بنت جرم بن ريان. فهلك غالب بعد أبيه وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وقد كتبنا قصته في أول كتابنا. فولد الحارث بن سامة: لؤي بن الحارث. وعبيدة. وربيعة. وسعد بن الحارث، وأمهم سلمى بنت تيم بن شيبان بن محارب بن فهر. وعبد البيت، وأمه ناجية بنت جرم بن ريان، خلف عليها بعد أبيه نكاح مقت، وهؤلاء هم الذين كانوا مع الخريت بن راشد. وقد كتبنا خبر الخريت بن راشد مع أخبار علي عليه السلام. فولد لؤي بن الحارث: عباد بن لؤي. ومالك بن لؤي. وعبد الله. وزائدة، وهو رهط منصور بن منجاب صاحب الدرب ببغداد عند الصيارفة، بقرب باب الكرخ. فولد عباد: عوف بن عباد. فولد عوف بن عباد: عاداه بن عوف بن عباد. وكعب بن عوف. وعمرو بن عوف. فولد عاداه: الحارث. فولد الحارث: حمام بن الحارث. وذهل بن الحارث.

فولد حمام: العاتل. وولد ذهل بن الحارث: هراب بن ذهل. وحيي. وولد كعب بن عوف: الحارث وجابر بن كعب. ولكاد. وولد عمرو بن عوف: بكر بن عمرو. فولد بكر: المجزم بن بكر. وعوف بن بكر. فولد المجزم: الحارث بن المجزم. وعمرو بن المجزم. وعوف بن المجزم. منهم العقيم بن زياد، ويقال العقيم بن ذهل بن عوف بن المجزم، قتل يوم الجمل، وكانت ابنة الحارث بن قطيعة بن عوف بن ذهل بن عوف بن المجزم امرأة عمرو بن العاص. وولد مالك بن لؤي: الشطن بن مالك. وعمرو بن مالك. وذهل بن مالك. وحكالة بن مالك. فولد الشطن: سعد بن الشطن. ومزر بن الشطن. فولد سعد بن الشطن: وهب بن سعد. وصبرة بن سعد. وشأس بن سعد. فولد وهب بن سعد: وثاق بن وهب. وجذع بن وهب. فمن بني مالك بن لؤي: عبد الله بن نعام، كان شريفا. وولد عبد الله بن لؤي: مطيرة بن عبد الله. وأصبح بن عبد الله. ووائل بن عبد الله. فولد مطيرة: ربيعة. وولد أصبح: غضن [1] بن أصبح. وجابر بن أصبح. وولد وائل بكر بن وائل ويزيد بن وائل.

_ [1] بهامش الأصل: غضن بضاد معجمة.

وولد زائدة بن لؤي: كعب بن زائدة. وتيم بن زائدة، وسالم بن زائدة. وظفر بن زائدة. وولد عبيدة بن الحارث بن سامة: سعد بن عبيدة. ومالك بن عبيدة. وعمرو بن عبيدة فولد سعد بن عبيدة: مالك بن سعد. وسودة بن سعد. فمن بني مالك بن سعد: سيف بن حكام، وقد رأس. وولد مالك بن عبيدة: داجية. ومالك بن مالك. وذهل بن مالك فولد داجية: أحزم بن داجية. وبكر بن داجية. منهم سمان بن الرشيد قد رأس. وعباد بن منصور الناجي القاضي بالبصرة في خلافة أبي جعفر المنصور. وولد عمرو بن عبيدة بن الحارث: عوف بن عمرو. وسعد بن عمرو. فولد عوف بن عمرو: بكر بن عوف. منهم: قبيصة بن عمرو بن حمزة بن عمرو بن سعد بن عمرو بن عبيدة. كان شريفا. وجعفر بن يعمر وهو أبو زهير بن طلق بن مجاهد بن القريح بن المنخل بن ربيعة بن قبيصة بن عمرو بن حمزة صاحب سيف فارس. ومنهم خالد بن ربيعة بن قطنة بن قريح الخارجي قتله شيخ بن عميرة أيام أبي جعفر أمير المؤمنين المنصور. وولد عبد البيت: ساعدة. فولد ساعدة: الحارث. فولد الحارث: جابر بن الحارث. وقطبة.

وولد ربيعة بن الحارث بن سامة: جشم بن ربيعة. ومازن بن ربيعة. وحمامي وهو حمام. منهم أسلم بن كرب بن سفيان بن سهم. وولد سعد بن الحارث بن سامة: كمن بن سعد. وقديّ بن سعد، رهط نصر بن سعيد بن العلاء بن مالك الموصلي. ومن بني سامة: كابس بن ربيعة بن مالك بن عدي بن الأسود بن جشم بن ربيعة بن الحارث بن سامة بن لؤي: كَانَ يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبلغ معاوية ذلك فكتب في إشخاصه إليه مكرما، فلما رآه قام إليه فتلقاه وقبل ما بين عينيه، وأقطعه المرغاب بالبصرة.

نسب خزيمة بن لؤي

نسب خزيمة بن لؤي وولد خزيمة بن لؤي: عبيد بن خزيمة. وحرب بن خزيمة. فولد عبيد: مالك بن عبيد. فولد مالك: الحارث بن مالك، وأمه عائذة بنت الخمس بن قحافة من خثعم، بها يعرفون يقال لهم عائذة قريش. وولد الحارث بن مالك: قيس بن الحارث. وتيم بن الحارث. فولد قيس: عمرو بن قيس. فولد عمرو: قطن بن عمرو. وقنان بن عمرو. وحصن بن عمرو. منهم: محفز بن ثعلبة بن مرة بن خالد بن عامر بن قنان بن عمرو بن قيس بن الحارث بن مالك بن عبيد بن خزيمة، الذي ذهب برأس الحسين بن علي إلى الشام، وقال: أنا محفز بن ثعلبة جئت برؤوس اللئام الكفرة، فقال يزيد بن معاوية: مَا تحفزت عَنْهُ أم محفز ألأم وأفجر. وولد تيم بن الحارث: سمي بن تيم. وربيعة. منهم: مقاس الشاعر، وهو مسهر بن النعمان بن عمرو بن ربيعة بن تيم بن الحارث، وعداده في بَنِي أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شَيْبَان بن ثعلبة بن عكابة من ربيعة بن

نزار، وغير الكلبي يقول هو مقاس بن أصرم، وإنما قال: قد مقست إبلي، أي رويتها، فسمي مقاسا. وعلي بن مسهر بن عمير بن حصبة أو عصم أو حصن- شك هشام ابن الكلبي- بن عبد الله بن مرة بن ربيعة بن حارثة بن سمي بن تيم بن الحارث قاضي أهل الموصل. ومنهم أبو طلق، وهو عدي بن حنظلة بن نعيم بن زرارة بن عبد العزى بْن رَبِيعَة بْن عَمْرِو بْنِ عامر بْن سمي الشاعر الذي قال لامرأته ورآها تحتف بخيط من كتان: استعينى بقطرة [1] من جمال ... هو خير من كل ما تصنعينا هو أدنى للحسن من أن تحفي ... بخيوط الكتان منك الجبينا وله شعر رثى به عمر بن سعد بن أبي وقاص حين قتله المختار بن أبي عبيد، فمنه: لقد قتل المختار لا در دره ... أبا حفص المأمول والسيد الغمرا فتى لم يكن كزا بخيلا ولم يكن ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها غمرا وولد حرب بن خزيمة: الديل، درج. وعوف بن حرب فبنو عوف مع بني محلم بن ذهل بن شيبان. وولد عوف: جذيمة بن عوف: وعامر بن عوف. وسلامة بن عوف. ومالك بن عوف ومغوية وعدي بطون كلهم.

_ [1] بهامش الأصل: معا بمسحة.

نسب بني سعد بن لؤي وولده

نسب بني سعد بن لؤي وولده ولد سعد بن لؤي: بنانه. وعمار. وعماري. ومخزوم. فولد عمار: غانم. وأوفى. وعوذ. فولد غانم: عبد الله. وعمار بن غانم. فولد عبد الله بن غانم: حبيب بن عبد الله. وهيثم بن عبد الله. وأبان بن عبد الله. وجني بن عبد الله. وولد عوذ بن عمار: صعب بن عوذ. وبكر بن عوذ. وجلان بن عوذ. فولد جلان: عوف بن جلان. وولد صعب بن عوذ: وري. وبعض من روى عن الكلبي يقول: عمار وعماري، والأول قول عباس بن هشام في روايته عن أبيه. وقال الشاعر: بنانة وبنو عوف بن حرب ... كما لز الحمار إلى الحمار وعائذة التي تدعي قريشا ... وما جعل النحيت إلى النضار

نسب بني الحارث بن لؤي

نسب بني الحارث بن لؤي ولد الحارث بن لؤي: وهب بن الحارث. وعداء بن الحارث. ويقال لبني الحارث بنو جشم حضنهم عبد للؤي يقال له جشم فنسبوا إليه. فولد وهب: عقيدة، فولد عقيدة حصن بن عقيدة. وحمل بن عقيدة. ومحصن بن عقيدة. ويزيد بن عقيدة. فولد يزيد بن عقيدة: نبهان بن يزيد. ومسعود بن يزيد. ومرة بن يزيد. وولد حصن بن عقيدة: وبرة بن حصن. وأقيش. وولد حمل بن عقيدة: جابر بن حمل. وقدامة. وولد محصن بن عقيدة: عبد العزى. فولد عبد العزى: حصن بن عبد العزى. وجذيمة. وعباد بن حصن، وهو الخطيم الذي ضرب أنفه يوم الجمل. وأكمه. وولد عداء بن الحارث: مالك بن عداء، وعبد الله. فولد مالك بن عداء كيشامة، وأحمر، فولد كيشامة بن مالك:

عون بن كيشامة. وولد عبد الله بن عداء: دبيب بن عبد الله، من ولده: سلمة بن سكن بن الجون بن دبيب. ومن ولده: حاجب بن عمرو بن مسلمة. والوازع. والحارث ابنا عمرو، وكان عمر بن عبد العزيز بعث إلى حاجب هذا بعهده على هراة من خراسان، وأقطعه قطيعة بخراسان، فلم يقبل ذلك فمات والعهد عنده، وولي بيت المال بخراسان، وكان صاحب قرآن وقصص. وابنه نصر بن حاجب خلف عنده نصر بن سيار ولده حين هرب، وكان حاجب خرج من البصرة إلى خراسان مع ترفل. وأما بنو جشم فكانوا في عنزة، ويزعمون أن أبا جشم لم يكن الحارث ولكنه كان عبدا يقال له زميل، وكان يقال لأمه شنة، فوقع إلى موضع باليمامة يقال له العلاة، وكانوا مجاورين لبني هزان، وقدموا معهم البصرة، وكانوا كأنهم منهم، ثم وقع بينهم شر ففارقوهم وقالوا نحن بنو جشم.

نسب بني تيم بن غالب وهو الأدرم

نسب بني تيم بن غالب وهو الأدرم وولد تيم بن غالب وهو الأدرم، سمي بذلك لأنه كان ناقص الذقن: الحارث بن تيم الأدرم. وثعلبة بن تيم. وكبير بن تيم. وأبا دهر بن تيم، وأمهم فاطمة بنت معاوية بن بكر بن هوازن. ووهب بن تيم. ودهر بن تيم. وحراق بن تيم، وأمهم دعد بنت فراس بن غنم بن مالك بن كنانة. فولد الحارث: ثعلبة بن الحارث. وكعب بن الحارث. والأحب بن الحارث، وأمهم برة بنت مالك بن كنانة. فولد ثعلبة بن الحارث: خنيس بن ثعلبة. ووهبان بن ثعلبة. ونضلة بن ثعلبة، وأمهم عاتكة بنت عبد بن معيص. فولد وهب: شيطان بن وهب. وعبد العزى، وأمهما هند بنت عمرو بن رواحة بن منقذ. فولد شيطان: خالد بن شيطان. وجعونة، ويزيد، أمهم فاطمة بنت صخر بن عمرو بن الحارث بن الشريد. فولد خالد: سهيل بن خالد. وجرو بن خالد. وعبيد الله.

وحكيم بن خالد وأمهم أميمة بنت عوف بن وهب بن خنيس بن ثعلبة. وعباس بن خالد. ونهشل بن خالد. ونعمان بن خالد، وأمهم ماوية بنت أنس بن عمرو بن أبي الأخش أو الأجش. وعبد العزيز بن خالد. وأبا سعيد، وأمهما أم سويد بنت مالك بن قيس بن سفيان بن كعب بن الحارث بن تيم. وولد جعونة بن شيطان: خالد بن جعونة. والحكم، وأمهما فهمية. منهم أبو حزيق وهو عقبة بن جعونة، وهم بفلسطين، ولهم يقول قائد البلوي الشاعر: فلا سلمت لقاح بني حزيق ... ولا درت لحالبها درورا وولد يزيد بن شيطان: عبد الله بن يزيد. وعمرو بن يزيد، وأمهما فاطمة بنت عمرو بن خنيس بن ثعلبة. وأبا الحكم بن يزيد. وخالد بن يزيد، وأمهما خولة بنت الأسود بن حفص بن الأخيف. وولد نضلة بن ثعلبة: زيد بن نضلة. وضبيع بن نضلة. وولد كعب بن الحارث: الحارث. والأعجم. وولد كبير بن تيم: جابر بن كبير، وأمه عاتكة بنت حسل بن عامر. فولد جابر: أسعد. ويعمر بن جابر. ووهب بن جابر. وكرز بن جابر. فولد أسعد: عبد مناف وجارية، فولد عبد مناف: عبد العزى

وعبد الله [1] وهما الخطلان، ويقال الخطلان منهم هلال بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد مناف بن أسعد بن جابر بن كبير بن تيم بن الأدرم بن غالب قتل يوم فتح مكة وهو الَّذِي قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [من لقي ابن خطل فليقتله وإن كان متعلقا بأستار الكعبة،] وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانتا تسميان أرنب وفرتنا، وكان ابن خطل أبو هلال شريفا، مدحه عتبة بْن ربيعة بْن عَبْدِ شمس فَقَالَ: كان أبا الأخطال في الروع تتقي ... به عصل الأنياب عبل مناكبه هوت أمه ما كان أحسن وجهه ... وأمنعه للضيم ممن يحاربه هو الأبيض الجعد الذي ليس مثله ... بسوق عكاظ يوم تأتي حلائبه وكان عتبة نديما لمطعم بن عدي، وابن خطل أو خطل، وبعضهم يقول هو عبد الله بن هلال والأول أثبت وهو قول الكلبي، وقال بعضهم هو قيس بن خطل وذلك باطل. قالوا: وكان هلال بن عبد الله أسلم بمكة وهاجر إلى المدينة فبعثه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعيا عَلَى الصدقة، وبعث معه رجلا من خزاعة فوثب على الخزاعي فقتله ثم فكر فقال: إن محمدا سيقتلني بِهِ، فارتد وهرب وساق ما كان معه من الصدقة وأتى مكَّة فَقَالَ لأهلها: إني لم أجد دِينا خيرا من دينكم. وكانت له قينتان تتغنيان بهجاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدخل عليهما المشركون فيشربون عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: « [أقتلوه ولو كَانَ متعلقا بأستار الكعبة] » فقتله أَبُو برزة نضلة بْن عَبْد اللَّهِ الأسلمي وذلك الثبت، ويقال قتله شريك بن عبدة العجلاني من بلي، ويقال ان اسم أبي برزة

_ [1] بهامش الأصل: عبد الله بن خطل.

خالد بن نضلة، ويقال اسمه عبد الله بن نضلة والأول أثبت. وروي عن أبي برزة أنه قال: ضربت عُنُقَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَيُقَالُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ. وأما أرنب قينة ابن خطل أو صاحبتها فقتلت، وبقيت الأخرى فجاءت مسلمة، وَقَدْ تنكرت ولم تزل باقية إلى أيام عثمان، وقد كتبنا قصة ابن خطل في فتح مكة، وزعم بعضهم أن قينتيه أرنب واسمها قريبة وفرتنا. ومنهم قطبة- العاقر فرس [1] البلقاء البيضاء الناصية- بن عبد العزى بن عبد مناف، كان من الفرسان. وعبد الله بن شتيم بن عبد العزى قتل يوم الجمل، ويقال شتيم، وولد عمرو بن جابر بن تيم الأدرم: غفيلة. وحويرثة ودهر ووهب وأمهما بنت عبد الله بن عمر بن مخزوم. فولد غفيلة: عبد العزى. والجموح، وأمهما مخزومية. وسلمة وأمه أم سفيان بنت الأعجم. وولد حويرثة: الحارث وأمه ابنة المطلب بن عبد مناف بن قصي. وولد وهب بن تيم: عباد بن وهب. وثعلبة بن وهب. والحارث. ولؤي بن وهب. وخزيمة بن وهب. وعوف بن وهب، وأمهم بنت شيبان بن ثعلبة بن عكابة. وولد دهر بن تيم: عوف بن دهر الشاعر، عمر حينا. وخالد بن دهر. وحبيب بن دهر. وسليم بن دهر. وعيينة بن دهر. ومالك بن

_ [1] بهامش الأصل: خ. فارس، وجاء في جمهرة النسب لابن الكلبي ج 1 ص 174: «ومنهم قطبة العاقر فارس البلقاء، البيضاء الناصية» .

دهر. وأسدة. والأعجم. وسلمة. وخويلد. والأوفى، وأمهم الصماء بنت يم بن الحارث بن فهر. فولد خالد بن دهر عبد الله بن خالد. وعاصم بن خالد. ونويرة بن خالد. وكلثوم بن خالد. وجوين وحسل وأبا الأجش، وأمهم الأسدية. فولد عبد الله: نافع بن عبد الله، وأمه فاطمة بنت عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بن مرة. ولد حراق بن تيم: عامر بن حراق. ويزيد بن حراق. وزيد بن حراق. وحارثة بن حراق. وخالد بن حراق. ومازن بن حراق. وعبد العزى، والحارث. ومعاوية، وأمهم ابنة الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور. انقضى نسب بني غالب بن فهر

نسب بني محارب بن فهر

بسم الله الرحمن الرحيم نسب بني محارب بن فهر وولد محارب بن فهر: شيبان بن محارب، وأمه ليلى بنت عدي بن عمرو بن ربيعة بن خزاعة. وشمخ بن محارب. فولد شيبان: عمرو بن شيبان، وأمه دعد بنت الحارث بن فهر. وحبيب بن شيبان. ووائلة لا عقب له، وأمهما دعد بنت منقذ بن غاضرة بن حبشية بن كعب. فولد عمرو بن شيبان: وائلة بن عمرو. وحبيب بن عمرو. وحجوان بن عمرو. وجابر بن عمرو. وسعد بن عمرو، وأمهم عدية بنت وائلة بن كعب من بني الحارث بن عبد مناة. فولد وائلة: ثعلبة بن وائلة. وسواد بن وائلة، وأمهما هند بنت مالك بن عوف بن الحارث بن عبد مناة. فولد ثعلبة: وهب بن ثعلبة. وخراش بن ثعلبة، وأمهما ابنة الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص. وحبيب بن ثعلبة، وأمه من بني عامر بن لؤي.

منهم الضحاك بن قيس [1] بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر، وكان على شرط معاوية،

فولد وهب بن ثعلبة: مالك بن وهب الأكبر. وخالد بن وهب الأكبر. وثعلبة بن وهب الأكبر. وخلف بن وهب، وأمهم ابنة كعب بن وائلة بن كعب. وعبد العزى بن وهب. ومالك بن وهب الأصغر. وخالد بن وهب الأصغر. وناقش بن وهب، وأمهم لبني بنت عمرو بن عتوارة بن عائش بن ظرب. وزيد بن وهب. وقيس بن وهب، وأمهما ابنة الأحب بْن الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص. منهم الضحاك بن قيس [1] بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بْن عَمْرِو بْنِ شيبان بْن محارب بن فهر، وكان على شرط معاوية، وكان يثق به، وولاه عبد الله بن الزبير الشام، وقتل يوم مرج راهط في طاعة ابن الزبير، وقد كتبنا خبره، وكان يكنى أبا أنيس، وقد كتبنا أيضا قصته في الغارات بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما، وولاه معاوية الكوفة بعد زياد. وعبد الله بن خالد بن أسيد، خليفة زياد على الكوفة. وقال هشام ابن الكلبي والهيثم بن عدي: ولى معاوية الضحاك بن قيس الكوفة سنة أربع وخمسين، فأقره عليها سنة، وكان الضحاك يقول حين تهتك أمره بالمرج أو يقال له: أبا أنيس: أعجزا بعد كيس؟ حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بِلالِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ مُؤَذِّنَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ لَهُ: إِنِّي لأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، قَالَ لَهُ: لَكِنِّي أُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّكَ تَبْغِي فِي الأَذَانِ وترتشي في التعليم، وكان معلم كتّاب.

_ [1] بهامش الأصل: الضحاك بن قيس.

وَحَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ جَهْوَرِيًّا. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الآجُرِّيُّ، ثنا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، ثنا قَتَادَةُ وَحَنْظَلَةُ السَّدُوسِيُّ قَالا: لَقِيَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ رَجُلا فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، قَالَ: لَكِنِّي أُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لأَنَّكَ تَبْغِي فِي الأَذَانِ وَتُشَارِطُ عَلَى تَعْلِيمِ الْغِلْمَانِ. حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، ثنا جَرِيرُ بْنُ عبد الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، عَلِّمُوا أَوْلادَكُمْ وَأَهَالِيكُمُ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مُسْلِمٍ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَاكْتَنَفَاهُ ثُمَّ قَالا: اقْرَأْ وَارْتَقِ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُنْزِلاهُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ عِلْمُهُ بِالْقُرْآنِ. حدثنا خلف بن هشام البزار عن جرير عن منصور في هذا الإسناد بمثله. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: خَطَبَ الضَّحَّاكُ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: اذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرْكُمْ فِي الشِّدَّةِ، فَإِنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ عَبْدًا ذَاكِرًا لِلَّهِ، فَلَمَّا وَقَعَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ذَكَرَ اللَّهَ فَنَجَّاهُ. قَالَ اللَّهُ: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ في بطنه إلى يوم يبعثون [1] . حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طُرْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ قيس يقول: أيها الناس

_ [1] سورة الصافات- الآيتان: 143- 144.

أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ وَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِذَا عَفَا عَنْ مَظْلَمَةٍ تَرَكْتُهَا لِلَّهِ وَلِوُجُوهِكُمْ، وَلا يَصِلُ أحدكم رحمة الله ثُمَّ يَقُولُ هَذَا لِلَّهِ وَلِرَحِمِي، وَلا تُشْرِكُوا فِي أَعْمَالِكُمْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا فَإِنَّ اللَّهَ يقول يقوم الْقِيَامَةِ: مَنْ أَشْرَكَ مَعِيَ شَرِيكًا فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ فَهُوَ لِشَرِيكِي وَلَيْسَ لِي مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنِّي لا أَقْبَلُ الْيَوْمَ إِلا عَمَلا صَالِحًا خَالِصًا. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِحِ بْن مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلِ الصَّلاةِ مِنْ شَأْنِهِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يَقُومُ فِي الصَّلاةِ وَلَيْسَ مُقْبِلا عَلَيْهَا مَثَلُ بِرْذَوْنٍ فِي رَأْسِهِ مُخْلاةٍ لا عَلَفَ فِيهَا، فَمَنْ رَآهُ حَسِبَ أَنَّهُ يَأْكُلُ عَلَفًا، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ. وروي عن الضحاك أنه أرسل إلى مؤذن له بشيء فلم يقبله فقال: ولم، إذا لم يكن عندك شيء تجب فيه الزكاة فاقبل. وقال الواقدي: كان مولد الضحاك بن قيس قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: بعث يَزِيد بْن مُعَاوِيَة الضحاك بْن قَيْس إلى ابن الزبير ليأخذ بيعته فأبى عليه، فقال الضحاك: إِن لَمْ تبايع طائعا بايعت كارها. فَقَالَ ابن الزبير: يا ثعلبة بن ثعلبة تيس بحيرة يبيع الضربة بالقبضة، أراد الحقحقة فأخطأت استه الحفرة. يقال ضرب اللبن في سقائه، وهي الضربة، والجماع ضراب. وقالت امرأة لزوجها وقدم من سفر له معجلا للشبق: قبح الله ضربة أوقعت بك، فقال: قبح الله شعبا دخنت أسفله. ثم إن الضحاك صار زبيريا بعد موت يزيد، والحقحقة: غاية الإسراع في السير.

وقال أبو اليقظان: ظن ابن الزبير أن الضحاك قد خلعه، فقال فيه هذا القول. حَدَّثَنِي شجاع بْن مخلد الفلاس، ثنا جرير الضَّبِّيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ قَالَ: بَعَثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ وَقُلْتُ: أَمَرَنِي الضَّحَّاكُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنِ الَّذِي كَانَ الْحَبْرُ أَخْبَرَكَ بِهِ بِالْيَمَنِ، فَقَالَ: نَعَمْ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كُنْتُ أُؤْمِنُ بِأَنَّهُ يَمُوتُ مَا فَارَقْتُهُ، فآتي حبر، فَقَالَ لِي: الْيَوْمَ مَاتَ مُحَمَّدٌ، فَلَوْ كَانَ مَعِيَ سِلاحٌ لَضَرَبْتُهُ بِهِ. فَلَمْ أَلْبَثْ إِلا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَنِي كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ بِوَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا لَهُ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ بَيْعَةً مِنْ قِبَلِي، فَأَرْسَلْتُ إِلَى الْحَبْرِ فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ مَا أَعْلَمْتَنِي؟ فَقَالَ: إِنَّهُ نَبِيٌّ نَجِدُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي يَوْمِ كَذَا، قُلْتُ فَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ؟ قَالَ: تَسْتَدِيرُ رَحَاكُمْ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. حَدَّثَنِي هُدْبَةُ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بَعَثَ مَعَهُ بِكِسْوَةٍ إِلَى مَرْوَانَ ثُمَّ حَارَبَهُ. الْمَدَائِنِيُّ عَن غسان بن عبد الحميد أن الضحاك بن قيس قدم المدينة فصلى بين القبر والمنبر، فرآه رجل من التجار يكنى أبا الحسين وعليه برد مرتفع من كسوة معاوية، فقال له وهو لا يعرفه: يا أعرابي أتبيع بردك؟ فواقفه من ثمنه على ثلاثمائة دينار، وقال: انطلق حتى أدفعه إليك فأتى منزل حويطب بن عبد العزى فقال: يا جارية، هلمي بعض أردية أخي، فأخرجت إليه بردا فارتدى به، ثم قال للرجل: أراك قد أغريت ببردي وأعجبت به، وقبيح بالرجل أن يبيع رداءه فخذه فهو لك فأخذه الرجل

فباعه فكان سبب يساره. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ قَالَ: رَأَيْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَرَأَ [سُورَةَ «ص» ] فَنَزَلَ فَسَجَدَ، وَعَلْقَمَةُ وَأَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ وَرَاءَهُ فَسَجَدُوا. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، أنبأ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الضَّحَّاكَ صَلَّى بِقَوْمٍ فَسَهَا، فَلَمَّا فَرَغَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: خَطَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ إِمَامٌ يَخْطُبُ وَهُوَ قَاعِدٌ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلا أَتَى امْرَأَةً لَيْلا فَجَعَلَتْ تَصْرُخُ فَلَمْ يُصْرِخْهَا أَحَدٌ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: رُوَيْدًا أَسْتَعِدَّ وَأَتَهَيَّأْ لَكَ فَأَخَذَتْ فِهْرًا- أَوْ قَالَ: حَجَرًا- وَقَامَتْ خَلْفَ الْبَابِ فَلَمَّا دَخَلَ فَلَقَتْ رَأْسَهُ فَرُفِعَتْ إِلَى الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ فَأَخْبَرَتْهُ بِالأَمْرِ فَأَبْطَلَ الضَّحَّاكُ دَمَهُ. وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ الضَّحَّاكُ تَوْلِيَةَ مَسْرُوقٍ السِّلْسِلَةَ [1] قَالَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ: أَتُوَلِّي رَجُلا مِنْ بَقَايَا قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ مَسْرُوقٌ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ قَتْلَ أَبِيكَ قال: من

_ [1] لم أجد السلسلة، لكن في معجم البلدان: سلسل: نهر في سواد العراق يضاف إلى طسوج من طريق خراسان، وسلسل أيضا جبل بالدهناء، من أرض تميم، وفي المغازي النبوية ذات السلاسل نسبة إلى ماء بأرض جذام يقال له السلسل.

لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ؟ [قَالَ: «النَّارُ» ،] فَقَدْ رَضِيتُ لَكَ بِمَا رَضِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ رِجَالا يَشْتِمُونَ أَسْلافَنَا الصَّالِحِينَ، وَأَمَّا وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلا شَرِيكٌ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عَمَّا يَبْلُغُنِي عَنْكُمْ لأُجَرِّدَنَّ فِيكُمْ سَيْفَ زِيَادَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ثُمَّ لا تَجِدُونِي ضَعِيفَ السَّوْرَةِ، وَلا كَلِيلَ الشَّفْرَةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَصَاحِبُكُمُ الَّذِي أَغَرْتُ عَلَى بِلادِكُمْ فَسِرْتُ فِيمَا بَيْنَ الثَّعْلَبِيَّةِ وَشَاطِئِ الْفُرَاتِ أُعَاقِبُ مَنْ شِئْتُ وَأَعْفُو عَمَّنْ شَئِتُ، وَلَقَدْ ذعّرت المخبّآت فِي خُدُورِهِنَّ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَتُرْهِبُ صِبْيَانَهَا بِي إِذَا بَكَوْا فَمَا تُسْكِنُهُمْ إِلا بِاسْمِي، وَاعْلَمُوا أَنِّي الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو أُنَيْسٍ قَاتِلَ ابْنِ عُمَيْسٍ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ فَقَالَ: صَدَقَ الأَمِيرُ، أَعْرِفُ وَاللَّهِ مَا تَقُولُ وَلَقَدْ لَقَيْنَاكَ بِغَرْبِيِّ تَدْمُرَ فَوَجَدْنَاكَ صَبُورًا وَقُورًا أَبِيًّا، ثُمَّ جَلَسَ وَقَالَ: يَفْخَرُ عَلَيْنَا بِمَا صَنَعَ بِبِلادِنَا لَقَدْ ذَكَرْتُهُ أَبْغَضَ مَوَاطِنِهِ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ الضَّحَّاكُ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمْ رَجُلا بِغَرْبِيِّ تَدْمُرَ وَمَا كُنْتُ أَرَى فِي النَّاسِ مِثْلَهُ، حَمَلَ عَلَيْنَا فَمَا كَذَبَ أَنْ ضَرَبَ فِي الْكَتِيبَةِ بِسَيْفِهِ فَصَرَعَ رَجُلا وَضَرَبْتُ رَأْسَهُ ضَرْبَةً شَدِيدَةً وَضَرَبَنِي فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا فَمَا رَاعَنِي إِلا مَجِيئُهُ عَاصِبًا رَأْسَهُ مُقْبِلا فَقُلْتُ لَهُ: أَمَا نَهَتْكَ الأُولَى عَنِ الأُخْرَى؟ فَقَالَ: وَلِمَ وَأَنَا أَحْتَسِبُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَيَّ فَطَعَنَنِي وَطَعَنْتُهُ، وَحَمَلَ أَصْحَابَهُ فَاقْتَتَلْنَا ثُمَّ تَحَاجَزْنَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدٍ: ذَلِكَ يَوْمٍ قَدْ شَهِدَهُ هَذَا، يَعْنِي رَبِيعَةَ بْنَ نَاجِذٍ الأَزْدِيَّ وَلا أَحْسَبُ هَذَا الْفَارِسَ الَّذِي ذَكَرَهُ الأَمِيرُ يَخْفَى عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ أَتَعْرِفُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ:

فَأَرِنِي الضَّرْبَةَ فَأَرَاهُ إِيَّاهَا فَقَالَ: أَرَأْيُكَ الْيَوْمَ كَرَأْيِكَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، رَأْيِي الْيَوْمَ الْجَمَاعَةُ. قَالَ الضَّحَّاكُ: مَا عَلَيْكُمْ مِنِّي بَأْسٌ، أَنْتُمْ آمِنُونَ مَا لَمْ تُظْهِرُوا خِلافًا وَلَكِنَّ الْعَجَبَ كَيْفَ نَجَوْتَ مِنْ زِيَادٍ فَلَمْ يَقْتُلْكَ فِيمَنْ قَتَلَ أَوْ يُسَيِّرُكَ. قَالَ: أَمَّا التَّسْيِيرُ فقد سيّرني وقد عافى الله من القتل. ثم حدث الضحاك فقال: أصابني يومئذ عطش، ضل الجمل الذي كان عليه ماؤنا، وأصابني نعاس فملت عن الطريق فبعثت من يطلب الماء فلم يجده، ووقفنا على جادة فلزمتها فسمعت قائلا يقول: دعاني الهوى فازددت شوقا وربما ... دعاني الهوى من ساعة فأجيب فأرقني بعد المنام وإنما ... أرقت لساري الهم حين يؤوب فأشرفت فإذا الرجل فاستسقيته فقال: أما والله دون أن تعطيني ثمنه فلا، قلت: وما ثمنه؟ قال: ديتك- ويقال إنه قال فرسك- قلت: أو ما يجب عليك أن تسقي الضيف وتطعمه وتكرمه؟ قال: ربما فعلنا وربما بخلنا، قلت: والله ما أراك فعلت خيرا قط فضمنت له مائة دينار وأعطيته قوسي رهنا، فمضى إلى ماء وانطلق يعدو حتى أتاني بإناء فقلت لا حاجة لي فيه، ودنوت من الناس وهم على الماء فاستسقيت فقال شيخ لابنته: أسقيه، وقلما رأيت أجمل منها فأتتني بماء ولبن فشربته، فقال الرجل الأول: أنجيتك من العطش وتذهب بحقي؟ لا أفارقك حتى أستوفي مائة، واجتمع إلى أهل الماء فقلت: هذا ألأم الناس فعل كذا وكذا، وهذا أكرم الناس فعل كذا فشتموه. وأقبل أصحابي فسلموا علي بالإمرة فذهب لينهض فقلت: لا والله حتى أوفيك مائة، وأمرت به فجلد مائة جلدة، وأمرت للشيخ وابنته بمائة دينار وكسوة، وقد يروى هذا الحديث عن حبيب بن مسلمة الفهري

وهو عن الضحاك أثبت. وقالوا: وكان مالك الدار مولى عمر بن الخطاب قيما على داره، وكان له مولى يقال له ذكوان مولى مالك ويكنى أبا خالد، وهو الذي سار في ليلة من مكة إلى المدينة، فولاه الضحاك بن قيس سوق الكوفة، ويقال عملا غير ذلك فوجد عليه، فأمر به فقرب إليه، والضحاك على سرير مرتفع، وجعل يضربه بقضيب، ويقال بسوط، وكان ذكوان قصيرا، فقال له: تطاول لا أم لك حتى أستمكن من ضربك ويقال بل تطاول لئلا يقع الضرب على رأسه، ويقال ضربه الجلاد بسوط فجعل يتطاول لئلا يصيب السوط خاصرته فقال ذكوان: تطاولت للضحاك حتى رددته ... إلى نسب في قومه متقاصر يقول حتى ضربني فلؤم في ذلك: فلو شهدتني من قريش عصابة ... قريش البطاح لا قريش الظواهر لغطوك حتى لا تنفس بينهم ... كما غط في الدوارة المتزاور ولكنهم غابوا فأصبحت حاضرا ... فقبحت من حامي ذمار وناصر فريقان منهم ساكن بطن يثرب ... ومنهم فريق ساكن بالمشاعر فبلغ معاوية شعره فقال له: قاتله الله، والله ما زلت أتوقع أن يفرق بعض شعراء العرب بين قريش الظواهر من قريش البطاح. وقال ابن الكلبي: قريش الظواهر كانوا يغيرون على جيرانهم بمكة، ويغزون غيرهم، ويعيرون قريش البطاح بترك الغزو، فمن قريش الظواهر الذين كانوا ينزلون ظواهر مكة بنو عامر بن لؤي، وتيم الأدرم بن غالب، ومحارب، والحارث ابنا فهر بن مالك إلا أن بني حسل بن عامر دخلوا بعد

إلى مكة فصاروا من قريش البطاح، ودخل رهط أبي عبيدة بن الجراح مكة أيضا فصاروا من قريش البطاح، ومن المطيبين. والمطيبون: بنو عبد مناف، وأسد بن عبد العزى، وزهرة، وتيم بن مرة، والحارث بن فهر. والأحلاف: عبد الدار، وسهم، وجمح، ومخزوم، وعدي بن كعب، ولم يدخل عامر بن لؤي في ذلك. وقال الهيثم بن عدي وغيره: بعث الضحاك بن قيس بعثا إلى خراسان فكان فيمن كان في البعث شقيق بن السليك بن حبيش الأسدي وهو ابن أخي زر بن حبيش، فرفع في الجعالة، وجعل عليها حطان بن خفاف الجرمي، فبلغ ذلك الضحاك فطلبه فظفر به فأمر بتجريده، فقال لا تعجل علي حتى أنشدك، فأنشده: أتاني عن أبي أنس وعيد ... فهد توعد الضحاك جسمي فلم أعص الأمير ولم أربه ... ولم أسبق أبا أنس بوغم [1] ولكن البعوث جرت علينا ... فكنا بين تطويح وغرم فجاشت من جبال السّغد نفسي ... وجاشت من جبال خوارزم وقارعت الرجال وقارعوني ... فطار بضجعة في الحي سهمي ووليت الجعالة مستميتا ... خفيف الحاذ من فتيان جرم فأمر فخلي سبيله، وقال شقيق: وليس بتجريد الأمير خزاية ... علي إذا ما كنت غير مريب ويقال أن الشعر لغيره، وقال عتبة بن الوغل: أراح الله منك أبا أنيس ... وشاكر قد خربن من الفرات

_ [1] بهامش الأصل: الوغم: الوتر.

وقدم عليه كعب بن جعيل الكوفة فسأله حاجة فأبطأ بها فقال: لعمرو أبيها لا أبي لكأنما ... يرى تغلب الغلباء عني غيبا قصير القميص فاحش عند بيته ... وشر قريش في قريش مركبا بني لك قيس في قرى عربية [1] ... من اللؤم بيتا آخر الدهر يرتبا أرى إبلي حنت طروقا كأنما ... تجاوب طنبورا أجش مثقبا أتبكي على دين ابن عفان بعد ما ... تضاحك ضحاك بنا وتلعبا وكان عبد الرحمن بن الضحاك عامل يزيد بن عبد الملك على المدينة فنظر إلى بعض بني مروان يجر ثيابه فقال له: أما والله لو رأيت أباك لرأيته مشمرا، فما يمنعك من التشمير؟ فقال: منعني منه قول الشاعر لأبيك: قصير الثياب فاحش عند بيته ... وشر قريش في قريش مركبا وقد ذكرنا خبر عبد الرحمن وسبب عزل يزيد إياه فيما تقدم من كتابنا هذا. حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ عَن الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ بِالْكُوفَةِ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: بَلَغَنَا عَنْ يَعْقُوبَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ لِوَلَدِهِ: إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى السُّلْطَانِ فَأَقِلُّوا الْكَلامَ، وَإِنَّكُمْ لَتُكْثِرُونَ الْكَلامَ حَتَّى تَمَلُّونِي فَاقْصِدُوا لِحَوَائِجِكُمْ بِإِيجَازِ اللَّفْظِ وَحَذْفِ الْفُضُولِ. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ خَطَبَ يَوْمًا فَنَهَى عَنِ الاحْتِكَارِ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لعن المحتكرين، وو الله لا عرفت من

_ [1] على مقربة من المدينة المنورة، ويفهم من كلام المتقدمين أن قرى عربية هي قرى وادي القرى. المغانم المطابة ص 261.

ومنهم حبيب بن مسلمة [1] بن مالك الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر،

رَجُلٍ احْتِكَارًا إِلا قَطَعْتُ يَدَهُ، وَأَبَحْتُ النَّاسَ مَا احْتَكَرَ مِنْ طَعَامِهِ. وَقَالَ الْهَيْثَمُ: كَانَ الضَّحَّاكُ يَقُولُ: اتَّكِلُوا عَلَى اللَّهِ، وَلا تَتَّكِلُوا عَلَى حِيَلِكُمْ، فَرُبَّ حِيلَةٍ جَرَّتْ لِصَاحِبِهَا هَلَكَةً. المدائني قَالَ: دخل عقيل بن أبي طالب عَلَى معاوية رضي الله عنهما وقد كف بصر عقيل يومئذ فلم يسمع متكلما، فقال: يا أمير المؤمنين أما في مجلسك أحد؟ فقال: بلى قوم من قريش وفيهم الضحاك بن قيس، وقوم من أهل الشام. قَالَ: فَمَا لَهُمْ لا يَتَكَلَّمُونَ؟ فَتَكَلَّمَ الضَّحَّاكُ. فقال: من هذا يا معاوية؟ قال: الضحاك بن قيس. قال: ابن خاصي القرود؟ وما كان بمكة أخصى لكلب وقرد من أبي هذا. قالوا: وعزل معاوية الضحاك عن الكوفة في سنة سبع وخمسين، وقد ذكرنا له أخبارا فيما تقدم من كتابنا. ومنهم الأسود بن كلثوم بن قيس ولي دمشق. ومنهم حبيب بن مسلمة [1] بن مالك الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بْن عَمْرِو بْنِ شيبان بْن محارب بْن فهر، كان شريفا، وله يَقُول شريح الْقَاضِي حِينَ بعثه مُعَاوِيَة فِي خيل من الشام ليصير إلى عثمان رضي الله عنه: كل امرئ يدعى حبيبا وإن بدت ... مروءته يفدي حبيب بَنِي فهر أمِير يقود الْخَيْل حَتَّى كأنما ... يطأن برضراض الحصى جاحم الجمر وكان لحبيب أثر جميل في فتوح الشام، وغزو الروم، ووجه في أيام عثمان رضي الله تعالى عنهما إلى أرمينية، ففتح مدائن من مدائنها، وصالح

_ [1] بهامش الأصل: حبيب بن مسلمة رحمه الله.

منهم ضرار بن الخطاب [2] بن مرداس بن كبير بن عمرو بن حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر،

أهل تفليس وفيه يقول الشاعر: وإن تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم ... وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل وقد ذكرت خبره في كتابي الذي ألفته في أمور البلدان، ومات حبيب بالشام. وقال الواقدي: مات بشمشاط وهي أرمينية الرابعة في سنة اثنتين وأربعين. وقال الواقدي: ونحن نقول أن حبيب بن مسلمة ولد قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، وغير الواقدي يقول: إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه، كان حبيب بن مسلمة يكنى أبا سعيد، ويقال إنه يكنى أبا عبد الرحمن، وكان ابن رغبان أبو صاحب المسجد ببغداد مولاه. وولد خراش بن ثعلبة: عاصم بن خراش، وأمه ابنة ضباب بن حجير بن عبد بن معيص، وعدادهم في بني تميم ثم في بني حدان بن قريع. وولد حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب: عمرو بن حبيب. وكان عمرو أغار على بني بكر بن كنانة وهم يعبدون سقبا [1] فأكله فسمي آكل السقب. والأحب بن حبيب. وظهر بن حبيب، ويقال ظهير، وأمهما السوداء بنت زهرة بن كلاب. وتيم بن حبيب وأمه من بني تيم الأدرم. منهم ضرار بْن الخطاب [2] بْن مرداس بْن كبير بن عمرو بن حبيب بْن عَمْرِو بْنِ شيبان بْن محارب بْن فهر، وكان فارس قريش وشاعرها وهو ممن

_ [1] السقب: ولد الناقة. القاموس. [2] بهامش الأصل: ضرار بن الخطاب رضي الله عنه.

كان بمكة مقيما بها في منزله، ولم يفارقه، وقال بعضهم: هو ضرار بن مرداس بن حبيب بن عمرو بن كبير بن عمرو بن شيبان، والأول أثبت، وقال ضرار في يوم عكاظ حين اقتتلت بنو كنانة وهوازن وسليم ألم تسأل الناس عن شأننا ... وما جاهل الأمر كالخابر غداة عكاظ وقد أجفلت ... هوازن في لفها الحاضر ولما التقينا أذقناهم ... طعانا بصم القنا العاتر ففرت سليم ولم يصبروا ... وطارت شعاعا بنو عامر وفرت ثقيف وأشياعها ... بمنقلب الجانب الخاسر وأسلم ضرار في الفتح، وقال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: أحق بالمدح ممن كنت مادحه ... محمد ذو المعالي خاتم الرسل به هدانا إله الخلق قاطبة ... من الضلال وأغنانا من العيل خير البرية أتقاها وأعدلها ... وأفضل الناس من حاف ومنتعل وكان ضرار أتى السراة وهي بلاد دوس والأزد، وهي فوق الطائف فوثبت عليه دوس ليقتلوه حين قتل أبو أزيهر لأنه قرشي، وكانت الأزد تقتل من لقيته من قريش بأبي أزيهر لقتل هشام بن الوليد بن المغيرة إياه، فلجأ ضرار بن الخطاب إلى امرأة من الأزد يقال لها أم جميل فأجارته، فلما استخلف عمر رضي الله تعالى عنه ظنت أن ضرارا أخوه فأتت المدينة فلما كلمت عمر عرف القصة فقال: لست بأخيه إلا في الإسلام وهو غاز، وقد عرفنا منتك عليه فأعطاها على أنها ابنة سبيل. وقال الواقدي: اسمها أم غيلان، وقال غيره اسمها أم جميل، وكان لها ابن يقال له غيلان، وفي ذلك يقول ضرار بن الخطاب:

منهم: رباح بن المغترف [1] ،

جزى الله عنا أم غيلان صالحا ... ونسوتها إذ هن شعث عواطل فهن صرفن الموت بعد اقترابه ... وقد برزت للنائرين المقاتل دعت دعوة دوسا فسالت شعابها ... بعز ولما يبد منهم تخاذل وجردت سيفي ثم قمت بنصله ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل وقيل إن أم غيلان هذه كانت مولاة للأزد ماشطة، وكان ضرار رئيس محارب بن فهر وقائدها في الفجار. وقال أبو عبيدة: كنية ضرار أبو مرداس، وغزت بنو فهر وبنو عبس، وكان بينهم يومئذ بعض الحلف على اليمن فقال ضرار بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: قرب بني فهر وقرب عبسا ... قوما تراهم للقاء تعسا لا يسامون بالرماح الدعسا وقتل ضرار يوم أحد أوس بن عبيد أحد بني عبد الأشهل، وقتل أيضا عمرو بن ثابت بن قيس الأنصاري. وحفص بن مرداس كان شريفا. وولد حجوان: بن عمرو بن شيبان المغترف، واسمه أهيب بن حجوان، وعبد الله بن حجوان. ومالك بن حجوان، وأمهم ابنة جابر بن نصر بن عبد بن عدي بن الديل. منهم: رباح بن المغترف [1] ، كانت له صحبة، وهو شريك عبد الرحمن بن عوف الزهري في التجارة، وكان أحسن الناس صوتا، وهو الذي قال له عمر وقد حدا به: خذ في غنائك.

_ [1] بهامش الأصل: رباح بن المغترف رحمه الله.

منهم: كرز بن جابر بن حسل بن الأحب بن حبيب.

وابنه عبد الله بن رباح بن المغترف كان حسن الصوت أيضا. وولد سعد بن عمرو بن شيبان: وهب بن سعد. ومالك بن سعد. وضبعان بن سعد، وأمهم سلمى بنت الأحب بن منقذ. منهم: نهشل بن عمرو بن عبد الله بن وهب كان من عظماء قريش ومطاعيمهم، وفيه يقول الشاعر: تقدم نهشل في الخير قدما ... وجاد بما يصان على الفقير وأطعم غير ما كز بخيل ... ولم يطلع بأعباء الأمور وبنوه: عبد الرحمن. وعبد الله. ونضلة. وقطن. وصالح، قتلوا يوم الحرة. وولد الأحب بن حبيب بن عمرو بن شيبان: حسل بن الأحب. وعمرو بن الأحب، وأمهما بنت عائش بن ظرب. منهم: كرز بن جابر بن حسل بن الأحب بن حبيب. وكان كرز بن جابر على سرح المدينة، وكان السرح يرعى بالجماء ونواحيها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ سَفَوان وشارف بدرا ثم رجع ولم يلق كيدا، وفاته السرح، ثم إنه أسلم وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سرية فطلب الذين ساقوا لقاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلوا يسارا مولاه، وبعد ذلك كانت غزاة الحديبية وقتل كرز بن جابر يوم فتح مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم. أخطأ الطريق فلقيته خيل المشركين فقتلوه، وقد ذكرنا خبره. وولد تيم بن حبيب: حذيم بن تيم. والأخيف بن تيم. ومحلم بن تيم، وأمهم ابنة جابر بن كبير. وولد حذيم بن تيم: أسيد بن حذيم. ومالك بن حذيم، وأمهما من خثعم.

وولد الحارث بن فهر:

فولد أسيد بن حذيم: عوف بن أسيد. ووقش بن أسيد. وحجر بن أسيد. وعصمة، وأمهم التحفة بنت عوف بْن الْحَارِث بْن منقذ بْن عَمْرِو بْنِ معيص. وولد شمخ بن محارب: عبيد بن شمخ. ووهب بن شمخ. وتيم بن شمخ. وعائذ بن شمخ. وربيعة بن شمخ. وعامر بن شمخ، وأمهم بنت كلاب بْن ربيعة بْن عَامِر بْن صعصعة. فولد ربيعة: عبيد بن ربيعة. فولد عبيد: سلامان بن عبيد. وعامر بن عبيد. وقيس بن عبيد، وأمهم ابنة عائش بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر. ومن بني محارب بن فهر: عمرو بن أبي عمرو. وأبو شداد، ذكره الواقدي وأبو معشر فيمن شهد بدرا، ولم يذكره موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق فيمن شهد بدرا. وقال الواقدي: شهدها وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، ومات سنة ست وثلاثين. وولد الحارث بن فهر: [ومنهم قيس بن الحارث بن فهر وهو الخلج] وديعة بن الحارث وضبة بن الحارث. وظرب بن الحارث. وضباب بن الحارث، وأمهم الوارثة بنت الحارث بن مالك بن كنانة. وقيس بن الوارث وهو الخلج، ويقال الخلج من بقية العماليق. وقال أبو اليقظان: زعموا أنهم كانوا من عدوان بن عَمْرو بن قيس بن غيلان وهم بنو وهيب، فشذوا عنهم فوقعوا في بني نصر بن معاوية فلم يزالوا كذلك حتى كانوا في أيام عمر بن الخطاب فأتوه فقالوا: نحن من قريش

فقال: إن لي بصرا بالقيافة فأخرجوا إلى مربد النعم [1] ، وهو موضع بالمدينة، فإن لقريش شمائل فإن أشبهتموهم ألحقتكم بهم، فخرج معهم فقال: أقبلوا، ثم قال: أدبروا. ففعلوا فقال: ما أرى شمائل تشبه شمائل قريش فالحقوا بمن أنتم منه، فلما كان أيام عثمان أتوه فقبلهم وألحقهم بالحارث بن فهر، وأتاه بعض بني نصر فقال: يا أمير المؤمنين، منعتهم رماحنا في الجاهلية وهم معنا، فلم يلتفت عثمان إلى قولهم. وقال بعضهم سموا الخلج لأنهم اختلجوا من عدوان. وقال أبو اليقظان: فقال أبو عمرو المدني. نزلوا على ثلاثة خلج، فسموا الخلج، وهم بالمدينة كثير، وكان منهم بالبصرة جعفر بن عيينة بن الحكم وكان سريا، وكان أبوه أو عمه حفص بن الحكم يقول الشعر وهو القائل: خلت البصرة من أقنائها ... وخلونا بالرعابيب الخرد تسلب العقل إذا أبصرتها ... صعدة في سابري تطرد فلما قدم الحجاج قال: قد تفرغت للرعابيب، أما والله لأبعدن دارك منهن، وأخرجه إلى خراسان فسقط عن فرس له فمات بها. ومن الخلج: يعقوب بن نافع وكان له سرو وأقطعه ابن عامر دارا. وفيهم يقول جرير بن عطية الخطفي: وغابر الخلج أعمى مات قائده ... والله أذهب منه السمع والبصرا لو أن صاحب ديوان يعدهم ... لم تكمل الخلج في ديوانه سطرا لا ينقلون إلى الجبان ميّتهم ... حتى يؤاجر يعقوب له نفرا

_ [1] موضع على ميلين من المدينة. المغانم المطابة.

لولا ابن زرعة قد طيرت جمعكم ... كما يفرق كي الميسم الوبرا [1] يعني ضمرة بن زرعة الهلالي، وإنما راقبه فيهم لجوارهم، ويعقوب بن نافع جد عثمان بن الحكم بن صخر بن عثمان بن بشر، أمه أسماء بنت يعقوب بن نافع، وفيهم يقول جرير: وأفضل من أتى الخلجي رهطا ... أغصته عداوتنا بريق متى يهجم عليك تقل دعي ... أحلته السنابك في مضيق [2] وقال حارثة بن بدر العدواني: لقد عجبت وكان الشيء يعجبني ... مما تناهك من أعراضنا الخلج هم خسا وزكا [3] من دون أربعة ... لم يخلقوا إذ جدود الناس تعتلج قد يسلب الجرذ الغادي فطيمهم ... ولا ينهنهه الأصوات واللجج وقال آخر: وكانوا على عهد ابن بدر ثلاثة ... فمات من الرهط الثلاثة واحد وأصبح باقي الخلج أعرج مقعدا ... وأعمى يهاديه إلى الحش قائد وتيم بن الحارث بن فهر. وجذاعة بن الحارث. وعميرة بن الحارث. ونضر بن الحارث وأمه بنت الحارث بن مالك بن النضر. وبتيرة، درج فقيل أبتر من بتيرة. فولد وديعة بن الحارث: عميرة بن وديعة. وعبد العزى بن وديعة. وعامر بن وديعة. ومالك بن وديعة، وأمهم عميرة بنت الأحمر بن الحارث من كنانة.

_ [1] ديوان جرير ص 172 مع فوارق. [2] ديوان جرير ص 317 مع فوارق. [3] الخسا: الفرد، وزكّا: مرّ يقارب خطوه ضعفا. القاموس.

فولد عميرة: عامرة بن عميرة. وخالد بن عميرة. وتيم بن عميرة. وحبيب بن عميرة. وطريف بن عميرة، وأمهم عميرة بنت عوف بن الحارث بن تميم بن مرة بن أد. فولد عامرة: عبد العزى. وعبد الله بن عامرة. وسلمة. وقنيع بن عامرة، وأمهم هند بنت عبد الله بن الحارث بن واثلة من عدوان. فولد عبد العزى بن عامرة: أبا همهمة وهو عمرو. وطريف بن عبد العزى. وسلامان. وجابر بن عبد العزى، وأمهم قلابة بنت عبد مناف بن قصي، وكان عبد العزى ينزل بين مكة واليمن فقال له أبو همهمة ابنه: ما مقامنا بأرض ليس فيها من بني عبد مناف أحد؟ فقال: ما رغبت في مكة وبلدنا أخصب منها. فلحق أبو همهمة بهم ومعه بنو الحارث. وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: صار بنو الحارث بن فهر أبطحيين بمكة لأن عبد العزى بن عامرة تزوج قلابة بنت عبد مناف، ولأن أم حرب بن أمية كانت أميمة بنت أبي همهمة أحد بني الحارث بن فهر [1] . فمن ولد عبد العزى: شريف بن عمرو بن فقيم بن أبي همهمة بن عبد العزى، وكان شريفا. وعمرو بن شقيق بن سلامان بن عبد العزى الذي يقول: لا يَبْعُدَنَّ رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ ... وَسَقَى الْغَوَادِي قبره بذنوب نفرت قلوصي من حجارة حرة ... بنيت على طلق اليدين وهوب بنيت على بطل وفارس مشهر ... نهد مراكله [2] أغر ذنوب

_ [1] نسب قريش للمصعب الزبيري ص 443- 444. [2] المراكل: الحوافر. والذنوب الفرس ذات الذنب العظيمة. القاموس.

نفرت قلوصي ساعة فزجرتها ... وبما أراها وهي غير هيوب لا تنفري يا ناق منه فإنه ... سباء [1] خمر مسعر لحروب نعم الفتى أدى نبيشة بزه [2] ... يوم الكديد نبيشة بن حبيب لولا السفار وطول خرق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب لله در بني علي إنهم ... لم يجشموا غزوا كولغ الذيب [3] وكان الذي قتل ربيعة نبيشة بن حبيب بن رئاب بن رواحة بن مليل السلمي. وولد ظرب بن الحارث: عائش بن ظرب. وأمية بن ظرب. ومالك بن ظرب، وأمهم سلمى بنت لؤى. فولد عائش: عمرو بن عائش. وعامر بن عائش. وعبد العزى بن عائش. وعبد شمس بن عائش. وأمية بن عائش. وعتوارة، وأمهم ابنة وهب بن الأدرم.

_ [1] في حماسة أبي تمام ص 457، ولباب الآداب لأسامة بن منقذ- ط. القاهرة 1987 ص 185 «شريب، أو شراب» . [2] ادى بزه: دفع سلاحه إلى ورثته. والبز: السلاح والثياب وكذلك البزة. شرح حماسة أبي تمام ج 1 ص 458. [3] صاحب هذه الأبيات في حماسة أبي تمام- ط. دمشق 1992 ج 1 ص 457- 458 هو جعفر بن الأحنف، ويقال حفص بن الأحنف الكناني، وربيعة بن مكدم أحد فرسان العرب المشاهير وهو من كنانة، ونبيشة بن حبيب هو قاتل ربيعة، ويعرف بابن صرمة، وكان قد أعطى سلاحه إلى أهله، وأدى: أعطى، والبز السلاح والثياب. والغوادي: السحاب، والذنوب الدلو، والقلوص: الناقة الفتية، والحرة: أرض غليظة تركبها حجارة سود، والطلق: المنطلق اليدين بالمعروف.

فولد عمرو بن عائش: أمية بن عمرو. وعبد شمس بن عمرو. وجحدم بن عمرو، وأمهم ابنة أمية بن ظرب. ومنهم جنيدة بن عوف بن عبد شمس بن عمرو، كان شريفا. ومن ولده: أبو بكر بن عثمان ولي شرط المدينة. وعبد الله ويقال عبد الرحمن- وذلك الثبت- بْن عتبة بْن أَبِي إياس بْن الْحَارِث بن عبد بن أسد بن جحدم عامل ابن الزبير على مصر والمغرب، فلما اجتمع لمروان بن الحكم أمره بالشام، وذلك في سنة خمس وستين توجه نحو مصر فصالحه ابن جحدم على الخروج من مصر فخرج فلحق بابن الزبير، وذلك بعد أن وجه إليه مروان من حاربه. ويقال بل قتل مروان ابن جحدم بمصر، وفتح مصر عنوة، وولاها عقبة بن نافع الفهري فلم يزل عليها حتى مات مروان، وقد ذكرنا خبر ابن جحدم ومروان فيما تقدم من كتابنا هذا. وولد أمية بن ظرب: خالد بن أمية. وعامر بن أمية. وأسد بن أمية. وذئب بن أمية، وأمهم نعم بنت لؤي. فولد خالد بن أمية: عمرو بن خالد. وسعيد بن خالد. وسفيان بن خالد. ومالك بن خالد. وعبد بن خالد، وأمهم بنت مالك بن حذيمة المصطلق. ومنهم سبيع بن عمرو بن خالد الذي يقول له أبو طالب في قصيدته الطويلة: كما قد لقينا من سبيع ونوفل ... وكان تولى معرضا غير آيل وكان ممن يعين على بني هاشم في أمر الصحيفة وغيرها. وولد عامر بن أمية: عبد الله بن عامر. ولقيط بن عامر، وأمهما

منهم: أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر،

زينب بنت عُثْمَان بْن عَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو بْن مخزوم. منهم نافع بن عبد قيس بن لقيط الذي كان مع هبار بن الأسود يوم عرض لزينب بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وقد ذكرنا خبره فيما تقدم. ومنهم عبد الرحمن بن عقبة بن نافع بن عبد قيس، ولاه مروان مصر وإفريقية، وله عدد بإفريقية، وزعم الهيثم بن عدي أن عقبة بن نافع كان فيمن استعان به عثمان في نسخ الصحف التي جمع فيها المصحف مع ابن الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارث بن هشام، وعبد الرحمن بن أبي معمر بن عبد الله بن إياس بن عبد الله بن عامر، وهم بالمدينة. وولد ضبة بن الحارث بن فهر: أهيب بن ضبة، وأمه عاتكة بنت غالب بن فهر. وهلال بن ضبة. ومالك بن ضبة. وعبد الله بن ضبة. وعمرو بن ضبة، وأمهم سلمى بنت تيم الأدرم. فولد أهيب: هلال بن أهيب، وأمه هند بنت هلال بن عامر. منهم: أَبُو عُبَيْدة عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، وأمه أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى بن عامرة بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر. قالوا: وكان إسلام أبي عبيدة، والطفيل، وعبيدة، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن مظعون، وأصحابهم في وقت واحد قبل دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «أنت أمين هذه الأمة» ،] وانتزع حلق المغفر من وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد، فسقطت ثنيتاه، فلم ير أثرم قط أحسن فما منه، وكان نحيفا معروق الوجه، خفيف اللحية طوالا

أجنى، أشعر، آدم، يصبغ لحيته ورأسه بالحناء والكتم، وهاجر أبو عبيدة إلى أرض الْحَبَشَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ. وقال الهيثم بن عدي: هاجر في المرتين جميعا، وهاجر أبو عبيدة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مَكَّة إِلَى المدينة، وشهد بدرا والمشاهد كلها، ونزل بالمدينة على كلثوم بن الهدم، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سالم مولى أبي حذيفة، وبينه وبين محمد بن مسلمة الأوسي، ومات فِي طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة، وهو أمير، وفتح بالشام فتوحا قد ذكرتها في الكتاب الذي ألفته في أمور البلدان، وكان حين توفي ابن ثمان وخمسين سنة. وكان لأبي عبيدة من الولد: يزيد، وعمير وأمهما هند بنت جابر بن أهيب- أو بنت وهب- بن ضباب بْن حجير من بني عامر بْن لؤي، فدرج ولده ولا عقب له. وقال بعضهم أسلمت أم أبي عبيدة وزوجها جميعا. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» ] . وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا الأَشْيَبُ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَخِلائِي مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْن الْجَرَّاحِ. وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ، ثنا ثَابِتُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ أَدْرَكَ أَبُو عُبَيْدَةَ هَذَا الْيَوْمَ لاسْتَخْلَفْتُهُ وَمَا شَاوَرْتُ فَإِنْ سُئِلْتُ عَنْهُ قُلْتُ: اسْتَخْلَفْتُ أَمِينَ اللَّهِ وَأَمِينَ رَسُولِهِ.

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَعْمَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبَى فَقَالَ: لَتَذْهَبَنَّ أَوْ لأَذْهَبَنَّ أَنَا، فَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ أَتَاهُ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. بِمِقْلاتٍ [1] قَدْ شَدَّ بِهِ مِنْ عُرَى الْجَوَالِيقِ، فَقَالَ لِعُمَرَ: خُذْهُنَّ فَقَالَ عُمَرُ: انْبِذْهُنَّ عَنْكَ، قَالَ: بَلْ أَنْتَ فَخُذْهُنَّ فَانْبِذْهُنَّ. ووجه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عبيدة في سرية بعد سرية وقد ذكرناها فيما تقدم. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنبأ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ وَالْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِطَعَامٍ فَقَالَ: [ «خُذْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ فَإِنَّ خَيْرَ الطَّعَامِ مَا أَكَلَ مِنْهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ» ] . حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده قال: «أمينا قريش أبا بكر وأبا عبيدة بن الجراح لا يكذبانك» . حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن رجال من قوم أبي عبيدة أن أبا عبيدة شهد بدرا وهو ابن إحدى وأربعين سنة. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَعْدَوَيْهِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فَإِذَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَطَلْحَةُ مَعَهُ، فَوَجَدْنَا طَلْحَةَ قَدْ غَلَبَهُ النَّزْفُ، وَإِذَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْثَلُ مِنْهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «عليكم بصاحبكم» ] فلم نقبل

_ [1] المقلى: عودان يلعب بهما الصبيان ج قلات. القاموس.

عَلَيْهِ وَأَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرُهُ وَقَدْ عَلِقَتْ بِوَجْنَتَيْهِ حَلَقَتَانِ مِنْهُ فَذَهَبْتُ لأَنْزَعَهُ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ لَمَا تَرَكْتَنِي أَنْزَعُهُ فَتَرَكْتُهُ فَجَذَبَ حَلَقَةً فَانْتُزِعَتْ ثَنِيَّتُهُ، وَذَهَبْتُ لأَنْزِعَ الْحَلَقَةَ الأُخْرَى فَقَالَ لِي أَبُو عُبَيْدَةَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ لَمَا تَرَكْتَنِي فَتَرَكْتُهُ، فَانْتَزَعَهَا فَعَلِقَتْ ثَنِيَّتُهُ الأُخْرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدِ اسْتَوْجَبَ» ، أَوْ أَوْجَبَ، يَعْنِي طَلْحَةَ [1]] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَوْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَيًّا لاسْتَخْلَفْتُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا اللَّهَ أَرَدْتَ بِهَذَا الْقَوْلِ، أَسْتَخْلِفُ رَجُلا لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُطَلِّقِ امْرَأَتَهُ؟ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بن الجراح ونحن ثلاثمائة، وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَعْطَانَا مِنْهُ قَبْضَةً قَبْضَةً، فَلَمَّا أَنْزَحْنَاهُ [2] أَعْطَانَا تَمْرَةً تَمْرَةً، فَلَمَّا فَقَدْنَاهَا وَجَدْنَا فَقْدَهَا ثُمَّ كُنَّا نَخْبِطُ الْخَبَطَ [3] وَنَسِفُّهُ وَنَشْرَبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى سُمِّينَا جَيْشَ الْخَبَطِ، ثُمَّ أَخَذْنَا عَلَى السَّاحِلِ فَإِذَا دَابَّةٌ مَيِّتَةٌ مِثْلُ الْكَثِيبِ يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيِّتَةٌ لا تَأْكُلُوا، ثُمَّ قَالَ: جَيْشُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنَحْنُ مُضْطَرُّونَ فَأَكَلْنَا مِنْهَا عِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ خَمْسَ عشرة ليلة، واصطبحنا وقد

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 409- 410. [2] بهامش الأصل: أنحزناه. [3] الخبط ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق أو غيره. القاموس.

جَلَسَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا مِنَّا فِي مَوْضِعِ عَيْنِهَا، وَأَقَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلاعِهَا فَوَجَدَ لَهَا جِسْمَ بَعِيرٍ مِنْ أَبَاعِرِنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حَسْبُكُمْ» ؟ قُلْنَا: كُنَّا نَنْتَظِرُ عِيرَ قُرَيْشٍ وَذَكَرْنَا لَهُ شَأْنَ الدَّابَّةِ فَقَالَ: [ «رِزْقٌ رَزَقَكُمُوهُ اللَّهُ أَمَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ» ؟] قُلْنَا: نَعَمْ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ ابْتَاعَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ، وَهِيَ غَزَاةُ الْخَبَطِ جَزَائِرَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَأَطْعَمَهَا النَّاسَ. حدثنا شيبان بن أبي شيبة، ثنا أبو هلال، ثنا قتادة أن أبا عبيدة وخالد بن الوليد كتبا إلى عمر بن الخطاب فبدءا بأنفسهما، فقال زياد وذكر له ذلك: ما كان هذان إلا أعرابيين. فقال ابن سيرين: كانا والله خيرا منه وأكرم. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ رَجُلا يُعَلِّمُهُمُ السُّنَّةَ وَالإِسْلامَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ: [ «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ» ] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلا أَمِينًا فَقَالَ: [ «لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ، حَقَّ أَمِينٍ، حَقَّ أَمِينٍ» .] قَالَهَا ثَلاثًا. فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عطاء الخفاف، أنبأ

سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كان نقش خاتم أبي عبيدة بن الجراح: الخمس لله. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه قال: [ «نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الكلابي، - سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، ثنا ثَابِتٌ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ- وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الشَّامِ-: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحْمَرَ وَلا أَسْوَدَ فَضَّلَنِي بِتَقْوَى اللَّهِ إِلا وَدِدْتُ أَنِّي فِي مِسْلاخِهِ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالا: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِجُلَسَائِهِ: تَمَنُّوا فَتَمَنَّوْا، فَقَالَ: لَكِنِّي أَتَمَنَّى مِلْءَ بَيْتٍ رِجَالا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا أَلَوْتَ الإِسْلامَ، قَالَ: ذَاكَ مَا أَرَدْتُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخِطَابِ: لَوْ أَدْرَكْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ فَاسْتَخْلَفْتُهُ فَسَأَلَنِي اللَّهَ عَنْهُ لَقُلْتُ: رَبِّ سَمِعْتُ نَبِيَّكَ يَقُولُ: [ «هُوَ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ» ] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي كَبْشٍ فذبحني أهلي فأكلوا لحمي وحسوا مرقي [1] .

_ [1] صفات ابن سعد ج 3 ص 411- 413.

حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ بأربعمائة دِينَارٍ أَوْ أَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ وَقَالَ لِلرَّسُولِ: أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ قَالَ: فَقَسَّمَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَأَتَاهُ رَسُولُهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ مُعَاذًا قَسَّمَهَا إِلا شَيْئًا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الإِسْلامِ مَنْ يَصْنَعُ مِثْلَ هَذَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ: لَوْ كَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَا كَانَ بِالنَّاسِ ذُو كُوزٍ [1] . فَقَالَ مُعَاذٌ: فَإِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ تَضْطَرُّ الْعَجَزَةُ لا أَبَا لَكَ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ خَيْرِ مَنْ عَلَى الأَرْضِ. حدثني محمد بن سعد، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أويس المديني، حدثني سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْعَزِيزِ الربعي عن أيوب بن خالد الأنصاري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة أن أبا عبيدة بن الجراح لما أصيب استخلف معاذ بن جبل وذلك عام عمواس. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَهُوَ مُحْتَضِرٌ فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رُجُوعَهُ مِنْ سَرْغَ [2] ، وَكَانَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الشَّامَ، فَلَمَّا صَارَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ وقوع الطاعون فانصرف، فقال أبو

_ [1] في طبقات ابن سعد ج 3 ص 414 «ذي كون» وذلك في حصر أبي عبيدة بن الجراح» . [2] سرغ: أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك من منازل حاج الشام، بينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة. معجم البلدان.

ومنهم: عياض بن عبد غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن ضبة بن الحارث بن فهر

عُبَيْدَةَ: أَتَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أَفِرُّ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعٍ أَيْ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا شَهِيدَةٌ، وَالْمَيِّتُ بِذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ» ] [1] . ومنهم: عياض بن عبد غنم [بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن ضبة بن الحارث بن فهر] [2] رضي الله عنه. وهو عياض بن غنم، سمي أبوه بذلك حين أسلم وهو عبد غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن ضبة بن الحارث بن فهر، وأسلم قبل الفتح وكان عنده أم الحكم بنت أبي سفيان فأسلم ففرق بينهما الإسلام، وشهد الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاه عمر الجزيرة، وكان أبو عبيدة استخلفه، ومات عياض بالشام سنة عشرين، وهو ابن اثنتين وستين سنة. وقال الهيثم: مات بالجزيرة سنة عشرين. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ يَحْيَى بْن آدم عَنِ عدة منَ الجزريين عن سُلَيْمَان بْن عطاء القرشي قَالَ بعث أَبُو عُبَيْدة عياض بْن غنم إِلَى الجزيرة، فمات أَبُو عُبَيْدة وهو بها، فولاه عمر بن الخطاب إياها. قال الواقدي: مات أبو عبيدة في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، واستخلف عليها عياضا، فورد كتاب عمر على عياض بتوليته قنسرين والجزيرة، فسار إِلَى الجزيرة يوم الخميس للنصف من شعبان سنة ثماني عشرة في خمسة آلاف، وعلى مقدمته ميسرة بْن مسروق العبسي، وعلى ميمنته سَعِيد بْن عَامِر بْن حذيم، وعلى ميسرته صفوان بن المعطل السلمي.

_ [1] لحق نص طبقات ابن سعد ج 3 ص 414 بعض التصحيف. [2] بهامش الأصل: عياض بن غنم رضي الله عنه.

ومنهم: عياض بن زهير [1] بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك،

وقال غير الواقدي: ولى عمر: سعيد بن عامر بن حذيم الجزيرة وحمص بعد وفاة عياض، وكانت توليته إياه من المدينة، ووعظه حين ولاه مشافهة وأنه كان على ميمنة عياض غيره، وهذا أثبت الخبرين. ومنهم: عياض بن زهير [1] بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك، هاجر إلى الحبشة ويكنى أبا سعد وأمه سلمى بنت عامر بن ربيعة بن هلال بن مالك، هاجر إِلَى الحبشة فِي المرة الثانية وأقام هناك ثم قدم المدينة قبل بدر وشهد بدرا ومات في سنة ثلاثين ولا عقب له، وهو عم عياض بن غنم بن زهير، وكان عياض بن غنم يكنى أبا سعيد. وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد، هاجر إلى الحبشة في المرة الثانية ومعه عثمان بن عبد غنم بن زهير أخو عياض صاحب الجزيرة، ومعه أيضا سعيد بن قيس بن لقيط بن عامر بْن أمية بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر، فأقام عثمان وسعيد بأرض الحبشة، ثم قدما المدينة مع جعفر بن أبي طالب وسبقهما عمرو بن الحارث إلى مكة، فهاجر إلى المدينة. ومن بني الحارث بن فهر: [سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر] سهيل بن البيضاء [2] ويكنى أبا موسى، والبيضاء أمه، وهي دعد بنت جحدم بن عمرو بن عائش بْن ظرب بْن الْحَارِث بْن فهر، وأبوه وهب بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر، هاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا في رواية محمد بن إسحاق والواقدي، وشهد بدرا وهو ابن أربع وثلاثين سنة، وشهد المشاهد كلها مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وناداه

_ [1] بهامش الأصل: عياض بن زهير رضي الله عنه. [2] بهامش الأصل: سهيل بن البيضاء، رضي الله عنه.

ومنهم: سهل بن البيضاء، أخو سهيل

رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسيره إلى تبوك فقال: «يا سهيل» . فقال: لبيك. ووقف الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حرمه الله على النار» .] ومات سهيل بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك بالمدينة سنة تسع وهو ابن أربعين سنة، وليس له عقب. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَجْلانَ عَنْ عَبَّادٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبٌ، أنبأ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى عَيْبِ مَا لا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بن بيضاء إلا في جوف المسجد [1] . ومنهم: سهل بن البيضاء، أخو سهيل رحمه الله، أسلم بمكة قبل الهجرة وأقام بها فأكرهه المشركون على الخروج معهم ليوم بدر فأسر فيمن أسر من المشركين فشهد له عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي بمكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «لا يخرجن أحد من الأسرى من أيديكم بغير فداء إلا سهل بن بيضاء لأنه مسلم» ،] وخلى سبيله رضي الله تعالى عنه وفيه يقول الشاعر: هم رجعوا سهل بن بيضاء راضيا ... وسر أبو بكر بها ومحمد حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ أَوْ مُحَمَّدُ بن سعد، ثنا سفيان بن عينية

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 415- 416.

وصفوان بن بيضاء أخوهما لأبيهما وأمهما،

عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَسَنُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أبو بَكْرٍ وَسَهْلَ بْنَ بَيْضَاءَ. وزعم أبو اليقظان أن سهل بن بيضاء استشهد يوم بدر، وذلك غلط [1] . وصفوان بن بيضاء أخوهما لأبيهما وأمهما، هاجر من مكة إلى المدينة ولم يهاجر إلى أرض الحبشة، وشهد بدرا مع أخيه سهيل، فقيل إنه استشهد يوم بدر قتله طعيمة بن عدي، وقال بعضهم مات في سنة ثمان وثلاثين، وكان صفوان يكنى أبا عمرو، وبعض الرواة يقول شهد سهل بن بيضاء وصفوان بن بيضاء مع النبي صلى الله عليه وسلم فيجعل سهيلا سهلا، وسألت مصعب بن عبد الله الزبيري عن سهل بن بيضاء فقال: الذي عندنا أن سهلا أتى مكة منصرفا من بدر، ثم هاجر إلى المدينة، قال: وقد ذكر بعضهم أنه انصرف من بدر وأقام بمكة إلى الفتح، قال: والأول أثبت عندي. ومنهم: عمرو بن أبي سرح بن [2] ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر، ويكنى أبا سعد، وأمه زينب بنت أهيب بن ضباب بن حجير بن عامر بن لؤي، وكان أبو معشر نجيح يقول: هو معمر بن أبي سرح، والأول قول موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، والواقدي، وشهد بدرا وجميع المشاهد مع النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات بالمدينة في أيام عثمان سنة ثلاثين. ووهب بن أبي سرح أخو عمرو هذا شهد بدرا.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 4 ص 213. [2] بهامش الأصل: عمرو بن أبي سرح رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.

عبد الرحمن بن هرمة هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر وهو ابن هرمة الشاعر

وقال الهيثم بن عدي: هو من مهاجرة الحبشة، وليس ذلك بثبت. وقال الواقدي: كان لهما أخ يقال له معمر بن أبي سرح [1] شهد بدرا، ولم يهاجر إلى أرض الحبشة. وولد قيس بن الحارث بن فهر- وقيس هو الخلج-: عدي بن قيس. وعلقة بن قيس. فولد عدي: صبح بن عدي. وسيار بن عدي. فولد صبح: عامر بن صبح. فولد عامر: ربيع بن عامر. فولد ربيع: هذيل بن ربيع، وأوس بن ربيع، فولد هذيل: دبية. ونجية. وهرمة. فولد دبية: سويد بن دبية. فولد سويد: زفر بن سويد. ومالك بن سويد. [عبد الرحمن بن هرمة هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر وهو ابن هرمة الشاعر] وولد هرمة: عبد الرحمن بن هرمة الشاعر الذي يقال له ابن هرمة [2] . وكان محمد بن الأعرابي الراوية ينشد أبياتا من قصيدته اللامية التي مدح بها أمير المؤمنين المنصور فيقول: ختم به الشعر. وكان صاحب شرب فحده خثيم بن عراك الكناني وهو على شرط المدينة في أيام أبي العباس، ومر ابن هرمة بحيزته بالمدينة، وهو سكران، فعاتبوه حين صحا فقال: يا سبحان الله ما أعجبكم أنا في طلب مثل هذه السكرة مذ حين سمعتموني أقول:

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 417. [2] بهامش الأصل: ابن هرمة الشاعر.

ومنهم المستورد بن شداد الفهري

أسأل اللَّه سكرة قبل موتي ... وصياحَ الصبيانِ يا سكران [1] فخرجوا وهم يقولون: لا يفلح والله أبو إسحاق أبدا، وكان السلطان أمر أن يضرب كل من شهد عليه بالسكر مائة، فكان إذا سكر بالمدينة قال: من يشتري المائة بالثمانين. [ومنهم المستورد بن شداد الفهري] وولد نجبة بن الهذيل: عدي بن نجبة. فولد عدي: نافع بن عدي. وولد أوس بن الربيع: الأرقم بن أوس. وولد سيار بن عدي: حارثة. فولد حارثة: ربيعة. وولد علقة بن قيس: هلال بن علقة. والأعجم بن علقة. ونهيك بن علقة. فولد هلال: مالك بن هلال. فولد مالك: مودع بن مالك. ووهب بن مالك. منهم هارون بن محمد، ولي شرط المدينة. وولد الأعجم بن علقة: كعب بن الأعجم. وولد نهيك بن علقة: كعب بن نهيك. وعبدنهم بن نهيك. ومن بني فهر ممن كتب عنه الحديث: المستورد بن شداد الفهري [2] حفظ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صغير وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام. وولد يخلد بن النضر بن كنانة: حارثة بن يخلد. والحارث بن يخلد.

_ [1] ديوان ابن هرمة ص 218. [2] بهامش الأصل: المستورد بن شداد، رحمه الله.

قالوا: سميت قريش قريشا لأنهم أصحاب تجارات وكسب وجمع،

وحطيط بن يخلد. وحطان بن يخلد، وأمهم الوارثة بنت ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. فولد الحارث بن يخلد: يخلد بن الحارث. وزيد مناة بن الحارث، وأمهما الزاهرية بنت ذبيان بن بغيض. فولد يخلد بن الحارث بن يخلد: الحارث. وعداء. وزيد بن يخلد. قال هشام ابن الكلبي: ومما وضعه ابن سيف بن عمر بن الوليد بن أبان المنسوب إلى ضبه قال: ولد بدر بن يخلد: قريش بن بدر، وبه سميت قريش، كان دليلها في عيرها وليس يعرف أبي هذا وإنما ينتهي إلى بدر. قال: وقال ابن سيف: إن الماء المعروف ببدر نسب إلى بدر بن يخلد هذا. وقال أبي محمد بن السائب: بدر الذي نسب الماء إليه من جهينة، والوادي يقال له بليل. قال: وحكاه لي عن أبي صالح عن ابن عباس. انقضى نسب قريش قالوا: سميت قريش قريشا لأنهم أصحاب تجارات وكسب وجمع، يقال فلان يقرش لعياله يكسب لهم ويجمع. وقال أبو خلدة اليشكري: أخوة قرشوا الذنوب علينا ... في حديث من أمرهم وقديم وقال بعضهم: تقرشت قريش من النضر أي تجمعت. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا» .]

ويقال إن النضر جاء في ثوب فقال قومه: قد تقرش في ثوبه أي تجمع. وقال قوم: جاء إلى قومه فقالوا: كأنه جمل قرش، والقرش الشديد المجتمع. ولقيت أعرابيا من كنانة بالربذة في سنة إحدى وثلاثين ومائتين فسألته عن حمار رأيته فقال: هو لي أقرش عليه قوت العيال، أي أجمعه عليه [1] .

_ [1] بهامش الأصل: بلغت المعارضة، ولله أفضل الحمد.

ولد كنانة غير النظر

[ولد كنانة غير النظر] بسم الله الرحمن الرحيم نسب بني كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ولد كنانة بن خزيمة بن مدركة: عبد مناة بن كنانة. ومالك بن كنانة. وملكان بن كنانة. وعامر بن كنانة. والحارث بن كنانة. وعمرو بن كنانة. وسعد بن كنانة. وعوف بن كنانة. وغنم بن كنانة. ومخرمة بن كنانة. وجرول بن كنانة. وغزوان بن كنانة. وحدال بن كنانة، وهم باليمن ليسوا في قومهم. والنضر بن كنانة وقد فرغنا من نسبهم. فولد عبد مناة بن كنانة: بكر بن عبد مناة بطن. وعامر بن عبد مناة بطن. ومرة بن عبد مناة. وهلال بن عبد مناة درج، وأمهم هند بنت أبي بَكْر بْن وائل بْن قاسط بْن هِنْب بْن أفصى بْن دعمى بْن جديلة بْن أسد بن ربيعة بن نزار، أخوتهم لأبيهم: مخربة. وعوف. وساعدة بنو علي بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن عمرو بن مازن الغساني، وكان على حصر بني عبد مناة بن كنانة فغلب عليهم، وكان علي بن مسعود أخا عبد مناة بن كنانة من أمه وهي فكهة الدفراء بنت هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ولهم يقول أمية بن أبي الصلت: لله در بني علي ... أيّم منهم وناكح [1]

_ [1] ديوان أمية بن أبي الصلت ص 350.

فولد بكر بن عبد مناة بن كنانة:

ووثب مالك بن كنانة على علي بن مسعود فقتله فوداه أسد بن خزيمة. فولد بكر بن عبد مناة بن كنانة: ليث بن بكر بطن. والديل بطن. والحارث درج، وأمهم أم خارجة البجلية، وهي عمرة بنت سعد بن عبد الله بن قذاذ بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن بنت بْن مَالِك بْن زَيْد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان. وكانت بجيلة بنت صعب بن سعد العشيرة عند أنمار بن أراش فنسب ولده إليها. وأم خارجة هي التي يقال في المثل: أسرع من نكاح أم خارجة [1] ، وذلك لأنه كان يقال لها خطب فتقول: نكح، وقد ولدت في العرب. تزوجها رجل من إياد بن نزار ففرق بينهما ابن أخيها خلف بن دعج بن سعد. ثم خلف عليها بكر بن يشكر بن عدوان فولدت له خارجة فكنيت به. ثم تزوجها عمرو بن ربيعة بين حارثة بن عمرو مزيقياء فولدت له: سعدا أبا المصطلق. والحيا. ثم خلف عليها بكر بن عبد مناة بن كنانة فولدت له: ليث بن بكر. والديل بن بكر. ثم خلف عليها مَالِك بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد فولدت له: غاضرة بن مالك. وعمرو بن مالك.

_ [1] انظره في أمثال أبي عبيد ص 372.

عامر بن ليث،

ثم خلف عليها جشم بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جسر فولدت له: عرانية. ثم خلف عليها عامر بن عامر بن لحيون بن تام مناة بن بهراء فولدت له: ستة أحدهم العنبر. ثم تزوجها عمرو بن تميم بن مر فولدت: أسيد. والهجيم، واحتبس العنبر عنده وتبناه إليه، والله تعالى أعلم. وولد بكر بن عبد مناة بن كنانة سوى ليث. والديل. والحارث: ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وعريج بن بكر بطن، وأمهما الصحارية من قضاعة، وقد يقال إن أم عريج أم خارجة أيضا، فولد ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة: عامر بن ليث، وأمه سلمى بنت الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور. وجندع بن ليث بطن. وسعد بن ليث بطن. وعبد الله بن ليث دخل في بهراء من قضاعة فنسب فيها. وعدي بن ليث درج، وأمهم تماضر بنت زيد بن حُمَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَوْدُوعَةَ بن جهينة بن زيد. فولد عامر بن ليث: كعب بن عامر. وشجع بن عامر بطن. وقيس بن عامر بطن، وأمهم نصيّة بنت زمان بن عدي بن عمرو من خزاعة ويقال: نصية بنت عمرو من خزاعة. وعتورة بن عامر بطن، وأمه البراح من غسان تدعى فأرة الجبل. فولد كعب بن عامر بن ليث: عوف بن كعب. وزبين بن كعب بطن مع بني يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث، وأمهما ابنة رئاب بن وائلة بن دَهْمَانَ بْن نَصْرِ بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْرِ بْن هوازن.

فولد كعب بن عامر بن ليث

[فولد كعب بن عامر بن ليث] فولد عوف بن كعب بن عامر بن ليث: الشداخ واسمه يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث. وكانت بين خزاعة وولد كنانة من قريش وغير قريش حرب، ثم اصطلحوا وحملت الديات فعفا يعمر عن دماء من أصيب من بني كنانة سوى النضر بن كنانة وقال: قد شدخت دماءهم تحت قدمي، وغرمها لقومه دون خزاعة فسمي الشداخ على فعال بالضم. وقوم يقولون الشداخ، والأول قول الكلبي وهو أثبت. وقال الكلبي: شدخ الدماء بين خزاعة وقريش فأهدرها عن خزاعة، وغرم الديات وأصلح أمر القوم. وقيس بن عوف بن كعب بطن. ويقال قريش بن عوف. وعامرة بطن، وأمهما السؤوم بنت جزة بن الحارث بن كعب بن ضمرة بن بكر. وكلب بن عوف بطن. وسعد بن عوف بطن وأمهما رقبة بنت ركبة بن بليلة من فهم. فولد يعمر: الملوح بطن. وعبد الله بطن، وأمهما ابنة الأصقع بن عامر بن نمير بن عامر بن صعصعة. ووهب بن يعمر. وقيس بن يعمر بطن، وأمهما بنانة بنت يسار بن مالك بن حطيط من ثقيف. وأحمر بن يعمر بطن. وزجل بن يعمر. وضيغم بن يعمر بطن، وأمهم الشفاء، وهي ريطة بنت مالك بن قيس بن عامر بن ليث. ولقيط بن يعمر بطن، أمه من بني عريج، ويقال هي عمرة بنت عبيد الله بن ملحة بن جدي بن ضمرة بن بكر. فمن بني الملوح بن يعمر: عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح، قتله مكرز بن حفص بن الأخيف القرشي من بني عامر بن لؤي أيام بدر بأخيه، وقد كتبنا حديثه فيما تقدم. وعامر الذي يقول:

الملوح بن يعمر

لعمرك ما ليث وإن كنت منهم ... بتاركة ليث خلافي وعصياني هم أسلموني يوم ذي الرمث والغضا ... وهم تركوني بين هرْشيَ وَوَدَّان [1] وهم أخرجوا من كل بيتين سيدا ... كما أخرجت ساداتها قبل عدوان ومنهم قباث بن أشيم بن عامر بن الملوح الذي كان على إحدى المجنبتين يوم اليرموك مع أبي عبيدة، ووجه معاوية عبد الرحمن بن قباث بن أشيم نحو الجزيرة للغارة، فلقيه كميل بن زياد النخعي ففض عسكره، وقد ذكرنا خبره فيما تقدم من أمر الغارات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. [الملوح بن يعمر] ومنهم بكير بن شداد بن عامر بن الملوح بن يعمر، وهو فارس أطلال الذي يقول فيه الشماخ بن ضرار. وغيبت عن خيل بموقان أسلمت ... بكير بني الشداخ فارس أطلال [2] وكان بكير مع سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بن أمية حين غزا آذربيجان في أيام عثمان، فأصيب بكير بموقان من عمل آذربيجان، وكان بكير سمع يهوديا ينشد في أيام عمر: وأشعث غره الإسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويضحي ... على جرداء لا حقة الحزام كأن مجامع الربلات منها ... قيام ينهضون إلى قيام لهوت بها مكان الخصر منها ... وقد خلفت منقطع الخذام فقتل اليهودي، فرفع أمره إلى عمر فعزم على المسلمين لما قام قاتله، فقام بكير فأخبره خبره فقال: إن عادوا فعد.

_ [1] هرشى: ثنية في طريق مكة قريبة الجحفة يرى منها البحر وودان بين مكة والمدينة، بينها وبين هرشى ستة أميال. معجم البلدان. [2] ديوان الشماخ بن ضرار الذبياني- ط. القاهرة 1977 ص 456.

ومن بني عبد الله بن يعمر:

ومن بني عبد الله بن يعمر: حميضة، وهو بلعاء بن قيس بن عبد الله بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث، وكان بلعاء فارسا شاعرا رئيسا، وكان أبرص فقيل له: ما هذا البياض؟ قال: سيف الله جلاه. وكان في يوم شمظة على بني بكر، ويوم شمظة يوم من أيام الفجار قاتلت فيه بنو كنانة من قريش وغيرها هوازن ومن لافهم، وفيه يقول خداش بْن زهير بْن رَبِيعَة بْن عَمْرِو فارس الضحياء بْنِ عامر بْن رَبِيعَة بْن عامر بْن صعصعة: فأبلغ إن عرضت لهم هشاما ... وعبد الله أبلغ والوليدا بأنا يوم شمظة قد أقمنا ... عمود المجد إن له عمودا وكانت الدبرة في أول النهار على هوازن وألفافهم، ثم صارت على ولد كنانة، وكان على بني هاشم في هذا اليوم: الزبير بن عبد المطلب، وعلى بني عبد شمس ومن لافهم: حرب بن أمية وعلى بني المطلب: عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب بْن عبد مناف، وعلى بني نوفل: مطعم بن عدي، وعلى بني عَبْد الدار: عكرمة بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بن عبد الدار، ويقال عامر أبوه، وعلى بني أسد بن عبد العزى: خويلد بن أسد بن عبد العزى، وعلى بني زهرة: مخرمة بن نوفل، وعلى بني تيم: عبد الله بن جدعان، وعلى بني مخزوم: هشام بن المغيرة ومعه أخوه الوليد، وعلى بني سهم: العاص بن وائل، وعلى بني جمح: أمية بن خلف، وعلى بني عدي بن كعب: زيد بن عمرو بن نفيل، وعلى بني عامر بن لؤي: عمرو بن عبد شمس أبو سهيل بن عمرو، وعلى بني محارب بن فهر: ضرار بن الخطاب بن مرداس، وعلى بني الحارث بن فهر: عبد الله بن الجراح أبو أبي

ومنهم جثامة بن قيس، أخو بلعاء،

عبيدة، وعلى بني بكر: بلعاء بن قيس، وعلى الأحابيش: الحليس بن يزيد الكناني. وشهد بنو كنانة أيضا يوم شرب من عكاظ على هذه التعبئة، وجعل بلعاء يقول يومئذ: إن عكاظا ماؤنا فخلوه. وقال ضرار بن الخطاب في هذا اليوم. ألم تسأل الناس عن شأننا ... وما جاهل الأمر كالخابر وقد كتبنا أبياته فيما تقدم من نسب بني فهر. وقال عمرو بن قيس، وهو جذل الطعان، أي أصله، ويقال شبه بأصل الشجرة لثباته للطعان. لقد علمت معد أن قومي ... كرام البأس إن عدوا الكراما غداة يقود بلعاء بن قيس ... إليهم جحفلا لجبا ركاما ونحن الناسئون على معد ... شهور الحل نجعلها حراما ومات بلعاء بن قيس بعد هذا اليوم بيسير. ومنهم جثامة بن قيس، أخو بلعاء، قام مقام بلعاء حين مات في أيام الفجار وهو يوم الحريرة، وهي حرة إلى جانب عكاظ في مهب الجنوب منها، فهزمت كنانة يومئذ، وكانت على اجتماعها الذي كانت تجتمع عليه وعلى تساندها، ولما مضت أيام الفجار أغارت أخلاط من هوازن على بني ليث بن بكر بصفراء الغميم فقتلوا فيهم وأصابوا نعما، ثم أقبلوا وعرضت لهم خزاعة فلم يكن لها بهم يد فقال مالك بن عوف في كلمة له: سمونا إليهم بالغميم فلم ندع ... لهم سارحا يرعى ولا متروّحا

وولد جثامة بن قيس:

وقال أيضا: ونحن تركنا بعد يوم ملوح ... خزاعة أتياسا تمص أيورها وولد جثامة بن قيس: الصعب بن جثامة [1] روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «في ترك قتل الأطفال من أولاد المشركين، وأنه لا حمى إلا الله ولرسوله، وأنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده وكان محرما وكان ينزل بودان» . ومحلم بن جثامة توجه في سرية فقتل عامر بن الأضبط الأشجعي وهو مسلم، فيقال إنه مات فلفظته الأرض عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ «الأرض تقبل مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أن يعظكم به» ،] ويقال أنه بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قال إنه مات عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الذي مات بحمص: الصعب أخوه، ونزل ناحزة موضع بحمص، وبقي إلى فتنة عبد الله بن الزبير. والليث بن جثامة. وقال الواقدي: قتل محلّمُ بْن جُثّامة: عامرُ بْن الأضبط الأشجعي في سنة ثمان، وقد كتبنا خبر محلم في أول كتابنا. ومن بني أحمر بن يعمر بن عوف: كرز بن الحارث بن عبد الله ذو السهمين. ومن ولده عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب بن كرز بن الحارث بن عبد الله بن أحمر بن يعمر، وهو الذي يقال له ابن دأب، وكان له علم ورواية، ويكنى أبا الوليد، ومات في خلافة هارون الرشيد أمير المؤمنين.

_ [1] بهامش الأصل: الصعب بن جثامة.

ومن بني رجل بن يعمر:

وقال أبو اليقظان: كان يزيد أبوه عالما بأمور العرب وأيامها، وله عقب بالبصرة، وهو القائل: الله يعلم في علي علمه ... وكفاك علم الله في عثمان ومنهم: حذيفة بن دأب. وسليمان بن دأب، قتلا يوم الحرة في أيام يزيد بن معاوية. ومنهم: قيس وبكر ابنا الصقير بن الحارث بن عبد الله بن أحمر بن يعمر، قتلا مع علي عليه السلام يوم صفين. ومن بني رجل بن يعمر: عروة بن أذينة، واسم أذينة: يحيى بن مالك وهو أبو سعيد بن الحارث بن عمرو بن عبد الله بن رجل الذي يقول: لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو صبرت أتاني لا يعنيني وله حديث مع هشام بن عبد الملك قد كتبناه، وكنية عروة أبو سعيد أيضا. ومن بني قيس بن يعمر: الحارث بن قيس، وهو أبو طرفة الشاعر، ولهم يقول بعض الشعراء: تجهمني بالقول حتى كأنه ... أخو الطرفات وسط قيس بن يعمر ومن بني لقيط بن يعمر بن عوف: فزارة بن ثور بن حرام بن مهان- وبعضهم يقول نبهان، ومهان أثبت- بن وهب بن لقيط بن يعمر بن عوف، وهو كان رئيس كنانة يوم

ومن بني كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث:

العريش، وقد أغار عليهم ثابت بن نعيم الجذامي في أهل اليمن بمصر، وقد شهد شبيب جده الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر الكلبي. ومنهم الحكم بن عرفطة بن الحارث بن لقيط، قتل يوم فتح مكة مشركا. وقتل الحجاج سعيد بن ثعلبة بن الحكم بن عرفطة بسبب ابن الأشعث، ويقال بسبب غيره، وكان ثعلبة بن الحكم ممن روي عنه الحديث، وكان ينزل الكوفة. ومطهر بن الحارث بن عمرو بن لقيط نازع بني الحارث بن كعب بن صخرة في السقي، فرماه رجل منهم فقتله فوقع بينهم الشر حتى قتل الرجل الذي كان رماه واصطلحوا، وقال بعض الرواة: مر بني الحارث بن كعب من اليمانيين فقتلوه، والأول أثبت. ومنهم المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط، وهو أشعر بني كنانة في الإسلام وأنشدني له بعضهم: لحى الله أحرانا بأن يعتم القرى ... وأضعفنا عن عرض والده ذبّا وأخلقنا أن يدخل البيت باسته ... إذا النقب أبدى من ثنيته ركبا ومن بني كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث: نميلة بن عبد الله [1] بن فقيم بن حزن بن سيار بن عبد الله بن عبد بن كلب بن عوف، صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قديم الاسلام، واستخلفه

_ [1] بهامش الأصل: نميلة بن عبد الله رحمه الله.

وكان هشام بن صبابة [2]

رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، و (هو الذي قتل) [1] مقيس بن صبابة بن حزن بن سيار. وكان هشام بن صبابة [2] أسلم وشهد غزاة المريسيع مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتله رَجُل منَ الأنصار خطأ وهو يحسبه مشركا، فقدم مقيس [3] عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى لَهُ بالدية عَلَى عاقلة الْأَنْصَارِيّ فأخذها وأسلم، ثُمَّ عدا عَلَى قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدا فقال: شفا النفس أن قد مات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الأخادع ثأرت بِهِ فهرا وحملتُ عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع [4] حللت به وترى وأدركت ثورتي ... وكنتُ عَنِ الْإِسْلَام أول راجع فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يقتله من لقيه، فلما كان يوم فتح مكة خرج مدججا وهو يَقُولُ: دون دخول مُحَمَّد إياها ضرب كأفواه المزاد، وكان قَدِ اصطبح ذَلِكَ اليوم فِي أصحاب لَه، وكانت أمه سهمية، وكان معهم، فعاد حين انهزم إلى أصحابه فشرب، وعرف نميلة بن عبد الله بن فقيم مكانه فدعاه فخرج إليه ثملا وهو يقول: دعيني أصطبح يَا بكر إني ... رأيت الموت نقب عن هشام ونقب عن أبيك وكان فرعا ... أخا القينات والسرب الكرام فلم يزل نميلة يضربه بالسيف حتى قتله فقال شاعرهم:

_ [1] أضيف ما بين الحاصرتين لاستقامة السياق انظر أسد الغابة لابن الأثير ج 4 ص 586، وبقية الخبر. [2] بهامش الأصل: هشام بن صبابة رحمه الله. [3] بهامش الأصل: مقيس بن صبابة. [4] فارع حصن- أطم- بالمدينة. المغانم المطابة.

ومن بني عامر بن عوف:

لعمري لقد أخزى نميلة قومه ... وفجّع أضياف الشتاء بمقيس فلله عينَا من رأى مثل مقيس ... إذا النفساء أضحت لم تخرس الخرس: طعام النفاس. ومقيس الذي يقول: رأيت الخمر طيبة وفيها ... فعال كلها دنس ذميم فلا والله أشربها حياتي ... طوال الدهر ما بدت النجوم سأتركها وأترك ما سواها ... من اللذات ما أرسى يسوم [1] ومن بني عامر بن عوف: قسيط بن أسامة بن عمرو بن أبي ربيعة بن عامر بن عوف، الذي بعثه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يعلم أهل البادية، حين بعث عبد الله بن مسعود وأصحابه ليعلموا الناس القرآن. ويزيد بن عبد الله بن قسيط مات سنة اثنتين وعشرين ومائة، ويكنى أبا عبد الله. ومن بني شجع بن عامر بن ليث: مالك بن قيس بن عوذ بن جابر بن عبد مناف بن شجع، وهو ابن البرصاء [2] ، والبرصاء أم أبيه، واسمها ريطة بنت ربيعة بن رباح بن ذي البردين من بني هلال بن عامر، وسميت البرصاء لبياضها. وروى ابن البرصاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: [ «لا تغزى مكة بعدها إلى يوم القيامة» ] .

_ [1] يسوم: جبل في بلاد هذيل. معجم البلدان، وجاء بهامش الأصل: يسوم اسم جبل. [2] بهامش الأصل: ابن البرصاء رحمه الله.

ومنهم: الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة بن عويرة بن شجع،

ومنهم: الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة بن عويرة بن شجع، وأمه شعوب من خزاعة، وهو قتل حنظلة الغسيل بن أبي عامر يوم أحد، وكان حنظلة قد علا أبا سفيان بن حرب فأعانه ابن شعوب فقتله ابن شعوب، فوقف أبو عامر على ابنه فقال: لقد كنت أنهاك عن هذا الرجل وأحذرك هذا المصرع: وقال أَبُو سُفْيَان: ولو شئتُ نجتني كميتٌ طِمِرَّةٌ ... ولم أحمل النعماءَ لابن شَعوب وسَلَّي شجون النفس بالأمس أنني ... قتلت به مل أوس [1] كل نجيب وما زال مهري يزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتَّى دنت لغروب [2] وابنه شداد بن الأسود الذي رثى قتلى يوم بدر، ويكنى أبا بكر فقال: دعيني أصطبح با بكر إني ... رأيت الموت نقب عَن هِشَام ونقب عن أبيك أبي يزيد ... أخي القينات والسرب الكرام فكم لَكَ بالطويِّ طويِّ بدر ... من الخيرات والدسع العظام وكم لك بالقليب قليب بدر ... من الإحسان والنعم الجسام وكم لك بالطويّ طوي بدر ... من الشيزي [3] تكلل بالسنام ألا من مبلغ الأقوام عني ... بأني تارك شهرَ الصيام يخبرنا النبي بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام [4]

_ [1] أي من الأوس. [2] سيرة ابن هشام ج 2 ص 595- 596. [3] الشيزي: خشب أسود تتخذ منه القصاع. [4] سيرة ابن هشام ج 1 ص 554.

ومنهم: أبو واقد الليثي [1] رحمه الله، وهو الحارث بن عوف بن أسيد بن جابر بن عبد مناف بن شجع،

ومنهم: أبو واقد الليثي [1] رحمه الله، وهو الحارث بن عوف بن أسيد بن جابر بن عبد مناف بن شجع، ويقول غير الكلبي اسمه: الحارث بن مالك، ويقول بعضهم: هو عوف بن الحارث، وكان أبو واقد قد جاور بمكة سنة، فمات بها، ودفن في مقبرة المهاجرين، وكان موته سنة ثمان وستين، وهو ابن خمس وستين سنة، وروي عَن أَبِي بكر، وعمر رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وسميت المقبرة مقبرة المهاجرين لأنه دفن فيها جماعة منهم. ومن بني عتوارة بن عامر بن ليث: عبد الله بن شداد [2] بن أسامة بن عمرو، وعمرو هو الهاد بن عبد الله بن جابر بن عتوارة، وأم عبد الله بن شداد سلمى بنت عميس الخثعمية، وسمي الهاد لأنه كان يوقد ناره للأضياف، ولمن سلك الطريق ليلا، وكان يقال عبد الله بن الهاد، ينسب إلى جده، وقد سمع عمر بن الخطاب، وكان يأتي الكوفة، وقتل في قول الواقدي يوم دجيل مع مصعب، ويقال قتل مع ابن الأشعث، وكانت سلمى بنت عميس أولا عند حمزة بن عبد المطلب، ثم خلف عليها شداد بن الهاد، فولدت له: عبد الله. وعبد الرحمن. وحدثني ابن الأعرابي أن شداد بن الهاد مر بقوم يتسابّون فقال: ما هذا؟ قالوا: مزاح. قال: إذا كان هذا مزاحا فما الجد؟ ويزيد بن عبد الله بن شداد بن الهاد وهو يكنى أبا عبد الله وكان يخمع [3]

_ [1] بالهامش: أبو واقد الليثي رحمه الله. [2] بهامش الأصل: عبد الله بن شداد بن الهاد. [3] خمع: كأن به عرجا. القاموس.

ومن بني قيس بن عامر بن ليث:

من رجله، مات سنة تسع وثلاثين ومائة وقد روي عنه الحديث وله دار بالمدينة. وقال أبو اليقظان: كان عبد الله بن شداد رسول الحجاج إلى عبد الله بن جعفر في الخطبة لابنته، وقتل مع ابن الأشعث. ومنهم محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص بن محصن بن كلدة بن عبد يا ليل بن طريف بن عتوارة الفقيه أبو عبد الله مات سنة أربع وأربعين ومائة، ومات جده علقمة بن وقاص فِي أيام عبد الملك بن مروان بالمدينة، وله دار بالمدينة في بني ليث. ومن بني قيس بن عامر بن ليث: عَبْد اللَّهِ بْن عمير بْن عَمْرو بْن مالك بن خلف بن صباح بن مالك بن قيس وهو أخو عبد الله بن عامر لأمه دجاجة بنت أسماء بن الصَّلْت بن حبيب بن حارثة السلمي، وكان يكنى أبا حبيب، وقطعت رجل عمير يوم خيبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ «سبقتك رجلك إلى الجنة» ،] وكانت له صحبة. ومن بني سعد بن ليث بن بكر: أبو الطفيل عامر بن واثلة [1] بن عبد الله بن عمير بن جابر بن حميش بن جدي بن سعد بن ليث الذي يحدث عنه، وكان من أصحاب ابن الحنفية، ودخل على معاوية فقال له: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، أَنْتَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ. قَالَ: لا وَلَكِنِّي مِمَّنْ حَضَرَهُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، قال: وما منعك من نصره؟ قال: لم أر المهاجرين والأنصار نصروه، قال معاوية: أما لقد كان حقه واجبا، وكان عليهم أن ينصروه. قال: فما منعك أنت من نصره ومعك أهل الشام؟

_ [1] بهامش الأصل: أبو الطفيل عامر بن واثلة رحمه الله.

ومنهم: إياس. وخالد. وعاقل. وعامر، بنو البكير [1] بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيره بن سعد بن ليث بن بكر،

قال: أو ما طَلَبِي بِدَمِهِ نُصْرَةٌ لَهُ؟ فَضَحِكَ أَبُو الطُّفَيْلِ وقال: أنت وعثمان كما قال الشاعر: لا أعرفنك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي فقال معاوية: يا أبا الطفيل ما أبقى الله من حزنك على علي؟ قال: حزن الثاكل المقلات، والشيخ الرقوب. قال فكيف حُبُّكَ لَهُ؟ قَالَ: حُبُّ أُمِّ مُوسَى لِمُوسَى، وإلى الله أشكو التقصير. وقال الهيثم بن عدي: قال أبو الطفيل: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف على راحلته بالبيت» ، وقد ذكرنا خبره مع ابن الحنفية. وابنه طفيل بن عامر بن واثلة قتل مع ابن الأشعث فقال فيه أبوه: خلى طفيل عَلَى الهم فانشعبا ... فهد ذَلِكَ ركني هدة عجبا وقد كتبنا خبره، وروى الواقدي أن أبا الطفيل قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بالبيت» ، وقال: الثبت أنه روى هذا عن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات أبو الطفيل بعد ابنه بقليل. ومنهم: إياس. وخالد. وعاقل. وعامر، بنو البكير [1] بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيره بن سعد بن ليث بن بكر، وكان اسم عاقل غافلا، فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاقلا، وهم حلفاء في بني عدي بن كعب. وقال غير الكلبي: هم بنو البكير، والأول أثبت، وكان إسلامهم في دار الأرقم والنبي صلى الله عليه وسلم مستخف فيها، وهم فيما يقال أول من أسلم فيها. وقال الواقدي: توفي عاقل في سنة أربع وثلاثين، وبعض الرواة يقول استشهد ببدر، وكانت عفراء بنت عبيد بن ثعلبة من بني النجار من

_ [1] بهامش الأصل: إياس وخالد وعاقل وعامر بنو البكير، رضي الله عنهم.

ومنهم أم كليب بن قيس بن بكير بن عبد يا ليل، وهو الجزار الذي وثب على أبي لؤلؤة حين وجأ عمر بن الخطاب

الخزرج عند الحارث بن رفاعة بن الحارث أحد بَنِي غَنْم بْن مَالِك بْن النجار من الخزرج، فولدت له: معاذا. ومعوذا، ثم طلقها فقدمت مكة حاجة فتزوجها البكير بن عبد يا ليل، فولدت له: عاقلا. وإياسا. وعامرا. وخالدا. ثم رجعت إلى المدينة وهي فارغة فراجعها الحارث بن رفاعة، فولدت له: عوفا فقتل معاذ ومعوذ ببدر شهيدين، وقتل خالد بن البكير يوم الرجيع شهيدا، وقتل عامر بن البكير يوم بئر معونة شهيدا، ويقال إنه لم يقتل، وشهد يوم الدار، دار عثمان، واستشهد إياس بن البكير يوم اليمامة، وتوفي عاقل في سنة أربع وثمانين، ولما هاجر بنو البكير إلى المدينة أغلقوا أبوابهم لأنهم لم يخلفوا بمكة شيئا. وحدثني رجل من أصحابنا عن الجمحي محمد بن سلام قال: كانت كنية عاقل أبا البكير، ويقال كانت كنيته أبا المغيرة، وكنية خالد أبا يزيد، وكنية عامر أبا عمرو، وكنية إياس أبا سعيد، ويقال إنه كان يكنى أبا الحارث. وقتل حبيب بن عدي يوم الرجيع مع خالد بن البكير، فقال حسان بن ثابت يذكرهما: ألا ليتني فيها شهدت ابن طارق ... وزيدا وما يغني الأماني ومرثدا فدافعت عن حبي خبيب وعاصم ... وكان الشفاء لو تداركت خالدا [1] ومنهم أم كليب بن قيس بن بكير بن عبد يا ليل، وهو الجزار الذي وثب على أبي لؤلؤة حين وجأ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقتله، وذلك أنه وجأه بالخنجر الذي قتل به عمر رضي الله تعالى عنه.

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 460.

ومنهم البياع، واسمه عبد شمس بن عبد ياليل بن ناشب،

ومنهم البياع، واسمه عبد شمس بن عبد ياليل بن ناشب، وهو جد أبي أحيحة سعيد بن العاص لأمه وله يقول أبو أحيحة: غضبت قريش كلها لحليفها ... وأنا امرؤ بكر هم ولدوني لا تسقني أمي شرابا بعده ... إن كان حي قبيلها يشكوني ومن ولده: عروة بن شييم بن البياع أحد الرؤوس المصريين الذين قدموا على عثمان بن عفان، وقد ذكرنا خبره وخبرهم. ومنهم واثلة بن الأصقع [1] رضي الله عنه ابن عبد يا ليل، بعثه خالد على خيل دمشق وكان يكنى أبا قرصافة، مات بالشام سنة خمس وثمانين وهو ابن عثمان وتسعين سنة. وقال الواقدي: حدثني بعمره وسنه معاوية بن صالح، قالوا: وأسلم واثلة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك، وكان من أهل الصفة، وخرج إلى الشام، فمات هناك. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمْشَقِيُّ، ثنا صَدَقَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَصْقَعِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: [ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ» .] ومن بني جندع بن ليث: أمية الشاعر بن حرثان بن الأسكر بن عبد الله، وهو سربال الموت بن زهرة بن زبينة بن جندع بن ليث، وأخوه لاعق الدم واسمه أبي. وابنا أمية: كلاب، وأبي هاجرا إلى البصرة، وبالبصرة مربعة تعرف بمربعة كلاب، نسبت إلى كلاب بن أمية، وكان يكنى أبا هارون، ولما

_ [1] بهامش الأصل: واثلة بن الأصقع رضي الله عنه.

سيار بن رافع بن جري بن ربيعة بن عامر بن عوف بن جندع،

هاجر إلى البصرة كتب إليه أبوه أمية: تركت أباك مرعشة يداه ... وأمك ما تسيغ لها شرابا إذا غنت حمامة بطن واد ... على بيضاتها تدعو كلابا أتاه مهاجران تكنفاه ... بترك كبيرة خطيا وخابا يقول: أتى زياد بن أبي سفيان مهاجران: كلاب وأبي، وكان زياد ولى كلابا الأبلة فحدثه عثمان بن أبي العاص الثقفي أن داود النبي عليه السلام كان يجمع أهله في السحر فيقول: ادعوا ربكم فإن في السحر ساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن إلا غفر له إلا أن يكون عشارا، فلما سمع كلاب ذلك قدم على زياد فاستعفاه، فأعفاه وبعث إلى عمله غيره، وقال أمية: يا بني أمية إني عنكما غان ... وما الغنى غير أني مشعر فان يا بني أمية ألا تشهد كبري ... فإن عيشكما والموت سيان وذاك إذ خانني صبري لفقدكما ... وإذ فراقكما والموت مثلان فكتب عمر إلى أبي موسى أن احمل كلابا وأخاه إلى أبيهما فحملهما، وقال غير الكلبي هما: كلاب وعمرو، ابنا أمية. ومن بني جندع: سيار بن رافع بن جري بن ربيعة بن عامر بن عوف بن جندع، وبعضهم يقول سيار بن رافع بن ربيعة بن جري والأول قول الكلبي وهو أثبت، وكان سيار مع مصعب بن الزبير، وقطعت يده، فكان يقال له: الأقطع، وكان الذي قطعه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة بْن حبيب بْن عبد شمس في

عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر بن جندع الفقيه،

عنبة سرقها، ويقال إنها قطعت في القتال، والأول قول أبي عبيدة وأبي اليقظان، وروي عن أبي اليقظان أيضا أنه قال: قطعت في القتال مع مصعب، وأبو الحسن المدائني والقحذمي يقولان القول الأول أيضا. وكان يقال لنصر بن سيار: ابن الأقطع، وولي نصر بن سيار خراسان، وقد كتبنا أخباره فيما تقدم من أخبار بني العباس، وأم نصر من تغلب، فقال له رجل من تغلب: أتاك من تغلب جار تسر به ... أكرم بخالك يا نصر بن سيار وكان يكنى أبا الليث، فولد نصر: ليث بن نصر. وتميم بن نصر. وجري بن نصر. وقديد بن نصر. ومظفر بن نصر. وبشر بن نصر وغيرهم، وأمهم متقربة وكانت له ابنة يقال لها خندف فقال فيها نصر: وسميتها من حب خندف خندفا ... وأسمي أخاها بعدها بتميم أبى القلب إلا أن يكون بطانة ... له وصفاء دون كل حميم ولبشر عقب بالبصرة، وأما قديد فكان يكنى أبا مريم ولي بعض الولايات وله عقب بالبصرة. ومن بني جندع: عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر بن جندع الفقيه، ويكنى أبا عاصم، وكان عبيد قاضي أهل البصرة، وقد قاتل مع ابن الزبير وله عقب بالبصرة، وكان ابنه عبد الله بن عبيد فقيها.

وولد عريج بن بكر بن عبد منافة بن كنانة:

حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ» . وولد عريج بن بكر بن عبد منافة بن كنانة: حماس بن عريج. ومن ولده: أبو نوفل بن أبي عقرب بن خويلد بن خالد بن بجير بن عمرو بن حماش بن عريج، واسم أبي نوفل معاوية. وقال الواقدي: أدرك أبو عمرو بن أبي عقرب النبي صلى الله عليه وسلم، ورآه وروى عنه، وهو أبو أبي نوفل، وكان أبو نوفل صاحب قرآن وحروف يختارها من القراءة. وقال عمرو بن أبي عقرب: ما أصبت من العمل الذي بعثني إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بردين معقدين كسوتهما مولاي. وكان من بني الليث من المحدثين: طلحة بن عبد الله، ويقال ابن عمر، ويقال إنه من أهل الصفة. وعبد الله بن يعلى الليثي، أو عبد الملك، كان قاضيا بالبصرة قبل الحسن بن أبي الحسن، ومات في أيام عمر بن عبد العزيز. وأبو الرداد الليثي كان يسكن المدينة في بني ليث، واسمه عامر. وعمارة ابن أكيمة الليثي أبو الوليد مات سنة إحدى ومائة وهو ابن تسعين سنة. وعبد الرحمن بن قيس من ولد الشداخ، ولاه عدي بن أرطأة عمان في أيام عمر بن عبد العزيز، وله عقب بالبصرة.

عبادة بن قرص

ومن بني ليث: عبادة بن قرص رضي الله عنه، وله صحبة وقتله الخطيم الخارجي زمن ابن عامر. ومن بني ليث: مالك بن الحويرث رحمه الله، وله صحبة وكان جار أبي الأسود وفيه يقول: وإن امرأ نبئته عن صديقنا ... يسائل: هل يسقي من اللبن الجارا؟ وإني لأسقي الجار في قعر بيته ... وبيتي ما لا إثم فيه ولا عارا شرابا حلالا يترك المرء صاحيا ... ولا يتولى يقلس الخمر والقارا [1] ومن بني الليث: غالب بن عبد الله [2] رحمه الله بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية بعد أخرى واستاق إبلا للمشركين، وقال: أبى رسول الله أن يغر بي ... في خضر نباته مغلولب

_ [1] القلس: ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقيء، والرقص في غناء، والشرب الكثير، وغثيان النفس، وقذف الكأس. القاموس. والقار: من أنواع الخمر انظر ديوان أبي الأسود ص 223 مع فوارق. [2] بهامش الأصل: غالب بن عبد الله رحمه الله.

قيس بن ذريح:

صفر أعاليه كلون المذهب ... وذاك قول صادق لم يكذب وقال أبو اليقظان: ومن بني ليث: قيس بن ذريح: وكان شاعرا. قال أبو اليقظان: ومن بني ليث: عبد الله بن يسار بن أبي عقب، كان رضيع الحسين عليه السلام. ومن بني ليث: علباء بن منظور الذي يقول: ما للطلاق فقدته ... وفقدت عاقبة الطلاق طلقت خير حليلة ... تحت السموات الطباق وعطاء بن مرثد الليثي مات سنة سبع ومائة وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. ومن بني ليث: قارظ بن شيبة، كانت ابنته أم حكيم، وهي جويرية بنت قارظ، مات قارظ في خلافة سليمان بن عبد الملك بالمدينة. وشريك بن أبي نمر الليثي، أبو عبد الله، مات سنة أربعين ومائة. وحماس الليثي، وهو ابن أبي عمرو بن حماس، روى عن عمر، وله دار بالمدينة.

يزيد بن عياض بن جعدبة أبو الحكم

ومن بني ليث: يزيد بن عياض بن جعدبة أبو الحكم انتقل إلى البصرة ومات بها في خلافة المهدي أمير المؤمنين، وأنس بن عياض أبو ضمرة مات حديثا. انقضى بنو ليث وولد الديل بْن بَكْر بْن عَبْدِ مناة بْن كنانة: عدي بن الديل. والحارث بن الديل. وصبيغ بن الديل وأمهم منيعة بنت خلاوة من مزينة، ويقال إنها من جُهَيْنَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. فولد عدي بن الديل: معاوية بن الديل. وعبد بن عدي. وجذيمة بن عدي. ونفاثة بن عدي. وسعد بن عدي. وولد الحارث بن الديل: أسيد بن الحارث. وعزية بن الحارث. ويزيد بن الحارث. ونفيل بن الحارث. وهفان بن الحارث، فدخل بنو هفان في الدؤل بن حنيفة. فمن بني الديل بن بكر: نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر وهو بيت بني الديل، وكان معاوية أبو نوفل على بني الديل يوم الفجار، وله يقول تأبط شرا: فلا وأبيها ما نزلنا بعامر ... ولا عامر ولا النفاثيّ نوفل [1]

_ [1] انظر الأغاني ج 21 ص 139 حيث روايات هذا البيت.

ومنهم ربيعة بن أمية بن صخر بن يعمر بن نفاثة الذي قتل كعب بن زيد النجاري ثم الذبياني من الأنصار يوم الخندق

وابنه سلمى بن نوفل كان من أجود العرب، وله يقول الجعفري: تسود أقوام وليسوا بسادة ... بل السيد المذكور سلمى بن نوفل وسلمى القائل: وما المال إلا ما بذلت وإنما ... مال البخيل لوارث أو للعدى ومنهم ربيعة بن أمية بن صخر بن يعمر بن نفاثة الذي قتل كعب بن زيد النجاري ثم الذبياني من الأنصار يوم الخندق فقال: ألا أبلغ أبا هدم رسولا ... مغلغلة تخب بها المطي وكان كعب بن زيد قتل ابن الحضرمي عمرا يوم بدر، ويقال في سرية عبد الله بن جحش الأسدي، فقتل ربيعة كعبا، وأبو هدم هو عمرو بن الحضرمي، وكان بنو الحضرمي أولا حلفاء بني نفاثة، ثم حالفوا بني عبد شمس بن عبد مناف. ومنهم: علقمة بن مرحل، كان فارسا شجاعا، وهو الذي يقول: لكل الناس من دهر نصيب ... يصبح أو يبيت أو يقيل وما يبقى على الحدثان إلا ... أصم الصخر والجبل الطويل وسارية بن زنيم بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن محمية بن عبد بن عدي بن الديل، وكان خليعا في الجاهلية وكان أشد الناس حصرا، وبعثه عمر بن الخطاب في جيش فكان لشدة اهتمامه بذلك الجيش يفكر في أمره ويمثله قد لقي العدو، فجعل يقول بينه وبين نفسه، يا سارية الجبل، كأني به قد صعد الجبل. ومنهم: أبو أناس [1] رحمه الله تعالى، وهو اسمه وكنيته في قول

_ [1] بهامش الأصل: أبو أناس، وقيل أنس رحمه الله.

ومنهم أنس بن أبي أناس،

الكلبي. وقيل اسمه أنس وكنيته أبو أناس، وكان شريفا شاعرا، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنه هجاه، فأتاه يوم فتح مكة معتذرا ومدحه فقال: وما حملتْ من ناقة فوق رحلها ... أعفَّ وأوفى ذمة من محمد أحث على خير وأوسع نائلا ... إِذَا راح يهتز اهتزاز المهند ونبي رَسُولُ اللَّه أني هجوته ... فلا رفعت سوطي إلي إذا يدي [1] ومنهم أنس بن أبي أناس، وبعضهم يقول أنه سمي أنسا باسم أبيه. قال أبو اليقظان: كان أنس بن أبي أناس شاعرا، وكان أعور، وقال لمصعب بن الزبير وهو يعاتبه: تسهل لي ولا تعرض لصرمي ... أبا عيسى فإن أبا أناس بني لي في العفاف وفي المعالي ... مآثره فلست لها بناسي وأنس الذي يقول لما تزوج مصعب عائشة بنت طلحة فأصدقها خمسمائة ألف درهم وأهدى إليها خمسمائة ألف درهم: بضع الفتاة بألف ألف كامل ... وتظل سادات الجيوش جياعا فلو أنني الفاروق أخبر بالذي ... شاهدته ورأيته لارتاعا وكان الحكم بن عمرو الغفاري لما حضرته الوفاة بخراسان، استخلف أنس بن أبي أناس، وكتب إلى زياد: إني قد استخلفت أنسا وإني أرضاه لله ولك وللمسلمين، فعزله وولى خليدا الحنفي، فقال أنس بن أبي أناس: ألا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة تخب بها البريد أتعزلني وتطعمها خليدا ... لقد لاقت حنيفة ما تريد

_ [1] سيرة ابن هشام ج 2 ص 871.

ومنهم: عويف بن الأضبط [3]

في أبيات قد كتبناها في خبر زياد. وقال عبيد الله بن زياد لحارثة بن بدر الغداني: اهج أنسا، فَقَالَ: أعفني فلم يعفه فَقَالَ: وحدثت عَنْ أنس أنه ... قليل الأمانة خوانها بصير بما فيه ضر الصديق ... وشر الأخلاء عورانها فَقَالَ أنس: أتتني رسالة مستكره ... فكان جوابي غفرانها [1] وكان لزنيم أيضا ابن يقال له أنس، وبقي أنس إلى زمن عبد الملك، ومات في آخره، وقد بلغ التسعين. وقال الكلبي: قال أنس بن زنيم عم أنس بن أبي أناس: في كل مجمع غاية أخراهم ... جذع أبر على المذالي [2] القرّع يعني على بن أبي طالب يحرض عليه. ومنهم: عويف بن الأضبط [3] رحمه الله تعالى، واسم الأضبط ربيعة بن أبير بن نهيك بن جذيمة بن عدي بن الديل، الذي قالت له خزاعة حين اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحديبية: هلم يا رسول الله إلى أعز بيت بتهامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «لا نفزع نسوة عويف بن ربيعة الأضبط أنه كان يأمرهم بالإسلام،] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف عويف بن الأضبط على المدينة حين اعتمر عمرة القضاء أو غيرها.

_ [1] قارن هذه الرواية بما رواه صاحب الأغاني ج 8 ص 388- 389. [2] مذل: ضجر وقلق. القاموس. [3] بهامش الأصل: عويف بن الأضبط رحمه الله.

ومنهم: بنو عبد الله بن عمير بن عمرو بن عمير بن أوس - وهو الأدرع - بن عبد الله بن مالك بن جذيمة بن عدي

ومنهم: بنو عَبْد اللَّهِ بْن عمير بْن عَمْرو بْن عمير بن أوس- وهو الأدرع- بن عبد الله بن مالك بن جذيمة بن عدي وهو بالمدينة. وبنو يعمر، ومنقذ ابنا عمير بن أوس بمكة، منهم: آل سباع بن ربيعة بن يعمر، وبنو زاجل بن ربيعة بن يعمر بالمدينة. ومن بني حلس بن نفاثة: أبو الأسود وهو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الديل، ويقال إن اسمه عثمان بن عمرو بن سفيان بن جندل والأول أثبت، وأمه من بني عَبْد الدار بن قصي، واسمها الطويلة، وكان أبو الأسود شيعيا وولاه عبد الله بن عباس الصلاة بالبصرة حين خرج إلى صفين مع علي عليه السلام، وولى زياد بن أبي سفيان الخراج، ويقال إن ذلك بأمر علي، وكتب أبو الأسود إلى علي: «أما بعد فإن الله قد جعلك واليا مؤتمنا، وقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة ناصحا للرعية توفر فيهم وتظلف نفسك عَن دنياهم فلا تأكل أموالهم ولا ترتشي فِي أحكامهم وإن عاملك وابن عمك قد أكل ما تحت يديه بغير علمك، ولا يسعني كتمانك ذَلِكَ، فانظر رحمك الله فيما قبلنا من أمرك واكتب إلي برأيك إن شاء الله والسلام» . فكتب علي إلى أبي الأسود في جواب كتابه: «أما بعد فقد فهمت كتابك، ومثلك نصح الإمام والأمة، ودل عَلَى الحق، وفارق الجور، وقد كتبت إلى صاحبك فيما كتبت إلى فيه، ولم أعلمه كتابك إلى في أمره، فلا تدع إعلامي ما يكون بحضرتك مما للأمة فيه صلاح، فإنك بذلك محقوق، وهو عليك واجب والسلام» . وكتب إلى ابن عباس يأمره برفع حسابه إليه وجرت بينه وبينه كتب قد

كتبناها فيما تقدم من كتابنا هذا، وكان عبد الله بن عباس قال لأبي الأسود: لو كنت من البهائم لكنت جملا ثقالا لا تنقاد، فقال أبو الأسود: لو كنت راعي ذاك الجمل ما اتخذته كلاء، ولا أرويته ماء، ولا بلغت بِهِ المرعى ولا أحسنت مهنته فِي المشتى. وقال قوم منهم أبو اليقظان: إن أبا الأسود شهد صفين مع علي عليه السلام، وأبو الأسود الذي وضع العربية وقال: ولا أقول لقدر القوم قد غليت ... ولا أقول لباب الدار مغلوق [1] وذلك أنه لما خالط العرب بالبصرة الخوز [2] ، ونبط كور دجلة وفرسها فسدت ألسنتهم، وقال أبو الأسود في شعر له: أتاني من خلي حديث كرهته ... وما هو إذ يغتابني متورع [3] فقيل له: إن الله يقول: مَا هذا بشر [4] فقال: هذا الذي قلته كلام العرب الفصيح، ولكن الكاتب زاد هذه الألف، حدثني بذلك رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ أَبِي زَيْد الأَنْصَارِي عَنْ أَبِي عَمْرو بن العلاء. حدثني عباس بن هشام عن أبيه قال: سأل أبو الأسود زيادا أن يوليه عملا فقال: إنك قد كبرت وضعفت، فقال: أصلح الله الأمير إنك لست تبعثني لأصارع أهل عملي، وإنما تستحفظني فيهم وتأمنني على قسمة فيئهم وتجعل إلي النظر في أحكامهم.

_ [1] ليس في ديوان المطبوع. [2] نسبة إلى خوزستان، وهي من الأهواز، وهي من بلاد ما بين فارس والبصرة. اللباب لابن الأثير. [3] ليس في ديوانه المطبوع. [4] سورة يوسف- الآية: 31.

المدائني وغيره أن أبا الأسود كان يقول: لو أطعنا السؤال كنا أسوأ حالا منهم. قالوا: ومر به سائل ليلا وهو يقول: من يعشيني لوجه الله، وطلب ما عنده، فأدخله منزله فعشاه وأخرجه، فعاد لمثل قوله الأول فرده وحبسه في منزله ليلته، قال: والله لأكفن عن أمة محمد شرك ليلتهم فلما أصبح خلاه. المدائني قال: كان أبو الأسود عظيم السرة، فقال له رجل: يا أبا الأسود أشتهى أن أضع أيري في سرتك، فقال له: يا أحمق فأين يكون أيري حينئذ. المدائني قال: كسا المنذر بن الجارود، ويقال عبيد الله بن زياد أبا الأسود فقال: كساني ولم استكسه فحمدته ... أخ لي يعطيني الجزيل وناصر وإن أحق الناس إن كنت حامدا ... بحمدك من أعطاك والعرض وافر [1] وقال ابن زياد لأبي الأسود، ورأى عليه جبة خلقاء قد أطال لبسها أما تمل لبس هذه الجبة يا أبا الأسود؟ فقال: رب مملوك لا يستطاع فراقه وساوم أبو الأسود رجلا بثوب فقال: أنا أقاربك فيه، فقال أبو الأسود: إنك إن لم تقاربني باعدتك، قال: فإني قد أعطيت به كذا وكذا فذكر ثمنا مفرطا، فقال: اللهم اخز هؤلاء التجار فما يزالون يحدثون عن خبر قد فاتهم. وحدثني عبد الله بن صالح وغيره أن أبا الأسود كان يقول: إذا دخلت

_ [1] ديوانه ص 193.

مع رجل منزله فادخل بعده، وإذا خرجت منه معه فاخرج قبله. قالوا: وجرى بين أبي الأسود وجار له كلام فرماه جاره فلما أصبح قال له: أرميتني لا أم لك، فقال: ما رميتك إنما رماك الله. فقال: كذبت يا عدو الله لو رماني الله لم يخطئني. قالوا: ومرض أبو الأسود فجزع فقيل له: اصبر فإنه أمر الله، فقال: ذاك أشد له. وقال المدائني: مر أبو الأسود في مر بد البصرة فرآه رجل كان بطالا يتعبث بالناس فقال له: كأن قفاك يا أبا الأسود خلق من فقاح [1] فولاه قفاه ثم قال: يا بن أخي تأمله، فانظر هل ترى فقحة أمك فيه؟. وقال قيل لأبي الأسود: إنك تكثر الركوب على ضعف بدنك وكبر سنك فقال: إن في الركوب نشرة والقعود عقلة، وإذا خامر الرجل منزله ولزمه ذهبت هيبته واستخف به عياله حتى أن الشاة تبعر أو تبول فلا تتنحى عنه. قالوا: وأرق أبو الأسود في بعض الليالي فسمع وقع أضراس بغلته وهي تعتلف فقال أراني أنام وأنت تسرين في مالي؟ فباعها واشترى حمارا. وقال أبو الحسن المدائني: دخل أبو الأسود على معاوية فبينا هو يكلمه إذ حبق أبو الأسود، فقال: يا أمير المؤمنين إني عائذ بسترك، فقال معاوية: ثق بذلك مني. فلما خرج أبو الأسود دخل عمرو بن العاص على معاوية فأخبره بما كان من أبي الأسود، وبلغ أبا الأسود ذلك فأتاه فَقَالَ: يا مُعَاوِيَة إن الذي كان مني قد كان مثله منك ومن أبيك وإن من لم يؤتمن على ضرطة

_ [1] الفقحة: حلقة الدبر أو واسعها، ج فقاح. القاموس.

لجدير ألا يؤتمن على أمر الأمة. قالوا: وكان لأبي الأسود دكان على بابه صغير مرتفع، وكان يجلس عليه وحده ويؤتى بطبق عليه رغيف وعرق فيأكله، فسقطت من يده ذات يوم لقمة فقال لغلامه: ناولنيها فإني أكره أن أدعها للشيطان، فقال له أعرابي كان بحضرته وقد سأله فلم يطعمه: لا والله ولا للملائكة المقربين. وكان أبو الأسود يذكر التجار فيقول: لصوص فجار إلا أن بعضهم أحسن سرقة من بعض. وكان أبو الأسود يختم كيسه وهو فارغ ويقول: طينه خير من ظنه، وهو أول من قال ذلك. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح المقرئ عَن ابْن كناسة قال: قال أبو الأسود الديلي: البلاغة سلاطة اللسان، ورحب الذراع حتى ينطق بالحاجة، ويصدع بالحجة وتضم الكلمة إلى أختها فلا يتبعها من ليس من شكلتها، ولا تنقض بالمتقدمة ما يتلوها. قالوا: وكان أبو الأسود يقول: ما الماء إذا وجد سبيله منحدرا بأشد تغلغلا إلى مستقره من كلمة أصيب بها موضعها إلى قلب. المدائني قال: دخل أبو الأسود على زياد فقال له: يا أبا الأسود كيف حبك لعلي وولده؟ فقال: يزداد شدة كما يزداد حبك- كان- لهم تغيرا وتنقصا. فغضب زياد فقال أبو الأسود:

غضب الأمير لأن صدقت وربما ... غضب الأمير على البريء المسلم الله يعلم أن حبي صادق ... لبني النبي وللقتيل المحرم [1] يا أبا المغيرة رب يوم لم يكن ... أهل البراءة عندكم كالمجرم [2] وقال ابن الكلبي: كان أبو الأسود يمر على رجل فيؤذيه ويتعبث به فقال: وأهوج ملحاح تصاممت قيله ... أن أسمعه وما بسمعي من باس ولو شئت ما أعرضت حتى أصبته ... بموضحة شنعاء تغني على الآسي [3] قالوا وخاصمت امرأة أبي الأسود الديلي أبا الأسود إلى زياد في ولدها وكان أبو الأسود قد طلقها فقالت: أنا أحق بولدي، قال أبو الأسود: بل أنا أحق به حملته قبل أن تحمله ووضعته قبل أن تضعه، قالت: صدق أصلح الله الأمير، حمله خفا وحملته ثقلا. ووضعه شهوة ووضعته كرها. فقال زياد: قد خصمتك يا أبا الأسود وهي أحق به ما لم تتزوج. قال أبو الحسن المدائني وغيره: خرج أبو الأسود مع أصحاب له يتصيدون فوقف أعرابي على أبي الأسود وهو جالس في خباء قد ضرب لهم فقال الأعرابي: السلام عليكم، قال أبو الأسود: كلمة مقولة. فقال الأعرابي: أدخل الخباء؟ فقال أبو الأسود: وراءك أوسع لك. قال الأعرابي: إن الرمضاء قد أحرقت رجلي قال: بل عليها. قال: عندك شيء تطعمنيه؟ قال: نأكل ونطعم من معنا فإن فضل شيء كنت أحق به من

_ [1] بهامش الأصل: أراد بالمحرم الذي لم يحل دمه. [2] لم ترد هذه الأبيات بديوانه المطبوع. [3] ديوان أبي الأسود ص 204- 206 مع فوارق.

الكلب. قال الأعرابي: ما رأيت قط ألأم منك، قال أبو الأسود: بلى ولكنك نسيت. قالوا: وقال رجل راكب لأبي الأسود: الطريق، فقال أبو الأسود: أعن الطريق تعداني. وقال أبو الأسود: البخل بما في يدك خير من مسألة الناس ما في أيديهم. قالوا: وركب أبو الأسود مع فيل مولى زياد وحاجبه، وركب معهما أنس بن أبي أناس بن زنيم الكناني، وكان فيل على برذون هملاج، وهما على فرسين قطوفين، فقال أنس: أجزنا أبا الأسود فقال: هات، فقال: لعمرو أبيك ما حمام كسرى ... عَلَى الثلثين من حمام فيل فقال أَبُو الأسود: وما أرقاصنا خلف الموالي ... بسنتنا على عهد الرسول [1] وقال القحذمي: قال أنس هذا لأن فيلا ركب إلى حمام اتخذه ينظر إليه. وقال أبو اليقظان: كتب أبو الأسود إلى رجل وعده عدة توفى له بها: وإذا وعدت الوعد كنت كغارم ... دينا أقر به وأحضر كاتبا وإذا منعت منعت منعا بينا ... وأرحت من طول العناء الراغبا [2] وقال: وكان أبو الأسود بخيلا فقيل له: أنت أظرف الناس لولا بخلك، فقال: أخزى الله ظرفا لا يمسك ما فيه على أهله وقال أبو الأسود:

_ [1] انظر مادة «حمام فيل» في معجم البلدان. [2] ديوان أبي الأسود ص 212- 213.

إذا المرء ذو القربي وذو الذنب أجحفت ... به نكبة سلت مصيبته حقدي [1] وبلغ أن أبا الأسود أن رجلا اغتابه فقال: وذو حسد يغتابني حيث لا يرى ... مكاني ويثني صالحا حيث أسمع تورعت أن اغتابه من ورائه ... وما هو إذ يغتابني متورع [2] وقال المدائني عن أبي اليقظان: أصاب أبا الأسود بالبصرة فالج شديد ومات بها، وقد أسن. وَحَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي عَنْ أَبِي عُبَيْدَة قال: مات أبو الأسود وله مائة سنة. وقال الْمَدَائِنِيّ عَن عَبْد اللَّهِ بْن مسلم الفهري قال: قال أبو الأسود: فارقت الناس مذ فارقت علي بن أبي طالب وإني لأعجب اليوم من قوم يزعمون أن حسنا وحسينا وولدهما ليسوا بارثة النبي صلى الله عليه وسلم والله يقول: وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وزكريا ويحيى وعيسى والياس [3] ، وإنما عيسى ابن ابنته. فولد أبو الأسود الديلي: عطاء بن أبي الأسود. وأبا حرب بن أبي الأسود. فأما عطاء فكان على شرطة أبيه بالبصرة وهو واليها، وهو فتق البحر مع يحيى بن يعمر العدواني بعد أبي الأسود، ولا عقب لعطاء.

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] ليسا في ديوانه المطبوع. [3] سورة الأنعام- الآيتان: 84- 85.

حماس بن خالد الديلي

وأما أبو حرب فكان عاقلا شاعرا صاحب قرآن، ولاه الحجاج بن يوسف جوخى فقال له: العام عامك تخلخل فيه عظامك، وقال له: أما والله لو أدركت أباك لقتلته فإنه كان ترابيا، فقال: أصلح الله الأمير أو كان يأتي عليه عفوك كما أتى عليه عفو من كان قبلك؟ قال: أو ذاك؟ ولم يزل أبو حرب على جوخى حتى مات الحجاج وكان لأبي حرب من الولد: جعفر، وغيره وله عقب بالبصرة. ومن بني الديل: حماس بن خالد الديلي الذي قال لامرأته حين أظلهم النبي صلى الله عليه وسلم: لآتينّك بخادم من أصحاب محمد، فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةُ، ودخلها جاء منهزما فقالِت له أمرأته وهي هازئة: أين الخادم فإني لم أزل متوقعة لمجيئك به فقال: إنك لو شهدتنا بالخندمة ... إذ فر صفوان وفر عكرمة وأبو يزيد كالعجوز المؤتمة ... لم تنطقي فِي اللوم أدني كلمة إذ ضربتنا بالسيوف المسلمة ... لهم زئير خلفنا وغمغمة [1] وكان هؤلاء الذين سمى يقولون: لا ندع محمد يدخل مكة أبدا. ومن بني الديل: سنان بن أبي سنان، وكان محدثا ومات في سنة خمس ومائة، وله اثنتان وثمانون سنة. ومنهم: نوفل بن معاوية [2] رحمه الله تعالى الديلي ثم النفاثي، وكان شديدا على المسلمين، ثم وافى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الفتح مسلما، وأتى المدينة

_ [1] سيرة ابن هشام ج 2 ص 859. [2] بهامش الأصل: نوفل بن معاوية رحمه الله.

ومنهم: ربيعة بن عباد [1] الديلي

فنزلها في بني الديل وحج مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه سنة تسع، ومع النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر، ومات بالمدينة أيام يزيد بن معاوية وقد بلغ المائة. ومنهم: ربيعة بن عباد [1] الديلي رحمه الله تعالى، نزل بالمدينة في بني الديل، ومات في أيام الوليد بن عبد الملك، وقال ربيعة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار ويقول: [ «أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا،] ووراءه رجل أحول ذو غديرتين يقول: إنه كذاب. فسألت عنه فقيل هو عمه أبو لهب، ويقال إنه مات وله مائة ونيف وعشرون سنة، ويقال مائة وعشرون. ومن بني الديل أيضا: أبو بشر بن محجن، كان يسكن المدينة وروي عنه. ومن بني الديل: أبو الشعثاء وهو الحزين، شرب حتى سكر فأخذ وحبس في دار الإمارة وحماره معه فقال: أقول لهم وقد حبسوا حماري ... بأي جريرة حبس الحمار فما للعير مظلمة لديهم ... وما بالعير إن ظلم انتصار إذا ركب الحزين على حمار ... فقد ركب الخسار على الدبار وولد ضمرة بن بكر بن عبد مناة: كعب بن ضمرة. وجدي بن ضمرة، وأمهما سلمى بنت الحارث بن كعب بن عمرو بن مدحج. وعوف بن ضمرة. ومليل بن ضمرة، وأمهم عفراء بنت العنبر بن عمرو بن تميم. فولد كعب بن ضمرة: جابر بن كعب. والحارث بن كعب. وكليب بن كعب. وعوف بن كعب. وزيد بن كعب. وربيعة بن كعب.

_ [1] بهامش الأصل ربيعة بن عباد رحمه الله.

وعمرو بن أمية [2] بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشرة بن كعب بن جدي بن ضمرة،

وعمرو بن كعب، وأمهم مجد بنت عائش بن ظرب بن الحارث بن فهر. منهم مالك بن صخر بن حريم بن عبد العزى بن كعيب بن خرد بن جابر بن كعب كان رئيسا فيهم. وولد جدي بن ضمرة: عوف بن جدي. وقيس بن جدي. وعتوارة بن جدي. وكعب بن جدي. وملحة بن جدي، وأمهم ابنة بهدلة بن عوف التميمي. منهم مسافع بن عبد العزى بن حارثة بن يعمر بن عوف بن جدي الذي عمر فطال عمره وجلس هو وثلاثة نفر معمرون فقال: جلست غدية وأبو عقيل ... وعروة ذو الندى وأبو رباح كأنا مضرحيات [1] برضوى ... تنوء إذا تنوء بلا براح ومن ولد مسافع بن عبد العزى: تميم بن نصر بن مسافع، كان معه لواء بني كنانة يوم صفين مع معاوية. ومنهم عمارة بن مخشيّ بن خويلد بن عبدنهم بن يعمر بن عوف بن جدي، الذي عاقد النبي صلى الله عليه وسلم عن بني ضمرة في الصلح. وعمرو بن أمية [2] بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشرة بن كعب بن جدي بن ضمرة، صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد يوم بئر معونة فلم يفلت من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، وخلى عامر بن الطفيل سبيله حين قال: إني من مضر، وكانت عنده سخيلة بنت عبيدة بن الحارث بن

_ [1] مضرح: مرمي بناحية. القاموس. [2] بهامش الأصل: عمرو بن أمية الضمري رحمه الله.

المطلب بن عبد مناف، فولدت له عدة منهم: جعفر بن عمرو بن أمية الضمري الفقيه. وكان عمرو بن أمية قتل رجلين من بني كلاب مواد عين للنبي صلى الله عليه وسلم خطأ فبسبب ذلك كانت غزاة بني النضير. ووجه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بن أمية الضمري في سنة ثمان إلى مكة لقتل أبي سفيان فلم يمكنه ذلك. وكتب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عمرو إلى النجاشي في دعائه إلى الإسلام، وفي أمر أم حبيبة بنت أبي سفيان وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم. وبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرا إلى مشركي قريش بصلة وقد أقحطوا وجهدوا حتى أكلوا الرمة والعلهز [1] . وقال الواقدي: شهد عمرو بن أمية الضمري بدرا وأحدا مع المشركين، ثم أسلم بعد ذلك، وبقي إلى زمن معاوية، وله دار بالمدينة عند الحكاكين وبها مات، وكان يكنى أبا أمية، وتزوج ابنة الزبرقان بن بدر فقال كثير لولده: وشان بنات الزبرقان نكاحهم ... ولم يرضكم للزبرقان كريم ولو صدقوه عنكم لرجعتم ... وفي الأوجه الشوه القباح وجوم [2] وولد عمرو: معيه، وأم معيه ابنة الزبرقان. فولد معية: الزبرقان. ولعمرو عقب. ومنهم البراض بن قيس بن رافع بن قيس بن جدي، وهو الذي قتل

_ [1] طعام من الدم والوبر، كان يتخذ في المجاعة. القاموس. [2] ليسا في ديوانه المطبوع.

ومن بني ضمرة: عمرو بن يثربي [1]

عروة الرحال الكلابي، وبسببه كانت وقعة الفجار العظمى وقد ذكرنا خبره فيما تقدم. ومن بني ضمرة: عمرو بن يثربي [1] رحمه الله تعالى، فكان يسكن ناحية البحر ولم يسكن المدينة ولا مكة، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم في الفتح مسلما، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم التروية ويوم عرفة. ومن بني ضمرة: أبو الجعد الضمري [2] ، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يحشر قومه لغزاة الفتح، وروى أبو الجعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ «من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا طبع الله على قلبه] » ، وله دار بالمدينة في بني ضمرة. [بني غفار بن مليل بن ضمرة] وولد مليل بن ضمرة: غفار بن مليل، بطن. وثعلبة بن مليل وهم في بني غفار. ومنهم: الحكم بن عمرو بن مخدج بن جذيم بن الحارث بن نعلية، وكان رجلا صالحا، وأمر زياد بن أبي سفيان أن يدعى له الحكم، وهو يريد الحكم بن العاص الثقفي، فدعا رسوله الحكم بن عمرو الغفاري فلما رآه تبرك به، وقال: رجل من أصحاب رسول الله فولاه خراسان. وروى الحكم بن عمرو [3] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ «لا طاعة لأحد في معصية الله» .] وكان موت الحكم بخراسان. وكان أسلم بن زرعة الكلابي ينبش قبور الدهاقين يطلب فيها الجوهر، فأسرف في ذلك فقال بيهس بن صهيب الجرمي.

_ [1] بهامش الأصل: عمرو بن يثربي رحمه الله. [2] بهامش الأصل: أبو الجعد الضمري رحمه الله. [3] بهامش الأصل: الحكم بن عمرو الغفاري رحمه الله.

فمن بني حرام بن غفار:

تجنب لنا قبر الغفاري والتمس ... سوى قبره لا يعل مفرقك الدم وقال الكلبي: أم غفار ونعيلة مارية بنت الجعيد العبدية. وحدثني هدبة بن خالد عن أخته آمنة عَنْ هشام بْن حسان عَنْ الحسن أن الحكم بن عمرو غزا فأصاب غنائم فكتب إليه زياد: أن اصطف لأمير المؤمنين معاوية كل صفراء وبيضاء وكل جارية بارعة الجمال، فكتب إليه الحكم: إن كتاب الله قبل كتاب الأمير، وقسم الغنائم بين الناس وعزل الخمس. وكان للحكم بن عمرو الغفاري من الولد: غيلان، أمه من بني قيس بن ثعلبة، وأبو بردة ضربه مالك بن المنذر لغضبه عليه في أيام عمر بن يزيد. واليسع وله عقب بالبصرة، ومات الحكم سنة خمسين. وولد غفار بن مليل. حرام بن غفار. وحارثة بن غفار، وأمهما ابنة الحارث بن مالك بن كنانة. وحاجب بن غفار. ومبشر بن غفار. ولوذان بن غفار. وخفاجة بن غفار. وعبد الله بن غفار. وأحيمس بن غفار، وأمهم النوار بنت كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث. فمن بني حرام بن غفار: حذيفة رحمه الله، ويكنى أبا سريحة [1] بن أمية بن أسيد بن الأغوس بن واقعة بن حرام بن غفار، صحب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَوَّلُ مشهد له معه الحديبية، وروى عن أبي بكر الصديق، وقد روى أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم. والوليد بن غصين بن مسلم بن صعير بن كعب بن حرام، قتل يوم

_ [1] بهامش الأصل: أبو سريحة الغفاري رحمه الله.

ومنهم: أبو ذر [1] جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة،

عين الوردة مع سليمان بن صرد الخزاعي وقد ذكرنا خبر هذا اليوم فيما تقدم من كتابنا. ومنهم: أبو ذر [1] جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وأمه رملة، غفارية أيضا، وهي أيضا أم عمرو بن عبسة السلمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال غير الكلبي والواقدي والهيثم بن عدي: اسم أبي ذر: برير بن جنادة. وقال الواقدي في روايته: كان أبو ذر خامسا في الإسلام، ولكنه رجع إلى بلاد قومه فأقام حتَّى قدم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وتوفي لأربع سنين بقيت من أيام عثمان وصلى عليه ابن مسعود بالربذة. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ خَامِسًا فِي الإِسْلامِ، قَالُوا: وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلا يُصِيبُ الطَّرِيقَ فَارِسًا وَرَاجِلا كَأَنَّهُ سَبُعٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلامَ حِينَ سَمِعَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ مُسْتَخْفٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَتَوَصَّلَ إِلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ إِلَى مَاذَا تَدْعُو؟ فَقَالَ: [ «إِلَى اللَّه وحده لا شريك له وخلع لأوثان، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ،] فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنِّي مُنْصَرِفٌ إِلَى أَهْلِي فَإِذَا أُمِرْتُ بِالْقِتَالِ لَحِقْتُ بِكَ فَإِنِّي أَرَى قَوْمَكَ جَمِيعًا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «صدقت، وأصبت فانصرف» .] فكان

_ [1] بهامش الأصل: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه.

أَبُو ذَرٍّ يَكُونُ بِأَسْفَلِ ثَنِيَّةِ [1] غَزَالٍ، وَكَانَ يَعْتَرِضُ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ فَيَأْخُذُهَا، فَمَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَالَهُ وَإِلا فَلا، فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَى يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ قَدِمَ فَأَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلا يَعْبُدُ الأَصْنَامَ، فمر عليه رجل بعد ما أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ رَجُلا بِمَكَّةَ يَقُولُ كَمَا تَقُولُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. قَالَ: وَمِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ. فَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَهْشٍ وَهُوَ الْمُقْلُ [2] فَتَزَوَّدَهُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ يُضِيفُ النَّاسَ وَيُطْعِمُهُمُ الزَّبِيبَ فَجَلَسَ مَعَهُمْ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ سَأَلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ رَاقِدٌ وَكَانَ قَدْ سَدَلَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَنَبَّهَهُ وَقَالَ: أَنْعِمْ صَبَاحًا، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ» . فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنْشِدْنِي مَا تَقُولُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لَيْسَ هُوَ بِشِعْرٍ، هُوَ الْقُرْآنُ وَمَا أَنَا قُلْتُهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَالَهُ» ،] قَالَ: اقْرَأْهُ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةً، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِمَّنْ أَنْتَ» ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي غِفَارٍ. فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ قَوْمٌ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَأَنَّهُ مِنْهُمْ. ثُمَّ قَالَ: [ «إِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءَ» ] » ، وَأَخَذَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَنْزِلِهِ فَكَسَاهُ ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَكَانَ عَلَى ثَنِيَّةِ غَزَالٍ يَعْتَرِضُ عِيرَ قُرَيْشٍ فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ لَمْ يعرض لما معه.

_ [1] على الطريق من ثنية هرش بينها وبين الجحفة ثلاثة أودية. معجم البلدان. [2] البهش: المقل ما دام رطبا، وبلاد البهش الحجاز، والمقل المكي: ثمر شجر الدوم. القاموس.

حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، أنبأ حُمَيْدُ بْن هِلالٍ عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ كَعَمَلِهِمْ. قَالَ: [ «أَنْتَ يا أباذر مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» ] . حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا الحجاج بن محمد، ثنا ابن جريج عن أبي حرب بن الأسود الديلي عن أمه عن علي أنه سئل عن أبي ذر [فقال: وعى علما عجز فيه وكان شحيحا على دينه حريصا على العلم وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع، أما لقد ملئ له وعاؤه حتى امتلأ، قال: يقول: عجز عن كشف ما عنده] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عبد الرحمن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ربعي أبو عمرو، ثنا مرثد عن أبيه قال: جلست إلى أبي ذر فوقف عليه رجل فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال أبو ذر: لو وضعتم الصمصامة على هذا، وأشار إلى حلقه على أن أترك كلمة سمعتها من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنفذتموه قبل أن يكون ذلك [1] . حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا وَكِيعٌ، أنبأ فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنِ الْمُنْذِرِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَقَدْ تَرَكْنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُقَلِّبُ طَائِرٌ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلا ذَكَرْنَا فِيهِ عِلْمًا. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أنبأ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهُ زَارَ أَبَا الدَّرْدَاءِ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِحِمَارِهِ فَأُوكِفَ وَأَمَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِحِمَارِهِ فَأُسْرِجَ فلقيهما

_ [1] طبقات ابن سعد ج 4 ص 222- 232.

رَجُلٍ شَهِدَ الْجُمُعَةَ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بِالأَمْسِ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ، فَعَرَفَهُمَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَعْرِفَاهُ، فَأَخْبَرَهُمَا بِخَبَرِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ: وَخَبَرٌ آخَرُ أَرَاكُمَا تَكْرَهَانِهِ، فقال أبو الدرداء: ويحك لعل أباذر نُفِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَرْجَعَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَصَاحِبُهُ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَخِيرًا: ارْتَقِبْهُمْ، وَاصْطَبِرْ كَمَا قِيلَ لأَصْحَابِ النَّاقَةِ اللَّهُمَّ إِنِ اتَّهَمُوهُ فَإِنِّي لا أَتَّهِمُهُ وإن استغشوه فإني لا أستغشه، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَأْمَنُهُ وَيُسِرُّ إِلَيْهِ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِيَدِهِ لَوْ أن أباذر قطع يميني ما أبغضته بعد مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلا أَطْبَقَتِ الْخَضْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ] » . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، وَلا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَحَدًا أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» ] . قالوا: وكان ينكر سيرة عثمان ويذمها، فأشخصه إلى الشام، فأظهر الطعن عليه بالشام، فكتب إليه معاوية بذلك فأمره أن يرده إلى المدينة، فجرى بينه وبين عثمان كلام، فأنزله الربذة. ويقال إن أباذر اختار ألا يساكنه، وأن ينزل الربذة، فلما حضرت أباذر الوفاة أقبل ركب من الكوفة فيهم جَرِير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي، ومالك بن الحارث بن عبد يغوث الأشتر النخعي، والأسود بْن يَزِيد بْن قَيْس النخعي أخي علقمة بن قيس الفقيه فِي عدة آخرين، فسألوا عَنْهُ ليسلموا عَلَيْهِ فوجدوه قد توفي، فحنطه جرير وكفنه، وصلى عليه ودفنه. وقال بعضهم: صلى عَلَيْهِ الأشتر وحملوا امرأته حَتَّى أتوا بها المدينة،

ومن بني حارثة بن غفار:

وكانت وفاة أبي ذر لأربع سنين من أيام عثمان رضي الله تعالى عنهما. وكان الواقدي يقول: صلى على أبي ذر عبد الله بن مسعود وكانت وفاته بالربذة في ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين. وقالوا: كان أبو ذر نحيفا آدم، أبيض الرأس واللحية. وحدثنا عفان بن مسلم، ثنا معتمر بن سليمان، عن أيوب. قال: وحدثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ أَنَّ رِفْقَةً خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ لِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ فَأَتَوُا الرِّبْذَةَ فَبَعَثُوا رَجُلا يَشْتَرِي لَهُمْ شَاةً، فَأَتَى عَلَى خِبَاءٍ فقال: هل عندكم جزرة؟ فقالت أمرأة أبي ذَرٍّ: أَوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: مَاتَ أَبُو ذَرٍّ وَالنَّاسُ خُلُوفٌ وليس عندي أحد يغسله ويجنه، وقد دعا أن يوفق الله له قَوْمًا صَالِحِينَ يُغَسِّلُونَهُ وَيَدْفِنُونَهُ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَأَعْلَمَهُمْ فَأَقْبَلُوا مُسَارِعِينَ، وَمَعَهُمُ الْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ فَقَامُوا بِأَمْرِهِ حتى أجنوه. حدثني النرسي عن معتمر عن أيوب بمثله. ومن بني حارثة بن غفار: إماء بن رحضة [1] بن خربة بن خلاف بن حارثة بن غفار، وبعضهم يقول إيماء بن رحضة، والأول قول الكلبي، وكانت لإماء بن رحضة صحبة، وأسلم قريبا من قدوم النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية، وكان المشركون مروا به وهو مشرك وهم يريدون بدرا فأهدى لهم وعرض عليهم التقوية. وابنه خفاف بن إماء كانت له صحبة، وروى خفاف: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الفجر، فلما رفع رأسه قال: [لعن الله لحيان ورعلا وذكوان، وأما

_ [1] بهامش الأصل: إيماء بن رحضه وابنه خفاف رحمها الله.

ومن بني حاجب بن غفار: عزة بنت جميل [1] بن حفص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار، التي كان كثير بن عبد الرحمن يشبب بها.

غفار فغفر الله لها» ] أو كما قال، وهذا الحديث يروى عن الحارث بن خفاف عن أبيه خفاف. ومخلد بن خفاف، وبعضهم يقول محمد بن خفاف. وعبد الله. وعبد الرحمن ابنا أبي غرزة بن عمرو بن خربة بن خلاف بن حارثة قتلا مع الحسين بن علي بالطف. وقيس بن أبي غرزة كانت له صحبة. ومن بني حاجب بن غفار: عزة بنت جميل [1] بن حفص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار، التي كان كثير بن عبد الرحمن يشبب بها. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كناسة أن وكيلا لعزة ابتاع لها ثيابا من غلام كان كثير قد أذن له في التجارة، فبقيت عليه من ثمنها فضلة فمطله بها فأنشد الغلام ذات يوم قول لكثير: أرى كل ذي دين يوفي غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها [2] فقال له وكيل عزة: إن التي ابتعت لها الثياب منك عزة، فقال الغلام: أما إذا كانت الثياب لها فلا والله لا قبضت من ثمنها شيئا، ورد عليه ما كان أخذ منه، فبلغ ذلك كثيرا فأعتق الغلام ووهب له ما كان في يده من المال. ومن بني عبد الله بن غفار: آبي اللحم [3] - من الإباء- كان لا يأكل ما ذبح للأصنام، وهو خلف بن مالك بن عبد الله بن غفار، ويقال إنه كان لا يأكل شيئا من اللحمان كما يفعل الرهبان، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر،

_ [1] بهامش الأصل: عزة صاحبة كثير. [2] ديوان كثير ص 207. [3] بهامش الأصل: آبي اللحم وابنه الحويرث رحمهما الله.

ومن بني أحيمس بن غفار:

وكان يسكن الصفراء [1] ، ولم يسكن مكة ولا المدينة. ومن ولده: الحويرث بن عبد الله بن أبي اللحم، قتل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين، وأبو نويرة بن شيطان بن عبد الله بن آبي اللحم قتل يوم اليرموك. ومن بني أحيمس بن غفار: العقام. والعقيم، وهما العقامان، وهما ابنا جنيدب بن أحيمس بن غفار، كانا من الفرسان، ولهما يقول الطفيل بن خالد بن الطفيل بن مدرك بن العقام. إن العقامين هما ما هما ... ضاما أبيت اللعن براضا ومنهم: معشر بن بدر بن أحيمس، وكان بدر أبوه منيعا مستطيلا ذا كبر وفخر على من ورد عكاظ، فقعد في مجلسه بعكاظ يوما فبذخ على الناس وعلى رأسه راجز يقول: نحن بنو مدركة بن خندف ... من يطعنوا في عينه لا يطرف ومن يكونوا قومه يغطرف ... كأنهم لجة بحر مسدف وبسط رجله وقال: أنا أعز العرب، فمن زعم أنه أعز مني فليضربها بالسيف، فضربها، الأحمر بن مازن أحد بني نَصْر بْن مُعَاوِيَة بْن بكر بْن هوازن على الركبة فأندرها، وقال: خذها إليك أيها المخندف، وقام رجل من هوازن فقال: نحن ضربنا ركبة المخندف ... إذ مدها في أشهر المعرف وقال الأحمر بن مازن:

_ [1] الصفراء: واد من ناحية المدينة، كثير النخل والزرع والخير في طريق الحاج، بينه وبين بدر مرحلة. معجم البلدان.

ومنهم: خالد بن سيار [1] بن عبد عوف بن معشر بن بدر بن أحيمس سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم.

لما رأيت غفارا حافلين لدى ... بدر وأبرز عن رجل يعريها ضربت ركبتها إذ مدها أشرا ... وقلت دونكها خذها بما فيها فتهايج الحيان ثم تحاجزوا عن صلح واقتصاص، ولم تقع بينهم دماء، وحمل ما بينهم، وهذا كان أول الفجار. وقال بعضهم: إن معشر بن بدر هو الذي قطعت رجله، ومن قال هذا أنشد شعر أحمر بن مازن: لما رأيت غفارا حول معشرهم ... وأنه مبرزا رجلا يعريها ومنهم: خالد بن سيار [1] بن عبد عوف بن معشر بن بدر بن أحيمس سائق بدن النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم: أبورهم [2] وهو كلثوم بن الحصين بن خالد بن معشر، استخلفه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض غزواته، وأسلم أبورهم بعد قدوم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وشهد أحدا وكان ينزل الصفراء أكثر ذلك، وله دار بالمدينة. ومن بني غفار: أبو بصرة الغفاري، روى عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: [ «إنا غادون إلى يهود فلا تبدأوهم بالسلام، وإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم» ] . وابنه بصرة حمل عنه الحديث، وهو من أهل الشام. ومن بني غفار: عباد بْن خَالِد الغفاري، من أهل الصفة شهد الحديبية، ومات في أيام معاوية.

_ [1] بهامش الأصل: خالد بن سيار رحمه الله. [2] بهامش الأصل: أبو رهم رحمه الله.

ومن بني غفار: كعب بن عمير [1]

ومن بني غفار: كعب بن عمير [1] بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذات أطلاح في سرية، فأصيب من معه، وتحامل حتَّى أتى المدينة. ومن بني غفار: وهب بن حذيفة [2] الذي روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: [ «إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به» .] ومن بني غفار: يعيش بن طخفة، ويقال طهفة، من أهل الصفة. ومنهم أبو طهفة [3] الغفاري الذي قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتعهد ضيفانه فوجدني مضطجعا على بطني فركضني برجله ثم قال: [إنها ضجعة يبغضها الله» .] ومن بني غفار: سباع بن عرفطة [4] استخلفه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض غزواته على المدينة. ومنهم: رافع بن عمرو صحب النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه. ومنهم: جهجاه الغفاري [5] كانت له صحبة، وهو أحد من ألب على عثمان رضي الله تعالى عنه وقد ذكرنا خبره. وعراك بن مالك الغفاري مات في زمن يزيد بن عبد الملك، وَرُوِيَ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ: [ «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النسب] » .

_ [1] بهامش الأصل: عباد بن خالد وكعب بن عمير رحمهما الله. [2] بهامش الأصل: وهب بن حذيفة رحمه الله. [3] بهامش الأصل: طخفة وأبو طهفة رحمهما الله. [4] بهامش الأصل: سباع بن عرفطة رحمه الله. [5] بهامش الأصل: رافع بن عمرو، وجهجاه رحمهما الله.

وكان ابنه خثيم بن عراك [1] على شرط المدينة في أيام أبي العباس،

وكان ابنه خثيم بن عراك [1] على شرط المدينة في أيام أبي العباس، وهو الذي حد ابن هرمة في السكر فقال ابن هرمة: عققت أباك ذا نشب ويسر ... فلما أفنت الدنيا أباكا علقت عداوتي هذا لعمري ... ثياب البر تلبسها عراكا سأذكر من زغاوة فيك قوما ... هم صبغوا بصبغهم شواكا [2] زغاوة من السودان، يقول عققته حين أيسرت، وكان خثيم يصلي في المسجد ذات يوم تطوعا فمر بين يديه مخنث فسبح ربه فقال المخنث وهو لا يعرفه: مالك يا مقيت سبحت في رأية قراصة، وغل قمل، فلما انفتل من صلاته أمر بالمخنث فضرب مائة سوط. وحدثني الحرمازي قال: كان بالمدينة رجل يجمع بين الرجال والنساء على الفاحشة فرفع قوم أمره إلى خثيم بن عراك، فقال: ما الدليل على ما رفعتم؟ قالوا: الدليل أنه لا تحمل امرأة من مجمع المكارين على حمار إلا وافى بها الحمار منزله فقال خثيم: إن في هذا لدليلا فامتحنه فوجده كما قالوا فأمر بالرجل فشبح، فلما أرادوا ضربه قال: أصلح الله الأمير والله ما بي أن تضربني، ولكن أكره أن يقول أهل العراق: إن أهل المدينة أجازوا شهادة حمار، فضحك وخلاه. وقال أبو اليقظان: كان منزل عراك بمصر وقدم على عمرو بن عبيد الله فارس، فقال زياد الأعجم: يخبرنا أن القيامة قد أتت ... مجيء عراك يطلب المال من مصر

_ [1] بهامش الأصل: عراك بن مالك وابنه خثيم. [2] ديوان ابن هرمه البيتان الأولان فقط ص 161.

وولد مرة بن عبد مناة بن كنانة:

وكم دون باب اليون إن كنت حاسبا ... إلى دار كسرى من فلاة ومن جسر [1] وولد مرة بن عبد مناة بن كنانة: مدلج بن مرة، بطن. وشنوق بن مرة. وشنظير بن مرة. فولد مدلج: عمرو بن مدلج. وتيم بن مدلج. والحارث بن مدلج. منهم سراقة [2] بن مالك بن جعشم الذي زعموا أن إبليس كان يأتي في صورته، وكانت قريش جعلت لمن اتبع النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ حين هاجرا، فقتلهما أو أتى بهما مائة ناقة فاتبعهما سراقة بن مالك فلما قرب منهما ساخت قوائم فرسه في الأرض، فطلب الأمان، وأخبر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم خبره، فكتب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب أمنة وموادعة في قطعة من أدم، فلم يزل الكتاب عنده حتَّى أتاه بِهِ وهو بين الطائف والجعرانة، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [هَذَا يوم بر ووفاء» .] وأسلم سراقة، وفي بعض الروايات أن سراقة بن مالك شهد خيبر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يسكن قديد (وقيل إنه مات) [3] بعد قتل عثمان بيسير. وحرملة بن جعشم [4] أبو عبد الله، روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال إنه سافر معه أسفارا. ومعن بن حرملة، كان سيد أهل مصر. وأبو مالك بن كلثوم بن مالك بن جعشم كان شريفا بالشام.

_ [1] شعر زياد الأعجم ص 122. [2] بهامش الأصل: سراقة المدلجي رحمه الله. [3] أضيف ما بين الحاصرتين من أسد الغابة لاستقامة السياق. [4] بهامش الأصل: حرملة المدلجي رحمه الله.

وولد عامر بن عبد مناة بن كنانة:

ومنهم علقمة بن مجزر [1] بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سرية في سنة تسع إلى مراكب للحبشة رأوها بالقرب من مكة في البحر فلم يلق كيدا، وبعثه عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه إِلَى الحبشة في جيش فهلكوا كلهم فقال جواس العذري يرثيه: إن السلام وحسن كل تحية ... تغدو على ابن مجزر وتروح والقصيدة طويلة، قالوا: وكان قائفا. ومن ولده: عبيد الله وعبد الله ابنا عبد الملك بن عبد الرحمن بن علقمة اللذين مدحهما جواس فقال: غدا همي علي فقلت لما ... غدا همي علي من اللذان عبيد الله إذ أحبت [2] ركابي ... وعبد الله لا يتواكلاني كريما خندف نميا وشبا ... على نمطي مقابلة حصان وولد عامر بن عبد مناة بن كنانة: مبذول بن عامر. وقعن بن عامر. وجذيمة، وهما الزندان. وعوف بن عامر. فبنو جذيمة بن عامر أصحاب يوم الغميضاء [3] الذين توجه إليهم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، فأظهروا الإسلام فلم يلتفت إلى ذلك ووضع فيهم السيف وأمرهم أن يستأسروا، فبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب عليه بمال صرفه إليهم،

_ [1] بهامش الأصل: علقمة بن مجزر رحمه الله. [2] أحب البعير: برك ولم يثر، أو أصابه كسر أو مرض فلم يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت. القاموس. [3] بهامش الأصل: الغميضاء ماء لهم.

وأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن خالد ثم رضي عنه فقال عبد الرحمن بن عوف الزهري لخالد: إنما ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، ولم يكن أمر القوم على ما وصفت. وكان نفر من قريش مروا ببني جذيمة في الجاهلية، وفيهم الفاكه بن المغيرة وعوف بن عبد عوف. وعفان بن أبي العاص بن أمية، وكان مع القرشيين رجل من ثقيف، فسألهم رجل من بني جذيمة: من أنتم؟ فقالوا: نفر من قريش ومعنا هذا الثقفي. فقال الرجل: فإن ثقيفا قتلت أخي، وو الله لأقتلنه به، فقال القرشيون: إذا نحول بينك وبينه فاستغاث بقومه فجاؤوا من كل ناحية فمانعهم القرشيون فقاتلوهم حتى قتل القرشيون جميعا، وقتل الثقفي أيضا معهم. وقيل فيمن قتل خالد فيها: وكائن ترى يوم الغميضاء من فتى ... أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا وكان فيمن سبى خالد من بني جذيمة امرأة اسمها حبيش وكان رجل منهم يتعشقها فقال: ألا اسلمي حبيش على نكد العيش، فقالت حين بلغها قوله: وأنت فاسلم عشرا، وتسعا وترا، وثلاثة تترى. وقال الرجل: أريت إذا أدركتكم فلحقتكم ... بحنوة أو أدركتكم بالخوانق أما كان حقا أن ينوك عاشق ... تكلف أهوال السرى والدقائق فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا ... أثيبي بود قبل إحدى الصفائق [1] ومن بني جذيمة: بنو مساحق بن أقرم بن جذيمة بن عامر وهم النفر الشباب الذين اتبعوا الظعن.

_ [1] الخبر والشعر في سيرة ابن هشام ج 2 ص 879- 880.

وولد الحارث بن عبد مناة بن كنانة:

وولد الحارث بن عبد مناة بن كنانة: عمرو بن الحارث، وهو الأحمر. ومبذول بن الحارث. والرشد بن الحارث، وكان يقال لهم بنو غوي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «أنتم بنو الرشد» ] وهو الراعي، وعوف بن الحارث وهو ذو الحلة [1] وإليه أوصى الحارث. منهم: عمرو وهو أبو معيط وهو مسك الذئب وهو السياح بن عامر بن عوف بن الحارث. وأخوه تيم الذي عقد حلف بني المصطلق والحيا من خزاعة. ومسك الذئب الذي عقد حلف الأحابيش [2] إلى قريش. والأحابيش الذين تحبشوا واجتمعوا وهم: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو نفاثة بن الديل، وبنو الحيا من خزاعة، والقارة من بني الهون بن خزيمة. ومنهم الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن جذيمة رئيس الأحابيش يوم أحد، وعمرة بنت الحارث بن الأسود بن عبد الله بن عمر التي رفعت اللواء يوم أحد لقريش، ولها يقول حسان بن ثابت: لولا لواء الحارثية أصبحوا ... يباعون في الأسواق بالثمن الكسر [3] وقال أيضا: عمرة تحمل اللواء وصدت ... عن صدور القنا بنو مخزوم [4] ومنهم: المغفل بن عبد يا ليل بن خزامة بن زهرة بن مالك بن عوف- وهو المرقع الأكبر- بن الحارث بن عبد مناة.

_ [1] بهامش الأصل: لبس حلة يمانية غنمها. [2] بهامش الأصل: الأحابيش. [3] ديوان حسان ج 1 ص 480. [4] ديوان حسان ج 1 ص 41- 43.

ومن ولده: الحليس بن عمرو بن الحارث بن المغفل الذي ذكره تأبط شرا فقال: ولا بابن وهب منهب القوم ماله ... ولا بالحليس وسط آل المغفل ومنهم طارق بن المرقع، وهو علقمة بن عريج بن جذيمة بن مالك بن سعد بن عوف صاحب الدار بمكة. وولد مالك بن كنانة بن خذيمة: ثعلبة بن مالك. والحارث بن مالك. وحداد بن مالك. وشعل بن مالك. وساعدة بن مالك. وحساحسة، أو حساسة، شك هشام ابن الكلبي. فولد ثعلبة: غنم بن ثعلبة. فولد غنم: فراس بن غنم بطن. والحارث بن غنم بطن. وعمرو بن غنم بطن. والنابغة بن غنم بطن. وبجيل بن غنم. وفلاق بن غنم بطن. فولد فراس: علقمة وهو جذل الطعان، والحارث بن فراس. ومالك بن فراس درج. فولد علقمة بن فراس: جذيمة بن علقمة. وفرع بن علقمة، أمهم رهم بنت عبد الله بن هبل من كلب بن وبرة. ومنهم ربيعة بن مكدم بن عامر بن جدبان بن جذيمة. وبنو المطلب بن جدبان بالكوفة، وهم الأطباء آل الأبجر. ومنهم: حملة بن حوية بن عبد الله بن نضلة بن هلال بن عامر بن عمرو بن دهمان بن الحارث بن فراس كان على بيت مال علي عليه السلام بالكوفة، وكان الذي قتل ربيعة بن مكدم نشيبة بن حبيب يوم الكديد،

وكان يوما لقيت فيه بنو كنانة قوما من هوازن بن منصور وسليم بن منصور، ونشيبة بن حبيب سلمي فلما ضرب ربيعة قال ربيعة: شدي على العصب أم سيار ... فقد رزئت فارسا كالدينار وأم سيار أمه. فقالت أمه: إنا بنو ثعلبة بن مالك ... مرزّءو أخيارنا كذلك من بين مقتول وبين هالك ... وهل يكون الموت إلا ذلك وقالت أم عمرو بن مكدم ترثيه: ما بال عينك منها الدمع مهراق ... سحا فلا غائض منها ولا راق أبكي على هالك أودى وأورثني ... بعد التفرق حزنا حره باق لو كان يرجع ميتا وجد ذي رحم ... أبقى أخي سالما وجدي وإشفاقي فقتل أخوه أبو الفارعة بن مكدم رجلا من بني سليم، فقال أبو الفارعة: تجاوزت هندا رغبة عن قتاله ... إلى مالك أعشو إلى ضوء مالك وأيقن أني ثائر بابن مكدم ... غداتئذ أو هالك في الهوالك فدي لكم أمي وأمكم لكم ... ببرزة إذ تخبطهم بالسنابك وقال عمرو بن شقيق بن سلامان بن عبد العزى أحد بني الحارث بن فهر: لا يَبْعُدَنَّ رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ ... وَسَقَى الْغَوَادِي قبره بذنوب وقد تقدمت هذه الأبيات في كتابنا. وروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: وقع بين بني سليم بن

منصور وبين بني فراس بن مالك بن كنانة تدارؤ [1] ، فقتلت بنو فراس رجلين من بني سليم، ثم ودوهما، فلما كان بعد حين خرج نشيبة بن حبيب السلمي في ركب من قومه، فلما كانوا بالكديد بصر بهم نفر من بني فراس فيهم عبد الله بن جذل الطعان، والحارث بن مكدم، وأبو الفارعة وربيعة بن مكدم فتوجه ربيعة نحو القوم ليعرف خبرهم، وجعل يقول وسمع امرأة من أهله يقال إنها أم عمرو بنت مكدم: لقد علمن أنني غير فرق ... لأطعنن طعنة وأعتنق وأصبحنهم حين تحمر الحدق ... عضبا حساما وسنانا يأتلق ثم انطلق يعدو به فرسه فحمل عليه بعض القوم فاستطرد له ثم قتله ربيعة ورمى نشيبة ربيعة أو طعنه فلحق بمن كان معهم من الظعن يستدمي فقال لأمه: شدي على العصب أم سيار ... الأبيات، وأجابته أمه بالأبيات الكافية. ورثى الفهري ربيعة. وقال كعب بن زهير: أبلغ كنانة غثها وسمينها ... النازلين رباعها بالقاطن إن المذلة أن تظل دماؤكم ... ودماء عوف تقتضى بضغائن [2] وولد الحارث بن مالك بن كنانة: ثعلبة بن الحارث، وعمرو بن الحارث. فولد ثعلبة: عامر بن ثعلبة. وعوف بن ثعلبة. والريم بن ثعلبة.

_ [1] تدارأوا: تدافعوا في الخصومه. القاموس. [2] ليسا في ديوان كعب المطبوع انظر ص 101- 102- ط. بيروت 1987.

فولد عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة:

وسرين بن ثعلبة. وصهيب بن ثعلبة. ولبوان بن ثعلبة. فولد عامر بن ثعلبة: عدي بن عامر. ومخدج بن عامر وهو الحارث. وسعد بن عامر، وهم حلفاء في بني مخدج. وعبد الله بن عامر. فولد عدي بْن عامر بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مالك بن كنانة: فقيم بن عدي، بطن، وحشيش بن عدي وهم قليل. وقيس بن عدي، هلكوا في أول الإسلام. فمن بني فقيم: جنادة وهو أبو ثمامة وهو القلمس بن عوف بن قلع بن حذيفة بن عبد بن فقيم نسأ [1] الشهور أربعين سنة، وهو الذي أدرك الإسلام منهم، وكان أول من نسأ: قلع، نسأ سبع سنين، ونسأ أمية إحدى عشرة سنة. وكان أحدهم يقوم فيقول: إني لا أحاب ولا أعاب ولا يرد قولي، ثم ينسأ الشهور وهذا قول هشام ابن الكلبي. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كِنَاسَةَ عَنِ مشايخه قالوا: كانوا لا يحبون أن يكون يوم صدورهم عن الحج في وقت واحد من السنة فكانوا ينسئونه، والنسء التأخير، فيؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما، فإذا وقع في عدة من أيام ذي الحجة جعلوه في العام المقبل لزيادة أحد عشر يوما من ذي الحجة، ثم على تلك الأيام يفعلون كذلك في أيام السنة كلها، وكانوا يحرمون الشهرين اللذين يقع فيهما الحج والشهر الذي بعدهما ليواطئوا في النسء بذلك عدة ما حرم الله، وكانوا يحرمون رجبا كيف وقع الأمر، فيكون في السنة أربعة أشهر حرم. وقال عمرو بن بكير: قال المفضل الضبي: يقال لنسّاءة الشهور

_ [1] بهامش الأصل: النسء.

القلامس، وأحدهم قلمس وهو الرئيس المعظم، وكان أولهم حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بْن عامر بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مالك بن كنانة، ثم ابنه قلع بن حذيفة ثم عباد بن قلع، ثم قلع بن عباد بن قلع، ثم أمية بن قلع ثم عوف بن أمية، ثم جنادة بن أمية بن عوف بن قلع. قال وكانت خثعم وطيء لا يحرمون الأشهر الحرم فيغيرون فيها ويقاتلون، فكان من نسأ الشهور من النسّاءين يقوم فيقول: إني لا أحاب ولا أعاب ولا يرد ما قضيت به، وإني قد أحللت دماء المحلين من طيّئ وخثعم فاقتلوهم حيث وجدتموهم إذا عرضوا لكم. وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَجُّوا فِي ذِي الْحِجَّةِ عَامَيْنِ، ثُمَّ حَجُّوا الْمُحَرَّمَ عَامَيْنِ، ثُمَّ حَجُّوا فِي صَفَر عَامَيْنِ، حَتَّى وَافَتْ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَذَلِكَ قَبْلَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامٍ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ فِي قَابِلٍ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» ] . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كِنَاسَةَ عَنِ أشياخه: كانوا يكرهون أن يسموا المحرم إذا أحلوا محرما فيسمونه صفر الأول، ويسمون صفرا الصفرين. وحدثني إسحاق الفروي، ثنا سفيان بن عبيد عن عمرو بن دينار عن طاووس: أن أهل الجاهلية كانوا يقولون للمحرم صفرا فيحلونه عاما ويحرمونه عاما، فجعله الله مَحْرَمًا. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كناسة قال: كانوا إذا حجوا في

شوال وذي القعدة حرموا ذا الحجة وأحلوا المحرم، فقال القلمس: إني لا أحاب ولا أعاب ولا يرد ما حكمت به، اللهم إني قد أحللت أحد الصفرين، وهو الأول منهما. وأنشدني عبد الله بن صالح لبعض القلامس: لقد علمت عليا كنانة أننا ... إذا الغصن أمسى مورق العود أخضرا أعزهم سربا وأمنعهم حمى ... وأكرمهم في أول الدهر عنصرا وإنا أريناهم مناسك دينهم ... وحزنا لهم حظا من الخير وافرا وإن بنا يستقبل الأمر مقبلا ... وإن نحن أدبرنا عن الأمر أدبرا وقال بعض بني أسد: لهم ناسئ يمشون تحت لوائه ... يحل إذا شاء الشهور ويحرم وكانت العرب إذا حجت قلدت الإبل النعال، وألبستها الجلال فلا يعرض لها أحد إلا خثعم، فقال بعض الشعراء: وخشيف [1] ما خشيف تلكم ... وهممنا بخشيف كل هم تلك شهران وتلكم ناهس ... حلل الله أذاهم ثم عم غارة قد شنها فرسانهم ... حرم الشهر وفي غير الحرم ولقي أنس بن مدرك الخثعمي عبد الله بن الحارث الهمداني فسلبه فقال: وما رحلت من سرو حمير ناقتي ... ليحجبها عن دون بيتك حاجب تعلم مليك الله أن ابن مدرك ... لأمثالها إن لم تنكله آئب أرى أنسا قد صدنا بسفاهة ... عن البيت إذ أعيت عليه المكاسب

_ [1] خشيف: ذاهب في الأرض والماء جمد، والبرد اشتد. والدليل الماضي. القاموس.

وولد عمرو بن الحارث بن مالك:

وقال التوزي النحوي: قال أبو زيد الأنصاري: كانوا يحرمون إذا حرموا أربعة أشهر من السنة ليواطئوا عدة ما حرم الله ويحلون غيرها مما حرم الله. وقال عمير بن قيس بن جذل الطعان: ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما وقال أبو اليقظان: كان من ولد القلمس رجل مع عبد الملك بن مروان، فعاب عَمْرو بْن الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، فبلغ ذلك عمرا، فقال عمرو: وانبئت أن ابن القلمس عابني ... ومن ذا من الناس البريء الْمُسَلَّمُ تبين سبيل الرشد سيد قومه ... فقد يُبصر الرشد الرئيس المعَمَّمُ فَمَنْ أنتُمُ إنا علمنا من أنتم ... وقد جعلت أشياء تبدو وتكتم ومنهم: جهور بن جندب بن ظرب بن أمية بن عوف، كان صاحب اللواء يوم صفين. ومن بني مخدج بن عامر: علقمة بن صفوان بن محرث بن حمل بن شق بن رقبة بن مخدج، وهو حليف لبني عبد شمس، وهو جد مروان بن الحكم أبو أمه. فولد علقمة: نافع بن علقمة، أمه ابنة نافع بن الحارث. وكان نافع بن علقمة على مكة من قبل عبد الملك بن مروان والوليد، وداره بين الصفا والمروة وله عقب. وولد عمرو بن الحارث بن مالك: الفاكه بن عمرو النواح واسمه نصر. والشرخي بن عمرو، وعبس بن عمرو.

ومن بني مالك بن كنانة:

منهم: عبد الرحمن بن الرماحس بن الرسارس بن السكران بن واقد بن وهيب بن هاجر بن عرينه بن وائلة بن الفاكه بن عمرو. والرماحس بن عبد العزيز بن الرماحس بن الرسارس كان على شرطة مروان بن محمد، فيقال إنه لما قتل مروان بن محمد استخفى فمات مستخفيا، وقيل إنه مضى مع ولده إلى الحبشة فهلك هناك، ويقال إنه قتل في المعركة، ويقال إن بني العباس ظفروا به وهو مستخف فقتل والله أعلم. وقال الحرمازي: استخفى فأمن وظهر. ومنهم أبو زهير بن ثواب بن سلمة بن ضبيس بن عبد عوف بن الحارث بن الضمري، واسمه عمرو بن الفاكه، وهو حليف المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، فتزوج هند بنت عقبة بن أبي معيط، فولدت له: عبد الله. وعبيد الله. وعبد الرحمن وهم بالجزيرة فقهاء، وقد ولي القضاء بها قوم منهم. ومن بني بحديد بن الفاكه: مسلم بن عامر بن ربيعة حليف بني جمح. ومن بني مالك بن كنانة: بنو شبابة وهم ينزلون اليمن وإليهم ينسب العسل الشبابي. وولد ملكان وغير الكلبي يقول ملكان بن كنانة: حرام بن ملكان. وثعلبة بن ملكان وسعد بن ملكان. وأسيد بن ملكان. وغنم بن ملكان. منهم: آل ينفع بن حثمة بن عامر بن الحارث بن عبد مناة بن علي بن ودمه بن عمرو بن سعد بن كدادة بن غنم، وإليهم ينسب البيت من بني ملكان.

ومن ولده: عبد الله بن ينفع، سماه سليمان بن عبد الملك الأمين. وقال أبو اليقظان: قال علي بن أبي طالب لأهل الكوفة: وددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم بن ثعلبة من بني مالك بن كنانة. قال: ومن بني فراس: هشام بن خلف بن قواله، كان شريفا في الجاهلية وهو الذي بال على رأس النعمان بمكة وكان قد ترك عبادة الأصنام وتنصر. فمن ولد هشام بن خلف بن قواله: آل القعقاع بن حكيم: وهم بالبصرة، وأم القعقاع بن حكيم ابنة عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي بكر، وأم حكيم رميثة بنت الحارث من بني مالك بن كنانة ثم من بني فراس، وقد روت عن عائشة، وأم عبد الرحمن بن أبي بكر، وعائشة: أم رومان بنت الحارث من بني فراس. قال: وكان جذل الطعان فارس العرب وهو الذي يقول: بني أسد أغنوا سليما لديكم ... ستغني تميم عندها غطفانا ونحن سنغني الجذم جذم هوازن ... ونوسعهم يوم اللقاء طعانا وكونوا كمن آسي أخاه حياته ... نعيش جميعا أو يموت كلانا المدائني قال: دلست على أبي المتوكل الناجي عجوز من بني فراس فلما رفع الستر نظر إلى عجوز منقبضة الوجه كأن عارضها عارض خنزير، وكأن فمها فم سنور، فقالت له: لا تعجل فإن لك عندنا خلالا ثلاثا: حسبا غير شائن، وشكرا لما يكون منك، وحفظا لمالك عليك. فقال:

إن امرأ كانت عجوزا ضجيعه ... يعاني بها فوق الفراش السلاسل خذي نصف مالي واتركي لي نصفه ... وبيني ثلاثا قبل ما أنا فاعل له الويل منها حين يسمع جرسها ... ولو كثرت في معصميها الجلاجل تم نسب كنانه

نسب بني الهون بن خذيمة بن مدركة

بسم الله الرحمن الرحيم نسب بني الهون بن خذيمة بن مدركة وولد الهون- مفتوح الهاء- بن خزيمة: مليح بن الهون. فولد مليح: ييثغ بن مليح بن الهون. والحكم وهو قليل دخلوا في مذحج قالوا: نحن بنو الحكم بن سعد العشيرة وهم رهط الجراح بن عبد الله الحكمي. والله أعلم. فولد ييثغ: عائذة بن ييثغ. وسعد بن ييثغ. فولد عائذة: غالب بن عائدة. وسعد بن عائذة. فولد غالب: جندلة بن غالب. ومحلم بن غالب. وعامر بن غالب. وشجب بن غالب. فولد محلم بن غالب: عبد العزى. وحلمة بن محلم وهم الأبناء. والديش بن محلم. والدئل بن محلم- مهموز على مثال الدعل. فولد الديش بن محلم: عضل بن الديش. والأيسر بن الديش. فبنو محلم بن الديش كلهم يسمون القارة [1] غير ولد عضل. وقد يقال إن ولد عضل قارة أيضا، ويقال أن المسلمين جعلوا يقولون في يوم الخندق أو غيره:

_ [1] بهامش الأصل: القارة.

يا رب إلعن عضلا والقارة ... لولاهم لم نحمل الحجارة وكان يعمر الشداخ الليثي أراد أن يفرق أولئك في بطون كنانة فقال رجل منهم: دعونا قارة لا تنفرونا ... فنجفل مثل إجفال الظليم أي دعونا مجتمعين. والقارة: جبيل صغير، وكان بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة مضطغنين على قريش إخراج قصي بن كلاب إياهم عن مكة، وقسمتها رباعا بين قريش، فلما كان زمن عبد المطلب وكثر بنو بكر هموا بإخراج قريش عن الحرم أو نزوله معهم، فجمعت قريش واستعدت، وعقد عبد المطلب الحلف بين قريش والأحابيش، وهم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو نفاثة بن عدي بن الديل بن كنانة، وبنو الحيا من خزاعة، والقارة من ولد الهون بن خزيمة، وبنو عضل بن الديش بن محلم من بني الهون أيضا، فلقوا بني بكر ومن لافهم وضوى إليهم. وعلى قريش عبد المطلب بن عبد مناف، وكان على الأحابيش الحليس فاقتتلوا بذات نكيف [1] فانهزمت بكر وقتلوا قتلا ذريعا، وبارز يومئذ عبد بن سفاح القاري قتادة بن قيس أخا بلعاء بن قيس، فطعنه عبد فقتله، فقال عبد وهو ابن السفاح: يا طعنة ما قد طعنت مرشة ... قتادة حين الخيل بالقوم تخنف وكان قتادة قال لقومه: ارموهم بالنبل، فإذا فنيت فشدوا عليهم بالرماح، وكانت القارة رماة يقال لهم رماة الحدق، فقال قائل منهم: قد أنصف القارة من راماها. فذهبت مثلا.

_ [1] ذو نكيف: موضع من نواحي مكة. معجم البلدان.

فمن القارة: مسعود بن عامر رضي الله تعالى عنه ابن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن محلم بن غالب بن عائذة بن ييثغ بن مليح. والناس ينسبونه إلى جده فيقولون: مسعود بن ربيعة، ومنهم من يقول مسعود بن الربيع، وكنية مسعود أبو عمير، ويعرف بالقاري. قالوا: أسلم قبل دخول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم دار الأرقم للدعاء فيها، وكان إسلامه مع أبي عبيدة بن الجراح وعدة من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتوه جميعا فأسلموا، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مسعود وبين عبيد بن التيهان. وشهد مسعود بدرا، وأحدا، وجميع المشاهد مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه ومات في سنة ثلاثين، وقد زاد سنه على ستين سنة وله عقب، وكان موته بالمدينة، ويقال بالشام. ومن القارة: عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عَبْد أبو محمد، روي عنه الحديث، وبقي إلى خلافة أبي جعفر المنصور. ومنهم: عبد الله بن عثمان بن خثيم القاري حليف بني زهرة، توفي في خلافة أمير المؤمنين أبي العباس.

نسب بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر

نسب بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ولد أسد بن خزيمة: دودان بن أسد. وكاهل بن أسد. وعمرو بن أسد. وصعب بن أسد. وحلمة بن أسد، وهم بيت مع بني جذيمة بْن مالك بْن نصر بْن قعين، وأمهم أودة بنت زيد بن ليث بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. فولد دودان بن أسد: ثعلبة بن دودان. وغنم بن دودان، وهم حلفاء في بني عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمهما الرباب بنت نهد بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أسلم بن الحاف بن قضاعة. فولد ثعلبة بن دودان: الحارث بن ثعلبة. وسعد بن ثعلبة، وأمهما سلمى بنت مالك بن نهد من قضاعة ولهم يقول عمرو بن شأس: إن بني سلمى رجال جلة ... شم الأنوف لم يساموا الذله مستحقبين حلق الأسله [1] ومالك بن ثعلبة. وغنم بن ثعلبة وأمهما بنت ذي الحوضين، واسمه الحسحاس من غسان، والثعلبية بطريق مكة من الكوفة نسبت إلى بني ثعلبة بن دودان.

_ [1] الأسل: الرماح والنبل. القاموس.

قعين بن الحارث بن ثعلبة.

فولد الحارث بن ثعلبة: قعين بن الحارث بن ثعلبة. وسعد بن الحارث، وأمهما الصدوق بنت سعد بن ضبة بن أدة. ووالبة بن الحارث بن ثعلبة، وأمه ابنة والبة بن الديل بن سعد مناة بن غامد، وهو عمرو بن عبد الله من بني نصر من الأزد. فولد قعين بن الحارث بن ثعلبة: عمرو بن قعين. ونصر بن قعين. وكلفة بن قعين وهو عبس، وكان قد حزبه أمر فقال: إنه لأمر ذو مؤونة وكلفة فسمي كلفة، وأمهم سلمى بنت مالك بن غنم بن دودان. فولد عمرو بن قعين. طريف بن عمرو. والصيد بن عمرو. وكعب بن عمرو وهو دبير، وإنما سمي كعب دبير لأنه حمل شيئا ثقيلا فأدبر ظهره، وبنو دبير يقولون أنه أدبره السلاح لكثرة حمله إياه. وعبد الله بن عمرو بن قعين، وأمهم أميمة بنت شقرة بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة، ويقال هند بنت زيد مناة بن تميم. فولد طريف بن عمرو بن قعين: فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين. ومنقذ بن طريف وأمهما من بني كنانة بن خزيمة. وأعيا بن طريف واسمه الحارث. وقيس بن طريف، وأمهما عويفة بنت نمير بن أسامة بن نصر بن قعين. حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه قال أخبرني أبي قال: كانت حية بنت عامر بن مالك بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان عند فقعس بن طريف فطلقها وهي حبلى، فتزوجها رواحة بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض، فولدت له جذيمة بن فقعس، فتبناه رواحة فنسب إليه، ومات فقعس فأتى

جحوان بن فقعس.

جذيمة عمه الحارث بن طريف بن عمرو بن قعين فقال له: أعطني ميراثي من أبي فقال: مالك عندي شيء. قال: فاعطني سيفه. قال: لا، قال: فرمحه. قال: لا. قال: فقدره. قال: لا. قال جذيمة: لقد أعيا علي عمي كل الإعياء. فسمي الحارث أعيا. وحدثت عن أبي اليقظان بنحو هذا، وقال الشاعر: تقاعس حتى فاته المجد فقعس ... وأعيا بنو أعيا وضل المضلل ويقال إن فقعسا مات عن حية، فخلف عليها رواحة فولدت له جذيمة عنده، فلما ترعرع طلب ميراثه، والله أعلم. وقال بعثر أحد بني فقعس لبني جذيمة: وإنا نرى أقدامنا في نعالكم ... وآنافنا بين اللحى والحواجب وأعناقنا لا نستطيع انتزاعها ... تلوونها بين اللهى والترائب وما ولدتكم حية ابنة مالك ... سفاحا وما كنتم أحاديث كاذب ولكن أبوكم فقعس قد علمتم ... ومنصبكم إن صرتم للمناصب فولد فقعس بن طريف: جحوان بن فقعس. ودثار بن فقعس، ونوفل بن فقعس. ومنقذ بن فقعس، وحذلم بن فقعس، سمي حذلما لكثرة كلامه، وكان دثار راعي امرئ القيس بن حجر الكندي وإياه يعني في قوله: كأن دثارا حلقت بلبونه ... عقاب ينوف لا عقاب القواعل [1] فولد جحوان بن فقعس: الأشتر بن جحوان وأمه غني- خفيفة- وقد ثقلها بعضهم في الشعر فقال:

_ [1] ديوان إمرئ القيس ص 146.

فمن بني الأشتر بن جحوان:

بني غني لا تبغوا علينا ... فإن عواقب البغي الثبور ومنقذ بن جحوان وأمه ابنة عمير بن نصر بن قعين. فمن بني الأشتر بن جحوان: عمرو بن نضلة الذي آلى أن يطعم رفقة كان فيها السويق والتمر، فبعث من يأتيه بذلك، فأبطأ رسوله، فرحلت امرأة من بني محارب كانت في الرفقة فاتبعها حتى ردها وقال: يا ربة العير رديه لمربعه ... لا تظعني فتهيجي الناس للظعن وخالد بن نضلة بن الأشتر، وهو خالد المهزول. وقال ابن الكلبي: سمي المهزول لأنه نظر إلى تيس يعتلف ولحيته تتحرك فقال: أأرضى بأن تتحرك لحيتي كما تتحرك لحية هذا التيس فترك كثيرا من الأكل، وجعل يقنع بالشيء يحسوه والشيء يمضغه مما يهون مضغه فهزل جدا فدعي المهزول، وقتله بعد عمرو بن هند ملك الحيرة وقتل خالد بن المضلل الأسدي وكانا نديميه ففخرا عليه وهو سكران فقتلهما، ثم ندم فبنى عليهما الغريين [1] . وقال غير الكلبي: رأى خالد التيس يعتلف أنف أن تتحرك لحيته كتحرك لحية التيس، فترك الأكل فسقط وعرضت له الخلفة حتى خرج سرمه، فجاء غراب فجعل يمده وجعل يقول له: يا غراب جر، فلتجرن بسرم رجل كريم. وقال أبو اليقظان: إنه ترك الأكل حتى مات وقال الأسود بن يعفر [2] :

_ [1] بهامش الأصل: الغريين. والغري: نصب كان يذبح عليه العتائر، والغريان بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة. معجم البلدان. [2] شاعر متقدم من شعراء الجاهلية. الأغاني ج 13 ص 15- 28.

ومنهم: المرار بن سعيد بن حبيب بن خالد بن نضلة،

ومن قبل مات الخالدان كلاهما ... عميد بني جحوان وابن المضلل يعني خالد بن نضلة بن الأشتر وهو المهزول وخالد بن المضلل الأسدي. وقال بعض ولده: وجدي خالد المهزول حسبي ... به في كل مكرمة زعيما ومنهم: المرار بن سعيد بن حبيب بن خالد بن نضلة، وأمه دره بنت مروان بن قيس بن منقذ. ومنهم: طليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان، وكان يعدل- فيما يقولون- بألف فارس، وهو الذي ادعى النبوة، فاتبعه بنو أسد، وأتاه عيينة بن حصن في سبعمائة من فزارة فصار معه، وكان طليحة يكنى أبا حبال وكان ببزاخة، وبزاخة ماء لبني أسد، فوجه إليه أَبُو بَكْر الصديق رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي فسار خالد إليه، وعلى مقدمته عكاشة بن محصن الأسدي، وثابت بن أقرم البلوي حليف الأنصار فلقيا حبال بن خويلد أخا طليحة فقتلاه، وخرج طليحة وأخوه سلمة وهما الطليحتان إليهما فقتلاهما، فقاتله خالد ومن معه من المرتدين أشد قتال، وصبر المسلمون، وأتاه عيينة بن حصن فقال: إنا كنا مع محمد، فكان جبريل يأتيه بخبر السماء فهل أتاك جبريل؟ فقال: نعم قد أتاني فقال لي: إن لك رحى كرحاه، ويومًا لا تنساه. فقال عيينة: أرى والله أن لك يوما لا تنساه، فانهزم عيينة فأسر، وانهزم أصحاب طليحة وتفرقوا عنه ودخل طليحة خباء له فاغتسل ثم أتى مكة معتمرا وأتى المدينة مسلما، ويقال بل أتى الشام فلما قدم المسلمون الشام وجهوا به إلى أبي بكر، وهو مسلم فقال له عمر: ويحك قتلت الرجلين الصالحين:

عكاشة بن محصن وابن أقرم. فقال: ذانك رجلان سعدا بي ولم أشق على أيديهما وقد رزق الله الإسلام، وكنت يومئذ فتى ضلال، وأنا اليوم شيخ إسلام، فقال له عمر: فعلت وفعلت وقلت وقلت فقال: إن ذلك من فتن الكفر الَّذِي هدمه الإِسْلام كله فلا تعنيف علي ببعضه، فأسكت عمر رضي الله عنه. وكان من سجع طليحة: إن اللَّه لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا، فاذكروه أعفة قياما فإن الرغوة فوق الصريح. وكان منه قوله: الملك الجبار نصفه ثلج ونصفه نار. ومنه: والسائرات خببا، والراكبين عصبا على قلائص صهب وحمر لأجمعن شملا ولأبددن شملا. ووجهه عمر رضي الله تعالى عنه فيمن وجهه إلى العراق، فأبلى في فتوح العراق. وأشخصه إلى نهاوند فكفى ناحية وكل بها وشخص إلى آذربيجان فمات هناك، ويقال بل قدم فمات في قومه. والله أعلم. ومن ولد طليحة: مالك بن أبي حبال، الذي يقول له الشاعر: إذا كنت مختبطا بليل ... فنبه مالك بن أبي حبال فتى يزجى المطي على وجاه ... ويصبر عند مختلف العوالي ومنهم: أبو مهوش، وهو ربيعة بن حوط بن رئاب بن الأشتر بن جحوان الذي يقول: فلئن يسرك من تميم خصلة ... فلما يسوءك من تميم أكثر قد كنت أحسبكم أسود خفية ... فإذا لصاف يبيض فيه الحمر وقال أيضا: ألا أبلغ لديك بني تميم ... فانكم فشيشة أجمعونا

ومنهم الكميت بن معروف [1] بن الكميت بن ثعلبة بن رئاب بن الأشتر بن جحوان الشاعر

والفش: السرقة ولصاف: ماء لبني نهشل فقال نهشل بن جري يرد على أبي مهوش: قبح الإله الفقعسي ورهطه ... ما نص في السهب المطايا الضمر ضمن القنان لفقعس سوءاتها ... إن القنان لفقعس لمعمر عيرتنا أن باض حمر أرضنا ... وبأي أرض لا يبيض الحمر فحدثني المدائني أن الفرزدق مر بمضرس بن ربعي الأسدي وهو ينشد بالمربد فقال: يا أخا بني فقعس ما فعل المعمر؟ فقال: بلصاف يبيض فيه الحمر. فأسكته. ومنهم الكميت بن معروف [1] بن الكميت بن ثعلبة بن رئاب بن الأشتر بن جحوان الشاعر القائل: لا تكثروا فيه الضجاج فإنه ... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا فحدثني أحمد بن موسى الفزاري قال: كان سالم بن دارة القمر أحد بني عبد الله بن غطفان- ويقال إن دارة القمر أمه، ويقال أبوه وأمه من بني أسد- هجا رجلا يقال له ثابت بن واقع، وكان ثابت فزاريا فقال له: ويحك يا بْن واقعٍ ... ما أنتا أنتَ الَّذِي طلقت لما جعتا فغضب له رجل من قومه من بني فزارة يقال له زميل فضرب ابن دارة بالسيف فقتله، وكان الكلبي يقول: دارة القمر أبو سالم قيل له ذلك

_ [1] من يقال له الكميت ثلاثة من بني أسد بن خزيمة، هم: الكميت الأكبر بن ثعلبة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس، والكميت بن معروف هذا ابن الكميت الأكبر، والكميت بن زيد. المؤتلف والمختلف للآمدي- ط. القاهرة 1961 ص 257، ونسب الآمدي هذا البيت إلى الكميت الأكبر.

لجماله، واسمه رويبة بن ضب، وقال ابن دارة: أنا ابن دارة معروف له نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار من فرع قيس وأخوالي بنو أسد ... من أكرم الناس زندي فيهم واري وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: هجا سالم بن دارة بني فزارة ففتك به بعضهم فضربه فقتله فقيل: ....... محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا فذهب مثلا. ومنهم ربيعة بن ثعلبة بن رئاب بن الأشتر بن جحوان، وهو أبو ثور وهو الثبت. وقال غير الكلبي: ربيعة بن ثور الذي قتل صخر بن [1] عمرو بن الحارث بن الشريد أخا الخنساء وفيه يقول الشاعر: وصخر بن عمرو بن الشريد كسونه ... بمنعرج العرفاء ثوبا معصفرا حدثني علي الأثرم عن أبي عبيدة، وعن أبي المنذر هشام بن محمد، وحديث أبي عبيدة أتم الحديثين، قالا: غزا صخر بن عمرو بني أسد بن خزيمة فأطرد إبلهم، فركبوا في طلبه حين أتاهم الصريخ، فلما لحقوه بذات الأثل اقتتلوا اقتتالا شديدا، فطعن أبو ثور صخرا في جنبه، وفات القوم فكان أهله يمرضونه قريبا من حول حتى ملوه، فسألت امرأة سلمى امرأة صخر: كيف بعلك؟ وهو يسمع فقالت: هو لقي لا حي يرجى ولا ميت ينعى ولقد لقينا منه الأمرين. فقال صخر: أرى أم صخر ما تملّ عوائدي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني

_ [1] بهامش الأصل: صخر أخو الخنساء.

ومنهم: حبيب بن مطهر قتل مع الحسين بن علي عليهما السلام.

وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغتر بالحدثان لعمري لقد نبهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان فأي امرئ ساوى بأم حليلة ... فلا عاش إلا في مقر هوان قال أبو عبيدة، فلما طال به البلاء، وتناءت في موضع الجراحة منه قطعة مثل اللبد في جنبه قالوا له لو قطعتها، وعولج قطعها رجونا أن تبرأ. فقال: شأنكم وأشفق عليه بعضهم من ذلك، فأبى فأخذوا شفرة فقطعوا ذلك المكان فيئس من نفسه فقال: كأني وقد أدنوا لحز شفارهم ... من الصبر دامي الصفحتين نكيب فقلت لهم لا تحرقوني فإنني ... مقيم مكاني ما أقام عسيب ومات فدفنوه، ورثته أخته خنساء بالشعر الذي رثته به. ويقال إنه دخلت في لحمه حلق من حلق الدرع فاندملت الجراحة ثم انتقضت بعد حين، فكان ذلك سبب موته. ويقال أصابته دبيلة في بطنه من الطعنة، ويقال: إن يهوديا رأى جماله فقال: إني لأحسد العرب على أن يكون فيها مثل هذا فسقاه شربة هاجت عليه ألم الطعنة ونقضت جرحها، والأول أثبت. ومنهم: حبيب بن مطهر قتل مع الحسين بن علي عليهما السلام. والكميت بن ثعلبة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر. وولد نوفل بن فقعس: الحِندِمات بن نوفل. ورئاب بن نوفل. وجابر بن نوفل. وعمرو بن نوفل. وعبد مناف بن نوفل. وولد دثار بن فقعس: وهبان بن دثار. ووهب بن دثار. والأشد بن

وولد حذلم بن فقعس:

دثار. منهم جريبة بن الأشيم بن عمرو بن وهب بن دثار الشاعر. وولد حذلم بن فقعس: عمرو بن حذلم. ووهب بن حذلم. منهم النظار بن هاشم بن الحارث بن ثعلبة بن وهب الشاعر. وولد قيس بن طريف: الطماح، وأمه من بني كاهل. وصحار بن قيس. ووهب بن قيس. وكان الطماح ركب إلى قيصر فمحل عنده بامرئ القيس ولطف حتى أتاه بدهن كان قيصر يدهن به، فقال: إن ابنتك فلانة بعثت بهذا الدهن إلى امرئ القيس، وإنه كان يعشقها وكانت تعشقه، فبعث قيصر إلى امرئ القيس بخلعه مسمومة، فلما لبسها تقرح جلده، فلذلك قيل له ذو القروح ثم مات من علته ودفن ببلاد الروم. وقال حين أقرحت الخلعة جسده: لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا [1] وقال الشاعر: وأشرافا من الطماح فأسأل ... فليسوا للشهادة كاتمينا فولد الطماح: الحارث بن الطماح. ومنقذ بن الطماح. وعرفطة، وأمهم فاطمة بنت حبيب بن أسامة بن مالك بن نصر. وولد أعيا بن طريف: ووهب بن أعيا. ومنقذ بن أعيا. ورئاب بن أعيا. وفي بني أعيا يقول الشاعر: تقاعس حتى فاته المجد فقعس ... وأعيا بنو أعيا وضل المضلل وفيهم يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن حرب:

_ [1] ديوان إمرئ القيس ص 118.

وولد منقذ بن طريف:

أعيا بني أعيا إذا قيل أنصفوا ... وجبنا إذا ما الحرب دفت عقابها [1] وأنتم بنو أعيا فلم يخطئ اسمه ... أبوكم إذا الأسماء صح انتسابها وقال غير الكلبي: من بني أعيا بنو قرة الذين يقول فيهم الفرزدق: لولا بنو قرة الأخيار قلت لكم ... يا أهل خضلة بيتا باقي العار [2] قال ومنهم بنو برثن الذين يقول فيهم الشاعر: لخطاب ليلي منكم آل برثنٍ ... على الهول أمضى مِنْ سليك المقانب وولد منقذ بن طريف: مالك بن منقذ، وهو المضلل، أرسله أبوه فضل وسمي المضلل. وقيس بن منقذ. وعبد الله بن منقذ. والأعرج بن منقذ. فولد المضلل: خالد بن المضلل، كان شريفا وفيه يقول الأسود بن يعفر: وقبلي مات الخالدان كلاهما ... عميد بني جحوان وابن المضلل وولد قيس بن منقذ: بجرة بن قيس. ونكرة بن قيس. وحذيفة بن قيس. ووهب بن قيس. منهم مطير بن الأشيم بن الأعشى بن بجرة الشاعر وابنه الحسين بن مطير. ومنهم: عبد الله بن الزبير بن الأشيم بن الأعشى بن بجرة الشاعر وقد ذكرناه في مواضع متفرقة من هذا الكتاب وذكرنا أشعارا له. وقال بعض بني منقذ بن طريف: أنا ابن أباة الضيم من آل منقذ ... فوارسهم والرائسين الجحاجح

_ [1] العقاب راية الحرب، والدفّ: المشي الخفيف. القاموس. [2] ليس في ديوانه المطبوع.

وولد الصيداء بن عمرو،

وولد الصيداء بن عمرو، واسمه عمرو: نكرة بن الصيداء. وجذيمة بن الصيداء. ونوفل بن الصيداء. ومعشر بن الصيداء، وأمهم ابنة قرفة بن عمرو بن عوف بن مازن بن كاهل، وفي بني الصيداء يقول مساور بْن هند بْن قيس بْن زهير بْن جذيمة بن رواحة العبسي [1] : وإني تارك الصيداء حتى ... تريع حلومها بعد انتشار وحتى لا يلوم بنو قعين ... على شيء حميت به ذماري متى أنسب فإني فقعسي ... وعمي منقذ وبنو دثار وعبسي إذا ما شئت يوما ... فإن أختر فإني بالخيار وما للمرء ما يختار يوما ... ولكن ما أحل من الديار فولد نكرة بن الصيداء: جسر بن نكرة. والمجر بن نكرة. وحجر بن نكرة وأمهم عاتكة بنت عامر بن عبد الله بن عمرو بن قعين. فمن بني جسر: عباد بن ثعلبة بن منقذ بن جسر بن نكرة، وهو أنف الكلب كان غزا يوما فأتاهم وهم غارون غافلون فقالوا: والله لكأنه استنشانا بأنف كلب، وقد رأس. وزعموا أن ابن أنف الكلب نافر بني فقعس إلى ضمرة بن ضمرة ورشاه فنفر بني الصيداء على بني فقعس فزعموا أن تلك أول رشوة كانت في الجاهلية، وقال غير الكلبي: اسن ابن أنف الكلب خالد بن عباد. ومنهم: قيس بن مسهر بن خليد بن جندب بن منقذ بن جسر بن نكرة بن الصيداء، كان مع الحسين بن علي عليهما السلام، وهو كان رسول

_ [1] هو حفيد قيس بن زهير صاحب الحرب بن عبس وفزارة. الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 201- 202.

وولد جذيمة بن الصيداء:

الحسين إلى أهل الكوفة بكتابه فأخذه به ابن زياد فطرحه من فوق القصر بالكوفة فتقطع. وولد جذيمة بن الصيداء: عتبة بن جذيمة. وصحار بن جذيمة. ونكرة بن جذيمة. منهم: شيخ بن عميرة بن حيان بن سراقة بن النتيف وهو مرثد بن حميري بن عتبة بن جذيمة بن الصيداء، ويكنى أبا علي، وولاه أبو جعفر المنصور فارس، وولاه جرجان، وولي فارس للمهدي أيضا ومات وقد بلغ مائة سنة، وله درب في مدينة أبي جعفر ببغداد يعرف بدرب شيخ بن عميرة. وولد نوفل بن الصيداء: نكرة بن نوفل. وجذيمة بن نوفل. وصحار بن نوفل. منهم: الحارث بن ورقاء بن سويط بن الحارث بن نكرة بن نوفل بن الصيداء، الذي مدحه زهير بن أبي سلمى. ومنهم الصامت بن الأفقم بن الحارث بن نكرة. وقال غير الكلبي: الأفقم بن منقذ بن كثير الذي قتل ربيعة بن مالك بن جعفر أبا لبيد بن ربيعة يوم ذي علق، فقال لبيد: ولا من ربيع المقترين رزئته ... بذي علق فاقني حياءك واصبري [1] وكان بنو عامر بن صعصعة لقوا بني أسد، وبنو أسد سائرون يقودهم خالد بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس، فتشاروا وخرج عليهم أبو براء من غبب من الأرض فقال له: يا أبا معقل لو شئت أجرتنا وأجرناك

_ [1] ديوان لبيد ص 48.

وولد كعب بن عمرو وهو دبير:

حتى ندفن قتلانا ونتحمل ما بيننا. قال: فإني قد فعلت. قال أبو براء مالك بن جعفر: هل أحسستم لي أخي ربيعة بن مالك؟ فقال خالد بن نضلة: وما سيماه؟ قال: عليه سراويل يمينة. قال: هو ذاك قتيلا عند البيضاب. قال: ومن قتله؟ قال: ضربته أنا وتمم عليه صامت بن الأفقم بن منقذ بن جسر بن نكرة. وقال الشاعر: نعم القتيل غداة ذي علق فلا ... ظفرت يداك قتلت يا بن الأفقم لله درك أي كبش كتيبة ... تحت الغبار تركت يشرق بالدم وولد كعب بن عمرو وهو دبير: وهب بن كعب. وجحوان بن كعب. ونوفل بن كعب. وبنو دبير فصحاء. منهم: ركاض بن أباق الشاعر الذي يقول: يا عرو كم من جراب جئت تحمله ... ودهنة ريحها يعطي على النقل قد ساقها الله حتى كنت صاحبها ... يا عرو يا ليته أو كنت لم تبل ويقول: أمؤثرة الرجال عليك حبى ... ولم تؤثر على حبى النساء فلو كانت بسوس البحر حبى ... صدرنا عن شرائعه ظماء وأدخل ركاض على أمير المؤمنين هارون الرشيد وهو ابن سبع سنين فوضع بين يديه دنانير ودراهم وقال: أيهما أحبّ إليك؟ فقال: أمير المؤمنين أحب إلي منهما. وأخته أم البهلول قريبة بنت أباق، وقد كتب عنها الفراء النحوي، ومحمد بن الأعرابي والناس، فكانت فصيحة وهي التي تقول:

وولد نصر بن قعين:

ما لقى الناس من الفراء ... يحور في النحو إلى وراء قد ترك الناس على عوجاء ولبني دبير رجز وشعر. وقال شاعر منهم: أنجعل فقعسا كبني دبير ... معاذ الله ذلك أن يكونا حللنا فوقهم شرفا بعيدا ... وحلوا تحتنا شرفا شعينا [1] وولد نصر بن قعين: مالك بن نصر. وعمير بن نصر. وعمرو بن نصر. ونمير بن نصر. وذؤيبة بن نصر. وأسامة بن نصر. فولد مالك بن نصر: جذيمة بن مالك. وطريف بن مالك. وعبد الله بن مالك. وأسامة بن مالك. وضبيس بن مالك. وحرقوص بن مالك. والحارث بن مالك. وكعب بن مالك، وأمهم العدان بنت رأس الحجر الجرمي، بها يعرفون. فمن بني طريف بن مالك: عامر بن عبد الله بن طريف الأبرص، حامل لواء بني أسد في الجاهلية، ونهيك بن نضلة بن الأبرص بن جابر وله يقول الشاعر: نهيك كان أنهك للأعادي ... ونضلة كان أعطى للمخاض وولد أسامة بن مالك: حبيب بن أسامة. فولد حبيب: شجنة بن حبيب. وسعد بن حبيب. وطثر بن حبيب. وجابر بن حبيب. ومعير بن حبيب. فمن بني شجنة: منظور بن قيس بن نوفل بن جابر بن شجنة، وابنه محمد بن منظور ويكنى أبا الصباح، ولي شرطة الكوفة أيام عمر بن هبيرة

_ [1] الشعن: ما تناثر من ورق العشب بعد يبسه. القاموس.

ومنهم: عوف بن عبد الله بن عامر بن جذيمة، عقد الحلف بين أسد وطيء وقد رأس.

للصقر المري. وابنه العلاء بن محمد بن منظور ولي شرطة الكوفة أيضا. ومنهم عبد الرحمن بن قيس بن نوفل ولي شرط مصعب بن الزبير. وقيس بن أهبان بن جابر بن شجنة بن نوفل بن جابر ولهم يقول زيد الخيل الطائي [1] : ألا أبلغ الأقياس قيس بن نوفل ... وقيس بن أهبان وقيس بن جابر فردوا إلينا ما بقى من نسائنا ... وأبنائنا واستمتعوا بالأباعر وكانت الحلال بنت قيس بن نوفل عند الزبير بن العوام، فولدت له جارية. ومنهم: الأبار بن أبي بن نضلة بن جابر كان شريفا. وقال أبو اليقظان: كان أبي بن الأباء من أشراف أهل الكوفة أيام الحجاج. وولد جذيمة بن مالك بن نصر: سعد بن جذيمة. وأسعد بن جذيمة. وسعيد بن جذيمة. وعامر بن جذيمة. وطريف بن جذيمة. وعبد العزى بن جذيمة. وكعب بن جذيمة. وعرعرة بن جذيمة. ومريط بن جذيمة. وحبيب بن جذيمة، ولبني جذيمة يقول النابغة: وبنو جذيمة حي صدق سادة ... غلبوا على خبث إلى تعشار [2] ومنهم: عوف بن عبد الله بن عامر بن جذيمة، عقد الحلف بين أسد وطيء وقد رأس.

_ [1] كان زيد الخيل فارسا مغوارا، مظفر شجاعا، بعيد الصيت في الجاهلية، وأدرك الْإِسْلَام، ووفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولقيه وسرّ به وقرظه، وسماه زيد الخير. الأغاني ج 17 ص 245. [2] ديوان النابغة الذبياني ص 60.

ومنهم: ذؤاب بن ربيعة بن عبيد بن أسعد بن جذيمة بن مالك بن نصر

ومنهم: ذؤاب بن ربيعة بْن عبيد بْن أسعد بْن جذيمة بْن مالك بن نصر قاتل عتيبة بن الحارث بن شهاب التميمي ثم اليربوعي، وغير الكلبي يقول دؤاب- بالدال غير معجمة- بن ربيعة وقول الكلبي أصح. قالوا: خرج بنو ثعلبة بن يربوع منتجعين في أرض بني أسد حتى إذا كانوا بخو [1] أغارت طوائف من بني أسد عليهم، فاكتسحوا إبلهم، فركب بنو ثعلبة في آثارهم، ولم يركب عتيبة لرؤيا رآها في منامه هالته، ثم لن تقره نفسه حتى لحقهم وهم يقتتلون، فحمل عليهم وهو على فرس له حصان، وكان ذؤاب على فرس له أنثى، فجعل فرس عتيبة يتبع فرس ذؤاب منتشيا لريحها في الليل حتى هجم به على ذؤاب، فطعنه ذؤاب في ثغرة نحره، ويقال في سرته فخر صريعا ومات في وقته، وليس يدرون من قتله، وشد ربيع بن عتيبة على ذؤاب وهو لا يعلم أنه قاتل أبيه ومعه نفر، فأسروا ذؤابا واستنقذت الإبل، وأتى أبو ذؤاب بني يربوع ففارقهم في فدائه على إبل معلومة يأتي بها سوق عكاظ، ويأتون بذؤاب، فأحضر أبو ذؤاب الإبل ولم يحضر بنو يربوع ذؤابا لأن الربيع بن عتيبة شغل عن ذلك ببعض أمره، فساء ظن أبيه وخاف أن يكون قد قتل، وقد كان ذؤاب حين أتى أبوه لفدائه أول مرة أعلمه أنه قاتل عتيبة فقال يرثيه حين انصرف من عكاظ في كلمة يقول فيها: ولقد علمت على التجلد والأسى ... أن الرزية مثل رزء ذؤاب أن يقتلوك فقد هتكت بيوتهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب بأحبهم فقدا إلى أعدائه ... وأعزهم فقدا على الأصحاب

_ [1] خو: واد في ديار بني أسد يفرغ ماؤه في ذي العشيرة. معجم البلدان.

أهوى له تحت الظلام بطعنة ... والخيل تردى في القتام الكابي أذؤاب صاب على صداك فجاده ... نوء الربيع بوابل سكاب فسمع قوم هذا الشعر، فنقلوه إلى بني يربوع فثاروا على ذؤاب وجعلوا يلهزونه بقباع سيوفهم، وقال الربيع: أنا معيل، وركن إلى أخذ الفداء فأعطوه إبلا من إبلهم خاصة، وأسلم ذؤابا فقتله الحليس بن عتيبة. ويقال بل سألهم الربيع فقال: دعوني أقتله فإنما تريدون قتله، فأذنوا له فيه- وهذا أثبت- فقتله بيده وأخذ الإبل، وكان الحليس قتل من بني أسد يوم خو سبعة نفر فقال الحصين بن القعقاع بن معبد بن زرارة: بكر النعي بخير خندف كلها ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب قتلوا ذؤابا بعد مقتل سبعة ... فشفى الغليل وريبة المرتاب يوم الحليس بذي الفقار كأنه ... كلب بضرب جماجم ورقاب وذكرت ندماني عتيبة بعد ما ... عصبت رؤوس نسائه بسلاب المشتري حسن الثناء بماله ... والباذل الجفنات للأصحاب وقال مالك بن نويرة: فإن يقتلوا منا كريما فإننا ... ذوو الخيل إذ نخبطكم بالحوافر أقول وقد جلت رزية قومه ... فدى للحليس خالتي أي ثائر أزار ذؤابا حتفه غير مشفق ... عليه ولم ينظر سياق الأباعر لعمرك ما تنسى تميم عقيدها ... وفارسها أخرى الليالي الغوائر ومنهم: ذو الخمار، وهو عوذ بن ربيع بن سماعة- وهو ذو الخمار، كان بجهته وضح، فكان يغطيه بخمار، وقومه يقولون أصاب خمارا من قوم غزوهم فكان يلبسه- ابن حارثة بن ساعدة بن جذيمة وهم أشراف بالجزيرة.

ومنهم عقبة بن هبيرة بن فروة بن عمرو بن عبيد بن أسعد بن جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين الشاعر

ومنهم عقبة بْن هبيرة بْن فروة بْن عمرو بْن عبيد بْن أسعد بْن جذيمة بْن مالك بن نصر بن قعين الشاعر الذي يقول: فهبها أمة هلكت ضياعا ... يزيد يسوسها وأبو يزيد وله في كتابنا ذكر متقدم، وكان عاصم بن أبي النجود، واسم أبي النجود بهدلة مولى جذيمة بن مالك. وولد أسامة بن نصر: عمير بن أسامة. وعمرو بن أسامة. ونمير بن أسامة. وذؤيبة بن أسامة. وحارثة بن أسامة. وبجير بن أسامة. منهم أبو سمال، وهو سمعان بن هبيرة بن مساحق بن بجير، وكان شريفا شاعرا. وقال غير الكلبي: اسم أبي سمال البراء بن سمعان. وشهد أبو سمال القادسية وكان سيدا من ساداتهم يومئذ، وكان يشرب الخمر في شهر رمضان مع النجاشي الحارثي، فحد وذلك حين يقول النجاشي: ضربوني ثم قالوا قدر ... قدر الله لهم شر قدر وقال أبو اليقظان: حضر أبو سمال طعام عبيد الله بن زياد وهو مسن، فقال له يوما: ابعث إلي بخبازك يهيئ لي طعاما ففعل فلما أتاه الخباز أقعده عند التنور ولم يعطه دقيقا ولا شيئا يصنعه، ودعا قومه ثم قال للخباز: غدنا. فقال: والله ما أعطيتني شيئا أعمل منه غداء فقال: لو كان عندنا دقيق أو لحم أو تابل لكفتنا أم سمال، فبلغ الخبر ابن زياد فأعطاه مالا وأمر له بدقيق وما يصلحه، وقال: ادع قومك. فقال الناس: أفرغ من خباز أبي سمال، وأفقر من خباز أبي سمال.

قال: وكان أبو سمال عظيم الأنف، فقال: لقد حضر القادسية من بني أسد سبعون رجلا كلهم أعظم أنفا مني. وكانت أم واصل بن حيان الأحدب الأسدي أحد بني سعد بن الحارث بن ثعلبة الفقيه من ولد أبي سمال، ومات واصل في سنة عشرين ومائة. وقال أبو اليقظان: كان من ولد أبي سمال عبد الله النجاشي، ولي الأهواز لأبي جعفر المنصور، وكان رافضيا غاليا، وولي ابنه محمد بن عبد الله اصطخر. ومن بني أسامة: خالد بن الأبح بن عبد الله بن الحارث بن نمير بن أسامة، وكان رئيس بني أسد يوم قتل بدر بن عمرو الفزاري، وكانت بنو أسد أغارت على بني فزارة وقوم من غطفان، فركب بدر بن عمرو بن جوية في غطفان، فغزا بني أسد في بلادهم فواقعهم بناحية منها فقتل بدر بن عمرو بن جوية وفض جمعه، وكان الذي قتله أنس بن مساحق بن بجير بن أسامة. وقال غير الكلبي: قتله ابن الأبح نفسه. وقال أبو اليقظان: قتل بالحجر فقال الشاعر منهم: هلا سألت وأنت سائلة ... فتخبري بمواقع الحجر عنا وعن غطفان إذ حسروا ... في ملتقى الخيلين عن بدر ومنهم ربيع بن هبيرة بن مساحق، كان من رؤساء بني أسد يوم القادسية. ومنهم قبيصة بن برمة بن معاوية بن أبي سفيان بن منقذ بن وهب بن

وولد نصر بن أسامة:

عمير بن أسامة بن نصر كان سيدا. وجراح بن سنان الذي وجأ الحسن بن علي في مظلم ساباط، وقد كتبنا خبره. وولد نصر بن أسامة: الحارث. ومالكا، ويقال لمالك: عقدة، وهم في بني تغلب. ومن بني نصر: بنو ذؤيبة، قتلوا مع طليحة بن خويلد في الردة، وكانوا ثلاثين فقال الحطيئة: فباست بني عبس وافناء طيّئ ... وباست بني دودان حاشى بني نصر [1] ومن بني نصر: عوف بن عبد الله بن عامر رئيس بني أسد يوم النسار [2] حين قاتلت تميم وعامرا بني أسد، والرباب، وبني ذبيان بسبب غارات بني تميم على الرباب: ضبة وغيرها وهم عمومتهم، ويقال إن رئيسهم كان خالد المهزول الأسدي، فاستحر القتل ببني عامر، وانهزمت تميم، ثم كان يوم الجفار بعده فصبرت تميم وغضبت فقال بشر: غضبت تميم أن تقتل عامر ... يوم النسار فأعتبوا بالصيلم [3] وولد والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان: ذؤيبة. وأسامة. ونمير. وأريل. فولد ذؤيبة: مالك بن ذؤيبة. وعامر بن ذؤيبة. وبروان بن ذؤيبة. فولد مالك: أبا سود. وأريل بن مالك. وكعب بن مالك.

_ [1] ديوان الحطيئة ص 142. [2] قيل النسار ماء لبني عامر بن صعصعة، وقال بعضهم: النسار جبل في ناحية حمى ضرية. معجم البلدان. [3] ديوان بشر بن أبي حازم الأسدي- ط. دمشق 1972 ص 180.

منهم: حمل. والأخثم. وزياد بنو مالك بن جنادة بن سفيان بن وهب بن كعب شهدوا القادسية، وقيل حمل بنهاوند مع النعمان بن مقرن المزني. وأبو هياج وهو عمرو بن مالك بن جنادة، وجعله عمر بن الخطاب على خطط الكوفة. وقال أبو اليقظان: ولي أبو هياج الري أيام ابن الزبير، وإياه عنى ابن همام حين قال: والوالبي الذي مهران أمره ... قد زال مهران مذموما ولم يزل ومهران مولى زياد، وكان وسيلة أبي الهياج، وكان عظيم المنزلة من عبيد الله بن زياد. ومنهم: بشر بن غالب بن مالك بن ربيع بن كعب بن جنادة بن سفيان، كان صبيحا فصيحا، وكان على شرطة مصعب، وجهه الحجاج إلى شبيب الخارجي فقله شبيب، وكان شريفا. وقال الشاعر: بكت دار بشر شجوها أن تبدلت ... هلال بن مرزوق بتيس بن غالب وهل هي إلا مثل عرس تنقلت ... على رغمها من هاشم في محارب وقد بن مالك بن حبيب بن ربيع بن كعب بن أريل بن ذؤيبة الذي ذكره النابغة فقال: ولرهط حراب وقد سورة ... في البر ليس غرابها بمطار [1] وقال الكميت.

_ [1] ديوان النابغة الذبياني ص 59 مع فوارق.

وعوف وحراب وقد بن مالك ... وحية والأقياس ألوية الحرب وحراب بن زهير بن مالك بن هتيم بن عتير بن بروان بن ذؤيبة. والموقد وهو عامر بن حربش وهو الثبت، ويقال حريش بن نمير بن والبة. وحرملة بن الكاهل بن الجزار بن سلمة بن الموقد الذي قتل عباس بن علي بن أبي طالب مع الحسين عليهم السلام. وسمي الموقد لأنه كان يوقد لأضياف نارا وهو الذي يقول: وأوقد للضيوف النار حتى ... أفوز بهم إذا قصدوا لناري وما إن لامني أحد لبخل ... ولا دنست أثوابي بعار وقال بعضهم: كان يسعى بالنميمة بين الناس فيوقد الشر بينهم. وشتير بن خالد بن رزام بن عوف بن عامر بن ذؤيبة الذي يقول له الشاعر: وتنسى مصادا أو شتير بن خالد ... وتترك من أمسى مقيما بضلفعا وقال أبو عبيدة: قيل هذا في شتير بن خالد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، قال: والبيت: أتنسى مصاداو الشتير بن خالد. ........ قتله ضرار الضبي. ومنهم: مخزوم بن ضبا بن مخزوم بن أسامة بن نمير الذي يقول له بشر بن أبي خازم: فمن يك من قتل ابن ضباء ساخرا ... فقد كان في قتل ابن ضباء مسخر [1] قالوا: أغارت خيل لبني أسد بن خزيمة على بني أبي بكر بن كلاب،

_ [1] ديوان بشر بن أبي خازم ص 85.

فقتل ابن ضباء الوالبي برثن بن أبي ربيعة بن عبد بن أبي بكر بن كلاب، وأطرد بنو أسد النعم وبنو كلاب بتربة [1] ، فركب كعب بن أبي ربيعة أخو برثن فاستغاث ببني كلاب واستنصرهم، فركبت بنو كلاب معه وليس فيهم من بني أبي بكر بن كلاب غير بني عبد بن أبي بكر بن كلاب فلم يلبثوا أن أدركوهم فأخذوا ابن ضباء قاتل برثن فدفعوه إلى أبي ربيعة بن عبد، ويقال دفعوه إلى ربيعة بن عمرو بن عبد فضربه حتى ظن أنه قد قتله ثم اقلع عنه وبه رمق، وولت الخيل فأفاق ابن ضباء فلحق بقومه، ثم أتى بني جعفر بن كلاب فأقام فيهم مجاورا لهم فأجاروه وقالوا له: قد نال القوم ثأرهم منك ولكنك حييت وعجزوا، فمكث سنة، ثم إن الناس حضروا تربة، فنزل بنو جعفر وعبد الله ابني كلاب أسفل من تربة، وكان في بني جعفر صهرهم مالك بن ربيعة بن عَبْد اللَّه بْن أبي بَكْر بْن كلاب، فأتاه كعب أخو برثن فسأله أن يدله على عورة ابن ضباء وغرته ففعل، ويقال أن الذي دله على ذلك جدار بن عامر بن كعب بن كلاب، فانتظر كعب الفرصة من ابن ضباء حتى أمكنته وهو يلوط حوضا فطعنه فشك جنبه فخر في الحوض، ولحق كعب بقومه. فلما علم بنو جعفر بقتل ابن ضباء حزبوا وتجمعوا فأتاهم مالك بن ربيعة بن أبي عبد الله بن أبي بكر فقال: إنما قتل كعب ثأره وأنا أديه أربعين من الأبل، وهذا ابني قحافة رهينة بها. وبلغ عوف بن الأحوص بن جعفر خبر ابن ضباء، وكان غازيا، فرجع عوده على بدئه، فأخذ ربيعة بن كعب بن عبد بن أبي بكر، فقال مالك بن ربيعة صهر بني جعفر: يا بني جعفر معكم أسيران، أسير حرب. وأسير سلم فاختاروا أيهما شئتم فقالوا:

_ [1] تربة: واد بالقرب من مكة، على مسافة يومين منها. معجم البلدان.

نختار أسير السلم فأخذوا قحافة، وتركوا ربيعة بن كعب بن عبد حتى أدى أبوه إليهم أربعين بعيرا، وبعث بنو جعفر الأربعين إلى بني ضباء، فلما ساروا بها عرض لهم بنو عبد بن أبي بكر فانتزعوها فقال بشر بن أبي خازم: لعمرك ما اضطر ابن ضباء في النوى ... حساء وروض بالقنان منور وستة آلاف بحر بلاده ... تثير الحصى ملبونة [1] وتضمر دعا عتبة جار الثبور وغره ... أجم خدور يتبع الضأن جيدر كبش أجم: لا قرن له. والخدور: البطيء الثقيل المتخلف من الخدر. سمين القفا شبعان تربض حجره ... حديث الخصى وارم العفل معبر المعبر الذي جاوز الهرم وكبر السن، والعفل ما بين الخصى والأست وفي صدره رمح كأن كعوبه ... نوى القسب عراض المهزة أسمر حباك به مولاك عن ظهر بغضه ... وطوقها طوق الحمامة جعفر تظل النساء المفلتات عشية ... يقلن ألا يلقى على المرء مئزر [2] والعرب من الجاهلية كانوا يقولون: إن المرأة التي لا يعيش لها ولد والتي لا تلد إذا رأت قتيلا مظلوما أو شريفا فوطئته ودارت حوله عاش ولدها وولدت، قال: فكان هذا عريان قد سلب. ومنهم ثوب بن تلدة عمر في الجاهلية دهرا، ثم أدرك الإسلام، فقال له معاوية: ما تعقل؟ قال أعقل بني والبة ثلاث مرات يعني قرنا بعد قرن. ومنهم بشر بن أبي خازم الشاعر، واسم أبي خازم عمرو بن عوف بن

_ [1] بهامش الأصل: ملبونة: تسقى اللبن. [2] ديوان بشر بن أبي خازم ص 85- 89 مع فوارق.

وولد سعد بن الحارث بن ثعلبة:

حميري بن ناشرة بن أسامة بن والبة. وولد سعد بن الحارث بن ثعلبة: نهد بن سعد. وسهم بن سعد. وعامر بن سعد. وكعب بن سعد. وربيعة بن سعد. وحنظلة بن سعد. والعوام بن سعد. فولد نهد بن سعد: كعب بن نهد. وعتبة بن نهد. وبرباط بن نهد. ومدحي بن نهد. فمن بني كعب بن نهد: سالم بن وابصة بن عتبة بن قيس بن كعب بن نهد الشاعر الذي يقول في محمد بن مروان يمدحه: لا يجعلن مؤنثا سرة ... ضخما سرادقه عظيم الموكب كأغر يتخذ السيوف سرادقا ... يمشي برايته كمشي الأنكب وقد ذكرناه في خبر مقتل مصعب بن الزبير. وعقبة بن مرثد بن دبير بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن كعب بن نهد الشاعر. وولد سعد بن ثعلبة بن دودان: الحارث وهو الحلاف. ومالك بن سعد. فولد الحارث بن سعد: مالك بن الحارث. وضنة بن الحارث. ومرة بن الحارث. وجشم بن الحارث. وسوءة بن الحارث. وغنم بن الحارث. فمن بني جشم بن الحارث أبو حصين الفقيه، وهو عثمان بن عاصم بن حصين، وهم في بني مرة بن الحارث بن سعد من بني أسد، مات سنة ثمان وعشرين ومائة بالكوفة.

فولد مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة: هر بن مالك. وذؤيبة بن مالك. فولد هر بن مالك: عامر بن هر. ورئاب بن هر. فولد عامر بن هر: جشم بن عامر. وخدان. فولد جشم، الأبرص، وهو أبو عبيد بن الأبرص الشاعر الذي يقول لامرئ القيس بن حجر الكندي: يا ذا المخوّفنا بقت ... تل أبيه إذلالا وجبنا هلّا سألت جموع كن ... دة إذ تولوا أين أينا [1] قالوا: كان حجر بن الحارث أبو امرئ القيس على بني أسد، فكان يأخذ من كل رجل منهم في كل سنة جزتي شعر، وجزتي صوف، ونحيين من سمن وأقط وكبشا، يستعين بذلك في مروءته، فمكث بذلك حينا، ثم إنه بعث إليهم جابيه فمنعوه ذلك وضربوا رسله وهو يومئذ بتهامة، فسار إليهم حجر بجند من ربيعة وجند من جند أخيه من قيس وكنانة فجعل يأخذ سرواتهم فيقتلهم بالعصي، فسموا عبيد العصا، وأباح أموالهم وسيرهم من تهامة، وآلى أن لا يساكنهم في بلد، وحبس منهم عمرو بن مسعود بن كلدة بن مرارة الأسدي وكان سيدا، وعبيد بن الأبرص، ثم ردهم فيقال أن ذلك لإنشاد عبيد إياه قصيدته التي يقول فيها: حلا أبيت اللعن حلا ... إن فيما قلت آمه [2] أنت المليك عليهم ... وهم العبيد إلى القيامه [3]

_ [1] ديوان عبيد بن الأبرص- ط. دار صادر بيروت ص 141- 142. [2] الحل ما يكفر عن اليمين، والآمة: العيب. [3] ديوان عبيد ص 137- 138.

ثم إنهم صبحوا عسكر حجر وهو غافل وعمدوا إلى قبته فطعنه علباء بن الحارث بن حارثة الكاهلي من بني أسد، وكان حجر قتل أباه، ضربه بعكاز فأصاب نسأه فمات، فلما قتل قالت بنو أسد: يا بني كنانة قد عرفتم سوء سيرته فينا. فانتهبوا ماله وشدوا على هجائنه فمزقوها ولفوه في ريطة بيضاء، ثم طرحوه على الطريق، ووثب عمرو بن مسعود فضم عياله إليه وقال: أنا جار لهم. واستنصر امرؤ القيس بكر بن وائل فأجابوه، وأتى الخبر بني أسد فهربوا وجاؤوا إلى بني كنانة بليل، ثم خرجوا عنهم فطرق امرؤ القيس بني كنانة وهو يظن أنهم من بني أسد فوضع فيهم السلاح وقال: يا لثارات حجر فقالوا: أبيت اللعن لسنا بثأرك، نحن بنو كنانة وقد خرج بنو أسد عنا فقال امرؤ القيس: يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا ... القاتلين الملك الحلاحلا [1] بالله لا يذهب شيخي باطلا وقال أيضا: ألا يا لهف نفسي إثر قوم ... هم كانوا الشفاء فلم يصابوا وقاهم جدهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب وأدركهن علباء جريضا ... ولو أدركته صفر الوطاب [2] ثم إنه أتى بني أسد، فحاربهم فقتل فيهم مقتلة عظيمة. وعبيد الذي يقول في يوم الجفار:

_ [1] ديوان إمرئ القيس ص 150. [2] ديوان إمرئ القيس ص 78.

عوسجة أبا مسلم بن عوسجة الذي قتل مع الحسين بن علي بالطف.

ولقد أتاني عن تميم أنهم ... ذئروا لقتلى عامر وتغضبوا رغم لعمرو أبيك عندي هين ... ولقد يهون علي ألا يعتبوا [1] وكان امرؤ القيس خرج إلى قيصر ليستنصره على بني أسد ليبيدهم فقتل هناك ودفن بأنقرة. وزعموا أن ملك الحيرة آلى ألا يلقى رجلا في مخرج خرجه لنزهته إلا قتله، فلقي عبيدا فقال له: أنشدني قصيدتك التي تقول فيها: أقفر من أهله ملحوب وقال: أقفر من أهله عبيد ... فليس يبدي ولا يعيد [2] ومن ولد عبيد بن الأبرص: بدر بن دثار بن ربيعة بن عبيد بن الأبرص كان فقيها. وولد خدان بن عامر: معاوية بن خدان. وشبيب بن خدان. وتقية بن خدان، وهم الذين أكبوا على حجر بن الحارث ليمنعوه من القتل. وولد رئاب بن هر: ربيعة. فولد ربيعة: سويد بن ربيعة وهو أبو جبيلة، وقد رأس. وثعلبة بن ربيعة بن رئاب. فولد ثعلبة: عوسجة أبا مسلم بن عوسجة الذي قتل مع الحسين بن علي بالطفّ.

_ [1] ديوان عبيد ص 35 مع فوارق. [2] ديوان عبيد ص 21.

وولد ذؤيبة بن مالك: ثعلبة. فولد ثعلبة: عبيد بن ثعلبة وهو أبو يلي جد عمرو بن شاس بن أبي بلي الشاعر، وهو عبيد بن ثعلبة بن ذؤيبة بن مالك بن الحارث بن ثعلبة، وكان عمرو بن شاس شاعرا. وولد مرة بن الحارث بن سعد: حذار بن مرة. وزيد بن مرة. وقنفذ بن مرة. وربيعة بن مرة. ورفاعة بن مرة. فولد حذار بن مرة: ربيعة بن حذار، وربيعة هو الكاهن وكان يتنافر إليه فتنافر إليه خالد بن مالك بن ربعي النهشلي والقعقاع بن معبد بن زرارة، ففضل القعقاع، وهو الذي ذكره النابغة فقال: رهط ابن كوز محقبوا أدراعهم ... فيها ورهط ربيعة بن حذار [1] وعميرة بن حذار. فولد عميرة: الحارث وشريح بن عميرة. وولد ربيعة بن حذار: مالك بن ربيعة. منهم: قيس بن الربيع بن الحارث بن قيس الكوفي الفقيه. وأسلم الحارث بن قيس بن الربيع وعنده سبع نسوة فقيل له إنه لا يحل لمسلم إلا أربع نسوة فقال لنسوته: أقبلن فأقبلن، قال: أدبرن فأدبرن ليختار منهن من يمسكه فجعلت كل امرأة منهن تقول له: أنشدك الله والصحبة والحرمة لما لم تجعلني ممن تعتزل، فأمسك أربعا وترك ثلاثا، وكانت الأربع بنات عمومته، وكان ممن أمسك جدة قيس بن الربيع، وكان قيس بن الربيع يكنى أبا محمد، ومات سنة ثمان وستين ومائة.

_ [1] ديوان النابغة الذبياني ص 59.

وقبيصة بن جابر بن وهب بن مالك بن عميرة بن جذار بن مرة بن الحارث بن سعد بن ثعلبة. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد عَنْ مُحَمَّد بْن قيس بن الربيع عن أبيه قال: مات قبيصة بن جابر قبل الجماجم، قال وروي عن عمر [1] . ومن ولد قبيصة بن جابر: المليس، ووردان. وفاطمة أم الربيع أبي قيس بن الربيع الفقيه. وولد سواءة بن الحارث بن سعد: غنم بن سواءة. ومالك بن سواءة. فولد غنم: محلم بن غنم. وحدان بن غنم. وحميري بن غنم. فولد محلم: عبد ثبير. قال هشام بن محمد الكلبي: أخبرني أبي قال: لقيت ابن عبد ثبير فقال: ولد أبي في أصل ثبير [2] في الجاهلية فسمي عبد ثبير. فمن ولده: المرقع بن قمامة بن خويلد بن عصم بن أوس بن عبد ثبير، أصابته جراحة مع الحسين بن علي فمات منها بعد بالكوفة. وولد مالك بن سعد بن ثعلبة: سبيع بن مالك. وعمرو بن مالك. وشريح بن مالك. وحمحمة بن مالك. وعباد بن مالك. فولد عمرو بن مالك: الحارث. منهم: الكميت بن زيد بن الأخنس بن زيد بن مجالد بن ربيعة بن قيس بن الحارث بن عامر بن عمرو بن مالك بن سعد بن ثعلبة الشاعر الشيعي.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 145. [2] ثبير: من أعظم جبال مكة. معجم البلدان.

وولد مالك بن ثعلبة بن دودان:

ومنهم: مرداس بن خذام الشاعر. والجليح وهو ربيعة بن أسلم بن عمرو بن مالك بن سعد بن ثعلبة. ومنهم سنان بن معشر بن هرّ بن ظالم بن محزوم بن عمرو بن مالك. وولد مالك بن ثعلبة بن دودان: غاضرة بن مالك. وعمرو بن مالك، وأمهما أم خارجة عمرة البجلية. وثعلبة بن مالك. وسعد بن مالك، وأمهما البارقية. ومالك بن مالك وهم بنو الزنية، وأمه سلمى بنت مالك بن غنم بن دودان، وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سلمى تحت سعد بن زيد مناة بن تميم هي والناقمية رقاش بنت عامر وهو الناقم بن جدان بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، فلحقتا بقومهما وكل واحدة في شهرها توقع أن تلد، فتزوج سلمى مالك بن ثعلبة، فولدت مالك بن مالك على فراشه، وتزوج الناقمية معاوية بن بكر، فولدت صعصعة على فراشه، فجعلت سلمى ترقص مالك بن مالك ابنها وتقول: بأبي زنيتي، فديت زنيتي. فسمّي الزنية. فوفد حضرمي بن عامر أحد بني الزنية في نفر منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من أنتم؟ قالوا: من بني أسد من بني الزنية. فقال: أنتم بنو الرشدة، وقال لحضرمي: أتقرأ شيئا من القرآن؟ فقرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى. والذي [1] امتن على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى من بين شغاف وحشى. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لا تزد فيها فإنها شافية كافية» ] .

_ [1] سورة الأعلى- الآيات: 1- 4.

فولد مالك بن مالك: القين بن مالك. وكعب بن مالك. وحبى بن مالك. وسعد بن مالك. وربيعة بن مالك. فولد القين: كعب بن القين. ومالك بن القين. وحبيب بن القين. فولد كعب: زفر بن كعب. وعدي بن كعب. وضب بن كعب. فولد ضب: همام بن ضب، وجشم بن ضب. فولد همام: مواءلة. فولد مواءلة: كوز بن مواءلة. وعامر بن مواءلة. ومجمع بن مواءلة. وصخر بن مواءلة. وزيد بن مواءلة. وغريب بن موائلة. وجبيل بن مواءلة. ومخاشن بن مواءلة. منهم يزيد بن حذيفة بن كوز بن مواءلة كان شريفا، وقال النابغة: رهط ابن كوز محقبوا أدراعهم ... فيها ورهط ربيعة بن حذار ومنهم حضرمي بن عامر بن مجمع بن مواءلة الشاعر الوافد على النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أبو اليقظان: أسر بنو سليط بن يربوع حضرمي بن عامر ومنوا عليه، وفي ذلك يقول جرير: وبالحكمي ثم بحضرمي ... وما بالخيل يومئذ صدود [1] قال: وحضرمي القائل: أهلكت جندك من صديقك فالتمس ... جندا تجمعهم من الأوغاب ما زال معروفا لعمرك فيهم ... منع الحقوق وكثرة الألقاب حتى تركت كأنّ صوتك فيهم ... في كل حزنة طنين ذباب فاعمد إلى سعد الهذيم فسدهم ... أو سد عيبي عندك ابن جناب

_ [1] ليس بديوان جرير المطبوع.

وهلك إخوة له فورثهم، فَقَالَ رجل من بني أسد يقال لَهُ جزء: قد فرح بموتهم إذ ورثهم فقال حضرمي: قد قال جزء ولم يقل أمما ... إني تزوجت ناعما جدلا إن كنت أزننتني بها كذبا ... جزء فلاقيت مثلها عجلا أفرح أن أرزأ الكرام وان ... أورث ذودا بها رزا نبلا كم كان في إخوتي إذا ... أعمل الأبطال تحت العجاجة الأسلا من فارس ماجد أخي ثقة ... يعطي جزيلا ويقتل البطلا إن جئته خائفا حماك وإن ... قال سأعطيك نائلا فعلا ولحضرمي يقول زيد الخيل: ولو كان جازي بحضرمي لأصبحت ... قنابل خيل تحمل البيض والأسل وكان كدام بن حضرمي على بني أسد مع علي بن أبي طالب يوم صفين. ومنهم سفيان بن سلمة أبو وائل الفقيه. ومنهم ضرار بن الأزور رحمه الله تعالى، وهو مالك بن أوس بن جذيمة بن ربيعة بن مالك بن مالك الذي قال حين أسلم: جعلت القداح وعزف القيان ... والخمر تصلية وابتهالا [1] وكري مهري في غمرة ... وجهدي على المشركين القتالا وقالت جميلة بددتنا ... وطردت أهلك شتى عيالا فيا رب لا أغبنن بيعتي ... وقد بعت أهلي ومالي بدالا

_ [1] في أسد الغابة ج 2 ص 424: «خلعت القداح وعزف القيان ... والخمر أشربها والثمالا»

وضرار قاتل مالك بن نويرة التميمي، وله يقول متمم بن نويرة: نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... ملث الظلام قتيلك ابن الأزور وكان النبي صلى الله عليه وسلم ولى مالك بن نويرة صدقات بني حنظلة، فلما قبض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلى ما كان في يده من فرائض الصدقة وقال: شأنكم بأموالكم يا بني حنظلة. فغزا خالد بن الوليد بني تميم بالبطاح، فيقال إن مالكا قتل في المعركة، ويقال بل أخذ فأمر خالد ضرارا بقتله فقتله صبرا. ومنهم يزيد بن أنس بن كلاب بن طفيل بن رواد بن سعد بن مالك بن مالك، وهو الذي وجهه المختار بن أبي عبيد، فأتي بأسرى وهو بالموت، فجعل يَقُول: اقتل اقتل حَتَّى ثقل لسانه، فجعل يومىء بيده فثقلت يده فجعل يريهم بحاجبيه حتى مات على تلك الحال. ومن بني كعب بن مالك: إسماعيل بن عمار بن عيينة أحد بني خلف بن كعب الذي يقول في أبيه معن: فيا موت إن لم تبق معنا فإنني ... أذكرك الرحمن في مهجتي خذني فلو قاتل الموت امرأ عن حميمه ... لقاتلت جهدي عسكر الموت عن معن قتالا يقول الموت من وقعاته ... لك ابنك خذه ليس من حاجتي دعني وولد سعد بن مالك بن ثعلبة: سواءة بن الحارث. وعمرو بن الحارث. وسلامة بن الحارث. فولد سلامة: لغن بن سلامة. وناشب بن سلامة. والحارث. منهم: أشعر الرقبان، وهو عمرو بن حارثة بن ناشب. وولد سواءة بن سعد: مرارة بن سواءة. وصيفي بن سواءة. فولد مرارة: عبد بن مرارة. فولد عبد: كلدة. وثمامة. فولد كلدة:

مسعود بن كلدة أبا عمرو بن مسعود. الذي يقال فيه: ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد وقد مدحه أوس [1] بن حجر وكان شريفا. وولد سواءة بن الحارث بن سعد: عامر بن سواءة. وسعد بن سواءة. ونصر بن سواءة. والحارث بن سواءة. فولد عامر بن سواءة: ربيعة. فولد ربيعة: عوف بن ربيعة الكاهن وهو الذي يقول لعيينة بن حصن: ألا أبلغا عني عيينة آية ... وإخوته إني امرؤ كنت في الحرب وكنت إذا أهلكت قوما بأمة ... تسميت وثابا ونحن أولوا الوثب ومظهر بن ربيعة. وولد الحارث بن سواءة بن الحارث بن سعد: جنبوب بن الحارث. وعوف بن الحارث. وولد نصر بن سواءة: ناشرة. فولد ناشرة: مالكا. وعبد الله بن ناشرة. وحميس بن ناشرة. والحارث بن ناشرة. وجشم بن ناشرة. وكسر بن ناشرة. منهم: أبو مظفار، وهو مالك بن عوف بن معاوية بن كسر بن ناشرة الذي يقول له النابغة: جيش يقودهم أبو المظفار [2] وقال أبو اليقظان: يقال إن بني ناشرة من بني مازن بن عمرو بن

_ [1] من شعراء الجاهلية وفحولها. الأغاني ج 11 ص 70- 74. [2] ديوان النابغة الذبياني ص 60، والشطر الأول: وبنو سواءة زائروك بوفدهم.

تميم. وقال الشاعر: أنتم بنو كابية بن حرقوص ... كلكم هامته كأفحوص [1] قال: ومنهم الأقيصر الذي قال له الحجاج: صف لي الفرس الجواد الكريم فقال: الذي إذا استقبلته أقعى، وإذا استدبرته جبى، وإذا استعرضته استوى، وإذا جرى دحا يأخذ قريبا، وإذا نظر نظر بعيدا. وكان يقول: إن الجياد تشبه الجياد، فشبهوا عينا بعين، وعنقا بعنق، وأذنا بأذن. وولد غاضرة بن مالك: نصر بن غاضرة. فولد نصر: حبال بن نصر. وسالم بن نصر. والحارث بن نصر. ومروان بن نصر. وحزابة بن نصر. منهم جمل بن فضالة بن هند بن عوف بن ثعلبة بن حبال بن نصر كان شريفا. ومنهم شقيق بن سليك بن حبيش بن حباشة بن أوس بن بلالي بن سعد بن حبال الشاعر الذي يقول: وما استخبأتُ فِي رجلٍ خبيئا ... كدين الصدق أو حسب عتيق ومنهم زر بن حبيش [2] بن حباشة بن أوس بن بلالي بن سعد بن حبال الفقيه. بلغ مائة وثلاثين سنة فقال ولحياه ترجفان كبرا: إن أخوف ما أخاف على نفسي النساء. وكان زر يكنى أبا مريم، روى عن عمر وعبد الله بن مسعود. والحكم بن عبدك- الشاعر- بن جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن عقال بن

_ [1] الأفحوص: مجثم القطا. القاموس. [2] بهامش الأصل: زر بن حبيش.

وولد غنم بن دودان:

بلالي بن سعد بن حبال بن نصر. وولد عمرو بن مالك بن ثعلبة بن دودان: سعد بن عمرو. منهم: عبد بني الحسحاس بن هند بن سفيان بن غضاب بن كعب بن سعد بن عمرو بن مالك الشاعر، واسمه سحيم [1] . وكانت أم مالك بن ثعلبة ابنة الحسحاس من غسان. وولد غنم بن دودان: كبير بن غنم. وعامر بن غنم. ومالك بن غنم. فولد كبير: مرة بن كبير. وقيس بن كبير. وصبح بن كبير. ومالك بن كبير. منهم: عبد الله بن جحش [2] بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وأمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جحش حليفا لحرب بن أمية، وكان إسلام عبد الله قبل دُخُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة في المرة الثانية، ثم رجع إلى المدينة وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين ثابت بن أبي الأقلح، وعقد له ووجهه في سرية إلى نخلة ومعه جماعة من المهاجرين ولم يكن فيهم أنصاري، وكان فيهم سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، وكانت غنيمته أول غنيمة أفاءها الله على نبيه، وقد ذكرنا خبرها فيما تقدم، واستشهد يوم أحد فدفن مع حمزة بن عبد المطلب في قبر، وكان خاله، وكان يكنى أبا محمد.

_ [1] أدرك الإسلام، وقتل في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان قبل سنة 35 هـ. نشر ديوانه في القاهرة سنة 1950. [2] بهامش الأصل: عبد الله بن جحش رضي الله عنه.

وعبد بن جحش [2]

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلا سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ يَقُولُ قَبْلَ أُحُدٍ بِيَوْمٍ: «اللَّهُمَّ إِنَّا لاقُوا هَؤُلاءِ غَدًا، فَأُقْسِمُ عَلَيْكَ أَنْ يَقْتُلُونِي وَيَبْقُرُوا بَطْنِي، وَيَجْدَعُونِي فَإِذَا قُلْتَ لِي: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: فِيكَ» . فَلَمَّا الْتَقَوْا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ [1] . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ الَّذِي قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْن الأَخْنَسِ بْن شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَ قُتِلَ ابْنَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَ رَجُلا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا الْقَصِيرِ، كَثِيرَ الشَّعَرِ، وَوَلِيَ تَرِكَتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَى لابْنِهِ مَالا بِخَيْبَرَ. وعبد بن جحش [2] رحمه الله تعالى، وأمه أميمة، ويكنى أبا أحمد، وقد اختلف في هجرته إلى الحبشة فقيل هاجر في المرة الثانية، وقيل لم يهاجر إليها قط ولم يختلفوا في هجرته من مكة إلى المدينة، وكان مكفوفا يطوف مكة أعلاها وأسفلها بلا قائد، وكان شاعرا وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية فكان يقول كثيرا: يا حبذا مكة من واد ... أرض بها أهلي وعوادي إني بها ترسخ أوتادي ... إني بها أمشي بلا هادي وبقي أبو أحمد حتى توفيت أخته زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم في سنة عشرين، ومات بعدها بقليل.

_ [1] لم يرد هذا الخبر في المطبوع من طبقات ابن سعد. [2] بهامش الأصل: عبد بن جحش رحمه الله.

وعبيد الله بن جحش،

وقال الجحشي: توفي بعدها بسنة. وكان جحش شار رجلا فقال: والله لأحالفن أعز أهل مكة ولأتزوجن إلى أكرم أهلها وأشرفهم، فحالف حربا، وتزوج أميمة بنت عبد المطلب. وعبيد الله بن جحش، وأمه أميمة، كانت عنده أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأسلم وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم تنصر بها وهلك على النصرانية، وقد ذكرنا خبره، وخبر أم حبيبة. وكانت حمنة بنت جحش عند مصعب بن عمير العبدري، فقتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبيد الله، وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «قتل خالك حمزة فاسترجعت، وقال: قتل أخوك فاسترجعت، فقال: قتل زوجك مصعب فشقت جيبها فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إن الزوج ليقع من المرأة موقعا لا يقعه شيء» .] وكانت فيمن تكلم في عائشة مع أهل الأفك فحدت. ومنهم شجاع بن وهب [1] بن ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم، كانت له صحبة، وكان يكنى أبا وهب، وكان نحيفا طوالا أجنأ، وهاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن خولي، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جمع من هوازن بالسي [2] ، فأغار عليهم، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتابه إلى الحارث بن أبي شمر بغوطة دمشق، وأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته فقال: [ «صدق شجاع» .] وشهد بدرا وأحدا

_ [1] بهامش الأصل: شجاع بن وهب رحمه الله. [2] انظر مغازي الواقدي ص 753- 755. والسيّ: علم لفلاة على جادة البصرة إلى مكة بين الشبيكة والوجرة، وما بين ذات عرق إلى وجرة ثلاث مراحل من مكة إلى البصرة. معجم البلدان.

وأخوه عقبة بن وهب [1]

والخندق وجميع المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة وهو ابن بضع وأربعين سنة. وزعم الهيثم بن عدي أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهه إِلَى كسرى وذلك غلط. وأخوه عقبة بن وهب [1] رضي الله تعالى عنه بن ربيعة، أسلم مع أخيه، وشهد بدرا وأحدا، وجميع المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستشهد فيما ذكر الهيثم بمؤتة. وقيس بن عبد الله الأسدي ظئر عبيد الله بن جحش وكان معهم. ويزيد بن رقيش [2] بن رئاب بن يعمر بن صبرة، ويكنى أبا خالد، شهد بدرا وجميع المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة شهيدا. عكاشة بن محصن [3] بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان، ويكنى أبا محصن، أسلم قديما، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية إلى الغمر، وتوفي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْن أربع وأربعين سنة، وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة، قتله طليحة بن خويلد، ولقيه وقد بعثه خالد بن الوليد طليعة، وكان النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا له أن يدخله الله الجنة، فلم يزل المسلمون يعلمون أنه سيدخلها. وأبو سنان بن محصن [4] أخو عكاشة أسلم مع أخيه وشهد بدرا وجميع المشاهد إلى غزاة بني قريظة، وتوفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة، واسمه فيما زعم أبو نعيم الفضل بن دكين: مرة.

_ [1] بهامش الأصل: عقبة بن وهب رحمه الله. [2] بهامش الأصل: يزيد بن رقيش رحمه الله. [3] بهامش الأصل: عكاشة بن محصن رضي الله عنه. [4] بهامش الأصل: أبو سنان بن محصن رضي الله عنه.

ومنهم: سنان بن أبي سنان [2] بن محصن رضي الله عنه بن حرثان،

وقال الواقدي: وقد روي أن أبا سنان بايع بيعة الرضوان بالحديبية وهو وهم، لأن أبا سنان توفي سنة خمس، ودفن في مقبرة بني قريظة، قال: وكان أبو سنان يوم توفي ابن أربعين سنة، وكان أسن من أخيه عكاشة بسنتين، قال: والذي بايع بالحديبية: سنان بن أبي سنان بن محصن. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ أَبُو سِنَانٍ، قَالَ وَهَذَا غَلَطٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَالَ غَيْرُ وَكِيعٍ: هُوَ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ [1] . ومنهم: سنان بن أبي سنان [2] بن محصن رضي الله عنه بن حرثان، وكان بينه وبين أبيه في السن عشرون سنة، وشهد بدرا وأحدا والخندق، وشهد الحديبية وهو أول من بايع بيعة الرضوان، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين. وذكر ابن أنس الأسدي أنه كان يكنى أبا سلمة. ومنهم: ربيعة بن أكثم [3] رضي الله تعالى عنه، ويقال ابن أبي أكثم بن عمرو، أحد بني غنم بن دودان، وكان يكنى أبا يزيد، وكان قصيرا دحداحا، شهد بدرا وهو ابن ثلاثين سنة، وشهد ما بعدها، وقتل بخيبر شهيدا سنة سبع وثلاثين قتله الحارث اليهودي بالشظاة [4] ، وكانت عنده الصقباء بنت الحارث بن حرب بن أمية، وأمها صفية بنت عبد المطلب.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 93- 94. [2] بهامش الأصل: سنان بن أبي سنان رضي الله عنه. [3] بهامش الأصل: ربيعة بن أكثم رضي الله عنه. [4] الشظاة: عظم الساق. وأرجح أن الشظاة تصحيف النطاة وهو أحد حصون خيبر.

ومنهم: محرز بن نضلة [1] بن عبد الله بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان،

ومنهم: محرز بن نضلة [1] بن عبد الله بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان، ويكنى أبا نضلة، وكان أبيض حسن الوجه يلقب فهيرة، وكان بنو عبد الأشهل من الأنصار يدعون أنه حليفهم، وقال إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة: ما خرج في غزاة ذي قرد إلا من دار بني عبد الأشهل على فرس لمحمد بن مسلمة يقال له ذو اللمة. وقال الواقدي: والذي عند الناس أنه حليف بني عبد شمس، وشهد محرز بن نضلة بدرا وأحدا والخندق، ورأى في منامه كأن السماء انفرجت له فدخلها حتى بلغ سدرة المنتهى، فقيل له هذا منزلك فقص رؤياه على أبي بكر، وكان من أعبر الناس للرؤيا فقال: أبشر بالشهادة فقتل بعد ذلك بيوم، خرج مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى غزاة ذي قرد، فقتله مسعدة بن حكمة الفزاري، وكان يوم استشهد ابن سبع وثلاثين سنة، ويقال ثمان وثلاثين سنة، وشهد بدرا، وهو ابن إحدى وثلاثين سنة. ومنهم: أسلم بن الأحنف وكان من أشراف أهل الشام وروي عنه أنه قال: المستشير في الأمور متحصن من السقط متخير للرأي، وعادة المشورة أداة في المرء كاملة. وذكر بعضهم أن عمرو بن محصن كان مهاجرا وهو أخو عكاشة بن محصن. ومنهم: أربد بن حمير الأسدي [2] رضي الله تعالى عنه، شهد بدرا، وكان يكنى أبا مخشي.

_ [1] بهامش الأصل: محرز بن نضلة رضي الله عنه. [2] بهامش الأصل: أربد بن حمير رضي الله عنه.

وولد عمرو بن أسد:

وولد عمرو بن أسد: المسيب بن عمرو. ورهم بن عمرو. وسعد بن عمرو وهو معرض. والقليب بن عمرو. والمليح بن عمرو. وهاشم بن عمرو. والهالك بن عمرو، وهو أول من عمل الحديد، وبه تعيّر العرب بني أسد وبني عمرو خاصة وتسميهم القيون. قال لبيد: جنوح الهالكي على يديه ... مكبا يجتلي زرق النصال [1] فولد رهم بن عمرو: عوف بن رهم. وعامر بن رهم وربيعة بن رهم. وكان من ولد القليب: أيمن بن خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك بن القليب بن عمرو بن أسد، وكان أيمن شاعرا، ولقي طليحة بن خويلد فقال له: ما بقي من كهانتك؟ قال: نفخة أو نفختان بالكير، يعيرِه بأنه من القيون. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْن يَزِيد الواسطي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَيْمَنَ بْن خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ قَالَ: دَعَانِي مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ إِلَى الْقِتَالِ مَعَهُ فَقَالَ: أَلا تَخْرُجُ فَتُقَاتِلُ مَعَنَا؟ قُلْت: لا لأن أَبِي وَعَمِّي شَهِدَا بَدْرًا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَا عَهِدَا إِلَيَّ أَلا أُقَاتِلَ إِنْسَانًا يَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إلا الله وأن محمد رسوله، فَإِنْ جِئْتَنِي بِبَرَاءَةٍ مِنَ النَّارِ قَاتَلْتُ مَعَكَ، قَالَ: انْطَلِقْ عَنَّا لا حَاجَةَ لَنَا بِكَ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي عن إسماعيل عن الشعبي بمثله، قال: وقال أيمن بن خريم: ولست بقاتل رجلا يصلي ... عَلَى سلطان آخر من قريش لَهُ سلطانه وعلي إثمي ... معاذ اللَّه من سفه وطيش

_ [1] ديوان لبيد ص 78. مع فوارق.

أأقتل مسلما في غير شيء ... فلست بنافعي ما عشت عيشي وكان أيمن أبرص يصفر يده بالزعفران. وأخوه سبرة بن خريم بن فاتك، وروى مسلمة بن محارب الزيادي أن خريم بن فاتك مر بمجذوم في الطريق فاحتمله وآواه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ «رحم الله من فعل هذا بالمجذوم» ] . وقال أبو اليقظان: كان لأيمن فضل ودين، وكتب إليه عبد الملك يسأله أن يقاتل مع عمرو بن سعيد فقال: أأقتل في حجاج بين عمرو ... وبين خصيمه عبد العزيز فأقتل ضيعة في غير جرم ... ويبقى بعدها أهل الكنوز لعمرك ما هديت إذا لرشدي ... ولا وفقت للحرز الحريز فإني تارك لهما جميعا ... ومعتزل كما اعتزل ابن كوز وقال أيضا: إن للفتنة شرا بينا ... فاصطبر للأمر حتى يعتدل وإذا كان عطاء فاتهم ... وإذا كان قتال فاعتزل إنما يسعرها جهالها ... حطب النار فذرها تشتعل وقال أيضا: يقول لي الأمير إذا رآني ... تقدم حين خد به المراس فمالي إن أطعتك غير نفس ... ومالي غير هذا الرأس راس ويقال إن الشعر لغيره. ومن بني معرض: الأقيشر الأسدي، وهو المغيرة بن عبد الله بن الأسود بن وهب بن رباعج بن قيس بن معرض الشاعر.

ومن بني الهالك: سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث بن الهالك وهو صاحب مسجد سماك بالكوفة، وخرج من الكوفة هاربا من علي عليه السلام. منابذا له مع من خرج منها، فلحق بالجزيرة وله يقول الأخطل: إن سماكا بني مجدا لأسرته ... حَتَّى الممات وفعل الخير يبتدر نعم المجير سماك من بني أسد ... بالبشر إذ قتلت جيرانها مضر أبلى بلاء كريما لا يزال له ... منه بعاقبة مجد ومفتخر قَدْ كنت أحسبه قينا وأخبره ... فاليوم طير عن أثوابه الشرر [1] فقال له سماك: ويحك ما أعياك، أردت أن تمدحني فهجوتني كان الناس يقولون قينا قولا فحققته. وقال أبو اليقظان: كان سماك خال سماك بن حرب وبه سمي سماكا [2] . وولد صعب بن أسد: عبد الله. فولد عبد الله: مرة. فولد مرة: عبد الله. وعبد منبه. فولد عبد الله بن مرة: جميرة بن عبد الله. والبحير بن عبد الله، وهم بنو النعامة، والنعامة أمهم ولدتهم. فمن بني النعامة: ابن حياش الشاعر الذي مدح الحسن بن علي والحسين عليهم السلام فقال: كأن جفانه أحواض نهي ... إذا وضعت على ظهر الخوان ويعلم ربها أن كل شيء ... من الأشياء إلا الأجر فان وقال أيضا:

_ [1] ديوان الأخطل ص 187 مع فوارق. [2] ترجم خليفة بن خياط لسماك بن حرب وقال إنه توفي في ولاية يوسف بن عمر. الطبقات ص 273.

وولد كاهل بن أسد:

لقد كل طرف العين حتى كأنما ... أرى كل شخص شافعا لقرين وقال أبو اليقظان: يقال: إن أسد استلحق صعبا، قال: وقال بعضهم: نحن بنو صعب وصعب لأسد ... لا يعرف المجد علينا لأحد وقال شاعر من بني أسد: وحيا من نعامة فاسألنهم ... بني صعب وكانوا مصعبينا وولد كاهل بن أسد: مازن بن كاهل. منهم علباء بن الحارث بن حارثة بن هلال الذي يقول له امرؤ القيس: وأفلتهن علباء جريضا ... ولو أدركنه صفر الوطاب [1] يقول: أخذت إبله فلم يحلب، وهو الذي كان طعن أبا امرئ القيس. وقال غير هشام ابن الكلبي: ومن بني أسد: شقيق بن سلمة أبو وائل الفقيه أحد بني مالك، وكان من أصحاب عبد الله بن مسعود، شهد صفين فقال: شهدت صفين فأشرعوا الرماح في صدورنا وأشرعنا في صدورهم وبئست الصفون كانت. وقال: ما مررت بالصفارين قط إلا ذكرت يوم صفين، وبقي حتى أدرك الحجاج فقال له: متى نزلت هذه البلدة؟ يعني الكوفة. فقال شقيق: نزلتها حين نزلها أهلها. فقال: إني أريد توليتك. فقال: أو تعفيني وإن تقحمني انقحم. فولاه عملا. وكان جاهليا إسلاميا، وتوفي بعد الجماجم، وروى عن عمر وعلي وابن مسعود.

_ [1] ديوان إمرئ القيس ص 78.

وقال أبو اليقظان: ومن بني أسد: شداد بن عمرو بن فاتك قاتل ابن أخي خريم بن فاتك قتله زيد الفوارس الضبي وأنشأ يقول: ليبك لشداد بن عمرو بن فاتك ... قيون وقينات بهن مياسم ليبكين قينا فلق السيف رأسه ... بما نال منا وهو في الحلف آثم وقال أبو اليقظان: ولد علباء بن الحارث: جحش بن علباء، وكان جحش قتل ثوب بن سحمة العنبري، وكان يقال لثوب مجير الطير، وكان يضع سهمه في الأرض فلا يصطاد أحد طيرها. فقال باكيته: ألم تر أن ثوبا أسلمته ... بنو البيضاء والخلان سي فإذ أسلمتموه فأخلفوه ... ولن ترضى خلافتكم عدي أضعتم مجدكم فسلبتموه ... وفات به الغلام الكاهلي فبات لآل جحش ليل صدق ... وبات لأهله ليل قسي وبنو البيضاء: بنو بيضاء بنت عبدة بن عدي بن جندب. وثوب بن سحمة من ولد المنذر بن جهمة. قال: وعاصم بن بهدلة مولى بني كاهل، وكان يحيى بن وثاب مولى بني كاهل أيضا، وكان قارئا يؤم بني كاهل، فلما قدم الحجاج قال: لا يؤمنكم إلا عربي، فوثبوا بابن وثاب وقالوا: نعزله عن الإمامة، فبلغ الحجاج ذلك فقال: ويحكم إنما قلت عربي اللسان. فأبى ابن وثاب أن يصلي بهم. وكان من موالي بني كاهل: أبو بكر. والحسن ابنا عياش الفقيهان. قال أبو اليقظان: كان في بني سعد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان عيافة وكان منهم: حلبس الخطاط الذي يقول له الشاعر:

وإني لراجيها وإني خائف ... لما قال يوم الثعلبية حلبس جرت طيرة واستخبرت ثم نبأت ... وقد طال فيها شكه المتلبس وقال أبو اليقظان: كان من بني والبة: شتير بن خالد الذي يقول فيه الشاعر: أوالب إن تنهى شتير بن خالد ... عن البغي لا يغرركم بأيام وفي بني كلاب: شتير بن خالد الذي قتلته ضبه، وفيه يقول الشاعر: أتنسى مصادا والشتير بن خالد. ... ولم يقل ذلك في شتير الأسدي. قال: ومن بني أسد: قبيصة بن ذؤيب، كانت له صحبة، وهو القائل حين بايع طلحة عليا: أول يد بايعت هَذَا الرجل من أصحاب محمد شلاء، والله مَا أرى هَذَا الأمر يتم. وروى عوانة عن عبد الملك بن عمير قال: قَالَ قبيصة بْن ذؤيب الأسدي: ما رأيت أحدا قط أعلم باللَّه من عُمَر بْن الخطاب، ولا رأيت أحدا أطول بلاء في الله من علي، ولا رأيت قط أعطى لجزيل من طلحة، ولا رأيت قط أحمل لمعضلة من معاوية، ولا رأيت أحدا قط أظهر جلدا وطرفا من عمرو بن العاص، ولا رأيت قط أسر لصديق في عداوة العامة من المغيرة، ولا رأيت قط أخصب رفيقا ولا أقل أذى لجار من زياد. ومن بني أسد من المحدثين: المعرور بن سويد [1] أحد بني الحارث بن ثعلبة بن دودان، روى عن عمر وعبد الله. وحبيب بن صهبان، ويكنى أبا

_ [1] بهامش الأصل: المعرور بن سويد.

