أمالي القالي

أبو علي القالي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم الجزء الأول قال الشيخ أبو على إسماعيل بن القاسم القالى البغدادى رحمه الله: الحمد لله الذى جل عن شبه الخليقة، وتعالى عن الأفعال القبيحة؛ وتنزه عن الجور، وتكبر عن الظلم؛ وعدل فى أحكامه، وأحسن إلى عباده؛ وتفرد بالبقاء، وتوحد بالكبرياء، ودبر بلا وزير، وقهر بلا معين؛ الأول بلا غاية، والآخر بلا نهاية؛ الذى عزب عن الأفهام تحديده، وتعذر على الأوهام تكييفه؛ وعميت عن إدراكه الأبصار، وتحيرت فى عظمته الأفكار؛ الشاهد لكل نجوى، السامع لكل شكوى، والكاشف لكل بلوى؛ الذى لا يحويه مكان، ولا يشتمل عليه زمان، ولا ينتقل من حال إلى حال؛ القادر الذى لا يدركه العجز، والعالم الذى لا يلحقه الجهل؛ والجواد الذى لا ينزح، والعزيز الذى لا يخضع؛ والجبار الذى قامت السموات بأمره، ورجفت الجبال من خشيته. والحمد لله الذى بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدلائل الواضحة، والحجج القاطعة، والبراهين الساطعة؛ بشيراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجا منيرا؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونهض بالحجة، ودعاء إلى الحق، وحض على الصدق؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم أما بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على خير البشر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنى لما رأيت العلم أنفس بضاعة، أيقنت أن طلبه أفضل تجارة؛ فاغتربت للرواية، ولزمت العلماء للدراية. ثم أعلمت نفسى في جمعه، وشغلت ذهنى بحفظه؛ حى حويت خطيره، وأحرزت رفيعه، ورويت جليله، وعرفت دقيقه؛ وعقلت شارده، ورويت نادره، وعلمت غامضه، ووعيت واضحه، ثم صنته بالكتمان عمن لا يعرف مقداره، ونزهته عن الإذاعة عند من يجهل مكانه؛ وجعلت غرضى أن أودعه من يستحقه، وأبديه لمن يعلم فضله، وأجلبه إلى من يعرف محله؛ وأنشره عند من يشرفه، وأقصد به من يعظمه؛ إذ بائع الجوهر وهو حجر يصونه بأجود صوان، ويودعه أفضل مكان؛ ويقصد به من يجزل ثمنه، ويحمله

إلى من يعرف قدره؛ على أنه لا يستحق بسببه أن يوصف بالفضل بائعه ولا مشتريه، ولا يستوجب أن يحمد من أجل المبالغة فى ثمنه مقتنيه، والعلم يذكر بالرجاحة طالبه، وينعت بالنباهة صاحبه ويستحق الحمد عند كل العقلاء حاويه، ويستوجب الثناء من جميع الفضلاء واعيه، ويفيد أسنى الشرف مشرفه ويكتسب أبقى الفخر معظمه فغبرت برهة ألتمس بنشره موضعا، ومكثت دهرا أطلب لإذاعته مكانا، وبقيت مدة أبتغى له مشرفا وأقمت زمناً ارتدى له مشتريا، حتى تواترت الأنباء المتفقة وتتابعت الصفاة الملتئمة التى لا تخالجها الشكوك ولا تمازجها الظنون، بأنه مشرفه فى عصره، أفضل من ملك الورى، وأكرم من جاد البللهى، وأجود من تعمم وارتدى، وأمجد من ركب ومشى، وأسود من أمر ونهى، سمام العدى، فياض الندى، ماضى العزيمة، مهذب الخليقة، محكم الرأى صادق الوأى، باذل الأموال، محقق الآمال، مفشى المواهب، معطى الرغائب أمير المؤمنين، وحافظ المسلمين، وقامع المشركين، ودامغ المارقين، وابن عم خاتم النبيين، محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (عبد الرحمن بن محمد) محيى المكارم، ومبتنى المفاخر، الذى إذا رضا غنى، وإذا غضب أردى، وإذا دعا أجاب، وإذا استصرخ أغاث. وأن معظمه مشتريه، وجامعه ومقتنيه، ربيع العفاة، وسم العداة، ذو الفضل والتمام، والعقل والكمال، المعطى قبل السؤال، والمنير قبل أن يستنال (الحكم) ولى عهد المسلمين، وابن سيد العالمين أمير المؤمنين (عبد الرحمن بن محمد) الإمام العادل، والخليفة الفاضل، الذى لم يرى فيما مضى من الأمراء شبهه، ولا نشأ فى الأزمنة من الكرماء مثله، ولا ولد نساء من الأجواد نظيره، ولا ملك العباد من الفضلاء عديله، فخرجت جائداً بنفسى، باذلا لحشاشتى، أجوب متونا قفارى، وأخوض بحج البحار، وأركب الفلوات، وأقتحم الغمرات، مؤملا أن أوصل العلق النفيس إلى من يعرفه، وأنشر المتاع الخطير ببلد من يعظمه، وأشرف الشريف باسم من يشرفه، وأعرض الرفيع على من يشتريه، وأبذل الجليل لمن يجمعه ويغتنيه، فمن الله جل وعز بالسلامة، وحبا تعالى ذكره بالعافية، حتى حللت بعصرة الخواف، وعصمة المضافى، والمحل الممرع، والربيع المخصب، فناء أمير المؤمنين (عبد الرحمن بن محمد) المبارك الطلعة، ميمون الغرة، الجم الفواضل، الكثير النوافل، الغيث فى المحل، الثمال فى الأزل، البدر الطالع، الصبح الساطع، الضوء اللامع، أسراج الزاهر،

السحاب الماطر، الذى نصر الدين، وأعز المسلمين، وأذل المشركين، وقمع الطغاة، وأباة العصاة، وأطفىء نار النفاق، وأهمد جمر الشقاق، وذلل من الخلق من تجبر، وسهل من الأمر ما توعد، ولما الشعث، وأمن السبل، وحقن الدماء. أبقاه الله سالماً فى جسمه، معافاً فى بدنه، مسروراً بأيامه، مبتهجاً بزمانه، وخصه بطول المدة، وتتابع النعمة، وأبقى خلفته، وأدام عافيته، وتولى حفظه، ولا أزال عنا ظله. وصحبت الحيا المحسب والجواد المفضل، الذى إذا وعد وفى، وإذا أوعد عفا، وإذا وهب أسنع، وإذا أعطى أقنع، (الحكم) فرأيته - أيده الله - أجَّل الناس بعد أبيه خطره وأرفعه بقدره، وأوسعهم كنفا، وأفضلهم سلفا، وأغذرهم علما، وأعظمهم حلما، يملك غضبه فلا يعجل، ويعطى على العلاة فلا يمل، مع فهم ثاقب، ولب راجح، ولسان عضب، وقلب ندب، فتابعا لدى النعمة، وواترا على الإحسان، حتى أبديت ما كنت له كاتما، ونشرت ما كنت له طاويا، وبذلت ما كنت به ضنينا، ومذلت بما كنت عليه شحيحا، فأمللت هذا الكتاب من حفظا فى الأخمسة بقرطبة، وفى المسجد الجامع بالزهراء المباركة، وأودعته فنون من الأخبار، وضروبا من الأشعار وأنواع من الأمثال، وغرائب من اللغات، على أنى لم أذكر فيه باباً فى اللغة إلا أشبعته، ولا ضرباً من الشعر إلا اخترته، ولا فناً من الخبر إلا انختلته ولا نوعاً من المعاناة والمثل إلا اسجبته، ثم لم أخله من غريب القرآن، وحديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على أننى أوردت فيه من الإبدال ما لم يورده أحد وفسرت فيه من الإتباع ما لم يفسره بشر، ليكون الكتاب الذى استنبطه إحسان الخليفة جامعا، والديوان الذى ذكر فيه اسم الإمام كاملا، وأسأل الله عصمة من الزيغ والأشر، وأعوذ به من العجب والبطر، وأستهديله السبيل الأرشد، والطريق الأقصد. من الأمثال، وغرائب من اللغات، على أنى لم أذكر فيه باباً فى اللغة إلا أشبعته، ولا ضرباً من الشعر إلا اخترته، ولا فناً من الخبر إلا انختلته ولا نوعاً من المعاناة والمثل إلا اسجبته، ثم لم أخله من غريب القرآن، وحديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على أننى أوردت فيه من الإبدال ما لم يورده أحد وفسرت فيه من الإتباع ما لم يفسره بشر، ليكون الكتاب الذى استنبطه إحسان الخليفة جامعا، والديوان الذى ذكر فيه اسم الإمام كاملا، وأسأل الله عصمة من الزيغ والأشر، وأعوذ به من العجب والبطر، وأستهديله السبيل الأرشد، والطريق الأقصد.

مطلب الكلام على مادة نسأ وقوله تعالى {ما ننسخ} [البقرة: 106] الآية. {إنما النسيء زيادة} [التوبة: 37] الآية

مطلب الكلام عَلَى مادة نسأ وقوله تعالى {مَا نَنْسَخْ} [البقرة: 106] الآية. {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ} [التوبة: 37] الآية قَالَ أَبُو إِسْمَاعِيل بْن القاسم البغدادى: قرأ أَبُو عمرو بْن العلاء: ما ننسخ من آيةٍ أو ننسأها. عَلَى معنى أو نؤخرها. والعرب تَقُولُ: نسأ اللَّه فِي أجلك، وأنسأ اللَّه أجلك، أي أخر أجلك. وقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سَرَّه النَّساء فِي الأجل، والسعة فِي الرزق، فليصل رحمه والنساء: التاخير، يُقَال: بعته بنساء وبنسيئة، أي بتأخير، وأنسأته البيع. وقَالَ اللَّه عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37] ، والمعنى فِيهِ عَلَى ما حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله: أنهم كانوا إذا صدروا عَنْ منى قام رَجُل من بنى كنانة يُقَال لَهُ: نعيم بْن ثعلبة، فقَالَ: أَنَا الذى لا أعاب، ولا يرد لى قضاء، فيقولون لَهُ: أنسئنا شهراً، أى أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها فِي صفرٍ، وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا تمكنهم الإغارة فيها، لأن معاشهم كَانَ من الإغارة، فيحل لهم المحرم ويحرم عليهم صفرا، فإذا كَانَ فِي السنة المقبلة حرم عليهم المحرم وأحل لهم صفرا، فقَالَ اللَّه عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37] ، وقَالَ الشاعر: ألسنا الناسئين عَلَى معد ... شهور الحل نجعلها حراما وقَالَ الآخر: وكنا الناسئين عَلَى معد ... شهورهم الحرام إِلَى الحليل وقَالَ الآخر: نسئوا الشهور بها وكانوا أهلها ... من قبلكم والعز لم يتحول مطلب الكلام عَلَى مادة لحن وقوله تعالى {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30] قَالَ أَبُو بَكْر الأنباري، رحمه الله: معنى قوله عز وجل: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30] أى فِي معنى القول، وفى مذهب القول وأنشد للقتال الكلابى: ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا ... ووحيت وحيا لَيْسَ بالمرتاب

معناه: ولقد بينت لكم: واللحن بفتح الحاء: الفطنة، وربما أسكنوا الحاء فِي الفطنة، ورجل لحن، أى فطن، قَالَ لبيد يصف كاتبا: متعود لحن يعيد بكفه ... قلما عَلَى عسب ذبلن وبان وَمِنَ اللَّحْنِ الْحديث الَّذِي يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِي مَوَارِيثَ وَأَشْيَاءَ قَدْ دَرَسَتْ، فقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ الآخَرِ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَقِّي هَذَا لِصَاحِبِي، فَقَالَ: لا وَلَكِنِ اذْهَبَا فَتَوَخَّيَا ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ لِيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ. ومنه قول عمر بْن عَبْد العزيز رحمه اللَّه: عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم! أى فاطنهم. وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْر، عَنْ أبى الْعَبَّاس، عَنِ ابن الأعرابى، قَالَ: يُقَال: قد لحن الرجل يلحن لحناً فهو لاحِن إذا أخطأ، ولحن يلحن لحنا فهو لحن، إذا أصاب وفطن، وأنشد وحديث ألذه هُوَ مما تشتهيه ... النفوس يوزن وزنا منطق صائب وتلحن أحيانا ... وخير الحديث ما كَانَ لحنا معناه: وتصيب أحيانا وَحَدَّثَنِي أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَصْمَعِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِلنَّاسِ: كَيْفَ ابْنُ زِيَادٍ فِيكُمْ "؟ قَالُوا: ظَرِيفٌ عَلَى أَنَّهُ يَلْحَنُ، قَالَ: " فَذَاكَ أَظْرَفُ لَهُ، ذَهَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى اللَّحْنِ الَّذِي هُوَ الْفِطْنَةُ، وَذَهَبُوا هُمْ إِلَى اللَّحْنِ الَّذِي هُوَ الْخَطَأُ واللحن أيضاً: اللغة، ذكره الأصمعى، وأَبُو زيد؛ ومنه قول عُمَر بْن الْخَطّاب رضى اللَّه تعالى عَنْهُ: تعلموا الفرائض والسنن واللحن كما تعلمون القرآن. فاللحن: اللغة وروى شريك عَنْ أبى إِسْحَاق عَنْ ميسرة أنّهُ قَالَ فِي قوله عز وجل: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ: 16] : العرم: المسناة بلحن اليمن، أى بلغة اليمن، وقَالَ الشاعر وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ... تغنت عَلَى خضراء سمر قيودها صدوح الضحى معروفة اللحن لم تزل ... تقود الهوى من مسعد ويقودها

وقَالَ الآخر: لقد تركت فؤادك مستجنا ... مطوقة عَلَى فننٍ تغنى يميل بها وتركبه بلحن ... إذا ما عَنَّ للمحزون أَنَّا فلا يحزنك أيام تولى ... تذكرها ولا طير أرنا وقَالَ الآخر: وهاتفين بشجوٍ بعد ما سجعت ... ورق الحمام بترجيع وإرنان باتا عَلَى غصن بان فِي ذرى فننٍ ... يرددان لحونا ذات ألوان معناه: يرددان لغاتٍ، وصرف أَبُو زيد منه فعلا فقَالَ: لحن الرجل يلحن لحنا إذا تكلم بلغته، قَالَ: ويقَالَ: لحنت لَهُ لحناً إذا قلت لَهُ قولا يفهمه عنك ويخفى عَلَى غيره، ولحنه عنى لحنا، أي فهمه، وألحنته أَنَا إياه إلحانا، وهذا مذهب أبى بَكْر بْن دريد فِي تفسير قول الشاعر: منطق صائب وتلحن أحيانا قَالَ: يريد: تعوص فِي حديثها فتزيله عَنْ جهينة لئلا يفهمه الحاضرون، ثم قَالَ. . . وخير الحديث ما كَانَ لحنا أي خير الحديث ما فهمه صاحبك الذى تحب إفهامه وحده، وخفى عَلَى غيره. قَالَ: وأصل اللحن أن تريد الشىء فتورى عَنْهُ بقول آخر، كقول رَجُل من بنى العنبر كَانَ أسيرا فِي بَكْر بْن وائل، فسألهم رسولا إِلَى قومه، فقالوا لَهُ: لا ترسل إلا بحضرتنا، لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه فخافوا أن ينذر عليهم، فجىء بعبد أسود فقَالَ لَهُ: أتعقل؟ قَالَ: نعم إنى لعاقل، قَالَ: ما أراك عاقلاً؛ ثم قَالَ: ما هذا؟ وأشار بيده إِلَى الليل، فقَالَ: هذا الليل، فقَالَ: أراك عاقلاً، ثم ملأ كفيه من الرمل فقَالَ: كم هذا؟ فقَالَ: لا أدرى وإنه لكثير، فقَالَ: أيهما أكثر، النجوم أو النيران؟ فقَالَ: كل كثير، فقَالَ: أبلغ قومى التحية وقل لهم: ليكرموا فلانا يعنى أسيرا كَانَ فِي أيديهم من بَكْر بْن وائل، فإن قومه لى مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدبى وقد شكت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتى الحمراء فقد أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملى الأصهب بآية ما أكلت معكم حيسا؛ واسألوا الحارث عَنْ خبرى. فلما أدى العبد الرسالة إليهم قَالُوا: لقد جن الأعور، والله ما نعرف لَهُ

مطلب الكلام على مادة حرد ومعنى قوله تعالى: {وغدوا على حرد قادرين} [القلم: 25]

ناقة حمراء، ولا جملا أصهب؛ ثم سرحوا العبد ودعوا الحارث فقصوا عليه القصة، فقَالَ: قد أنذركم. أما قوله: قد أدبى العرفج: فإنه يريد أن الرجال قد استلأموا، أى لبسوا الدروع. وقوله: شكت النساء، أى اتخذن الشكاء للسفر. وقوله: ناقتى الحمراء: أى ارتحلوا عَنِ الدهناء واركبوا الصمان وهو الجمل الأصهب. وقوله: بآية ما أكلت معكم حيساً: يريد اخلاطا من الناس قد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط. فامتثلوا ما قَالَ وعرفوا فحوى كلامه. وأخذ هذا المعنى أيضاً رَجُل من بْني تميمٍ كَانَ أسيرا فكتب إِلَى قومه: حلو عَنِ الناقة الحمراء أرحلكم ... والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا إن الذئاب قد اخضرت براثنها ... والناس كلهم بَكْر إذا شبعوا يريد أن الناس كلهم إذا أخصبوا عدو لكم كبكر بْن وائل. ومعنى صائب، عَلَى مذهب أبى الْعَبَّاس فِي البيت: قاصد، كما قَالَ جميل وما صائب من نابلٍ قذفت بِهِ ... يد وممر العقدتين وثيق فيكون معنى قوله: منطق صائب، أى قاصد للصواب وإن لم يصب؛ وتلحن أحيانا، أى تصيب وتفطن؛ ثم قَالَ: وخير الحديث ما كَانَ لحناً أى إصابة وفطنة مطلب الكلام عَلَى مادة حرد ومعنى قوله تعالى: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم: 25] ومعنى قوله جل وعز: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم: 25] أى عَلَى قصد، قَالَ الجُميح: أما إذا حردت حردى فمجرية ... ضبطاء تسكن غيلاً غير مقروب أى قصدت قصدى. وقَالَ الآخر: أقبل سيل جاء من أمر اللَّه ... يحرد حرد الجنة المغله أى يقصد قصدها. وقَالَ أَبُو عبيدة: معنى قوله: {عَلَى حَرْدٍ} [القلم: 25] أى عَلَى غضب وحقد. وأجاز ما ذكرناه. قَالَ: ويجوز أن يكون {عَلَى حَرْدٍ} [القلم: 25] معناه عَلَى منع، واحتج بقول العباس بْن مرداس السلمى: وحارب فإن مولاك حارد نصره ... ففى السيف مولى نصره لا يحارد

مطلب تفسير الغريب من حديث السحابة

وحارد عندى فِي هذا البيت بمعنى قلَّ، يُقَال: حاردت الإبل إذا قلت ألبانها، قَالَ الكميت: وحاردت النكد الجلاد ولم يكن ... لعقبة قدر المستعرين معقب ويقَالَ حرد الرجل حردا بفتح الراء؛ ومن العرب من يَقُولُ: حرد الرجل حردا بتسكين الراء إذا غضب، وأنشد أَبُو عبيدة للأشهب بْن رميلة اسود شرى لاقت أسود خفيةٍ ... تساقوا عَلَى حرد دماء الأساود مطلب تفسير الغريب من حديث السحابة وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ سَمْعَانُ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ نَشَأَتْ سَحَابَةٌ، فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ سَحَابَةٌ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَرَوْنَ قَوَاعِدَهَا؟» . قَالُوا: مَا أَحْسَنَهَا وَأَشَدَّ تَمَكُّنَهَا! قَالَ: «وَكَيْفَ تَرَوْنَ رَحَاهَا؟» . قَالُوا: مَا أَحْسَنَهَا وَأَشَدَّ اسْتِدَارَتَهَا! قَالَ: «وَكَيْفَ تَرَوْنَ بَوَاسِقَهَا؟» . قَالُوا: مَا أَحْسَنَهَا وَأَشَدَّ اسْتِقَامَتِهَا! قَالَ: «وَكَيْفَ تَرَوْنَ بَرْقَهَا أَوَمِيضًا أَمْ خَفِيًّا أَمْ يَشُقُّ شَقًّا؟» . قَالُوا: بَلْ يَشُقُّ شَقًّا، قَالَ: «فَكَيْفَ تَرَوْنَ جَوْنَهَا؟» . قَالُوا: مَا أَحْسَنَهُ وَأَشَدَّ سَوَادَهُ! فقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «الْحَيَا» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا الَّذِي هُوَ مِنْكَ أَفْصَحُ، قَالَ: «وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِي لِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» قواعدها، أسافلها: واحدتها قاعدة، فأما القواعد من النساء فواحدتها قاعد، وهى التى قعدت عَنِ الولد وذهب حرم الصلاة عَنْهَا. ورحاها: وسطها ومعظمها، وكذلك رحى الحرب: وسطها ومعظمها حيث استدار القوم، قَالَ الشاعر: فدارت رحانا بفرسانهم ... فعادوا كَانَ لم يكونوا رميما وبواسقها: ما علا منها وارتفع، واحدتها باسقة، وكل شيء ارتفع وطال فقد بسق، يُقَال: قد بسقت النخلة، قَالَ اللَّه عز وجل: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] وكذلك بسق النبت، فكثر فِي كلامهم

مبحث الكلام على غريب حديث أحرم ما بين لابتي المدينة

حتى قَالُوا: بسق فلان عَلَى قومه، أى علاهم فِي الشرف والكرم. والوميض: اللمع الخفى، قَالَ امرؤ القيس: أعنى عَلَى برقٍ أراه وميض ... يضىء حبيا فِي شمارخ بيض ويقَالَ: أومض البرق يومض إيماضاً إذا لمع لمعا خفياً، وأومض بعينه إذا غمز بعينيه. والخفى. البرق الضعيف، قَالَ أَبُو عمرو: خفى البرق يخفى خفياً إذا برق برقا ضعيفاً؛ وقَالَ الكسائى: خفا يخفو خفوا. وجونها: أسودها، والجون: من الأضداد، يكون الأسود ويكون الأبيض، قَالَ الأصمعى: وأتى الحجاج بدرع وكانت صافية بيضاء، فجعل لا يرى صفاءها، فقَالَ لَهُ رَجُل وكان فصيحا، قَالَ أَبُو عمرو: وهو أنيس الجرميُّ إن الشمس جونة، يعنى: شديدة البريق والصفاء، فقد غلب صفاؤها بياض الدرع، وأنشد: يبادر الآثار أن تئوبا ... وحاجب الجونة أن يغيبا وأنشد أَبُو عبيدة: غير يا بِنْت الحليس لونى ... طول الليالى واختلاف الجون وسفر كَانَ قليل الأون أي الفتور وقَالَ الفرزدق يصف قصراً أبيض: وجون عَلَيْهِ الجص فِيهِ مريضة ... تطلع منها النفس والموت حاضره والحيا مقصور: الغيث والخصب، وجمعه أحياء، قَالَ الأخطل: ربيع حيا ما يستقل بحمله ... سوم ولا مستنكش البحر ناضبه وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، إنا ملوك حيا للتابعين لنا ... مثل الربيع إذا ما نبته نضرا مبحث الكلام عَلَى غريب حديث أحرم ما بين لابتي المدينة وَقُرِئَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ الأَزْرَقِ، فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا» ، وَقَالَ: «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لا يَخْرُجُ مِنْهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أَبْدَلَ اللَّهُ

مبحث الكلام على غريب ألم أخبر أنك تقوم الليل إلخ

فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلا كُنْتُ شَهِيدًا، أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» هكذا سَمِعْتُ بلا لَهُ اللابة واللوبة: الحرة، فمن قَالَ لابة، قَالَ فِي جمعها: لاب، ومن قَالَ: لوبة، قَالَ فِي الجمع: لوب، قَالَ سلامة بْن جندل: حتى تركنا وما تثنى ظعائننا ... يأخذن بين سواد الخط فاللوب والعضاه: كل شجر لَهُ شوك يعظم، ومن أعرف ذَلِكَ: الطلح والسلم والسيال والعرفط والسمر والشبهان والكنهبل، والواحدة عضة، قَالَ الراعي: وخادع المجد أقوام لهم ورق ... راح العضاه بِهِ والعرق مدخول واللاواء: الشدة، قَالَ رؤبة: لاواءها والأزل والمظاظا الأزل: الضيق. والمظاظ: المشارة، يُقَال: ماظظت فلانا مماظة ومظاظا. مبحث الكلام عَلَى غريب ألم أخبر أنك تقوم الليل إلخ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَقُرِئَ عَلَى الأَزْرَقِ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ» . فَقُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنَاكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، إِنَّ لِعَيْنِكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ حَقًّا، فَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ» قال أبو على: قَالَ أَبُو عمرو الشيبانى: هجمت عينه، وخوصت، وقدحت ونقنقت عينه نقنقة: كل ذَلِكَ إذا غارت. وقَالَ الأصمعى: حجلت عينه وهجمت: كلاهما غارت. وجاء حاجلةً عينه، وأنشد: وأهلك مهر أبيك الدواء ... لَيْسَ لَهُ من طعام نصيب فتصبح حاجلةً عينه ... لحنو استه وصلاه غيوب

مطلب الكلام على خطبة عبد الملك لما دخل الكوفة بعد قتل مصعب بن الزبير

وحاجلة: من حجلت بالتخفيف، والأكثر حجلت بالتشديد فهى محجلة. ونفهت: أعيت، ويقَالَ للمعي: نافه ومنفه، وجمع النافة نفه، قَالَ رؤبة، يعنى قفرا: بِهِ تمطت غول كل ميله بنا حراجيج المهارى النفه. والميله: الذى يوله سالكه، أى يحيره. وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَرِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَدْعُو اللَّهَ وَهُوَ يَقُولُ: «هَرَبْتُ إِلَيْكَ بِنَفْسِي يَا مَلْجَأَ الْهَارِبِينَ بِأَثْقَالِ الذُّنُوبِ أَحْمِلُهَا عَلَى ظَهْرِي، لا أَجِدُ شَافِعًا إِلَيْكَ إلا مَعْرِفَتِي بِأَنَّكَ أَكْرَمُ مَنْ قَصَدَ إِلَيْهِ الْمُضْطَرُّونَ، وَأَمَّلَ فِيمَا لَدَيْهِ الرَّاغِبُونَ، يَا مَنْ فَتَقَ الْعُقُولَ بِمَعْرِفَتِهِ، وَأَطْلَقَ الأَلْسُنَ بِحَمْدِهِ، وَجَعَلَ مَا امْتَنَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى خَلْقِهِ كِفَاءً لِتَأْدِيَةِ حَقِّهِ، وَلا تَجْعَلْ لِلْهَوَى عَلَى عَقْلِي سَبِيلا، وَلا لِلْبَاطِلِ عَلَى عَمَلِي دَلِيلا» مطلب الكلام عَلَى خطبة عَبْد الملك لما دخل الكوفة بعد قتل مصعب بْن الزبير وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بْن سَعِيد، عَنْ مُحَمَّد بْن عباد، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: لما قتل عَبْد الملك مصعب بْن الزبير دخل الكوفة، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ، وصلى عَلَى النَّبِيّ مُحَمَّد صلى اللَّه وعليه وسلم، ثم قَالَ: أيها الناس، إن الحرب صعبة مرة، وإن السلم أمن ومسرة، وقد زبنتنا الحرب وزبناها، فعرفناها وألفناها، فنحن بنوها وهى أمنا. أيها الناس فاستقيموا عَلَى سبل الهدى، ودعوا الأهواء المردية، وتجنبوا فراق جماعات المسلمين، ولا تكلفونا أعمال المهاجرين الأولين، وأنتم لا تعملون أعمالهم، ولا أظنكم تزدادون بعد الموعظة إلا شراً، ولن تزداد بعد الإعذار إليكم والحجة عليكم إلا عقوبة، فمن شاء منكم أن يعود بعد لمثلها فليعد، فإنما مثلى ومثلكم كما قَالَ قيس بْن رفاعة: من يصل نارى بلا ذنب ولا ترة ... يصل بنار كريمٍ غير غدار أَنَا النذير لكم منى مجاهرةً ... كى لا ألام عَلَى نهىٍ وإنذار فإن عصيتم مقالى اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار لترجعن أحاديثاً ملعنةً ... لهو المقيم ولهو المدلج الساري

من كَانَ فِي نفسه حوجاء يطلبها ... عندى فإنى لَهُ رهن بإصحار أقيم عوجته إن كَانَ ذا عوج ... كما يقوم قدح النبعة البارى وصاحب الوتر لَيْسَ الدهر مدركه ... عندى وإنى لدراك بأوتار : قوله: زبنتنا الحرب وزبناها، أي دفعتنا ودفعناها، والزبن: الدفع، ومنه اشتقاق الزبانية، لأنهم يدفعون أهل النار إِلَى النار، ومنه قِيلَ: حرب زبون، قَالَ الشاعر: عدتنى عَنْ زيارتها العوادى ... وحالت دونها حرب زبون عدتنى: صرفتنى، والعوادى: الصوارف، والزبون من النوق التى ترمح عند الحلب. والخزى: الهوان، يُقَال: خزى يخزى خزياً، والخزاية: الاستحياء، يُقَال خزي يخزي خزاية. والمدلج: الَّذِي يسير من أول الليل، يُقَال: أدلجت، أى سرت من أول الليل، فأنا مدلج، وأدلجت، أى سرت فِي آخره، فأنا مدلج، والدلجة والدلج بفتح الدال: سير آخر الليل، والإدلاج: من أول الليل، ويقَالَ الدلج والدلجة: سير الليل كله، قَالَ الراجز: كأنها وقد براها الإخماس ودلج الليل وهاد قياس شرائج النبع براها القواس والدلجة بضم الدال: من آخره، ومن الناس من يجيز الدلجة والدلجة فِي كل واحد منهما، كما قَالُوا: برهة من الدهر وبرهة، قَالَ زيد الخيل: يا بنى الصيداء ردوا فرسى ... إنما يفعل هذا بالدليل عودوه مثل ما عودته ... دلج الليل وإبطاء القتيل ويروي: دلج: جمع دلجة. والساري: الَّذِي يسير بالليل، يُقَال سريت فأنا سارٍ، أى سرت ليلا، وأسريت أيضاً، ويروى بيت النابغة عَلَى وجهين: سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشمال عَلَيْهِ جامد البرد وأسرت

مطلب خروج عبد الملك بنفسه لقتال مصعب بن الزبير

والسرى: سير الليل. والحوجاء: الحاجة: والعوج: فِي كل ما كان منتصبا مثل الْإِنْسَان والعصا وما أشبههما، والعوج: فِي الدين والأمر وما أشبههما. والوتر: الذحل بكسر الواو لا غير، والوتر بفتح الواو وكسرها: الفرد، ويقرأ {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3] والوتر، الفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة تميم وأسد وقيس، ويقولون فِي الوتر الَّذِي هُوَ الفرد: أوترت فأنا أوتر إيتارا، وفى الدحل: وترته، فأنا أتره وترا وترة. مطلب خروج عَبْد الملك بنفسه لقتال مصعب بْن الزبير حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَان، قَالَ: أَخْبَرَنِي العتبى، عَنْ أبِيهِ: أن عَبْد الملك بْن مروان، رحمه الله، كَانَ يوجه إِلَى مصعب جيشا بعد جيش فيهزمون، فلما طال ذَلِكَ عَلَيْهِ واشتد غمه أمر الناس فعسكروا ودعا بسلاحه فلبسه، فلما أراد الركوب قامت إلَيْهِ أم يزيد ابنه وهي عاتكة بِنْت يزيد بن معاوية، فقَالَت: يا أمير المؤمنين، لو أقمت وبعثت إلَيْهِ لكان الرأى، فقَالَ: ما إِلَى ذَلِكَ من سبيل، فلم تزل تمشى معه وتكلمه حتى قرب من الباب، فلما يئست منه رجعت فبكت وبكى حشمها معها، فلما علا الصوت رجع إليها عَبْد الملك فقَالَ: وأنت أيضاً ممن يبكى! قاتل اللَّه كثيراً، كأنه كان يرى يومنا هذا حيث يَقُولُ: إذا ما أراد الغزو لم تثن همه ... حصان عليها نظم در يزينها نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكى مما شجاها قطينها ثم عزم عليها بالسكوت وخرج. وبعد هذين البيتين يَقُولُ: ولم يثنه يوم الصبابة بثها ... غداة استهلت بالدموع شئونها ولكن مضى ذو مرةٍ متثبت ... بسنة حق واضحٍ مستبينها وفى عَبْد الملك يَقُولُ كثير: أحاطت يداه بالخلافة بعد ما ... أراد رجال آخرون اغتيالها وفى هذه القصيدة يَقُولُ فِيهِ أيضاً: فما أسلموها عنوة عَنْ مودةٍ ... ولكن بحد المشرفى استقالها

وكنت إذا نابتك يوما ملمة ... نبلت لها أَبَا الوليد نبالها سموت فأدركت العلاء وإنما ... يلقى عليات العلا من سما لها وصلت فنالت كفك المجد كله ... ولم تبلغ الأيدي السوامي مصالها وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بْن سَعِيد، عَنْ مُحَمَّد بْن عباد، عَنْ هشام، قَالَ: قَالَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الوليد عَبْد الملك لمسلمة بْن عَبْد الملك: ألا تقنى الحياء أَبَا سَعِيد ... وتقصر عَنْ ملاحاتى وعذلى فلولا أن أصلك حين تنمى ... وفرعك منتهي فرعى واصلى وأنى إن رميتك هضت عظمى ... ونالتنى إذا نالتك نبلى لقد أنكرتنى إنكار خوف ... يضم حشاك عَنْ شتمي وأكلى كقول المرء عمروٍ فِي القوافى ... لقيسٍ حين خالف كل عدل عذيرى من خليلى من مرادٍ ... أريد حياته ويريد قتلى يريد: عمرو بْن معد يكرب، وقيس بْن مكشوح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: حَدَّثَنِي من سَمِعَ أعرابيا يَقُولُ لصديق لَهُ: «دع ما يسبق إِلَى القلوب إنكاره، وإن كَانَ عندك اعتذاره، فليس من حكى عنك نكرا توسعه فيك عذرا» قَالَ: وأَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ أعرابى كبير السن: «أصبحت والله تقيدني الشعره، وأعثر بالبعرة، وقد أقام الدهر صعرى بعد أن أقمت صعره» الصعر الميل وأنشدنا أَبُو بَكْر، قَالَ: أنشدنا عَبْد الرحمن، عَنْ عَمْهُ، قَالَ: أنشدنا بعض أهل المدينة لخارجة بْن فليح المللى: ألا طرقتنا والرفاق هجود ... فباتت بعلات النوال تجود ألا طرقت ليلى لقى بين أرحل ... شجاه الهوى والنأي فهو عميد

فليت النوى لم تسحق الخرق بيننا ... وليت الخيال المستراث يعود إذا لأقاد النفس من فجعة الهوى ... بليلى وروعات الفؤاد مقيد كأن الدموع الواكفات بذكرها ... إذا أسلمتهن الجفون فريد إذا أدبرت بالشوق أعقاب ليلة ... أتاك بها يوم أغر جديد حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: كتب عَبْد الملك بْن مروان إِلَى الحجاج: أنت عندى كسالمٍ، فلم يدر ما هُوَ، فكتب إِلَى قتيبة يسأله، فكتب إليه: إن الشاعر يَقُولُ: يديروننى عَنْ سالم وأديرهم ... وجلدة بين الأنف والعين سالم ثم كتب إلَيْهِ مرة أخرى: أنت عندى قدح ابن مقبل، فلم يدر ما هُوَ، فكتب إِلَى قتيبة يسأله، وكان قتيبة قد روى الشعر، فكتب إلَيْهِ: إن ابن مقبل نعت قدحاً لَهُ فقَالَ: غدا وهو مجدول وراح كأنه ... من المش والتقليب بالكف أفطح خروج من الغمى إذا صك صكة ... بدا والعيون المستكفة تلمح المش: المسح قَالَ امرؤ القيس: نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نَحْنُ قمنا عَنْ شواء مضهب والغمى: الشدة التي تغم، أى تغطى. والمستكفة من قولهم: استكففت الشىء إذا وضعت يدك عَلَى حاجبك تنظر هَلْ تراه، كالذى يستظل من الشمس. وقَالَ الأصمعى: من أمثال العرب: العير أوقى لدمه ويقَالَ: ذَلِكَ للرجل، أي إنّهُ أشد إبقاء عَلَى نفسه، ويقَالَ: الرباح من السماح يريد أن المسامح أحرى أن يربح، ويقَالَ: عَبْد صريخه أمة يضرب مثلا للضعيف يستصرخ بِمِثْلِهِ وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْر دريد قول الشاعر: ولقد مررت عَلَى قطيع هالك ... من مال اشعث ذى عيالٍ مصرم من بعد ما اعتلت عَلَيَّ مطيتى ... فأزحت علتها فظلت ترتمى القطيع: السوط. والهالك: الضائع. يَقُولُ: كانت ناقتى قد اعتلت عَلَى، فلما أصبت السوط فضربتها بِهِ ظلت ترتمى، أى تترامى فِي سيرها

مطلب تفسير ما جاء من الغريب في حديث البنات الثلاث اللاتي وصفن ما يحببن من الأزواج

وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ «يَا بُنَيَّ، لِتَكُنْ كَلِمَتُكَ طَيِّبَةً وَوَجْهُكَ بِسْطًا، تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِمَّنُ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ» وأنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه: وكم من مليمٍ لم يصب بملامةٍ ... ومتبع بالذنب لَيْسَ لَهُ ذنب وكم من محب صد من غير بغضةٍ ... وإن لم يكن فِي ود خلته عتب مطلب تفسير ما جاء من الغريب فِي حديث البنات الثلاث اللاتي وصفن ما يحببن من الأزواج وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنِي عمى، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابن الكلبى، قَالَ: " قَالَت عجوز من العرب لثلاث بناتٍ لها: صفن ما تحببن من الأزواج، فقَالَت الكبرى: أريد أروع بساما، أحذ مجذاما، سيد ناديه، وثمال عافيه، ومحسب راجيه، فناؤه رحب، وقياده صعب. وقَالَت الوسطى: أريد عالي السناء، مصمم المضاء، عظيم نار، متمم أيسار، يفيد ويبيد، ويبدئ ويعيد، هُوَ فِي الأهل صبىّ، وفي الجيش كمي، تستعبده الحليله، وتسوده الفضيله. وقَالَت الصغرى: أريده بازل عام، كالمهند الصمصام، قرانه حبور، ولقاؤه سرور، إن ضم قضقض، وإن دسر أغمض، وإن أخل أحمض. قَالَت أمها: فض فوك! لقد فررت لى شرة الشباب جذعةً " قَالَ أَبُو زيد: الأروع والنجيب واحد، وهما الكريم، وقَالَ غيره: الأروع: الَّذِي يروعك جماله. والأحذ ههنا: الخفيف السريع، والأحذ أيضاً: الخفيف الذنب، ومنه قِيلَ: قطاة حذاء. وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد: الحذذ: الخفة والسرعة، والقطاة الحذاء: السريعة الطيران، ويقَالَ: القليلة ريش الذنب، وحذ الشىء يحذه حذا، إذا قطعه سريعا، الخذة: القطعة من اللحم، وأنشد الأعشى: تكفيه حذة فلذٍ إن ألم بها ... من الشواء ويروي شربه الغمر قَالَ: ويروي حزة فلذٍ. وقَالَ أَبُو عبيدة فِي قول عتبة بْن غزوان حين خطب الناس فقَالَ: إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ... فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء. قَالَ أَبُو عمرو وغيره:

الحذاء: السريعة الخفيفة التى قد انقطع آخرها، ومنه قِيلَ للقطاة: حذاء لقصر ذنبها مَعَ خفتها، وقَالَ النابغة الذبيانى: حذاء مدبرةً سكاء مقبلةً ... للماء فِي النحر منها نوطة عجب قَالَ: ومن هذا قِيلَ للحمار القصير الذنب أحذّ: أصل هذه الكلمة عندى الخفة، ولم أسمع فِي بيت أعشى باهلة حذة فلذ بالذال إلا من أَبِي بَكْر، فإن صحت هذه الرواية فلا تكون الحذة إلا القطعة الخفيفة. والمجذام: مفعال من الجذم، والجذم: القطع، يريد أنّهُ قطاع الأمور. والنادى والندى: المجلس. والثمال: الغياث، وثمال القوم غياثهم ومن يقوم بأمرهم، يُقَال: فلان ثمال لبنى فلان إذا كَانَ يقوم بأمرهم، ويكون أصلا لهم وغياثا، ويقَالَ: هُوَ يثملهم، والمرأة تثمل الصبيان أى تكون أصلا لهم، قَالَ الحطيئة: فدى لابن حصنٍ ما أريح فإنه ... ثمال اليتامى عصمة فِي المهالك والثمل ساكنة الميم: المقام والخفض، يُقَال: ليست دارنا بدار ثملٍ، قَالَ أسامة بْن الحارث الهذلى: كفيت النسا نسال حر وديقةٍ ... إذا سكن الثمل الظباء الكواسع كفيت النسا، أى سريع العدو، وتلخيص معناه أن تَقُولُ: الكفيت: السريع. والنسا: عرق فِي الفخذ يجرى إِلَى الساق، فكأنه قَالَ: سريع الرجل وإذا كان سريع الرجل كان ريع العدو. والكواسع: التى تكسع بأذنابها من الذباب، ويقَالَ: اختار فلان دار الثمل، أى دار الخفض والمقام، وثمل فلان فما يبرح. والثميلة: البقية تبقى من العلف والماء فِي بطن البعير وغيره، والجميع الثمائل، قَالَ ذو الرمة: وأدرك المتبقى من ثميلته ومن ثمائلها واستنشئ الغرب والثميلة: البقية تنقى من الماء فِي الصخرة أو الوادى، وقد قَالُوا: الثميل: الماء الَّذِي يبقى فِي الوادى بعد مضى السيل عَنْهُ، قَالَ الأعشى: بناجيةٍ كأتان الثميل ... تقضى السرى بعد أين عسيرا

والأتان: الصخرة تكون فِي الماء، وإذا كانت فِي الماء القليل فأصابتها الشمس صلبت. والثمالة: رغوة اللبن، يُقَال: حقنت الصريح وثملت الرغوة يريد بقيت، قَالَ مزرد: إذا مس خرشاء الثمالة أنفه ثنى مشفريه للصريح فاقنعا وقَالَ الأصمعى: الثمالة: ما بقى فِي العلبة من الرغوة خاصة، والثمالة: ما بقى فِي الحوض من الماء، وهو أيضاً: ما بقى فِي البطن من الماء والطعام، ويقَالَ: سقاه المثمل، يريد سقاه السم. قَالَ أَبُو نصر: وترى أنّهُ أنقع فبقى وثبت، وسيف ثامل: أى باق فِي أيدى أصحابه زمانا، كذا قَالَ الأصمعى، وقَالَ أَبُو عمرو: قديم لا عهد لَهُ بالصقَالَ، وقَالَ خَالِد بْن كلثوم: هُوَ الَّذِي فِيهِ بقية، قَالَ ابن مقبل: لمن الديار عرفتها بالساحل وكأنها الواح سيف ثامل والثملة: الصوفة تجعل فِي الهناء ثم يطلى بها البعير، أنشد الأصمعى: ممغوثة أعراضهم ممرطلة ... كما تلاث فِي الهناء الثملة والثملة ساكنة الميم: الحب والتمر والسويق يكون فِي الوعاء إِلَى نصفه فما دونه، والجماع: الثمل. والثملة: ما أخرجت من أسفل الركية من التراب والطين، وهذان الحرفان رويناهما عَنْ أَبِي عُبَيْد بضم الثاء، وعن أَبِي نصر بفتح الثاء، ويقَالَ: ثمل يثمل ثملاً إذا أخذ الشراب فِيهِ، وعافيه الذين يعفونه، أى: يأتونه، يُقَال: عفاه يعفوه واعتفاه يعتفيه، وعراه يعروه واعتراه يعتريه، واعتره يعتره، وعره يعره. ومحسب: كافٍ أنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري لامرئ القيس: فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنىً شبع ورى أي: يكفيك الشبع والري وفناؤه رحب: أى واسع، ويقَالَ: فناء الدار وثناؤها. والسناء من الشرف ممدود ومن الضوء مقصور. والمصمم من الرجال: الَّذِي يمضى فِي الأمور لا يرد عزمه شىء، والمصمم من السيوف: الَّذِي يمضى فِي الضرائب لا يحبسه شىء. وأيسار جمع يسر، وهو الذى يدخل مَعَ القوم فِي القداح، وهو مدح، وقَالَ الشاعر: وراحلةٍ نحرت لشربٍ صدقٍ ... وما ناديت أيسار الجزور

مطلب أسماء الزوجة

والبرم: الَّذِي لا يدخل مَعَ القوم فِي الميسر، وهو ذم وجمعه أبرام، قَالَ متمم: ولا برم تهدى النساء لعرسه ... إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا ويقَالَ: كَانَ رَجُل برماً فجاء إِلَى امرأته وهي تأكل لحما فجعل يأكل بضعتين بضعتين، فقَالَت لَهُ امرأته: أبرما قروناً فأرسلتها مثلا. وقَالَ أَبُو زيد: الكمى: الجرىء المقدم كَانَ عَلَيْهِ سلاح أو لم يكن. وقَالَ غيره: الذى يكمى شجاعته فِي نفسه أى: يسترها. وقَالَ ابن الأعرابى: الكمى: الشجاع، وسمى كمياً لأنه يتكمى الأقران لا يكع ولا يجبن عَنْ قرنه، أى: يقصد، وكل ما اعتمدته فقد تكميته، وأنشد: بل لو شهدت الناس إذ تكموا ... بقدرٍ حم لهم وحموا وغمة لو لم تفرج غموا مطلب أسماء الزوجة وحليلة الرجل: امرأته، وحليلته أيضاً: جارته التى تحاله وتنزل معه، قَالَ الشاعر: ولست بأطلس الثوبين يصبى ... حليلته إذا هجع النيام وعرس الرجل: امرأته أيضاً، قَالَ امرؤ القيس: كذبت لقد أصبى عَلَى المرء عرسه ... وأمنع عرسى أن يزن بها الخالى وهو أيضاً عرسها وهي حنته، قَالَ كثير: فقلت لها بل أنت حنة حوقل ... جرى بالفرى بينى وبينك طابن والفرى جمع فرية، وقَالَ الشاعر: ما أنت بالحنة الودود ... ولا عندك خير يرجى لملتمس وهي طلته أيضاً، قَالَ الشاعر: وإن امرأ فِي الناس كنت ابن أمه ... تبدل منى طلةً لغبين دعتك إِلَى هجرى فطاوعت أمرها ... فنفسك لا نفسى بذاك تهين وقَالَ الآخر: ألا بكرت طلتى تعذل ... وأسماء فِي قولها أعذل تريد سليماك جمع التلاد ... والضيف يطلب ما يأكل

