أمنا عائشة

شحاتة صقر

حقوق الطبع محفوظة مواقع علَى الإنترنت تفضح دين الشيعة: 1 - موقع البرهان www.albrhan.com 2 - موقع البيِّنة www.albainah.net 3 - فيصل نور www.khayma.com/fnoor 4 - موقع مهتدون، لماذا تركنا التشيع .. com www.wylsh 5 - يمكنك الحصول مجانًا علَى موسوعة الرد علَى الرافضة 478 كتابًا من موقع صيد الفوائد www.saaid.net وموقع مشكاة الإسلام www.almeshkat.com وغيرهما. 6 - يمكن تحميل محاضرات الشيخ محمد إسماعيل عن الشيعة وحزب الله من مواقع: ... طريق السلف www.alsalafway.com صوت السلف www.salafvoice.com

قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (الأحزاب: 6). قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} (الأحزاب: 57).

* تمهيد الحمد لله الذي جعل فضل عائشة - رضي الله عنها - على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وأعلى أعلام فتواها بين الأعلام، وألبسها حلة الشرف حيث جاءَ إلى سيد الخلق الملَكُ بها في سَرَقَةٍ من حرير في المنام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنظمنا في أبناء أمهات المؤمنين، وتهدينا إلى سنن السنة آمنين. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي أرشد إلى الشريعة البيضاء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صباح مساء.

وعلى أزواجه اللواتي قيل في حقهن: { ... لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (¬1)، صلاة باقية في كل أوان، دائمة ما اختلف المَلَوَان (¬2). أما بعد: فلا يزال أهل النفاق في كل زمان ومكان تنطلق ألسنتهم في المسلمين كذبًا وزورًا، وغدرا وخيانة، بل الأعظم والأدهى من هذا كله أن يتهم سيد البشرية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في عرضه يتهم في المبرأة من فوق سبع سماوات يتهم في الزاهدة، التقية، الفقيهة، العابدة، الطاهرة، أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بنت الصديق الخليفة لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أبي بكر بن قحافة - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) قال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} (الأحزاب: 32). (¬2) باختصار من مقدمة الإمام بدر الدين الزركشي لرسالته (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة). والمَلَوانِ: اللَّيْلُ والنهارُ.

وقد لا نجد امرأة في تاريخ الإسلام لحقها من الأذى والظلم كأمِّنا عائشة - رضي الله عنها -، فهي وإن برأها الله في كتابه الكريم إلا أن أهل الزيغ والضلال من الشيعة الأنجاس لا يعترفون بحكم القرآن الذي جاء ليدفع عن هذه المرأة الطاهرة ما أصابها من تلك الفرية، لأن لهم أحكامهم الخاصة التي لا تطابق القرآن، وليس هذا بمستغرب فعقيدتهم تقوم أصلا على الحط من شأن كتاب الله والغمز به وإظهاره على أن ما وصلنا منه ليس هو تمام ما أنزله الله وتعهد بحفظه. ويبقى السؤال الكبير: لمصلحة من هذه الحرب التي تشنها إيران الشيعية وربائبها في المنطقة على سيدة ارتضاها الرسول الكريم زوجًا له ومات وهو راضٍ عنها؟ وهل هذا هو الدين القويم الذي تبشر به إيران؟ سب ولعن وتكفير ونهش بأعراض المسلمين وأولهم سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

فاليوم كما في الأمس وكما هو شأن الشيعة في كل زمان، تنطلق النوايا الخبيثة والعمائم القذرة لتنال من عرض الطاهرة المطهرة، من خلال إقامة حفل كبير في لندن في السابع عشر من رمضان ابتهاجا بيوم وفاة السيدة عائشة - رضي الله عنها -، ويصعد منبر الخسة والدناءة الشيعي أحد أشباه الرجال ـ وما هو برجل ـ المدعو ياسر الحبيب، ذلك الفاجر الخبيث، ذائع الصيت بسب الصحابة وأمهات المؤمنين - رضي الله عنهم -، ليصدر أحكاما قاطعة بأن عائشة - رضي الله عنها - هي عدوة الله وعدوة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأنها في النار بل في قعر النار، وأنها سيدة نساء النار، ويقسم أنها الآن تعذب العذاب الشديد، وينبري بعد ذلك بعض مخنثي الشيعة من نفايات زمن الرذيلة والمتعة والعمالة ليقولوا شعرًا في الصِّدِّيقَة تكاد تخر الجبال منه هدًّا، فهذا يتهمها في شعره الوضيع بالفاحشة، وذاك بلسانه القذر يمطرها بدعوات اللعن والعذاب.

وزعم الشيعي الخبيث في الاحتفالية أنه يصعب تعداد جرائمها في حق الإسلام والمسلمين، وأبشع هذه الجرائم قتل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والمشاركة في الانقلاب على علي - رضي الله عنه - والخروج عليه ومحاربته، وإيذاؤها فاطمة - رضي الله عنها - حتى أبكتها، وابتهاجها بموتها وبموت علي - رضي الله عنه -، ورميها جنازة الحسن - رضي الله عنه - بالنبال، وتسببها في قتل ثلاثين ألف مسلم، وتلويث سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بأحاديثها المكذوبة، ورميها السيدة مارية القبطية - رضي الله عنها - بالفاحشة. كل تلك الاتهامات لفقها ذاك الفاجر الزنديق بلا دليل أو سند صحيح أو مصدر معتمد لدي أهل السنة. وهذا يذكِّرنا بتطاول ذاك المصري الخبيث الجاهل المتشَيَّع!!! حسن شحاتة في أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فيقول: «لعنة الله عليك يا عائشة ... لعنة الله عليك بعدد أنفاس الخلائق ... » ويقول عنها: «يا بنت الكلب .... بنت الكلب ... الملعونة».

وهذا الزنديق معروف بتحريفه للقرآن الكريم ولعْنِه للعشرة المبشرين بالجنة - رضي الله عنهم - ويخص أبا بكر وعمر وعثمان بالمزيد من لعنه وسبه وشتمه. وعندما تطرح هذه القضية يداهمنا حزن وألم عظيمان، ليس لعِظَم جريمة الشيعة الأنجاس فحسب، بل لإصرار البعض على المضي في وهم التقريب بين الشيعة والسنة، والمتابع الفطن يعلم أن نتائج هذا التقريب لم تصبّ يوما إلا في مصلحة الهدف الشيعي الخبيث. ألا يعلم ويدرك هؤلاء أنهم يجاملون على عرض رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أليست زوجة الرجل منا تعني عنوان الكرامة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بكرامة خير البشر - صلى الله عليه وآله وسلم -. أليس من المعيب بل من الدناءة أن ننتصر لأنفسنا وندير ظهورنا لكرامة وعرض الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي تستبيحه الشيعة صباح مساء؟

ألم يأنِ لهؤلاء أن يعودوا لرشدهم ليدركوا أن هذه الفرقة لا تريد خير المسلمين، هذه الفرقة التي لم تتورع عن تكذيب القرآن الذي برأ الصدِّيقة الطاهرة. ولكن يُصَبِّر المسلمين الذين آلمهم افتراء المنافقين من أهل الإفك المعاصرين ما قاله الله - عز وجل - عندما افترى أهل الإفك والنفاق الذين اتهموا أمَّنا عائشة - رضي الله عنها - على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (النور: 11). فلعل ذلك يدفع المسلمين إلى التنبه لمخططات هؤلاء الشيعة، وكم سرَّني اهتمامُ كثير من أفراد المسلمين والقنوات الفضائية والمواقع على الشبكة العنكبوتية بنشر فضائل أمنا عائشة - رضي الله عنها -، بل قد أنشأ بعض المسلمين موقعًا باسم (عائشة حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -) فـ {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.

وإذا أرادَ اللهُ نشْرَ فضيلةٍ طُوِيَتْ أتاحَ لها لسانَ كلّ حسودِ إن عائشة - رضي الله عنها - والعشرة ـ وغيرهم ممن بشرهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالجنة ـ داخلون الجنة بإذن الله رغم أنوف القردة والكلاب والحمير والخنازير، ونقول لهذين الجاهلين وأمثالهما: «لا يضر السحابَ نبحُ الكلاب، ولن يضير السماء نقيق الضفادع». يا نَاطِحَ الجَبَلَ العالي ليَكْلِمَه أَشفِقْ على الرّأسِ لا تُشْفِقْ على الجَبَلِ إن هؤلاء الصحابة الكرام ـ هؤلاء الجبال ـ فضائلهم معلومة كالشمس. وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ ونقول لهذين الجاهلين وأمثالهما: مَن أنتم حتَّى تتكلموا عن هؤلاء القمم.

ومَنْ يِكُنِ الغُرابُ له دَليلًا يمُرُّ به على جِيَفِ الكلابِِ هؤلاء الصحابة القمم قد مدحهم الله - عز وجل - ومدحهم رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكلام هذين الجاهلين وأمثالهما لن يُنْقص من قدرهم شيئًا. وإذا أتَتْكَ مَذَمَّتِي مِن نَاقِصٍ فهي الشهادةُ لي بأنِّي فاضِلُ ومن هنا كانت هذه الرسالة جمعتها من أقوال أهل العلم منافحةً عن عرض أمنا عائشة - رضي الله عنها - وبيانًا لفضائلها وكشفًا لما افتراه عليها أعداء الله - عز وجل - وأعداء رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -. وأسأل الله - عز وجل - أن ينفع المسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ـ سيدنا محمد ـ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. شحاتة محمد صقر [email protected]

من هي أمنا عائشة - رضي الله عنها -؟

مَن هي أمُّنا عائشة - رضي الله عنها -؟ (¬1) • عَائِشَةُ بِنْتُ الإِمَامِ الصِّدِّيْقِ الأَكْبَرِ، خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بنِ عَامِرِ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ القُرَشِيَّةُ، التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، النَّبَوِيَّةُ، أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ، زَوجَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَفْقَهُ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ. • وَأُمُّهَا: هِيَ أُمُّ رُوْمَانَ بِنْتُ عَامِرِ بنِ عُوَيْمِرِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَتَّابِ بنِ أُذَيْنَةَ الكِنَانِيَّةُ. • هَاجَرَ بِعَائِشَةَ أَبَوَاهَا، وَتَزَوَّجَهَا نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بَعْدَ وَفَاةِ الصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ ¬

_ (¬1) انظر ترجمتها مفصلة في سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (2/ 136 - 201).

خُوَيْلِدٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيْلَ: بِعَامَيْنِ. • وَدَخَلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، مُنَصَرَفَهُ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ؛ فَرَوَتْ عَنْهُ: عِلْمًا كَثِيْرًا، طَيِّبًا، مُبَارَكًا فِيْهِ. • مُسْنَدُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: يَبْلُغُ أَلْفَيْنِ وَمائَتَيْنِ وَعَشْرَةِ أَحَادِيْثَ. • اتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى: مائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثًا. • وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِيْنَ. • وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّيْنَ. • وَعَائِشَةُ - رضي الله عنها - مِمَّنْ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ، وَكَانَتْ تَقُوْلُ: «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِيْنَانِ الدِّيْنَ» (¬1). ¬

_ (¬1) رواه البخاري.

• وَكَانَتِ امْرَأَةً بَيْضَاءَ جَمِيْلَةً، وَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ لَهَا: الحُمَيْرَاءُ (¬1). • وَلَمْ يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِكْرًا غَيْرَهَا، وَلاَ أَحَبَّ امْرَأَةً حُبَّهَا. • ¬

_ (¬1) قال الخبيث الجاهل المتشيَّع!! حسن شحاتة: «أتعرفون لماذا سُمِّيَتْ عائشة بالحميراء؟»، ثم أجاب فقال بجهلٍ فوق جهلِه: «لأنها تعني تصغير حمارة». وما دَرى هذا الحمار!! أن (الحميراء) تصغير (الحمراء) أي البيضاء التي بياضها مشوب بالحمرة. تنبيه: من المعلوم حديثيًّا أن حديث «خذوا شَطْرَ دينكم عن هذه الحميراء» حديث مكذوب علي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما قال الإمام الذهبي والمزي وابن كثير، وقال عنه الحافظ ابن حجر: «لا أعرف له سندًا»، وذكر الحافظ ابن كثير انه سأل الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه. ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في (فتح الباري) رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ عائشة - رضي الله عنها - قالت: «دَخَلَ الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يَا حُمَيْرَاءُ، أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ؟» فَقُلْت: نَعَمْ». ثم قال الحافظ: «إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَمْ أَرَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ ذِكْرَ الْحُمَيْرَاءِ إِلَّا فِي هَذَا».

تَزَوَّجَها النَّبِي - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهي بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ودخل بها وهي بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ (رواه البخاري ومسلم) (¬1). • وَذَهَبَ بَعْضُ العُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ أَبِيْهَا، وَهَذَا مَرْدُوْدٌ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، بَلْ نَشْهَدُ أَنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي الدُّنْيَا وَالآخرَةِ، فَهَلْ فَوْقَ ذَلِكَ مَفْخَرٌ». • كانت تُكَنَّى بأم عبد الله، كنَّاها بذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بابن أختها عبد الله بن الزبير، فعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، أَنَّهَا ¬

_ (¬1) هذه الرواية عن عائشة - رضي الله عنها - وردت في أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، وهما صحيحا البخاري ومسلم. وقد جاءت عن عائشة - رضي الله عنها - من طرق عدة، وليس من طريق واحدة فقط كما يدعي بعض الجاهلين. واعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نشأ في بلاد حارة وهي أرض الجزيرة، وغالب البلاد الحارة يكون فيها البلوغ مبكرًا، ويكون الزواج المبكر، وهكذا كان الناس في أرض الجزيرة إلى عهد قريب، كما أن النساء يختلفن من حيث البنية والاستعداد الجسمي لهذا الأمر وبينهن تفاوت كبير في ذلك.

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّ صَوَاحِبِي لَهَا كُنْيَةٌ غَيْرِي. قَالَ: «فَاكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ» فَكَانَتْ تُدْعَى بِأُمِّ عَبْدِ اللهِ حَتَّى مَاتَتْ. (رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني) (¬1). • تُوفِّيت - رضي الله عنها - سَنةَ سَبْعٍ وخمسين على الصحيحِ، وقيل: سَنَة ثمان وخمسين، في ليلةِ الثلاثاء لسَبْعَ عشرةَ خَلَتْ مِن رمضان بعدَ الوتر، ودُفنت من ليلتها، وصلَّى عليها أبو هريرة - رضي الله عنه -، بعدَ أن عمرتْ ثلاثًا وستين سَنَة وأشهرًا. محمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول الله محمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول الله محمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول اللهمحمد رسول الله محمد رسول اللهمحمد رسول الله محمد رسول الله ¬

_ (¬1) أما ما يقال أنها أسقطت من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - سقطًا، فسماه عبد الله، فكناها أم عبد الله فهذا لم يثبت. [انظر الإصابة (4/ 360)، السلسلة الضعيفة (4137)].

فضائل عائشة - رضي الله عنها -

فضائل عائشة - رضي الله عنها - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: «لَقَدْ أُعْطِيْتُ تِسْعًا مَا أُعْطِيَتْهَا امْرَأَةٌ بَعْدَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ: لَقَدْ نَزَلَ جِبْرِيْلُ بِصُوْرَتِي فِي رَاحَتِهِ حَتَّى أَمَرَ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، وَلَقَدْ تَزَوَّجَنِي بِكْرًا، وَمَا تَزَوَّجَ بِكْرًا غَيْرِي، وَلَقَدْ قُبِضَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي، وَلَقَدْ قَبَرْتُهُ فِي بَيْتِي، وَلَقَدْ حَفَّتِ الملاَئكَةُ بِبَيْتِي، وَإِنْ كَانَ الوَحْيُ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَإِنِّي لَمَعَهُ فِي لِحَافِهِ، وَإِنِّي لابْنَةُ خَلِيْفَتِهِ وَصِدِّيْقِهِ، وَلَقَدْ نَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّمَاءِ، وَلَقَدْ خُلِقْتُ طَيِّبَةً عِنْدَ طَيِّبٍ، وَلَقَدْ وُعِدْتُ مَغْفِرَةً وَرِزْقًا كَرِيْمًا». (قال الهيتمي: «رواه أبو يعلى وفي الصحيح وغيره بعضه، وفي إسناد أبي يعلى من لم أعرفهم». وقال الذهبي: «رَوَاهُ: أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ»).

تزوجها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بوحي من السماء: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أُرِيتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ فِى سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ لَهُ: اكْشِفْ. فَكَشَفَ فَإِذَا هِىَ أَنْتِ، فَقُلْتُ إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ. ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ فِى سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ: اكْشِفْ. فَكَشَفَ فَإِذَا هِىَ أَنْتِ فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ». (رواه البخاري ومسلم). السَّرَقَة ـ بِفَتْحِ السين وَالرَّاء وَالْقَاف ـ: هِيَ الْقِطْعَة. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَنَامًا فإنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاء حَقّ. من المبشَّرات بالجنة فهي زَوْجَة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ بِصُورَتِهَا فِى خِرْقَةِ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». (رواه الترمذي وصححه الألباني).

وَقَامَ عَمَّارٌ - رضي الله عنه - عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - وَقَالَ: «إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» (رواه البخاري). أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: عَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: «أَىُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟»، قَالَ: «عَائِشَةُ». فَقُلْتُ: «مِنَ الرِّجَالِ؟» فَقَالَ: «أَبُوهَا». قُلْتُ: «ثُمَّ مَنْ؟» قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ». (رواه البخاري ومسلم). قال الإمام الذهبي: «وَهَذَا خَبَرٌ ثَابِتٌ عَلَى رَغْمِ أُنُوْفِ الرَّوَافِضِ، وَمَا كَانَ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لِيُحِبَّ إِلاَّ طَيِّبًا. فَأَحَبَّ أَفْضَلَ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِهِ، وَأَفْضَلَ امْرَأَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَمَنْ أَبْغَضَ حَبِيْبَيْ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يَكُوْنَ بَغِيْضًا إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ.

وَحُبُّهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لِعَائِشَةَ كَانَ أَمْرًا مُسْتَفِيْضًا، أَلاَ تَرَاهُمْ كَيْفَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَهَا، تَقَرُّبًا إِلَى مَرْضَاتِهِ؟» (¬1). وجوب محبتها على كل أحد: والدليل على ذلك قول النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لابنته فَاطِمَةَ - رضي الله عنها -: «أَىْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ». فَقَالَتْ: «بَلَى». قَالَ: «فَأَحِبِّى هَذِهِ». (يعني عائشة - رضي الله عنها -). (رواه مسلم). وهذا الأمر ظاهر الوجوب، ولعل من جملة أسباب المحبة كثرة ما بلّغته عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون غيرها من النساء الصحابيات. اختياره - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يمرّض في بيتها واجتماع ريقه - صلى الله عليه وآله وسلم - وريقها في آخر أنفاسه، ووفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - بين سحْرِها ونحرها في يومها ودفنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيتها: ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء (2/ 142).

عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَيَتَعَذَّرُ فِى مَرَضِهِ: «أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ، أَيْنَ أَنَا غَدًا» اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِى قَبَضَهُ اللهُ بَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى، وَدُفِنَ فِى بَيْتِى». (رواه البخاري ومسلم). وكَانَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - تَقُولُ: «إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَىَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - تُوُفِّىَ فِى بَيْتِى وَفِى يَوْمِى، وَبَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى، وَأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِى وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ: «آخُذُهُ لَكَ» فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: «أُلَيِّنُهُ لَكَ»، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ. (رواه البخاري). وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ يَسْأَلُ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ يَقُولَ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا أَيْنَ أَنَا غَدًا»، يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِى بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَاتَ فِى الْيَوْمِ الَّذِى كَانَ يَدُورُ عَلَىَّ فِيهِ فِى بَيْتِى، فَقَبَضَهُ اللهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ

لَبَيْنَ نَحْرِى وَسَحْرِى، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي، ثُمَّ قَالَتْ: «دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: «أَعْطِنِى هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ». فَأَعْطَانِيهِ فَقَضِمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِى». (رواه البخاري ومسلم). وَالسَّحْر: هُوَ الصَّدْر، وَهُوَ فِي الْأَصْل الرِّئَة. وَالنَّحْر: مَوْضِع النَّحْر. وَالْمُرَاد أَنَّهُ مَاتَ وَرَأْسه بَيْن حَنَكهَا وَصَدْرهَا - صلى الله عليه وآله وسلم - وَ - رضي الله عنها -. قال أبو الوفا بن عقيل - رحمه الله -: «انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت واختار لموضعه من الصلاة الأب، فما هذه الغفلة المستحوذة على قلوب الرافضة، عن هذا الفضل والمنزلة التي لاتكاد تخفى عن البهيم فضلًا عن الناطق» (¬1). ¬

_ (¬1) الإجابة فيما استدركته عائشة - رضي الله عنها - على الصحابة للزركشي (ص 30).