مالك. روى عن عمر. قال محمد بن سعد: ومن بني أسد: أبو سنان عبد الله بن سنان مات زمن الحجاج قبل الجماجم [1] . ومنهم حصين بن قبيصة الفقيه. وقال أبو اليقظان: ومن بني أسد: حاجب بن حبيب الأسدي الذي يقول: دلفت له تحت الغبار بطعنة ... لها عاند حينا وحينا تصرح عبأت سنانا كالقدامي مدربا ... بكفي له والخيل بالقوم تكبح قال محمد بن سعد: ومن بني أسد: زياد بن حدير أحد بني مالك بن مالك، روى عن عمر بن الخطاب ويكنى أبا المغيرة [2] . وقبيصة بن جابر بن وهب بن مالك بن عميرة بن جدار أحد بني مرة بن الحارث بن سعد بن ثعلبة مات قبل الجماجم وروى عن عمر [3] . وعباءة بن ربعي الأسدي روى عن عمر وعلي [4] . ونعيم بن دجاجة الأسدي [5] . والبراء بن ناجية الكاهلي روى عن علي [6] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 178. [2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 130. [3] طبقات ابن سعد ج 6 ص 145. [4] طبقات ابن سعد ج 6 ص 127. [5] طبقات ابن سعد ج 6 ص 128. [6] طبقات ابن سعد ج 6 ص 206.

والمسيب بن رافع أسدي من بني كاهل مات سنة خمس ومائة [1] . والربيع بن سحيم الكاهلي [2] . قال: والأعمش سليمان بن مهران مولى بني كاهل يكني أبا محمد [3] . قال الهيثم: مات سنة سبع وأربعين ومائة. وقال الواقدي: وأبو نعيم: مات سنة ثمان وأربعين ومائة. ومن بني أسد من أنفسهم: محمد بن قيس أحد بني [4] والبة، يكنى أبا نصر. وقال أبو اليقظان: كان من بني أسد: الميدان بن صخر الذي كان يهاجي ابن دارة فقال الشاعر: سأقضي بين ميدان بن صخر ... وعبد الله ثمت لا لجور جرى الميدان حتى ما يجاري ... وبرز وابن دارة يستدير وقال أبو اليقظان: كان بعثر الفقعسي شاعرا، وكان بالربذة، وكان عليها رجل يقال له راشد أبو علي، مولى بني فقعس، فوجد عليه فضربه فانطلق فاستعدى إليه إلى عمر بن عبد العزيز وهو يقول: أقول لراشد أمسك كتابي ... وخل لناقتي عنك السبيلا أغثها بالمدينة يا بن ليلى ... وحكمتك التي تشفي الغليلا فأقصه عمر بن عبد العزيز منه فلما ضرب أتي بإهاب شاة فألبسه،

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 293. [2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 341. [3] طبقات ابن سعد ج 6 ص 342. [4] طبقات ابن سعد ج 6 ص 361.

وجعل راشد يعاتب بعثرا فقال: رأيت أخا الصفاء أبا علي ... يعاتبني ويدرع الإهابا يقول ظلمتني وأقول كل ... أصاب إلى أخيه ما أصابا وكان بعثر لقي الحسين بن علي قبل أن يصل إلى الكوفة، فسأله عنهم فقال: إن أهل العراق أهل غدر. وقال جاء رجل من بني أعيا من بني أسد يقال له ابن حمامة إلى الحطيئة فقال له: القري يا حطيئة. فقال: لا قرى لك عندي فقال له: أنا ابن حمامة، قال: كن ابن أي طير شئت فما لك عندي إلا مذقة من لبن. فقال: هاتها فشربها فقال الحطيئة. شددت حيازيم ابن أعيا بشربة ... على ظمأ شدت أصول الجوانح [1] فقال ابن حمامة: دعيت إلى زاد قليل رزأته ... كما كل عبسي على الزاد نائح يبيت حذار الضيف يخنق كلبه ... ألا كل كلب لا أبا لك صائح قال أبو اليقظان: كان قصاقص الأسدي من أهل الجزيرة، وكان له بها قدر، وكان في صحابة أبي العباس أمير المؤمنين ومولاه أبو دلامة الشاعر أعتقه قصاقص، فقال أبو دلامة لأبي العباس إن قصاقص امتن علي فأعتقني فإن رأى أمير المؤمنين أن يجعله في صحابته لامتن بذلك عليه فليفعل، فقال: قد فعلنا يا أبا دلامة فلا تعد. ومن موالي بني أسد: أبو عطاء السندي كان شاعرا، وكان منهم مهران أبو الأعمش المحدث، واسمه سليمان، شهد عين الوردة مع

_ [1] ديوان الحطيئة ص 129.

سليمان بن صرد، فقتل وكان الأعمش يكنى أبا محمد، وولد الأعمش أيام قتل الحسين بن علي عليهما السلام ومات بالكوفة سنة ست وأربعين ومائة. قال أحمد بن إبراهيم الدورقي: كان زياد بن حدير الأزدي عابدا زاهدا. حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ مغول عن جامع بن شداد قال: قال زياد بن حدير الأسدي: ليت أني في حير من حديد لا أكلم الناس ولا يكلموني ومعي ما يكفيني حتى ألقى الله. حدثني أحمد، حدثني عبد الرحمن بن مهدي، حدثني يعقوب بن عبد الله بن سعد عن حفص بن حميد قال: كان الرجل يأتي زياد بن حدير فيقول: إني أريد مكان كذا فيقول له: اقطع طريقك بذكر الله. قال: وقال لي اقرأ علي: فقرأت أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أنقض ظهرك [1] فقال: يا بن أم زياد أنقض ظهرا من ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل يبكي كما يبكي الصبي، قال: وكان يقول: سلوا الشهادة. فيقال: يا أبا المغيرة إنها مخزونة، فيقول: سلوا الخازن فإنه يغضب على من لا يسأله. حدثني أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي، ثنا يعقوب بن عبد الله بن سعد عن حفص بن حميد قال: كان زياد بن حدير يقول: أتجهزتم؟ فيسمعه الرجل فيقول: ما معنى ذا؟ فيقول: تجهزوا للقاء الله. حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، أنبأ شريك عن أبي إسحاق الشيباني عن خناس بن سحيم قال: أقبلت مع زياد بن

_ [1] سورة الشرح- الآيات: 1- 3.

حدير الأسدي من الكناسة فقلت في كلام له: لا والأمانة، فجعل يبكي فظننت أني قد أتيت أمرا عظيما فقلت: كأنك تكره ما قلت؟ قال: نعم كان عمر ينهى عن الحلف بالأمانة أشد النهي. حدثني أحمد بن الصباح، ثنا هشيم عن العوام عن ربيع بن عتاب قال: كنت أمشي مع زياد بن حدير فسمع رجلا يحلف بالأمانة فبكى فقلت: ما يبكيك؟ فقال: أما سمعت هذا الحلف بالأمانة لحك خشاشي [1] حتى تدمي أحب إلى من أن أحلف بالأمانة. حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أبي النجود عن زياد بن حدير الأسدي قال: قدمت على عمر وعلي طيلسان وشاربي عاف، فرفع رأسه، فنظر إلي ولم يرد السلام، قال: فانصرفت عنه وأتيت ابنه عاصما فشكوت ذلك إليه وقلت له: لقد رميت من أمير المؤمنين في الرأس قال: سأكفيك ذاك. فلقي أباه فقال: يا أمير المؤمنين أخوك زياد بن حدير سلم عليك فلم ترد عليه السلام فقال: إني رأيت عليه طيلسانا ورأيت شاربه عافيا، قال: فأخبرني فقصصت شاربي، وكان معي برد فحللته وجعلته إزارا، ثم أقبلت إلى عمر فسلمت عليه فقال: وعليك السلام، هذا خير مما كنت فيه يا زياد. حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا زكريا بن عدي عن أبي خالد الأحمر عن الأعمش عن شمر بن عطية عن زياد بن حدير قال: أفقه قوم ما لم يبلغوا التقى.

_ [1] الخشاش: عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع لانقياده. النهاية لابن الأثير.

حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يحيى بن آدم، ثنا سفيان الثوري عن إبراهيم بن مهاجر قال: سمعت زياد بن حدير يقول: أنا أول من عشر في الإسلام. حدثني أبو عبيد عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ عبد الله بن خالد عن عبد الرحمن بن معقل قال: سألت زياد بن حدير: من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا، كنا نعشر تجار أهل الحرب كما كانوا يعشرونا إذا أتيناهم. حدثني أبو عبيد عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مهاجر عن زياد بْن حدير قال: كنا نعشر نصارى بني تغلب [1] . المدائني أن عبد الله بن فضالة بن شريك الأسدي قال لعبد الله بن الزبير: نفدت نفقتي ونقبت راحلتي فقال: إما راحلتك فارقعها بسبت واخصفها بهلب وسر بها البردي يبرد خفها [2] ويقال إنه قال: سر بها السيرات، فقال لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك. قال: إن وراكبها فانصرف وهو يقول: أرى الحاجات عِنْدَ أَبِي خبيب ... نكدن ولا أمية بالبلاد ومالي حِينَ أقطع ذَات عرق ... إِلَى ابْن الكاهلية من معاد فقال: لو علم أن لي أما ألأم من عمته لسبني بها.

_ [1] الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 709. [2] السبت: سير للأبل وجلود البقر المدبوغة. والهلب شعر الذنب أو شعر الخنزير الذي يخرز به. والابردان: الغداة والعشي، كالبردين، والظل والفيء، وأبرد: دخل في آخر النهار. النهاية. القاموس. وانظر ما تقدم ص 2621.

وقال محمد بن سعد: من بني أسد: إسماعيل بن عبد الله بن ذؤيب الأسدي، روى عن ابن عمر وروى عنه ابن أبي نجيح. ومنهم سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش من حلفاء بني أمية [1] .

_ [1] بهامش الأصل: بلغت عراضا بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله الحمد والكمال.

نسب هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر

نسب هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر وولد هذيل بن مدركة: سعد بن هذيل ولحيان بن هذيل، بطن. وعميرة بن هذيل. وهرمة بن هذيل، وأمهم ليلى بنت مران بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. فولد سعد بن هذيل: تميم بن سعد. وخناعة، بطن. وحريب بن سعد. ومنعة بن سعد. ورهم بن سعد. وغنم بن سعد. ورهام بن سعد. وريث بن سعد وهو عوف، وأمهم الفرعة بنت شقر بن الحارث بن تميم بن مرو. وجوية بن سعد. يقال إنهم دخلوا في عبس فالحطيئة الشاعر منهم. فولد تميم بن سعد: الحارث بن تميم. ومعاوية بن تميم. وعوف بن تميم، أمهم الكنود بنت لحيان بن هذيل فولد الحارث بن تميم: عمرو بن الحارث. وكاهل بن الحارث، وأمهما هند بنت مازن بن كاهل بن أسد بن خزيمة. فولد كاهل بن الحارث: صاهلة بن كاهل، بطن. وصبح بن كاهل، بطن. وكعب بن كاهل. فولد صاهلة بن كاهل مخزوم بن

فار بن مخزوم.

صاهلة. وخزيمة بن صاهلة، بطن، وقريم بن صاهلة. وملاص بن صاهلة. فولد مخزوم بن صاهلة. فارّ بن مخزوم. وزبيد بن مخزوم. والحارث بن مخزوم. وحارثة بن مخزوم. فولد فار بن مخزوم: شمخ بن فار. منهم: عبد الله بن مسعود [1] بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن حارث بن تميم بن سعد بن هذيل، وأمه أم عبد بنت عبد ود، من ولد قريم بن صاهلة. وأمها هند بنت عبد الحارث بن زهرة بن كلاب. وكان عبد الله بن مسعود يكنى أبا عبد الرحمن. وقال الواقدي: كان إسلام عبد الله قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وقال الواقدي وأبو معشر: هاجر ابن مسعود إلى أرض الحبشة مرتين. وقال محمد بن إسحاق: هاجر في المرة الثانية [2] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلابِيُّ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي شَيْءٍ فَرَشَا دِينَارَيْنِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ

_ [1] بهامش الأصل: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. [2] السير والمغازي لابن اسحق ص 225.

أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ غُلامًا يَافِعًا أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر وَقَدْ فَرَّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالا: «يَا غُلامُ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ لَبَنٍ» ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي مُؤْتَمَنٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْلُ] » ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ ضَرْعَهَا وَدَعَا فَحَفَلَ الضَّرْعَ، ثُمَّ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِصَخْرَةٍ مُنْقَعِرَةٍ فَاحْتَلَبَ فِيهَا ثُمَّ شَرِبَ وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلضَّرْعِ: «اقْلِصْ» ، فَقَلَصَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي هَذَا الْقَوْلَ. فَقَالَ: إِنَّكَ غُلامٌ مُعَلَّمٌ. قَالَ فَأَخَذْتُ مِنْ فِيهِ سَبْعِينَ سُورَةً لا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا الْمَسْعُودِيُّ. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَى الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن مسعود [1] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا الأَعْمَشُ، أنبأ شَقِيقٌ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ كَلامًا ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ تَأْمُرُونَنِي أَنْ أَقْرَأَ، عَلَى قراءة زيد؟ فو الله الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضا وَسَبْعِينَ سُورَةً وَزَيْدٌ غُلامٌ لَهُ ذُؤَابَتَانِ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ الله مني تبلغه الإبل لأتيته.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 150- 151.

قال شقيق: فقعدت في حلق فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحدا منهم رد عليه ما قال. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا- أَوْ قَالَ غَضًّا- كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ- أَوْ كَمَا يَقْرَأُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ-] » . حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ قَالا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ لا يَعْرِفُهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئْتُكَ مِنَ الْكُوفَةِ وَتَرَكْتُ بِهَا رَجُلا يُمْلِي الْمَصَاحِفَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، فَغَضِبَ عُمَرُ، وَقَالَ: مَنْ هُوَ وَيْحَكَ؟. قَالَ: عَبْدُ الله بن مسعود. قال: فذهب الغصب عَنْ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] » . حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا جرير بن عبد الحميد الصبي عَنِ الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَهُ يَقُولُ: « [اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ- فبدأبه- وَمِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمِنْ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ] » . حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقْرَأُ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا

من كل أمة بشهيد [1] قال: حسبك. ونظرت إليه وقد أغر ورقت عَيْنَاهُ. [فَقَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ قِرَاءَةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ] » . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عبد الله بن نمير الهمداني، أنبأ الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال: لقد جالست أصحاب محمد فوجدتهم كالأخاذ فمنها: ما يروي الرجل، ومنها ما يروي الرجلين ومنها ما يروي العشرة، ومنها ما يروي المائة، ومنها ما يروي لو نزل به أهل الأرض لصدروا رواء فوجدت عبد الله بن مسعود أغزر تلك الأخاذ. حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أخَذْتُ مِنْ فَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثنا سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: كَانَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي دَارِ أَبِي مُوسَى يَعْرِضُونَ مُصْحَفًا فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَخَرَجَ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ: هَذَا أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنْ يَكُنْ كَذَاكَ فَلَقَدْ كَانَ يُؤْذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبْنَا وَيَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْ فَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعِينَ سُورَةً لا ينازعني فيها أحد.

_ [1] سورة النساء- الآية: 41.

حدثني محمد بن سعد [1] ، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأ الحسن بن صالح عن مطرف، حدثني عامر عن مسروق قال: كان أصحاب الفتوى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: علي، وعمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري [2] . حدثنا عفان بن مسلم، ثنا وهيب بن خالد، أنبأ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كان مهاجر عبد الله بن مسعود إلى حمص فحدره عمر إلى الكوفة، وكتب إليهم: والله الذي لا إله إلا هو لقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي فخذوا عنه. قالوا وبعث عمر عبد الله بن مسعود على قضاء أهل الكوفة وبيت مالهم، وفرض له ولعمار ولعثمان بن حنيف شاة: شطرها وسواقطها لعمار ولابن مسعود، ولعثمان الشطر الآخر. المدائني عن الوقاصي عن الزهري قال: كان ابن مسعود يوافي عمر في كل موسم فيعرض عليه ما كان فيه فما رضيه أقام عليه وما نهاه عنه تركه. وجاء قوم فشكوه فلم يحفل بشكيتهم. حَدَّثَنِي شجاع بْن مخلد الفلاس، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ قال: كانت دار ابن مسعود شبيهة بالمدينة فأحدث ولد له حدثا فأخربوها. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: طُولُ الصَّلاةِ وَقِصَرُ الخطبة مئنة [3] من فقه الرجل.

_ [1] بهامش الأصل: مطلب أصحاب الفتوى. [2] لم ترد هذه الرواية في ترجمة ابن مسعود في طبقات ابن سعد. [3] المئنة في الحديث: العلامة، ومخلقة، ومجدرة. القاموس.

حَدَّثَنَا خَلَفٌ الْبَزَّارُ، ثنا سَلامٌ الْخُرَاسَانِيُّ الطَّوِيلُ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ ثَلاثِ لَيَالٍ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا أَوِ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا. حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ لا يُخْطِئُ بِأَلِفٍ وَلا وَاوٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمُقْرِئُ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِينَاءَ عَنْ نُفَيْعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ ثَوْبًا أَبْيَضَ وَأَطْيَبَ النَّاسِ رِيحًا. وحدثني محمد بن سعد عن يزيد بن هارون عن المسعودي عن سليمان بن نفيع بمثله [1] . حَدَّثَنَا ابْنُ الشَّاذَكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، ثنا شَرِيكٌ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عَلَى خَاتَمِ ابْنِ مَسْعُودٍ ذِيبَانِ [2] بَيْنَهُمَا الْحَمْدُ لِلَّهِ. حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ الْمُعَلِّمُ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِيَّاكُمْ وَالْمَعَاذِيرَ فَإِنَّهُ يُخَالِطُهَا الْكَذِبُ. وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الزِّيَادِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ عَنْ بَيَانٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِسَعْدٍ: رُدَّ الْمَالَ الَّذِي اسْتَسْلَفْتَهُ من

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 257. [2] الذيب: العيب. القاموس.

بَيْتِ الْمَالِ فَغَضِبَ سَعْدٌ وَقَالَ: هَلْ أَنْتَ إِلا عَبْدٌ مِنْ هُذَيْلٍ. فَقَالَ: وَأَنْتَ ابْنُ حَمْنَهْ، فَقَامَ سَعْدٌ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَأَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ أَلا يَلْعَنَهُ وَلا يَدْعُوَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ. حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لا يَبْلُغُ أَحَدُكُمْ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَدَعَ الْمِرَاءَ فِي الْحَقِّ وَالْكَذِبِ فِي الْمِزَاحِ وَالسَّفَهِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَيَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْمِزَاحُ فَإِنَّ فِيهِ التَّذَابُحَ. وقال الواقدي: لما هاجر ابن مسعود من مكة إلى المدينة نزل على معاذ بن جبل، ويقال عَلَى سَعْد بْن خيثمة، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين معاذ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عينية عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ بَنُو عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ: نَكِّبْ عَنَّا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [فَلِمَ بُعِثْتُ إِذًا، إِنَّ اللَّهَ لا يُقَدِّسُ قَوْمًا لا يُعْطُونَ الضَّعِيفَ مِنْهُمْ حَقَّهُ] . وقال الْوَاقِدِيُّ: خط رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لابن مسعود عند المسجد. قالوا: وشهد عبد الله بدرا وضرب عنق أبي جهل بعد أن أثبته ابنا عفراء، وشهد أيضا أحدا والخندق وجميع المشاهد مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروي عن ابن مسعود في قول الله عز وجل: الذين استجابوا لله

والرسول [1] قال: كنا ثمانية عشر رجلا [2] . حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ صَاحِبَ سَوَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي سِرَّهُ، وَصَاحِبَ وِسَادِهِ وَسِوَاكِهِ وَنَعْلَيْهِ وَطَهُورِهِ، وَهَذَا فِي السَّفَرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَليّ بْنِ الأَسْوَدِ قَالا: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَلِيحٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَسْتُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ وَيُوقِظُهُ إِذَا نَامَ وَيَمْشِي مَعَهُ عَلَى الأَرْضِ وَحْشًا [3] ، يَعْنِي وَحْدَهُ. حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان عبد الله يلبس رسول الله نَعْلَيْهِ، وَيَمْشِي أَمَامَهُ بِالْعَصَا، فَإِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ نَزَعَ نَعْلَيْهِ فَأَدْخَلَهُمَا فِي ذِرَاعِهِ، وَأَعْطَاهُ الْعَصَا، فَإِذَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ أَلْبَسَهُ نَعْلَيْهِ، ثُمَّ مَشَى بِالْعَصَا أَمَامَهُ حَتَّى يَدْخُلَ الْحُجْرَةَ قَبْلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَيَّاشٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ صَاحِبَ السَّوَادِ وَالْوِسَادَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ادريس قال: سمعت الحسن بن

_ [1] سورة آل عمران- الآية: 172. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 153. [3] طبقات ابن سعد ج 3 ص 153.

عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيَّ يَذْكُرُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ الْحِجَابُ وَتَسْمَعُ سَوَادِي، حَتَّى أَنْهَاكَ] . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَفَّانُ، أنبأ شُعْبَةُ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: لَقَدْ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَرَى ابْنَ مَسْعُودٍ إِلا مِنْ أَهْلِهِ [1] . حدثني عمرو بن محمد، ثنا أبو معاوية، أنبأ الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: كان عبد الله يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته. قال: وكان علقمة يشبه بعبد الله. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ هَدْيًا وَدَلا وَسَمْتًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ مَا يَدْرِي مَا يُصْنَعُ فِي بَيْتِهِ [2] . حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنبأ شعبة عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن أبي الدرداء سمعته يقول: ألم يكن فيكم صاحب السواد الوساد، يعني ابن مسعود. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، أنبأ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ الدَّارَ اسْتَأْنَسَ وَرَفَعَ كَلامَهُ حَتَّى يَسْمَعُوا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أنبأ مَالِكُ بن اسماعيل النهدي، أنبأ إسرائيل

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 153- 154. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 154.

عَنْ ثُوَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا نِمْتُ نَوْمَةَ الضُّحَى مُنْذُ أَسْلَمْتُ [1] . حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ فَقِيهًا أَقَلَّ صَوْمًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لَهُ: لِمَ لا تَصُومُ؟ قَالَ: إِنِّي أَخْتَارُ الصَّلاةَ عَلَى الصَّوْمِ وَإِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عَنِ الصَّلاةِ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، ثنا وُهَيْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُرَّةَ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ صَلاةٌ فَقَرَأَ فِيهَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَوَدِدْتُ أَنَّهُ قَرَأَ بِنَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ وَتَرْتِيلِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا نَزَلَتْ سُورَةٌ إِلا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَا نَزَلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ بِكِتَابٍ مِنِّي تَبْلُغُهُ الإِبِلُ- أَوْ قَالَ: الْمَطِيُّ- لأَتَيْتُهُ. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ قَاسِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اقْتِصَادٌ فِي سُنَّةٍ، خَيْرٌ مِنِ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ عَنْ شُعَيْبِ بن حرب عن عبد

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 155.

الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أُنْذِرُكُمْ فُضُولَ الْقَوْلِ فَبِحَسْبِ الرَّجُلِ مِنَ الْكَلامِ مَا بَلَغَ بِهِ حَاجَتَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَفْتَتِحُ بِهَا الصَّلاةَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلاثًا، ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَيَرْكَعُ بِالْخَامِسَةِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا يَرْكَعُ بِالرَّابِعَةِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، ثنا الْمُغِيرَةِ عَنْ أُمِّ مُوسَى قَالَتْ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَصْعَدَ شَجَرَةٌ فَيَأْتِيهِ مِنْهَا بِشَيْءٍ فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى خُمُوشَةِ سَاقَيْهِ فَضَحِكُوا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَا تَضْحَكُونَ لِرَجُلٍ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ أُحُدٍ] » [1] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنبأ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ أَجْتَنِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَرَاكِ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: [ «مم تَضْحَكُونَ؟ قَالُوا: مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ. فَقَالَ: لَهِيَ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ] » . حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، ثنا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْهَمَذَانِيِّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا مُوسَى عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ فِيهَا، ثُمَّ أَتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَخَالَفَ أَبَا مُوسَى، فَأَتَى الرَّجُلُ أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ وَهَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أظهركم.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 155.

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: ثنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: قَالَ أبو موسى: لا تسألوني مادام هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْوَكِيعِيُّ قَالا: ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أنبأ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عمرو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ذَاتَ يَوْمٍ، وَعُمَرُ جَالَسَ فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ، قَالَ: كَنِيفٌ مَلِيءٌ فِقْهًا، أَوْ قَالَ عِلْمًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثنا الأَعْمَشُ عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرْنَا بَعْضَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَثْنَى الْقَوْمُ عَلَيْهِ وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلا كَانَ أَحْسَنَ خُلُقًا، وَلا أَرْفَقَ تَعْلِيمًا، وَلا أَحْسَنَ مُجَالَسَةً وَلا أَشَدَّ وَرَعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ [فَقَالَ عَلِيٌّ: نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ، أَهُوَ الصِّدْقُ مِنْ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي أَقُولُ فِيهِ مِثْلَ مَا قَالُوا وَأَفْضَلَ] [1] . حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا يحيى بن آدم، ثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا حَدَّثَ حَدِيثًا جَاءَ بِمِصْدَاقِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قالا: ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: اختلفت إلى

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 156.

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سُنَّةٌ فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنَّهُ حَدَّثَ ذات يوم فجرى على لسانه قال رسول الله، فَعَلاهُ كَبْتٌ حَتَّى رَأَيْتُ الْعِرْقَ يَتَحَدَّرُ عَنْ جَبْهَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِمَّا فَوْقَ ذَاكَ، وَإِمَّا دُونَ ذَاكَ، وَإِمَّا قَرِيبًا مِنْ ذَاكَ [1] . حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، أنبأ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِرْدَاسٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَخْطُبُنَا كُلَّ خُمَيْسٍ فَيَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ وَنَسْكُتُ نَحْنُ حِينَ يَسْكُتُ، وَنَحْنُ نَشْتَهِي أَن يَزِيدَنَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُعْرَفُ بِاللَّيْلِ بِرِيحِ الطِّيبِ [2] . حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، ثنا خَالِدُ بن عبد الله، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْن أبي حازم قال رأيت عبد الله بن مسعود رجلا خفيف اللحم. المدائني قال: يروي عن ابن مسعود أنه قال: إذا أكره القلب عمي. وروي عنه أنه قال: ليس الواعظ من جهل أقدار السامعين وإرادة المريدين. وروي ذلك عن بكر بن عبد الله المزني أيضا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عن المسعودي عن القاسم بن عبد

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 156- 157. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 157.

الرحمن قال: كان عطاء ابن مسعود ستة آلاف درهم [1] . وروى عن أبي الأحوص عن عبد الله أنه رأى عبد الله بن مسعود يخطب فرأى حية فنزل عن المنبر فقتلها. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا أَحَدًا دُونَ شُورَى الْمُسْلِمِينَ لأَمَّرْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ] . حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن سعيد القطان، أنبأ سفيان عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن حارث بن ظهير قال: لما نعي ابن مسعود إلى أبي الدرداء قال: ما خلف بعده مثله. حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: [عَلِمَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، ثُمَّ انْتَهَى وَكَفَى بِذَلِكَ عِلْمًا] . حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثنا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: وَفَدْنَا عَلَى عُمَرَ فَأَجَازَنَا فَفَضَّلَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتُفَضِّلُ أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، أَجَزِعْتُمْ أَنْ فَضَّلْتُ أَهْلَ الشَّامِ عَلَيْكُمْ لِبُعْدِ سَفَرِهِمْ وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ. حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِيَّاكُمْ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَلَّمَا اعْتَذَرَ رَجُلٌ إِلا كذب.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 157.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَجُلا نَحِيفًا قَصِيرًا شَدِيدَ الأُدْمَةِ وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ شَعَرٌ يَرْفَعُهُ عَلَى أُذُنَيْهِ كَأَنَّمَا جُعِلَ بِعَسَلٍ، قَالَ وَكِيعٌ: لا يُغَادِرُ شَعْرَةً شَعْرَةً. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ: كَانَ شَعْرُ عَبْدِ اللَّهِ يَبْلُغُ تَرْقُوَتَهُ فَإِذَا صَلَّى جَعَلَهُ وَرَاءَ أُذُنِهِ [1] . حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ شَوْرٍ الْمُقْرِئُ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ خَاتَمُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ حَدِيدٍ. حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَجَزِعَ فَقُلْنَا لَهُ: مَا رَأَيْنَاكَ جَزِعْتَ مِنْ مَرَضٍ جَزَعَكَ مِنْ مَرَضِكَ هَذَا فَقَالَ: إِنَّهُ أَخَذَنِي وَأَقْرَبَ بِي مِنَ الْغَفْلَةِ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن سفيان الثوري قَالَ: ذُكِرَ الْمَوْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: مَا أَنَا لَهُ الْيَوْمَ بِمُتَيَسِّرٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُجَيْلَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي إِذَا نمت لا أبعث [2] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 158. [2] طبقات ابن سعد ج 3 ص 158.

وصية عبد الله بن مسعود

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ أَبُو عُبَيْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةَ امْرَأَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَخَذَتْ حُلِيًّا لَهَا فَقَالَ لَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ: هَلُمِّي فَتَصَدَّقِي بِهِ عَلَيَّ وَعَلَى وَلَدِي فَأَنَا لَهُ مَوْضِعٌ. قَالَتْ: لا وَاللَّهِ أَوِ اسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [تَصَدَّقِي بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى بَنِيهِ فَإِنَّهُمْ لَهُ موضع] » . [وصية عبد الله بن مسعود] حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارَزْمِيُّ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ وَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ذِكْرُ مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ فِي مَرَضِهِ. هَذَا مَا أَوْصَى إِنَّ مَرْجِعَ وَصِيَّتِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُمَا فِي حِلٍّ وَبِلٍّ مِمَّا وَلِيَا وَقَضَيَا مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لا تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ إِلا بِإِذْنِهِمَا- أَوْ قَالَ: بِعِلْمِهِمَا- وَلا تُحْجَزْ عَنْ ذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّةُ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي حُلَّةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا شَرِيكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ

مَسْعُودٍ قَالَ: ادْفِنُونِي عِنْدَ قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ [1] . حَدَّثَنِي هُدبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا هَمَّامٌ عَنِ قتادة أن ابن مسعود دفن ليلا. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ والكلبي أنهم قالوا في قول الله عز وجل: حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا العلم ماذا قال آنفا [2] كان منهم عبد الله بن مسعود. وقال الواقدي، أنبأ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن محمد القاري عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة قال: مات عبد الله بن مسعود بالمدينة ودفن بالبقيع في سنة اثنتين وثلاثين وله دار بالكوفة ابتناها إلى جانب المسجد. وقال الواقدي: توفي ابن مسعود وهو ابن بضع وستين سنة وصلى عليه عمار بن ياسر، ويقال عثمان بن عفان، واستغفر كل واحد منهما لصاحبه قبل موت عبد الله، قال: وصلاة عثمان عليه أثبت عندنا. وقد روى قوم أنه أوصى ألا يصلي عليه عثمان. حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ خَازِمٍ، أنبأ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا مُوسَى وَأَبَا مَسْعُودٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَتَرَاهُ تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، قَالَ: لَئِنْ قُلْتُ ذَاكَ فَقَدْ كَانَ يَدْخُلُ إِذَا حُجِبْنَا وَيَشْهَدُ إِذَا غِبْنَا. حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن منصور بن أبي الأسود عن إدريس بن يزيد عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حبيش قال: ترك ابن

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 159. [2] سورة محمد- الآية: 16.

مسعود لتسعين ألف درهم [1] . حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بن أبي حازم قال: دَخَلَ الزُّبَيْرُ عَلَى عُثْمَانَ بَعْدَ وَفَاةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَعْطِنِي عَطَاءَ عَبْدِ اللَّهِ فَأَهْلُ عَبْدِ اللَّهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، ثنا حَفْصُ بْنُ غَيَّاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ حَرَمَهُ عَطَاءَهُ سَنَتَيْنِ، فَأَتَاهُ الزُّبَيْرُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ عِيَالَ عَبْدِ اللَّهِ أَحْوَجُ إِلَى عَطَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَأَعْطَاهُ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا. حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فِي الْمَسْجِدِ فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ حِينَ زَالَتْ فَقَالَ: أَيْنَ عَبْدُ اللَّهِ، هَذَا مِيقَاتُ هَذِهِ الصَّلاةِ فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ مُسْرِعًا، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي يَوْمَئِذٍ بِالنَّاسِ. حدثني بكر بن الهيثم وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالا: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ، أنبأنا زيد بن وهب قال: كان عبد الله يؤمنا في شهر رمضان وينصرف بليل. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ يُعَلِّمُ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَوَلاهُ بَيْتَ الْمَالِ، وَكَانَ أَوَّلَ النَّاسِ جَاءَ بِبَيْعَةِ عُثْمَانَ إِلَى الْكُوفَةِ وَأَخَذَهَا عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ إِنَّهُ بلغ

_ [1] طبقات ابن سعد ج 3 ص 160.

عُثْمَانَ عَنْهُ بَعْضُ الأَمْرِ، فَأَشْخَصَهُ إِلَى مَا قَبْلَهُ وَأَسْمَعَهُ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا ثَلاثَ سِنِينَ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ. وَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَرَّضَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَتَاهُ عُثْمَانُ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: بِخَيْرٍ. قَالَ: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: ذُنُوبِي. قَالَ: فَمَا تَتَمَنَّى؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي. قَالَ: أَلا أَدْعُوَ لَك طَبِيبًا؟ قَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي. قَالَ: أَفَلا آمُرُ لَكَ بِعَطَائِكَ، وَكَانَ قَدْ قَطَعَهُ عَنْهُ لِمَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنَعْتَنِيهِ وَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَتُعْطِينِيهِ وَأَنَا مُسْتَغْنٍ عَنْهُ. قَالَ: يَكُوُن لِوَلَدِكَ. قَالَ: يَرْزُقُهُمُ اللَّهُ. فَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَكَلَّمَ الزُّبَيْرُ عُثْمَانَ فِي عَطَائِهِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ لِوَلَدِهِ وَعِيَالِهِ. قال: وكان ابن مسعود يخطب بالكوفة فيقول: الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره، وكان يعلم الرجال القرآن ثم يتحول فيعلم النساء وكان يطرد النساء يوم الجمعة من المسجد ويقول: عليكن ببيوتكن فإن هذا ليس لكن بمجلس. وروي عن ابن مسعود أنه قال: إياكم وفضول القول فبحسب المرء من الكلام ما بلغ من حاجته. وقال أبو اليقظان: قتل ابن مسعود أبا جهل. وَكَانَ مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن وكان صاحب سواده أي أسراره، وصاحب وساده، وصاحب نعليه ورحلته، وصلى عليه الزبير، وإليه أوصى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينه وبينه. ومن ولد عبد الله بن مسعود: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود.

ومنهم: عتبة بن مسعود [1] أخو عبد الله بن مسعود لأبيه وأمه،

والقاسم بن معن بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن مسعود ولي قضاء الكوفة، وكان عالما بأمور العرب وأشعارهم فقهيا، وذكروا أنه فلج، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله مات في ولاية خالد بن عبد الله القسري. ومنهم: عتبة بن مسعود [1] أخو عبد الله بن مسعود لأبيه وأمه، يكنى أبا عون، أسلم وهاجر مع أخيه إلى أرض الحبشة في المرة الثانية، ومات بالمدينة في أيام عمر بن الخطاب، وكان ممن أقام مع جَعْفَر بْن أبي طالب بأرض الحبشة، ثم قدم مع جعفر حين قدم. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- يَعْنِي- ابْنَ عُلَيَّةَ عَنِ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَجَدَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجْدًا شَدِيدًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ! إِذْ قَضَى اللَّهُ فِيهِ مَا قَضَى فَمَا أُحِبُّ أَنِّي دَعَوْتُهُ فَأَجَابَنِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، أنبأ رَوْحُ بْنُ مُسَافِرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا نُعِيَ إِلَيْهِ أَخُوهُ عُتْبَةُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّهُ جَالِسٌ فِيكُمُ السَّاعَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ، قَالُوا: وَلِمَ تَقُولُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: لأَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أُؤْجَرَ فِيهِ وَلا يُؤْجَرَ فيّ. ووعبد الله بن عتبة بن مسعود، وقد ولي لعمر بن الخطاب. وعبيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مسعود صاحب عبد الله بن عباس. وعون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [2] بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وهو الذي يقول فيه: وقالوا مؤمن من أهل جور ... وليس المؤمنون بجائرينا

_ [1] بهامش الأصل: عتبة بن مسعود رحمه الله. [2] بهامش الأصل: عون بن عبد الله.

وقالوا مؤمن دمه حلال ... وقد حرمت دماء المؤمنينا ثم إن عون بن عبد الله خرج مع ابن الأشعث فيما يقال، فلما هزم أصحابه هرب فأتى محمد بن مروان بن الحكم بنصيبين فأمنه، ثم إنه لزم عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فكانت له منزلة منه حسنة، وإياه عنى جرير بن عطية في قوله: يا أيها القارئ المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... إني لدى الباب كالمقرون في قرن [1] وقد ذكرنا هذا الخبر فيما تقدم من كتابنا. ووعظ عون المفضل بن المهلب فقال: إياك والكبر فإنه أول ذنب عصي به الله ثم تلا: إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ من الكافرين [2] . وكان عبد الملك ألزمه ابنه الوليد، فسأله عنه فقال: ألزمتني رجلا إن قعدت عنه عتب، وإن أتيته حجب، وإن عاتبته غضب. وقال بعضهم إن محمد بن مروان ألزمه ابنه فقال فيه هذا القول، ويقال إن سليمان بن عبد الملك ألزمه ابنه. المدائني قال: قال عون بن عتبة: المؤمن أشد الناس لله خوفا وعلى نفسه زريا ولعمله احتقارا وأكثرهم حزنا وأشدهم فيما عند الله رغبة، وأحسنهم بالله ظنا. حدثنا أحمد بن إبراهيم الدوقي، ثنا يحيى بن معين، ثنا حجاج بن محمد عن المسعودي عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: الخير من الله كثير،

_ [1] ديوان جرير ص 486. [2] سورة البقرة- الآية: 34.

ولن يبصره من الناس إلا اليسير، وهو للناس معروض، ولكن لا يعرفه من لا يراعيه، ولا يجده من لا يبتغيه، ولا يستوجبه من لا يعمل له، ألا ترون إلى كثرة نجوم السماء التي لا يهتدي بها إلا العلماء. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ عَنْ قُرَّةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « [أَرْبَعٌ مِنَ الإِيمَانِ: الْحَيَاءُ، وَالْعَفَافُ، وَعِيُّ اللِّسَانِ لا عِيَّ الْقَلْبِ، وَالْفِقْهُ، وَهُنَّ يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ وَيَنْقُصْنَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا ينقصن من مِنَ الدُّنْيَا. وَثَلاثٌ مِنَ النِّفَاقِ: الْفُحْشُ وَالْبَذَاءُ وَالشُّحُّ، وَهُنَّ يَزِدْنَ فِي الدُّنْيَا وَيَنْقُصْنَ مِنَ الآخِرَةِ وَمَا يَنْقُصْنَ مِنَ الآخِرَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَزِدْنَ فِي الدُّنْيَا] » قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَعْجَبَهُ. المدائني عن يحيى بن اليمان عن سفيان قال: قال عون بن عبد الله: الدنيا غير مأمونة، من أكرمها أهانته، ومن رفضها أكرمته تخرج من يد من اطمأن إليها ووثق بدوامها وينالها من لم يكن يرجوها. المدائني عن جويرية بن أسماء قال: حدث عون بن عبد الله عمر بن عبد العزيز عن ملك بنى مدينة له فأحسن بناءها، وهيأ طعاما للناس فجعل الرجل يأكل ويخرج فيسأله قوم قد وكلهم بمسألة الناس عن المدينة: هل تعرفون فيها عيبا؟ فجعلوا ينعتون ويصفون، حتى خرج من المدينة رجل قد طعم فقالوا له: هل رأيت في المدينة عيبا؟ فقال: نعم رأيت أنها تخرب بموت صاحبها، فأخبر الملك بذلك فقال: صدق، وترك ملكه وجعل يتعبد مع قوم كانوا يعرفونه وتركهم، وقال: إن هؤلاء قد رأوني ملكا فهم يجلوني، فاعتزلهم وأتى قوما لا يعرفونه فساح معهم، فهم عمر بن عبد

العزيز أن يسيح ويخرج من الخلافة حتى رده مسلمة عن ذلك، وقال له: أتضيع أمر أمة محمد فسكن. حدثنا محمد بن إبراهيم الدورقي عن حنظلة عن عون بن عبد الله قال: قلت لعمر بن عبد العزيز إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما، فإن لم تستطيع فكن متعلما، فإن لم تكن متعلما فأحب العلماء فإن لم تحبهم فلا تبغضهم. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو نعيم الأحول، ثنا حنظلة قال: سمعت عون بن عبد الله بن عتبة يقول: كان عبد الله بن مسعود يعلم الناس أربعا: اللهم إني أعوذ بك من غني يطغي، وفقر ينسي. وهوى يردي، وعمل يخزي. قال وزدت أنا عليها: ومن صاحب يغوي، وجار يؤذي. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الأَسْوَدِ، ثنا أبو أسامة عن مسعر عن معن بن عبد الرحمن عن عون قال: بينا رجل في بستان بمصر، وهو مهموم إذ وقف عليه رجل فقال له: مالي أراك مهموما أللدنيا، فإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، أم للآخرة، فإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل. فكانوا يرون أنه الخضر. حدثنا الحسين بن علي، ثنا وكيع عن مسعر عن زيد العمي عن عون بن عبد الله قال: كان أهل الخير يقولون ويكتبون: من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ يمان عن سفيان قال: قال عون بن

عبد الله بن عتبة: الخير الذي لا شر فيه: الشكر مع العافية، فرب منعم عليه غير شاكر، ومتبلى غير صابر. حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا يزيد بن هارون عن المسعودي عن عون أنه كتب إلى رجل: أما بعد فإني أوصيك بوصية الله التي حفظها سعادة لمن حفظها، وإضاعتها شقوة لمن ضيعها، واعلم أن رأس تقوى الله البصر وحقيقتها العمل، وكمالها الورع، وأن يفي لله بشرطه الذي شرط، وعهده الذي عهد، وفرضه الذي افترض، وأن ينقض كل عهد للوفاء بعهده ولا ينقض عهده للوفاء بعهد غيره، هذا جماع من القول يبصره البصير ولا يعرفه إلا اليسير. حدثنا أحمد بن إبراهيم ثنا أبو النضر عن عبد الرحمن المسعودي عن عون قال: كان يقال: من كان في صورة حسنة، وموضع لا يشينه، ووسع عليه في رزقه ثم تواضع لله واتقاه كان من خلصان [1] الله. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو النضر عن عبد الرحمن المسعودي عن عون قال: كان يقال أزهد الناس في عالم أهله ومثل ذلك مثل السراج بين أظهر القوم ليستصبح الناس به ويقول أهل البيت هو معنا وفينا، ويتكلون فلا يفجئهم ألا طفؤه. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا حجاج بن محمد عن المسعودي عن عون بن عبد الله قال: قال رجل من الفقهاء: روأت في أمري فلم أجد خيرا لا شرّ معه إلا المعافاة والشكر.

_ [1] بهامش الأصل: خلصاء.

المدائني عن عون بن عبد الله قال: ما أحسن الحسنة في أثر الحسنة، وأقبح منها السيئة في أثر السيئة. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطيالسي عن قرة عن عون بن عبد الله قال: كان يقال إن من البيان سحرا، ومن ذلك أن يكون بين الرجلين خصومة فيقول أحدهما لصاحبه اختر أي الخصومتين شئت فإنك لا تختار واحدة إلا خصمتك بالأخرى. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا علي بن إسحاق المروزي عن ابن المبارك عن عبد الله بن الوليد عن عون بن عبد الله قال: أوصى رجل ابنه فقال يا بني عليك بتقوى الله وطاعته، وإن استطعت أن تكون اليوم خيرا منك أمس، وغدا خيرا منك اليوم فافعل، وإذا صليت فصل صلاة مودع. وإياك وكثرة تطلب الحاجات فإنه فقر حاضر، ودع ما يعتذر منه. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا حجاج بن نصر عن قرة عن عون قال: مثل الذي يطلب العلم في الأحاديث ويترك القرآن مثل رجل أخذ باب زربه على غنمه فمرت به ظباء فاتبعها يطلبها فلم يدركها، ورجع فوجد غنمه قد خرجت وتفرقت فلا هذه أدرك ولا تلك حفظ. حدثني عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هارون عن المسعودي قال: قال عون بن عبد الله: إن من قبلنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم وإنكم اليوم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم. المدائني قال: قال عون بن عبد الله: إن الله ليبتلي الرجل بما يكرهه عليه ليأجره، كما يكره أهل المريض مريضهم على الدواء لينفعه. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ صاحب الطيالسة، ثنا مطرف

عن عون بن عبد الله أنه سمعه يقول: الدنيا والآخرة في قلب ابن آدم ككفتي الميزان إذا رجحت إحداهما خفت الأخرى. قال: وسمعته يقول ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا مطرف قال: سمعت عون بن عبد الله يقول إذا سرك أن تنظر إلى الرجل أحسن ما يكون حالا فانظر إليه وهو قائم يصلي. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يزيد بن هارون عن المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله عن عون قال: ما أحسب أحدا تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه. حدثنا أحمد بن إبراهيم عن يزيد بن هارون عن المسعودي عن عون أنه كان يقول: ما أنزل أحد الموت حق منزلته إلا وهو لا يعد عدة إلا من أجله. فكم من مستقبل يوما لا يستكمله وراج غدا لا يدركه، إنك لو أذكرت الأجل ومسيره أبغضت الأمل وغروره. حدثنا أحمد، ثنا أبو النصر عن عبد الرحمن المسعودي عن عون بن عبد الله قال: الصيام من أربع: من المطعم، والمشرب، والمأثم، والمحرم. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا قتيبة أبو رجاء البلخي، ثنا ليث بن سعد عن ابن عجلان عن عون أنه كان يقول: اليوم المضمار، وغدا السباق، والسبقة الجنة، وبالعفو تنجون. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا قتيبة بن سعيد أبو رجاء عن ليث عن ابن عجلان عن عون أنه قال: من تمام التقوى أن تبتغي إلى ما علمت منها وما لم

تعلم فإن لم تعلم فإن النقص مما علمت ترك ابتغاء الزيادة فيه، وإنما يحمل الرجل على ترك ابتغاء الزيادة منه قلة انتفاعه بما علم. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو السري سهل بن محمود عن الأشجعي عن موسي الجهني عن عون بن عبد الله أنه كان يقول: ويح نفسي كيف أغفل ولا يغفل عني أم كيف يهنئني عيشي واليوم الثقيل ورائي، أم كيف يشتد عجبي بدار في غيرها قراري وخلودي. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن قرة عن عون أنه قال في قول الله عز وجل: ولا تنس نصيبك من الدنيا [1] قال: نصيبه من الدنيا العمل الصالح فيها وليس كما تظنون. حدثنا المدائني عن المسعودي عن عون بن عبد الله أنه قال: بحسبك من الكبر أن ترى لنفسك فضلا على غيرك. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا الحجاج بن نصر عن قرة عن عون قال: إن الله ليأخذ بحجزة العبد أن يقع في النار. حدثنا أحمد بن إبراهيم عن ميسرة بن إسماعيل الحلبي عن نوفل بن فرات عن عون أنه كان يقول: إن لكل إنسان سيدا من عمله، وأن سيد عملي الذكر. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو السري سهل بن محمود، ثنا سفيان عن أبي هارون قال: أتانا عون بن عبد الله في مجلس محمد بن كعب فجعل يبكي، وكان من موعظته أن قال: يا إخوتي لا تنسوا الفضل بينكم وإن أتي أحدكم سائل فلم يكن عنده ما يعطيه فليدع له بخير.

_ [1] سورة القصص- الآية: 77.

حدثنا أحمد، ثنا سهل بن محمود عن سفيان قال كان عون يقول: جالست الأغنياء فكنت كثير الهم أرى مركبا أفره من مركبي، وثوبا أحسن من ثوبي، ثم جالست الفقراء فاسترحت. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا سهيل بن محمود عن سفيان قال: كان عون يقول الحمد لله الذي إذا شئت وضعت سري عنده أية ساعة شئت من ليل أو نهار بلا شفيع، فيقضي حاجتي، والحمد لله الذي إذا دعوته أجابني، وإن كنت بطيئا حين يدعوني. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا مبشر الحلبي عن تمام بن نجيح قال: رأيت على عون مطرف خز وجبة خز، وهو جالس بين المساكين، قال: وكنا نأتيه فيأمر جارية له فتقرأ القرآن بصوت حزين حتى تبكينا. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو النصر عن المسعودي عن عون بن عبد الله أنه مر برجل يسبح فقال: نعم ما تغرس. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عنبسة بن سعيد القرشي عن ابن المبارك عن المسعودي عن عون قال: الذاكر في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو معاوية الضرير، ثنا عاصم الأحول عن عون بن عبد الله قال: اجعلوا مسألة ربكم مهم حوائجكم في الصلاة المكتوبة، فإن فضل الدعاء فيها كفضلها على النافلة. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن عمر بن سعيد عن عون بن عبد الله قال: من قال هؤلاء الكلمات حين يصبح ويمسي لم يكتب يومئذ من الغافلين: اللهم أسلمت ديني إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، والجأت ظهري إليك، رهبة لك

زهد عون بن عبد الله في الدنيا

ورغبة إليك، لا ملجأ منك إلا إليك، آمنت بالرسول الذي أرسلت، والكتاب الذي أنزلت، وأنت مننت علي بذلك، وهديتني فلك الحمد كثيرا. [زهد عون بن عبد الله في الدنيا] حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثني يحيى بن معين، ثنا الحجاج بن محمد عن المسعودي عن عون أنه كان يقول في بكائه وذكر خطيئته: ويحي لأي شيء أعصى ربي إنما عصيته بنعمته عندي، ويحي من خطيئة ذهبت شهوتها عني وبقيت تبعتها علي في كتاب كتبه كتاب لم يغيبوا عني. وا سوءتي إذا لم استحيهم ولم أراقب ربي، ويحي نسيت ما لم ينس مني، ويحي طاوعت نفسا لا تطاوعني، طاوعتها فيما يضرها ويضرني ولم تطاوعني فيما ينفعها وينفعني. رب إني لم أرحم نفسي فارحمني، رب لا تكلني إليها فتهلكني، ويحي كيف أنسى ملك الموت الذي قد وكل بي، أنساه ولا ينساني، يقص أثري فإن فررت أدركني، وإن ثبت وجدني، ويحي كيف ينام على مثل هذا الأمر ليلي، وكيف يقر على مثله مثلي، ويحي كيف لا يذهب ذكر خطيئتي كسلي في عبادة ربي، ولا يبعثني لما يذهبها عني، ويحي إن لم يرحمني ربي، ويحي أما تنهاني أولى خطيئتي عن الأخرى التي عمي عنها قلبي، ويحي إن حجبت يوم القيامة عن ربي فلم يزكني ولم ينظر إلي، ويحي كيف لا يشغلني ذكر خطيئتي عما يضرني ولا ينفعني. ويحك يا نفس تنسين ما لا ينسى، وقد أتيت ما لا يؤتى، وكل ذلك عليك محصى في كتاب لا يبيد ولا يبلى، أما تخافين أن تجزي به فيمن يجزى يوم تجزى نفس بما تسعى وقد آثرت ما يفنى على ما يبقى، يا نفس ويحك ألا تشفقين، وعلى ما أنت فيه تندمين، وبربك تأتمين، مالك إذا افتقرت تحزنين، وإذا استغنيت تبطرين، وإذا

دعيت للخير تكسلين، ويحك لم تقولين في الدنيا قول الزاهدين، ولا تعملين للآخرة عمل الراغبين، يا نفس أترجين أن يرضى وأنت لا ترضين، مالك إن سألت تكثرين، وإن أنفقت تقترين، ترجين الآخرة بغير عمل وتؤخرين التوبة بطول الأمل، وإن ابن آدم إذا سقم ندم، وإذا صح أمن، وإذا افتقر حزن، وإذا استغنى فتن أيرغب ولا ينصب فيما يرغب، ويرجو السلامة، ولم يحذر البلاء، ويح لنا ما أغرنا، ويح لنا ما أغفلنا، ويح لنا ما أجهلنا، ويح لنا ماذا يراد بنا، ويح لنا إن ختم على أفواهنا وتكلمت أيدينا وشهدت أرجلنا، ويح لنا حين تفشو أسرارنا وتستفتى جوارحنا، وتشهد علينا أجسادنا، فيومئذ لا براءة عندنا ولا عذر لنا، لنا الويل الطويل إن لم يرحمنا ربنا. رب ما أحكمك، وأمجدك، وأجودك، وأرأفك، وأرحمك، وأعلاك، وأقربك، وأقدرك، وأقهرك، وأوسعك، وأفضلك، وأبينك، وأنورك، وآناك وأحضرك، وألطفك وأخبرك، وأحكمك، وأشكرك، وأحلمك، وأكرمك. رب ما أبلغ حجتك وأكثر مدحتك، رب ما أبين كتابك، وأشد عقابك، وأحسن مآبك وأجزل ثوابك، رب ما أسنى عطاءك، وأجل ثناءك رب ما أحسن بلاءك، وأسبغ نعماءك، رب ما أعظم سلطانك وأوضح برهانك، رب ما أمتن كيدك، وأغلب أيدك، رب ما أعز ملكك وأنفذ أمرك، رب ما أعظم عرشك، وأشد بطشك، رب ما أسرع فرجك وأحكم فعلك، رب ما أوفى عهدك، وأصدق وعدك، رب ما أحضر نفعك، وأتقن صنعك، عجبا كيف تعظم في الدنيا رغبتي، وقليل ما فيها يكفيني، أم كيف يشتد فيها حرصي ولا ينفعني ما تركت منها بعدي، وكيف أؤثرها وقد ضرت من آثرها قبلي، أم كيف لا أبادر بعملي

قبل أن يغلق رهني، أم كيف تقر عيني مع ذكر ما سلف مني، فاغفر لي، واجعل طاعتك همي، وقو عليها عزمي، ولا تعرض عني يوم تعرضني بما سلف من ظلمي وجرمي، وآمني يوم الفزع الأكبر حين لا يهمني إلا نفسي. وحدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن معين عن الحجاج بن محمد عن المسعودي عن عون بن عبد الله أنه قال: يا بني كن ممن نئي به عمن نئي عنه بغنى ونزاهة ودنوه ممن دنا منه بلين ورحمة، ليس نأيه بكبر وعظمة، ولا دنوه بخدع وخلابة، يقتدي بمن قبله وهو إمام من بعده، ولا يعجل فيما رابه، ويعفو إذا تبين، يغمض في الذي له ويزيد في الحق الذي عليه، ولا يعزب حلمه ولا يحضر جهله، الخير منه مأمول والشر مأمون، إن زكي خاف ما يقولون واستغفر لما لا يعلمون، يقول: ربي أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي من غيري، فهو لا يغره ثناء من جهل أمره ولا ينسى إحصاء شيء من عمله، يستبطئ نفسه في العمل ويأتي ما أتى من الصالحات على وجل، إن عصته نفسه فيما كرهت لم يتبعها فيما أحبت، يبيت حذرا ويصبح فرحا حذرا من الغفلة، وفرحا لما أصاب من الفضل، لا يحيف للأصدقاء ولا يجنف على الأعداء، ولا يعمل الخير رياء، ولا يدع شيئا منه حياء، يصمت ليسلم، ويخلو ليغنم وينظر ليفهم، ويخالط الناس ليعلم، مجالس الذكر مع الفقراء أحب إليه من مجالس اللغو مع الأغنياء، ولا تكن يا بني كمن تغلبه نفسه على ما نظر ولا يغلبها على ما يستيقن، يتمنى المغفرة، ويعمل بالمعصية، طال به الأمل ففتر وطال عليه الأمد فاغتر، وأعذر إليه فيما عمر، وليس هو فيما عمر بمعذر، إن أعطي لم يشكر ما أعطي ويبتغي الزيادة فيما بقي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ويبغض المسيئين وهو

أحدهم، يعوذ بالله ممن فوقه ولا يريد أن يعيذ الله منه من تحته، يبصر الغررة من غيره ويغفلها من نفسه، يتصنع لتحسب عنده أمانة وهو مرصد للخيانة، يخف عليه الشعر، ويقل عليه الذكر، يعجل النوم ويؤخر الصوم يبيت نائما ولا يصبح صائما، يتصبح بالنوم ولم يسهر ويمسي وهمه العشاء وهو مفطر، إن صلى اعترض، وإن ركع ربض، وإن سجد نقر، وإن جلس شغر، إن سأل ألحف، وإن سئل سوف، وإن وعد أخلف وإن حلف حنث، وإن وعظ كلح، وإن مدح فرح، ليس له في نفسه عن عيب الناس شغل، أهل الخيانة له بطانة، وأهل الأمانة عليه علاوة، يعجب من أن يفشو سره، ولا يشعر من أين جاء ضره. يسر من الناس ما لا يخفى على الله، فيستحييهم ولا يستحي ربه، ينظر نظر الحسود، ويعرض إعراض الحقود، ويرضي الشاهد ويسخط الغائب، يضحك من غير عجب، ويسعى إلى غير أرب، لا ينجو منه من جانبه ولا يسلم منه من صاحبه، إن حدثته ملك، وإن حدثك غمك، وإن فارقك أكلك، إن حاورته بهتك لا ينصت فيسلم، ولا يتكلم بما لا يتعلم، يغلب لسانه قلبه، ويضبط قلبه قوله، يتعلم المراء وينفقه للرياء ويكثر الكبرياء، يسعى للدنيا ويواكل في التقى. المدائني قال: كان عون بن عبد الله بن عتبة يقول: لم يعذب أحد في الدنيا بمثل الظن السيء، والحسد الدائم، والجار البذيء، والزوجة السليطة. قال: وكان يقول: عجبت لرجل يطلب ما لعله لا يدركه، ويدع ما يتيقن أنه مدركه.

وقال أبو اليقظان: كان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة

كان يقول: عجبا لمن آثر ظنا على يقين، وغررا على ثقة. وقال عمر لعون بن عبد الله بن عتبة: أما آن لك أن تترك الشعر؟ فقال: يا أمير المؤمنين لا بدّ للمصدور من أن ينفث. وكان عون يقول: ليس كلام أوجز من كلام العرب، قال امرؤ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل. ... [1] فوقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر حبيبه، ومنزله في نصف بيت. تم خبر عون. وقال أبو اليقظان: كان عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ صاحب ابن عباس فقيها من خيار أهل المدينة، وهو القائل لعمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن عمرو بن عثمان، ومرا فلم يسلما عليه: لا تعجبا أن تؤتيا وتكلما ... فما حشي الأقوام شرا من الكبر وهذا تراب الأرض منه خلقتما ... وفيها المعاد والمصير إلى الحشر وقال أيضا: أبا عمرو كن مثلي أو ابتغ صاحبا ... كمثلك إني مبتغ صاحبا مثلي فما يلبث الأقوام أن يتفرقوا ... إذا لم يؤلف شكل قوم إلى شكل ولا ترجون ود امرئ ذي ملالة ... ولا يحبب الإخوان إلا ذوي عقل قال: وقيل لعبيد الله بن عبد الله: كيف تقول الشعر مع فقهك وورعك؟ فقال: إن المصدور لا يملك نفسه أن ينفث.

_ [1] ديوان امرؤ القيس ص 29.

عبد الله بن عبيد الله بن عتبة،

ومن ولد عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ القاري: عون بن عبد الله بن عون بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، ولي القضاء ببغداد والنظر في أمر الزنادقة. ومن ولد عتبة: عبد الله بن عبيد الله بن عتبة، وكان شاعرا. وقال غير الكلبي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ومن شعره قوله: أيها الشاتمي ليوهن عظمي ... أنت بي جاهل وفيك اغترار ومتى أدع زهرة بن كلاب ... يستجيبوا أو تأتني أنصار فيهم غلظة لمن خاشنوه ... ويسار إذا يراد يسار وهو القائل: تمكن حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي كبير صدعت القلب ثم ذرأت فيه ... هواك فليم فالتام القطور [1] تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يدخل سرور وقال أيضا: أبادر بالمال سهمانه ... وقول المعوض والرائث [2] وأمنح نفسي الذي تشتهي ... وأؤثر نفسي على الوارث ومنهم: عمرو بن عميس بن مسعود قتله الضحاك بن قيس الفهري بالقطقطانة، وقد كتبنا خبره في الغارات بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما.

_ [1] قطر الماء والدمع قطرا وقطورا. القاموس. [2] الرائث: المتريث. القاموس.

وولد عمرو بن الحارث بن تميم:

وولد عمرو بن الحارث بن تميم: جشم بن عمرو. ومازن بن عمرو. وضبة بن عمرو. وخثيم بن عمرو. وعنزة بن عمرو. وولد معاوية بن تميم: سهم بن معاوية، بطن. وقرد بن معاوية، بطن. ومازن بن معاوية، بطن. وعوف بن معاوية، بطن. وحي بن معاوية- ويقال: حي: بطن- وجعيل. ومن هذيل ثم من خناعة: مالك بن خالد الشاعر. ومن بني قريم: أبو أراكة الشاعر وأبو بثينة الشاعر أيضا. [شعراء من بني هذيل] ومن بني كعب بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. صخر الغي [1] الشاعر، وكان صخر الغي عمد إلى جار لبني خناعة فقتله، وكان المقتول مزنيا، فحرض أبو المثلم الهذلي الشاعر قومه عليه، فقال صخر قصيدة رد عليه فيها وهي التي أولها: إني بدهماء عز ما أجد ... عاودني من حبابها الزؤد [2] وصخر الغي: صخر بن حبيب بن سويد بن رياح بن كليب بن كعب بن كاهل. وأبو كبير بن ثابت بن عبد شمس [3] بن خالد بن عمر بن عبد بن كعب بن مالك بن كاهل الشاعر، وأبو كبير القائل:

_ [1] بهامش الأصل: صخر الغي الشاعر. [2] بهامش الأصل: قلب مزؤود: مذعور. ديوان الهذليين- ط. القاهرة 1945 ج 2 ص 57. والحباب والحب وأحد، والزؤد: الزعر. [3] اسمه في ديوان الهذليين ص 88: عامر بن الحليس. وجاء بهامش الأصل: أبو كبير الشاعر.

ساعدة بن جؤية [8] بن عبد

عجلت يداك لخيرهم بمرشة ... كالعط وسط مزادة المستخلف [1] وهو القائل: يهدي العمود [2] له الطريق إذا هم ... نهضوا وتعمد للطريق الأسهل ولقد سريت على الظلام بمغشم [3] ... جلد من الفتيان غير مهبل [4] مما حملن به وهن عواقد ... حبك [5] النطاق فشب غير مثقل حملت به في ليلة مزؤودة ... كرها وعقد نطاقها لم يحلل فأتت به حوش [6] الجنان مسهدا ... سهدا إذا ما نام ليل الهوجل [7] ومن بني كعب بن كاهل: ساعدة بن جؤية [8] بن عبد ويقال إنه من بني كعب بن صبيح بن كاهل وهو القائل: هجرت غضوب وحب من يتجنب ... وعدت عواد دون وليك تشعب [9] يقول: ما أحب إلينا من يتجنب يعني غضوب. وهو القائل:

_ [1] ديوان الهذليين ج 2 ص 109- والمرشة: طعنة واسعة الفرغ، يتفرق دمها، والعط الشق. والمزادة: الراوية، والمستخلف: الذي يستقي لأصحابه. [2] العمود: العصا التي يتوكأ عليها. [3] المغشم: الذي يغشم الناس ويظلمهم. [4] المهبل: الكثير اللحم. [5] الحبك: كل ما حزم به. [6] حوش الجنان: حوش الفؤاد، حديده. [7] فلاة هوجل: إذا لم يكن يهتدي فيها. ديوان الهذليين ج 2 ص 90- 93. [8] بهامش الأصل: ساعدة بن جؤية الشاعر. [9] ديوان الهذليين ج 1 ص 167.

ومن هذيل: البريق وهو غياض بن خويلد الشاعر،

فالطعن شغشغة والضرب هيقعة [1] ... ضرب المعول تحت الديمة العضدا والعاله: أن تقطع الشجر يستظل بها من المطر، والعضد ما عضدت من الشجر أي قطعت. ومن هذيل: البريق وهو غياض بن خويلد الشاعر، أحد بني سهم بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل. وأسامة بن الحارث الشاعر، وهو أحد بني عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد، وهو القائل لرجل مهاجر من قيس في أيام عمر بن الخطاب. عصاني أنيس في الذهاب كما أبت ... عسوس صوى في ضرعها الغبر مانع عسوس: سيئة الخلق من الإبل. وصوى: يبس. مانع: تمنع الحلب. ومن هذيل: أبو خويلد الشاعر، وهو معقل بن خويلد بن واثلة بن عمرو بن عبد يا ليل بن مطحل بن مرمض بن حرب بن جداعة بن سهم بن معاوية بن تميم، وكان حليف أبي سفيان بن حرب، وكان وفد إلى النجاشي في أسراء قومه فوهبهم له، فقال في قصيدة له: وسود جعاد غلاظ الرقاب ... مثلهم يرهب الراهب أتيت لإنقاذهم منهم ... وليس معي منكم صاحب يرى الشاهد الحاضر المطمئن ... من الأمر ما لا يرى الغائب ومن بني قرد بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل:

_ [1] الشغشغة: تحريك السنان في المطعون، والهيقعة: حكاية وقع السيف، أو ضربك الشيء اليابس على اليابس لتسمع صوته. القاموس.

أبو خراش [1] واسمه خويلد بن مرة. وإخوته: الأسود بن مرة. وعروة بن مرة. وأبو جندب بن مرة. وأبو الأسود. وعمرو. وزهير. وجناد. وسفيان، كانوا دهاة شعراء سراعا، وأمهم هذلية، ويقال إن أم سفيان وحده هذلية. فأما الأسود بن مرة فكان على مالهم وهو غلام، فوردت عليه إبل لبعض القرديين يقال له رئاب، فرمي الأسود ضرع ناقة لرئاب فغضب الشيخ فضربه بالسياط فقتله، فغضب بنو مرة، وكان أبو جندب أشدهم غضبا فكلم حتى رضي بالعقل، فلما أتوه به سكت وقال احبسوه حتى اعتمر وأرجع، ومضى نحو الحرم وهو يقول: فمن كان يرجو الصلح فيه فإنه ... كأحمر عاد أو كليب بن وائل وهم بقتل رجال من هذيل فكفوا مؤونته بذبحة أصابته بجانب الحرم. وقتل زهير بن مرة قوم من ثمالة من الأزد، وهو متقلد لحاء من شجر الحرم، فقال أبو خراش: قتلتم فتى لا يفجر الله عامدا ... ولا يحتويه جاره عام محل وقتل عروة أخوه، قتلته خزاعة فقال أبو خراش: تقول أراه بعد عروة لاهيا ... وذلك رزء لو علمت جليل فلا تحسبي أني تناسيت عهده ... ولكن صبري يا أميم جميل [2] وقتل أبا الأسود بن مرة بنو فهم بن عمرو بياتا تحت الليل. وكان أبو جندب بن مرة مرض وكان له جار من خزاعة، فقتله بنو

_ [1] بهامش الأصل: أبو خراش الشاعر. [2] ديوان الهذليين ج 2 ص 116.

لحيان في مرض أبي جندب وأخذوا ماله وقتلوا امرأته فخرج أبو جندب حين أفاق إلى مكة وقال: إني امرؤ أبكي على جارية ... أبكي على الكعبي والكعبية ولو هلكت بكيا عليه ... كانا مكان الثوب من حقويه ثم استجاش على بني لحيان فقتل منهم وسبى وقال: لقد أمسى بنو لحيان مني ... بحمد الله في خزي مبين [1] في أبيات. وكان الأبح بن مرة عمد في أصحاب له يريد حيا من الديل، وكان بين عدي بن الديل وبين بني يعمر من بني نفاثة بن عدي بن الديل شر وحرب، وبلغ ذلك سارية بن زنيم فطلبه ففاته وقال: لعمرك ساري بن زنيم أعلم ... لأنت بعرعر الثأر المنيم عليك بني معاوية بن صخر ... فأنت بمربع وهم بضيم تساويهم على وصف وظن ... كدابغة وقد حلم الأديم [2] وأما أبو خراش فأسلم وحسن إسلامه، ورأى في خلافة عمر رضي الله عنه نفرا من حجاج اليمن فاستسقوا ماء، فأخذ قربه وسعى إلى ماء هناك، فلدغته حية فما برحوا حتى دفنوه. وقال أبو خراش حين حضرته الوفاة: لعمرك والمنايا غالبات ... على الإنسان تطلع كل نجد

_ [1] ديوان الهذليين ج 3 ص 90. [2] حلم الأديم، أصابته الحلمة وهي دودة تأكله. الأغاني ج 21 ص 220.

ومن هذيل: المتنخل الشاعر [4] واسمه مالك بن عويمر، أحد بني لحيان بن هذيل،

لقد أهلكت حية بطن أنف ... على الإخوان ساقا ذات فقد [1] وقال أيضا: لقد أهلكت حية بطن أنف ... على الإخوان ساقا ذات فضل فما تركت عدوا بين بصري ... إلى صنعاء يطلبه بذحل [2] وهاجر خراش ابنه فقال فيه: ألا من مبلغ عني خراشا ... وقد يأتيك بالنبأ البعيد ألا فاعلم خراش بأن خير ال ... ... مهاجر بعد هجرته زهيد فإنك وابتغاء البر بعدي ... كمخضوب اللبان ولا يصيد [3] يعني كلبا يخضب صدره بالدم ولم يصد، ليري صاحبه الناس أنه قد صاد. ومن هذيل: المتنخل الشاعر [4] واسمه مالك بن عويمر، أحد بني لحيان بن هذيل، وهو الذي رثي أباه فقال: لعمرك ما إن أبو مالك ... بوان ولا بضعيف قواه [5] ومنهم:

_ [1] ديوان الهذليين ج 2 ص 171، وبطن أنف: من منازل هذيل. [2] الأغاني ج 21 ص 228. [3] هذا مثل يعني أن الكلب يلطخ حلقه وصدره بالدم، يرى بذلك الناس أنه قد صاد، ولم يصد. ديوان الهذليين ج 2 ص 170- 171. [4] بهامش الأصل: المتنخل الشاعر. [5] ديوان الهذليين ج 2 ص 29.

ومنهم: ربيعة بن جحدر الشاعر الطابخي، من ولد طابخة بن لحيان بن هذيل

الداخل واسمه زهير [1] ويقال الأدخل أحد بني سهم بن معاوية بن تميم. ومنهم: قيس بن عيزارة [2] الشاعر أحد بني صاهلة. ومنهم: حذيفة بن أنس [3] الشاعر الذي غزا بعض بني كنانة وفيهم آدم بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب وهو صغير فقتل. ومنهم: ربيعة بن جحدر الشاعر الطابخي، من ولد طابخة بن لحيان بن هذيل الذي يقول: ألا إن خير الناس رسلا ونجدة ... بعجلان قد خفّت إليه الأكادس [4] فو الله لا ألقى كيوم ابن مالك ... أثيلة [5] حتى يعلو الرأس رامس وذي إبل فجعته بخيارها ... فأصبح منها وهو أسوان بالس ومن هذيل ثم من بني خناعة: بدر بن عامر الشاعر، وأخوه أبو العيال [6] ، وكان أبو العيال حصر ببلاد الروم في زمن معاوية، فيقال إنه كتب بشعر إلى معاوية يقول فيه:

_ [1] هو في ديوان الهذليين ج 3 ص 98 «عمرو الداخل» . [2] في ديوان الهذليين ج 3 ص 72 «أخو بني صاهلة» . [3] ديوان الهذليين ج 3 ص 18. [4] الكدس: اسراع المثقل في السير، والكدسة: عطسة البهائم. القاموس. [5] تأثل: عظم، والمال اكتسبه، والأهل: كساهم أفضل كسوة. القاموس. [6] بهامش الأصل: أبو العيال الشاعر.

ومنهم: أبو المثلم الخناعي

أبلغ معاوية بن صخر آية ... يهوي إليه بها البريد الأعجل والمرء عمرا فالقه بصحيفة ... مني يلوح بها كتاب مجمل [1] وهو القائل في ابن عم له استشهد يقال له عبد الله: فتى ما غادر الأجنا ... د لا نكس ولا جنب ولا زميلة [2] رعدي ... دة رعش إذا ركبوا ألا لله درك من ... فتى قوم إذا رهبوا وقالوا من فتى للحر ... ب يرقبها ويرتقب وحمج [3] للجبان المو ... ت حتى قلبه يجب فكنت فتاهم فيها ... إذا تدعى لها تثب ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب [4] كما يعتاد أمّ الب ... و [5] بعد سلوها الطرب [6] ومنهم: أبو المثلم الخناعي الذي يقول: أصخر بن عبد الله إن تك شاعرا ... فانك لا تهدي القريض لمفحم أصخر بن عبد الله قد طال ما تري ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم [7] ومنهم: خويلد بن واثلة، وهو أبو معقل بن خويلد الذي يقول

_ [1] ديوان الهذليين ج 2 ص 253. [2] الزميلة: الضعيف من الرجال. [3] حمج: يقول: نظر الجبان إلى الموت فهابه، والتحميج: رفع البصر إلى السماء وفتح العينين. [4] الوصب: الوجع، وهو النصب والتعب أيضا. [5] البوّ: جلد ولد الناقة يحشى تبنا، ويلقى عليه ما كثر من وبر وريش، فترأمه وتشمه. [6] ديوان الهذليين ج 2 ص 241- 252. [7] ديوان الهذليين ج 2 ص 226.

ومن هذيل: المعطل أحد بني رهم بن سعد بن هذيل،

إلى معشر لا يخنثون نساءهم ... وأكل الجراد فيهم غير أفند ومن هذيل: الربيع بن الكودن الذي يقول في وصف قوس: وصفراء تلتذ اليدان نشابها ... براها رجال وهي لما تذوق نشرت لها ثوبي فبات يكنها ... تحلب معجاج من الماء ملتق وأبيض يهديني وإن لم أناده ... كفرق العروس طوله غير مخرق ومن هذيل: المعطل أحد بني رهم بن سعد بن هذيل، وهو الذي يقول في قصيدة له: سؤال الغني عن أخيه كأنه ... بذكرته وسنان أو متواسن [1] فحدثني أبو محمد التوزي عن أبي زيد الأنصاري قال: قال أبو عمرو بن العلاء: هذا من أشعر بيت قالته العرب. قال: وقال المفضل الضبي شبيها بذلك، وكان يتعجب منه. ومن هذيل: أبو قلابة أحد بني طابخة بن لحيان. ومنهم: عمرو ذو الكلب، كان له كلب نسب إليه ويقال عمرو الكلب، وهو من بني لحيان وكان شاعرا. وكانت أخته جنوب شاعرة وهي التي تقول ترثي أخاها عمرو الكلب: كل امرئ بطوال العيش مكذوب ... وكل من غالب الأيام مغلوب وكل حي وإن طالت سلامتهم ... يوما طريقهم في الشر دعبوب [2]

_ [1] ديوان الهذليين ج 3 ص 45. [2] الدعبوب: الطريق الموطوء، أي سيركبون طريقا في الشر. ديوان الهذليين ص 124. وبهامش الأصل: أي موطوء يقال: عتباء وطئة.

تتمة بني هذيل

[تتمة بني هذيل] ومنهم: الأعلم بن عبد الله واسمه حبيب [1] وكان شاعرا. ومن هذيل: أمية بن أبي عائذ الذي يقول: تمرّ كجندلة المنجنيق ... يرمى بها السور يوم القتال [2] ومن هذيل: ساعدة بن العجلان الشاعر. ومنهم: أبو صخر واسمه عبد الله وهو عبد الله بن جشم بن عمرو بن الحارث بن تميم وهو الذي يقول: إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها ... كما انتفض العصفور بلله القطر ومن هذيل: أبو ذؤيب الهذلي [3] الشاعر، وهو خويلد بن خالد بن المحرث بن زبيد أحد بني مازن بن معاوية بن تميم، وابن عمه خالد بن زهير بن المحرث. وكان أبو ذؤيب غزا المغرب فمات هناك ودفن بإفريقية، وقام بأمره عبد الله بن الزبير بن العوام. ومن هذيل: عمرو بن عائذ الذي يقول له زياد الأعجم: ولولا هذيل أن أسوأ سراتها ... لألجمت بالمقراض عمرو بن عائذ [4] ومن هذيل: صخر وهو المحبق بن عتبة بن صخر بن حضير بن الحارث بن عبد العزى بن وائلة بن دابغة بن لحيان بن هذيل. ومن ولد المحبق: سلمة بن المحبق [5] رحمه الله تعالى. وسنان بن سلمة بن المحبق. وكان لسلمة بن المحبق صحبة وشهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم،

_ [1] بهامش الأصل: الأعلم الشاعر. [2] ديوان الهذليين ج 2 ص 188. [3] بهامش الأصل: أبو ذؤيب الهذلي. [4] ليس في شعره المطبوع. [5] بهامش الأصل: سلمة بن المحبق، رحمه الله.

وحضر فتح المدائن أيام عمر، وولد له سنان بن سلمة أيام حنين، فلما بشر به قال: لسنان أطعن به في سبيل الله أحب إلي منه، وأتى به النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحنّكَهُ وسماه سنان لقول أبيه، وكان سنان يكنى أبا حبيب. وقالوا: لما كان زياد بن أبي سفيان وثب أهل مكران بأميرهم عبد الله بن سوار العبدي فقتلوه، كتب معاوية إلى زياد في تولية سنان فظفر وكان أول من أحلف الجند بالطلاق فقال شاعرهم: رأيت هذيلا أحدثت في يمينها ... طلاق نساء ما تسوق لها مهرا لهانت عَلَى حلفة ابن محبق ... إذا رفعت أعناقها حلقا صفرا ثم عزله واستعمل راشد بن عمرو الجنيدي، فقال لسنان وكان صغير الرأس عظيم الكفل: والله ما أنت بعظيم الرأس فتكون سيدا، ولا بأرسح [1] فتكون فارسا، ولم يلبث راشد أن مات فولي سنان الثانية. وقال أبو اليقظان: ولد سلمة سنانا وأمه أمامة بنت التوأم ذات النحيين [2] ، وموسى، وحبيبا، وشبيبا. قال: وذات النحيين من هذيل، وكان خوات بن جبير الأنصاري في الجاهلية رآها وهي تبيع سمنا، ففتح رأس نحي ونظر إلى السمن ثم دفعه إليها، وفتح رأس نحي آخر ودفعه إليها فشغل يديها، ووثب بها، فقالت العرب: «أشغل من ذات النحيين» . وقال هشام ابن الكلبي: وولد لحيان بن هذيل: طابخة. ودابغة. ومعاوية.

_ [1] رجل أرسح: قليل لحم العجز والفخذين. اللسان. [2] بهامش الأصل: ذات النحيين.

فولد دابغة: وائلة. فولد وائلة: عبد العزى. فولد عبد العزى: الحارث. منهم صخر وهو المحبو بن عتبة بن صخر وقد ذكرناه. وولد طابخة بن لحيان: هند بن طابخة. وكعب بن طابخة. وثور بن طابخة. فولد هند: كبير بن هند. فولد كبير: الحارث. فولد الحارث: عمرو بن الحارث. وكعب بن الحارث. منهم: أبو مليح عامر بن أسامة بن عمير بن عامر الأقيشر، وهو عمير بن عبد الله بن حبيب بن يسار بن ناجية بن عمرو بن الحارث بن كبير بن هند بن طابخة بن لحيان، وكان شريفا فقيها، ومات في سنة اثنتي عشرة ومائة، وكان الحجاج ولاه الأبلة وله عقب بالبصرة. وولد كعب بن طابخة: صعصعة. فولد صعصعة: عادية والحارث. فولد عادية: حبشي. وعنزة. وكلفة. وعامر. منهم: زهير بن الأغر، واسم الأغر حبيب بن عمرو بن عبدة بن عامر بن عادية بن صعصعة الذي ذكره حسان بن ثابت، وكان أخذ خبيب بن عدي الأنصاري يوم الرجيع، ومعه رجل من بني لحيان يقال له مالك، ويقال جامع، فباعه من بني نوفل بن عبد مناف ليقتلوه بطعيمة بن عدي أبي الريان، الذي قتله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بدر، قال حسان:

فليت خبيبا لم تخنه أمانة ... وليت خبيبا كان بالقوم عالما أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكناف الرجيع لهازما شراه زهير بن الأغر ومالكا ... وكانا قديما يركبان المحارما [1] وقال أبو اليقظان: من بطون هذيل: بنو سعد بن هذيل، وبنو خناعة، وبنو قرد وبنو سهم. وبنو تميم. وبنو مؤمل، فأغار صخر الغي على بعض العرب فتبعوه، فمر بهذه البطون فكلما مر ببطن منهم أغاثوه حتى جاوزهم فلحق فقتل فقال: لو أن أصحابي بنو خناعة ... أهل الندى والمجد والبراعة تحت جلود البقر القراعة ... لنهنهوا عني ذا اليراعة [2] وقال أيضا: لو أن عندي من قريم رجلا ... بيض الوجوه يحملون النبلا سفح الوجوه لم يكونوا عزلا ... لمنعوني نجدة أو رسلا [3] وقال أبو اليقظان: ومن هذيل: أبو تقاصف جاوره رجل من العرب فآذاه فقال: يا ربّ كل آمن وخائف ... وسامعا هتفة كل هاتف أخز الخناعي أبا تقاصف وقد جاور بني المؤمل من هذيل رجل فآذوه إلا رجل منهم فقال: لا هم زلها عن بني مؤمل ... وارم على أقفائهم بمنكل إلا رياحا إنه لم يفعل

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 248. [2] ديوان الهذليين ج 2 ص 236- 237. [3] ديوان الهذليين ج 2 ص 237 مع فوارق. وأراد ب «رجلا» : رجالا.

وقال أبو اليقظان: أتى أبو كبير النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: أحل لي الزنا. فقال له: « [أترضى أن يؤتى إليك مثل ذلك؟] قال: لا. قال: فادع الله أن يذهب عني الشبق، فدعا له» ، وكان قد أسلم فقال حسان بن ثابت: سألت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما سألت ولم تصب سألوا نبيهم ما ليس يعطيهم ... حتى المماة وكانوا غرة العرب [1] قالوا: ومن هذيل: مسلم بن جندب وكان قاص مَسْجِد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة وإمامه وقارئه، وكان يأخذ العطاء مع القراء والفقهاء والشعراء ومع المسجديين. وقال عمر بن عبد العزيز: من سره أن يسمع القرآن غضا فليسمع قراءة مسلم بن جندب. وقال محمد بن سعد: كان مسلم بن جندب يكنى أبا عبد الله، وسمع ابن عمر وأصحاب عمر، ومات فِي أول أيام هِشَام بْن عَبْدِ الملك. قالوا: ومن هذيل: أبو بكر الهذلي [2] المحدث، واسمه سلمى بن عبد بن حبيب بن عويمر بن مالك بن كعب بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. ويقال عبد بن الحارث بن عويمر بن كعب، وولاه المنصور أبو جعفر أمير المؤمنين القضاء، وكان سميرا لأبي العباس أمير المؤمنين، ومات بالبصرة في خلافة أبي جعفر أمير المؤمنين، وصلى عليه عيسى بن شبيب خليفة عبد الملك بن أيوب النميري.

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 443. [2] بهامش الأصل: أبو بكر الهذلي.

وقال هشام ابن الكلبي: ولد صبح بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل: زليفة وربيعة. وقالوا: من بني سعد بن هذيل. أبو سبرة سالم بن سلمة بن عمرو، وكان أبو سبرة من رجال أهل البصرة، وكان يروي عن ابن عباس أحاديث، واستعمله زياد بن أبي سفيان على قطائع البصرة، وكان يهاجي أبا الأسود الدولي وفيه يقول أبو الأسود: أبلغ أبا الجارود عني رسالة ... يخب بها الواشي ليلقاك إذ تغدو أإن نلت خيرا سرني أن تناله ... تنمّرت لي ذالبدة لونه ورد فعيناك عيناه ولونك لونه ... تبدلته لي غير أنك لا تعدو [1] فولد أبو سبرة: الجارود بن أبي سبرة. وعبد الله، وكان عبد الله من أفتى أهل البصرة وأسخاهم في زمانه وكان خيرا، وكان الجارود صاحب علم وقرآن، وكان يكنى أبا نوفل، وناطقه الحجاج فقال: ما كنت أرى أن بالعراق مثل هذا. وكان الجارود يقول: ما أمكنني وال من إذنه إلا غلبته على أمره، خلا هذا اليهودي، يعني بلال بن أبي بردة، وكان متحاملا عليه، فلما عذب بلال بن أبي بردة بلغه أنهم دقوا ساقه وجعلوا وترا في إحدى خصيتيه فقال: أقر بعيني أن ساقيه دقتا ... وأن قوى الأوتار في الخصية اليسرى

_ [1] ديوان أبي الأسود الدولي ص 124- 125.

بخلت وأظهرت الخيانة والخنا ... فيسرك الله المهيمن للعسرى فما خدع سوء خرب السوس جوفه ... يقارعه النجّار يبرى كما تبرى وكان يتمثل: أقول إذا ما الرمح أخطأ لبتي ... وأن كان في أصحابي الله أكبر ومات الجارود بالبصرة، وله عقب بها. وقال محمد بن سعد: من هذيل: نبيشة الخير [1] . وعبد الله بن عتبة [2] أبو عبد الرحمن مات في خلافة عبد الملك في ولاية بشر بن مروان. وعبد الله بن ساعدة أبو محمد [3] ، روى عن عمر ومات سنة مائة. والحارث بن عمرو الهذلي ولد عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومات سنة سبعين وروى عن عمر رضي الله تعالى عنه. ومنهم: عبد الله بن يزيد الهذلي، ويكنى أبا يزيد، مات في سنة سبع وأربعين ومائة، ويقال له ابن قنطس، وكان مسنا ذكر أنه قال: حضرت موت أنس بن مالك. وأبو العميس عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود. والمسعودي أخو عبد الرحمن بن عبد الله. والقاسم بن معن بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن مسعود، يكنى أبا عبد الله. وقال أبو اليقظان: أعانت هذيل على قتل عثمان، فقال عبد

_ [1] طبقات ابن سعد ج 7 ص 50- 51. [2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 120- 121. [3] طبقات ابن سعد ج 5 ص 60.

الرحمن بن أم الحكم الثقفي: أما هذيل أهل سلع فإنهم أعانوا علينا بالحجارة والنبل. قال: وكانت امرأة من هذيل يقال لها صفراء عند رجل من بَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةِ بن كنانة يقال له عبد الرحمن، ويلقب جان، وكان رآها بالعقيق فأعجبته لجمالها فقال فيها: دار لصفراء التي لا أنتهي ... عن ذكرها أبدا ولا أنساها لو يستطيع ضجيعها لأجنها ... في الجوف منه لحبها وهواها وكانت قبله عند رجل فلم يفض إليها، فسمعت امرأة تقول: أما والله لو كانت عند عبد الرحمن لثقبها ثقب اللؤلؤة، فوقع في قلبها فلم ترد غيره. تم نسب هذيل ونسب بني مدركة.

نسب ولد طابخة بن الياس بن مضر بن نزار

بسم الله الرحمن الرحيم نسب ولد طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار ولد طابخة بن إلياس بن مضر: أد بن طابخة. وعمرو بن طابخة درج، وأمهما تملك بنت النخع بن سليح بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قضاعة. فولد أد بن طابخة: مر بن أد. وعبد مناة بن أد، وهم الرباب، وأمهما ماوية بنت جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار. وضبة بن أد. وعمرو بن أد، وهم مزينة. وحميس بن أد. فشهد ولد حميس يوم الفيل فهلكوا، وأفلت منهم ستون رجلا فهم إلى اليوم لا يزيدون على ستين، إذا ولد مولود مات رجل، وهم في بني عبد الله بن دارم، وأمهم الخشناء بنت وبرة أخت كلب بن وبرة، ويقال إن أم عبد مناة بن أد صفية بنت الْقَيْنِ بْنِ جِسْرِ بْنِ شيعِ اللَّهِ بْنِ أسد بْنِ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عمران بن الحاف بن قضاعة. فولد عبد مناة بن أد: تيم بن عبد مناة. وعدي بن عبد مناة. وعوف بن عبد مناة. وأشيب بن عبد مناة. وثور بن عبد مناة، وهو ثور

قيس بن عوف.

أطحل [1] ، نسب إلى جبل يقال له أطحل، كان يسكنه عدي، وأمهم سلمى بنت نهد بن زيد من قضاعة، ويقال إن أمهم المفداة بنت ثعلبة بن دودان بن أسد، وأمها سلمى بنت مالك بن نهد. وسموا الرباب لأن تيما [2] ، وعديا، وعوفا وثورا، وأشيب، وضبة عمهم غمسوا أيديهم في الرب، وتحالفوا على بني تميم بن مر، فهم الرباب جميعا، وقيل تيم الرباب ليفرق بينها وبين تيم ربيعة، وقيل أيضا إنهم اجتمعوا كرباب القداح، والواحدة ربابة. نسب عكل فولد عوف بْن عَبْد مناة بْن أد بْن طابخة: قيس بن عوف. فولد قيس: وائل بن قيس. وعوافة. فولد وائل: عوف بن وائل. [الملقب بعكل] وثعلبة بن وائل، ويقال لثعلبة ركبة القلوص. قال هشام بن محمد: حدثني محمد بن السائب قال: أقبل نفر من النمر بن قاسط على قلوص حتى نزلوا بعكل فقالوا: من أنتم؟ قالوا: ركبة القلوص، وكانوا مترادفين على قلوصهم، فانتسبوا في عكل، وأقاموا معهم. فولد عوف بن وائل: قيس بن عوف بن عبد مناة بن أد بن الحارث بن عوف. وجشم بن عوف. وسعد بن عوف، وعلي بن عوف. وقيس بن عوف، درج، وأمهم ابنة ذي اللحية من حمير، وحضنتهم أمة

_ [1] بهامش الأصل: ثور أطحل. [2] بهامش الأصل: تيم الرباب.

لهم يقال لها عكل فغلبت عليهم. فولد سعد بن عوف بن وائل: عبد الله بن سعد. وجذيمة بن سعد. وعبادة بن سعد. فولد عبادة: هلال بن عبادة. وضرار بن عبادة. وعبد الله بن عبادة، ذكروا أن وائلا هذا قتل الحارث بن تميم بن مر، فقتله به ابنه معاوية بن الحارث. فمن بني سعد بن عوف: خزيمة بن عاصم بن قطن بن عبد الله بن عبادة بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام عكل، فمسح وجهه وكتب له كتابا يوصي به فيه من ولي الأمر بعده، وجعله ساعيا على صدقات قومه. وولد جشم بن عوف بن وائل: عتبة بن جشم. وعمرو بن جشم. ومرة بن جشم. فمن بني مرة: سلمى بنت الحارث بن مرة أم عمرو بن معدي كرب الزبيدي سبيئة. ويقال إنها ابنة زهير بن أقيش العكلي. ومنهم وصيلة بنت وائل بن عمرو بن عبد العزى بن معاوية بن عتبة بن جشم، وهي أول امرأة أسلمت من عكل، وأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذت منه أمانا لأخيها ذباب بن وائل بن عمرو. وولد الحارث بن عوف بن وائل بن قيس بن عوف بن عبد مناة: كنانة بن الحارث. وعوف بن الحارث. منهم زياد بن ذئب بن ثعلبة بن عوف بن كنانة بن الحارث، وأخوه زيد بن ذئب، قتل فقتل به أخوه قاتله، ثم إنه مر بقبره فقال: بأهلي من مررت على بناه ... بواقصة فلم أعقر بعيري

ومنهم حزام بن عقبة بن حزام بن جناب بن مسعود بن زيد بن ذئب بن ثعلبة بن عوف بن كنانة، كان على شرطة يوسف بن عمرو الثقفي. ومن بني كنانة بن الحارث أيضا: أكتل بن شماخ بن يزيد بن شداد بن صخر بن مالك بن لأي بن ثعلبة بن سعد بن كنانة، كان علي بن أبي طالب إذا نظر إليه قد أقبل قال: من أحب أن ينظر إلى الفصيح الصبيح فلينظر إلى هذا. ومنهم الخطيم اللص، أحد بني محرز بن مالك بن سعد بن كنانة بن الحارث وهو القائل: ظللنا بمخشي الردى آجن الصري [1] ... يناذره الركبان جدب المعلل قليلا كلا حتى روين وعلقت ... أداوى سقوا منها ولما تبلل وأشعث راض في الحياة بصحبتي ... وإن مت آسى فعل خرق شمردل [2] وداع دعا والليل من دون صوته ... بهيم كلون السندس المتجلل دعا دعوة عبد العزيز وعرقلا [3] ... وما خير هيجا لا تحش بعرقل وهو القائل أيضا: أبني كنانة إنني قد جئتكم ... وعرفت ما فيكم من الأحساب وعرفت أني منكم إذ جئتكم ... وعرفت ما فيكم من الألباب

_ [1] الصري: البقية، ونقيع ماء، ولبن صرى: متغير الطعم. القاموس. [2] الشمردل: الفتى السريع، والحسن الخلق. القاموس. [3] عرقل: جار عن القصد، وكلامه عوّجه، والعراقيل: الدواهي ومن الأمور صعابها. القاموس.

وكان يقال أن بني محرز من بني عبشمس بن سعد بن كنانة، والأول قول الكلبي وهو أثبت. وقال الخطيم: بني ظالم إن تبغضوني فإنني ... إلى صالحي الأقوام غير بغيض بني ظالم إن تمنعوا فضل ما لكم ... فإن بساطي في البلاد عريض ومن بني محرز أيضا: عرقل اللص القائل: تمنى أن يلاقيني سفاها ... وما لك في لقائي من رواح وبي كان الصحاب يرضن قدما ... ويشفى ذو الجماح من الجماح وأعدل ذو التمايل عن صغاه ... وأكوي الناظرين من الطماح وبيض كالأهلة حول كأس ... نداماها تسارع في السماح ندبتهم وقلت لهم سلمتم ... وحييتم ولذ به اصطباحي وقال عرقل، ويقال إن اسم أبيه الخطيم أيضا: قل للصوص أما علمتم أنني ... أحوي بسيفي مال كل بخيل ما أن أهاب إذا قعدتم خيفة ... ما نالني واغتالني من غول حتى أفرقه بغير ضنانة ... وأميله بالجود كل مميل وولد عوف بن الحارث بن عوف: عمرو بن عوف. وكعب بن عوف. ومالك بن عوف. وأسيد بن عوف. وعامر بن عوف. فولد كعب بن عوف بن الحارث: عبد بن كعب. وعامر بن كعب. وأيمن بن كعب. فولد عبد بن كعب: أقيش بن عبد وهو بيت عكل، وفيهم يقول النابغة:

كأنك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشن [1] وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم لبني أقيش كتابا في أمر ركية لهم بالبادية وهو في أيديهم. وسالم بن عبد. منهم النمر بن تولب [2] بن أقيش الشاعر، وكان سخيا كريما يقري الأضياف، وكان جاهليا ثم أدرك الإسلام، فأسلم واسلم ابنه ربيعة، وهاجر إلى الكوفة وطمع في أن يهاجر أبوه فقال: ألا إن أشقى الناس إن كنت سائلا ... أخو إبل يمسي ويصبح راعيا يمارس قعسا [3] ما ييسرن للكرى ... بليل ولا يصبحن إلا غواديا وليس بآتيه طعام يحبه ... ولو بلغ المحض الحليب التراقيا فقال النمر مجيبا أعذني رب من حصر وعي ... ومن شج أعالجه علاجا ومن حاجات نفسي فاعصمني ... فإن لمضمرات النفس حاجا وأنت نحلتنا كرما تلادا ... نرجي النسل منها والنتاجا فلست بحازم الأضياف منها ... وجاعل دونهم بابي رتاجا أتأمرني ربيعة كل يوم ... لأهلكها واقتني الدجاجا [4] وخرف النمر بن تولب فجعل يقول: أصبحوا الراكب، أصبحوا

_ [1] ديوان النابغة الذبياني ص 123. [2] بهامش الأصل: النمر بن تولب الشاعر. [3] القعس من الإبل: المائل الرأس والعنق والظهر، ومن الليالي: الطويلة. القاموس. [4] أورد صاحب الأغاني ثلاثة أبيات هي الأولى مع فوارق. الأغاني ج 22 ص 284.

الراكب لا يزيد على ذلك، فقال بعض أحداث قومه: نيكوا الراكب، نيكوا الراكب فعلقها، فجعل يقولها، وكان يشبب بامرأة يقال لها حمزة وهي التي يقول فيها: لها ما تشتهي لبن مصفى ... وإن شاءت فحوّاري بسمن فنعاها إليه رجل يقال له حزام، ولم يكن الخرف اشتد به فأنشا يقول: نعاها بالبديع لنا حزام ... أحق ما يقول لنا حزام فلا تبعد وقد بعدت فأجرى ... على قبر تضمنها الغمام [1] والنمر القائل: ألا يا ليتني حجرا بواد ... أقام وليت أمي لم تلدني وأغارت طوائف من بني بكر بن وائل على عكل فظفرت بهم عكل وعليها النمر بن تولب فقال: ولقد شهدت الخيل نحوي ما رأت ... وشهدتها تعدو على آثارها راح المشمرخ [2] للركاب جنيبة ... في القد مأسورا على أدبارها ومن بني أقيش: السمهري- اللص- بن أويس بن مالك بن الحارث بن أقيش وهو القائل: ما كنت هيابا ولا قطع السرى ... ولكن مضى حجر بغير دليل ولولا بنات الحين والشر لاحق ... لزرت على الوجناء أم جميل والسمهري الذي لقي عون بن جعدة بن هبيرة المخزومي ومعه

_ [1] الأغاني ج 22 ص 279 مع فوارق. وهي في الأغاني «جمرة» . [2] الشمراخ: غرة الفرس إذا دقّت وسالت وجللت الخيشوم. القاموس.

الطائيان: بهدل، ومروان، فقتله السمهري وبهدل، فطلب عقيل بن جعدة بدمه، وبذل في السمهري وفي صاحبيه مالا رغيبا، فأخذ بهدل فحبس في المدينة ثم قتل، وشد رجلان من فقعس على السمهري ليأخذاه رغبة في الجعل فمارسهما، وجاءت امرأة من قومهما فأعانتهما عليه واستجعلت منهما الشركة فيما يعطيان، فأنشا السمهري العكلي يقول: أشكو الَّتِي قَالَت بصحراء منعج ... لِي الشرك يَا بني فائد بن حبيب [1] فرفعاه إلى عامل المدينة فقتل وصلب، وقال ابن دارة [2] يحض بني عكل: يا راكبا إما عرضت فبلغن ... مغلغلة عني القبائل من عكل فكيف تنام الليل عكل ولم يكن ... لها قود في السمهري ولا عقل إذا هتفت يوما بواد حمامة ... نعت سمهريا للفوارس والرجل فبيعوا الردينيات بالحلي واقعدوا ... على الذل وابتاعوا المغازل بالنبل وكنا حسبنا فقعسا قبل هذه ... أدل على وطء الهوان من النعل جلت حمما عنها القصاف وما جلت ... أقيش وفي الشدات والسيف ما يجلو [3] القصاف من بني طمبة من تميم كان لهم ثأر قبل بكر بن وائل فأدركوه، وقال بهدل الطائي: ولما دعاني السمهري أجبته ... بأبيض من ماء الحديد صقيل ولم آل ما اشتدت على السيف قبضتي ... لأسلم حيا للحياة زميلي

_ [1] تفاصيل أخبار السمهري في الأغاني ج 21 ص 233- 246. [2] هو عبد الرحمن بن مسافع بن داره، وقيل بل هو عبد الرحمن بن ربعي بن مسافع بن داره. انظر ترجمته وأخباره في الأغاني ج 21 ص 230- 248. [3] الأغاني ج 21 ص 231- 233 مع فوارق.

وقال المرار الفقعسي: أظن قريشا لا تضيع ذمامنا ... كما لم يضع ثأر ابن جعدة طالبه فنحن رددنا السمهري إليكم ... يعاطي القرين مرة ويجاذبه بسجل دم منكم حرام أصابه ... وقد كان خطافا بعيدا مناهبه ومن بني أقيش: زهير بن أقيش، وكان شريفا. وربيعة بن جذار بن عامر بن عوف بن الحارث بن عوف الذي يقول فيه الأعشى: وإذا طلبت بأرض عكل حاجة ... فاعمد لبيت ربيعة بن جذار يهب النجيبة والجواد بسرجه ... والأدم بين لواقح وعشار [1] وولد علي بن عوف بن وائل: الحارث بن علي. وتيم بن علي. وهرم بن علي. وعمرو بن علي. وكلب بن علي. وعامر بن علي. ومن عكل: الأسود بن كراع، وهو الذي قال: إن لكل شيء بذرا، وبذر العداوة المزاح، والمزاح حمقة تورث ضغينة. وهو القائل: كل مستشار ينزع بك في مشورته إلى مساوئه. ومن عكل: أبو الحسن [2] زيد بن الحباب المحدث، مات في ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين. وقال الشاعر في بني كنانة من عكل: لا يبعد الله بني كنانة ... الضاربين العبد ذا المهانة حتى يؤدي فيهم الأمانة

_ [1] ديوان الأعشى ص 73. [2] بهامش الأصل: خ- الحسين.

وقال أبو اليقظان: انتقل بنو مالك بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع إلى عكل، فهم فيهم إلى اليوم. وزعم يونس النحوي أن عكلا أفصح بني أد. وقال جرير بن عطية: فلا يصمعنّ الليث عكلا بنابه ... وعكلا يسمون الفريس [1] المنيبا فهل لوم تيم لا أبا لك زاجر ... كنانة أو تنهى زهيرا وتولبا [2] زهير بن أقيش وهم بطن. وقال بعض الأعراب: ما رأيت قوما أحسن وجوها في غب لقاء من عكل. ومن عكل: البردخت الشاعر، هجا جريرا فقال جرير: أخبروني ما البردخت؟ قالوا: الفارغ. قال: فو الله لأشغلنّه بشعري [3] .

_ [1] الفريس: القتيل. القاموس. [2] ليسا في ديوان جرير المطبوع. [3] بهامش الأصل: بلغت عراضا بالأصل الثالث من أول الكتاب ولله الحمد والكمال.

نسب بني تيم الرباب بن عبد مناة بن أد

نسب بني تيم الرباب بن عبد مناة بن أد وولد تيم بن عبد مناة بن أد: الحارث بن تيم. وذهل بن تيم، وأمهما ريطة بنت دودان بن أسد بن خزيمة. فولد الحارث بن تيم بن عبد مناة: عمرو بن الحارث، وأمه زينة بنت ثعلبة بن أسد بن خزيمة. فولد عمرو بن الحارث بن تيم: عبد الله بن لؤي وفيه العدد. ورفاعة بن لؤي. وخزيمة. وكاهل. فولد عبد الله بن لؤي: وديعة بن عبد الله بن لؤي. وعامر بن عبد الله بن لؤي. وعمرو بن عبد الله بن لؤي وفيه العدد. فولد عمرو بن عبد الله بن لؤي: وائلة بن عمرو. وربيع بن عمرو. وفهوس بن عمرو، وهم في بني مرة بن عوف من غطفان على نسب ينتسبون به فيهم. فولد وائلة بن عمرو بن عبد الله: صريم بن وائلة. والحارث بن وائلة. وقامشة. فمن بني صريم بن وائلة: عصمة بن أبير بن يزيد بن عبد الله بن صريم الذي أجار عتبة بن أبي سفيان يوم الجمل، وهو الذي شهد يوم

الكلاب الثاني فعمد إلى عبد يغوث بن وقاص الحارثي وقد قتل مصاد بن ربيعة التيمي فاتبعه وأودعه الأهتم المنقري، فطلب منه فلم يقر بأسره إياه وركن إلى الفداء الرغيب، فقال قيس بن عاصم للأهيم: ادفعه إلى الرباب وإلا فسد ما بيننا وبينهم، فأبى أن يدفعه إلا إلى عصمة بن أبير، وقالت الرباب لعصمة: ثأرنا في يدك فقال: إني معيل محتاج إلى اللبن، فاشتراه بنو النعمان بن مالك بن الحارث بن عامر بن جساس بن عصمة بثلاثين من الإبل، وكان النعمان قتل يومئذ فدفعه إليهم من عند الأهتم ورضخ عصمة للأهتم من الإبل بشيء، فلما صار عبد يغوث إلى التيم كعموه [1] بنسعه مخافة أن يهجوهم وكان شاعرا فقال: أطلقوا لساني أذم أصحابي وأنوح على نفسي وجعل لهم ألا يهجوهم فقال: فيا راكبا إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران ألا تلاقيا أبا كرب والأيهمين كليهما ... وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا جزى الله قومي بالكلاب ملامة ... صريحهم والآخرين المواليا كأني لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلي كري قاتلي عن رجاليا ولم أسبا الزق الروي ولم أقل ... لإنسان صدق أعظموا ثم ناريا وعادية سوم الجراد وزعتها ... بكرّي وقد أنحوا إليّ العواليا [2]

_ [1] كعم: شدّ فاه. القاموس. [2] العقد الفريد- ط. القاهرة 1953 ج 6 ص 68- 75.

ومن بني قامشة بن وائلة:

فقدمه بنو النعمان بن مالك فقتلوه، فقالت صفية بنت الخرع التيمية: أحيا جساسا فلما حان مصرعه ... خلى جساسا لأقوام سيبكونه تقول: حياه وتودده فلما قتل قعد جساس يبكي. قد غاب عنهم فلم تشهد فوارسه ... ولم يكونوا غداة الروع يحمونه نطاقه هندواني وجنته ... فضفاضة كأضاء النهي موضونه وقد قتلنا شفاء النفس لو شفيت ... وما قتلنا به إلا أمرأ دونه وقال أبو عمرو بن العلاء: كان يوم الكلاب الثاني والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قد بعث ولم يهاجر. ومن بني قامشة بن وائلة: جخدب بن جرعب بن أبي قرفة بن زاهر بن عامر بن وهب بن قامشة بن وائلة النساب، وكان شاعرا وفيه يقول جرير: قبح الإله ولا يقبح غيره ... نظرا تعلق عن مفارق جخدب [1] ولقيه خالد بن سلمة المخزومي وكان جخدب ذا قدر بالكوفة وعلم فقال له: ما أنت من حنظلة الأكرمين، ولا سعدا الأكثرين، ولا عمرا الأعزين، ولا من ضبة الأكياس، وما في أد خير بعد هؤلاء. فقال جخدب: ولست في قريش من أهل نبوتها، ولا من أهل خلافتها، ولا من أهل سدانتها، وما في قريش خير بعد هؤلاء. وكان جخدب أعان عمر بن لجأ التيمي على جرير حين هجاه جرير.

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

وولد ربيع بن عمرو بن عبد الله:

وولد ربيع بن عمرو بن عبد الله: مخزوم بن ربيع. ونشبة بن ربيع. وعلباء بن ربيع. فمن بني نشبة: النعمان بن مالك بن الحارث بن عامر بن جساس بن نشبة المقتول يوم الكلاب [1] الثاني، وكان القتال فيه بين ولد أد وبين الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد، وكان النعمان الجساسي ثقيلا فغمز به فرسه، فنزل ليتحول على دابة أخرى فطعنه رجل من اليمانية في عضده ففتها، وقال: خذها مني. وفي هذا اليوم أسر أبو رجاء العطاردي ونجا، فلم يزل إمام بني عطارد يصلي بهم ويصلي على جنائزهم حتى مات في أيام الحجاج بن يوسف بالبصرة. وزعموا أن النعمان كان يقاتل ويقول متمثلا: أكل عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وينتجونه أصحابه نوكى فما يحمونه ... ولا يلاقون طعانا دونه هيهات هيهات الذي ترجونه وكانت مع النعمان بن مالك راية الرباب يومئذ. وقال هشام ابن الكلبي: لم أسمع في العرب بجساس، بكسر الجيم غير جساس بن نشبة. ومن ولد جساس: مزاحم بن زفر بن علاج بن مالك بن الحارث بن عامر بن جساس بن نشبه، كان شريفا بالكوفة، وكان فقيها، وولاه يوسف بن عمر بعض أعماله، وقال له يوسف: أين بيتك من بيت حاجب بن زرارة؟ فقال: هما متقاربان.

_ [1] ويعرف أيضا بيوم الصفقة. انظر أخبار هذا اليوم في العقد الفريد ج 6 ص 68- 75.

ومنهم دجاجة -

ومنهم دجاجة- مكسور الدال- قال هشام: لم أسمعه ألا كذلك ابن عبد قيس بن امرئ القيس بن علباء بن ربيع الشاعر، وهو جاهلي. ومنهم: محجم بن سلامة بن دجاجة، قتل مع علي يوم صفين. ومنهم: وردان بن مجالد بن علفة بن الفريش بن ضباري بن نشبة بن ربيع، وكان جلس لعلي عليه السلام مع ابن ملجم ليلة قتل علي. وقال ابن الكلبي: ضباري بن نشبة، بفتح الضاد، وفي بني يربوع: ضباري بكسر الضاد. ومنهم: المستورد بن علفة بن الفريش الخارجي، الذي قتله معقل بن قيس الرياحي صاحب علي في زمن المغيرة بن شعبة وولايته الكوفة وقد كتبنا خبره. وأخوه هلال بن علفة، وهو قتل رستم يوم القادسية. ومن بني وديعة بن عبد الله بن لؤي: عوف بن عطية بن الخزع، واسم الخرع عمرو بن عيش بن ربيعة الشاعر الذي يقول: لها حافر مثل قعب الوليد ... يتخذ الفأر فيه مغارا ويقول: يرد علينا العير من دون إلفه ... أو الثور كالدرّي يتبعه الدم وولد كاهل بن لؤي بن عمر: سعد بن كاهل. وعوف بن كاهل. ودهمان بن كاهل. منهم: عبد الله بن نجبة بن عبيد بن عمرو بن عتبة بن ظريف بن عوف بن كاهل، وهو الذي قتل وردان بن المجالد القاعد كان مع ابن ملجم، فلما ضرب ابن ملجم عليا هرب وردان فتلقاه ابن نجبة فقال له:

وولد ذهل بن تيم بن عبد مناة بن أد:

مالي أرى السيف في يدك وكان معصوبا بالحرير لكي لا يفلت إذا تعلق به فلما سأله لجلج وقال: قتل ابن ملجم وشبث بن عبرة الأشجعي عليا، فأخذ منه سيفه فضرب عنقه فأصبح قتيلا في الرباب، والمسيب بن خداش قتل مع وردان أيضا. وولد خزيمة بن لؤي بن عمرو: مالك بن خزيمة وهو ولاد، فولد ولاد: الحارث بن ولاد. وعدي بن ولاد. ومازن بن ولاد. وربيعة بن ولاد. وبغيض بن ولاد. وغياث بن ولاد، منهم أصم بني ولاد الشاعر. وولد رفاعة بن لؤي بن عمرو: خالد بن رفاعة. وكاهل بن رفاعة. ونمير بن رفاعة. وولد ذهل بن تيم بن عبد مناة بن أد: سعد بن ذهل. فولد سعد: ثعلبة بن سعد. وجشم بن سعد. وبكر بن سعد. فولد ثعلبة: امرئ القيس بن ثعلبة. وعوف بن ثعلبة. فولد امرؤ القيس: جلهم. منهم عمر بن لجأ [1] بن حدير بن مصاد بن ذهل بن تيم بن عبد مناة بن أد الشاعر الذي كان يهاجي جرير بن عطية بن الخطفى، وكان سبب تهاجيهما أن ابن لجأ أنشد جريرا باليمانية تجر بالأهون في أدنائها ... جر العجوز جانبي خبائها [2] فقال له جرير: هلا قلت جر العروس طرفي ردائها، فقال له عمر بن

_ [1] بهامش الأصل: عمر بن لجأ الشاعر. [2] في النقائض- ط. ليدن 1905 ص 487: قال عمر في وصف إبله: كالظرب الأسود من ورائها ... جر العجوز الثني من خفائها

لجأ: فأنت الذي تقول: لقومي أحمي للحقيقة منكم ... وأضرب للجبار والنقع ساطع وأوثق عند المردفات عشية ... لحافا إذا ما جرد السيف مانع [1] أرأيت إذا أخذن غدوة ولم يلحقهن إلّا عشيّة وقد نكحن فما غناؤه، فتحا كما إلى عبيد بن غاضرة العنبري وهو مسعود فقضى على جرير، فهجاه بشعر يقول فيه: منعناكم حتى ابتنيتم بيوتكم ... وأصدر راعيكم بفلج وأوردا بمرد على جرد مغاوير بالضحى ... إذا ثوب الداعي بصوت ونددا [2] فأجابه عنه عمر بن لجأ: هجوت عبيدا أن قضى وهو صادق ... وقبلك ما غار القضاء وأنجدا وقبلك ما أحمت عدي دبارها ... وأصدر راعيها بنجد وأوردا أتشتم بدرا في السماء ودونه ... تنائف تثني الطرف أن يتصعدا هم أخذوا منكم أراب ظلامة ... فلم يبسطوا كفا إليهم ولا يدا يعني عدي بن جندب من بني العنبر، وأراب: ركية كانت لبني العنبر أولا فتركوها فصارت إلى بني رياح، ثم طلبها الأعور بن بشامة العنبري فظفر بها فقال جرير: لئن عمرت تيم زمانا بعثره [3] ... لقد لقيت تيم حداء عصبصبا فلا يضغمن الليث تيما تقره ... وعكل [4] يسمون الفريس المنيّبا

_ [1] ديوان جرير ص 293. النقائض ص 488. [2] ديوان جرير ص 146. [3] بهامش الأصل: بغرة، وهو الذي جاء في ديوان جرير ص 18. [4] بهامش الأصل: عكلا.

وولد عوف بن ثعلبة:

فهل لوم تيم لا أبا لك زاجر ... كنانة أو ينهى زهيرا وتولبا [1] ومات عمر بن لجأ بالأهواز، وقال المدائني قرن جرير بابن لجأ فجعلا يتفاخران وينشدان فقال عمر بن لجأ وقد أقيما على غرائر البر رأوا قمرا يقارنه حمار ... وكيف يقارن القمر الحمارا فقال جرير: يا تيم تيم عدي لا أبالكم ... لا يوقعنكم في سوءة عمر أحين صرت سماء يا بنى لجأ ... وخاطرت بي عن أحسابها مضر [2] فقال ابن لجأ: لقد كذبت وشر القول أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر بل أنت نزوة خوار على أمة ... لا يدرك الحلبات اللؤم والخور [3] وولد عوف بن ثعلبة: عامر بن عوف، منهم قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف، قتل أبوها وأخوها الأخضر يوم النهروان مع الخوارج، وهي التي خطبها ابن ملجم فاشترطت عليه عبدا وقينة وثلاثة آلاف درهم، وقتل علي بن أبي طالب فقال الشاعر: لا مهر أغلى من علي وقتله ... وَلا فتك إِلا دون فتك ابْن ملجم وقد كتبنا خبرها فيما تقدم، وقال ابْن ملجم: ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المصمّم وقد يجعل البيتان للشاعر الأول

_ [1] ديوان جرير ص 18- 20 مع فوارق. [2] ديوان جرير ص 218- 221. [3] النقائض ص 488.

ومنهم: ابراهيم بن يزيد التيمي [1] الفقيه ابن شريك،

ومنهم: إبراهيم بن يزيد التيمي [1] الفقيه ابن شريك، وكان يزيد بن شريك أبوه يحدث عن عمر بن الخطاب، وكان إبراهيم يكنى أبا أسماء، مات في حبس الحجاج بن يوسف في سنة أربع وتسعين. حدثني علي بن محمد المدائني قال: لما انقضى أمر الجماجم بعث الحجاج إلى إبراهيم التيمي، وهو إبراهيم بن يزيد بن شريك فحبسه في المخيّس وكان ممن يذم سيرته. حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ بن الزبير عن سفيان عن الشيباني قال: بلغ إبراهيم النخعي أن إبراهيم التيمي يعيب الخوارج في زمن الحجاج، فقال النخعي: إلى من يدعوهم إلى الحجاج؟ حدثني علي بن محمد المدائني عن عامر بن حفص أن الحجاج كتب إلى عامله على الكوفة أن احمل إلي إبراهيم بن يزيد النخعي فحمل إبراهيم التيمي. وحدثني عمر بْن شبه عَن الأصمعي قَالَ: قَالَ يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج: هاتوا إبراهيم بن يزيد، فقيل له: إنهما إبراهيمان فقال: هاتوهما جميعا فاستخفى النخعي [2] وأتي بالتيمي، فحبس حتى مات في الحبس. حدثنا خلف بن هشام البزار وعفان، قالا: ثنا هشيم بن بشير، أنبأ العوام بْن حوشب أنه لما انطلق بإبراهيم التيمي إلى السجن قال له أصحابه:

_ [1] بهامش الأصل: ابراهيم التيمي. [2] انظر كتاب المتوارين الذي اختفوا خوفا من الحجاج بن يوسف للأزدي- ط. دمشق 1989 ص 49- 51.

هل توصي إِلَى إخوانك بشيء تحب أن نبلغهم إياه عنك، ألك حاجة؟ قَالَ: نعم لا تذكروني عند غير الرب الَّذِي عناه يوسف عليه السلام. قَالَ خلف يقول تدعون اللَّه لي ولا تشفعون لي إِلَى السلطان وإن إِبْرَاهِيم لم يسأل العافية مما هو فيه حَتَّى مات من حبسه وَكَانَ يقول: اللهم هذا بعينك، اللهم قد ترى. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن أَبِي سعد قَالَ: دخل عَلَيْنَا إِبْرَاهِيم التيمي السجن فتكلم، فَقَالَ أَهْل السجن مَا يسرنا إنا خارجون منه. وحدثني بكر بن الهيثم ثم ثنا سفيان بن عيينة قال: بلغني أن إبراهيم التيمي حبس في الديماس، وكان ومن معه في جهد وضيق، وكان التيمي يعزيهم ويصبرهم ويخبرهم ما لهم من الأجر حتى قال بعضهم: لوددت أني في هذا الديماس مع إبراهيم ما عشت. المدائني عن عامر بن حفص أن إبراهيم التيمي كان يقول: إن قوما يدخلون النار فيتمنون أن يردوا إلى الدنيا ليعملوا فيكونوا مثلكم الآن فاغتنموا هذه المهلة. الْمَدَائِنِيّ عَن عامر بْن حفص قَالَ: حبس الحجاج إبراهيم بن يزيد التيمي فجاءته ابنته فلم تعرفه حَتَّى كلمها، وَكَانَ الحجاج يطعم أَهْل السجن دقيق الشعير والرماد مخلوطين، ويقال إنه كان يخلط لهم في ذلك الملح أيضا، ومات التيمي فِي السجن، فرأى الحجاج فِي الليلة التي مات فيها إبراهيم قائلا يقول له: مات فِي هذه الليلة رجل من أَهْل الجنة، فلما أصبح قَالَ: من مات الليلة بواسط؟ فقالوا: إبراهيم التيمي فقال: نزغة

من نزغات الشيطان، وأمر به فألقي خارجا. وقال الحسن بن علي الحرمازي: سمعت الفضل بن دكين يقول: قال التيمي: إن الله أنعم على العباد. بحسب قدرته، وكلفهم من الشكر بقدر طاقتهم، فلا أدري أعني إبراهيم بن يزيد أم سليمان بن طرخان التيمي لنزوله بالتيم. المدائني عن علي بن عبد الله النرسي قال: قال إبراهيم التيمي: ما عرضت عملي على قولي إلا ظننت أني مكذب. وكان موت إبراهيم في سنة أربع وتسعين. وقال محمد بن سعد: ومن المحدثين الحارث بن سويد التيمي تيم الرباب، مات في آخر ولاية عبد الله بن الزبير [1] . وأبو حيان واسمه يحيى بن سعيد بن حيان. وقال أبو اليقظان: فمن بطون تيم: بنو ولاد، وبنو أيسر وبنو ذهل وبنو وائلة. وبنو نكرة. وبنو شعاعة. فمن بني أيسر عمر بن لجأ وقد قال جرير لعمر: أظن الخيل تذعر سرح تيم ... وتعجل زبد أيسر أن يذابا [2] يعيرهم بأنهم أصحاب شاء وزبد. وقال: من بني نكرة هبان بن نكرة قاتل القدار سيد عنزة وهو القائل: أهلكت مهري في الرهان لجاجة ... ومن اللجاجة ما يضر وينفع

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 167. [2] ديوان جرير ص 28.

قال: وانتقل بنو شعاعة فدخلوا في فقيم، فقال الفرزدق لرجل منهم يقال له شماخ بن علقمة: فلو كان من جهال قومي عذرته ... ولكن عبدا من شعاعة أحمرا وقال كان عصمة بن أبير سيدا، فلما كان يوم الجمل حمل عتبة بن أبي سفيان ومروان بن الحكم حتى بلغا المدينة فقال جرير: وفى ابن أبير والرماح شوارع ... بآل أبي العاصي وفاء مشهرا وبابن أبي سفيان عتبة بعد ما ... رأى حائط الموت الذي كان عسكرا [1] ومن ولده: منظور بن غالب بن عصمة، وكان سيد التيم، وقال جرير وهو يهجو التيمي: يغلي الجعالة منظور وثعلبة ... في كل حي أباها منهم نفر والغائب القهوس المنظور أوبته ... وابنا شعاعة والسفار تنتظر أعياك آباؤك الأدنون فالتمسن ... هل في شعاعة والأهدام مفتخر [2] القهوس رجل من التيم وكان ابنه حضر يوم شعب جبلة ففر إلى غطفان، فقالت دختنوس بنت لقيط بن زرارة: فر ابن قهوس الش ... جاع بكفه رمح متلّ [3] يعدو به خاطي البض [4] ... يع كأنه سمع أزل إنك من تيم فدع ... غطفان إن ساروا وحلّوا ولقد رأيت أباك وس ... ط القوم يعقد أو يحلّ

_ [1] ليسا في ديوان جرير المطبوع. [2] ليسوا في ديوان جرير المطبوع. [3] متله: زعزعه وحركه. القاموس. [4] البضيع: البحر، والماء النمير، والعرق، والجنيبة تجنب مع الإبل، والشريك. العين. القاموس.

متقلدا ربق الفرا ... ر كأنه في الجيد غل والأهدام من التيم صاروا في منقر. ومن التيم: بنو سبيع وقد دخلوا في بني طهية على نسب فيهم، وفيهم يقول الشاعر: بنو سبيع ... زمع الكلاب ليسوا إلى س ... عد ولا الرباب ولا إلى ... القبائل الرغاب قال: ومن شعراء التيم: السرندي، وجخدب، وعلفة، وكانوا يجتمعون على جرير فيهجونه مع عمر بن لجأ فقال جرير: عضّ السرندي على تثليم ناجذه ... من أم علقة بظرا غمه الشعر وعض علقة لا يألو بعرعرة ... من بظر أم السرندي وهو منتصر [1] ومن التيم: عاصم بن عبد الله من ولد وائلة، وهو الذي نزل به رجلان من سدوس فأكرمهما، ثم إنهما أتيا بني سدوس فدلاهم عليه وعلى نعمه ونعم التيم، فركبت بنو سدوس وبنو ذهل بن ثعلبة حتى أغاروا على التيم، فاقتتلوا فانهزمت سدوس وألفافهم وقتلتهم التيم قتلا ذريعا وأسروا منهم، وكان ممن أسر خراش أحد الرجلين اللذين نزلا على عاصم، وهذا اليوم الذي يعرف بهبالة. قال عوف بن الخرع: أبني سدوس هل وجدتم سيئ من ... تبغونه بهبالة والأشعر فلنعم فتيان الصباح لقيتم ... حيث النساء حواسر في العسكر وقال ابن لجأ: لو تخبر الأرض البيان لخبرت ... عما رأيت وما شهدت هبالا

_ [1] ليسا في ديوان جرير المطبوع.

نسب عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة

نسب عدي بْن عَبْد مناة بْن أد بْن طابخة وولد عدي بن عبد مناة بن أد: جل بن عدي. وملكان بن عدي. وحذيمة بن عدي، وهم أهل بيت يقال لهم بنو أسد بن لحي بن عدي بن عبد مناة. وقال غير الكلبي: ولد عدي: ملكان. وجل، أمه تملك بنت تيم بن غالب. ولحي. وجذيمة. فأما جذيمة فلا عقب له، وأما بنو لحي فسقطوا إلى عمان، فهم في الأزد، وهم يعرفون نسبهم إذا وقفوا عليه. وقال المدائني: من بني عدي: الأسود بن كلثوم الناسك، وجّهه ابن عمر إلى بيهق من نيسابور، فأخذ عليه العدو ثلمة دخل منها إلى حائط لبعض أهل بيهق، فقاتل فقتل، وقام بأمر الناس بعده أدهم بْن كلثوم فظفر وفتح بيهق، ولم يدفن أخاه لأنه كان يدعو أن يحشر من بطون الطير والسباع. قال ابن الكلبي: فولد ملكان بن عدي: ربيعة بن ملكان. وصعب بن ملكان. فولد ربيعة بن ملكان. ثعلبة، فولد ثعلبة: حارثة بن ثعلبة. وعوف بن ثعلبة. فولد عوف: خلف بن عوف. وكعب بن

ومنهم ذو الرمة [1] واسمه غيلان بن عقبة بن بهيس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان بن عدي

عوف. فولد كعب بن عوف بن ثعلبة: ساعدة بن كعب. ومنهم ذو الرمة [1] واسمه غيلان بن عقبة بن بهيس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب [بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان بن عدي] الشاعر، وإنما سمي ذو الرمة لقوله: أشعث باقي رمة التقليد [2] وكان يكنى أبا الحارث، وكانت له سدرة بالبادية كان يجلس عندها فهي تعرف بسدرة ذي الرمة. حدثني التوزي عن الأصمعي قال: قال ذو الرمة: لأن يروي شعري صبي أحب إلى من أن يرويه أعرابي بدوي، لأن الصبي إذا ذهب عنه حرف رجع فيه إلى معلمه فذكره إياه، والأعرابي يذهب عنه منه الحرف لعلي قد سهرت في طلبه ليلة، فيجعل مكانه غيره اقتضاء فيفسده. حدثني أبو عدنان الأعور، ثنا الأصمعي، أخبرني شيخ لنا قال: رأيت ذا الرمة بمربد البصرة وعليه جماعة من الناس وإذا عليه برد ثمنه مائتا دينار فأنشد قصيدته البائية، فلما أنشد: تصغي إذا شدها بالرحل جانحة ... حتى إذا ما استوى في غرزها تثب [3] فقيل له: يا أخا بني تميم ما هكذا قال الراعي ولكنه قال: ولا تعجل المرء قبل الوراك ... وهي بركبته أبصر

_ [1] بهامش الأصل: ذو الرمّة الشاعر. [2] الشطر الثاني للبيت هو: «نعم فأنت اليوم كالمعمود» . وأراد بالأشعث: الوتد، قد شعث رأسه مما يضرب بالحجارة، والرمة قطعة حبل يكون الوتد معلقا بها، والمعمود: الذي أضعفه الوجع أو الأمر. ديوان ذي الرمة- ط. بيروت 1993 ج 1 ص 330. [3] جانحة لاصقة بالأرض، والغرز: سير كالركاب. ديوان ذي الرمة ج 1 ص 48.

وهو إذا قام في غرزها ... كمثل السفينة أو أوقر ومصغية خدها للزمام ... والرأس منها له أصغر حتى إذا ما استوى طبقت ... كما أطبق المسحل الأغبر [1] قال فسكت ساعة كالمفكر ثم قال: إنه نعت ناقة ملك، ونعت ناقة سوقة، فخرج منها على رؤوس من حضر. وقيل لذي الرمة: لقد خصصت بلال بن أبي بردة بمدحك. فقال: إنه والله وطأ مضجعي وأكرم مجلسي وأحسن صفدي. وحدثني علي الأثرم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر الثقفي قال: أتيت ذا الرمة فذكرت شيئا، فقال: وما عليك إنا والله نأخذ ولا نعطي. حدثني الأثرم، حدثني الأصمعي عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ: قال ذو الرمة: قاتل الله أمة بني فلان ما أعربها سألتها كيف كان المطر عندكم فقالت: غثنا ما شئنا، وغيث من يلينا. حدثني الأثرم عن أبي عبيدة قال: أنشد ذو الرمة بلال بن أبي بردة: رأيت الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا [2] فقال: يا غلام قد انتجعنا [3] ناقته كما ينتجع الرعي فاعلفها قتا ونوى، فلما خرج من عنده قال: ما أقل فطنته للمديح. حدثني عافية بن شبيب عن إسحاق بن الموصلي عن الأصمعي، ثنا

_ [1] ديوان الراعي النميري- ط. بيروت 1980 ص 102- 103. والمسحل: المبرد، والحديدة التي تجعل في فم الفرس ليخضع، وطعن في مسحله إذا أخذ في أمر فيه كلام ومضى فيه مجدا. النهاية لابن الأثير. [2] ديوان ذي الرمة ج 3 ص 1535. [3] بهامش الأصل: خ- انتجعتنا.

عيسى بن عمر قال: سألت ذا الرمة عن النضناض، فأخرج لسانه فحركه. وأخبرني الأثرم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر عن ذي الرمة بمثله. وحدثني الأثرم عن الأصمعي عن عيسى قال: سألت ذا الرمة عن شيء من الكلام لا وجه له، فقال: أتعرف اليتن؟ قلت: نعم. قال: فهذا من الكلام يتن، واليتن أن يخرج رأس المولود بعد رجليه وتخرج رجلاه قبل رأسه. وقال ابن كناسة: أخبرتني امرأة من أهل البادية أنها رأت مي ذي الرمة تدخل بيتا، فأخبرت أنها مي فجلست على باب بيتها تنتظر أن تراها فدعيت لها فقالت: تعس غيلان فقد شهرني شهره الله، وهي من ولد طلبه بن قيس بن عاصم المنقري، وقالت المرأة: رأيتها فو الله ما أكبرتها حتى تكلمت، فقلت: ما بلغ ذو الرمة نعتها. وزعموا أم ميا كانت باقية الملاحة، وهي طاعنة في السن، فقالت امرأة من ولد قيس بن عاصم ونحلته ذا الرمة: على وجه مي مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا ألم تر أن الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء في العين صافيا فامتعض ذو الرمة وحلف بالله ما قاله. قالوا: وكان ذو الرمة يشبب بخرقاء وهي عامرية وقال: ومن حاجتي لولا التنائي وربما ... منحت الهوى من ليس بالمتقارب عطابيل بيض من ربيعة عامر ... عذاب الثنايا مثقلات الحقائب [1]

_ [1] العطابيل: الطوال الأعناق من النساء، والحقائب: الأعجاز.

يقظن الحمى والرمل منهنّ مخصر [1] ... ويشر بن البان الهجان النجائب [2] وزعموا أن ذا الرمة شبب بخرقاء وهي مسنة قد بلغت الستين وأدركها القحيف العقيلي، فأرسلت إليه تسأله أن يشبب بها في شعره فقال: لقد أرسلت خرقاء نحوي جريها ... لتجعلني خرقاء فيمن أضلت وخرقاء لا تزداد إلا ملاحة ... ولو عمرت تعمير نوح وجلت [3] وزعموا أن ذا الرمة أنشد قوله: وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولين بالألباب ما تفعل الخمر [4] وهو يريد كونا فكانتا فعولين خبر كانتا، فقال له عمرو بن عبيد: ويحك، قلت عظيما، فقل فعولان بالألباب وظن أنه أراد كونا فعولين فكانتا، فقال ذو الرمة: ما أبالي أقلت هذا أم سبحت، فلما علم ما ذهب إليه عمرو قال: يا سبحان الله لو عنيت ما ظننت لكنت جاهلا. ورأى جرير ذا الرمة عند بعض الولاة فكلمه بكلمة في أمر السرى والسير فغضب جرير فقال: وداوية لو ذا الرميمة رامها ... وصيدح أودى ذو الرميم وصيدح [5] يعني ناقته فخضع له حتى رضي. وكان لذي الرمة أخ يقال له مسعود بن عقبة وهو القائل:

_ [1] الحمى: موضع دون مكة ينزلنه في القيظ، وفي الديوان: والرمل منهن مربع، أي يرتبعن في الرمل. [2] ديوان ذي الرمة ج 1 ص 194. [3] ليسا في ديوانه المطبوع. [4] ديوان ذي الرمة ج 1 ص 578. [5] ليس في ديوان جرير المطبوع.

إذا الأمر أغنى عنك حنويه فاجتنب ... معرة أمر أنت عنه بمعزل وأخ يقال له أوفى بن عقبة هلك قبل ذي الرمة، فلما مات ذو الرمة قال مسعود: تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ... بصبر وجقن العين ملآن مترع ولم ينسني غيلان من كان قبله ... ولكنّ نك القرح بالقرح أوجع وأخ له يقال له هشام، وهو الذي قال له رجل: أوصني، فإني أريد مكة، فقال: أوصيك بتقوى الله وأن تصلي الصلوات لوقتها فإنك مصليها لا محالة، وهي لوقتها أفضل وأنفع، وإياك أن تكون كلب رفقتك فإن لكل رفقة كلب ينبح دونها، فإن كان خير شركوه فيه وإن كان شر تقلده دونهم. وحدثني أبو عدنان عن أبي عبيدة قال: قال ذو الرمة: بلغت نصف عمر الهرم، بلغت أربعين سنة، فما عاش بعد ذلك إلا قليلا فلما احتضر قال: يا قابض الروح من نفسي لموقتها ... وفارج الكرب أنقذني من النار [1] ويقال إنه قال حين احتضر: يا رب قد أشرفت نفسي وقد علمت ... علما يقينا لقد أحصيت آثاري يا رب فاغفر ذنوبا قد نطقت بها ... رب العباد وزحزحني عن النار [2] وكان ذو الرمة يقول: أنا أبو الحارث واسمي غيلان. المدائني قال: قال رجل لذي الرمة وهو يهزأ به: أيدلك الذي تراه على

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] ليسا في ديوانه المطبوع. انظر الأغاني ج 18 ص 44.

الشيء الذي لم تره؟ فقال: نعم، نظري إليك يدلني على أن أباك قد ناك أمك. وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو زيد سعيد بن أوس النحوي قال: صلى بنا ابن أخت ذي الرمة المغرب في مسجد بني عدي فقرأ: إن ربهم بهم [1] فأنكرت ذلك في نفسي فلما قال خبير قالها بغير لام. وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: لما احتضر ذو الرمة قال: هذا والله اليوم لا يوم أقول: كأني غداة الزرق يا مي مدنف ... أكيد بنفسي قد أتاها حمامها [2] وولد خلف بن عوف: هلال بن خلف. فولد هلال: شهاب بن هلال. وولد حارثة بن ثعلبة بن ربيعة: عمرو بن حارثة المخيط، وهو ثعلبة بن مالك بن معاوية بن عمرو بن حارثة، وابنه خليفة الذي قتل حسان بن الحشرج العنزي يوم أغار قدار العنزي على التيم وعدي، وأسر قدار وبه ضربة فمات في أيديهم، وأسر اللذان العجلي، وابنه مسعدة الذي أسر شيبان بن شهاب جد بني مسمع يوم الخوع [3] ، حين أغارت عدي على بني جحدر من بني قيس بن ثعلبة. وولد صعب بن ملكان: الحارث. وأمية. وولد جل بن عدي بن عبد مناة: الدؤل.

_ [1] سورة العاديات- الآية: 11. [2] الأغاني ج 18 ص 43 مع فوارق. [3] خوع: جبل أو موضع قرن خيبر. معجم البلدان.

فولد الدؤل بن جل: تميم بن الدؤل. وعوف بن الدؤل. فولد تميم: مالك بن تميم. وخزيمة بن تميم. وسعد بن تميم. منهم عياش بن عمرو بن مقرد، وله يقول الشاعر: وما هلكت تيم فأرجو وراية ... ولا رهط عباس بن عمرو بن مقرد فولد مالك بن تميم: ذكوان. وعامر. وحجر. ونشبه بن مالك بن تميم. فولد حجر: مالك بن حجر. وسعد بن حجر. وعامر بن حجر، منهم عمر بن حبيب بن عمر بن مجالد بن سليم بن عبد الحارث بن أسد بن كعب بن عدي بن جندل بن عامر بن مالك بن تميم بن الدؤل بن جل، ولي قضاء البصرة لهارون أمير المؤمنين الرشيد، ويكنى أبا حفص. وولد عوف بن الدؤل بن جل: بكر بن عوف. وجذيمة بن عوف. وولد خزيمة بن تميم بن الدؤل: عمرو بن خزيمة. وعبيدة بن خزيمة. ومالك بن خزيمة. وسعد بن خزيمة. فولد عبيدة بن خزيمة: الضريب بن عبيدة. وسعد بن عبيدة. فمن بني ذكوان بن مالك بن تميم بن الدؤل: عبيدة، وهو أبو سهم- الشاعر- بن حبيب بن كعب بن عامر بن ذكوان. ومنهم حميد بن هلال الفقيه وهو من بني أعصر بن ذكوان، مات أيام خالد بن عبد الله. ومن بني نشبة بن مالك بن تميم بن الدؤل: زهير بن ذؤيب بن زياد بن حمران بن جسر بن الحارث بن نشبة الذي يقول فيه حنظلة بن عرادة. فوارس مثل شعبة أو زهير ... ومثل العنبري مجربينا

ومن بني عدي: ضرار بن ثعلبة المخيط،

العنبري: رقبة بن الحر. ومنهم: حدير بن علقمة بن ظبيان بن عباد بن ذكوان رئيس بني مالك يوم قاتلوا بني العدوية في يوم الداهنة [1] . ومن ولده: سويد. وعبد الله. وعصم. وقرة، كانوا في ألفين من العطاء. ومن بني عدي: ضرار بن ثعلبة المخيط، غزا طائفة من بني شيبان، وبني عجل وبني عدي والرباب فنذروا بهم فاقتتلوا، فانهزمت بكر بن وائل، وأسر منهم عدة فطال أسارهم، فسألوا أن يمضي معهم من كانوا في يده إلى بلادهم على أن أجاروهم من بكر بن وائل، وضمنوا لهم أن يعيدوهم إلى منازلهم، وكان خليف بن ثعلبة بن المخيط قتل رجلا من بني تيم اللات، فوثبوا به فقتلوه وأخاه، فقال أدهم بن عصيم التيمي. يرجي عدي أن يؤوب ابن مخيط ... وقد غال جار الوائلي الغوائل وقال أبو اليقظان: من بني عدي: عمير بن خالد، شهد فتح الأبلة. ومنهم بنو شهاب كانوا أشرافا في الجاهلية، ويزعمون أنهم ردفوا الملوك في الجاهلية. قال الشاعر: كأرداف الملوك بني شهاب وفي منزل كعب بن حسان بن شهاب اختلفت الرباب حتى افترقوا، وكان كعب رأس بني عدي في زمانه، وهو جد عمر بن هبيرة من قبل النساء. ومنهم: والان كانت له عبادة وفضل وفيه يقول الشاعر:

_ [1] انفرد البلاذري بذكر هذا اليوم.

ولست كوالان الذي ساد بالتقي ... ولست كعمران ولا كالمهلب [1] ومنهم مسلم بن بديل، كان من وجوه قومه، ومنهم أبو شعل حسان بن عبد الله ويقال أنه أسر شيبان بن شهاب على فرس له. ومنهم مخيط واسمه ثعلبة بن مالك بن مسعدة، كان مسعدة رئيسا للرباب في الجاهلية وفيه يقول ذو الرمة: ومسعدة الذي ورد النسارا [2] وأغارت بنو عدي على بني جحدر من بَنِي قَيْس بْن ثعلبة بْن عكابة بالخوع، فأخذ مسعدة بن مخيط شيبان بن شهاب جد بني مسمع، وقد ذكر ذلك ذو الرمة في شعره، وكان خليفة بن مخيط شريفا وهو قاتل حسان العنزي يوم قدار العنزي. ومنهم: طلحة بن إياس كان قاضيا لأبي جعفر أمير المؤمنين. ومنهم: إسحاق بن سويد العدوي. كان فقيها ذا قدر وهو الذي يقول: برئت من الخوارج لست منهم ... من الغزال منهم وابن باب [3] وقال أبو اليقظان: حضر من بني عدي مع عائشة أم المؤمنين يوم الجمل عدة وقالوا: نحن عدي نبتغي عليا ... نحمل ماذيا ومشرفيا وبيضة والحلق الملويّا

_ [1] بهامش الأصل: أراد عمران بن الحصين والمهلب بن أبي صفرة. [2] الشطر الأول: «وجيء بفوارس كبني شهاب» ديوان ذي الرمة ج 2 ص 1384، والنسار جبل ناحية حمى ضرية. معجم البلدان. [3] بهامش الأصل: الغزال: واصل بن عطاء. وابن باب عمرو بن عبيد بن باب.

فقتل منهم بشر كثير. ومن بني عدي: أبو نعامة عمرو بن عيسى، كان له قدر وصلاح، وفيه يقول الفرزدق: أظن ابن عيسى لاقيا مثل وقعتي ... بعمرو بن عفرا وهي قاصمة الظهر تقوفت [1] مال ابني حجين وما هما ... كذي حطم فان ولا ضرع غمر [2] وكان الفرزدق سأل ابني حجين من بني عدي جائزة، فأشار عليهما عمرو بن عيسى أن يفتلا. ومن بني عدي أبو قتادة كان له فضل وكان يقول: اللهم ارزقني شهادة تسبق بشراها أذاها وفرحها حزنها تختلني فيها عن نفسي. فغزا سجستان مع عبد الرحمن بن سمرة فأتاه العدو وهو نائم فذبحوه. ومنهم العلاء بن زياد وكان من عباد الناس ولا عقب له. ومنهم شويس العدوي الذي يقول: والله لله أحب إلى قلبي من لحم جزور يهيّأ في عشية بمرية، وما أحب الرطانة، ولا انقاض العسرة وما ترقمني إلا الكرم. ومنهم أبو فرعون الذي كان يسأل بالبصرة، وكان شاعرا، وهو القائل: أبصرت في النوم بختي ... في سوء زي وسمت أعمى أصم كئيبا ... أبا بنين وبنت فقلت أخسست رزقي ... فقال رزقك في إستي

_ [1] تقوف المال: حجره على أصحابه. [2] ديوان الفرزدق: ج 1 ص 300.

فكيف لي بدواء ... يلين لي بطن بختي وقال محمد بن سعد: شويس العدوي يكنى أبا الرقاد وكان ممن حضر فتح الأبلة والفرات [1] . وأبو قتادة العدوي، واسمه تميم بن نذير. وأبو السوار العدوي واسمه حسان بن حريث. والعلاء بن زياد بن مطر العدوي مات في ولاية الحجاج. قال: وحميد بن هلال يكنى أبا نضرة مات في ولاية خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري فِي العراق. إسحاق بن سويد العدوي مات في خلافة أبي العباس في الطاعون الذي كان بالبصرة. وأبو نعامة العدوي عمرو بن عيسى. قال أبو عبيدة: غزا مسعدة بن المخيط بكر بن وائل فطعنه أبو شعل شيبان بن شهاب العدوي فلما سقط أخذه ربعي بن شهاب العدوي فأسره [2] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 7 ص 127. [2] بهامش الأصل: بلغت المعارضة بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله كل حمد وفضل.

نسب ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة

نسب ثور بْن عَبْد مناة بْن أد بْن طابخة وولد ثور أطحل بن عبد مناة: ملكان. وقال هشام: كل شيء في العرب فهو ملكان، بكسر الميم إلا في جرم ملكان بفتح الميم واللام ابن زبان بالفتح. فولد ملكان: عامر بن ملكان. ومالك بن ملكان. فولد عامر بن ملكان: ثعلبة. وأسلم. فولد أسلم بن عامر بن ملكان: عامر بن أسلم. منهم الهيثم بن رزين الذي قدم مع مزرد الكوفة ليسألا قومهما، فأجزلت عطية الهيثم ولم يعط مزرد ما أرضاه فقال مزرد: أتيت بني عمي فضنوا بمالهم ... علي ومن يجهل فإني عارف فهلا جمعتم جمع ثور لهيثم ... وأنتم مع الغر الكرام الغطارف [1] فولد ثعلبة بن عامر بن ملكان: الحارث. وشقرة بضم الشين. ومنهم: قيار بن حسان بن فزارة بن ربيعة بن أوس بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة الذي ذكره البردخت العكلي. ونزل جرير بن عطية الخطفى بقيار فقال:

_ [1] ديوان المزرد بن ضرار- ط. بغداد 1962 ص 52- 54.

ومنهم الربيع بن خثيم [1] الثوري،

أبلغ جريرا وقيارا وقل لهما ... ألستما تحت خلق الله في النار مازلت تطلب أوضارا وتلحسها ... حتى وقعت على الثوري قيار ما ثور أطحل إذ عدوا مساعيهم ... ولا كليب بن يربوع بأخيار فقال جرير من هذا؟ قالوا: البردخت قال وما البردخت؟ قالوا الفارغ. قال فو الله لأجعلن له بنفسي وشعري شغلا. ومنهم الربيع بن خثيم [1] الثوري، ولم ينفذ ابن الكلبي نسبه، وكان عابدا. فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِذَا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِذْنٌ حَتَّى يَفْرُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُ: لَوْ رَآكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّكَ، مَا رَأَيْتُكَ إِلا ذَكَرْتُ الْمُخْبِتِينَ. حَدَّثَنَا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو بكر بن عَيَّاشٍ عَنْ عِيسَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمَعَنَا رَبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ فَمَرَرْنَا بِحَدَّادٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَنْظُرُ إِلَى حَدِيدَةٍ فِي النَّارِ فَنَظَرَ رَبِيعٌ إِلَيْهَا فَتَمَايَلَ لِيَسْقُطَ، فَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى أَتُّونٍ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ فَلَمَّا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالنَّارُ تَلْتَهِبُ فِيهِ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هنالك ثبورا [2] قَالَ فَصُعِقَ الرَّبِيعُ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ إِلَى أهله، قال: فرابطه عبد الله إلى

_ [1] بهامش الأصل: الربيع بن خثيم. [2] سورة الفرقان- الآيتان: 12- 13.

الظُّهْرِ فَلَمْ يَفِقْ، ثُمَّ رَابَطَهُ إِلَى الْعَصْرِ فَلَمْ يَفِقْ، فَرَابَطَهُ إِلَى الْمَغْرِبِ فَلَمْ يَفِقْ، ثُمَّ إِنَّهُ أَفَاقَ فَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِهِ. وحدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا أبو حيان، حدثني أبي قال: كان الربيع بعد ما سقط شقه يهادي بين الرجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يقولون له: يا أبا يزيد لقد رخص الله لك فلو صليت في بيتك، فيقول إنه كما تقولون ولكني سمعته ينادي حي على الفلاح، فمن سمعه منكم ينادي حي على الفلاح فليجبه إن استطاع ولو زحفا، ولو حبوا. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن محمد بن طلحة عن زبيد اليامي أن الربيع بن خثيم كان كل غداة إذا انصرف أقبل عليهم بوجهه فقال: قولوا خيرا، افعلوا خيرا، داوموا على صالحة، واستكثروا من الخير، واستقلوا من الشر، لا يتطاولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا بسمعون [1] . حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن سعيد القطان، ثنا أبو حيان، حدثني أبي وسعيد بن مسروق عن ربيع بن خثيم قال: لا خير في الكلام بعد أن تسمع التكبير والتسبيح والتمجيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وسؤالك الخير، وتعوذك من الشر. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا أبو حيان، حدثتني أم الأسود بنت هلال قالت: كانت ابنة لربيع تقول لأبيها: يا أبتاه دعني ألعب، فيقول: يا بنية قولي خيرا، فإني لم أسمع الله عز وجل رضي اللعب

_ [1] سورة الأنفال- الآية: 21.

لأحد، فتلقنها أمها فتقول لا تقولي ألعب، قولي أتحدث إلى آل فلان فيتركها. حدثنا أحمد، ثنا شبابة بن سوار، ثنا يونس، ثنا بكر بن ماعز عن الربيع بن خثيم أن ابنته أتته فقالت: يا أبة أذهب ألعب؟ فسكت عنها، فقال من حوله: سبحان الله لو أمرتها أن تذهب فتلعب فقال: لا والله لا يكتب علي أني أمرتها باللعب. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ نسير بن ذعلوق عن هبيرة بن خزيمة قال: أنا أول من أتى الربيع بن خثيم بقتل الحسين بن علي، فقال: أقتلوه؟ أقتلوه؟ ثم قرأ: قل اللهم فاطر السماوات وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عبادك فيما كانوا فيه يختلفون [1] . حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو النضر عن زكريا بن سلام عن بلال بن المنذر قال: قال رجل: إن لم أستخرج اليوم من ربيع سبة لأحد لا أستخرجها أبدا، فقلت: يا أبا يزيد قد قتل ابن فاطمة قال: فاسترجع ثم تلا: قل اللهم فاطر السماوات والأرض الآية. قال: فقلت: ما تقول؟ قال: ما أقول: إلى الله إيابهم وعلى الله حسابهم [2] . حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ سُفْيَانُ عَنْ أبيه قال: قال ربيع: اصطروا هذا القرآن إلى الله ورسوله، قال أحمد بن إبراهيم: يعني ردوه إلى الله ورسوله.

_ [1] سورة الزمر- الآية: 46. [2] انظر سورة الغاشية- الآية: 26.

حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن نسير بن ذعلوق عن إبراهيم التيمي قال: حدثني من صحب الربيع بن خثيم عشرين سنة فما سمع منه كلمة تعاب. حدثنا أحمد، ثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: قال فلان: إني لأرى الربيع بن خثيم لم يتكلم منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو بدر عن سفيان عن رجل من بني تيم الله قال: جالست الربيع بن خثيم عشر سنين، فما سمعته يسأل عن شيء من أمر الدنيا إلا مرتين، قال مرة: أحية والدتك؟ وقال مرة أخرى كم لك من مسجد؟ حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو السري سهل بن محمود، ثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن الربيع أنه قال: أريدوا الخير، وأكثروا ذكر هذا الموت الذي لم تذوقوا قبله مثله، واعلموا أن الغائب إذا طالت غيبته وحمت جيئته، وانتظره أهله أوشك أن يقدم عليهم. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع بن الجراح، ثنا فطر عن منذر الثوري عن الربيع قال: ليتق أحدكم تكذيب الله إياه بأن يقول: قال الله كذا وكذا فيقول: كذبت لم أقله، ويقول لم يقل الله كذا فيقول: كذبت قد قلته. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عبيد، حدثني أبي عن أم الأسود سرية كانت للربيع بن خثيم قالت: كان يعجب الربيع السكر يأكله، فجاء سائل فناوله منه شيئا فقلت: ما يصنع هذا بالسكر، الخبز

خير له. قال: إني سمعت الله عز وجل يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مما تحبون [1] ويقول: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [2] . حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا خلاد بن يحيى السلمي، ثنا سفيان، أخبرتني سرية الربيع قالت: كان عمل الربيع كله سرا، إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه. حدثنا أحمد، ثنا وكيع، أنبأ الأعمش عن منذر عن الربيع بن خثيم أنه كان يكنس الحش بنفسه فقيل له: إنك تكفى، فقال: إني آخذ بنصيبي من المهنة. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان عن سرية الربيع أنه كان يأمر بالدار فتنظف. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان عن أبيه سعيد بن مسروق عن أبي يعلى عن الربيع قال: ما من غائب ينتظره المؤمن خير له من الموت. وحدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثني يحيى بن معين، ثنا محمد بن فضيل، أنبأ أبي عن سعيد بن مسروق عن ربيع أنه لبس قميصا له سنبلانيا ثمنه ثلاثة دراهم أو أربعة، فكان إذا مد كمه بلغ أظفاره وإذا أرسله بلغ ساعده، قال: فكان يقول إذا رأى بياض القميص: أي عبيد تواضع لربك، ثم يقول: أي لحية أي دمية كيف تصنعان إذا حملت الأرض

_ [1] سورة آل عمران- الآية: 92. [2] سورة الإنسان- الآية: 8.

والجبال فدكّتا دكّة واحدة [1] . كيف تصنعان إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا. وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا. وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بجهنم [2] . حدثني أحمد، ثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن بكر بن ماعز قال: أصاب الربيع الفالج فكان يسيل لعابه، فرآني أنظر إليه فقال: ما تنظر ما أحب أن ما بي بأعتى الديلم على الله. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن نسير قال: قال رجل للربيع: أوص لي بمصحفك فنظر إلى ابن له صغير فقال: وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [3] . حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ نسير أن الربيع كان يقول إذا أتوه: أعوذ بالله من شركم، قال ابن مهدي: يعني من يجلس إليه. حدثنا أحمد، ثنا عبيد الله بن موسى. أنبأ الأعمش عن منذر عن الثوري أن الربيع بن خثيم قال لأهله: اصنعوا لنا خبيصا فصنعوه، فدعا رجلا كان به خبل فجعل يلقمه ولعابه يسيل، فلما خرج قال أهله: تكلفنا وصنعنا، ثم أطعمته هذا ما يدري هذا ما يأكل، فقال: لكن الله يدري. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن نمير، أنبأ الأعمش عن إبراهيم قال: كان الربيع بن خثيم يزور علقمة وكان في الحي جماعة والطريق في المسجد، فدخل المسجد نساء فلم ينظر إليهنّ الربيع حتى

_ [1] سورة الحاقة- الآية: 14. [2] سورة الفجر- الآيات: 21- 23. [3] سورة الأنفال- الآية: 75.

خرجن فقيل له: ألا تستأذن على علقمة فقال: إن بابه مغلق وأنا أكره أن أؤذيه. حدثنا أحمد، ثنا ابن مهدي عن محمد بن عيينة قال: كان ربيع بن خثيم يقول لعلقمة: ما بالكوفة أحد أزوره غيرك. حدثنا أحمد، ثنا ابن مهدي، ثنا إسرائيل عن سعيد بن مسروق عن منذر الثوري قال: كان الربيع إذا سجد في الرعد قال: بل طوعا يا ربنا. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن أبيه عن أبي يعلى منذر أو بكر بن ماعز عن ربيع قال: إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرف، وظلمة كظلمة الليل تنكر. حدثنا أحمد، ثنا ابن مهدي عن عبد الله بن المبارك قال: كتب الربيع إلى أخ له: أن رم جهازك وافرغ من زادك وكن وصي نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن مفضل بن يونس قال: ذكر عند الربيع رجل فقال: ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذمها لذم الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب العباد، وأمنوه على ذنوب أنفسهم. وحدثني بكر بن الهيثم، حدثني عبيد بن جناد قال: بلغني أن الربيع بن خثيم قال أنا أسأل الله حاجة مذ عشرون سنة فما أجابني إليها، وهي تركي ما لا يعنيني. قال: وبلغني أنه قال: لولا أن أمدح نفسي لذممتها. حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن عمارة بن القعقاع قال: سمعت شبرمه يقول: ما رأيت بالكوفة حيا أكثر

فقيها متعبدا من بني ثور. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن العلاء بن المسيب عن أبي يعلى قال: لقد أدركت في بني ثور ثلاثين رجلا ما منهم رجل دون الربيع بن خثيم. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ أبيه عن أبي يعلى قال: كان الربيع بن خثيم يقول إذا قيل له: كيف أصبحتم؟: أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا. حدثنا أحمد، ثنا عبد الرحمن عن سفيان عن سرية الربيع أن الربيع كان يحب السكر ويحب أن يطعم منه، وكان يتصدق بالرغيف ويقول: إني لأكره أن تكون صدقتي كسرا. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن أبيه قال: قيل لأبي وائل: أنت أكبر أم الربيع؟ فقال: أنا أكبر منه سنا وهو أكبر مني عقلا. حدثنا أحمد، ثنا هشيم عن مغيرة أن الربيع كان له على رجل حق، فكان يأتيه فيقوم على بابه فيقول: أيم فلان. إن كنت موسرا فأد وإن كنت معسرا فإلى ميسرة. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا زيد بن الحباب العكلي عن سفيان عن بعض أصحاب الربيع أن الربيع كان يصلي بالليل في داره فإذا سمع حس أحد يمر في الطريق كف، فإذا علم أنه مضى أخذ في صلاته. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا زيد بن الحباب، أخبرني سعيد بن عبد الله بن الربيع، أخبرتني جدتي أم أبي سرية الربيع أنها قالت له: ألا تنام

الليل؟ فقال: وكيف ينام من يخاف البيات؟ وكان لا ينام. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا سفيان عن أبيه عن بكر بن ماعز قال: قال لي الربيع: يا بكر بن ماعز اخزن لسانك إلا مما لك لا عليك، إني اتهمت الناس على ديني فاتهمهم على دينك، أطع الله فيما علمت، وما استؤثر به عليك فكله إلى عالمه، ما كل ما أنزل على محمد أدركتم علمه، وما كل ما تقرأون تدرون ما هو، لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ، ما ابتغيتم الخير وفررتم من الشر. ما خياركم بخيار الناس ولكنهم خير ممن هو شر منهم، السرائر، السرائر التي تخفى من الناس وهي عند الله بادية. التمسوا دواءكم، وما دواؤكم، أن تتوبوا إلى الله ثم لا تعودوا. حدثنا أحمد، ثنا يعلى بن عبيد عن أبيه قال: كان للربيع غلام فكان يميل بين أن يعتقه أو يبيعه ويتصدق بثمنه فباعه بألفي درهم ففرقها صررا. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا علي بن الحسن عن عبد الله عن سفيان قال: كان الربيع إذا دخل بيته وخلا قال: مرحبا بكاتبي وشاهدي وصاحبي، تعاليا فاكتبا من الكلام الطيب: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن سعيد القرشي، ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: ما جلس ربيع بن خثيم في مجلس ولا على طريق مذ ائتزر وقال: أخاف أن يظلم رجل فلا أنصره، ويفتري رجل على رجل فأكلف الشهادة، أو لا أغض البصر، ولا أهدي السبيل، أو يقع عن حاملة حملها فلا أحمله عليها، أو يسلم فلا أرد السلام.

حدثنا أحمد بن شعيب بن حرب عن مالك بن مغول عن الشعبي بمثله قال: فكنا ندخل عليه في بيته أو قال في منزله. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا زهير بن حرب، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ قال: كان الربيع إذا اشتد عليه الحر في جوف الليل ركز رمحه في وسط داره ثم صلى إليه. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن منذر عن الربيع أنه أوصى عند موته: هذا ما أقر به الربيع بن خثيم على نفسه، وأشهد الله عليه، وكفى بالله شهيدا، وجازيا لعباده الصالحين، ومثيبا، بأني رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا، ورضيت لنفسي ولمن أطاعني بأني أعبده في العابدين وأحمده في الحامدين، وأنصح لجماعة المسلمين. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو أحمد الزبيري عن قيس بن سليم العنبري عن جواب التيمي قال: جاءت أخت الربيع عائدة لبني له فقالت: كيف أنت يا بني، فجلس ربيع فقال: أأرضعته؟ قالت: لا. قال: فما عليك لو قلت يابن أخي فصدقت. قال: وكان الربيع يأتي القبور فيقول: يا أهل القبور كنتم وكنا جميعا، وسنكون وأنتم جميعا. حدثنا أحمد، ثنا عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَامِرٍ الشعبي قال: دخلنا على الربيع بن خثيم فقال: اللهم لك الحمد كله، وبيدك الخير كله، أسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله.

حدثنا أحمد، ثنا بعض أصحابنا عن سفيان أراه عن منذر قال: ما جلس الربيع مذ ائتزر خارجا إلا مرة، فجاءت بندقة فأصابت جبهته فأدمته، فقال الربيع: اتعظ يا ربيع. حدثنا أحمد، ثنا وكيع عن سفيان عن منذر عن أبيه عن الربيع في قوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [1] ، قال: من كل شيء ضاق على الناس. حدثنا أحمد، ثنا يحيى عن سفيان عن سالم عن منذر قال: كان الربيع إذا رآني تعجبني الكتب قال: ألا أدلك على صحيفة عليها خاتم من محمد صلى الله عليه وسلم. ثم يتلو: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ما حرم ربكم عليكم [2] الآيات. حدثنا أحمد، ثنا عثمان بن زفر بن مزاحم بن زفر التيمي، ثنا ربيع بن منذر الثوري عن أبيه عن ربيع قال: كل ما لا يبتغى به وجه الله مضمحل. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان عن أبيه قال: كان رجل من الخوارج يجلس إلى الحي فهموا به فقال الربيع: واهجرهم هجرا جميلا [3] . حدثنا أحمد، ثنا وكيع عن سفيان أن فرسا للربيع سرقت فحمل على مهرها في سبيل الله وقال: اللهم إنه سرقني ولم أكن لأسرقه فأصلحه. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا قبيصة عن سفيان عن أبيه عن بكر بن ماعز قال: بلغ الربيع أن عزرة- أو عروة- يقول: أن جاءت الفتن فقد

_ [1] سورة الطلاق- الآية: 2. [2] سورة الأنعام- الآية: 151. [3] سورة المزمل- الآية: 10.

رأينا وجربنا، فقال: أرأيتم إن جاءت صما خرسا عميا. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا علي بن الحسن عن عبد الله عن سفيان قال: كان يتبع الربيع يوم الجمعة شباب من الحي إذا راح فيقول بيده: أعوذ بالله من شركم. حدثنا أحمد، ثنا علي بن الحسن عن عبد الله عن عيسى بن عمر قال: ذكروا عند ربيع شيئا من أمر الناس فقال: ذكر الله خير من ذكر الرجال. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ أبيه قال: أغزى علي عليه السلام الربيع الديلم وعقد له عَلَى أربعة آلاف منَ المسلمين. حدثني بعض أهل قزوين قال: بقزوين مسجد للربيع بن خثيم معروف، وكانت فيه شجرة يزعمون أنه غرس سواكه فأورق وصار شجرة تتمسح بها العامة فقطعها السلطان في أيام عبد الله بن طاهر لئلا يفتن الناس بها. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا سهل بن محمود، ثنا مبارك بن سعيد عن ياسين الزيات قال: جاء ابن الكواء إلى ربيع فقال: دلني على من هو خير منك، فقال: من كان منطقه ذكرا، وصمته فكرا، ومسيره تدبرا، فهو خير مني. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أبان أبو محمد، ثنا سفيان عن أبي حيان عن أبيه قال: حملت جنازة الربيع مرة [1] ، قال سفيان: من كثرة الزحام.

_ [1] بهامش الأصل: خ، امرأة.

حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا جعفر بن عون عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: أوصى الربيع فقال: لا تشعروا بموتي أحدا، وسلوني إلى ربي سلا. وكان عمرو بن ميمون الأودي قال: لا تخفوا علي موت أخي، فقالوا فإن أخاك أوصى أن لا يشعر بموته أحد فتعهد ذلك، قال عمرو: فبت تلك الليلة على بعض دكاكين بني ثور مخافة أن أسبق به. حدثني عبد الله بن صالح، ثنا المحاربي عن عبد الملك بن عمير قال: قيل للربيع بن خثيم في مرضه ألا ندعوا لك طبيبا؟ فقال: أنظروني، وتفكر ثم قال: وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا [1] كان فيهم الداء والدواء فهلك المداوون والمتداوون، لا والله لا تدعون لي طبيبا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ الربيع في قول الله تبارك وتعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حق تقاته [2] قال: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى. حدثنا أحمد، ثنا أبو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ الربيع في قوله عز اسمه: وآتى المال على حبّه [3] قال: تؤته وأنت شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر. حدثنا عفان، ثنا سليم بن أخضر، أنبأ ابن عون عن مسلم أبي عبد الله قال: كان ربيع بن خثيم في المسجد ورجل خلفه، فلما ثاروا إلى الصلاة جعل الرجل يقول له: تقدم، فلا يجد الربيع مساغا بين يديه،

_ [1] سورة الفرقان- الآية: 38. [2] سورة آل عمران- الآية: 102. [3] سورة البقرة- الآية: 177.

فرفع الرجل يده فوجأ عنق الربيع، وهو لا يعرفه فالتفت الربيع إليه فقال له: رحمك الله رحمك الله، وجعل الرجل يبكي حين عرف ربيعا. حدثنا أحمد، ثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان عن نسير بن ذعلوق قال: كان الربيع يبكي حتى تبتل لحيته من دموعه، ثم يقول: لقد أدركنا قوما ما كنا في جنوبهم إلا لصوصا. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا مالك بن إسماعيل النهدي، حدثني سيف بن هارون عن عبد الملك عن عبد خير قال: كنت رفيقا للربيع في غزاة فرجع ومعه رقيق ودواب قال: فمكث قليلا ثم أتيته فلم أحس من ذلك شيئا، فقلت: ما فعل رقيقك ودوابك؟ فلم يجبني، فأعدت عليه فقال: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تحبون. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم قال: قيل للربيع: لو كنت تقول البيت من الشعر فقد كان أصحابك يقولون. فقال: إنه ليس شيء يتكلم به أحد إلا وجده في إمامه وإني أكره أن أجد في إمامي شعرا. حدثنا إبراهيم، ثنا الحسن بن الربيع عن ابن إدريس عن حصين عن الربيع أنه كان يقول إذا أراد أن يفطر: الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا بكير بن محمد بن أسماء بن عبيد عن مسلم الخواص أنه سمعه يقول: كان الربيع قد حفر في داره قبرا، فإذا وجد في قلبه قسوة أو جفوة جاء فاضطجع في القبر، فيمكث فيه ما شاء الله ثم يقول: رب ارجعون، رب ارجعون، رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أعمل

ومنهم: سفيان بن سعيد [4] بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد،

صالحا فيما تركت [1] ثم يقول: يا ربيع قد رجعت، قد رجعت، ثم يقوم فيمكث ما شاء الله وذلك يرى فيه. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن جعفر الرقي، ثنا أبو المليح عن يوسف بن الحجاج الأنماطي قال: سمعت الربيع بن خثيم يقول: لأن أقلب بيدي شحم خنزير أحب إلي من أن أقلب بهما كعبي النردشير. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو معاوية محمد بن خازم الضرير عن الأعمش عن أبي رزين عن الربيع في قوله: بَلَى مَنْ كَسَبَ سيئة وأحاطت به خطيئته [2] . قال: مات على المعصية. وقال محمد بن سعد: كان الربيع يدعى أبا يزيد، ومات في ولاية عبيد الله بن زياد [3] . ومن بني ثور: بكر بن ماعز وأبو يعلى منذر الثوري. ومنهم: سفيان بن سعيد [4] بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد، وأخوه المبارك بن سعيد. وكان سفيان بن سعيد، وهو الثوري الفقيه يكنى أبا عبد الله، ومات أبوه سعيد في ولاية عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ العراق ليزيد الناقص. حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي عن بشر بن الحارث العابد قال: قال سفيان بن عيينة، وكان شيخ الناس: الناس ثلاثة. ابن عباس في زمانه،

_ [1] سورة المؤمنون- الآيتان: 99- 100. [2] سورة البقرة- الاية: 81. [3] طبقات ابن سعد ج 6 ص 182، 193. [4] بهامش الأصل: سفيان الثوري.

والشعبي في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه. وقال عبد الله بن المبارك ليحيى بن سعيد القطان: إذا لقيت سفيان فلا تسأله إلا عن رأيه. وحدثني أبو الحسن المدائني عن الفضيل بن عياض أنه قال لسفيان الثوري: دلني على رجل صدق أجلس إليه، فقال: تلك ضالة لا توجد. وقيل لسفيان: إنك لتكثر ذكر شهوتك للموت وقد جاء في ذلك ما تعلم فقال: إن الله ليعلم لأي شيء أشتهيه، أخاف أن أحول عما أنا عليه وأنتقل إلى غيره. وقال أحمد بن إبراهيم: ثنا وكيع قال: بعث سفيان إلى متطبب بمائه فزعموا أنه قال: إن لم يكن هذا محموما فهو محزون. قالوا: وكان سفيان يقول: إني لأحزن فأبول دما. حدثنا أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك عن سفيان قال: ذكر الموت غنى وقال: ما أطاق أحد العبادة إلا بخوف. حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثني خلف بن تميم قال: سمعت سفيان الثوري يقول: وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء في بتوت [1] وعباء، وقال: كانوا يحبون الأسفار ويعجبهم أن يموتوا غرباء. وقال عبد الله بن المبارك: قلت لسفيان إذا كانت الفتنة فأين ترى أنزل؟ فقال: الكوفة أو البصرة. حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثني حسن بن الربيع عن عبد الله بن المبارك، حدثني عمار بن سيف الضبي قال: شرب سفيان الثوري عندي

_ [1] البتوت جمع بت وهو كساء غليظ مربع، وقيل طيلسان من خز. النهاية لابن الأثير.

دواء فقلت له: أجيئك بعسل أو نبيذ؟ فقال: بعسل. حدثني أحمد بن إبراهيم، عن حسن عن محمد بن إسماعيل قال: قلت لسفيان في شيء من الأشياء إذا كان قابل فقال: أتراني يا محمد أعيش إلى قابل إنا لله إذا. المدائني عن ابن المبارك قال: قال سفيان الثوري: نظام العبادة النصيحة للناس، ونظام الصدقة الرحمة لذوي الخلة، ونظام العلم صدق اللسان، فأي هذه الخلال فقد نظامه بطل فضله. قال: وقال سفيان: أنا للظالم أرحم مني للمظلوم. حدثني أبو عمران المقرئ الضرير قال: سمعت ابن عيينة يقول: لله در الثوري، بلغني أنه قال: عجبا لرجل يعرفه صاحبه بمودته ونصيحته ولا يعلم منه إلا خيرا خمسين سنة ثم يأتيه رجل لا يعرفه فيخبره عنه بسوء فيقبله منه ويطرح معرفته. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يوسف الفاريابي قال: قال سفيان الثوري: لقد صدق جعفر بن عمرو بن حريث حيث قال: لا ينبغي للعاقل أن يسمع من ذي غيبة، فإن المغتاب عندك اليوم مغتاب لك غدا. حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الفضل بن دكين قال: سمعت إنسانا سأل سفيان بمكة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في النبيذ؟ فقال: عليك بماء زمزم. حدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إبراهيم، ثنا وهب بن إسماعيل الأسدي قال: كنت عند سفيان الثوري فجاء شميط، وكان من أفاضل أهل الكوفة، فسكن السواحل فقال له سفيان: يا أبا

عبد الله ذهب الناس وبقينا في حمر دبرة، فقال شميط يا أبا عبد الله إن تكن هذه الدبرة على الطريق فيوشك أن تبلغ يوما، ثم قام فمضى، فقال سفيان: هذا والله خير مني، هذا والله خير مني، قالها ثلاثا. ومات شميط في بعض السواحل. حدثني أحمد بن إبراهيم، عن عبيد بن جناد قال: سمعت عطاء بن مسلم يقول: كنت أنا وأبو إسحاق الفزاري عند سفيان الثوري ذات ليلة وهو مضطجع، فرفع رأسه إلى أبي إسحاق فقال: إياك والشهرة. وقال أحمد بن إبراهيم: قيل لسفيان متى يهلك الرجل؟ قال: إذا عرف وشهر. قال عبيد: وقال عطاء بن مسلم: خرج سفيان من ستر له ذات ليلة وهو مغضب وعليه بت فبسطه ثم اضطجع عليه، وقال: لا تسبوا الأمراء فإني قسمت الساعة شيئا بين أهلي ففضلت بعضهم على بعض، فو الله ما رضي علي الذي فضلته ولا سلمت ممن فضلت عليه. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ عَنْ شعيب بن حرب عن سفيان الثوري قال: رضى الناس غاية لا تدرك. قال: وسمعته يقول: شرار الناس قراؤنا هؤلاء الذين تقارضوا الثناء بينهم. وقال أبو إسحاق الفزاري: قال سفيان الثوري: إنما يتعلم العلم ليتقى الله به. وقال سفيان: زينوا الحديث بأنفسكم وورعكم. وقال سفيان: إن للكذب منازل فأسوأها أثرا وأعظمها ضررا إخلاف المواعيد، واتهام الأبرياء.

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو نعيم حدثني أبو أحمد الزبيري قال: رأيت الحسن بن صالح بن حي يصلي عند الطشت فجاء سفيان فخلع نعليه، فلما رأى الحسن أخذ نعليه ومضى إلى موضع آخر. قال أحمد بن إبراهيم: وكان الحسن شيعيا. وقال أبو نعيم: مات مسعر بن كدام في رجب سنة خمس وخمسين ومائة فما شهد جنازته سفيان ولا شريك، وكان مرجئا. وقالوا: قال رجل لسفيان: إن بني عمي ربما كسوني ولكنهم يفعلون ويصنعون، فقال سفيان: ما أقبح بالرجل أن يأخذ خرق قومه ثم يذمهم. قالوا: وكان سفيان يمر بالأشياخ فيقول: ما ينتظرون بالزرع إذا استحصد؟. حدثني أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ قال: قال لي سفيان: اذهب إلى ذاك- يعني أبا حنيفة- فسله عن عدة أم الولد إذا مات عنها سيدها، فأتيته فسألته فقال: ليس عليها عدة. فأخبرت سفيان بقوله فقال: هذه فتوى يهودي. وذكروا عن جرير الضبي عن ثعلبة عن سفيان أنه قال: ما ولد في الإسلام مولود أشأم على هذه الأمة من أبي حنيفة. وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ قَالَ: دعي سفيان الثوري وشريك إلى ولاية القضاء فامتنعا فحبسا فأما سفيان فسأل الموكل بهما أن يأذن له في إتيان منزله لحاجة له وحلف له ليعود، فخلف نعليه ومضى فلم يبعد حتى عاد فأخذ نعليه، ثم مضى فاستخفى، وأجاب شريك إلى القضاء فوليه. قال أبو اليقظان: كان سفيان الثوري ورعا فقيها، وأتى البصرة

فتوارى بها، وبها مات متواريا، ودفن عشاء فقال الشاعر. تحرز سفيان وفر بدينه ... وأمسى شريك مرصدا للدراهم ويروى: وباع شريك دينه بالدراهم. حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا سعدويه عن أبي شهاب قال: قدمت مكة فأتيت سفيان وهو مستلق فسلمت عليه فلم يجبني فقلت: إن أهلك بعثوا إليك معي بمزود فيه طعام، فاستوى جالسا فقلت: يقدم عليك رجل من أهل مصرك فيسلم عليك فلا تكلمه حتى إذا ذكر الطعام جلست؟ فقال: لا تلمني يا أبا شهاب فما ذقت ذواقا مذ ثلاث. حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت سفيان ما لا أحصي يقول: ما من شيء أخوف عندي منه، يعني الحديث. وروي أنه قال: ليتني لم أكتب من الحديث ما كتبت وأن يدي مقطوعة. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان قال: ما أعلم عملا أفضل من طلب العلم وحفظه لمن أراد الله به. حدثني أحمد، ثنا قبيصة قال: سمعت سفيان يقول في قول الله: له ما بين أيدينا. قال: الآخرة وما خلفنا الدنيا وما بين ذلك [1] النفختين. قال: وسمعته يقول: خير الدنيا لكم ما لم تبتلوا به. وخير ما ابتليتم به منها ما خرج من أيديكم. قال أحمد: وثنا وكيع قال: سمعت سفيان يقول: الزهد في الدنيا

_ [1] سورة مريم- الآية: 64.

قصر الأمل ليس بأكل الغليظ، ولبس العباء. وقال ابن المبارك: قال سفيان: الحزن على قدر البصر، وكان سفيان يقيم أصحابه فيقول: قوموا فصلوا ما دمتم شبانا، وكان سفيان يقول: لا يعجبني قول الرجل: أمتع الله بك، ولا: وصلك الله. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سجد سفيان على مرفقه، فقلت: إن ابن عمر قال: يومىء فقال: ابن عباس أفقه من ابن عمر. وقال ابن مهدي: كان سفيان يكره أن يحج الرجل عن الرجل بأجرة. وقال أبو عاصم النبيل: كنا إذا جلسنا إلى سفيان قال: إن النهار يعمل عمله. وقال أبو عاصم: أنبأ سفيان قال: كان الرجل لا يطلب الحديث حتى يتعبد قبل ذلك عشرين سنة. حدثنا أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان في قول الله: إِنِّي أراكم بخير [1] قال رخص الأسعار. حدثنا أحمد، ثنا قبيصة عن سفيان قال: من أفضل الأعمال إدخال السرور على المسلم. أحمد عن عبيد الله بن موسى عن سفيان قال: البس من الثياب ما لا تستشهره [2] الفقهاء، ولا يزدريك به السفهاء، وكان يقول: خير الأمور أوساطها.

_ [1] سورة هود- الآية: 84. [2] بهامش الأصل: خ تشتهره.

وقال أبو نعيم: سمعت سفيان يقول: الإيمان يزيد وينقص. وكان سفيان يقول: لا يشهد على رجل باسمه أنه في الجنة بَعْد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ: قال ابن عباس: لا أذكر أحدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قالوا: وكتب سفيان إلى عباد الخواص: إنك إن اتقيت الله، كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا، فعليك بتقوى الله، ولزوم العزلة، واشتغل بنفسك عن غيرك، واستأنس بكتاب الله، وتفقد دينك وورعك وأصلح قلبك ونيتك، وأحب المساكين، وأمر بالخير في رفق، فإن قبل منك حمدت الله وإن لا أقبلت على نفسك، ولم تمتهنها لغيرك. وقد كان ابن مسعود يقول: النجاة في اثنتين: في التقى والنهي، والهلاك في اثنتين: في العجب والقنوط، فسدد واستعن بالله، والسلام. المدائني عن الثوري قال: كان يقال إذا أراد الله بقوم سوءا جعل هلكتهم في حيلتهم. وقال سفيان لرجل: أدن مني فلو كنت غنيا ما أدنيتك. وكان يقول: لأحب الرجل وما يعلم بحبي له. وقال له رجل: قم إلى. فقال: إن كنت عجليا قمت إليك، وكانت أمه عجلية. وكان يقول: المال في هذا الزمان سلاح المسلم. وقال محمد بن عبيد الطنافسي رأيت سفيان يطوف حول البيت وعليه

كساء كرا [1] وهطرا [2] وعليه إزار قد تقطع وسطه ولفق طرفاه، فكأني أرى الدرر بين رجليه وهو يطوف. وروي عن سفيان قال: ما درهم ينفقه المؤمن هو فيه أعظم أجرا من درهم يعطيه صاحب حمام ليخليه له. وكتب سفيان إلى أخيه مبارك بن سعيد: أما بعد فأحسن القيام على عيالك وليكن الموت من بالك، والسلام. حدثني أحمد بن إبراهيم عن أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ سفيان أنه صلى على جنازة فكبر الإمام أربعا، ثم توقف ليكبر الخامسة فاعتزل سفيان وجلس. وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: أكلت مع سفيان ناطفا معقدا بجوز ولوز وخشكنانج [3] فقال: أما إنا لم نصنعه، ولكن أهدي لنا. حدثنا أحمد، ثنا وكيع عن سفيان قال: بلغنا أن الداذي خمر السند، ولا يشربه إلا الفساق، وقال: إذا غلى النقيع فلا تشربه. حدثني أحمد بن إبراهيم عن أبي يعقوب الحلبي عن عطاء الحلبي قال: قال لي سفيان الثوري ونحن نطوف بالبيت: يا عطاء احذر الناس، وأنا أيضا فاحذرني. وقال سفيان: لا تعلم العلم لتباهي به العلماء، وتماري به السفهاء، وتشاكل به الأغنياء أو تستخدم به الفقراء. وقال عبد الله بن المبارك: سمعت سفيان يقول: ليس هذا بزمان

_ [1] أي كساء طويلا. اللسان. [2] هطر: ضرب، وتهطرت البئر: تهورت. القاموس. [3] ما يشبه الكعك أو «البسكويت» .

طلب فضل ولكنه زمان تمسك. وحدثني عبد الحميد بن واسع عن يحيى بن آدم أن الثوري قال: ما رأيت كالكلام به شفاء النفوس ودواؤها ونفعها وضررها، ثم قرأ: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى [1] . المدائني قال: قال سفيان: من علمت منه الخير فرأيت منه شرا فأحسن به الظن، ومن علمت منه الشر فرأيت منه خيرا فاتهمه، وقد يقلب الله القلوب. وحدثني أحمد بن إبراهيم عن أبي نُعيم الفضل بن دُكين قال: خرج سفيان إلى اليمن في مضاربة لرجل، فلقي معمرا، وخرج إلى اليمن في سنة خمسين ومائة أو إحدى وخمسين ومائة، فلقي معن بن زائدة في الطريق فتوارى عنه. وقال أبو نعيم: أمر المهدي أمير المؤمنين لشريك ولابني حي، ولمسعر، وسفيان الثوري بألفين ألفين فقبلوها إلا سفيان فإنه لم يقبلها، فكلم وخوف فجعلها لأخيه مبارك. وكان لا يقبل من أحد شيئا. وإن دفع إليه مال يقسمه لم يقبله. حدثنا أحمد، ثنا خلف بن تميم قال: قال سفيان: إني لأعرف حرص الرجل على الدنيا بتسليمه على أهلها. حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثني محمد بن محمد عن عبد الغفار صاحب سفيان قال: جاء رجل إلى سفيان بمكة، فقال: يا أبا عبد الله، أردت الشام فاكتب لي كتابا إلى أبي عمرو الأوزاعي توصية بي، فقال: نعم

_ [1] سورة طه- الآية: 44.

وما أراك تدركه إني رأيت ملكا من الملائكة نزل إلى الشام فاقتلع منها ريحانه فرفعها، وإني أظن أن الرجل قبض، قال: فخرج الرجل فلما شارف الشام بلغته وفاة الأوزاعي. حدثني أحمد حدثني محمد بن محمد عن محمد بن يوسف قال: اجتمع على سفيان سؤال من الأعراب في طريق مكة فأطعمهم ما في سفرته، وأكبوا عليه فقال: لا جزى الله أبا جعفر عنكم خيرا. أحمد بن إبراهيم عن خلف بن تميم قال: كان سفيان يتمثل: أطريف إن العيش كدّر صفوه ... ذكر المنية والقبور الهوّل دنيا تداولها العباد ذميمة ... شيبت بأكره من نقيع الحنظل وبنات دهر ما تزال ملمة ... فيها فجائع مثل وقع الجندل وحدثني بعض أصحابنا أن علي بن الجعد أخبره أن سفيان كان يتمثل بهذا الشعر، وهو فيما يقال لابن شبرمة أو لأبيه شبرمه: هذا الزمان الذي كنا نحذره ... في قول سعد وفي قول ابن مسعود إن دام ذا العيش لم نحزن على أحد ... منا بموت ولم نفرح بمولود وقال الفضل بن دكين: دعا أمير المؤمنين المنصور أبو جعفر سفيان فدفع إليه خاتمه وقال: إنك تزعم أنا لا نعدل فاعمل بالعدل فيما وراء بابنا، فلم يقبل ذلك. وسأل سفيان وهو بالبصرة عن رجل من أصحابه، فقيل هو على مسائل شريك، وأتاه الرجل فلما رآه قال له: أبعد القرآن والعلم صرت على مسائل شريك؟ فقال: كبرت سني وكثر ديني، فقال: لأن تموت ودينك عليك أحب إلي من أن تقضيه مما تصيبه من مسائل شريك.

وقال محمد بن سعد مات سفيان الثوري، ويكنى أبا عبد الله بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة [1] . وقال الواقدي ولد سفيان سنة سبع وتسعين. وقال أبو اليقظان خرج بنو ثور من الرباب، وليس بالبصرة منهم اليوم أحد. وقال محمد بن سعد: ومن بني ثور نسير بن ذعلوق الذي روي عنه الحديث.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 371.

نسب مزينة وهم ولد عمرو بن أد

نسب مزينة وهم ولد عمرو بن أد وولد عمرو بن أد بن طابخة: عثمان بن عمرو. وأوس بن عمرو، وأمهما مزينة بنت كلب بن وبرة بها يعرفون. فولد عثمان بن عمرو بن أد: لاطم بن عثمان. وعدار، وحياوه. وأفرك، وأمهم ابنة قيس بن عيلان بن مضر. فولد لاطم بن عثمان بن مزينة: هذمة. وسعد. وجرس. فولد هذمة: ثور بن هذمة. وعمران بن هذمة. فولد ثور بن هذمة بن لاطم: ثعلبة بن ثور. وعبد بن ثور. وعامر بن ثور. فولد ثعلبة بن ثور: خلاوة. وعبد الله. وشيبان. فولد خلاوة بن ثعلبة: مازن بن خلاوة. وقرة بن خلاوة. وخالفة بن خلاوة. وولد مازن بن خلاوة: نضلة بن مازن. وصبح بن مازن. والحارث بن مازن. ونهيك بن مازن. وكلاب بن مازن. وقرة بن مازن،

بلال بن الحارث المزني

وهم رهط بلال بن الحارث المزني الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم [1] . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ مَعَادِنَ بِنَاحِيَةِ الْفَرْعِ. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمِ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهُ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ [2] . وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ قَالا: ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ الأَنْطَاكِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي مَكِينٍ عَنْ أَبِي عِكْرِمَةَ مَوْلَى بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا أَرْضًا فِيهَا جَبَلٌ وَمَعْدَنٌ، فَبَاعَ بَنُو بِلالٍ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْضًا مِنْهَا فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدَنٌ أَوْ قَالَ مَعْدِنَانِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا بِعْنَاكَ أَرْضَ حَرْثٍ وَلَمْ نَبِعْكَ الْمَعَادِنَ، وجاؤوا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فِي جَرِيدَةٍ فَقَبِلَهَا عُمَرُ وَمَسَحَ بِهَا عَيْنَيْهِ، وَقَالَ لِقَيِّمِهِ: انْظُرْ مَا خَرَجَ مِنْهَا وَمَا أَنْفَقْتَ فَقَاصِهِمْ بِالنَّفَقَةِ، وَرُدَّ عَلَيْهِمُ الْفَضْلَ. وحدثنا الحسين بن علي العجلي عن يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أقطع عمر بلالا العقيق ما بين أعلاه إلى أسفله [3] . وكان بلال بن الحارث يكنى أبا عبد الرحمن مات سنة ستين وهو ابن

_ [1] بهامش الأصل: بلال بن الحارث المزني رحمه الله. [2] الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 387. [3] انظر الخراج ليحيى بن آدم ص 93.

ومن بني الحارث بن مازن بن خلاوة: زهير بن أبي سلمى [1] الشاعر،

ثمانين، وكان يسكن جبليهم الأشعر والأجرد، ويأتي المدينة كثيرا، وكان ابنه حسان بن بلال بالبصرة. وولد صبح بن مازن بن خلاوة: الحارث بن صبح. والحويرث بن صبح. وناشرة بن صبح، وأمهم سبيعة بها يعرفون. فمن بني صبح: معقل بن سنان بن نبيشة بن سلمى بن سلامان بن النعمان بن صبح، أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم قطيعة. ومن بني الحارث بن مازن بن خلاوة: زهير بن أبي سلمى [1] الشاعر، واسم أبي سلمى ربيعة بن رباح بن قرط بن الحارث بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة. وابناه كعب بن زهير. وبجير بن زهير الشاعران، وكان خال ربيعة أبي زهير من بني مرة بن غطفان، وهو أسعد بن غدير بن سهم بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان. وكان أسعد خرج في بني مرة ليغير على طي ومعهم أبو سلمى فأصابوا نعما وأموالا، فرجعوا إلى أرضهم فقال ربيعة أبو سلمى لأسعد خاله ولابنه كعب بن أسعد افردا لي سهمي وادفعاه إلي فأبيا ذلك عليه ومنعاه حقه، فلما جن عليه الليل قال لأمه: واللات لتقومن إلى بعير من هذه الإبل فتقعدن عليه أو لأضربن بسيفي ما تحت قرطك، يريد عنقها. فالتزمت سنام بعير منها وركبته وخرج بها وبالإبل حتى انتهى إلى قومه وجعل يقول: ويل لأجمال العجوز مني ... إذا دنوت ودنون مني كأنني سمعمع [2] من جنّ

_ [1] بهامش الأصل: زهير بن أبي سلمى والدكعب. [2] السمعمع: الصغير الرأس أو اللحية. القاموس.

وكان كعب بن زهير [1] رحمه الله

وقال أيضا: ولتخرجن إبل مجنبة ... من عند أسعد وابنه كعب الآكلين صريح قومهما ... أكل الحباري برعم الرطب ثم إن أبا زهير مكث حينا، ثم أقبل بمزينة ليغير على بني ذبيان فلما نظرت مزينة إلى أرض غطفان هابوهم فتطايروا وتركوه فقال: من يشتري فرسا كخير غزوها ... وأبت عشيرة ربها أن تسهلا يقول أبيع فرسي إذا أشرفت عشيرتي على القوم فلم ينزلوا إلى السهل وتطايروا، ثم أتى بني عبد الله بن غطفان فكان فيهم. وقال عبد الله بن عباس قال لي عمر بن الخطاب: أنشدني شعرا لأشعر شعرائكم. قلت: ومن هو؟ قال: زهير. قلت: وبم كان كذاك؟ قال: كَانَ لا يُعَاظِلُ بَيْنَ الْكَلامِ وَلا يَطْلُبُ حُوشِيَّهُ وَلا يَمْدَحُ الرَّجُلَ إِلا بِمَا يَكُونُ في الرجال. وحدثني شيخ من مزينة أن أبا سلمى قال لزهير ابنه: يا بني إن المزاح سباب الرضا ويوشك أن يصير غضبا فلا تمزح فيستخف بك أو تكتسب عداوة صديقك، وعليك بأوساط الأمور فإن أطرافها متفاوتة. وكان كعب بن زهير [1] رحمه الله أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكساه بردا اشتراه معاوية رحمه الله منه بعشرين ألف درهم، وهو برد الخلفاء، ويقال إن أبا العباس أمير المؤمنين اشترى البرد من قوم من النصارى كان كساهم إياه، وجعله أمنة لهم. وامتدح كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان قبل ذلك بلغ كعبا أنه أبلغ

_ [1] بهامش الأصل: كعب بن زهير رحمه الله.

وكان عقبة بن كعب شاعرا،

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ شيء فخافه فقال: نبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول [1] في قصيدته الطويلة. وكان عقبة بن كعب شاعرا، وكان يقال له المضرب لأنه شبب بامرأة من بني أسد فضربه أخوها عدة ضربات بالسيف فلم يمت منها، وأعطي الدية: وحي ودي قد يعلم الناس أنه ... كريم وما ظني بحب الأباعر فولد عقبة بن كعب بن زهير: العوام لأم ولد يقال لها عيناء، وشبيبا أمه عربية. فأما العوام فكان شاعرا، وكان يتحدث إلى امرأة بني عبس، ثم من بني ملاص يقال لها سوداء فجاء أخ لها يقال له حيان إليه فأوعده، فوثب العوام على حيان فضربه حتى سقط، وأخذه بنو ملاص فجاء أخوه شبيب فقال: أنا أكفل به لكم فقال: يا شبيب إنه الدم، فقال: أنا أذكى دما وأكرم نفسا، فكفلوه وخلوا عن العوام، ولم يكن حيان مات بعد، فلما مات انطلقوا بشبيب إلى أكمة يقال لها نضاد، وكان حيان لأم ولد فأنشأ شبيب يقول لابنته: إني لأخشى يا علي عليكم ... حوادث هذا الدهر من كل جانب أحلك بالثغر المخوف مكانه ... أبوك ولم يجمع أداة المحارب وقال أيضا: دعيني فقد أبليت صبرا وعفة ... فأسمح للموت الغداة قريني

_ [1] ديوان كعب بن زهير- ط. بيروت 1987 ص 65.

وولد عبد بن ثور بن هذمه:

وجدتك لا تدرين ما حم في غد ... ولا ما غد جاء به فذريني وما كنت أخشى أن تكون منيتي ... أسارا ولا قتلي بقتل هجين وقال العوام: سأجزي الزرق زرق بني ملاص ... بيوم نضاد أياما طوالا ستعلم يا شبيب بلاء سيفي ... وقلب لم أعوده النكالا كأن سيوف زرق بني ملاص ... تبادر مشرفيا أو هلالا فليت الأرض فاءت بي إليهم ... وقد غلوا يمينك والشمالا وانطلق رجل من آل أبي سلمى يقال له العطاف إلى عبد الملك بن مروان فاستعداه، فجعل قتيلا بقتيل. وعداد زهير بن أبي سلمى وولده في بني عبد الله بن غطفان، فربما انتسب بعضهم إليهم. وولد عبد بن ثور بن هذمة: كعب بن عبد. وعدية بن عبد، وهم رهط علي بن وهب الشاعر. وقال هشام ابن الكلبي: وسمعت أيضا من يقول أنه عدية بن كعب بن عبد بن ثور. ووعيش بن عبد بن ثور. فولد كعب بن عبد بن ثور: حبشية بن كعب. وخلاوة بن كعب. وعدية بن كعب. وكعيب بن كعب. وكلفة بن كعب. وفلفلة [1] . منهم: النعمان بن عمرو بن مقرن [2] بن عائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن حبشية بن كعب، كانت له صحبة وولاه عمر كسكر، وجوخى، ثم ولاه قتال الفرس بنهاوند، وكان على المسلمين ممن غزاها، وبها

_ [1] بهامش الأصل: خ، وقلفة. [2] بهامش الأصل: النعمان بن مقرن رحمه الله.

وأخوه سويد قتل معه،

استشهد، فبكى عليه عمر رضي الله تعالى عنه، وإليه نسبت قناطر النعمان بالجبل، وكان يكنى أبا عمرو. وأخوه سويد قتل معه، ويكنى أبا عدي. ومن ولد سويد: معاوية بن سويد يحدث عَنْهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مجاهد قال: البكاؤون بنو مقرن وهم سبعة [1] . قال الواقدي: سمعت من يقول أنهم شهدوا الخندق. قال الواقدي: كان عمرو بن عامر [2] المزني حليف بني عامر بن لؤي، يكنى أبا عبد الله، وقد شهد الخندق، وهو قديم الإسلام أحد البكائين، ومات في أيام معاوية. ومنهم معبد بن خليد [3] بن إثبة بن سليم بن بردويخ بن كلفة بن كعب، صحب النبي صلى الله عليه وسلم. وعبد العزى بن وديعة بن حراق بن لأي بن كعب بن عبد بن ثور بن هذمة الشاعر. ومعقل بن يسار [4] بن عبد الله بن معبر بن حراق بن لأي بن كعب بن عبد، ويكنى أبا عبد الله، صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان زياد بن أبي سفيان حفر نهر معقل بالبصرة وأجراه عَلَى يد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة أو غيره، فلما فرغ

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 18- 20. [2] بهامش الأصل: عمرو بن عامر رحمه الله. [3] بهامش الأصل: معبد بن خليد رحمه الله. [4] بهامش الأصل: معقل بن يسار رحمه الله.

وولد عبد الله بن ثعلبة بن ثور بن هذمة بن لاطم:

منه وأراد فتحه بعث معقل بن يسار ففتحه ببركاته لأنه مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. وذكر القحذمي أن زيادا أعطى رجلا ألف درهم وقال له: أبلغ دجلة وسل عن صاحب النهر من هو، فإن قال رجل إنه نهر زياد فاعطه الألف، فبلغ دجلة العوراء ثم رجع، فقال: ما ألفيت أحدا إلا يقول نهر معقل، فقال زياد: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ من يشاء [1] . وقوم يقولون أنه جرى حفره على يدي معقل، والأول أثبت، وإليه نسب هذا الرطب المعقلي لأنه ظهر أول ما ظهر في نخل على الأرضيين التي على ذلك النهر. ومات معقل بن يسار في أيام معاوية، وولاية عبيد الله بن زياد بعد أبيه، وكان قد انتقل إلى البصرة، وكان معقل عضل أخته أن ترجع إلى زوجها الأول وقد نكحت زوجا غيره ثم طلقها فنزلت فيه: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [2] الآية. وولد جرس بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد: لحي بن جرس. منهم شريح [3] بن ضمرة، أول من جاء بصدقة مزينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وولد عبد الله بن ثعلبة بن ثور بن هذمة بن لاطم: عدي بن عبد الله. وعمرو بن عبد الله. وبجالة بن عبد الله. وعيش بن عبد الله. ولأي بن عبد الله. منهم سنان بن مشنوء بن عمير بن عبيد بن زيد بن رواحة بن زبيبة بن عامر بن عدي بن عبد الله بن ثعلبة، الذي استخلفه

_ [1] سورة المائدة- الآية: 54. [2] سورة البقرة- الآية: 232. [3] بهامش الأصل: شريح بن ضمرة رحمه الله.

وولد عامر بن ثور بن هذمة:

النعمان بن مقرن على عمله، وسار إلى نهاوند، وكان يومئذ على كسكر وجوخى. وولد عامر بن ثور بن هذمة: عوف بن عامر. وعباية بن عامر. منهم عطية بن مكدم بن عقيل بن وهب بن عمرو بن مرة بن عوف بن عامر بن ثور، كان شريفا بالحجاز. وولد عمران بن هذمة بن لاطم: عمرو بن عمران. وولد عمرو: حجر بن عمرو. ومرة بن عمرو ومازن بن عمرو. فولد حجر: قيس بن حجر. وولد مرة بن عمرو بن عمران: غياث بن مرة. فولد غياث: الكاهن بن غياث وولد بالجزيرة. وخفاف بن غياث. وعبد فهم بن غياث. وحنظلة بن غياث. ومالك بن غياث. وفجر بن غياث. منهم: بشر بن عصمة بن مصاد بن جابر بن عبدنهم بن غياث بن مرة بن عمرو بن عمران بن هذمة، شهد صفين مع علي عليه السلام وكان فارسا. ومسافع بن عمرو بن زهرة بن واهب بن عبدنهم بن غياث الشاعر. وولد عداء بن عثمان بن مزينة: معاوية بن عداء. وسعد بن عداء. فولد معاوية بن عداء: صعصعة بن معاوية. فولد صعصعة: عمرو بن صعصعة. وعامر بن صعصعة. وناشرة بن صعصعة. فولد عمرو بن صعصعة: بغيض بن عمرو.

وذؤيب بن سعد.

وولد سعد بن عداء: عامر بن سعد. وذؤيب بن سعد. فولد عامر بن سعد بن عداء. سعد بن عامر. فولد سعد: كراثة بن سعد. وولد ذؤيب بن سعد بن عداء: ثعلبة بن ذؤيب. ورزاح بن ذؤيب. منهم: خزاعي بن عبدنهم [1] بن عفيف بن سحيم بن ربيعة بن عداء بن ثعلبة بن ذؤيب، وهو الذي كسر صنم مزينة، ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم مسلما، فكان على قبض مغانم النبي صلى الله عليه وسلم. وأخوه المغفل وابنه عبد الله بن المغفل [2] ، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من الأزد، حين أسلم. وقال أبو اليقظان: ولى عمر عبد الله بن المغفل عملا، ومات بالبصرة، وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي. ومنهم: معن بن أوس [3] بن نصر بن زياد بن أسعد بن أسحم بن ربيعة بن عداء بن ثعلبة بن ذؤيب، وهو الذي يقول في قصيدته اللامية التي أولها: لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أي كف تبدل إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بودّ آخر الدهر تقبل

_ [1] بهامش الأصل: خزاعي بن عبدنهم رحمه الله. [2] بهامش الأصل: عبد الله بن المغفل رحمه الله. [3] هو من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وله مدائح في جماعة من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الأغاني ج 12 ص 54.

ومنهم بشر بن المحتفز [1] بن عثمان بن بشر بن أوس بن نصر بن زياد بن أسعد بن أسحم بن ربيعة بن عداء بن ثعلبة بن ذؤيب

وهو القائل أيضا: ترى حالب المعزى وإن سر قاعدا ... وحالبهن القائم المتطاول يعني حالب الإبل وقد مدح معن سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بن أمية. ودخل معن البصرة فتزوج ابنة عم له يقال لها ليلى، فاستأذنها في إتيان بلاده فأذنت له فأبطأ عليها، فركبت إليه فوجدته في بت وجبة صوف فقالت له: أهذا عيشك الرفيع الذي نزعت إليه؟ فقال لها: لو قد جاء الربيع فرأيت الخزامى والزهرة لرأيت عيشا طيبا، فأمرت فنظف وكسي، ثم إنها رجعت إلى البصرة وقد طلقها وندم. ومنهم بشر بن المحتفز [1] بن عثمان بن بشر بن أوس بن نصر بن زياد بن أسعد بن أسحم بن ربيعة بن عداء بن ثعلبة بن ذؤيب وهم بخراسان، وهو ممن رفع عليه أَبُو المختار يزيد بْن قيس بْن يزيد بن الصعو إلى عمر بن الخطاب في قصيدة له فقال: فأرسل إِلَى الحجاج فاعرف حسابه ... وأرسل إِلَى جزء وأرسل إلى بشر فقاسمه عمر ماله، وكان بشر بن المحتفز على جنديسابور من كور الأهواز، وكانت لبشر صحبة ورفع عليه عند عمر رضي الله تعالى عنه أنه اتخذ لجنديسابور مسجدا يصعد إليه بدرجة عالية، وأنه لبس البزيون [2] واتخذ الأخلة كما تتخذها العجم، فقال: أما المسجد فإني بنيته فوق ظهر بيت، لأني في بلدة كثيرة الخنازير فكرهت أن تدخل المسجد. وأما البزيون

_ [1] بهامش الأصل: بشر بن المحتفز رحمه الله. [2] من أنواع الحرير.

وولد أوس بن مزينة:

فإنه ثوب جميل باق، وأما الأخلة فاتخذتها لأني رجل أفلج الأسنان فالطعام يبقى في أسناني فأخرجه بالخلال، فسكت عمر ولم يغير ذلك عليه. وكان له ابنان أحدهما: عثمان بن بشر بن المحتفز، والآخر عبد الرحمن، وكان ابن الزبير ولى عبد الله بن خازم خراسان، وبعث بعهده عليها إليه وهو بها، فقال سُلَيْمَان بْن مرثد أحد بني سَعْد بْن مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثعلبة بن عكابة: والله ما ابن الزبير بخليفة مجتمع عليه، وإنما هو رجل عائذ بالبيت، فحاربه في جموعه فظفر ابن خازم، وقتل سُلَيْمَان، قتله قيس بْن عاصم السلمي، واحتز رأسه. واجتمع فل سليمان إلى عمرو بن مرثد أخيه بالطالقان، فسار إليه ابن خازم فقاتله فقتله، وولى ابن خازم ابنه محمد بن عبد الله بن خازم هراة، فهاج بنو تميم بهراة وقتلوا محمدا، فظفر أبوه بعُثْمَان بْن بشر بن المحتفز بالطالقان حين حارب عمرو بن مرثد فقتله صبرا، ويقال إنه ظفر به وبأخيه أيضا فقتلهما. وكتب عبد الملك إلى ابن خازم بولاية خراسان كتابا، فأمر رسوله بأكله وقال: ما كنت لألقى اللَّه وقد نكثت بيعة ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعت ابن طريدة، فكتب عَبْد الملك إلى بكير بن وساج بولايته خراسان، وكان بكير قد باينه، وقاتله بقرب مرو فقتل ابن خازم، قتله وكيع بن الدورقية، وأتى بكير بن وساج برأس ابن خازم فبعث به إِلَى عَبْد الملك بن مروان، وقطعت يد ابن خازم، فبعث بها إلى عثمان بن بشر بن المحتفز. وولد أوس بن مزينة: سليم بن أوس. وعامر بن أوس. فولد سليم: محارب بن سليم. وثعلبة بن سليم. فولد محارب: حلمة.

منهم إياس بن معاوية [1] بن قرة بن اياس بن هلال بن رئاب بن عبيد بن سوءة بن سارية بن ذبيان بن ثعلبة بن سليم بن أوس بن مزينة،

فولد حلمة: خالد بن حلمة. وشيبان بن حلمة. وولد ثعلبة بن سليم بن أوس: عبادة بن ثعلبة. وذبيان بن ثعلبة. وعبد الله بن ثعلبة. منهم إياس بن معاوية [1] بن قرة بن إياس بن هلال بن رئاب بن عبيد بن سوءة بن سارية بن ذبيان بن ثعلبة بن سليم بن أوس بن مزينة، وكان لإياس بن هلال صحبة، وكانت أم إياس بن معاوية أم ولد، وكان إياس يكنى أبا وائلة. وكان أبوه معاوية بن قرة من خيار أهل البصرة، وكان يكنى أبا إياس. قال أبو الحسن المدائني: كان إياس بن معاوية قاضيا فقيها قائفا يزكن فلا يخطئ، استقضاه عمر بن عبد العزيز، وأرسل رجلا من أهل الشام وأمره أن يجمع بين إياس والقاسم بن ربيعة الحوشي من بني عبد الله بن غطفان فيولي القضاء أنفذهما، فقدم البصرة فجمع بينهما فقال إياس للشامي: أيها الرجل سل عني وعن القاسم فقيهي المصر الحسن وابن سيرين، فمن أشار عليك بتوليته فوله. وكان القاسم يأتي الحسن وابن سيرين، ولم يكن إياس يأتيهما، فقال القاسم. لا تسألهما عنا فو الله الذي لا إله إلا هو إن إياسا لأفضل مني وأفقه وأعلم بالقضاء، فإن كنت عندك ممن تصدق فإنه ينبغي لك أن تقبل قولي، وإن كنت كذابا فما يحل لك أن توليني، فقال إياس للشامي: إنك جئت برجل فأقمته على شفير جهنم فافتدى نفسه من النار بيمين حلفها كذب فيها يستغفر الله منها وينجو مما

_ [1] بهامش الأصل: اياس بن معاوية القاضي.

يخاف. فقال الشامي: أما إذ فطنت لهذا فإني أوليك فاستقضاه فلم يزل على قضاء البصرة سنة ثم هرب. المدائني قال: قيل لإياس- وكان إذا تبين له وجه الحكم أمضاه ولم يؤخره-: إن فيك أربع خصال: دمامة، وكثرة كلام، وإعجاب بنفسك، وإنك تعجل بالقضاء، فقال: أما الدمامة فالأمر فيها إلى غيري، وأما كثرة الكلام أفبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب. قال: فالإكثار من الصواب أمثل من الإقلال. وأما إعجابي بنفسي أفيعجبكم ما ترون مني؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أحق بأن أعجب بنفسي. وأما قولكم إني أعجل بالقضاء فكم هذا؟ وعقد بيده خمسة، فقالوا: خمسة. قال عجلتم. قالوا: هذا أوضح من أن نبطئ فيه. قال: فإني أتبين القضاء فلا أبطئ بإنفاذه ولا أؤخره. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن ابن كناسة قال: لما ولي عمر بن هبيرة العراق أيام يزيد بن عبد الملك دعا إياسا إلى ولاية القضاء فأباه عليه، فضربه أسواطا وأجبره على ولاية الحسبة بواسط. قالوا: والتقى رجلان على أحدهما مطرف خز، وعلى الآخر كساء أنبجاني، فادعى صاحب الأنبجاني أن المطرف له والإنبجاني لصاحب المطرف. ودعا إياس بمشط وماء فبل رأس كل واحد منهما وقال لأحدهما سرح رأسك فسرح رأسه، فخرج في المشط غفر المطرف، وسرح الآخر فخرج في المشط غفر الأنبجاني فقال له: يا خبيث، الأنبجاني لك فأقر فدفع المطرف إلى صاحبه. وقال إياس: ما يسرني أني كذبت كذبة لا يطلع عليها في الدنيا

ولا أؤخذ بها في الآخرة وأن لي مفروحا به في الدنيا. وقال إياس: لو صحبني رجل فقال: اشترط علي خلة واحدة لا تزيد عليها لقلت: لا تكذبني. المدائني قال: شهد وكيع بن أبي سود عند إياس شهادة، فقال له: يا أبا مطرف إنما يشهد الموالي والتجار والسفلة وليس يشهد مثلك من الأشراف فقال: صدقت. فلما انصرف قيل له: إنه لم يجز شهادتك قد قعد عنها. فقال: لو علمت أن هذا هكذا لحبجته [1] بالعصا. قال: ودخل الحسن على إياس فبكى، فقال: ما يبكيك يا أبا واثلة؟ قال: الحديث الذي جاء « [أن القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة، قاض تعمد الحق فأخطأ فهو في النار وقاض تعمد الجور فهو في النار وقاض تعمد الحق فأصاب فهو في الجنة] » . قالوا: ورد إياس شهادة رجل من المسلمين فشكا ذلك إلى الحسن فقال الحسن: يا أبا واثلة لم رددت شهادة هذا وهو مسلم وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [من صلى قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا] » ؟ فقال إياس: يا أبا سعيد إن الله يقول: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشهداء [2] وهذا ممن لا نرضاه فسكت الحسن. قال: ورأى إياس رجلا فقال له: قد حلقت نصف لحيتك قال: نعم، ثم قال: فمن أين عرفت ذلك؟ قال باختلاف الشعر. واختصمت إلى إياس امرأتان في غزل. وكل واحدة منهما تدعيه، فأخذ الغزل منهما وقال لإحداهما: كيف غزلك؟ قالت بالفارسية، وقال

_ [1] حبج: ضرب. القاموس. [2] سورة البقرة- الآية: 282.

للأخرى: كيف غزلك؟ قالت: منكوس، فنظر إلى الغزل فقال: هو بالفارسية فقالت الأخرى: صدقت هو غزلها ولكنها رهنته عندي. واختصم إلى إياس امرأتان في كبة غزل فأخذها وقال لإحداهما: على أي شيء كببتها؟ فقالت: على جوزة. وسأل الأخرى فقالت: على خرقة، فأمر بنقض الكبة فوجد الجوزة، فدفعها إلى صاحبتها. وكان يقول: صاحب المرأة الواحدة إذا حاضت حاض، وإذا مرضت مرض وإذا زارت زار. قالوا: واستودع رجل رجلا مالا ثم طلبه منه فجحده، فخاصمه إلى إياس، فقال للطالب: أين دفعت إليه المال؟ قال: بموضع كذا ولم يحضرنا أحد. قال: فأي شيء كان في ذلك المكان؟ قال: شجرة. قال: فانطلق إلى ذلك الموضع وانظر فلعل الله أن يوضح لك هناك ما يتبين لك به أمرك، فمضى الرجل. وقال للمطالب: ارجع حتى يجلس خصمك فجلس وإياس يقضي ولا ينظر إليه ساعة، ثم قال: أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكر؟ قال: لا. قال: يا عدو الله إنك لخائن حائن. قال: أقلني أقالك الله. فأمر أن يحتفظ به حتى جاء خصمه، فقال: قد أقر لك بحقك فخذه منه. قال: واستودع رجل رجلا من أمناء إياس مالا وحج، فلما قدم طلبه فجحده، فأتى إياسا فأخبره فقال له إياس: أعلم أن أتيتني؟ قال: لا. قال: أفنازعته عند أحد؟ قال: لا، قال: فانصرف وعد إلي بعد يوم أو يومين، ودعا إياس أمينه ذاك فقال له: قد اجتمع عندي مال كثير أريد أن أودعك إياه وأوليك أمر أيتام، أفحصين منزلك؟ قال: نعم، قال: فعد

إلي يوم كذا واعدد موضعا للمال وقوما يحملونه، وعاد المودع إلى إياس فقال له: انطلق إلى صاحبك فاطلب منه مالك فإن أعطاك إياه وإلا فقل له إني أخبر القاضي خبرك، فأتاه فدفع المال إليه، فرجع إلى إياس فأخبره أنه قبض ماله، وجاء الأمين فزجره إياس وزبره وقال: لا تقربني يا خائن. واستودع رجل رجلا كيسا فيه دنانير، وغاب فطالت غيبته ففتق المستودع الكيس من أسفله وأخذ الدنانير وصير مكانها في الكيس دراهم وخاطه والخاتم بحاله، فقدم صاحب المال بعد خمس عشرة سنة فطلب ماله فدفع إليه الكيس بخاتمه ففتحه فلم يقبله، وقال: هذه دراهم ومالي دنانير، قال: هكذا كيسك بخاتمك فرافعه إلى عمر بن هبيرة، فقال لإياس: أنظر في أمر هذين. فقال للطالب: ما تقول؟ فقال: أعطيته كيسا فيه دنانير فأعطاني كيسا فيه دراهم فقال إياس، مذ كم سنة؟ قال: مذ خمس عشرة سنة. فقال للآخر: ما تقول؟ قال: قد دفعت إليه كيسه بخاتمه، قال: فضوا الخاتم، ففضوه ونظروا إلى الدراهم فوجدوا فيها دراهم ضربت بعد الوقت الذي أودع فيه كيسه بعشر سنين وخمس سنين وأقل وأكثر، فقال له: قد أقررت أن الكيس عندك مذ خمس عشرة سنة فاتق الله ولا تظلم الرجل، فأقر بالدنانير فألزمه إياها. قالوا: وشهد أبوه معاوية ورجل آخر عنده ونفر معهما على رجل بأربعة آلاف درهم لرجل، فقال المشهود عليه: تثّبت في أمري فو الله ما أشهدت الشهود إلا بألفين، فقال إياس لأبيه وللشاهد الآخر: هل كان يوم شهدتما في الصحيفة فضل؟ قالا: نعم كانت طينته في نصف الصحيفة ولم يمكنا أن نكتب شهادتنا فختمنا تلك الطينة، قال: أفكان هذا الرجل يمر

بكم فيقول: احفظوا شهاداتكم على فلان بأربعة آلاف؟ قالا: نعم. قال: اغتركم ودعاه خاليا فقال: يا عدو الله، خدعت قوما مغفلين فكتبت صكا بألفين ووضعت طينا في وسط الصك ثم كتبت في الجانب الآخر من الصحيفة بأربعة آلاف، ثم جعلت تمر بهم فتقول: احفظوا شهاداتكم على فلان بأربعة آلاف، أما والله لأنكلن بك. فقال: أذكرك الله ألا أقلتني ولم تفضحني، وأقر بما صنع فحكم إياس له بألفين. قالوا: وأتى إياسا دهقان فنازع رجلا عنده فقال له: كأني بك تقدر في نفسك كذا وتريد أن تقول كذا وتحتج بكذا. فقال الدهقان: أقاض أنت أصلحك الله أم عراف؟. قالوا: ونظر إياس إلى نسوة قد فزعن من بعير، فأشار إليهن فقال: هذه حامل، وهذه مرضع، وهذه بكر. فسئلن فكان الأمر كما قال: فقيل له: كيف علمت هذا؟ فقال: رأيتهن يمشين فلما فزعن وضعت كل واحدة يدها على أهم المواضع إليها، فوضعت البكر يدها على أسفل بطنها، ووضعت الحامل يدها على بطنها ووضعت المرضع يدها على ثديها. وكان إياس يقول: شرقي كل بلد أكثر أهلا من غربيّه، ومن قرب منزله من النهر كان أقل آنية ممن بعد عن النهر. وسمع إياس كلام رجل في سفينة فقال: أنت ابن فلان؟ قال: نعم، قال: سمعته ينازع رجلا، فشبهت كلامك بكلامه. وقال لرجل: أنت ابن فلانة؟ قال: نعم. قال: شبهت عينيك بعينيها. ونازع رجل رجلا عنده، فسأله البينة فقال: يا أبا الرازقي. فقال

إياس للشاهد: أرضيت بهذه الكنية؟ قال: نعم هي كنيتي. قال: لهذا لا نرضى بك. ونازع أيضا عنده رجل رجلا فسأله البينة فنادى شاهدا له: يا أبا الكفور، فقال إياس: مكانك يا أبا الكفور، انصرف عنا، هات غير هذا. وخاصم رجل إلى إياس رجلا في جارية وقال: هي حمقاء. فقال إياس: لا أعلمه يرد من حمق. قال: إن حمقها كالجنون. فقال لها إياس: أتذكرين يوم ولدت؟ قالت: نعم. قال: فأي رجليك أطول؟ قالت لإحدى رجليها: هذه. قال: ردوها فإنها مجنونة. قال: ونظر خالد الحذاء يوما إلى امرأة فأعجبته، فقال لها: يا أمة الله، أفارغة أنت أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة فأتبعها ولقيه رجل فسلم عليه وكلمه وغابت المرأة فاغتم فلقيه إياس فأخبره خبر المرأة فقال: انطلق بنا إلى الموضع الذي رأيتها فيه وامش بين يدي فإذا انتهيت إلى الموضع الذي فقدتها فيه وخفيت عليك فقم بمقدار ما كلمك الرجل، ففعل إياس ذلك المقدار بآيات قرأها، ثم قال له: امض بنا وأعاد ما قرأ فلما انتهى إلى آخره قال له: دخلت هذا الزقاق لا محالة، ولم يكن للزقاق منفذ، فدخل إياس الزقاق على نسوة جلوس فيه فقال: امرأة دخلت قبيل هذا الوقت عليها قميص أحمر وملحفة بيضاء؟ قلن: نعم امرأة لا بأس بها. قال: فلها زوج؟ قلن: لا. قال: فمن وليها؟ فسموه فعرفه فأرسل إليه فدعاه فزوجها من خالد ودخل بها من يومه. قال: وذكروا ذات يوم تواصل الناس وتقاطعهم، فقال رجل: يا أبا

واثلة أخبرني عن رجلين بالمصر صالحين لا يتزاوران ولا يتواصلان؟ فقال إياس: كأنك تسألني عن الحسن وابن سيرين؟ قال: ما أردت غيرهما. قال: وقال إياس لقوم كانوا يجالسونه من أهل مكة: قدمت بلدكم فعرفت قوما من خياركم وشراركم، قالوا: متى قدمت ومتى عرفتهم؟ فقال: هنا قوم خيار أكفأ منكم قوما، وقوم شرار أكفأ قوما، فعلمت أن خياركم من ألفه خيارنا، وشراركم من ألفه شرارنا. وقال سلم بن قتيبة: رآني إياس ولا أعرفه ولم يكن رآني قبل ذلك فقال: أأنت ابن قتيبة؟ قلت: نعم. قال: عرفتك بشبه عمك عمرو بن مسلم. قلت: رحمك الله عمي ضخم أمغر [1] ، وأنا رجل آدم نحيف، فقال ليس يعسر هذا إنما يعرف بالقلب. وقدم إياس مكة فقال لأصحابه: هل لكم في سلم بن قتيبة، وهو إذ ذاك ببئر ميمون، هو الجالس في ظل راحلته فنظروا فإذا هو سلم، فقال سلم لإياس: كيف علمت أني سلم؟ قال: حج إخوانك وألّا فك جميعا وعرفت مذهبك، فعرفت أنك ستتبعهم، ورأيت بعيرا من إبل الملوك عليه رجل من رجال القرى فأوقعت ظني فلم أخطئ. وكان إياس يقول عرفت الزكن من قبل أمي، وكانت خراسانية فكانت تخبرني أن إخوتها وأهل بيتها يزكنون ويتفرسون، ولقيت قوما بمكة فعرفتهم بشبه أمي وعرفوني فإذا هم من أهل بيتها. قالوا: وسمع إياس نباح كلب فقال: كأنه مربوط إلى جانب بئر فوجدوا الأمر كما قال، فقال: سمعت لصوته دويا وصدى.

_ [1] المغرة: طين أحمر، والأمغر الأحمر الشعر والجلد، والذي في وجهه حمرة في بياض صاف. القاموس.

المدائني عن شيخ من باهلة قال: أتيت منزل ثابت البناني فإذا أنا برجل طويل الثوب، طويل الذراع أحمر يلوث عمامته لوثا قد غلب على المجلس فقلت: من هذا فقال رجل: يا أبا واثلة، فعرفت أنه إياس. قال: فسمعته يقول: تكون غلة الرجل ألفا فينفق ألفا فيصلح أمره وتصلح غلته، وتكون غلته ألفين فينفق ألفين فيصلح أمره وتصلح غلته، وتكون غلته ألفين فينفق ثلاثة آلاف فيوشك أن يبيع العقار في فضل النفقة. المدائني عن جويرية بن أسماء، حدثني عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بن جعفر قال: كان إياس لي صديقا، فدخلنا على عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر وعنده جماعة من قريش فتذاكروا السلف، ففضل قوم أبا بكر، وآخرون عمر، وآخرون علي بن أبي طالب، فقال إياس، إن عليا رحمه الله كان يرى أنه أحق الناس بالأمر، فلما بايع الناس أبا بكر ورأى اجتماعهم عليه وأن قد صلح العامة اشترى صلاح العامة بتقصية [1] الخاصة، يعني بني هاشم، قال: ثم ولي عمر ففعل مثل ذلك، فلما قتل عثمان اختلف الناس، وفسدت العامة والخاصة، ووجد أعوانا فقام بالحق ودعا إليه. قالوا: وتدارأ [2] عنبة بن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هشام المخزومي، وخالد بن عرفطة اليشكري فقال عنبة: من قبلنا كان أفضل، وقال خالد: الناس اليوم أفضل، فتراضيا بإياس فقال إياس: أما أنا فقد أدركت أبي وجدي، وكان جدي أفضل من أبي، وأبي أفضل مني.

_ [1] بهامش الأصل: بتقصيه أمر. [2] تدارأوا: تدافعوا في الخصومة. القاموس.

المدائني عن أبي إسحاق بن حفص قال: رأى إياس في المنام أنه لا يدرك النحر فخرج إلى ضيعة له فمات بها سنة اثنتين وعشرين ومائة. وكان إياس يقول: الحرير لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين ويخدع الحسن وأبي. قالوا: وتبصر هلال شهر رمضان جماعة فيهم أنس بن مالك وقد قارب المائة فقال أنس: قد رأيته هو ذاك، وجعل يشير فلا يرونه. ونظر إياس إلى أنس وإذا شعرة من حاجبه قد انثنت، فمسحها اياس وسواها بحاجبه ثم قال: يا أبا حمزة: أرنا موضع الهلال فجعل ينظر ويقول: ما أراه. قالوا: ومات معاوية بن قرة أبو إياس وهو ابن ست وسبعين سنة، وقال إياس في العام الذي مات فيه: رأيت كأني وأبي على فرسين فجرينا جميعا فلم أسبقه ولم يسبقني، فعاش أبي ست وسبعين سنة، وأنا فيها، فلما كانت آخر لياليه قال: أتدرون أية ليلة هذه؟ هذه ليلة استكملت فيها عمر أبي. ونام فأصبح ميتا. الْمَدَائِنِي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِم قَالَ: قال إياس: رأيت حية اتبعها ابن عرس في بستان فلما ألح عليها صعدت في نخلة، فأتبعها فسلكت على سعفه وأتبعها فتعلقت بخوصة وتدلت، فقرض الخوصة فسقطت إلى الأرض ولم تقدر على الحركة، فنزل فقتلها. ودخل إياس منزل رجل فرأى موضعا من الحائط أو الأرض فقال: في هذا الموضع حية فوجد الأمر كما قال، فسئل عن ذلك فقال: رأيت الحائط أو قال الأرض يابسا كله ورأيت هذا الموضع أقل يبسا، فعلمت أن فيه شيئا يتنفس.

وقال إياس لأبان بن الوليد: أنا أغنى منك، فقال أبان: وكيف ولي كذا وكذا، فقال إياس: إن كسبك لا يفضل عن مؤونتك، وكسبي يفضل عن مؤونتي. ورأى إياس يوما نسوة مقبلات فقال: هذه حامل، وهذه مغيبة أوأيم، وهذه حائض، فنظر فوجد الأمر فيهن على ما ذكر، فقال: أما الحامل فرأيتها أثقلهن وطئا، ورأيت هيئة الأخرى رثة، ورأيت الحائض أقربهن إلى المسجد فتأخرت عنه فصارت أبعدهن منه. ورأى رجلا يمشي متأبطا شيئا، فقال: معه سكر، وقد ولد له غلام، فوجدوا ذلك كما قال، فسئل فقال: رأيت الذباب قد أطاف به، فقلت معه شيء حلو وهو يشبه أن يكون سكرا، ورأيته نشيطا فرحا، فظننت أنه قد ولد له غلام. وقد رأى جارية معها طبق مغطى بمنديل فقال: معها جراد، فكان كما قال، فقال: رأيته خفيفا على يدها. ورأى حمارا عليه حمل ظاهر خفيف، والحمار يطأ وطء مثقل فقال: قد حمل خمرا، فوجد كما قال. ونظر إلى جنازة فقال: صاحبها حي لم يمت، فوضعت الجنازة فعض إبهام الرجل فإذا هو حي، فردوه فقيل له: كيف علمت؟ فقال: رأيت أصابع قدميه منتصبة والميت لا تنتصب أصابع قدميه، وكان ذلك الميت غريقا. وأتى يوما بماء فقال: هذا قاطر فوجد كما قال، فقال: رأيته صافيا جدا.

وشهد الفرزدق عند إياس بشهادة فقال: قد أجزنا شهادة أبي فراس، ولكن زيدونا شاهدا، فقام الفرزدق مسرورا، فقيل له: إنه والله ما أجاز شهادتك ولو أجازها لم يستزد شاهدا، فقال: ولم لا يرد شهادتي وقد قذفت ألف محصنة وقال: أتيت إياسا شاهدا فأجازني ... إجازة مقبول الشهادة صادق وما اعتاض مني شاهدا ليردني ... إياس ولكن أخذه بالوثائق [1] وكان إياس يقول: الشيبوط [2] من البني. والشيم [3] كالبغل بين الفرس والحمار، وليس ثم نسل به. وقال رجل لإياس: أنا أعرف مثل ما تعرف، فنظر إياس إلى صدع في الأرض فقال: ما هذا الصدع؟ قال: لا أدري. فقال إياس: فيه دابة، فكان كما قال إياس فقال له إياس: يا بن أخي أن الأرض لا تنصدع إلا عن دابة أو نبات. وسمع إياس عواء كلب فقال: كان هذا الكلب مربوطا ثم أطلق، أما سمعتموه يأتي صوته من جهة واحدة، ثم اختلف فقرب وبعد حين أطلق. ونظر إياس إلى رجل في المسجد فقال: هو: غريب، أعور، معلم، قد ذهب له غلام سندي، فوجد كما قال، فقال: إني رأيته كالمتحير فعلمت أنه غريب لا يألف المكان، ويلتفت بجمعه إذا التفت، فقلت

_ [1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] سمك دقيق الذنب، عريض الوسط. [3] الشيم: سمك. القاموس.

أعور، ورأيته لا يكلم الصبيان فقلت معلم، ورأيته إذا رأى غلاما سنديا تأمله. وقال إياس: ليس يولد من الحيوان شيء إلا ظاهر الأذنين. وشرقت لإياس شاة فسمع ثغاء ولدها بعد حين حين فعرفه. ورأى إياس رجلا فقال: لص سرق الساعة فخذوه، فلم يلبث أن جاء من يطلبه فقال: رأيته دهشا مدلها يكثر الالتفات. واختصم أهل قريتين في دجاج في قفص فقال لهم: خلوها، ثم قال: هذه دجاجكم وهذه دجاج أهل القرية البعيدة منكم، فقيل له: كيف علمت؟ قال: رأيت دجاج هذه القرية مطمئنة مستأنسة، ورأيت دجاج الأخرى قد رفعت رءوسها ومدت أعناقها نافرة. ورأى ديكا ينفر الحب ولا يقرقر فقال: هذا هرم، لأن الهرم إذا ألقي له الحب لم يقرقر والشاب يقرقر ليجمع الدجاج إليه. وقال إياس: أرسل إلي بلال بن أبي بردة فأتيته فلم يكلمني، وقام وقمت فقال: ما رأيت عند إياس ما يذكرون، فبلغني قوله فقلت: ما سألني عن شيء. ثم بعث إلى فسألني عن شيء فقلت: لا أدري، فقال: ظن، قلت: لا يجوز الظن، فقال: أو يكون شيء لا يجوز فيه الظن؟ قلت: كم ولدي؟ قال: لا أدري. قلت، ظن. قال: لا يجوز الظن. وكان لإياس أخ له خزلة [1] ، فعير أبو إياس إياسا به فقال له إياس: مثل أخي مثل الفرّوح يخرج من البيضة فيأكل ويكفي نفسه، ومثلي مثل

_ [1] أي تفكك في مشيه النهاية لابن الأثير.

الفرخ يخرج ضعيفا محتاجا إلى غيره، ثم يتحرك فيطير وينهض، والدجاجة لا نهوض لها فذلك أنا وأخي. قالوا: وتزوج المهلب بن القاسم بن عبد الرحمن الهلالي أم شعيب بنت محمد الطاحي، وأمها عكناء بنت أبي صفرة، وكان المهلب بن القاسم ماجنا فشرب يوما وامرأته بين يديه، فناولها القدح فأبت أن تشرب، فقال: أنت طالق إن لم تشربيه، وفي الدار ظبي داجن فعدا فكسر القدح فجحد المهلب طلاقها، ولم يكن لها شهود إلا نساء، فأرسلت إلى أهلها فحولوها فاستعدى ابن القاسم عدي بن أرطأة فردها عليه فخاصمته إلى إياس وهو قاض لعمر بن عبد العزيز، وشهد لها نساء، فقال إياس: لئن قربتها لأرجمنك، فغضب عدي على إياس فقال له عمر بن يزيد الأسيدي، وكان عمر عدوا لإياس، وذلك أنه قضى على ابنه بأرحاء كانت في يده لقوم، فقال عدي لعمر: انظر قوما فيشهدون على إياس أنه قذف المهلب بن القاسم ليحده ويفضحه ويعزله، فأتى بيزيد الرشك، وبابن أبي رباط مولى بني ضبيعة ليلا، فأجمعوا على أن يرسل عدي إلى إياس إذا أصبح فيشهدوا عليه، وكان ربيعة بن القاسم الحوشبي حاضرا فاستحلفه عدي ألا يخبر إياسا بما هم عليه فحلف، وأتى إياسا فقال: جئتك من عند عدي فاحذر الناس، ولم يذكر له شيئا فاستراب إياس الأمر فتوارى، ثم خرج إلى واسط واغتنم عدي فاستقضى الحسن، وكتب إلى عمر يعيب إياسا ويثني على الحسن، وشنع على إياس وقال أنه يقول: إذا كثرت أمطار السنة فهي وبيئة وما علمه بذلك، فكتب عمر إليه: ما رأيت أحدا من أهل زماننا

ومنهم: ذو البجادين [2]

الثناء عليه أحسن منه على إياس، وقد بلغني وصح عندي رضخ [1] من شأنكم، وأقر الحسن ومنهم: ذو البجادين [2] رحمه الله تعالى، وهو عبد الله، وكان اسمه قبل إسلامه عبد العزى. وكان أتى عمه وابنته عنده وقد أراد الهجرة، فقال يا عم: إنه قذف في قلبي حب هذا الرجل، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا آتيه. فقال: لئن فعلت لأسلبنك، فأبى إلا أن يفعل فسلبه، فأتى أمه فأعطته بجادها، وهو كساء، فقطعه نصفين فتدرع إحداهما وارتدى الأخرى فسمي ذا البجادين، وأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو القائل وهو يسوق ناقة النبي صلى الله عليه وسلم: تعرضي مدارجا وسومي ... تعرض الجوزاء للنجوم هذا أبو القاسم فاستقيمي ومن مزينة: بكر بن عبد الله المزني [3] مات بالبصرة سنة ثماني ومائة. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد، ثنا معاوية بن عمر، وثنا نعيم العجلي عن أبي عقيل عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: إن الدنيا دار فتن بعض أهلها ببعض، وكل امرئ مزين له ما هو فيه، وإن المؤمن من زينت له الآخرة فهو ينظر إليها ما يفيق من حبها، قد حالت شهوتها بينه وبين لذاذة عيشه، يمسي كئيبا ويصبح حزينا، فطوبى له وماذا يعاين لو قد كشف الغطاء من السرور، وما خير عمر وإن طال يذم آخره، وما يضرك

_ [1] الرضخ: خبر تسمعه ولا تستيقنه. القاموس. [2] بهامش الأصل: ذو البجادين رحمه الله. [3] بهامش الأصل: بكر بن عبد الله المزني.

ما ذوى عنك إذا حمدت مغبته، وإن الناس وإن فازوا كلهم وهلكت لم ينفعك ذلك، وإن فزت وهلكوا لم يضرك هلاكهم، وقد هتف الكتاب إليك صارخا بما أنت إليه صائر، فكيف ترقد على هذا العيون، أم كيف يجد قوم لذاذة العيش بعد هذا لولا التمادي في الباطل، والتشايع في القسوة من دون هذا يجزع الصديقون. حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، أنبأ حميد قال: كان بكر بن عبد الله المزني يقول: ما أرى التجارب تنفعنا، ولو أن عبدا أقيم في سوق، فقيل لا عيب فيه إلا أن التجارب غير نافعة له ما اشتراه أحد. أبو الحسن المدائني قال: قال بكر بن عبد الله المزني: التجسس من الخب، والخب من الدناءة والفجور. وقال: طول الصمت حبسة، وترك الحركة عقلة، وكلام الذي يدل على الخير أفضل من الصمت. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم التستري عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: كانت امرأة متعبدة باليمن، فكانت إذا أمست قالت: يا نفس، الليلة ليلتك لا ليلة لك غيرها فتجتهد، فإذا أصبحت قالت: يا نفس، اليوم يومك لا يوم لك غيره فتجتهد. وروى أبو هلال الراسبي عن بكر بن عبد الله قال: كان في بني رقاش رجل قال: لا أضحك حتى أعلم أفي الجنة أنا أم في النار. المدائني عن الضبعي أن بكر بن عبد الله المزني سمع رجلا يقول: دع المراء لقلة خيره، فقال: بل دعه لكثرة شره. حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا سهل بن محمود أبو السري عن

معتمر بن سليمان عن أبيه قال: قال بكر المزني: لو كان الرجل يطوف على المجالس يقول استغفروا لي لكان أحق بذلك من المسكين الذي يطوف عليهم ليعطى ويطعم. وروى غالب عن بكر بن عبد الله أنه قال: متى شئت أن تلقى عبدا النعمة عليك أسبغ منها عليه وهو أشد تبلغا في شكر الله منك لقيته، ومتى شئت أن تلقى عبدا هو أقل ذنوبا منك وأشد لربه خوفا لقيته. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا غسان بن المفضل الغلابي عن رجل من قريش عن عبد الرحمن بن زياد، وكان من آل زياد، قال: كتب أبي إلى بكر بن عبد الله المزني، وكان جاره: أن ادع الله لي، فكتب إليه بكر: أتاني كتابك تسألني أن أدعو الله لك، وحق لعبد عمل ذنبا لا عذر له فيه، وخاف موتا لا بد له منه أن يكون مشفقا وبدعاء إليه مستغيثا، ولست أرجو أن يستجاب لي بقوة في عمل ولا براءة من ذنب. حدثنا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الفضل السدوسي، ثنا مرجي بن وداع الراسبي عن غالب القطان قال: كان بكر يقول: ضع كبير المسلمين منك بمنزلة أبيك، وضع تربك منهم بمنزلة أخيك، وصغيرهم بمنزلة ولدك، فأي هؤلاء تحب أن يهتك له ستر؟ وقال: إذا شئت أن تلقى من النعمة عليك أفضل منها عليه، وهو أدأب في الشكر منك وجدته، وإذا شئت أن تلقى من أنت أعظم منه جرما وهو أخوف لله منك لقيته، فلا ترض لنفسك بهذا، وإذا رأيت كبير المسلمين فقل: هذا خير مني، آمن وعمل الصالحات قبلي، وإذا رأيت من هو أصغر منك، فقل: هذا خير مني، كسبت السيئات وعملتها قبل أن

يولد هذا، ودع من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت أثمت، وإياك وسوء الظن بأخيك. حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو النضر عن عقبة بن أبي الصهباء قال: سمعت بكر بن عبد الله يقول: ما قال عبد قط: الحمد لله إلا وجب عليه نعمة بقوله، فما جزاء تلك النعمة؟ جزاؤها أن تقول الحمد لله فتلك نعمة أخرى، فلا تنفد نعم الله. حدثنا أحمد، ثنا غسان الغلابي عَن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن أبي حرة قال: أتينا بكر بن عبد الله نعوده، فأقبل إلينا وهو يهادي بين رجلين، فسلم علينا ثم قال: رحم الله عبدا أعطي قوة فعمل بها في طاعة الله، أو قضي به في ضعف فكف عن محارم الله. حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا سلام بن أبي مطيع عن غالب قال: كان بكر بن عبد الله يقول: إذا رأيت من أخيك أمرا تكرهه فلا تكفر به، ولكن احمد الله الذي عافاك مما ابتلاه به. المدائني عن كهمس قال: سمعت بكر بن عبد الله يقول: يكفيك من الدنيا ما قنعت به ولو كف من تمر وشربة ماء وظل خباء، وكلما فتح عليك من الدنيا شيء ازدادت نفسك له انفتاحا. حدثنا أحمد، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ بكر قال: لا يزال الرجل بخير ما أمسى وأصبح زاريا على نفسه في ذات الله. قالوا: وذكر بكر يوم عرفة فقال: قد شهدت مشهدا أو رأيت منظرا لولا أني كنت معهم لرجوت أن يغفر لهم.

أحمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن المرجى بن غالب بن بكر قال: إذا رأيت الناس يفخمونك فقل: هذا فضل لست له بأهل، وإذا بعدوا عنك وأنكرتهم فقل: هذا ذنب أحدثته ليس منهم أتيت. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا موسى بن إسماعيل عن أبان بن خالد السعدي قال: رأيت على بكر بن عبد الله طيلسانا قومته في نفسي ثلاثمائة درهم ومقطعة من برود من هذه المنزلة قباء ثمنه عشرون ومائة درهم. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا هارون بن عيسى عن حكام الرازي عن سعيد بن سابق عن عاصم الأحول عن بكر بن عبد الله قال: البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية. حدثنا أحمد، ثنا حماد بن سلمة عن حميد قال: كنا نرجو، أو نرى أن بكر بن عبد الله مجاب الدعوة. أحمد عن العلاء العطار عن عبد الله بن دينار قال: كان بكر بن عبد الله يمر بالمساكين فيجلس معهم، وإن عليه لثيابا سرية. قالوا: وكسا بكر رجلا أحد ثوبيه، فقالت له أم ابنه عبد الله بن بكر في ذلك، وكأنها لامته، فبينا هي تحاوره إذ جاءته مولاة له بثوب قد غزلته هدية إليه، فقال: أعطينا خلقا وجاء الله بجديد. قال المدائني: قال بكر بن عبد الله، ليس الواعظ من جهل أقدار السامعين، وإرادة المريدين. حدثنا روح بن عبد المؤمن عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: كانت أم بكر بن عبد الله عند رجل غني، وكان أميرا، فكانت تكسوه الثياب الجياد، وكان بكر يكره أن يرد عليها شيئا، فربما بلغت كسوته أربعة آلاف

درهم، فكان يلبس تلك الثياب ويجلس مع المساكين بينهم وكان يقول: أرجو أن أعيش عيش الأغنياء وأموت موت الفقراء، قال: وكذلك مات ما ترك شيئا. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا سهل بن محمود عن زياد بن ربيع عن غالب بن بكر أنه قال: إني لأحب أن أرى الرجل من إخواني حسن السحنة، متوسطا على نفسه وأهله يظن من رآه أن له مالا فيموت فلا يدع مالا، وأكره أن أرى الرجل من إخواني متقشفا مبتئسا سيّئ السحنة مضيقا على نفسه وأهله، ويظن من رآه أنه مقتر، فيموت فيدع مالا كثيرا. حدثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد بن زيد عن هشام قال: ركب أبا حمزة التمار دين، فأتى بكر بن عبد الله فقال له: مالي أراك مغموما؟ فذكر دينه، فقال: وكم هو؟ قال: أربعمائة درهم، فأخرج إليه أربعمائة درهم وقال: والله ما أملك غيرها. حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو سلمة عن أبان بن خالد قال: رأيت بكر بن عبد الله مخضوبا بسواد. وروى حماد بن سلمة عن حميد أن بكر بن عبد الله خضب بالسواد، ثم تركه. وقال بكر: عجبا إني أخطئ إذا شاورت، وأصيب إذا شوورت. وروى أبو هلال قال: كان بكر يخضب بالسواد حتى احترق وجهه، فتركه وخضب بالحناء. حدثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صعب عن رجل عن هشام عن بكر قال: خرجت من منزلي فإذا أنا بحمال يحمل كارة وهو

يقول: الحمد لله، استغفر الله لا يزيد عليهما، ثم انتهى إلى مكان، فوضع الكارة ليستريح. قال: فقلت له: يا عبد الله سمعتك تقول كلمتين لا تزيد عليهما؟ فقال: وما أعجبك من ذلك أن ابن آدم بين نعمة وذنب، فأنا أحمده على النعمة، واستغفره للذنب. قال بكر: فقلت في نفسي: لقيت والله يا بكر رجلا أفقه منك. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ علية عن غالب القطان عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: إذا خرجت لحاجة فعرضت لك عيادة مريض أو جنازة فقل: الحمد لله الذي يسرّ لي هذا الخير والأجر. وكان لجد بكر فيما ذكر أبو اليقظان صحبة، ولا عقب لهم. وقال غير الكلبي: من مزينة أبو ذرة، ومولاه أرطبان، وكان كثير المال، فولد أرطبان: عونا أبا عبد الله بن عون المحدث، وكان عبد الله يكنى أبا عون، وأم عون بن أرطبان ابنة قارن الطبري. قال: ومنهم: جسر، وسعر [1] ابنا سنان، كانا من وجوه أهل البصرة ولهما صحبة. وقال محمد بن سعد: عائذ بن عمرو المزني محدث. وقال الحسن: كان من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [2] .

_ [1] لم أجدهما في كتب تراجم الصحابة. [2] طبقات ابن سعد ج 7 ص 31.

نسب حميس بن أد بن طابخة

نسب حميس بن أد بن طابخة وولد حميس بن أد: حرب، كانوا مع أبرهة الأشرم فهلكوا يوم الفيل ونجا منهم ستون، فهم إلى اليوم ستون لا يزيدون على ذلك، إذا ولد مولود مات رجل، وهم في بني عبد الله بن دارم وأمهم الخشناء بنت وبرة أخت كلب بن وبرة. فولد حرب: عوف بن حرب. وبشير بن حرب. وعمرو بن حرب. والأعور بن حرب. فولد عمرو: برمة بن عمرو. وكعب بن عمرو. وعكابة بن عمرو. وولد الأعور بن حرب: كلدة. وسفيان. وعبد الله. وولد كعب بن عمرو: دثار بن كعب، وأمه ابنة تغلب بن وائل أو ابنة وائل. وقال أبو اليقظان: بنو حميس بالكوفة في بني مجاشع، وبالبصرة في بني عبد الله بن دارم. ومن بني حميس: المفوف الشاعر الذي يقول:

سوار أنت فتى نزار كلها ... تعطي الجزيل ولا ترفقه وكان المفوف أرسل امرأته من خراسان وأرسل أيضا رجل آخر امرأته، فاخذهما الخوارج فمضى المفوف وصاحبه إلى الخوارج. فأما المفوف فأصاب المحنة فخلي وامرأته، وأما الآخر فأخطأ فقتل.

نسب بني ضبة بن أد بن طابخة

نسب بني ضبة بن أد بن طابخة وولد ضبة بن أد بن طابخة: سعد بن ضبة وسعيد بن ضبة. وباسل بن ضبة، وهو أبو الديلم فيما يقال. قال هشام بن محمد الكلبي: حدثني أبي قال: خرج باسل مغاضبا لأبيه فتزوج امرأة من العجم، فولدت له، فيقال إن الديلم ولد باسل هذا، وهم ينسبون إليه. وعمرو بن ضبة درج. وقال غير الكلبي: وقع بين باسل وبين أخيه سعد شر فاقتتلا فغضب، ووقع بالديلم فعظمه أهلها حتى عبدوا رحله إلى أن ذهب الرحل، ثم جعلوا له مثالا من طين فعبدوه، فبعض من بالديلم من ولده. وحدثني محمد بن الأعرابي عن المفضل بن محمد الضبي قال: خرج سعد وسعيد ابنا ضبة في طلب إبل لهم، فرجع سعد. ولم يرجع سعيد، وكان ضبة كلما رأى شخصا مقبلا قال أسعد أم سعيد؟ فذهبت كلمته مثلا. فبينا ضبة يسير ومعه الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد في الشهر الحرام إذ أتيا في طريقهما على مكان فقال الحارث لضبة: أترى هذا

بكر بن سعد

المكان فإني لقيت به فتى من هيئته كذا وكذا فقتلته وأخذت هذا السيف منه، وإذا صفته صفة سعيد. فقال ضبة: أرني السيف أنظر إليه فناوله إياه فعرفه ضبة، فقال عندها: إن الحديث ذو شجون، أي متشعب كشجون الجبل فذهبت مثلا، ثم ضرب الحارث بالسيف حتى قتله فلامه الناس في ذلك، وقالوا: تقتل في الشهر الحرام؟ فقال: سبق السيف العذل، فذهبت مثلا وقال الفرزدق: فلا تأمنن الحرب إن استعارها ... كضبة إذ قال: الحديث شجون [1] وليس لسعيد عقب، وأم ولد ضبة هؤلاء: ليلى بنت لحيان بن هذيل بن مدركة، وقد روى بعض أهل الكذب في أمر سعد وسعيّد حديثا مصنوعا لا نعرفه ولا تعرفه العرب، ولا يرويه أهل العلم. وولد سعد بن ضبة: بكر بن سعد وأمه من إياد. وثعلبة بن سعد. وصريم بن سعد، وهم أهل أبيات. وأمهم هند بنت ثعلبة بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيّئ. فولد بكر بن سعد بن ضبة: مالك بن بكر. وعبد الله بن بكر، وهو عبد مناة، وأمهما الممناة بنت الأوس بن تغلب بن وائل. فولد مالك بن بكر بن سعد: ذهل بن مالك، وأمه هند، وهي الخشبة بنت عبد الله بن قداد من بجيلة، وهي عمة أم خارجة السريعة النكاح. ويقال إنه ذهل بن ثعلبة بن عكابة والله أعلم. والسيد بن مالك. وعائذ بن مالك. وتيم بن مالك وهما التوأم- وأمهم السؤوم بنت الحارث بن عبد مناة بن كنانة.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 333.

بجالة.

فولد ذهل بن مالك بن بكر: بجالة. وصبح. وتيم. وخزيمة درج. فولد بجالة بن ذهل: كعب بن بجالة. وضبيعة بن بجالة. وحنبل بن بجالة. وربيعة درج، وأمهم جرثم بنت ثعلبة بن ذؤيب بن السيد بن مالك. فولد كعب بن بجالة بن ذهل: زيد. وهاجر. وكوز. وعبد الله. فولد زيد بن كعب بن بجالة: مالك بن زيد. وعمرو بن زيد، وأمهما بنت عبد بن عبيد بن نصر بن عائذة بن مالك وهي النعام. فولد مالك بن زيد بن كعب: قطن. وأفلت. فولد قطن بن مالك بن زيد: شبابة. وولد أفلت بن مالك بن زيد: فلان بن أفلت، اسمه فلان. وربيعة بن أفلت. وعمرو بن أفلت. فمن بني مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهب بن مالك بن بكر: ضرار بن عمرو، وعمرو هو الرديم بن مالك بن زيد، رأس فطالت رئاسته وقال لابنته وأنكحها معبد بن زرارة: يا بثينة أمسكي عليك الفضلين: فضل الكلام، وفضل الغلمة. وشهد ضرار يوم القرنتين [1] ، وكان خبره أن النعمان بن المنذر جهز أخاه لأمه وهو وبرة بن رومانس بن معقل الكلبي- من بني عبد ود، وأمهما سلمى بنت وائل بن عطية، من أهل فدك وهو الصائغ- في جيش عظيم

_ [1] بهامش الأصل: يوم القرنتين. والقرنتان موضع على أحد عشر ميلا من فيد للقاصد مكة. معجم البلدان.

جمعهم من معد وغيرهم، وأرسل إلى ضرار بن عمرو الضبي وهو الرديم- سمي رديما لأنه ردم ردما بأرض قومه، ويقال: إنه كان في حرب فسد موضعا فيها عن جماعة من قومه فقيل الرديم والرادم- وكان يومئذ شيخا كبيرا فأتاه في تسعة من ولده كلهم قد رأس، وقاد جيشا وبلي قتاله، وأتاه حبيش بن دلف أحد بني السيد، وكان أحد فرسان العرب المعروفين وكان آدم نحيفا، فبعث معهم عيرا له إلى مكة، وقال لهم النعمان: إذا فرغتم من أمر العير فعليكم ببني عامر فإنهم قريب منكم. فلقوهم حين فرغ الناس من سوق عكاظ، ورجعت قريش إلى مكة، فزعموا أن عبد الله بن جدعان بعث إلى بني عامر من آذنهم بالجيش، فلقوهم بالقرنتين على حذر، ورئيس الناس أخو النعمان والضبيون معه وغيرهم، وبنو عامر متساندون، فلما رأى عامر بن مالك أبو براء ما يصنع ضرار حمل عليه فطعنه فصرعه، وحامى عليه بنوه وأحاطوا به حتى ركب وكان عليه درعان فلم تعمل فيهما الطعنة، ثم حمل على حبيش بن دلف الضبي فأخذه أخذا عن فرسه فافتدى نفسه بأربعمائة بعير، وأسر وبرة أخو النعمان ورجعت عيون النعمان بما لقي ذلك الجيش وأخبر أن أخاه أسر في أول وهلة فلما انصرف ضرار قال له النعمان: بلغني أن وبرة أسر وأنك قمت بأمر الناس وطعنت فسلمت فكيف هذا؟ قال: نجاني الأجل وإكراهي نفسي على الحق الطوال يعني أمهات أولاده الذين حموه، وافتدى وبرة نفسه من يزيد بن الصعق، وهو كان أسره بألف ناقة صفراء وقينتين وحكمه في أمواله، ومكث يَزِيدَ بْن عَمْرو بْن خويلد بْن نفيل بن عمرو بن كلاب، وهو يزيد بن الصعق. وكان يقال لخويلد: الصعق، وقعت عليه صاعقة فأحرقته بعد يوم القرنتين، ثم هلك فرثاه

طفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب فقال: إذا أنتم أبتم قبلنا ... إلى الحي فانعوا أبا عابس يزيد بن عمرو لإخوانه ... وللضيف يطرق والبائس وللخيل تحسبها شرياتها [1] ... ذي صدور قنا يابس وقال يزيد بن عمرو بن خويلد وهو الصعق: تركت أخا النعمان يرسف عانيا ... وجدّعن مرا [2] والملوك الصنائعا تركنا حبيشا حين لاقاه بأسنا ... يعالج مأسورا لدينا الجوامعا ويقال إن حبيش بن دلف قتل يوم القرنتين، وهو قول الكلبي، وكان ولد ضرار بن عمرو يوم القرنتين معه وهم ثمانية عشر: حصين بن ضرار. وعمرو بن ضرار. وعبد الحارث بن ضرار. وعامر بن ضرار. وأدهم بن ضرار. ودلجة بن ضرار. وجبار بن ضرار. ومنذر بن ضرار. وقبيصة بن ضرار. وحنظلة بن ضرار. وقيس بن ضرار. والحارث بن ضرار. وحسان بن ضرار. وسلمة بن ضرار. وهند بن ضرار. وكان المنذر بن حسان بن ضرار من وجوه أهل الكوفة فخطب إليه عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي ورجل من ضبة فزوج الثقفي، ورد الضبي فقال: ما كان في القوم الذين تتابعوا ... على اللوم إذ باعوا أمامة من فقر لقد كنت أدنى لو رعى ذاك منذر ... وأقرب رحما من حليف بني نصر يريد الذي بين ثقيف وبين نصر بن معاوية. قالوا: وكان شتير بن خالد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، ويقال

_ [1] الفرس في سيره بالغ فهو شريّ، والشرية: الطريقة والطبيعة ومن النساء اللاتي يلدن الإناث. القاموس. [2] بهامش الأصل: يعني مرّ بن أد.

شتير بن عنبة بن خالد بن نفيل، لقي رجلا من ضبة يقال إنه حصين بن ضرار فأراد شتير أسره فعجل رجل ممن معه فرماه فقتله، وبلغ الخبر ضرار بن عمرو فركب فيمن معه من قومه فسأل عن بني كلاب فأخبر أنهم بغول، وهي من بلاد بني عامر، فأغار عليهم فاقتتلوا فأسر شتير بن خالد، وقتل ابن عم له، وقدم ضرار شتير فضربت عنقه، ويقال إنه قتله عبد الحارث بن ضرار، فقال الفرزدق: وهن على خدي شتير بن خالد ... أثير عجاج من سنابكها كدر [1] فولد حصين بن ضرار بن عمرو: زيد الفوارس بن حصين بن ضرار، وأمه زهرة بنت سويد، ضبية، وهرثمة بن حصين وهو أخو زيد لأمه أسرته بنو قيس بن ثعلبة ففداه أخوه زيد، وأدرك الإسلام وهاجر إلى البصرة، وولده بالبصرة كثير. فقال الذي أسر هرثمة: أهرثم لا منّا عليك ولا فدى ... أودت ولكن كنت للود راعيا حبوت بها زيدا على بعد داره ... وما أملت نفسي هناك الأمانيا ويقال إنه بعث به إلى زيد أخيه بلا فداء. وأما زيد الفوارس بن حصين بن ضرار صاحب محرق، وخبره أن محرقا الغساني، وهو الحارث بن عمرو بن عامر أخو جفنة بن عمرو، وسمي محرقا لأنه أول من أحرق وعذب بالنار، وكان حرق نخلا باليمامة، جمع جيشا عظيما من أحياء العرب، إياد وغيرها، فمر ببني تميم فاستقبلوه وأعطوه الأتاوة، وهي من كل رجل للسنة جراب من أقط، ونحي من

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 253.

سمن، وجزة من صوف، وكبش، ثم مر ببني ضبة فأرادهم على أن يؤدوا مثل ذلك فأبوا ونادوا فيمن غاب عنهم من قومهم فاجتمعوا، وشهد ذلك اليوم زيد الفوارس بن حصين بن ضرار، فاقتتلوا مليا من النهار أشد قتال: فأسر زيد الفوارس محرقا وأسر هنيء بن حبيش بن دلف أخا محرق، ويقال أسره حبيش نفسه، فلبثا فيهم أياما ثم قدمهما زيد الفوارس فقتلهما واستنقذ قوما من طيّئ كانت لهم به حرمة، وضرب يومئذ زيد على شماله وعلى رجله فلذلك عزم على قتل محرق وأخيه، وفي ذلك يقول ربيعة بن مقروم الضبي الشاعر: ويوم تخمط الملك ابن عمرو ... كسونا رأسه عضبا شنينا وقال الفرزدق: ومحرقا جمعوا إليه يمينه ... بصفاد مغتصب أخوه مكبل ملكين يوم بزاخة قتلوهما ... وكلاهما تاج عليه مكلل [1] ويقال لهذا اليوم يوم بزاخة، ولم يجتمع سعد بن زيد مناة بن تميم والرباب على أحد غير زيد الفوارس. قالوا: وغزا بنو سعد ومعهم بنو ضبة والرباب ورئيسهم زيد الفوارس، بني بكر بن وائل بالخوع فنذرت بهم بكر فاقتتلوا قتالا شديدا، فبينا هم يقتتلون أثبت المسلب أحد بَنِي تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عُكابة بْن صَعب بْن عَلِي بْن بَكْر زيد الفوارس فقصد له فرماه فقتله، وهزموا بكر بن وائل بعد مقتل زيد وقتلوا المسلب قاتل زيد وقتلوا أخاه أبا عمرو، وقتلوا عمرو بن همام، فقال رجل من ضبة.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 158.

نحن قتلنا المسلبين كليهما ... وعمرو بن همام وبشر بن حابس وعمرو بن هند قد تركنا مجندلا ... تعفى عليه العاصفات الروامس قتلنا عداء خمسة من سراتهم ... بواء فما أوفوا بزيد الفوارس وأغارت بنو ضبة على ابن سبيع بن الخطيم التيمي، فأتى زيدا فشكا ذلك إليه فلبس لامته وأخذ رمحه ونادي: يال ذهل، وهم قومه، فأجابوه فانتزع الإبل وردها على ابن سبيع. ومن ولد زيد الفوارس: ضرار بن حصين بن زيد، كان قتيبة ولاه أمر بني تميم بخراسان والبادية. ولحيان بن ضرار أخي زيد الفوارس عقب بالبصرة والكوفة والبادية. وأما قبيصة بن ضرار فقتله بنو ثعلبة بن سعيد بن ضبة لشر كان بينهم. وقتلت بنو ثعلبة أيضا حكيم بن قبيصة قبل أبيه فقال قبيصة: فهل أنا إن تركت لكم حكيما ... مضلي الموت يوما إن أتاني وله عقب بالبصرة والبادية، وفي قبيصة تقول جعدة بنت ضرار أخته. ما بات من ليلة مذ شد مئزره ... قبيصة بن ضرار وهو موتور لا تقرب الكلم العوران مجلسه ... ولا يذوق طعاما وهو مستور ومن ولده بالبادية رجل يقال له عمرو بن الحارث كان له فضل وسؤدد. وأدرك حنظلة بن ضرار الإسلام وطال عمره حتى أدرك يوم الجمل. وقيل له: ما بقي منك؟ فقال: أذكر القديم وأنسى الحديث، وآرق في الخلاء وأنام في الملإ.

ومنهم: عبد الله بن شبرمة [1] بن الطفيل بن هبيرة بن المنذر بن حسان بن ضرار،

ومنهم: المنذر بن حسان بن ضرار شرك في دم مهران الفارسي يوم النخيلة، في أيام عمر بن الخطاب، فأعطي بعض سلبه. وسلمة بن عمرو بن ضرار، شهد فتح الري. ومنهم: عبد الله بن شبرمة [1] بن الطفيل بن هبيرة بن المنذر بن حسان بن ضرار، ولي قضاء الكوفة وسوادها لأبي جعفر أمير المؤمنين، وكان فقيها نبيلا، وكان صديقا لابن المقفع فزعموا أنه قال: الرائد رائدان: رائد يكذب، ورائد لا يكذب، فأما الكاذب فسلم بن قتيبة أطلعته مني على خلة فاغفلني، ومر بي ابن المقفع وأنا ملزوم فصفحني ومضى، فقيل لي: هذا صديقك مر بك وأنت على هذه الحال فلم يعرج عليك. فقلت: أنا به واثق وإن وراء هذا من أمره لخير. فلم ألبث أن أتاني غلامه بحقة فيها حلي ذهب وجوهر ثمين فقال: يقول لك سيدي إني رأيتك على تلك الحال فغمني أمرك، ولم أكن على ثقة من أن هذا في منزلي حتى أخبرني أهلي أنه عندهم وجاؤوا به لي إذ شكوت إليهم اهتمامي بأمرك فبعه واقض دينك، واستعن بباقي ثمنه على دهرك. وكان عبد الله بن شبرمه يكنى أبا شبرمه وهو القائل: هذا الزمان الذي كنا نحذره ... في قول سعد وفي قول ابن مسعود إن دام ذا العيش لم نحزن على أحد ... منا يموت ولم نفرح بمولود فقال ابن شبرمة: مواضع الصمت المحمود قليلة ومواضع الكلام المحمود كثيرة. وروي عنه أنه قال: عجبا لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار.

_ [1] بهامش الأصل: ابن شبرمة.

ومنهم: مثجور بن غيلان بن خرشة بن عمرو بن ضرار بن عمرو،

وقال: رأس المروءة صلة الرحم، ومن آثر بصلة غير ذوي رحمه ومنعهم فضله كان كمن لبس لباس الرأس في الرجلين ولباس الرجلين في الرأس. وكان يقول: إياك وعزة الغضب فإنها تحوجك إلى ذلة الاعتذار. وكان يقول: الرأي ضالة فاستدلل عليها بالمشاورة. وقال ابن شبرمة: ليس حسدك صاحبك أن تتمنى مثل نعمته، ولكنه أن تتمنى زوالها عنه. وكان يقول: من حسن خلقه لم تملل معاشرته. وحدثني عبد الله بن صالح عن أبي زبيد قال: قال ابن شبرمه: ما عرفت من رجل كذبا إلا استوحشت من النظر إليه فضلا عن استماع كلامه وحديثه. ومات عبد الله بن شبرمه بالكوفة سنة أربع وأربعين ومائة. وروي عنه أنه قال: ما طولب كريم بمثل التأني والرفق. والقعقاع بن شبرمه، ويزيد بن القعقاع بن شبرمه. ومنهم: مثجور بن غيلان بن خرشة بن عمرو بن ضرار بن عمرو، كان شريفا عالما بأنساب الناس وأيامهم، وكان الحجاج ولاه ابن قباذ، ثم قدم عليه وقد بنى الديماس فقال: أدخلوه إياه حتى ينظر إليه، فأدخلوه فلما خرج منه قال: كيف رأيته؟ قال: مدخل سوء. قال: فلا تعرض نفسك له. قال: والله لا أدخله أبدا. فقال: ارجع إلى عملك، فانكسر عليه خراج من خراجه لاعتلال أهل الخراج فيه عليه وادعائهم مظالم امتنعوا لها من الأداء، فلما انتشر أمره واستبطأه الحجاج هرب إلى جنديسابور بالأهواز

فاستخفى عند موسى بن يزيد الأسواري وتزوج ابنة امرأته، وبلغ الحجاج مكانه فبعث في حمله فهرب فأخذ الحجاج موسى فقطع يديه ورجليه، ونجا مثجور فأتى المدينة ونزل قصر المطرف، وهو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فبعث الحجاج إلى عثمان بن حيان المري، وهو والي المدينة في طلبه وإشخاصه إليه فبحث عنه، وأخبر أنه في دار المطرف، فهجم في أصحابه فوجد مثجورا يقرأ في مصحف فأفلت من أيديهم فأخذوا امرأته ليقتلوها فصاحت: يا مثجوراه فخرج عليهم مثجور بالسيف وهو يقول: لقد حذرت لو نجا يوما حذر ... والله ما ينفعني يوما أفر والموت خير لي من وال أشر وقاتل حتى قتل، فاحتز عثمان بن حيان رأسه فبعث به إلى الحجاج، فأمر الحجاج بإدخال رأسه الديماس وقال: احنثوه وأمر به بعد ذلك فنصب وصلبت جثة مثجور بالمدينة فقال القلاخ [1] : أمثال مثجور قليل ومثله ... فتى الصدق إن صفقته كل مصفق وما كنت أشريه بدنيا كثيرة ... ولا بابن خال بين غرب ومشرق فإن يأخذوا أوصاله يصلبونها ... فلن يدركوا الأرواح جسم محلق وادعى المطرف على عثمان بن حيان وأصحابه أنهم حين هجموا أخذوا دروعا له، فقال عثمان: وما دروعك يا منكوح، إنما هي دروع النساء، فلما عزل عثمان اقتص له منه، وقد كتبنا خبر المطرف في نسب ولد عثمان رضي الله تعالى عنه.

_ [1] هو القلاخ بن حزن المنقري. انظر حماسة أبي تمام ص 556. الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 444.

وقال الحجاج لمثجور: أخبرني عن قومك فقال: بنو حنظلة أكرمنا وفودا وأحسبنا جدودا. وبنو عمرو بن تميم أعظمنا أحلاما وأكثرنا حكاما. قال: فما بقيت لكم معشر الرباب؟ قال: نحن أحدها رماحا وأحسنها صفاحا. وكانت لمثجور ابنة يقال لها منيعة تحت قتيبة بن مسلم، فأمره الحجاج بطلاقها فطلقها، فتزوجها مخلد بن يزيد بن المهلب فمات قبل أن يبني عليها، ثم تزوجها محارب بن مسلم بن زياد، وكان الحجاج يذكر مثجورا فيقول: لعن الله ابن الحباق، وذلك أن غيلان بن خرشنة أباه كان أثيرا عند الولاة وعند زياد خاصة، فإنه لعنده ذات يوم إذ حبق غيلان، فتغافل القوم عنه، وأقبل زياد عليهم في الحديث، ثم إن غيلان قال ذات يوم لرجل من ثقيف: أشرب الخمر أفسد عينيك؟ قال: لا ولكنه أفسدها حبقك عند أميرك، وكان الأحنف حاضرا فقال له: ذق غيلان. وكان غيلان بن خرشنة يكنى أبا معدي كرب وكان حلف ألا تتبكر له امرأة بجارية إلا طلقها، فقال فيه بعض من خطب إليه: أقبلت توضع بكرا لا خطام له ... حسبت ريطة عندي بيضة البلد انك من خاطب أهل لمشتمة ... إذ هب فلا تخطبن بعدي إلى أحد وتزوج بعض بنات زياد فجاءته بابنتين في بطن وهما: أم الفضل، وأم عاصم، فدخل على عبيد الله بن زياد وهو كاسف البال فقال له: مالك يا أبا معدي كرب؟ قال: صبحت بابنتين وفارقت أعز أهلي علي فأمر له ولأمرأته وابنتيه بمال. فأما أم الفضل فتزوجها دَاوُد بْن قحذم، أحد بني قيس بْن ثعلبة، ثم

ومنهم الرقاد بن المنذر بن ضرار

خلف عليها يزيد بن المهلب، فولدت له مخلدا. وأما أم عاصم فتزوجها أبو حاصر الأسيدي، ثم تزوجها عيسى بن خصيلة ثم تزوجها سليمان بن عباد، فمضى بها إلى عمان. ومنهم الرقاد بن المنذر بن ضرار الذي يقول فيه الأخضر بن هبيرة بن المنذر: إني امرؤ عمي الرقاد بن منذر ... وحسان والشيخ الرئيس المخاصم وكان الرقاد شاعرا. وولد كوز بن كعب بن بجالة: منقذ بن كوز. فولد منقذ: حنين بن منقذ. ومسعود بن منقذ. منهم المسيب [1] بن زهير بن عمرو بن جبيل بن الأعرج بن ربيعة بن مسعود بن منقذ بن كوز صاحب شرط أبي جعفر أمير المؤمنين المنصور، وإليه تنسب المنارة بقرب باب الكوفة ببغداد، وابنه زهير بن المسيب قتل ببغداد، وربط بحبل وجر في الطرق، وذلك في فتنة محمد بن هارون الرشيد المعروف بابن زبيدة، ومحمد وهو المخلوع قتله طاهر بن الحسين حين وجهه إليه المأمون أمير المؤمنين أخوه من خراسان. وولد هاجر بن كعب بن بجالة: زيد بن هاجر. وعبيد بن هاجر. وأسيد بن هاجر. منهم علقمة بن موهوب بن عبيد بن هاجر كان فارسا من فرسان ضبة في الجاهلية. ووهب بن موهوب وكان مع زيد الفوارس طليعة يوم لقيت طيّئ، وفيهم قيس بن أوس فقال زيد:

_ [1] بهامش الأصل: بلغت المعارضة ولله كل حمد وفضل.

وولد ضبيعة بن بجالة بن ذهل:

دعاني ابن موهوب على شيء بيننا ... فقلت له إن الرماح مصائد وقلت له كن عن يميني فإنني ... سأكفيك إن زاد المنية زائد وولد ضبيعة بن بجالة بن ذهل: هلال بن ضبيعة. وعامر بن ضبيعة. ومرة بن ضبيعة. منهم هبيرة بن الأشعث بن عبد الرحمن بن عصم بن عامر بن هلال بن ضبيعة بن بجالة كان شريفا. ومنهم معبد بن سعنة من بني هلال بن ضبيعة بن بجالة، وهو ابن رميلة الشاعر، وكان ممن حبس بالمشقر [1] زمن الصفقة [2] ، فهلك هناك وكان كسرى بن هرمز أبرويز كتب إلى باذام صاحبه باليمن في البعثة إليه بما أمكنه من برودها وطرائفها ففعل ووجه إليه بعير فيها طرف وهدايا وجوهر وعنبر، فوثبت عليها بنو تميم فانتهبتها وقتلت من كان يبذرقها من الأساورة، وذلك بحمض، وهو ماء لبني كنانة بن سعد رهط العجاج، وكانت بينهم فيها حرب شديدة. ويقال لليوم أيضا يوم نطاع، ويقال إن كسرى كان بعث أيضا بعير تحمل أشياء من طرف العراق لتباع ويشترى له بثمنها الأدم وغيره مما بالحجاز وما يردها من الشام وغير الشام، فأنهبوها فكتب إلى صاحب البحرين أن إذا كان الزمان الذي يحضر فيه بنو تميم للقاط النخل والثمر أن يجمعهم ويطعمهم حتى إذا أدخلتهم حصن المشقر لم تدع عينا تطرف، ففعل فكان الرجل إذا دخل المشقر أخذ سيفه فلما اجتمعوا صفق عليهم

_ [1] المشقر: حصن بين نجران والبحرين، وقيل المشقر: حصن بالبحرين عظيم لعبد القيس. معجم البلدان. [2] يعرف يوم الصفقة أيضا باسم يوم الكلاب الثاني. انظر أخباره في العقد الفريد لابن عبدربه ج 6 ص 68- 75.

وولد صبح بن ذهل بن مالك:

الباب فقتلوا إلا من نجا ومن استبقي من الغلمان فحملوا إلى كسرى فاستخدمهم. وولد صبح بن ذهل بن مالك: عصم بن صبح. وهاشة بن صبح. وعريف بن صبح. وشفاء بن صبح. وتيم بن صبح. والحارث بن صبح. وولد تيم بن ذهل بن مالك: منقذ بن تيم. والحارث بن تيم. وولد عائذة بن مالك بن بكر: نصر بن عائذة. وقيس بن عائذة. منهم شرحاف بن المثلم بن علباء بن قيس بن عائذة، الذي قتل عمارة بن زياد العبسي أخا الربيع بن زياد العبسي، قال الفرزدق: وهنّ بشرحاف تداركن دالقا ... عمارة عبس بعد ما جنح العصر [1] وكان يقال لعمارة: دالق. ومنهم الهويجة بن بجير بن عامر بن سفيان بن أسيد بن زائدة بن حصين بن شبيب بن عبد قيس بن علباء بن عائذة، قتل يوم مؤتة فيقال إن جسده فقد. وولد السيد بن مالك بن بكر: ذؤيب بن السيد، فيه العدد. وغيظ بن السيد. وحيي بن السيد. فولد ذؤيب بن السيد: ثعلبة بن ذؤيب. وذكوان بن ذؤيب. وولد ثعلبة بن ذؤيب بن السيد: شيم بن ثعلبة. وحرثان بن ثعلبة. وعامر بن ثعلبة. وشيبان بن ثعلبة. فولد شيبان: غضبان بن شيبان. وربيعة بن شيبان. وبلال بن

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 253.

شيبان. منهم ظالم بن غضبان الذي يقول له الشاعر الضراري [1] : إن تك يا ظالم الديان في مدر ... فاننا معشر لا نبتني الطينا ومنهم زيد بن حصين بن زهير بن نضلة بن خولي بن نضلة بن ظالم، ولي أصبهان، ويقال الري فأتاه ابن عم له ضبي فجفاه فقال: أتذكر إذ لحافك جلد شاة ... وإذ نعلاك [2] من جلد البعير فلست مسلّما مادمت حيا ... على زيد بتسليم الأمير فسبحان الذي أعطاك ملكا ... وعلمك القعود على السرير ثم دعاه فوهب له بغلا فقال: قد قلت لما أتى بالبغل قيمه ... لا بارك الله في زيد وما وهبا أعطاني البغل لما جئت زائره ... وأمسك الفضة البيضاء والذهبا وولد حرثان بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد: وائل بن حرثان. وقثمة بن حرثان. وعنمة بن حرثان وهو أبو عبد الله بن عنمة. وعبد الله الشاعر الذي يقول: وخيل كريغان الجواد وزعتها ... لها سبل [3] أعراضه تتألق وولد عامر بن ثعلبة بن ذؤيب: زبان. منهم يعلى بن عامر بن سالم بن أبي سلمى بن ربيعة بن زبان كان على خراج الري. ومن ولده: المفضل بن محمد بن يعلى الرواية، وهو كوفي، ثم إنه شخص إلى البصرة منتظرا لخروج إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، فلما خرج وقتل هرب، فلم يزل يتنقل في البوادي فكثر كتابه عن العرب، ثم استؤمن

_ [1] لم أقف على تعريف به بالمصادر المتوفرة. [2] بهامش الأصل: خفاك. [3] السبل: المطر، والأنف. القاموس.

وولد عبد مناة، وهو عبد الله بن بكر بن سعد بن ضبة:

له فعاد إلى الكوفة، وأتى بغداد، وكان يكنى أبا عبد الرحمن. وولد ذكوان بن ذؤيب بن السيد: الهون بن ذكوان. وعسير. منهم: حبيش بن دلف بن الهون الفارس المقتول يوم القرنتين، وابنه هنيء بن حبيش، وكان هنيء فيما يقال أسر الحارث بن عمرو الغساني فقال الفرزدق: خالي الذي اغتصب الملوك نفوسهم ... وإليه كان حباء جفنة ينقل [1] ولحبيش عقب الشام، ويقال إن حبيشا نفسه قتل الغساني. وولد حيي بن السيد بن مالك: كعب بن حيي. وربيعة بن حيي. والأحوزي بن حيي. وزيد بن حيي. وولد غيظ بن السيد بن مالك: عمرو بن غيظ. وعامر بن غيظ. وبالية بن غيظ. منهم: سهم بن المنجاب بن راشد بن أصرم بن عبد الله بن زياد- أو زياد شك هشام ابن الكلبي- ابن حزن بن بالية. وكان أحد الثلاثة الذين أوصى إليهم زياد بن أبي سفيان حين مات بالكوفة. ومنهم: ربيعة بن مقروم الشاعر، جاهلي، وهو ممن أوقع به أصحاب كسرى يوم الصفقة، ثم عاش في الإسلام زمانا طويلا. ومنهم: عياض بن كبير بن جابر الشاعر. وولد عبد مناة، وهو عبد الله بن بكر بن سعد بن ضبة: عبد الله بن عبد مناة. ومازن بن عبد مناة. ونصر بن عبد مناة. منهم: عميرة بن يثربي بن بشر بن وحف بن أمية بن عبد غنم بن

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 158.