وربضه وربضه أيضاً والربض: كل ما أويت إليه، قَالَ الشاعر: جاء الشتاء ولما اتخذ ربضا ... يا ويح كفى من حفر القراميص والقرموص: حفرة يحتفرها الصائد إِلَى صدره، فيدخل فيها إذا اشتد عَلَيْهِ البرد، والقرموص أيضاً مبيض القطاة. وقعيدة الرجل أيضاً: امرأته، قَالَ الأسعر الجعفى: لكن قعيدة بيتنا مجفوة ... بادٍ جناجن صدرها ولها غنى وزوجه أيضاً، قَالَ الأصمعى: ولا تكاد العرب تَقُولُ زوجته، وقَالَ يعقوب: يُقَال: زوجته، وهى قليلة، قَالَ الفرزدق: وإن الَّذِي يسعى ليفسد زوجتى ... كساع إِلَى أسد الشرى يستبيلها وهي بعله أيضا وبعلته، وأنشد الفراء: شر قرينٍ للكبير بعلته ... تولغ كلباً سؤرة أو تكفته يعني: أن امرأته قد تقذرته حين كبر، فإذا شرب لبنا وبقى سؤره والسؤر: بقية الشراب فِي الإناء، تولغه كلبا أو تكفته، أى تقلبه عَلَى الأرض. وبيته أيضاً، قَالَ الراجز: أقول إذ حوقلت أو دنوت ... وبعض حيقال الرجال الموت ما لي إذا أنزعها صأيت ... أكبر غيرنى أم بيت وشهلته أيضاً أنشدنى أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى: لَهُ شهلة شابت وما مس جيبها ... ولا راحتيها الشئنتين عبير والشهلة أيضاً: العجوز قَالَ الراجز: باتت تنزى دلوها تنزياً ... كما تنزى شهلة صبيا وجثلته ومعزبته: امرأته. وقَالَ غيره: وحوبته أيضاً. وقَالَ أَبُو زيد: والحوبة: القرابة من قبل الأم، وكذلك كل ذى رحم محرم. قَالَ يعقوب: الحوبة: الأم. والفصيلة: رهط الرجل

مطلب ترتيب أسنان الإبل وأسمائها

الأدنون. وقَالَ ابن الكلبى: الشعب أكثر من القبيلة، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ. وأسرة الرجل: رهطه الأدنون، وكذلك فصيلته. وقولها: أريده بازل عام، أى تام الشباب كامل القوة، لأن البعير أتم ما يكون شبابا وأكمله قوة إذا كَانَ بازل عام. مطلب ترتيب أسنان الإبل وأسمائها قَالَ الأصمعى: إذا وضعت الناقة فولدها سليل قبل أن يعلم أذكر هُو أم أنثى، فإذا علم، فإن كَانَ ذكراً فهو سقب وأمة مسقب، وإن كانت أنثى فهى حائل وأمها أم حائل، قَالَ الهذلى: فتلك التى لا يبرح القلب حبها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل وهي مؤنث، وقد آنثت، أى جاءت بأنثى، وقد أذكرت فهى مذكر إذا جاءت بذكرٍ، فإن كَانَ من عادتها أن تضع الإناث فهى مئناث، وكذلك مذكار إذا من عادتها أن تضع الذكور، فإذا قوى ومشى مَعَ أمه فهو راشح والأم مرشح، فإذا حمل فِي سنامه شحما فهو مجذٍ ومكعر ثم هُوَ ربع. قَالَ الأصمعى: حَدَّثَنِي عيسى بْن عُمَر، قَالَ: سَأَلت جبر حبيب أخا امرأة العجّاج، عَنِ الهبع والربع، فقَالَ: الربع ما نتج فِي أوّل النتاج، والهبع ما نتج فِي آخر النتاج، فإذا مشى الهبع مَعَ الربع أبطره ذرعاً فهبع بعنقه، أى استعان بِهِ، ثم هُوَ حوار فإذا فصل عَنْ أمه، والفصال: الفطام فهو فصيل والجمع فصلان وفصلان، ومنه الحديث لا رضاع بعد فصال فإذا أتى عليه حول فهو ابن مخاض، وإنما سمى ابن مخاض لأن أمه لحقت بالمخاض، وهي الحوامل وإن لم تكن حاملاً، فإذا استكمل السنة الثانية ودخل فِي الثالثة فهو ابن لبون والأنثى بِنْت لبون، وإنما سمى ابن لبون لأن أمه كانت من المخاض فِي السنة الثانية ثم وضعت فِي الثالثة، فصار لها لبن فهى لبون، وهو ابن لبون فلا يزال كذلك حتى يستكمل الثالثة، فإذا دخل فِي الرابعة فهو حينئذ حق والأنثى حقة، وإنما قِيلَ لها حقة، لأنها قد استحقت أن يحمل عليها وتركب، فإذا استكمل الرابعة ودخل فِي الخامسة فهو جذع والأنثى جذعة، فإذا دخل فِي السادسة فهو ثنى والأنثى ثنية، فإذا دخل فِي السابعة فهو رباعٍ والأنثى رباعية، فإذا دخل فِي الثامنة فهو سديس وسدس والأنثى سديسة، فإذا دخل فِي التاسعة وبزل نابه فهو بازل، يُقَال: بزل نابه يبزل بزولا، وشقأ نابه يشقأ شقوءاً وشقئا وشقى أيضاً، وشق يشق شقوقا، وفطر

يفطر فطوراً، وبزغ وصبأ وعرد يعرد عرودا، فإذا دخل فِي العاشرة فهو مخلف، ثم لَيْسَ لَهُ اسم بعد الإخلاف. ولكن يُقَال: بازل عامٍ وبازل عامين، ومخلف عامٍ ومخلف عامين. وقضقض، أى حطم كما يقضقض الأسد الفريسة وهو أن يحطمها وينفضها فتسمع لعظامها صوتاً. والأسد القضقاض: الحطام قَالَ رؤبة: كم جاوزت من حيةٍ نضناض وأسدٍ فِي غيله قضقاض ليثٍ عَلَى أقرانه رباض يلقى ذراعى كلكلٍ عرباض والعرباض: الثقيل العظيم، ودسر: دفع، ومنه قول ابن عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي العنبر: إنما هُوَ شىء دسره البحر، أى لا زكاة فِيهِ. قَالَ: وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد رحمه اللَّه قول الشاعر: فأصبحت من سلمى كذى الداء لم يجد ... طبيباً يداوى ما بِهِ فتطببا فلما اشتفى مما بِهِ عل طبه ... عَلَى نفسه من طول ما كَانَ جربا يَقُولُ: لما لم يجد اليها سبيلا داوى نفسه بالهجران، فلما رَأَى ذَلِكَ قد نفعه عل الهجران أى فعله ثانيةً وَحَدَّثَنَا الأخفش، قَالَ: أنبأنى أَبُو الفياض بْن أَبِي شراعة، عَنْ أَبِي شراعة، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بْن بشير الْبَصْرِيّ، قَالَ: علق أَبِي جارية لبعض الهاشميين فبعثت إلَيْهِ أمي تعاتبه، فكتب إليها: لا تتبعن لوعةً إثرى ولا هلعا ... ولا تقاسن بعدي الهم والجزعا بل ائتسي تجدى إن ائتسيت أسى ... بمثل ما قد فجعت اليوم قد فجعا ما تصنعين بعين عنك طامحةٍ ... إِلَى سواك وقلبٍ عنك ذاك قد نزعا إن قلت قد كنت فِي ود وتكرمة ... فقد صدقت ولكن ذاك قد منعا وأي شىء من الدنيا سمعت به ... إلا إذا صار فِي غايته انقطعا لم تبق عينا حسين عند لحظهما ... لغيرها فِي فؤادى بعدها طمعا ومن يطيق مذك عند صبوته ... ومن يقوم لمستور إذا خلعا

وأنشدنا الأخفش، قَالَ: قرأت عَلَى أَبِي الْعَبَّاس الأحول الأعرابى: أيا منشر الموتى أقدنى من التى ... بها نهلت نفسى سقاماً وعلت لقد بخلت حتى لو أنى سألتها ... قذى العين من ضاحى التراب لضنت فما أم بَوٍّ هالك بتنوفةٍ ... إذا ذكرته آخر الليل حنت بأكثر منى لوعةً غير أننى ... أطامن أحشائى عَلَى ما أجنت وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله: أبت الروادف والثدى لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا وإذا الرياح مَعَ العشى تناوحت ... نبهن حاسدةً وهجن غيورا وأنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة الأزدى المعروف بنفطويه، وأنشدنا الأخفش، أيضا قَالَ: أنشدنا أَبُو الْعَبَّاس أحمد بْن يحيى ثعلب النحوى: فلم أر هالكاً كبنى صريمٍ ... تلفهم التهائم والنجود أجل جلالةً وأعز فقداً ... وأقضى للأمور وهم قعود وأكثر ناشئاً مخراق حربٍ ... يعين عَلَى السيادة أو يسود وأنشدنا إِبْرَاهِيم أيضاً، قَالَ: أنشدنا أحمد بْن يحيى: وكنت مجاوراً لبنى سَعِيد ... فأفقدنيهم ريب الزمان فلما أن فقدت بنى سَعِيد ... فقدت الود إلا باللسان وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنِي عمى، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابن الكلبى، قَالَ: وفد علبة بْن مسهر الحارثى، والمنتشر أحد فوارس الأرباع الذين يَقُولُ لهم الأجدع الهمدانى: وسألتنى بركائبى ورحالها ... ونسيت قتل فوارس الأرباع إلى ذى فائش الملك الحميرى، وكان ذو فائش يحب اصطناع سادات العرب، ويقرب مجالسهم ويقضى حوائجهم، وكان علبة شاعراً حدثاً ظريفاً فقَالَ لَهُ الملك: يا علبة، ألا تحدثني عَنْ أبيك

مطلب أسماء الرجل يحب محادثة النساء

وأعمامك وتصف لى أحوالهم؟ فقَالَ: بلى أيها الملك، وهم أربعة: زياد، ومالك، وعمرو، ومسهر. فأما زياد، فما استل سيفه مذ ملكت يده قائمة إلا أغمده فِي جثمان بطل، أو شوامت جمل، وكان إذا حملق النجيد، وصلصل الحديد، وبلغت النفس الوريد، اعتصمت بحقويه الأبطال، اعتصام الوعول بذرى القلال، فذاد عَنْهُم الأبطال، ذياد القروم عَنِ الأشوال. وأما مالك فكان عصمة الهوالك، إذا شبهت الإعجاز بالحوارك، يفرى الرعيل فرى الأديم بالإزميل، ويخبط البهم خبط الذئب نقاد الغنم. وأما عمرو، فكان إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وتفادت الكماه، خاض ظلام العجاج، أطفا نار الهياج، وألوى بالأعراج، وأردف كل طفلة مغناج، ذات بدن رجراج، ثم قَالَ لأصحابه: عليكم النهاب، والأموال الرغاب، عطاء لا ضنينٍ شكس، ولا حقلدٍ عكس. وأما مسهر، فكان الذعاف الممقر، والليث المخدر، يحيى الحرب ويسعر، ويبيح النهب فيكثر، ولا يحتجن ولا يستأثر، فقَالَ لَهُ الملك: لله أبوك مثلك فليصف أسرته مطلب أسماء الرجل يحب محادثة النساء الحدث: الْحَسَن الحديث، والحديث: الكثير الحديث، والحدث: الشاب، فإذا ذكروا السن قَالُوا: حديث السن ولم يقولوا: حدث السن، والحدث: الَّذِي يتحدث إِلَى النساء، يُقَال: هُوَ حدث نساء وزير نساء إذا كَانَ يكثر زيارتهن، قَالَ مهلهل: فلو نبش المقابر عَنْ كليبٍ ... فيخبر بالذنائب أي زير أراد فيخبر بالذنائب أى زيرٍ أَنَا. وذلك أن كليبا يعيره فيقول: إنما أنت زير نساء. وهو تبع نساء إذا كَانَ يتبعهن، وخلب نساء: أى يلصق بقلوبهن ويحل منهن محل الخلب، قَالَ أَبُو زيد: الخلب: حجاب القلب، ومنه قِيلَ: إنه لخلب نساء أى: يحببنه، وأنشد غيره: يا بَكْر بكرين ويا خلب الكبد ... أصبحت منى كذراعٍ من عضد ويقول، أهل اليمن: هُوَ خلم نساء، والخلم: الصديق، وجمعه أخلام وزادنى أَبُو عمرو عَنْ أَبِي الْعَبَّاس، عَنِ ابن الأعرابى: وعجب نساء، أى يعجب النساء

مطلب أسماء الشخص

مطلب أسماء الشخص وقوله: فى جثمان بطلٍ، قَالَ الأصمعى: الجثمان: الشخص والجثمان: جماعة الجسم، وهو التجاليد أيضاً أنشدنا أَبُو بَكْر، عَنْ أَبِي حاتم، عَنِ الأصمعى: ينبى تجاليدى وأقتادها ... ناوٍ كرأس الفدن المؤيد والأجلاد: التجاليد قَالَ الأسود بْن يعفر: أما ترينى قد بليت وشفنى ... ما غيض من بصرى ومن أجلادى يريد: ما نقص من بصرى ومن جسمى، ويقَالَ لشخص الإنسان: الطلل والآل والسمامة، ويقَالَ لأعلى شخصه: السماوة. والشبح والشبح جميعاً: الشخص، قَالَ الشاعر يصف ظليما: هجوم عليها نفسه غير أنّهُ ... مَتَى يرم فِي عينيه بالشبح ينهض والشدف: الشخص وجمعه شدوف، قَالَ ساعدة بْن جؤية موكل بشدوف الصوم ينظرها ... من المغارب مخطوف الحشا زرم يصف ثورا. قَالَ الأصمعى: الصوم: شجر يشبه الناس، فهو يرقبه يخشى أن يكون ناسا، ويقَالَ: قامة الْإِنْسَان، وقومية الْإِنْسَان، قَالَ العجاج صلب القناة سلهب القوميه وقومته وقوامه، ويقَالَ: هُوَ قوام هذا الأمر، بكسر القاف، إذا كَانَ يقوم بِهِ. والأمة: القامة وجمعها أمم. قَالَ الأصمعى: وصف أعرابى رجلا فقَالَ: إنه لحسن الوجه، حليف اللسان، طويل الأمة. والحليف: الحديد من كل، شىء يُقَال: لسان حليف وسنان حليف الغرب، قَالَ الأعشى: وأنّ معاوية الأكرمين ... حسان الوجه طوال الأمم وقَالَ أَبُو عبيدة: الظن: القامة. وقوله: أو شوامت جمل، فالشوامت: القوائم، يريد: أنّهُ يعقر الإبل للضيفان. وحملق: انقلب حملاقه، والحملاق: باطن الجفن. والنجيد: الشجاع، يُقَال: نجد الرجل ينجد نجدةً فهو نجيد، والنجد: الشجاع، وكذلك النجد والنجدة: الشجاعة، هذا قول

أَبِي نصر صاحب الأصمعى، وتابعه عَلَى ذَلِكَ يعقوب فِي بعض المواضع، ثم قَالَ موضع آخر: النجد السريع الإجابة إِلَى الداعى إذا دعاه إِلَى خير أو شر وهو النجد، ويقَالَ: ما كَانَ نجداً ولقد نجد ينجد نجادة وأنجدته إنجادا، فأما النجدة فالفزع فِي أي وجه كَانَ، وهذا قول أَبِي زيد، ويقَالَ: استنجد فلان فلانا فأنجده، أى: أعانه. وقَالَ أَبُو عبيدة: نجدت الرجل أنجده غلبته وأنجدته: أعنته، والنجد: ما ارتفع من الأرض، وبه سميت نجد، لأنها ارتفعت عَنْ تهامة، وسميت تهامة لأنها انخفضت عَنْ نجد، فتهم ريحها، أى تغير يُقَال: تهم الدهن وتمه إذا تغير. والنجد: الطريق فِي الجبل، والتنجيد: التزيين، يُقَال نجدت البيت تنجيداً، قَالَ ذو الرمة: حتى كَأنَ رياض القف ألبسها ... من وشى عبقر تجليل وتنجيد والنجود: ما ينجد بِهِ البيت، واحدها نجد، والنجود من الحمر: الحائل، ويقَالَ: الطويلة. والنجاد: حمائل السيف، والإنجاد: الأخذ فِي بلاد نجد، والنجد: العرق، يُقَال: نجد الرجل ينجد نجدا إذا عرق، قَالَ النابغة: يظل من خوفه الملاح معتصماً ... بالخيزرانة بعد الأين والنجد والمنجود: المكروب، قَالَ أَبُو زبيد: صادياً يستغيث غير مغاثٍ ... ولقد كان عصره المنجود وصلصل: صوت، والوريدان: حبلا العنق. والأشوال جمع شول وهى التى جفت ألبانها، وواحد الشول شائلة، فأما الشائل فالتى شالت بذنبها للقاح وجمعها شول. والرعيل: جماعة الخيل. والإزميل: الشفرة، قَالَ عبدة بْن الطبيب: عيهمة ينتحى فِي الأرض منسمها ... كما انتحى فِي أديم الصرف إزميل العيهمة: التامة الخلق، ويقَالَ: السريعة. وينتحى: يعتمد. والصرف: صبغ أحمر وقَالَ الأصمعي: الصرف: صبغ يعل بِهِ الأديم فيحمر. والبهم واحدها بهمة: وهو الشجاع الَّذِي لا يدرى من أيْنَ يؤتى لَهُ، ويقَالَ: حائط مبهم إذا لم يكن فِيهِ باب، والأبهم من كل شيء: المصمت الَّذِي لا صدع فِيهِ ولا خلط، والبهم من الخيل الَّذِي لَيْسَ بِهِ وضح

مطلب الكلام على معنى الحافرة

مطلب الكلام عَلَى معنى الحافرة والنقاد جمع نقدٍ وهى صغار الغنم، ويقَالَ: نقد الضرس إذا ائتكل، ونقد الحافر إذا تقشر، وحافر نقد، ويقَالَ: النقد عند الحافرة. أى: عند أول كلمة. وقَالَ بعض اللغويين: كانت الخيل أفضل ما يباع، فإذا اشترى الرجل الفرس قَالَ لَهُ صاحبه: النقد عند الحافر، أى عند حافر الفرس فِي موضعه قبل أن يزول، وقَالَ اللَّه تعالى {أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} [النازعات: 10] أى إِلَى خلقنا الأول وأنشدنا ابن الأنبارى: أحافرةً عَلَى صلعٍ وشيبٍ ... معاذ اللَّه من سفهٍ وعار أى أأرجع إِلَى الصبا بعد ما شبت وصلعت! وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنِي عمى، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابن الكلبى، قَالَ: قَالَ لى أعرابى: ما معنى قول اللَّه تعالى: {أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} [النازعات: 10] فقلت: الخلق الأول، قَالَ: فما معنى قوله تعالى: {عِظَامًا نَخِرَةً} [النازعات: 11] قلت: التى تنخر فيها الريح، فقَالَ: أما سمعت قول صاحبنا يوم القادسية: أقدم أخا نهم عَلَى الأساوره ... ولا تهولنك رَجُل نادره فإنما قصرك ترب الساهره ... حتى تعود بعدها فِي الحافره وعصب الريق إذا غلظ ولصق بالفم ويبس من بعد ما صرت عظاما نخره وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، يعصب فاه الريق أي عصب ... عصب الجباب بشفاه الوطب ويقَالَ: تفادى القوم إذا استتر بعضهم ببعض، قَالَ الحطيئة: تفادى كما الخيل من وقع رمحه ... تفادى خشاش الطير من وقع أجدل والوى: أذهب. والأعراج جمع عرج وهي نحو خمسمائة من الإبل. والطفلة: الناعمة الرخصة، يُقَال: بنان طفل، والطفلة الحديثة السن. والحقلد: السيئ الخلق، كذا قَالَ يعقوب. والعكس والعكص بالسين والصاد: العسر الأخلاق. والذعاف: السم السريع القتل. والممقر عند بعضهم:

الشديد المرارة وعند بعضهم: الشديد الحموضة، والمقر: الصبر. ويحتجن: يحتكر ويخفى وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لأبى زبيد: لها صواهل فِي صم السلام كما ... صاح القسيات فِي أيدى الصياريف كأنهم بأيدى القوم فِي كبدٍ ... طير تكشف عَنْ جونٍ مزاحيف وصف مساحي. والسلام: الحجارة الصياريف: الصيارفة، ثم شبه المساحى فِي أيدي الحفارين الذين يحفرون قبر عُثْمَان، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بطير تطير عَنْ إبل جونٍ مزاحيف. والجون: السود. والمزاحيف: المعيية، وإنما جعلها جوناً لأنهم حفروا لَهُ فِي حرةٍ، فشبه الحرة بالإبل السود وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: سَأَلت عَبْد الرَّحْمَن يوما فقلت لَهُ: إن رَأَيْت أن تنشدنى من أرق ما سَمِعْتُه من عمك من أشعار العرب! فضحك وقَالَ: والله لقد سَأَلت عمى عَنْ ذَلِكَ فقَالَ: يا بني، وما تصنع برقيق أشعارهم؟ فواللَّه إنه ليقرح القلوب، ويحث عَلَى الصبابة، ثم أنشدنى للعلاء بْن حذيفة الغنوى يقولون من هذا الغريب بأرضنا ... أما والهدايا إننى لغريب غريب دعاه الشوق واقتاده الهوى ... كما قيد عود بالزمام أديب وماذا عليكم إن أطاف بأرضكم ... مطالب دينٍ أو نفته حروب أمشى بأعطان المياه وابتغى ... قلائص منها صعبة وركوب فقلت: أريد أحسن من هذا، فأنشدنى لعمرى لئن كنتم عَلَى النأى والغنى ... بكم مثل ما بى إنكم لصديق فما ذقت طعم النوم منذ هجرتكم ... ولا ساغ لى بين الجوانح ريق إذا زفرات الحب صعدن فِي الحشا ... كررن فلم يعلم لهن طريق يقرح: يجرح، قَالَ المتنخل الهذلى لا يسلمون قريحاً حل وسطهم يوم ... اللقاء ولا يشوون من قرحوا

أي جرحوا، وقرأ أَبُو عمرو: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [آل عمران: 140] . وقَالَ: القرح: الجراح، والقرح كأنه ألم الجراح وأطاف: ألم وأنشدنا أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: أنشدتنى عشرقة المحاربية، وهى عجوز حيزبون زولة: جريت مَعَ العشاق فى حلبة الهوى ... ففقتهم سبقاً وجئت عَلَى رسلى فما لَيْسَ العشاق من حلل الهوى ... ولا خلعوا إلا الثياب التى أبلى ولا شربوا كأساً من الحب مرةً ... ولا حلوةً إلا شرابهم فضلي قَالَ أَبُو بَكْر: الحيزبون: التى فيها بقية من الشباب: والزولة: الظريفة، الزول: الظريف، وقوم أزوال، والزول أيضاً: الداهية، والزول: العجب. وقَالَ لى غير أَبِي بَكْر: الحيزبون العجوز ولم يجد لها وقتاً وأنشدنى أَبُو المياس للقطامى: إلى حيزبونٍ توقد النار بعد ما ... تلفعت الظلماء من كل جانب وأنشدنى أَبُو عمرو، عَنْ أَبِي العباس، عَنِ ابن الأعرابى: لقد علمت سمراء أن حديثها ... نجيع كما ماء السماء نجيع إذا أمرتنى العاذلات بصرمها ... هفت كبد عما يقلن صديع وكيف أطيع العاذلات وحبها ... يؤرقنى والعاذلات هجوع أنشدنى ابن الأعرابى البيتين الأولين، وأنشدنا أَبُو بَكْر بالإسناد الَّذِي تقدم عَنِ الأصمعى، عَنْ عشرقة، البيت الثاني والثالث، وأنشدنا الأخفش عَلي بْن سُلَيْمَان، قَالَ: أنشدنا إِبْرَاهِيم بن المدبر، لنفسه: ما دمية من مرمرٍ صورت ... أو ظبية فِي خمرٍ عاطف أحسن منها يوم قَالَت لنا ... والدمع من مقلتها ذارف لأنت احلى من لذيذ الكرى ... ومن أمانٍ ناله خائف فأنشدته قول الآخر: اللَّه يعلم والدنيا مولية ... والعيش منتقل والدهر ذو دول لأنت عندى وإن ساءت ظنونك بى ... أحلى من الأمن عند الخائف الوجل

وأنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة المعروف بنفطويه، وقَالَ: أنشدنا أحمد بْن يحيى ثعلب أعلى ما ماء الفرات وبرده ... منى عَلَى ظمإ وفقد شراب بألذ منك وإن نأيت وقلما ... يرعى النساء أمانة الغياب وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، لأبى نخيلة: أمسلم إنى يا بْن كل خليفةٍ ... ويا فارس الهيجا ويا قمر الأرض شكرتك إن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته نعمةً يقضى وألقيت لما أن أتينك زائراً ... عَلَى لحافا سابغ الطول والعرض ونوهت من ذكرى وما كَانَ خاملاً ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض وحَدَّثَنَا عَلَى بْن سُلَيْمَان الأخفش، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباسي مُحَمَّد بْن يزيد بْن عَبْد الأكبر الثمالى، قَالَ: أنشدنى عَبْد الصمد بْن المعذل لمرّة: تمارضت كى أشجى وما بك علة ... تريدين قتلى قد رضيت بذلك لئن ساءنى أن نلتنى بمساءة ... لقد سرنى أنى خطرت ببالك وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قِيلَ لكثير: مالك لا تَقُولُ الشعر، أجبلت؟ فقَالَ: والله ما كَانَ ذَلِكَ، ولكن فقدت الشباب فما أطرب، ورزئت عزة فما أنسب، ومات ابن ليلى فما أرغب، يعنى عَبْد العزيز بْن مروان: قوله: أجبلت أي: انقطعت عَنْ قول الشعر، أخذه من قولهم: أجبل الحافز إذا انتهى إِلَى جبلٍ فلم يمكنه الحفر. وأنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه إبراهيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة المعروف بنفطويه النحوي يوم الأحد فِي سوق الثلاثاء عَلَى باب الكلواذانى صاحب ديوان السواد لكثير:

ألا تِلْكَ عزة قد أصبحت ... تقلب للهجر طرفاً غضيضا تَقُولُ مرضنا فما عدتنا ... وكيف يعود مريض مريضا وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، عَنْ عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، لأعرابى: إذا وجدت أوار الحب فِي كبدى ... أقبلت نحو سقاء القوم أبترد هذا بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لحر عَلَى الأحشاء يتقد وَحَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن جحظة البرمكى، عَنْ حماد بن إِسْحَاق الموصلىّ، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس أحمد بْن يحيى ثعلب النحوى، قَالَ: حَدَّثَنَا حماد، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: دخلت يوما عَلَى الرشيد فقَالَ لى: يا إِسْحَاق أنشدنى شيئاً من شعرك، فأنشدته: وآمرةٍ بالبخل قلت لها اقصرى ... فذلك شىء ما إلَيْهِ سبيل أرى الناس خلان الجواد ولا ... أرى بخيلاً لَهُ فِي العالمين خليل ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئاً أن يكون ينيل فإني رَأَيْت البخل يزرى بأهله ... فأكرمت نفسى أن يُقَالَ بخيل عطائى عطاء المكثرين تجملا ... ومالى كما قد تعلمين قليل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأى أمير المؤمنين جميل فقَالَ: لا كيف إن شاء اللَّه، يا فضل، أعطه مائة ألف درهم، ثم قَالَ: لله درّ أبيات تأتينا بها يا إِسْحَاق، ما أتقن أصولها، وأحسن فصولها! وزاد جحظة وأقل فضولها، فقلت: كلامك يا أمير المؤمنين أحسن من شعرى، فقَالَ: يا فضل، أعطه مائة ألف أخرى، فكان أول مال اعتقدته وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: نظر أعرابى إِلَى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان فقَالَ: والله لئن أثرتموه لتمسكن منه بذنابى عيشٍ أغبر وأنشدنا أَبُو بَكْر أَبِي الأزهر مستلمي أَبِي الْعَبَّاس المبرد، وَحَدَّثَنَا الأخفش، وابن السراج وغير واحد من أصحاب المبرد قَالُوا كلهم: أنشدنا أَبُو العباس، قَالَ: أنشدنا الزيادى، لأعرابي هذه الأبيات وكان يستحسنها: ما لعينى كحلت بالسهاد ... ولجنبى نابيا عَنْ وسادي

لا أذوق النوم إلا غراراً ... مثل حسو الطير ماء الثماد ابتغى إصلاح سعدى بجهدى ... وهي تسعى جهدها فِي فسادى فتتاركنا عَلَى غير شىءٍ ... ربما أفسد طول التمادى وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، تعالى أقول لصاحبي والعيس تخدي ... بنا بين المنيفة فالضمار تمتع من شميم عرار نجدٍ ... فما بعد العشية من عرار ألا يا حبذا نفحات نجدٍ ... وريا روضه بعد القطار وأهلك إذ يحل الحى نجدا ... وأنت عَلَى زمانك غير زارى شهور ينقضين وما شعرنا ... بأنصافٍ لهن ولا سرار وأنشدنا الأخفش للعطوى يرثى أخاه: لقد باكرته بالملام العواذل ... فما رقأت منه الدموع الهواطل أيقنى جميل الصبر من هد ... ركنه وهيض جناحاه وجد الأنامل أمن بعد ما ذاق المنية أحمد ... تطيب لنا الدنيا وتصفو المناهل كَأنَ لم يكن لى خير خل وصاحبٍ ... وخير خطيب تتقيه المقاول كأن أَبَا العباس لم يلق ضيفه ... ببشرٍ ولم يرحل بجدواه راحل وأنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة النحوى، قَالَ: أنشدنا أحمد بْن يحيى ثعلب لابن أَبِي مرة الْمَكَّيّ إن وصفونى فناحل الجسد ... أو فتشونى فأبيض الكبد أضعف وجدى وزاد فِي سقمى ... أن لست أشكو الهوى إِلَى أحد آه من الحب آه من كمدى ... إن لم أمت فِي غدٍ فبعد غد جعلت كفى عَلَى فؤادى من حر ... الهوى وانطويت فوق يدى كأن قلبى إذا ذكرتكم ... فريسة بين ساعدي أسد يدي بحبل الهوى معلقة ... فإن قطعت الهوى قطعت يدي

وأنشدني جماعة من أصحاب أَبِي العباس المبرد، منهم: ابن السراج، وابن درستويه، والأخفش، قَالُوا: أنشدنا أَبُو العباس، قَالَ: أنشدنا بعض البصريين، وأنشدنا أيضاً أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، عَنِ المظفر: هَلْ من جوى الفرقة من واقى ... أم هَلْ لداء الحب من راقى أم من يداوى زفرات الهوى ... إذ جلن فِي مهجة مشتاق يا كبدا أفنى الهوى جلها ... من بعد تلذيع وإحراق حتى إذا نفسها ساعةً ... كرت يد البين عَلَى الباقي البيتان الأولان رواهما أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى خاصةً، وشارك أصحاب أَبِي العباس فِي رواية البيتين الأخرين وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد لأعرابى: وإنى لأهواها وأهوى لقائها ... كما يشتهى الصادى الشراب المبردا علاقة حب لج فِي زمن الصبا ... فأبلي الصادي وما يزداد إلا تجددا وأنشدني أَبُو بَكْر دريد لنفسه: بنا لا بك الوصب المؤلم ... ونفسك من صرفه تسلم لئن نال جسمك نهك الضنى ... لقد ضنى السودد الأعظم فحاشاك من سقمٍ عارضٍ ... ولكن أكبادنا تسقم فأنت السماء التى ظلها ... إذا زال أعقبه الصيلم وأنت الصباح الذى نوره ... به ينجلي الحادث المظلم وأنت الغمام الَّذِي سيبه ... ينأل الثراء بِهِ المعدم يخاطب عنك لسان العلا ... إذا ذكر المفضل المنعم فمن نال من كرمٍ رتبةً ... فِيومك من دهره أكرم إذا ما تخطاك صرف الردى ... فركن المكارم لا بهدم فبالله أقسم رب الورى ... ولله غاية ما يقسم لو أن السماء حمت قطرها ... لكنت حيا سيبه مثجم

مطلب تفسير ما جاء من الغريب في وصف الغلام للعنز التي كان ينشدها

يُقَال أثجمت السماء وأغبطت وألثت وألظت، إذا دام مطرها ولم ينقطع، وفى الحديث: ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام أي ألزموا هذه الدعوة، وأغضنت وأدجنت. فإذا أقلعت قِيلَ: أنجمت وأفصت وأفصمت، ومنه أفصي الشاعر إذا انقطع عَنْ قول الشعر، وأفصت الدجاجة إذا انقطع بيضها. ويقَالَ: أصفت الدجاجة وأصفي فِي الشعر، وهو من المقلوب. مطلب تفسير ما جاء من الغريب فِي وصف الغلام للعنز التي كَانَ ينشدها وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، عَنْ أَبِي عمرو بْن العلاء، قَالَ: رَأَيْت باليمن غلاما من جرمٍ ينشد عنزا، فقلت: صفها يا غلام، قَالَ: حسراء مقبلة، شعراء مدبرة، ما بين غثرة الدهسة، وقنوء الدبسة، سجحاء الخدين، خطلاء الأذنين، فشقاء الصورين، كأن زنمتيها تتوا قلنسية، يا لها أم عيال، وثمال مال قوله ينشد: يطلب، والناشد: الطالب، يُقَال: نشدت الضالة، فأنا أنشدها إذا طلبتها. وأنشدتها: عرفتها، فأنا منشد وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد: يصيخ للنبأة أسماعه ... إصاخة الناشد للمنشد وقوله: حسراء مقبلة، يعنى أنها قليلة شعر المقدم، قد انحسر شعرها. وشعراء مدبرة، يعنى أنها كثيرة شعر المؤخر. والغثرة: غبرة قَالَ الأصمعى: والدهاس من الرمل: كل لا يبلغ أن يكون رملا بتراب ولا طين، قَالَ ذو الرمة يذكر فراخ النعام: جاءت من البيض زعراً لا لباس لها إلا الدهاس وأم برة وأب مطلب أسماء الألوان وأوصافها وقَالَ أَبُو يزيد : الصدآء من المعز: السوداء المشربة حمرة. والدهساء أقل منها حمرةً. والقنوء: شدة الحمرة، والعرب تَقُولُ: أحمر قانئ، وقد قنأ يقنأ قُنُوءًا، وأحمر ذريحى وأحمر باحرى وبحرانى وقاتم، أي شديد الحمرة. وناصع، والناصع: الخالص من كل لون. وقَالَ ابن الأعرابى ويقَالَ أحمر كالنكعة، وهو ثمر النقاوى وهو كالنبقة، وأنشد: لا تكون لكم خلاة ولا نكع النقاوى إذ أحالا

وقَالَ أَبُو عبيدة: قَالَ أعرابى يُقَال لَهُ أَبُو مرهب لآخر: قبح اللَّه نكعة أنفك كأنها نكعة الطرثوث، يريد حمرة أنفه. ونكعة الطرثوث: رأسه، وهو نبت يشبه القثاء. وقَالَ أَبُو عمرو الشيبانى وأحمر نكع وهو الذى يخالط حمرته سواد. وقَالَ غيره: وأحمر سلغد، أى أشقر، وأحمر أسلغ وأحمر أقشر، وهو الشديد الحمرة الَّذِي يتقشر وجهه وأنفه فِي الحر، وأحمر عاتك وأحمر غضب، أي شديد الحمرة وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله تعالى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان، قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن هارون التوزى، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عبيدة، قَالَ: تزوّج رَجُل من بنى عامر بْن صعصعة امْرَأة من قومه، فخرج فِي بعض أسفاره ثم قدم وقد ولدت امرأته وكان خلفها حاملاً، فنظر إِلَى ابنه فإذا هُوَ أحمر غضب، أزب الحاجبين، فدعاها وانتضى السيف وأنشأ يَقُولُ: لا تمشطي راسى ولا تفلينى ... وحاذرى ذا الريق فِي يمينى واقتربى دونك أخبرينى ... ما شأنه أحمر كالهجين خالف ألوان بنى الجون فقَالَت تجيبه: إن لَهُ من قبلى أجدادي ... بيض الوجوه كرماً أنجادا ما ضرهم إن حضروا مجادا ... أو كافحوا يوم الوغى الأندادا ألا يكون لونهم سوادا وأحمر أكلف، وهو الكدر الحمرة، وأحمر فقاعى، وهو الَّذِي يخلط حمرته بياض، وأحمر قرف، وكالقرف، وهو الأديم الأحمر وأنشدنا اللحيانى: أحمر كالقرف وأحوى أدعج قَالَ: ويقَالَ: إنه لأحمر كالصربة، والصربة: الصمغة الحمراء وجمعها صرب، وأحمر كالمصعة، وهو ثمر العوسج. وأبيض يقق، ولهق، وصرح، ولياح، ولياح، ووابص، وحضى وقهب، وهو الَّذِي يخالط بياضه حمرة، وقهد أيضا. وأسود حانك وحالك، وحلكوك وحلكوك ومحلنكك ومحلولك وسحكوك ومسحنكك وقَالَ الراجز: تضحك مني شيخة ضحوك واستنوكت وللشباب نوك وقد يشيب الشعر السحكوك

وحلبوب أيضا، قَالَ الشاعر: أما ترينى اليوم نضوا خالصاً ... أسود حلبوبا وكنت وابصا والوابص: الذي يبص من شدة بياضه. وأسود فاخم: للشديد السواد، وهو مشتق من الفحم، ويحموم، وحندس، ودجوجى، وخدارى، وغدافى، وغربيب، ومدلهم، وغيهم، وغيهب. وأخضر، ناضر، وباقل، ومدهام. واصفر فاقع وفقاعى، كما قَالُوا فِي الأحمر: فقاعى، ووارس، وأرمك، رادنى، وأورق خطبانى إذا كَانَ خالصاً. والأورق: الرماد، والورقة: لون الرماد، والأرمك: دون ذَلِكَ. والدبسة: حمرة يعلوها سواد، وقَالَ أَبُو عبيدة: الدبسة: شقرة يعلوها سواد. وقوله سجحاء الخدين، أى سهلة الخدين حسنتهما، ومن هذا قَالُوا: أسجح: أى أحسن، قَالَ الشاعر: معاوى إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديد أى أحسن وسهل. وخطلاء: طويلة الأذنين مضطربتهما، ومنه قيل لكلاب الصيد: خطل. وقوله: فشقاء أي: منتشرة متباعدة. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لرؤبة: فبات والنفس من الحرص الفشق ... فِي الزرب لو يمضغ شرياً ما بصق يَقُولُ بات هذا الصائد فِي القترة، وهي الناموس والزرب أيضاً، وقد أبصر وحشا فانتشرت نفسه فلو مضغ شريا ما بصق لئلا ينفر الوحش. والشرى: الحنظل. والصوران: القرنان، وأحدهما صور. وأنشدنا أَبُو بَكْر الأنبارى: نَحْنُ نطحناهم غداة الغورين ... بالضابحات فِي غبار النقعين نطحا شديداً لا كنطح الصورين والزنمتان: الهنيتان المتعلقتان ما بين لحي العنز. والتتوان: ذؤابتا القلنسوة، وأحدهما تتو. وفى القلنسوة لغات، يُقَال: قلنسوة، وقلنسية، وقلنساة، وقلساة، وقَالَ أحمد بْن عُبَيْد وقليسية تصغير قلساة، قَالَ: وجمع قلساةٍ قلاسى، وحكى عَنِ الزبيدي: ما أعجبك القلاسي التي أراها عَلَى

تفسير ما جاء من الغريب في حديث الشاب الجميل العاشق

رءوسكم، وروى أَبُو عبيدة، عَنِ الأصمعى، وأبى زيد قليسية وجمعها قلاسٍ وقرأت على أبى بكر بن الأنبارى، فى الغريب المصنف قَالَ: أنشدنا أَبُو زيد: إذا ما القلاسى والعمائم أخنست ... ففيهن عَنْ صلع الرجال حسور وقوله: ثمال مال، أى أصل مال، والثميلة: ما يبقى فِي بطن البعير من العلف. وقيل لأعرابى: أشرب فقَالَ: إنى لا أشرب إلا عَلَى ثميلة تفسير ما جاء من الغريب فِي حديث الشاب الجميل العاشق وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: مررت بحمى الربذة فإذا صبيان يتقاسمون فِي الماء وشاب جميل الوجه ملوح الجسم قاعد، فسلمت عَلَيْهِ، فرد عَلَى السلام وقَالَ: من أيْنَ وضح الراكب؟ قلت: من الحمى، قَالَ: ومتى عهدك بِهِ؟ قلت: رائحا، قَالَ: وأين كَانَ مبيتك؟ قلت: أدنى هذه المشاقر، فألقى نفسه عَلَى ظهره وتنفس الصعداء، فقلت: تفسأ حجاب قلبه، وأنشأ يَقُولُ: سقى بلداً أمست سليمى تحله ... من المزن ما تروي بِهِ وتسيم وإن لم أكن من قاطنيه فإنه ... يحل بِهِ شخص عَلَى كريم ألا حبذا من لَيْسَ يعدل قربه ... لدى وإن شط المزار نعيم ومن لامني فِيهِ حميم ... وصاحب فرد يغيظ صاحب وحميم ثم سكت سكتة كالمغمى عَلَيْهِ، فصحت بالأصبية، فأتوا بماء فصببته عَلَى وجهه، فأفاق وأنشأ يَقُولُ: إذا الصب الغريب رأى خشوعى ... وأنفاسى تزين بالخشوع ولى عين أضر بها التفاتى ... إِلَى الأجراع مطلقة الدموع إلى الخلوات تانس فيك نفسى ... كما أنس الوحيد إِلَى الجميع قوله: يتقامسون: يتغاطون، يُقَال قمسته فِي الماء، ومقلته وغمسته وغططته. وقَالَ لى أَبُو بَكْر ابن دريد، رحمه الله تعالى: المشاقر: منابت العرفج، وقَالَ غيره: المشاقر: الرمال، وأحدها مشقر، وأنشدنى لذى الرمة: كَانَ عرى المرجان منها تعقلت ... عَلَى أم خشف من ظباء المشاقر

مطلب أوصاف الشيء البالي

مطلب أوصاف الشيء البالي وقوله: تفسأ حجاب قلبه، يُقَال تفسأ الثوب، وتهما إذا تشقق، وتهتأ إذا انشق من البلى، ويقَالَ: تسلسل الثوب وأسمل، وجرد وانجرد، وأسحق وانسحق وأنهج، ومح، وأمح، وهمد: كله إذا أخلق. والسمل والجرد والسحق والنهج: الخلق، قَالَ ذو الرمة: قف العنس فِي أطلال مية فاسأل ... رسوما كأخلاف الرداء المسلسل وقَالَ كثير: فأسحق برداه ومح قميصه فأثوابه ليست لهن مضارج وقَالَ العجاج: ما هاج أحزاناً وشجوا قد شجا من طلل كالأتحمي أنهجا وقَالَ الأعشى: قَالَت قتيلة ما لجسمك شاحباً ... وأرى ثيابك بالياتٍ همدا والحشيف: الخلق أيضاً، قَالَ الهذلى: أتيح لها أقيدر ذو حشيفٍ ... إذا سامت عَلَى الملقات ساما وكذلك الدرس والدريس، قَالَ المتنخل: قد حال دون دريسية مئوبة نسعٌ ... لها بعضاه الأرض تهزيز مئوبة: ريح جاءت مَعَ الليل. ونسع ومسع: اسم من أسماء الشمال. والهدمل: الثوب الخلق، قَالَ تأبط شراً: نهضت إليها من جثومٍ كأنها ... عجوز عليها هدمل ذات خيعل والهدم: الخلق، قَالَ الكميت: فأصبح باقى عيشنا وكأنه ... لواصفه هدم الخباء المرعبل إذا حيص منه جانب راع جانب ... بفتقين يضحى فيهما المتظلل والمرعبل: الممزق. وحيص: خيط. والطمر: الخلق وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أحمد بْن عُبَيْد، لشاعر قديم: وعاذلةٍ هبت بليلٍ تلومنى ... ولم يغتمرنى قبل ذَاكَ عذول

تَقُولُ اتئد لا يدعك الناس مملقا ... وتزري بمن يابن الكرام تعول فقلت أبت نفس عَلَى كريمة ... وطارق ليلٍ غير ذَاكَ يَقُولُ ألم تعلمى يا عمرك اللَّه أننى ... كريم عَلَى حين الكرام قليل وإنى لا أخزي إذا قِيلَ مملق ... سخي وأخزي أن يُقَالَ بخيل فلا تتبعى العين الغوية وانظرى ... إِلَى عنصر الأحساب أيْنَ يؤول ولا تذهبن عيناك فِي كل شر شرمح ... له قصب جوف العظام أسيل عسي أن تمني عرسه أنني لها ... بِهِ حين يشتد الزمان بديل إذا كنت فِي القوم الطوال فضلتهم ... بعارفةٍ حتى يُقَالَ طويل ولا خير فِي حسن الجسوم وطولها ... يزن حسن الجسوم عقول وكائن رأينا من فروعٍ طويلة ... تموت إذا لم يحيهن أصول فإن لا يكن جسمى طويلاً ... فإننى لَهُ بالفعال الصالحات وصول ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما وجهه فجميل الشرمح: الطويل، وكذلك الشوقب. وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله تعالى: العارفة: النفس الصابرة. وأنشدنا بعض أصحابنا لعلى بْن الْعَبَّاس الرومى: وذخرته للدهر أعلم أنّهُ ... كالحصن فِيهِ لمن يؤول مآل ورأيته كالشمس إن هى لم تنل ... فضياؤها والرفق منه ينال وأنشدنى أيضاً مثل هذا المعنى لسعيد بْن حميد الكاتب: أهاب وأستحيي وأرقب وعده ... فلا هُوَ يبدانى ولا أنا أسأل هُوَ الشمس مجراها بعيد وضوءها ... قريب وقلبى بالبعيد موكل وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد الأزدى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: رأيت بالبادية امْرَأة عَلَى راحلة لها، تطوف حول قبر وهى تَقُولُ: يا من بمقلته زها الدهر ... قد كَانَ فيك تضاءل الأمر زعموا قتلت وما لهم خبر ... كذبوا وقبرك مالهم عذر

يا قبر سيدنا المجن سماحة ... صلى الإله عليك يا قبر ما ضر قبرا فِيهِ شلوك ساكن ... ألا يمر بأرضه القطر فلينبعن سماح جودك فِي الثرى ... وليورقن بقربك الصخر وإذا غضبت تصدعك فرقاً ... منك الجبال وخافك الذعر وإذا رقدت فأنت منتبه ... وإذا انتبهت فوجهك البدر والله لو بك لم أدع أحداً ... إلا قتلت لفاتنى الوتر قَالَ: فدنوت منها لأسألها عَنْ أمرها فإذا هي ميتة وأنشدنا الأخفش، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، ومحمد بن الحسن: لله در ثقيفٍ أي منزله ... حلو بها سهل الأرض والجبل قوم تخير طيب العيش رائدهم ... فأصبحوا يلحفون الأرض بالحلل ليسوا كمن كانت الترحال همته ... أخبث بعيش عَلَى حل ومرتحل وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لبعض الأعراب: سأشكر عمرًا إن تراخت منيتي ... أيادى لم تمنن وإن هى جلت فتى غير محجوب الغنى عَنْ صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت رأى خلتى من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلت وأنشدنا الأخفش أيضاً، قَالَ: أنشدنا بعض أصحابنا: فما تزود مما كَانَ يجمعه ... إلا حنوطا غداة البين مَعَ خرق وغير نفحة أعواد شببن لَهُ ... وقل ذَلِكَ من زادٍ لمنطلقٍ لا تأسين عَلَى شيء فكل فتىً ... إِلَى منيته يستن فِي عنق بأيما بلدةٍ تقدر منيته ... إلا يسارع إليها طائعا يسق وأنشدنا أَبُو بَكْر التاريخى للبحترى: دنوت تواضعاً وبعدت قدراً ... فشأناك انحدار وارتفاع كذاك الشمس يبعد أن تسامي ... وبدنو الضوء منها والشعاع