تنبيه: لا يصح ما رواه ابن سعد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمّا حضرته الوفاة، قال: ادعوا لي أخي، فدعوا عليًّا فقال: ادنُ منّي، فدنا منه وأسنده إليه فلم يزل كذلك وهو يكلّمه حتّى فاضت نفسه الزكيّة، فأصابه بعض ريقه - صلى الله عليه وآله وسلم -». فالحديث مسلسل بالعلل، فالحديث عند ابن سعدمن طريق الواقدي ـ وهو متروك وقد كذبه غير واحد ـ إضافة إلى الانقطاع في سنده، فمحمد بن عمر بن علي لم يدرك جدّه عليًا، والثابت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قبض في حِجْرِ أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -. مَا نَزَلَ الوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائه غَيْرِهَا: عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ

عَائِشَةُ، فَمُرِى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ». قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّى، فَلَمَّا عَادَ إِلَىَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فَأَعْرَضَ عَنِّى، فَلَمَّا كَانَ فِى الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِى فِى عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ مَا نَزَلَ عَلَىَّ الْوَحْىُ وَأَنَا فِى لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا». (رواه البخاري). قال الإمام الذهبي: وَهَذَا الجَوَابُ مِنْهُ - صلى الله عليه وآله وسلم - دَالٌّ عَلَى أَنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ بِأَمْرٍ إِلَهِيٍّ وَرَاءَ حُبِّهِ لَهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ الأَمْرَ مِنْ أَسْبَابِ حُبِّهِ لَهَا» (¬1). لم يتزوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بكرًا غيرها: وهذا باتفاق أهل النقل (¬2). عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (2/ 142). (¬2) انظر: زاد المعاد (1/ 103)، الإصابة (4/ 360).

أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فِى أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ؟، قَالَ: «فِى الَّذِى لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا». تَعْنِى أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا. (رواه البخاري). أنها خُيّرت واختارت الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - على الفور، وكذا أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كُنّ تبعًا لها في ذلك: فعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِى فَقَالَ: «إِنِّى ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِى حَتَّى تَسْتَأْمِرِى أَبَوَيْكِ». قَالَتْ: «وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَىَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِى بِفِرَاقِهِ»، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ ـ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ـ قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إِلَى {أَجْرًا عَظِيمًا} (¬1). قَالَتْ: «فَقُلْتُ: فَفِى أَىِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَىَّ؛ فَإِنِّى أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ ¬

_ (¬1) قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)} (الأحزاب: 28 – 29).

وَالدَّارَ الآخِرَةَ»، قَالَتْ: «ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِثْلَ مَا فَعَلْتُ». (رواه البخاري). نزول براءتها من السماء: برَّأها الله - سبحانه وتعالى - ممَّا رماها به أهلُ الإفك، وأنْزَل في عُذرِها وبراءتِها وحيًا يُتْلَى في محاريبِ المسلمين وصلواتهم إلى يومِ القيامة، وشَهِد لها بأنَّها مِنَ الطيِّبات، ووعَدَها المغفرةَ والرِّزقَ الكريم، وأخْبَر سبحانه أنَّ ما قيل فيها مِنَ الإفك كان خيرًا لها، ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شَرًّا لها، ولا عائبًا لها، ولا خافضًا مِن شأنها، بل رَفَعها الله بذلك وأعْلى قدْرَها، وأعْظَمَ شأنها، وصار لها ذِكرًا بالطيب والبراءة بيْن أهلِ الأرض والسماء، فيا لها مِن مَنْقَبة ما أجلَّها. ومع ذلك تتواضع فتقول: «وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِى شَأْنِى وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِى فِى نَفْسِى كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِىَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى» (والقصة أخرجها البخاري). فنزل فيها قرآن يُتلَى إلى يوم القيامة، وهذا باتفاق المسلمين.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ

عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا

يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)} (النور: 11 – 26). من قذفها فقد كفر لتصريح القرآن الكريم ببراءتها: قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)} (النور: 26). قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (الأحزاب: 6). وهذه تزكيةِ لأمِّ المؤمنين وبيان لمكانتِها ومكانة غيرِها من زوجاتِ النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -. وقدْ أجْمَع علماءُ الإسلام قاطبةً مِن أهل السُّنَّة والجماعة على أنَّ مَن سبَّ أمَّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ورَماها بما برَّأها الله منه أنه كافِرٌ.

قال ابن كثير - رحمه الله -: «وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها. واختلفوا في بقية أمهات المؤمنين، هل يكفر من قذفهن أم لا؟ على قولين: أصحهما أنه يكفر» (¬1). واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (¬2). المباركة التي لم ينزل بها أمرٌ إلا جعل الله لها منه مخرجًا وللمسلمين بركة: فشُرِعَ جَلْدُ القاذف وصار باب القذف وحده بابًا عظيمًا من أبواب الشريعة وكان سببه قصتها - رضي الله عنها -. وآية التيمم نزلت بسبب عقدها فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ ـ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ ـ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِى، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ¬

_ (¬1) انظر: البداية والنهاية (11/ 337). (¬2) الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - (3/ 1054).

فَقَالُوا: «أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِى قَدْ نَامَ فَقَالَ: «حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «فَعَاتَبَنِى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِى بِيَدِهِ فِى خَاصِرَتِى، فَلاَ يَمْنَعُنِى مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى فَخِذِى، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: «مَا هِىَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِى بَكْرٍ». قَالَتْ: «فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِى كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ». (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية عَنْها - رضي الله عنها - أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِى طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوُا

النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: «جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً». (رواه البخاري ومسلم). ثناءُ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليها: عن أبي موسى الأشعريِّ - رضي الله عنه - قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فضْلُ عائشةَ على النِّساءِ كفَضْل الثَّرِيدِ على سائرِ الطعام» (رواه البخاري). ثَرَدَ الخُبْزَ: فَتَّهُ. والثَّرِيد: هُوَ أَنْ يُثْرِد الْخُبْز بِمَرَقِ اللَّحْم، وَقَدْ يَكُون مَعَهُ اللَّحْم، وَمِنْ أَمْثَالهمْ الثَّرِيد أَحَد اللَّحْمَيْنِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَنْفَع وَأَقْوَى مِنْ نَفْس اللَّحْم النَّضِيج إِذَا ثُرِدَ بِمَرَقَتِهِ. قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّرِيدَ مِنْ كُلِّ الطَّعَامِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَرَقِ، فَثَرِيدُ اللَّحْمِ أَفْضَلُ مِنْ مَرَقه بِلَا ثَرِيدٍ، وَثَرِيد مَا لَا لَحْم فِيهِ أَفْضَل مِنْ مَرَقه، وَالْمُرَاد بِالْفَضِيلَةِ نَفْعُهُ،

وَالشِّبَع مِنْهُ، وَسُهُولَة مَسَاغه، وَالِالْتِذَاذ بِهِ، وَتَيَسُّر تَنَاوُله، وَتَمَكُّن الْإِنْسَان مِنْ أَخْذ كِفَايَته مِنْهُ بِسُرْعَةٍ، وَغَيْر ذَلِكَ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَرَقِ كُلِّهِ، وَمِنْ سَائِر الْأَطْعِمَة وَفَضْل عَائِشَة عَلَى النِّسَاء زَائِد كَزِيَادَةِ فَضْل الثَّرِيد عَلَى غَيْره مِنْ الْأَطْعِمَة». جبريل - عليه السلام - يقرؤها السلام: وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قال - صلى الله عليه وآله وسلم - يَوْمًا: «يا عائِشَ، هَذا جبْريلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَم»، فَقُلْتُ: وَعليه السلام ورحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُه، تَرَى ما لا أَرى ـ تُرِيدُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -» (رواه البخاري ومسلم). رأتْ جبريل - عليه السلام -: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَحْزَابِ، دَخَلَ الْمُغْتَسَلَ لِيَغْتَسِلَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ السَّلَام ـ فَقَالَ: أَوَقَدْ وَضَعْتُمُ السِّلَاحَ، مَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ»، انْهَدْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى

جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلَام ـ، مِنْ خَلَلِ الْبَابِ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ» (رواه الإمام أحمد وحسنه الأرنؤوط). وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَعْرَفَةِ فَرَسٍ وَهُوَ يُكَلِّمُ رَجُلًا، قُلْتُ: «رَأَيْتُكَ وَاضِعًا يَدَيْكَ عَلَى مَعْرَفَةِ فَرَسِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَأَنْتَ تُكَلِّمُهُ». قَالَ: «وَرَأَيْتِ؟» قَالَتْ: «نَعَمْ». قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ». قَالَتْ: «وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا مِنْ صَاحِبٍ وَدَخِيلٍ فَنِعْمَ الصَّاحِبُ وَنِعْمَ الدَّخِيلُ». (رواه الإمام أحمد وإسناده حسن) مَعْرَفَةِ الفَرَسِ: موضع العُرف منه، والعُرف: شعر عنق الفرس. الدَّخِيلُ: الضَّيْفُ.

الفقيهة العالمة الفصيحة - رضي الله عنها -. عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ: «مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا ـ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلاَّ وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا. (رواه الترمذي وصححه الألباني). وهي من أكثر الصحابة فتوى، قال ابن حجر - رحمه الله -: «أكثر الصحابة فتوى مطلقًا سبعة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعائشة رضوان الله تعالى عليهم». (¬1) وقال الزُّهريُّ: «لو جُمِع عِلمُ عائشة إلى عِلمِ جميعِ النساء، لكان علمُ عائشةَ أفْضلَ». وقَالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ أَفْقَهَ النَّاسِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْ جُمِعَ عِلْمُ عَائِشَةَ إِلَى عِلْمِ جَمِيْعِ النِّسَاءِ، لَكَانَ عِلْمُ عَائِشَةَ أَفْضَلَ (¬2). وقال الذهبي - رحمه الله -: «وَلاَ أَعْلَمُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - بَلْ وَلاَ فِي النِّسَاءِ مُطْلَقًا امْرَأَةً أَعْلَمَ مِنْهَا» (¬3). وعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ» (رواه الترمذي وصححه الألباني). العابدة القانتة: عن عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي قَيْس، قَالَ: أَرْسَلَنِي مُدْرِكٌ إِلَى عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ أَشْيَاءَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهَا، فَإِذَا هِيَ تُصَلِّي الضُّحَى، فَقُلْتُ: أَقْعُدُ حَتَّى تَفْرُغَ، فَقَالُوا: هَيْهَاتَ» (رواه الإمام أحمد وصححه الأرنؤوط). أي متى ستفرغ من صلاتها! أي من شدة طولها. ومن وصاياها - رضي الله عنها -: قَالَتْ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ لَا يَدَعُهُ، فَإِنْ مَرِضَ قَرَأَ وَهُوَ قَاعِدٌ» (رواه الإمام أحمد وصححه الأرنؤوط). ¬

_ (¬1) الإصابة (1/ 12). (¬2) سير أعلام النبلاء (2/ 186). (¬3) سير أعلام النبلاء (2/ 140).