وولد ثعلبة بن سعد بن ضبة:

نصر، قاضي عمر بن الخطاب بالبصرة، وأخوه عمرو بن يثربي قتل يوم الجمل مع عائشة، وهو القائل: إن يقتلوني فأنا ابْن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي ثُمَّ ابن صوحان على دين علي وكان بشر بن وحف بن أمية الذي قتل محلم بن سيار بن الحارث بن ذهل الشيباني. ومنهم: قيس بن عبد الله بن عسعس بن عمرو بن جساس بن عبد غنم بن نصر الذي يقول: إني أدين بما دان الشراة به ... يوم النخيلة عند الجوسق الخرب ومنهم: لبد بن عبد بن عبيد بن نصر بن عامر بن مازن، كان من فرسان ضبة. ومنهم: جليلة بن ثابت بن عبد العزى بن جلاس بن عامر بن مازن، كان رديفا للملك. ومنهم: المجذام بن عبد يغوث بن الجلاس بن عامر بن مازن بن عبد مناة، وهو عبد الله بن بكر بن سعد الذي يقول له الشاعر: لقد لقي المجذام خيلا كثيرة ... فما طعن المجذام فيها ولا قتل ومنهم: أنيف بن جبلة بن عمرو الشاعر، وهو فارس الشميط، وبعضهم يقول فارس السيط، والأول قول الكلبي. وولد ثعلبة بن سعد بن ضبة: ربيعة بن ثعلبة. وكعب بن ثعلبة. والدؤل بن ثعلبة. فولد ربيعة بن ثعلبة: كعب بن ربيعة. وبكر بن ربيعة.

فولد كعب: ربيعة. ومازن. ومعاوية. فولد ربيعة بن كعب بن ربيعة: عامر بن ربيعة. وشقرة بن ربيعة. وزيد مناة بن ربيعة وهو جروة. فولد عامر بن ربيعة: عمرو بن عامر. ومبذول بن عامر. وهلال بن عامر. فولد عمرو بن عامر بن ربيعة: معاوية بن عمرو. وزيد بن عمرو. منهم: عبد الحارث بن زيد بن صفوان بن صباح بن طريف بن زيد بن عمرو بن عامر، وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسماه عبد الله. ومنهم: حويص بن معقل بن صباح الذي يقول: وجدت الباهلية أرضعتني ... بثدي لا أجد ولا وخيم ومنهم: مالك بن المنتفق بن معقل بن صباح، كان بينه وبين رجلين من بني هلال بن ضبة يقال لهما: أبو الليل والجلاخ شيء، فقتلاه، ثم هربا فاتبعوهما فأدرك أبو الليل في الحرم فقتل، وأدرك الجلاخ بمصر فقتل فقال الفرزدق: فلا يصرم الله اليمين التي سقت ... أبا الليل تحت الليل سجلا من الدم هم فرقوا قبريهما بعد مالك ... ومن يحتمل ضغن العشيرة يندم [1] وكان الذي قتل أبا الليل خالد بن ثوبان وهو ابن ابنة مالك. ومنهم: عاصم بن خليفة بن معقل بن صباح، قاتل بسطام بن قيس بن مسعود الشيباني، وكان بسطام غزا بني ضبة، ومعه دليل من بني أسد بن خزيمة، فلما كان ببعض الطريق رأى رؤيا هالته: فقصها على الأسدي فتطير فهرب عنه، ودفع بسطام إلى ألف بعير لمالك بن المنتفق بن

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 200.

معقل، وقد فقأ مالك عين فحلها فسر بها واطردها، فاستغاث مالك ببني ضبة فركبوا فلحقوا بسطاما وقد حوى الإبل وكلما اعتاصت عليه ناقة عقرها، فحاربوه ثم إن عاصم بن خليفة بن معقل رمى بنفسه على بسطام، وأخذ الرمح بيديه جميعا فطعنه طعنة لم يخطئ صماليخ [1] إحدى أذنيه، وأنفذ رمحه إلى الناحية الأخرى فخر ميتا. وكان عبد الله بن عنمة الضبي مجاورا في شيبان، ويقال إنه كان معهم في الوقعة فخاف أن يقتلوه فقال: أحقا آل مرة لن تروه ... تخب به مواشكة ذمول [2] فإن يجزع عليه بنو أبيه ... فقد رزئوا ونابهم جليل بمطعام إذا الأشوال راحت ... إلى الحجرات ليس لها فصيل يقسم نهبه فينا وندعو ... أبا الصهباء إذ جنح الأصيل لك المرباع فينا والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول الصفي: ما اصطفاه الرئيس، والنشيطة: ما انتشطه وأخذه سوى الصفي، ويروى النشيطة وهو ما كان في الغنيمة وحده مما لا يقسم مثل الجارية والفرس. وقد قتلت بنو زيد قتيلا ... وما يوفى ببسطام قتيل وأدرك عاصم الإسلام وله بالكوفة خطة وعقب. ومنهم: الأضجم بن خناس بن عبيد بن سيف بن عبد الحارث بن طريف بن زيد بن عامر، كان سيدا.

_ [1] الصملاخ: داخل خرق الأذن. القاموس. [2] المواشكة: السريعة، والذمول: التي تسير الذميل، وهو سير سريع من سير الإبل. شرح حماسة أبي تمام ج 1 ص 553- 555.

سائر رجال بني ضبة

وولد شقرة بن ربيعة بن كعب: معاوية بن شقرة. وعمرو بن شقرة. ومنبه بن شقرة. منهم محلم بن سويط بن عبد بن معاوية بن شقرة وهو الرئيس الأول الذي يقول له الفرزدق: زيد الفوارس وابن زيد منهم ... وأبو قبيصة والرئيس الأول [1] أبو قبيصة: ضرار بن عمرو، وكناه الفرزدق أبا قبيصة وكنيته أبا عمرو. ومنهم: معد بن عوف بن هلال بن شأس بن ربيعة بن محلم بن سويط صاحب عذاب الحجاج. ومنهم: الغطمش [2] بن الأعور بن عمرو بن عطية بن سالم بن عبد الله بن وائلة بن معاوية بن شقرة الذي يقول: عَلَى الجوسق [3] الملعون بالري لا يني ... عَلَى رأسه داعي المنية يلمع وولد معاوية بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة: قعين بن معاوية. ويقال قعنب بن معاوية، شك ابن الكلبي. وسلول بن معاوية. وولد مازن بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة: لأي بن مازن. فولد لأي: زفر بن لأي. وضبيعة بن لأي. [سائر رجال بني ضبة] وقال أبو اليقظان: من ضبة ثم من بني حرثان بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد: المحترب بن أوس احتكم إليه بنو رياح بن يربوع وبنو العنبر في

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 157. [2] انظر شرح حماسة أبي تمام ج 2 ص 1190 حيث هو أبو الغطمش. [3] بهامش الأصل بشكل شبه مطموس: يعني جوسقا هزم فيه العدو.

ماء، يقال له أراب فقضى به لبني العنبر، وحكم على بني العنبر بإبل يدفعونها إلى بني رياح، فقالت امرأة من بني رياح: وكانت أراب لنا مرة ... فأضحت أراب بني العنبر وقال بعض بني العنبر: أنا ابن جلا ليست علي غضاضة ... إذا السيد ووافتني غدا وبنو ذهل ومنهم: نواس بن عصمة كان ذا قدر. قال: ومنهم يزيد بن سفيان الضبي الذي ضربه الحكم بن أيوب عامل الحجاج بسبب تأخيره الصلاة، وإنكار يزيد ذلك وسنذكر خبره مع أخبار الحجاج إن شاء الله. وصاح يزيد أيضا ببلال بن أبي بردة، وبلال يخطب كما فعل بالحكم بن أيوب، فغضب بلال وهم بعقوبته فقال داود بن أبي هند: أصلح الله الأمير، الناس أربع طبقات منهم من دينه أرجح من عقله، ومنهم من عقله أرجح من دينه، ومنهم كامل العقل والدين، ومنهم ناقص العقل والدين، فرأى بلال بالطبقات ما كان يريد، فإنه لم يرد إلا الخير وكف بلال عنه. ومن بني عامر بن ثعلبة بحير بن دلجة بن عوف، الذي عقر بجمل عائشة يوم الجمل، وذلك أنه كان كل من أخذ بخطام الجمل يومئذ قتل، فأراد أن يبرك لئلا يحتاج إلى الأخذ بخطامه. قال ويقال: إن الذي عقربها رجل من الأنصار. قال: وكان أخوال الفرزدق من بني شييم وأمه لينة بنت فرطة، قال جرير: محليه علي بنو شييم ... بأجدع لا يذب عن الدمار

ترى الضحاك يمشي مزمهلا ... كأن أباه زيد بني ضرار [1] وقال أيضا: وما أم الفرزدق من هلال ... ولا أم الفرزدق من صباح ولكن أصل أمك من شييم ... فأبصر وشم قدحك في القداح ألاك الحي ثعلبة بن سعد ... ذوو الأكال والأدم الصحاح [2] ومنهم: العلاء بن قرظة خال الفرزدق، وكان الفرزدق يقول: أتاني الشعر من قبل خالي، وهو الذي يقول: إذا ما الدهر جر على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا فقُل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كَمَا لقينا ومنهم: حصين بن أصرم الذي قتل أرقم بن الجون الكندي في يوم جبلة، حين شد عوف بن الأحوص الكلابي على معاوية بن الجون فأسره يوم شعب جبلة وهو من بني غيظ بن السيد، وفيه يقول الفرزدق: ويوما على ابن الجون جالت جيادهم ... كما جال في الأيدي المحزمة السمر غداة أحلت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات السدائف والخمر بها فارق ابن الجون ملكا وسلبت ... نساء على ابن الجون جدعها الدهر [3] ومنهم: المنجاب بن راشد صاحب حمام منجاب بالبصرة الذي يقول فيه القائل: يا رب قائلة يوما وقد لغبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب

_ [1] ليسا في ديوان جرير المطبوع. والمزمهل: المنتصب. القاموس. [2] ديوان جرير ص 82 مع فوارق. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 253- 254 مع فوارق.

وفي مولاه معاذ الأعور بن سعيد يقول الفرزدق: فتى من بني غيظ كأن جبينه ... حسام جلى عنه فأبلغ صيقل [1] ومن بني السيد عمرو بن عفرى، وكان عنينا، وكان يتحدث إلى النساء، فبلغ ذلك الحجاج فغضب فقال له مثجور بن غيلان بن خزيمة: إنه عجيز أصلح الأمير، فأمسك عنه. وكان عمرو بن عفرى عند بعض أخوة قتيبة، فدخل الفرزدق فلما خرج من عنده قال لعمرو بن عفرى: كم ترى أن نعطيه؟ قال: وما تعطي مثله؟ أعطه مائة درهم، فقال الفرزدق: نهيت ابن عفرى أن يعفر أمه ... كعفر السلى إذ جررته ثعالبه ولو كان ضبيا عفوت ولو سرت ... على قدمي حياته وعقاربه ولكن ديافي أبوه وأمه ... بحوران يعصرن السليط قرائبه إذا ما أتى الدهنا نعته جبالها ... وقالوا ديافي من الشام جانبه تعودت مال الباهلي كأنما ... تحوط به المال الذي أنت كاسبه [2] وقال كانت معاذة بنت ضرار بن عمرو الضبي عند معبد بن زرارة. قال: ومن بني كوز: عامر بن شقيق وهو الذي طعن الهذيل التغلبي قبل أن يؤسر يوم ذي بهدى [3] ، وفيه يقول الهذيل التغلبي [4] : ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... على ظفر من عامر بن شقيق قال ومن بني ضبيعة بن بجالة: الحر بن منيع بن سعنة كان له قدر

_ [1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] ديوان الفرزدق: ج 1 ص 46 مع فوارق. [3] قرية ذات نخل باليمامة. معجم البلدان. [4] انظر شعر تغلب في الجاهلية لأيمن محمد ميدان- ط. القاهرة 1995 ص 207.

وفيه يقول ابن فسوة [1] : ومختبط مال ابن سعنة ماله ... بلا نسب دان ولا بشفيع ومنهم الشغافي، وهو أبو عمرو بن حميد بن عبد الله بن بشر بن شغاف بن المقطع بن عمرو بن هلال بن ضبيعة، وقيل إن المقطع غلب على أمة لضرار بن عمرو الضبي، فجاءت بشغاف، فجاء عبد الحارث بن ضرار فضربه ضربات فسمي المقطع. قال: وكان بدر بن حمراء الضبي ولد: صبح ذا قدر في الجاهلية، وخلف على امرأة الأحنف بعده وبعث إليه: لأمنعنك من شيء هممت به ... إن الغزال الذي ضيعت مشغول يقول لا تنتظر أن اطلقها فتتزوجها. فبعث إليه الأحنف: فلست واجدَ عشب مُؤنقٍ أنِف ... إلّا كثيرًا به الرواد مأكول ومن بني ضبة: القاسم بن عبد الرحمن بن صديقة، كان بديا عالما بالقضاء، وكان يرى رأي الصفرية، وكان مالك بن المنذر استعمل إسحاق بن يحيى وابن عيسى أحد بني ذهل بن ضبة على فساق أهل البصرة، فأخذ الفرزدق وهو متوار من خالد بن عبد الله القسري، فرفعه إلى خالد فقال الفرزدق: لو كنت ضبيا عرفت قرابتي ... ولكن زنجيا عظيما مشافره أناشده بالرحم بيني وبينه ... ويأبى عليه لونه ومناخره [2]

_ [1] هو عتيبة بْنَ مِرْدَاسٍ، أَحَدَ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْن تميم، شاعر مقل من الفحول، مخضرم ممن أدرك الجاهلية والإسلام. الأغاني ج 22 ص 227. [2] ليسا في ديوانه المطبوع.

وكان إسحاق أيضا على الفساق زمن سلم بن قتيبة فقتله روح بن حاتم. ومنهم عبد الرحمن بن مسعود وأمه أم الهيثم من بني ناجية، وهي التي يقول فيها الفرزدق: يا أخت ناجية بن سامة إنني ... أخشى عليك بني إن طلبوا دمي [1] ومنهم بكار بن حدير، كان خليفة الحكم بن يزيد، وهو على شرط البصرة. ومن بني ضبة: البزيغ بن خالد، قتل مع ابن الأشعث في الجماجم، وسمع الحجاج يقول: خليفة أحدكم أكرم عليه من رسوله فقال: لله علي لا أصلي خلفه أبدا، وإن رأيت من يجاهده لأجاهدنه معه فخرج مع ابن الأشعث فقتل. ومنهم: سلمان بن عامر [2] أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي كان يفعل ويفعل. قال: «كان يقول لا إله إلا الله» ؟ قال: لا. قال: «فأبوك في النار» . قال: أفرأيت ما كان يفعل؟ قال: «يكافأ به عقبه» . وسلمان بن عامر الَّذِي روى عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: « [صدقة الرجل على قرابته صلة وصدقة] » . وحدثني عبد الواحد بن غياث عن حماد بن سلمة عن هشيم. وأيوب عن ابن سيرين عن سلمان: وأم مالك بن مسمع عوذة بنت يزيد من بني ثعلبة بن يربوع، وأمها أخت سلمان بن عامر الضبي.

_ [1] ديوان الفرزدق: ج 2 ص 225. [2] بهامش الأصل: سلمان بن عامر رحمه الله.

قال: ومن بني ذهل: هرثمة الذي يقول له البردخت العكلي: سبحان من سبح السبع الطباق له ... حتى لهرثمة الذهلي بواب قال: ومنهم المثلم بن عامر كان فارسا. قال: ومنهم المسجاح بن سباع الذي قتل ابن الصامت العبسي في الجاهلية. ومنهم خنبش الذي يقول فيه الفرزدق: لو أن ما في سفن دارين [1] نسمة ... بني جارم ما طيبت ريح خنبش [2] وجارم هو تيم اللات بن مالك بن بكر. ومنهم: المجشر الذي يقول فيه ابن عم له قتله في شر كان بينهما: فمن يك في قتل المجشر لا مني ... فنفسي في قتل المجشر ألوم أردت القصاص لا أحاول غيره ... فجار شريخي بكفي مخذم [3] قال وولد حازم باليمامة كثير، ولهم بالبصرة خطة، وكانوا مجاورين لصالح بن عبد الرحمن فآذوه، فأخرجهم إلى خراسان، فهم بها. قال ومن ولد عبد مناة بن بكر بن سعد بن ضبة: مزيد. وفاتك ابنا لبد وفيهما يقول عدي بن أمية بن عبد غنم بن نصر بن عامر: أودى بنو لبد وما أودى بهم ... إلا اختلاس أسنة الأبطال وقراع بيض الدارعين وإنهم ... نزل إذا قال الكماة نزال والطعن حول المحجرين كأنهم ... أسد العرين حنت على الأشبال

_ [1] دارين فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند. معجم البلدان. [2] ليس في ديوانه المطبوع. [3] الشرخ: نصل لم يسق بعد ولم يركب عليه قائمه. وخذم: قطع. القاموس.

ومنهم أبو سواج عباد بن خلف بن عبيد بن نصر بن عبد مناة بن بكر بن سعد، وهو الذي سقى صرد بن جمرة اليربوعي المني، وكان صرد بن جمرة رجلا جميلا منيعا له شرف، وكان يتحدث إلى امرأة أبي سواج فكان لا يقدر على منعه، فأمر غلاما له أسود يقال له نبتل فنكح امرأة له، وعزل منيه على نطع، فلما أصبح جعل ذلك المني في عس ثم حلب عليه، وقال لغلامه إذا جاء صرد بن جمرة فاستقى فاسقه ما في هذا العس ففعل، فلما فرغ منه قال: ما لشرابك هذا يتمطط تمططا، ثم انصرف إلى منزله فمات، فقال جرير يعير الأخطل بالخمر، فأجابه الأخطل فقال: تعيب الخمر وهي شراب كسرى ... ويشرب قومك العجب العجيبا مني العبد عبد بني سواج ... أحق من المدامة أن تعيبا [1] وقال الكلبي كان أبو سواج مجاورا لبني يربوع، وقال الفرزدق: ولئن حبلت لقد شربت رثية ... ما بات يجعل في الوليدة نبتل [2] الرثية من اللبن رائب يصب عليه حليب. وقال أبو اليقظان: ومنهم أنيف بن جبلة بن عمرو، وكان يعرف بفارس الشميط ويقال الشيط وله عقب بالبادية. ومنهم بشر بن وحف بن أمية، كان فارسا، من ولده عمرو بن بشر، كان على الرباب يوم الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها، فقتل علباء بن الهيثم السدوسي، وهند الجملي من مراد، وزيد بن صوحان العبدري، فضربه عمار بن ياسر على رجله، ثم أتي به علي عليه السلام كرم

_ [1] ديوان الأخطل ص 55- 56. [2] ليس في ديوانه المطبوع.

الله وجهه، فقتله صبرا فجعل يقول: إن يقتلوني فأنا ابْن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي ثُمَّ ابن صوحان على دين علي وله عقب بالبصرة، وكان ابنه محمد بن عمرو سريا مطعاما ينادي مناديه في كل يوم: هل من آكل مع آكل؟ وأما عميرة بن يثربي فقضى لعبد الله بن عامر على البصرة، ولا عقب له. ومنهم عدي بن أمية بن عبد غنم بن عصم بن نصر، كان له يوم الجفار غناء ورئاسة. ومن ولده: بيان بن ضمرة، شهد القادسية له عقب بالكوفة، وبطبرستان والسند. ومنهم حكيم بن عاصم ولاه المهدي ثغر أرمينية. ومن بني عبد مناة بن بكر بن سعد: عمير بن الأهلب، شهد الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها وله خبر قد كتبناه. ومنهم صفوان بن صباح بن طريف كان يقال له سقاء اللبن وكان يباري زرارة بن عدس في سقية اللبن، وابنه زيد بن صفوان، وكان قتل زيد بن همام اليربوعي فقالت ابنة عمرو: قتيل ما قتيل بني صباح ... إذا افترش النواحي بالنواحي ألا لا تأخذوا لبنا ولكن ... أذيقوا قومكم حد السلاح وإن لم تثأروا زيدا بعمرو ... فلا درت لبون بني رباح وابنه الحصين الذي ذكره الفرزدق فقال: وابن زيد منهم.

ومن ضبة: جوين بن ظهير ربع ستين مرباعا، وقسم ألف ناقة وكأسه في يده قبل أن يشربها فقال العلاء بن قرظة خال الفرزدق: ومنا جوين جاد من غير خبثة ... بستين مرباعا وألف مصمم فقسم عرجا كأسه فوق كفه ... وآب بنهب كالفسيل المكمم [1] . العرج: ألف من الإبل. ومنهم: الحنتف بن السجف بن بشير بن الأدهم بن صفوان بن صباح قاتل ابني هتيم: عامر، وطارق من بني عامر بن كلاب، فقال الفرزدق: ونحن قتلنا ابني هتيم وأدركت ... بجيرا بنا ركض الجياد الصلادم [2] قال: ومنهم مالك بن المنتفق، وكان له طعام يدعو عليه، ولا يدعو عاصم بن خليفة فيمن يدعو، إذ أغار بسطام بن قيس على إبل المنتفق، فحمل عليه عاصم فقتله، وقال للمنتفق: هذا وللطعام لا تدعوني. وكان مالك يكنى أبا سيف، وكان له ألف بعير. قال: ولعاصم بن خليفة قاتل بسطام بالكوفة ولد وخطة، وقد حسن إسلامه. قال: وبنو صباح رماة. قال والذي قتل المسلمين من بني تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة يزيد الفوارس بن جوين بن الحر بن جوين. وكان القعقاع بن عمارة من بني ضرار فقيها.

_ [1] الفسيل: قضبان الكرم للغرس، والفسيلة: النخلة الصغيرة، وكمت النخلة فهي مكموم، والفسيل أشفق عليه فستر حتى يقوى. القاموس. [2] ديوان الفرزدق: ج 2 ص 315.

ومن بني عبد مناة بن بكر بن سعد بن ضبة: جرير بن عبد الحميد المحدث الرازي، انتقل إلى الري، وكان يكني أبا عبد الله ومات بالري. ومن بني عبد مناة بن بكر بن سعد: سلمة بن راشد، ولاه هارون الرشيد قضاء همذان. ومن بني عائذة: عمار بن سيف، وكان عابدا، يكنى أبا عبد الرحمن أوصى إليه سفيان الثوري في كتبه، فأنفذ وصيته فمحاها ثم أحرقها. ومن بني ضبة: هلال بن هرمي كان له قدر عند الحجاج، وولاه جيش بآبي، وكان فرض فرضا من أهل البصرة فكانت الأمهات والأخوات يقلن للفتيان: بآبي بآبي، وأغزاه قلاع فارس. ومن موالي ضبة: المغيرة بن مقسم، راوية إبراهيم النخعي، وكان أعمى، وهو من موالي عبد مناة. ولا عقب له. ومن موالي بني ذهل: الفضيل بن غزوان، وابنه محمد بن الفضيل، يكنى أبا عبد الرحمن، مات سنة خمس وتسعين ومائة. ومن موالي غيلان بن خرشة: محمد بن الطاطري، وكان شجاعا وقع إلى السند متصعلكا، فقاتل العدو، فلما قدم الحكم بن عوانة الكلبي السند قتله وصلبه، وبعث برأسه إلى هشام بن عبد الملك فقال الشاعر: لوى عنق مصان وما تحت عنقه ... بقصة في جدع وسافر سائره ومن موالي بني سيابة من بني ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة: أبو الصقير: وكان منزله بقرب منزل الحسن البصري، فمر الحسن بداره وهم يعملون بها فانحنت، فقال: حملت الأرض الجبال الرواسي أفتراها تعجز عن حمل دار أبي الصقير!.

ومن موالي بني عائذة: المساور ولي الري فقال فيه الشاعر: أتيت المساور في حاجة ... فما زال يسعل حتى ضرط وحك قفاه بكرسوعه ... ومسح عثنونه [1] وامتخط فأعرضت عن حاجتي رهبة ... لأخرى تقطع شرج السفط وقال غلطنا حساب الخراج ... فقلت من الضرط جاء الغلط ومن ضبة: الحر بن منيع أحد بني ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة منح في يوم مائة لقوح، وأعطى أولادها، ثم أهداها إلى الكعبة حتى لقحت وفصلت من العام المقبل وعليها أجلالها فنحرها وقسم جلالها، وله يقول ابن فسوة التيمي: لعمرك إن الحر مذ شاب رأسه ... لكالفجر ما يزداد غير سطوع وما لامرئ فضل إذا كان ذا ندى ... على الحر إن لم يأثم ابن منيع يقول: ما لأحد عليه فضل ما لم يأثم. وقد أدرك الإسلام. قال: ومن بني ضبة محرز بن المكعبر الضبي وكانت بنو تميم أغارت على بكر بن وائل يوم الشيطين، فانهزمت بنو تميم حين لقيت بكرا. قال: فقال بعض العنزيين: وما كان بين الشيطين ولعلع [2] ... لنسوتنا إلا مناقل أربع صبحنا به سعدا وعمرا ومالكا ... فطل لهم يوم من الشر أشنع بدهم كثيف ينشد البلق وسطه ... له عارض منه المنية تلمع

_ [1] العثنون: اللحية، أو ما فضل منها بعد العارضين، أو ما نبت على الذقن وتحته سفلا. القاموس. [2] لعلع جبل كانت به وقعة لهم، ولعلع ماء بالبادية، وقيل لعلع منزل بين البصرة والكوفة. معجم البلدان.

فرد عليه محرز بن المكعبر الضبي: فخرتم بيوم الشيطين وغيركم ... يضر بيوم الشيطين وينفع فإن يك أقوام أصيبوا بغرة ... فأنتم من الغارات أخزى وأوجع ومحرز الذي يقول: كأن دنانيرا على قسماتهم ... وإن كان قد شف الوجوه لقاء وكانت بكر بن وائل أغارت على إبل للمكعبر، وصرم لبني ضبة، وهم جيران لبني العنبر، فاستغاثوا بمخارق بن شهاب المازني فجمع قومه، وقاتل عن الإبل حتى ردها فقال محرز بن المكعبر: لولا الإله ولولا سعي كالئها ... وابنا شهاب عفت آثارها المود [1] وقال أيضا لبني العنبر: فهلا سعيتم سعي سيد مازن ... وما الناس طرا في الوفاء سواء كأن دنانيرا على قسماتهم ... وإن كان قد شف الوجوه لقاء ويقال إنه كان مع بني تميم. وقال محمد بن سعد: مغيرة بن مقسم مولى ضبة، يكني أبا هاشم توفي سنة ست وثلاثين ومائة [2] . وعبد الله بن شبرمه، ويكنى أبا شبرمة مات في سنة أربع وأربعين ومائة [3] . ومن المحدثين أيضا: عمارة بن القعقاع بن شبرمه الضبي. ويزيد بن

_ [1] المودي: التام السلاح. النهاية لابن الأثير. [2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 337. [3] طبقات ابن سعد ج 6 ص 350- 351.

القعقاع بن شبرمه الضبي [1] . وعبيدة بن معتب، يكنى أبا عبد الكريم [2] . قالوا: وقال المفضل الضبي: كان عامر بن شقيق الضبي ممن طعن الهذيل بن هبيرة التغلبي يوم ذي بهدى [3] قبل أن يؤسر وتجز ناصيته ويخلى سبيله فقال الهذيل: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... على ظفر من عامر بن شقيق وهل ألقين والحوادث جمة ... يزيدا وعمارا بدار مضيق هما أثخنا أسري وفازا بخلعتي ... وقد شارك الشطار وابن شريق يزيد بن حذيفة وعمار بن حذيفة من بني مرة بن عبيد، وهم أخوال جرير، والشطار وابن شريق من بني جشم. وقال جرير: خالي الذي اعتسر الهذيل وخيله ... تردى بمعترك من الأبطال [4] وقال المفضل: غزت بنو عامر بن تميم وضبة، وعلى ضبة حسان بن وبرة، وكان أخا النعمان لأمه، وهو كلب [5] عمله أخوه على الرباب، فأسر يزيد بن الصعق حسان، وانهزم القوم فلما رأى ذلك عامر بْن مَالِك بْن جَعْفَر بْن كلاب شد على ضرار بن عمرو الضبي فقال لابنه أدهم بن ضرار: اغنه عني، فشد عليه فتحول من سرجه إلى جنب الدابة ثم لحقه فقال لأحد

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 351- 352. [2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 355. [3] تقدم ذكر هذا اليوم في ص 384. [4] ليس في ديوان جرير المطبوع. [5] كذا بالأصول، وسلف للبلاذري ص 363 الحديث عن هذا اليوم، وقال هناك: «أن النعمان بن المنذر جهز أخاه لأمه وهو وبرة بن رومانس بن معقل الكلبي ... » .

ابنيه: اغنه عني، ففعل مثل ذلك فقال: ما هذا إلا ملاعب الأسنة، فسمي ملاعب الأسنة، ثم قال له ضرار: أنا أعلم أنك تحب اللبن، ولن تصل إلى مع بني. قال عامر: فأحلني فأحاله على حبيش بن دلف بن الهون، فشد عليه عامر فأسره فأعطاه مائة ناقة، وفدى حسان نفسه من يزيد بألف بعير، وهذا في يوم القرنتين. وقال الكلبي: قتل حبيش يوم القرنتين. ومن ضبة: عذام بن شتير. قالوا: رمى عمر بن هبيرة الفزاري إلى عذام بخاتم له فصه فيروزج، فعقد عذام في الخاتم سيرا وطرحه إلى ابن هبيرة، وإنما أراد ابن هبيرة بعذام قول زياد الأعجم: لقد زرقت عيناك يابن مكعبر ... كما كل ضبي من اللؤم أزرق [1] وأراد عذام قول الشاعر: لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها [2] بأسيار

_ [1] ليس في شعر زياد الأعجم المطبوع. [2] كتب السقاء: خرزه بسيرين. القاموس.

الجزء الثاني عشر

[الجزء الثاني عشر] نسب ولد مُرّ [1] بْن أدّ بْن طابخة [بن إلياس بن مضر] وولد مر بْن أدّ بْن طابخة: تميم بْن مُرّ، وأمه الحوأب بِنْت كلب بْن وبرة. وبكر بْن مر وأمه الشُعيراء بِنْت ضبة بن أدّ، وهم فِي بني مُقاعِس يعرفون بأمهم. والغوث بْن مرّ، وهو صُوفة، وهو الرَّبيط [2] . كان لا يعيش لأمه ولد فنذرت لئن عاش ولدها لتربطن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيطًا للكعبة، ففعلت وجعلته خادمًا فِي البيت حَتَّى بلغ، ثُمَّ نزعته فسمي الرَّبيط. وثعلبة بْن مرّ وهو ظاعنة، وله يقول العرب: على كره ظعنت ظاعنة. ومحارب بْن مر. وعامر بْن مر درج. وكامل بْن مرّ درج. ومازن. وسلمة وأمهما الحّوْأب بِنْت كلب بْن وبرة، وإليها ينسب الماء الَّذِي يُقَالُ له ماء الحوأب فِي طريق مكة من البصرة. ويقال: ويَعْفُر بْن مرّ. وشبك بن مر. وإراش بن مرّ.

_ [1] بالأصل: مرة، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه تماشيا مع المسرد العام وما ورد عند ابن الكلبي ج 1 ص 270. [2] بهامش الأصل: الغوث، وهو صوفة، وهو الربيط أيضا.

فأما ظاعنة فإنهم ظعنوا فنزلوا مع بني الْحَارِث بْن ذهل بْن شَيْبَان فَبَدْوهم معهم، وحاضِرهم مع بني عَبْد اللَّه بْن دارم. وولد ثَعْلَبَة الَّذِي يُقَالُ لولده ظاعنة: فاضل بْن ثَعْلَبَة. وعبد الله. وأما محارب بْن مرّ فولد: عوف بْن محارب. وأسلم بْن محارب. فولد عوف: أنمار بن عوف، وهم فِي بني الهُجَيم يقولون أنمار بْن الهُجَيم. فولد أنمار: ذِياد بْن أنمار. وعمرو بْن أنمار. وولد أسلم بْن محارب: امرؤ القيس، وهم فِي بني زهير بْن تيم من بني تغلب، ثُمَّ انصرفوا حديثًا إِلَى قومهم. وأما بنو الغوث بْن مُرّ فإنهم الذين كانوا يجيزون بالحاج حَتَّى فنوا ودرجوا، فتحول ذلك منهم إِلَى كرب بْن صفوان بْن جناب بْن شجنة بن عطارد بْن عوف بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم. حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ خَرَّبُوذَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «هَلْ بَقِيَ مِنْ صُوفَةِ أَحَدٍ يَدْفَعُ بِالنَّاسِ؟ فَقِيلَ: لا إِلا امْرَأَةٌ. فَقَالَ: لا يَنْبَغِي لامْرَأَةٍ أَنْ تَدْفَعَ بِالنَّاسِ] » . قال ابن الكلبي: ومن الغوث بن مر وهو صوفة: آل شرحبيل بن حسنة، وكانوا حلفاء في بني جمح، وقد كان لهم عز وشرف، ولا أعلم لهم بقية. وقال غير الكلبي: صار بنو الغوث بْن مر، الذين يُقَالُ لهم صوفة، باليمن ولهم هناك عدد، وبالشام منهم قوم، وكان الفرزدق نزل على رَجُل منهم بالشام فقال:

تقول ابْنَة الغوثي مالك ههنا ... وأنت عراقي من الشرف جانبه [1] وكان شرحبيل بْن حَسنة وهي أمه، وأبوه عَبْد اللَّه بْن ربيعة بْن المطاع من مهاجرة الحبشة، ومات بالشام، وكان مِمَّنْ وجهه أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إِلَى ما هناك. وقال غير الكلبي وهو الواقدي: أَبُوهُ عَبْد اللَّه بْن المطاع وهو من كندة. وقال الهيثم بْن عدي: هُوَ من حمير، وقال: هُوَ حليف لبني زُهرة، وقول الكلبي أثبت. وأما يَعْفُر فولد: المَعافر، ويزعمون أنهم الذين باليمن، وإن المعافر كتب على قبره: أَنَا المعافر بْن مر مضري حُرّ ولستُ من حمير يَطرّ. قال: والمعافر اليوم يقولون: معافر بْن يعفر بْن مالك بْن الْحَارِث بْن مر بْن أدد بْن زَيْد بْن يشجب. وقال بعض من يُروى عَنْهُ النسب: أم تميم وبكر ابني مر: هند بِنْت اليُهَه بْن النخع وأنشد لبعضهم: أسعيًا مع النعمان يوم غَوَيتم ... وأمكم هند وأم تميم ويقال أن أم تميم وبكر: هند بِنْت الْحَارِث بْن كعب. وأصح ذلك أن أم تميم الحوأب بِنْت كلب بْن وبرة. وكان لمر بْن أد من النساء: برة أم النضر. ومالك، وملكان ابني كنانة بْن مدركة، وهي أم أسد بْن خزيمة، لأنها كَانَتْ تحت خزيمة فخلف عليها كنانة بعد أبيه نكاح مقت.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 84 مع فوارق.

وهند بِنْت مُرّ أم بَكْر. وتغلب. والشُخّيص. وعنز بني وائل بْن قاسط بْن هِنْب. وتُكْمة بِنْت مر، ولدت غطفان. واعصر ابني سعد بْن قَيْس بْن غيلان، وهي أيضًا أم: سليم وسلامان ابني مَنْصُور بْن عكرمة. وجديلة بِنْت مر وهي أم: نهم. وعَدوان، وإليها ينسبون. وعاتكة وهي أم سعد هُذيم من قضاعة. وقال أَبُو اليقظان: بَكْر بْن مر هُوَ الشُعيراء، وإنما قيل له الشعيراء لأن أمه هند من النخع كَانَتْ ترقصه وتقول: وابأبي شُعيراتك، ويقال إنه قُتل يوم الجمل من بني الشعيراء أربعة وعشرون مع عَائِشَة رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهَا. قال: وكان من الشُعيراء: عَائِشَة بِنْت جعدة تحدث عَنْهُ أنه قال: «كنت فِي قوم مَرَّ بهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرش عليهم ماء، ودعا لهم، فأصابني من ذلك الماء» . وهو الَّذِي خطب إليه صعصعة بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف بْن قَيْس فأبى أن يزوجه لأنه قال: لا أنزل عن دابتي حَتَّى تزوجني. وكانت جدة الأحنف أم أمه من بني الشعيراء، وأم عامر بْن عَبْد قَيْس العابد من بني الشُعيراء، واسمها الخُضَيراء بِنْت كاهل، ومنازل بني الشعيراء قريبة من البحرين. ومن بني الشعيراء: أَبُو بَكْر بْن صيفي، كان له قدر، وغزا السند مع ابن يُقَالُ له بَكْر فمات بالسند، فقال الشاعر: نعى الناعون من بَكْر فتاها ... وسيّدها وسيّد من سواها أَبَا بَكْر تهلل دمع عيني ... وكيف واستمر بها قذاها

زيد مناة بن تميم

فمن للحرب بعدك يا بن صيفي ... ومن للعيس تنفح فِي بُراها [1] وله عقب. قال أَبُو اليقظان: وكان من بني ظاعنة- وزعم أن ظاعنة أمهم-: قتب، وهو أحد من لطم عين المنذر بْن الزبير منتصرًا للبيد بْن عطارد، وذلك أن عمرو بْن الزبير كان لطم عين لبيد، وسنذكر خبره إن شاء اللَّه، وليس قوله إن ظاعنة اسم امْرَأَة بشيء. وولد تميم بْن مر بْن أد: زَيْد مناة بْن تميم وأمه صفية بِنْت القين بْن جِسر. وعمرو بْن تميم. والحارث بْن تميم. ويربوع بْن تميم درج، وأمهم سلمى بِنْت كعب أخت الْحَارِث بْن كعب، ويقال أمهم الذوفاء بِنْت ضَبَّةَ بْن أدّ. فولد الْحَارِث بْن تميم: شَقِرة واسمه مُعَاوِيَة وإنما سمي شقرة لقوله: وقد أحمل الرمح الأصم كعوبة ... به من دماء القوم كالشَقِرات فولد مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن تميم وهو شَقِرة: عوف بْن شقرة. وجَشم بْن شقرة. ورُمنا بْن شقرة. وكعب بْن شقرة، وهم قليلٌ، حلفاء فِي بني نَهشل، وهم رهط المسيب بْن شريك بْن مَجْرِبة بْن ربيعة المحدث. ونصر بْن حرب بْن مِجْرِبة بْن ربيعة، وعدادهم من بني نهشل. ومنهم عَبْد اللَّه بْن سُوَيْد، وهو ابن أم رمثة الشاعر. قال أَبُو اليقظان: كَانَتْ عند تميم بْن مرّ العَوْراء بِنْت ضبة، فَلَمَّا حملت منه انطلق إلى الكاهن فقال له: إن امرأتي حامل فانظر ما تلد، فرأى صُرَدًا على شجرة يصوت فقال له: يولد لك غلام يكون فِي عقبه قلة إلّا أنه

_ [1] ناقة ذات براية: ذات شحم ولحم أو بقاء على السير. القاموس.

يكون منهم الرجل المشهور، فولدت له الْحَارِث بْن تميم أَبُو شقرة، ثُمَّ حملت الثانية فأتى الكاهن فسأله عما تلد فرأى ضَبُعًا، فقال له: يولد لك غلام فِي عقبه شدة وانتشار، فولدت له عمرًا، ثُمَّ حملت الثالثة فأتى الكاهن فقال ما ترى فنظر فإذا السماء تمطر وَإِذَا الأودية ممتلئة فقال: يولد لك غلام يكون فِي عقبه كثرة وعدد كبير، فولدت زَيْد مناة بْن تميم، ومات تميم فدفن بمّران. وقال جرير بْن عطية: إني إذا الشاعر المغرور حَرّبني ... جار لقبر على مرّ ان مرموس قد كان أشوس آباء فأورثنا ... شغبًا على الناس فِي أبنائه الشوس [1] وقال أَبُو اليقظان: قتل الْحَارِث بْن تميم وائل أَبُو عكل فِي شربة لبن بمكان يُقَالُ له غن، فقال شاعر الرباب: نَحْنُ قتلنا يوم غن قتيلها ... وقلنا ليأت الدهر ما هُوَ صانع قال: وقتل مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن تميم وائلًا هَذَا بأبيه وقال: وقد أحمل الرمح الأصم كعوبة ... به من دماء القوم كالشقرات ومن بني شقرة: عطية بْن أَبِي، وكان له مال دثر فِي الجاهلية، فأغار عليه القعقاع بْن معبد فاستاق إبله فيقال إن خَالِد بْن مالك النهشلي غُرم ذلك للشقري. قال: ومنهم خرشة بْن مَسْعُود بْن وثيمة صاحب قلعة خرشة بفسا [2] من فارس وكان ابن الأشعث ولاه در أبجرد، فَلَمَّا قتل ابن الأشعث تحصن فِي القلعة، ثُمَّ أمِّنَ وحمل إلى الحجاج فمات بواسط وولده بنسا [3] .

_ [1] ديوان جرير ص 250. [2] فسا أو بسا مدينة نزهة بفارس بينها وبين شيراز أربع مراحل. معجم البلدان. [3] نسا: مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور ستة أيام أو سبعة. معجم البلدان.

ومالك بن زيد مناة.

ومن بني شَقِرة: نصر بْن حرب بْن مجْرِبة بْن ربيعة. وكان حرب بْن مجربة مع خرشة فأخذه الحجاج فألقاه فِي الديماس، ثُمَّ نجا، وكان نصر من قواد أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين، فولاه فارس سنة ثُمَّ عزله. ومنهم يزيد بْن هُزيل الشَقري، وكان له سروة وقدر، وهو القائل: قد كنت أدعو اللَّه فِي البيت خاليًا ... ليمكنني من حربه ورجالِ فأترك فيها ذكر طَلْحَة خاملًا ... ويحمد فيها موقفي وفعالي يعني طَلْحَة الطلحات. قال الكلبي: ومنهم عَبْد اللَّه بْن سُوَيْد، وهو ابن أم رمثة الشاعر. وولد زَيْد مناة بْن تميم ثمانية نفر: سعد بْن زَيْد مناة. ومالك بْن زَيْد مناة. وعَرف بْن زَيْد مناة وهو مُكسِّر، وهم فِي بني حمان بْن عَبْد العزي بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة، وثعلبة بْن زَيْد مناة. ومُبَشِّر بْن زَيْد مناة. وجنح بن زَيْد مناة ويقال جناح درجوا، وأمهم المفداة بنت ثعلبة بن دودان بن أسد. وامرؤ القيس بْن زَيْد مناة، وهم مع بني عوف بْن سعد. وعامر بْن زَيْد مناة وهم قليل مع بني مجاشع بْن دارم، وأمهم رقاش بِنْت كبير بْن غالب من جرم قضاعة. وقال أَبُو اليقظان، فَمَنْ ولد عامر بْن زَيْد مناة: عَبْد اللَّه بْن ياسرة الَّذِي غلب على زرنج من سجستان فِي فتنة ابن الزبير، وعثرت به فرسه فِي حرب كَانَتْ بين بني تميم ورجل من الزبيريين ولاه القباع سجستان، فقتل ابن ياسرة فقال فِيهِ الشاعر: ألا لا فتى بعد ابن ياسرة الفتى ... ولا شيء إلا قد تولى فأدبرا فتى دارميّ ما تزالُ يَمينه ... تَجودُ بِمعروف وتُنكِرُ مُنْكَرا

حنظلة بن مالك.

لكان حصادا للمنايا ازْدَرَعْنَهُ ... فهلا تركْنَ النّبْتَ ما كان أخضرا فِي أبيات. وقال غيره إنه كان حنظليًا. فولد مالك بْن زَيْد مناة: حنظلة بْن مالك. وربيعة بْن مالك، وهم مع بني نهشل بْن دارم. وقيس بْن مالك. ومعاوية بن مالك، وهما الكردوسان، وهما فِي بني فُقيم بْن جرير بْن دارم، وأمهم النوار بنت جل بْن عدي بْن عَبْد مناة، ويقال إن أم الكردوسين قَيْس ومعاوية: السوداء ابْنَة عمرو بْن تميم. فولد حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم ثمانية نفر: مالك بْن حنظلة، وأمه أسيّة بنت عمرو بن زباية بْن عامر بْن امرئ القيس بْن فُتيَّة بْن النمر بْن وبرة من قضاعة. وقيس بْن حنظلة. ويربوع بْن حنظلة. وربيعة بْن حنظلة مع بني يربوع. وعمرو بْن حنظلة، وأمهم جندلة بنت فهر بن مالك بن النضر بْن كنانة، وكانت جندلة امْرَأَة جزلة الخلق، وكان زوجها حنظلة شيخًا كبيرًا، فأصابتهم ليلة ريح ومطر وبرق، فخرجت تصلح طنب بيتها وعليها صدار لها، فأكبت على الطنب تصلحه، وبرقت السماء برقة فأبصرها مالك بْن عمرو بْن تميم وهي مُجَبِّيَة [1] فشد عليها فخالطها، فقالت: يا مالك بْن حنظل لحرها ... شفاؤها من ليلة وَقَرّهَا فَأَقْبَلَ بنوها وزوجها فقالوا: مالك؟ قالت: لُدِغْتُ. قَالُوا: أَيْنَ قَالَتْ: حيث لا يضع الراقي أنفه. فذهبت مثلًا ومات حنظلة فتزوجها

_ [1] جبّى تجيبه: وضع يديه على ركبتيه أو على الارض أو انكب على وجهه. والتجبية ان تقوم قيام الراكع. القاموس.

دارم بن مالك.

مالك بْن عمرو بْن تميم فولدت له نفرًا منهم: مازن. وعمرو. ومرة بْن حنظلة وهو الظُلَيم، وأمه لميس، ويقال لبنى بِنْت الحر بْن مازن بْن كاهل بْن أسد، وأخوه لأمه هَمام بْن مُرة بْن ذُهْلِ بْن شَيْبَان. وغالب بْن حنظلة. وكلفة بْن حنظلة، وأمهما عديّة بنت محضب بْن زَيْد بْن نهد من قضاعة، فالبراجم من بني حنظلة: عمرو، والظليم. وقيس. وكلفة وغالب. قال لهم رَجُل منهم يقال له حارثة بْن عامر بْن عمرو بْن حنظلة: أيتها القبائل التي ذهب عددها تعالوا فلنتجمع لنكون كبراجم يدي هَذِهِ ففعلوا، فسموا البراجم وهم يدٌ مع بني عَبْد اللَّه بْن دارم. والبراجم ملتقى رؤوس السلاميات إذا قبض القابض كفه شخصت وارتفعت. فولد مَالِك بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم عشرة نفر: دارم بْن مالك. وربيعة بْن مالك. ورازم بْن مالك فِي بني نهشل، وأمهم ابْنَة الأحب بْن مالك بْن عدي بْن مراغم بْن سعد اللَّه بْن فران بْن بلي بْن عمرو بْن الحاف بْن قضاعة. وزيد بْن مالك. والصُدّيّ بْن مالك. ويربوع بْن مالك، وأمهم العدوية وهي الحرام بِنْت خزيمة بْن تميم بْن الدؤل بْن جَلّ بْن عدي بني عَبْد مناة، بها يعرفون. وأبا سُوَيْد بْن مالك. وعوف بن مالك وأمهما ملهية بنت عبشمس بن سعد بها يعرفون. وجُشَيْش بْن مالك وأمه حُظيّ بِنْت ربيعة بْن مالك بْن زَيْد مناة، بها يعرفون وإليها ينسبون. وكعب بْن مالك وأمه الصحاريَّة، وصُحَار هُوَ سعد بْن زَيْد، وجهينة بْن زَيْد، بها يعرفون وهم مع بني فُقَيم. كان سعد بْن زَيْد وجهينة أول من نزل الصحراء من العرب فهما صُحار، فيقال لربيعة ورزام وكعب بني مالك بْن حنظلة الخِشاب، ويقال

لطُهيَّةُ العدوية الجمار، وهم مع بني يربوع، وَفِي ذلك يقول جرير: أثعلبة الفوارس أو رياحًا ... عدلت بهم طهية والخشابا [1] فولد دارم بْن مالك: عَبْد اللَّه بْن دارم. ومجاشع بْن دارم. وسدوس بْن دارم. وخيبري بْن دارم وأمهم ماوية بِنْت ظالم بْن دُنين بْن سعد بْن أشرس بْن زَيْد بْن عمرو. ومن بني تغلب: نهشل بْن دارم وجرير بْن دارم وأمهما رقاش بِنْت شهبرة بْن قَيْس بْن مالك بْن زَيْد مناة، وأبان بْن دارم، وهم مع بني فقيم. والجَّوال بْن دارم. وشيطان بْن دارم درجا، وأمهم هند بِنْت الْحَارِث بْن تيم اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن عُكابة. ومناف بْن دارم، وهم مع بني قطن بْن نهشل بْن دارم وأمه ليلى بِنْت لأي بْن عَبْد مناف بْن الْحَارِث بْن سعد هذيم من قضاعة، ويقول بعض العرب لمناف: إنَّ منافًا نَفَرٌ من عُذره ... دَعِي الجدال واعمدي لثبره قال فولد جرير بْن دارم: فُقَيم بْن جرير، ويقال إنه كان له فقم وأمه كفافة بِنْت جُلْهُمة بْن عوف بْن عَبشمس من بني سعد، وإخوته لأمه بنو مرة بْن عباد بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة من ربيعة بْن نزار. فولد فقيم: زهير بْن فُقيم. وعبد اللَّه بْن فقيم. ومرة بْن فقيم. وَدَحداحة بْن فقيم. ومُظهر بْن فقيم. وخِشنة بْن فقيم، وبعضهم يقول خُشينة والأول أثبت. ومؤالة بْن فقيم. وفيهم يقول الفرزدق: وَإِذَا دعوت بني فقيم جاءني ... زيد هو العدد الذي لا يعدل [2]

_ [1] ديوان جرير ص 59. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 156.

وولد مناف بْن دارم: لأي بْن مناف. وحصين بْن مناف. والحارث بْن مناف. وزيد بْن مناف. وحبيش بْن مناف. وولد سدوس: الْحَارِث بْن سدوس. فولد الْحَارِث نفرًا وأمهم بَسَّة بِنْت سُفْيَان بْن مجاشع بْن دارم وبها يعرفون، يُقَالُ لهم بنو بسَّة. وولد خَيبري بْن دارم: مُعَرِّض بْن خيبري. وضباب بْن خيبري. فولد معرض: ثلاثة نفر، وأمهم بسَّة بها يعرفون خلف عليها بعد عمه.

نسب بني عبد الله بن دارم

نسب بني عَبْد اللَّه بْن دارم فولد عَبْد اللَّه بْن دارم ستة: زَيْد بْن عَبْد اللَّه وأمه الشَنْبَاء من بني عمرو بْن حنظلة. وأمية بْن عَبْد اللَّه. ومعاوية بْن عَبْد اللَّه. وقشة بْن عَبْد اللَّه. ووهب بْن عَبْد اللَّه. وعبد مناة بْن عَبْد اللَّه، وأمهم ليلى بِنْت جَهْوَر بْن غُوَيّ بْن جروة بْن أَسِيد بْن عمرو بْن تميم. وذؤيب بْن عَبْد اللَّه ولم يعرفه الكلبي. وولد زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن دارم: عدس بْن زَيْد، وحق بْن زَيْد. ومرة بْن زَيْد. وحارثة بْن زَيْد. وربيعة بْن زَيْد. وجناب بْن زَيْد. وعبد اللَّه بْن زَيْد. ومالك بْن زَيْد، وأمهم فاطمة بِنْت نهشل بْن دارم. فالأحلاف من بني دارم: بنو زَيْد بْن عَبْد اللَّه كلهم غير عُدُس بْن زَيْد فإنهم يد مع سائر بني عَبْد اللَّه. وقال هشام ابن الكلبي: كل عُدس فِي العرب يُقَالُ لهم بضم العين وفتح الدال غير عُدُس بْن زَيْد فإنهم مضموم العين والدال وكل سَدوس فِي العرب فمفتوح السين إلا سُدوس بْن أسمع من طيّئ فإنه مضموم السين. فَمَنْ بني عَبْد اللَّه بن دارم: [زرارة بن زيد] حاجب بْن زرارة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم، كان شريفًا شهد يوم جَبلة فانهزم فلحقه ذو الرقيبة مالك بْن سلمة بن

قشير بْن كعب فقال: استأسر فألقى رمحه واستأسر، وقد كان الزّهدمان وهما: زهدم وقيس ابنا حزن بْن وهب بْن عُوَير بْن رواحة العبسيان. ويقال هما: زهدم وكردم ابنا حَزْن حاولا أن يستأسر لهما فلم يفعل، فَلَمَّا استأسر لذي الرقيبة، وثب زهدم فاعتنقه، فافتدى حاجب نفسه بألف ومائتي ناقة ألف لمالك ذي الرقيبة ومائة لزهدم ومائة لأخيه قَيْس أو كردم. وَفِي ذلك يقول مُعَقِّر بْن أوس بْن حمار البارقي: هوى زهدم تحت الغُبار لحاجب ... كما انقضَّ أَقْنَى ينفض الطلَّ ماهر قال: وبقي ذو الرقيبة إِلَى زمن مُعَاوِيَة ومعه ألف امْرَأَة يقلن يا أبتاه ويا عماه. وكانت جَبلة قبل مولد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبع عشرة سنة، وكان الَّذِي هاج يوم جبلة أن بني عبس بْن بغيض خرجوا هاربين من بني ذبيان بْن بغيض وحاربوا قومهم بقوا متلددين متحيرين، فأجارهم الأحوص بْن جَعْفَر بْن كلاب، فلما عرف خبرهم بنو ذبيان استعدوا واجتمعوا وعليهم حصن بْن حذيفة بْن بدر الفزاري، ومعه بنو أسد، وكانوا وبنو ذبيان حلفاء، وكانت بنو عبس قتلت حذيفة بْن بدر يوم الهَباءة، ودست لسانه فِي استه، فكان يطلب بدم أَبِيهِ، وأقبل معهم مُعَاوِيَة بْن شرحبيل الكندي، وكان من ولد الجون، وهو مُعَاوِيَة بْن آكل المرار، وسمي الجون لسواده، وأقبلت بنو حنظلة بْن مالك والرباب عليهم لقيط بْن زرارة يطالبون بدم معبد بْن زرارة، وأَسَرَتْه بنو كلاب يوم رحرحان [1] فمات فِي أيديهم، فاقتتلوا قتالًا شديدا.

_ [1] رحرحان: اسم جبل قريب من مكة وخلف عرفات. معجم البلدان.

قَالُوا: وكان النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا على مضر، [فقال: «اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ ابعث عليهم سنين كسني يوسف» .] فتوالى القحط عليهم سبع سنين حَتَّى هلكوا. وَفِي ذلك نزلت: يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بدخان مبين [1] . فَلَمَّا رَأَى حاجب ما نال الناس من الجهد، جمع بني زرارة، ومضى حَتَّى أتى إياس بن قبيصة عامل كسري على الحيرة ومن يليها من العرب، وقيل إنه أتي كسرى نفسه، وقيل إنه أتى رئيس الأساورة الذين على حد العرب والعجم فشكا إليه ما هم فِيهِ من الجهد وإشراف الأموال على العطب، فقال: إنكم معشر العرب أَهْل حرص وغدر، فَإِن أذنْتُ لكم فِي المقام بأطراف الريف لم آمن إفسادكم البلاد وإغارتكم على الرعية. قال: فَإِنِّي ضامن لأحداثهم. قال: ومن لنا بِذَلِك؟ قال: أرهنك قوسي هَذِهِ. فضحك قوم من الأعاجم فقال إياس، أو الفارسي: إنه والله لا يدعها ولا يؤثر على الوفاء شيئًا إذا رهنها، فقبلت منه القوس، ودخلوا الريف، ودعا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعرب لما شكوا إليه جهدهم فأخصبت البلاد ونزلت السُّقيا وارتفع القحط. وقد مات حاجب وارتحلت العرب إِلَى بلادهم، فارتحل عُطارد [2] بْن حاجب إِلَى كسرى لطلب قوس أَبِيهِ، فقال كسرى: ما أنت بالذي وضعتها. قال: أَجَلْ، ولكن أَبِي هلك وقد وفى له قومه، ووفى للملك: فقال: ردوها عليه، وكساه حلة، ثُمَّ إنه وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم وأهدى

_ [1] سورة الدخان- الآية: 10. [2] بهامش الأصل: عطارد بن حاجب، رحمه الله.

إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكسوة، فلم يقبلها فباعها من الزبير بْن ياطا اليهودي بأربعة آلاف درهم، وقيل إن عمال كسرى أوفدوه على كسرى، فدفع القوس إليه. وقال أَبُو الْحَسَن المدائني عن أَبِي اليقظان: كان اسم حاجب زيدًا، وسمي حاجبًا لعظم حاجبيه، وكان يكنى أَبَا عِكْرِشة. فولد حاجب عُطاردا. وعِكْرِشة. أمهما سلامة. وليلى تزوجها القعقاع بن معبد بن زرارة. وكان عطارد سيدًا فِي الجاهلية والإسلام. قال: وبقيت القوس عند آل حاجب، وقدم المدينة فجعل يبيع كسوة كسرى التي كساه، فقال عُمَر: يا رسول الله لو اشتريت من هَذِهِ الكسوة؟ فقال: [ «يا عُمَر تلك ثياب من لا خلاق له» ] وكانت من ثياب العجم، فباعها من الزبير اليهودي. قَالُوا: وكان لبيد بْن عطارد بْن حاجب شريفًا سيدًا، يكنى أَبَا نعيم، وكان جوادًا كريمًا، وكان مع المصعب بْن الزبير فوفى له، وحبق أَسيد بْن عطارد بْن حاجب فِي مجلس زياد فأمر له بمال، فعَيَّر جرير مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد فقال: ألقوا السلام إليّ آل عطاردٍ ... وتعاوروا ضرطًا على الدكان [1] وولد للبيد: عمرو. وإسحاق لأم ولد تدعى كبشة، ولهم عقد بالكوفة. وفيه يقول لقيط بْن عطارد أخوه: إذا ذكرت نفسي لبيدًا تعرضت ... معاريض من سوء البلاء له عندي وما كنت أنأى عن لبيدٍ لبغضه ... ولا كان مالي دونه محكم العقد

_ [1] ديوان جرير ص 471 مع فوارق.

لعل لبيدًا إن أتتهُ منيتي ... ومُرَّةَ يومًا أن يسوءهما فقدي ومُرَّة رَجُل من بني دارم، وكان مُعَاوِيَة وجه لقيط بْن عطارد إِلَى ملك الروم ليرى جماله، ويعرف بيانه وعقله، وكانت أسماء بِنْت عطارد بْن حاجب عند عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب، فَلَمَّا قتل يوم صفين خلف عليها الْحُسَيْن بْن علي، وتزوج ليلى بِنْت عطارد عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي. وَكَانَ عمير بْن عطارد بْن حاجب سيدًا، ونزل بالكوفة فولده بها. فولد عمير: مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد، كان سيد أَهْل الكوفة فِي زمانه، وكان صاحب ربع تميم وهمدان حَتَّى مات، وكان على أذربيجان فانهزم إليه ألف رَجُل من بَكْر بْن وائل كانوا فِي بعث فحملهم، حمل ألف بكري على ألف فرس قارح، وكان جوادًا. وقال الهيثم بْن عدي والمدائني: أتى بنو تميم مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد فِي حَمَالَةٍ، فقال: يقسم على بني عُمَر كذا، وعلى بني حنظلة كذا، وعلى بني سعد كذا، فقال شبث بْن ربعي: بل كلها عليَّ. فَقَالَ ابْن عمير: نِعْمَ العون على المروءة الجدة. قَالُوا: وتزوج عُبَيْد اللَّه بْن زياد هند بِنْت أسماء بْن خارجة، فعاب ذلك مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد على أسماء فيمن عابه، فزوج أخاه عُثْمَان بْن زياد ابْنَة مُحَمَّد بْن عمير قسرًا. وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن عوانة وغيره. وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عمر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عن عياش قَالا: أذن ابن زياد إذنًا عامًا فزحم غسان بْن نباته أخو الأصبغ بْن نباته المجاشعي عمرو بْن الزبير، فلطم عمرو بن الزبير لبيد بْن عطارد بْن حاجب بْن زرارة، فغضبت له بنو

تميم، وكلم الناس لبيدًا فَقَالَ: لا أطلبها أبدًا. وبلغ الخبر أَهْل الكوفة فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزبير الأسدي: لا يَصْرِم اللَّه اليمين التي عَلَتْ ... على البغض والشحناء أنفَ لبيد فآبَ بنو ولد اسْتَهَا بمضاعف ... من اللطم لا يحصونه بعديد نمت بك أعراق الزبير وهاشم ... وعمرو نما من خَالِد بْن سَعِيد [1] وأم عمرو بِنْت خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص أَبِي أحيحة. وأم الزبير صفية بِنْت عَبْد المطلب بْن هاشم. فقال مسكين بْن عامر بْن أنيف الدارمي: مُعَاذِ اللَّه أن تُلْفَى ركابي ... سراعًا إذ وردن على ضمير طوال الدهر أو يرضى لبيد ... وكان الضيف محفوفا بخير سنِلطم منذرًا أو وجه عمرو ... ولو دخلا بيثرب فِي است عير فَإِن تَكُ لطمة أدركتموها ... فَلَمَّا يدركوا بدم الزبير [2] وكان المنذر بْن الزبير صديقًا لعبيد اللَّه بْن زياد، فوفد عليه حين ولي الكوفة، فرصده رَجَال من بني تميم منهم: نعيم بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة، ورجل من بني ظاعنة يُقَالُ له قتب وظاعنة أخوه تميم وحاضرتهم مع بني عَبْد اللَّه بْن دارم، وثالث معهم وجاء المنذر بْن الزبير يوم جمعة يريد المسجد فلطمه أحدهم، ثُمَّ الثاني، ثُمَّ الثالث، فدخل المنذر على عُبَيْد اللَّه فَقَالَ له: ما أتيتك حَتَّى ظننت أن الجدران ستلطمني، فأرسل ابن زياد إِلَى مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد، ولم يكن

_ [1] شعر عبد الله بن الزبير الأسدي- ط. بغداد 1974 ص 73. [2] لم ترد الأبيات في شعر مسكين المطبوع في بغداد 1970.

فيمن لطمه، إلا أنه قد أمرهم بلطمه، فحبسه فِي السجن، وأخذ نعيمًا وأصحابه فضربهم بالسياط، ويقال إنه قطع أيديهم. وقال ابن الأعرابي: قَالَ المفضل: لما قدم منذر بْن الزبير على ابن زياد بعد لطم عمرو لبيدًا، لطم مُحَمَّد بْن عمير منذرًا، فأخذه ابن الزبير فضربه، وجاءت بنو أسد بْن خزيمة لتلطم تميمًا غضبًا لآل الزبير، لأن أم خويلد بْن أسد بْن عَبْد العزى أَبِي الْعَوَّام. وجده الزبير زهرة بِنْت عَمْرو بْن حنثر من بَنِي كاهل بْن أسد بْن خزيمة، فيقال إنه لم يبق تميمي ظهر لهم إلا لطموه فقال شاعر بني تميم: ونحن لطمنا منذرًا يوم جمعة ... إذا نهلت مِنَّا الأكف نعيدها لطمناه حَتَّى أسبلت بدمائها ... خياشيم كَانَتْ مُسْتكنًّا قصيدها رَأَى منذر دفَّاع موجٍ عَرَمْرَمٍ ... وكثرة أيدٍ لَمْ تجد من يذودها فقل لبني الْعَوَّام ينهوا سفيههم ... عن الجهل لا تُنكأ بلطم خدودها وقال بعض بني أسد: لطمناكم ألفا بلطمة منذر ... بأيد كرام لم تجد من يذودها ويقال إن عُمَر بْن سعد بْن أَبِي وقاص نازع ابن أم الحكم عند مُعَاوِيَة فأجابه عنه لبيد بْن عطارد، عَنِ ابن أم الحكم وكان ابن أم الحكم مائلًا إلى بني حنظلة، فقام مُعَاوِيَة فدخل إِلَى أهله، فقال عُمَر بْن سعد: يا معاشر قريش أما أحد منكم يكفيني هَذَا الكلب التميمي، فَقَالَ عمرو بْن الزبير لغلام له: ائت صاحب العمامة الحمراء فَاكسر أنفه، ففعل الغلام ذلك، فصاح لبيد: يا أمير المؤمنين أَيُفْعَلُ هَذَا بي فِي دارك؟ فخرج مُعَاوِيَة وأمر بضرب الغلام، فَقَالَ لبيد: ما يقنعني هَذَا. فقال مُعَاوِيَة: أيضربك

الغلام وأضرب عَمْرًا؟ لستُ بفاعل، وبلغ الخبر بني تميم ففعلوا بمنذر ما فعلوا. وقال ابن همام السلولي لعبد اللَّه بْن الزبير، فِي قصيدته التي رفع فيها على العمال يذكر مُحَمَّد بْن عمير لأن ولايته أذربيجان كَانَتْ من قبله. وآخران من العمال عندهما ... بَعْض المنالة إِن تأخذهما قتل مُحَمَّد بْن عمير وَالَّذِي كذبت ... بَكْر عَلَيْهِ غداة الروع والوهل وكان الحجاج بعث إِلَى مُحَمَّد بْن عمير يوم رستاقاباذ يأمره أن ينصره، فقال: لا ناقة لي فِي هَذَا ولا جمل، فلما ظهر قال له: يا بن دُهمان. أنت القائل لا ناقة لي فِي هَذَا ولا جمل، لا جعل اللَّه لك فِي مثلها ناقة ولا جملًا ولا رحلًا، وكان يقال إن عميرًا أَبَاهُ صدر عن عكاظ، فمر ببني دهمان فأخذوا امرأته، ثُمَّ ردوها حاملًا. وكتب عَبْد الملك إِلَى مُحَمَّد بن عمير: إنك من سراة أَهْل العراق، فاكتب إليّ بسيرة الحجاج، فأتاه بالكتاب وكتب بكل ما أراد فشكره على ذلك. وقال أَبُو عبيدة: دخل الكوفة قوم من الخوارج مما يلي الحيرة، فأخذوا بأفواه السكك مما يلي الحيرة، وكان حَوشَب بْن يزيد على شرطة الكوفة، فتحصن فِي القصر، وذلك فِي أيام بشر بْن مروان، ويقال فِي أيام الحجاج فحارب الخوارج إياس بْن حصين بْن زياد بْن عُقفان بْن سُوَيْد بْن خَالِد بْن أسامة بْن العنبر بْن يربوع بْن حنظلة بْن مالك فِي بيته وقومه، فقتلهم إلّا من هرب منهم، وهجا جرير بْن عطية مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد، وقد كان

مُحَمَّد بْن عمير وهو والي أذربيجان غزا موقان [1] ، وقد جاش أهلها وهاجوا وظاهروا قومًا من الديلم فهزموه، وأخذوا رايته فسار إليهم عَتاب بْن ورقاء وهو على قزوين والري ودستبي، فقتل منهم خلقًا وأسر، وأخذ راية مُحَمَّد بْن عمير فقال جرير: هَلَّا طعنت الخيل يوم لقيتها ... طعن الفوارس من بني عُقفان ردوا السلاح إليّ آل عطاردٍ ... وتعاوروا ضرطًا على الدكان [2] فعيره بانهزامه وبضرطة لبيد عند زياد بْن أَبِي سُفْيَان، وقال جرير أيضًا: ما كان من ملك ولا من سوقةٍ ... رَجُل ينفره على عتاب أنت استلبت لنا لواء مُحَمَّد ... وأقمت بالجبلين سوق ضراب [3] وقال بعضهم: كان بنو عقفان مع عتاب فضاربوا وصبروا، وكان لهم غناء. وقد رُوِيَ فِي تفسير قول جرير فِي مُحَمَّد بْن عمير قول غير هَذَا، وسنذكره فِي خبر يربوع إن شاء اللَّه. وولد عمير أيضًا: عطارد بْن عمير، وأمه وأم مُحَمَّد بْن عمير واحدة، وهي عمرة بِنْت حنظلة بْن بشر بْن عمرو. والعباس بْن عمير. وجعفر بْن عمير. وولد مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد: عمرو بْن مُحَمَّد. وقعقاع بْن مُحَمَّد.

_ [1] موقان ولاية جبلية فيها قرى ومروج كثيرة، وهي بأذربيجان. معجم البلدان. [2] ديوان جرير ص 471. [3] ليسا في ديوان جرير المطبوع.

وحصين بْن مُحَمَّد، وكان يُقَالُ فتيان الكوفة ثلاثة: عمرو بْن مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد. وخالد بْن عتاب بْن ورقاء الرياحي. وحوشب بْن يزيد بْن رويم. قال الشاعر: فلست بمحمود ولا بمحمدٍ ... ولكنما أنت الخِبط الحُباتر [1] ولست كعتَّاب ولا ابنك كابنه ... إذا الشول [2] أَمْسَتْ وهي حُدْبٌ حَدَائر وقال الشاعر: أرى خالدًا يختال مشيًا كأنه ... من البغي فينا معبدٌ أو عُطَارد ولم يبق لمحمد بْن عمير عقب. أما عطارد بْن عمير بْن عطارد بْن حاجب فولد: ضرار بْن عطارد، وكان القعقاع بْن ضرار بْن عمير ولي شرطة الكوفة لعيسى بْن مُوسَى، وولي ضرار فسا ودر أبجرد لخالد بْن عَبْد اللَّه، وتزوج مسلمة بْن عَبْد الملك أسماء ابْنَة ضَرّار. وقال ابن شبرمه فِي القعقاع بْن ضرار بْن عطارد بْن عمير: إني نعي لي قعقاعٌ فأوجعني ... وهل لنا في تميم مثل قعقعاع وولي عُمَر بْن الْعَبَّاس بْن عمير سجستان لأمير المؤمنين أَبِي العباس وفيه يقول الراجز: لذي الفعال عُمَر بْن عَبَّاس ... أروع بسَّام كريم المعطاس فخرج جنده عليه فقتلوه وكانت قوس حاجب عند ولد جعفر بن عمير.

_ [1] الحبتر: الثعلب والقصير، وأتوا خبطه خبطه: قطعة قطعة، واختبط: سار على هدى. القاموس. [2] الشول: الإبل التي أتى على حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها، ولحقت بطونها بظهورها. القاموس.

عدس بن زيد

ومن ولد حاجب بْن زرارة: قَيْس بْن عُطارد بْن حاجب بْن زرارة، وابنه مَسْعُود بْن قَيْس ولي ولايات، وفيه يقول ابن همام السلولي: والدارميّ يطوف الهرمزانُ به ... فِي هيئة بُدِّلَتْ من رعيه الإبل فخرج مع ابن الأشعث، فأخذ أسيرًا، وأُتي به الحجاج فأراد أن يخلي عَنْهُ، فقال يزيد بْن علاقة السكسكي: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لكم براءة في الزبر [1] ؟ فقدمه الحجاج فضرب عنقه. [عدس بن زيد] [زرارة بن عدس] وأما لقيط بْن زرارة بْن عُدُس فكان يكنى أَبَا دَخْتَنُوس، وكان يأتي كسرى فيحبوه ويكسوه، وسمى ابنته دختنوس باسم امْرَأَة من العجم، وكانت كنيته أولًا أَبَا نهشل أيضًا، وقال أَبُوهُ: لقد عَلَتْ بك الخيلاء، فلو كنت نكحت بِنْت قَيْس بْن مَسْعُود أو أفأت مائة من عصافير الملك ما عدا الكذب، فتزوج ابْنَة قَيْس واعطاه الملك مائة من عصافيره، وفيه يقول مسكين الدارمي: وذا القرنين آخاه لقيط ... وكان صفيُّهُ دون الرجال [2] وذو القرنين: المنذر بْن المنذر. وشهد لقيط بْن زرارة يوم شعب جبلة، وكان على تميم والرباب، وأقبل يومئذٍ على برذون مجفف [3] بديباج، وعليه سرج مذهب من سروج كسرى، وكان أول عربي جفف. وجعل يقول: إن الشُّواء والنَّشيل [4] والرُّغُف ... والقَينةُ الحسناء والكأس الأنف

_ [1] سورة القمر- الآية: 43. [2] شعر مسكين الدارمي ص 61. [3] التجفاف: آل للحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب. القاموس. [4] النشيل: أخذ اللحم من القدر قبل النضج. النهاية لابن الأثير.

وصَفوة القدر وتعجيل الكتف ... للطاعنين الخيل والخيل قطف عرفتكم فالدمع بالعين يكف ... لفارس أتلفتموه ما خلف [1] يعني معبد بْن زرارة هلك عند بني عامر وهو فِي أيديهم، وحمي لقيط وبينه وبين شريح بْن الأحوص جرف منكر فجعل شريح يقول له: إن كنتّ ذا صدق فاقحمه الجُرُف ... وقرب الأشقر حَتَّى تعترف فجعل لقيط يقول لفرسه: «إنْ تَقَدَّمْ تُنحر، أو تَأَخَّرْ تُعْقَرْ» [2] ، وأقحمه الجرف فطعنه شريح فسقط مرتثًا، ويقال إن الَّذِي طعنه: جَزْء بْن خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب، وَإِنَّهُ القائل له: أقحمه الجرف. وقال قوم: إن الَّذِي طعنه عوف بْن المنتفق بْن عامر العقيلي، والأول أثبت، وبنو تميم يقولون إن لقيط اقتحم الجرف فوقصه فرسه. وقال الكلبي: لما طعنه شريح فارتثَّ جعل يقول عند موته: يا ليت شعري عنك دختنوس ... إذا أتاها خبر المرموس أتحلق القرون أم تميس ... لا بل تميس إنها عروس [3] وجعل بنو عبس يضربونه وهو ميت فبلغ ذلك دختنوس فقالت: لقد ضربوا وجهًا عليه مهابة ... وما أن تبالي الصخرة الصلد من ردا فلو أنكم بتم غداة لقيتم ... لقيطًا صبرتم للأسنة والقنا [4]

_ [1] النقائض ج 2 ص 663. [2] في النقائض ج 2 ص 664: أأشقر إن لم تقدم تنحر ... وإن تأخر عن هياج تعقر [3] النقائض ج 2 ص 665. [4] النقائض ج 2 ص 665.

ويقال إن الرَّبِيع بْن زياد العبسي قال للقيط: إن كنت صادقًا فأوثب فرسك الجرف. وكانت دختنوس بِنْت لقيط عند عمرو بْن عمرو بْن عُدس، وكان أبرص شيخًا رديء الفم، فوضع رأسه فِي حجرها فسال لعابه فتأففت فقال: أتحبين أن أفارقك؟ قَالَتْ: نعم. فطلقها فنكحها فتى من بني زرارة جسيم وسيم. ثُمَّ إن بَكْر بْن وائل أغارت على بني دارم فنبهته دختنوس وهي تظن به خيرًا، وكانت قبل ذلك تنهبه للصبوح فيقول: لو لغارة أيقظتني. فَلَمَّا نبهته قَالَتْ: الغارة يا فلان. فجعل يحبق ويقول: الغارة الغارة حَتَّى كاد يموت فضربت العرب به المثل فقالت: أجبن من المنزوف ضرطًا. وأدركتهم الخيل فأخذت دختنوس فحمل عمرو بْن عمرو الأبرص فقتل من القوم ثلاثة، وتخلص دختنوس وانصرف بها وقال: أيُّ زوجيك وجدت خيرا ... أألعظيم فيشة وأيرا أم الَّذِي يأتي العدو سيرا ثُمَّ إنهم أجدبوا فبعثت إِلَى عمرو تطلب منه حلوبة، فقال عمرو لرسولها: قل لها: «الصيفَ ضَيَّعْتِ اللبن» [1] . فذهبت مثلًا. فَلَمَّا رجع الرَّسُول بالرسالة إليها أحاطت على منكب زوجها وقالت: هَذَا ومذقه خير. وحدثني أَبُو عدنان عَن أَبِي زَيْد عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قال: عيّر

_ [1] أي تركت الشيء في وقته وطلبته في غير وقته. الفاخر للمفضل بن سلمة ط. القاهرة 1960 ص 111.

زرارة لقيطًا بالزهو والخيلاء وقال له: لو كنت نكحت ابْنَة قَيْس بْن مَسْعُود وأَفَدْتَ مائة من العصافير ما زدْتَ على ما أنت عليه، فَلَمَّا دخل الشهر الحرام استتبع رجلًا من بني دارم يُقَالُ له قُراد بْن حنيفة فركبا حَتَّى أتيا بني شَيْبَان فوقفا على مجلس بني هَمام بْن مرة فقالا: انعموا صباحًا. فقال القوم: وأنتما. فقال لقيط: أفيكم قَيْس بْن مَسْعُود؟ فقالوا: هُوَ هَذَا. فقال قَيْس: ما حاجتك؟ قال: جئتك خاطبًا إليك. فغضب قَيْس وقال: ألا كان هَذَا فِي السر؟ فقال: ولم يا عم، فو الله إنك لرَفْعَةٌ وما بي قصاة، ولئن سارَرْتُكَ لا أخدعُك وإن عالنتك لا أفضحك. قال: من أنت؟ قال: لقيط بْن زرارة. قال: كفؤ كريم أَنِخْ فقد أنكحتُكَ القدور بِنْت قَيْس، وبعث قَيْس إِلَى أمها إني قد أنكحتُ ابنتك لقيط بْن زرارة ولا يجمل بنا أن يبيت فينا عزبًا وله فينا امْرَأَة فَمُرِي بالبلَق [1] أن يضرب ويصلح ما يحتاج إليه، وجلس لقيط مع القوم فتذاكروا الغزو فقال لقيط: الغزو أَحَدُّ للرماح وأَدّرُّ للقاح، والمقام أحبّ إلى النساء وأسمن للجمال، فأعجب قيسًا كلامه، وبعثت أم الجارية بمجمر فيها دخنة وقالت لجاريتها: إن ردَّهَا فَمَا فِيهِ خير، وإن جعلها تحته فَمَا عنده خير، فَلَمَّا جاءته بالمجمر دَخَّنَ شعره من كلا جانبيه ثُمَّ رد المجمر، فقالت المرأة: إنه لخليق للخير، فَلَمَّا أَجَنّ عليه الليل أُدخلت الجارية عليه فِي البَلَق فضمها إِلَى نفسه وطرح عليها خميصته فذهب به النوم، فَلَمَّا رأته الجارية قد نام قامت وذهبت إِلَى أهلها فانتبه فلم يرها فقام وركب وصاحبه راحليتهما سرا ومضيا، فقال القوم حين أصبحوا: غدر بك. فقال: كلا إنه لأكرم من أن يغدر. ومضى حَتَّى أتى

_ [1] بهامش الأصل: المضرب الكبير.

وأما علقمة بن زرارة بن عدس

والي الحيرة فأعلمه تزويجه وسأله فأعطاه مائة من الإبل فبعث بها إلى قيس بْن مَسْعُود مع قراد وقال: قل له هَذَا صداق ابنتك، ثُمَّ مضى إِلَى كسرى فأعطاه ديباجًا وجوهرًا، ثُمَّ رجع إِلَى قومه. وجهز قَيْس ابنته وحملها إِلَى لقيط فلم تلد حَتَّى قُتل لقيط يوم جبلة، فبعث إليها أبوها يُقسم عليها ألا تخمش وجهًا ولا تحلق، وأمر فحُملت إليه فقالت حين استقلت بها ناقتها: نِعْم الأحماء كنتم فجعل اللَّه مالكم فِي خياركم، وحَبَّبَ بين نسائكم وعادى بين رجالكم، وزوجها أبوها رجلًا من قومه فجعلت لا تنسى لقيطًا، فقال لها: ما أراك تنسينه؟ فقالت: وكيف أنساه؟ لقد ركب فرسه وأخذ رمحه وخرج يتصيد فعرضت له بقرة فعقرها واشتوى من لحمها، ثُمَّ أقبل فقمت إليه فضمني ضمة وشمني شمة فوجدت منها أطيب رائحة، قال: ففعل زوجها مثل ذلك فضمها إليه ثُمَّ قال: كيف ترين؟ قَالَتْ: «مرعى ولا كالسعدان وماء ولا كصدى» [1] . وقال أَبُو عمرو بْن العلاء: كَانَتْ أم دختنوس من بني سحيم من بني حنيفة وتزوج دختنوس عمرو بْن عمرو، وكان عمرو أبرص أبخر يُقَالُ لولده أفواه الكلاب، ثُمَّ تزوجها عمير بْن معبد بْن زرارة، فمات عَنْهَا. وقال الكلبي: إن القَذُور قَالَتْ: أوصيكم بالغرائب شرا، فو الله ما رَأَيْت مثل لقيط لم يحلق عليه شعر، ولم يخمش وجه. وأما علقمة بْن زرارة بْن عُدس فكان رئيسا، وغزا بَكْر بن وائل فقتله

_ [1] أي لست مثله، والسعدان شيء تعتلفه الإبل، وهو من أفضل مراعيها، وصدّى: ركية لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها. الأمثال لأبي عبيد ص 135. وجاء بهامش الأصل: صدى: ركية.

بنو قَيْس بْن ثَعْلَبَة، فجمع لقيط فغزاهم فقتل أَشْيَم أحد بني عوف بْن مالك بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة وقال: آليتُ لا آسى على هلْك هالكٍ ... ولا رزء يومٍ بعد يومك علقما فَإِن يقتلوا مِنَّا كريمًا فإننا ... أَبَأْنَا به مَوْلَى الصعاليك أشيما جدعنا به أنف اليمامة كلها ... وأصبح عرنين اليمامة أكشما [1] ومن ولد علقمة بْن زرارة: المأموم بْن شَيْبَان بْن علقمة بْن زرارة، واسم المأموم حنظلة، وأمه كرشة بن حاجب بْن زرارة، والمقعد بْن شَيْبَان بْن علقمة، وأمه ابْنَة عمرو بْن عمرو بْن عُدُس. ويزيد بْن شَيْبَان. وفيه تقول أمه مَهْدَد، وهي من بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة: هَلَّا غلام ولدته مَهْدَد ... ليس بمأموم ولا هُوَ مُقْعد وكان نسابًا عالمًا وكان له قدر وسؤدد. وفيه يقول أَبُو شذرة الهجيمي: لقد مات بالقرعاء من آل دارم ... فتى لم يكن فِي أمره بمؤنب يزيد بْن شَيْبَان بْن علقمة الَّذِي ... إذا قلت ذاك المصطفى لم أُكذَّبِ وكان يكنى أَبَا حنظلة، وقتل حنظلة بْن شَيْبَان بْن علقمة بْن زرارة يوم خَوٍّ وهو يوم كان بين هَذَا البطن فِيهِ وبين بني عُبَيْد بْن خزيمة بن زرارة قتال بسبب قتل قَيْس بْن ضرار بْن القعقاع بْن معبد المقدام بْن جحش، ويقال ابن جحوش، وهو أثبت. وقتل سبعة عشر رجلًا منهم ابنٌ لمعبد بْن القعقاع وقال ابن أُصَيْلة أحد بني عُبيد: وسائله عن يوم خَو ولو رأت ... مصارعنا لاستعبرت وأرنّت

_ [1] الكشم: قطع الأنف. القاموس.

قَالُوا: وسمي حنظلة بْن شَيْبَان المأموم لأن إِبْرَاهِيم بْن القعقاع بْن معبد ضربه على رأسه فَأَمَّه. وكان من ولده: عُثْجِل بْن المأموم أسرته بَكْر بْن وائل يوم الوقيظ، وهو يوم تجمعت فِيهِ بنو ثَعْلَبَة بْن عكابة وبنو عجل وعنزة بْن أسد بْن ربيعة على بني حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم، واقتتلوا فطعن بشر بْن العوراء من بني تيم اللات ضرار بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة. وبارز عمرو بْن قَيْس العجلي عثجل بْن المأموم بْن شَيْبَان بْن علقمة بْن زرارة فأسره، وَمَنَّ عليه ففخر بِذَلِك أَبُو النجم العجلي [1] وهو الفضل بْن قدامة فقال: وهُنَّ يَرْفُضْنَ الحصي المُزمَّلا ... بالقاع إذ بارز عمرو عثجلا فقال جرير لغمامة بِنْت الطود بْن عُبَيْد بْن خزيمة بن زرارة بن عدس، وكانت أخذت يومئذ: أغمام لو شهد الوقيظ فوارسي ... ما قيد يعتل عثجل وضرار وزعموا أن طيسلة العجلي أسر حنظلة المأموم، فاشتراه رَجُل من بني تيم اللات بمائة بعير، ثُمَّ حبسه عنده وقدم به الكوفة ليفاديه وبالكوفة علي بْن أَبِي طَالِب عليه السلام فانتزعه وقال: [لا أسار فِي الْإِسْلَام] . وتزوج عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الْمَلِك بْن مَرْوَان ابنة مُعَاوِيَة بْن يزيد بْن شَيْبَان أخي المأموم، وتزوج إليه مُحَمَّد بْن القاسم بْن مُحَمَّد الثقفي. وكان لقيط بْن يزيد بْن شَيْبَان بْن علقمة بن زرارة سيد يقري

_ [1] من رجاز الإسلام الفحول المقدمين، وفي الطبقة الأولى منهم. الأغاني ج 10 ص 150- 161.

وأما أبو الحارث بن زرارة

الأضياف، فقال الشاعر صَدْر بْن الأعور [1] من ولد الْحَارِث بْن زرارة: فإنك لم تشهد لقيطا وفعله ... وإن أنت أطعمت الأرز مع السمن يعني لقيط بْن يزيد. وكان عمير بْن المأموم محدثًا، ولقي الْحُسَيْن بْن علي عليهما السلام، وروى عَنْهُ أحاديث. وأما أَبُو الْحَارِث بْن زرارة فكان أصغر ولد زرارة وسبى ابنته أمامة الديان الحارثي فِي الجاهلية، وقال: أتتكم أمامة، وما أمامة، بيضاء كرامة بِخَدّهَا علامة خالٌ لها وشامة، فولدت فِي بني الديان، ولحق عبيدة بْن الْحَارِث ببني الْحَارِث بْن كعب فكان لقيط بْن زرارة ينشده بالموسم فيقول: يا من أخسّ عندنا عبيده ... وأمه من قيننا تليده فانصرف من عند بْني الْحَارِث إِلَى حاجب بْن زرارة، فسأله فلم يعطه، فأغار على إبل أكثم بْن صيفي فذهب منها بإبل كثيرة، فأتى أكثم حاجبًا فقال له حاجب: اختر من إبلي عدة إبلك، فاختار ذلك، وانصرف عبيدة إلى بني الْحَارِث، فتزوج امْرَأَة من جَرم، فَمَنْ ولده شريح بْن عامر بْن عَبْد، وهو الأعور، فَلَمَّا ولي الرَّبِيع بْن زياد الحارثي خراسان أتاه فولاه بعض أعمال سجستان، فأصاب مالًا فتزوج ابْنَة ضرار بْن القعقاع، فولدت له صدر الأعور واسمه بشر، وقال رَجُل من بني ضبة يهجو صدرًا واسمه بشر: أنختُ إِلَى صدر قلوصي وليتني ... نفذت وجاوزت الصدور إلى القفر

_ [1] سيرد فيما بعد باسم: صدر الأعور دون/ ابن/.

نَمَتْ بك للأنساب أمٌ كريمةٌ ... حَصَانٌ ولكن من أَخس أَبَا صدر فإنك لم تشبه لقيطا وفعله ... وإن أنت أطعمت الأرز مع التمر وقال الفرزدق يهجوه، وذلك أن رجلًا من البراجم قطع أنف رَجُل من بني تميم فحملت ديته، فأتى صدرًا فلم يعِنْهُ فقال: لحي اللَّه صدرًا من منادى إِلَى التي ... بأمثالها ضاقت صدور البراجم فلو كان صدر دارميًا أجابنا ... ولكن صدرًا ليس من صلب دارم [1] ومن ولد الْحَارِث بْن زرارة: امرئ القيس ويكنى أَبَا شوال وذكره جرير فقال: أبنو طهيَّة يعدلون فوارسي ... وفوارسًا فيهم أَبُو شوال [2] وجاء الْإِسْلَام وعنده ابْنَة امرأته فرفع ذلك عوف بْن القعقاع إِلَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، ففرق بينهما. ومن ولد امرئ القيس هَذَا: عبيدة بْن الرَّبِيع بْن امرئ القيس، وكان اصطحب والفرزدق من القرعاء، فَضَلَّ عبيدة وكان دليل القوم، ثُمَّ وقع على الطريق فساق الفرزدق الإبل وارتجز فقال: يابن ربيع ما رَأَيْت أحدا ... يبقى على الأيام أو مخلدا كأنما كان عبيدا إذ هدى ... بالغور حَتَّى أنجدت وأنجدا قلائصًا إذا علون فدفدا ... يرمين بالطرف النجاد الأبعدا

_ [1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] ليس في ديوان جرير المطبوع.

وأما خزيمة بن زرارة،

فإنَّهُنَّ إذ جَعَلْنَ ثهمدا [1] ... ذات اليمين وافترشن الفرقدا [2] تفوح منهن نعامًا أبدا وأما خزيمة بْن زرارة، وبه كان يكنى زرارة، وكان أكبر ولد زرارة، وكان شريفًا، وكان من ولده عَبْد اللَّه بْن خزيمة، وكان حاجب فِي غارة فَعُقِر فرس حاجب فعطف عليه وقال: اركب أَبَا العِكرش فأردفه، فقال عَبْد اللَّه فِي ذلك: أتنسى إذ عطفت وأنت تدعو ... بذات الرمث إذ سقط اللواء فَإِن تكفر ولا تشكر بلائي ... فعند اللَّه يلتمس الجزاء وكان قد وقع بين بني القعقاع بْن معبد بْن زرارة، وبني عُبَيْد بْن خزيمة بْن زرارة وإخوته شرُّ فاقتتلوا بخوّ، فقتل بينهم قتلى، فقتل المخش سيد بني عُبَيْد، فقال شاعر من بني عبيد. وسائله عن يوم خو ولو رأت ... مصارعنا لاستعبرت وأَرَنَّتِ همُ وَرَدُوا وِرْدَ الكرام وأنهلوا ... صدور القَنَا بالطعن حَتَّى اسبغلت [3] عمرت ونفسي بالمخشِّ ضنينة ... حذار الردى لو عُوفِيَتْ حين ضَنَّتِ فلم تَلْقَ قعقاع لها فِي لقائنا ... هواها ولا من أمرنا ما تَمَنَّتِ وأُخذ رَجُل من بني خزيمة بْن زرارة يُقَالُ له خزيمة بالمدينة فقدمه مُوَرَّقُ بْن قَيْس بْن عوف بْن قعقاع إِلَى يحيى بْن الحكم وهو على المدينة، فأقاده له فقال مورق:

_ [1] جاء في ديوان الفرزدق ثمهدا وفي معجم البلدان: ثهمد جبل في ديار بني عامر أو في ديار غني. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 166 مع فوارق. [3] اسبغل الثوب: ابتل.

وأما لبيد بن زرارة

شفى النفس يوم بالبقيع شهدته ... على آل طودٍ شَرُّهُ متطاول غداة اجتمعنا عند يحيى أخي التقي ... فكان أَبُو مروان أكرم فاعل مَشَى بين أعلى منكبيه ورأسِهِ ... طويل نجاد السيف رخو الحمائلِ يعني الَّذِي ضرب عنق الرجل. والطود هُوَ ابن عُبَيْد بْن خزيمة بْن زرارة بْن عدس، وكان الطود شريفًا. ومن بني عُبَيْد بْن خزيمة: حنظلة بْن أُصيلة وأمه بِنْت البياع، وله يقول جرير: قيس تعدّ لك السليل ومعبدا ... وفخرت يا بن أَصيل بالبياع [1] قيس بْن ضرار بْن معبد بن زرارة والسليل الشيباني، وو أم قَيْس من ولد السليل. وقال الأشهب بْن رميلة فِي يوم خَوّ: فَإِن الَّذِي مارت [2] بخو دماؤهم ... هُمُ القوم كل القوم يا أم خَالِد هُمُ ساعد القوم الَّذِي يتقى به ... وما خير كفٍ لا تنوء بساعد أويت لعبد اللَّه مما أصابها ... وغبت ولم تنفع شهادة شاهد أسود شرًى لاقت أُسودَ خَفيَّةُ ... تساقوا على لوح دماء الأساود وأما لبيد بْن زرارة فولد: صامت بْن لبيد وبقيتهم قليلة. وأما معبد بْن زرارة فكان يكنى أبا القعقاع وقد رأس، فأسرته بنو عامر بْن صعصعة يوم رحرحان، فصيروه بالطائف عند أَبِي عقيل جد الحجاج، فكان يؤتى به الموسم فِي كل سنة ليفدى وطلبوا فداءه ألف بعير، فقال لقيط: صبرًا أَبَا القعقاع فإنا لا نقدر على هَذَا. فقال معبد: ما كان

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] مارت: جرت. القاموس.

ليلقاني أحد من إخوتي أشد بغضًا لي منك. فمات هزلًا وضعفًا وكانوا يأتونه باللبن فيقول: كيف أقبل قراكم وأنا فِي القَدّ، إني إذًا لمهياف، أي عطشان، فكانوا يعمدون إِلَى شظاظ فيجعلونه بين أسنانه ويوجرونه لئلا يموت ثُمَّ إنه هلك عندهم. وكان سبب يوم رَحْرَحان [1] أن خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب جمع لبني عبس وحاربهم، فاضطرب وزهير بْن جذيمة بْن رواحة العبسي بسيفيهما، وسقط زهير تحت خالد فضربه حندج بْن البكاء فقتله، ومضى خَالِد بْن جَعْفَر إِلَى النعمان فاستجار به خوفا من أن يطلبه قومه بنو عبس بدم زهير، وغضبت غطفان لقتل زهير، فضمن لهم الْحَارِث بْن ظالم أن يفتك بخالد، فقدم على النعمان فحياه وواكله، ثُمَّ إنه دخل على خَالِد فقتله، ثُمَّ جاء إِلَى بني زرارة بْن عدس فكان المتولي لإيوائه معبد بْن زرارة، وكان يحوطه، فَلَمَّا علم الأحوص بْن جَعْفَر بِذَلِك خرج ببني عامر يريد بني دارم ليطلب حارثًا بدم أَخِيهِ خَالِد، فالتقوا برحرحان فاقتتلوا، وطُعِن معبد بْن زرارة فِي كُدْرة الخيل وكبتها، فسند فِي هضبة فأبصره عُضرْوط [2] لعامر والطفيل ابني مالك، وهو رَجُل من غني فحدره إليهما وهو يستدمي، فأَسراه وأثابا الغنوي عشرين بعيرًا، وقال عوف بْن الخَرِع التيمي يعير لقيطًا: هلا كررت على ابن أمك معبد ... والعامريّ يقوده بصفاد وذكرت من لبن المحلق [3] شربة ... والخيل تعدو بالصعيد بَدَاد

_ [1] بهامش الأصل: يوم رحرحان. [2] الكدرة: المثار من المدر أي الغبار. والعضروط هو التابع أو الأجير. القاموس. [3] بهامش الأصل: كانت ابلهم موسومة بحلق ذهب.

وقال عامر بْن الطفيل: قضينا الحي من عبس وكانت ... منية معبد فينا هُزالا [1] فولد معبد بْن زرارة: القعقاع [2] أمه معاذة بِنْت ضرار بْن عمرو الضَّبِّيّ، وعمير بْن معبد. وعدس بْن معبد. وظالم بْن معبد. وناهش بْن معبد. وليس لهم عقب إلا القعقاع، وتزوج دختنوس عمير بْن معبد، وهلك فقالت: أَعَيْنيْ ألا فابكي عمير بْن مَعْبد ... وكان ضروبًا باليدين وباليد قَالُوا: وكان القعقاع بْن معبد بْن زرارة يكنى أَبَا الحصين، وكان يأخذ المرباع ونُفِّر القعقاع على خَالِد بْن مالك النهشلي، نفَّره عليه ربيعه بْن جدار الأسدي وكانا تنافرا إليه. ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة وفيه يقول المسيب بْن علس الضبعي: ولأهدينَّ مع الرياح قصيدة ... مني مغلغلة إِلَى القعقاع أنت الوفي فلا يُذم وبعضهم ... يودي بذمته عقاب ملاع [3] وَإِذَا السراة تدافعت أركانها ... فُضِّلْتَ فوق أكفِّهم بذراع ولذاكُمُ زعمت تميم أنه ... أهلُ السماحة والندى والباع وأدرك القعقاع بْن معبد الْإِسْلَام، ووفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع خَالِد بْن مالك النهشلي، فقال أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: يا رسول اللَّه استعمل هَذَا، وقال عُمَر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: يا رسول الله استعمل ذاك،

_ [1] ديوان عامر بن الطفيل- ط. دمشق 1994 ص 199. [2] بهامش الأصل: القعقاع بن معبد رحمه الله. [3] الملاع: المفازة لا نبات بها، وقولهم: أودت بهم عقاب ملاع: من نعت العقاب أو هي العقيب التي تصيد الجرذان. القاموس.

فولد القعقاع بن معبد:

فاستعمل واحدًا منهما، وزعموا إنه نزلت فيهما: يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورسوله [1] ، وذلك أنهما تكلما ورفعا أصواتهما. فولد القعقاع بْن معبد: حصين بْن القعقاع وأمه ليلى بِنْت حاجب بْن زرارة. وضرار بْن القعقاع. ونعيم بْن القعقاع. والأهتم بْن القعقاع. والمجشر بْن القعقاع، وأمهم عُميرة بِنْت عطارد بْن حاجب بْن زرارة. وعوف بْن القعقاع. ومعبد بْن القعقاع، وشهاب بْن القعقاع. وخولة كَانَتْ عند طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه، فهلك عَنْهَا فتزوجها أَبُو جهم بْن حُذيفة العدوي. وقال الكلبي: كان يُقَالُ للقعقاع بْن معبد بْن زرارة تيار الفرات لجوده. وكان حصين بْن القعقاع مخضرمًا، وكان شاعرًا وقتل يوم القادسية، وكان يكنى أبا جهمة، وجهمة ابْنَة له. وكان ضرار بْن القعقاع سيدًا، ويكنى أَبَا نعيم، ومن ولده: النجم بْن بسطام. وأخوه بدر بْن ضرار بْن القعقاع، كان سيدا بالبصرة. وبسطام بْن ضرار القائل: أَنَا ابن بني زرارة من تميم ... ومن شَيْبَان فِي الحسب الجسيم وتزوج جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن علي أم عُمَر بِنْت النجم بْن بسطام، وكانت أم بسطام شيبانية. وكان نعيم بْن ضرار بْن القعقاع اعتزل الحرب التي كانت بين أهله

_ [1] سورة الحجرات- الآية: 1.

وبين بني عُبَيْد وقال: لا ينتهي نوكاكم قبل وقعة ... لها فِي وجوه الظالمين وشوم فيظعن بنت العز عنكم لجهلكم ... ويصبح بيت الذل وهو مقيم وقال بسطام بْن ضرار بْن القعقاع يعير نعيمًا وأخاه القعقاع بْن ضرار بقعودهما عَنْهُ: رأيتكما ابني بِنْت سعد بْن صامت ... لئيمين إذْ هز الثقاف قفاكما تقاعستما عني وقد حمس الوغي ... وأسلمتما عند الحفاظ أخاكما فإنكما لن تنفعا إن نصرتما ... وإن تخذلاني لا يُضِرْني رداكما وكان مِمَّنْ لم يحضر تلك الحرب يوم خو قَيْس بْن ضرار بْن القعقاع لأنه هرب إِلَى أخواله بالجزيرة فقال جرير: وترى القتال مع الكرام محرمًا ... وترى الزناء عليك غير حرام [1] ومات قَيْس بالجزيرة. وأما نعيم بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة فقتله بشر بْن مروان بْن الحكم بالكوفة أيام ولايته إياها، لأن حوشب بْن يزيد سعى إليه به، وقد ذكرنا خبره مع خبر بشر بْن مروان. وولد نعيم: الهلقام بْن نعيم بْن القعقاع قتله الحجاج لخروجه مع ابن الأشعث، ولما أتي به أسيرًا، قال: أخرجت مع هَذَا الحائك بن الحائك؟ فقال الهلقام: خرجت معه لأَلَيِ العراق كما وليته. فقال لحوشب بْن يزيد: قم فاضرب عنقه فقتله وقد ذكرناه فِي خبر ابن الأشعث فِي أيام عَبْد الملك بن مروان.

_ [1] ديوان جرير ص 438.

وأما الأهتم بْن القعقاع، فَلَه عقب بالبادية. وأما المجشر بْن القعقاع فكان ناسكًا، وكان له ابن يُقَالُ له سُلَيْمَان. وأما عوف بْن القعقاع بْن معبد فكان أتْيَهُ الناس، وأعظمهم نخوة وأجفاهم، قال له رَجُل: الطريق يا عَبْد اللَّه، فقال، لهدك [1] عَبْد اللَّه أَنَا إذا. فقال الحجاج: لو أدركته لتقربت إِلَى اللَّه بدمه، وكان مخضرمًا. ومن ولد عوف هَذَا: القباع بْن عوف وأمه أم النعمان قتله هبيرة بْن ضمضم بْن شريح بْن سِيدان بْن مرة بْن سُفْيَان بْن مجاشع، وذلك أن زياد بْن أَبِي سُفْيَان بعثه إِلَى بني القعقاع ليأخذهم لأنهم قتلوا حكيم بْن برق بقيس بْن عوف بْن القعقاع، وقتل قَيْس فِي حرب كَانَتْ بينهم وبين بني طهيَّة بالقرعاء [2] ، وحكيم بْن برق طهوي فخرج القباع إِلَى هبيرة بالسيف وهو يقول: أَنَا القباع وابن أم الغمر ... من كان لا يدري فَإِنِّي أدري هَلْ أَقبلنَّ إن قبلتُ ثأري وقتله ابن ضمضم فقال الفرزدق: لعمري وما عمري علي بهينِّ ... لبئس المدى أَجرى إليه ابن ضمضم غزا من أصول النخل حَتَّى إذا انتهى ... بكنهل [3] أدَّى رمحه شر مغنم

_ [1] لهده: أثقله، أو دفعه دفعة لذلة، أو ضربه، واللهد: انفراج يصيب الإبل في صدورها، وداء في أرجل الناس وأفخاذهم كالانفراج. القاموس. [2] القرعاء: منزل في طريق مكة من الكوفة بعد المغيثة وقبل واقصة إذا كنت متوجها إلى مكة. معجم البلدان. [3] كنهل: اسم ماء لبني تميم. معجم البلدان.

فكنت كذئب السوء لما رَأَى دمًا ... بصاحبه يومًا أحال على الدم [1] فدفع هبيرة ابنًا له صغيرًا إِلَى عوف بْن القباع فقتله بالقباع فقال الفرزدق: وضيع أمري الأقعسان فأصبحا ... على ندم والشر يندم جانبه [2] فليتكما يا بني سُفَيَّنة كنتما ... دمًا عند رجليها يسيل سبائبه [3] الأقعسان: هبيرة وأخوه الأقعس ابنا ضمضم وسُفَيَّنة أمهما. وليس للقباع عقب. وهلال بْن عوف بْن القعقاع كان من أعبد أَهْل زمانه وأطولهم صلاة وله عقب بالبصرة. وكان أُنيف بْن معبد بْن القعقاع فارًا فعرض على الحجاج، فقال الحجاج: هَذَا من أَهْل بيت جفاء. فقال: غيرنا والله أجفى منا. فلم يعاقبه الحجاج. وكان شهاب بْن القعقاع من نبلاء أصحابه، وكان قاعدًا ذات يوم على ركيَّة فتهدمت فسقط فيها وأخرج ميتًا فقال عوف بْن القعقاع: يا ليت فوقي يجذب الأسباب ... وعاش فِي أصحابه شهاب يعني الحبال التي دليت حَتَّى أخرج بها، يقول: ليتني الساقط في البئر.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 178. مع فوارق. [2] بهامش الأصل: خ- صاحبه. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 43- 44، وسبائبه: طرائقه.

خبر زرارة وبني تميم في يوم أوارة:

خبر زرارة وبني تميم فِي يوم أوارة: حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أَبِيهِ وخراش بْن إِسْمَاعِيل وغيرهما قَالُوا: كان عمرو بْن المنذر بْن امرئ القيس، وهو عمرو بْن هند بِنْت الْحَارِث بْن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار الكندي، وعمرو هُوَ مضرط الحجارة، وسمي بِذَلِك لهيبته وشراسته، عاقد طيئًا على ألّا يراعوا ولا يغزوا، وأن عمرًا غزا عَبْد القيس باليمامة لحدث أحدثوه، فرجع على غير ظفر بشيء، فمر بطيء فقال له زرارة بْن عُدُس بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم: أبيت اللعن، أصب من هَذَا الحي شيئًا، فقال: ويلك إن لهم عقدًا، قال: وإن كان. فلم يزل به حَتَّى أصاب نسوة وأذوادًا، فقال قَيْس بْن جروة الأجائي. تخب بصحراء الثوية ناقتي ... كعدوى رباع قد أَمَخَّتْ نواهقه [1] إِلَى ابن امرئ القيس بْن هند تزوره ... وأَخْلِقْ به ألا تُذَمَّ خلائقه فإنّ نساءً عين ما قيل باطل ... غنيمة سوء وسطهن مهارقه [2] فأقسمت لا أحتل إلا بصهوة ... حرام عليَّ رَمْلُهُ وشقائه [3] وإن لم يغير بعض ما قد صنعتم ... لأَنْتَحيَنْ للعظم [4] ذو أنت عارقه [5] فسمي عارقًا بهذا البيت فَلَمَّا بلغ عمرًا هَذَا الشعر غزا طيئًا، فأسر ناسًا منهم فاستوهبهم حاتم الطائي، فوهبهم له.

_ [1] النواهق: عظمان في الساق، والمراد إنها سمينة. [2] المهارق: الصحائف، وهو حرير يسقى صمغا، ويصقل ثم يكتب فيه. [3] الشقائق: قطع غلاظ بين جبال الرمل واحدتها شقيقة. [4] ذو بلغة طيّئ: الذي. [5] النقائض ج 3 ص 1081- 1082.

وَكَانَ المنذر بْن ماء السماء، وَهِيَ أمه من النمر بْن قاسط، وهو أَبُو عمرو مضرط الحجارة وضع ابنًا له يُقَالُ له مالك، ويقال أسعد، عند زرارة، وكان صغيرًا فَلَمَّا صار رجلًا، خرج ذات يوم يتصيد فأخفق، فمر بإبلٍ لسويد بْن ربيعة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم، وكانت عنده ابْنَة زرارة بْن عُدس، فأمر مالك، ويقال أسعد، ببكرة منها فنحرت وسويد نائم، فَلَمَّا انتبه شد على ابن المنذر فضربه بعصا على رأسه فقتله، وخرج هاربًا إِلَى مكة فحالف بني نوفل بْن عَبْد مناف بْن قصي، فَلَمَّا بلغ عمرو بْن المنذر قتل أَخِيهِ فاضت عيناه وبكى، وبلغ ذلك زرارة فهرب وركب عمرو فِي طلبه فلم يقدر عليه فأخذ امرأته وهي حبلى فقال: ما فعل زرارة الغادر الفاجر المنتن؟ فقالت: إن كان ما علمته لطيب العرق سمين المزق لا ينام ليلة يخاف، ولا يشبع ليلة يُضاف، فبقر بطنها وانصرف، فقال قوم لزرارة: ما أنت والله قتلت أخا عمرو بْن هند فَأْتِهِ فأصْدِقْهُ فَإِن الصدق نجاة، وهو نافع عنده فأتاه زرارة فاعتذر إليه وأخبره الخبر فأمره أن يجيء بسويد فقال: قد لحق بمكة. قال: فأحضرني ولده من ابنتك فأتاه بهم فأمر بأحدهم أن يقتل فجعل يتعلق بجده زرارة فقال زرارة: يا بعضي سَرِّح بعضًا فذهبت مثلًا. وقتلوا أجمعون، وآلى عمرو بْن هند بآليةٍ ليحرقن من بني دارم مائة رَجُل، فخرج يريدهم، وبعث على مقدمته عمرو بْن ثَعْلَبَة بْن مِلْقَط الطائي، فوجد القوم قد نذروا به، فأخذ منهم ثمانية وتسعين رجلا بأسفل أوارة من ناحية البحرين، ولحقه عمرو بْن هند فِي الناس حَتَّى انتهى إِلَى زرارة، فضربت له قبة، وأمر بأخدود فَخُدَّ لهم، وأضرمت النار حَتَّى إذا تلظت قذف بالثمانية والتسعين الرجل فيها فاحترقوا وأقبل راكب من

البراجم من بني كلفة بْن حنظلة، وقد رَأَى الدخان فأناخ بعيره وأقبل فاستطعم فقال عمرو بْن هند: مِمَّنْ أنت؟ قال: من البراجم. فقال عُمَرو: إن الشقي راكب البراجم فذهبت مثلًا، ورمى به فِي النار، فاحترق فهجت العرب بني تميم، وقال قائلهم: ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما يحبون الطعاما وأقام عمرو بْن هند ثلاثًا لا يرى أحدًا فَقِيل له: أَبَيْتَ اللَّعن، لو تحللت بامرأة منهم فقد أحرقت تسعة وتسعين، فدعا بامرأة من بني نهشل بْن دارم فقال لها إني لأظنك أعجمية فقالت: ما أَنَا بأعجمية. وإني لابنة ضمرة بْن جَابِر ... ساد معدًا كابرا عن كابر وإني لأخت ضمرة بْن ضمرة ... إذا البلاد لُفَّتْ بغمرة فقال: والله لولا مخافة أن تلدي مثلك لصرفت النار عنك. قَالَتْ: أما والذي أسأله أن يضع وسادك، ويخفض عمادك، ويصغر حصاتك، ويسلبك ملكك ما قتلت إلّا نسيًّا أعلاها ثدي وأسفلها حليّ، قال: فأمر بها فقذفت فِي النار، فقال ابن الصعق: وَفَتْ مائة من آل دارم عنوة ... ووفاهموها البرجمي المخيب وقال لقيط بْن زرارة يعير بني مالك بخدمتهم الملك وإحراقه إياهم: فأبلغ لديك بني مالك ... مغلغلة وسراة الرباب فَإِن امرأ أنتم حوله ... يحفون قبته فِي القباب

سائر بني زرارة

يهين سراتكم عامدًا ... ويقتلكم مثل قتل الكلاب فلو كنتم إبلًا أملحت ... لقد نزعت للمياه العذاب ولكنكم غنم تسترى [1] ... ويترك سائرها للذئاب [2] وقال الأعشى: من مبلغ عمرا فإنّ الم ... رء لم يخلق صبارة وحوادث الأيام لا يبق ... ى لها إلا الحجارة ها إن عجرة أم ... هـ بالسفح أسفل من أواره فاقتل زرارة لا أرى ... في القوم أوفى من زرارة [3] [سائر بني زرارة] ومن بني عَبْد اللَّه بْن دارم ثُمَّ من بني مُعَاوِيَة بْن عَبْد اللَّه: أسماء بْن سُمَيّر، قتله عمرو بْن هند يوم أوارة، ولهم بقية. ومن بني ذؤيب بْن عَبْد اللَّه: ربيعة بْن ذؤيب، وكان ذا رَأَى، وهو الَّذِي بعثه حاجب بفدائه إِلَى مالك ذي الرقيبة القشيري، وهو ألف بعير فرد مالك على ربيعة منها ثلاثمائة. ولغثة، وأمية ابني عَبْد اللَّه بْن دارم بقية، ولوهب بقية أيضًا. وقال أَبُو اليقظان: ولد زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن دارم: عَبْد اللَّه بْن زَيْد، فصار ولد عَبْد اللَّه بْن زَيْد بهجر، وقدموا البصرة فكانوا فيهم، ثُمَّ جاء صعب بْن نهشل أحد بني عَبْد اللَّه بْن دارم فِي أيام مروان بْن مُحَمَّد الجعدي بكتابه إِلَى سلم بْن قُتَيْبَة أن يلحقهم ببني عَبْد اللَّه بن دارم، فقال رؤبة بن

_ [1] استريتهم: اخترتهم. القاموس. [2] النقائض ج 2 ص 1081- 1087 [3] انظر ديوان الأعشى ص 75- 79.

العجاج: أشهد بالله العزيز العالم ... ما جاء صعب بحديث آثم فالحقن دارمًا بدارم [1] وقال شاعرهم: فَمَا هجر أمُّ علمت ولا أبٌ ... فانسب إلا للكريم ابن دارم فلحقوا به فهم فيهم. ومن بني زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن دارم: خُليد عَينين، كان ينزل أرضًا يُقَالُ لها عَينان، وهو القائل: أيها المُوقِدان شبا سناها ... إن للضيف طارفي وتلادي واسعراها حَتَّى أرى فِي سناها ... ناهضًا باديًا كصفر الجراد وعرض خليد عينين لما قال جرير للصلتان العبدي: أقول ولم أملك أمال ابن حنظل ... مَتَى كان حكم اللَّه فِي كرب [2] النخل [3] فقال خليد: أي نَبِيَّ كان من غير قرية ... وما الحكم يا بن اللؤم إلا مع الرسل فقال الشاعر: ذَرَنَّ الفخر يا بن أبي خليد ... وأد خراج رأسك كل عام لقد علقت يمينك رأس ثور ... وما علقت يمينك من لجام وقال جرير أيضا:

_ [1] لم ترد هذه الأبيات في ديوان رؤبة المطبوع. [2] الكرب: اصول السعف الغلاظ العراض. القاموس. [3] ليس في ديوان جرير المطبوع.

كم عمة لك يا خليد وخالةٍ ... خُضْرٌ نواجذها من الكراث نشأت بمنبته فطاب لشمها ... ونأت عن القيصوم والجثجاث [1] فلم يجبه خليد فسقط. ومنهم قراد بْن حنيفة بْن عَبْد مناة بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه كان شاعرًا، وهو الَّذِي خرج مع لقيط بْن زرارة حين توجه إِلَى قَيْس بْن مَسْعُود لخطبة ابنته، وقد كتبنا خبره وفيه يقول لقيط: أُنظر قُراد بنفسي أنت معترضًا ... عرض الشقائق هَلْ عاينت أظعانا وهو قراد مية بِنْت زَيْد امْرَأَة من رهطه، كَانَتْ عند حاجب بْن زرارة، فقال لحاجب: طلقها فَإِنِّي رَأَيْت منها شيئًا لا أحب معه أن تكون عندك فطلقها حاجب فتزوجها قراد، وأنشأ يقول: وطلق حاجب فِي غَيْر شيءٍ ... حليلته لينكحها قراد فأصبح زوجها قد كان منها ... مكان السيف من جفن الغماد وقال قراد أيضًا: تمنى حاجب وأخوه عمرو ... لقائي بالمغيب ليقتلاني وما أجرمت شيئًا غير أني ... وصلت حبال مُكملة حصان يخوفنيكما عمرو بْن قَيْس ... كأني من طهيَّة أو أبان فلو لم يخش غيركما عدوًا ... لأصبح آمنا صعب المكان وقال قراد أيضا:

_ [1] ليسا في ديوان جرير المطبوع، والجثجاث: كالقيصوم لطيب رائحته، وهو نبات سهلي ربيعي، وقيل هو يشبه الشجر أخضر ينبت بالقيظ له زهرة صفراء. معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس.

ألا تنهى عباية أو عُليم ... بني الطُوبان عن ظلم الصديق هُمُ نذروا دمي من غير جرمٍ ... ولم يرعوا مراقبة الرفيق إذا ما نطفة في قعر حوض ... فلا إلى هاب من الشقيق عباية وعُليم من بني عمرو بْن عمرو بْن عُدُس. والطُوبان من بني مرة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم أم بني عمرو بْن عمرو. وقوله: إذا ما نطفة يعني الماء، إنهم لا يسقونه شقيقًا، ولا أحدًا، وهم يعابون بِذَلِك فقتله حاجب بْن زرارة لما ركبه به فِي امرأته، فتحالفت عند ذلك قبائل عَبْد اللَّه: مُرَّة، ومالك، وحارثة، ومعاوية، وحِقّ وجَناب وقُثَّة، ووهب، وأمية على بني عُدُس بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه، فقالوا لحاجب: أرضهم من حقهم وأعطهم رجلًا يقتلونه بقُراد، فدفع إليهم امرئ القيس بْن أَبِي الْحَارِث بْن زرارة فقال حنيفة أبو قراد: هَذَا والله القريب الرحم، القليل الجرم، وخلى سبيله. ومن بني مالك بْن زيد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم: عُبيد اللَّه بْن مضارب بْن حَيّان وكان لسنًا عالمًا، وكان فِي حرب عدي بْن أرطاة الفزاري على بعض بني تميم وَفِي ذلك يقول قدامة بْن عَبْد الرَّحْمَن الهلالي: لقد كثرت عهود الناس حَتَّى ... تخوفنا من الحدث العظيم وعبد اللَّه والي أمر بَكْر ... وأنت ولي عهد بني تميم عَبْد اللَّه بْن كليب السدوسي على بَكْر بْن وائل. وقال المِرْقال، وهو زياد، مَوْلَى لبني عمرو بْن عمرو، وكان مكاتبًا، وكان أتى ابن مضارب فسأله فلم يعطه، وأتى الفرزدق فأعطاه جملا: إن تجف عني يا بن حيان يَكْفني ... وإياك حمال المئين ابن غالب

فتى كان خيرًا من أبيك عُصارة ... إذا عصر العيدان يا بن مضارب دَفُوعٌ عن الأحساب معترف له ... حقون دم المولى بحمل الرغائب حباني لما جئت والمرء راجل ... بأصهب وجاف أمام الركائب ومنهم خَالِد بْن علقمة الشاعر الَّذِي يُقَالُ له الطيتان، وهي أمه طائية. ومن بني مرة: زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن دارم. وعروة بْن شراحيل، كان شاعرًا وهو القائل: على باب مسروح تبغون حاجبًا ... كما يبتغي الرعيان تالية الغنم مسروح عبدٌ كان لحاجب يقيم قراه لمن ضافه، وهجا القعقاع بْن معبد فقال: تَخَلَّجُ كالمجنون أَوْ بِكَ عرة ... كأنك قد قبضتني فِي شمالكا وكاين ترى من طاعم لا تعوله ... ومن ذي غنًى ما ناله فضل مالكا وَإِنَّكَ لو أحببتني ما نفعتني ... ولو رمت ضرّي ما اتسعت لذلكا ومن بني حِقّ بْن زَيْد، وكان حق يلقب البضَّاع، فارس مَشول، ولم يكن بالنبيه، وابنته أم شَيْبَان بْن علقمة بْن زرارة بْن عدس، وبقيتهم قليلة. ومن بني حارثة بْن زَيْد: مرثد أَبُو المأموم بْن غوَّية قتله مرداس بْن حيان، رَجُل من بني مُعَاوِيَة بْن عَبْد اللَّه بْن دارم، فأخذوا الدية، فقال رَجُل يهجو ابنيه: بني مرثد إنّ الَّذِي تشربونه ... دم غير أن اللون ليس بأحمرا

ومن بني ربيعة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم: سُوَيْد بْن زَيْد بْن ربيعة، ويقال سُوَيْد بْن قَيْس بْن ربيعة، وسويد هُوَ الَّذِي ضرب رأس مالك بْن المنذر بن ماء السماء، وهو أخو عمرو بْن هند فأمَّه، فآلى عمرو بْن هند أخوه ليحرقنّ منهم مائة فلحق بمكة، وحالف بني نوفل بْن عَبْد مناف وقد ذكرنا خبره. ومن ولده: أَبُو إهاب بْن عزيز بْن قَيْس بْن سُوَيْد بْن ربيعة، كان فيمن سرق غزال الكعبة، وله يقول حسان بْن ثابت: أَبَا إهاب فبيِّن لي حديثكم ... أَيْنَ الغزال عليه الدر من ذهب [1] وقد كتبنا خبر الغزال فِي حديث أَبِي لهب بن عبد الملطلب بْن هاشم، وآل أَبِي إهاب بمكة إِلَى اليوم، وكان أَبُو إهاب دس للفتك بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلقيه طليب بْن عمير فضربه بِلَحْي جمل فشجه. وأما عُدُس بْن زَيْد فقتله بنو ثمالة من الأزد. وقال أَبُو اليقظان: وكان شراحيل بْن عُدُس شريفًا، وَفِي ولده صلاح وبقية حسنة. منهم وضاح بْن خيثمة بْن يزيد بْن عاصم بْن خيثمة بْن شراحيل، وكان يزيد بْن عاصم مِمَّنْ شهد فتح الأبلة، وكانت من ولد شراحيل امْرَأَة يُقَالُ لها زُنَيْمة أَخَذَ مروان ابنها فحبسه فِي تهمة دم فقالت: تطاول هَذَا الليل من خشية الردي ... على ضيف مروان الَّذِي فِي الحدائد تَبيَّنْ هداك اللَّه أن محمدًا ... أبى أن يُقِيد الناس إلا بشاهد وقال أَبُو اليقظان: ولد عمرو بن عدس: عمرو بن عمرو، واسمه

_ [1] الشطر الأول في ديوان حسان ج 1 ص 135، 370: «سائل بني الحارث المزري بمعشره» .

طارق، وإنما سمي باسم أَبِيهِ بعد موته لشبهه به، وكان عمرو أبرص أبخر، فيقال لولده أفواه الكلاب. وكان لزرارة موضع من كسرى ووهب له جارية اسمها المذبَّة، فولدت له. قال هشام الكلبي: ومن ولد عَبْد اللَّه بْن دارم: عروة بْن شراحيل بْن مرة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم، كان شاعرًا شريفًا. ومن بني عمرو بن عدس: هلال بْن وكيع بْن بشر بْن عَمْرو بن عمرو بن عدس، قتل يوم الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها. وعلقمة بن يعسوب بن عباية بن بشر بن عمرو بن عدس وكان شريفا. ومن بني خزيمة بْن زرارة: الطود بْن عبيد بن خزيمة بن زرارة بن عدس كان شريفًا. ومن بني مالك بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه: قُراد بْن حنيفة بْن عَبْد مناة بْن مالك بْن زَيْد، وهو خال حاجب، وقتله حاجب لأنه كان يشبب بامرأته، وله يقول لقيط: انظر قراد وهاتي نظرة جزعا ... عرض الشقائق هَلْ بَيَّنْتَ أظعانا ومن بني عَبْد اللَّه: الحصين بْن عَبْد اللَّه بْن أَنَس بْن أمية بْن عَبْد اللَّه بْن دارم، وهو حليف لبني مخزوم بمكة. ومنهم المنذر بن ساوى من بني عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم صاحب هجر، كتب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه يدعوه إِلَى الْإِسْلَام، وكان على العرب من قبل الفرس، وكان يُقَالُ إن عَبْد اللَّه هُوَ الأسبذي. والأسبذ قرية

بهجر كانوا ينزلون بها فنسب إليها، ويقال كان من الأسبذين قوم كانوا يعبدون الخيل. ومن بني عمرو بْن عمرو بْن عُدُس: سماعة بْن عمرو بْن عمرو بْن عدس، كَانَتْ أمه عبسية فقتلت عبس أَبَاهُ، فقتل به منهم خاله فذلك قول مسكين بْن عامر الدارمي: وقاتل خاله بأبيه مِنَّا ... سماعة لم يبع حسبا بماله كانوا عرضوا عليه الدية فلم يقبلها. ومنهم مسكين بْن عامر بْن أنيف بْن شريح بْن عمرو بْن عمرو بْن عدس الشاعر الَّذِي قال: ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي ينزل القدر ما ضر جارًا لي أجاروه ... ألا يكون لبابه ستر [1] وكانت امرأته تُماظَّة فقالت له: صدقت إن نارك ونار جارك واحدة لأن النار له وإليه ينزل قدره، فَإِن تفضل عليك أطعمك، وأما قولك: ما ضر جارًا لي أجاوره ... ألا يكون لبابه ستر فلو كان لبابه ستر لم ينفعه لأنك تهتكه. وقال أَبُو اليقظان: كان يُقَالُ لربعي بْن عمرو بْن عمرو مُلاعب الأسنَّة. قال: وحنظلة بْن بشر بْن عمرو بْن عمرو أسر الحوفزان وجز ناصيته وخلى عَنْهُ بلا فداء [2] .

_ [1] شعر مسكين الدارمي ص 45. [2] بهامش الأصل: بلغت المعارضة بالأصل الثالث، ولله الحمد.

نسب بني مجاشع بن دارم

نسب بني مجاشع بْن دارم وولد مجاشع بْن دارم: سُفْيَان بْن مجاشع. والأبيض بْن مجاشع. وعامر بْن مجاشع. وشيطان بْن مجاشع درج. والحشر بْن مجاشع درج. والخيبري درج، وأمهُمْ شَراف بِنْت بَهْدلة بْن عوف بْن كعب بْن سعد. ويقال هي شراف. وثعلبة بْن مجاشع. والقداح بْن مجاشع. وذريح بْن مجاشع. ونعمان بْن مجاشع. وحرام بْن مجاشع. ومجاشع بْن مجاشع. وعبد اللَّه بْن مجاشع، وأمهم ابْنَة أحمر بْن بهدلة واسمها الشُريفاء. والجوّال بْن مجاشع. قَالُوا: وكان مجاشع بْن دارم بذيئًا، وكان له لسان فقعد ونهشل عند ملك من الملوك فجعل الملك يقبل على نهشل ولا يجد عنده كلامًا، فَلَمَّا خرجا من عنده جعل مجاشع يعلم نهشلًا الكلام فقال نهشل: إني والله ما أستطيع تكذابك، وتأثامك شولان البروق، يعني الناقة التي ضربها الفحل. فَمَنْ بني مجاشع: الأقرع بْن حابس [1] بْن غفال بْن مُحَمَّد بْن [سُفْيَان بن مجاشع]

_ [1] بهامش الأصل: الأقرع بن حابس رحمه الله.

سُفْيَان بْن مجاشع، واسم الأقرع فراس، وكان في رأسه قرع، وكان حصين بْن القعقاع قال: ما فِي الأرض رَجُل له شرف ولأبيه إلا وأبوه أشرف منه فقال الأقرع: بل أنت أشرف من أبيك. قال: كذبت بل أَبِي أشرف منك ومن أبيك ومني، فغلبه القعقاع. وبلغ الخبر الحصين بْن القعقاع فجاء وهما فِي مجلسهما عند أمير اليمامة فرجز بالأقرع فقال: يا أقرع بْن حابس قم فاستمع ... ذا الشعرات الزعر والرأس القرع وكان الأقرع من فرسان بني تميم فِي الجاهلية، فأسره عِمْرَانَ بْن مرة الشيباني يوم سلمان، وكان الأقرع على البراجم يومئذ، فقال جرير يهجو بني مجاشع: ويلكم يا قضبان الجوفان ... بئس الحماة يوم بطن سلمان يوم يحوي أقرعيكم عِمْرَانَ [1] الأقرع ورجل آخر من بني تميم، أو مرثد أخو الأقرع ففدى نفسه ورجع إِلَى قومه يسألهم فِي فدائه، فقبح الحصين بْن القعقاع فعله، وقال وهو يطلب بسبب فدائه ما يجمعه لنفسه فقال: إذا تسأل القوم سؤالا كالضرع ... جمعًا لما عزمت حَتَّى يجتمع وكان الأقرع أعرج فقال الحصين: إنك يا أقيرع القذال ... وأعرج الرجل عن الشمال تأبي وأدعوك إِلَى الفضال ... حيث يقيس المرء غير آل مضارب الأعمام والأخوال يقول إلى المفاضلة أينا أفضل.

_ [1] ديوان جرير ص 479 مع فوارق كبيرة.

قال: وتحاكم إِلَى الأقرع فِي الجاهلية جرير بْن عَبْد اللَّه البجلي والفُرافصة بْن الأحوص الكلبي، فجاء شاعر بجيلة وهو عُمَر بْن الخثارم فجعل يحضض الأقرع، وينتمي إِلَى نزار فقال: يا أقرع بْن حابس يا أقرع ... إنك إن تَصْرَعْ أخاك تُصرع وقال أيضًا: يا بني نزارٍ أنصرا أَخاكما ... إنَّ أَبِي وَجَدْتُه أباكما لن يُغلبَ اليوم أخٌ والاكما فحكم الأقرع أن بجيلة أبوهم أنمار بْن نزار بْن معد، وإن قضاعة بْن معد، وأن نزار أشرف من قضاعة، وأن أخسَّ بني نزار أشرف من أفضل قضاعة. ولما أسلم الأقرع ولاه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض صدقات بني حنظلة، وكان الأقرع فِي وفد بني تميم، فقال له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لقد أبطأ قومك عن الْإِسْلَام» .] فقال: يا رسول اللَّه ما أبطأ قوم عندك منهم ألف رَجُل. يعني مزينة، فقال له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كيف علمك بقومك» ؟ قال: أَنَا بهم جدُّ عالم: كنانة كاهلها التي تنوء به، وقريش مصابيحها التي تبصر بها وأبصارها التي تنظر بها، وتميم هامتها العظمى، وأسد لسانها الَّذِي تنطق به، وقيس فرسانها وأسنتها التي تطعن بها. وشهد مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض غزواته فأعطاه مائة من الإبل مع المؤلفة قلوبهم، فقال الشاعر- عَبَّاس بْن مرداس [1] :

_ [1] انظر أخباره وشعره في الأغاني ج 14 ص 302- 320.

ومنهم ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع،

أتجعل نهبي ونهب العبيد [1] ... بين عيينة والأقرع وقال أَبُو اليقظان: استعمل عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز الأقرع على بعض خراسان، فسار إِلَى الجوزجان فِي الجيش، فأصيب بعض الجيش فقال ابن الغريزة النهشلي: سقى صوب السحاب إذا استهلت ... مصارع فتية بالجوزجان إِلَى القصرين مع رُستاق خوت ... أقادهم هناك الأقرعان الأقرع وأخوه مرثد ابنا حابس ولهما عقب بخراسان. وكان الأقرع من حكام العرب فِي الجاهلية. وقال المدائني: وجه الأحنف بْن قَيْس الأقرع بْن حابس فِي خيل وقال: يا بني تميم تعاونوا وتباذلوا تعتدل أموركم، وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم، فسار فلقي العدو بالجوزجان فكانت فِي المسلمين جولة، ثُمَّ كروا فهزموا الكفرة، وفتحوا الجوزجان عنوة، فقال ابن الغريزة النهشلي، وهو كثير بْن عَبْد اللَّه يذكر من استشهد من بني تميم: سقى صَوْبَ السحاب إذا استهلت ... مصارع فتية بالجوزجان إِلَى القصرين من رستاق خوتٍ ... أبادهُمُ هناك الأقرعان حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبٌ، ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «ذَلِكُمُ اللَّهُ» .] ومنهم ناجية بْن عقال بْن محمد بْن سُفْيَان بْن مجاشع، كان ذا رأي،

_ [1] كتب فوقها بالهامش: اسم فرسه.

وكان صعصعة بن ناجية [2]

وكان من رجال بني تميم فِي الجاهلية، قال الفرزدق: وناجية الَّذِي كَانَتْ تميم ... تعيش برأيه أنَّى أشارا [1] ومنهم عِقال بْن شبه بْن عقال بْن صعصعة بْن ناجية الخطيب فِي أيام هشام بْن عَبْد الملك، وعاش إِلَى زمن أمير المؤمنين أَبِي جَعْفَر المنصور، وهو القائل وتكلم عند سليمان بْن علي بالبصرة: ألا ليت أم الجهم فِي حَيْرةٍ لما ... ترى حيث قمنا بالعراق مقامي عشية بذ الناس جهري ومنطقي ... وَبَذَّ كلام الناطقين كلامي وولده خطباء. وكان صعصعة بْن ناجية [2] وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، وهو الَّذِي منع الوئيدة، وكان من خبره أنه أضل ناقتين له، فخرج فِي طلبهما ليلًا، ورفعت له نار فقصدها فجعلت كأنها تبعد عَنْهُ كلما سار، فقال: لئن بلغتها الليلة لا يسألني أحد تنفيس كربة إلّا سارعت إليها. فسار حَتَّى بلغها فوجد عندها صرمًا، وَإِذَا رَجُل من بني الهجيم بْن عمرو بْن تميم فوقف عنده فسلم فقال: من أنت؟ قال: صعصعة بْن ناجية بْن عِقال. قال: مرحبًا بسيدنا وابن سيدنا، انزل ما حاجتك؟ قال: أضللت ناقتين لي مذ الليلة، قال: هما تانك. قال: فَمَا بالي أسمع ضجيج النساء وأرى نارك مذ الليلة لا تطفأ. قال: عندهنّ ما خض لنا تريد أن تضع، قال: فبينا هُوَ كذلك إذ قلن قد جاء قد جاء، يعنين الولد. فصاح بهن الشَّيْخ فقال: والله لئن كان غلامًا فَمَا أدري ما أصنع، وإن كَانَتْ جارية فلا أسمع لها صوتًا ادققن عنقها

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 356. [2] بهامش الأصل: صعصعة بن ناجية رحمه الله.

وادسسنها فِي التراب، فقال صعصعة: ولم تفعل ذلك وتقتل بنتًا رزقها على اللَّه؟ فقال الشَّيْخ: إني أراك بها حفيًا اشترها مني فاشتراها منه باللَّقُوحَين فقال: لا، زدني. فزاده جمله الَّذِي تحته واستعاره منه فبلغ أهله، ثُمَّ دفعه إليه فجاء الْإِسْلَام وقد أحيا صعصعة مائة جارية ومنع أن يُوءَدْنَ وابتاعهن، وَفِي ذلك يقول الفرزدق: ومنا الَّذِي منع الوائدات ... وأحياء الوئيد فلم يوئد [1] وكان سُفْيَان بْن مجاشع أتى الشام فسمع راهبًا يذكر أنه يكون من العرب نَبِيَّ يسمى محمدًا، فسمى ابنه محمدًا طمعًا فِي أن يكون النَّبِيّ. وذكروا أن صعصعة أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأ عليه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا فَلَمَّا انتهى إِلَى قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يره [2] قال صعصعة: حسبي إنّا لنثاب على مثقال ذرة من خير، ونكافأ على مثقال ذرة من شر، فقال لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أَبَرُّ؟ قال: «أمك. قال: ثُمَّ من؟ قال أباك. قال: ثُمَّ من؟ قال: أخاك. قال: ثُمَّ من؟ قال: أدانيك أدانيك» . وكان شَبَّةُ بْن عقال بْن صعصعة يدعى ظل النعامة لطوله، وفيه يقول جرير: فضح المنابر حين ألقى قائما ... ظل النعامة شبّة بن عقال [3]

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 173. [2] سورة الزلزلة- الآيات: 1- 8. [3] ديوان جرير ص 378 مع فوارق.

ومن ولده: يزيد بْن عقال بْن شبة بْن عقال، وولي أذربيجان وغيرها. وكان لصعصعة بْن ناجية عُبَيْد قيون منهم: وقبان، وجبير، وديسم، فبذلك جعل جرير مجاشعًا قيونًا فقال: فكيرك أصلح يا بن قين مجاشع ... ودع عنك أسباب العُلى والمكارم [1] وقال أيضًا: تصف السيوف وغيركم يعصى بها ... يا بن القيون وذاك فعل الصيقل [2] وقال ينسب غالبًا أَبَا الفرزدق إِلَى جُبَيْر: وجدنا جبيرًا أَبَا غالب ... بعيد القرابة من معبد [3] وقال ينسبهم إِلَى بني وَقَبان: أبلغ بني وقبان أن حلومهم ... خَفَّتْ فَمَا يربون حبة خردل [4] فولد صعصعة: غالبًا أمه ليلى بِنْت حابس. وحُرَيثًا، وذُهَيلًا. وهَمّامًا، وبه سمي الفرزدق. وَعَقيلًا. وعامرًا. وحنظلة. فأما غالب فكان يكنى أَبَا خطل، وكان سيدًا ببادية تميم، واجتمع ثلاثة نفر من كلب فاختاروا نفرًا من سادات العرب: غالبًا. وطلبة بْن قَيْس بْن عاصم، وعمير بْن السليل فجعلوا لا يأتون رجلًا منهم فيسألونه إلا سألهم عن نسبهم فينصرفون عَنْهُ حَتَّى أتوا غالبًا فأعطاهم ولم يسألهم، ولم يقبلوا منه شيئًا وقالوا: إنما امتحناك وغيرك فوجدناك أفضلهم فقال

_ [1] ديوان جرير ص 460 مع فوارق واضحة. [2] ديوان جرير ص 359. [3] ديوان جرير ص 102. وجاء بهامش الأصل: يعني معبد بن زرارة. [4] ديوان جرير ص 359.

الفرزدق: وإذ نحبت كلبٌ عن الناس أيهم ... أحق بتاج الماجد المتكرم على نفر هُمْ من نزار ذؤابة ... وأهل الجراثيم التي لم تُهَدَّم فلم يَجْلُ عن أحسابهم غير غالب ... جرى بعناني كل أبلج خضرم [1] وكان غالب أتى علي بْن أَبِي طَالِب عليه السلام والفرزدق معه، فقال له علي: من هَذَا معك؟ قال: ابني وهو شاعر. فقال: [علمه القرآن فإنه خير له من الشعر.] ومات غالب فدفن بكاظمة فاستجار بقبره قوم فِي حمالة، فاحتملها الفرزدق وقال: فلله عينًا من رَأَى مثل غالب ... قَرَى مائة ضيفًا ولم يتكلم [2] واستجار بقبره مكاتب لبني منقر فقال: بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما ... خشيتُ الردى أو أن أُرَدَّ على قَسْر بقبر امرئ تقري المئين عظامه ... ولم أر إلا غالبًا ميتًا يقري فقال لي استقدم أَمَامَك إنما ... شكاكك أنْ تلقى الفرزدق بالمصر فسأل الفرزدق فأعطاه جملًا. وكان ولد غالب أَبِي الفرزدق: الأخطل، والفرزدق وجعثن، أمهم لينة بِنْت قرظة الضَّبِّيّ. فأما الأخطل فكان أكبر من الفرزدق، وكان من وجوه قومه، وكان مُحَمَّد بْن الأخطل توجه مع عمه الفرزدق إِلَى الشام فمات فقال الفرزدق: سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة ... إليّ ولكن كي ليسقاه هامها فبتُّ أقاسي ليل أقرب من مشي ... أبوه ابن أمي غاب عني نيامها

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 199- 200. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 199.

وأما الفرزدق [2] فاسمه همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال،

أَلَمْ ترنا رحنا ورحل مُحَمَّد ... خلاء بمذعان مُطَوَّى زمامها وكان إذا أرض أتاها تزينت ... لرؤيته صحراؤها وأكامها فَمَا من فتى كُنَّا نبيع محمدًا ... به إنْ أمور الناس غَالَتْ جسامها [1] وكانت العَليَّة بِنْت الأخطل عند لبطة بْن الفرزدق، فَلَمَّا مات الفرزدق عمها أقامت على قبره سبعة أيام تنحر فِي كل يوم جزورًا. وأما الفرزدق [2] فاسمه هَمَّام بْن غالب بْن صعصعة بْن ناجية بْن عقال، وكان قصيرًا غليظًا فشُبِّه بالفرزدقة وهي الجردقة التي تدق ويشربها النساء، ويكنى أَبَا فراس، وكان سبب قوله الشعر أن الأشهب بْن ربيلة النهشلي كان يهجو غالبًا أَبَاهُ، فكان غالب يطلب مصالحته فيأباها، وكان الفرزدق يقول: لربما بكيت من الجزع لأن يهجو الأشهب أبي وقومي فأريد إجابته فلا يتأتى لي الشعر، فقلت أبياتًا فأنشدتها أَبِي فقال: ائت فلانًا فأنشده، فأنشدته فقال: قل يا بني على هَذَا، ثُمَّ لقي أَبِي فقال: يا أَبَا الأخطل إن عاش ابنك كان أشعر العرب، وما هُوَ إلا شيء أعنت به على الأشهب لبغيه عليك. وجعل الفرزدق يهجو الأشهب، فَلَمَّا أعيا الأشهب، طلب الأشهب الصلح بعد أن كان يُعرض عليه فيأباه فتهدد زَباب بْن رُميلة وأبوه ثور الفرزدق بالقتل، فهرب إِلَى الشام، وإنَّ زبابًا نزل على غدير له فجاءه رَجُل من بني مناف بْن دارم فخاض غديره فضرب زباب عنق بعيره فنفض بالشيخ فسقط أو كاد يسقط، فجاء قوم من بني دارم لينصروا الشيخ، فقاتلهم

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 190- 194 مع فوارق كبيرة. [2] بهامش الأصل: الفرزدق الشاعر.

زباب فضرب أَبَا البدال بشير بْن صبيح وقال: قلت له تعسًا أَبَا البدال ... تَعَلَّمَنْ والله ما أبالي ألَّا تؤوب آخر الليالي فلم يزالوا حَتَّى دُفع إليهم زباب فأوثقوه حَتَّى مات، فَلَمَّا قتل زباب قدم الفرزدق، فقال الأشهب بْن رميلة: لقد أخزاك فِي بَدَوَاتِ سعد ... وَفِي قَيْس فرارك من زباب وخرج الأشهب إلى مروان بن الحكم فشكا قتل أخيه فقال: قتل بلا ثبت ولا حق، فوهب له خمسين بعيرا فقال الفرزدق: ارفق بنفسك يا محرر مالك ... واذكر مقام أخيك يوم الأول مروان يعلم إذ يسن دياتكم ... خمسين أن دياتكم لم تكمل [1] وكان الأشهب شاعر تميم حَتَّى علاه الفرزدق. وكان ولد الفرزدق: لبطة، وسبطة. وخبطة. وركضة. وزمعة. وكان زمعة شاعرًا وهو القائل: إني أَنَا ابن غالب بْن صعصعة ... آوي إِلَى رواسخ ممنعة وكان الفرزدق يقول: سميت باسم همام بْن صعصعة. وهمام الَّذِي يقول أو ابنه إهاب بْن همام: لعمرو أبيك فلا تكذبي ... لَقَدْ ذهب الخير إلا قليلا لئن فتن النَّاس فِي دينهم ... وخلَّى ابْن عَفَّان شرًا طويلا وقال ابن الكلبي: هُوَ لإهاب بْن همام أو لابن الغريزة النهشلي. قَالُوا: وخرج ركب من بني نهشل ومن بني مرة بن فقيم وأم فقيم

_ [1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.

ونهشل واحدة يريدون البصرة، فمروا بثمد القبينات [1] وغالب أَبُو الفرزدق جالس فأرادوا أن يشربوا فقال لهم غالب: الماء بين أيديكم وهذا ماء قليل فأبوا فمنعهم فأوثقوه وشربوا وبردوا، وبلغ الخبر الفرزدق فتبعهم فِي جماعة فشقَّت أسقية القوم وأداويهم فقال الفرزدق: لعمرو أبيك الخير ما رغم نهشل ... عليّ ولا حرادتها بكبير وقد علمتْ يوم القبينات نهشل ... وحراداتها أن قَدْ مُنُوا بعسير فكم شق من نحي هناك وقربة ... وأجرد ضخم الخصيتين عقير [2] قَالُوا وكانت جَعْثَن بِنْت غالب، أخت الفرزدق، امْرَأَة صالحة، وكان الفرزدق نزل فِي بني منقر، والحي خلوف، فقامت عجوز منهم توقظ ابنتها فإذا أسود سالخ ممتد معها فاستغاثت بالفرزدق فحثا على الأسود التراب حَتَّى انساب، وغمز الفرزدق الجارية، وقبلها فانتهرته وأمها فقال: وملتفَّةُ الساقين مرتجَّة السلا ... لهوت بها فبات تحتي فريقها وأهْوَنُ عيب المنقرية أنها ... شديد ببطن الحنظلي لصُوقها [3] فأرسل بنو منقر رجلًا منهم يُقَالُ له عمرو بْن مرة، ويقال عِمْرَانَ، وأمروه أن يعرض لجعثن أخت الفرزدق، فخرج حَتَّى أتى منازل آل غالب فلم يزل يُراصد الحرة حَتَّى خرجت لحاجتها وعليها سواد من الليل، فغمز وركها ووضع يده على ساقها وجرها، فصاحت وخرجت الرجال تطلبه، ومرَّ يَمْزَعُ كمزع الظبي، وقال ابن محكان الربيعي يرد على الفرزدق:

_ [1] الثمد: الماء القليل، وفي معجم البلدان: القبيبات لا القبينات، وكذلك في ديوان الفرزدق «القبييات» . [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 204 مع فوارق وبدون البيت الأخير. [3] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع. وعجز البيت الأول مختل الوزن.

لعمرك إن الجعثن ابْنَة غالب ... لكالراح مشغوف بها من يذوقها وقال جرير بْن عطية: يقول المنقري وابركوها ... رخيصٌ مَهْرُ جعثن غير غال تقول قتلتني ويقول موتي ... وإنْ رغم الفرزدق لا أُبالي فقد واقعتُ منها وهي تحتي ... عظام البؤس واسعة المبال [1] وكان جرير هاجى البعيث المجاشعي فاعترضه الفرزدق دون البعيث فهاجاه وقال: فقلتُ أَظَنَّ ابن الخبيثة أنني ... شغلت عن الرامي الكنانة بالنبل فإن يك قيدي كان نذرًا نذرته ... فمالي عن أحساب قومي من شغل [2] وكان الفرزدق قيد نفسه، ونذر ألا يحل قيده حَتَّى يجمع القرآن ويحفظه، وأما رامي الكنانة فهو رَجُل من بني أسد كان فِي نفسه شيء على رَجُل من قَيْس فنصب كنانته، ودعاه إلى أن يرميا الكنانة منتضلين فِي سبق بينهما، فاغتره الأسدي فرماه فقتله فضربه الفرزدق مثلًا، يقول: إنما أردتني لا البعيث كما أراد ذلك الرجل صاحبه لا الكنانة. وحدثني أَبُو الْحَسَن المدائني قال: أنشد رَجُل الفرزدق شعرًا فقال: لمن هَذَا الشعر؟ قال: لأمي، فضحك، ثُمَّ قال: كان يُقَالُ إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبح. قال: وقال الفرزدق لرجل: أتعرفني؟ قال: لا. قال: أما تعرف أَبَا فراس؟ قال: ومن أَبُو فراس؟ قال: الفرزدق. قال: لا أعرف

_ [1] ليسوا في ديوان جرير المطبوع. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 153.

الفرزدق إلا قرصة تجففها النساء ثُمَّ تدق ويشربنها. قال: فضحك وقال: الحمد لله الَّذِي جعلني فِي بطون نسائكم. وحدثني مُحَمَّد بْن حبيب المؤدب قال: سمع الفرزدق امرأتين تقولان: ليتنا وجدنا رجلًا أصم أخرس نُبايتُهُ فنقضي منه أربًا ولا يفشي لنا حديثًا فتركهما، ثُمَّ رآهما فِي عشية ذلك اليوم منصرفتين فدنا منهما فزحمهما، ثُمَّ تخارس وتصام فقالتا: لقد جاءنا ما تمنينا ومضتا به فأقام معهما، ثُمَّ إنه عجز عَنْهُمَا فقالت إحداهما: إنه قد أكسل واصفرت كمرته ولا خير عنده، فدلَّتَاه فِي زنبيل فَلَمَّا صار على الأرض قال: بآبائي أنتما أعود إذا احمرت كمرتي؟ فأيقنتا بالفضيحة. وَفِي ذلك يقول: هما دلَّتاني من ثلاثين قامة ... كما انقض باز أسحم الريش كاسره فَلَمَّا استوت رجلاي فِي الأرض قالتا ... أحيُّ يُرجَّى أم قتيل نُحاذره [1] فبلغ سكينة بِنْت الْحُسَيْن عليه السلام شعره فقالت: قبحه اللَّه ما كان عليه لو ستر على نفسه. قال: وبلغ امرأته أنه يتعرض للنساء فتنكرت وتعرضت له ليلًا فغمزها، فاتبعته فصار إِلَى بيت مظلم فنال منها وأعطاها مطرفًا كان عليه، فَلَمَّا قضى حاجته قَالَتْ له: يا فاسق هَذَا فعلك؟ فقال لها: وأنت هِيَ أنت، والله على سبيل الحرام ألذ منك على سبيل الحلال. فقالت: اسكت قبحك اللَّه. وحدثني ابن حبيب عن أَبِي فراس السامي عن أبيه قال: استسقى الفرزدق ماء من دار فخرجت إليه جارية بماء، فَلَمَّا شرب قال لها: يا سيدتي

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 212.

قبليني. فقالت: وراءك أوسع. فقال: يا سيدتي إني ميت قَالَتْ: إنْ مِتَّ دفناك فأين تحب أن تدفن؟ قال: فِي حِرك وبطنك جعلني اللَّه فداك. وحدثني التوزي عن الأصمعي عن سلمة بْن عياش قال: دخلت على الفرزدق وقد قال صدر بيت وعجز عن تمامة، فأجزته فقال: مِمَّنْ أنت؟ قلت: من قريش. قال: كل أير حمار من قريش، من أي قريش؟ قلت: من بني عامر بْن لؤي. قال: بئس القوم قومك كانوا فِي بعث إِلَى مروان فانتزعني من بين أظهرهم فلم يمنعوني. فقلت: بنو تميم فِي البصرة شرُّ لك من بني عامر بالمدينة، بعث إليك مالك بْن المنذر حرسيا فنزعك من اسطمَّة بني تميم ومعظمهم، فرمى بك فِي سجنه، فلم يمنعك أحد منهم، فسكت. المدائني أن الفرزدق مر بمسجد الجامرة بالبصرة وفيه جماعة، منهم أَبُو الزرد الحنفي فضجوا من شيء قاله أَبُو الزرد فِي الفرزدق، فقال: يا بني حنيفة ما شيء لم يكن ولا يكون ولو كان حاجيتكم استقام فقالوا: لا ندري فَمَا هُوَ؟ قال: هُوَ حر أم أَبِي الزرد لم يكن له أسنان ولا يكون ولو كَانَتْ لم يستقم. ودخل الفرزدق المدينة، فنادم قومًا منهم الأحوص وغيره، فإنه لمع فتيان من أهلها يشرب إذ عبث به رجلان فقال أحدهما: إذا كنت متخذا صاحبًا ... فلا تصحبن امرأً دارميا وقال الآخر: ولا سيما من بني غالب ... فلن يوجد الدهر إلا بذيَّا فقال الفرزدق:

أتعلمان بي الهجاء وخلتني ... قد هزني وهجاني الثقلان زعمت نساؤكما الفوارك إنما ... أيراكما وحراهما مثلان فلقد زعمن وهنَّ غير كواذب ... إن ليس فوق خصاكما أيران [1] وحدثني الْحَسَن بْن علي الحرمازي قال: مر الفرزدق بمجلس لبني عتاب بْن أسلب بْن أَبِي العيص بالبصرة، وقد أكل رءوسًا فاستسقى ماء فعمد فتى منهم إلى طلاء رامهرمزي فملأ منه عسا ضخما، ثم حلب عليه وأتاه به فَأَقْبَلَ يخفي الرغوة ويشرب الصريح حَتَّى أتى عليه ثُمَّ قال: جعلني اللَّه فداءك فإنك ما علمتك تخفي الصدقات. قال: وأتى الفرزدق رجلًا من أخواله من بني ضبة فأعطاه فأكثر فقال: والله ما أدري ما أقول غير أني اسأل اللَّه أن يجعلني فداءك، فزاده فقال: ما أدري ما مكافأتك إلا أني أقتلك فتدخل الجنة وأدخل النار. فقال: بئست المكافأة هَذِهِ يا أَبَا فراس. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كناسة قال: قيل للفرزدق مدحت الحجاج فَلَمَّا مات هجوته فقال: إنا نكون مع القوم ما كان الله معهم، فإذا تركهم تركناهم. وقال المدائني: دخل الفرزدق على بلال بْن أَبِي بردة وعنده ناس من الأشعريين فضحكوا، فقال: يا أَبَا فراس أتدري لم ضحكوا؟ قال: لا. قال: ضحكوا لجفائك. قال: أصلح الله الأمير، حججت فإذا أَنَا برجل على عاتقه الأيمن صبي وعلى الأيسر صبي وامرأته آخذه بمئزره وهو يقول:

_ [1] ليسوا في ديوانه المطبوع.

أنت وهبت زائدًا ومزيدا ... وكهلة أسلك فيها الأجردا [1] وجعلت تقول: إذا شئت إذا شئت. فقلت: مِمَّنْ أنت؟ فقال: من الأشعريين. أفأنا أجفى أم ذاك؟ قال بلال: لا حياك اللَّه قد علمتُ أنهم لا يفلتون منك. وقال الفرزدق لامرأته نوار بِنْت أعين بْن ضُبيعة: كيف رأيتني وجريرًا؟ قَالَتْ: رأيتك ظلمته أولًا ثُمَّ شغرت [2] برجلك آخرًا، ورأيته شاركك فِي مُرّ الشعر وغلبك فِي حلوه. قَالُوا: ومر الفرزدق على نسوة وهو على بغلة فَلَمَّا دنا منهن، لم تتمالك البغلة ضرطًا فضحكن فالتفت إليهن فقال: لا تضحكن فَمَا حملتني أنثى إلا ضرطت. فقالت إحداهن: ما حملتك أنثى قط أكثر مما حملتك أمك فليت شعري كيف كان ضرطها؟ فَتَشَوَّر [3] . قال ومر الجسار العنبري بالفرزدق وكانت به سلعة، فقال له الفرزدق: ما هَذَا؟ فقال: ابن المنقري. يريد قول جرير فِي جعثن. .......... والمنقري يدوسها بالفيشل قَالُوا: ومر الفرزدق بمضرس بْن ربعي الأسدي وهو ينشد الناس بالمربد: تحمل من وادي أسيفر حاضره. .. وقد اجتمعوا عليه، فقال له الفرزدق: يا أخا فقعس ما فعل المعمر؟

_ [1] ليس في ديوانه مطبوع. [2] شغر الكلب: جمع احدى رجليه بال أو لم يبل القاموس. [3] أي خجل القاموس.

قال مضرس: بلصاف [1] يبيض فِيهِ الحُمَّر. أراد الفرزدق قول نهشل بْن حري: ضمن القيان لفقعس سوءاتها ... إن القيان لفقعس لمعَمَّر وأراد مضرس قول أَبِي المهوش: قد كنت أحسبكم أسود خفية ... فإذا لصاف يبيض فيه الحمر وكان عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أخرج الفرزدق عن مسجد المدينة أيام ولايته إياها فقال الشاعر: نفاك الأغر ابن عَبْد الْعَزِيز ... بحقك يُنفَى عن المسجد فلقي الفرزدق مخنثًا، فقال الفرزدق: إِلَى أَيْنَ راحت عِمَّتُنا؟ فقال: إلى المسجد الَّذِي نفاها عَنْهُ الأغر. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَنَس قال: دخل الفرزدق الكوفة فأنشد، فرأى الكميت بْن زَيْد يحسن الاستماع وهو غلام فقال الفرزدق: يا غلام أيسرك أني أَبُوك؟ فقال: لا ولكني يسرني أنك أمي فينال أير أَبِي من أطايبك. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأعرابي قال: دخل أبو شقفل- راوية الفرزدق- على الفرزدق وهو مغموم يكاد يبكي فقال له: مالك أَبَا فراس؟ فقال: أخاف أن يرجزني هَذَا المخنث، وأنا لا أحسن الرجز، يعني جريرًا. وحدثني مُحَمَّد بْن حبيب عن خَالِد بْن كلثوم قال: مر بالفرزدق نسوة يزففن عروسًا فأنشأ يقول: أتتك النساء بأحراحها ... يقدن حرا ضيقا حجره

_ [1] لصاف ماء بالدو لبني تميم، معجم البلدان مع الحكاية والشعر.

إِلَى عاثر كذراع الفنيق ... قليل لذي مثله فتره [1] فقالت له امْرَأَة من النساء: وأمك قد لقيت عاثرًا ... فطال بعنبلها [2] فطره [3] فوجم الفرزدق وسكّت. وحدثني الحرمازي قال: هجا الفرزدق رجلًا من بني تميم، فجاءت أمه إِلَى قبر غالب فاستجارت به، فقال الفرزدق: أتتني فعاذت من هجائي بغالب ... فلا وَالَّذِي شق استها لا أضيرها [4] وقال المدائني: ولي تميم بْن زَيْد القيني ثغر السند، فشخص معه فِي الجند فتى من تميم، ثُمَّ من يربوع يُقَالُ له حبيش، وأمه من طيّئ، إِلَى السند، فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إِلَى تميم فِي إقفاله، وعاذت بقبر غالب أَبِي الفرزدق، فكتب إليه: أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السافي عليه ترابها فهب لي حبيشًا واتخذ فِيهِ منة ... فحوبة أم ما يسوغ شرابها تميم بْن زَيْد لا يكونن حاجتي ... بظهر فلا يخفى عليك جوابها ولا يكثر الترداد فيها فإنني ... ملول لحاجات بطيء طلابها [5] فلم يدر تميم ما اسم الفتى أهو حُبيش أم حُنيش، فأمر أن يقفل كل من كان اسمه على هَذَا الهجاء مِمَّنْ فِي الجيش، فأقفل ثمانية عشر رجلا.

_ [1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] العنبلة: البظر، والمرأة الطويلة البظر. القاموس. [3] فطره: شقه، والفطر: شبه بالمذي في قلته. القاموس. [4] ليس في ديوانه المطبوع. [5] ديوان الفرزدق ج 1 ص 85- 86 مع فوارق واضحة.

وقال الفرزدق لباب المكاري: كم من حر يا باب ضخم حملته ... على الرجل فوق الأخدري المخذم [1] فقال باب بالفارسية: رحم اللَّه النوار لقد حملتها كبيرًا. المدائني عن بَكْر بْن الأسود قال: لقي الفرزدق خليفة الأقطع، من ولد قَيْس بْن ثَعْلَبَة بْن عُكابة فقال: يا أَبَا فراس من الذي يقول: هو القين وابن القين لا قين مثله ... لضرب حديد أو لنحت أداهم [2] فقال الفرزدق: هُوَ الَّذِي يقول: هُوَ اللص وابن اللص لا لص مثله ... لنقب جدار أو لحل دراهم حَدَّثَنِي أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قال: لقي الفرزدق ابن عفراء الضَّبِّيّ فاستعتبه الفرزدق فِي شيء بلغه عَنْهُ، فقال ابن عفراء: والله لا أعلم شيئًا يسوءك إلّا فعلته. فقال الفرزدق لمن حضر: اشهدوا على ما يقول. فقال ابن عفراء: نعم فاشهدوا. فقال الفرزدق: فإنه يسوءني أن تنيك أمك فنكها ففضحه وأخزاه. قَالُوا: وعرض الفرزدق جملًا للبيع فجعل التجار يصوبون فِي الجمل ويصعدون فقال: مهلًا فإنه لا يطلب أحد فِي شيء عيبًا إلّا وجده. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الأعرابي قال: لقي الفرزدق جريرًا فِي بعض السكك بالشام فقال له: يا أَبَا حزرة حَتَّى مَتَى تتمرغ فِي طواعين الشام؟ فقال جرير: إذا سمعت بُسرى القين فأعلم أنه مصبح. المدائني قال: قال خَالِد بْن صفوان للفرزدق: يا أبا فراس ما أنت

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] الأداهم: القيود.

بالذي لما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن [1] فقال الفرزدق: وما أنت بالذي قَالَتِ الفتاة لأبيها: يا أبة اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [2] . المدائني عن أَبِي بَكْر الهذلي قال: أتى الفرزدق الْحَسَن الْبَصْرِيّ فقال له: يا أَبَا سَعِيد إني قد هجوت إبليس. فقال الْحَسَن: عن لسانه تنطق. المدائني أن الفرزدق دخل على الهيثم بْن الأسود وعنده حَمْزَة بْن بيض الحنفي فقال: يا أَبَا فراس أيما أحب إليك أن تسبق الخير أم يسبقك؟ فقال الفرزدق: إن سبقته فتُّه وإن سبقني فاتني، ولكني أحب أن نكون معًا لا أسبقه ولا يسبقني، أفاسألك يا بن بيض؟ قال: سل. قال: أيما أحب إليك أن تنصرف إِلَى منزلك فتجد امرأتك قابضة على أير رَجُل، أو تجد رجلًا قابضًا على حرها فتشور ابن بيض وخزي. وقال الفرزدق: ما أعياني جواب كما أعياني جواب دهقان من أَهْل نهر تيري لقيني فقال: أنت يرزدق الشاعر؟ قلت: أَنَا الفرزدق ويلك. قال: إن هجوتني أتخرب ضيعتي؟ قلت: لا. قال: أفتموت ابنتي عيشونة؟ قلت: لا. قال: أفتموت حمارتي؟ قلت لا. قال: فَمَنْ رجلي إِلَى عنقي فِي حر أمك. قال: قلت ويلك فلم تركت رأسك؟ قال: لأنظر ما تصنع. وقال أَبُو عبيدة: أتى الفرزدق عَبْد اللَّه بْن الأهتم يسأله علفًا لبغلته فقال له: يا فرزدق لو كنت قتبًا لكنت ملحاحًا عُقَرة. قال: ولم؟ قال:

_ [1] سورة يوسف- الآية: 31. [2] سورة القصص- الآية: 26.

لأنك لا تخلو من مساءلة قومك وإخوانك، قال الفرزدق: فو الله ما مالك إلا من ألحف المسائل، فقال عَبْد اللَّه: إني أُلحف ولا أُتلف وأنت تسأل الناس إلحافًا وتبذر إسرافًا. فقال الفرزدق: لا ترجُ عَبْد اللَّه يومًا فَإِنَّمَا ... أمانيُّ عَبْد اللَّه أضغاث حالم [1] حَدَّثَنِي أَبُو عدنان، ثنا يزيد بْن هارون عن أَبِي مُوسَى التميمي قال: لما ماتت النوار امْرَأَة الفرزدق شهد جنازتها الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن والناس معه، فلما أدخلت قبرها قال الْحَسَن للفرزدق: يا أَبَا فراس: ما أعددت لهذا المضجع؟ قال: شهادة أَن لا إله إلا اللَّه مُذ ثمانون سنة، وأنشأ يقول: أخاف وراء القبر إن لم تُعافِني ... أشد من القبر التهابًا وأضيقا إذا جاء فِي يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى النار مغلول المقلد أزرقا [2] فبكى الْحَسَن وبكى الفرزدق والناس. وقال أَبُو عبيدة: حَدَّثَنِي أيوب بْن كُسيب، من آل الخطفي، وأمه ابْنَة جرير بْن عطية، قال: بينا جرير فِي مجلس بفناء داره بحجر إذا راكب قد أقبل فقال له جرير: من أَيْنَ وضح الراكب؟ قال: من العراق، فسأله عن الخبر فَأَخْبَرَه بموت الفرزدق فقال جرير: مات الفرزدق بعد ما جَدَّعْتُه ... ليت الفرزدق كان عاش قليلا [3] ثُمَّ أسكت ساعة فظنناه يقول شعرا فدمعت عيناه فقال القوم:

_ [1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 39، مع فوارق. [3] ليس في ديوان جرير المطبوع.

يا سبحان اللَّه، أتبكي على الفرزدق؟ فقال: والله ما أبكي إلا على نفسي، أما والله إن بقائي خلافه لقليل، إنه قلما كان مثلنا زوجان يجتمعان على خير أو شرٍّ ويتهاديانه إلا كان أمد ما بينهما قريبًا، ثُمَّ أنشأ يقول: فُجعنا بحمال الديات ابن غالب ... وحامي تميم كلها والمراجم بكيناك حدثان الفراق وإنما ... بكيناك شجوًا للأمور العظائم فلا حملتْ بعد ابن ليلى مَهيرة ... ولا مُد أنساع المطي الرواسم [1] ليلى بِنْت جَابِر جدته. وقال جرير يرثي الفرزدق أيضًا. فلا حملت بعد الفرزدق مرضع ... ولا ذات بعل من نفاس تَعَلَّت [2] هُوَ الوافد المحبو والراتق الثأي [3] ... إذا النعل يوما بالعشيرة زلت [4] قال أَبُو عبيدة: فَمَا بقي جرير بعد الفرزدق إلا قليلًا حَتَّى مات. وسمعت مُحَمَّد بْن زياد الأعرابي يقول: بقي جرير بعد الفرزدق أربعين يومًا، وكان يوم بلغه موت الفرزدق عند المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي. وحدثنا أَبُو الْحَسَن عن مسلمة وغيره قَالُوا: لما مرض الفرزدق مرضته التي مات فيها أوصى لمولاة له بثلاثمائة درهم، فَلَمَّا اشتد وجعه أنشأ يقول: إِلَى من تفزعون إذا حثوتم ... بأيديكم عليَّ من التراب ومن هَذَا يقوم لكم مقامي ... إذا ما الخصم كلّ عن الجواب [5]

_ [1] ليسوا في ديوان جرير المطبوع. [2] تعلت: طهرت. [3] الثأي: الإفساد، والجراح والقتل ونحوه. القاموس. [4] ديوان جرير ص 72. [5] ديوان الفرزدق ج 1 ص 95، البيت الأول فقط.

فقالت مولاته التي أوصى لها: نفزع إِلَى اللَّه. فقال: يا زانية، تأخذين مالي وتفزعين إلى غيري، لا تعطوها شيئًا. فلم يلبث أن مات. وحدثني أَبُو عدنان عن أَبِي اليقظان قال: أَسن الفرزدق حَتَّى قارب المائة فأصابته الدبيلة وهو بالبادية فقُدِم به إِلَى البصرة فأتي برجل من بني قَيْس متطبب فأشار بأن يكوى ويشرب النفط الأبيض فقال: أتعجلون لي النار فِي الدنيا، وجعل يقول: أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جَلَّ عن العتاب [1] قَالُوا: وكانت حُميدة الحمدية من ولد رزام بْن مالك بْن حنظلة تختلف إِلَى الفرزدق ويتهم بها، وهي التي رجمها الحجاج بْن يوسف فِي الزنا، وكان يُقَالُ لزوجها معبد أحد بني سليط فقال جرير يرمي الفرزدق بها: حميدة كَانَتْ للفرزدق جارة ... ينادم حوطًا عندها والمقطعا [2] حوط بْن سنان من بني شَيْبَان، وهو الَّذِي رجمت بسببه. وَفِي حميدة يقول الشاعر: رزاميَّةٌ كان السليطيُّ معبد ... بها معجبًا دلَّا يخاف الدوائرا وحدثني أَبُو علي الحرمازي قال: تزوج النوار بِنْت أعين بْن ضبيعة بْن ناجية، رَجُل من بني مجاشع، فولدت ابنين، ثُمَّ مات عَنْهَا فخطبها رَجُل من قومها، فبعثت إِلَى الفرزدق: إنك أَوْلى قومي بي فتولَّ تزويجي، فقال: نعم فأشهِدِي أنك قد جعلت أمرك بيدي ففعلت فلما شهد الشهود

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 95. [2] ديوان جرير ص 264.

عليها، قال: اشهدوا إني قد تزوجتها وأصدقتها خمسة آلاف درهم. فأبت أن ترضى به، وقالت: كلمته ليزوجني رجلًا قد رضيته، لم أُوَلِّهِ أمري ليتزوجني. وشكت أمرها إِلَى بني أم النسير، وهم من بني ناجية بْن عقال فأعانوها، وأتت معهم بني عاصم من بني ثَعْلَبَة بْن يربوع فآووها، فقال الفرزدق: بني عاصم إنْ تُلجِئوها فإنكم ... طلابي للسَّوْءَات دُسْمُ العمائم [1] وأتاها قوم من ولد ناجية فقالوا: إنا لا نرضى لك به، ونحن نحملك إِلَى ابن الزبير حَتَّى تستعديه عليه ففعلت، فاكتروا لها رجلًا يُقَالُ له زهير من بني عدي، ومضت إِلَى مكة فقال الفرزدق: أطاعت بني أم النسير فأصبحت ... على قتب يطوي الفلاة دليلها [2] وقال الفرزدق: ولولا أن تقول بنو عدي ... أليست أم حنظلة النوار إِذَا لأتى بَنِي ملكان مني ... بضائع لا يقسمها التجار [3] ملكان بْن عدي، والنوار بنت جلّ بن عدي أم حنطلة، وقال: لنفس العبء تحمله زهير ... عَلَى أعجاز صرمته نوار [4] وَقَالَ أيضًا: لعمري لقد أردى نوار وساقها ... إِلَى الغور أقوام خفاف عقولها

_ [1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 60 مع فوارق. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 273 مع فوارق. [4] ليس في ديوانه المطبوع.

معارضة الركبان فِي شهر ناجر ... على قتب يعلو الفلاة دليلها [1] ثُمَّ تبعها حَتَّى قدم مكة ونزلت النوار بِنْت أعين عَلَى أم هاشم بنت منظور بْن زبان، وهي أم امْرَأَة عَبْد اللَّه بْن الزبير، ونزل الفرزدق عَلَى حَمْزَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزبير، فجعلت ابْنَة منظور تشفع لها، وجعل بنو عَبْد اللَّه يكلمون أباهم فِي الفرزدق، فرأى أن هوى عَبْد اللَّه فِي النوار فقال: أما بنوه فلم يَقبل شفاعتهم ... وشُفِّعَتْ بِنْت منظور بْن زبانا ليس الشفيع الَّذِي يأتيك مؤتزرًا ... مثل الشفيع الَّذِي يأتيك عُريانا [2] وجعلا يجتمعان عند ابن الزبير فيختصمان فقال الفرزدق: ما خاصم الأقوام من ذي خصومة ... كَوَرْهَاءَ مَشْنُوءٍ لديها حليلها فدونكها يا بن الزبير فإنها ... ملقنة يوهي الحجارة قيلها [3] ثُمَّ قال لها ابن الزبير: إن هَذَا شاعر فإن شئت فرّقت بينكما وضربت عنقه ولم أُسلِّطه على عرضي، وإن شئت زوجتك إياه تزويجًا صحيحًا، وكتبت إلى مصعب بن الزبير أن يعطيك من الصداق ما ترضين به. قَالَتْ: بل زوجني فزوجها منه، وكتب لها إِلَى مصعب، وقدما إلى منزل الفرزدق فولدت له ولده ثُمَّ إنه طلقها وقال: ندمتُ ندامة الكُسَعيّ لما ... غَدَتْ مني مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أَخْرَجَهُ الضرار وكُنتُ كفاقئٍ عينيه عمدًا ... فأصبح لا يضيء له النهار

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 60. [2] ليسا في ديوانه المطبوع. [3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 62 مع فوارق.

ولو ضَنَّتْ يداي بها ونفسي ... لأصبح لي على القدر الخيار [1] وماتت عند ولدها فِي منزله بالبصرة، فصلى عليها الْحَسَن بن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وذكروا أن الفرزدق وكثير أَتَيَا الأحوص بْن مُحَمَّد. فقالا له: أنشدنا بعض ما أَحدثْتَ فأنشدهما قوله: يا بيت عاتكة الَّذِي أتجنب ... ذهب الزمان وحبها لا يذهب [2] . حَتَّى أتى على آخرها فقال الفرزدق لكثير: قاتله اللَّه ما أشعره لولا ما أفْسَدَ من نفسه يعني الخنث والأُبُنَّة. فقال كثير: ليس هَذَا فسادًا، هَذَا خسف إِلَى التخوم. فقال الفرزدق صدقت. قَالُوا: وأنشد الفرزدق بيت الأخطل: وإني لقوَّام مَقَاوِمَ لم يكن ... جرير ولا مَوْلَى جرير يقولها [3] فقال الفرزدق: أَجَلْ إنه ليقوم مقاوم ما أقومها أَنَا ولا جرير. قيل: يا أَبَا فراس وما هِيَ؟ قال: يقوم عند است القس يأخذ القربان. المدائني أن الفرزدق أنشد بلال بْن أبي بردة الْأَشْعَرِيّ: وإن أَبَا مُوسَى خليل مُحَمَّد ... وكفَّاه يُمْنَى للندى وشمالها [4] فقال بلال: هلكت وخرفت وذهب شِعرك، أَيْنَ هَذَا من شعرك فِي سَعِيد بْن العاص وفلان وفلان فقال: ائتني بحسب كأحسابهم أقول فيك كقولي فيهم، فغضب بلال حَتَّى دعا بطست من ماء فغمس يده فيه، وكلم

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 294 مع فوارق. [2] كذا بالأصل وفي ديوان الأحوص ص 207: يا بيت عاتكة الَّذِي أتعزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل [3] ليس في ديوان الأخطل المطبوع. [4] ديوان الفرزدق ج 2 ص 107.

فِي أمره وقال جلساؤه: ستكفاه. فأمسك عَنْهُ فلم يحل عليه الحول حَتَّى مات. ولما أنشد جرير قول الفرزدق لعمر بْن لجأ التميمي: فهل أنتَ إنْ قرما تميم تساميا ... أخا التَّيْم إلا كالشظية [1] فِي العظم [2] فقال جرير: ما أنصفني فِي شعر قط قبل هَذَا. حَدَّثَنِي الأثرم عن الأصمعي عن يُونُس قال: قال الفرزدق: أَنَا أشعر الناس ولربما كان قلع ضرس من أضراسي أهون علي من قول بيت. حَدَّثَنَا الحرمازي قال: أنشد الفرزدق الْحَسَن الْبَصْرِيّ قوله: فإنك لو رَأَيْت ديار قومٍ ... وجيرانٍ لنا كانوا كرام [3] فقال الْحَسَن: لو قلت كانوا كرامًا. فقال: إنه لم تلدني ميسانية. وإنما عَنَيِ الفرزدق: وجيران لنا كرامٌ. وكان أَبُو الْحَسَن من سبي ميسان. وكان الكلبي: أنشد عطية بْن جعال بن مجمع بن قطن بن مالك بن عدانة بْن يربوع، وكان نديمًا للفرزدق قوله: أبني عُدانة إنني حررتكم ... فوهبتكم لعطية بْن جعال فقال: جزي أخي خيرًا، ثُمَّ أنشد: لولا عطية لاجتدعت أنوفكم ... من بين ألأم أعين وسبال [4] فقال عطية: والله لسَرُعَ ما رجع في هبته أبو فراس.

_ [1] بهامش الأصل: كالوشيظة. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 276. [3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 290. [4] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.

حدثني أبو عدنان عن أبي عبيدة قال: مات مُحَمَّد بْن يوسف ومحمد بْن الحجاج، فبلغه موتهما فِي وقت واحد فقال الفرزدق وهو عنده: جناحا عتيق فارقاه كلاهما ... ولو نزعا من غيره لتضعضعا سَميَّا نبيّ اللَّه سماهما به ... أب لم يكن عند الحوادث أخضعا [1] فقال له الحجاج: حسبك، فخرج الفرزدق وهو يقول: والله لقد قال لي حسبك، ولو طلب مزيدا عندي ما وجده. وقالوا: حج الفرزدق فوافق جريرًا وهو محرم فقال له: إنك لاقٍ بالمحصَّب من مِنى ... فخارًا فخبرني بمن أنت فاخر أَبِالقَيْسِ قيسٌ أم بأمك تعتزي ... إذا هدرت تلك القروم الهوادر [2] أم كليب رقاش بِنْت شَهر بْن قَيْس بْن مالك بْن زَيْد مناة، فلم يجبه جرير، وقال: لبيك اللهم لبيك، ومضى فِي تلبيته. وقال الحرمازي: لما صارت النوار إِلَى مكة قال جَعْفَر بْن الزبير: ألا أصبحت عرس الفرزدق جامحًا ... ولو رضيت رمح اسْتِهِ لاستقرت فزبره عَبْد اللَّه بْن الزبير وقال: ما تعرضك للفرزدق. وكان عَبْد اللَّه يكره خلعها منه مخافة أن يهجوه، فلم يزل يداريها حَتَّى رضيت، وأصدق ابن الزبير النوار عَنْهُ خمسة آلاف، ويقال بل ساقه عَنْهُ سلم بن زياد. وكان الفرزدق يقول: خرجتُ والنوار متباغضين ورجعنا متحابين، وخرجتْ حائلًا ورجعتُ حاملًا. المدائني قال: تزوج الفرزدق على النوار حدراء بِنْت زِيق بن

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 397- 398. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 350.

بسطام بْن قَيْس بْن مَسْعُود الشيباني فقالت له النوار: ويلك تزوجت نصرانية سوداء دقيقة الساقين على مائة بعير؟ وأخذت لحيته فجاذبها وخرج من عندها وقال: قامت إليّ نوار تنتف لحيتي ... بنتاف جعدة لحية الخشخاش كلتاهما أسد إذا ما أُغضبتْ ... وَإِذَا رضين فهنَّ خير معاش [1] الخشخاش رَجُل من عنزهٌ. فقالت جعدة امرِأته: ما يريد الفرزدق مني؟ وقال الفرزدق لنوار يفضل عليها حدراء: لجارية بين السليل عروقها ... وبين أَبِي الصهباء من آل خَالِد أحق بإغلاء المهور من التي ... ربت وهي تنزو فِي جحور الولائد [2] وكانت أم النوار أَمَةٌ أعجمية. وقال: لعمري لأعرابية فِي مظلة ... تظل بروقي بيتها الريح تخفق كأَمِّ غزال أو كدرَّة غائصٍ ... تكاد إذا مرت لها الأرض تشرق أحبُّ إلينا من ضناك ضِفِنَّةٍ [3] ... إذا وضعت عَنْهَا المراوح تعرق كبطيخة البستان يُعجب لونها ... صحيحا ويبدو داؤها حين تُفلق [4] وقال أيضًا: لو أنْ حدراء تجزيني كما زعمت ... أَنْ سوف تفعل من بِذَلِ وإكرام

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 388 مع فوارق. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 154. [3] الضفنة: الحمقاء الصغيرة. [4] ديوان الفرزدق ج 2 ص 55.

من آل مرة بين المستضاء بهم ... من بين قَيْس بْن مَسْعُود وبسطام [1] فبعثت النوار إِلَى جرير فشكت الفرزدق إليه فقال: يا زيق قد كنت من شَيْبَان فِي حسب ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق أنكحت ويحك قينًا باسته حمم ... يا زيق ويحك إذا بارت لك السوق يا زيق أنكحت قومًا فِي صدورهم ... غلٌ قديم وَفِي أخلاقهم ضيق غاب المثنى فلم يشهد بحبهم ... والحوفزان ولم يشهدك مفروق يا ربٌ قائلة بعد البناء بها ... لا الصهر راضٍ ولا ابن القين معشوق وقال جرير فِي قصيدة له: جزى اللَّه زيقًا وابن زيق ملامة ... على أنني فِي ود شَيْبَان راغب أأهديتَ يا زيق ابن زيقٍ غريبة ... إلى شر من يهدى إليه الغرائب وما عدلتْ ذات الصليب قبيلة ... عتيبة والردفان منها وحاجب [2] فأجابه الفرزدق يقول فِيهِ: فلو كنت من أكفاء حدراء لم تلم ... على دارمي بين ليلى وغالب فَنَلْ مثلها من مثلهم ثُمَّ لمُهمُ ... بقومٍ أُلي مالٍ مراح وعازب وإني لأخشى إن خطبت إليهم ... عليك الَّذِي لاقي يسار الكواعب هُمْ أنكحوا قبلي لقيطًا وأنكحوا ... ضرارًا وهم أكفاؤنا فِي المناصب ولو تُنكح الشمس النجوم بناتها ... نكحنا بنات الشمس قبل الكواكب ولَو قبلوا مني عطية سُقْتُهُ ... إِلَى آل زيق من وصيف مقارب [3]

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 201 مع فوارق كبيرة. [2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان جرير المطبوع. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 97.

وحدثني مُحَمَّد بْن أَنَس قال: رَأَى الفرزدق كثير عزة ينشد بالمدينة فحسده فقال: يا فتى أُشبهك بي شعرًا وشكلًا، فهل دخلت أمك البصرة؟ فقال: لا ولكن دخلها أَبِي. وقال أَبُو عبيدة: ولدت النوار للفرزدق: لبطة. وخبطة. وسبطة. وركضة. وزمعة. وقال أَبُو عبيدة قال الحجاج للفرزدق: أتزوجتَ أعرابية على مائة بعير؟ فقال عنبسة بْن سَعِيد: إنما هِيَ إنقاص قيمة البعير منها عشرون درهمًا فقال الحجاج: ليس غير بلال يعطي الفرزدق ألفي درهم. وقدم الفضيل بْن ديسم بصدقات بَكْر بن وائل، فاشترى الفرزدق مائة بعير بألفي درهم وخمسمائة درهم، ثُمَّ أتى الحجاج فصلى معه الظهر فَلَمَّا رآه قال: مَهِيم؟ فقال: إن الفضيل بْن ديسم العنزي قدم بصدقات بَكْر وقد اشتريت منها مائة بعير بألفين وخمسمائة درهم فأمر الحجاج بدفع مائة بعير إليه، وأثبتها الفضيل، ومنعته النوار أن يسوق المائة كلها فحبس بعضها وساق الباقي يريد به زيقًا، فَلَمَّا وقف على باريَّة زيق وزيق جالس رحب به وقال: انزل فَإِن حدراء قد ماتت، وكان زيق نصرانيًا فقال: قد عرفنا أنه يصيبك فِي دينكم نصف ميراثها، فلم يقبله الفرزدق، وقال الفرزدق شعرًا يقول فِيهِ: يقولون زُرْ حدراء والتُّرْبُ دونها ... وكيف بشيء وَصْلُه قد تقطَّعا وأَهوَنُ رزءٍ لامرئٍ غيرُ عاجز ... رزيَّةُ مُرْتَجِّ الرَّوَادِفِ أَفْرَعَا ولستُ وإن عَزَّتْ عليَّ بجائز ... ترابًا على مرسومة قد تجمّعا [1]

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 422 مع فوارق كبيرة.

فأجابه جرير بشعر يقول فِيهِ: ولما غررتم من إناس كريمة ... لؤمتم وضقتم بالكرائم أَذْرُعَا فإنك لو عاودت شَيْبَان بعدها ... لأبت بمصلوم الخياشم أجدعا وحدراء لو لم ينجها اللَّه بُرِّزَتْ ... إِلَى شرِّ ذِي حَرَثٍ دمالا ومزرعا [1] وقال جرير يدَّعي أن حدراء لم تَمُتْ ولكنهم منعوه إياها: لئن جمحت عرس الفرزدق والتوى ... بحدراء قوم لم يروه لها أهلا رأوا أن صهر القين عارٌ عليهم ... وأن لبسطامٍ على دارم فضلا دَعَتْ يا آل ذهلٍ رغبةً عن مجاشع ... وهل بعدها حدراء داعية ذهلا [2] قَالُوا: ودفع سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك أسيرًا إِلَى الفرزدق ليقتله فنبا عَنْهُ سيفه فقال جرير: بسيف أَبِي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم [3] فقال الفرزدق: وسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خَالِد [4] يعني خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب. قَالُوا: ومرَّ الفرزدق بالبصرة فإذا زياد بْن جَابِر الأعجم ينشد والناس مجتمعون عليه فحسده، وأراد أن يضع منه فسلم عليه فحياه الأعجم، فقال له الفرزدق: ما زالت نفسي تنازعني إِلَى هجاء عبد القيس فقال

_ [1] ديوان جرير ص 264. [2] ديوان جرير ص 336- 338 مع فوارق. [3] ديوان جرير ص 462. [4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 157.

الأعجم: وما يجريك على ذلك؟ فقال: يجريني أن كعبًا الْأَشْعَرِيّ هجاهم فلم يصنع شيئًا، ولم ترد عليه فِي قوله: إني وإن كنت فرع الأزد قد علموا ... أخزى إذا قلتُ عَبْد القيس أخوالي بما يضارع ذلك أفيغلبك كعب وأعجز عنك؟ فقال الأعجم: إني باعث إليك بشعر فأجنبي فكتب إليه بهذا الشعر: ما ترك الهاجون لي إن هجوتهم ... مصحًا أراه فِي أديم الفرزدق وما تركوا لحمًا يرى فوق عظمةٍ ... لآكِلِهِ أَبْقَوْه للمتعرق أأحطم ما أبقوا له من عظامه ... وانكت مخ الساق منه وانتقي فإنا وما تهدي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما تلق فِي البحر يغرق [1] فَلَمَّا أنشده الفرزدق قال: لا أهجو قومًا هَذَا منهم. قَالُوا: وتزوج الفرزدق دهيمة وهي من آل الْحَارِث بْن عباد فارس النعامة، فوقع بينها وبين النوار شر، فقال الفرزدق: سوف تريك النجم والشمس ضحوة ... عقيلة آل الْحَارِث بْن عباد أبوها الذي أدنى النعامة بعد ما ... أبت وائل فِي الغي غير تماد أقمت بها مَيْلَ النوار فأصبحت ... مقارنة لي بعد طول بعاد [2] ثُمَّ إنه طلقها وهجاها فقال: لها بشر شثن كأن مَضَمَّهُ ... إذا عانقت بعلًا مضم قتاد وما زلت حَتَّى فرق اللَّه بيننا ... له الحمد منها فِي أذى وَجَهَاد يجدد لي ذكرى عذاب جهنم ... بلايا تمسيني بها وتغادي [3]

_ [1] شعر زياد الأعجم ص 151- 152. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 134 مع فوارق كبير. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 179- 180.

قَالُوا: واتخذ الفرزدق على النوار جارية سوداء فسماها مكية، ويقال بل أولدها جارية سماها مكية، فكانت إذا حَمَسَ الشر بينه وبين النوار اكتنى بها، وقال: شاهد إذا ما كنت ذا حميه ... بدارميّ أمه ضبيَّه سمحمح مثل أَبِي مكيه ومدح الزنج فقال: يا رُبَّ خودٍ من بنات الزنج ... تحمل تنورًا شديد الوهج أغبس مثل القدح الخلنج [1] ... يزداد طيبًا عند طول الهرج مَحَجْتُها بالعَرْد [2] أَيَّ مَحْجِ [3] فقالت النوار: ريحها مثل ريحك. وقال للنوار: إنْ يَكُ خالُها من آلِ حامٍ ... فَحَامٌ كان أكرم من عقال [4] وغاب الفرزدق فكتبوا إليه يشكونها فقال: كتبتم إلينا أنها ظلمتكم ... كذبتم وبيت اللَّه بل تظلمونها فإلا تعدوا أمها من نسائكم ... فَإِن ابن ليلى والدٌ لا يشينها [5] وقال للنوار وكانت أمها بخارية: أَغَرَّكِ منها أُدْمَةٌ غريبة ... عَلَتْ لونها إن البخاريّ أحمر [6]

_ [1] الخلنج: شجر، والغبسة: الظلمة، أو بياض فيه كدرة رماد. القاموس. [2] العرد: الذكر المنتسر المنتصب. القاموس. [3] لم ترد هذه الأرجاز بديوان الفرزدق المطبوع. [4] ديوان الفرزدق ج 2 ص 95 مع فوارق. [5] ديوان الفرزدق ج 2 ص 342. [6] ليس في ديوانه المطبوع.

يريد مكية. قَالُوا: ولقي الفرزدق جارية لبني نهشل، فنظر إليها نظرًا شديدًا فقالت: والله لو كان لي ألف حر ما طمعت فِي واحد منها. قال: ولم يا لخناء؟ قالت: لأنك قبيح المنظر سيئ المخبر. قال: أما والله لو جربتني لعفى خبري على منظري، قال: ثُمَّ كشف لها عن مثل ذراع البكر فتضبعت له عن مثل سنام الناب، فعاجلها فقالت: أنكاحًا بنسيئة؟ هَذَا سوء قضية. فقال: ويحك ما معي إلّا جبتي، ثُمَّ تسنمها وقال: أولجت فيها كذراع البكر ... مد ملك الرأس شديد الأسر زاد على شبر ونصف شبر ... كأنني أولجته فِي جَمْرِ يطير عند نفيان الشعر ... نفي شعور الناس يوم النّحْرَ [1] فِي أبيات فحملت منه وماتت بجمع [2] فقال: وغمد سلاح قد رزئت فلم أَنُحْ ... عليه ولم أبعثْ عليه البواكيا وَفِي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو أن المنايا أخرته لياليا كما مثله فِي مثلها قد وضعته ... وما زلت وثابًا أجر المخازيا [3] وقال جرير: وكم لك يا بن القين إن جاء سائل ... من ابن قصير الباع مثلك حامله أتيت به بعد العشاء ملففًا ... فألقيته للذئب فالذئب آكله وآخر لم يشعر به قد أضعته ... وأودعته رحمًا كبيرًا غوائله [4]

_ [1] ليست في ديوانه المطبوع. [2] جمع: المزدلفة. معجم البلدان. [3] ليست في ديوانه المطبوع. [4] ليست في ديوان جرير المطبوع.

وقال أَبُو عبيدة وغيره: كان الفرزدق يحلف بطلاق النوار كثيرًا ويحنث فقالت له: يا هَذَا إنك مقيم معي على الحرام. قال: فَمَا ترين؟ قَالَتْ: أشهد الْحَسَن ومن فِي حلقته على طلاقي، فأتاه وعبيد أَبُو شفقل راويته فقال: يا أَبَا سَعِيد إن النوار طالق مني ثلاثًا، فنظر إليه الْحَسَن، ثُمَّ أكبَّ، ثُمَّ رفع رأسه فقال: قد سمعتُ وسمع القوم ثُمَّ تولى فَلَمَّا بلغ باب المسجد قال: يا أَبَا شفقل، والله ما طلقتها. فقال له: كذبت قد والله طلقتها وذهبت أباطيلك، أتدري من شهد عليك؟ الْحَسَن وجلساؤه. فأنشأ يقول: ندمت ندمة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار فِي أبيات. وتزوجت النوار ابن عم لها فَلَمَّا حضرت النوار الوفاة أوصت أن يصلي عليها الْحَسَن فصلى عليها الْحَسَن، وشهد الفرزدق جنازتها، فَلَمَّا دفنت قال الفرزدق: يا أبا سَعِيد يقول الناس شهد هَذِهِ الجنازة خير الناس وشر الناس يعنونك وأياي. فقال لستُ بخير الناس ولستَ بشرِّهم. وقال أَبُو عبيدة: حضر ابن سِيرِينَ جنازة النوار. حَدَّثَنِي التوزي عن الأصمعي، ثنا معتمر بْن سليمان عن أَبِي محزوم عن أَبِي شفقل قال قَالَتْ لي النوار: كان بيني وبين هَذَا الشَّيْخ ما علمتَ فكلمه أن يَبين طلاقي فكلمته فقال: لا والله حَتَّى أُشهد الْحَسَن وأصحابه فأتاه فأشهده. قَالُوا: وتزوج الفرزدق طيبة من بني مجاشع بعد النوار، وبعد أن أسنَّ، وضعف فتركها عند أمها بالبادية ولم يكن صداقها عنده، فكتب إلى

أبان بْن الْوَلِيد البجلي، وهو عامل خَالِد بْن عَبْد اللَّه على فارس فأعطاه فمدحه وساق إليها مهرها وقال: لقد طال ما استودعتُ طيبة أمَّها ... فهذا زمان رُدَّ فِيهِ الودائع [1] فلما دخلت عليه عجز عَنْهَا فقال: يا لهف نفسي على أير فجعت به ... حين التقى الركب المحلوق والركب [2] فقال رَجُل من بني كوز من بني ضبة: عجزت عنها يا أبا فراس، فو الله إني لأحمل عليه جزة صوف ثُمَّ أدرج بها، فقال الفرزدق: لنعم الأير أيرك يا بن كوزٍ ... يُقِلُّ جفالة الكبش الجزيز [3] فقال الكوزي: أنشدك اللَّه والرحم. فقال لولا قرابتك لأتممتها عشرًا. وخاصمته أم طيبة إلى المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي وجرير عنده بالقرب من منزل المهاجر باليمامة، فقال: إنَّ البلية وهي كل بلية ... شيخ يعلل نفسه بالباطل ولسوف يقطع حبلها من حبله ... حكم المهاجر بالقضاء العادل [4] فقال المهاجر حين سمع شعر جرير: لو أتتني الملائكة لقضيت للفرزدق عليها، فلم تمكث معه إلا يسيرًا حَتَّى نشزت. ورُوِيّ أن نُفيع بْن صَفّار المحاربي تعرَّض بالفرزدق، فرأته أمه، وهو يقول فِيهِ شعرًا، فقالت له: ما هَذَا؟ فأخبرها وقال: هذا شعر أهجو به

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] انظر في ديوان الفرزدق ج 1 ص 98 واسمها فيه «ظبية» . [3] ليس في ديوانه المطبوع. [4] ليسا في ديوان جرير المطبوع.

كلب تميم. فقالت: يا بني لست والله تُقرن به، وقد عرَّضْتني لما أكره، وأنا غريبة فيكم ولا آمن أن يهجو قومي، فأبى فأتت قبر غالب فاستجارت به، فبلغ ذلك الفرزدق، فأتى القبر وسألها عن خبرها فأعلمته فقال الفرزدق. وإنّ نفيعا إذ هجاني لحينه ... كباحثة عن شفرة تستثيرها لئن نافع لم يَرْعَ أرحام أمه ... وكانت كدلوٍ لا يزال يعيرها لبئس دم المولود بَلَّ ثيابها ... عشية نادى بالغلام بشيرها [1] حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ العلاء قال: قال رَجُل للفرزدق: أيما أكبر أنت أم جرير؟ فقال: لقد طعن عليَّ فِي فرجي قبل أن يولد جرير. وحدثنا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ العلاء قال: قال رَجُل لرؤبة: من كان أشد الشعراء الذين هاجاهم جرير عليه؟ فقال: الفرزدق. وحُدثت عن أَبِي عبيدة عن منتجع بْن نبهان عن الأشهب بْن رُمَيْلة قال: جاء الفرزدق إلى ناحيتنا فجعل الصبيان ينظرون إليه وهو على بغلة له، فقال: ما لكم تنظرون إلي يا صبيان نظر التيوس إِلَى مُدى الجزار؟ فصاحوا به: القرد مليح، القرد مليح. فجعل يفر من أيديهم ويضرب بغلته ويقول: عدس. حَدَّثَنِي الحرمازي عن مشايخه أن الفرزدق قال: ضَوَّال الشعر أحب إلي من ضوّال الإبل.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 367- 370 مع فوارق كبيرة.

وحدثني التوزي النحوي عن أَبِي عبيدة قال: كان الفرزدق يختلف إِلَى نبَّاذٍ بالبصرة يُقَالُ له سنان، فغلا التمر فاستخفى سنان من دين عليه فقال الفرزدق: غلا التمر واستخفى سنان وفَرَّخَتْ ... خفافيش فِي راقودة المُثَلَّم [1] وحدثني أَبُو عدنان، ثنا الأصمعي قال: كان بالبصرة مَوْلَى لبني حنيفة يكنى أَبَا الخشناء يتولى بعض عمل البريد بالبصرة فمات، فسأله قوم من بني حنيفة أن يرثيه فقال: ليبك أَبَا الخشناء بغلٌ وبغلةٌ ... ومخلاة سوء قد أُبيد شعيرها ومجرفة ومروحة ومجسة ... وطير أواريّ [2] تداعت شطورها وفُرّانِقٌ [3] يبكي على رزق شهره ... ومقرعة صفراء بالٍ سيورها [4] وحُدثت أن أَبَا عمرو بن العلاء قال: أتاني حماد الراوية فقال: كَلّمْ لي الفرزدق فِي أن يُرَوِّني شعره، فكلمته فقال له الفرزدق: مِمَّنْ أنت؟ قال: من بني شَيْبَان. قال: أرويت أشعار قومك؟ قال: نعم. فقال: أتروي لفلان شيئًا؟ فذكر شاعرًا لم يعرفه حَمَّاد، ثُمَّ ذكر شاعرًا آخر فقال: لا أعرفه. فقال: أنت لا تروي أشعار قومك، أفتريد أن تكتب شعري؟ فقال حَمَّاد: فكنت آتيه فَمَا خرجت من عنده قط إلا وأنا سكران فأنشدني: ومات أَبِي والأقرعان كلاهما ... وعمرو بْن كلثوم شهاب الأراقم [5]

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] الأوار: حر النار والشمس والعطش والدخان. القاموس. [3] الفرانق: الذي يدل صاحب البريد على الطريق. القاموس. [4] ليسوا في ديوانه المطبوع. [5] ديوان الفرزدق ج 12 ص 206 مع فوارق.

فقلت له: أخبرني عن أبيك ما كان إذ قرنتهُ بهؤلاء، فقال: كان والله لا يساوي عباءة. قال: ومر الفرزدق بجندل بْن سُفيح المنقري فصال به جمله فألقى إليه سيفه وقال: عرقبه، فضربه فلم يعرقبه، فقام رَجُل يُقَالُ له حُمَي فعرقبه فقال الفرزدق: لعمرك ما أدري أعجز بجندل ... عن العَوْد أم لم يَدْرِ أَيْنَ مضاربه فَمَا كان عند الروع إلا وليدة ... يَنُوسُ لها بظر طويل ذباذبه أعضّ حميّ ساقة السيف بعد ما ... رَأَى خابطًا يغشى من الموت صاحبه [1] قال وحج الفرزدق فَلَمَّا قضى حجته أتى المدينة، فدخل على سكينة بِنْت الْحُسَيْن بْن علي مسلِّمًا، فقالت له: يا فرزدق من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت، أشعر منك صاحبك جرير حين يقول: بنفسي من تجنبه عزيز ... عليَّ ومن زيارته لمام ومن أُمسي وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام [2] فخرج ثُمَّ عاد، فقالت له: يا فرزدق من أشعر الناس؟ قال: أَنَا. قَالَتْ: كذبت. صاحبك أشعر منك حين يقول: لولا الحياء لعادني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار كَانَتْ إذا هجع الضجيع فراشها ... كُتِم الحديث وعَفَّت الأسرار لا يبرح القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكرّ عليهم ونهار [3]

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 71 مع فوارق كبيرة. [2] ديوان جرير ص 416. [3] ديوان جرير ص 154- 160 مع فوارق.

فخرج، ثُمَّ عاد إليها فِي اليوم الثالث وحولها مولدات لها كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إِلَى جارية منهنَّ فكاد يجن وبهت ينظر إليها، فقالت سكينة: من أشعر الناس؟ قال: أَنَا. قَالَتْ: كذبت، صاحبك أشعر منك حين يقول: إن العيون التي فِي طرفها مرض ... قتلننا ثُمَّ لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حَتَّى لا حراك به ... وهن أضعف خلق اللَّه أركانا [1] فقال: أئذني لي حَتَّى أنشدك أجود من شعره، فلم تفعل. فقال: يا بِنْت رسول اللَّه ضربت إليك من مكة للسلام عليك فكذبتني ومنعتني أن أنشدك شيئا من شعري، وهذه المنايا تغدو وتروح ولعلي لا أفارق المدينة حَتَّى أموت فَإِن أَنَا متُّ فأمري جعُلتُ فداك أن أُدفن فِي حر هَذِهِ الجارية، يعني التي أعجبته، فضحكت سكينة، ووهبت الجارية له، وقالت: يا فرزدق أَحْسِنْ صحبتها فقد آثرتك بها على نفسي. وقالوا: لقي ضرار بْن القعقاع وابن أحوق العنبري الفرزدق فقالا له: أَجب الأمير الجراح بْن عَبْد اللَّه الحكمي فتعتعاه وزلزلاه، وكان من أجبن الناس حَتَّى إذا كاد يموت ضحكا منه وتركاه فقال: ما كنت لو فَرَّقْتُماني كلا كما ... لأَجْزَعَ مما تصنعان وأَفْرَقَا لكنما فرقتماني بضيغمٍ ... إذا علقتْ أَنيابُهُ القَرْنَ مَزَّقَا لشَرُّ عريفٍ من مَعَدّ ومنكب ... ضرار الخنا والعنبريُّ ابن أحوقا [2] قَالُوا: ولما ولي يزيد بْن المهلب صلاة العراق وأحداثه، وولي صالح بن

_ [1] ديوان جرير ص 492 مع فوارق. [2] ليست في ديوانه المطبوع.

عَبْد الرَّحْمَن الخراج لقي رَجُل الفرزدق فقال له: قد ولي يزيد بْن المهلب الصلاة بأهل العراقين، والخراج بهما صالح بْن عَبْد الرحمن. فقال الفرزدق: إنما هُوَ شُرَطِيُّ لمولانا صالح بْن عَبْد الرَّحْمَن يأمره بحبس من أراد ويجري له ما أراد. فقال الرجل: أما إني سأخبره بمقالتك. فقال الفرزدق: سيمنع عَبْد اللَّه ظلمي ونهشل ... وضبَّةَ بالبيض الحديث صقالها ومأمومة فيها الحديد كثيفة ... إذا ما ارجحنَّتْ بالمنايا ظلالها هنالك لو رام ابن دحمة ظلمنا ... رَأَى لامعات الموت يبرق حالها [1] قَالُوا: لما مر بنو نهشل وبنو مرة بْن فقيم بْن خازم بأبي الفرزدق بالقبينات فشربوا الماء الَّذِي كان منعهم منه وأوثقوه، فمشى الفرزدق حَتَّى شق أسقيتهم وقربهم وعقر بعض إبلهم تحمل غالب أَبُو الفرزدق يريد كاظمة، فعقروا بعيرًا لغالب عليه معه أم الفرزدق فقال الَّذِي عقره واسمه ذكوان: لقد عَضّ سيفي ساق عود فتاتهم ... وخَرَّ على ذات الجلاميد غالب تكدح منه وجهه وجبينه ... فذلك منه إنْ تبينتُ جالب وقال جرير: لعمري لقد أخزى أباك بسعيه ... وأَمَّكَ ذكوان الَّذِي لا يصاوله [2] وكان الفرزدق وأخوه الأخطل غائبين. ابن الأعرابي قال: تزوج يزيد بْن المهلب عاتكة بِنْت الملاءة، والملاءة أمها، وأبوها الفرات بْن مُعَاوِيَة البكائي. وخرج بها إِلَى واسط فقتل عنها فقال الفرزدق:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 104- 105 مع فوارق. [2] ليس في ديوان جرير المطبوع.

إذا ما المَزُونيّات أصبحن حُسَّرًا ... يُبكِّينَ أشلاء على عقر بابل فكن طالبا بنت الملاءة إنها ... تذكر ريعان الشباب المزايل [1] أَبُو الْحَسَن المدائني قال: استزار يزيد بْن المهلب الفرزدق، ويزيد بجرجان، فأراد الخروج إليه ثُمَّ خافه فأنشأ يقول: دعاني إِلَى جرجان والري دونه ... أبو خالد إني إذا لزؤور لأني من آل المهلب ثائر ... بأعراضهم والدائرات تدور سآبي وتأبى لي تميم وربما ... أبيت فلم يقدر علي أمير [2] فَلَمَّا بلغ يزيد هَذَا الشعر قال: لقد كنت أعددت له مائة ألف درهم أصله بها. فبلغ الفرزدق قوله فقال: صدق، كان يدفعها إلي، ثُمَّ يدس إلي من يقتلني ويردها عليه. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبه، حَدَّثَنِي ابن سلام الجمحي قال: قال الفرزدق فِي مديحه لسليمان بْن عَبْد الملك: وكم أطلقت كفاك من قيد يابس ... ومن عُقَدٍ ما كان يُرْجى انحلالها [3] وكان الحجاج حبسه زمانًا. قال: فخرجت فرأيت عظمًا فكدتُ أنهشه من القرم [4] . وحدثنا أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قال: حَدَّثَنِي أعين بْن لَبطة بْن الفرزدق عن أَبِيهِ لبطة قال: دخلت مع أَبِي علي سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك فأنشدت قصيدة أَبِي التي يقول فيها:

_ [1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 199. [3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 75- 76. مع فوارق واضحة. [4] القرم: الشوق إلى اللحم.

لئن نفر الحجاج آل معتب ... لقوا دولة كان العدو يدالها لقد أصبح الأحياء منهم أذلة ... وَفِي الناس موتاهم كلوحًا سبالها وكنا إذا قُلْنَا اتق اللَّه شمرت ... به عزة ما يستطاع جدالها [1] فقال سُلَيْمَان: يا فرزدق إذا مدحتني فجود فِي الشعر، فلهزني أَبِي لهزة قعدت منها وأنشد: طرقت نوار ودون مطرقها ... جذب البرى لنواحل صعر [2] وفيها يقول: وإلى سُلَيْمَان الَّذِي سكنتْ ... أروى الهضاب له من الذعر وتراجع الطراد إذ وثقوا ... بالأمن من رتبيل والشحر [3] قال أَبُو عُبَيْدة: فَلَمَّا خرج الفرزدق يومئذ من عند سُلَيْمَان قال له رَجُل: يا أَبَا فراس رثيته حين ظننت أن ابنه يثبت على عمله، ثُمَّ هجوته بعد ذلك. فقال: إنما نكون مع القوم ما كان الله معهم، فإذا تركهم من يده تركناهم. قال: وكان الفرزدق رثى الحجاج، وابنه على صلاة العراق، ويزيد بْن أَبِي مُسْلِم على الخراج، ويزيد ابن أَبِي كبشة على الحرب لأنه لما حضرته الوفاة استخلفهم على ذلك، فقال الفرزدق شعرًا يقول فِيهِ: فليت الأكف الدافنات ابن يوسفٍ ... تقطعن إذا يحثين فوق السقائف

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 75- 76 مع فوارق واضحة. [2] البرى: واحدتها برة: حلقة توضع في أنف البعير، والصعر: المائلة خدودها من جذب الأزمة. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 261- 262، ورتبيل لقب ملك سجستان، والشحر: ساحل مهرة باليمن.

فما حملت أنثى على الأرض مثله ... ولا خُطَّ نعيٌ فِي بطون الصحائف [1] وقال أَبُو عبيدة: لما ولي فراس بْن سمي بْن رباط صلاة البصرة طلب الفرزدق، فقال له خلف بْن زياد الْعَمِّيّ، وكانت إليه نقابة بني مالك بْن حنظلة: إن الفرزدق فَرُوقةٌ، وإن بلغه طلبك إياه هرب، فقال: أرسلوا إلى أَبِي فراس من يأتي به، وبلغه الخبر فهرب الفرزدق وقال فراس لخلف: أنت أنذرته، فحبسه وأرسل إِلَى النوار امْرَأَة الفرزدق فحبسها، ولحق الفرزدق بالبادية، ثُمَّ لحق بيزيد بْن عَبْد الملك وقال: إني حملت الهم حين جمعته ... إليك وحزني للأسير المقيد سبقت إليك الطالبين وإنهم ... لخلفي وقدامي على كل مرصد [2] فِي أبيات فكتب يزيد بتخليه خلف والنوار، وإيمان الفرزدق. وحدثني أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قال: لما ولي عُمَر بْن هبيرة العراق قال الفرزدق: أمير المؤمنين وأنت عف ... كريم لست بالطمع الحريص أأطعمت العراق ورافديه [3] ... فزاريًا أَحَذَّ يَدَ القميص ولم يك قبلها راعي مخاضٍ ... ليأمنه على وركي قلوص تفهق بالعراق أَبُو المثنى ... وعلم قومه أكل الخبيص [4] فَلَمَّا حبس خَالِد بْن عَبْد اللَّه عُمَر بْن هبيرة قال الفرزدق: لقد حَبسَ القسري فِي سجن واسط ... فتى شيظميًا لا ينهنهه الزجر

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 5- 6. [2] انظر ديوان الفرزدق ج 1 ص 140- 142. [3] بهامش الأصل: رافديه دجلة والفرات. [4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 389 مع فوارق.

فتى لم توركه الإماء ولم يكن ... غذاءً له لحم الخنازير والخمر [1] فقال ابن هبيرة: ما رَأَيْت أكرم من الفرزدق مدحني أسيرًا، وهجاني أميرًا. المدائني قال: كتب بلال بْن أبي بردة إِلَى الشماخ عامله على اليمامة فِي تسخير الإبل فسخر إبلا لابن الفرزدق، فجعل ابن الفرزدق يعقرها، فضربه الشماخ مائة سوط، فاستعدى الفرزدق بلالا، فلم يُعده فقال: فلو كان من جهال قومي عذرته ... ولكن عبدا من شعاعة أحمرا [2] وكلم الفرزدق الزَعْل الجرمي فِي حاجة لراويته أَبِي شَفْقَل فلم يقضها فقال: سل الزعل عن آبائه ثُمَّ قل له ... ألستَ ابن جرم معدن اللؤم والبخل وما خلت جرمًا يعرفون أباهم ... إذا حُصّلوا يومًا ونُجلوا إِلَى الأصل [3] فِي أبيات فلام بلال الفرزدق على هَذَا الشعر، فقال: ليس هُوَ لي، وإنما هُوَ من قذائف الشيطان، فقضى بلال حاجته. وحدثني التوزي عن الأصمعي قال: كان الحجاج يقول: ما أشعر الفرزدق فِي قوله لي: لا يألف البخل إن النفس باسلة ... والرأي مجتمع والجود منتشر [4] وحُدثت عن أَبِي بَكْر الهذلي قال: كُنَّا عند الْحَسَن، فجاء رَجُل فقال: يا أَبَا سَعِيد الرجل يقول لا والله وبلى والله لا يعتقد اليمين. فقال

_ [1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] ليس في ديوانه المطبوع. [3] ليسا في ديوانه المطبوع، الناجل: الكريم النسل. القاموس. [4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 349 مع فوارق.

الفرزدق: أما سمعت قولي فِي ذلك؟ فقال الْحَسَن: وما قولك؟ فأنشده: ولست بمأخوذ بلغو تقوله ... إذا لم تعمد عاقدات العزائم [1] فسكت الْحَسَن ثُمَّ جاء رَجُل فقال: يا أَبَا سَعِيد إنا نكون فِي هَذِهِ المغازي فنصيب المرأة ذات زوج أفيحل غشيانها ولم يطلقها زوجها؟ فقال له الفرزدق: أما سمعت قولي: وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلالًا لمن يبني بها لم تُطلَّق [2] فسكت الْحَسَن. وحدثني بعض أشياخنا قال: دخل الفرزدق على عَبْد الملك، ويقال سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، فقال له: صف لي النساء ما بين عشرين إِلَى مائة سنة، فأنشأ يقول: مَتَى تلق بِنْت العشر قد نُضَّ [3] ثديها ... كلؤلؤة الغواص يؤنق جيدها وصاحبة العشرين لا شيء مثلها ... فتلك التي يلهو بها من يفيدها وبنت الثلاثين الشفاء حديثها ... من الموت لم تهرم ولم يَذو عُودُها وإن تلق بِنْت الأربعين فغبطة ... وخير نساء الأربعين ولودها وصاحبة الخمسين فيها بقية ... لنائكها إن شاء صلب عمودها وصاحبة الستين قد رق جلدها ... وفيها متاع للذي قد يريدها وصاحبة السبعين لا خير عندها ... ولا لذة فيها لمن يستفيدها وذات الثمانين التي قد تحشفت ... من الكبر المفني ولاح وريدها

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 307. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 38. [3] نض الماء: سال قليلا قليلا، والقربة من شدة الملء انشقت، والنض: الإظهار. القاموس

سائر رجال بني مجاشع

وصاحبة التسعين يرجف رأسها ... إن الليل أرسى قل فِيهِ هجودها ومن يطلب الأخرى فلا عقل عنده ... تظن بأن الناس طرًا عبيدها [1] وقال الفرزدق لمخنث: ويلك لم تنتف لحيتك وهي جمال وجهك؟ فقال: يا أَبَا فراس أيسرك أن فِي استك مثلها؟ قال: لا. قال: فشيء لا ترضاه لأستك تأمرني أن أرضاه لوجهي؟ وزعموا أن الفرزدق قال لمجنون رآه: أَتَحْسِبُ؟ قال: نعم. قال: فخذ ستة ونكتها وخذ سبعة ونكتها وخذ أربعة ونكتها كم معك؟ قال: سبعة عشر ونكتها ثلاث مرات. ورآه مجنون بالكوفة وهو يسقي بغلته فعبث بها فزجره، فقال له المجنون: مالك يا كذوب الحنجرة زاني الكمرة. [سائر رجال بني مجاشع] ومنهم: حنظَلَة بْن عقال بْن صعصعة وهو الَّذِي يقول: أعددت للفمِ ... رحيب المَغْلَقِ تكاد أطراف ... الرغيف تلتقي على نواحي ... فمه المجردق [2] لقما بكَفَّي ... دارمي أشدق وكان أكل عند سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، وكان سُلَيْمَان أكولًا يحب أن يأكل عنده الرجل الأكول، وكان مساور بْن حنظلة بْن عقال على الموصل. ومنهم: سُبيع بْن ناجية ولم يكن له ذلك الذكر. ومنهم: حنظلة بْن صعصعة وكان له عقب بأدواء [3] .

_ [1] ليست في ديوانه المطبوع. [2] الجردقة: الرغيف. القاموس. [3] الأدواء: موضع في ديار تميم بنجد. معجم البلدان.

عياض بن حمار

ومنهم: عَبْد اللَّه بْن نوح بْن عامر بْن صعصعة بْن ناجية. ومنهم: البعار الشاعر، وهو علقمة بْن حُوي بْن سُفْيَان بْن مجاشع. وقال غير الكلبي: هُوَ عَبْد اللَّه بْن عامر بْن صعصعة بْن ناجية، وكان مع ابن الأشعث ثُمَّ إنه غدر به ومال عَنْهُ وضرب رأسه بعمود فِي مجلس رتبيل فشجه حين تبرأ رتبيل منه، وقد كتبنا خبره فيما تقدم. ومنهم: ضبيعة بْن ناجية بْن عقال، وابنه أعين بْن ضبيعة، وكان أعين دنا من خدر عَائِشَة يوم الجمل فقالت: هتك اللَّه سترك وأبدى عورتك. ووجهه علي إِلَى البصرة، فنزل الحدَّان على صبرة بْن شيمان فقتل، قتله بنو سعد، وقد ذكرت خبره فيما تقدم. وأعين بْن ضبيعة أَبُو النوار امرأة الفرزدق، وأمها سلافة أم ولد خراسانية. [عياض بن حمار] ومنهم فِي رواية أَبِي اليقظان: أَبُو حمار بْن ناجية، وابنه حُمار أَبُو عياض [1] بْن حمار، وهو الَّذِي أهدى إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مشرك، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لا أقبل زَبْدَ المشركين» .] وروى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي الجاهلية إذا أتى مكة نزل على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال هشام ابن الكلبي هُوَ عياض بْن حمار بْن مُحَمَّد بْن سُفْيَان بْن مجاشع، وفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يسلم ومعه نجيبة يهديها إليه فقال: «أسلمت؟ قال: لا. قال: [فَإِن اللَّه نهانا أن نقبل زَبْدَ المشركين» ،] فأسلم فقبلها منه فقال: يا نبي اللَّه الرجل من قومي أسفل مني يشتمني أفأنتصر منه؟ [فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المستبّان شيطانان يتكاذبان» ] .

_ [1] بهامش الأصل: عياض بن حمار رحمه الله.

ومنهم: عرفجة بن ناجية ولد: ذؤيب بن عرفجة،

وكان الزبير سَأَلَ عن عياض يوم الجمل لينزل عليه حين انصرف، فلقي النَعِر بْن زمّام المجاشعي، فسأل عنه فقيل هُوَ بالعرق، فذهب الزبير يريده فقتله ابن جرموز بوادي السباع، وقد روى عياض عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله صحبه. ومنهم: عرفجة بْن ناجية ولد: ذؤيب بْن عرفجة، وكان ذؤيب أسر فِي الجاهلية ففدي بزقَّين من خمر، فعير الفرزدق الخيار بْن سبرة بْن ذؤيب بْن عرفجة بْن ناجية بِذَلِك، وكان الحجاج وجَّهَ الخيار بْن سبرة إِلَى يزيد بْن المهلب لينصرف إليه يعلم حاله وخبره، فأتاه فقال: جئتك من عند قوم أسرجوا ولم يلجموا، فبلغ ذلك ولد المهلب فحقدوا عليه، فولاه الحجاج عُمان فأقام بها عاملًا، فكتب إليه الفرزدق يستهديه جارية فقال: كتبت إلي تستهدي جوارا ... لقد أنعظتَ من بلد بعيد فقال الفرزدق: لقد قال الخيار مقال جهل ... قد استهدى الفرزدق من بعيد فلولا أن أمك كان جَدِّي ... أباها كنت أخرس بالنشيد وأن أَبِي ابن عم أبيك لَحّا ... وأنك حين تنسب من أسودي شَدَدْتُ عليك شدة أعوجي ... يدقُّ شكيم مجدول الحديد [1] ومات الحجاج والخيار على عُمان، وولي يزيد بْن المهلب العراق فِي أيام سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، فاستعمل زياد بْن المهلب على عُمان فقدمها، وقتل الخيار، فقال الفرزدق:

_ [1] ليست في ديوانه المطبوع.

ومنهم: الحتات بن يزيد بن علقمة بن حوي بن سفيان بن مجاشع،

فلو كنت مثلي يا خيار لشمرت ... بك العيس سير العِوْهَجي وداعر [1] ألم تكُ فِي أرض المهاري مُسلطًا ... على كل بادٍ من عمان وحاضر فهلا شددت الحُزْمَ فوق متونها ... بكل علافي من الميس قاتر [2] وللخيار عقب. فلما قتل هلال بْن أحوز من قتل من آل المهلب، قال جرير يذكر إدراكه بدم الخيار، وغيره مِمَّنْ قتل من آل المهلب: تركت بقبر للخيار ومالك ... وقبر عدي فِي المقابر أَقبرا وأدرك ثأر المسمعين بسيفه ... وأغضب فِي قتل الخيار فأنكرا [3] مالك بْن مسمع، وعدي بْن أرطاة الفزاري والمسمعان: مالك بْن مسمع بْن مالك بْن مسمع، وعبد اللَّه بْن مسمع بْن مالك بْن مسمع. ومنهم: الحُتات بْن يزيد بْن علقمة بْن حوي بْن سُفْيَان بْن مجاشع، وهو الَّذِي قال: يا بني مجاشع كونوا كما قال اللَّه فِي كتابه: لا يعجز القوم إذا تعاونوا. ووفد على مُعَاوِيَة فمات وقد أمر له بصلة فلم يقبضها، وقال الْفَرَزْدَقُ: أَبُوكَ وَعَمِّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تُرَاثًا فيحتاز التراث أقاربه فَمَا بال ميراث الحُتات حويته ... وميراث صخر جامد لك ذائبه [4]

_ [1] العوهجي وداعر: فحلان. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 237. والعلافي: الرحل، نسبة إلى رجل من قضاعة يقال له علاف، قيل إنه أول من نحت الرحال، وركب عليها، والميس: شجر معروف، والقاتر: الجيد الوقوع على الظهر. [3] ديوان جرير ص 185 مع فوارق. [4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 45 مع فوارق.

ومنهم: عبد الله بن حكيم بن زياد بن حوي بن سفيان،

وقد كتبنا الخبر فيما تقدم، وكان اسم الحتات عامرًا، وفيه يقول الأسود بْن يعفر: وما خلتُني فِي الحنظليين قَعْدَدًا ... فيظلمني يا لهف أمُي عامر وأسلم الحتات فِي خلافة أَبِي بَكْر ووفد إِلَى عُمَر بْن الخطاب. وقال سحيم بْن حَفْص: وفد حتات على مُعَاوِيَة مع الأحنف، وجارية بْن قدامة، فأعطى كل واحد منهما مائة ألف، وأعطاه سبعين ألفًا فقبلها، فَلَمَّا كان فِي بعض الطريق قيل له إنهما فضلا عليك بثلاثين ألفًا، فرجع إِلَى مُعَاوِيَة فقال: أعطيت مُخذلًا ومُحرفًا مائة ألف وأعطيتني سبعين ألفًا فقال: يا أَبَا منازل إني اشتريت منهم دينهم لأنهم كانوا من أصحاب علي، وأنت عُثْمَاني فقال: ومني فاشتر ديني فأكمل له مائة ألف درهم، ثُمَّ وفد إليه أيضًا فأعطاه أربعين ألفًا، فمات بالشام فارتجع مُعَاوِيَة المال، فقال فِيهِ الْفَرَزْدَقُ: أَبُوكَ وَعَمِّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تُرَاثًا فيحتاز التراث أقاربه وكان للحتات قطيعة بالبصرة، أتاها ابنه الْمُبَارَك فمرض بها فتطير الحتات فباعها، ومات الْمُبَارَك قبله. وولي عَبْد الملك بْن الحتات عُمان فِي أيام مُعَاوِيَة، وكان علقمة بْن نهاز بْن عَبْد اللَّه بْن الحتات من جند أَبِي جَعْفَر المنصور. ومنهم: عَبْد اللَّهِ بْن حَكِيم بْن زِيَاد بْن حُوَيّ بْن سُفْيَان، كان شريفًا، وهو الَّذِي حمل دماء أَهْل البصرة فِي أيام ابن زياد. وقال أَبُو اليقظان: جعل عَبْد اللَّه بْن حكيم رهينة أيام قتل مَسْعُود فِي ربيعة والأزد، فقال الفرزدق:

سفيان بن مجاشع ويوم الكلاب الأول

ومنا الَّذِي أعطى يديه رهينة ... لغاري نزار قبل ضرب الجماجم كفى كُل أم مَا تخاف عَلَى ابنها ... وهن قيام رافعات المعاصم [1] وخرج عَبْد اللَّه يوم رُستقاباذ على الحجاج، فقتله الحجاج وصلبه، وله عقب. وكان من بني حُوَي بْن سُفْيَان [2] أيضًا: حكيم بْن ربيع، كَانَتْ عنده أخت الحَنْتَف بْن السِجف ولا عقب له. [سفيان بن مجاشع ويوم الكلاب الأول] وقال ابن الكلبي: كان سُفْيَان بْن مجاشع أول فارس ورد الكلاب الأول، وهو جد الفرزدق، وكان نازلًا فِي بني تغلب مع إخوته لأمه. وكان سبب الكلاب الأول أن أمر شرحبيل وسلمة ابني الحارث عَميَّ امرئ القيس بْن حجر الكندي تشتت وتفرقت كلمتهما، وكان الْحَارِث فرق بنيه ملوكًا على العرب، فسار شرحبيل ببكر بْن وائل ومن معه من قبائل حنظلة وبني أسيد بْن عمرو، فنزل الكلاب، وهو ماء لبني تميم بين الكوفة والبصرة على بضع عشرة ليلة من اليمامة، وسار سلمة بْن الْحَارِث ببني تغلب وسعد وجماعة من الناس. وجعل السفاح وهو سلمة بْن خَالِد بْن كعب بْن زهير يقول: إن الكلاب ماؤنا فخلوه. وكان أول من ورد الكلاب من بني تميم سُفْيَان بْن مجاشع، وكان فِي بني تغلب، وكانت بَكْر قتلت له يومئذ ستة بنين، منهم: مرة بْن سُفْيَان، قتله سالم بْن كعب بْن عُمَرو بْن أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شَيْبَان فقال سُفْيَان: الشَّيْخ شيخ ثكلان ... والورد ورد عجلان

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 318- 321 مع فوارق. وغاري نزار: جيشيها العظيمين. [2] بهامش الأصل: الكلاب الأول.

ومنهم الحارث بن شريج بن يزيد بن سواد بن ورد بن مرة بن سفيان صاحب العصبية بخراسان

والجوف جوف حران ... أنعى إليك مرة بْن سُفْيَان وقتل يومئذ شرحبيل بْن الْحَارِث، جعل سلمة أخوه فِي رأسه مائة من الإبل، قتله أَبُو حنش عُصَم بْن النعمان بْن مالك بْن عتاب بْن سعد بْن زهير، ثُمَّ ندم سلمة فأراد قتل أَبِي حنش فهرب فقال سلمة: ألا أبلغ بني حنش رسولا ... فما لك لا تجيء إِلَى الثواب تعلَّم أن خير الناس طرًا ... قتيل بين أحجار الكلاب وفيه يقول معدي كرب بْن الْحَارِث أخوه: إنَّ جنبي عن الفراش لناب ... كتجافي الأسر فوق الظراب من حديث نمى إليّ فم ... اترقأ عيني وما أُسيغ شرابي مُرَّة كالذعاف أكتمها النا ... س على حرّ ملّة كالشهاب من شرحبيل إذ تعاوره الأرم ... اح من بعد نعمة وشباب يا بن أمي لو شهدتك تدعو تميم ... اوأنت غير مجاب ثُمَّ طاعنت من ورائك حَتَّى ... تبلغ الرحب أو تبز ثيابي قَالُوا: وكان مرة بْن سُفْيَان يكنى أَبَا سَنْدُوشة، وَفِي سُفْيَان بْن مجاشع يقول الفرزدق: شيوخ منهم عُدُس بْن زَيْد ... وسفيان الَّذِي ورد الكلابا [1] ومنهم الْحَارِث بْن شريج بْن يزيد بْن سواد بْن ورد بْن مرة بْن سُفْيَان صاحب العصبية بخراسان وكان يكنى أَبَا حاتم. وقال غير الكلبي: هُوَ الْحَارِث بْن عُمير، وكان عطا، شريج سبعمائة درهم، وله دار بالبصرة فِي بني مجاشع، وكان الحارث بن شريج بخراسان،

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 99.

فأنكر مظلمة ظلم بها قوم فِي ولاية الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَن المري فقال الشاعر: أبى ابن شريج أن يكون جنيبة ... لمرة إذ صدت وجار أمامها وولي بعد الجنيد عاصم بْن عَبْد اللَّه الهلالي فخرج عليه الْحَارِث، ثُمَّ صالحه على نفي الظلم والجور، وأن يكون أمرهما واحدًا، إن لم يغير هشام ما أنكر، وقال خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري حين بلغه قتل الْحَارِث بْن شريج يرجى ابن شرج أن يكون خليفة ... وهيهات أسباب الخلافة من شرج وحدثني حَمَّاد بْن بَغْسَل عن سلمويه أَبِي صالح قال: قاتل الْحَارِث بْن شريج أسد بْن عَبْد اللَّه أخا خَالِد، ثُمَّ صار إِلَى الترك، فَلَمَّا ولي نصر بْن سيار أَمنَّهُ، فسأله أن يعزل كل عامل جائر كان لمن قبله وله ممن ولاه ففعل، وجعل نصر يقول ما هذا بخير لك يا حارث، ووثب سيار [1] جديع الَّذِي يعرف بالكرماني، فقاتله الحارث فقتله الْحَارِث، وصلبه نصر وعلق مَعَهُ سمكة، ثُمَّ قام علي ابن الكرماني مقام أَبِيهِ فقتل الْحَارِث بْن شريج فقال نصر بْن سيار: يا مُدخِل الذُّلّ عَلَى قومه ... بُعْدًا وَسُحْقًا لَك من هالك مَا كَانَت الأزد وأشياعها ... تطمع فِي عمرو ولا مالك ولا بني سعدٍ إذا ألجموا ... كل طمرٍّ لونه حالك شؤمك أودى مضرًا كلها ... وغض من قومك بالحارث قَالُوا: وكان الْحَارِث يقاتل بعمود له فِيهِ اثنا عشر منا من حديد.

_ [1] كذا بالأصول، وكان على الراوية أن يقول: «ووثب بابن سيّار» .

هريم بن أبي طحمة

ويقال إِن الْحَارِث قاتل جديعًا فقتله جديع، ثُمَّ وثبت تميم وفيهم ابن الْحَارِث بْن شُريج فقتلوا جديعًا الكرماني. وذكر أَبُو اليقظان أن لحاتم بْن الْحَارِث عقب. ومنهم: هُبيرة بْن ضمضم بْن شريج بْن سيدان بْن مرة بْن سُفْيَان، وضمضم بْن ضمضم من بني مرة بْن سُفْيَان، ويقال لهما الأقعسان. وكان هبيرة فِي شُرَط الطُهوي وقد كتبنا خبره. [هريم بن أبي طحمة] وقال الكلبي: هُوَ هبيرة بْن ضمضم بْن شريج بْن سيدان بْن مرة. ومنهم: أَبُو طَحْمَة، واسمه عدي بْن حارثة بْن الشريد بْن مرة بْن سُفْيَان، أدرك الجاهلية، وكان مقيمًا بسفوان. فولد أَبُو طَحْمة: هُرَيْم بْن أبي طحمة لأم ولد، وكان هريم يكنى أَبَا حَمْزَة، وكان شجاعًا، وكان مع المهلب فِي حرب الأزارقة، وكان بخراسان على لواء بني تميم، وكان مع عدي بْن أرطاة فِي قتال يزيد بْن المهلب. ولما قدم مسلمة بْن عَبْد الملك والعباس بْن الْوَلِيد لقتال يزيد بْن المهلب. أتتهما بنو تميم وفيهم هريم بْن أَبِي طحمة، فعقد الْعَبَّاس لهريم بْن أَبِي طحمة على بني تميم، فأخذ اللواء وأقحم يوم سَوراء فِي خمس فوارس فقال الفرزدق: أَحَلَّ هريمٌ يوم سَوراء بالقنا ... نذور نساء من تميم فَحلَّتِ [1] وكبر هريم، فَصَير اسمه فِي أعوان الديوان، ليرفع عَنْهُ الغزو، فَقِيل له: أتُحْسِنُ أن تكتب؟ فقال: لا اكتب فَإِنِّي أمحو الصحف. فولد هريم: الترجمان لأم ولد، وكان جميلًا شجاعًا، ويكنى أبا

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 111 مع فوارق.

ومنهم: الحارث بن بيبة بن قرط بن سفيان بن مجاشع،

الحكم، وولي الأهواز، وكان على بني حنظلة فِي فتنة ابن سهيل بالبصرة، وله عقب بالبصرة، وقد ذكرنا فتنة ابن سهيل بالبصرة ولا عقب له. ومنهم: الْحَارِث بْن بَيْبَة بْن قرط بْن سُفْيَان بْن مجاشع، وكان شريفًا وكان من أرداف الملوك، قال الفرزدق: أحنظل ما حقا سبابي مقاعسًا ... بأبناء أرداف الملوك الخضارم ولكن نِصْفا لو سَبَبَتُ وسَبَّني ... بنو عَبْد شمس من مناف وهاشم أولئك أكفائي فجيئوا بمثلهم ... وأكره أن أهجوا عبيدًا بدارم [1] وكان الصمة أَبُو دريد بْن الصمة جارًا للحارث، فلم يحمد جواره فقال: أَذُمُّ العاصمين وإنّ جاري ... من الجيران لا يوفى بزيد يعني عاصمًا وأزنم ابني عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع، وكان الصمة أغار على بني مالك بْن حنظلة يوم عاقل فَهَزَم جيشه واسره جعد بن شماخ، أحد بني صُدَيّ بْن مالك بْن حنظلة من بني العدوية. وقال ابن الكلبي: هُوَ الجعد بْن عامر بْن مالك بْن ثَعْلَبَة بْن الصُدي، ثُمَّ إن جعدًا جَزَّ ناصية الصمة، ومَنَّ عليه فأطلقه فقال له: لك عندي ثواب فأتاه يستثيبه فقدَّمَه الصمة فضرب عنقه، وقال: أسأت جواري، ثُمَّ إن الصمة أتى عكاظ بعد ما شاء اللَّه، وحرب بْن أمية بعكاظ يطعم الناس، فدخل وثعلبة بْن الْحَارِث بْن حَصَبَة بْن أزنم بْن عَبيد اليربوعي عليه، فأكلا، وقُدم إليهما تمر فجعل الصمة يأكل ويلقي النوى بين يدي ثَعْلَبَة، فَلَمَّا فرغا قال ثعلبة للصمة: إنه لا نوى بين يديك أفكنت

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 300 مع فوارق كبيرة.

ومنهم البعيث الشاعر [2] وهو خداش بن بشر بن أبي خالد بن بيبة،

تبلع النوى؟ إنك لكبير البطن. فقال الصمة: بطني عظيم من دمائكم، هَلْ لك علم بالجعد بْن شماخ؟ قال: وما ذكرك رجلًا أنعم عليك فكفرته وأتاك لتثيبه فقتلته والله لا رأيتك بغائط من الأرض إلا طلبت دمك، وافترقا. ثُمَّ إن الصمة أغار بعد زمان على بني حنظلة فهزموه وأسره الْحَارِث بْن بَيْبَة ففدى نفسه منه، ثُمَّ سأله أن يسير به إِلَى بني تميم ليشتري من صار إليهم من أسراء أصحابه، فسار به حَتَّى أناخ فِي بني ثَعْلَبَة بْن يربوع، فَلَمَّا رآه ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث بْن حَصَبَة الَّذِي جرى بينه وبينه عند حرب بْن أمية ما جرى أَخَذَ سيفه ثُمَّ ضرب الصمة به فقتله فقال جرير: ومنا الذي أبلى صدي بن مالك ... ونفر طيرا عن جُعادة وُقِّعَا ضربنا عميد الصمتين فأعولت ... نساء على صلب المفارق أنزعا [1] وقتل يومئذ عارض الجشمي، فذكره جرير، وكانت ابنه الْحَارِث بْن بيبة عند حاجب بْن زُرارة، فولدت له، وكان جلساء لحاجب عنده يوما فبعث إليها: ابعثي إلي بشيء إن كان عندك يؤكل، فقالت: ما عندي شيء، فَلَمَّا قام جلساؤه ودخل عليها أتته بشيء فقال: ما منعك أن تبعثي بهذا إلينا؟ قَالَتْ: كان قليلًا وآثرتك فطلقها، وقال: فضحتني عند القوم. ومنهم البَعيث الشاعر [2] وهو خِداش بْن بشر بْن أَبِي خَالِد بْن بَيْبَة، وبعضهم: يقول ابن خَالِد بْن بَيْبَة، وأم البعيث أَمةٌ أصبهانية. قال

_ [1] ديوان جرير ص 266. [2] بهامش الأصل: البعيث الشاعر.

الفرزدق: إذا ما أتينا أصبهان وأهلها ... فيوم حجاج فِي البعيث طويل [1] وسمي البعيث لقوله: تبعّث مني ما تبعّث بعد ما ... أَمَرَّتْ حبالي كل مرتها شَزْرَا وكان يُقَالُ هُوَ أخطب بني تميم، وكان مغلبًا عليه جرير. وكان إِبْرَاهِيم بْن عربي أضرَّ به فِي إبل له، فخرج إِلَى عَبْد الملك، فكتب إِلَى حصين بْن خليد العبسي، وَكَانَ عَلَى بادية قَيْس يأمره أن يأخذ إِبْرَاهِيم بإنصافه ففعل، وقال في البعيث: لما رَأَيْت الهم صاف كأنه ... أخو لطف دون الوساد كميع [2] رحلت فجعلت الزيارة إنني ... كذاك لأبواب الملوك قروع ترى منبر العبدي اللئيم كأنما ... ثلاثة غربان عليه وقوع وكان البعيث يكنى أَبَا مالك باسم ابن له، وكان له ابن يُقَالُ له أيضًا بَكْر وخرج البعيث إِلَى المدينة، فأقام بها وأرسل مالكًا وبكرًا ابنيه ليرعيا إبله فمرض مالك فثقل، فوجه بَكْر إِلَى أَبِيهِ ليقدم عليه فَلَمَّا قدم عليه وجده قد مات فقال البعيث: وأرسل بَكْرا مالك لنجيه ... فحاذر ريب الحادثات فلم يبل حِمامَكَ مهما يقضه اللَّه تلقه ... وإن كان ريث من رفيقك أو عَجَلْ فوافق مني غصة لا يسيغها ... شراب ولم يُذهب مرارتها العَسَلْ وكانت ضبة بِنْت البعيث شاعرة، فَلَمَّا مات نعاه رَجُل من عكل

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] الكميع: الضجيع، والقباء. القاموس.

فقالت: نعاه لنا العكلي لا دَرَّ دَرَّهُ ... فيا ليته كَانَتْ به النعل زَلّت فلن تسمعي صوت البعيث مماريا ... إذا ما خصومات الرجال تَعلَّت ومن بني قرط: الهَثْهاث، وسمي الهثهاث لأنه كان يُهثهث فِي إبله وكانت كبيرة، واسم الهثهاث الْحَارِث. فولد الهثهاث: دَلم وله يقول أَبُوهُ فِي سنة هلكت فيها الماشية: انَهزْ دَلم، هَلَك أصحاب الصَّرم انهز: أي استقِ بالدلو. وكان الفرزدق تزوج ظبية [1] بِنْت دَلم بْن الهثهاث فعجز عَنْهَا لكبره فأنشأ يقول: لعمرك إنْ ربي أتاني بظبية ... سريعًا فإنَّ اللَّه بي لرحيم بممكورة الساقين مهضومة الحشا ... إِلَى الزاد فِي الظلماء غير قروم [2] وقال حين دخل عليها: يا لهف نفسي على نعظٍ فجعت به ... حين التقى الركب المحلوق والركب وخوصم فِي أمرها إِلَى المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي، فلم يحكم على الفرزدق خوفًا من لسانه وأقرها عنده. وكان علي بْن الهثهاث وأمه ابْنَة البعيث خطب امْرَأَة من بني مجاشع وخطبها غيرة فتزوجها، فقال الفرزدق: دافع عَنْهَا عَصْقَل وابن عَصْقَل ... بأعناق صهبٍ زحزحت كل خاطب

_ [1] روى البلاذري من قبل أن اسمها طيبة انظر في ص 92- 93 من هذا الجزء. [2] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.

ومنهم: الأصبغ بن نباتة بن الحارث، وهو ابن الشام بن عمرو بن فاتك بن عامر بن مجاشع،

إذا شفعوا فِي أيمِّ شفعت لهم ... ذراها وضُرَّاتٍ عظام المخالب دفيعية خور [1] كأنَّ مخاضها ... فحول تسامى أو نخيل رواسب [2] دفيعية: جنس من الإبل. وكان لقب الهثهاث عَصْقَل. وقال الفرزدق حين دخل بها علي بْن الهثهاث: رأت من بني الهثهاث قَرمًا كأنه ... حصان يشل القائدين ويدفع [3] ومنهم: الأصبغ بْن نباتة بْن الْحَارِث، وهو ابن الشام بْن عمرو بْن فاتك بْن عامر بْن مجاشع، صحب علي بْن أَبِي طَالِب وكان يحدث عَنْهُ. قال هشام ابن الكلبي: أخبرني أَبِي قال: حدثت الفرزدق حديثا عن الأصبغ ابن نباتة، فقال: ابن الشام. ابن الشام؟ قلت: نعم. قال: كان عالمًا. وأخوه غسان بْن نباتة الَّذِي دفع عمرو بْن الزبير على باب يزيد بْن مُعَاوِيَة، فلطم عمرو لبيد بْن عطارد بْن حاجب بسببه. ومن بني قرط بْن سُفْيَان بْن مجاشع: ضرار بْن معبد بْن حويل، كان من قواد أَبِي جعفر المنصور، وحضر وفاته بمكة ودفنه، فلما خرج من قبره من نزل فِيهِ، ألقى ثوبه فِي القبر. ومن بني عامر بْن مجاشع: عَبْد اللَّه بْن ناشِرة، غلب على سجستان أيام فتنة ابن الزبير، ويقال على زرنج، فانصرف عامل القباع، وهو الْحَارِث بْن أَبِي ربيعة المخزومي- وكان عامله أحد ولد عبد الله بن عامر بن

_ [1] الخور: النساء الكثيرات الريب لفسادهن، والنوق الغزر. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 91 مع فوارق. [3] ليس في ديوانه المطبوع.

كريز، ثُمَّ إن وكيع بْن أَبِي سود رد الكريزي إِلَى سجستان، وقاتل ابن ناشرة مع الكريزي، فعثر بابن ناشرة فرسه، فاندقت رجله، وقتل وهزم أصحابه، فقال أَبُو حراثة، ويقال ابن عرادة، ويقال الفرزدق: لعمري لقد هدّت قريش عروشنا ... بأبيض نفّاح العشيَّات أزهرا فلا صلح حَتَّى تنحط الخيل بالقنا ... بنا وبكم أو نُصدر الأمر مَصَدرا ألا لافتى بعد ابن ناشرة الفتى ... ولا خير إلا قد تولى فأدبرا أكان حصادًا للمنايا ازْدَرَعْنَهُ ... فهلا تركتَ النبتَ ما كان أخضرا فتى حنظلي لا يزال موفقًا ... يجود بمعروف وينكر منكرا لحى اللَّه قومًا أسلموك وقد رأوا ... عناجيج [1] أعطتها يمينك ضُمَّرا أما كان فيهم فارس ذو حفيظة ... يرى الموت فِي بعض المواطن أعذرا يكرُّ كما كرَّ الكليبيُّ مِهْرُهُ ... وَمَا كرَّ إلا خِشيةً أن يُعَيَّرًا [2] الكليبي ابن عبد الله بن عثمان حامي على ابن ناشرة. وقال أَبُو اليقظان: انتقلت عامة بادية بني مجاشع إِلَى الشام فقال الفرزدق: ألا ليت شعري ما أرادت مجاشع ... إِلَى الشام أَمْ ماذا أراد أميرها هلم إِلَى بئر لكم قد حفرتها ... يزيد على غرف الدلاء غديرها [3] وقال أيضًا: إنْ أَبْكِ قومي يا نوار فانني ... أَرى مسجديهم بعدهم كالبلاقع [4]

_ [1] العناجيج: جياد الخيل والإبل. القاموس. [2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الفرزدق المطبوع. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 236 مع فوارق كبيرة. [4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 394.

وقال هشام ابن الكلبي: وُلَدِ الحرام بْن مجاشع: عَبْد اللَّه وهو ثعالة. فولد عَبْد اللَّه: نجيح بْن عَبْد اللَّه. قال أَبُو المنذر هشام: أنشدني الكسائي النحوي: أدعُ نجيحًا باسمه لا تَنْسَهْ ... إنَّ نجيحًا هُوَ صبيان السَهْ المدائني عن سحيم قال: بنو مجاشع يُعابون بالجزيرة، وذلك أن ركبًا منهم فِي الجاهلية مروا وهم عجال على شهاب التغلبي فقال لهم: انزلوا. قالوا: إنا مستعجلون. فقال: واللَّه لا تجوزوني حَتَّى تصيبوا من قراي، فعمل لهم خزيرة [1] وحملت إليهم وهم على إبلهم فجعلوا يعظمون اللقم وجعلت الخزيرة تسيل على لحالهم، فعُيروا بِذَلِك وسموا الخور لقول الشاعر: يا قصبًا هَبَّتْ له الدَّبُور ... فهو إذا حرك خوف خور وقال جرير: متى تغمز قناة مجاشعيّ ... تجد لحما وليس له عظام [2]

_ [1] الخزيرة: لحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير، فإذا انضج ذر عليه الدقيق. النهاية لابن الأثير. [2] ديوان جرير ص 423 مع فوارق.

نسب بني نهشل بن دارم

نسب بني نهشل بْن دارم وولد نهشل بْن دارم سبعة نفر: قطن بْن نهشل. وزيد بْن نهشل. وعبد اللَّه بْن نهشل. وأمهم لُبْنَى بِنْت زَيْد بْن مالك بْن حنظلة. وجندل بْن نهشل. وجرول بْن نهشل. وصخر بْن نهشل. ووبير بْن نهشل، وأمهم تماضر بِنْت بهدلة بْن عوف. ويقال إن أم قطن وزيد ماوية بِنْت منقر من بني تغلب، وأم جندل وجرول وصخر تماضر وأم وبير وهو أُبير لبني بِنْت زَيْد بْن مالك بْن حنظلة ولهم يقول امرؤ القيس بْن حجر: فأبلغ بني ماوية ابْنَة منقر ... وأبلغ بني لبنى وأبلغ تماضرا [1] وكانت ماوية أخيذة. فَمَنْ بني نهشل: خَالِد بْن مالك بْن ربعي بْن سلمى بْن جندل، ويقال سلم أَبُو غسان التغَلبي، وكان قد غزا بقومه بني سعد، ومعهم غيرهم من بني تميم، وكان بنو تميم يفزعون به صبيانهم، فاقتتلوا قتالًا شديدًا بذي بَهْدي، فهزمت تغلب وأسر الأعيسر، وهو حذيفة بْن يزيد السعدي، ويقال يزيد بْن حذيفة، الهذيل بْن هبيرة، وأسر ابنا ناشرة

_ [1] ديوان إمرئ القيس ص 114 مع فوارق.

وخالد بن مالك الذي قتل عمرو بن الأحوص يوم ذي نجب [2]

النهشليان: شبيبًا ومشولًا ابني الهذيل، فقال الهذيل لبعض من أطاعه: أنت ابن الغريزة النهشلي، والغريزة تغلبية. فقل له تخلص أسيريك شبيبا ومشولًا، فلم يمكن ابن الغزيرة ذلك فقال الهذيل: ألكني وَفِر لابن الغريزة عِرضُهُ ... إِلَى خَالِد من آل سلمى بْن جندل فما ابتغي من مالك بعد دارم ... وما أبتغي في دارم بعد نهشل وما أبتغي فِي نهشل بعد خَالِد ... لطارق ليل أو أسير مكبل فاشترى خَالِد ابنيه من ابني ناشرة النهشليين بستين بعيرًا، كل واحد بثلاثين بعيرًا، وبعث بهما إِلَى أبيهما، فوردا عليه وهو أسير بعد، ثم أتاه فداؤه مائة ناقة فدفعها إلى الأعيسر فقبضها وجز ناصيته وخلى سبيله فانطلق الهذيل وابناه، فناصية الهذيل فِي جُونة عند ولد الأعيسر، فإذا كان لهم مأتم ومناحة بالبصرة نصبوها على عود عند بني العَضْبَاء، وهم من ولد الأعيسر، ثُمَّ أَبَّنوا ميتهم، وقالوا: يا بن جزاز النواصي. قال جرير للأخطل: قُدْنا خزيمة قد علمتم عنوة ... وشتا الهذيل يمارس الأغلالا [1] وقال أَبُو اليقظان: كان الهذيل بْن هبيرة التغلبي أسر كثير بْن الغريزة النهشلي فمنَّ الهذيل عليه فأسرت بنو سعد الهذيل فاشتراه خَالِد بْن مالك فمنَّ عليه مكافأة له بما صنع، والأول أثبت وأصح. وقال الأسود بْن يعفر يمدحه: وخالد يحمد أصحابه ... بالحق لا يحمد بالباطل وخالد بْن مالك الَّذِي قتل عمرو بْن الأحوص يوم ذي نجَبَ [2] بأبيه

_ [1] ديوان جرير ص 363. [2] بهامش الأصل: يوم ذي نجب.

مالك، وكان مالك قتل يوم جبلة، وكان من حديث يوم ذي نجب: أن بني عامر بْن صعصعة استنجدوا ابن الجون الكندي على بني تميم، وشكوا ما نالهم يوم شعب جبلة، وكان يوم ذي نجب بعد جبلة بحول، فوجه معهما جيشًا عليه: عمرو، وحسان ابنا كبشة، فقتل رَجُل من بني حميري بْن رياح عَمْرًا هَذَا، وقتل يومئذ عمرو بْن الأحوص بْن جعفر بْن كلاب، قتله خَالِد بْن مالك بْن ربعي النهشلي، وقال جرير فِي يوم ذي نجب: فاسأل بذي نَجب فوارس عامر ... واسأل عتيبة يوم جوع ظلال [1] وكان عتيبة بْن الْحَارِث أغار على بني جَعْفَر فاجتحف أموالهم. وقال أَبُو عبيدة: قال بنو عامر لمعاوية بْن الجون بْن حجر الكندي: هَلْ لك فِي إبل عَكَر [2] ، ونساء كالبقر؟ يعنون نساء بني حنظلة، وقتل يومئذ خليف بْن عَبْد اللَّه النميري فقال الأشهب بْن رُميلة: وغادرنا بذي نجب خليفًا ... عليه سباسب مثل القِرام [3] وقال جرير: مِنَّا فوارس ذي بهدي وذي نَجَبٍ ... والمعْلَمُون صباحًا يوم ذي قار [4] والثبت فِي يوم ذي نجب أن بْني عامر أتوا حسان بْن عمرو بْن مُعَاوِيَة بْن الجون بْن حجر بْن عمرو آكل المرار، فشكوا إليه ما نالهم يوم جبلة، وكان حسان على تميم يوم جبلة، وقالوا له: هَلْ لك فِي إبل عكر ونساء كالبقر؟ فسار معهم، وسار معهم أيضًا مُعَاوِيَة بْن شراحيل بْن

_ [1] ديوان جرير ص 375 مع فوارق. [2] العكر: ما فوق خمسمائة من الإبل. [3] القرام: الستر الأحمر، أو ثوب ملون من صوف فيه رقم ونقوش. القاموس. [4] ديوان جرير ص 241.

وكانت ليلى بنت مسعود بن خالد عند علي بن أبي طالب،

أخضر بْن الجون، وكان بنو حجر يُقَالُ لهم بنو كبشة، وهي أم حجر بْن عمرو آكل المرار، وعبد اللَّه بْن مسعود بْن خَالِد بْن مالك بْن ربعي الَّذِي مدحه الحطيئة. وذكر بعضهم أن خَالِد بْن مالك وفد والقعقاع بْن معبد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه وَلِّ هَذَا صدقات قومه. وقال عُمَر: وَلِّ هَذَا صدقات قومه، فأنزل الله تعالى: يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورسوله [1] . وكانت ليلى بِنْت مَسْعُود بْن خَالِد عند علي بْن أَبِي طَالِب، فولدت له: عُبَيْد اللَّه، وأبا بَكْر، ثُمَّ خلف عليها عَبْد الله بْن جَعْفَر. وسعد بْن خَالِد بْن مالك، نزل الكوفة وقد انقرض ولده. ويزيد بْن مَسْعُود بْن خَالِد كان سيدًا بالبادية، ولم يهاجر إِلَى البصرة، وكان يكنى أَبَا خَالِد وأبا جَيْداء جميعًا، وفيه يقول سُحَيم بْن وَثيْل: ومن آل مَسْعُود على الباب مدره ... إِلَى القوم قَالُوا يا يزيد بْن خَالِد وله عقب بالبادية. وكانت لعباد بْن مَسْعُود بْن خَالِد ابْنَة عند إِبْرَاهِيم بْن عربي، وأخرى عند المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي. ومن ولد مَسْعُود بْن خَالِد: نَعيم بْن الثَوْلاء بْن مَسْعُود ولي شرطة سُلَيْمَان بْن علي، وإسماعيل بْن علي بالبصرة، والثولاء الَّذِي قتله أمير البصرة فِي الفتنة. وقال أَبُو اليقظان: ولي زياد نعيم بْن مَسْعُود: فسا، ودرابجرد،

_ [1] سورة الحجرات- الآية: 1، وتقدم هذا الخبر في ص 42.

فقال وهو بفسا، وكتب إِلَى يزيد بْن مَسْعُود: أَبَا خالدٍ أَسْعِدْ على الشوق ذا هوى ... يذكرَّ أَهْل البدو فهو مريض ألا ليت شعري هَلْ أَبيتنَّ ليلة ... على قُلص يجري لهنَّ عروض وأتاه قومه إلى فسا فمات عدة منهم من بني نهشل، فقال قائل منهم: رأينا الموتَ عند درابجرد ... وعند الموت يستغني الفقير فلا تغرركم دنيا نعيم ... وفيئوا إنَّ مالكم كثير وقدم نعيم بدهقان فسا، واسمه أزاذ مَردْ، الَّذِي يُقَالُ له أزاذمرّد بْن الهربذ، فبنى داره بالبصرة، فقال شاعر لبني نهشل: جاؤوا يسوقون ازاذ مرد ... دهقان فَسَا ودرابجرد وجاوروا جل كريم جعد ... يمسي على الحي عظيم العَقد وسأله أَبُو الأسود، وسأل الحصين بْن أَبِي الحر فأعطاه نعيم ومنعه حصين فقال: نعيم بْن مسعودٍ أحقُّ بما أَتى ... وأنت بما تأتي حقيق كذلكا [1] وقال أَبُو اليقظان: ولد نعيم: ثولاء. ورابية، أمهما طلبة بِنْت قَيْس بْن عاصم، فأما رابية فلا عقب له، وأما ثولاء فولاه الحجاج جزيرة ابن كاوان والبحرين، ثُمَّ غضب عليه فعزله وحبسه فِي الديماس حَتَّى مات، ويقال بل بعث إليه فقتله. فولد ثولاء: نُعيمًا، ولي شرط البصرة لإسماعيل بْن علي، وولي ديوان البصرة لأبي جَعْفَر، وكان يكنى أَبَا ثولاء باسم جَدّه، كَانَتْ عنده ابْنَة خزيمة بْن خازم، وكان خليفته ولا عقب له.

_ [1] ديوان أبي الأسود الدولي ص 142.

ومنهم: الأشهب بن رميلة الشاعر [1] ،

ومنهم: الأشهب بْن رَمِيلة الشاعر [1] ، ورَمِيلة أمه، وأبوه ثور بْن أَبِي حارثة بْن عَبْد المنذر بْن جندل، وقدم الأشهب علي زياد فأمر له بثلاثة آلاف درهم. وقال ابن الكلبي: حضر سلمي بْن جندل بْن نهشل يوم عين أباغ فأبلى، وذلك حين جهز المنذر، وهو أَبُو النعمان صاحب الحيرة جيشًا فيهم أخلاط من معد ليغزو الْحَارِث بْن أبي شمر، فبعث الْحَارِث ثمانين غلامًا من غسان لهم الذوائب بكتاب كتبه إليه، وأظهر أنهم وفدٌ أوفدهم عليه، فَلَمَّا رآهم المنذر قال: ما تقولون فِي أمهات ولدن مثل هؤلاء، فَحَمُوا وأَنِفُوا لأمهاتهم ونسائهم، وأقبل الْحَارِث بْن أَبِي شمر، والمنذر مسترسل لكتاب الْحَارِث وما أداه إليه الغلمان عَنْهُ، فاقتتلا بعين أباغ، وكان على ميمنة المنذر فروة بْن مَسْعُود بْن عامر بْن أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شَيْبَان، فقتل فروة فقال المنذر: كريم صادف مصرعه، فذهبت مثلًا. وشدَّ رَجُل من بني حنيفة يُقَالُ له شهر بْن عمرو، كان مع الْحَارِث بْن أَبِي شمر على المنذر فطعنه تحت إبطه فقتله، وأخذ الناس من كان من أصحاب المنذر من كل وجه، وأسر أكثر بني أسد، وأُسر من بني تميم شأس بْن عبدة أخو علقمة الشاعر، ورجع الْحَارِث، ورأس المنذر معه، وحمى الحنفي وكساه ثيابه وأكرمه، ويقال إن الحنفي كان مع المنذر، فَلَمَّا رَأَى إدبار الأمر عليه قتله، وطلب النابغة الذبياني إليه فِي أسرى بني أسد فشفعه فيهم، وتكلم علقمة بْن عبدة فِي أَخِيهِ وقال قصيدته التي أولها: طحا بك قلب فِي الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب

_ [1] ترجم له صاحب الأغاني ج 9 ص 269- 272.

وقال فيها: وَفِي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحقَّ لشأس من نداك ذَنُوب [1] فوهبه له. وقال الكلبي: لما التقوا شد الغلمان الثمانون على الناس وهم حنقون غايرون لما سمعوا من قول المنذر، فكشفوا أصحاب المنذر، وقتل ابنان للحارث فحملهما أبوهما على بعير، وجعل المنذر بينهما، فجعل الناس يقولون: ما رأينا كاليوم عدلين فقال الْحَارِث: وما العلاوة بأضَل، فذهبت مثلًا. وقال حسان بْن ثابت وهو عند الْحَارِث بْن أَبِي شمر: إن المنذر خسر وحان، فخرج من داره يريد مساماتك، وو الله لشمالك خير من يمينه، ولقذالك أحسن من وجهه، ولأمك أكرم من أَبِيهِ، فأعجبه قوله فأجازه وكساه. وقال الأسود بْن يعفر بْن عَبْد الأسود بْن جندل بْن نهشل الشاعر: وقيس بْن مَسْعُود وقيس بْن خالدٍ ... وفارس يوم العين سلمى بْن جندل وقال أَبُو اليقظان: مات سلمى بْن جندل بسَلْمان، وهو جبل باليمن فقال الشاعر: ومات على سَلْمان سلمى بْن جندل ... وذلك ميت لو علمت كريم ويقال: مات بسلمان ما بين العراق والحجاز. ومنهم: هَوْذَة بْن جَرْوَل بْن نَهْشَل الشاعر، قتلته كلب. ولهوذة يقول الشاعر:

_ [1] ديوان علقمة الفحل- ط. حلب 1969 ص 33- 48.

أَنَا ابن عَبْد اللَّه وابن نَهْشَلٍ ... من سِر [1] آل هوذة بْن جَرْوَل الفاعلين الخير إذ قيل افعل وقال أَبُو اليقظان: من بني جرول: عُبَيْد اللَّه بْن معروف الَّذِي كان بهمذان، وهم أَهْل بيت سادة. ومن بني وُبير بْن نهشل وهو أُبير: عَبْد الملّكَ بْن معن بْن أبير بْن نهشل، كان من وجوه بني تميم وفيه يقول الفرزدق: أتشرب يا عوران فضل نبيذهم ... وعندك يا عوران زق موفر وكان أَبُو محروم من ولد معن، من رجال بني نهشل، ودخل واسطًا فسابَّ المسيح بْن الحواري، فقال المسيح: أَنَا ابن زياد بْن عمرو، وقال أَبُو محروم: أَنَا ابن نهشل بْن دارم. فقال عَبْد اللَّه بْن عياش المنتوف الهَمداني: هَذَا شرف لم يفتعلاه ولقد ارتفعت يا أَبَا محروم جدًا. ومنهم أسماء بِنْت مخربة، واسمه عمرو بن جندل بن أبير بْن نهشل، وهي أم أَبِي جهل بْن هشام المخزومي، وكانت عند سُوَيْد بْن ربيعة الدارمي، فهرب إِلَى مكة حين هرب وهي معه، فسقطت إِلَى اليمن فتزوجها هشام بْن المغيرة، فولدت له أبا جهل فسمته عمرًا باسم أبيها، والحارث بْن هشام، ثُمَّ فارقها فتزوجها أَبُو ربيعة بْن المغيرة، وقد ذكرنا خبرها فيما تقدم. ومنهم: معن بْن عوف بْن مرة بْن وبير، والحصين بْن الجُلاس بن مخربة الشاعر.

_ [1] السر: محض النسب وأفضله. القاموس.

ومنهم: ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل،

ومنهم: ضمرة بْن ضمرة بْن جَابِر بْن قطن بْن نهشل، وضمرة هُوَ شقة بْن ضمرة بْن جَابِر، كان شاعرًا. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن المفضل وغيره قَالُوا: كان ضمرة بْن ضمرة يسمى شقة بْن ضمرة، وكان ذا رأي، فبلغ المنذر بْن المنذر ذلك فأحب النظر إليه، فأشخصه إِلَى ما قبله، وكان دميمًا فَلَمَّا دخل شقة على المنذر بْن المنذر أَبِي النعمان بْن المنذر قال له: من أنت؟ قال: شقة بْن ضمرة. قال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. يقول: يعجبك أن تسمع بالمعيدي لا أن تراه، ويقال إنه قال: لأن تسمع بالمعيدي خير من أَن تراه، فقال شقة: أبيت اللعن، إن القوم ليسوا بِجُزُر أي بغنم تُجزر، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا نطق نطق ببيان، وَإِذَا قاتل قاتل بجَنَان، والرجال لا تكال بالقُفْزَان، فأعجب المنذر بما سمع من منطقه، فسماه ضمرة باسم أَبِيهِ، وكان أَبُوهُ أثيرًا عنده، وكان من رجالات بني تميم، ثُمَّ قال له: هَلْ عندك يا ضمرة بْن ضمرة علم بالأمور؟ قال: نعم أيها الملك، إني لانقض منها المفتول، وأبرم المسحول، ثُمَّ أجيلها حَتَّى تجول، ثُمَّ أنظر إِلَى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب من لم يكن له نظر فِي العواقب، قال: صدقت فأخبرني عن الفقر الحاضر، والعجز الظاهر؟ قال: أما الفقر الحاضر فأن يكون الرجل لا يشبع نفسه، ولو كان من ذهب حَلْسَه، وأما العجز الظاهر أن يكون الرجل قليل الحيلة لازمًا للحليلة، يطيع قولها ويحوم حولها، إن غضبت ترضاها وإن رضيت فداها، فلا كان ذاك فِي الأحياء، ولا ولدت مثله النساء. قال المنذر: لله أبوك، فأخبرني عن السوءة السواء، والداء العَيَاء؟ فقال: أما السوءة السواء، فالحليلة

الصخابة، السليطة السبابة، الخفيفة الوثابة، المخوف غيبها، الكثير عيبها، التي تَعْجَب من غير عجب، وتغضب من غير مغضب، فحليلها لا ينعم باله، ولا تحسن حاله، إن كان مُقِلًا عَيَّرَتْهُ بإقلاله، وإن كان ذا مال لم ينتفع بماله، فأراح اللَّه منها أهلها، وأما الداء العَيَاء فجار السوء الَّذِي إن كَلَّمْتَهُ بهتك، وإن قاولته شتمك، وإن غبت عَنْهُ سبعك، فإذا كان ذلك جارك فخلِّ له دارك، وعجل منه فرارك، وإن رضيت بالدار فكن كالكلب الهرار، وأقِرَّ له بالذل والصغار. قال: صدقت أنت ضمرة بْن ضمرة حقا، وجعله من حُدّاثه وسُمَّاره، ودفع إليه إبلًا كَانَتْ له، فكانت فِي يده، وهي هجائنه، وهجائن النعمان ابنه بعده ورثها من أَبِيهِ، وكانت من أكرم الإبل، كَانَتْ حمرًا سود المقل، فأغار يزيد بْن الصعق الكلابي على تلك الهجائن، وهي يومئذ للنعمان وكانت فِي يد ضمرة فأغار ببني دارم على يزيد فاستنقذ الإبل إلا لقائح يسيرة، وأسر قَيْس بْن يزيد حَتَّى افتداه يزيد بباقي الإبل وبمائة من الإبل من عنده سواها، فقال ضمرة: وطوفوا حولها وتمصروها ... فسوف يصيب غرتها الكفيل إذا عض الأسار يمين قَيْس ... لدى أبياتنا شفي الغليل وكان ضمرة نذر ألا يشرب خمرًا، ولا يمس دهنًا، ولا يغسل رأسه حَتَّى يدرك ثأره فقال: الآن ساغ لي الشراب ولم أكنْ ... آتي التجار ولا أشد تكلمي ومشت نساء كالنعام عباهل ... من بين عارية الشتاء وأيم لعب الرماح ببعلها فتركنه ... فِي صدر معتدل القناة مُقوِّم وجاءت طائفة من بني عطارد إِلَى ضمرة فمنعهم وأحسن جوارهم حَتَّى

أمنوا، ثُمَّ جاور فيهم فلم يحسنوا جواره، فقال: إذا كنت فِي سعد وأمك فيهم ... مقيمًا فلا يغررك خالك من سعد فَإِن ابن أخت القوم مُصْغٍ أناده [1] ... إذا لم يزاحم خاله بأبٍ جلد إذا ما دعوا كيسان كان كهولهم ... إِلَى الغدر أمضى من شبابهم المرد قال: والغدر يسمى عند بني شَيْبَان كيسان. ومن ولد ضمرة بْن ضمرة: نهشل بْن حَرَي بْن ضمرة الشاعر. وقال هشام ابن الكلبي: قال حَرَيّ: يا ضمر أخبرني ولست بفاعلٍ ... وأخوك صادقك الَّذِي لا يكذب هَلْ فِي القضيَّة أن إذا استغنيتم ... وأمنتم فأنا البعيد الأجنب وَإِذَا الكتائب بالشدائد مرة ... أحجرتكم فأنا الحبيب الأقرب ولمالكم طيب المياه وشربها ... ولي الثماد [2] ورعيهن المجدب وَإِذَا تكون شديدة أدعى لها ... وَإِذَا يحاس الحيس يدعى جُندب عجبًا لتلك قضية وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب هَذَا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب وحدثت عن هشام ابن الكلبي أنه قال: إن الَّذِي قيل له أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه الصَّقْعَب بْن عمرو النهدي قال له ذلك النعمان بْن المنذر، وقال أَبُو عُبَيْد القاسم بْن سلام: كان الطائي [3] يرى تشديد الدال فيقول المعيدّي، ولم أسمع هَذَا من غيره، وقال هو تصغير رجل منسوب إلى معدّ.

_ [1] ناداه: جالسه أو فاخره، وإبل نواد: شاردة، والندوة: الجماعة. القاموس. [2] الثمد: الماء القليل لا مادة له. القاموس. [3] في الأمثال لأبي عبيد ص 97 «الكسائي» ، وهذا ما أرجحه.

سائر رجال بني نهشل

[سائر رجال بني نهشل] ومنهم: مالك بْن حَري بْن ضمرة قتل يوم صفين. ومن ولد مخربة: يزيد بْن نهشل، وكان شاعرًا وولي صدقات تيم وعدي وقال: أحقُّ مالٍ فكلوه يأكل ... أموال تيم وعدي وعُكُلْ وهلك يزيد بْن نهشل، فرثاه الْحَارِث بْن الأزور أحد بني مخربة فقال: لعمري لئن أمسى يزيد بْن نهشلٍ ... ثوى جدثًا تسفى عليه البوارح لقد كان مما يبسط الكف بالندى ... إذا ضنَّ بالخير النفوس الشحائح فجعنا به يالهف نفسي بعد ما ... جلى الغم صلت عن جبينك واضح قال أَبُو اليقظان: ومن بني جندل: عجرد، وكان ينزل الكوفة وهو القائل: فقلت له وأنكر بعض شأني ... أَلَمْ تَعْرِفْ رقاب بني تميم رقابٌ لم تُقِرَّ بيوم خسفٍ ... أَبيَّاتٌ على الملك الغشوم ومن بني قطن بْن نهشل: حبيب بْن بُديل بْن قُرَّة بْن عُبيد بْن ربيعة بْن عَبْد عمرو بْن قطن بْن نهشل. ومن ولده: أَبُو الحجاج بْن الوضاح بْن حبيب بْن بديل. وقال أَبُو اليقظان: كان حبيب بْن بديل يلي الولايات فِي زمن أَبِي جَعْفَر، قال: وهو من ولد زَيْد بْن قطن بْن نهشل، وكان من صحابة أَبِي جَعْفَر. ومن بني نهشل: حكيم بْن الْحَارِث بْن نَهيك أحد بني قطن. وكان الْحَارِث يلقب الأصيلع. وقتل حكيم يوم الوقيط، يوم تجمعت قَيْس،

وتيم اللَّه ابنا ثَعْلَبَة بْن عُكابة، وعجل ولجيم ابنا صعب بن علي بن بكر، ويقال لهؤلاء اللهازم ليغيروا على بني تميم وهم غارون، فبعث ناشب بْن بشامة العنبري، وهو أسير فِي بني مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة إنه قد أورق العوسج، واشتكى النساء. يعني بأورق العوسج أنه قد تسلحوا لكم، وبقوله اشتكى النساء أنهن قد حرزْنَ الشِّكَاء، فحذرت بنو تميم، فاقتتلوا بالوقيط، فطُعن ضرار بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة، وأُسر فجزت بنو تميم ناصيته وخلوا سربه تحت الليل مُضَارَّة للفرز بْن الأسود بْن شريك، لأنه خاصم فِيهِ وادَّعى أنه مِمَّنْ أسره فقال أَبُو فَدفد التيمي: هُمُ استنقذوا المأموم من رهط طَيْسَلٍ ... وردوا ضرارًا فِي الغبار المُنَضّح وقاتل حكيم وهو يرتجز: ماويَّ لا تراعي ... رحيبة ذراعي بالكر والإيزاع فشد عليه وران التيمي فقتله، فقال شاعر من بني نهشل: أتنسى نهشل ما عند عجلٍ ... وما عند الوران من الذحول وكان حكيم أثخن فِي القوم يومئذ، وهو يقول: كَلُّ امرئٍ مُصَبَّح فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى من شراك نعله فَلَمَّا قتل حكيم رثاه أَبُو الْحَارِث بْن نهيك الأصيلع فقال: حكيم فِدَى لك يوم الوقيظ ... إذا حضر الموتَ خالي وَعَمّ تعودتَ خير فعال الرجال ... فَكَّ العُنَاةِ وقتل البُهَمْ وما أن أتى من بني دارمٍ ... نعِيكَ أشْمَطُ إلَّا وَجَمْ وفقَّأ عَيْنَيْ بُكاؤُهُما ... وأورث فِي السَّمْع منى صمم

فَمَا شاء فليفعل الوائدات ... والدهر بعد فتانا حَكمْ فتى ما أضَلَّتْ به أُمُّهُ ... من القوم ليلة لا مُدَّ غَمَّ [1] يجوب البلاد ويهدي الخميس ... ويُصبح كالصَّقْرِ فوقَ العَلَمْ قال أَبُو اليقظان: لقي الهِذلق بْن نُعيم بْن ربيع بْن عُتيبة بْن الْحَارِث اليربوعي ابن كرشاء أحد بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة واسمه عُلقة، ومعه السليل بْن قَيْس، أخو بسطام بْن قَيْس، وهو ولد ذي الجدّين، فعرضا لابن عتيبة ومعه امرأته ابْنَة ضرار بْن عمرو الضَّبِّيّ، فاستغاث ببني يربوع، فاقتتلوا فأسر ابن كرشاء والسليل بْن قَيْس بْن أُبي النهشلي من بني قطن واحدًا بعد واحد، وقال بعضهم ابن كرشاء شيباني أيضًا فقال فِي ذلك نهشل بْن حري: وقاظَ ابن ذي الجدَّين وسط بيوتنا ... وكرشاءُ فِي الأغلالِ والحلَقُ الصُّفْرُ ويومٌ كأنَّ المُصْطَلينَ بِحَرِّهِ ... وإنْ لم تكُن نارٌ وقوفٌ على الجَمْر صبرنا له حَتَّى نَبُوحَ وإنَّما ... تُفَرَّجُ أيامُ الكريهةِ بالصَّبرِ وقال قَيْس بْن أُبَيّ: هَذَا السليل أخو بسطام مُنْعَفِرٌ ... عَانٍ ومِنْ بَعْدِهِ عَلْقُ بْن كرشاء ولم يزل عتيبة حَتَّى أسر بسطامًا يوم الغبيط [2] ، غَبيط المدرة، وذلك أن بسطام بْن قَيْس ومفروق بْن عُمَر، والحوفزان بن شريك واسمه الحارث، وإنما حفزه قَيْس بْن عاصم بالرمح فِي استه، فسمِّي الحوفزان، وقد أغاروا فِي يوم حدود على ثَعْلَبَة بْن يربوع، وثعلبة بْن حَدِي بْن فزارة،

_ [1] الغم: الكرب، وغم الهلال: حال دونه غيم رقيق. القاموس. [2] الغبيط: أرض لبني يربوع بين الكوفة وفيد. معجم البلدان.

وثعلبة بْن سعد بْن ذبيان، وكانوا متجاورين، ثُمَّ مروا على بني مالك بْن حنظلة أيضًا فاكتسحوا إبلهم، فركبوا ومعهم عتيبة وفرسان بني يربوع، فاقتتلوا بغبيط المدرة، وألح عتيبة على بسطام بْن قَيْس، فأسر بسطامًا، فافتدى نفسه وذلك قول جرير: قد ردَّ فِي الغِلِّ بسطامًا فوارسُنا ... واستودعوا نَعْمَهُ فِي آل حَجَّارِ [1] وكان بسطام أيضًا أسر فِي يوم أعشاش، فلم يَفْدِ نفسه، فأطلقه بنو يربوع، وهذه أَسْرَةٌ قبل أن يأسره عتيبة، وَفِي ذلك يقول جرير: وعَضَّ ابنُ ذي الجدَّيْن وَسْطَ بيوتنا ... سلاسله والقَدَّ حولًا مُحَرَّمَا [2] وكانت بَكْر بْن وائل أغارت فِي هَذَا اليوم على بني يربوع فالتقوا بأعشاش. ومن بني قطن بْن نهشل: كبيش بْن جَابِر بْن قطن، وكان زنى بأَمَةٍ لزرارة يُقَالُ لها رُشيَّة، وكانت أخيذة وكانت كلبية، فولد الكبيش: برغوث بْن الكبيش. والكلب بْن الكبيش. فتزوج الكلب أم الحطيئة، فقال الحطيئة: ولقد رأيتكِ فِي النساء فسوءتني ... وأبا بنيكِ فساء فِي المجلس [3] يعني الكلب ولا عقب له. ومن بني قطن: الدهماء المُجَلَّلة وسمي بِذَلِك لشدته، وحُسْن شعره، وكان صريعًا. ومنهم أَبُو الغول [4] صاحب ابن المقفع الذي رثاه

_ [1] ديوان جرير ص 241 مع فوارق. [2] ليس في ديوانه المطبوع. [3] ديوان الحطيئة ص 110. [4] بهامش الأصل: اسم أبي الغول علباء بن جوشن.

وطلق امرأته بعد خمسين سنة فَقِيل طلقتها بعد صحبة خمسين سنة فقال: والله ما لها ذنب غير طول الصحبة. ومن بني صخر بْن نهشل: خازم بْن خزيمة بْن عَبْد اللَّه بْن حنظلة بْن نضلة بْن حُرثان بْن مُطلق بْن صخر بْن نهشل القائد، ويكنى أَبَا خزيمة، وهو الَّذِي قتل ملبد بْن حرملة الخارجي، وكان ميمون النقيبة، ولي خراسان، وولي عُمان، ومات ببغداد فعُزي عليه أَبُو جَعْفَر المنصور أمير المؤمنين. وخزيمة. وعبد اللَّه. وشعيب. وإبراهيم. وموسى بنو خازم بْن خزيمة. فأما خزيمة فكان يكنى أَبَا الْعَبَّاس، وقد ولي الجسر ببغداد، وكان قصره بباب الجسر. وقَتَل إِبْرَاهِيم المؤيد بْن طريف الشاري. وولي مُوسَى واسط وقتله ابن له، وكان عمارة بْن عقيل بْن بلال بْن جرير بْن عطية قدم بغداد فِي خلافة المأمون، فأتى تميم بْن خزيمة فلم يصنع به خيرًا، وأتى خَالِد بْن يزيد بن مزيد فأكرمه، وأعطاه ألف دينار تَعيّنها له فقال: أأتركُ إنْ قلَّتْ دراهم خالدٍ ... زيارَته إني إذًا للئيم فليتَ ببُرْدَيهِ لنا كان خَالِد ... وكان لبكر بالثراء تميم فيصبح فِي قومي أَغَرُّ محجلٌ ... ويصبح فِي بَكْر أَغَمُّ بهيم ومنهم: أَبُو الغريزة الشاعر، وهو كثير بْن عَبْد اللَّه بْن مالك بْن هبيرة بْن صخر بْن نهشل. وقد أسلم وأدرك معاوية بن أبي سفيان. والغريزة جدته سبيئة من بني تغلب.