تفسير ما جاء من الغريب في وصف الشاب الفرس الذي اشتراه

وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لبعض الأعراب: إنى حمدت بنى شيبان إذ خمدت ... نيران قومى وشبت فيهم النار من تكرمهم فِي المحل أنهم لا ... يعرف الجار فيهم أنّهُ جار حتى يكون عزيزاً من نفوسهم ... أو أن يبين جميعاً وهو مختار كأنه صدع فِي رأس شاهقةٍ ... من دونه لعتاق الطير أوكار وأنشدنى أيضاً: نزلت عَلَى آل المهلب شاتيا ... غريباً عَنِ الأوطان فِي زمن المحل فما زال بى إكرامهم وافتقادهم ... وإلطافهم حتى حسبتهم أهلي ويروى: واقتفاؤهم، وهو الإيثار تفسير ما جاء من الغريب فِي وصف الشاب الفرس الَّذِي اشتراه وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، قَالَ: حدثتني عمى، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابن الكلبى، قَالَ: ابتاع شاب من العرب فرسا، فجاء إِلَى أمه وقد كف بصرها، فقَالَ: يا أمى، إنى قد اشتريت فرسا، فقَالَت: صفه لى، قَالَ: إذا استقبل فظبى ناصب، وإذا استدبر فهقل خاضب، وإذا استعرض فسيد قارب، مؤلل المسمعين طامح الناظرين، مذعلق الصبيين، قَالَت: أجودت إن كنت أعربت، قَالَ: إنه مشرف التليل، وسبط الخصيل، وهواه الصهيل، قَالَت أكرمت فارتبط: الناصب: الَّذِي نصب عنقه، وهو أحسن ما يكون. والهقل: الذكر من النعام، والأنثى هقلة. والخاصب: الَّذِي أكل الربيع فاحمرت ظنبوباه وأطراف ريشه. والسيد: الذئب. ومؤلل: محدد، ولألة: الحربة، وجمعها إلال، والإل: العهد، والإل: القرابة، قَالَ حسان بْن ثابت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لعمرك إن إلك من قريش كإل السقب من رأل النعام والإل: اللَّه تبارك وتعالى، وفى حديث أَبِي بَكْر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هذا كلام لم يخرج من إل ومنه قولهم: جبرئل، والأل: الأول وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله:

تفسير الغريب في حديث الأعرابي الذي وصف بعض النساء

لمن زحلوقة زل بها العينان تنهل ... ينادى الآخر الأل ألا حلوا ألا حلوا الزحلوقة: آثار تزلج الصبيان من فوق إِلَى أسفل، وأهل العالية يقولون زحلوفة بالفاء، وتميم يقولون: زحلوقة بالقاف. والأل: السرعة أنشدنا يعقوب: مهر أَبِي الحبحاب لا تشلى ... بارك فيك الله من ذى آل وطامح: مشرف. وقَالَ قطرب بْن المستنير: الذعلوق: نبت يشبه الكراث يلتوى، وهو طيب للأكل. والصبيان: مجتمع لحييه من مقدمهما، وقَالَ أَبُو عبيدة: الصبيان العظمان المنحنيان من حرفي وسط اللحيين من ظاهر هما عليهما لحم. والتليل: العنق. والخصيل: كل لحمة مستطيلة وجمعها خصائل، وقَالَ أَبُو عبيدة: الخصيلة: كل ما أنماز من لحم الفخذ بعضه من بعض. والوهوهة: صوت يقطعه. تفسير الغريب فِي حديث الأعرابي الَّذِي وصف بعض النساء وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله تعالى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: وصف أعرابي نساء، فقَالَ: يلتثمن عَلَى السبائك، ويتشحن عَلَى النيازك، ويأتزرن عَلَى العوانك، ويرتفقن عَلَى الأرائك، ويتهادين عَلَى الدرانك، ابتسامهن وميض ، عَنْ وليع كالاغريض، وهن إِلَى الصبا صور، وعَنِ الخنا نور قَالَ أَبُو زيد: اللثام عَلَى الفم. واللفام عَلَى طرف الأنف، يُقَال: تلثمت المرأة تلغمت المرأة. والسبائك ههنا: الأسنان، شبهها لبياضها بالسبائك. والنيازك، وأحدها نيزك، وهو الرمح القصير. والعوانك، وأحدها عانك، وهو رمل منعقد يشق فِيهِ البعير لا يقدر عَلَى السير، فيقَالَ حينئذ: قد اعتنك. والأرائك: السرر، وأحدها أريكة، وقَالَ قوم: الفرش. ويتهادين: يمشين مشيا ضعيفا، قَالَ الأعشى: تهادى كما قد رَأَيْت البهيرا

والدرانك: الطنافس، وأحدها درنوك. والوميض: اللمعان الخفى. والإغريض والوليع: الطلع. وصور: موائل، ومنه قِيلَ للمائل العنق: أصور. ونور: نقر من الريبة، وأحدها نوار. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، فيما أملاه علينا من معانى الشعر: إذا ما اجتلى الرانى اليها بطرفه ... غروب ثنياها أنار وأظلما الغروب: حد الأسنان، وأحدها غرب. والرانى: المديم النظر، وقوله: أنار وأظلم، أى أصاب ضوءاً وظلماً. والظلم: ماء الأسنان وأنشدنا أَبُو بَكْر، قَالَ: أنشدنا عَبْد الرحمن، عَنْ عمه، لأعرابى: أيا عمرو كم من مهرةٍ عربيةٍ ... من الناس قد بليت بوغد يقودها يسوس وما يدرى لها من سياسةٍ ... يريد بها أشياء ليست تريدها مبتلة الأعجاز زانت عقودها ... بأحسن مما زينتها عقودها خليلي شدا بالعمامة واحزما ... عَلَى كبد قد بان صدعاً عمودها خليلى هَلْ ليلى مؤدية دمي ... إذا قتلني أو أمير يقيدها وكيف تقاد النفس بالنفس لم تقل ... قتلت ولم يشهد عليها شهودها ولن يلبث الواشون أن يصدعوا العصا ... إذا لم يكن صلباً عَلَى البرى عودها نظرت إليها نظرة ما يسرنى بها ... حمر أنعام البلاد وسودها ولى نظرة بعد الصدود من الهوى ... كنظرة ثكلى قد أصيب وحيدها فحتى متى هذا الصدود إِلَى متى ... لقد شف نفسى هجرها وصدودها فلو أن ما أبقيت منى معلق ... بعود ثمام ما تأود عودها ومما اخترته ودفعته إِلَى أَبِي بَكْر، فقرأه عَلَى: يلقى السيوف بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفر ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل أثواب عيش أغبر أو ما إِلَى الكوماء هذا طارق ... نحرتنى الأعداء إن لم تنحري

وأنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه، قَالَ: أنشدنا أحمد بْن يحيى النحوى: لقد هزئت مني بنجران أن رأت ... مقامى فِي الكبلين أم أبان كأن لم ترى قبلي أسيرا مقيدا ... ولا رجلاً يرمى بِهِ الرجوان خليلى لَيْسَ الرأى فِي صدر واحد ... أشيرا عَلَى اليوم ما تريان أأركب صعب الأمر إن ذلوله ... بنجران لا يقضى لحين أوان وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنِي عمى، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابن الكلبى، قَالَ: مر منسر من العرب بغلام يرعى غنيمة لَهُ وبينه وبين أهله شعب أو نقب، فترك غنمه وأسند فِي الجبل فأتي قومه فأنذرهم، فقالوا لَهُ: ما رَأَيْت؟ قَالَ: رَأَيْت سبعة كالرماح، عَلَى سبعة كالقداح، غائرة العيون، لواحق البطون، ملس المتون، جريها انبتار، وتقريبها انكدار، وإرخاؤها استعار، وعهدى بهم قد لاذوا بالضلع، وكأنكم بغبارهم قد سطع، فلم يفرغ من كلامه حتى رأوا الغبرة فاستعدوا، وصادفهم القوم حاذرين فأدبروا عَنْهُمْ: المنسر جماعة الخيل، والمنسر بكسر الميم: منقار الطائر، لأنه ينسر بِهِ، أى ينتف بِهِ، واحسب النسر من هذا لأنه ينسر اللحم، أي ينتفه. قَالَ الأصمعى: منسر فِي الخيل والمنقار بكسر الميم، وتابعه عَلَى ذلك يعقوب، وقَالَ الأصمعى: إنما سمى منسراً لأنه ينسر بِهِ كل ما مر بِهِ، أى ينتفه ويأخذه. والشعب أكبر من اللصب، وهو الشق فِي الجبل. والنقب: الطريق فِي الجبل، قَالَ عمرو بْن الأيهم التغلبي وتراهن شربا كالسعالى ... يتطلعن من ثغور النقاب : الأنبتار: الشدة فِي العدو، لأنه انقطع عَنِ التقريب والإرخاء. وانكدار: انفعال من قولهم: انكدار إذا أسرع بعض الإسراع. والتقريب تقريبان، فالتقريب الأدنى أن يجمع يديه ورجليه عند الحضر، والتقريب الأعلى أن يجمع يديه مَعَ رجليه ويحزئل متنه، وهذا هُوَ الإرخاء الأدنى، فأما الارخاء الأعلى، فهو أن يدعه وسومه من الحضر. والضلع: الجبيل الصغير

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله: ولست بصادرٍ عَنْ بيت جارى ... صدور العير عمره الورود ولست بسائل جارات بيتى ... أغياب رجالك أم شهود ولا ألقى لذي الودعات سوطي ... لألهيه وريبته أريد أى لا أصدر عَنْ بيت جاري مثل الغير الَّذِي قد تغمر، أى لم يرو وفيه حاجة إِلَى العودة، يَقُولُ: فأنا لا آتى بيت جارى هكذا أريد الريبة. وذو الودعات: الصبى، يَقُولُ: لا ألهى الصبى بالسوط وأخلو أَنَا بأمه. ومثله قول مسكين الدارمى: لا آخذ الصبيان ألثمهم ... والأمر قد يعزي بِهِ الأمر وحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن السرى، وابن درستويه، والأخفش، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو العباس مُحَمَّد بن يزيد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عمارة بْن عقيل بن بلال بْن جرير، قَالَ: وقع بين أعمامى وأخوالى لحاء فِي أرضٍ، فتراضوا عند حاكم لهم بشيخ منهم، ورضوا بيمينه مَعَ الشهادة فكان إذا استحلف بالمشى إِلَى مكة حلف بالمشى إِلَى جدة، وإذا استحلف بطلاق امرأة حلف بطلاق أربع، وإذا استحلف بعتاق عَبْد حلف بعتاق مائة، وكنت أحب أن يظهر أعمامى عَلَى أخوالى فظهروا عَلَيْهِم فقلت: لا شىء يدفع حق خصم شاغبٍ إلا كحلف عبيدة بْن سميذع يمضى اليمين عَلَى اليمين لجاجة ... عض الجموح عَلَى اللجام المقدع وإذا يذكر حلفةً أصغى لها ... وإذا يذكر بالتقى لم يسمع سهل اليمين إذا أردت يمينه ... بخدائع السفراء غير مخدع يهتز حين تمر حجةً خصمه ... خوف الهضيمة كاهتزاز الأشجع يغشى مضرته لنفع صديقه ... ما خير ذى حسب إذا لم ينفع وقرئ عَلَى أبي بَكْر بْن دريد، وأنا أسمع، لرجل ذكر دارا ووصف ما فيها فقَالَ: إلا رواكد بينهن خصاصة ... سفع المناكب كلهن قد اصطلى ومجوفات قد علا أجوازها ... أسآر جردٍ مترصات كالنوى

مطلب دخول كثير عزة على عبد الملك بن مروان، وحديثه معه، وإنشاده الشعر بين يديه

رواكد: ثوابت، يعنى أثافى. والخصاصة: الفرجة. والسفعة: سواد تعلوه حمرة. ومجوفات يعنى نعاما، والتجويف: أن يبلغ البياض البطن. وقوله: علا أجوازها، أي علا التجويف أوساطها. وأسآر: بقايا، الواحد سؤر. وجرد: خيل قصار شعر الأبدان، واحدتها جرداء، وذلك من عتقها، يَقُولُ: قد طردت الخيل هذه النعام فقلت بعضها، وبقى بعض، فهذه البقايا بقايا هذه الخيل. ومترصات: محكمات. كالنوى: أى صلاب، ويجوز أن يكون فِي ضمرهن وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه نفطويه، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العباس أحمد بْن يحيى النحوى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الزبير، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الملك، قَالَ: قَالَ لى أَبُو السائب: يا بْن أخى، أنشدنى للأحوص، فأنشدته قوله: قَالَت: وقلت تحرجى وصلى ... حبل أمري بوصالكم صب صاحب إذا بعلى فقلت لها الغدر شىء لَيْسَ من ضربي ثنتان لا أدنو لوصلهما ... عرس الخليل وجارة الجنب أما الخليل فلست فاجعه ... والجار أوصانى بِهِ ربى عوجا كذا نذكر لغانيةٍ ... بعض الحديث مطيكم صحبي ونقل لهم فيم الصدود ولم ... نذنب بل أنت بدأت بالذنب إن تقبلى نقبل وننزلكم ... منا بدار الود والرحب أو تدبرى تكدر معيشتنا ... وتصدعى متلائم الشعب فقَالَ لى: يا ابْن أخى هذا المحب عينا لا الَّذِي يَقُولُ: وكنت إذا حبيب رام صرمى وجدت وراى منفسحا عريضا اذهب، فلا صحبك اللَّه ولا وسع عليك مطلب دخول كثير عزّة عَلَى عَبْد الملك بْن مروان، وحديثه معه، وإنشاده الشعر بين يديه وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بْن سَعِيد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلَى بْن نصر الجهنمي قَالَ: دخل كثير عَلَى عبد الملك بْن مروان، رحمه الله، فقَالَ عَبْد الملك بن مروان: أأنت كثير عزة؟ قَالَ: نعم، قَالَ: أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه، فقَالَ: يا أمير المؤمنين، كل عند محله رحب الفناء، شامخ البناء، عالى السناء، ثم أنشأ يَقُولُ:

مطلب قصيدة عبد الله بن سبرة وكانت يده قطعت في غزوة الروم

تري الرجل النحيف فتزدريه ... وفى أثوابه أسد هصور ويعجبك الطرير إذا تراه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير بغاث الطير أطولها رقابا ... ولم تطل البزاة ولا الصقور خشاش الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلات نزور ضعاف الأسد أكثرها زئيرا ... وأصرمها اللواتى لا تزير وقد عظم البعير بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير ينوخ ثم يضرب بالهواري ... فلا عرف لديه ولا نكير يقوده الصبي بكل أرض وينحره عَلَى الترب الصغير فما عظم الرجال لهم بزينٍ ... ولكن زينهم كرم وخير فقَالَ عَبْد الملك: لله دره، ما أفصح لسانه، وأضبط جنانه، وأطول عنانه! والله إنى لأظنه كما وصف نفسه مطلب قصيدة عَبْد اللَّه بْن سبرة وكانت يده قطعت فِي غزوة الروم وأنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه نفطويه، وأَبُو الحسن الأخفش، وأَبُو بَكْرِ بن دريد، والألفاظ مختلطة لعبد اللَّه بْن سبرة الحرشى، وكانت قطعت يده فِي بعض غزواته الروم فقَالَ يريثها: ويلأم جارٍ غداة الروع فارقنى ... أهون عَلَى بِهِ إذ بان فانقطعا يمني يدي غدت مني مفارقة ... لم أستطيع يوم فلطاس لها تبعا وما ضننت عليها أصاحبها ... لقد حرصت عَلَى أن نستريح معا ... وقائل غاب عَنْ شأنى وقائلةٍ ... هلا اجتنبت عدو اللَّه إذ صرعا وكيف أركبه يسعى بمنصله ... نحوى وأعجز عَنْهُ بعد ما وقعا ما كَانَ ذَلِكَ يوم الروع من خلقى ... ولو تقارب منى الموت فاكتنعا ويل أمه فارسا أجلت عشيرته ... حامى وقد ضيعوا الأحساب فارتجعا يمشى إِلَى مستميت مثله بطلٍ ... حتى إذا أمكنا سيفيهما امتصعا

مطلب ما وقع في مجلس أبي عمرو بن العلاء بين شبيل بن عروة ويونس والفرق بين ألفاظ خمسة من الروبة

كل ينوء بماضى الحد ذى شطب ... جلي الصياقل عَنْ ذرية الطبعا حاسيته الموت حتى اشتف آخره ... فما استكان لما لاقى ولا جزعا كَأنَ لمته هداب مخملة ... أحم أزرق لم يشمط وقد صلعا فإن يكن أطربون الروم قطعها ... فقد تركت بها أوصاله قطعا وإن كَانَ أطربون الروم قطعها ... فإن فيها بحمد اللَّه منتفعا بنانتين وجذموراً أقيم بها ... صدر القناة إذا ما آنسوا فزعا قال أَبُو عَلَى: الجذمور: الأصل، ويقَالَ: أخذت الشىء بجذاميره. وأنشدنا إِبْرَاهِيم قَالَ: أنشدنا أحمد بْن يحيى، قَالَ: أنشدنا الزبير، لجرير الديلى: كأنما خلقت كفاه من حجرٍ ... فليس بين يديه والندى عمل يرى التيمم فِي بر وفى بحرٍ ... مخافةً أن يري فِي كفه بلل مطلب ما وقع فِي مجلس أَبِي عمرو بْن العلاء بين شبيل بْن عروة ويونس والفرق بين ألفاظ خمسة من الروبة وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، عَنْ يونس، قَالَ: كنت عند أبى عمرو بْن العلاء فجاءه شبيل بْن عروة الضبعى، فقام إلَيْهِ أَبُو عمرو فألقى إلَيْهِ لبدة بغلته، فجلس عليها ثم أقبل عَلَيْهِ يحدثه فقَالَ شبيل: يا أبا عمرو، سَأَلت رؤبتكم هذا عَنِ اشتقاق اسمه فما عرفه، قَالَ يونس: فلما ذكر رؤبة لم أملك نفسى، فزحفت إليه، فقلت: لعلك تظن أن معد بْن عدنان أفصح من رؤبة وأبيه، فأنا غلام رؤبة، فما /الروبة والروبة والروبة والروبة والرؤبة؟ فلم يحر جوابا وقام مغضبا، فأقبل عَلَى أَبُو عمرو بْن العلاء وقَالَ: هذا رَجُل شريف يقصد مجالسنا، ويقضى حقوقنا، وقد أسأت فيما واجهته بِهِ، فقلت: لم أملك نفسي عند ذكر رؤبة ثم فسر لنا يونس فقَالَ: الروبة

خميرة اللبن، والروبة: قطعة من الليل. وفلان لا يقوم بروبة أهله، أي بما أسندوا إلَيْهِ من أموالهم ومن حوائجهم. والروبة: جمام ماء الفحل. والرؤبة مهموزة: القطعة تدخلها فِي الإناء تشعب بها الإناء وأنشدنا أَبُو بَكْر، رحمه الله تعالى، عَنْ أَبِي حاتم، عَنِ الأصمعى، وأبى عبيدة، للأحيمر أحد لصوص بنى سعد وقالت أرى ربع القوام وشاقها ... طويل القناة بالضحاء نؤوم فإن أك قصدا فى الرجال فإننى ... إذا حل أمر ساحتى لجسيم وزادنى أبو عبيدة بعد هذين البيتين تعيرنى الإعدام والبدو معرض ... وسيفي بأموال التجار زعيم قال: ثم تاب فقال: أشكو إلى الله صبرى عَنْ زواملهم ... وما ألاقى إذا مروا من الحزن قل للصوص بنى اللخناء يحتسبوا ... بز العراق وينسوا طرفة اليمن فرب ثوبٍ كريم كنت آخذه ... من القطار بلا نقد ولا ثمن وأنشدنا أَبُو بَكْر، عَنْ أَبِي حاتم، عَنِ الأصمعى، وأنشدنى أيضاً الأحفش، قَالَ: أنشدنا بعض أصحابنا هذه الأبيات: حللنا آمنين بخير عيشٍ ... ولم يشعر بنا واش يكيد ولم نشعر بجد البين حتى ... أجد البين سيار عنود وحتى قِيلَ قوض آل بشرٍ ... وجاءهم بينهم البريد وأبرزت الهوادج ناعماتٍ ... عليهن المجاسد والعقود فلما ودعونا واستقلت بهم ... قلص هواديهن قود كتمت عواذلى ما فِي فؤادى ... وقلت لهن ليتهم بعيد

مطلب حديث الجاحظ وهو مفلوج وقصيدة عوف بن محلم الخزاعي التي منها: إن الثمانين البيت

فجالت عبرة أشفقت منها ... تسيل كأن وابلها فريد فقالوا قد جزعت فقلت كلا ... وهل يبكى من الطرب الجليد ولكنى أصاب سواد عينى ... عويد قذى لَهُ طرف حديد فقالوا ما لدمعهما سواء ... أكلتا مقلتيك أصاب عود لقبل دموع عينيك خبرتنا ... بما جمجمت زفرتك الصعود فقم وانظر يزدك مطال شوقٍ ... هنالك منظر منهم بعيد مطلب حديث الجاحظ وهو مفلوج وقصيدة عوف بْن محلم الخزاعي التي منها: إن الثمانين البيت وَحَدَّثَنَا أَبُو معاذ عبدان الخولى المتطبب، قَالَ: دخلنا يوما بسر من رأى عَلَى عمرو بْن بحر الجاحظ نعوده وقد فلج، فلما أخذنا مجالسنا أتى رسول المتوكل فِيهِ فقَالَ: وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل، ولعاب سائل؟ ثم أقبل علينا فقَالَ: ما تقولون فِي رجل لَهُ شقان: أحدهما لو غرز بالمسال ما أحس، والشق الآخر يمر بِهِ الذباب فيغوث، وأكثر ما أشكوه الثمانون؟ ثم أنشدنا أبياتا من قصيدة عوف بْن محلم الخزاعى. قَالَ أَبُو معاذ: وكان سبب هذه القصيدة أن عوفا دخل عَلَى عَبْد اللَّه بْن طاهر، فسلم عَلَيْهِ عبد الله فلم يسمع، فأعلم بذلك، فزعموا أنّهُ ارتجل هذه القصيدة ارتجالا، فأنشده: يا بن الَّذِي دان لَهُ المشرقان ... طرا وقد دان لَهُ المغربان إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إِلَى ترجمان وبدلتني بالشطاط الانحنا ... وكنت كالصعدة تحت السنان وبدلتنى من زماع الفتى ... وهمتى هُم الجبان الهدان وقاربت منى خطا لم تكن ... مقارباتٍ وثنت من عنان وأنشأت بينى وبين الورى ... عنانة من غير نسج العنان

ولم تدع فِي لمستمتع إلا ... لسانى وبحسبى لسان أدعو بِهِ اللَّه وأثنى بِهِ ... عَلَى الأمير المصعبى الهجان فقربانى بأبى أنتما من ... وطني قبل اصفرار البنان وقبل منعاي إِلَى نسوة ... أوطانها حران والرقتان وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لذى الرمة: رمى الإدلاج أيسر مرفقيها ... أشعث مثل أشلاء اللجام يَقُولُ: أدلج فأعيا، فاذا نام توسد يسرى ذراعي ناقته، فيعنى أن الإدلاج هُوَ الَّذِي فعل بها ذَلِكَ. وأشلاء اللجام: بقاياه من حديده وسيوره، ويعني بالأشعث: نفسه وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: سَمِعْتُ أعرابيا يصف خيلا فقَالَ: سباط الخصائل، ظماء المفاصل، شداد الأباجل، قب الأياطل، كرام النواجل: الخصائل، واحدتها خصيلة، وهى كل قطعة من اللحم مستطيلة أو مجتمعة، وقَالَ أَبُو عبيدة: الخصائل: ما أنماز من لحم الفخذ بعضه من بعض. وظماء: ضمر. والأباجل جمع أبجل وهو من الفرس بمنزله الأكحل من الإنسان، يريد أنها شداد القوائم. قب: ضمر. والأياطيل جمع، والأيطل والإطل والصقل والقرب والكشح واحد. والنواجل جمع ناجلة. وهى التي نجلته، أى ولدته وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سَمِعْتُ أعرابيا يصف إبلا فقَالَ: إنها لعظام الحناجر، سباط المشافر، كوم بهازر، نكد خناجر، أجوافها رغاب، وأعطانها رحاب، تمنع من البهم وتبذل للجمم: الحناجر، واحدها حنجور وهو الحلقوم. والكوم جمع أكوم وكوماء، وهى العظام الأسنمة. والبهازر: العظام، واحدها بهزرة. والنكد: الغزيرة اللبن فِي هذا الموضع، والنكد أيضاً: التى لا يبقى لها ولد. وقَالَ: والحنجور واللهموم والرهشوش، كل هذه الغزيرة اللبن.

مطلب شرح ما جاء من الغريب في وصف الأعرابي لبنيه

والرغاب الواسعة. وأعطانها مباركها عند الماء. والبهم جمع بهمة، وهو الشجاع الذي قال الأصمعي: الصفي لا يدرى من أيْنَ يؤتى من شدة بأسه. والجمم، واحدها جمة: وهم القوم يسألون فِي الديات وأنشدنا أَبُو بَكْر: وجمة تسألنى أعطيت وسائلٍ عَنْ خبرٍ لويت وقلت لا أدرى وقد دريت وأنشدنى أَبُو بَكْر قَالَ: أنشدني الرياشي: لو قد تركت لم تنخ بك جمة ... ترجو العطاء ولم يزرك خليل مطلب شرح ما جاء من الغريب فِي وصف الأعرابي لبنيه وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: قلت لأعرابى بحمى الربذة: ألك بنون؟ قَالَ: نعم، وخالقهم لم تقم عَنْ مثلهم منجبة، فقلت: صفهم لى، فقَالَ: جهم وما جهم! ينضى الوهم، ويصد الدهم، ويفرى الصفوف، ويعل السيوف، قلت: ثم من؟ قَالَ: غشمشم وما غشمشم! ماله مقسم، وقرنه مجرجم، جذل حكاك، ومدره لكاك، قلت: ثم من؟ قَالَ: عشرب وما عشرب! ليث محرب، وسمام مقشب، ذكره باهر، وخصمه عاثر، وفناؤه رحاب، وداعيه مجاب، قلت: فصف لى نفسك، فقَالَ: ليث أَبُو ريابل، ركاب معاضل، عساف مجاهل، حمال أعباء نهاض ببزلاء قوله: ينضى: يهزل، والنضو: المهزول. والوهم: الضخم العظيم من الإبل، قَالَ ذو الرمة كأنها جمل وهم وما بقيت إلا ... النحيزة والألواح والعصب ويصد: يكف. الدهم: العدد الكثير. ويفري: يشق، ويقَالَ: فريت الشىء إذا شققته للإصلاح، وأفريته إذا قطعته للإفساد. ويعل: يوردها الدماء ثانية، مأخوذ من العلل فِي الشرب. والمجرجم: المصروع. والجذل: أصل الشجرة، وذلك أن الإبل الجرب تحتك بِهِ فتجد لَهُ لذة، وإنما قَالَ: جذل حكاك، أى أنه ممن يستشفى بِهِ فِي الأمور بمنزلة ذاك الجذل الَّذِي يستشفى بِهِ الإبل. والمدره: لسان القوم، والمتكلم عَنْهُمْ والدافع عَنْهُمْ، يُقَال: درهته عنى ودرأته عني: دفعته

والتدرأ مثل المدره. واللكاك: الزحام، يُقَال: التك القوم عَلَى الماء إذا ازدحموا. والمحرب: المغضب الَّذِي قد اشتد غضبه واحتد، وحربت السكين إذا أحددته. ومقشب: مخلوط. وباهر: غالب. وريابل جمع ريبال، وهو الأسد. : روينا: الريابل فِي هذا الخبر غير مهموز، وروينا فِي الغريب المصنف: الريابل واحدها ريبال يهمز ولا يهمز. والمعاضل: الدواهى. والعساف: الَّذِي يركب الطريق عَلَى غير هداية. والأعباء: الأثقَالَ، واحدها عبء. والبزلاء: الرأي الجيد الَّذِي يبزل عَنِ الصواب، أى الَّذِي يشق عَنْهُ، قَالَ الراعى: من رأي ذي بدواتٍ لا تزال لَهُ بزلاء يعيا بها الجثامة اللبد وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه نفطويه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بْن يحيى النحوى، قَالَ: قدم علينا أعرابى فسمع غناء حمائم بستان إِبْرَاهِيم بْن المهدى، فاشتاق إِلَى وطنه فقَالَ: أشقاقتك البوارق والجنوب ... ومن علوى الرياح لها هبوب أتتك بنفحة من شيح نجد ... تضوع والعرار بها مشوب وشمت البارقات فقلت جيدت ... حبال البشر أو مطر القليب ومن بستان إِبْرَاهِيم غنت ... حمائم بينها فنن رطيب فقلت لها وقيت سهام رامٍ ... ورقط الريش مطعمها الجنوب كما هيجت ذا حزنٍ غريبا ... عَلَى أشجانه فبكى الغريب وأنشدنا أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: أنشدني عمي، عَنِ ابن الكلبى لحجية بْن المضرب، يمدح يعفر بن زرعة، أحد الملوك أملوك درمان: إذا كنت سألاً عَنِ المجد والعلا ... وأين العطاء الجزل والنائل الغمر فنقب عَنِ الأملوك واهتف بيعفر ... وعش جار ظلٍ لا يغالبه الدهر

أولئك قوم شيد اللَّه فخرهم ... فما فوقه فخر وإن عظم الفخر أناس إذا ما الدهر أظلم وجهه ... فأيديهم بيض وأوجههم زهر يصونون أحسابا ومجدا مؤثلا ... ببذل أكف دونها المزن والبحر سموا فِي المعالى رتبةً فوق رتبةٍ ... أحلتهم حيث النعائم والنسر أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت ... لنورهم الشمس المنيرة والبدر فلو لامس لهم الصخر الأصم أكفهم ... لفضت ينابيع الندى ذَلِكَ الصخر ولو كَانَ فِي الأرض البسيطة منهم ... لمختبط عاف لما عرف الفقر شكرت لكم آلاءكم وبلاءكم ... وما ضاع معروف يكافئه شكر وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أملى علينا أَبُو العباس بْن يحيى النحوى، أو قرأ الشك من أَبِي عَلَى، عَلَى باب داره، ثم أنشدناه فِي المسجد الجامع يقرؤه عَلَى عَبْد اللَّه بن المعتز، قَالَ: أنشدنى بعض أصحابنا، عَنِ النضر بْن جرير، عَنِ الأصمعى: سقى دمنتين لَيْسَ لي بهما عهد بحيت التقى الدارات والجرع الكبد فيا ربوة الربعين حييت ربوةً ... عَلَى النأى منا واستهل بك الرعد قضيت الغوانى غير ان مودة ... لذلفاء ما قضيت آخرها بعد إذا ورد المسواك ظمآن بالضحى ... عوارض منها ظل يخصره البرد وألين من مس الرخامات يلتقى ... بمارنه الجادى والعنبر الورد فرى نائبات الدهر بينى وبينها ... وصرف الليالى مثل ما فرى البرد فإن تدعي نجدا ندعه ومن بِهِ ... وإن تسكنى نجداً فيا حبذا نجد وإن كَانَ يوم الوعد أدنى لقائنا ... فلا تعذليني أن أقول متى الوعد وأنشدنا أَبُو عَبْد اللَّه نفطويه، قَالَ: أنشدنا أحمد بْن يحيى، لأبى الهندى، وهو من بنى رياح: قل للسرى أَبِي قيس أتهجرنا ... ودارنا أصبحت من داركم صددا

أَبَا الوليد أما والله لو عملت ... فيك الشمول لما فارقتها أبدا ولا نسيت حمياها ولذتها ... ولا عدلت بها مالا ولا ولدا وحَدَّثَنِي جحظة، قَالَ: حَدَّثَنِي حماد بْن إِسْحَاق الموصلى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: كتبت إِلَى زهراء الأعرابية، وقد غابت عني كتابا فِيهِ: وجدي بجملٍ عَلَى أنى أجمجمه ... وجد السقيم ببرء بعد إدناف أو وجد ثكلي أصاب الموت واخدها ... أو وجد منشعب من بين آلاف فكتبت إليها: أما أويت لمن قد بات مكتئبا ... يذرى مدامعه سحا وتوكافا اقر السلام عَلَى الزهراء إذ شحطت ... وقل لها قد أذقت القلب ما خافا فما وجدت عَلَى إلف أفارقه ... وجدي عليك وقد فارقت ألافا وأنشدنا الأخفش: أقول لصاحبى بأرض نجدٍ ... وجد مسيرنا ودنا الطروق أرى قلبى سينقطع اشتياقا ... وأحزانا وما انقطع الطريق وأنشدنا جحظة، عَنْ حماد، عَنْ أبِيهِ: طربت إِلَى الأصيبية الصغار ... وهاجك منهم قرب المزار وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار وقرأت عَلَى أَبِي بَكْر لطفيل الغنوى: أناس إذا ما أنكر الكلب أهله ... حموا جارهم من كل شنعاء مضلع قَالَ: ويروى: مفظع. قوله أنكر الكلب أهله، أى إذا لبسوا السلاح وتقنعوا لم يعرف الكلب أهله وحَدَّثَنِي بعض شيوخنا أن ابن حبيب قَالَ: إذا ما غزوا فصار معهم أعدائهم فِي ديارهم فتواثبوا

أنكرهم الكلب إذ ذاك لتغيرهم عَنْ حالهم والشنعاء: الداهية المشهورة. ومضلع: شديدة، يُقَال: أضلعنى الأمر إذا اشتد عَلَى وغلبنى وقرأت عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه لذى الرمة: إذا نتجت منها المهارى تشابهت ... عَلَى العوذ إلا بالأنوف سلائله العوذ: الحديثات النتاج، واحدها عائذ، وإنما قِيلَ لأن ولدها أن يكون هُوَ عائذا بها، ولكنه لما كانت متعطفة عَلَيْهِ قِيلَ لها: عائذ، يَقُولُ: تشابه عليها أولادها إلا أن تشمها بأنوفها، وذلك أنها من نجارٍ واحد وفحلٍ واحد، وقد تقاربت فِي الوضع فهى تشبه بعضها بعضاً. والسلائل: الأولاد، واحدها سليل وَحَدَّثَنَا أَبُو المياس الراوية، قَالَ: حَدَّثَنِي أحمد بْن عُبَيْد، عَنْ بعض شيوخه، قَالَ: كانت ويمة فِي قريش تولى أمرها مقاس الفقعسى، فأجلس عمارة الكلبى فوق هشام بْن عَبْد الملك، فأحفظه ذَلِكَ وآلى عَلَى نفسه أنّهُ متى أفضت الخلافة إلَيْهِ عاقبه، فلما جلس فِي الخلافة أمر أن يؤتى بِهِ وتقلع أضراسه وأظفار يديه ففعل ذَلِكَ بِهِ، فأنشأ يَقُولُ: عذبونى بعذابٍ قلعوا جوهر راسى ... ثم زادونى عذابا نزعوا عنى طساسى بالمدى حزز لحمى وبأطراف المواسي قَالَ أَبُو العباس، قَالَ لى أَبُو المياس: الطساس: الأظفار، ولم أر أحداً من أصحابنا يعرفه، ثم أَخْبَرَنِي رَجُل من أهل اليمن قَالَ: يُقَال عندنا: طسه إذا تناوله بأطراف أصابعه وأنشدنا أَبُو المياس وكان من أروى الناس للرجز، وهو من أهل سر من رأى لدكين بْن رجاء الراجز: لم أر بؤسا مثل هذا العام ... أرهنت فِيهِ للشقا خيتامي وحق فخرى وبنى أعمامى ... ما فِي القروف حفتنا حتام قَالَ أَبُو العباس: أرهنت ورهنت جميعا يقالان. قَالَ: ويقَالَ خاتم وخاتام وخيتام وخاتم. وقَالَ أَبُو المياس: القروف: الجراب وأحسبه غلطا، إنما هُوَ القروف جمع قرف، وهو الجراب. والحتام البقية من كل شيء.

مطلب تفسير ما جاء من الغريب في وصف الغلام البيت أبيه

مطلب تفسير ما جاء من الغريب فِي وصف الغلام البيت أبِيهِ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنِي عمى، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابن الكلبى، قَالَ: خرج رَجُل من العرب فِي الشهر الحرام طالبا حاجة، فدخل فِي الحل فطلب رجلا يستجير بِهِ، فدفع إِلَى أغيلمه يلعبون، فقَالَ لهم: من سيد هذا الحواء؟ فقَالَ غلام منهم: أبِيهِ قَالَ: ومن أبوك؟ قَالَ: باعث بْن عويص العاملي، قَالَ: صف ليبيت أبيك من الحواء، قَالَ: بيت كأنه حرة سوداء، أو غمامة حماء، بفنائه ثلاثة أفراس، أما أحدها: فمفرع الأكتاف، متماحل الأكناف، مائل كالطراف. وأما الآخر: فذيال جوال صهال، أمين الأوصال، أشم القذال. وأما الثالث: فمغار مدمج، محبوك محملج، كالقهقر الأدعج. فمضى الرجل حتى انتهى إِلَى الخباء ففقد زمام ناقته ببعض أطنابه وقَالَ: يا باعث، جار علقت علائقه، واستحكمت وثائقه، فخرج إلَيْهِ باعث فأجاره: المفرع: المشرف، والفرعة والفرعة بفتح الراء وتسكينها: أعلى الجبل وجمعها فراع، يُقَال: أئت فرعةً من فراع الجبل فانزلها، ومنه قِيلَ: جبل فارع، ونقى فارع إذا كَانَ أطول مما يليه، وبه سميت المراة فارعة، ويقَالَ: أنزل بفارعة الوادي، واحذر أسفله. وتلاع فوارع، أي مشرفات المسايل. وقَالَ أَبُو نصر: يُقَال: فرع فلان قومه إذا علاهم بشرف أو جمال أو غيره، ولقيه ففرع رأسه بالعصا يريد: علاه. وقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: تفرع فلان القوم إذا ركبهم وشمهم. وقَالَ غيره: تفرعت الشىء: علوته. وقَالَ أَبُو نصر: فرع إذا علا، وفرع وأفرع إذا انحدر، قَالَ الشماخ: فإن كرهت هجائى فاجتنب سخطي ... لا يدركنك إفراعى وتصعيدى وأصابته دبرة عَلَى فروع كتفيه يريد: على أعاليهما، ويقَالَ: فرعت بين القوم، أي حجزت، وأفرع بينهما، أى أحجز، وفرعت فرسي أفرعه، أي قدعته، قَالَ الشاعر: نفرعه فرعا ولسنا نعتله وأفرعت المرأة إذا حاضت، ومنه قول الأعشى: صددت عَنِ الأعداء يوم عباعبٍ ... صدود المذاكي أفرعتها المساحل

والمساحل: اللجم، واحدها مسحل، يعنى أن المساحل أدمتها كما أفرع الحيض المرأة بالدم، وافترعت المرأة: اقتضضتها، والفرع: ذبح كَانَ فِي الجاهلية، وهو أول النتاج، كَانَ إذا نتجت الناقة فِي أول نتاجها ذبح يتبركون بِهِ. قَالَ أوس بْن حجر: وشبه الهيدب العبام من الأقوام سقباً مجللاً فرعا قَالَ أَبُو عمرو: الفرع: القسم أيضاً. وقد أفرع القوم أيضاً إذا نتجت إبلهم. وقَالَ أَبُو نصر: يُقَال: بئس ما أفرعت بِهِ، أي بئس ما ابتدأت بِهِ، والفرع من القسى: ما كَانَ من طرف القضيب. والفرعة: القملة العظيمة، ومنه قيل: حسان بن الفريعة. وقوله متماحل الأكناف، المتماحل: الطويل. والأكناف: النواحى، يريد أنّهُ طويل العنق والقوائم، وذلك مدح. والماثل: القائم المنتصب، والماثل: اللاطئ بالأرض وهو من الأضداد، ويقَالَ: رَأَيْت شخصاً ثم مثل، أى ذهب فلم أره، قَالَ الهذلي: يقربه النهض النجيح لما يرى ... منه بدو مرة ومثول بدو: ظهور، ومثول: ذهاب. والطراف: بيت من أدم. والذيال: الطويل الذنب، قَالَ النابغة الذبيانى: وكل مدجج كالليث يسمو ... عَلَى أوصال ذيالٍ رفن والأوصال واحدها وصل، قَالَ ذو الرمة: إذا ابن أَبِي موسى بلالاً بلغته ... فقام بفأس بين وصليك جازر وأشم: مرتفع، والشمم: الارتفاع. والقذال: معقد العذار. والمغار: الشديد الفتل، يريد أنّهُ شديد البدن، والعرب تَقُولُ: أغرت الحبل إذا شددت فتله، قَالَ امرؤ القيس: فيا لك من ليلٍ كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل

مطلب الكلام على مادة غ ور

مطلب الكلام عَلَى مادة غ ور وغار الرجل يغور غورا إذا أتى الغور، وزاد اللحيانى: وأغار أيضاً، وأنشد بيت الأعشى: نبى يرى مالا ترون وذكره ... أغار لعمرى فِي البلاد وأنجدا فهذا عَلَى ما قَالَ اللحيانى. وكان الكسائى يَقُولُ: هُوَ من الإغارة، وهي السرعة. وكان الأصمعى يَقُولُ: أغار، لَيْسَ هُوَ من الغور، إنما هُوَ بمعنى عدا، وقَالَ اللحيانى: يُقَال للفرس: إنه لمغوار، أي شديد العدو، والجمع مغاوير، والتفسير الأول الوجه لأنه قَالَ: وأنجدا، فإنما أراد أتى الغور وأتى نجداً، والغور: تهامة. وغار الماء يغور غوراً، قَالَ اللَّه عز وجل: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك: 30] . أي: غائرا، وزاد أَبُو النصر: غورا، وغارت عينه تغور غورا، وغارت الشمس تغور غورا أيضاً، والغور: الاسم، يَقُولُ: سقطت فِي الغور، يعنى: الشمس. وغار فلان عَلَى أهله يغار غيرة، ورجل غيور من قوم غيرٍ، وامرأة غيري من نسوة غيارى، وقَالَ الأصمعى: فلان شديد الغار عَلَى أهله، أى شديد الغيرة، وزاد اللحياني: والغير. وقَالَ أَبُو نصر: أغار فلان عَلَى بني فلان يغير إغارةً، وقَالَ اللحيانى: يُقَال للرجل إنه لمغوار، أى شديد الإغارة والجمع مغاوير. وقَالَ أَبُو النصر: يُقَال: غارهم يغيرهم إذا مارهم، والغيار المصدر، قَالَ الهذلي: ماذا يغير ابنتي ربع عويلهما ... لا ترقدان ولا بؤسى لمن رقدا وقَالَ اللحيانى: غارهم اللَّه بمطر يغيرهم ويغورهم والاسم الغيرة، ويقَالَ: هذه أرض مغيرة ومغيورة. قَالَ: والغير: التغيير، يُقَال: مَعَ الغير الغيار، ولا يُقَال منه فعلت بالتخفيف، وإنما يُقَال: غيرت عَلَيْهِ بالتثقيل قَالَ: وأنشدنا أَبُو شبل: أقول بالسبت فويق الدير ... إذ أَنَا مغلوب قليل الغير أراد: التغيير. والغاران: الجيشان، يُقَال: لقى غار غاراً. وقَالَ أَبُو عبيدة: الغار: الجمع الكثير من الناس، قَالَ ويروى عَنِ الأحنف أنّهُ قَالَ فِي انصراف الزبير: وما أصنع بِهِ إن كَانَ جمع بين غارين من الناس ثم تركهم وذهب! . :

فقول الأحنف: من الناس، يدل عَلَى أن الغار يكون الجمع من غير الناس. وقَالَ أَبُو النصر: الغاران: البطن والفرج، يُقَال: المرء يسعى لغاريه، أى لبطنه وفرجه، وقَالَ أَبُو عبيدة: يُقَال لفم الْإِنْسَان وفرجه: الغاران. وقَالَ أَبُو نصر: الغار كالكهف فِي الجبل، ويقَالَ: عسى الغوير أبؤساً وهو تصغير غار، يريد: عسى أن يكون جاء البأس من الغار، وقَالَ اللحيانى: يُقَال: غرت فِي الغار والغور أغور غوراً وغئورا، وأغرت أيضا فيهما جميعا. : قوله، غئوراً: نادر شاذ. والغار: شجرة طيبة الريح، قَالَ عدى بْن زيد: رب نارٍ بت أرمقها ... تقضم الهندى والغارا وقَالَ الأصمعى: يُقَال: غار النهار إذا اشتد حره، وغور القوم تغويرا إذا قَالُوا، من القائلة، والغائرة: القائلة، وقَالَ اللحيانى: غور الماء تغويراً إذا ذهب فِي العيون، ويقَالَ: غرت فلانا من أخيه أغيره غيرا، وقَالَ أَبُو عبيدة: غارنى الرجل يغيرنى ويغورنى إذا وداك، من الدية، والاسم الغيرة وجمعها غير، أي أعطيته الدية. وقَالَ أَبُو نصر: أغار الرجل إغارة الثعلب إذا أسرع ودفع فِي عدوه، وأنشد لبشر: فعد طلابها وتعد عَنْهَا ... بحرفٍ قد تغير إذا تبوع وقَالَ خَالِد بْن كلثوم: غاريت وعاديت بين اثنين، أى واليت، ومنه قول كثير: إذا قلت أسلو غارت العين بالبكا ... غراء ومدتها مدامع حفل قَالَ: معنى غارت فاعلت من الولاء، وقَالَ أَبُو عبيدة: هى فاعلت من غريت بالشىء أغرى بِهِ. ومحبوك: موثق مشدود، يُقَال: حبكت الشيء إذا شددته، فهو محبوك وحبيك، ويقَالَ: جاد ما حبك هذا الثوب، أي نسج، قَالَ الهذلى: فرميت فوق ملاءةٍ محبوكةٍ ... وأبنت للأشهاد حزة أدعي

مطلب حديث البنين السبعة الذين هوت عليهم الصخرة، وما قاله فيهم أبوهم من الشعر، وشرح غريبة

يَقُولُ: أبنت لهم قولى خذها وأنا ابن فلان! يعنى ساعة أدعى. ومنه قولهم: احتبك بإزاره أى احترم بِهِ. ومحملج: مفتول. والقهقر: الحجر الصلب والأدعج: الأسود، قَالَ الأصمعى: يُقَال: رَجُل أدعج، أى أسود، وليل أدعج، والدعج: شدة سواد الحدقة. مطلب حديث البنين السبعة الذين هوت عليهم الصخرة، وما قاله فيهم أبوهم من الشعر، وشرح غريبة وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: أَخْبَرَنِي يونس، قَالَ: كَانَ لرجل من بنى ضبة فِي الجاهلية بنون سبعة، فخرجوا بأكلب لهم يقتنصون، فأووا إِلَى غار فهوت عليهم صخرة فأتت عليهم جميعهم، فلما استراث أبوهم أخبارهم، اقتفر آثارهم حتى انتهى إِلَى الغار فانقطع عَنْهُ الأثر، فأيقن بالشر، فرجع وأنشا يَقُولُ: أسبعة أطوادٍ أسبعة أبحر ... أسبعة آسادٍ أسبعة أنجم رزئتهم فِي ساعة جرعتهم ... كئوس المنايا تحت صخرٍ مرضم فمن تك أيام الزمان حميدةً ... لديه فإني قد تعرفن أعظمى بلغن نسيسى وارتشفن بلالتى ... وصليننى جمر الأسى المتضرم أحين رمانى بالثمانين منكب ... من الدهر منحٍ فِي فؤادى بأسهم رزئت بأعضادى الذين بأيدهم ... أنوء واحمى حوزتى وأحتمى فإن لم تذب نفسى عليهم صبابةً ... فسوف أشوب دمعها بعد الدم ... ثم لم يلبت بعدهم إلا يسيرا حتى مات كمدا. : اقتفر: اتبع، يُقَال: قفرت الأثر واقتفرته إذا اتبعته ومرضم: منضد بعضه عَلَى بعض، قَالَ الأصمعى: يُقَال: بنى فلان دارا فرضم فيها الحجارة رضماً، وذلك إذا نضد الحجارة بعضها عَلَى بعض ومنه قِيلَ: رضم البعير بنفسه إذا رمي بها فلم يتحرك. وتعرقن: أخذن ما عَلَيْهِ من اللحم، يُقَال: عرقت العظم وتعرقته إذا أخذت ما عَلَيْهِ من اللحم. والنسيس: بقية النفس، قَالَ الشاعر: فقد أودى إذا بلغ النسيس وارتشفن: امتصصن. والبلالة: الرطوبة

وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، تعالى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان الأشناندانى، قَالَ: حَدَّثَنِي التوزى، عَنْ أَبِي عبيدة، قَالَ: لما مات حصين بْن الحمام سمعوا صارخا يصيح من جبل ويقول: ألا ذهب الحلو الحلال الحلاحل ... ومن عقده حزم وعزم ونائل ومن قوله فصل إذا القوم أفحموا ... تصيب مرادى قوله ما يحاول فلما سمعه معية أخوه قَالَ: هلك والله حصين، وأنشأ يَقُولُ: نعيت حيا الأضياف فِي كل شتوةٍ ... ومدره حربٍ إذ تخاف الزلازل ومن لا ينادى بالهضيمة جاره ... إذا أسلم الجار الألف المواكل فمن وبمن نستدفع الضيم بعده ... وقد صممت فينا الخطوب النوازل وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، وأَبُو حاتم، والأشنانداني، والرياشى، قَالُوا كلهم: سمعنا الأصمعى، يَقُولُ: كنت بالبادية فرأيت امْرَأة عند قبر وهي تبكى وتقول: فمن للسؤال ومن للنوال ... ومن للمقَالَ ومن للخطب ومن للحماة ومن للكماة ... إذا ما الكماة جثوا للركب إذا قِيلَ مات أَبُو مالك ... فتى المكرمات قريع العرب فقد مات عز بني آدم وقد ... ظهر النكد بعد الطرب قَالَ: فملت إليها فقلت لها: من هذا الَّذِي مات هَؤُلَاءِ الخلق كلهم بموته؟ فقَالَت: أو ما تعرفه؟ قلت: اللهم لا، فأقبلت ودمعتها تنحدر وإذا هي مقاء برشاء ثرماء، فقَالَت: فديتك! هذا أَبُو مالك الحجام ختن أَبِي منصور الحائك! فقلت عليك لعنة الله! والله ما ظننت إلا أنه سيد من سادات العرب: قريع الشول: فحلها، والقريع: الفحل من الرجال الشجاع. والمقاء: الطويلة، والأمق: الطويل، والمقق: الطول. والثرماء: التي قد سقطت ثنيتاها

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، لأعرابى: يقر بعينى أن أرى من مكانه ... ذرى عقدات الأبرق المتقاود وأن أراد الماء الَّذِي شربت بِهِ ... سليمي وقد مل السرى كل واخد وألصق أحشائى ببرد ترابه ... وإن كَانَ مخلوطا بسم الأساود قَالَ: وأنشدنى عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه: أمس العين ما مست يداها ... لعل العين تبرأ من قذاها يَقُولُ الناس ذو رمدٍ معنى ... وما بالعين من رمدٍ سواها قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْر، ولم يسم قائله، ولا عزاه إِلَى أحد: آل ليلى إن ضيفكم ضائع ... فِي الحي مذ نزلا أمكنوه من ثنيتها لم ... يرد خمراً ولا عسلا وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنْ أَبِي زيد: إن كَانَ غرك إطراقى أَبَا حسنٍ ... فالسيف يطرق حيناً قبل هزته والحية الصل لا تغررك هدأته ... فكم سليمٍ وموقوذ لنكزته وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنى عمى، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابن الكلبى، وأنشدنا أَبُو بَكْر ابن الأنبارى، عَنْ أحمد بْن يحيي، عَنْ ثعلب ابن الأعرابى: يا مر يا خير أخٍ ... نازعت در الحلمه يا خير من أوقد ... للأضياف نارا جحمه يا جالب الخيل إِلَى ... الخيل تعادى أضمه

يا قائد الخيل ومجتاب ... الدلاص الدرمه سيفك لا يشقى بِهِ ... إلا العسير السنمه جاد عَلَى قبرك غيث ... من سماء رزمه ينبت نوراً أرجا ... جرجاره والينمه الحلمة طرف الثدى. والدرمة: اللينة التى لا حجم لها. وأضمه: غضابى يُقَال: أضم عَلَيْهِ أضما، أى غضب عَلَيْهِ، قَالَ الأخطل: أضما وهز لهن رمحى رأسه ... أن قد أتيح لهن موت أحمر وضمد عَلَيْهِ يضمد ضمدا إذا هاج وغضب، قَالَ النابغة: ومن عصاك فعاقبه معاقبةً ... تنهى الظلوم ولا تقعد عَلَى ضمد وحرب حربا إذا هاج وغضب، وحربته أَنَا فهو محرب، قَالَ الهذلى: كأن محربا من أسد ترجٍ ينازلهم لنابيه قبيب واضم وأتضم، قَالَ الشاعر: ومؤتضم عَلَى لأن جدى يبذ جدوده المتقدمينا ويقَالَ: أغد عَلَيْهِ إغدادا، وأصله من غدة البعير فهو مغد، وأسمغد فهو مسمغد إذا انتفخ من الغضب وورم، وضرم عَلَيْهِ ضرماً، وأصله من اضطرام النار، واحتدم عَلَيْهِ إذا تحرق عَلَيْهِ، وأصله من احتدام الحر، واسف عَلَيْهِ يأسف قَالَ اللَّه تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] وعبد عَلَيْهِ يعبد، وحشم عَلَيْهِ يحشم حشما، وهؤلاء حشم فلان للذين يغضب لهم، وأحشمته أَنَا وحشمته. وحكى الأصمعى: إنَّ ذَلِكَ لمما يحشم بنى فلان، أى يغضبهم. وكت يكت وأصله من كتيب القدر، قَالَ رؤبة: وطامح النخوة مستكت ... طأطأ من شيطانه التعتى صكى عرانين العدى وصتي

ومعض يمعض معضا، قَالَ رؤبة: وقد ترى ذا حاجةٍ مؤتضا ... ذا معضٍ لولا يرد المعضا قَالَ أَبُو عمرو: وازمهر ازمهرارا، إذا غضب، وأنشد: أبصرت ثم جامعاً قد هراً ... ونثر الجعبة وازمهرا وكان مثل النار أو أحرا ويقَالَ: قد قرطب إذا غضب فهو مقرطب، وأنشد: إذا رآنى قد أتيت قرطبا ... وجال فِي جحاشه وطرطبا ويقَالَ: اصطخم، قَالَ ذو الرمة: ظلت ثقالا وظل الجوب مصطخما ... كأنه بتناهى الروض محجوم ورزمة: مصوتة. : ومما اخترته وقرأته عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد: قوم إذا اشتجر القنا جعلوا القلوب لها مسالك ... اللابسين قلوبهم فوق الدروع لدفع ذَلِكَ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا الرياشى، عَنِ ابن سلام، عَنْ غرير بْن طلحة بْن عَبْد اللَّه، عَنْ عمه هند بْن عَبْد اللَّه، قَالَ: بينا أَنَا مَعَ أَبِي بسوق المدينة إذ أقبل كثير، فلما رأى أَبِي عدل إلَيْهِ وتحدث معه ساعة، فقَالَ لَهُ أَبِي: هَلْ قلت بعدى شيئاً يا أَبَا صخر؟ قَالَ هند: فأقبل عَلَى وقَالَ: إحفظ هذه الأبيات، وأنشدنى: وكنا سلكنا فِي صعود من الهوى ... فيما توافينا ثبت وزلت وكنا عقدنا الوصل بيننا فلما ... وتواثقنا شددت وحلت فواعجبا للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطئت كيف ذلت

مطلب حديث الغلام الذي سماه أهله حر يقيصا وما وقع له مع الأصمعي، وشرح غريب ذلك

وللعين أسراب إذا ما ذكرتها ... وللقلب وسواس إذا العين ملت وإنى وتهيامى بعزة بعدما ... تخليت مما بينا وتخلت لكالمرتجى ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت فإن سَأَلَ الواشون: فيم هجرتها ... فقل نفس حر سليت فتسلت مطلب حديث الغلام الَّذِي سماه أهله حر يقيصا وما وقع لَهُ مَعَ الأصمعي، وشرح غريب ذَلِكَ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، عَنْ عمه، قَالَ: بينا أَنَا بحمى ضرية، إذ وقف عَلَى غلام من بنى أسد فِي أطمار ما ظننته يجمع بين كلمتين، فقلت: ما اسمك؟ فقَالَ: حريقيص، فقلت: أما كفى أهلك أن يسموك حرقوصاً حتى حقروا اسمك! فقَالَ: إن السقط ليحرق الحرجة، فعجبت من جوابه فقلت: أتنشد شيئاً من أشعار قومك؟ قَالَ: نعم أنشدك لمرارنا، قلت: افعل، فقَالَ: سكنوا شبيثا والأحص وأصبحوا ... نزلت منازلهم بنو ذبيان وإذا يُقَال أتيتم لم يبرحوا ... حتى تقيم الخيل سوق طعان وإذا فلان مات عَنْ أكرومةٍ رقعوا معاوز فقره بفلان قَالَ: فكادت الأرض تسوخ بى لحسن إنشاده وجودة الشعر، فأنشدت الرشيد هذه الأبيات، فقَالَ: وددت يا أصمعىّ أن لو رَأَيْت هذا الغلام فكنت أبلغه أعلى المراتب: السقط: ما يسقط من الزند إذا قدح. وقَالَ أَبُو عبيدة: فِي سقط النار وسقط الولد وسقط الرمل ثلاث لغات: الضم والفتح والكسر، وزناد العرب من خشب، وأكثر ما يكون من المرخ والعفار، ولذلك قَالَ لأعشى: زنادك خير زناد الملوك ... صادف منهن مرخ عفارا وإنما يؤخذ عود قدر شبر فيثقب فِي وسطه ثقب لا ينفذ، ويؤخذ عود آخر قدر ذراع فيحدد طرفه فيجعل ذَلِكَ المحدد فِي ذَلِكَ الثقب، وقد وضعه رَجُل بين رجليه فيديره ويفتله فيورى نارا، فالأعلى زند، والأسفل زندة. والحرجة: الشجر الكثير الملتف، وجمعه حراج وأحراج قَالَ العجاج: عاين حيا كالحراج نعمه ... يكون أقصى شله محرنجمه

مطلب حديث حضري بن عامر مع ابن عمه وشرح غريب شعره

يَقُولُ: عاين هذا الجيش الَّذِي أتانا حيا، ويعنى بالحى: قومه بنى سعد. والنعم: الإبل. وأقصى: أبعد. وشله: طرد. ومحرنجمة: مبركة حيث يجتمع بعضه إِلَى بعض. والمعنى أن الناس إذا فوجئوا بالغارة طردوا إبلهم وقاموا هم يقاتلون، فإن انهزموا كانوا قد نجوا بها، يقول: فهؤلاء من عزهم ومنعتهم لا يطردونها، ولكن يكون طردهم أن ينيخوها فِي مبركها ثم يقاتلوا عنها. والمعاوز: الثياب الخلقان. مطلب حديث حضري بن عامر مع ابن عمه وشرح غريب شعره وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، عَنِ العباس بن هشام، عَنْ أبيه، قَالَ: كان حضرمى بن عامر عاشر عشرةٍ من إخوته فماتوا فورثهم، فقَالَ ابن عمه له يُقَال له: جزء: من مثلك، مات إخوتك فورثتهم فأصبحت ناعماً جذلا! فقَالَ حضرمىّ: يزعم جزء ولم يقل سدداً ... إنى تروحت ناعماً جذلا إن كنت أزننتنى بها كذباً ... جزء فلاقيت مثلها عجلا أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذوداً شصائصاً نبلا كم كان فِي إخوتى إذا احتضن ... الأقوام تحت العجاجة الأسلا من واجدٍ ماجدٍ أخى ثقةٍ ... يعطى جزيلاً ويضرب البطلا إن جئته خائفا أمنت وإن ... قَالَ: سأحبوك نائلاً فعلا فجلس جزء عَلَى شفير بئر، وكان له تسعة إخوةٍ فانخسفت بإخوته ونجا هو، فبلغ ذلك حضرمياً فقَالَ: إنا لله وإنا إليه راجعون، كلمة وافقت قدراً وأبقت حقدًا: الشصائص: التي لا ألبان لها، واحدتها شصوص، قَالَ الأصمعي: يُقَال: أشصت فهى شصوص وهو عَلَى غير القياس، وقَالَ الكسائى: شصت. والنبل: الصغار هاهنا، والنبل: الكبار، وهو من الأضداد. والواجد: الغني الذي يجد

وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، ليزيد بن الحكم، الثقفى: تكاشرنى كرهاً كأنك ناصح ... وعينك تبدى أن صدرك لى دوى لسانك ما ذى وغيبك علقم ... وشرك مبسوط وخيرك منطوى فليت كفافاً كان خيرك كله ... وشرك عنى ما ارتوى الماء مرتوى عدوك يخشى صولتى إن لقيته ... وأنت عدوى ليس ذاك بمستوى نصافح من لاقيت لى ذا عداوة ... صفاحاً وغى بين عينيك منزوى أراك إذا لم أهو أمراً هويته ... ولست لما أهوى من الأمر بالهوى أراك اجتويت الخير منى وأجتوى ... أذاك فكل يجتوى قرب مجتوى وكم موطنٍ لولاى طحت كما هوى ... بأجرامه من قلة النيق منهوى إذا ما ابتنى المجد ابن عمك لم تعن ... وقلت ألا يا ليت بنيانه خوى فإنك إن قيل ابن عمك غانم ... شجٍ أو عميد أو أخو مغلةٍ لوى تملأت من غيظٍ عَلَى فلم يزل ... بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوى وما برحت نفس حسود حسبتها ... تذيبك حتى قيل هل أنت مكتوى وقَالَ النطاسيون إنك مشعر ... سلالاً ألا بل أنت من حسدٍ ذوى جمعت وفحشاً غيبةً ونميمةً ... خصالاً ثلاثا لست عنها بمرعوى أفحشاً وجبنا واختتاء عَنِ الندى ... كأنك أفعى كدية فر محجوى فيدحو بك الداحى إِلَى كل سوءة ... فيا شر من يدحو بأطيش مدحوي بدا منك غش طالما قد كتمته ... كما كتمت داء ابنها أم مدوي : الاختتاء: التقبض. قَالَ: وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: محجوى: منطوى. والمدوى: الذى يأخذ الدواية وهي جلدة رقيقة تركب اللبن، يُقَال: دوى اللبن يدوى فهو مدو، وأقبل الصبيان عَلَى اللبن

يدوونه، أى يأخذون ما عليه من الجلدة. وجاء غلام من العرب إِلَى أمه وعندها أم خطبة فقَالَ: يا أماه، أدوى؟ فقَالَت: اللجام معلق بعمود البيت، توري القوم وترى القوم أنه إنما سألها عَنِ اللجام وأنه صاحب خيل وركوب. والمجتوي: الكاره. والمازي: العسل الأبيض، ومنه قيل: درع ماذية وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه: أذكر مجالس من بنى أسدٍ ... بعدوا فحن إليهم القلب الشرق منزلهم ومنزلنا ... غرب وأنى الشرق والغرب من كل أبيض جل زينته ... مسك أحم وصارم عضب ومدجج يسعى بشكته ... وعقيرة بفنائه تحبو : عقيرة: المعقورة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرياشى، عَنِ ابن سلام، قَالَ: بلغنى أن الأحوص دخل عَلَى يزيد بن عبد الملك، فقَالَ له يزيد: لو لم تمت إلينا بحرمة، ولا توسلت بدالةٍ، ولا جددت لنا مدحاً، غير أنك مقتصر عَلَى بيتيك لاستوجبت عندنا جزيل الصلة، ثم أنشد يزيد: وإنى لأستحييكم أن يقودنى إِلَى ... غيركم من سائر الناس مطمع وأن اجتدى للنفع غيرك منهم ... وأنت إمام للبرية مقنع وقَالَ الرياشى: وإنما قَالَ هذين البيتين فِي عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، قول الشاعر: إنى رأيتك كالورقاء يوحشها قرب الأليف وتغشاه إذا انحرا الورقاء: دويبة تنفر من الذئب وهو حي وتغشاه إذا رأيت به الدم وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيي، وأَبُو العباس محمد بن يزيد، لأبى حية النميرى، يزيد بعضهم عَلَى بعض، وأنشدنا أيضاً أَبُو بَكْرِ بن دريد، واللفظ والترتيب عَلَى ما أنشدناه أَبُو عبد الله:

بدا يوم رحنا عامدين لأرضها ... سنيح فقَالَ القوم مر سنيح فهاب رجال منهم وتقاعسوا ... فقلت لهم جارى إِلَى ربيح عقاب بأعقاب من الدار بعد ما ... جرت نية تسلى المحب طروح وقالوا حمامات لقاؤها وطلح ... فزيرت والمطى طليح وقالوا صحابى هدهد فوق بانةٍ ... هدى وبيان بالنجاح يلوح وقالوا دم دامت مواثيق بيننا ... ودام لنا حلو الصفاء صريح لعيانك يوم البين أسرع وأكفا ... من الفنن الممطور وهو مروح ونسوة شحشاحً غيورٍ يخفنه ... أخى ثقةٍ يلهون وهو مشيح يقلن وما يدرين أني سمعته ... وهن بأبواب الخيام جنوح أهذا الذى غنى بسمراء موهناً ... أتاح له حسن الغناء متيح إذا ما تغنى أن من بعد زفرة ... كما أن من حر السلاح جريح وقائلةٍ يا دهم ويحك إنه ... عَلَى غنةٍ فِي صوته لمليح وقائلةٍ أولينه البخل إنه ... بما شاء من زور الكلام فصيح فلو أن قولاً يكلم الجلد قد ... بدا بجلدي من الوشاة جروح وحَدَّثَنَا الأخفش، قَالَ: حَدَّثَنِي بعض أصحابنا، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد البصرى المعروف بأبى العيناء، قَالَ: أنشدنا ابن أبى فننٍ فِي مجلس على بن الجهم فكتب لى وله: ولما أبت عيناى أن تكتما البكا ... وأن تحبسا سح الدموع السواكب تثاءبت كيلا ينكر الدمع منكر ... ولكن قليلاً ما بقاء التثاؤب أعرضتماني للهوى ونممتما ... عَلَى لبئس الصاحبان لصاحب وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، تعالى، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى يقولون ليلى بالمغيب أمينة ... بلى وهو راع عهدها وأمينها

فإن تك ليلى استودعتنى أمانة ... فلا وأبى أعدائها لا أخونها أأرضى بليلى الكاشحين وأبتغى ... كرامة أعدائى لها وأهينها معاذة وجه الله أن أشمت العدا ... بليلى وإن لم تجزني ما أدينها سأجعل عرضى جنةً دون عرضها ... ودينى، فيبقى عرض ليلى ودينها وأنشدنا أَبُو الحسن جحظة البرمكى، قَالَ: أنشدنا حماد بن إسحاق، قَالَ: أنشدنى أبى لنفسه لاح بالمفرق منك القتير ... وذوى غصن الشباب النضير هزئت أسماء منى وقَالَت ... أنت يا بن الموصلى كبير ورأت شيباً علانى فأنت ... وابن ستين بشيبٍ جدير إن ترى شيباً علانى فإنى ... مع ذاك الشيب حلو مزير قد يفل السيف وهو جراز ... ويصول الليث وهو عقير : المزير: المعظم المكرم، يُقَال: مزرت الرجل إذا عظمته وكرمته، كذا قَالَ عَلَى بن سليمان الأخفش، وقَالَ النضر بن شميل: المزير: الظريف، وقَالَ لى أَبُو بَكْرِ بن دريد: المزارة: الزيادة فِي جسم أو عقل، يُقَال: مزر مزارةً فهو مزير. والجراز: الماضى فِي الضريبة، قَالَ الجعدى: يصمم وهو مأثور جراز ... إذا اجتمعت بقائمه اليدان وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن الأنبارى، للأسود بن يعفر: وكنت إذا قرب ما الزاد مولعا ... بكل كميتٍ جلدةٍ لم توسف مداخلة الأقراب غير ضئيلة ... كميت كأنها مزادة مخلف كميت: يعني تمرة. وجلدة: غليظة اللحاء. لم توسف: لم تقشر. وأقرابها: نواحيها، وإنما هو مثل، والقربان: الخاصرتان. والضئيلة: الدقيقة. والمخلف: المستقى، يريد كأنها من امتلائها مزادة وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: قرأت عَلَى أبى لهدبة بن خشرم: طربت وأنت أحياناً طروب ... وكيف وقد تعلاك المشيب يجد النأى ذكرك فِي فؤادى ... إذا ذهلت عَنِ النأى القلوب

مطلب ما وقع من المفاخرة بين طريف بن العاصي والحارث بن ذبيان عند بعضهم مقاول حمير وشرح غريب ذلك

يؤرقني اكتئاب أبى نميرٍ ... فقلبى من كآبته كئيب فقلت هداك الله مهلاً ... وخير القول ذو اللب المصيب عسى الكرب الذى أمسيت ... فيه يكون وراءه فرج قريب فيأمن خائف ويفك عانٍ ... ويأتى أهله النائى الغريب ألا ليت الرياح مسخرات ... بحاجتنا تباكر أو تؤوب فتخبرنا الشمال إذا أتتنا ... وتخبر أهلنا عنا الجنوب فإنا قد حللنا دار بلوى ... فتخطئنا المنايا أو تصيب فإن يك صدر هذا اليوم ولى ... فإن غداً لناظره قريب وقد علمت سليمى أن عودى ... عَلَى الحدثان ذو أيدٍ صليب وأن خليقتى كرم وأنى ... إذا أبدت نواجذها الحروب أعين عَلَى مكارمها وأغشى ... مكارهها إذا كع الهيوب وقد أبقى الحوادث منك ركنا ... صليبا ما تؤيسه الخطوب عَلَى أن المنية قد توافى ... لوقتٍ والنوائب قد تنوب : قوله: تؤيسه: تؤثر فيه، قَالَ الملتمس: ألم تر أن الجون أصبح راسيا ... تطيف به الأيام ما يتأيس وقَالَ الطريف العنبري: إن قناتى لنبع ما يؤيسها ... عض الثقاف ولا دهن ولا نار مطلب ما وقع من المفاخرة بين طريف بن العاصي والحارث بن ذبيان عند بعضهم مقاول حمير وشرح غريب ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، تعالى، قَالَ: أَخْبَرَنِي عمى، عَنْ أبيه، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، قَالَ: اجتمع طريف بن العاصى الدوسى، وهو جد طفيل ذى النورين بن عمرو بن طريف، والحارث ابن ذبيان بن لجا بن منهب، وهو أحد المعمرين، عند بعض مقاول حمير، فتفاخرا، فقَالَ الملك للحارث: يا حارث، ألا تخبرنى بالسبب الذى أخرجكم عَنْ قومكم حتى لحقتم بالنمر بن عثمان؟ فقَالَ:

أخبرك أيها الملك هجينان منا يرعيان غنما لهما، فتشاولا بسيفهما فأصاب صاحبهم عقب صاحبنا، فعاث فيه السيف فنزف فمات، فسألونا أخذ دية صاحبنا دية الهجين، وهى نصف دية الصريح، فأبى قومى وكان لنا رباء عليهم، فأبينا إلا دية الصريح وأبوا إلا دية الهجين، فكان اسم هجيننا ذهين بن زبراء، واسم صاحبهم عنقش بن مهيرة وهى سوداء أيضاً، فتفاقم الأمر بين الحيين، فقَالَ رجل منا: حلومكم يا قوم لا تعزبنها ... ولا تقطعوا أرحامكم بالتدابر وأدوا إِلَى الأقوام عقل ابن عمهم ... ولا ترهقوهم سبةً فِي العشائر فإن ابن زبراء الذى فاد لم يكن ... بدون خليف أو أسيد بن جابر فإن لم تعاطوا الحق فالسيف بيننا ... وبينكم والسيف أجور جائر فتظافروا علينا حسدا، فأجمع ذوو الحجا منا أن نلحق بأمنع بطن من الأزد، فلحقنا بالنمر بن عثمان، فوالله ما فت فِي أعضادنا، فأبنا عنهم ولقد أثأرنا صاحبنا وهم راغمون. فوثب طريف بن العاصى من مجلسه بإزاء الحارث ثم قَالَ: تالله ما سمعت كاليوم قولا أبعد من صواب، ولا أقرب من خطل، ولا أجلب لقذع من قول هذا، والله أيها الملك! ما قتلوا بهجينهم بذجا، ولا رقوا به درجا، ولا أنطوا به عقلا، ولا اجتفئوا به خشلا، ولقد أخرجهم الخوف عَنْ أصلهم، وأجلاهم عَنْ محلهم، حتى استلانوا خشونة الإزعاج، ولجئوا إِلَى أضيق الولاج، قلا وذلاً. فقَالَ الحارث: أتسمع يا طريف؟ إنى والله ما إخالك كافا غرب لسانك، ولا منهنها شرة نزوانك، حتى أسطو بك سطوةً تكف طماحك، وترد جماحك، وتكبت تترعك، وتقمع تسرعك، فقَالَ طريف: مهلاً يا حارث، لا تعرض لطحمة استنانى، وذرب سنانى، وغرب شبابى، وميسم سبابى، فتكون كالأظل الموطوء، والعجب الموجوء؛ فقَالَ الحارث: إياى تخاطب بمثل هذا القول! فوالله لو وطئتك لأسختك، ولو وهصتك لأوهطتك، ولو نفحتك لأفدتك، فقَالَ طريف متمثلا: وإن كلام المرء فِي غير كنهه ... لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها أما والأصنام المحجوبة، والأنصاب المنصوبة، لئن لم تربع عَلَى ظلعك، وتقف عند قدرك، لأدعن حزنك سهلا، وغمرك ضحلا، وصفاك وحلا، فقَالَ الحارث: أما والله لو رمت ذلك لمرغت

بالحضيض، وأغصصت بالجريض، وضاقت عليك الرحاب، وتقطعت بك الأسباب، ولألفيت لقى تهاداه الروامس، بالسهب الطامس، فقَالَ طريف: دون ما ناجتك به نفسك مقارعة أبطال، وحياض أهوال، وحفزة إعجال، يمنع معه تطامن الإمهال، فقَالَ الملك: إيها عنكما! فما رأيت كاليوم مقَالَ رجلين لم يقصبا، ولم يثلبا، ولم يصلوا، ولم يقفوا: المقاول والأقيال: هم الذين دون الملك الأعظم. تشاولا: تضاربا. وعاث: أفسد، والعيث: الفساد. ونزف الرجل إذا سال حتى يضعف. والهجين: الذي أبوه عربى وأمه ليست بعربية. والمقرف: الذى أمه عربية وأبوه ليس بعربى. والصريح: الخالص. والرباء: الزيادة، يُقَال: أربى فلان عَلَى فلان فِي السباب يربى إرباء إذا زاد عليه، وأربي يربى من الربا وهو مقصور، والرباء ممدود: الربا أيضاً. وتفاقم الأمر: اشتد. والعقل: الدية، يُقَال: علقت فلانا إذا غرمت ديته، وعقلت عَنْ فلان إذا غرمت عنه دية جنايته، والمرأة تعاقل الرجل إِلَى ثلث ديتها، يريد أن موضحتها وموضحته سواء، فإذا بلغ العقل ثلث الدية صارت دية المرأة عَلَى النصف من دية الرجل. وقَالَ الأصمعى: سألت أبا يوسف القاضى بحضرة الرشيد عَنِ الفرق بين عقلته وعقلت عنه فلم يفهم حتى فهمة. ويقَالَ للقوم الذين يغرمون دية الرجل: العاقلة، ويقَالَ: بنو فلان عَلَى معاقلهم الأولى، يريد عَلَى حال الديات التى كانوا عليها فِي الجاهلية. واحدها معقلة، ويقَالَ: صار دم فلان معقلة عَلَى قومه، أي غرماً يؤدونه من أموالهم. وعقل الظل إذا قام قائم الظهيرة. وعقل الرجل يعقل عقلا، فِي العقل. وعقل الظبى يعقل عقولا إذا صعد فِي الجبل فامتنع فيه، والمكان الممتنع فيه يسمى المعقل، وبه سمي الرجل معقلا، ويقَالَ: وعل عاقل إذا عقل فِي الجبل فامتنع فيه. وعقل البعير يعقله عقلا إذا ثنى وظيفة مع ذراعه فشدهما جميعاً فى وسط الذراع ونحوه. وعقل الطعام بطنه يعقله عقلا إذا شدة، ويقَالَ: أعطني عقولا أشربه فيعطيه دواء يمسك بطنه. ، وبالدهناء خبراء يُقَال لها: معقلة، سميت بذلك لأنها تمسك الماء كما يعقل الدواء البطن. ويقَالَ: جاء فلان وقد اعتقل رمحه إذا وضعه بين ركابه وساقه، واعتقل شاته إذا وضع رجلها بين ساقه وفخذه إذا حلبها. ويقَالَ: صارع فلان فلانا فاعتقله الشغزبية، وهو ضرب من الصراع، ولفلان عقلة يعقل بها الناس، وذلك إذا صارعهم عقل أرجلهم. ويقَالَ: عَلَى بنى فلان عقالان، يريد بذلك صدقة عامين، ويقَالَ: جار عليهم العامل فأخذ

منهم النقد ولم يأخذ العقَالَ، أى الفريضة بعينها، ويقَالَ: يكره أن تشترى الفريضة حتى يعقلها الساعى وهو المصدق. والعقَال أيضاً: الحبل الذى يعقل به البعير. والعقَال: هو أن بعض الخيل إذا مشى يظلع ساعةً ثم ينبسط. والعقل: التواء فِي الرجل، يُقَال بعير اعقل وناقة عقلاء. والعقيلة: كريمة الحى وكريمة الإبل. والعقل: ضرب من الوشى، يُقَال: جللوا هوادجهم بالعقل والرقم. ويقَالَ: ما له جول ولا معقول، أي عقل يمسكه. وقَالَ الأصمعى: أرهقت الرجل: أدركته، وقَالَ أَبُو زيد: أرهقته عسراً، أى كلفته ذلك، وأرهقته إثماً حتى رهقه. وقَالَ الأصمعى: رهقته، أى غشيته، وفى فلان رهق، أى غشيان للمحارم، والمرهق الذى يغشاه السؤال والأضياف. ويقَالَ: فاد يفود إذا مات، قَالَ لبيد: رعى خرزات الملك عشرين حجةً ... وعشرين حتى فاد والشيب شامل وفاد يفيد إذا تبختر، وكذلك راس يريس وماس يميس وماح يميح. وفت: أوهن وأضعف. وأثارنا: افتعلنا من الثأر. والخطل: الخطأ. والقذع: الكلام القبيح، يُقَال: أقذع له إذا أسمعه كلاما قبيحاً. والبذج: الخروف، وهو فارسى معرب، وكذلك البرق فارسى معرب، وهو الحمل. وأنطوا لغة فِي أعطوا، وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد فِي شعر الأعشى: جيادك فِي الصيف فِي نعمةٍ ... تصان الجلال وتنطي الشعيرا واجتفئوا: صرعوا، قَالَ أَبُو زيد: جفأه: الصرعه وخفأه أيضا. والخشل والخشل محرك ومسكن، واحدتها خشلة وخشلة: شجر المقل. وهذه أمثال كلها، يريد أنهم لم ينالوا ثأره. والقل: القلة. والذل: الذلة. والنزوان: الوثوب. والتترع: التسرع إِلَى الشر، يُقَال: ترع ترعاً فهو ترع إذا كان سريعا إِلَى الشر، ويقَالَ: ترع ترعا إذا اقتحم الأمور مرحا ونشاطا، قَالَ الشاعر: الباغِيَ الْحَرْب يَسْعى نَحْوَها تَرِعًا ... حَتَّى إِذَا ذاقَ منها جاحماً بَرَدا أي ثبت فلم يتقدم، كذا فسره بعضهم وهو صحيح، أي خمدت حدته فسكن، وهذا مثل. وطحمة السيل وطحمته بالضم والفتح: دفعته. والذرب: الحدة. والأظل: أسفل خف البعير. والعجب: أصل الذنب ووهصتك: كسرتك، يُقَال: وهصه ووطسه، ووقصه إذا كسره.

وأوهطتك: صرعتك، قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: ضربة، ففخرته وجحدله وأوهطه إذا صرعه، قَالَ الأموى: هو أن يصرعه صرعة لا يقوم منها، وقَالَ غيره: أوهطه: أهلكه، وأنشد: أوهطته لما ملا إيهاطا ... بكل ماض يبتك النياطا وتربع: تكف وترفق، يُقَال ربع يربع ربعا، إذا كف ورفق. والظلع: الغمز. والضحل: الماء القليل وكذلك الضحضاح، والفراش أقل منه. والضهل: القليل من الماء، ومنه يُقَال: ما ضهل إليه منه شىء. والشول: القليل من الماء يكون فِي أسفل القربة والسقاء، قَالَ الأعشى: حتى إذا لمع الربىء بثوبه ... سقيت وصب سقاتها أشوالها والنزفة: القليل من الماء والشراب أيضاً وجمعها نزف، قَالَ ذو الرّمة: يقطع موضوع الحديث ابتسامها ... تقطع ماء المزن فِي نزف الخمر والذفاف: البلل، قَالَ أَبُو ذؤيب: يقولون لما جشت البئر أوردوا ... وليس بها أدنى ذفافٍ لوارد والصفا جمع صفاة: الصخرة، وهى أيضاً الصفواء والصفوان. والحضيض: القرار إذا اتصل بالجبل، وفى الحديث: إن العدو بعرعرة الجبل ونحن بحضيضه فالعرعرة: أعلاه، والحضيض: أسفله. ولقى: ملقىً. والروامس: الرياح التى ترمس، أى تدفن. والسهب: المستوى من الأرض. والطامس والطاسم جميعا: الدارس، يُقَال: طمس وطسم. والحفز: الدفع، يُقَال: حفزة يحفزه حفزا، ومنه سمى الحارث بن شريك الحوفزان، وذلك أن قيس بن عاصم حفزه بالرمح حين خاف أن يفوته، وقد فخر بذلك سوار بن حيان المنقرى فقَالَ: ونحن حفزنا الحوفزان بطعنةٍ سقته نجيعاً من دم الجوف أشكلا وقَالَ أَبُو زيد: إيها: نهى، وإيه: أمر. وقَالَ غيره: ويها: إغراء، وأنشد للكميت: وجاءت حوادث فِي مثلها ... يُقَال لمثلى ويها فل

وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى: واها: تعجب، قَالَ الراجز: واهاً لريا ثم واهاً واها ... يا ليت عيناها لنا وفاها بثمن نرضى به أباها لم يقصبا: لم يشتما، يُقَال: قصبه يقصبه إذا وقع فيه، وأصل القصب القطع، ومنه قيل للجزار: قصاب. ولم يلصوا، قَالَ أَبُو على: كذا رواه لم يلصوا، قَالَ الأصمعى: لصاه يلصيه لصياً إذا قذفه، وأنشد الأصمعى للعجاج: عف فلا لاصٍ ولا ملصى ويقَالَ: قفاه يقفوه إذا قذفه بأمر عظيم، كذلك قَالَ يعقوب بن السكيت، ويمكن أن يكون يلصوا لغة وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، لرجل من بنى كلاب: سقى الله دهراً قد تولت غياطله ... وفارقنا إلا الحشاشة باطله ليالي خذني كل أبيض ماجد ... يطيع هوى الصابى وتعصى عواذله وفى دهرنا والعيش إذ ذاك غرة ... ألا ليت ذاك الدهر تثنى أوائله بما قد غنينا والصبا جل همنا ... يمايلنا ريعانه ونمايله وجر لنا أذياله الدهر حقبةً ... يطاولنا فِي غيه ونطاوله فسقيا له من صاحب خذلت بنا ... مطيتنا عنه وولت رواحله أصد عَنِ البيت الذى فيه قاتلى ... وأهجره حتى كأني قاتله : الغياطل جمع غيطلة وهى الظلمة، والغيطلة: اختلاط الأصوات، والغيطلة: والشجر الملتف، والغيطلة: البقرة، قَالَ زهير: كما استغاث بسيئ، فز غيطلةٍ ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك

مطلب الأبيات التي كان يقال إن من لم يروها فلا مروءة له وشرح غريبها

مطلب الأبيات التي كان يُقَال إن من لم يروها فلا مروءة له وشرح غريبها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن خلف، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن أبى السرى، قَالَ: حَدَّثَنَا الهيثم بن عدى، قَالَ: كنا نقول بالكوفة: إنه من لم يرو هذه الأبيات فلا مروءة له، وهى لأيمن بن خريم بن فاتك الأسدى قَالَ: وأنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوى عَنِ ابن الأعرابى، والألفاظ فِي الروايتين مختلطة: وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعةً قدر ولم يحضر القس المهينم نارها ... طروقا ولم يشهد عَلَى طبخها حبر أتانى بها يحيى وقد نمت نومة ... وقد غابت الشعرى وقد جنح النسر فقلت اغتبقها أو لغيري فاسقها ... أنا ويبك والخمر تعففت عنها فِي العصور التي خلت ... فكيف التصابى بعد ما كلأ العمر إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتى حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذى ارتأى ... وإن جر أسباب الحياة له الدهر : كلأ: انتهى إِلَى آخره وأقصاه، ويقَالَ: بلغ الله بك أكلأ العمر، أى آخره. وارتأى: افتعل من الرأى وأنشدنا أَبُو عمرو بن بعد الشيب قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس، قَالَ: أنشدنا عبد الله بن شبيب لابن الدمينة: ألا حب بالبيت الذى أنت هاجره ... وأنت بتلماحٍ من الطرف زائره فإنك من بيتٍ لعينى معجبٍ ... وأحسن فِي عينى من البيت عامره أصد حياءً أن يلج بى الهوى ... وفيك المنى لولا عدو أحاذره وكم لائمٍ لولا نفاسة حبها ... عليك لما باليت أنك خابره أحبك يا ليلى عَلَى غير ريبة ... ما خير حب لا تعف سرائره وقد مات قبلي أول الحب فانقضى ... فإن مت أضحى الحب قد مات آخره

فلما تناهى الحب فِي القلب واردا ... أقام وأعيت بعد ذاك مصادره وقد كان قلبى فِي حجابٍ يكنه وحبك ... من دون الحجاب يساتره فماذا الذى يشفى من الحب بعدما ... تشربه بطن الفؤاد وظاهره وأنشدنا الأخفش، قَالَ: أنشدنا أَبُو الطريف شاعر كان مع المعتمد لنفسه أتهجرون فتىً أغرى بكم تيها ... حقاً لدعوة صب أن تجيبوها أهدى إليكم عَلَى نأىٍ تحيته ... حيوا بأحسن منها أو فردوها شيعتهم فاسترابونى فقلت لهم ... إنى بعثت مع الأجمال أحدوها قالوا فما نفس يعلوك ذا صعدٍ ... وما لعينك لا ترقى مآقيها قلت التنفس من تداب سيركم ... والعين تذرف دمعا من قذى فيها حتى إذا ارتحلوا والليل معتكر ... خفضت من جنحه صوتى أناديها يا من بها أنا هيمان ومختبل ... هل لى إِلَى الوصل من عقبى أرجيها وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قصيدة له أولها: قلب تقطع فاستحال نجيعا ... فجرى فصار مع الدموع دموعا ردت إِلَى أحشائه زفراته ... ففضضن منه جوانحا وضلوعا عجبا لنار ضرمت فِي صدره ... فاستنبطت من جفنه ينبوعا لهب يكون إذا تلبس بالحشا ... قيظاً ويظهر فِي الجفون ربيعا وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: أما والذي لا خلد إلا لوجهه ... ولم يك فِي العز المنيع له كفو لئن كان طعم الصبر مرافعته ... لقد يجتنى من غبه الثمر الحلو وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد قول الشاعر: نسى الأمانة من مخافة لقحٍ ... شمس تركن بضيعه مجزولا أي نسي الأمانة من مخافة هذه اللقح، يعنى السياط، شبهها إذا ارتفعت بأيدى الرجال بأذناب الإبل إذا لقحت فرفعت أذنابها. وشمس: فيها شماس لا تستقر. وبضيعه: لحمه. ومجزول: مقطوع.

مطلب حديث النسوة اللاتي أشرن على بنت الملك بالتزوج ووصفن لها محاسن الزوج وشرح غريب ذلك

مطلب حديث النسوة اللاتي أشرن عَلَى بنت الملك بالتزوج ووصفن لها محاسن الزوج وشرح غريب ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، قَالَ: كان قيل من أقيال حمير منع الولد دهراً، ثم ولدت له بنت فبنى لها قصرا منيفا بعيدا من الناس، ووكل بها نساء من بنات الأقيال يخدمنها، ويؤدبنها حتى بلغت مبلغ النساء، فنشأت أحسن منشأ وأتمه فِي عقلها وكمالها، فلما مات أبوها ملكها أهل مخلافها، فاصطنعت النسوة اللواتى ربينها وأحسنت إليهن، وكانت تشاورهن ولا تقطع أمرا دونهن، فقلن لها يوماً: يا بنت الكرام، لو تزوجت لتم لك الملك، فقَالَت: وما الزوج؟ فقَالَت إحداهن: الزوج عز من الشدائد، وفى الخطوب مساعد، إن غضبت عطف، وإن مرضت لطف، قَالَت: نعم الشىء هذا! فقَالَت الثانية: الزوج شعارى حين أصرد، ومتكئي حين أرقد، وأنسى حين أفرد، فقَالَت: إن هذا لمن كمال طيب العيش. فقَالَت الثالثة: الزوج لما عنانى كاف، ولما شفنى شاف، يكيفني فقد الآلاف، ريقه كالشهد، وعناقه كالخلد، لا يمل قرانه، ولا يخاف حرانه، فقَالَت: أمهلننى أنظر فيما قلتن، فاحتجبت عنهن سبعا ثم دعتهن فقَالَت: قد نظرت فيما قلتن فوجدتنى أملكه رقى، وأبثه باطلي وحقي، فإن كان محمود الخلائق، مأمون البوائق، فقد أدركت بغيتى، وإن كان غير ذلك فقد طالت شقوتى، عَلَى أنه لا ينبغى إلا أن يكون كفئاً كريما يسود عشيرته، ويرب فصيلته، لا أتقنع به عارا فِي حياتى، ولا أرفع به شناراً لقومى بعد وفاتي فعليكنه فابغينه وترفقن فِي الأحياء، فأيتكن أتتنى بما أحب فلها أجزل الحباء، وعلي لها الوفاء، فخرجن فيما وجَّهتُهن له، وكن بنات مقاول ذوات عقل ورأى، فجاءتها إحداهن وهى عمرطة بنت زرعة بن ذى خنفر فقَالَت: قد أصبت البغية، فقَالَت: صفية ولا تسميه. فقَالَت: غيث فِي المحل، ثمال فِي الأزل، مفيد مبيد، يصلح النائر، وينعش العاثر، ويغمر الندى، ويقتاد الأبى، عرضه وافر، وحسبه باهر، غض الشباب، طاهر الأثواب. قَالَت: ومن هو؟ قَالَت: سبرة بن عوال بن شداد بن الهمال. ثم خلت بالثانية، فقَالَت: أصبت من بغيتك شيئا؟ قَالَت: نعم، قَالَت: صفيه ولا تسميه. قَالَت: مصامص النسب، كريم الحسب، كامل الأدب، غزيز العطايا، مألوف السجايا، مقتبل الشباب، خصيب الجناب، أمره ماض، وعشيره راض قَالَت: ومن هو؟ قَالَت: يعلى بن هزال بن ذى جدنٍ. ثم خلت بالثالثة، فقَالَت: ما عندك؟

قَالَت: وجدته كثير الفوائد، عظيم المرافد، يعطى قبل السؤال، وينيل قبل أن يستنال، فِي العشيرة معظم، وفي الندي مكرم، جم الفواضل، كثير النوافل، بذال أموال محقق آمال، كريم أعمام وأخوال، قَالَت: ومن هو؟ رواحة بن خمير بن مضحى بن ذي هلاهلة، فاختارت يعلى بن هزال فتزوجته، فاحتجبت عَنْ نسائها شهرا ثم برزت لهن، فأجزلت لهن الحباء، وأعظمت لهن العطاء إسماعيل: المخلاف: الكورة. وأرصد: أبرد. ويرب: يجمع ويصلح. وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ لرجل يصف إبلا: تربعت فِي حرضٍ وحمض ... جاءت تهض الأرض أي هض يدفع عنها بعضها عَنْ بعض ... مثل العذارى شمن عين المغضى تربعت: أقامت فِي الربيع. والحرض: الأشنان. والحمض: ما ملح من النبات. وتهض: تدق. وقوله: يدفع عنها بعضها عَنْ بعض، أي هي مستوية حسان كلها ليس فيها واحدة تبينها فتسبق إليها العين، ولكن إذا قيل: هذه أحسن، قيل: لا هذه، فيدفع بعضها عَنْ بعض العين أن تعينها. وشمن: فتحن عين المغضي فينظر اليهن وهن مثل العذارى فِي الحسن وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، لسلمى بن ربيعة: حلت تماضر غربةً فاحتلت ... فلجاً وأهلك باللوى فالحلة فكان فِي العينين حب قرنفل ... أو سنبلاً كحلت به فانهلت زعمت تماضر إننى إما أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلتى تربت يداك وهل رأيت لقومه ... مثلى عَلَى يسرى وحين تعلتى رجلاً إذا ما النائبات غشينه ... أكفى لمضلعةٍ وإن هى جلت ومناخ نازلة كفيت وفارس ... نهلت قناتى من مطاه وعلت وإذا العذارى بالدخان تقنعت ... واستعجلت هزم القدور فملت دارت بأرزاق العفاة مغالق ... بيدى من قمع العشار الجلة

ولقد رأيت ثأى العشيرة بينها ... وكفيت جانبها اللتيا والتى وصفحت عَنْ ذي جهلها ورفدتها ... ونصحي ولم تصب العشيرة زلتى وكفيت مولاي الأجم جريرتي ... وحبست سأمتي عَلَى ذي الخلة قَالَ: وروى عَنْ أبي يزيد: مولاي الأحم بالحاء. : لمضلعة: أمر شديد تضلع صاحبها، أى تميله للوقوع. والهزم: الصوت، يريد صوت الغليان. والمغالق: يريد بها القداح التى يغلق بها الرهن. والقمع: الأسنمة، واحدتها قمعة. والعشار جمع عُشراء، وهى التي أتت عليها عشرة أشهر من حملها، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع وبعد ما تضع أياما. والثأى: الفساد، وأصل ذلك الثأي فِي الخرز، وهو أن تنخرم الخرزتان فتصيرا واحدة، يُقَال: أثأيت الخرز إذا خزمته. ورأبت: أصلحت. والأجم: الذى لا رمح معه، وأما الأحم بالحاء: فالأقرب، والحميم: القريب. والأعزل: الذى لا سلاح معه. والأكشف: الذى لا ترس معه والأميل: الذى لا سيف معه، والأميل أيضاً: الذى لا يثبت عَلَى الخيل، قَالَ الأعشى: غير ميل ولا عواوير فِي ... الهيجا ولا عزل ولا أكفال : الميل جمع أميل. والعواوير جمع عوار، وهو الجبان. والعزل جمع أعزل. والأكفال جمع كفل، وهو أيضاً الذى لا يثبت عَلَى الخيل مثل الأميل، غير أن الأميل الذى يميل إِلَى جانب، والكفل الذي يزول عَلَى متن فرس إِلَى كفله. والخلة بالفتح: الحاجة، والخلة بالضم: الصداقة وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: أنشدني رجل من بني فزارة: لا يبعد الله قوما إن سألتهم ... أعطوا وإن قلت يا قوم انصروا نصروا وإن أصابتهم نعماء سابغة ... لم يبطروها وإن فاتتهم صبروا الكاسرون عظاما لا جبور لها ... والجابرون فأعلى الناس من جبروا