أشعار في الدفاع عن أمنا عائشة - رضي الله عنها -

أشعار في الدفاع عن أمنا عائشة - رضي الله عنها - قال: موسى بن محمد بن عبد الله الواعظ الأندلسي - رحمه الله - على لسان عائشة الصديقة بنت الصديق (¬1): ما شَانُ أُمِّ المؤمنين وشَاني (¬2) هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّاني (¬3) إِنِّي أَقُولُ مُبيِّنًا عَنْ فَضْلِها ومُتَرْجِمًا عَنْ قَوْلِها بِلِسَاني يا مُبْغِضِي لا تَأتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ ... ¬

_ (¬1) انظر: قصيدة الواعظ الأندلسي في مناقب أم المؤمنين الصدّيقة عائشة - رضي الله عنها -، تحقيق الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي. (¬2) شان: شأن، شاني: شأني. (¬3) الشاني: المبغِض الكاره.

فالبَيْتُ بَيْتي والمَكانُ مَكاني إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعاني وَسَبَقْتُهُنَّ إلي الفَضَائِلِ كُلِّها فالسَّبقُ سَبقي والعِنَانُ عِنَاني مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبي فالْيَوْم يَوْمي والزَّمانُ زَماني زَوْجي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ اللهُ زَوَّجني بهِ وحَبَاني وأتاهُ جبريلُ الأمينُ بصورتِي ... وأحًبَّنِي المختارُ حينَ رآني أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدي سِرُّهُ وضَجيعُهُ في مَنْزلي قَمَرانِ (¬1) وتَكلم اللهُ العظيمُ بحُجَّتي ... ¬

_ (¬1) أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - حيث دفنا في حجرتها بجوار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.

وبَرَاءَتِي في مُحكمِ القُرآنِ واللهُ حَفَّرَني (¬1) وعَظَّمَ حُرْمَتي وعلى لِسَانِ نبِيِّهِ بَرَّاني واللهُ وبَّخَ منْ أراد تَنقُّصي إفْكًا وسَبَّحَ نفسهُ في شاني إني لَمُحْصَنةُ الإزارِ بَرِيئَةُ ودليلُ حُسنِ طَهارتي إحْصاني واللهُ أحصنَني بخاتِمِ رُسْلِهِ وأذلَّ أهلَ الإفْكِ والبُهتانِ وسَمِعْتُ وَحيَ الله عِندَ مُحمدٍ من جِبْرَئيلَ ونُورُه يَغْشاني أَوْحى إليهِ وكُنتَ تَحتَ ثِيابِهِ فَحَنى عليَّ بِثَوْبهِ وخبَاني (¬2) ... ¬

_ (¬1) الخَفَر: شدة الحياء. (¬2) خباني: غطاني بثوبه.

مَنْ ذا يُفاخِرُني وينْكِرُ صُحبتي ومُحَمَّدٌ في حِجْره رَبَّاني؟ وأخذتُ عن أبوي دينَ محمدٍ وهُما على الإسلامِ مُصطَحِبانيِ وأبي أقامَ الدِّين بَعْدَ مُحمدٍ فالنَّصْلُ نصلي والسِّنان سِناني والفَخرُ فخري والخلافةُ في أبي حَسبي بهذا مَفْخَرًا وكَفاني وأنا ابْنَةُ الصِّديقِ صاحبِ أحمدٍ وحَبيبهِ في السِّرِّ والإعلانِ نصرَ النبيَّ بمالهِ وفِعاله وخُروجهِ مَعَهُ من الأوطانِ وهو الذي لم يخشَ لَومةً لائمٍ في قتلِ أهلِ البَغْيِ والعُدوانِ سَبقَ الصَّحابةَ والقَرابةَ للهدى هو شَيْخُهُم في الفضلِ والإحسانِ ...

ويلٌ لِعبدٍ خانَ آلَ مُحمدٍ بعَداوةِ الأزواجِ والأختانِ (¬1) طُوبى لمن والى جماعةَ صحبهِ ويكون مِن أحبابه الحسنانِ (¬2) بينَ الصحابةِ والقرابةِ أُلْفَةٌ لا تستحيلُ بنزغَةِ الشيطانِ هُمْ كالأَصابعِ في اليدينِ تواصُلًا هل يستوي كَفٌ بغير بَنانِ؟ رُحماء بينهمُ صفت أخلاقُهُمْ وخلت قُلُوبهمُ من الشنآن فدُخولهم بين الأحبة كُلفةٌ (¬3) وسبابهم سببٌ إلي الحرمان من حبَّني فليجتنِب مَن سَبَّني ... ¬

_ (¬1) الأختان: الأصهار. (¬2) الحسن والحسين - رضي الله عنهما -. (¬3) أي أن محبة الصحابة وآل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر واجب على المسلمين.

إن كانَ صان محبتي ورعاني إني لطيبةُ خُلقتُ لطيب ونساءُ أحمدَ أطيبُ النِّسوان إني لأمُ المؤمنين فمن أبى حُبي فسوف يبُوءُ بالخسران اللهُ حببني لِقلبِ نبيه وإلي الصراطِ المستقيمِ هداني صِلْ أمهاتِ المؤمنين ولا تَحُدْ عنَّا فتُسلب حُلة الإيمان صلَّى الإلهُ على النبي وآله فبهمْ تُشمُّ أزهرُ البُستانِ

قال القحطاني - رحمه الله - في نونيته:

قال القحطاني - رحمه الله - في نونيته: أكْرِمْ بعائشةَ الرضَى مِن حُرَّةٍ بِكْرٍ مُطهَّرةِ الإزارِ حَصَانِ (¬1) هِيَ زوْجُ خيرِ الأنبياءِ وبِكْرُهُ وعروسُه مِن جمُلةِ النِّسوانِ هِي عُرْسُه هي أُنْسُه هي إلْفُهُ هي حِبُّه صِدْقًا بلا إدْهانِ (¬2) ¬

_ (¬1) امرأةٌ حَصانٌ: عَفيفَةٌ. (¬2) الإِدْهان: المداهنة: اظهار خلاف ما يضمر.

أماه عذرا قصيدة في الدفاع عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -

أُمّاهُ عُذْرًا قصيدة في الدفاع عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قصيدة في الدفاع عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، الذي آذاها الرافضي الخبيث الذي أقام مؤتمرا للروافض في لندن للطعن فيها. قال أبو عبدالله: أُمَّاهُ عُذْرًا منْ أَخِ الشَّيطانِ ذاكَ الخبيثُ الفاجرُ) الإيراني) أُمَّاهُ عُذْرًا حينما يَهذو الجبانِ سَبَّ المقامَ العاليَ الأركانِ أَوَلستِ أَنْتِ من حَباها ربُّنا بالآيِ تَشْهَدُ سُورةُ القُرآنِ في (النُّور) أعلَنَ ربُّنا بِكتابِهِ للإِنسِ تُتلى آيُها والجانِ ...

أمَّاه عُذرا لو تمادى (ياسرٌ) كَلْبُ الرَّوافِضِ أخبثُ الحيوانِ سَبَّ الحُميراءَ التي من حُسْنِها ماتَ النَّبيُّ بِحُضنها بأمان حَشَدَ الرجالَ مع النِّساءِ ليَحْفَلوا في لندنٍ وبحَضْرةِ الصِّبْيانِ حَشَدوا لأجلِكِ أُمَّنَا كَيْ يَفْرحوا بالنَّيْل مِنْك عَمائِمَ الشَّيطانِ يا زُمْرَةَ الشيطانِ دونَكِ ربُّنا هو من يذودُ مٌنَزِّلُ الفُرقانِ هو من يذودُ عنِ النَّبيِّ وآلِهِ مِن كُلِّ كلبٍ عابدِ الأوثانِ

كشف افتراءات الشيعة حول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -

كشف افتراءات الشيعة حول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «إن أهل السُّنَّة قائمون بالقسط شهداء لله، وقولهم حق وعدل لا يتناقض، أما الرافضة وغيرهم من أهل البدع ففي أقوالهم الباطل والتناقض، وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة، وكذلك أمهات المؤمنين: عائشة وغيرها، وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء. وأهل السُّنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ، بل ولا عن الذنب، بل يجوز أن يُذنب الرجل منهم ذنبًا صغيرًا أو كبيرًا ويتوب منه. وهذا مُتّفق عليه بين المسلمين، ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة

باجتناب الكبائر عند جماهيرهم، بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد تُمحى بالحسنات التي هي أعظم منها، وبالمصائب المُكفِّرة وغير ذلك. وإذا كان هذا أصلهم فيقولون: ما يُذكر عن الصحابة من السيئات كثير منه كذب، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه، ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قُدِّر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم فهو مغفور لهم: إما بتوبة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفّرة، وإما بغير ذلك، فإنه قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه: أنهم من أهل الجنة، فامتنع أن يفعلوا ما يُوجب النار لا محالة، وإذا لم يمُتْ أحد منهم على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم للجنة. ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة، ولو لم يُعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يَجُزْ لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها تُوجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يُعلم أنهم يدخلون الجنة، ليس لنا أن

نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك، فكيف يجوز مثل ذلك في خيار المؤمنين، والعلم بتفصيل أحوال كل واحد منهم باطنًا وظاهرًا، وحسناته وسيئاته واجتهاداته، أمر يتعذر علينا معرفته؟ فكان كلامنا في ذلك كلامًا فيما لا نعلمه، والكلام بلا علم حرام، فلهذا كان الإمساك عمّا شجر بين الصحابة خيرًا من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال، إذ كان كثير من الخوض في ذلك ـ أو أكثره ـ كلامًا بلا علم، وهذا حرام لو لم يكن فيه هوى ومعارضة الحق المعلوم، فكيف إذا كان كلامًا بهوى يُطلب فيه دفع الحق المعلوم؟ فمن تكلم في هذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق كان مستوجبًا للوعيد، ولو تكلم بحق لقصد اتباع الهوى لا لوجه الله تعالى، أو يُعارض به حقًا آخر، لكان أيضًا مستوجبًا للذم والعقاب ... ومن عَلِمَ ما دلَّ عليه القرآن والسُّنة من الثناء على القوم، ورضا الله عنهم، واستحقاقهم الجنة، وأنهم خير هذه الأمة التي هي أخرجت

افتراؤهم أن أم المؤمنين سقت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:

للناس ـ لم يعارض هذا المتيقن المعلوم بأمور مشتبهة: منها ما لا يُعلم صحته، ومنها ما يتبين كذبه، ومنها ما لا يُعلم كيف وقع، ومنها ما يُعلم عذر القوم فيها، ومنها ما يُعلم توبتهم منه، ومنها ما يُعلم أن لهم من الحسنات ما يغمره، فمن سلك سبل أهل السُّنة استقام قوله، وكان من أهل الحق والاستقامة والاعتدال، وإلا حصل في جهل وكذب وتناقض كحال هؤلاء الضُلّال» (¬1). افتراؤهم أن أم المؤمنين سَقَت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: الجواب: هذا من الكذب المفضوح، فإذا كانت قد سقت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - السم كما يزعم هؤلاء الكذابون فلماذا لم يطالب بنو هاشم بالقصاص، ولماذا لم يقتص منها عليٌّ - رضي الله عنه - عندما تولى الخلافة، إن هذا طعن في علي - رضي الله عنه - لو كانوا يفقهون. ¬

_ (¬1) باختصار من منهاج السنة النبوية (4/ 309 - 312) ومعظم الردود من هذا الكتاب القيم.