وولد أبان بْن دارم: مرة بْن أبان. وربيعة بْن أبان. وسيف بْن أبان. وسعد بْن أبان. وعبد اللَّه بْن أبان. ومعقل بْن أبان. ويسار بْن أبان. منهم: سورة بْن الحر بْن نافع بْن العرباض بْن ثَعْلَبَة بْن سعد بْن سيف بْن أبان صاحب سمرقند، وكان يكنى أَبَا العلاء، وكان فِي جيش سُفْيَان بْن الأبرد، وهو مقابل قطري بْن الفجاءَة، وكان مع الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بخراسان، فولاه وَقَوَّدَهُ على عشرين ألفًا، ولقي الترك فأخذ عليه الطريق فقتل وقتل أصحابه جميعًا، وكان أخوه سوار بْن الحر مع ابن الأشعث. ومن بني مناف بْن دارم: حكيم بْن أَبِي كرشاء، كان شاعرًا وأُخذ فِي سَرق بالبصرة، فقدم من البادية أخ له يُقَالُ له الأقرع، فأتى قبر غالب أَبِي الفرزدق فعاذ به، وقال للفرزدق: قد أتيت قبر أبيك فَعُذْتُ به لتكلم فِي حكيم فتكلم فِيهِ، فأخرج فقال الفرزدق: دعا ابن أَبِي كرشاء دعوة مرهق ... وعاذ بأحجار على قبر غالب فقلت له صبرًا حكيم فإنني ... سأدفع عنك الشر من كل جانب دعا ابن حكيم دعوة فبائها ... على كل لص من مناف وحارب [1] ومن بْني جرير بْن دارم، ثُمَّ من بني زهير بْن فقيم: مُحَمَّد بْن رباط، ويكنى أَبَا رباط، كان على شرط البصرة أيام الحجاج للحكم بْن أيوب، وذلك أنه كان صحب أخت الحجاج زينب من الشام، فأحسن صحبتها، فكلمت الحكم فِيهِ فولاه الشرطة، ومات بالبصرة فجأة فقال الفرزدق:

_ [1] ليست في ديوان الفرزدق المطبوع.

وليلة السبت إذ أَلْقَتْ كلا كلها ... على تميم وقد عَمَّتْ بها مضرا مُحَمَّد ووكيع ليس بينهما ... عامان يا عجبًا للدهر إذ عثرا [1] فولد مُحَمَّد بْن رباط: رباطًا، ولقبه دَرْست، وكان درست من وجوه تميم ويكنى أَبَا سَعِيد، ومات بالبصرة. ومنهم الغَرِق من بني مؤالة، وكان أَبُو مُوسَى استرضع لأبي بردة فيهم، فكان أخا الغرق من الرضاعة، وأم الغرق من بني دَحداحة، وكان أَبُو شيخ بْن الغرق من رجال بني تميم، ووفد على سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، وله عقب. وشماخ بْن علقمة بْن أَبِي شيخ بْن الغرق، كان من وجوه بني تميم، ووفد على سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وله عقب، وكان بلال بْن أَبِي بردة يكرمه وكان شديد البطش يصارع فصارع رجلًا من عنزة يُقَالُ له جاهل، فقال الشاعر: إنك قد لاقيت مِنَّا جاهلًا ... لاقيت مِنَّا رجلًا حلالا أشد منك عُنُقَا وكاهلا وقال أَبُو اليقظان: يزعمون أن مؤالة بْن فقيم بْن جرير بْن دارم من بني تيم الرِّباب من بطن يُقَالُ لهم بنو شُعاعة، فقال الفرزدق فِي شَمَّاخ: لو كان من جُهال قومي عذرته ... ولكن عبدا من شعاعة أحمرا [2] وقال أَبُو اليقظان: ويقال إن أبان بْن دارم من سنبس حي من طيّئ قال الشاعر:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 312. [2] ليسا في ديوانه المطبوع.

أنتم إذا ما أكلأ الناس من دارمٍ ... وأنتم إذا ما أجدب الناس سنبس وخططهم بالكوفة، ولم يختط منهم بالبصرة أحد، وكان لهم مسجد بالكوفة كهيئة الصليب فقال الشاعر: يصلي المسلمون لرب عِيسَى ... ويسجد للصليب بنو أبان

نسب بني طهية وهم ولد أبي سود وغيرهم

نسب بني طُهَيَّةَ وهم ولد أَبِي سُود وغيرهم وولد أَبُو سود بْن مالك بْن حنظلة: ربيعة بْن أَبِي سُود. وعبد شمس وأمهما ريطة بِنْت قَيْس بْن حنظلة. ومالك بْن أَبِي سود وأمه القِصاف، بها يعرفون. فولد ربيعة بْن أَبِي سود: شَيْبَان بْن ربيعة. وشهاب بْن ربيعة. وحُباش بْن ربيعة. وحُبيش بْن ربيعة. فولد شهاب: زهير بْن شهاب. ومالك بْن شهاب. فولد زهير: شداد بْن زهير. وشيطان بْن زهير، وهم الذين يُقَالُ لهم بالكوفة بنو شيطان، ومنازلهم فوق الكناسة، وثعلبة بْن زهير. وجعونة بْن زهير، وأمهم ميثاء بِنْت شعبان بْن ربيعة بْن أَبِي سود، وبها يعرفون. فَمَنْ بني ربيعة بْن أَبِي سود: العدل بْن حكيم بْن عمرو بْن سُلم بْن شَيْبَان بْن ربيعة بْن أَبِي سود الشاعر الَّذِي يقول: جزى اللَّه عنا آل نتلة صالحًا ... فتى ناشئًا من آل نتلة أو كهلا ومنهم: عقبة بْن سُنيع [1] بْن نهشل بْن شداد بْن زهير بن شهاب بن

_ [1] بهامش الأصل: «سنيع» .

ربيعة، كان شريفًا ذا مال وقد نكحت إليه قريش، ومن الرواة من يقول سبيع بباء وهو تصحيف. ومن ولده: يحيى بْن عقبة الَّذِي يقول له جرير: يا يحيى هَلْ لك فِي حياتك حاجة ... من قبل قارعةٍ وخزيٍ عاجل أَسلمت أمكَ إذْ يُجَرُّ برجلها ... وتركتها غرضا لكل مناضل [1] ولد عَبْد شمس بْن أَبِي سود: حنيف بْن عَبْد شمس. ومؤالة. وعشير بْن عَبْد شمس. وفياض بْن عَبْد شمس، وعوف بْن عَبْد شمس. وقيس بْن عَبْد شمس. وعمرو بْن عَبْد شمس. منهم: عامر بْن حُنيف الَّذِي استنقذ حاجب بْن زرارة، وقد أقدم عليه رَجُل ليقتله، فطعن الرجل وأنقذ حاجبًا وذلك قبل أن يستأسر لمالك بْن سلمة بْن قشير ذي الرُّقيبة يوم الشعب. وولد مالك بْن أَبِي سود: حرملة. ومُرى. والقِصاف الشاعر. منهم عموص الأصلع بْن القصاف. وولد جشيش بْن مالك بْن حنظلة: عوف بْن جشيش. ودريد بْن جشيش. منهم حصين بن تميم بن أسامة بن زهير بن يزيد، كان على شرط عُبَيْد اللَّه بْن زياد، حين قتل الْحُسَيْن بْن علي عليهما السلام. وولد عوف بْن مالك بْن حنظلة: سُبيع بْن عوف، فأمه عُناق بِنْت صرمة بْن زَيْد من بني ضبة، وسُعيدة بْن عوف، وأمه فتر بِنْت الربعة بْن رشدان بْن قَيْس بْن جُهينة، وكان اسم رشدان غيان فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رشدان. وأثاثه، وأمه من التيم. وقريع بْن عوف. وحسان بن عوف

_ [1] ديوان جرير ص 344، البيت الأول من قصيدة.

وولد ربيعة بن مالك بن حنظلة:

وأمهما حُظي بِنْت ربيعة بْن مالك، خلف عليها بعد أَبِيهِ، والحارث بْن عوف. وربيعة درج. فولد سعيدة بْن عوف واسمه الْحَارِث: عُبَيْد اللَّه بْن سَعِيدة. وجشم بْن سعيدة. انقضى نسب بني طُهيَّة. وولد ربيعة بْن مالك بْن حنظلة: العُجَيْف بْن ربيعة. ومالك بْن ربيعة. ووهب بْن ربيعة. فَمَنْ ولد العجيف: السِجْف ويقال هُوَ السجف بْن سعد بْن عوف بْن زهير بْن مالك بْن ربيعة، كان شريفًا، وانطلق إلى عمر بْن الخطاب متظلمًا من أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُمَا فِي أرض فقال: يا أمير المؤمنين لقد خيرتُ نفسي لظلم أَبِي مُوسَى إياي ثلاث خصال: قتل نفسي، أو أن ألحق بالمشركين، أو أن آتيك. فقال عُمَر لأبي مُوسَى: ويحك يا أَبَا مُوسَى كدت تكفر الرجل فأنصفه، فَلَمَّا كان يوم الجمل قتل مع عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا. فولد السجف: الحُنتف بْن السجف وأمه تنهاة بِنْت يزيد من بني غبر، وكان الحنتف يكنى أَبَا عَبْد اللَّه، وكان أثيرًا عند عبيد اللَّه بْن زياد، وبنى له داره فَلَمَّا وقعت فتنة ابن الزبير وسار حبيش بْن دلجة القيني يريد المدينة عقد الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه القباع لحنتف لواء فسار إِلَى حبيش فقتله بالربذة وانهزم يومئذ الحجاج بْن يوسف وأبوه، وقد كتبنا خبر يوم الربذة فيما تقدم. وقال الحنتف.

ما زال إسْدَائي لَهُم ونسجي ... وعقبتي بالكور [1] بعد السرج حَتَّى قتلناهم بيوم المرج يعني مرج راهط، فَلَمَّا كان الحنتف بوادي القرى وهو يريد الشام أتته امْرَأَة بطعام مسموم، وقد دست إليه، فأكل منه فمات بوادي القرى، فقال فِي ذلك رَجُل من رهط الحنتف: لتَبْكِ تميمٌ شيبها وشبابها ... على حنتف والخيل تُدمى نحورها وتبك رجال من قريش أصابها ... بيثرب حزن قد أَحَرَّتْ صدورها وتبكِ اليتامى والأرامل شجوها ... بوادي القرى إذ أحرزته قبورها فولد الحنتف: أَبَا بَكْر، قتل يوم الزاوية مع ابن الأشعث، ولا عقب له. ومن بني مالك بْن ربيعة: الْعَبَّاس بْن عَبْد اللَّه، وكان خارجيًا فأخذه عُبَيْد اللَّه بْن زياد فكلمه فِيهِ الحنتف، فقال له عُبَيْد اللَّه بْن زياد: اقعد على است الأرض. فقال الحنتف: وا عجبا وأَيُّ الأرض استها، فأطلقه له. ومنهم: حرملة بْن زفر [2] بْن شيطان بْن حُبيش بْن حَزْن بْن العُجَيف، وفد إِلَى رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ قبضة من تراب من تحت قدمي رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقدم بها على أهله فجعلها فِي صرة، ثُمَّ جعلها فِي مسجده فجعل يصلي عليها. ومنهم: وبرة بْن زفر بْن شيطان، قتل بالري شهيدًا قديمًا. ومنهم: عباية العُجيفي الَّذِي قال: لولا سوء الذرية لأمرت ولدي أن

_ [1] الكور: الرحل، أو بأداته. القاموس. [2] بهامش الأصل: حرملة بن زفر رحمه الله.

وولد كعب بن مالك بن حنظلة:

يماري بعضهم بعضًا، فإن طول السكت عُقلة للسان. وولد كعب بْن مالك بْن حنظلة: مُطيع بْن كعب. وعيلان بْن كعب. ويقال له مُطمع وعيلان. وهلال بْن كعب. ودُكين بْن كعب. وأجدع بْن كعب. وبشر بْن كعب. وعباد بْن كعب. وغُوَيْث بْن كعب. وَفِي بني كعب لصوص، قال الشاعر: إذا كنت ذا مال فلا توله ... سواك إذا جاورت كعب بْن مالك ذئاب الغضى يمشون كل عشيةٍ ... على جارهم يأتونه بالمهالك وكان منهم لص يُقَالُ له غويث، وهو الَّذِي يقول فِيهِ الشاعر: اللَّه نَجَّاكَ من القضيم ... ومن غويث فاتح العكوم [1] وولد زَيْد بْن مالك: بَكْر بْن زيد. وحرقة بْن زَيْد. منهم: شماخ بْن مُظهر بْن مالك بْن زَيْد بْن حنظلة، كان شريفًا. وسلمى بْن القين [2] بْن عامر بْن بَكْر بْن زَيْد صحب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. - يَعْلَى بْن أمية رحمه اللَّه. ومنهم: يعلي بْن أمية [3] بْن أبي عبيدة بْن همام بْن الْحَارِث بْن بَكْر بْن زَيْد، الَّذِي ينسب إلى أمه مُنية بِنْت الحارث بْن نُسَيب من بني مازن بْن منصور، وهو حليف لبني نوفل بْن عَبْد مناف، وله خطة بمكة، وأمه عمة عتبة بْن غزوان. وقال أَبُو اليقظان: كان يَعْلَى من المهاجرين، فَلَمَّا كان يوم فتح مكة جاء بأبيه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: بايعه على الهجرة. فقال رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «لا هجرة

_ [1] عكم المتاع: شدة بثوب، والعكوم: نمط تجعل المرأة فيه ذخيرتها. القاموس. [2] بهامش الأصل: سلمى بن القين رحمه الله. [3] بهامش الأصل: يعلى بن أمية رحمه الله.

بعد الفتح» ] فاستشفع بالعباس فقال النبي صلي الله عليه وسلم: [ «أطيع عمي ولا هجرة بعد الفتح» .] والثبت أن الرجل عَبْد الرَّحْمَن بْن صفوان، أتى بأبيه واستشفع بالعباس، فَلَمَّا توفي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولى أَبُو بَكْر يَعْلَى اليمن، فوليها زمنًا، وتزوج ابْنَة الزبير بْن الْعَوَّام. وكان يَعْلَى عظيم المنزلة من عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وكان يستشيره، وزيد بْن ثابت رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، فقال الشاعر: إذا ما دعا يَعْلَى وزيد بْن ثابتٍ ... لأمر ينوب الناس منه خطوب أشار نظيراه بخير فأصبحوا ... على حكمةٍ يدعى بها فيجيب وذكروا أن عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ مر بباب عُثْمَان يومًا، فإذا بغلة ليعلى بْن مُنْيَة واقفة كَبْداء [1] عظيمة، فقال: لمن هَذِهِ؟ قيل: ليعلى. فقال علي ليعلى: لعمري لقد أصاب المال فِي زمن عُثْمَان. قال ابن سعد: وكان يَعْلَى يفتي بمكة، وروى عن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. وقال أَبُو اليقظان حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك أن يَعْلَى قدم المدينة فأتاه أَبُو سُفْيَان بْن حرب فِي أيام عُثْمَان، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فأتى هندا فقال: دونك هَذَا المال وأريني قفاك، فقالت: قفاي خير من قفاك، قفاك أسود وقفاي أبيض، وكان أبو سفيان أسود شديد السواد، وَيَعْلَى الَّذِي أعطى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه تعالى جملها عسكرًا، وكان علي يقول: [منيتُ بأطوع الناس، يعني عَائِشَة، وبأيسر الناس يعني يَعْلَى بْن مُنْيَة، وبأسخى الناس يعني طَلْحَة، وبأشجع الناس، يعني الزبير.] وقد ذكرنا ذلك في خبر الجمل.

_ [1] الكبداء: الضخمة، القاموس.

وكان عبد الله بن يعلى بن منية شاعرا،

وكان عَبْد اللَّه بْن يَعْلَى بْن منية شاعرًا، وكانت ابْنَة يَعْلَى بْن منية التي يقول فيها عُمَر بْن أَبِي ربيعة المخزومي: مررتَ ولم تُلِمْ ... بديباجة الحَرمْ [1] وعبد اللَّه بْن يَعْلَى الَّذِي يقول: وكانت عنده زينب إحدى بنات طارق من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان وكانت جميلة، فماتت، فقال وكان ينزل عُليب قريبًا من مكة: أَجَدُّكَ لم ترحل مع الحي زينب ... ألا حَبَّذَا ذاك الحبيب المُغَيَّبُ بوجهك عن مَسِّ التراب مَضَنَّة ... فلا تبعدي فكل حيّ سيعطب أأذْهَبُ قد خَلَّيْتُ زينبَ طائعًا ... ونفسي معي لم ألقها حين تذهب تنكرتِ الأبواب لما دخلتها ... وقالوا ألا قد بانتِ اليوم زينب وقال أيضًا: يا رب ذا الحجيج حين نصبوا ... وحين باتوا بمنى وحَصَّبُوا لا تسقينَّ ملخ وعُليَبُ ... من أَجْلِ مما هنّ ماتت زينب وباليمن موالٍ ليعلى بْن مُنْيَة، يدعون بني شهاب، لهم هناك خطر. وقد انتموا إلى العرب. وقال الكلبي: قتل عُثْمَان، وَيَعْلَى عامله على اليمن، فقدم بالأموال، فأناخ بالأبطح، وقال: من سار إِلَى علي ليقاتله فليأخذ من هَذَا المال. وولد الصُّدّي بْن مالك بْن حنظلة: ثَعْلَبَة بْن الصُدَي. وعامر بْن الصدي. وعَيثامة بن الصدي.

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

وولد يربوع بن مالك:

منهم: الجعد بْن عامر بْن مالك بْن ثَعْلَبَة الَّذِي يقول له جرير بْن عطية: ومنا الذي أبلى صدي بن مالك ... ونفر طيرًا عن جُعَادة وُقِّعَا [1] والجعد هُوَ الَّذِي أسر الصمَّة الجشمي يوم عاقل، وكان الصمة أسيرًا فِي بني الجعد، وقد ذكرنا خبره، وقتل ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث بْن حُصْبة بْن أزنم إياه. ومنهم: المَرَّار بْن منقذ بْن عُبيد بْن عامر بْن الصُدَي بْن مالك بْن حنظلة الشاعر، الَّذِي يقول: وإنَّ قراب البطن يكفيك مِلْؤُهُ ... ويكفيك سَوآت الأمور اجتنابها وولد يربوع بْن مالك: عقيل بْن يربوع. فولد عقيل: صَبْرَة. فَمَنْ بني عقيل هَذَا بنو عَرادة وهم موالي عمرو بْن عُبَيْد صاحب الْحَسَن، وليس لعمرو بْن عُبَيْد عقب، ولبني عَرادة عقب بالبصرة، وهم من بني العدوية أيضًا. ومن بني العدوية: كردم الَّذِي ذكره الفرزدق فقال: لعمرك ما لُمْنَا حبيب بن محصن ... ولكننا لمنا دعيّ الكرادم [2]

_ [1] ديوان جرير ص 266. [2] ليس في ديوانه المطبوع.

نسب بني يربوع بن حنظلة

نسب بني يربوع بْن حنظلة وولد يربوع بْن حنظلة ثمانية نفر: رياح بْن يربوع، وأمه أم قتال بِنْت عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن لؤي من التيم. وقال غير الكلبي: أمه الظلفاء من بني تيم الربَاب. وثعلبة بْن يربوع. والحارث بْن يربوع. وعمرو بْن يربوع. وصُبيرة بْن يربوع، وأمهم السعفاء بِنْت غَنم بْن قُتَيْبَة بْن معن، يُقَالُ لبنيها الأحمال. وكليب. وغُدانة وأمهما رقاش بِنْت شَهْبَرة من قَيْس بْن مالك بْن زَيْد مناة، والعنبر بْن يربوع، وأمه الحرام بِنْت زَيْد بْن بشة بْن العنبر بْن عمرو بْن تميم. فالأحمال: ثَعْلَبَة، وعمرو، وصبيرة، والحارث، والعُقَد: كليب بْن يربوع، وغدانة والعنبر تعاقدوا على رياح. فولد رياح بْن يربوع: همام بْن رياح. وهَرْمي بْن رياح. وحِمْيَري بْن رياح. وزيد بْن رياح. وعبد اللَّه بْن رياح. ومنقذ بْن رياح. والخمَّة بْن رياح. وجابر بْن رياح. فأم همّام والخمَّة وجابر وعبد اللَّه: تعْجُز بِنْت غالب بْن حنظلة. وأم زَيْد: العجماء بِنْت مُعَاوِيَة بْن شريف بن جروة بن

فمن بني حميري: سحيم بن وثيل [1] بن عمرو بن جوين بن أهيب بن حميري الشاعر

أسيد بْن عمرو بْن تميم. وأم هرمي ومنقذ: ظلامة الفهمية. وأم حميري: عمرة بِنْت قَيْس بْن حنظلة، وكعب بْن رياح. فَمَنْ بني حميري: سَحيم بْن وثيل [1] بْن عمرو بْن جوين بْن أهيب بْن حميري الشاعر الَّذِي يقول: ألا تحنون من تكبير قوم ... لعلاتٍ وأمكم رقوب وقال أيضًا: أرى الدهر والأيام فيها تفرق ... فأول حال الخير ما عشتما معا وقال أيضًا: أَنَا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتَى أضع العمامة تعرفوني ألم تَرَ أنني فِي حميريّ ... مكان الليث من وسط العرين عذرتُ البزل إن هِيَ خاطرتني ... فَمَا بالي وبال بني لبون [2] فَإِن عُلالتي وحِراء حولٍ ... لذو شق على الضرع الظنون [3] وماذا يغمز الأقرانُ مني ... وقد جاوزت رأس الأربعين أخو خمسين مجتمع أشدي ... ونجذني [4] مداورة الشؤون كريم الخال من سلفي رياح ... كنصل السيف وضاح الجبين

_ [1] بهامش الأصل: سحيم بن وثيل الشاعر. [2] البزل: جمع بازل وهو البعير المسن، وخاطرتني: راهنتني، وابن اللبون: ولد الناقة إذا استكمل الثانية ودخل في الثالثة. [3] العلالة: أن تحلب الناقة أول النهار وآخره، وتحلب وسط النهار، فتلك الوسطى هي العلالة، وحراء: غضاب ذوو غم وهم. والحول: الحركة والحيلة، والشق: المشقة، وفي رواية الأصمعيات «وجراء حولي» . انظر مادتي «حراء وحول» في النهاية لابن الأثير. [4] نجذني: حنكني وعرفني الأشياء، ومداورة: معالجة.

مَتَى أحلل إِلَى قطن وزيد ... وسَلمى تكثر الأصوات دوني [1] وكان عُثْمَان بْن عفان بعث سَمُرة بْن قَرظ الخفافي على ضوال النَّعم وهوا فيها [2] ، فبلغه أن عند سحيم ناقة منها فخرج فِي طلبها فمنعته أم سحيم منها، فدفعها سمرة وهي عجوز قد سقطت أسنانها فسقطت فادعى سحيم وكان شرسًا على سمرة أنه هتم أسنانها، فعدا على عُبَيْد بْن غاضرة بْن سمرة فكسر أسنانه، فرفعه إِلَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ فحبس سحيمًا، وقال عُثْمَان: لأقطعنَّ يده أو يرضيه من فِيهِ. فمشى فِي ذلك يزيد بْن مَسْعُود بْن خَالِد بْن ربعي بْن حَمْدَل فأصلح بينهم، وحمل مائة من الإبل وأخرج سحيمًا فَسُمِّيَ عُبَيْد بْن غاضرة مثغورا، وهو الَّذِي حكم لعمر بْن لجأ على جرير. وقال كعب بْن علفاء أحد بني الهُجيم يهجو سحيما: هُمُ تركوك أسلح من حباري [3] ... رأت صقرًا وأنفر من ظليم وكان سحيم يكنى أَبَا الدعاء، وهو مخضرم عاش فِي الجاهلية أربعين سنة، وَفِي الْإِسْلَام ستين سنة، وله عقب، ونافر سحيم بْن وثيل غالبًا أَبَا الفرزدق فِي الْإِسْلَام، فبعضهم يقول نُفر عليه غالب. وقال الحرمازي: وبنو يربوع يقولون نُفّر سحيم عليه لأن في بني رياح

_ [1] الأصمعيات- ط. القاهرة 1955 ص 3- 7. [2] أي العطشى منها أو الضالة الآبقة. القاموس. [3] الحباري: طائر معروف، وهو اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، وقال الجاحظ: الحباري لها خزانة في دبرها وأمعائها لها أبدا فيها سلح رقيق، فمتى ألح عليها الصقر سلحت عليه، فينتف ريشه كله، وفي ذلك هلاكه. حياة الحيوان للدميري.

ردافة الملوك، ولهم ولأخوتهم من بني يربوع كثرة عدد وإنهم ذوو حروب وبأس. ومنهم عتيبة صائد الفرسان، وَفِي ذلك يقول سحيم شعره النوني. وقال أَبُو اليقظان: عاقر غالب سحيما بصوءر [1] فغلب سحيمًا فقال الفرزدق: ما برئت إلا على عرج بها ... عراقيبها مذ عُقِّرت يوم صوأر [2] ولوثيل يقول متمم بن نويرة: وقلت لذي الطبيين إذ قال عامدًا ... ليسمعني ما قال أَوْ غير عامد وأغار قَيْس بْن شرفاء الربعي، من ولد ربيعة بْن نزار، على بني يربوع بالشعب، فاقتتلوا فأسر سحيم بْن وَثيل الرياحي ففي ذلك يقول: أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ... ألم تعلموا أني ابن فارس زَهْدَم وأسر أيضًا متمم بْن نويرة، وكانت الردَافة لبني يربوع بْن حنظلة، ثُمَّ لبني رياح، فطلبها حاجب بْن زرارة للحارث بْن بيبة، وقال للمنذر بْن ماء السماء: هُوَ شيخ بني حنظلة، فأراد المنذر أن يجعل الردافة له ولقومه، فاجتمع بنو يربوع بطرف طَخْفَة [3] عاصين للمنذر، فَسَرَّح إليهم جيشًا فالتقوا بطخفة فاقتتلوا، فهزم أصحاب المنذر، وكانت البراجم مع بني يربوع ليس معهم من تميم غيرهم، وأسر طارق بْن حصبة بْن أزنم قابوس بْن المنذر، فبعثوا به إِلَى المنذر، فأتاهم ثواب من نعم ورقيق،

_ [1] بهامش الأصل: موضع. [2] شعر الفرزدق وتفاصيل أخبار هذا اليوم في النقائض ج 1 ص 414- 418. [3] طخفة: موضع بعد النباج في طريق البصرة مكة، وقيل هو جبل أحمر طويل حذاءه بئار ومنهل. معجم البلدان.

ومنهم حبيب وهو أعيفر بن أبي عمرو بن إهاب بن حميري بن رياح،

وأسراء من بني تميم، وأُسر حسان بْن المنذر أخوه فأدركه عمرو بْن جوين بْن أهيب بْن حميري فأطلقه للمنذر، وقتلت بنو يربوع أَبَا مَنْدُوسة المجاشعي، وكان فِي جيش المنذر، وَفِي ذلك يقول سحيم بْن وَثيل: أَبِي أنزل الجبار عامل رمحه ... عن السرج حَتَّى خَرَّ بين السنابك بطخفة إذ مال السروج وذببوا [1] ... عراة على جرد طوال الحوارك وقال أَبُو عبيدة: صاحب حسان بشر بْن عمرو عم سحيم فصيره [2] إياه، وقال عمرو بْن حَوْط بْن سلمى بْن هَرْمي: قسطنا يوم طخفة غير شكٍ ... على قابوس أذكره الصياح لعمرو أبيك والأنباء تنمى ... لنعم الحي فِي الجُلى رياح أَبَوا دين الملوك فهم لقاح ... إذا هيجوا إلى حرب أشاحوا وقال سحيم: وعمَّاي ذادا يوم طخفة عنكم ... أوائل دهم كالسراديخ [3] معلم وقال جرير: وحسان أَعْضَضْنَا الحديدَ ابنَ منذرٍ ... وقابوس إذْ لا يدفع الغلَّ مَدْفَعَا [4] ومنهم حبيب وهو أُعيفر بْن أَبِي عمرو بْن إهاب بْن حميري بْن رياح، وكان من أحسن الناس وجهًا وهو من الذين كانوا لا يدخلون مكة إلا وعليهم العمائم من جمالهم [5] لا يثب النساء عليهم، وهم الزبرقان بن بدر وهو

_ [1] ذبب: دفع ومنع، وشفته جفت عطشا، وراكب مذبب: عجل منفرد. القاموس. [2] صيره: حضره. القاموس. [3] بهامش الأصل: أصول الجبال، الواحد سرداخ. [4] ديوان جرير ص 266. [5] بهامش الأصل: تسمية من كان يدخل مكة معتما لجماله.

ومنهم: مطر بن ناجية بن ذروة بن حطان بن قيس بن أوس بن حميري

حُصين أحد بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم. وعثمان بْن حنظلة بْن فاتك الأسدي. وأعيفر اليربوعي. وسنيع الطهوي. وبُرجُد أخو بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة بْن عكابة، واسم بُرجد قَيْس بْن حسان بْن عمرو بْن مزيد. وزيد الخيل بْن مهلهل الطائي. وعمرو بْن حُمَمة الدوسي. وقيس بْن سلمة بْن شرحبيل الجعفي. وجرير بْن عَبْد اللَّه البجلي. وذو الكلاع وهو سُمَيْفَع بْن ناكور الحميري. وقيس بْن الخطيم الأنصاري. وامرئ القيس بْن حجر الكندي. ومنهم: مطر بْن ناجية بْن ذروة بْن حطان بْن قَيْس بْن أوس بْن حميري الَّذِي غلب على الكوفة أيام ابن الأشعث، وقد كتبنا خبره وهرب حين قُتل ابن الأشعث، وفيه وبه يُراد قول الشاعر: وَفَرَّ الرياحيان إذ حمش [1] الوغى ... مطيرٌ وبرّاد فرارا عذوّرا [2] يريد الأبرد بْن قُرَّة الرياحي، وكان مع مطر بالكوفة، وبعضهم يقول هُوَ ناجنة- بنون- ولكن الناس صحّفوه وهو بالنون أصح. [هرمي بن رياح] ومن بني رياح: عتاب بْن هرمي بْن رياح وهو الردف [3] ، ردف للنعمان بْن الشقيقة، وكانت الردافة أن يجلس الملك فيجلس الردف عن يمينه، فإذا شرب شرب الردف قبل الناس، وَإِذَا غزا الملك جلس فِي مجلسه وخلفه على الناس حَتَّى ينصرف من غزاته، وَإِذَا أغارت كتيبة الملك أَخَذَ المرباع وذلك قول جرير:

_ [1] حمش: غضب. واشتد. القاموس. [2] العذور: الشديد النفس، والملك الشديد. القاموس. [3] بهامش الأصل: تفسير الردافة.

وعوف بن عتاب

ربعنا وأردفنا الملوك وظللوا ... وطاب الأجاليب الثمام المُنَزَّعا [1] وكانت للردف أتاوة يأخذها من جميع مملكة الملك. وعوف بْن عتاب كان ردفًا بعد أَبِيهِ، ثُمَّ يزيد بْن عوف كان ردفًا للمنذر بْن ماء السماء، وهو جَد النعمان بن المنذر. [عمرو بن عتاب] ومنهم: الأحوص بْن عمرو بْن عتاب الشاعر. وفيهم يقول الفرزدق: ويردف عتاب الملوك ولم تكن ... لهم عند أبواب الملوك بشاهد [2] وقال الأحوص عمرو بْن عتاب، وبعضهم يقول الأحوص بْن عمرو، ويرويه عن الكلبي: فهل رياحٌ وكعبٌ لا أَبَا لكُمُ ... أم هَلْ أَبِي الرَّدْف عتابٌ كمرداس يحمي ابن فسوة كعبًا وهو مُسْلِمُها ... كعب بْن عمرو وكعب ألأَمُ الناس كعب بن عمرو بن تميم. [همام بن رياح] ومنهم: الأبرد بْن قُرَّة بْن نعيم بْن قعنب فارس العرب، وقد أَخَذَ المرباع، وكان الأسود بْن نُعيم بْن قعنب قدم المدينة على صهرٍ له من قريش، فوقع بين صهره وبين رَجُل من بني ليث كلام فقتل الأسودَ الليثيُ ثُمَّ هرب حَتَّى أتى ميسان فهلك بها، فقال جرير يرثيه: أَلَا يا لَقَوْمٍ ما أجَنَّتْ رَكِيَّةٌ ... بميسان يُحْثَى تُرْبُها فَوْقَ أَسْوَدَا نمته القروم الصِّيدُ من آل قَعْنَبٍ ... وأورثَ مجدًا فِي رياح وسؤددا [3]

_ [1] ديوان جرير ص 266. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 165. [3] ديوان جرير ص 94 مع فوارق.

وقال أبو اليقظان: ومن بني رياح الأبيرد بن المعذر الشاعر،

وقال أَبُو اليقظان: ومن بني رياح الأبيرد بْن المعذر الشاعر، وكان من أجمل الناس، وكان يُقَالُ له الصبيح الفصيح، وكان يأتي رَيّا امْرَأَة شبث بْن ربعي الرياحي، وكانت متبدية فِي ماء لبني عجل قرب الكوفة، فتوعدته بنو عجل إن أتاها يتحدث إليها أن يعقروا به، فقال فِي ذلك: لقد أَوْعَدَتْ بالعقر عجل مطيتي ... وقد علموا أنْ ليس يُفلح عاقره ولو عقروها خب منهم خبيبة [1] ... أباهِمُه تَدْمَى معًا وأظافره إذا تركتْ جوف الأساود ناقتي ... فَقُبِّحَ من جوف وقبح حاضره فساق إليك اللَّه ريا ولم تكن ... بأول أعراب تَبَدَّى مهاجره ومنهم: الجَنْبَةُ بْن طارق بْن عَمْرو بْن حَوْط بْن سَلمى- يُقَالُ سلم- ابن هرمي بْن رياح، وكان مؤذنًا لسجاح حين تنبأت. ومنهم: قعنب بْن عتاب بْن الْحَارِث بْن عمرو بْن همام بْن رياح، وكان فارسًا وفيه يقول جرير: جيئوا بمثل قعنب والعلهان ... يوم تَسَدَّى الحكم بن مروان [2] وقعنب قاتل بجير بْن عَبْد اللَّه بْن سلمة القشيري يوم المروت، وكان خبره أن قعنبًا وبجيرا تلاقيا بعكاظ، فجرى بينهما كلام حَتَّى تلاعنا فحلف قعنب ألا يرى بجيرًا بعد موقفه إلا قتله أو يموت دونه، فضرب الدهر ضربة، ثُمَّ إن بجيرًا أغار على بني العنبر، فاستغاثوا ببني حنظلة، وبني

_ [1] الخب: ضرب من العدو، أو أن ينقل الفرس أيامنه جميعا وأياسره جميعا، والسرعة، والخبيبة: الشريحة من اللحم، وخب النبات: طال وارتفع، والرجل منع ما عنده. القاموس. [2] ديوان جرير ص 488 مع فوارق كبيرة. وسدد تسديدا: قوّمه ووفقه للسداد، أي الصواب من القول والعمل. القاموس.

عمرو بْن تميم فركبوا فِي إثر بجير، فكان بينهم قتال، ثُمَّ تتامَوا فطعن نعيم بْن عتاب بْن الْحَارِث بْن عمرو بْن همام المثلم القشيري فصرعه ثُمَّ أسره، ولحق قعنب بْن عصمة بْن عُبَيْد بجيرًا فطعنه فأرداه عن فرسه، فوثب عليه كدام الْمَازِنِيّ من بني عمرو بن تميم فأسره، فرآه قعنب بْن عتاب بْن الْحَارِث وهو فِي يد كدام فحمل عليه، فأراد كدام منعه فقال: رأسك، فخلّى سبيله فضرب قعنب بجيرًا فأطار رأسه، وقتلت بنو يربوع البُرَيكين: بُرَيْكُ بْن قرط، وعامر بْن قرط، وكان المصفى القشيري قتل عمرو بْن وافد الرياحي، فقتله نعيم بْن عتاب يوم المزوت، وقتل قعنب يوم الصفقة بالمشقر، اعتوره رجلان من بني شن فقتلاه وقال جرير: وود نساء الدارميين لو رأوا ... عتيبة أو عايّنَّ فِي الخيل قعنبا [1] وكانت بنو عبس أغارت على بني ربيعة بْن مالك بْن حنظلة، فأتى الصريخ فِي بني يربوع، فركبوا فِي طلب بني عبس، فأدركوهم بذات الجرف، فاقتتلوا فقتلوا شريحًا، وأسروا فروة وزنباعًا ابني الحكم بْن مروان وأسر أسد بْن جناءة السليطي الحكم بن مروان بن زنباع بن جذيمة بْن رواحة العبسي، وقتل عصمة الرياحي من بني عبس سبعين رجلًا، وقال قائل: قتلهم قَعْنَب بْن عتاب بْن الْحَارِث الرياحي، فسمي فِي هَذَا اليوم قَعْنَب المبير، وقد كان العَفَاق بْن الغَلاق بْن قَيْس بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن همام، والغلاق هُوَ الَّذِي ذكره الْحَارِث بْن حلزة فقال: ثُمَّ خيل من بعد ذاك مع الغلّا ... ق لا رأفة ولا إبقاء [2]

_ [1] ديوان جرير ص 19. [2] مختار الشعر الجاهلي- ط. القاهرة 1959 ج 2 ص 350.

فِي إبل له، فمر ببني عبس فأخذه شريح وجابر ابنا وهب من بني عوذ بْن غالب فقتلاه، فنذر عصمة ألا يطعم خمرًا، ولا يأكل لحمًا، ولا يقرب امْرَأَة، ولا يغسل رأسه حَتَّى يقتل من بني عبس من قدر عليه، فظفر بشريح وجابر فضرب أعناقهما صبرًا وقال: اللَّه قد أمكنني من عبس ... سَاغَ شرابي وشفَيْتُ نفسي وكنت لا أقرب ظهر عرسي ... وكنت لا أشرب صفو الكأس ولا أبل بالوخاف [1] رأسي وقال الحطيئة فِي هَذَا اليوم وكان فِي الجيش فهرب: لقد بلغ الشفاء فخبرونا ... بقتلي من قتلنا من رياح [2] وقال فِي هَذَا اليوم وهو يوم الجرف، ويوم الصرائم شُمَيْتُ بْن زنباع بْن الْحَارِث بْن ربيعة بْن زَيْد بْن رياح: سائل بنا عبسًا إذا ما لقيتها ... على أي حي بالصرائم دُلَّتِ قتلنا بها صبرًا شريحًا وجابرًا ... وقد نهلت منها الرماح وَعَلَّتِ فأبلغ أَبَا حُمران أنَّ رماحنا ... قَضَتْ وَطَرًا من غالب وتَعَلَّت أَبُو حمران: عروة بْن الورد العبسي، وقال رافع بْن هريم فِي هَذَا اليوم: ونحن يوم الجرف جئنا بالحكم ... قسرًا وأسرى حوله لم تُقتسم وصَدَأ الدرع عليه كالحمم وقال جرير يفخر على الفرزدق:

_ [1] وخف الخطمي يخفه: ضربه حتى تلزج، والماء الذي غلب عليه الطين. القاموس. [2] ديوان الحطيئة ص 204.

قُلْ لحفيف القصبات الجوفانْ ... جيئوا بمثل قَعْنَبِ والعَلْهان والرَّدْفُ عَتَّابٌ غداة السوبان ... أو كأبي حزرة سم الفرسان وما ابن حنّاءة بالوغل الوان ... ولا ضعيف فِي لقاء الأقران [1] يوم تسدى الحكم بْن مروان والعَلْهان عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن عَاصِم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع، وكان انطلق وأخوه علقمة فِي بغاء إبل فأخذهما الغبريون من ربيعة فقتلوا علقمة، ثُمَّ أطلقوا عَبْد اللَّه بعدْ حين، وقَبل إطلاقه ما بلغ بني ثَعْلَبَة بْن يربوع أنهم قد قتلوا علقمة وعبد اللَّه جميعًا، فركبوا فلقوا عَبْد اللَّه فسألوه هَلْ قُتل أخوه، فلم يخبر بِذَلِك لأن القوم شرطوا ذلك عليه حين خلوا سبيله، وبلغ بني غبر وهم أَهْل مُلْهم [2] حينئذ، فتحصنوا فحرقوا نخلهم، فانحدروا فحاربوهم فظفر بنو ثَعْلَبَة وكثر القتلى فِي حائر فِيهِ ماء لهم، فامتنعوا من شرب مائه وذلك فِي يوم شديد الحر، فقال مالك بْن نويرة: اشربوا فَإِنَّمَا يَعَافُ مثل هَذَا المعزى. فشربوا، وقَتَلَ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث يومئذ بشرًا وجعل يشرب الدم فسمي العلهان، وهذا اليوم يوم ملهم. ومن ولده يزيد بْن قعنب بْن عتاب كان فارسًا. ومنهم الحرّ بْن يزيد بْن ناجية بْن قعنب بْن عتاب بْن الْحَارِث بْن عمرو بْن همام، الَّذِي صار مع الْحُسَيْن بْن علي، وكان من قبل من أشد الناس عليه، فقال له الْحُسَيْن: [أنت الحرُّ فِي الدنيا والآخرة.] وقتل معه، وله يقول الشاعر: لنعمَ الحرُّ حرُّ بني رياح ... وحرُّ عند مختلف الرماح

_ [1] ديوان جرير ص 479- بيتان فقط مع فوارق كبيرة، وانظر أيضا ص 487- 488. [2] ملهم وقران قريتان من قرى اليمامة. معجم البلدان.

ومنهم: شراحيل بن عمرو بن همام،

وقد كتبنا خبره فيما تقدم. ومنهم: شراحيل بْن عمرو بْن همام، قال الشاعر: وما الأصم بإخوانٍ فنعرفهم ... ولا ابن عمرو شراحيل بْن همام الأصم: عَبْد اللَّه بْن رياح. ومن بني شراحيل: معقل. وعقفان ابنا قَيْس بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن همام بْن رياح. وكان معقل بْن قَيْس يكنى أَبَا رميلة، وكان من رجال أَهْل الكوفة، وكان فيمن وفد مع عمار بْن ياسر إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عَنْهُ مع الهرمزان بفتح تستر، وكان مع علي رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ فوجهه إِلَى بني سامة بْن لؤي، فقتلهم وسباهم. وقد ذكرنا خبره، وقد كان عليُّ صَيَّرَهُ على شرطه، وهلك عقفان فرثاه معقل فقال: كأني بعد عقفان بْن قَيْس ... نبات الأرض اخطأه السحاب فأفلح من تخطأت المنايا ... أحبته فساغ له الشراب ولقي معقل المستورد بْن عُلفة التيمي الحروري فقاتله فقتل كل واحد منهما صاحبه. ومنهم: عَتاب بْن ورقاء بْن الْحَارِث بْن عُمَرو بْن همام، كان سخيًا مبرزًا شريفًا، وكان يكنى أَبَا ورقاء. وقال أَبُو اليقظان: كان الفرخان صاحب الري كفر، فوجه إليه عتاب مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد فهزمه الفرخان وأخذ سريته، فتوجه إليه عتاب بْن ورقاء نفسه فقتله وافتتح الري، فقال جرير لمحمد بْن عمير: هلا طعنت الخيل يوم لقيتها ... طعن الفوارس من بني عقفان وبنو عقفان من بني الحرام من بني يربوع. والحرام أم بني العنبر بْن

يربوع، وكانوا مع عتاب بأصبهان وهو والٍ عليها فِي أيام ابن الزبير، فأتاه الزبير بْن علي السليطي الخارجي فقاتله فقتله. ووجه الحجاج عتاب بْن ورقاء لقتال شبيب الخارجي فقتله شبيب يوم سوق حَكَمَة [1] ، وكان ابنه خَالِد بْن عتاب على أصبهان. وقال ابن الكلبي: كان عتاب على الري وأصبهان فِي أيام ابن الزبير، فكفر الفرخان فوجه عتاب إليه مُحَمَّد بْن عمير فهزمه الفرخان، فتوجه إليه عتاب فقتله. وقد رُوِيَ فِي تفسير بيت جرير فِي قوله. هلا طعنت الخيل يوم لقيتها. .. حديث عن أَبِي عبيدة يخالف هَذَا وقد كتبناه فِي نسب بني عَبْد اللَّه بْن دارم. وقال الشاعر يرثي عتابا: ليبك ابن ورقاء الرياحي إذ ثوى ... بقبر بقفرٍ نائل وطعان وقائلةٌ هَلْ كان بالمصر حادثٌ ... الا هُلك عتاب هُوَ الحدثان وكان خَالِد ابنه وأمه ميثاء من أشجع الناس وأسخاهم، وكان يكنى أَبَا سُلَيْمَان، وكان عاملًا على أصبهان والري من قبل بشر بْن مروان، فورد عليه طَلْحَة الطلحات الخزاعي مقبلا من سجستان، فبعث إليه طَلْحَة: ابعث إلينا بشهدٍ من شهد أرضك فحمل إليه سبعمائة ألف درهم، لم يكن فِي بيت ماله غيرها، فَقِيل: ما يعجب من بعثه إليه بمالٍ إنما يعجب من بعثه بكلٍ ما كان عنده. وقال أَبُو اليقظان: استهداه شهدًا فبعث إليه بخمسمائة ألف لم يكن

_ [1] سوق حكمة: موضع بنواحي الكوفة. معجم البلدان.

زيد بن رياح

فِي بيت المال غيرها وكتب إليه: قد بعثت بما تشتري به شهدًا، وقيل إن عتابًا نفسه فعل ذلك، وهو قول هشام ابن الكلبي والهيثم بْن عدي. وهرب خَالِد بْن عتاب من الحجاج لأنه كتب إليه: إنك هربت عن أبيك ليلة شبيب، فكتب إليه قد علم من رآني أني لم أهرب ولكنك وأباك هربتما يوم الربذة من الحنتف بْن السجف، وأنتما على بعير نقب [1] ، فلله أبوك أيكما كان ردف صاحبه. فقدم خَالِد الشام واستجار بزفر بْن الْحَارِث، فأجاره، ودخل على عَبْد الملك فأعلمه ذلك، فأمضى جواره، فلم يزل مقيمًا عنده حَتَّى مات. وكان زياد بْن عتاب بْن ورقاء من فرسان تميم وكان مع ابن الأشعث، ولآل عتاب بقية في الكوفة. [زيد بن رياح] ومنهم شبث بْن ربعي بْن حُصين بْن عُثيم بْن ربيعة بْن زَيْد بْن رياح بْن يربوع، وكان فارسًا ناسكًا مع العباد، وكان مع علي رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ ثُمَّ صار مع الخوارج حيث قَالُوا لعلي: قد خلعناك، وأميرنا شبث بْن ربعي. ثُمَّ تاب ورجع، ويقال إنه كان مؤذنًا لسجاح أيضًا قبل رسوخه فِي الْإِسْلَام، وقد ذكرناه فيما تقدم، وكان عَبْد المؤمن بْن شبث مع ابن الأشعث. ومن ولد شبث: المفضل ويقال الأزهر وهو أَبُو الهندي الفاتك. قال ابن الكلبي: أَبُو الهندي الأزهر بْن عَبْد العزى بن شبث الذي يقول:

_ [1] نقب الخف: تخرق، والبعير حفي أو رقت أخفافه. القاموس.

ومنهم: سلمة بن ذؤيب الفقيه،

سيغني أَبَا الهندي عن وطب [1] سالم ... أباريق لم يعبق بها وضر الرُبْد [2] مقدمة قَزًّا [3] كأنّ رءوسها ... رؤوس نبات الماء تقرع للرعد وهو القائل: خرج الناس على راياتهم ... وأبو الهندي فِي كوه زبان مجلس يزري بمن حل به ... تُسْتَحَلُّ الخمر فِيهِ والزواني وسالم مَوْلَى قُدَيد بْن مَنيع المنقري، ولآل شبث عقب بالكوفة. ومنهم: سلمة بْن ذؤيب الفقيه، وهو الَّذِي دعا الناس بالبصرة إِلَى بيعة ابن الزبير حين مات يزيد بْن مُعَاوِيَة، وقد كتبنا خبره فيما تقدم، وسلمة من بني زَيْد بْن رياح وأمهم العجماء ينسبون إليها، ولما قدم حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن الزبير البصرة واليًا من قبل أَبِيهِ وقع بين سلمة وبين رَجُل من بني حميري بْن رياح يُقَالُ له عَبْد اللَّه بْن الرَّبِيع كلام، فأغلظ له سلمة فَلَمَّا خرج عَبْد اللَّه من عند حَمْزَة قال لأخ يُقَالُ له جُوَيرية بْن الرَّبِيع: ألا تعجب من ابن العجماء يرد على كلامي ويغلظ لي عند الأمير، والله لأقتلنه، فقال جويرية: وأنا معك. فانطلقا فقعدا على طريق سلمة، فمر بهما ليلًا فوثبا عليه فقتلاه، ثُمَّ هربا إِلَى مكة فأقاما بها يسيرًا، ثم قدما البصرة فتواريا فِي عنزة، ثُمَّ اشتهيا حديث الأبيرد بْن المُعَذّر، أحد بني هرمي بْن رياح، فبعثا

_ [1] الوطب: سقاء اللبن. القاموس. [2] الوضر: وسخ اللبن والدسم، أو غسالة السقاء والقصعة ونحوهما، وبقية الهناء وما تشمه من ريح تجدها من طعام فاسد، واللطخ من الزعفران ونحوه. الرّبدة: لون بين السواد ولغبرة. القاموس. النهاية لابن الأثير. [3] القزّ: إباء النفس الشيء والتباعد من الدنس، والقزاز: الثعبان العظيم أو الحيات لفصار. القاموس.

إليه رسولا وقالا له: ادعه ولا تعلمه من نَحْنُ، وقل رَجُل أشتهي مجالستك ومحادثتك، فأدى الرَّسُول الرسالة، فَأَقْبَلَ الأبيرد معه حَتَّى إذا كان ببعض الطريق قال له: لست بماضٍ معك حَتَّى تخبرني من الرجل الَّذِي تدعوني إليه فقال: انتظر حَتَّى أذهب فأستأمره فقعد وذهب الرَّسُول فاستأمرهما فأذنا له فِي إخبار الأبيرد باسميهما ففعل، فَأَقْبَلَ الأبيرد حَتَّى دخل عليهما فرحبا به وأتياه بطعام فأكل، وجاء الشراب فشربوا وتحدثوا وتناشدوا يومهم، وجعل يسألهم عن الدار هَلْ لها مخرج وهل لها مكان تؤتى منه غير المدخل الَّذِي دخل منه فأخبراه بما سَأَلَ عَنْهُ، ثُمَّ انطلق فأخبر ابْنَة سلمة بْن ذؤيب، فأتت حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن الزبير فأعلمته علمها، فبعث الخيل حَتَّى أحاطوا بالدار، ثُمَّ دُخل عليهما فأخذا فذُهب بهما إِلَى حَمْزَة فَلَمَّا قُدما ليقتلا قَالا: برئ الناس من دمائنا إلا الأبيرد فقتلهما حَمْزَة بيده، فقالت أختهما. لم أر مثل ابني ربيع تتابعا ... قتيلين من حي كرام بواحد أمُصلح أَهْل العراق ولم يُقّدْ ... قتيل بعبد اللَّه أمي فاقد وقال الأبيرد: لعمري لئن كَانَتْ رياح تفاسدت ... لغيري أجرى فِي القياد وأوضعا وغيري أخنى فيهم بلسانه ... وصال عليهم باليدين فأوجعا لعمري لقد كَانَتْ رياح عصابة ... ميامين حكامين فِي الأمر مقنعا رفدتُ بني العَجْماء نصحي ولم أكن ... أرى فِي كتاب اللَّه أن يُقتلا معا فِي أبيات. ومن بني عَبْد اللَّه بْن رياح: القِرْضاب بْن ثوبان، صاحب الماء الَّذِي فِي طريق مكة الذي يقال له القرضابي.

ومن بني حميري بن رياح ممن لم يذكره الكلبي: سيار بن سلامة،

ومن بني حميري بْن رياح مِمَّنْ لم يذكره الكلبي: سَيّار بْن سلامة، كان فقيهًا وخرج مع ابن الأشعث وله عقب بالبصرة. ومنهم: بنو إهاب وأهَيب، بطنان بالبصرة، فكان منهم: عقيل بْن سُمَيْر قتل مع ابن الأشعث بالزاوية. ومن بني حميري بْن رياح: جَزْء بْن سعد بْن عدي بْن زَيْد بْن رياح بْن يربوع، وكان عظيم القدر فِي الجاهلية، وقد أَخَذَ المرباع وقاد بني يربوع كلها ولم يقدها أحد فيما يقولون غيره. وقال بعضهم: قادهم فِي يوم ذي نجب، والثبت أنه قادهم يوم غَبيط المدرة، وهو يومٍ فلج، وشهد يوم ذي قارّ الأول، حين أغار بسطام بْن قَيْس على بني يربوع بعد أن أخذ عليه عتيبة بْن الْحَارِث ألا يغزوهم، فأخذ الرَّبِيع بْن عتيبة مائة ناقة، فضمن لابنه أن يعطيه من أول غزاة يغزوها بَكْر بْن وائل مائة ناقة، وكان حُصين أحد بني عامر بْن أَبِي ربيعة بْن ذهل قد اشترى من عتيبة فرسًا فلم يُعطه ثمنه، وجاوره فأكرمه عتيبة، فلم يَرْعَ ذلك، فبلغه أن حصينًا بذي قار فِي جماعة من قومه، فغزاهم فِي بني يربوع، وعليهم جَزْء بْن سعد، فأخذ منه ألف ناقة، وأخذ أيضًا عتيبة ابنته فدفعها إِلَى ابنه الحُلَيس، وكان الهذيل بْن هبيرة التغلبي غزا بني سعد بالرمل، فبينا هُوَ يريدهم إذ دلَّ على بني حميري بْن رياح وكانوا بأراب فشد عليهم فاحتمل من قدر عليه منهم، واخذ امْرَأَة جزء بْن سعد، ثُمَّ أطلقها، وذلك أنها قَالَتْ له: إن جَزْءًا آلى أن لا يجامع امْرَأَة باتت فِي الأسر ليلة. وورد الهذيل الماء وقد سبقه إليه جيش بني رياح وغيرهم من بني يربوع فمنعوه الماء وقاتلوه دونه وقالوا: لن تصل إليه حَتَّى تَرُدَّ ما أخذت،

فبعث الهذيل إِلَى جَزْء: إني قد أطلقت امرأتك وابنيها، ثُمَّ إنهم اشتروا من سبيهم، وأطلق الهذيل منهم حَتَّى راح الهذيل وليس فِي يده منهم أحد. وشهد جزء يوم غبيط المدرة، وهو يوم صحراء فلج، ويقال بطن فلج، وكان فِيهِ رئيس بني يربوع. وكان من خبر هَذَا اليوم أن بسطام بْن قَيْس بْن مَسْعُود الشيباني، ومفروق بْن عمرو والحارث بْن شريك، وهو الحوفزان غزوا بلاد بني تميم، فأغاروا على بني ثَعْلَبَة بْن يربوع، وثعلبة بْن سعد بْن ضبة، وثعلبة بْن عدي بْن فزارة، وثعلبة بْن سعد بْن ذبيان. وكانت هَذِهِ الثعالب، فأصابوا فيهم واستاقوا إبلًا من بعضهم، ولم يشهدهم عتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب اليربوعي لأنه كان نازلًا فِي بني مالك بْن حنظلة، ثُمَّ إنهم مروا على بني مالك وهم بين صحراء فلج وبين غبيط المدرة، فاكتسحوا إبلهم، فركبت بنو مالك بْن حنظلة وفيهم عتيبة بْن الْحَارِث وأسيد بْن حناءة وجَزْء بْن سعد وهو رئيس بني يربوع، ومعهم مالك بْن نويرة فأدركوهم بغبيط المدرة، فقاتلوهم حَتَّى هزموهم واستنقذوا ما كانوا أخذوا، وقتلت بنو شَيْبَان أَبَا مرحب ربيعة بْن حَصَبَة، ولحق عُتيبة بسطامًا فقال له: يا أبا الصهباء استأسر. قال: ومن أنت؟ قال: عتيبة وأنا خير لك من الفلاة والعطش، فأسر عتيبة بسطامًا، وجاء بجاد أخو بسطام ليكر عليه فقال له بسطام: أَنَا حَنيف إن كررتَ وكان نصرانيًا، وقالت بنو ثَعْلَبَة بْن يربوع لعتيبة: يا أَبَا حزرة إن أَبَا مرحب قد قتل، وقد أسرت بسطاما فاقتله، وقال إني معيل أحب اللبن فانتقل ببسطام إِلَى بني جَعْفَر بْن كلاب لئلا يقتل، وقد كان بسطام قال له: صِرْ بي إلى بني جَعْفَر بْن كلاب أعطك

ومن بني حميري:

عائرة عينين [1] ، يعني الكثرة، ثُمَّ إنه فدى نفسه بأربعمائة بعير وثلاثين فرسًا، وكان عامر بْن الطفيل يسأل عتيبة فيأذن له فِي منادمة بسطام. ولم يلبث بسطام أن جاء فداؤه فخلى سبيله. وقال جرير: قد ردَّ فِي الغلِّ بسطامًا فوارسُنا ... واستودعوا نعمه فِي رهط حجار [2] وقال عتيبة لَجْزء بْن سعد: أحامي عن ذمار بني أبيكم ... ومثلي فِي غوائبكم قليل فقال جزء: أي والله وَفِي شواهدنا. وأغارت طوائف من بني يربوع جُلُّهُم بنو رياح على بني أَبِي ربيعة من ذهل بْن شَيْبَان، وعليهم جزء بْن سعد، وذلك بعين التمر واتبعهم بنو أَبِي ربيعة فأدركوهم فقتلوا مُعَاوِيَة بْن فراس رئيس بني أَبِي ربيعة، فقال سحيم بْن وثيل: هُمْ قتلوا رئيس بني فراس ... برأس العين فِي الحجج الخوالي ويقال إن العين من عيون الطَّف بقرب الحيرة. ومن بني حميري: حُشَيْش بْن نِمران بْن سيف بن حميري بْن رياح وكان المُجِبَّة أحد بني ربيعة بْن ذهل بْن شَيْبَان وعمرو بْن القُرَيم أحد بني تيم اللات بن ثعلبة أغار على بني رياح بْن يربوع، فأطرد النَّعَم، فركبت بنو رياح فِي آثارهم فلحقوهم بقُلَّة الحزن- ويقال الحزم- فاقتتلوا فحمل المنهال بْن عصمة بْن عمرو بْن حميري على المجبه فطعنه فقتله، وحمل حشيش بْن نمران على عمرو بن القريم فقتله، واستنفذ السيقة، وانهزم

_ [1] عليه من المال عائرة عينين، وعيرة عينين: أي كثرة تملأ بصره. القاموس. [2] ديوان جرير ص 241.

الشيبانيون، فقال فِي ذلك شجاع بْن هوذة الرياحي: فإذا لقيت القوم فاطعن فيهم ... عند اللقاء كطعنة المنهال ترك المُجِبَّه للضباع مُجَدَّلًا ... والقوم بين سوافل وعَوَال وقال جرير: فإنك لو سَأَلت بْنا بجيرًا ... وأصحاب المُجِبَّهِ من عصام [1] وقال سحيم بْن وثيل: ونحن تركنا ابن القريم بقُحقُح [2] ... صريعًا ومولاه المُجبَّه للفم وكان يُقَالُ لهذا اليوم أيضًا يوم قُحقُح. وقتل حشيش فِي ذي نجب، وهذا اليوم الَّذِي توجه فِيهِ حسان بْن عمرو بْن مُعَاوِيَة بْن الجون بْن حجر بْن عمرو آكل المرار الكندي ومعاوية بْن شرحبيل بْن أخضر بْن الجون إِلَى بني تميم مع وجوه بني عامر: يزيد بْن الصعق، وبني مالك بن جَعْفَر، وقدامة بْن سلمة، وبني قشير لاستغاثتهم بهما، وكان يُقَالُ لولد حجر بْن عمرو آكل المرار بني كبشة، نسبوا إِلَى أم حجر، وهي كبشة بِنْت امرئ القيس بْن عمرو بْن مُعَاوِيَة بْن عمرو بْن الْحَارِث الكندي، وقال امرؤ القيس بْن حجر بْن الْحَارِث بْن عمرو المقصور بْن حجر بْن عمرو آكل المرار: خالي ابن كبشة قد علمتم فضله ... وأبو يزيد رهطه أعمامي [3] وكان حسان بْن عمرو بْن الجون على بني تميم يوم شعب جبلة، وجبلة هضبة حمراء، وكان مُعَاوِيَة بْن شُرحبيل بْن أخضر بن الجون يوم شعب جبلة

_ [1] ديوان جرير ص 403. [2] عرف ياقوت قحقح بقوله: أرض قتل بها مسعود بن القريم فارس بكر بن وائل [3] ديوان إمرئ القيس ص 164.

مع بني عامر، فاجتمعا فِي يوم ذي نجب على بني تميم، وكان الَّذِي هاج يوم جبلة أن بني عبس بْن بغيض حين خرجوا هاربين من بني ذبيان، وحاربوا قومهم بقوا متلددين متحيرين، فصاروا إِلَى بني عامر، ثُمَّ استعاذوا بالأحوص بْن جَعْفَر، فأجارهم فأشار عليه عوف بْن الأحوص بقتلهم، فأبى أن يطيعه، فاجتمع بنو ذبيان واستعدوا عليهم حصن بْن حذيفة الفزاري ومعه بنو أسد، وأقبل معهم مُعَاوِيَة بْن شرحبيل بْن أخضر بْن الجون- وسمي الجون لشدة سواده- فِي جيش، وأقبلت بنو حنظلة والرباب عليهم لقيط بْن زرارة وأقبل معهم حسان بْن الجون فِي جمع من كندة وغيرهم عظيم، فاقتتلوا فقتل لقيط، وأسر عتيبة بْن الحارث فبال على قَدّه حَتَّى عفن، ثُمَّ تخلص فِي بعض الأشهر الحرم بلا فداء، وكان بخيلًا. وقال جرير فِي يوم ذي نجب: لقد صدع ابن كبشة إذ أتانا ... حشيش حين ناشته العوالي [1] وقال بعضهم: وأسر فِي يوم ذي نجب دريد بْن ثَعْلَبَة بْن حصبة بْن أزنم حسان بْن عمرو، ويقال مُعَاوِيَة بْن شرحبيل. والكلبي والمفضل ينكران ذلك. ومن قال إنه أسر حسان احتج بقول جرير يوم واقف الفرزدق بالمربد: ........ أو كدريد يوم شد حسان [2] وقال من خالفه: ليس هَذَا البيت فِي الشعر. وقال أبو المهدي الكلابي: الثبت:

_ [1] ليس بديوانه المطبوع. [2] ليس في ديوانه المطبوع.

ومنهم: حميد بن مشمت،

....... أو كحشيش يوم لاقى حسان وقال ضمرة بْن ضمرة ليزيد بْن الصَّعِق: نَحْنُ سراة الجيش يوم النجبة ... يوم ضربناك فويق الرقبة وكان ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث بْن حصبة أسر يزيد بْن الصعق، فرآه فِي يده ثَعْلَبَة بن الحارث بن عمرو بن همام بن رياح فضربه على رأسه فَأَمَّه. وقال أَبُو عبيدة: قتل حشيشًا عمرو، أحد بني كبشة وأسر دريد حسان. والله أعلم. وقال أَبُو اليقظان: كبشة أم عمرو بْن الجون. والأول أثبت وهو قول الكلبي. ومنهم: حميد بْن مشمت، كان من وجوه بني تميم بخراسان. ومنهم: هلال بْن زِنباع جاهلي قتل أَبَاهُ رَجُل من بني حنظلة، فأتى قاتل أَبِيهِ وهو فِي قُبَّة فقطع شرجها بالسيف، ثُمَّ دخل فقتله، فقال الشاعر: ضربًا وثاج [1] فدت أمي وما ولدت ... لن تَعْدَمُوا ثائرًا مثل ابن زنباع الداخل البيت لم يأذن قعيدته ... بكل أبيض للأجواز قطاع ومنهم: برد بْن زياد، صبر مع الْحُسَيْن بْن علي عليهما السلام، ومع الحر بْن يزيد حَتَّى قتل. ومنهم: يحيى بْن مبشر، قتل أيضًا فقال أَبُو السفاح: صلى على يحيى وأشياعه ... رب مليك وشفيع مطاع فقال جرير:

_ [1] بهامش الأصل: رياح.

ومن بني كعب بن رياح:

صلى الإله عليك يا بن مبشر ... أَنَّى قتلتَ بملتقى الأجناد [1] وأما الخُمَّة فقليل. ومن بني كعب بْن رياح: أَبُو الكيهم، وهو زهير بْن الْحَارِث. وكان قوم من بني حنيفة وقوم من قَيْس بْن ثَعْلَبَة أغاروا على إبله فأتى الصريخ ببني حميري فركبوا فِي آثارهم فاستنقذوا الإبل، بعد قتال، وكان قتالهم بذي خيم، وزعموا أن الْحَارِث بْن قراد، أحد بني حميري لحق القوم وهو يقول: أبل أبي الكيهم لا تراعي ... إني أَدِينُ لك باجتماع إني سأحميك ونعْمَ الراعي وقال سحيم بْن وثيل: رددنا لمولاكم زهير لبونه ... وأهلك فيها ابنا حمار وعاصم ابنا حمار: عدي وعمرو الحنفيان، وعاصم بْن الْحَارِث بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة وكان هؤلاء قد قتلوا يومئذ. وولد ثَعْلَبَة بْن يربوع: جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة. وجَهْوَر بْن ثَعْلَبَة، وأمهما النوار بِنْت ضُبيس بْن جارم بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة. وعَزين بْن ثَعْلَبَة. وعبيد بْن ثَعْلَبَة، وأمهما رهم بِنْت مالك بْن حنظلة. فولد جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع: ذريح بْن جَعْفَر. والكُباس بْن جَعْفَر. وشراحيل بْن جَعْفَر. وحُمرة بْن جَعْفَر. وحصين بْن جَعْفَر. وربيعة بْن جَعْفَر. وعبدة بْن جَعْفَر، وهؤلاء الثلاثة فِي عُكل. ومالك بْن جَعْفَر وهم فِي سعد بن زيد مناة.

_ [1] ديوان جرير ص 98.

فمن بني ثعلبة بن يربوع: عتيبة بن الحارث بن شهاب بن عبد قيس بن الكباس بن جعفر بن ثعلبة،

وولد عَزِين بْن ثَعْلَبَة: عَبْد مناف بْن عزين. وولد عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة: أزنم بْن عُبَيْد. وضباري بْن عُبَيْد. وشداد بْن عُبَيْد. وعاصم بْن عُبَيْد. وعصمة بْن عُبَيْد. وعبدل- لام- بْن عُبَيْد. وحُبْشي بْن عُبيد. وأسامة بْن عُبَيْد. فَمَنْ بني ثَعْلَبَة بْن يربوع: عتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب بْن عَبْد قَيْس بْن الكُباس بْن جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة، وقد رأس وكان يسمى صياد الفوارس، وسُمُّ الفوارس، أسر يوم شعب جبلة فبال على قَدِّهِ حَتَّى عفن، فَلَمَّا دخل الشهر الحرام هرب فأفلت بغير فداء، وكان بخيلًا [1] ، وقتله ذؤاب الأسدي، وذلك الثبت، وبعضهم يقول: قتله المجشر بْن عَبْد عمرو الغاضري وذلك أنهما اختلفا طعنتين، ولكنه لا شك فِي قتل عُتيبة المجشر، وقد ذكرنا مقتله فِي يوم خَوّ، وكان غدارًا. وقال أَبُو عبيدة: نزل به أَنَس بْن مرداس السلمي فِي صرم من بني سليم، فشد على أموالهم فأخذها وربط رجالهم حَتَّى افتُدوا، فقال عَبَّاس بْن مرداس [2] : كثر الضجاج وما سمعت بغادرٍ ... كعتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب وقال المفضل وبعض الكوفيين: أغار عتيبة بْن الْحَارِث فِي بني ثَعْلَبَة بْن يربوع على طوائف من بني كلاب يوم الجونين فأطردوا نعمهم، وكان أَنَس بْن عياض الأصمّ السلمي من بني رِعل مجاورًا فِي بني كلاب، وكان بين بني ثَعْلَبَة بْن يربوع وبين بني رعل عهد ألا يسفك بينهم دم

_ [1] تقدم هذا الخبر قبل قليل ص 169. [2] انظر أخبار العباس بن مرداس ونسبه وبعض شعره في الأغاني ج 14 ص 302- 320.

ولا يؤكل مال، فَلَمَّا سمع الكلابيون الدعوى ببني ثَعْلَبَة قَالُوا لأنس: قد عرفنا ما بينكم وبين بني ثَعْلَبَة بن يربوع فأدركهم فاحبسهم علينا حَتَّى نلحق، فخرج أَنَس فِي آثارهم فَلَمَّا دنا منهم قال: أَنَا أخوكم وعقيدكم وكنت فِي هؤلاء القوم فأغرتم على إبلي مع ما أغرتم عليه، فقال له عتيبة: حياك اللَّه خذ إبلك، قال أَنَس: والله ما أعرفها وقد وعدت إخوتي وأهل بيتي أن يتبعوني وهم أعرف بها، فطلع فوارس من بني كلاب فاستقبلهم حنظلة بْن الْحَارِث أخو عتيبة فحمل عليه الحوثرة بْن قَيْس بْن جَزْء بْن خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب فقتل حنظلة، وحمل لام بْن سلمة أخو بني ضباري بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة على الحوثرة فأسره ودفعه إِلَى عتيبة فقتله صبرًا، وهزم الكلابيون وأسر أَنَس فأتى به عتيبة فافتدى نفسه منه بمائتين من الإبل، فقال عَبَّاس بْن مرداس: كثر الضجاج ولا أرى من غادر ... كعتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب جَلّلت حنظلة الدناءة كلها ... ودنست آخر مدة الأحقاب فِي أبيات. وقال عتيبة: غدرتم غدرة وغدرتُ أخرى ... فَلَيْس إِلَى توافينا سبيل فلوموا الآن إذْ وَقَعَتَ بقرٍ ... فَمُقْصِرُكُم سواء والمُطِيلُ ألا أبلغْ بني رِعْلٍ فَإِنِّي ... لكم بمساءةٍ أبدًا كفيل وحضر عتيبة يوم ذي قار الأول، وقد ذكرنا خبره، وكان قد أَخَذَ حَصِينة بِنْت الحصين أخي بني عامر بْن ربيعة، فدفعها إِلَى ابنه، وكانت مُمْلَكَةً بابن عم لها، فتعلقت بثوب عتيبة وقالت: يا عم أنشدك اللَّه أن

يمسني رَجُل غير زوجي، فاذكر يا عم جوازي ولعبي بين أطناب بيتك مع بناتك، فكساها وبعثها مع من بلغها قومها، وأعطى ما صار إليه من الإبل ابنه، ولم يغز عتيبة قط غزاة أسلم منها، وقال عتيبة: ألم ترني أفأت على ربيع ... جلادًا فِي مباركها وحور وحضر عتيبة يوم غبيط المدرة فأسر بسطام بْن قَيْس الشيباني وأخذ فداءه. وغزا عتيبة بْن الْحَارِث وأرقم بْن نويرة ودَيسق بْن حطان العاصمي، أحد بني عبيد بن ثعلبة: بكر بن وائل فأخذوا ديسق بن حطان، ثُمَّ أُطلق، فخرج حَتَّى نزل على قَيْس والهرماس الغسانيين فقالا له: أترى فِي الأرض فارسين مثلنا؟ قال: نعم عتيبة بْن الْحَارِث مثلكما وأفضل، فتمنيا أن يلقياه، فَمَا لبثا أن أتاهما النذير فقال: إن عتيبة أَخَذَ نَعَمكما، فركب قَيْس فقال اين عتيبة؟ قال: ها أنا ذا، قال: ابرز. قال عتيبة: فَمَا رَأَيْت فارسًا قط املأ لعيني وقلبي من قَيْس يوم رَأَيْته، قال: فطعنني بالرمح فحطم قربوس سرجي وأمضاه حَتَّى وجدت برد السنان فِي بطن فخذي، ثُمَّ مضى منحازًا يحسب أنه قد قتلني ومعي رمح مُعَلَّبُ بالقد والعصب [1] كُنَّا نصطاد به الوحش، قال: فرميته بالقرنين [2] ، فَلَمَّا سمع هُويّها حنى لي ظهره يريدني، وبدا لي فرج الدرع فاطعنه فِي عانته وأنفذ رمحي حَتَّى دق مؤخرة السرج، ولحق الهرماس فِي خيله فأتى على قَيْس وقد مات، وكرَّ عتيبة على كردوس آخر على الهرماس فضربه عتيبة بالسيف على البيضة

_ [1] العصب: ضرب من البرود، والاطافة بالشيء، والعصابة. القاموس. [2] القرنين: الجعبة. والسيف والنبل، وحبل يجمع به البعيران. القاموس.

فمات من ضربته قطع البيضة وهشمها وأَمَّهُ، ويقال لهذا اليوم يوم بَنْهَل، ويوم غول. وقال عتيبة: كما لاقى أخا الهرماس مني ... غداة الروع مُدَّرِعًا شليلي وقال متمم بْن نويرة: تمنيتما أن تلقياه سفاهة ... فلاقاكما وسط السَّوام المعزب بودكما يا بني هجيمة أنه ... يكنهك [1] إذ لاقاكما متعتب وقال جرير: ومنا رئيس القوم يوم حماهم ... وغادر قيسًا فِي سنان وعامل يثوب إليه ثابت الطير بعد ما ... كبا فِي نجيع من دم الجوف سائل على بيضة الهرماس حَتَّى تطايرت ... خذاريف عن قحف من الرأس مائل [2] وقال جرير: وساق ابن هجيمة يوم غولٍ ... إِلَى أسيافنا قَدَرُ الحمام [3] قَالُوا: وقال بسطام بْن قَيْس: ما أَنَا بمنته حَتَّى آسر عتيبة كما أسرني، أو أقتله، فجمع له بَكْر بْن وائل، فركب فِي بني شَيْبَان، وركب معه أبجر بْن جَابِر العجلي والحُطَم من بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة فِي قومه، وكانت عند أبجر أم وهب، وهي من طهية، فبعثت من أنذر بني يربوع وأخبر عتيبة بالخبر فاستعد، وأقبل بسطام فأغار بمن معه على النعم وهو على الماء يصدر

_ [1] أي يستتر ويستكن. القاموس. [2] ليست في ديوان جرير المطبوع. [3] ديوان جرير ص 405.

ويرد، فاطردوا نعما كثيرة فَلَمَّا شغل كل امرئ بما فِي يده من الغنيمة، وعلم بنو يربوع أن أحدًا منهم لا يلوي على أَخِيهِ لينجو بما حوى، ركبوا فَلَمَّا رأت بَكْر ما تتابع عليها من الخيل اجتمعت فنادى عميرة بْن طارق: إليَّ يا أبجر فأنت طليق، ومن أتاني من قومك، وكانت أم وهب الطهوية أمه، وكان أبجر قد رباه فقال له: ألهذا كَانَتْ تربيتي إياك، فقتل يومئذ الدعاء وأُسر الحوفزان وأبجر فِي أسرى كثيرة، فأنعمت عليهم بنو يربوع وجزت نواصيهم، وطُعن بسطام طعنة فَفَرَّ على وجهه، فقال عميرة بْن طارق اليربوعي لأبجر: ولما رَأَيْت القوم جدَّ نفيرهم ... دعوتُ نجيي محرزًا والمثلَّما فأعرض عني محرز وكأنما ... رَأَى أَهْل أودٍ مَرْصِدًا وسَلَهّمَا ومحرز والمثلم خالا عميرة ناجاهما فِي إنذار بني يربوع، فأعرض عَنْهُ محرز، وأشار عليه المثلم بما فعل. وقال جرير بْن عطية: ومنا الَّذِي ناجى فلم يُخْز رَهْطُهُ ... بأمرٍ قويم محرزا والمثلما [1] وقالت بنو شَيْبَان: بالصمْدِ إذ لقوا فوارسًا ... يدعون قيلًا وأيهما أشيبان لو كان القتال صبرتم ... ولكنَّ سِفْعًا من حريق تَضَرَّما وقال أيضًا: وَعَضَّ ابن ذي الجَدَّيْنِ وسْطَ بيوتنا ... سَلَاسِلَهُ والقَدُّ حَوْلًا مُجَرَّمَا وقال جرير:

_ [1] ديوان جرير ص 447.

فسار الحوفزان وكان يسمو ... وأبجر لا أَلَفُّ ولا بَليْدُ فَصَبَّحَهم بأسفل ذي طلوح ... ضوامر لا تزاد ولا تَزِيدُ [1] وقال جرير: ولما لقينا خيل أبجر أعلنت ... بدعوى لُجيم غير ميل العوائق فلما رأوا ألّا هوادةَ عندنا ... دَعَوْا بعد كربٍ يا عمير بْن طارق [2] وهذا اليوم يدعى يوم الصمد، ويوم ذي طلوح. وأغارت أيضًا بنو شَيْبَان ورئيسهم الحوفزان، وبسطام بْن قَيْس على بني يربوع، ورئيسهم عتيبة بْن الْحَارِث فالتقوا بأعشاش، فأسر بسطام وقُتل رَجُل من آل الحوفزان يُقَالُ له بشر ويلقب خوافي النسر، وكانت تلك الغزاة أول غزاة غزاها بسطام، فأطلقه بنو يربوع، وكانت هَذِهِ أَسْرَةٌ قبل أسرة عتيبة إياه، وقد ذكرناها، وكانت أم عُتيبة مَيَّةُ بِنْت مُعَاوِيَة من بني جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة. وقال ذو الغِلْصمَة العجلي: عتيبة صياد الفوارس عُزِّيَتْ ... ظهور جياد بعده وركاب وقتل ذؤاب عتيبة. وقد ذكر أَبُو اليقظان أن الحليس بْن عتيبة قتل ذؤابًا، فقال حصين بْن القعقاع: تذكرت ندماني عتيبة بعد ما ... عصبت رؤوس نسائه بسلاب قتلوا ذؤابًا بعد مقتل ستةٍ ... فشفى الغليل وريبة المرتاب

_ [1] ديوان جرير ص 128 مع فوارق. [2] ديوان جرير ص 309. مع فوارق.

وولد عتيبة:

وولد عُتيبة: حَزْرَة بْن عتيبة. وربيع بْن عتيبة، أمهما الحمراء من بني سليط، وكان تزوجها رَجُل من مضر الحمراء، فضرب عليها قبة أدم، فَلَمَّا هلك رجعت إلى أهلها بالقبة فسميت بقبتها: الحمراء. وعُمارة بْن عتيبة. والحليس بْن عتيبة. وهُذيم بْن عتيبة. والأحوص بْن عتيبة. وضرار بْن عتيبة. ودُعموص بْن عتيبة. فأما ربيع فكان فارسًا شجاعًا، وأسره بنو شَيْبَان فركب فرسه ونجا، وقد كتبنا خبره حين رد عليه أَبُوهُ ما أَخَذَ من بني شَيْبَان وذلك فِي يوم ذي قار الأول، وهو قتل قاتل أَبِيهِ. قَالُوا: بينا بنو ثَعْلَبَة بْن يربوع يسيرون إذا الفُرافصة الكلبي قد أقبل بما صار إليه فِي غزاته بني سليط وغيرهم من بني تميم، وقد انصرف وأكثر جيشه بغنائمهم وتسرعوا إِلَى أهلهم، وبقي النَّعم أشّل [1] فأتاهم راكب من بني الهجيم فقال: هَلْ لكم إِلَى ثلاثمائة بيت ما فيهم فرس غير واحد؟ فتجردوا فِي الخيل وقال ربيع بْن عتيبة: رئسوني عليكم يا بني يربوع ولا نصيب لي فِي الغنيمة ففعلوا، وخرجوا حَتَّى صاروا بالجبانات، قال عميرة بْن طارق اليربوعي: فتداعى الناس وحملنا الخيل على النعم فسقناها، فاتبعونا رجالة، غير شيخ بْن يزيد العجلي فإنه كان على مهرٍ له، فقال ابنا عُتيبة: ربيع ودُعموص: أننطلق قبل أن يعلم هؤلاء القوم من أَخَذَ مالهم، وكانوا قد أخذوا أموال القوم، وأسروا سوادة بْن يزيد أخا شيخ بْن يزيد، وكان فِي الإبل، فكرَّا ولم يلتفتا حَتَّى واقعا القوم فقالا: إننا ابنا عتيبة، فحمل شيخ بْن يزيد عليهما فرسه فانتطح فرساهما وفرسه،

_ [1] أي متفرقة. النهاية لابن الأثير.

فصُرعا فلم يزل ربيع يتقلب على ظهره حَتَّى فات أيدي الرجال، ثُمَّ أَشْلَى فرسه، أي دعاها، فركبها، وأسروا دعموصًا، فاشترك فِيهِ بنو ضبيعة بْن عجل وبنو بجير من ولد ربيعة بْن عجل، فلحق ربيع بعميرة بْن طارق فقال له: إن أخي مقتول. قال عميرة: فكررتُ حَتَّى أقف على القوم، فإذا دعموص موثق، فقام عمرو بْن النهاس العجلي فقال: أنت عميرة؟ قلت: نعم. قال: فدعاني إِلَى التعاقد على أن يكون كل واحد مِنَّا جارًا لصاحبه ففعلنا ذلك، ونظر عمرو فإذا إبله لم تؤخذ فيما أَخَذَ، قال: فتراخى عني، وأخذ بعضهم فرسًا لي فبلأي ما ردها علي عُمَر، وردها وهو متباطئ وبات دعموص عند بني بجير وغدا عليه بنو ضبيعة فهموا بقتله، قال عميرة: فقلت: يا قوم إن أخاكم فِي أيدي هؤلاء القوم وقد ذهبوا بالإبل، ولن تعدموا منهم فاتكًا فادفعوا إِلَى دعموصًا وأنا كفيل لكم بإبلكم وأخيكم، وكانوا يبيتون دعموصًا ليلة عند بني ضبيعة وليلة عند بني بُجير، فدفعوا إِلَى دعموصًا، فقلت له: النجاء، وحملته على فرسي وركبت مع عشرة من بني بجير حَتَّى انتهينا إلى بني ثَعْلَبَة بْن يربوع، وكانت بنو عجل قد جزوا ناصية دعموص فردوها إليه ولم يجعلوها عندهم، وردوا الإبل وسوادة بْن يزيد، فقال عميرة بْن طارق فِي أبيات: ألم تعلما يا بْنَيْ عتيبة مَقْدَمي ... على ساقط بين الأسنَّة مُسْلِم وكان مع الإبل رَجُل من بني شَيْبَان مبطون فَلَمَّا طردوا به مات. وكان الفُرافصة غزا بني تميم في جيش من الأزد وطيّئ وربيعة تميم فأوقع ببني سليط وطوائف من تميم وأسر منهم أسرى، فركب نُعيم بْن قعنب الرياحي إليه فِي أمرهم، فوهبهم له إلّا امْرَأَة من بني سليط أخذها رَجُل من

وأما حزرة بن عتيبة،

بني لام من طيّئ، فسأله إياها نعيم فقال: ذاك إليها فاختارت الطائي، فلعنها نعيم، فولدت نجبة أحد بني أوس بْن حارثة بْن لام، وزعموا أن الفُرافصة أطلق من فِي يده من الأسرى، على أن لا يطلبه بنو سليط بقتلاهم، وكان أَبُو مُلّيْل عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن عاصم فِي الأسرى فأطلقه. وكان الهِذْلِق بْن نعيم بْن ربيع من سادة قومه وفرسانهم، ولقي هشام بْن عبد الملك ربيع بْن الهِذْلِق، وهشام خليفة، فأعجب به، فخطب إليه ابنته على سَعِيد بْن هشام، فزوجه إياها، وله عقب بالبادية. وأما حَزْرَة بْن عُتيبة، فَإِن أباه [1] عتيبة سار فِي جماعة من بني ثَعْلَبَة بْن يربوع، فأتى الشيط وبكر بْن وائل ببطن الشيط، وكان عتيبة وجعًا فقال لحزرة: يا حزرة اركب، وجعله على الحامية فركب وحملوا على البَرْك [2] ، فاستنفروه، ولزموا بطن الوادي يشلّون غنيمتهم، ولُحِق حزرة بْن عتيبة فرمى بحجر فصُرع فأُخذ ورجع فرسه عائرًا، فَلَمَّا فقده أَبُوهُ نزل عن راحلته وكان ركبها لعلَّته وركب فرسه ورجع وهو ينادي: يا حزرة ادْعني الليلة، ادْعني إليك، فَلَمَّا يئس انصرف وبكَّرَ يتبع أثر بني ثَعْلَبَة بشعلة من نار فسميت الليلة ليلة الشعلة، وليلة تبرة، وقال عتيبة: نَجَّيْتُ نفسي وتركت حزره ... يا لهف نفسي أدركتني حَسَرهْ هَلْ يُسلم المرء الكريم بكره ... نعم الفتى غادرته بتبره

_ [1] بالأصل: فإن أبا، وأضيفت الهاء لاستقامة السياق. [2] البرك: ابل أهل الحواء كلها تروح عليهم بالغة ما بلغت، وإن كانت ألوفا، أو جماعة الإبل الباركة. القاموس.

وأما عمارة بن عتيبة

ولحق عتيبة أخريات بَكْر، وهم يظنون أنه منهم، فضرب يد صاحب الشعلة فأسقطها والنار فانثنوا عن اتباعه، وكان عتيبة مطلوبًا بأثارٍ كثيرة، ودماء كبيرة، فَلَمَّا أصبح حزرة دفعوه إِلَى بعض أصحاب الدماء فقتلوه. وكان عتيبة يكنى أَبَا حزرة. وقال أَبُو اليقظان: قتلته بنو تغلب. وأما عُمارة بْن عتيبة فكان شريفًا. وأما الحُلَيس فكان فارسًا، فَلَمَّا قتلت بنو أسد عتيبة يوم خو انطلق بنوه فأغاروا على بني أسد، فأخذوا ذؤابًا قاتل أبيهم وهم لا يدرون أنه قاتله، ويقال بل أخذه بعضهم وهو ربيعة، ويقال الحُليس فِي يوم خوّ وذلك أثبت، وقد ذكرنا هَذَا الخبر فِي نسب بني أسد بْن خزيمة. وقال أَبُو اليقظان: كان ربيعة بْن غسل- ويقال عَسَل والثبت غِسل- اليربوعي صحح عندهم أن ذؤابًا قتل عتيبة. وأما الأحوص بْن عتيبة فأدرك الْإِسْلَام، فأسلم وقدم البصرة. وأما ضرار بْن عتيبة فكان شريفًا قاد الخيل فِي الجاهلية، وكان عوف بْن القعقاع سار تحت لوائه، وأدرك ضرار الْإِسْلَام فأسلم، وأدرك ضرار خلافة عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ وكلمه فِي ضابئ بْن الْحَارِث حين حبسه أن يطلقه. فولد ضرار هَذَا: وَزر بْن ضرار. وكِدام بْن ضرار. وكان وَزر شريفًا، وكان نادي الْوَلِيد بْن عَبْد الملك بمكة فِي أشراف من مضر، فأغضبه ذلك، فأمر به فحلقت رؤوسهم ولحاهم فحلق رأسه ولحيته، وقال رَجُل من بني قَيْس بْن عاصم المنقري: لقد نهيت بني سعد وقلت لهم ... لا يوقعنكم فِي سوءة وزر

ومنهم حبيب بن خراش [2] بن الصامت بن الكباس بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع،

ما راعني منهم إلا وكلُّهُمُ ... قد جاءنا ما يُرى فِي وجهه شعر وكان وزر على وفد بني تميم إِلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك من البادية. وأما كِدام فكانت له فرس يُقَالُ لها قدّام كان يسابق عليها بالبادية، فقالت له امْرَأَة من بني ثَعْلَبَة قبحت يا كدام من كدام ... وقبحت قدام من قدام وقبح الفارس واللجام [1] ومنهم حَبِيبُ بْن خِراش [2] بْن الصامت بْن الكُباس بْن جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع، وكان حليفًا فِي بني سلمة من الأنصار، وقد شهد بدرًا، ومعه مَوْلَى له يُقَالُ له صامت. وواقد بْن عَبْد اللَّه [3] بْن عَبْد مناف بْن عرين بْن ثعلبة صاحب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الكلبي: شهد بدرًا وقتل قبل ذلك ابن الْحَضْرَمِيّ فِي يوم نخلة، وكان حليف بني عدي بْن كعب. قال الواقدي: وأسلم قبل دخول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، أتى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ الْإِسْلَام فَأَخْبَرَه به، فشهد أن لا إله إلا اللَّه، وكان أحد الرماة، قال الواقدي: وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عَبْد اللَّه بْن جحش فِي سرية إِلَى نخلة فرمى عمرو بْن الْحَضْرَمِيّ حليف بني عبد شمس فقتله وكان ذلك

_ [1] بهامش الأصل: آخر المجلد الثامن والثلاثين من الأصل، ولله كل حمد وكمال. [2] بهامش الأصل: حبيب بن خراش رحمه الله. [3] بهامش الأصل: واقد بن عبد الله رحمه الله.

ومالك بن خطان بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة،

أول دم أريق فِي الْإِسْلَام بعد الهجرة، وتوفي واقد فِي أول أيام عُمَر، وكان يكنى أَبَا سالم وقد ذكرناه فيما تقدم. وقال أَبُو اليقظان: هُوَ واقد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أقرم بْن عَبْد مناف، وقع فِي الجاهلية إِلَى بني عدي، وكان عِداده مع بني الخطاب. ومالك بْن خِطان بْن عاصم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة، وطارق بْن دَيْسَق بْن عوف بْن عاصم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة الشاعر الَّذِي يقول: إذا أنت جاورت امرأ السوء لم تزل ... غوائله تأتيك من حيث لا تدري ومن بني عُبيد: عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث أَبُو مُلَيل، أسرته شَيْبَان فأسر عتيبة بسطاما مكانه فقال: أبلغ سراة بني شَيْبَان مَألكةً [1] ... إني أبأت بعبد اللَّه بسطاما وجرير بْن الكلحبة، وهي أمة، وهي من جرم قضاعة، وأبوه هبيرة بْن أقرم بْن حَثمة بْن مناف بْن عرين بْن ثَعْلَبَة، وهو من فرسان تميم فِي الجاهلية وجرير بْن الكلحة القائل: فقلت لكأس ألجميها فَإِنَّمَا ... حللنا الكثيب من زرود [2] لنفزعا ومنهم مالك ومتمم ابنا نويرة بْن جمرة بْن شداد بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة الشاعران، كانا فيمن ارتد فقتلت خيل خَالِد مالكا يوم البطاح، ونجا متمم، فكان يرثيه، وكان الَّذِي قتل مالكًا ضرار بْن الأزور الأسدي من أصحاب خَالِد بْن الْوَلِيد، وقد ذكرنا خبره فِي كتابي الَّذِي ألفتُه فِي أمر البلدان. وَفِي هَذَا الكتاب أيضًا، وكان متمم أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وولاه صدقات

_ [1] أي رسالة. [2] زرود: رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة. معجم البلدان.

بني يربوع بْن حنظلة، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلى ما كان فِي يده منَ الفرائض وقال: شأنكم بأموالكم. ويقال إنه ولاه صدقات جل بني حنظلة، وله شعر رثى به أخاه، منه قوله: وكنا كندماني جذيمة حقبة ... منَ الدهر حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... بطول اجتماع لم نَبِتّ ليلة معا وله ولعمر بْن الخطاب حديث قد كتبناه فِي خبر زَيْد بْن الخطاب، ونسب بني عدي. وكان مالك يلقب الجفول لكثرة شعره، وهو فارس ذي الخمار، كان يُقَالُ لفرسه ذو الخمار، قال جرير: عتيبة والأحيمر وابن قَيْس ... وعتَّابٌ وفارس ذي الخمار [1] ومنهم صُرَد بْن جمرة الَّذِي سقاه أَبُو سراج الضَّبِّيّ المني فمات وقد ذكرنا حديثه فِي نسب بني ضبة بْن أد، وكانت بنو مالك بْن حنظلة والبراجم وعلى بني مالك الأقرع بْن حابس المجاشعي، وعلى البراجم أَبُو جُعل غزوا بَكْر بْن وائل، فَلَمَّا أشرفوا على سلمان نذروا بهم فانصرف القوم إِلَى زبالة، وذلك فِي القيظ، وبدرتهم بَكْر إليها، فسبقوهم وتلاقوا فأسرت بَكْر الأقرع بْن حابس أسره عِمْرَانَ بْن مرة أخو بني هند، وأسر جُعَل البرجمي، فقال ضرار بْن القعقاع يحضّ على الأقرع: نبئتُ عِمْرَانَ بْن مرة أنه ... أناخ به فوق الكروم وما نزل فلا يفلتنك العير حَتَّى تمده ... حبائله حولين تلك التي احتبل

_ [1] ديوان جرير ص 148.

ومنهم معدان بن عميرة بن طارق بن حصبة بن أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع.

فغضب حينئذ بنو يربوع فسار بهم صُرد بْن جمرة حَتَّى لقوهم بسلمان فاستنقذوا من أسروا وما أخذوا. فأما الأقرع فيقال أنه فدّى نفسه وتخلص، ويقال إن بني يربوع تخلصوه فقال جرير يهجو بني مجاشع: ويلكم يا قصبات الجوفان ... بئس الحماة يوم جوف سلمان يوم تسدَّى أقرعيكم عِمْرَانَ [1] وقال الفرزدق: تمسح يربوع سبالًا لئيمة ... بها من منَّيِ العبد رطب ويابس [2] فإذا مسح رَجُل لحيته وأحدهم يراه غضب. ومنهم مَعْدان بْن عميرة بْن طارق بْن حَصَبَة بْن أزنم بْن عُبيد بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع. وقِرواش بْن عوف بْن عاصم بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع صاحب داحس. قال الكلبي: قال اليربوعيون: كَانَتْ جلوى أم داحس لقرواش بْن عوف [3] ، وكان أَبُوهُ ذو العُقال لحوط بْن أَبِي جَابِر أحد بني رياح بْن يربوع، فكان حوط لا يطرقه أحد، وأنهم احتملوا فِي نجعة والفحل مع ابنتين لحوط تقودانه فمرت به جَلوى وديقًا فَلَمَّا انتشاها ودى، فضحك شباب منهم فاستحيت الفتاتان، فأرسلتا مقوده فوثب عليها. قال: ويقال أن امْرَأَة حوط كَانَتْ ترعى ذا العقال أبا داحس فنزلوا

_ [1] ديوان جرير ص 487- 488 مع فوارق كبيرة. [2] ليس بديوان الفرزدق المطبوع. [3] أنساب الخيل لابن الكلبي- ط. القاهرة 1946 ص 34.

على جَلوى عراضًا، فَلَمَّا جاء حوط وكان سيئ الخلق رَأَى عين فرسه فقال: نازٍ والله، فأخبر الخبر فنادى بني رياح فاجتمعوا إليه فقالوا: والله ما استكرهناه ولا كان نزوه إلا عراضًا فَمَا تريد؟ قال: أريد ماء فرسي، قَالُوا: دونك. فأوثقها حوط ثُمَّ جعل فِي يده ترابًا وماء ثُمَّ سطا عليها فأدخل يده ثُمَّ أخرجها، فاشتملت الرحم على ما فيها، فنتجها قرواش مهرًا فسماه داحسًا لسطوة حوط عليها ودحسه إياها، وخرج داحس كأنه أَبُوهُ. ثُمَّ إن قَيْس بْن زهير بْن جذيمة أغار على بني يربوع فغنم وسبى، وركب داحسًا فتيان من بني أزنم يُقَالُ لهما ثَعْلَبَة وعبيد ابنا الْحَارِث ونجوا عليه، فَلَمَّا رآه قَيْس بْن زهير تعجب منه وأعجب به فدعا إِلَى أن جعلاه فداء للسبي ففعلا، فصار داحس لقيس بْن زهير، فهذا قول بني يربوع. وقالت بنو عبس: كان أَبُو داحس فرسًا لبني ضبة بْن أد، لأنيف بْن جبلة، وإنما سُمي ولده داحسًا لأن أمه كَانَتْ لرجل من بني يربوع، فسأل اليربوعي أنيفًا أن ينزيه على فرسه فأبى عليه الضَّبِّيّ فأخذه اليربوعي بعد ذلك فأنزاه عليها، فغضبت بنو ضبة وهَمُّوا باليربوعي فقال لهم: يا قوم خذوا نطفة فرسكم فسطا عليها رَجُل منهم فاكتسح ما فيها، وقد اشتملت رحمها فنتجت مهرًا سمي داحسًا لأنه دحس فِي رحم أمه، فقال اليربوعي واسمه مالك بْن الْحَارِث: أنيف لقد بخلت بعسب فحلٍ ... على جار لضبة مستزاد دحست جواده بالكف دحسا ... على ما فِي الجواد من الجواد ثُمَّ إن صاحب داحس هلك وترك ابنين، فأغار قَيْس بْن زهير على بني

ومن بني الحمرة بن جعفر بن ثعلبة: الأسود بن أوس بن حمرة

يربوع فغنم منهم وسبى وصار إليه الغلامان وداحس فرسهما، ثُمَّ إنهما هربا ومضيا بداحس ففاتا زهيرًا، وكانت أم الغلامين فِي السبي، فَلَمَّا قدمت بنو يربوع للفداء أَبِي قَيْس أن يمضي شيئًا من ذلك أو يقبل لأحد فداء دون أن يردَّ عليه داحس. ثُمَّ أن قيسًا أنزى داحسًا على فرس له فنتجت مهرة سماها الغبراء، وكان قَيْس خرج معتمرًا وهو فِي جوار بني بدر الفزاري، فوقع إليهم غلام يُقَالُ له جرو بْن الْحَارِث من بني ناشب بْن هدم بْن عوف بْن عود بْن غالب، وكان قد أضل بعيرًا له فقال له حذيفة: يا جرو، أخيل فزارة أكرم أم خيل عبس؟ قال: بل خيل عبس. قال حذيفة: كلاك والله. قال جرو: بلاك والله. قال له حذيفة: هَلْ لك أن أراهنك وأجعل لك خمسة من الإبل إن سبقتني وتجعل لي جزورين أن سبقتك؟ فحمل الغلام فراهنه فقال له: ما أنت وخيلنا وليس لك ولأبيك فرس. وجرت بين حذيفة وقيس بهذا السبب مماحكة حَتَّى تراهنا وكان ذلك سبب الشر بين عبس وذبيان. وسنذكر أمورهم فِي مواضعها إن شاء اللَّه. ومن بني الحُمرة بْن جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة: الأسود بْن أوس بْن حمرة وكان الأسود أتى النجاشي ومعه امْرَأَة له وهي ابْنَة الْحَارِث أحد بني عاصم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة فقال للنجاشي: أفدني ما أستغني به فقال: لأعطينك شيئًا تستغني به فعلَّمه دواء للكلَب فَأَقْبَلَ حَتَّى إذا كان فِي بعض الطرقات مات وأوصى امرأته أن تزوج ابنه قدامة وأن تعلمه دواء الكلب ولا يخرج منهم إِلَى أحد فجاءت فتزوجته وعلمته دواء الكلب، فهم إِلَى اليوم ينتابون فِي ذلك، وداوى بعض ولده ابن فسوة من الكلب فبال مثل النمل فبرئ، وكان الَّذِي

ومن بني حمرة: طفيل بن مرداس،

داواه ابن المحل بْن الأسود فقال: لولا دواء ابن المحل وسَبيهِ ... هَرَرْتُ إذا ما الناس هَرَّ كليبها واخرج بَعْدَ اللَّه أولاد زارع ... مؤلفة أكتافها وجنوبها ورثى جرير عقبة بْن المحل بْن الأسود فقال: يا عقب لا عقب لي فِي القوم أبصره ... من الأرامل والأيتام والجار أمْ مَنْ لبابٍ إذا ما اشتد حاجبه ... أمْ مَن لخصمٍ بعيد الدار مغوار [1] ومن بني حمرة: طُفيل بْن مرداس، وكان طُفيل مع أَبِي الضُريس مَوْلَى بني ثَعْلَبَة أيام مصعب بْن الزبير، وأتوا أصبهان فأخرجوا عتاب بْن ورقاء منها، وولى طفيلًا شطر أصبهان من شق التيمرة ففي ذلك يقول أعشى همدان: أتاك أَبُو الضريس يجر جيشًا ... إمارته وسلطان عظيم وثعلبة بْن يربوع تسامى ... عليها البيض تبرق كالنجوم وقال أَبُو اليقظان: كان شهاب جد عتيبة من بني كباس بْن جَعْفَر فارسًا يغير على بني حنيفة، فقال الشاعر: لعمري لقد كان الرئيس ابن جَعْفَر ... شهاب على أَهْل القرى مثل تُبَّعِ وقال لبيد: يحمون محمود الأمور كأنهم ... فِي العز أسرة حاجب وشهاب [2] وقال جرير فِي عرين بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع: عَرَفْنَا جعفرًا وَبَنيْ عبيدٍ ... وأنكرنا زعانف آخرينا

_ [1] ديوان جرير ص 181 مع فوارق كبيرة. [2] ديوان لبيد ص 23 مع فوارق.

ومن بني ثعلبة بن يربوع: يزيد بن القحارية،

عرين من عُرينة لَيس مِنَّا ... برئتُ إِلَى عُرينة من عَرينا [1] وقال أَبُو اليقظان: ولد متمم بْن نويرة، ويكنى أَبَا نهشل: إِبْرَاهِيم. وداود، وقال إِبْرَاهِيم فِي سَعِيد بْن العاص: فدى لسعيد من أمِير وخلةٍ ... ردائي وَمَا ضمت عليه الأنامل أتاني ورحلي باليمامة أَنَّهُ ... توفي والأخبار حق وباطل فأصبحت لا أدري أحيُّ بغبطةٍ ... فأفرح أم غالتك بعدي الغوائل وكان دَاوُد شاعرا، وهو القائل وقدم البصرة فجفاه بشر بْن مروان، فقال: إن يَجْفِني بشر بْن مروان يكفني ... سَعِيد بْن عمروٍ إنه ابن سَعِيد يعني سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الأشدق فتى وجد الخيرات قَدْ قُدِّمَت لَهُ ... مساعي آباء له وجدود ومن بني ثَعْلَبَة بْن يربوع: يزيد بْن القُحارية، وهي أَمَة من أَهْل اليمن، وهو يزيد بْن سلمة قاتل عَبْد عمرو بْن بشر بْن مَرْثَد وكان القحارية فِي بني يربوع، ومعهم ضبة وأسد، فانهزموا وانهزم ابن القحارية فلحقه عمرو بْن حسان بْن بشر فطعنه وأسره فمات من جراحه. وولد غُدانة بْن يربوع: مالك بْن غُدانة، وثعلبة بْن غُدانة، وإهاب بْن غُدانة. ووهبان بْن غُدانة. وعبيد بْن غُدانة. فولد مالك بْن غُدانة: عوف بْن مالك. وقطن بْن مالك. وكلب بْن مالك. ورياح بْن مالك. ومُخْدَج بن مالك.

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع.

فمن بني غدانة: وكيع بن حسان بن قيس بن الأسود بن كلب بن عوف بن مالك بن غدانة [1] ،

وولد ثَعْلَبَة بْن غدانة: عَبْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة. وبدر بْن ثَعْلَبَة. وقرط بْن ثَعْلَبَة. وولد منقذ بْن غدانة: الأحنف. وولد أهاب بْن غدانة: عائشة. وولد وهبان بْن غدانة: سَلَمَة. فَمَنْ بني غدانة: وكيع بْن حسان بْن قَيْس بْن الأسود بْن كلب بْن عوف بْن مَالِك بْن غدانة [1] ، وكان اسم غدانة فيما يُقَالُ أشرس. ووكيع الَّذِي وثب بقتيبة بْن مُسْلِم فقتله. وكان قُتَيْبَة مستوحشا من سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، وذلك لأنه سعى فِي بيعة عَبْد الْعَزِيز بْن الْوَلِيد فيمن سعى وأراد دفعها عن سُلَيْمَان، فَلَمَّا مات الْوَلِيد قام قُتَيْبَة فخطب الناس، فوقع فِي سُلَيْمَان، ودعا الناس إِلَى خلعه فلم يجيبوه، فشتم بني تميم وبكر بْن وائل والأزد، فأجمعوا على حربه، فطلبوا إِلَى حُضين بْن المنذر الرقاشي أن يتولى أمرهم فأبى ذلك وأشار عليهم بوكيع بْن أَبِي سود وقال: هَذَا أمر لا يقوى عليه غيره، لأنه أعرابي تطيعه عشيرته، وقد قتل قُتَيْبَة من قتل من آل الأهتم فسعوا إلى وكيع فبايعوه، وكان السفير بينه وبينهم حيان مَوْلَى مصقلة بْن هبيرة، فكان قُتَيْبَة يبعث إلى وكيع فيطلي رجله بمغرة ويقول: أَنَا عليل، ثُمَّ إنه دعا بفرسه وأخذ خمار أم ولده فعقده عَلَيْهِ، ولقيه رَجُل يُقَالُ له إدريس فقال له: يا أبا مطرف إنك تريد أمرًا وقد تخاف أمرًا قد أمنك اللَّه منه، والرجل فالله اللَّه. فقال وَكِيع: هَذَا إدريس رَسُول إبليس، أقتيبةُ يؤمنني؟ والله لا آتيه حَتَّى أوتى برأسه. ودلف نحو فسطاط قُتَيْبَة وتلاحق الناس به

_ [1] بهامش الأصل: يعرف وكيع، بابن أبي سود.

وقتيبة فِي أَهْل بيته وقوم وفوا له، فوثبوا عليه فقتلوه، والثبت أن عمود فسطاط قُتَيْبَة وقع على هامته فقتله، وأخذ رأس قُتَيْبَة سَعِيد بْن نجد الْأَزْدِيّ وامتنع من دفع الرأس إلى وكيع فصعد المنبر فقال: أي يوم لم أُرِعْ ولم أُرَعْ. ثُمَّ نصب خشبا وقال: هذه مراكب لا بد لها من فرسان، وهم الأزد، فأتي بالرأس فبعث به إِلَى سُلَيْمَان مع رَجُل من بني حنيفة. وحدثني المدائني أن وكيعا شهد عند إياس بْن مُعَاوِيَة فقال له مُعَاوِيَة [1] : يا أَبَا مطرف إنما يشهد الْعَوَّام والتجار وليس يشهد مثلك من الأشراف فقال: صدقت وانصرف فَقِيل له: إنه لم يقبل شهادتك وإنما خدعك فقال: لو علمت لحبجته بالعصا. ولما احتضر وكيع بعث إليه عدي بْن أرطاة من يعوده فقال له رسوله: الأمير يقرئك السلام، فقال: أَنَا والله الأمير ولكني مظلوم، فقال له: يقول لك كيف تجدك؟ قال: أجدني وثابًا على العتب. فلم يبلغ الرَّسُول عديًا حَتَّى سمعت الواعية على وكيع. وحدثني المدائني عن ابن الْمُبَارَك عن جويرية عن ربيعة بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن أنه قال: إنكم لتسودون من لا يستحق ذلك. حَدَّثَنِي إياس بْن مُعَاوِيَة قال: قال لي وكيع بْن أَبِي سود: ألا تخبرني عن مُحَمَّد رسول اللَّه من أي قريش هُوَ؟ وقال وكيع لبنيه: يا بني إن قومًا يأتونكم إذا مِتُّ، وقد عَرّضوا نعالهم، وسوَّدوا جباههم، وقصرَّوا ثيابهم، يقولون إن على أبيكم دينًا فاقضوه فلا تفعلوا فَإِن لأبيكم ذنوبًا كلها أعظم من الدين فَمَا أحسن حال أبيكم إن بُلغ به إِلَى الدين، وفيه يقول الفرزدق:

_ [1] تقدم هذا الخبر، وكان على المصنف أن يقول: «اياس» .

ومنا الَّذِي سلَّ السيوف وشامها ... عشية باب القصر من فرغان عشية لم تستر هوازن عامر ... ولا غطفان عورة ابن دخان [1] وله يقول الفرزدق أيضًا: فمات ولم يوتر وما من قبيلة ... من الناس إلا قد أبات على وتر [2] قَالُوا: وكتب الحجاج إلى قُتَيْبَة: إنه لن يبق بخراسان حمار ينهق غير وكيع بْن أَبِي سود، فإذا أتاك كتابي فاضرب عنقه. فكتب إليه: إنه ليس بخراسان رَجُل أعظم غناء منه فِي محاربة العدو. فكتب إليه أنه ليس بوكيع بْن أَبِي سود. ولكنه وكيع بْن حسان، لص من أَهْل سجستان فإذا جاءك كتابي فَحُلَّ لواءه وقوض بناءَه. وكان وكيع شهد مع قُتَيْبَة قتال الترك فقال له: يا أَبَا مطرف إنما مَثَلُك اليوم مَثَلُ الدرع الحصينة التي يحتاج إليها فِي يومها، وهذا يومك، فحمل وحملوا فانهزم الترك. وعزل قُتَيْبَة وكيعًا عن الرئاسة، وولاها ضرار بْن حصين الضَّبِّيّ، فكتب يزيد بْن عمير الأسدي إِلَى قُتَيْبَة: إنك عزلت السباع واستعملت الضباع. وعلا وكيع بْن أَبِي سود المنبر فقال: أَبِي تتمرسون [3] . ... من ينك العير ينك نياكا ثم نزل.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 331- 332، وابن دخان قتيبة لأنه من باهلة. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 202. [3] بتاريخ الطبري- ط. دار المعارف ج 6 ص 517: «مثلي ومثل قتيبة كما قال الأول: «من ينك العير بنك نياكا» ، أراد قتيبة أن يقتلني وأنا قتال.

ومن بني غدانة: الربيع بن عمرو الأجذم

وولد وكيع: مُحَمَّد بْن وكيع لأم ولد وقد ولي شرط البصرة ولا عقب له. وذكروا أن وكيعًا ركب حمارًا لبني هِفان من بني غُدانة فجاء رَجُل من بني هفان يُقَالُ له طعمة فضرب وكيعًا، فبلغ ذلك خاله وهو من بني غُدانة، وكان بالبادية فجاء حَتَّى لقي طعمة فشجه شجات، فطولب بأرشها فأعطاهم الأرش. وقال أَبُو اليقظان: وكان من بني غُدانة رَجُل يُقَالُ له عطية، ويكنى أَبَا علافة كان ينزل مكة، فتزوج عاتكة بِنْت الْحَارِث بْن أمية الأصغر، فولدت له عَبْد اللَّه وكان شاعرًا، وهو القائل: وخالي ابن عبلة إذ وارى لحومكم ... بالغوطتين وأنتم غير أبرار جدي قصي فلن يلقى لكم شبهًا ... مثل النجوم أضاءت ليلة الساري وله عقب بالبصرة. ومن بني غُدانة: الرَّبِيع بْن عمرو الأجذم ولي قتال الأزارقة بعد ابن عبيس فقتل. ومن بني غدانة: عطية بن جعال بن مجمع بن قطن بْن مالك بْن غُدانة الَّذِي يقول فِيهِ الفرزدق: أَبَني غدانة إنني حررتُكُم ... فوهبتكم لعطية بْن جعال لولا عطية لاجتدعتُ أنوفكم ... من بين ألأم أعين وسبال [1] فقال عطية: والله ما وهبهم أَبُو فراس لي. ولعطية عقب بالبادية وبالبصرة وهو القائل:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 162.

ومن بني غدانة: لعكمص،

رأيتُ المنايا بادياتٍ وَعُوَّدَا ... إِلَى دارنا سهلًا إلينا طريقها لنا نبعة كَانَتْ تقينا فروعها ... فقد قلعت إلا قليلًا عروقها وأُحرق ذرَّاع أخوه مع ابن الْحَضْرَمِيّ يوم دار سنبيل بالبصرة، وقد ذكرنا خبر هَذِهِ الدار، وكان عطية يكنى أَبَا الخثماء، وكان شريفًا وفيه يقول جرير بْن عطية: إنَّ الجواد على المواطن كلها ... وابن الجواد عطية بْن جعال يَهَبُ النجائب لا يمل عطاءهُ ... والمقربات كأنهنَّ سَعَالي [1] وكان عطية يهاجي حارثة بْن بدر، فغلب عطية حارثة. ومن بني غدانة: لعكمص، وكان شاعرًا يهاجي حارثة بْن بدر، وكان بنو سليط يروون شعرًا لعكمص، فقال حارثة يهجوهم: أراويةٌ عليَّ بنو سليط ... هجاء الناس يال بني سليط فَمَا لحمي فتأكله سليط ... شبيهٌ بالذكيِّ ولا العبيط وللعكمص مسجد بالبصرة فِي بني غدانة، ولا عقب له. ومنهم: حارثة وذرّاع ابنا بدر بْن حصين بْن قطن بْن مالك بْن غدانة، وكان حارثة شاعرًا، وكان صديقًا لزياد، فرآه يومًا وبوجهه أثر فقال له: يا أبا العنبس ما هَذَا الأثر بوجهك؟ قال: ركبتُ فرسي الكميت فاعترم بي فسقطت عَنْهُ، فقال: أما لو ركبت الأشهب لسبلت، يعني الماء. وكان حارثة يسامر زيادًا ويحدثه فكان زياد يقول: حارثة جليسي مذ كذا ما أسقط عندي سقطة، ولا رَأَيْت منه زلة، ولا ذكر أحدا بسوء،

_ [1] ديوان جرير ص 348 مع فوارق كبيرة.

ومسايري مذ كذا ما مسَّ ركابه ركابي قط، ومُساودي [1] مذ كذا ما أظهر لي سرًا قط: وقال فِيهِ رَجُل من بني كليب: شهدت بأن حارثة بن بدر ... غدانيَّ اللهازم والكلام وسجحة فِي كتاب اللَّه أدنى ... له من نوفل با بني هشام وكان حَوَّل ديوانه إِلَى قريش، وترك قومه. قوله سجحة يعني سجاح، ويعني بنوفل نوفل بْن عَبْد مناف، وابني هشام بْن مخزوم. واستعمل زياد حارثة على سُرَّق من الأهواز، فشيعه الناس ومعه أَبُو الأسود الدولي، فَلَمَّا انصرف عَنْهُ مشيعوه قال له أَبُو الأسود: أحار بْن بدر قَدْ ولِيتَ أمارة ... فكُنْ جُرَذًا فيها تَخُونُ وتَسْرِقُ فإنَّ جميع الناس إما مُكذب ... يقول بما يهوى وإما مصدق يقولون أقوالا بظن وشبهة ... فَإِن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا ولا تعجزنْ فالعجز أسوأ مركب ... فحظك من مال العراقين سُرَّقُ [2] فقال حارثة: جزاك إله الناس خير جزائه ... فقد قلت معروفًا وأوصيت كافيا وقال أَبُو اليقظان: كان من ولد عاصم بْن عُبَيْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة أَبُو مُلَيل عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث، أسره بسطام بْن قَيْس فأسر عتيبة به بسطاما وقال: أبلغ سراة بني شَيْبَان مألكةً ... أَنَا أبأنا بعبد اللَّه بسطاما [3] وهو عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن عاصم بْن عُبَيْد اللَّه بْن ثعلبة بن يربوع،

_ [1] بهامش الأصل: خ- ومساوري. [2] ديوان أبي الأسود ص 243 مع فوارق. [3] تقدم هذا في ص 183.

وكان خبر يوم قشاوة [1]

وكان أَبُو مُلَيل وحنظلة بْن بشر بْن عمرو بْن عمرو بْن عُدس، وعبد عمرو بْن شَيْبَان بْن وعلة بْن عوف بْن جارية بْن سليط أسروا الحوفزان يوم الصمْد صَمد طلح، فتخاصموا فِيهِ، فقال الحوفزان: حكمَّوني. ففعلوا فأعطى أَبَا مليل مائة من الإبل، وأعطى عَبْد عمرو مائة من الإبل، وجعل ناصيته لحنظلة بْن بشر، ويقال لهذا اليوم أيضًا يوم ذي طلوح، وهو أيضًا يوم غزت فِيهِ بَكْر بني يربوع، ومعهم قوم من بني تميم، فأنذرهم بهم عميرة بْن طارق بْن خصبة، وكان بجير بْن أَبِي مليل قتل يوم قُشاوة. وكان خبر يوم قُشاوَة [1] أن بني شَيْبَان ورئيسهم بسطام بْن قَيْس أغاروا فأخذوا نَعَمَ حجير وشعير ابني سُفْيَان بْن حارثة بْن سليط، فتداركهم فوارس من بني عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع: مالك بْن حطان بْن عوف بْن عاصم، والأحيمر، وهو ابن الحرمية حُرَيْث بْن عَبْد اللَّه، وأبو مُليل عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث، وبجير بْن أَبِي مُليل، فاقتتلوا فقُتل بُجير وجُرح مالك بْن حِطان وطُعن الأحيمر فخرق بالقنا ونجا، وأسر أَبُو مُليل فكان عند بسطام أسيرًا ما شاء اللَّه فكان إذا أُتي بطعام لم يأكله فقال بسطام: أخاف أن يموت هَذَا فتسبنا به العرب فخلاه وأوثقه [2] ألا يطلب بدماء أصحابه، وقال له: هَلْ يوفي مُليل ببجير؟ قال: نعم. قال: فهو به، فدفعه إليه، وكان مُليل خرج يطلب إبلًا له فأخذه بنو شَيْبَان قبل ذلك بحول وأبوه لا يعلم مكانه، ويظنه ميتًا، وقال للأحيمر: لك بمالك بْن حطان مائة من الإبل، فتعاقدوا على ذلك، فعاش حُرَيْث الأحيمر حَتَّى هلك فِي أيام عُثْمَان، ومات

_ [1] بهامش الأصل: يوم قشاوة. [2] بهامش الأصل: وواثقة.

مالك بْن حطان بعد سنة من جراحته، ويقال بل مات فِي أيامه. ومالك الَّذِي يقول: ولو شهدتني من عُبَيْد عصابة ... كرام لخاضوا الموت حيث أنازل فَمَا بين من هاب المنية منكم ... ولا بيننا إلا ليال قلائل واعتذرت سليط فقال مالك بْن نويرة: لحي اللَّه الفوارس من سليط ... خصوصًا أنهم سلموا وآبوا أجئتم تبتغون الغدر عندي ... ولم يُخرق لكم فيها إهاب وقال جرير: بئس الفوارس يوم نَعْف قُشاوة ... والخيل عادية على بسطام تركوا الأحيمر يوم خرقه القنا ... ان المحامي يوم ذاك محام [1] وكان أَبُو عبيدة يقول: أسروا مُليلًا وأبا مُليل يوم قشاوة، وقول الكلبي أثبت. قال: وكان مالك بْن حِطان اليربوعي ثُمَّ العبيدي فارسًا شاعرًا. وقال أَبُو اليقظان: ومن بني عاصم بْن عُبَيْد: طارق بْن دَيْسَق بْن عوف وكان شريفًا، وكان يبغي على بني جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة، فقال سحيم بْن وثيل وهو يهجو وزر بْن ضرار بْن عتيبة: سأحقر ذا الخرطوم من أن أسبَّهُ ... على أن ذا الخرطوم فِي الحيّ بكوس أإن رفعت عنكم جفان ابن داحس ... وكان لكم فِي باحة الحي مجلس ألفْتَ بني سيف وقد كنتَ قبلها ... تحُزُّ كما حزَّ المتيح المضرس بنو سيف من سليط كان قد حالفهم.

_ [1] ديوان جرير ص 494.

قال ومن بني ضباري: عَبْد اللَّه بْن حصن ويكنى أَبَا الشعثاء كان على شرطة زياد، وعبيد اللَّه بْن زياد، وإليه نسبت مقبرة ابن حصن بالبصرة. وقال فِيهِ الشمردل يرثيه: إن تفريا يا بنتي حصن وجوهكما ... إلى النحور فقد شواكما [1] القدر قُوما فَعُدَّا عليه من فضائله ... قولًا يصدّقه البادون والحضر ولا عقب له. ومن بني ضباري بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة: الشمردل بْن شريك، ويقال له ابن الخريطة وذلك أنه أخذ وهو صبي فجُعل فِي خريطة فَسُبَّ بِذَلِك، وكان شاعرًا. وهجا رجلا من بني تميم يُقَالُ له زين فقال: يا زين يا بن مخاضٍ خُلَّ من لَهج ... ألم تَخَفِنْي إذا شمرت عن ساقي يقول من لهج بالرضاع خلّ ليلا يرضع، فقال زين: يا بن الخريطة ما فُرِّقْت من فَرَقٍ ... وإن كشفت عن العرقوب والساق وقال أَبُو اليقظان: غلب على ولد حبيش عُبَيْد، وغيره يقول حُبسى اسم أمهم، واسمها بهان وهي من بني سعد بْن زَيْد مناة وفيها يقول القائل: ألا قَالَتْ بهان ولم تَأَنَّقْ ... نَعِمْتَ وما يليط بِكَ النعيم بنونَ وهَجْمَة كَشَّاءَ بَشُّ ... صفايا كثَّة الأوبار كوم تبكّ الحوض علّاها ونهلى ... وخلف مدادها عطن منيم إذا اصطكّت تضايق حُجرتاها ... يلاقي العَسْجَديَّةُ واللطيم وقال المفضل: هَذِهِ الأبيات لعامان بْن كعب بْن عمرو بن سعد،

_ [1] بهامش الأصل: سواكما.

وولد العنبر بن يربوع:

وكان ولد بهان كثيرًا، فقتلهم خَالِد بْن الْوَلِيد يوم البعوضة والبطاح فِي الردة. وكان منهم بذل بْن نُعيم، وكان شجاعًا فارسًا ولاه عدي بْن أرطاة حرس ناحية الأزد بالبصرة، حين قدمها يزيد بْن المهلب. وولد العنبر بْن يربوع: أسامة بْن العنبر. ومالك بْن العنبر، وأمهما خنساء بِنْت مُجَعَّر بْن كعب بْن العنبر بْن عُمَرو. فولد أسامة: حِقّ بْن أسامة. وخالد بْن أسامة. ومالك بْن أسامة. ومنهم سجاح التي تنبت وكانت تسمى بِنْت صادر، ويقال هِيَ سجاح بِنْت أوس بْن حق بْن أسامة، وهي امْرَأَة مسيلمة الكذاب، وكان يُقَالُ لولد العنبر: بنو الحرام بْن يربوع نسبوا إِلَى أم العنبر، وهي الحرام بِنْت يزيد بْن نشبة بْن العنبر بْن عمرو بْن تميم. فولد خَالِد بْن أسامة: سُوَيْد بْن خَالِد. فولد سُوَيْد: عقفان بْن سُوَيْد، حي بالكوفة. وغُصين ويقال حصين بن سويد. وولد مالك بْن العنبر بْن يربوع: وضين بْن مالك. فولد وضين نفرًا درجوا، غير سنان. والمسيب ابني حذيفة. والفاخر بْن مُحَمَّد بْن عَلوان بْن أوس بْن شقيق بْن زياد بْن عقفان بْن سُوَيْد. وعَلوان بْن غسان بْن عَلوان بْن أوس بْن شقيق، لهم شرف بأصبهان، وعدد. وقال أَبُو اليقظان: من بني عُقفان: بشر. وشقيق. وذريح، وكانوا مع عتاب بْن ورقاء بالري، فقاتلوا معه، وكان عتَّاب على الري وأصبهان،

وولد الحارث بن يربوع:

فبعث مصعب بْن الزبير أَبَا الضُرَيس، مَوْلَى بَنِي عَاصِم بْن عبيد بْن ثعلبة بْن يربوع فأخذها، وطرد عتابًا عَنْهَا. ولهم يقول جرير: هلا طعنت الخيل يوم لقيتها ... طعن الفوارس من بني عقفان [1] قال: ومن بني عُقفان: عَبْد اللَّه بْن علوان كان له قدر ونبل بهمذان. ومنهم: عُبَيْد بْن أَبِي سبيع أبو مالك. ومودود ابنا أَبِي سيع، وكان عُبَيْد العامل فِي أمر ابن الأشعث والداخل بين الحجاج ورتبيل حَتَّى سلمه عُبَيْد إلى رسل الحجاج. وولد الْحَارِث بْن يربوع: سليط بْن الْحَارِث، واسم سليط كعب بْن الْحَارِث وسمي سليطًا لسلاطة لسانه. وضباب أَهْل بيت فِي بني سليط. فولد سليط: جارية بْن سليط. وزبيد بْن سليط. وعبد اللَّه بْن سليط. وعفيف بْن سليط. وضباب بْن سليط. منهم أسيد بْن حِناءة بْن حذيفة بْن زبيد بين ضباب بْن سليط وكان من أفرس الناس وأشدهم، وكان يشهد الغارات والوقائع مع عتيبة وغيره وأُسر يوم الصَّرائم [2]- وهو يوم الحرق- الحكم بن مروان العبسي. [يوم الغبيط] وخرج الحوفزان وبسطام وهانئ بْن قبيصة متساندين يريدون بني يربوع حَتَّى صاروا إِلَى هضبة الحصى بين الغبيطين، وهما واديان يُقَالُ لهما: أفاق، وأفيق، فرأوا إبلًا فأرسلوا من جاءهم بها فقال بسطام لراعيها: أنت مِطَوح بْن الحيَّة بْن قرط بْن عاصم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة؟ قال: نعم. فقال: دُلَّني. قال: إذا جعلت لي الأمان دللتك، فجعل له الأمان على نفسه وإبله

_ [1] ديوان جرير ص 471. [2] الصرائم: موضع كانت فيه وقعة بين تميم وعبس. معجم البلدان.

فسأله بسطام عما أراد فَأَخْبَرَه بمكان سَرْحٍ سَرْح، وبمجتمع قوم قوم، فقال بسطام: يا بني شَيْبَان أطيعوني وأغيروا من أول الليل. فقال له هانئ بْن قبيصة: يا أَبَا الصهباء انتفخ سحرك [1] لأن عتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب قد هلك بعيره بأسر عتيبة إياه، فقال بسطام: أما إذ عصيتني فأيقن بطعنٍ ينسيك الغنيمة، وأصبحوا فنهضوا من هضبة الحصى يريدون سواد بني يربوع الأعظم، وكانوا بني زبيد رهط أسيد بْن حناءة وغيرهم وركب أسيد فواقفهم وقال: من أنتم؟ قال بسطام: أَنَا بسطام، وقال هانئ: أَنَا هانئ، وقال الحوفزان: أَنَا الحوفزان، وقال مَفْروق: أَنَا مفروق ثُمَّ قَالُوا لأسيد: من أنت؟ قال: أَنَا أسيد بْن حناءة فانكفأوا إِلَى النهب والسبي ونادي أسيد: يا سوء صباحاه، وركض إِلَى بني يربوع ينذرهم ويرسل إِلَى من لم يحضر منهم وتلاقوا فحمل بعضهم على بعض، وقُتل عمارة بْن عتيبة، قتله رَجُل يُقَالُ له فُقْحل، فحمل قعنب بْن عصمة على قاتله فطعنه فدقَّ صلبه فمات فقحل وكثرت الأمداد من بني يربوع، فَلَمَّا رأتهم بَكْر لحق آخرهم بأولهم ليجتمعوا ثُمَّ عطف فارس منهم على عفاق بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي مليل فقتله، فلحق قعنب الرجل فأسره، وأتى به أَبَا مليل فضرب عنقه، وحمل أسيد وقعنب على مفروق فطعناه فمات فِي بني يربوع، وانهزمت بَكْر بْن وائل، ولم يكن لبني يربوع هَمُّ غير بسطام فركض عليه الأحيمر وهو حُرَيْث بْن عَبْد اللَّه ليقتله ببجير بْن أَبِي مليل، وكان قتل يوم قُشاوة وبدم عفاق بْن أَبِي مليل بْن الْحَارِث، وركض عليه الحليس بن عتيبة، فلم يقدروا عليه.

_ [1] انتفخ سحره: عدا طوره، وجاوز قدره. القاموس.

ويقال إن الأحيمر طعن بسطامًا وأسر يومئذ الدَعّاء بْن قَيْس أخو مفروق، أسره أسيد بْن حناءة، وأُسر أحيمر أسره الضريس بْن مسعدة البكري، وأُسر الْعَوَّام بْن عَبْد عمرو الشيباني، أسره عتوه بْن أرقم بْن نويرة، واستنقذوا النهب والسبي. قال الشاعر وهو متمم بْن نويرة، أو مالك أخوه: لعمري لنعم الحي أفزع غدوة ... أسيد وقد جاء الصريخ المصدق دعا دعوة أَهْل الغبيط وقد رَأَى ... شماطيط من خيل يثوب ويلحق رَأَى غارة تحوي السوام [1] كأنها ... سحين [2] أجراد سابح متورق وأسر يومئذ هانئ بْن قبيصة ويقال إنه لم يؤسر، وهذا اليوم سمي يوم الغبيط، غير غبيط المدرة، وهو العظالي لأنهم تعاظلوا، ويوم الهضبة. وأصل التعاظل من تعاظل [3] الكلاب، وقال الشاعر: قبح الإله عصابة من وائل ... يوم الإفاقة أسلموا بسطاما خَلَّى غنيمته ونَجَّى نفسه ... ولكان يعرف قبلها أياما وقال أيضًا: وفر أَبُو الصهباء إذ حمس الوغى ... وألقى بأبدان السلاح وسلَّما ولو أن بسطامًا أطيع برأيه ... لأدَّى إِلَى الأحياء بالحنو مغنما

_ [1] السوام: الإبل الراعية. القاموس. [2] السحنة: اللون- والمساحنة: الملاقاة، ويوم سحن: يوم جمع كثير. القاموس. وعجز البيت الأخير مضطرب الوزن. [3] عظلت الكلاب: ركب بعضها بعضا، والعظال: الملازمة في السفاد من الكلاب والجراد. القاموس.

ولكن مفروق القفا وابن عمه ... ألاما [1] فِي الثياب وساءما [2] فلو أنها عصفورة لحسبتها ... مسومة تدعو عبيدًا وأزنما وقال متمم بن نويرة: فلو أن البكاء يرد شيئًا ... بكيت على بجير أو عفاق ومن ولد أُسيد بْن حناءة: عتيبة بْن أُسَيْد، وكان أغار على بني طهية فِي الْإِسْلَام فأخذ لهم ذودًا [3] ، فقال أبو ذؤيب الطهوي: لعمري لقد أضحى عتيبة مجمعًا ... على أمر سوء فِيهِ إثم ومغرم فإنك منها بين شيئين منهما ... مراس القنا يعلو سوافلها الدم وبين يدٍ فيها ذراع قصيرة ... لها ساعد قد فَلَّها السيف أجذم فوثب به ذؤيب فضربه بالسيف فقطع يمينه، فتحاكموا إِلَى ابن المحل الجعفري فضمن لأبي ذؤيب إبله وأرضى عتيبة بْن أسيد من يده، وقال ابن المحل: إن يك ذود قد أصيب فإنني ... حبوتكما ذودًا به غير أحربا وكان منهم رَجُل يُقَالُ له عُنقوش قتله رَجُل من بني عبس، ثُمَّ أحد بني جذم بْن جذيمة فأكرههم الْوَلِيد بْن عَبْد الملك على أَخَذَ الدية لأنهم أخواله فأخذها بنو زُبيد، ثُمَّ إن رجلًا منهم يكنى أَبَا الخنساء شد على رَجُل من بني جذيمة فقتله، فخرجت بنو زُبيد من البادية خوفًا لجريرته، فلحقوا بالجزيرة فقال غسان السليطي:

_ [1] لأمه: السهم جعل عليه ريشا، والملأم: المدرع. [2] سامت الإبل أو الريح: مرت واستمرت. القاموس وعجز البيت الثالث مضطرب الوزن. [3] الذود: ما بين ثلاثة أبعرة إلى العشرة. أو خمس عشرة أو عشرين، أو ثلاثين. القاموس.

فدى لأبي الخنساء رحلي وناقتي ... إذا ذُكرت أخباره بالمواسم سقيتُ الغلام الجذيميَّ صفيحة ... بمقتل عنقوش غداة الصرَّائم إذا هَزَّ قضبان الحديد وجُرِّدَتْ ... بأيدي زبيد نكّلَتْ كل ظالم وإن دماء الحنظليين لم تكن ... تباع إذا بيع المخاض العلاجم ومنهم ثُمامة بْن سيف بْن جارية بْن سليط، الَّذِي عقد الحلف بين بني يربوع، وأم ثمامة من بني مالك بن عمرو من طيّئ. ومنهم: المساور بْن رباب وكان جوادًا وكان محالفًا لبني شَيْبَان، وفيه يقول أعشى بني أَبِي ربيعة: لا يجاوز إِلَى فتى يعتفيه ... حين يلقى المساور بْن رئاب وقتله الحجاج بْن يوسف فيمن قتل مِمَّنْ خرج عليه وفيه يقول جرير بْن عطية: وغريبنا قد ساد حَتَّى وائل ... يعطي الجزيل مساور بْن رئاب [1] ومنهم سُلَيْمَان بْن حبيب ولي كرمان. والزبير بْن الماحوز، وأخوه عُثْمَان الخارجيان وقد كتبنا أخبار بني الماحوز. ومن بني سليط: حارثة بْن بدر بْن ربيعة بْن بدر بْن سيف بْن جارية بْن سليط الَّذِي كان يقاتل الخوارج وهو يقول: كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا فقد أتى المهلب

_ [1] ديوان جرير ص 52 مع فوارق كبيرة.

ومن بني سليط بن سليط بن الحارث بن يربوع: النطف بن الخيبري،

وهذه رواية هشام ابن الكلبي. وغيره يزعم أن الَّذِي قال هَذَا القول حارثة بْن بدر الغُداني. ومن بني سليط بْن سليط بْن الْحَارِث بْن يربوع: النطف بْن الخيبري، واسمه حطان، وإنما سمي النطف لأنه كان فقيرًا، وكان يحمل الماء على ظهره فيقطر الماء فيقول: نطفت القربة وقربتي نطفة. وكان باذام عامل كسرى باليمن بعث إليه بعير عظيمة تحمل الثياب والعنبر، وكان فيها خرجان فيهما مناطق ذهب وجوهر نفيس، فَلَمَّا كَانَتِ العير بنطاع، ويقال بحمض [1] تداعى إليها بنو تميم، فدعا صعصعة بْن ناجية بْن عقال قومه وشجعهم على أخذها، فشدوا على اللطيمة فانتهبوها بعد قتال لمن عليها، وذلك فِي يوم حَمض ووقع فِي يد النطف خرج فِيهِ جوهر وعنبر، فضربت العرب به المثل فقالوا: أصاب غنم النطف وقد أصاب خرج النطف، ولم يزل النطف يومئذٍ يعطي منذ صار إليه حَتَّى غابت الشمس فقال ابنه: أَبِي النطف المباري الشمس إني ... عريق فِي السماحة والمعالي ومن سليط: غسان بْن زهير، وكان شاعرًا وكان يهاجي جريرًا، وهو الَّذِي يقول لجرير: لعمري لئن كَانَتْ بجيلةُ زانها ... جرير لقد أخزى كليبًا جرير ها وولد عمرو بْن يربوع: منذر بْن عمرو. وعُوافه بْن عمرو. وضمضم بْن عمرو. منهم جناب بن مصاد بن مرارة الذي طال عمره

_ [1] نطاع: ماءة في بلاد تميم، وهي ركية عذبة الماء غزيرة. ووادي حمض قريب من اليمامة. معجم البلدان.

فقال: إن جناب بْن مَصَادٍ قد ذهب ... أدرك من طول الحياة ما طلب ومنهم ربيعة بْن غِسل- وبعض البصريين يخالف ابن الكلبي فيقول: عِسل بعين غير معجمة- ولي هراة فِي أيام مُعَاوِيَة ويقال إن مُعَاوِيَة ولاه إياها فقال الشاعر: نادى ابن غسل بني عمرو بْن يربوع ... إِلَى هراة وداعي الخير متبوع فقرَّطَ الخيل [1] من بلخ أَعنَّتَها ... مستمسك بنواصيها ومصروع وقال أَبُو اليقظان: كان ربيعة بْن غسل شهد يوم الجمل مع عَائِشَة، فأتي به علي أسيرا فقام رَجُل من طي فقال: دعني أضرب عنقه فأبى ذلك عليُّ، ومنَّ عليه فأتى مُعَاوِيَة. فَلَمَّا ولي مُعَاوِيَة سَعِيد بْن عُثْمَان خراسان صحبة فولاه هراة وكان ربيعة خطب إِلَى مُعَاوِيَة ابنه له وذلك من جنائه ونَوْكِهِ، فدعا له مُعَاوِيَة بشربةٍ من سويق فقال: أحسبك جائعًا، وقال: هَذَا حظك من الخطبة، فقال ابن له: أَبِي الَّذِي خطب إِلَى مُعَاوِيَة. فَقِيل له: أفزوجه؟ قال: لا. قال فَمَا صنع أبوك شيئًا. وكان من بني غسل رَجُل يُقَالُ له عُبَيْد اللَّه بْن كليب، ولاه يوسف بْن عُمَر عملًا فَقِيل له: استخر ربك فقال: طال ما استخرت ربي فلم أصب عملًا، فعذَّبه يوسف حين عزله حَتَّى قتله. ومن بني عمرو بْن يربوع ثُمَّ من بني غسل: أَبُو جُوَالق كان شجاعًا، وخرج مع ابن الأشعث، وفيه يقول الراجز:

_ [1] أي ألجمها. القاموس.

ومن بني ضمضم بن عمرو بن يربوع:

سبعون ألفًا كلهم مُفارق ... مثل الحريش وأبي جوالق موعدهم بلعلعٍ وبارق الحريش بْن هلال القريعي، وقاتل أَبُو جوالق الوضِين الشامي، وكان فِي مقدمة الحجاج وكان أَبُو جُوالق فِي مقدمة عطية بْن عمرو العنبري، صاحب مقدمة ابن الأشعث، فقتل أَبُو جُوالق وضينًا فقال الشاعر: ألهي وضينا ذلك الشامي ... عن الشواء وعن القلي طعنة واري الزند حنظلي ومن بني ضمضم بْن عمرو بْن يربوع: سعد الرابية، وهو سعد بْن شداد، وكان يُتقى لسانه، وكان الأمراء يستخفُّونه، وكان قبل ذلك معلمًا يعلم النحو، وأخذه عن أَبِي الأسود الديلي وفيه يقول الفرزدق: إني لأبغض سعدا أن أجاوره ... ولن أحبَّ بني عمرو بْن يربوع قوم إذا اعتصبوا لم يخشهم أحد ... والجار فيهم ذليل غير ممنوع [1] وقال أَبُو اليقظان: إنما قيل الرابية لأنه كان معلمًا برابية بني تميم فِي الضاحية، وكان عُبَيْد اللَّه بْن زياد طلب غلامًا مولدًا ليشتريه، فقال سعد الرابية: قد أصبته لك هُوَ عندي فانطلق إِلَى ابن له يُقَالُ له يَعْلَى، فقال له: يا بنيَّ إني انطلق بك فأبيعك من الأمير، فإذا أخذت ثمنك، وعلمت أني قد وصلت إِلَى البيت فابك عليهم وقل أَنَا ابنه، فباعه بألف درهم، فَلَمَّا قبض الدراهم، ورجع إِلَى أهله بكى الغلام وقال: أَنَا ابن سعد. فدعا سعدًا فقال له: ويحك إن هَذَا الغلام يزعم أنه ابنك؟ قال: صدق.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 426 مع فوارق.

وولد صبير بن يربوع:

قال: فتبيعنا ابنك؟ قال: فكيف آخذ منكم الدراهم إلّا بأشباه هَذَا، فضحك ورد عليه ابنه وترك له الدراهم. وهرب سعد من الطاعون الجارف بالبصرة إِلَى بلاد بني يربوع فمات بها وله بالبصرة عقب، وكان يومًا عند زياد، ويقال عند عُبَيْد اللَّه بْن زياد، فاختصم قوم من الطفاوة، وقوم من بني راسب فِي رَجُل فقال هؤلاء: هُوَ مولانا، وقال هؤلاء: هُوَ مولانا، فقال سعد: الحكم فِي هَذَا بيِّنٌ ألقوه فِي الماء فَإِن طاف فهو للطفاوة وإن رسب فهو لبني راسب، فضحك زياد واستطرف ذلك. وولد صُبير بْن يربوع: أَبَا سلمى بْن صُبير، ومعشر بْن صُبير. والأخرم بْن صُبير. وقطن بْن صُبير. وفروة بْن صُبير، وقَنان بْن صُبير. وسُواءة بْن صُبير. منهم: قطن بْن أَبِي سلمى بْن صبير الشاعر. قال أَبُو اليقظان: ومنهم سُلَيْمَان بْن عُبَيْد قهرمان هشام بْن عَبْد الملك، ادَّعوه. ومنهم: ذو الخرق جاهلي وكان شاعرًا.

نسب بني كليب بن يربوع بن حنظلة

بسم الله الرحمن الرحيم نسب بني كُليب بْن يربوع بْن حنظلة وولد كليب بْن يربوع بْن حنظلة بْن مالك: زَيْد بْن كليب. ومعاوية بن كليب وهما الصِمتان، ومنقذ بن كليب. وعوف بن كليب وكانا تحالفا على الصمتين، وأنس بْن كليب. وقال غير الكلبي: من ولد كليب صبرة بْن كليب. فَمَنْ بني كليب: جرير بْن عطية [1] بْن الخَطَفَي، واسمه حذيفة بْن بدر بْن سلمة بن عوف بْن كليب، وأم جرير أم قَيْس بِنْت معيذ، من بني كليب، وولد جرير لسبعة أشهر، وسمي حذيفة بْن بدر: الخطفي لقوله: يرفعن بالليل إذا ما أسدفا ... أعناق حنان وهامًا رُجَّفا وعنقًا بعد الكلال خيطفا وكان عطية أَبُو جرير مضعوفًا قال الفرزدق: فخرت بشيخ لم يلدك ودونه ... أبٌ لك يخفي شخصه ويضائله [2] وقال المفضل الضَّبِّيّ: كان الَّذِي هاج الهجاء بين جرير والبعيث بن

_ [1] بهامش الأصل: جرير الشاعر. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 174.

بشر، أن البعيث خرج فِي بغاء إبل له سرقها قوم من بني سليط من بني يربوع يقال لهم بنو ذهيل، فوجدها فِي أيديهم فقالوا: إنما كَانَتْ مع لص فانتزعناها منه، وكان غسان بْن زهير السليطي يهاجي جريرا ففضله البعيث عليه فِي الشرف والشعر، فقال له عطية بْن جِعال العُداني: ما أنت وهذا يا بَعِيث، أتدخل بين بني يربوع؟ وبلغ ذلك جريرا فقال قصيدته التي أولها: طاف الخيال وأين منك لماما ... فارجع بزورك للسلام سلاما وقال فيها: يا عَبْد بيبة [1] ما عذيرك محلبًا ... لتنال عز مجرب وتلاما نبئت أن مجاشعًا قد أنكروا ... شعرًا ترادف حاجبيك تواما يا ثلط حامضة تروح أهلها ... من ماسط وتندت القلاما [2] فبلغ ذلك البعيث فقال لبني الخطفي: عجلتم علي، قَالُوا: بلغ الرجل عنك أمر فَإِن شئت صفحت، وإن شئت قلت كما قيل لك. قال: بل أصفح، فأقام معهم حينًا ثُمَّ أنه أبقَ له عبدان فلحقا بهجر، فركب عمرو بْن عطية أخو جرير فَرَدَّ عبديه عليه بغير جعالة ففارقهم راضيًا، ولقي قومًا من بني مجاشع فأثنى عندهم على بني الخطفي فقال له رَجُل منهم: لحسنُ ما جازيتهم على ما قَالُوا ثُمَّ أنشده: نبئت أن مجاشعا قد أنكروا ... شعرا ترادف حاجبيك تواما وجعلوا يحرِّبونه حَتَّى غضب وحَرِب فهجا جريرًا بقصيدة أولها: ألا حييا الربع القواء وسلما. ..

_ [1] بيبه: جد الفرزدق. [2] الثلط: سلح البعير، الحامضة: الإبل التي تأكل الحمض. ماسط: ماء ملح لبني طهية، وتندت من التندية، والقلام: نبات كنبات الأشنان. ديوان جرير ص 444.

فقالت بنو كليب لعطية بْن الخطفي عم جرير: اركب إِلَى بني مجاشع فاستنههم من أنفسهم فقد قَالُوا كما قيل لهم، فأتاهم فقال: يا بني مجاشع أنتم الأخوة والعشيرة، وقد قلتم كما قيل لكم، فأبى البعيث إلّا هجاء جرير فلجَّا فِي التهاجي، وبلغ الفرزدق خبرهما فغضب لقومه وللبعيث، وكان قد قيَّد نفسه وحلف ألا يحلّ قيوده حَتَّى يجمع القرآن- أي يحفظه- فقال الفرزدق قصيدته التي يقول فيها: أتتني أحاديث البعيث ودونه ... زرود فشامات الشقيق [1] من الرمل فقلت أَظَنَّ ابن الخبيثة أنني ... شُغلت عن الرامي الكنانة بالنبل فإن يك قيدي كان نذرًا نذرته ... فَمَا بي عن أحساب قومي من شغل [2] ونشب الهجاء بين جرير والفرزدق فقال البعيث: أشاركتني فِي ثعلب قد أكلته ... فلم يبق إلّا رأسه وأكارعه فدُونَكَ خصييةِ وما ضمت اسْتُهُ ... فإنك قمام خبيثٌ مراتعه فزعموا أنهما تهاجيا ثمانيًا وأربعين سنة، ومات جرير بعد الفرزدق بيسير، وله أكثر من ثمانين سنة، وكان تهيأ للشخوص إِلَى هشام بْن عَبْد الملك وقال: فكيف ولا أشد إليك رحلي ... أروم إِلَى زيارتك المراما [3] فمات قبل أن يسير، وعلى البصرة يومئذ بلال بْن أَبِي بردة واليًا لخالد بْن عَبْد اللَّه القسري، وكان موت جرير باليمامة وكان يكنى أَبَا حزرة.

_ [1] الشقيق: كل غلظ بين رملتين معجم البلدان. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 153. [3] ديوان جرير ص 409.

حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن علي الحرمازي قال: اعترض اللعين المنقري، واسمه منازل بْن ربيعة بين الفرزدق وجرير حين جَدَّ بهما الهجاء فقال: سأقضي بين كلب بْني كليب ... وبين القين قين بني عِقال بأن الكلب مطعمه خبيث ... وأن القين يعمل فِي سِفال فَمَا بُقْيَا عليَّ تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال فَمَا كان الفرزدق غير قينٍ ... لئيم خاله للؤم تالي ويترك جدّه الخطفي جرير ... ويندب حاجبًا وبني عقال فلم يلتفت إليه فسقط. وحدثني الحرمازي عن أَبِي اليقظان قال: من أول شعر قاله جرير زمن معاوية لأبيه أو جده: ردي جمال الحيّ ثم تحملي ... فما لك فيهم من مقام ولاليا وإني لمغرور أعلل بالمني ... ليالي أدعو أن مالك ماليا بأي نجاد تحمل السيف بعد ما ... قطعت القوى من محمل كان باقيا بأي سنان تطعن القوم بعد ما ... نزعت سنانًا من قناتك ماضيا [1] وحدثني التوزي النحوي عَن الأصمعي عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ: كان جرير عندنا فِي مجلسنا، فمرت بنا جنازة فتغرغرت عينه ثُمَّ قال: شيبتني هَذِهِ الجنائز مذ خمسون سنة فقلنا: يا أَبَا حزرة فَمَا بالك تشتم الناس وتهجوهم وأنت ترى المنايا غادية ورائحة فقال: انهم يبدأوني ثُمَّ لا أغفر ولا أعفو. وحدثني أَبُو عدنان الْبَصْرِيّ والأثرم والحرمازي فِي إسنادهم، فسقتُ

_ [1] ديوان جرير ص 501

حديثهم، ورددت بعضه على بعض قَالُوا: أقبل جرير حَتَّى قدم على الحكم بْن أيوب بْن أَبِي عقيل الثقفي وهو خليفة الحجاج بالبصرة فقال: أقبل من نجران أو من ذي خيم ... على قلاص مثل خيطان [1] السَّلَم قد طويت بطونها طيِّ الأدم ... إذا قطعن علمًا بدا علم حَتَّى تناهين إِلَى باب الحكم ... خليفة الحجاج غير المتهم فِي معدن العز وبحبوح الكرم [2] فلما رآه الحكم استطرفه وأعجب به فكتب إِلَى الحجاج يصفه له فكتب الحجاج إليه فِي إشخاصه إِلَى ما قبله، فأشخص جريرًا، فأكرمه الحجاج وكساه جبة خزّ صبرية، ثُمَّ أرسل إليه بعد أيام فقال: إيه يا عدو نفسه مالك تشتم الناس وتظلمهم فقال: جعلني اللَّه فداء الأمير إنهم والله يظلمونني فانتقم مالي ولفلان وفلان وفلان وفلان، فعدد من هجاه فقال الحجاج: والله ما أدري مالك ولهم، فقال جرير: أما غسان السليطي فإنه رَجُل من قومي هجاني وعشيرتي فقال: لعمري لئن كَانَتْ بجيلةُ زانها ... جرير [3] لقد أخزى كليبا جرير ها أَبَا لخطفي وابني مُعيذ ومعرض ... تُسَدّي أمورًا جمةً ما ينيرها رميت نصالًا عن كليب فقصّرت ... مراميك حتى عاد صفرا جفيرها [4]

_ [1] خيطان السلم: أغصان السلم. [2] ديوان جرير ص 424 مع فوارق. [3] بهامش الأصل: يعني جرير بن عبد الله البجلي الصحابي رضي الله عنه، وتقدم هذا البيت ص 205. [4] الجفير: جعبة من جلود لا خشب فيها، أو من خشب لا جلود فيها. انظر النقائض ج 1 ص 6- 15.

فَمَا يذبحون الشاة إلا بميسر ... طويل تناجيها صغار قدورها فقال الحجاج: فَمَا قلت له؟ فأنشده: ألا ليت شعري عن سليط ألم تجد ... سليط سوى غسان جارًا يجيرها فقد ضمَّنوا الأحساب صاحب سَوْءَةٍ ... يناجي بها قُعسًا خبيثًا ضميرها [1] قال: ثُمَّ من؟ قال: البعيث اعترض دون غسان السليطي ففضله عليَّ فِي الشرف والشعر، وأعانه، وأنشده بعض شعره، قال: ثُمَّ من؟ قال: الفرزدق أعان البعيث علي: قال: فَمَا قلت له؟ فأنشده: تمنى رِجَال من تميم لي الردى ... وما ذاد عن أحسابهم ذائد مثلي ولو شاء قومي كان حلمي فيهم ... وكان علي جهال أعدائهم جهلي وقد زعموا أن الفرزدق حية ... وما قتَّل الحيات من رَجُل قتلي [2] قال: ثُمَّ من؟ قال: الأخطل بلغه تهاجينا، فقال لابن له يُقَالُ له مالك: انحدر إِلَى العراق حَتَّى تسمع منهما، وتأتيني بخبرهما وشعرهما، فانحدر مالك حَتَّى لقينا فسمع مِنَّا، ثُمَّ أتى أَبَاهُ فقال له: رَأَيْت جريرا يغترف من بحر، والفرزدق ينحت من صخر، فقال الأخطل: الَّذِي يغرف من بحر أشعرهما ثُمَّ قال: إني قضيت قضاء غير ذي جنفٍ ... لما سمعت ولما جاءني الخبر إن الفرزدق قد شالت نعامته ... وعضه حية من فوقه ذكر [3] ثُمَّ إن بشر بْن مروان ولي الكوفة فقدم الأخطل عليه فرشاه محمد بن

_ [1] ديوان جرير ص 226 مع فوارق. [2] ديوان جرير ص 371- 372 مع فوارق. [3] ليسا في ديوان الأخطل المطبوع.

عمير بْن عطارد بألف درهم وبغله وكسوه وزق خمر وقال: لا تعن على شاعرنا، واهج هَذَا الكلب الَّذِي يهجو ابني دارم فإنك قد كنت قضيت له على صاحبنا فقال: أخسأ جرير إليك إن مجاشعًا ... وأبا الفوارس نهشلًا إخوان قوم إذا خطرت إليك فحولهم ... جعلوك تحت كلاكل وجران وَإِذَا وضعت أباك فِي ميزانهم ... رجحوا وشال أبوك فِي الميزان أجرير إنك وَالَّذِي تسمو به ... كسفيهة فرحت بحدج [1] حصان وَإِذَا وردت الماء كان لدارم ... عفواته وسهولة الأعطان [2] فبلغني قوله فقلت أهجو مُحَمَّد بْن عميرة: ولقد علمنا ما أبوك بدارم ... فالحق بأصلك من بني دهمان هلا طعنت الخيل يوم لقيتها ... طعن الفوارس من بني عُقفان ألقوا السلاح إليّ آل عطارد ... وتناوبوا ضرطًا على الدكان يا ذا العباءة إن بشرًا قد قضى ... ألا تجوز حكومة السكران فدع الحكومة لستم من أهلها ... إن الحكومة فِي بني شَيْبَان قتلوا كليبكم بلقحة جارهم ... ورأوا بِذَلِك أرخص الأثمان كذب الأخيطل إن قومي فيهم ... تاج الملوك وراية النعمان فاقبض لسانك إنني فِي مشرفٍ ... صعب الذرا متمنع الأركان [3] فأجابني الفرزدق بكلمة يقول فيها:

_ [1] الحدج: مركب للنساء كالمحفة. القاموس. [2] ديوان الأخطل ص 343- 344. [3] ديوان جرير ص 468- 474 مع فوارق.

إن الأراقم لن يضر قديمها ... كلب عوى متهتم الأسنان ما ضرَّ تغلبَ وائلٍ أهجوتها ... أمْ بُلْتَ حيث تناطح البحران [1] فنشب الشر بيني وبين الفرزدق وبينه وتهاجينا، وكان الأخطل يقول جرير أغزرنا، والفرزدق أفخرنا، وأما أَنَا فأوصف للخمر وأمدح للملوك قال: ثُمَّ قال: عُمَر بْن لجأ التيمي، دخل على صاحب صدقات بني تيم فانشده لي وهو: تريدين أن نرضى وأنت بخيلة ... ومن ذا الَّذِي يرضي الإخلاء بالبخل فقال له: قد أنشدني جرير هَذَا البيت، وذكر أنه له فقال له: إنه سرقه مني. فبينا هُوَ عنده إذ دخلتُ فقال لي صاحب الصدقات: زعم ابن لجأ أنك سرقت هَذَا البيت منه. فقلت: أنا أسرقه منك يا بن لجأ وأنت القائل وقد وصفتَ إبلك فجعلتها كالهضاب: ... جر العروس الذيل من ردائها فهلا قلت: ... جر العروس الذيل من كسائها [2] قلت: تقوِّيها ولا تضعفها. فقال ابن لجأ: أو لست القائل: وأوثق عند المردفات عشية ... لحاقا إذا ما جرد السيف لا مع [3] أَفَيُلحقْنَ عشيةً وقد أُخذن غُدوةً والله ما لُحقنَ حَتَّى فُقِحْن ونُكحن. قال الحجاج: فَمَا قلت له؟ قال فأنشده:

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 344- 345. [2] شعر عمر بن لجأ- ط. الكويت 1981 ص 9- 10، 141. [3] ديوان جرير ص 293.

يا تيم تيم عدي لا أبالكم ... لا يوقعنكم في سوءة عمر أحين صرت سِماما يا بني لجأ ... وخاطرتْ بي عن أحسابها مضر خلّ الطريق لمن يبنى المنار به ... وابرز ببرزة حيث اضطرك الضرر [1] قال: فَمَا قال لك؟ فأنشده: لمارأيت ابن ليلى عند غايته ... فِي كفِّهِ قصبات السَّبْقِ والخطر هبت الفرزدق واستعقبتني جزعًا ... للموت تَعمد والموت الَّذِي يذر لقد كذبت وشر القول أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر بل أنت نزوة خوار على أمة ... لا يسبق الحلبات اللؤم والخور [2] فهذا بدء ما كان بيننا، ثُمَّ أقمنا على غرائر البر وفرن بيننا، فقلت: رأوا فرسًا مقارنة حمار ... وكيف يقارن الفرس الحمارا [3] فتبسم الحجاج وقال: ويحك ثُمَّ من؟ قال: سُراقة البارقي حمله بشر بْن مروان على هجائي وتفضيل الفرزدق علي، ثُمَّ بعثه رسولًا إليَّ وأنا لا أعرفه يأمرني بإجابته. فقال: ما الَّذِي قال لك وقلت له؟ فأنشده لسراقة: أَبلغْ تميمًا غثها وسمينها ... والحكم يَقْصُدُ مَرَّةً ويَجُورُ إن الفرزدق بَرَّزت حلباتُه ... عفوًا وغُودر فِي الغبار جَرِير مَا كنتَ أول محمز [4] عثرتْ به ... آباؤه إنَّ اللئيم عثور هَذَا القضاء البارقي وإنني ... بالميل في ميزانهم لجدير

_ [1] ديوان جرير ص 218- 221 مع فوارق. [2] ديوان عمر بن لجأ ص 92- 109 مع فوارق. [3] ليس في ديوانه المطبوع. [4] الحمز: حرافة الشيء والقبض واللذعة، والحمازة: الشدة. القاموس.

ذهب الفرزدق بالقصائد والعلى ... وابن المراغ مخلَّفٌ محسور وأنشده فِي جوابه: يا بِشْرُ حقَّ لوجهك التبشير ... هَلَّا غضبت لَنَا وأنت أمِير قَدْ كَانَ حقًا أَن تقول لبارقٍ ... يا آل بارق فيم سُبَّ جرير أمسى سراقةُ قَدْ عَوَى لشقائه ... خَطْبٌ وأمك يا سراق يسير أسراقُ إنك قد غشيت ببارق ... أمرًا مَطَالِعُهُ عليك وعور تعطى النِّسَاء مهورهنَّ سياقةً ... ونساء بارق ما لهنّ مهور إنَّ الدناءةَ والمذلةَ فاعلموا ... قَدَرٌ لأول بارقٍ مقدور إن الكريمة ينصر الكرم ابنُها ... وابن اللئيمة للئام نصور [1] وأنشده لنفسه: يا رُبَّ قائلة تقول وقائلٍ ... أسراقُ إنك قَدْ غويت سراقا إِن الَّذِينَ عووا عواءك قد لقوا ... مني صواعق تقطع الأعناقا وَإِذَا لقيتَ مُجيلسًا من بارقٍ ... لاقيتَ أخبثَ مجلسٍ أخلاقا ولقد هممت بأن أُدمدم بارقًا ... فحفظتُ فيهم عَمَّنَا إسحاقا [2] وأنشده لسراقة: لعمري لقد باع الفرزدق عِرضه ... بِوَكْسٍ وهاجى لا كفيًا ولا فحلًا فإنْ أَهْجُ يربوعًا فَإِنِّي لا أرى ... ليربوعهم يومًا على جُرَذٍ فضلا قال جرير: ثُمَّ لقيني سراقة، وأنا لا أعرفه، وكنا فِي مجلس فَحَدَّثَ فأعجبني حديثه ونحوه فقلت: من أَنْتَ؟ قَالَ: بَعْض من أخزى اللَّه على

_ [1] ديوان جرير ص 232- 234 مع فوارق. [2] ديوان جرير ص 313- 314 مع فوارق.

يدك. فقلت: وا سوءتاه، وأيهم أنت؟ قال: سُراقة البارقي قلت: إنك بدأتني ولا والله لا أسوءك أبدًا ولو علمت أنك كما أرى لصفحت عنك. قال الحجاج: ثُمَّ من؟ قال: البّلْتَع العنبري، واسمه المستنير أعان عُمَر بْن لجأ فقال: أَتَعِيبُ من رضيت قريش صهره ... وأبوكَ عبدٌ لا يُنَاكَح أوكع [1] قال: فَمَا قلتَ له؟ فأنشده: ما مستنير الخبثِ إلا فراشة ... هوَتْ بين مُرْتَجّ من النقع ساطع نهيتُ بناتِ المستنير عن الخَنَا ... وعن مشيهنَّ الليل بين المزارع [2] قال: ثُمَّ من؟ قال: عُبَيْد بْن حصين راعي الإبل. قال: وما لك وله؟ قال: قدمتُ البصرة وقد بلغني أنه شرب عند عرادة النميري، وكان عرادة نديمًا للفرزدق وصديقًا، فقال عرادة للراعي: يا أَبَا جندل قل شعرًا تفضل فِيهِ صديقي الفرزدق على جرير فقال: يا صاحبيَّ دنا الرحيل فَسِيرا ... غلب الفرزدق فِي الهجاء جريرا [3] فبلغني قوله فلقيته بالمربد فقلت: يا أَبَا جندل إنك شيخ مضر وشاعرها، وبلغني أنك فضلت الفرزدق علي وهو ابن عمي دونك، وكان ابنه جندل واقفا على فرس له، فَأَقْبَلَ يضرب عجز دابة أَبِيهِ وأنا قائم فكادت تقطع رجلي وقال: لا أراك واقفًا على هذا الكلب الكليبي، امض بنا ودعه يعوي. فناديته: يا بن يربوع إن أهلك بعثوك مائرًا، وبئس المائر، لقد مرتهم شرًا، وأنا بعثني أهلي لأقعد بهذا المربد فأسُبُّ من سَبَّهُم وإني اعطي

_ [1] الأوكع: الطويل الأحمق. القاموس. وجاء بهامش الأصل: أوكع: أحمق. [2] ديوان جرير ص 288 مع فوارق. [3] ديوان الراعي ص 139 مع فوارق.

اللَّه عهدًا ألا أنام ليلتي حَتَّى أخزيك، فو الله ما أصبحت حَتَّى قلت: فغضَّ الطْرفَ إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا أَنَا البازي المطل على نميرٍ ... أُتيح من السماء لها انصبابا أجندلُ ما يقول بنو نمير ... إذ ما الأير فِي است أبيك غابا علوت عليك ذروة خندفي ... تَرَى من دونها رتبًا صعابا لنا حوض النبيِّ وساقياه ... ومن ورث النبوة والكتابا ألسنا أكثر الثَّقَلَيْن رَحْلًا ... ببطن مِنًى وأكثرهم قبابا إذا غضبت عليك بنوَ تميم ... حسبتَ الناس كلهم غضابا وَإِنَّكَ لو حملت بنو نمير ... على الميزان ما عدلوا ذبابا فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا ولو وضعت فقاح بني نمير ... على خبث الحديد إذًا لذابا [1] فَلَمَّا بلغ ابنه قولي: أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأير فِي است أبيك غابا قال: تقول والله شرًا. قال الحجاج: فَمَا قال لك الراعي؟ قال: قال: أتاني أن كلب بني كليب ... تَعَرَّضَ حوض دجلة ثُمَّ هابا أتاك البحر يضرب جانبيه ... تَظَلُّ ترى لجريته عبابا [2] ثُمَّ كفَّ إذ لم أُجبه فأجاب عَنْهُ الفرزدق، ثُمَّ قال ابنه جندل: إني أتاني كلام ما غضبتُ له ... وقد أراد به من قال إغضابي

_ [1] ديوان جرير ص 58- 65. [2] ديوان الراعي ص 17- 18 مع فوارق كبيرة.

جنادف [1] لا حق بالرأس منكبه ... كأنه كودن يوشي بكلاب من معشر كحلت باللؤم أعينهم ... فقد الرؤوس موالٍ غير صُياب [2] وقيل لي إن أَبَاهُ قال الأبيات ونحلها إياه فأمسكت عَنْهُمَا. قال: ثُمَّ من؟ قال: الْعَبَّاس بْن يزيد الكندي لما قلت: إذا غضبتْ عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا قال: ألا رغمتْ أنوف بني تميم ... إذا كانوا على قوم غضابا قال: فتركته حينًا، ثُمَّ قدمت الكوفة فأتيت مجلس كندة، فسألتهم أن يكفُّوه فأبوا وقالوا: هُوَ شاعر وأوعدوني به فقلت: ألا أبلغ بنو حجر بْن وهب ... فَإِن التمر حُلْوٌ فِي الشتاء عليكم بالنخيل فأصلحوها ... ودار بالمشقر والصفاء [3] ثُمَّ إنه جاور طيئًا وحملت أخته واسمها هضيبة فقلت: أعبدًا حلَّ فِي شعبى غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابا وما خفيت هضيبة حين أَمْسَتْ ... ولا إطعام سخلتها الكلابا وقد حملت ثمانية وأَوْفَتْ ... بتاسعها وتحسبها كعابا [4] قال: ثُمَّ من؟ قال: جفنة المزّاني سألني فخيَّرْتُهُ بين أن أَهَبَ له ناقة إذا رجعتْ إبلي أو أكسوه، أو أمدح قومه، فلم يتخير من ذلك شيئًا، وأتي المرار بْن منقذ الغُداني فأعطاه جملًا ثقالًا فقال:

_ [1] الجنادف: الجافي الجسيم، والغليظ القصير. القاموس. [2] ديوان الراعي ص 10- 11. [3] ليسا في ديوان جرير المطبوع. [4] ديوان جرير ص 55- 57.

لعمري للمرار يوم لقيته ... على النأي خير من جرير وأكرم قال: فَمَا قلت له؟ فأنشده: لقد بعثت هِزانُ جفنةَ مائرًا ... فآب وأحذى قومه شر مغنم كأن بني هزان لما رديتهم ... وبارٌ تضاغَتْ تحت جفر مهدم بني عبد عمر قد فزعْت إليكم ... وقد طال زجري لونها كم تعدّمي [1] قال: ثم من لله أنت؟ قال: المرار الغداني، بلغني عَنْهُ ما كرهت فقلت: بني منقذ لا صُلْحَ حَتَّى تضمكم ... من الحرب صَمَّاءُ القناة زَبُون فَإِن كنتمُ كلبي فعندي شفاؤكم ... وللجن إن كان اعتراك جنون [2] قال: ثُمَّ من؟ قال: حكيم بْن مُعَاوِيَة وهو ابن معيّة من بني رَبِيعَة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم، وهو أخو غضوب، وكان يفضل الفرزدق علي، وكان مِمَّنْ أعان غسان السليطي أيضًا فلقيته فقلت: يا حكيم ما يدعوك إِلَى ما فعلت؟ فقال: مالك عندي عتبي مما كرهت ولا رجوع إِلَى ما أحببت، فغضبت حَتَّى ما أبصر- وكان يُقَالُ إن جريرا كان إذا غضب ارتفعت وجنته حَتَّى تغطي عينه- وأنشد الحجاج قوله: سيروا فرب مسبحين وقائل ... هَذَا شقًا لبني ربيعة باق أبني ربيعة قد أَخَسَّ حظوظكم ... نكد الجدود ودقة الأخلاق ماذا أردت بذاك حين تَسَعَّرَتْ ... ناري وشمر مئزري عن ساقي إن القِراف بمنخريك مبين ... وسواد وجهك يا بن أم عفاق [3]

_ [1] ديوان جرير ص 413 مع فوارق. [2] ديوان جرير ص 486- 487. [3] ديوان جرير ص 311 مع فوارق.

وقوله: إذا طلع الركبان نجدًا وغوروا ... بها فازجرا يا بني معيَّة أو دعا إذا ما أراد ابنا معية نصرة ... لمستنصر لم يدفعا الضيم مدفعا [1] قال: ثُمَّ من؟ قال: ثُمَّ الدّلِهْمَس، أحد بني ربيعة بْن مالك ويقال إنه قال كناز بْن نفيع، ويقال إنه قال: ثُمَّ ربعي بْن نفيع من بني ربيعة بْن مالك قال: غضبتَ علينا أن علاك ابن غالب ... فهلا على جَدَّيْكَ فِي ذاك تغضب هما إذ سَمَتْ بالمرء مسعاة قومه ... أَنَاخَا فَشَدَّا بالعقال المؤدب ومن يجعل البحر العظيم إذا طما ... كحد ظنونٍ ماؤه يترقب قال: ولم أعلم لمن هَذِهِ الأبيات، وفكرت فقلت: ما هِيَ إلا لقبضة الكلب- ويقال وطأة الكلب- قال: وكان قبيح الوجه فجمعتهم فِي شعري فقلت: وأكثر ما كَانَتْ ربيعة أنها ... خباءان شتى لا أنيس ولا قفر وحالفهم فقر شديد وذلة ... وبئس الحليفان المذلة والفقر [2] قال الحجاج: ثُمَّ من أيضًا؟ قال: زهير من بني ربيعة، كان يروي شعر الفرزدق غضبًا لحكيم بْن مُعَيَّة فقلت: يمشي زهير بعد مقتل شيخه ... مَشْيَ المراسل آذَنَتْ بطلاق [3] قال: ثُمَّ من؟ قال: علقة والسرندي من تيم الرباب أعانا عليّ عمر بن لجأ فقلت:

_ [1] ديوان جرير ص 285 مع فوارق كبيرة. [2] ديوان جرير ص 202 مع فوارق. [3] ديوان جرير ص 311 مع فوارق.

وعض السَّرْندي على تثليم ناجذه ... مِنْ أُمِّ علقة بظرا غمه الشعر وعض علقة لا يألو بِعُرْعُره [1] ... ببظر أم السرندي وهو منتصر [2] قال: ثُمَّ من؟ قال: الطهوي كان يروي شعر الفرزدق. قال: فَمَا قلت له؟ فأنشده: أتنسون وهبا يا بني ودج استها ... وقد كنُتُم جيران وَهْب بْن انجرا أما تَتَّقُونَ الشَّرَ حَتَّى يصيبكم ... ولا تنصرون الأمر إلا مدبرا [3] قال: ثُمَّ من أخزى اللَّه شَرَّكَ؟ قال: عقبة بْن سُنيع الطهوي نذر دمي حين قلتُ هَذَا الشعر فقلت: يا عقب يا بن سُنيع ليس عندكم ... مأوى الضريك ولا ذو الراية الغادي يا عقب يا بن سُنيع بعض قولكم ... إن الرباب لكم عندي بِمِرْصَادِ [4] وأنشده: نبئت عُقبة خَصَّافَا تواعَدَني ... يا رب آدر من ميثاء مأفونِ لو فِي طهيَّة أحلام لما اعترضوا ... دون الَّذِي أَنَا أرميه ويرميني [5] قال: ثُمَّ من؟ قال: الصَّلْتَان العبدي، اعترض بيني وبين الفرزدق، وادعى أننا حكمناه بيننا فقال: أَنَا الصّلتان وَالَّذِي قد علمتم ... مَتَى ما يُحَكَّمْ فهو بالحق صادع

_ [1] العر: الجرب، وتعرعرت واستعرهم الجرب: فشا فيهم. وعرعرة كل شيء: رأسه. القاموس. [2] ليسا في ديوان جرير المطبوع. [3] ليسا في ديوان جرير المطبوع. [4] ديوان جرير ص 110، مع فوارق. [5] ديوان جرير ص 484- 485.

أتتني تميم حين هاجت قضاتها ... وإني للفصل المبين لقاطع كما أنفذ الأعشى قضية عامر ... وما من تميم فِي قضائي مراجع قضاء امرئ لا يرتشي فِي حكومةٍ ... إذا مال بالقاضي الرشا والمطامع فأقسم لا آلو عن الحق بينهم ... فَإِن أَنَا لم أعدل فقل أنت ظالع فَإِن يَكُ بحر الحنظليين واحدًا ... فَمَا تستوي حيتانه والضفادع وما يستوي صدر القناة وزجُّها ... وما يستوي فِي الراحتين الأصابع وليس الذنابي كالقدامي وريشهُ ... وما يستوي شُمُّ الذُّرا والأكارع ألا إنما تحظى كليب بشعرها ... وبالمجد تحظى دارم والأقارع أرى الخطفى بذ الفرزدق شعره ... ولكنَّ خيرًا من كليبٍ مجاشع فيا شاعرًا لا شاعر اليوم مثله ... جريرًا ولكن فِي كليب تواضع ويرفع من شعر الفرزدق أنه ... تبوأ بيتًا للخسيسة رافع يناشدني النصر الفرزدق بعد ما ... أَلَحَّتْ عليه من جرير قيارع فقلت له إني ونصرك كالذي ... يثبت أنفًا كَشَّمَتْهُ الجوادع قال جرير: فَلَمَّا شَرَّفَ الفرزدق عليَّ وشَرَّفَ قَوْمَه على قومي أَمسَكَ الفرزدق عَنْهُ وقال: الشِّعْرُ مروءةُ من لا مروءةَ له. وهو أخسُّ حظّ الشريف. وأما أَنَا فقلت: أقول ولم أملك سوابق عترتي ... مَتَى كان حكم فِي بيوت الهجارس [1] فلو كنت من رهط المعلى وطارقٍ ... قضيتَ قضاء واضحًا غير لابس [2] وقلت أيضا:

_ [1] الهجرس: القرد، والثعلب، والقاموس. [2] ليسا في ديوان جرير المطبوع.

أقول ولم أملك أمال ابن حنظل ... مَتَى كان حكم اللَّه فِي كَرَبِ النخل فاعترض أحمر بْن عُدانة العبدي فقال: عَلَامَ تُغَنِّي يا جريرٌ وقد قضى ... أَخو عَصَرٍ أَنْ قَدْ عَلَاكَ الفرزدق وإن امرأً سَوَّى كليبًا بدارم ... وسَوَّى جريرًا بالفرزدق أحمق قال الحجاج: فَمَا قلت له؟ فأنشده: نُبِّئْتُ عيرًا بالعيون [1] يَسُبُّنيِ ... أحيمر فَسَّاء على كرب النخل [2] فرد علي فقال: أَعَيَّرتَنَا بالنخل أن كان مالنا ... وَوَدَّ أبوك الكلب أن كان ذا نخل فأردت أن أهجو بني عُمَر فبلغ ذلك عَبْد الْعَزِيز بْن عمرو بْن مرجوم العصري فأرضاني بصلة وحملان فقلت: لولا ابن عمرو بْن مرجوم لقد وقعت ... خرساء لا تبتغي سمعًا ولا بصرًا إني لأرجو وراجي الخير يدركه ... أن ينعش اللَّه فِي الدنيا به عصرا واعترض دون أحمر بْن عدانة والصلتان خليد عينين [3] فقال: أي نبيٍّ كان من غير قومه ... وما الحكم يا بن اللؤم إلا مع الرسل فقلت: ذَرَنَّ الفخر يا بن أبي خليد ... وأد خراج رأسك كل عام لقد علقت يمينك رأس ثور ... وما علقت يمينك من لجام [4] وقلت:

_ [1] بهامش الأصل: اسم موضع. [2] ليس في ديوانه المطبوع. [3] بهامش الأصل: كان ينزل بين عينين. [4] ديوان جرير ص 464 مع فوارق.

كم عمة لك يا خليد وخالةٍ ... خُضْرٌ نواجذها من الكُرّاث نبتت بمنبته فطاب لشمها ... ونَأَتْ عن القيصوم والجثجاث [1] قال: فلم يجبني بشيء، قال جرير: وبرق الصبح فنهض الحجاج ونهضت، وأخبرني بعض جلساء الحجاج بعد ذلك أنه قال: قاتله اللَّه من أعرابي، أيّ جروٍ خِراش هُوَ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ ابن كناسة قال: سئل الأخطل فَقِيل: أيكم أشعر؟ قال: جرير أغزرنا وأنسبنا، والفرزدق أفخرنا، وأنا أوصف للخمر، وأمدح للملوك. المدائني قال: بلغ الأخطل قول جرير: جاريت مضطلع الجراء سماية ... روقًا شبيبته وعمرك فان [2] قال: صدق إنه لشاب، ولقد أديل نابغة بني جعدة مني حين عيرته الكبر فقلت: لقد جارى أَبُو ليلى بفخر ... ومنتكث عن التقريب فان إذا لقي الخيار أكب فِيهِ ... يجر على الجحافل والجران [3] حدثني أبو عدنان عن أبي عبيدة قال: لما فارق جرير الراعي حين التقيا بالمربد، قال: إنما يكفيني بَزْرٌ بدانق حَتَّى أخزيه وابنه، إن أهلي ساقوا بي رواحلهم حَتَّى وضعوني بقارعة الطريق، والله ما كسبتهم دنيا ولا آخرة، إلا سَبُّ من سبِّهم من الناس فَإِن عبيدًا هَذَا بعثه أهله على رواحلهم من

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع. وفي القاموس: الجثجاث: نبات. [2] ديوان جرير ص 472. [3] ديوان الأخطل ص 345 مع فوارق.

أكناف هَبّود [1] يلتمس لهم الميرة، وأيم اللَّه لأوقرنّ رواحلهم خزيا وعارا ثُمَّ أتى رحله فِي دار كَانَتْ فِي موضع دار جَعْفَر بْن سُلَيْمَان اليوم، وكان يسكن غرفة فمكث ليلته لا يهدأ ولا يقر، فيصعد إليه بعض من معه فيقولون: ما عراك؟ فيقول: خير، ثُمَّ يعود فيعودون فلا يخبرهم حَتَّى انفتح له الهجاء، وبلغ ما أراد، فقال قتلت العبد وأخزيته، فسئل عن أمره كما كان يُسأل فقال: إني كنت أداور هجاء هَذَا العبد النميري حَتَّى أطلعت طلع هجائه، وتَأَتَّى لي ما أردت منه، وأدخلَ طرف ثوبه بين رجليه وهدر وقال: فضحتُ ابن بزوع وأخزيته، وبزوع أم الراعي، وقال: يا صبي أطفئ السراج وهدأ، حَتَّى إذا أصبح لقي الراعي فِي سوق الإبل فقال له: أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأير فِي است أبيك غابا فقال: تقول شرًا، ثُمَّ انشده القصيدة. حَدَّثَنِي المدائني قال: كان لجرير عَبْد أسود أعجمي يدعى بلقب له فيغضب، فمر ببني نمير فألحوا عليه بلقبه فشكا ذلك إِلَى جرير فحفظه بيته: فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ من نمير ... فلا كعبًا بلغتَ ولا كلابا وقال له: إذا مررتَ عليهم فأنشدهم هَذَا البيت. فمر عليهم فدعوه باللقب فأراد أن ينشدهم البيت فنسيه فجلس مفكرًا ثُمَّ رفع رأسه فقال: غمضوا عيونكم يا أولاد الزنا. فقال شيخ منهم: ويحكم والله ما أراد إلا بيت جرير، فكفوا عَنْهُ أخزاه اللَّه. ونزل جرير بامرأة من عكل فلم تقره، لأن بنيها كانوا غيبا، فخرج وهو يقول:

_ [1] هبود: اسم موضع في بلاد تميم، ويقال: عين باليمامة ماؤها ملح. معجم البلدان.

ظللنا عند أم أبي كبير ... نداوي الجوع بالماء القراح فلو كان الَّذِي يسقين عذبًا ... ولكن ماء أحسية مَلَاح [1] ثُمَّ جاء بنوها فذبحوا له وأكرموه. المدائني وغيره قَالُوا: لما قَالَ جرير للأخطل: لا تطلبن خؤولة فِي تغلبٍ ... فالزنج أكرم منهم أخوالا [2] غضب سنيح العماني مَوْلَى بني ناجية فهجا جريرًا، وفضل عليه الفرزدق، وفخر عليه بالزنج فقال: إنّ امرأً جعل المراغة وابنها ... مثل الفرزدق خائر قد فالا [3] إن الفرزدق صخرة عادية ... طالت فَلَيْس تنالها الأوعالا ما بالُ كلب من كُليب سَبَّنَا ... إن لم يوازن حاجبًا وعقالا قد قست شعرك يا جرير وشعره ... فَقَصْرتَ عَنْهُ يا جريرِ وطالا وبنيت بيتك فِي قرار مسائل ... فَجَرَتْ عليك به السيول فمالا والزنج لو لاقيتهم فِي صفهم ... لاقيتَ ثَمّ حجاجًا أبطالا فَسَلِ ابن عمروٍ حيث رام رماحهم ... فرأى رماح الزنج ثَمَّ طوالا فجعوا زيادًا بابنه وتنازلوا ... لما دعوا بنزال حَتَّى زالا ربطوا خيولهم حوالي دورهم ... وربطت حولك آتنًا وسخالا كان ابن ندبة فيكم من نجلنا ... وخفافٌ المتحمِّل الأثقالا وابنا زبيبة عنتر وهِراسة ... ما إن نرى فيكم لهم أمثالا

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع. [2] ديوان جرير ص 363. [3] بهامش الأصل: أي فال رأيه.

وسُلَيْكٌ الليث الهزبر إذا عدا ... والقرم عباسٌ عَلَوْكَ فِعالا هَذَا ابن خازم الكريم وأمه ... عجلى أَبَزّ على العدو قتالا وبنو الجناب مَطَاعن ومَطَاعم ... عند الشتاء إذا تهب شمالا فلنحن أنجب منكم لخؤولة ... ولأنت الأم منهم أخوالا ابن عمرو بْن حَفْص بْن زياد بْن عمرو العتكي كان خليفة أَبِيهِ على شرط البصرة فقاتل رباح شارزنجي، ويقال شارزنجيان، الَّذِي خرج بالفرات، بعثه إليه أَبُوهُ فقتله رباح. فتى عياذ [1] : سليمان بن عياذ قتل فِي بلاعص من أرض الزنج. وابن ندبه: يعني خفاف بْن ندبة كَانَتْ أمه سوداء، وعنتر: يريد العبسي، وأخاه سليك بْن سلكة [2] وأمه سوداء. وابن خازم السلمي وأمه عجلى سوداء، وعباس بن مرداس السلمي وإخوته. وروي عن عكرمة بْن جرير عن أَبِيهِ قال: الفرزدق نبعة الشعر. قال وسئل الأخطل بالكوفة عن جرير فقال: دعوا جريرا أخزاه الله، فإنه كان بلاءً على من صب عليه. وحدثني عمارة قال: نزل جرير بقوم من كلب فلم يُقْرَ فقال: وما لُمْنَا عميرة غير أَنا ... نزلنا بالرسيس فَمَا قُرينا ظللنا مُرْمِلين بسوء حالٍ ... وقد لقيَ المطيُّ كما لقينا [3] فبلغهم قوله فأتوه وسلّوا سخيمته.

_ [1] لم يرد ذكره في الأبيات المتقدمة. [2] المشهور أنه ليس أخا عنترة. [3] ديوان جرير ص 479 مع فوارق.

وأمر سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك الفرزدق أن يضرب عنق أسير، فضربه فنبا سيفه، فقال جرير: بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم ضربتَ به عند الْإِمَام فأرعشت ... يداك وقالوا مخذم غير صارم عنيف يهز السيف قين مجاشع ... رقيق بأخرات الفؤوس اللوادم [1] وأتى الفرزدق مسجد بني الهُجيم فأنشد فِيهِ شعرًا، ودخله جرير فأنشد فمنعوه وقالوا: إنما بنيت المساجد للصلاة والقرآن لا للشعر: فقال: منعتموني ما لم تمنعوا الفرزدق مثله وقال يهجوهم: إنَّ الهُجيم قبيلة ملعونة ... حصّ اللحى متشابهو الألوان يتوركون بنيهم وبناتهم ... صُعْرُ الأنوف لريح كل دخان لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعُمان أصبح جمعهم بعُمان [2] قَالُوا: وخفة اللحى فِي الهجيم ظاهرة، فَقِيل لبعضهم لقد استويتم فِي لحاكم؟ فقال: إنَّ الفحل واحد. قَالُوا: وأتى جرير فيروز حصين، ومعه جماعة من بني يربوع، فوقف عليه فقال: يا أبا عُثْمَان إنك تزين العشيرة، وتعين على النائبة، وتحمل الكل، وهؤلاء قومك قد أقحموا، فدعا بكيس فِيهِ ألف درهم فأعطاه إياه فَوَلَّى وهو يقول: ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم [3]

_ [1] ديوان جرير ص 462 مع فوارق. ولدم: ضرب بشيء ثقيل يسمع وقعه. القاموس. [2] ديوان جرير ص 479 بدون البيت الثاني مع فوارق. [3] شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 30.

ويروى مثل هَذَا عن الفرزدق أيضًا: قَالُوا: وشخص جرير إِلَى الشام، فنزل فِي طريقه على رَجُل من بني نمير، فأخرج إليه امرأته فقال: انظر إليها فأبى، فطلب إليه فنظر إليها بمؤخر عينه فقال: أرى كرمًا وخفرًا وجمالًا. قال له: فأين قولك: ومقرفة اللهازم من نمير ... يشين سواد محجرها النقابا [1] قال جرير: فَمَا استحييت من شيء قط استحيائي من قوله يومئذ. وقال مُحَمَّد بْن سلام، أخبرني شعيب بْن صخر عن هارون بْن إِبْرَاهِيم قال: رَأَيْت الفرزدق وجريرًا فِي مسجد دمشق فِي عصابة من خندف، والناس من قَيْس، وموالي بني أمية وغيرهم عنقٌ على جرير يسلمون عليه يا أبا حزرة كيف قدمت أمتع اللَّه بك؟ فيقول: بخير وذاك لمدحه قيسًا وقوله: «والذرا من قَيْس عيلانا» [2] وقوله أيضًا: ويجمعنا والغُرُّ أبناء عمنا ... أبٌ لا نبالي بعده من تعذرا [3] يعني إِبْرَاهِيم عليه السلام. وقال جرير لرجل: أنا أشعر أم الفرزدق؟ فقال: أما عند أَهْل العقل الثاقب فالفرزدق، وأما عند الجمهور فأنت. فقال: أَنَا أَبُو حزرة غلبته. ونزل الفرزدق وجرير على بعض آل مروان، فقال المرواني: ما رَأَيْت أسخى وأفجر من الفرزدق. ولا أبخل وأعف من جرير. الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي اليقظان عَن جويرية بْن أسماء قال: قلت لنصيب

_ [1] ديوان جرير ص 62 مع فوارق. [2] ديوان جرير ص 494 قوله: أحمي حماي بأعلى المجد منزلتي ... من خندف والذرا من قيس عيلان [3] ديوان جرير ص 187 مع فوارق.

يا أَبَا محجن من أشعر الناس؟ قال: أخو بني تميم. قلت: ثُمَّ من؟ قال: أَنَا. قلت: ثُمَّ من؟ قال: ابن يسار. فلقيت ابن يسار فقلت: يا أبا فائد من أشعر الناس؟ قال: أخو تميم. قلت: ثُمَّ من؟ قال: ثُمَّ أَنَا. قلت: ثُمَّ من؟ قال: النُصَيب. فقلت: إنكما لتتقارضان الثناء. فقال: وما ذاك؟ فحدثته فقال: إنه والله لشاعر كريم. وحدثني مُحَمَّد بْن حبيب قال: أنشد رؤبة بحضرة جرير، وهو عند والي اليمامة: والله لولا أن تحش الطُبَّخ ... بي الجحيم حين لا مستصرخُ لعلم الجهال أني مُفْتخُ [1] ... لهامهم أرضُّه وأشدخُ ولو رآني الشعراء ذيخوا [2] ... ولو أقول دربخوا لدربخوا [3] لدستهم كما يداس الفرفخ [4] فغضب جرير وقال: يا بن كسوب ما علينا مبذخ ... باست حُبَارى طار عَنْهَا الأفرخ [5] فتكلم رؤبة بْن العجاج، فقال له: اسكت فو الله لئن أقبلت قِبل أبيك وقَبلك لأرفثن عظامكما، ولأدعن مقطعاتكما هَذِهِ، وهي لا تغني عنكما شيئا، فقام إليه رؤبة فترضاه.

_ [1] الفتخ: استرخاء المفاصل ولينها. وفتوخ الأسد: مفاصل مخالبه، والفتخ: عرض الكف. العين. القاموس. [2] أي تذللوا. القاموس. [3] دربخ: الحمامة تدربخ للذكر عند السفاد، إذا طاوعته. العين للخليل. [4] الفرفخ: يقال لها بقلة الحمقاء. العين. ولم ترد هذه الأرجوزة في ديوان رؤبة بن العجاج. [5] ليس بديوانه المطبوع.

قَالُوا: واشترى جرير جارية من رَجُل من أهل اليمامة يُقَالُ له زَيْد ففركته [1] ، وكرهت خشونة عيشه فقال: تكلفني معيشة آل زَيْد ... ومن لي بالمرقق والصناب [2] وقالت لا تضم كضم زَيْد ... وما ضمي وليس معي شبابي [3] وقال الفرزدق: لئن فركتك عجلة آل زَيْد ... وأعوزك المرقق والصناب لقدمًا كان عيش أبيك مرًا ... خسيسًا ما تعيش به الكلاب [4] وقال جرير: تبكي على زَيْد ولم تر مثله ... بريئًا من الحمى صحيح الجوارح فإن تقصدي فالقصد مني سجية ... وإن تجمحي تلقي لجام الجوامح [5] فَقِيل له: وما لجامهن؟ قال: هَذَا، أشار إلى سوط معلق فِي البيت. المدائني عن عَقيل بْن بلال بْن جرير قال: قال جرير وذكر الفرزدق: ذاك نبعة الشعر، وإن ابن النصرانية لشاعر شرعه. وسئل عن النابغة الجعدي فقال: سوق خُلقان ترى فيها ثوبا يروعك وآخر تقتحمه عينك.

_ [1] الفرك: البغضة بين الزوجين. [2] المرقق: الرقائق، والصناب: صباغ يتخذ من الخردل والزيت. [3] ديوان جرير ص 42. [4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 106 مع فوارق كبيرة. [5] ديوان جرير ص 83.

وسئل عن ذي الرمة فقال: أبعار ظباء تستنشي رائحة مسك وتَفُتُّ بعرًا. المدائني عن سُحَيم بْن حَفْص قال: وهب الحجاج لجرير جارية من سبي الديلم مما يلي الري يُقَالُ لها زِرَّة، فسماها أم حكيم، وهي أم نوح بْن جرير، وبلال بْن جرير، فطُلبت من جرير بألفي درهم فلم يبعها وقال: إذا عرضوا أَلفَيْن يوما تَعَرَّضَتْ ... لأم حكيم حاجة من فؤاديا لقد زدت أَهْل الري عندي مودةً ... وَحَبَّبتِ أضعافًا إليّ المواليا [1] وكانت أعجمية اللسان: فعجنت ذات يوم عجينًا فجاءت جرذان فأكلت منه فقالت لولدها: نَحُّوا الجرذان عن عجان [2] أمكم. وكان ابنها نوح، وذكر أمه: هِيَ أَخِيذَةُ رمح، وهبة ملك، وتربية حنظلي عفيف. المدائني قال: قال بكير الحمامي لنوح بن جرير: يا بن أم حكيم. فقال: صدقت أَنَا ابن أم حكيم، أخيذةُ رماح، وابنة دهقان، وعطية ملك ليست كأمك التي تغدو على نور ضأنها بالمروت كأن عقبيها حافرا حمار. قال بكير: أَنَا أعلم بأمك، كَانَتْ أمة للحجاج، فالله أعلم بما عَتبَ فِيهِ عليها حَتَّى حلف ليهبنها لألأم العرب، فلم يدخل عليه أحد ألأم من أبيك، فوهبها له. وكان نوح يقول: خير الشعر الحَوْليُّ المنقح. وحدثني الْحَسَن بْن علي الحرمازي عن أَبِي مالك عن أشياخه قالوا:

_ [1] ديوان جرير ص 496. [2] العجان: آخر الذكر ممدود في الجلد الذي يستبرئه البائل. العين.

ولد جرير: حزرة وبه كان يكنى. وسوادة. وتيحان. وزكريا. أمهم أم حزرة كلبية. وموسى. وعكرمة. وجَعدة بِنْت جرير أمهم أمامة كلبية أيضًا. وبلال. ونوح. أمهما أم حكيم الرازية. قَالُوا: وكانت لجرير أيضًا: أم غيلان أمها الرازية أو غيرها، وكان بها جنون فتزوجها الأبلق الأُسَيْديُ الكاهن، وذلك أنه داواها مما كان بها فقال الفرزدق: كيف طلابي أم غيلان بعد ما ... جرى الماء فِي أرحامها وترقرقا لعمري لقد هانت عليك ظعينة ... فديت برجليها الفرار المربقا ولو كان ذو الودع ابن ثروان لالتوت ... بها كفه أعني يزيد الهَبَنَّقَا [1] وقال بعض الشعراء يعير جريرًا: أهلكت نفسك يا جرير وشنتها ... وجعلت بنتك بُسْلَةً للأبلقَ وقال عُمَر بْن لجأ: يا أم غيلام ابركي تناكي ... كما نكحنا قبلها أباك [2] قال الحرمازي: الفرار: الجمل، يقول: جعلْتَ رجليها فدى لجمل كنت تدفعه إِلَى الأبلق إذا داواها، وقوله أرحامها يريد الرحم وما يليه. ويروى فِي أعفاجها، وقوله، ذو الودع يعني هبنقة القيسي الأحمق، وهو يريد: ابن ثروان يقول: لو كان هبنقة لما سمحت كفه بها، والبُسلة: أجرة الراقي، يُقَالُ: أعط الراقي بُسلته أي أجرته. حَدَّثَنِي دَاوُد بن عبد الحميد قَالَ: بلغني أن عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان قال

_ [1] ليست دي ديوانه المطبوع. [2] ليس في شعره المطبوع.

للأخطل: ما أشد ما هجاك به جرير وأَمضَّه لك؟ فقال: تعييره إياي بديني إذ كنت لا أقدر على تعييره بدينه. وحدثني عَبْد الرَّحْمَن بْن حرزة، من ولد جرير بْن عطية، قال: اجتمع الفرزدق وجرير والأخطل عند عَبْد الملك بن مروان فقال لهم: ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره فقال الأخطل: أَنَا القطران والشعراء جربي ... وَفِي القطران للجربى شفاء [1] وقال الفرزدق: إن تلك زِقُّ زاملةٍ فشِعْرِي ... لمن هاجيتُه داءٌ عَيَاءُ [2] وقال جرير: أنا الموت الذي لا بدّ منه ... فَلَيْس لهاربٍ منه نجاء [3] ففضل عَبْد الملك بيته على بيتهما. وحدثني عَبْد الرَّحْمَن بْن حزرة قال: نزل جرير بحي بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة من ربيعة، وهم خلوف، فلم يُصب قِرًى فأنشأ يقول: ظللنا مرملين بشر حالٍ ... وقد لقي المطي كما لقينا [4] فمضى غلامهم إِلَى الرجال، وهم مجتمعون على رأس أميال من المحلة لأمر حَزَبَهُم، فقال لهم: يا بني قَيْس، قَيْس بْن ثَعْلَبَة أُكِلْتُم، وأخبرهم خبر جرير. فانصرف إليه عدة منهم فذبحوا له ونحروا، وأحسنوا قراه أيامًا وزودوه، فرضي وسار وجعل يقول:

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] ليس في ديوانه المطبوع. [3] ديوان جرير ص 14. [4] ديوان جرير ص 479.

نزلتُ بخير حي من مَعَدٍ ... فلم أر بالقِرى منهم ضنينا وَقوا أعراضهم بِقِرى وزادٍ ... معًا وتزودوا مدحًا ثمينا [1] وحدثني قال: نزل رجل من طيّئ، ثُمَّ بني نبهان، بجرير فقراه، ثُمَّ إنه سأله شيئًا تعذر عليه إعطاؤه إياه، فقال: لا تَرجُ خيرًا من جرير ولا قرى ... فَشَرُّ مناخ المعتفين جرير فقال جرير: وأعور من نبهان أما نهاره ... فأعمى وأما ليله فبصير رَأَى ضوء نار فاهتدى بضيائها ... عريض أفاعي [2] المنكبين ضرير فبات بخير ثُمَّ أصبح كافرا ... لفضلي عليه واللئيم كفور [3] وقال ابن الكلبي قال جرير: الفرزدق أكذبنا، والأخطل أرمانا للفرائص، أما أَنَا فمدينة الشعر. وقال أَبُو اليقظان: تزوج سَعِيد بْن العاص جعدة بِنْت جرير بْن عطية، وكان حزرة بْن جرير مَهِين النفس ولم يكن شاعرًا، وفيه يقول جرير: عذاب ما بقيت لكم وبعدي ... قوارص عند حزرة أو بلال [4] قال ومات سوادة بْن جرير بالشام وكان ضعيفًا، وقدم الشام مع أَبِيهِ فِي بعض قدماته، وفيه يقول جرير:

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع. [2] الأفاعي: عروق تتشعب من الحالبين. القاموس. [3] ديوان جرير ص 202- 203 مع فوارق كبيرة. [4] ديوان جرير ص 342 مع فوارق واضحة.

قال: وكان تيحان بن جرير ناقص اليدين،

ذاكم سوادة يُبدي مقلتي لحم ... صقر يصرصر فوق المرقب العالي ألا تكن لك بالديرين باكيةٌ ... فَرُبَّ باكيةٍ بالرمل معوال فارقته حين كف الدهر من بصري ... وصرتُ مثل عظام الرمَّة البالي [1] قال: وكان تيحان بْن جرير ناقص اليدين، ولم يكن بشيء، وكان زكرياء بْن جرير صالحًا فِي دينه، قال: وكان جرير يحب ابنه مُوسَى وفيه يقول: أحَبُّ الموقِدينَ إليَّ مُوسَى ... وجعدة لو يضيء لنا الوقود [2] وكان عكرمة بْن جرير شاعرًا. وقال أَبُو اليقظان: كان بلال بْن جرير أفضل ولده وأشعرهم، وولي صدقة بني حنظلة، وكان يكنى أَبَا زافر، ورأى فِي منامه كأنه قُطعت من يده أربع أصابع، فقاتل بني ضبة فقتلوا له أربعة بنين، فقال بلال بْن جرير: صَبَرَتْ كليب للسيوف ومالك ... يوم الصريف [3] وفرّت الأحمال يعني مالك بْن زَيْد مناة بْن تميم، والأحمال من بني العدوية. لله أربعة مضوا في ربضة ... إذ غالهم من حَيْنهِم مغتال ونزل بلال بحماد بْن جندل المنقري، فلم يحسن قراه فقال بلال: نزلنا بحماد فَهَرَّتْ كلابه ... علينا وكدنا بين بابيه نؤكل تناومتَ نصف الليل ثُمَّ أتيتنا ... بقعبين من صَبْح وما كدت تفعل وقد قال فِيهِ نازل كان قبلنا ... إذا اليوم من يوم القيامة أطول وقتلت بنو حنيفة حمادا في حرب.

_ [1] ديوان جرير ص 345 مع فوارق. [2] ديوان جرير ص 116 مع فوارق. [3] الصريف: موضع من النباج على عشرة أميال، وهو بلد لبني أسيد بن عمرو بن تميم، معترض للطريق مرتفع به نخل. معجم البلدان.

قال وكان نوح بن جرير شاعرا،

قال وكان نوح بْن جرير شاعرًا، وكان يهاجي بشير بْن دَلجة الكليبي وكان أَبُو الزحف بْن عطاء بْن الخطفي شاعرًا بقي إِلَى زمن مُحَمَّد بْن سليمان بن علي، ودخل عليه البصرة وهو سكران فقال له مُحَمَّد: أنشدني، فلم يحضره شيء فقال: يا بن سليمان أقلني عثرتي ... يا بن الملوك وأبلعني ريقتي حَتَّى تجلي عَنْ فؤادي غمتي ... ثُمَّ أجمع الرجاز عِنْدَ صولتي كُل فزاري دهين اللِمَّةِ ... أو بدوي وذحٍ [1] ذي ثلة ومن بني كليب بْن يربوع: مُعَيد، وكان نفر من الأعراب تكامروا [2] ، فغلبهم معيد فقال الشاعر: والله لولا شيخنا معاد ... لكمرونا اليوم أو أرادوا وكانت أم جرير ابنته، فكانت الشعراء تعير جريرًا به. ومنهم: الدَّلْهَمس أحد بني زَيْد بْن كليب، واسمه كناز، ويقال ربعي، ويقال إن الدلهمس أحد بني ربيعة بْن مالك، وهو قول أَبِي عبيدة ولم يذكره الكلبي، وذكر أَبُو اليقظان أنه من بني زَيْد بْن كليب، قال: وكان من فرسان تميم بالسند وشجعانهم، ومن ولده بالبصرة: عَبَّاس بْن الدلهمس كان شجاعًا. وقال أَبُو اليقظان: ومن بني زَيْد بْن كليب: شُبَيْل بْن وَفاء، وكان شاعرًا مخضرمًا، وكان إسلامه إسلام سوء، وكان لا يصوم شهر رمضان فقالت له ابنته تبالة: ألا تصوم؟ فقال:

_ [1] الوذح: ما تعلق بأصواف الغنم من البعر والبول. القاموس. [2] الكمرة: رأس الذكر، وتكامروا: نظر أيهم أعظم كمرة. القاموس.

ومن بني كليب: عبد بن مقلد بن منقذ بن كليب،

تأمرني بالصوم لا درَّ دَرُّهَا ... وَفِي القبر صوم يا تَبال طويل وقال فِي عتيبة بْن الْحَارِث يمدحه: إنَّ خليلي خير ما خليل ... عتيبة الوهَّابُ للجزيل أشجع من ليثٍ أَبِي شُبُول ... بالرمح والترس وبالدخيل [1] وكان الحطيئة نزل بخالد بْن شبيل فأساء به فانتقل عَنْهُ. ومن بْني كليب: عَبْد بْن مقلد بْن منقذ بْن كليب، نزل به الحطيئة منتقلًا من عند خَالِد بْن شُبيل، ومدحه الحطيئة فقال: جاورتُ آل مقلد فمدحتهم ... إذ لا يكون أخو جوار يحمد [2] وقال أَبُو اليقظان: مقلد بْن صَبْرة بْن منقذ، والأول قول الكلبي. ومن بني كليب ثُمَّ أحد بني عُبيد بْن منقذ بْن كليب: عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان، كان مع ابن ناشرة الحنظلي بسجستان وله يقول الشاعر: يكرُّ كما كر الكليبي مهره ... وما كر إلا خشية أن يُعيرا ومنهم: حِقّ بْن مقلد بْن منقذ بْن كليب، سابَقَ عتيبة بْن الحارث بْن شهاب على فرس له يُقَالُ لها مُوشحة، فسَبق عتيبة فأبى أن يعطيه سبقته، فاستغاث حق ببني رياح، وعدانة، وكليب، فأعانوه وأخذوا له سبقته فقال حق: دعوت رقاش فاختلفت وجاءت ... إلي ولم يُدّن بنو رياح تخاطر عن حمولتنا بباز ... حديد الطرف مضطرب الجناح وشهد حق يوم جبلة فقتل يومئذ:

_ [1] بهامش الأصل: يعني السيف. [2] ديوان الحطيئة ص 162.

ومنهم: أشيم بن مقلد وابنه النضاح بن أشيم بن مقلد،

ومنهم: أشيم بْن مقلد وابنه النضاح بْن أشيم بْن مقلد، وكان النَضّاح مع ناجية بْن عقال، وعُتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب، وقعنب بْن عتاب، وجرير بْن سعد، وأبي مُليل عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث اليربوعي، والنَطف بْن الخيبري وأَسيد بْن حناءة وغيرهم، مِمَّنْ أنتهب ما فِي عير كسرى، وشهد معهم يوم حمض وهو يوم نطاع، وحمض ماء لبني مالك بْن سعد رهط العجاج الراجز، وكان النضاح انطلق يوم الصفقة بأمه ليشهد الطعام، ووضع أمه ناحية، وانطلق يريد الدخول، فَلَمَّا أغلق باب الصفقة وقتل من قتل من بني تميم سعى النضاح على رجليه فحمل أمه ونجا، ثُمَّ أدرك الْإِسْلَام، فأسلم ومر به الحطيئة فِي أيام عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فقال للحطيئة: إن لنا جدة ولك علينا كرامة فمرنا بما تحب نأتِهِ، فقال: وريت بك زنادي ما قالها لي عربي قبلك، أَنَا أَغْيَرُ الناس قلبًا وأشعر الناس لسانًا، فَانْهُ بنيك أن يُسمعوا بناتي الغناء فإنه حداية الزنا، وكان له سبعة بنين يغنون النصب [1] ، بأصوات حسنة، وحلوق ندية، وكان مع الحطيئة ثلاث بنات وسبعة أبعرة، فقال النضاح: لا أسمعنَّ غناء أحد منكم ولا كلامه ما أقام عندنا، فأقام عنده سنة، فَلَمَّا أراد الرحيل قال الحطيئة للنضاح: زوج ابنك ابنتي، فقال النضاح لابنه كعب: تزوجها، فقال: والله لو عُرضت علي بشسع نعلي ما أردتها فسكتا، وقال الحطيئة: جاورت آل مقلد فحمدتهم ... إذ لا يكاد أخو جوار يُحمد علقوا الأناة فخالطت أحلامهم ... وإذا دعوتهم عجال المرقد

_ [1] النصب: غناء الركبان والقينات وهو نوع من الغناء للعرب الأولين. معجم الموسيقى العربية ص 103.

ومن ولده: خطام بن النضاح

أزمان من يُرد الصنيعة يصطنع ... فينا ومن يُرِدِ الزهادة يزهد [1] وقال أيضًا: لعمرك ما المجاور فِي كليب ... بمقصي فِي المحل ولا مضاع ويحرم سِرّ جارهم عليهم ... ويأكل جارهم أُنُف القصاع هُمْ عقدوا لجارهم وليست ... يد الخرقاء مثل يد الصناع لنعم الحي حي بني كليب ... إذا اختلط الدواعي بالدواعي [2] ومن ولده: خِطام بْن النضاح وفيه يقول جرير: إذ لا يذب عن الحمى متوكل ... والأعنفان ولا ابن أم خطام يرمي محارم قومه متوكل ... دميت يداه بفالج وجذام [3] متوكل: رَجُل من بني مقلد وكان زمام بْن خطام بْن النضاح أحسن الناس غناء للنصب، وفيه يقول الصمَّة القشيري: دعوت زمامًا للهوى فأجابني ... وأيُّ فتى ما يَدْعِيَنَّ زمام وله عقب بالبصرة. وقال أَبُو اليقظان: يُقَالُ أن بني مُعَاوِيَة بْن كليب هُمْ من مرَّة غطفان. ومنهم: بشير بْن دلجة، كان يهاجي بلال بْن جرير، فقال له بلال: أَبَا دَلْجَ قدْ أَدْلَجْتَ فِي شَرِّ مُدْلَجٍ ... أما خِفْتَنِي فَادْلجُ إذا لم تُجَرَّحِ أَنَا ابن جريرٍ يعلم الناس أنني ... شبيهٌ به لا كالحديث الملحلح

_ [1] ديوان الحطيئة ص 162 من دون البيت الثاني. [2] ديوان الحطيئة ص 201 مع فوارق كبيرة. [3] ديوان جرير ص 420 مع فوارق واضحة.

ومن بني كليب: يزيد بن شراجة،

ومن بني كليب: يزيد بْن شراجة، كَانَتْ له عبادة وفقه ورواية ولا عقب له. ومنهم الْحَسَن بْن ربعي، كان مع المهلب، وقتيبة بخراسان، وكان راوية لشعر جرير. ومن بني كليب، ثُمَّ بني مقلد: بنو مليص، وليسوا بشيء. ومن موالي بني كليب: عباد بْن راشد الفقيه.

نسب من بقي من ولد حنظلة

نسب من بقي من ولد حنظلة وولد قَيْس بْن حنظلة، وهو من البراجم: جاذل بْن قَيْس. وزيد بْن قَيْس. ومعاوية بْن قَيْس. ومُرة بْن قَيْس. منهم: ضابئ بْن الْحَارِث بْن أرطاة بْن شهاب بْن عُبَيْد بْن جاذل بْن قَيْس بْن حنظلة، وكان بنو جرول بْن نهشل وهبوا لضابئ كلبًا طلبه منهم، ثُمَّ ركب إليه جماعة منهم فارتجعوه منه، وكان يقال للكلب قرحان، فَقَالَ فيهم: تجاوز نحوي ركب قرحان مَهْمَهًا ... تَطلُّ به الوجناء وهي حسير فأمكم لا تعققوها لكلبكم ... فَإِن عقوق الوالدين كبير فَمَنْ يَكُ منكم ذا عقول فإنه ... عليم بما تحت النطاق خبير رددتُ أخاهم فاستمروا كأنما ... حباهم بتاج الهرمزان أمير فاستعدوا عليه عُثْمَان بْن عفان لما قَالَ فِي أمهم وفيهم: فيقال إنه أدَّبَه وخَلاه، ويقال بَل حبسه ثُمَّ خلاه، فأراد الفتك بعثمان، ففطن به عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ فحبسه حَتَّى مات فِي السجن، ولما أدخل السجن قال: هممتُ وَلَمْ أفعل وكدْتُ وَليتَني ... فعلتُ فكان المعولات حلائله

وَمَا الفتك إلا لامرئ ذي حفيظة ... إِذَا رِيعَ لم ترعد لجبن خصائله فلا ير من بعدي أمرأ ضيم خطةٍ ... حذار لقاء الموت فالموت نائله وَمَا الفتك مَا أمرت فِيهِ ولا الَّذِي ... تخبر من لاقيت أنك فاعله وعمير بْن ضابئ، توطأ عُثْمَان بْن عفان يوم قتل فِي بطنه، ويقال بل توطأه وقد احتمل، فاعترضه قوم من الأَنْصَار فقاتلوا حامليه حَتَّى طرح، فتوطأه عمير حينئذٍ، وقال: مَا رَأَيْت كافرًا ألين بطنًا منه، وَكَانَ عمير أشد الناس على عُثْمَان لما كان منه إِلَى ضابئ أبيه، وجعل عمير يقول حين توطأه: أرني ضابئًا أحْيِي لي ضابئًا. يقول: ليرى فعلي بعثمان. فَلَمَّا قدم الحجاج واليًا على العراق، وعرض أَهْل الكوفة ليوجههم مددًا للمهلب بْن أَبِي صفرة، وهو يحارب الخوارج، دنا منه عمير بْن ضابئ فقال: أصلح اللَّه الأمير أَنَا شيخ كبير، وابني شاب جلد فاقبله بدلًا مني، فقال: نعم، فَلَمَّا ولى قال له عنبسة بْن سَعِيد: هَذَا الَّذِي جعل يدوس بطن عُثْمَان ويقول: أرني ضابئًا أحيي لي ضابئًا، وحدثه حديثه فدعا به فأمر بقتله فقتل، وجعل الحجاج يقول: هيه أرني ضابئًا أحيى لي ضابئًا، فقال عَبْد اللَّه بْن الزبير الأسدي تجهزْ فإما أن تزور ابْن ضابئٍ ... عُميرًا وإما أن تزور المهلبا هما خطتا سوء نجاؤك منهما ... ركوبك حوليا من الثلج أشهبا فَآضَ ولو كَانَتْ خراسان دونه ... رآها مكان السوق أو هِيَ أقربا [1] وهذا قول ابن الكلبي فِي نسب ضابئ. وقال غيره: هُوَ من ولد غالب بْن حنظلة، ولما قتل ابن ضابئ لقي أعرابي رجلًا فقال له رَجُل: ما الخبر فقال: قدم الكوفة رَجُل من شر أحياء

_ [1] شعر عبد الله بن الزبير الأسدي ص 54- 55.

وقال أبو اليقظان ومن ولد قيس بن حنظلة: ميجاس وكان يهاجي جرير بن عطية

العرب من ثمود، حمش الساقين ممسوح الجاعرتين أخفش العينين، فقتل سيد الحي عمير بْن ضابئ. وقال أَبُو اليقظان ومن ولد قَيْس بْن حنظلة: ميجاس وكان يهاجي جرير بْن عطية فقال: وحظ ابن المراغة من تميم ... كحظ العير من قصب الرهان وكان عَبْد الملك بْن مروان بعث عبيدًا له من الروم إِلَى أموال كَانَتْ له باليمامة، فنادى بهم الناس وخرجوا على الناس بسيوفهم عاصين، فقاتلهم بنو قَيْس بْن حنظلة فقتلوهم فقال ميجاس: ألا يا أمير المؤمنين ألم يكن ... لما جاهدت قَيْس بلاء فيعلما فلا تنس ملقانا من الروم عصبة ... عصوك وولوا لا يبالون محرما وولد عمرو بْن حنظلة، وهو من البراجم: مُرَّة بْن عمرو. وعمرو بْن عمرو. وساطي بْن عمرو. منهم: عَبْد قَيْس بْن خفاف بْن عَبْد جريس بْن مرة بْن عمرو الشاعر، وهو صنم لهم سمي عَبْد جريس به. وجبيلة بْن عَبْد قيس، وله يقول أَبُوه عَبْد قَيْس: أجبيل إن أباك كاذبُ يومه ... فإذا دعيتَ إِلَى المكارم فاعجل والله فَاتَّقِهِ وأوف بنذره ... وَإِذَا حلفتَ بمأثمٍ فتحلل قال أَبُو اليقظان: أَخَذَ المرباع من بني عمرو بْن حنظلة: عَبْد قَيْس بْن خفاف، وابنه جبيلة، وادعوا أنه أَخَذَ المرباع منهم ثلاثة وعشرين رجلا فقال لهم لبيد بن عطارد: لئن كان أخذ المرباع منكم هذه لعدّة، ولا يعرف العرب منهم غير اثنين إنكم لأشقى الناس، ولئن ادعيتم كذبًا إنكم لأكذب الناس.

وولد ربيعة بن حنظلة:

قال أَبُو اليقظان: وبنو عمرو يُسمون بنو جريس وقال جرير وقد ولدوه: أخوالي الشم من عمرو بْن حنظلة ... وما اللئام بنو قَيْس بأخوالي [1] يعني قَيْس بْن حنظلة. وسُبِيَتْ رابعة بِنْت عَبْد قَيْس فِي الجاهلية، فاستنقذها بنو عمرو بْن عدس، فقال مسكين الدارمي فِي ذلك: دعتنا الحنظلية إذ لحقنا ... وقد حملت على جمل ثقال فأدركها ولم يعدل شريح ... وأعوج عند مختلف العوالي [2] شريح: عُمَر بن عدس وأعوج: ابنه. وولد ربيعة بْن حنظلة: عَبْدَة بْن ربيعة. وعدي بْن ربيعة. وكعب بْن ربيعة، وعامر بْن ربيعة. فولد عامر بْن ربيعة: مُرَيط بْن عامر. وربيعة بْن عامر، ويربوع بْن عامر، ولبيد بْن عامر، وعبد الْحَارِث بْن عامر. وعبد عوف بْن عامر. وولد عَبْدَة: زَيْد بْن عَبْدة، ووهب بْن عبدة. وكعب بْن عبدة. وولد كعب بْن ربيعة: مريط بْن كعب. ومريض بْن كعب. وربيعة بن كعب. وخالد بن كعب. وولد عدي بْن ربيعة بْن وائل بْن عُبَيْد بْن قَلع- مفتوحة القاف- بْن مُصرِّح- وبعضهم يقول مُصرَّح- بْن دارم بْن عدي وهم بخراسان. ومن بني ربيعة: أَبُو بلال مرداس وعروة ابنا أُدّيَّة، وهي أمهما، وأبوهما حُدير بْن عمرو بْن عمرو بْن عَبْد بْن كعب بْن ربيعة بْن حنظلة الخارجيان، وقد كتبنا خبرهما فيما تقدم.

_ [1] ديوان جرير ص 340. [2] ديوان مسكين الدارمي ص 63.

ومن ولد أَبِي بلال باصطخر جماعة. ومنهم: المغيرة ويزيد. وصخر بنو حَبناء بْن عمرو بْن ربيعة بْن أسيد بْن عَبْد عوف بْن عامر بْن ربيعة بْن حنظلة الشعراء، وقد ذكرنا للمغيرة بْن حبناء خبرًا فيما تقدم، والمغيرة الَّذِي يقول لأخيه صخر: أبوك أَبِي وأنت أخي ولكن ... تَعاضَلَتِ [1] الطبائع والظروف وأمك حين تُنْسَبُ أُمُّ صدقٍ ... ولكن ابنها طبع سخيف وكان بالمغيرة برص، وشهد يوم نسف بخراسان مع قُتَيْبَة، فاستشهد وله عقب. وكان يزيد من الخوارج وكانت ابنته عيوف مع قطري ولا عقب له، وزعموا أن اسم حبناء جُبَيْر. قال زياد الأعجم: إنَّ حبناء كان يدعى جبيرًا ... فدعوه للؤمه حبناء [2] ومنهم أَبُو شهم الخارجي- بشين معجمة- وهو القائل: لعمرك إني فِي الحياة لزاهد ... وَفِي العيش إن لم ألق أم حكيم ويروى الشعر لقطري أيضًا. ومنهم أَبُو حُزابة الشاعر [3] وهو الْوَلِيد بْن حنيفة بْن سُفْيَان بْن مجاشع بْن ربيعة بْن وهب بْن عبدة بْن ربيعة بْن حنظلة الَّذِي يقول.. ... أَنَا أَبُو حزابة الشَّيْخ الفان وهو الَّذِي بات عند فاجرة بفارس يُقَالُ لها ماهنوش وكانت تؤاجر نفسها بخمسين درهمًا، فأعطاها سرجه فنظر إليه عبد الرحمن بن محمد بن

_ [1] عضل المكان ضاق، والأرض بأهلها غصت، وأعضل الداء الأطباء: غلبهم. [2] شعر زياد الأعجم ص 63. [3] بهامش الأصل: أبو حزابة الشاعر.

الأشعث وهو يريد سجستان، أو حين قدم منها فاعترضه أبو حزابة فقال له: يا بن قريع كندة الأشج ... ألا ترى لفرسي فِي المرج فِي فتنة الناس وهذا الهرج ... وماهنوش ذهبت بسرجي [1] فقال: وعلى كم سرجك؟ قال: على خمسين درهمًا، فأمر له بخمسين درهمًا فكان يُقَالُ: علمُه بماهنوش ريبة. وأبو حزابة الَّذِي يقول حين ولي عَبْد اللَّه بْن عَليّ بْن عدي بْن حارثة بْن ربيعة بْنِ عَبْد العزى بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف سجستان بعد موت طَلْحَة الطلحات. يا طلحُ يا ليتك عنا تُخْبَرُ ... حين أتانا الجعظري الحيدر أقل من شبرين حين يُشبر ... قد علم القوم غداة استعبروا أنْ لم يروا مثلك حين تُقبر ... فقد أتانا جرذ مجمر مثل أَبِي القمعاء لا بل أقصر ... وخلف يا طلح منك أعور أَنْكَرَهُ سريرُنا والمنبر ... وقصُرنا والمسجد المطهَّر وقال أيضًا: يابن علي بَرِحَ الخفاءُ ... قد علم الجيران والأكفاء أنك أنت النذل اللقاء ... بنو عليٍّ كلهم سَواء كَأنَّهم زونية جِراءُ ... أنت لقبر طَلْحَة الفداء [2] قال أَبُو الْحَسَن المدائني قدم على أَبِي حزابة قوم من أهله من

_ [1] انظر الأغاني ج 22 ص 265 حيث رواية أخرى للحكاية نفسها. هذا وتقدم هذا الخبر في ج 7 ص 319. [2] انظر رواية الأغاني ج 22 ص 263- 264 حيث فوارق كبيرة بالشعر والأعلام.

الأعراب، فهيأ لهم غداء، وأُتي بالمائدة، فوضعت تحت كوة فِي سطح بيته، ووثب أعرابي من القوم يريد الخلاء، فعمد إِلَى الكوة وهو يحسبها متوضأ، فإذا الَّذِي خرج منه على المائدة، فنحيت ونزل الرجل، فقال: أَيْنَ غداؤكم؟ فقال أَبُو حزابة أفسده علينا عشاؤك. وكان أَبُو حزابة يقول: أشقى الفتيان المفلس الطروب. وقدم أَبُو حُزابة على طَلْحَة الطلحات، وهو طَلْحَة بْن عَبْد اللَّه بْن خلف بْن سعد بْن مُليح بْن عمرو بْن ربيعة الخزاعي، فأخر عطاءه، وأعطى قومًا من خزاعة، فقال لأبي حُزابة: نعطيك من صلاتنا ما أحببت سخية بِذَلِك أنفسنا لك، فقال: لا حاجة لي فيما تعطوني، ولكن أقيموا علي يومين أو ثلاثة أيام وقال: ما زلت أسعى فِي هواك وابتغي ... رضاك وأعصي فيك قومي الأدانيا وأبذل نفسي فِي مواطن جمة ... وأرجو وأهلي منك ما لست لاقيا حفاظًا وإمساكًا لما كان بيننا ... لتجزيني يومًا فَمَا كنت جازيا أراني إذا استمطرتُ منك سحابة ... لترويني عادت عجاجًا سوافيا رأيتك ما ينفك منك رغيبة ... تقصر دوني أو تحل ورائيا وأدليت دلوي فِي دلاء كثيرة ... فَأبْنَ مِلَاءً غير دلوي كما هيا [1] فبعث إليه بصلته ووهب له جوهرًا فقال: أرى الناس قد ملوا الفعال ولا أرى ... بني خلف إلا جمام الموارد إذا نفعوا عادوا لمن ينفعونه ... وَكَأيِنْ ترى من نافع غير عائد في أبيات.

_ [1] الأغاني ج 22 ص 260- 261 مع فوارق.

وولد الظليم بن حنظلة،

وقال رَجُل من قوم أَبِي حزابة: مالك يا وليد كيف تقضي ... أَنَا الَّذِي سميتك ابن أرضي قضية إني كذاك أقضي وقال أَبُو اليقظان: من ولد ربيعة بْن حنظلة: جُبَيْر بْن مريض، كان صاحب الخيل فسابق المرقع بْن العلاء، فسبقه المرقع فقال: لئن لم يكن فيكن ما أتقي به ... غداة الرهان مسهب بْن مريض لينقضينْ حد الربيع وبيننا ... من البحر لجُّ لا يخاض عريض وجَّمْعتُ خيل الناس حَتَّى كأنما ... أرى غنما حولي بهنَّ ربوض مسهب: فرسه. قال: ومنهم مُحَمَّد بْن الزبير الحنظلي، كَانَتْ له رواية ومنزلة من عُمَر بْن عبد الْعَزِيز. وولد الظليم بْن حنظلة، وهو من البراجم: مرة بْن الظليم. وشجنة بْن الظليم. وربيعة بْن الظليم. والعنبر بْن الظليم. منهم: الحكم بْن عَبْد الله بن عطاء الَّذِي يقول: لو كنتُ جار بني هند تداركني ... عوف بْن نعمان أو عمران أو مطر قال ابن الكلبي: والناس يروون هَذَا البيت لابن مفرّغ، وليس هُوَ له. وولد غالب بْن حنظلة: مُعرض الَّذِي يقول الشاعر فِي ابنته: ألا ليتني لم أَدْرِ ما ابْنَة مُعرضٍ ... وليت فؤادي لم تصبه سهامها غذتها ابْنَة الحشحاش وهي رقيقة ... بخير غذاء فهي جم عظامها ومن ولد غالب بْن حنظلة: عِمْرَانَ بْن الفضيل، ويكنى أَبَا الهذيل.

والهذيل بن عمران بن الفضيل كان من أشراف أهل البصرة،

ولما انقضى أمر الجمل خرج حسكة بْن عتاب الحبطي، وعمران بْن الفضيل فِي صعاليك منَ العرب حَتَّى نزلوا زالق من سجستان، وقد كفر أهلها، فأصابوا مالا وخافهم صاحب زرنج فصالحهم ودخلوها فقال الراجز: بشر سجستان بجوع وحرب ... يا بن الفضيل وصعاليك العرب لا فضة تقيهم ولا ذهب والهُذيل بْن عِمْرَانَ بْن الفضيل كان من أشراف أَهْل البصرة، وَكَانَ ينادم بشر بْن مروان، وكان يُقَالُ له سيد العراق وقال فيه الراجز: يا أيها السائل فِي الآفاق ... هَذَا الهذيل سيد العراق وخرج على الحجاج بر ستقاباذ فقتله وصلبه، وقد ذكرنا خبر رستقاباذ فيما تقدم. وهَيَّاج بْن عِمْرَانَ الَّذِي يقول له الشاعر: فمن يك أمسى حامدا لابن عمه ... فإني لهياج بن عمران لائم وكان هياج على مرو الروذ من قبل سلم بن زياد. وبسطام بْن عِمْرَانَ الَّذِي يقول لعمرو بْن غِفري الضَّبِّيّ: ما بيننا يا عمرو في البيت خلة ... ولكنني فِي السوق خير خليل وأنت امرؤ نبئتُ أنك تهتدي ... وإن لم يكن لجم بغير دليل وما لك عندي إن أردت زيارتي ... شراب ولا ظل فأين تقيل ورآه ابن غِفري فِي السوق يومًا فقال: زعمت أنك فِي السوق خير خليل فاشتر لي هَذَا الجمل فاشتراه له، وكان بسطام أصاب فِي بعض الفتن مالًا فقسمه

وولد قيس بن مالك بن زيد مناة بن تميم

فِي قومه وله يقول أَبُو حزابة: هَلْ لك فِي شيخ أتاك مُعْتامْ ... لم يَلْقَ خيرًا بعد عام بسطام وولد قَيْس بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم وهو أحد الكردوسين: شَهبرة بْن قَيْس. وسهم بْن قَيْس. وربيعة بْن قَيْس، وسميا الكردوسين لأنهما كانا ينزلان معًا. ومعاوية بْن مالك بْن زَيْد مناة الكردوس الآخر. وولد ربيعة بْن مالك بْن زَيْد مناة: كعب بْن ربيعة. وكعيب بْن ربيعة، وأمهم بُنانة بِنْت مُجَفِّر بْن كعب بْن العنبر. وعبيد بْن ربيعة، وأمه مُكرّمة من بني ضبيعة بْن ربيعة. والحارث بْن ربيعة، وأمه السعدية. وعمرو بن ربيعة، وأمه من بني الهجيم ومنهم علقمة وشأس ابنا عَبَدة بْن ناشرة بْن قَيْس بْن عُبيد بْن ربيعة، وكان علقمة أشعر أَهْل زمانه، وكان فِي عصر امرئ القيس بْن حجر. ومنهم أسود بْن عبس بْن أسماء بْن وهب بْن رياح بْن عُوذ بْن منقذ بْن كعب بْن ربيعة بْن مالك، وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أتيتك أتقرب إليك فسمي المتقرب. ومنهم حميد بْن الأُرَيقط بْن خَالِد بْن المرقع من ولد كعيب بْن ربيعة بْن مالك، ويقال إنه من بني حنظلة، وكان قد نزل به ضيف فأكل أكلًا شديدًا فقال: حميد أتانا وما داناه سحبان وائل ... بيانًا وعلمًا بالذي هُوَ قائل فَمَا زال عند اللقم حَتَّى كأنه ... من العيّ لما أن تكلم باقل وكان حميد مع الحجاج. وعَيلان الربعي الراجز من رهط الْحَارِث بْن ربيعة.

ومن بني ربيعة بن مالك: علقمة بن سهل الخصي أبو الوضاح،

قال الكلبي: فربيعة بْن مالك بْن زَيْد مناة، وربيعة بْن حنظلة، وربيعة بْن مالك بْن حنظلة يسمون الربائع فِي بني تميم: ومن بني ربيعة بْن مالك: علقمة بْن سهل الخصي أَبُو الوضاح، الَّذِي شهد على قُدامة بْن مظعون بشرب الخمر وهو القائل حين احتضر: يَقُول رجال من صديق وحاسد ... نراك أَبَا الوضاح أصبحت باليا فلا يعدم البانون بيتًا يكنهم ... وَلا يعدم الميراث بعدي واعيا وجفت عيون الباكيات وأقبلوا ... إِلَى مَا لهم إذ بِنْت منهم وماليا حراصًا عَلَى مَا كنت أجمعه لهم ... هنيئًا لهم جمعي فَمَا كنت وانيا وكان ذا يسار، وَكَانَ أسر باليمن فِي الجاهلية فهرب، ثُمَّ ظفر به فخصي ومات بالبحرين، ويقال إن بني الْحَارِث بْن كعب نفروا به بعيره فسقط فمات. وكان حَمَّاد بْن سلمة من موالي بني ربيعة.

نسب بني سعد بن زيد مناة بن تميم

نسب بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم وولد سعد بْن زَيْد مناة عشرة نفر: كعب بْن سعد. والحارث بْن سعد. وعمرو بْن سعد. وعُوافة بْن سعد، وأمهم تَنْهَاه بِنْت الْحَارِث بْن تميم أخت شقرة، واسم شقرة مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن تميم. وجشم بن سعد وأمه الورثة بن جشم بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب. وعبشمس بْن سعد، وأمه الصدوف بِنْت الأحمر بْن الْحَارِث بْن عَبْد مناة بْن كنانة. ومالك بْن سعد. وعوف بْن سعد، وأمهما رُهم بِنْت الخزرج بْنِ زَيْدِ اللاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بن كلب. وهبيرة بْن سعد، ونجدة درجا، وأمهما الناقمية وأخوهما لأمهما صعصعة بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْر بْن هوازن. وغُبَر بْن ثَعْلَبَة بْن غنم بْن حُبَيب بْن كعب بن يشكر بْن وائل. قال هشام ابن الكلبي: أتى ثَعْلَبَة بْن غنم رقاش الناقمية، فأراد أن يتزوجها فَقِيل له: ما ترجو منها؟ فقال: لعلي أتغبر منها غلامًا فتزوجها فولدت له غلامًا فسماه غُبَر، فيقال لهؤلاء كلهم الأبناء غير كعب وعمرو. فولد كعب بْن سعد: عوف بْن كعب. وعمرو بْن كعب. وحرام بْن كعب. وربيعة بن كعب. وعبد العزي بْن كعب. ومالك بْن كعب،

وأمهم عُدّيَّة بِنْت مِخضب بْن زَيْد بْن نهد بْن زَيْد بْن قضاعة. وجشم بْن كعب. وعبشمس بْن كعب، ويقال عَبْد شمس بْن كعب وهو الثبت، وأمهما الخذعة بِنْت مُعَاوِيَة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم. والحارث الأعرج أصيبت رجله فِي حربهم فقال شاعرهم: لا نِعْقِلُ الرِّجُلَ ولا نَدِيها ... حتى نرى داهية تنسيها وأمه الصماء بِنْت عُتوارة بْن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن. فمالك وكعب، أو عوف وكعب يُقَالُ لهما المزروعان، سميا بِذَلِك لكثرة عددهما وكثرة أموالهما. والأجارب سبعة وهم: ولد كعب كلهم غير عمرو، وعوف مخرام، وعبد العزي أَبُو حِمّان، ومالك. وجشم. وعبد شمس والحارث. أجارب وهم البطون. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ قال: التقت قبائل من بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم وقبائل من بني عمرو بْن تميم بتياس [1] لطوائل بينهم، فاقتتلوا فقطع مالك بْن مازن بْن عمرو بْن تميم رَجُل الْحَارِث بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة، فسمي الْحَارِث الأعرج، فطلبت سعد القصاص فأقسم غيلان الْمَازِنِيّ ألا يعقلها ولا يقصها حَتَّى تُحشى عيناه ترابًا وقال: لا نعقل الرجل ولا نديها ... حتى يروا داهية تنسيها ثُمَّ التقوا فاقتتلوا فجرحوا غيلان فأثبتوه فجعل يدخل البوغاء [2] فِي عينيه ويقول: تحلل غيل، حتى مات.

_ [1] تياس: ماء للعرب بين الحجاز والبصرة، وقيل تياس: جبل قريب من أجأ وسلمى جبلي طيّئ، وقيل بل بين البصرة واليمامة، وهو إلى اليمامة أقرب. معجم البلدان. [2] البوغاء: التربة الرخوة كأنها ذريرة. القاموس.

مقاعس بن عمرو واسمه الحارث.

وكان رئيس بني عمرو بْن تميم كعب بْن عمرو ولواؤه مع ابنه ذؤيب بْن كعب بْن عمرو، فقال ذؤيب: يا كعب إن أخاك مختنق ... إن لم تكن بك مرة كعب أتجود بالدم ذي المضنة فِي ... الجُلى وتلوي الناب والصقب [1] يقول: أَبَيْتُم عقل رجل الْحَارِث ووهبت دم غيلان. الآن إذ أخذت مآخذها ... وتباعد الأسباب والقرب أنشأت تطلب خطة غبنًا ... وتركتها وَمَسَدّها رأب جانيك من تجني عليه وقد ... تعدي الصِحاح مبارك الجرب [2] يريد مباركا ولكنه لا يجري. قال هشام: ترك كعب دم أَخِيهِ فوهبه، فلذلك قال ابنه ما قال. قَالُوا: وَفِي يوم تياس قتل بنو مازن قيسًا أَبَا الأحنف. فولد عُمَرو بْن كعب بْن سعد: مُقاعس بْن عمرو واسمه الْحَارِث. ووديعة بْن عمرو، درج، وأمهما الصَّماء بِنْت عُتوارة، خلف عليها بعد أَبِيهِ. فولد مقاعس: عُبيد بْن مقاعس، وأمه تنهاه بِنْت مخدج بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مَالِك بْن كنانة: وكان عُبيد محمَّقًا. وصَريم بْن مُقاعس. وأصرم بْن مقاعس. وعُمير بْن مقاعس. ورُبَيْع بْن مقاعس، وأمهم ابْنَة قَيْس بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة. فَمَنْ بني رُبَيْع: حنظلة بْن عرادة الشاعر الَّذِي يقول: أَنَا ابن عرادة الحامي ربيعًا ... إذا ما شاعر يوما هجاها

_ [1] الصقب: ولد الناقة. والناب: الناقة المسنة. والجلّى: الأمر العظيم. القاموس. [2] انظر النقائض ج 2 ص 1025- 1026.

ومرة بن محكان

ومرة بْن مِحكان كان القُباع ضربه فقال: عمدت فعاقبت امرأً كَانَ ظالمًا ... فألهب فِي ظهري القُباع وأوقدا سياطًا كأذناب الكلاب معدةً ... إذا أخلق السوط المحدرج [1] جددا قال أبو اليقظان: كان مرَّة سيد بني رُبَيْع، قتله صاحب شرط مصعب بْن الزبير وكان من أصحاب الجُفرة، وكان شاعرًا وهجاه الفرزدق فقال: تُرَجِّي رُبَيْع أن تجيء صغارها ... بخير وقد أعيا ربيعًا كبارها عتلُّون [2] صَخّابو العشيِّ كأنهم ... لدى القوم عرصان شديد نعارها كأن ربيعًا من حماية منقر ... أتان دعاها فاستجابت حمارها [3] ومعن بْن مرة بْن محكان الَّذِي يقول فيه أبوه مرة: فَإِن تحسب الأعداء إن غبت عَنْهُمْ ... وأُورثتَ مَعنا أنَّ حربي كَلَّتِ وبعث الحجاج بْن يوسف مَعَنَا إِلَى رَجُل جمع جمعًا بأصبهان وخالف، فأتاه فظفر به، ولا عقب لمرة بْن مِحكان. ومنهم: السموءل بْن حنظلة بن عرادة وفيه يقول أبوه: ما للسموأل أبدى اللَّه عورته ... خَلَّى أَبَاهُ طويل الهم وأدلجا مجع سباتٌ يعاطي الكلب مطعمه ... إذا رَأَى عورةً من جاره ولجا قال: المجع: الماحق. والسبات: الخبيث المنكر. ومن بني رُبيع: عَسْعَس بْن سلامة، وكان يكنى أَبَا صفرة، وكان له بالبصرة قدر وفضل.

_ [1] حدرج: فتل. القاموس. [2] العتل: الجافي الغليظ. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 272 مع فوارق.

فولد عبيد بن مقاعس:

قال أَبُو اليقظان: وكان يُقَالُ لبني دينار من بني ربيع ركبة القلوص، جاؤوا مترادفين على قلوص فدخلوا عُمان، ولا يدري من أين جاؤوا. ومنهم: خليف بْن عقبة وكان ظريفًا، وإليه تنسب الفالوذجة الخليفية بالبصرة. فولد عُبيد بْن مُقاعس: مِنقر بْن عُبيد. وعوف بْن عُبيد. ومرة بْن عُبيد. وعامر بْن عُبيد، وأمهم نُعْم بْن عُمير بْن عبشمس بْن سعد. وزيد بْن عُبيد. ونجدة بْن عُبيد. وأسعد بْن عُبيد، وأمهم صفية بِنْت حِمّان بْن عَبْد العزي بْن كعب بْن سعد. وعبد عمرو بْن عُبَيد، وأمه هند بِنْت محلم بْن جشم بْن كعب بْن سعد. وكان عُبيد بْن مقاعس ضعيف العقل محمقًا. قال ابن الكلبي: فبنو عُبيد بْن مُقاعس، واسمه الْحَارِث، يدعون اللَّبدُ غير بني منقر، وإنما سموا اللبد لأنهم تلبدوا على بني مرة بْن منقر ومعهم الشُعَيْراء. وبعضهم يقول اللِّبد- بكسر اللام- وقال سمي الْحَارِث بْن عمرو بْن كعب بْن سعد مقاعسًا، وقيل إن بني مقاعس جعلوا شعارهم مُقاعسًا فسموا مُقاعسًا. وولد منقر بْن عُبَيْد بْن مقاعس: خَالِد بْن منقر الَّذِي قتله بنو شَيْبَان، حين غزوا بني سعد، يوم أداد، فقال أَبُو مسهر أصرم بْن ثَعْلَبَة: صدمنا تميمًا صدمة طحطحتهم ... وأخرى حككناها بحيِّ إياد وأوطأت ذلًا منقرًا فِي ديارها ... غداة قتلنا خالدًا بأداد وأسعد بْن منقر. وجرول بْن منقر. وجندل بْن منقر. وصخر بْن منقر. وفقيم بْن منقر. وعوف بن منقر. ومرة بْن منقر. وصخر بْن منقر. وفقيم بْن منقر. وعوف بْن منقر. ومرة بْن منقر. وأقيش، وأمهم

ومن بني منقر: ورد الطعان بن حبيب

رقاش بِنْت عامر بْن العَصَبَة بْن امرئ القيس بْن زَيْد مناة بْن تميم، وفيهم يقول النابغة: كأنك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشنِّ [1] وقال غير ابن الكلبي عني بني أقيش بْن عكل. وقال غير الكلبي ولد منقر أيضًا: حَزن بْن منقر وهم قوم القُلاخ بْن حزن السعدي الَّذِي يقول: إني امرؤ لم أتوسع بالكذب ... ولم يكن ذلك من رأي ولُبّ إن أَبِي حزنا بني لي فِي الحسب ... مساعي الخير فَمَنْ يخبث يطب وهو القائل أيضًا: والله لولا النار أن نصلاها ... أو يدعو الناس علينا اللَّه لما أطعنا لأمير فاها ... ما خطرت سعد على قناها قال: ومن ولد حزن: محرز بْن حُمران وابنه جَيْهَان بْن محرز، وأمه ابْنَة قَيْس بْن عاصم، وكان محرز وجيهان مع عدي بْن أرطاة الفزاري فِي قتال يزيد بْن المهلب، فحمل رَجُل على جَيْهَان فاستنقذه مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن زياد بْن أَبِي سُفْيَان فقال الفرزدق: دعا ابن أَبِي سُفْيَان والخيل دونه ... تثير عجاجًا بالسنابك ساطعا فكر إليه مثل ما كر مخدر ... من الأسد تحمي واردات شوارعا [2] ومن بني منقر: ورد الطعان بْن حبيب كان بخراسان. ومنهم: جَعْفَر بْن جِرْفاس، كان عابدًا، قال الْحَسَن: «لا أرى مثل

_ [1] ديوان النابغة الذبيان ص 123. [2] ليسا في ديوانه المطبوع.

ومن بني منقر: قيس بن عاصم [1] بن سنان بن خالد بن منقر،

جعفر بْن جرفاس. وجعفر بْن زَيْد وهو رَجُل من عبد القيس. ومن بني منقر: قَيْس بْن عاصم [1] بْن سنان بْن خَالِد بن منقر، وقد رأس ووفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: [ «هَذَا سيد أَهْل الوبر» ] . وكان الأحنف بْن قَيْس يقول: إنما تعلمت الحلم من قَيْس بْن عاصم أتي بقاتل ابنه [2] فقال ذعرتم الفتى وأقبل عليه فقال: يا بني لقد نقصت عددك، ووهنت ركنك، وفتت فِي عضدك وأشمتَّ عدوك، وأسأت بقومك، خلوا سبيله. وما حل حبوته ولا تغير وجهه. وقال أَبُو عبيدة معمر بْن المثنى: جاور قَيْس بْن عاصم ديافي [3] يتجر فِي أرض العرب فربطه، وأخذ متاعه، وشرب شرابه حتى جعل يساور النجم يريد زعم يتناوله ويتناول القمر وقال: وتاجر فاجر جاء الإله به ... كأن عثنونه أذناب أجمال ثُمَّ قسم صدقة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قومه وقال: ألا أبلغا عني قريشًا رسالة ... إذا ما أتتهم مهديات الودائع حبوت بما صدقت فِي العام منقرًا ... وآيست منها كل أطلس طامع وقال غير أَبِي عبيدة كان قَيْس بْن عاصم يكنى أَبَا علي. ولما فعل بالديافي ما فعل وسكر جعل مال نفسه نهبًا فلم تزل امرأته تسكنه حَتَّى نام، فَلَمَّا أصبح وأخبر ما كان منه قال: لا يدخل الخمر بين أضلاعي أبدًا. وولي قَيْس عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقات مقاعس والبطون، وكان

_ [1] بهامش الأصل: قيس بن عاصم المنقري رحمه الله. [2] القاتل لابنه ابن أخ له. الأغاني ج 14 ص 74. [3] دوف: الخلط والبل بماء ونحوه، ودياف من قرى الشام، وقيل من قرى الجزيرة. معجم البلدان. القاموس.

الزبرقان بْن بدر قد ولي صدقات عوف والأبناء، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد جمع كل واحد من قَيْس والزبرقان صدقات من ولي قَبْضَ صدقته دس إليه الزبرقان فخدعه، فقال: يا أبا علي إن النَّبِيّ قد توفي فهلم نجمع هَذِهِ الصدقة ونجعلها فِي قومنا، فَإِن استقام الأمر لأبي بَكْر وأدت إليه العرب الزكاة جمعناها الثانية وأديناها، فقال: صدقت، ففرق قَيْس الإبل في قومه وانطلق الزبرقان بسبعمائة بعير إِلَى أبي بَكْر وقال: وفيت بأذواد النَّبِيّ مُحَمَّد ... وكنت امرأً لا أفسد الدين بالغدر [1] وقال أيضًا: لقد علمت قَيْس وخندف أنني ... وفيت إذا ما فارس الغدر أنجما [2] فلما عرف قَيْس بْن عاصم ما كاده به الزبرقان قال: لو عاهد الزبرقان أمه لغدر بها. وَفِي قَيْس يقول عبدة بْن الطبيب العبشمي: عليك سلام اللَّه قَيْس بْن عاصم ... ورحمته إن شاء أن يترحما سلام امرئ جللته منك نعمة ... إذا زار عن سخط بلادك سلما فَمَا كان قيسٌ هَلْكُهُ هَلْكُ واحدٍ ... ولكنه بنيان قوم تهدما وحدثني ابن الأعرابي قال: قيل لقيس: بماذا سدت؟ فقال: بثلاث بذل الندى، وكف الأذى، ونصرة المولى. حَدَّثَنِي العمري عن الهيثم، وذكره أَبُو الحسن المدائني قال: كان

_ [1] شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم- ط. بيروت 1987 ص 42. [2] شعر الزبرقان بن بدر ص 55، وفيه «أحجما» . وأنجم المطر وغيره: أقلع. القاموس.

وكان من حديث يوم جدود [1]

قَيْس يقول لبنيه: إياكم والبغي، فَمَا بغى قوم قط إلا قلوا وذلوا، فكان الرجل من بنيه يلطمه بعض قومه فينهى إخوته أن ينصروه. وروي عن قَيْس بْن عاصم أنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرحَّب بي وأدناني فقلت: يا رسول اللَّه، المال الَّذِي لا يكون عليَّ فيه تبعة لضيف إن ضافني ولعيال إن كثروا علي؟ قال: [ «نعم المال الأربعون والكنز الستون، ويل لأصحاب المئين ويل لأصحاب المئين ثلاثًا إلا من أعطى من رسلها، وأطرق فحلها وأفقر ظهورها ومنح غريرتها، وأطعم القانع والمعتر» ] . فقلت: يا رسول الله ما أركم هذه الأخلاف وأحسنها إنه لا يُحَل بالوادي الَّذِي فِيهِ إبلي من كثرتها قال: «فكيف تصنع فِي الأطراق» ؟ قلت: يغدو الناس فَمَنْ شاء أن يأخذ برأس بعير ذهب به. قال: «فكيف تصنع فِي الأقفار» ؟ قلت: إني لأقفر الناب المدبرة والضرع الصغيرة. قال: «فكيف تصنع فِي المنيحة» ؟ قلت: إني لأمنح فِي السنة المائة. فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، وأعطيت فأمضيت» ،] فقلت: وَالَّذِي بعثك بالحق لئن بقيت لأدعنها قليلًا عددها. وكان إسلام قَيْس حسنًا، وقيل له بما سدت؟ فقال: ببذل القرى، وترك المراء، وكف الأذى، ونصرة المولى. قَالُوا: وقيس بْن عاصم الَّذِي حفز الْحَارِث بْن شريك الشيباني بطعنة فِي إسته يوم جَدُود فسمي الحوفزان. وكان من حديث يوم جدود [1] أن الحارث بن شريك بن عمرو بن

_ [1] بهامش الأصل: يوم جدود، وفي معجم البلدان: جدود: اسم موضع في أرض بني تميم قريب من حزن بني يربوع على سمت اليمامة.

قَيْس بْن شراحيل بْن مرة بْن هَمام بْن مُرة بْن ذُهْلِ بْن شَيْبَان كَانَتْ بينه وبين سليط من بني يربوع موادعة، ثُمَّ هُمْ بالغدر بهم وجمع بني شَيْبَان وذهلًا واللهازم، وهم بنو قَيْس بْن ثَعْلَبَة، وبنو تيم اللَّه بْن ثَعْلَبَة، وعجل، وعنزة، ثُمَّ غزا وهو يرجو أن يصيب من بني يربوع غِرَّةً، فَلَمَّا أتى بلادهم نذر به عُتيبة بْن الْحَارِث، فنادى فِي بني جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة من بني يربوع فحالوا بين الْحَارِث بْن شريك وبين الماء، فقال لعتيبة: يا أَبَا حزرة قد عرفتم الموادعة بيننا وبين بني سليط، فهل لكم إِلَى أن تسالموا فو الله لا نروع بني يربوع أبدًا. فأغار الْحَارِث بْن شريك على بني رُبَيع بْن الْحَارِث، وهو مقاعس وإخوته من بني مقاعس، وهم بجدود، فاستغاثوا ببني يربوع فلم يجيبوهم، وقال قَيْس بْن مقلد الكليبي لبني رُبَيع. أَمِنكُم علينا منذرٌ لعدونا ... وداع لنا يوم الهياج مُندد فقلت ولم أسرَّ بِذَاك ولم أُسأ ... أَسَعْدُ بْن زَيْد كيف هَذَا التودُّد [1] فأتى صريخ بني مقاعس بني منقر بْن عُبَيْد فركبوا حَتَّى لحقوا بالحارث بْن شريك وبكر بْن وائل وهم قائلون فِي يوم حار، فَمَا شعر الحوفزان إلّا بالأهتم بْن سُميّ بْن سنان بْن خَالِد بْن منقر، واسم الأهتم سِنان، واقفا على رأسه، فوثب الحوفزان إِلَى فرسه فركبه وقال للأهتم: من أنت؟ قال: أَنَا الأهتم بْن سُميّ وهذه منقر قد أتتك، قال الحوفزان: فأنا الْحَارِث بْن شريك بْن عمرو، وهذه رُبَيْع قد حويتها. فنادى الأهتم: يال سعد ونادى الْحَارِث الحوفزان: يال وائل، وحمل كل واحد على صاحبه

_ [1] النقائض ج 1 ص 326.

ولحق بهم بنو منقر فاقتتلوا أشد قتال وأبرحه، ونادت نساء بني رُبَيع: يال سعد فاشتد قتال بني منقر لصياحهن، فهزمت بَكْر بْن وائل، وخلوا من كان فِي أيديهم من بني مقاعس ومن أموالهم، وتبعتهم بنو منقر فَمَنْ قتيل وأسير، وأسر الأهتم حُمران بْن عَبْد عمرو، ولم يكن لقيس بْن عاصم همّة إلا الْحَارِث بْن شريك، والحارث على فرس له قارح يدعى الزبد، وقيس بْن عاصم على مهر فخاف أن يسبقه الْحَارِث بْن شريك فحفزه قَيْس بالرمح فِي استه فبحفزته سمي الحوفزان، فنجا، ورجع بنو منقر بأموال بني رُبَيع وسبيهم وبأسارى بَكْر بْن وائل وأسلابهم. فذكر بعض الرواة أن طعنة الحوفزان انتقضت به بعد سنة فمات، وَفِي هَذَا اليوم يقول قَيْس بْن عاصم: جزى اللَّه يربوعًا بأسوأ سعيها ... إذا ذكرت فِي النائبات أمورها ويوم جَدود قد فضحتم ذماركم ... وسالمتم والخيل تدمى نحورها ستحطم سعد والرباب أنوفكم ... كما حزّ فِي أنف القصيب [1] جريرها فِي أبيات، وقال الأهتم فِي أسره حمران: تمطتَّ بحمران المنية بعد ما ... حشاه سنان من شراعة أزرق دعا يال بَكْر واعتزيت بمنقر ... وكنت إذا لاقيت فِي الحرب أَصْدُق وقال سوّار بْن حيان المنقري ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة ... سقته نجيعًا من دم الجوف أشكلا وحمران قسرًا أنزلته رماحنا ... فعالج غلّا في ذراعيه مقفلا وبنو تميم يزعمون أن الحوفزان أغار على بني رُبَيع بن مقاعس فأصاب

_ [1] بهامش الأصل: ناقة معتصبة. وفي النقائض ص 327. القضيب: الناقة التي لم ترض.

نسوة وهن خلوف وإبلا، فأتى الصريخ بني سعد، فركب قَيْس بْن عاصم فِي بني سعد فأدركوه فاقتتلوا وذلك فِي يوم شديد الحر. وقال معمر بْن المثنى: التقى مالك بْن مسروق الربيعي، وشهاب بْن ربيعة بْن جَحدر أَبُو السامعة فقال مالك: من أنت؟ قال: أَنَا شهاب جحدر ... أطعنهم عند الكر تحت العجاج الأكدر فقال مالك: أَنَا ابن مسروق بْن غيلان ... ومعي سنان حران وإنما جئت الآن ... أقسمت لا ثؤبان ثُمَّ شد عليه فقتله. وأغار قَيْس بْن عاصم ببني كعب بْن سعد على اللهازم بالنباج وثيتل، فتخوف أن يكره أصحابه لقاء بَكْر بْن وائل وتناجوا فِي ذلك فشق مزادهم ليلًا لئلا يجدوا بدًا من لقاء القوم، فَلَمَّا فعل أذعنوا للقائهم وصبروا له فأغار عليهم، وكان أشهر يوم لبني سعد ظفرت منه سعد بما شاءت، فقال علي بْن قَيْس بْن عاصم أَنَا ابن الَّذِي شق المزاد وقد رَأَى ... بثيتل أحياء اللهازم حضّرا فصبّحهم بالجيش قَيْس بْن عاصم ... وكان إذا ما أورد الأمر أصدرا وقال سوار بْن حيان: ومالك من أيام صدق تعدها ... كيوم جواثا والنباج وثيتلا وقال قَيْس بْن عاصم: ويوم جواثا والنباج وثيتل ... منعنا تميما أن تباح ثغورها

قالوا: وكان على بني سعد يوم الكلاب الثاني قيس بن عاصم،

وأغار قَيْس بْن عاصم ببني سعد على عَبْد القيس بجواثا، ويقال كان رئيس بني سعد يومئذ سنان بن خالد، وجواثا من أرض البحرين، فأصابوا ما أرادوا فيما يزعم بنو منقر فقال سوار بْن حيان: ومالك من أيام صدق تعدها ... كيوم جواثا والنباج وثيتلا ويقال أرادوا أن يفعلوا ببني تميم كما فعل بهم بالمشقر حين أصفق عليهم بابه فامتنعوا. قَالُوا: وكان على بني سعد يوم الكلاب الثاني قَيْس بْن عاصم، فوقع بينه وبين سنان- وهو الأهتم- اختلاف في أمر عبد يغوث بْن وقاص بْن صلاه الحارثي حين أسره ابن أبير التيمي، وهو عصمة بْن أُبير، ودفعه إِلَى الأهتم فِي يوم الكلاب فِي الحرب، ويقال فِي يوم آخر من أيامهم. ومما يذكر عن قيس أنه قال لولده حين حضرته الوفاة: يا بني إذا متُّ فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيستسفه الناس كباركم، وعليكم بإصلاح المال فإنه مَنْبَهَةٌ للكريم وغنًى عن اللئيم، وَإِذَا متُّ فادفنوني فِي ثيابي التي كنت أصلي وأصوم فيها وإياكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل، وإن امرأً لم يسأل إلَّا ترك مكسبةً، وَإِذَا دفنتموني فاخفوا قبري عن بَكْر بْن وائل فقد كَانَتْ بيننا خُماشات فِي الجاهلية. فولد قَيْس بْن عاصم: طَلبة بْن قَيْس، وأمه جميلة بِنْت خُفاف من بني عبشمس بْن سعد. وسُويد بْن قَيْس. وشماخ بْن قَيْس، وغيرهم أمهم ابْنَة فَدَكي بْن أعبد، وكان جميع ولد قَيْس ثلاثة وثلاثين ابنًا، وكان طلبة سخيًا ولما مر بسر بْن أَبِي أرطاة ببلادهم تنحوا عن طريقه فأصاب غيرهم من بني عوف بْن كعب، لأن طلبة نحاهم فقال الشاعر:

لعمرو أبيك يا وبر بن قيس ... لقد آويت معترك الملام ولم تفعل كما فعل ابن قَيْس ... وعرق الصدق بالأقوام نام سرى بمقاعس وتركت عوفا ... ونمت ولم ينم ليل التمام وَبَره: رَجُل من بني قريع، ويقال اسمه وَبْر. وكان مقاتل بْن طلبة شريفًا شاعرًا وقد ذكرنا أمره حين أوفده إِبْرَاهِيم بْن عربي فِي كتابنا هَذَا. وحدثت أن رجلًا من بني سُحَيم من بني حنيفة تزوج ابْنَة مقاتل، وكان شيخًا يُقَالُ له بدر فزعموا أنه افْتَضَّهَا بأصبعه فخاصمه أبوها وقال: ما لسُحَيم ناقد اللَّه بينها ... تنيك بأيديها وتعيا أيورها وقال أَبُو الحويرث السحيمي: هتكنا عجان المنقرية بالتي ... أبونا لجيم كان لا يستعيرها ونحن ثقبناها بكل مثقفٍ ... وكل كمهداةٍ بطيءٌ فتورها مقاتل فاسبرها ببيض نعامة ... فَإِن هِيَ لم تدخل فأنت أميرها وكان بُردة بْن مقاتل فاجرًا يتعبث بالنساء وهو القائل: وما العيش إلا فِي الزناء وقهوةٍ ... كَانَتْ لكسرى فِي الزمان الأول وذكروا أنه عمد إِلَى أمةٍ لبني حمَّان فكان يأتيها فِي سرب له فولدت منه شملة اللص، فطلبه بنو حمان فاشتراه منهم بعشرين بعيرا، فكانت تقول لعمرة امْرَأَة بُردة: وما ذَنْبُنَا يا عمرو إن كنت عاشقًا ... وبردة عما سَرَّ نفسك طامح وقتل شملة رَجُل يُقَالُ له سنان بعثه إليه مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بن علي. وكان هشام بْن طلبة شاعرًا وكان يهجو بني حمان، وهو القائل:

ومنهم عبد الله بن الأهتم. وعمرو بن الأهتم [1] بن سمي بن سنان بن خالد بن منقر،

كأنّ رؤوس حمَّان بْن كعبٍ ... على الأحفاظ جُعْلانٌ تطير وقالت امْرَأَة من ولد طلبة تزوجها يزيد بْن هبيرة المحاربي أو غيره، وحملها إِلَى اليمامة: لقد كنت عن حجر بعيدا فساقني ... صروف النوى والسائقات إلى حجر يقولون فرش من حرير وإنما ... أرى فرشهم عندي كحامية الجمر وإني لأستحيي تميمًا وغيرها ... لإنكاحهم إياي عند بني جسر ومنهم عَبْد اللَّه بْن الأهتم. وعمرو بْن الأهتم [1] بْن سمي بْن سنان بْن خَالِد بْن منقر، وأم سنان تميمية، وكان الأهتم يكنى أَبَا مالك، وأم سمي من بني أُهيجم ويقال إنها عَفْرة سبيت من الحيرة وهي حامل، قال قَيْس بْن عاصم فِي ذلك: نَحْنُ سبينا أمكم مقرَّبا ... يوم صبحنا الحيرتين المنون جاءت بكم عَفْرة من أرضها ... حيرية ليست كما تزعمون لولا دفاعي كنتم أَعْبُدًا ... منزلها الحيرة فالسيلحون ووفد عمرو إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْن مُحَارِبٍ عَنْ سَلْمِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُتَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الأَهْتَمِ: «أَخْبِرْنِي عَنِ الزِّبْرِقَانِ بن بدر» ؟ قال: مطاع في أدنيه شَدِيدُ الْعَارِضَةِ مَانِعٌ لِمَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ مِنِّي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَلَكِنَّهُ حَسَدَنِي، فَقَالَ عَمْرٌو: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَزَمْرُ [2]

_ [1] بهامش الأصل: عمرو بن الأهتم رحمه الله، وقصته مع الزبرقان. [2] زمر: قليل المروءة. القاموس.

الْمُرُوءَةِ، ضَيِّقُ الْعَطَنِ، أَحْمَقُ الْوَالِدِ، لَئِيمُ الْخَالِ، وَمَا كَذَبْتُ فِي الأُولَى وَلَقَدْ صَدَقْتُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَكِنِّي رَضِيتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا أَعْلَمُ، وَسَخِطْتُ فَقُلْتُ أَسْوَأَ مَا أَعْلَمُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشَّعْرِ لَحِكَمًا» ] . وكانت أم عمرو ابْنَة فَدَكي بْن أَعْبَد. ووجه الحكم بْن أَبِي العاص الثقفي عَمْرًا إِلَى عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ بفتح راشهر وقيل شهرك، وكان الَّذِي لقيه سوَار بْن همام العبدي وكان على مقدمة الحكم فقال عمرو: جئت الْإِمَام بإسراع لأخبره ... بالحق من خبر العبدي سوَّار أخبار أروع ميمون نقيبته ... مستعمل فِي سبيل الله مغوار [1] وذكروا أن عمرًا كان يدعى فِي الجاهلية المكحل لجماله، وكان من شعراء بني تميم وهو القائل: لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق نمتني فروع من زرارة وابنه ... ومن فدكي والأشد عُروق دعائم يرفعن الفتى فِي أرومة ... يفاعٍ وبعض الوالدين دقيق [2] وتزوج الْحَسَن بْن علي رَضِيَ الله عَنْهُمَا أم حبيب بِنْت عمرو لجمال أخيها نُعيم بْن عمرو، فَلَمَّا رآها قبيحة طلقها، وَفِي نعيم يقول عَبْد الرَّحْمَن بْن حسان بْن ثابت: قل للذي كاد لولا خط لحيته ... يكون أنثى عليها الدّر والمسك

_ [1] شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم ص 87. [2] شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم ص 95.

وكان قطن بن عمرو بن الأهتم

هَلْ أنت إلا فتاة الحي إن أمنوا ... شرًا وأنت إذا ما حاربوا دُعَك [1] وقال الآخر: حُسَيْن أَبَا الفياض أطول أمَّةً ... وأحسن وجهًا من نعيم الأهاتم وكان قطن بْن عمرو بن الأهتم فارسًا شجاعًا، وأخذه عَبْد اللَّه بْن خازم بخراسان فحبسه ثُمَّ اغتيل فهلك فِي محبسه، وفيه يقول الحريش بْن هلال القُريعي: إذا ذكر القوم الكماة تبادرت ... عيون بني سعد على قطن دما على فارس لا يسقط الروع رمحه ... إذا كان أصوات الكماة تغمغما وكان ربعي بْن عمرو من رجال بني تميم، وكان ذا قدر، وفيه يقول إياس بْن قَتَادَة: وما كان ربعي ليفعل مثلها ... بمثلي ولا عمرو بْن قَيْس بْن عاصم وكان زياد بْن عمرو فارسًا شاعرًا، وهو الَّذِي يقول: لولا طعانيّ بالبُوقان ما رجعتْ ... منها سرايا ابن جزي بأسلاب وكان بالسند مع جزي بْن جزي الباهلي، ويقال هُوَ عَبْد الرَّحْمَن بْن جزي بن جزي. ومن بني عمرو بْن الأهتم: أَبُو بَشير وكان يلقب أَبَا الزقاق، وقال بعضهم اسمه كشير، قتله قُتَيْبَة بْن مُسْلِم بخراسان. حَدَّثَنَا عَلِي بْن المغيرة الأثرم عَنْ أَبِي عُبَيْدة قال: ولى قُتَيْبَة بْن مسلم عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم، وهو أَبُو خاقان مرو وغزاه، فأتاه أَبُو الزقاق فقال: أنك قَد انبسطت إِلَى عَبْد اللَّه وهو شرير حسود فلا تأمنه على أن

_ [1] خصم مداعك: ألد. القاموس.

ومنهم خالد بن صفوان [1] بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم،

يغولك فيفسدنا معشر آل الأهتم عندك فقال له قُتَيْبَة: ما قلت هَذَا إلا حسدا لابن عمك. قَالَ: فليكن عذري عندك محفوظًا، وغزا قُتَيْبَة فكتب عَبْد اللَّه إِلَى الحجاج يسعى به فيما صار إليه من المال فبعث الحجاج بكتابه إِلَى قُتَيْبَة وجاء الرَّسُول حَتَّى نزل السكة بمرو فأحَسَّ عَبْد اللَّه بالشر، فهرب ولحق بالشام فمكث يبيع الخمر والكنانات فِي رزمة على عنقه يطوف بها، ووضع خرقة وقطنه على عينه وعصبها فكان كالأعور، واكتنى أَبَا طيبة، وباع أيضًا الزيت، ولم يزل كذلك حَتَّى هلك الْوَلِيد بْن عَبْد الملك وولي سُلَيْمَان فأمنه فألقى عَنْهُ الدنس والخرقة ثُمَّ قام بخطبة هنأ فيها سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وقرظة، ووقع فِي الحجاج وقتيبة فتفرق الناس وهم يقولون: أَبُو طيبة الزَّيَّات أخطب الناس. ولما انتهى كتاب عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه الَّذِي بعث به الحجاج إِلَى قتيبة بعد هرب أَبِي الزقاق وقد فاته عَبْد اللَّه بنفسه عكر على بني عمه فقتلهم، وفيهم شَيْبَة أَبُو شبيب وأبو الزقاق فقال أَبُو الزقاق: اذكر عذري عندك، قال: إنك قدمت رجلا وأخَّرتَ رجلا يا عدو اللَّه وقتله. ومنهم خَالِد بْن صفوان [1] بْن عَبْد اللَّهِ بْن عمرو بْن الأهتم، واسمه سنان بْن سُمي بْن سنان بْن خَالِد بْن منقر الخطيب. وقال غير الكلبي: هُوَ خَالِد بْن صفوان بْن عَبْد اللَّهِ بْن الأهتم، وقول الكلبي أثبت. وأخوه نعيم بْن صفوان بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن الأهتم، وكان نعيم صاحب شراب وكان يُشار خالدًا أخاه كثيرًا، فقال الْحَسَن الْبَصْرِي: عجبا

_ [1] بهامش الأصل: خالد بن صفوان.

لهذين الرجلين أمالهما من أنفسهما واعظ، ولا ينهاهما من اللَّه زاجر؟ وهجا الفرزدق نعيمًا هَذَا فقال: ألا أبلغا عني نُعيمًا رسالة ... نعيم بْن صفوان خليع بني سعد فَمَا أنت بالقاري عرفنا قِراته ... وما أنت فِي الفساق بالحازم الجلد [1] وكان خَالِد بْن صفوان من أخطب الناس وأبلغهم وأحدثهم، وكان ذا حظ من السلطان ومالٍ، وكان بخيلًا، ويكنى أَبَا صفوان، وأم خَالِد وأخيه نُعيم: أروى بِنْت سُليم مَوْلَى زياد بْن أَبِي سُفْيَان، وقد ولي صفوان أَبُو خَالِد أمر بني تميم أيام مَسْعُود، وكان أيضًا خطيبًا، وأوصى عند موته بمائة وعشرين ألفًا وشهد الْحَسَن وصيته فقال قائل لصفوان: لأي شيء أعددت هَذَا المال وجمعته؟ فقال: لنكبات الزمان، وجفوة السلطان، ومباهاة العشيرة، فقال الْحَسَن: تدعه والله لمن لا يحمدك، وتقدم على من لا يعذرك. وحدثنا عن هشام ابن الكلبي عن أَبِيهِ أن خَالِد بْن صفوان قال: الصدق محمود، إلا صدق ذي السعاية فَإِنَّهُ شر مَا يَكُون، أصْدق مَا يَكُون. وقد رُوِيَ ذلك عن ابن شبرمه. حَدَّثَنَا عَلي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه المدائني أن خَالِد بْن صفوان قال لبشير بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرةَ: أَنَّ بشيرًا تورَّدَ الأمور جهلًا، وارتكس فيها، فلم يقم عليها صبرًا، ولم يخرج منها عزمًا. قال: وكان بلال بْن أَبِي بردة أمر بتقنيع خَالِد وحبسه لأنه بلغه عنه أنه

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 172 مع فوارق.

قال حين ولي: سحابة صيف عن قليل تقشع فقال: والله لا تقشع أو تصيبه بشؤبوب. وكان خَالِد يقول: للعدل فِي دار بلال أعز من الكبريت الأحمر فِي دار أَبِي الزرد الحنفي، وأبو الزرد الَّذِي قال له الفرزدق ما قال، وقد ذكرناه فِي خبره. الْمَدَائِنِي قَالَ: دَخَلَ خَالِد بْن صفوان عَلَى يوسف بْن عمر، وبلال بْن أَبِي بردة يعذب، فقال خَالِد ليوسف: أصلح اللَّه الأمير هَذَا بلال بْن أَبِي بردة بْن أَبِي مُوسَى وكان أَبُو مُوسَى حلاقًا فاكتنى بموساه، وتزوج طهفة بِنْت الدَمُون، وكانت حالكة الجلد قزعة الشعر، وهي أم أَبِي بردة، وكان الدمون مقرًا بولاء الأمير، وكانت أم هَذَا أمة لأبية تخرج إلى الأسواق فيغمز الناس شاكلتها [1] ويشجها أَبُوهُ فِي الدرهم، ويضربها فقال بلال: إن أَبِي تزوج فِي أكفائه من العرب، وإن أَبَا هَذَا وعمه علقا محررتين من محررات أَهْل البصرة فَلَمَّا خاف أهلوهما أن يفضحاهم زوجوهما منهما، فهذا ابن أمة زياد، وابن عمه ابن أمة لآل معمر، وهو يستطيل عليَّ بثلاث خصال: هُوَ مطلق، وأنا أسير، والأمير علي ساخط وهو عَنْهُ راضٍ، وهو بالحيرة على طينته التي ولد عليها فهي تعرفه ويعرفها، فهو كالكلب يجترئ على باب أهله. قال: ومر خَالِد على أَبِي الجهم القائد وهو على حمار له، فقال له أَبُو الجهم: ما هَذَا يا خَالِد؟ قال: عيرٌ من بنات الكداد [2] محملج الساقين

_ [1] الشاكلة: شعر المرأة إذا ضفرته خصلتين من مقدم رأسها عن يمين وشمال. القاموس. [2] بهامش الأصل: الكداد جبل.

أصحر السربال [1] ، يحمل الرجلة ويبلغ العقبة، ويمنعني أن أكون جبارًا عنيدًا. وقال خَالِد: البراذين للجَمال والدعة، والخيل للطلب والهرب، والجمال للدماء [2] وبُعد الأسفار، والبغال للأحمال والأثقال، والحمير للدبيب وخفة المؤونة. وقال خَالِد: بِتُّ أتمنى ليلتي كلها، فملأت البحر الأخضر من الذهب الأحمر، فإذا الَّذِي يكفيني رغيفان وكوزان وطمران. وذكر سُلَيْمَان بْن علي أن رجلًا أراد توليته عملًا، فقال خَالِد: والله لو أنه على سويقة البحرين ما أجراها، مع أنه يخلط ذلك بلؤم الحسب، وسوء الأدب، وقلة النشب. قَالُوا: ولقي خَالِد بْن صفوان ذات يوم روح بْن حاتم بْن قَبِيصَة بْن المهلب، فذكر الدنيا فزهد فيها، ثُمَّ قال لروح بن حاتم: رأيتك فِي شرفك وخطرك وما بسط اللَّه لك من الدنيا تطلبها هَذَا الطلب يا أَبَا خلف فقال له روح: يا أَبَا صفوان ما يرغبني فِي الدنيا إلّا أني وأنا شاب حديث السن لا آتي بابًا من هَذِهِ الأبواب إلّا وجدتك عليه قد سبقتني إليه، وأنت قد جاوزت الستين، ولم يبق منك كبير شيء. فقال: والله لئن قلت ذلك لقد ذهب مني رونق الوجه، وحسام الصلب، وحدة القلب، ولأنا كنت إِلَى الدعة

_ [1] الأصحر: قريب من الأصهب، والسربال: القميص أو الدرع. ومحملج الساقين: مفتول الساقين. القاموس. [2] بهامش الأصل: يعني الديات.

والرفاهية، وإلى بيت منضوح [1] وتور [2] من نضوح، وستر مسدول أحوج مني إِلَى ما ترى. ومدح خَالِد رجلًا فقال: ما رَأَيْت أسكن فؤادًا، ولا أبعد غورًا، ولا آخذ بذنب حجة، قد تقدم رأسها، ولا أعلم بأبنة [3] ، ووصمة فِي كلام منه. المدائني عن عدي بْن الفضل قال: قال خَالِد: لا تَزَوَّج واحدة فتحيض إذا حاضت، وتَنْفَس إذا نفست، وتعود إذا عادت، وتزور إذا زارت، وتمرض إذا مرضت، ولا تزوج اثنتين فتكون بين شرَّين، ولا تزوج ثلاثًا فتكون بين ثلاث أثافي، ولا تزوج أربعة فيجفرنك [4] ويهرمنك ويفلسنك، فقال له ابن رباط الفقيمي: حرَّمْتَ ما أَحَلَّ اللَّه أجمع. فقال: خير من ذلك: قرصان، وطهران وكوزان، وعبادة الرَّحْمَن. وقال خَالِد: والله ما تطيب نفسي بإنفاق درهم إلّا درهم قرعت به باب الجنة؟ أو درهم اشتريت به موزًا. وقال خَالِد: إن الشيطان باختياله ومناصب حباله يخيل بالشبهة، ويكابر بالشهوة، فإذا أعيا مخاتلًا كر مكابرًا. وكان خَالِد يقول: من كان ماله كفافًا فَلَيْس بغنيٍ ولا فقير لأن النائبة

_ [1] نضح البيت: رشه. القاموس. [2] التور: إناء يشرب فيه. القاموس. [3] أبنه: أتهمه. والأبنة: الحقد والعقدة في العود والابن من الطعام: اليابس. القاموس. وجاء بهامش الأصل: نائمة. [4] الجفور: انقطاع الفحل عن الضرائب، ومنه قولهم: الصوم مجفرة للنكاح. القاموس.

إذا نزلتْ أجحفتْ بكفافه، ومن كان ماله دون الكفاف فهو فقير، ومن كان ماله فوق الكفاف فهو غني. وكان خَالِد يقول: لئن يكون لأحدكم جار يخاف أن ينقب عليه بيته خير من أن يكون له جار من التجار لا يشاء أن يعطيه مالًا، ويكتب به عليه صكًا إلا فعل. الْمَدَائِنِي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِم قَالَ: مر بخالد رَجُل من آل المهلَّب ورجل من آل المسيح بْن الحواري العتكي، وكانا بخيلين فقال لهما خَالِد: انزلا نتذاكر المنع فو الله لهو أشد من البذل. قال: وخرج خَالِد حاجًا، وولى ابنه ربعيًا ماله فأنفق إِلَى قدومه مالًا كثيرًا، فقال وليت ربعيًا مالي فو الله لهو كان فِيهِ أسرع من السوس فِي الصوف فِي الصيف. وكان خَالِد بْن صفوان يقول: من تزوج امْرَأَة فليتزوجها عزيزة فِي قومها ذليلة فِي نفسها، أدَّبَها الغنى وأخضعها الفقر، حصانًا عن جارها، ما جنة على زوجها. المدائني عن إِبْرَاهِيم بْن الْمُبَارَك قال: قال أَبُو الْعَبَّاس أمير المؤمنين لخالد بْن صفوان: إن الناس قد أكثروا فِي النساء، فأي النساء أعجب إليك؟ قال: أحبها يا أمير المؤمنين ليست بالصرع الصغيرة، ولا الطاعنة الكبيرة، حسبي من جمالها أن تكون فخمة من بعيد، مليحة من قريب، أعلاها عسيب [1] وأسفلها كثيب، غذيت فِي نعيم ثُمَّ أصابتها حاجة، فأدبها النعيم وأذلها الفقر، هَلول على زوجها، حصان من جارها، إذا خلونا كُنَّا

_ [1] العسيب: الريش طويلا، وجريدة من النخل مستقيمة دقيقة. القاموس.

أَهْل دنيا، وَإِذَا افترقنا كُنَّا أَهْل آخرة. المدائني قال: قال حَفْص بْن مُعَاوِيَة بْن عمرو الغلابي: قلت لخالد: يا أَبَا صفوان إني لأكره أن تموت وأنت من آيس أَهْل البصرة فلا يبكيك إلا الإماء. قال: فابغني امْرَأَة، قلت: صفها لي أطلبها. قال: أريدها بكرًا كثيب أو ثيبًا كبكر لا صرعا صغيرة ولا مسنَّة كبيرة لم تقرأ فتحنن [1] ولم تفت فتمحن، قد نشأت فِي نعمة وأدركتها خصاصة فأدبها الغنى، وأذلها الفقر، حسبي من جمالها أن تكون فخمة من بعيد، مليحة من قريب وحسبي من حسبها أن تكون واسطة في قومها ترضى مني بالسنة، إن عشت أكرمتها وإن مت أورثتها، لا ترفع رأسها إِلَى السماء بطرًا، ولا تضعه إِلَى الأرض سقوطًا. فقلت: يا أَبَا صفوان الناس فِي طلب هَذِهِ مذ زمان طويل فما يقدرون عليها. وكان خَالِد يقول: ما الْإِنْسَان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة، أو صورة ممثلة. وقال الهيثم بْن عدي وأبو الْحَسَن المدائني: بينما خَالِد بْن صفوان فِي المسجد بالبصرة، إذ جلس إليه أعرابي من بني العنبر، فقال خَالِد لأصحابه: خير النساء امْرَأَة قد احتنكت فِي سنها واستحكم رأيها، خميص بطنها، طويل جيدها حسن ليتها، عظيم بوصها [2] ، تملأ كف قرينها باللعب الجميش [3] . فقال العنبري: دع عنك من استحكم رأيها، وعليك

_ [1] قرأت الناقة: حملت والحامل ولدت، والقرء: الحيض، وأقرأت: حاضت. القاموس. [2] البوصاء: العظيمة العجز. القاموس. [3] الجمش: المغازلة والملاعبة. القاموس.