فقلت: من يقول هذا؟ فقَالَ الذى يقول: اذا نشرت نفسى تذكرت ما مضي ... وقومي إذ نحن الذرى والكواهل واذ لي منهم جنة أتقى بها ... وجرثومة فيها حفاظ ونائل وإذ لا ترون العين عنا لبغية ... ولا يتخطانا المروع الموائل ولا يجد الأضياف عنا محولا ... اذا هب أرواح الشتاء الشمائل إذ قيل أين المشتفى بدمائهم ... واين الروابى والفروع المعاقل اشير الينا أو رأى الناس أننا ... لهم جنة ان قَالَ بالحق قائل فأصبحت مثل النسر تحت جناحه ... قوادم صارتها اليه الحبائل فلو ان قومي أكرمونى وأتأقوا ... سجالا به أسقي الذين أساجل كففت الأذي ما عشت عَنْ حلمائهم ... وناضلت عَنْ أعراضهم من يناضل ولكن قومي عزهم سفهاؤهم ... على الرأى حتى ليس للرأي حامل تظوهر قام بالعدوان واختبل بالغني ... وشورك فِي الرأي الرجال الأماثل ثم قام مغضبا متصاعرا كأن المحاجم عَلَى أخدعيه وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم ولم يسنده: تود عدوي ثم تزعم أننى ... صديقك ان الرأى عنك لعازب وليس أخى من ودنى رأى عينه ... ولكن أخي من ودنى وهو غاضب وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى ثعلب: أحب بلاد الله ما بين منعج ... الى وسلمى أن يصوب سحابها بلاد بها الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها

مطلب ما قاله الشعراء في وصف الحديث مدحا وذما

مطلب ما قاله الشعراء فِي وصف الحديث مدحًا وذما وأنشدنا أيضاً، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى: منعمة يحار الطرف فيها ... كأن حديثها سكر الشباب من المتصديات لغير سوء ... تسيل أذا مشت سيل الحباب وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، فِي خبر طويل: وكنت اذا ما زرت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها من الخفرات البيض ود جليسها ... متي انقضت أحدوثة لو تعيدها وأنشدنا بعض أصحابنا فِي حسن الحديث: فبتنا عَلَى رغم الحسود وبيننا ... حديث كمثل المسك شيبت به الخمر حديث لو أن الميت نوجي ببعضه ... لأصبح حيا بعد ما ضمه القبر وقرأت فِي نوادر إبن الأعرابى، عَنْ أبى عمر المطرز، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوى، عَنِ ابن الأعرابي، لأعرابي: وحديثها كالقطر يسمعه ... راعى سنين تتابعت جدبا فأصاخ يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح هيا ربا وأحسن فِي هذا المعنى عَلَى بن العباس الرومى، أنشدناه الناجم، قَالَ: أنشدنا عَلَى بن العباس لنفسه: وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن هى أوجزت ... ود المحدث أنها لم توجز شرك العقول ونهزة ما مثلها ... للمطمئن وعقلة المستوفز وأنشدنا بعض أصحابنا لبشار: وكأن رصف حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا وتخال ما جمعت عليه ... ثيابها ذهبا وعطرا وكأنها برد الشراب ... صفا ووافق منك فطرا

قرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، من خط إسحاق بن إبراهيم، لأعرابي: أمر مجنبا عَنْ بيت ليلى ... ولم ألمم به وبي الغليل أمر مجننا وهواى فيه ... فطرفى عنه منكسر كليل وقلبى فيه مقتتل فهل لى ... إلى قلبى وساكنه سبيل أؤمل أن أعل بشرب ليلى ... ولم أنهل فكيف لى العليل وأنشدنا الأخفش لأبى عَلَى البصير: غناؤك عندى يميت الطرب ... وضربك بالعود يحيى الكرب ولم أر قبلك من قينةٍ ... تغنى فأحسبها تنتحب ولا شاهد الناس إنسيةً ... سواك لها بدن من خشب ووجه رقيب عَلَى نفسه ... ينفر عنه عيون الريب فكيف تصدين عَنْ عاشق ... يودك لو كان كلباً كلب ولو مازج النار فِي حرها ... حديثك أخمد منها اللهب وأنشدنا ابن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو الحسن بن البراء: فديتك، ليلى مذ مرضت طويل ... ودمعى لما لاقيت فيك همول أأشرب كأسا أم أسر بلذة ... ويعجبنى ظبى أغن كحيل وتضحك سنى أو تجف مدامعى ... وأصبوا إِلَى لهوٍ وأنت عليل ثكلت إذا نفسى وقامت قيامتى ... وغالت حياتى عند ذلك غول قَالَ أبو على: ومن أحسن ما سمعت فِي القسم قول الأشتر النخعى، رحمه الله: بقيت وفرى وانحرفت عَنِ العلا ... ولقيت أضيافى بوجه عبوس إن لم أشن عَلَى ابن هند غارةً ... لم تخل يوماً من نهاب نفوس خيلاً كأمثال السعالى شرباً ... تعدو ببيضٍ فِي الكريهة شوس حمى الحديد عليهم فكأنه ... لمعان برق أو شعاع شموس

مطلب حديث ليلي الأخيلية مع الحجاج وشرح الغريب من ذلك

وأنشدني بعض أصحابنا: ولكن عبد الله لما حوى الغنى ... وصار له من بين إخوانه مال رأى خلةً منهم تسد بماله ... فساهمهم حتى استوت فيهم الحال مطلب حديث ليلي الأخيلية مع الحجاج وشرح الغريب من ذلك وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن عبيد، عَنْ أبى الحسن المدائني، عمن حدثه، عَنْ مولى لعنبسة بن سعيد بن العاصى، قَالَ: كنت أدخل مع عنبسة بن سعيد بن العاصى إذا دخل عَلَى الحجاج، فدخل يوما، فدخلت إليهما، وليس عند الحجاج أحد إلا عنبسة، فأقعدني فجي الحجاج بطبق فيه رطب، فأخذ الخادم منه شيئا فجاءنى به، ثم جىء بطبق آخر حتى كثرت الأطباق. وجعل لا يأتون بشيء إلا جاءنى منه بشىء، حتى ظننت أن ما بين يدي أكثر مما عندهما، ثم جاء الحاجب فقَالَ: امرأة بالباب؟ فقَالَ له الحجاج: أدخلها، فدخلت، فلما رآها الحجاج طأطأ رأسه حتى ظننت أن ذقنه قد أصاب الأرض، فجاءت حتى قعدت بين يديه، فنظرت فإذا امرأة قد أسنت حسنة الخلق ومعها جاريتان لها، وإذا هى ليلى الأخيلية، فسألها الحجاج عَنْ نسبها فانتسبت لها، فقَالَ له: يا ليلى: ما أتى بك؟ فقَالَت: إخلاف النجوم، وقلة الغيوم، وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرفد. فقَالَ لها: صفى لنا الفجاج، فقَالَت: الفجاج مغبرة، والأرض مقشعرة، والمبرك معتل، وذو العيال مختل، والهالك للقل، والناس مسنتون، رحمة الله يرجون، وأصابتنا سنون مجحفة مبلطة، لم تدع لنا هبعاً، ولا ربعا، ولا عافطة ولا نافطة، أذهبت الأموال، ومزقت الرجال، وأهلكت العيال، ثم قَالَت: إنى قلت فِي الأمير قولا، قَالَ: هاتى، فأنشأت تقول: أحجاج لا يفلل سلاحك إنها المنايا بكف الله حيث تراها أحجاج لا تعطى العصاة مناهم ... ولا الله يعطي للعصاة مناها إذا هبط الحجاج أرضاً مريضةً ... تتبع أقصى دائها فشفاها شفاها من الداء العضال الذى بها ... غلام إذا هز القناة سقاها سقاها فرواها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث مال حشاها

إذا سمع الحجاج رز كتيبةٍ ... أعد لها قبل النزول قراها أعد لها مسمومةً فارسية ... بأيدي رجال يحلبون صراها فما ولد الأبكار والعون مثله ... ببحر ولا أرضٍ يجف ثراها قَالَ: فلما قَالَت هذا البيت قَالَ الحجاج: قاتلها الله! والله ما أصاب صفتى شاعر مذ دخلت العراق غيرها، ثم ألتفت إِلَى عنبسة بن سعيد فقَالَ: والله إنى لأعد للأمر عسى ألا يكون أبداً، ثم التفت إليها فقَالَ: حسبك، قَالَت: إنى قد قلت أكثر من هذا، قَالَ: حسبك! ويحك حسبك! ثم قَالَ: يا غلام، اذهب إِلَى فلان فقل له: اقطع لسانها، فذهب بها فقَالَ له: يقول لك الأمير: اقطع لسانها، قَالَ: فأمر بإحضار الحجام، فالتفتت إليه فقَالَت: ثكلتك أمك! أما سمعت ما قَالَ، إنما أمرك أن تقطع لسانى بالصلة، فبعث إليه يستثبته، فاستشاط الحجاج غضبا وهم بقطع لسانه وقَالَ: ارددها، فلما دخلت عليه قَالَت: كاد وأمانة الله يقطع مقولى، ثم أنشأت تقول: حجاج أنت الذي ما فوقه أحد ... إلا الخليفة والمستغفر الصمد حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت ... وأنت للناس نور فِي الدجى يقد ثم أقبل الحجاج عَلَى جلسائه فقَالَ: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله أيها الأمير، إلا أنا لم نر قط أفصح لسانا، ولا أحسن محاورة، ولا أملح وجها، ولا أرصن شعراً منها! فقَالَ: هذه ليلى الأخيلية، التى مات توبة الخفاجى من حبها! ثم التفت إليها فقَالَ: أنشدينا يا ليلى بعض ما قَالَ فيك توبة، قَالَت: نعم أيها الأمير، هو الذى يقول: وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها ... وقام عَلَى قبرى النساء النوائح كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دمع من العين سافح وأغبط من ليلى بما لا أناله ... بلى كل ما قرّت به العين طائح ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... على ودونى جندل وصفائح لسلّمت تسليم البشاشة أو زقاً ... إليها صدّى من جانب القبر صائح

فقَالَ زيدينا من شعره يا ليلى، قَالَت: هو الذى يقول: حمامة بطن الواديين ترنمى ... سقاك من الغر الغوادى مطيرها أبينى لنا لا زال ريشك ناعماً ... ولا زلت فِي خضراء غض نضيرها وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت ... فقد رابنى منها الغداة سفورها وقد رابنى منها صدود رأيته ... وإعراضها عَنْ حاجتى وبسورها وأشرف بالقور اليفاع لعلنى ... أرى نار ليلى أو يرانى بصيرها يقول رجال لا يصيرك نأيها ... بلى كل ما شف النفوس يضيرها بلى قد يضير العين أن تكثر ... البكا ويمنع منها نومها وسرورها وقد زعمت ليلى بأنى فاجر ... لنفسى تقاها أو عليها فجورها فقَالَ الحجاج: يا ليلى، ما الذى رابه من سفورك؟ فقَالَت: أيها الأمير، كان يلم بى كثيراً، فأرسل إِلَى يوما أن آتيك، وفطن الحى فأرصدوا له، فلما أتانى سفرت عَنْ وجهى، فعلم أن ذلك لشر فلم يزد عَلَى التسليم والرجوع، فقَالَ: لله درك! فهل رايت منه شيئاً تكرهينه؟ فقَالَت: لا والله الذى أسأله أن يصلحك، غير أنه قَالَ مرة قولا طننت أنه قد خضع لبعض الأمر، فأنشأت تقول: وذى حاجةٍ قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل لنا صاحب لا ينبغى أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وحليل فلا والله الذى أسأله أن يصلحك، ما رأيت منه شيئا حتى فرق الموت بيني وبينه، فقَالَ: ثم مه! قَالَت: ثم لم يلبث أن خرج فِي غزاة له فأوصى ابن عم له: إذا أتيت الحاضر من بنى عبادة فناد بأعلى صوتك: عفا الله عنها هل أبيتن ليلةً ... من الدهر لا يسرى إِلَى خيالها وأنا أقول: وعنه عفا ربى وأحسن حاله ... فعزت علينا حاجة لا ينالها قَالَ: ثم مه! قَالَت: ثم لم يلبث أن مات فأتانا نعيه، فقَالَ: أنشدينا بعض مراثيك فيه، فأنشدت:

لتبك عليه من خفاجة نسوة ... بماء شئون العبرة المتحدر قَالَ لها: فأنشدينا، فأنشدته: كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ ... قلائص يفحصن الحصى بالكراكر فلما فرغت من القصيدة قَالَ محصن الفقعسي، وكان من جلساء الحجاج: من الذى تقول هذه هذا فيه؟ فوالله إنى لأظنها كاذبة، فنظرت إليه ثم قَالَت: أيها الأمير، إن هذا القائل لو رأى توبة لسره ألا تكون فِي داره عذراء إلا هى حامل منه، فقَالَ الحجاج: هذا وأبيك الجواب وقد كنت عنه غنياً، ثم قَالَ لها: سلى يا ليلى تعطى، قَالَت: أعط فمثلك أعطى فأحسن، قَالَ: لك عشرون، قَالَت زد فمثلك زاد فأجمل، قَالَ: لك أربعون، قَالَت: زد فمثلك زاد فأكمل، قَالَ: لك ثمانون، قَالَت زد فمثلك زاد فتمم، قَالَ: لك مائة، واعلمى أنها غنم، فقَالَت: معاذ الله أيها الأمير! أنت أجود جودا، وأمجد مجدا، وأورى زندا، من أن تجعلها غنما، قَالَ: فما هى ويحك يا ليلى؟ قَالَت مائة من الإبل برعاتها، فأمر لها بها، ثم قَالَ: ألك حاجة بعدها؟ قَالَت: تدفع إليَّ النابغة الجعدى، قَالَ: قد فعلت، وقد كانت تهجوه ويهجوها، فبلغ النابغة ذلك، فخرج هاربا عائذا بعبد الملك، فاتبعته إِلَى الشام، فهرب إِلَى قتيبة بن مسلم بخرسان، فاتبعته عَلَى البريد بكتاب الحجاج إِلَى قتيبة، فماتت بقومس ويقَال: بحلوان: قولها: إخلاف النجوم، تريد: أخلفت النجوم التى يكون بها المطر فلم تأت بمطر. وكَلَبُ البرد: شدته، وهذا مثل لأن الكَلَب السعار الذى يصيب الكلاب والذئاب. والرفد:

مطلب ما يقال في وصف الرجل لا يملك شيئا وشرح الغريب من ذلك

المعونة، والرفد: العطية، ويقَال: رفدته: من الرفد، وأرفدته إذا أعنته عَلَى ذلك، وقَالَ الأصمعى: الرفد، بكسر الراء: القدح. والرفد بالفتح: مصدر رفدته، والرفود من الإبل التى تملأ الرفد، وقَالَ أَبُو عبيدة: الرفد، بفتح الراء: القدح، وأنشد قول الأعشى: رب رفد هرقته ذلك اليوم ... وأسرى من معشرٍ أقتال قَالَ: والرفد، بالكسر: المعونة، وروى الأصمعى: رب رفد بكسر الراء. والفجاج جمع فج، والفج: كل سعةٍ بين نشازين، كذا قَالَ أَبُو زيد: وقولها: والمبرك معتل، أرادت الإبل فأقامت المبرك مكانها لعلم المخاطب إيجازاً واختصارا، كما قالوا: نهاره صائم وليله قائم. وقولها: وذو العيال مختل، أي مجتاح والخة الحاجة. وقولها: والهالك للقل، أى من أجل القلة، وقولها: مسنتون أي مقحطون، والسنة: القحط، والسنون: القحوط. ومجحفة: قاشرة. وقولها: مبلطة، أى ملزقة بالبلاط، والبلاط: الأرض الملساء، وقَالَ الأصمعى: أبلط الرجل فهو مبلط إذا لزق بالأرض، وحكى يعقوب عَنْ غيره: أبلط فهو مبلط، وهو الهالك الذي لا يجد شيئا، قولها: لم تدع لنا هبعاً ولا ربعاً فالهبع: ما نتج فِي الصيف والربع: ما نتج فِي الربيع. وقولها: ولا عافطة ولا نافطة، أى لم تدع لنا ضائنة ولا ماعزة، والعافطة: الضائنة، والعفط: الضرط، يُقَال: عفطت تعفط عفطا إذا ضرطت، فهى عافطة. والنافطة: الماعزة، والنفط: العطاس، يُقَال: نفطت تنفط إذا عطست، فهى نافطة. مطلب ما يُقَال فِي وصف الرجل لا يملك شيئا وشرح الغريب من ذلك ومما يُقَال فِي هذا المعنى: ما له سبد ولا لبد، أى ما له ذو سبد وهو الشعر، ولا ذو لبدٍ وهو الصوف، فمعناه: ما له شاة ولا عَنْز. وما له سارحة ولا رائحة، أى ما له ماشية تسرح أو تروح. وما له ثاغية ولا راغية، فالثاغية: الشاة، والراغية: الناقة، لأنه يُقَال لأصوات الشاء: الثغاء، وقد ثغت تثغو، ولأصوات الإبل: الرغاء، وقد رغت ترغو، والعرب تقول: ما أثغانى ولا أرغانى، أى ما أعطانى ثاغية ولا راغية، وما أجلنى ولا أحشانى، أى ما أعطانى من جلة إبله ولا من حواشيها، والحواشى، واحدتها حاشية، وهى صغار الإبل. وما له دقيقة ولا جليلة، والدقيقة: الشاة. والجليلة: الناقة. وما له حانة ولا آنة، فالحانة: الناقة تحنّ إِلَى ولدها. والآنة: الأمة تئن

من شدة التعب أو من علة. وما له هارب ولا قارب، فالهارب: الصادر عَنِ الماء، والقارب: الطالب للماء. وما له عاو ولا نابح، أى ما له غنم يعوي بها الذئب أو ينبح فيها الكلب، فإذا نفى عنه العاوى والنابح فقد نفى عنه الغنم. وما له هلع ولا هلعة، أى ما له جدى ولا عناق. وما له زرع ولا ضرع. وما له قد ولا قحف، فالقد: إناء من جلود، والقحف: إناء من خشب. وما له أقذ ولا مريش، فالأقذ: السهم الذي لا قذة له، وهى الريش، وجمعها قذذ، والمريش: الذي عليه ريش. وما له سعنة ولا معنة، أي ماله قليل ولا كثير، قَالَ النمر بن تولب: ولا ضيعته فألام فيه ... فإن ضياع مالك غير معن أى غير يسير ولا هين، قَالَ أَبُو العباس: فدل هذا عَلَى أن المعن: القليل، والسعن: الكثير وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبى، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن الحكم، عَنْ قطرب، قَالَ: يُقَال: ما له سعن ولا معن فالسعن: الودك. والمعن: المعروف وأنشد بيت النمر، وقد مضى فِي الباب. وما له دار ولا عقار، فالعقار: النخل. وما له ستر ولا حجر، فالستر: الحياء، قَالَ زهير: الستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر والحجر: العقل، وإنما سمي حجر لأنه يحجر صاحبه عَنِ القبيح. وما له أثر ولا عثير، فالعثير: الغبار، قَالَ الشاعر: أثرن عليهم عثيراً بالحوافر. قَالَ أَبُو العباس أحمد بن يحيى: ومعناه: أنه لا يغزو راجلا فيتبين أثره، ولا فارسا فيثير الغبار فرسه. وما له حس ولا بس، أي ماله حركة، فالحس: ما يحس به، والِبس من قولهم: أبسست بالناقة، إذا قلت لها: بس بس لتدر. وكسروا الباء ليكون عَلَى مثال حس. وقَالَ أَبُو عبيدة: يُقَال: قدم فلان فما جاء بهلة ولا بلةٍ، فهلة: فرح، وبلة: أدنى بلل من الخير. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، عَنْ أبى عثمان، عَنِ التوزى، عَنْ أبى عبيدة، لرجل من بنى تميم: ولما رأين بنى عاصم ... دعون الذى كن أنسينه فوارين ما كن حسرنه ... وأخفين ما كن يبدينه يصف نساء سبين فأنسين الحياء، فأبدين وجوههن وحسرن رءوسهن، فلما رأين بنى عاصم أيقن أنهن قد أستنقذن، فراجعن حياءهن فسترن وجوههن وغطين رءوسهن.

مطلب ما وقع بين سبيع بن الحارث، وميثم بن مثوب، من المخاصمة بمجلس مرثد الخير، وخطبته في شأنهما، وإصلاحه ذات بينهما، وشرح غريب ذلك

مطلب ما وقع بين سبيع بن الحارث، وميثم بن مثوب، من المخاصمة بمجلس مرثد الخير، وخطبته فِي شأنهما، وإصلاحه ذات بينهما، وشرح غريب ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد الجرموزى، عَنْ محمد بن عباد، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، قَالَ: كان مرثد الخير بن ينكف بن نوف بن معد يكرب بن مضحى قيلا، وكان حدباً عَلَى عشيرته محباً لصلاحهم، وكان سبيع بن الحارث أخو علس، وعلس هو ذو جدن، وميثم بن مثوب بن ذى رعين تنازعا الشرف حتى تشاحنا وخيف أن يقع بين حييهما شر فيتفانى جذماهما، فبعث إليهما مرثد فأحضرهما ليصلح بينهما، فقَالَ لهما: إن التخبط وامتطاء الهجاج، واستحقاب اللجاج، سيقفكما عَلَى شفا هوةٍ فِي توردها بوار الأصيلة، وانقطاع الوسيلة، فتلافيا أمركما قبل انتكاث العهد، وانحلال العقد، وتشتت الألفة، وتباين السهمة، وأنتما فِي فسحة رافهة، وقدم واطدة، والمودة مثرية، والبقيا معرضة، فقد عرفتم أنباء من كان قبلكم من العرب من عصى النصيح، وخالف الرشيد، وأصغى إِلَى التقاطع، ورأيتم ما آلت إليه عواقب سوء سعيهم، وكيف كان صيور أمورهم، فتلافوا القرحة قبل: تفاقم الثأى، واستفحال الداء، وإعواز الدواء، فإنه إذا سفكت الدماء استحكمت الشحناء، وإذا استحكمت الشحناء تقضبت عرى الإبقاء وشمل البلاء، فقَالَ سبيع: أيها الملك، إن عداوة بنى العلات لا تبرئها الأساة، ولا تشفيها الرقاة، ولا تستقل بها الكفاة، والحسد الكامن، هو الداء الباطن، وقد علم بنو أبينا أنا لهم ردء إذا رهبوا، وغيث إذا أجدبوا، وعضد إذا حاربوا، ومفزع إذا نكبوا، وإنا وإياهم كما قَالَ الأول: إذا ما علوا قالوا أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أب فقَالَ ميثم: أيها الملك، إن من نفس عَلَى ابن أبيه الزعامة، وجدبه فِي المقامة، واستكثر له قليل الكرامة، كان قرفاً بالملامة، ومؤنباً عَلَى ترك الاستقامة، وإنا والله ما نعتد لهم بيد إلا وقد نالهم منا كفاؤها، ولا نذكر لهم حسنة إلا وقد تطلع منا إليهم جزاؤها، ولا يتفيأ لهم علينا ظل نعمة إلا وقد قوبلوا بشرواها، ونحن بنو فحل مقرم لم تقعد بنا الأمهات ولا بهم، ولم تنزعنا أعراق السوء ولا إياهم، فعلام مط الخدود وخزر العيون، والجخيف والتصعر، والبأو والتكبر؟ ألكثرة عدد، أم لفضل جلد، أم لطول معتقد؟ وإنا وإياهم لكما كما قَالَ الأول:

لاه ابن عمك لا أفضلت فِي حسب ... عنى ولا أنت دياني فتخزوني ومقاطع الأمور ثلاثة: حرب مبيرة، أو سلم قريرة، أو مداجاة وغفيرة، فقَالَ الملك: لا تنشطوا عقل الشوراد، ولا تلقحوا العون القواعد، ولا تؤرثوا نيران الأحقاد ففيها المتلفة المستأصلة، والجائحة والأليلة، وعفوا بالحلم أبلاد الكلم، وأنيبوا إِلَى السبيل الأرشد والمنهج الأقصد، فإن الحرب تقبل بزبرج الغرور، وتدبر بالويل والثبور؛ ثم قَالَ الملك: ألا هل أتى الأقوام بذلى نصيحة ... حبوت بها منى سبيعا وميثما وقلت اعلما أن التدابر غادرت ... عواقبه للذل والقل جرهما فلا تقدحا زند العقوق وأبقيا ... عَلَى العزة القعساء أن تتهدما ولا تجنيا حربا تجر عليكما ... عواقبها يوما من الشر أشأما فإن جناة الحرب للحين عرضة ... تفوقهم منها الذعاف المقشما حذار فلا تستنبثوها فإنها ... تغادر ذا الأنف الأشم مكشما فقالا لا أيها الملك، بل نقبل نصحك، ونطيع أمرك، ونطفي الناثرة، ونحل الضغائن، ونثوب إِلَى السلم: قوله: تشاحنا، من الشحناء وهى العداوة. والجذم: الأصل، قَالَ أوس بن حجر: غنى تآوى بأولادها ... لتهلك جذم تميم بن مر وكذلك الجذر، وجذور الحساب منه، وقَالَ أَبُو عمرو الشيبانى: الجذر بكسر الجيم. وقَالَ أَبُو بَكْرٍ: التخبط: ركوب الرجل رأسه فِي الشر خاصة، ولم أسمع هذه الكلمة من غيره. فأما التخمط بالميم: فالتكبر، وأنشد يعقوب: وخطيب قوم قدموه أمامهم ... ثقة به متخمط تياح

وقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُقَال: ركب الرجل هجاجة إذا لج ومحك. والاستحقاب: استفعال من الحقيبة أو من الحقاب، فأما الحقيبة فما يجعل فيه الرجل متاعه من خرج أو غيره، وحقيبة الجمل التى تكون وراء الرجل تحشى تبنا أو حشيشا. وقول نصيب فِي سليمان بن عبد الملك رحمهما الله تعالى: أقول لركب قافلين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب قفوا خبرونا عَنْ سليمان إننى ... لمعروفة من آل ودان طالب فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... لو سكتوا أثنت عليك الحقائب من الحقيبة. والحقاب: بريم تشد به المرأة وسطها. والبريم: خيط فيه لونان، وهذا مثل، إما أن يكون أراد أنه احتزم باللجاج أو جعله فِي وعائه. والهوة: الجوبة. والبوار: الهلاك. وقَالَ أَبُو زيد: الأصيلة والأصيل واحد. والانتكاث: الانتقاض، والانكاث، واحدها نكث، وهو ما نقض من الأخبية والحبال ليعاد ثانية، ومنه بشير بن النكث. والسهمة: القرابة. ورافهة: ناعمة، من الرفاهية. وواطدة: ثابتة. ومثرية: متصلة، مأخوذ من الثرى، وهو التراب الندى، يُقَال: ثريت التراب إذا بللته، قَالَ جرير: فلا توبسوا بينى وبينكم الثرى ... فإن الذى بينى وبينكم مثرى ويقَالَ: قد ثريت بك، أي كثرت بك، وثرى بنو فلان بنى فلان، أى صاروا أكثر منهم. وأثرى الرجل يثري إثراءً إذا كثر ماله، وإنه لمثرٍ. والثراء والثروة جميعاً: كثرة الأموال، وقد تكون الثروة كثرة العدد. وينشد بيت ابن مقبل: وثروةٍ من رجال لو رأيتهم ... لقلت إحدى حراج الجر من أقر فالثروة هاهنا كثرة العدد. ويروى، وثورة من رجال، وهم الذين يثورون فِي الحرب. ومعرضه: ممكنة، قد أمكنت من عرضها، أى من جنبها وناحيتها، يُقَال: قد أعرض لك الظبي فارمه، أي قد أمكنك من عرضه. قَالَ الأصمعى: صار يصير صيرورة ومصيرا، والصيور: الأمر الذي يرجع إليه.

واستفحال الداء: اشتداده، وهو أن يصير مثل الفحل. وتقضبت: تقطعت. وشمل البلاء: عم، وشمل يشمل أفصح، قَالَ أَبُو عبيدة: شمل يشمل. وأنشدنا: كيف نومى عَلَى الفراش ولما ... تشمل الشأم غارة شعواء والأساة: الأطباء، واحدهم آسٍ، قَالَ البعيث: إذا قاسها الآسى النطاسى أدبرت ... غثيثتها وازداد وهيا هزومها الغثيثة: ماسال من الجرح من مدة أو قيح. والإساء: الدواء. والردء: العون، قَالَ الله عز وجل: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] . والزعامة: الرياسة، ويقَالَ: السلاح، وهى هاهنا الرياسة، قَالَ لبيد: تطير عدائد الأشراك شفعاً ... ووتراً والزعامة للغلام وجدبه: عابه، وفى حديث عمر رضى الله عنه أنه جدب السمر بعد عتمةٍ، أى عابه، قَالَ ذو الرمة: فيا لك من خد أسيلٍ ومنطقٍ ... رخيم ومن خلقٍ تعلل جادبه والمقامة: المجلس، قَالَ الأصمعى: المجلس الناس، وأنشد بيت مهلهل: نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس قرفا، هكذا أملاه قرفاً عَلَى فعل، أى خليقا، وكان ابن الأعرابى يقول: يُقَال: أنت قرف من كذا، ولا يُقَال: قريف ولا قرف. ويقَالَ: إنه لخليق لكذا وكذا، وقد خلق خلاقة، وإنه لجدير بكذا وكذا، وقد جدر جدارة، وإنه لحرى وحرى وحرٍ لذلك، وإنه لقمين بكذا وكذا وقمن وقمن، وإنه لعس أن يفعل ذلك ويثنى ويجمع، وليس يُقَال فيه: يعسو ولا يعسى، وإنه، لحجٍ به وحجى به، وقد حجى يحجي حجي، ولا يُقَال: أنت حجى بكذا ولا عسى. ويقَالَ هي هذا كله: ما أخلقه وأجدره وأحراه وأعساه وأقمنه وأحجاه وما أقرفه. ويقَالَ فِي هذا كله: أفعل به: أعس به، أقرف به. : وقد روينا من غير طريق ابن الأعرابى: أنت قرف بكذا وحجى بكذا، وهما عندنا جائزان. : ويقَالَ: قرف عليه يقرف قرفا إذا بغى عليه، وقرف فلان فلانا إذا وقع فيه

كأنه يقشره، وقرفت القرحة إذا قشرتها، ويقَالَ: تركتهم عَلَى مثل مقرف الصمغة، أي مقشرها، والقَرْف: القَشْر، والقِرْف: القِشْرة، والقرفة: القشرة، ولهذا سمي هذا التابل قرفة، لأنه لحاء شجر. ويقَالَ: صبغ ثوبه بقرف السدر. وقَالَ الأصمعي: أقرف الرجل غيره إذا دانى الهجنة فهو مقرف. ويقَالَ: أخشى عليه القرف، أى مداناة المرض. ويقَالَ: قرف فلان بسوء فهو مقروف، ومن قرفتك من القوم، أى من تتهم. والمقارفة: الجماع، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: إن كان رَسُول اللَّهِ صلى الله وعليه وسلم ليصبح جنبا عَنْ قرافٍ غير احتلام. ويقَالَ: اقترف إذا اكتسب. والقروف: الأوعية، واحدها قرف. وشرواها: مثلها. والمط والمد والمت بمعنى واحد. والخزر: أن ينظر الرجل إِلَى أحد عرضيه، يُقَال: إنه ليتخازر لي إذا نظر إليه بمؤخر عينه ولم يستقبله بنظره وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد: إذا تخازرت وما بى من خزر ... ثم كسرت العين من غير عور ألفيتني ألوي بعيد المستمر ... أحمل ما حملت من خيرٍ وشرٍ وقَالَ أَبُو عبيدة: الجخيف: التكبر. حَدَّثَنَا بعض مشايخنا، عَنْ أبى العباس أحمد بن يحيى، أنه قَالَ: بلغنى أنه قيل للأصمعى: قَالَ أَبُو عبيدة: الجخيف: التكبر، والبأو: التكبر، قَالَ: أما البأو الجخيف فلا وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حاتم، قَالَ: قلت للأصمعى: أتقول فِي التهدد: أبرق وأرعد؟ فقَالَ: لا، لست أقول ذلك إلا أن أرى البرق أو أسمع الرعد، فقلت: فقد قَالَ الكميت: أبرق وأرعد يا يزيد ... فما وعيدك لى بضائر فقَالَ: الكميت جرمقانى من أهل الموصل ليس بحجة، والحجة الذى يقول إذا جاوزت من ذات عرقٍ ثنيةً ... فقل لأبى قابوس ما شئت فارعد فأتيت أبا زيد فقلت له: كيف تقول من الرعد والبرق: فعلت السماء؟ فقَالَ: رعدت وبرقت، فقلت: فمن التهدد؟ قَالَ: رعد وبرق وأرعد وأبرق، فأجاز اللغتين جميعا، وأقبل أعرابي محرم

فأردت أن أسأله، فقَالَ لى أَبُو زيد: دعنى فأنا أعرف بسؤاله منك، فقَالَ: يا أعرابى، كيف تقول: رعدت السماء وبرقت، أو أرعدت وأبرقت؟ فقَالَ: رعدت وبرقت، فقَالَ أَبُو زيد: فكيف تقول للرجل من هذا؟ فقَالَ: أمن الجخيف تريد؟ ، يعنى التهدد، قلت: نعم، فقَالَ أقول: رعد وبرق وأرعد وأبرق. وتخزوني: تقهرنى وتسوسنى، وقَالَ يعقوب: خزوته: قهرته. والمداجاة: المساترة، قَالَ الأصمعى: دجا الليل يدجو إذا ألبس كل شيء، وأنشد غيره: فما شب عمرو غير اغتم فاجرٍ ... أبى مذ دجا الإسلام لا يتحنف يعنى: ألبس كل شيء. قَالَ بعض العرب: ترى الحبارى الصقر فينتفش ريشها، فاذا سكن روعها دجا ريشها، أى ركب بعضه بعضا. وقيل لأعرابى: بأى شيء تعرف حمل الشاة؟ فقَالَ: بأن تستفيض خاصرتاها، وتدجو شعرتها، ويحشف حياؤها. وقوله: غفيرة، أي غفران، والعرب تقول: ليس فيهم غفيرة، أى لا يغفرون. ويقَالَ: جاءوا جما غفيرا والجماء الغفير. والغفر: زئبر الثوب، والغفر: الشعر الذى عَلَى ساق المرأة، والغفر: منزل من منازل القمر، كلها مسكنة الفاء مفتوحة الغين. والغفر: ولد الأروية، والجمع أغفار. والغفارة: السحابة تراها كأنها فوق السحابة، والغفارة: الجلدة التى تكون عَلَى رأس القوس فِي الحز يجرى عليها الوتر، والغفارة: خرفة تلبسها المرأة تحت مقنعتها توقى بها الخمار من الدهن. ويقَالَ: غفر الرجل يغفر غفرا إذا برأ من مرضه، وغفر إذا نكس، قَالَ الشاعر: خليلى إن الدار غفر لذى الهوى ... كما يغفر المحموم أو صاحب الكلم وغفر الجرح يغفر غفرا إذا فسد، وغفر الرجل المتاع فِي الوعاء يغفر غفرا، ويقَالَ: اصبغ ثوبك بالسواد فإنه أغفر للوسخ، أى أغطى له. وقَالَ الأصمعى: نشطت العقدة: عقدتها، وأنشطتها: حللتها. وأما قوله: ولا تلقحوا العون، فإنما هو مثل، وأصله فِي الإبل، يُقَال: لقحت الناقة إذا حملت وألقحها الفحل، ثم ضرب ذلك مثلا للحرب إذا ابتدأت. والعون: جمع عوان وهي الثيب، يُقَال للحرب: عوان إذا كان قد قوتل فيها مرة بعد مرة. وتؤرثوا: تذكوا، قَالَ أَبُو زيد: يُقَال:

أر نارك تاريةً، أي عظمها، ونمها تنمية مثله، وكذلك ذك نارك تذكيةً، أى ألق عليها حطبا أو بعراً لتهيج، واسم الذى يلقى عليها من الحطب أو البعر: الذكية، وارث نارك تأريثاً مثله، واسم ما تؤرث به النار: الإرث. والألية: الثكل. والجائحة: الاستئصال أنشدنى أَبُو بَكْرٍ: فهي الأليلة إن قتلت خؤولتي ... وهى الأليلة إن همو لم يقتلوا والأليل: الأنين، قَالَ ابن ميادة: وقولا لها ما تأمرين لوامقٍ ... له بعد نومات العيون أليل أي أنين. ويقَالَ: سمعت أليل الماء وخريره وقسيبه، أى صوت جريه. والأبلاد: الآثار، واحدها بلد، وكذلك الندوب، واحدها ندب. والحبار والحبر والعلوب: الآثار. والدعس: الأثر. والعاذر: الأثر، قَالَ ابن أحمر: أزاحمهم بالباب إذ يدفعوننى ... وبالظهر منى من قرا الباب عاذر والزبرج: السحاب الذى تسفره الريح، وهذا قول الأصمعى، وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله: لا يُقَال: زبرج إلا أن تكون فيه حمرة. والقل: القلة. والذلة. والقعساء: الثابتة. وتفوقهم: تسقيهم الفواق. والفواق: ما بين الحلبتين، كأنه بحلب حلية ثم يسكت ثم يحلب أخرى. والمقشم والمقشب واحد. وهو المخلوط. ولا تستنبثوها: مثل، أي لا تخرجوا نبيثتها، وهو ما يخرج من البئر إذا حفرت، يريد: لا تثيروا الحرب. ومكشم: مقطوع وقرئ عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لأبى العميثل عبد الله بن خالد، وأنا أسمع لقيت ابنة السهمي زينب عَنْ ... ونحن حرام مسى عاشرة العشر وإنا وإياها لحتم مبيتنا ... جميعاً وسيرانا مغذ وذو فتر قوله: عَنْ: عَنْ بعدٍ، أى بعد حين، يُقَال: ما ألقاه إلا عَنْ، أي بعد حين. ونحن حرام، أى محرمون. مسي عاشرة العشر، يعنى أنه لقيها بعرفاتٍ عشية عرفة وهو مسي عاشرة العشر. وقوله: حتم مبينا، يقول: مبيت الناس بالمزدلفة لا يجاوزها أحد. وسيرانا، أى سيري أنا مغذ، أى مسرع، وسيرها ذو فترٍ، أى ذو فتور وسكون لأنها يرفق بها.

ما قيل في طول الليل

ما قيل فِي طول الليل وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، ولم يسم قائله، فِي طول الليل: ألا هل عَلَى الليل الطويل معين ... إذا نزحت دار وحن حزين أكابد هذا الليل حتى كأنما ... على نجمه ألا يغور يمين فوالله ما فارقتكم قاليا لكم ... ولكن ما يقضى فسوف يكون وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ لحندج بن حندج: فِي ليل صولٍ تناهى العرض والطول ... كأنما ليله بالليل موصول لا فارق الصبح كفى إن ظفرت به ... وإن بدت غرة منه وتحجيل لساهرٍ طال فِي صولٍ تململه ... كأنه حية بالسوط مقتول متى أرى الصبح قد لاحت مخايله ... والليل مزقت عنه السرابيل ليل تحير ما ينحط فِي جهةٍ ... كأنه فوق منن الأرض مشكول نجومه ركد ليست بزائلةٍ ... كأنما هن فِي الجو القناديل ما أقدر الله أن يدنى عَلَى شحط ... من داره الحزن ممن داره صول ألله يطوى بساط الأرض بينهما ... حتى يرى الربع منه وهو مأهول وأنشدنا بعض أصحابنا لبشار: خليلى ما بال الدجى لا تزحزح ... وما لعمود الصبح لا يتوضح أضل النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح وطال عَلَى الليل حتى كأنه ... بليلين موصول فما يتزحزح :

وأحسن عدى بن الرقاع فِي هذا المعنى فقَالَ: وكأن ليلى حين تغرب شمسه ... بسواد آخر مثله موصول ولبعضهم فِي طول الليل: ما النجوم الليل لا تغرب ... كأنها من خلفها تجذب رواكداً ما غار غربها ... ولا بدا من شرقها كوكب وقد ذكر الفرزدق العلة فِي طول الليل فقَالَ: يقولون طال الليل والليل لم يطل ... ولكن من يبكى من الشوق يسهر وقَالَ بشار فِي هذا المعنى: لم يطل ليلى ولكن لم أنم ... ونفي عني الكرى طيف ألم وإذا قلت لها جودى لنا ... خرجت بالصمت عَنْ لا ونعم نفسى يا عبد عني واعلمي ... أنني يا عبد من لحم ودم إن فِي بردى جسماً ناحلا ... لو توكأت عليه لانهدم ختم الحب لها فِي عنقى ... موضع الخاتام من أهل الذمم ولقد أحسن عَلَى بن بسام فِي هذا المعنى، أنشدنى ابنه أَبُو عَلَى، عَنْ أبيه: لا أظلم الليل ولا أدعى ... أن نجوم الليل ليست تغور ليلى كما شاءت فإن لم تجد ... طال وإن جادت فليلي قصير وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن خلف، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الوليد البزار، قَالَ: كان عَلَى بن الجهم يستنشدني كثيراً شعر خالد الكاتب، فأنشده فيقول: ما صنع شيئاً، ثم أنشدته يوما له: رقدت ولم ترث للساهر ... وليل المحب بلا آخر ولم تدر بعد ذهاب الرقاد ... ما صنع الدمع من ناظري فقَالَ: قاتله الله! لقد أدمن الرمية حتى أصاب الغرة

وأنشدنا بعض أصحابنا لعلى بن العباس الرومى فِي طول الليل: رب ليلٍ كأنه الدهر طولاً ... قد تناهى فليس فيه مزيد ذي نجوم كأنهم نجوم الشيب ليست تزول لكن تزيد ولسعيد بن حميد فِي طول الليل: يا ليل بل يا أبد ... أنائم عنك غد يا ليل لو تلقى الذى ... ألقى بها أو تجد قصر من طولك أو ... ضعف منك الجلد اشكو إِلَى ظالمةٍ ... تشكو الذى لا تجد وقف عليها ناظرى ... وقف عليها السهد قَالَ أَبُو زيد: تقول العرب فِي مثلٍ لها: خبأة خير من يفعة سوءٍ أى بنت تلزم البيت تخبأ فيه نفسها خير من غلام سوء لا خير فيه. قَالَ: ويقَالَ للرجل إذا ولدت له جارية: هنيئا لك النافجة وذلك أنه يزوج بنته فيأخذ مهرها إبلا إِلَى إبله فتنفجها. قَالَ: ويقَالَ: أضب القوم إضبابا إذا تكلموا وصاح بعضهم إِلَى بعض، وأضبأ عَلَى الشىء إضباء فهو مضبئ إذا كتمه، وقَالَ الأصمعى: ضبأ فهو ضابئ إذا لصق بالأرض، قَالَ الأعشى: أهوي لها ضابئ فِي الأرض مفتحص ... للحم قدماً خفى طالما خشعا قَالَ: وأنشدنا أَبُو العباس بن الأحنف: أيها الراقدون حولي أعينوني ... علي الليل حسبة وائتجارا حدثونى عَنِ النهار حديثاً ... أو صفوه فقد نسيت النهارا وأملى علينا الأخفش، وقرأتها عَلَى ابن الأنبارى لسويد بن أبى كاهل: وإذا ما قلت ليل قد مضى ... عطف الأول منه فرجع يسحب الليل نجوماً طلعاً ... فيواليها بطيئات التبع ويزجيها عَلَى إبطائها ... مغرب اللون إذا الليل انقشع

مطلب حديث أوس بن حارثة ونصيحته لابنه مالك وشرح الغريب من ذلك

مطلب حديث أوس بن حارثة ونصيحته لابنه مالك وشرح الغريب من ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنِي عمى، عَنْ أبيه، عَنْ هشام بن محمد الكلبى، عَنْ عبد الرحمن ابن أبى عبس الأنصارى، قَالَ: عاش الأوس بن حارثة دهراً وليس له ولد إلا مالك، وكان لأخيه الخزرج خمسة: عمرو وعوف وجشم والحارث وكعب، فلما حضره الموت قَالَ له قومه: قد كنا نأمرك بالتزوج فِي شبابك فلم تزوج حتى حضرك الموت، فقَالَ الأوس: لم يهلك هالك ترك مثل مالك، وإن كان الخزرج ذا عدد، وليس لمالك ولد، فلعل الذى استخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة، أن يجعل لمالك نسلا، ورجالا بسلا. يا مالك، المنية ولا الدنية، والعتاب قبل العقاب، والتجلد ولا التبلد. واعلم أن القبر خير من الفقر، وشر شاربٍ المشتف، وأقبح طاعم المقتف، وذهاب البصر، خير من خير من كثير من النظر، ومن كرم الكريم، الدفاع عَنِ الحريم، ومن قل ذل، ومن أمر فل، وخير الغنى القناعة، وشر الفقر الضراعة، والدهر يومان، فيوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فكلاهما سينحسر، فإنما تعز من ترى، ويعزك من لا ترى، ولو كان الموت يشترى لسلم منه أهل الدنيا، ولكن الناس فيه مستوون: الشريف الأبلج، واللئيم المعلهج، والموت المفيت، خير من أن يُقَال لك: هبيت، وكيف بالسلامة، لمن ليست له إقامة، وشر من المصيبة سوء الخلف، وكل مجموع إِلَى تلف، حياك إلهك! قَالَ: فنشر الله من مالكٍ بعدد بنى الخزرج أو نحوهم: قوله: فلعل الذى استخرج العذق من الجريمة. العذق: النخلة نفسها بلغة أهل الحجاز، والعذق الكباسة. والجريمة: النواة. والوثيمة: هى الموثومة المربوطة، يريد به: قدح حوافر الخيل النار من الحجارة. والعرب تقسم هذا الكلام فتقول: لا والذى أخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة. لا فعلت كذا وكذا. ومن أيمانهم: لا والذي شقهن خمسا من واحدة، يعنون الأصابع. ويقولون: لا والذى أخرج قائبةً من قوب، يعنون: فرخاً من بيضة. ويقولون: لا والذى وجهى زمم بيته، أى قصده وحذاءه. والبسل: الشجعان، واحدهم باسل، والبسالة: الشجاعة، قَالَ

مطلب الكلام على مادة أمر وتفسير قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16]