افتراؤهم عليها المجون والفسق والتسكع بالطرقات: الجواب: أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قد برأها الله - عز وجل - فوق من سبع سموات، وهذا الاتهام تكذيب للقرآن وكفر بالله - عز وجل -. زعمهم أن عائشة آذت فاطمة - رضي الله عنهما - وأبكَتْها، وأنها فرحت حين علمت بوفاة فاطمة - رضي الله عنها -: الجواب: هذا كلام بدون دليل أو سند صحيح أو مصدر معتمد، وليس بغريب أن يصدر هذا الكذب عن الشيعة الذين قال عنهم الإمام الشافعي - رحمه الله - أنهم أكذب الطوائف. ثم كيف تكره أم المؤمنين عائشة فاطمة - رضي الله عنهما - وهي التي تروي فضائلها!!؟ فقد روت عائشة - رضي الله عنها - حديث الكساء في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - (رواه مسلم).

وقد قَالَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -:كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عِنْدَهُ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - شَيْئًا فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِى». ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى جَزَعَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ. فَقُلْتُ لَهَا خَصَّكِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - سَأَلْتُهَا: «مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -»، قَالَتْ: «مَا كُنْتُ أُفْشِى عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - سِرَّهُ». قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قُلْتُ: «عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِى عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لَمَا حَدَّثْتِنِى مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -». فَقَالَتْ: «أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، أَمَّا حِينَ سَارَّنِى فِى الْمَرَّةِ الأُولَى فَأَخْبَرَنِى «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِى كُلِّ سَنَةٍ

مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ وَإِنِّى لاَ أُرَى الأَجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ فَاتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ». قَالَتْ: «فَبَكَيْتُ بُكَائِى الَّذِى رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِى سَارَّنِى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ أَمَا تَرْضَىْ أَنْ تَكُونِى سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ». قَالَتْ فَضَحِكْتُ ضَحِكِى الَّذِى رَأَيْتِ». (رواه البخاري ومسلم). افتراؤهم أنها كانت تكره عليًّا - رضي الله عنه - وأنها سجدت يوم قُتِل، وأنها رمَتْ سهمًا في جنازة الحسن - رضي الله عنه -: الجواب: هذا من الكذب الواضح. كيف تكره أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأبناءه وهي تروي فضائلهم!!؟ • فقد روت حديث الكساء في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - (رواه مسلم).

• وأخبرت عن محبة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - للحسن بن علي - رضي الله عنه - (رواه مسلم). • وكانت تحيل السائل على علي بن أبي طالب ليجيبه عندما سُئِلَتْ عن المسح على الخفين. (رواه مسلم). • وطلبت من الناس بعد استشهاد عثمان - رضي الله عنه - أن يلزموا عليًا - رضي الله عنه - بالبيعة فقد أخرج أخرج ابن أبي شيبة، أن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي سأل عائشة من يبايع؟ فقالت له: إلزم عليًّا (¬1). تنبيه: لا يصح ما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن عائشة لا تطيب لعلي نفسًا بخير»، فهذه زيادة شاذة لا تصح. ¬

_ (¬1) انظر (فتح الباري) للحافظ ابن حجر العسقلاني (13/ 29، 48).

زعموا أن خروجها على علي - رضي الله عنه - تسبب في قتل ثلاثين ألفا من المسلمين:

زعموا أن خروجها على علي - رضي الله عنه - تسبب في قتل ثلاثين ألفًا من المسلمين: الجواب: هذا من الكذب الصريح. زعم الشيعة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لها: «تقاتلين عليًا وأنت ظالمة له»: الجواب: هذا لا يُعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا له إسناد معروف، وهو بالموضوعات المكذوبات أشبه منه بالأحاديث الصحيحة، بل هو كذب قطعًا، فإن عائشة - رضي الله عنها - لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبيّن لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تَبلّ خِمارها. وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزبير وعليّ - رضي الله عنهم -، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في الاقتتال، ولكن وقع الاقتتال بغير

زعموا أنها خالفت أمر الله في قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}

اختيارهم، فإنه لما تراسل عليّ وطلحة والزبير، وقصدوا الاتفاق على المصلحة، وأنهم إذا تمكنوا طلبوا قتلة عثمان أهل الفتنة، فخشي القَتَلة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، فظن طلحة والزبير أن عليًّا حمل عليهم، فحملوا دفعًا عن أنفسهم، فظن عليّ أنهم حملوا عليه، فحمل دفعًا عن نفسه، فوقعت الفتنة بغير اختيارهم. وعائشة - رضي الله عنها - راكبة: لا قاتلت، ولا أمرت بالقتال زعموا أنها خالفت أمر الله في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33): الجواب: عائشة - رضي الله عنها - لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى. والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفرة، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد سافر بهن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد ذلك، كما سافر في

حجة الوداع بعائشة - رضي الله عنها - وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم. وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يحججن كما كُنَّ يحججن معه في خلافة عمر - رضي الله عنه - وغيره. وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزًا فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في ذلك. أما زعمهم أنها خرجت في ملأٍ من الناس تقاتل عليًا على غير ذنب فهذا كذب عليها. فإنها لم تخرج لقصد القتال، ولا كان أيضًا طلحة والزبير قصدهما قتال عليّ. فخروج عائشة يوم الجمل كان بقصد الإصلاح بين المسلمين وليس القتال فعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: «لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلًا نَبَحَتِ الْكِلَابُ، قَالَتْ: «أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟»، قَالُوا: «مَاءُ الْحَوْأَبِ»، قَالَتْ: «مَا أَظُنُّنِي إِلَّا أَنِّي رَاجِعَةٌ»، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: «بَلْ

تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ، فَيُصْلِحُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ذَاتَ بَيْنِهِمْ»، قَالَتْ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: «كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟». وفي رواية: عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - لَمَّا أَتَتْ عَلَى الْحَوْأَبِ سَمِعَتْ نُبَاحَ الْكِلَابِ، فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ لَنَا: «أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟»، فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: «تَرْجِعِينَ؟ عَسَى الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ» (¬1). فعائشة - رضي الله عنها - لما تذكرت هذا الحديث وهمت بالرجوع، أشار عليها الزبير بالمضي في مسيرها، للإصلاح بين الناس، فترجحت لديها هذه المصلحة اجتهادًا منها، وهي غير معصومة من الخطأ في الاجتهاد (¬2). ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني والأرنؤوط، والحوأب: ماء قريب من البصرة على طريق مكة. (¬2) باختصار من (الاختلاط بين الرجال والنساء، أحكام وفتاوى، ثمار مرة وقصص مخزية، كشف 136 شبهة لدعاة الاختلاط) للمؤلف، تحت الطبع.

وعائشة - رضي الله عنها - لم يكن طلحة والزبير ولا غيرهما من الأجانب يحملونها، بل كان في العسكر من محارمها، مثل عبد الله بن الزبير ابن أختها، وخلوة ابن الزبير بها ومسُّه لها جائز بالكتاب والسُّنّة والإجماع ـ وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها جائز بالكتاب والسنة والإجماع. وهي لم تسافر إلا مع ذي محرم منها. تنبيه: نبه الشيخ الألباني على كذب رواية «فشهد طلحة والزبير أنه ليس هذا ماء الحوأب .. فكانت أول شهادة زور في الإسلام» (¬1). تنبيه: وأيضًا لم يصح ما رواه الحاكم في (المستدرك) عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: ذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال: «انظري يا حميراء أن لا ¬

_ (¬1) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 227)، عند حديث رقم475).

تكوني أنت»، ثم التفت إلى علي فقال: «إن وليت من أمرها شيئًا فارفق بها». فالحديث ضعيف كما أشار إليه محقق المستدرك الشيخ سعد الحميد (3/ 1345). زعمهم أنها كانت تأمر بقتل عثمان، وتقول: «اقتلوا نعثلًا (¬1)، قتل الله نعثلًا»، ولما بلغها قتله فرحت بذلك: الجواب: أولًا: أين النقل الثابت عن عائشة بذلك؟ ثانيًا: المنقول الثابت عنها يُكذِّب ذلك، ويُبيّن أنها أنكرت قتله، وذمَّت من قتله. ثالثًا: هَبْ أن أحدًا من الصحابة ـ عائشة أو غيرها ـ قال ذلك على وجه الغضب، لإنكاره بعض ما يُنكر، فليس قوله حجة، ولا يقدح ذلك في إيمان القائل ولا المقول له، ¬

_ (¬1) النَّعْثَل: الشيخ الأحْمَقُ، وقيل: كان أعداءُ عثمانَ - رضي الله عنه - يقولون له نَعْثَل شَبَّهُوه بِرَجُلٍ من مصرَ طويلُ اللحيةِ.

بل قد يكون كلاهما وليًا لله تعالى من أهل الجنة، ويظن أحدهما جواز قتل الآخر، بل يظن كفره، وهو مخطئ في هذا الظن. رابعًا: إن هذا المنقول عن عائشة من القدح في عثمان: إن كان صحيحًا فإما أن يكون صوابًا أو خطأ، فإن كان صوابًا لم يذكر في مساوئ عائشة، وإن كان خطأ لم يُذكر في مساوئ عثمان، والجمع بين نقص عائشة وعثمان باطل قطعًا. وأيضًا فعائشة ظهر منها من التألم لقتل عثمان، والذم لقتلته، وطلب الانتقام منهم ما يقتضي الندم على ما ينافي ذلك، كما ظهر منها الندم على مسيرها إلى الجمل، فإن كان ندمها على ذلك يدل على فضيلة عليّ واعترافها له بالحق، فكذلك هذا يدل على فضيلة عثمان واعترافها له بالحق، وإلا فلا.