بها حين نهدت، غراء لا تدري ما يراد بها ثُمَّ أنشد: عليك أَبَا صفوان إن كنت ناكحًا ... فتاة أناس ذات أتب ومئزر لها كفل رابٍ وبطن معكَّنٌ ... وأجثم مثل القعب غير منور فتلك التي إن نلتها كنت سيدًا ... ودع عنك أخرى كالظليم المنفّر مجربة للباه قد جازت المدى ... وصارت من النسوان لم تتخفر هِيَ القرن إن صالت فليثُ خَفِيَّة [1] ... وإن سكنت خوفًا فذات تذمر [2] وكان خَالِد يقول: إن المروءة لو خَفَّ محملها، وقَلَّتْ مؤونتها لما ترك اللئام فيها للكرام بيت ليلة، ولكن ثقل محملها، وعظمت مؤونتها فاجتباها الكرام، وكاع عَنْهَا اللئام. المدائني قال: قَالَتِ امْرَأَة لخالد بْن صفوان: إنك لجميل، قال: كيف قلت ذاك فو الله ما فيَّ عمود الجمال ولا رداؤه، ولا برنسه، أما عموده فالطول ولست بالطويل، وأما رداؤه فالبياض، ولست بأبيض، وأما برنسه فسواد الشعر وجعودته، وأنا أصلع، ولكن قولي إنك لحلو. وقال خَالِد للفرزدق وكان يمازحه: يا أبا فراس ما أنت بالذي لما رأينه أكبرنه وقطّعن أيديهن [3] فقال الفرزدق: ولا أنت يا أبا صفوان بالذي قَالَتِ الفتاة لأبيها: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [4] .

_ [1] الخفية: الغيضة الملتفة. القاموس. [2] الذمر: الملامة، والحض، والتهدد، الذمار: ما يلزمك حفظه وحمايته. القاموس. [3] سورة يوسف- الآية: 31. [4] سورة القصص- الآية: 26.

وذكر خَالِد رجلًا فقال: إنه لممن عرب الله سليقته، وقوّم طريقته، من تنظره النعمة وتطعه، فإنها لتوقره وتذلله. وكان خَالِد يقول: المزاح سباب النوكي، ولا بأس بالفكاهة ينطلق بها وجه الرجل فِي مجلسه وتخرجه من حال العبوس. وقال خَالِد لرجل: رحم اللَّه أباك فإنه كان يقري العين جمالًا والسمع بيانًا. وقال خالد: قدمت الشام فدخلت حمامًا ودخله أَبُو محجن خادم هشام بْن عَبْد الملك معي، ولا أعرفه، فقال: الحمد لله الَّذِي فضلنا على كثير من خلقه. فقلت: ما فِي الأرض شيء له خصيان إلا وهو أفضل منك، فقال: من أنت؟ فأخبرته فخرج قبلي، وأمر خادمًا له فتخلف، فَلَمَّا خرجت ذهب بي إِلَى منزله فأكرمني أَبُو محجن وقربني وقام بحوائجي. وكان خَالِد يلحن فِي كلامه فَقِيل له: لو نظرت فِي النحو. فقال: أخاف أن أتفقد أعراب الكلام فينقطع لساني، ويقال قال: أخاف أن آخذ نفسي بالإعراب فينقطع لساني. قال: وسمع خَالِد رجلًا ينشد قول الشاعر: إذا حدثتك النفس أنك قادر ... على ما حوتُ أيدي الرجال فجرِّبِ فقال خَالِد: لا والله ولكن فكذِّب. وقال أَبُو الْعَبَّاس السفاح يومًا: عليَّ بخالد فَلَمَّا دخل عليه قال: قد وليتَ الخلافة فكنت أهلها وموضعها، رعيت الحق فِي مسارحه وأوردته موارده، فأعطيت كلًا بقسطه من نظرك وعدلك وأدبك ومجلسك، حتى كأنك من كل أحد، أو كأنك لست من أحد، فأعجبه قَوْله، وأمر لَهُ بمال.

وقال خَالِد: وفدت على هشام بْن عَبْد الملك فوجدته قد بدا [1] لشرب اللبن وذلك فِي عام قد بَكْر وَسْمِيُّهُ [2] وتتابع وليه [3] ، وأخذت الأرض زخرفها، وأنواع زينتها، فهي كالزرابي المبثوثة والقباطي المنشورة، وكأن ترابها الكافور، فلو ألقيت بضعة لم تترب، وقد ضُربتْ له سرادقات حبره بعث بها يوسف بْن عُمَر من اليمن، فهي تتلألأ كأنها العقيان، فذكرني مسلمة له فأرسل إلي، فدخلت إليه، وَإِذَا تحته أربعة أفرشة موشاة مثلها مرافقها ومخادُّها، وعليه جبة خَزّ، وعمامة خَزّ، فجددت له دعاء، ولم أزل قائمًا حَتَّى أذن لي فِي الجلوس، ثُمَّ نظر إِلَي كالمستنطق لي فقلت: يا أمير المؤمنين أتم اللَّه عليك نعمه، ودفع عنك نقمه هَذَا مقام زيَّن اللَّه به أمري، ورفع قدري وذكري، وأطاب نشري، إذ أراني وجه أمير المؤمنين، ولن أرى لمقعدي هَذَا جزاء هُوَ أفضل من أن أنبه أمير المؤمنين على تفضيل اللَّه إياه ليحمد اللَّه على ما أولاه وأعطاه، ولا أرى موعظة هِيَ أحضر من حديث ملك من سالف الملوك فَإِن أذن لي أمير المؤمنين حدثته، فاستوى جالسًا ثُمَّ قال: هات يا بن الأهتم. فقلت: كان ملك فيما مضى جمع له فتاء السن، وذكاء الشباب، وصحة الطباع، وكثرة المال، وسعة الملك، فأشرف يومًا وذلك بالخورنق [4] فنظر إِلَى ما جمع له فأعجبته نفسه، فقال لمن حضره: هَلْ علمتم أحدًا أوتي مثل ما أوتيت؟ فسكت القوم وفيهم رَجُل من بقايا حملة الحجة، فقال له: إن أذنت تكلمتُ. قال: قل. قال: أرأيت ما جمع الله

_ [1] خرج إلى البادية. [2] الوسمي: مطر الربيع. القاموس. [3] الولي: المطر بعد المطر. القاموس. [4] من أشهر قصور الحيرة.

لك أشيء هُوَ لك لم يزل ولا يزال، أم شيء كان لمن قبلك فزال عَنْهُمْ وصار إليك وكذلك يزول عنك؟ قال: لا بل شيء كان لمن قبلي وهو زائل عني، فقال: لا أراك إلا مفتونًا بشيء تذهب عنك لَذَّتُهُ وتبقى تبعته، تكون فِيهِ قليلًا، وترتهن به طويلًا. فبكى وقال: إِلَى أَيْنَ المهرب، وعلى ماذا يكون المُعَوَّل؟ فقال: إما أن تقيم فِي ملكك فتعمل بطاعة ربك، وإما أن تلقي عليك أمساحًا وتلحق بجبل تعبد فِيهِ ربك حَتَّى يأتيك أجلك، فتكون لك حياة لا موت بعدها، وصحة لا سقم معها. فألقى عليه أمساحًا وتعبد فِي بعض الجبال حَتَّى مات. قال: وأنشدته قول عدي بْن زَيْد العبادي: أَيْنَ كسرى كسرى الملوك أن ... وشروان أم أَيْنَ قبله سابور وأخو الحضر [1] إذ بناه وإذ ... دجلة تجبى إليه والخابور لم يهبه ريب المنون فزا ... ل الملك عَنْهُ فبابه مهجور وتفكر رَبُّ الخورنق إذ أش ... رف يومًا وللهدى تفكير سَرّع جمعُهُ وكثرة ما يمل ... ك والبحر معرضا والسدير فارعوى مبصرا فقال وما غبط ... ة حيٍّ إلى الممات يصير ثُمَّ بعد الفلاح والملك والأمّ ... ة وارتهم هناك القبور ثُمَّ أمسوا كأنهم ورق ج ... فّ فَألْوَتْ به الصَّبَا والدَّبُور [2] فبكى هشام ونشج، ثُمَّ قام كالمغضب وقام من فِي مجلسه، فقال لي

_ [1] كانت العرب تسمى ملك الحضر باسم الضيزن، ونشرت في بغداد سنة 1974 دراسة جيدة عن الحضر وآثارها، من اعداد فؤاد سفر، ومحمد علي مصطفى. [2] ديوان عدي بن زيد ص 84- 92 مع فوارق.

حاجبه: يا هَذَا ما أعياك لقد كسبت نفسك شرًا، دعاك أمير المؤمنين لتحدثه وتسره وتلهيه، وقد علمت أنه انفرد بهذا المكان لئلا يرى ولا يسمع شيئًا يكرهه ويؤذيه للعلة التي هُوَ فيها، فَمَا عدوت أن نعيت إليه نفسه وكدرت عليه عيشه. قال: فأقمت أيامًا أتوقع ما أكره وجعل الشاميون يقولون أَيْنَ هَذَا العراقي الأحمق الَّذِي أغضب أمير المؤمنين؟ وجعل هشام يقول: يا مسلمة إنك لا تزال تأتيني بما أكره، ثُمَّ لقيني الحاجب فقال: إن أمير المؤمنين قد ذكرك فقال: لله در ابن الأهتم، وأمر لك بصلة، وأذن لك فِي الانصراف. وسأل رَجُل خالدًا فأعطاه درهمًا، فقال له: يا سبحان اللَّه أتعطيني درهمًا فقط؟ فقال: يا أحمق أما علمت أن الدرهم عشر العشرة، والعشرة عشر المائة والمائة عشر الألف، والألف عشر دية مُسْلِم. وقال خَالِد بْن صفوان: وفدت على هشام فدخلت عليه وذلك بعد عزله خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري، فألفيته جالسًا على كرسي فِي بركة ماؤها إِلَى الكعبين، فدعا لي بكرسي فجلست عليه ثُمَّ ساءلني وحادثته طويلا، ثُمَّ إنه أطرق إطراقة ورفع رأسه فقال: يا خَالِد رب خَالِد جلس مجلسك كان ألوط [1] بقلبي وأحب إلي منك. فقلت: يا أمير المؤمنين إن حلمك لا يضيق عَنْهُ، فلو صفحت عن جرمه. فقال: يا خَالِد إن خالدًا أَدَلٌ فأَمَلَّ، وأوجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعًا. وقال خَالِد بْن صفوان لأمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد- حين أتى البصرة منهزمًا من أَبِي فديك-: الحمد لله الَّذِي خار لنا عليك ولم يخر لك

_ [1] ألصق.

علينا، فقد كنت حريصًا على الشهادة، ولكن اللَّه أبى ذلك ليزين بك مصرنا، ويؤنس بك وحشتنا، ويكشف بك غمتنا. المدائني عن حَفْص بْن مُعَاوِيَة قال: قال خَالِد: يا جارية اطعمينا جبنًا فإنه يشهي الطعام، ويقوي المعدة، وهو حمض العرب، فقالت: ما عندنا منه شيء، فقال: لا عليك فإنه ما علمت يقدح الأسنان، ويوكي البطن، ويغير النكهة، وهو بعد من عمل أَهْل الذمة. قال: ومر خَالِد برجل وهو يأكل جبنًا، فقال: لا تأكله فإنه سهل المدخل، عسر المخرج، ثُمَّ إن الرجل رَأَى خَالِد يأكل جبنًا وقال: يا أَبَا صفوان ألم تنهني عن أكله؟ فقال: إنه يفتق الشهوة ويطعم الخبز، وهو يعد من حمض العرب. وقال مسلمة بْن عَبْد الملك لخالد بْن صفوان: أخبرني عن الْحَسَن، فقال: كان أشبه الناس سريرة بعلانية، وعلانية بسريرة، وآخذ الناس بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عَنْهُ، وأعظمهم على نفسه سلطانًا، ولم يقم يومًا بإمارة، ولم يُرَ فِي سوق لتجارة، استغنى عما فِي أيديهم من دنياهم، واحتاجوا إليه فيما عنده من أمر دينهم، فقال مسلمة: كيف يهلك قوم مثل هَذَا بين أظهرهم. وقال مسلمة بْن عَبْد الملك لخالد: أخبرني عن الأحنف، فقال: إن شئت أخبرتك عَنْهُ فِي ثلاث، وإن شئت ففي اثنتين، وإن شئت ففي واحدة. قال: أخبرني عَنْهُ فِي ثلاث. قال: كان لا يجهل، ولا يحرض، ولا يدفع الحق إذا نزل به. قال: فَمَا الاثنتان؟ قال: كان يؤتي الخير، ويوقي الشر، قال: فَمَا الواحدة؟ قال: كان أعظم الناس على نفسه سلطانًا.

وقال له بعض عمال البصرة: صف لي الأحنف فقال: إن شئت حدثتك عَنْهُ شهرًا، وإن شئت عشرًا، وإن شئت حذفت الحديث حَذفًا. قال: فاحذفه. فقال: كان أعظم الناس على نفسه سلطانًا. أَبُو الْحَسَن المدائني عن علي القرشي قال: كان خَالِد يقول: لا تضع معروفك عند فاحش ولا أحمق ولا لئيم، فَإِن الفاحش يرى إنك إنما فعلت ذلك لخوف شره ضعفًا منك، والأحمق غير عارف بما تُسدي إليه من معروف، واللئيم سبخة لا تُنبت، وإن أنبتت لم يزك منبتها ولم يَنْمُ، وَإِذَا رَأَيْت كريمًا فاصطنع عنده يدًا وازرع معروفًا، واحصد شكرًا، وأنا الكفيل الضامن. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمٍ قَالَ: كان خَالِد يذكر آل المهلب فيقول إن النعم لتقلقل فِي البلاد، فإذا انتهت إِلَى آل المهلب اطمأنت. وكان خَالِد يذكر شبيب بْن شَيْبَة فيقول: ليس لشبيب صديق في السر، ولاعدو فِي العلانية. وأراد حَفْص بْن مُعَاوِيَة بْن عمرو الغلابي إتيان الأهواز، فقال لخالد: أوصني، فقال: اتق اللَّه ربك ولتحسن سيمتك [1] ، وعليك بقراءة القرآن فإنه شفاء لما فِي الصدور، ولا تكونن صخابًا ولا عيابًا ولا لعانًا ولا مغتابًا، ولا تكونن فِي الحديث إلا مجيبا، فإنك تأتي قومًا يجهلونك، فمهما تأتهم به يعرفوك به، وينسبوك إليه. المدائني والهيثم بْن عدي عن عوانة قال: قال بلال بْن أَبِي بردة لخالد بْن صفوان، وهم منحدرون إلى البصرة: هل يستثقل عكابة النميري؟

_ [1] بهامش الأصل: سمتك.

فقال: أوه كدت تصدع قلبي، أحينَ دنونا من آجام البطائح، وعكة البصرة، ومد البحر، والله لهو أثقل علي من شرب التياذريطوس [1] بماءٍ حارٍ، فِي أيام العكاك [2] فِي عقب التخمة، وأوان الحجامة. وفاخر رَجُل من اليمانية خالدًا على باب الحجاج، فقال خَالِد: مِنَّا النَّبِيّ المرسل، والخليفة المؤمل، وفينا الكتاب المنزل، ولنا البيت المستقبل. المدائني قال: قال أمير المؤمنين أَبُو الْعَبَّاس لخالد: أليس من العجب أن قوما قُبض نبيهم فلم يُدفن حَتَّى اختلفوا؟! فقال: يا أمير المؤمنين أعجب من هَذَا آدم خلقه اللَّه بيده، وأسكنه جنته، يأكل منها حيث شاء رعدًا ونهاه عن شجرة، وحذره عدوه، وقال: لا يخرجنكما من الجنة فتشقى [3] فرغب عن الجنة وما فيها وأكل من الشجرة، فواقع الخطيئة ثُمَّ تاب اللَّه عليه. المدائني عن أَبِي مُحَمَّد [4] بْن سعد قال جلس خَالِد إِلَى رَجُل من بني عَبْد الدار بمكة فقال له: من أنت؟ قال: خَالِد بْن صفوان من بني الأهتم، فقال العبدري: أنت يا خَالِد كَمَن هُوَ خَالِد فِي النار، وأنت ابن صفوان والله يقول (صفوان عليه تراب) [5] وأنت ابن الأهتم، والصحيح

_ [1] من أنواع الأشربه، لكن لم أقف على ذكر له في أي من المعاجم المتوفرة [2] يوم عكيك: شديد الحر. العين. [3] سورة طه- الآية: 117. [4] كذا بالأصل، ولا ترجمة لخالد بن صفوان في طبقات ابن سعد، ووردت هذه الحكاية في ترجمة خالد بن صفوان في بغية الطلب بشكل مخالف بعض الشيء وفيه تفاصيل أكثر. بغية الطلب ص 3049- 3050. [5] سورة البقرة- الآية: 264.

خير من الأهتم، فقال خَالِد: يا أخا بني عَبْد الدار أتتكلم وقد هشمتك هاشم، وأمتك أمية، وخزمتك مخزوم، وجمحت بك جمح، فأنت عَبْد دار قريش تفتح لهم إذا دخلوا وتغلق إذا خرجوا. المدائني عن أبي إِسْحَاق بْن فايد قال: خطب حَفْص بْن مُعَاوِيَة أروى بِنْت خَالِد، فقال خَالِد: إني لا أرضاك لها، ولا أرضاها لك، لأنك مطلاق مصلاف، وإنها سليطة فلا تتفقان. وقال خَالِد: لا تطلبوا الحوائج عند غير أهلها، ولا تطلبوها فِي غير حينها، ولا تطلبوا ما لا تستحقون، فَإِن من طلب ما لا يستحق استوجب الحرمان. قَالُوا: وفاخر خَالِد قومًا من أهل الكوفة، فقال خَالِد: أسفلها [1] قصب، وأوسطها قصب، وأعلاها رطب، ولم يأتها شيء إلّا طائعًا، ولم يخرج منها شيء إلا كارهًا. وقال خَالِد لغلامه: اشتر لنا موزًا، ولا تشتره أخضر جاسيًا، ولا أسود ذاويا، فأتاه به فقال: لولا إني أعلم أنك قد أكلت منه لأطعمتك واحدة. وكان خَالِد يقول: عليكم بكسب الدراهم وحفظها فإنها تلبس النرمق [2] ، وتطعم الجرمق [3] ، وتصون الوجه عن المسألة. وكان خَالِد إذا أخذ جائزة قال للدرهم: أما والله لطال ما غوّرت في

_ [1] بهامش الأصل: خ- أسفل البصرة. [2] الترمق: الثياب البيض اللينة. المعرب للجواليقي. [3] الجرمق: خف صغير، أو ما يلبس فوق الخف، ويتعارض هذا مع ما جاء بالمتن، وعليه لعله تصحيف ترمق وهو اللين أو درمق أي الدقيق المحور، أو من أنواع الطعام المنسوبة للجرامقة. انظر جامع العريب للبشبيشي- ط. القاهرة 1955 ص 77- 88- 90.

البلاد وأنجدت أما والله لأطيلنَّ ضجعتك ولأديمنَّ صرعتك. وقال خَالِد ليحيى بْن حبيب: أعندك مهيرة؟ فقال: عندي اثنتان، فقال خَالِد: كنت أحسب أملك دون هَذَا، وزهدك فوقه. ونازع خَالِد عبد اللَّه بْن حكيم بْن أَبِي أمية بْن العاص الثقفي، فقال عَبْد اللَّه: أَنَا ابن البيضاء الثقفية، فقال خَالِد: بياضها دل عليها. قَالُوا: وسمع خَالِد شبيب بْن شَيْبَة يتكلم بواسط فأحسن، فقال خَالِد: نعيت إليّ نفسي إنّا أَهْل بيت لم يمت منا خطيب حَتَّى يكون فينا خطيب يخلفه إذا مات. وكان خَالِد يقول: اتقوا مجانيق الضعفاء، يعني دعاءهم، وأنشد لعمرو بْن الأهتم: إذا كنت مرتاد الظلامة فاعتمد ... ذرا الناس واحذر عاجزا ومغمزا [1] وكان خَالِد يقول: ما أحد يطالبني بظلامة هِيَ أبغض إلي من ظلامة من لا مفزع له إلا اللَّه. وقال خَالِد: ليست البلاغة بخفة اللسان، وكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى، والقصد للحجة. المدائني أن أَبَا الْعَبَّاس أمير المؤمنين قال لخالد بْن صفوان: أشعرت انا أخذنا سُلَيْمَان بْن حبيب؟ قال: أَيْنَ؟ قال: وجد فِي بئر، فقال خَالِد بْن صفوان: هَذَا الَّذِي خرج رقصًا، ودخل قفصًا وأخذ وَقْصًا [2] . وقال خالد بْن صفوان: أيغدو إلي رَجُل لا يريد إلا إكرامي فلا أعرف

_ [1] ليس في ديوان شعره المطبوع. [2] وقص عنقه: كسرها. القاموس.

له حقه؟ إني إذًا لمتخط محاسن الأخلاق إِلَى مساوئها. وقال هشام بْن عَبْد الملك لخالد: عظني وأوجز: فقال: أنت يا أمير المؤمنين فوق الخلق، كذلك جعلك الله، وليس فوقك إلّا اللَّه، وأنت صائر إِلَى اللَّه. وقال خَالِد: ما رأينا مثل الأُبلة أقرب مسافة، ولا أعذب نطفة، ولا أخفى لعابد، فقال دُربست بْن رِباط: فعلام تُضرب الآباط إِلَى مكة إذًا؟! وتكلم خَالِد بكلام أحسن فِيهِ، فقرظه بعض من حضر، فقال خَالِد: والله لوددت أني أخرس. وخاصم رَجُل خالدًا عند بلال فقال: أنت تعيبني فِي كل يوم فقال: وأنت أيضًا تعيبه، وهذا ذنب لكما جميعا. ومر خالد بقوم فقالوا: لو جلست إلينا فقال: إنما الجلوس بعد قضاء الحوائج. وتكلم أعرابي فَقِيل لخالد: ما لك لا تتكلم معه؟ فقال: كيف نجاريهم، وإنما نحكيهم أو نُساميهم، وإنما نسموا بأعراقهم. وكان خَالِد يقول: فوت الحاجة خير من طلبها إِلَى غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلف. وقال خَالِد: إذا كُفر الإحسان حسن الامتنان. وقال خَالِد: لأن يكون لي ابن يحب الخمر أحب إلي من ابن يحب اللحم، لأنه مَتَى طلب لحمًا وجده، والخمر ينفد أحيانًا. وقال رَجُل لخالد: إني لأحبك. فقال: وكيف لا تحبني ولست لي

بابن عم ولا جار، ولا مشارك فِي صناعة. قَالُوا: وقال خَالِد لحفص بْن مُعَاوِيَة: هَلْ لك فِي رقاق من برميسان وصناب [1] من أرض حلوان بينهما دجاجة كأنها أوزة كسكرية، قد سُمِّنَت حَتَّى عمي بصرها، وتجافى جلدها عن لحمها، فصرَّحَتْ عن لحم يقق، وشحم فاقع يذهب فهوهة الجائع؟ فقال حَفْص: أيْ لعمري. قال: فموعدك يوم السبت البستان، قال: فأتيته فدعا خبازه فجاء بسفرة فيها ما وصف، فَلَمَّا وُضعت السفرة إذا نَحْنُ بأعرابي قد طرأ علينا بغير إذن، أو قال برجل فرّج خُصًّا فِي البستان، ودخل فَلَمَّا نظر إليه خَالِد مقبلًا قال: والله لهذا الطارئ المتذمر علينا أشد علي من شربة ترنجبين فِي أيام العكاك فِي غَبِّ تخمات بعقب حجامة، ارفع السفرة يا غلام، قال: فَمَا رأيتها، ويقال بل أتى بها بعد انصراف الرجل، وقد ذهبت بشاشتها. وقال خَالِد: لا يطمع أحد عندي فِي أربع: الفَرْض والقرض والهَرْس، وأن أمشي معه إِلَى سلطان إلا فِي حاجتي، فَقِيل له: ما يرجى منك؟ قال: الماء البارد، وحديث لا ينادى وليده. قَالُوا: ووصف خَالِد البصرة فقال: تخرج قانصا فيجيء هَذَا بالشبوط والشيْم [2] ، ويجيء هَذَا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس عاجًا وساجًا وديباجًا، وبرذونًا هملاجًا، وخريدة مغناجًا، ونهرنا عجب أوله الرطب وأوسطه العنب، وآخره القصب، ولنا التمر فِي أقنانه كزيتون الشام فِي أغصانه، تخرج النخلة أسقاطًا وأوساطًا، ثُمَّ تنغلق عن قضبان الفضة

_ [1] الصناب: صباغ الخردل مع الزبيب والزيت. العين. القاموس. [2] من أنواع السمك.

منظومة باللؤلؤ الرطب، ثُمَّ تصير قضبان ذهب منظومة بالزبرجد الاخضر، ثُمَّ ياقوتًا أصفر وأحمر، ثُمَّ تصير عسلًا. وأما نهرنا العجيب، فَإِن الماء يقبل فِيهِ غضًّا فيفيض متدفقًا، فيغسل نبتها ويبدأ حين يأتينا فِي أوان عطشنا، ويذهب فِي أوان رَيِّنا، فنأخذ منه حاجتنا، ونحن نيام على فرشنا، يقبل الماء وله عُباب وأُباب لا يحجبنا عَنْهُ حجاب، ولا يُتنافس فِيهِ من قِلَّة، ولا يحبس عَنَّا من علو، فقال مسلمة: من أَيْنَ لكم هَذَا ولم تغلبوا عليه ولم تسبقوا إليه؟ قال: ورثناه عن الآباء ونتركه للأبناء ويدفع لنا عَنْهُ رب السماء، وأنشد: فمهما كان من خير فإنا ... ورثناه أوائل أَوَّلينَا وإنا موروثون كما ورثنا ... عن الآباء إنْ مِتْنَا بَنِينَا [1] قَالُوا: وأحضر أمير المؤمنين أَبُو العباس إِبْرَاهِيم بْن مخرمة الكندي وناسًا من بني الْحَارِث بْن كعب أخوال أَبِي الْعَبَّاس، وخالد بْن صفوان فتفاخروا فقال ابن مخرمة: إن أَهْل اليمن ملوك العرب فِي الجاهلية كَانَتْ لهم البدأة، ووراثة الملك، كابرًا عن كابر، وآخرًا عن أول، وغابرًا عن سالف، فمنهم النعمانات والمنذرات والقابوسات، ومنهم عياض صاحب البحر، ومن حَمَتْ لحمه الدُّبُر [2] ومنهم غسيل الملائكة [3] ومن اهتز لموته

_ [1] الحكاية في بغية الطلب ص 3048، ونسب الشعر لأوس بن مغراء. [2] هو عاصم بن ثابت قتلته هذيل فيمن قتلت يوم الرجيع. انظر الروض الأنف مع سيرة ابن هشام ج 3 ص 225- 234. [3] هو حنظلة بن أبي عامر استشهد يوم أحد انظر الاصابة لابن حجر ج 1 ص 360 (1863) .

العرش [1] ، ومنهم مكلم الذئب [2] ، ومن كان يأخذ كل سفينةٍ غصبا [3] وليس من شيء له خطر إلّا وينسب إليهم من: فرس رائع، وسيف قاطع، ودرع حصينة، وحُلة مصونة، إن سئلوا أعطوا، وإن نزل بهم ضيف قَرَوا، لا يكاثرهم مكاثر، ولا يفاخرهم مفاخر، فهم العاربة وغيرهم متعربة. قال أَبُو الْعَبَّاس: ما أحسب التميمي يرضى بهذا. فقال خَالِد: أخطأ المتقحم بغير علم. ونطق بغير صواب إذ فخر على مضر، ومنهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والخلفاء من أَهْل بيته، وكيف يفاخر مضر بقوم هُمْ بين راكب عَرد [4] ، وناسج بُرد، وسائس قرد، ودابغ جلد، دلَّ عَلَيْهِم هدهد [5] ، وغرَّقهم فأرة [6] ، ثُمَّ التفت إِلَى الكندي فقال الفخر بالفرس الرائع والسيف [7] القاطع والدرع الحصينة؟ ألا وأي فخرٍ أفخر من مُحَمَّد خير الأنام، وأكرم الكرام، ولله به المنَّة علينا وعليهم، لقد كانوا أتباعه، فِيهِ عرفوا وأكرموا، لنا النَّبِيّ المصطفى والخليفة المرتضى والسؤدد والعلى، ولنا البيت الموضوع، والسقف المرفوع، والمنبر المحضور ولنا زمزم

_ [1] هو سعد بن معاذ انظر الروض الأنف ج 3 ص 280. [2] من رعاة أهل المدينة، انظر الخبر في دلائل النبوة لأبي نعيم ص 318- 320. [3] الاشارة هنا الى ما جاء في الآية 79 من سورة الكهف، وقد اختلف حول تحديد شخصيته. [4] العرد: الحمار. القاموس. [5] الاشارة هنا الى ما جاء في الآيات: 20- 44 من سورة النمل. [6] الاشارة إلى حكاية سبب خراب سد مأرب وسيل العرم. [7] بالأصل: والفرس، وهو تصحيف.

وبطحاؤها وسقايتها فهل يعدلنا عادل أو يبلغ مدحتنا قول قائل. ومنا ابن عَبَّاس عالم الناس، الطيبة أخباره، المتبوعة آثاره، ومنا أسد اللَّه وسيفه [1] ، ومنا الصديق والفاروق وعلي بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، لم يكفر بالله قط، ولم يزغ بباطل عن الحق، وذو النورين عُثْمَان الشهيد. ثُمَّ قال ابن الأهتم: كيف علمك بلغة قومك، وما اسم الأصابع عندكم؟ قال: الشناتر. قال: فَمَا اسم الأذن؟ قال: الصنارة. قال: فاللحية؟ قال: الزب. قال خَالِد: فَإِن اللَّه سبحانه وتعالى يقول بلسان عربي مبين فهل سمعته يقول: جعلوا شناترهم في صناراتهم [2] ويقول لا تأخذ بزبي [3] فقال أَبُو الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه تعالى عنه: مالك يا يماني ولرجال مضر، وأمر لخالد بمال وقطيعة بالبصرة. المدائني أن خالدًا نازع عمرو بْن عُبَيْد الأنصاري وكان بذيئًا يشتم من سأله فلم يعطه، وكان يُقَالُ له ابن أم حكيم وهي أمه التي قامت عَنْهُ فقال لخالد: أنتم كما قال اللَّه: فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد [4] . فقال خالد: ويحك يا بن أم حكيم إنك اعتصمت بخلتين: الكفر، واللؤم، فبسطت يديك فجعلت شمالك سطحًا، وملأت يمينك سلحا وقلت: املئوا سطحي وإلا رميتكم بسلحي، ويحك يا بن أم حكيم

_ [1] أسد الله حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم. وسيف الله خالد بن الوليد. [2] انظر الآية 7 من سورة نوح. [3] انظر الآية 94 من سورة طه. [4] سورة الأحزاب- الآية: 19.

قال اللَّه سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [1] وأن أم حكيم يرحمها اللَّه كَانَتْ محصنة مؤمنة وما أَنَا بالواثق بغفلتها وهي تغمر كمرة كثير الدهان. وذكر خَالِد المزاح فقال: يَصلّ [2] أحدهم صاحبه بأصلب من الجندل. وينشقه أَحَدَّ من الخردل. ويفرغ عليه أَحَرّ من المرجل. ثُمَّ يقول ما زحتك. قَالُوا: أتى رَجُل من بني تميم خالدًا فسأله فأعطاه دانقًا، فقال له: إنه لو أعطاك كل رَجُل من بني تميم مثل ما أعطيتك لرحت ذا مال عظيم. قَالُوا: ودخل خَالِد على أَبِي الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فقال له: يا خَالِد كيف علمك بأخوالي؟ قال: أي أخوالك يا أمير المؤمنين فبكلهم أَنَا عارف؟، قال: أَمَسَّهم بي قرابة وأوجبهم علي حقا، ولد الْحَارِث بْن كعب. قال: يا أمير المؤمنين هناك هامة الشرف، وخرطوم الكرم، وإن فيهم لخصالًا مَا اجتمعت فِي غيرهم من قومهم، إنهم لأحسنهم أممًا وأكرمهم شيمًا، وأوقاهم ذممًا، وأبعدهم هممًا، هُم الجمرة فِي الحرب والرفد فِي الجدب، وهم الرأس وغيرهم العجب [3] . قال: لله درك يا بن صفوان قد وصفت فأحسنت.

_ [1] سورة النور- الآية: 23. [2] بهامش الأصل: يصك. [3] العجب: أصل الذنب، ومؤخر كل شيء. القاموس.

وقال خَالِد: لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا تمازح الدنيء فيجترئ عليك. قال أَبُو الْحَسَن: ويقال إن الَّذِي قال هَذَا سَعِيد بْن العاص، وأنشد: أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق ويقال المتمثل بالبيت مسعر بْن كدام. وذكر خَالِد أَبَا مُسْلِم فقال: ألم تر إِلَى هَذَا الَّذِي بدا بالخرق ... ثُمَّ ثنى بالحمق بعد ظلم الخلق وقال لرجل: قاتله اللَّه أما والله إن قوافيه لقلائد، وإن أنبازه لعلائق، وإنه ليملأ الأذن بيانًا، ويقري العين جمالًا. وكان خَالِد يقول: أحسن الكلام ما لم يكن بالبدوي المغرب ولا القروي المخدج، ولكن ما شرفت مبانيه ولطفت معانية، ولذ فِي أفواه القائلين، وآنق السامعين، وازداد حسنًا على مر السنين فاجتنته الرواة واقتنته السراة، وكان كعلائق الشعر السائرة، والأخبار الملازمة. وسمع خَالِد رجلًا من قريش يتكلم فأبلغ وأحسن، فحسده خَالِد فتعرض له وتحكك فِيهِ، فقال له الْقُرَشِيّ: ما أعلم لي يا أَبَا صفوان إليك ذنبًا إلا الاشتراك فِي الصناعة. وتكلم خَالِد بالبادية فقال: يا أَهْل البادية، ما أحسن بلادكم، وأغلظ عيشكم، وأجفى أخلاقكم، لا تشهدون جمعة ولا تتبغون قاصًا، فقام إليه أعرابي منهم فقال: أما ما ذكرت من خشونة بلدنا وجفاء أخلاقنا فَإِن ذلك كما ذكرت ولكنكم معشر أَهْل الحضر تنقبون الدور، وتنبشون

القبور، وتأتون الذكور، فقال خَالِد: اسكت قَبَّح اللَّه ما جئت به. قال: وخوطب خَالِد فِي ابنه وقيل له: يدك تشتمل على ثلاثين ألفًا، وإنما تُجري على ابنك فِي كل يوم درهما وهو فِي طرفه [1] على ما تعلم، فقال: دانقان لخبزه ودانقان ثمن دجاجة، ودانقان فاكهة، هَذَا قوت صالح. قال وذكر خالد بْن صفوان رجلًا فقال: كان والله فريغ المنطق، ذلق اللسان، سهل الجرة، جزل الألفاظ، ثابت الكعدة، رقيق الحواشي خفيف الشفتين، بليل الريق، رحب السرب، قليل الحركات حسن الإشارات، حلو الشمائل، حسن الطلاوة صموتًا قؤولا يهنأ الجرب، ويداوي من الدبر، ويصيب المفاصل، لم يكن بالهذر فِي منطقه، ولا الزّمِر [2] فِي مروءته، ولا الخرق فِي خليقته. متبوعًا غير تابع، كأنه علم فِي رأسه نار. وذكر رجلا فقال: كان والله قراءً غير نزَّال، معطاء غير سآل، متبوعًا غير تابع. وذكر رجلًا فقال: ما كان أفيح صدره، وأبعد ذكره، وأعظم قدره، وأعلى شرفه، وأكثر حامده مِمَّنْ لم يعرفه ومن عرفه، مع سعة الفناء، وعظم الإناء، وكرم الآباء. وذكر رجلًا فقال: ابن الوجوه الواضحات الصباح، والعقول الراجحات الصحاح، والألسن الخطارة الفصاح، والأنساب الكريمة الصراح، والصدور الرحيبات الفساح والمكارم الثمينة الرباح.

_ [1] رجل طرف: الرغيب العين الذي لا يرى شيئا إلّا أحب أن يكون له. [2] الزمر: القليل المروءة. القاموس.

وقال الهيثم: لما دخل خَالِد على هشام فجرى ذكر خَالِد القسري، فقال هشام: إن خالدا أدل فأمل، وأوجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعًا، ولا لعودة موضعُا، قال: ألا أخبرك عنه يا بن صفوان؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: إنه ما بدأني بسؤال حاجة مذ قدم العراق حَتَّى أكون أَنَا الَّذِي ابدأه بها، قال خَالِد: فقلت فذلك أحرى أن ترجع له، فقال متمثلًا: إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بشيء آخر الدهر تقبل ثم قال: ما حاجتك يا بن صفوان؟ قلت: تزيدني فِي عطائي عشرة دنانير. فأطرق ثُمَّ قال: وفيم العبادَة أحدثتها نعينك عليها، أم لبلاء حسن أبليته أمير المؤمنين، أم لماذا يا بن صفوان، إذا يكثر السؤال ولا يحتمل ذلك بيت المال، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين وفقك اللَّه وسددك، أنت والله كما قال أخو خزاعة: إذا المال لم يوجب عليك عطاؤه ... قرابة قربى أو صديق توامقه منعتَ وبعض المنع حزم وقوة ... ولم يفتلذك [1] المال إلا حقائقه فَلَمَّا قدم خَالِد البصرة قيل له ما الَّذِي حملك على تزيين الإمساك له، فقال: أحببت أن يمنع غيري فيكثر من يلومه. وقال خَالِد لابن عم له: كان أبوك آدم الناس وجهًا، وكانت أمك أسوأ الناس خلقا، فأنت جامع لمساوئ أبويك. وقال خَالِد، ويقال عَبْد اللَّه بْن الأهتم لقوم نازعوه من موالي آل أسيد: إن أحق الناس ألا يتكلم من لم يكن له أصل ثابت ولا فرع نابت،

_ [1] الفلذ: العطاء بلا تأخير ولا عدة، أو الاكثار منه، أو دفعه. القاموس.

وكان ذنبًا تابعًا وخفًا موطوءًا وزمعًا زائدًا، ما قامت النساء عن مثل ابن عَائِشَة [1] رحمه اللَّه، فإنه تفقد أرحامه وأهل قرابته فغسل غثايتها وألحق خسائسها، وبعثهم بالعراق جباة ونكاة، فَلَمَّا خانت جباتها وضعفت نكاتها حدر عليها بشرًا [2] بغير مال محمول، ولا جند مفصول، ولا سيف مسلول، فأتاها حين تضايق حلق البطان مُشْمَعِلًا [3] من الفروع النواضر، والليوث الهواصر، فشذَّب قيادتها وأباح أحميتها، وأذل صعبتها، وسهَّل حزنها، لا كمن اختان الأموال [4] ، وجبن عن القتال، ومنح دبره صدور العوالي ثُمَّ أقبل يُحسن الخمر والخيانة والغدر، ويُقبح الوفاء والنجدة والأمانة، قبحًا لتلك الشفاه الهدر والأعين السحر، والأنوف الجثم، والألوان الحائلة، والشعور القَرِدَة، وقبحا لتلك الأخلاق الشتى أورثتهم عارًا وأكسَّبتهم شنارًا، وأبوا أن يأتوا بخير. وقال أَبُو الْحَسَن المدائني: سمر خَالِد عند أمير المؤمنين أَبِي الْعَبَّاس ففخر قوم من بَنِي الْحَارِث، وخالد ساكت، فقال أمير المؤمنين: يا بن صفوان مالك لا تقول. قال: هَؤُلاءِ أخوال أمِير الْمُؤْمِنيِنَ. قَالَ: وأنت من أعمامي وليس الأعمام بدون الأخوال. قال: وما أقول لقوم إنما هُمْ بين ناسج بُرد، وسائس قرد، ودابغ جلد، دل عَلَيْهِم هدهد، وغرقتهم فأرة، فضحك أَبُو الْعَبَّاس. قَالُوا: وشخص خَالِد مع سُلَيْمَان بْن علي إِلَى أَبِي الْعَبَّاس، ومعه

_ [1] بهامش الأصل: يعني عبد الملك بن مروان. [2] بهامش الأصل: يعني الحجاج. [3] المشمعل: الناقة النشيطة، والرجل الخفيف الظريف، أو الطويل. القاموس. [4] بهامش الأصل: يعني ابن خالد بن أسيد.

ابناه: مُحَمَّد، وجعفر ابنا سُلَيْمَان، فنزل خَالِد بين منزليهما فقال له سُلَيْمَان: أَيْنَ نزلت يا أبا صفوان، فقال: بين مُحَمَّد، وجعفر، قال: فكيف رأيتهما فقال: أَبُو نافع جار لها وابن برثنٍ ... فيا لك جاري ذلة وصغار [1] فغضب سُلَيْمَان. وهذا الشعر لابن مفرغ. وحدثني التوزي عن الأصمعي قال: دخل خَالِد على نسائه فقال: إنكنَّ لطوال الأعناق، كرام الأخلاق والأعراق، ولكني رَجُل مطلاق، اذهبن فانتنّ طُلاق. وقال خَالِد: ما أَتَتْ علي ليلة أحب إليّ من ليلة طلقت فيها نسائي، فرجعت والستور قد هتكت، ومتاع البيت قد نقل، وبعثت إليّ بنيتي بسليلة فيها طعامي، وبعثت إلي الأخرى بشيء أنام عليه. وقال خَالِد لابنه: يا بني كن أحسن ما تكون فِي الناس حالًا، أقل ما تكون فِي الباطن مالًا فإن الكريم من كرمت عند الحاجة طعمته، وإن اللئيم من ساء عند الفاقة أكله. وحدثنا المدائني قال: كان خَالِد يقول فِي الحجاج: عجبًا لغلام ولد بالطائف، فلم تزل الأمور ترفعه وتخفضه، حَتَّى أتي العراق بلا مال محمول ولا جند مفصول، فأباح أحميتهم، وأناخ بهم [2] ، وأوطأ أصمختهم، وأتته الرجال شلالًا، يؤتى بزيت الشام وصير [3] مصر على البرد طردا.

_ [1] ديوان يزيد بن مفرغ ص 141. [2] بهامش الأصل: جمرتهم. [3] الصير: شبه الصحناء، ويقال كل صحناء صير، والصحناء والصحناة: إدام يتخذ من السمك، مشه، مصلح للمعدة. العين: القاموس.

ورأى خَالِد فِي بعض دور أمراء البصرة مالك بْن دينار، ومحمد بْن واسع الْأَزْدِيّ وفرقدا السبخي، فمال إليهم ثُمَّ قال: ما خلطكم بنا عند هَذَا الباب فقد عهدناكم ترغبون عَنْهُ، والله ما يخرج إلينا منكم أحد إلا بشقاء، ولا يدخل مِنَّا أحد إليكم إلا بسعادة، ثُمَّ خاف أن يكونوا قد استغلظوا قوله فعاد إليهم فقال: اللَّه يعلم أن قلبي يحبكم، ولكنا تمرغنا على هَذِهِ الدنيا فتمرغت علينا، وما شبهت بي وبكم إلا الجناح يكون معلقًا بالدار، فَإِن شاء قائل أن يقول ليس منها لخروجه عَنْهَا قال، وإن شاء أن يقول إنه منها لتعلقه بها قال. وقال أَبُو الْحَسَن: خاصم رَجُل خالدًا إِلَى بلال بْن أَبِي بردة فقضى للرجل على خَالِد، وتحامل عليه، فقام خالد وهو يقول: سحابة صيف عن قليل تقشع. فقال بلال: أما إنها لا تقشع حَتَّى يصيبك منها شُؤبوب بَرَدٍ، فضربه فيما يُقَالُ مائة سوط، وأمر بحبسه، فقال خَالِد: علام تحبسني يا بلال وما جنيت جناية؟ فقال: يخبرك عن ذلك باب مُصْمَت، وأقياد ثقال، وحاجب يُقَالُ له حَفْص. وقيل لخالد: ما بلغ من زهد الْحَسَن فقال: لم يقلب درهمًا قط ولم ير فِي سوق قط إلا مجتازًا، وكان في نهاره معلمًا، وَفِي ليله زاهدًا عابدًا. وكان خَالِد يقول وهو غاز إذا سبقه القوم: أهكذا يفعل السراة وأهل المروءة؟ فإذا سبقهم فَقِيل له: تنهى عن شيء وتفعله؟ قال: فلم بذلنا الأموال في فرهة الدواب؟ وخطب خَالِد امْرَأَة من بني سعد فقال لها: أَنَا خَالِد بْن صفوان، والحسب ما علمت، وكثرة المال على ما بلغك، وفيَّ خصال أعلمك بها

لتقدمي على معرفة: إنه لا سبيل إِلَى درهمي وديناري، وأنا ملول فربما أَتَتْ علي ساعة لو أن رأسي فِي يدي لطرحته، فقالت: قد فهمت ما ذكرت وهذه خصال مَا كَانَتْ لترضاها بعض بنات إبليس فكيف بنات آدم فارجع موفورًا. وقال خَالِد: الإماء شر خلف من الحرائر، هن أوسخ رقابًا، وأقل عقولًا، فَقِيل له: فإنك لا تتخذ إلّا الإماء؟ فقال: أما سمعتم قول القائل: خذ من القس بقوله، ولا تأخذ بعمله. وكان خَالِد يقول: ثلاث أضن بدرهمي فيهن: صداق النساء، وصلة الرحم، وشراء الموز، وأراد رَجُل أن يبني بأهله، فقال له خَالِد: بالبركة وشدة الحركة والظفر عند المعركة. وقال خَالِد: كَانَتْ لي امْرَأَة وأنا ملول، فكانت تستخف بي وتقول: ما أعرف كريمة قوم صبرت على مثل ما أصبر عليه منك، فركبت يومًا مع سُلَيْمَان بْن علي وعناني جديد فاتسخت يدي فجعلت أغسلها من الوسخ وأقول: الحمد لله الَّذِي خلق الْإِنْسَان من طين. فقالت: من طين ليس الَّذِي يخرج منك. فطلقتها فقالت: طلاق وافق مَشِيّه. وحدثني أَبُو حسن الزيادي عن الْمُبَارَك بْن سَعِيد قال: كان عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عند بعض بني أمية، وعنده ابن الأهتم فأطرى ابن الأهتم بني أمية فأفرط، فقام عُمَر وهو يقول: من سَرَّهُ أن ينظر إِلَى الأفاك الأثيم، فلينظر إِلَى ابن الأهتم، فَلَمَّا استخلف قال: لا يدخلنَّ علي ابن الأهتم، ولا خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري فإنهما مُقْوِلان، وإن من البيان ما فيه سحر.

أما ربعي بن خالد

وأما رَبْعي بْن خالد فقتله السودان الذين ظهروا بالبصرة فِي أيام سوار بْن عَبْد اللَّه، وله عقب بالبصرة. وأما عَبْد اللَّه بْن خَالِد فكان مصابًا، ومات بالبصرة. ومنهم: شبيب بْن شَيْبَة بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن الأهتم بْن الخطيب، ويكنى أَبَا معمر، وكان شَيْبَة مِمَّنْ قتله قُتَيْبَة بسبب أَبِي الزقاق. وزعم غير الكلبي أنه شبيب بْن شبَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم، وقول الكلبي أثبت. وولي شبيب الأهواز لعبد اللَّه بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ومات ببغداد. حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن المدائني قال: قال شبيب: غم على الحسود أمرك، واكتمه سرك ولا تستشره فيغشك فإنه يظهر بشرًا ويضمر شرًا، ويكرم محضرك، فإذا غبت عابك واغتابك. قال: وجلس المهدي وهو ولي عهد للناس فسلموا عليه، ودخل شبيب فيمن دخل، فَلَمَّا خرج من عنده قال: رَأَيْت الداخل راجيًا والخارج راضيًا. قال: ودخل شبيب على المهدي فِي بعض أيامه، وعنده بعض ولده، فقال له: أراك اللَّه فِي بنيك ما أرى أباك فيك، وأرى بنيك فيك ما أراك فِي أبيك. ودخل شبيب منزله فقال: يا جارية اطعميني شيئًا، فجاءته بطبق فِيهِ قراطيس، فقال: ما هَذَا؟ قَالَتْ: هَذَا الَّذِي خلَّفت عندنا. وقال شبيب: البلاغة الإيجاز فِي غير عجز، والإطالة فِي غير خطل. وقال: الرأي ضالة فاستدلل عليها بالمشاورة، وروي ذلك عن ابن شبرمه.

وكان شبيب يقول: يحتاج الخطيب إِلَى بلالة الريق، وغموض العروق، وألا يخرج من شيء حَتَّى يتمثل له ما بعده. وكان شبيب يقول: أحسن الشعر المنظوم، والكلام المنثور، وما ظن السامع أنه قد كان قد سمعه. وقال شبيب: الْكَفَافُ مَعَ الْقَصْدِ أَكْفَى مِنَ السَّعَةِ مَعَ الإسراف، وروي ذلك أيضًا عن هشام بْن عَبْد الملك. وحدث شبيب بْن شيبة ابن المقفع فقال: إن أكثم بْن صيفي قال: البخل فطنة، والسخاء تغافل، فقال ابن المقفع: ولكني أقول: السخاء فطنة، والبخل تغافل، وقال: المودة أشبك الأنساب، والعلم أشرف الأحساب. ومر ابن المقفع بشبيب وهو عليل فِي دهليزه، فنزل إليه، وكان ابن المقفع على بغل، وجاءت جارية من بعض دور الأشراف عائدة له عن سيدتها، وكان بغل ابن المقفع قد وَدي، فلحظته ثُمَّ قَالَتْ: يا أَبَا مَعْمَر تقول لك سيدتي: كيف أير بغلكم، فَقَالَ ابْن المقفع: كَمَا ترين رحمك اللَّه، وقال شبيب: شغلها ما أهمها عن عيادتنا. وقال شبيب: حسدت عمرو بْن عُبَيْد على كلمتين سمعتهما منه، شتمه رَجُل وهو ساكت، فَلَمَّا قضى الرجل كلامه قال له عمرو: آجرك اللَّه على الصواب، وغفر لك الخطأ. ويقال إن خَالِد بْن صفوان قال هَذَا القول. وقال شبيب: حفظ ما فِي يدك أيسر من طلب ما فِي يد غيرك. وقال الحرمازي: كان ابن لشبيب ماجنًا، ويقال ابن لحضين بْن

ومنهم عبد الله بن عبد الله بن الأهتم

المنذر، فأخذه شبيب، أو حضين، فحبسه فكتب كتابا على لسان إبليس: من أَبِي مُرَّة سيد الجن وعظيمهم إِلَى شبيب بْن شَيْبَة، أما بعد: فانك عمدت إِلَى حبيبي وصفيي من البشر من أَهْل هَذَا المصر فحبسته، وأنا أقسم لئن لم تخله وتحسن إليه لأصرعنَّك صرعة تكون غير منتعش منها، ولأهلكنَّ مالك وعيالك. ودس الكتاب فجعله بين كتب أَبِيهِ، فَلَمَّا نظر شبيب فِي كتبه قرأ الكتاب فراعه وجعل يقول: صدق أَبُو مرة لقد أسأتُ ببنيَّ وخلى سبيله وأكرمه. وروى ابن الْمُبَارَك أو غيره عن شبيب حديثًا، فَقِيل له إنه رَجُل صحب السلطان ويجري معهم فيما يريدون أفتروي عَنْهُ؟ فقال: إن له شرفًا ومروءة، وليس مثله يكذب فِي الحديث المأثور. ومنهم عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم قال- أو أَبُوهُ- للأحنف يومًا: ما أراك تحدث عن أبيك قَيْس بشيء؟ فقال الأحنف: كان أَبِي رَجُل من العرب له صرمة من الإبل يقري منها الضيف ويفعل فيها المعروف ويحيمها برمحه وسيفه ولم يكن أُهيتم سلّاحًا. ومنهم خاقان بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم، ويكنى أَبَا عمرو، ولي ميسان من قبل سَعِيد بْن دعلج، وهو أَبُو صبَّاح بْن خاقان. ودخل عَبْد اللَّه بْن خالد بن صفوان الممرور المسجد، وقد شوه نفسه فِي لبسته، فقال له عَبْد الرَّحْمَن بْن شبيب بْن شَيْبَة: قم فما أحوجك إلى أدب، فقال أحوج إليه مني من اشترى الخمر بماله ثُمَّ شرب حَتَّى أحدث فِي ذيله، وَقاءَ فِي جيبه، يُمسي محمرًا، ويصبح مصفرًا، وكان عَبْد الرَّحْمَن صاحب شراب.

ومنهم محرز بن شهاب بن محرز بن سمي بن سنان بن خالد بن منقر،

ومنهم محرز بْن شهاب بْن محرز بْن سمي بن سنان بن خالد بن منقر، قتل مع حجر بْن عدي الكندي بمرج عذراء. ومنهم: حزن بن جزيء بْن جندل بْن منقر، كان فارس زمانه. وجرول بْن حزن، كان فارسًا أيضًا من فرسان الجاهلية. والقعقاع بْن سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن بجير بْن أوس بْن سُفْيَان بْن خَالِد، كان شريفًا بالكوفة، وقد ولي شرط الكوفة. وقال أَبُو اليقظان: كان القعقاع أعرج، وولاه عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن فِي خلافة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز شُرط الكوفة، وكان عَبْد الحميد أعرج فقال الشاعر: ألق العصا ودع التخادع والتمس ... عملًا فهذي دولة العُرْجان وولي القعقاع بعد ذلك سجستان، وفيه يقول أَبُو خَالِد اليشكري: توعدني القعقاع فِي غير كنهه ... فقلت له: بَكْر إذا رمتني ترسي فما أنت يا قعقاع إلا كَمَن مضى ... كأنك يومًا قد نقلت إِلَى الرمس فَإِن تك قد أوعدتني غير مقصر ... فدونك فاغضب إن غضبتَ على الشمس وقُديَد بْن مَنيِع بْن مُعَاوِيَة بْن فروة بْن الأحمس بْن عبدة بْن الأحمس بْن عبدة بْن خليفة بْن جرول بْن منقر، ومنيع الذي يقول: يبكى علينا ولا نبكي على أحد ... لنحن أغلظ أكبادًا من الإبل لا شيء أحسن منها إذ تودعني ... وَجَيبها برشاش الدمع مغتسل وكان من ولد قُدَيد: الأحنف بْن قديد. وعبدة بْن قديد، وكان عبدة جوادًا، وفيه يقول الشاعر: كذب القائلون قد ذهب الج ... ود ومات الندى بموت الجنيد

ومنهم عصمة، وهو عصمة بن سنان بن خالد بن منقر

من أراد الندى وبذل العطايا ... فعليه بعبدة بْن قديد ويقال إن الَّذِي يقول: يبكي علينا ولا نبكي على أحد. .. قديد بْن منيع. وتزوج أَبُو مُسلم المرزبانة بِنْت قديد، وتزوجها عَبْد الجبار بْن عَبْد الرَّحْمَن. ومنهم عِصمة، وهو عصمة بْن سنان بْن خَالِد بْن منقر الَّذِي يقول فِيهِ الشاعر وكان أسره عُصَيمة وخلاه عصيمة أُجزيه بما قَدَّمَتْ له ... يداه وإلّا أُجْزِ عِصمة أكفر واللعين المنقري من ولد عِصمة، واسمه منازل بْن زمعة، ويكنى أَبَا أُكيدر. ومنهم فدكي بْن أعبد بْن أسعد بْن منقر، كان فارس بني سعد فِي الجاهلية، وكان فدكي بْن أعبد، وطريف بْن تميم، وأبو الجدعاء الطهوي أغاروا وهم متساندون على طيّئ، فقتلوا عمرو بن ورد رئيس طيّئ، وأسروا منهم ثمانين أسيرًا فيهم حاتم الطائي الجواد، ثُمَّ انصرفوا فأغاروا على بَكْر بْن وائل، فقُتل طريف وأبو الجدعاء، وأفلت فدكي بْن أعبد. وقد شهد فدكي وقائع وهو القائل: أَنَا ابن ماوية إذا جدَّ النفر. .. وله عقب. ومن بني منقر: عقبة بْن حَبَّار، وكان بخيلًا، وفيه يقول الشاعر: لو أن قدرا بكت من طول محبسها ... على الجفوف بكت قدر ابن حبّار

ومن بني مرة بن عبيد،

ما مسها دسم مذ فُضَّ معدنها ... ولا رأت بعد نار القين من نار ومن بني مرة بْن عُبَيْد، مُجّاعة بْن سِعْر بْن يزيد بْن خليفة بْن سنان بْن قطن بْن العجلان بْن مرة بْن عُبَيْد كان شريفًا، وكان سِعْر مع عَلي بْن أبي طالب عليه السلام، فدخل على هو عنده فالوذج فقال: ما هَذَا؟ قال: هَذَا الَّذِي يقتل عليه بعض قريش بعضًا، فاعتزله ولزم ناحية من البصرة. وولي مُجاعة عُمَان للحجاج، وولي مكران، وبها مات فقال الشاعر: ما من مشاهدك الَّتِي شاهدتها ... إلا يزينك ذكرها مُجَّاعا وكان القاسم بْن مجاعة ولي عُمان فقتله أهلها وصلبوه، فقال الشاعر: تناوم مُجَّاع وأسلم قاسما ... وما صاحبُ الحاجات بالمتناوم فبعث الحجاج مَجاعة إِلَى أَهْل عُمان، فقتل منهم مقتله عظيمة فقال مجّاعة حمدتُ اللَّه حين شفيت نفسي ... فهذا حين ساغ لها الشراب وولي يوسف بْن عُمَر غضيًا بْن القاسم بْن مُجّاعة عُمان. ومن بني مرة بْن عُبَيْد فيما ذكر أَبُو اليقظان: الأسود بْن سريع [1] أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: قد مدحت ربي فقال رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إن ربي ليحب أن يمدح» .] وكان أول من قصَّ بالبصرة فِي مسجدها. ومات رَجُل فقال الأسود: إن تنج منها تنج منها عظيمة. .. فَقِيل له: أجز يا أبا سريع فقال: وإلا فإني لا أخالك ناجيا

_ [1] بهامش الأصل: الأسود بن سريع رحمه الله.

الأحنف بن قيس

وقال أَبُو اليقظان: ومن بني مرة بْن عُبَيْد: مذعور بْن هزال كان له مال وقدر بالأهواز. ومن بني مرة بْن عُبَيْد عن الكلبي: عُمارة بْن سُلَيْمَان بْن قَيْس بْن عُمارة بْن مرة بْن مرثد بْن حِميري بْن عبادة بْن النزال بْن مرة، كان شريفًا. وقال أَبُو اليقظان: هُوَ عمارة بْن أَبِي سُلَيْمَان، كان خطيبًا لسنًا بالكوفة، وقد ولي الولايات، ويقال إنه دعيُّ، وله عقب بالكوفة [1] [الأحنف بن قيس] قال الكلبي: ومن بني مرة بْن عُبَيْد أخي منقر بْن عُبَيْد: الأحنف واسمه الضحاك بْن قَيْس [2] بْن مُعَاوِيَة بْن حصين بْن حَفْص بْن عبادة بْن النزال بْن مرة بْن عُبَيْد. وقال غير الكلبي: اسم الأحنف صخر بْن قَيْس، ويُكنى الأحنف أَبَا بحر، ولد: أحنف. والحنف: إقبال إحدى القدمين بأصابعها على الأخرى. وقالت أمه حَبَّة بِنْت عمرو الباهلية، ويقال حُبَّى، وهي ترقصه: والله لولا حنف برجله ... وضعفه ودقة من هزله ما كان فِي فتيانكم كمثله وكان حليمًا. ولما أتى رسول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني تميم، يدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فلم يجيبوه، قال الأحنف: إنه يدعوكم إِلَى مكارم الأخلاق وينهاكم عن ملائمها، فأسلمت بنو تميم، وأسلم ولم يفد على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووفد على عُمَر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ مع وفد من قومه، فقال: يا أمير المؤمنين أتاك وفود

_ [1] بهامش الأصل: بلغت عرضا بالأصل الثالث، ولله كل حمد. [2] بهامش الأصل: الأحنف بن قيس، رحمه الله.

العرب، وأهل الأمصار، وقد نزلوا فِي مياه عذبة، وجنان مخصبة فِي مثل حولاء السلي، وحدقة الحمل تأتيهم ثمارهم لم تخضد، وإنا نزلنا فِي سبخة نشاشة مالحة هشاشة، جانب منها البحر الأجاج وجانب الفلاة، فألا تمدنا بفضل عطاء أو زرق نهلك، فحبسه عُمَر عنده حولا حيث أعجب بكلامه ليستبرىء ما عنده فلم ير إلا ما يحب. فقال عُمَر: إنا كُنَّا نحاذر كل منافق عليم، وإني قد خبرتك حولًا فرأيتك ذا جُول [1] ومعقول، وأذن له فقدم البصرة. وحضر مجلس عمر، فذكر عُمَر بني تميم وقال فيهم، فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين منهم الصالح ومنهم الطالح، فقام الحتات المجاشعي ليتكلم فقال له عُمَر: اجلس فقد كفاكم سيدكم الأحنف. وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَدِمَ الأَحْنَفُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُمْ رَجُلا رَجُلا، وَالأَحْنَفُ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فِي بَتٍّ لا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمَا لَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ مَفَاتِحَ الْخَيْرِ بِيَدِ اللَّهِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ نَزَلُوا مَنَازِلَ الأُمَمِ الْخَالِيَةِ بَيْنَ الْمِيَاهِ الْعَذْبَةِ، وَالْجِنَانِ الْمُلْتَفَّةِ، وَنَزَلْنَا بِسَبْخَةٍ نَشَّاشَةٍ لا يَجِفُّ تُرَابُهَا وَلا يَنْبُتُ مَرْعَاهَا، مَنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ الْبَحْرُ الأُجَاجُ وَمِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ الْفَلاةُ، فَلَيْس لَنَا زَرْعٌ وَلا ضرع، تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مريء النَّعَامَةِ، يَخْرُجُ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ فَيَسْتَعْذِبُ الْمَاءَ مِنْ فَرْسَخَيْنِ، وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ كَذَلِكَ فَتَرْبِقُ وَلَدَهَا كَمَا تُرْبَقُ الْعَنْزُ، نَخَافُ بَادِرَةَ الْعَدُوِّ، وَأَكْلَ السَّبْعِ. فَإِلا تَرْفَعْ خَسِيسَتَنَا وَتُجْبِرْ فَاقَتَنَا نَكُنْ كَقَوْمٍ هلكوا.

_ [1] الجول: العقل والعزم. القاموس.

فألحق عُمَرُ ذَرَارِي أَهْلَ الْبَصْرَةِ فِي الْعَطَاءِ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْفِرَ لَهُمْ نَهْرًا [1] وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قال: قال الأحنف بْن قَيْس: الرجل الكامل من تحفظ هَفَواته. حَدَّثَنَا أبو الحسن علي بن محمد المدائني عن كليب بْن خلف قال: تذاكروا الصمت والمنطق عند الأحنف، فقال قوم: الصمت أفضل، وقال الأحنف المنطق أفضل، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه، وفضل المنطق ينال من سمعه، وإن ملاقاة الرجال تلقيح لألبابها. حَدَّثَنِي الحرمازي عن أَبِي الفضل العميّ عن أَبِي عامر العُطاردي قال: قدمت عير للأحنف بْن قَيْس، فخرج يتلقاها ومعه فتى كان يلزمه فيعجبه صمته ويحسب أن ذلك لحسن استماع، فَلَمَّا برز الأحنف إِلَى الجبان نظر الفتى إِلَى غراب محلق فِي السماء فقال: يا أَبَا بحر أيسرك أنك بمكان هَذَا الغراب ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الأحنف: لا يا بني ولرب ناطق هُوَ أعيا من صامت. المدائني عن جهم بْن حسان قال: حبس مُصعب بْن الزبير قومًا، فقال له الأحنف: أصلح اللَّه الأمير إن كنت حبستهم بباطل فالحق يخرجهم، وإن كنت حبستهم بحق فالعفو يسعهم، قال: صدقت، وأخرجهم. وقال الأحنف، ورأى من مصعب تجبرًا: عجبًا لمن يتجبر وقد جرى

_ [1] الخبر بالتفاصيل نفسها في البلدان للبلاذري تحقيق د. سهيل زكار- ط. بيروت 1992 ص 403.

فِي مجرى البول مرتين، ويقال إنه مد رجله وهو معه على السرير، فقال هَذَا القول. المدائني عن كليب بْن خلف وغيره أن الأحنف بْن قَيْس قال: تعلمت الحلم من قَيْس بْن عاصم، أتى مَوْلَى له صائغ وقد ضرب رَجُل يده بسيف فأبانها، والرجل معه، فَلَمَّا نظر إِلَى الرجل قال: قد وهبتك يا هَذَا لله فاتق اللَّه ثُمَّ نظر إِلَى مولاه فقال: يا بني قد غمنا ما أُصبتَ به وأنت فِي عيالنا ما بقيت. قال: وأتي ذات يوم بابنه مقتولًا وبقاتله، فقال: روعتم الفتى ورعبتموه ثُمَّ أقبل عليه فقال: ما أردت إِلَى ابن عمك وهو عضدك ويدك ونصيرك، والله لقد نقصت عددك، وضعضعت ركنك، وأسخطت ربك، أطلقوه، فأطلقوه وما حَلَّ حبوته ولا قطع كلامه ولا تغير لونه. المدائني عن عوانة قال: لما نزل أصحاب الْمُخْتَار على حكم المصعب بْن الزبير، شاور الأحنف فِي أمرهم فقال الأحنف: أرى أَن تعفو عَنْهُم فَإِن العفو أقرب للتقوى [1] . فقال أشراف أَهْل الكوفة: لا تعف عن هَذِهِ الموالي واضرب أعناقهم فقد بدا كفرهم، وعظم كبرهم، وقل شكرهم، وضجوا. فَلَمَّا قتلوا قَالَ الأحنف: مَا أدركتم بقتلهم ثأرًا، فليته لا يَكُون فِي الآخرة وبالًا. المدائني عن كليب وغيره قَالُوا: قال الأحنف: رب غيظ تجرعته مخافة ما هُوَ أشد منه، ومن لم يصبر على كلمة تسوءه سمع سبعًا. وقال رَجُل للأحنف، ويقال لضرار بْن القعقاع: والله لو قلت واحدة

_ [1] سورة البقرة- الآية: 237.

لسمعت مني عشرًا، فقال: لكنك والله لو قلت عشرًا ما سمعت مني واحدة. وقيل للأحنف: من السيد؟ قال: الذليل فِي عرضه، الأحمق فِي ماله، المطَّرح لحقده، المعين لعشيرته. المدائني عن كليب بْن خلف وغيره أن غيلان بْن خرشة الضَّبِّيّ قال للأحنف: يا أَبَا بحر ما بقاء ما فِيهِ العرب قال: ما تقلدوا السيوف واقتطعوا العمائم، وركبوا الخيل، ولم يكونوا فوضى، ولم تأخذهم حمية الأوغاد. قيل وما حمية الأوغاد؟ قال: أن يعدوا الحلم ذلًا، والتعافي فيما بينهم ضيمًا. المدائني عن كليب بْن خلف وغيره أن غيلان بْن خرشة الضَّبِّيّ قال للأحنف: يا أَبَا بحر ما بقاء ما فِيهِ العرب قال: ما تقلدوا السيوف واقتطعوا العمائم، وركبوا الخيل، ولم يكونوا فوضى، ولم تأخذهم حمية الأوغاد. قيل وما حمية الأوغاد؟ قال: أن يعدوا الحلم ذلًا، والتعافي فيما بينهم ضيمًا. المدائني عن الهذلي قال: قال الأحنف: ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حمر النعم ودهمها، فقال له رَجُل: أنت أعز العرب فقال: إن الناس يرون الحلم ذلًا. الحرمازي قال: فقد الأحنف بحرًا ابنه يومًا أو يومين، فَلَمَّا رآه قال له: أَيْنَ كنت لله أبوك؟ فقال: كُنَّا نكسح، يريد كُنَّا نشرب. فقال: وهل جاء ما كنت فِيهِ بخير قط؟ وقيل له: ألا تكون مثل أبيك؟ فقال: أكسل عن ذاك. وحدثني الحرمازي قال: جرى بين الأحنف وبين رَجُل من الشعراء كلام، فقال له الشاعر: والله لأشتمنك شتما يدخل معك قبرك، فقال: يا بن أخي إنما يدخل معك قبرك دوني، إن الكلم الصالح يزين صاحبه فِي الدنيا ويلقى خيره في الآخرة، وإن الكلم السيء شين عاجل، وشر آجل. المدائني أن رجلًا رُفع إِلَى مصعب بْن الزبير، وقد اتهم بسرق أو غيره، وعنده الأحنف بْن قَيْس، فَقِيل للمتهم: أصدق الأمير. فقال

الأحنف: بعض الصدق معجزة. حَدَّثَنِي الحرمازي عن جهم السليطي أن بحر بْن الأحنف قال لجارية أبيه زبراء: يا زانية. فقالت لو كنت زانية لجئت أباك بمثلك، فقال الأحنف لابنه: يا فاسق لقد أفحشت ولَؤُمت، وقال لجاريته، لقد أغرقت فِي النزع وما أبقيت على أختك، وكلاكما مسؤول عن قوله، ومأخوذ به، فاتقيا اللَّه. وكان بحر بْن الأحنف مضعوفًا، فَقِيل له: ألا تكون مثل أبيك؟ فقال: وأيكم مثل أَبِيهِ؟ وتزوج بحر فولد له سَعِيد بْن بحر. فتزوج سَعِيد بْن بحر حفصة بِنْت ربعي بْن عمرو بْن الأهتم، فمات ولم يولد له، ولم يبق للأحنف عقب من ذكر ولا أنثى، وكانت للأحنف ابْنَة ماتت. حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن عن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان الضبعي عن المعلي بْن زياد عن الْحَسَن أن الأحنف خرج فِي وفد تُستر إِلَى عُمَر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ، فلبس الوفد ثيابًا جددًا، ولبس الأحنف بَتًّا، فَلَمَّا رآهم أعرض عن الوفد وأقبل على الأحنف فقال: بكم أخذت البَت؟ قال: بأربعين. قال: فهلا بعشرين وَقَدَّمْتَ الفضل، قال: يا أمير المؤمنين إن قومي حديث عهدهم بالجاهلية فأردت أن يروا للإسلام علي أثرًا حسنًا، فطفق عُمَر يسائل الأحنف، والأحنف يقول: يا أمير المؤمنين أميرنا مجاشع، فلم يكلمهم، فانصرفوا فقال الأحنف: كره أمير المؤمنين زيكم فالقوه بغير هَذَا الزي، فغدوا عليه فِي ثياب الحرب مصدأه، فَأَقْبَلَ على مجاشع فساءله وساءل الوفد ثُمَّ انصرفوا إِلَى أَبِي مُوسَى، واحتبس الأحنف حولًا، ثُمَّ دعاه فقال: إني

خفت أن تكون منافقًا فارجع إلي بلدك وقومك فَمَا بهم غنًى عنك، واتق اللَّه ربك. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي الْعَامِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَنْ وَجِّهِ الأَحْنَفَ فِي خَمْسَةِ آلافٍ إِلَى خُرَاسَانَ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يُسَرِّحَهُ. المدائني قال: قال المنذر بْن الجارود: أعطي الأحنف ما لم يعطه أحد. وفدنا على مُعَاوِيَة فلم أدع شيئًا من حسن الزي والهيئة إلا اتخذته، وخرج متخففًا رث الهيئة، فكنا إذا نزلنا منزلا أظهرت ما عندي من الهيئة وتلبست، وخرج الأحنف فِي بت، ولا يراني أحد مِمَّنْ لا يعرفنا إلا قال: هَذَا الأحنف، والأحنف فِي بت ولا أُذكر أَنَا. المدائني عن بشار بْن عَبْد الحميد عن أَبِي ريحانة قال: وفد هلال بْن وكيع وزيد بْن جُلْبة، والأحنف بْن قَيْس إِلَى عُمَر، فقال هلال بْن وكيع: يا أمير المؤمنين إنا غُرَّة من وراءنا، ولباب من خلفنا من قومنا، وَإِنَّكَ إن تصرفنا بالزيادة فِي أعطياتنا والفريضة لعيالاتنا يزود الشريف منّا لك تأميلًا، وتكون لذوي الأحساب أبًا بَرًّا، وإلا تفعل تكن مع ما نَمُتُّ بفضله، وندلي بأسبابه كالجب لا يحل ولا يرحل، ثُمَّ نرجع بأُنف مصلومة، وجدود عاثرة فَمَحْنَا وأهلينا بسجل من سجالك مُترع. وقال زَيْد بْن جُلْبة: يا أمير المؤمنين زود الشريف، وأكرم الحسيب، وأودعنا من أياديك بما يسد الخصاصة، ويجبر الفاقة فإنا بقفّ من الأرض يابس الأكناف، مقشعر الذروة لا شجر فِيهِ ولا زرع، وإنا من العرب إذ أتيناك بمرأى ومستمع.

ثُمَّ قال الأحنف: يا أمير المؤمنين إن مفاتيح الخير بيد اللَّه، والحرص قائد الحرمان، فاتق اللَّه فيما ولاك فيما لا يغني عنك يوم القيامة، واجعل بينك وبين رعيتك شيئًا يكفيك وفادة الوفود، واستماحة المستميح، فَإِن كل امرئ يقرى فِي وعائه إلا الغل مِمَّنْ عسى أن تقتحمه الأعين، فكان الأحنف أحمدهم قولًا عند عُمَر. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ علي بن زيد أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ أَدْنِ الأَحْنَفَ وَشَاوِرْهُ وَاسْمَعْ مِنْهُ. المدائني عن سوار بْن عَبْد اللَّه قال: وفد الأحنف على عُمَر فقال له: أعمك المتشمس؟ قال: نعم. المدائني عن مسلمة بْن محارب عن عيينة بْن عَبْد الرَّحْمَن الجوشني أن مُعَاوِيَة قال للأحنف: أتراني نسيت لك اعتزالك بالبصرة وقريش تذبح فِي نواحيها كما يذبح الحيران [1] لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر، أو تراني أنسى طلبك الحيل فِي أمر أتانيه اللَّه لتبطله، يعني يوم الحكمين. فقال الأحنف: «صَدَقَني سِنّ بَكْرِهِ» [2] ، لا آتيه فِي حاجة أبدًا. وعن مسلمة قال: جعل قوم لرجل جُعلًا إن سفَّه الأحنف وأغضبه، فأتاه فقال: لا حياك اللَّه يا أحنف، فلم يجبه، فأعادها مرارًا فلم يجبه، فانصرف الرجل فقال الأحنف: قاتلهم اللَّه لقد علموا أَيْنَ وضعوا خطرهم.

_ [1] بالأصل: خيزان ولا وجه له، وتقدم الخبر في صفحة 1871 حيران. والحيران الذي لم يهتد إلى سبيله. وبناء عليه جرى التقويم. [2] صدقني سن بكره، من أمثال العرب في باب تصديق الرجل صاحبه عند اخباره اياه. الأمثال لأبي عبيد ص 49.

قال: وقال الأحنف: ما قست منزلتي عند أحد بمنزلتي فِي نفسي إلا وجدتها دونها. وسأل الأحنف قوم فقال: إن شئتم أعطيتكم درهمين، وإن شئتم أعطيتكم ألفين، قَالُوا: اختر لنا، فَلَمَّا خرج العطاء حمد اللَّه وألقى لهم درهمين فألقى الناس كلهم درهمين درهمين فقاموا بكساء يحمله أربعة. وكان الأحنف يقول: لأن أُدعى من بعيد أحب إلي من أن أدفع من قريب. المدائني عن طُفيل بْن أَبِي حَفْص قال: أتى رَجُل الأحنف فقال: يا أَبَا بحر إني أريد مشاورتك، فَأَقْبَلَ الأحنف عليه فقال الرجل: إيه يا أَبَا بحر. فقال: منك ينتظر الابتداء بالقول رحمك اللَّه. وقال الأحنف: ما يسرني أني نزلت بدار معجزة وإني أسمنت وألبست. فَقِيل يا أَبَا بحر وما يراد من دار الجزم [1] غير هَذَا. قال: إني أخاف سوء العادة. قال: وكان الأحنف إذا أتاه رَجُل وهو فِي مجلس ضَيّق تحفز وتحرك يريه أن يوسع له. المدائني عن عَبْد اللَّه بْن المغيرة عن عَبْد اللَّه بْن بيان عن الشَّعْبِيّ قال: قدم مصعب الكوفة بعد قتل الْمُخْتَار فَقِيل: إن أحنف أَهْل البصرة فِي المسجد، فجئنا ننظر إليه، فإذا هُوَ مُحْتَبٍ حمائل سيفه، واضعًا مرفقيه على ركبته، وقد شبَّك أصابعه، وتميم مطيفةً به، وأكب الناس ينظرون إليه. فأراد قومه على شيء فقالوا: لا. فرفع رأسه إلى النظارة فقال: إن بني تميم

_ [1] جزم. قطع واليمين أمضاها، والأمر قطعه قطعا لا عودة فيه. القاموس.

خيل شَمْس صعاب تضطرب فلا تنقاد لقائدها، فَمَا لبثنا أن كلمهم، فقالوا: نعم، نعم. حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عن علي بن زيد عن الحسن عَنِ الأَحْنَفِ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ زَمَنَ عُثْمَانَ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ فَقَالَ لِي: أَلا أُبَشِّرُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَلْ تَذْكُرُ إِذْ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ إِلَى قَوْمِكَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ، فَقُلْتَ إِنَّهُ يَدْعُو إِلَى خَيْرٍ، وَمَا أَسْمَعُ إِلا حَسَنًا إِنَّهُ لَيَدْعُو إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَيَنْهَى عَنْ مَلائِمِهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَبْلَغْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَكَ فَقَالَ: [ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَحْنَفِ] » . فَكَانَ الأَحْنَفُ يَقُولُ: إِنَّهُ لا رَجَاءَ مَا أَرْجُو. المدائني عن عُمَر بْن السائب عن سَعِيد بْن كرز قال: قدم الجارود العبدي وافدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر ببلاد بني سعد فوقف على الأحنف طويلًا، ومضى أصحابه فقالوا: لقد طال وقوفك مع هَذَا التميمي؟ فقال: إني رَأَيْت رجلًا لا ينزل ببلد إلّا ساد أهله. وقال مُعَاوِيَة: ما شيء يعدل الأناة فقال الأحنف: إلّا فِي ثلاث يا أمير المؤمنين. قال: وما هِيَ؟ قال: تبادر بعملك الصالح أجلك، وتعجل إخراج ميتك وتنكح الكفء إليك. قال: صدقت أَبَا بحر. الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قال: دخل الأحنف مع عمه على مسيلمة الكذاب فَلَمَّا خرج قال له عمه: كيف رَأَيْته؟ قال: رَأَيْته كذابًا أحمق، فقال عمه: لأعلمنه. قال: إذًا أجحد وأحلف بحقه، فقال الْحَسَن: أمِن والله أَبُو بحر الوحي. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَجْلانِيِّ قَالَ: قيل للأحنف: إنك

لتغشى السلطان فتقعد ناحية، فقال: لأن أقعد فأُقَرَّب أحب إلي من أن أقرُبَ فأُبْعَد. وقالت بنو تميم للأحنف: منتنا عليك أعظم من منتك علينا لأنا سَوَّدْنَاكَ، فقال: ما أعظم منتكم جزاكم اللَّه خيرًا، وهذا شبل بْن معبد البجلي ليس بالمصر من قومه غيره فَمَنْ سوَّده؟! المدائني عن بشار بْن عَبْد الحميد عن أَبِي ريحانة قال: قال الأحنف، وهو بصفين مع علي عليه السلام: ويل للعرب إن غَلَبْنَا أو غُلبنا، قيل: وكيف ذاك يا أَبَا بحر؟ قال: إن غَلبنا لم يعمل إمام بمعصية إلا قُتل وإن غُلبنا لم يُعَجْ [1] إمام عن معصية. المدائني عن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد اللَّه أن الأحنف قال: لا يزال العرب بخير ما تذاكروا الأحساب وأحيوها، وأخذوا بصالح ما كان عليه سلفهم وأغلظوا ولم يكونوا فوضى، وتعايروا الدناءة، وأقالوا الأحياء، وأعفوا الأموات ولم يَعُدّوا الحلم ذلًا. المدائني عن مسلمة قال: قال رَجُل للأحنف: لم أرك يا أَبَا بحر تمس الحصا. قال: ما فِي مسه أجر، ولا فِي ترك مسه وزر. المدائني عن عَبْد اللَّه بْن فائد ومسلمة قَالا: قال الأحنف بْن قَيْس: من كثر مزاحه ذهبت مروءته، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته، ومن أكثر من شيء عرف به. قَالُوا: وذكر رَجُل من بني تميم عند الأحنف بعيب وتمني موته، فقال

_ [1] عج: صاح ورفع صوته، والناقة زجرها. القاموس.

الأحنف: ما تريدون منه، دعوه يكفي قرنه، ويأكل رزقه، وتحمل الأرض ثقله. وكان الأحنف يقول: السؤدد كرم الأخلاق، وحسن الفعال. وكان لقوم قبل قوم دم فصالحوهم على ديتين، فقال الأحنف: إن اللَّه حكم بدية فرضي بها المسلمون وأحقّ ما رَضِيَ به العباد ما أمضى اللَّه به حكمه عليهم، وإنكم إن أبيتم أن ترضوا اليوم بدية، لم يُرض منكم غدًا إلّا بمثل ما طلبتم، فَإِن الأمور تتعاقب، والعز منتقل. فقالوا: الحكم إليك، فأعطاهم دية. المدائني عن مسلمة عن علي بْن زَيْد أن الأحنف قال: ثلاث ما أقولهن إلا ليعتبر معتبر، إني لا آتي السلطان حَتَّى يرسل إلي، ولا أخلف جليسي بغير ما أحضره به، ولا أدخل نفسي فِي أمر لا أُدخل فِيهِ. وقال الأحنف: يا بني تميم لا تنقبضوا عن السلطان، ولا تهافتوا عليه، واعلموا أنه من أسرف على السلطان أرداه، ومن تضرع له تخطاه. وكان يقول: بعض الذل أبقى للأهل والمال. قال المدائني: كان يُقَالُ: أربعة سادوا ولا مال لهم: وكيع بْن بشر بْن عَمْرو بْن عدس، وابنه هلال بْن وكيع، والأحنف بْن قَيْس، وهلال بْن أحوز ساد بالبشر الحسن. وقال: فيل لبحر بْن الأحنف: لقد أورثك أبوك شرفًا وذكرًا، فقال: ليته ترك لي مائة ألف درهم، وَإِنَّهُ فِي النار. المدائني عن مسلمة بْن علقمة الْمَازِنِيّ عن خَالِد الحذاء عن عَبْد اللَّه بْن صعصعة قال: لما حبس ابن الحنفية قال أَبِي: انطلق بنا إِلَى عجوزنا هذه

القاعدة على ذيلها، قال: فدخلنا على الأحنف، فقال لأبي: يا أَبَا الْوَلِيد ما كنت لنا بزوَّار فَمَا بدا لك؟ فقال: إن هَذَا الرجل محبوس. فقال يا أَبَا الْوَلِيد ما كنت صَبًّا بآل أَبِي طَالِب فقال: إنه محبوس مظلوم، فذكر الأحنف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا هدى الله به من الضلالة، وعلم بعد الجهالة، ثُمَّ ذكر أَبَا بَكْر وعمر، واختلاف الناس بعدهما، وذكر عُثْمَان ثُمَّ قال: قد بلونا آل أَبِي طَالِب فلم نجد عندهم إيالة للملك، ولا صيانة للمال، ولا مكيدة فِي الحرب، والأمر ههنا، وأشار إِلَى الشام. قال أَبِي: فَمَا يمنعك؟ قال: أتيتموني فقلتم: ابن الزبير ابن الزبير، فَلَمَّا بايعت قلتم: انكث، لا أنكث. فخرجنا وأبي يقول: لله در ابن الباهلية، لقد أنجبت أمه. قَالُوا: وأنشد رَجُل الأحنف: ولتميم مثلها أو تعترف. .. فقال: تعترف رحمك اللَّه. وأنشد رَجُل: ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما تحبون الطعاما فقال الأحنف: يا بن أخي قد عرفنا الآية فَمَا الحاجة رحمك اللَّه؟ المدائني عن كليب بْن خلف عن إدريس بْن حسكة قال: قال الأحنف لعلي: يا أمير المؤمنين بلغني أن هَذِهِ الذئاب من الكوفة يأتوا يعنفونك فِي قتل المقاتلة، وسبي الذرية، وقسم الفيء، ولن يكفهم عنك إلا شيء تقذفه في أفواههم، وَفِي بيت المال ههنا شيء فاقذفه فِي أفواههم، وأيم اللَّه لئن رمْتَ ما يريدونك عليه لا يكون الأولى عند الأخرى إلا كلقعة [1]

_ [1] لقع: مرّ مسرعا، والشيء رمى به، وفلانا بعينه أصابه، والحية لدغت. القاموس.

ببعرة. المدائني عن مُحَمَّد بْن ربيعة أن رجلًا قال للأحنف: لأسبنك سبًا يدخل معك قبرك. فقال: بل يدخل معك قبرك. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَتْ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قُبَّةٌ لا يَدْخُلُهَا إِلا هَاشِمِيٌّ وَالأَحْنَفُ، وَكَانَ لا يَعْدِلُ بِرَأْيِهِ رَأْيًا فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لَوْ رَأَيْنَا أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ بَايَعْنَاهُ، فَلا تَمْحُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كِتَابِ الْقَضِيَّةِ: فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: قَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَحَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَتَبَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ الأَحْنَفُ: إِنَّ اللَّهَ أَبَى إِلا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ رَسُولَهُ، وَأَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تُرِيدُ أَخْذَ هَذَا الأَمْرِ بِالسَّيْفِ. المدائني عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لم يقارف أحد الفتنة إلا وضعته غير الأحنف، ثُمَّ قال: عسى أن يكون قد سبق له من اللَّه شيء. وقال الْحَسَن: لقد اجتمعت فِي الأحنف خصال: كَفَّ زيادًا عن قتل الحمراء، وتحمل دماء الأزد وربيعة يوم مَسْعُود، فأصلح أمر الناس، وأطفأ النائرة. وكان الأحنف يقول: استجيدوا النعال فإنها خلاخيل الرجال. المدائني عن جهم بْن حسان السليطي أن رجلًا قال للأحنف: هَلْ تكون محمدة بغير مَرْزية؟ قال: نعم بالخلق السجيح، والكف عن القبيح. وقال الأحنف: أدوأ الداء اللسان البذيء والخلق الرديء. وقال الأحنف: ليس لكذوب مروءة، ولا لبخيل خلة، ولا لحاسد

راحة، ولا لسيئ الخلق سؤدد. ولا لملول وفاء. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ قَادِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ مَجَالِسَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ مُعَاوِيَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اجْمَعْ شَمْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِيَزِيدَ فَإِنَّهُ أَفْضَلُنَا حِلْمًا، وَأَحْكَمُنَا عِلْمًا، فَقَالَ الأَحْنَفُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: اعْصِ مَنْ يَأْمُرُكَ وَيُشِيرُ عَلَيْكَ، وَلا يَنْظُرُ لَكَ، فَإِنَّكَ أَعْلَمُ بِالْجَمَاعَةِ، وَأَعْرَفُ بِالاسْتِقَامَةِ، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: حَسْبُكَ رَحِمَكَ اللَّهُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِلَيْلِ يَزِيدَ وَنَهَارِهِ مِنَّا، وَإِنَّا نَخَافُكُمْ إِنْ صَدَقْنَاكُمْ، وَنَخَافُ اللَّهَ إِنْ كَذَبْنَاكُمْ، فَأُسْكِتَ مُعَاوِيَةُ. وروى حَمَّاد بْن زَيْد عن خَالِد الحذاء عن رَجُل قال: رَأَيْت الأحنف يطوف أيام مَسْعُود فيقول: إنكم تلقون عدوكم فأصدقوهم، فإنهم يألمون كما تألمون. المدائني عن أَبِي إِسْحَاق قال: ذكروا عند الأحنف رجلًا فقالوا: كان سخيًا، ثُمَّ شحَّ، فقال رَجُل يعذره، والله ما شَحَّ ولكن قعد به ذهاب ماله، فقال الأحنف: إن المروءة لا تستطاع إذا لم يكن ما لها فاضلًا. المدائني عن جهم بْن حسان قال: كان الأحنف يقول وابن خازم والحريش يقتتلان بخراسان: اللَّهُمَّ اجعل شغل قومي بمحاربة المشركين. وقال حين قتل ابن خازم أَهْل فرنبا [1] : قبح اللَّه رأي ابن خازم قتل رجالا من بني تميم، لو قتل رَجُل منهم به لكان وفاءً فقتلهم بابنه صبي وغد أحمق لا يساوي علقًا.

_ [1] كذا بالأصل، ولعل الصحيح فرنباذ، وفرنباذ قرية كبيرة بمرو على خمسة فراسخ، اللباب لابن الأثير.

المدائني عن عبد الله بن فائد قال أوقع ابن خازم بربيعة بهراة، وبلغ ذلك أَهْل البصرة فقال الأحنف لوجوه تميم: انطلقوا بنا إِلَى إخواننا من ربيعة نعتذر إليهم، فانطلقوا إِلَى مالك بْن مسمع فحبسهم ببابه ساعة، وكان مع بني تميم مُحَمَّد بْن عمير فنهض لينصرف فلم يدعه الأحنف وقال: إذا أتيت رجلًا فِي رحله فاصبر حَتَّى يأذن لك، فَإِن الناس أمراء فِي رحالهم، يأذنون إذا شاءوا، وإلا فلا تأتين أحدًا، ثُمَّ أذن لهم فقال الأحنف: والله ما سرنا ما كان من هَذِهِ الوقعة ولقد ساءتنا، فقال مُحَمَّد بْن عمير: ما ساءتنا إذ كَانَتْ، فقال: مالك إن فِي رأسك نُعْرة ولو ساكنتني بالبلد لطيرتها عنك، فأفسد ما جاؤوا له وتهايجا فجعل الأحنف يسكنهما، فقال مُحَمَّد بْن عمير بعد خروجه من عند مالك: فهلا طير نعرة عبد اللَّه بْن الأصبهاني من رأسه حين رجمه فِي داره حَتَّى أَخْرَجَهُ عَنْهَا وصار إِلَى المربد. المدائني قال: وشي رَجُل برجل عند مصعب بْن الزبير، فأغضب ذلك مصعبًا على الرجل، وجاء الرجل فجعل يتنصل ويعتذر فقال مصعب: كذبت، أبلغني عنك الثقة، فقال الأحنف: إن الثقة لا يُبَلّغ. قال المدائني: لما كَانَتْ فتنة مَسْعُود أراد الناس أن ينتهبوا دار ابن زياد، فقال الأحنف: يا بني تميم امنعوها فإنها لا تكاد تهلك قرية حَتَّى يهلك الذين بُنيت عليهم وأن هَذِهِ البلدة بُنيت على بني سُميَّة. المدائني عن يحيى بْن زكريا العُجَيفي قال: رَأَى الأحنف قومًا يسارعون إلى الشر يوم المربد، فقال يا بني تميم إن أقل الناس حياء من الفرار أسرعهم إِلَى الشر. المدائني عن الْعَبَّاس بْن عامر قال: وفد زياد إِلَى مُعَاوِيَة، ومعه وجوه

أهل المصر، وفيهم الأحنف بْن قَيْس، فقال زياد: يا أمير المؤمنين أشخص قومًا إليك الأمل، وأقعد آخرين العذر ولكلٍ من سعة رأيك وفضلك ما يجبر المتخلف ويكافأ به الشاخص، فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين ما نعدم منك بلاء، ووعدًا جميلًا، وزياد عاملك المستنُّ برأيك والسالك لمنهاجك فينا فَمَا عسينا أن نقول إلا ما قال زهير فإنه ألقى عن المادحين فضول الكلام حيث يقول: وما بك من خير أتوه فَإِنَّمَا ... توارثه آباء آبائهم قبل [1] أخبرنا أَبُو مُحَمَّد التوزي عن الأصمعي عن مبارك بْن فضالة عن يوسف بْن عَبْد اللَّه وهو ابن أخت ابن سِيرِينَ قال: كنت وأنا غلام أحب مجالسة الأحنف، فجالسته فقرأ ذات يوم: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عليه [2] فقلت: يا أَبَا بحر ليس هكذا. فنظر فِي وجهي ثُمَّ سكت فَلَمَّا كان من الغد جئت وأنا كالمستحيي فقال لي: يا بن أخي أشعرت أني نظرت فِي المصحف، فوجدت القول كما قلت. المدائني قال: بايع قوم رجلًا على أن يأتي الأحنف فيُسمعه ويُؤذيه، فأتاه فأسمعه شرًا فقال له الأحنف: يا هَذَا هَلْ لك فِي غداء قد حضر فإنك تحدو مذ اليوم بجمل ثَقال. المدائني عن عَبْد اللَّه بْن دينار عن عَبْد اللَّه بْن بَكْر المزني قال: قال أعرابي للأحنف، وسأله فلم ير عنده ما أحب: قبحك الله من سيد قوم،

_ [1] شرح ديوان زهير ص 115. [2] سورة البقرة- الآية: 203.

وفعل بك وفعل. فلم يجبه فقال الأعرابي: والهفتاه ما منعه من إجابتي إلّا هواني عليه. وصلى الأحنف على جارية بْن قدامة، ثُمَّ قام على قبره فقال: رحمك اللَّه أَبَا أيوب كنت لا تحسد غنينا ولا تحتقر فقيرنا. المدائني قال: رَأَى الأحنف امْرَأَة تندب ميتًا فنُهيت فقال للذي نهاها: دعها فإنها تندب عهدًا قريبًا وسفرًا بعيدًا. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ لِلأَحْنَفِ: أَيُّ الطَّعَامِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الزُّبْدُ وَالْكَمَأَةُ وَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمَا لا يَجْتَمِعَانِ إِلا فِي خَصْبٍ. قَالُوا: وجلس الأحنف على باب زياد، فوضع بعض السقاة عنده قربته وقال: احفظها لي حَتَّى أعود، فأتاه رسول زياد بالإذن فقال: إن عندي وديعة فلن أقوم حَتَّى يرجع صاحبها. وقال الأحنف: السيد الَّذِي إذا أقبل هابوه وَإِذَا ولى شتموه. وقيل للأحنف: لقد ساد حضين بْن المنذر وما اتصلت لحيته، فقال الأحنف: السؤدد مع السواد، أي مع الشباب. وقال الأحنف لابنه: يا بني أتخذ الكذب كنزًا لا تنفقه. ووجد مُعَاوِيَة على يزيد فِي بعض الأمر، فقال للأحنف، ودخل عليه: ما قولك فِي الولد؟ قال: يا أمير المؤمنين هُمْ عماد ظهورنا، وثمار قلوبنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة فلا تمنعهم رفدك فيملوا قربك، وتثقل عليهم حياتك، فأعجبه قوله وقال: لقد كنت واجدًا على يزيد فسللت سخيمتي، وأمر له بصلة.

المدائني عن عَبْد اللَّه بْن يزيد الأسيدي عن يزيد بْن يزيد بْن جَابِر الْأَزْدِيّ أن الأحنف قال لأبي موسى: إياك أن يقدمك عمرو فِي قول أو مجلس، فإنها خديعة، ولا تبدأه بالسلام، فإنها سنة وليس من أهلها. وقال الأحنف: لا يهلك من قوم مثل عباد بْن الحصين، إلا أورثهم هلكه ذلة. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَسْمَلِيِّ أَنَّ الأَحْنَفَ قَالَ: جَلَسْتُ بِالْمَدِينَةِ فِي حَلْقَةٍ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ ثَائِرُ الشَّعْرِ فَرَمَوْهُ بِأَبْصَارِهِمْ وَابْتَدَرُوهُ بِالسَّلامِ غَيْرِي فَقَالَ لِي: كَأَنَّكَ غَرِيبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ الْبَصِيرَةُ، قُلْتُ: أَقُولُ الْبَصْرَةَ وَتَقُولُ الْبَصِيرَةَ؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُه يَقُولُ: [ «يَكُونُ بَعْدِي مِصْرٌ مِنَ الأَمْصَارِ يُقَالُ لَهُ الْبَصِيرَةُ هُمْ أَقْوَمُ أَهْلِ الأَمْصَارِ قِبْلَةً يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ» ،] فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: الأَحْنَفَ. قَالَ: أُحَيْنِفٌ؟ قُلْتُ: أَقُولُ الأحنف وتقول أحينف؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِمَا قُلْتُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «أُحَيْنِفُ السَّرَايَا» .] فَلَمَّا قَامَ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. المدائني عن عَبْد اللَّه بْن أَبِي سُلَيْمَان عن شبيل بْن عزرة قال: هجا ضوء بْن مسلمة الغبري الأحنف فقال: أما خليلي أَبُو بحرٍ فَإِن له ... عندي محَّبَرةٌ حمرًا حواشيها كأنَّ أظفاره من حك سُبَّته ... أظفار ختانة كلَّتْ مواسيها كأنه جيئل عَرْفَاء [1] عارضها ... كلب وشحمتها الدسماء فِي فيها فشكاه الأحنف إلى عَبْد اللَّه بْن عامر، وقال: صرتُ دَريئة للسفهاء

_ [1] العرفاء: الضبع لكثرة شعر رقبتها.

فقال: لك لسانه يا أَبَا بحر. فعاذ ضوء بمعاوية بْن أبي سُفْيَان فقال: إليك أمير المؤمنين رحلتها ... على عجل مني تروح وتغتدي مواشكة تخشى عقاب ابن عامر وترجو معافاة امرئ غير قعدد وقال الأحنف: يا بني نزال إذا أردتم أن تستميلوا قلوب النساء فافحشوا النكاح، وأحسنوا الأخلاق. المدائني عن مسلمة أن زيادًا كتب إِلَى مُعَاوِيَة يشير عليه بتولية الأحنف أو سنان بْن سلمة بْن المحبق ثغر الهند، بعد مقتل عَبْد اللَّه بْن سوار العبدي فكتب إليه بأي يومي الأحنف نكافئه؟ بيوم خذلانه أمير المؤمنين أو سعيه علينا بصفين. فابعث سنانًا. قال: وكتب الأحنف إلى مُعَاوِيَة فِي حَطمة كَانَتْ: خبزا خبزًا، تمرًا تمرًا، فَإِن الشبعان لا يجاوز همه سفوان، وإن الجائع لا يجاوز همه عسفان. المدائني عن كليب قال: لما تم الحلف بين الأزد وربيعة، لقي الأحنف مالك بْن مسمع فقال له: يا أَبَا غسان أحلف فِي الْإِسْلَام؟ فقال: يا أَبَا بحر كَانَتْ لقمة سبقناك إليها، فقال الأحنف: ما أردتها ولتحلبنها دمًا وغيظًا، لقد حالفت قوما إن تبعتهم استذلوك، وإن خالفتهم غلبوك. المدائني عن الفضل العجيفي أن الأحنف قال: أخذت الحلم والصبر عن عمي المتشمس بْن مُعَاوِيَة شكوت إليه وجعا فقال: يا بن أخي ذهبت عيني مذ أربعون سنة، فَمَا علم بها، ولا ذكرتها لأحد. المدائني عن غياث بْن إِبْرَاهِيم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قال: وفد الأحنف إِلَى مُعَاوِيَة فمر بالكوفة، وبلغهم أن مُعَاوِيَة أراد تحويل ديوان

الأحنف إِلَى الشام، فكتب أَبُو سَمّالٍ [1] الأسدي كتابًا دفعه إِلَى الأحنف، فلما قدم الأحنف على مُعَاوِيَة أَعْطَاه كتاب أَبِي سمال وفيه: يا ربَّةَ العير رديه لمرتعه ... لا تظعني فتهيجي الناس للظعَنِ ويروى عن الأحنف أنه قال: لا تؤاخين خَبَّا، ولا تستشيرنَّ عاجزًا، ولا تستعينن كسَلًا. وقال رَجُل للأحنف: أيقدر أحد أن يكون مثلك؟ فقال: يا بن أخي إن الأمر إِلَى غير العباد، وليس للإنسان ما تمنى. المدائني عن الفضل بْن سُلَيْمَان العجيفي قال: نظر الأحنف إِلَى خيل لبني مازن بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم فقال: خيل ما تدرك بالثار. فقال شُعْبَة بْن القِلْعَم الْمَازِنِيّ: أما في أبيك فقد أدركت الخيل بثأرها. فقال الأحنف: لشيء ما قيل دع الكلام للجواب، وقال البلتعي: هُمْ منحوا قيسًا صدور رماحهم ... فَأَتْلَفْنَهُ والحارث بْن حلاس وقتل قَيْس يوم تياس، قتله بنو مازن. وقال الأحنف: من قل فهمه كان أكثر قوله وعمله فيما عليه لا له. هشام ابن الكلبي عن عوانة قال: كان الأحنف يقول: خير ما يؤتى العبد غريزة عقلٍ، فَإِن حرم ذلك، فطول سكوت، فَإِن حرمها، فالموت أستر له. قَالُوا: ونعي للأحنف حسكة بْن عتاب، فلم يجزع عليه، ونعي شقيق بْن ثور السدوسي فاسترجع وشقَّ عليه، فَقِيل له: نعي حسكة وهو من قومك فلم يعظم ذلك عليك، ونعي رَجُل من بكر بن وائل فجزعت،

_ [1] بهاشم الأصل: باللام.

فقال: إن حسكة كان رجلًا مشنعًا مقدامًا، فلم أكن آمنا أن يجر على قومه جريرة تسوءهم. وكان شقيق رجلًا مسنًا حليمًا ركينًا إن حدث حدث كفَّ قومَه. وكان الأحنف يقول: أَنَا وشقيق مُسناة بين هذين الحيين يعني تميمًا وبكرًا. وهجا مرة بْن محكان الربيعي الفرزدق، فغضب وقال شعرًا يقول فِيهِ: أولئك قوم أطمئن إليهم ... وَأَيْنَفُ [1] أنْ أهجو عُبيدًا بدارم [2] فقال الأحنف: ما عهدتُ بأبينا عُبيد بأسًا. وعُبيد أخو رُبَيع بْن الْحَارِث بْن كعب بْن سعد، وكان الأحنف يقول: لحديث العاقل أشهى إِلَى من رَثيئة [3] شيبت بعسلة ماذية، وقال المغيرة: هو هُوَ أشهى إلي من ذوبٍ حُلَّ بماء رصفة [4] فِي يوم من شهر ناجر [5] ، وكان الأحنف يقول: وجدت بعض الذل أبقى للأهل والمال. قَالُوا وكان الأحنف على مقدمة ابن عامر، فوجهه إِلَى قوهستان، فلقي الهياطلة [6] وأهل هراة فَفَضَّ جمعهم، وكان ذلك أول جمعٍ فضّ

_ [1] بهامش الأصل: آنف. [2] انظر ديوان الفرزدق ج 2 ص 246، 263 مع فوارق. [3] رثيئة: اللبن الحليب يصب عليه اللبن الحامض فيروب من ساعته. ألفاظ الأطعمة والأشربة في كتاب الأغاني، اعداد رشيده لقاني- ط. الاسكندرية 1991 ص 70. [4] الرصفة حجارة مرصوف بعضها إلى بعض في مسيل. القاموس. [5] النجر: الحرّ. القاموس. [6] الهياطلة: صنف من الترك.

بخراسان، ووجه ابن عامر الأحنف إِلَى جيّ طُخارستان وفتح الحصن الَّذِي يعرف بقصر الأحنف وأمر بالأذان فِيهِ. وقال الأحنف فِي بعض مغازية قد جفف العدو وهولوا: أيها الناس لا يهولنكم ما ترون من عددهم وعدتهم، واستفتحوا بالدعاء والصبر، ولا يتحركن أحد منكم وإن طعن فِي عينه حَتَّى أهزَّ الراية ثلاثًا فإذا حملت فاحملوا فَمَنْ كان فارسًا فلينظر إِلَى معرفة فرسه، ومن كان راجلًا فلينظر إِلَى موضع سجوده، ولا ترموهم بأبصاركم، وقاتل الأحنف صاحب الصغانيان برمحين وهو يقول: أَنَا ابن قَيْس تحت ظل الغاية ... لأخلطن راية براية فهزم جموع الكفر، وكان يحمل ويقول: إِن عَلَى كُل رئيسٍ حقًا ... أَن يَخْضِبَ الصَّعْدَةَ أو تَنْدَقَّا وصالح الأحنف أَهْل الفارياب، وأهل الطالقان، وأهدى إليه بعض المزاربة دواب ورقيقًا وثيابًا فقال: ألكل رَجُل من أصحابي مثل هَذَا؟ قَالُوا: لا. فَرَدَّهُ وقال: لا استأثر على أصحابي بشيء. وكانت آثار الأحنف بخراسان جميلة، وجرت على يده فتوح كثيرة. وكان نقش خاتم الأحنف: يَعبد اللَّه مخلصًا. وقال الأحنف يوم مَسْعُود لبني تميم: والله ما غَلَبتُكُم لهم بظفر عندي، وما الظفر إلا أن يصلح اللَّه بيننا ونرجع سالمين. قَالُوا: وصالح الأحنف أَهْل بلخ، وصالح أَهْل مرو الروذ، ومضى إِلَى خوارزم فأقام حَتَّى هجم عليه الشتاء فاستشار أصحابه فقال له حضين بْن المنذر: قد قال لك عمرو بْن معدي كرب:

إذا لم تستطع أمرًا فدعه ... وجاوزه إِلَى ما تستطيع [1] فارتحل إِلَى بلخ وخليفته بها أسيد بْن المتشمس بْن مُعَاوِيَة ابن عم الأحنف. ولقي الأحنف طَلْحَة والزبير فقال: ما أقدمكما؟ قَالا: الطلب بدم عُثْمَان، أفبايعت عليًا؟ فقال: أنتما أمرتاني بِذَلِك فقال الزبير: أيها الرجل لست فِي حلو ما ههنا ولا مره، إنما أنت فريسة آكل وتابع غالب، لا أعز اللَّه من نصرت، ستبايع لنا غدًا إذا بايع أَهْل المصر كارهًا. فقال: قد بايعت عليا، ولم أكن لأقاتل رجلًا بايعته، وقد كتبنا خبره مع خبر الجمل. المدائني عن مسلمة عن السكن بْن قَتَادَة أن زَيْد بْن جُلبة، أحد بني عامر بْن عُبيد بْن الْحَارِث، وأخوه منقر بْن عُبيد، كان مع عَائِشَة فأصيب من بني الشُعيراء، وهم أخوال بشر، فجاء الأحنف إِلَى زَيْد بْن جُلبة يعزيه، فقال زَيْد: ما جئت إلّا شامتًا، فقال: كان هواي مع رَجُل، فكنت أحب ظفره. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جُزَيٍّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ وَقُرَّةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلأَحْنَفِ: بِمَاذَا تَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ مِنْ تَرْكِكَ جِهَادَ قَتَلَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، أَمِنْ قِلَّةٍ أَوْ لأَنَّكَ غَيْرُ مُطَاعٍ فِي الْعَشِيرَةِ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا طَالَ الْعَهْدُ، وَلا عَهْدِي بِكِ إِلا عَامًا أَوَّلَ وَأَنْتِ تَحُثِّينِي عَلَى جِهَادِهِ. فَقَالَتْ: وَيْحَكَ إِنَّهُمْ مَاصُّوهُ كَمَا يُمَاصُّ الإِنَاءُ ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَقَالَ: آخَذُ بِقَوْلِكِ وَأَنْتِ رَاضِيَةٌ وَلا آخَذُ بِهِ وَأَنْتِ سَاخِطَةٌ. وقال رَجُل من بني الهجيم يكنى أَبَا فوران أصيبت يده يوم الجمل

_ [1] شعر عمرو بن معد يكرب الزبيدى ص 133.

للأحنف: خذلت قومك. فقال الأحنف: لو كنت أطعتني أكلت بيمينك واستنجيت بشمالك وما كنعت [1] يداك. وحدثني أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قال: حضر الأحنف مجلس زياد، فجرى بينه وبين الحتات المجاشعي كلام، فأسمعه الأحنف وأغلظ له، فَقِيل له: يا أَبَا بحر خرجت إِلَى ما لم يكن من شأنك فأَينَ حلمك؟ فقال: إنما الحلم عند الحبى [2] ، فأما فِي مجالس السلطان فليس إلا الانتصار. المدائني عن الهُذلي عَن بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْر قال: كان زيد بْن جُلْبة يحضّ بني سعد على القتال مع عَائِشَة، وكان الأحنف يكفهم عن القتال، وجرى بينه وبين الأحنف كلام، فقال زَيْد: إنما يطاع لذوي الأسنان والقدم والرأي ولا يطاع من لا رأي له، فوثب إليه الأحنف فأخذ بعمامته وتناصيا فَقِيل للأحنف: أَيْنَ حلمك؟ فقال: لو كان مثلي أو دوني لم أفعل هَذَا به وحلمت عَنْهُ. ودخل رَجُل يُقَالُ له جحش على الأحنف وهو يجبر يد شاة له فقال: ما هَذَا من عمل السيد، فقال الأحنف: إن لها رَبًّا صبورًا على القرى ... وليس القرى فِي نفس جحش بِهَيِّنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ السَّكَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ وَفْدًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ، وَفِيهِمُ الأَحْنَفُ، وَعَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: مَا فِي الأَرْضِ سَعْدِيٌّ إِلا وَدَّ أَنِّي أَبُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ خَالُهُ. فَقَالَ عُمَرُ لِلأَحْنَفِ: مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ المؤمنين إني أواب عشيرتي

_ [1] الأكنع: الأشل، وكنع عنه: يده أشلها. القاموس. [2] الحبية والحباء: النصرة والاختصاص. القاموس.

وَلا أَكْذِبُهَا، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: سَأَلْتَ عَنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَاجِمَ الْمُرُوءَةِ، أَيْ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْمُرُوءَةِ، لَئِيمَ الْخَالِ. وجرى بين الحتات والأحنف كلام فقال له الحتات: إنك ما علمت لضئيل شخت ضعيف، وإن أمك لورهاء. فقال الأحنف: اسكت يا أُديره [1] ، فإنك جلف جاف، وما عندك شيء إلا أنك ابن دارم. فرمى الحتات بثوبه وقال: هَلْ ترون شيئًا؟ فقال غيلان بْن خرشة: أرى نُفَيْخَةً فِي إحدى الخصيتين، فقال: اسكت فإنك عَبْد نصر سيده. وقال مسلمة بْن محارب: سَأَلَ رَجُل من بني صَريم مُعَاوِيَة حاجة، فأمر بها له، وقالوا: ابن الصَريمي، فقال رَجُل كان يطلب أمرًا فطال مقامة: كلنا صريمي، يُعَرِّضُ بمعاوية، يقول: فَرِقْتَ من الصريمي لأن الخارجي الَّذِي ضربك صريمي. ففطن مُعَاوِيَة وضحك وقال له: أتقِ السلطان فإنهم يغضبون غضب الصبيان، ويصولون صيال الأُسد. المدائني عن العلاء بْن لبيد قال: قدم وفد من أَهْل العراق على مُعَاوِيَة فقال آذنة: إن أمير المؤمنين يعزم عليكم ألا يتكلم أحد منكم إلّا لنفسه، فدخلوا فقال الأحنف: لولا عزمة أمير المؤمنين لأخبرته أن رادفة ردفتْ، ونازلة نزلتْ، ونائبة نابَتْ، كلهم به فاقة إِلَى رفد أمير المؤمنين. قال: حسبك يا أَبَا بحر فقد كفيت من غاب وشهد. المدائني عن مسلمة قال: قال الأحنف: يا أَهْل الكوفة نَحْنُ أغذى منكم تربة، وأكثر منكم ذرية واغنم منكم سرية، وأعظم منكم بحرية. قَالُوا: وكانت عند الأحنف امْرَأَة، فطلقها فتزوجها بدر بن حمراء

_ [1] بهامش الأصل: تصغير أدير، وهو المنتفخ الخصيتين.

الضَّبِّيّ، فأتاها الأحنف فأرسل إليه بدر: لا يَشْغَلَنَّكَ عن شيءٍ هممتَ به ... إنَّ الغزال الَّذِي ضَيَّعْتَ مَشغول فقال الأحنف: إن كان ذا شغل فالله يحفظه ... فقد لهونا به والحبل موصول ولستَ واجدَ عشب مُؤنقٍ أنِف ... إلّا كثيرًا به الراعون مأكول الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد عن الْحَسَن أن الأحنف قال: استشارني زياد فِي قتل الموالي من العجم فقال: إني أريد قتل هَذِهِ الحمراء. فقلت: انشدك اللَّه بهم فإنهم قد تحرموا بالإسلام، وشاركناهم فِي الأولاد وخالطونا وخالطناهم، فترك ذلك. وقال الأحنف: أنقبنا النعال إِلَى زَيْد بْن جُلْبة نتعلم المروءة. ومر الأحنف وهو يريد مُعَاوِيَة بأهل حَواء [1] فيهم زفر بْن الْحَارِث، فقالوا: مرحبا بسيدنا وشيخنا. فقال لهم: من أنتم؟ قَالُوا: بنو كلاب. قال: أي بني كلاب؟ قَالُوا: من بني نُفَيل. فقال: أما أَنَا لا نشك، فقال لهم زفر: فماذا أتقول إنا منكم؟ فو الله إنا لأحسن منكم وجوها وأطول منكم أجسامًا. فقال: أَشْبَهْتُم أمكم الناقمية. المدائني عن عامر بْن حَفْص قال: أتى قوم الأحنف وعميرة بْن مالك الحرشي معهم، فقال له: من أنت يا فتي؟ فَأَخْبَرَه، ثُمَّ عاد فسأله قال: فقلت: والله لأسألنه عن شيء لا ينكرني بعده أبدًا، فقلت: يا أَبَا بحر أزنيت قط؟ قال: لا ثُمَّ لم يسألني بعدها.

_ [1] في معجم البلدان: حواء ماء من نواحي اليمامة، وأرجح أنه هنا اسم موقع قريب من قرقيسياء لأن الأحنف كان قادما من العراق يريد دمشق.

وكلم الأحنف ابن زياد فِي ابن رأس البغل، وكان محبوسًا فِي خراج فأطلقه، واستأنف به أجلًا، ثُمَّ حمل المال وبعث إِلَى الأحنف بعشرة آلاف درهم وهدايا من عسل وسمن وجوز، فردَّ الدراهم وقال: لا آخذ على المعروف ثمنًا، وقبل الهدايا. وكان الأحنف يقول: ما جلست قط مجلسًا أخاف أن أُقام عَنْهُ لغيري، إن شر المجالس القُلَعَة. المدائني عن إِسْحَاق بْن أيوب عن رجاء بْن حَيوة الكندي قال: قال مُعَاوِيَة بْن حديج الكندي لقومه: إن تسويدكم إياي غير عجب لأن لي مالًا وأفضالًا، وليس العجب إلّا من الأحنف فإنه سُود بغير مال. ولما عقد لمعاوية بْن حُديج على مصر قال له رَجُل: أعطيت شرفًا، فقال له: فَمَنْ أنت؟ قال: من بني تميم. قال: يا أخا بني تميم إن هؤلاء يتبعوني طمعًا فيما ينالون مني، وإنما الَّذِي شرف لغير نيل صاحبكم الأحنف. وكان ابن زياد حبس عُبَيْد اللَّه بْن الحُر الجعفي، فتكلم فِيهِ الأحنف فأطلقه فأتاه فقال له: أَنَا طليقك عُبَيْد اللَّه بْن الحُر وما أدري ما مكافأتك إلا أن أقتلك فأبوء بإثمك فتدخل الجنة وأدخل النار، فضحك الأحنف وَقَالَ: لا حاجة لنا فِي مكافأتك. قَالُوا: ولم يتعلق على الأحنف إلّا بست خصال قوله فِي الزبير أنه جمع بين غارين ثُمَّ هُوَ على أن يلحق بأهله، وقوله حين استنصره الْحَسَن: قد بلونا حسنًا وأبا حسن فلم نجد لهما إيالة للملك، ولا صيانة للمال، ولا مكيدة فِي الحرب، ولم يجبه، وقوله للمرأة يوم مَسْعُود: أست المرأة أحق

بالمجمر، وقوله للحتات: يا أُدَيْرة، وقوله لقطري حين بَلَغَه خبره: إيه أَبَا نعامة إذا ركب بنات سجاح، وقاد بنات صهال [1] ، وأصبح بأرض وأمسى بأخرى طال أمره، وقوله للرجل الَّذِي لطمه: لم لطمتني؟ فقال: جعلوا لي جعلًا على أن ألطم سيد بني تميم، قال: سيدهم جارية بْن قدامة، فأتى الرجل جارية فلطمه، فقطع جارية بن قدامة يده. المدائني عن أَبِي الأشهب العطاردي قال: كتب عَبْد الملك إلى الأحنف يدعوه إِلَى بيعته فقال: يدعوني ابن الزرقاء إِلَى ولاية أَهْل الشام، ولوددت أن بيننا وبينهم جبلًا من نار، من أتانا منهم وأتاهم مِنَّا احترق. وقال الأحنف لابنه: يا بني إذا كنت قليلًا فلا تكن خبيثا. الْمَدَائِنيّ عَن مسلمة بْن محارب قَالَ: خرج زياد بْن عمرو بْن الأشرف مع المصعب، فَلَمَّا صار إِلَى الكوفة قال للأحنف: يا أَبَا بحر إنَّ عليَّ دينًا، ولي مؤونة، وقد جفاني هَذَا الرجل، وإني لخليق، فكلِّمه ليقضي دَيني، وإلا فَإِن الأرض واسعة كأنه يتهدده بالمصير إِلَى عَبْد الملك، فقال الأحنف: يا زياد إن مصعبًا وليكم، فأكرم أشرافكم وأحسن إِلَى العامة والخاصة منكم، ولا أراك وأصحابك تنتهون حَتَّى تُدخلوا أنباط الشام، وأقباط مصر عليكم، وأيم اللَّه لئن فعلتم لتُزَمُّنَّ بزمام من تحرك أكبَّهُ لذقنه، ثُمَّ لا تزالون أذلاء ما بقيتم ولا تمنعون ذنب ثعلة [2] ، وكلمه فأمر له بثلاثين ألفًا، فَلَمَّا قدم الحجاج وجاء أَهْل الشام قال زياد: رحم اللَّه أَبَا بحر فقد جاء ما كان يقول.

_ [1] من خيول العرب. [2] أنثى الثعالب.

وقال رَجُل للأحنف بم سدت قومك، ولست بأجودهم ولا أمجدهم؟ فقال: بتركي ما لا يعنيني كما عناك أمري. وكان يقول: إن شرار الناس الذين لا يستحيون من الفرار. المدائني عن وضاح بْن خيثمة قال: مر حارثة بْن بدر الغُداني بالأحنف فقال: يا أبا بحر لولا أنك عجلان لشاورتك فِي مُهم. فقال الأحنف: أجل، كانوا يقولون لا تشاورنَّ جائعًا حَتَّى يشبع ولا ظمآن حَتَّى ينقع ولا أسيرًا حَتَّى يطلق، ولا مضلًا حَتَّى يجد ولا طالبًا لحاجة حَتَّى ينجح. قال المدائني عن عوانة: أن مُعَاوِيَة قال للأحنف: ما تعدون المروءة؟ قال: الفقه فِي الدين، وبر الوالدين، وإصلاح المال، فقال مُعَاوِيَة ليزيد ابنه: اسمع ما يقول عمك. وروى وضاح بْن خيثمة أنه قال: الفقه فِي الدين. قَالُوا: وكلم الأحنف عُبَيْد اللَّه بْن زياد فِي عمه جَزْء بْن مُعَاوِيَة، فولاه الفرات، فاختان مائة ألف درهم، وبعث بها إِلَى أهله، فأخبر الأحنف ابن زياد بِذَلِك فبعث إليه عُبَيْد الله فأخذ خاتمه وبعث به إلى أهله وقال: حملوا المائة الألف، فحملت إلى دار ابن زياد، فَقَالَ جَزْء للأحنف: لا جزاك اللَّه عن الرحم خيرًا، فقال: وأنت لا جزاك اللَّه عن الأمانة خيرًا. المدائني عن أَبِي إِسْحَاق المالكي عن شبيل بْن عزرة قال: قال الأحنف: لا أنازع رجلًا إن قال خذوه أُخِذتُ، وإن قلت خذوه لم يؤخذ لي. وقال الأحنف: السيد، الذليل فِي عرضه، الأحمق فِي ماله، المطرَّح لحقده، المعين للعشيرة.

الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: كَانَتْ عُمُومَةُ الأَحْنَفِ: صَعْصَعَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَجَزْءَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَالْمُتَشَمِّسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ صَعْصَعَةُ لِلأَحْنَفِ: يا بن أَخِي أَتَرَانِي أَخْطُبُ إِلَى قَوْمٍ فَيَرُدُّونِي؟ قَالَ: نعم، لَوْ أَتَيْتُ بَنِي الشُّعَيْرَاءِ رَدُّوكَ. قَالَ: لا جَرَمَ. قَالَ: لا أَنْزِلُ عَنْ دَابَّتِي حَتَّى آتيهم فأتاهم فوقف على عائشة بن جعدة، وكان عائشة يَقُولُ: «كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ، فَرَشَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ مَاءً فَأَصَابَنِي» ، فَخَطَبَ صَعْصَعَةُ إِلَيْهِ ابْنَتَهُ فَقَالَ: انْزِلْ فَنَزَلَ، فَأَمَرَ بِدَابَّتِهِ فَضَرَبَ وَجْهَهَا وَطَرَدَتْ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى دَارِ صَعْصَعَةَ فَضَجُّوا لَمَّا لَمْ يَرَوْا صَعْصَعَةَ وَقَالُوا قُتِلَ، فَقَالَ الأَحْنَفُ: كَلا وَلَكِنَّهُ صَنَعَ شَيْئًا نَهَيْتُهُ عَنْهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ لِيَسُبَّ بَنِي الشُّعَيْرَاءِ. وقال الأحنف لجزء بْن مُعَاوِيَة عمه: الزم العفة تلزمك الحرفة، أي العمل. وقال رَجُل فِي مجلس زياد: ما أطيب ما يؤكل؟ فقال رَجُل مِمَّنْ حضر: تمر نرسيان [1] كأنها بعض آذان النوكي بمثلها زبدًا، فقال الرجل الَّذِي سَأَلَ: أفٍّ ما أطيب هَذَا، فقال الأحنف: رب ملومٍ لا ذنب له. وقيل للأحنف وعليه ثوب له: أما تَمَلُّ لبسه؟ فقال: رُبَّ مملول لا يستطاع فراقه. ويروى ذلك عن غيره. قَالُوا: ومر الأحنف بصفوان ابن أخي خَالِد بْن صفوان فقال له: يا أَبَا بحر اجلس حَتَّى نكشف الملائم ونتذاكر المحارم، وبلغ ذلك أَبَا صفوان، وهو فِي قول الكلبي عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن الأهتم، وفي قول غيره

_ [1] نرسيان: ناحية بالعراق بين الكوفة وواسط. معجم البلدان.

عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم، فغضب على ابنه وقال: لست راضيًا عنك أو يكلمني فيك أَبُو بحر، فأتى الأحنف فسأله أن يترضى أَبَاهُ فترضاه له. وقال الأحنف: لم أخلف أحدًا قط بغير ما أشهده به، ولم أدخل نفسي فِي شيء من أمور الناس لم أُدخَل فِيهِ. وأتى الأحنف رَجُل فقال له: قد أتيتك فِي حاجة لا تنكؤك ولا ترزؤك فقال إذا لا تقضى إن مثلي إلا يؤتى إلا فِي حاجة تنكؤه وتزرؤه. المدائني عن شبيب بْن شبة قال: ذُكر الأحنف عند عمه جَزْء بْن مُعَاوِيَة، فنال منه فبلغه فقال: رُبَّ بعيدٍ لا يُفقد خيره، وقريب لا يُؤمن عيبه. المدائني عن جهم بن حسان أن الأحنف قال: لأن تحكك فِي بيتي أفعى وأنا أراها أحب إلي من أن أرى أيّمًا أرد عَنْهَا كفؤًا. المدائني عن الحسن الجفري قال: بال الأحنف يومًا وقريب منه رَجُل، فقال له الأحنف: حرمتني منفعة بولي، بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: [ «كل بائلة نفوخ» ] . وقال الأحنف: من أراد شراء دار فليستصلح الجار قبل الدار. العمري عن الهيثم بْن عدي قال: أشرف رَجُل على الأحنف، وهو يعالج طبيخًا فِي قدر صغيرة، وهو يحش تحتها فقال: قِدْرٌ كَكَفِّ القرد لا مستعيرها ... يُعار ولا مرتابها يتدسَّم فبلغ ذلك الأحنف فقال: رحمه اللَّه لو شاء قال أحسن من هذا. قالوا: وقال شاعر للأحنف: رحمه اللَّه لو شاء قال أحسن من هذا. قالوا: وقال شاعر الأحنف: إنا أتينا أَبَا بحر وقد جَعَلَتْ ... أيدي سرابيلنا تَنْدَى من النَّجَدِ

ولا نرى سيدًا يوُفى بسيدنا ... إذا تَلبَّسَ وَعْثُ الأرض بالجَدَدِ ألقى المراسي واشتدت عوارضه ... لما رَأَى سوءة تهدي إِلَى اللَبَد ويقال اللُبد وهو قول الكلبي واللبد من بني عُبَيْد. المدائني وغيره أن ابن أَبِي عصيفير الثقفي حبس فِي مال عليه، يُقَالُ أن مبلغه مائة ألف درهم، وبلغه أن مصعبًا قد أقبل يريد الكوفة ومعه الأحنف، فوجه إِلَى الأحنف من يَلْقَاه وأقام له النزل حتى ورد الكوفة ومعه الأحنف، فوجه إِلَى الأحنف من يَلْقَاه وأقام له النزل حَتَّى ورد الكوفة ثُمَّ أنزله فِي دار ابن أَبِي عصيفير، فقال الأحنف: فأين أخونا لا نراه فقد برَّ وأكرم فَقِيل: هُوَ محبوس بمال عليه، فكلم مصعبًا فِيهِ، فوهب المال له، ووهب الأحنف مثله، فصرفه الأحنف إِلَى ابن أَبِي عصيفير. حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صالح عن أَبِي زبيد عبثر أن الأحنف دخل الكوفة فاستطابها وقال: اللَّهُمَّ إن حضر أجلي فاجعله بالكوفة، فَإِن تربتها كالكافور، فمات بها ودفن، ومات فِي دار ابن أَبِي عصيفير. قَالُوا: ولما حضرت الأحنف الوفاة قال: لا تند بني نادب، ولا تبكني باكية، وعجلوا إخراجي، ولا تؤذنوا بي أحدًا، فَلَمَّا مات آذنوا المصعب لتقدمه إليهم فِي ذلك، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ بأفواه السكك فلا يدع امرأة تخرج فانتفجت امْرَأَة على حدج [1] لها على دابة، وكانت من بني عبيد وجعل تقول: قل لأميري مصعب إنني ... سأندب المدفون بالقاع أَنْدُبُه بالحقِّ لا أتلي ... بخير ما يَنْعَى به الناعي الأحنف الخير ابن قَيْس ... أبا بحر إذا ما قصّر الساعي

_ [1] الحدج: مركب للنساء كالمحفة. القاموس.

فقال مصعب: دعوها. فَلَمَّا دفن وقفت على قبره فقالت: أيها الناس إنكم خول اللَّه فِي بلاده، وشهوده على عباده، وإنا قائلون خيرًا، ومثنون حسنًا، أنشد اللَّه رجلًا إن قلت حقا إلا صدقني، وإن قلت باطلًا إلا كذبني، ثُمَّ عددت حُلْمه، وفعله فقالوا: صدقت. وقال المصعب وهو فِي جنازة الأحنف يمشي أمامها متسلبًا: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات سيد العرب. فقال رَجُل من بَكْر بْن وائل: حاشي الأمير. المدائني عَن جويرية بْن أسماء قَالَ: لما مات الأحنف قال مصعب: اليوم مات الزبير، وجعل يسترجع. المدائني عن إِبْرَاهِيم بْن يزيد الأسيدي قال: أخبرني من شهد جنازة الأحنف قال: رَأَيْت المصعب فِي الجنازة وقد ألقى عطافه وحمل مقدم السرير يسترجع ويقول: اليوم مات الحلم، وذهب الوفاء. المدائني عن أَبِي اليقظان عن وضاح بْن خيثمة قال: مروا بجنازة الأحنف على شيخ من بني أسد مسنُّ لا يقدر على النهوض، فقال الشيخ إنا لله هُوَ أمس سيدنا، واليوم جنازةً يُهدى إِلَى حفرته. قَالُوا: وورد البصرة بوفاة الأحنف رَجُل من بني يشكر، فقال رَجُل من بني سعد: أماتَ ولم تبك السماء لفقده ... ولا الأرض أو تبدو والكواكب فِي الظهر كذبت إذن ما أمسكت بطن حاملٍ ... جنينًا ولا أضحى على الأرض من شَعْر ولما أتيت اليشكري وجدته ... بأمر أَبِي بحر بْن قيسٍ أخا خُبْر وصلى عليه مصعب، وولي دفنه، ووقف فترحم عليه، ودمعت عينه.

وكان بحر بن الأحنف

وحدثني عَبْد اللَّه بْن صالح عن أشياخه قَالُوا: لما سُوِّي التراب على الأحنف والناس محزونون قَالَتِ امرأة من بني تميم يُقَالُ لها أسماء بِنْت حصن من بني منقر، فقالت: إني معزيتكم عن أَبِي بحر أعظم اللَّه أجوركم فِيهِ، ثُمَّ قَالَتْ: رحمة اللَّه عليك من مُجنّ فِي جنن، إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل اللَّه الَّذِي فجعنا بفقدك، وابتلانا بفراقك أن يغفر لك يوم حشرك، وأن يفسح لك فِي قبرك، وأن يجعل سبيل الخير سبيلك، ودليل الرشاد دليلك، ثُمَّ التفتت إِلَى الناس فقالت: إن أولياء اللَّه فِي بلاده شهوده على عباده، وإنا قائلون حقًا ومثنون صدقا فإنه لأهل لحسن النثا [1] وطيب الثناء، وأما وَالَّذِي جعله من أجله فِي عدة، ومن الفناء إِلَى مدة، ومن عمره إِلَى نهاية وَفِي المضمار إِلَى غاية لقد عاش حميدا رشيدًا، ومات فقيدًا سعيدًا، ولقد كان عظيم السلم، بسيط الحلم، رفيع العماد، وارى الزناد، منيع الحريم، سليم الأديم، ولقد كان فِي المحافل شريفًا، وعلى الأرامل عطوفًا، وعن الفحشاء عفيفًا ومن الناس قريبًا، وفيهم غريبًا، وإن كان لمسوّدًا، وإلى الخلفاء موفدًا، وإن كانوا لقوله لسامعين ولرأيه متَّبعين، ثُمَّ قعدت فقال من حضر: ما رأينا كاليوم امرأة أبلغ منها فِي قولها، ولا أصدق فِي وصفها. وكان بحر بْن الأحنف مضعوفًا، ومات ولا عقب له. وكان صعصعة بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف، رأس بني تميم فِي أيام مُعَاوِيَة يعطى العطاء فِي داره، وكان يكنى أَبَا الْوَلِيد وشهد يوم الجفرة على فرس له، فلحق بالبحرين ثُمَّ رجع.

_ [1] نثا الحديث: حدّث به وأشاعه، والنثا ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيئ.

وكان جزء بن معاوية عم الأحنف ذا قدر،

وكان ابنه مُعَاوِيَة شريفا خطيبًا شاعرًا، ولي البحرين للحكم بْن أيوب فحبسه بمال، وكانت امْرَأَة من بني حنيفة يُقَالُ لها أم فراس غرمت عن بعض بني حنيفة مالًا حبس بسببه مع مُعَاوِيَة، وكان مَوْلَى لبني مسمع يُقَالُ له سنان غرم أيضًا عن رَجُل مِمَّنْ حبس مع مُعَاوِيَة بْن صعصعة فقال مُعَاوِيَة. ألا ليت لي بالمالكين كليهما [1] ... سنانًا وبالسعدين أم فراس وألفيت عمرًا ثُمَّ لم احتفل بهم ... ألا إنهم لفوا لكل أناس فَمَا فِي تميم حافظ لحقيقة ... ولا صابر عند الأمور مُواسي وكان يكنى أَبَا سنان وله عقب بالأهواز. وكان جزء بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف ذا قدر، وولي أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بعض الأهواز، فرفع عليه أبو الْمُخْتَار الكلابي، وبالأهواز نهر يعرف بنهر جزء، وتكلم فِيهِ الأحنف فولي الفرات. وكان المتشمس بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف يفضل على الأحنف فِي حلمه، وأمره أَبُو مُوسَى أن يُفرق خيلا فِي بني تميم فقال له رَجُل من بني سعد: ما منعك أن تعطيني فرسًا، ووثب عليه فأثر فِي وجهه. فقام إليه قوم ليأخذوه فقال: دعوني وإياه إني لا أُعان على أحد، وانطلق والرجل معه إِلَى أَبِي مُوسَى، فقال له أَبُو مُوسَى: ما هَذَا بوجهك؟ فغيب عَنْهُ، وقال هَذَا ابن عم لي ساخط علي لأني لم أعطه فرسًا، فَإِن كان عندك فرس فاحمله عليه ففعل، وقال إنك لم توبخ مسيئًا بأكثر من الإحسان إليه. وكان حميري بْن عبادة بْن النزال أسر مليكة بِنْت كرب أم الجارود بْن المعلى وقد أغار بنو سعد على عَبْد القيس بفروق فقال سلامة بْن جندل.

_ [1] بهامش الأصل: مالك بن ... ومالك بن حنظلة.

نعم الفوارس يوم قوِ أدركوا ... ضربًا وطعنًا فِي لكيز مزهق ترك المعلَّى عُرْسَهُ يوم الضحى ... لهم ونسوتها برهن مغلق [1] ومن بني النزال: عكراش بْن ذؤيب، شهد الجمل مع عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا، فضرب على أنفه وعاش مائة سنة، ومر به الفرزدق وبنوه يلعبون بين يديه، فقال له: يا أَبَا الصهباء؟ من هؤلاء؟ قال: بني يا أَبَا فراس. قال: مغبون ورب الكعبة. قال: كلا. قال: أفممعود أنت؟ - والممعود الَّذِي لا يقدر على النكاح إلّا على الشبع- قال: نعم. قال: فذاك إذًا، أي أنك صدقت. وكان عُبَيْد بْن عكراش من سروات أَهْل البصرة وولي بصنى [2] من السوس، وكان على شرط سَوَّار بْن عَبْد اللَّه العنبري أيام ولي البصرة، وفيه يقول أبو البصير شاعر من الموالي: قل لسوّار إذا ما جئ ... ته وابن علاثة زاد في الصنج عبيد الل ... هـ أو تارا ثلاثة سَنَّ فِي أرض بصنى ... سُنَّةً صارت وراثة فإذا قُلْت تَعَلَّى ... دينه صار رثاثة وكان صالح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن نشيط صاحب الخراج من موالي بني النزال. ومن بني عَبْد منبه بْن عبادة بْن النزال: فُرعان بْن الأعرف، كان لصًا وهو الَّذِي يقول:

_ [1] ليسا في ديوان سلامة بن جندل المطبوع. [2] بصنى: مدينة من نواحي الأهواز صغيرة، وجميع رجالهم ونسائهم يغزلون الصوف وينسجون الأنماط والستور. معجم البلدان.

ومن بني عامر بن عبيد بن مقاعس: خليفة بن عبد قيس بن بو،

يقول رجالٌ أنَّ فرعان فاجرٌ ... ولله أعطاني بني وماليا ثمانية مثل الصقور وأربَعًا ... مراضيع قد وَفَّيْنَ شُعْثًا ثمانيا إذا اصطنعوا لا يخبؤون لغائبٍ ... طعامًا ولا يدعون من كان نائيا ومن بني عامر بْن عُبَيْد بْن مُقاعس: خليفة بْن عَبْد قَيْس بْن بَوْ، شهد القادسية مع سعد بْن أَبِي وقاص وقال: أنا ابن جوّ ومَعي مخراقي ... أَضرِبُ كل قدمٍ وساق أذكره الموت أَبُو إِسْحَاق يعني سعد بْن أَبِي وقاص. وكان خليفة بْن عَبْد قَيْس بْن بو من أصحاب جفرة خَالِد، وهدم مصعب داره، وعقر نخله، وقتل ابنه تلك الأيام الْحَسَن بْن خليفة، ولم يمت خليفة حَتَّى بلغ بنوه وبنو بنيه مائة رَجُل. وكان من بنيه لصلبه أَبُو ذر، ولقب أَبَا زر، وكان زانيًا وله يقول الشاعر: زَنا ابنُ بوِّ أَبُو زَرٍ صراحية ... والله يمقت وجه الأشمط الزاني وقال أبو زر عند الموت: اسقوني خمرا فقالوا: أتشرب خمرًا عند الموت؟ فأنشأ يقول: أُلام على شراب الشَّيْخ كسرى ... وقد نحلتُ من العطش الجلود وإنما نقلتُ كنيته إِلَى أَبِي زر إكرامًا لأبي ذر الغفاري رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ. وكان سُلَيْمَان بْن خليفة شاعرًا، وكان مع القاسم بْن سِعر بعُمان،

ومن بني خليفة بن عبد قيس بن بو: مجاعة بن خالد بن الحسن بن خليفة،

فأخذ أسيرًا، فقال له سُلَيْمَان بْن عياذ: امدحني حَتَّى أخليك فمدحه فخلَّاه، وقال: لأُجزيَنَّ أَبَا مروان مِدْحَتَهُ ... وخيرُ من أُولي المعروف من شكرا ردّ الإله به من بعد ما جَشَأَتْ ... نفسي وأَنْبَتَ فوق الهامة الشَّعَرَا أَبُو مروان: سُلَيْمَان بْن عياد الأزدي. ومن بني خليفة بْن عَبْد قَيْس بْن بَوّ: مجاعة بْن خَالِد بْن الْحَسَن بْن خليفة، كان شجاعًا فِي فتنة ابن سهيل بالبصرة. ومن بني بَوّ: زَيْد بْن جُلْبَة بْن مرداس بْن بَوّ، كان عظيم القدر سيدًا، وكان على وفد بني تميم حين وفدوا على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وفيهم الأحنف من تحت يده. وكان عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ حين كتب المصاحف بعث إِلَى زَيْد بْن جُلْبة بمصحف بني تميم، وكان مع ابن عامر بْن كريز له عنده قدر، وكان يلي له، وشهد الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها، ووفد إِلَى مُعَاوِيَة بعد ذلك، ولا عقب له. ومن بني بَوّ: سلمة بْن علقمة، من أصحاب ابن سِيرِينَ، وولي صدقة البصرة، وله عقب، وكانت عنده ابْنَة عَبْد الرَّحْمَن بْن سعوة المهدي. ومن بني عَبْد عمرو بْن عُبَيْد: سلامة بْن جندل بْن عَبْد عمرو بْن عُبَيْد بْن مقاعس، شاعر مضر فِي زمانه، وأخوه الأحمر الشاعر أيضًا. وسلامة الَّذِي يقول: يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب [1]

_ [1] ديوان سلامة بن جندل- ط. بيروت 187 ص 92. والتأويب: الرجوع، ويقال التأويب: مذ غدوة إلى الليل، ويقال أيضا: التأويب: الامعان في السير الشديد.

ومن بني زيد بن عبيد: عمرو بن أبير بن زيد بن عبيد،

ومن بني زَيْد بْن عُبَيْد: عمرو بْن أبير بن زيد بن عبيد، ربع أربعين سنة، وكان يُقَالُ له ذو النعلين. ومن بني عمير بْن مقاعس: السُّلَيْك بْن يثربي بْن سنان بْن عمير بْن الْحَارِث، وهو مقاعس، وأمه السَّلَكَة، وكانت سوداء، وهو الرئبال، وكان يغير وحده، ويقال هُوَ السُّلَيْك بْن سلكة، وأبوه عمرو بْن يثربي بْن عمير. والأول قول الكلبي وهو أثبت. وقال أَبُو عبيدة معمر بْن المثنى وغيره: كان سليك بْن سلكة، وأوفى بْن مطر الْمَازِنِيّ من تميم، والمنتشر بْن وهب الباهلي لا يجارون عدوا، يجوع الرجل منهم فيشد على الظبي حَتَّى يأخذ بقرنيه، وكانوا أهدى من القطا، فإذا كان زمن الرَّبِيع جعلوا الماء فِي بيض نعام مثقوب ثُمَّ دفنوه، فإذا كان الصيف وانقطع الغزو وغزا أحدهم جاء حَتَّى يقف على البيضة منها فيستثيرها. ورأت السليك طلائع جيش لبكر بْن وائل جاؤوا ليغيروا على بني تميم ولا يعلم بهم، فقالوا: إن علم السُّلَيْك بنا أنذر قومه. فبعثوا إليه فارسين على جوادين فَلَمَّا هايجاه خرج يمحص كأنه ظبي فطارداه يومهما وقالا: إذا جاء الليل أعيا وسقط فقصر عن العدو فنأخذه، فَلَمَّا أصبحا وجدا أثره وقد عثر بأصل شجرة فنزا مقدار عشر خُطا، وَإِذَا قوسه قد انحطمت فوجدا قِصْدة منها مُرْتَزَّةً [1] فقالا: ماله قاتله اللَّه ما أشد مَتْنَهُ، فانصرفا وأنذر قومه فكذبوه لبعد الغاية فقال: يكذبني العمران عمرو بْن جندب ... وعمرو بن سعد والمكذّب أكذب

_ [1] القصدة: القطعة مما يكسر، ومرتزّة: مثبته. اللسان. القاموس.

ثكلتكما إن لم أكن قد رأيتها ... كراديس يهديها إِلَى الحي موكب كراديس فيها الحوفزان وحوله ... فوارس همَّامٍ مَتَى تُدْعَ يركبوا [1] فجاء الجيش فأغاروا، ويقال لسُلَيْك: سليك المقانب. قال قُرّان الأسدي وكان ضرب امرأته بسيف فطلبه بنو عمها فهرب وبلغه أنهم يتحدثون إليها: لزوار ليلي منكمُ آل برثنٍ ... على الهول أمضى مِنْ سليك المقانب قَالُوا: وغزا السليك بَكْر بْن وائل، فلم يجد غفلة فأقام يطلبها فنذروا به، فعدا حَتَّى ولج قبة فكيهة من ولد قَيْس بْن ثَعْلَبَة فأجارته، ودعت إخوتها فمنعوه فقال سليك: لعمرو أبيك والأنباء تنمى ... لنعم الجار أخت بني عوارا من الخفرات لم تفضح أخاها ... ولم ترفع لأسرتها شنارا [2] وعوارا ابْنَة عوف بْن ذهل بْن شَيْبَان، كَانَتْ عند مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة بْن عكابة، فولدت ولده فهم ينسبون إِلَى عُوارا أمهم. قَالُوا: وكان السليك لا يغير إلا على أَهْل اليمن، وربما أغار على ربيعة إذا اضطر، وكان لا يغير على مضر، وكان له انقطاع إِلَى عَبْد ملك بْن عَبْد بْن ثَعْلَبَة بْن مازن الخثعمي، وقال غير الكلبي: هُوَ عَبْد مالك بْن مويلك، فأغار مرة على قوم وراء بلاد خثعم ثُمَّ أتى بلاد خثعم فإذا بيت من خثعم أهله خلوف، وفيه امْرَأَة شابة بَضَّة جميلة، فسألها عن الحي فأخبرته

_ [1] ديوان السليك بن السلكة- ط. بيروت 1994 ص 62. [2] ديوان السليك ص 74- 75.

ومنهم ياسين بن بشر الخارجي

فتسنمها [1] والتحم المحجة، فأتت الماء فأخبرت القوم بخبره، فركب أَنَس بْن مدركة الخثعمي فظفر به فقتله، فقال عَبْد ملك بْن عَبْد: لتَدِيَنَّهُ، أو لأقتلنَّك يا أَنَس، فقال أَنَس: والله لا أدِيه أبدًا وأنشأ يقول إني وقتلي سليكًا ثُمَّ أعقله ... كالثور يُضربُ لما عافت البقر أمشي البراز وسربالي مُضاعفة ... تغشى اليدين وسيفي صارم ذكر ويروي: «أغشى الحروب» وكان سليك نائمًا فجاء رَجُل فقعد على صدره وقال: استأسر، فقال له سليك: الليل طويل وأنت مقمر [2] . يقول: اصبر حَتَّى نصبح أو يطلع القمر. وقال أَبُو عبيدة: خرج سليك ليغير على بني شَيْبَان، فمر ببيت فِيهِ شيخ وامرأته فقال لأصحابه: دعوني حَتَّى أدخل البيت فآتيكم بطعام، فأراح ابن الشَّيْخ إبله فقال: ألا حبستها قليلًا آخر، فقال: إنها أبت العشاء فقال إن العاشية تهيج الآيبة [3] ، وضربه السليك فأطار قحف رأسه واطرد الإبل، وكان الشَّيْخ يزيد بْن رويم الشيباني. ومنهم ياسين بْن بشر الخارجي ولم ينفذ ابن الكلبي نسبه. ومن بني صريم بْن مقاعس: عَبْد الله بْن إباض الخارجي صاحب الإباضية، وعبد اللَّه بْن صَفّار الَّذِي نسبت إليه الصفرية، وقوم يقولون هُوَ عَبْد اللَّه بْن صُفَار، وذلك تصحيف، والبُرك، هُوَ عَبْد اللَّه الخارجي، الَّذِي ضرب مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان ففلق إليته، فأُخذ فقطعت يداه ورجلاه، فلما

_ [1] التسنم: الأخذ مغافصة، أي على حين غرة. والتحم الجرح للبرء. التأم والحرب اشتدت. القاموس. [2] انظر مجمع الأمثال للميداني. المثل (117) . [3] انظر مجمع الأمثال للميداني. المثل (2409) .

وقال أبو اليقظان: من ولد صريم: كلوب بن الريب،

قدم البصرة ولد له، فقال زياد بْن أَبِي سُفْيَان: يولد لهذا الكلب ولا يولد لأمير المؤمنين من ضربته، فقتله وصلبه. وقال أَبُو اليقظان: من ولد صريم: كَلّوب بْن الريب، ولي الولايات أيام يوسف بْن عُمَر الثقفي، وله عقب وكان ابنه من وجوه بني سعد أيام ابن سهيل بالبصرة. ومن بني صَريم: كهمس بْن طلق، خارجي كان مع أَبِي بلال، وأخوه: عبس بْن طلق، كان من رؤساء بني تميم، وقتله قطري، وهو مع عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد. وَفِي عبس بْن طلق يقول حارثة بْن بدر فِي يوم مَسْعُود: سيكفيك عبس أخو كهمس ... مطاعنة الأزد بالمربد ومن بني صَريم: بجير بْن وقاء، وكان أحد من قتل ابن خازم بخراسان، وهو أيضًا قتل بكير بْن وسَّاج السعدي لما حبسه أبو أمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، فجاء أعرابي من رهط ابن وساج، وبجير على شُرط أمية فدنا منه فقتله، ثُمَّ قتل الأعرابي. ومنهم الصُّدَي بْن الخَلق الصريمي، تزوج ابنته الأحوص بْن مُحَمَّد الشاعر الْأَنْصَارِيّ، وكان عشقها وفيها يقول: فمت كمدًا إن كنت للحب ميتًا ... فَلَيْس إِلَى بِنْت الصديِّ سبيل [1] وَفِي بني صَريم يقول الشاعر: أصلّي حيث تدركني صلاتي ... وليس اللَّه عند بني صَريم قيام يطعنون على عليّ ... وكلهم على دين الخطيم

_ [1] ليس في ديوان الأحوص المطبوع.

ومنهم: عمرو بن السكن الصريمي،

ومنهم: عمرو بْن السَّكن الصريمي، كان قاضيًا لأمير المؤمنين هارون الرشيد على الأُبلَّة، وهو من ولد شُعَيل الصريمي، وكان السَّكن على شرط يحيى بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس حين استعرض أَهْل الموصل. وولد عوف بْن كعب بْن سعد: عُطارد بْن عوف. وبَهْدلة بْن عوف. وجُشم بْن عوف. وبُرِينق بْن عوف وهو برينق وبُرَيْنيق، وأمهم السَعْفاء- بسين غير معجمة- بِنْت غنم بن قتيبة بن معن بن مالك من باهلة، وكانت قبل عوف عند يربوع بْن حنظلة، فولدت له أولادًا فَلَمَّا مات يربوع ونقلها عوف جاء مالك بْن حنظلة فانتزع أولادها منها، وربقهم فِي أرباق الحملان فكانت تبكي أولادها وتقول: وابأبي الأحمال المربقة، فولدها فِي بني يربوع يُقَالُ لهم الأحمال، ويقال لبني السَعْفاء الأجذاع وتنشد: فلا تبعدَنْ حي الجذاع فإنهم ... كرام ولكني أرى الدهر ضَيَّعا وقُرَيع بْن عوف. وقُرين بْن عوف. وعلباء بْن عوف، وأمهم مارية بِنْت حَبيب بْن عَمرو بْن كاهل بْن أَسلم بْن تَدول بْن تيم اللَّه بْن رفيدة بْن ثور بْن كلب. فأما علباء فهم أعراب فِي بني قُريع. فولد بَهْدلة: خلف بْن بهدلة. وحية بْن بهدلة. وعبد مناف بْن بهدلة، وأمهم أمامة بِنْت مُلادس بْن عبشمس بْن سعد بْن عامر بْن بهدلة. ومرة بْن بهدلة الذين يُقَالُ لهم مرة السيل، نزلوا بطن واد، فجاء سيل فذهب بهم. وأحيمر بْن بهدلة. وعبيد بْن بهدلة، وأمهم من بني عدي بْن عَبْد مناة من الرباب. فَمَنْ بني بَهْدلة: الزبرقان بْن بدر [1] ، واسمه حصين بن بدر بن إمرئ

_ [1] بهامش الأصل: الزبرقان بن بدر رحمه الله.

القيس بْن خلف بْن بهدلة بْن عوف بْن كعب بْن أسعد بْن زَيْد مناة بْن تميم، وسمي الزبرقان لجماله، والزبرقان القمر، وكان يدعى قمر نجد، وكان من الذين يدخلون مكة معتمين لئلا يفتنوا النساء. وقال غير الكلبي: سمي الزبرقان لعمامة كان يصبغها بالصفرة فيقال زبرقها، وأم الزبرقان فيما ذكر أَبُو اليقظان ابْنَة زهير بْن أقيش من عكل. والزبرقان القائل فِي قصيدة له هجا فيها المخبل: دفعنا إِلَى النعمان مِنَّا رهينة ... غلامًا غَذَتْهُ بالوفاء بَهادِلُه نجيب جياد كلما مَدَّ باعَهُ ... إِلَى المجد لم يوجد له من يطاوله فلا تنتحل ما نَحْنُ فزنا بمجده ... عليك فأحظى الناس بالخير فاعله ونحن بنو السفعاء ربة أمكم ... لنا دونكم ميراث عوف ونائله وأنتم بنو القرعاء جاءت بأقرع ... لئام مساعيه إماء حلائله [1] وكان الَّذِي دفع إِلَى النعمان ابن الشقيقة رهينة ليرعوا ولا يفسدوا لحوق بْن دَهي بْن عامر بْن أحيمر بْن بَهْدلة، فأمر الناس فرعوا. قَالُوا: ودعا بنو قريع المخبل إِلَى منافرة الزبرقان والتواقف بسوق حجر، وتهيأ الزبرقان ليخرج، فقال المخبل لقومه بني قريع: وإنكم لجادّون أأنا أواقف ابن العكلية، وهو أحسن الناس وجهًا، وأمدُّهم قامة وأفصحهم لسانًا، وأبعدهم صيتًا، ولكن دعوني أُهاديه الشعر فَإِنِّي إن واقفته لم أكن إلا قذاةً فِي نحره. وقال [2] أَبُو اليقظان: كان رَجُل من بني نمير قتل بعض أخوال

_ [1] ليست في شعر الزبرقان المجموع. [2] بالأصل: وكان، وهو تصحيف.

الزبرقان، فقتله الزبرقان، وكان النميري يسمى كنازًا فقال الأقرع: لما تُؤوكِل كنَّاز دلفتُ له ... دليف لا عاجز وانٍ ولا ورع قَالُوا: واختدع الزبرقان قَيْس بْن عاصم، فلم يسق ما عنده من الصدقة إِلَى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وساق الزبرقان إليه صدقة عوف والأبناء، وهم ولد سعد، غير كعب، وعَمْروٌ ابني سعد، وقد كتبنا خبره فِي أمر الصدقة، فيما تقدم. وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عن عَبْد اللَّه بْن عياش الهمداني قال: دخل الزبرقان بْن بدر يوم الجمعة المسجد فأخذ بعضادتي الباب ثُمَّ نادى: السلام عليكم، أيلج الزبرقان فَقِيل له: يا أَبَا شِذرة إن هَذَا موضع لا يُستأذن فيه، فقال: أَيَلجُ مثلي على جماعة مثل هؤلاء لا يعرفون مكانه، وكان يكنى أَبَا شِذرة وأبا عياش، ويقال أيضًا أَبَا عَبَّاس. وقال الْحَسَن بْن علي الحرمازي: وقعت الحرب بين بني بهدلة وبني عبشمس، وعلى بني بهدلة الزبرقان فقتلوا جميعا غير الزبرقان، وجاء الْإِسْلَام فكفوا عن الحرب فحملت بنو عبشمس فضول الدماء، وودى الزبرقان كنّاز بْن مُعَاوِيَة بْن علاج بْن عمرو بْن كعب بْن عبشمس، وكان قتل زَيْد بْن امرئ القيس بْن خلف بْن بهدلة فقتله الزبرقان، وبسبب قتله تحارب بنو عبشمس وبنو بهدلة. وحدثني الحرمازي عن أشياخه قال: لقي الزبرقان الحطيئة العبسي فِي عام جدب فقال له: أين تريد يا جرول؟ قال أريد النجعة. قال: فأين أهلك؟ قال: بمكان كذا، فقال الزبرقان: هَلْ تجوعن على التمر واللبن؟

فقال الحطيئة: ومن يجوع على هذين. قال الحطيئة: فَلَمَّا أطعمني قلت: ومن أنت؟ قال فَمَنْ تجد، أَنَا الزبرقان بْن بدر، قال: فتحولت إليه وحولت عناني وبنيت بيتي عند بيته، وجعلت طنبي مع طنبه فأجاعني وأعوى كلبي وذهب لجاريته شيء فاتهمني به، ودخلتْ بيتي ففتشته ونبذتْ ما فِيهِ، فلم يلمها ثُمَّ رحل وتركني فجاء بغيض بْن عامر بْن شماس بْن لأي فضمني إليه فلامه الزبرقان وقومه على ذلك فقلت: ما كان ذنب بغيض لا أبالكم ... فِي بائس جاء يحدو آخر الناس لقد مَرَيتكم لو أن درَّتكم ... يومًا يجيء بها مَرِّي وإبساسي والله ما معشر لاموا أخا ثقةٍ ... من آل لأي وشماس بأكياس وقلت للزبرقان: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي [1] فنزاه بيتي هَذَا وأقلقه حَتَّى استعدى علي، وقلت أيضًا فِي شعري: ألم أك نائيًا فدعوتموني ... فخانتني المواعد والدعاء وآنيت العشاء إِلَى سهيل ... أو الشعرى فطال بي الإناء ألم أك جاركم فتركتموني ... لكلبي فِي دياركم عواء ولما كنتُ جارُهُم حبوني ... وفيكم كان لو شئتم حباء فلم أقصب لكم حسبًا ولكن ... حَدَوْتُ بحيث يُستمع الحداء وإني قد عَلِقتُ بحبل قوم ... أعانهم على الحسب الثراء [2] وقلت أيضا:

_ [1] ديوان الحطيئة ص 105- 109 مع فوارق. [2] ديوان الحطيئة ص 54- 56 مع فوارق.

هلا غضبت لرحل ج ... ارك إذ تنبّذه حضاجر [1] ولقد سبقتهم إل ... يّ فَلِمْ نزعتَ وأنت آخر [2] وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ ابن كناسة عن مشايخ من أَهْل الكوفة، أن الحطيئة لما هجا الزبرقان بْن بدر استعدى عليه عُمَر، وكان أشد ما هجاه به عليه قوله: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فقال عُمَر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: وما عليك إذا قال لك إنك طاعم كاسٍ، فدعا حسان بْن ثابت، وأمر الزبرقان فأنشده البيت فقال عُمَر: أتراه هجاه يا حسان؟ قال: لم يهجه يا أمير المؤمنين، ولكنه خري عليه، هذا أشد من الهجاء، فحبس عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الحطيئة حَتَّى بعث إليه مع عياش بْن أَبِي ربيعة المخزومي بأبيات مدحه بها وهي: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ ... حمر الحواصل لا ماءٌ ولا شجر ألقيتَ كاسبهم فِي قعر مُظلمة ... فاغفر عليك سلام اللَّه يا عُمَر أنت الْإِمَام الَّذِي من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليد النهى البشر لم يؤثرك بها إذ قَدَّمُوكَ لها ... لكنْ لأنفسهم كَانَتْ بك الأثر [3] فدعا به فقال له: إياك وهجاء الناس وشتيمتهم وخلى سبيله. وقال الحطيئة لعمر فِي قصيدته التي أولها: نأَتْكَ أمامة إلَّا سُؤَالا ... وأَبْصَرْت منها بغيب خيالا إِلَى ملكٍ عادلٍ حكْمُهُ ... فلما وضعنا إليه الرحالا

_ [1] بهامش الأصل: حضاجر الضبع، شبه أمته بها. [2] ديوان الحطيئة ص 33- 34. [3] ديوان الحطيئة ص 164- 165.

ضوى قول من كان ذا إحنة ... ومن كان يأمل فيَّ الضلالا أتتني لسانُ فكذبتها ... وما كنتُ أحذرها أن تقالا فلا تسمعنْ فيَّ قول العداة ... ولا تُوَكِّلَنِّي هديت الرجالا فإنك خير من الزبرقان ... أشدُّ نكالًا وخيرٌ فعالا [1] ويقال قالها قبل حبسه حين بلغه أن الزبرقان يستعدي عليه. وقوم من بني بهدلة يقولون إن الزبرقان كان قد أحسن قرى الحطيئة، ولكن بغيضًا أطمعه فِي أكثر مما كان فِيهِ، فصار إليه وأعطاه حَتَّى هجا الزبرقان. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ قال: مرَّ قومٌ من قريش وغيرهم بالزبرقان وهو يلوط حوضًا له ويصلحه، فأرادوا أن يسقوا إبلهم من بئرٍ له فمنعهم ذلك فقال شاعرهم: وما الزبرقان حين يمنع ماءه ... بمحتسب يقوى ولا متوكل ولا طَالِب حَمْدًا وقد ظل قائمًا ... يُدَفِّعُ أعضاد الحياض بمعول وقال أيضًا: تركنا الزبرقان على حفير ... يُرَقِّع حوض ثُلَّتهِ بكلس عليك لبان وَطْبِكَ تَدَّوِيه ... وما فِي العسِّ فِي محضٍ وَقَرْسِ [2] وقال الحرمازي عن أشياخه: أغار بنو عبشمس على بني بهدلة بْن عوف بْن يمان التي عند هجر، فجرحوا أناسًا واطردوا إبلًا وثلاثين فرسًا للزبرقان، فاستعدى الزبرقان العلاء بْن الحضرمي، وهو عامل أبي بكر على

_ [1] ديوان الحطيئة ص 67- 71 مع فوارق. [2] القرس: البرد الشديد. والجامد. القاموس.

البحرين فقال له: هات بينه، فلم يجدها، فعرض الزبرقان لرجل من بني مُلادس بْن عبشمس معه مائة وخمسون بعيرًا فجاء به إلى العلاء فأقام عنده البينة أن المُلادسي كان في الجيش، فهرب وأخذ إبله، فوثب ابن عم له على إبل الصدقة فأخذها، فأغلظ العلاء وأصحابه للزبرقان فقال فِي قصيدة أولها: أبلغْ أَبَا بَكْر وإن كان دونَه ... مهامه تعتال الركاب لياليا شكاتي إليه لو أتاه مُخَبِّرٌ ... فيُخبره أني لَقِيتُ الدَّواهيا فَمَا عيش مَنْ لم يَغْنِ عَنْهُ وفاؤه ... ولا عذره لو يملأ العذر واديا طوى كل معوف وأحضر دونه ... عقارب أخشى لذعها وأفاعيا تهكَّم أصحاب العلاء شتيمتي ... فمالك يا بن الْحَضْرَمِيّ وماليا فلو شئتُ لم أحبس بحجر عليكم ... جسام الروايا [1] والجياد المراخيا [2] وزعموا أن الزبرقان كان فِي جند العلاء بالبحرين، والزبرقان القائل لخالد بن الوليد المخزومي يحرضه: خاطِرْ على الجُلَّى فإنك أهلها ... حَسَبًا وأَذْك شهابها لا تُخمِدِ وانْفُذْ فإنك لو قعدت بشاهق ... صعب المرام ممَنَّعٌ لم تَخْلِدِ وَإِذَا امرؤ أرضاه أدنى سعيه ... نَقَصَتْ مروءتُه إذا لم يَزْدَدِ [3] والزبرقان الَّذِي يقول: وقلت لحامل ضَبًّا وضَغْنًا ... تَحَمَّله فَإِن اللَّه حَسْبي ألم أبذل لكم مالي وودّي ... وأدرأ عنكم دركي وشغبي

_ [1] بهامش الأصل: الروايا إبل تحمل. [2] ليس في شعره المجموع. [3] ليست في شعره المجموع.

وأجعل كل معتمد أتاني ... يريد النصر بين حسا وخلب [1] ونزل ببني عبيد بن مُقاعس فأجلوه وبرُّوه فقال: إني وجدت عُبيدًا حين زرتهم ... كالرأس يجمع فِيهِ السَّمْعُ والبصر [2] وقال أَبُو اليقظان: ولد الزبرقان: عياش بْن الزبرقان. والعباس وبه كان يكنى، وغيره يقول يكنى بعياش، وغيرهما. وأمهُمُ ابْنَة صعصعة عمة الفرزدق فكانت تقول: حماري رهن بخمسين بعيرًا لمن جاء بأب كصعصعة، وأخ كغالب وخال كخالي الأقرع بْن حابس، وزوج كزوجي الزبرقان بْن بدر. وذكر الهيثم بْن عدي أن الزبرقان أتى مُسيلمة بابنه وقال: يا نَبِيَّ اللَّه حَنِّكْهُ، فَحَنَّكَهُ فخرس. وقال الزبرقان: ما استَبَّ اثنان إلَّا غلب ألأَمَهُما. فأما عياش بْن الزبرقان فكان شريفًا بالبادية، وهو الَّذِي يقول له جرير بْن عطية: سأذكر ما قال الحطيئة جاركم ... وأحدِثُ وسمًا فوق وَسْمِ المخبلِ أعياش قد ذاق العيون مغاضتي ... وأوقدتُ ناري فادن عياش فاصطل [3] فولد عياش حين أنشد هَذَا البيت: إني إذًا لمقرور. فولد عياش: غَضِيا، وكان على شرط المدينة لخالد بْن عَبْد الْمَلِك بْن الْحَارِث بْن الحكم بْن أَبِي العاصي، وإنما ولاه الشرط لأن أم عبد الملك بنت

_ [1] البيت الأخير فقط في شعره ص 36 وفيه «بين حشأ وخلب» . [2] ليس في شعره المجموع. [3] ديوان جرير ص 368.

الزبرقان بْن بدر، وغضيا القائل: غريب عن ديار بني تميم ... ولن يُخزي عشيرتي اغترابي وذكره سهيل المديني فِي شعره وقد كتبنا شعر سهيل المديني فِيهِ فِي خبر هشام بْن عَبْد الملك، وأما عياش فلم يكن بشيء. وقال المُخَبَّل فِي الزبرقان: وأبوك بدر كان ينتهس الخُصَى ... وأبي الجواد ربيعة بْن قِبال [1] فَلَمَّا أُنشد الزبرقان قوله: كان ينتهس الخصى وأبي ... قال: شيخان اشتركا فِي ضيعة [2] وصناعة. وزوَّج الزبرقان أخته خليدة من رَجُل يُقَالُ له هَزّال من بني جشم بْن عوف بْن كعب بْن سعد فقال المخبل: وانكحت هزّالا خليدة بعد ما ... زعمتَ برأس العين أنك قاتلُه [3] ثُمَّ مر بها المخبل بعد حين وقد أصابه كسر فجبرت كسره وقامت عليه وبَرَّتْهُ وهو لا يعرفها فَلَمَّا عرفها قال: لقد ضَلَّ حلمي فِي خليدة ضَلَّةً ... سأعتب قومي بعدها وأتوبُ وأشهد والمستغفر اللَّه أنني ... كذبتُ عليها والهجاء كذوب وتزوج إِلَى الزبرقان سعد بْن أَبِي وقاص، والمسور بْن مخرمة الزهري، وعمرو بْن أمية الضمري، والحارث بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بن

_ [1] المخبل السعدي شاعر فحل من مخضرمي الجاهلية والاسلام، له ترجمة في الأغاني ج 3 ص 189- 199، وورد هذا البيت في ص 193، وصحف اسم «قبال» إلى «قتال» . [2] في رواية الأغاني «صنعة» . [3] الأغاني ج 13 ص 192 مع فوارق.

ومن بني بهدلة: المغيرة بن الفزع - مسكنة الزاي - بن عبد الله بن ربيعة بن جندل بن ثور بن عامر بن أحيمر بن بهدلة، كان مع ابراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن حين خرج بالبصرة،

عَبْد شمس، وعثمان بْن أَبِي العاص، والحكم بْن أَبِي العاص، وأمية بْن أَبِي العاص الثقفيون. وكان الزبرقان إذا زوج المرأة من بناته دنا من خدرها فقال: أتسمعين لا أعلمن ما طلقت ثلاثًا، كوني أَمَةً لزوجك. ومن بني بَهْدلة: المغيرة بْن الفَزْع- مُسَكَّنَةُ الزاي- بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن ربيعة بْن جندل بْن ثور بْن عامر بْن أحيمر بْن بهدلة، كان مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن حين خرج بالبصرة، وكان من أشد الناس فِي أمر إِبْرَاهِيم وأَجَدَّهم، قتله أَبُو الأعور الْكَلْبِيّ، فَقَالَ أَبُو زياد الحذاقي الكلبي، وهو عَبْد اللَّه بْن كليب من ولد الحذاقية. من مبلغ عليا تميم بأننا ... نصبنا عَلَى الكَلَّاء بالشطِّ معْلَمَا نصبنا لكم رأس المغيرة بائنا ... وجثمانه بالجذع عُريانَ مُلْجَما وقد ذكرنا خبره فِي خبر إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه مع أخبار آل أَبِي طَالِب. ومنهم حنظلة بْن أوس بْن بدر، وهو ابن أخي الزبرقان وكان شاعرًا، وقطن ومحرز ابنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي سويط بْن أحمر بْن بهدلة وكان بنو عبشمس أصابوهما فحماهما الزبرقان. وولد عُطارد بْن عوف: مالك بْن عطارد. وشجنة بْن عطارد. والحارث بْن عطارد. وعبد الله بْن عطارد، وأمهم صفية بِنْت أُهيب بْن عبشمس بْن كعب. فَمَنْ بني عطارد: كرب بْن صفوان بْن شجنة الَّذِي كان يدفع بالناس فِي الجاهلية فِي الموسم، وله يقول الشاعر وهو أوس بْن مَغْراء: ولا يريمون فِي التعريف موقفهم ... حَتَّى يُقَالُ أجيزوا آل صفوانا ولهم يقول الراجز:

وعوير بن شجنة

إن لسعد دعوة التعريف وعوير بْن شجنة الذي ذكره امرؤ القيس فقال: عويرٌ وَمَنْ مثل العوير ورهطه ... أَبَرَّ بأيمانٍ وأوفى لجيران [1] حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جَدّه أن امرأ القيس بْن حجر لما قتلتْ بنو أسد أَبَاهُ، ووهن أمره، وخاف المنذر بْن ماء السماء جعل يحل بقوم قوم فيذم ويحمد، حَتَّى نزل بعوير بْن شجنة، فأحسن قومه جواره فقال فِيهِ ما قال. [كرب بن صفوان بن شجنة] حَدَّثَنِي ابن مَسْعُود عن ابن كُناسة عن علمائهم قال: اتفقت العرب على أن جعلوا ولاية الموسم والإفاضة بالناس إلى بني تميم، فكان ذلك إِلَى سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم، ثُمَّ إِلَى حنظلة بْن مالك بْن زَيْد مناة، ثُمَّ إِلَى ذؤيب بْن كعب بْن عمرو بْن تميم، ثُمَّ إِلَى حنظلة بْن مالك بْن زَيْد مناة، ثُمَّ إِلَى ذؤيب بْن كعب بْن عمرو بْن تميم، ثُمَّ إِلَى مازن بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم، ثُمَّ إِلَى مُعَاوِيَة بْن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بْن تميم، ثُمَّ إِلَى الأضبط بْن قُريع بْن عوف بْن كعب بْن سعد ثُمَّ إِلَى صُلصُل بْن أوس بْن مُخاشن بْن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد، ثُمَّ إلى الغَلّاق بْن شهاب ابن لأي من بني عُوافة بْن سعد بْن زَيْد مناة، وكان آخر من أفاض بالناس كرب بْن صفوان بْن شجنة ويقال صفوان بْن جناب بن شجنة بن عطارد بن عوف بْن كعب بْن سعد وهو الَّذِي يقول له أوس بْن مَغْراء: ولا يريمون فِي التعريف موقفهم ... حَتَّى يُقَالُ أجيزوا آل صفوانا وبعضهم يقول آل صوفانا، يعني بني صوفة الربيط وهو الغوث بْن مر، وذلك خطأ. وقد كان أَهْل صوفة يجيزون قبل سعد بن زيد مناة،

_ [1] ديوان امرؤ القيس ص 169 مع فوارق.

ولكن الشعر فِي آل صفوان. وقال أَبُو اليقظان: قال أوس بْن مغراء فِي إفاضة آل صفوان بالناس: ولا يريمون فِي التعريف موقفهم ... حَتَّى يُقَالُ أجيزوا آل صفوانا مجدًا بناه لنا قِدْما أوائلنا ... وأورثوه طوال الدهر أُخرانا وقال أَبُو اليقظان: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك أنه لم يحضر معهما أحد فِي بعض السنين إلا امْرَأَة، فأفاضت بالناس. وقال الكلبي: أقبل كرب بْن صفوان بْن شجنة يريد بني عامر فِي شعب جبلة، فخاف قوم من بني تميم ثُمَّ حنظلة أن ينذرهم بهم، فأخذوا عليه المواثيق والعهود، فمضى حَتَّى أتى بني عامر فسألوه عن الخبر فجعل لا يتكلم فقالوا: هَذَا رَجُل قد أخذت عليه المواثيق والعهود ألا يخبركم بشيء: فقال لست أخبركم بشيء ولكن ائتوا منزلي تجدوا فِيهِ الخبر، فأتوا منزله فإذا خرقة يمانية فيها تراب، وحنظلة قد كسرت، فيها شوك، وَإِذَا وطب معلق فِيهِ لبن، فقال الأحوص بْن جَعْفَر بْن كلاب: يقول إن القوم فِي كثرتهم كالتراب، وإن شوكتهم فِي بني حنظلة، وإن اليمن تجمعهم انظروا ما فِي الوطب فاصطبوه فإذا لبن جبن قَرَصَ، فقال: يقول: القوم منكم على قدر ما بين حلاب اللبن وان يقرص، ففي ذلك يقول عامر بْن الطفيل بعد حين: ألا أبلغ لديك جموع سعدٍ ... فبيتوا إن نهيّجكم نياما نصحتم بالمغيب ولم تعينوا ... علينا إنكم كنتم كراما ولو كنتم مع ابن الجون كنتم ... كَمَن أمسى وأصبح قد ألاما [1]

_ [1] ديوان عامر بن الطفيل- ط. دمشق 1994 ص 48- 49 مع فوارق.

ومنهم: أبو رجاء العطاردي،

وكان لقيط بْن زرارة بْن عدس يطلب بني عامر بدم معبد بْن زرارة، ويثربي بْن عُدُس، فحشدت معه حنظلة، وبنو ضبة، وتيم، وعدي، وعُكل، وكان حصن بْن حُذيفة بْن بدر يطلب بدم حذيفة ومعه الحليفان: أسد، وذبيان وكانت بنو عبس قتلت حذيفة يوم الهَبْأة، والهبأة وادٍ فِيه بركة عظيمة، وكان معهم مُعَاوِيَة بْن شرحبيل بْن أخضر بْن الجون، والجون هُوَ مُعَاوِيَة، وسمي جونًا لشدة سواده، وأبوه آكل المرار الكندي، فِي جمع من كندة كثيف فقاتلوا بني عامر، ومعهم بنو عبس يوم شعب جبلة، وكان عرفجة بْن كرب بْن صفوان فارسًا حضر يوم الكلاب الثاني حين اقتتل بنو تميم والرباب وبنو الْحَارِث بْن كعب ومن لافَّهم من قبائل اليمن لطمعهم فِي بني تميم يوم الصفقة، فأصيب يومئذ أنف عرفجة، فاستأذن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إسلامه فِي أن يتخذ أنفًا من ذهب، وقال إن الفضة تنتن علي فأذن له فِيهِ. ومنهم: أَبُو رجاء العُطاردي، واسمه عِمْرَانَ بْن تيم ويقال عِمْرَانَ مِلحان، أسر يوم الكلاب الثاني فجعل بنو الْحَارِث بْن كعب يدفعونه إِلَى نَهْد، وجعلت نهد تدفعه إلى بني الْحَارِث فنجا وأسلم، ولم يزل إمام بني عطارد يصلي على جنائزهم بالبصرة حتى مات في أيام الحجاج بن يوسف بالبصرة فِي قول أَبِي عبيدة، وكان أَبُو رجاء من قراء القرآن، وله اختيار فِي القراءة قد كتبناه. وحدثني روح بْن عَبْد المؤمن الْمُقْرِئ، حَدَّثَنِي عمي أَبُو هشام عن شيخ من بني تميم قال: أتينا أَبَا رجاء العطاردي، فأذنت لنا ابنته، فدخلنا بيتًا كان فِيهِ ولم نكد نستبينه لضؤولة جسمه، فقالت: ما ترونه فِي زاوية البيت. فقلنا: لقد كبرت سنك، فقال بصوت ضعيف: أو تستطيلون عمري؟

وقال أبو اليقظان: ومن بني عطارد: شماس بن دثار،

وقال مُحَمَّد بْن سعد: قال يزيد بْن هارون: مات أبو رجاء فِي أيام عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز. وقال الواقدي: مات سنة سبع عشرة، وروى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ [1] . وقال أَبُو اليقظان: ومن بني عطارد: شماس بْن دثار، كان من سادة بني تميم وفرسانهم بخراسان. ومنهم مُحَمَّد بْن نوح، كان يقص فِي المسجد الجامع بالبصرة بأمر الأمراء. وقال أَبُو اليقظان: ومن بني عطارد: أَبُو رجاء عِمْرَانَ بْن تيم، وكان قارئًا فقيهًا أدرك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسبي يوم الكلاب الثاني فأعتقه رَجُل من بني عطارد، فروى عن أَبِي رجاء أنه قال: هربنا حيث بلغنا خروج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكنت مع مولاي فنزل بأرض فضاء وحشة، فقال: إني أعوذ بأعز أَهْل هَذَا الوادي من شر أهله، فسمعت القرآن بعد: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجن فزادوهم رهقا [2] فظننت أنها نزلت فِيهِ. وكبر أَبُو رجاء حَتَّى جاوز المائة، وكان يصلي ببني عطارد وعلى جنائزهم قريبًا من سبعين أو ثمانين سنة، لا يصلي غيره، فلما مات شهد جنازته الفرزدق وهو يقول: ألم تر أن الناس مات كبيرهم ... ومن قبل ما مات النبي محمد [3]

_ [1] طبقات ابن سعد ج 7 ص 139. [2] سورة الجن- الآية: 6. [3] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.

قالوا: وكان عبد الرحمن الإسكاف، مولى لبني عطارد،

قَالُوا: وكان عَبْد الرَّحْمَن الإسكاف، مَوْلَى لبني عطارد، وكان له قدر، ورمى طائرين فشكهما فسُمي الإسكاف، وكان من أشجع الناس تعاورته الأزارقة، فعقروا فرسه فقاتلهم قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا ولم يعنه أحد، فلم يصلوا إِلَى قتله إلّا بعد ساعات، وفيه يقول ابن عصمة المنقري: بمنزلة ترى الإسكاف فيها ... وَحَمَّتْ بعد للعبدي دارا وكان ابنه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الإسكاف فيمن قاتل الْمُخْتَار مع مصعب بْن الزبير، فَلَمَّا قال أَهْل الكوفة لمصعب: اقتل الموالي مِمَّنِ استنزل من القصر من أصحاب الْمُخْتَار قال: ما انصفتمونا، نقاتل عدوكم وتقتلونا، وبالبصرة قصر يعرف بالإسكاف، وكان رَجُل يُقَالُ له صفوان بْن سُلَيْمَان البربار يدعي أنه من عطارد، ولم يكن منهم فهجاه شاعر فقال: تسميتَ صفوانًا وذاك فَريةٌ ... عليك وعار يا بن أطولها بظرا رأيتُ شريحًا عند بابك قاعدًا ... ولم أر ثمَّ الزبرقان ولا بدرا شريح خال له، وهو خال ابن برجان اللص. ومن بني جشم بْن عوف فيما ذكر أَبُو اليقظان: حُيَيّ بن هزال الَّذِي يقول: أَنَا حُيَيٌّ واعتراني أفكلي [1] لن يغلب اليوم حباكم قَبلي ... أَنَا ابن ما جعدة بْن جندل وهو القائل في معاوية:

_ [1] الأفكل: الرعدة.

وولد قريع بن عوف:

إذا مات مات العرف وانقطع الندى ... من الناس إلا من قليل مُصَرَّدِ وهو القائل: فلا كوفةٌ أمي ولا بصرةٌ أَبِي ... ولا أَنَا يُثنيني عن البغية الكسل وكان من بني جشم جشم الأعلم، وابنته أم حبيب بِنْت الأعلم، وهي أم مُحَمَّد بْن القاسم الثقفي صاحب السند من قبل الحجاج، فكتب إليه الحجاج: إنك لتذكر أمك، ولو كَانَتِ الفارعة بنت همام ما عدا، والفارعة أم الحجاج. وقال الكلبي: ولد جشم بْن عوف: أورق، وبعضهم يقول أروق. ومُحَلّم. ونُكرة. فمنهم عَبْد يغوث ابن أورق وكان منيعًا. وولد قُريع بْن عوف: جَعْفَر بْن قريع، وهو أنف الناقة، وإنما لقب بِذَلِك لأن قريعا نحر جزورا فقسمها بين نسائه، فقالت أم جَعْفَر بْن قريع رهي الشموس من بني وائل بْن سعد هُذيم من اليمن: انطلق إِلَى أبيك فانظر هَلْ بقي عنده شيء من الجزور، فأتاه فلم يجد عنده إلّا رأس الجزور، فأخذ بأنفه يجره فَقِيل: ما هَذَا بيدك؟ فقال: أنف الناقة، وكانوا يغضبون من اللقب حَتَّى مدحهم الحطيئة فقال: قومٌ هُمُ الأنفُ والأذناب غيرهم ... ومن يُسَوِّي بأنف الناقة الذنبا [1] ولما صار مدحًا فخروا به. والأضبط بْن قريع الشاعر الَّذِي يقول: اقبل من الدهر ما أتاك به ... من قرَّ عينًا بعيشه نفعه يا قوم من عاذري من الخدعة المس ... يئ والصبح لا بقاء معه ما بال من غيه مصيبك أو ... تملك شيئًا من أمره وزعه

_ [1] ديوان الحطيئة ص 17.

والخمة بن قريع -

والخَمَّة بْن قُريع- بخاء معجمة من فوق- وعبد اللَّه بْن قُريع وحَدَّار بْن قريع- بفتح الحاء- ولوذان بْن قريع ولم يذكرهما الكلبي. فمنهم: بغيض بْن عامر بْن شماس بْن لأي بْن أنف الناقة، وهو صاحب الحطيئة، وقد ذكرنا خبره وخبر الزبرقان بْن بدر وقال الحطيئة فِيهِ: بغيض وما سموا بغيضًا لباطلٍ ... ولكنهم كانوا حماة الحقائق [1] فقال أبو اليقظان: كان الأضبط شريفًا سيدًا فِي الجاهلية، وغضب على قومه فكره جوارهم ففارقهم، وأتى قومًا آخرين فنزل فيهم فآذوه فرجع إِلَى قومه وقال: بكل واد بنو سعد أي أن فِي الناس شرًا كشر بني سعد، وكلم رَجُل امرأته وهو غائب فقالت: لعز على الأضبط بْن قريع، فذهبت مثلًا، وطلق امْرَأَة له فقالت: يا بارد الكمرة. فقال: يا آل قريع أسخنوا الكمرة، فذهبت مثلًا، وله عقب بالبصرة ولهم مسجد بها. ومنهم الحَرِيش بْن هلال بْن قدامة بْن شماس بْن لأي بْن أنف الناقة، وكان رأسهم أيام المهلب فِي قتال الأزارقة، وكان مع عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة بسجستان فعفر [2] ابن رتبيل، وحمل عليه الكفار، فأعانته بنو تميم فقال: سأكرم ما حييت بنو تميم ... وأبذل فيهم ودي ومالي وهم كروا علي وقد رأوني ... صريعًا بين مختلف العوالي بضربٍ يمنعون به أخاهم ... وطعن مثل أفواه العزالي [3] وكان ابن خازم ضربه على رأسه فقال:

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] أي ضرب به الأرض. القاموس. [3] مصب الماء من الراوية. القاموس.

وعلقمة بن سباح بن جبيل بن حدان بن قريع،

أعاذلُ إني لم أَلِمْ فِي قتالهم ... وقد عَض سيفي كبشهم ثُمَّ صمما ثُمَّ صالح ابن خازم، وقد وضع على رأسه قطنة فسقطت، فتناولها الحريش فوضعها على الضربة فقال ابن خازم: مسّتك هذه يا بن قدامة ألين من مستك الأولى. ودخل على الحريش لص إما قتله أو طرده، فسئل الْحَسَن عن لص دخل على رَجُل فقال: إن استطعت فكن مثل الحريش، وخرج مع ابن الأشعث، فقتل بالزاوية، ولم يكن له غير بِنْت تسمى أم عمرو، فتزوجها مروان بْن المهلب ثُمَّ خلف عليها فراس بْن سُمي الفزاري. ومنهم فارس بْن هَبّود، وهو برثن بْن شهاب بْن النعمان بْن جبيل بْن حَدَّان بْن قُريع، وكان شريفًا قائد بني سعد وفارسهم فِي الجاهلية. وعلقمة بْن سَبَّاح بْن جبيل بْن حَدَّان بْن قريع، كان من فرسان بني سعد، وهو قاتل عمرو بْن جُعيد المرادي يوم الكلاب الثاني، ومدحه أوس بْن حجر فقال فِي قصيدة أولها: وَدَّع لميس وداع الصارم اللاحي ... قد فَتَّكَتْ فِي فسادٍ بعد إصلاح ابتزَّها اللَّه بلحائي وَقد علِمَتْ ... إني لنفسي إفسادي وإصلاحي إن أشرب الخمر أو أرزأ لها ثمنًا ... فلا محالة يومًا إنني صاح أسقي ديار بني عوف وساكنها ... ودار علقمة الخير ابن سبَّاح ومنهم أوس بْن مَغْراء [1] القريعي الشاعر، وكان هاجي رجلًا من بني جَعْدة يُقَالُ له السِمط، فاتَّعَدا أن يتواقفا فيتهاجيا فسأل أوس سؤر الذئب الشاعر أن يعينه فقال له: أَنَا معينك بست أرجوزات، فقال: إن عجزت

_ [1] بهامش الأصل: أوس بن مغراء الشاعر.

وغزا ذفافة بن هوذة بن شماس القريعي بني عدي

فأعني. فَلَمَّا توافقا قال: أَنَا ابن مَغْراء وينميني أَبِي ... إِلَى العلى وحَسَبي ومنصبي إني بقاعٍ فوق كل مرقب ... ألبس للأعداء جلد الأجرب وقال أيضًا: لما رأتْ جَعْدةُ مِنَّا وردا ... صاروا نعاما بالقفار ربدا كل امرئ يغدو بما أَعَدّا ويقال إن العجاج أعانه بهذا البيت. وغزا ذُفافة بْن هَوْذة بْن شِماس القريعي بني عدي فلحقوه بعد أن اكتسح نعَمَهم، فاقتتلوا فَشَدَّ عوف بْن شريك العدوي على ذفافة فطعنه فقتله، وانهزمت قريع فقال الشاعر: لاقي ذفافة عوفًا ذا منازلة ... والمشرفيُّ حسامًا غير منثلم ومنهم المخبَّل، وهو ربيعة بْن عوف بْن قِتال بْن أنف الناقة، وكان يكنى أَبَا يزيد، وكان شاعرًا فِي الجاهلية والإسلام، وهاجر إِلَى البصرة، وقال لابنه شَيْبَان وهاجر معه: أشيبانُ ما يدريك رُبَّة ليلةٍ ... غَبَقْتُكَ فيها والغبوق حبيب ولد المخبل بالأحساء كثيرًا. وقال أَبُو اليقظان، من بني لوذان بْن قريع: وَكيع بْن عمِيرة، وأمه أمَةٌ من أَهْل دورق، فنسب إليها، ويكنى أَبَا ربيعة، وهو الَّذِي قتل عَبْد اللَّه بن خازم بخراسان، وكان ابن خازم قتل أخًا له يُقَالُ له دُوَيلة، مَوْلَى لبني لوذان، فَلَمَّا قعد على صدر ابن خازم ليقتله قال: يا لثارات دُوَيلة، فنخّم فِي وجهه وقال: لعنك اللَّه، أيُقتل كبش مضر بأخيك علج

قال: ومن ولد ربيعة بن قريع:

لا يساوي كفا من نوى. وقال وَكِيع: ذق يا بن عجلى مثل ما قَدْ أذقتني ... ولا تحسبني كنتُ عن ذاك غافلا وعَجْلَى أم ابن خازم، وكان وكيع يقول غلبته بفضل الفتاء فقعدت على صدره، وادرك وكيع قُتَيْبَة بْن مُسْلِم، وكان قد وقع بينه وبين رَجُل يُقَالُ له مَيْشار شر فعلاه بمخفقةٍ وقال: أيا ميشار يا خضف [1] الحمار ... أتوعدني وأنت على جعار [2] أَنَا الأسد الَّذِي أُخبرتَ عَنْهُ ... يَشُدُّ على الكتيبة بالنهار وقال أَبُو الْحَسَن المدائني: كان وكيع ابن الدورقية جافيا عظيم الخلقة، صلى يوما وبين يديه نبتٌ فجعل يأكل منه، فَقِيل له: أتأكل وأنت تصلي؟ فقال: ما كان اللَّه ليحرم نبتًا أنبته بماء السماء على طيب الثرى فِي حال من الأحوال، وكان يشرب الخمر فعوتب على شربها، فقال: أعلى الخمر تعاتبون وهي تجلو بولي حَتَّى تصيره كالفضة، وكان يبول قائمًا، والناس ينظرون إليه. وقال أَبُو اليقظان: هُوَ الحريش بْن هلال بْن قدامة بْن نُفير بْن لأي، ولم يذكر ابن الكلبي نُفَيرًا. وقال: وَلَدُ الخمة بْن قريع قليل، وهم بالبادية والبصرة. قال: ومن ولد ربيعة بْن قريع: مرة بْن ربيعة وهو الَّذِي مَحل [3] بالنابغة الذبياني إلى الملك فقال النابغة:

_ [1] خضف: ضرط. القاموس. [2] الجعر: ما يبس من العذرة. القاموس. [3] المحل: المكر والمكيدة. القاموس.

ومن بني ربيعة: سؤر الذئب

لعمري وما عمري علي بهين ... لقد نطقت بُطْلًا علي الأقارع [1] قال: ومن بني ربيعة الَّذِي يقول: وما الفقر والإيسار من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسّمت وجود ومن بني ربيعة: سؤر الذئب الذي يقول يوم مسعود: نَحْنُ قتلنا الأزد يوم المسجد ... والحي من بَكْر بكل مِعْضَد كأنهم من رامح ومقصد ... بين السواري وطريق المسجد أعجاز نخل الدَّقَل المُسَنَّد ومن بني ربيعة: قدامة بْن جراد الشاعر، وهو الَّذِي لقي دَغْفَل بْن حنظلة النسابة فنسبه حَتَّى بلغ أَبَاهُ، ثُمَّ قال له: قد ولد جراد بْن حمرة رجلين أحدهما شاعر والآخر ناسك صالح، فأيهما أنت؟ فقال: أن الشاعر السفيه، وقد أصبت فيما قلت، فأخبرني متى أموت. فقال: أما فلا علم لي ولا لأحد إلّا اللَّه بْه، وقُدامة القائل لنجدة الحروري: مَتَى تلقى الحريش حريش سعد ... وعبادًا يقود الدار عينا تبينَّ أن أُمك لم تُوَرِّكْ ... ولم تُوضِع [2] أمير المؤمنينا وقال أَبُو اليقظان: من بني حَدّان بْن قُريع: علقمة بْن سَبّاح الَّذِي مدحه أوس بْن حجر فقال: اسقي ديار بني عوف وساكنها ... ودار علقمة الخير ابن سباح [3]

_ [1] ديوان النابغة ص 80. [2] بهامش الأصل: خ- ترضع. [3] ديوان أوس بن حجر- ط. دار صادر ص 18، وفيه: «ابن صباح» .

وولد برنيق بن عوف:

ومنهم أَبُو دَهْلَب الراجز وهو القائل: حنَّتْ قلوصي أمس بالأردُنِ ... حِني فَمَا ظلمت إن تحني حنَّت بأعلى صوتها المُرنِّ وكان يزيد بْن مُعَاوِيَة أمره أن يرجز بالأردن. وولد بِرنيق بْن عوف: هاجر، وبنو برنيق قليل وليسوا بشيء وهم بالبصرة وهم يُصَغَّروُن فيقال بنو بُرينيق. وولد عَبْد العزي بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة: حِمان بْن عبد العزى. وحرثان. وجرير. وعوف بني عَبْد العزى. وسمي حمّان حِمانًا وكان اسمه كعب لأنه كان يسوِّد سُفنه [1] ويحممها. فولد حِمان: مرة بْن حمان. والخيزق بْن حِمان، وبعضهم يقول الخَيْسَق. وهمام بْن حمان. ومخاشن بْن حمان. وعامر بْن حمان، وزعموا أن امْرَأَة نزلت مع زوجها بين بني حمان، فجعلوا يغطون وجوههم بأكفهم وينظرون إليها من خلل أصابعهم ويتعاطسون، فقال الشاعر: تَعَاطسون جميعًا حال جارتكم ... فكلكم يا بني حمان مزكوم وكان يُقَالُ: أعلم من تيس بني حمان، وذلك أنه ذُبح ولم تُفْرَ أوداجه فقام فنزا، ومر رَجُل من بني حمان مسنُّ هرم برجل من بني تميم فقال له: يا حماني ما فعل تيسكم؟ فقال: عند أمك. ومن بني حمان: نمر بْن مُرة بْن حمان وكان فِيهِ بيت تميم أولًا، منهم: عمرو بْن مالك، كان أحد بني الخيزق، وكان شريفًا بخراسان وهو الَّذِي

_ [1] بهامش الأصل: شفته.

ذكره ثابت بْن قُطْنَة الْأَزْدِيّ فِي شعره فِي أيام تَرْفُل فقال: لم يَقْرِها السعديُّ عمرو بْن مالك ... وتَشْعَبُ من سهم المنايا له سَهْما ومن بني حمان: خَيران وحسان ابنا الوّدَّاء وكانا شريفين، وكان حسان مع سلم بْن زياد بخراسان ودخل على عُبَيْد اللَّه بْن زياد بالبصرة فانتسب له فقال له: أخوك خيران بْن الودَّاء؟ فقال: بل أَنَا أخوه أصلح اللَّه الأمير، وكان أصغر منه. وكان حسان يكنى أَبَا إياد، وشتم حارثة بْن بدر فلم يجبه، وقال إنه لفخر لبني حمان إن أجبتهم. ولا عقب لحسان. وخاصم بنو نمر بْن مرة بني كليب فِي ركيَّة بالمروت إِلَى المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي، وهو على اليمامة، فقال جرير بْن عطية: نعوذ بالله العزيز القهار ... وبالأمير العدل غير الجبار من ظلم حمَّان وتحويل الدار ... فسل بني صحب ورهط الجرّار والمسلمين العظام الأخطار ... والجار قد يعلم أخبار الجار حفرتها وهي كناس البقار ... ما كان قبل حفرها من محفار [1] فِي أبيات، وقال: جاءت بنو نمر كأن عيونهم ... جمر الغضا تبذري وظلام [2] وكان جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة سَأَلَ مُخاشن بْن حمان أن يسقي إبله، قبل إبل نفسه، فأَبى فقال: هوان ما بي عليك مخاشن بْن حمان فذهبت مثلًا. ومن بني مخاشن: أَبُو نخيلة الراجز [3] ، واسمه معمر، وكني أبا

_ [1] ديوان جرير ص 191 مع فوارق واضحة. [2] ديوان جرير ص 420. مع فوارق، والبذري: الباطل. القاموس. [3] بهامش الأصل: أبو نخيلة الراجز.

وولد مالك بن كعب:

نخيلة لأنه ولد إِلَى جنب نخلة، وقال فِيهِ الراجز: إن أَبَا نخلة عبدٌ مالَهُ ... خول إذا ما ذكروا أخواله تدعى له أم ولا أَبَا له وولد مالك بْن كعب: فاضل بْن مالك. وعوف بْن مالك. والأرواح بْن مالك. وولد ربيعة بْن كعب: جُشَم بْن ربيعة. ولأي بْن ربيعة. وعمرو بْن ربيعة. وعمرو وهو المستوغر الَّذِي عُمَر دهرًا، وأدرك الْإِسْلَام وسُميِّ المستوغر لبيت قاله: ينش الماء فِي الربلات منها ... نشيش الرَّضْف فِي اللبن الوغير [1] وقال غير الكلبي: اسمه عمير، ويكنى أَبَا بيهس ويزعمون أن المستوغر قال: إني سئمت من الحياة وطولها ... وعَمِرتُ من عدد السنين مئينا وثُجَيْر بْن ربيعة. ومنهم: عمرو بْن جرموز بْن قيس بْن الذيال بْن ضِرار بْن جُشم بْن ربيعة قَاتل الزبير بْن الْعَوَّام رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ، وكان الَّذِي أنذر بالزبير رَجُل من بني حِمَان يُقَالُ له ابن قَرتَنَا، أخبر الأحنف بانصرافه فقال الأحنف ما قَال حَتَّى لحقه ابن جرموز فقتله. ومنهم قَتَادَة بْن زهير بْن جَي بن سبع بن خثم بن فاتك بن الذيال بْن جشم بْن ربيعة، ويقال عن غير الكلبي هُوَ نُقادة بْن زهير بْن جيّ بن

_ [1] الوغير: اللبن يرمى فيه الحجارة المحماة، ثم يشرب. القاموس.

وجارية بن قدامة [1] بن الحصين بن رزاح بن أبي سعد،

سبع بن خثم بن فاتك بن الذيال بْن جشم، وكان سيد بني ربيعة فِي زمانه وقول الكلبي أثبت. وسوار بْن المضرب الشاعر. وجارية بْن قدامة [1] بْن الحصين بْن رزاح بْن أَبِي سعد، واسمه أسعد بْن ثجير بْن ربيعة، وهو الَّذِي بعثه عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه فِي أثر بسر بْن أَبِي أرطاة، فحرق من كان فِي غير طاعة علي فسمي جارية مُحرقًا، وهو أحرق عَبْد اللَّه بْن الْحَضْرَمِيّ فِي دار سَنْبِيل بالبصرة، وقد كتبنا خبره فيما تقدم. وقال ابن العَرَنْدَس لعبد اللَّه بْن الْحَضْرَمِيّ: ينادي الحباقَ وحمَّانها ... وقد حرَّقوا رأسه باللهب والحباق بنو سعد بْن كعب، وقال الشاعر أيضًا: فضح الحباق بني ربيعة قعبهم ... لم يملؤوه ورأسه المتثلم وهم يعيرون بقعب صغير كان لهم. وأقطع مُعَاوِيَة جارية بن قدامة تسعمائة جريب، وكناه فِي كتابه له بالإقطاع، وكان جارية يكنى أَبَا يزيد وأبا أيوب. وآلى رَجُل من قَيْس بْن ثَعْلَبَة ليلطمن سيد بني تميم، فلطم الأحنف، فقال له: يا بن أخي ما دعاك إِلَى هَذَا؟ فقال: حلفت لألطمن سيد بني تميم، فقال: ما أَنَا بسيد بني تميم، سيدهم جارية بْن قدامة. فأتى جارية فلطمه، فأمر به فأدخل الدار ثُمَّ دعا بحداد فقطع يده. وشهد جارية الجمل، وصفين مع علي، وقال له مُعَاوِيَة وهو يمازحه:

_ [1] بهامش الأصل: جارية بن قدامة.

ما كان أهونك على أهلك حين سموك جارية، فقال: أنت أهون على أهلك حين سموك مُعَاوِيَة وإنما المعاوية الكلبة تعاوي الكلاب. فقال مُعَاوِيَة. ثكلتك أمك. قال: أمّ لم تلدني. قال: لقد هممت أن أسوءك. فقال: إن السلاح الَّذِي لقيناك به يوم صفين عندنا لم نَبِعْهُ بعد ولم نَهَبْهُ. قال: إنك لتهددني. قال: إن أفعل فقد خلَّفْتُ ورائي رجالًا شدادًا، وسيوفًا حدادا ورماحًا طوالًا، فحلم عَنْهُ مُعَاوِيَة وأعطاه مائة ألف درهم، وقال الشاعر: ألا فاصبحاني قبل جيش محرق ... وقبل وداعٍ من سليمي مفرق وهلك جارية بالبصرة فشهد الأحنف جنازته، فقال: يرحمك اللَّه أبا أيوب فو الله ما كنت تحسد شريفنا ولا تحقر ضعيفنا. ومن ولد جارية: مقاتل بْن الزبير بْن جارية، كان مع سلم بْن زياد بخراسان. قال أَبُو اليقظان. ومن بني ثجير: مكحول بْن ثجير بْن حذيم، وهو أَبُو الأحمس بْن مكحول صاحب النهر بالبصرة، وكان صاحب خيل وهو القائل: يلوم على ربط الجياد وصونها ... وأوصى بها اللَّه النَّبِيّ مُحَمَّد [1] قال أَبُو اليقظان: ومنهم من بني فاتك بْن الديل أو الذيال: شَيْبَان بْن عَبْد شمس، الَّذِي نسبت إليه مقبرة شَيْبَان بالبصرة، وكان يقتل الخوارج، وصَيَّرَهُ زياد على المسجد الجامع وما يليه ليحرس بالليل، فقتله قوم من الخوارج وهو متكئ على باب داره، وقد كتبنا خبره فيما تقدم من كتابنا هَذَا، ويقال إنه كان على شرط زياد، فَلَمَّا قتل شَيْبَان خرج قوم من رهط بني

_ [1] بهامش الأصل: بلغت المعارضة بالأصل الثالث، وهو ...

ومن بني شيبان بن كعب:

ربيعة فقتلوهم فقال الفرزدق: إباء بشيبان الثوور وقد رَأَى ... بني فاتك هابوا الوشيج المقوَّما [1] ومن بني شَيْبَان بْن كعب: الحكم بْن الأعور، وكان ذا قدر وكان مع يزيد بْن المهلب يوم قتل، وله عقب بالبصرة، وكانت للحكم امرأة يُقَالُ لها أم الغلام، وهي من بني سعد، قال الفرزدق: ذكرتك يا أم الغلام ودوننا ... مصاريع أبواب لهنَّ صريف [2] ومن بني مالك: الأجرع الَّذِي يقول: وكعبنا خير الكعوب كعبا ... أكثرهم فوارسًا وركبا وخيرهم مأثرة وعقبا وولد: الْحَارِث بْن كعب بْن سعد، وهو الأعرج قطع رجله غيلان بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم فِي يوم تياس، وقد ذكرنا خبره فِي كتابنا. وكعب بْن الْحَارِث. وعمرو بن الْحَارِث. وجشم بْن الْحَارِث. وعوف بْن الْحَارِث. منهم: الخطيم بْن مهرب بْن صريم بْن مرة بْن كعب بْن الْحَارِث الأعرج، وكان شريفًا. ومنهم: زهرة بْن حُوَّية، ويقال زهرة بْن عَبْد اللَّه بْن حُوية، والأول قول ابن الكلبي وهو الثبت. قال: هُوَ زهرة بْن حوية بْن عَبْد اللَّه بْن قَتَادَة بْن مرثد بْن مُعَاوِيَة بْن قطن بْن مالك بْن أذنم بْن جشم بن الحارث الأعرج، أسلم وشهد القادسية ثُمَّ عاش حَتَّى قتله شبيب الخارجي يوم سوق حكمة مع عتاب بْن ورقاء

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 258. [2] ليس في ديوانه المطبوع.

الرياحي، وكان زهرة مَرَّ بخيل للقعقاع بْن معبد، فركب فرسًا منها، واتبعه حُصين بْن القعقاع فقارعه حَتَّى خلى له الفرس فقال حصين: لما رآني ابن الحوّيَّة خافني ... وأيقن أن الموت تحت لبانها فأجابه زهرة: تركت ابن قعقاع حصينًا كأنه ... كنانة نبل خرقتها قرانها ينوء بكفيه إلى صدر مهره ... قد ابتل من نفح الدماء عنانها قال: والقران سهم إِلَى جنب سهم. ومن بني الأعرج: مضرحي بْن كلابي، كان شاعرًا وكان مع المهلب بفارس، وهو القائل: لهان على المهلب ما نلاقي ... إذا ما راح مسرورًا بطينا يجر السابري ونحن غبرٌ ... كأن جلودنا كُسيت طحينا ألا ليت الرياح مسخراتٍ، ... بحاجتنا يرحن ويغتدينا بأن لم يبق غير مغضضات [1] ... تلوح على يلامق [2] قد بَلينا فكيف لنا بأن نحيا جميعًا ... ويُنشر من مضى من أولينا ومن بني الأعرج عُلَيْلة أَبُو العلاء الَّذِي يروى عَنْهُ الحديث. وذكر عليلة أن من بني الأعرج: الأسلع [3] ، وكانت له صحبة، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الأسلع أن يرحل له يومًا، فقال: إني جنبٌ ولا ماء عندي، فنزلت آية التيمم.

_ [1] الغضاض: العرنين وما ولاه من الوجه. القاموس. [2] اليلمق: القباء، ج يلامق، فارسي معرب. القاموس. [3] بهامش الأصل: الأسلع رحمه الله.

فولد حرام بن كعب:

وكان الأسلع مؤاخيًا لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، فأخذ بلال بْن أَبِي بردة رجلًا من ولده فِي جناية فانتسب له، فخلى عَنْهُ. ومن موالي بني الأعرج: عَرَّاف اليمامة، وهو رباح بن كحيلة، وله باليمامة ولد. فولد حرام بْن كعب: ربيعة بْن حرام. وعوف بْن حرام. وكعب بْن حرام. ومؤالة بْن حرام. وخارجة بْن حرام. وعمرو بْن حرام. ومالك بن حرام. فمن بني حرام، رَجُل يُقَالُ له قَتَادَة من أَهْل الكوفة، وكان شازبًا [1] ، وقدم البصرة مع عقبة بْن سلم، وزوَّج رَجُل ابنَه امْرَأَة من بني حرام فولدت له وكان اسمه عُبَيد فعقَّه فقال. تَظَلَّمني مالي عبيد وعَقَّني ... على حين آضَتْ كالحنيِّ عظامي وجاء يقول من حرام كأنما ... تسعر فِي بيتي حريق ضرام لعمري لقد ربيته فرحًا به ... فلا يفرحنْ بعدي امرؤٌ بغلام انقضى نسب بني كعب بْن سعد وولد عوافة بْن سعد: عيص بْن عوافة. والنضر بْن عوافة. وطارق بن عوافة. والسطّار بن عوافة. منهم: غنمة بْن ربيعة، كَان البيت فيهم بعد بني حمان. وَحُوَي بْن غَنَمة. ومن بني عوافة: عَتَّاب بْن غَلَّاق بْن شهاب، فرض له عمر بن الخطاب في ألفين وخمسمائة، وكان غلاق بْن شهاب سيدا فِي الجاهلية. وقد

_ [1] الشازب: الخشن، والضامر اليابس. القاموس.

وولد عمرو بن سعد بن زيد مناة:

ولد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، لان أم عُمَر أم عَاصِم بْنت عَاصِم بْن عُمَر بْن الخطاب وأمها ابْنَة زينب بِنْت غَلَّاق. وولد عمرو بْن سعد بْن زَيْد مناة: سلمان بْن عمرو. والحارث بْن عمرو. وولد سلمان بْن عمرو: منقذ بْن سلمان، وعامر بْن سلمان. منهم: سُعَير بْن الخِمْس بْن عمارة بْن عمرو بْن قَيْس بْن الْحَارِث بْن كعب بْن سلمان بْن عمرو، كان فقيهًا بالكوفة، ومات ودفن فَلَمَّا وضع فِي اللحد تحرك، فأخرج وعاش فولد له ابْنَه قطن بعد ذلك. ومنهم: الهائلة والبسوس. فأما الهائلة فجعلت تأخذ من وعاء ضيفهم فتجعله فِي وعائها فقال: ما تصنعين؟ فقالت: أهيل من هَذَا فِي هَذَا، فقال: محسنة فهيلي، فمضت مثلًا. واعتزي إليها رَجُل من ولدها فقال: أَنَا ابن الهائلة، فَقِيل أنت ابن اللصة. وأما البسوس فهي التي يُقَالُ: أشأم من البسوس، صاحبة سراب، التي وقعت الحرب بين ابني وائل بسببها. وكانت الهائلة بِنْت المنقد أم جساس بْن مرة بْن ذهل بْن شَيْبَان. ومن بني عمرو: عمرو بْن فقعس، وكان عَبْد الرَّحْمَن بْن أم الحكم سبق بين خيل بني حنظلة، وخيل بني سعد، وهو على الكوفة فسبق فرس لعمرو بْن فقعس يُقَالُ له ناضح فقال: أنَاضح إن الخيل مرسلة غدًا ... ومالك إن لم يجلب اللَّه جالب فلا تنس تَجْلِيليكَ فِي كل شتوة ... ردائي وإطعامِيكِ والبطنُ ساغب أَنَاضح شمر للرهان فإنها ... نتاج حفاظ جَمَّعَتْها الحلائب وسمعت من يقول: ناصح- بصاد غير معجمة-

وولد جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم:

وولد جشم بْن سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم: كعب بْن جشم، وأمه الرؤوف- على مثال الرعوف- بِنْت بَكْر بْن عَبْد مناة بْن كنانة. وحرام بْن جشم. وسُوَاءة بْن جشم. وسالم بْن جشم، وأمهم الرباب بِنْت عوف بْن حرب من عائذة قريش. فولد كعب بْن جشم: ذبيان بْن كعب. ومنقذ بْن كعب. وعباد بْن كعب، أمهم ابْنَة مالك بْن حنظلة بْن مالك. وكعبان بْن كعب، وأمه ابْنَة ليث بْن بَكْر بْن عَبْد مناة بْن كنانة. فمنهم خَالِد بْن عثم بْن رِجْل بْن ذبيان بْن كعب كان سيد بني سعد فِي زمانه. وقال هشام ابن الكلبي: صحف شبة بْن إياس بْن شبة بْن عقال فِي رِجل، فقال: خالد بْن عَثْم بْن رَحْل. وقال أَبُو اليقظان: ولد جُشَم بْن سعد: حَفْص بْن جُشَم. وعَثَان بْن جُشَم. وسواءة، وحرامًا. قال: ومن بني جُشَم: بلج بْن نشبة، كان من وجوههم، وهو الَّذِي قال له زياد: ومحترس من مثله وهو حارس وإليه نسب حمام بلج بالبصرة، والساج البلجي. ومنهم: سنان بْن الحَوتكية، تزوج إليه عقيل بْن أَبِي طَالِب. ومنهم: عمار بْن عَبْد الْعَزِيز، كان فيمن قتل عَبْد الله بْن خازم بخراسان. ومنهم: عرفجة، ركض فرسه فقتل دهقان دسْتَوَى، ثُمَّ صلى الغداة

مع عُبَيْد اللَّه بْن زياد، فاستعدي عليه، فقال عُبَيْد اللَّه: فإنه صلى معي الغداة، فهدر دمه. ومنهم: نُباتة، عضه كلبُ لبعض قومه فمات فقال الشاعر: ألم تر أن سيد آل سعد ... نباتة عضة كلب فماتا فأُعطي بنو نباتة ديته. ومن بني عمرو بْن سعد: عصام الَّذِي قال الشاعر فِيهِ: فصبرًا عصامٌ إنه ترياق ... قبلك سنَّ للناس ضرب الأعناقْ ومن الناس من يقول: هُوَ عِفاق وينشد: صبرًا عِفاق. ومن بني جُشَم بْن سعد: عتيقة بْن زَيْد، كان من وجوه بني تميم أيام الْمُخْتَار. ومنهم: خليفة بْن بلاد، ويكنى أَبَا البلاد، الَّذِي يقول: عجبتُ من نفسي ومن إشفاقها ... ومن طِرادي الطير عن أرزاقها والموت فِي عنقي وَفِي أعناقها ومنهم: كليب بْن مالك، كان من أصحاب الجفرة، وكان من ولده رَجُل خرج مَعَ إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن. ومنهم: زرارة وهلال ابنا أنف الكبش، فأما هلال فقتل أيام المسور، ولم يكن بزرارة بأس. وقال الفرزدق: رأت لابن أنف الكبش أيرًا وساعدًا ... غليظين إذ مَلَّتْهُما [1] أم جعفر [2]

_ [1] ملّ القوس أو السهم بالنار: عالجه بها، والشيء في الجمر أدخله. القاموس. [2] ليس في ديوانه المطبوع.

ومن ولد عوف بن سعد:

يقول هَذَا لامرأة كَانَتِ امْرَأَة شبل بْن عَبْد الرَّحْمَن، أخي جبلة بْن عبد الرَّحْمَن. ومن ولد عوف بْن سعد: بكير بْن وَسّاج، كان له قدر بخراسان، وهو بعث برأس ابن خازم إِلَى الشام، ثُمَّ إنه حارب بجير بْن وقاء فقتله بجير بْن وقاء الصريمي، وله عقب بخراسان. ومنهم: نفيع بْن كعب، وفُضالة بْن حابس، اتبعا الزبير بْن الْعَوَّام بوادي السباع حَتَّى قتل. وولد مالك بْن سعد بْن زَيْد مناة: سعد بْن مالك. فولد سعد: ربيعة. وهلال. وحرام. وقنان. فَمَنْ بني ربيعة بْن سعد: العجاج بْن رؤبة [1] بْن لبيد بْن صخر بْن كثيف بْن عَميرة بْن حُنَي بْن ربيعة بْن سعد بْن مالك. ويقال أن اسم العجاج عَبْد اللَّه، وكنيته أَبُو الشعثاء. وابنه رؤبة بْن العجاج الراجز، ويكنى أَبَا الجحاف، وعمَّر رؤبة حَتَّى سقطت أسنانه كبرًا، وابنه القُطامي بْن العجاج، كان راوية عالمًا. وقيل للعجاج: أما تحسن الهجاء؟ فقال: وهل فِي الدنيا صانع إلا وهو على الفساد أقدر منه على الصلاح، أما أَحسن أن أقول مكان إلا وهو على الفساد أقدر منه على الصلاح، أما أَحسن أن أقول مكان عافاك اللَّه، لا عافاك اللَّه، ومكان يا كريم يا لئيم، وكان يقول: لنا حلم يمنعنا أن نَظْلِم. وعزٌ يمنعنا من أن نُظْلَم. وروى عن خلف الأحمر قال: قال رَجُل من بني الحرماز: أتى العجاج أَبِي فقال: أتبيعني شاة من غنمك على نَعْتيِ تكن، قال: وما نعتك؟ قال:

_ [1] بهامش الأصل: العجاج بن رؤبة.

حسراءٍ المقدم، شَعْراء المؤخر إذا أقبلت حسبتها نافرًا، وَإِذَا أدبرت حسبتها ناثرًا، يعني عاطسًا. وقوله: حسبتها نافرًا لإشرافها من جميع أقطارها. ومن بني مالك: توبة بْن مُضَرِّس ويلقب الحَنوف، وكان قدامة بْن حنيفة أحد بني مالك قتل أخا توبة مرداسًا فِي بلاد بني سعد، فاستعدى توبة على قدامة، وعلى البحرين يومئذ حُرَيث بْن جَابِر الحنفي فسأله حُرَيْث أن يعفو فأبى، فحبسه وقيده فقال توبة: على أيِّ ذنْبٍ يا حُريثُ بْن جابرٍ ... شَدَدْتَ على رجليَّ إذْ جئتُكَ الكَبْلَا فلو غير مرداس حُريث بْن جَابِر ... لكنتَ بما أُعطيت مِنْ نائلٍ أهلا وَحَوْمَلُ قد أَيمتها من حليلها ... ففارقها واستبدلتْ من بعده بعلا وقال أيضًا: سأترك منهم واحدًا لا أخا له ... كما تركوني واحدًا لا أخًا ليا فقدم البصرة زمن عُبَيْد اللَّه بْن زياد: فدفع إليه قاتل أَخِيهِ فقتله وقال: وسائلة عن توبة بْن مُضرسٍ ... وهان عليها ما أصاب به الدهر لعمر أبيك الخير ما كان إخوتي ... معازيل أبرامًا إذا لم يكن قطر وفرقهم ريب المنون كأنما ... على الدهر فيهم أن يفرقهم نذر وقال أيضًا: تُعزي المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب ريب الدهر بالحازم الجلد

وولد عبشمس بن سعد:

وكان من مواليهم: مُغِيرَة بْن رستم، وكان على مطبخ الحجاج. ومن بني مالك بْن سعد: الأغلب بْن سالم وكان من قواد أَبِي جَعْفَر وولي إفريقية، وولى ابنه إِبْرَاهِيم إفريقية للرشيد هارون. ومنهم: خليل بْن كِرْشاء، كان من قواد أَبِي جَعْفَر. وولد عبشمس بْن سعد: كعب. وعوف. ومُلادس. وعمير. وجُشم. وحارثة. وعبيد. وشَعْل. وعمرو، درج. وخوّات. والحرَمِز، درجوا ألا بقية دخلوا فِي بني كاهل بْن أسد يقولون: حرمز بْن مازن بْن كاهل بْن أُسد، وهم هؤلاء. فولد كعب بْن عبشمس: شريط بْن كعب. وعمرو بْن كعب. وعوف بْن كعب. وجُلهُمة بْن كعب. ومنبه بْن كعب. والسائب، دخلا فِي تنوخ. وولد عوف بْن عبشمس: الأعور. وجَحوان. والحارث. والأَجْبَر. وكعب. وعُريان. وولد مُلادس بْن عبشمس: عمير بْن ملادس. وعتبة بْن ملادس. وجبل بْن ملادس. وسلمة بْن ملادس. وعبد الْحَارِث بْن ملادس. وسعد بْن ملادس. وأبان بْن ملادس. وأسعد بْن ملادس. منهم نميلة بْن مرة بْن عَبْد العزى بْن بشر بْن أوس بْن عمرو بْن حابس بْن مؤالة بْن عُتَيّ بْن عمير بْن ملادس بْن عبشمس، صاحب شرط البصرة أيام إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن حسن، ثُمَّ صار فِي صحابة أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين.

ومن بني عبشمس: عرقوب [1] بن معبد بن شعيبة بن خوات بن عبشمس

ومن بني عبشمس: عُرْقُوب [1] بْن معبد بْن شعيبة بْن خوات بْن عبشمس الَّذِي يُقَالُ: مواعيد عرقوب، ويقال عرقوب بْن صخر. وقال هشام بْن مُحَمَّد الكلبي: قال أَبِي مُحَمَّد بْن السائب: ليس هَذَا بشيء، إنما عرقوب رَجُل من العماليق. وبنو سعد يقولون هَذَا. قال: وكان عرقوب مِمَّنْ يسكن يثرب، وكان له نخل، فوعد رجلًا من العرب نخلة، فَلَمَّا أَطْلَعَتْ، وصار حملها بلحًا، قال: دعها حَتَّى تُزْهَى، فلما أزهت، قال: دعها حَتَّى تلوّن، ثم قال: دعها ترطب، حَتَّى تُزْهَى، فلما أزهت، قال: دعها حَتَّى تُلوّن، ثُمَّ قال: دعها ترطب، فَلَمَّا أرطبت قال: دعها تتمر فَلَمَّا أتمرتْ جَدَّها، فضُرب به المثل فِي خلف المواعيد، فقال الشاعر: إذا وَعدَتنَا كان أنجز وعدها ... كموعد عرقوب أخاه بيثرب ومنهم المنخل بْن خُبْليل بْن شراعة بْن حارثة بْن عبشمس، الَّذِي يُقَالُ فيه: حتى يؤوب المنخل، فقد فلم يعد. وقال هشام ابن الكلبي: هُوَ عندنا من بني يشكر، وليس من بني سعد، والله تعالى أعلم. ومنهم: بنو عبقر بْن خُويلد بْن جشم بْن عمرو بْن عبشمس. قال ابن الكلبي: كانوا أشد العرب فقتلوا ليلة مِغْشَب، كان بينهم وبين مهرة حرب فقتلوهم، وكانوا يدعون جنة عبقر، وبعضهم يقول عبقر موضع. ومنهم: عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد بْن طارق بْن جَعُونة بن منفّر بْن إط بْن عمرو بْن كعب بْن عبشمس- وبعضهم يقول أط- كان على شرطة

_ [1] بهامش الأصل: عرقوب.

ومنهم: محمد بن الحوثرة بن نعيم بن حثمة بن عدي بن سرحان بن كعب بن عبشمس،

الحجاج، وولي الكوفة والبصرة، وولاه الحجاج الشرطتين. وعبد الرحمن الذي قال فيه الحجاج: لأستعلمنّ عليكم رجلًا طويل الجلوس، شديد العبوس، وتولى مَودود ابن أَخِيهِ شرطة الكوفة، ثُمَّ خُلع. ومنهم: مُحَمَّد بْن الحوثرة بْن نعيم بْن حَثمة بْن عدي بْن سَرْحان بْن كعب بْن عبشمس، كان على عذاب الحجاج. وسعر بْن خفاف بْن ظالم بْن الأعور بْن عوف بْن عبشمس كان سيد بني سعد فِي زمانه حَتَّى مات، وكان جاهليًا. ومنهم: جَون بْن قَتَادَة بْن الأعور، كان فيمن شهد الجمل فهرب وهو جَد نميلة بْن خَبّاط، وقال هلال بْن وكيع: أضربهم بصارمٍ مَيَّاطِ ... إذْ فَرَّ جونٌ وبنو خباط ونكب الناس عن الصراط ومنهم: إياس بْن قَتَادَة بْن أوفى بْن مَوْءلة بْن عُتبة بْن مُلادس بْن عبشمس حامل الديات فِي زمن الأحنف، أيام قاتلوا الأزد فِي يوم مَسْعُود، وهو ابن أخت الأحنف بْن قَيْس، قتلوه فِي أيام مَسْعُود وظنوا أنه عُبَيْد اللَّه بْن زياد فودوه وهو جد، وجبا بْن روّاد الجبلي، وكان يُقَالُ لمسعود قمن [1] العراق، وكان إياس سيد بني تميم بالبصرة، فاجتمعوا إليه لنائبة نابتهم، فدخل منزله ليلبس ثيابه ويركب معهم إلى السلطان فلما نظر في المرواة رَأَى فِي لحيته شمطة فقال: يا جارية خذي إليك، ونزع ثيابه، ثُمَّ قال: يا بني تميم وهبت لكم شبابي فهبوا لي كبرتي، وترك السلطان وصار مؤذنا حتى

_ [1] القمين: الخليق، الجدير. القاموس.

ومنهم: عبدة بن الطبيب الشاعر.

مات، فبلغ ذلك الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن فقال: يرحمه اللَّه، علم أَن القبر يأكل السمن، ولا يأكل الْإِيمَان. وحدثني شَيْبَان الآجري عن رَجُل عن الْحَسَن قال: إن بعض أَهْل البصرة مِمَّنْ كان يغشى السلطان تركه ورغب عن إتيانه، فقال بنوه: والله لئن تركت السلطان لتموتنَّ هَزْلًا، فقال: والله لأن أموت مؤمنا مهزولا أحب إلي من أن أموت منافقا سمينًا. فقال الْحَسَن: رحمه اللَّه تعالى، علم أن القبر يأكل الشحم، ولا يأكل الْإِيمَان. وكان إياس قصيرًا فقال: إنْ أَكُ قَصْدًا فِي الرجال فإنني ... إذا حَلَّ أمر ساحتي لجسيم ومنهم: عَبْدة بْن الطبيب الشاعر. قال هشام ابن الكلبي، قال حَمَّاد: كان عبدة حبشيًا. وقال غير الكلبي: عبدة بْن الطبيب، واسمه يزيد بْن عمرو بْن وَعْلَة بْن أَنَس بْن عبد الله بن عبدنهم بْن جُشم بْن عبشمس، وقيل له الطبيب لأنه قال: كَفَفْت الأذى عنا بعضب مهند ... وإني لجهل الجاهلين طبيب ومنهم: زبير بْن طفيل بْن زهير بْن شماس بْن حارثة بْن جَحْوان بْن عوف بْن كعب بْن عبشمس الشاعر، والمُقْعَد بْن شماس الشاعر، وبعضهم يقول القَعَد بْن شماس. وبدر بْن زَيْد بْن عمرو بْن أسَيد بْن جحوان الَّذِي يقول فِيهِ عبادة بْن المجبر بْن عبشمس: ألا لا يبعدن اللَّه بدرًا ... إذا هَبَّتْ شآمية شمالا فَمَا كَانَتْ تستِّر قَدْر بدرٍ ... إذا ضيفانه وضعوا الرحالا

وولد عمير بن عبشمس:

وعبد اللَّه بْن المجبر أيضًا. وولد عمير بْن عبشمس: أَنَس بْن عمير. ووَبَرَة بْن عمير. وولد جُشَم بْن عبشمس: عَبْد العزى. وعبدنهم. وولد عمرو بْن سعد بْن زَيْد مناة: سلمان. والحارث. ولُوذان. فولد سلمان: معبد بْن سلمان. ومنقذ بْن سلمان. وعامر بْن سلمان. وولد الْحَارِث بْن عمرو بْن سعد: عَامان. وباهلة. وزِبعان. لهم عدد كثير. وقال أَبُو اليقظان: من بني مُلادس: بشر بْن خباط، وكان يرى رأي الخوارج، فقال زياد: لأردنَّهُ عن رأيه فولاه جنديسابور فترك رأيه. وكان شهد الجمل مع عَائِشَة ففر. وكانت تيمن بِنْت عَبْد الْعَزِيز بْن بشر عند يزيد بْن عمرو بْن عمير الأُسَيْدي، وكان عَبْد الْعَزِيز أول من بدأ بإنكار أمر حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن الزبير، حَتَّى طرد عن الأهواز. قال: ومن بني عبشمس: بنو الدَوْسَر، أمهم أمة يُقَالُ لها دَوْسَر. منهم: عبدة الطبيب القائل: ثَمّت قمنا إلى جُرْدٍ مُسَوَّمَةٍ ... أَعرافُهُنَّ لأيدينا مناديل سرقة من امرئ القيس حين قال: نَمُش بأعراف الجياد أكفنا ... [1] وأنشد عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قصيدته هذه حتى بلغ إلى

_ [1] الشطر الثاني لهذا البيت: ... إذ نحن قمنا عن شواء مضهب ديوان إمرئ القيس ص 71.

وولد عمرو بن زيد مناة

قوله: ... ... والعيش شُح وإشفاقٌ وتأميل فقال عُمَر: صدقت. ومن بني عبشمس: عمرو بْن عَميرة، الَّذِي يُقَالُ له عمرو القنا، وكان مع الحرورية وكان شجاعًا. ومن بني عبشمس: عَبْد اللَّه الضعيف، لحق بالخوارج فقال: لعمرك إني فِي الحياة لزاهد ... وَفِي العيش ما لم أَلْقَ أمَّ حكيم وقد كتبنا هَذِهِ الأبيات فيما تقدم من أخبار الخوارج. وقال أَبُو اليقظان: كان يُقَالُ لسعد بْن زَيْد مناة: الغِزْر، سرقت إبله فاتخذ معزى وقال لابنه هبيرة: ارعها فقال: لا أسرحها حَتَّى يمر الضب فِي أثر الإبل الصادرة، فانطلق بها سعد إِلَى عكاظ فقال للناس: خذوها جدع اللَّه أنف من أَخَذَ أكثر من شاة. فَقِيل: تفرقتْ معزى الغِزْر فذهبت مثلًا. وولد عمرو بْن زَيْد مناة حصين بن عمرو. ويزيد بن عمرو، وهم بنو الصحصح بالكوفة، وهم ينزلون عند منازل بني نهشل. وولد امرؤ القيس بن زيد مناة: مالك بْن امرئ القيس. والحارث بْن امرئ القيس. والعَصَبَة بْن امرئ القيس، وهؤلاء الثلاثة فِي بني صَريم فقال شاعرهم: إن أَبِي للحارث الخير منهما ... وليس أَبِي بالحارث بْن صريم فولد الْحَارِث بْن امرئ القيس: عادية. وولد العصبة: عامر بْن العصبة. ويزيد بْن العصبة. وجنادة أيضا.

منهم: عدي بن زيد بن حمان بن زيد بن أيوب بن مجروف الشاعر [1] .

فولد عامر بْن العَصبة: حَيَّةَ بْن عامر. ورُويب بْن عامر. وعوف بْن عامر. وسالم بْن عامر. ومجروف بْن عامر. فولد مجروف: أيوب، وهم بطن بالكوفة. فولد أيوب: زَيْد بْن أيوب. وإبراهيم بْن أيوب. وثعلبة بْن أيوب. منهم: عدي بْن زَيْد بْن حِمان بْن زَيْد بْن أيوب بْن مجروف الشاعر [1] . [مقتل النعمان] حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَنَس الأسدي عن أَبِيهِ عن ابن الجصاص وعن الكلبي، وحدثني أَبُو عدنان السُّلمي عن أَبِي عبيدة فسقْتُ حديثهم ورددت من بعضه عَلَى بعض أن بني بُقَيْلة كانوا أعداء لعدي بْن زَيْد، وكان عدي من كتاب كسرى وتراجمته وكان ابنه زَيْد، وأخوه أيضًا من تراجمة كسرى وكتابه ويخلفان عديًا إذا غاب عن باب كسرى، وكان بنو بُقَيْلة- واسم بقيلة الْحَارِث بْن سُبَين الْأَزْدِيّ- قد أفسدوا قلب النعمان على عدي بْن زَيْد، وأبلغوه عَنْهُ أشياء محلوا به فيها، وخوفوه أن يفسد حاله عند كسرى، وقدم عدي الحيرة فأخذه النعمان فحبسه، وكتب إِلَى كسرى: إنه شتمك، وعاب سيرتك، وسَخَّفَ شأنك، وحدث بأسرارك. فلم يزل محبوسًا، وكتب كسرى إليه وَوَجَّه رجلًا يقدم به عليه، فرشاه النعمان على أن يقول لكسرى: إني وجدته ميتًا، ففعل الرَّسُول ذلك وقتل النعمان عديا. لكسرى: إني وجدته ميتًا، ففعل الرَّسُول ذلك وقتل النعمان عديًا. ولعدي شعر كبير فِي محبسه، فقال ابن عدي وأخوه لكسرى حين قتل النعمان عديًّا: إن عند النعمان نساء لم ير مثلهن، فكتب كسرى إليه فيهن، فكتب النعمان إن فِي بنات الأحرار اللواتي قبل الملك نساء كأنهن المها، يعني البقر الوحشية، وفيهن ما أغنى الملك عن نساء الحيرة السود

_ [1] بهامش الأصل: أمر عدي بن زيد الشاعر مع النعمان، وأمره.

المحاجر، الدقاق السوق، البوادي العراقيب. فَلَمَّا قرأ أخو عدي الكتاب أو ابنه حَرَّفَهُ فقرأ على الملك: إن فِي بقر السواد ما يغني الملك، فغضب من ذلك، وحلف ليقتلنَّه، فَلَمَّا بلغ النعمان ذلك هرب حَتَّى أتى بني عبس فأجاروه. واستعمل كسرى مكانه إياس بْن قبيصة الطائي، وبعث إليه أنْ أجمع جمعًا واغْزُ النعمان. فعلم أنه ليس له ولا بعبس بكتائب الملك طاقة. فأثنى على بني عبس وقال لهم خيرًا، ثُمَّ صار إلى جبلي طيّئ فجعلوا يتحيفون [1] إبله وماله، فتضعضع أمره، فقالت له المتجردة امرأته: الموت خير لمثلك من حياة دنيَّةٍ، إنَّ مثلك لا يعيش هَذِهِ العيشة بعد المُلْك، وليس لك ذنب إِلَى الملك وقد أسأت فِي فرارك عَنْهُ بَديًا وكان ينبغي لك أن تقيم، فتنضح عن نفسك بحجتك وبراءة ساحتك، فقبل رأيها وأهدى إِلَى كسرى نعامًا وأَقَطًا وسمنًا وخيلًا وإبلا مصيونه وحريرًا، وقدم رسله بِذَلِك فأخبروه بعذره واستأذنوه فِي القدوم عليه، فقبل الهدية وأذن له فِي القدوم، فسار حتى وافى ساباط المدائن، فوجد أخبية قد ضُربت وعند كل خباء جارية مزيَّنَة فلما رَأَى ذلك سُرَّ فَقِيل له: انظر هَلْ ترى فِي هَذِهِ الجواري غِنَى للملك عن بقر السواد؟ فأيقن بالشر، ولقيه زَيْد بْن عدي وأخوه فقالا له: يا نُعيم قد هيأنا لك أخيةً [2] لا يقطعها المهر الأَرَنُّ- أي النشيط- فيقال إنه سقي سُمَّا فمات، ويقال حُبس فأُجيع وأُعطش حَتَّى مات، ويقال ألقي للفيلة فوطئته حَتَّى

_ [1] تحوفت الشيء. تنقصته. القاموس. [2] الأخية: عود في حائط أو في حبل، يدفن طرفاه في الأرض، ويبرز طرفه كالحلقة، تشد فيها الدابة. القاموس.

مات، فقال سلامة بْن جندل: هَذَا المُولج النعمان بيتًا سماؤُهُ ... صدور الفُيُول بعد بيتٍ مُسَرْدَق [1] أي له سرداق. وقال الأعشى: ولا الملك النعمان يوم لقيتُه ... بإمته يُعطي القطوط ويأنق ويأمر للمحموم فِي كل ليلة ... بِقَتّ وتعليقٍ فقد كاد يُسنق [2] فذلك لم يمنع من الموت رَبَّهُ ... بساباط حَتَّى مات وهو مُحَزْرَقُ [3] مُحَزْرق أي مُضَيَّق عليه منقبض، وقال عدي فِي الحبس: أبلغ النعمان عني مألكًا ... إنني قد طال حبسي وانتظاري لو بغير الماء حلقي شَرِقٌ ... كنتُ كالغَصَّان بالماء اعتصاري [4] وقال أيضًا: ألا من مُبْلغ النعمان عني ... علانيةً وما يُغني السِّرار بأن المرء لم يُخلق حَديدًا ... ولا هَضَبًا توَقِّلُه الوبار [5] فهل من خالدٍ إما هلكنا ... وهل فِي الموت يا للنّاس عار [6] فولد عدي: زَيْد بْن عدي الَّذِي صار مكان أَبِيهِ، وهو كاد النعمان. ومن ولد عدي بْن زَيْد: سواد بْن زَيْد صاحب السّوادية، وهي قرية

_ [1] ديوان سلامة بن جندل ص 182. [2] يسنق: يتخم. [3] ديوان الأعشى ص 117 مع فوارق. [4] ديوان عدي بن زيد ص 93. [5] الوبار: جمع وبر، وهي دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء من دواب الصحراء. [6] ديوان عدي بن زيد ص 132 مع فوارق.

فمن بني إمرئ القيس: موسى بن كعب بن عتيبة بن عائشة بن عمرو بن سري بن عادية بن الحارث بن إمرئ القيس،

بالكوفة. ومنهم: مقاتل بْن حسان بْن ثَعْلَبَة بْن أوس بْن إِبْرَاهِيم بْن أيوب الَّذِي نُسب إليه قصر ابن مقاتل [1] ، وكان يُقَالُ: بعدَه قصر ابن مقاتل، يريدون مقاتلًا، ويقولون قصر بني مقاتل. وقال ابن الكلبي لا أعرف في الجاهلية من العرب أيوب ولا إِبْرَاهِيم غير هذين، وإنما سُمِّيا بهذين الاسمين للنصرانية. وولد رُويبة بْن عامر: عَبْد اللَّه بْن رويبة. وسنان بْن رويبة. وعمرو بْن رويبة. وولد عوف بْن عامر: ربيعة بْن عوف. وأهبان. وولد زَيْد بْن العَصَبَة: الكاهن بْن زَيْد. وخَدَّاج. وولد عادية بْن الْحَارِث بْن امرئ القيس: سعد بْن عادية. وسُرَي بْن عادية. وعَزْعزة بْن عادية. وثعلبة بْن عادية. وخالد بْن عادية. فولد سعد بْن عادية: عامر بْن سعد. ومالك بْن سعد. فولد مالك بْن سعد: كعب بْن مالك وعزعزة بْن مالك. وولد مالك بْن امرئ القيس. سلمة بْن مالك. وكعب بْن مالك بْن امرئ القيس: وغضبان بْن مالك. فولد غضبان: محصن. وولد كعب: عَبْد اللَّه. وعدوان. فَمَنْ بني امرئ القيس: مُوسَى بْن كعب بْن عُتيبة بْن عَائِشَة بْن عمرو بْن سُرَي بْن عادية بْن الْحَارِث بْن امرئ القيس، وهو أحد النقباء فِي دولة بني الْعَبَّاس، وولي السند، وقد ذكرنا خبره فِي أخبار بني العباس،

_ [1] قصر مقاتل: قصر كان بين عين التمر والشام. معجم البلدان.

ومنهم: مسعود بن وهب، وهو أبو سارة [1]

وابنه عُيينة بْن مُوسَى ولاه أَبُو جَعْفَر المنصور السند. ومنهم: مَسْعُود بْن وهب، وهو أَبُو سارة [1] شهد القادسية وهشام- الَّذِي كان ذو الرمة يهجوه- ابن الْحَارِث، والقاسم بْن مجاشع بْن تميم بْن حبيب بْن عُبَيْد بْن عامر بْن عزعزة بْن الْحَارِث بْن امرئ القيس، كان رئيسًا فِي دولة بني الْعَبَّاس، وأخوه مَسْعُود بْن مجاشع، ولاهز بْن قُريظ بْن سُرَي بْن الكاهن بْن زَيْد بْن العَصَبَة، وكان من نقباء خراسان فِي دولة بني الْعَبَّاس فقتله أَبُو مسلم لقوله لنصر بْن سيار إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ليقتلوك [2] وولاه أَبُو مُسْلِم كرمان، وحَيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن حَدْرة بْن النطاق بْن أزهر بْن حية بْن عامر بْن العَصَبَة، كان عظيم القدر فِي دولة بني الْعَبَّاس ودعوتهم، ولاه أَبُو مُسْلِم أيام أَبِي الْعَبَّاس كرمان، وَمَالِك بْن الطواف بْن حضرمي بْن مَالِك بْن كباثة بْن علقمة بْن صخر بْن وهب بْن كعب بْن عبادة بْن العَصَبَة، كان من قواد بني الْعَبَّاس وذوي القِدمة والسابقة فِي دعوتهم. والحسن بْن النضر بْن صُبيح بْن عامر بْن حُميد بْن أَشْيَم، ويقال: أشأم بْن نعيم بْن شَيْبَان بْن وهب بْن كعب بْن عبادة بْن العَصَبَة، وكان وأَبُوه عظيمي الصيت فِي دعوة بني الْعَبَّاس ناصرا لهم من بين أَهْل بيته، فسموه مؤمن آل فرعون. ومنهم معبد بْن الخليل بْن أَنَس بْن أَحْمَد بْن ظَفَر بْن وبرة. وصالح بْن مُسَرَّح الخارجي وقد ذكرنا خبره. وقال أَبُو اليقظان: من بني امرئ القيس: موسى بن عبد الرحمن،

_ [1] بهامش الأصل: وقيل أبو سيارة. [2] سورة القصص- الآية: 20.

كان من سروات قومه، وكان صاحب خيل، ووثب رَجُل من بني بهدلة على مَوْلَى له فقتله، فقتل البهدلي به، ولم يُعف عَنْهُ فقال الفرزدق: إذا ما لقيت العبد مُوسَى فقل له ... فُديتَ من الآفات مُوسَى بْن سالم [1] يعني بموسى بْن سالم، أَبَا مُوسَى المحتسب. وكان ميمون بْن مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن صاحب خيل أيضا، وكان له فرس يسمى الكامل فسبق خيل أصحاب الخيل فِي زمن بلال بْن أَبِي بردة، فغضب بلال واغتم وضربه فقال رؤبة: كيف ترى الكامل يبلى صِدْقا ... ما عُدْنَ إلَّا زادهُنَّ سيقا بأربع ما يشتكين شقا [2]

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 268. [2] ديوان رؤبة بن العجاج ص 180 مع فوارق كبيرة.

الجزء الثالث عشر

[الجزء الثالث عشر] بسم الله الرحمن الرحيم [تتمة نسب إلياس بن مضر] [طابخة بن إلياس] [أد بن طابخة] [مر بن أد] [نسب تميم بن مر] نسب بني عَمْرو بْن تميم وولد عَمْرو بْن تميم بْن مرة عشرة نفر: العنبر. وأُسَيّد. والهُجَيْم، وأمهم أم خارجة وهي عمرة، وهي أم عَدَس بِنْت سعد بْن عَبْد اللَّه بْن قداد البجلي، وهي السريعة النكاح. ومالك بْن عَمْرو. والحارث بْن عَمْرو وهو الحبَط، أكل طعامًا فحبط مِنْهُ وأصابته هيضة [1] . وقُطبة. وبَشَّة. ومُرَّة وهو عجيبة. درجوا، وأمهم هند بِنْت كعب بْن عَمْرو بْن عُلة، أخت الحارث بْن كعب بْن مذحج، والقليب وهم فِي بني سعد، وأمه سلمى بِنْت بَكْر بْن مرة بْن أُدّ وهو الشُعيراء. وبكر ينسب إلى أمه وهي الشعيراء بِنْت ضبه بْن أُدّ. وعِداد بني الشعيراء فِي بني سعد، وكان منهم بطن يعرفون ببني خريج، شهد الربذة مَعَ حنتف بْن السجف رجال منهم فَقَالَ الشَّاعِر: وفتية من القُليب صبروا ... فيهم أَبُو الجعد وفيهم مِسعَر قَدْ علم اللَّه بأن قَدْ أعذروا وكعب بْن عَمْرو. فولد العنبر بْن عَمْرو بْن تميم: جندب بن العنبر. ومالك بن العنبر.

_ [1] الهيضة هنا: قياء وقيام جميعا. القاموس.

فولد جندب بن العنبر:

وكعب بْن العنبر. وعامر. دخل بنو عامر فِي بني مالك بْن العنبر، وأمهم مُفَدَّاة بِنْت سوادة بْن بُهثة من بني ضُبيعة. وبشة بْن العنبر أمه مُفَدَّاة أيضًا وَيُقَال غيرها. فولد جُندب بْن العنبر: عدي بْن جُندب، وكعب بْن جندب. وعُرَيج بْن جُندب وأمهم ماويَّة بِنْت ربيعة بْن عجل. وقَالَ الكلبي: قَالَ قوم: هِيَ دعة بِنْت مِعْنَج. ومالك. وحَنْجُود وأمهما خُرَينق بِنْت سعد بْن الحارث بْن عَمْرو بْن تميم، وعمرو بْن جُندب، وأمه ماويَّة بِنْت كعب بن سعد بْن زَيْد مناة. فولد عدي بْن جندب بْن العنبر: جُهْمة. وعُبْدة، أمهما الناقمية وإخوتهم لأمهم صَعْصَعَة بْن معاوية بْن بَكْر بْن هوازن. وغُبَر اليشكري. وهبيرة، ونجدة ابني سعد بْن زَيْد مناة. والحارث بْن عدي بْن جندب، وأمه عَمِيرة بِنْت أسلم بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم. فولد جُهمة بْن عدي: الحارث. والمنذر. وسحْمة. ورِزام، أمهم بيضاء بِنْت عُبْدة بْن عدي بْن جُندب بها يعرفون. فولد الحارث: جَناب بْن الحارث. منهم: شعيب بْن ربيع بْن جُشَيْش بْن مدركة بْن ثعلبة بْن عَمْرو بْن جناب بْن الحارث بْن جُهمة، شهد مَعَ مصعب بْن الزُبَيْر وقائعه، وكانت لَهُ منزلة مِنْهُ. ومنهم: ناشب- وهو الأعور- بْن بَشامة بْن نَضْلة بْن سنان بْن جناب، كَانَ رئيسًا شريفًا. قَالُوا: تجمعت اللهازم وهم: قيس، وتيم اللَّه، ابنا ثَعْلَبَة بْن عُكابة بْن صَعب بْن عَلِي بْن بَكْر. وعجل. ولُجيم ابنا صَعب بْن عَلِيِّ بْنِ

بَكْر بْن وائل. وعنزة بْن أسد بْن ربيعة على بني حنظلة أَوْ مالك بْن زَيْد مناة بْن تيم ليغيروا عليهم وعلى غيرهم من بني عَمْرو بْن تميم، وهم غارُّون، فرأى ذَلِكَ ناشب بْن الأعور بْن بشامة وهو أسير فِي بني سَعْد بْن مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بن ثعلبة فأرسل إليهم برسالة عَرّض فيها تعريضًا فهمه هُزَيل بْن الأخنس، ونهاهم عن طاعة أخيه همام بْن بشامة وقَالَ: إنه محدود، وأمرهم بركوب الدَهناء ليمتنعوا وأن يتمسكوا بما بينهم وبين بني مالك بْن زَيْد مناة، فأرسل إليهم فيما أرسل بِهِ أَنَّهُ قَدْ أورق العوسج، وتشكى النساء، يَقُولُ أنهم قَدْ تسلحوا لكم واستعدوا كما يستعد النساء بخَرْزِ الشِّكَاء، فحذرت بنو عَمْرو بْن تميم، فركبوا الدهناء وصبَّحَت اللهازم بني حنظلة، فاقتتلوا وذلك يَوْم الوقيظ. فولد الأعور: قُدامة وإليه أوصى الأعور بْن بشامة فَقَالَ: استوص بإخوتك خيرًا، فلما مات احتوى قدامة عَلَى إبله كلها فجعلها لنفسه وإخوته من أمه، فمشى إخوته لأبيه إلى قومهم فكلموه وقالوا: منعتهم ميراث أبيهم، فَقَالَ: ما هَذَا المال لأبي. فجاءه إخوته لأبيه ليلًا وهم متسلحون فقتلوه، وجاء أخوه لأمه وأبيه خزيمة يبصره ففقأوا عينه، ثُمَّ لحقوا ببني تغلب فهم فيهم. وقَالَ رَجُل من بني العنبر: أبلغ خزيمة ما أغنتْ شجاعتُه ... تحت الظلام ولاقى حيَّة الوادي ومن بني سِنان بْن جناب، ثُمَّ من بني النعمان بْن سنان: رَجُل يُقال لَهُ النعمان، وكان ضرب رأس رَجُل منهم يُقال لَهُ وارد فنبا عَنْهُ السيف فَقَالَ الفرزدق حين نبا سيفه عن رأس الأسير فعّيره جرير بذلك:

وسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خَالِد [1] وسيف بني النعمان بالشعب ذي الصفا ... نبا فِي يدي نعمان عن رأس وارد [2] ومن بني العنبر زِنباع بْن الحارث بْن جُناب وكان أسر عوف بْن مُحلِّم ثُمَّ أطلقه وذلك يَوْم السَّباري، وفي هَذَا اليوم قتل مالك بْن محلم، قتله طريف بن نميم. ومنهم: غاضرة بْن سمرة بْن قرما بْن جناب، وكان سمرة يلقب خَدَعة، بعثه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصدقات، وابنه عُبَيْد بْن غاضرة الشَّاعِر، وهو أَبُو المنجاب الَّذِي ذكره جرير فِي شعره. وسَمُرَة بْن عَمْرو الَّذِي استخلفه خَالِد بْن الوليد عَلَى اليمامة حين انصرف، وكان يكنى أبا غاضرة، وولاه عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ الهوافي، وهي الضوال، ثُمَّ قدم البصرة فمات بها. ومنهم: عَبْد اللَّه بْن حَبيب بْن هرم بْن سمرة، وهو صاحب جرير بْن عطية. ووَردان. وجيدة ابنا مخرّم بن مخرمة بْن قرط بْن جناب، وفدا عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلما ودعا لهما. وعطية بْن عَمْرو بْن سحيم بْن حزن بْن هلال بن أرطاة بن عبد الله بن جندب، كَانَ مَعَ ابْنُ الأشعث وفيه يَقُولُ أعشى همدان: فإذا جعلتَ دروب فارس خلفنا دربًا فدربا ... فابعث عطية فِي الخيول يكبهنَّ عَلَيْهِ كبَّا وكان عطية صار إلى القلعة التي بفسا مَعَ خرشة بْن مَسْعُود، فأُخذ وبُعث بِهِ إلى البصرة، فصلبه الحجاج عَلَى باب داره.

_ [1] بهامش الأصل: خالد بن جعفر بن كلاب. [2] ليسا في ديوانه المطبوع.

ومنهم الأخنس بْن قُريط بْن عَبْد مناف بْن جناب، وكان أصلح بين بني عَمْرو، وحنظلة، وسعد، والرباب. ومن: بني المنذر بْن الحارث بْن جهمة بْن عدي: رَقبة بْن الحرّ بْن الحنتف بْن جعونة بْن سحمة بْن المنذر بْن الحارث الَّذِي يَقُولُ فِيهِ ابْنُ عرادة: فوارس مثل شُعْبَة أَوْ زُهَيْر ... ومثل العنبريِّ مجربينا شُعْبَة بْن ظهير دارمي، وزهير بْن ذؤيب عدوي، ويقال هو الحنتف بْن زَيْد بْن جعونة. وقَالَ أَبُو الْحَسَن المدائني غزا الحر أبَوْ رَقبة الترك فجعل يُقاتل وهو يرتجز ويقول: لما تنادوا بجطِّ جطِّ ... من كل تركيٍّ غليظٍ ثَطِّ كأنما لحيته بخطِّ ... أيقنتُ أني ظافر مشتط فأصاب أم رقبة، فولدت رقبة، ثُمَّ باعها فاشتراها رَجُل من قومه فولدت لَهُ أيضًا، وكان رقبة يكنى أبا كعب وكان أشد أهل زمانه، وكان يشرب الخمر فكان لا يقاتل أبدًا إلا شاربًا وقَالَ: ثلاث يطيبن النفوس ورابع ... هو الخيبة الخيباء والحَرَبُ القَسْر وكان رقبة بخراسان فِي السبعين الَّذِينَ حصرهم ابْنُ خازم، فخرج بسيفه من بين القوم حتَّى نجا. وكان أوس بْن ثعلبة التيمي من ربيعة أغار عَلَى سَرْح بني تميم بخراسان، فلحقه رقبة وحده فاستنقذ السرح أجمع، وكان يُقال: إِذَا أردتم أن تنظروا إلى رَجُل هُوَ ألف رَجُل، فانظروا إلى رقبة. ومات بخراسان وله بها عقب. ومنهم المنخّل بْن سبيع الشَّاعِر، وكان يلقب المخبّل، وقَالَ لَهُ رَجُل:

لست بمنخل ولكنك مخبَّل، هجا قومًا من بني سعد فقال: لعمر أبيك إن بني عدي ... لئام النَّاس إنْ ذكر اللئام يجوع الضيف عندهم لبخلٍ ... ويسقون النبيذ بلا طعام وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الشعر عن غيره. ومنهم ربيعة بْن رُفيع بْن سَلَمة بْن محلم بْن صلاءة بْن عبده بْن عدي بْن جندب نادى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وراء الحجرات، وإلى رُفيع يُنسب الماء الَّذِي فِي طريق مكَّة من قبل البصرة فيقال الرفيعي وله يَقُولُ الشاعر: «يا بن رفيع هَلْ لها من نبق » . وولده عند هَذَا الماء. وكان خَالِد بْن رُفيع من رجال أهل البادية. وولد عَمْرو بْن جندب بْن العنبر: عَبْد اللَّه. والحارث. وزبينة. وربيع. والحويرث. وجابر. أمهم ذغة بِنْت مغنج من أياد التي يُقال أحمق من ذغة، وهذا الصحيح عند هشام ابن الكلبي لا الأول. فمن بني عَمْرو بْن جندب: طريف بْن تميم بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن جندب الشَّاعِر وهو فارس الأغرّ الَّذِي قتلته بنو شيبان يَوْم مبايض [1] وكان يكنى أبا سَليط، وَيُقَال كَانَ تميم يكنى أبا عَمْرو. وكان من خبر يَوْم مبايض أن طريف بْن تميم وأبي الجدعاء الطهوي، وفدكي بْن أعبد غزوا طيئًا فظفروا، ثُمَّ غزوا من وجههم ذَلِكَ بَكْر بْن وائل وَقَدْ كلت خيولهم فنهاهم فدكي عن ذَلِكَ فأبوا، فقُتل أَبُو الجدعاء وأُفلت فدكي، وقتل طريف بْن تميم، قتله حَمْصَيْصة، وحمصيصة غلام يومئذ، قَالَ الشَّاعِر من بني أبي ربيعة:

_ [1] بهامش الأصل: يوم مبايض.

خاض العداة إلى طريف فِي الوغى ... حَمصيصة المغوار فِي الهيجاء وغزا طريف بني شيبان فلقيهم بزرود فغنم منهم فَقَالَ: لقينا بالأجارع من زرود ... بني شيبان، فالتهموا التهامًا وأغار عليهم بذات الشقوق فقتل شراحيل بن مرة وقال: ويوم شراحيل كررت محاميًا ... عَلَى بطلٍ كالليث والقوم شُهَّدُ نهدتُ بجمع من تميم عرمرم ... عليهم مَعَ الصبح الدلاص المُسَرَّد وأغار معه النابغة الجعدي عَلَى بني شيبان، فأصاب قومًا من بني الحارث بْن همام، ثُمَّ أصاب بني ربيعة فَقَالَ الجعدي فِي الْإِسْلَام للأخطل: لئن عيرتني كبري فإني ... من الشبان أيام الخنان شهدت الحرب إذ دارت رحاها ... لإخوتنا تميم بالزوان [1] وهو الموضع الَّذِي التقوا فِيهِ. ومنهم: سُلَيم بْن سعد بْن جَابِر الَّذِي يَقُولُ لَهُ أعشى همدان: سليم ما أنت بنكس ولا ... دمك لي غاد ولا رائح ذؤابة العنبر أخبرتها ... والمرء قَدْ يسترفد الصالح وكان الأعشى نزل بِهِ، ومعه أَحْمَد بْن حمدان المغنيّ، فلما قَالَ هَذِهِ الأبيات أمر أَحْمَد فغنى بها، ولم يزل سليم كَثِير الضيافة والإجارة حتَّى جاء الحجاج، وأخذ النَّاس بالموانيذ [2] ، ولم يكن عنده مال فباعه، واشتراه عتّاب بْن ورقاء الرياحي بسبعين ألفًا وفكه، وكان سليم يلي الولايات، ولقي طريف بني شيبان بثأج [3] ، فقتل طريف جثامة بْن أَبِي عَمْرو بْن عوف بن

_ [1] ديوان النابغة الجعدي ص 160، البيت الأول فقط. [2] لعلها جمع منذ، أي بتحديد مواعيد العمل المالي. [3] ثاج: عين من البحرين على ليال. معجم البلدان.

محلم بْن شيبان، وانهزمت شيبان، وأغارت بَكْر بْن وائل عَلَى بني عَمْرو بْن تميم يَوْم الصُلَيب [1] ومعهم ناس من الأساورة فهزمتهم، فقتل طريف رأس الأساورة فَقَالَ: ولولا طرادي بالصُليب لسوّقَتْ ... نساءُ أناس بين دُرتا وبارق [2] وولد مالك بْن جندب بْن العنبر: زَبينة بْن مالك بْن عوف بْن مالك. ونُكرة بْن مالك بْن أسامة. منهم: عَبْد اللَّه. وعمران ابنا منقذ بْن حذيفة بْن جندل بْن عَمْرو بْن أسود بْن أسامة بْن مالك بْن جندب، شهد الجمل مَعَ عليّ عَلَيْهِ السَّلام، وقتل عَبْد اللَّه يَوْم صفين، وشترت عين عِمْرَانَ يَوْم الجمل، وهو الَّذِي اختط خطة بني العنبر بالكوفة. ومنهم: القَشْير بْن يزيد بْن صُبيح، كَانَ مُصعب بعثه عَلَى البحرين. وولد حُنْجُود: كعب بْن حنجود. والحارث بْن حنجود. فمنهم: صبَّاح. وزُفر الفقيه ابنا الهُذَيل بْن قيس بْن سليم بْن مُكْمَل بْن ذُهل بْن ذُؤيب بْن جَذيمة بْن عَمْرو بْن حنجود. ومنهم: يزيد. وعبد اللَّه ابنا جَابِر بْن خيران بْن الأخرم بن ذهل بن ذؤيب بن جذيمة بن عَمْرو بْن حنجود. وكان ممن ادعى قتل مُحَمَّد بْن الأشعث مَعَ الْمُخْتَار يَوْم حَروراء. ومن ولده: يَحيى الَّذِي يُقال لَهُ بُزرج بْن أبان بْن الحكم بْن مزيد بْن جابر بن خيران وولده بأصبهان.

_ [1] الصليب: جبل عند كاظمة. معجم البلدان. [2] بارق ماء بالعراق هو الحدّ بين القادسية والبصرة، وهو من أعمال الكوفة. ودرتا موضع بسواد بغداد. معجم البلدان.

ومن ولده: عامر بن عبد قيس [1] بن ناشب بن اسامة بن خزيمة بن معاوية ابن الشيطان

ومنهم الشيطان بْن معاوية بْن جون بْن كعب بْن جندب بْن العنبر، كَانَ شديد البطش، وكان رئيسًا وولده يسمونه الشيطان. ومن ولده: عامر بْن عَبْد قيس [1] بْن ناشب بن اسامة بن خزيمة بن معاوية ابن الشيطان كَانَ أعبد أهل المشرق، أخذ عطاءه فتصدق مِنْهُ بدراهم، ثُمَّ أتى منزله فوزن الدراهم فوجدها لم تنقص شيئًا، وأتاه مرداس بْن أدَية أَبُو بلال، فسأله الخروج معه وقَالَ: ألا ترى إلى جَزَعِ ولاتِنَا مِنَ أَنْ يُصيّروا للمسلمين سهمًا، فَقَالَ: يا بلال تخشى أن نكون جزعنا. وذكر عند الْحَسَن فَقَالَ بعض من حضر: لو علمنا أن دراهمنا لا تنقص كدراهم عامر لتصدقنا، فَقَالَ الْحَسَن: إن عامر لم يشترط عَلَى ربه كما اشترطتَ. وحدَّثني عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن لوط بْن يَحيى. وحدَّثني أَبُو مَسْعُود عن ابْنُ عوانة أن عامر بْن عَبْد قيس كَانَ ينكر عَلَى عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ أمره وسيرته، فكان حمران بْن أبان مَوْلَى عثمان يكتب إِلَى عُثْمَان بخبره، فكتب عُثْمَان إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز فِي حمله إِلَيْه فحمله، فلما قدم عَلَيْهِ رآه، وَقَدْ أَعْظَم النَّاس إشخاصه وإزعاجه عَنْ بلده لعبادته وزهده، ألطفه وأكرمه ورده إِلَى البصرة، وقَالَ غير هَؤُلَاءِ: إنه أشخصه إلى الشام، ورده إلى البصرة. وقَالَ أَبُو اليقظان: كتب عثمان إلى ابْنُ عامر أنْ سَيِّرْهُ إلى الشام، فَسَيَّرهُ فمات بالشام، ولا عقب لَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدورقي، ثنا اسماعيل بن عليّه، أنبا ابن عون

_ [1] بهامش الأصل: عامر بن عبد قيس.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا عُرِفَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ أَنِّي رَأَيْتُ قَوْمًا عَرَضُوا لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَلَّمَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ حَوَّلَ وَرِكَهُ وَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ فَقَالَ: كَذَبْتُمْ، وَاللَّهِ لا تَظْلِمُونَ ذِمَّةَ اللَّهِ الْيَوْمَ وَأَنَا شَاهِدٌ. قَالَ: وبلغني عن عامر أَنَّهُ قَالَ: لا آكل اللحم، ولا السمن، ولا أتزوج النساء، ولا أصلي فِي المسجد، ولا يمس بَشري بشر أحد، وأنا خير من إِبْرَاهِيم، فأتيته فقلت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: أما اللحم فإني رَأَيْت هَؤُلَاءِ أحدثوا فِي الذبائح شيئًا كرهناه، فإذا اشتهينا اللحم بعثنا فاشترينا شاة فذبحناها وأكلنا من لحمها، وأمَّا السمن فإني آكل ما يجيء من هاهنا، وأشار ابْنُ عون إلى البر، ولا آكل من هاهنا وأشار إلى الجبل، وأمَّا قولهم إني لا أصلي فِي المساجد فإني أحضر الجمعة، ثُمَّ اختار أن أصلي هاهنا، وأمَّا قولهم إني لا أتزوج النساء فإنما لي نفس واحدة وَقَدْ كدت أعجز عَنْهَا، وأمَّا قولهم إني قلت: إني خير من إِبْرَاهِيم، فإنما قلت إني أرجو أن يجعلني اللَّه مَعَ الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين [1] . حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا خلف بْن الوليد عن عباد بْن عباد عن يونس بْن عُبَيْد عَنِ الْحَسَن قَالَ: كان عامر بن عبد قيس إذا صلى الصبح تنحى إلى ناحية من المسجد فجلس فيها، ثُمَّ قَالَ: من أقْرِئُهُ؟. فيأتيه قُوَيم فيقرئهم حتَّى إِذَا طلعت الشمس وأمكنت الصلاة قام فصلى حتَّى ينتصف النهار، ثُمَّ يرجع إلى بيته فيقيل، ثُمَّ يرجع إلى المسجد إِذَا زالت الشمس فيصلي حتَّى يصلي الظهر ثُمَّ يصلي العصر، ثُمَّ يجلس مجلسه ذَلِكَ فِي المسجد ويقول: من أقرئه فيأتيه

_ [1] سورة النساء- الآية: 69.

ناس فيقرئهم حتَّى تغيب الشمس، ويؤمّ لصلاة المغرب فيصليها، ثُمَّ يصلي العشاء الآخرة، ثُمَّ يرجع إلى بيته فيتناول رغيفه فيأكله، ويشرب عَلَيْهِ شربة، ثُمَّ يهجع هجعة خفيفة ثُمَّ يقوم لصلاته حتَّى إِذَا أسحر تناول رغيفه الآخر فأكله، ثُمَّ شرب عَلَيْهِ من الماء، ثُمَّ يخرج إلى المسجد. حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا مُحَمَّد بْن فضيل بْن غزوان عن العلاء بْن سالم عَمَّن صحب عامرًا أربعة أشهر فلم يره ينام ليلًا ولا نهارًا. حَدَّثَنَا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا وهب بن جرير بْن حازم، ثنا هشام عن الْحَسَن أن عامر بْن عَبْد قيس قَالَ: وجدت عيش النَّاس فِي أربع: فِي النوم، والنساءَ، والطعام، واللباس. فأما اللباس فو الله ما أبالي ما واريت بِهِ عورتي، وألقيت عَلَى كتفي من صوف أَوْ غيره، وأمَّا النساء فو الله ما أبالي امرأة رَأَيْت أم جدارًا، وأمَّا النوم والطعام فقد غلباني إلى أن أصيب منهما، والله لأضرَّن بهما. فَقَالَ الْحَسَن: فأضرّ والله بهما حتَّى مات. حَدَّثَنَا أَحْمَد عن وهب عن هشام عن الْحَسَن أن عامر بْن عَبْد قيس قَالَ: والله لأجعلنّ الهمَّ هَمًّا واحدًا. حَدَّثَنَا عَبْد الصمد بْن عَبْد الوارث عن أَبِي هلال قَالَ: ذكرت الدنيا عند الْحَسَن فَقَالَ: لو شاء اللَّه جعل النَّاس مثل عامر. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الصمد عن أَبِي هلال عن مُحَمَّد بْن سِيرِينَ قَالَ: قَالُوا لعامر: ألا تزوج؟ فَقَالَ: والله مالي مال ولا نشاط فَبِمَ أَغُرُّ مسلمة؟. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الصمد عن أَبِي هلال قَالَ: قَالَ حُميد بْن هلال: قَالَ عامر: الدنيا أربع: النوم، والمال، والنساء، والطعام، فأمَّا اثنتين فقد عَزَفتْ نفسي عَنْهُمَا، أما المال فلا حاجة لي فيه، وأما النساء فو الله ما أبالي امْرَأَة رَأَيْت

أم جدارًا، ولا أجد بُدًّا من هَذَا الطعام والنوم، وو الله لأضُرَّنَّ بهما جهدي، فكان إِذَا جاء الليل جعله نهارا، قام، وإذا كَانَ النهار جعله ليلًا فقام ونام. حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا بشر الزهراني عن همام عن قَتَادَة أن عامر بْن عَبْد قيس لما احتضر جعل يبكي، فقيل لَهُ: ما يبكيك؟ قَالَ: ما أبكي جزعًا من الموت، ولا حرصًا عَلَى الدنيا، ولكني أبكي عَلَى ظمأ الهواجر، وعلى قيام ليل الشتاء. حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْد عن أيوب عن أَبِي قلابة قَالَ: لقي رَجُل منا عامرًا فَقَالَ: ألا تزوج؟ وتلا هَذِهِ الآية: وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [1] . قَالَ فضرب يده وقَالَ: سَمِعْتُ اللَّه يَقُولُ: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [2] . قَالَوا: ولما أراد عامر الخروج أتى مُطرفًا فسلم عَلَيْهِ ثُمَّ مضى ورجع فسلم عَلَيْهِ وقَالَ: ما فعلت هَذَا إلا حُبًّا لَكَ، ثُمَّ مضى وعاد فَقَالَ مثل ذَلِكَ، وكان عامر يَقُولُ لنفسه: قُومي يا مأوى كلَّ سوءٍ فَلأرُدَّنَّكِ ولو بمثل زحف البعير. حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا عَبْد الصمد بْن عَبْد الوارث عن جَعْفَر عن الجُريري عن أَبِي العلاء أن رجلًا قَالَ لعامر: استغفر لي. فَقَالَ: إنك لتسأل رجلًا عجز عن نفسه، ولكن أطع اللَّه ثُمَّ ادعُه يستجب لَكَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنْ عَوْنِ بْنِ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ أَشْيَاخًا يُحَدِّثُونَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ كَانَ لَهُ مَجْلِسٌ يَجْلِسُ فِيهِ إِلَيْهِ، وَفِيمَنْ يَجْلِسُ إِلَيْهِ الحسن، وأنه قعد في بيته

_ [1] سورة الرعد- الآية: 38. [2] سورة الذاريات- الآية: 56.

فَخَشُوا عَلَيْهِ الزَّيْغَ فَأَتَوْهُ فِي بَيْتِهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَرَكْتَ مَجْلِسَكَ الَّذِي كُنْتَ تَجْلِسُ فِيهِ، فَقَالَ: إِنَّ مَجْلِسَكُمْ ذَاكَ كَثِيرُ التَّخْلِيطِ وَالأَغَالِيطِ، أَدْرَكْنَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثُونَا أَنَّ أَكْمَلَ النَّاسِ إِيمَانًا أَشَدُّهُمْ مُحَاسَبَةً لِنَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ ضَحِكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ بُكَاءً فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ فَرَحًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَطْوَلُهُمْ حُزْنًا فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم عن مُحَمَّد بْن عِيسَى عن فَضالة بْن حصين عن يزيد بْن نَعامة الضبي قَالَ: كتب معاوية إلى عامل البصرة: أما بعد فإذا جاءك كتابي فزوِّج عامر بْن عَبْد قيس من صالح نساء قومه وأصْدِقْها من بيت مال المسلمين، فأرسل إلى عامر فقرأ عَلَيْهِ الكتاب ولم يدعه حتَّى زوجه، وأَدخل عامرًا عليها، فقام إلى مصلاه ولم يلتفت إليها حتَّى إِذَا رَأَى تباشير الصبح قَالَ: يا هَذِهِ ضعي خمارك فلما وضعتْ خمارها قال: أعيدي، ثم قال: هل تدرين لم أمرتك بوضع خمارك؟ لئلا يؤخذ منك شيء أُعطيت. وكان عامر يَقُولُ فِي كل يَوْم إِذَا أصبح: إن النَّاس غدوا إلى أسواقهم وحاجاتهم، وإن حاجتي إليك أن تغفر لي. المدائني قَالَ: أُتي عامر بْن عَبْد قيس بعطائه، وهو فِي المسجد فوضعه بين يديه، ثُمَّ رجع إلى منزله، وَقَدْ أُنْسِيَه، فَقَالَ: إني نسيت عطائي فاذهبوا فجيئوا بِهِ، فقيل: إنك تركته فأخِذَ، فَقَالَ: أَوْ يأخذ أحد ما ليس لَهُ؟. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِيسَى، ثنا فضالة بْن يزيد بْن نعامة قَالَ: لما سُيِّر عامر إلى الشام نزلوا بماء فِي طريق الشام فإذا الأسد قَدْ حال بينهم وبينه، وجاء عامر حتَّى أصاب حاجته من الماءَ فقالوا لَهُ: خاطرت بنفسك، فَقَالَ: والله إني لأستحيي أن يعلم اللَّه أني أخاف شيئًا غيره.

وقَالَ يزيد بْن نعامة: كَانَ عامر مَعَ قتيبة في غزاة بخراسان، فأصاب عامرًا فِي سهمه جارية لها جمال، فأُعطي بها ثمنًا كبيرًا فلم يبعها حتَّى علمها شيئًا من كتاب اللَّه، ثُمَّ أعتقها فَقَالَ أصحابه: لو شئت أن تشتري بثمنها رقيقًا كثيرًا فتعتقهم فَقَالَ: أتعلِّمون ربي الحساب؟ حدثني أَحْمَد عن مُحَمَّد بْن عِيسَى عن فضالة عن يزيد بْن نَعَامَة قَالَ: قيل لعامر: إنك لترضى بالقليل، فَقَالَ: أنتم والله أرضى بالقليل مني. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ إِلَى عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى عَبْدَ قَيْسٍ: «سَلامٌ عَلَيْكَ إِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَعْهَدُكَ عَلَى أَمْرٍ وَبَلَغَنِي أَنَّكَ تَغَيَّرْتَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَعُدْ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ» . حَدَّثَنَا أَحْمَد عن هاشم بْن القاسم عن الأشجعي عن مُحَمَّد بْن مُسْلِم قَالَ: قَالَ عامر بْن عَبْد قيس: ما أبالي فاتني من الدنيا بعد ثلاث آيات من القرآن، قولُه: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مستقرها ومستودعها [1] وقولُه: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فلا ممسك لها [2] وقولُه: وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [3] . المدائني عن شُعْبَة قَالَ: أتى رَجُل عامر بْن عَبْد قيس فَقَالَ لَهُ: جئتك لتحدثني، قَالَ: أَوْ عهدتني أحب الحديث، إن لي فِي نفسي شغلًا، ثُمَّ أغلق بابه ودخل.

_ [1] سورة هود- الآية: 6. [2] سورة فاطر- الآية: 2. [3] سورة يونس- الآية: 107.

قَالَ: ونازع رجلًا فِي شيء فأحسن الاحتجاج عَلَيْهِ فقيل لَهُ: ما كُنَّا نظنك تُحسن هَذَا. فَقَالَ: وكم من شيء أُحسنُه أَنَا أعلم منكم بِهِ. حَدَّثَنَا عفان، ثنا همام قَالَ: جعل عامر بْن عَبْد قيس يبكي عند الموت فقيل لَهُ: ما يبكيك؟ قَالَ: آية من كتاب اللَّه: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ من المتقين [1] . حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم عن سهل بْن محمود عن مُحَمَّد بْن فضيل عن أَبِيهِ عن رَجُل قَالَ: كَانَ عامر بْن عَبْد قيس يَقُولُ: لم أر كالجنة نام طالبها، ولا مثل النار نام هاربها. وكان إِذَا جاء الليل قَالَ: أَذْهَبَ حر النار النوم، فما ينام حتَّى يصبح، وإذا جاء النهار قَالَ: أَذْهَبَ حر النار النوم، فلا ينام حتَّى يمسي. وكان يَقُولُ إِذَا جاء الليل: من خاف أدلج، ويقول عند الصباح: يحمد القوم السُرى. وقَالَ يزيد بْن عَبْد اللَّه بن الشخبر: كُنَّا نأتي عامر بْن عَبْد قيس وهو يصلي فِي مسجده فإذا رآنا تجوَّز فِي صلاته ثُمَّ انصرف، وقَالَ: ما تريدون؟ وكان يكره أن يروه يصلي. وقَالَ مالك بْن دينار: قَالَتِ ابْنَة عامر لأبيها: يا أبتاه مالي أرى النَّاس ينامون ولا أراك تنام؟ فَقَالَ: يا بنتاه إني أخاف البيات. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم عن عليّ بْن إِسْحَاق عن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يزيد بْن جَابِر عن بلال بْن سعد أَنَّهُ وشي بعامر بْن عَبْد قيس إلى ابْنُ عامر فقيل لَهُ: إن هاهنا رجلًا يُقال لَهُ ما إِبْرَاهِيم بخير منك، فيسكت، وَقَدْ ترك النساء فكتب فِيهِ إلى عثمان، فكتب: أن انفه إلى الشام على قتب،

_ [1] سورة المائدة- الآية: 27.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ عامر: أنت الَّذِي يُقال لَكَ ما إِبْرَاهِيم بخير منك فتسكت؟ فَقَالَ: أما والله ما سكوتي إلا تعجّبٌ. وددت والله أني كنت غبارًا عَلَى قدم إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام، وأما النساء فقد علمت أَنَّهُ مَتَى يكن لي امْرَأَة وولد تشعبتِ الدنيا قلبي فأحببت التخلي، فأجلاه على قتب إلى الشام، فلما قدم أنزله معاوية معه فِي الخضراء، وبعث إِلَيْه بجارية، وأمرها أن تُعلمه حاله، فكان يخرج من السحر فلا تراه إلى بعد العتمة، ويبعث إِلَيْه معاوية بطعام فلا يعرض لَهُ، ويجيء معه بكسر فيجعلها فِي ماء، ثُمَّ يأكل منها، ويشرب ثُمَّ يقوم فلا يزال كذلك، ثُمَّ يخرج، فكتب معاوية إلى عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا يذكر لَهُ حاله فكتب إِلَيْه: اجعله أول داخل عليك، وآخر خارج، وأمر لَهُ بعشرة من الرقيق، وعشرة من الظهر، فأعلمه معاوية فَقَالَ: إن عليَّ شيطانًا قَدْ غلبني فكيف أجمع هَذَا عَلَى نفسي، ولي بغلة وإني لأشفق أن يسألني اللَّه عن فضل ركوبي ظهرها. قَالَ بلال بْن سعد: أخبرني من رآه عَلَى بغلته بأرض الروم يُركبها عُقبه، ويحمل عليها المهاجرين عُقبه وكان إِذَا فصل غازيًا توخى [1] الرفاق، فإذا وافقته رفقة قَالَ: يا هَؤُلَاءِ إني أريد صحبتكم عَلَى أن أكون لكم خادمًا لا ينازعني أحد منكم الخدمة، وأكون مؤذنًا لا ينازعني الأذان أحد، وأُنفق فيكم بقدر طاقتي، فإن نازعه أحد فِي شيء من ذَلِكَ رحل عَنْهُمْ إلى غيرهم. حَدَّثَنَا أَحْمَد عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمة عن ثابت البناني قَالَ: دخل رجلان عَلَى عامر فكلماه فِي شيء فَقَالَ: فوضا أمركما إلى الله تستريحا.

_ [1] استوخى القوم: استخبرهم، وتوخى رضاه: تحراه. القاموس.

وكان عامر يبكي فيقال لَهُ: ما يبكيك؟ فيقول: ذكر ليلة صبيحتها يَوْم القيامة. حَدَّثَنَا أَحْمَد عن أَبِي الوليد همام بْن زائدة عن مُجالد عن هشام أن جارية بْن قُدامة جاء إلى عامر ليسلم عَلَيْهِ فوقف عَلَى باب البيت، وعامر يصلي، فسلم عَلَيْهِ فسَبَّحَ بِهِ عامر، فدخل فجلس فِي جانب البيت فنظر فلم ير فِي البيت إلا قلة فلما قضى عامر صلاته قَالَ لَهُ جارية: يا عامر أرضيت من الدنيا بما أرى؟ لقد رضيتَ بالقليل. فَقَالَ لَهُ عامر: يا جارية أنت والله وأصحابك الَّذِينَ رضيتم بالقليل، ثُمَّ نهض لصلاته. وقَالَ المدائني، رَأَى عامر من قوم ممن يقرأ عَلَيْهِ حرصًا فَقَالَ: نشدتكم اللَّه أن يُعَير بكم قُرَّاءُ القرآن. المدائني أن عامرًا وصديقًا لَهُ كَانَ يألفه خرجا إلى الحدادين فجعلا ينظران إلى النار وتلك الشرر فيبكيان، ثُمَّ أتيا أصحاب الرياحين والفاكهة ليذكرا الجنة، فجعلا يستغفران ويسألان اللَّه الجنة. المدائني قَالَ: قَالَ مضارب بْن جزء التميمي لمعاوية: كيف وجدتم من أوفدنا إليكم من قرائنا؟ قَالَ: بنون ويتقنعون، يدخلون بكذب ويخرجون بغش غير رَجُل واحد فإنه كَانَ رَجُل بقيسة [1] ، قُلْنَا من هُوَ؟ قَالَ: عامر بْن عَبْد قيس. وأمر ابْنُ عامر لعامر بْن عَبْد قيس بمال، فَقَالَ لَهُ: انظر إلى الفقراء الَّذِينَ حول المسجد فاقسمه عليهم فهم أحق بهذا المال مني. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، ثنا بشر بْن عُمَر الزهراني عن همام بن قتادة

_ [1] أي بقدره ومقياسه. القاموس.