الفراء: الباسل: الذى حرم عَلَى قرنه الدنو منه لشجاعته، أى لشدته، لأنه لا يمهل قرنه ولا يمكنه من الدنو منه، أخذ من البسل وهو الحرام. وقَالَ غيره: الباسل: الكريه المنظر، وإنما قيل للأسد: باسل، لكراهة وجهه وقبحه، يُقَال: ما أبسل وجه فلان، قَالَ أَبُو ذؤيب: فكنت ذنوب البئر لما تبسلت ... وسربلت أكفانى ووسدت ساعدى تبسلت: فظع منظرها وكرهت، وقَالَ: شيخنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى: قَالَ الأصمعى: الباسل: المر، وقد يبسل الرجل سبل بسالةً إذا صار مراً. والمشتف: المستقصى، يُقَال: استشف ما فِي إنائه واشتف إذا شرب الشفافة، وهى البقية تبقى فِي الإناء. والمقتف: الآخذ بعجلة، ومنه سمى القفاف. وأمر: كثر عدده، يُقَال: أمر القوم يأمرون إذا كثر عددهم، قَالَ لبيد: نعلوهم كلما ينمى لهم سلف ... بالمشرفى ولولا ذاك قد أمروا مطلب الكلام عَلَى مادة أمر وتفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] وأنشدنا أَبُو زيد: أم جوارٍ ضنؤها غير أمر ضنؤها: نسلها. وأمر المال وغيره يأمر أمرة وأمراً إذا كثر قَالَ الشاعر: والإثم من شر ما يصال به ... والبر كالغيث نبته أمر ويقَالَ فِي مثل: فِي وجه مالك تعرف أمرته، وأمرته، أى نماءه وكثرته، وقَالَ الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] أى كثرنا، وقَالَ أَبُو عبيدة: يُقَال: خير المال سكة مأبورة، أو مهرة مأمورة، فالمأمورة: الكثيرة الولد، من آمرها الله، أى كثرها، وكان ينبغى أن يُقَال: مؤمرة، ولكنه أتبع مأبورة. والسكة: السطر من النخل، وقَالَ الأصمعى: السكة: الحديدة التى يفلح بها الأرضون. والمأبورة: المصلحة، يُقَال: أبرت النخل ابرة أبرا إذا لقحته وأصلحته. وقد قرئ أمرنا مترفيها، عَلَى مثال فعلنا. أَخْبَرَنَا القالى عَنِ ابن كيسان أنه قد يُقَال: أمره بمعنى آمره يكون فيه لغتان، فعل وأفعل. وتعز: تغلب، ويقَالَ: عز فلان فلانا عزا. وعز يعز عزا وعزة من العز. وعز عَلَى

مطلب ما وقع بين رجل من العرب وزوجته من الخصام والمشاتمة

أهله عزازةً، من العز. والمعلهج: المتناهى فِي الدناءة واللؤم، وكان أَبُو بَكْرٍِ يقول: هو اللئيم فِي نفسه وآبائه. والهبيت: الأحمق الضعيف، قَالَ طرفة: الهبيت لا فؤاد له ... والثبيت ثبته فهمه وكان أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى يرويه: قيمه. مطلب ما وقع بين رجل من العرب وزوجته من الخصام والمشاتمة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله تعالى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت امرأة من العرب تخاصم زوجها وهى تقول: والله إن شربك لاشتقاق، وإن ضجعتك لانجعاف، وإن شملتك لالتفاف، وإنك لتشبع ليلة تضام، وتنام ليلة تخاف، فقَالَ لها: والله إنك لكرواء الساقين، قعوا الفخذين، مقاء الرفغين، مفاضة الكشحين، ضيفك جائع، وشرك شائع: الانجعاف: الانصراع، يُقَال: ضربه فجأفه وجعفه وجفأه وكوره وجوره وجعفله، وقطره إذا ألقاه عَلَى أحد قطريه، قَالَ طفيل: وراكضة ما تستجن بجنةٍ ... بعير حلالٍ غادرته مجعفل وقَالَ لبيد رضى الله عنه: فلم أر يوماً كان أكثر باكيا ... وحسناء قامت عَنْ طرافٍ مجور وقَالَ ابن قيس الرقيات: كالشارب النشوان قطره ... سمل الزقاق تفيض عبرتيه وأتكأه إذا ألقاه عَلَى هيئة المتكئ. وقَالَ أَبُو زيد: ضربه فقحزنه وجحدله إذا صرعه. وقَالَ الأصمعى، وابن الأعرابى: بركعة: صرعه، وأنشد لرؤبة:

ومن همزنا عزه تبركعا ... على استه زوبعةً أو زوبعا وقَالَ غيرهما: البركعة: القيام عَلَى أربع، ويقَالَ: تبركعت الحمامة لذكرها، أى بركت. والكرواء: الدقيقة الساقين. والكرا: دقة الساق، والكرى: النوم، والكرا: بمعنى الكروان، وكراء ممدودا: موضع. وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: القعواء: المتباعدة ما بين الفخذين، ولم أسمع هذا من غيره، والذي ذكره اللغويون فِي كتبهم فيما قرأته الفجواء: المتباعدة ما بين الفخذين. وقوله: مقاء، قَالَ أَبُو زيد: المقاء: الدقيقة الفخذين، وكذلك الرفغاء، وقَالَ الأصمعى المقاء: الطويلة، والمقق: الطول، ورجل أمق: طويل، قَالَ رؤبة: لواحق الأقراب فيها كالمقق ... تفليل ما قارعن من سمر الطرق يصف أتنا. والمفاضة: المسترخية. والكشحان: الخاصرتان، وهما الأيطلان والاطلان والقربان والصقلان، واحدهما قرب وصقل وكشح وإطل وأيطل وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله تعالى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ عبيدة، قَالَ: دخل أَبُو جويرية الشاعر عَلَى خالد بن عبد الله يمدحه، فقَالَ له خالد ألست القائل: ذهب الجود والجنيد جميعا ... فعلى الجود والجنيد السلام أصبحنا ثاويين فِي بطن مرو ... ما تغني عَلَى الغصون الحمام أذهب إِلَى الجود حيث دفنته فاستخرجه، قَالَ أَبُو جويرية: أنا قائل هذا، وأنا الذي أقول بعده، فوثب إليه الحرس ليدفعوه، فقَالَ خالد: دعوه لا نجمع عليه الحرمان ونمنعه الكلام، فأنشأ يقول:

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا أو خلد الجود أقواما ذوى حسب ... فيما يحاول من آجالهم خلدوا قوم سنان أبوهم حين تنسبهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا جن اذا فزعوا إنس اذا أمنوا ... مرزءون بها ليل إذا احتشدوا محسدون عَلَى ما كان من نعم ... لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا قَالَ: فخرج من عنده ولم يعطه شيئا وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد للشماخ: أعائش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع وكيف يضيع صاحب مدفآت ... على أثباجهن من الصقيع يعنى أن عائشة قَالَت له: لم تشدد عَلَى نفسك فِي المعيشة وتلزم الإبل والتعزب فيها، فرد عليها: ما لأهلك أراهم يتعهدون أموالهم ويصلحونها وأنت تأمريننى بإضاعة مالي، ثم أقبل عَلَى إبله يمدحها فقَالَ: وكيف يضيع صاحب مدفآت أدفئن ... بكثرة الوبر عَلَى أثباجهن. والأثباج: الأوساط. قَالَ: الأصمعى: ثبج كل شيء: وسطه، وغيره يقول: ظهره. وروى أَبُو عبيد، عَنِ الأصمعي: الكتد: ما بين الكاهل إِلَى الظهر، والثبج نحوه، وهذه الأقوال متقاربة فِي المعنى. والصقيع: البرد والندى. ويقَالَ: الجليد. وقَالَ الأصمعى: من أمثال العرب: إنه ليسر حسوا فِي ارتغاء، يضرب مثلا للرجل يريك أنه يعمل أمرا وهو يريد غيره. والارتغاء: شرب الرغوة، يُقَال: رَغْوة ورِغوة ورُغوة. يقول: فهو يظهر ذاك وهو يحسو اللبن. ويقَالَ: سقط العشاء به عَلَى سرحان، يضرب مثلا للرجل يطلب الأمر التافه فيقع فِي هلكة. وأصل المثل، أن دابة طلبت العشاء فهجمت عَلَى الأسد. والسرحان: الأسد بلغة هذيل، وبلغة غيرهم من العرب: الذئب. ويقَالَ: سبق سيف العذل، يضرب مثلا للأمر الذى قد تفاوت، وأصل هذا المثل، أن الحارث بن ظالم ضرب رجل بالسيف فقتله، فأخبر بعذره فقَالَ: سبق السيف العذل. قَالَ أَبُو زيد: العرب تقول: إن كنت كاذباً فحلبت قاعداً، أي ذهبت إبلك

فحلبت الغنم. وتقول: إن كنت كذوباً فشربت غبوقا بارداً، أى ذهب لبنك فشربت الماء البارد، والغبوق: ما اغتبقت حارا بالعشى، وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ للشماخ: إذا ما استافهن ضربن منه ... مكان الرمح من أنف القدوع فقد جعلت ضغائنهن تبدو ... بما قد كان نال بلا شفيع استافهن: شمهن، يعنى الحمار، فإذا فعل ذلك ضربن منه أعلى خيشومه، وهو مكان الرمح إذا قدعت به أنف الفرس، لأنهن قد حملن منه. والقدوع: الذى يقدع ويرد بالرمح، وهو أن يرفع رأسه من عزة نفسه، أو من فرقٍ، أو لا يرضى للفحلة فيضرب أنفه وينحى عَنِ الطروقة، وهو وإن كان يقدع فهو قدوع، كما قالوا لما يحلب ويركب: حلوبة وركوبة. وضغائنهن: ما فِي قلوبهن، أى كن يمكنه ولا يحتاج إِلَى شفيع، فلما حملن أبدين ضغائنهن المخبوءة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحسن الأسدى، قَالَ: كتب أحمد بن المعذل إِلَى أخيه عبد الصمد بن المعذل: إنى أرى المكروه من حيث يرتجى المحبوب، وقد شمل عرك وعم أذاك، وصرت فيك كأبى الابن العاق، إن عاش نغصه، وإن مات نقصه، وقد خشنت بقلبٍ جيبه لك ناصح والسلام. فكتب إليه عبد الصمد: أطاع الفريضة والسنة ... فتاه عَلَى الإنس والجنه كأن لنا النار من دونه ... وأفرده الله بالجنة وينظر نحوى إذا زرته ... بعين حماةٍ إِلَى كنه وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوى، للأضبط بن قريع، وقَالَ: وبلغنى أن هذه الأبيات قيلت قبل الإسلام بدهر طويل وهى: لكل هم من الهموم سعه ... والمسى والصبح لا فلاح معه ما بال من سره مصابك لا ... يملك شيئاً من أمره وزعه

مطلب ما قيل الشيب والخضاب مدحا وذما

أزود عن حوضه ويدفعنى ... يا قوم من عاذرى من الخدعه حتى إذا ما انجلت عمايته ... أقبل يلحى وغيه فجعه قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه فاقبل من الدهر ما أتاك به ... من قرعينا بعيشه نفعه وصل حبال البعيد إن وصل الحبل وأقص القريب إن قطعه ولا تعاد الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه قَالَ أَبُو العباس: وكان الأصمعى ينشد: فصل حبال البعيد إن وصل الحبل : تقول العرب: لعلك وعلك ولعنك ولغنك، سمعه عيسى بن عمر من العرب، قرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد فِي شعر أبى النجم قَالَ عيسى بن عمر سمعت أبا النجم ينشد: أغد لعلنا فِي الرهان نرسله مطلب ما قيل الشيب والخضاب مدحًا وذمًا وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لمحمود الوراق: فاجاك من وفد المشيب نذير ... والدهر من أخلاقه التغيير فسواد رأسك والبياض كأنه ... ليل تدب نجومه وتسير وأنشدنى بعض أصحابنا قَالَ: أنشدنى أَبُو يعقوب بن الصفار لداود بن جهوة: أقاسى البلا لا أستريح إِلَى غدٍ ... فيأتى غد إلا بكيت عَلَى أمس سأبكى بدمع أو دمٍ أشتفى به ... فهل لى عذر إن بكيت عَلَى نفسي

سلام عَلَى الدنيا ولذة عيشها ... سلام غدو أو رواح إِلَى رمسى وأنكرت شمس الشيب فِي ليل لمتى ... لعمرى لليلى كان أحسن من شمسى كأن الصبا والشيب يطمس نوره ... عروس أناسٍ مات فِي ليلة العرس وأنشدنا أَبُو محمد عبد الله بن جعفر النحوى، قَالَ: أنشدنا المبرد لمحمود الوراق: أليس عجيباً بأن الفتى ... يصاب ببعض الذى فِي يديه فمن بين باكٍ له موجعٍ ... وبين معز مغذ إليه ويسلبه الشيب شرخ الشباب ... فليس يعزيه خلق عليه وأنشدنا الأخفش للعكوك عَلَى بن جبلة: جلال مشيبٍ نزل ... وأنس شبابٍ رحل طوى صاحب صاحبا ... كذاك اختلاف الدول أعاذلتى أقصرى ... كفاك المشيب العذل بدا بدلا بالشباب ... ليت الشباب البدل جلال ولكنه ... تحاماه حور المقل وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه لأبى دلف العجلى: نظرت إِلَى بعين من لم يعدل ... لما تمكن طرفها من مقتلى لما تبسم بالمشيب مفارقى ... صدت صدود مفارقٍ متحمل فجعلت أطلب وصلها بتعطفٍ ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلى وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله تعالى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوى: أرى بصرى عَنْ كل يوم وليلة يكل ... وخطوى عَنْ مدى الخطو يقصر ومن يصحب الأيام تسعين حجةً ... يغيرنه والدهر لا يتغير لعمرى لئن أمسيت أمشى مقيدا ... لما كنت أمشي مطلق القيد أكثر

وأنشدني بعض أصحابنا: حنتنى حانيات الدهر حتى ... كأنى خاتل يدنو لصيد قريب الخطو يحسب من رآنى ... ولست مقيدا أنى بقيد وقَالَ رجل لشيخ رآه يمشى: من قيدك يا شيخ؟ قَالَ: الذى خلفته يفتل فِي قيدك، يعنى الدهر وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ محمد بن السري السراج النحوي: وعائب عابنى بشيبٍ ... لم يعد لما ألم وقته فقلت إذ عابنى بشيبى ... يا عائب الشيب لا بلغته وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا عبد الله بن خلف: نصول الشيب طوقنى بطوق ... يلوح عَلَى من تحت السواد إذا أبصرته فكأن وخزا ... بأطراف الأسنة فِي فؤادى قَالَ: وأنشدنا أبى قَالَ: أنشدنى أَبُو عبد الله بن المطيخى: إن الكبير إذا تناهت سنه ... أعيت رياضته عَلَى الرواض وإذا دفعت إِلَى الصغير فإنما ... تكفيه منك إشارة الإيماض وعليك من نسج الزمان عمامة ... خضب المشيب سوادها بياض فالوعظ ينبو عَنْ صفاتك راجعا ... مثل السهام نبت عَنِ الأغراض وممن مدح الشيب من الشعراء فأحسن دعبل حيث يقول: أهلا وسهلا بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وحلية المتحرج وكأن شيبى نظم در زاهر ... فِي تاج ذى ملكٍ أغر متوج وممن مدح الخضاب عبد الله بن المعتز حيث يقول: وقالوا النصول مشيب جديد ... فقلت الخضاب شباب جديد إساءة هذا بإحسان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعود

مطلب ما وقع لخالد بن عبد الله القسري من الحصر وهو على المنبر وما قاله في ذلك

وأنشدني أَبُو معاذ عبدان المتطبب، قَالَ: أنشدنى أَبُو هفان لنفسه: تعجبت در من شيبى فقلت لها ... لا تعجبى فبياض الصبح فِي السدف وزادها عجباً أن رحت فِي سملٍ ... وما درت در أن الدر فِي الصدف قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: عام أوطف وأغلف وأقلف إذا كان خصيبا، وقَالَ العقيليون: عام مجاعةٍ ومجوعة ومجوعة، وقَالَ أَبُو زيد: الأطرة: ما حول الأظفار من اللحم. وقَالَ ابن الأعرابى: عيش أغرل وأرغل وأغضف وأغطف وأوطف وأغلف إذا كان مخصباً، وهذه كلها تُقَال فِي العام. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: أنشدنى أبى، لرجل من خزاعة: قد كنت أفزع للبيضاء أبصرها ... من شعر رأسى وقد أيقنت بالبلق ألآن حين خضبت الرأس زايلنى ... ما كنت التذ من عيشي ومن خافي إن الشباب إذا ما الشيب حل به ... كالغصن يصفر فيه ناعم الورق شيب تغيبه عمن تغر به ... كبيعك الثوب مطويا عَلَى حرق فإن سترت مشيبا أو غررت به ... فليس دهر أكلناه بمسترق أفنى الشباب الذى أفنيت ميعته ... مر الجديدين من آتٍ ومنطلق لم يتركا منك فِي الطول اختلافهما ... شيئاً يخاف عليه لذعة الحرق مطلب ما وقع لخالد بن عبد الله القسري من الحصر وهو عَلَى المنبر وما قاله فِي ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بن سعيد، عَنِ العباس بن الهاشم الكلبى، قَالَ: صعد خالد بن عبد الله القسرى، يوما المنبر بالبصرة ليخطب فارتج عليه، فقَالَ: أيها الناس، إن الكلام ليجىء أحيانا فيتسبب سببه، ويعزب أحيانا فيعز مطلبه، فربما طولب فأبى، وكوبر فعصى، فَالتَّأَنِّي لِمَجِيِّهِ، أصوب من التعاطى لأَبِيِّهِ، ثم نزل. فما رئي حصر أبلغ منه وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لنفسه: أرى الشيب مذ جاوزت خمسين دائبا ... يدب دبيب الصبح فِي غسق الظلم هو السقم إلا أنه غير مؤلم ... ولم أر مثل الشيب سقما بلا ألم

وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومى: يا بياض المشيب سودت وجهى ... عند بيض الوجوه سود القرون فلعمرى لأخفينك جهدى ... عَنْ عيانى وعن عيان العيون ولعمري لأمنعك أن تظهر ... فِي رأس آسفٍ محزون بسواد فيه ابيضاض لوجهى ... وسواد لوجهك الملعون وأنشدنا الأخفش لمنصور النمرى: ما واجه الشيب من عينٍ وإن وفقت ... إلا لها نبوة عنه ومرتدع وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى قَالَ: أنشدنا أبى: رأيت الشيب تكرهه الغوانى ... ويحببن الشباب لما هوينا فهذا الشيب نخضبه سواداً ... فكيف لنا فنسترق السنينا وفى الخضاب: إن شيئاً صلاحه بالخضاب ... لعذاب موكل بعذاب ولعمر الإله لولا هوى البيض ... وأن تشمئز نفس الكعاب لأرحت الخدين من وضر الخطر ... وأذعنت لانقضاء الشباب ومن أحسن ما قيل فِي مدح الشيب: والشيب إن يحلل فإن وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفس لم ينتقص منى المشيب قلامةً ... ألآن حين بدا ألب وأكيس وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أبى: لا يرعك المشيب يابنة عبد الله ... فالشيب جلة ووقار إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت فِي خلالها الأنوار

مطلب خطبة الأعرابي السائل في المسجد الحرام وشرح غريب ذلك

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الحسن بن البراء، قَالَ: قَالَ أَبُو الحسن الأسدى: مات رجل كان يعول اثنى عشر ألف إنسان، فلما حمل عَلَى النعش صر عَلَى أعناق الرجال، فقَالَ رجل فِي الجنازة: وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أعناق قوم تقصف وليس فتيق المسك ما تجدونه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لبعض العرب: دببت للمجد والساعون قد بلغوا ... جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم ... وعانق المجد من أوفى ومن صبرا لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا وأنشدنا غير واحد من أصحاب أبى العباس منهم: ابن السري، والأخفش ابن درستويه، قالوا: أنشدنا أَبُو العباس المبرد، لعبد الصمد بن المعذل فيه: سألنا عَنْ ثمالةً كل حى ... فقَالَ القائلون ومن ثماله فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله فقَالَ لى المبرد خل عنى ... فقومى معشر فيهم نذاله وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أنشدنى سعيد بن هارون: فلو أبصرت دارك فِي محل ... يحل الحزن فيه والسرور رأيت منادحا لم يرع فيها ... ملال مذ نايت ولا فتور قَالَ يخاطب امرأة يقول: لو رأيت محلك فِي قلبى، فلم يستقم له الشعر، فقَالَ: دارك وقوله: يحل الحزن فيه والسرور يعنى القلب، لأن الحزن والسرور فيه يكونان. وقوله: منادحاً، يعنى متسعاً. وقوله: لم يرع فيها ملال مذ نأيت ولا فتور، مثل. مطلب خطبة الأعرابي السائل فِي المسجد الحرام وشرح غريب ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زيد، قَالَ: بينا أنا فِي المسجد الحرام إذ وقف علينا أعرابى فقَالَ: يا مسلمون، إن الحمد لله والصلاة عَلَى نبيه، إنى امرؤ من أهل هذا الملطاط الشرقى المواصى أسياف تهامة، عكفت عَلَى سنون محش، فاجتبت الذري، وهشمت

العري، وجمشت النجم، وأعجت البهم، وهمت الشحم، والتحبت اللحم، وأحجنت العظم، وغادرت التراب مورا، والماء غورا، والناس أوزاعا، والنبط قعاعا، والضهل جزاعا، والمقام جعجاعا، يصبحنا الهاوى، ويطرقنا العاوى، فخرجت لا أتلفع بوصيده، ولا أتفوت هبيده، فالبخصات وقعة، والركبات زلعة، والأطراف قفعة، والجسم مسلهم، والنظر مدرهم، أعشو فأغطش، وأضحى فأخفش، أسهل ظالعا، وأحزن راكعا، فهل من آمرٍ بميرٍ، أو داعٍ بخير، وقاكم الله سطوة القادر، وملكة الكاهر، وسوء الموارد، وفضوح المصادر. قَالَ: فأعطيته دينارا، وكتبت كلامه واستفسرته ما لم أعرفه قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الملطاط: أشد انخفاضاً من الغائط وأوسع منه، وحكى اللحيانى، عَنِ الأصمعى، أنه قَالَ: الملطاط: كل شفير نهر أو واد. والمواصي والمواصل واحد، يُقَال: تواصى النبت إذا اتصل بعضه ببعض. وأسياف جمع سيف، وهو ساحل البحر. وعكفت: أقامت. والسنون: الجدوب. ومحش جمع محوش، وهى التى تمحش الكلا، أى تحرقه. واجتنبت، افتعلت من الجب، يُقَال جببت السنام إذا قطعته، وكل شيء استأصلته فقد جببته. وهشمت: كسرت. والعرى جمع عروة، والعروة: القطعة من الشجر لا يزال باقيا عَلَى الجدب ترعاه أموالهم، قَالَ التغلبى: يروى: خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شجر العرى وعُرَاعر الأقوام ويروى: وعَرَاعِر، وهم السادة. وجمشت: احتلقت، قَالَ رؤبة: أو كاحتلاق النورة الجموش والنجم: ما نجم ولم يستقل عَلَى ساق. وأعجت أى جعلتها عجايا، والعجي: السيئ الغذاء المهزول، قَالَ الشاعر: عدانى أن أزورك أن بهمي ... عجايا كلها إلا قليلا وهمت: أذابت، العرب تقول: همك ما أهمك، أى أذابك ما أحزنك. قَالَ: وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: التحبت اللحم: عرفته عَنِ العظم. وأحجنت العظم، أى عوجته فصيرته كالمحجن. والمور:

الذي يجيء ويذهب، قَالَ إسماعيل: والمرو: الطريق، رواه أَبُو عبيدة، والمور بضم الميم: الغبار بالريح قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: الغور: الغائر: وأوزاع: فرق. والنبط: الماء الذى يستخرج من البئر أول ما تحفر، قَالَ الشاعر: قريب ثراه لا ينال عدوه ... له نبطا عند الهوان قطوب والقعاع: الماء الملح المر. والضهل: القليل من الماء، ومنه قيل: ما ضهل إليه منه شىء. والجزاع: أشد المياه مرارة، قَالَ إسماعيل، قَالَ يعقوب، ويقَالَ: ماء ملح، فإذا اشتدت ملوحته قيل: زعاق وقعاع وأجاج وحراق، أى يحرق أوبار الماشية من شدة قَالَ: ويقَالَ: ماء ملح يفقأ عين الطائر إذا بولغ فِي ملوحته، وماء خمجرير إذا كان ثقيلا، وقَالَ ابن الأعرابى يُقَال: ماء مخضرم وخمجرير ومخضم إذا لم يكن عذبا. والجعجاع: المكان الذى لا يطمئن من قعد عليه. ، قَالَ الأصمعى: الجعجاع: المحبس، وأنشد: إذا جعجعوا بين الإناخة والحبس وقَالَ أَبُو عمرو الشيبانى: الجعجاع: الأرض، وكل أرض جعجاع. وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: الهاوى: الجراد. والعاوي: الذئب. والتلفع: الاشتمال. قال: وهو اشتمال الصماء عند العرب، وهو ألا يرفع جانبا منه فتكون فيه فرجة. والوصيدة: كل نسيجة. والهبيد: حب الحنظل يعالج حتى يطيب فيختبز. والبخصات، واحدها بخصة، وهى لحم باطن القدم. ووقعة، من قولهم: وقع الرجل إذا اشتكى لحم باطن قدمه، قَالَ الراجز: يا ليت لى نعلين من جلد الضبع ... وشركاً من استها لا تنقطع كل الحذاء يحتذى الحافى الوقع وزلعة: متشققة، وأنشد: وغملى نصى بالمتان كأنها ... ثعالب موتي جلدها قد تزلعا

غملى: فعلى، وهو الذى قد تراكب بعضه عَلَى بعض. وقفعة ومقفعة واحد، وهى التى قد تقبضت ويبست. وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: المسلهم: الضامر المتغير. ، وقَالَ أَبُو زيد: المسلهم: المدبر فِي جسمه، وتفسير أَبِي بَكْرٍ أحسبه كلام الأصمعى. والمدرهم: الضعيف البصر الذى قد ضعف بصره من جوع أو مرض. ولم يذكر هذه الكلمة أحد ممن عمل خلق الإنسان. وأعشوا: أنظر، يُقَال: عشوت إِلَى النار إذا أحددت نظرك إليها، وأنشد: متى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد وقوله: فأغطش، أى أصير غطشا، والغطش: ضعف فِي البصر، يُقَال: رجل أغطش، وامرأة غطشى. وأسهل ظالعا، يقول: إذا مشيت فِي السهول ظلعت، أى غمزت. وأحزن راكعا، أى إذا علوت الحزن ركعت، أى كبوت لوجهى. والمير: العطية، من قولهم: ما رهم يميرهم ميرا. الكاهر والقاهر واحد، وقد قرأ بعضهم: فأما أليتيم فلا تكهر وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ أعرابى لرجل: ما اتهمت حسن ظنى بك منذ توجه رجائي نحوك، ولا قعدت بجد فائلٍ باعتمادى عليك، ولا استدعتني رغبة عنك إِلَى من سواك، ولا أرانى الاختبار غيرك عوضاً منك: الفائل: المخطئ، يُقَال: رجل فال الرأي، وفائل الرأي، وفيل الرأي، وفيل الرأي، إذا كان مخطئ الرأى وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابيا ذكر رجلا فقَالَ: كان والله للإخاء وصولا، وللمال بذولا، وكان الوفاء بهما عليه كفيلا، ومن فاضله كان مفضولا وقَالَ أَبُو زيد ومن أمثال العرب لم يهلك من مالك ما وعظك، أى إذا أفسدت بعض مالك فوعظك الذى أفسدت فأصلحت بعد، فكأن الذى أفسدت لم يهلك. ويقَالَ: ذليل عاذ بقرملةٍ، وهى شجرة صغيرة يُقَال ذلك لمن عاذ بمن هو أذل منه أو مثله. ويقَالَ: قد تحلب الضجور العلبة، أى قد تصيب من السيئ الخلق اللين لا تعدم ناقة من أمها حنة، أى لا تعدم شبهاً، يُقَال ذلك لمن أشبه أباه أو أمه.

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، وقرأنا أيضاً عليه: أقبلن من أعلى فياف بسحر ... يحملن صلالاً كأعيان البقر قوله: يحملن صلالاً، أى يحملن فحما يصل، أى يصوت. وأعيان جمع عين. وقرأنا عليه أيضاً لزيد الخيل: نصول بكل أبيض مشرفى ... على اللاتى بقي فيهن ماء عشية نؤثر الغرباء فينا ... فلا هم هالكون ولا رواء يعنى أنهم يفتظون الإبل فيأخذون ما بقى فِي كروشها من الماء. ومثله: وشربة لوحٍ لم أجد لشفائها ... بدون ذباب السيف أو شفره حلا وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: بينما أنا سائر بناحية بلاد بني عامر، إذ مررت بحلة فِي غائط يطؤهم الطريق، وإذا رجل ينشد فِي ظل خيمة له وهو يقول: أحقاً عباد الله أن لست ناظراً ... إلى قرقرى يوماً وأعلامها الغبر كأن فؤادى كلما مر راكب ... جناح غراب رام نهضاً إِلَى وكر إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاك الهوى واهتاج قلبك للذكر فيا راكب الوجناء أبت مسلما ... ولا زلت من ريب الحوادث فِي ستر إذا ما أتيت العرض فاهتف بجوه ... سقيت عَلَى شحط النوى سبل القطر فإنك من وادٍ إِلَى مرجب ... وإن كنت لا تزدار إلا عَلَى عفر قَالَ: فأذنت له وكان ندى الصوت، فلما رآنى أومأ إِلَى فأتيته فقَالَ: أأعجبك ما سمعت؟ فقلت: إى والله، فقَالَ: من أهل الحضارة أنت؟ قلت: نعم، قَالَ: فممن تكون؟ قلت: لا حاجة لك فِي السؤال عَنْ ذلك فقَالَ: أو ما حل الإسلام الضغائن وأطفأ الأحقاد؟ قلت: بلى، قَالَ: فما يمنعك إذا؟ قلت: أنا امرؤ من قيس، فقَالَ: الحبيب القريب من أيهم؟ قلت: أحد بني سعد بن قيس، ثم أحد بنى أعصر بن سعد، فقَالَ: زادك الله قربا، ثم وثب فأنزلنى عَنْ حمارى، وألقى عنه إكافه وقيده بقراب خيمته، وقام إلي زند فاقتدح وأوقد ناراً، وجاء بصيدانةٍ فألقى فيها تمرا وافرغ

مطلب الكلام على مادة ع ر ض وشرح حديث الأعرابي مع ضيفه

عليه سمنا، ثم لفته حتى التبك، ثم ذر عليه دقيقاً وقربه إِلَى، فقلت: إنى إِلَى غير هذا أحوج قَالَ: وما هو؟ قلت: تنشدنى، فقَالَ: أصب فإنى فاعل، فلقمت لقيماتٍ وقلت: الوعد، فقَالَ: ونعمى عينٍ، ثم أنشدنى: لقد طرقت أم الخشيف وإنها ... إذا صرع القوم الكري لطروق فيا كبدا يحمى عليها وإنها ... مخافة هيضات النوى لخفوق أقام فريق من أناس يودهم ... بذات الغضا قلبى وبان فريق بحاجة محزون يظل وقلبه ... رهين ببيضات الحجال صديق تحملن أن هبت لهن عشيةً ... جنوب وأن لاحت لهن بروق كأن فضول الرقم حين جعلنها ... غديا عَلَى أدم الجمال عذوق وفيهن من بحت النساء ربحلة ... تكاد عَلَى غر السحاب تروق هجان فأما الدعص من أخرياتها ... فوعث وأما خصرها فدقيق قَالَ: ففارقته وأنا من أشد الناس ظمأ إِلَى معاودة إنشاده مطلب الكلام عَلَى مادة ع ر ض وشرح حديث الأعرابي مع ضيفه العرض: وادٍ باليمامة، وكل واد يُقَال له: عرض، يُقَال: أخصب ذلك العرض، وأخصبت أعراض المدينة. والعرض أيضاً الريح، يُقَال: فلان طيب العرض، وفلان منتن العرض، أي الريح. والعرض أيضاً: ما ذم من الإنسان أو مدح، يُقَال، فلان نقي أن يشتم أو يعاب، واختلف فيه، فقَالَ أَبُو عبيد: عرضه: آباؤه وأسلافه، وخالفه ابن قتيبة، فقَالَ: عرضه: جسده، واحتج بحديث صلى الله وعليه وسلم فِي صفة أهل الجنة: لا يبولون ولا يتغوطون إنما هو عرق يجرى من أعراضهم مثل المسك يعنى من أبدانهم، ونصر شيخنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى أبا عبيد، فقَالَ: ليس هذا الحديث حجةً له، لأن الأعراض عند العرب المواضع التى تعرق من الجسد قَالَ: والدليل عَلَى غلط ابن قتيبة فِي هذا التأويل وصحة تأويل أبى عبيد قول مسكين الدارمى: رب مهزولٍ سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب

فمعناه: رب مهزول البدن والجسم كريم الآباء، قَالَ: وأما احتجاجه ببيت حسان بن ثابت: فإن أبى ووالده وعرضى ... لعرض محمد منكم وقاء فِي أن العرض الجسم، فليس كما ذكر، لأن معناه: فإن أبى ووالده وآبائى، فأتى بالعموم بعد الخصوص، ذكر الأب ثم جمع الآباء، كما قَالَ الله جل وعز: {ولقد أتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} فخص السبع ثم أتى بالقرآن العام بعد ذكره إياه، والذى قاله ابن قتيبة قد قاله غيره، ويمكن من ينصر ابن أن يقول: بيت مسكين مثل، ومعناه: رب مهزول الجسم سمين الحسب، أى عظيم الشرف، وسمين الجسم مهزول الحسب، أي ضعيف الشرف. والعرض: ما خالف الطول. والعرض من المال: ما ليس بنقد، والجمع عروض، يُقَال: اقبل منى عرضاً، أى دابة أو متاعا. والعرض: سفح الجبل، أي ناحيته، قَالَ ذو الرمة: أدنى تقاذفه تقريب أو خبب ... كما تدهدى من العرض الجلاميد ويقَالَ للجيش إذا كان كثيراً: ما هو إلا عرض من الأعراض، يشبه بناحية الجبل، قَالَ رؤبة: إنا إذا قدنا لقومٍ عرضا ... لم نبق من بغى الأعادى عضا والعض: الداهية. والعرض: مصدر عرضته عَلَى البيع أعرضه عرضا. والعرض: مصدر عرضت العود عَلَى الإناء أعرضه عرضا. والعرض مصدر عرضت له من حقه ثوبا، فأنا أعرضه عرضا إذا أعطيته ثوبا مكان حقه، هذه كلها مفتوحة العين مسكنة الراء، وكذلك مصدر عرضت له حاجة وعرضت عليه الحاجة. والعرض بضم العين: الناحية، يُقَال: ضربت به عرض الحائط، ويقَالَ: خرجوا يضربون الناس عَنْ عرض، يريدون عَنْ شق وناحية، لا يبالون من ضربوا، ومنه استعراض الخوارج الناس إذا لم يبالوا من قتلوا. ويقَالَ: قد أعرض لك الظبى، أى أمكنك من عرضه، أى من ناحيته. والعرض مفتوح الراء: حطام الدنيا وما يصيب منها الإنسان، يُقَال: إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر. والعرض أيضاً: الأمر يعرض للإنسان من مرض أو كسر أو غيرها مما يبتلى به، ويقَالَ: عرض له عارض، مثل عرضٍ، ولا تزال عارضة تعرض. والعارض: الأسنان التى بعد الثنايا، وهى الضواحك، وجمعه عوارض، يُقَال امرأة نقية العارض، ومصقولة العارض، قَالَ جرير:

أتذكر يوم تصقل عارضيها ... بعود بشامةٍ سقى البشام والعارض: الخد، كذا قَالَ أَبُو نصر. وقَالَ غيره: سئل الأصمعى عَنِ العارضين من اللحية، فوضع يده عَلَى ما فوق العوارض من الأسنان. ويقَالَ للنحل والجراد إذا كثر: مر منه عارض قد ملأ الأفق. ويقَالَ للجبل: عارض، وبه سمى عارض اليمامة. والعارضة: الشاة أو البعير يصيبه الداء أو السبع أو كسر، وجمعه عوارض، قَالَ: بنو فلان أكالون للعوارض. ويقَالَ: فلان شديد العارضة، أى الناحية. ويقَالَ: أخذ فِي عروضٍ ما تعجبنى، أى فِي طريقٍ وناحية، وعرفت ذلك فِي عروض كلامه. ويقَالَ لمكة والمدينة واليمن: العروض، ويقَالَ: ولى فلان العراق وولى فلان العروض. والعروض: عروض الشعر. والعروض: البعير الصعب. والعروضان: الجانبان. والعروض من الإبل والغنم: الذى يعترض الشوك فيأكله، يُقَال: غنم فلان تعرض إذا اعترضت الشوك فأكلته. وعريض عروض. والعريض من المعز: الذى أتى عليه نحو من سنةٍ ونب وأراد السفاد، وجمعه عرضان، وقَالَ اللحيانى قَالَ بعضهم: العريض من الظباء: الذى قد قارب الأثناء. والعريض عند أهل الحجاز: الخصى، والجميع العرضان. قَالَ: ويقَالَ: أعرضت العرضان إذا خصيتها. ويقَالَ: فلان عرضة للشر، أى قوى عليه، وفلانة عرضة للزوج، أى قوية عليه، وفرس عرضة للميدان، وجمل عرضة للحمل الثقيل. والعراضة: الهدية، يُقَال: ما عرضتهم، أى ما أهديت إليهم وأطعمتهم، قَالَ الشاعر: حمراء من معرضات الغربان ... يقدمها كل علاة عليان يقول عليها التمر فتأتى الغربان فتأكل مما عليها. والعراضة: الشىء يطعمه الركب من استطعمهم من أهل المياه. والعراضة والعريضة واحد، وجاء فِي بعض الحديث إذا طلعت الشعرى سفرا ولم تر فيها مطرا فلا تغذون إمرة ولا إمرة وأرسل العراضات أثر يبغينك فِي الأرض معمرا. فالعراضات:

الإبل العريضة الآثار. ويقَالَ: قوس عراضة، أى عريضة. والمعراض: السهم الذى لا ريش عليه. والمعرض: الثوب الذى تعرض فيه الجارية، وجمعه معارض. ويقَالَ: لقحت الناقة عراضاً، والعراض أن يعارضها الفحل فيتنوخها فيضربها، فذلك الضراب هو العراض، وإذا لقحت الناقة كذلك، قيل لقحت يعارة، قَالَ الراعى: نجائب لا يلقحن إلا يعارةً ... عراضاً ولا يشرين إلا غواليا ويقَالَ: جاءت فلانة بولد عَنْ معارضة وعن عراضٍ، وذلك إذا لم يكن له أب يعرف، ويقَالَ: أعرضت فلانة بأولادها، إذا ولدتهم عراضاً طوالا من الرجال، ويقَالَ: أعرض الشىء إذا صار ذا قَالَ ذو الرمة: عطاء فتىً بنى وبنى أبوه ... فأعرض فِي المكارم واستطالا أى تمكن من طولها وعرضها. وأعرض فلان عَنْ فلان يعرض إعراضا إذا لم يلتفت إليه، ويقَالَ: عرض فلان وطال إذا ذهب عرضا وطولا. ويقَالَ: عرضته للخير تعريضا، وزاد اللحيانى وأعرضته. وعارضت الشىء بالشىء قابلته به، وخرج يعارض الريح إذا لم يستقبلها ولم يستدبرها، ويقَالَ: فِي فلان عرضية أي صعوبة، وكذلك ناقة عرضية، أى فيها صعوبة. والعرضنة أن يمشى مشية فِي شق فيها بغى، ويقَالَ: هو يتعرض فِي الجبل إذا أخذ يميناً وشمالا، قَالَ عبد الله ذو البجادين يخاطب ناقة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعرضى مدارجاً وسومى ... تعرض الجوزاء للنجوم هذا أَبُو القاسم فاستقيمي المدارج: الثنايا الغلاظ. ومرجب: معظم وهو مأخوذ من ترجيب النخلة، وذلك أنها إذا كرمت عَلَى أهلها وعظم حملها رجبوها، والترجيب: أن تعمد برجبة، وهى بناء يبنى كالعمود تحتها تعمد به، قَالَ الشاعر: ليست بسنهاء ولا رجبية ... ولكن عرايا فِي السنين الجوائح

وكان أَبُو بَكْرِ بن دريد ينشد رجيبة، بتشديد الياء فقط، وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن مجاهد المقرى، عَنْ أحمد بن يوسف التغلبى رجيبة، بتشديد الجيم والياء، وكذلك أقرأنى أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى فِي الغريب المصنف، بتشديد الجيم والياء. وقوله: عَلَى عفر، أى عَلَى بعد من اللقاء، وقَالَ أَبُو زيد: بعد عفر: بعد شهر، وقَالَ غيره: بعد حينٍ، والحين: مثل البعد فِي المعنى. وقوله: أذنت له معناه استمعت له، قَالَ قعنب بن أم صاحب: صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا وقراب وقريب واحد، مثل كبار وكبير، وجسام وجسيم، وطوال وطويل. والصيدانة: القدر العظيمة. وقَالَ الأصمعى: الحضارة والبداوة: للحضر والبدو، بكسر الباء وفتح الحاء، وقَالَ أَبُو زيد: البداوة والحضارة، بفتح الباء وكسر الحاء. وهما عندى لغتان، الحضارة والحضارة، والبداوة والبداوة. ولفته: لواه. واللفيته: العصيدة، وإنما سميت لفيتة لأنها تلفت، أى تلوى. والتبك: اختلط، يُقَال: لبكت الشىء وبكلته إذا خلطته، قَالَ أمية بن أبى الصلت: له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادى إلى ردحٍ من الشيزى ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد أى يخلط بالشهد، يعنى الفالوذ. وقَالَ أَبُو زيد: الربحلة: اللحيمة الجيدة الجسم فِي الطول، ورجل ربحل. والسبحلة: الطويلة العظيمة، ورجل سبحل، وقَالَ الأصمعى: نعتت امرأة من العرب ابنتها فقَالَت: سبحلة ربحلة ... تنمى نبات النخله ويقَالَ: سقاء سبحل وسبحلل وسحبل، أى عظيم. وقَالَ: الجنوب لينة تؤلف السحاب وتكثفه، والشمال تفرقه، فيسمون الشمال: محوة، لأنها تمحو السحاب. والوعث: اللين الوطء، كذا قَالَ الأصمعى، وقَالَ أَبُو زيد نحو هذا، وقَالَ: هو الذى تسوخ فيه أخفاف الإبل، وهو شديد عليها.