زعمهم أنها سألت: من تولى الخلافة؟ فقالوا: عليّ. فخرجت لقتاله على دم عثمان: الجواب: أولًا: قول القائل: إن عائشة وطلحة والزبير اتهموا عليًّا بأنه قتل عثمان وقاتَلوه على ذلك ـ كذب بيِّن، بل إنما طلبوا القَتَلة الذين كانوا تحيّزوا إلى عليّ، وهم يعلمون أن براءة عليّ من دم عثمان كبراءتهم وأعظم، لكن القَتَلة كانوا قد أووا إليه، فطلبوا قتل القتلة، ولكن كانوا عاجزين عن ذلك هم وعليّ، لأن القوم كانت لهم قبائل يذبُّون عنهم. والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، فصار الأكابر - رضي الله عنها - عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها. وهذا شأن الفتن كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 25) وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله.

افتراؤهم أنها وضعت حديثا فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سحره لبيد بن الأعصم اليهودي:

افتراؤهم أنها وضعت حديثًا فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سَحَره لبيد بن الأعصم اليهودي: وقالوا كيف يمكن أن يُسحر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ويُخَيَّلُ اليه أنه يفعل الشيء وما فعله، وهو معصوم؟ الجواب: 1 - الحديث رواه البخاري، وقد جاء الحديث من رواية عدة من الصحابة كابن عباس وزيد ابن أرقم فلم تنفرد عائشة - رضي الله عنها - بروايته. وقد ذكر القاضي عياض أن بعض المبتدعة طعنوا في حديث عائشة - رضي الله عنها - وقد جمع الردود على هؤلاء الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتاب (ردود اهل العلم على الطاعنين في حديث السحر). 2 - قد ورد في القرآن الكريم أن موسى - عليه السلام - خُيِّل إليه أن عصي وحبال السحرة انقلبت الى حيات تسعى فهل يُعَدُّ هذا طعنًا في موسى - عليه السلام -؟

قال تعالى: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} (طه: 65 - 66). 3 - السحر الذي أصابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن ليمس عقله الشريف ولا يؤثر على تبليغ الرسالة بل كان عارضًا كعوارض الأمراض المختلفة التي تصيب الصالح والطالح والكبير والصغير، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مشرع لذا تحدث هذه الحوادث معه لبيان جواز حدوثها مع غيره - صلى الله عليه وآله وسلم - مهما بلغ قدرًا عاليًا في العبادة، وهو أمر جائز عقلا ونقلا. فهو كحديث نسيان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصلاة، وهو الذي ينزل عليه الوحي، وهو أخشع الخلق في الصلاة - صلى الله عليه وآله وسلم - وذلك لتعليم الأمة الإسلامية من خلال هذا الحدث.

زعمهم أن عائشة اتهمت مارية القبطية - رضي الله عنهما - بالزنا:

4 - ورد ما في كتب الشيعة نفس القصة التي رواها الإمام البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - حول سحر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬1). زعمهم أن عائشة اتهمت مارية القبطية - رضي الله عنهما - بالزنا: في تفسير القمي: في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النور: 11) فإن العامة (يقصد أهل السنة) روت أنها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة وأما الخاصة (يقصد الشيعة) فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة. ¬

_ (¬1) انظر: تفسير القمي (2: 449)، (الأصفى في تفسير القرآن (ج2) للفيض الكاشاني)، (الميزان في تفسير القرآن مجمع البيان سورة الفلق) (بحار الأنوار للمجلسي).

الجواب: هذا كذب مفضوح فآيات الإفك يعرف القاصى والدانى أنها نزلت تبرئةً للسيدة عائشة - رضي الله عنها - مما بُهِتَتْ به فى قصة ضياع العِقْد الذى فقدته فى الصحراء مَرْجِعَها هى والنبى والمسلمين من غزوة بنى المصطلق. والقمى ـ وأمثاله من ضُلّال الشيعة ـ يصرفون القصة عن حقيقتها حتى لا يُضْطَرّوا إلى الإقرار بأى فضل لها. وأى فضل أعظم من أن الله - سبحانه وتعالى - قد أنزل تبرئتها من فوق سبع سماوات؟ تنبيه: لا يصح ما رواه الحاكم في (المستدرك) عن سليمان بن الأرقم (المتفق على ضعفه) عن الزهري عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «أهديت مارية إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعها ابن عم لها قالت: فوقع عليها وقعة فاستمرت حاملًا، قالت: فعزلها عند ابن عمها، قالت: فقال أهل الإفك والزور: «من حاجته إلى الولد ادعى ولد غيره»، و

كانت أمه قليلة اللبن فابتاعت له ضائنة لبون فكان يغذى بلبنها فحسن عليه لحمه. قالت عائشة - رضي الله عنها -: «فدخل به على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذات يوم فقال: «كيف ترين»، فقلت: «من غذي بلحم الضأن يحسن لحمه» قال: «ولا الشبه؟». قالت: فحملني ما يحمل النساء من الغيرة أن قلت: «ما أرى شبها»، قالت: وبلغ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما يقول الناس فقال لعلي: «خذ هذا السيف فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية حيث وجدته»، قالت: «فانطلق فإذا هو في حائط على نخلة يخترف رطبًا، فلما نظر إلى علي ومعه السيف استقبلته رعْدة قال: فسقطت الخرفة فإذا هو لم يخلق الله ـ عز وجل ـ له ما للرجال، شيء ممسوح». (وهذه القصة لا تصح؛ فإن سليمان بن الأرقم متفق بين الأئمة على تضعيفه، بل هو ضعيف جدًا، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة للألباني رقم 4964).

والصحيح ما رواه مسلم عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لِعَلِىٍّ: «اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ». فَأَتَاهُ عَلِىٌّ فَإِذَا هُوَ فِى رَكِىٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَلِىٌّ: «اخْرُجْ». فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ؛ فَكَفَّ عَلِىٌّ عَنْهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ». (رواه مسلم، والرَكِىٍّ: البئر). زعموا أنها يوم زُفت أسماء بنت النعمان عروسًا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالت لها: «إن النبي ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له: أعوذ بالله منك»: الجواب: روى الحاكم في المستدرك عن حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أسماء بنت النعمان الجونية فأرسلني فجئت بها فقالت حفصة لعائشة: اخضبيها أنت وأنا أمشطها ففعلتا، ثم قالت لها إحداهما: إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول

:أعوذ بالله منك، فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مدَّ يده إليها فقالت: أعوذ بالله منك فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بكمه على وجهه فاستتر به وقال: «عذت بمعاذ ثلاث مرات». هذه القصة المزعومة إسنادها واهٍ كما قال الذهبي في تلخيصه، فهو من طريق هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال الدارقطني: «متروك)، وقال ابن عساكر: «رافضي ليس بثقة» , وقال الذهبي: «لا يوثق به». وفي هذه القصة المزعومة أن القائلة هي إما عائشة أو حفصة؟ فمن أين قطعوا أنه قول عائشة؟ وفي إسناد آخر عند ابن سعد أن القائلة بذلك إحدى نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يتعين مَن هي، ولكن إسنادها واهٍ أيضًا فهي من طريق الكلبي عن أبيه, وأبوه متهم بالكذب, فهذه القصة مكذوبة من أساسها فلا حجة فيها. والقصة الصحيحة رواها البخاري ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ذُكِرَ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ

أذاعت سر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:

أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِىَّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ فِى أُجُمِ بَنِى سَاعِدَةَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - حَتَّى جَاءَهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا، فَلَمَّا كَلَّمَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَتْ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ». فَقَالَ «قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّى». فَقَالُوا لَهَا: «أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟». قَالَتْ: «لاَ». قَالُوا: «هَذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَاءَ لِيَخْطُبَكِ». قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ». وليس في هذه القصة الصحيحة أيُّ ذِكْرٍ لحفصة ولا لعائشة - رضي الله عنهما -، ولا ما يفيد علمهما بهذا الأمر من أساسه. أذاعت سرّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ

فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)} (التحريم: 1 - 4). وقد ثبت في الصحيحين عن عمر - رضي الله عنه - أنهما عائشة وحفصة - رضي الله عنهما -. الجواب: أولًا: هؤلاء الشيعة يعمدون إلى نصوص القرآن التي فيها ذكر ذنوب ومعاص بيِّنة لمن نصت عنه من المتقدمين يتأولون النصوص بأنواع التأويلات، وأهل السُّنة يقولون: بل أصحاب الذنوب تابوا منها ورفع الله درجاتهم بالتوبة. وهذه الآية ليست بأولى في دلالتها على الذنوب من تلك الآيات، فإن كان تأويل تلك سائغًا كان تأويل هذه كذلك، وإن كان تأويل هذه باطلًا فتأويل تلك أبطل.

ثانيًا: بتقدير أن يكون هناك ذنب لعائشة وحفصة، فيكونان قد تابتا منه، وهذا ظاهر لقوله قال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (التحريم: 4). فدعاهما الله تعالى إلى التوبة، فلا يُظن بهما أنهما لم تتوبا، مع ما ثبت من علو درجتهما، وأنهما زوجتا نبيّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - في الجنة، وأن الله خيَّرهُنَّ بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ورسوله والدار الآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك حرّم الله عليه أن يتبدّل بهن غيرهن، وحرم عليه أن يتزوج عليهن،، ومات عنهن وهنّ أمهات المؤمنين بنص القرآن. ثم قد تقدّم أن الذنب يُغفر ويُعفى عنه بالتوبة وبالحسنات الماحية وبالمصائب المكفرة. وهذا زيغ في هذه المسألة ليس زيغا عن الاسلام إلى الكفر. ثالثًا: الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يطلقهما بعدما علم ذلك منهما بل أقر زواجهما منه، وحاشاه أن يقر ببقائهما ولا يطلقهما إن

كان الأمر يستحق ما ينفخ فيه الرافضة؛ لأنه يلزم من هذا الطعن بالنبوة وأن الرسول لم يطلق من تستحق الطلاق. رابعًا: لم يمنع الحق عمر أن يقول «هما عائشة وحفصة» وذلك عندما سئل عن معنى هذه الآية. خامسًا: المذكور عن أزواجه كالمذكور عمن شهد له بالجنة من أهل بيته وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم - فعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ بَنِى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِى أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ فَلاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِى وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِىَ بَضْعَةٌ مِنِّى، يُرِيبُنِى مَا أَرَابَهَا وَيُؤْذِينِى مَا آذَاهَا» (رواه البخاري ومسلم). فإن عليًا - رضي الله عنه - لما خطب ابنة أبي جهل على فاطمة - رضي الله عنها -، فلا يُظنّ بعليٍّ - رضي الله عنه - أنه ترك الخطبة في الظاهر فقط، بل تركها بقلبه وتاب بقلبه عما كان طلبه وسعى فيه.