ومنهم: البلتع

أن عامرًا لما احتضر جعل يبكي فقيل لَهُ: مَا يبكيك؟ فَقَالَ: والله مَا أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا عَلَى الدنيا ولكني أبكي عَلَى ظمأ الهواجر، وليل الشتاء. حَدَّثَنَا أَحْمَد عن رَجُل عن عَبْد الجبار بْن النضر عن بعض مشايخه قَالَ قيل لعامر: أضررت بنفسك، فتناول جلدة ساعده فمدَّها، وقَالَ: والله لئن استطعت لا تنال الأرض من وهمك إلا يسيرا. ولقي عامر رَجُل فَقَالَ لَهُ: قف أكلمك، فَقَالَ: لولا أنني أبادر لوقفت، قَالَ: وأي شيء تبادر؟ قَالَ: خروج نفسي عافاك اللَّه. وكان عامر يَقُولُ: لا يزال الرجل بخير ما كَانَ لَهُ واعظ من نفسه وزاجر من عقله ويروى ذَلِكَ عن الْحَسَن أيضًا. ومنهم: البَلْتَع الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الفرزدق: وكيف يصلي العنبري ببلدة ... بها قطعت عَنْهُ سيور التمائم [1] وكان شاعرًا فَقَالَ للفرزدق: لقد ذل من يحمي الفرزدق عرضه ... كما ذلت الأخفاف تحت المناسم ومنهم: هند بْن كثيف بْن أشعث بْن زاهر بْن صابر بْن مالك بْن جندب بن العنبر الشَّاعِر الفارس. ومنهم: سيار بْن أكلب الشَّاعِر. ومنهم: القزّاع، وهو عَبْد اللَّه بْن سَوا بْن رفاعة بْن أَبِي عبدة بْن عدي بْن جُندب. وولد كعب بْن العنبر: حارثة. ومجفّر، واسمه عبد شمس.

_ [1] ديوان الفرزدق، ج 2 ص 296 مع فوارق.

فولد مجفّر بْن كعب: الحارث. وعبد اللَّه. وزهير. والأحنف. وزيد. فولد الحارث بْن مجفّر: خلف بْن الحارث. ومُرَحض. ووهب. وأوس. وعُميرة. وحارثة. منهم: سوار بن عبد الله بن قدامة بْن عنزة بْن نَقَب- عَلَى مثال فَعَل- ابْن عَمْرو بْن الحارث بْن خلف بْن الحارث بْن مجفر، قاضي البصرة، وَقَدْ كتبنا خبره مَعَ أخبار المنصور أمير المؤمنين، وكان قدامة جدّ سوار أشد النَّاس عبادة، طلب إِلَيْه أَبُو بلال أن يخرج معه، ووصف لَهُ جور عُبَيْد اللَّه بْن زياد، فَقَالَ لَهُ: أَنَا أعرف ما تصف غير أني لا أرى الخروج. ومنهم حُصين بْن الحرّ بْن مالك بْن الخشخاش بْن جناب بْن الحارث بْن خلف بْن الحارث بْن مجفر، وإليه نسب فيروز حُصين، وكان فيروز غلامًا من الدهاقين، وابنه أَبُو الحر كَانَ مَعَ طالب الحق، وكان الخشخاش بْن جناب أخذ من مالك ألف ناقة ففقأ عين فحلها وحرّمه، ووفد على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وابنه مالك بن الخشخاش أبو الحر بْن الخشخاش، وَيُقَال لولد الخشخاش: الخشخاشة. ومن ولده: عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الحصين بْن أَبِي الحر، ولي قضاء البصرة. ومعاذ بْن مُعَاذِ بْن نصر بْن حسان بْن الحر بْن أَبِي الحر بْن الخشخاش بْن جناب. قَالَ أَبُو اليقظان: قيل فِي بني عدي بْن جُندب من بني العنبر: بنو عدي عدد ركام، وحظ لا ينام، ليسارهم وكثرتهم. قَالَ: وكان للأعور بْن بشامة ذكر يَوْم وقيظ، وكان فِي الْإِسْلَام، قَالَ: وقّنع الأعور نميلة النميري، وكان واليًا عَلَى بني عمرو بن تميم، وهرب حتَّى

أخذ لَهُ غيلان بْن خرشة من عُبَيْد اللَّه بْن زياد أمانًا فَقَالَ الشَّاعِر: إني من القوم الَّذِين رماحُهم ... أثارتْ عَلَى وجه النميريّ عثبرا وكنا إِذَا الجبار صعَّر خده ... أَبَيْنَا عَلَى الجبار أنْ يتجبرا ومن بني حارثة بْن كعب بْن العنبر رجال بالبادية وبخراسان، وكان منهم: مجاهد بن بَلعَاء، كَانَ من فرسان بني تميم المشهورين، وكان عَلَى خيل بني تميم مَعَ عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر بالبحرين فِي حرب أَبِي فديك الخارجي. ولمجاهد بْن بلعاء عقب. وكان منهم: بجَالة بْن عَبْدة، كَانَ أعبد النَّاس وأكثرهم تسبيحًا. ومنهم: التِلَبّ، كَانَ شاعرًا فهجا رجلًا من قومه، واستعدى عَلَيْهِ عُمَر بْن الخطاب فَقَالَ: إنه هجاني. فقيل: ما قَالَ لَكَ؟ فافتعل شعرًا: إن التلبّ لَهُ أم يمانية ... كأن فسوتها فِي البيت إعصار نزواء مقبلة قَعساء مدبرة ... كأنما هِيَ زق فِي استه قار وَقَدْ رُوِيَ عن التِلَبّ بْن ثعلبة الحديث، وأصحاب الحديث يقولون التلب، والتلب سخت أي ضئيل. وقال أبو اليقظان: كان ثوب بن سُحْمه بْن المنذر بْن الحارث بْن جُهْمة بْن عدي بْن جُنْدب يدعي مُجير الطير، وذلك أَنَّهُ كَانَ يضع السهم فِي الأرض فلا يصاد من تلك الأرض شيء، وكان أسر حاتمًا الطائي فَقَالَ حاتم: كُنَّا بأرض ما يُعِبّ غداؤها ... إن الغداء بأرض ثوب غاتم [1] واتبع ثوبًا رجلان من بني القُليب بْن عَمْرو بْن تميم، ومعهما ابنة عم

_ [1] ليس في ديوان حاتم المنشور. والغتم: شدة الحرّ يكاد يأخذ بالنفس. القاموس.

لهما، ومع ثوب أخوه عِلاج، ورجل آخر فصعدوا إلى جبل يريدون أن يصيبوا شيئًا ليأكلوه من الجوع، وتركوا أحد القليبيين والمرأة فاشتد جوع القليبي فوثب عَلَى ابْنَة عمه فذبحها ثُمَّ أورى نارًا، وجعل يأكل لحمها، وجاءه عِلاج بْن سحمة بشاة قَدْ أصابها من الجبل فوجده قَدْ أكل المرأة، وخطب ثوب بعد ذَلِكَ امْرَأَة من قومه فأبت أن تتزوجه، وقالت: أتزوجه وَقَدْ أُكلتْ رفيقته جوعًا؟ فَقَالَ ثوب: يا بِنْت عميَ ما أدراك ما حسبي ... إِذَا تجنّ خبيث الزاد أضلاعي إني لذو مرة تخشى نكايته ... عند الصباح بنصل السيف نَزَّاع وعيرّ بني القليب بذلك رَجُل فِي الْإِسْلَام فَقَالَ: عجلتم ما صادكم علاج ... من العنوز ومن النعاج حتَّى أكلتم طَفْلَةً كالعاج وانطلق ثوب فتزوج امْرَأَة من همدان، فدخل عليها يومًا وبين يديها عنز لها تحلبها، فجعلت تمص لبنها من ضرعها فطلقها وقَالَ: إني لأكره أن تكون حليلتي ... تدع الإناء وتعتلي [1] للقادم وقتل ثوبًا جحش بْن علباء الأسدي ثُمَّ الكاهلي فقالت نائحته: ألم تر أنَّ ثوبًا أسلمَتْهُ ... بنو بيضاء والجبلان سيّ فإذ أسلمتموه فاخلفوه ... ولن ترضى خلافتكم عَديّ أضعتم مجدكم فسلبتموه ... وفاز بِهِ الغلام الكاهليّ فآب لآل جحش ليل صدقٍ ... وآب لأهله ليل قسيّ فمضى المُؤتِنف بْن ثواب أخوه فقتل رجلًا من بني أسد، وقال:

_ [1] المعلي: الذي يأتي الحلوبة من قبل يمينها.

لسنا بأنكاس نكبُّ من الأسى ... إِذَا أعينُ الأنكاس طال سهودها وإنا لنلوي بالمغيرة إذ أَتَتْ ... كمثل الجراد لا يطاق عديدها ونأوي إلى ملمومة ذات حرشفٍ [1] ... تقود المنايا والمنايا تقودها ولثوب ولد بالبادية، وَيُقَال إنه استلحق رجلًا لم يلده وَإِنَّهُ لم يكن لَهُ عقب. وكانت لعلاج ابْنَة يُقال لها مَيَّة، وتلقب الكلبة، تزوجها خزيمة بْن النعمان من بني ضُبيعة بْن ربيعة بْن نزار، فهي ولدت بني الكلبة من بني ضبيعة وفيها يَقُولُ علاج أبوها: فإن تك قَدْ أَلْوَتْ بَميَّةَ غربة ... فقد كَانَ مما لا يُمَلُّ مزارها دعتها رجال من ضُبيعة كلبة ... وكان يشكي فِي المحل جوارها وقَالَ شبل بْن عزرة الضبعي يهجو بني الكلبة: بنو كلبة هرارة وأبوهم ... خزيمة عبدٌ خامل الأصل أَوْكَسُ فمن بني علاج: كثْوَة قتل يَوْم الصفقة بالمشقر، وَيُقَال بل قتل محجن بْن كثوة فِي هَذَا اليوم، فقالت امرأته وهي من بني العنبر واسمها جميلة. لو أن انتظارًا جاء يومًا بغائب ... إلى أهله جاء انتظاري بمحجن وهذا الثبت: وولد محجن: أُحَيحة، فظنت أمه أَنَّهُ جارية، فأمرت القابلة أن تلقيه فِي حفرة، ثُمَّ تبين أَبُوهُ فإذا هُوَ غلام فعاش حتَّى أسلم وهاجر إلى الكوفة وكان مع علي عليه السلام بصفين.

_ [1] الملومة: الدرع، والحرشف من الدرع: حبكه. القاموس.

قَالُوا: وكان من فرسان بني العنبر: زَيْد بْن جَعُونة من بني المنذر بْن الحارث بن جهمة، وكان الحنتف بْن زَيْد بْن جعونة من أَسَبِّ العرب، فقدم البصرة فِي أيام عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز فاجتمع ودَغفل النسابة عند ابْنُ عامر، فَقَالَ لَهُ دغفل: مَتَى عهدك بسجاح أم صادر؟ فَقَالَ: مالي بها عهد مذ ضلّت أم حلس، جدة لدغفل، فَقَالَ دغفل: أما إن جدتك أم خارجة قيل لها: خطب، فقالت: نكح. فَقَالَ الحنتف: وَجَدَّتُكَ ام حِلْسٍ قَدْ أَقَرَّتْ ... لأيرٍ بَعْدَ نزوتها فغابا يُقال إن ضيفًا نزل بهم، فأرادها فامتنعت ثُمَّ أمكنته من نفسها، ثُمَّ قَالَ دغفل: أنشدك اللَّه أنحن أكثر غزوًا فِي الجاهلية أم أنتم؟ قَالَ: بل أنتم فلم تفلحوا ولم تنجحوا. وزعموا أن الحنتف أقبل بإبله من البادية حتَّى ورد الوَقْباء- ماء لبني مازن- فغرق لَهُ ثلاثة بنين فِي الركيَّة واحدًا بعد واحد، فحلف أن لا ينزل البادية، وقدم البصرة فباع إبله فذكر ذلك المنخل بن سبيع فَقَالَ: ما أَنَا إن حانت بخبت [1] منيتي ... بأحرز يومًا من سبيع ومن نصر ولا من أَبِي الشعثاء إذ قدرت لَهُ ... منيته فِي باب محنتك قحر [2] ولا النفر البيض الَّذِين تتابعوا ... عَلَى بركة الوقباء للموت فِي عشر وأبو الشعثاء رَجُل من بني جهمة قتله جمل هائج فَقَالَ: فسيروا فإما حنتف وابن حنتف ... فإنهما غيثان يرجى نداهما

_ [1] الخبت: الوادي العميق الوطيء، وهو علم بين مكة والمدينة، وخبت أيضا ماء لكلب. معجم البلدان. [2] القحر: الشيخ الهرم، والبعير المسن، وفيه بقية. القاموس.

ومنهم: عطية بن شبل، أحد بني المنذر، وكان يُقال لَهُ ولعطية بْن عَمْرو العطيتان. قَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني جُهْمة: بنو عَريب، وهم موصوفون بجودة الرمي، قَالَ الراجز: نرمي كما يرمي بنو عَريب ... بكل سهم جيد التركيب ومن بني الحارث بْن جهمة: أَبُو الدرداء، واسمه ميسرة الَّذِي رثي معاوية فَقَالَ: فهاتيك النجوم وهن خرسٌ ... يَنُحْنَ عَلَى مُعَاوِيَة الشآمي قَالَ: ومن عُبْدة: عَبْد بْن نعمان، الَّذِي قَالَ فِيهِ سحيم بْن وثيل: أمستبطئ عَبْد بْن نعمان غارتي ... وما ليل مظلوم كريم بنائم ومنهم زبيب كَانَ ممن وفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونادى من وراء الحجرات، ووفد ابنه عَلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، فَقَالَ أَنَا وافد بني عَمْرو بْن تميم، وهجاه عُبيد بْن غاضرة فَقَالَ: حسبت طلاء الشام حيث لقيته ... بدومة محض الرائب المتعلق لقد فضحت عَمْرو القَسومية اسْتُهُ ... بحيث التقى ركبان غرب ومشرق ومن بني عُبْدة: بنو الطحان، وَقَدْ ذكرهم جرير بن عطية. قال: ومن بني مالك بن جندب بن العنبر: مودود بْن بشر أَبُو الخنساء. وكان بسجستان مَعَ ابْنُ الأشعث، فلما هرب ابْنُ الأشعث إلى رتبيل وثب مودود فأخذ زرنج فمنعها، فقاتله عمارة بْن تميم صاحب الحجاج، وهو من لخم، ثُمَّ أمنه عمارة وأمن أصحابه فَقَالَ رَجُل من بني تميم. لله عينًا من رَأَى مِنْ فوارسٍ ... أكَرُّ عَلَى المكروه منهم وأصبرا

قال: ومن ولد مالك بن العنبر:

فما برحوا حتى أعضّوا سيوفهم ... ذرا الهام منا والحديد المسمَّرا وقَالَ أَبُو اليقظان أيضًا: كَانَ بعض بْني حُنْجُود من بني العنبر باليمن، وبعضهم بالبادية مَعَ قومهم، والذين صاروا باليمن عَمْرو بْن حنجود، فسمَّه ملك من ملوك اليمن فِي سواك فقتله. ومن بني حنجود: الهُذيل بْن قيس، ولي أصبهان وغلب عليها، فمن ولده: صَبّاح بْن الهذيل. وزُفَر بْن الهذيل. فأمَّا صباح فولاهُ المنصور أَبوْ جَعْفَر البحرين، وله عقب بالبصرة. وأمَّا زُفَر فكان أعلم أهل الكوفة برأي أَبِي حنيفة، وله كتاب فِي الفقه، وقَالَ المخيسير العنبري: قَالَتْ سليمة والأخبار نامية ... هل للحوائج يا للناس مردود هن القواصد من نجد وما عدلتْ ... عن الهذيل أخي عَمْرو بْن حنجود منا الهذيل وعمرو خير من ذملت ... بِهِ المطايا بنو المسموم فِي العود قَالَ: ومن بني عُمَرو بْن جندب: رَحْضَة بْن قرط، كَانَ من فرسانهم فِي الجاهلية، فقتله بنو شيبان، فقتلوا بِهِ رجلًا يُقال لَهُ فروة، وقَالَ الَّذِي قتله: وسخى بنفسي أن فروة لم يرم ... ببطحاء غول مقفعلًا أنامله وقَالَ أَبُو اليقظان: وكانت للعنبر ابْنَة يُقال لها الهيجمانة عشقها عبشمس بْن سعد، فبسببها وقع الشر بينهم وبين بني سعد حين قُطعت رِجْلُ الحارث بْن كعب الأعرج. قَالَ: ولم يكن لبشّة بن العنبر إلا ابنة يقال لها الحرام، ولدت فِي بني يربوع. قَالَ: ومن ولد مالك بْن العنبر: الكلب الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ لمالك بْن الريب الْمَازِنِي:

لا يُعجبنْك الدهر خلَّةَ خارب ... رَأَى اللَّه ثوبي باليًا فكسانيًا وكان رَأَى عَلَيْهِ كساء باليًا فَقَالَ لَهُ مالك: قَدْ شُهرْتَ بالشعر، وعليك مثل هَذَا الكساء، أفلا تحتال كما يحتال النَّاس، فَقَالَ هَذَا الشعر. قَالَ ومنهم: البَلْتَع، واسمه مُستنير وهو الَّذِي يَقُولُ لجرير: أتعيبُ أبلقَ يا جرير وصهره ... وأبوه خير من أبيك وأمنع أتَعيبُ مَنْ رضيتْ قريش صهره ... وأبوكَ عبدٌ بالخورنق أوكع وكانت أم غيلان بِنْت جرير عند الأبلق، وقَالَ جرير يهجو البلتع: وباع أباه المستنير وأمه ... بأسخاب عنزٍ بئس بيع المبايع [1] وقَالَ أَبُو اليقظان وأبو عبيدة: ولد كعب بْن العنبر: خلفًا- ويلقب خلف مُجفّرًا- وخالفا ابْنُ الكلبي. وقَالَ أَبُو اليقظان: سمي خلف مجفرًا لأنه كَانَ يقود ظعينته، فرآه رَجُل فِي الجاهلية فَقَالَ لصاحب لَهُ: إن هَذَا رَجُل حَصر فلو حملت عَلَيْهِ لأخذت مِنْهُ الظعينة، فحمل عَلَيْهِ ليأخذها وهو يَقُولُ: خَلِّ عن الظعينة فأنا المغتلم، فحمل عَلَيْهِ خلف فطعنه طعنةً وقَالَ: خذها مني وأنا المُجفر، أي المُذهب للغلمة. فرجع المطعون إلى صاحبه فَقَالَ لَهُ: كلا زعمت أَنَّهُ حَصِر، فمضت مثلًا. وقَالَ أَبُو اليقظان: أدرك الخشخاش الْإِسْلَام، وأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يا نبي الله ما الَّذِي لا يجني عليّ؟ قَالَ: «لا تجني يمينك عَلَى شمالك» وأسلم. قَالَ: وكان عليّ بْن الحصين بْن مالك بْن الخشخاش من رؤوس الأباضية الَّذِينَ قتلوا أهل قديد، ثُمَّ قُتل.

_ [1] ديوان جرير ص 288.

قَالَ: وكان عليّ بْن الحصين يلقب أبا القلوص، وفيه يَقُولُ أَبُو الأسود: نُعيم بْن مسعود أحق بما أتى ... وأنت بما تأتي حقيق كذلكا وكان أَبُو اليقظان يَقُولُ: نَقْبٌ فيخالف ابْنُ الكلبي ويُصَحّف. قَالَ ومن بني نَقَب: عَبْد اللَّه بْن قيس بْن نقب، وكان اسمه خيّاط، فسماه عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ عَبْد اللَّه، وكان من الفرسان، وشهد مَعَ سمرة بْن جندب قتالًا بالأهواز فنجا عَبْد اللَّه وجعل سمرة ينادي: يا عَبْد اللَّه ادْرَأَني، فَقَالَ عَبْد اللَّه: الحَقْ، أكلت أير أبيك. قَالَ: ومنهم جارية بْن المُشَمِّت، كَانَ فارسًا فِي الجاهلية. قَالَ: ومن بني نقب: مسعر بْن فدكي، كَانَ مَعَ عليّ عَلَيْهِ السَّلام بصفين وفيه يَقُولُ عَمْرو بْن العاص: ما يُغْنِيَنْ وردان عنِّي قنبرا ... أَوْ يغنينَّ ابْنُ حُديج مسعرًا ومنهم: العلاء بْن حَريز، وله عقب بالبصرة. قَالَ: ومن بني كعب بْن العنبر: بنو المذراع، وكان سَلَمة بْن المذارع مَعَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر، فَقَالَ هشام بْن عروة: ما وُصل إلى عبد اللَّه، حتَّى قُتل سلمة بن المذراع، وكان يَقُولُ: وأهون ما فينا من الأمر أننا ... إذا ما نزلنا منزل الصبر نصبر إِذَا حدثتنا بانصرافٍ نفوسُنا ... نقول لها ماذا بساعة منفر [1] وكان عثمان بْن المذراع قَدْ وُليَ كرْمان، فَقَالَ الشَّاعِر يهجوه، ويفضل عَلَيْهِ الحكم بْن المنذر: دع الحزم إني لا أرى متلددًا ... أعثمان إنا قَدْ مللنا غدا غدا

_ [1] ديوان أبي الأسود ص 142.

يُسَوُّونَ مذراعًا بغاية منذرٍ ... فباست أَبِي إن لم يكن كَانَ أجودا فتى لم يزل مذ شبَّ فِي ظل راية ... إِذَا رُفعتْ تجري لها الطير أسعدًا ومن بني العنبر: وَرد بْن الفِلْق، كَانَ من فرسان خراسان. قَالَ: وبنو كعب بْن العنبر ينزلون اللُّهابة [1] ، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن الحكم ومرَّ بهم: قَبَح الإله ولا أقبح غيرهم ... أهل اللُهابة من بني كعب قوم تظل قلوص جارهم ... عطشى تمصُّ عِلاقة القعب وَيُقَال اللَّهابة- بالفتح- وكان بينهم وبين بني فُقَيم قتال فِي اللَّهابة أيام مروان بْن الحكم، وهو عَلَى المدينة، فقتل منهم قتلى فأدت إليهم بنو فقيم ثلاثمائة بعير وستة أعبد فَقَالَ الفرزدق: عقلتم ولم يعقل لكم من أحبكم ... ثلاث هنيدات وستة أعبد [2] وارتفعوا إلى مروان فقضي باللَّهابة لبني كعب، وأمرهم أن يعوضوا بني فُقيم إبلًا، فَقَالَ الفرزدق: فآبَ الوفد وفد بني فقيم ... بآلَم ما يؤوب بِهِ الوفود وآبوا بالقدور معدّليها ... وصارَ الجد للجد السعيد [3] وكسر بنو كعب رَجُل مالك بْن المخراش سيد بني فُقيم يومئذٍ فقاد [4] بنو فقيم رجلًا من بني كعب يُقال لَهُ عامر ليكسروا رجله، فمروا به على

_ [1] في معجم البلدان: اللهابة- بالكسر- خبر بالشواجن في ديار ضبة فيه ركايا عذبة تخترقه طريق بطن فلج. [2] ليس في ديوانه المطبوع. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 139 مع فوارق. [4] بهامش الأصل: خ. فأخذ.

أبيات بني دارم فاستغاث بهم، فجاء عتاب بْن عوف بْن القعقاع فطلب إلى بني فقيم فِيهِ وأعطاهم خمسين بعيرًا، فأخذوها وخلوا عن عامر، فَقَالَ الشَّاعِر: لعمري لنعم الحيّ للباع والندى ... دعا عامرًا إذ غاب عَنْهُ أقاربه دعا يا آل عَبْد اللَّه دعوة خائف ... لطول أسار أَوْ دم جاء طالبه أتوه فأعطوا مالهم دون ماله ... وفكّو الفتى الكعبيّ والموت كاربه ومولى جبرنا فَقْرَهُ بعد عيلةٍ ... كفورٌ إِذَا استغنى وأشكر حالبه وقَالَ أَبُو اليقظان: أغارت بنو شيبان وبنو عجل عَلَى بني عَمْرو بْن تميم، ورئيسهم عمرو بن جناب بن الحارث بن جهمة، فالتقوا بتِعْشَار [1] فقتل مالك بْن عَبْد اللَّه ذي الجدين، قتله سَلَمة بْن محجن مَوْلَى بني جهمة، وقتل شهاب بْن ذي الجدين قتله الأخنس بْن قُرَيط بْن عَبْد مناف بْن خَباب، فَقَالَ ربيعة بْن طريف بْن تميم: هُمُ قتلوا فِي يَوْم تِعْشَار مالكًا ... ولم يَكُ فِي شيبان فرع يُماجده نماه ابْنُ ذي الجدين فِي أرفع العلى ... فمن خير أحياء البرية والده وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد فِي كتاب طبقات المحدثين: التِلب بْن ثعلبة العنبري [2] . وقَالَ المدائني طعن بلعاء بْن مجاهد بْن بلعاء الهيثم بْن منخل فِي بعض حروبهم فأراده عن فرسه، فشهر ذَلِكَ، قَالَ: فأتي الهيثم مجاهدا فقال: إنّ

_ [1] تعشار: موضع بالدهناء، قيل هو ماء لبني ضبة. معجم البلدان. [2] هو في طبقات ابن سعد ج 7 ص 42: «التلب بن زيد العنبري.

وولد الحبط بن عمرو بن تميم،

ابنك حَدَثٌ فأنا أُحبُّ أن تَدَّعي أني طعنته فقال: إني لأكره أن أسوأ ابني لأنَّه أول مشهد لَهُ، عَلَى أن الادعاء عار. انقضى نسب بني العنبر وولد الحَبِط بْن عَمْرو بْن تميم، وهو الحارث بْن عَمْرو: معاوية. ومُشادة. وسعد. وكعب. فمنهم: عَبَّاد بْن الحصين بْن يزيد بْن عَمْرو بْن أوس بْن سيف بْن عرْذَم بْن حِلْزة بْن نيار بْن سعد بْن الحَبِط. وقال هشام بن الكلبي: كان عباد بن الحصين، أَبُو المسور، شريفًا بالبصرة، وابنه عباد بْن المسور بْن عباد. وكان عباد بْن الحصين الكبير، أحد فرسان تميم فِي الْإِسْلَام، وبه سميت عبّادان [1] التي يرابط بها وكانت كنيته عباد بْن الحصين أَبُو جهضم. وقَالَ المدائني وغيره: كانت عَبَّادان قطيعة لحُمْران بْن أبان مَوْلَى عُثْمَان من عَبْد الملك، وبعضها من زياد، وكان حُمْران من سبى عين التمر يدعي أَنَّهُ من النمر بْن قاسط، فَقَالَ الحجاج ذات يوم وعنده عباد بْن الحصين: لئن انتمي حُمْران إِلَى العرب ولم يقل أن أباه أُبيّ لأضربن عنقه، فخرج عباد من عند الحجاج مبادرا فأخبر حمران بقوله، فوهب لَهُ غربي النهر، وحبس الشرقي، فنسب إِلَى عباد بْن الحصين. وقَالَ بعضهم إن أول من رابط بعبادان عباد فنسبت إليه. وقال أبو اليقظان والمدائني: قَالَ عَبْد الملك لرجل من بني تميم: من

_ [1] بهامش الأصل: عبادان.

أشد النَّاس من قومك؟ قَالَ: الحَريش بْن هلال. فَقَالَ عَبْد الملك: لو جئت بحمار الخبطات عباد لاستسمنته. وكان عباد قَدْ ولي شُرط البصرة أيام ابْنُ الزُّبَيْر، وكان مَعَ مصعب أيام قاتل الْمُخْتَار، وكان مَعَ عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى بني تميم أيام أَبِي فديك الخارجي، فأبلى بلاء لم يبله أحد، وقَالَ الشَّاعِر: مَتَى تلق الحريش حريش سعد ... وعبادًا يقود الدارعينا وكان عباد عَلَى شرط عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرة الْقُرَشِيّ، فغزا عَبْد الرَّحْمَن كابل فحاصر أهلها حتَّى فتحها. وكان الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ غازيًا فَقَالَ: ما رَأَيْت أشد بأسًا من عباد بْن الحصين، وعبد اللَّه بْن خازم، أما عباد فبات ليلة عَلَى ثلمة ثلمها المسلمون فِي حائط كابل، فلم يزل يطاعن المشركين حتَّى أصبح، فمنعهم من سدها، وأصبح وهو عَلَى حاله فِي أول الليل، ورُوي عن الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ما كنت أرى أن رجلًا يُعدل بألف فارس حتَّى رَأَيْت عبادًا ليلة كابل. وأدرك عباد فتنة ابْنُ الأشعث وهو شيخ، وكان أشار عَلَى ابْنُ الأشعث بأشياء منها ألا يأتي رتبيل، وأن ينحاز إلى موضع من المواضع، فخاف الحجاج فأتى ناحية من سجستان فقتله العدو هناك، وله يَقُولُ الفرزدق حين واقف جريرًا بالمربد ففرق عباد بَيْنَهُما. أفي قَمَلي من كليب يسبني ... أَبُو جهضم تغلي عَلَى مراجله [1] وَقَدْ ذكرنا أخبارًا لَهُ في مواضع من هذا الكتاب.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 172.

وكان ولد عباد: جهضم بْن عباد. وعمر بْن عباد. وداود بْن عباد. وزياد بْن عباد. وعبيد اللَّه بْن عباد. فكان جهضم من وجوه بني تميم وفرسانهم، وخرج مَعَ ابْنُ الأشعث، فقتله الحجاج وكانت لَهُ ابْنَة تزوجها يزيد بْن جُديع الكرماني من ولد أَبِي صُفرة. وكان عُمَر بْن عباد جميلًا. فولد عُمَر: المسور بْن عُمَر بْن عباد، وَقَدْ ذكرنا للمسور أخبارًا والناس ينسبون مسورًا إلى جَدّه، فيقولون مسور بْن عباد وفيه يَقُولُ الراجز: أنت لها يا مسور بْن عَبّاد ... إِذَا انتُضينَ من جفون الأغماد وولي المسور بْن عُمَر بْن عباد أمور البصرة وأحداثها لعبد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز، ثُمَّ وفد إلى يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة بواسط فمات بها وقيل فِيهِ. يا مسور بْن عُمَر لا تبعد ... من يحمد النَّاس إِذَا لم تحمد أنت الجواد للأب المسود ومن الحبطات: حسكة بْن عَتاب، وكان يكنى أبا عتاب، وهو أقدم ذكرًا من عباد، وله عقب بالبصرة. ولما انقضى أمر الجمل خرج حسكة وعمران بْن الفضيل البرجمي فِي صعاليك منَ العرب حتَّى نزلوا زالق من سجستان، وقد نكب أهلها فأصابوا منها مالًا، وخافهم صاحب زرنج فصالحهم ودخلوها فقال الراجز: بشر سجستان بجوع وحرب ... بابن الفضيل وصعاليك العَرَبْ لا فضةٌ تُغنيهُمُ ولا ذهب

وولد كعب بن عمرو بن تميم: ذؤيب بن كعب. وعوف بن كعب.

وبعث عليّ عَلَيْهِ السَّلام عَبْد الرَّحْمَن بْن جزء الطائي عَلَى سجستان فقتله حسكه فَقَالَ: لأقتلن منَ الحبطات أربعة آلاف، فقيل لَهُ إن الحبطات لا يكونون خمسمائة. وقَالَ زياد الأعجم. وجدتُ النِّيب من شر المطايا ... كما الحبطات شر بني تميم أريد هجاءه فأخاف ربي ... وأعلم أن عبادًا لئيم [1] وكان من الحبطات فِي الجاهلية رَجُل يُقال لَهُ ربيعة، ففيه يَقُولُ الشَّاعِر: أبعد ربيعة الحبطي أرجو ... ثراءً أَوْ أدافع ما دهاني وولد كعب بْن عَمْرو بْن تميم: ذُؤيب بْن كعب. وعوف بْن كعب. منهم: عتيبة بْن مرداس الشَّاعِر الَّذِي يُقال لَهُ ابْنُ فسوة، وكان هَجَّاءً خبيثًا. وكان ابْنُ فسوة رجلًا آخر من قومه فأتاه عتيبة فاشترى اللقب مِنْهُ فَقَالَ: حَوَّلَ مولانا عَلَيْهِ اسم أمنا ... أَلا رُبَّ مَوْلَى ناقص غير زائد ولابن فسوة عقب بالبادية، وكان أخوه أُدَيهم شاعرًا، وَقَدْ هجاه الفرزدق، وكانت خالة ابْنُ فسوة تهاجي اللعين المنقري فقالت يذكرني سبالك [2] اسكتيها [3] ... وأنفك بظر أمك يالعين وهي القائلة:

_ [1] شعر زياد الأعجم ص 170 مع فوارق كبيرة. [2] السبال جمع سبلة، والسبلة: الدائرة في وسط الشفقة العليا، أو ما على الشارب من الشعر، أو طرفه، أو مجتمع الشاربين، أو ما على الذقن إلى طرف اللحية كلها، أو مقدمها خاصة. القاموس. [3] الأسكتان: شفر الرحم أو جانباه. القاموس

وولد مالك بن عمرو بن تميم:

أَيْنَ اللعين لا أريد غيره ... أقبل من رهبي يسوق عيْرَهُ نحوي فما أَحْمَد نحوي سيره ... نايكته فشقَّ بطني [1] أيره فَقَالَ اللعين: أو شق أيري بظرها. ومنهم: غُنيم بْن قيس، كَانَ من أصحاب أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِي، وهو ممن أخذ الدرهمين حين فتحت الأبلة، وكان غنيم خطب امْرَأَة خطبها رَجُل من بني مازن، وخطبها قطري بْن الفجاءة فتزوَّجَها الرجل الْمَازِنِي وقَالَ: دافعتُ عن ليلى خطوبًا كثيرة ... ودافعتُ عن ليلى غُنيمَ بْني كعب ودافعت عَنْهَا ابن الفجاءة بعد ما ... بدا واضح الأنياب تبرق كالقُلْب وولد ذُؤيب بْن كعب: عامر بْن ذؤيب. وعمرو بْن ذؤيب. وكاهل بْن ذؤيب. ونمير بْن ذؤيب. ومازن بْن ذؤيب. وولد عوف بْن كعب: نُمير بْن عوف. وولد مالك بْن عَمْرو بْن تميم: مازن بْن مالك. وغيلان بْن مالك. وغسان بْن مالك. وأسلم، وأمهم جندلة بِنْت فهر بْن مالك بْن النضر بْن كنانة. والحرماز بْن مالك، واسمه الحارث، وأمه ابْنَة سعد بْن زَيْد مناة. وقَالَ غير ابْنُ الكلبي: أم الحرماز الصَّمَّاء من قُضاعة، وأمَّا غيلان فهو الَّذِي قطع رَجُل الحارث الأعرج بْن كعب بْن سعد فوثبوا عَلَيْهِ فقتلوه. فولد مازن بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم: حُرْقوص بْن مازن. وخُزاعي بْن مازن. وَرألان بْن مازن. وأنمار بْن مازن. ورزام بْن مازن. وزَبينة بن مازن. وقَالَ غير الكلبي: وأثاثة بْن مازن، وهم قليل. وذكروا أن رألان بن مازن قتل جدّته أم مازن، وهي جنّدلة بنت

_ [1] بهامش الأصل: بظري.

فهر بْن مالك بْن النضر لأن أباه قتل أم رألان فَقَالَ الشَّاعِر: لا أرى ثائرًا كرألان ... والمرء عَلَى كل حالة محمول فمن بني جَابِر بْن رألان بْن مازن: المفضل بْن عَاصِم بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن شداد بْن أَبِي محياة بْن جَابِر بْن زُبيل بْن رألان، وكان يعرف بابن رألان، كَانَ عَلَى شرط البصرة زمن سلم بْن قُتَيْبَة بْن مُسْلِم الباهلي. وقَالَ بعضهم: هُوَ المفضل بْن عروة بْن عَبْد الرَّحْمَن، كَانَ عَلَى شرط سلم بْن قُتَيْبَة حين قاتل سُفْيَان بْن معاوية المهلبي فِي أول دولة بني الْعَبَّاس ومات بالبصرة. وقَالَ بعضهم: هُوَ الفضل، والأول قول الكلبي، وأبي اليقظان، وهو الثبت. وكان عاصم بْن المفضل قَدْ ولي شرطة البصرة فِي أيام خزيمة بْن خازم. ومنهم: فيما ذكر أَبُو اليقظان: عُبَيْد بْن العَيْزَار، وكان فاضلًا فقيهًا، وكان يخرج من منزله فِي ثوبين نظيفين أبيضين، فإذا دخل منزله نزعهما ولبس مسحين واجتهد فِي العبادة تركًا للرياء. فولد حرقوص بْن مازن: كابية. وعبد شمس. وحُشيش. وزيد مناة. فمن بني كابية: قطري بن الفجاءة بن يزيد بْن زياد بْن حَنْثَر بْن كابية بْن حُرْقُوص بْن مازن بْن مالك بْن عَمْرو، واسم الفجاءة مازن بْن يزيد، وإنما سمي الفجاءة لأنَّه غاب باليمن دهرًا، ثُمَّ أتاهم فجأة، فلقب الفجاءة، وكان خارجيًا وَقَدْ كتبنا خبره ومقتله فِي كتابنا هَذَا. وكان قطري يكنى أبا نعامة. ومنهم حَبيب بْن حَبيب بْن مروان بْن عامر بْن ضباري بْن حُجيَّة بْن كابية، أتي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اسمه فَقَالَ: بغيض. فسماه حبيبا.

ومنهم: هلال بْن أحوز بْن أربد بْن محرز بْن لأي بْن سُمَير بْن ضباري بْن حُجيَّة بْن كابية، كَانَ مسلمة بْن عَبْد الملك وجهه فِي طلب بني المهلب بقندابيل فقتلهم، وبعض ولده بخراسان. وأخوه سلم بْن أحوز كَانَ عَلَى شرط نصر بْن سيار بخراسان، وهو الَّذِي قتل جَهم بْن صفوان الجَرْمي صاحب الجهمية بمرو، وقتل يَحيى بْن زَيْد بْن عليّ بالجوزجان، وقتل مُدرك بْن المهلب، ثُمَّ قُتل بعد بجرجان حيث قدم عَلَيْهِ قحطبة من قبل أبي مُسْلِم، فقتل من بها، وهزمهم. وكان هلال يكنى أبا بشير، ومات بالشام فصلى عَلَيْهِ هشام بْن عَبْد الملك، وله ولد بالبصرة. ومنهم: مالك بْن الرَّيْب بْن حَوْط بْن قُرط بْن حُسَيل بْن ربيعة بْن كابية بْن حرقوص، صحب سَعِيد بْن عثمان بْن عفان إلى خراسان، ومات بها وهو القائل: لعمري لئن غالت خراسان هامتي ... لَقَدْ كنت عن بابي خراسان نائيا وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ مالك بْن الريب لصًا، وخرج إلى خراسان مَعَ سَعِيد بْن عثمان بْن العاص، فلما مرض للموت قَالَ: لعمري لئن غالت خراسان هامتي ... لَقَدْ كنت عن بابي خراسان نائيا فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا ... برابية إني مقيم لياليا وخطَّا بأطراف الأسنة مضجعي ... وَرُدَّا عَلَى عينيَّ فضل ردائيا ولا تمنعاني بارك اللَّه فيكما ... من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا رهينة أحجار وبئر تضمنت ... قرارتها مني العظام البواليا فِي أبيات.

ومنهم: خُفاف بْن هُبيرة بْن مالك بْن عَبْد يغوث بْن سنان بْن كابية، كَانَ أشد فارس خرج من خراسان فِي دولة بني الْعَبَّاس، وكان مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس، وخالف معه، ثُمَّ ظفر بِهِ أَبو جَعْفَر المنصور فقتله، وَقَدْ ذكرنا خبره فيما تقدم. ومنهم: سَعِيد بْن مَسْعُود بْن الحكم بْن عَبْد اللَّه بْن مرثد بْن قطن بْن ربيعة بن كابية، كَانَ شريفًا وولاه عدي بْن أرطاة الفزاري عُمان، وولي أيضًا صدقات بَكْر بْن وائل. وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ سَعِيد يكنى أبا الزُّبَيْر، ولي صدقات بَكْر للحجاج، وولي عُمان لعدي، فضرب رجلًا من الأزد خيرًا [1] ، فِي ناقة كانت للأزدي مائة سوط، فأتى الأزدي عُمَر بْن عَبْد العزيز فاستعداه، وأنشده شعر كعب الْأَشْعَرِي: إن كنت تحفظ ما وُليتَ فإنما ... عمال أرضك بالعراق ذئاب لن يستقيموا للذي تدعو لَهُ ... حتَّى تقطع بالسيوف رقاب بأكف منصلتين أهل بصائر ... فِي وقعهنَّ مواعظ وعقاب لولا قريش نصرها ودفاعها ... ألفيتَ منقطعًا بك الأسباب فكتب عُمَر إلى عدي: «إن تولتيك سَعِيد بْن مَسْعُود بليَّة، وقَدَرٌ قَدَّرَه اللَّه عليك، فابعث إِلَيْه من يعزله ويحمله إليّ ففعل فأراد ضربه فَقَالَ قمير بْن سَعِيد بْن مَسْعُود ابنه: أَنَا الَّذِي ضربت الرجل، فضرب مائة سوط، فَقَالَ سَعِيد لابنه قمير، وكان يُسمى عبد العزيز: يا عَبْد العزيز أصرر أذنيك

_ [1] كثير الخير. القاموس.

إصرار الفرس الجموح، وعض عَلَى ناجذك واذكر أحاديث غد. وَقَدْ كتبنا هَذَا الخبر فِي أحاديث عُمَر بْن عَبْد العزيز. وقَالَ الشمردّل بْن شَرِيك يمدح بني الحكم: ما قصر المجد عنكم يا بني حكم ... ولا تجاوزكم يا آل مَسْعُود إن تشهدوا يوجد المعروف عندكم ... سهلًا وليس إِذَا غبتم بموجود وأم قُمير بْن سَعِيد ابْنَة مُرَّة الكَتّان، وكان قمير يكنى أبا الهذيل وكان جلدًا، وهو أوثق بلال بْن أَبِي بردة وحمله إلى يُوسُف بْن عُمَر. وكان هَدّاب بْن مَسْعُود أخو سَعِيد، وأمه أم ولد، من وجوه بني مازن. وكان عَمْرو بْن هداب، وأمه أم هاشم بِنْت عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم الباهلي، وكان عَمْرو يكنى أبا أسيد، ولي فارس لمنصور بْن زياد، ولخازم بْن هداب عقب بالأهواز [1] . ومنهم: مرة بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن ثعلبة بْن مرثد بْن قطن بْن ربيعة بْن كابية، الَّذِي يُقال لَهُ مرة الكتان، كَانَ شريفًا، وكان يلبس الكتان، فأضيف إِلَيْه، وكان مَعَ المهلب فقتلته الخوارج أيام قطري، فلما أُتي برأسه بكى فقيل لَهُ: يا أمير المؤمنين أتبكي عَلَى رَجُل من أَهْل النار؟ فَقَالَ: عَلَى أهل النار فليبك الباكون، وله ولد بفارس يُقال لهم بنو خِداش بْن زُهَيْر بْن مرة. وقَالَ أَبُو عبيدة: كَانَ مرة الكتان مَعَ عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد حين قتل.

_ [1] بهامش الأصل: بلغت معارضة بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله الحمد.

ومنهم: شُعْبَة بْن القِلْعِمْ- مخفف- وبعضهم يَقُولُ: القِلْعِمّ- فيشدد الميم- بْن خفاف بْن عَبْد يغوث بْن سنان بْن ربيعة بْن كابية بْن حرقوص، كَانَ شريفًا فِي زمن زياد، وكان لسنًا، وبعثه الحجاج إلى عَبْد الملك ومعه مال، فهلك بالشام. فولد شُعْبَة: عَبْد اللَّه. وعمر. وخالدًا. قَالَ أَبُو الْحَسَن المدائني: نظر الأحنف إلى خيل لبني مازن فَقَالَ: هَذِهِ خيل قلما تُدرك بالثأر، فَقَالَ شُعْبَة: أما فِي أبيك فقد أدركت بثأرها، فَقَالَ الأحنف: لشيء ما قيل: دع الكلام للجواب، وكانت بنو مازن قتلت قيسًا أبا الأحنف فَقَالَ البَلْتَع. هُمْ منحوا قيسًا صدور رماحهم ... فَأَتْلَفْنَهُ والحارث بْن خِلاس وقتل قيس يَوْم تَيَّاس. وقَالَ عَبْد اللَّه بْن شُعْبَة حين احتضر: إنَّ عليّ دينًا، فلا تقضوه، فإن لي ذنوبًا أعظم من الدين فما أحسن حالي إن بُلغ بي إلى الدين، اللهم إن تغفر تَغْفِرْ جَمًّا. وأبو الهمهام أخو شُعْبَة بن القِلْعِم وكان جافيًا. حَدَّثَنَا المدائني قَالَ: لما قدم عَبْد اللَّه بْن عَامِر بْن كريز البصرة واليًا أيام عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ صعد المنبر فأرتج عَلَيْهِ فاغتم، فلما كانت الجمعة الأخرى قَالَ لزياد: مُرْ بعض هَؤُلَاءِ يتكلم، فَقَالَ لأبي الهمهام الْمَازِنِي: قم فتكلم وكان جافيًا فصعد المنبر فَقَالَ: الحمد للَّهُ الَّذِي خَلَقَ السموات والأرض فِي ستة أشهر، فقيل لَهُ: إنها ستة أيام. فَقَالَ: ما عَظَّمْتُ من عظمة اللَّه وأمره فهو أفضل.

وولاه الحجاج فرات البصرة فاجتمع إِلَيْه أهل البلد لينظر فِي أمر خراجهم فَقَالَ: لستُ من همتكم فِي شيء، ولا بد أن تقشعوا عن جلال [1] من تمر، وقطف بيض لأم الهمهام. فأوقروا لَهُ سفينة تمرًا، وأعطوة عشر قطائف، فترك عمله، وانصرف إلى البصرة. وكان خَالِد بْن شُعْبَة جميلًا، فكان الحجاج يعجب من جماله وبيانه، وكان أيضًا يعجب بأخيه عُمَر. وولد خزاعي بْن مازن: جُلّ. وحُجر. وربيعة. وصُعَيْر. منهم: عباد بْن علقمة بْن جعفى بْن أَبِي رومي بْن حُزابة بْن صُعير بْن خزاعي، وهو الَّذِي يُقال لَهُ عباد بْن أخضر، وأخضر زوج أمه، بعثه عُبَيْد اللَّه بْن زَياد إلى بلال بْن مرداس فقتله وأصحابه بفارس، فلما انصرف عرض لَهُ ناس من الخوارج بالبصرة فقتلوة، وَقَدْ ذكرنا خبره، وقَالَ الشَّاعِر: لقد كَانَ قتل ابني شُمَيْر خيانةً ... كما قَالَ ذؤبان العراق ابن أخضرا وقيل انه قتله قوم من أهل البصرة، وقيل قتله الخوارج. وكان عباد بْن عباد سريًا وفيه يَقُولُ اللعين: أَعَبَّادُ إنَّا إنْ نَزُرْكَ فطالما ... سَمَا لَكَ بيُّوتُ الهمومِ الطوارقِ وقَالَ آخر: لا خير فِي نائل الفتيان تسألهم ... إلا سؤالك عباد بْن عباد وكان معبد بْن علقمة أخو عباد شاعرًا، وقتل قاتل أخيه مَعَ ناس من قومه، وكان مالك بْن الريب حبس فِي سرف [2] بمكة فأخرجه بجاهه، وكان

_ [1] الجلال: أوعية من خوص. وقشع القوم: فرقهم، وأقشعوا تفرقوا. القاموس. [2] سرف: موضع على ستة أميال من مكة. معجم البلدان.

لمعبد تَيْسٌ يُطْرِقه فَقَالَ حارثة بْن بدر: يظل التيس عندكم مصونًا ... لينز بِهِ إِذَا ما يُستعار فَقَالَ معبد: ألم تر أنَّ حارثة بْن بدر ... يُصلّي وهو أكفر من حمار وأن المال يَعْرف من بغاه ... وتعرفك البغايا والعقار ومنهم: حاجب بْن ذبيان، الَّذِي يُقال لَهُ حاجب الفيل، كَانَ فارسًا شاعرًا من فرسان خراسان، وكان ضخمًا فشُبِّه بالفيل فِي عظمه، وهو القائل فِي أمر اللُّهابة- وَيُقَال اللَّهابة- حين أخذت من بني فقيم ودفعت إلى بني كعب من بني العنبر فِي أبيات: أحنظل إني لم أجد لدليلكم ... يدًا فِي بني كعب تُعينُ ولا رجلًا هُمْ دفعوكم عن تراث أبيكم ... فلم ترثوا خيلًا ولم ترثوا إبلًا وبنو ناشرة، من بني أسد من بني كابية فيما يُقال، قَالَ الشَّاعِر: أنتم بنو كابية بْن حُرقوص ... كلكم هامته كالأفحوص [1] ومنهم: مخارق بْن شهاب بْن قيس، كَانَ شاعرًا فارسًا فِي الجاهلية. وأغار قوم من بني يربوع، وَيُقَال من بني بَكْر بْن وائل، عَلَى إبل لابن المكعبر الضبي، فاستغاث بمخارق، فَقَالَ لَهُ: والله ما أنت لي بجار، فاطلب إبلك فانصرف عَنْهُ فجعل مخارق يبكي، فقالت لَهُ ابنته: ما يبكيك؟ قَالَ: جاءني رَجُل من شُعراء العرب فسألني إغاثته فأبيت، فأخاف أن يهجوني. قَالَتْ: فأغثه. فاستنجد بني رزام بْن مازن فأجابوه، فأدرك إبله وردها عَلَيْهِ. وقَالَ المخارق لرزام حين أنجدوه:

_ [1] الأفحوص: مجثم القطا في التراب. القاموس.

لنعم بنو الهيجا رزام بْن مازن ... إِذَا أَنَا من خوفٍ شددتُ بهم أزري وقَالَ أيضًا: لَعَضَّ الَّذِي أَبْقَى المواسي من امه ... خفيرٌ رآها لم تُشَمِّر وتغضب فِي أبيات. وقَالَ محرز بْن المكعبر: فهلا سعيتم سعي عصبة مازن ... وهل أنتم والأكرمون سواء لهم أَذرعٌ بادٍ نَوَاثر لحمها ... وبعض الرجال فِي الحروب غثاء كأنَّ دنانيرًا عَلَى قسماتهم ... وإن كَانَ قَدْ شَفَّ الوجوه لقاء وقَالَ ابْنُ المكعبر: لولا الإله ولولا سعي كالئها ... وابنا شهابٍ عفا آثَارَهَا المَوْرُ [1] ومن بني خزاعي بْن مازن: مازن بْن جحش بْن عيثان، رئيس بني عَمْرو بْن تميم يَوْم الدفينة، حين أغاروا عَلَى بني سُليم، فأصابوا بني رِعْل، فَقَالَ حاجِب بْن ذبيان: بنو مازنٍ قومي ومن يَكُ فاخرًا ... بأيام قومي مازن لا يكذب فِي أبيات. وولد أنمار بْن مازن: وهب بْن أنمار. فولد وهب: عُرفطة. وأَذَبَة. فولد عُرفطة: سَيّار بْن عرفطة. ومعاوية بْن عرفطة. ومُرَيْط بْن عُرفطة. منهم: أَبُو عَفراء، وهو عُمير بْن سنان بْن عَمْرو بْن الحارث بْن سيار بْن عُرفطة بْن وهب بْن أنمار، كَانَ شاعرًا، وكان مَعَ عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كُريز بسجستان حين ولاه إياها القباع، فِي أيام ابْنُ الزُّبَيْر، فقاتل رَتبيل، فتولى أَبُو عفراء قتل رتبيل بيده فقال:

_ [1] المور: الموج والاضطراب. القاموس.

فلولا ضَرْبَتي رَتْبِيل فاظَتْ ... أَسَارى منكُمُ قَمْلَى السِّبَال دَلَفْتُ لَهُ برجْل العنز لما ... تواكلت الفوارس والرجال لأورث مَجْدَهَا أبدًا تميمًا ... إِذَا عُدَّ المآثر والفعال قَالَ: ورِجْل العنز سيفه، كَانَ فِيهِ أعوجاج، وَيُقَال كَانَ شبيهًا بالسيف من حجارة، وكان يشبه رَجُل العنز، وَيُقَال كَانَ عمودًا يشبه رَجُل العنز، وقَالَ بعضهم: كَانَ فرسًا وذلك باطل؟ وقَالَ ابْنُ الكلبي: كَانَ مَعَ ابْنُ سمرة، والأول أثبت. ومن بني زَيْد مناة بْن حرقوص بْن مازن: عقبة بْن حرب بْن عَبْد اللَّه بْن مَرْثد بْن أُبيّ بْن زَيْد مناة بْن حرقوص كَانَ من فرسان خراسان فِي دولة [1] بني الْعَبَّاس وكان قائدًا. ورئاب بْن شداد بن عبد الله بن مرثد بن أبي بْن زَيْد مناة بْن حرقوص، كَانَ من فرسان خراسان، وحوصر بنهاوند فتدلَّى من مدينتها ليلَّا وَقَدْ لبس السلاح فنجا. ومنهم: سَوَّار بْن الأشعث، كَانَ يلي سجستان، وغَلب عليها فِي أيام الفتنة، هَذَا قول ابْنُ الكلبي: وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ سوّار من أشجع النَّاس وغَلب عَلَى سجستان فِي أيام الفتنة فَقَالَ: يدعون سَوّارًا إِذَا حمس الوغى ... ولكل يَوْم كريهة سَوَّار وقتله بحير بْن سَلْهَب العجلي بسجستان، ولقبة بُحَيّر، وهو الَّذِي يَقُولُ:

_ [1] بهامش الأصل: خ- دعوة.

الأنْكَدَان مازن ويربوع ... ها أنَّ ذا اليوم شرّ مجموع وقال علي بْن مُحَمَّد بْن أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِيّ: ولي خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري الأصْفَح بْن عَبْد اللَّه الكلبي سجستان، فلما قدمها تهيأ للغزو، فأشار عَلَيْهِ البعّار التيمي ألا يفعل، وقَالَ: ليس هَذَا بوقت غزو، فانتظر يأت وقته، فَقَالَ: إنك قَدْ خرفت، وسار حتَّى دخل الشِّعْب الَّذِي يُعرف بشعب الأصفح، وجبل الأصفح، فأخذوا عليه بالشعب، فقتل الأصفح والناس، وأسر سوار بْن الأشعر الْمَازِنِي، فَقَالَ سوار بْن الأصفح: يا أصفح الخير من للمعتفين غدًا ... إذ غال نفسك والجود المقادير ومن لعان أسير لافكاك لَهُ ... إِذَا تأَوَّه غَنَّتْهُ المسامير مُخَرَّقُ الجلد من وقْعِ السلاح بِهِ ... وفي المحامين يَوْم الروع شمِّيرُ ليت المنية كانت بينَنا قُسِمَتْ ... بالشِّعْبِ يَوْم تُناديكَ الغواوير [1] فِي أبيات. وتخلص سوار، فلما قتل الوليد بْن يزيد، ووقعت الفتنة، وَلِّي عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ عامل يزيد بْن الوليد الناقص عَلَى العراق: حرب بْن قطن الهلالي سجستان، فمكث شهرين واليًا، ثُمَّ خرج كراهة الفتنة، وولي سجستان بعده سوار بْن الأشعر، فقاتلت بكر بني تميم، وقالوا: ليس سوار بوالٍ. وبعثوا إلى عَبْد اللَّه بْن عُمَر ليبعث إليهم واليًا من قبله، فبعث إليهم سَعِيد بْن عَمْرو الأعور، وهو سَعِيد بْن عَمْرو بْن يَحيى بن سعيد بن العاص الأموي، فرضيت بِهِ بنو تميم وأبته بَكْر، وخرج خارجي من بَكْر بْن وائل بخيل الأصفح فقتله رَجُل من قريش، وجاء برأسه إلى الأعور، فأمر بِهِ فقتل، وضرب عنق رَجُل من بني تميم فاجتمعت عليه تميم

_ [1] الغار: الجمع الكثير من الناس، والجيش. القاموس.

وبكر، وقالوا: أخرج عنا وجمعوا لَهُ نفقته، فخرج عَنْهُمْ، وافتعل بُحير وهو بُحير بْن السلهب العجلي عهدًا عَلَى لسان عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَلَى سجستان وكرمان، فوقع الشر، فاقتتلت تميم وعليها سوار بْن الأشعر وبكر وعليها بُحير بْن السلهب ثُمَّ تفرقت تميم عن ابْنُ الأشعر فَحُصر، وقيل إن رجلًا من كلب أقبل في أربعمائة من أهل الشام من السند إلى سجستان، فبعث إلى سوار: إئْذن لنا نكن معك، فأذن لهم، فاستمال بُحير بْن سلهب كلبًا، وجعل للرجل الكلبي مالًا، وصار إليهم بُحير فِي الليل متنكرًا، فطرقوا سوارًا فِي ليلة جمعة فِي دار الإمارة فقتل، واصطلح النَّاس وأمنوا. وقَالَ أَبُو جلدة وكان مَعَ بَكْر: قَرِّبي يا حُلّيُّ ويحك درعي ... لَقَحَتْ حربُنا وحرب تميم إخوة فرشوا الذنوب علينا ... من حديث من دهرنا وقديم ليس من خام عن قراع المنايا ... حين أَبْدَتْ عن ناجذ بكريم طلبوا صلحنا وَلاتَ أوانٍ ... إنَّ ما يطلبون عند النجوم فِي أبيات. وكان لابن الأشعر أربع وتسعون سنة. ومنهم: شُعبة بْن عثمان بْن كُريم بْن عمرو بْن قَهْزمة بْن خيثمة بْن وقاص بْن بادية بْن زَيْد مناة بْن حرقوص، وهو الَّذِي وجهه عَبْد اللَّه فِي طلب مروان بْن مُحَمَّد الجعدي. وقال أبو اليقظان: من بني حرقوص: خيثمة بْن مشْجَعَة، ويكنى أبا مطر، وأتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فحمل عَلَيْهِ بالدّرة فهرب

من بين يديه، فقيل لَهُ لم هربت؟ فَقَالَ: وكيف لا أهرب من بين يدي من يضربني ولا أضربه. ومن بني خزاعي بْن مازن: زُهَيْر- ويلقب السكب- بْن عروة الَّذِي يَقُولُ وكان جاهليًا قديمًا: إِذَا اللَّه لم يَسْق إلا الكرام ... فأسقى الإله بني حنبل مُلِتًّا هَزيمًا دَرير السحاب ... شديد الصلاصل والأزمل تُكَفكِفُهُ بالعشيِّ الجنوب ... وتُفْرِغُهُ هُدَّةُ الشَّمْأل كأنَّ الرباب دُوَيْنَ السحاب ... نَعَام يُعَلَّق بالأرجل وقَالَ غير أَبِي اليقظان: ليس هَذَا البيت الأخير لَهُ. وفيه يَقُولُ حُريث بْن سَلَمة من ولد صعير بْن خزاعي: أَنَا ابْنُ مُخَفّض والسَّكب خالي ... وما أَنَا من بني رجْل الحمار ومن ولد خزاعيّ: حُريث بْن مُخَفّض الَّذِي يَقُولُ: ألم تَرَ قومي إنْ دُعُوا لُمِلِمَّةٍ ... أجابوا وإن أغضب عَلَى القوم يغضبوا ومن ولد السَّكْب: النَّضْر بْن شُميل بْن خرشة بْن يزيد بْن كلثوم بْن عبدة بْن زُهَيْر السَكب، وكان صاحب قرآن وحديث، وهو من غلمان أَبِي عَمْرو بْن العلاء. قَالَ ومن بني خزاعي: عمار بْن العُريان، وابنه العلاء، ومعاوية، فأمَّا معاوية فكان سريًا وولي ولايات فِي أيام الحجاج، وقتله يزيد بْن أَبِي مُسْلِم، صاحب الحجاج فِي العذاب ولا عقب لَهُ. وأمَّا العلاء فولد: أبا عَمْرو [1] ، وأبا سُفْيَان فأمَّا أَبُو عَمْرو فكان عالما

_ [1] بهامش الأصل: أبو عمرو بن العلاء.

بالعربية وقرأ القرآن عَلَى عَبْد اللَّه بْن كَثِير الْمَكِّيّ، وَقَدْ ختم عَلَى مجاهد ختمة. وكان عَبْد اللَّه بْن كَثِير من غلمان مجاهد، وكان أبو عمرو يسمى زبّان بْن العلاء، وقَالَ الفرزدق: ما زلت أفتح أبوابًا وأغلقها ... حتَّى أتيت أبا عَمْرو بْن عمار [1] وكان أَبُو عَمْرو يَقُولُ: لقد علمت من أمر القرآن ما لو كُتب وحمله الْأَعْمَش ما قَويَ عَلَى حمله. وكان خرج إلى الشام يريد عَبْد الوهاب بْن إِبْرَاهِيم الْإِمَام، فمات بالطريق، ولأبي عَمْرو عقب بالبصرة. وأمَّا أَبُو سُفْيَان بْن العلاء فكان سريًا، وكان يَقُولُ: من لا يحفظ أخاه بعد موته لا يحفظه فِي حياته، وكان يجري عَلَى عيال قوم من إخوانه بعد موتهم وكان صديقًا لابن المقفع، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر: إلى أبي سفيان في قيابه [2] ... جُبْنَ سواد الليل فِي جلبابه إليك يا خير فتى يُعنى بِهِ وله عقب بالبصرة، ومن النَّاس من يَقُولُ أن العلاء مَوْلَى لهم. قَالَ ومن بني رِزام بْن مازن: قَسامة. وعُقبة ابنا زُهَيْر فأمَّا قسامة بْن زُهَيْر فكان من فقهاء أهل البصرة، وقتل بعُمان مَعَ القاسم بْن سِعِن السعدي وله عقب بالبصرة. وأمَّا عقبة بْن زُهَيْر أخو قسامة بْن زُهَيْر فكان من فرسان بني تميم، ويكنى أبا عون وفيه يَقُولُ الشَّاعِر: قَبَحَ الإله عصابة وَلَحَاهُمُ ... تركوا وراءهم أبا المختار

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] المتقوب: المتقشر، والذي سلخ جلده من الحيات. القاموس.

حاشا الغلام الْمَازِنِي فإنه ... يَوْم الحفيظة خلفهم كرار ومنهم: هلال بْن الأشعر، كَانَ أكولًا، زعموا أَنَّهُ أكل بكرًا، إلا ما حمل منه على ظهره. قال ومن بني زبينة بْن مازن: عاصم بْن جُويرية، وكان يكنى أبا يسار، وكان سيدًا فِي الجاهلية وفيه قَالَ [1] الشَّاعِر: وما شهد ابْنُ شُعْبَة ذات غَوْل ... ولا بالجوع جمع أَبِي يسار وأنت على خوانك مُجْرَهِدُّ [2] ... شديد اللقم مسترخي الإزار ابْنُ شُعْبَة: يعني عَبْد اللَّه بْن شُعْبَة بْن القِلعم الْمَازِنِي. قَالَ: ومن بني حُرقوص: شَرْسَفة بْن خليف كَانَ فارسًا فقتل رجلًا من بني يشكر يُقال لَهُ إساف، فقتله بنو يشكر بِهِ، فَقَالَ بعض اليشكريين: هَلْ فوق فضل إساف فضل سيدكم ... شَرْسَفَّة بْن خليفٍ مُوقد النار وكان الحارث بْن معاوية بْن شرسفة من رجال بني تميم، وكان عَلَى مقدمة سلم بْن زياد حين ولي خراسان، ومات بالبصرة. كَانَ عَبْد الكريم بْن عَبْد اللَّه بْن الحارث بْن معاوية بْن شرسفة رئيس بني تميم أيام أغزى أمير المؤمنين أَبُو جَعْفَر الديلم، وله عقب بالبصرة. قَالَ ومن بني حُشيش بْن حرقوص، وَيُقَال أن اسم حرقوص معاوية: كَثِير بْن شنظير، وكان يروي عن الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ. قَالَ ومن بني حرقوص: الغُطَرَّق [3] ، وهو الحصين بْن كدير. ونويرة بْن وضاح بْن كُدير. فأمَّا الغُطَرَّق فولاه الحكم بْن أيوب الثقفي عامل الحجاج

_ [1] بهامش الأصل: يقول. [2] الجرهد: السيار، النشيط، القاموس. [3] تقدم خبره في ج 7 ص 323، واسمه هناك «العظرت» وسير ذكره ثانية في 5769.

سفوان، وركب إِلَيْه الحكم يومًا ودعا بغدائه الَّذِي حمل معه، وحضر الغُطَرَّق فتغدى معه، وأُتي الحكم بدراجة وكان بخيلًا، فانتزع الغُطَرَّق فخذها فناوله غلامًا لَهُ يُقال لَهُ واقد، فعزله الحكم واستعمل نويرة فَقَالَ نويرة: قَدْ كَانَ بالعِرق صيد لو رضيتَ بِهِ ... فِيهِ غنًى لَكَ عَن دراجة الحكم وفي عوارض لا تنفك تأكلها ... لو كَانَ يشفيك أكل اللحم من قرم وفي وطاب مملاة مثممة [1] ... فيها الشفاء الَّذِي يشفي من السقم فعزل الحكم نويرة وولى المُحلِّق الضبي فَقَالَ نويرة: أبا يوسف لو كنت تعلم طاعتي ... ونصحي إذن ما بعتني بالمحلق ولا اعتلَّ سَرَّاق العرافة صالح ... عليَّ ولا حُمِّلت ذنبَ الغْطَرَّق وما جعل البازي الَّذِي بات طاويًا ... إلى خَرَبٍ [2] رخو الجناحين مرهق ولا عقب لنويرة. ومن بني حرقوص: سعد بْن قَرْحاء، من سادة بني مازن، وكان الأحنف إِذَا غاب عن بني تميم كَانَ مكانه، وكان يُقال لَهُ: رِدف. ولَهُ عقب. ومن بني عبشمس بن حرقوص: صالح بن كدير، وكان رئيسًا ولاه الحجاج بيت المال وكان يسميه قف الأمانة، وله عقب. ومن بني مازن: أوفى بْن مطر، كَانَ مثل سليك والمنتشر يغير راجلًا ولا يُلحق، وخرج أوفى فِي عدة من أصحابه فلقوا أعدادهم من بني أسد فشغل كل واحد بقرنه، فجرح أوفى فظنوا أَنَّهُ قَدْ مات ثُمَّ زحف وكان قَدْ نعي فقال:

_ [1] ثمم: الطعام أكل جيده. القاموس. [2] الخرب: ذكر الحبارى. القاموس.

ألا أبلغا خُلتي جَابِر ... بأن خليلك لم يقتل تخطأت النبل أحشاءه ... وأخّر يومي فلم يُعجل إِذَا ما أتيت بني مازن ... فلا تَفْلِ رأسًا ولا تغسل فليتك لم تك من مازن ... وليتك فِي البطن لم تُقْبَل وولد الحرماز بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم: بَكْر بْن الحرماز. ونُكرَة بْن الحرماز. وحَدْحَد بْن الحرماز. وعبد اللَّه بْن الحرماز. وجشم بْن الحرماز. ومحمد بْن الحرماز. فولد عَبْد اللَّه بْن الحرماز: هُبَل. وأهضم. وجَنْب. فولد جَنْب: غضبان بْن جنب. فولد غضبان: مُخاشن. وولد حدحد بْن الحرماز: حُرقة. فولد حُرقة: مالك بْن حُرقة. وهلال بْن حرقة. وولد بَكْر بْن الحرماز: ذؤيب بْن بَكْر. وعمير بْن بَكْر. فولد عمير بْن بَكْر: أسود بْن عمير. فولد أسود: صُدَيّ بْن أسود. فمن بني الحرماز: عَبْد اللَّه الأعور الكذاب، وكان شاعرًا وهو القائل: لست بكذاب ولا أثّام ... ولا عبَّام [1] ولا مصرام ولا أحب خلة اللئام ... ولا أكول خبث الطعام صمام عن ذلكم صمام ... إني لمما يشتكى عرامي لما يخاف صولة اللهام

_ [1] العبام: العي الثقيل. القاموس.

وهو القائل لمنذر بن الجارود: يا بن المعلَّى أَجحفتْ إحدى الكبر ... أنت لها منذر من بين البشر قَدْ أهلكت إن لم تُغَيَّر بِغِيَرْ ... إليك أشكو حاجتي ومفتقر فِي أبيات. وقَالَ أيضًا: يا حكم بْن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود أنت الكريم والجواد المحمود ... والعود قَدْ ينبت فِي أصل العود وقَالَ في بني الحرماز: إن بني الحرماز قوم فيهم ... ظلم وإبرار عَلَى أخيهم فأصبب عليهم شاعرًا يخزيهم ... يعلم فيهم مثل علمي فيهم وكان جَابِر بْن جحدر سيد بني الحرماز بالبادية وله عدد بها كبير. وكان منهم: سبرة بْن يزيد، وقَالَ بعض شعرائهم: لبعض جبال الثلج ألين جانبًا ... لمختبط من سبرة بْن يزيد وولد غيلان بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم: عَمْرو بْن غيلان. فولد عَمْرو: عوف بْن عَمْرو. فولد عوف: بُرمة بْن عوف. فولد بُرمة: جَابِر بْن برمة. وغُنيم بْن برمة. وقَالَ ابْنُ الكلبي: ومن بني مالك بْن عَمْرو بْن تميم: فراس. ووحشي ابنا شُعْبَة بْن شماس، وليا سجستان لزياد ولابنه عُبَيْد اللَّه بْن زياد. وقَالَ غير الكلبي وأبو اليقظان أيضًا: من ولد غسان بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم:

صفوان بن محرز [1] بن زياد العابد،

صفوان بْن محرز [1] بْن زياد العابد، وَقَدِ انقرضوا فلم يبق منهم أحد. ومات صفوان بْن محرز أيام ابْنُ زياد بالبصرة ولا عقب لَهُ. وكان صفوان يعرف بالمازني، وكان نازلًا فيهم. وحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي فِي إسناده عن صفوان بْن محرز الْمَازِنِي أَنَّهُ قَالَ: كنت امرأ شاعرًا، ثُمَّ أقبلت عَلَى القرآن وتعلمته. قَالَ: وكان لصفوان سَرَبٌ يصلي ويبكي فِيهِ. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي عن حَمَّاد بْن زَيْد عن هشام عن الْحَسَن قَالَ: قَالَ صفوان بْن محرز: إِذَا أتيت أهلي فقرَّبوا إليَّ رغيفًا فأكلته وشربت عَلَيْهِ من الماء فعلى الدنيا العفاء. قَالُوا: وكان لصفوان خص مائل فقيل لَهُ لو دعمته فَقَالَ: أدعمه وأنا أموت غدًا؟ قَالُوا: وأخذ ابْنُ زياد ابْنُ أخ لصفوان فحبسه فِي السجن فتحمل عَلَيْهِ بقوم من الوجوه فلم يجب إلى أخراجه، فَقَالَ صفوان: لأطلبنّ خلاصه فلم يقدر عَلَيْهِ، فتوضأ وصلى ودعا، فلما كَانَ فِي الليل رَأَى ابْنُ زياد رؤيا هالته، فدعا بصاحب شرطته وأمره بفك حديد ابْنُ أخي صفوان وإخراجه، فأخرج من ساعته. قَالُوا: وكان صفوان إِذَا قرأ: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي منقلب ينقلبون [2] بكى ونشج حتَّى كَاد يموت. قَالُوا وكان يصبح فيقول: لا أُمسي فيجتهد، ثُمَّ يُمسي فيقول: لا أصبح

_ [1] بهامش الأصل: صفوان بن محرز. [2] سورة الشعراء- الآية: 227.

فيزداد اجتهادًا فِي العبادة. وكان يَقُولُ: لو تهدد أحدكم السلطان بضرب أَوْ حبس لم ينم ليله خوفًا فكيف بعذاب اللَّه الَّذِي أوعده من عصاه؟ ثُمَّ يخر مغشيًا عَلَيْهِ. ومات فِي ولاية بشر بْن مروان. وقَالَ أَبُو اليقظان: من ولد غيلان بْن مالك: عاصم بْن دُلف، ويكنى أبا الجرباء، شهد فتح تستر مَعَ مجزأة بْن ثور، وشهد يَوْم الجمل، فقتل يومئذ، وكان مَعَ عَائِشَة، رَضِي اللَّه عَنْهَا وهو القائل: أَنَا أَبُو الجرباء واسمي عاصمْ ... فاليوم قتلى وغدًا مآتم وولد الهجيم بْن عَمْرو بْن تميم: عَمْرو بْن الهجيم. وسعد بْن الهجيم. وعامر بْن الهجيم. وربيعة بْن الهجيم وأنمار بْن الهجيم. فولد عَمْرو بْن الهجيم: الحارث بْن عَمْرو. ومعاوية بْن عَمْرو، ويدعون الحبال. وبُلَيل بْن عَمْرو، وهو قُتَلُ [1] . قَالَ: وذي نسب ناء بعيد وصلته ... وذي رحم بللتها ببلالها فسمي بُلَيلًا: وقَالَ أَبُو عبيدة: هُوَ بلال. وغسان بْن عَمْرو بْن الهجيم. يَقُولُ جرير: وبنو الهجيم قبيلة ملعونة ... حصّ اللحى متشابهو الألوان لو يسمعون بأكلة أَوْ شربةَ ... بعُمان أصبح جمعهم بعُمان يتوركون بناتهم وبنيهم ... يتناعقون تناعق الغربان [2] وولد الحارث بن عَمْرو: مُليح بن الحارث. وجشم بن الحارث وهو

_ [1] بهامش الأصل: بضم القاف وفتح التاء. [2] ديوان جرير ص 479 دون البيت الثالث.

البَدْل. وجذيمة بْن الحارث. منهم: الهُملَّع بْن أعفر الشَّاعِر الَّذِي خطب إِلَيْه الزُّبَيْر بْن العوام، فرده وقَالَ: إني لسمح البيع إن صفقت لها ... يميني وأمست للحواريّ زينب وولد سعد بْن الهجيم: ثعلبة بْن سعد. والحارث بْن سعد. وعرعرة بْن سعد. ومُرّن [1] بْن سعد. فولد ثعلبة: عبدة بْن ثعلبة. وحييّ بْن ثعلبة. وبشر بْن ثعلبة. وعامر بْن ثعلبة. منهم: الحكم بْن نَهِيك، ولي كرمان للحجاج بْن يُوسُف، وقتل عَمْرو بْن سَلَمة بْن الحكم بْن نهيك، وكان مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن، قتله عقبة بْن سلم، وكانت لَهُ ابْنَة يُقال لها نَهِيكة، وبعضهم يَقُولُ بَهكنة. وولد ربيعة بْن الهُجيم: أوس بْن ربيعة. وعوضة بْن ربيعة. وجعفر بْن ربيعة. منهم أوس بْن غَلْفَاء، وغلفاء هُوَ ربيع بْن أوس بْن ربيعة بْن الهجيم الشَّاعِر فِي الجاهلية، وهو الَّذِي قَالَ يرد عَلَى يزيد بْن الصعق حين قَالَ: ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما يحبون الطعاما فَقَالَ: فإنك من هجاء بني تميم ... كمزداد الغرام من الغريم وهم مَنُّوا عليك فلم تُثبْهُم ... ثواب المرء ذي الحسب الكريم

_ [1] بهامش الأصل: خ- مرّان.

وكان بنو عَمْرو أسروه بضَلْفَع [1] فَقَالَ الشَّاعِر التميمي: تركت النهاب لأهل النهاب ... وأكرهت نفسي عَلَى ابْنُ الصعق جعلت ذراعي وشاحًا لَهُ ... وبعض الفوارس لا يعتنق وَيُقَال أنهم أسروا زرعة بْن الصعق. وولد أنمار بْن الهَجيم بن عَمْرو بْن تميم: عَمْرو بْن أنمار. منهم جُريَّة وهو كعب بْن أوس بْن عَبْد اللَّه بْن حديدة بْن عَمْرو بْن أنمار سيد بني الهجيم، وكان فارسها فِي الجاهلية. وولد عامر بْن الهُجيم: رُضيّ بْن عامر. وحبيب بْن عامر، وهو غيث. ومن بني الهجيم فِي رواية ابْنُ الكلبي: قيس بْن البهيم، وكان أسر زرعة بْن الصعق فِي غارة لبني كلاب عَلَى بني عَمْرو بْن تميم فقال: تركت النهاب لأهل النهاب ... وأكرهت نفسي عَلَى ابْنُ الصعق جعلت ذراعي وشاحًا لَهُ ... وبعض الفوارس لا يعتنق وهذه الرواية خلاف الأولى: ومنهم واصل بْن عُلَيم، ولي اصطخر لأبي جَعْفَر المنصور أمير المؤمنين، وكان شريفًا. وقَالَ أَبُو اليقظان: من بني الهُجيم: الترجمان، ويزعمون أَنَّهُ كَانَ يترجم لكسرى، وولده يعابون بذلك. فولد الترجمان: نَهيك، وكان نهيك نبيلًا شريفًا، وشهد مَعَ مروان بْن الحكم يَوْم مرج راهط، وكان عُمَر بْن الخطاب ولاه ولاية. فولد نهيك: الحكم بْن نهيك ولاه الحجاج كرمان. ومن بني سعد بْن الهجيم: سهم بن غالب الخارجي وقد كتبنا خبره في ما تقدم.

_ [1] ضلفع: اسم موضع باليمن، وقيل ضلفع: قارة طويلة بالقوارة، وهي ماء وبها نخل من خيار دار لبر لبني أسد بين القصيمة وسادة. معجم البلدان.

قَالَ: ومن بني الهُجيم: سليم بْن عُبَيْد شهد الجمل مَعَ عَائِشَة، وكان ابنه الحارث بْن سليم، ويكنى أبا خَالِد، من سادة بني تميم سخاء وكرمًا ونبلًا، وهو الَّذِي يَقُولُ فِيه رؤبة: إنك يا حارث نعم الحارث [1] . وكان عَلَى مقدمة هلال بْن أحوز حين بُعث إلى آل المهلب وهم بقندابيل، ومات بالبصرة ولا عقب لَهُ. قَالَ: ومن الحبال من بني الهجيم: أَبُو ثور الشَّاعِر، وفيه يَقُولُ الفرزدق. أخافُ الجماحَ من عجوز كبيرة ... وهند أَبِي ثور ثلاث روائم [2] وقَالَ أيضًا: إِذَا ما دخلتُ الدار دارًا أحبها ... فدار أَبِي ثور عليَّ حرام إِذَا ما أتاه الزَّوْرُ ظَلَّ يُعِلُّهُ ... نبيذًا جَبَاليًا بغير طعام [3] ومن بني غيث: الأخرم، وكان سيدًا فِي الجاهلية، وتزوج ابْنَة رَحَضة بْن قُرْط العنبري، فولدت لَهُ عَبْد اللَّه بْن الأخرم وكان سيدًا فَقَالَ لها فِي الجاهلية: غَنِّي، فقالت: إن الحرّة لا تغني. فقال لها: يا بنة رحضة غني فَقَالت: لستُ من الغيثين غيث بن عامر ... ولا غيث مخزوم الدعيّ لغالب ولكنني من عصبة عنبرية ... مُعاودة قِدْمًا قراع الكتائب

_ [1] ديوان رؤبة بن العجاج ص 29. [2] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع. [3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 303.

قال ومنهم: سليم بن سعيد، كَانَ سخيًا مطعامًا، ونزل البصرة فِي أول الزمان، وهو الَّذِي يَقُولُ لامرأته بَرْزة: فكيف بذي القربى وذي الرحم والذي ... أتاني لما لم يجد متأخرًا لأجبر مِنْهُ عظمه أَوْ أرْيشَهُ ... وَقَدْ جاءني يا بَرْزُ أَشعثَ أَغبرا فقالت: زمان لعمري عَضَّ بالناس عارقٌ ... عَلَى العظم معذور بِهِ من تَعَذَّرا ومات بالبصرة ولا عقب لَهُ. ومن بني الهجيم: عدي بْن نوفل، نعى رجلًا من قومه إلى أَبِيهِ فَقَالَ أَبُوهُ: إن الَّذِي ينعى عدى بْن نوفل ... فتى كَانَ فِي الظلماء أروع ماضيًا أرى الموت يفنينا قرونًا ولا أرى ... قرون لئام النَّاس إلا كما هيا ومنهم: حنظلة بْن حُباشة، كَانَ من فرسان بني تميم بالبصرة وخراسان زمن الحجاج، وله عقب بالبصرة. ومن بني الهُجيم: أَبُو تميمة الهجيميّ، كَانَ فقيهًا، وبسببه هجا جرير بني الهجيم، وذلك أَنَّهُ أتاه ينشده شعرًا فقام عَنْهُ وهو يقول: والشعراء يتبعهم الغاوون [1] . واسم أبي تميمة طَريف بْن مجالد، مات سنة سبع وتسعين. وحدث أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كبير عن عَبْد اللَّه بْن واقد قَالَ: قَالَ أَبُو تميمة الهجيمي: لا دين إلا بمروءة. وحدَّثني عُبَيْد اللَّه بْن مُعَاذِ قَالَ: قيل لأبي تميمة: كيف أصبحت؟ فقال

_ [1] سورة الشعراء- الآية: 224.

بين نعمتين: ذنب مستور، وثناء من النَّاس لم يبلغه عملي. ومنهم: أَبُو فُوران، شهد الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها، فضُربت يداه فَقَالَ لَهُ الأحنف: لو أطعتني لأكلت بيمينك، واستنجيت بشمالك وما كُنِعَتْ يداك. ومنهم: قُراضة وعمار، كانا نبيلين، وقتلا مَعَ عَائِشَة يَوْم الجمل فَقَالَ الشَّاعِر: عينيَّ جُودا بدمع منكما جارٍ ... عَلَى قُراضةَ إذْ وَلَّى وعمار ومنهم: عامر بْن أُبيّ، خرج مَعَ ابن الأشعث، فلما عرض عَلَى الحجاج قَالَ لَهُ: أخَرجتَ عليّ فيمن خرج؟ فَقَالَ: رَأَيْت حميرًا تنهق فنهقتُ معها، فتبسم وخلَّي سبيله، وقَالَ أَيْنَ منزلك فِي بني الهجيم؟ قَالَ: واسط. فمر بِهِ يومًا فرأى داره عند المقابر، فَقَالَ: ألم تزعم أن منزلك واسط؟ قَالَ: نعم أنا بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، وأمَّا أهل الدنيا فيؤنسونني، وأمَّا أهل الآخرة فيذكرونني. وتزوج عامر امْرَأَة يُقال لها زهراء تميمية، وكانت قبله عند رَجُل من تميم فَقَالَ زوجها الأول: إني عَلَى ما كَانَ من صَرْم بيننا ... لآتٍ عَلَى زهراء يومًا فناظر وكيف نرجّي وصل زهراء بعد ما ... أَتى دون زهراء المليحة عامر فمن بني الهجيم: نُقَيْر بْن حرملة، كَانَ سيدًا فِي الجاهلية، وله عقب بالبصرة. ومنهم: قُطَيْبة، وكان شاعرًا، وهو القائل عند الموت: كيفَ تَرَاني والمنايا تَعْتَرك ... تَجْنَحُ أحيانًا وحينا تَبْتَرك

ومنهم: حُريبة الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ: وعليَّ سابِغَة كأنَّ قَتِيرَهَا ... حَدَقُ الأساود لونها كالمجول [1] ومن بني هجيم: جُرموز، روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وولد أسيد بْن عَمْرو بْن تميم: جروة بْن أسيد. وعمرو بْن أسيد. ونمبر بْن أسيد. والحارث بْن أسيد. وعقيل بْن أسيد. فولد جروة: غُويّ بْن جروة. وشريف بْن جروة. فولد غويّ: سلامة بْن غوي- وجَهْوَر بْن غوي. وولد شريف بْن جروة: معاوية. فولد معاوية: مُخاشنًا. وولد سلامة: حبيب بْن سلامة. وغويّ بْن سلامة. وصُرَد بْن سلامة. فولد حبيب بْن سلامة: وَقْدان بْن حَبيب. وعمرو بْن حَبيب. منهم: أَبُو هالة وهو عند بْن النباش بْن زرارة بْن وقدان، كَانَ زوج خديجة بِنْت خويلد قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومن ولده: الحارث [2] ابنه، أول من قُتل فِي اللَّه فِي الْإِسْلَام تحت الركن اليماني. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أَبِيهِ عن جَدّه أن الحارث بْن أَبِي هالة، هند بْن النباش، كَانَ فِي حجر خديجة بِنْت خويلد فأسلم وكان يظهر إسلامه، وينادي بِهِ فجلس يومًا فِي جماعة من قريش وغيرها، فذكروا

_ [1] المجول: أي أبيض لأن المجول ثوب أبيض يجعل على يد من تدفع إليه القداح إذا تجمعوا. القاموس. [2] بهامش الأصل: الحارث بن أبي هالة رحمه الله.

النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما كرهه، فغضب ووقع بينه وبين رَجُل من سفهائهم شرٌّ، فوثب بِهِ فلم يزل يطأ فِي بطنه حتَّى حمل وقيذًا فمات، قَالَ هشام: وَيُقَال إنه صلى عند الركن، فوثب بِهِ بعض السفهاء فقتله. قال هشام ابن الكلبي: وولدت خديجة لأبي هالة: هند بْن هند بْن النباش، شهد أحدًا، قَالَ: وبعضهم يَقُولُ شهد بدرًا، ونزل فِي قبره حمزة بْن عَبْد المطلب، وابنه هند بْن هند بْن أَبِي هالة قتل مَعَ ابْنُ الزُّبَيْر، ثُمَّ انقرضوا فلم يبق منهم أحدًا. وقَالَ أَبُو اليقظان: اسم أَبِي هالة زرارة، مات بمكة فِي الجاهلية. فولد أَبُو هالة: هندًا [1] ، أمه خديجة بِنْت خويلد: فكان يَقُولُ: أَنَا أكرم النَّاس أبًا، وأمأ، وأخًا، وأختًا، أَبِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمي خديجة، وأختي فاطمة، وأخي القاسم. ورباه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وولد جُهْوَر بن غويّ بن جروة: حجر بن جهور. وجُهمة بْن جهور. ومُخاشن بْن جهور والأبيض بْن جهور. فمن بْني مخاشن: حنظلة بْن الربيع [2] بْن رياح بْن مخاشن، صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يُقال لَهُ حنظلة الكاتب، وكان معه خاتم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزعم بنو تميم أن الجن رثته حين مات. وكان حنظلة دَيِّنًا، وبقي إلى زمن معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، وكان عند معاوية فحدث معاوية حديثًا فَقَالَ لَهُ حنظلة: ليس الحديث كذا، فانتهره يزيد بْن أسد، جد خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري، وقَالَ: أتردّ على أمير

_ [1] بهامش الأصل: هند بن أبي هالة رحمه الله. [2] بهامش الأصل: حنظلة بن الربيع رحمه الله.

ومنهم: أبو حيدة أكثم بن صيفي [2] بن رياح بن الحارث بن مخاشن بن جهور،

المؤمنين؟ فَقَالَ معاوية: دعه فإنه أخي، كَانَ يكتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واكتب لَهُ، فحفظ ونسيت. ولا عقب لَهُ. وبعضهم يزعم أَنَّهُ دُعي فكتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة واحدة. وكان لرياح بْن الربيع [1] أخي حنظلة صحبة، وروي أَنَّهُ قَالَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للنصارى يَوْم ولليهود يَوْم، فلو كَانَ لنا يا رسول الله يوم؟ فنزلت سورة الجمعة. ومنهم: أَبُو حَيْدة أكثم بْن صيفي [2] بْن رياح بْن الحارث بن مخاشن بْن جَهْور، وبعضهم يَقُولُ: هُوَ مُخاشن بْن معاوية بْن شريف بْن جروة، كَانَ عاقلًا، عالمًا شاعرًا وبلغ مائة وتسعين سنة، وَيُقَال مائة وثلاثين سنة. وقَالَ أَبُو اليقظان: ولد صيفي: أكثم. وربيعة. فأمَّا أكثم فكان يكنى أبا الحَفَّاد، وكان حكمًا فِي الجاهلية، وكان يكنى أيضًا أبا حَيْدة. وفيه يَقُولُ الشَّاعِر: أيا أبا الحفَّاد أفناك الكِبر ... والدهر صرفان فَحزّ وحَصر وأدرك مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل يوصي قومه بإتيانه، والسَّبْق إِلَيْه، ولم يسلم. وكان يَقُولُ: كونوا فِي أول هَذَا الأمر، ولا تكونوا فِي آخره، وكونوا عند رأسه، ولا تكونوا عند رجله، وأتوه طوعًا ولا تأتوه كرهًا. وبلغ تسعين ومائة سنة وقيل لَهُ: ما الحزم؟ فَقَالَ: سوء الظن. وقَالَ: إن امرأ قَدْ عاش تسعين حِجَةً ... إلى مائة لا يسأم العيش جاهل قال: وله عقب بالكوفة.

_ [1] بهامش الأصل: رياح بن الربيع رحمه الله. [2] بهامش الأصل: أكثم بن صيفي.

ومنهم حمزة القاري، فيما يُقال، ومات حمزة بالكوفة وله بها عقب. وقَالَ الكلبي: إن أكثم خرج يريد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمات قبل أن يصل إليه، فنزلت فيه الآية: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ على الله [1] . ويروي غيره أن ذَلِكَ العيص بْن فلان، أَوْ فلان بْن العيص، وقَالَ بعضهم: نزلت فِي عدة خرجوا مهاجرين فماتوا فِي الطريق. وقَالَ أَبُو اليقظان: حنظلة الكاتب بْن ربيعة بْن رياح، وأكثم عمه، وغيره يَقُولُ الربيع. واستشار بنو تميم والرباب أكثم بْن صيفي بعد يَوْم الصفقة، حين قُتلوا وطمعت فيهم العرب فِي موضع يجتمعون فِيهِ فِي أمرهم، وهو يومئذ شيخ كبير، فنزع أكثم ثيابه وأراهم جسده وقَالَ: إن قلبي قَدْ نحل وضعف كما نحل جسمي وضعف، وإنما هُوَ بضعة مني ولكن ليحضرني ذوو الرأي من كل قبيل منكم وليشيروا بما عندهم فَعَسْيت إِذَا سَمِعْتُ حزمًا أن أعرفه فجاء أهل الرأي منهم، فاجتمعوا وتكلموا وهو ساكت لا يَقُولُ شيئًا حتَّى قام النعمان بْن مالك أحد بني جسّاس التيمي من الرباب فتكلم برأيه فَقَالَ أكثم: صدق أَبو جَوْنَة، فاجتمعوا بالكلاب. وحدَّثني مُحَمَّد بْن الأعرابي قَالَ: قَالَ أكثم بْن صيفي: البخل فطنة والسخاء تغافل. قَالَ: ومن سَأَلَ فوق قدره استحق الحرمان. وقَالَ: الفقر مَعَ المحبة خير من الغنى مع البغضة.

_ [1] سورة النساء- الآية: 100.

وقَالَ: اللجاجة وَحْشَة. وقَالَ: الحسود لا يسود. وقَالَ أكثم: ما شيء أحق سجن من لسان، وقالها بعده عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود. وقال أكثم بن صيفي: لكل ساقطة لا قطة. يقول: لكل ساقطة من القول لا قطة يَنُمُّها ويُنَمِّيها. وقَالَ: المكثار، والمهذار كحاطب الليل، شبهه بحاطب الليل لأنَّه ربما نهشته الأفعى والحية أَوْ لُسِع. وقَالَ: الصمت يكسب أهله المحبة، وقَالَ: أسوأ اللفظ الإفراط، ويروى ذَلِكَ عن علقمة بْن عُلاثة. وقَالَ أكثم لابنه: لا تهرف بما لا تعرف. وقَالَ: الكفاف مَعَ القصد أكفى من سعة مَعَ إسراف. وقَالَ: لكل شيء زينة، وزينة المنطق الصدق. وقَالَ لرجل: كفاك أفَنًا [1] كثرة سُرَّارك فِي المجلس. وكان يَقُولُ: فضل القول عَلَى الفِعْل هُجْنَةٌ [2] . وحدَّثني ابْنُ الأعرابي قَالَ: مما حفظ عن أكثم: المزاح دائم الجماح. وحدَّثني عُمَر بن بكير عن مشايخه قال: قال أكثم: ليس لمكذوب رأي. وقَالَ ابْنُ الأعرابي: قَالَ المفضل: قاله العنبر بْن عَمْرو بْن تميم لابنته الهيجمانة. وذلك أن عبشمس بْن سَعْد بْن زَيْد مناة بْن تميم كان يزورها فنهاه،

_ [1] المأفون: الضعيف الرأي والعقل والمتمدح بما ليس عنده. القاموس. [2] الهجنة من الكلام: ما يعيبه، وفي العلم اضاعته. القاموس.

فلم يقبل حتَّى وقعت الحرب بين قومه وقومها، فأغار عبشمس فعلمت بِهِ الهيجمانة فأخبرت أباها، وَقَدْ كانت الهيجمانة تحب عبشمس، فَقَالَ لها أبوها: يا بنيَّة أصدقيني فإنه لا رأي لمكذوب. وقَالَ أكثم بْن صيفي فِي يَوْم الكلاب: إياكم والصياح، فإنه فشل والمرء يعجز لا محالة، وتثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين، ورب عجلة تهب ريثًا وادَّرِعوا الليل فإنه أخفى للويل، ولا جماعة للمختلفين. وحدَّثني عمر بن بكير عن ابن الكلبي أن رجلًا نازع أكثم، فأربى عَلَيْهِ فِي القول فَقَالَ أكثم: ربما كَانَ السكوت جوابًا، أي إني محتقر لَكَ، فالسكوت جوابك. وقَالَ أكثم لا تَفْشِ إلى أمَة، ولا تَبُلْ عَلَى أكمة. وحدَّثني عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ: قَالَ أكثم: رب ملوم لا ذنب لَهُ. وَقَدْ ذكر ذَلِكَ عن الأحنف وإنما تمثل بِهِ. وقَالَ أَبُو عُبَيْد القاسم بْن سلام قَالَ أكثم: فضل القول عَلَى العمل دناءة [1] ، وقَالَ غيره هجنة. وقَالَ أَبُو عُبَيْد القاسم بْن سلام: من أمثال أكثم بْن صيفي: المزاحة تذهب المهابة [2] . وقَالَ أَبُو عُبَيْد: من أمثال أكثم قولُه: الأمور تتشابه مقبلةً ولا يعرفها إلا ذوو الرأي، فإذا أدبرت عرفها العالم والجاهل [3] . وحدَّثني عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أَبِيهِ قَالَ: قَالَ المهلب لبنيه: يا بنيّ

_ [1] الأمثال لأبي عبيد ص 66 (124) . [2] الأمثال لأبي عبيد ص 85 (190) . [3] الأمثال لأبي عبيد ص 105 (252) .

أوصيكم بما أوصى بِهِ أكثم بْن صيفي الأسيدي قومه، فإنه قَالَ لهم: يا بني تميم كافئوا على حُسْن الثناء، وأكرموا ذوي المروءات، واحذروا فضول القول، وزلل اللسان فإن اللسان يزلّ فَيْهلك صاحبه، وعليكم فِي حروبكم بالحذر والأناة. وأمَّا المدائني فأخبرنا عن المهلب أَنَّهُ أوصى بنيه بنحو هَذَا، ولم يذكر أكثم. وقَالَ أكثم: لا سَرْو لمن قَلّ حياؤه ولا مروءة لمن آثر ماله عَلَى عرضه. وقَالَ: الحياء فِرندُ [1] الوجه. وقَالَ لابنه: يا بني لا تكذبنَّ هازلًا، فتكذب جادًا. وحَدَّثَنَا ابْنُ الأعرابي قَالَ: كَانَ أكثم يَقُولُ: أهنأ المعروف أَعْجَلُه. وكان يَقُولُ: أرضى النَّاس عندهم أفشاهم معروفًا فيهم [2] . وحدَّثني أَبُو عدنان عن زَيْد بْن كثوة أن أكثم بْن صيفي قَالَ: لا يحسن المداراة من لم يكظم الغيظ ويصبر عَلَى الأذى. وقَالَ أكثم: سَامِعَ الغيبة أحد المغتابين. وقَالَ أكثم: ما اسْتَبَّ اثنان إلا غلب ألأمهما. وروي ذَلِكَ عن الزبرقان بْن بدر أيضًا. وقَالَ: يركب الصعب من لا ذلول لَهُ، ويأنس بالغريب من لا قريب لَهُ. وقَالَ أكثم: عدو الرجل جهله، وصديقه عقله.

_ [1] الفرند: السيف، وجوهره، ووشيه. القاموس. [2] بهامش الأصل: خ. عندهم.

وقَالَ: الوحدة خير من جليس السوء، والخرس خير من الكلام الَّذِي يضر. ويروي عن أكثم أَنَّهُ قَالَ: من سره بَنُوه ساءته نفسه. وَيُقَال: قاله ضرار بْن عَمْرو الضبي. وقَالَ أكثم: لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة، ولكل عاقل هفوة. وقَالَ أكثم: اليسير يجني الكثير. وقَالَ أيضًا الشر بدؤه صغاره. وقَالَ شبيب بْن شَيْبَة قَالَ أكثم: إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عن ابْنُ شهاب، فلعله تمثل بِهِ. وقَالَ أَبُو عُبَيْد من أمثال أكثم قولُه: الشماتة لؤم [1] . وقَالَ أكثم: حيلة من لا حيلة لَهُ الصبر. وقَالَ: من لم يأس عَلَى ما فاته أراح نفسه. وقَالَ: الجوع خير من بعض الخضوع. وقَالَ عَبْد اللَّه بْن صالح: مما يروى عن أكثم: الحرص محرمة، والجبن مقتله، والخير عادة، والشر لجاجة، والشحيح أعذر من الظالم، والاقتصاد أبقى للجمام. وقَالَ: لا تؤاخ خَبًّا، ولا تستشر عاجزًا، ولا حسودًا. وقَالَ: الرجل أليف شكله. وقَالَ القاسم بْن سلام: من أمثال أكثم: من فسدت عليه بطانته كمن

_ [1] الأمثال لأبي عبيد ص 160 (459) .

غصّ بالماء وتفاقم داؤه بالدواء [1] . وقَالَ: من جعل لحسن الظن نصيبًا من نفسه أراح قلبه [2] . وقَالَ أكثم: من ذهب ماله هان عَلَى أهله وقلّ صديقه، وأنكر عقله. وقَالَ أكثم: رب لائم مليم. وقَالَ القاسم بْن سلام من أمثال أكثم: الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها [3] . وَيُقَال إن هَذَا قول رَجُل من بني أسد. وقَالَ أكثم: من ضعف عن كسبه اتكل عَلَى زاد غيره. وقَالَ أكثم: من العجز والتواني أنتجت الهلكة، والمرء يعجز لا المحالة. وقَالَ أكثم يصف رفقة: أَنَا كحاقن الإهالة، وهي الودك المذاب، وليس يحقنها الحاذق بأمرها الرفيق حتَّى تبرد، لكيلا تحرق السقاء وتفسده. وقَالَ أكثم: من الحزم حفظ ما كُلِّفْت وترك ما كُفيتَ. وقَالَ: إِذَا رُمْتَ المحاجزة فقبل المناجزة. وقَالَ ليس لحريص غني، والنظر فِي العواقب من عزائم العقول. وقَالَ: خير الأمور خيرها عواقب، وربما نصحك الظنين، وصدقك الكذوب. وقَالَ: من سَلَك الجَدَد [4] أمِنَ العثار، ومن حذر كَانَ خليقًا للسلامة. وقَالَ أكثم: الانقباض من النَّاس يكسب العداوة، وإفراط الأنس

_ [1] الأمثال لأبي عبيد ص 179 (510) . [2] الأمثال لأبي عبيد ص 184 (529) . [3] الأمثال لأبي عبيد ص 196 (569) . [4] بهامش الأصل: الجدد: أرض مستوية لينة.

يكسب قرناء السوء. وقَالَ أكثم: العاقل من أَقْصَر حين أَبْصَر، وكَفَّ حين تَبَيَّن. وقَالَ أكثم: رأس الحزم المشاورة، فإنها تَخْلُصُ الرأي كما يَخْلُصُ الذهب النار. وقَالَ أكثم: رُبَّ ساعٍ لقاعد وكلأ لم يدلك عَلَيْهِ رائد. وقَالَ القاسم بْن سلام: قَالَ أكثم بْن صيفي: لم يهلك امرؤ عرف قدره [1] . ومن قول أكثم: لو سئلت العارية أَيْنَ تذهبين لقالت أكسب أهلي ذمًا، يعني أنهم يعيرون ويقرضون، ثُمَّ يذمون إِذَا طلبوها. وكان يَقُولُ: إِذَا جاء الحين غطى العين. ومن أمثاله: سوء الاستمساك خير من حُسْن الصَّرْعَة [2] . وكان يَقُولُ: ليس من العدل سرعة العذل. وكان يقول: لا تعذل قبل أن تتبين الذنب. وقَالَ أكثم: رضا النَّاس غاية لا تُدْرَك. وقَالَ أكثم: غَثُّكَ خير من سمين غيرك. وقَالَ: المسألة آخر كسب الرجل، وَيُقَال إنه لغيره. حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن عن عمِّه أَبِي هشام عن أَبِيهِ عن أَبِي رجاء العُطاردي قَالَ: أوصي أكثم بْني أُسَيد فَقَالَ: يا قوم أَحسنوا يُحْسن بكم، واسمحوا يسمح لكم، وعفّوا تعف نساؤكم، واعلموا أن محادثة النساء شعبة من الزنى.

_ [1] الأمثال لأبي عبيد ص 294 (960) . [2] الأمثال لأبي عبيد ص 157 (447) .

وقَالَ: يا بني أسيد إن من حمل إليكم النميمة حملها عنكم، ومَنِ اغتابَ رجلًا عندكم فلا تأمنوا أن يغتابكم، واعلموا أن إصلاح المال عون عَلَى المروءة وغيظ للعدو، وصيانة عن ذل السؤال. وقَالَ: شر الأصحاب صاحب لا يقيل العثرة، ولا يقبل المعذرة، وصاحب يمدح فِي المحيَّا ويغمز فِي القفا. وقَالَ: شرّ ما مني بِهِ النَّاس جارٍ مؤذٍ، وولد عاق، وأَمَةٌ خائنة وعبد آبق سارق، وامرأة عاقر غيري. وقال أكثم: أسوأ ما في اللئيم أن يمنعك خيره وأحسن ما فِيهِ أن يكف عنك شره. وحدَّثني أَبُو عدنان السلمي عن أَبِي عبيدة قَالَ: بلغني أن أكثم بْن صيفي كَانَ يَقُولُ: حظك من العدو المكاشرة، وذَنْبُك إلى الحاسد دوام النعمة، وكان يَقُولُ: الحسد كمد، وَقَدْ يروى ذَلِكَ عن قيس بْن زُهَيْر بْن جذيمة العبسي. وحدَّثني الحرمازي عن رَجُل من آل الأهتم عن شبيب عن أكثم أَنَّهُ قَالَ لابنه: غُمَّ على الحسود أمرك، واكتمه سرك، ولا تستشره فيفسد عليك ويغشك، فإنه يظهر لَكَ خيرًا، ويضمر لَكَ شرًا، ويلقاك بالمكاشرة ويخلفك بالغيبة. حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن عن عمِّه عن أَبِيهِ عن أَبِي رجاء عن أكثم أَنَّهُ قَالَ: يا بني أُسَيد إن البَرَّ الوصول من لم يجعل للبعيد حظ القريب، ولم يصل رحمًا بقطيعة أخرى، ويروى ذَلِكَ عن عَمْرو بْن حُرَيْث المخزومي أيضًا.

وحدَّثني ابْنُ الأعرابي عن المفضل أن أكثم بْن صيفي كَانَ يَقُولُ: ما أُحبُّ أن أُكْفَى أمر الدنيا كُلِّه، قيل: ولم ذَلِكَ يا أبا حَيدة؟ قَالَ: لأني أخاف عادة العجز. وقَالَ أكثم: لا تُؤاخِينَّ خَبًّا. ولا تَسْتَشيرنَّ عاجزًا. ولا تَسْتَعينَنَّ كسلًا، ويروى ذَلِكَ عن بعض العجم ويروى عن الأحنف أيضًا. وقَالَ أكثم: أَشْبَهَ قَريْن قَريْنَهُ. وقَالَ: طول العشرة تبدل الأخلاق. وقَالَ: قَدْ يبلغ القَطُوف [1] الوساع، ويبلغ الخضم [2] بالقضم. ويروى عن أكثم أَنَّهُ قَالَ: يا بني أُسيد أكثروا التشاور، فَقَلَّمَا يَسْعَدُ برأيه مُسْتَبد، وروى ذَلِكَ رَجُل عن جَعْفَر بْن عَمْرو بْن حُرَيْث، وليس هُوَ عَنْهُ بثبت. وقَالَ أكثم: أول الحزم المشورة. حَدَّثَنِي ابْنُ الأعرابي وعباس بْن هشام عن أَبِيهِ قالا: قَالَ أكثم لابنه: إياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أَفَنْ، وتجربتهن إلى وَهَنْ، ولا تملك امْرَأَة أمرها ما جاوز نفسها. وقَالَ أكثم: المشورة مفتاح الرأي. وقَالَ أكثم لابنه: لا تُماريَنَّ شريفًا، ولا تُجارينَّ لجوجًا، ولا تعاشرنَّ ظالمًا، واعلم أن ترك المراء من الحياء. وحدَّثني عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أبيه عن شرقي بن القطامي قال:

_ [1] دابة قطوف: ضاق مشيها. القاموس. [2] الخضم: الأكل بأقصى الأضراس، أو ملء الفم بالمأكول، أو خاص بالشيء الرطب كالقثاء. القاموس.

بلغني أن الشَّعْبِيّ قَالَ: كَانَ أكثم بْن صيفي التميمي يَقُولُ: عليكم بالرفق والأناة فإنهما قائدان إلى الدرك والظَّفَر، وإياكم والعجلة والخرق فإنهما سبب للفوت والحرمان. وقَالَ أكثم لرجل أراد التزويج: عليك بالتثبت فِي أمرك فإلى أن يتزوج العاقل قَدْ وُلد الأحمق، وهو أول من قالها. وقال الأثرم عن الأصمعي قَالَ أكثم: لكل شيء بذرًا، وبذر العداوة المزاح، والمزاح حمقة تُورث ضغينة. وحدَّثني ابْنُ الأعرابي أن هَذَا الكلام عن الأسود بْن كراع العكلي. وحدَّثني ابْنُ الأعرابي عن المفضل قَالَ: قَالَ أكثم بْن صيفي: المزاح دائم الجماح، ورُبَّ مَزْح أدنى أجلًا. أَرِنِي مازحًا أرك جادًّا. وقَالَ أكثم: من وثق بمحضرك فقد ائتمنك، وكفى بمبلّغ السوء مُسمعًا. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أبي مُجْنب الأعرابي عن أكثم أَنَّهُ قَالَ: سِرُّك دمك فلا تَضَعه إلا عند ثقتك، ولأن تكتمه إياه خير لَكَ. وحدَّثني ابْنُ الأعرابي عن سَعِيد بْن سلم قَالَ: بلغني عن أكثم بْن صيفي أَنَّهُ قَالَ: لا يَعْدُوَنَّ سرُّكَ صدرَك فإن لكل نصيح نصيحًا، وقلما اشترك فِي السر اثنان إلا فشى. وقَالَ أكثم: الأحمق لا يحجو سرًا. حَدَّثَنِي أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرو: بلغني عن أكثم بْن صيفي أَنَّهُ قَالَ لابنه: لا تتكلمن فيما جهلت، ولا تَعْجل فِي الكلام بما علمتَ فتُذلَّ نفسك، فإنَّ من إكرام المرء نفسه ألا يتكلم إلا بما أحاط بِهِ علمه. وحدثني عبد الله بن صالح عن أبي زُبيد عن ابْنُ شبرمه قَالَ: قَالَ

أكثم بن صيفي: من من أراد نفسه عَلَى أكثر مما عنده من نطق وعلم أفتضح. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حبيب عن ابْنُ الأعرابي قَالَ: قَالَ عامر بْن الظرب العدواني، وَيُقَال أكثم بْن صيفي: أرى شعرات عَلَى حاجبيّ ... بيضًا نبتن عَلَيْهِ تؤاما أظلّ أهاهي بهنّ الكلا ... ب أحسبهن صوارا [1] قياما وأحسب أنفي إذا ما مشيت ... شخصًا أمامي رآني فغاما [2] وحدَّثني عُمَر بْن بكير عن ابْنُ الكلبي أن أكثم بْن صيفي قَالَ لقومه: عاشروا النَّاس معاشرة جميلة فإن غبتم حنوا إليكم، وإن متمُّ بكوا عليكم. وقَالَ أكثم: أَدْوَأُ الداء اللسان البذيء، والخلق الدنيء. وكان أكثم يَقُولُ: ظاهر العتاب خير من باطن الحقد. وضربة الوادّ خير من تحية الشانئ. وقَالَ أكثم: ليس النوال بَعْوضٍ من السؤال، والحرمان خير من ندى الفخُور المانّ. وقَالَ أكثم: من مدحك بما لم تفعله بهتك بما لم تأته. وقَالَ: شر الرجال المخادع المَلَّاق، وشر النساء الطامحة المعشاق. وكان أكثم يَقُولُ: أخوك من صدقك. وقال: إِذَا جاورك الجاهل آذاك، وإذا ناسبك جنى عليك، وإذا عاشرك أَمَلَّكَ وأَنْصَبَكَ. وقَالَ: أخوك من أهمَّه هَمَّك وشاركك فيما نابك.

_ [1] الصوار: قطيع البقر. القاموس. [2] الغيم: العطش، وغام: أقام. القاموس.

وقَالَ: الشكر بثلاث خلال: المكافأة بالفعل، وثناء اللسان، وخلوص المودة. وقَالَ أكثم: لا تُطمعنَّ ذو كبر فِي حُسن ثناء، ولا الملول فِي الإخوان ولا الخَبُّ فِي الشرف. وقَالَ: الكريم يَوَدُّك فِي لقية واحدة، واللئيم لا يصلك إلا عن رغبة أَوْ رهبة. وقَالَ: إحسان النشوان أن يكف عنك شره. وقَالَ: الغريب الناصح قريب، والقريب الغاشّ بعيد. وقَالَ: من هانت عَلَيْهِ نفسه فلا يأمن بوادر شره. وقَالَ: لن يهلك امرؤ بعد مشورة. وقَالَ: آفة المروءة الكبر، وآفة السخاء المَنّ، وآفة الرأي العجب. وقال: لنعم لهو الحرة مغزلها. وقَالَ: ما أتيت من خير أَوْ شر فأنت أهله دون من تركه. وقَالَ أكثم: أفضل من السؤال ركوب الأهوال. وقَالَ: من حَسَدَ النَّاس بدأ بضرّ نفسه، وقَالَ: العديم من احتاج إلى اللئيم. وقال: ما كُلُّ عثرةٍ تُقَال ولا كُلُّ فرصةٍ تُنَال. وقَالَ: خَسَر من لم يعتبر. وقَالَ: لا وفاء لمن ليس لَهُ حياء. وقَالَ: الحرُّ حُرٌّ وإن مَسَّه الضُرّ. وقَالَ: الحر قَدْ يصافي من لا يصافيه. وقَالَ: قَدْ يشهر السَّلاح فِي بعض المزاح.

وقَالَ: من وفى بالوعد [1] فاز بالحمد. وقَالَ: الموت يدنو والمرء يلهو، وَقَدْ يخطئه ما يرجو ويأتيه ما لا يرجو. وقَالَ: الحق أبلج والباطل لجلج. وقَالَ: اصطنع قومًا تحتج إليهم يومًا. وقَالَ: طول الغضب يورث الوصب. وقَالَ: رُبَّ عتق شر من رق. وقَالَ: الكذب بهت والخلف مقت. وقَالَ: من لم يكفف أذاه لقي ماساءه. وقَالَ: الحر يتقاضى فِي الوعد نَفْسَهُ واللئيم يغتنم حبسه. وقَالَ: ليس بإنسان من لم يكن لَهُ إخوان. وقَالَ: عليك بالمجاملة لمن لا تدوم لَهُ وصلة. وقَالَ: فِي الأسفار تبدو الأخبار. وقالوا: إن أكثم كتب إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما بعد: فقد أتانا عنك خبر لا ندري ما أصله، فإن كنت أُريتَ فَأَرِنَا، وإن كنتَ عُلِّمتَ فَعَلِّمنا وأشركنا فِي كنزك» . فكتب إِلَيْه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه إلى الْإِسْلَام، فأوصى أكثم قومه باتباعه وعَظَّمَ أمره، فَقَالَ مالك بْن نُويرة: قَدِ اختلط شيخكم. فَقَالَ أكثم: ويل الشَجيّ من الخَليّ، أراكم سكوتا وآية إبائه الموعظة الإعراض عَنْهَا، ويلك يا مالك إن الحق إِذَا قام صرع من خالف، فإياك أن تكون ممن يصرعه مُخَالفَةُ الحق. وقَالَ أكثم: أفضل الأفعال صيانة العرض بالمال.

_ [1] بهامش الأصل: بالعهد.

وقَالَ: ليس من جازى الجهول بذي معقول. وقال: من جالس الجهال فليستعدد لقيل وقَالَ. وقَالَ أكثم: إِذَا أردت طرد الحر فسمه الهوان. وقَالَ: إن للحيطان آذانًا، فانظر أَيْنَ تتكلم. وقَالَ: من لم يستمع لحديثك فارفع عَنْهُ مؤونة كلامك. وقَالَ: من عُرف بالصدق جاز كذبه، ومن عُرف بالكذب لم يجز صدقه. وقَالَ: لو لم تكن الذنوب لم تُعرف فضيلة العفو. وقَالَ: من كَانَ غضبه لغير علة كَانَ رضاه لغير عتبي. وقَالَ: الغضب لؤم فَذَرْهُ، والحزن سوء استكانة.

وقَالَ: من طلب ما عند البخيل هلك هُزْلًا. وقَالَ: مجاور الجواد كمجاور البحر، ومجاور البخيل كمن أقام بمفازة لا ماء بها. وقَالَ: الرزق مقسوم والحريص محروم. وقَالَ: العلم زينٌ ومنفعة، والجهل شَيْنٌ ومَضَرَّة. وقال: من لم يَرْتَحْ للثناء فليس لَهُ من المروءة نصيب. وقَالَ: احذر غضب الحليم وإملال الكريم. وقَالَ: من عرفتَ كذبه فلا تستدع منطقه. وقال: العاقل من اتهم نفسه ولم يعجب برأيه. وقَالَ: العاقل من غلب هواهُ عقله، وملك غضبه، ولم تملكه شهوته. وقَالَ: من استشاره عدوه فِي صديقه أَمَرَهُ بقطيعته. وقَالَ: مؤاخاة الكريم غنيمة، ومؤاخاة اللئيم تُكْسِبُ النَّدامة. وقَالَ: السكوت عن الأحمق جوابه. وقَالَ: من استطال عليك بذات يده وبخل بفضله، فلا أكثر اللَّه فِي النَّاس مثله. وقَالَ: الجود محبة، والبخل بُغْضَة. وقَالَ: من طلب إلى لئيم حاجة فهو كمن التمس السمك فِي المفازة. وقال: عِدَةُ الكريم مهنأة بالتعجيل، وعدة البخيل تسويف وتعليل. وقَالَ: الكريم مواسٍ لإخوانه، واللئيم يقطعهم عند سموّ أمره وارتفاع درجته. وقَالَ: استقل من الأعداء فقليلهم كَثِير، واستكثر من الأصدقاء فكثيرهم قليل.

وقَالَ يَوْم الكلاب: الرأي كَثِير، والحزم قليل. وكان يَقُولُ: أشبع جارك وأجع فارك- الفار: العضل- وقَالَ: القناعة أحد المالين. وقَالَ: خير الأخلاء الَّذِي يكتم سرك ويحفظ غيبك ويحسن مواساتك ويحتمل دالتك. وقَالَ: إِذَا صادقت وزير الملك فلا تخشى الملك. وقَالَ: من آخى الإخوان بالمكر كافأوه بالغدر. وقَالَ: الحسود يفرح بزلَّتك ويعيب صواب قولك وفعلك. وقَالَ: غُمَّ عَلَى الحسود أمرك تَسْلَم من مضرته لَكَ. وقَالَ: من صبر عَلَى سلعة سوء رأى سخنة عين. وقَالَ: من استطال عَلَى النَّاس بغير سلطان، فليصبر عَلَى الذل والهوان. وقَالَ: لا تحقر الفقير السَّريّ ولا تُعظمّ الغنى الدنيّ. وقَالَ: من أغضبتَهُ أنكرتَهُ، ومن عتبتَهُ عطفتَهُ. وقَالَ: من تَعرَّض لذي دولة انقلب بهزيمة، يعني الحرب. وقَالَ: النساء لحم عَلَى وَضَمْ إلا من ذَبَّ عَنْهُ منهن. وقَالَ: ربما قطع السفيه مودة لم تزل، وكسب عداوة لم تكن. وقَالَ: حَمْل المروءة ثقيل، ومؤونتها شديدة. وقَالَ: خذلان الجار لؤم، ورجال الشدة قليل، ومن كافأ بالثناء فقد أبلغ فِي الجزاء. وقَالَ: أحقّ ما صبرت عليه مالا بدّ به.

وقَالَ: جرائر الصمت أيسر من جرائر الكلام. وَقَدْ روى النَّاس عن أكثم أشياء يُقال إنها لغيره، وهي منسوبة إِلَيْه، وفيما ذكرنا مما توخينا تصحيحه عَنْهُ كفاية. ومنهم: عوف. والقعقاع ابنا صفوان بْن أسيد بْن الحلاحل بن أوس بن مخاشن بن معاوية بن شريف بْن جروة. وَيُقَال ابْنُ مخاشن بْن جَهْوَر بْن غويّ بْن سلامة. قَالَ ابْنُ الكلبي: وولد غويّ بْن سلامة بْن جروة: ربيعة بْن غويّ. ونوفل بْن غويّ. ونفيل بْن غوي. وحبثر بْن غوي. ووقدان بْن غوي. منهم: عَمْرو بْن نوفل الَّذِي أغار عَلَى بني حنيفة باليمامة، فقتل جابرًا، ووهبًا ابني عُبَيْد، فَقَالَ أوس بْن حجر. عَلَى ابني عُبَيْد قَدْ تركناه ينتحي ... على نافذ فِي صدره غير ناصل [1] وكان عَمْرو رئيسًا يَوْم طُحَيْل حين أغارت يشكر عَلَى بني عَمْرو بْن تميم. ومنهم: ربعيّ بْن عامر بْن خَالِد بْن لأي بْن وقدان، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِر: ألا ربما يُدعى الفتى ليس بالفتى ... ألا إن ربعيَّ بْن كاس هُوَ الفتى وكاس: أَمَةٌ وإليها ينسب، وكان عليّ كتب إلى عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمْ وهو عامله بالبصرة يأمره أن يوجِّه إلى سجستان رجلًا صارمًا عاقلًا فِي أربعة آلاف، فوجه ربعي بْن الكاس فِي أربعة آلاف، وخرج معه الحصين بْن أَبِي الحرّ مالك بْن الخشخاش العنبري، وبعث على مقدمته

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

باب بْن ذي الجرة الحميري، واسم باب عَبْد الرَّحْمَن، فلما ورد ربعي سجستان حاربه حسكة بْن عتاب الحبطي، وعمران بْن الفضيل البرجمي، فظفر ربعي وضبط البلد، فيقال إنه قتل حسكة، وَيُقَال إن حسكة هرب فَقَالَ راجزهم: نَحْنُ الَّذِينَ اقتحموا سجستان ... عَلَى ابْنُ عتّاب وجند الشيطان إنا وَجَدْنَا فِي مُنير الفُرْقَان ... ألا نُوالي شيعة ابْن عفان وقَالَ بعض أصحاب حسكة حين قدم ربعي: نَحْنُ الَّذِينَ بايعوا ابْنُ عتّاب ... ولم نُسَلِّم مُلْكَهُ إلى باب دون ضراب كصريف الأنياب ومن بني أُسَيّد سَنَّة بْن خَالِد بْن أُسَيّد بن صرد بن سلامة بن غوي كان رئيسًا مغيرًا، أغار عَلَى بني حنيفة باليمامة فَسَبَى وغنم، وشهد يَوْم طحيل، وكانت المرأة من بني يشكر إِذَا عثرت قَالَتْ: تعس أسَيد وفقدت سَنَّة السيّد، وكانت المرأة من بني أسيد إِذَا عثرت قَالَتْ: تعس غُبَر وفُقدت البقر. ومنهم: حُجَيْر بْن عُمَيْر بْن مرثد بْن شيطان بْن أنمار بْن صُرد بْن سلامة بْن غويّ، كَانَ شاعرًا. ومنهم: صفوان بْن صفوان أول قاتل قَتَل فِي اللَّه بعد الهجرة، قتل الحارث بْن أَبِي هالة. ومنهم: صفوان بْن مالك بْن صفوان، كَانَ من خيار المسلمين المهاجرين رضوان اللَّه تَعَالى عليهم أجمعين. ومنهم: الحكم بْن يزيد بن عمير بن عبد الله بن مرثد بْن شيطان بْن

ومنهم: عمر بن يزيد بن عمير بن عبد الله بن مرثد بن شيطان بن أنمار، أخو الحكم بن يزيد،

أنمار، كَانَ عامل ابْنُ هبيرة عَلَى كرمان، فقتله بها تميم بْن عُمَر التيمي- تيم اللات- بْن ثعلبة بْن عكابة. حَدَّثَنِي المدائني قَالَ: كَانَ الحكم بْن يزيد بْن عمير يكنى أبا عتاب، وكان سخيًا لسنًا خطيبًا شجاعا، وكان مثلا لا يقوم، وكان بخراسان فولي لنصر بْن سيار قَهستان، ووفد إلى هشام بْن عبدِ الملك، وإلى الوليد بْن يزيد، فأثنى عَلَى نصر، وقدم عَلَى يُوسُف بْن عُمَر فصرفه ورده إلى البصرة أيام ابْنُ سهيل، وكان رأسًا من رؤساء بني تميم لا يستغنى عن رأيه، وكان يشهد القتال فِي عدة من أصحابه ومواليه، ثُمَّ وفد إلى يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة فولاه كرمان، فلم يزل بها حتَّى بعث إِلَيْه أَبُو مُسْلِم تميم بْن عَمْرو التيمي- تيم ربيعة بْن نزار- فخرج إِلَيْه الحكم فقاتله: فهزم تميمًا، فلما هزمه قلب تميم فرسه، وهو يَقُولُ: الأمان، فلما دنا منه وأصحابه يظنون أَنَّهُ مستأمن غدر بِهِ فضربه ضربة فقتله، فلما قُتل الحكم ثاب إلى تميم أصحابُه، وله عقب بالبصرة وَقَدْ ولي ولده لصلبه الولايات، وكان أَبُو بَكْر أحد ولد الحكم بْن يزيد شاعرًا راوية، فَقَالَ لَهُ رؤبة بْن العجاج: لقد خشيتُ أن يكون ساحرًا ... راوية مرَّا وَمرًّا شاعرًا [1] ومات بالبصرة. ومن ولده أيضًا أَبُو حُلوة، كَانَ لَهُ قدر بالبصرة وهيئة، وبها مات، وله عقب. ومنهم: عُمَر بن يزيد بن عمير بن عبد الله بْن مرثد بْن شيطان بْن أنمار، أخو الحكم بْن يزيد، ويكنى عُمَر أبا حَفْص، وكان خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري ولي الشرطة والأحداث بالبصرة مالك بْن المنذر بْن الجارود، فصلى

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

مالك فِي ثوب رقيق فَقَالَ لَهُ البتيّ: لا تصلِّ فِي ثوب رقيق فضربه عشرين سوطًا، وبعث مالك إلى الْحَسَن: لئن جلست في مجلسك لأضربنّك ثلاثمائة سوط، فَقَالَ: يكفيني منها سوطان وجلس فِي بيته. وكان بين مالك بْن المنذر وبين عُمَر بْن يزيد صداقة فيما يظهر عُمَر ففسدت، لأن عُمَر وشى بِهِ بالكوفة إلى عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن عامل عُمَر بْن عَبْد العزيز حتَّى أزعجه من عنده، ووشى بِهِ إِلَى الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك حتَّى أزعجه، ثُمَّ وشى بِهِ إلى مسلمة بْن عَبْد الملك فلم يقبل قولُه فِيهِ، فلما رَأَى عُمَر أن مسلمة لا يقبل منه صالَحَ مالكًا، فلما ولي مالك أحداث البصرة ذكر عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز فنفاه من أَبِيهِ، وعنده حينئذ عمر بن يزيد، وحفص بن عمر بن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر الْقُرَشِيّ وغيرهما، فأتى عُمَر بْن يزيد عَبْد الأعلى فأبلغه ما قَالَ مالك بْن المنذر فِيهِ وقَالَ: أَنَا أشهد لَكَ عَلَيْهِ، فشخص عَبْد الأعلى إلى خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري، وشخص معه عُمَر بْن يزيد، وحفص بْن عُمَر بِنْ مُوسَى فشهدا عَلَى مالك بما سمعا من مالك، فكذبهما خَالِد وتهددهما، وحبس عُمَر بن يزيد عنده، ودس لَهُ شهودًا شهدوا أَنَّهُ شارب خمر فضربه حَدًّا وَحَدرَه إلى مالك، فضربه بالسياط حتَّى وقذه وأثخنه، ثُمَّ أمر بِهِ فحمل إلى السجن فلويت عنقه فمات، وادعى أَنَّهُ مَصَّ خاتمه أنفة فمات، وإنما أشاع عَلَيْهِ ذَلِكَ أصحاب مالك، فلما مات عُمَر بْن يزيد تنمرت بنو تميم وغضبت ربيعة، وحدبت ربيعة عَلَى مالك وتعصبت واشرأب الفريقان لفتنة، فكفوا عَنْهَا. وحدَّثني عُمَر بْن شبَّة عن أَحْمَد بْن معاوية عن المنتجع قَالَ: دخلت

عَلَى عُمَر بْن يزيد بْن عمير السجن فَقَالَ: ما فَعَلَتْ داري؟ قلت: هُدمت. قَالَ: فَنَخْلي؟ قلت: قُطع، قَالَ: ما أهون ذَلِكَ عليَّ إن سلمتْ نفسي. وكان الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن يَقُولُ: قَتَل مالك عُمَر بْن يزيد، قُتل شهيدًا. وكان مالك شاور بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وعمرو بْن مُسْلِم الباهلي فِي أمر عُمَر، فَقَالَ لَهُ بشير: إن قَتَلْتَه قتلت عصفورًا، وإن تركته تركت أسدًا، وقَالَ لَهُ عَمْرو: اقتله تسترح من شره. فَقَالَ الفرزدق: لله قومًا شاركوا فِي دمائنا ... وكنا لَهُمْ عونًا عَلَى العثراتِ فجاهرنا بالغش عَمْرو بْن مُسْلِم ... وأوقد نارًا صاحب النكرات [1] وقَالَ الفرزدق: يا آل تميم ألا لله أمكم ... لقد رُميتم بإحدى المصمئلات [2] فاستشعروا بثبات الذل واعترفوا ... إن لم ترعوا بني أفصى بغارات أَوْ تقتلوا بفتى الفتيان قاتله ... أَوْ تستباحوا جميعًا غير أشتات لله در فتى راحوا بِهِ أصلًا ... مهشم الوجه مكسور الثنيات [3] وكانت عاتكة بِنْت الملاءة امْرَأَة عُمَر بْن يزيد، فخرجت وخرج معها رجال بني تميم إلى هشام، فأمر هشام بحمل مالك إِلَيْه فحمل فأغلظ لَهُ هشام وأمر بحبسه، فمات فِي السجن، فيُقال إن القيسية دسوا إِلَيْه من قتله، وَقَدْ كتبنا خبره تامًا فِي أخبار هشام. ومنهم أوس بْن حجر بن عتاب بن عبد الله بن عدي بْن نمير بْن أُسَيْد، شاعر مضر، حتَّى نشأ زُهَيْر بْن أَبِي سلمى المزني.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 116. [2] المصمئلات: الدواهي. [3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 107- 108 مع فوارق.

ومنهم: حسَّان بْن سعد، الَّذِي بنى منارة بني أُسَيْد بالبصرة، وكان شريفًا يلي الأعمال، وله يَقُولُ الشَّاعِر: إِذَا ما كنت متخذًا خليلًا ... فخالل مثل حسان بْن سعد فتى لا يرزأ الإخوان شيئًا ... ويرزؤه الخليل بغير كَدِّ وَيُقَال إن ابنه بناها وهو محمد بن حسان. ومن ولد أسيد: الكلب بن عمرو بْن عامر الشَّاعِر. وقَالَ أَبُو اليقظان: من بني أسيد: صبرة بْن جرير، ويكنى أبا حاضر، وكان أَبُوهُ مَعَ زياد حين لجأ إلى داره صبرة بْن شيمان الْأَزْدِيّ، فسماه صبرة باسمه، وكناه بكنيته، وكان ابْنُ شيمان يكنى أبا حاضر، وكان أَبُو حاضر أجمل بني تميم، وله يَقُولُ الأبيرد الرياحي: أبا حاضر ما بال ثوبيك أصبحا ... عَلَى ابْنَة فَرُّوخ رداء ومئزرا أبا حاضر من يَزْنِ يُعْرَف زناؤُه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا فروخ: مَوْلَى لبني الحارث بْن كعب، وكان أَبُو حاضر مَعَ الحجاج برستقاباذ وولاه بعد ذَلِكَ اصطخر ثُمَّ غضب عَلَيْهِ فقتله وكان جُفريًا. فولد أَبُو حاضر: سالمًا. وحاضرًا، وأمهما ابْنَة غيلان بْن خرشة الضبي. فأمَّا سالم فكان خطيبًا، وفد إلى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك حين ولي الخلافة، فقام بخطبة قرظه فيها، ولعن الحجاج وذم سيرته، فَقَالَ سُلَيْمَان، لعن اللَّه الحجاج، ثُمَّ أقبل يريد البصرة فمات فِي طريقه. وأمَّا حاضر بْن أَبِي حاضر فكان ممن خالف يزيد بْن المهلب، فقتله معاوية بْن يزيد بواسط، وله عقب بالبصرة.

ومنهم: ما عز بْن مالك، كَانَ زاهدًا. ومنهم: هارون بْن رئاب كَانَ فاضلًا ولا عقب لَهُ. ومن بني أسيد: مَرثد بْن صُرَد، أسلم وتوجه نحو البصرة: فمات فِي الطريق، وتوجه ابنه قطن إلى الكوفة فعقبه بها، وصار عَبْد اللَّه بْن مرثد إلى البصرة. فولد عَبْد اللَّه: عميرًا. فولد عمير: يزيد بْن عمير، وكان يزيد يكنى أبا الخطاب وكان ذا قدر، ولاه الحجاج شرط البصرة وولاه ولايات ثُمَّ حبسه فَقَالَ الفرزدق. وإن تميمًا إن تخلصتَ سالمًا ... من السجن لم تُخْلَق صغارًا جدودها وكم نَذَرَت من صوم شهرِ وحجةٍ ... نساءُ تميم إن أَتاها يَزيدُها [1] فولد يزيد: عُمَر بْن يزيد، وأم عُمَر فكانت عند عَبْد اللَّه بْن أَبِي عثمان الْقُرَشِيّ. وأمَّا أم الحكم فكانت عند عروة بْن هشام بْن عروة بْن الزُّبَيْر بْن العوام، وأمَّا عُمَر بْن يزيد فقتله مالك بْن المنذر، فحبسه هشام لذلك فمات في حبسه، وكان هشام يَقُولُ: لقد قتله مالك صبيحًا فصيحًا. وأمَّا أَبُو حلوه فكان لَهُ قدر ومات بالبصرة. ومنهم حسان بْن سعد الَّذِي قَالَ فِيهِ سحيم بن الأعرف الهُجمي: إلى حسان من أطرار [2] نجد ... جلبنا العيس ننفخ فِي براها [3] فما جئناك من عُدْم ولكن ... يهشُّ إلى الإمارة من رجاها

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 168. [2] أي من وديان. القاموس. [3] البرة: حلقة في أنف البعير. القاموس.

نَعُدُّ قرابة ونَعُدُّ صهرًا ... ويَسْعَدُ بالقرابة من رعاها وله عقب بالكوفة. ومنهم بنو سنة، ولهم بقية بالبادية. ومنهم الأبلق، وكان طبيبًا كاهنًا فداوى ذا الرمة فَقَالَ فِيهِ: أعبد أسيديٍّ عَلَيْهِ علامة ... من اللؤْم لا تخفي عَلَى من توسَّما يداويك من شكواك أم ربك الَّذِي ... شفى كرب أيام النباج [1] وأنعما [2] وقَالَ فِيهِ الفلتان الدارمي: هُوَ الأبلق الأسيدي مُبَرّأٌ ... فولدي من حُبّى حواري بني بدر ومرضت أم غيلان بِنْت جرير بْن عطية، فداواها فزوجها مِنْهُ، فَقَالَ الشَّاعِر: أخزيتَ نفسكَ يا جرير وشنتها ... وجعلت بنتك بسلة للأبلق البسلة: كراء الراقي، يُقال أعطاه بَسْلة. ومرض جرير فَقَالَت أم غيلان للأبلق: قل لجرير إن أم حكيم أم ولدك سحرتك، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فغضبت أم حكيم وقالت لجرير: والله لا أرضي أَوْ تهجوه فَقَالَ: يا أبلق السِّحْر إن النَّاس قَدْ علموا ... أنَّ المهاجر يَجْزِي كل كذاب لو كنت أمَّرْتُ ذا عقل فأرشدني ... يَوْم السقيفة ما دَنَّسْتُ أثوابي أَوْ كنت صاهرتُ إن الصهر ذو نسب ... فِي مازنٍ أَوْ عديٍّ رهط منجاب [3] فقال الفرزدق:

_ [1] بهامش الأصل: النباج: أرض. [2] ليسا في ديوان ذي الرمة المطبوع. [3] ليست في ديوان جرير المطبوع.

عَلَامَ لُمْتَ التي أقبلت تحملها ... حتَّى اطَّلَعْتَ بها اسكفَّةَ الباب كلاهما حين جَدَّ الجَرْيُ بَيْنَهُما ... قَدْ أقلعا وكلا أنفيهما راب [1] ويزعمون أن أبلق قدم البصرة فَقَالَ لقومه: ليضمر لي من شاء منكم شيئًا لأخبره بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن يزيد: قَدْ أضمرت لَكَ وأضمر است أم الأبلق، فَقَالَ لَهُ: ما كنت أظنك تضمر لي مثل هَذَا، وأخبره بِهِ. قَالَ: وكان من بني أُسَيِّد بخراسان: مُحَمَّد بْن قطن، وله بخراسان عقب. وقَالَ المفضل الضبي: أَوْس بن حجر بْن عتاب بن عبد الله بن عدي بن نمير بْن أُسَيِّد: بينا أوس بين شرج وناظرة [2] إذ سقط فانكسرت رجله، وإذا جوارٍ من بني أسد فيهن حليمة بِنْت فضالة بْن خَالِد الأسدي، فأعطاها حجرًا وقَالَ قولي لأبيك: يَقُولُ لَكَ ابْنُ هَذَا ائتني فأتاه وآواه حتَّى صلح، وخدمته ابنته فذكرها فِي شعره، ورثى فضالة حين مات. تم نسب ولد الياس بن مضر

_ [1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع. [2] شرج وناظرة ماءان لعبس، وقيل غير ذلك. معجم البلدان.

ولد الناس بن مضر:

بسم الله الرحمن الرحيم نسب قيس ولد النَّاس بْن مضر: قيس بْن النَّاس. ودُهْمان بْن النَّاس، وهم أهل بيت فِي قيس، وأمهما الشقيقة بِنْت الغافق بْن الشاهد بْن عك. وحَضَن عَيْلان وهو عَبْد كَانَ لمضر عَلَى النَّاس فسُمي النَّاس بِهِ، فقيل قيس عيلان وإنما هُوَ قيس بْن النَّاس، وَيُقَال بل حضن عيلان قيسًا، فقيل قيس بْن عيلان، وقيس عيلان [1] . فولد قيس بْن عيلان: سعد بْن قيس. وخصفه بْن قيس. وعمرو بْن قيس، وأمهم عمرة بِنْت الياس بْن مضر. وولد سعد بْن قيس: غَطَفان بْن سعد. ومنبه بْن سعد وهو أعصر وإنما عصّره بيت قاله وهو: قالت عميرة ما لرأسك بعد ما ... نفد الشباب أتى بلون منكر أعميرُ إن أباك غيَّر لونه ... مَرُّ الليالي وأصِّلاف الأعصر قَالَ ابْنُ الكلبي: وأعصر يسمى دخانًا، فيقال لغنيّ وباهلة: ابنا دخان.

_ [1] بهامش الأصل: تم بلغ العرض بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله كل حمد.

ريث بن غطفان.

وقَالَ هشام ابْنُ الكلبي: حَدَّثَنِي رَجُل من غني يُقال لَهُ طارق بْن حمزة قَالَ: كَانَ رَجُل من ملوك اليمن فِي أول الزمان يغير عَلَى معدّ وكان مسورًا، فأغار عليهم ثُمَّ انتهى بجمعه إلى كهفٍ، فدخل فِيهِ ومن معه، وتبعه بنو معد فجعل منبه يدخن عليهم فسمي دخانًا، فهلك الملك وأصحابه، وفي ذَلِكَ يَقُولُ مَنْصُور بْن عكرمة بْن خصفة: إنا وجدنا أعصر بْن سعد ... متمم البيت رفيع المجد أهلك ذا الأسوار عن معد وأم غَطفان تكمة بِنْت مُرّ بْن أدّ بْن طابخة، وأخوه لأمه سُلَيم. وسلامان ابنا مَنْصُور بْن عكرمة. فولد غطفان: ريث بْن غطفان. وعبد اللَّه بْن غطفان، وهو عَبْد العزى. قَالَ ابْنُ الكلبي: وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من أنتم» ؟ قَالُوا: نَحْنُ بنو عَبْد العزى. قَالَ: «بل أنتم بْنو عَبْد اللَّه» . وأمهم أُسيلة بْنت عكابة بْن مصعب بْن عليّ بْن بَكْر بْن وائل. فولد ريث بْن غطفان: بغيض بْن ريث. وأشجع بْن ريث. وحرب بْن ريث. وأهون بْن ريث، وَيُقَال لبقيتهم بنو مالك بْن أمة بْن أهون وهم مَعَ بني ثعلبة بْن سعد بْن قيس. ومنهم: مُحَمَّد بْن جبلة بْن أُهبان، كَانَ من أشراف أهل الشام. ومازن بْن ريث وهم مَعَ بني شمخ بْن فزارة، وأمهم ريطة بِنْت لجيم بْن صَعب بْن عَلِيِّ بْنِ بَكْر بْن وائل. فولد بَغيض: ذبيان بْن بغيض. وأنمار بْن بغيض. وعامر بن

سعد بن ذبيان.

بغيض، وأمهم المفدّاة بنت ثعلبة بْن عكابة. وعبس بْن بغيض وأمه ضحام- وهي الخشناء- بِنْت وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْن الحاف بْن قضاعة، وهي أم ضبة بْن أدّ، وأم الحارث بْن كعب. فولد ذُبيان: سعد بْن ذبيان. وفَزارة بْن ذُبيان. واسم فزارة عَمْرو، فضربه أخ لَهُ ففزره فسمي فزارة، والفزر شبيه بالحدبة فِي الصدر والظهر. وهاربة بْن ذُبيان بطن مَعَ بني ثعلبة بْن سعد ولهم يَقُولُ بشر بْن أَبِي خازم الأسدي: ولم نغضب لمرَّة إذ تولوا ... فساروا سير هاربة فغاروا [1] وذلك لحرب كانت بينهم، فرحلوا عن غطفان فنزلوا فِي بني ثعلبة بْن سعد فعدادهم فيهم. وقال هشام ابن الكلبي: وهم قليل ولم أر هاربيًا قط وفيهم يَقُولُ حُصين بْن الحُمام: وهاربة البِقْعاء أصبح جمعهم ... أمام جموع النَّاس طرًّا مقدّما وكان يُقال: هاربة البَقْعاء. وعامر بْن ذبيان، وهم فِي بني يشكر عَلَى نسب، وهم رهط سويد بْن أَبِي كاهل الشَّاعِر، وَقَدِ انتمى سويد إلى غطفان. وسلامان بْن ذبيان، وهم فِي بني عبس عَلَى نسب، وَيُقَال لهم بنو ملاص، وأمهم هند بِنْت الأوقص بْن لجيم. قَالَتْ هند وهي ترقّص فزارة:

_ [1] ديوان بشر بن أبي خازم ص 72.

عوف بن سعد.

إن تشبه الأوقص أَوْ لجيمًا ... أَوْ تشبه الأحنف أو لُهَيما تشبه رجالًا يمنعون الضيما تُريد بالأحنف حنيفة بْن لجيم، وكان اسم حنيفة أُثال فالتقى هُوَ والأحوى بْن عوف العبدي، فضرب الأحوى رَجُل أثال فحنفه، فسمي حنيفة، وضرب أثال يد الأحوى فجذمها فسمي الأجذم [1] . فولد سعد بْن ذبيان: عوف بْن سعد. وثعلبة بْن سعد. وعبد بْن سعد، وهم أهل أبيات مَعَ بني مرة بْن عوف بْن سعد، وهم رهط الْعَبَّاس بْن سعد صاحب شرطة يُوسُف بْن عُمَر الثقفي بالكوفة، وأمهم هُجَيرة بِنْت عبس بْن بغيض. فولد عوف بْن سعد: مرة بْن عوف، وهم بطن. ودُهمان بْن عوف بطن مَعَ بني مرة، وأمهما مُليكة بِنْت حنظلة بْن مالك بْن زَيْد مناة. فولد مرة بْن عوف: غيظ بْن مرة، وفيه العدد. ومالك بْن مرة. وسهم بْن مرة، وأمهم سلمى بِنْت مالك بْن حنظلة. وصرمة بْن مرة. والصارد بْن مرة وهو سلامة. وعُصيم، وأمهم الراسبية بِنْت رشدان بْن قيس بْن جُهينة. وكان يُقال لرشدان بْن قيس غيّان «فسماهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني رشدان» . وخصيلة بْن مرة، وهو عَمْرو، وأمه من بلي، يُقال لها حَرْقفة، وسُمِّي خُصيلة لأن أمه بعثت إِلَيْه وهو يناضل فَقَالَ: بقيت خُصيلة فسمي خُصيلة، وَيُقَال إنها جاءت بخصيلة معها، ولدته من ابْنُ عم لها كانت عنده من بلي.

_ [1] بهامش الأصل: هو جذيمة.

نشبة بن غيظ.

فولد غيظ بْن مرة: نُشْبَة بْن غيظ. وعدي بْن غيظ. وأمهما أسماء بِنْت شُيَد بْن رزام بْن مازن بْن ثعلبة بْن سعد. ويربوع بْن غيظ وأمه من بلي. ومرة بْن غيظ. فولد نشبة: مرة بْن نشبة. وعبيد بْن نشبة. وعِمِّيت بْن نشبه. وزهير بْن نشبة. وقَمّاص بْن نشبة. ومعاوية بْن نشبة. وعمرو بْن نشبة. وربيعة بْن نشبة. فمن بني مرة بْن نشبة بْن غيظ بْن مرة بْن عوف: سنان بْن أَبِي حارثة بْن مرة بْن نشبة، وابنه هَرِم بْن سنان، الَّذِي مدحه زُهَيْر بْن أَبِي سلمى المزني فَقَالَ: إنَّ البخيل مَلُومٌ حيث كان ولك ... نّ الجوادَ عَلَى علَّاته هرم هُوَ الجواد الَّذِي يعطيك نائِلُهُ ... عفوًا ويظلم أحيانًا فَيُظَّلَمُ [1] فقالت عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لامرأة من ولده: ما الَّذِي كَانَ أبوك أنال زُهَيْر حتَّى مدحه، فقالت: كذا وكذا وأشياء نسيتُها، فَقَالَت: لكنه أبقى لكم ذكرًا لا يُنسى. وعوف بْن أَبِي حارثة، أغارت هَمْدَان ورئيسهم عَمْرو بْن كعب الأرحبي عَلَى بني مرة بذات الإصاد [2] ، فقتل عوف وأصاب منهم نهبًا فَقَالَ أَبُو سلمى وكان مقيمًا فِي بني مرة: وأيّ فتى حروب ضيعوه ... بشكته عَلَى ذات الإصاد وولوا هاربين بكل فج ... كأن خصاهم قطع المزاد

_ [1] شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 152. [2] ذات الإصاد: ردهة في ديار عبس وسط هضب القليب، وهضب القليب بنجد جبال صغار. معجم البلدان.

ومنهم يزيد بن سنان الشاعر.

وظلوا يأملون لقاء عوفٍ ... ودون لقائه خرط القتاد وكان سنان أَبُو هرم انطلق فنام تحت شجرة فلدغته حية فقتلته، فطلبه قومه فوجدوه ميتًا، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر: إنّ الرزيَّةَ لا رزيَّةَ مثلها ... ما تبتغي غطفان يَوْم أَضَلَّتِ إنّ الركاب لتبتغي ذا مُرَّةٍ ... بجنوب نخل إِذَا الشهور أُحلَّتِ وقاتل سنان فِي بني ذبيان بني عامر بساحوق [1] ، فهزم بني عامر، وأُصيب منهم رجال ركبوا الفلاة فهلكوا عطشًا، وخنق نفسه حكم بْن الطفيل أخو عامر بْن الطفيل جزعًا من الأسر. ومنهم يزيد بْن سنان الشَّاعِر. وخارجة بْن سنان، وفيه البيت، وإنما سُمِّي خارجة لأن أمه ماتت وهو فِي بطنها فَبُقر واستُخرج فسُمِّي خارجة، وسميت أمه البقيرة. وقَالَ بعضهم: سمي خارجة: بقير غطفان، لأنه استخرج من بطن أمه بعد ما هلكت فسمي بقيرا، وهو مَكْرُمان سمي بذلك لكرمه وهو القائل: أَمَا تَرِينيَ ما أَلْهُو إلى أحدٍ ... ولستُ مهتديًا إلا معي هادي فقد صَبَحْت سوام الحيّ مُشْعلة ... حربًا تَطَلَّعُ من غيب وانجاد [2] ثمّت أطمعت قِدري غير مُدَّخِرٍ ... أهل المحلَّة من جارٍ ومن جاد ومنهم الحارث بْن عوف [3] بْن سنان بن أبي حارثة، جاء الاسلام

_ [1] قال ياقوت في معجم البلدان: ويوم ساحوق، من أيام العرب. [2] بهامش الأصل: الغيب المنخفض، والنجد: المرتفع. [3] بهامش الأصل: الحارث بن عوف رحمه الله.

والحارث بْن عوف هَذَا سيّد بني مرة، وكان يكنى أبا أسماء، وهو صاحب الحمالة فِي حرب داحس بين عبس وذبيان، وقَالَ زهير: سعى ساعيا غيظ بن مرة بعد ما ... تبزل ما بين العشيرة بالدم [1] وقَالَ النابغة الجعدي: سعى ساعيًا غيظ بْن مرة بينهم ... سناء ومجدًا آخر الدهر باقيًا [2] يعني الحارث بْن عوف، وحصين بْن ضمضم بْن جَابِر بْن يربوع، فَقَالَ الشَّاعِر فِي الحارث: فأصلحها لهم حار بْن عوف ... فحملك فِي العشيرة لا يُعابُ فأسلم الحارث، وبعث معه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلًا من الأنصار فِي جواره يدعو قومه إلى الْإِسْلَام، فقتله رَجُل من بني ثعلبة يُقال لَهُ مزاحم بْن شِجنة، فبلغ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر فَقَالَ لحسان: «قل فِيهِ» ، فَقَالَ: يا حار من يغدر بذمة جاره ... منكم فإن محمدًا لا يغدر وأمانةُ المريّ ما استرعيته ... مثل الزجاجة صدعُها لا يُجْبَر إنْ تغدروا فالغدر منكم عادة ... والغَدرُ ينبت فِي أُصولِ السَّخْبَرِ [3] فبعث الحارث يعتذر، وبعث بدِيةِ الرجل سبعين بعيرًا فقبلها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفعها إلى ورثته، وَيُقَال إن الرجل من غير الأنصار، وفيه يَقُولُ الفزاري: يا حار قَدْ عَجَلَتْ عليكَ منيّة ... فالحمد زادك قد فعلت لتحمدا

_ [1] شرح ديوان زهير ص 14. [2] ليس في ديوان النابغة الجعدي المطبوع. [3] ديوان حسان ج 1 ص 137.

ومنهم: الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خليفة بن سنان بن أبي حارثة،

ولقد تركت رجال صدق سادةً ... ولأنتَ بعد اللَّه كنتَ السيِّدا الحارث الوهَّاب أمسى قبره ... قبرًا بمسهكة [1] الرياح مُشَيَّدا ومن ولد الحارث: الصقر بْن جيدب كَانَ واليًا بالشام لمروان بْن مُحَمَّد الجعدي. ومنهم: الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن الحارث بْن خليفة بْن سنان بْن أَبِي حارثة، ولي خراسان والسند، وكان جوادًا، استعمله هشام عَلَى خراسان سنة اثنتي عشرة ومائة، فلقي الترك فحاربهم وظفر بابن ملكهم. وكانت لَهُ مغازٍ. وفي ولايته انتشرت دعاة بني هاشم ... وقوي أمرهم، ومات الجنيد بمرو فَقَالَ فِيهِ الشَّاعِر: ذهبَ الجُودُ والجنيد جميعًا ... فعلى الجود والجنيد السَّلام وقبل ذَلِكَ ما ولي الجنيد فِي أيام يزيد بْن عَبْد الملك ثغر السند من قبل عُمَر بْن هبيرة، فغزا الكرج، فاتخذ كباشًا نطاحة من خشب، فهدم أسوارها وأصاب غنائم كبيرة منها ومن غيرها، وفيه يَقُولُ جرير بْن عطية: أصبح زوار الجنيد وصحبه ... يُحَيُّون صَلْتَ الوجه جَمًّا مواهبه [2] وقَالَ أَبُو الجويرية: لو كَانَ يقعدُ فوقَ الشَّمْس من كرم ... قوم بأحسابهم أَوْ مجدهم قعدوا مُحَسَّدُون عَلَى ما كَانَ من كرم ... لا ينزع اللَّه منهم ما له حسدوا

_ [1] سهكت الريح التراب عن الأرض: أطارته، وريح ساهكة ومسهكة: عاصفة شديدة. القاموس. [2] ديوان جرير ص 48.

ومنهم: خريم بن عمرو بن الحارث بن خليفة،

وحدثني المدائني أن الجنيد أعطى زواره بالسند أربعين ألف ألف درهم. ومنهم: خُريم بْن عَمْرو بْن الحارث بْن خليفة، الَّذِي يُقال لَهُ خُريم الناعم، وكان يلبس فِي الصيف الخُلْقان، وفي الشتاء الجُدُد. ومن ولده: أَبُو الهَيْذام، وهو عامر بْن عمارة بْن خريم، وهو الَّذِي قتل أهل اليمن بالشام بالعصبية، وهو القائل لأمير المؤمنين المنصور وَقَدْ قَالَ لَهُ: ما بالك لا تسألني حوائجك: والله ما أخاف بُخْلَكَ ولا أستقصر عمرك. وكان أخوه عثمان بْن عمارة بْن خريم ولي أرمينية وآذربيجان للمهدي، وولي سجستان لأمير المؤمنين الرشيد. ومنهم شبيب بْن مزيد [1] بْن جَمْرَة بْن عوف بْن أَبِي حارثة الشَّاعِر، وكان ينسب إلى أمه فيقال شبيب بْن البرصاء، وكانت أدماء فسُمِّيت برصاء بلا برص. قَالَ ابْنُ الكلبي: هَذَا مقلوب من كلامهم، كما يقولون للمهلكة: مفازة. وأشباه ذَلِكَ، واسمها أمامة بِنْت الحارث بْن عوف. وذكر الكلبي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبها إلى أبيها فَقَالَ: إن بها برصًا، وهو كاذب ليدفعه عَنْهَا، فلما رجع إلى قُبَّته وجدها برصاء. ولشبيب عقب بالبادية. ومنهم: عُبيد بْن نشبة بْن مرَّة بْن غيظ بْن مرة، وهو أَبُو الخريف الفاتك، الَّذِي علَّم الحارث بْن ظالم الفتاكة، وكان أبو الخريف أتى نشبة

_ [1] بهامش الأصل: شبيب بن البرصاء الشاعر.

ومنهم: بكير بن المغيرة،

أباه، وكان فاتكًا فَقَالَ: يا أبه علَّمني الفتاكة، فَقَالَ: إِذَا هَمَمْتَ فافعل، ثُمَّ عاد إِلَيْه فَقَالَ: علمني يا أبه الفتاكة، فضربه بالسيف فجرحه وقَالَ: يا بنيّ هَذِهِ الفتاكة. فأتى الحارث بْن ظالم أبا الخريف بعد ذَلِكَ فَقَالَ: علمني الفتك فَقَالَ لَهُ: إِذَا هممت فافعل، ثُمَّ عاد إِلَيْه فَقَالَ: علمني الفتك فشدَّ عَلَيْهِ بالسيف فهرب من بين يديه، فَقَالَ: مالك؟ فَقَالَ: هَذَا الفتك الَّذِي سَأَلت عَنْهُ. ومنهم: بُكير بْن المغيرة، وكان يهاجي عقيل بْن علفة. وولد يربوع بْن غيظ: جَابِر بْن يربوع. وجذيمة بْن يربوع. ورياح بْن يربوع وأمهم عمرة بِنْت بَهز، وهو تيم بْن امرئ القيس بْن بهثة بْن سُلَيْم بْن مَنْصُور. وقِتال بْن يربوع وأمه مزنيَّة. فمن بني يربوع بْن غيظ بْن مُرَّة: النابغة الشَّاعِر [1] ، وهو زياد بْن معاوية بْن ضباب بْن جَابِر بْن يربوع، ويكنى أبا أمامة. وقَالَ ابْنُ هبيرة الفزاري: ما يمنعني من قول الشعر ألا أكون قادرًا عَلَيْهِ لو أردته، لكني رَأَيْته وضع النابغة الذبياني، وكان سيد غطفان. حَدَّثَنِي أَبُو الوليد الكناني قَالَ: تذاكر جلساء النعمان بْن المنذر عنده الشعر والشعراء، فَقَالَ رَجُل منهم: لقد نبغ فِي بني ذبيان شاعر قلّما سمعت كشعره، فسمي النابغة، واسمه زياد، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر: تأَمَّلَ طيرةً سَفَهًا زيادٌ ... لتخبره وما فيها خبير تَعَلَّمْ أنَّ طير السوء تَغْرِي ... بزاجرها وذلكُمُ الثبور وروى بعضهم أَنَّهُ سُمّي النابغة بقوله:

_ [1] بهامش الأصل: النابغة الشاعر الذبياني.

وحلت فِي بني القين بْن جسر ... فقد نبغتْ لنا منهم شؤون [1] والأول أثبت. قَالَ وبعث النعمان إِلَيْه فسامره، ثُمَّ إن رجلًا من بني قريع وشى بِهِ إلى النعمان وأخبره أَنَّهُ يُشَبِّبُ بالمتجردة جاريته، ونحله هجاء لَهُ، فهرب النابغة وجعل يَقُولُ الشعر فِي الاعتذار إلى النعمان ويكذب الواشي بِهِ فمن قولُه: ما إن بديتُ بشيء أنت تكرهه ... إذًا فلا رفعتْ سوطي إليَّ يدي [2] ومنه قولُه: لئن كنتَ قَدْ بُلِّغْتَ عني خيانة ... لَمُبْلِغُكَ الواشي أَعَقُّ وأكْذَبُ حَلَفْتُ فلم أترُكْ لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب [3] قَالَ: وقَالَ عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، أَشْعَرُ شعرائكم الَّذِي يَقُولُ: حَلَفْتُ فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب وقَالَ أيضًا: لعَمَرْي وما عُمْري علي بهين ... لقد نطقت بطلا علي الأقارع أتاكَ بقول لَهْلَهٍ [4] نَسْجُ كاذبِ ... ولمْ يأت بالحقِّ الَّذِي هُوَ ساطع [5] وقَالَ أَبُو عدنان السلمي حَدَّثَنِي أَبُو عبيدة عن أَبِي عَمْرو قال كان النابغة قال:

_ [1] ديوان النابغة الذبياني ص 126. [2] ديوان النابغة الذبياني ص 36. [3] ديوان النابغة الذبياني ص 17. [4] لهله الثوب: هلهله. القاموس. [5] ديوان النابغة الذبياني ص 80- 81 مع فوارق كبيرة.

زعم البوارح أنَّ رحلتها غدًا ... وبذاك خَبَّرَنَا الغُراب الأسود [1] فدخل الحجاز: فعيب عَلَيْهِ ذَلِكَ، حتَّى سَمِعَ البيت يُغني بِهِ فلما مُدِّدَ عرف أَنَّهُ مُقْوٍ فَغَيَّرَه فَقَالَ: وبذاك ينعاب الغراب الأسود وقَالَ ابْنُ الأعرابي عن المفضّل الضبي: كَانَ من حديث النابغة وبدء غضب النعمان عَلَيْهِ أَنَّهُ كانت عند النعمان المتجردة، وكان النعمان قصيرًا، قبيح الوجه، دميمًا أبرش، وكان ماردًا، وكان النابغة أحد جلسائه ومن يسمر عنده، ورجل آخر من بني يشكر يُقال لَهُ المنخل، وكان جميلًا يُتَّهَمُ بالمتجردة، ويُقال أن ابْنَيِ النعمان منها إنَّما هُما من المنخل، وهو القائل: ولقد دخلتُ عَلَى الفت ... اة الخدرَ فِي اليوم المطير. فدفعتُها فتدافَعَتْ ... مَشْيَ القطاة إلى الغدير فزعموا أن النعمان قَالَ يومًا وعنده المتجردة والنابغة: صِفْهَا فِي شعرك يا نابغة، فَقَالَ قصيدته التي أولها: أَمِنْ آلِ مَيَّةَ رائح أو مُغْتَدِ........ [2] فَقَالَ المنخل: ما يستطيع أن يَقُولُ هَذَا الشعر إلّا من ذاق أَوْ جَرَّبَ، فَوَقَرَ ذَلِكَ فِي نفس النعمان، ثُمَّ إن قومًا من بني قريع أخبروا النعمان أن النابغة يصف المتجردة، ويذكر منها ما هُوَ مكتوم. وكان للنعمان بواب يُقال لَهُ عصام بْن شَهْبَر، جَرمي فأتى النابغة فَقَالَ لَهُ إن النعمان موقع بك فهرب النعمان إلى غسان بالشام، فكان فيه ومدحهم بقصيدته التي يقول فيها:

_ [1] ديوان النابغة الذبياني ص 38 مع فوارق. [2] الشطر الثاني لهذا البيت: عجلان ذا زاد وغير مزود. ديوان النابغة الذبياني ص 38.

كِليني لِهَمٍّ يا أميمة ناصب.......... [1] وفيها يَقُولُ: حوت بها غسان إِذَا كنت لاحقًا ... بقومٍ وإذ عَيَّتْ عليَّ مذاهبي [2] وَقَدْ كَانَ النابغة أتى غسان قبل ذَلِكَ عند قتل المنذر أَبِي النعمان بْن المنذر يَوْم عين أباغ، إذ طعنه شمر بْن عَمْرو الحنفي، وَقَدْ ذكرنا خبره يَوْم عين أباغ فِي كتابنا هَذَا، فكلم النابغة الحارث بْن أَبِي شمر في أسارى بني أسد واستشفع بالنعمان بن الحارث بن أبي شمر فأُطلقوا. وكان حسان بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ يحدث قَالَ: لما بلغني زحف المنذر إلى الحارث بْن أَبِي شمر وإيقاعه بِهِ، قَدِمَتْ عَلَيْهِ أهنئه فوجدتُ عنده رجلين فأنشد أحدهما: كليني لِهَمٍّ يا أميمة ناصب...... حتَّى أتى عليها، ثُمَّ أنشده بعده رَجُل كَانَ على يساره. طحى بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عَصْر حَانَ مشيب [3] فاستنشدني فهبت ذَلِكَ لما سمعت من جودة شعرهما، فقال: يا بن القريعة إن كنت منشدًا فأنشد فأنشدته. أسألت رسم الدار أم لم تسأل....... [4] لما خرجت من عنده سَأَلت عن الرجلين فقيل: الأول النابغة والثاني علقمة بْن عبدة، فأُعطي علقمة أخاه شأس بْن عبدة، وكان أسيرًا، وقوم

_ [1] الشعر الثاني هذا البيت: وليل أقاسمه بطيء الكواكب. [2] ديوان النابغة الذبياني ص 9- 13. [3] ديوان علقمة الفحل- ط. حلب 1969 ص 33. [4] الشطر الثاني هذا البيت: بين الجوابي فالبضيع فحومل. ديوان حسان ج 1 ص 74.

يظنون أن هَذَا فِي يَوْم حليمة وذلك غلط، ألا ترى أن النابغة قَالَ: تخيرت من أزمان يَوْم حليمة ... إلى يَوْم قَدْ جرّ بن كل التجارب [1] وقوم يزعمون أَنَّهُ جرى بين حسان والنابغة كلام فَقَالَ لَهُ حسان: أَنَا أشعر منك. فَقَالَ: كذبتَ لأنك لا تُحْسِنُ أن تَقُولُ مثل قولي: أتاركة تدللها قطام........ [2] ومدح النابغة عصام بْن شهبر فَقَالَ: نفس عصام سَوَّدَتْ عصامًا ... وعلَّمَتْهُ الكَرَّ والإقداما وجعلته ملكًا هماما [3] وَيُقَال إن الشعر لغير النابغة. وبلغ النابغة أن النعمان ثقيل من مرض أشفى مِنْهُ عَلَى الموت، وكان يُحْمَل فِي مرضه ذَلِكَ عَلَى سرير فيما بين قصوره، فَقَالَ: ألم أُقْسِمْ عليك لتخبرنيِّ ... أمحمولٌ عَلَى النعش الهمام فإني لا أُلام عَلَى دخولٍ ... ولكن ما وراءك يا عصام فإنْ يَهْلِكْ أَبُو قابوس يهلك ... ربيع النَّاس والشهر الحرام وتمسك بعده بذناب عيش ... أجَبَّ الظهر ليس لَهُ سنام [4] قَالُوا: وجاء النابغة وَقَدْ أجاره منظور بْن أبان، والربيع بْن زياد العبسي، فدخل عَلَى النعمان بْن المنذر، فلما رآه النُّعْمَان قَالَ: أتتك بحائن رجلاه، فقالا: أبيت اللعن إنا قَدْ أجرناه، فأنشده كلماته الثلاث:

_ [1] ديوان النابغة الذبياني ص 11. [2] الشطر الثاني لهذا البيت: «وضنا بالتحية والكلام» . ديوان النابغة الذبياني ص 111. [3] ديوان النابغة الذبياني ص 118. [4] ديوان النابغة الذبياني ص 110.

يا دار مَيَّة بالعلياء فالسَّنَدِ.......... [1] وقولُه: أربَعًا جديدًا من سعاد تجنَّب........ [2] ... عفا رسم من فرتنا فالفوارع........... [3] فرضي عَنْهُ وأمر لَهُ بمائة ناقة من عصافيره، وهي إبل كانت للنعمان. ويروى أن حسان بْن ثابت كَانَ عند النعمان بْن الحارث بْن أَبِي شمر، فإذا هو يومًا بصوت أجش من وراء القبة وهو يرتجز ويقول: أَصمُّ أَمْ يسمع رب القُبَّهْ ... يا أَوْهَبَ النَّاس لعَنْسٍ صُلْبَهْ ذات نجاءٍ فِي يديها حدْبَة [4] فَقَالَ النعمان حين سمعه: مرحبًا بأبي أمامة أُدخل، فدخل عَلَيْهِ فأنشده: أتاركة تَدَلُّلها قطام ... وضنًّا بالتحية والسلام فَقَالَ حسان: لا أدري عَلَى ما أَحْسُدْه أعلى جمال وجهه، أم جودة شعره، أم حباء الملك لَهُ؟ ورآه حسان بعد عام بعكاظ فعرض عَلَيْهِ شعره فَقَالَ: ما سَمِعْتُ شعرًا يَعْدُلُه إلّا شعر هَذِهِ الشيخة السليمية، يعني الخنساء. وكان النابغة حكم الشعراء، وبعض الناس يزعم أن كنية النابغة أبو ثمامة والأولى أثبت.

_ [1] الشطر الثاني لهذا البيت: «أقوت وطال عليها سالف الأبد» . ديوان النابغة الذبياني ص 30. [2] الشطر الثاني لهذا البيت: «عفت روضة الأجداد منها فيثقب» . ديوان النابغة الذبياني ص 22. [3] الشطر الثاني لهذا البيت: «فجنبا أريك فالتلاع الدوافع» . ديوان النابغة الذبياني ص 78. [4] ليست في ديوان النابغة الذبياني المطبوع.

ومنهم: عقيل بن علفة بن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع،

وحُدثتُ أن المتجردة كانت تحت رَجُل من جُرْهُم، وكانت جميلة فانتزعها النعمان من زوجها، وَيُقَال كانت أَمَةً سبيَّةً. ومنهم: عَقِيل بْن عُلفة بْن الحارث بْن معاوية بْن ضَباب بْن جَابِر بْن يربوع، وكان جافيًا تائهًا غيورًا فقيل لَهُ قَدْ عضلت بناتك أفما تخاف عليهن ما تخاف عَلَى النساء؟ فَقَالَ: كلا إني أعريهنّ فلا يظهرن وأجيعهنّ فلا يأشرنَ. وكانت أم عُلفة بْن عقيل بْن عُلفة جميلة، وكان يُتَّهَمْ بها جحاف بْن زياد أحد بني قتال. فأخذها عقيل فربطها بين أربعة أوتاد، ودهنها بإهالة [1] ، وجعلها فِي قرية نمل فمر بها الجحاف ليلًا فسمع أنينها فاحتملها حتَّى طرحها بفَدَك، فاستعدى عقيل عَلَيْهِ الوالي، فَقَالَ إنها رأتني وَقَدْ كبرت وذهب وفري [2] وكثر بخري، فردها عَلَيْهِ. وحدَّثني عَبَّاس بْن هشام الكلبي قَالَ: كَانَ عقيل بْن علفة غيورًا، فدخل عَلَى عثمان بْن حيان المُرّي، وهو عامل الوليد بْن عَبْد الملك عَلَى المدينة، فَقَالَ لَهُ: يا عقيل، زوجني ابنتك، فَقَالَ: أبكرة من إبلي؟ قَالَ: أي شيء تَقُولُ ويحك؟ قَالَ: أي شيء قلت أنت؟ قَالَ: قلت زوِّجْني ابنتك. قَالَ: أبكرة من إبلي، قَالَ: أخرجوه عني ملعون خبيث، فخرج وهو يَقُولُ: كُنَّا بُنو غيظ الرجال فأصبحتْ ... بنو مالك غيظًا وصرنا كمالك لحى اللَّه دهرًا أَذْهَبَ المالَ كلَّهُ ... وسَوَّدَ أبناء الإماء العواتك

_ [1] الإهالة: الشحم، أو ما أذيب منه، أو الزيت، وكل ما إئتدم به. القاموس. [2] بهامش الأصل: ذفري.

ومنهم: حصين بن ضمضم بن ضباب،

وكان عثمان بْن حيان أحد بني مالك بْن مُرة وعقيل أحد بني غيظ بْن مرة. ومنهم: حصين بْن ضمضم بْن ضباب، الَّذِي ذكره زُهَيْر بْن أَبِي سلمى فِي كلمته التي أَوَّلُها: أمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٍ لم تكلم........... [1] قَالُوا: واجتمعت عبس وذبيان بقَطَنْ [2] وَيُقَال بذي حُسى [3] وذلك قبل أن تؤدى الحمالات التي تراضوا بها، فنظر الربيع بْن زياد العبسي إلى حصين بْن ضمضم، ومعه فرس لَهُ فَقَالَ لتيحان أحد بني مخزوم بْن مالك بْن غالب بْن قطيعة بْن عبس: قم إلى حصين فناطقه وتأنَّه فإن فِي لسانه حلبسة [4] ، وأقره مني السلام فجعل تيحان يكلمه وهو ساكت حتى دنا منه، فجال حصين فِي متن فرسه، ثُمَّ لحقه فقتله بأبيه ضمضم، وقتل أيضًا ربيعة بْن وهب العبسي بأخيه هرم بْن ضمضم، وكَانَ قاتله الورد بْن عروة، وَيُقَال عنترة قتلهما يَوْم المُريقب حين اقتتلت عبس وفزارة، وعلى عبس الربيع بْن زياد، وعلى فزارة حذيفة بْن بدر، فَقَالَ رَجُل من بني مخزوم:

_ [1] الشطر الثاني لهذا البيت: «بحومانة الدارج فالمتثلم» . شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 4. [2] قطن: جبل مستدير ململم يجري من رأسه عيون لبني عبس عن يمين النباج والمدينة. معجم البلدان. [3] بالأصل حشى وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه، وذو حسى واد بالشربة من ديار غطفان وقيل هو وادي الهباءة، وكان به يوم من أيام داحس والغبراء لبني ذبيان على عبس. المرصع لابن الأثير. [4] كذا بالأصل، ولعلها تصحيف «حبسه» فالحلبس: الشجاع. القاموس.

سالم الله من تبرأ من غيظ ... وولى آثامها يربوعا قتلونا بعد المواثيق والعهد ... فما كان جارهم ممنوعا وتهاجوا فاقتتلوا بقطن، أتى خارجة بْن سنان أبا تيحان بابنه، فَقَالَ: هَذَا وفاء بابنك فعفا عَنْهُ فافتداه بمائتي بعير فأدى إِلَيْه مائة ثُمَّ حط الْإِسْلَام عَنْهُ مائة ثُمَّ اصطلحوا وتعاقدوا فقال زُهَيْر: لعمري لنعم الحيّ جَرَّ عليهم ... بما لا يؤاتيهم حصين بْن ضمضم وكان طوى كشحًا عَلَى مستّكنة ... فلا هُوَ أبداها ولم يتقدم [1] يعني أمر تيحان. وقالوا: لما قتلت عبس حذيفة بْن بدر الفزاري يَوْم الهَباءة، غضب سنان بْن أَبِي حارثة المري غضبًا شديدًا، واجتمعت إِلَيْه بنو ذبيان فشكوا مالقوا من بني عبس، وكان سنان معتزلًا الحرب نازلًا فِي بني مرة، فاجتمعت بنو مرة وبنو عَبْد اللَّه بْن غطفان، وبنو ثعلبة فَقَالَ لهم سنان: لا تعرضوا للإبل والغنيمة، فإن الطمع فَشَل، الضّرَاب قبل النهاب، فأرسلها مثلًا، فنهضوا إلى بني عبس فَقَالَ قيس بن زهير بْن جذيمة لبني عبس: لا أرى لكم لقاء القوم فإنهم موتورون فإن أَبَيْتُم فإن لكل قوم شَرَّةٌ ولكل شرةٍ فترةٌ، فاصبروا لهم، وأقبل سنان فِي جيشه فلقي بني عبس عَلَى ذات الحراج فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ونادى عُمارة بْن زياد أخو الربيع: هَلْ من مبارز، فَقَالَ سنان لابنه: بارزه، فنزل عن راحلته وهو يَقُولُ: يا عين بَكِّي مالكًا ومالكا [2] ... وحَمَلًا عزَّ علينا هالكًا

_ [1] شرح ديوان زهير ص 21- 22. [2] بهامش الأصل: مالك بن زهير ومالك بن حذيفة.

فَقَالَ الربيع لأخيه عمارة: لا تبارزه فإنه موتور لو طعن بعود سحمه [1] لقتل، فلم يبارزه، ثُمَّ التقى القوم واختلطوا وبدت يومئذٍ نجدة عنترة العبسي، وجعل يرتجز ويقول: اليوم تبلو كل أنثى بعلها ... والحُرُّ يحميها ويحمي رَحْلَهَا [2] ثُمَّ حمل فطعن حصين بْن ضمضم فأرداه عن فرسه، وحمل أيضًا عَلَى دريد بْن حصين بْن ضمضم فصرعه، وطعن حصين عنترة، ثُمَّ استقل وَقَدْ دمي وجهه، وحمل عَلَيْهِ فطعن مؤخر سرجه، فأفلت من طعنته فَقَالَ عنترة: ولقد خشيتُ بأن أموتَ ولم تَدُرْ ... الحربُ دائرة عَلَى ابني ضمضم [3] وقَالَ سنان: ابكوا حذيفة بالصفائح والقنا ... وانعوه للبادين والحَضْرِ وانصرف سنان. وقَالَ بعضهم: طعن عنترة حصينًا فأرداه فأدْمَى وجهه، فمسح الدم، وشد عَلَى عنترة فطعن مؤخر سرجه فأفلت من طعنته. وقَالَ المفضل: قتل هرم بْن ضمضم المري، ثُمَّ اصطلح النَّاس ولم يدخل حصين فِي الصلح، وحلف ألا يغسل رأسه حتَّى يقتل ورد بْن حابس، وَيُقَال ورد بْن عَمْرو، أَوْ رجلًا من بني عبس، ثُمَّ من بني غالب وكَتم ذَلِكَ فلم يُطلع عَلَيْهِ أحدًا، وحمل الحمالة الحارث بْن عوف بْن أَبِي

_ [1] السحمة: السواد، والسحم: شجر. [2] ليس في ديوان عنترة المطبوع. [3] ليس في ديوان عنترة المطبوع.

ومنهم: الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ.

حارثة وهَرِم بْن سنان بْن أَبِي حارثة، فلقي الحصين رجلًا من بني عبس فقتله، وبلغ ذَلِكَ الحارث وهرمًا فاشتد عليهما، وأراد بنو عبس قتل الحارث فصالحهم عَلَى الدِّية. ومنهم: الحارث بْن ظالم بْن جذيمة بْن يربوع بْن غيظ. حَدَّثَنَا قوم من علمائنا أن زُهَيْر بْن جَذيمة بْن رواحة العبسي تزوج امْرَأَة من بني سُليم بْن مَنْصُور يُقال لها تُماضر بِنْت الشريد، فولدت لَهُ قيس بْن زُهَيْر. وكثير بْن زُهَيْر. ومالك بن زهير. وشأس بْن زُهَيْر. والحارث بْن زُهَيْر. وخداش بْن زُهَيْر. وورقة بْن زُهَيْر. ونهشل بْن زُهَيْر. وعوف بْن زُهَيْر. وكان النعمان بْن المنذر أرسل إلى زُهَيْر يخطب ابنته، ويسأله أن يبعث إِلَيْه ببعض بنيه، فبعث إليه شأسا، فلما قدم عليه سأش حباه وأكرمه وأحسن جائزته ورده إلى أبيه وعرض عليه أن يوجه معه قوما يبذرقونه فَقَالَ: لا شيء أمنع لي من نسبتي إلى أَبِي، فورد ماءً من مياه غني بْن أعصر يُقال لَهُ النتأة، فوجد عَلَيْهِ رجلًا من غنيّ فَقَالَ لَهُ شأس: أفي الحوض ماء؟ قَالَ: ما فِيهِ ما يكفيك. فَقَالَ شأس: والله إن قراكم ما علمتُ لحسن، وإن كلامكم لغليظ. فنكس الغنويّ حين سَمِعَ قولُه، وشم مِنْهُ ريح المسك فرماه بسهم فقتله، وأخذ ثيابه وجميع ما معه، ثُمَّ حفر لَهُ ودفنه، وأخفى ما كَانَ معه، وكان فِيهِ عَيْبَةٌ مملوءة مسكًا وعنبرًا وحُلَلًا وغيرها. وكان الغنوي رياح بْن حراق. وقَالَ ابْنُ الكلبي: هُوَ رياح بن أخي الأشل، وفحص زُهَيْر حين أبطأ عنه شأس عن خبره، وأُخبر بما انصرف بِهِ من عند النعمان، ولم يَدْر من قتله

إلّا أَنَّهُ وقع ظنه عَلَى غنيّ وكلاب، ثُمَّ إنه بعد أشهر أمر أمرأة حازمة من قومه وكانت لسنة شديدة أن تأخذ لحمًا سمينًا فتقدّده، وتخرج بِهِ إلى بني عامر، وغنيّ فتعرض ذَلِكَ عليهم وتقول إني زوجت ابنتي وأنا ابتغي لها طيبًا وثيابًا ففعلت، ثُمَّ إنها وقعت عَلَى امْرَأَة للغنويّ فقالت لها: إن كتمت عليَّ أعطيتُك حاجتك وأخبرتها بأمر شأس وأعطتها مسكًا وثيابًا، وباعتها ذَلِكَ بما معها من اللحم والشحم، وخرجت العبسية حتَّى أخبرت زهيرًا بالأمر، فركب زُهَيْر فقدم عَلَى غنيّ فَقَالَ لهم: إنكم قتلتم شأسًا ابني فقالوا: ومن قتله فأخبرهم، فَقَالَ: أما أن تحيوا شأسًا أَوْ تمكنوني من غني كلها حتَّى أقتلها بِهِ، أَوْ تنصبوا الحرب بيني وبينكم، فَقَالَ خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب، وكان نازلًا يومئذٍ فِي غني، وهم أخواله، أما شأس فقد علمت أَنَا لا نقدر عَلَى إحيائه، وأمَّا غني فإنهم أحرار كرام لا يرضون بها، ولكن الثالثة من إقامة الحرب بيننا وبينك، فلو كنت المُطالَبُ بهذا لم تُعْطِ، وإن السِّلْم أمنٌ ومسننة، فارض بقاتل ابنك أَوْ دِيَته، وكان قاتله مستخفيًا فِي ردهة يأوي إليها، فلم يرض زُهَيْر. وحمل وقومه من بني عبس عليهم، فاقتتلوا قتالًا شديدًا فأكثر زُهَيْر القتل فِي غني وبني عامر، ثُمَّ إن خَالِد بْن جَعْفَر وزهير بْن جذيمة التقيا بعكاظ فجرى بَيْنَهُما كلام فَقَالَ خَالِد: يا زُهَيْر وددت أني عقدت يديّ وراء عنقك فلا نفترق حتَّى يكون الطَّول لأحدنا، فحرض قومه وقَالَ: بكيتُ عَلَى شأسٍ وأُخبرت أَنَّهُ ... بماء غنيٍّ آخر الليل يُسلَب وجعل خَالِد يَجمع لبني عبس وقَالَ: أديروني إدارتكم فإني ... وحَذْفة [1] كالشجا تحت الوريد

_ [1] حذفة: فرس خالد بن جعفر. القاموس.

مكرَّمةٌ أواسيها بقولي ... وألحفها ردائي فِي الجليد لعل الله يمكنني عليها ... جهارا من زهير أَوْ أسيد وأسيد أخو زُهَيْر بْن جذيمة. ثُمَّ غزا خَالِد بني عبس وأَلْفَافَهم، فالتقت الخيلان، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن خالد وصل إلى زُهَيْر، فحمل كل واحد منهما عَلَى صاحبه، واضطربا بسيفيهما، ثُمَّ تعانقا فَخرَّا بين فرسيهما، ووقع زُهَيْر تحت خَالِد، فأقبل ورقاء بْن زُهَيْر فضرب خالدًا عَلَى رأسه ضربة نبت على رأسه، وأقبل حُنْدُج بْن البكَّاء بْنِ عامر بْن رَبِيعَة بْن عامر بْن صعصعة، واسم البكَّاء معاوية، فضرب رأس زُهَيْر بْن جذيمة، فدخل فِيهِ السيف فقتله، وقَالَ ورقاء: رَأَيْت زهيرًا تحت كلكل خالدٍ ... فأقبلت أسعى كالعَجُول أبادر إلى بطلين ينهضان كلاهما ... يريدان حد السيف والسيف نادر ثُمَّ إن خَالِد بْن جَعْفَر علم أَنَّهُ مطلوب بدم زُهَيْر بْن جذيمة، فخرج ومعه أخوه عروة بْن جَعْفَر، وهو الذي يقال له عروة الرحال، حتى قدم عَلَى النعمان بْن المنذر، فاستجاراه فأجارهما وضرب لهما قبة، وكان بعض البصريين يَقُولُ: إن المجير لهما الأسود بْن المنذر، والأول أثبت. وإن غطفان تناظرت فيما تصنع، فَقَالَ لهم الحارث بْن ظالم المري عليكم بحرب هوازن فقوموا بها، عَلَى أن أقتل خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب بزهير بْن جذيمة، فخرج الحارث حتَّى قدم عَلَى النعمان فدخل عَلَيْهِ وعنده خَالِد وأخوه عروة، وهم يأكلون تمرًا، فَقَالَ لَهُ خَالِد: يا أبا ليلى إن عندك يدًا ينبغي أن تشكرها، فَقَالَ الحارث: وما هِيَ؟ قَالَ: قتلت زهيرًا

فصرت سيد غطفان، فَقَالَ: سأشكرك وأشكمك [1] شكم ذاك، وتداخل الحارث غيظ وغضب شديد فنهض إلى منزله فأخرج رحلهُ وقَرَّبَ راحلته ثُمَّ جعل يكدم الرَّحْلَ غيظًا فكلما كسر مِنْهُ كسرة لاكها طويلًا ثُمَّ ألقاها فَقَالَ لَهُ رَجُل كَانَ معه من محارب بْن خصفة: إني أراك تصنع شيئًا عجيبًا، فلما ركب راحلته أقسم عَلَى المحاربي، وكان يُقال لَهُ خراش لينطلقنَّ إلى حيث يشاء فانطلق وتركه، وقَالَ عروة لأخيه خَالِد: ما حملك عَلَى ما قلت للحارث حتَّى أغضبته وأنت تعرف شجاعته وفتكه وشرارته، أما والله إني لأحسبك ستشرب بها كأسًا فَقَالَ خَالِد: وما الَّذِي تخوفني به من الحارث، فو الله لو وجدني نائمًا ما اجترأ عَلَى أن يوقظني، فَقَالَ عروة: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد، ودخلا قُبَّتَهُما فأشرجاها عليهما، وأقبل الحارث ليلًا فأناخ راحلته وأتى القبة فقطع شرجها بسيفه، وخالد نائم فَقَالَ لعروة: والله لئن تحركتَ لَأجَأَنَّ بِكَ قبله فسكت وضرب الحارث خالدًا برجله فنبهه ثُمَّ قَالَ: أتعرفني؟ قَالَ: نعم. قَالَ أَنَا الَّذِي بلغني أنك قلت لأخيك والله لو كنت نائمًا ما اجترأ عَلَى أن يوقظني، ثُمَّ ضربه بسيفه حتَّى قتله، وخرج فركب راحلته وهرب، ودخل عروة عَلَى النعمان فأخبره بما صنع الحارث فأمر بطلبه فلحقه قوم فهابوه وتحاموا عَنْهُ وقالوا: لم نره، ومضى إلى غسان بالشام، فكان فِي جوارهم حينًا، ثُمَّ أتى مكَّة حتَّى استُؤمن لَهُ النعمان فقدم الحيرة. وبلغ الحارث أن جُمَلَ بِنْت خَالِد قَالت: يا حارِ لو نبهته لوجدته ... لا طائشًا رعْشًا ولا معزالا لكن غدرت وكنت عبدًا غادرًا ... فِي الليل تُحسب في الظلام خيالا

_ [1] الشكم: الجزاء والعطاء، والشكيمة: الأنفة والانتصار من الظلم. القاموس.

فقال مجيبًا لها: يا جُمْلُ قَدْ نبَّهْتُهُ فوجدتُه ... رَخْوَ اليدين إِذَا رَأَى الأبطالا وقَالَ المفضل الضبي وجُناد، وابن الجصاص الكوفيون فيما ذكر لي عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أَبِيهِ: خرج الحارث إلى غسان فلم يُقْم عندهم إلّا يسيرًا، ثُمَّ أتى مكَّة فنزل عَلَى عَبْد اللَّه بْن جُدعان فأجاره ومَتَّ إِلَيْه بأن مُرَّة بْن عوف من قريش قَالَ: فما قَوْمي بثعلبة بْن سعد ... ولا بفزارة الشّعرى رقابًا وقَومي إن سَأَلت بني لؤيٍّ ... بمكة عَلَّمُوا مضَرَ الضِّرابا ثُمَّ إنه طلب لَهُ الأمان من النعمان فأمنه وقدم، فأقام عنده، فأتت امْرَأَة من قومه، ويقال من بَلي فشكت إِلَيْه قِلَّتَهَا وضعفها، وأن النعمان أخذ منها ومن نساء معها من أهلها مائة ناقة لهنَّ ولأولادهن وقالت: يا أبا ليلى إنَّا نستجير بك مما ركبنا بِهِ من الظلم والأخذ بغير جرم. فلما وردت الإبل الماء خرج وهو يَقُولُ: أَنَا أَبُو ليلى وسيفي المعلوب ... ونَسَبي فِي الحيِّ غير مأشوب هل يرجعنّ مالك ضرب تشذيب ثُمَّ قَالَ لها: لا تَقَعَنَّ عينك عَلَى ناقة تعرفينها إلّا أَخَذْتِها، فأخذت ما رأت وعرفت ما لها، ثُمَّ إنها رأت ناقة للنعمان فأدَّعَتها فَقَالَ الراعي: كذبت هَذِهِ للملك النعمان. فَقَالَ الحارث للراعي: أرسلها لا أمَّ لَكَ، وأشار إِلَيْه بالسيف فضراط الراعي فَقَالَ الحارث: است البائن أعلم، فذهبتْ مثلًا. والبائن هُوَ الَّذِي يَخُمُّ الناقة والخَمُّ: الحلب- وَيُقَال للذي يمسك الإناء من الجانب الأيمن: المعلى فالمستعلى.

ثُمَّ إن الحارث بْن ظالم استنقذ للنسوة جميع إبلهنَّ، وعلم أن النعمان سيطلبه، فهرب، وتوعَّد النعمان من آواه من العرب، فلم يقدم عَلَى إيوائه إلّا زرارة بْن عُدُس فإنه أجاره وآواه، وكان ابْنُ للنعمان عند سلمى بِنْت ظالم امْرَأَة سنان بْن أَبِي حارثة، فعمد الحارث إلى بعض جهاز سنان فأتاها بِهِ وقَالَ: اصنعي ابنك فقد أمرني زوجك أن أحمله إلى أَبِيهِ، وهذه العلامة فدفعته إِلَيْه فقتله، فبلغ غضب النعمان فِي ذَلِكَ ما لم يبلغه فِي شيء قط، وجهز جيشًا كثيفًا مَعَ ابْنُ الخِمْس، وهو أسود بْن عَمْرو، وعمرو هُوَ الخِمْس بْن ربيعة من ولد الحارث بْن بَكْر بْن حبيب من بني تغلب بْن وائل، وبلغ بني عامر ذَلِكَ، فانضموا إلى ابْنُ الخمس طالبين بدم خَالِد بْن جَعْفَر وعليهم الأحوص بن جعفر، فلقوا زرارة ومن معه من تميم ومرة وغيرهم من غطفان، فاقتتلوا أشد قتال وأبرحه، فضرب ابْنُ الخمس رجْلَ الحارث بْن ظالم فأطَنَّها، وشد قيس بن زهير العبسي عَلَى ابْنُ الخمس فضربه، ثُمَّ طعنه فسقط قتيلًا ثُمَّ تحاجزوا، وكان الحارث منسوبًا إلى الوفاء، وأول ما عُرف من وفائه أن رجلًا من بني أسد يقال لَهُ صحان أتاه مستجيرًا بِهِ وأعلمه أن قومًا أغاروا على إبله فاستنقذها لَهُ وأجاره وذلك فِي أول أيامه. وقَالَ أَبُو عبيدة: لما قتل الحارث خَالِد بْن جَعْفَر، غضب الأسود بْن المنذر وهرب، وكان خَالِد فِي جواره، قَالَ: ما أشد الأشياء عَلَيْهِ؟ فقيل: أن تؤخذ جاراتهُ وإبلهنَّ وكُنَّ من بَليّ، فوجّه مَنْ ساقَهُن وأموالهنّ، وبلغه الخبر فأتى من وجهه مواضعهنَّ فاستنقذ الإبل وتخلص جاراته، وقتل ابنا للأسود بْن المنذر، ثُمَّ أتى زرارة بْن عُدُس، ووجه النعمان جيشًا عَلَيْهِ ابْنُ الخمس التغلبي فَقَالَ الحارث لزرارة: إنه لا يَسْكن غضب النعمان والأسود

عليك إلا أن أخرج من عندك، فأتى مكَّة فأجاره ابْنُ جُدعان ثُمَّ صار إلى جبلي طيّئ لاستبائه مكَّة فأُخذ، وبعث بِهِ إلى النعمان فقتله. وقَالَ قوم: إنه شهد المعركة لأنَّه ندم عَلَى فراره، فانصرف من مكَّة، فقتله ابْنُ الخمس، وقتل قيسُ بْن زُهَيْر ابْنَ الخمس. وقَالَ بعض بني كلاب: لما تيقن النعمان أن الحارث هارب، كُلم فِي زرارة، فكف عَنْهُ، وأن الحارث قدم من مكَّة فقصد لابن الخمس وهو نازل فوق الحيرة، فاستأمن إِلَيْه واستجار بِهِ وأمنه، ثُمَّ حمله إلى النعمان فقتله وَقَدْ كَانَ قَالَ لَهُ إن سيفي هَذَا سيف لم يُرَ مثله، ولقد أعطاني بِهِ قيس بْن زُهَيْر مائتي ضروع، فلما قُتل الحارث مضى ابْنُ الخمس إلى قيس بْن زُهَيْر فَقَالَ: قَدْ أتيتك بسيف الحارث بن ظالم فابتعه مني بما سَأَلْتَهُ أن يبيعك إياه أَوْ بأقل من ذَلِكَ إن أحببت، فأخذه قيس وجعل يهزه ويمسحه ثُمَّ ضرب ابْنُ الخمس بِهِ فقتله: قَالَ أَبُو عبيدة: لما قصد الحارث ليخلص جاراته وأموالهنّ، وصار إلى موضعهنّ رأى ناقة لبعضهن يُقال لها اللفاع، كانت غزيرة يحلبها حالبان فَقَالَ: إِذَا سمعتِ حَنَّة اللفاع ... فادْعِي أبا ليلى فلن تُراعى ذَلِكَ راعيك فنعم الراعي ... يحلبك رحب الصدر والذراع منصلت بصارم قَطَّاعِ فعرف الراعي كلامه فحبق فَقَالَ: است البائن أعلم. وخبر الكوفيين فِي أمر الحارث أثبت عند ابْنُ الأعرابي والأصمعي فيما أخبرني بِهِ أبو عدنان.

ومنهم: الرباح بن الأبرد بن شريان بن سراقة بن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة،

وقَالَ أَبُو عبيدة: ملأ المفضّل البصرة كذبًا، فَقَالَ أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ: هُوَ والله الكاذب لا المفضل. ومن بني مرة: قيس بْن زَحْل بْن ظالم بْن جذيمة كَانَ شريفًا. ومنهم: الرباح بْن الأبرد بْن شريان بْن سُراقة بْن سلمى بْن ظالم بْن جذيمة بْن يربوع بْن غيظ بِن مرة، وبعضهم يَقُولُ: سراقة بْن قيس بْن سلمى. وكان الرمَّاح [1] بْن ميادة، يكنى أبا شرحبيل، وذكروا أن ميادة كانت أمة لرجل من كلب وكانت تحت عبدٍ لَهُ يُقال لَهُ نَهْبَل، فابتاعها بعض بني ثَرْيان بْن سُراقة من الشام، فلما صاروا إلى ماء لبني سلمى يعرف بالمليحة، ومعهم عليه بنو زُحْل نظر رَجُل من بني سلمى إليها وهي ناعسة تمايل على بعيرها، فقال: ما هَذِهِ؟ قَالُوا: اشتراها بنو ثريان. فَقَالَ: وأبيكم إنها لتميد، فقيل: مَيَّادة، وكانت تسمى جَيَّداء. وكان الأبرد جافيًا وضيعًا يرعى الإبل، وكان إخوته العوثبان وفريص وناعصة ظرفاء، وكان العوثبان وفريص شاعرين فأرسلوا ميادة ترعى الإبل مَعَ الأبرد، فوقع عليها فحملت فسئلت لمن ولدها فقالت: لأبرد، وسألوا الأبرد فجعل يسكت، فلما ولدت رمّاحًا نشأ [2] نجيبًا كيِّسًا، أَقَرَّ بِهِ أبرد، وولدت ميادة بعد الرماح: ثُرْيان بْن أبرد، وخليل بْن أبرد. وبشر بْن أبرد. ولم ينكح من النساء غيرها، وكانت امْرَأَة صدق لم تُسَبّ إلا بزوجها نهبل. وقَالَ عبد الرحمن بن جهيم الأسدي:

_ [1] بهامش الأصل: ابن ميادة الشاعر. [2] بهامش الأصل: فنشأ.

لعمري لئن سُبَّتْ حليلة نهبل ... لبئس سباب الناس كَانَ سبابها ولم تَدْرِ حَمْرَاءُ العَجَانِ أَنَهْبَلٌ ... أبُوهُ أَم المُرِّيُّ تَبَّ تبابها وقَالَ ابْنُ الأعرابي: كانت ميادة أمة سوداء راعية لأبرد، فوقع عليها، والثبت أن ميادة لما ابْتيعَتْ فقدُم بها وُهبت للأبرد، فأولدها. وَيُقَال بل ابتاعها. وكان بنو مازن بْن فزارة أخذوا أموال بني الصادر، فَقَالَ ابْنُ ميادة: ولُأورِدَنَّ عَلَى جماعة مازنٍ ... خيلًا مُقَلَّصَةَ الخَصى ورجالا [1] فقال رجل من بني مازن: يا بن الخبيثة يا بن طَلَّةِ نهبل ... هَلَّا جمعت كما زعمتَ رجالًا أببظر ميدة أم بِخصْييْ نهبل ... أَمْ بالفُسَاةِ تُنَازِلُ الأبطالا ولئن وردت على جماعة مازن ... تبغي القتال للقين قتالا وزعموا أن بني مرة يُسمون الفُساة، لأنهم يأكلون التمر، وهم مجاورون لخيبر وفدك، وهم بَيْنَهُما. وقَالَ أَبُو اليقظان: يُعَيَّر بنو مرة بأكل التمر، وقَالَ سماعة بْن أشول النعامي من بني أسد: لعل ابن اشبانية عارَضَتْ بِهِ ... رعاء الشويِّ من مريح وعازب والأشبان: من الصقالبة، ويُروى: لعل ابْنُ فرَّانيةٍ. وقَالَ بعضهم: كانت أم بني ثَرْيان سلمى بِنْت كعب بْن زُهَيْر بْن أَبِي سَلَمى.

_ [1] شعر ابن ميادة- ط. دمشق 1983 ص 198.

قَالُوا: وكان ابْنُ ميادة سبط الشعر، طويل اللحية، عظيمًا طويلًا، وكان لباسًا. وقيل لابن ميادة إن فِي شِعرك سَقَطًا فَقَالَ: إنَّما شعري كنبل فِي جفير يُرمى بها الغرض: فطالع، وواقع، وعاضد، وقاصر. فالطالع الذي يعلو الغرض، والواقع الَّذِي يقع بالغرض، والعاضد الَّذِي يقع عن يمين الغرض أَوْ شمالة يَمُرُّ عن عضدك الأيمن والأيسر لا تجاهك وهو شَرُّهَا، والقاصر الَّذِي يقصر دون الغرض ولا يبلغه. قَالَ المتوكل بْن عَبْد اللَّه الليثي: الشِّعْرُ لُبُّ المرء يعرضُهُ ... والقولُ مثلُ مَوَاقع النَّبْل منها المُقَصِّر عن رَميَّتِهِ ... ونَوَافرٌ يَذَهَبْنَ بالخَصْل وقَالَ الأصمعي: أخبرني طَمّاح وهو ابْنُ أخي ابْنُ ميادة، قَالَ: أخبرني عمي الرَمّاح قَالَ: علمت أني شاعر حيث واطأتُ الحطيئة فقلت، ووالله ما أعلم أَنَّهُ قَالَه: فذو العش [1] فالممدور [2] أصبح قاويًا [3] ... تُمَشيّ بِهِ ظلمانه وجآذره [4] وقَالَ الحطيئة: ........... تُمَشيّ بِهِ ظلمانه وجآذره [5] وأدرك ابْنُ ميادة زمن يزيد بْن عَبْد الملك وهشام وبقي إلى زمن

_ [1] ذو العش: من أودية العقيق من نواحي المدينة. معجم البلدان. [2] الممدور: موضع في ديار غطفان. معجم البلدان. [3] أصبح قاويا: أصبح خاليا. القاموس. [4] شعر ابن ميادة ص 121. [5] الشطر الأول لهذا البيت: «عفا مساحلا من سليمى فحامره» . ديوان الحطيئة ص 19.

المنصور أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين، ومدح ابْنُ ميادة الوليد بْن يزيد بْن عَبْد الملك قبل خلافته بقصيدة أولها: أشَاقَكَ بالقَلْع الغداةَ رسُوم ... دوارسُ أدنى عهدهُنَّ قديم يَقُولُ فيها: فليتَ وليَّ العهد كَانَ مُحَرَّمًا ... عَلَى الموت معقودًا عَلَيْهِ تميم [1] وقَالَ فِيهِ: وجدت الوليد بْن اليزيد مباركًا ... شديدًا بأَحناء الخلافة كاهله قليلُ طعام البطن إلا تَعِلَّةً ... من الصيد أحيانًا كما الصقر آكلُه يُضيء سراج الملك فوق جبينه ... غداة تنادَتْ بالنجاح قَوَابِلُه كأنَّ ضياء البدر يدخُل فَرشَهُ ... إِذَا واجَهَتْهُ باللحاف حلائلُه [2] فأمر لَهُ الوليد بمائة ناقة من صدقات كلب، فأرادوا أن يعطوه إياها من رذال المال، أَوْ يبتاعوا لَهُ من غير إبلهم فَقَالَ: ألم يَبْلُغْكَ أنَّ رعاة كلب ... أرادوا فِي عطيَّتِكَ ارتدادا وقالوا أنها صُهْبٌ وزُرْقٌ ... وَقَدْ أُعطيتُها صفرا جعادا [3] فَقَالَ: انطلق خذها صفرًا جعادًا. ورثى الوليد حين قتل فَقَالَ: ألا يا لهفتاه عَلَى وليد ... غداة أصابه القدر المتاحُ ألا أبكي الوليد فتى قريش ... وأسمحها إذا عدّ السماح

_ [1] ليسا في شعره المنشور. [2] شعر ابن ميادة ص 192- 193. [3] شعر ابن ميادة ص 109- 110.

لقد فعلتْ بنو مروان فعلًا ... وأمرًا ما يسوغ لَهُ القُراح [1] وقَالَ فِي المنصور أمير المؤمنين شعرًا مِنْهُ قولُه: فَلَأجْلَسنَّ إلى الخليفة إنه ... رَحبُ الفناء بواسعٍ بحباح فَرَّجْتَ عن مُضَر العريضة هَمَّها ... ونطحتَ عند الموت أي نطاح ووجدت حين لقيت أكرم فائد ... ووليت حين وليت بالإصلاح وعفوت عن كسر الجناح ولم تكن ... لتطير ناهضة بغير جناح [2] ومدح جعفر بن سليمان بْن عليّ، وبني عليّ فَقَالَ: ولآتينّ بني عليٍّ إنه ... مَنْ يأتِهِمْ يُتَلَقَّ بالأفراح [3] وقَالَ فِي جَعْفَر بْن سُلَيْمَان: يا جَعْفَر الخيرات يا جعفرُ ... ليتك لا تَفْنَى ولا تكبرُ ولا تزال الدهر فِي نعمة ... يغدو عليك المسك والعنبر الفاعل المعروف فِي قومه ... لا يستوي المعروف والمنكر قوم إِذَا ما حاربوا صابروا ... وإنما يقدر من يصبر [4] فَقَالَ لَهُ: كبرت والله يا بن ميادة وكبر شعرك. قَالَ: لا والله لكن عطاياكم نزرت فنزر شعري. ومدح ابْنُ ميادة المنصور بقصيدة فراح عَلَيْهِ راعي إبله بلبن، فشرب مِنْهُ شربة، ثُمَّ مسح بطنه وقَالَ: سبحان اللَّه، أأفِدُ إلى الخليفة، وَقَدْ كفتني هَذِهِ الشربة، وأنا شيخ كبير؟ فأقام ولم يأته.

_ [1] شعر ابن ميادة ص 95. [2] شعر ابن ميادة ص 100. [3] شعر ابن ميادة ص 100. [4] شعر ابن ميادة ص 123.

ومدح ابْنُ ميادة رياح بْن عثمان المري، فأعطاه شيئًا قليلًا، فَقَالَ لَهُ المنصور- وقدم عَلَيْهِ فمدحه-: أتحب أن أعطيك كما أعطاك ابْنُ عمك؟ فَقَالَ: فأين فضل قريش عَلَى غطفان؟ ولكن أعطني كما أعطاني الوليد ابْن عمك. ومن جيد شعر ابْنُ ميادة قولُه فِي قصيدته التي مدح بها الوليد بْن يزيد وابنيه: وما ألحّ عَلَى الإخوان أسألهم ... كما يلح بعظم الغارب القتب وما أخادع ندماني لأخدعه ... عن ماله حين يسترخي بِهِ اللَّبَبُ وقَالَ ابْنُ ميادة مجيبًا الخارجي الَّذِي قَالَ: أحمل رأسًا قَدْ مللتُ حَمْلَهُ [1] . ... تمنى اليماني أن يفارق رأسه ففارقه فِي غير حمدٍ ولا أجر [2] وقيل لابن ميادة عند موته: اذكر ربك يا أبا شرحبيل فجعل يَقُولُ: إِذَا متُّ يا قومي فلا تدفنني ... فأبغض جيران إلى قبور ولكن دعوني يا بنيَّ تَعُسُّنَي ... ثعالب فِي أوطانها ونسور [3] ورثاه شماطيط العُقفَاني، وبنو عُقفان من بني عبس وهم فِي مرَّة، وهو القائل: «أَنَا شماطيط الَّذِي سَمِعْتُ بِهِ» فَقَالَ: مات من الرَمّاح شعر وشرف ... وكان كالبرديّ والناس حشف

_ [1] شطر الرجز هذا في ديوان شعر الخوارج ص 142 لخارجية اسمها أم حكيم، ويليه: وقد مللت دهنه، وغسله ألا فتى يحمل عني ثقله. [2] ليس في شعره المنشور. [3] شعر ابن ميادة ص 127.

قَالُوا: وكان ابْنُ ميادة يتحدث إلى امْرَأَة من طيّئ تدعى حُسَيْنَة، وكان لها زوج يُقال لَهُ عِيسَى بْن يسار، فأخذوه عندها فجعلت تقاتلهم معه حتى تخلص فَقَالَ: ستأتينا حُسَيْنَة حيث شئنا ... وإنْ رَغِمَتْ أنوف بني يسار لقد باتت تعاونني عليهم ... ضحوكُ الحِجْل كاظمة السِّوَار وقد غادرت عيسى وهو كاب ... يقطع سلحة خلف الجدار [1] ورثى ابْنُ ميادة امْرَأَة كَانَ يهواها فَقَالَ: خَلَا منزل الحسناء لستُ بواجدٍ ... بِهِ غيرَ باكٍ من عضاةٍ وحرملِ تمنيتُ أن تلقى بِهِ أُمُّ جحدرٍ ... وماذا تمنيَّ من صدى تحت جندلِ فللموتُ خيرٌ من حياة ذميمةٍ ... وللمنع خير من عَنَاءٍ مُطَوَّلِ [2] واستنشد ابْنُ ميادة شعره رَجُل من بني أمية بالشام فأنشده: وعلى المليحة من جذيمة فتية ... يتمارضون تمارُضَ الأسد ظفرون ينصرهم على أعدائهم ... عظم الحلو وصولة الحَدِّ إنَّا لَنُقْدِم حين لا مُتَقَدِّمٌ ... ونُبَيِّعُ الأموال بالحمد وترى الملوك الغُرَّ حَوْلَ بيوتنا ... يمشونَ فِي الحلقات والقَدِّ [3] فَقَالَ لَهُ: كذبت. فَقَالَ لَهُ ابْنُ ميادة: أفي هَذَا وحده يَقُولُ إني أكذب، وفي مدحكم أيضًا، ثم قام فلم يعد إليه. ولا بن ميادة قوله:

_ [1] شعر ابن ميادة ص 159. [2] شعر ابن ميادة ص 212- 213. [3] شعر ابن ميادة ص 117.

لقد زادني ضَنًّا بنفسي أنني ... إِذَا قيلَ أَيْنَ الرأس لم أتأخر [1] وقَالَ ابْنُ ميادة يفخر فِي شعره: ونحن بنو ذبيان فِي رأس ربوة ... إلينا تناهي عِزُّ تلك القبائل هُمْ أنف قيس من يَقُلْ مثلها لهم ... من النَّاس يخلط قول حقٍ بباطل فَضَلْنَا قريشًا غير رهط مُحَمَّد ... وغير بني مروان أهل الفضائل [2] فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم بْن هشام: يا ماصّ بظر أمه، أنت فضلتَ قريشًا وجرده فضربه مائة سوط أَوْ أقلّ وزعموا أن الوليد بْن يزيد قَالَ لَهُ: قَدَّمْتَ رهط مُحَمَّد قبلنا، فَقَالَ: ما كنت أظنه يمكن إلا ذاك. وسأله المنصور عن قول الوليد لَهُ فأخبره، فجعل يتعجب من جهل الوليد. وقَالَ ابْنُ ميادة: لو أن جميع الناس كانوا بتلعةٍ ... وجئت بجدي ظالم وابن ظالم لظلت رؤوس النَّاس خاشعة لنا ... سجودًا عَلَى أقدامنا بالجماجم [3] وكان ابن ميادة يضرب على كتف أمه ويقول: إعزيزمي [4] مياد للقوافي ... واستمعيهن ولا تخافي لتجدن ابنك ذا قذاف [5] وقال أيضا:

_ [1] شعر ابن ميادة ص 156. [2] شعر ابن ميادة ص 206- 207. [3] شعر ابن ميادة ص 227- 228. [4] بهامش الأصل: المعزيزم: المجتمع الشديد. [5] شعر ابن ميادة ص 174.

يا رُبَّ خالٍ لأمي غير مُؤْتَشبٍ ... لا يشرب الخمر إلا فِي القوارير لا يقتني الضأن إلا أن يُذَبِّحهَا ... ولا يروح مَعَ الأقوام في العير [1] المدائني قَالَ: دخل ابْنُ ميادة عَلَى الوليد بْن يزيد بن عَبْد الملك وعنده شقران مَوْلَى قضاعة، فأغرى بَيْنَهُما فَقَالَ شقران: سأكعم عن قضاعه كلب قيس ... عَلَى حجر فينصت للكعام فَقَالَ ابْنُ ميادة: يا أمير المؤمنين اكفف عني غَرْبَ هَذَا الَّذِي ليس لَهُ أصل فأحفره، ولا فرع فأهصره، فَقَالَ الوليد: جزجزت يا أبا شرحبيل فَقَالَ: فَجَرْنَا ينابيع الكلام وبحره ... وأصبح فِيهِ ذو الرواية يَسْبَحُ وما الشعر إلَّا شِعرُ قَيْسٍ وخندفٍ ... وقولُ سواهم كلفةٌ وَتَمَلُّحُ [2] قَالُوا: وكان الحكم الخُضْري من محارب بْن خَصفة يُهاجي ابْنُ ميادة، فرأى ابْنُ ميادة امْرَأَة من رهط حكم فَقَالَ: أتنشدينني شيئًا من شعر الحكم فِي ابْنُ ميادة فأنشدته: أمياد قَدْ فَلَّلْتِ سيف ابْنِ ظالم ... ببظرك حتَّى أصبح اليوم باليًا فقال ابْنُ ميادة فِي الحكم: إِذَا سلْتَ عن أبيات لؤم ودقة ... فَسَلْ عن بيوت الخضر خضر محارب ترى اللؤم فِي الخضريِّ قَدْ تستبينه ... بمنزلة بين اللحى والحواجب [3]

_ [1] شعر ابن ميادة ص 160- 161. [2] شعر ابن ميادة ص 97. [3] شعر ابن ميادة ص 84.

وقَالَ ابْنُ ميادة: أهديتُ للخضر إذ خَفَّتْ بعوثُهم ... تسعين بابًا قذوفًا تحمل الضمر [1] فكانوا إِذَا أقبلت عيرٌ قَالُوا لعلها عير ابْنُ ميادة. وقَالَ الأصمعي: وقف الحكم الخُضري ينشد بمصلى المدينة قصيدته فِي صفة الغيث فلما سَمِعَ قولُه: ركب البلاد فظل ينهض مُصْعِدًا ... نهض المقيّد فِي الدهاس [2] الموقر [3] حسده ابْنُ ميادة فَقَالَ: من أنت؟ قَالَ: الحكم الخضري، فَقَالَ: والله ما أنت فِي بيت نسب ولا أرومة شعر، قَالَ: فمن أنت؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ ميادة، قَالَ: قَبَّحَ اللَّه والدين خيرهما ميادة، ولو كَانَ فِي أبيك خير ما انتميت إلى أمك، فنشب الهجاء بينهما. وهاجي ابْنُ ميادة عُلفة بْن عَقيل فأعانه الحكم عليه. وقال الأصمعي: دعي ابْنُ ميادة فِي دعوة بالحجاز فغدا إليها فوجد البوابين عَلَى الباب يدفعون من لا يعرفون بالسياط، فانصرف ولم يدخل وقَالَ: لما رأيتُ الأصبحية قَنَّعَتْ ... مفارق شُمْط حيث تُلْوى العمائم تركتُ دفاع الباب عما وراءه ... وقلت سعيدا من نجا وهو سالم [4]

_ [1] شعر ابن ميادة ص 145. [2] دهس: النبت لم يغلب عليه لون الخضرة، والمكان ليس برمل ولا تراب. القاموس. [3] وقر: الحمل الثقيل، والموقر: المجرب العاقل، والموقر: الموضع السهل عند سفح الجبل القاموس. [4] شعر ابن ميادة ص 228- 229.

ومنهم: عمرو بن معوذ بن نزال بن عرفطة بن عنترة بن زهير بن معاوية بن قتال بن يربوع،

وقَالَ الأصمعي: حَدَّثَنِي من سَمِعَ ابْن ميادة يقول: من كرم الدابة صخمها. وكان ابْنُ ميادة قَالَ لرياح بْن عثمان بْن حيان أيام كَانَ من أمر مُحَمَّد وإبراهيم ابني عَبْد اللَّه بْن حسن ما كَانَ: اتخذ جُنْدَكَ وحرسك من قومك وائْتَمكَ [1] هَؤُلَاءِ العبيد الَّذِين استظهرت بهم عَلَى أمرك وأعطيتهم دراهمك، وأحْذَرْ قُريشًا، فاستخفَّ بقوله، فلما قُتل رياح قَالَ ابْنُ ميادة: أمرتُكَ يا رياح بأمر حزمٍ ... فقلتَ هشيمةٌ من أرض نجد وقلتُ لَهُ تَحَفَّظ فِي قريش ... وَدَفِّعْ كل حاشية وَبُرْدِ وقلتُ لَهُ تحَرَّز من رجالٍ ... عَلَى محبوكة الأوصال جُرد فَوَجْدًا ما وجدتُ عَلَى رياح ... وما أغنيتُ شيئًا غير وجدي [2] ومنهم: عَمْرو بْن مُعَوَّذ بْن نَزَّال بْن عُرفطة بْن عنترة بْن زُهَيْر بْن معاوية بْن قتال بْن يربوع، كَانَ سيد بني قتال. وولد مالك بْن مرة بْن عوف: عامر بْن مالك، والحارث بْن مالك، وهو صوفة. ومنهم: عَبْد الملك بْن ضبارة، وكان يكنى أبا الهَيذام. فولد عامر بْن مالك بْن مرة: ربيعة بْن عامر. منهم المثلَّم بْن رياح بْن ظالم بْن سعد بْن ربيعة بْن عامر، كَانَ شريفًا، وجَدُّهُ ظالم الَّذِي بني بُسًّا. وبُسّ هُوَ بيت كانت غطفان تعبده، قَالَ زُهَيْر بْن جناب: فحمى بعدها غطفان بُسًّا وماء غطفان والأرض الفضاء.

_ [1] بهامش الأصل: واترك. [2] شعر ابن ميادة ص 115- 116.

ومنهم: مسلم بن عقبة بن رياح بن أسعد بن ربيعة بن عامر بن مالك،

والمثلّم الَّذِي يَقُولُ لَهُ الحارث بْن عوف: ألا أَبْلِغَا عني المثلَّم آيةً ... وسهلًا فقد نَفَّرْتُما الوحش أجْمَعَا أبا حشرجٍ إن كنتَ فاعل ما أرى ... أبا حشرجٍ فاحفر لجنبك مضجعًا فأجابه المثلَّم: سأكفيكَ جَنبي وَضْعَهُ ووسَادَهُ ... وانصر إن لاقيتُ فِي القوم أشجعا خلطنا البيوت بالبيوت فأصبحوا ... بني عَمَّنَا من يَرْمِهِم يَرْمِنَا مَعَا ومنهم: مُسْلم بْن عقبة بْن رياح بْن أسعد بْن ربيعة بْن عامر بْن مالك، صاحب يَوْم الحَرَّة الَّذِي يدعوه أهل المدينة مُسْرِفًا وَقَدْ كتبنا خبره. ومنهم: عثمان بْن حَيَّان بْن مَعْبَد بْن شداد بْن نعمان بْن رياح بْن أسعد، ولي المدينة للوليد بْن عَبْد الملك، وابنه رياح بْن عثمان ولي المدينة لأمير المؤمنين أَبِي جَعْفَر المنصور، وَقَدْ ذكرنا لهما أخبارًا فِي كتابنا هَذَا. ومنهم: غالب بْن عوف من بني ربيعة بْن عامر بْن مالك بْن مرة، الَّذِي قطع الحلف بين أسد وذبيان. وولد سهم بْن مرة: وائلة بْن سهم. وهلال بْن سهم. منهم: حصين بْن الحُمام بْن ربيعة بن مُسَاب بْن حزام بْن وائل الشَّاعِر، وكان وفيًا أراد قومه ظلم قوم جاوروهم من الحُرَقَةِ من جُهينة فَقَالَ: أَيَا أَخَوَيْنَا من أبينا وأمنا ... مُرْوا مَوْلَيَينا من قضاعة يَذْهَبَا ومنهم: بَشَامة بْن الغدير الشَّاعِر، وهو بشامة بْن عَمْرو بْن معاوية بْن الغدير بْن هلال بْن سهم بْن مرة. وكان بشامة رجلًا مُقْعدًا، ولم يكن لَهُ ولد، وكان كثير المال موصوفًا بالحزم وأصالة الرأي، فكانت غطفان تستشيره إذا أرادت الغزو وغيره، وتَصْدُرُ عن رأيه، وتقسم لَهُ من غنائمها أفضل

ما يُقسم لأحد ممن يشهد الحرب إِذَا رجعَتْ، وكان أشعر غطفان فِي زمانه، وكان انقطاع زُهَيْر بْن أَبِي سلمى إِلَيْه وكان أهل بيت زُهَيْر فِي غطفان، وأم أَبِي سلمى جدة زُهَيْر ابْنَة سعد بْن الغدير، فلما حَضَرَتْ بشامة الوفاة جعل يقسم ماله فِي أهل بيته، فَقَالَ زُهَيْر: يا خالاه اقسم لي من مالك مثل ما تقسم لغيري فَقَالَ: قَدْ قَسَمْتُ لَكَ أكثره وأطيبه يا بن أخي. قَالَ: وما هُوَ؟ قَالَ: قول الشعر، وهو القائل: أبلغ حُباشَة أني غير تاركه ... حتَّى أُخَبِّرهُ بعض الَّذِي كانا قَدْ نأخذ الحق حتَّى لا يجاوزنا ... والحق يحبسنا فِي حيث يلقانا يَقُولُ: نأخُذُ حَقَّنَا ونُعطي الحق علينا. قَالَ أَبُو عبيدة: كَانَ لبشامة جيران من جُهينة بْن بدر [1] ، وكان لبني صرمة بْن مرة جيران من بني سَلامان من قُضاعة، فقتل جيران بني صرمة رهطًا من جيران بني سهم بْن مرة، فاحترب الحيان من بني صرمة وبني سهم، وكان رئيس بني سهم حُصين بْن الحُمام المري وكانت بينهم قتلى، فَقَالَ بشامة يحضّ قومه بني سهم فِي قصيدة أولها: نَأتْكَ أمامةٌ نأيًا طويلًا ... وَحَمَّلَكَ الخُبْثُ وَقْرًا ثقيلا ونبئت قومي ولم آتهم ... فَبَلّغْ أمَاثِلَ سهمٍ رسولا بِأنَّ الَّذِي سَامَكمُ قَوْمُكُم ... هُمُ عَدَلُوه إليكم عُدُولا هوان الحياة وخزي المم ... ات وكُلًا أتاه وخيمًا وبيلا فإن لم يكن غير إحداهما ... فسيروا إلى الموت سيرًا جميلًا ولا تقعدوا وبكم منَّةٌ ... كفى بالحوادث للمرء غولا

_ [1] بهامش الأصل: زيد.

وولد صرمة بن مرة:

وقَالَ فِي ذَلِكَ أيضًا: يا قومنا لا تَغُروُّنا بداهيةٍ ... فكل ما فعل الأقوام مذكور يا قومنا لا تَمَنُّوا حربنا سفهًا ... إن السفاه وإن البغيَ مبثور ومن بني مرة: الصقر بْن عَبْد اللَّه، كَانَ عَلَى الكوفة فِي ولاية عُمَر بْن هبيرة. ومنهم: عامر بْن ضبارة، كَانَ مَعَ يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة وَقَدْ ذكرنا لَهُ أخبارًا. ومن بني مرة: الوليد بْن تَليد، كَانَ شريفًا ولاه هشام بْن عَبْد الملك الموصل، وهو فرشها بالحجارة، وكان قبل ذَلِكَ عَلَى شرطة الموصل. وولد صِرْمَةَ بْن مُرَّة: ضَرَمة بْن صِرمة. وعبد اللَّه. وزبينة. وعمرا درج. منهم: هاشم بْن حرملة بْن الأشعر بْن إياس بْن مُرَيط بْن ضَرَمة بْن صِرمة بْن مُرَّة. وكان حُذيفة بْن بدر جمع لبني عبس، فالتقوا دون الهباءة فِي يَوْم قائظ، ثُمَّ تحاجزوا لشدة الحر، فاستنقع حذيفة وَحَملْ ومالك بنو بدر فِي بركة الهَباءة، فقتل الربيع بْن زياد حَمل بْن بدر، وقتل حذيفة الحارث بْن زُهَيْر بْن جذيمة وعمرو بْن الأسلع جميعًا، وأخذ الحارث سيف حذيفة، وقتل جميع من كَانَ فِي الجفر. وقَالَ عمرو بن الأسلع: إن السماء وإن الريح شاهدة ... والله يشهد والإنسان والبلد أني جزيت بني بدر ببغيهم ... على الهباءة قتلا ما به قودا لما التقينا عَلَى أن جاء جَمَّتها ... والمشرفِيَّةُ في أيماننا تقد علوته بحسام ثم قلت لَهُ ... خذها حُذَيفُ فأنت السيِّدُ الصَّمَد

ومثلوا بحذيفة فَدَسُّوا مذاكيره فِي فمه، وجعلوا لسانه في استه. وقال عقيل بن علفة يهجوا عويف القوافي: ويوقد عوف للعشيرة ناره ... فهلا عَلَى جفر الهباءة أوقدا وعضَّ عَلَى أَيرٍ حذيفة بعد ما ... أُثير عَلَى جفر الهباءة أسودا وقَالَ قيس بْن زُهَيْر بْن جذيمة العبسي: أقام عَلَى الهباءة خير ميتٍ ... وأكرمُه حذيفة لا يريم ولولا ظلمه ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم ولكن الفتى حمل بْن بدر ... بغى والبغي منقصة وشوم أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم ومارستُ الرجال ومارسوني ... فَمُعْوَجٌّ عليّ ومستقيم ثُمَّ اصطلحوا، وحملت الحمالة فكان السعادة فيها يُحَمِّلُونها غطفان ممن لم يشهد الحرب، فلذلك قَالَ زُهَيْر: .......... ... يُنَجَّمُها من ليس فيها بمجرم [1] وقَالَ أيضًا: لعمرك ما جَرَّتْ علينا رماحهم ... دم ابْنُ نهيك أَوْ قتيل المثلَّم [2] يَقُولُ: لم يقاتلوا فتجر عليهم رماحهم دم هذين اللذين قتلهما غيرهم ممن ليس منهم. وكان أول من سعى فِي الحمالة: حَرْمَلة بن الأشعر المري، فمات فسعى

_ [1] الشطر الأول لهذا البيت: «تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت» . شرح ديوان زهير ص 17. [2] شرح ديوان زهير ص 25.

فيها هاشم بْن حرملة، فلم يلبث أن قتله قيس الجشمي، وهاشم الَّذِي يُقال لَهُ: أحيا أباه هاشم بْن حَرْمَلة ... يَوْم الهباتين ويوم اليَعْمله ترى الملوك حوله مُرَعْبَلَه ... يَقتل ذا الذّنْبِ وَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ قَالُوا: وكان معاوية بْن عَمْرو بْن الشريد أخو الخنساء الشاعرة، غزا بني مرة وبني فزارة، ومعه خُفاف بْن نُدبة، فقتل هاشم بْن حرملة، ودريد بْن حرملة أخوه: معاويةَ، فَقَالَ خفاف: قتلني الله إن لم أثئر به فشد عَلَى مالك بْن حمار، وكان سيد فزارة فقتله. وَيُقَال أيضًا: إن معاوية بْن عَمْرو وافي عكاظ فلقي وهو يمشي فِي سوقها أسماء المُرِّيَة، وكانت جميلة بَغِيًّا فدعاها إلى نفسه فامتنعت وقَالَت: أما علمتَ أني عند سيد العرب هاشم بْن حرملة، فَقَالَ: أما والله لأقارعَنَّه عنك، فلما انصرفوا من عكاظ، خرج معاوية غازيًا يريد بني مرة وفزارة ثُمَّ تطيَّر من طير دَوَّمَتْ عَلَيْهِ وعلى أصحابه، فلما كَانَ فِي العام المقبل غزاهم فسنح لَهُ ظبي وغراب فتطيَّر فرجع، وطلبه بنو مرة وفزارة فالتقوا فقُتل معاوية بْن عَمْرو، قتله هاشم بْن حرملة وذلك الثبت فقالت الخنساء أبعد ابْنُ عَمْرو من آلِ الشريد ... حَلَّتْ بِهِ الأرض أثقالها سأحمل نفسي عَلَى حالةٍ ... فإمَّا عليها وإمَّا لها [1] ولها فِيهِ أشعار كثيرة، وقالت أيضًا: ألا لا أرى فِي النَّاس مثل معاوية ... إِذَا طرقت إحدى الليالي بداهية

_ [1] ديوان الخنساء- ط. دار صادر بيروت ص 120- 121.

بداهية يصغي الكلاب حسيسها ... ويجعل أسرار النجيِّ علانية [1] وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ يُقال لهاشم صياد الفوارس، وكان شجاعًا كريمًا، فجرى بينه وبين معاوية بْن عَمْرو أخي الخنساء من ولد الشريد، وهو عَمْرو بْن رياح بْن يَقَظة بْن عُصَيَّة بْن خفاف السلمي كلام، فجمع هاشم ولقي معاوية، وهو فِي جماعة من بني سليم فيهم عَبْد العزى بْن عَبْد اللَّه بْن رواحة بْن خليل بْن عصيّة زوج الخنساء الشاعرة، وكان مع هاشم أخ لَهُ يُقال لَهُ دريد، وَيُقَال رويد، فاقتتلوا ودعا هاشما معاوية إلى المبارزة فبارزه فقتله هاشم، وطعن صَخْرٌ أخُو الخنساء هاشمًا فأفلتَ، وقَالَت الخنساء لأخيها صخر: أسلمتم معاوية حتى قُتل، فجمع صخر بني سليم ومضى إلى بني مرة، فلما دنا منها ومعه ابْنُ أخته عَمْرو بْن عَبْد العزى، وهو أَبُو شجرة، وجد هاشم بْن حرملة مضطجعًا ورأسه فِي حجر ابنته فلما أحس بِهِ ثار فضربه صخر عَلَى وجهه بالسيف فقتله، وَيُقَال بل طعنه فنزف حتَّى مات، واتبعه قوم من بني مرة فهزمهم وقتل بعضهم، وقَالَ صخر فِي أبيات: وأُفلت هاشم وبه قلوص [2] ... كَعَطِّ [3] البُرْدِ تغلب كل سير وَيُقَال إن هَذَا فِي الطعنة التي طعنها يَوْم قتل معاوية. وقَالَ أَبُو عبيدة والمفضل: وقع بين معاوية وهاشم كلام بعكاظ، فغزا معاوية هاشمًا وكان ناقها، فَقَالَ لأخيه: إن معاوية إِذَا رآني لم يَعْتَم أن يَشُدَّ عليّ، فاستطرد لَهُ حتَّى تجعله بيني وبينك فأينا حمل عليه أتاه الآخر من

_ [1] ديوان الخنساء ص 145. [2] قلص يقلص قلوصا: وثب، ونفسه غثت. القاموس. [3] عطّ الثوب: شقه طولا أو عرضا بلا بينونة.

قال ابن الكلبي: ومنهم: حميضة بن حرملة، أخو هاشم

خلفه، ففعل وحمل معاوية عَلَى هاشم فاختلفا طعنتين فأنفذ هاشم سنانه من عانة معاوية فقتله، وجاء صخر بعد ذَلِكَ فوجد هاشمًا عليلًا من طعنة معاوية إياه، ومعه أَبُو شجرة بْن خنساء وهو عُمَر بْن عَبْد العزى فطعن صخر هاشمًا فقتله، وطلبه قوم من بني مرة فدفعهم عَنْهُ أَبُو شجرة وقَالَ فِي أبيات لَهُ. عَلَى ساعة لا يُسلم المرء خاله ... وَقَدْ أَوْعَثَتْ بالمرء كل سبيل وقَالَ قوم: خرج هاشم بعد قتله معاوية بْن عَمْرو فِي أمر من أموره متخففًا، فشدَّ عَلَيْهِ عَبْد العزى زوج خنساء فطعنه فَخَرَّ ميتًا، وَيُقَال بل شد عَلَيْهِ قيس بْن عامر الجشمي، وهو غار فرماه بمعبلة فقتله. وقَالَ أَبُو المهدي: كَانَ يمر في النخل فكان لَهُ وراء نخلة ثُمَّ رماه فصرعه فسقط ميتًا، وَيُقَال ان قيسًا الجشمي كَانَ زوج خنساء يومئذ والله أعلم، فقالت خنساء: فدى للفارس الجشميّ نفسي ... وأفديه بمن لي من حميم كما من هاشم أقررتُ عيني ... وكانت لا تنام ولا تُنيم [1] قَالَ ابْنُ الكلبي: ومنهم: حُميضة بْن حرملة، أخو هاشم وقَالَ غيره هُوَ دريد، ولقبه حُميضة. ومنهم: معن بْن حذيفة بْن الأشيم بْن عَبْد اللَّه بْن صرمة الشَّاعِر، الَّذِي يُقال لَهُ المزعفر. وولد دهمان بْن عوف بْن سعد بْن ذبيان: عصيم بْن دهمان. منهم: أَبُو غطفان، كاتب عثمان بْن عفان رَضِيَ اللهُ عنه.

_ [1] ديوان الخنساء ص 129، البيت الأول فقط.

وولد عبد بن سعد:

وولد عَبْد بْن سعد: مالك بْن عَبْد. وبجالة بْن عَبْد، وهم قليل. منهم: مرداس بْن ظالم بْن مُلَيْل بْن حبيب بْن مالك بْن عَبْد، قتله أسامة بْن زَيْد فِي بعض مغازي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والعباس بْن سعد كَانَ عَلَى شرط يُوسُف بْن عُمَر الثقفي. وولد ثعلبة بن سعد بن ذبيان: مازن بْن ثعلبة. والحارث بْن ثعلبة وهو شزن لقبه. وعجب بْن ثعلبة. فولد مازن بْن ثعلبة: رزام بْن مازن. وناصرة بْن مازن، وهم بالشام. وبجالة بْن مازن. فولد رزام: سبد بن رزام. وحزيمة بن رزام. ومالك بن رزام. فولد سيد: ناشب بْن سُبَد. وسحيم بْن سُبَد. منهم أَبُو الرُبيس [1] الشَّاعِر وهو عباد بْن عَبَّاس بْن عوف بْن عَبْد اللَّه بْن سعد بْن ناشب، وقَالَ بعضهم: هُوَ عباد بْن طهفة بْن عوف بْن عَبْد اللَّه بْن سعد بْن ناشب، وكان أَبُو الربيس خبيثًا لا يبالي ما صنع فنظر إلى ناقة بالمدينة عليها رحلها وأداتها والناس يريدون الحج، فسأل عَنْهَا فقيل هِيَ للمطرف عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عثمان بْن عفان، فسرقها ثم انطلق بها، وقال في أبيات له أولها: أَبِي القلب إلا ذكر أشَجعية ... دعتها لأكناف المدينة أشجع فهل تُبلغيها إن أَنَا زُرْتُها ... غدا وانجلى عني الغطاء المقنَّع قليلة فضل النسعتين إِذَا رمى ... مَعَ الرعلة الأولى الذُّمَيْل المزعزع إِذَا ذكرتْ وسط المرابع ضغنها ... حتى دونها من ذي تورّم مرتع

_ [1] بهامش الأصل: أبو الربيس الشاعر.

نجيبة بَطالٍ لدُنْ شَبَّ لَهْوُهُ ... لِعَابُ الكِعَابِ والمدام المشعشع جَلَا المسك والحمَّام والبيضُ كالدُّمى ... وطيْبُ الدِّهَان رأسَهُ فهو أَنزع جميل المحيا واضح اللون لَمْ يطا ... بحزن ولم تألم لَهُ النكث أصبع من النفر الشُّمِّ الَّذِينَ إِذَا انتدوا ... وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا إِذَا النفر الأدْمُ اليمانيون يسرُوا ... لَهُ حوك بُرْدَيْه أَدقُّوا وأَوسعوا [1] فبلغ الشعر أبا المطرف، وهو عَمْرو بْن عثمان، فَقَالَ: ليته قَالَ فِي كل يَوْم بيتًا مثل هَذَا الشعر. وأخذ مني ناقة وأمنه فلم يزل منقطعًا إِلَيْه. وكان أَبُو الربيس يهوى ليلى بِنْت نعيم بْن مَسْعُود الأشجعي، صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو مَسْعُود عامر بْن أنيف بْن ثعلبة. وغير الكلبي يَقُولُ: نعيم بْن مَسْعُود بْن رُخَيْلَة الأشجعي والأول أثبت. وكان أَبُو الربيس يتحدث إلى ليلى فلما أخذ ناقة المطرف اشتاق إليها فَقَالَ هَذَا الشعر: أَبِي القلب إلا ذكرها أشجعية.......... وعدا أَبُو الرُبيس عَلَى خلفات لأبي حصن السلمي ثُمَّ الخثمي من رهط أَبِي العاج وقَالَ: ليبك أَبُو حصنٍ عَلَى خلفاته ... إذَا شبَّ درواش لهن وجابر غلامًا طوى وكأنما نشغانه ... سديف [2] الذرا معصوبه والكراكر [3] النشوغ: ما نشغ الصبي الصغير يسقاه.

_ [1] الأبيات مع فوارق في خزانة الأدب للبغدادي ج 2 ص 532- 533. [2] السديف: شحم السنام. القاموس. [3] الكركرة: رحى زور البعير، أو صدر كل ذي خف، والجماعة من الناس. القاموس.

أضاع فلما راعه الحرب شمرت ... بِهِ الحرب وهو الفرعلان الغنافر الغنافر: الضعيف المغفل، والفرعلان: الضبعان الذكر. يرى النحل بالمعروف كيسًا وكسعة ... ألات الذرا بالغبر لكع كماثر فِي أبيات. وقَالَ أَبُو الحصن: إن أبا حصن سيمنع ذوده ... من العبد فتيان الصباح المساعر إِذَا كَانَ مولاه بِهِ الفقر زاده ... بعادًا وأغناه حليب وخازر لعمري لئن واعدت جارًا بغدرة ... لقد علم الأقوام أنك غادر فإن تَدْنُ منها تَدْنُ فِي الليل سارقًا ... وإن تُرَ تَخِطفْكَ الرماح الخواطر وقَالَ أَبُو الربيس فِي ناقة المطرف: نجيبة مَوْلَى غلها القت [1] والنوى ... هلالين في مقصورة لا يريمها فلما استوى المتنان قلت لها اقصدي ... أما تجدين الريح طاب نسيمها وقَالَ فيها أيضًا: نجيبة مَوْلَى غَلَّها القت والنوى ... بيثرب حتَّى نَيُّها [2] متطاير فقلت لها خبيّ فمالك علة ... سنانك ملموم ونابك فاطر قَالُوا خرج أَبُو الربيس بإبل يطردها، فنزل بامرأة من أشجع، ثُمَّ إحدى ولد نعيم بْن مَسْعُود، فلقي جارية فَقَالَ قولي لمولاتك إنه ليس معي زاد فإن زودتني مدحتك وإن لم تفعلي هجوتك فقالت مولاتها: كل بلية والمديح خير فزودته فَقَالَ: ألا يا هضيم الكشح خفاقة الحشا ... من الغيد أعناقا أولاك العواتق

_ [1] القت: الإسفست وهي الفصفصة، أي الرطبة من علف الدواب. معجم أسماء النبات الواردة في تاج العروس. [2] لعله أراد لحمها من شدة سمنها. انظر القاموس.

ومنهم ربيعة بن عبد الله بن نوفل بن أسعد بن ناشب،

قفي تخبرينا أَوْ تردي تحية ... لنا أَوْ تبتلي قبل إحدى الصوافق صديق لوسم الأشجعيين بعد ما ... كستني الشعور القعس شيب المفارق هجان المحيا عوهج [1] الخلق سرُبلتْ ... من الْحَسَن سربالًا عتيق البنايق إِذَا البين أحساك [2] الأمرَّين فأعبرنْ ... بشحط النوى فالبين غير موافق فِي أبيات. ومنهم ربيعة بْن عَبْد اللَّه بْن نوفل بْن أسعد بْن ناشب، وهو أدخل خَالِد بْن الوليد عَلَى غطفان. ومنهم: شريح بْن بجير بْن أسعد بْن ناشب الشَّاعِر القائل: فإن كنتما تحاولان رياضتي ... رضا جموح الرأس بعد حران وولد حَزيمة بْن رزام: عَبْد العزى رهط قطبة بْن محصَن بْن جرول بْن حبيب وهو الأعظم بْن عَبْد العزى بْن خزيمة بن رزام بن مازن. وقطبة هو الحادرة [3] الشَّاعِر، سُمِّيَ بقول مزرّد بْن ضرار لَهُ: كأنك حادرة المنكبين ... رصعًا ينقضُّ فِي حادر ويقال إن البيت لزبّان بن سيار، وأن الحادرة ردَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: لحى اللَّه زبَّان من شاعر ... أخي حسد غادر فاجر [4] وقَالَ الحادرة ليزيد بْن ضرار أخي الشماخ: فقلت تزرّدها يزيد فإنني ... لدرد الموالي في السنين مزرّد [5]

_ [1] العوهج: الطويلة العنق. [2] أحسك الدابة: أقضمها- الحسك- فحسكت. القاموس. [3] بهامش الأصل: الحادرة ومزرد الشاعران. [4] ديوان شعر الحادرة- ط. صادر بيروت ص 37 مع فوارق. [5] ديوان شعر الحادرة ص 96. ودرد: جمع أدرد. وهو الذي سقطت أسنانه.

وولد بجالة بن مازن أمة،

فسمي يزيد مُزَرَّد، والحادرة الَّذِي يَقُولُ: وشطَّتْ عَلَى كرهٍ فخيلت لما بها ... مفجعةً أن الحبيب لَهُ فقد [1] يَقُولُ: فأثنوا عليها لا أبًا لأبيكم ... بإحسانهم إن الثناء هُوَ الخلد [2] وقَالَ: متبطحين عَلَى الكثيب كأنهم ... يبكون حول جنازة لم ترفع [3] وهو القائل: أمعطية غيظ بن مُرٍّ بجَدِّها ... غلاما لَهُ أم وليس لَهُ أب يُقال لَهُ قيس بْن زحل بْن ظالم ... كما لوحك العود النخيس المركب [4] وولد بجالة بْن مازن أمةً، وهو رَجُل. وجحاش بْن بجالة. وناصرة بْن بجالة. وعبد غنم بن بجالة. ومنهم: علقمة بْن عُبَيْد بْن قتبة بْن أمة بْن بجالة، الَّذِي يَقُولُ لَهُ الحصين بْن الحُمام المري: فلولا رجال من رزام بْن مازن ... وآل سبيع أَوْ أسوءك علقما وإنما قَالَ الشماخ: ألا تلك ابْنَة الأموي قَالَت......... [5]

_ [1] ديوان شعر الحادرة ص 70. [2] ديوان شعر الحادرة ص 73. [3] ديوان شعر الحادرة ص 57. [4] ليسا في ديوان شعر الحادرة المطبوع. [5] الشطر الثاني لهذا البيت «أراك اليوم جسمك كالرجيع» ديوان الشماخ بن ضرار- ط. القاهرة 1977 ص 222.

ومنهم: مالك بن سبيع بن عمرو بن قتبة بن أمة،

يريد أمة. والناس يروونها: الأموي ينسبونه إلى أمية. ومنهم: مالك بْن سبيع بْن عَمْرو بْن قتبة بْن أمة، كَانَ شريفًا ووضعت عَلَى يديه الرهن فِي حرب عبس وذبيان. ومنهم: شماخ الشَّاعِر [1] وهو معقل، وأخوه يزيد وهو مزرد ابنا ضرار بْن سنان بْن أمة بن جحاش. [أما الشماخ] وَيُقَال هُوَ ضرار بْن صيفي بْن أصرم بْن إياس بْن عَبْد غَنْم بْن جحاش بْن بجالة. حَدَّثَنِي عَمْرو بن أَبِي عَمْرو الشيباني قَالَ: كَانَ الشماخ وأخواه يزيد وجزء شعراء، فقالت لهم أمهم: ألا تستحيون لي ولأحسابكم من أن تعرضوني الشعراء العرب، فَقَالَ لها يزيد وهو مزرد. ما ربطتْ أُنثى من العرب بفنائها مثل أجر [2] ربطتهم، فاصبري فإن أمهات الشعراء يلقين ما تلقين وأكثر. وكانت قريش تفضل شعر الشماخ، وَقَدْ أدرك الْإِسْلَام هُوَ وأخويه، وشخص إلى آذربيجان مَعَ سَعِيد بْن العاص. حَدَّثَنِي المدائني عن وضاح بْن خيثمة قَالَ: خطب أويس القرني العابد أم الشماخ ومزرد وجزء بْن ضرار فَقَالَ الشماخ: تقولها ناكحة أويسا. فَقَالَ: مزرد. يهدي إليها أعنزا وتيسا. فقال جزء:

_ [1] بهامش الأصل: شماخ الشاعر وأخوه مزرد. [2] جمع جرو، والجرو صغير كل شيء، وولد الكلب والأسد. القاموس.

حُمقًا تَرى ذاك بها أَمْ كَيْسَا [1] . فَقَالَ أويس: لقد أخزى اللَّه من يكون رابعكم. وحدثني عباس بن هشام ابن الكلبي قَالَ: أقبل عرابة بْن أويس بْن قيظي بْن عَمْرو الأوسي من الأنصار من الطائف، ومعه أبعرة عليها زبيب وأدم وغير ذَلِكَ فَعَنَّ لَهُ الشماخ، فَقَالَ لَهُ: أعطني مما عَلَى أبعرتك من الزبيب فَقَالَ لَهُ: خذ برأس القطار. قَالَ الشماخ: أتهزأ بي عافاك اللَّه؟ قَالَ: الأبعرة وما عليها لَكَ عافاك اللَّه، فأخذ الإبل بما عليها فمدحه بقصيدته التي أولها: كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظَنون آن مطرح الظنون طوالة: بئر كانوا يجتمعون عليها. وقَالَ فيها: رأيتُ عَرَابة الأوسيّ ينمى ... إلى الخيرات مُنقطع القرين إِذَا ما رأية رُفعَتْ لمجدٍ ... تلقاها عرابة باليمين [2] وكان سعيد بْن العاص عامل عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الكوفة فغزا آذربيجان، فأوقع بأهل موقان وجيلان، وكان الشماخ مَعَ سَعِيد إلا أَنَّهُ لم يحضر موقان وحربها، فَقَالَ لبكير بْن شداد بْن عامر فارس أطلال وكان قَدْ أصيب بها: وغُيِّبْتَ عن خليل بموقان أسلمت ... بكير بني الشداخ فارس أطلال [3]

_ [1] ديوان الشماخ ص 446. [2] ديوان الشماخ ص 319- 336. [3] ديوان الشماخ ص 456.

وقالوا قدم الشماخ المدينة، فقالت لَهُ امْرَأَة يُقال لها جونة كَانَ لها بنات موصوفات بالجمال، وكانت تأبى أن تُنكح الموالي، ولم تكن العرب تحطب إليها لأنها وزوجها كانا من موالي قريش ممن سبي من العرب: إني جاعلة لَكَ جعلًا عَلَى أن تذكر بناتي لعلهن يُخطبن. فَقَالَ لها: أتهدينَ إليَّ جزورًا من مهر كل واحدة منهن؟ فقالت: ذاك لَكَ. فَقَالَ: ثلاث غمامات تَنَصَّبْنَ فِي الضحى ... طوال الذُّرا هَبَّتْ لهنَّ جنوب فتلك اللواتي عند جونة إنني ... صَدوقٌ وبعض الناعتين كذوب [1] قَالُوا: وخطب الشماخ إلى بعض بني سليم وكان الشماخ فِي حَسَبٍ، غير أَنَّهُ كَانَ أحمر قصيرًا، فَقَالَ لَهُ: والله ما ننكر حسبك ولكنك تخطب امْرَأَة ذات كبر، إن غضبتْ عَلَى زوجها ضربته، وهي ترى أن النَّاس خَوَلٌ لها. فَقَالَ: أَنَا من قَدْ عرفتم، وإن سَوْءَةً أنْ تردُّوني فزوجونيها. ثُمَّ لتضربني إِذَا شاءت، وبلغها فقالت لقومها: أنكحوا القرد وخذوا ماله، ففعلوا وملكها وخرجت معه ثُمَّ ركبت تريد الرجوع إلى أهلها، فنذر بها فأخذ عودًا فضرب ساقها، فقالت: كسرت ساقي وتَعَالَّتْ، ثُمَّ غفل عَنْهَا فركبت الجمل وأتت أهلها، وأقبل شماخ حتَّى نزل بامرأة من بني سليم فِي طريقه فأحسنت قِراه، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: هَلْ لَكَ علم بأمر العبد اللئيم شماخ فإنه بلغني أَنَّهُ تزوج هندًا فَقَالَ: تسائل أسماء الرفاق عشية ... لعمرك عن أمر النساء النواكح وإياكِ لو أنكحتُ دارتْ بكِ الرَّحى ... وألفيتِ بعلًا صالحًا غير طالح

_ [1] ديوان الشماخ ص 430.

ومزرد

يؤدي إليك النصح إمَّا انتصحِتهِ ... وما كل من تُفشي إِلَيْه بناصح [1] وقَالَ غير هشام ابْنُ الكلبي: سُمِّي مزرّد لقوله ظللنا نُصادي أمنا عن حميتها [2] ... كأهل الشموس كلنا يتودد فجاءت بها صفراء ذات أسرةٍ ... تكاد عليها ربّة السسحى تكمد فقلتُ تَزرَّدْها عُبَيْد فإنني ... لدُرْدِ الموالي في السنبن مُزَرَّد [3] ومزرّد الَّذِي يَقُولُ، وَيُقَال بل قَالَ ذَلِكَ جزء بْن ضرار، في عمر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ حين قتل: أَبَعْدَ قتيل بالمدينة أظلمتْ ... لَهُ الأرض تهتز العصاة بأَسْوُق جزى اللَّه خيرًا من إمام وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتق وما كنتُ أخشى أن تكونَ وفاتُه ... بِكَفَّيْ سَبَنْتيْ أحمر العين أزرق قَالَ: وخرج غلام من بني ثعلبة بْن سعد بْن ذبيان ومعه إبل لَهُ، فنزل فِي عَبْد اللَّه بْن غطفان، فجاور رجلًا لَهُ بنات لهنَّ جَمال فجعل يُخلي بينه وبين محادثتهن حتَّى استهوينه، فلم يزل الشَّيْخ يخدع الغلام حتَّى أخذ إبله وأعطاه بكل بعير عنزًا، وقَالَ: الغنم أهون عليك من الإبل فلما أخذ إبله حجب بناته عَنْهُ، وكان اسم الرجل أبا البنات زرعة بْن ثوب، وانصرف إلى أهله فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: ويحك عَلَى مَن نَزَلْتَ؟ قَالَ: عَلَى زرعة بْن ثوب، فعلم أَنَّهُ خدعه، ففزع الرجل إلى مزرّد بْن ضرار، فقال مزرد بن ضرار قصيدة

_ [1] ديوان الشماخ ص 104- 108 مع فوارق كبيرة. [2] الحميت: وعاء للسمن أو الزق الصغير أو الزق بلا شعر متن بالرق. القاموس. [3] ديوان المزرد بن ضرار. ط. بغداد 1962. ص 79.

يَقُولُ فيها: فيا آل ثوبٍ إنَّما ذود خالدٍ ... كذات اللظَى لا خير فِي ذود خَالِد وما خَالِد مني ولو ضَلَّ أهله ... أبانين بالنائي ولا المتباعد فأدُّوا مخاض الثعلبيّ فذلكم ... أَبَرّ وأوفى مِنْ أَذى غير واحد وإلا تَرُدُّوها فإن شناعها ... لكم أبدًا من باقيات القلائد صقعت ابن ثوب صقعة لا حجى لها ... يُوَلْوِلُ منها كل آسٍ وعائد [1] وهو القائل: تبرأتُ من شتم الرجال بتوبةٍ ... إلى اللَّه مني لا ينادي وليدها وكان قَدِ استعدي عَلَيْهِ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ هذا الشعر، ووصله عرابة الأوسي فَقَالَ: فَدَتْكَ عراب اليوم أمي وخالتي ... وناقتي الناجي إليكَ بريدها أي سيرها فِي البريد وهو اثنا عشر ميلًا. قَالُوا وكان مزرد بدينًا عريضًا، فطلب من أمه شيئًا فلم تعطه إياه، فَقَالَ لها: والله لأعرضنَّك لأخبث شاعر من مضر وقَالَ: حَكَّ الحمار برأس فيشته ... أُمُّ الحطيئةِ من بني عبس فأتت أمه الحطيئة فطلبت إِلَيْه ألا يهجوه وأخبرته خبرها فأمسك. وأتى وفد بني أنمار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مزرد: تَعَلَّمْ رسول الله أَنْ ليس مثلَهُم ... أَجَرُّ عَلَى المولى وأمنعُ للفضل فِي أبيات، وهجا بني غطفان فاستعدوا عَلَيْهِ عثمان فبعث فأتي به فقال:

_ [1] ديوان المزرد ص 77 مع فوارق.

ومنهم: عبد الله بن الحجاج بن محصن بن جندب بن نصر بن عمرو بن جحاش بن بجالة، الفاتك الشاعر،

أعوذ بربي أن أكون ظلمتكم ... وعثمان والبيت العتيق المحرم فِي أبيات. وقالوا تزوج مزرّد امْرَأَة من أنمار، فلما أهدوها إِلَيْه حملوها عَلَى بعير صعب فسقطت فانكسر مقدم أسنانها فَقَالَ: قد حَمَّلُوها أَقلَّ اللَّه خيرهُمُ ... عَلَى نفورٍ كفرخ الرخ خوار يا ليتَ فاها فداه الكسر أربعة ... من مَوْكبيهًا بني عبس وأنمار ومنهم: عَبْد اللَّه بْن الحجاج بْن محصن بْن جندب بْن نصر بْن عَمْرو بْن جحاش بْن بجالة، الفاتك الشَّاعِر، ويكنى أبا الأقير، وكان بالكوفة، ثُمَّ كَانَ مَعَ كَثِير بْن شهاب الحارثي، فجلده كَثِير مائة جلدة بالري، فلما صار إلى الكوفة وثب عَلَى كَثِير فضربه فِي وجهه فانكسر فاه. ومنهم: جبل بْن جوّال بْن صفوان بْن بلال بْن أصرم بْن إياس بْن عَبْد غَنْم بْن جحاش الشَّاعِر، الَّذِي رثى حُيَيّ بْن أخطب اليهودي يَوْم بني قريظة فَقَالَ: وَهَانَ عَلَى سراة بني لؤيٍّ ... حريقٌ بالبويرة مستطير تركتم قِدْركم لا شيء فيها ... وقِدْر القوم حامية تفور ألا يا سعد سعد بني مُعَاذ ... لما لَقِيَتْ قريظة والنضير وقَالَ: جحاشٌ ومِنْ شَرِّ الحمير جحاشُها ... قديمًا ومن شر السباع الثعالب وقال ابن الكلبي كَانَ يهوديًا فأسلم. وهو القائل: عَذِيرُ رزام إنْ بَغَتْ أَوْ تناصرتْ ... ولكنْ عذيرك ما عذيرك حَشْوَرا أحْشور عُوذي بالعزيز فإنما ... يَعُوذُ الذليل بالعزيز ليُنْصَرا

وولد عجب بن ثعلبة:

وولد عجب بْن ثعلبة: حَشْوَرَة بْن عجب. ووهب بْن عجب. فولد حشورة: سعد بْن حشورة. فولد سعد: العجلان بْن سعد. وجابر بْن سعد. وعائذ بْن سعد. ودارم بْن سعد. ورياح بْن سعد. منهم: أَبُو بأس بْن حذمة بْن جعدة بْن العجلان بْن سعد بْن حشورة قتل يَوْم جبلة. وولد الحارث بْن ثعلبة: شزن بْن الحارث. فولد شزن: عوال. فولد عوال: ضبيس بْن عوال. وصبح بْن عوال وزبينة بْن عوال. وقَالَ غير الكلبي: من بني ثعلبة بن سعد: زياد بن علاثة الكوفي الفقيه مات في زمن خالد بن عبد الله القسري أو بعد ذلك. وقال أبو اليقظان: ومن بني ثعلبة: جبلة بْن وهْبان، وكان شريفًا. وفد إلى سجستان، وعَقبُهُ بالجزيرة. قَالُوا: لما ضرب كَثِير بْن شهاب عَبْد اللَّه بْن الحجاج الجحاشي قَالَ: إني زعيم أن أجلل عاجلًا ... كفاحًا بسيفي هامة ابْنُ قنان سأترك ثغر الري ما دام واليًا ... عَلَيْهِ لأمر غالني وشجاني فإن أَنَا لم أدرك بوغْمي [1] كُثَيِّرًا ... فلا تَدْعُني للصِّيد من غطفان فإن تلك للشيخ الَّذِي عَض بالخصى ... فإني لَقِرْمٌ يا كَثِير هجان وكان يكنى أبا الأقيرع. وقَالَ عبد الله بن الحجاج حين ضرب كثيرا في جبهته:

_ [1] الوغم: التره والحقد الثابت في الصدر، والقهر. القاموس.

فمن مبلغ فتيان قوميَ أنني ... ضربت كثيرًا مضرب الظربان فغادرتُه فِي قومه متجدلًا ... وأخزيتُ منها وجه كل يمان وقَالَ ابْنُ الكلبي: كَانَ عَبْد اللَّه بْن الحجاج مَعَ كَثِير بْن شهاب بْن الحصين الحارثي، وكثير عَلَى ثغر الري. وأغار النَّاس عَلَى الديلم فأصاب عَبْد اللَّه بْن الحجاج رجلًا من الديلم وأخذ سلبه، فانتزعه مِنْهُ كَثِير، فأسمعه فأمر بضربه فضُرب وحُبس فَقَالَ عَبْد اللَّه: تسائل سلمى عن أبيها صحابه ... وَقَدْ عَلَّقَتْهُ من كَثِير حبائل فإن تسألي عَنْهُ الرفاق فإنه ... بأبهر لا غازٍ ولا هُوَ قافل أَلَسْتُ ضربتُ الديلمي أمامهم ... فغادرتُه فِيهِ سنان وعامل ثُمَّ خلى سبيله فأقبل إلى الكوفة فلما عزل كَثِير. وقدم الكوفة، لقيه عَبْد اللَّه فضربه بقضيب حديد عَلَى وجهه فكسر فمه أجمع، فكتب ناس من أهل اليمن إلى معاوية: إنَّ سيدنا ضربه رَجُل خسيس من غطفان، فأقْدنا من أسماء بْن خارجة، فَقَالَ معاوية: ما رَأَيْت كتاب قوم أحمق من هَؤُلَاءِ. ثُمَّ إن عَبْد اللَّه بْن الحجاج خرج مَعَ نجدة بْن عامر الحنفي الخارجي بَعْدُ، ثُمَّ طلب الأمان من عَبْد الملك بن مروان، وقال في أبيات له: أدنو لترحمني وتقبل توبتي ... وأراك تدفعني فأين المدْفَعُ ارحم أُصَيْبَيتي هُديتَ فإنها ... حُجُلٌ تَدَرَّجُ بالشزبَّةِ [1] جُوَّعُ فلقد وطأت بني سَعِيد وطأة ... وبني الزُّبَيْر فعزَّهُم متضعضع فأمنه عَبْد الملك وَقَدْ كَانَ وهو هارب من عَبْد الملك قَالَ: رأيتُ بلاد اللَّه وهي عريضةٌ ... عَلَى الخائف المطرود كفة حائل

_ [1] الشازب: الخشن والضامر اليابس، جمع شزب وشوازب. القاموس.

ومدح عبد الملك بقصيدة أولها: يا بن أَبِي العاص ويا خير فتًى ... أنت النجيبُ والخيار المصطفى يَقُولُ فيها: كما قضيت ابْنُ سَعِيد فقضي ... وابن الزُّبَيْر إذ تَسَمَّى وطغى والفاسق الكندي لما أن نأى ... فِي الترك أهديت له ثمّ الردى [1]

_ [1] بهامش الأصل: بلغت معارضة ولله كل حمد.

نسب بني فزارة بن ذبيان

بسم الله الرحمن الرحيم نسب بني فزارة [بن ذبيان] وولد فزارة بْن ذبيان: عدي بْن فزارة، وأمه نُضَيْرة بِنْت جشم بْن معاوية بْن بَكْر بْن هوازن. ومازن بْن فزارة. وشمخ بْن فزارة. وظالم بْن فزارة. ومُرَّة بْن فزارة. ورومي بْن فزارة وأمهم مَنُولة بِنْت جشم بْن بَكْر بْن حُبيب من بني تغلب، بها يعرفون. فولد عدي بْن فزارة: ثعلبة بْن عدي. وسعد بْن عدي. وربيعة بْن عدي، وَيُقَال لبني ربيعة بنو عَنْمة. وشَكْمُ بْن عدي، وَيُقَال هُوَ ابْنُ ملكان بْن جَرْم، فبعضهم ينتسب جرميًا، وبعضهم ينتسب فزاريًا. فولد سعد بْن عدي: مالك بْن سعد، وهو حُمَمة، وأمه العُشَراء بِنْت بُهْثَة بْن غني بْن أعصر. وحرام بْن سعد بْن عدي، وأمه رَقاش بِنْت دارم بْن مالك بْن حنظلة. فولد مالك بْن سعد: بغيض بْن مالك اجتمعت عَلَيْهِ قيس فِي الجاهلية. وعياذ بْن مالك. وسَود بْن مالك. وعمرو بْن مالك، وأمهم العَشْواء بِنْت يربوع بْن غيظ بْن مرة. فولد بغيض بْن مالك: خَديج بْن بغيض. وعُصيم بْن بغيض.

سكين بن خديج،

وزيد بْن بغيض، وأمهم ذنب بِنْت حُوَيَة بْن لوذان بْن ثعلبة بْن عدي بْن فزارة. ووهب بْن بغيض. وواهب بْن بغيض. ووهبان بْن بغيض. وقَتَادَة بْن بغيض. وأمهم ريطة بِنْت مخالف بْن دهر- أَوْ مُحالف- بْن الحارث بْن عَمْرو بْن هلال بْن شمخ بْن فزارة. وعمرو بْن بغيض. وعركي بْن بغيض، وأمهما من بني الصارد بْن مرة. فولد خَديج بْن بغيض: سُكين بْن خديج، وأمه جهمة بِنْت محاربي بْن مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان بْن ثعلبة بن بهثة بْن سليم. فمن بني سُكَين: يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة بْن مُعَية بْن سكين، وَقَدْ ذكرنا من خبر عُمَر بْن هبيرة، وخبر يزيد فِي كتابنا هَذَا أشياء فيها كفاية. وكان عُمَر بْن هبيرة يكنى أبا المثنى. ومات بالشام وكان يزيدًا ابنه سيدًا يقسم على زواره في كل شهر خمسمائة ألف درهم ويطعم النَّاس وقتل بواسط. ومنهم: جميل بْن حُمران بْن الأشم بْن عَبْد اللَّه بْن معية كَانَ من سادتهم. ومنهم: المثنى بْن يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة ولي اليمامة لأبيه، وقتله أَبُو حَمَّاد المروزي بالبادية، وهو أَبُو حُميد وأعقابهم بالشام. ومن بني وهب بْن بغيض: الربيع بْن ضبع بْن بغيض الشَّاعِر، وعُمّر دهرًا فَقَالَ: أصبح عَنِّي الشبابُ قَدْ حَسَرا ... إن يَنْأَ عني فقد ثوى عصرًا وولد حَرَّام بْن سعد بْن عدي: حَرَجة بْن حَرَّام. وحَريج بْن حرام. وعُشّ بْن حرام. والحارث بْن حرام. وحريش بْن حرام.

منهم: الحارث بْن عَمْرو بْن حَرْجة الشَّاعِر، وابن ابنه عَبْد الرَّحْمَن بْن مَسْعُود بْن الحارث بْن عَمْرو، ولاه معاوية الصائفة بعد سُفْيَان بْن عوف الغامدي من الأزد، فوليها غير مرة، وفيه يقول الشاعر: أقم يا بن مَسْعُود قناة صَليبة ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عوف يقيمها وسم يا بن مَسْعُود مدائن قيصر ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عوف يسومها وقوم يقولون هُوَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وعبد الرَّحْمَن أثبت. وولى ابْنُ هبيرة مَسْعُود بْن حسان بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مَسْعُود البصرة. ومنهم: حسان الجواد، كَانَ من أجواد العرب وهلك فِي خلافة المهدي أمير المؤمنين وهو حسان بْن ميسرة بْن عُمَيلة بْن الحكم بْن شريح بْن الحارث بْن عمرو بن حرجة، وفيه يَقُولُ خلف بْن خليفة: إن الَّذِينَ بحسان عدلتَهم ... فلن يساووا جميعًا شسع حسان ومنهم: حصن بْن جُندب بْن خُنيس بْن حرجة، كَانَ سيد أهل البادية، واعتزل قتال كلب وفزارة. ومنهم: شبيب بْن قيس بْن حريج بْن حرام الَّذِي مدحه الحطيئة. ومنهم كردم. وكريدم ابنا شعثة بْن زُمَيْرة بْن حريش بْن حرام، وأمهم خالدة بِنْت أزنم بْن عَمْرو بْن حرجة، وكردم هُوَ الَّذِي طعن دريد بْن الصمَّة يَوْم قتل عَبْد اللَّه بْن الصمة ولها يَقُولُ الشَّاعِر: جزى اللَّه ربك رب العباد ... والملحُ ما ولدت خالدة هُمْ يطعمون سديف السنام ... والشحم فِي الليلة الباردة وهم يسكرون صدور الرماح ... فِي الخيل تُطْرَدُ أَوْ طاردة يُذَكِّرُني حسن أفعالهم ... تأوه مُعْوِلَةٍ فاقدة

وولد ثعلبة بن عدي بن فزارة:

فإن يكن الموتُ أَفناهُمُ ... فللموتِ ما تلد الوالدة وكانوا يحلفون بالملح والرماد، وبذاتِ الودع سفينة نوح. قَالَ رَجُل من بني شيبان فِي يَوْم ذي قار: حلفتُ بالملح والرماد ... وبالله واللات نُسْلم الحلقة [1] . وولد ثعلبة بْن عدي بْن فزارة: لوذان بْن ثعلبة. فولد لوذان: جوية بْن لوذان. وزُنيم بْن لوذان. وأسعد بْن لوذان. وخِزامة بْن لوذان رهط عدي بن أرطاة عامل عُمَر بْن عَبْد العزيز عَلَى العراق، وَقَدْ كتبنا أخباره، ولخزامة بقية. فولد جوية: عَمْرو بْن جوية. وعميرة بْن جوية. وعامر بْن جوية. وعبد بْن جوية، وأمهم عمرة، وهي الشاة- سُميت بشاة من الغنم- بِنْت عَمْرو بْن صرمة بْن مرة بْن عوف. فولد عَمْرو بْن جُوية: بدر بْن عَمْرو. وجساس بْن عَمْرو. فولد جساس أبدًا لا يزيدون عَلَى أربعة، إِذَا ولد مولود مات رَجُل، وأمهما غني بِنْت زنيم بْن لوذان بْن ثعلبة، وقتل بدر بن عمرو بنو أسد، وعليهم خَالِد بْن الأبح بْن عَبْد الأسدي من ولد أسامة بْن نصر بْن قعين. [حرب داحس والغبراء ومقتل بعض ولد عمرو] فولد بدر. حذيفة وكان يقال له أب معدّ. وحمل بن بدر. ومالك بْن بدر. وعوف بْن بدر قتلوا كلهم فِي حرب داحس. والحارث بْن بدر. وربيعة بْن بدر. وزيد بْن بدر. فأما حذيفة بن بدر فقتله عبس. حدثت عن عدة من العلماء أن الربيع بْن زياد العبسي كَانَ سيد بني عبس، فأتاه قيس بْن زُهَيْر بْن جذيمة العبسي، بعد مقتل أبيه زهير بن

_ [1] الحلقة: السلاح.

جذيمة، فَقَالَ لَهُ: إن فِي نفسي لأمرًا عظيمًا من بني عامر إِذَا ذكرتُ قتل حندج زهيرا، وإني منطلق إلى أحيحة بْن الجُلاح الأوسي فملتمس من عنده سلاحًا يكون عدة لنا عَلَى حرب بْني عامر، فلما لقيه قَالَ لَهُ: يا أبا عَمْرو أنبئت أن عندك درعا حصينة فبعينها أَوْ هَبْهَا لي. فَقَالَ: مثلي لا يبيع السلاح ولولا أن تَقُولُ بنو عامر أعان علينا لو هبتها لَكَ، فاعطاه ابني لَبُونٍ وأخذها، فَقَالَ لَهُ: خذها فإن البيع مرتخص وغال، وهو أول من قالها، وكان أُحيحة يحفظ لبني عامر أن خَالِد بْن جَعْفَر مدحه بأبيات أولها: إِذَا ما أردت العز فِي أهل يثرب ... فنادِ بصوتٍ يا أحيحة تُمنَعِ فتُصبح بالأوس بْن عَمْرو بْن عامر ... كأنك جارٌ لليمانيِّ تبَّع وكانت الدرع تدعى ذات الموت، ثُمَّ ابتاع قيس من يثرب رماحًا وأدراعًا، وأقبل فوصف للربيع الدرع التي أخذها من أُحيحة، وأراه إياها فصبَّها الربيع عَلَيْهِ وادِّعاها وقَالَ: يا قيس. الدرع درعي لم أَبْع ولم أَهَبْ ... مسروقة فِي بعض أحياء العرب أحدث فيها الدهر شيئًا من عجب وجرى بين الربيع وقيس فِي أمر الدرع كلام وشعر، وبعثت جمانة بِنْت قيس إلى الربيع وهو جدها: يا جَدَّاه رُدَّ عَلَى أبي درعه فإنه لجوج، فأرسل إليها: يا بنية ما أبوك بألج من جدك. وإن مراعي الربيع أجدبتْ، فأراد الرحيل إلى مكان مكلئ، فركب قيس بْن زهير وإخوته وأهل بيته فعارضوا الظعائن فأخذ قيس بزمام جمل فاطمة بِنْت الخُرْشب أم الربيع، وبزمام جمل امرأته جُمْل وقَالَ: والله لأذهبنّ بكما إلى مكَّة ثُمَّ لأبيعنكما، ثُمَّ أسكن الحرم حتَّى أموت، فقالت له فاطمة:

خَلِّ فإني ضامنة لَكَ درعك، فلما صارت إلى أبيها [1] كلمته فاستشاط وقَالَ: بلغ الأمر هَذَا، قَدْ كنتُ عَلَى ردِّها، فأمَّا الآن فلا. فلما بلغ ذَلِكَ قيسًا أغار عَلَى النعم فطرد للربيع أربعمائة ناقة لَقُوح فمر بها إلى مكَّة فباعها من حرب بْن أمية، وعبد اللَّه بْن جدعان، وهشام بن المغيرة بالخيل والسلاح وأقام بمكة، ثُمَّ إنه لحق ببني بدر بْن عَمْرو فَقَالَ لحذيفة بْن بدر: أَجْرني. فَقَالَ: ائت حمل بْن بدر فاستجر بِهِ فأتاه، فَقَالَ لَهُ: يا حمل أجرني وإلا فَأذَنْ لحذيفة فِي إجارتي فَقَالَ: قَدْ أجرتك وأذنت لحذيفة في إجارتك فأجاراه، وقسما لَهُ من أموالهما وأكرماه، وكان قيس قَدْ قَالَ وهو بمكة: تفاخرني معاشر من قريش ... بكعبتها وبالبيت الحرام فاكرِمْ بالذي فخروا ولكن ... مغازي الخيل دامية الكِلام وطعنٌ بالعجاجة كل يَوْم ... نُحور الخيل بالُأسُل الدَّوامي أَحَبُّ إليَّ من عيش رخيٍّ ... مَعَ القرشيِّ حربٍ أَوْ هشام وما عيشُ ابْنُ جُدعانٍ بعيشٍ ... يجر الخزَّ فِي البلد التهامي فأجابه العاص بْن وائل: فخرنا والأمور لها قرار ... بمكتنا وبالبلد الحرام وإنّا لا يُرام لنا حريم ... وإنّا لا نُرَوَّعُ فِي المنام وإنا لا تُساقُ لنا كعاب ... خلال النقع بادية الخدام مُعَاذِ اللَّه من هَذَا وهذا ... فإن اللَّه ليس له مسام في أبيات.

_ [1] كذا بالأصل، وهو تصحيف صوابه «ابنها» .

قَالَ وغضب الربيع من إجارة حذيفة وحمل ابني بدر قيسًا، وغضبتْ بنو عَبس لغضبه وعظم الشر بين الحيين، وندم حذيفة عَلَى إجارته فاستثقل مكانه وكرهه، وقَالَ الربيع شعرًا فِيهِ: وكان أبي ابن عمكم زياد ... صفيّ أبيكم بدر بْن عَمْرو فألجأتم أخا الغَدْرات قيسًا ... فقد أوغرتم ما عشت صدري فإما ترجعوا أرجع إليكم ... وإن تأبوا فقد أظهرت عذري فأجابه حذيفة: وجدنا يا ربيع ذمام قيس ... حرامًا فِي مصارف كل أمر أجرناه عليك ومن نجره ... يحل مَعَ الكواكب حيث تجري وشيمتنا الوفاء لمن عقدنا ... لَهُ عقدًا ولسنا أهل غدر وكان حذيفة يأتي النعمان بْن المنذر فيكرمه ويبره، وكان يهدي إلى المتجردة هدايا وألطافًا وكان الحكم بْن مروان بْن زنباع العبسي يأتي النعمان أيضًا، ويهدي إِلَيْه، فاجتمعا بالحيرة، فَقَالَ الحكم يومًا لحذيفة: لعن اللَّه منزلةً تُصاب بالنساء، فغضبت المتجردة فبعثت إلى حذيفة بشراب وقينة، فَقَالَ حذيفة: يا بن زنباع هَذِهِ المنزلة لا منزلتك، ونادمة، فَقَالَ حذيفة للقينة: غننا لامرئ القيس بْن حجر، وكان امرؤ القيس يشبب بنساء بني عبس منهن: هند، ولميس، وفرتنا، والرباب فغضب الحكم وضرب القينة بالسيف فقال حذيفة: يا بن مروان قَدْ سَفهْتَ عَلَى الكأس ... وآذيتَ حُرْمَةَ النعمان وَقَدْم حذيفة عَلَى قومه فأخبرهم، وقدم الحكم فأخبره عبسًا بما كَانَ من حذيفة، فزادهم ذَلِكَ تباينا وتنافرا.

وكان قيس بْن زُهَيْر ابتاع داحسًا بمكة من ثمن إبل الربيع، فأنزاه عَلَى فرس لَهُ فجاءت بمهرة سماها الغبراء وهذا قول بني عبس. وبنو يربوع يقولون: كَانَت جلوى أم داحس لقِرواش بْن عوف، أحد بَنِي عَاصِم بْن عبيد بْن ثعلبة بْن يربوع، وكان ذو العُقّال أَبُوهُ لحوط الرياحي، وإن قيسًا أغار عَلَى بني يربوع، فأخذ ابْنَة قِرواش وكان داحس فِداءها لإعجاب قيس بِهِ. قَالُوا: واعتمر قيس وهو فِي جوار بني بدر، فأتى بني بدر فِي غيبة قيس بْن زُهَيْر غلام من بني عبس فَقَالَ لَهُ حذيفة: يا جِرْو- وكان اسمه جرو بْن الحارث-: أَخَيْلُ فزارة أكرم أم خيل عبس؟ فَقَالَ: خيل عبس. فَقَالَ: هَلْ لَكَ في مراهنتي فإن سبقتني فلك خمسة من الإبل، وإن سبقتك جعلتَ جزورين، فحمي الغلام فخاطره، فلما رجع إلى بني عبس قَالُوا لَهُ: ما أنت وخيلنا وليس لَكَ ولا لأبيك فرس، وقدم قيس بْن زُهَيْر من عمرته وَقَدْ بلغه الخبر، فسأله حذيفة أن يخاطره فأبى وقَالَ: أنت دسست جروًا حتَّى دعاني إلى المخاطرة، وأبي حذيفة إلّا الرهان ولجّ، فَقَالَ أَبُو حرجة: آل بدر دعوا الرهان فإنا ... قَدْ بلونا اللجاج عند الرهان إنَّ قيسًا لنا حليف وجارٌ ... وغدًا ناصرًا عَلَى ذبيان وأتى حمل بْن بدر قيسًا فَقَالَ لَهُ: يا قيس لا تراهن حذيفة فإنه رَجُل مشؤوم مزهو، وقَالَ حمل: يا قيس لا تقرب حذيفة إنه ... نكد اللجاج ورأيه مشؤوم واحتلْ لنفسك حيلةً عبسيةً ... أَوْلَا فإنك ظالم مظلوم

وألح حذيفة عَلَى قيس حتَّى أمحكه، وكان يجب [1] خروج قيس عَنْهُمْ، فراهنه عَلَى داحس والغبراء فرسي قيس، عَلَى أن الغبراء لحذيفة، وَيُقَال بل راهنه عَلَى داحس والغبراء فرسي قيس، وعلى الخَطَّار والحنفاء فرسي حذيفة، واتفقا عَلَى أن الغاية مائة غلوة تنتهي إلى ذات الأصاد، وهي رَدْهة، وَيُقَال ماء معروف، وأوقف حذيفة قومًا فِي طريق داحس وأمرهم إِذَا جاء أن يردوا وجهه عن الغاية، وحمل قيس ابنه عَلَى داحس وقَالَ: لا ترسلنْ لَهُ العِنان كُلَّهْ ... وإن علاه عرقٌ وبَلَّهْ وإن جرى العفو وبارى ظله ... حتَّى إِذَا قلت دنا وَعَلَّهْ فارخِ ساقيك وأَحْسِن سَلَّهْ وحمل حذيفة ابنه عَلَى فرسه، وقَالَ مثل شعر قيس فضحك قيس وقَالَ: يا حذيفة أَمَثَّلْتِ قولي، فضحك حذيفة وقَالَ: الكلام أشباه، فأرسلها مثلًا. فلما طلعت الخيل قَالَ: سُبقتَ يا قيس، فَقَالَ قيس: بعد اطلاع إيناس. فذهبت مثلًا. فمن زعم أن الخيل كانت أربعة اثنين واثنين يَقُولُ لما أُرسلت سبقها داحس فتعرض لَهُ بعض أصحاب حذيفة الَّذِينَ وقفهم فلطم وجهه فألقاه فِي وادي ذات الأصاد فلم يخرج مِنْهُ حتَّى فاتته الخيل. وحزم صاحب الغبراء فعدلها عن طريق داحس فلم يشعروا إلا وَقَدْ عارضت الخطار وخلفت الحنفاء، ثُمَّ نظر النَّاس إليهما فِي وعث من الأرض وَقَدْ خرج الخطار عَلَى الغبراء فَقَالَ حذيفة: سبقتُ والله يا قيس. فَقَالَ قيس: رويدك يعلون الجدد فذهب مثلًا، فلما استوت بهما الأرض جاءت الغبراء سابقة حتَّى

_ [1] بالأصل: وكانت تحب، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه.