مطلب حديث يحيى بن طالب وشكايته ورحلته إلى بغداد ليسأل السلطان

مطلب حديث يحيى بن طالب وشكايته ورحلته إِلَى بغداد ليسأل السلطان وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبى، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن سعيد، قَالَ: كان يحيي ابن طالب الحنفي شيخا كريما يقرى الأضياف ويطعم الطعام، فركبه الدين الفادح، فجلا عَنِ اليمامة إِلَى بغداد يسأل السلطان قضاء دينه، فأراد رجل من أهل اليمامة الشخوص من بغداد إِلَى اليمامة، فشيعه يحيى بن طالب، فلما جلس الرجل فِي الزورق ذرفت عينا يحيى وأنشأ يقول: أحقاً عباد الله أن لست ناظراً ... إلى قرقرى يوماً وأعلامها الخضر إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاك الهوى واهتاج قلبك للذكر أقول لموسى والدموع كأنها ... جداول ماء فِي مساربها تجرى ألا هل لشيخ وابن ستين حجةً ... بكى طرباً نحو اليمامة من عذر كأن فؤادى كلما مر راكب ... جناح غراب رام نهضاً إِلَى وكر يزهدنى فِي كل خيرٍ صنعته ... إِلَى الناس ما جربت من قلة الشكر فيا حزنا ماذا أجن من الهوى ... ومن مضمر الشوق الدخيل إِلَى حجر تعزبت عنها كارها فتركتها ... وكان فراقيها أمر من الصبر لعل الذى يقضى الأمور بعلمه ... سيصرفنى إليها يوما عَلَى قدر فتفتر عين ما تمل من البكا ... ويصحو قلب ما ينهنه بالزجر قَالَ أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى: حجر: قصبة اليمامة. قَالَ: فغنى هارون الرشيد بشعر يحيى بن طالب: أيا أثلات القاع من بطن توضح ... حنينى إِلَى أطلا لكن طويل ويا أثلات القاع قد مل صحبتى ... مسيرى فهل فِي ظلكن مقيل ويا أثلات القاع قلبى موكل ... بكن وجدوى خيركن قليل ألا هل إِلَى شم الخزامى ونظرةٍ ... إلى قرقرى قبل الممات سبيل فأشرب من ماء الحجيلاء شربةً ... يداوى بها قبل الممات غليل

أحدث عنك النفس أن لست راجعا ... إليك فخزني فِي الفؤاد دخيل أريد هبوطا نخوكم فيردنى ... إذا رمته دين عَلَى ثقيل فقَالَ هارون الرشيد: يقضى دينه، فطلب فإذا هو ميت قبل ذلك هذا بشهر وحَدَّثَنَا ابن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى النحوى، قَالَ: اراد الفضل بن يحيى أو جعفر بن يحيى سفرا، فقَالَ: قاتل الله جميلا، ما أشعره حيث يقول: لما دنا البين بين الحى واقتسموا ... حبل النوى فهو فِي أيديهم قطع جادت بأدمعها ليلى وأعجلنى ... وشك الفراق فما أبقى وما أدع يا قلب ويحك ما عيشى بذى سلمٍ ... ولا الزمان الذى قد مر مرتجع أكلما بان حى لا تلائمهم ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا علقتنى بهوى منهم فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع وقرأت هذه الأبيات فِي شعر جميل عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، مكان فما أبقى، فما أبكى، ومكان عيشى، عيش، ومكان، بهوى منهم، بهوى مردٍ وقَالَ الأصمعى: من أمثالهم جاء يفرى الفرا ويقد، إذا جاء يعمل محكماً، ومثله جاء يفرى الفرى. ويقَالَ: الحق أبلج والباطل لجلج، يراد أن الحق منكشف، والباطل ملتبس. ويقَالَ: ماء ولا كصداء، مثل حمراء، بئر طيبة الماء جدا، وكان أَبُو العباس محمد بن يزيد، يقول: كصدآء عَلَى وزن صدعاء، يقول: هذا ماء ولا بأس به، وليس كصداء، يضرب مثلا لمن حمد بعض الحمد ويفضل عليه غيره. ويقَالَ فتي ولا كمالك، مثله. ومرعي ولا كالسعدان، مثله. وأنشدنا ابن دريد، عَنْ عبد الرحمن، عَنْ عمه لرجل من بنى كلاب: فلما قضينا غصة من حديثنا ... وقد فاض من بعد الحديث المدامع جرى بيننا منا رسيس يزيدنا ... سقاما إذا ما استيقنته المسامع كأن لم تجاورنا أمام ولم نقم ... بفيض الحمى إذ أنت بالعيش قانع

فهل مثل أيامٍ تسلفن بالحمى ... عوائد أو غيث الستارين واقع فإن نسيم الريح من مدرج الصبا ... لأوراب قلبٍ شفه الحب نافع : الرس: شيء من الخبر، والرسيس مثله، قَالَ الأفوه الأودى: بمهمه ما لأنيسٍ به ... حس وما فيه له من رسيس وقَالَ أَبُو زيد: رسوت عنه حديثا أرسوه رسواً حدثت عنه، وقَالَ غيره: رسست الحديث فِي نفسى ارسه رسا إذا حدثت به نفسك، قَالَ الأصمعى: رسست بين القوم: أصلحت بينهم. والأوراب: واحدها ورب، وهو فساد يكون فِي القلب وفى غير ذلك، والعرب تقول: إنه لذو عرقٍ وربٍ، أى فاسد. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، عَنْ عبد الرحمن، عَنْ عمه، لرجل من بنى كلاب أيضاً: تحن إِلَى الرمل اليمانى صبابةً ... وهذا لعمرى لو رضيت كثيب فأين الأراك الدوح والسدر والغضا ومستخبر عمن تحب قريب هناك تغنينا الحمام ونجتنى ... جنى اللهو يحلو لى لنا ويطيب قَالَ أَبُو زيد: قَالَ الكلابيون سمعت سراً فما جايته: مثال جعيته، أى لم أكتمه، وفلان لا يجأى سراً، أى لا يكتمه، والمصدر الجأى والسقاء لا يجأى الماء، أى لا يحبسه، والراعي لا يجأى غنمه إذا لم يحفظها فتفرقت. وفلان لا يحجو سراً: أى لا يكتمه، والمصدر الحجو، والسقاء لا يحجو الماء، أى لا يحبسه، والراعى لا يحجو غنمه: أى لا يحفظها. قَالَ الأصمعى: يُقَال: طمح فِي السوم إذا استام بسلعته أكثر مما تساوى، وتشحى فِي السوم، وأبعط فِي السوم، وشحط فِي السوم، وذلك أن يتباعد. قَالَ: ويقَالَ مصع الظبى ولألأ إذا حرك ذنبه. ومثل من أمثالهم لا آتيك ما لألأت الفور والعفر، أى ما حركت أذنابها، أى لا آتيك أبداً، قَالَ: والأعفر: الأحمر من الظباء. والفور: السود، وقَالَ لى أَبُو بَكْرِ بن دريد: قَالَ الأصمعى: الفور: الظباء لا واحد لها. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيي النحوي: رفعنا الخموش عَنْ وجوه نسائنا ... إلى نسوة منهم فأبدين مجلدا

مطلب حديث زبراء الكاهنة مع بني رئام من قضاعة وشرح غريب ذلك

قَالَ أَبُو العباس: الخموش: الخدوش، وهذا رجل قتل من قومه قتلى، فكان نساؤهم يخمشن وجوههن عليهم، فأصابوا بعد ذلك منهم قتلى، فصار نساء الآخرين يخمشن وجوههن عليهم. يقول: لما قتلنا منهم قتلى بعد القتلى الذين كانوا قتلوا منا، حولنا الخموش عَنْ وجوه نسائنا إِلَى وجوه نسائهم. قَالَ وهذا مثل قول عمرو بن معد يكرب. عجبت نساء بنى زبيدٍ عجةً ... كعجيج نسوتنا غداة الأرنب قَالَ أَبُو العباس: العجة: الصوت. والأرنب: موضع. والمجلد: جلدة تمسكها النائحة بيدها، وربما أشارت بها إِلَى وجهها كأنها تلطمه بها، وأنشد: خرجن حريراتٍ وأبدين مجلدا ... ودارت عليهن المقرمة الصفر قَالَ أَبُو العباس: حريرات: حارات الأجواف من الحزن. وقوله: دارت عليهن المقرمة الصفر، يقول: سبين فأجليت عليهن القداح ليؤخذن أسهما، قَالَ ويروى: المكتبة الصفر: يعنى السهام التى عليها أسماء أصحابها مكتوبة، ولم يفسر أَبُو العباس مقرمة ولا أَبُو بَكْرٍ. : وأنا أقول مقرمة: معضضة، وذلك أن الرجل كان يعلم قدحه بالعض. مطلب حديث زبراء الكاهنة مع بني رئام من قضاعة وشرح غريب ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، عَنْ هشام بن محمد، عَنْ أبي مخنف، عَنْ أشياخ من علماء قضاعة قالوا: كان ثلاثة أبطن من قضاعة مجتورين بين الشحر وحضر موت: بنو ناعب، وبنو داهنٍ، وبنو رئام، وكانت بنو رئام أقلهم عددا وأشجعهم لقاء، وكانت لبنى رئام عجوز تسمى خويلة، وكانت لها أمة من مولدات العرب تسمى زبراء، وكان يدخل عَلَى خويلة أربعون رجلا كلهم لها محرم، بنو إخوة وبنو أخوات، وكانت خويلة عقيما، وكان بنو ناعب وبنو داهن متظاهرين عَلَى بنى رئام، فاجتمع بنو رئام ذات يوم فِي عرس لهم وهم سبعون رجلا كلهم شجاع بئيس، فطعموا وأقبلوا عَلَى شرابهم، وكانت زبراء كاهنة، فقَالَت لخويلة: انطلقي بنا إِلَى قومك أنذرهم، فأقبلت خويلة تتوكأ عَلَى زبراء، فلما أبصرها القوم قاموا إجلالا لها، فقَالَت: يا ثمر الأكباد،

وأنداد الأولاد وشجا الحساد، هذه زبراء، تخبركم عَنْ أنباء، قبل انحسار الظلماء، بالمؤيد الشنعاء، فاسمعوا ما تقول. قالوا: وما تقولين يا زبراء؟ قَالَت: واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق، إن شجر الوادى ليأدو ختلا، ويحرق أنياباً عصلاً، وإن صخر الطود لينذر ثكلا، لا تجدون عنه معلا، فوافقت قوما أشارى سكارى، فقالوا: ريح خجوج، بعيدة ما بين الفروج، أتت زبراء بالأبلق النتوج. فقَالَت زبراء: مهلاً يا بنى الأعزة، والله إنى لأشم ذفر الرجال تحت الحديد، فقَالَ لها فتى منهم يُقَال له هذيل بن منقذ: يا خذاق، والله ما تشمين إلا دفر إبطيك، فانصرفت عنهم وارتاب قوم من ذوى أسنانهم، فانصرف منهم أربعون رجلا ثلاثون فرقدوا فِي مشربهم، وطرقتهم بنو داهن وبنو ناعب فقتلوهم أجمعين وأقبلت خويلة مع وبقي الصباح فوقفت مصارعهم، ثم عمدت إِلَى خناصرهم فقطعتها، وانتظمت منها قلادةً وألقتها فِي عنقها، وخرجت حتى لحقت بمرضاوى بن سعوة المهرى، وهو ابن اختها، فأناخت بفنائه وأنشأت تقول: يا خير معتمدٍ وأمنع ملجإٍ ... وأعز منتقم وأدرك طالب جاءتك وافدة الثكالى تغتلى ... بسوادها فوق الفضاء الناضب عيرانة سرح اليدين شملة ... عبر الهواجر كالهزف الخاضب هذى خناصر أسرتى مسرودةً ... فِي الجيد منى مثل سمط الكاعب عشرون مقتبلا وشطر عديدهم ... صيابة ملقوم غير أشايب طرقتهم أم اللهيم فأصبحوا ... تستن فوقهم ذيول حواصب جزراً لعافية الخوامع بعدما ... كانوا العياث من الزمان اللاحب قسمت رجال بنى أبيهم بينهم ... جرع الردى بمخارصٍ وقواضب فأبرد غليل خويلة الثكلى التى ... رميت بأثقل من صخور الصاقب وتلاف قبل الفوت ثأرى إنه ... علق بثوبى داهنٍ أو ناعب فقَالَ حجر عَلَى مرضاوى الأعذبان والأحمران، أو يقتل بعدد رئامٍ من داهنٍ وناعب، ثم قَالَ: أخالتنا سر النساء محرم ... على وتشهاد الندامى عَلَى الخمر كذاك وأفلاذ الفئيد وما ارتمت ... به بين جاليها الوئية ملوذر

لئن لم أصبح داهنا ولفيفها ... وناعبها جهرا براغية البكر فوارى بنان القوم فِي غامض الثرى وصورى إليك من قناعٍ ومن ستر فإنى زعيم أن أروي هامهم ... وأظمئ هاماً ما انسرى الليل بالفجر ثم خرج فِي منسر من قومه، فطرق ناعبا وداهنا فأوجع فيهم: المؤيد: الداهية والأمر العظيم. والنفنف واللوح والسكاك والسكاكة والسحاح والكبد والسمهى: الهواء بين السماء والأرض، يُقَال: لأفعلن ذلك ولو نزوت فِي اللوح، ولو نزوت فِي السكاك، واللوح بفتح اللام: العطش. وقَالَ أَبُو زيد: أدوت له آدو أدوا إذا ختلته، قَالَ الشاعر: أدوت له لآخذه ... فهيهات الفتى حذرا ويقَالَ: دأيت له أيضا ودألت له بمعنى واحد. وحرق أنيابه إذا حك بعضها ببعض، والعرب تقول عند الغضب يغضبه الرجل عَلَى صاحبه هو يحرق عَلَى الأرم، أى الأسنان، والعصل: المعوجة، واحدها أعصل. والمعل: المنجا. والخجوج: السريعة المر. والأبلق لا يكون نتوجا، والعرب تضرب هذا مثلا للشىء لا ينال فتقول: طلب الأبلق العقوق فلما ... فاته أراد بيض الأنوق والأنوق: الذكر من الرخم ولا بيض له، هذا قول بعض اللغويين، وعامتهم يقولون: الأنوق: الرخمة وهى تبيض فِي مكان لم لا يوصل فيه إِلَى بيضها إلا بعد عناء، فيراد بهذا المثل أنه طلب ما لا يقدر عليه، فلما لم ينله طلب ما يجوز أن يناله، هذا عَلَى القول الثانى، فأما عَلَى القول الأول فإنه طلب ما لا يمكن، فلما لم يجد طلب أيضا ما لا يكون ولا يوجد، والعقوق: الحامل، يُقَال: أعقت الفرس فهى عقوق، ولم يقولوا: معق، تركوا القياس فيه، وهذا هو قول الأصمعى، وقد قَالَ بعض اللغويين: يُقَال: عقوق ومعق. والذفر يكون فِي النتن والطيب، وهو حدة الريح، والدفر بفتح الفاء لا يكون إلا فِي النتن، ومنه قيل للدنيا: أم دفر، وللأمة دفار، فأما الدفر بتسكين الفاء: فالدفع، يُقَال: دفر فِي عنقه. وخذاق: كناية عما يخرج من الإنسان، يُقَال: خذق ومزق

وزرق، وهذا قول ابن الأعرابى. والمغالاة: المباعدة فِي الرمى. وقَالَ الأصمعى: الناضب: البعيد، ومنه نضب الماء أي بعد أن ينال. وعيرانه: تشبه العير لصلابتها. والسرح: السهلة رجع اليدين. والشملة: السريعة الخفيفة. ويقَالَ: ناقة عبر أسفار إذا كانت قوية عَلَى السفر، وعبر الهواجر إذا كانت قوية عَلَى الحر، وأصل هذا كأنه يعبر بها الهواجر والأسفار. والهزف والهجف: الظليم الجافى. والخاضب: الذى قد اكل الربيع فاحمرت ظنبوباه وأطراف ريشه. والطنبوب: مقدم عظم الساق. ومسرودة: مشكوكة. ومقتبل: مستأنف الشباب. وأشايب: أخلاط من الناس. والصيابة: صميم القوم وخالصهم. وأم اللهيم: الداهية. والحواصب: الرياح التى تسفي الحصباء. والخوامع: الضباع. واللاحب: القاشر، لحبت الشىء قشرته. والمخارص، واحدها مخرص وهو سكين كبير مثل المنجل يقطع به الشجر. وخريص البحر: خليج منه كأنه مخروص، أى مقطوع من معظمه. والصاقب: جبل معروف. وحجر: حرام. والأعذبان: النكاح والأكل. والأحمران: اللحم والخمر. والسر: النكاح وقَالَ الأعشى: فلا تنكحن جارةً إن سرها ... عليك حرام فانكحن أو تأبدا والأفلاذ، واحدها فلذ، ويقَالَ: أعطيته حزة من لحم وفلذةً من لحم وحذيةً من لحم، كل هذا ما قطع طولا، فإذا أعطاه مجتمعا قيل: أعطاه بضعة وهبرة ووذرة وفدرة. والفئيد: الشواء، وهو فعيل بمعنى مفعول، يُقَال: فأدت اللحم إذا شويته، والمفأد: السفود. والمفتأد: المشتوى. والجالان: الناحيتان من اعلاهما إِلَى أسفلهما، يُقَال: جال البئر، وجول البئر. ويقَالَ: رجل ماله جول ولا معقول إذا كان ضعيف الرأى أحمق. والوئية: القدر العظيمة. وصورى: ميلى. وزعيم: ضامن، وكذلك قبيل وحميل وكفيل وضمين واحد. ويقَالَ فِي القبيل: قبلت به أقبل قبالة. وقوله أروى هاما، كانت العرب تقول: إذا قتل الرجل فلم يدرك بثأره خرج من هامته طائر يسمى الهامة فلا يزال يقول: اسقونى اسقونى حتى يقتل قاتله فيسكن، قَالَ ذو الإصبع العدوانى: يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني

مطلب حديث عوف بن محلم مع عبد الله بن طاهر

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابيا ذم رجلا فقَالَ: تسهر والله زوجته جوعا إذا سهر شبعا، ثم لا يخاف مع ذلك عاجل عار، ولا آجل نار، كالبهيمة أكلت ما جمعت، ونكحت ما وجدت: قوله: إذا سهر شبعا يعنى من شدة الكظة والامتلاء. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد بن محمد بن عباد، عَنِ ابن الكلبى، قَالَ: قيل لرجل من حمير: ما العز فيكم؟ قَالَ: حوط الحريم، وبذل الجسم، ورعاية الحق، وقول الصدق، وترك التحلى بالباطل، والصبر عَلَى المثاكل، واجتناب الحسد، وتعجيل الصفد مطلب حديث عوف بن محلم مع عبد الله بن طاهر وحَدَّثَنَا عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن جوان صاحب الزيادى، قَالَ: قَالَ ابن محلم: كنت آتى عبد الله بن طاهر فِي كل سنة، وكانت صلتى عنده خمسة آلاف درهم، فأتيته آخر ما أتيته فشكوت إليه ضعفى ثم أنشدته: أفى كل عامٍ غربة ونزوح ... أما للنوى من ونيةٍ فتريح لقد طلح البين المشت ركائبى ... فهل أرين البين وهو طليح وأرقنى بالرى نوح حمامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح على أنها ناحت ولم تذر دمعة ... ونحت أسراب الدموع سفوح وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخى مهامه فيح عسى جود عبد الله أن يعكس النوى فتضحى عصا التسيار وهى طريح فان الغنى مدنى الفتى من صديقه ... وعدم الفتى بالمقترين نزوح فتوجع له عبد الله وقَالَ: صلتك عشرة آلاف درهم فِي كل سنة ولا تتعبن إلينا فإنها توافيك فِي منزلك إن شاء الله، ففعل وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، وأَبُو بَكْرِ بن دريد، كل واحد منهما عَلَى صاحبه من قصيدة توبة ابن الحمير:

يقول أناس لا يضيرك نأيها ... بلى كل ما شف النفوس يضيرها بلى قد يضير العين أن تكثر البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها أرى اليوم يأتى دون ليلى كأنما ... أتت حجج من دونها وشهورها لكل لقاء نلتقيه بشاشة ... وإن كان حولا كل يوم أزورها وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغذاة سفورها وقد رابنى منها صدود رأيته ... وإعراضها عَنْ حاجتى وبسورها حمامة بطن الواديين ترنمى ... سقاك من الغر الغوادى مطيرها أبينى لما لا زال ريشك ناعماً ... وبيضك فِي حضراء غض نضيرها وأشرف بالقور اليفاع لعلنى ... أرى نار ليلى أو يرانى بصيرها وقد زعمت ليلى بأنى فاجر ... لنفسى تقاها أو عليها فجورها وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أنشدنا الرياشى: ألا قاتل الله الحمامة غدوةً ... على الأيك ماذا هيجت حين غنت تغنت غناء أعجمياً فهيجت ... جواى الذى كانت ضلوعي أكنت نظرت بصحراء البريقين نظرةً ... حجازيةً لو جن طرف لجنت وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، للعوام بن عقبة بن كعب: أن سجعت فِي بطن وادٍ حمامة ... تجاوب أخرى ماء عينيك غاسق كأنك لم تسمع بكاء حمامة ... بليلٍ ولم يحزنك إلف مفارق ولم تر مفجوعا بشىء يحبه ... سواك ولم يعشق كعشقك عاشق بلى فأفق عَنْ ذكر ليلى فإنما ... أخو الصبر من كف الهوى وهو تائق قَالَ: وأنشدنا أَبُو حاتم لرجل من بنى نهشل: ألام عَلَى فيض الدموع وإننى ... بفيض الدموع الجاريات جدير أيبكى حمام الأيك من فقد إلفه ... وأصبر عنها إنني لصبور

وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا الرياشي، عَنِ الأصمعي، قَالَ: أنشدنا منتجع بن بنهان لرجل من بنى الصيداء: دعت فوق أفنانٍ من الأيك موهناً ... مطوقة ورقاء فِي إثر آلف فهاجت عقابيل الهوى إذ ترنمت ... وشبت ضرام الشوق تحت الشراسف بكت بجفونٍ دمعها غير ذراف ... وأغرت جفونى بالدموع الذوارف وقَالَ الأصمعى: من أمثالهم: أينما أذهب ألق سعدا، قَالَ: كان غاضب الأضبط بن قريع سعدا فجاور فِي غيرهم فآذوه، فقَالَ: أينما أذهب ألق سعدا: أى قوما ألقى منهم مثل ما لقيت من سعد. قَالَ ويقَالَ: محسنة فهيلي، يُقَال ذلك للرجل يسىء فِي أمر يفعله فيؤمر بذلك عَلَى سبيل الهزء به. وقَالَ الأصمعى: ومن أمثال العرب لا يرحلن رحلك من ليس معك، أى لا تدخلن فِي أمرك، من ليس نفعه نفعك نفعك ولا ضرره ضررك. ويقَالَ: المرء يعجز لا المحالة. يقول: إن العجز أتى من قبله، فأما الحيلة فواسعة وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: سفيراً خروجٍ أدلجا لم يعرسا ... ولم تكتحل بالنوم عين تراهما فلم أر مختالين أحسن منهما ... ولا نازلا يقرى غدا كقراهما قَالَ أَبُو العباس: سفيرا خروج يعنى غيثين. والسفير: المتقدم. وخروج يعنى من السحاب. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنى أبى: تذكرنى أم العلاء حمائم ... تجاوبن إذ مالت بهن غصون تملأ طلا ريشكن من الندى ... وتخضر مما حولكن فنون ألا يا حمامات اللوى عدن عودةً ... فإنى إِلَى أصواتكن حزين فعدن فلما عدن كدن يمتننى ... وكدت بأشجانى لهن أبين وأنشدنى جحظة: وكدت بأسراري لهن أبين وعدن بقرقار الهدير كأنما شربن حميا أو بهن جنون فلم تر عينى مثلهن حمائما ... بكين ولم تدمع لهن عيون

وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أنشدنى أبى: دع ذكرهن فما تزال تشبه ... ورقاء تركب حانياً ميادا تدعو حمائم أيكةٍ بهديلها ... يخضعن حين يجبنها الأجيادا يا ويحهن حمائما هجين لي ... شوقا يكاد يصدع الأكبادا وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، لحميد بن ثور ولم يروه الأصمعى فِي شعر حميد: إذا نادى قرينته حمام ... جرى لصبابتي دمع سفوح يرجع بالدعاء عَلَى غصون ... هتوف بالضحى غرد فصيح هفا لهديله منى إذا ما ... تغرد ساجعاً قلب قريح فقلت حمامة تدعو حماما ... وكل الحب نزاع طموح وأنشدنى أَبُو بَكْرٍ: كاد يبكى أو بكى جزعا ... من حمامات بكين معا ذكرته عيشةً سلفت ... قطعت أنفاسه قطعا وأنشدني أَبُو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى، قَالَ: أنشدنى أَبُو العباس محمد بن يزيد الثمالى، لعوف بن محلم: ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح أفق لا تنح من غير شىء فإننى ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح ولوعا فشطت غربةً دار زينبٍ ... فها أنا أبكى والفؤاد جريح وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: خرجنا من عمان فِي سفر لنا فنزلنا فِي أصل نخلة، فنظرت فإذا فاختتان تزقوان فِي فرعها، فقلت: اقول لورقاوين فِي فرع نخلةٍ ... وقد طفل الإمساء أو جنح العصر وقد بسطت هاتا لتلك جناحها ... ومال عَلَى هاتيك من هذه النحر ليهنكما أن لم تراعا بفرقةٍ ... وما دب فِي تشتيت شملكما الدهر فلم أر مثلى قطع الشوق قلبه ... على أنه يحكي قساوته الصخر

مطلب حديث خنافر الحميري مع رئيه شصار ودخوله في الإسلام بإرشاد رئية المذكور وشرح الغريب في هذه القصة

مطلب حديث خنافر الحميري مع رئيه شصار ودخوله فِي الإسلام بإرشاد رئية المذكور وشرح الغريب فِي هذه القصة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عمى، عَنْ أبيه، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، قَالَ: كان خنافر بن التوءم الحميرى كاهنا، وكان قد أوتى بسطةً فِي الجسم، وسعةً فِي المال، وكان عاتيا، فلما وفدت وفود اليمن عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وظهر الإسلام، أغار عَلَى إبل لمرادٍ فاكتسحها، وخرج بأهله وماله ولحق بالشحر، فحالف جودان بن يحيى الفرضمى، وكان سيدا منيعا، ونزل بواد من أودية الشجر مخصبا كثير الشجر من الأيك والعرين. قَالَ خنافر: وكان رئي فِي الجاهلية لا يكاد يتغيب عنى، فلما شاع الإسلام فقدته مدة طويلة وساءنى ذلك، فبينا أنا ليلةً بذلك الوادى نائما إذ هوى العقاب، فقَالَ: خنافر، فقلت شصار؟ فقَالَ: اسمع أقل، قلت: قل أسمع، فقَالَ: عِهِ تغنم، لكل مدةٍ نهاية، وكل ذى أمد إِلَى غاية، قلت: أجل، فقَالَ: كل دولة إِلَى أجل، ثم يتاح لها حول، انتسخت النحل، ورجعت إِلَى حقائقها الملل، إنك سجير موصول، والنصح لك مبذول، وإنى آنست بأرض الشام، نفرا من آل العذام، حكاما عَلَى الحكام، يذبرون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلف، ولا السجع المتكلف، فاصغيت فزجرت، فعاودت فظلفت، فقلت بم تهينمون، وإلام تعتزون؟ قالوا: خطاب كبار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شصار، عَنْ أصدق الأخبار، وأسلك أوضح الآثار، تنج من أوار النار، فقلت: وما هذا الكلام؟ فقالوا: فرقان بين الكفر والإيمان، رسول من مضر، من أهل المدر، ابتعث فظهر، فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألف بالآى الكبر، قلت: ومن هذا المبعوث من مضر؟ قَالَ: أحمد خير البشر، فإن آمنت أعطيت الشبر، وإن خالفت أصليت سقر، فآمنت يا خنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كل كافر، وشايع كل مؤمن طاهر، إلا فهو الفراق، لا عَنْ تراق، قلت: من أين أبغى هذا الدين؟ قَالَ: من ذات الإحرين، والنفر اليمانين، أهل الماء والطين، قلت: أوضح، قَالَ: الحق بيثرب ذات النخل، والحرة ذات النعل، فهناك أهل الطول والفضل، والمواساة والبذل، ثم املس عنى. فبت مذعورا أراعى الصباح، فلما برق لي النور امتطيت راحلتى، وآذنت أعبدى، واحتملت بأهلى حتى وردت الجوف، فرددت الإبل عَلَى أربابها بحولها وسقابها،

وأقبلت أريد صنعاء، فأصبت بها معاذ بن جبل أميراً لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعته عَلَى الإسلام وعلمني سورًا من القرآن، فمن الله عَلَى بالهدى بعد الضلالة، والعلم بعد الجهالة، وقلت فِي ذلك: ألم تر أن الله عاد بفضله ... فانقذ من لفح الزخيخ خنافرا وكشف لى عَنْ حجمتى عماهما ... وأوضح لي نهجي وقد كان داثرا دعانى شصار للتى لو رفضتها ... لأصليت جمرا من لظى الهوب واهرا فأصبحت والإسلام حشو جوانحى ... وجانبت من أمسى عَنِ الحق نائرا وكان مضلى من هديت برشده ... فلله مغوٍ عاد بالرشد آمرا نجوت بحمد الله من كل قحمة ... تؤرث هلكاً يوم شايعت شاصرا وقد أمنتنى بعد ذاك يحابر ... بما كنت أغشى المنديات يحابرا فمن مبلغ فتيان قومى ألوكة ... بأنى من اقتال من كان كافرا عليكم سواء القصد لا فل حدكم ... فقد أصبح الإسلام للكفر قاهرا اكتسحها: كنسها، يُقَال: كسحت البيت وقممته وخمته وسفرته، كلها بمعنى واحد. والمقمة والمخمة والمكسحة والمسفرة: كلها المكنسة. والخمامة والسباطة والكساحة والقمامة والكبا مقصور: كل ما كنسته من البيت فألقيته من قماش وتراب. والكباء ممدود: البخور، يُقَال: قد كبا ثوبه إذا بخره. وفي رئي لغتان يُقَال: رئي وروئي وهو ما يتراءى للإنسان من الجن. والحول: التحول. والسجير: الصديق. والشجير بالشين معجمه: الغريب، وقد قَالَ بعض اللغويين، يُقَال: السجير والشجير للصديق. وينست: أبصرت، قَالَ الله عز وجل: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] . والعذام: قبيلة من الجن كذا قَالَ أَبُو بَكْرٍِ. ويقَالَ: ذبرت الكتاب إذا قرأته، وزبرته إذا كتبته، وقد قالوا ذبرته وزبرته بمعنى واحد إذا كتبته. وظلفت: منعت، قَالَ الشاعر: ألم أظلف عَنِ الشعراء عرضى ... كما ظلف الوسيقة بالكراع والأُوار: شدة الحر. والشبر: الخير وحرك للسجع كما حركه العجاج لإقامة الشعر، قَالَ:

الحمد لله الذى أعطى الشبر ... موالى الخير إن المولى شكر وقَالَ الأصمعى: جمع الحرة حرار وحرون وإحرون. والنعل: المكان الغليظ من الحرة. وآذنت: أعلمت. والحول جمع حائل وهى الأنثى من أولاد الإبل. والسقاب جمع سقب وهو الذكر. وقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الزخيخ بلغة أهل اليمن: النار. والحجمتان: العينان بلغتهم، قَالَ شاعرهم، وأكل أمه الذئب: فيا حجمتا بكى عَلَى أم واهبٍ ... أكيلة قلوبٍ ببعض المذانب والقلوب والقليب بلغتهم الذئب. والهوب: النار بلغتهم. والواهر: الساكن مع شدة الحر، وكل هذه الأحرف من لغتهم. ونائر: نافر. والقحمة: الشدة. والأقتال: الأعداء، والأقتال: الأقران، واحدهم قتل. : التفسير لأَبِي بَكْرٍ من قوله: والزخيخ بلغة أهل اليمن النار إِلَى قوله نائر. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو الحسن بن البراء، قَالَ: أنشدنى إبراهيم بن سهل، لقيس ابن ذريح. قَالَ: والناس ينحلونها غيره وبعضهم يصححها له وأنشدنا أبى، عَنْ أحمد بن عبيد، عَنْ أبى عمرو الشيبانى، عَنْ قيس المجنون: سأصرم لبنى حبل وصلك مجملاً ... وإن كان صرم الحبل منك يروع وسوف أسلى النفس عنك كما سلا ... عَنِ البلد النائي البعيد نزيغ وإن مسنى للضر منك كآبة ... وإن نال جسمى للفراق خشوع سقي طلل الدار التى أنتم بها ... بشرقى لبنى صيف وربيع يقولون صب النساء موكل ... وما ذاك من فعل الرجال بديع مضى زمن والناس يستشفعون بى ... فهل لى إِلَى لبنى الغداة شفيع أيا حرجات الحى حيث تحملوا ... بذى سلمٍ لا جادكن ربيع وخيماتك اللاتى بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع إلى الله أشكو نيةً شقت العصا ... هى اليوم شتى وهى أمس جميع وما كاد قلبى بعد أيام جاوزت ... إلي بأجراع الثدي يريع

فإن انهمال العين بالدمع كلما ... ذكرتك وحدى خاليا لسريع فلو لم يهجني الظانون لهاجنى ... حمائم ورق فِي الديار وقوع تجاوبن فاستبكين من كان ذا هوىً ... نوائح ما تجرى لهن دموع لعمرك إنى يوم جرعاء مالكٍ ... لعاص لأمر المرشدين مضيع ندمت عَلَى ما كان منى فقدتنى ... كما يندم المغبون حين يبيع إذا ما لحانى العاذلات بحبها ... أبت كبد مما أجن صديع وكيف أطيع العاذلات وحبها ... يؤرقنى والعاذلات هجوع عدمتك من نفس شعاعٍ فإننى ... نهيتك عَنْ هذا وأنت جميع فقربت لى غير القريب وأشرقت ... هناك ثنايا مالهن طلوع فضعفنى حبيك حتى كأننى ... من الأهل والمال التلاد خليع وحتى دعانى الناس أحمق مائقا ... وقالوا مطيع للضلال تبوع قَالَ: وأنشدني أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: أنشدنا عبد الله بن خلف لقيس المجنون: راحوا يصيدون الظباء وإننى ... لأرى تصيدها عَلَى حراما أشبهن منك سوالفاً ومدامعا ... فأرى عَلَى لها بذاك ذماما أعزز عَلَى بأن أروع شبيهها ... أو أن يذقن عَلَى يدى حماما قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيي، قَالَ: ذكرنا أعرابى رجلا فقَالَ: ماله لمج أمه، فرفعوا إِلَى السلطان، فقَالَ: إنما قلت: ملج أمه قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: قَالَ أَبُو العباس: لمجها: نكحها، وملجها: رضعها. وقرأت عَلَى أبى عمرو، عَنْ أبى العباس، عَنِ ابن الأعرابى، قَالَ: اختصم شيخان غنوى وباهلى، فقَالَ أحدهما لصاحبه: الكاذب محج أمه، قَالَ الآخر: انظروا ما قَالَ لى: الكاذب محج أمه، أى جامع أمه، فقَالَ الغنوى: كذب ما قلت له هكذا، إنما قلت له: الكاذب ملج أمه يُقَال: ملج يملج، وملج يملج، ولمج يلمج إذا رضع.

مطلب الكلام على معنى قول بعض العرب ملحها موضوعة فوق الركب

يُقَال: محجها ومخجها ونخجها، وهو مأخوذ من قولهم: مخجت الدلو فِي البئر، إذا حركتها لتمتلئ ونخجتها أيضاً بالنون. وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس، لمسكين بن عامر الحنظلى: أصبحت عاذلتى معتلةً ... قرمت بل هى وحمى للصخب أصبحت تتفل فِي شحم الذرى ... وتعد اللوم درا ينتهب لا تلمها إنها من نسوةٍ ... ملحها موضوعة فوق الركب قَالَ أَبُو العباس: الوحم: الشهوة عَلَى الحمل، فجعله هاهنا للصخب. قَالَ أَبُو بَكْرٍِ، عَنْ أبى العباس، قوله: تتفل فِي شحم الذرى يعني أنها تتفل عَلَى بلي وتعوذها من العين لتعظمها فِي عيني قلا أهبها. وتعد اللوم درا ينتهب، أي من حرصها عليه. مطلب الكلام عَلَى معنى قول بعض العرب ملحها موضوعة فوق الركب وقوله ملحها موضوعة فوق الركب حكى عَنِ الأصمعي أنه قَالَ: كانت زنجية حبشية. والملح: السمن، يُقَال: تملح وتحلم إذا سمن، يقول: سمنها فوق ركبتيها، أي فِي عجيزتها. وقَالَ أَبُو عمر الشيبانى: ملحها موضوعة فوق الركب. أي إنها بخيلة تضع ملحها فوق ركبتها، فهي تأمرني بذلك وقاتل غيرهما من اللغوين: قوله: ملحها موضوعة فوق الركب. أي إنها سريعة الغضب، يُقَال لسريع الغضب: ملحه فوق ركبتيه، وكذلك غضبه عَلَى طرف أنفه. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: وقف علينا أعرابى ونحن برملة اللوى، فقَالَ: رحم الله امرأ لم تمجج أذناه كلامي، وقدم معاذة من سوء مقامي فإن البلاد مجدبة، والحال مسغبة، والحياء زاجر يمنع من كلامكم، والفقر عاذر يدعوا إِلَى إخباركم، والدعاء أحد الصدقتين، رحم الله امرأ أمر عمير، أو دعا بخير، فقلت: ممن أنت يرحمك الله؟ فقَالَ: اللهم غفرا، سوء لاكتساب، يمنع من الانتساب

مطلب ما قاله بعض الأعراب في صفة قومه

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، حَدَّثَنَا العكلى، عَنِ الحرمازى، عَنِ ابن الكلبي أن رجلا أغلظ لعمرو بن سعيد بن عمرو بن العاص، فقَالَ له عمرو: مهلا، عمرو ليس بحلو المذاقة، ولا رخو الملاكة، ولا الخسيس ولا المخسوس، ولا نكس الشكس، الهالك فهاهة، الجاهل سفاهة، والله ما أنا بكهام اللسان، ولا كليل الحد، ولا عي الخطاب، ولا خطل الجواب، أيهات! جاريات والله الأسنان، وجرستنى الأمور، ولقد علمت قريش أنى ساكن الليل داهية النهار، لا أنهض لغير حاجتى ولا أتبع أفياء الظلال، وإنك أيها الرجل لأبيض أملود، رقيق الشعرة، نقي البشرة، صاحب للظلمات، ووثاب جدرات، وزوار جارات: المجرس والمضرس والمقتل والمنجد الذى قد جرب الأمور وعرفها. والفه: العي الكليل قَالَ أَبُو زيد، قَالَ ويقَالَ: جئت لحاجة فأفهنى عنها فلان حتى فههت إذا أنساكها. والأملود: الناعم، قَالَ ذو الرمة: خراعيب أملود كأن بنانها بنات النقا تخفي مرارا وتظهر مطلب ما قاله بعض الأعراب فِي صفة قومه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يذكر قومه فقَالَ: كانوا والله إذا اصطفوا تحت القتام، خطرت بينهم السهام، بوفود الحمام، وإذا تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها، فرب يومٍ عارمٍ قد أحسنوا أدبه، وحرب عبوس قد ضاحكتها أسنتهم، وخطب شر قد ذللوا مناكبه، ويوم عماس قد كشفوا ظلمته بالصبر حتى ينجلى، إنما كانوا، البحر الذى لا ينكش غماره، ولا ينهنه تياره قوله: فغرت: فتحت، قَالَ حميد بن ثور: عجبت لها أنى يكون غناؤها فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما والشئز: المقلق، والشأز والشأس: الأرض الغليظة، قَالَ العجاج: إن ينزلوا بالسهل بعد الشأس ومنه سمى الرجل شاسا. والعماس: الشديد. وينكش: ينزح. ويقَالَ: قليب عيلم لا يغضغض ولا يؤبى ولا يؤبي ولا يؤبي ولا يؤبي ولا يؤبي ولا يؤبي ولا يؤبى ولا ينكف ولا ينكش ولا يفتح ولا يغرض ولا ينزح ولا ينزف.

يجوز فتح الغين الثانية وكسرها من يغضغض، وفتح الراء قَالَ لى أَبُو عمرو المطرز حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، قَالَ: قيل لرجل من حمير: ما الداء العضال؟ فقَالَ: هوى محرض، وحسد ممرض، وقلب طروب، ولسان كذوب، وسؤال كديد، ومنع جحيد، ورشد مطروح، وغني ممتنح: الحرض: الساقط الذى لا يقدر عَلَى النهوض، يُقَال: أحرضه الله إحراضا. والكديد: الذى يكد المسئول. وجحيد: يابس لا بلل فيه، قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: رجل جحد وقد جحد إذا كان قليل الخير. وأرض جحدة: يابسة قليلة الخير. والممتنح: المستعار واصله من المنحة والمنيحة، وهو أن يعطى الرجلُ الرجلَ الشاة أو الناقة يحتلبها وينتفع بصوفها إِلَى مدة ثم يردها إِلَى صاحبها. قَالَ أَبُو زيد من أمثال العرب: من أجدب انتجع، بقوله الرجل عند كراهته المنزل والجوار وقلة ماله. ومن أمثالهم: الجحش لما بذك الأعيار، يقول: عليك بالجحش إذا فاتتك الأعيار، يضرب المثل للرجل يطلب الأمر غير الخسيس فيفوته، فيقول له: اطلب دون ذلك. ومن أمثالهم: يا حبذا التراث لولا الذلة، زعموا أن رجل مات فبعث أخوه إِلَى امرأته أن ابعثى إِلَى بعشاء أخى، فبعثت به فرآه كثيراً فقَالَ: يا حبذا التراث لولا الذلة، يقول: التراث حلو لولا أن أهل بيته يقلون. ويقَالَ: أصلح غيث ما أفسد برده يضرب مثلا للرجل يكون فاسدا ثم يصلح. وأنشدنا ابن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: بكيت إلى سرب القطا إذا مررن بي وقلت ومثلى بالبكاء جدير أسرب القطا هل من يعير جناحه لعلى إِلَى من قد هويت أطير وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه لأبى المطرز العنبرى: أيا أبرقى مغنى بثينة أسعدا ... فتىً مقصدا بالشوق فهو عميد ليالى منا زائر متهالك ... وآخر مشهور فيه صدود على أنه مهدى السلام وزائر ... إذا لم يكن ممن يخاف شهود وقد كان مغنى بثينة لو بدت ... عيون بها تبدو لنا وخدود

وأنشدنا أَبُو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى، قَالَ: أنشدنا محمد بن الحسن بن الحرون: ولما رأت أن النوى أجنبية ... وأن خليلا من غدٍ سيبين بكت فبكى من لاعج الشوق والأسى ... وكل بكل أن يبين ضنين فقلت ولم أملك سوابق عبرةٍ ... على الخد منى فالدموع هتون لقد كنت أبكى قبل أن تشحط النوى ... فكيف إذا ما غبت عنك أكون قَالَ أَبُو محمد وأنشدنا أيضاً: ولما رأت أن قد عزمت وراعها الفراق ... بكت والإلف يبكى من البين لعمرى لئن أبكيت بالسير عينها ... لقد طالما أبكت بإعراضها عينى قَالَ الأصمعى يُقَال: بنى سافاً وسطراً وسطراً ومدماكاً كله بمعنى واحد، وهو السطر من الطين واللبن، وأنشدنا بعض أصحاب أبى العباس المبرد لأبى العباس: أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إِلَى الصب لو كتب النحو عَنِ الرب ... ما زاده إلا عمى قلب : فحكى لنا أن أبا العباس ثعلبا أنشد هذين البيتين، فقَالَ متمثلا: أسمعنى عبد بنى مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا ولم أجبه لاحتقارى له ... ومن يعض الكلب إن عضا وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم أو عبد الرحمن، عَنِ الأصمعي، الشك من أبي عَلَى: اقرأ عَلَى الوشل السلام وقل له كل المشارب مذ هجرت ذميم سقيا لظلك أملك بالعشى وبالضحى ولبرد مائك والمياه حميم لو كنت أملك منع مائك لم يذق ما فِي قلاتك ما حييت لئيم: القلات جمع قلتٍ، والقلت: النقرة تكون فِي الصخرة وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، لهلال المازني، واغترب عَنْ قومه: أقول لناقتى عجلى وحنت إلى الوقبى ونحن عَلَى جراد أتاح الله يا عجلى بلاداً هواك بها مربات العهاد

مطلب حديث مصاد بن مذعور، وخروجه في طلب الذود، وما أخبره به الجواري الأربع الطوارق بالحصي

وأسقاها فرواها بودقٍ مخارجه كأطراف المزاد فما عَنْ بغضةٍ منا وزهدٍ تبدلنا بها عليا مراد ولكن الحوادث أجهضتنا عَنِ الوقبي وأطراف الثماد أجهضتنا: أخرجتنا، يُقَال: أجهضت الناقة إذا ألقت ولدها لغير وقته. وقَالَ الأصمعى: ومن أمثال العرب: هذا ولما تردى تهامة، يضرب مثلا للرجل يجزع قبل وقت الجزع! ويقَالَ: عرف حميق جمله، يضرب مثلا للرجل قد عرف الرجل فاجترأ عليه. ويقَالَ: من استرعى الذئب ظلم، يراد به من ولى غير الأمين فالظلم جاء من عنده. ويقَالَ: خرقاء وجدت صوفاً، يضرب مثلا للرجل المفسد يقع فِي يده مال فيعيث فيه. وقَالَ يعقوب بن السكيت: العرب تقول: لأقيمن ميلك وجنفك ودرأك وصغاك وصدغك وقذلك وضلعك، كله بمعنى واحد، يُقَال: ضلع فلان مع فلان، أى ميله. وقَالَ غيره: فأما الضلع فخلقه تكون فِي الإنسان وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لأبى كبير الهذلى: نضع السيوف عَلَى طوائف منهم ... فنقيم منهم ميل ما لم يعدل الطوائف: النواحى: الأيدى والأرجل والرءوس، وقوله: ميل ما لم يعدل، قَالَ: ميله: فضله وزيادته، وإنما يريد أن هؤلاء القوم كانوا غزوهم فقتلوهم فكأن ذلك القتل ميل عَلَى هؤلاء القوم، ثم إن هؤلاء القوم المقتولين غزوهم بعد فقتلوهم، فكأن قتلهم لهم قيام للميل، وهذا كقول ابن الزبغري: وأقمنا ميل بدر فاعتدل بقولها فِي يوم أحد، يقول: اعتدل ميل بدر إذ قتلنا مثلهم يوم أحد. ويروى: تقع السيوف عَلَى طوائف منهم فيقام منهم ميل ما لم يعدل مطلب حديث مصاد بن مذعور، وخروجه فِي طلب الذود، وما أخبره به الجواري الأربع الطوارق بالحصي وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنِ العباس بن هشام، عَنْ أبيه، قَالَ: كان مصاد بن مذعور القينى، رئيسا قد أخذ مرباع قومه دهرا، وكان ذا مال فند ذود من أذوادٍ له فحرج فِي بغائها، قَالَ: فإنى لفى طلبها إذ هبطت وادياً شجيراً كثيف الظلال وقد تفسخت أينا،

فأنخت راحلتي فِي ظل شجرة، وحططت رحلى، ورسغت بعيرى، واضطجعت فِي بردى، فإذا أربع جوار كأنهن اللآلئ يرعين بهما لهن، فلما خالطت عينى السنة أقبلن حتى جلسن قريبا منى، وفى كف كل واحدة منهن حصيات تقلبهن، فخطت إحداهن ثم طرقت فقَالَت: قلن يا بنات عراف، فِي صاحب الجمل النياف، والبرد الكثاف، والجرم الخفاف. ثم طرقت الثانية فقَالَت: مضل أذواد علا كد، كوم صلاخد، منهن ثلاث مقاحد، وأربع جدائد، شسف صمارد. ثم طرقت الثالثة فقَالَت: رعين الفرع، ثم هبطن الكرع، بين العقدات والجرع. فقَالَت الرابعة: ليهبط الغائط الأفيح، ثم لظهر فِي الملا الصحصح، بين سديرٍ وأملح، فهناك الذود رتاع بمنعرج الأجرع. قَالَ: فقمت إِلَى جملى فشددت عليه رحله فركبت، والله ما سألتهن من هن ولا ممن هن. فلما أدبرت قَالَت إحدهن: أبرح فتي إن جد فِي طلب، فما له غيرهن نشب، وسيثوب عَنْ كثب، ففزع قلبى والله قولها، فقلت: وكيف هذا؟ وقد خلفت بوادى عرجا عكامساً، فركبت السمت الذى وصف لى، حتى انتهيت إِلَى الموضع، فإذا ذودى رواتع، فضربن أعجازهن حتى أشرفت عَلَى الوادى الذى فيه إبلى، فإذا الرعاء تدعو بالويل، فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: أغارت بهراء عَلَى إبلك فأسحفتها، فأمسيت والله مالى مال غير الذود، فرمي الله نواصيهن بالرغس، وإنى اليوم لأكثر بنى القين مالا، وفى ذلك القول: هو الدهر آسٍ تارةً ثم جارح ... سوانحه مبثوثة والبوارح فبينا الفتى فِي ظل نعماء غضة ... تباكره أفياؤه وتراوح إلى أن رمته الحادثات بنكبةٍ ... تضيق به منها الرحاب الفسائح فاصبح نضواً لا ينوء كأنما ... بأعظمه مما عراه القوادح فما خلتني من بعد عرج عكامس ... أقسس أذوادا وهن روازح حدابير ما ينهضن إلا تحاملا ... شواسف عوج أسأرتها الجوائح فيا واثقاً بالدهر كن غير آمنٍ ... لما تنتضيه الباهظات الفوادح فلست عَلَى أيامه بمحكمٍ ... إذا فغرت فاها الخطوب الكوالح مجيرك منه الصبر أم كنت صابرا ... وإلا كما يهوى العدو العدو المكاشح

مطلب الكلام في معني المرباع وشرح مادة ر ب ع

مطلب الكلام فِي معني المرباع وشرح مادة ر ب ع : المرباع: ربع الغنيمة، قَالَ الأصمعى، يُقَال: ربع فلان فِي الجاهلية وخمس فِي الإسلام، وذلك أن أهل الجاهلية كان الرئيس منهم يأخذ ربع الغنيمة، وأنشد غير الأصمعى: منا الذى ربع الجيوش لصلبه ... عشرون وهو يعد فِي الأحياء وأنشدنا الأصمعى: لك المرباع منها والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول قَالَ ويقَالَ: ربع الجيش يربعه رباعة إذا أخذ ربع الغنيمة. وربع الوتر يربعه ربعا إذا فتله عَلَى أربع قوى. وربع القوم يربعهم ربعاً إذا كانوا ثلاثة فصار رابعهم. وربع الحجر ربعاً إذا احتمله. وقَالَ غيره: ربعت عليه إذا عطفت. ويقَالَ: ربعت: رفقت. قَالَ الحطيئة: لعمرى لعزت حاجة لو طلبتها ... أمامى وأخرى لو ربعت لها خلفى وربعت عَنِ الأمر: كففت عنه، قَالَ رؤبة: هاجت ومثلى نوله أن يربعا وقَالَ أَبُو النصر: ربع عليه فهو يربع ربعا إذا كف عنه، يُقَال: أربع عَلَى نفسك: يريد كف وارفق. والربع: الفصيل الذى نتج فِي أول الربيع، قَالَ الأصمعي: أنشدني عيسى بن عمر، قَالَ: سمعت بعض العرب، ينشد: وعلبة نازعتها رباعى ... وعلبة عند مقيل الراعى وناقة مربع إذا كان يتبعها ربع، فإذا كان من عادتها أن تنتج فِي ربعية النتاج فهي مرباع، والجمع مرابيع. ويقَالَ: مكان مرباع إذا كان ينبت فِي أول ما تنبت الأرض، قَالَ ذو الرمة: بأول ما هاجت لك الشوق دمنة ... بأجرع مرباع مرب محلل ومكان مربوع إذا أصابه مطر الربيع، قَالَ ذو الرمة: إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها ... بأفنان مربوع الصريمة معبل

والمربع: المنزل الذي يقام فيه الربيع، يُقَال: هذه مصايفنا ومرابعنا، أى حيث نرتبع ونصيف، ويقَالَ: ربع الرجل يربع ربعا فهو مربوع إذا كان يحم ربعاً، وأربع أيضاً، قَالَ الهذلى: من المربعين ومن آزلٍ ... إذا جنه الليل كالناحط ويقَالَ: ربعنا إذا أصابنا مطر الربيع. ويقَالَ: امتار فلان فِي الميرة الربعية: أى فِي أول الزمن. ويقَالَ: تربعنا بمكان كذا وكذا، أى كنا فيه فِي الربيع، وارتبعنا نرتبع ارتباعا. وأربع فلان إبله إذا رعاها فِي الربيع. وأربع فلان يربع إرباعا إذا ولد له فِي حداثته، وولده ربعيون. ويقَالَ: ارتبع البعير يرتبع ارتباعا، وما أشد ربعته، وهو أشد ما يكون من العدو. قَالَ: وأنشدنى رجل من أهل العالية: واعرورت العلط العرضى تركضه ... أم الفوارس بالدئداء والربعه والدئداء: دون الربعة. وحى من الأسد يُقَال لهم: الربعة، متحركة الباء. والربعة ساكنة الباء: الجونة، يُقَال: ما أوسع ربع بنى فلان، لمحلهم والجمع رباع وربوع. ويقَالَ: ما بنى فلان من يضبط رباعته غير فلان، كأنه أمره وشأنه، قَالَ الأخطل: ما فِي معد فتىً تغنى رباعته ... إذا يهم بأمر صالحٍ فعلا وقَالَ غيره: رباعته: قبيلته وقومه. وقَالَ الأصمعي: يُقَال: رجل مربوع مرتبع إذا كان وسطاً لا بالطويل ولا بالقصير، قَالَ العجاج: رباعياً مرتبعا أو شوقبا ويقَالَ: أربع إذا جاءت إبله روابع، أى ترد فِي ربع، فهو مربع. وأربع الدابة يربع إرباعا إذا طلعت رباعيته. ويقَالَ: أرض مربعة إذا كانت ذات يرابيع. وقَالَ ابن الأعرابى: الربيع بلغة أهل الحجاز: الساقية الصغيرة، وجمعه ربعان. والربيعة: الصخرة. والربيعة أيضاً: بيضة الحديد. والمربعة: عصية يأخذ رجلان بطرفيها فيلقيان الحمل عَلَى البعير، وأنشد الأصمعى: أين الشظاظان وأين المربعه ... وأين وسق الناقة الجلنفعه

الشظاظ: عود يدخل فِي عروتى الجوالق ليثبت عَلَى البعير. والجلنفعة: الجافية، ويقَالَ: المسنة. والوسق: الحمل. ويقَالَ: رابعت الرجل، وهو أن تأخذ بيده ويأخذ بيدك تحت الحمل حتى ترفعاه عَلَى البعير، قَالَ الراجز: يا ليت أم الفيض كانت صاحبى ... مكان من أنشا عَلَى الركائب ورابعتني تحت ليل ضارب ... بساعدٍ فعمٍ وكف خاضب وند: شرد. والذود: ما بين الثلاثة إِلَى العشرة، والعرب تقول: الذود إِلَى الذود إبل يقول: إذا اجتمع القليل إِلَى القليل صار كثيراً. وبغاؤها: طلبها. والشجير: كثير الشجر. والأين: الكلال. ورسغت: شددت رسغه. والنياف: العالي. والكثاف: الكثيف. والجرم: الجسد. والخفاف: الخفيف. والعلاكد: الصلاب. والكوم: العظام الأسنمة. يُقَال ناقة كوماء وبعير أكوم. من علا كد علكد. والصلاخد: العظام الشداد، واحدها صلاخد، وفيه لغات، يُقَال: بعير صلاخد وصلخد وصلخدى، وناقة صلخداة. والمقاحد جمع مقحاد، وهي غليظة السنام. والقحدة: السنام، ويقَالَ: أصل السنام. والحائد جمع جدود، وهو التى انقطع لبنها. قَالَ الأصمعى: الشاسف: أشد ضمراً من الشازب. والصمارد جمع صمرد، والصمرد والبكئة والدهين: القليلة اللبن. والفرع جمع فرعة، وهى أعلى الجبل. والكرع: ماء السماء ينزل فيستنقع، وسمي كرعا لأن الماشية تكرع فيه. والعقدات جمع عقدة، والعقدة والضفرة: ما تعقد من الرمل. والغائط: المطمئن من الأرض. والملا: الفضاء. والصحصح: الصحراء. وسدير وأملح: موضعان. والأجرع والجرعاء: دعص لا ينبت شيئا. وأبرح: أشد. والكثب: القرب. والعرج: نحو خمسمائة من الإبل. والعكابس والعكامس جميعا: الكثير. وأسحفتها: استأصلتها. والرغس: البركة والنماء، قَالَ رؤبة: دعوت رب العزة القدوسا ... دعاء من لا يقرع الناقوسا حتى أرانا وجهك المرغوسا والقوادح، واحدتها قادحة، وهى العيب فِي العود والسن. وأقسس: أتبع. والروازح: التى قد سقطت من الهزال. والحدابير: التى قد تقوست من الهزال واحدها حدبار.