روايتها حديث إرضاع الكبير:

روايتها حديث إرضاع الكبير: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِى حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِى بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ ـ تَعْنِى ابْنَةَ سُهَيْلٍ ـ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَتْ: «إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّى أَظُنُّ أَنَّ فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا». فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِى عَلَيْهِ وَيَذْهَبِ الَّذِى فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ». فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِى فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ. (رواه مسلم). وفي رواية البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهْوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، كَمَا تَبَنَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ: {ادْعُوهُمْ

لِآبَائِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ {وَمَوَالِيكُمْ} (¬1) فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ، فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِى الدِّينِ، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِىِّ ثُمَّ الْعَامِرِىِّ ـ وَهْىَ امْرَأَةُ أَبِى حُذَيْفَةَ ـ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ... ». وفي رواية لأبي داود صححها الألباني: «فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِ إِخْوَتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ يَدْخُلَ عَلَيْهَا، وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَرْضَعَ فِى الْمَهْدِ، وَقُلْنَ ¬

_ (¬1) قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} ... (الأحزاب: 5).

لِعَائِشَةَ: «وَاللهِ مَا نَدْرِى لَعَلَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ». الجواب: أولًا: قَال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ: «وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ إِرْضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ. وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وذكر الحديث .... ثم قال: وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخَذَتْ بِهِ عَائِشَةُ، وَأَبَى غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنْ يَأْخُذْنَ بِهِ، مَعَ أَنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ عَنْهُ قَال: «الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» (¬1) لَكِنَّهَا رَأَتِ الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ رَضَاعَةً أَوْ تَغْذِيَةً، فَمَتَى كَانَ الْمَقْصُودُ الثَّانِيَ لَمْ يُحَرِّمْ إِلاَّ مَا كَانَ قَبْل الْفِطَامِ، وَهَذَا هُوَ إِرْضَاعُ عَامَّةِ النَّاسِ. وَأَمَّا الأَْوَّل فَيَجُوزُ إِنِ احْتِيجَ إِلَى جَعْلِهِ ذَا مَحْرَمٍ. وَقَدْ يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ مَا لاَ يَجُوزُ لِغَيْرِهَا، وَهَذَا قَوْلٌ مُتَوَجِّهٌ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري ومسلم.

وَقَال: رَضَاعُ الْكَبِيرِ تَنْتَشِرُ بِهِ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّ الدُّخُول وَالْخَلْوَةِ إِذَا كَانَ قَدْ تَرَبَّى فِي الْبَيْتِ بِحَيْثُ لاَ يَحْتَشِمُونَ مِنْهُ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ وَعَطَاءٍ وَاللَّيْثِ (¬1). ثانيًا: النص لم يصرح بأن الإرضاع كان بملامسة الثدي. سياق الحديث متعلق بالحرج من الدخول على بيت أبي حذيفة فكيف يرضى بالرضاع المباشر بزعمكم؟ هل نسي هؤلاء أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حرم المصافحة؟ فكيف يجيز لمس الثدي بينما يحرم لمس اليد لليد؟ الحجة لا تقوم على الخصم بما فهمه خصمه وإنما تقوم بنص صريح يكون هو الحجة. هل الطفل الذي يشرب الحليب من غير رضعه من الثدي مباشرة يثبت له حكم الرضاعة أم لا؟ ¬

_ (¬1) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (34/ 60)، الموسوعة الفقهية الكويتية (22/ 245 - 246).

ذكر الفقهاء أن المقصود بالرضاعة هنا أن تفرغ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ لبنها فى إناء وترسله لسَالِمٍ ليشربه وتكرر ذلك خمس مرات وبذلك تحرم عليه (¬1). روى ابن سعد في (طبقاته) عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال: «كانت سهلة تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لسهلة» (¬2). ثالثًا: من المشروع عند الشيعة حتى إرضاع الذكور للذكور، والذين لا يخرج منهم الحليب عادة. ألم يقولوا بأن أبا طالب كان يرضع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ألم يقولوا بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعطي أصبعه للحسين فيمصه الحسين ويخرج منه حليب مشبع يكفيه يومه كله؟؟؟ ¬

_ (¬1) انظر: (شرح الزرقاني3/ 316). (¬2) انظر: الطبقات الكبرى (8/ 271)، الإصابة لابن حجر7 (/716).

اقرءوا هذه الروايات إن شئتم: 1 - عن أبي عبد الله قال: «لم يرضع الحسين من فاطمة ـ عليها السلام ـ ولا من أنثى. كان يؤتى به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيضع إبهامه في فيه، فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث» (الكافي 1/ 386). 2 - عن أبي عبد الله قال» لما ولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مكث أياما ليس له لبن. فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه. فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها» (الكافي 1/ 373). 3 - عن أبي الحسن أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصه فيجتزئ به. ولم يرتضع من أنثى» (الكافي 1/ 387). رابعًا: ماذا عن رضاع الصغير عند الخميني، بالطبع الخميني لم يكن يتكلم عن رضاع الطفلة الصغيرة ولكن مفاخذتها وضمها وتقبيلها جنسيًّا.

ألست تزعم أنك رسول الله:

وهذا من عجائب الشيعة الذين ينظرون بدقة بالغة في نصوصنا ثم يصابون فجأة بعمى في أبصارهم عند مطالبتهم بالنظر في كتبهم وكلام مراجعهم الملقبين بآيات الله. يقول الخميني: «وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة» (تحرير الوسيلة2/ 216). قليلًا من الإنصاف. هل أنتم مبصرون لكتب مخالفيكم عمي في شأن كتبكم؟ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ: عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: وَكَانَ مَتَاعِي فِيهِ خَفٌّ، وَكَانَ عَلَى جَمَلٍ نَاجٍ، وَكَانَ مَتَاعُ صَفِيَّةَ فِيهِ ثِقَلٌ، وَكَانَ عَلَى جَمَلٍ ثَقَالٍ بَطِيءٍ يَتَبَطَّأُ بِالرَّكْبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «حَوِّلُوا مَتَاعَ عَائِشَةَ عَلَى جَمَلِ صَفِيَّةَ، وَحَوِّلُوا مَتَاعَ صَفِيَّةَ عَلَى جَمَلِ عَائِشَةَ حَتَّى يَمْضِيَ الرَّكْبُ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، قُلْتُ: يَا لَعِبَادِ اللهِ، غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، قَالَتْ

: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ، إِنَّ مَتَاعَكِ كَانَ فِيهِ خَفٌّ وَكَانَ مَتَاعُ صَفِيَّةَ فِيهِ ثِقَلٌ، فَأَبْطَأَ بِالرَّكْبِ، فَحَوَّلْنَا مَتَاعَهَا عَلَى بَعِيرِكِ، وَحَوَّلْنَا مَتَاعَكِ عَلَى بَعِيرِهَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ: «أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ؟». قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ، قَالَ: أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: «أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ؟، أَفَهلا عَدَلْتَ؟» وَسَمِعَنِي أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ فِيهِ غَرْبٌ، أَيْ حِدَّةٌ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَلَطَمَ وَجْهِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: مَهْلا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ الْغَيْرَى لا تُبْصِرُ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ أعْلَاه». (رواه أبو يعلى في مسنده). الجواب: هذا الحديث لا يصح، قال الهيتمي في مجمع الزوائد: «رواه أبو يعلى وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس. وسلمة بن الفضل وقد وثقه جماعة ابن معين وابن حبان وأبو حاتم وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح».

هل توضأت عائشة - رضي الله عنها - أمام سالم سبلان؟

وأشار الحافظ العراقي في تخريج إحياء علوم الدين إلى تدليس محمد بن إسحق. فالحديث معلول بالعنعنة. والمدلس تقبل روايته إذا كانت بلفظ (حدثني) ولا تقبل إذا قال (عن عن). عائشة أرَتْ مولاها سالم كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتوضأ: هل توضأت عائشة - رضي الله عنها - أمام سَالِمٌ سَبَلَانُ؟ قال الإمام النَسائى: «أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ جُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِى ذُبَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ سَالِمٌ سَبَلَانُ، قَالَ: «ـ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَعْجِبُ بِأَمَانَتِهِ وَتَسْتَأْجِرُهُ ـ فَأَرَتْنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَتَوَضَّأُ فَتَمَضْمَضَتْ وَاسْتَنْثَرَتْ ثَلَاثًا وَغَسَلَتْ وَجْهَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَتْ يَدَهَا الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَالْيُسْرَى ثَلَاثًا وَوَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً إِلَى مُؤَخِّرِهِ ثُمَّ أَمَرَّتْ يَدَهَا بِأُذُنَيْهَا، ثُمَّ

مَرَّتْ عَلَى الْخَدَّيْنِ، قَالَ سَالِمٌ: «كُنْتُ آتِيهَا مُكَاتَبًا مَا تَخْتَفِي مِنِّي فَتَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيَّ، وَتَتَحَدَّثُ مَعِي حَتَّى جِئْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقُلْتُ: «ادْعِي لِي بِالْبَرَكَةِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ»، قَالَتْ: «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: «أَعْتَقَنِي اللهُ»، قَالَتْ: «بَارَكَ اللهُ لَكَ»، وَأَرْخَتْ الْحِجَابَ دُونِي فَلَمْ أَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ». الجواب: أولًا: هذا الأثر رواه الإمام النسائي، وقال عنه الشيخ الألباني: «صحيح الإسناد». وهذا القول ليس تصحيحًا للحديث؛ فهناك فرق بين قول أحد علماء الحديث: «هذا الحديث صحيح» وبين قوله: «إسناده صحيح»؛ فالأول جَزْمٌ بصحته، والثاني شهادة بصحة سنده، وقد يكون فيه علة أو شذوذ، فيكون سنده صحيحًا ولا يحكمون أنه صحيح في نفسه.

ثانيًا: في إسناد هذا الأثر عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب قال عنه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: «مقبول من السادسة» (¬1). ومعناه عنده أنه (لين الحديث) حيث تفرد، ولم يتابع، حيث قال في مقدمة التقريب: «السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث». وعبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب لم يتابع، فلم يَرْوِ عنه غير جعيد بن عبد الرحمن. ¬

_ (¬1) تقريب التهذيب، (ترجمة رقم 4212).

معنى اصطلاح الحافظ ابن حجر: قال الدكتور ماهر الفحل: «الحافظ ابن حجر يضع ثلاثة شروط للمقبول عنده وهي: 1 - قلة الحديث. 2 - عدم ثبوت ما يترك حديث الراوي من أجله. 3 - المتابعة. فالأصل في المقبول عند الحافظ أنه ضعيف، إذ (ليِّن الحديث) من ألفاظ التجريح، فإذا توبع الراوي رفعته المتابعة إلى مرتبة القبول، فالمتابعة شرط لارتقاء الراوي من الضعف إلى القبول عند الحافظ ابن حجر، و (المقبولية) أول درجات سلّم القبول بمعناه الأعم» (¬1). يتضح مما سبق أن عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب ضعيف عند الحافظ ابن حجر؛ أما ذِكْرُ ابن حبان ¬

_ (¬1) بحوث في المصطلح (ص 279).