شرعت فِي الماء فلطمها رَجُل من بني فزارة، وجاء داحس مبطئًا فأخبر الغلام بما كَانَ من أمره. وقَالَ الَّذِينَ زعموا أَنَّهُ إنما أجرى داحسا والغبراء، وعلى أن داحسًا عن قيس والغبراء عن حذيفة: إن داحسًا برَّز عَلَى الغبراء فلطمه الرجل حتَّى بَرّزت عَلَيْهِ الغبراء، وكانا فِي جدد، فَقَالَ حمل: سبقت يا قيس، فَقَالَ قيس: رويدًا يَعْدُوَنَّ الجدد- بالدال-، لأن الفحل أقوى فِي الوعث، فلما دنوا، وَقَدْ برَّز داحس قَالَ قيس: جَرْيُ المذكيات غلاب، وَيُقَال غلاء، جمع غلوة. وقوم يقولون: راهنه حمل دون حذيفة، فَقَالَ قيس: وما لاقيتُ من حمل بْن بدر ... وإخوته عَلَى ذات الأصاد هُمْ فخروا عليَّ بغير فخرٍ ... وردّوا دون غايته جوادي وقَالَ المفضل: راهنه حذيفة، ولكن الشعر جرى بأن ذكر بني بدر كلهم، ولم أكثر من ذكر الاختلاف فِي أمر عبس وفزارة، وجرى بين بني عبس وفزارة اختلاف. وقَالَ هَؤُلَاءِ: لُطم فرسنا والسبق لنا، وقَالَ الآخرون: بل السَّبْقُ لنا. وقَالَ قيس: يا قوم إني لم أحتمل الربيع وهو سيد بني عبس، وأطالوا الجدال فِي أمر السَّبْقَة، وبعث حذيفة ابنه مالكًا إلى قيس فَقَالَ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبِي أطلق السبقة وإلا علمتَ ما أصنع، فلم يصادفه، ثُمَّ بعثه إِلَيْه فَقَالَ لَهُ: قل لَهُ: إن كانت لَكَ فِي نفسك حاجة فهلم السبق، فوثب قيس فطعن الغلام فصرعه، وارتحل قيس من ساعته، وجاءت فرس الغلام عائره فركب حذيفة فِي طلبه فوجد قيسًا قَدِ ارتحل، ووجد ابنه مالك قتيلًا فقال حذيفة:

ألا يا قيس قَدْ ألقحت حربًا ... يضيق بها من القوم الصدور قتلت ابني هُبلتَ بلا قتيل ... وهذا يا بني عبس كبير سبقتك أَوْ سبقتَ فكل هَذَا ... إلى جنب التي حَدَثَتْ صغير فسيروا فِي البلاد ولن تسيروا ... وطيروا فِي السماء ولن تطيروا فلما قتل قيس مالك بْن حذيفة قَالَ: قَدْ وترتُ الربيع وبني بدر، ولا آمَنُ إن صرتُ إلى قوم آخرين أن يجري بيني وبينهم شيء أكرهه، فَقَالَ شعرًا بعث بِهِ إلى الربيع بْن زياد يَقُولُ فِيهِ: فقولوا للربيع أتاك ضيف ... فلا يكن البعاد لَهُ بزاد وكلمه فِيهِ عمارة بْن زياد أخوه، وكان متلوِّنًا عَلَيْهِ حتَّى قتل مالك بْن زُهَيْر بْن جذيمة أخو قيس وكان سبب قتله أن حذيفة وجه أخاه حملًا. وقَالَ لَهُ اقتل مالك بْن زُهَيْر بمالك بْن حذيفة، وافتك بِهِ كما فتك بابْن أخيك، فلم يزل يطلب الفرصة فِي قتله فألفاه غارًا فِي ناحية من بلاد بني فزارة فقتله، فَقَالَ عنترة: لله عينًا من رَأَى مثل مالك ... عقيرة قومٍ إن جرى فَرَسان [1] وهذا البيت حجة لمن قَالَ إنه لم يجر إلا فرسان. وَقَدْ كَانَ حذيفة قبل دية ابنه مالك، وكانت مُغَلَّظةً، وهي مائة ناقة عشراء، وغيره ذَلِكَ من إبل وأعبد، فأعظمت بنو عبس وبنو فزارة قتل مالك جدًا. وقَالَت الجمانة بِنْت قيس بْن زُهَيْر: أزِرْني جدتي آتك بخبر الربيع، فقالت لها: يا جدتاه ما قَالَ الربيع فِي قتل عمي مالك؟ قَالَتْ: والله

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

ما سمعته قَالَ شيئًا، إلا أَنَّهُ لم يزل ضاحكًا، وقَالَ قيس: أينجو بنو بدر بمقتل مالك ... ويخذلنا فِي النائبات ربيع وكان زياد قبله يُتقى بِهِ ... شبا الدهر إنْ يومٌ ألم فظيع لعل ربيعًا يحتذي فعل شيخه ... وما النَّاس إلا حافظ ومضيع فلما بلغ الربيع هَذَا الشعر بكى عَلَى مالك ورفع صوته والجمانة تسمع قول جدها فَقَالَ: منع الرقاد فما أغمض حار ... جلل من النبأ العظيم الساري منْ مثله تمشي النَّاس حواسرًا ... ويقوم معوله مَعَ الأسحار مَنْ كَانَ مسرورًا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرًا يندبنه ... يضربنَ حُرَّ الوجه بالأحجار يخمشن حُرَّ وجوههنَّ عَلَى فتى ... سهل الخليقة طيب الأخبار وقد كنّ يخبئن الوجوه تَسَتُّرًا ... فاليوم حين برزنَ للنظار أفبعد مقتل مالك بْن زُهَيْر قَدْ ... ترجو النساء عواقب الأطهار ما ان أرى فِي قتله لذوي النهى ... إلا المطيَّ تُشَدُّ بالأكوار ومسومات ما يَذُقْنَ علوفةً ... يقذفن بالمهرات والأمهار وفوارس صدأ الحديد عليهم ... فكأنما طلي الوجوه بقار حتَّى نثير بذي المريقب منكم ... بدرا ونشفي من بني صبار قتلوا ابْنُ عمهم وجار بيوتهم ... غدرًا بغير دم ولا أوتار فِي أبيات، فروت الجمانة الشعر وأنشدته أباها، فأتى قيس الربيع فاعتذر إِلَيْه، وقَالَ لَهُ: إنه لم يهرب منك من لجأ إليك، ولم يَسْتَغْنِ عنك من استعان بك، وَقَدْ كَانَ لَكَ شر يَوْم، فليكن لَكَ خير يَوْم، وإنما أَنَا بقومي

الحرب بين عبس وذبيان

وقومي بك، ثُمَّ جمع الربيع بني عبس وحلفاءهم من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان، فلما بلغ ذَلِكَ حذيفة أغار عَلَى بني عبس فقتل رجالًا، ثُمَّ سارت فزارة بجماعتها وعليها حذيفة إلى بني عبس فالتقوا بالمريقب فقتل جندب بْن خلف العبسي عوف بْن بدر، وَيُقَال قتله أرطاة أحد بني مخزوم من عبس، وقتل عنترة ضمضما أبا الحصين، وهرم ابني ضمضم اللذين ذكرهما عنترة، وكانا يشتمانه ويتواعدانه حتى قتل أباهما ضمضما. [الحرب بين عبس وذبيان] وروي أن حذيفة أسر فِي هَذَا اليوم فخلى الربيع سبيله وأرضاه بعقل عوف أخيه، واصطلح الحيان، ثُمَّ أن حذيفة ندم عَلَى الصلح وقَالَ: لا أمضيته، وشمر فِي حرب بني عبس، فركب إِلَيْه الربيع فَقَالَ لَهُ: ارْضَ بقتلنا عوفًا بمالك بْن زُهَيْر وأن يكون بوءًا بِهِ [1] ، ورُدَّ علينا إبلنا التي عقلنا بها عوفًا، وركب إِلَيْه قيس وعمارة بْن زياد فسألاه مثل ذَلِكَ، وَيُقَال إنهما سألاه هَذَا عن رسالة الربيع، وإن ربيعًا لم يركب إِلَيْه فأبى فَقَالَ لَهُ بَيْهس بْن غراب الفزاري: ما تريد من القوم يا حذيفة، بدأت قومك بالبغي والقطيعة، سبقوك فلم تعطهم، سَبْقَتَهم ثُمَّ أغرت عَلَى إبلهم، وَقَدْ وُدي مالك بْن حذيفة، وقتلوا بمالك بْن زُهَيْر عوفًا، وما عوف بخير من مالك، فأراد إمضاء الصلح حتَّى قدم عَلَيْهِ سنان بْن أَبِي حارثة المري، فيقال إنه أفسد حذيفة، فَقَالَ حذيفة: إني قتلت مالكًا بابني مالك، وعوف بْن بدر فضلٌ، فأرد الإبل التي أخذتها، وأُقيم الحرب، وأغلظ سنان لبني عبس وكان يكره صلحهم، وقدمت جماعة من أهل يثرب للإصلاح بين الحيين: عَمْرو بْن الإطنابة، وأُحيحة بْن الجلاح، وقيس بْن الخطيم، وأبو قيس بن

_ [1] أي دمه بدمه. القاموس.

الأسلت وكعب اليهودي، فَقَالَ قيس: إني لا آكل لمالك ثمنًا، ولا أقبل بِهِ إلا حملًا أَوْ حذيفة فانصرفوا، وقَالَ أحيحة: إن يكن ما أرى حذيفة يأتي ... هـ سدادًا فلا رأيتُ سدادًا وأرى الغَيُّ ما يقول أخوه حم ... لٌ والفسادُ يدعو الفسادا وَقَدْ قيل إن سنانًا أشار بالصلح، فكان حذيفة يتلوّن عَلَيْهِ، وكان أهوج مقدامًا لا يثبت عَلَى رأي، وذلك أثبت. قَالُوا: وتجمع بنو ذبيان، وأغاروا عَلَى بني عبس، فلم يصنعوا شيئًا، فغزتهم بنو عبس، وعليهم الربيع فَهُزمت بنو عبس، واتبعهم بنو ذبيان، وكانت وقعتهم بذي حِسي، بقرب اليعمرية [1] ، ولحق حمل بْن بدر زبان بْن الأسلع فأخذه وأتى بِهِ حذيفة، فَقَالَ لَهُ حذيفة: ادفع إليَّ ابنيك وابني أخيك عَمْرو بْن الأسلع ليكونوا عندي رهينة عنك فلا تقاتلني بعدها، فَقَالَ: أعطيك الحبيبين؟ قَالَ: أي والله وإلا قتلتك. فأعطاه العهود والمواثيق ليأتينه بهما وبابني أخيه، فلما صار إلى بني عبس نهاه قيس عن دفعهم إلى حذيفة، قَالَ: فكيف أصنع بعهدي وميثاقي والله لا خستُ بِهِ، فانطلق بالأربعة إلى حذيفة وقَالَ: قَدْ وفيت لَكَ فادفع الغلمة إلى أخوالهم ليكونوا عندهم، وكانت أم ابنية ابْنَة مالك بْن سبيع الثعلبي، وأم ابني أخيه من بني جحاش، فأما بنو جحاش فمنعوا ابني أخيه، وأما مالك بْن سبيع فدفع ابنيه إلى حذيفة فأمر أخاه حملًا أن يأخذ بأرجلهما فيضرب بهما عراقيب الإبل حتَّى يقتلهما ففعل، وجعلا يقولان: يا أبتاه، حتى ماتا.

_ [1] اليعمرية: ماء بواد من بطن نخل من الشربة لبني ثعلبة. معجم البلدان.

وفي رواية أخرى أن بني فزارة لما لحقوا بني عبس قالوا لهم: أتقتلون أم تقيدون؟ فقال قيس للربيع: هم أكثر منا، ولن نستطيع قتالهم، ولكنا نعطيهم رهائن من أبنائنا، فإنهم لا يقتلون الصبيان، وإن قتلوهم كَانَ ذَلِكَ أيسر من قتل الآباء، فندفعهم عنا حتَّى ينقطع الأمر بيننا وبينهم فيما يريدون من أموالنا، ونُعدّ لهم بعد ذَلِكَ عَلَى مهل، قَالَ الربيع: بل نحاربهم. فَصَدَّهُ قيس عن ذَلِكَ فَقَالَ الربيع: حَرَّقَ قيس عليّ البلاد ... حتَّى إِذَا اشتعلتْ أجذما جريرة حرب جناها فما ... تعرج عَنْهُ وما أسلما عطفنا وراءك فرساننا ... وَقَدْ مال سرجك واستقدما فِي أبيات. فدفعوا إليهم عدة غلمان فجعلوا عند سُبَيْع بْن عَمْرو، وهلك سُبَيع فلم يزل حذيفة يخدع مالك بْن سُبَيع حتَّى دفعهم إِلَيْه، فأتى بهم اليعمرية، فقتلهم بالنبل، فحشدت بنو عبس والتقوا باليعمرية. فقتل زياد بْن الأسلع يزيد بْن حذيفة، وَيُقَال قتله قيس، وولت بنو ذبيان، فأدرك زِبَّان حُميد بْن الحارث بْن بدر فصرعه، وشد الحكم بْن مروان بْن زَنباع بْن جَذيمة عَلَى مالك بْن سبيع فقتله، وقَتَل ورد أَبُو عروة الصعاليك هَرم بْن ضمضم فِي عدة آخرين، وذَلِكَ الثبت. وقتل مالك بْن ظويلم العبسي وَوَرْد قاتل هرم، ثُمَّ انحدرت فزارة وعبس إلى ذي بقر، فاقتتلوا وحمل قيس بْن زُهَيْر عَلَى مالك بْن بدر فقتله، وانهزمت بنو فزارة. ولما قتل مالك بْن بدر ويزيد بْن حذيفة، جمع حذيفة بني فزارة وأسد

وغطفان وأشجع، واحتشدت عبس، وسبق بنو عبس إلى ماء العقبة فجعلوه وراء ظهورهم. ومشت السفراء بين ذبيان وعبس، وعرضوا عليهم الصلح. فأبى ذَلِكَ حذيفة، وقَالَ: لا والله أَوْ أشرب من ماء العقبة، فَقَالَ قيس: هَذِهِ مِنْهُ مكيدة وخدعة إنَّما يريد الغلبة عَلَى الماء، وقال حمل لأخيه: قد شمئتنا، والذي يعرض عليك القوم خير من القتل، وأتي بماء العقبة فشربه تبرَّة بيمينه وانصرفوا ذَلِكَ اليوم وهم عَلَى الصلح، فسمع حذيفة امرأته تبكي يزيد ابنه فِي جوف الليل وهي تَقُولُ: أيَقْتُلُ واحدي قيسٌ ونرضى ... بعَقْلِ النَّاب مِنْهُ والفصيل وتَلْبسُ يا حذيفةُ ثوبَ عارٍ ... وخزيٍ ما حييتَ فما تَقُولُ فأسف حذيفة، وأغار عَلَى بني عبس. ثُمَّ جمع لهم وجمعوا لَهُ فلما صارت بنو ذبيان ببعض أرض الشرية وجدوا أموال عبس ونسلهم هناك وَقَدْ قدَّمها قيس والربيع للمكيدة ليشتغل بها القوم ثُمَّ يكرون عليهم، فلما رأوها لا دافع عَنْهَا أكبُّوا عليها فأخذ حمل بْن بدر ابْنَة الشريد، وهي أم قيس بْن زُهَيْر فَرَمَتْ بنفسها فماتت، ثُمَّ عكر العبسيون فتقاتلوا دون الهباءة وذلك فِي يَوْم قائظ شديد الحر، ثُمَّ حجز بينهم الحر، فتراجع بعضهم عن بعض، وأصبحوا فاقتتلوا ثُمَّ تحاجزوا فَقَالَ قيس بْن زُهَيْر: عليكم بالهباءة وهي بئر، وَيُقَال بركة فلنتّخذنّ مصفّراته مستنقعًا فيها، فقصدوا للهباءة، فأتى حذيفة رباياه وكان فيهم فيما يُقال عُيينة بْن حصن وهو يومئذٍ غلام فقالوا: قَدْ أتتك بنو عبس وكان مستنقعًا فِي الجفر أَوِ البركة. ومعه فِي الماء حمل بْن بدر، وعدة من بني ذبيان فلم ينقضِ الكلام حتَّى وقف قيس عَلَى شفير الجفر وهو يَقُولُ: لبيكم لبيكم، للصبية الَّذِينَ قتلهم حذيفة، فَقَالَ حمل:

نشدتك الرحم يا قيس. فَقَالَ: لبيكم لبيكم ونهر حملًا أخوه وشتمه وقَالَ: إياك والمأثور من الكلام، فذهبت مثلًا. فقتل حمل بْن بدر وجاء قرواش العبسي وكان حذيفة رباه فظن أن لن يقدم عَلَيْهِ فنزع لَهُ بمعبلة فأثبتها فِي صلبه، وابتدره الحارث بْن زُهَيْر بْن جذيمة وعمرو بْن الأسلع فضرباه بسيفيهما فقتلاه، وأخذ الحارث سيف حذيفة، وأخذ جميع من كَانَ فِي الجفر ورجعوا إلى نسائهم وأموالهم فجمعوها ودفن قيس أمه. وقَالَ أَبُو المهدي: لما صار حذيفة إلى الهباءة أمن الطلب، وَقَدْ سرح بنو ذبيان خيلهم فِي أجمة، وبعثت بنو عبس من استنفض خبرهم، فلما وقف الربيع وقيس عَلَى حذيفة وحَمَلَ ومن معهما جعل حذيفة يُرغِّب لهم، والربيع يَقُولُ لَهُ: زدنا يا أبا شريح، فقال له حمل: دع المأثور من الكلام أي الذي يؤثر عنك عيبه، القوم قاتلوك، وكانت بنو عبس تَقُولُ حين قتل مالك بْن بدر: مالك بمالك، ودية بعد ذَلِكَ، وقَالَ الشَّاعِر: يا عين بكيِّ مالكًا ومالكًا ... وفارس الهباءة المُعاركا وحملًا عزَّ علينا هالكا فقتل قيس حذيفة وقتل الحارث حملًا وأخذ سيفه، وهو سيف مالك بْن زُهَيْر، وقتلوا بني بدر إلا حصن بْن حذيفة، وقوم يقولون: إن مالكًا قتل يَوْم الهباءة، والأول أثبت. وكان عنترة ممن قَتَل أهل الهباءة. قَالُوا: ونظر قيس إلى تُماضِر مقتولة فدفنها. وقَالَ عَمْرو بن الأسلع: إن السماء وإن الريح شاهدة ... والله يشهد والإنسان والبلد

أني جزيت بني بدر ببغيهم ... على الهباءة قتلًا ما لَهُ قَوَد لما التقينا عَلَى أرجاء حَمَّتِها ... والمشرفية فِي أيماننا تقد علوته بحسام ثُمَّ قلت لَهُ ... خذها حُذَيفُ فأنت السيد الصمد قَالَ: ومثلوا بحذيفة فقطعوا مذاكيره ودسوها فِي فمه، وجعلوا لسانه فِي استه. وقَالَ عقيل بْن علفة المري يهجو عويف القوافي: ويوقد عوف للعشيرة ناره ... فهلا على جفر الهباءة أوقدا وإن عَلَى جفر الهباءة هامة ... تنادي بني بدر وعارًا مخلدًا وعض على أير حذيفة بعد ما ... أبير عَلَى جفر الهباءة أسودا وقَالَ قيس بْن زُهَيْر: أقام عَلَى جفر الهباءة خير ميتٍ ... وأكرمه حذيفة ما يريم ولولا ظلمه ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم ولكن الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي منقصة وشوم أظن الحلم دل علي قومي ... وَقَدْ يُستجهل الرجل الحليم أُلاقي من رجال مُنْكَرَاتٍ ... فأُنكرها وما أَنَا بالظلوم ومارستُ الرجال ومارسوني ... فمعوجٌ عليَّ ومستقيم واستُصغر عيينة بْن حصن فخلُّوه. وقَالَ قيس بْن زُهَيْر أيضًا: شفاني السيف من حمل بْن بدرٍ ... وسيفي من حذيفة قَدْ شفاني وإنْ أَكُ قَدْ شفيت بهم غليلي ... فلم أَقطعْ بهم إلا بناني [1]

_ [1] من أجل تفاصيل اضافية لهذه الأيام انظر النقائض ج 1 ص 84- 106.

قال ومنهم: حصن بن حذيفة بن بدر، وهو ابن اللقيطة، وهي النضيرة بنت مروان بن عصيم بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة،

قَالَ ومنهم: حصن بْن حذيفة بْن بدر، وهو ابْنُ اللقيطة، وهي النضيرة بِنْت مروان بْن عُصيم بْن بغيض بْن مالك بْن سعد بْن عدي بْن فزارة، سميت اللقيطة لان بني فزارة انتجعوا مرة وهي صبية فسقطت فالتقطها قوم فردوها، وخرج حصن يسير لأمر من أموره، فلما كَانَ بالحاجر لقية غزاة بني عامر فاقتتلوا، فطعن كُرْز العقيلي حصنًا فَقَالَ الشَّاعِر: يا كرز إنك قَدْ فتكتَ بفارسٍ ... بطلٍ إِذَا هب الكماة مُجَرَّبُ ولقد طعنت أبا عُيَيْنَة طعنة ... حَرَمَتْ فزارةَ بَعْدَهَا أن يَغضبوا أي حَمَلْتَهم عَلَى أن يغضبوا، واشتد بحصن ألم تلك الطعنة، فدعا بنيه فَقَالَ لأكبرهم: خذ السيف فاعتمد بِهِ على بطني حتى تخرجه من ظهري. فَقَالَ: وهل يقتل الولد أباه؟ وقَالَ ذَلِكَ لسائر ولده فأَبَوْه، ومات من الطعنة. وابنه عُيينة بْن حصن [1] بْن حذيفة بْن بدر وَقَدْ رأس، واسم عيينة حذيفة، وكانت أَصَابته لقوة فجحظت عيناه، فسمى عيينة، وكان يكنى أبا مالك، وكان من المؤلفة قلوبهم، وارتد بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرض عَلَيْهِ أَبُوهُ ما عرض عَلَى إخوته، فأخذ السيف وقَالَ: أليس فيما أمرتني بِهِ لَكَ راحة ولي طاعة، وهو لَكَ هوًى، فلما أراد أن يضعه فِي بطنه، قَالَ لَهُ: ضعه فإني أردت امتحاني بطاعتكم، وقَالَ لَهُ: أنت سيِّد ولدي ولك الرئاسة. وكانت عند عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أم البنين ابْنَة عيينة، فدخل عَلَيْهِ وهو يفطر فدعاه إلى العشاء فقال: أنا صائم، فقال: أتصوم

_ [1] بهامش الأصل: عيينة بن حصن.

الليل؟ فَقَالَ: مَثَّلْتُ بين صوم الليل والنهار فوجدت صوم الليل أخفُّ عليَّ. واستأذن عيينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسر [1] فلما دخل بَشَّ بِهِ وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «كفى للمرء شرًا أن يدارَى مخافة فحشه] » . ودخل مرة عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى عَائِشَة رَضِي الله تعالى عنها فقال: من هذه الحميراء؟ فلما خرج سَأَلت عَائِشَة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: « [هَذَا الأحمق المطاع فِي قومه] » . ودخل عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعنده عُدَّةٌ من أصحابه فيهم سلمان الفارسي، فَقَالَ لَهُ: إِذَا أتيناك فاطرد هَؤُلَاءِ الأنتان عنك فقد آذتنا روائحهم، فنزلت: ولا تطرد الذي يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هواه وكان أمره فرطا [2] أي عجالًا عَلَى غير رويَّة، يُقال فرس فرط أي عجل من الطيش. وسمع عُيينة رجلًا من بني فزارة مكفوفًا يقرأ القرآن فَقَالَ: ماذا لقينا من مُحَمَّد، استغوى أقوياءنا، واستهذى ضعفاءنا. وكان عيينة رَأَى النَّاس بسوق عكاظ يتبايعون فَقَالَ: أرى هَؤُلَاءِ مجتمعين بلا عهد ولا عقد، لئن بقيتُ إلى قابل لتَعْلَمُنَّ، فغزاهم من قابل فأغار عليهم واستباحهم فَقَالَ الحطيئة: فدى لابن حصن ما أَرَحْتُ فإنه ... ثمال [3] اليتامى عصمة للمهالك

_ [1] بسر: أعجل، وعبس، وقهر. القاموس. [2] سورة الكهف- الآية: 28. [3] الثمال: الغياث، الذي يقوم بأمر قومه. القاموس.

وأم عيينة فكيهة من بني شمخ بن فزارة،

سما لعكاظ من بعيدٍ وأهلها ... بألْفَينْ حتَّى داسهم بالسنابك [1] وقُدم بِهِ المدينة فِي خلافة أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ فقيل لَهُ: يا عدو اللَّه ارتددت عن الْإِسْلَام؟ فَقَالَ: ومتى أسلمت؟. ويحكى ذَلِكَ عن الحطيئة أيضًا. وكان حذر عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ الأعاجم، من السبي، فلما جُرح سَأَلَ عَنْهُ فأُخبر بغيبته فَقَالَ: أي رأي بين الحاجر والرقم. وأم عيينة فُكَيْهة من بني شمخ بْن فزارة، ثُمَّ من بني رياح بْن هلال بْن شمخ، وفيهم يَقُولُ عيينة: آل رياح النكد المشائيم. وعبد اللَّه بْن عيينة بْن حصن أغار عَلَى سرح المدينة. وسعد بْن عيينة دفعه عَبْد الملك بْن مروان إلى كلب بسبب حرب بنات قين فقتلوه، وَقَدْ كتبنا خبره فيما تقدم. وعبد اللَّه، وعبد الرَّحْمَن ابنا مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْن حذيفة بْن بدر، وأم حكمة فاطمة وهي أم قرفة بِنْت ربيعة بْن بدر، وكانت أم قرفة تؤلب عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان لها اثنا عشر ذكرًا كلهم عَلَّقَ سيف رئاسة، فبعث إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْد بْن حارثة مولاه فقتلها، وقتل بنيها. ومنهم: أسماء بْن خارجة بْن حصن، كَانَ سيد أهل زمانه، ومدحه الأخطل فَقَالَ: إِذَا مات ابْن خارجة بْن حصن ... فلا مطرت عَلَى الأرض السماء ولا آب الغزيُّ بغنم خير ... ولا ولدت على الطهر النساء

_ [1] ديوان الحطيئة ص 133 مع فوارق.

ومالك بن أسماء بن خارجة، وعيينة بن أسماء،

وفيه يَقُولُ ابْنُ الزُّبَيْر الأسدي: ومُحْتَمِلٌ ضِغْنًا لأسماءَ لو مشي ... بسجلين [1] من أسماء فَارَتْ مراجله ترى البازل البختيّ فوق خوانه ... مقطّعةٌ آرابه ومفاصله وكان يكنى أبا حسان، وقَالَ أسماء: ما مددت رجلي قط أمام جليسي، ولا اعتمدني رَجُل فِي حاجة فرأيت أن شيئًا من الدنيا وإنْ كَثُر عوض لبذل وجهه إليّ. فبلغ ذَلِكَ عَبْد الملك من قولُه فَقَالَ: كذا يكون السؤدد. ومالك بْن أسماء بْن خارجة، وعيينة بْن أسماء، وكانا شريفين ولهما عقب بالكوفة وَقَدْ ولي مالك ولايات. ومن ولده: أَبُو إِسْحَاق الفزاري المحدّث، وهو إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن أسماء بْن خارجة، ومات أَبُو إِسْحَاق بالمصيصة سنة ثمان وثمانين ومائة، وَيُقَال مُحَمَّد بْن الحارث بْن أسماء والأول أثبت. وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ حصن من أعظم غطفان قيادة، قاد أسدًا وغطفان كلها، فَقَالَ رَجُل لمعاوية وذكره: ما رأينا عربيًا أعظم قدرًا من حصن بْن حذيفة، قسم المغانم وهو متكئ عَلَى سيَّةِ قوسه بين الحليفين أسد وغطفان. قَالَ: وقتلته بنو عَقيل ورثاه النابغة الذبياني فَقَالَ: يقولون حصن ثُمَّ تأبى نفوسهم ... وكيف بحصنٍ والجبال جنوح [2] وكان حصن أوصى عُيينة بقتل قاتله، وكان عُيينة بْن حصن سيدًا أخذ المرباع فِي الجاهلية، وخَمَّسَ فِي الْإِسْلَام، وكان تَسَمَّى وثابا لأنه أغار

_ [1] السجل: الدلو العظيمة مملوءة، وناقة سجلاء: عظيمة الضرع. جمعها: سجل. القاموس: وانظر شعر عبد الله بن الزبير الأسدي- ط. بغداد 1974 ص 120- 123 مع فوارق. [2] ديوان النابغة الذبياني ص 29 مع فوارق.

وقال الكلبي: ومنهم عويف القوافي [1] الشاعر ابن معاوية بن عقبة بن حصن بن حذيفة،

عَلَى بعض الأحياء، ثُمَّ أغار عَلَى بني تغلب بالجزيرة، وأدرك الْإِسْلَام وخلافة عثمان، وكان يكنى أبا مالك، وكان أسر زَيْد الخيل فِي الجاهلية فأتاه زَبان بْن سيّار بفرسه فحمله عَلَيْهِ فنجا، ولم يبعث بالفرس فَقَالَ: كفرتَ فلم تشكر بلائي ونعمتي ... فَأَدِّ كما أَدَّاكَ يا زَيْد سُلَّما وكان اسم الفرس سلم. قال: وأوصى حصن بْن حذيفة عُيينة وسائر ولده بقتل قاتله، فقتله عيينة من بينهم، وكانت وصيته لولده وقومه: لا يتكلنّ آخركم عَلَى فِعَال أَولكم، فإنما يدرك الرجل الشرف بفعله، وانكحوا الغريب فإنه عز حادث، وإذا حاربتم فأوقعوا، ثُمَّ قولوا وأصدقوا لا خير فِي الكذب، وصونوا الخيل فإنها حصون الرجال، وأطيلوا الرماح فإنها قرون الخيل، وأغزوا الكثير بالكثير، ولا تغزوا إلّا بالعيون، ولا تسرحوا حتَّى تأمنوا الصباح، وعجلوا القرى فإن خَيْرَه أَعَجَلَهُ، وأعطوا عَلَى حسب المال فإنه أبقى لكم، ولا تحسدوا من ليس مثلكم فإنما يحسد المرء أمثاله، عَلَى أَنَّهُ لا خير فِي الحسد ولا تجسروا عَلَى الملوك، فإن أيديهم أطول من أيديكم وإياكم وصرعات البغي، وفضحات الغدر، وفلتات المزاح، واقتلوا قاتلي كرز بْن عامر العَقيلي، والسلام عليكم. فقتله عيينة بْن حصن. وقَالَ الكلبي: ومنهم عويف القوافي [1] الشَّاعِر ابْنُ معاوية بْن عقبة بْن حصن بْن حذيفة، وإنما سمي عويف القوافي بقوله: سأكذب من قَدْ كَانَ يزعم أنني ... إِذَا قلت قولا لا أجيد القوافيا قال هشام ابن الكلبي: حَدَّثَنِي بهذا عمار بْن أبان بْن سعيد بن عيينة.

_ [1] بهامش الأصل: عويف القوافي الشاعر.

ومنهم: حسان بن حسن

ومنهم: حسان بْن حسن الَّذِي قتل عرفجة بْن مصاد الكلبي. وشريك بْن مالك بْن حذيفة، قتل صالح بْن لام الكلبي، فَقَالَ الشَّاعِر: وصالحٌ كَفَاكَهُ شريكْ ... بصارمٍ ذي هَبةٍ بتيك وحجر بْن معاوية بْن حذيفة الشَّاعِر. ومنهم: ضبيعة وهو من ولد عيينة بْن حصن، وكان رَجُل يقال له بَقْعاء من بني بدر قتل رجلًا من ولد ضبيعة، فَقَالَت أخت بقعاء: لا دَرَّ دَرُّكَ يا بقعاء إن هجعتْ ... ليل التمام بل العبديَّةُ النّجب أو تقطع الخرق بعد الخرق ملثما [1] ... وَقَدْ يُنَجِّي الفتى ذي الحيلة الهرب حتَّى يبيت بأرض لا يَقِرُّ بها ... إلا الوحوش وحتى يسكن الطلب وقَالَ عَقيل بْن عُلفة: أَبلغ ضُبَيْعَةَ مني إن مررتَ بِهِ ... فالمرء يلبس مولاه عَلَى الريب أتطلبون بني بدر بجاهِلِهِم ... وتصلحون النائي [2] من سائر العرب وكان عَبْد اللَّه بْن عمار بْن عيينة بْن حصن سيدًا، وفيه يَقُولُ عَقيل بْن عُلفة: لم يبق من آل بدر غير أَهْجِنَةٍ ... شغرا أُنوفُهِم غير ابْن عمار وولد مازن بْن فزارة: سُمَيُّ بْن مازن. وحجان بْن مازن، وأمهما نَصِيرة بِنْت جُشم بْن معاوية بْن بَكْر بْن هوازن خلف عليها بعد أَبِيهِ. فولد سُمَيَّ: هلال بْن سُمَي. والمتيل بْن سمي، وأمهما نصيرة بنت هلال بن فالج بْن ذكوان. فولد هلال: عقيل بْن هلال. وعبد اللَّه. والحارث، وأمهم الصعبة بِنْت مالك بن مرة.

_ [1] كذا بالأصل وهو مختل الوزن. [2] كذا بالأصل وهو مختل الوزن، ولم يرد هذا البيت في ترجمة عقيل في الأغاني ج 12 ص 254- 270، أو مصدر آخر معروف.

فولد عقيل بْن هلال: جَابِر بْن عقيل. وعبد مناف بْن عقيل وهو الأفْوَهُ. وعبد العزى بْن عقيل. والحارث بْن عقيل وأمهم معاذة من بني ثعلبة بْن سَعِيد بْن ذبيان. فولد جَابِر بْن عقيل: عَمْرو بْن جَابِر وهو العُشَرَاء، وكان عظيم البطن، فسمي العُشَرَاء، وربيعة وهو الخَلفة، والخلفة الناقة التي لم يَسْتَبِنْ حملها. وكان ربيعة أصغر بطنًا من عَمْرو فسمِّيَ الخلفة، وأمهما لبني بِنْت خُشَني بْن عُصيم بْن لأي بْن شمخ بْن فزارة. فمن بني العشراء: زبان بْن سيار بْن عَمْرو بْن جَابِر بْن عقيل وابنه، منظور بْن زبان بْن سيار كَانَ شريفًا وهو جد الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب، كانت أمه خولة بِنْت منظور، وهي أم إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن طلحة أيضًا، وفي زبان يَقُولُ الحادرة الثعلبي، ويزعمون أن زبان سماه حادرة ببيت قاله: كنتَ امرأ من قبل من ولْد استها ... فطغيت لما قيل من ولد الحَرِ وهجوتَ قَومًا أنكحوكَ بناتهم ... حتَّى ابتنيتَ عَلَى عماد العرعر والثبت أَنَّهُ سُمي الحادرة بما قَدْ ذكرناه. وقَالَ أَبُو اليقظان: قتل بنو أبي حارثة من بني مرة ابنا لعمرو بْن هند، فضمن لَهُ سيار بْن عَمْرو ألف بعير دية ابنه، ورهن قوسه بها، ثُمَّ أدى الألف فَقَالَ الشَّاعِر: ونحن رَهَنَّا القوس ثُمَّ تخلصت ... بألف عَلَى ظهر الفزاري أقرعا بعشر مئين للملوك وفاؤها ... ليُحمد سَيَّارُ بْن عَمْرو فأسرعا فولد سيار: زبّان. وقطبة.

فأمَّا قطبة فولد: هرمًا وكان من حكام العرب، وإليه تحاكم عامر بْن الطفيل وعلقمة بْن علاثة، وأدرك الْإِسْلَام، فَقَالَ لَهُ عُمَر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ: لأيهما كنت تحكم؟ فَقَالَ: أمر كفانيه اللَّه فِي الجاهلية، فاعفني مِنْهُ فِي الْإِسْلَام، أما إني لو قُلتها لَمَضَتْ. وأمَّا زبّان فكان سيدًا شاعرًا، وذكروا أَنَّهُ نافر عيينة، فنفر عَلَى عيينة، ولم يدرك الْإِسْلَام، وكانت عنده مليكة بِنْت خارجة، فتزوجها بعده منظور بن زبان، فلما جاء الْإِسْلَام فَرَّقَ بَيْنَهُما، وفي ذَلِكَ يَقُولُ الشَّاعِر: لبئس ما خَلَّفَ الآباء بعدهم ... فِي الأمهات عجان الكلب منظور وكان يغمزها والشيخ شاهِدُهُ ... والآنَ أنتَ بغير الغمز معذور وتزوج بنات منظور: الْحَسَن بْن عَلِي، وعبد اللَّه بْن الزُّبَيْر رَضِي اللَّه عَنْهُمَا، والمنذر بْن الزُّبَيْر، فَقَالَ جرير: إن الندى من بني ذبيان قَدْ علموا ... والمجد فِي آل منظور بْن سَيَّار ترضى قريش بهم صهرًا لأنفسها ... وهُمْ رِضًى لبني أُختٍ وأصهار [1] وقَالَ جرير لبني تغلب: جيئوا بمثل بني بدرٍ لُأسرتهم ... أَوْ مثل أُسْرَةِ منظور بْن سيار [2] فولد منظور بْن زبان: زبان بْن منظور، وهو أَبُو وهب الَّذِي يَقُولُ لَهُ حلحلة بْن قيس بن أشيم من ولد الأحدب بْن سيار: « وخُصَّا بالسلام أبا وهيب ... » وَقَدْ ذكرنا خبره في حرب بنات قين. وقَالَ عَقيل بْن عُلفة: لم يبقَ من مازنٍ إلّا شرارهم ... فوق الخُصَي حول منظور بن سيار

_ [1] ديوان جرير ص 163- 164. [2] ديوان جرير ص 242.

فولد شمخ بن فزارة:

وقَالَ الكلبي: ومنهم هَرِم بْن قُطبة بْن سيار بْن عَمْرو العشراء الَّذِي تحاكم إِلَيْه عامر بْن الطفيل، وعلقمة بْن عُلاثة، وأسلم هرم بْن قطبة، وقدم عَلَى عُمَر بْن الخطاب فَقَالَ لَهُ: لمن كنت حاكمًا؟ فَقَالَ: اعفني يا أمير المؤمنين فو الله لو أظهرتُ من هَذَا شيئًا لعادت الحكومة. قَالَ: صدقت، وبهذا العقل حكمتك العرب، وَيُقَال أَنَّهُ نفر علقمة وقَالَ لعامر: أتنافر علقمة وأنت أعور عاقر؟ وقيل إنه ما راهما، وَيُقَال أَنَّهُ قَالَ: أنتما كركبتي الفرس. ومنهم حلحلة بْن قيس بْن الأشيم بْن سيار، الَّذِي دفعه عَبْد الملك بْن مروان إلى كلب فقتلوه، مَعَ سَعِيد بْن عيينة بْن حصن، وقيل لَهُ: اصبر يَا حلحلة فَقَالَ: أَصْبَرُ مِنْ عوْذٍ بِدَفَّيْهِ جِلَبْ [1] ... قَدْ أَثَّرَتْ فِيهِ الفُروضُ والحقب وقَالَ: أَصْبَرُ من ذي ضاغطٍ عَرَكْرَكِ [2] ... ألقى بَوَاني زَوْرِهِ لِلْمَبْركِ وَقَدْ كتبنا خبره فِي حرب كلب وفزارة ببنات قين. ومنهم: الربيع بْن قعنب بْن أوس بْن الأعور بْن سيار الشَّاعِر. ومن بني الخلفة: بدر بْن جراز بْن ربيعة الخلفة، وكان شاعرًا. ومن بني الحارث بْن سُمَيَّ: قيس بْن عنبس بْن الحارث بْن سُمي الشَّاعِر. فولد شمخ بْن فزارة: هلال بْن شمخ. وعُصيم بْن شمخ.

_ [1] الجلب: الرحل بما فيه، أو غطاؤه، وخشبة بلا أنساع وأداة. القاموس. [2] العركرك: الركب الضخم، والجمل الغليظ. القاموس.

المسيب بن نجبة

فولد هلال: عوف بْن هلال. وغوث بْن هلال. وعمرو بْن هلال. وحُرْقَة بْن هلال، دخلوا فِي تغلب عَلَى نسب، وهم رهط الهذيل بْن هبيرة بْن حبيب بْن الحارث بن حرقة. فولد عَمْرو بْن هلال: الحارث بْن عَمْرو. فولد الحارث: دَهر بْن الحارث. فولد دَهر: مخالف بْن دَهر. وخلف بْن دهر، وهم بالشام. وولد عوف بْن هلال: ربيعة. فولد ربيعة: رياح بْن ربيعة. وسُبيع بْن ربيعة. وريث بْن ربيعة. وحصين بْن ربيعة. فولد رياح بْن ربيعة: ربيعة بْن رياح. وعوف بْن رياح وأمهما ابْنَة حُريج بْن جَابِر من بني فزارة. فولد ربيعة بْن رياح بْن ربيعة: نُجبة بْن ربيعة. وشاس بْن ربيعة، وأمهما سخطاء بِنْت عَبْد اللَّه من مزينة. فمن بني نجبة لصلبه: جبار، كَانَ شريفًا. ومرثد. وقرفة وحكم. وحكيم. ومروان. وربيعة. والمسيب، بنو نجبة. [المسيب بن نجبة] وشهد المسيب يَوْم القادسية، ثُمَّ شهد مع علي رضي الله تعالى عنه مشاهده وشهد يَوْم عين الوردة مَعَ سُلَيْمَان بْن صُرد الخزاعي، فقتل بها، وهو أحد التوابين الذين خرجوا يطلبون بدم الحسين رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وَقَدْ كتبنا خبره فيما تقدم من كتابنا هَذَا. وشهد مَرْثَد بْن نجبة الحيرة مَعَ خَالِد بْن الوليد، ثُمَّ شهد اليرموك بالشام، ثُمَّ كَانَ عَلَى مقدمة خَالِد بْن الوليد يَوْم فتح دمشق فقتل على

سورها، وابنه كردم بْن مرثد وَيُقَال كردم بْن حكيم بْن مرثد وكان يلي الولايات فيسيء السيرة فَقَالَ: النَّاس كل النَّاس بارك فِيهِ ... وكردم لا يبارك فِيهِ وقَالَ المهلب: لما رآها كردم تكردما ... كردمة العيس أحسّ الضيغما ومن ولد كردم: حمران بْن مكروه، كَانَ عَلَى كور دجلة. وخطب إلى المسيب بْن نجبة الْحَسَن بْن عَليّ، وعبد اللَّه بْن جَعْفَر، فاستشار عليًا كرم اللَّه وجهه فأشار عَلَيْهِ أن يزوج عَبْد اللَّه لأن الحسن كان مطلاقا، فزوج عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر. وهاشم بْن صفوان بْن مرثد، استعمله عُمَر بْن هبيرة عَلَى فارس. وقَالَ غير الكلبي: هُشيم بْن صفوان، والحكم بْن مروان بْن نجبة، قتل يَوْم عين الوردة. وربيعة بْن سهل بْن مروان بْن نجبة، حمل ديتين، دية إلى بسيل وقوّالة المربين. والهيثم بْن بشر بْن حكمة بْن نجبة حمل ديات، فَقَالَ ابْنُ ميادة المري: لكل أناس حاتم يعرفونه ... وحاتمنا يَوْم الحمالة هيثم [1] وقَالَ أَبُو اليقظان: قتل ابنٌ لنجبة فِي الجاهلية، قتله بعض قومه فبعثوا إِلَيْه: نعطيك ديتين، فأبى وتهيأ للحرب، وخرجت أم ابنه المقتول وهي تميمية تحضض، فلما رأى ذَلِكَ نجبة قَالَ: لهانَ عليك يا أخت بني تميم أن يقتل قومي بعضهم بعضًا، وردَّ أصحابه وقبل دية واحدة.

_ [1] ليس في ديوان شعره المطبوع.

ومنهم كبير بْن زَيَّاد بْن شاس بْن ربيعة، صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد يَوْم القادسية. وولد عوف بْن رياح: أسماء بْن عوف. وهند بْن عوف وهو رَجُل. وربيعة بْن عوف. والكيشم بْن عوف. وعبد اللَّه بْن عوف. ووهب بْن عوف. ومرَّة بْن عوف. وعبد شمس بْن عوف. والتوأم بْن عوف. ومنهم: عفاق بْن المسيح بْن بشر بْن أسماء، كَانَ عَلَى شرط الخميس مَعَ عليّ رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ وأرضاه، وكانوا يعرضون يَوْم الخميس، وكان جَدّه بشر بْن أسماء أنهب ماله من الإبل فِي الجاهلية. ومنهم: عروة بْن الهيثم بْن عوف، أغار مَعَ عيينة بْن حصن عَلَى بني مَنْوَلَة. وولد عُصيم بْن شمخ: لأي بْن عصيم، أمه من جهينة. فولد لأي: خُشين بْن لأي بْن عصيم، وهو ذو الرأسين [1] . وأخشن. ومُخاشن. وخَشَان- بخاء معجمة- ومُخْدش. فولد خَشين ذو الرأسين: عرين بْن خشين. وجابر بْن خشين. قَالَ الكلبي: لم يكن فِي بني فزارة رَجُل أكثر غزوًا بنفسه من ذي الرأسين. ومن ولده: عَمْرو بْن جَابِر بْن خُشين، وكان لَهُ من كل أسير أسرته غطفان إِذَا أخذوا فداءه بكرتان، حتَّى منعه ذَلِكَ ظويلم بْن عرين. ومن ولده: مالك بْن حمار بْن حَزْن بْن عَمْرو بْن جَابِر، وَقَدْ رأس وهو وأبوه وجده، وله يقول النابغة:

_ [1] بهامش الأصل: كان عظيم الرأس فيه قرقبة، وفي القاموس: القرقب: البطن.

...... وعلى الهباءة مالك بْن حمار [1] وقَالَ أَبُو اليقظان: ومن ولد لأي بْن عصيم بْن شمخ: ظويلم بْن عرين بْن خشين، وهو مانع الحريم، وذلك أَنَّهُ انطلق فِي الجاهلية يريد الحج، فنزل عَلَى المغيرة بْن عَبْد اللَّه المخزومي، فأراد المغيرة أن يأخذ مِنْهُ ما كانت قريش تأخذه ممن نزل عليها فِي الجاهلية، وكان يُقال لذلك الحريم، وهو بعض ثيابه، وبعض ما ينحره من لحم بدنته، وهو قول ابْنُ الزبعرى: ....... لنا فوق أيدي الطائفين حَريم [2] فَقَالَ ظويلم: يا رب هَلْ عندك من عقيره ... إن منى مانعها المغيره ومانع بعد منى بثيره ... ومانعي ربي أن أزوره أحبس مالي وأدع تنحيره قَالَ: وظويلم الَّذِي منع عَمْرو بْن جَابِر بكرتيه من الديات فقال: أرى عمرا بسوم النَّاس خسفًا ... لَهُ مِنْ كُلَّ عانٍ بكرتانِ فإني مانعٌ ما كُنْتَ تُعطى ... فهل لَكَ بانتزاعهما يدان وقال جبار بن مالك بْن حمار يذكر ظويلمًا: ونحن منعنا من قريش حريمها ... بمكة أيام التحالق والنحر قَالَ: وهجا شوَّال بْن المرقع، أحد بني عَبْد الله بن غطفان ابن ذي الرأسين، فقتله ابْنُ ذي الرأسين، فقال ابن عنقاء الفزاري:

_ [1] الشطر الأول لهذا البيت: «زيد بن زيد حاضر بعراعر» . ديوان النابغة الذبياني ص 61. [2] ليس في ديوان شعر عبد الله بن الزبعرى المنشور.

أَبى لابن ذي الرأسين مجد مقدم ... وسيف إِذَا مَسَّ الضريبة يقطع فقلتُ لشوَّالٍ تَوَقّ ذبابه ... ولا تَحْمِ أَنفًا أَنْ يُسَبَّ مُرَقَّعُ وقَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني لأي: مالك بْن حمار، كَانَ شريفًا شجاعًا سيدًا فِي الجاهلية، وهو الَّذِي قَالَ فِيهِ النابغة: ......... وعلى الدفينة مالك بْن حمار ويروى: الهباءة. وقتل مالكًا خِفاف بْن نَدْبة، وكان معاوية بْن عَمْرو، أَبُو الخنساء السلمية، غزا مرة فزارة، ومعه خِفاف بْن نَدْبة فاعتور معاوية هاشم ودريد ابنا حَرْملة المرِّيَان، فاستطرد لَهُ أحدهما، وشد عَلَيْهِ الآخر فقتله، فلما تنادوا: قُتل معاوية قَالَ خفاف: قتلني اللَّه إنْ رمْتُ حتَّى أثأر بِهِ، فشد عَلَى مالك بْن حمار سيد بني شمخ فقتله وقَالَ: إنْ تَكُ خَيْلي قَدْ أُصيب صميمُها ... فَعَمْدًا عَلَى عَيْنيْ تَيَمَّمْتُ مالكا وقفتُ لَهُ علوي وَقَدْ خامَ صحبتي ... لأبني مجدًا أَوْ لَأثْأَرَ هالكًا أقول لَهُ والرمح يأطر متنه ... تأملْ خفافًا إنني أَنَا ذلكا وكانت لجبّار بْن مالك بْن حمار بِنْت عند عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وأخرى عند حذيفة بْن اليمان، وكان جبّار شريفا في الجاهلية. ومنهم: عملية بْن كلدة بْن هلال بْن حَزْن بْن عَمْرو بْن جَابِر كَانَ شريفًا. وابنه الربيع بْن عُميلة كَانَ من أصحاب ابْنُ مَسْعُود. وابنه الرُّكين بْن الربيع بْن عُمَيْلة، كَانَ فقيهًا، واستعمله أمير المؤمنين أَبُو جَعْفَر. وقَالَ الشاعر:

وسمرة بن جندب بن هلال بن حريج بن مرة بن حزن بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة،

عند ركين ما شئت من ضحك ... إن كنتَ منه رضيتَ بالضحك وَيُقَال فيهم: وبنو عميلة جار كل مُدَفِّعٍ ... للنائبات وغيث كل فقير وسَمُرة بْن جُنْدب بْن هلال بْن حريج بْن مرة بْن حزن بْن عَمْرو بْن جَابِر بْن عقيل بْن هلال بْن سميّ بْن مازن بْن فزارة، وأم سمرة الكَلْفاء بِنْت الحارث من بني فزارة، وَيُقَال هِيَ امْرَأَة من بني أسد، والأول قول ابْنُ الكلبي. وتزوج أمه مُرَيّ بْن ثابت بْن سنان الخزرجي ربيبه: فلما كَانَ يَوْم أُحُدٍ وعرض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه رده رسول الله مَعَ من رد من الغلمان، فَقَالَ لمُرَيّ ربيبه: يا أبه أجاز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رافعَ بْن خَديج، وردني فَقَالَ مُرَيّ: يا رَسُول اللَّه: أجزتَ رافعًا ورددت ابني وابني يصرعه فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تصارعا» فصرع سمرة رافعًا، فأجازه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ زياد بْن أَبِي سُفْيَان يستعمله عَلَى البصرة إِذَا خرج إلى الكوفة، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له ولأبي محذورة: [ «آخركما موتًا فِي النار» ،] فمات سمرة. وقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعشرة من أصحابه: [ «آخركم موتًا فِي النار» ] فمات سمرة، وكان موته بالكوفة، ويكنى أبا سَعِيد، وتوفي فِي آخر أيام معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، ولسمرة دار بالبصرة مشهورة فِي بني رقاش. وقَالَ أَبُو اليقظان: كانت لسمرة دار بالكَلّا، وأخرى بالسوق فوقع بينه وبين المنذر بْن الزُّبَيْر كلام عند معاوية فخَوَّنَهُ المنذر، وقَالَ: قَدْ أخذت أمواله بمائة ألف، فابتاعها مِنْهُ بمائة ألف، وعقب سمرة بالكوفة. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عمر القواريري، ثنا أبو المعلّى الجنّائي عَنِ ابْنِهِ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ سَمُرَةَ فَقَدِمَ إِلَيْهِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا يَسْأَلُ الرَّجُلَ

وولد ظالم بن فزارة:

مِنْهُمْ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِي الإِسْلامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ، وَإِمَامِي الْقُرْآنُ فَيَقُولُ: اضْرِبَا عُنُقَهُ فَإِنْ يَكُ صَادِقًا فَسَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا لَهُ أَخْبَارًا فِيمَا تَقَدَّمَ [1] . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ سَمُرَةُ يُكَنَّى أَبَا سَعِيدٍ، تُوُفِّيَ فِي آخِرِ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ لَهُ بِالْبَصْرَةِ دَارٌ، وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ [2] . وولد ظالم بْن فزارة: غراب بْن ظالم، يُقال لولده بنو غراب بالشام. ومنهم قوم بالبادية ودمشق. قَالَ ابْنُ دارة: قَدْ سَبَتْني بنو الغُراب الأحمرِ ... كل عَوَانٍ منهمُ ومَعْصَرِ فمنهم: بيهس بْن هلال بْن خلف بْن حَمْحَمة بْن غُراب بْن ظالم بْن فزارة. حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أَبِيهِ عن جَدّه عن زياد بْن علاثة الثعلبي قَالَ: تزوج هلال أَبُو بيهس السِيَراء بِنْت سهم بْن عوذ بْن غالب بْن قطيعة بْن عبس فولدت لَهُ: بَيْهَس بْن هلال وإخوة لَهُ وهم: نفر. وعمرو. وَرَبيع. وَرُبَيْع وغيرهم. وإنهم خرجوا من عند أمهم فنزلوا عَلَى أشجع بْن ريث بْن غطفان، وسيد أشجع يومئذٍ نصر بْن دُهمان بْن بصار بْن سبيع بْن بَكْر بْن أشجع بْن ريث بْن غطفان، فأغاروا عَلَى بني الحارث بْن كعب بْن عَمْرو، فلم يكن فيهم أحد أَبْيَنُ شجاعة ونكاية من بيهس وإخوته، فحسدهم نصر بْن دهمان، فلما كَانَ بماء يُقال لَهُ الكَيوانة وبيهس وإخوته فِي رعي إبلهم، عدا عليهم فقتلهم إلّا بيهسًا، وكان أصغرهم، وكانت بِهِ لوثة فكان يُحَمَّق وكان يدعى نعامة لبيت قاله، وَيُقَال لطوله

_ [1] انظر ما تقدم ص 2063 [2] طبقات ابن سعد ج 7 ص 49- 50.

وجسامته وأراد نصر قتله، فَقَالَ لَهُ أشجع: ما تريد بقتل هَذَا وأن يُحسب عليكم برجل لا خير فِيهِ، وقَالَ بيهس: اكفف عن الْإِنْسَان الأحمق، يريد نفسه، دعوة تسكن إليه أمه، فتركه. ثُمَّ إن نصرًا صار إلى ماء آخر فنحر جزورًا، وَقَال: أَظِلَّوا لحمكم فإن الحر شديد، فَقَالَ بيهس: لكن بالكيوانة لحم لا يُظلل. وبعضهم يَقُولُ: لكن بالأثلاث لحم لا يظلل. وبعضهم يَقُولُ: ببثاء [1] لحم لا يُظلل فأرسلها مثلًا. فَقَالَ نصر: إن بيهسًا لمنكر، وهم بقتله، فَقَالَ بعضهم: رُبَّ كلمة من أحمق. فكف عَنْهُ وفارقهم حين انشعب لَهُ طريق أهله، فأتى أمه فسألته عن إخوته فَقَالَ: قَتَلَتْهُم أشجع. فقالت: ما نجاك من بينهم وأنت أخسهم عندي؟ فَقَالَ: لو خيركِ القوم لاخترت، فذهبت مثلًا. ثُمَّ إن أمه عطفت عَلَيْهِ وَرَقَّتْ لَهُ فَقَالَ النَّاس: قَدْ رئمت أم بيهس بيهسًا فَقَالَ بيهس: ثكل أرأمهما ولدًا، فأرسلها مثلًا، ثُمَّ أقبلت تعطيه ثياب إخوته وتركتهم عندها، فَقَالَ: حبذا التراث لولا الذلة فأرسلها مثلًا، فلما احتنك بيهس آلى أن لا يزال يقتل أشجع حيث وجدهم، فمر بنسوة من قومه يُصلحن امرأةً منهن ليهدينها إلى زوجها وهو بعض من قتل إخوته، فكشف ثوبه عن أسته وغطى به رأسه فقلن: ويحك ما تصنع؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ لكل حالةٍ لَبُوسَها، إما نعيمها وإما بؤسها، فأرسلها مثلًا. وجعل يتبع قتله إخوته فيقتلهم حتَّى قتل منهم خلقًا، ثُمَّ قتل نصر بْن دهمان وأنشأ يَقُولُ: يا لكِ نَفْسًا وَفَتْ بنذر ... أنّى لها الطّعم والسلامة

_ [1] ذكر ياقوت الأثلات وبثاء في معجمه، وحكى أولا ما أورده البلاذري هنا، ثم روى أن بثاء عين ماء في ديار بني سعد.

قتلت نصرًا شفاء نفسي ... فليس لي بعده همامة لأطرقنَّ معشرًا نيامًا ... وأبركنَّ بَرْكَةَ النعامة قابِضُ رجلٍ لبسط أخرى ... والسيف مستقدم أمامه قَدْ قُتل القوم إذْ تَعَدُّوا ... بكل وادٍ زُقَاء هَامَة فسُمِّي نعامة لقوله: بركة النعامة. قَالَ: ثُمَّ إنه أُخبر أن تسعة رهط من أشجع فِي غار، فأتى خاله أبا حَشْرٍ، وهو سعد بْن سهم العبسي، فَقَالَ: يا خالاه هَلْ لَكَ فِي غارٍ فِيهِ ظِباء؟ قَالَ: نعم. فانطلق بيهس بِهِ ليلًا وكان خاله قصيرًا فحمله وقَالَ لَهُ: أما تراهم؟ قَالَ: بلى والله إني لأرى شياهًا رُبَّضًا، فرمى بِهِ فِي الغار، وقَالَ: اضرب أبا حشر، فنظر أَبُو حشر، فإذا هُمْ ناس من أشجع فجعل يضرب بسيفه ضربًا مُبَرِّحًا فَقَالَ بيهس: إن أبا حشر لبطل. فَقَالَ أَبُو حشر: مكره أخوك لا بطل، فذهبتْ مثلًا. ثُمَّ إنه لما وفي بنذره، وأدرك ثأره لحق ببني نَهْد من قضاعة، فكان فيهم، ثُمَّ أحدث حدثًا فخرج حتَّى لحق بجرم، فأحدث أيضًا حدثُا، ثُمَّ خرج هاربًا حتَّى أتى بني رُهَاء من مذحج، فأقام فيهم، فبنوه اليوم فيهم يُقال لهم بنو بيهس وانتسبوا إليهم، فَقَالَوا: بيهس بْن هلال بْن خلف بْن حمحمة بْن ظالم بْن فزارة بْن طابخة بْن عَبْد اللَّه بْن رهاء بْن منبه بْن حرب بْن عُله بْن مالك. قَالَ المتلمس: ومن حذر الأيام ما حَزَّ أَنْفَهُ ... قصير ورام الموت بالسيف بيهس نعامة لما قَتَّلَ القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس [1]

_ [1] ديوان المتلمس الضبعي- ط. القاهرة 1968 ص 113- 116.

سائر رجال بني فزارة

وقَالَ رَجُل من بني تغلب: لقمان منتصرًا وقسٌ ناطقًا ... ولَأنْتَ أَجرأُ صَوْلَةً من بيهس وقَالَ غير الكلبي: كَانَ التسعة فِي حفرة فألقى خاله عليهم. وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ بيهس استنجد بدرًا أبا حذيفة بْن بدر عَلَى أشجع فلم ينجده فَقَالَ: ألَا مَنْ مُبْلغٍ بدر بْن عَمْرو ... فكنت بياض وجهكَ أَستديمُ ثأرتُ عشيرةً ونقضتُ وترًا ... فمن يُثني عليّ ومن يلوم [سائر رجال بني فزارة] قَالَ ومنهم سُفْيَان بْن غُراب القائل: إنيّ وَجَدِّي لا أُحَوِّل نازلًا ... فيُقَالُ حَوَّلَ ضيفه ابْنُ غُراب قَالَ: ومن بني فزارة: أَبُو الحِضْرامة بْن المسيب بْن نُجبة، أدرك أبا الْعَبَّاس أمير المؤمنين، وكان لَهُ مكرمًا. قَالَ: ومنهم خِذام أحد بني لأي بْن عُصيم بْن شمخ وهو القائل: إِذَا خفت غدرًا من فزارة فاستجر ... خذام بْن زَيْد وابن عم خذام هما منعاني من حذيفة بعد ما ... أشار بمصقول عَلَي حسام وقَالَ أَبُو اليقظان بنو العَشراء انتسبوا إلى أمهم وكانت عند رَجُل من بني أسد، ثُمَّ تزوجها عُقيل بْن سُمَيّ، فلما دنا منها قَالَ: إني لأراك حبلى، فقالت: العشراء خير من الحائل، فمن ثُمَّ يُقال إنهم من بني أسد. قَالَ: وكان بنو زنيم ينزلون بنخل، وبينهم وبين المدينة ليلتان، فَقَالَ الشَّاعِر يهجوهم: إِذَا ذُكرت فزارة لم يكونوا ... فوارس كل طماح عتيق

فمن بني زنيم: عمرو بن ضمرة

ولكن أهل نخل وجانبيه ... وأسآر [1] العبيد من السويق وقَالَ أيضًا: ولولا أمير المؤمنين لشمَّرت ... زُنَيْم بني ضَرْطٍ تُدمى نُحُورُها فمن بني زنيم: عَمْرو بن ضمرة القائل لَهُ الشَّاعِر: قَبَحَ الإله صحيفة مختومة ... عند الأمير غداة أهل المجمع خُتِمَتْ بفيشلة الحمار وأُعطيت ... عَمْرو بْن ضمرة تبتغي من يخدع قَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني بدر: مسعدة بْن حكمة سباه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدفعه إلى فاطمة عليها السَّلام فأعتقته وهو أَبُو عَبْد اللَّه بْن مسعدة الَّذِي شهد الجمل مَعَ عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، ومر بالزبير بوادي السباع فدفنه، وابنه أَبُو يعمر بْن عَبْد اللَّه الَّذِي يَقُولُ لعمر بْن هبيرة: هلم فقد ماتت حبابة جاريًا ... إلى المجد ترجع يابن عذقاء لاغبا فإن كنت ترجو أن تنال سراتنا ... بقومك فانظر هَلْ تنال الكواكبا قَالَ: وسبي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبيبًا أبا بَجيل من بني بدر، وفي بَجيل بْن حبيب يَقُولُ عَقيل بن علفة: أكلتَ بنيكَ أكل الضَّب حتَّى ... وجدت مرارة الكلأ الوبيل ولو كَانَ الألى غابوا شهودًا ... منعتَ فناء بيتكَ من بجيل قَالَ: وكان فراس بْن سُمَيّ الفزاري عَلَى البصرة لعمر بْن هبيرة، فحبس النوار امْرَأَة الفرزدق، فَقَالَ الفرزدق: فإن يك فِي البيضاء مفتاح قيده ... فعند فراس نفسه في المشيّد [2]

_ [1] السؤر: البقية، وأسأر: أبقاه. القاموس. [2] ليس في ديوانه المطبوع.

قَالَ: ومن بني فزارة: حَذَف، انطلق فِي الجاهلية ورجلان معه فأصابا جُوفان عير، أي أير حمار، فشوياه ثُمَّ قطعاه فلما جاء حذف أطعماه إياه فلما عض عَلَيْهِ ومضغه قَالَ: أير حمار، والله لتأكلانه وإلا ضربت أعناقكما، فأمَّا أحدهما فلم يأكله فضرب عنقه وكان اسمه مَرقمة، فَقَالَ حذف: طاحَ مَرْقمة، فذهبت مثلًا، وأمَّا الآخر فأكله ففزارة تُعَيَّر بِهِ. قَالَ مدرك بْن حصن الأسدي: المُوكليّ بني فزارة بعد ما ... أَكَلَتْ فزارةُ أير كل حمار واقتضى مالك بْن أسماء الفزاري غريمًا لَهُ دينًا كَانَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أعطيك ما ضرب بِهِ الحمار بطنه. فَقَالَ: لقد بارك اللَّه لكم يا بني فزارة فِي أير الحمار، إِذَا جعتم أكلتموه وإذا كَانَ عليكم دين قضيتموه. ومن بني فزارة: ثابت بْن واقع، طلق امرأته ثُمَّ راجعها فَقَالَ ابْنُ دارة: يا ثابت بْن واقعٍ ما أنتا ... أنتَ الَّذِي طلقت لما جُعتا حتَّى إِذَا اصطبحتَ واغتبقتا ... أقبلتَ مُعتادًا لما تركتا أَردتَ أن تُرجعها كذبتا ... قد أحسن الله وقد أسأتا فغضب لَهُ زُميل بْن عَبْد مناف، فأوعد ابْنُ دارة فَقَالَ: أَبْلغْ فزارةَ إني لا أُصالحها ... حتَّى يَنيكَ زميلٌ أُمَّ دينار وقَالَ ابْنُ دارة: لا تأمنَنَّ فزاريًا خلوتَ بِهِ ... عَلَى قلوصِك واكبتها بأَسيار فقتل زُمَيلٌ ابْنُ دارة وقَالَ: ........ ... محا السيفُ ما قَالَ ابنُ دارة أجمعا

وقَالَ: أَنَا زميلٌ قاتلُ ابنَ دارة ... وراحضُ المَخْزَاةِ عن فزارة ثُمَّ جعلتُ عَقْلَة البكارة وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد: ومن بني فزارة: الرُّكَيْن بْن الربيع بْن عُميلة مات فِي فتنة الوليد بْن يزيد [1] . ويقال بقي بعد ذَلِكَ. وقَالَ ابْنُ سعد من فزارة: خرشة بْن الحر، روى عن عُمَر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ [2] ، وتوفي فِي ولاية بشر بْن مروان في الكوفة [3] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 325. [2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 147. [3] بهامش الأصل: بلغ العرض ولله الحمد.

نسب بني عبس بن بغيض

بسم الله الرحمن الرحيم نسب بني عبس بْن بغيض ولد عبس بْن بَغيض: قُطَيعة بْن عبس. ووَرقة بْن عبس، وبنو ورقة بْن عبس قليل، وأمهما كبشة بِنْت قطيعة بْن ربيعة بْن منبه بْن صعب بْن سعد العشيرة. فولد قطيعة: الحارث بْن قطيعة، وأمه هند بِنْت مازن بْن ربيعة بْن منبه بْن صعب بْن سعد العشيرة. وغالب بْن قطيعة. ومَعْتَم- مفتوحة التاء- وأمهما سهلة بِنْت سعد بْن ذبيان بْن بغيض. فولد الحارث بْن قطيعة: مازن بْن الحارث. وزبينة بْن الحارث. وشداد بْن الحارث. وعامر بْن الحارث، وأمهم هند بِنْت عوف بْن سعد بْن ذبيان. وذكوان بْن الحارث. وجروة بْن الحارث، وأمهما من بني وابش بْن يزيد بْن عدوان. قَالَ ابْنُ الكلبي: جروة هُوَ اليمان، وحذيفة من ولده وإنما قيل حذيفة بْن اليمان من ولد جروة، وبينه وبين اليمان آباء. وكان جروة قَدْ أصاب دمًا فِي قومه، فهرب إلى المدينة، فحالف بني عَبْد الأشهل، فسماه قومه اليمان لأنَّه حالف اليمانية، فقيل جروة اليماني.

فولد مازن بن الحارث بن قطيعة:

فولد مازن بْن الحارث بْن قطيعة: ربيعة بْن مازن، وأمه أسماء بِنْت غالب بْن قُطيعة بْن عبس. وبَجالة بْن مازن. ويربوع بْن مازن. وقُمير بْن مازن بْن ثعلبة بْن سعد. فمن بني يربوع بْن مازن: خَالِد بْن بَرْز، ولاه الوليد بْن عَبْد الملك دمشق، وله يَقُولُ مساور بْن هند: ثلاثة أشهر فِي دار بَرْزٍ ... نُرَجّي نائلًا عند الوليد وولد ربيعة بْن مازن: رواحة بْن ربيعة. وعُبيد بْن ربيعة. ورياح بْن ربيعة. وروح بْن ربيعة، وأمهم عبلة بِنْت مرة من الدِّئل بْن حنيفة بْن لجيم. فولد رواحة: جَذيمة، وأمه حَيَّة بِنْت عامر بْن مالك بْن مرة بْن عوف. قَالَ الكلبي: كانت حَيَّة بِنْت عامر بْن مالك بْن مرة عند فقعس بْن طريف، فطلقها وهي حبلى فتزوجها رواحة بن ربيعة بن مازن فولدت لَهُ جذيمة أبا زُهَيْر بْن جذيمة. وخلف بْن رواحة. وعُوَير بْن رواحة، وأمهم تَعِلَّة بِنْت عَمْرو بْن صِرمة بْن مرة، وخرج بنو عَمْرو بْن رواحة مَعَ قيس بْن زُهَيْر حين أتى عُمان، فنزل بها فبقوا بعُمان، وبالكوفة منهم أهل بيت شهد منهم صفين مَعَ عليّ بْن أَبِي طَالِب كرم اللَّه وجهه ضرار بْن فلان، أَوْ فلان بْن ضرار، وخالد بْن رواحة، وحنظلة بْن رواحة. فمن بني جذيمة بْن رواحة بْن ربيعة: زُهَيْر بْن جذيمة بْن رواحة بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث بْن قطيعة بْن عبس، اجتمعت عَلَيْهِ غطفان، وأسيد بن جذيمة. وزنباع بْن جذيمة. وحَذْيَم بْن جذيمة. وقيس بْن

جذيمة. وفي أسيد يَقُولُ خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب: لعل اللَّه يمكنني عليها ... جهارًا من زهيرٍ أَوْ أسيد فمن بني زُهَيْر بْن جذيمة: قيس بْن زُهَيْر صاحب داحس، وَقَدْ كتبنا خبره فِي نسب فزارة، ولما وقع الصلح سارت عبس تريد الشام، فنزلوا بُعراعر، وهو ماء لكلب، فدفعتهم كلب عَنْهُ فاقتتلوا فظهرت عبس، ثُمَّ إن قيسًا خافوا انقطاع بني عبس عَنْهُمْ، وذبيان خاصة، فسألوهم الرجوع فرجعوا، ونزلوا فِي بني كلاب، ثُمَّ فِي بني مرة، ثُمَّ فِي آل أَبِي حارثة، فلما تم صلحهم قَالَ قيس بْن زُهَيْر: إني لأستحيي من فزارة أن يروني وَقَدْ قتلتُ من قتلتُ منهم فتقول هَذِهِ المرأة: قتل أخي، وتقول الأخرى: قتل زوجي، فأمر بني عبس أن يقيموا، ومضى إلى عُمان فمات بها، وقيل إنه أكل ورق شجر فقتله، وكان أَكْلُهُ إيَّاه جوعًا، وهو القائل: إن قيسًا كَانَ مِيتتُهُ ... أسفًا والحيُّ منطلق في دريس ليس يستره ... رُبَّ حُرٍّ ثَوْبُهُ خَلِقُ وَيُقَال: إن الشعر لعروة بْن الورد [1] . والحارث بْن زُهَيْر قتلته كلب يَوْم عراعر. وورقاء بْن زُهَيْر، وَقَدِ اختلفوا فِيهِ، فقيل إنه مات فِي مدة تلك الحرب حتف أنفه، وقيل إنه قتل فِي وقعة الربيع وبني فزارة، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشأس بْن زُهَيْر قتيل غَبْر. ومالك بْن زُهَيْر قتيل بني فزارة. وعوف بْن زُهَيْر قتيل بني فزارة، وأمهم تماضر بِنْت الشريد السُّلمي. ومنهم: مُسَاور بْن قيس بْن زُهَيْر الشَّاعِر، ويكنى أبا صَمْعاء، وفيه

_ [1] ليسا في ديوان عروة المطبوع.

يَقُولُ الشَّاعِر: شَقِيَتْ بنو أسد بشعر مساور ... إن الشقيَّ بكل حبل يُخنَقُ وكان يَقُولُ: الشعر جزل من كلام العرب يشفي بِهِ الغيظ، ويسقى بِهِ الماء، ويرعى بِهِ الكلأ. ومنهم: أسود بْن حبيب بْن جُمانة بْن قيس بن زهير، شهد مَعَ عليّ رَضِي اللَّه تَعَالى عنه مشاهده. ومنهم: القعقاع بْن خُليد بْن جَزْء بْن الحارث بْن زُهَيْر، والبيت فِي بني خليد. ومنهم: الْعَبَّاس بْن جزء بْن الحارث بْن زُهَيْر، وهو جد الوليد وسليمان ابني عَبْد الملك، وأمهما ولادة ابنته. وحصين بْن خليد بْن جزء كَانَ شريفًا بالشام. وعبد اللَّه بْن جزء كَانَ شريفًا بالشام أيضًا، وبعضهم يَقُولُ جَزي. ومنهم: قُرَّة بْن حصين بْن فضالة بْن الحارث بْن زُهَيْر، صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أحد التسعة العبسيين الذين صحبوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني هلال بْن عامر يدعوهم إلى الْإِسْلَام، فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَثَلُهُ مَثَلُ صاحب ياسين» .] ذكر ذَلِكَ الكلبي عن أبيه. ومنهم: أبو حليل بْن شداد بْن زُهَيْر الشَّاعِر. ومنهم: سَليط بْن مالك بْن زُهَيْر، كَانَ أحد العشرة الَّذِينَ كانوا مَعَ خَالِد بْن سنان فِي إطفاء نار الحدثان. ومن بني زنباع بْن جذيمة: مروان القرظ بْن زِنباع، كَانَ يغير عَلَى أهل القرظ، وهي أرض ينبت فيها القرظ الَّذِي يُدبغ بِهِ.

وابنه الحكم بْن مروان بْن زنباع، كَانَ سيدًا فِي زمانه، وأسره أَسْيَد بْن جَنَاءَةَ السَلِيطي يَوْم الصرائم، حين أغارت عبس عَلَى قوم من بني حنظلة، وذكره جرير فَقَالَ: وما ابْنُ جناءة بالوعْدِ أَلوانْ ... يَوْم شد الحكم بْن مروان [1] وأسر يومئذٍ فروة وزنباع ابنا الحكم أيضًا. ومنهم: بُشير بْن أَبِيّ بْن جذيمة بْن الحكم بْن مروان القرظ الشَّاعِر. ومن بني حَذيم: عروة بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن حذيم الشَّاعِر. ومنهم: شريح بْن أوفى بْن يزيد بْن زاهر بْن جزء بْن شيطان بْن حذيم، قتل يَوْم النهروان وهو الَّذِي قيل فِيهِ: اقْتَتَلَتْ همدانِ يومًا ورَحَل ... اقتتلتْ من غُدوةٍ إلى الأصُلْ فَغَلَّبَ اللَّه لهمدان الرحل وَقَدْ ذكرنا خبره. ومنهم: أَبُو الشَّقب، وهو عِكْرِشَة بْن أَرْبَد بْن عُروة بْن مسحل بْن شيطان بْن حذيم، كَانَ شاعر غطفان، وهو الَّذِي يَقُولُ: وعَيَّابة للشُّرب لو أن أُمَّهُ ... تَبولُ نبيذًا لم يزل يستبيلها فإن هيّ لم تَمْلَ الإناء ببولها ... دَعَتْ دعوةً ألا يعيشَ حليلُها وكان عالمًا بنسب قيس. ومنهم أُبَيّ بْن عمارة بْن مالك بْن جَزْء بْن شيطان بْن حذيم بْن جذيمة: أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمرَّ، حتَّى أدركه مُحَمَّد بن السائب الكلبي.

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

وخزيمة بْن نصر بْن شداد بْن شيطان بْن حذيم، كَانَ من أصحاب الْمُخْتَار. وابنه نصر بْن خزيمة، قتل مَعَ زَيْد بْن عليّ بالكوفة. ومن بني أُسَيْد بْن جذيمة: عفيرة بْن حُليس بْن أُسَيْد الَّذِي قتل حمل بْن بدر الفزاري. وقِرواش بْن هُيَيّ بْن أسيد بْن جذيمة، وهو أَبُو شريح قاتل حذيفة بْن بدر. ومن بني خلف بْن رواحة: الْعَبَّاس بْن شريك بْن حارثة بْن جنيدب بْن زَيْد بْن خلف، شهد الجمل وصفين مَعَ عليّ رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وقتل عظيمًا من أهل الشام من آل ذي الكلاع. ومنهم: قنان بْن واقد بْن جنيدب، قتل يَوْم القادسية. ومن بني عوير بْن رواحة: زهدم. وقيس ابنا حزن بْن وهب بْن عوير بْن رواحة اللذان أدركا حاجب بْن زرارة يَوْم شعب جبلة ليأسراه فغلبهما عَلَيْهِ مالك ذو الرقيبة القشيري، ولهما يَقُولُ قيس بْن زُهَيْر: جزاني الزَّهْدَمَان جزاء سوء ... وليت المرء يجزى بالكرامة وولد حنظلة بْن رواحة: عُقْفَان، وهم فِي بني مرة يقولون عُقْفَان بْن أَبِي حارثة بْن مرة بْن نشبة بْن غيظ بْن مرة رهط أرطاة بْن سُهَية [1] الشَّاعِر، وكان أرطاة يَقُولُ الشعر يمدح بِهِ رجلًا، فإذا لم يُثِبْهُ جعله لغيره، وقَالَ: إني لم أُعْطَ مهره. وقيل لَهُ حين أَسَنَّ: أتقول الشعر؟ فَقَالَ: والله ما أرغب، ولا أرهب، ولا أغضب، ولا أطرب، فكيف أقوله. وَيُقَال إن أرطاة،

_ [1] بهامش الأصل: أرطاة بن سهية الشاعر.

وقومه من بني أسد، فأراد وقومه الفريضة، فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مسعدة الفزاري: افرض لهم فِي بني أسد فَقَالَ أرطاة: أما إنك ستحملها فِي سقاء غير سرب. وقَالَ أرطاة: إنْ تَحُل الأسباب بيني وبينكم ... وتطرحْ بنا أنسابنا فِي المطارح تجدني امرأً من صلب خندف أنتمي ... إلى خُزَمِيِّ من ورائك طامح وكان مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن عليّ متواريًا عند بني أرطأة بْن سُهيَّة بالبادية، فَقَالَ بعض الشعراء: فلستَ بمهديٍّ إِذَا كنت ثاويًا ... بدار بني أرطاة وابن بشير ولو كنت تحت الأرض وسط بيوتهم ... أثارك من تحت التراب مثير وابن بشير من بني مرة. ومن بني روح بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث بْن قُطَيعة بْن عبس: فايد بن بكير بْن إساف بْن شماس بْن أنمار، كَانَ من أصحاب الْمُخْتَار. وابنه حسان بْن فايد. وولد عُبَيْد بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث: معَقل بْن عُبَيْد. وزيد بْن عُبَيْد. فولد معقل: حارثة. وجزء ابني معقل. فولد حارثة: حزن بْن حارثة، ولي القضاء لهارون الرشيد، وولي قبل ذَلِكَ الخاتم، ثُمَّ جعله عَلَى قضاء القضاة. وولد زَبينة بْن الحارث بْن قطيعة: ذكوان بْن زبينة. فولد ذكوان: المقاصف، بطن لم يبق منهم أحد، ولهم مسجد

وولد جروة بن الحارث بن قطيعة - وجروة هو اليمان -:

بالكوفة. وقَالَ شَمْعَلَة بْن طيْسَلَة من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان لعبد العزيز بْن الوليد بْن عَبْد الملك- وأمه أم البنين بِنْت عَبْد العزيز بْن مروان، وأمها ليلى بِنْت سهيل بْن عامر بْن مالك بْن جعفر، فهي ليلى القيسية، وأم عَبْد العزيز بْن مروان ليلى بِنْت زبان بْن الأصبغ الكلبي، فهي ليلى عدي-: أنت ابْنُ ليلى خير قيس ظعينة ... وليلى عدي لم تلدك الزعانف وما ولدت عَوْصٌ وأَهْيَبَ أُمُهُ ... ولا ولدتها باعث والمقاصف عوص وأهيب من كليب، وباعث من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان. وولد جروة بْن الحارث بْن قُطيعة- وجروة هُوَ اليمان-: عَمْرو بْن جروة. وربيعة بْن جروة. منهم: حذيفة بْن حُسيل [1] بْن جَابِر بْن ربيعة بْن عَمْرو بن جروة، الذي يقال له حذيفة بن اليمان، صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان عداده فِي بني عَبْد الأشهل من الأنصار، وتوفي حذيفة- ويكنى أبا عبد اللَّه- بالمدائن سنة ست وثلاثين، بعد مقتل عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وأمه من الأنصار، وله دار بالكوفة، وقَالَ فِي الليلة التي توفي فِي صبيحتها: أعوذ بالله من ليلة صبيحتها تؤدي إلى النار، اللهم إنك تعلم أني لم أشرك غادرًا فِي غدرته، فأجرني من روعات يَوْم القيامة. فولد غالب بْن قطيعة بْن عبس: مالك بْن غالب. وعوذ بْن غالب، وأمهما بِنْت جشم بْن عوف بْن بُهثة بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان. وقيس بْن غالب. وولد قيس: عطية، وهم حي قليل.

_ [1] بهامش الأصل: حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

مخزوم بن مالك بن غالب.

وولد مالك بْن غالب: مخزوم بْن مالك بْن غالب. وعبد بْن مالك. وولد مخزوم: مُعَيْط بْن مخزوم. ومُرَيْطة بْن مخزوم. وقراد بن مخزوم. وصخار بْن مخزوم. وجَدَار بْن مخزوم. وزائد بْن مخزوم، أمهم رقاش بِنْت الأَبَحّ. من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان. وَجُوَيه بْن مخزوم وأمه من همدان. وعبد اللَّه بْن مخزوم وأمه من بني سليم. وجراد بْن مخزوم. فمن بني مخزوم بْن مالك: ضبيعة بْن الحارث بن خلف بْن ربيعة بْن معيط بْن مخزوم، الفارس الَّذِي قَالَ لَهُ عامر بن الطفيل يوم النّثأة، وطعنه يومئذ فقتله، وَيُقَال إنه طعن عامرًا فنجا من طعنته، ثُمَّ كَرَّ فطعنه عامر فقتله: إن تنج منها يا ضُبَيْع فإنني ... وجدك لم أعقد عليك التمائما [1] وكانت بنو عامر أغارت على عبس بالنثأة، فنذرت بهم عبس، فاقتتلوا فقتل الأحنف بْن مالك أحد بني قراد بْن مخزوم هزاز بْن قرّه، وقتل أَبُو زَعْنة بْن الحارث بْن خليف بْن ربيعة بْن مُعَيْط بْن مخزوم نهشل بْن عُبَيْد بْن مالك بْن جَعْفَر بْن كلاب، وطعن ضُبيعة بْن الحارث عامر بْن الطفيل فنجا عامر من طعنته، ثُمَّ طعنه عامر بعد ذَلِكَ فِي عجانه فقتله. ومنهم: حَيّان بْن حصين بْن خليد الشَّاعِر. وعبيد بْن سماك، كَانَ واليًا لعلي بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى المدائن. ومنهم: الوليد بْن سماك بْن عُبَيْد بْن الحزَّاز بْن حصين بْن خليف،

_ [1] بهامش الأصل: يقول لم أطعنك إلّا لتموت.

ومنهم: أبو حصن بن لقمان بن سنة بن معيط بن مخزوم،

كان مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بالبصرة. ومنهم: أَبُو حصن بْن لقمان بْن سنَّة بْن مُعْيَط بْن مخزوم، وهو أحد التسعة الَّذِينَ وفدوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومنهم: سَبَّاع بْن يزيد بْن ثعلبة بْن قِنْزَعة بْن عَبْد اللَّه بْن مخزوم أحد التسعة أيضًا. ومنهم: أُبَيّ بن حُمَام بْن جَابِر بْن قراد بْن مخزوم الشَّاعِر. ومنهم: أَبُو السَّمْهري عنترة بْن عَمْرو بْن شداد بْن معاوية بْن قراد بْن مخزوم الفارس، وأمه زبيبة، سوداء وهو الَّذِي قَالَ لَهُ أَبُوهُ: ما يحسن العبد الكَرَّ ... إلا الذيار [1] والصَّر وشهد مَعَ عبس حروبها، ولما اصطلحت عبس وذبيان خرج فِي بعض شأنه، فهاجت ريح حرور أَوْ سموم وهو بين شرج وناظرة فقتلته، فوجد ميتًا. وحدَّثني أَبُو المهدي الكلابي قَالَ: قَالَ أَبُو عنترة: لا يحسن العبد الكرّ ... إلا الذيار والصّرّ وكان الرجل يستعبد ولده إِذَا كَانَ من أمة، وقَالَ عنترة: كل امرئ يحمى حرَه ... أسوَده وأَحمره والواردات مِشْفَره [2] وقَالَ أَبُو المهدي الكلابي: كَانَ عنترة يرعى إبله من بلاد عبس وبلاد طيّئ، فخرج الأسد الرهيص، فوجد عنترة فِي رحلة وهو مصطل فرماه

_ [1] الذيار: هو الصر. القاموس. [2] لم يرد هذا الرجز في ديوانه المطبوع.

ومنهم الحطيئة، [1] وهو جرول بن أوس بن مالك بن جوية بن مخزوم،

بسهم فأصاب عانته فَقَالَ عنترة: الفرس الفرس، ولم يقدر عَلَى النهوض ومات، وركبت امرأته عبلة بعيره وسارت والناس يظنون أن فِيهِ عنترة فلم يقدموا عليها حتَّى أَتَتْ قومها، وغضب لَهُ عامر بْن الطفيل فغزا طيئًا وقتل الأسد الرهيص. ومنهم الحطيئة، [1] وَهُوَ جرول بْن أوس بْن مَالِك بْن جُوَية بْن مخزوم، واسم أم الحطيئة الضَّراء، وكانت أمة لامرأة من أسد، ويكنى الحطيئة أبا مليكة، وكان ممن ارتد، وسمي الحطيئة لقربه من الأرض، وكان يُقال إنه من قوم من سدوس ينزلون اليمامة. وذكر أن ضيفًا نزل بِهِ فَقَالَ لَهُ: وراءك أوسع لَكَ، فلم يفعل، فَقَالَ: تَنَحَّ وإلّا علوتك بهذه العصا فإنها عجراء من سلم. قَالَ: إني ضيف، قال: للضيف أعددتها. قَالَ: ولما احتضر الحطيئة، قيل لَهُ: أَوْصِ فَقَالَ: غلامي يسار عَبْد ما بقي فِي الأرض عبسيٌّ، وأوصيكم بالأيتام شرًا، كلوا أموالهم، وانكحوا أمهاتهم، واحملوني عَلَى حمار، فإنه لم يمت عَلَيْهِ كريم قط، وويل للشعر من راوية السوء. فقيل لَهُ: قل لا إله إلا اللَّه، فَقَالَ: نِعْمَ الفوارس فوارس عبس، ثُمَّ فاظت نفسه جافيًا. وقدم الحطيئة عَلَى عيينة بْن النهاش العجلي، فَقَالَ لَهُ: من أشعر النَّاس؟ قَالَ: الَّذِي يَقُولُ: «من لا يَتَّقِ الشتم يشتم » [2] .

_ [1] بهامش الأصل: الحطيئة الشاعر. [2] هذا بعض من بيت زهير في معلقته حيث يقول: ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم شرح ديوان زهير ص 30.

ومنهم: خالد بن سنان بن عيث بن مريطة بن مخزوم الذي أطفأ نار الحدثان،

فَقَالَ: هَذَا يا أبا مليكة من مقدمات أفاعيك، ثُمَّ قَالَ لَهُ: سَلْ، فَقَالَ: توقر ركابي عَبَاءً ففعل، فقيل لَهُ: عرض عليك أيسر العرب فقنعت منه بهذا فَقَالَ: سألتُ فلم تبخل ولم تعط طائلًا ... فَسَيَّانَ لا لومٌ عليك ولا حَمْدُ وأنت امرؤٌ لا الجود منك سجية ... فتعطي وَقَدْ يُعْدي عَلَى النائل الوَجْدُ [1] وأتى ابْنُ حمامة الحطيئة فَقَالَ: السَّلام عليكم، قَالَ: قولٌ لا يُنْكَر. قَالَ: إني أريد الظل، قَالَ: أُدْنُ من الجبل، قَالَ: إني خرجت من عند أهلي بلا زاد، قَالَ: إني لم أضمن لَكَ ولا لهم زادهم. قَالَ: إني ابْنُ حمامة، قَالَ: كن ابْنُ أي طير اللَّه شئت. ومنهم: خالد بن سنان بن عيث بن مريطة بْن مخزوم الَّذِي أطفأ نار الحدثان، وكان يُقال إنه نبيُّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ. - خبر نار الحدثان: قال هشام ابن الكلبي عن أَبِيهِ: كَانَ خَالِد بْن سنان بْن عيث بْن مريطة بْن مخزوم بْن مالك بْن غالب بْن قطيعة فيما يُقال نبيا يوحى إليه، وكان حرّة الحدثان تأجّح بالليل نارًا، فإذا كَانَ النهار صارت النار دخانًا يسطع، وكانت تلك النار قَدْ أضرت بالناس، وربما خرج منها العنق فساح فلا يمر بشيء إلّا أكله، فأتى خَالِد بْن سنان بني عبس فَقَالَ لهم: إن اللَّه قَدْ أمرني بإطفاء هَذِهِ النار فليقم معي من كل بطنٍ منكم رَجُل، فكان عمارة بْن زياد، أخو الربيع ممن قام معه، فانتهى بهم إلى طرف الحرة فإذا عُنُقٌ من النار قَدْ خرج عَلَى خَالِد ومن معه فصاروا مِنْهُ فِي مثل كفة الميزان، ثُمَّ جعل

_ [1] ديوان الحطيئة ص 194- 195.

العنق يدنو فقالوا: يا خَالِد أَهْلَكْتَنَا فَقَالَ: كلا وجعل يضرب النار بالدّرَّة ويقول: بَدًّا بَدًّا [1] كل هَدْيٍ لله مؤدًّى، أَنَا عَبْد اللَّه، أَنَا خَالِد بْن سنان، فتراجع ذَلِكَ العنق يتخلل الحرة حتَّى انتهى إلى قليب فِي وسط الحرة فانساب فِيهِ، وانقدم عَلَيْهِ خالد، وعليه إزار ورداء فمكث مليًا، فَقَالَ ابْنُ عم لخالد يُقال لَهُ عروة بْن سَنَّة بْن عَيْث بْن مُريطة: لا يخرج منها أبدًا، فما كَانَ أن أسرع من أن خرج وثوباه ينطفان عرقًا وهو يَقُولُ: زعم ابْنُ راعية المعزى أن لا أخرج، وجلدي يَنْدَى، فَسُمُّوا بني راعية المعزى إلى اليوم، وطفئت النار إلى اليوم. وكان إِذَا قحط النَّاس، وأمسك القطر خرج خَالِد حتَّى يأتي صخرة فَيُغَشِّيهَا بثوبه، ثم يقوم فيدعو الله فيمطرون مادام الثوب عَلَى الصخرة، فإذا كشف الثوب عَنْهَا انقشع السحاب. قال هشام ابن الكلبي: وأمَّا الشرقي بْن القطامي فأخبرني أن خالدًا قَالَ لهم: انطلقوا معي، فذهبوا إلى مكان من أرضهم فَقَالَ: احفروا فحفروا فاستخرج صخرة فإذا مكتوب فيها: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد» إلى آخر السُّورة فهي التي كَانَ يغطيها بالثوب. وقَالَ الشرقي أيضًا: إن خالدًا لما تقدم فِي البئر وجد فيها جرّي كلاب تحش تلك النار، فشدخ رءوسها وأطفأ النار. قَالَ: وحدَّثني أَبُو الشغب عِكرشة بْن أربد قَالَ: قَالَ خَالِد: يا معاشر بني عبس إن امرأتي حامل بغلام يُقال لَهُ مُرَّة، أُحيمر كالذرَّة ولا يصيب لمولى مِنْهُ مَضَرَّة، فارس الكرَّة، لن تصيبكم مِنْهُ مَعَرَّةٌ فاستوصوا به خيرا، ثم

_ [1] بهامش الأصل: يريد بدد أي تفرقة.

وولد عبد الله بن مالك بن غالب:

قَالَ: إني ميت إلى سبع، فإذا رأيتم العير الأبتر يطوف بقبري ويسوف بمنخره فانبشوني تجدوني حيًا أخبركم بما يكون إلى أن تقوم الساعة، فمكث أيامًا ثُمَّ مات فدفن، ثُمَّ مكثوا ثلاثًا فنظروا إلى العير الأبتر كما وصف، فأرادوا نبشه فقالت بنو مخزوم: لا ننبشه فتعيرنا العرب، وتقول: هُمْ ينبشون موتاهم، فترك عَلَى حاله. وذكروا أن عنقًا من نار خرجت من تحت الحرة فاتبعها خَالِد بْن سنان، ومعه سوط، ومعه عمارة بْن زياد. أخو الربيع بْن زياد ينظر إلى ما يصنع، فجعل يضرب النار وهو فيها حتَّى دخلت هُوَّةً من الأرض وطفئت ثُمَّ خرج وجبينه عرق. وسَمِعْتُ ابنته مُحيّاة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: «قل هُوَ اللَّه أحد» فقالت: كَانَ أَبِي يَقُولُ: اللَّه أحد. وزعموا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ: [ «ذاك نبيٌّ ضَيَّعهُ قومه» ] . وزعموا أَنَّهُ لما احتضر قَالَ لقومه: إِذَا أَنَا دُفِنْتُ، فإنه ستجيء عانة حمير، يَقْدُمها عير أَقْمَر، فيضرب قبري بحافره، فإذا رأيتم ذَلِكَ فانبشوا عني فأني سأخرج، فلما مات رأوا ما كان قال، فأرادوا إخراجه فَقَالَ بعضهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن نُسَبّ بنبشنا عن ميت لنا. وزعموا أَنَّهُ لما أتى النار ليطفئها وخلفه عمارة جعل يَقُولُ: نَدًّا نَدًّا، كل نَعَمٍ مؤدًى، زعم ابْنُ خاصية الجداء ألا أخرج منها وثيابي تندى. وقَالَ مصعب الزبيري: والله ما بعث اللَّه من مُضَر نبيًا قط إلّا محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن عبسًا أرادوا معارضة قريش بزعمهم. وولد عَبْد اللَّه بْن مالك بْن غالب: بجاد بْن عَبْد الله.

وولد عوذ بن غالب:

فولد بجاد: عدي بْن بجاد. وربيعة بْن بجاد. وعبيد بْن بجاد. وأبا كعب بْن بجاد. وسريع بْن بجاد. وخلف بْن بجاد. وعِدَاء بْن بجاد. وفي بني بجاد يَقُولُ الحطيئة: قَبَح الإله بني بجاد إنهم ... لا يُصلحون وما استطاعوا أفسدوا [1] فمن بني بجاد: قُبَيَصة بْن ضُبيعة بْن حرملة بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن بجاد قُتل مَعَ حجر بْن عدي الكندي يَوْم مرج عذراء. ومنهم: حِراش بْن جحش بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن بجاد، كتب إِلَيْه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرق كتابه. ومن ولده: ربيع بْن حِراش تكلم بعد موته، فَقَالَ: رأيت ربي فبشرني بروح وريحان، ورب غير غضبان، وهو كوفيُّ وبالكوفة مات. وربعي بْن حراش. ومسعود بْن حراش البقية لَهُ اليوم. ومنهم: هِدْم بْن مَسْعُود بْن عَدي بْن بجاد، أحد التسعة الَّذِين أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومنهم: بُشر بْن الحارث بْن عبادة بْن سريع بْن بجاد، وهو أحد التسعة أيضًا، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للتسعة القادمين عَلَيْهِ من عبس: [ «ابغوني عاشرًا أعقد لكم» ] فأدخلوا طلحة بْن عُبَيْد اللَّه التيمي معهم فعقد لهم وجعل شعارهم عشرة فهو شعارهم إلى اليوم. وولد عوذ بْن غالب: هِدْم بْن عوذ. وعبد بْن عوذ. ووائلة بْن عوذ. وولد سَهْم: سعد بْن سهم، وهو أبو حشر خال بيهس الذي قال:

_ [1] ديوان الحطيئة ص 161.

ومنهم: عروة الصعاليك [1] الشاعر

مكره أخوك لا بطل، وَقَدْ ذكرناه. وعباد بْن سهم. ومنهم: قدامة بْن علقمة بْن ربيع بْن عَمْرو بْن الحارث بْن غبار، الذي ذكره الحطيئة فِي شعره. وولد هِدْم بْن عوذ: ناشب بْن هدم. وكراثة بْن هدم. ومعلق. وشعار. وحلس. فولد ناشب: عَبْد اللَّه، وعبد مناف وهو القارب. وزيد. وأفلت. فمن بني أفلت: قَنان بْن دارم أحد التسعة الَّذِين عقد لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أبلى فِي وقائع خَالِد بْن الوليد بالشام. ومن بني عَبْد اللَّه بْن ناشب: الربيع بْن زياد، وهو الكامل، وعمارة بْن زياد، وهو الوهاب، وهو دالق، وأنس الخيل، وقيس الحناط بنو زياد بْن سُفْيَان بْن عَبْد اللَّه بْن ناشب بْن هدم بْن عَوذ بْن غالب، وكانوا من أشراف العرب، وأمهم فاطمة بِنْت الخُرشب الأنماري والربيع الَّذِي أخذ درع قيس بْن زُهَيْر. ومنهم: قُرَّة بْن شريك بْن مرثد بْن الحارث بْن خُنَيْس بْن سُفْيَان بْن عَبْد اللَّه بْن ناشب بْن هدم، ولهم شرف بالشام، وهو الَّذِي عاب بِهِ عُمَر بْن عَبْد العزيز لتوليته إياه، وكان قُرَّة يشرب الخمر. ومنهم: عَمْرو بْن الأسلع بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن ناشب وهو حُبيبة، وكان شريفًا. ومنهم: عروة الصعاليك [1] الشَّاعِر بْن الورد بن عمرو بن زيد بن

_ [1] بهامش الأصل: عروة بن الورد.

عَبْد اللَّه بْن ناشب، وتتايعت [1] عَلَى العرب سنون جدب، وكان عروة إِذَا كَانَ الجَدْبُ نظر إلى كل ضعيف مهزول صعلوك من قومه فضمَّهُ إِلَيْه، وبنى لَهُ كنيفًا، وهو الحظيرة ثُمَّ يغير عَلَى العرب فما أصاب أتاهم بِهِ حتَّى يصلحوا، فلما تتايعت تلك السنون، نحر جملًا وقَدَّدَ لحمه، وجعله زادًا لهم، وحمل سلاحهم عَلَى جمل آخر، وغزا بهم قضاعة، فمر بمالك بْن خبَّار فَقَالَ: أَيْنَ تذهب بهؤلاء فتهلكهم؟ فَقَالَ: إنَّما الهلاك أن يقيموا فيموتوا جوعًا، فَزَوَّدَهُ مالك، وسار فوقع عَلَى إبل تكون مائة ومعها فُصْلانُها، ومعها فارس، فرماه عروة فقتله واستاق الإبل فأحياهم بها وقَالَ: أقول لقوم بالكنيف تَروُّحوا ... عَلَى قَمُصٍ مثل الأهلّة رزّح لعلكم إن تصبحوا بعد ما أرى ... ليوث الغضا فِي غيضها المُتَرَوَّحِ تنوء عَلَى الأيدي وأفضل زادنا ... بقيةُ لحمٍ من جَزُورٍ مُمَلَّحِ ومن يَكُ مثلي ذا عيال وقلَّةٍ ... من المال يطرح نفسه كل مطرحِ [2] وكان أخذه الإبل بذي أطلال. وقَالَ ابْنُ الأعرابي: كَانَ عروة يغير بالصعاليك، ثُمَّ يقسم الغنيمة فيهم فَقَالَ: أُقَسِّمُ جسمي فِي جسوم كثيرةٍ ... وأَتركُ صَفْو الماء والماء بارد [3] وقَالَ أَبُو اليقظان: من قبائل بني عوذ: بنو مِلاص، كَانَ منهم حيّان قتله العوام بْن مُضرّب المزني فقتلوا بِهِ شبيبًا أخاه، وقَالَ العوام:

_ [1] التتايع: ركوب الأمر على خلاف الناس، والتهافت، والاسراع في الشر، واللجاجة. القاموس. [2] ديوان عروة بن الورد- ط. دار صادر بيروت ص 23 مع فوارق كبيرة. [3] ديوان عروة بن الورد ص 29.

ومن بني زهير بن جذيمة: أبو الأبيض [1]

سأُجري الزرق زرق بني ملاصٍ ... بيوم نَضاد أيامًا طوالًا ومنهم: بنو عطية. قَالَ: وقيل لفاطمة بِنْت الخُرشُب: أيُّ بنيك أفضل؟ فقالت: ربيع. عمارة، أنس ما أدري، ما حملت واحدا وضعا ولا ولدته يتنا ولا سقيته غيلًا ولا منعته قيلًا، ولا أَنَمْتُه عَلَى ماقة. الوضع: الَّذِي تحمل أُمه فِي آخر طُهرها وهو أضعف الأولاد، واليَتْنُ الَّذِي تَخرج رجلاه قبل يديه، والغيل اللبن الَّذِي يكون للحامل، والقيل شُربة نصف النهار، والماقه البكار. وأمَّا عُمارة فلا ينام ليلة يخاف ولا يشبع ليلة يُضاف. قَالَ: وقتلت عُمارة بنو ضبة. قال: وكان قرة بْن شريك عَلَى مصر، من قبل الوليد بْن عَبْد الملك، فمات بها، وكان صاحب شراب. قَالَ ومن بني حذيم: بنو عُنْقُوس. ومن بني زُهَيْر بْن جذيمة: أَبُو الأبيض [1] كَانَ فاضلًا وهو القائل: ومالي مالٌ غيرُ درعٍ حَصينة ... وأبيضَ من ماء الحديد صقيل ووردت عَلَى عَبْد الملك هدية الحجاج، فَقَالَ لأبي الأبيض: كيف ترى؟ قَالَ: هَذَا حسن إن لم تكن ظلمت فِيهِ الأرملة واليتيم، وكان الحجاج حاضرًا، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين اسقني دمه. وخرج الْعَبَّاس بْن الوليد عَلَى الصائفة، وخرج معه أَبُو الأبيض، فَقَالَ أَبُو الأبيض: رَأَيْت كأني أتيت بتمر وزبد فأكلته ثم دخلت الجنة فقال

_ [1] بهامش الأصل: أبو الأبيض.

قال: وكان من بني خليد: عثمان بن مسعود،

الْعَبَّاس: نُعجّل لَكَ التمر والزبد والله لَكَ بالجنة، فدعا بتمر وزبد فأكله، ثُمَّ لقي أَبُو الأبيض العدو فقاتل حتَّى قتل. قَالَ: وكان من بني خليد: عثمان بْن مَسْعُود، وكان بخراسان عند قُتَيْبَة بْن مُسْلِم، فَقَالَ للحضين بْن المنذر الرقاشي: أنت عجوز بَكْر بْن وائل، فقال لَهُ: أَنَا شيخها وسيدها، ولكنه سادكم فِي الجاهلية عَبْد- يعني عنترة- وسادتكم فِي الْإِسْلَام امْرَأَة- يعني أم الوليد وسليمان-. ويقال إنه قَالَ لهم أَوْ غيره: إنما أنتم بحر، فإن جَفَّ جففتم، وإن ندي نديتم. قَالَ: وكان الوليد بْن القعقاع بْن خليد عَلَى البلقاء، أيام هشام، فأخذ يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة وهو يومئذ سُوَقَةٌ فجلده وخَمَّم [1] وجهه وألبسه مدرعة، وجاب [2] عن إسته، فلما قام الوليد بْن يزيد ولي يزيد بْن عُمَر البلقاء فأخذ الوليد بْن القعقاع فعذبه. وقَالَ: ذكر عَبْد اللَّه بْن المبارك قَالَ: بينا سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك يتوضأ وليس عنده غير خاله حُصين بْن خُليد والغلام الَّذِي يصب عَلَيْهِ الماء فَخَرَّ الغلام ميتًا، فقام حصين يصب عَلَيْهِ الماء فَقَالَ سُلَيْمَان: قَرِّبْ وضوءَك يا حصين فإنما ... هذي الحياة تَعِلَّةٌ ومَتَاع ومنهم: فرات بْن سالم، ولاه المنصور اليمن. ومنهم: سُلَيك بْن مِسْحَل، روى عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عنه حديثًا فِي النبيذ.

_ [1] لعله أراد أنه وضع على وجهه الرماد أو مواد نتنه. انظر القاموس مادة «خمم» . [2] جوب القميص: عمل له جيبا. القاموس.

وربعي بن حراش،

وربعي بْن حراش، روى عن عُمَر، ومات فِي ولاية الحجاج بعد الجماجم. قَالَ أَبُو اليقظان: قيل لبني عبس، وكانت الحرب بينهم وبين بني ذبيان أربعين سنة: أي الخيل وجدتم أفضل؟ قَالُوا: الكميت. قيل: فأي الإبل وجدتم أفضل؟ قَالُوا: كل حمراء جعدة. قَالَ: فأي النساء وجدتم أفضل؟ قَالُوا: بنات العم. قيل: وأي العبيد وجدتم أفضل؟ قَالُوا: المولدين. قَالُوا: وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان لرجل من بني عبس: كيف بذذتم العرب، وأنتم ألف رجل، قال: لأنا كُنَّا ألف حازم، وأطعنا أحزمنا، فكنا نتبع رأيه، وكنا نصبر بعد صبر النَّاس ساعة. قَالَ ابْنُ الكلبي عن أَبِيهِ: قام الحجاج بعد الجماجم بواسط خطيبًا فَقَالَ: والله لَهَمَمْتُ أن أبعث إلى هَؤُلَاءِ العصاة ألفًا كألف بني عبس يحشرونهم إلى السواد، فقلت فِي نفسي: وأنا والله من العصاة، ثُمَّ قَالَ: يا أهل العراق تزعمون أني ساحر، والله يقول: لا يفلح الساحر حيث أتى [1] وتزعمون أني أعلم اسمًا من أسماء اللَّه فِيهِ أقتلكم وأذلكم، والله لو جهد النَّاس كلهم عَلَى اللَّه أن يظلم لهم رجلًا واحدًا ما فعل، وتزعمون أَنَا بقية ثمود، قَالَ: فقلت أقررت والله أَنَا من ثمود، ثم قال: وثمودا فما أبقى [2] نعم البقية بقية ثمود، والله ما بقي مَعَ صالح إلا المؤمنون. وقَالَ عوانة: وكان يقول وتزعمون أني عدو الله أني أعلم اسما من

_ [1] سورة طه- الآية: 69. [2] سورة النجم- الآية 51.

نسب أنمار بن بغيض

أسماء اللَّه، والله أعلى وأَجَلّ من أن يعلم عدوًا لَهُ اسمًا من أسمائه أَنَّهُ يقتل بِهِ أولياءه. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. نسب أنمار بْن بغيض وولد أنمار بْن بغيض: عوف بْن أنمار. وطريف بْن أنمار فافترق بنو أنمار منهما. وبنو الخُرشب من بني طريف واسم الخُرشب عَمْرو بْن نصر بْن جارية بْن طريف. وكانت أم شماخ واخوته خُرشبية. ومن بني أنمار: عَبْد اللَّه بْن عاصم، تزوج ليلى أم عَبْد العزيز بْن مروان فَقَالَ الشَّاعِر: لقد ظلمت ليلى فلا تبك نفسها ... بمنكحها رأس الحمار ابْنُ عاصم ولهم بقية.

نسب ولد أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان

نسب ولد أشجع بْن رَيْث بْن غطفان بْن سَعْد بْن قيس بْن عيلان ولد أشجع بْن ريث: بَكْر بْن أشجع. وسُليم بْن أشجع. وعمرو بْن أشجع. فولد بَكْر بْن أشجع: سبيع. وبكر. وصبرة بْن بَكْر. فولد سُبيع: خَلاوة بْن سبيع. وفتيان بْن سُبيع. منهم: مَعْقَل بْن سنان بْن مُظهِّر بن عزكي بن فتيان، صاحب المهاجرين يَوْم الحرة، وقتل يومئذ، وله يَقُولُ الشَّاعِر: وأصبحت الأنصار تَنْعَى سراتها ... وأشجع تَنْعَى معقل بْن سنان وَقَدْ كتبنا خبره فِي كتابنا. وولد خلاوة: عيش بْن خلاوة. وقنفذ بْن خلاوة. فمن بني عيش: جَبْهاء وقَالَ غير الكلبي جَيْهاء- بْن جُميمة بْن يزيد. وعبيد بْن كيشم بْن عَبْد اللَّه بْن طريف بْن سَحْمة بْن عُبَيْد بْن هلال بْن عيش الشَّاعِر. وحاجب بْن وديعة بْن خديج بن سحُمة بْن عُبَيْد بْن هلال الشَّاعِر.

وهذيل بْن عَبْد اللَّه بْن سالم بْن هلال بْن الحراق بْن زَبِينة بْن هلال الشَّاعِر هجا الشَّعْبِيّ، وعبد الملك بْن عمير، وابن أَبِي ليلى. قَالَ هشام الكلبي: قد رأيته وهو القائل: فتن الشَّعْبِيّ لما ... رفع الطرف إليها وولد قنفذ بْن خَلاوة: ثعلبة بْن قنفذ. وسعد بْن قنفذ. وولد ثعلبة: أُنيف بْن ثعلبة. ونُبيح بْن ثعلبة. ونشبة بْن ثعلبة، وخصفة بْن ثعلبة. ومنهم حَميلة بْن وهب بْن حبال بْن نُبيح، كَانَ شريفًا. ورُخَيلة بْن عائذ بْن مالك بْن حبيب، قائد أشجع يَوْم الأحزاب مَعَ المشركين. وحميلة بْن عامر بْن أنيف بْن ثعلبة، صاحب حلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونُعيم بْن مَسْعُود بْن عامر بْن أنيف بْن ثعلبة، دسَّه أَبُو سُفْيَان بْن حرب الى المسلمين يخوفهم كثرة المشركين ويثبطهم عن إتيان بدر للوعد الَّذِي واعد أَبُو سُفْيَان المسلمين حضوره للقتال، فلما خوف المسلمين كيد المشركين وكثرتهم، قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، وفي ذَلِكَ أنزلت: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ... إلى قوله مؤمنين [1] . وغير الكلبي يقول هو ابْنُ مَسْعُود بْن رُخيلة، وأسلَمَ نعيم بْن مَسْعُود، وخَذَّلَ المشركين يَوْم الأحزاب وسعى بينهم بما فرق الله به كلمتهم

_ [1] سورة آل عمران- الآيات: 173- 175.

وألفتهم، فوقع بينهم الاختلاف، وكانت فِيهِ نميمة فأفشى إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يريد قتل قوم فأخبرهم بذلك، وجعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَينة يَوْم الأحزاب. وقَالَ الكلبي: دلَّاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قبره، ونزع الأخلة من أكفانه بأسنانه، وترحم عَلَيْهِ. وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد: أسلم نعيم بْن مَسْعُود الأشجعي فِي الخندق، وخَذَّل بين النَّاس، وكان يسكن المدينة، وولده بعده، وبقي إلى زمن عثمان، ومات فِي آخره [1] . وأنكر الواقدي حديث خلف بْن خليفة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزع عَنْهُ الأخلَّة. وولد بِصَار بْن سُبيع: دهمان بْن بَصَار. وجابر بْن بصار. فولد دهمان: نصر بْن دهمان، عمَّر دهرًا، وله يَقُولُ الشَّاعِر: ونصر بْن دهمان الهنيدة [2] عاشها ... وتسعين حولًا ثُمَّ صَوَّتَ فانصاتا وعبد بْن دهمان وفالج بْن دهمان. منهم: عَبَّاس بْن حُليس بْن عُبَيْد بْن عَبْد مناف بْن زَبينة بْن عَبْد بْن دُهمان. ومنهم: عقبة بْن مُلَيْس بْن عَبْد بْن دُهمان، وكان يُقال لعقبة مُذَبّح، وذلك لأن بني عامر أغاروا على بلاد غطفان بالرَّقَم، والرَّقَم ماء لبني مرة،

_ [1] طبقات ابن سعد ج 4 ص 277- 279. [2] الهنيدة: اسم لكل مائة من الإبل وغيرها. وصاحب هذا البيت هو سلمة بن خرشب الأنماري. اللسان.

فلقوا غلمة من بني أشجع بْن ريث فقتلوهم، وعلى بني عامر عامر بْن الطفيل. ثُمَّ غزا بهم بني فزارة فلقوه وعليهم عُيينة بْن حصن. فانهزمت بنو عامر، ودخلوا واديًا لم يكن فِيهِ منفذ فرجعوا، ووقفت غطفان عَلَى فم الوادي، فلما رَأَى ذَلِكَ بنو جَعْفَر بْن كلاب قَالُوا: إنه لا ينجينا إلّا الصدق، وأن نرميهم بنواصي الخيل، فقتل يومئذ من بني جَعْفَر: كنانة، والحارث ابنا عبيدة بْن مالك بْن جَعْفَر، وقيس بْن الطفيل، وجعل عامر يَقُولُ وَقَدْ عقربه فرسه: «يا نفس أَلَّا تُقْتَلي تموتي» [1] فحمله جبَّار بْن سلمى بْن مالك بْن جَعْفَر عَلَى فرسه، وارتدف خلفه، وأخذ عامر الرمح فحمل عَلَى رَجُل منهم فجدلَّه، ثُمَّ أقبل نحو فرسه العقير وَقَدْ عار فلم يقدر عَلَيْهِ، فقالت امْرَأَة من بني جَعْفَر: ما للوَجِيفِ نَصَلَتْ حوافرهْ ... وأَلْغِيَتْ فِي آرِهِ [2] مَشَافِرُهْ كيف جرى بالأمس عزي جازره وأسرت غطفان فِي هَذَا اليوم من بني عامر أربعة وثمانين رجلًا، فدفعوا إلى أشجع، فجعل عقبة بْن مُلَيْس- وبعضهم يَقُولُ: عقبة بْن أنيس بْن حُليس، والأول قول ابْنُ الكلبي- يَقُولُ: من جاءني بأسير فله فداؤه، وجعل يذبحهم حتَّى أتى عَلَى آخرهم، وغرم فداءهم فسمي مذبّحا.

_ [1] لم يرد قوله هذا في ديوانه حتى يكمل ويضبط. [2] الإرة: النار نفسها أو موضعها أو استعارها وشدتها، والأرى: ما لزق بأسفل القدر، وتأرى عنه: تخلف وبالمكان احتبس. القاموس.

ومنهم: جارية بْن جُمَيْل بْن نشبة بْن قرط بِنْ قرَّة بْن نصر بْن دهمان، شهد بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومن أشجع: نُبيط بْن شُريط [1] أَبُو سَلَمة بْن نبيط الفقيه. ونُعيم بْن أَبِي هند الأشجعي، مات فِي ولاية خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري، ونعيم كوفي. وسلمة بْن نُعيم الأشجعي روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «من لقي اللَّه لا يشرك بِهِ شيئًا دخل الجنة» ] . وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ من أشجع: زاهر الأشجعي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «من يشتري مني العبد» .] قَالَ: إذًا يجدني سيدًا يا رسول الله. ولأشجع حلف في بني هاشم. وقَالَ: من أشجع: معقل بْن سنان، قدم المدينة فِي أيام عُمَر بْن الخطاب رضي الله تعالى عَنْهُ، فسمع قائلًا يَقُولُ: أعوذ برب النَّاس من شر معقلٍ ... إِذَا معقلٌ جاء البقيع مُرَجَّلًا فَقَالَ عُمَر: الحق بباديتك، ثُمَّ عاد إلى المدينة بعد عُمَر، وكان مَعَ المهاجرين يَوْم الحرة فجيء بِهِ أسيرًا إلى مُسْلِم بْن عقبة المرِّي، فَقَالَ: أنت الَّذِي قلت حيث أتيت أمير المؤمنين: سرنا شهرًا، وحسرنا ظهرا، ورجعنا

_ [1] بالأصل: «ابن نبيط بن شريط» وكلمة ابن الأولى زائدة فحذفت، ونبيط بن شريط من الذين شهدوا حجة الوداع، وروى الخطبة التي ألقاها النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذاك. طبقات ابن سعد ج 6 ص 29- 30. طبقات خليفة بن خياط ص 95.

صفرًا، اضربوا عنقه، فضربت عنقه، وكان أشجع ممن أعان عَلَى عثمان يَوْم الدار، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أم الحكم: وأمَّا لئام النَّاس أشجع فاغتدتْ ... وباقي اليهود لم يعينوا عَلَى غدر ومن أشجع: عوف بْن مالك الأشجعي، كانت لَهُ صحبة، ويكنى أبا عَمْرو، ومات بالشام فِي أيام معاوية، وَيُقَال فِي سنة ثلاث وسبعين.

نسب بني عبد الله بن غطفان

نسب بني عَبْد اللَّه بْن غطفان ولد عَبْد الله بْن غطفان: بُهْثَة بْن عَبْد اللَّه. وعُدْرَة. وغَنْم بْن عبد الله. وشباب بْن عَبْد اللَّه. ومْنبّه بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان. فولد بُهثة: عوف بْن بهثة. فولد عوف: قطبة بْن عوف. وجُشَم بْن عوف. وكلب بْن عوف. وباعث بْن عوف. فولد قطبة بْن عوف: خُديج بْن قطبة. ومالك بْن قطبة وهو المُرَقّع الَّذِي قتل مسعود بن مصاد الكلبي يوم عُراعر، وكانت عبس ارتحلت تريد الشام بعد قتل حذيفة بْن بدر، فنزلوا بعُراعر، وهو ماء لكلب، ومعهم بنو عَبْد اللَّه بْن غطفان يومئذٍ فدفعتهم كلب، وخرج مسعودٍ سيد كلب فدعا إلى البراز، فبرز إِلَيْه الربيع بْن زياد، وكان طوالًا شجاعًا ضعيف البطش، وكان مَسْعُود جسيمًا قوي البطش، فاختلفا ضربتين فلم يعملا فِي السَّلاح وتعانقا، فصرع الكلبي الربيع فإنه ليريد ذبحه إِذَا زالت البيضة عن رأسه وبدا من عنقه قدر الدرهم، فرماه جحش بْن نصيب فقتله، وأفلت الربيع

فاحتز رأسه، وظهرت بنو عبس عَلَى كلب فهزمتهم، ونازع الربيع جحشًا درع مَسْعُود وقاتله عليها فَقَالَ جحش: فَسَائلْ ربيعًا إذ يجر برجِله ... من الغلمة الداعون عوفًا ومازنا رَقَعْتُ عَلَيْهِ جَيْبَهُ بمرَشَّةٍ ... تعالج معبوطًا من الجوف آبِنَا [1] وولد جشم بْن عوف: عدي بْن جشم. ومالك بْن جشم. وزهرة بْن جشم، رهط عُقبة بْن كَلَدة بْن وهب بْن زهرة، كَانَ أحد السبعين أصحاب العقبة، وكان حليفًا لبني عوف بْن الخزرج، رهط أُبَيّ بْن سلول. وكان منزله المدينة، فشخص إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكَّة، وقَالَ: لا أتخذ دارًا غير دارك فلما أُذِنَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الهجرة هاجر إلى المدينة. قَالَ الكلبي: هُوَ أحد من أكبَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد حين أصابه السهم فِي جبهته، فغاب إلَّا شَظيَّةً، فأكب عَلَيْهِ عقبة فنزعه، وسقطت ثناياه. وغير الكلبي يَقُولُ: الَّذِي فعل ذَلِكَ سعد بْن أَبِي وقاص. وولد مالك بْن جُشم بْن عوف: ضَبَّ بْن مالك. وثعلبة بْن مالك. وحبيب بْن مالك. وولد عدي بْن جُشم: عامر بْن عدي. وكعب بْن عدي، فولد كعب بْن عدي: حرام بْن كعب. والأبح بْن كعب. وكبير بْن كعب. ورُويبة بْن كعب، وهو دارة القمر، سمي بذلك لجماله. ومنهم: سالم بن دارة الشاعر.

_ [1] أبن الدم في الجرح: أسود. القاموس.

وولد عذرة بن عبد الله بن غطفان:

وقَالَ غير الكلبي: كَانَ اسم عَبْد اللَّه بْن غطفان عَبْد العزى فسماهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني عَبْد اللَّه، قَالَ: ودارة القمر أم سالم وعبد الرَّحْمَن ابني دارة وأبوهما مسافع، ودارة القمر من بني أسد، سميت بذلك لجمالها، فأمَّا سالم فكان شاعرًا وهو القائل: أَنَا ابْنُ دارة معروف لها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار من فرع قيس وأخوالي بنو أسد ... من أكرم الناس زندي فيهم واري وهجا سالم: ابْنُ واقع، وهو ثابت بْن واقع فَقَالَ: ويحك يابن واقع ما أَنْتَا ... أنت الذي طلقت لما جعتا فغضب له زُميل فضربه بالسيف، فقدم المدينة فمات فَقَالَ: محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا......... وكان عبد الرحمن ابن دارة يُهاجي الميدان الأسدي، فَقَالَ فِيهِ: يجوع الفقعسي فلا يُصلّي ... ويخرى فوق قارعة الطريق فمات بالجزيرة فقال الميدان: قتل ابْنُ دارة بالجزيرة سبنا ... وزعمت أنَّ سبابَنَا لا يقْتلُ وولد عُذرة بْن عَبْد الله بن غطفان: قدّ بن عذرة. فولد قَدّ: خداش بْن قَدّ. ويربوع بْن قَدّ. وسَيَّار بْن قَدّ. وقَالَ أَبُو اليقظان: من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان: أَبُو الفيض كَانَ عَلَى بيت المال وله عقب بالبصرة. ومنهم بْنو جوشن، وكان عَبْد الرَّحْمَن بْن جوشن شريفًا، ولهم عدد بالبصرة، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر: لعمرك ما ضَلَّتْ ضلال ابْنُ جوشن ... حصاة بليل أُلقيت وسط جَنْدَل

ومنهم طَيْسَلَة كَانَ شاعرًا، وفيه يَقُولُ الفرزدق: أطيسلِ لو أدركتَ أمك نكتَها ... ولكنها ماتت وأنت صغير [1] وابنه شَمْعَلَة بْن طَيْسلة الَّذِي يَقُولُ لعبد العزيز بْن الوليد: وأنت لليلى خير قيس ظعينة ... وليلى عدي لم تلدك الزعانف وقَالَ الشَّاعِر يهجوه: يا شَمْعَلُ ابْنُ أَمَةٍ يا شَمْعَلُ ... إن غذاء غطفان الفيشل منها قُدَيْرَها ومنها تنشل ومن بني عَبْد اللَّه بْن غطفان: ابْنُ أم صاحب الشَّاعِر الذي يقول: لا يطعمون النوم إلا قُلَلًا ... ذَوْقًا لذوق الطير من ماء الوشل ومن بني عَبْد اللَّه بْن المرقع: شوال بن المرقع، هجا رجلًا من فزارة فِي الجاهلية، فقتله. ومن بني عَبْد اللَّه: مُرَّةَ الغطفاني قتل رجلًا من بني فزارة فقُدم ليقاد بِهِ فجعل يَقُولُ: إني إِذَا الموت كَنَعْ ... أسعى إلى الموت أصَعْ ليس من الموت جَزَعْ ومنهم قَعْنَب الَّذِي يَقُولُ فِي الوليد بْن عَبْد الملك: فقدت الوليد وأثقاله ... كمثل البعير أبى أن يبولا

_ [1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.

ومن بني عَبْد اللَّه بْن غطفان: طُفيل العرائس [1] الَّذِي ينتسب إِلَيْه الطفيليون وهو كوفي. ومنهم: عيينة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جوشن، فِي الطبقة الخامسة من المحدثين [2] . ومن موالي بني عَبْد اللَّه بْن غطفان: أَبُو البلاد الكوفي الرواية، وله يَقُولُ الفرزدق ولقيه: «يا لهف نفسي على عينيك من رجل ... »

_ [1] بهامش الأصل: طفيل العرائس. [2] ترجم له ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل البصرة- طبقات ابن سعد ج 7 ص 272

نسب بني أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان

نسب بَنِي أعصرُ بْن سعد بْن قيس بْن عيلان ولد منبه، وهو أعصرُ بْن سعد: مالك بْن أعصر. وعمرو بْن أعصر. وهو غني، وأمهما مُليكة بِنْت ناشح بْن وادعة من هَمْدان. وثعلبة بْن أعصر. وعامر بْن أعصر. ومعاوية بْن أعصر. وأمهم الطفاوة بِنْت جَرْم بْن ربَّان بها يعرفون، وكان من الطفاوة كُرْز وهو سيدهم، وله يَقُولُ الشاعر الأسود بن يعفر: نبّئت كرز ابن الخبيث يَسبَّني ... كرز الطغام مَدَى العجان الأهلب ومنهم: حسان بْن الصَّعق، كَانَ أيام بشر بْن مروان عَلَى الشرطة، وقَالَ الشَّاعِر: إنَّ الطفاويِّ أخو اليَعْسوبِ [1] ... فِي كل حيٍ منهم نصيب فولد مالك بْن أعصر: سعد مناة بْن مالك، وأمه باهلة بِنْت صَعب بْن سعد العشيرة. ومعن بْن مالك، وأمه هند بِنْت شباب بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان.

_ [1] اليعسوب: أمير النحل وذكرها، والرئيس الكبير.

فولد معن: أود بْن معن. وجاوة بْن معن، وأمهما باهلة، خلف عليها معن بعد أَبِيهِ نكاح مقت. وشيبان بْن معن، وهو فَرّاص. وزيد بْن معن وهو لحيان. ووائل بْن معن. والحارث بْن معن وهو ليل. وحرب بْن معن. ووَهيبة بْن معن. وعمرو بْن معن، وأمهم أرنب بِنْت شمخ بْن فزارة. وقتيبة بْن معن. وقعنب بْن معن، وأمهما سودة بِنْت عَمْرو بْن تميم، فحضنتهم كلهم باهلة بِنْت صعب فغلبت عليهم. فولد قُتَيْبَة بْن معن: الحارث بْن قُتَيْبَة. وغَنْم بْن قُتَيْبَة، وأمهم السوداء بِنْت أُسّيد بْن عَمْرو بْن تميم. فولد غَنْم بْن قُتَيْبَة: ثعلبة بْن غنم. وكعب بْن غنم. وعبد بْن غنم وعمرو بْن غنم. فولد ثعلبة بْن غنم: عَمْرو بْن ثعلبة. فولد عَمْرو: ثعلبة بْن عَمْرو بْن ثعلبة. وسهم بْن عَمْرو. وعامر بْن عَمْرو. منهم: عَمَّارة بْن عبد العزى بْن عامر بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن غنم بْن قُتَيْبَة، من ولد حاتم بْن النعمان بن عمرو بْن جَابِر بْن عَمّارة، وكان سيد أهل الجزيرة، وكان ابنه عَبْد العزيز سيدًا، وولى معاوية حاتم بْن النعمان أرمينية، ثُمَّ عَبْد اللَّه ابنه فمات بها فِي أول أيام يزيد، ثُمَّ ولى يزيد عبد العزيز بن حاتم أرمينية، فَرَمَّ مدنها وحَصَّنَها. وقَالَ الواقدي: بنى عَبْد الملك بَرْذَعة عَلَى يد حاتم بْن النعمان أَوِ ابنه، وولى عُمَر بْن عَبْد العزيز أرمينية بعض ولد حاتم بْن النعمان، وروى أَبُو اليقظان أن حاتمًا فتح هراة أيام ولاية عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كُريز خراسان،

وذكر أن عَبْد العزيز بْن حاتم كَانَ عَلَى حرب قيس أيام قاتلوا بني تغلب، وكان يُقال لَهُ أَصَمّ باهلة، وكان عَبْد الملك بْن حميد كاتب أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين مولاهم. منهم الأحدب بن عَمْرو بْن جَابِر، وهو الَّذِي أخذ عِفاق بْن مُرَيّ بْن سَلَمة بْن قُشير بْن كعب فشواه وأكله [1] فَقَالَ الشَّاعِر: إن عِفاقًا أكلته باهلة ... تمششوا عظامه وكاهله وتركوا أم عفاق تأكله قَالَ ابْنُ الكلبي: وأكل ناس من هذيل جارًا لهم فِي سنة أصابتهم، وأكل ناس من فَرِير بْن عُنَين امْرَأَة من بني تميم جاورتهم، وأكل بنو عُذْرَة أَمَةٌ لهم. قَالَ: ومن بني سهم بْن عَمْرو: سلمان بْن ربيعة بْن يزيد بْن عَمْرو بْن سهم بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن غَنْم بْن قُتيبة الباهلي، كان يُقال له سلمان الخيل وجهه عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ إلى أرمينية، وفتح بها فتوحًا كثيرة ولقي خاقان عظيم الخزر وهو فِي خيوله خلف نهر البلَنْجَر فقُتل فِي أربعة آلاف من المسلمين، وكان سلمان أول من استُقضي بالكوفة، فأقام أربعين ليلة لا يأتيه خصم، وروى عن عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ وفيه يَقُولُ ابْنُ جُمانة الباهلي: إنَّ لنا قبرين قبرًا بلنجر ... وقبرًا بصين استان يا لك من قبر

_ [1] بهامش الأصل: ناس أكلوا ناسا.

يعني قبر قُتَيْبَة، وكان الَّذِي جاء بنعيه إلى عثمان قَرْظَة بْن كعب الْأَنْصَارِيّ، وكان سلمان وحبيب بْن مَسْلَمة وُجِّها فِي وجه لمحاربة العدو فتنازعا الإمارة، فَقَالَ بعض أهل العراق لأهل الشام وكانوا قَدْ هَمُّوا بسلمان: إن تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم ... وإن ترحلوا نحو ابْنُ عفان نرحل وقَالَ أَبُو اليقظان: يُقال لقوم سلمان: الكواسجة، قَالُوا وعرض سلمان الخيل فَقَالَ لفرس مِنْهَا: هَذَا هجين، فَقَالَ عَمْرو بْن معدي كرب: هُوَ عتيق، فدعا بطست فِيهِ ماء وسقى الخيل فثنى ذَلِكَ الفرس يده، وكذلك تفعل الهجن، فَقَالَ عَمْرو: إن الهجين يعرف الهجين، فبلغ ذَلِكَ عُمَر بْن الخطاب فَقَالَ لعمرو: بلغني ما قلت لأميرك، وعندك سيف تسميه الصَمْصَامة، وعندي سيف أُسميّه مُصَمَّمًا، فإن سَرَّك أن أضعه عَلَى رأسك حتَّى أبلغ جاعِرتك فَعُد. وكان سلمان يَقُولُ: مَنْ حَسُنَتْ مداراته النَّاس سَلَمَ منهم، وحَسُنَ عيشه معهم. ومنهم أَبُو أمامة [1] صُدَيُّ بْن عَجْلان، صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عَنْهُ، وكان ممن توجه إلى الشام فِي أيام أَبِي بَكْر غازيًا، ومات فِي سنة ست وثمانين، وهو ابْنُ إحدى وتسعين سنة. ومنهم: بَكْر بْن حبيب السهمي، ويكنى أبا سهيل، وولي السوس

_ [1] بهامش الأصل: أبو أمامة الباهلي رحمه الله.

لابن هبيرة، فدعاه إلى عمل دون السوس فأباه وقَالَ: العُنُوق بعد النوق [1] . ومات بالبصرة. وكان عَبْد اللَّه بْن بَكْر بْن حبيب محدثًا، ومات ببغداد سنة سبع ومائتين. وولد عَبْد بْن غنم: سعد بْن عَبْد بْن غنم. وعمرو بْن عَبْد بْن غنم. ومنقذ بْن عَبْد بْن غنم. فولد سعد بْن عَبْد بْن غنم: أَعْيا. وصَحْب. منهم: حَرِّي بْن جَزِي بْن رياح بن عَمْرو بْن عبشمس بن أعيا بْن سعد بْن عَبْد بْن غنم بْن قُتَيْبَة بْن معن. وابنه عَبْد الرَّحْمَن بْن حَرِّي بْن جَزِي بْن رياح، كَانَ سنان بْن سَلَمة بْن المحبق يوليه أمر السرايا بالهند، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر: ولولا طعانَي بالنّوقانِ ما رجعتْ ... منها سرايا ابْنُ حرِّيٍّ بأَسلاب وقَالَ غير الكلبي: ولي عُبَيْد اللَّه بْن زياد: حَرّي بْن جَزي الباهلي ثغر الهند، ففتح اللَّه عَلَى يده، والأول أثبت. ومنهم: دُريد بْن رياح بْن عَمْرو قتله رَدّاد بْن جوشن، من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان فوثب مُظَهِّر بْن رياح عَلَى رَدّاد فقتله، فقالت الغطفانية:

_ [1] مثل يضرب لمن كانت له حال حسنة ثم ساءت، والعناق: الأنثى من أولاد المعز. وجمعه: عنوق، وهو جمع نادر، والنوق جمع ناقة، مجمع الأمثال للميداني ج 2 ص 12 (2417) .

إنّا وباهلة بْن أَعصرُ بيننا ... دَأْبُ الضرير بغصّة وثِقاف من يثقفوا منا فليس بآيب ... ابدًا وقتل بني قُتَيْبَة شاف قتلت قُتَيْبَة فِي النوائب فارسًا ... لا طائشًا رَعْشًا ولا وَقَّاف ومنهم: مُصَرِّف بْن الحجاج بْن أوفى بْن مالك بْن زَيْد بْن نضلة بْن صبح بن عبد الله بن عَمْرو بن عبد بْن غنم بْن قُتَيْبَة بْن معن. ومن بني صَحْب: مالك بْن زُغْبَة بْن ربيعة بْن موهَبة بْن مرة بْن صحب بْن سعد بْن عَبْد بْن غنم بْن قُتَيْبَة بْن معن بْن مالك الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ: بضربٍ كآذان الفَرَاءِ مهولةٍ ... وطعن كإيزاغ [1] المخاض ثبورها ومنهم: حَجْل بْن نَضْلة بْن صُبْح بن عبد الله بن عَمْرو بن عبد كَانَ شاعرًا رئيسًا. ومنهم: أَصْمَعْ بْن مُظهّر بن رياح بن عبشمس بن أعيا بن سعد بْن عَبْد بْن غنم، وهو أَبُو بني أصمع. ومن ولده: عليّ بْن أصمع، كَانَ شريفًا، ونزل عَلَيْهِ خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، حين قدم البصرة، وَقَدْ ذكرنا خبره فِي خبر الجفرة. ومن ولده: عَبْد الملك بْن قُريب بْن عَبْد الملك بْن عليّ بْن أصمع الراوية. وولد عَمْرو بْن غنم: قعنب بْن عَمْرو. وسواءة بن عمرو.

_ [1] وزغت الناقة ببولها: رمته دفعة دفعة. القاموس.

منهم: قتيبة بن مسلم [1] بن عمرو بن حصين بن ربيعة بن خالد بن أسيد الخير بن كعب بن قضاعي بن هلال،

وولد وائل بْن معن: ثعلبة بْن وائل. فولد ثعلبة: سلامة بْن ثعلبة. وعوف بْن ثعلبة. فولد عوف: عامر بْن عوف. وولد سلامة: عُصَيَّة بْن سلامة. وعمرو بْن سلامة. وكعب بْن سلامة. وهلال بْن سلامة. فولد هلال: كُراثة بْن هلال. وقُضاعي بْن هلال. منهم: قُتَيْبَة بْن مُسْلِم [1] بْن عَمْرو بْن حصين بْن ربيعة بْن خَالِد بْن أُسيْد الخير بْن كعب بْن قضاعي بْن هلال، وكان لأسيد الخير أخ يُقال لَهُ أسيد الشر، وكان مُسْلِم بْن عَمْرو خاصًا بيزيد بْن معاوية، وقيل أَنَّهُ كَانَ يُغَنِّيه فَقَالَ الشَّاعِر فِي قُتَيْبَة ويزيد بْن المهلب: شَتَّانَ مَنْ بالصَّنْج أدرى وبالذي ... بالسيف قُدِّمَ والحروبُ تُسَعَّر وكان قُتَيْبَة شريفًا عاقلًا، ولاه الحجاج خراسان، ففتح بها فتوحًا كثيرة، وغزا مغازي مذكورة، وفتح بخارى، وغزا السُغْد، وأذعن لَهُ أهل خوارزم، وكان مائلًا مَعَ الوليد بْن عَبْد الملك عَلَى سُلَيْمَان فِي الَّذِي أراد الوليد من خلعه وتقديم ابنه عَلَيْهِ، فلما ولي سُلَيْمَان خلعة قُتَيْبَة، فمالت عَلَيْهِ بنو تميم وغيرها فقتل، وَقَدْ ذكرنا خبره فِي كتاب البلدان وفي خبر وكيع بْن أَبِي سود التميمي. وكان قُتَيْبَة يَقُولُ لولده: يا بنيَّ الزموا القناعة، فإن أوسع النَّاس غنًى أقنعهم بما قسم لَهُ، وعليكم بالشكر لله فإن أحق النَّاس بالزيادة فِي النعمة أشكرهم لما أوتي منها.

_ [1] بهامش الأصل: قتيبة بن مسلم.

وقَالَ قُتَيْبَة للحجاج حين ظفر بأصحاب ابْنُ الأشعث فأراد قتلهم: إن اللَّه قَدْ أعطاك مَا تُحبّ من الظفر فأعطه ما تحب من العفو. وقَالَ الشَّعْبِيّ: كنت بالري مَعَ قُتَيْبَة بْن مُسْلِم فتغديت معه، فقلت: اسقوني فَقَالَ لي: أي الشراب أحب إليك يا أبا عَمْرو؟ قلت: أعز مفقود، وأهون موجود. فَقَالَ: اسقوا أبا عَمْرو ماءً. وقَالَ قُتَيْبَة- وَيُقَال سلم ابنه: المعاتبة رائد العوف ومقدَّمَتُه، وقَالَ قُتَيْبَة، ويقال سلم ابنه: اعتذار مَعَ منع أجمل من وعد ممطول. ومر قُتَيْبَة بكناسة فيها رماد وعظام وأقذار فَقَالَ: إن الَّذِي يبخل بما يصير آخره إلى هَذَا لبخيل. وحدثني عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ: مر قُتَيْبَة عَلَى عَذرة فأمسك أنفه، وقَالَ: إن من يبخل بما يصير إلى هَذَا لبخيل. وقَالَ قُتَيْبَة بْن مُسْلِم: أربعة متعرضون للهوان والاستخفاف: طَالِب الفضل من اللئام، والمفرط فِي الدالة عَلَى السلطان، والجالس فِي غير موضعه الَّذِي يؤهَل لَهُ، والمقبل عَلَى قوم بحديث وهم غير مستمعين لَهُ، ويروي ذَلِكَ عن حضين بْن المنذر، وهو عن قُتَيْبَة أثبت. وتزوج قُتَيْبَة الزَّعُوم بِنْت إياس فَقَالَ حضين بْن المنذر: نعم المنكح هَذِهِ بخراسان، قَالَ: نعم، وبين الصفا والمروة. وحدث قُتَيْبَة الحجاج قبل توليته إياه أَنَّهُ رَأَى كأن جملَا قَدِ اغتلم، فوثب بِهِ صبي منهم فقتله بشفرة، فلما ولي قُتَيْبَة أرسل عَبْد الملك رجلًا عَلَى خبر قُتَيْبَة فثقل عَلَى الحجاج مكانه فكتب إلى قُتَيْبَة: أما تذكر الجمل المغتلم فدس إِلَيْه قُتَيْبَة من قتله.

وقَالَ قُتَيْبَة: من أراد نفسه عَلَى أكثر مما عنده من علم ومنطق افتضح. وكان قُتَيْبَة إِذَا غزا حَضَّ النَّاس عَلَى الصبر، ونهاهم عن الغلول وقَالَ: إياكم والحرص وطماح الأبصار، وأظلفوا أنفسكم عن المحارم، فإن أفلح النَّاس حجة أغلبهم للحرص والشهوة. وقَالَ قُتَيْبَة- وَيُقَال سلم بْن قُتَيْبَة، وهو عن قُتَيْبَة أثبت-: يا بنيَّ لا تدخلوا الأسواق فتدق أخلاقكم، ولا تمزحوا فيُسْتَخَف بكم، ولا تمشوا فِي العساكر فتصغروا عند أكفائكم. وقَالَ قُتَيْبَة: إن رأيك لا يَتَّسع لكل شيء ففرِّغْهُ للمهم، وإن مالك لا يُغني النَّاس كلهم، فاخصص بِهِ أهل الحق. وقَالَ قُتَيْبَة: البَرُّ الوصول من لم يجعل للبعيد حظ القريب، ولم يصل رحمًا بقطيعة أخرى. وكان يَقُولُ: الدنيا بحذافيرها الخفض والدعة، وروي ذَلِكَ أيضًا عن معاوية رحمه اللَّه. وكان يَقُولُ: المراء هُوَ من دواعي الشنآن، وكَانَ قُتَيْبَة يكنى أبا حَفْص. وقَالَ أَبُو اليقظان ولي قُتَيْبَة الري للحجاج، وولي خراسان ثلاث عشرة سنة، وفتح خوارزم وسمرقند، وبخارى، وكانوا قَدْ كفروا، وقتل وهو ابْنُ خمس وأربعين سنة.

وكان سلم بن قتيبة [1] عاقلا،

وكان سَلْم بْن قُتَيْبَة [1] عاقلًا، وَقَدْ ذكرنا خبره بالبصرة فِي كتابنا هَذَا. المدائني قَالَ: قَالَ سلم بْن قُتَيْبَة- ويكنى أبا قُتَيْبَة: لا تستعينَنَّ عَلَى من تطلب إِلَيْه حاجة بمن لَهُ عنده طعمة فإنه لا يؤثرك عَلَى نفسه ولا بكذاب فإنه يباعد لَكَ القريب، ويُقّرب البعيد، ولا بأحمق فإنه يستفرغ مجهوده، ولا يبلغ لَكَ ما تريد. المدائني عن أَبِي إِسْحَاق المالكي أن سلم بْن قُتَيْبَة قَالَ: ثلاثة أستقلُّ لهم عظيم ما بذلته من مكافأتهم: رَجُل قام عن مجلسه فأوسع لي، والمجلس غاصٌّ باهله، ورجل تَصَفَّحَ ثقاته فاختارني عليهم لحاجته، ورجل أسلفني ماله عند حاجتي إِلَيْه فصانني بِهِ. وقالوا: قَالَ سلم بْن قُتَيْبَة- أَو أَبُوه قُتَيْبَة: ما من رَجُل إلا وأنا أقدر عَلَى مكافأته إلّا رَجُل خرج من بيته يخوض أقطار البصرة حتَّى أتاني فِي منزلي، فآنسني بحديثه. قَالَ المدائني: وأتى سَلمًا قوم من أهل الكوفة، فقالوا لَهُ: يا أبا قُتَيْبَة أتيناك فِي حاجة ليست عليك فيها مؤونة ولا مَرْزِيَّة، ولا تعلو لَكَ ظهرًا، فَقَالَ: هَذِهِ من أبغض الحوائج إليَّ. ما أحب أن أسأل إلّا ما يثقل محمله وتعظم مَرْزيَّتْه. ثُمَّ سألوه حاجتهم فقضاها وقَالَ: لكم الفضل فيها إذ قصدتم إليّ بها.

_ [1] بهامش الأصل: سلم بن قتيبة.

وتكلم رَجُل كلامًا حسنًا فحسده بعض من حضر، فَقَالَ: هَذَا كَلام تعلمُه فَقَالَ سلم: قَدْ أَحْسَن من سَمِعَ كلامًا حسنًا فحفظه ثُمَّ أداه فِي موضعه. وقَالَ سلم: ما أتاني رَجُل ثلاث مرات مسلّمًا لا يسألني حاجة فدريتُ ما مكافأته. وقَالَ سلم: لا أعُدُّ الرجل عاقلًا ما لم يكن رفيقًا. وكان سلم يَقُولُ: ربما طويت سري عن صديقي ونفسي مخافة أن ينتقل عن مودتي فيذيعه عني. وحدَّثني الأثرم قَالَ: قَالَ سلم بْن قُتَيْبَة: بلغني أن غراب بْن ظالم بْن فزارة قَالَ لولده: لا تأمنن صَدْر امْرَأَة، ولو كانت أمك، ولا تأمنن عَلَى سرك غيرك، وأنا أقول لا تأمنن عَلَيْهِ أباك، فربما أفشى الشفيق سرك مُسْقطًا. وحدَّثني مُحَمَّد بْن الأعرابي عن سَعِيد بْن سلم قَالَ: كَانَ سلم ينشد هَذَا البيت كثيرًا، فلا أدري أهو لَهُ أم لغيره: ومن أسوأ الظلم قذف البريء ... وحمُلك ذنبًا عَلَى مُعْذِرِ وكان سلم يَقُولُ: من أَنِفَ من قول لا أدري تكَلَفَّ الكذب، وتعرض للهزؤ والاستخفاف. وكان سلم يَقُولُ: زَيِّنْ ما علمتَ بتركك ادعاء ما لم تعلم. وَحَدَّثَنِي ابْنُ الأَعْرَابِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمٍ قَالَ: لَبَسَ أبي ثوب خز موجّه انفق عليه مال، فَجَعَلَ وُجُوهُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: هَذَا إِسْرَافٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ

أَنَّهُ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَعَلَيْهِ مِطْرَفُ خَزٍّ لَمْ يَرَ مِثْلَهُ. فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «إن اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُهَا» ] . وقَالَ سَلْم: إِذَا أقبل الأمر أَعْيَتِ الحيلة فِي إدباره، وإذا أدبر أعيت الحيلة فِي إقباله. وروي عن سَلْم بْن قُتَيْبَة، وعن ابْنُ ضبارة أيضًا أَنَّهُ رَأَى رجلًا يُسَارُّ رجلًا فِي المجلس فيكثر فَقَالَ: إني لأعُدُّهُ مأفونًا لكثرة سراره فِي المجلس. وقَالَ سلم: من مَطل معروفه حتَّى يكدّ صاحبه فِي طلبه فقد أخذ ثمنه. وقَالَ سَعِيد بْن سلم: قَالَ لي أَبِي: لا تستحي من المسألة عما جهلت، فإن من رقَّ وجهه رق علمه. وقَالَ سلم: أول دناءة الحرص تأميل البخيل. وقَالَ سلم، أَوْ قُتَيْبَة: الصبر عَلَى كتمان السر أيسر من الندامة عَلَى إفشائه. وروي عن سلم أَنَّهُ قَالَ: وجدت اللجاجة أقل الأشياء منفعة وأضرها فِي العاقبة ووجدت أنكد العيش عيش الحسود. وقَالَ سلم، وَيُقَال أَبُوهُ: لا تكمل مروءة مَعَ اتباع الهوى، فإن الهوى كمين غير مأمون. وقَالَ سلم: من المروءة الصبر عَلَى مناجاة الرجال. وكانت أم سَلْم بْن قُتَيْبَة أم ولد. وولد قُتَيْبَة غير سلم: قطن بْن قُتَيْبَة لأم ولد.

وكان سعيد بن سلم شريفا،

والحجاج. وعبد الرَّحْمَن. ومسلمًا. وكثيرًا. وصالحًا، أمهم الزعوم بِنْت إياس بْن سَعِيد بْن هانئ بْن قبيصة. وعمرًا لُأمِّ ولد. ويوسف لأم ولد. فأمَّا سَلْم فولي البصرة لابن هبيرة ثُمَّ للمنصور أَبِي جَعْفَر، ومات بالري. وكان سَعِيد بْن سلم شريفًا، ولي أرمينية، والموصل، والسند، وطبرستان، وغير ذَلِكَ من قبل بني الْعَبَّاس، وَقَدْ ولي إخوته الولايات أيضًا. وكان محمد بن الاعرابي الراوية مَعَ سَعِيد بْن سلم مؤدبًا لولده. وقتل مَعَ قُتَيْبَة أخوه صالح بْن مُسْلِم، وأخوه عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم، وزياد، وكان لَهُ من الأخوة غير هَؤُلَاءِ: عَبْد الرَّحْمَن بْن مُسْلِم، وله عقب بخراسان. وحماد بْن مُسْلِم. ورزيق بْن مُسْلِم كَانَ يخلفه بباب الحجاج. وعمرو بْن مُسْلِم، ولي ابنه وابن ابنه البحرين لأبي جَعْفَر أمير المؤمنين. ويزيد بْن مُسْلِم كَانَ عَلَى شرط مُسْلِم بْن قُتَيْبَة. ومعبد بْن مُسْلِم يُقال أَنَّهُ قتل مَعَ قُتَيْبَة. وحصين بْن مُسْلِم. وقَالَ أَبُو اليقظان كَانَ مُسْلِم بْن عَمْرو أَبُو قُتَيْبَة بْن مُسْلِم أثيرًا عند يزيد بْن معاوية، وكان يكنى أبا صالح وفيه يَقُولُ الشَّاعِر: إِذَا ما قريش خلا ملكها ... فإن الخلافة فِي باهلة لِرَبِّ الحَرُونِ [1] أَبِي صالح ... وما تلك بالسّنّة العادلة

_ [1] بهامش الأصل: الحرون فرسه.

ومنهم: المنتشر بن وهب بن عجلان بن سلمة بن كراثة بن هلال،

فولد مُسْلِم: بشارًا. وزيادًا. وعبد الكريم. وقتيبة. ومنهم: المنتشر بْن وهب بْن عجلان بْن سَلَمة بْن كراثة بْن هلال، كَانَ شريفًا ورثاه أعشى باهلة فِي قصيدته التي يَقُولُ فيها: إمَّا سلكت سبيلًا كنتَ سالكَها ... فاذهْب فلا يُبعدَنْكَ اللَّه مُنْتَشرُ ويقول فيها. قَدْ تَكظم البُزْلُ مِنْهُ حين تُبصرُهُ ... حتَّى تقطّعُ فِي أَعناقها الجُررُ وقتله بنو الحارث بْن كعب، وكان المنتشر يعدو عَلَى رجليه، ويفعل كما كَانَ سليك يفعل أحيانًا، ويُغير أحيانًا فِي جموعه، وكان المنتشر يغاور أهل اليمن، فقتل مُرَّة بنُ عَاهَان الحارثي فقالت نائحته: يا عينُ بَكيِّ بِشَجْوٍ لابن عاهانا ... لو كَانَ قاتله من غير مَن كانا لو كَانَ قاتُلُه قومًا ذوي حَسَبٍ ... لكن قاتله بَهْلُ بْن بَهْلَانا وأسر رجلًا من بني الحارث يُقال لَهُ صَدَاءَة. ثُمَّ قَالَ لَهُ: افْدِ نفسك فتلكأ، فَقَالَ: والله لا يدر شارَقَ [1] إلا قطعت منك مفصلًا فقطعه أنملة أنملة، وعضوًا عضوًا حتَّى أتى عَلَى نفسه فسمت بنو الحارث المنتشر مُجدِّعًا، فطلبوه فلم يقدروا عَلَيْهِ، ثُمَّ إنه حج إلى ذي الخلصة وهو بيت بالعَبْلاء [2] كانت خثعم ومن يليهم من قيس وغيرهم يحجونه، وهو اليوم موضع مسجد العبلاء، فَدَلَّ قوم من بني عَمْرو بْن كلاب اجتعلوا من بني الحارث جعلا،

_ [1] بهامش الأصل: يريد باهلة. [2] من أرض تبالة. معجم البلدان.

قال الكلبي: ومن بني سلامة: أدهم بن محرز بن أسيد بن أخشن بن رياح بن أبي خالد بن ربيعة بن يزيد بن عمرو بن سلامة،

ودلوهم عَلَيْهِ فانتهوا إلى ربيئته [1] وهم نيام، فجاوزوهم إليه، وهو نائم، فأخذوه سلمًا، فقطعوه كما فعل بصاحبهم. ولقي أعشى بأهله رجلًا فَقَالَ لَهُ: هَلْ من خائبة خبر؟ فَقَالَ: نعم قطع المنتشر بْن وهب، وحَدَّثَهُ حديثه فَقَالَ: إني أتاني شيءٌ لا أُسَرُّ بِهِ ... من عَلو لا عجب فِيهِ ولا سخرَ وهي أبيات كثيرة يَقُولُ فيها: لا يأمن النَّاس مَمْسَاهُ ومَصْبَحَهُ ... من كل أَوْبٍ فإن لم يَغْزُ يَنْتَظر قَدْ تكظُم البُزْل مِنْهُ حين تَنْظُرهُ ... حتَّى تقطع فِي أعناقها الجرر لا يغمز الساقَ من أَيِّن ومن وَصَبٍ ... ولا يَعَضُّ عَلَى شُرسُوفه الصَفِر [2] تكفيه حَرَّةُ فلذاتٍ أَلَمَّ بها ... من الشواء ويكفي شربه الغُمَرُ من ليس فِي خيره شرٌ يُكَدِّرُهُ ... عَلَى الصديق ولا فِي صفوه كدر وقَالَ أَبُو اليقظان: قتل حجل بْن نضلة رجلًا فِي الجاهلية يُقال لَهُ: عَمْرو بْن عاهان [3] فقالت باكيته: يا عين بَكيِّ عَلَى عمرو بن عاهانا ... لو كَانَ قاتله من غير مَن كانا وقَالَ: وكان منتشر من بني سَلَمة أحد بني وائل، والأول أثبت، وهو قول الكلبي. قَالَ الكلبي: ومن بني سلامة: أدهم بْن محرز بْن أسيد بْن أخشن بْن رياح بْن أَبِي خَالِد بْن ربيعة بْن يزيد بن عمرو بن سلامة، وهو

_ [1] الربيئة: الطليعة. القاموس. [2] الصفر: الجائع. القاموس. [3] بهامش الأصل: ولكن منتشرا أسر صلاءة الحارثي.

فيمن أَمَدَّ بِهِ عُبَيْد اللَّه بْن زياد حصين بْن نمير لمحاربة التوابين يَوْم عين الوردة، وهو القائل: لما رأيتُ الشيب قَدْ شان أهله ... تَفَتَّيْت وابتعتُ الشباب بدرهم ولم يقل قط بيتًا غيره. وابنه مالك بْن أدهم بْن محرز، كَانَ من صحابة أمير المؤمنين أَبِي جَعْفَر المنصور، وكان عالمًا فصيحًا. وقَالَ غير الكلبي: كَانَ أدهم أثيرًا عند الحجاج، وأقطعه دار عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن زياد لخروجه مَعَ ابْنُ الأشعث، وأنَّه قتل معه. ودخل عَلَى الحجاج وهو أَشْيبَ فأمره بالخضاب فاختضب، وقَالَ هذا البيت: لما رَأَيْت الشيب قَدْ شان أهله ... وقَالَ الكلبي: ومن بني سلامة أيضًا: الأعشى أعشى باهلة، وهو عامر بْن الحارث بْن رياح بْن أَبِي خَالِد بْن ربيعة بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن سلامة بْن ثعلبة بْن وائل بْن معن الشَّاعِر. وولد عَبْد ليل بْن معن: عَبْد كعب وهم قليل. وولد عَمْرو بْن معن: عدي بْن عَمْرو. فولد عدي: عُلَيم بْن عدي. وعبد بْن عدي. فولد عَبْد: جَابِر بْن عَبْد. وخلف بْن عَبْد. وزبَّان بْن عَبْد وَيُقَال ذبّان. وولد عُلَيم بْن عدي: كُليب بْن عليم. فولد كليب: جُندب بْن كليب. ووهب بْن كليب.

ومنهم عمرو بن أحمر [1] العمرد بن عامر بن عمرو بن عبد بن فراص بن معن بن مالك بن أعصر الشاعر

فولد جندب: عدي بْن جندب. ونُبيشة بْن جندب. فولد نُبيشة: معاوية. وعبد العزى. وعبد اللَّه. فولد معاوية بْن نبيشة: مطهّر جد بَكْر بْن معاوية صاحب ديوان الجند، وكَانَ بَكْر من قواد أَبِي جَعْفَر. وعلقمة بْن معاوية. وولد وهب بْن كليب: جوَّية. وربيعة. وولد أَوْد بْن معن: عدي بْن أود. وسعد بْن أود. وكعب بْن أود. منهم: الحارث بْن حبيب، الَّذِي عَمَّرَ فَقَالَ: أَلَا هَلْ شبابٌ يُشتري برغيب ... يدَلُّ عَلَيْهِ الحارث بْن حبيب وولد فَرَّاص بْن معن: عَبْد بْن فَرّاص. وحزام بْن فَرَّاص. وولد جاوَه بْن معن: عينان. وحُمَيْس. وغيلان. فمن بني فَرّاص: مُطَرِّف بْن الكاهن وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولًا لقومه فكتب لَهُ رسول الله. ومنهم عَمْرو بْن أحمر [1] العَمَرَّد بْن عامر بْن عَمْرو بْن عَبْد بْن فراص بْن معن بْن مالك بْن أعصر الشَّاعِر وكان أعور وسُقي بطنه فَقَالَ: شربتُ شكاعي [2] والتددت أَلَدَّةً [3] ... واقبلتُ [4] أطراف العروق المكاويا

_ [1] بهامش الأصل: ابن أحمر الشاعر. [2] شكع: كثر أنينه، وتوجع، والشكاعي: من دقّ النبات، نافع من الحميات العتيقة، واللهاة الوارمة، ووجع الأسنان. القاموس. [3] اللدود: ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم. القاموس. [4] القبلة: ما تتخذه الساحرة لتقبل به الإنسان على صاحبه، ووسم بأذن الشاة مقبلا. القاموس.

وكان قدم الجزيرة فاستوبأها، وأقام بقرقيساء أشهرًا، وبها قَالَ: ألا قَلَّ خَيْسُ الدهر كيف تَغَيَّرا ... فأصبحَ يَرمي الناسَ عن قَرْن أَعْفَرا وقَالَ الحرمازي: شهد ابْنُ أحمر بعض أمر قيس بالجزيرة وكان مَعَ زفر بقرقيسياء مدة يسيرة. وقَالَ أَبُو اليقظان: ومن باهلة: مُسْلِم بْن الشَمِرْدَل، الَّذِي دخل عَلَى بلال بْن أَبِي بردة فجلس متربعًا بين يديه، فَقَالَ لَهُ: لقد جلستَ جلسة بغيّ قَالَ: إنك لعالم بجلوسهنَّ. قَالَ: يابن اللخناء. قَالَ: بل أنت. قَالَ: ومن باهلة ثُمَّ من بني سهم: المستورد بْن قدامة، وكان من الَّذِينَ شهدوا عَلَى نسب زياد أيام معاوية. ومن بني سهم: حَيَّان بْن يزيد الَّذِي قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِي: إن باهلة كانت كراعًا فجعلناها ذراعًا، قَالَ: ألا أدلك عَلَى المرء من باهلة عَكٍ وأخلاطها من الأشعريين فغضب أَبُو مُوسَى رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: يا سَابَّ أميره. قَالَ: ومن باهلة ثُمَّ من بني عَمْرو بْن عَبْد: حَجْل بْن نضلة، كَانَ شريفًا فِي الجاهلية، وعرض ابنه شبيب عَلَى أبي مُوسَى وهو شيخ فَقَالَ: أنت بالٍ عَلَى بال، فَقَالَ شبيب بْن حجل بْن نضلة: رآني الأشعريَّ فَقَالَ بالٍ ... عَلَى بال ولم يعلم بلائي ومثلك قَدْ كسرت الرمح فِيهِ ... فآب بدائه وشفيت دائي ومن بني عَمْرو بْن عَبْد: قُرَّة بْن حيّان، صاحب قنطرة قُرَّة بالبصرة، وكان من وجوه قومه. قَالَ: ومن مواليهم: عُبيد الصَيد الصيرفي.

قَالَ: وكان عليّ بْن أصمع الباهلي، يقرأ الكتب عَلَى منبر البصرة. ووجَّه بنو عَقيل مولى لهم يقال له زياد ليمتار لهم، فأتاهم ولم يَمْتَرْ لَهْم، فسألوه عن أخبار أهل البصرة فحدثهم أن عليّ بْن أصمع تزوج امْرَأَة من بني عامر بْن صعصعة، فَقَالَ شاعرهم: بعثنا زيادًا مائرًا ليميرنا ... فما جاءنا إلّا بصهر ابْنُ أصمعا قَالَ: ومن بني قُتَيْبَة من باهلة: حاتم بْن حُمران، ولي بعض أمر البصرة فمنع إبلًا للفرزدق من الرعي فَقَالَ: وتمنع إبْلي أن تَجُوز إلى الحمى ... وأنت تُجيز الحُمْر يا عَبْد حاتم قرابته شرط ابْنُ حُمرانَ دُونَها ... إِذَا نفذت قامت عَلَيْها المآتم [1] قَالَ: ومن باهلة: بنو حَبيب بْن زَيْد، يذكرون أنهم من بني الأعرج، قَالَ شاعرهم: فإن تَكُ عن نسبي غافلًا ... فإني امرؤ من بني الأعرج ومنهم خُلقتُ ومنهم أَبِي ... كما لَزَّتِ العُنْقُ بالمنسج فشخص هَذَا الشَّاعِر إلى قُتَيْبَة بخراسان، فَقَالَ لَهُ: ألم تزعم أنك من بني الأعرج من تميم؟ فَقَالَ إنَّما قلت: فإن تك عن نسبي غافلا ... فإني امرؤ من بني وائل ومنهم خلقت ومنهم أَبِي ... كما لزَّت العنق بالكاهل ومن باهلة: عَبْد الرَّحْمَن بْن منقذ، كَانَ مَعَ مروان بْن مُحَمَّد من خاصته، فقتل بالخشب ليلة قتل مروان.

_ [1] ليسا في ديوانه المطبوع.

قَالَ: وكان سلمان بْن ربيعة من الكواسجة، وقتل عَلَى بلنجر. قَالَ: ومنهم سلمان بْن أَبِي زُهَيْر خال قُتَيْبَة بْن مُسْلِم وفيه يَقُولُ الشَّاعِر: أليس من الخير لو تعلمين ... سُرادق سلمان من باهلة ومن باهلة: حجاج بن الفرافصة، كان عابدا وقضى ابْنُ لَهُ عَلَى جنديسابور. قَالَ: ومن وائل باهلة: سحبان وهو الذي أوفد إلى معاوية، فتكلم فَقَالَ معاوية: أنتَ السحّ [1] ، فقال: أي والله وغير ذلك، فقال سحبان: لقد علم الوفد العراقيَّ أنني ... إِذَا قيل عند الباب أني خطيبها وذكر حميد الأرقط: وابنه عجلان بْن سحبان، وهو الَّذِي يَقُولُ لطلحة الطلحات بسجستان: منك العطاء فأعطني ... وعليَّ شكرك فِي المشاهد قَالَ: ومن وائل باهلة: الخطيم الخارجي واسمه يزيد. ومنهم قاتل بشر بْن أبي خازم بسهم، فَقَالَ بشر: وإن الوائلي أصاب قلبي ... بسهم لم يكن يكسى لغابا [2] وَيُقَال إن الَّذِي قتله من بني صعصعة. قَالَ: ومن بني جاوة: مُطْرِف بْن سَيدان كَانَ مصعب بعثه إلى عُبَيْد اللَّه بْن ظبيان، وهو بالأهواز، فقتله ابْنُ ظبيان، وَقَدْ ذكرت خبره فِي

_ [1] السح: الدائم الصب والهطل بالعطاء. النهاية لابن الأثير. وتقدم هذا الخبر في ص 1986. [2] ديوان بشر بن أبي خازم ص 25.

كتاب البلدان، وفي أيام المصعب بْن الزُّبَيْر، وله عقب بالبصرة [1] . ومنهم: مُضارب بْن عُبَيْد اللَّه كَانَ يخلف صاحب الشرطة. ومنهم: عطية بْن عمار، كانت ابنته أم عبّاد عند عدي بْن أرطاة. ومن بني فَراص: المثلّم دَسَّتْ إِلَيْه الخوارج فقتلوه، فَقَالَ أَبُو الأسود: آليتُ لا أَمشي إلى رب لقحةٍ ... أساومه حتَّى يؤوبَ المثلم وقَالَ لَهُ حمراءَ كوماءَ جَلْدَة ... وقاربَه فِي السَّوْم والغدر يكتم [2] ومنهم: عَبْد الملك بْن جُمانة كَانَ شاعرًا، وهو القائل لقتيبة: أم كيف يرجوك البعي ... د وقد أضعت له قريبك

_ [1] انظر البلدان- تحقيق سهيل زكار ص 428. [2] ديوان أبي الأسود الدولي ص 151- 152 مع فوارق.

وولد غني بن أعصر:

نسب غَني وولد غني بْن أَعصرُ: غَنْم بْن غني. وجعدة بْن غني، وأمهما دُحام بِنْت تغلب بْن وائل بْن قاسط. فولد غنم: جِلّان بْن غَنْم. وبُهثة بْن غنم. وعمرو بْن غنم فأما بهثة فهم بالجزيرة والكوفة. فولد جِلّان بْن غنم: كعب بْن جلان. وعتوارة بن جلّان. فولد كعب: زبان بْن كعب. وعامر بْن كعب. وعوف بْن كعب فِيهِ العدد. وعويف بْن كعب، وأمهم أميمة بِنْت جشم بْن عوف بن ة بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان. فولد عوف بْن كعب: سعد بْن عوف، وأمه ابْنَة رأس حجر الجرمي، وَيُقَال إنه سعد بْن سعد بْن رأس الحجر الجرمي، ورأس حجر أوس بْن شَمِيس بْن طَرود بْن قُدامة بْن جَرْم. وقَالَ عَبْد بْن شَمِيس الجرمي: أصبح سعدٌ رفدةً لابن أعصر ... غنيّ فلا يهنأ لها ذَلِكَ الرفد وكنت غلامًا من قُدامة ماجدًا ... نَأَيتَ وما أناكَ قَفْرٌ ولا بُعْدُ يعني قدامة بْن جرم.

فولد سعد: عَبِيد بْن سعد. وعِتريف بْن سعد. ومالك بْن سعد، وأمهم سُلامة بِنْت عامر بْن كعب بْن جلان، إليها ينسبون. وثعلبة بْن سعد. وصُرَيم بْن سعد، وأمهما الفَهْميَّة. فولد عَبيد بْن سعد: هلال بْن عَبيد. وخويلد بْن عُبَيْد وَقَدِ انقرضوا. ومنهم: خِشرم بْن عامر، أَسَرَتْهُ بنو نمير، وذكره الراعي عُبيد بْن حَصين [1] ، وفُدِيَ بفداء كبير. وسالم بْن عُبَيْد. وخُرْشُبة بْن عَبيد. فمن بني عَبْد قيس: النَدامي بْن عَبْد اللَّه بْن عُميلة بْن طريف بْن خُرْشُبة بْن عبيد، قتلته طيّئ، ورثاه طفيل الغنوي فَقَالَ: ومن قيسٍ الثاويْ برَمَّانَ بيتُه ... ويوم عُقيل فَادَ [2] آخر معجب وكان قيس هَذَا وفد إلى بعض الملوك، فَقَالَ: لأضعنَّ تاجي عَلَى رأس أكرم العرب، فوضع تاجه على رأسه، ثم أذن له في الانصراف فلقيته طيّئ برمان وهو منصرف ومعه ما حباه بِهِ الملك، فقتلوه ثُمَّ عرفوه فندموا فدفنوه وبنوا عَلَيْهِ بناءً. ومنهم الطَبيخ، واسمه عامر بْن معبد بْن كيشم قتل يَوْم الجمل مَعَ علي بن أبي طالب عليه السلام.

_ [1] انظر ديوان الراعي ص 255 قوله: بكى خشرم لما رأى ذا معارك ... أتى دونه والهضب هضب البهائم [2] بهامش الأصل: فاد أي مات: وفي معجم البلدان: رمان: جبل في بلاد طيّئ في غربي سلمى أحد جبلي طيّئ. انظر هذا البيت مع ترجمة طفيل الغنوي في الأغاني ج 15 ص 349- 355.

ومنهم: كناز بن مرثد [1] بن حصين بن يربوع بن طريف بن خرشبة بن عبيد، حليف حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه،

ومنهم: كناز بْن مرثد [1] بْن حصين بْن يربوع بْن طريف بْن خُرشبة بْن عَبيد، حليف حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، شهد بدرًا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الواقدي: لما أسلم حمزة أسلم كناز أَبُو مرثد، وكان تِربًا لحمزة، وكان طوالًا كَثِير شعر الرأس، وشهد يَوْم بدر، وأحد، والخندق والمشاهد كلها، ومات فِي المدينة قديمًا فِي أيام أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ سنة اثنتي عشرة، وهو ابْنُ ست وستين سنة، وأسلم ابنه مرثد وشهد بدرًا عَلَى فرس يُقال لَهُ السَّيْل، وشهد يَوْم أحد، وقتل يَوْم الرجيع شهيدًا، وهو أمير السرية، وذلك فِي صفر عَلَى رأس ستة وثلاثين شهرًا من الهجرة، ونزل مرثد وأبوه بالمدينة حين هاجرًا عَلَى كلثوم بْن الهدم، وَيُقَال عَلَى سَعْد بْن خيثمة، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَبِي مرثد وبين عبادة بْن الصامت، وآخى بين ابنه وبين أوس بن الصامت. والرجيع ماء الهذيل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مرثدًا وعاصم بْن أَبِي الأقلح إلى ماء هناك فِي صفر سنة أربع لقبض صدقات هذيل، وتفقيههم في الدين لا دعائهم الْإِسْلَام عَلَى سبيل المكيدة، فلما صار المسلمون إليهم غدروا بهم، وقتلوهم فَقَالَ الشَّاعِر: أَبُو مرثد منا المطيَّب وابنه ... الشهيد وسلمان الأمير وحاتم سلمان بْن ربيعة الباهلي، وحاتم بْن النعمان الباهلي.

_ [1] بهامش الأصل: أبو مرثد كناز وابنه رضي الله عنهما.

ومن بني سالم بْن عَبيد: كعب بْن سعد، ونافع بن خليفة الشاعران، وهما قتلا نسيب بْن سالم النميري بأَهْوَى، وأهوى موضع. وعمير بْن الجدري، ومكنف بْن ضمضم وكان من فرسان غني بالجزيرة. ومن بني هلال بن عُبَيْد: رياح بْن الأشل قتل الحُصَيْنَين من عبس فِي الحرب التي كانت بين عبس وغني بسبب قتل شاس بْن زُهَيْر بْن جذيمة العبسي، وابن أخي رياح هَذَا قتل شاسا، رماه بسهم وقد ذكرنا خبره. ومنهم: الخِمس بْن ربيع بْن هلال كانت بنو عامر ويقال هوازن كلها تَسْلي لَهُ السمن، وتعطيه الخرج بعد رَجُل من تميم يُقال لَهُ عُزَيّ بْن جَروة بْن أُسَيْد قتله ذو العُبْرة ربيعة بن الحريش بْن كعب بْن ربيعة بْن عامر بْن صعصعة، والعُبْرة خرزة كَانَ يلبسها تُشَبَّهُ بتاج الملوك، وكان التميمي قبل قتله يأخذ الأتاوة من هوازن ويتملك عليها، قَالَ طفيل الغنوي وَيُقَال رياح بْن الأشلّ الغنوي وذلك قول الأصمعي: بني عامرٍ لا تُخْبِرُوا الناسَ فخركم ... مَتَى تَنْشُرُوه فِي الكرام تُكَذَّبُوا فإنكم لا تنصبون خطيبكم ... ولا تطعمون الزاد حتى تؤنبوا فنحن ربعنا قبل قيسا وأسهلت ... لكم خيلنا ما لم تكونوا لتقربوا ونحن منعناكم تميمًا وأنتمُ ... سوالي ألا تُحْسِنُوا السَّلَّ تُضربوا ونحن حبسناكم حفاظًا عليكم ... وكنتم أناسًا قَدْ رحلتم لتذهبوا فلما خشينا أن تصيروا لغيرنا ... نفينا الأعادي أن تُضاموا وتُحربوا وولد مالك بْن سعد بْن عوف بْن كعب بْن جلان: ضَبيس بْن مالك. ومضابس بْن مالك. وحرب بْن مالك. وحبيب بْن مالك.

منهم: طُفيل الخيل الشَّاعِر ابْنُ عوف بْن خلف بْن ضَبيس بْن مالك بْن سعد، وكنية طفيل أَبُو قُران. وقَالَ الأصمعي: هُوَ أكبر من النابغتين، وليس من قيس فَحْلٌ أَقْدَمُ من طفيل. وكان معاوية يَقُولُ: خلّوا لي طفيلًا ولكم الشعراء. وولد ثعلبة بْن سعد بْن عوف بْن كعب بْن جلان: يربوع بْن ثعلبة. وكعب بْن ثعلبة. منهم: قيس بْن حجوان بْن مطيع بْن كعب بْن ثعلبة بْن سعد، قاتل عَمْرو بْن الأسلع المرادي يَوْم فيف الريح [1] حين اجتمعت بنو الحارث بْن كعب، وجُعْفَي وزبيد، وقبائل سعد العشيرة، ومراد، وصداء، ونهد فأغاروا عَلَى بني عامر ومعهم غني فقئت عين عامر بْن الطفيل، وقَالَ بعضهم قتل عَمْرو بْن الأسلع فِي يَوْم غير هَذَا والله أعلم. ومن ولده: عليّ بْن الغدير بْن نصر بْن قيس بْن حجوان الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ: وإذا رَأَيْت المرءَ يَشْعَبُ أمره ... شِعَبَ العصا ويلحُّ فِي العصيان فاقصد لما تعلو فمالك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان ويقول أيضًا: وَخَلِّ قريشًا تَقْتَتِل إن مُلْكَهَا ... لها وعليها بِرُّهَا وأَثامها وإن وسَعَتْ أحلامُها وسعَتْ لها ... وإن عجزتْ لم تَدْمَ إلا حِلَامُها

_ [1] انظر النقائض ج 1 ص 469- 472.

وقَالَ فِي مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم فِي أبيات لَهُ: ألا أبلغا عني الأمير محمدًا ... وهل مُبْتَغٍ عُتْبَاكَ إلا لتعتبا وقَالَ فيها: وهَلْكُ الفتى ألا يُراحَ إلى الصبا ... وألا يرى شيئًا عجيبًا فيعجبا ومنهم: الحارث بْن مُوَيلك بْن واقد بْن رياح بْن يربوع بن ثعلبة، الذي قتل ابني السخفية القشيريين. ومنهم: مرداس بْن مُويلك أخوه، وفد عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وأهدى لَهُ فرسًا. ومن ولده: حمزة بْن طارق بْن عَبْد العزيز، كَانَ أعلم النَّاس بغنى وباهلة، وَقَدْ لقيه هشام بْن مُحَمَّد الكلبي. والحكم بْن جاهمة بْن الحراق بْن يربوع بْن ثعلبة بْن سعد كَانَ فارسًا. وشيطان بْن جاهمة، وهو فارس الخذواء، كَانَ فِي أُذُنها استرخاء، وإيَّاهُ عنَي طفيل حيث يَقُولُ: وَقَدْ مَنَّتِ الخذواء مَنًّا عليهُمُ ... وشيطان إذ يدعوهُم ويَثُوب قَالُوا: هزمت غني طيئًا، وَيُقَال خثعمًا، فلما انهزموا قَالَ شيطان: من أخذ شعرة من ذنب الخذواء فهو آمن فهلبوها يومئذٍ، وأمنوا. وعمرو بْن يربوع بْن ثعلبة، فارس غني كَانَ يأخذ المرباع. وقَالَ المفضل: أغار زَيْد الخيل الطائي عَلَى بني عامر، فأصاب فِي بني كلاب، وبني كعب، واستحرّ القتل في غني وكانو معهم، ثم إن غنيا أغاروا على طيّئ وعليهم سنان بن هرم فقتلوا وغنموا وأصابوا دماءهم

كَملًا، وانصرفوا إلى بلادهم، فَقَالَ طفيل فِي ذَلِكَ قصيدته البائية المخفوضة التي أولها: بالعَقْر دارٌ من جميلة هَيَّجَتْ ... سَوَالف حُبٍّ فِي فؤادك مُنْصَبُّ ومن بني عتريف بْن سعد: سعر، وسعر هُوَ سعر الخنوقة بلاد كَانَ حماها، والمشمَعلّ بْن هُزلة بْن مُعتّب بْن أَحبّ بْن الغَوث بْن عتريف، وهو فارس خرقة الَّذِي قتل الشريدي من بني سُليم يَوْم قادهم حرباق الشريدي بين الدمْلاء وشَعْبَي، وسِرْحان بْن معتّب بْن أحب بْن الغوث بْن عتريف الَّذِي يَقُولُ لَهُ الأسدي، ومر بمكان مُكْلًا فَقَالَ: اشهد لا يمنعني سِرحان أن أُعشيّ إبلي الليلة، فرعاها فمر بِهِ سرحان فقتله فَقَالَ هزْلة بْن معتّب أخوه لامرأة الأسدي وكان يُقال لها نصيحة. أَبْلِغْ نصيحة أن راعي إِبْلَهَا ... سَقَط العشاء بِهِ عَلَى سرحان سقط العشاء بِهِ عَلَى مُتقمِّرٍ ... لم يُثْنِهِ خوفٌ من الحَدَثَان متقمر: يرعى فِي القمر، وبذلك سُمِّيَ بسطام بْن قيس متقمرًا. ومن بني صُرَيْم بْن سعد: شهاب بْن سبيع، الَّذِي قتل خويلد بْن نفيل، وخالد بْن نفيل الْمَازِنِي يَوْم الحلاة. ورجاء بْن الخشخاش الَّذِي قتل كلابًا التغلبيّ. ومن بني زبان بْن كعب: عُلاثة بْن وهب كَانَ شريفًا. وعصيمة بْن وهب الَّذِي سند فِي الهضبة يَوْم رَحْرَحَان، وَقَدْ طعن معبد بْن زرارة، فَحدَرَه وأسره فقبض عَلَيْهِ الأحوص بْن جَعْفَر وبنو عبس وحبسوه بالطائف، وأرضوا عصيمة بثلاثين بعيرًا.

وعبد اللَّه بْن عقبة كَانَ فيمن قتل الْحُسَيْن بْن عليّ رَضِي اللَّه عَنْهُمَا، وله يَقُولُ ابْنُ عَقَب: وعند غني قطرة من دمائنا ... وَفِي أسد أخرى تُعَدُّ وتُذْكَرُ والأسدي: حرملة بْن الكاهل الَّذِي جاء برأس عَبَّاس بْن عليّ بْن أَبِي طَالِب، وهو قتله مَعَ الْحُسَيْن بالطَّف. وغياث بْن عَبْد، وأمه من بني عبس، فلحق بهم وهم يُقال لهم بنو ملعقة، وهو اسم أمهم. وولد بُهثة بْن غنم بْن غني: عَمْرو بْن بُهْثَة، وهو الرتل. فولد عَمْرو: كعب بْن عَمْرو. فولد كعب: هلال بْن كعب. ومالك بْن كعب. منهم: عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي شيخ، كَانَ شريفًا بالكوفة من أصحاب عليّ رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وكانت لَهُ من زياد بْن أَبِي سُفْيَان منزلة. ومنهم: العلاء بْن المنهال بْن العلاء بْن قطبة بْن سُليم بْن الحارث بْن غضبان، ولي شرطة الكوفة. وولد جعدة بْن غني: عبس بْن جعدة. وسعد بْن جعدة، وأمهما ضبينة بِنْت سعد مناة بْن غامد من الأزد، إليها ينتسبون. فولد سعد بْن جعدة: ذبيان بْن سعد. ومعاوية بْن سعد. وعمرو بْن سعد، ومنهم: هادم عرشه هَدَمه بذكره. ومنهم: سنان بْن عباد، الَّذِي أخذ النعمان نَعَمَهُ. وولد عبس بْن جَعدة: عامر بْن عبس. ورزاح بْن عبس.

منهم: سهم بْن حنظلة بْن جاوان بن خويلد بْن حرثان بْن جَابِر بْن مالك بْن عامر بْن عبس وهو الشَّاعِر. ومنهم: ربيعة بْن المخارق بْن جاوان، وكان من فرسان الجزيرة فأبلى مَعَ أهل الشام فِي أصحاب سُلَيْمَان بْن صُرَد الخزاعي يَوْم عين الوردة. تمت رواية ابْنُ الكلبي. وقَالَ غير ابْنُ الكلبي: ومن غني من بني ضبينه: ابْنُ العوراء، وكان ابْنُ لعروة الرحّال بْن عتبة بْن جَعْفَر بْن كلاب أحْمَى حِمًى، فوجد فِيهِ ابْنُ العوراء فضربه بيده ونهاه، ثم إنه رجع إلى الحمى فأراعاه ماله فجاء ابْنُ عروة فلما رآه ابْنُ العوراء خاف أن يقتله فرماه بسهم فقتل ابْنُ عروة، ثُمَّ أتى قومه من بني ضبينة من غني فأعلمهم، فارتحلوا عن بني جَعْفَر، وكانوا مَعَ بني جَعْفَر، وبنو جَعْفَر لا يعلمون برحلتهم، فأتوا جوَّابًا، وهو مالك بْن عَمْرو بْن عوف بْن عَبْد بْن أَبِي بَكْر بْن كلاب، وأمه من غني، وكان جَوَّاب معاديًا لبني جَعْفَر بْن كلاب، لان ابْنُ أخيه وهو مرة بْن مُطَرِّف بْن كعب طعن مَنِيع بْن مرة بْن خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب بقوس فِي استه، فحقدها، ثُمَّ شد عَلَى ابْنُ أخي جواب فقتله، فسار بعض القوم إلى بعض، ثُمَّ فارقوا بني جَعْفَر عَلَى أن مضوا إلى الشام، ثُمَّ إنهم رُدّوا فحمى ابْنُ عروة ذَلِكَ الحمى، فَقَالَ طفيل: فقلت عليكم مالكًا إن مالكًا ... سيعصمكم إن كَانَ فِي النَّاس عاصم أَمالِ ابْنُ كعب دونك القوم إنني ... رأيتك تنبو عن صَفاك المظالم محارمك امنعها من الضيم إنني ... أرى زمنًا تُغْتَالُ فِيهِ المحارم فَقَالَ جَوَّاب: أما إنْ أُطلَّ لبني جَعْفَر دمًا فلا، وإن كنتُ لهم حربا،

فإن رضوا بقاتل ابْنُ عروة دفعناه إليهم أَوِ الديَة، وإن أبوا منعتهم من تعديهم. فَقَالَ لبيد بْن ربيعة: أبني كلاب كيف تُنْفَى جَعْفَر ... وبنو ضَبينة حاضروا الأجباب [1] ظعنوا وأصبح فِي محل بيوتهم ... صِرْمٌ من الهجَّانِ وابن إهاب قتلوا ابْنُ عروة ثُمَّ لطوا [2] دونه ... حتَّى تحاكمهم إلى جَوَّاب [3] وقَالَ شاعر بني ضبينة: مهلا غنيُّ فإن الليث يتبعه ... حتَّى تَمَلّأ مما يفرس الضبع وقَالَ طفيل: بني جعفر لا تكفروا حُسْنَ سَعْينَا ... وائْتُوا بحسن القول في كل محفل فنحن منعنا يَوْم حَرْسٍ نساءكم ... غداة دعانا عامر غير مُؤْيِلِ وقَالَ أَبُو اليقظان: من غني: صالح، شهد المرج مَعَ مروان بْن الحكم ولم يشهد معه قيسي غيره، وغير عَبْد اللَّه بْن مسعدة الفزاري، وكان صالح عظيم المنزلة من عَبْد الملك بْن مروان، وقَالَ بشر بْن مروان: أتجعل صَالِح الغنوي دوني ... ورَحْلي منك فِي أقصى الرحال سيغنيني الَّذِي أغناك عني ... ويُفْرج كُربتي ويشب مالي إِذَا أبلغتني وحملتَ رحلي ... إِلَى عَبْد العزيز فما أُبالي قَالَ: ومن غني: الفَرْقد وهو من بني عَبِيد، وكان شريفًا وله عقب بالأهواز.

_ [1] الأجباب جمع جب، أي آبار. [2] لطوا: ستروا. [3] شرح ديوان لبيد ص 21- 24، دون البيت الثاني.

وقَالَ: ومن غني: عَمْرو بْن يربوع، وكان أول من أخذ المرباع فَقَالَ الشَّاعِر: وعمرو بْن يربوع ومرباعُهُ ... يُعَدُّ إِذَا عُدّ العلى والمكارم قَالَ: ومن بني غني: الكوثر بْن عُبيد الغنوي صاحب شرطة مروان بْن مُحَمَّد. قَالَ: ومن غني: بنو حُراق. وبنو رياح، وكانت نجيبة بِنْت رياح ولدت الأحوص بْن جعفر بن كلاب فقالت: ويحك أَشْبِهْ بني حُراق ... أهل الندى وسعة الأخلاق وقَالَت: ويلك أشبه بني رياح ... أهل الندى والجود والسماح وقَالَ أَبُو اليقظان: من غني: كعب بْن سعد الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ فِي مرثيته لأخيه التي أولها: تَقُولُ سليمى ما لجسمك شاحبًا ... كأنك يحميك الشراب طبيب فقلت تباريح تَحز من أخوتي ... وشيبن رأسي والخطوب تشيب فإن تكن الأيام أَحْسَنَّ مرةً ... إليَّ فقد عادت لهنَّ ذنوب أتى دون حلو العيش حتَّى أَمَرَّهُ ... نُكوبٌ عَلَى آثارهنَّ تَنُوبُ لقد كَانَ أما حلمه فمزوج ... علينا وأمَّا جهله فعزيب وَقَدْ كَانَ يكفيني وكان يعينني ... عَلَى نائبات الدهر حين تنوب أخي ما أخي لا فاحش عند بيته ... ولا ورع عند اللقاء هيوب حليم إِذَا ما سَوْرَةُ الجهل أطلقت ... حَبَا الشيب للنفس اللجوج غَلُوب هَوَتْ أُمُّهُ ما تبعث الصبح غاديًا ... وماذا يؤدي الليل حين يؤوب

أخو شتواتٍ يعلم الصيف أَنَّهُ ... سيكثر ما فِي قدره ويطيب حليف الندى يدعو الندى فيجيبه ... قريبًا ويدعوه الندى فيجيب إِذَا شهد الأيسار أَوْ غاب بعضهم ... كفى ذاك وضاح الجبين أريب فتًى أريحييٌ كَانَ يهتز للندى ... كما اهتز من ماء الحديد قضيب فلو كَانَ ميت يفتدى لفديته ... بما لم تكن عَنْهُ النفوس تطيب وداع دعا من ذا يجيب إلى الندى ... فلم يَسْتَجبْ عند الدعاء مُجيب فقلتُ ادْعُ أخرى وارفع الصوت مَرَّةً ... لعل أبا المغوار منك قريب يجيب كما قَدْ كَانَ يفعل مرة ... لأمثالها رحب الذراع طَلوب تَرى عَرَصَاتِ الحيّ غُبرًا كأنها ... إِذَا غاب لم يَحْلُلْ بهنَّ غريب وأعلم أنّ الباقيَ الحيَّ ينتهي ... إلى أجَل أقصى مداه قريب وحدثتماني إنَّما الموت فِي القرى ... فكيف وهذي هضبة وكثيب وماءُ سَمَاءٍ كَانَ غير مكدرٍ ... تَهبُّ عَلَيْهِ بالعشيِّ جنوب قَالَ: وكان يونس النحوي يَقُولُ: هِيَ يتيمة المراثي. ومنهم: نافع بْن خليفة، الشَّاعِر، الَّذِي يَقُولُ مجيبًا للراعي فِي قصيدة لَهُ: فواعجبًا حتَّى نميرٌ تَسُبُّني ... وكانت نميرٌ مَدْرَجًا للشتائم تُواري نميرٌ بالعمائم لؤمها ... وليس يواري اللؤم طَيُّ العمائم فإن تَجْنُبُوا منا كريمًا فإننا ... تركنا عَلَى أهوى [1] نسيب بْن سالم تهادى ضباع الجلهتين بشلوه ... وباتت بليل عرسه غير نائم

_ [1] أهوى: موضع بأرض هجر، وقيل أهوى ماءة لبني قتيبة الباهليين. معجم البلدان.

ينادي صداه الهام فِي كل مرقبٍ ... بذمِّ نميرٍ فِي الأمور العظائم ويومًا عَلَى أهوى رطئنا [1] وجوههم ... فباءوا عَلَى رغم لنا بالمظالم فككنا أخانا بالمئين وأَسْلَموا ... أخاهم بمعتبس [2] السباع الضياغم فأنتم ذُنَابى عامرٍ وشرارها ... وليس ذنابي الريش مثل القوادم ويومًا نميرٍ يَوْمُ طَولٍ عليهم ... ويوم ترى نسوانهم في المقاسم [3]

_ [1] رطأت القوم: ركبتهم بما لا يحبون، والرطاء الدهن الكثير. النهاية لابن الأثير. [2] العابس: الكريه الملقى. النهاية لابن الأثير. [3] انظر بعض هذه الأبيات في الحماسة الصغرى لأبي تمام- ط. دار المعارف القاهرة ص 83. وذيل الأمالي للقالي- ط. القاهرة 1953 ص 116، وهذه البعض نفسها موجودة في ديوان جرير ص 429.

وولد عمرو بن قيس بن عيلان:

نسب عَدْوان وولد عَمْرو بْن قيس بْن عَيلان: الحارث بْن عَمْرو وهو عَدْوان، سمي عدوان لأنَّه عدا عَلَى أخيه فَهْم بْن عَمْرو فقتله، وأمهما جديلة بِنْت مرّ بْن أدّ، وعدوان يقولون جديلة بِنْت مدركة بِنْت الياس بْن مضر. فولد عدوان: زَيْد بْن عدوان. ويشكر بْن عدوان. ودوس بْن عدوان، وَيُقَال إنهم دوس الَّذِينَ فِي الأزد. فولد زَيْد بْن عدوان: وابِش بْن زَيْد. وغالب بْن زَيْد. وعامر بْن زَيْد، وهو عَياية. وقَالَ غير الكلبي: ولد زَيْد أيضًا: خارجة وهو القائل لأمه: إِذَا ولدتِ عامرًا وعامرًا ... فقد ولدتِ العدَدَ الجماهرا ثُمَّ فَضَلْتِ الخُرَّدَ الحرائرا فولد وابش بْن زَيْد بْن عدوان: الحارث بْن وابش. وعبس بْن وابش. وكبْلُ بْن وابش. فولد الحارث بْن وابش: سعد بْن الحارث. ومعاوية بْن الحارث. وربيعة بْن الحارث، وهم فِي الأزد عَلَى نسب فيهم.

وولد يشكر بن عدوان:

فولد معاوية بْن الحارث: نمير بْن معاوية. وغُزَيَّةَ بْن معاوية. فولد نمير بْن معاوية: جَابِر بْن نمير. ورُؤْبَةَ بْن نمير. وولد سعد بْن الحارث بْن وابش: خَالِد بْن سعد. ومن ولده: أَبُو سَيَّارة، وهو عُميلة بْن الأعزل بْن خَالِد بْن سعد، وكان يدفع بالناس في الموسم فِي الجاهلية. قَالُوا: وصارت الإجازة بعد بني سعد بن زَيْد مناة بْن تميم بْن مر إلى بني عدوان، وكان يفيضون بمن فِي جمع إلى منى، فكان أَبُو سَيَّارة آخر من ولي ذَلِكَ، وكان إِذَا أراد أن يفيض بالناس غداة جمع قَالَ: أَنَا صاحب الحمار الأسْوَد عَلَامَ تُحْسَد، فهلا صاحب الأمور الجلعد، اللهم اكْفِ أبا سيارة الحسد والنكد، وقَالَ قائل من العرب: نَحْنُ دفعنا عن أبي سَيَّاره ... وعن مواليه بني فزاره حين أَفَاضَ مُجْرِيًا حماره ... مستقبل الكعبة يدعو جاره وكان يقَالَ أصح من حمار أَبِي سَيّارة ويخليه فلا يعرض لَهُ أحد، وعاش حماره أربعين سنة، فقيل أصح من حمار أَبِي سيارة. وذكر بعضهم أَنَّهُ أول من سنَّ الدية مائة من الإبل. وولد نَوص: ظالم بْن نَوْص. وكامل بْن نَوص. وعامر بن نوص. والورام بْن نوص. وحُسَيْل بْن نوص. وأحمر بْن نوص. والمُسْتَدرّ وهم كلهم يقال لهم الحِلام. وولد يشكر بْن عدوان: ناج بْن يشكر. وبكر بْن يشكر. وعباد بْن يشكر.

يحيى بن يعمر

فولد بَكْر: عوف بْن بَكْر. وخارجة بْن بَكْر. ويُثَيْع بْن بَكْر، وهم مَعَ ثمالة من الأزد بالحجاز، وأمهم أم خارجة البجلية. [يحيى بن يعمر] فولد عوف بْن بَكْر: عدي بْن عوف. وعادية بْن عوف. وسحيم بْن عوف. ووشقة، رهط يَحيى بْن يعمر [1] ، كَانَ قاضيًا بخراسان، ويحيى الَّذِي يَقُولُ: أَبِي الأقوام إلّا بغض قيس ... وقِدْما أَبْغَضَ النَّاس المَهيبا وكان يَحيى قارئًا فقرأ: فأعشيناهم فهم لا يبصرون [2] بالعين غير معجمة. وقرأ: تفقد صوغ الملك [3] بغين معجمة وقَالَ: كَانَ من فضة. وقَالَ لَهُ الحجاج: أتسمعني ألحن فِي قراءتي؟ فَقَالَ: نعم، تجعل أنَّ فِي موضع إنَّ، فَقَالَ لَهُ: لا تساكنيّ، ونفاه إلى خراسان فمات بها. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدَ قَالَ: أَرْسَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ الْعَدْوَانِيُّ فَقَالَ: بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ تَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَدْ قَرَأْتُهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ. قَالَ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ حتى بلغ إلى يحيى وعيسى [4] قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَفَلَيْسَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ

_ [1] بهامش الأصل: يحيى بن يعمر. [2] سورة ياسين- الآية: 9 فأغشيناهم فهم لا يبصرون. [3] سورة يوسف- الآية: 72 تفقد صواع الملك. [4] سورة الأنعام- الآيتان: 84- 85.

عامر بن ظرب [2] حكم العرب.

إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ؟ قَالَ: صَدَقْتَ فَأَخْبِرْنِي عَنِّي أَلْحَنُ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: اعْفِنِي. قَالَ: لَتُكَلِّمَنَّ. قَالَ: إِنَّكَ لَتَخْفِضُ الرَّفْعَ. قَالَ: هَذَا وأبيك اللحن السيء وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ اللَّحْنِ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ أَيَلْحَنُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ عَرَبيَّةٍ قَطُّ. قَالَ: اخْرُجْ فَلا تُسَاكِنِّي. قَالَ أَبُو حرب بْن أَبِي الأسود الدَّيْلي: وكان يَحيى تعلم العربية من أَبِي. وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد: كَانَ يَحيى بْن يعمر قاضيًا بمرو [1] . وولد عياذ بْن يشكر: عَمْرو بْن عياذ. فولد عَمْرو بْن عياذ: ظَرِب بْن عَمْرو. وحجر بْن عَمْرو. وَلَهْب، وفي الأزد لِهْب. ووائلة. ورئاب. ومالك. وملكان. فولد ظرب: عامر بْن ظَرِب [2] حكم العرب. وثعلبة بْن ظرب. وسعد بْن ظرب. وعمرو بْن ظرب. وصَعْصَعة بْن ظرب. وحُدثتُ إن لعامر بن ظرب فِي الخُنْثَى حكمًا جرى حكم الْإِسْلَام بِهِ، وكان حكمه أن يورث من قبل مَبَاله، وحكم بذلك بعده رجل من طيّئ. وحرَّمَ عامر بْن ظرب الخمر عَلَى نفسه فِي الجاهلية وقَالَ: إن شيئًا يذهب بالعقل ويورث الجنون لحقيق بالترك، وحكم بالدية بمائة من الإبل، وفيه يقول الشاعر المتلمس.

_ [1] لا ترجمة له في المطبوع من طبقات ابن سعد. [2] بهامش الأصل: عامر بن ظرب.

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما عُلِّم الإنسانُ إلا ليَعْلَمَا [1] وذلك أَنَّهُ كبر وعمي، فكان ينبّه للأمر بأن يُقرع محملٌ أَوْ جفنةٌ، أَوْ عصا بعصا، فإذا سَمِعَ تَنَبَّه. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن ابْنُ كناسة قَالَ: كَانَ لعامر بْن ظرب كلام ينسبه بعض النَّاس إلى أكثم بْن صيفي مِنْهُ قولُه: أفضل العلم ما أرشدك، وأفضل المنطق ما بلغت حقيقته، وقولُه: المعبّرة كثيرة والاعتبار قليل. وقولُه: مَنْ صَحِبَ الزمان رَأَى الهوان، فِي كل عام سقام حاضر، ومع كل خبرة عبرة ومع كل فرحة ترحة، والمصائب خلال النعم، ومن المَأمَنَة يُؤتي الحَذِرُ، ومن عاش كبر ومن كبر أنكر نَفْسَهُ وعَيْشَهُ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّخَعُ وَثَقِيفُ بْنُ إِيَادِ بْنِ نِزَارٍ [2] : فَثَقِيفٌ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ النَّبِيتِ بْنِ أَفعَى بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ إِيَادٍ، وَالنَّخَعُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الظَّمْيَانِ بْنِ عَوْذِ مَنَاةَ بْنِ يَقْدُمُ بْنُ أَفْعَى، فَخَرَجَا وَمَعَهُمَا عَنْزُ لَبُونٍ يَشْرَبَانِ لَبَنَهَا، فَعَرَضَ لَهُمَا مُصَدِّقُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، فَأَرَادَ أَخْذَهَا فَقَالا: إِنَّا نَعِيشُ بِدَرِّهَا. فَأَبَى فَرَمَاهُ أَحَدُهُمَا فَقَتَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ: لا تَحْمِلْنِي وَإِيَّاكَ أَرْضٌ، فَأَمَّا النَّخَعُ بْنُ عَمْرٍو فَمَضَى إِلَى بِيشَةَ فَأَقَامَ بِهَا، وَنَزَلَ قَسِيٌّ مَوْضِعًا قَرِيبًا مِنَ الطَّائِفِ، فَرَأَى جَارِيَةً تَرْعَى لِعَامِرِ بْنِ ظَرِبٍ الْعَدْوَانِيِّ، فَطَمِعَ فِيهَا وَقَالَ: أَقْتُلُ الْجَارِيَةَ وَآخُذُ الْغَنَمَ. فَأَنْكَرَتِ الْجَارِيَةُ مَنْظَرَهُ فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُرِيدُ

_ [1] ديوان المتلمس ص 26. [2] في معجم البلدان: كانا ابني خاله. معجم البلدان- مادة طائف.

قَتْلِي وَأَخْذَ الْغَنَمِ، هَذَا شَيْءٌ إِنْ فَعَلْتَهُ قُتِلْتَ وَأُخِذَتِ الْغَنَمُ مِنْكَ، وَأَظُنُّكَ غَرِيبًا خَائِفًا، فَدَلَّتْهُ عَلَى مَوْلاهَا عَامِرِ بْنِ ظَرِبٍ فَأَتَاهُ وَاسْتَجَارَ بِهِ فَأَجَارَهُ وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ، وَأَقَامَ بِالطَّائِفِ مَعَهُ فَقِيلَ: لِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَثْقَفَهُ حِينَ ثَقِفَ عامر إذ أَجَارَهُ. وَكَانَ قَدْ مَرَّ بِيَهُودِيَّةٍ بِوَادِي الْقُرَى حِينَ قَتَلَ الْمُصَدِّقَ فَأَعْطَتْهُ قُضْبَانَ كَرْمٍ فَغَرَسَهَا بِالطَّائِفِ فَأَطْعَمَتْ وَنَفَعَتْهُ. وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عامر حكمًا فِي الجاهلية. وكانت عمرة ابنته أم عامر بْن صعصعة: وكانت ابْنَة لَهُ أخرى عند قسي بْن مُنَبِّه، وكانت ابْنَة لَهُ أخرى عند عامر بْن عوف من كلب. وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ المصَدَّق يكنى أبا رغال فرماه ثقيف فقتله. قَالَ: وعامر بْن ظرب أنزل ثقيفًا الطائف. قَالَ بلعاء بْن قيس الليثي من كنانة: لعمرك ما ليث وإن كنت منهم ... بتاركة ليث خلافي وعصياني وَهُمْ أَسْلَمُوني يومَ ذي الرّمت والغضا ... وهم تركوني بين هرْشيَ وَوَدَّان وهم أخرجوا من كل بيتين سَيِّدًا ... كما كَثُرتْ ساداتُها قبل عَدْوان وعمرو بْن ظرب القائل: أرى شعرات على حليتي ... بيضًا نَبَتْنَ جميعًا تؤاما أظل أهاهي بهن الكلاب ... أحسبهن صوارا قياما وأَحْسَب أنفي إذا ما مشيت ... شخصًا رآني أمامي فقاما وولد سعد بْن ظرب: عوف بْن سعد، وإليه يُنسب العوفيون بالكوفة، رهط عطية العَوفي الفقيه، وكان فِي زمن الحجاج يتشيّع،

ذو الإصبع الشاعر [1] ،

والعوفي القاضي الَّذِي كَانَ مَعَ هارون الرشيد أمير المؤمنين واسمه حُسَيْن بْن الْحَسَن بْن عطية بْن سعد بْن جنادة بْن عوف. وقَالَ الشرقي: هُوَ جنادة بْن دينار بْن عوف، وهم لا يذكرون دينارًا، وتوفي عطية بْن سعد العوفي فِي ولاية خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري. قَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عطية مولى لبني عوف ثُمَّ انتموا إلى العرب. ومن بني ثعلبة بْن ظرب: ذو الإصبع الشَّاعِر [1] ، وهو حرثان بْن مُحرَّث بْن الحارث بْن شَباب بْن ربيعة بْن وهب بْن ثعلبة بْن ظرب. وَيُقَال حرثان بْن حارثة بْن الحارث بْن ثعلبة بْن ظرب، وهو الَّذِي يَقُولُ فيما وقع من الاختلاف والتحارب بين عَدوان فِي قصيدة لَهُ أولها: وليس المرء فِي شيء ... مع الإمرار والنقض غدير الحي من عدوا ... ن كانوا حَيَّةَ الأرض بغى بعضهم بعضًا ... فلم يرعوا على بعض ومنهم كانت السادا ... ت والمُوفُونَ بالقَرْضِ ومنهم حكم يقضي ... فلا يُنقض مَا يقضي وهم من ولدوا فاز ... بسر الحسب المحض وهم بوّوا ثقيفا دا ... ر لا ذُلٍّ ولا عضِّ [2] وذو الإصبع القائل لابنه: أأسيد إن مالا ملك ... ت فَسِرْ بِهِ سيرًا جميلًا آخ الكرام إن استطع ... ت إلى إخائهم سبيلا

_ [1] بهامش الأصل: ذو الاصبع الشاعر. [2] انظر الأغاني ج 3 ص 89- 92. شعراء النصرانية ص 625- 627.

صاحبتَ أقوامًا مماقيتا ... يَمنُّونَ القليلا إن يَبْخَلوا فَعَسَى وإن ... يُعْطُوك لا يُعْطُوا جَزيلًا أَهِنِ اللئام ولا تكُن ... لهواهُمُ جَمَلًا ذَلُولَا إن الكرام متى تؤاخي ... هم تجد لُهُم فُضُولا وابسط يمينك فِي الندى ... وامْدُدْ لها باعًا طويلًا [1] فِي أبيات. وقَالَ ذو الإصبع يرثي الحارث بْن زهرة بأبيات فمنها قولُه: لعمري لقد أعلن الناعيان ... بالحارث الهالك المنْفَسِ بِسَمْح الخليقة طَلْقِ اليدين ... زين العشيرة والمجلس وولد ناج بْن يشكر بْن عدوان: عبس بْن ناج. ورُهم بْن ناج. وودّ بْن ناج. وعمرو بْن ناج. فولد عَمْرو: وائلة بْن عَمْرو، رهط أَبِي عَبْد اللَّه الجدلي- الَّذِي كَانَ مَعَ ابْنُ الحنفية، واسمه وكنيته واحد، ابْنُ عَبْد اللَّه بْن أَبِي يعمر بْن حبيب بْن عائذ بْن مالك بْن وائلة بْن عَمْرو بْن ناج، وَقَدْ ذكرنا خبره فيما تقدم. وولد رُهم بْن ناج: جذيمة بْن رهم. وعلي بْن رهم. وثعلبة بْن رهم. فَوَلَدُ جذيمة كلهم بنو كُنَّة، وهم مَعَ بني كنة الَّذِينَ فِي ثقيف، وكُنَّة امْرَأَة من الأزد من ثمالة وهي أمهم.

_ [1] الأغاني ج 3 ص 99- 100. شعراء النصرانية ص 632- 633 مع فوارق.

وولد ثعلبة بْن رهم: الدرعاء بْن ثعلبة. والحارث بْن ثعلبة. وعوف بْن ثعلبة. وولد عليّ بْن رهم: سعد بْن عليّ. فولد سعد: عَمْرو بْن سعد. وعائش بْن سعد. وأنس بْن سعد. وعدي بْن سعد. فولد عَمْرو: ناصرة بْن عَمْرو. رهط: معبد بْن خَالِد بْن ربيعة بْن مُرَيْر بْن جَابِر بْن ناصرة، الَّذِي يُقال لَهُ مَعْبد الطريق، كَانَ ناسكًا فصيحًا، وكان بنو مروان ولُّوه الطريق يمنع الميرة أن تأتي ابْنُ الزُّبَيْر. قَالَ الشَّاعِر: اذهبْ إليك فإني من بني أسدٍ ... ومن جديلة قيس مَعْبَد الطرق وقَالَ أبو اليقظان: كان على الطرق زمن زياد، وابن زياد، وكَانَ بعد ذَلِكَ يقص لخالد القسري، والأول قول ابْنُ الكلبي. والمِدْلاج. ومالك. وثقف. وصفوان بنو عَمْرو: من بني حجر بْن عَمْرو بْن عياذ بْن يشكر بْن عدوان، شهدوا بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم حلفاء لبني عَمْرو بْن دُودان بْن أسد. وكان الواقدي يَقُولُ مدلاج بْن عَمْرو سُلَمي، والأول قول الكلبي وهو أثبت. وقَالَ الواقدي: شهد مدلاج المشاهد كلها مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومات سنة خمسين. وقَالَ الواقدي: أسلم ثقف بْن عَمْرو بْن شميط أخو مدلاج، وشهد بدرًا وأحدًا، والخندق، والحديبية، وخيبر، وقتل بخيبر شهيدًا سنة سبع

من الهجرة، قتله أسير بْن رِزام اليهودي. وقَالَ الواقدي: أسلم مالك بْن عَمْرو أخوهما، وشهد بدرا وأحدا، وجميع المشاهد مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستشهد باليمامة سنة اثنتي عشرة. وقَالَ الكلبي: هُمْ من بني عدوان. وقَالَ أَبُو اليقظان: من عدوان الفضيل بْن مروان، كَانَ فاضلًا خيرًا، من أهل الكوفة، فبعث إِلَيْه الحجاج بْن يُوسُف فَقَالَ: إني أريد أن أُوَلِّيكَ. فَقَالَ: أَوْ تعفيني أيها الأمير، فأبى وكتب لَهُ عهده، فقبضه من عنده فرمى بالعهد وهرب فطلبه فأُخذ وأُتي بِهِ الحجاج فَقَالَ: يا عدو اللَّه فَقَالَ: لست لله ولا للأمير بعدو. فَقَالَ: ألم أكرمك؟ قَالَ: بل أردت أن تهينني. قَالَ: ألم أستعملك؟ قَالَ: أردت أن تستعبدني. قَالَ: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ ينفوا من الأرض [1] . قَالَ: ما استوجبت واحدة منهن، قَالَ: كل ذَلِكَ قَدِ استوجبت بخلافك أميرك، وأمر رجلًا من أهل الشام فضرب عنقه. وقَالَ بعضهم: ألقى عهده وخرج إلى ابْنُ الأشعث. قَالَ ومنهم: محمد الخارجي القائل: أجمعتَ مالًا ثُمَّ أنتَ مُوَكَلٌ ... حتَّى الممات بحب ما لم تجمع وكان عُمَر بْن عَبْد العزيز يتمثل بهذا البيت كثيرًا. وقال بعض الشعراء:

_ [1] سورة المائدة- الآية: 33.

ذو الأصبع وهو حرثان بن حريث وكان شاعرا جاهليا

أتجمعني والخارجيّ محمدًا ... وكأنك فِي جمع الرجال جرير يعني جرير بْن عطية الخطفى حين يَقُولُ: لما وضعتُ عَلَى الفرزدق ميسمي ... وضَغَى البعيثُ جَدَعْتُ أنف الأخطل [1] قَالَ ومن بني وابش رَجُل يُقال لَهُ النابغة، وكان شاعرًا، وكان يهجو الفرزدق. قَالَ: ومن بني ناج ذو الأصبع وهو حرثان بْن حُرَيْث وكان شاعرًا جاهليًا وهو القائل: أَبَعْدَ بني ناجٍ وما كَانَ منهم ... فلا تُتْبِعَنْ عينيك من كَانَ هالكًا إِذَا قلتُ معروفًا لأصلح بينهم ... يَقُولُ وَهيْبَةُ لا تعاطنَّ ذلكا فأضحوا كظهر العَوْد جُبَّ سنامه ... يُطيفُ بِهِ الولْدان أَحْدَبَ باركا [2] وذو الأصبع القائل فِي قصيدة لَهُ: ولولا أياصر قُرْبَى لَسْتَ تحفظُها ... ورهبةُ اللَّه فيمن لا يُعاديني لقد بريتك بريًا لا انجبار لَهُ ... أني رأيتك لا تنْفكُّ تَبْريني إن الَّذِي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كَانَ أغناك عني سوف يغنيني ماذا عليّ وإن كنتم ذوي رحمٍ ... ألا أحبُّكُمُ إن لم تُحبُّوني [3] وقَالَ ذو الإصبع: ذَهَب الَّذِين إِذَا رأوني مقبلا ... بشّوا وقالوا مرحبا بالمقبل

_ [1] ديوان جرير ص 357. [2] شعراء النصرانية قبل الإسلام ص 635. [3] ديوان المفضليات- ط. بيروت 1920 ص 325- 326.

عبدربه،

وهم الَّذِينَ إِذَا حملتُ حمالةً ... فلقيتهم فكأنني لم أحمل وغبرتُ فِي خَلف كأن هريرهم ... ولغ الكلاب تهارشتْ فِي المنزل وقَالَ أيضًا: وما المرء إلّا بإخوانه ... كما يقبض الكف بالمعصم وقَالَ أسيد بْن ذي الأصبع فِي الحنطة: صفراء مثل عقب الأوتار ... جاءت بها ساقطة التجار نِعْمَ طعام التاجر الممتار وَوُهَيْب قبيلة خرجت من عدوان، يقال انهم الخلج الذين فِي قريش، وكانت عدوان كثيرة السادة فبغى بعضهم فتحاربوا وتفرقوا. قَالَ: وقَالَ رَجُل من ثقيف لرجل آخر من ثقيف، أخواله من بني رهم بْن ناج وكان أخوال القائل بنو أمية: ألا من مبلغ عثمان عني ... فإني قَدْ مررت بذات حاج أَأُمُّ خليفة الرَّحْمَن خالي ... وأُمكَ من بني رَهم بْن ناج قال: ومن عدوان: عبدربه، قدم البصرة فانطلق بِهِ رَجُل يُقال لَهُ مِلْحان إلى فاسقة يُقال لها الزُرافة، فلقيه حروري فضربه بالسيف فَقَالَ الفرزدق: حسبتَ الحروري الزرافة ساقها ... إليك ابْنُ ملحان الَّذِي أنت صاحبُه أتى ودُن عبدٍ والزِّنَاءُ مُحَكْمٌ ... بذي طبع لم تنب عنه مضاربه [1] فأجابه عبدربه العدواني فقال:

_ [1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.

قال: وقال ذو الاصبع في قومه:

لعمرك إنَّ القَيْنَ قَيْنَ مُجَاشعٍ ... يُعيّره أَيَّامُهُ ومعايبه فلو غَيْرهُ إِذَ عَابني عَيَّرَ الزنا ... عَذَرْتُ ولكنْ فِي الزنا طَرّ شَاربُه قَالَ ومن عدوان: شَجَرةَ، كَانَ فارسًا سيدًا زمن معاوية، وهو صاحب قزوين. قَالَ ومن عدوان: عَبْد الصمد بْن ثابت كَانَ واليًا عَلَى الري، وكان شريفًا سيدًا. قَالَ وكان الشَّنْفَرى من عدوان فانتقل إلى الأزد. قَالَ: وقَالَ ذو الأصبع فِي قومه: أطاف بنا رَيْبُ الزمان فجاسنا ... له طائف بالصالحين يضير إِذَا قرعت فينا صَوَائبُ نَبْلِهِ ... صَعِدْنَ إلى أُخرى فقُلْنَ نصير فما إنْ لنا نصفٌ فيأخذ حقنا ... وما أن عَلَى ريب الزمان مجير وما هُوَ إلا خادع غير معتبٍ ... وجَلْدٌ عَلَى ريب الزمان صبور قليلُ تَشَكِّي الدهر حين ينوبه ... سواءٌ عَلَيْهِ كآبة وسرور وذو الأصبع القائل فِي قصيدته التي أولها: نَادِ المنازل هَلْ تجيب ... أَنَّي وليس بها غريب والمرء إن كَانَ ذا مرجوع ... يومًا سيحكمه التجريب والدهر فِي صرفه أمور ... يعرفها العاقل اللبيب ما الفضل فيما تُريك عَيْنٌ ... بل هُوَ ما تُضْمِر القلوب لا يُعْوِزُ الشر من بَغَاهُ ... والناس من سَبّهم سبوب والموت في بعضه رَواحٌ ... والعيش فِي بعضه تعذيب

لكل ذي شَقَّةٍ إيابٌ ... وغائب الموت لا يؤوب وفي الجديدين كل يَوْم ... لكل ذي مدة تقريب قومك أصلحْ ودعْ سواهم ... يومًا لنائبة تنوب وما أكثر اضطراب هَذَا الشعر.

وولد فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان:

بسم الله الرحمن الرحيم نسب فَهْم بْن عَمْرو وولد فهم بْن عَمْرو بْن قيس بْن عَيْلان: قين بْن فهم. وسعد بْن فهم. وعائذ بْن فهم. فولد قين بْن فهم: عَمْرو بْن قين. وعدي بْن قين. والحارث بْن قين. وولد سعد بْن فهم: تيم بْن سعد. وكعب بْن سعد. وطرود بْن سعد. منهم: أعشى طرود الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ أَوْ بعض ولده: وإنِّي فِي المَوَاطنِ غير لَاعٍ [1] ... ولا مُتَهيَّبٍ قَحْمَ النِّزَالِ وحرب بْن سعد. فولد حرب: كعب بْن حرب. فولد كعب بْن حرب: بَلْبَلَة بْن كعب. وعدي بْن كعب. وخَلاوة بن كعب.

_ [1] اللعو: الفسل. القاموس.

منهم: تأبط شرا [1] الشاعر، وهو ثابت بن جابر بن سفيان بن عدي بن كعب بن حرب بن تيم بن سعد بن فهم الشاعر،

وولد تيم بْن سعد: الحارث بْن تيم. وثعلبة بْن تيم. ومَسَّاب بْن تيم. وحرب بْن تيم. منهم: تأبط شرًا [1] الشَّاعِر، وهو ثابت بْن جَابِر بْن سُفْيَان بْن عدي بْن كعب بْن حرب بْن تيم بْن سعد بْن فهم الشَّاعِر، وإنما سمّي تأبط شرًا لأنَّه أقبل وَقَدْ حمل أفاعٍ فِي جونة وجعلها تحت إبطه فقالت أمه: لقد تأبط ابني شرًا. وَيُقَال سمي لقوله: تأبط شرًا ثُمَّ راح أَوِ اغتدى ... يُوائم غُنْمًا أَوْ يَشُفُّ عَلَى ذُحْلِ وكان يمشي ويغير على العرب ويعدو فلا تسبقه الخبل، وهو القائل- وأكمَنَ لَهُ قوم من الأزد قومًا فهرب- فِي أبيات: أَحُثُّ ثلاثًا نصف يَوْم وليلة ... وأنت مريحٍ عند بيتَك أَرْوَعُ ولو كَانَ قرن واحد لكفيته ... وما كَانَ لي فِي القوم إذ حدتُ مطمع وعَلقَ تأبط امْرَأَة من فهم يُقال لها الزرقاء، وكان لها ابْنُ من هُذَيل، فأحبها تأبط وأحبته، وكان يُقال لابنها عَمْرو، فَقَالَ لأمه: من هَذَا الَّذِي يدخل عليك؟ قَالَتْ: عمكِ كَانَ صاحبًا لأبيك. فَقَالَ: دعيني من هَذَا فو الله لئن رَأَيْته عندك لأقتلنك. وكان الغلام قَدْ قارب الحلم فلما رجع إليها تأبط شرًا أخبرته خبر عَمْرو وقَالت: إنه شيطان ما رَأَيْته قط ضاحكًا. ولا هَمَّ بشيء مذ كَانَ إلّا فعله، ولقد حملته فما رَأَيْت عَلَيْهِ دمًا حتَّى وضعته، فاقتله فأنت والله أَحبُّ إليَّ مِنْهُ. فمر بِهِ تأبط وهو يلعب مع الصبيان فقال:

_ [1] بهامش الأصل: تأبط شرا الشاعر.

يابن أخي انطلق معي أَهَبُ لَكَ نَبْلًا، فمشى معه شيئًا، ثُمَّ قَالَ: لا حاجة لي فِي نبلك. ثُمَّ لقي تأبط أمه بعد فَقَالَ: والله ما أقدر عَلَيْهِ. واجتنب تأبط الزرقاء سنوات ثُمَّ قَالَ لَهُ تأبط: يابن أخي هَلْ لَكَ فِي الغزو؟ قَالَ: نعم. فخرج معه غازيًا بلاد الأزد لا يرى لَهُ غرَّةً حتَّى مَرَّ ليلًا بنار هِيَ نار ابنيّ أم قرْفة الفزاريين وكانوا فِي نجعةٍ فلما عرف تأبط لمن النار، وعرف شرارة من عليها، أكبَّ عَلَى رَجله وقَالَ للغلام: إني قَدْ لُدغْتُ وأخذ برجله وصاح: واثكلاه النار النار، فخرج الغلام يهوي حتَّى أتى النار فوثب عَلَيْهِ ابنا أم قرفة فقاتلهما جميعًا فقتلهما، ثُمَّ أخذ جذوة من النار، وأقبل نحو تأبط فلما رَأَى تأبط النار يهوي بها نحوه ظنَّ أن الغلام قَدْ قتل واتبعوا أثره، ووافاه الغلام ومعه النار وَقَدِ اطَّرد إبلًا لابني أم قرفة فَقَالَ لتأبط: لقد غررت بي مُذِ الليلة، فَقَالَ له: إني ظننت أنك قَدْ قُتلت. فَقَالَ: لا والله ولكني قتلت الرجلين. وَيُقَال أن الرجلين ابنا قترة من الأزد، قَالَ تأبط: فالهرب من موضعنا، فأخذ بِهِ تأبط غير الطريق فَقَالَ لَهُ: قَدْ ضللنا، ولم يلبث أن رجع إلى الطريق وما سلكها قط ثُمَّ نام. قَالَ تأبط: فرميت بحصاة فانتبه وقَالَ: أسمعتَ ما سمعتُ؟ قلت: نعم، فقمنا نطوف بالإبل ثُمَّ فعلت مثل ذَلِكَ مرات، فلما كان آخر مرة غضب وقال: فو الله لئن أيقظني شيء كائن ما كان ليموتَنَّ أَحدُنا فتركته فنام حتَّى إِذَا استيقظ قَالَ: ألا تنحر جزورًا فنأكل منها؟ قلت: بلى ففعلنا ذَلِكَ وأكلنا، ثُمَّ سرنا وأراد الغائط فأبْعَدَ فأبطأ عليَّ جدًا فاتَّبعْتُ أثره فأجده مضجعًا عَلَى مذهبه وإذا رجله منتفخة كأنها زقّ، وإذا هُوَ ميت، وإذا هُوَ قابض عَلَى رأس أسود، وإذا هُوَ والأسود ميتان. فقال تأبط يرثيه:

ولقد سريت على الظلام بمغشم ... جلد من الفتيان غير مُثَقَّل مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقدٌ ... حَبْكَ الثياب فَشَبَّ غير مهبل حَمَلَتْ به في ليلة مزؤودة [1] ... كرها وعقد نطاقها لم يُحْلَلِ [2] جاءَتْ بِهِ حوش الجنان مُبَطَّنًا ... سُهُدًا إِذَا ما نام ليل الهَوْجَلِ [3] وإذا رميت بِهِ الفجاج رأيتَه ... يهوى محارمها هُويَّ الأجدل [4] وإذا طرحتَ لَهُ الحصاة رَأَيْته ... ينزو لوقعتها طمور الأخيل [5] وَقَدْ يُقال إن أبا كبير الهذلي كَانَ خِدْنًا لأم تأبط شرًا فَقَالَت: إني أخاف هَذَا الغلام عَلَى نفسي وعليك فاقتله فجعل يطلب غُرَّتَهُ فإذا نام فرمى بحصاة وثب كأنه ليث، وأن أبا كبير قَالَ فِيهِ هَذَا الشعر حين قتلته هُذَيل والله أعلم. وخرج تأبط شرًا ومعه الشَّنْفَرَي الْأَزْدِيّ وآخر وهم يريدون بجيلة، فمروا بماء لهم فلما عرفوا تأبط طلبوه وعدا ففاتهم وقَالَ قصيدة يَقُولُ فيها: إني إِذَا خلة ضَنَّت بنائلها ... وآذنتْ بضعيف الحبل حَذَّاق نجوتُ منها نجائي من بُجَيلَة إذْ ... طرحت ليلة ذات الرّهط أرباقي

_ [1] مزؤودة: فزعة. [2] أراد أن أمه أعجلت عن حل نطاقها للجماع، أي لم تكن متأهبة فتحل عقد نطاقها أو تأتي الفراش، ولكنها فوجئت وأكرهت فسبق ماء الرجل وغلب، فخرج الولد مذكرا لاحظ فيه للتأنيث، والعرب تزعم ذلك وتتواصف به: حماسة أبي تمام ص 280. [3] الحوش فيما تزعم العرب: إبل الجن. والمبطن: الخميص البطن، والهوجل الثقيل. [4] الأجدل: الصقر. [5] الطمور الوثب، والأخيل: طائر الشقراق، وهو ينزو في مشيه ويحجل كالغراب. شرح حماسة أبي تمام ص 280- 282.

كأنما حَثْحَثُوا حُصًّا قَوَادمُهُ ... أَوْ أم خِشف بذي شَثٍّ وطُبَّاقِ [1] لا شيء أجودُ مني غير ذي نجَم ... أَوْ ذي كدُومٍ عَلَى العانات شَهَّاق ولا أقول إِذَا ما خُلَّةٌ صَرَمَتْ ... يا ويح نفسي من وَجْدٍ وإشفاق يا صاحبَّي وبعض اللَّوْم مَعْنَفَةٌ ... وهل متاعيّ إنْ أَبْقَيْتُهُ باقِ إني زعيمٌ لئن لم تتركوا عَذَلي ... إن يسألوا بي حَيًّا أهل آفاق إن يسألوا بي حيًا أهل مَشْسَعَةٍ ... ولا يحدثكم عن ثابت لاقِ [2] وخرج تأبط حتَّى أتى بلاد بجيلة، ورأى نارًا فقصد نحوها، وإذا عليها رَجُل وامرأة جميلة فهويها، وسأل القِرى فقراه زوجها، ثُمَّ إنه اغْتَره فقتله وأخذ امرأته وقَالَ: بحليلةِ البجليِّ بِتُّ بليلةٍ ... بين الإزار وكشْحِهَا المتنطِّقِ وإذا تقوم فصعدة فِي رملة ... لَبَدَتْ بماء غمامة لم يُغْدقَ [3] وقَالَ تأبط شرًا لقومه، وكان شريرًا: إني قَدْ جَرَّبْتُ النَّاس والأمور فما رَأَيْت الدَّعَةَ إلا ذِلَّةً، وما رَأَيْت خيرًا فِي إقامة، فإن من أقام نُسيَ، ومن كَانَ ذا شرٍّ خُشي، ومن أطمع النَّاس أكرم، وللباطل يوم انوه، وللحق من كل نصيب، ولولا أكل القويِّ الضعيفَ لجاعَ، وكُلْ أكيلتك قبل أن يأكلها غيرك.

_ [1] حثحثوا من الحث. والأحص: الذي تناثر ريشه وتكسر، وأم خشف ظبية: والشث والطباق من نبت السراة. [2] ديوان المفضليات ص 2- 19. [3] الأغاني ج 21 ص 150- 151.

قَالُوا: وخرج تأبط شرًا فِي نفر من قومه، حتَّى عرض لهم أهل بيت من هذيل فَقَالَ: اغنموا هَذَا البيت أولًا، وأَتَتْ ضَبُعٌ عن يساره فكرهها فَقَالَ: أبشري أشبعك غدًا، فَقَالَ لَهُ بعض أصحابه: أراها بائن وأنت تلعب، فلما كَانَ فِي وجه الصبح وَقَدْ عَدَّ أهل ذَلِكَ البيت عَلَى النَّار، فعرف مبلغ عددهم، شد عليهم، وفيهم غلام دُوَيْنَ المحتلم، فسند فِي الجبل، وَعدا تأبط عَلَى القوم فقتل وأصحابه شيخًا وعجوزًا، وحازوا جاريتين وإبلًا، ثُمَّ قَالَ: ما فعل غلام كَانَ معكم؟ فقيل: سند فِي الجبل فاتبع تأبط أثره، فَقَالَ أصحابه: ويلك دَعْهُ فأبى واستدرأ الغلام بقتادة [1] إلى صخرة، وأقبل تأبط فقصَّ أثره فَفَوَّق لَهُ الغلام سهمًا حين رَأَى أَنَّهُ لا ينجيه شيء وأمهله حتَّى إِذَا دنا مِنْهُ قفز قفزة عَلَى الصخرة، وأرسل السهم، فأصاب صدره فَقَصَدَ قَصْدَهُ وهو يَقُولُ: لا بأس، فَقَالَ الغلام: لا بأس، أما والله لقد وضعته بحيث تَكْرَهُ. وغَشِيَهُ تأبط بالسيف فجعل الغلام يلوذ بالقتادة، ويضربها تأبط بحشاشة نفسه، حتَّى خلص إلى الغلام فقتله، ثُمَّ نزل إلى أصحابه مثخنا يجر رجله فقالوا له: مالك؟ فلم يجبهم ومات في أيديهم، فانطلقوا وتركوه فجعل لا يأكل مِنْهُ سبع ولا طائر إلا مات فاحتملته هذيل فطرحته في غار، فقالت ريطة أخته وهي متزوجة فِي بني الديل: نِعْمَ الفتى غادرتُم بِرَجْوَانْ [2] ... بثابتِ بْن جابرِ بن سفيان

_ [1] القتادة: شجرة صلبة لها شوك كالأبر وجناة كجناة السمر، تنبت بنجد. معجم أسماء النباتات. [2] كذا بالأصل وضبطه صاحب القاموس «رخمان» وكذلك فعل ياقوت في معجمه.

وقَالَ مُرَّةَ بْن خليف الفهمي يرثي تأبط شرًا: إن العزيمة والتعداء قَدْ ثَويَا ... أكفانَ مَيْتٍ ثوى فِي غار رَجْوان الَّا يكن كرْسُفٌ كَفَّنْتُ أَجوده ... ولا يكن كفنٌ من ثوب كتَّان فأنتَ حُرٌّ من الأحرار ألبَسَهُ ... ريشُ السَدَى والنَّدى من خير أكفان [1] وقالت أم تأبط تبكيه: وا ابناه، وا ابْنُ الليل، ليس بزُميل [2] ، شروبٌ للقَيْل، مقرب الخيل يعوضُ بالقَرْن يَوْم الهَوْل. وا ابناه ليس بُعلفوف [3] ، يَلُفُّه هوف [4] كأنما خُلق من صُوف. وحدَّثني أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الهذلي قَالَ: كَانَ تأبط كَثِير السفر، فلقيت هذيل مِنْهُ برحًا، فأرصدوا لَهُ وكثروا فقتلوه، وقَالَ الكلبي: وأخوه حُذَر. وقَالَ غيره: كَانَ لتأبط شرًا أخ يُقال لَهُ ريش لغب بْن جَابِر بْن سُفْيَان، وسمي ريش لغب بقوله: مَتَى أَدْعُ من فَهْم وعَدوان يأتني ... فوارسُ منَّاعُون قاصية الشَّربِ عَلَى كل منسافٍ إِذَا الخيل سُوَّمَتْ ... يُبادِرْنَ غُنْمًا أَوْ يُنجَّيْنَ من كَرْبِ وما ولدت أمي من القوم عاجزًا ... ولا كَانَ ريشي من ذُنَابَي ولا لَغْبِ ولا كنت فَقْعًا نائيًا بقراره ... ولكنني أنمي إلى عَطَنٍ رحب وكان يقال له عمرو:

_ [1] الأغاني ج 21 ص 168. والكرسف: القطن. [2] الزميل: الجبان. [3] العلفوف: الجافي المسن، والشيخ اللحيم المشعراني، والعجوز. القاموس. [4] الهوف: الريح الحارة. والريح الباردة الهبوب، والرجل الخاوي الذي لا خير فيه. القاموس.

ومن بني فَهْم: بنو يَعْمُر، ولهم يَقُولُ مُرَّيْر بْن جَابِر: قتلتُ عُميرًا فِي فوارس يعمر ... ثمانية مثل الأسود الخوادر وهو يعمر بْن كَثِير بْن عوف بْن سعد بْن الظرب بْن عَمْرو بْن عياذ بْن يشكر، وكانوا حلفاء لبني ناج، وسعد بْن الظرب أخو عامر بْن الظرب. وقَالَ ابْنُ دأب: قَالَ جَابِر بْن سُفْيَان أَبُو تأبط شرًا- والكلبي يَقُولُ جَابِر بْن سفيان بْن عدي، وغيره يَقُولُ سُفْيَان بْن عميثل بْن عدي فِي يَوْم الفيل-: أتانا راكب فَنَعَى أناسًا ... وعباسًا وناسًا آخرينا أقمنا بالمغَمَّس نصف شهر ... ويحزوهم بها متجاورينا وقَالَ ابْنُ دأب: أم تأبط شرًا أميمة الفهمية، من بني قين، ولدت خمسة نفر: تأبط شرًا، وريش نَسْر وهو عَمْرو، وريش لَغْب. ولَغْب حُذَر ولا بواكي لَهُ. ومن فهم: جَابِر بْن أبي حبيب رثته حَيَّة ابنته فقالت: فَبَكَّي جابر بْن أبي حبيبٍ ... إِذَا الأضْيَافُ لم يجدوا عَيُوفا وقَالَ أَبُو اليقظان: لقي تأبط شرًا الغول فقتلها، وهو القائل: فيومًا بغزّاء ويومًا بِسُرْبه ... ويومًا بجشجاشٍ من الرجل هَيْصَل يَقُولُ بجيش عظيم لَهُ صوت.

نسب بني خصفة بن قيس

نسب بني خَصَفَة بْن قيس وولد خَصَفَة بْن قيس: عكرمة بْن خَصَفَة، وأمه ريطة بِنْت وبرة أخت كلب، ومحارب بْن خَصَفَة، وأمه هند بِنْت عَمْرو بْن ربيعة بْن نزار. فولد عكرمة بْن خَصَفَة: مَنْصُور بْن عكرمة. وملكان بْن عكرمة، وهو أَبُو مالك. وعامر بْن عكرمة وهم فِي تيم اللَّه وفيهم يَقُولُ التيمي: أعامر لا من أسرة الحي أنتم ... ولا نَسَب فِي قيس عيلان ثابت وسعد بْن عكرمة، وأمهم تَعِلَّة بِنْت قيس. فولد مَنْصُور بْن عكرمة: هوازن بْن مَنْصُور. ومازن بْن مَنْصُور وأمهما سلمى بِنْت غني بْن أعصر. وسليم بْن مَنْصُور. وسلامان بْن مَنْصُور، وأمهما تكمة بِنْت مُرّ بْن أدّ. فولد هوازن: بَكْر بْن هوازن. وحرب بْن هوازن. وسَبْع بْن هوازن درجوا، وأمهما هند بِنْت جعدة بْن غني. فولد بَكْر بْن هوازن: معاوية بْن بَكْر، وزيد بْن بكر قتله أخوه معاوية فوداه عامر بن ظرب بمائة من الإبل، وإنما جعلها مائة لعظم الإبل

عندهم وليتناهوا عن الدماء، فهي أول ديَة كانت فِي العرب مائة من الإبل حكم بها عامر بْن ظرب فجرى ذَلِكَ إلى اليوم، وأمهما عاتكة بِنْت سَعْد بْن هُذَيل بنُ مدركة. ومُنَبِّه بْن بَكْر. وسعد بْن بَكْر وهم الَّذِينَ أرضعوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمهما بِنْت عَوذ مناة بْن يَقْدم بْن دُعمى بْن إياد. فولد معاوية بْن بَكْر: صعصعة بْن معاوية. ونصر بْن معاوية. وحَوش بْن معاوية. وجحاش بْن معاوية، وأمهم رقاش بِنْت ناقم، وهو عامر بْن جدان بن جديلة بن أسد بن ربيعة بْن نزار. وجُشَم بْن معاوية وأمه مليكة بنت جشم بن حبيب بن عمرو بن غنم بْن تغلب. وشيبان بْن معاوية وأمه عُشَيْنَة، بها يعرفون. وعوف بْن معاوية وهم الوَقَعَة الَّذِينَ ذكرهم الأسدي فقال: يا أُختَ ذَحْوَة أَوْ يا أُخت إخوتهم ... من عامر وسلول أو من الوقعة والوقعة مع بني عَمْرو بْن كلاب. والسَّبَّاق بْن معاوية. والحارث بْن معاوية. وذَحْوَة بْن معاوية. وذُحَيَّة بْن معاوية، أمهم عاتكة بِنْت حرب بْن هوازن لم يلد حرب غيرهم. وقَالَ ابْنُ الكلبي: قَالَ شرقي: هُوَ الوَقْعَة، والقتيل الوقَعَة. فولد صعصعة بْن معاوية: عامر بْن صعصعة. ومازن بْن صعصعة. وعائذ بن صعصعة. ووائل بْن صعصعة وأمهم عمرة بِنْت عامر بْن ظرب العدواني. وغالب بْن صعصعة، وأمه غاضرة بها يعرف.

وقيس بْن صعصعة. وعوف بْن صعصعة. ومساور بْن صعصعة. وسَيَّار بْن صعصعة. ومثجور بْن صعصعة، وأمهم عُدَيَّة بها يعرفون. وكبير بْن صعصعة. وعمرو بْن صعصعة. وزبينة، وأمهم وائلة بها يعرفون. وعبد الله بْن صعصعة والحارث بن صعصعة، وأمهما عادية بها يعرفون. وربيعة بْن صعصعة وأمة عُوَيصرة بها يعرفون.

نسب بني محارب بن خصفة

نسب بني مُحَارب بْن خَصَفَة فولد محارب بْن خَصَفَة: جسر بْن محارب وأمه كاس بِنْت لكيز بْن أفعى بْن عَبْد القيس. وخلف بْن محارب، وأمه هند بِنْت عَمْرو بْن قيس. فولد جسر بْن محارب: عليّ بْن جسر. فولد عليّ: عميرة بْن عليّ. والهُون بْن عليّ. فولد عَميرة: بَكْر بْن عميرة. فولد بَكْر: زَيْد بْن بَكْر. ومُرّ بْن بَكْر. والحارث بْن بَكْر. فولد زَيْد بْن بَكْر: عوف بْن زَيْد. وعامر بْن زَيْد. ومالك بْن زَيْد. فولد عوف: عَبْد بْن عوف. وسعد بْن عوف. فولد عَبْد بْن عوف: شَكْم. فولد شَكْم: بغيض بْن شكم. ويَقَظَة بْن شكم. وربيعة بْن شكم. ومنهم: عائذ بْن سَعِيد بْن جندب بْن جَابِر بْن زَيْد بْن عبد بْن الحارث بْن بغيض، وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

منهم يزيد بن هبيرة [1] بن أقيش بن جذيمة بن كلتة بن خفاف بن معاوية بن مر بن بكر،

من ولده: لقيط المحاربي- الرواية- ابْنُ بكير بْن النضر بْن سَعِيد بْن عائذ بْن سَعِيد بْن جندب، وكان بكير أَبُوهُ صدوقًا عالمًا، وَقَدْ حَدَّثَنِي العمري صاحب الهيثم عن لقيط. ومنهم: سَهْم بْن مُرَّة بْن عَبْد بْن الحارث بْن بغيض، وَقَدْ رأس. وولد ربيعة بْن شكم: حبيب بْن ربيعة. وأحب بْن ربيعة. ومحب بْن ربيعة. منهم: شريك بْن غانم بْن عامر بْن أسعد بْن حبيب بْن ربيعة، كَانَ شريفًا بالكوفة، وهو بيتهم. وولد سعد بْن عوف: الحارث بْن سعد. منهم: رزين بْن مالك بْن سَلَمة بْن ربيعة بْن الحارث بْن سعد، وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونملة بْن عامر الَّذِي رَدَّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن هدم دُور جَسْر، وضمن لَهُ عَنْهُمُ الإنابة، وأَلَّا يأتيه مكروه منهم. ومنهم مطهّر بْن شيخ بْن صخر بْن قَرْدَد بْن سعد بْن أحَبّ بْن ربيعة الشَّاعِر. وولد مُرّ بْن بَكْر: معاوية بْن مر. وجشم بْن مر. وعبد بْن مر. منهم يزيد بْن هبيرة [1] بْن أُقيش بْن جذيمة بْن كَلَتَة بْن خُفاف بْن معاوية بْن مُرّ بْن بَكْر، كَانَ شريفًا وَقَدْ ولي ولايات، وهو أَبُو دَاوُد الَّذِي يَقُولُ لَهُ عَبْد اللَّه بْن الحجاج الثعلبي- من بني ثعلبة بْن سعد بْن ذبيان:

_ [1] بهامش الأصل: يزيد بن هبيرة.

لتذهب إلى أَقصى منادَحها جَسْرُ ... فليس إليها فِي مباعدَة قَفْرُ رَأَيْت أبا دَاوُد فِي مُحْدَثَاتها ... زعيمًا عَلَى قيس لقد أَبْرَحَ الدهر يَقُودُ الجياد المسبقاتِ كأنما ... نَمَاهُ زهيرٌ للرئاسة أَوْ بدر وولي يزيد بْن هبيرة اليمامة لعبد الملك بْن مروان، وله يَقُولُ جرير بْن عطية الخطفى: وأرى الْإِمَام إِذَا تبين ناكثًا ... أَوْ ناكثين رماهما بيزيد [1] وله يَقُولُ الأشهب بْن رميلة: أبلغ أبا دَاوُد أني ابنُ عمه ... وأنَّ البعيثَ من بني عَمِّ سالم أيُولجُ باب الملك من ليس أَهْلُهُ ... وريشُ الذُّنَابى قَبْلَ رِيشِ القَوادم [2] سالم حاجب يزيد بْن هبيرة، فجعل البعيث مثله. وقَالَ فِيهِ ابْنُ أفرم النميري شعرًا لم نُثْبِتُهُ، وكان فِي جيش أبان بْن مروان، وكان أَبُو دَاوُد مكينًا عنده، فخرج من غير أن يشفع فِيهِ وكان سأله ذَلِكَ. وبنو جَسَر حلفاء بني عامر بْن رَبِيعَة بْن عامر بْن صعصعة. وولد الحارث بْن بَكْر: مرة بْن الحارث. فولد مرة: ضَرس بْن مرة. وعبد بْن مرة. وولد عَبْد بْن مرة بْن بَكْر بْن عَميرة بْن عليّ بْن جَسر: السَّمين بْن عَبْد بْن ربيعة بن عبد، وهو الشريد.

_ [1] ليس في ديوان المطبوع. [2] البيتان للفرزدق، انظرهما في ديوانه ج 2 ص 268.

وولد الهون بْن عليّ: جِلّان بْن الهون. وعوف بْن الهون. فولد جلَّان: جُشَم بْن جلان. فولد جُشَم: دُهْمان بْن جُشم. ووائلة بْن جشم. وقُعَيْد بْن جُشم. فالمؤمّل بْن أُمَيل الشَّاعِر من بني الهون بْن عليّ بْن جَسر، وهو الَّذِي يَقُولُ: إِذَا مرضنا أتيناكم نَعُودكم ... وتُذْنبون فنأتيكم فنَعْتَذر ويقول: أنهار قَدْ هَيَّجْتِ لي أوجاعًا ... وتَرَكْتِني صَبًّا لكم مِطواعًا والله لو علم النهار بأنها ... أَمْسَتْ سميته لطال ذراعا وقال هشام ابن الكلبي: لقد لقيت أُمَيْلًا أبا المؤمّل. وولد عوف بْن الهون: جذيمة. ووائلة. وعتاب. وولد خلف بْن محارب: طريف بْن خلف. فولد طريف: ذُهل بْن طريف. وغَنْم بْن طريف وهم الأبناء. ومالك بْن طريف وهم الخُضْر. قال هشام ابن الكلبي إِذَا تحالف إخوة عَلَى أخيهم قيل الأبناء، فتحالف الأصاغر عَلَى أخيهم الأكبر وعلى ولد ولده. ومن الخضر: عامر الَّذِي ذكره الشماخ بْن ضرار الثعلبي: اجْتَمِعُوا فَأَيُّكُمُ يُفَاخر ... أَنْبَأَنِيهِ الخضري عامر [1] وكان عامر من أرمى الناس، عرضت له ثلاث قطوات فقال

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

لأصحابه: أيتهنَّ تُحبون أن أصيب؟ فأشاروا إلى واحدة فأصابها. وفيه يَقُولُ الشماخ: وجلَّاها عن ذي الأراكة عامر ... أخو الخضر يرمي حيث تُكْوَي النواحر [1] فولد ذُهل بْن طريف: بَذَاوة. فولد بذاوة: سعد بْن بَذَاوة، وهو الكيذبان، بعثه قومه رائدًا لهم فَكذَبَهُم فلقوا ما كرهوا، فسُمِّي الكيذبان لمبالغته فِي الكذب، لأن الرائد لا يكذب أهله. فولد معاوية بْن بذاوة: ربيعة بْن معاوية وهو حُدَاد. فولد حُداد: مالك بْن حُداد. وسعد بْن حُداد. منهم: مُحْصَن بْن سَوَّاء بْن الحارث بْن ظالم بْن سَهْم بْن جَراد بْن هلال بْن مالك بْن حُداد، كَانَ شريفًا، ومدحه ابْنُ البرصاء المُرِّي- مُرة غطفان. وعبد الرَّحْمَن بْن جمانة بْن عُصيم بْن الحارث بْن ظالم الشَّاعِر، وبيت بني بذاوة فِي بني عصيم بْن الحارث. وولد الصادرة بْن بذاوة: وائلة، رهط فراس بْن حبيب بْن سعد بْن وائلة، كَانَ يرحل إلى الملوك فِي أسارى قومه، فَقَالَ الشَّاعِر: ألا ليتنا إمَّا مُنينا ... بسوءٍ إن مولانا خراش نُطالب ذحلةً فِي كل يَوْم ... محثرم [2] لا يُمَهِّدُه الفراش ومنهم: مُضَرِّس بْن أنس بْن خراش بْن خالد، قتل بالمدائن حين دخلها المسلمون.

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع. [2] الحثرمة: غلظ الشفة، والدائرة تحت الأنف وسط الشفة العليا. القاموس.

وأمية بْن كعب بْن وائلة وهو مُسَاحم، قتل الخُرشُب الأنماري بأخيه عامر بْن مساحم. وولد الكيذبان بْن بذاوة: سَلول بْن الكيذبان. وعُمير بْن الكيذبان. والصَّعق بْن الكيذبان، أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة ذات الرقاع فَقَالَ: جملي أحَبُّ إليَّ من ربك، فدعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فمات. وولد غَنْم بْن طريف: مالك بْن غنم. وثعلبة بْن غنم. وثعبة بْن غنم. منهم: نُفَيع بْن سالم بْن سَنَّة بْن الأشْيَم بْن ظفر بْن مالك بْن غنم بْن ظريف الشَّاعِر، الَّذِي يُقال لَهُ ابْنُ صَفّار، وصَفّار هُوَ سالم، وصَفّار أكَمَةٌ كَانَ يرعى عندها فسمي بها، وله شعر فِي حرب قيس وتغلب بالجزيرة، وكان يُشاعر الأخطل. وولد ثعلبة بْن غنم: طريف بْن ثعلبة. وعامر بْن ثعلبة. فولد عامر: الحارث بْن عامر. ومعاوية بْن عامر. وزيد بْن عامر. وبُدَيْن بْن عامر. وكعب بْن عامر فيقال لهؤلاء الأبناء. وَوُلدَ مالك بْن ظريف، وهم الخضر، سموا بذلك لُأدْمتهم: ثعلبة بْن مالك وهو المُضَرِّب. فولد ثعلبة: مازن بْن ثعلبة. وسَلَمةَ بْن ثعلبة. منهم الخُضَريّ الشَّاعِر الَّذِي ذكرناه مَعَ خبر ابْنُ ميادة المُرِّي وهو القائل: وللحرب سُمِّينَا فكنا محاربًا ... إِذَا ما القنا أمسى من الطعن أحمرا وقَالَ أَبُو اليقظان: أخذ زياد رجلًا بالكوفة يُقال لَهُ معين فحبسه،

وأخذ رجلًا آخر من بني تميم فحبسه فِي مثل ما أخذ فِيهِ المحاربي، فتكلمت بنو تميم فِي صاحبهم، فأُخرج، وبقي المحاربي فَقَالَ: أَنَا أشهد أن بني تميم أكرم وأبر من محارب. قَالَ: ومن محارب: الحكم بْن عبادة، كَانَ عَلَى البحرين لأمير المؤمنين أَبِي جَعْفَر، وكان عبادة سيدًا بخراسان وأشار على سورة بن أبجر الدارمي ألا يسلك الطريق التي سلكها فعصاه، فوقع فيما كره، فَقَالَ لَهُ: ما الرأي يا عبادة؟ قَالَ: خَلَّفْتَ الرأي خلفك وبقي الصبر. ومن بني محارب: جامع الَّذِي قَالَ حين بني الحجاج واسطًا: لقد بنيتها فِي غير بلدك، وتُورِثها غير ولدك. وقَالَ ابْنُ سعد: هُوَ جامع بْن شداد الفقيه مات سنة سبع وعشرين ومائة [1] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 324.

عكرمة بن خصفة

[عكرمة بن خصفة] [منصور بن عكرمة بن خصفة] نسب بني مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة وولد مازن بْن مَنْصُور: الحارث بْن مازن. ومالك بْن مازن. وعمرو بْن مازن. وعدي بْن مازن. وعبد بْن مازن. فولد الحارث: عوف بْن الحارث: وربيعة بْن الحارث. وحامية ابن الحارث. منهم: عتبة بْن غزوان [1] بْن جَابِر بْن نُسَيْب بْن وُهَيب بْن زَيْد بْن مالك بْن عَبْد عوف بْن الحارث بْن مازن بْن مَنْصُور، وهو بَصَّرَ البصرة، وكانت يومئذٍ الأبُلَّة، وكان حليفًا لبني نوفل بْن عَبْد مناف، وشهد بدرًا. وقَالَ الواقدي: كَانَ عتبة يكنى أبا عَبْد اللَّه، وَيُقَال أبا غزوان، وهو قديم الْإِسْلَام، وكان طوالًا جميلًا، وهاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، وكان من رماة أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المذكورين. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالا: ثنا وكيع عن أبي

_ [1] بهامش الأصل: عتبة بن غزوان رضي الله عنه.

نَعَامَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين أَبِي دُجانة الْأَنْصَارِيّ، ونزل بالمدينة حين هاجر عَلَى عَبْد اللَّه بْن سَلَمة العجلاني، واستعمله عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ عَلَى البصرة. فنزل الخريبة [1] ، وكتب إلى عُمَر يعلمه بنزوله إياها وأنَّه لا بد للمسلمين من منزلٍ يشتون فِيهِ إِذَا شتوا، ويسكنون فِيهِ إِذَا انصرفوا من غزوهم، فكتب إِلَيْه أنِ اجمعهم فِي موضع واحد قريب من الماء والمرعى، فأنزلهم البصرة، فبنوا مساكن بالقصب، وبنى عتبة مسجدا من قصب، وذلك فِي سنة أربع عشرة، وبنى عتبة دار الأمارة دون المسجد فِي الرحبة، وكان النَّاس إِذَا غزوا نزعوا ذَلِكَ القصب وحزموه ووضعوه حتَّى يرجعوا من غزوتهم، فإذا رجعوا أعادوه، ثُمَّ بنى النَّاس المنازل بعد ذَلِكَ [2] . وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَجَّهَ عُمَرُ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ فِي ثمانمائة إِلَى الْبَصْرَةِ، ثُمَّ أَمَدَّهُ بِالرِّجَالِ، فَنَزَلَ بِالنَّاسِ فِي خَيْمٍ، فَلَمَّا كَثَرُوا بَنَي رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعَ دَسَاكِرَ مِنْ لَبِنٍ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ إِلَى الأُبُلَّةِ فَقَاتَلَ أَهْلَهَا فَفَتَحَهَا عُنْوَةً وَأَخَذَ دِهْقَانًا فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَقِيلَ دِهْقَانُ دَسْتَمَيْسَانَ وهزم أصحابه وفتح أبزقباذ [3] ، ثم استأذن

_ [1] الخريبة موقع مدينة عتيقة كان تسمى وهشتاباذ أردشير، وسماها العرب الخريبة وعندها كانت وقعة الجمل. معجم البلدان. [2] طبقات ابن سعد ج 7 ص 5- 8. [3] أبزقباذ: من طساسيج المزار بين البصرة وواسط، وقيل هي كورة أرجان بين الأهواز وفارس. معجم البلدان.

عُمَرَ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَالْحَجِّ، فَأَذِنَ لَهُ فَاسْتَخْلَفَ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ، وَشَخَصَ فَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا قَدِمَ لَهُ أَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَالِيًا فَاسْتَعْفَى فَلَمْ يُعْفِهِ، فَشَخَصَ يُرِيدُ الْبَصْرَةَ، فَمَاتَ فِي طَرِيقِهَا سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَيُقَالُ مَاتَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشَرَةَ، وَلَهُ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةَ. وَحَدَّثَنِي التُّوزِيُّ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ خَطَبَ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِإِصْرَامِ، وَتَوَلَّتْ حَذَّاءَ مُدْبِرَةً، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا صُبَابَةً كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَأَنْتُمْ مِنْهَا مُرْتَحِلُونَ فَتَزَوَّدُوا لِرَحِيلِكُمْ خَيْرَ مَا بِحَضْرَتِكُمْ وَسَتُجَرِّبُونَ الأُمُرَاءَ بَعْدِي. قَالَ الْحَسَنُ: فَجَرَّبُوا فَوَجَدُوا أنتانا. وأسلم مع عتبة مولاه جناب وتكنى أَبَا يَحْيَى، وَمَاتَ جَنَابٌ سَنَةَ تِسْعَ عَشَرَةَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ عُتْبَةَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وقَالَ أَبُو اليقظان: كانت عند مجاشع بْن مَسْعُود السلمي أخت عتبة، واسمها الخُضَيراء، وكانت أول من نَجَّد البيوت، فأمر عُمَر بهتك ما نَجَّدت. قَالَ: وكان عتبة بدريًا، رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمْ أجمعين.

نسب بني سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان

نسب بني سُليم بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة بْن قيس بْن عيلان وولد سليم بْن مَنْصُور: بُهْثَة بْن سُليم، وأمه العَصْماء بِنْت بُهثة بْن غَنمْ بْن غني. فولد بُهثة: سُليم، وهم فِي بني عامر بْن رفاعة بْن الحارث بْن بُهثة بْن سُليم. وامرأَ القيس بْن بهثة. وعوف بْن بهثة، وكان كاهنًا. وثعلبة بْن بهثة. ومعاوية بْن بهثة، وأمهم هند بِنْت مازن بْن مَنْصُور. فولد امرؤ القيس بْن بُهثة: خفاف بْن امرئ القيس. وتيم بْن امرئ القيس وهو بَهْز، وأمهم مارية بِنْت الجُعَيد العبدية. فولد خُفاف: عَميرة. وعصية بْن خفاف. وناصرة بْن خُفاف. ومالك بْن خُفاف، وأمهم سلمى بِنْت زَيْد بْن ليث بْن قضاعة. فولد عَميرة: كعب بْن عَميرة، وسلمة بْن عَميرة. ومرة بْن عَميرة، وأمهم ليلى بِنْت المصلات من جُهينة. ومنهم: بشر بْن قيس بْن مالك بْن أَبِي نُميلة بْن كعب بْن عَميرة، الَّذِي يَقُولُ لَهُ خفاف بْن نُدْبةَ: ومَيْتٌ بالجناب أَثَلّ عرشي ... كصخر أَوْ كعمرو أو كبشر

ومنهم الفجاءة،

يعني عَمْرو بْن الشريد، وصخر بْن عَمْرو، وابنه مالك بْن بشر الَّذِي يَقُولُ لَهُ الْعَبَّاس بْن مرداس السلمي: فليأتينكم ابْنُ قيلة مالك ... بالخيل تردى والرجال غضاب وقيلة أمّه ابْنَة الحارث بْن عُجْرة بْن عَبْد اللَّه بْن يقظة بْن عُصيَّة. وعبد اللَّه بْن كامل بْن حبيب بْن عَمْرو بْن رئاب بْن مرة الَّذِي يَقُولُ- وكان من غزاة الشام، وشهد يَوْم مرج الصُفر- فَقَالَ: شهدتْ قبائل مالكٍ وتَغَيَّبَتْ ... عني عَميرةُ يَوْم مرج الصُفَّرِ يعني مالك بْن يقظة بْن عصية بْن خُفاف. ومنهم الفُجاءة، وهو بَحير بْن إياس بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد ياليل بْن سَلَمة بْن عَميرة. قَالُوا: أتى الفجاءة أبا بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: احملني وَقَوِّني أقاتل المرتدين، فحمله وأعطاه سلاحًا فخرج يعترض النَّاس فيقتل المسلمين والمرتدين، وجمع جمعًا، فكتب أَبُو بَكْر إلى طريف بْن حاجرة يأمره بقتاله فقاتله، وأسره ابْنُ حاجرة، فبعث بِهِ إِلَى أَبِي بكر فأمر أَبُو بَكْر بإحراقه فِي ناحية المصلى. وَيُقَال إن أبا بَكْر كتب إلى معن بْن حاجرة فِي قتال الفجاءة، فوجه إِلَيْه أخاه طريف. وولد عُصَيَّة بْن خفاف: يَقظة بْن عُصيَّة. ورواحة بْن عصيَّة. ومُليل بْن عصيَّة. فولد يقظة: رَيّاح بْن يقظة. وعوف بْن يقظة. ومالك بْن يقظة وهو الدفاع. وعبد اللَّه بْن يقظة.

وخنساء [1] الشاعرة،

فولد ريّاح: عَمْرو بْن ريّاح وهو الشريد. قَالَ حَمَّاد الراوية: كَانَ قَدْ شرد عن أَبِيهِ، وهو يَفَعَة، فوجده فسماه الشريد. ورويبة بْن رياح وأمهما تعجر بِنْت سَلَمة بْن عَميرة بْن خُفاف. فمن بني الشريد: صخر. ومعاوية. وخنساء [1] الشاعرة، واسمها تماضر بِنْت عَمْرو بِنْت الحارث بْن عَمْرو الشريد بْن رياح بْن يقظة بْن عصية، وللخنساء يَقُولُ دريد بْن الصمَّة: حيُّوا تماضر واربعوا صَحْبِي.......... [2] وَقَدْ كتبت مقتل صخر، ومقتل معاوية أخوي الخنساء فيما تقدم، أما معاوية فقتله هاشم بْن حرملة، وأمَّا صخر فقتله بنو أسد، وأمَّا الخنساء فخطبها دريد بْن الصمة فَأبت أن تتزوجه، وقالت: هُوَ شيخ كبير فَقَالَ دريد: وتزعم أنني شيخ كبير ... فهل نَبَّأْتِها أَني ابنُ أمس فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلة طرقت بنحس وقاك الله يا بنة آل عمروٍ ... من الأزواج أمثالي ونفسي [3] فتزوجها عَبْد العزى بْن عَبْد اللَّه بْن رواحة بن مليل بن عصيّة.

_ [1] بهامش الأصل: الخنساء. [2] الشطر الثاني لهذا البيت: «وقفوا فإن وقوفكم حسبي» . ديوان دريد بن الصمة- ط. دار المعارف القاهرة ص 43. [3] ديوان دريد بن الصمة ص 115- 116.

ومنهم: خفاف بن ندبة [1] ،

فولدت لَهُ: أبا شجرة، واسمه عَمْرو بْن عَبْد العزى، وأسلمت الخنساء وجعلت تلبس صدارًا من شعر، وذلك أن صخرًا قَالَ فيها، وكان بَرًّا بها: وكيف لا أَمْنَحُها خيارها ... ولو هَلَكْتُ شَقَّقَتْ خمارها واتخذت من شعر صدارها فلما هلك جعلت تلبس صدارًا من شعر، فَقَالَ لها عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ: عزمتُ عليك لَمَّا ألقيتِ صدارك فإنه شيء اتخذته فِي الجاهلية. وكان أَبُو شجرة ابْنُ خنساء عَلَى جمع من بني سُليم فِي الردة فقاتلهم خَالِد بْن الوليد المخزومي رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، ففض اللَّه جمع المشركين وجعل خَالِد يحرق المرتدين فبلغ أبا بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لا أشيم سيفًا سَلَّه اللَّه عَلَى الكفار، ثُمَّ أسلم أَبُو شجرة فقدم عَلَى عُمَر وهو يعطي النَّاس من أهل الخِلَّة، فاستعطاه فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ القائل: ورويتُ رمحي من كتيبة خالدٍ ... وإني لأرجو بعدها أن أُعَمَّرا وعلاه بالدّرَّة فَقَالَ: قَدْ محا الْإِسْلَام ذَلِكَ يا أمير المؤمنين فأعطاه. وحدَّثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قال: كَانَ عَمْرو بْن الحارث بْن الشريد يأخذ بيدي ابنيه: صخر ومعاوية بالموسم، ويقول: أَنَا أَبُو خَيْريْ مُضَر، من أنكر فَليُغيّر، فما يُغَيِّر ذَلِكَ عَلَيْهِ أحد. ومنهم: خُفَاف بْن نَدْبَة [1] ، وهي أمه سوداء، وأبوه عَمير بْن الْحَارِث بْن الشريد الشَّاعِر، وأبو أمه الشيطان بن قنان سبيّة من بني

_ [1] بهامش الأصل: خفاف بن ندبة الشاعر.

الحارث بْن كعب. وَيُقَال أن نَدبة سوداء، هَذَا قول الكلبي. وقَالَ أَبُو اليقظان كَانَ خُفاف أسود، وهو القائل: كِلَانا يُسَوِّدُه قَوْمُه ... عَلَى ذَلِكَ النسب المظلم كِلَانا سنيد إلى قومه ... فَسُوقَا رويدًا ولا تحطم وكان خفاف يكنى أبا خراشة، وهو قاتل مالك بْن حمار الفزاري، وَقَدْ ذكرنا خبره وله يَقُولُ: أقول لَهُ والرمح يأطر متنه [1] ... تأملْ خفافًا إنني أَنَا ذلكا [2] وأدرك الْإِسْلَام فأسلم، وبقي إلى زمن عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فلقيه عُمَر وهو عَلَى بعير وبين يديه ابْنُ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَر: يا أبا خُراشة من هَذَا؟ قَالَ: ابني وَقَدْ خرف. قَالَ: ما اتّهمت عَلَيْهِ؟ قَالَ: امْرَأَة لَهُ سيئة الخلق. قَالَ: إن سوء خلق المرأة ليتخوف منه عَلَى الرجل إِذَا أَسَنَّ. وقَالَ عَبَّاس [3] لخُفاف: أبا خراشة إمَّا كنت ذا نفرٍ ... فإنّ قومي لم تأكلهم الضبع تأبى حبيب مواليها وأَنْفُسها ... أن يُسْلِمُوك ولن يُسْطَاعَ ما منعوا إنْ يَكُ جلمود صخرٍ لا يُثَلِّمُهُ ... توقد عَلَيْهِ فيحميه فينصدع وَقَدْ رثى خفاف أبا بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ. قَالَ الكلبي: ومنهم: هند الأغر بْن خَالِد بْن صخر بن الشريد،

_ [1] يأطر: يثني، والمتن: الظهر، يريد ظهر مالك. [2] الأغاني ج 18 ص 74. [3] ابن مرداس. انظر الأغاني ج 18 ص 79- 88.

منهم: أبو العاج [1] .

وكان أسر فروة بْن مُسيك المرادي فِي غارة كانت بينهم، وَقَدْ أسلم فروة، ووفد عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولاه عُمَر صدقات مذحج. وولد عوف بْن يقظة بْن عصية: مالك بْن عوف. ووهب بْن عوف. منهم: أَبُو العاج [1] . كبير بْن فروة بْن خثيم بْن عَبْد بْن حبيب بْن مالك بْن عوف بْن يقظة. ولاه يُوسُف بْن عُمَر الثقفي البصرة فِي أيام هشام بْن عَبْد الملك، فَوَلَّى أَبُو العاج شرطته مُحَمَّد بْن واسع العابد، وكان أَبُو العاج أعرابيًا جافيًا، وكني أبا العاج لنتوء ثناياه، وعقبه بالشام. وقَالَ أَبُو الْحَسَن المدائني: سَمِعَ يونس النحوي أبا العاج يقرأ: فأدبر يشتد. يريد: يسعى [2] . قَالَ: وكان أَبُو العاج عند هشام، وعند هشام خاله إِبْرَاهِيم المخزومي، فذكر يُوسُف بْن عُمَر، فنالَ إِبْرَاهِيم مِنْهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو العاج: يابن السوداء أَيُوسُف يُذكر بِهذا؟ فلم يفهم هشام، وأُشير إلى أَبِي العاج فسكت ونميتْ إلى يُوسُف، فشكرها لَهُ، فلما ولي العراق أَخْرَجَهُ معه، وَيُقَال بل استزاره بعد فزَاره فولاه وولى أَبُو العاج رجلا بعض كور دجلة. فقدم عَلَيْهِ ووصف لَهُ سيرته وقَالَ: لقد بلغ من رضى أهل عملي بي أَنْ نثروا عليَّ حتَّى كسروا قناديل المسجد الجامع. فَقَالَ: لا جَرَمَ لتَغْرَمَنَّ ثمنها أَوْ تشتري مثلها.

_ [1] بهامش الأصل: أبو العاج. [2] انظر قوله تعالى: ثم أدبر يسعى سورة النازعات- الآية: 22.

المدائني عن عَمْرو بْن خَالِد قَالَ: حفر أَبُو العاج نَهرًا، فكان يَمر إِلَيْه متنكبًا قوسًا عربية والنُهَّرْ يُعْرف بِهِ. وحدَّثني عُمَرو بْن شبه عن أَبِي عاصم النَّبِيّل قَالَ: عدا رَجُل من باهلة عَلَى رَجُل من بني ضُبيعة فضربه الضبعي، فاستعدى الباهليونَ أبا العاج واستعانوا عَلَيْهِ بسَلْم بْن قُتَيْبَة، فَقَالَ أَبُو العاج: يأمرني ابْنُ قُتَيْبَة أن أتعصب له على بني ضبيعة، فو الله ما أُحب أن النَّاس كلهم فِي الجنة إلّا بني ضبيعة. يا غلام ائتني بسياط عليها ثمارها، فَقَالَ الباهليون لسلم: أصلح بيننا أيها الرجل، فأصلحَ سلم بينهم وانصرفوا. وضُبيعة بْن ربيعة بْن نزار، فيُقال أن بُهْثَة سُليم، هُوَ بُهْثَة ضُبيعة، والله أعلم. قَالُوا: وكان أَبُو العاج يغضب من أَبِي العاج، فَتَقَدَّم إِلَيْه رَجُل فَقَالَ: أصلحكَ اللَّه يا أبا العاج، فَقَالَ: أَنَا أَبُو مُحَمَّد يابن البظراء، فَقَالَ: لا تقل هَذَا فإنها كانت مسلمة قَدْ حجَّت. فَقَالَ: إن بظرها لا يمنعها من الحج. وأُتي أَبُو العاج بغلام مأبون فقيل: إن هَذَا يُمَكِّنُ من نفسه. قَالَ: أفتريدونَ ماذا أُوَكِّلُ بِهِ رجالًا يحفظونَ دبره؟ لقد وقعتُ إذًا فِي عناء، الاست استه يصنع بها ما شاء. قَالُوا: وكانت ولاية أَبِي العاج البصرة نحوًا من سنة، ثُمَّ عزله يُوسُف بْن عُمَر. وولد مالك بْن يقظة: رياح بْن مالك. ورئاب بْن مالك. منهم: قِدْر بْن عمار الوافد عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وولد عَبْد اللَّه بْن يقظة: معيط بْن عَبْد اللَّه. وعُجرة بْن عَبْد اللَّه.

منهم: هًوذة بْن الحارث بْن عجرة بْن عَبْد اللَّه بْن يقظة، شهد فتح مكَّة، وهو القائل لعمر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وخاصم ابْن عم لَهُ فِي الراية: لقد دار هَذَا الأمر فِي غير أهله ... فَأَبْصِرْ وَليَّ الأمر أَيْنَ يُريد وولد مُلَيْل بْن عُصَيَّة: رواحة. منهم أَبُو شجرة، وهو عَمْرو بْن عَبْد العزى بْن عَبْد الله بن رواحة بن مليل بن عصية، وهو الشَّاعِر، وأمه خنساء بِنْت عَمْرو بْن الحارث بْن الشريد الشَّاعِر. ومنهم: نبيشة بْن الحارث بْن رئاب بْن رواحة بْن مُليل، كَانَ فارسًا وهو قتل ربيعة بْن مُكَدَّم الكناني. وولد ناصرة بْن خُفاف بْن امرئ القيس بْن سليم: ناجِيَة بْن ناصرة. وخلف بْن ناصرة. وعبيد بْن ناصرة وصُبْح بْن ناصرة. ومعقل بْن ناصرة. وولد مالك بْن خفاف: حبيب بْن مالك. وَزَعْب بن مالك. وجذيمة بْن مالك. وَزُبَيْنَةَ بْن مالك. وهلال بْن مالك. وقيس بْن مالك. منهم: وَحْوَح بْن شيخ بْن عَبْد بْن يعمر بْن الحارث بْن حبيب بْن مالك بْن خفاف، كَانَ من فرسانهم فِي الجاهلية. ومنهم: الضحاك بْن يُوسُف بْن الحارث بْن زائدة بْن عَبْد اللَّه بْن حبيب بْن خفاف، صحب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعقد لَهُ. ومنهم: يزيد بْن الأخنس بْن حبيب بْن جرو بْن زعْب بْن مالك، عَقَدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح، وابنه معن بْن يزيد، وهو أحد الأربعة الَّذِينَ كتب عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تعالى عنه فيهم إلى الآفاق فاجتمع عنده

أربعة كلهم من سُليم وأرادهم للمشاورة فِي أمر الشام، وهم: أَبُو الأعور السُّلمي، ومجاشع بن مسعود، والحجاج بْن عِلاط. ومعن بْن يزيد. وقَالَ غير الكلبي: أشخص إِلَيْه من البصرة مجاشع بْن مَسْعُود، ومن الكوفة عتبة بْن فرقد ومن مصر معن بْن يزيد، ومن الشام أَبُو الأعور، وشهد معن بْن يزيد يَوْم مرج راهط مَعَ الضحاك بْن قيس الفهري، فِي طاعة ابْنُ الزُّبَيْر. وولد عوف بْن امرئ القيس بْن بهثة: سَمَّال [1] بْن عوف. وغيظ بْن عوف. ومالك بْن عوف. فولد سَمَّال: حرام بْن سمال. ويربوع بْن سمال، رهط مجاشع بْن مَسْعُود من أهل البصرة، كَانَ شريفًا، وأصابه سهم يَوْم الجمل، وكان مَعَ عَائِشَة رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهَا، فمات مِنْهُ. وكان عتبة بْن غزوان لما شخص عن البصرة للحج استخلفه عَلَى البصرة، وكان غائبًا عَنْهَا، فأمر المغيرة بْن شُعْبَة أن يقوم مقامه إِلَى قدومه، فَقَالَ لَهُ عُمَر: أَتُوَلِّي رجلًا من أهل المَدَر، وتوفي عتبة فولى عُمَر المغيرة البصرة، ولما صار عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز إلى فارس فِي أيام عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ وجَّهَ مجاشع بْن مَسْعُود إلى كرمان، فأتى تَيْمِيد من كرمان، فهلك جيشه بها، ثُمَّ لما توجه ابْنُ عامر إلى خراسان ولى مجاشعًا كرمان ففتح بها فتوحًا وبتَيْمِيد قصر يُعرف بقصر مجاشع.

_ [1] بهامش الأصل: سمال بفتح السين وشد الميم، وباللام.

منهم: عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن سمال،

وكانت عند مجاشع شُميلة بِنْت أَبِي أُزيهر السدوسي من الأزد وكان مجاشع أُميًّا فدخل عَلَيْهِ نصر بْن الحجاج بْن علاط السُّلمي، وكان من أجمل النَّاس، وعنده شميلة فكتب نصر عَلَى الأرض: أحبك حبًا لو كَانَ فوقك لَأظَلَّك ولو كَانَ تحتك لَأقَلَّكِ، فكتبت هِيَ: وأنا والله، فأكبَّ مجاشع عَلَى الكتاب إناء ثم أدخل كاتبا فقرأه، وَيُقَال أن نصرًا محا ما كتب بِهِ، وبقي كتاب شميلة فَقَالَ لنصر: ما كتبتَ؟ فَقَالَ: لا إله إلا اللَّه. فَقَالَ مجاشع: ليس وأنا والله من هَذَا فِي شيء، وضربها فأقَرَّت فطلقها، ثُمَّ إن ابْنُ عَبَّاس خلف عليها بعد. ومجالد بْن مَسْعُود، كانت لَهُ صحبة، وجاء بِهِ مجاشع إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فتح مكَّة فبايعه، وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لا هجرة بعد الفتح» ] . وعبيد بْن سمَّال بْن عوف. وجندب بْن سمَّال. وعذيمة بْن سمَّال. فولد حرام بْن سمال: هلال بْن حرام. وعبس بْن حرام. ورواحة بْن حرام. منهم: عَبْد اللَّهِ بْن خازم بْن أسماء بْن الصَّلْت بْن حبيب بْن حارثة بْن هلال بْن سَمَّال، وكان معاوية لما وجه ابْنُ عامر الحضرمي إلى البصرة للطلب بدم عثمان، صار عَبْد اللَّه بْن خازم معه فجعله عَلَى خيله، ووجه عليّ عَلَيْهِ السَّلام جارية بْن قدامة فحارب ابْن الحضرمي فهزمه واضطره إلى دار سنبيل بالبصرة، فكان عَبْد اللَّه بْن خازم معه فيها. وكانت أم عَبْد اللَّه سوداء يُقال لها عجلى، فنادته فأشرف عَلَيْهَا فأخرجت ثدييها وقالت: أسألك بِدَرِّهِمَا لما نزلتَ فأبى فَقَالَت: والله لئن لم تنزل لَأتَعَرَّنَّ، وأهوت بيدها إلى ثيابها فنزل وأُحرقت الدار عَلَى ابْنُ

الحضرمي، وكانت دار عَبْد اللَّه بْن خازم لعمّته دجاجة بِنْت أسماء بْن الصلت، وهي أم عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز فأقطعته إياها. وَيُقَال إن عَبْد اللَّه بْن عامر لما أتى خراسان وجَّه عَلَى مقدمته عَبْد اللَّه بْن خازم، وَيُقَال الأحنف بْن قيس، ووجه ابْنُ عَامِر عَبْد اللَّه بْن خازم إلى نَسَا ففتحها صلحًا، ووجه إلى سرخس فصالح دهقانها، ثُمَّ إن عَبْد اللَّه بْن خازم افتعل بعد خروج ابْنُ عامر مُحرمًا شكرًا لله تَعَالى، عهدًا عَلَى لسان ابْنُ عامر، وتولى خراسان فاجتمعت جموع الترك ففضّها، ثُمَّ قدم البصرة قبل مقتل عثمان بقليل. وقَالَ ابْنُ خازم: إنَّما يتكلف الكلام والخطب إمام لا يجد من الكلام بدًا، أو أحمق يهمر [1] من أم رأسه لا يبالي ما قَالَ، ولست بواحد منهما، ولكني بصير بالفرص، وثَّاب عليها، وَقَّاف عند الشُّبَه، أُبعد بالسرية وأُقْسِمُ بالسَّوِيَّة، وأضرب هامة البطل المُشِيح. وولي معاوية رحمه اللَّه ابْنُ عامر البصرة، وضم إِلَيْه خراسان، فولى خراسان قيس بْن الهيثم بْن قيس بْن الصلت، فصالح أهل بلخ عَلَى أن راجعوا الطاعة، ثُمَّ قدم عَلَى ابْنُ عامر بالبصرة فضربه وحبسه، وولى خراسان عَبْد اللَّه بْن خازم، فصالح من كَانَ انتقض، وحمل إلى ابْنُ عامر مالًا. ثُمَّ ولى معاوية زياد بْن أَبِي سُفْيَان البصرة وخراسان، ولما ولى يزيد بْن معاوية ولى سلم بْن زياد خراسان، فلما مات يزيد التاثَ النَّاس عَلَى سَلْم، فشخص عن خراسان وأتى عبد الله بن الزبير.

_ [1] الهامر: الكثير الكلام المهذار. القاموس.