له في (الثقات) (¬1)، فلا يُعتد به، فابن حبان لا يُعتمد على توثيقه. وقد أشار الشيخ الألباني نفسه كثيرًا إلى تساهل ابن حبان في التوثيق (¬2). وإذا طبقنا كلام الشيخ الألباني - رحمه الله - فلن نتردد في الحكم على الأثر بالضعف (¬3). ثالثًا: يدل هذا الأثر ـ إن صح ـ على أن سالم سبلان راوي الحديث كان مكاتَبًا، والمكاتَب هو العبد إذا اشترى نفسه من سيده بمال يؤديه إليه، وكانت عائشة - رضي الله عنها - لا تحتجب عنه، وكان يرى شعرها وأطرافها، ولما أخبرها بأن ¬

_ (¬1) الثقات لابن حبان، (ترجمة رقم 9215). (¬2) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (5173)، (1133)، (193)، (896)، (971)، (1068)، وانظر أيضًا القاعدة الخامسة من مقدمة كتابه (تمام المنة في التعليق على فقه السُنة). (¬3) باختصار من (الاختلاط بين الرجال والنساء، أحكام وفتاوى، ثمار مرة وقصص مخزية، كشف 136 شبهة لدعاة الاختلاط) للمؤلف، تحت الطبع.

الله قد منَّ عليه بالحرية أرْخَتْ الحجاب دونه فلم يرها بعد ذلك. ومكاتَب المرأة يجوز له أن يرى منها ما لا يجوز لغيره، فإذا أدى ما عليه وجب عليها أن تحتجب عنه. رابعًا: الشيعة في كتبهم ومروياتهم أجازوا للمملوك أن يرى شعر مولاته وساقها؟ (¬1). فليقرأ الرافضة قول علمائهم بأن المرأة لا يجب أن تحجب من العبد إلا أن يؤدي ما يعتقه. إنا لم نُرِِدْ هذا، إنا لم نُرِد هذا: روى الديلمي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها خاصمت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أبي بكر فقالت: «يا رسول الله اقصد»، فلطم أبو بكر خدها وقال: «تقولين لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اقصد»، وجعل الدم يسيل من أنفها على ثيابها ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يغسل الدم من ثيابها بيده ويقول: «إنا لم نُرِدْ هذا إنا لم نُرِدْ هذا». ¬

_ (¬1) انظر: الحدائق الناضرة (23/ 69)، مستند الشيعة (16/ 53)، والكافي للكليني (5/ 531) وسائل الشيعة (20/ 223) للحر العاملي.

الجواب: هذا الحديث صرح الحافظ العراقي بضعفه في تخريج الإحياء 2/ 40).وكذلك ضعفه الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 4966). وروى ابن سعد أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كنت أسْتَبُّ أنا وصفية فسبَبْتُ أباها فسبَّتْ أبي وسمعه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: «يا صفية تسبين أبا بكر، يا صفية تسبين أبا بكر». وروى عن ابن المسيب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي بكر: «يا أبا بكر ألا تعذرني من عائشة»، فرفع أبو بكر يده فضرب صدرها ضربة شديدة فجعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «غفر الله لك يا أبا بكر ما أردت هذا». وهذا فيه محمد بن عمر وهو الواقدي. والواقدي كذاب مشهور. وفيه محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة؛ قال الحافظ: «رموه بالوضع» «وكان ممن يروي الموضوعات

أشار - صلى الله عليه وآله وسلم - نحو مسكن عائشة فقال: «هنا الفتنة ــ ثلاثا ــ من حيث يطلع قرن الشيطان»:

عن الأثبات، لا يحل كتابة حديثه ولا الاحتجاج به بحال، كان أحمد بن حنبل يكذبه» (¬1). أَشَارَ - صلى الله عليه وآله وسلم - نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ فَقَالَ: «هُنَا الْفِتْنَةُ ــ ثَلاَثًا ــ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ»: عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: «قَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ فَقَالَ: «هُنَا الْفِتْنَةُ ـ ثَلاَثًا ـ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». (رواه البخاري). الجواب: هذا الحديث له روايات أخرى كثيرة تبين المقصود الحقيقي منه قد أخرجها البخاري نفسه وغيره، والواجب علينا جمعها وضمها كلها فإنها كلها صحيحة ثم نفهم بعد ذلك مراد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من قوله. ليس المراد من الحديث عائشة - رضي الله عنها - بل جهة المشرق، فقد كان بيت عائشة جهة المشرق، فلو كانت عائشة ¬

_ (¬1) انظر: (تقريب التهذيب1/ 623). (المجروحين3/ 147).

المقصودة بذلك لطلقها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بل ـ على العكس ـ كانت - رضي الله عنها - أحب الناس إليه. ويدل على أن الجهة هي المقصودة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رَأْسُ الكُفْرِ قِبَل الْمَشْرِقِ» (رواه البخاري ومسلم). وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَامَ عِنْدَ بَابِ حَفْصَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ: «الْفِتْنَةُ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. (رواه مسلم). وفي رواية عنه: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُشِيرُ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ: «هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا» ـ ثَلاَثًا ـ «حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ». (رواه مسلم). فليس المقصود بيت حفصة أو بيت عائشة، إنما المقصود جهة المشرق التي كان فيها بيتاهما. وقال سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: «يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ، سَمِعْتُ أَبِى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِىءُ مِنْ هَا هُنَا». وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ «مِنْ حَيْثُ

يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ». وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». (رواه مسلم). فيستفاد إذن من مجموع هذه الروايات الصحيحة بأن مقصود النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بمطلع الفتنة إنما هو جهة المشرق وهي قرن الشيطان ولأن بيت عائشة - رضي الله عنها - كان إلى شرقي مسجده - صلى الله عليه وآله وسلم -. أراد راوي الحديث وهو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن يحدد الجهة التي أشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فذكر أنه أشار إلى هذه الناحية، حتى أنه لم يقل (أشار إلى مسكن عائشة) بل قال: (فأشار نحو مسكن عائشة) مما يبين أنه عنى الجهة فقط بخلاف كل الروايات الأخرى والتي فيها قوله (وأشار إلى المشرق) لأن فيها تحديد المقصود تماما، وهذا لا يخفى على من له علم باللغة. ثانيًا: كلام الشيعة لا يعني إلا أحد شيئين: إما أن يقولوا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عنى بتلك الإشارة عائشة نفسها، أو يقول أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قصد مسكنها نفسه، فإن قالوا الأول فبطلانه

واضح من معرفة التراكيب اللغوية التي في الحديث وإنها لا تستعمل إلا للإشارة لمكان معين لا لشخص، كقوله (مِنْ حَيْثُ) وقوله (هَاهُنَا الْفِتْنَة) يشير إلى مكان تستوطن فيه الفتنة. وإن قالوا الثاني ـ وهو أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أراد مسكنها نفسه ـ فلا يمكن أن يكون كذلك طيلة حياة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو مقّر السكن فيه ويتردد إليه كل يوم فيه نوبة عائشة - رضي الله عنها -، بل كان يتردد إليه أكثر من بيوت زوجاته الأخريات بمقدار الضعف فإن لعائشة - رضي الله عنها - في القسم يومان: يومها ويوم سودة بنت زعمة - رضي الله عنها - التي وهبته لها لعلمها بمحبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لها. وأكثر من ذلك أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان في سكرات موته يحب أن يمرّض في بيت عائشة - رضي الله عنها - دون بيوت سائر زوجاته، وبقي هناك حتى توفي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيت عائشة - رضي الله عنها - ودفن فيه رغم أنوف الرافضة.

ولم يبقَ من القول مجال إلا أن يقولوا إنما عنى به مسكن عائشة - رضي الله عنها - بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا إن قالوه فإنما ينادوا على أنفسهم بالويل والثبور، إذ إن مسكن عائشة - رضي الله عنها - تحول بوفاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى قبره الشريف ولم يعد بيتا لها حتى ينسب إليها، وكيف يستجيز عاقل على أن يرضى الله تعالى لحبيبه وعبده محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يدفن في مكان هو مطلع الفتنة على حدّ زعم الرافضة؟ وإن المرء ليتعجب من آيات الله تعالى أن جعل مسكن عائشة - رضي الله عنها - مكانا يمرض فيه عبده وحبيبه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم يجعله مدفنا له وقبرا، ثم يتم ذلك بأن دفن إلى جواره صاحباه ووزيراه أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -. ثالثًا: أن هذا القول المفترى من قبل الشيعة لو كان له أي وجه أو احتمال لعلمنا بأحد قاله أو ذكره أو احتج به ممن خالف أم المؤمنين - رضي الله عنها - ممن هو من طبقة التابعين أو بعدهم، أما الصحابة فلا يظن بأحد منهم اعتقاد مثل هذا قطعًا.

فلما لم نجد أحدا قاله علمنا بأنه محض افتراء وبهتان لأم المؤمنين - رضي الله عنها - من قبل الشيعة، نظير ما فعله أسلافهم من أصحاب الإفك. لقد رأيت خالًا بخدها؛ اقشعرت كل شعرة منك: أخرج ابن سعد في (الطبقات) عن عبد الرحمن بن سابط قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - امرأة من كلب، فبعث عائشة تنظر إليها، فذهبت ثم رجعت. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما رأيت؟». فقالت: ما رأيت طائلًا. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لقد رأيت خالًا بخدها؛ اقشعرت كل شعرة منك». فقالت: «يا رسول الله! ما دونك سر». الجواب: هذا الحديث موضوع (انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني رقم 4965). وقد استغل الشيعة هذا الحديث الباطل استغلالًا غير شريف؛ فطعنوا به على السيدة عائشة - رضي الله عنها -، فنسبوها إلى الكذب.

قائمة المراجع

قائمة المراجع للإستزادة من خبر عائشة - رضي الله عنها -: 1 - سير أعلام النبلاء للذهبي. 2 - البداية والنهاية لابن كثير. 3 - الإجابة فيما استدركته عائشة - رضي الله عنها - على الصحابة للزركشي. . 4 - رسالة في مسألة الزواج المبكر والرد على من نفوه وبيان فوائده وجوازه ومشروعيته، للدكتور ملا خير خاطب. 5 - السياط اللاذعات فى كشف كذب وتدليس صاحب المراجعات لعبد الله بن عبشان الغامدي 6 - بعض المقالات على الشبكة العنكبوتية.

§1/1