وكان عَبْد اللَّه بْن خازم لقي سَلْم بْن زياد مُنْصَرَفه من خراسان بنيسابور وأعانه بمائة ألف، فقالت جماعة من بَكْر بْن وائل واليمن وغيرهم: علام يأكل هَؤُلَاءِ خراسان دوننا، فأغاروا عَلَى ثقل عَبْد اللَّه بْن خازم فقُوتلوا عَنْهُ فكفوا. وولى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر عَبْد اللَّهِ بْن خازم خراسان، فاعترض عَلَيْهِ سُلَيْمَان بْن مرثد أحد بني سَعْد بْن مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثعلبة، وقَالَ: ليس ابْنُ الزُّبَيْر بخليفة، وإنما هُوَ عائذ بالبيت فحاربه ابْنُ خازم وهو فِي ستة آلاف فقُتل سُلَيْمَان، واجتمعت ربيعة إلى أوس بْن ثعلبة فاستخلف ابْنُ خازم ابنه مُوسَى بْن عَبْد اللَّه، وسار إِلَيْه فقاتله، ثُمَّ دس إِلَيْه من سَمَّه فمرض وواقعه فأصابته جراحة مات منها. وولى عَبْد اللَّه بْن خازم ابنه محمدًا هراة، وصَفَتْ لَهُ خراسان، ثُمَّ أن بني تميم هاجوا بهراة وقتلوا محمدًا فقتل أَبُوهُ بِهِ عثمان بْن بشر بْن المحتفز المزني صبرًا، ثُمَّ إن بني تميم خلعوا ابْنُ خازم، وورد كتاب عَبْد الملك بْن مروان عَلَى عَبْد اللَّه بْن خازم بولايته خراسان، فأطعم رَسُوله كتابه، وقَالَ: ما كُنت لألقى اللَّه وَقَدْ نكثتُ بيعة ابْنُ حواريّ رَسُوله وبايعت ابن طريدة، فكتب عَبْد الملك إِلَى بكير بْن وَسَّاج بولاية خراسان، فدعا النَّاس إلى بيعته فأجابوه وانتقضوا عَلَى ابْنُ خازم، فمضى ابْنُ خازم يريد ابنه موسى وهو بالترمذ فِي عياله، فاتبعه بحير بْن وِقاء الصريمي من بني تميم فقاتله بقرب مرو، ودعا وكيع ابْنُ الدورقية القريعي- واسم أَبِيهِ عَميرة وأمه من سبي دورق- بدرعه وسلاحه فلبسه، وخرج فحمل عَلَى ابْنُ خازم ومعه بحير فطعناه، وقعد وَكِيع عَلَى صدره وقَالَ: يا لثارات دُويلة، ودُويلة أخو وَكِيع

ومنهم: عروة بن أسماء بن الصلت عم ابن خازم قتل يوم بئر معونة مسلما.

لأمه، وكان مَوْلَى بني قُريع قتله عَبْد اللَّه بْن خازم فتنخَّم ابْنُ خازم فِي وجه وكيع، وقَالَ: لعنك اللَّه: أتقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوي كفا من نوى، وقال وَكِيع: ذق يابن عجلى مثل ما قَدْ أذقتني ... ولا تحسبني كنت عن ذاك غافلا وكان ابْنُ خازم يكنى أبا صالح. وقَالَ وكيع: عانقت ابْنُ خازم فسقطنا جميعا، وغلبته بفضل الفتاء فقعدت عَلَى صدره فتنخَّم فِي وجهي وقَالَ: أتقتل كبش مضر بعلج لا يساوي كف نَوَى. ولما قُتل غَلَب ابنُهُ عَلَى الترمذ مكابرة، وأخرج دهقانها، وحارب الترك، ثُمَّ حاربه عثمان بْن مَسْعُود من قبل مُفضَّل بْن المهلب، فقُتل فِي المعركة، فكان عُمَر بْن هبيرة الفزاري إِذَا ذُكر ابْنُ خازم يَقُولُ: هَذِهِ والله البسالة عند الموت. وقَالَ المدائني: قَالَ عَبْد اللَّه بْن عامر لعبد اللَّه بْن خازم: يابن السوداء، قَالَ: هُوَ لونها، قال: يا بن عجلى قَالَ: هُوَ اسمها قَالَ: يابن خازم قَالَ: هُوَ خالك [1] . ومنهم: عروة بْن أسماء بْن الصَّلْت عم ابْنُ خازم قتل يَوْم بئر معونة مسلمًا. وقيس بْن الهيثم بْن الصلت ولي البصرة وخراسان، فأمَّا البصرة فاستخلفه عليها القباع، وهو الْحَارِث بْن أَبِي ربيعة المخزومي أيام ابن

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض، ولله الحمد، وبالأصل الثالث، من أول هذا الكتاب.

الزُّبَيْر، وأمَّا خراسان فولاه إياها ابْنُ عامر. وكان يكنى أبا كَثِير. وكان الهيثم بْن الصَّلْت أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعا قومه إلى الْإِسْلَام حتَّى أسلموا، فبنو سليم تَقُولُ هَذَا هُوَ أعظم النَّاس علينا مِنَّةً، وكان يكنى أبا بشر. حَدَّثَنِي عَلَى الأثرم عن أَبِي عبيدة، وأبو الْحَسَن المدائني عن أَبِي اليقظان، أن قيس بْن الهيثم، ويكنى أبا كَثِير كَانَ خليفة عَلَى البصرة فِي أَيَّام ابْن الزُّبَيْر. وَكَانَ مِمَّن قاتل مَالِك بْن مِسَمع مَعَ الزبيرية يَوْم الجفرة، وهو عَلَى فرس لَهُ مُحَجَّل وَقَدِ استأجر قومًا يقاتلون مَعَهُ، فكانوا يرتجزون: لَسَاء ما تَحْكُمُ يا حَلَاحِل ... النقد دينٌ والطِّعَانُ عاجل وأنت بالمال ضنين بَاخِل وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ قيس رأس أهل العالية، وكان لَهُ ابْنُ يُقال لَهُ كَثِير فهلك، وله ابْنُ فأخذ قيس ميراثه، فاستعدى عَلَيْهِ الحجاج فأمره أن يدفع إِلَيْه ميراثه، فَقَالَ: ليس بمأمون عَلَيْهِ فأمر بِهِ فقُنِّع ثلاثين سوطًا وهو قاعد، وهو يَقُولُ: أَنَا ابْنُ أَبِي قيس، وقَالَ: ليس بتعزيز الأمير خزاية ... علي إذا ما كنت غير مُرِيبِ فبلغ الخبر من بالشام من قيس فغضبوا، وكلَموا عَبْد الملك بْن مروان، فكتب إلى الحجاج: إما إن تُحْسِنَ جواره وإما أن تأذن لَهُ، فأتى الشام. ولقي الجحاف الحجاج بمكة فَقَالَ: أما والله إني لو كنتَ بلغتَ من قيس تلك لَأمَلْتُ الخيل عَلَى الطائف فلم أَدَعْ بها مُحتلمًا.

وكان من ولد قيس بْن الهيثم: عَبْد اللَّه بْن يزيد بْن شبيب، قضى لأبي العاج عَلَى البصرة. وقَالَ أَبُو اليقظان: ولد أسماء بْن الصلت: خازم بْن أسماء. ومُعْرض بْن أسماء. ودَجاجة تزوجها عامر بْن كريز، فولدت عَبْد اللَّه بْن عامر، ثُمَّ تزوجها عمير بْن عَمْرو الليثي، فولدت عَبْد اللَّهِ بْن عمير، ثُمَّ تزوجها عَبْد ربه بْن قَيْس المخزومي فولدت لَهُ عَبْد الرَّحْمَن، وهي صاحبة نهر أم عَبْد اللَّه، وحوض أم عَبْد اللَّه بالبصرة وماتت بالبصرة، وقتل مُعْرض بْن أسماء يَوْم الجمل مَعَ عَائِشَة ولا عقب لَهُ. قَالَ: ولما قتل عَبْد اللَّه بْن خازم قَالَ الشَّاعِر: أَلَيْلَتَنَا بنيسابور كري ... علينا الليل ويحك أَوْ أبيري فلو شهد الفوارس من سُليم ... غداة يُطافُ بالَأسَدِ العقير وحُمل رأسه إلى عَبْد الملك، وقَالَ الفرزدق: أَتَغْضَبُ إذْ أُذْنَا قُتَيْبَة حُزَّتا ... جهارًا ولم تَغْضَب لقتل ابْنُ خازم وما منهما إلَّا بَعَثْنَا برأسه ... إلى الشام فوق الشاحجات الرواسم [1] ومدح ابْنُ عرادة الْبَصْرِيّ مُوسَى ومحمد ابني عَبْد اللَّه بْن خازم، وأمهما صَفية، فلم ير عندهما ما أَحَبَّ فَقَالَ: كَسَوْتُ ابني صفية من ثنائي ... وإن كانا ذوي حلل ثيابا مدحتُ محمدًا ومدحتُ مُوسَى ... فما شَكَرا لذاكَ ولا أثابا حَسِبْتُهُما كطلحة أَوْ كَسلْمٍ [2] ... إذا ندبا لمكرمة أجابا

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 311. [2] بهامش الأصل: يعني طلحة الطلحات، وسلم بن زياد.

ومنهم: قيس بْن الصلت، وعاصم بْن قيس بْن الصلت. وكان عاصم بْن قيس عَلَى مَنَاذر فِي أيام عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه عَنْهُ، فَقَالَ فِيهِ أَبُو الْمُخْتَار: وما عاصم فيها بصفر عيابُه ... وذاك الَّذِي فِي السوق مَوْلَى بني بدر وهو قتل ابْنُ مزيد بخراسان. قَالَ ابْنُ الكلبي: ومنهم ربيع بْن ربيعة بْن رفيع بْن أهبان بْن ثعلبة بْن ضبيعة بِنْ ربيعة بْن يربوع بْن سمال، الَّذِي قتل دريد بْن الصمة يَوْم حنين، وأمه لذغة كَانَ يعرف بها. وولد مالك بْن عوف: رِعْل بْن مالك. ومطرود بْن مالك. ومنقذ بْن مالك. فولد رِعْل: حَيّ بْن رعل. وسلمة بْن رعل، وَيُقَال أن سَلَمة ليس بابنه، وهو ينسب إِلَيْه. ونشبَة بْن رِعْل. فمن بني رَعْل: أنس بْن عَبَّاس بْن عامر بْن حَيّ، وَقَدْ رأس وقتلته خثعم. وقَالَ أَبُو عُبَيْدة أغار عَبَّاس بْن عامر الرعلي عَلَى خثعم فقتل وأسر، فكلمته أمه فأطلق الأسرى وأصابت أنسًا طعنة مات منها. وَيُقَال أن عباسًا المطعون، فقالت ابنته تُبَكّيه: لَعَمْري وما عُمري عليّ بهيِّن ... لنعم الفتى أَرْدَيْتُمُ آل خثعما أصيب بن حَيَّا سُلَيْم كلاهما ... وعَزَّ علينا أن يصاب وَعَزَّما ومن بني نشبة: يزيد. وقريش ابنا شقيق الخراسانيان، وَقَدْ رَأَى هشام ابْنُ الكلبي يزيدا.

وولد مَطرود بْن مالك: قيس بْن مطرود. وقُيَيسْ بْن مطرود. وجَدّ بْن مطرود. وضُبَيس بْن مطرود. منهم: زرعة بن السَّلِيب بْن قيس بْن مطرود، وهو ابْنُ قرقرة الشَّاعِر وقرقرة موضع. وولد قنفذ بْن مالك: جَابِر بْن قنفذ. وعبد اللَّه بْن قنفذ، وأمهما الجُعَيْدَة بِنْت الكيذبان المحاربي. وسَلْم بْن قنفذ. استلحقه بنو قنفذ حديثًا بالجزيرة، وكان عبدًا لا أصل لَهُ. فولد جَابِر بْن قنفذ: هَرْمي بْن جَابِر. وربيعة بْن جَابِر. وأسيد بْن جَابِر. وقنفذ بْن جَابِر. منهم: يزيد بْن أسيد بْن زافر بْن أسماء بْن أَبِي أسيد بْن قنفذ بْن جَابِر بْن قنفذ، ولي أرمينية للمنصور أمير المؤمنين وللمهدي، ووجه إِلَيْه المهدي خادمًا لَهُ فِي بعض أموره، فلما قضى ما وجهه إِلَيْه لَهُ طلب الخادم صِلَتَهُ فأعطاه طائرًا من الحمام وقَالَ: هَذَا صلةُ مثلك فلما قدم عَلَى المهدي أخبره بذلك فأحفظه وعزله. وفتح يزيد فِي خلافة أمير المؤمنين المنصور باب اللان، ودوخ الضباريه، وصاهر ملك الخزر، فولدت ابنته لَهُ ابنًا فمات وماتت أمه فِي نفاسها، وبنى مدينة أردبيل. ووَلي ابنه أَحْمَد بْن يزيد بْن أسيد الموصل وأرمينية، ومات مَعَ الرشيد حين توجه إلى طوس.

الحجاج بن علاط [2] بن خالد بن نويرة بن حنثر بن هلال بن ظفر،

وكان يزيد بْن أسيد تمتامًا [1] . وَقَدْ ولي أسيد أرمينية لبني مروان. وولد أبا المغراء، ولهم عدد بالرقة. وولد عَبْد اللَّه بْن قنفذ: خزيمة بْن عَبْد اللَّه. والحارث بْن عَبْد اللَّه. ووهب بْن عَبْد اللَّه. ووهيب بْن عَبْد اللَّه. وعبدنهم بْن عَبْد اللَّه. منهم: المنهال بْن قنان بْن شريك بْن ذريح بْن الأخثم بْن وهب بْن عَبْد اللَّه بْن قنفذ، كَانَ من قواد أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين المنصور، وابنه الْحُسَيْن بْن عِمْرَانَ بْن المنهال، وولي الجزيرة لأمير المؤمنين الرشيد. وولد بهز بْن امرئ القيس: عَمْرو بْن بهز. وعوذ بْن بهز. ووائلة بْن بهز. فولد عَمْرو: سعد بْن عَمْرو. فولد سعد: عامر بْن سعد. ومالك بْن سعد. وظَفَر بْن سعد. فولد عامر: إياس بْن عامر. ودارم بن عامر. منهم سويد بْن عِزين الشَّاعِر. وولد مالك بْن سعد: عوف بْن مالك. وولد ظَفَر بْن سعد: عَبْد بْن ظفر رهط الحجاج بْن عِلاط [2] بْن خَالِد بْن نويرة بْن حنثر بْن هلال بْن ظفر، شهد خيبر مَعَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما فتح اللَّه خيبر قدم الحجاج بْن عِلاط من غارة لَهُ فأسلم، واستأذن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إتيان مكَّة ليأخذ مالا

_ [1] التمتمة: رد الكلام إلى التاء والميم، أو أن تسبق كلمته إلى حنكه الأعلى، فهو تمتام. القاموس. [2] بهامش الأصل: الحجاج بن علاط رضي الله عنه.

لَهُ هناك عِنْدَ زوجته أم شَيْبَة بِنْت عمير، أخت مُصْعَب بْن عمير العَبدري فأذن له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فقدم مكَّة فَقَالَ لأهلها: إن محمدًا قَدْ أُسرَ، التماسًا للتقرب إليهم، فلقي العباسُ بْن عَبْد المطلب الْحَجَّاج فِي خلوة فسأله عَنِ الْخَبَر فَقَالَ: اكتم عليّ فداك أَبِي وأمي حتَّى آخذ مالي، إني قَدْ أسلمتُ وَقَدْ ظفر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جئتك وهو عروس بابنة ملك خيبر، ثُمَّ لحق بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسكن المدينة، وبنى مسجدًا يعرف بِهِ، وَيُقَال إنه شهد قتال خيبر مَعَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابنه نصر بْن الحجاج بْن علاط، كَانَ من أجمل النَّاس وجهًا، فسمع عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ امْرَأَة فِي ليلة من الليالي تَقُولُ: ألا سبيلٌ إلى خمرٍ فأشربُها ... أم لا سبيل إلى نصر بن حجاج فدعاه عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ فَقَالَ: أصار النساء يتغنين بك؟ وسَيَّرَه إلى البصرة، وكان معرض بْن الحجاج مَعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا يَوْمَ الْجَمَلِ، فقتل فَقَالَ نصر أخوه يرثيه: لقد فَزَعَتْ نفسي لذكرى مُعَرِّضٍ ... وعَيني جادت بالدموع سحومها فنعم الفتى وابن العشيرة إنه ... يوقي الأذى أعراضها ويزينها عليم بإسعاف الكرام وحقها ... وإكرامها إِذَا اللئيم يُهينها وولد الحارث بْن بهثة بْن سُليم، حُيي بْن الحارث. ورفاعة بْن الحارث. وكعب بْن الحارث. وهو دوفن. وظفر بْن الحارث. ووائلة بْن الحارث. وعباد بْن الحارث وهم قليل. وعبد بْن الحارث، وأمهم الرباب بِنْت زَيْدِ اللاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كلب.

ومنهم: عباس بن مرداس [1] بن أبي عامر بن حارثة الشاعر،

فولد حُييّ: عَبْد اللَّه بْن حُيي وهو حنة. وقينان بْن حُيي. وعمرو بْن حُيَي. والحارث بْن حيي. وولد رفاعة بْن الحارث: عَبْس بْن رفاعة. وربيعة بْن رفاعة. وعامر بْن رفاعة. وجشم بْن رفاعة. وذكوان بْن رفاعة وبجير بْن رفاعة، وهم فِي بني زريق بْن معاوية بْن بَكْر بْن هوازن. فولد عبس بْن رفاعة: عَبْد بْن عبس ومرة بْن عبس. فولد عَبْد: جارية بْن عَبْد. وفتية. ومنهم: عَبَّاس بْن مرداس [1] بْن أَبِي عامر بْن حارثة الشَّاعِر، وكان شجاعًا، وكانت العين لا تأخذه، فرآه عَمْرو بْن معدي كرب، فَقَالَ: هَذَا عَبَّاس بْن مرداس؟ لقد كُنَّا نفرق بِهِ صبياننا فِي الجاهلية، وأسلم عَبَّاس، وشهد مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حنين عَلَى فرسه العُبَيد، فأعطاه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغنيمة أربع فرائض فَقَالَ: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع فما كَانَ حصنٌ ولا حابسٌ ... يَفوقان شيخيَّ فِي المجمع وأعطيت مما أفاء العبيد ... عَدِيدَ قوائمه الأربع فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «اقطعوا عني لسانة» ،] وأعطاه ثمانين أوقية. وَقَدْ دخل عَبَّاس البصرة وكتب عَنْهُ البصريون، وكان ينزل بوادي البصرة، وبها ولده.

_ [1] بهامش الأصل: عباس بن مرداس رحمه الله.

وقَالَ الكلبي: كانت القُرَيَّة، وهي فِي حَرة بني سُليم إلى جانب المدينة اختطها مرداس بْن أَبِي عامر، وكليب بْن عَهْمَة- وَيُقَال عُهَيْمة- السلمي أحد بني ظفر، فلم يكن عندهما نفقة، فأتيا حرب بْن أمية بْن عَبْد شمس فجعلا لَهُ ثلثها عَلَى إن ينفق عليها، فأجابهما إلى ذَلِكَ فشخص حرب معهما فجعل ينفق ثُمَّ إنه حُمَّ فحُمل إلى مكَّة فمات، ومات مرداس بعده فحوى كليب القرية، فلما كبر عَبَّاس بْن مرداس طَالِب كليبًا فَقَالَ يتوعده. أكليبُ مالك كل يَوْم ظالمًا ... والظلم أنكد وجهة ملعون قَدْ كَانَ قومك يحسبونك سيدًا ... وإخال أنك سيد مفتون إن القُرَيَّة قَدْ تبين شأنها ... لو كان ينفع عندك التبيين فإذا رجعت إلى نسائك فادهن ... إن المُسَالم آمنٌ مدهون أظَلمتَني يَوْم انطلقتَ بحظها ... وأبو يزيد بجوّها مدفون فذكروا أَنَّهُ أنصفه حين دخل النَّاس بينه وبينه. وهبيرة بْن مرداس. وجزء بْن مرداس. ومعاوية بْن مرداس. وعمرو بْن مرداس إخوة عَبَّاس بْن مرداس لأبيه، وأمهم خنساء بِنْت عَمْرو. وولد مرة بْن عبس: سالم بْن مرة. والحارث بْن مرة. وعَتَّاب بْن مرة. منهم: سادن العزى ببطن نخلة وهو دُبَيَّة بْن حرمي. ومنهم: عباد بْن شيبان بْن جَابِر بْن سالم بْن مُرَّة، وهو حليف الحارث بْن عَبْد المطلب بْن هاشم. وولد عامر بْن رفاعة: حنش بْن عامر، كَانَ سيدهم فِي زمانه.

منهم عتبة بن فرقد [1] ، وهو يربوع بن حبيب بن مالك بن أسعد بن رفاعة بن ربيعة بن رفاعة،

وشوك بْن عامر. وعقدة بْن عامر. وذوَّاق بْن عامر. وناشب بْن عامر. ووهيبة بْن عامر. وعجيبة بْن عامر. ويُريمة بْن عامر. وحرجة بْن عامر. فولد حنش: رئاب بْن حنش، وكان ابْنُ داب يزعم أن رئابًا هَذَا أخو هاشم بْن عَبْد مناف لأمه. قال هشام ابن الكلبي: ولم أسمع هَذَا من غيره. وقَالَ بعضهم: ولد حنش أيضًا: الحارث بْن حنش وكان أخا هاشم لأمه، وأنكر ذَلِكَ ابْنُ الكلبي. وولد ربيعة بْن رفاعة: رفاعة بْن ربيعة. وجابر بْن ربيعة. وعائذ بْن ربيعة. وظالم بْن ربيعة. وخالد بْن ربيعة. ومالك بْن ربيعة. وفياض بْن ربيعة. ووَهِيبة بْن ربيعة. منهم عتبة بْن فَرْقَد [1] ، وهو يربوع بْن حَبيب بْن مالك بْن أسعد بْن رفاعة بْن ربيعة بْن رفاعة، كَانَ شريفًا بالكوفة وَيُقَال لهم الفَراقِد. قَالُوا: وعزل عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ حذيفة عن أذربيجان، وولاها عَتبة بْن فرقد السُّلَمي، فأتاها منَ الموصل، وَيُقَال بل أتاها من شهر زور، فغزا بأذربيجان مغازي فظفر وغنم، وكان معه ابنه عَمْرو بْن عتبة العابد. وَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ حين

_ [1] بهامش الأصل: عتبة بن فرقد رحمه الله.

افْتَتَحَ أَذْرَبِيجَانَ، فَصَنَعَ سَفَطَيْنِ مِنْ خَبِيصٍ أَلْبَسَهُمَا الْجُلُودَ وَاللُّبُودِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِمَا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ سُحَيْمٍ مَوْلَى عُتْبَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: مَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ أَذَهَبٌ أَمْ وَرَقٌ وَأَمَرَ بِهِ فَكَشَفَ عَنْهُ فَذَاقَ الْخَبِيصَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَطَيِّبٌ لَيِّنٌ، أَفَكُلُّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلَ مِنْهُ شِبَعَهُ؟ قَالَ: لا، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ خَصَّكَ بِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: «مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، أَمَّا بَعْدُ فَلَيْسَ مِنْ كَدِّكَ، وَلا كَدِّ أُمِّكَ، وَلا كَدِّ أَبِيكَ، لا تَأْكُلُ إِلا مَا شَبِعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فِي رِحَالِهِمْ» . وروى بعضهم هَذَا الحديث وزاد فِيهِ: وَرَدَّ الخبيص عَلَى عتبة. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ، ثَنَا شعيب بْنُ حَرْبٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سعيد بن إياس عن أبي عثمان أن عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، فَدَعَا عمر بشفرة ليقطع بهاكمه، وَكَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ سُنْبُلانِيُّ فِي كُمِّهِ طُولٌ، فَقَالَ: دَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا أَقْطَعُهُ فَإِنِّي أَسْتَحِيي مِنَ النَّاسِ فَقَطَعَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عُتْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ عَضَلَةُ جَزُورٍ. وولى عُمَر عتبة بْن فرقد الموصل سنة عشرين، فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها الشرقي عنوة، وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر الغربي عَلَى الجزية، وفتح كورها، ثُمَّ عزله، وولى الموصل هرثمة بْن عرفجة البارقي.

وولد عتبة: عمرو بن عتبة [2] ،

وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ عَنْ مَشَايِخِ أهل شهرزور، أَنَّ عُتْبَةَ فَتَحَ شهر زور وَالصَّامِغَانِ [1] وَدَزابَاذَ عَلَى صُلْحٍ، فَغَدَرُوا فَعَادَ إِلَيْهَا فَفَتَحَهَا عُنْوَةً عَلَى الْخَرَاجِ. قَالَ أَبُو اليقظان: أم عتبة بْن فرقد ابْنة عباد بْن علقمة بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وله صُحْبَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان بِهِ جَرَبٌ حين بايعه، فتفل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فذهب جربه، وكان طيب الريح بعد ذَلِكَ، ونزل الكوفة، فكتب عُمَر إلى عامله أن ابعث إليَّ أفضل من قبلك فبعثه. وولد عتبة: عَمْرو بْن عتبة [2] ، كَانَ عابدًا ومات شهيدًا فِي بعض المغازي. وولد عَمْرو بْن عتبة: عَبْد اللَّه بْن عَمْرو، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ ابْنُ نوف: كنتَ ضيفًا يُبُّر بنا يا لعبد الل ... هـ والضيف حقه معلوم فانبرى إليَّ يُزَيِّنُ الصوم حتَّى ... صمتُ شهرًا ما كنتُ فِيهِ أصوم وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ عَرَضَ عَلَى ابْنِهِ عَمْرَو التَّزْوِيجَ، فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُثْمَانَ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ لِيَقْدُمَ عَلَيْهِ، فَقَدِمَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ التَّزْوِيجِ؟ قَدْ تَزَوَّجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعِنْدَنَا مِنْهُنَّ من عندنا. فقال

_ [1] كورة من كور الجبل في حدود طبرستان. معجم البلدان. [2] بهامش الأصل: عمرو بن عتبة.

عَمْرٌو: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ لِي بِمِثْلِ عمل رسول الله، وَعَمَلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَمَلِ عُمَرَ، وَمِثْلِ أَعْمَالِكَ؟ قَالَ: انْطَلِقْ فَإِنْ شِئْتَ فَتَزَوَّجْ، وَإِنْ شِئْتَ فلا. وحدثني أَحْمَد، حَدَّثَنِي مُثَنَّى بِنْ مُعَاذِ عن فهد بِنْ عوف عن بشر بْن سَلَمة عن علقمة قال: جاؤوه بابنة جرير، فَقَالَ لها: إنه لا حاجة لي فِي النساء، ولكنَّ أبويَّ قَدْ أبيا إلَّا أن يزوجاني ولك عندهم من الطعام والكسوة ما تريدين، فقالت: قَدْ رضيت. فلما أتوه بها قام يصلي من الليل وقامت تصلي خلفه حتَّى أصبحا، وأصبح صائمًا وأصبحت صائمة. قَالَ عَمْرو: فإن كنت لأفتر، فيمنعني مكانها، فَقَالَ لَهُ أبواه: إنَّما زَوَّجناك التماسًا لولدك ولا نرى هَذِهِ تلد فطلِّقها. فطلَّقَها ثُمَّ أتيا بامرأة أخرى، فكانت معه عَلَى مثل ما كانت عَلَيْهِ ابْنَة جرير، فقالت لها امْرَأَة من أهلها: يا فلانة مالك لا تلدين أعجزت؟ فقالت: أو تلد المرأة من غير بعل؟ فلما سمعها طلقها فتركه أبواه. حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن مثنى، ثنا بشر، ثنا عَبْد الحميد بْن لاحق عن رَجُل قَالَ: كَانَ لعمرو بْن عتبة كل يَوْم رغيفان فِي إهالة يفطر عَلَى أحدهما ويتسحر بالآخر. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ: مَا لِي أَرَى عَمْرًا مُصْفَرًّا ضَعِيفًا، فَفُرِشَ لَهُ حَيْثُ يَرَاهُ، فَلَمَّا جَاءَ عَمْرٌو قَامَ يُصَلِّي حَتَّى بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كاظمين [1] فَبَكَى حتَّى انْقَطَعَ، فَقَعَدَ ثُمَّ قَامَ فَعَادَ

_ [1] سورة غافر- الآية: 18.

فقرأ: وأنذرهم يوم الآزفة الآية. فَبَكَى حَتَّى انْقَطَعَ فَقَعَدَ فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحَ فَقَالَ عُتْبَةُ: هَذَا الَّذِي عمل بابني الْعَمَلَ. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، ثنا عنبسة بن سعيد الْقُرَشِيّ، ثنا المبارك بْن عبسي بْن عُمَر قَالَ: كَانَ عَمْرو بْن عتبة بْن فرقد يخرج عَلَى فرسه ليلًا فيقول: يا أهل القبور طويت الصحائف، ورفعت الأعمال، ثُمَّ يبكي ويصف قدميه حتَّى يصبح فيرجع فيشهد صلاة الصبح. المدائني أن عَمْرو بْن عتبة بْن فرقد أَوْ أَبُوهُ قال: إِذَا أطال المتكلم الكلام عرضتْ لَهُ أسباب التكلف، ولا خير فِي قول المتكلف. وحدَّثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، ثنا مسدد عن عَبْد اللَّه بْن دَاوُد عن منخّل بْن أَبِي عون قَالَ: قدمت المدينة فما حدثوني عن عَمْرو بْن عتبة بشيء إلّا حدثتهم بِمِثْلِهِ عن عامر بْن عَبْد قيس، وما حدثتهم عن عامر بشيء إلا حدثوني عن عَمْرو بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي سَيَّارٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: خَرَجَ نَاسٌ إِلَى الثُّوَيَّةِ عَنْ رَأْسِ فَرْسَخٍ مِنَ الْكُوفَةِ، أَوْ فَرْسَخَيْنِ، فَبَنَوْا مَسْجِدًا وَقَالُوا نَتَعَبَّدُ وَلا نُخَالِطُ النَّاسَ، فَأَتَاهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقَدْ كُنَّا نُحِبُّ أَنْ تَزُورَنَا، فَقَالَ: أَتَيْتُكُمْ زَائِرًا وَلا أَنْزِلُ حَتَّى يُهْدَمَ مَسْجِدُ الْخَبَالِ، أَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ؟ إِنَّكُمْ لَمُمْسِكُونَ بِذُبَابِ ضَلالَةٍ، أَرَأَيْتُمْ لَوْ صَنَعَ النَّاسُ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتُمْ، مَنْ كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ؟ مَنْ كَانَ يَعْمُرَ الْمَسَاجِدَ؟ مَنْ كَانَ يُجَاهِدُ الْعَدُوَّ؟ ارْجِعُوا فَخَالِطُوا النَّاسَ، وَتَعَلَّمُوا مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ،

وَعَلِّمُوا مَنْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ مِنْهُ. قَالَ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: أَهُمْ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ وَمِعْضَدٌ وَأَصْحَابُهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الرَّبِيعَةَ قَالَ: قَالَ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الرَّبِيعَةِ أَلا تُعِينُنِي عَلَى ابْنِ أَخِيكَ، حَتَّى يُعِينَنِي عَلَى مَا أَنَا بِسَبِيلِهِ مِنْ عَمَلِي؟ فَقُلْتُ: يَا عَمْرُو أَطِعْ أَبَاكَ، قَالَ: فَنَظَرَ عَمْرٌو إِلَى مِعْضَدٌ وَكَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ: لا تطعهم واسجد واقترب [1] ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَهْ أَنَا رَجُلٌ أَعْمَلُ فِي فِكَاكِ رَقَبَتِي، قَالَ: فَبَكَى عُتْبَةُ ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي لأُحِبُّكَ حُبَّيْنِ: حُبًّا للَّهِ، وَحُبَّ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَهْ إِنَّكَ كُنْتَ أَثَبْتَنِي بِمَالٍ بَلَغَ سَبْعِينَ أَلْفًا فَإِنْ أَذِنْتَ لِي أَمْضَيْتُهُ. قَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ، فَأَمْضَاهُ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ. وحدَّثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، حَدَّثَنِي مُسَدَّد بْن مُسَرْهد، ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد عن عليّ بْن صالح قَالَ: كَانَ عمرو بن عتبة يصلي والسبع يحميه. حَدَّثَنِي أَحْمَد، حَدَّثَنِي عليّ بْن إِسْحَاق المروزي عَن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك عَن الْحَسَن بْن عَمْرو الفزاري قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلَى لعمرو بْن عتبة بْن فرقد قَالَ: استيقظت ذات يَوْم فِي ساعة حارة فطلبنا عَمْرو بْن عتبة فوجدناه فِي الجبل ساجدًا، وغمامة تظله. وكنا نخرج للغزو فما نتحارس لكثرة صلاته، ورأيناه يصلي فسمعنا زئير أسد فهربنا وهو قائم يصلي فقلنا لَهُ: أَما خفت الأسد؟ فقال: إني لأستحي من الله أن أخاف غيره.

_ [1] سورة العلق- الآية: 19.

حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا عَبْد اللَّه بْن المبارك، أنبأ فضيل عن الْأَعْمَش قَالَ: قَالَ عَمْرو بْن عتبة بْن فرقد: سَأَلت اللَّه ثلاثًا، فأعطاني اثنتين وأنا انتظر الثالثة. سَأَلْتُهُ أن يزهدني فِي الدنيا فما أبالي ما أقبل منها وما أدبر، وسألته أن يقويني عَلَى الصلاة فقواني، وسألته الشهادة فأنا أرجوها. حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا عليّ بْن إِسْحَاق عن ابْنُ المبارك، أنبأ عِيسَى بْن عُمَر، حَدَّثَنِي حوط بْن رافع أن عَمْرو بْن عتبة كَانَ يشترط عَلَى أصحابه أن يكون خادمهم، فخرج فِي الرعي فِي يَوْم حار، فأتاه بعض أصحابه فإذا هُوَ بغمامة تظله وهو نائم فَقَالَ: أبشر يا عَمْرو فأخذ عَلَيْهِ عَمْرو ألا يخبر أحدًا. حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا عنبسة بْن سَعِيد عَن أَبِي بَكْر بْن عياش عَن الْأَعْمَش أن عمرو بْن عتبة اشترى فرسًا بأربعة آلاف حين غزا ناحية بلنجْر فقيل لَهُ: أتشتري فرسًا بأربعة آلاف؟ فَقَالَ: ما أحب أن لي بكل رفعةٍ ووضعةٍ، إِذَا رفع حافره ووضعه درهمًا. حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، ثنا عليّ بْن إِسْحَاق عن ابْنُ المبارك عن عِيسَى بْن عُمَر عن السّدي عن ابن عم لعمرو بْن عتبة قَالَ: نزلنا فِي مرج حسن فَقَالَ عَمْرو: ما أحسن هَذَا المرج، أي شيء أحسن الآن من آن ينادي مناد يا خيل اللَّه اركبي، فيخرج رَجُل فيكون أول من لقي العدو فأصيب، ثُمَّ يجيء بِهِ أصحابه فيدفنونه فِي هَذَا المرج. قَالَ: فما كَانَ بأسرع من أن نادى مناد: يا خيل الله اركبي كفرتِ المدينة، يعني مدينة كانوا صالحوها، فخرج عَمْرو فِي سَرعان النَّاس أول من خرج، فأخبر عتبة بذلك فبعث فِي طلبه فما أُدرك حتَّى أُصيب، قَالَ: فما أراه دفن إلَّا فِي مركز رمحه، وكان يومئذ عتبة على الناس.

وقال غير السدي: أصابه جرح، فَقَالَ: والله إنك لصغير، وإن اللَّه ليبارك فِي الصغير، دعوني مكاني هَذَا حتَّى أُمسي فإن عشت فارفعوني، قَالَ: فمات فِي مكانه ذَلِكَ. قَالُوا: ولبس عَمْرو جبة بيضاء، ثُمَّ قَالَ: والله إن تَحَدُّر الدم عليها لَحَسَنٌ، فلقي العدو، فرمى فجعل الدم يتحدر عَلَى الجبة فمات. وروي أن قاتله أُخذ أسيرًا، فَقَالَ عتبة لرجل يُقال إنه مسروق: قم فاقتل قاتل أخيك فقتله. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو معاوية الضرير، ثنا الْأَعْمَش عن عمارة عن عَبْد الرَّحْمَن بْن يزيد قَالَ: خرجنا فِي جيش فِيهِ مِعْضَد بْن يزيد وعلقمة وعمرو بْن عتبة، ويزيد بْن معاوية النخعي، وكان معنا صاحب لنا مريض فحفرنا لَهُ قبرًا لندليه فِيهِ إِذَا قضى، فرأى يزيد بْن معاوية النخعي من الليل كأنه أتى بغُزَيْل أبيض فدفن فِي ذَلِكَ القبر. قَالَ: وخرج عَمْرو بْن عتبة وعليه جبة جديدة بيضاء، فَقَالَ: ما أحسن الدم منحدرًا عَلَى هَذِهِ الجبة، فخرج يتعرض للحصن فأصابه حجر فشجَّه، فتحدر الدم عَلَى جبته، ومات من شجَّته فدفناه فِي ذَلِكَ القبر، وخرج مِعْضَد يتعرض للقصر- أَوْ قَالَ الحصن أيضًا- فأصابه حجر فشجَّه فجعل يلمس شَجته بيده ويقول: إنها لصغيرة، وإن اللَّه ليبارك فِي الصغيرة، فمات منها فدفناه. وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد: قتل عَمْرو بْن عتبة زمن معاوية وروى عن ابن مسعود [1] .

_ [1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 206.

ومنهم: المنصور بن المعتمر بن غالب بن عبد الله بن ربيعة بن حبيب بن مالك الفقيه، ويكنى أبا عتاب،

ومنهم: المنصور بْن المعتمر بْن غالب بْن عَبْد اللَّه بْن ربيعة بْن حبيب بْن مالك الفقيه، ويكنى أبا عتاب، مات فِي سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وولاه يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة القضاء، فجلس للناس وتقدموا إِلَيْه فجعل يَقُولُ: لا أحسن، واعتزل القضاء. وولد ظَفَر بْن الحارث بْن بُهثة: عطية بْن ظفر. وقادم بْن ظفر. ومطاعن بْن ظفر، رهط: أشرس بْن عَبْد اللَّه، ولي خراسان من قبل هشام بْن عَبْد الملك، وكانت الجزية تؤخذ ممن أسلم فطرحها عَنْهُمْ. وربيعة بْن ظفر، وفهر بْن ظفر. وكليب بْن ظفر. وكعب بْن ظفر، وهم فِي الأنصار يقولون: هُوَ ظفر بْن الخزرج بْن عَمْرو بْن مالك بْن الأوس. وولد كعب بْن الحارث بْن بُهثة: عمل بْن كعب. وغضْب بْن كعب بالكوفة، وليس فِي العرب غضب غيره وآخر فِي الأنصار، وهو غضْب بْن جُشَم بْن الخزرج. فولد عمل بْن كعب: عَمْرو بْن عمل. ومالك بْن عمل. وملّان بْن عمل. ومُلَيْل بْن عمل. وجندب بْن عُمَل. منهم: المنقع بْن مالك بْن أمية بْن عَبْد العزى بْن ملَّان الَّذِي ذكره عَبَّاس بْن مرداس السلمي فِي شعره. وولد ثعلبة بْن بهثة: ذكوان بْن ثعلبة. ومالك بْن ثعلبة وهو بجلة. فولد ذكوان: فالج بن ذكوان. فولد فالج: هلال بْن فالج. وخزاعي بْن فالج. وعون بْن فالج. وربيعة بن فالج. ونصر بن فالج.

ومنهم: عمير بن الحباب بن جعدة بن اياس بن حزابة بن محاربي بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان،

فولد هلال بْن فالج: مرة بْن هلال. ومحاربي بْن هلال. وحيان بْن هلال. وكعب بْن هلال. منهم: حكيم بْن أمية بْن حارثة بْن الأوقص بْن مرة بْن هلال، حليف بني أمية. وقَالَ غير الكلبي، حليف بني عَبْد مناف بْن قصي، وكان حكيم محتسبًا فِي الجاهلية يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويؤدب الفساق ويحبسهم وينفيهم، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر، ويقال أَنَّهُ عثمان: أطوّف فِي الأباطح كل يَوْم ... مخافة أن يشردني حكيم وابنه أوفى بْن حكيم، كَانَ أخا زَيْد بْن الخطاب لأمه، أمهما أسديَّة وكانت خولة بِنْت حكيم عند عثمان بْن مظعون. ومنهم: أَبُو الأعور السّلمي، وهو عَمْرو بْن سُفْيَان بْن سَعِيد بْن قانف بْن الأوقص بْن مرة بْن هلال، صاحب معاوية، وكان ممن بعث بِهِ إلى عُمَر، وكان عَلَى خيل معاوية. ومنهم: عمير بْن الحُباب بْن جعدة بْن إياس بْن حزابة بْن محاربي بْن مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان، قتله ابْنُ هَوْبَر فِي حرب قيس وتغلب، وَقَدْ ذكرنا خبره، وشعر الأخطل فِيهِ. وحدَّثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ قَالَ: عمير يكنى أبا المغلس وكان غلب على نصيبين وغيرها من الجزيرة، فأمنه عَبْد الملك، وأشار عَلَيْهِ عَمْرو بْن سَعِيد أن يغدر بِهِ فحبسه فخرج من حبسه عَلَى سلم من حبال من كوة البيت الَّذِي كَانَ فِيهِ، وذلك أَنَّهُ أسكر حرسه وقَالَ:

ومنهم: صفوان بن المعطل [1] بن رحضة بن المؤمل بن خزاعي بن محاربي بن هلال بن فالج بن ذكوان،

عجبت لما تضمنت الموالي ... بخرّاج من الغمرات ناج ونَوَّمَ شرطة الْقُرَشِيّ عني ... كميت اللون صافية المزاج ويروي: شرطة الريان، وهو مَوْلَى عَبْد الملك، وصاحب حرسه. وقَالَ تميم بْن الحُباب: تطاول ليلي بالفرات وشفَّني ... نوائح أبكاها قتيل ابْنُ هوبر وكان تميم بْن الْحُبَاب شاعرًا، وَقَدْ ذكرناه فِي حرب قيس وتغلب. وولد عمير بْن الْحُبَاب: الْحُبَاب بْن عمير، وكان من فرسان قيس، وكان مَعَ مروان بْن مُحَمَّد بْن مروان يقاتل الخوارج فَقَالَ شاعرهم: والله لولا نزلة الْحُبَاب ... لَهَرَبَ الجعديُّ فِي الهرَّاب ومنهم: صفوان بْن المعطل [1] بْن رحضة بْن المؤمل بْن خزاعي بْن محاربي بن هلال بن فالج بْن ذكوان، الَّذِي رماه أهل الإفك بما رموه بِهِ فِي أمر عَائِشَة رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا، حين انقطعت مرسلتها فِي غزاة المريسيع، فحملها عَلَى بعيره، وَقَدْ كتبنا قصته، وكان من أهل الإفك حسان بْن ثابت، فضربه صفوان ضربة بالسيف فغضبت لَهُ الأنصار، فوهب لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جارية وهي أخت مارية القبطية ومات صفوان بشمشاط، وقبره بها معروف، وقَالَ الشَّاعِر لحسان حين ضربه صفوان: وإن ابْنُ المعطل من سليم ... أذل فباد رأسك بالخِطام ومنهم: الجّحاف بْن حكيم بْن عاصم بْن قيس سباع بْن خزاعي بْن محاربي، الَّذِي قَالَ له الأخطل:

_ [1] بهامش الأصل صفوان بن المعطل رحمه الله.

منهم: الورد بن خالد بن حذيفة بن عمرو بن خالد بن مازن بن مالك بن ثعلبة،

لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ... إِلَى اللَّه منها المُشتكى والمعوَّل [1] وهو الَّذِي يَقُولُ للأخطل: أبا مالك هَلْ لمتني مذ حضضتني ... عَلَى الفتك أم هل لامني لَكَ لائم وَقَدْ ذكرنا خبره فِي خبر قيس وتغلب. وذكر أَبُو اليقظان أن أم الجحاف بِنْت أخي قيس بْن الهيثم. وولد مالك بْن ثعلبة بْن بهثة: فُصَيَّة بْن مالك. ومازن بْن مالك. وفتيان بْن مالك وأمهم بَجْلة بْن هُنَاءة بْن مالك بْن فهم الْأَزْدِيّ، الَّذِي يُقال لهم بنو بَجْلَة بالكوفة وَيُقَال أن سهاسوخ بجلة وإنما هُوَ سهارسوخ بجلة فَحُرِّفَ. منهم: الورد بْن خَالِد بن حذيفة بن عمرو بن خالد بن مازن بْن مالك بْن ثعلبة، كَانَ عَلَى ميمنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم فَتْحِ مكَّة. ومنهم: عَمْرو بْن عبسة [2] بْن خالد بن حذيفة بن عمرو بن خالد بْن مازن بْن مالك بْن ثعلبة بْن بهثة، يُقال إنه أسلم رابع أربعة، ويكنى أبا نجيح. قَالَ الواقدي: يروى أَنَّهُ قَالَ كنت ثالثًا أَوْ رابعًا فِي الْإِسْلَام. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ قَالَ: رَغِبْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِي، فَلَقِيتُ رَجُلا مِنْ أَهْلِ تَيْمَاءَ، فَقُلْتُ لَهُ: إني امرؤ ممن يعبد

_ [1] ديوان الأخطل ص 230. [2] بهامش الأصل: عمرو بن عبسة رضي الله عنه.

الْحِجَارَةَ، يَنْزِلُ الْقَوْمُ مِنْهُمْ مَنْزِلا فَيَعْمِدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِلَى أَرْبَعَةِ أَحْجَارٍ فَيَنْصِبُ ثَلاثَةً مِنْهَا لِقِدْرِهِ وَيَجْعَلُ أَحْسَنَهَا عِنْدَهُ إِلَهًا يَعْبُدُهُ، ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يَجِدَ مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ فَيَتْرُكَهُ، وَيَأْخُذَ غَيْرَهُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الْحَجَرَ لا يَنْفَعُ وَلا يَضُرُّ فَدُلَّنِي عَلَى دِينٍ خَيْرٍ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: إِنَّهُ يخرج من مَكَّةَ رَجُلٌ يَرْغَبُ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِهِ، وَيَدْعُوُ إِلَى غَيْرِهَا، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَاتَّبِعْهُ. فَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ حِينَ قَالَ لِي ذَلِكَ إِلا إِتْيَانَ مَكَّةَ وَالْمَسْأَلَةَ عَمَّا حَدَثَ، فَسَأَلْتُ مَرَّةً فَقَالُوا: قَدْ خَرَجَ بِهَا رَجُلٌ رَاغِبٌ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي فَشَدَدْتُ رَاحِلَتِي بِرَحْلِهَا ثُمَّ قَدِمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ أَنْزِلُهُ بِمَكَّةَ فَسَأَلْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ مُسْتَخْفِيًا، وَوَجَدْتُ قُرَيْشًا عَلَيْهِ أَشِدَّاءَ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: «نَبِيٌّ» قُلْتُ: وَمَنْ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» . قُلْتُ: وَبِمَاذَا أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: [ «بِعِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَبِحَقْنِ الدماء، وكسر الأوثان، وصلة الرحم وَإِيمَانِ السُّبُلِ» .] فَقُلْتُ: نِعْمَ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، قَدْ آمَنْتُ بِكَ وَصَدَّقْتُكَ أَفَتَأْمُرُنِي أَنْ أَمْكُثَ مَعَكَ أَوْ أَنْصَرِفَ؟ قَالَ: [ «أَلا تَرَى كَرَاهَةَ النَّاسِ لِمَا جِئْتُ بِهِ، كُنْ فِي أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ خَرَجْتُ مُخْرَجًا فَاتَّبِعْنِي» .] فَمَكَثْتُ فِي أَهْلِي حَتَّى إِذَا خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِرْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: «نَعَمْ أَنْتَ السُّلَمِيُّ الَّذِي أَتَيْتَنِي بِمَكَّةَ» . فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّ السَّاعَاتِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: [ «الثُّلُثُ الأَخِيرُ، ثُمَّ الصَّلاةُ مَشْهُودَةٌ مَقْبُولَةٌ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا رَأَيْتَهَا قَدْ طَلَعَتْ حَمْرَاءَ كَأَنَّهَا الْحَجْفَةُ فَاقْصُرْ عَنْهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ فَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَقْبُولَةٌ حَتَّى يُسَاوِي الرَّجُلُ ظِلَّهُ، فَاقْصُرْ عَنْهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْجُرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا فاء الفيء

فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَقْبُولَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِذَا رَأَيْتَهَا قَدْ غَرَبَتْ حَمْرَاءَ كَأَنَّهَا الْحَجْفَةُ فَاقْصُرْ» ، ثُمَّ ذَكَرَ الْوُضُوءَ فَقَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَغَسَلْتَ يَدَيْكَ وَوَجْهَكَ وَرِجْلَيْكَ، فَإِنْ جَلَسْتَ كَانَ ذَلِكَ طُهُورًا، وَإِنْ قُمْتَ فَصَلَّيْتَ وَذَكَرْتَ رَبَّكَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ انْصَرَفْتَ مِنْ صَلاتِكَ كَهَيْئَتِكَ يَوْمَ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» ] . وروي أن عمرًا رَضِي اللَّه تعالى عَنْهُ أتى مكَّة، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «إِذَا بلغك أني قَدْ خرجت مخرجًا فأتني» ،] فأتى منزله بحاذَة وصُفَينة [1] فأقام حتَّى مضت بدرٌ وأحدٌ والخندق، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان أول مشاهده معه الطائف، وغزا الروم فِي أيام أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وأقام بالشام حتَّى مات فِي وسط أيام معاوية، وَيُقَال إنه بقي إلى زمن يزيد بْن معاوية [2] . وروي أن عَمْرو بْن عبسة قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أسلم: من اتبعك يا رسول الله؟ قَالَ: «حر وعبد» ، فقيل العبد بلال. وولد ملكان بْن عكرمة، وهو أَبُو مالك: ناج. فولد ناج: الديل. فولد الديل: حمار. فولد حمار: ماوية وهي أم جشم، وإخوته بني بَكْر بْن حبيب. وهم الأراقم فِي بني تغلب، وقَالَ الشَّاعِر: أَعِكِرْمُ لا من أسرة الحيّ أنتم ... ولا نسب فِي قيس بْن عيلان ثابت

_ [1] حاذه: موضع كثير الأسود وصفينة: بلد بالعالية من ديار بني سليم، ذو نخل. معجم البلدان. [2] طبقات ابن سعد ج 7 ص 403.

وقَالَ أَبُو اليقظان: هُمْ فِي بني تيم اللَّه بْن ثعلبة. وقَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني سليم: مَنْصُور بْن عَمْرو بْن عاصية البهزي. وقَالَ أَبُو عبيدة وغيره: خرج عمرو، فأغار عَلَى هذيل، وهو فِي جماعة من قومه، فنذر بهم بنو سهم بْن معاوية بن هذيل، فأبلغوا خبرهم هذيلا. فاستعدوا، وعطش ابن عاصية فَقَالَ لبعض من معه: هَلْ منكم من يسقي؟ فَقَالَ بعض أصحابه: نخاف القوم، فخرج عَلَى فرس لَهُ وقَالَ: ليتبعني من أحَبَّ. فقالوا: نرى جمعًا لا نقوم لَهُ، فانطلق وحده عَلَى فرسه ومعه قربته، وكان لهذيل عَلَى الماء قوم أكمنوهم لأنهم علموا أنه لا بدّ لهم من الماء، ونظر ابْنُ عاصية يمينا وشمالا فلم ير الكمين فدخل البئر وأقبل يملأ قربته وأشرف الكمين عليه فقالوا: قد أخزاك الله يابن عاصية ورمى ابن عاصية شيخًا منهم فأصاب أخمصه فصرعه، وتشاغل من معه بإخراج السهم من رَجُل الشَّيْخ ووثب ابن عاصية من البئر فنجا مِنْها، واتبعه باقوا من كَانَ عَلَى البئر من هذيل فأسروه فَقَالَ: أرووني من الماء واصنعوا ما أردتم فلم يفعلوا وقتلوه، فقالت أخته تبكيه بأبيات تَقُولُ فيها: يا لهف نفسي عَلَى ما كَانَ من حزنٍ ... عَلَى ابْنُ عاصيةَ المقتول بالوادي هلا سقيتم بني سهم أسيركم ... نفسي فداؤك من ذي غلة صاد ويروى هَذَا الشعر لأخت مَسْعُود بْن شداد. وكانت جَرم أَسَرَتْهُ فقالت: يا عين بَكِّي لمسعود بْن شداد ... بكاء ذي عبرات شَجْوُهُ باد وانصرف بنو سليم، وجمع عَرْعَرة بْن عاصية لهذيل. فالتقوا بالجرف

فاقتتلوا فظفرت بنو سليم، وقتلوا من هذيل وأسروا، وأخذوا امرأة من هذيل فعرّوها واستاقوها مُجَرَّدَةً، فَقَالَ عرعرة بْن عاصية: ألا أَبلغْ هذيلًا حيث حَلَّتْ ... مغلغلةً تخب مَعَ الشفيق قتلناكم غداة الجرف لما ... تواقفت الفوارس بالمضيق ترامينا قليلًا ثُمَّ ولَّتْ ... فوارسكم توقّل كل نيق وقالت امرأة من هذيل: أَلَامَتْ سليم فِي المساق وأفْحَشَتْ ... وأفرط فِي السَّوْق العنيف أسارها لعل فتاة منهم أن يسوقها ... فوارس منا وهي بادٍ شوارها فِي أبيات. وقَالَ أَبو اليقظان: من بني سليم: راشد بن عبدربه، كَانَ أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسمه غاوي، فسماه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: راشد بن عبدربه، وولاه بعض الجيوش وهو القائل: صحا القلب بعد الإلف وارتد شأوه ... وردَّ عَلَيْهِ ما بغته تماضر قَالَ: ومن بني سُليم: شقيق، كَانَ مَعَ مروان بْن مُحَمَّد، وكان من فرسان سُليم، وهو الَّذِي يَقُولُ لَهُ الشاري: قَدْ عَلِمَتْ خيلك يا شقيق ... أنك من سكرك لا تُفيق ومنهم: الأبلق، كَانَ من فرسان مروان، وهو القائل لمروان: هلا بعين الجر خليتني ... يَوْم أكبّ القوم فِي الخندق وأحمل الأبلق فِي صفهم ... ثُمَّ أناديك فلا تنطق ومنهم: نُبيشه بْن حبيب، قاتل ربيعة بْن مُكدَم، قَالَ الشَّاعِر: نِعْمَ الفتى أدَّى نبيشة بزه ... يوم الكديد نبيشة بن حبيب

ومنهم: النضر بْن شبيب، كَانَ يلي أمر الفساق بالبصرة زمن الحجاج، وله عقب بالبصرة. ومنهم: حبان بْن الحكم، كَانَ معه لواء سُليم يَوْم حنين. ومن بني سُليم، ثم بني بَهز: كَرَّاز بْن مالك، كَانَ عَلَى الأبلة زمن الحجاج حين خرج شير زنجي فِي زمن الحجاج عَلَى زياد بْن عَمْرو العتكي، وهو عَلَى شرط البصرة، فقتلوا ابنه، وكانوا بالفرات، فهرب كراز. ولكراز عقب بخراسان والبصرة. ومن بني سُليم: جَعدة، وكان يكون بالمدينة فكتب بعض الرواة إلى عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ شعرًا، وبعث بِهِ من ألقاه بالمدينة: أَلا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولا ... فِدًى لَكَ مِنْ أَخِي ثِقَةٍ إِزَارِي قَلائِصُنَا هَدَاكَ اللَّهُ إنا ... شغلنا عنكم زمن الحصار قلائص من بني سعد بْنِ بَكْرٍ ... وَأَسْلَمَ أَوْ جُهَيْنَةَ أَوْ غِفَارِ لِمَنْ ذَوْدٌ يَبِتنَ مُعْقَلاتٌ ... قفا سلع بمختلف التجار يُعَقِّلُهُن جعدة من سليم ... جهارًا يبتغي سقط الجواري وكان يأخذ الجواري فيعقلهن ويقول: أريد أن أدري أيتكنّ أصبر. فضربه مائة، وأخرجه من المدينة، وكان جميلًا طوالًا. قَالَ: ومن بني سليم: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السلمي [1] المقرئ، كَانَ من أصحاب عليّ بْن أَبِي طَالِب كرم اللَّه وجهه، وروى عَنْهُ الفقه، وهو عبد الله بن حبيب.

_ [1] بهامش الأصل: أبو عبد الرحمن السلمي.

وحدَّثني الْحُسَيْن بْن الأسود، ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن حميد الرؤاسي قَالَ: سَمِعْتُ أبا إِسْحَاق السَبيعي يَقُولُ: أَقرأ أبو عبد الرَّحْمَن السلمي القرآن فِي المسجد الأعظم بالكوفة أربعين سنة. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنِ أَبِي بَكْر بْن عياش عن عاصم قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن إذا جلس يُقرئ القرآن قَالَ: لا يجالسنا حروري، ولا رَجُل يجالس شقيقًا الضَّبِّي، وإياي والقُصَّاص إلا أَبُو الأحوص. وكان شقيق صاحب خصومة لقيه الحروية فقالوا لَهُ: ما أنت؟ قَالَ: مؤمن مهاجر، وابن سبيل عابر، ومرتاد ناظر فخلوا سبيله. وقَالَ يَحيى بْن آدم عن أَبِي بَكْر أيضًا: أقرأ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن فِي مسجد الكوفة، فلما هلك جلس عاصم فِي مجلسه يُقرئ النَّاس، وتوفي فِي ولاية بشر بْن مروان الكوفة، فخلفه عاصم. قَالَ: ومنهم: حصين بْن عَبْد الرَّحْمَن من فقهاء أهل الكوفة. قَالَ: ومن بني سليم: مالك وهند. فأمَّا مالك فقتله أَبُو الفارعة، أخو ربيعة بْن مكدم، وترك هندًا، فَقَالَ: تجاوزتُ هندًا رغبة عن قتاله ... إلى مالك أعشو إلى ضوء مالك وأيقنت أني ثائر بابن مُكْدَمٍ ... غداتئذٍ أَوْ هالك فِي المهالك وكان من سُليم: عَبَّاس بْن أنس الأصمّ، وكان من فرسانهم، وكان عتيبة بْن الحارث غدر به، وهو جاره، فأوثقه حتَّى افتُدي، فَقَالَ عَبَّاس بْن مرداس: كَثُر الملام وما سمعتُ بغادرٍ ... كعتيبة بْن الحارث بْن شهاب

قَالَ: وكان من موالي سليم: أَبُو أيوب سُلَيْمَان بْن أَبِي سُلَيْمَان، الَّذِي يُقال لَهُ المورياني، وزير أَبِي جَعْفَر المنصور، ويعقوب. وعلي. وصالح بنو دَاوُد، ويعقوب وزير المهدي أمير المؤمنين. وقال محمد بْن سعد: صحب جاهمة بْن الْعَبَّاس بْن مرداس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عَنْهُ أيضًا [1] . والعِرباض بْن سارية السلمي، مات بالشام فِي أيام عَبْد الملك فِي فتنة ابْنُ الزُّبَيْر. وقَالَ الواقدي: مات سنة خمس وسبعين.

_ [1] طبقات ابن سعد ج 4 ص 274.

هوازن بن منصور

نسب ثقيف [هوازن بن منصور] [بكر بن هوازن] وولد منبّه بْن بَكْر بْن هوازن: قسيّ بْن منبّه، وهو ثقيف، وكان أول من جمع بين أختين من العرب، وأمه أميمه بِنْت سعد بْن هذيل. فولد ثقيف: عوف بْن ثقيف. وجشم بْن ثقيف ودارس بْن ثقيف وهم فِي الأزد بالسراة. وسلامة بْن ثقيف، وأمهم زينب بِنْت عامر بْن ظرب العدواني. وناصرة بْن ثقيف. والمسك امْرَأَة، وأمهما أميمة بِنْت عامر بْن ظرب. فولد عوف بْن ثقيف: سعد بْن عوف، وأمه خالدة بِنْت عوف بْن نصر بْن معاوية. وغبرة بْن عوف وأمه قلابة بنت صبح بن صاهلة من هذيل. فولد سعد بْن عوف: عَمْرو بْن سعد. وأسيد بْن سعد، وأمهما مكرمة بِنْت كعب بْن عَمْرو بْن ربيعة بْن حارثة، من خزاعة. فولد عَمْرو بْن سعد: كعب بْن عَمْرو. وربيعة بْن عَمْرو. وعبد اللَّه بْن عَمْرو، وأمهم فاطمة بِنْت بلال بْن عَمْرو بْن ثمالة من الأزد.

فولد كعب بْن عمرو: مالك بن كعب. وزَبينة بْن كعب وأمهما وَدَّة بِنْت قيس بْن الحارث بْن فهر بْن مالك. وقَالَ الشماخ فِي بني وَدَّة: إن بني ودَّة بالمسيل ... ليس إلى جارهم سبيل عروة منهم وأبو عقيل [1] ويرويه آل المغيرة بْن شُعْبَة: شُعْبَة منهم وأَبُو عقيل. فولد زَبينة: معشر بْن زبينة، وأمه من بني هلال بْن عامر فولد معشر: عَمْرو بْن معشر. فولد عَمْرو: المنتدب بْن عَمْرو. وأصرم بْن عَمْرو. وأفقم بْن عَمْرو. وأبا سهل بْن عَمْرو. وأبا عَمْرو بْن عَمْرو، وأمهم بِنْت عوف بْن ضَبَّة بْن الحارث بن فهر. وولد مالك بْن كعب بن عمرو: مُعَتّب بْن مالك. وعتاب بْن مالك، وعِتبان بْن مالك رهينة أَبِي يكسوم الحبشي. وأبا عتبة بْن مالك، وأمهم كلبة بِنْت يربوع بْن ناصرة بْن غاضرة بْن حُطيط بْن جُشم بْن ثقيف. فولد مُعَتّب: مَسْعُود بْن مُعَتّب. وعامر بْن مُعَتّب. ووهب بْن مُعَتّب. وعمرو بْن مُعَتّب. ومرة بْن مُعَتّب وهو العاقر. ومعاوية بْن مُعَتّب، وأمهم خَبيئة بِنْت الذيبة، وهو ربيعة بْن عَبْد ياليل بْن سالم بْن مالك بن حطيط.

_ [1] ليس في ديوان الشماخ المطبوع.

فمن بني معتب: عروة بن مسعود بن معتب

وسلمة بْن مُعَتّب وأمه كنَّة بِنْت كسيرة بْن ثمالة من الأزد، وأخوه لأمه أَوْس بْن ربيعة بْن مُعَتّب فهما ابنا كنة، إليها ينسبون وفيهم يَقُولُ الشَّاعِر: ألمَّا بي على الأبي ... ات بالسّفح أزرهنّه غزالا ما رأيت الي ... وم في دور بني كنّه غزالا أحور العي ... ن وفي منطقه غُنَّه وربيعة بْن مُعَتّب، وأمه من عدوان. فمن بني مُعَتّب: عروة بْن مَسْعُود بْن مُعَتّب كَانَ سيدهم فِي زمانه وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ثقيف يدعوهم إلى الْإِسْلَام فقتلوه فَقَالَ [صلى الله عليه وسلم: مثله مثل صاحب ياسين،] وفيه نزلت: وقالوا لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [1] . وهو عظيم الطائف، والقريتان مكَّة والطائف. وقارب بْن الأسود بْن مُعَتّب، كَانَ عَلَى الأحلاف يَوْم حنين، فانهزم بهم قبل القتال فنجوا فَقَالَ الشَّاعِر: ولولا قاربٌ وبنو أَبِيهِ ... لهُدِّمت المصانع والقصور والمغيرة بْن شُعْبَة [2] بْن أَبِي عامر بْن مَسْعُود بْن مُعَتّب أحد دهاة العرب، وأم المغيرة من بني نصر بْن معاوية، وكان المغيرة شخص فِي عدَّة من قريش وثقيف فِي تجارة إلى مصر، فوجدهم ذات يَوْم نيامًا فجعل يذبحهم رجلًا رجلًا، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم وحدثه حديثه وجاءه بما أخذ منهم، [فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أما إسلامك فنقبله وأما خفرتك

_ [1] سورة الزخرف- الآية: 31. [2] بهامش الأصل: المغيرة بن شعبة رحمه الله.

فنردها» .] وكان قدومه فِي سنة ست من الهجرة، قدم مسلمًا مهاجرًا وكان أعور، وشهد الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبايع بيعة الرضوان تحت الشجرة. وقَالَ غير الواقدي: أسلم المغيرة بعد أحد بقليل، وهو قول ثقيف، وشهد المغيرة يَوْم القادسية قدمها في ستمائة من أهل البصرة، وولاه عُمَر البصرة، فافتتح بها فتوحًا وذلك بعد عتبة بْن غزوان، وعزله عُمَر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وولاه بعد ذَلِكَ الكوفة، وولاه معاوية الكوفة، فمات بها بالطاعون سنة خمسين، وكان يكنى أبا عَبْد الله، وصلى بالناس فِي العام الَّذِي قتل فِيهِ عَلَى كرم اللَّه وجهه فِي سنة أربعين، وجعل يَوْم الأضحى يَوْم عرفة وفيه يَقُولُ الراجز: سيري رويدًا وابتغي مُغِيرَة ... كَلَّفتها الإدلاج بالظهيرة وقَالَ بعضهم: أصيبت عين المغيرة بالقادسية، وخرج المغيرة ومعه جرير بْن عَبْد اللَّه، والأشعث بْن قيس، وهو يومئذ والي الكوفة فلقوا أعرابيًا فقالوا لَهُ: ما تقولُ فِي المغيرة بْن شعبة؟ قَالَ: أُعَيْورٌ زَنّاء تَرْفَعُه إِمْرَتُهُ وتَضَعُهُ أُسْرَتُهُ. قَالُوا: فجرير بْن عَبْد اللَّه؟ قَالَ: هُوَ بجيلة إِذَا رأيتموه فقد رأيتموها. قَالُوا: فالأشعث؟ قَالَ: لا يغزى قومُه ما بقي لهم فقالوا لَهُ: هَذَا المغيرة، وهذا جرير، وهذا الأشعث فانصرف وقَالَ: ما كنت لآتي قومًا أسمعتهم المكروه، وقَالَ لامرأته: يا أم فلان اصرفي حمارك. وحدَّثني المدائني قَالَ: قَالَ المغيرة بْن شُعْبَة: أحسن النَّاس عيشًا، من حَسُنَ عيش غيره، فِي عيشه.

المدائني أن المغيرة بْن شُعْبَة قَالَ: ما اصطنعتُ معروفًا قط إلا كنتُ أحرص النَّاس عَلَى صيانته وريّه حتَّى أستتمه. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه نهى أَنْ يُكَنَّى أَحَدٌ بِأَبِي عِيسَى، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: كَنَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي عِيسَى، وَكَنَّى صُهَيْبًا بِأَبِي يَحْيَى، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: دُلُّونِي عَلَى رَجُلٍ أُوَلِّيهِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: قَدْ عَرَفْتَهُ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا اللَّهَ أَرَدْتَ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ [1] . وقَالَ عُمَر يومًا: من عَذيري من أهل الكوفة، إن وليت عليهم الضعيف حقروه، وإن وليت عليهم القوي فَجرَّوه، فَقَالَ المغيرة: أَمَّا الْمُؤْمِنُ الضَّعِيفُ فَلَهُ إِيمَانُهُ، وَعَلَيْكَ ضَعْفُهُ، وَأَمَّا الْفَاجِرُ الْقَوِيُّ فَلَكَ قُوَّتُهُ وَعَلَيْهِ فُجُورُهُ، فَقَالَ: يا أعور لعلك إِنْ وَلَّيْتُكَ تَعُودُ لِشَيْءٍ مِمَّا رُمِيتَ بِهِ، قَدْ وليتك الكوفة. وكان المغيرة يَقُولُ: إن المودة لتنفع عند الجمل الصؤول: والكلب العقور، فكيف عند الرجل المميز الفهم الكريم. وتزوج المغيرة ثلاث بنات لأبي سُفْيَان بْن حرب، وتزوج ابْنَة سعد بْن أَبِي وقاص. وقَالَ أَبُو اليقظان: يذكرون أَنَّهُ حصن ثمانين امرأة فِي الْإِسْلَام، منهنَّ ابْنَة لجرير بْن عَبْد اللَّه البجلي. وكان إِذَا اجتمع عنده أربع نسوة قال: إنكنّ لطويلات الأعناق،

_ [1] طبقات ابن سعد ج 4 ص 284- 286، ج 6 ص 20- 21.

كريمات الأعراق، جميلات الأخلاق، ولكني رجل مطلاق فاعتددن. ويروى شبيه ذَلِكَ عن خَالِد بْن صفوان. وكان المغيرة يَقُولُ: النساء أربع والرجال أربعة، رَجُل مذكر، وامرأة مؤنثة فهو قوام عليها. وامرأة مذكرة ورجل مؤنث فهي قوامة عَلَيْهِ. ورجل مذكر وامرأة مذكرة فهما يكادان يصطكان، ورجل مؤنث وامرأة مؤنثة فهما لا يأتيان بخير ولا يفلحان. وقيل لامرأة من نساء المغيرة: إنه لذميم أعور، فقالت: هُوَ والله عسيلة يمانية فِي ظرف سوء. وقَالَ المغيرة حين حضرته الوفاة: اللهم هَذِهِ يدي بايعت بها نبيك وجاهدت بها فِي سبيلك فاغفر لي ما يعلمون من ذنوبي وما لا يعلمون. وكتب إِلَيْه معاوية وهو عَلَى الكوفة إن اظهر أَمْرَ عليّ وتنقصه، فكتب إِلَيْه إن كنت كلما غضبت شتمتَ وكلما عتبتَ لعنت، وكلما أذنب إليك ضَرَبْتَ، لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَاجِزٌ مِنْ حلمك، ولا تجاوز بعفوك فلست بأهلٍ لما تُنْسبُ إِلَيْه من الحلم. وكان قَدِ اعتزل حرب عليّ ومعاوية وأقام بالطائف متمارضًا. المدائني عن مسلمة بْن محارب قَالَ: أراد المغيرة أن يبلو معاوية، فكتب إِلَيْه يشكو ويسأله الإذن فِي إتيان المدينة أَوِ الطائف، فكتب إِلَيْه: أنت وذاك، وإن شئت فصر إلينا وأنت كَمَا قَالَ الأَوَّلُ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا بَدَا لَكَ رَاشِدًا ... وَدَعِ الْخِدَاعَ فَقَدْ كَفَاكَ الأَوَّلُ فكتب إليه المغيرة:

إن الَّذِي ترجو سِقَاطَكَ وَالَّذِي ... سَمَكَ السَّمَاءَ مَكَانَهَا لَمُضَلَّلُ أَجَعَلْتَ ما أُلقي إليك خديعةً ... حاشى الإله وتَرْكُ ظنك أجمل وقَالَ الكلبي: أُخبر المغيرة حين دخل الكوفة بمكان هند بنت النعمان، فصار إلى ديرها فَقَالَ لها: جئتك خاطبًا. قَالَتْ: لمن؟ قَالَ: لَكَ يا هند. قَالَتْ: ومن الرجل؟ قَالَ: المغيرة بْن شُعْبَة صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحب أمير المؤمنين عُمَر بْن الخطاب فأطرقت مليًا ثُمَّ رفعت رأسها فقالت: وجه عروس ترى؟ والله مالي مال ترغب لَهُ فِيّ، ولا جمال تقصد فِيهِ إليَّ، ومالك من حظ إلا أن تَقُولُ فِي مجالس العرب عندي هند بِنْت النعمان بْن المنذر، والصليب لا يجمع رأسي ورأسك سقف أبدًا، فأنشأ يَقُولُ: ما نلتُ ما منيَّتْ نفسي خاليًا ... لله درك يا ابْنَة النعمان إني لحلفك بالصليب مصدّق ... والصّلب أفضل حلفة الرهبان ولقد رددت عَلَى المغيرة ذهنه ... إن الملوك ذكية الأذهان يا هند إنك قَدْ صَدَقْتِ فأمسكي ... والصدق خير مقالة الْإِنْسَان وقَالَ المغيرة: ما غَلَبَني رَجُل إلا مَرَّةً، أمرته أن يخطب عليَّ امْرَأَة فَقَالَ: لا تُرْدَها إني رَأَيْت رجلًا يُقَبِّلُها، ثُمَّ ذهب فتزوجها فقلت: ألم تخبرني أنك رَأَيْت رجلًا قَبَّلها؟ قَالَ: نعم رَأَيْت أباها يقبلها. وكان المغيرة يختلف إلى أم جميل بنت محجن بْن الأفقم بْن شعيثة الهلالية، وكان لها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بْن عتيك، فرصده أَبُو بكرة، وشبل بْن معبد البجلي، ونافع بْن الحارث بْن كلدة الثقفي، وزياد بْن أَبِي سُفْيَان، وهجموا عَلَيْهِ وهو والمرأة عريانان وَقَدْ تبطنها،

فخرجوا إلى عُمَر فشهدوا عَلَيْهِ عنده بما رأوا فوجه عُمَر أبا مُوسَى واليًا وأمره أن يُشخص المغيرة فأشخصه إِلَيْه فزعموا أَنَّهُ رأى أمراة فِي طريقه عَلَى ماء فخطبها وتزوجها ونقط جسمه بعسل وألزق عَلَيْهِ القطن، فدرأ عُمَر الحد عَنْهُ لأن زيادًا قَالَ رأيت منظرا قبيحا، وسمعت نفسا عاليا وما أدري أخالطها أم لا، فجلد عُمَر الشهود إلا زيادا، وقال حسان بن ثابت في المغيرة: لو انّ اللؤم يُنْسَبْ كَانَ عبدًا ... قبيح الوجه أعور من ثقيف تركت الدين والإسلام جهلًا ... غداة لقيت صاحبة النصيف ومال بك الهوى وذكرت لهوًا ... من الحسناء بالغمر اللطيف [1] وَقَدْ ذكرنا ولايته البصرة فِي كتابنا فِي أمر البلدان. وقَالَ الهيثم بْن عدي: ابتاع المغيرة من مصقلة بْن هبيرة الشيباني جارية، فلما صارت إِلَيْه ندم مصقلة عَلَى بيعها فَقَالَ للمغيرة: إني قَدْ وطئت هَذِهِ الجارية حديثًا فلا تطأها حتَّى تستبرئها، فأني أحسبها حبلى وانسلّ مصقلة هاربًا حتَّى أتى الشام، فشكا المغيرة ورماه بالزنى، فأغضب ذَلِكَ معاوية وأمر بحبسه، وَيُقَال إنه حَدَّهُ، وقَالَ: أنت أعلم بِهِ من عُمَر، لقد حَدَّ من قذفه، ثُمَّ إنه رَضِي عَنْهُ وولاه طبرستان. وقَالَ الكلبي ابتاع المغيرة من مصقلة جارية بألفي درهم فغشيها ولم يستبرئها، فخرج مصقلة إلى معاوية فحكم معاوية بأن الولد للفراش، وأصلح بينه وبين المغيرة.

_ [1] ديوان حسان ج 1 ص 112.

ومات المغيرة بالكوفة فقدم مصقلة الكوفة وَقَدْ ولاه معاوية طبرستان، فوجد المغيرة متوفى، فَقَالَ متمثلًا قول مهلهل: إن تحت الأحجار حزمًا وجودًا ... وخضَّمًا أَلدُّ ذا مغلاق حيَّة فِي الوجار أربد لا ين ... فع مِنْهُ السليم رقي الراقي وكانت بَكْر بْن وائل قَالَتْ لمصقلة: يا أبا الفضيل انبش قبر المغيرة فَقَالَ: لا والله لقد كنتَ يا أبا عَبْد اللَّه شديد العداوة لمن عاديت، كريم الإخاء لمن آخيت، والله ما يمنعني فعلك بي أن أقول فيك الحق، ولقد صدقت باديتك. وقَالَ أَبُو اليقظان: هرب مصقلة من عليّ إلى معاوية، ثُمَّ قدم الكوفة بعد ذلك، والمغيرة عليها فغضب عليه المغيرة بسبب جارية طلبها مِنْهُ فلم يبعه إياها، ولم يهبها لَهُ، وقَالَ: هِيَ جاريتي، وهرب إلى الشام فأخذها المغيرة بمال ادعاه عَلَيْهِ ووطئها فولدت مطرف بْن المغيرة فكان الحجاج يَقُولُ: هُوَ ابْنُ مصقلة، ولو كَانَ من ثقيف لم يخرج عَلَى السلطان، ولكنه من بَكْر بْن وائل. وقَالَ أَبُو عبيدة: لما هلك مصقلة بطبرستان، وقدم بثقله أخذ المغيرة جارية أعجبته بثمن، فقالت: إني حامل فكذبها وقَالَ هَذَا الحنجار [1] منك، ووطئها قبل الاستبراء، والخبر الأول أثبت. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ، ثنا أَبُو سَعْدٍ مَوْلَى كِنْدَةَ قَالَ: شَهِدْتُ جِنَازَةَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَمَاتَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الحر فدفن في

_ [1] المحنجر: داء في البطن. القاموس.

مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ رَصَافَةِ الْكُوفَةِ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ فِي جِنَازَتِهِ إِذَا رَجُلٌ قَدْ أَقْبَلَ على بعير له وهو متلثم بعمامة فقال: مَنْ هَذَا الْمَرْمُوسُ؟ قُلْنَا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ فَقَالَ: أَرَسْمُ دِيَارٍ لِلْمُغِيرَةِ يُعْرَفُ ... عَلَيْهِ زَوَانِي الْجِنِّ وَالإِنْسِ تَعْزِفُ فَإِنْ تَكُ قَدْ لاقَيْتَ هَامَانَ بَعْدَنَا ... وَفِرْعَوْنَ فَاعْلَمْ أَنَّ ذَا الْعَرْشِ يُنْصِفُ قَالَ: وَمَضَى، فَأَقْبَلَ الثَّقَفِيُّونَ يَشْتُمُونَهُ، فَلَمْ يُدْرَ مَنْ هُوَ. وَحَدَّثَنِي عَبَّاسٌ عَنْ أَبِيهِ هِشَامٌ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُرْهِبِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: شَهِدْتُ جِنَازَةَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَرَأَيْتُ امْرَأَةً جَمِيلَةً نَبِيلَةً مُشْرِفَةً عَلَى النِّسَاءِ وهي تَقُولُ: الْجُلُّ يَحْمِلُهُ النَّفَرُ ... قَرْمَ كَرِيمِ المُعْتَصرَ أَبْكِي وَأَنْشُدُ صَاحِبًا ... لا عَيْن مِنْهُ وَلا أَثَرَ قَدْ كنت أخشى بعد يوم ... ك أَنْ أُسَاءَ فَلا أُسَرَّ للَّهِ دَرُّكَ قَدْ غني ... ت وأنت باقعة البشر حلما إذا طاش الحل ... وم وَنَارَةً أَفْعَى ذِكْرَ قُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: أُمُّ كَثِيرٍ بِنْتُ قُطْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَارِثِيِّ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ كَثِيرِ بْنِ شِهَارٍ الْحَارِثِيِّ. قَالُوا: وَكَانَ قَدْ أَصَابَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَبَاءَ وَطَاعُونٍ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ لأَبِي مُوسَى: اخْرُجْ بِنَا فَأَبَى فَخَرَجَ إِلَى الأُكَيْرَاحِ وَلَمْ يَبْرَحْ أَبُو مُوسَى، فَلَمَّا خَفَّ الطَّاعُونُ دَخَلَ الْمُغِيرَةُ الْكُوفَةَ فَطُعِنَ فَاسْتَخْلَفَ ابْنَهُ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ. وَحُدِّثْتُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ وَاسْتَخْلَفَ جَرِيرًا فَقَالَ جَرِيرٌ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ

وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، اسْتَغْفِرُوا لِلْمُغِيرَةِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، فَقَدْ كَانَ يُحِبُّ الْعَافِيَةَ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرُكُمْ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ هَذِهِ فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ. وكان المغيرة ابتنى بالكوفة دارًا فِي ثقيف. وكان للمغيرة من الولد: عروة. وحمزة. وأمهما حفصة بِنْت سعد بْن أَبِي وقاص. والمغيرة بْن المغيرة، وأمه عَائِشَة بِنْت جرير بْن عَبْد اللَّه، والعقار بْن المغيرة، وأمه أم مُحَمَّد بِنْت منبه. وهمام بْن المغيرة. وجعفر. ومُطَرِّف. وسَوَّار لأمهات أولاد شتى. وأمَّا عروة بْن المغيرة فكان عَلَى الكوفة حتَّى ضمها معاوية إلى زياد مَعَ البصرة، وكتب عَبْد الملك، والحجاج عَلَى العراق: أنِ اكتُبْ إليَّ بخبر الحجاج، وكتب إلى مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد بمثل ذَلِكَ. فأمَّا عروة فكتب: إن فِي الحجاج عجلة إلى سفك الدماء، وأمَّا ابْنُ عمير فكتب كتابًا أقرأه الحجاج فبعث عَبْد الملك بالكتابين إِلَى الحجاج فدعا بعروة فضربه بالسياط حَتَّى مات وهو بالكوفة. ولعروة عقب. وكان نوفل بْن الحارث بْن عروة بْن المغيرة عاملًا للمنصور عَلَى بعض فارس، ثُمَّ حبسه، فمات فِي الحبس. وأمَّا حمزة، فولاه الحجاج صدقة أرض الكوفة، فوضع عَلَى الخضرة الزكاة فَقَالَ لَهُ مُوسَى بْن طلحة: إنه ليس في الخضراوات صدقة فَقَالَ الحجاج: مُوسَى أَفْقَهُ من حمزة.

ومنهم الحجاج بن يوسف [2] بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف.

وأمَّا مطرّف، فخرج عَلَى الحجاج، فقتل وَقَدْ ذكرنا خبره فيما تقدم من كتابنا هَذَا، وليس لمطرف عقب. وقَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني مُعَتّب: جُبير بْن حيَّة بْن مَسْعُود بْن مُعَتّب. وقَالَ أَبُو اليقظان تَبَنَّتْ حيَّة بِنْت مَسْعُود جبيرًا، وكان بالطائف معلمًا، ثُمَّ قدم العراق، وكان زياد فِي كُتَّابه فأكرمه وولاه أصبهان، وكان يكنى أبا فَرْتنا، وولده بالبصرة لهم أموال يعرفون بالجبيريين [1] . وسالف بْن عثمان بْن عامر بْن معتّب. وهاشم بْن أَبِي سُفْيَان بْن عثمان بْن عامر بْن مُعَتّب، ولي الطائف ومدحه النجاشي الحارثي فَقَالَ: وهاشم بْن أَبِي سُفْيَان خَيْرُهُمُ ... لمن أتاه عَلَى يُسر وإعسار وكان أَبُو سُفْيَان أول من دخل الطائف، منهزمًا يَوْم حنين. ومنهم الحجاج بْن يُوسُف [2] بْن الحكم بْن أَبِي عقيل بْن مَسْعُود بْن عامر بْن مُعَتّب بْن مالك بْن كعب بْن عَمْرو بْن سعد بْن عوف بْن ثقيف. وكان يُوسُف مَعَ عَبْد الملك وأبيه قبله، وانهزم يَوْم الحنتف بْن السجف بالربذة [3] ، وكان مَعَ حبيش بْن دُلجة فَقَالَ الشَّاعِر: ونجَّى يُوسُف الثقفي ركض ... دراك بَعْد مَا سقط اللواء ولو أدركنه لقضين نَحْبًا ... بِهِ ولكل مخطأة وِقَاء وكان الحجاج ردفه يومئذ، ومات يوسف والحجاج على المدينة، فنعاه

_ [1] بهامش الأصل: بلغ العرض ولله الحمد. [2] بهامش الأصل: الحجاج بن يوسف. [3] تقدم هذا الخبر في ص 2560.

عَلَى المنبر وقَالَ: إني أَحْمَد اللَّه أَنَّهُ لم يدع مالًا ولا كلأً، وأم الحجاج ومحمد، وزينب أختهما: الفارعة بِنْت همّام بْن عروة بْن مَسْعُود بْن مُعَتّب. وَوَلَّى عَبْد الملك مُحَمَّد بْن يُوسُف اليمن فمات بها فَقَالَ الشَّاعِر: أَلَا قُلْ للوّامي عَلَى الخمر أنني ... سأشربها مما سباه [1] معتّب وكان الحجاج يكنى أبا مُحَمَّد، ولي أول مرة تبالة، فلما رآها أَبى أن يليها فقيل فِي المثل: أهْوَنُ من تبالة عَلَى الحجاج. وَيُقَال بل أقام يسيرًا فآذى أهلها واستخف بهم فقيل أهون من أهل تبالة عَلَى الحجاج، والأول أثبت. وولي شرط أبان بْن مروان فِي بعض أيامه، فلما خرج ابْنُ الزُّبَيْر وقوتل قَالَ الحجاج: رَأَيْت كأني سلخت ابْن الزُّبَيْر، فوجهه عَبْد الملك لقتاله، وَقَدْ كتبنا خبره. وولى عَبْد الملك الحجاج الحجاز ثلاث سنين، فكان يصلي بالناس فِي الموسم كل سنة، ثُمَّ ولاه عَبْد الملك العراق وهو ابْنُ ثلاث وثلاثين سنة، فوليه لعبد الملك أربع عشرة سنة ثم للوليد حتَّى هلك بواسط فِي رمضان سنة خمس وتسعين وهو ابْنُ ثلاث وخمسين سنة، ودفن بواسط، واستخلف عَلَى الخراج يزيد بْن أَبِي مُسْلِم مولاه، وعلى الحرب يزيد بْن أَبِي كبشة السكسكي. وكان ابنه عَبْد الملك يصلي بالناس، وَقَدْ كتبنا خبره فِي قدومه الكوفة، والبصرة، وأمر رستقاباذ، وأمر ابْنُ الأشعث، وأمر من خرج عليه، فيما تقدم من كتابنا هذا.

_ [1] سبأ الخمر: شراها. القاموس.

وحدَّثني المدائني عن مسلمة وغيره قال: لما قدم الحجاج العراق سَأَلَ عن سيرة زياد، فاجتنب محاسنها، وأخذ بمساوئها. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أبان الواسطي عن أشياخهم قَالَ: كَانَ للحجاج جناح يقعد فِيهِ إلى أن يمضي أكثر الليل، وأن بعض الحراس، كَانَ شارب نبيذ فرمى ذَلِكَ الجناح بحجر، فاستشاط الحجاج فأمر بطلبه فأتي به فقال: يابن اللخناء ما حملك عَلَى ما فعلت؟ قَالَ: العيّ واللؤم. فَقَالَ: لا تَعُدْ فقد أنجاك صدقك. وكان إِذَا صُدّق نفع الصدق عنده. قَالُوا: وكان الحجاج يشرف من الخضراء وغيرها فإذا رَأَى رجلًا يطيل الصلاة، قَالَ: هَذَا حروري فحبسه وربما قتله. وكان لا يرى رجلًا يبول أَوْ يُحدث فِي مدينة واسط إلّا عاقبه فَقَالَ بعض الشعراء: إِذَا ما خرجنا من مدينة واسط ... خرينا وصلينا بغير حساب المدائني قَالَ: وفد الحجاج إلى عَبْد الْمَلِكِ، فدخل عَلَيْهِ وعنده خَالِد بْن يزيد بْن معاوية، فَقَالَ لَهُ: يا حجاج إلى كم يكون هَذَا القتل، إلى كم يكون هَذَا البسط؟ فَقَالَ الحجاج: إلى أن لا يبقى فِي العراق رَجُل يزعم أن أباك يشرب الخمر. قَالَ المدائني: وكان للحجاج طبيب يُقال لَهُ تياذوق، فاستشاره فِي أكل السمك فأمره فأُطلي بالمسك ثُمَّ أكله فقيل لَهُ: لقد أقدمت والله لو ضرب عرق لقتلك، فَقَالَ: صدقتم وَقَدْ سلم اللَّه. وقَالَ تياذوق لشبيب الناجي، وكان أثيرًا عند الحجاج: أَمَالَكَ إليَّ حاجة، فَقَالَ: لا، لأني لا أجوع ولا أشبع، ولا آكل لحم شيء أكبر مني. قال: حسبك قد اكتفيت.

وقال الحجاج لزادنفروخ بْن تيزي كاتبه، وكان مجوسيًا: ادعني فأطعمني لونًا من اللحم، ولونًا من الحلواء لا تزيد عَلَى ذَلِكَ، فأطعمه جديًا رضيعًا سمينًا وفالوذجة. المدائني عن خَالِد بْن يزيد أن الحجاج ذكر الفتنة فَقَالَ: تلقح بالشكوى، وتتم بالنجوى، وتنتج بالهلع. وقَالَ المدائني كَانَ الحجاج يَقُولُ فِي خطبته: أيها النَّاس إنكم لم تخلقوا للفَنَاء، إنَّما خلقتم للبقاء غير أنكم تنقلون من دار إلى دار، فرحم اللَّه عبدًا أخذ بعنان عمله، فإن كَانَ لله مضى قدمًا، وإن كَانَ لغيره أمسك محجمًا. وروى ذَلِكَ قوم عن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلام. قَالُوا: وخطب الحجاج حين أراد الحج فَقَالَ: أيها النَّاس إني أريد الحج، وَقَدِ استخلفت عليكم ابني هَذَا وأوصيته فيكم بخلاف وصية رسول الله بالأنصار، فإن رسول الله أوصى أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ألا وإني أوصيته ألا يقبل من محسنكم ولا يعفو عن مسيئكم، وإنكم ستقولون بعدي مقالة لا يمنعكم من إظهارها إلّا مخافتي، تقولون لا أحسن اللَّه لَهُ الصحابة، ألا وإني قائل لا أحسن اللَّه عليكم الخلافة، ثُمَّ نزل. ولما حج أتاه النَّاس يمدحونه ويستميحونه، فاستسلف من التجار، وأعطاهم، فلما صاروا بالعراق قضاهم. المدائني قَالَ: أخرج الحجاج الدهاقين والناس من المصرين وألحقهم بأرضهم، فَقَالَ بعض الرجاز: جارية لم تَدْرِ ما سَوْق الإبل ... أخرجها الحجاج من كنّ وظلّ

وذكروا أن الحجاج كَانَ يَقُولُ: ولدتني إذًا أم حجر، ولدتني إذًا أم بَبَّة، وأم حجر من بني عَبْد الدار، وهي أم خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن أسيد وأم بَبَّة هند بِنْت أَبِي سُفْيَان بْن حرب. وقَالَ المدائني: لما فرَّ ابْنُ الأشعث يَوْم مَسْكن، نزع أَبُو حُزابة درعه وسيفه وخري عليهما، وقَالَ لعنك اللَّه سلاحًا ما كَانَ أقل غناءك، فمر بِهِ شامي فقتله، وأتى الحجاج برأسه، وأخبره كيف قتله، فَقَالَ: ويحك هلا عفوت عَنْهُ وَقَدِ استسلم واستخذى. ومر الحجاج بدار هِميان بْن عدي السدوسي، وهو عَلَى بغل ديزح، وعليه قباء سماجوني، وعمامة بلويَّة فرفع يده فدعا عَلَى هميان، ثُمَّ أمر بهدمها، فلما هُدمتْ أمر بطرح ترابها فِي النهر، وكان هميان بأرض الترك، فلما مات الحجاج أقبل فمات فِي طريق البصرة. وقَالَ عون بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سلامة: وددت مخافة الْحَجَّاج أني ... بكابل فِي است شيطان رجيم وددت مخافة الحجاج أني ... مَعَ الحيتان فِي بحر أعوم المدائني عن عَبْد اللَّه بْن أسلم الفهري: قَالَ أراد الحجاج الشخوص إلى عَبْد الملك بعد فراغه من أمر الأزارقة وغيرهم سنة ثمان وسبعين فشاور زاذ نفروخ كاتبه، الَّذِي قتل يَوْم الزاوية، فَقَالَ لَهُ: أتطمع أن يزيدك فِي سلطانك؟ قَالَ: لا. قَالَ: فما يدعوك إلى الوفادة وأنت ههنا والٍ، وأنت ثَمَّ مَوْلَى عليك، وأنت تدعى ههنا الأمير، وتدعى ثَمَّ باسمك، وتحتاج إلى الطاف الولد والمرأة والعبد، وإذا رآك عَبْد الملك بعثته على الكفرة فيك. فَقَالَ: صدقتَ.

ثُمَّ شاور عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سمرة الأعور فَقَالَ لَهُ مثل مقالته، فَقَالَ: لولا أن هَذَا أمر لم يطلع عَلَيْهِ أحد لقلت إنكما اجتمعتما عَلَيْهِ، وأخذ برأيهما. فلما قتل ابن الأشعث وقتل زاذنفروخ، وهرب عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سمرة وفد الحجاج إلى عَبْد الملك، فلقي فِي سفره غمًا، وركب عَبْد الملك فسعى بين يديه حتَّى كاد ينقطع، فَقَالَ: قَبَّح اللَّه هَذَا عيشًا، لله در الْقُرَشِيّ والعلج. قَالُوا: وكان عند الحجاج شبيب الناجي، فأُتي الحجاج بزبد وتمر، فَقَالَ الطبيب لا تأكله، فَقَالَ شبيب: قَالَ اللَّه مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين [1] . وهذا مخ اللبن وأمَّا التمر فإن اللَّه قال لمريم وهزي إليك بجذع النخلة يساقط عليك رطبا جنيا [2] فكُلْ فلن يضرك إن شاء الله، قَالَ شبيب: فخرجتُ وندمتُ وقلتُ والله وإنْ وجد فِي بطنه شيئًا قتلني. فلما أصبحتُ عَبَّأْتُ متاعي لأهرب فرأني عنبسة بْن سَعِيد فَقَالَ: إنك لجريء، ويحك ما دعاك إلى التعرض للحجاج. والله لو وجد شيئًا فِي بطنه أو عرْقٍ من عروقه لضرب عنقك. وقَالَ عَبْد اللَّه بْن صالح: خطب الحجاج فَقَالَ: لئن أُطيلت لكم النِّظْرَة، ومُدَّ لكم فِي المهلة، ولم تحدثوا قبل الموت توبة فيا لها حسرة. المدائني عن عَبْد اللَّه بْن فائد قَالَ: قدم الحجاج البصرة، فسَمِعَ تكبيرًا من وراء القصب، فخطب فَقَالَ: يا أهل العراق ما هذا التكبير

_ [1] سورة النحل- الآية: 66. [2] سورة مريم- الآية: 25.

الَّذِي يراد بِهِ الترهيب، إني لأعلم أنها عجاجة ثارت يا بني اللكيعة، وعبيد العصا، وأولاد الإماء، ألا يربَعُ الرجل منكم عَلَى ظلعه، ويُبصر موضع قدمه، ويُحسن حمل رأسه، فو الله ما أظن الأمر يتناهى بي وبكم حتَّى أُوقع بكافتكم وقعة تكونون بها نَكَالا لِمَا بين يديها وما خلفها [1] الفتنة تلقح بالشكوى، وتتم بالنجوى، وتنتج بالهلع. قَالُوا: وأُتي الحجاج بخليفة بْن خَالِد بْن الهرماس، وكان ممن خرج عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: من أنت؟ قَالَ: أحد الفجرة الكفرة فَقَالَ: خلّوا سبيله، فقال سويد بْن صامت العجلي: هذا القائل: فله حجاج بْن يُوسف حاكمًا ... أراق دماء المسلمين بلا جرم فأمر بِهِ فقُتل. ومرض الحجاج فأُرجف بِهِ، فلما أفاق خطب فَقَالَ: يا أهل العراق، ويا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق، تقولون مات الحجاج ومات الحجاج، فَمَهُ والله ما أحب ألا أموت، وما أرجو الخير كُلِّه إلا بعد الموت، وهل رأيتم اللَّه اختار الحياة إلّا لشر خلقه وأهونهم عَلَيْهِ إبليس، ولقد سَأَلَ العبد الصالح ربه مُلْكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، ثُمَّ اضمحلَّ، فكأن لم يكن، أيها الرجل، وكلكم ذَلِكَ الرجل، لكأني بكل امرئ منا ومنكم قَدْ نقل فِي ثياب طهره إلى ضيق قبره فوضع فِي ثلاث أذرع طولًا فِي ذراعين عرضًا فأكلت الأرض شعره وبشره وامتصّت صديده

_ [1] سورة البقرة- الآية: 66.

ودمه وأقبل الحبيبان من ولده يقتسمان الحبيبين من ماله. إن الَّذِينَ يعلمون يعلمون ما أقول. ثُمَّ نزل. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الأعرابي عن عبَّاد بن عباد قَالَ: لم يُتَعلق عَلَى الحجاج إلا بكلمتين، أقبل من الشام وحادٍ يحدو ويقول: إنَّ عليك أيها البختي ... أكرم من تحمله المطيّ فَقَالَ: صدق فُوكَ. وقولُه للوليد: حدثَتْ بعد أمير المؤمنين أمور قَدْ صورتها حتَّى أخبره بها يَوْم القيامة. وقَالَ ابْنُ الأعرابي قَدْ ذُكر نحو هَذَا عن هشام بْن عَبْد الملك أيضًا. المدائني قَالَ: لما قدم الحجاج من الشام لقيه جرير بْن عَبْد اللَّه وَيُقَال حميد الأرقط فَقَالَ: إِذَا بدا الحجاج وسط الموكب ... رَأَيْته بعد العجاج الأصهب كالبدر يُعشي البدر كل كوكب وقَالَ: تحمله معتجرًا بِبُردِهِ ... شعواء [1] تردى بنسيج وحده كالسيف إذ أبرزته من غمده وقَالَ الحجاج: لا يَملَّنَّ أحدكم المعروف، فإن صاحَبَهُ بِعْرضِ خيرٍ كثيرٍ، شُكر فِي الدنيا وثواب فِي الأخرة، وخير المعروف ما بغشت [2] به عثرات الكرام.

_ [1] الشعواء: ناقة. القاموس. [2] البغشة: المطرة الضعيفة، والصبي يبغش، وذلك إذا أجهش إليك. القاموس.

وقالوا: لما حمل يزيد بْن المهلب فَلَّ ابن الأشعث، أرسل الحجاج إلى أبي عيينة فزوجه هندًا بِنْت المهلب، وزوج أختها من مُحَمَّد أخيه، فحملت إلى اليمن. وقَالَ الحجاج: قدمت العراق وأنا ابْنُ ثلاث وثلاثين سنة. المدائني عن سحيم بن حصن قَالَ: قَالَ الحجاج حين مات أسماء بْن خارجة بْن حَفْص الفزاري: هَذَا الَّذِي عاش فيما شاء، ثُمَّ فِني فَنًى. المدائني عن عَبْد اللَّه بْن فائد قَالَ: كَانَ الدهاقين عيونًا لابن الأشعث، فلما انهزم وظفر الحجاج أضرّ بأهل السواد، حتَّى انكسر الخراج، فلما وُلي عُمَر بْن عَبْد العزيز أتاه أهل النيل فشكوا إِلَيْه ما أخذ الحجاج منهم، فوجدوا ذَلِكَ فِي شَرْط الحجاج عليهم فلم يرده عليهم. المدائني عن أَبِي اليقظان وغيره أن الحجاج منع من ذبح البقر لتكثر الحراثة والزرع، فَقَالَ رَجُل: رَأَيْت الخنازير تدخل البصرة وتُمنع البقر من دخولها فَقَالَ الشَّاعِر: شكونا إِلَيْه خراب السواد ... فحرَّم ظلمًا لحوم البقر فكنا كمن قَالَ فيما مضى ... أُريها السُّهى وتُريني القمر حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْن صَالِح عَنْ رَجُل عَن الأَعْمَشِ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، وَأَقَامَهُ الْحَجَّاجُ فَقَالَ: الْعَنِ الْكَذَّابِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِب [1] ، وَالْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، فَلَمَّا قَالَ: عَلِيٌّ علمت أنه لم يعنهما.

_ [1] بهامش الأصل: أستغفر الله بل عليّ عليه السلام من أفضل الصديقين.

وقتل الحجاج دينارًا مَوْلَى بني قطيعة، الَّذِي تنسب إِلَيْه حفرة دينار. وكان هدم قصر الحجاج واشترى نقضة ابن الأشعث، فأخذه الحجاج ببنيانه فبناه وشرَّفَه فذبحه بين شرفتين مِنْهُ. المدائني عن سحيم بْن حفص قال: قال الحجاج: أيها الناس تلمثوا واتقوا الغبار فإنه سريع الدخول بطيء الخروج، يا أهل الشام املكوا أعنة خيلكم، فإن اللَّه قَدْ ملككم أعنتها، وكفوا أذاها عن النَّاس. قَالُوا: ولما بنى الحجاج واسطًا قَالَ لجامع المحاربي: كيف ترى؟ قَالَ: بنيتها فِي غير بلدك تدعها لغير ولدك. وَيُقَال إن الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ ابْنُ القريَّة. قَالُوا: ولما اتخذ صالح بْن عَلَى ولد الحجاج فِي حصن، أخذ سيف الحجاج فقتلهم بِهِ. وطلب أَبُو جَعْفَر المنصور درعه فكتب إلى سَلْم بْن قُتَيْبَة فيها، فَقَالَ ولده: ننشدك اللَّه قَدْ أعطانا بها هشام مائة ألف درهم، فأخذها من الحجاج بْن عَبْد الملك بن الحجاج. المدائني عن حَمَّاد بْن زَيْد عن أيوب السختياني وابن عون قالا: أُكره الْحَسَن إكراهًا حتَّى أتى ابْنُ الأشعث، وذلك أَنَّهُ قيل لابن الأشعث: إن أردت أن يقاتل النَّاس معك، كما قاتلوا مَعَ عَائِشَة، فأخرج الْحَسَن، فأخرجَهُ. وحدَّثني المدائني قَالَ ذكر جماعة من أهل البصرة أن الْحَسَن رؤي جالسًا فِي ظل منبر ابْنُ الأشعث.

المدائني عن حَمَّاد بْن زَيْد عن أَبِي التياح قَالَ: كَانَ الْحَسَن وسعيد أخوه جالسين فسعيد يحضّ عَلَى قتال الحجاج والحسن يبتسم ويقول: إنَّما ابتليتم بالحجاج عقوبة اللَّه فلا تلقوا عقوبة اللَّه بالسيف. المدائني عن حَمَّاد بْن سَلَمة قَالَ رَأَى الْحَسَن أخاه سعيدًا وَقَدْ لبس سيفه، وهو يريد قتال الحجاج مَعَ ابْنُ الأشعث فَقَالَ: ما هَذَا؟ فأخبره، فَقَالَ: وما أنت وذنوب الحجاج، دعه يشقى بها. وحدَّثني روح بْن عَبْد المؤمن حَدَّثَنِي أمية بْن خَالِد عن حَمَّاد بْن زَيْد عن يحيى عن ابن سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: الحائن سَعِيد بْن جُبَيْر صنع ما صنع، ثُمَّ أتى مكَّة يُفتي النَّاس. حَدَّثَنِي بَكْر بْن الهيثم عن سُفْيَان بْن عُيينة أن إِبْرَاهِيم التيمي حبس فِي الديماس، فكان ومن معه فِي جهد وضيق، واشترى بعضهم جروًا فأكله، وكان التيمي يعزيهم، وكان يتناول الحجاج. المدائني عن حَمَّاد بْن زَيْد عن أيوب أن الفتنة ومن خرج فيها ذكروا عنده، فَقَالَ: ما أعلم أحدًا منهم إلا وَقَدْ رُغِب لَهُ عن مصرعه، ولا أحد منهم بقي إلّا ندم عَلَى ما سلف مِنْهُ. قَالَ: وقَالَ ابْنُ عون: رَأَيْت ابْنُ الأشعث يخطب قاعدًا، فأتيت الْحَسَن والناس عنده وهو ينهاهم عن الخروج. قَالَ: أَيْنَ أبوك؟ قلت: غائب. قَالَ: الحق بأبيك. المدائني عَن أَبِي خيران الحماني عَن عوف عن الْحَسَن قَالَ: دخلت عَلَى الحجاج وعلي قباء مُصَدأ فَقَالَ: يا حسن ما دعاك إلى الخروج مَعَ ابْنُ الحائك؟ قلت: الميثاق الَّذِي أخذه اللَّه عَلَى بني آدم. فأمر فخرجت وفكر

فِي كلمتي فدعا بي فتواريت فلم أظهر حتَّى مات، وتوارى أَبُو عَمْرو بْن العلاء، قَالَ: فسمعت أعرابيًا يَقُولُ: مات الحجاج: ربما تجزع النفوس من الأم ... ر لَهُ فَرْجَةٌ كحل العِقال فما أدري بأي الأمرين كنت أفرح، أبموت الحجاج أم بقوله فَرْجَة، وإنما كُنَّا نرويها فُرْجَة. المدائني عن عليّ بْن حَمَّاد قَالَ: رَأَى زبيد اليامي رجلًا يضحك، فقال: إنك لتضحك ضحك رَجُل لم يشهد دير الجماجم، وقَالَ لطلحة بْن مُصَرِّف: وددت أنَّ يدي قطعت ولم أشهد دير الجماجم. وقَالَ مُحَمَّد بْن المنتشر لطلحة بْن مصرف: تَعيب علينا شرب الطِّلى المثلث، وتقاتل أهل التوحيد؟ فَقَالَ: ويحك وددت أني متُّ قبل ذَلِكَ بعشرين سنة. الأصمعي عن عمه قَالَ: أرسل الحجاج إلى مطرّف، ولم يكن خرج وكان القاعد عن الحجاج ومن قاتله سواء، فَقَالَ: يا مطرّف مرة لنا ومرة علينا؟ فخاف إن جحد أن يقتله فَقَالَ: كانت هَنَةٌ استخفت حلومنا فكنّا بين مقتول ومخذول وهارب مفلول، فَقَالَ: صدقت هَذَا خير مما يأتينا وسيفه يقطر من دمائنا ثُمَّ يجحد. المدائني عن عامر بْن حَفْص عن ابْنُ سِيرِينَ قَالَ: ما ذكرتُ من قتل مع ابن الأشعث إلا قلت ليتهم لم يخرجوا، وما ذكرتُ كلمة قالها الحجاج إلا قلتُ: ما وسعهم إلّا ما صنعوا، قَالَ: أهل الشام يزعمون أن خبر السماء قَدِ انقطع، وَقَدْ كذبوا إن خبر السماء عند خليفة اللَّه وَقَدْ أنبأه اللَّه أَنَّهُ مُشردهم وقاتلهم.

حدثني يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْد الحميد عن المغيرة عن رَجُل سَمِعَ الحجاج يَقُولُ: إن رَسُول أحدكم أكرم عَلَيْهِ أم خليفته؟ المدائني أن مُسْلِم بْن يسار قَالَ: أَحْمَد اللَّه إليكم فإني لم أرم بسهم ولا حجر، ولم أضرب بسيف ولا عصا، ولم أطعن برمح، فقيل لَهُ: كيف تصنع بوقوفك فِي الصف فَقَالَ: هَذَا أَبُو عَبْد اللَّه رأيناه واقفًا، فيقاتلون، فبكى. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبه عن غسان بْن مضر عن سَعِيد بْن يزيد قَالَ: وجدت فِي قبر عَبْد اللَّه بْن غالب ريح المسك، فَقَالَ عطاء السليمي: ما أحسب هَذَا إلا من السلطان، يقتل فِي فتنة ويوجد من قبره ريح المسك. وكان النَّاس يأتون قبره فيأخذون من ترابه فجاء السلطان فأخرب قبره. المدائني عن عامر بْن حَفْص قَالَ: قيل لمالك بْن دينار: يا أبا يَحيى أعلى الكفر قوتل الحجاج؟ قَالَ: ليتنا لم نشهد، وليت من قُتل منا ينجو. المدائني عن سحيم بْن حَفْص قَالَ: مرَّ مالك بْن دينار بأبي الجوزاء صريعًا وهو يقول: إنّا لله لا دنيا ولا آخرة. الْمَدَائِنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ مالك بن دينار قَالَ: رَأَيْت معبدًا الجهني بمكة فَقَالَ: ليتنا أطعنا الْحَسَن. المدائني عن أبي اليقظان قال: أتي الحجاج برجل من بني ضبيعة، وترك ابْنُ الأشعث فَقَالَ لَهُ الحجاج: لم تركت صاحبك؟ قَالَ: قَدْ علمتُ أَنَّهُ عَلَى الباطل. قَالَ: كذبتَ ولكنك رَأَيْت ملائكة أقبلت نحونا بجدّ وحدّ، وَيُقَال أَنَّهُ قَالَ لَهُ: رَأَيْت سيلًا أقبل نحونا بجدّ وحدّ، وقَالَ عامر بْن أَبِي الجُهَيْم: كُنَّا مَعَ حمر نَهَّاقَة فنهقنا معها. فأمَّنه وسأله عن داره فقال:

وسط البصرة فقيل لَهُ: إنها بالجبان، فَقَالَ: نعم هِيَ بين الأحياء والأموات. وروى يونس بْن أرقم عن رَجُل عن الْحَسَن قَالَ: أتاني هميان السدوسي فحملني من بيتي عَلَى فرس حتَّى أتى مَسْكَن، فإذا الفريقان كأنهم جبال حديد فاقتتلوا فلقد رأيتني فِي العسكر أطلب من أدفع إِلَيْه القوس، فلما أعياني خليته ومضيت فانتهيت إلى نهر فإذا قوم قَدْ جمعوا قصبًا فحملوني فأتيت البصرة. وروي عن عَبْد اللَّه بْن عُمَر البكراوي القارئ قَالَ: رَأَيْت الْحَسَن يقضي فِي عسكر ابْنُ الأشعث محلوقًا. المدائني عن أَبِي إِسْحَاق التيمي قَالَ: توارى الْحَسَن عند أَبِي خليفة الحجاج بْن عتاب مَوْلَى عَبْد القيس. وكان يكون عند عليّ بْن زَيْد. فمرض جَابِر بْن زَيْد فأتاه الْحَسَن وَقَدْ ثقل ليلًا، فخاف الصبح، ونزل بجابر الموت فصلى عَلَيْهِ الْحَسَن وخرج، فمات بعد خروج الْحَسَن. المدائني عن إِسْحَاق التيمي عن الْحَسَن قَالَ: دخلت عَلَى الحجاج فَقَالَ: يا حسن ما جَرَّأَكَ عليّ، قعدت تفتني فِي مسجدنا، فما تَقُولُ فِي أَبِي تراب؟ قلت: وما عساي أن أقول إلا ما قاله اللَّه: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا ... إلى قولُه: وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى الله [1] . فكان عليُّ ممن هدى اللَّه. فغضب ثُمَّ أكَبَّ ينكت، وخرجت فلم يعرض لي أحد، فتواريت حتى مات الحجاج.

_ [1] سورة البقرة- الآية: 143.

المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري قَالَ: كَانَ الحجاج يذكر الْحَسَن فيقول: عِلْجٌ تواريه أخصاص البصرة، وأخطب النَّاس إِذَا شاء، وإذا شاء سكت. حَدَّثَنِي هُدبة عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لزم رَجُل بيته فِي أيام ابْنُ الأشعث، فَقَالَ لَهُ بنوه: لو أتيت السلطان فأصبت خيرًا فأبى، فقالوا: ستموت هُزلًا فَقَالَ: لأن أموت مؤمنا مهزولا أحب إلي من أن أموت منافقًا سمينًا. المدائني عن عامر بن حفص أن الحجاج كتب إلى عامله على الكوفة أن احمل إلي إبراهيم بن يزيد اللخمي، فحمل إِبْرَاهِيم التيمي. وقَالَ عَبْد العزيز بْن الجارود: اضطرني ضيق الحبس حتَّى صرت فِي موضع مبالهم ليلةً حتَّى أصبحتُ، فوجد مني البواب ريح المسك، أَوْ قَالَ ريحًا طيبة فضربني عَلَى رأسي ضربة وجدت ألمها يومي كُلِّه. حَدَّثَنَا العمري عن الهيثم عن عوانة عن مجالد عن الشَّعْبِيّ أن الحجاج أخَّرَ الجمعة حتَّى صلاها قبل غروب الشمس ثُمَّ صلى العصر، ثُمَّ غابت الشمس فصلى المغرب فَقَالَ رَجُل: أَخرتَ الصلاة عن وقتها وخالفت محمدا عليه الصلاة والسلام فِي سنته، فأُدخل عَلَيْهِ فأمر بِهِ فضربت عنقه، وعرض قولُه عَلَى أهل المسجد فلم يقل مثل قولُه إلا رَجُل آخر فضرب أيضًا عنقه. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبه قَالَ: خرج الحجاج إلى البصرة، واستخلف بالكوفة أبا يعفور عروة بْن المغيرة بْن شُعْبَة، فلم يزل عليها حتَّى فرغ الحجاج من رستقاباذ.

وحدَّثني عُمَر بْن مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل عن سلام بْن مسكين عن أَبِي النضر عن عامر قَالَ: شهدت عروة وهو عَلَى الكوفة، فأتاه رَجُل فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير ما تَقُولُ فِي رَجُل قَالَ لامرأته إن خرجت من بيتي فأنت طالق البتَّة فَقَالَ رَجُل: أشهد عَلَى عليّ أَنَّهُ قَالَ بانت مِنْهُ، وقَالَ آخر: أشهد عَلَى عُمَر أَنَّهُ قَالَ واحدة وهو أملك بها. فَقَالَ: فإني أخالفهما، أما الطلاق فَسُنَّةٌ وأمَّا البتَّة فبدعة فيمينه بالله عَلَى ما نوى. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصبّاح البزّاز عن هُشَيْم عن دَاوُد عن الشَّعْبِيّ أن رجلًا اشترى جارية من رَجُل بخمسمائة درهم فنقده ثلاثمائة، وسأله أن يدفعها إِلَيْه فأبى فتحمل لَهُ مائتين وأعطاه إياها، فَقَالَ: ادخل فاقبض جاريتك فوجدها ميتة فخاصمه إلى عروة فَقَالَ: أما الثلاثمائة فلك وأمَّا المائتان فإنك ارتهنت السلعة بها، والرهن بما فِيهِ، فأعجب ذَلِكَ الشَّعْبِيّ. وحدَّثني عُمَر بْن شبة عَن أَبِي عاصم عَن سُفْيَان عن أَبِي حصين عن الشَّعْبِيّ أن رجلًا قَالَ لامرأته: يا وسْنى فَقَالَ عروة: ما هِيَ؟ قَالُوا: يا زانية. فجلده الحدّ، وكان الشَّعْبِيّ يأخذ بذلك. المدائني قَالَ: هرب العُديل بْن فرخ العجلي فَقَالَ: أَخَوَّفَ بالحجاج حتَّى كأنما ... يحرك عظم فِي الفؤاد مهيض ودون يد الحجاج من أن تنالني ... بساط لأيدي الناعجات عريض مَهَامِهُ أشباهٌ كأنَّ سرابها ... مِلاءٌ بأيدي الغاسلات رحيض فقتل الحجاج عَبْد اللَّه بْن حكيم المجاشعي، وقَالَ: أَنَا قاتل العبادلة: عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ، وعَبْد اللَّهِ بْن مطيع، وعبد اللَّه بْن صفوان،

وعبد اللَّه بْن الجارود، وعبد اللَّه بْن حكيم، وعبد اللَّه بْن أنس، وكان قتل فِي المعركة. قَالُوا: لما مات مُحَمَّد بْن يُوسُف قدم عَلَيْهِ بابنة لَهُ فوضعها فِي حجره وجعل يقبلها ويبكي، ورجل من خلفه يَقُولُ لَهُ: اذكر اللَّه يا حجاج، وكان قَدْ وكله بأن يَقُولُ لَهُ هَذَا القول كلما جلس. المدائني عن أَبِي حفص الْأَزْدِيّ قَالَ: قَالَ الحجاج: سَأَلت قبل مقدمي العراق عن وجوه أهله فذكر لي زياد بْن عَمْرو العتكي فيمن ذكر، فما كَانَ أحد أبغض إليَّ مِنْهُ، فلما وفدت على أمير المؤمنين عبد الملك أشخصته فيمن أشخصت معي، فما كَانَ أحد أحسن مقامًا بوصفي والثناء عليّ مِنْهُ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن الحجاج سيفك الَّذِي لا ينبو، وسهمك الَّذِي لا يطيش، وخادمك الَّذِي لا تأخذه فِي أمرك لومة لائم، فقد رأيتني وما أحد من الخلق بعد ذَلِكَ اليوم يعدلَهُ عندي. المدائني عَن عَبْد اللَّهِ بْن سَلْم الفهري قَالَ: قَالَ الحجاج يومًا: ما أذهبَ الأشياء للإعياء؟ فَقَالَ قائل: أكل التمر، وقَالَ قائل: الحمام وقَالَ قائل: التمريخ، وقَالَ فيروز حصين: أذهبُ شيء للإعياء فقد الحاجة، فَقَالَ الحجاج: صدقت. وحدثني عباس بن هشام عن أبيه قال: قال الحجاج بن يوسف: لأنا للعاقل المدبر أرجى مني للأحمق المقبل. وقَالَ المدائني: قَالَ هَذَا الحجاج بْن عَبْد الملك. الْمَدَائِنِي عَنْ عامر بْن أَبِي مُحَمَّد قَالَ: اشتهى يزيد بْن المهلب اللحم حين حبسه الحجاج، فاحتيل لَهُ حتَّى أدخل لَهُ اللحم بأمر الحجاج، فدعا

الحجاج مالك بْن أسماء فَقَالَ لَهُ: أخبرني عن اللحم الَّذِي أُدخل عليكم من كَانَ أكثركم مِنْهُ أكلًا؟ قَالَ: يزيد بْن المهلب قَالَ: إنه أشجعكم وألأمكم، وكان بين يدي الحجاج قلالُ مُعَلَّقة فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير شربة من ماء عذب، فَقَالَ: ارجع اليوم مكانك، فإذا كَانَ غدًا وليتك حلوان فشربت عذبًا. المدائني عن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَالَ سَعِيد بْن عَمْرو: كنت فِي حبس الحجاج فدعاني ليلًا فَقَالَ: يا سَعِيد كيف أنت إن أطلقتك واستعملتك؟ فَقَالَ: أما الإطلاق فَيَسُرُّني، وأمَّا العمل فلا حاجة لي بِهِ فهو أصارني إلى الحبس. فَقَالَ: ذاك أنك لم تصدق اللَّه، فاصدق اللَّه يصدقك. المدائني عن حَمَّاد بْن سَلَمة عن الحارث بْن نبهان الجرمي قَالَ: قَالَ الحجاج فِي خطبته: والله لتموتُنَّ ثُمَّ لتبعثُنّ ثُمَّ لتُسئلن حتَّى يصير أهل الجنة إلى الجنة، كأنما كانوا فيها مذ خُلقوا، إنكم لم تخلقوا للفناء، وإنما خلقتم للبقاء، غير أنكم تنقلون من دار إلى دار. وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّد الكلبي عن أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الحجاج: إنَّما هَذِهِ العقارب من وذح [1] الشيطان. الْمَدَائِنِي عَنْ عامَر بْن أَبِي مُحَمَّد قَالَ: قَالَ الحجاج: لو لم يبق من الدنيا إلّا يَوْم واحد لنافَقَ فِيهِ يزيد بْن المهلب، وكان حريصًا عَلَى أن يضع آل المهلب فلم يقدر.

_ [1] الوذح: ما تعلق بأصواف الغنم من البعر والبول. القاموس.

قَالَ: وقتل الهُذيل بْن عِمْرَانَ البُرجمي، وقتل ابْنُ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرة، وقتل غالب بن عبد الله الجهضمي، وعمرو بْن عتبة بْن أَبِي سُفْيَان، وأتي بعمرو بْن عصام الضُّبَعي فقتله. المدائني عن عَبْد اللَّه بْن فائد قَالَ: كَانَ طلحة بْن مصرّف يحض النَّاس يَوْم دير الجماجم، ويقول: ما خرجنا عَلَى الحجاج حتَّى خفنا اللَّه فِي ترك ذَلِكَ فظننا أَنَّهُ لا يسعنا الرضا بِهِ. ودعا الحجاج بالهلقام بْن نعيم فَقَالَ: لعنك اللَّه يَا حجاج إن فاتك هَذَا المزوني [1] فَقَالَ: ما أنت وذاك وقتله، ثُمَّ قَالَ: صدق، اتخذني جزارًا لقومي، ودافع عن قومه. المدائني عن عامر بْن حَفْص قَالَ: شهد معرور بْن سويد الزاوية مَعَ ابْنُ الأشعث، فرأى رجلًا قَدْ تقدم أمام الصف فردَّه وقَالَ: إنك تغرر بنفسك فأقم مَعَ أصحابك وقاتل فإن عمرًا قَالَ: لأن أموت على فراشي أحب إلى من أن أموت وراء الكتيبة مغرَّرًا. الْمَدَائِنِيّ عَن سحيم بْن حَفْص قَالَ: كَانَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي ليلى يقاتل بدير الجماجم ويقول: يا مَعْشَر القُرَّاء إن الفرار قبيح، وهو منكم أقبح مِنْهُ من غيركم، قاتلوهم صابرين محتسبين، فإن عليًا رفع اللَّه درجته قَالَ: من رَأَى عدوانًا يُعمل بِهِ ومنكرًا يُدعى إِلَيْه فأنكره بقلبه فقد برئ منه، وإن أنكره بلسانه فقد برئ وهو أعظم درجة، ومن أنكره بسيفه فذلك الذي أصاب سبيل الهدى.

_ [1] يزيد بن المهلب.

وقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر رحمه اللَّه تَعَالى بدير الجماجم وهو يقاتل: قاتلوهم عَلَى جورهم فِي الحكم، واستئثارهم بالفيء، وتجبرهم عَلَى عباد اللَّه، وإماتتهم الصلاة واستذلالهم المسلمين. وكان معرور بْن سويد يقاتلهم ويقول: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم [1] ، الآية. وقَالَ الشَّعْبِيّ، وهو يقاتل: أيها النَّاس لا يكونن فِي صدوركم حرج من قتالهم فو الله ما أعرف أمة أعلن ظلمًا، ولا أحكم بجور منهم فلتكن الأيدي عليهم واحدة. وقَالَ أَبُو البختري سَعِيد بْن فيروز: قاتلوهم عَلَى دينكم ودنياكم، فلئن ظهروا عليكم ليفسدن دينكم، وليغلبنكم عَلَى دنياكم، ثُمَّ يحمل عليهم وهو يتلو: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ الله كتابا مؤجلا [2] . وكانت كتيبة القراء أشد الكتائب عَلَى أهل الشام، وعليهم جَبَلة بْن زَحر الجعفي. فلما قتل نادى أهل الشام: يا أعداء اللَّه قُتل طاغيتكم. فَقَالَ أَبُو البختري: لا يهدَّنكم قتله فإنما هُوَ رَجُل أتته منيته. ولما أتي الحجاج برأسه قال: الله أكبر، قلّما كانت فتنة فتخمد حتَّى يقتل فيها رأس من رؤوس المنافقين. وقال عوانة: قال: رأس من رؤوس أهل اليمن. وفقد ابْنُ أَبِي ليلى بدير الجماجم.

_ [1] سورة التوبة- الآيتان: 13- 14. [2] سورة آل عمران- الآية: 145.

وروى سفيان بْن عيينة عن أَبِي فروة الجهني قَالَ: آخر عهدي بابن أَبِي ليلى عَلَى جسر سورى، ولم أره بعد. قَالُوا: وأتي ابْنُ أَبِي ليلى برُطب فِي منسف فأكله وهو فِي الماء. قَالُوا وخرج روزنة بْن مهاجر عَلَى الحجاج بسابور، وغلب عليها ومعه أكراد، فوجه الحجاج إِلَيْه الجيوش ثُمَّ أتى النيرمان [1] فقتله عَبْد الرَّحْمَن بْن سُليم وبعث برأسه إلى الحجاج، وبعث بمهران فحبسه أربع سنين وعذَّبه واستأداه، ثُمَّ هيأ لنفسه طعامًا فأكل وشرب ولعب، ثُمَّ قتله الحجاج من الغد وصلبه. المدائني قَالَ: سار الحجاج من إيلياء إلى واسط فِي سبع فَقَالَ الراجز: كسيره من إيلياء فاعلمي ... سبعا إلى واسط فِي تجشم فَقَالَ الحجاج: هَلْ سار أحد سيري؟ فَقَالَ صالح بْن كدير الْمَازِنِي: نعم، جُبَيْر بْن حيَّة سار فذكر سيرًا شديدًا، فقال: كذبت وأمر بحبسه. وقَالَ الفرزدق في الحجاج: سما بالمهاري من فلسطين بعد ما ... دنا الفيء من شمس النهار فولت فما عاد ذاك اليوم حتى أناخها ... بميسان قد حلت عراها وكلت فلو أن طيرا كلفت مثل سيره ... إلى واسط من إيلياء لملت [2] قَالُوا: وأراد الحجاج أن يتخذ لعلع [3] دارًا، فبنى مسجدًا، وأمر أن تبنى أساطين قريب بعضها من بعض إلى البصرة والكوفة، وأراد أن يقيم

_ [1] النيرمان: من قرى همذان من ناحية الجبل. معجم البلدان. [2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 116 مع فوارق. [3] لعلع: منزل بين البصرة والكوفة.

عَلَى كل أسطوانة رجلًا يصلي صلاة الليل فِي شهر رمضان، فإذا كبَّر الْإِمَام كبَّرَ الَّذِي يليه ثم الذي يليه حتَّى يصل التكبير إلى البصرة والكوفة، فيُصَلُّون بصلاته فلما بلغه خروج عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الأشعث تطيَّر، فبنى واسط [1] القصب، وسماها واسط لأنها من البصرة والكوفة والمدائن والأهواز ببعد واحد، وكان إحداثه إياها فِي سنة ثلاث وثمانين، وَيُقَال فِي سنة أربع وثمانين، وبنى مسجدها وقصره فيها والقبة الخضراء، وكانت أرض قصب فسميت واسط القصب. وقَالَ رُقبَة بْن مَصْقَلة العبدي: لما نزل الحجاج واسط كَانَ يأذن فِي كل يَوْم مرتين وأكثر. وأمر الحجاج ثولاء بْن نعيم أن يقتل عدي بْن خَصَفَة العبدي، وكان صالحًا فغُيِّبَ عَنْهُ، ثُمَّ ذبحه عَلَى رأس حرف سفينة فسقط رأسه فِي الماء فهرب نوتي، ولقي شرًا. المدائني قَالَ: لما احتضر الحجاج قَالَ: والله لئن كنت عَلَى ضلالة لبئس حين المفزع ولئن كنت عَلَى هدى لبئس حين المجزع. وقَالَ ليزيد بْن أَبِي مُسْلِم: إِذَا متُّ فلا تكتم أمري وَمُرْ من ينادي بموتي، وأخرجني من باب الزابي فإذا فرغت من دفني فأجر الماء عَلَى قبري، ثُمَّ أَثِرْهُ بالبقر، وليكن الحفر عميقًا. المدائني عن سُفْيَان عن أَبِي عون قال: رَأَى الحجاج رجلًا قَدْ قلد بدنَته فَقَالَ: هَذَا قَدْ أحرم فسئل سعيد بن جبير، فقال: صدق.

_ [1] بهامش الأصل: بناء واسط.

حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبه، حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن معاوية عن خلف بْن خليفة عن حصين قَالَ: كَانَ الحجاج إِذَا حبس النَّاس عن صلاة الجمعة استقبل أبو وائل القبلة يومىء برأسه إيماءً يتناعس. وحدَّثني عن أَبِي عبيدة قَالَ: مر الحجاج بدار عُمَر بْن سعد، فإذا هُوَ بكف مسمورة فَقَالَ: ما هَذِهِ؟ قَالُوا: كف الْمُخْتَار. فَقَالَ: والله ما هُمْ قتلوه، ولا أدركوا بثأرهم مِنْهُ. هَذَا يُهَيِّجُ الفتنة، نَحوْهَا وَغَيِّبُوها. حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سيف عن الواقدي عن إِسْحَاق بْن يَحيى قَالَ: لم يستخرج الحجاج من أرض السواد شيئًا إلا الزابي والنيل، وذلك أَنَّهُ كتب يدعو أهل الخراج إلى أن يكفوه مؤونة ثقله، وأن يضع مثل ذَلِكَ مما عَلَيْهِ من خراجهم، فأبوا وكان يرفع من ذَلِكَ إلى عَبْد الملك مالًا كثيرًا. فلما ولي عُمَر بْن عَبْد العزيز رحل إِلَيْه أهل الزاب والنيل إلى البصرة فشكوا إِلَيْه مما صنع الحجاج، فَقَالَ عُمَر: بئس الرجل كَانَ الحجاج لقد كَانَ ظالمًا متعديًا. وقَالَ المدائني: لما انقضى أمر ابْنُ الأشعث ولى الحجاج الكوفة عمير بْن هانئ من أهل دمشق ثُمَّ عزله، وولى المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي عَقيل، وَيُقَال ولاه البصرة. وقَالَ الأصمعي: ولي الحجاج العراق عشرين سنة، وتوفي فِي شهر رمضان سنة خمس وتسعين وهو ابْنُ ثلاث وخمسين. وحُدثتُ عن عليّ بْن الجعدانة قَالَ: سَمِعْتُ بعض الكوفيين يَقُولُ: لما هلك الحجاج صرخ صارخ عَلَى الخضراء بواسط: ألا إن مُفَلِّقَ الهام، ومُطعم الطعام، وحبيب أهل الشام قد هلك.

وقَالَ الوليد بْن عَبْد الملك حين مات الحجاج: أما والله لئن سئلت عَنْهُ، ولُأسْأَلَنَّ، لَأقُولَنَّ: كَانَ والله القوي الأمين. وخطب فقال: ألا إن أمير المؤمنين عَبْد الملك كَانَ يَقُولُ: إن الحجاج جلدة ما بين عينيّ، ألا وَإِنَّهُ جلدة وجهي كُلِّه. ومات الحجاج واستخلف عَلَى صلاة العراق وحربها يزيد بْن أَبِي كبشة، وعلى الخراج يزيد بْن أَبِي مُسْلِم مولاه. الْمَدَائِنِيّ قَالَ: قَالَ سَلم بْن قُتَيْبَة: كنت فِي دار الحجاج وأنا غلام مَعَ ولده، فقالوا: قَدْ جاء الأمير فدخل الحجاج فأمر بتنور فنصب، وقعد فِي الدار وأمر رجلًا أن يخبز خبز الماء، ودعا بسمك فجعلوا يأتونه بِهِ فِي جام وَقَدْ نُقِّي من شوكه، فيأخذ الرغيف حارًا فيضع عَلَيْهِ السمك، فيأكله حتَّى أكل ثمانين جامًا. قَالَ: ونظر الحجاج يومًا إلى عُبَيْد اللَّه بْن شُعْبَة بْن القلعم، وهو يأكل، وكان مفرطًا فِي الأكل، فَقَالَ الحجاج لشهر بْن حوشب: الحديث [عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الكافر يأكل فِي سبعة أمعاء.] قال شهر فقلت: أصلح اللَّه الأمير ثبت صحيح؟ فَقَالَ الحجاج: ما أظن من قتل ابْنُ شُعْبَة إلّا سيقتل كافرًا. المدائني عن مُوسَى بْن سيّار الهذلي قَالَ: كَانَ الحجاج يطعم فِي شهر رمضان ألف خوان، لكل خوان قفيز دقيق وسبعة أرطال قدير [1] ، وجنب

_ [1] القدير: ما يطبخ في القدر. القاموس.

شواء، وسمكة، وجرة فيها لبن، وجرة فيها عسل، وكان لَهُ طعام بعد ذَلِكَ فِي كل يَوْم يُعشيّ ولا يغدّي ولا يطعم إلّا شاميًا. وَيُقَال إن الحجاج كَانَ يطعم فِي شهر رمضان وغيره كل يَوْم ألف خوان، عَلَى كل خوان أربعون رغيفًا، وجفنة ثريد، وجنب شواء، وأرزة، وسمكة وخلّ وبقل. وكان يُحمل فِي كرسيّ فيدور عَلَى الأخاوين، فينظر إلى الطعام فيقول: هَلْ تفقدون شيئًا أَوْ ترون تقصيرًا؟ فيقولون: لا. فَقَالَ رَجُل يومًا: ما نفقد أيها الأمير شيئًا إلّا المرق فإنه قليل، فضرب صاحب طعامه وقَالَ: ويلك يشكو قلة المرق، وأنت بين دجلة والزابي. فأهل بيت هَذَا الرجل بالشام يُقال لهم بنو المرق. وقَالَ المدائني: أرسل الحجاج أبا بردة بْن أَبِي مُوسَى إلى أسماء بْن خارجة: إن عَبْد الملّك بْن بشر بْن مروان من أبناء الملوك، وَقَدْ شبَّ واحتاج إلى التأديب، وقد أعددت له مؤدبا ومنزلا ولا بدّ من التفرقة بينه وبين أمه، يعني هند بِنْت أسماء. قَالَ أَبُو بردة: فدخلت عَلَى أسماء وهو يتغدى وهند وعبد الملك يأكلان معه، فدعاني إلى غدائه فلم أفعل، وجعلتْ هند تعابثني وتضحك، فقلت: أما والله لو تعلمين فِي أي شيء جئت كَانَ مكان ضحكك بكاءً. قَالَ: فأبلغت الرسالة، فبكت وقال أسماء: إنَّما عَبْد الملك ثمرة قلوبنا وأنسنا، وأمر الأمير طاعة. فأبلغت الحجاج ذَلِكَ، فأرسل إلى هند بثلاثين غلامًا، مَعَ كل غلام عشرة آلاف درهم وبثلاثين جارية مَعَ كل جارية طَخْت من ثياب، فأمر لي أسماء بثلاثين ألفًا وبثياب، فلم أقبل ذَلِكَ وقلت: ليس الحجاج ممن يتعرض لَهُ وأتيت الحجاج فأعلمته، فَقَالَ: قَدْ أحسنت ولك ضعف ذَلِكَ فأعطاني ستين ألفًا وضعف الثياب.

وقَالَ عِمْرَانَ بْن حطان فِي الحجاج حين دخلت غزالة الخارجية مسجد الكوفة: هلا برزت إلى غزالة فِي الوغى ... بل كَانَ قلبك فِي جوانح طائر أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... فتخاء يذعرها صفير الصافر صدعت غزالة قلبه بفوارس ... صدع الزجاجة ماله من جَابِر [1] قَالُوا: ومر مؤذن الحجاج بمؤذن سُويد بْن غَفَلة وهو يؤذن بالهاجرة فأخبر الحجاج بذلك، فبعث إِلَيْه: ما هَذَا الأذان وما هَذِهِ الصلاة؟ فَقَالَ: صليتها مَعَ أَبِي بَكْر وعمر وعثمان. فَقَالَ: صليتها مَعَ عثمان؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ: رَعَبنا الشَّيْخ. ودعا بغالية فجعلها فِي لحيته بيده، وأمر لَهُ بعطائه. وَيُقَال أَنَّهُ قَالَ لَهُ: لا تؤمُّ قومك، وإذا خرجتَ فَسُبَّ عليًا، فَقَالَ: سمعًا وطاعة. وكان الحجاج يَقُولُ فِي دجلة والفرات: أولهما للمشركين وآخرهما للمنافقين. قَالَ المدائني: وسأل الحجاج حوشب بْن يزيد عن الْمُخْتَار فَقَالَ: كانت معه خِرقة يَقُولُ جاءني بها جبريل، وقَالَ: سأتزوج امْرَأَة من آل رسول الله، وأهدم قصر الملك وأبني ببعضه قصرًا، فَقَالَ الحجاج: كذب ابْنُ دومة وإن كانت لكريمة، لقد رأيته بالطائف نذل الأصحاب، أخطأت استه الحفرة، أَنَا ذاك. فتزوج ابْنَة عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر، وهدم قصر النعمان بالحيرة، وبنى قصره بجبانة الكوفة، وبنى مدينة واسط.

_ [1] ديوان شعر الخوارج ص 184- 185.

وحدَّثني الأثرم عن الأصمعي قَالَ: أَتَتِ الحجاج امْرَأَة فمثلت بين يديه كأنها عجول أخطأت بَوَّها فَقَالَت: والله ما لنا ثاغية، ولا راغية، ولا آنَّةُ، ولا حانَّةٌ، ولا هُبَعٌ ولا رُبَع، ولي ابْنُ فِي بعث كذا، فإن رَأَى الأمير أن يُقفله فعل. فَقَالَ: نعم أقفلوا ابنها، وقولوا لَهُ: لعنة اللَّه عليك إن لم تبرَّها، فأقفل فاستبطأته فِي بعض الأمر فقالت: فو الله لولا اللَّه والرحم بيننا ... لا نبأتُ حجاجًا بأنك كاذب وحدَّثني عَبْد اللَّه بْن صالح عن أَبِي زَيْد قَالَ: نادى الحجاج بالكوفة ألَّا يؤمّ مَوْلَى، فأتى عنبسة بْن سَعِيد مسجد بني كاهل، ويحيى بْن وثاب إمامهم، وهو مَوْلَى لهم، فأراد أن يتقدم فِي صلاة العشاء الآخرة فَقَالَ رَجُل من العرب: والله لا تؤمُّنا. فَقَالَ: والله لأفعلنّ، وتقدم. قَالَ عنبسة: فو الله ما سَمِعْتُ قارئًا قط عربيًا ولا مَوْلَى أقوى [1] مِنْهُ، فلما كانت صلاة الغداة حضرتُ لأنظر ما يكون من أمرهم، فأخذ كف حصًى ثُمَّ قَالَ: والله لا يلج أحد منكم إلّا ضربت بهذا الحصى رأسه، فأحجموا وقدموه فصلى، فأتيت الحجاج فأخبرته فأعاد مناديه: إنا لم نرد القراءة، إنَّما أردنا كل مَوْلَى لا يحسن القراءة. وقَالَ الفضل بْن دكين أَبُو نعيم: كَانَ يوم الجماجم في سنة ثلاث وثمانين، ففقد يومئذ أَبُو البختري، وابن أَبِي ليلى، ونظر الحجاج إلى رأس بسطام بْن مصقلة بْن هبيرة فجعل يَقُولُ: إِذَا مررتَ بوادي حيةٍ ذكرٍ ... فاذهب ودعني أُمارسُ حَيَّة الوادي

_ [1] بهامش الأصل: اقرأ.

فبكى مسمع بْن مالك، فَقَالَ لَهُ الحجاج: أجزعًا عليهم؟ فَقَالَ: لا ولكن جزعًا لهم من النار. وقَالَ الأخطل فِي عَبْد الملك والحجاج: فعليك بالحجاج لا تَعْدِل بِهِ ... أحدًا إِذَا نزلت عليك أمور فلقد علمت وأنت أعلمنا بِهِ ... أنَّ ابْنُ يُوسُف حازم مَنْصُور [1] حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح عَن حمزة الزيات أَنَّهُ سمعه يَقُولُ، وذكر الحجاج أَنَّهُ أرسل إلى مطرّف بْن المغيرة بْن شُعْبَة، وكان يتألَّه، فَقَالَ لَهُ: يا مطرف أرسولك أكرم عليك أم خليفتك فِي أهلك؟ فَقَالَ: بل خليفتي أكرم. قَالَ الحجاج: فإن عَبْد الملك خليفة اللَّه فِي عباده فهو أكرم عَلَيْهِ من مُحَمَّد وغيره من الرسل. فوقرت فِي نفس مطرّف واختبأها، وقَالَ: جهادك والله أولى من جهاد الروم، فخرج عَلَيْهِ. وقَالَ أَبُو نميلة: صلى جَابِر بْن طلحة اليامي مَعَ المغيرة بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي عقيل، وهو خليفة الحجاج عَلَى الكوفة، فكان يرفع يديه فِي كل تكبيرة، فأتى جَابِر إِبْرَاهِيم فأخبره بذلك، فَقَالَ: أصاب وأحسن. وروى أَبُو عوانة عن المغيرة أن إِبْرَاهِيم خرج مَعَ المغيرة بْن عَبْد اللَّه للاستسقاء فصلى المغيرة ورجع إِبْرَاهِيم ولم يُصَلِّ. وقالوا: كَانَ المغيرة إِذَا كُنِّيَ أبا صفية غضب، وكان بخيلا فقال ابن همّام السلولي فيه:

_ [1] ديوان الأخطل ص 117.

رماك الله يا بن أَبِي عقيل ... بداء لا يقوم لَهُ جليل إذا حضر الخوان فأنت ليث ... بصير بالثريد وبالنشيل وعند البأس بَهْكَنَةٌ رداح ... لها حجلان كالرشأ الكحيل فليتك يا مُغِيرَة من تنوخ ... أَوِ الشُعُر السواعد من نكيل وليت اللَّه صير بين داري ... ودارك يا مُغِيرَة ألف ميل حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ سَلامِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الرَّبَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مالك يقول: قاتلوا الحجاج فو الله مَا تَحِلُّ طَاعَتُهُ لِمُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الأعين عن أَبِي نعيم قَالَ، خرج مَعَ ابْنُ الأشعث عَلَى الحجاج عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي ليلى، وسعيد بْن جُبَيْر، وعبد الرَّحْمَن بْن عوسجة والشعبي، وذرّ، ومالك بْن دينار، وسيار بْن سلامة. وأبو البختري الطائي والحكم بْن عتيبة وَقَدْ قيل أن ابْنُ عون فيمن خرج، وخرج مُسْلِم بْن يسار وجابر بْن زَيْد أَبُو الشعثاء، وعقبة بْن عَبْد الغافر العوذي، وأبو الجوزاء [1] قتل معه، وهو أوس بْن خَالِد الربعي وعبد الله بْن غالب قتل مَعَهُ، وعقبة بْن وساج، وطلق بْن حبيب، وأبو شيخ الهُنائي، وعقبة بْن صهبان، وأبو نجيد الْأَزْدِيّ. حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبة عن هارون بْن معروف عَن ضمرة بْن ربيعة عَن ابْن شوذب قَالَ: كتب عمال الحجاج إِلَيْهِ: «إن الخراج انكسر، وإن أَهْل الذمة قَدْ أسلموا ولحقوا بالأمصار» . فكتب إلى البصرة وغيرها: «إن من كَانَ لَهُ أصل فِي قرية فليخرج إليها» فخرج الناس فعسكروا وجعلوا يبكون

_ [1] جاءت هذه الرواية مطموسة بالأصول. وأمكن تداركها من تاريخ خليفة بن خياط ج 1 ص 371- 373.

وينادون: يا محمداه، وجعلوا لا يدرون أَيْنَ يذهبون، وجعل أهل البصرة يخرجون إليهم متقنعين يبكون معهم، وقدم ابْنُ الأشعث عَلَى بقية ذاك فنفروا مَعَ ابْنُ الأشعث. حَدَّثَنَا شيبان بْن فروخ، ثنا سُلَيْمَان بْن المغيرة عن ثابت قَالَ: كنا مَعَ الْحَسَن عَلَى سطحه حيث أخرج الحجاج الَّذِين أسلموا، فجاء سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن فَقَالَ: أنحن نقر عَلَى هَذَا؟ فردَّ عَلَيْهِ الْحَسَن ما قَالَ. حَدَّثَنِي يُوسُف بْن مُوسَى الْقَطَّان عَنْ جَرِير بْن عَبْد الحميد الضبي عن المغيرة عن البزيغ بن خالد الضبي قال: سمعت الحجاج يَقُولُ عَلَى المنبر: أخليفة أحدكم فِي أهله أكرم عَلَيْهِ أم رسوله فِي حاجته فقلت: لله عليَّ ألا أصلي خلفك أبدًا، وإن رَأَيْت قومًا يجاهدونك لأجاهدنك، فخرج فِي الجماجم فقتل. وحدثنا زهير بن حرب أبو خيثمة عَنْ جَرِير بْن عَبْد الحميد عَنِ المغيرة عن بزيغ بن خالد بمثله. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثنا أَبُو نعيم، ثنا ابْنُ أَبِي بكير عن أَبِي حيان التيمي قَالَ: سَمِعْتُ الحجاج يَقُولُ: يدعى حيَّ عَلَى الصلاة فلا يجيبون أما والله لو دعي حيَّ عَلَى أربعة دراهم لغصَّ المسجد بأهله. وقَالَ أَبُو نعيم الفضل بْن دكين: ذكروا أَنَّهُ عُدَّ فِي المسجد يَوْم الجمعة أيام الحجاج تسعون رجلًا. حَدَّثَنَا أَبُو خيثمة، ثنا جرير عن الْأَعْمَش قَالَ: قلت لأبي وائل يَوْم الجمعة فِي إمارة الحج: أصلَّيتَ قبل أن تروح؟ قَالَ: ومن أنت؟ قلت: رَجُل من المسلمين. قَالَ: مرحبًا بالمسلمين.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ عامر بْن شقيق قَالَ: كَانَ شقيق يأمرنا أن نصلي الجمعة فِي بيوتنا زمن الحجاج، ثُمَّ نأتي المسجد، وذلك لأن الحجاج كَانَ يؤخر الصلاة. قَالُوا ورأى: راذان ستور الحجاج تضربها الريح فَقَالَ: هَذَا والله المفلس. فقيل لَهُ: المفلس من ذهبت دراهمه فَقَالَ: لا إنَّما المفلس من أفلس من دينه. حَدَّثَنَا عُمَرو بْن مُحَمَّد الناقد عن ابْنُ علية عن ابن عون أن أبا وائل سئل عن الحجاج فقيل لَهُ: أتشهد أَنَّهُ في النار، فقال سبحان الله، أنحن نحكم على الله. وروي عن جرير عن عثمان بْن شبرمه قَالَ: دخل أَبُو وائل عَلَى الحجاج فَقَالَ لَهُ: مَتَى هبطت إلى هَذَا البلد؟ فَقَالَ: حين هبط أهله. قَالَ: ما تحسن من القرآن؟ قَالَ: ما إن عملت بِهِ كفاني. قَالَ: استعملك؟ قَالَ: إن تعفيني أحب إلي. فلما خرج جعل يحيد عن الطريق فَقَالَ الحجاج: سَدّدوا الشَّيْخ. وروي عن الشَّعْبِيّ أَنَّهُ قَالَ: صعد الحجاج المنبر فتكلم بكلام لم أسمع مثله قبله ولا بعده قَالَ: أيها النَّاس إن اللَّه كتب عَلَى الدنيا الفناء، ولا بقاء لما كُتب عَلَيْهِ الفناء، وكتب عَلَى الآخرة البقاء، فلا فناء لما كتب عَلَيْهِ البقاء، فلا يَغُرَّنَكُم حاضر الدنيا عن غائب الآخرة، واقهروا طول الأمل بقصر الأجل. حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ مجالد بْن سَعِيد عن الشَّعْبِيّ قَالَ: أُتي الحجاج برجلين من الخوارج فسألهما عن قولهما فِي أَبِي بكر وعمر

وعثمان، فأثنيا عَلَى أَبِي بَكْر وعمر، وقالا فِي عثمان: أحسن أولًا ثُمَّ أفسد إحسانه. قَالَ: فما تقولان فِي معاوية؟ فقالا: كَانَ طاغيا باغيا. قال: فيزيد؟ قالا: كَانَ حمارًا نهاقًا. قَالَ: فما تقولان فيَّ؟ قَالَا: جَعلت مَعَ اللَّه إلهًا آخر فأطعته وعصيت اللَّه- يعنيان عَبْد الملك- فتكلم أهل الشام وقالوا: اسقنا دماءهما، فقالا: كَانَ جلساء أخيك خير من جلسائك. قَالَ: وأين أخي رحمه اللَّه مُحَمَّد بْن يُوسُف. فقالا: يا فاسق، إنَّما عنينا فرعون حيث يقول جلساؤه: أرجئه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين [1] وهؤلاء يأمرونك بقتلنا، فأمر بهما فقتلا. وحدَّثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قال: كان الحجاج قصيرا صغير العينين، تدمعان دمعًا كَثِيرًا. حَدَّثَنَا العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنْ ابْنُ عياش قَالَ: دخل أزاذمرد بْن الهربذ عَلَى الحجاج، وكان ذا حال عنده فسأله فِي خراجه فأمر بتأخيره فِيهِ، فانحطّ ساجدًا فضرط فتبسم الحجاج، وكان لا يكاد يضحك، فأراد بسطه، فَقَالَ لَهُ الحجاج: هَلْ لَكَ من حاجة؟ فَقَالَ: نعم هَذَا الأعرابي تهبه لي أمُنُّ بِهِ عَلَى قومه، وكان الأعرابي قَدْ أحضر ليقتل، فوهبه لَهُ فخرج ازاذمرد والأعرابي خلفه يقبل استه ويقول: بأبي استك استًا تضع الخراج، وتفك الأسرى، وتحيي الموتى. أَبُو الْحَسَن المدائني عن أَبِي إِسْحَاق المالكي قَالَ: قَالَ الحجاج ليحيى بْن سَعِيد بْن العاص، وهو يمازحه: أخبرني عبد الله بن هلال

_ [1] سورة الأعراف- الآية: 111.

صديق إبليس أنك تشبه إبليس. قَالَ: أصلح اللَّه الأمير وما تنكر أن يُشبه سيد الإنس بسيد الجن. وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْيَزِيدِيُّ، أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، أَنْبَأَ جعفر بن سليمان الضبعي عن المعلي بن زِيَادٍ قَالَ: خَشِيتُ أَنْ أُوجَدَ فِي لَيَالِي يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ فَأُجْعَلُ عِرِّيفًا فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ وخادم لَهُ يُقَالُ لَهَا بَرْزَةُ تُنَاوِلُهُ ثِيَابَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ كَيْفَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ: وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يصنعون [1] يَا أَبَا سَعِيدٍ فَسَخَطَ اللَّهُ عَلَى هَؤُلاءِ لِقَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ وَذَمَّ هَؤُلاءِ حَيْثُ لَمْ يَنْهَوْا؟ فَقَالَ لِي الْحَسَنِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ الْقَوْمَ عَرَضُوا، فَحَالَ السَّيْفُ دُونَ الْكَلامِ، قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ هَلْ تعرف لمتكلم فضلا؟ قال: ما أعرفه. ثُمَّ حَدَّثَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [لَيْسَ لِمُؤْمِنٍ أن يذل نفسه أقيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِذْلالُهُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاءِ لِمَا لا يُطِيقُ] » . قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَيَزِيدُ الضَّبِّيُّ حِينَ قَامَ فَتَكَلَّمَ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ السِّجْنِ حَتَّى نَدِمَ عَلَى مَقَالَتِهِ. قَالَ المعلى: فأقوم من عند الْحَسَن فآتي يزيد الضبي- قَالَ غيره: هُوَ يزيد بْن شقيق الضبي- فدخلت عَلَيْهِ فقلت: يا أبا مودود كنت عند الْحَسَن آنفًا فذكرتك لَهُ. قَالَ: فما قَالَ لَكَ؟ قلت: قَالَ: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم

_ [1] سورة المائدة- الآيتان: 62- 63.

عَلَى مقالته، فَقَالَ: وأيم اللَّه لقد قمت مقامًا أخطرت فِيهِ بنفسي ثُمَّ قَالَ يزيد: أتيت الْحَسَن ثلاث مرات فقلت: يا أبا سَعِيد غُلبنا عَلَى كل شيء، أَوْ عَلَى صلاتنا نغلب؟ قَالَ: فَقَالَ لي الْحَسَن: يا عَبْد اللَّه إنك لم تصنع شيئًا إنَّما تُعَرِّض نفسك لهم، قَالَ: فقمت والحكم بْن أيوب ابْنُ عم الحجاج يخطب فقلت: الصلاة رحمك اللَّه، قَالَ: فجاءتني الزبانية من كل جانب فأخذوا بتلبيبي ويدي ولحيتي فجعلوا يضربونني بنعال سيوفهم، قَالَ: وسكت الحكم بْن أيوب وكدتُ أُقتل دونه فمشوا بي إِلَيْه حتَّى إِذَا بلغت باب المقصورة أُدخلتُ إِلَيْه فَقَالَ: أمجنون أنت؟ قلت: أصلحك اللَّه ما بي من جنون، قال: أو ما كنا في صلاة؟ قلت: هَلْ كلامٌ أفضل من كتاب اللَّه؟ قَالَ: لا. قلت: أرأيت لو أن رجلًا نشر مصحفه فقرأه غدوة وعشية حتَّى يمسي ولا يصلي فيما بين ذَلِكَ أكان ذَلِكَ يجزيه ويقضي عَنْهُ صلاته؟ قَالَ الحكم: والله إني لأظنك مجنونًا، قَالَ: وأنس بْن مالك قريب من المنبر عَلَى وجهه خرقة خضراء فقلت: أيا أنس، أيا أبا حمزة أذكِّرك اللَّه إنك قَدْ صحبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخدمته أبحق قلت أم بباطل؟ فو الله ما أجابني بكلمة. فَقَالَ الحكم: يا أنس. قال: لبيك أصلحك اللَّه، قَالَ: أوَقَد كَانَ فات ميقات الصلاة؟ قَالَ: قَدْ كَانَ بقي من الشمس بقية. قَالَ: احبسوه. فذُهبَ بي إلى السجن، فشهد قوم أني مجنون، قَالَ جَعْفَر بْن سُلَيْمَان: فبذلك نجا من القتل. قَالَ: وكتب الحكم إلى الحجاج أنّ رجلًا من بني ضبة قام فتكلم فِي الصلاة، وَقَدْ قامت البينة عندي أَنَّهُ مجنون، فكتب إِلَيْه: إن شئت فخلِّ سبيله وإلا فاقطع يديه ورجليه ولسانه، قَالَ أَبُو سُلَيْمَان جَعْفَر: واحبسه،

قَالَ: واسمل عينيه. فخلى سبيله، قَالَ يزيد: ومات أخ لي فتبعنا جنازته وصلينا عَلَيْهِ، ثُمَّ دفن فكنت أَنَا فِي ناحية مَعَ إخواني نذكر اللَّه إذ طلع الحكم بْن أيوب فِي خيله فقصد قصدنا فلما رآه النَّاس هرب جلسائي وبقيت وحدي فجاء قاصدًا فوقف عليّ وقَالَ: ما كنتم تصنعون؟ قلت: أصلح اللَّه الأمير أخ لنا مات فدفن فقعدنا نذكر اللَّه والمعاد إِلَيْه، وما صار صاحبنا إِلَيْه. قَالَ: فهلا فَرَرْتَ كما فَرُّوا؟ قلت: أصلح اللَّه الأمير ما يضرني منك، أَنَا ابرأ ساحة من ذاك وآمن للأمير، فَقَالَ عَبْد الملك بْن المهلب وهو صاحب شرطه وحربته بيده وهو واقف بين يديه: أصلح اللَّه الأمير أَوْ ما تعرف هَذَا؟ قَالَ: لا. قَالَ: هَذَا الَّذِي قام إليك وتكلم. قَالَ الحكم: وإني لأراك ههنا تجترئ عليَّ مرة بعد أخرى، مدُّوه. فمددت وهو واقف حتى ضربت أربعمائة سوط، فما عقلتُ كيف رُفعت، ثُمَّ أُدخلتُ الحبس، فلم أزل فِي الديماس حتَّى مات الحجاج. حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى إِسْحَاق الفروي، أنبأ مُحَمَّد بْن الفضيل عن سالم بْن أَبِي حفصة قَالَ: سَمِعْتُ الحجاج يخطب عَلَى المنبر فذكر قراءة ابْنُ مَسْعُود فَقَالَ: زجر كزجر الأعراب. والله لا أُحدَّثُ رجلًا يقرؤها إلا ضربت عنقه، والله لَأحكَنَّها ولو بعظم خنزير. وحدَّثني بَكْر بْن الهيثم والحسين بْن إِبْرَاهِيم الصفّار، قَالا: ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم عن الصلت بْن دينار قَالَ: سَمِعْتُ الحجاج عَلَى منبر واسط يَقُولُ: قاتل اللَّه عَبْد هذيل والله ما قَرَأَ مما أنزل الله عَلَى مُحَمَّد حرفًا، وما هُوَ إلا زجر العرب، والله لو أدركته لسقيت الأرض من دمه.

حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الأُبَلِّيُّ، ثنا أَبُو هلال الراسبي، ثنا قَتَادَة قَالَ: قَالَ الحجاج لأبي عبيدة بْن عَبْد اللَّه: أتؤمن بما فِي مصحف أبيك؟ قَالَ أَبُو عبيدة: آمنتُ بما أنزل اللَّه من كتاب. فَقَالَ الحجاج: أولى لَكَ. حَدَّثَنِي عَبْد المؤمن، حَدَّثَنِي يعقوب بن الحضرمي عن شهاب بن شريفة المجاشعي عن أبي مُحَمَّد الحماني قَالَ: عددنا حروف القرآن بالشعير للحجاج فوجدنا السبع الأول صدودًا وذكر سائر الأسباع عَلَى ما يجزأ فِي مصاحفنا. حَدَّثَنَا خلف البزار، ثنا شهاب عن الْحَسَن بْن عَمْرو قَالَ: توارى إِبْرَاهِيم النخعي أيام الحجاج، وكان المسجد عَلَى الباب، فكان لا يخرج يصلي فِي المسجد. حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن أَبِي إسرائيل عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ- عَنْ ابْنُ عون، أن أبا وائل سئل عن الحجاج فقيل لَهُ: أتشهد أن الحجاج فِي النار فَقَالَ: سبحان الله أنحن نحكم على الله. وروى عن ابْنُ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: لا تسبوا الحجاج فإني سمعته قرأ سورة الملك فأعربها. حَدَّثَنِي أَبُو عليّ الحرمازي، حَدَّثَنِي يُوسُف بْن سُلَيْمَان قال: خطب الحجاج فَقَالَ: إن خيركم من صبر عَلَى مكروه الطاعة فذلك الَّذِي يستوجب الثواب ويكافأ بالإحسان. فأمَّا من جرى مع الطاعة ما جرت الطاعة مَعَ هواه فليس بمستوجب خيرًا ولا معدودٌ مطيعًا. حَدَّثَنَا أحمد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي، ثنا عَبْد اللَّه بْن عَمْرو المنقري، ثنا عَبْد الوارث أَبُو عَبيدة، ثنا مُحَمَّد بْن ذكوان عن مجالد عن الشعبي قال:

قدمنا عَلَى الحجاج البصرة، وقدم عَلَيْهِ قُرَّاء من المدينة من أبناء المهاجرين والأنصار، فيهم أَبُو سَلَمة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف رَضِي اللَّه عَنْهُ. وقراء من قراء أهل الشام وأهل الكوفة، فدخلنا عَلَيْهِ فِي يَوْم صائف شديد الحر وهو فِي آخر أبيات فدخلنا البيت الأول فإذا الماء قَدْ أرسل فِيهِ الثلج والخلاف، ثُمَّ دخلنا البيت الثَّاني فإذا فِيهِ من الثلج والخلاف أكثر مما في البيت الأول ثم دخلنا البيت الثالث فإذا فِيهِ من الماء والثلج والخلاف أكثر مما فِي البيت الثَّاني، قَالَ: وإذا الحجاج قاعد عَلَى سريره، وعنبسة بْن سَعِيد إلى جنبه فدخلنا فجلسنا عَلَى الكراسي فما خرجنا يومئذ حتَّى قُررنا، ودخل الْحَسَن آخر من دخل فَقَالَ الحجاج: مرحبًا بأبي سَعِيد، إليَّ. ثُمَّ دعا بكرسي فوضع إلى جانب سريره فقعد عَلَيْهِ الْحَسَن، فَقَالَ: اخلع قميصك فجعل الحسن يعالج زرقميصه وأبطأ بنزعه فطأطأ الحجاج رأسه إليه حتَّى قلنا إنه يتعاطاه بيده من لطفه بِهِ وإقباله عَلَيْهِ ثُمَّ جاءت جارية بدهن حتَّى وضعته عَلَى رأسه، وما صنع ذَلِكَ بأحد غيره، فَقَالَ لَهُ الحجاج: ما لي أراك منهوك الجسم لعل ذَلِكَ من سوء ولاية وقلة نفقة ألا نأمر لَكَ بخادم لطيف ونفقة توسع بها عَلَى نفسك؟ فَقَالَ: إني من اللَّه فِي سعة، وإنَّ عليّ لنعمة، إني مِنْهُ فِي عافية ولكن الكبر والحر. وأقبل الحجاج عَلَى عنبسة فَقَالَ: لا والله ولكن العلم بالله، والخوف لَهُ، والزهد فيما نَحْنُ فيه. قَالَ: ولم يسمعها الْحَسَن وَقَدْ سمعتها أَنَا وكنت أقرب إلى عنبسة من الْحَسَن، وجعل الحجاج يذاكرهم ويسألهم إذ ذكر عليّ بْن أَبِي طَالِب فنال مِنْهُ ونلنا مقاربة لَهُ وفرقًا مِنْهُ ومن شره، والحسن، ساكت عاضٌّ عَلَى إبهامه، فَقَالَ: يا أبا سَعِيد مالي أراك ساكتًا؟ فَقَالَ: ما عسيت أن أقول؟ قَالَ:

أخبرني برأيك فِي أَبِي تراب عليّ؟ فَقَالَ الْحَسَن: سَمِعْتُ اللَّه يَقُولُ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كان ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم [1] . فعليٌّ ممن هدى اللَّه، ومن أهل الْإِيمَان وأقول: إنه ابْن عم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وختنه عَلَى ابنته، وأحب النَّاس إِلَيْهِ، وصاحب سوابق مباركات سبقت لَهُ من اللَّه لن تستطيع أنت ولا أحد من النَّاس حظرها عَلَيْهِ، والحول بينه وبينها، وأقول: قَدْ كانت لعلي ذنوب، والله وحده حسيبه، والله ما أجد قولًا هُوَ أعدل فِيهِ من هَذَا. فبسر وجه الحجاج وتغير وقام عن السرير مغضبًا، فدخل بيتًا خلفه، وخرجتُ فأخذتُ بيد الْحَسَن وقلت: يا أبا سَعِيد أغضبتَ الأمير وأوغرت صدره، فَقَالَ: إليك عني يا عامر، يَقُولُ عامر الشَّعْبِيّ، وعامر من أهل الكوفة: أتيتَ شيطانًا من شياطين الإنس تكلم فِي هواه فقاربته فِي رأيه، ويحك يا عامر هلا اتقيت اللَّه إذ سُئلتَ فصدقتَ أَوْ سكتَّ فسَلِمْتَ. فقلت: يا أبا سَعِيد قَدْ قلتها وأنا أعلم ما فيها، وذكر بعد ذَلِكَ كلامًا فِي دخولهم عَلَى ابْنُ هبيرة. وحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم عن أَبِي معمر عن عَبْد الوارث عن مُحَمَّد بْن ذكوان، ثنا أَبُو نعامة قَالَ: إنّا لجلوسٌ عند الْحَسَن فِي المسجد الجامع إذ طلع الحجاج عَلَى برذون أبيض، وحوله شرط يسعون، حتَّى انتهى إلى الحلقة فسلم، ثُمَّ ثنى رجله فنزل فجلس بيني وبين الحسن، ومضى الحسن في

_ [1] سورة البقرة- الآية: 143.

حديثه، فلما فرغ أقبل عَلَى الحجاج فسأله، فَقَالَ الحجاج: إن هَذَا الشَّيْخ شيخ مبارك معظم لحقِّ أهل القبلة، ناصح لأهل الملة، صاحب سنة واستقامة ونصيحة للعامَّة، فعليكم بِهِ، فاحضروه واشهدوا مجلسه، فإن مجلسه مجلس يعرف فضله وتُرجى عاقبته، فلولا الَّذِي ابتلينا بِهِ من الشغل وبالقيام بحق الرعية وسياستهم لأحببنا مشاهدتكم وحضوركم، ثُمَّ ما لبث أن جاءت سفرة وأطعمة وأشربة. فطعمنا، ثُمَّ قام شيخ كبير فاستقبل الْحَسَن ثُمَّ قَالَ: يا أبا سَعِيد شيخ كبير من أهل الديوان وعطائي زهيد قليل، وما فِيهِ فضل عن قوت عيالي، وَقَدْ أُخذت بفرس وسلاح ثُمَّ بكى وبكى الْحَسَن، ثُمَّ قَالَ: إن هَذَا السلطان ناصر لله ودينه وعباده، وسلطاننا قَدْ أخفر ذمة اللَّه واستخول عباد اللَّه، وقتلهم عَلَى الدينار والدرهم أخذهما من خبيث، وأنفقهما فِي سرف، مضغة قليلة، وندامة طويلة، إِذَا خرج عدو اللَّه فبغالٌ رَفَّافةٌ، وسرادقات هفَّافة، وإذا خرج غيره سعى عَلَى رجله فِي غير كنّ. فسُعيَ بهما إلى الحجاج فبعث حرسيًا فدعا الْحَسَن. قَالَ أَبُو نعامة فانطلقت معه فدخل عَلَى الحجاج. ومع الحجاج قضيب يخطر بِهِ، فسلم الْحَسَن ثُمَّ قام بين يديه فَقَالَ: يا حسن أنت صاحب الكلام؟ فَقَالَ: أي الكلام أصلح اللَّه الأمير؟ فأخبره، فَقَالَ: نعم. قَالَ: فما دعاك إلى هَذَا؟ قَالَ: ما أخذ اللَّه علينا في الكتاب حين قال: وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّنه للناس ولا تكتمونه [1] وكان الْحَسَن يفسرها لتكلمنّ بالحق ولتصدقن العمل. فقال الحجاج: إذهب أيها

_ [1] سورة آل عمران- الآية: 187.

الرجل فقل ما بدا لَكَ فإنما أنت والدٌ غير ظنين علينا، ناصح لخاصتنا وعامتنا، فما مثلك يؤاخذ بقول، قَالَ: فانصرف الْحَسَن. حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمر قَالَ: قَالَ الحجاج: إن بين أخصاص البصرة علجًا لَهُ لخطابة وبيان وما يبالي ما قَالَ مما جرى عَلَى لسانه، والله لهممت أن أسقي الأرض من دمه. حَدَّثَنِي هدبة بْن خَالِد عن مبارك بْن فضالة قَالَ: جاء عَبْد اللَّه بْن غالب، أَبُو قريش الجهضمي وعقبة بْن عَبْد الغافر الأزدي إلى الْحَسَن فَقَالا: إن الحجاج قَدْ أمات السنَّة، وانتهك المحارم، وقتل عَلَى الظنة وأخاف المسلمين، فَقَالَ: إن الحجاج عقوبة من اللَّه، فلا تلقوها بالسيف، ولكن بالتوبة والتضرع. وحدَّثني الحرمازي عن أَبِي إِسْمَاعِيل الثقفي قَالَ: خرج الحجاج إلى ظهر الكوفة فِي غبّ مطر، فرأى رجلًا واقفًا فِي طرف الحيرة فَقَالَ لَهُ: ما تَقُولُ فِي أميركم؟ قَالَ: الحجاج؟ قَالَ: نعم. قَالَ: زعموا أَنَّهُ من ثمود، وكفى بسوء سيرته شرًا، فعليه لعنة اللَّه، فقال الحجاج: أتعرفني؟ قَالَ: لا، قَالَ: أَنَا الحجاج. قَالَ: أفتعرفني أنت، أصلح اللَّه الأمير أَنَا مَوْلَى بني فلان أُجنُّ فِي كل شهر ثلاثة أيام فاليوم آخرهنَّ وهو أشدهنّ، فضحك ولم يعرض لَهُ. حَدَّثَنِي عافية بْن شبيب عن أَبِيهِ عن شبيب بْن شبة قَالَ: كانوا يقاتلون الحجاج ويقولون: يا لثارات الصلاة. قَالَ المدائني: قَالَ مالك بْن دينار: سَمِعْتُ عَبْد اللَّه بْن غالب ينادي بالزاوية: يا لثارات الصلاة.

قَالَ المدائني: لما مات الحجاج وقف عَلَى قبره رَجُل من أهل الشام فَقَالَ: إنا لا نخافك عَلَى تعذيب الحجاج فلا تحرمنا شفاعته. المدائني قَالَ: قَالَ الحجاج لعروة بْن الزُّبَيْر وَقَدْ أغلظ لعبد الملك فِي كلام: يا بن العمياء، أتقول هَذَا لأمير المؤمنين؟ فَقَالَ لَهُ عروة: وما أنت وهذا يا بن المتمنية، يعني أن جدته أم أَبِيهِ وهي من بني كنانة ثُمَّ من بني الديل، القائلة فِي زمن عُمَر بْن الخطاب: ألا سبيل إلى خمر فأشربها ... أم لا سبيل إلى نصرِ بْن حجاج وَقَدْ ذكرنا خبرها فيما تقدم. المدائني عن أَبِي اليقظان قَالَ: مات مُحَمَّد بْن الحجاج فِي حياة أَبِيهِ، فَقَالَ الحجاج: إِذَا فرغتم من غسله فاعلموني، فأعلموه فانطلق حتَّى أخذ بعضادتي الباب فنظر إِلَيْه وهو عَلَى السرير فَقَالَ: الآن لما كنت أكمل مَنْ مَشى ... وَافتر نابك عن شباة القارح فقيل لَهُ: استرجع أصلح اللَّه الأمير، فَقَالَ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ ربهم ورحمة أولئك هم المهتدون [1] . ومات مُحَمَّد بْن الحجاج، ومحمد بْن يُوسُف باليمن فِي سنة، فَقَالَ الحجاج: مصيبتان عظيمتان فِي عام، أما والله لو كَانَ الموت يقبل الفداء لقد كَانَ عندنا مال، ولو كَانَ يدفع بالقوة لقد كانت عندنا قوة وسلطان، ولكن غلب سلطان اللَّه سلطاننا وما يسرني أن أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي لما

_ [1] سورة البقرة- الآيتان: 156- 157.

أرجو من ثواب الله، وكأنَّا بكل جديد قَدْ بلي وبكل حي قَدْ مات. وعزاه النَّاس فَقَالَ الفرزدق: جناحا عقاب فارقاه كلاهما ... ولو نُزعا من غيره لتضعضعا سميًا رسول الله سماهما به ... أب لم يكن عند الحوادث أخضعا [1] فبكى الحجاج حين سماع هَذَا الشعر حتَّى نشج. وأخبر الجارود بْن أَبِي سبرة أن رجلًا من بني عُقيل كَانَ الحجاج قتل ابنه فَقال: ذوقوا كما ذقنا غداة محجَّرٍ ... من الغيظ فِي أكبادكم والتحَّوُّب قَالَ المدائني: أتي الحجاج برجلين من الخوارج فَقَالَ لأحدهما: ما دِينكَ؟ قَالَ: دين إِبْرَاهِيم حنيف مُسْلِم، وإني أحذرك يا حجاج يومًا لا آخر لَهُ فأمر بِهِ فقتل، وقَالَ للآخر: ما دِينَك فَقَالَ: دين يُوسُف بْن الحكم. فَقَالَ: لقد توليت بحب اللَّه ورسوله وخلى سبيله، فَقَالَ حين خرج: أرى الحجاج يقتل كل بَرٍّ ... ويترك مَنْ عَلَى دِينِ الحمار فيابن القِلعم [2] المجلوب حيفا ... دع الحجاج وانج إلى وبار وحدَّثني عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ: قدم رَجُل من اليمن يشكو مُحَمَّد بْن يُوسُف فقيل لَهُ: إن أخاه الحجاج فاحذر غائلته وأمْسِكْ فَقَالَ: أتراه بالحجاج أعزّ مني بالله؟ لاها الله إذن.

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 397- 398- مع فوارق. [2] القلعم: الشيخ المسن، العجوز.

وحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عليّ الحرمازي عن أَبِي اليقظان قَالَ: لما توفي الحجاج قَالَ الفرزدق يرثيه: ما ذَرَّفَتْ عينانِ بعد نبيِّها ... عَلَى مثله إلّا نفوس الخلائف أقول لهم لما أتاني نعيُّه ... أريحوا عليكم مُهْمَلَات التنائف يَقُولُ: أريحوا إبلكم لا ترعوها لخوف الغدرات إِذَا ذهب من كنتم تأمنون بِهِ. فليت الأكف الدافنات ابْنُ يُوسف ... تَقَطَّعْنَ إذ يحثين فوق السفائف فما حملتْ أنثى عَلَى الأرض مثله ... ولا خط نعي فِي بطون الصحائف [1] وكان قَدْ ظَنَّ أنَّ ابنه عَبْد الملك سَيَلي مكانه، ثُمَّ قَالَ بعد ذلك لئن أسرة الحجاج آل معتب ... لقوا دولة كان العدو يدالها لقد أصبح الأحياء منهم أذلة ... وَفِي النار موتاهم يُهان سبالها وكانوا يرون الدائرات بغيرهم ... فصار عليهم بالعذاب انتقالها وكان إِذَا قيل اتَّقِ اللَّه شَمَّرتْ ... بِهِ عزة لا يُستطاع جدالها [2] فقيل لَهُ: رثيته ثُمَّ قَلَتْ هَذَا؟ فقَالَ: إنَّا نكون مَعَ القوم ما كَانَ اللَّه معهم، فإذا تركهم تركناهم. وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن عوانة قَالَ: كَانَ الحكم بْن أيوب بْن أَبِي عقيل عامل الحجاج عَلَى البصرة أبخل الخلق وكان لَهُ دُراجة يؤتى بها بعد الطعام فيأكلها وحده، وكان استعمل رجلا من بني

_ [1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 5- 7 مع فوارق. [2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 75- 76 مع فوارق.

مازن بْن تميم يُقال لَهُ جرير بْن بيهس ويعرف بالغُطَرَّق عَلَى بعض العروض وناحية سفوان، فقدم عَلَيْهِ وهو يتغدى ودراجة بين يديه فدعاه إلى الغداء فأكل معه وجعل يفسخ الدراجة حتَّى أكل أكثرها، فعزله وقَالَ: الحق بأهلك. فَقَالَ ابْنُ عم لَهُ: قَدْ كَانَ عندك صيد لو قنعت بِهِ ... فِيهِ غنًى لَكَ عَن دراجة الحكم وفي عوارض مَا تَنْفَكّ، تأكلها ... لو كَانَ يشفيك أكل اللحم من قرم فبلغ ذَلِكَ الحجاج فَقَالَ: لعن اللَّه الحكم لقد هممتُ أن أعزله، وكتب إِلَيْه: أَمِنْ عَوَزِ الدراج لا أم لَكَ فعلتَ ما فعلتَ، ولقد كَانَ أحسن من فعلك بالرجل وأسْتَرُ لبخلك ألا تدعوه إلى طعامك. وقَالَ غير الكلبي: عزل الغُطَرَّق وولي نويرة بْن شقيق من بني تميم فَقَالَ أَبُو نويرة الشعر الَّذِي أَوَّلُهُ: « قَدْ كَانَ بالعرض صيد » . ثُمَّ عزله الحكم وولى المحلق الضبي فقال نويرة: أبا يوسف لو كنت تعلم طاعتي ... ونُصحي إذًا ما بعتني بالمحلق ولا اعتل سراق العرافة صالح ... علي ولا كُلِّفْتَ ذنب الغُطَرَّق حَدَّثَنِي الحرمازي عن مشايخهم قال: أُتي الحجاج بعاصٍ وهو يتغدى فَقَالَ لَهُ: أما سَمِعْتُ قول جرير: إِذَا ظَفَرتْ يداه بحبل عاصٍ ... رَأَى العاصي من الأجل اقترابا [1] اضربا عنقه. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عدي قَالَ: كَانَ الحجاج يفرض

_ [1] ديوان جرير ص 21.

في ثلاثمائة ففرض للجَرَنْفَش أحد بني ثعلبة بْن سلامان وكان يأخذهم بالخيل والسلاح فَقَالَ الجرنفش: يُكلفني الحجاج درعًا ومغفرًا ... وطِرفًا كُمَيْتًا رائعًا بثلاث وستين سهمًا صنعة يثربية ... وقوسًا طروح النبل غير لباث ففي أي هَذَا أكتفي بعطائه ... فَرَبِّيَ من هَذَا الحديث غياثي وحدَّثني عَبْد الرَّحْمَن بْن حَزْرَة من ولد جرير قَالَ: أنشد جرير الحجاج: مَنْ كابن يُوسُف يَوْم تختلف القنا ... أم من يصول كصولة الحجاج أم من يغار عَلَى النساء حفيظة ... إذ لا يثقن بغيرة الأزواج ولَرُبَّ ناكثِ بَيْعَتَيْنِ تركتَه ... وخضاب لحيته دم الأوداج [1] فَقَالَ الحجاج حين أنشده إياها: لله أبوك ما أعرفك، إني لأصول بحد وأنوأ بحزم، وأغار عَلَى الحُرَم. وحدَّثني الحرمازي عن العتبي وغيره قَالُوا: أنشدت ليلى الأخْيَلية الحجاج شعرها الَّذِي تَقُولُ فِيهِ: وكان إِذَا ما حلَّ أرضًا مريضةً ... تَعَمَّدَ أقصى داءها فشفاها شفاها من الداء العضال الَّذِي بها ... غلام إِذَا هَزَّ القناة سقاها [2] فَقَالَ الحجاج: لا تقولي غلام ولكن قولي همام. المدائني عن خَالِد بْن عَبْد اللَّه قَالَ: كَانَ الحجاج يقول: ما تناجى اثنان

_ [1] ديوان جرير ص 74 مع فوارق. [2] ديوان ليلى الأخيلية- ط. بغداد 1967 ص 121.

دون واحد إِلا ظَنَّ بِهِمَا اغْتِيَابًا لَهُ، أَوْ طَيًّا لأمرهما عَنْهُ، فأحنقته تلك، أَوْ أوحشته هَذِهِ. وكتب الحجاج إلى عَبْد الملك: إنك يا أمير المؤمنين أعز ما يكون أحوج ما تكون إلى اللَّه، فإذا عززت بالله فاعفُ لَهُ، فإنك بِهِ تَقدر، وإليه تَرجع. حَدَّثَنِي الحرمازي عن أَبِي عقيل الثقفي قَالَ: خطب الحجاج فَقَالَ: احفظوا ألسنتكم فإن أيمن امرئ وأشأمه بين فكيه. وقَالَ عمارة بْن عقيل بْن بلال بْن جرير: كَانَ جرير يَقُولُ: سَمِعْتُ الحجاج يَقُولُ: البليغ من سَهُل لفظه، وحَسُنت بديهته. الْمَدَائِنِيّ عَن سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ عَن مالك بْن دينار قَالَ: حبس الحكم بْن أيوب الثقفي عليّ بْن زَيْد بْن جُدعان، والحسن يومئذ مُستخفٍ، ونحن مَعَهُ مُسْتَخْفُون، فأتاه الْحَسَن ليلًا وأتيناه فأذن لَهُ وأجلسه معه عَلَى السرير فما كُنَّا عند الْحَسَن إلّا مثل الفراريج، فذكر يُوسُف النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام وإخوته فَقَالَ: باعوا أخاهم وحزنوا أباهم ومكانهُ مِنَ اللَّه مكانهُ، ثُمَّ لقي يُوسُف مَا لقي من الحبس وكيد النساء، ثُمَّ أداله منهم ورفع ذكره وأعلى كعبه، وجعله أمينًا عَلَى خزائن الأرض فلما أكمل لَهُ أمره، وجمع أهله، وأتاه بأبويه، وأقرَّ عينه قَالُوا: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ. قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ

الراحمين [1] . قَالَ الحكم: وأنا أقول لا تثريب عليكم، لو لم أجد الأثوبي هَذَا لواريتكم بِهِ، وأطلق عليًا. وحدَّثني الأثرم عن الأصمعي قَالَ: اغتاب رَجُل رجلًا عند الحجاج، وقتيبة حاضر، فلما خرجا قَالَ قُتَيْبَة: يا هَذَا لقد لكْتَ مضغة، طالما لفظها الكرام. حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن المقرئ عن عليّ بْن نَصْر الجهضمي عن أَبِي مرجعة قَالَ: سَمِعْتُ مالك بْن دينار يَقُولُ: سَمِعْتُ الحجاج يَقُولُ فِي خطبته: رحم اللَّه امرأً اتهم نفسه عَلَى نفسه، رحم اللَّه امرأً اتخذ نفسه عدوًا فحذرها فِي قولُه وفعله، رحم اللَّه امرأً أخذ بعنان عمله فعلم ما يراد بِهِ، رحم اللَّه امرأً حاسب نفسه قبل أن يكون حسابه إلى غيره، رحم اللَّه امرأ نظر إلى ميزانه فأشفق من خِفَّتِهِ، رحم اللَّه امرأً علم أن الشقاء والرخاء فيما بين يديه. فلم يزل يتكلم حتَّى بكينا. حَدَّثَنِي ابْنُ الأعرابي عَن الهيثم عَن مجالد عَن الشَّعْبِيّ قَالَ: سَمِعْتُ من عَبْد الملك- أَوْ قَالَ من الحجاج- كلمتين حسدته عليهما، سَمِعْته يَقُولُ: اللهم إن ذنوبي قَدْ كثرت فجلت عن الوصف، اللهم وإنها صغيرة فِي جنب عفوكِ فاعف عني. وقَالَ الحرمازي: أخذ رَجُل بابن عم لَهُ عاصٍ، فَقَالَ للحجاج: أُؤخذ بذنب غيري أصلح اللَّه الأمير، وَقَدْ قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: وَلا تزر وازرة وزر أخرى [2] فقال: أو ما سمعت قول القائل:

_ [1] سورة يوسف- الآيتان: 91- 92. [2] سورة الأنعام- الآية: 164.

........ ... إن الفتى بابن عم السوء مأخوذ فَقَالَ الْحَسَن: ما لَهُ قبحه اللَّه تُتلى عَلَيْهِ آية من كتاب اللَّه، فيعارضها بقول شاعر كذاب. المدائني عن عامر بْن حَفْص قَالَ: قَالَ عُمَر بْن عَبْد العزيز: «لو خابثتنا الأمم بالحجاج، فجاءت كل أمه بأخبث من فيها، وجئنا بالحجاج لخبثناهم وغلبناهم» . حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صالح العجلي قَالَ: قرأت فِي كتاب شيخ من أهل واسط قَالَ: قَالَ الحجاج بْن يُوسُف: كَانَ يُقال الكآبة فِي أربع: فِي الفقر بعد الغنى، والذل بعد العز، واليأس بعد الطمع، وعواقب الهوى المتبَّع. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَقَدْ خَتَمَ الْحَجَّاجُ فِي رَقَبَتِهِ [1] . قَالَ ابْنُ أَبِي ذئب: وحدَّثني من رَأَى جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَقَدْ ختم يده فِي كوعه، فبلغ الحجاج أن جابرًا قَالَ: شهدت العقبة ورأيت ورأيت، ثُمَّ رَأَيْت الحجاج وما يصنع فليت أن سمعي قَدْ ذهب مَعَ بصري حتَّى لا أسمع شيئًا، فَقَالَ: ما رَأَيْت أعظم فخرًا من هَؤُلَاءِ اليهود. وقَالَ المدائني عن عوانه وغيره: هلك الحجاج وفي حبسه ستون ألف محبوس. ويروى عن الحجاج- وبعضهم يرويه عن المغيرة بن شعبة- قال:

_ [1] ترجمة أنس بن مالك في طبقات ابن سعد ج 7 ص 17- 26.

الشره ينتج الطمع، والطمع يُخْلِقُ المروءة، ويدنس العرض، ويستخف الشأن ويَذهب ببهاء الرجال. حَدَّثَنِي ابْن أَبِي شيخ الكوفي عَن عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى قَالَ: بلغني أن عَبْد الملك قال للحجاج: إنه ليس من النَّاس أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه، فعزمتُ عليك لمَّا أخبرتني بما فيك؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين أَنَا لجوج، حقود، حسود. قَالَ: حَسْبُك فما فِي الشيطان إلّا دون هَذِهِ الخلال. قَالَ ابْنُ أَبِي شيخ: وبلغني أن الحجاج وعظ بعض أهله فَقَالَ: لا تستشيرنَّ ذا عيب، فإنه يرجع بك فِي مشورته إلى عيبه. وكتب الحجاج إلى عَبْد الملك: بلغني أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عطس فشمته من حضر فرد عليهم إن يغفر اللَّه لكم، ويصلح بالكم، فيا ليتني كنت مَعَهُمْ فأفوز فوزًا عظيمًا. وقدم رَجُل عَلَى الحجاج فِي مَظْلمةٍ فحبق فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير إنها خَلْفٌ نطقت خَلْفًا. فَقَالَ: لا ولكن عودتها ذَلِكَ فِي الخلاء، ففضحتك فِي الملاء. المدائني عن سَعِيد بْن زَيْد عن عثمان بْن أَبِي سَلَمة عن مطرف قَالَ: قَالَ لي الحجاج: هيه يا أبا عَبْد اللَّه إِذَا كانت لنا فأنت معنا، وإذا كانت علينا فأنت علينا. قلت: كُنَّا بين مُفَارقٍ وخاذلٍ، لو صبرنا عَلَى الحق كَانَ خيرا لنا. قَالَ: صدقت أُدْنُ فدنوت، ثُمَّ قَالَ: يا أهل الشام هَذَا بقية الناس.

وولى الحكم بْن أيوب مُحَمَّد بْن رباط الفقيمي، فكتب إِلَيْه الحجاج: وليته أعرابيًا جافيًا، وكان ابْنُ رباط أُميًّا، فلزم طول الصمت، وحسن السمت حتَّى ولاه الحكم. المدائني عن ابْنُ فائد قَالَ: قدم الحجاج العراق وليس عَلَى أنهارهم جسور، فأخذهم باتخاذها إلى أرضهم. قَالَ: وضرب الحجاج أبا عُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، وأمر بِهِ فسحب وقَالَ: ضربٌ بضربٍ، وتجرارٌ بتجرارِ. وذلك لأن عَبْد اللَّه بْن خَالِد ولي الطائف، ففعل مثل ذَلِكَ برجل من ثقيف. المدائني عن جرير بْن حازم عن أَبِيهِ عن حميد بْن هلال قَالَ: أتى القراء مطرّف بن عبد الله بن الشخبر فدعوه إلى الخروج، فَقَالَ: أرأيتم الَّذِي تدعونني إِلَيْه ألَيْسَ إنَّما هُوَ جهاد؟ قَالُوا: بلى. قَالَ: أخاف أن أكون مأثومًا، فلو كانت لي نفسان بايعتكم بواحدة، فإن كَانَ ما تقولون رشدًا أتبعتها الأخرى، ولكنها واحدة، فأنا أكره أن أُغرر بها. وخرج من البصرة إلى السَّخبرية وهِيَ عَلَى ليلتين منها، وأقام الْحَسَن بالبصرة ينهي النَّاس عن الخروج، فكان كرجل خاف السيل فأقام عَلَى سَنَنِه. المدائني قَالَ: قتل الحجاج عثمان بْن مَسْعُود مَوْلَى خزاعة، جَدُّ أَبِي إِسْحَاق صاحب حرس أَبِي مُسْلِم، وكان عثمان عظيم القدر بخراسان، وهو قتل مُوسَى بْن عَبْد اللَّه بْن خازم السُّلمي، فَقَالَ لَهُ مُجَشِّر بْن مزاحم السلمي وهو جالس عند قُتَيْبَة بخراسان، وأراد إن يُغضب قُتَيْبَة عَلَيْهِ: ما فعل مُوسَى بْن عَبْد اللَّه؟ قَالَ: استودعته نهر بلخ، ولو حضرتَه لألحقتك بِهِ. وكتب الحجاج إلى قُتَيْبَة: احمل إليَّ عثمان فحمله إِلَيْه وما مَعَ قتيبة قلبه

فرقًّا، فأمن عثمان فحبسه الحجاج وبعث قُتَيْبَة بمنطقة نيزك إلى الحجاج، فدعا بعثمان من الحبس فَقَالَ: هَذِهِ منطقة نيزك؟ قَالَ: لا هَذِهِ منطقة رَجُل من عظماء الترك، ومنطقة نيزك موصولة بنصف منطقة فيروز. فَقَالَ محفز الكلابي: كذبت قَالَ: اغرب فإنك بأكل اليربوع أعلم منك بأمر الملوك. فَقَالَ الحجاج: كُفَّ يا محفز. وَرَدَّهُ إلى السجن. وقَالَ الحجاج: لونا صحني عَبْد خزاعة كَانَ أحبَّ إليَّ من أن يمدني أمير المؤمنين بثلاثة آلاف فارس، وكان سخيًا جميلًا شجاعًا كاتبًا بالعربية والفارسية أعطى يومًا ثمانين جارية وثمانين وصيفًا، وبعث إِلَيْه رَجُل بجارية فَقَالَ لجلسائه: أرى قبيحًا أن أتخذها لنفسي وأنتم حضور، وأكره أن أخص بها رجلًا وكلكم لَهُ حق، وكانوا ثمانين، فأمر لكل رَجُل بجارية ووصيف. وقَالَ الحجاج لجبلة بْن عَبْد الرَّحْمَن: إنك لنزيف زيغان [1] ، وَيُقَال عثمان بْن مَسْعُود، فَقَالَ: أصلح اللَّه الأمير وما عسيت أن أكون إلّا رجلًا من أهل أصبهان، أَوْ عبدًا لباهلة. ودعا الحجاج بعثمان وَقَدْ أُتي برأس نيزك، فَقَالَ لَهُ: يا عثمان رَأَيْت أحدًا أعظم غناء ممن بعث بهذا الرأس وقتل صاحبه- يعني قُتَيْبَة بْن مُسْلِم- فَقَالَ: نعم الَّذِي قتل صاحب هَذَا الخاتم، ورمى إِلَيْه بخاتم مُوسَى بْن عَبْد اللَّه بْن خازم. قَالَ: صدقت، أنت لعمري أعظم غناء ونحن نعجز عن مكافأتك فأدِّ ما عليك حتَّى أحملك إلى عبد الملك أمير المؤمنين فيتولى

_ [1] النزيف: المحموم، والسكران، ومن عطش حتى يبست عروقه وجفّ لسانه. والزيغان: الميل. القاموس. العين.

مكافأتك. وردَّه إلى الحبس، وأمر صاحب العذاب فألح بِهِ عَلَيْهِ حتَّى قتله. المدائني عن كليب بْن خلف العميّ قَالَ: قَالَ دِيبق الأقطع للحجاج: أردت كذا فما منعني مِنْهُ إلا سفهك فَقَالَ: بل صرامتي. وكان يمازحه. المدائني عن أَبِي إِسْحَاق التميمي قَالَ: توارى الْحَسَن عند أَبِي خليفة مَوْلَى عَبْد القيس فمرض جَابِر بْن زَيْد، فأتاه الْحَسَن ليلًا وَقَدْ ثقل فخاف الصبح، ونزل بِهِ الموت فصلى عَلَيْهِ، وقَالَ أَبُو خليفة: إن اللَّه قَدْ وَسَّعَ فلا تحتشم. فَقَالَ: أما ترضى أن أكون فِي بيتك مثلي فِي بيتي؟. المدائني عن أَبِي إِسْحَاق التميمي قَالَ: قَالَ الْحَسَن: قدم رَجُل من أهل الشام فِي بيعة الوليد فكان الشامي يبايع قومًا، فميلت بين إتيان الحجاج والشامي، فأتيت الحجاج فبايعته فَقَالَ: يا حسن ما كتاب أصيب فِي دار عمير يُروي عنك تزري فِيهِ عَلَى الأئمة والسُلطان؟ قلت: أصلحك اللَّه كثيرًا ما يُقال الباطل، وما أدري ما هَذَا الكتاب. وخطب الحجاج فَقَالَ: إن اللَّه أمرنا بطلب الآخرة، وكفانا مؤونة الدنيا، فليتنا كُفينا مؤونة الآخرة. فَقَالَ الْحَسَن: مُنْية مؤمن خرجت من قلب منافق. المدائني عن عامر بْن أَبِي مُحَمَّد أن الحجاج كَانَ يضيق عَلَى أهل الديماس فكان يقرنهم كل رجلين فِي سلسلة، فمات الحكم بْن المنذر بْن الجارود وكان مقرونًا بابن رباط الفقيمي، فسقط فِي متوضأ لهم فمات من نتنه، وكان لكل رَجُل ذراع فِي ذراع يتراوحان ذَلِكَ، ولم يكن لهم أدم

إلّا الملح والخبز الشعير وكان يلقى فِي الماء ملحًا، فحبس قطن بْن زياد الحارثي فمرض فاشتهى اللحم فاحتالوا لَهُ فأدخلوا إِلَيْه عرقًا أَوْ عرقين، فأكل اللحم فَقَالَ جبلة بْن عَبْد الرَّحْمَن: اعطوني العظام فأعطوه فدفنها فِي منزل رَجُل فِي السجن كَانَ الَّذِي بَيْنَهُما متباعدًا، وبلغ صاحب السجن فدخل ففتش مواضعهم فاستخرج العظام، فلقي الرجل أذى وضُربَ وضُيّق عَلَيْهِ. المدائني عن شيخ من الأزد قال: نادى رجل من بني عطارد: يا حجاج أَخِرج إلينا أكفاءنا من مضر. فأمر جُنْدَب بْن عَبْد الرَّحْمَن أخا الجنيد فخرج إِلَيْه فقتله جندب، فأعطاه الحجاج سلبه، فاشترى يَحيى بْن الحكم فرسه بثلاثة عشر ألف درهم فَقَالَ الحجاج، لقد صدقَتْ أسماء بِنْت الصديق حين قَالَتْ: «فِي ثقيف كذاب ومبير» ، أَنَا المبير أبير المنافقين وأهل الشقاق. المدائني عن بَكْر بْن حبيب السهمي من باهلة عن أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ الحجاج يخطب فَقَالَ: يا أهل العراق إنه والله ما بيني وبينكم من هوادة ولا بلهنية ولا رفاهية ولا دبغ عَلَى التحلية، ولا أقول لمن عثر: لعًا [1] ، ولكن لليدين والفم، وما مثلي ومثلكم إلا كمثل رَجُل كانت فِي بيته حية تُخرج لَهُ كل يَوْم دينارًا تضعه عَلَى باب جحرها، فقيل له: لو قتلتها واستخرجت الدنانير التي فِي جوفها. فرصدها بفأس فلما خرجت أهوى إليها ليضربها فولَّت فقطع ذنبها، فلما كَانَ الليل لدغت ابنًا لَهُ فمات فندم وسألها الصلح

_ [1] اللعو: السيء الخلق والفسولة. القاموس.

فقالت: لا صلح بيني وبينك، إِذَا ذكرتُ قطع ذنبي وذكرت قتلي ابنك لم تطب نفسك لي، ولا نفسي لَكَ. المدائني عن أَحْمَد بْن خَالِد قَالَ: لما قتل ابْنُ الأشعث فَنْدَشا، نذرت أخته إن ظفر الحجاج أن تقبل رأسه فلما ظفر ونزل واسطًا دخلت عَلَيْهِ وهو عند النساء فأخبرته بنذرها، فَقَالَ: إِذَا جلستُ للناس فادخلي عليّ، فلما جلس للناس دخلت عليه فدعاها وقَالَ: قُصيِّ قصَّتك ففعلت فنكس رأسه وقَالَ: فِي بنذرك فأقبلت تمشي بين السماطين حتَّى قبَّلت رأسه وانصرفت. المدائني قَالَ: جهد الحجاج عَلَى وضع آل المهلب فلم يقدر، ووضع آل الفضيل بْن عمران، وقتل الهذيل بْن عِمْرَانَ البرجمي، وآل شقيق بْن ثور، وقتل أشْيَم، وهدم دار سُفْيَان بْن عَمْرو العبدي، وأقطع دار عَبْد الرَّحْمَن بْن زياد لخروجه مَعَ ابْنُ الأشعث فردَّها عُمَر بْن عَبْد العزيز، وأقطع دار عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سمرة بالجزيرة فهي اليوم لآل نَهيك، وأقطع عُبَيْد اللَّه بْن زياد دار سعد الرابية من بني عَمْرو بْن يربوع كانت ماخورًا، وكان سعد معلمًا وله يَقُولُ الفرزدق: إني لأبغض سعدًا أن أجاوره ... وما أُحبُّ بني عَمْرو بْن يربوع قوم إِذَا غضبوا لم يخشهم أحدٌ ... والجار فيهم ذليل غير ممنوع [1] فلما قدم مصعب بْن الزُّبَيْر أخذ الدار من سعد لانقطاعه إلى زياد وآل زياد، فخرج سعد إلى عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر فَقَالَ: يا أمير المؤمنين الخبيثات

_ [1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 426 مع فوارق.

للخبيثين [1] كانت داري ماخورًا أقطعنيها ابْنُ زياد، فأخذها مني مصعب، فردها عَلَيْهِ، فلما قدم الحجاج أخذها لأن ابْنُ الزُّبَيْر ردها عَلَى سعد فأقطعها عبد الرحمن بن طارق التميمي ثُمَّ العبشمي، وأصله من الجزيرة، فخرج مَعَ ابْنُ الأشعث وكان عَلَى شرطة الحجاج، فهرب إلى الشام، فقبض الحجاج الدار فكانت مقبوضة، فأقطعها يزيد بْن عَبْد الملك مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن المخزومي حين قدم عَلَيْهِ برأس يزيد بْن المهلب فخاصمه فيها إلى سعد، ثُمَّ اشتراها عِيسَى بْن سُلَيْمَان بْن عليّ. المدائني قَالَ: أخذ الحجاج فُضَيْل بْن بَزْوان مَوْلَى بني البكاء، وَيُقَال عَبْد الرحمن بن بزوان العَدْواني فَقَالَ لَهُ: ألم أكرمك؟ ألم أستعملك؟ قَالَ: بلى فاستعبدتني وأهنتني. قَالَ: لأقتلنَّك. قَالَ: إذًا أُخاصمك فِي دمي، قَالَ: إذًا أخصمك، وقتله. المدائني قَالَ: ركب الحجاج فعرض لَهُ خارجي فحمل عَلَيْهِ بُخَيْت فقتله، فلما كَانَ رأس السنة ولي بخيت فارس ووصله بمائة ألف درهم. وولى ثولاء بْن نعيم عَلَى الجزيرة وأمره بقتل عدي بْن خَصَفَة العبدي، وكان فاضلًا، فاخبر ثولاء بفضله واجتهاده، فكتب إلى الحجاج فِيهِ، فكتب إِلَيْه: اقتله لا أم لَكَ، وابعث إليَّ برأسه فَقَالَ عديّ: اللهم لا تُري الحجاج وجهي فذبح عَلَى حرف سفينة فسقط رأسه فِي البحر، فاتهم الحجاج ثولاء، ولقي مِنْهُ شرًا. وقتل الحجاج مساور بْن رئاب التميمي وقَالَ: ادفعوه إلى أهله فأهل

_ [1] سورة النور- الآية: 26.

القتيل يلون القتيل، وَيُقَال قتل فِي المعركة بالزاوية، وكانت الفارعة بِنْت همام أم الحجاج عند المغيرة، فولدت لَهُ ابْنَة فماتت فخاصم عروة بْن المغيرة الحجاج فِي ميراثها، فكان ذَلِكَ مما حَقَدَهُ الحجاج عَلَى عروة. قَالُوا: وسار الحجاج من مكَّة إلى البصرة تسعًا، ومن إيلياء إلى الكوفة سبعًا، فَقَالَ الراجز: كسيره من إيلياء فاعلمي ... سبعا إلى واسط فِي تَجشُّم وقَالَ الفرزدق: فما عاد ذاك اليوم حتى أناخها ... بميسان قد حلت عراها وكَلَّتِ قَالُوا: وكان دليل الحجاج فِي طريق مكَّة قنبر مولى بني عدي فَضَلَّ بِهِ، فضربه الحجاج، ثُمَّ كساه ووصله وقَالَ لَهُ: إن الحوار لا يضيره وطاء أمه. وبعث الحجاج إلى أَبِي عيينة بْن المهلب، وكان معه فِي الطريق فَقَالَ: انظروا ما يصنع فأُخبر أَنَّهُ كَانَ يمصّ قصب السكر، فَقَالَ: أراد أن يُلينِّ أمعاءه. قَالُوا: وكان قنبر مَوْلَى بني عدي والشمَّاخ أحد قيس بْن ثعلبة يستبقان، فسَبَقَ الشمَّاخ عديًا والحجاج بواسط، فركب سفينة إلى واسط، وقدم قنبر بعده فركب زورقا فسبق فحسده الفرزدق فَقَالَ: وما سبق القيسيُّ من سوء سيره ... ولكن طفت في الماء غُرلة قنبر [1]

_ [1] ليس في ديوانه المطبوع.

وأنشدنا ابْنُ الأعرابي للفرزدق فِي مسير الحجاج من الشام إلى واسط فِي سبع: سما بالمهاري من فلسطين بعد ما ... دنا الفيء من شمس النهار فولت فما عاد ذاك اليوم حتى أناخها ... بميسان قد حلت عراها وكلت فلو أن طيرا كلفت مثل سيره ... إلى واسط من إيلياء لملت كأنَّ قطاميًا عَلَى الرَّحل طاويًا ... رأى غمرة الظلماء حين تَجَلَّتِ المدائني قَالَ: دخل بسطام بْن مصقلة بْن هبيرة عَلَى الحجاج قبل خروج ابْنُ الأشعث، وكان بسطام جلدًا شديد العارضة، فَقَالَ لَهُ الحجاج: يا بسطام ما أنت بالذي قَالَ الغنوي: أخي ما أخي لافاحش عند بيته ... ولا ورغ عند اللقاء هيوب فَقَالَ: أَنَا كما قَالَ الأخطل: عن المغمّر لا تسأل بمصرعه ... واسأل بمصقلة البكريّ ما فعلا ضخم تَعَلَّقُ أَشناقُ [1] الديات بِهِ ... إِذَا المئون أَمَرَّت فوقه حَملا [2] يعني بالمغمر القعقاع بْن ثور. وقَالَ الحجاج: لما تبوأت الأشياء منازلها قَالَتِ الطاعة: أَنزلُ الشام. قَالَ الطاعون: وأنا معك، وقَالَ النفاق: أنزل العراق، قَالَتِ النعمة وأنا معك، قَالَتِ الصحة: أَنَا أنزل البادية، قَالَ الجوع: وأنا معك. قَالُوا: وذكر الحجاج روح بْن زنباع الجذامي فَقَالَ: أخذ من فقه أهل

_ [1] الأشناق: الإبل التي تعطى زيادة عن الديات. [2] ديوان الأخطل ص 266- 267.

الحجاز، وأخطار أهل العراق، وطاعة أهل الشام، وروي ذَلِكَ عن عَبْد الملك بْن مروان. وولى الحجاج صالح بْن كريز بيت المال، وكان قَدْ وفى لَهُ وسماه قفل الأمانة. قَالُوا: وقَالَ الحجاج يومًا: إني كافر فلم يُجبه أحد فَقَالَ: أيتها المعزى، كافر باللات والعزى. وقَالَ أيضًا يوما: إني لا أخاف اللَّه، فلم يكلمه أحد، فَقَالَ: لا أخاف أن يظلمني. المدائني قَالَ: أخذ الحجاج أمام بن أقرم النميري فِي أمر فحبسه، والحجاج عَلَى شرطة أبان بْن مروان فهرب من السجن وقَالَ: ولما أن فرغتُ إلى سلاحي ... وبشرى قلتُ ما أَنَا بالفقير طليق اللَّه لَمْ يمنن عَلَيْهِ ... أَبُو دَاوُد وابن أَبِي كَثِير ولا الحجاج عينا بِنْت ماء ... تقلب عينها حذر الصقور أَبُو دَاوُد يَزِيد بْن هبيرة المحاربي، وبشرى فرسه. فلما قدم الحجاج العراق رَأَى إمام بْن أقرم فَقَالَ لَهُ: ويلك أعيناي أشبه بعيني بِنْت أم الماء أم عينيك؟ فَقَالَ: عيني. وكان أخزر. ولما أراد الحجاج بناء واسط قَالَ بعض الدهاقين: إن الطواعين بها كثيرة، وَقَدْ أراد كسرى بناءها ونزولها فكرهها. فَقَالَ الحجاج: أراد العلج أن يصرفنا عَنْهَا. قَالُوا: وكان من عمال الحجاج عَلَى البصرة قطن بْن مُدرك الكلابي، وعلى شرطته يزيد بْن عمير الأسيدي، فَقَالَ لَهُ الحجاج: إن النَّاس قَدْ ولدوا

أبناء وإنك ولدت أبًا، فاستخلفه عَلَى عملك، واستعمل يزيد: عمر بْن يزيد، وهو ابْنُ سبع عشرة سنة، وقتل سنة تسع عشرة ومائة، وهو ابْنُ ثمان وثلاثين، وصار يزيد إلى الحجاج فولاه دستميسان، وتلقى عُمَر بْن يزيد الحجاج حين قدم من مكَّة بأسوقةٍ وأشربةٍ، فجعل إِذَا ناوله قدحًا جرع مِنْهُ جرعة ليأمن أن يكون مسمومًا فأعجبه ذَلِكَ، وطلب الحجاج فسطاطًا، فَقَالَ لَهُ: هُوَ عندي، فابتاعه لَهُ وحمله إِلَيْه. المدائني عن مُحَمَّد بْن الحجاج قَالَ: قَالَ عَبْد الملك وهو بالنخيلة: من سيد ثقيف؟ فَقَالَ الهيثم بْن الأسود: أشرفُها نفسًا وأبًا وجَدًّا وفضيلة عروة بْن المغيرة، فَقَالَ الحجاج: أسكت فنحن أعلم بقومنا منك. فَقَالَ العُريان بْن الهيثم: أَنَا أعلم بقومك منك، فلما ولي الحجاج العراق أَضَرَّ بالعريان، ووضع مِنْهُ فبعثه إلى عامل الفرات فِي درهم ونصف بقي عَلَيْهِ، ثُمَّ ولى الهيثم بريد دجلة، وولى العريان بريد الفرات، فكانا يتزاوران فكتب: إنه بلغني اجتماعكما لمناشدة الأشعار وتشاغلكما عن العمل، مَعَ كلامك يَوْم النخيلة يا عريان. المدائني عن الأسود بْن سنان عن الجارود بْن أَبِي سبرة قَالَ: دخلنا عَلَى الحجاج فَقَالَ: ما تقولون فِي عَبْد اللَّه بْن عامر بْن مَسْمَع؟ فلغطوا فَقَالَ: ما هَذَا الصوت بل ما هَذَا الصُّوَيْت إن بكرانا وتميمانا أهون عليّ من بردين متوثيين [1] قصيري الطول وصغيري العرض.

_ [1] كذا بالأصل: والوثي: أوثى الرجل: انكسر به مركبه من حيوان أو سفينة، ووثئت رجلي: أصابها وهن دون الخلع والكسر. القاموس والنهاية لابن الأثير.

المدائني قَالَ: قَالَ الحجاج لآذنه: أَدْخِل عليّ رجلًا يحدثني، فرأى رجلًا من الأزد طويل اللحية، فأدخله فَقَالَ الحجاج: هيه. قَالَ: هيه. قَالَ: هيه ويلك. قَالَ: هيه ويلك. قَالَ: هيه ثكلتك أمك. قَالَ: هيه ثكلتك أمك. فَقَالَ: أخرج هَذَا عني وأدخل غيره، فأدخل عَلَيْهِ رجلًا فَقَالَ لَهُ الحجاج: هيه. قَالَ: يسأل الأمير عما أَحَبَّ. قَالَ: أتقرأ القرآن؟ قَالَ: قَدْ علمنيه اللَّه فإن حفظته حفظني، وإن تركته تركني. قَالَ: أفتفرض؟ قَالَ: أفرض الصُّلب، وأعرف اختلافهم فِي الجدّ. قَالَ: فما تعرف من السنة؟ قَالَ: ما أقيم بِهِ ديني وأعلّم الجاهل. قَالَ: أتروي الشعر؟ قَالَ: أروي الشاهد والمثل. قَالَ: قَدْ عرفت المثل فما الشاهد؟ قَالَ: النائرة [1] تكون بين القوم، فيقول الرجل فيها، فيكون قولُه شاهدًا قَالَ: فما تعرف من النسب؟ قَالَ: الجماهير، وأعرف موقعي من العرب. قَالَ: أتحب المال؟ قَالَ: لَهُ طلبت العلم قبل طلب المال. فأمر لَهُ بأربعة آلاف درهم. المدائني قَالَ: لما قدم الحجاج البصرة حضر العيد فرأى كثرة من حضر من النساء، فَقَالَ: إن تُرك أهل الشام وهؤلاء أفسدوهن فابتنى قصره واتخذ فِيهِ حائرًا طويلًا أكثر من ميل، وأنزله أهل الشام لا يخالطهم عراقي فتغوط أهل الشام فِيهِ فَقَالَ: إنَّما أردت أن أتخذه لهم فإذا أفسدوه فأبعدهم اللَّه، وكان فِي قصره إيوان وأربع مقاصير واتخذ صهريجًا، وكان قصره عَلَى فرسخ من البصرة أَوْ أكثر فكان يأتي الجمعة حتى نزل واسطا.

_ [1] الفتنة.

قَالُوا: وكان عَلَى شرطة الحجاج عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ طَارِقٍ الْعَبْشَمِيَّ فَقَالَ: لأوليَنَّ شرطتي رجلًا شديد العبوس، طويل الجلوس، شديدًا عَلَى أهل الريب والدعارة. قَالَوا: وعزل الحجاج الحكم بْن أيوب، وولى عثمان بْن سعد العذري ففرض اللبن عَلَى التياسين فعزله، وأعاد الحكم، وصيَّر عَلَى شرطته عَبْد الملك بْن المهلب. وكان طاعون القينات سنة سبع وثمانين، فخرج الحكم عن البصرة وولاها عَبْد الملك فَقَالَ الحارث بْن ضب العتكي: فلو كنت من أولاد حَمَّةَ لم تكن ... لتكتب بالعصيان والناس عُزَّلُ ولكن عرقًا من بَهَلَّةَ يعتزي ... فَقَالَ فما عَنْهُ لكم من محّول وقَالَ فِيهِ واثلة بْن خليفة: بكى المنبر الشرقي لما وليته ... وكادت مسامير الحديد تذوب وَقَدْ أقفرت منكم رساتيق فارس ... وبالمصر دُورٌ جَمَّةٌ ودروب رأيتك لما شبت أدركك الَّذِي ... ينال شيوخ الأزد حين تشيب سفاهة أحلام وضَنٌّ بنائل ... ففيك لمن عاب المُزُون مَعِيب قَالُوا: وَكَانَ الحجاج إِذَا قتل رجلًا فتزوجت امرأته كف عَنْهَا، وإن لم تتزوج حبسها فِي قصر المسيرين. المدائني عن عَبْد اللَّه بْن فائد قَالَ: قَالَ الحجاج لمساور بْن هند العبسي: ما ترجو من الشعر؟ قَالَ: أُسقى بِهِ الماء، وأُرعى بِهِ الكلاء، ويُقضى لي بِهِ الحاجة. قَالَ المدائني: ولَحَنَ الحجاج يومًا، فَقَالَ النَّاس: لحن الأمير، فأخبره أَبُو كعب فخطب وتمثل بشعر قَعْنب ابْن أم صاحب:

صُمٌّ إِذَا سمعوا خيرًا ذُكرتُ بِهِ ... وإن ذُكرتُ بسوء عندهم أَذِنُوا إن يسمعوا سيئًا طاروا بِهِ فرحًا ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا قَالُوا: وقرأ الحجاج يومًا: إِنَّا من المجرمين منتقمين ثم قال: منتقمون [1] . المدائني قَالَ: عصى ثلاثة بنون لموسى بْن حكيم بْن حنيفة فَقَالَ لَهُ الحجاج جئني بهم فَقَالَ: إِذَا ذكرتْ نفسي خفافًا وخالدًا ... وراجعت ذكرًا من أمية أيجع إِذَا قَالَ حجاج ألا فَأْتِني بهم ... أزاول عن أفلاذ كبدي فتنزع وكان حكيم مَعَ عثمان يَوْم الدار، فَقَالَ لَهُ: يا أمير المؤمنين أكفر النَّاس؟ قَالَ: لا بل قَسَطُوا. وعصى ابْنُ لهارون بْن حكيم فجاء بِهِ عمه مُوسَى بْن حكيم إلى الحجاج فَقَالَ: هَذَا ابْنُ أخي عاصٍ قَالَ: قَدْ غفرتها لَهُ، لما كَانَ من حكيم يَوْم الدار. المدائني قَالَ: وفد الحجاج إلى الوليد، وكان أخَصّ النَّاس بالوليد عباد بْن زياد بْن أَبِي سُفْيَان. والغازي بْن ربيعة الجرشي فَقَالَ عباد للغازي، وكره أن يكون هُوَ الَّذِي يَقُولُ للوليد، فيبلغ الحجاج: إن الحجاج سيذكر لأمير المؤمنين أمر العراق ويعظم شأنه وبلاءه فِيهِ ويقول: لولا مكاني بالعراق ما قام لكم سلطان فقل لأمير المؤمنين إن قَالَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ: اسكت فنحن أعظم عليك مِنَّةً ويدًا، قد ولّيناك وشرفناك ولولا ما كان

_ [1] سورة السجدة- الآية: 22.

منا إليك لكنت كرجل من قومك، ولولا ما صنع اللَّه لنا ولك بنا ما كنت بالعراق شيئًا. فَقَالَ الغازي ذَلِكَ للوليد، ودخل الحجاج ذات يَوْم عَلَى الوليد، فعظَّم أمره وبلاءَه، وما كَانَ مِنْهُ فِي أمر أهل العراق حين عصوه، فردَّ عَلَيْهِ الوليد ما ألقى إليه الغازي فانقطع الحجاج، وقَالَ فِي نفسه: ما هَذَا كلام الوليد فَمَنْ أَخَصّ النَّاس بِهِ؟ قَالُوا: الغازي. قَالَ: وما هُوَ بكلام يمان، قَالُوا: فعباد بْن زياد، قَالَ: هُوَ كلامه وهو صاحبي، فجفا عبادًا وحجبه حين أتاه، فشكا ذَلِكَ إلى الوليد فَقَالَ لَهُ: يا حجاج أتستخف بمشايخ بني عَبْد شمس؟ فأذِنَ لعباد وقَالَ لَهُ: أصالحك صلحًا دملجا [1] ، وقَالَ الراجز: قَدْ أمر الأمير بالإدلاج ... قلت لأصحابي ولم أُداجي هَلُمّ هاتوا صفة الحجاج ... كأن عينيه من الزجاج كَانَ ساقيه عمود ساج قَالُوا: ودخل ما عز بْن ضمرة الحارثي عَلَى الحجاج فكلمه فقَنَعَه الحجاج، فَقَالَ: مَهٍ، بانتهار. قَالُوا: واستسقى قبيصة بْن برمة يومًا عند الحجاج فأُتي بإناء صغير فشرب، ثُمَّ قَالَ: قبح اللَّه الإناء إِذَا لم يكن عظيمًا يروي صاحبه، ويفضل عن ريّه.

_ [1] الدملج: المعضد، والدملاج: تسوية صنعة الشيء، والدماليج: الأرضون الصلاب- القاموس.

وقَالَ الْحَسَن: الحجاج يتلو القرآن تلاوة أزرقيٍّ، ويحكم حكم جبار. وقَالَ المدائني: كانت دار مُحَمَّد بْن يُوسُف بمكة لعبد المطلب، وفيها ولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتراها الحجاج بمائة ألف دينار [1] ، فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن حسن بْن حسن للحجاج بْن عَبْد الملك بْن الحجاج: إني أريد أن أطلب دار ابْنُ يُوسُف فأقِرَّ أن أباك غصبها، فَقَالَ لَهُ الحجاج: إني لأرى فيك ما يرى هَؤُلَاءِ النوكى، أفتأمرني أن أزعم إني ظلمتك فتصير لَكَ بحقٍ لزمني، وهي اليوم قَدْ أخذت منا، وأنا لا أيأس من أن تُرَدُّ علينا. وقالوا: حبس الحجاج أبا الطفيل عامر بْن واثلة الليثي، فكلمه فِيهِ عَبْد الرَّحْمَن بْن سهل بْن عَمْرو، وأم عَبْد الرَّحْمَن بِنْت أَبِي الضُريس من بني ليث. فَقَالَ للحجاج: هَبْ لي خالي، وكان عَبْد الرَّحْمَن صهر الحجاج، كانت ابنته أم سَلَمة عند الحجاج، فأخرجه الحجاج، فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّحْمَن: يا أبا الطفيل أَنَا أحَبُّ إليك أم حُسَيْن؟ قَالَ: اعفني. قَالَ: لا أعفيك. قال: أما إذا أبيت فما ولدت ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إليَّ مما ولدت ابْنَة أَبِي الضُريس. وقيل للحسن: إن الحجاج قَالَ عند الموت: أللهم إن هَؤُلَاءِ يزعمون أنك لا تغفر لي فاغفر لي. قَالَ: أَوَ قالها؟ قَالُوا: نعم، قَالَ: عسى. حَدَّثَنَا عفان، ثنا المبارك بْن فضالة قَالَ: كَانَ الحجاج يأخذ النَّاس بالجمعة ثُمَّ يقيم عَلَى رؤوس الفقهاء والقراء قومًا يمنعونهم من الصلاة حتَّى

_ [1] بهامش الأصل: درهم.

يصلي، فكانوا يومئون إيماءً، فَقَالَ الْحَسَن: هِيَ والله لهم تامة. حَدَّثَنَا شيبان بْن فروخ الأبلّي، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: رأيت سيف مَوْلَى عَبْد الرَّحْمَن بن سمرة والحجاج يخطب يومىء برأسه إيماءً، فأخذت ذَلِكَ عَنْهُ، وكنت أومئ برأسي. المدائني عن جرير عن الأجلح قَالَ: قلت للشعبي: أكان الحجاج مؤمنًا؟ قَالَ: مؤمنًا بالطاغوت، كافرًا بالله. المدائني عن عامر بْن حَفْص قَالَ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: ما ذكرتُ من قتل مع ابن الأشعث إلا قلت ليتهم لم يخرجوا، فإذا ذكرتُ قول الحجاج قلت: ما حل لهم إلا ما صنعوا. قَالَ: يَقُولُ المنافقون إن خبر السماء قَدِ انقطع وكذبوا، إن خبر السماء عند خليفة اللَّه وَقَدْ أنبأه اللَّه أَنَّهُ قاتلهم ومشردهم، يَقُولُ هَذَا لأهل الشام. المدائني عن بشر بْن عِيسَى عن أَبِي المضرحي قَالَ: أمر الحجاج مُحَمَّد بْن المنتشر وهو ابْنُ أخي مسروق بْن الأجدع أن يعذب أزاذمرد بْن الهربذ ويستأديه فَقَالَ لَهُ ازاذمرد: يا مُحَمَّد إنك شريف ولك دين، ومثلي لا يعطي عَلَى الذل فارفق بي فأستأداه فِي جمعة ثلاثمائة ألف درهم، فغضب الحجاج وأمر معدًا صاحب عذابه فحوّلهَ إِلَيْه فكسر يديه ورجليه فلم يعطه شيئًا، قَالَ مُحَمَّد: فمررت بأزاذمرد وهو عَلَى بغل فَقَالَ: يا مُحَمَّد. فكرهت الدنو مِنْهُ فِيبلغ الحجاج وتذممت مِنْهُ فدنوت، فَقَالَ: إنك وليتني فأحسنت ولي عند فلان مائة ألف درهم فخذها. فقلت: لا آخذ منك شيئًا، فَقَالَ: مثلي ومثل الحجاج مثل رَجُل كَانَ يسقط طائر عَلَى سطحه فِي كل يَوْم فيبيض لؤلؤتين، فَقَالَ: لو أخذت هَذَا الطائر فذبحته وأخذت ما فِي جوفه،

فصاده وذبحه فلم يجد فِي جوفه غير بيضتين. وقد رفقت بي وأخذت مني ثلاثمائة ألف درهم فِي جمعة وَقَدِ اشتد عليّ هذا طمعا فِي أن يأخذ أكثر من ذَلِكَ ولا أعطيه والله درهمًا، يا مُحَمَّد إني أحدثك حديثًا سمعته من أهل دينك، إن اللَّه إِذَا أراد بالعباد خيرًا أمطر المطر فِي إبَّانه، واستعمل عليهم خيارهم، وجعل المال عند سمحائهم، وإذا أراد بهم شرًا أمطر المطر فِي غير إبانه، واستعمل عَلَيْهِم شرارهم وجعل المال فِي بخلائهم. قَالَ: ومضيت إلى منزلي فلم أضع ثيابي حتَّى أتاني رَسُول الحجاج، فدخلت عَلَيْهِ وبين يديه سيف قَدِ اخترطه فَقَالَ: ادْنُ فدنوت وأضحكه اللَّه لي، فَقَالَ: ما قَالَ لَكَ الخبيث؟ فحدثته فلما أردت تسمية الرجل صاحب المائة الألف صرف وجهه وقَالَ: لا تسمِّه، وأتممتُ الحديث فَقَالَ: لقد سَمِعَ الكافر الحديث، انصرف. وقَالَ الحجاج ليحيى بن يعمر العدواني: أَيْنَ نشأت؟ قَالَ: بالأهواز. قَالَ: فما هَذِهِ الفصاحة؟ قَالَ: لسان أبي. المدائني عن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشيباني قَالَ: قَالَتْ جارية للحجاج حين مات: اليوم يرحمنا من كَانَ يغبطنا ... واليوم نتبعُ من كانوا لنا تَبَعَا قَالَ المدائني: أُتي الحجاج بخمر فأمر بهراقتها، فأمسك غير واحد من جلسائه عَلَى أنفهم، فَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن الأشعث وكان يُضعَّف: ما تمسكون بأنفكم، إنها لطيبة الريح، وإنا لنشتهيها غير أن اللَّه حَرَّمَها، فإذا الَّذِينَ أمسكوا بأنفهم يشربونها كلهم. وقَالَ الحجاج لإسماعيل، وهو فِي قصره بواسط: كيف ترى قصري؟

قَالَ: أرى قصرًا ستعظم المؤنة لمن أراد هدمه، قال: ويحك ما خالف بك إلى ذكر الهدم؟ وخطب الحجاج فذم الدنيا وصغَّرها فَقَالَ: والله ما أحب أن ما مضى من الدنيا لي بعمامتي هَذِهِ، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء. وكان أَبُو عون يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُ قراءة الحجاج علمت أَنَّهُ طالما قَرَأَ كتاب اللَّه. قَالَ وخطب الحجاج فِي يَوْم جمعة فأطال فَقَالَ رَجُل: الصلاة أيها الأمير فإن النهار لا ينتظرك، والله لا يعذرك، فأمر بحبسه فكُلم فِيهِ وقيل إنه مجنون فَقَالَ: إن زعم أَنَّهُ مجنون خليت سبيله، فقيل للرجل قل: إني مجنون فَقَالَ: ما كنت لأنسب إلى ربي ما لم يفعله بي فعَرَضَ الحجاج النَّاس يومًا فغلط وخلى سبيله. قَالُوا: وقدم نافع بْن جُبَيْر بْن مطعم بْن عدي بْن نوفل عَلَى الحجاج فأمره بقتل رَجُل، فاعتلّ فأغفل الحجاج بَرَّهُ، فمضي إلى المدينة فبعث إليه الحجاج بثلاثمائة دينار صلة لحقه بها الرَّسُول وقَالَ: استعن بها فِي سفرك. المدائني عن شهاب السلمي قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ صاحب نهر المرأة قَالَ: كسر دهقان من دهاقين فارس خراجه، وأفسد أهل الخراج فكتب الحجاج إلى عامله أنِ اصلبه فصلبه، وطعنه فِي أحد شَقّيه طعنه، وصُلب إلى الجذع، وتفرق النَّاس، وإلى جانب المصلوب حانوت، فأومأ فاستسقى، فأعلم العامل بذلك فرجع إِلَيْه فطعنه فِي الجانب الآخر، ثُمَّ انصرف واستسقى فقيل للعامل فرجع فطعنه بين الطعنتين، ثُمَّ مضى عَنْهُ فاستسقى فأنزله العامل وكتب بخبره إلى الحجاج فكتب الحجاج أن احمله إليَّ فحمله

إِلَيْه، فَقَالَ الحجاج: يا أهل الشام، تهابون الإقدام وَقَدْ طُعن هَذَا ثلاث طعنات كلها تصل إلى الجذع فلم يمت. وخلى عَنْهُ، قَالُوا: فكان بعد ذَلِكَ يمشي فِي السوق. قَالُوا: وكتب قُتَيْبَة إلى الحجاج يشكو ترك أهل الشام طاعته بخراسان، فكتب إِلَيْه أن احرمهم أطماعهم، فقد أشرُوا بدرورها عليهم، وأفِقرْهُم فإن الفقر جند اللَّه الأعظم الَّذِي يذل بِهِ كل جبار عنيد. وقَالَ الحجاج لصاحب حرسه: إني استعملتك عَلَى نفسي، ولصاحب شرطه: إني استعملتك عَلَى سلطاني، ولحاجبه: إني استعملتك عَلَى وجهي، ولصاحب طعامه: إني استعملتك عَلَى مروءتي. وخطب الحجاج فَقَالَ: إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يأتي الله بأمره [1] وكان لا يَدَعْ ذَلِكَ حتَّى مات. قَالُوا: وبعث الحجاج بهدايا مَعَ رَجُل من همدان إلى عَبْد الملك فأنشد عَبْد الملك: لقد أوْعَدَتْني شاكر فَحَسِبْتُها ... وفي النفس من همدان والقلب هاجس قبيلة لا كَثَّر اللَّه خيرها ... لها حجف فوق المناكب يابس وقَالَ: يا أخا همدان، لئن أسأنا المقال لا نسيء الفعال، وأمر له بأربعة آلاف درهم.

_ [1] سورة التوبة- الآية: 24.

وقَالَ الحجاج للعجاج وبين يديه لقحة تحلب، انعمت هَذِهِ فَقَالَ: تَصْرِفُ للحالب وجهًا حُرّا ... إلى سنام طال ما اكفهرا كأنَّ خَلْفَيْها إِذَا ما دَرَّا ... جَرْوَا هِراشٍ حُرِّكا فَهَرًا [1] قَالَ: خذها يا عجاج فهي لَكَ. وقَالَ الحجاج: إن الرجال ذوي الظنون يظنون فيدخلون ويظنون فيخرجون، والمرأة إِذَا رأت عقلت، وإذا سَمِعْتُ انتفعت. وقَالَ الحجاج: إني أعطي عَلَى البلاء والظرف وأحرم عَلَى العجز والضعف. وقَالَ الحجاج لرجل من الخوارج: أَجَمَعْتَ القرآن؟ قَالَ: أَوْ كَانَ متفرقًا فأجمعه؟ قَالَ: أتقرأه ظاهرًا؟ قَالَ: بل أقرأه وأنا أعرفه، وأعلم أَنَّهُ نور مبين. قَالَ: أفتحفظه؟ قَالَ: إن أحسنتُ قراءته فأنا أحفظه. قَالَ: ما تَقُولُ فِي عَبْد الملك؟ قَالَ: لعنه اللَّه ولعنك معه. قَالَ: ويلك كيف تلقى ربك؟ قَالَ: ألقاه بعملي، وأرجو أن تلقاه بدمي. وقَالَ الحجاج فِي خطبته: إن امرأ مضت لَهُ ساعة فِي غير ما خُلق لَهُ لخليق أن تَعْظُم حسرته. وخطب الحجاج يومًا فَقَالَ: اللهم أرني الهدى هدى فاتبعه، وأرني الغيَّ غيًا فاجتنبه، ولا تكلني إلى نفسي فأضل ضَلالا بَعِيدًا [2] .

_ [1] ليست في ديوانه المطبوع. [2] سورة النساء- الآية: 60.

قَالَ الهيثم بْن عدي عن عوانة: خطب الحجاج فقال: رحم الله امرأ عمل بعلمه، رحم اللَّه امرأً حاسب نفسه قبل أن يكون الحساب من غيره، رحم اللَّه امرأً فكر فيما يقرأ فِي كتابه ويراه فِي ميزانه، رحم اللَّه امرأً كَانَ لَهُ من نفسه مذكِّر لمعاده وزاجر عن معصية ربه، رحم اللَّه امرأً أخذ بعنان عمله فإن قاده إلى طاعة اللَّه اتبعه، وإن قاده إلى معصيته كفه. قَالَ: وقدم نافع بْن جُبَيْر بْن مطعم بْن عدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف عَلَى الحجاج، فأمره الحجاج أن يقتل رجلًا فأبي وارتحل إلى المدينة فبعث إليه الحجاج بثلاثمائة دينار صلة لَهُ وقَالَ استعن بها عَلَى سفرك، فلما لحقه الرَّسُول ظن أَنَّهُ يريد رده فَقَالَ: أَغدْرًا؟ قَالَ: لا بل صلة الأمير. وخطب الحجاج فذم الدنيا قَالَ: والله ما مضى من الدنيا لَأشْبَهُ بما بقي من الماء بالماء. وأمر الحجاج جلساءه أن يرسلوا إلى منازلهم فيحضر كل امرئ ما عنده مما يؤكل فأتوا جميعًا بتمر وزبد. وعرض الحجاج الجند يومًا فمر بِهِ رَجُل لا سلاح عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ سلاحك يا بن نوح؟ فقال: تغافل أيها الأمير، فكف عَنْهُ، ومر بِهِ رَجُل من أهل حمص لا سلاح عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ سلاحك؟ قَالَ: تغافل أيها الأمير فأمر بِهِ فضرب مائة سوط. المدائني قَالَ: كان زاذان خباز ابن زياد ومصعب بْن الزُّبَيْر فَقَالَ لَهُ الحجاج: أي الطعام كَانَ أحبُّ إلى ابْنُ زياد؟ قَالَ: الشواء. قال: فمصعب؟ قال: الثريد. قال: هو والله أولاهما بذلك. يَقُولُ لأن الثريد طعام العرب.

وكان الحجاج جمع بين زاذان وطباخ شامي، فكان الشامي أكثرهما طرائف، وكان زاذان أقواهما طعامًا. وقَالَ الحجاج لحوشب بْن يزيد: ما كَانَ أبوك يخبرك بِهِ عن الْمُخْتَار؟ قَالَ: أخبرني أَنَّهُ قَالَ: أَنَا الَّذِي أتزوج امْرَأَة من أهل النبي، وأكسر قصر الملك، وأبني بنقضه قصرًا، وأنا الَّذِي ابني مدينة داوردان. فَقَالَ: كذب ابْنُ دومة، وإن كانت لكريمة، أنا ذاك. فنقض قصر النعمان، وبني قصره فِي الجبان، وتزوج ابْنَة عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر. وقدم الحجاج عَلَى قوم فسألهم عن المطر فتكلموا، فَقَالَ عمر بْن أَبِي الصلت: أصلح اللَّه الأمير أما أَنَا فما أجسر أن أنسق كما نسقوا، غير أني لم أزل فِي مطرٍ وطينٍ منذ خرجت من حلوان حتَّى قدمت عليك. فَقَالَ: لئن كنت أقصرهم فِي المطر خطبة، إنك لأطولهم بالسيف خطوة. المدائني قَالَ: لما بنى الحجاج واسطًا قَالَ: لا عيب فيها علمته إلّا ما نصير إِلَيْه من الموت، مَعَ أنها ليست لنا ببلد، ولا لمن نترك من الولد. وقَالَ الحجاج لرجل من النخاسين: ما بال دوابكم أفره من دوابنا؟ قَالَ: لأنا إِذَا علفنا أشبعنا، وإذا زجرنا أسمعنا، وإذا ضربنا أوجعنا. وقَالَ الحجاج: ما زالت قريش تذكر ابْنُ جُدعان، حتَّى ظننت أَنَّهُ قَدْ ولي رقابهم. قَالُوا: ولما مات بشر بْن مروان، وبلغ الحجاج موته قَالَ: مات بشر يَوْم كذا، فيصل خبره يَوْم كذا، فلا يُرى للعراق أحد غيري، فيأتيني كتاب بولايته يَوْم كذا. فكان كما قَالَ: فاستخلف عَلَى الحجاز مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن قَيْس بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد مناف، وقدم العراق.

وحلأ [1] من بني كاهل رجلًا من أصحابه عن الماء فَقَالَ: إني ابْنُ سبيل، قال: ذاك أهون لَكَ عليّ، فأخذه الحجاج فقطع يده فَقَالَ الشَّاعِر: ألم تر أن الكاهلي ابْنُ معبد ... أبينت يداه بعد عقد مؤكد وقَالَ الحجاج لزياد بْن قطبة، وكان يرى رأي الخوارج، فَقَالَ: ما تَقُولُ فِي عثمان وعلي؟ فَقَالَ: هما ختنا خيَر الأنام وَمَنْ له ... على الناس فضل بيّن يا بن يُوسُف فَقَالَ: ليس عن هَذَا أسألك إنَّما أسألك عَنْهُمَا؟ فَقَالَ: خليلان عاشا برهةً مَعَ محمد ... فبان ولمّا يسخطا يا بن يُوسُف فَقَالَ: أسألك عَنْهُمَا فِي دينهما؟ قَالَ: علمي فيهما والله كعلم الأمير لا أعدو والله فيهما قولُه. قَالَ: اعتصمتَ بمعتصم. مُحَمَّد بْن خلف قَالَ: قَالَ الحجاج لسعيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عتاب بْن أسيد: أشعرت أن ابْنُ عمك خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد مات. ولم يُعَزِّه فَغَمَّهُ تركه تعزيته، فَقَالَ: أيُّ شعر قالته العرب أحسن؟ قَالَ: قول عدي بْن زَيْد العبادي: أيها الشامت المعيّر بالده ... ر أنت المُبَرَّأ الموفور أمْ لديك العقد الوثيق من الأي ... ام بل أنت جاهل مغرور [2] فَقَالَ، إنك ما علمت لتتشفى بالدهر، وتولع بليّن الشعر.

_ [1] حلأه عن الماء: طرده ومنعه. القاموس. [2] ديوان عدي بن زيد ص 78.

قَالُوا: وخرج فرقد السَّبخي مَعَ ابْنُ الأشعث، فطلبه الحجاج فهرب، وقيل لم يخرج ولكنه بلغ الحجاج عَنْهُ قول فطلبه فهرب. قَالَ فرقد: فأتيت واسطًا فكنت أصلي فِي المسجد، فخرج الحجاج ليلة ومعه شيء يقسمه، فوقف عليّ فأعطاني فلم أقبل، فعاد، فأعطاني فلم أقبل، وعاد الثالثة فلم أقبل فأعطاني كيسًا فلم أقبله، فوكل بي رجلًا فلما انصرفت أتاه بي فَقَالَ لي: من أنت؟ قلت: فرقد. قَالَ: أَنَا أطلبك وأنت معي فأخبرته خبري فَقَالَ: قَدْ عفوت عنك، وأصبح فأمر بقتل رَجُل من أهل الكوفة وقَالَ لرجل: أَخْرَج هَذَا فاقتله، وقَالَ لي قم معه حتَّى يقتله فقلت للرجل: فيم يُقتل هَذَا؟ قَالَ: لا أدري فإن أمرتني بقتله قتلته فقد سرحك معي، فقلت أرى أن تخليه فخلاه، ومضينا فستر اللَّه وأنساه ذكري. وأرسل الحجاج رجلا إلى عنبسة بْن سَعِيد وقَالَ لرسوله: قل لعنبسة: اقتله فإن أَبى فاقتل عنبسة، فأبلغ الرَّسُول عنبسة رسالة الحجاج، فَقَالَ عنبسة لرجل: اقتله فقتله، فَقَالَ رَسُول الحجاج: لم قُتل هَذَا؟ فَقَالَ عنبسة: أمر بذلك الحجاج. وقَالَ الحجاج لرجل من الأعاجم: أمن أبناء الملوك أنت؟ قَالَ: لا ولكني من أبناء أهل الرأي. قَالَ: فأخبرني عني قَالَ: غضبك نصفين بين عدوك وصديقك، صديقك يخافك كما يخافك عدوك، فتبسم الحجاج وأمره أن ينطلق. حَدَّثَنَا عن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان الضبعي عن عوف قَالَ: صليت خلف الحجاج جُمَعًا فما صلى حتَّى توارت بالحجاب. المدائني قَالَ: مات الحجاج فذكره الوليد، وذكر فروة بْن شريك

العبسي فترحم عليهما، وقَالَ: كانا منقادين لأمرنا والله لأشفعنَّ لهما عند ربي، ولأسألنه أن يدخلهما الجنة، يا أهل الشام أحبوا الحجاج فإن حبه إيمان وبغضه كفر. الربيع بْن صبيح عن أبي الْحَسَن قَالَ: كَانَ الْحَسَن يذكر الحجاج فيقول: أخفش أعمش، مقصص الشعر، جاءنا يُميت الصلاة حتَّى تصفّر الشمس، ويقول: إنّا والله ما نصلي للشمس، وما نصلي إلا للَّه، أفلا تقولون: يا عدو اللَّه إن لله حقًا بالنهار لا يقبله بالليل، وإن لَهُ حقا بالليل لا يقبله بالنهار، وكيف تقولون ذَلِكَ وعلى رأس كل رَجُل علج قائم بالسيفّ!. المدائني قَالَ: أراد الحجاج قبل أمر ابْنُ الأشعث أن يبعث إلى عَبْد الملك بهدايا، فَقَالَ: انظروا رجلًا أمينًا فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بكرة: قَدْ وجدته، شُعْبَة بْن القِلْعِم قَدْ خبرته، وكان عَبْد الرحمن استودع شُعْبَة أموالًا لزياد فأداها فوجَّه الحجاج شُعْبَة إلى الشام، وقَالَ لَهُ مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد: وَجِّهْني معه وكان قَدْ خافه فوجههما فوردا بالهدايا عَلَى عَبْد الملك، فمات شُعْبَة بالشام قبل خروج ابْنُ الأشعث، وطلب مُحَمَّد بْن عمير إلى عَبْد الملك أن يقيم بالشام فمات بالشام قبل خروج ابْنُ الأشعث وهو ابْنُ ست وثمانين سنة، ولم يدع ولدًا، مات بنوه قبله، وكان ابنه عَمْرو من فتيان أهل الكوفة ففقد فِي الغزو، ومات ابنه القعقاع فورثته أخته. وَيُقَال إن الحجاج كَانَ معلمًا بالطائف. وولد الحجاج من أم الجُلاس: الوليد، ومن أم سَلَمة بِنْت عَبْد الرَّحْمَن: يُوسُف، ومن أم أبان بِنْت النعمان: أبان وعبد الملك، فَقَالَ رَجُل

من الشاميين: اللهم إني أعلم أنك لا تعذب الحجاج، فلا تحرمني شفاعته. أَبُو بَكْر الهذلي قَالَ: وسم الحجاج العلوج، وأخرجهم من البصرة، والحقهم ببلادهم، وكان أهل البصرة والكوفة وغيرهم من الموالي قبل أن يُخرج النَّاس إلى أرضيهم يزوجون الدهقان وغيره، فلما أخرج الحجاج النَّاس امتنعوا. وقَالَ الحجاج لأمرأة من الخوارج: أتقرأين من كتاب اللَّه شيئًا؟ قَالَتْ: نعم. فقرأت: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يخرجون من دين الله أفواجا [1] فقال: ويلك، يدخلون، فقالت: قَدْ دخلوا وأنت تخرجهم. قَالَ: وكان شبيب الناجي فِي ديوان الحجاج يُضَادّ يزيد بْن أَبِي مُسْلِم، فسأله تُياذوق المتطبب حاجة فلم يقضها، فَقَالَ تياذوق: أما تحتاج إليَّ؟ قَالَ: لا، أَنَا ادَّهن بالبنفسج، وآكل الاسبيذاج، فإذا شبعتُ أمسكتُ، وأشرب الماء مطبوخًا، ولا آكل عَلَى شبع، ولا آكل لحم شيء أكبر مني، فَقَالَ: حُقَّ لَكَ ألا تحتاج إليَّ. عَبْد اللَّه بْن فائد قَالَ: خطب الحجاج هند بِنْت المهلب، بعد أن بعث يزيد بالَأسْراء من قبل ابْنُ الأشعث، فبعث الحجاج إلى أبي عيينة فزوجه هندًا، وتزوج أختها أم إِسْمَاعِيل مُحَمَّد بْن يُوسُف، وحملها إِلَيْه إلى اليمن.

_ [1] سورة النصر- الآيتان: 1- 2.

ومن ثقيف: البراء بن قبيصة بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب،

حَدَّثَنِي هشام بْن عمار قَالَ: قتل أصحابنا الهاشميون من ولد عليّ بْن عَبْد اللَّه عدة من أولاد الحجاج. ومن ثقيف: البراء بْن قبيصة بْن أَبِي عقيل بْن مَسْعُود بْن عامر بْن مُعَتّب، ولاه الحجاج البصرة وولاه أيضًا الكوفة، ثُمَّ عزله، وولاه أصبهان. وقَالَ الشَّاعِر فِي عنبسة بْن سَعِيد: حوى الملك حجاج عليك كما حوى ... عليك الندى والمكرمات بَراء أفي سحق ثوب منهج إن كسوته ... فلا كَانَ عندي من نداك كساء رأيتك لما جئت والباب مغلق ... تَغَدى وما للنازلين غداء وغضب الحجاج عَلَيْهِ يَوْم الزاوية فهرب مِنْهُ إلى المدينة، وقَالَ: لا أوطن الدار إيطان البعير إِذَا ... كانت وكانت نوائب فيها لا تؤاتيني أكلّما أخطأتْ يومًا بها قدمي ... هويت عندك فِي زوراء ترديني وقَالَ البراء أيضًا: كأن فؤادي بين رجلي محاذر ... من الطير فِي جو السماء محلق مخافة من قَدْ يتقي النَّاس شره ... مَتَى مَا يَعِدْ من نفسه الشر يصدق وقَالَ الراجز فِي البراء: إن البراء سبط البنان ... كهل الكهول وفتى الفتيان يجود بالبدور والقيان ... والناقة السوداء والهجان أمضى عَلَى الهول من السنان ... ما أن يبالي غضب السلطان وولي البراء الطائف بعد الحجاج، وكان البراء خطب أم عَبْد الغفار بِنْت عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر فَقَالَ فِي ذَلِكَ:

ويوسف بن عمر [1] بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب أمير العراق،

أمُّ عَبْد الغفار ردي نوالًا ... وَصِلي حبل عاشق وِصَالًا أم عَبْد الغفار ليس بحلٍّ ... قتل نفسٍ فلا تَريه حَلَالًا وكانوا أرادوا تزويجه إياها فتزوجها عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه فحقد عَلَيْهِ الحجاج ذَلِكَ فلقي مِنْهُ شرًا. ويوسف بْن عُمَر [1] بْن مُحَمَّد بْن الحكم بْن أَبِي عقيل بْن مَسْعُود بْن عامر بْن مُعَتّب أمير العراق، وكان يكنى أبا عَبْد اللَّه، ولي اليمن لهشام بْن عَبْد الملك، وولاه العراق ومحاسبة خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري وعماله فعذبهم، فمات خَالِد فِي عذابه، ومات بلال بْن أَبِي بردة فِي عذابه، ولم يزل واليًا لهشام ست سنين، ثُمَّ للوليد بْن يزيد، فلما قتل الوليد هرب إلى الشام فقتلته اليمانية، فيقال إن يزيد بْن خَالِد فيمن قتله، وَقَدْ ذكرنا أخباره فيما تقدم. قَالَ المدائني أول حكم حكم بِهِ يُوسُف أن رجلًا خلع ثيابه ودخل الفرات يغتسل، وألقى هميانه فجاءت عقاب فاحتملته، فَقَالَ يُوسُف: كم أكثر ما يطير العقاب بصيده؟ قيل: كذا. فَقَالَ: انظروا أقرب القرى من هَذِهِ الغاية. فضمنوا أهلها هميان الرجل. وكان يُوسُف يطعم فِي كل يوم وهو على العراق خمسمائة جراب، وكانت مائدته وأقصى الموائد سواء يتعهد ذَلِكَ ويتفقده. وكان طعامه ألوانًا وشواء، وكانت لَهُ فرنية حلواء. فرأى من ذكر فرنية قَدْ ذهب ما عليها من السكر فَقَالَ: سكر فلم يمكن، فضرب صاحب الطعام ثلاثمائة سوط

_ [1] بهامش الأصل: يوسف بن عمر.

والناس يأكلون. فكانوا بعد ذَلِكَ يحملون معهم خرائط فيها سكر مدقوق، فكلما نفد السكر عن صفحة نثروا عليها وكان يعشي بعد العصر فيحضر الشامي والعراقي لا يرد أحد فرأى رجال من أهل الشام دفع عراقيًا بنعل سيفه فضرب الشامي مائة سوط وقال: يابن اللخناء تدفع النَّاس عن طعامي؟ وولى يُوسُف أعرابيًا بعض مخاليف اليمن، فلما قدم عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يا عدو اللَّه أخذت مال اللَّه. قَالَ: فممن آخذ إِذَا بأبي أنت؟ فاستضحك وسوَّغه المال. ودخل عَبْد أسود مقيدًا دار يُوسُف بالكوفة، والناس يأكلون فدفعه رَجُل، فصاح بِهِ يُوسُف: دعه ويلك. فجلس فأكل مَعَ النَّاس، فلما فرغ دعا بِهِ فَحَلَّ قيده، وأمر بابتياعه وقَالَ: إن باعك صاحبك فأنت لنا، وإن لم يبعك فاحضر غداءنا فِي كل يَوْم، فاشتُري ليوسف فأعتقه [1] . وقَالَ الحجاج بْن عَبْد الملك بن الحجاج: تغديت يومًا عند يُوسُف فجعلت أعبث فِي الأكل فَقَالَ لي: كل يا حجاج كما يأكل الرجال فقلت: إن غلامي جاءني بحبارى، فأكلت منها، فَقَالَ لحاجبه: لا أرى وجهه فحُجبت. فكلمت غير واحد ليشفع لي فلم أكلم أحدًا إلا قَالَ لي لا أتعرض ليوسف فرفعت إِلَيْه قصة مَعَ أصحاب الحوائج فلما وقفت بين يديه قَالَ: ما فعلت الحبارى؟ قلت: لا آكل لحم حبارى أبدًا فَقَالَ لحاجبه: أَعِدْهُ كما كَانَ، وكنت أتجوع وأحضر طعامه فإذا رآني آكل ضحك. وكان يُوسُف بْن عُمَر قصيرًا طويل اللحية بجر ثيابه.

_ [1] تقدم هذا الخبر في ص 3727.

المدائني كَانَ يُوسُف بْن عُمَر يسرف فِي الشدة فِي أمر الدراهم عَلَى الطباعين، وأصحاب العيار، ويقطع الأيدي، ويضرب الأبشار فذكر أَنَّهُ ضرب فِي درهم رديء أَوْ ناقص من العيار خمسة آلاف سوط. قَالُوا وأُتي بثوب وشيء فَعَدَّ أبياته فوجد صفًا من صفوف أبياته ينقص بيتا فضرب الذي عمله خمسمائة سوط. قَالُوا: وكان يمرُ ظفره عَلَى الثوب فإذا تعلق بِهِ سلك ثوب ضرب حائكه، فإلى الثياب اليوسفية المثل. وأتاه حائك بثوب فنظر إِلَيْه قَحْذَم كاتبه، فَقَالَ: بئس الثوب فَقَالَ يُوسُف للحائك: بئس الثوب هَذَا يا بن اللخناء، فَقَالَ: وما يدري الكاتب ما الثياب، قال لقحذم: صدق يا بن اللخناء وما يدريك ما الثياب، فَقَالَ: هَذَا يعمل الثوب فِي سنة وأنا أقلّب فِي كل يَوْم عشرين ثوبًا. فَقَالَ للحائك: صدق يا بن اللخناء. ولم يزل يُقبل عَلَى هَذَا مرة وعلى هَذَا مرة حتَّى قَالَ للحائك: ما يُقال لهذا الثوب؟ قَالَ: سُهْر بسُهْر فَقَالَ: وما تفسير ذَلِكَ؟ قَالَ: حمرة فِي حمرة. قَالَ: لا جَرَم لأحمرنَّ ظهرك فضربه مائة سوط. قَالُوا: وكانت بخضراء واسط بومة قَدْ أفرخت فَشُكِيَ أذاها لَهُ فرماها رَجُل ممن حضره بجُلاهق فصرعها، فضربه عشرين عصا وقَالَ: ما أحسنت هَذَا إلا وأنت من الغواة، وطرده. المدائني عن أَبِي بَكْر الهذلي قَالَ: خطبنا يُوسُف بْن عُمَر فِي مسجد الكوفة، فتكلم رَجُل مجنون فَقَالَ: يا أهل الكوفة، ألم أنْهَكُم أن يدخلَ مجانينكم المسجد، اضربوا عنقه، فضربت عنق المجنون، فقلت فِي نفسي والله لا أصلي خلفك أبدًا.

ومنهم: غيلان بن سلمة [1] بن معتب الشاعر،

وأراد الخروج فِي سفر فدعا بجارية لَهُ فَقَالَ لها: ما تقولين أأخرجك معي؟ قَالَتْ: نعم. فَقَالَ: أكلُّ هَذَا شهوة للنكاح وغلمة، أوجعها يا غلام، فضرب خادم لَهُ رأسها بسوط كَانَ معه، ثُمَّ دعا بأخرى فَقَالَ لها: أتخرجين معنا؟ فقالت: لا بل أقيم مَعَ ولدي، فَقَالَ: يا فاجرة أكل هَذَا زهادة فِيَّ وبغضة لي، اضربها يا غلام فضربها الخادم، ثُمَّ دعا بأخرى فعرض عليها الشخوص فقالت: ما أدري ما أقول. إن قلت أخرج معك فعلت بي ما فعلت بالأولى وإن قلت لا أخرج فعلت بي ما فعلتَ بالأخرى فَقَالَ: أإياي تجيبين بهذا الجواب، وعلي تتسحبين هَذَا التسحب، اضرب يا غلام. وقال المدائني كان يوسف سيئ الخلق، قلما يحتمل شيئًا، وكان أحسن ما يكون خلقًا فِي منزله، فكان يومًا نائمًا فجاء غلمان لَهُ صغار بزنابير فلعبوا بها، فدخلت زنابير منها فِي البيت الَّذِي كَانَ فِيهِ فجعلت تطنّ فانتبه فخرج إليهم فلم يزد عَلَى أن قَالَ: ما هَذَا يا خبثاء. المدائني قَالَ: قَالَ يُوسُف لعامر بْن يحيى: يا فاسق أخربت ما سبذان قَالَ: إني إنَّما كنت عَلَى حلوان وَقَدْ وفرت خراجها وعمرتها، فَقَالَ: يا فاسق أخربت ما سبذان وعذَّبَه حتَّى قتله. وقَالَ لكاتب لَهُ يومًا: ما حبسك؟ قَالَ اشتكيت ضرسي، فدعا حجامًا فقلعه وضرسًا آخر معه، وَقَدْ كتبنا لَهُ أخبارًا فيما تقدم من كتابنا. ومنهم: غيلان بْن سَلَمة [1] بْن مُعَتِّب الشَّاعِر، فرق الْإِسْلَام بينه

_ [1] بهامش الأصل: غيلان بن سلمة رحمه الله.

وبين عشر نسوة إلا أربعًا، وكان وفد عَلَى كسرى فبنى لَهُ حصنًا بالطائف، وكان ممن يخط فِي الجاهلية بالعربية. وقَالَ غير الكلبي: غيلان بْن سَلَمة بْن مُعَتّب ينسب إلى بني كُنَّة، وكان شريفًا فِي الجاهلية وأدرك الْإِسْلَام فأسلم وكان تحته عشرة نسوة، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطلق ستًا ويختار أربعًا. وهو القائل: يا رُبَّ مثلكِ فِي النساءِ غريرة ... بيضاء قَدْ فَزَّعْتُها بطلاق لم تدر ما تحت الضلوع وغَرَّها ... مني تَحَمُّلُ عشرتي وخلاقي وكان وفد على كسرى فأعطاه مالا فبنى به حصنًا بالطائف، فتزوج ابْنَة أوس بْن حارثة بْن لام حين مر بِهِ فِي طريقه فحملها وقَالَ: حَبَاني والركاب مُعَقَّلاتٌ ... بها أوس بْن حارثة بْن لام فلما كَانَ فِي أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عَنْهُ طلق نساءه، وأعتق رقيقه، فَقَالَ عُمَر: لِغَيْلَانَ شيطانٌ يسترقُ السَّمْعَ أَخْبَرَهُ أن أجله قَدْ حضر، فأعتق رقيقه، وطلق نساءه فَقَالَ: ليراجعَنَّ نساءه، وإلّا رجمت قبره إِذَا مات كما رُجم قبر أَبِي رغال. وكانت بادية بِنْت غيلان من أجمل النساء، فَقَالَ هِيت المخنث- وكان بالمدينة- لعبد اللَّه بْن أبي أمية المخزومي: إن فتح الطائف فتزوج بادية بِنْت غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، يعني عُكَنَهَا، [فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إن كنت لأراه من غير ذي الأربة من الرجال] » فسيره مَعَ مخنث آخر يقال له باقع إلى خاخ [1] .

_ [1] بهامش الأصل: خاخ موضع بقرب المدينة.

ومنهم: منبه بن شبيل بن العجلان بن عتاب بن مالك بن كعب بن عمرو أخوة بني معتب.

فتزوج بادية عَبْد الرَّحْمَن بْن عوف، وهلكت فِي أيام عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، قبل أن تعمل النعوش، وصلى عليها عُمَر، فرأى خلقها من تحت الثوب، فهلكت بعدها زينب بِنْت جحش وكانت خليقة، فقال عُمَر: إني لأخاف أن يُرى منها ما رؤي من بادية فهل عندكم من حيلة؟ فقالت أسماء بِنْت عميس: رَأَيْت بالحبشة نعوشًا لموتاهم، فاتُخذ لزينب نعش، فكانت أول من حمل فِي نعش، فلما رآه عُمَر قَالَ: نعم خباء الظعينة. وكان ولد غيلان: شرحبيل، وهو أحد الوفد إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعمارة. وتميم. وعامر. وعمرو. ونافع. ونفيع. وبلال. وبليل. ومنهم: مُنَبّه بْن شبيل بْن العجلان بْن عَتَّاب بْن مالك بْن كعب بْن عَمْرُو أخوة بني مُعَتّب. والأجرد، وهو مُسْلِم بْن عَبْد اللَّه بْن سُفْيَان بْن عَبْد اللَّه بْن مُعَتّب الشَّاعِر الَّذِي دخل عَلَى عَبْد الملك فَقَالَ لَهُ: ما من شاعر إلّا وَقَدْ سبق إلينا من شعره قبل رؤيته، فما قلت؟ قَالَ: أَنَا الَّذِي أقول: من يَكُ ذا عَضُدٍ يدرك ظلامته ... إنَّ الذليل الَّذِي ليست لَهُ عضد تنبو يداه إِذَا ما قَلَّ ناصره ... ويأنف الضيم إن أثرى لَهُ عدد فَقَالَ: صدقت أنت والله شاعر، وألحقه بهم. وولد غيرة بْن عوف بْن ثقيف: عَبْد العزى. وعقدة. وربيعة، أمهم هند بِنْت كعب بْن ثمالة. فولد عَبْد العزى بْن غيرة: أبا سَلَمة. فولد أَبُو سَلَمة: علاج واسمه عمير. وعبد اللَّه. وأبي، وأمهم أم أناس بِنْت كعب بْن عَمْرو بْن سعد بْن عوف بن ثقيف.

فمن بني علاج: طريح بن اسماعيل بن عبيد بن أسيد بن علاج بن أبي سلمة الشاعر،

فمن بني علاج: طُريح بْن إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْد بْن أسيد بْن علاج بْن أَبِي سَلَمة الشَّاعِر، وأمه ابْنَة عَبْد اللَّه بْن سِبَاعَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ نَضْلَةَ بْنِ غبشان الخزاعي، حليف بني زهرة. وكان حمزة رَضِي اللَّه عَنْهُ قتل سِباع بْن عَبْد العزى يوم أحد فقال له: إليّ يا بن قطاعة البظور، وكان طريح منقطعًا إلى الوليد بْن يزيد بْن عَبْد الملك، أثيرًا عنده فيقال إن قومًا حسدوه عَلَى منزلته مِنْهُ وأُنسه بِهِ ومشاورته إياه، فسألوا حمادًا الراوية، وقدم عَلَى الوليد، أن يلطف لهم فِي تنحيته عَنْهُ، فَقَالَ بيتين ودفعهما إلى خادم لَهُ وقَالَ لَهُ قل إنه مدح بهما هشامًا، فأنشده إياهما فجفاه وحجبه. وَيُقَال بل ناوله قدحًا فِيهِ شراب فأبى شربه وقَالَ لَهُ: هَذَا حرام لا أشربه، فَقَالَ لَهُ: هلا رددته عَلَى الغلام أَوْ سكتّ وهجره وأقصاه، والبيتان اللذان يقولون حمادًا قالهما: سيري ركابي إليَّ من تسعدين بِهِ ... فقد أقمت بدار الهون ما صلحا سيري إلى سيدٍ سمحٍ خلائقه ... ضخم الدسيعة قرم يحمل المدحا ولطف طريح لحاجب الوليد حتَّى أذن لَهُ فِي وقت جلس فِيهِ الوليد جلوسًا عامًا، فلما دخل عَلَيْهِ أعرض عَنْهُ وكان طريح يقول: استعفيت الوليد من شراب النبيذ وقلت لست أشرب شيئًا بغير الماء خوفًا من أن يسقيني خمرًا. وقَالَ طريح حين جفاه الوليد: يا بن الخلائف مالي بعد تقربةٍ ... أُقْصَى لديك وفي حاليك لي عجب مالي أُذادُ وأُرمى من وراء ورا ... كما يُوقّى من ذي العرَّة الجرب فذو الشماتة مسرور بسخطكم ... وذو النصيحة والإشفاق مكتئب

قَدْ كنتُ أحسبُني غير الغريب فقد ... أصبحتُ أعلمُ أني اليوم مغترب إن يسمعوا الخير يخفوه وإن علموا ... شرًا أُذيعَ وإن لم يعلموا كذبوا وقَالَ شعرًا سوى هَذَا يسترضيه فِيهِ، وقيل لطريح: ما اتقيتَ اللَّه فِي قولك للوليد: أنت ابْنُ مسلنطح [1] البطاح ولم ... يُطِرق عليك الحُبى والولج طوبى لفرعيك من هنا وهنا ... طوبى لَأعراقك التي تَشِجُ لو قلت للسيل دع طريقك والم ... وج عَلَيْهِ كالهضْب يعتلج لارتَدَّ أَوْسَاخَ أَوْ لكان لَهُ ... فِي سائر الأرض عنك منعرج فَقَالَ: والله لقد قلت هذين البيتين وإصبعي إلى السماء استغفر اللَّه وأستقيل. وزعموا أَنَّهُ دخل عَلَى أمير المؤمنين المهدي فَقَالَ لَهُ: أنت القائل فِي الوليد الجيمِية، لا أسمع لَكَ شعرًا أبدًا وإن شئت أن أعطيك أعطيتك. قَالَ الزبيري: سَأَلَ طريح كاتبًا لداود بْن عليّ حاجة، فجعل رقعته بها مَعَ رقعة لآخر فَقَالَ طريح: تخل لحاجتي واشدد قواها ... فقد أمسيت مأمون الضياع إذا أرضعُتها بلبان أخرى ... أَضَرَّ بها مشاركة الرضاع حَدَّثَنِي الحرمازي، حَدَّثَنِي سهل بْن عَبْد الحميد عن أَبِي ورقاء الجعفي وقَالَ: سايرتُ طريحًا فصرنا إلى ماء فِي يَوْم شديد الحر، ونحن مقبلون من الكوفة، فسقطنا إلى الماء فرأيت فيما بين عصعصه إلى عنقه آثارا

_ [1] المسلنطح: الفضاء الواسع. القاموس.

قبيحة، وحدورًا كأنها الجدران فقلت لَهُ: ما هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْت امْرَأَة فِي خباء فهويتها وهويتني، وذكرت رفيقًا لي كانت تهواه، وكان معنا فقالت: أصير إِلَيْه فأبيت عنده فقلت لها وذاك تقربًا إليها بأريحية الشباب: افعلي. فقالت: بتْ فِي الخباء واعلم أن زوجي يجيء ليلا وهو سيئ الخلق فإذا تكلم فلا تكلمه، وانظر ما أمرك بِهِ من شيء فاعمله. فجاء ليلًا وكان ضعيف البصر، وفي الخباء وطبان أحدهما منخرق الأسفل، فدعا بالوطب فأخذتُ المنخرق منهما فجعل يصب فِيهِ اللبن وهو يسيل فعمد إلى نسعة فضربني بها وهو يحسبني امرأته، وأنا ساكت حتَّى أدماني، فهذه الحدور آثار ذَلِكَ الضرب. قَالَ الحرمازي، عن أَبِي إِسْمَاعِيل الثقفي: اتخذ هشام مالًا بالطائف، فقدم طريح عَلَيْهِ فِي بعض أمره، فسأله عَنْهُ فقال: رَأَيْت خير مالٍ، مكرمةً فِي الذكر، وكنزًا للدهر، فَاقَ الأموال، وبَذَّ الأعمال أفسد ما كَانَ قبله، وأعجز من طلب مثله، زين لمن ابتدعه، وغنًى لمن حُبِيَ بِهِ، رَأَيْت عريضًا أريضًا بمجباة سَيْل ومدَبِّ غَيْل، كريمًا تربه، عذبا شربه، فيه نبت تشيح عروقُه فِي الثرى، وتُمطر نواصيه الندى، وَقَدِ اعلولب وسما، وحَسُن ونما، شجره دوح، وعروشه سطوح، عظيم أَمَدُه، كَثِير نَضْدُه، نهاره لَيْل، وليله هَوْل، وأمْرُهُ عَجَب، ووصفُه تَعَب، يَفُوتُ الخبر، ويَحْسُرُ البصر، طال الأموال، وراق الرجال، يَسُرُّ الودود، ويصرف عين الحسود. وقالوا كَانَ طُريح يكنى أبا الصلت وكان لَهُ ابْنُ يُقال لَهُ الصلت ماتت أمه فطرحه إلى أخواله حين تزوج بعد موت أمه، وفيه يَقُولُ:

ومنهم: الأخنس واسمه أبي بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج، وهو حليف بني زهرة،

بات الخيال من الصُّلَيْت مُؤَرِّقي ... يُغري السراة مَعَ الرباب الملتقي ما راعني إلا بياض وُجَيْهِهِ ... تحت الدُّجَنَّةِ كالسراج المشرق فِي أبيات. ومنهم: الأخنس واسمه أُبَيَّ بْن شُرَيْقٍ بْن عَمْرو بْن وهب بْن علاج، وهو حليف بني زهرة، وهو الَّذِي خنس بهم يَوْم بدرٍ فسمي الأخنس بذلك، ولم يحضر بدرًا من المشركين أحد ولم يُسْلم إلا الأخنس وكان أحرق زرعًا وقتل حمارًا فنزلت فِيهِ: إذا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحرث والنسل والله لا يحب الفساد [1] . ومن ولده: المغيرة بْن الأخنس، وكان من الصالحين، وكان مَعَ عثمان يَوْم الدار، فجعل يقاتل ويرتجز، ويقول: لا عهد لَهُ بغارة مثل السيل ولا يتقي غبارها حتَّى الليل وكان عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ رَأَى فِي المنام قاتل المغيرة فِي النار فمرَّ بِهِ عثمان وهو مقتول فمسح وجهه وقَالَ: لا ضير أبا عَبْد اللَّه فكان قاتله يمر بالمدينة فيقول: أَنَا قاتل المغيرة بْن الأخنس فمن يقتلني بِهِ، فكانوا يقولون لَهُ: والله لا نقتلك بِهِ حتَّى تصير إلى النار. وللمغيرة عقب، وكان المغيرة بْن الأخنس عامل مروان بْن الحكم عَلَى البحرين. ومن موالي الأخنس: عثمان البتيّ، وهو من فقهاء أهل البصرة وله عقب.

_ [1] سورة البقرة- الآية: 205.

ومنهم الحارث بن كلدة [1] بن عمرو بن علاج طبيب العرب في زمانه

ومنهم الحارث بْن كلدة [1] بْن عَمْرو بْن علاج طبيب العرب فِي زمانه كانت سميَّة أم زياد [2] . وَيُقَال إن الحارث كَانَ عقيمًا وَقَدْ نسب إِلَيْه قوم، وَيُقَال أن ابنه نافع بْن الحارث بْن كلدة فقط، وذلك الثبت. وأسلم الحارث بْن كلدة ومات فِي أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عَنْهُ وله صحبة. وقَالَ أَبُو اليقظان: فيقال أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حاصر الطائف قَالَ: « [أيما عَبْد دلّت نفسه فهو أبني [3]] » فتدلى أَبُو بَكْرَة ببكرة فكني بها فولده ينسبون إِلَيْه وأنَّه قَالَ لنافع وأراد أن يتدلى: أنت ابني فأقم- وكان أَبُو بكرة نُفَيْع يَقُولُ: أَنَا ابْنُ مسروح. وكان عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة يَقُولُ: الحارث بْن كلدة جدّي ولم يلتفت إلى قول أَبِيهِ. وذكروا أن المهلب بْن أَبِي صفرة نازع عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة فِي أرض، فركب عُبَيْد اللَّه فسار فِي مجالس ربيعة ومضر وجعل يقول: وا عجبا من كود بود بْن خربوذ علج يتوعدني، وأنا من ابني نزار، فيقولون: نَحْنُ معك يا أبا حاتم. فركب والمهلب إلى الأرض، فَقَالَ لَهُ المهلب: الأرض أرضك. فَقَالَ عُبَيْد اللَّه: أما إِذَا أقررت بهذا فالأرض لَكَ. وقَالَ واثلة بْن خليفة السدوسي لابن أَبِي بكرة.

_ [1] بهامش الأصل: الحارث بن كلدة رحمه الله. [2] كذا بالأصول: والأقوم «كانت له أو عنده سمية أم زياد» . [3] في رواية ابن سعد ج 7 ص 15 «أيما حر نزل إلينا فهو آمن، وأيما عبد نزل إلينا فهو حر» ولعل معنى «أبني» يغدو من الأبناء، أو تصحيف «آمن» .

ومنهم يونس بن سعيد بن حجاج

هَلْ يُذْهِبَنْ عنك مسروحًا وحليته ... ربط البراذين أَوْ تشريفك السُّوَرا سود الوجوه وافي شعورهم [1] ... مثل الزبيب عَلَى الهامات منثورًا وكان أَبُو بكرة يَقُولُ: لو ادّعيتُ أحدًا لا دعيت صفوان بْن أمية الجمحي، فإنه كَانَ يأخذني وأنا غلام فيقبلني ويدنيني ويطعمني، ويقول أنت ابني. ومنهم يونس بْن سَعِيد بْن حجاج الَّذِي يَقُولُ فِيهِ القائل حين خاصم معاوية فِي زياد: وقائلة إما هلكت وقائل ... قضى ما عَلَيْهِ يونس بْن سَعِيد قضى ما عَلَيْهِ ثُمَّ مات مُوَدَّعًا ... وكل فتى سمح الخليقة مُودِ وَقَدْ كتبنا خبره فِي دعوة زياد. وأمَّا نافع بْن الحارث بْن كلدة فأقطعه عُمَر قطيعة بالبصرة ولم يقطع فِهْريًّا، ومات بالبصرة بعد موت يزيد بْن معاوية حين هرب عُبَيْد اللَّه بْن زياد. ومنهم: العلاء بْن جارية بْن عبد الله بن أَبِي سَلَمة، وهو حليف بني زهرة وَيُقَال إنه من المؤلفة قلوبهم يَوْم حنين وله عقب بالمدينة. وولد عقدة بْن غيرة: عوف بْن عقدة، وأمه ابْنَة حسان بْن هلال بْن قيس بْن الحارث بْن فهر. منهم: المختار ابن أَبِي عُبَيْد بْن مَسْعُود بْن عَمْرو بْن عمير بْن عوف بْن عقدة، وقتل أَبُو عُبَيْد يَوْم قس الناطف بالعراق وهو الأمير، وكان من خبر ابنه الْمُخْتَار ما قَدْ ذكرته في هذا الكتاب.

_ [1] كذا بالأصل وهو مختل الوزن.

ومنهم: أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة الشاعر الفارس

ومنهم: أَبُو محجن بْن حبيب بْن عَمْرو بْن عمير بْن عوف بْن عقدة الشَّاعِر الفارس الَّذِي يَقُولُ: إِذَا مِتُّ فادفنيِّ إلى أصل كَرْمَةٍ ... تُرَوِّي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني فِي الفلاة فإنني ... أخاف إِذَا ما متُّ ألا أذوقها وَقَدْ كَانَ شرب الخمر فحدَّه سعد وحبسه، وَيُقَال حبسه ولم يَحدّه، فلما رَأَى شدة الحرب بين المسلمين وعدوهم طلب إلى زَبْراء بِنْت سعد فأطلقته، فركب فرسًا لسعد، وحمل عَلَى المشركين فأبلى، ورآه سعد، فَقَالَ: أما الفرس ففرسي وأما الحملات فحملات أَبِي محجن. فلما ظفر المسلمون رجع إلى محبسه فَقَالَ لَهُ سعد: ما أعاقبك فِي الشراب أبدًا، فَقَالَ: وأنا والله لا أشرب الخمر أبدًا. وقَالَ بعض الرواة أنه رَأَى قبر أَبِي محجن بأرمينية الرابعة وحوله كرمات فعرف ذَلِكَ معاوية. وقدم أَبُو محجن عَلَى معاوية فسأله عن بيتيه هذين، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين سلني عن غيرهما، وأنشده: لا تسأل النَّاس عن مالي وكثرته ... وسائل القوم ما قصدي وما خلقي قَدْ أَطعنُ الطعنة النجلاء عَن عَرَضٍ ... وأكتم السر فِيهِ ضربة العنق ومنهم: كنانة بْن عَبْد ياليل بْن عَمْرو بْن عمير بْن عوف بْن عقبة، كَانَ شريفًا، ولما قدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائف عرض عليهم نفسه، فَقَالَ لَهُ أحد بني عَبْد ياليل، وكانوا: كنانة، وحبيبًا، وعمرًا فَقَالَ أحدهم: أما

ومنهم زائدة بن قدامة صاحب المختار،

وجد اللَّه رسولًا غيرك، وقَالَ الآخر: أَنَا أسرق أستار الكعبة إن كَانَ اللَّه بعثك، وقَالَ الثالث: لئن كنت رسول الله إني لأجلّك أن أقتلك، وإن لم تكنه فلا ينبغي أن أكلمك [1] . فلما ظهر الْإِسْلَام لحق كنانة وأبو عامر الراهب، وعلقمة بْن عُلاثة الكلابي بالشام فمكث عمير وله مال فانقسم كنانة وعلقمة فِي ميراثه، فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [كنانة رَجُل من أهل المدر. وأبو عامر مدريَّ، وعلقمة رَجُل من أهل الوبر] » فقضى ماله لكنانة فأخذه [2] ، ولهم عدد بالطائف. ومنهم زائدة بْن قدامة صاحب المختار، وكان ضرب المصعب بْن الزبير وقال: يا لثارات الْمُخْتَار، وقتل زائدة بالكوفة. ومنهم: أمية بْن أَبِي الصلت بْن ربيعة بْن عوف بْن عقدة الشَّاعِر، وكان يهوديًا وله [يَقُولُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «آمن شعره، وكفر قلبه] » .

_ [1] انظر السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 282- 283 وفيها: «وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدا. لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أراد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، ما ينبغي لي أن أكلمك» . [2] في سيرة ابن هشام ج 1 ص 424: «فلما أسلم أهل الطائف لحق- أبو عامر الراهب- بالشام فمات بها طريدا غريبا وحيدا. وكان قد خرج معه علقمة بْن علاثة بْن عوف بْن الأحوص بن جعفر بن كلاب، وكنانة بن عبد يا ليل بن عمرو بن عمير الثقفي. فلما مات اختصما في ميراثه إلى قيصر صاحب الروم، فقال قيصر: يرث أهل المدر أهل المدر. ويرث أهل الوبر أهل الوبر، فورثه كنانة بن عبد يا ليل بالمدر دون علقمة» .

حُدِّثْنَا عَنِ النَّاقِدِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ أَبَاهُ ثُمَّ اسْتَنْشَدَهُ شِعْرَ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ، فَجَعَلَ إِذَا أَنْشَدَهُ قَالَ: هِيهٍ حَتَّى أَنْشَدَهُ مِائَةَ بَيْتٍ. وَكَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ فَيَجُودُ فِيهِ. وَيُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [1] . ولما احتضر جعل يقول: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا بريء فأعتذر ولا قوي فأنتصر، لا مال يفديني ولا عشيرة تؤويني. وقَالَ: ليتني كنت قبل مَا قَدْ بدا لِي ... في رؤوس الجبال أرعى الوعولا كل عيش وإن تطاول يومًا ... صائر مرة إلى أن يزولا اجعل الموت نصب عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا [2] وكان يحضض عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورثى المشركين يَوْم بدر. وولد القاسم بْن أمية: وهبًا كَانَ شاعرًا، ورثى عثمان بْن عفان رَضِي اللَّه عَنْهُ، وربيعة بْن أمية. ومنهم: وهب بْن أبي خويلد بْن ظويلم بْن عوف بْن عقدة مات، فاختصم بنو غيرة فِي ميراثه، فأعطاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهب بْن أمية بن أبي الصلت.

_ [1] سورة الأعراف- الآية: 175. [2] ديوان أمية بن أبي الصلت ص 450- 451.

وولد جشم بن ثقيف:

وولد جشم بْن ثقيف: حطيط بْن جشم. فولد حطيط: جشم والله أعلم بالصواب [1] .

_ [1] جاء في نهاية هذه الورقة. آخر المجلد الثاني والأربعين من الأصل المشروع في كتبه في سنة إحدى وتسعين والمفروغ منه في صفر سنة خمس وتسعين وثلاثمائة بمصر، وفي آخره: هذا آخر ما صنفه أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري من جمل أنساب الأشراف وأخبارهم وتم الكتاب، وكان في الأصل على قدمه اضطراب وتأخير وإسقاط ومحو اتقنت كل ذلك من نسخة اخرى، فصار هذا الفرع مرجحا على أصله، وكان الشروع في كتبه في يوم السبت الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين والفراغ منه في يوم السبت بعد صلاة عيد الأضحى سنة تسع وخمسين وستمائة على فترات تخللت الكتابة فصار كتب جميعه في مدة عشرة أشهر وأيام كتبه لنفسه عبيد الله الفقير إلى الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر الموصلي ثم الدمشقي الشافعي بسكنه برباط الشميشاطي بدمشق، حامدا الله تعالى ومصليا على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وجاء بهامش الأصل: بلغت المعارضة الكاملة لهذا الكتاب من أوله إلى هنا بأصل ثالث قديم حسن ... في بعض مجلداته ... أحدهم أنه قرأه في سنة تسعين وثلاثمائة ... وجدت فيها إذا ألحقتها ومواضع ... في الأصلين ... منها أثبتها ... إذ كل واحد من الأصول الثلاثة فيه على انفراده مواضع ساقطة ومواضع مضطربة ... ولله الحمد، وكانت المعارضة في مدة ... الأول سنة احدى وستين وستمائة وكتب صاحبه أحمد بن محمد الموصلي حامدا الله تجلى وعلا ومصليا على رسوله محمد خاتم الأنبياء وعلى آله، وربما وقع في هذه النسخة مواضع فيها اضطراب وجدتها في النسخ الثلاث كذلك، فتركت على حالها وكأنها من المصنف. وجاء في نهاية نسخة استانبول: وقد نقلت هذه النسخة على يد الفقير إلى عفو مولاه الأمجد الفقير أحمد بن حسن العشماوي غفر الله له ولوالديه ولمشايخه والمسلمين أجمعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين. في يوم السبت عشرين من شهر ربيع الأول من شهور سنة ثلاثة وعشرين ومائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

§1/1