مطلب خطبة إسماعيل بن أبي الجهم بيد يدي هشام بن عبد الملك وما وقع بينهما من الحديث وشرح غريب ذلك

مطلب خطبة إسماعيل بن أبي الجهم بيد يدي هشام بن عبد الملك وما وقع بينهما من الحديث وشرح غريب ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قدم وفد عَلَى أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك، وفيهم رجل من قريش يُقَال له: إسماعيل بن أبى الجهم، وكان أكبرهم سنا، وأفضلهم رأيا وحلما، فقام متوكئا عَلَى عصا وقَالَ: يا أمير المؤمنين، إن خطباء قريش قد قَالَت فيك فأطنبت، وأثنت عليك فأحسنت، ووالله ما بلغ قائلهم قدرك، ولا أحصى مثنيهم فضلك، أفتأذن لى فِي الكلام؟ قَالَ: تكلم، قَالَ: أفأوجز أم أطنب؟ قَالَ: بل أوجز، قَالَ: تولاك الله أمير المؤمنين بالحسنى، وزينك بالتقى، وجمع لك خير الآخرة والأولى، إن لى حوائج أفاذكرها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: كبرت سني، وضعفت قواى، واشتدت حاجتى، فإن رأي أمير المؤمنين أن يجير كسرى، وينفى فقرى، قَالَ: يا ابن أبى الجهم، ما يجبر كسرك وينفى فقرك؟ قَالَ: ألف دينار وألف دينار وألف دينار وألف قَالَ: هيهات يا بن أبى الجهم! بيت المال لا يحتمل هذا، قَالَ: كأنك آليت يا أمير المؤمنين أن لا تقضى لى حاجةً مقامى هذا، قَالَ: ألف دينار لماذا؟ قَالَ: أقضى بها دينا قد فدحنى حمله، وأرهقنى أهله، قَالَ: نعم المسلك أسلكتها، ديناً قضيت، وأمانةً أديت، قَالَ: وألف دينار لماذا؟ قَالَ: أزوج بها من أدرك من ولدي، فأشد بها عضدي، ويكثر بها عددى، قَالَ: ولا بأس، أغضضت طرفا، وحصنت فرجا، وأمرت نسلا، وألف دينار لماذا؟ قَالَ: أشترى بها أرضاً فأعود بفضلها عَلَى ولدى، وبفضل فضلها عَلَى ذوى قراباتى، قَالَ: ولا بأس، أردت ذخرا، ورجوت أجرا ووصلت رحما، قد أمرنا لك بها، فقَالَ: الله المحمود عَلَى ذلك، وجزراك الله يا أمير المؤمنين والرحم الخير. فقَالَ هشام: تالله ما رأيت رجلا ألطف فِي سؤال، ولا أرفق فِي مقَالَ من هذا. هكذا فليكن القرشى. قَالَ أرهقنى: أعجلنى، ورهقنى: غشينى، يُقَال: رهق فلانا دين يرهقه إذا غشيه، ورهقت الكلاب الصيد إذا غشيته ولحقته، ورهقنى فلان، أي لحقني، ويقَالَ: فلان عطوف عَلَى المرهق، أى عَلَى المدرك، وأرهقت الرجل إذا أدركته، ويقَالَ: هو يعدو الرهقى، وهو أن يسرع حتى يكاد أن يرهق الذى يطلبه. وفى فلان رهق إذا كان فيه غشيان للمحارم، قَالَ ابن أحمر: كالكوكب الأزهر انشقت دجنته ... فِي الناس لا رهق فيه ولا بخل

ويقَالَ إنه لمرهق إذا غشيه الأضياف والسؤال، قَالَ ابن هرمة: خير الرجال المرهقون كما ... خير تلاع البلاد أكلؤها وفلان يرهق فِي دينه إذا اثنى عليه قلة ورعٍ. وأرهق القوم الصلاة إذا أخروها حتى يدنو وقت الأخرى. قَالَ أَبُو زيد: أرهقته عسرا وإثما حتى رهقه رهقا. غيره وراهق الغلام إذا قارب الاحتلام. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوى، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو سعيد عبد الله بن شبيب، قَالَ: أنشدنا إسماعيل بن أبى أويس، والزبير بن أَبِي بَكْرٍ، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، ومحمد بن طالوت الوادى، قَالَ: أنشدنى أبى، وقَالَ كل هؤلاء، أنشدنى لأبى صخر الهذلى يزيد، بعضهم عَلَى بعض. : وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، هذه القصيدة لأبي صخر: لليلى بذات الجيش دار عرفتها ... وأخرى بذات البين آياتها سطر كأنهما ملآن لم يتغيرا ... وقد مر للدارين من بغدنا عصر وقفت برسميها فعى جوابها ... فقلت وعينى دمعها سرب همر ألا أيها الركب المخبون هل لكم ... بساكن أجزاع الحمى بعدنا خبر فقالوا طوينا ذاك ليلا فإن يكن ... به بعض من تهوى فما شعر السفر خليلى هل يستخبر الرمث والغضا ... وطلح الكدا من بطن مروان والسدر

قَالَ أَبُو العباس، قَالَ عبد الله بن شبيب، حدثتني أم المغوار الباهلية، قَالَت: كنت بفناء بيتي فِي السحر، فمر بنا ركب فتمثلت بهذا البيت: ألا أيها الركب المخبون هل لكم ... بساكن أجزاع الحمى بعدنا خبر فأجابنا غلام من صدر راحلته فقَالَ: فقالوا طوينا ذاك ليلا فإن يكن ... به بعض من تهوى فما شعر السفر خليلى هل يستخبر الرمث والغضا ... وطلح الكدا من بطن مروان والسدر هكذا أنشدناه أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، عَنْ أبي العباس، بفتح الكاف وقَالَ: هو اسم موضع. : أحسبه أراد كداء فقصر للضرورة، وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد: كدى بضم الكاف وقَالَ: هو جمع كدية: أما والذى أبكى واضحك والذى ... أمات وأحيا والذى أمره الأمر لقد كنت آتيها وفى النفس هجرها ... بتاتا لأخرى الدهر ما طلع الفجر فما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت لا عرف لدى ولا نكر وأنسى الذي كنت فيه هجرتها ... كما قد تنسى لب شاربها الخمر وما تركت لى من شداً أهتدى به ... ولا ضلع إلا وفى عظمها وقر وقد تركتنى أغبط الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذعر ويمنعنى من بعض إنكار ظلمها ... إذا ظلمت يوما وإن كان لى عذر مخافة أنى قد علمت لئن بدا ... لى الهجر منها ما عَلَى هجرها صبر وأنى لا أدري إذا النفس أشرقت ... عَلَى هجرها ما يبلغن بى الهجر قَالَ عبد الله بن شبيب، حَدَّثَنِي الزبير، قَالَ: لما أنشد أَبُو السائب هذا البيت قَالَ: الموت الأحمر، والله يا بن أخى ما دونه شىء: أبى قلب إلا حبها عامريةً ... لها كنيةً عمرو وليس لها عمرو تكاد يدى تندى إذا ما لمستها ... وينبت فِي أطرافها الورق النضر وإني لتعروني لذاكرك هزة ... كما انتقض العصفور بلله القطر تمنيت من حبى علية أننا ... عَلَى رمثٍ فِي البحر ليس لنا وفر علي دائم لا يعبر الفلك موجه ... ومن دوننا الأهول واللجج الخضر فنقضى هم النفس فِي غير رقبة ... ويغرق من نخشى نميمته البحر عجبت لسعى الدهر بينى وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر قَالَ أَبُو عبد الله: وأنشدنى أبن أبى أويس: فيا حب ليلى قد بلغت بى المدى ... وزدت عَلَى ما ليس يبلغه الهجر

مطلب حديث الأرابي الذي اشترى خمرا بجزة صوف وما حصل بينه وبين امرأته وتفسير الغريب من ذلك

ويا حبها زدنى جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر فليست عشيات الحمى برواجع ... لنا أبداً ما أبرم السلم النضر ولا عائد ذاك الزمان الذى مضى ... تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: وزادنى أبى عَنْ أحمد بن عبيد: هجرتك حتى قلت لا يعرف القلى ... وزرتك حتى قلت ليس له صبر صدقت أنا الصب المصاب الذي به ... تباريح حب خامر القلب أو السحر فيا حبذا الأحياء ما دمت فيهم ... ويا حبذا الأموات ما ضمك القبر مطلب حديث الأرابي الذي اشترى خمرًا بجزة صوف وما حصل بينه وبين امرأته وتفسير الغريب من ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، أو أَبُو حاتم، الشك من أبى عَلَى، عَنِ الأصمعى، قَالَ: اشترى أعرابي خمرا بجزة من الصوف فغضبت عليه امرأته فأنشأ يقول: غضبت عَلَى أن شربت بصوف ... ولئن غضبت لأشربن بخروف ولئن غضبت لاشربن بنعجة ... دهساء مالئة الإناء سحوف ولئن غضبت لأشربن بسابح ... نهدٍ أشم المنكبين منيف ولئن غضبت لأشربن بناقةٍ ... كوماء ناوية لعظام صفوف ولئن غضبت لأشربن بواحدي ... ولأجعلن الصبر منه حليفي ولقد شهدت الخيل تعثر بالقنا ... وأجبت صوت الصارخ الملهوف ولقد شهدت إذا الخصوم تواكلوا ... بخصام لا نزقٍ ولا علفوف الصفوف التى تصف بين رجليها عند الحلب، ويقَالَ: التى تصف بين محلبيها. والسحوف التى لها سحفتان من الشحم، أى طبقتان. والسحف: القشر، يُقَال: سحفت الشىء: قشرته. والعلفوف: الحافي. وقرأت عَلَى أبى عبد الله إبراهيم بن عرفة لذى الرمة: كأن أعجازها والريط يعصبها ... بين العبرين وأعناق العواهيج أتقاء سارية حلت عزاليها ... من آخر الليل ريح غير حرجوج

يصف نساء، يقول: كأن أعجازهن أنقاء سارية، والأنقاء جمع نقا، والنقا: قطعة من الرمل مستطيلة محدودبة. والسارية: السحابة التى تمطر ليلا، فأضاف النقا إليها لأنها أمطرته. والريط جمع ريطة. ويعصبها: يلتاث بها، يقول: هذه الرياط دقاق ناعمة، فاذا هبت لها أدنى ريح التفت عَلَى سوقها وأعجازها. والبرين: الخلاخيل، واحدة برة. والعواهيج: الطوال الأعناق من الظباء، واحدها عوهج، فكأنه قَالَ: كأن بين أسؤقها وأعناقها كثبانا جادتها سحابة ليل حلت عزاليها سحابة لينة. والعزالى: مخارج مائها مستعارة من المزادة، لأن العزلاء فم المزادة، وهذا مثل. والحرجوج: الريح الشديدة الهبوب. قَالَ الأصمعى: من أمثال العرب رب عجلةٍ تهب ريثا، يراد به ربما استعجل الرجل فألقاه استعجاله فِي بطء، ويقَالَ: جزانى جزاء سنمار، وسنمار: إنسان عمل أطماً لبعض الملوك، فقَالَ له: إن نزع هذا الحجر تداعى بناؤك، فأمر به، فرمى من فوق الأطم لئلا يعلم به أحد غيره، يضرب مثلا للرجل يحسن فيجزي بإحسانه سواءا، وأنشد الأصمعى: جزاء سنمارٍ بما كان يعمل ويقَالَ: بفلان تقرن الصعبة، يراد به أنه يذل المستصعب، ويقَالَ: حيث لا يضع الراقى أنفه، يراد به أن ذلك الأمر لا يقرب ولا يدنى منه، وكأنهم يرون أن أصل ذلك أن ملسوعا لسع فِي استه فلم يقدر أن يقرب الراقي أنفه مما هناك. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: هو أشخم الرأس، بالخاء المعجمة، وأشهب الرأس. ويقَالَ: كلأ أشخم إذا علا البياض الخضرة. وقد اشخام واشهاب النبت والرأس. ويقَالَ: ليستغن أحدكم ولو بضوز سواكه أى بمضغه، يُقَال: ضاز الشىء يضوزه ضوزا إذا مضغه. وأنشد أَبُو زيد: طوال الأيادى والحوادى كأنها ... سماحيج قب طار عنها نسالها قَالَ: الحوادى: الأرجل التي تحدو الأيدي وتتلوها، قَالَ: ويقَالَ ما أعظبه عليه! أى ما أصبره! وقد عظب يعظب عظبا وعظوبا إذا صبر عليه، وعظبته عليه تعظيبا ومرنته تمرينا: وأنشد:

مطلب حديث بعض مقاول حمير مع ابنيه وما دار بينه وبينهما من المساءلة حين كبرت سنة، وشرح غريب ذلك

لو كنت من زوفن أو بنيها ... قبيلة قد عظبت أيديها معودين الحفر حفاريها ... لقد حفرت نبثة ترويها النبثة: الركية التى تخرج نبيثتها. وقَالَ: قَالَ بعض بنى عقيل وبنى كلاب: هو الأكرم والأفضل والأجمل والأحسن والأرذل والأنذل والأسفل والألأم. وهى الكرمى والفضلى والحسنى والجملي والرذلي واللؤمي، وهن الرذل والنذل واللؤم. وقَالَ الأصمعى، يُقَال: كثر ولد فلان وقد أبق ونتق فهو ناتق، وكله سواء. وامرأة ناتق إذا كثر ولدها، وأنشد للنابغة: لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم ... طفحت عليك بناتق مذكار مطلب حديث بعض مقاول حمير مع ابنيه وما دار بينه وبينهما من المساءلة حين كبرت سنة، وشرح غريب ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا الأشتانداني، عَنِ التوزى، عَنْ أبى عبيدة، عَنْ أبى عمرو بن العلاء، قَالَ: كان لرجل من مقاول حمير ابنان يُقَال لأحدهما: عمرو وللآخر: ربيعة، وكانا قد برعا فِي الأدب والعلم، فلما بلغ الشيخ أقصى عمره وأشفى عَلَى الفناء، دعاهما ليبلو عقولهما، ويعرف مبلغ علمهما، فلما حضرا قَالَ لعمرو، وكان الأكبر أَخْبَرَنِي عَنْ أحب الرجال إليك، وأكرمهم عليك، قَالَ: السيد الجواد، القليل الأنداد، الماجد الأجداد، الراسى الأوتاد، الرفيع العماد، العظيم الرماد، الكثير الحساد، الباسل الذواد، الصادر الوراد. قَالَ: ما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: ما أحسن ما وصف! وغيره أحب إِلَى منه، قَالَ: ومن يكون بعد هذا؟ قَالَ: السيد الكريم، المانع للحريم، المفضال الحليم، القمقام الزعيم، الذى إن هم فعل، وإن سئل بذل. قَالَ: أَخْبَرَنِي يا عمرو بأبغض الرجال إليك، قَالَ: البرم اللئيم، المستخذي للخصيم، المبطان النهيم، العي البكيم، الذى إذا سئل منع، وإن هدد خضع، وإن طلب جشع. قَالَ: ما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: غيره أبغض إِلَى منه، قَالَ: ومن هو؟ قَالَ: النؤوم الكذوب، الفاحش الغضوب، الرغيب عند الطعام، الجبان عند الصدام. قَالَ: أَخْبَرَنِي يا عمرو، أى النساء أحب إليك؟ قَالَ: الهركولة اللفاء، الممكورة الجيداء، التى يشفى السقيم كلامها، ويبرى الوصب إلمامها، التى إن أحسنت إليها شكرت، وإن أسأت إليها صبرت، وإن

استعتبتها أعتبت، الفاترة الطرف، الطفلة الكف، العميمة الردف. قَالَ: ما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: نعت فأحسن! وغيرها أحب إِلَى منها، قَالَ: ومن هى؟ قَالَ: الفتانة العينين، الأسيلة الخدين، الكاعب الثديين، الرداح الوركين، الشاكرة للقليل، المساعدة للحليل، الرخيمة الكلام، الجماء العظام، الكريمة الأخوال والأعمام، العذبة اللثام. قَالَ: فأى النساء إليك أبغض يا عمرو؟ قَالَ: القتاتة الكذوب، الظاهرة العيوب، الطوافة الهبوب، العابسة القطوب، السبابة الوثوب، التى إن ائتمنها زوجها خانته، وإن لان لها أهانته، وإن أرضاها أغضبته، وإن أطاعها عصته. قَالَ: ما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: بئس والله المرأة ذكر! وغيرها أبغض إلى منها، قَالَ: وايتهن التى هي أبغض إليك من هذه؟ قَالَ: السليطة اللسان، المؤذية للجيران، الناطقة بالبهتان، التي وجهها عابس، وزوجها من خيرها آيس، التى إن عاتبها زوجها وترته، وإن ناطقها انترته. قَالَ ربيعة: وغيرها أبغض لي منها قَالَ: ومن هى؟ قَالَ: التي شقي صاحبها، وخزى خاطبها، وافتضح أقاربها. قَالَ: ومن صاحبها؟ قَالَ: مثلها فِي خصالها كلها، لا تصلح إلا له ولا يصلح إلا لها. قَالَ: فصفه لى؟ قَالَ: الكفور غير الشكور، اللئيم الفجور، العبوس الكالح، الحرون الجامح الراضى بالهوان، المختال المنان، الجعد البنان، القئول غير العقول الملول غير الوصول، الذى لا يرع عَنِ المحارم، ولا يرتدع عَنِ المظالم. قَالَ: أَخْبَرَنِي يا عمرو، أي الخيل أحب إليك عند الشدائد، إذا التقى الأقران للتجالد؟ قَالَ: الجواد الأنيق، الحصان العتيق، الكفيت العريق، الشديد الوثيق، الذى يفوت إذا هرب، ويلحق إذا طلب. قَالَ: والله نعت! نعم الفرس قَالَ: فما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: غيره أحب إِلَى منه، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: الحصان الجواد، السلس القياد، الشهم الفؤاد، الصبور إذا سرى، السابق إذا جري. قَالَ: فأي خيل أبغض إليك يا عمرو؟ قَالَ: الجموح الطموح، النكول الأنوح، الصئول الضعيف، الملول العنيف، الذى إن جاريته سبقته، وإن طلبته أدركته، قَالَ: ما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: غيره أبغض إليك منه، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: البطىء الثقيل، الحرون الكليل، الذى إن ضربته قمص، وإن دنوت منه شمس، يدركه الطالب، ويفوته الهارب، ويقطع بالصاحب. قَالَ ربيعة: وغيره أبغض إِلَى منه، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: الجموح الخبوط، الركوض الخروط، الشموس الضروط، القطوف فِي الصعود والهبوط، الذى لا يسلم الصاحب، ولا ينجو من الطالب. قَالَ: أَخْبَرَنِي يا عمرو

أى العيش ألذ؟ قَالَ: عيش فِي كرامة، ونعيم وسلامة، واغتباق مدامة. قَالَ: ما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: والله وصف! وغيره أحب إِلَى منه، نعم العيش قَالَ: وما هو؟ قَالَ: عيش فِي أمن ونعيم، وعز وغنى عميم، فِي ظل نجاح، وسلامة مساء وصباح، وغيره أحب إِلَى منه، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: غنى دائم، وعيش سالم، وظل ناعم. قَالَ: فما أحب السيوف إليك يا عمرو؟ قَالَ: الصقيل الحسام، الباتر المجذام، الماضى السطام، المرهف الصمصام، الذى إذا هززته لك يكب، وإن ضربت به لم ينب. قَالَ: ما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: نعم السيف نعت! وغيره أحب إِلَى، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: الحسام القاطع، ذو الرونق اللامع، الظمآن الجائع، الذى إذا هززته هتك، وإذا ضربت به بتك. قَالَ: فما أبغض السيوف إليك يا عمرو؟ قَالَ: الفطار الكهام، الذى إن ضرب به لم يقطع، وإن ذبح به لم ينخع. قَالَ: فما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: والله ذكر! وغيره أبغض إِلَى منه، بئس السيف قَالَ: وما هو؟ قَالَ: الطبع الددان، المعضد المهان. قَالَ: فأَخْبَرَنِي يا عمرو، أى الرماح أحب إليك عند المراس، إذا اعتكر الباس، واشتجر الدعاس؟ قَالَ: أحبها إِلَى المارن المثقف، المقوم المخطف، الذى إذا هززته لم ينعطف، وإذا طعنت به لم يقصف. قَالَ: ما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: نعم الرمح نعت! وغيره أحب إِلَى منه، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: الذابل العسال، المقوم النسال، الماضى إذا هززته، النافذ إذا همزته. قَالَ: فأَخْبَرَنِي يا عمرو عَنْ أبغض الرماح إليك، قَالَ: الأعصل عند الطعان، المثلم السنان، الذى إذا هززته انعطف، وإذا طعنت به انقصف. قَالَ: ما تقول يا ربيعة؟ قَالَ: بئس الرمح ذكر! وغيره أبغض إِلَى منه، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: الضعيف المهز، اليابس الكز، الذى إذا أكرهته انحطم، وإذا طعنت به انقصم. قَالَ: انصرفا الآن طاب لي الموت: قوله: وإن طلب جشع، الجشع: أسوأ الحرص، وقد جشع الرجل فهو جشع. واللفاء: الملتفة الجسم. والممكورة: المطوية الخلق. والرداح: الثقيلة العجيزة الضخمة الوركين. والرخيمة: اللينة الكلام، قَالَ ذو الرمة: لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشى لا هراء ولا نزر والجماء العظام: لا يوجد لعظامها حجم، بمنزلة الجماء من البقر. فأما قوله: العذبة اللثام، فإنه أراد موضع اللثام، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامة. والقتاتة: النمامة، وقَالَ

والنمام والهماز واللماز والغماز والقساس والدراج والمهينم والمهتمل والمائس والمؤوس، مثال معوس والممأس، مثال ممعس، وقد مأس يمأس مأسا إذا مشى بينهم بالنميمة والفساد، ويقال ماس بين الناس، ومسأ بينهم يمسأ مسأ مثل معساً، وكله واحد، ويقال إنه لذو نيرب ومئبرة وإبرة إذا كان نماماً، كله اللحياني: القتات عَنِ اللحيانى. والهبوب: الكثيرة الانتباه قَالَ الأصمعى: يُقَال: هب من نومه يهب هبوبا، وأهببته أى انبهته. وهبت الريح تهب هبوباً وهبيبا، كذا روى أَبُو نصر عنه: هبيبا فِي الريح، وهب التيس يهب هبابا وهبيبا إذا هاج وطلب السفاد، وهب السيف هبة، وهو صوته عند وقعه. وثوب هبايب وخبايب إذا كان متقطعا. والحصان: الذكر من الخيل. وقَالَ والكفيت: السريع. والنكول: قال الأصمعي: الكفت عَنْ قرنه. والأنوح: الكثير الزحير. والآنح من الرجال عَلَى مثال فاعل: الذى إذا سئل تنحنح من لؤمه، وقد أنح يأنح. والمجذام مفعال من الجذم، وهو القطع حد السيف وغيره، وفى الحديث العرب سطام الناي أى حدهم. والفطار الذى لا يقطع وهو مع ذلك حديث الطبع. وقوله: لم ينخع: لم يبلغ النخاع. والطبع: الصدأ لا يقطع وهو نحو الكهام. والمعضد: القصير الذى يمتهن فِي قطع الشجر وغيرها. والدعاس: الطعان، يُقَال: دعسه إذا طعنه، والمداعسة: المطاعنة. والعسال: الشديد الاضطراب إذا هززته، ومنه العسلان، وهو عدو فيه اضطراب، والنسلان قريب منه. وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد: عسلان الذئب أمسى قارباً ... برد الليل عليه فنسل والأعصل: الملتوي المعوج. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد للحسن بن مطير الأسدى: فيا عجبا للناس يستشرفوني لى ... اصرم يرجع العقل كله وصرم حبيب النفس أذهب للعقل ... وياعجبا من حب من هو قاتلى كأنى أجازيه المودة من قتلى ... ومن بينات الحب أن كان أهلها أحب إِلَى قلبى وعينى من أهلي استشرفت الشىء واستكففته كلاهما أن تضع يدك عَلَى حاجبك كالذى يستظل من الشمس وينظر هل يراه وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ، ولم يسم قائلا:

إن التى زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلبانه فأرقها وأجلها حجبت تحيتها فقلت لصاحبى ... ما كان أكثرها لنا وأقلها وإذا وجدت لها وساوس سلوةٍ ... شفع الضمير لها إِلَى فلسها وقرأت عليه لعبد الله بن الدمينة الخثعمي: ولما لحقنا بالحمول ودونها ... خميص الحشا توهى القميص عواتقه قليل قذى العينين يعلم أنه ... هو الموت إن لم تلق عنا بوائقه عرضنا فسلمنا فسلم كارها ... علينا وتبريح من الغيظ خانقه فسايرته مقدار ميلٍ وليتنى ... بكرهى له ما دام حياً أرافقه فلما رأت أن لا وصال وأنه ... مدى الصرم مضروبا عليه سرادقه رمتنى بطرفٍ لو كميا رمت به ... لبل نجيعاً نحره وبنائقه ولمح بعينيها كأن وميضه ... وميض حيا تهدى لنجدٍ شقائقه وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عبد الله محمد بن أحمد البصرى المقدمى، قَالَ: حَدَّثَنَا الرياشى، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الوهاب الثقفى، قَالَ: دخلنا عَلَى خلف الأحمر نعوده فِي مرضه الذى مات فيه فقلنا له: كيف تجدك يا أبا محرز؟ فأنشأ يقول: يا أيها الليل الطويل ذنبه ... كأن ديناً لك عندى تطلبه أما لهذا الليل صبح يقربه ثم أنشد يقول: لا يبرح المرء يستقرى مضاجعه ... حتى يبيت بأقصاهن مضطجعا : كان أَبُو محرز أعلم الناس بالشعر واللغة، وأشعر الناس عَلَى مذاهب العرب حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد أن القصيدة المنسوبة إِلَى الشنفرى التى أولها أقيموا بنى أمى صدور مطيكم ... فإنى إِلَى قومٍ سواكم لأميل له، وهى من المقدمات فِي الحسن والفصاحة والطول، فكان أقدر الناس عَلَى قافية

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن أبى حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: قَالَ يوما خلف لأصحابه: ما تقولون فِي بيت النابغة الجعدى: كأن مقط شراسيفه ... إلى طرف القنب فالمنقب لو كان موضع فالمنقب فالقهبلس، كيف كان يكون قوله: لطمن بترس شديد الصفاق ... من الخشب الجوز لم يثقب؟ فقالوا لا نعلم، فقَالَ: والآبنس. وقَالَ لهم مرة أخرى: ما تقولون فِي بيت النمر بن تولب: ألم بصحبتى وهم هجود ... خيال طارق من أم حصن لو كان موضع أم حصن من أم فحص، كيف كان يكون قوله: لها ما تشتهى عسل مصفى إذا شاءت وحوارى بسمن؟ قالوا لا نعلم، فقالوا: وحوارى بلمص، وهو الفالوذ قَالَ أَبُو بَكْرٍِ والقهبلس: ذكر الرجل، وقد يستعار لغيره وقَالَ محمد بن سلام فِي كتاب طبقات العلماء: كنا إذا سمعنا الشعر من أبي محرز لأبالي ألا نسمعه من قائله. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لأبى كبير الهذلى: وأخو الأباءة إذ رأى خلانه ... تلى شفاعاً حوله كالإذخر الأباءة: الأجمة، يعنى: رجلا صار فِي أجمة. وخلانه: أصحابه الذين يودهم. وتلى: صرعى. وشفاعا: اثنين اثننين، وهو جمع شفع. وقوله: كالإذخر، قَالَ الأصمعى: لا تكاد تجد من الإذخر واحدة عَلَى حدة، إنما تجد الأرض مستحلسة منه، والمستحلسة: الكثيرة النبات، التى غطاها النبات أو كاد يغطيها، فشبه كثرة القتلى بالإذخر لذلك. قَالَ الأصمعى: من أمثالهم: أهون هالكٍ عجوز فِي عام سنةٍ، مثل للشىء يستخف بهلاكه. ويقَالَ: خله درج الضب، أى خله يذهب حيث شاء. ويقَالَ لا يدرى المكروب كيف يأتمر يراد أن المكروب يغطى عليه الشأن فلا يدرى كيف ينفذ أمره. ويقَالَ لا تعجب للعروس عام هدائها، يراد أن الرجل إذا استأنف أمره تجمل لك، ويقَالَ: ناب وقد تقطع الدوية، يراد أن المسن تبقى منه بقية ينتفع بها. وقَالَ أَبُو زيد ومثل من الأمثال: الشر ألجأه إِلَى مخ العراقيب يُقَال ذلك عند مسألة اللئيم، أعطاك أو منعك.

مطلب الكلام على خ ل ف

مطلب الكلام عَلَى خ ل ف قَالَ الأصمعى: خلف فلان فهو يخلف خلوفا إذا فسد ولم يفلح، وهو خالف وهى خالفة. ويقَالَ: هو خالفة أهل بيته إذا كان أحمقهم، والخالفة: عمود فِي مؤخر البيت. وقَالَ اللحيانى: عبد خالف، أى لا خير فيه. وقَالَ ابن الأعرابى: يُقَال: أبيعك العبد وأبرأ إليك من خلفته. ورجل ذو خلفة، ورجل خالفة وخالف وخلفنة وخلفناة، وفيه خلفناة. وقَالَ أَبُو زيد: الخالف: الفاسد الأحمق، وقد خلف يخلف خلافةً. قَالَ: ويقَالَ: جاء فلان خلافى وخلفى وهما واحد. قَالَ: ويقَالَ: اختلف فلان صاحبه فِي أهله اختلافا، وذلك أن يباصره حتى إذا غاب عَنْ أهله جاء فدخل عليهن. وقَالَ الأصمعى: خلف فلان عَنْ خلق أبيه إذا تغير. وخلف فوه يخلف خلوفا إذا تغيرت رائحته، وقَالَ اللحيانى: يُقَال نوم الضحى مخلفة للفم. وقَالَ أَبُو زيد: خلف الشراب واللبن يخلف خلوفا إذا حمض، ثم أطيل إنقاعه ففسد. وقَالَ أَبُو زيد والأصمعى: خلفت نفسه عَنِ الطعام تخلف خلوفا إذا أضربت عنه من مرض، وقَالَ أَبُو زيد لا يُقَال ذلك إلا من المرض. وقَالَ أَبُو نصر عَنِ الأصمعى: خلف خلف صدق بإسكان اللام إذا ترك عقباً. ويقَالَ: خذ هذا خلفاً من مالك بتحريك اللام، أى بدلاً منه، وهو خلف من أبيه، أى بدل منه. وقَالَ اللحيانى: الخلف: الولد الصالح. والخلف: الردىء. يُقَال: بقيت فِي خلف سوء، أي بقية سوء، قَالَ الله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعراف: 169] وأنشد للبيد: ذهب للذين يعاش فِي أكنافهم ... وبقيت فِي خلفٍ كجلد الأجرب والخلف: المربد يكون وراء البيت، وأنشدني اللحياني: وجيئا من الباب المجاف تواتراً ... وإن تقعدا بالخلف فالخلف واسع وقَالَ الأصمعي واللحياني: الخلف وقَالَ ابن الأعرابى: جلس أعرابى مع قوم فحبق، فتشور فأشار بإبهامه إِلَى استه وقَالَ: إنها نطقت خلفا. وحَدَّثَنِي أَبُو عمرو غلام ثعلب، عَنْ أبى العباس: أنه قَالَ فِي قولهم: سكت ألفا ونطق خلفا: أى سكت عَنْ ألف كلمة ونطق بواحدة رديئة قَالَ الأصمعى: الخلفة: الاستقاء، يُقَال: من أين خلفتكم؟ أى من أين تستقون، وأنشد لذى الرمة: ومستخلفاتٍ من بلاد تنوفةٍ ... لمصفرة الأشداق حمر الحواصل

مطلب حديث معاوية مع عبد الله بن عبد الحجر بن عبد المدان وما دار بينهما من سؤال وجواب وشرح غريب ذلك

يعني القطا يحملن فِي حواصلهن. ويقَالَ: نتاج فلان خلفة، أى عام ذكر وعام أنثى. والخلفة: الشىء من الثمر يخرج بعد الشىء، وقَالَ غيره: الخلفة: النبت فِي الصيف، والخلفة: الليل والنهار لاختلافهما. والخلفة: اختلاف البهائم وغيرها. ويقَالَ: حلب الناقة خليف لبئها، يعنى: الحلبة التى بعد ذهاب اللبا. وروى أَبُو عبيد، عَنِ الأصمعى: الخليف: الطريق فِي الجبل، وقَالَ أَبُو نصر: الخليف: الطريق وراء الجبل أو فِي أصله، وقَالَ اللحيانى: الخليف: الطريق وراء الجبل أو بين الجبلين. وقَالَ اللحياني: المخلفة أيضا طريق، يُقَال: عليك المخلفة الوسطى. والخوالف: النساء إذا غاب عنهن أزواجهن، قَالَ الله عز وجل: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: 87] . وقَالَ الأصمعى: حى خلوف، أى غيب. وخلوف حضور. قَالَ: والإخلاف: أن تعيد عَلَى الناقة فلا تلقح. والإخلاف: أن تعد الرجل عدةً فلا تنجزها. والإخلاف: أن تضرب يدك إِلَى قراب السيف لتأخذه. والإخلاف: أن تجعل الحقب وراء الثيل. والثيل، وعاء مقلمه، وهو قضيبه، يُقَال: أخلف عَنْ بعيرك. مطلب حديث معاوية مع عبد الله بن عبد الحجر بن عبد المدان وما دار بينهما من سؤال وجواب وشرح غريب ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: سَأَلَ مُعَاوِيَةُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، بَعْدَ الاسْتِقَامَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْحَجَرِ بْنِ عَبْدِ الْمَدَانِ، وَكَانَ عَبْدُ الْحَجَرِ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ: عَبْدَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: " كَيْفَ عِلْمُكَ بِقَوْمِكَ؟ قَالَ: كَعِلْمِي بِنَفْسِي، قَالَ: مَا تَقُولُ فِي مُرَادٍ؟ قَالَ: مُدْرِكُو الأَوْتَارِ، وَحُمَاةُ الذِّمَارِ، وَمُحْرِزُو الْخِطَارِ. قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي النَّخَعِ؟ قَالَ: مَانِعُو السَّرْبِ، وَمُسْعِرُو الْحَرْبِ، وَكَاشِفُوا الْكَرْبِ. وَمَا تَقُولُ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ؟ قَالَ: فَرَّاجُو اللِّكَاكِ، وَفُرْسَانُ الْعِرَاكِ، وَلِزَازُ الضِّكَاكِ، تَرَاكِ تَرَاكِ. قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي سَعْدِ الْعَشِيرَةِ؟ قَالَ: مَانِعُو الضَّيْمِ، وَبَانُو الرَّيْمِ، وَشَافُّو الْغَيْمِ. قَالَ: مَا تَقُولُ فِي جُعْفِيٍّ؟ قَالَ: فُرْسَانُ الصَّبَاحِ، وَمُعْلِمُو الرِّمَاحِ، وَمُبَارِزُو الرِّيَاحِ. قَالَ: مَا تَقُولُ فِي بَنِي زَبَيْدٍ؟ قَالَ: كُمَاةٌ أَنْجَادٌ، سَادَاتٌ أَمْجَادٌ، وُقُرٌ عِنْدَ الذِّيَادِ، صُبُرٌ عِنْدَ الطِّرَادِ. قَالَ: وَمَا تَقُولُ فِي جَنْبٍ؟ قَالَ: كُفَاةٌ يَمْنَعُونَ عَنِ الْحَرِيمِ، وَيَفْرُجُونَ عَنِ الْكَظِيمِ. قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي صُدَاءٍ؟ قَالَ: سِمَامُ الأَعْدَاءِ، وَمَسَاعِيرُ الْهَيْجَاءِ. قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي رَهَاءٍ؟ قَالَ: يُنَهْنِهُونَ عَادِيَةَ الْفَوَارِسِ، وَيَرِدُونَ الْمَوْتَ وَرْدَ الْخَوَامِسِ، قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِقَوْمِكَ " قال أبو علي:

كل ما حميته فهو ذمار. والسرب: الإبل وما رعى من المال. واللكاك: الزحام. والضكاك: مثل اللكاك سواءً. والريم: الدرجة، قَالَ أَبُو عمرو بن العلاء: أتيت دار قوم باليمين أسأل عَنْ رجل، فقَالَ لى رجل منهم: اسمك فِي الريم، أى اعل فِي الدرجة. والريم: الزيادة، يُقَال: لى عليك ريم عَلَى كذا وكذا، قَالَ الشاعر: فأقع كما أقعى أبوك عَلَى استه ... رأى أن ريما فوقه لا يعادله والريم: القبر، قَالَ ملك بن الريب المازنى: إذا مت فاعتادي القبور وسلمى ... على الريم أسقيت السحاب الغواديا والريم: عظم يفضل إذا اقتسم القوم الجزور، وهذا قول الشيبانى، وأنشدنا غيره فكنت كعظم الريم لم يدر جازر ... عَلَى أى بدأى مقسم اللحم يجعل والغيم: العطش، وقَالَ لى أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى: إن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نعوذ بالله من الأيمة والعيمة والغيمة والكزم والقرم. وقَالَ: الأيمة: الخلو من النساء. والعيمة: شهوة اللبن. والغيمة: العطش. وقَالَ: الكزم فيه قولان: يُقَال: فلان أكزم البنان إذا كان بخيلا، ويقَالَ: إن الكزم الأكل الشديد. والقرم: شهوة اللحم. والأمجاد: الأشراف. وينهنهون: يكفون. والكظيم: المكظوم، وهو الذى قد رد نفسه إِلَى جوفه. وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد بن معية: إذا علون أربعا أربعا بأربع ... فِي جعجع موصية بجعجع أنن أنان النفوس الوجع يعنى: الإبل علون أربعة أوظفة بأربع أذرع، وكأنه أنث عَلَى الكراع. وأنن، من الأنين، يعنى: أنهن إذا بركن أنن، ومثله قول كعب بن زهير: ثنت أربعاً منها عَلَى ظهر أربع ... فهن بمثنياتهن ثمان ومثله قول هيت: تقبل بأربع وتدبر بثمان، يعنى: أنها تقبل بأربع عكنٍ، فإذا رأيتها من خلف رأيت لكل عكنة طرفين فصارت ثمانية. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبى، قَالَ: أقام معاوية، رحمه الله، الخطباء لبيعه يزيد، فقامت المعدية فشققوا الكلام. ثم قام رجل من حمير فقَالَ: لسنا إِلَى رعاء هذه الجمال، عليهم تشقيق

المقَالَ، وعلينا صدق الصيال، أما والله إنا لصبر تحت البوارق، مراقيل فِي ظل الخوافق، لا نسأم الضراس، ولا نشمئز من المراس، وإن واحدنا لألف، وألفنا كهف، فمن أبدي لنا صفحته، حططنا علاوته، ثم قام رجل ذى الكلاع فاشار إِلَى معاوية فقَالَ: هذا أمير المؤمنين، فإن مات فهذا، وأشار إِلَى يزيد، فمن أبى فهذا، وأشار إِلَى السيف، ثم قَالَ: معاوية الخليفة لا تمارى ... فإن تهلك فسائسنا يزيد فمن غلب الشقاء عليه جهلا ... تحكم فِي مفارقه الحديد وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا الرياشى للعرجى: وما أنس ملأ شياء لا أنس موقفا ... لنا ولها بالسفح دون ثبير ولا قولها وهنا قد بل جيبها ... سوابق دمع لا يجف غزير أأنت الذى خبرت أنك باكر ... غداة غدٍ أو راحل بهجير فقلت يسير بعض شهرِ أغيبه ... وما بعض يوم غبته بيسير أحين عصيت العازلين اليكم ... ونازعت حبلى فِي هواك أميرى وباعدنى فيك الأقارب كلهم ... وباح بما يخفى اللسان ضميرى وقلت لها قول امرئ شفه الهوى ... إليها ولو طال الزمان فقير فما أنا شطت بك الدار أو نأت ... بى الدار عنكم فاعلمى بصبور وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رحمه الله: وما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل تمتع بذا اليوم القصير فإنه ... رهين بأيام الشهور الأطاول وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ أيضاً: شيب أيام الفراق مفارقي ... وأنشزن نفسى فوق حيث تكون وقد لان أيام اللوى ثم لم يكد ... من العيش شىء بعدهن يلين يقولون ما أبلاك والمال غامر ... عليك وضاحى الجلد منك كنين فقلت لهم لا تعذلونى وانظروا ... إلى النازع المقصور كيف يكون

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرياشى، عَنْ بعض أصحابه، قَالَ: أَخْبَرَنِي رجل، قَالَ: أتيت المجنون فجلست إليه فِي ظل شجرة فقلت: ما أشعر قيساً! حيث يقول: يبيت ويضحى كل يوم وليلة ... على منهج تبكى عليه القبائل قتيل للبنى صدع الحب قلبه ... وفى الحب شغل للمحبين شاغل فقَالَ: أنا أشعر منه حيث أقول: سلبت عظامى لحمها فتركتها ... معرقةً تضحى لديك وتخصر وأخليتها من مخها فكأنها ... قوارير فِي أجافها الريح تصفر إذا سمعت ذكر الفراق تقطعت ... علائقها مما تخاف وتحذر خذي بيدي ثم انهض بى تبينى ... بى الضر إلا أنني أتستر ويروي: . . . . . . . . . . . . . . . قعقعت ... مفاصلها من هول ما تنتظر ثم مر فأجمز فِي الصحراء، فلما كان فِي اليوم الثانى أتيته فجلست فِي ذلك الموضع، فلما أحسست به قلت: ما أشعر قيسا! حيث يقول: تباكر أم تروح غدا رواحا ... ولن يستطيع مرتهن براحا سقيم لا يصاب له دواء ... أصاب الحب مقتله فباحا وعذبه الهوى حتى براه ... كبرى القين بالسفن القداحا وكاد يذيقه جرع المنايا ... ولو سقاه ذلك لاستراح فقَالَ: أنا أشعر منه حيث أقول وأنشدناها ابن الأنبارى، عَنْ أبيه، ولم ينسب إِلَى أحد، وفى الروايتين اختلاف وأنا أذكرهما إن شاء الله وجد مغلوبٍ بصنعاء موثقٍ ... بساقيه من ثقل الحديد كبول قليل الموالى مستهام مروع ... له بعد نومات العشاء عويل وروى ابن الأنبارى: فما وَجْد مسجونٍ بصناعاء عضه ... بساقيه من صنع القيود كبول قليل الموالى مستهام مروع ... له بعد نومات العشاء عويل

وروي ابن الأنبارى: ضعيف الموالى مسلم بجريرة ... له بعد نومات العيون عويل يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غدٍ أو مسلم فقتيل بأعظم منى روعةً يوم راعنى ... فراق حبيبٍ ما إليه سبيل وروى ابن الأنبارى: بأوجع منى لوعةً: غداة أسير القصد ثم يردنى ... عَنِ القصد لوعات الهوى فأميل وروى ابن الأنبارى: غداة أريد القصد، وروي: ميلات الهوى فأميل. ثم قام هاربا وتركنى، فعدت بعد ذلك مرارا فلم أراه، فأخبرت أنه قد مات. وأنشد الأخفش: أقول لمقلتي يوم التقينا ... وقد شرقت مآقيها بماء خذن اليوم من نظرٍ بحظٍ ... فسوف توكلين إِلَى البكاء وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، لابن أبى مرة المكى: ساعة ولى شمت العاذل ... أذاك منه الفرج العاجل لم أنس إذ ودعته والتقى ... ذا البدن الناعم والناحل كأنما جسمى عَلَى جسمه ... غصنان ذا غض وذا ذابل يا رب ما أطيب ضمى له ... إلى لولا أنه راحل وأنشدنا أحمد بن يحيى، قَالَ: أنشدنا أبى، قَالَ: أنشدنا الجاحظ عمرو بن بحر: أزف البين المبين ... قطع الشك اليقين حنت العبس فأبكا ... نى من العيس الحنين لم أكن، لا كنت، أدرى ... أن ذا البين يكون علمونى كيف أشتاق ... إذا خف القطين وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن شيب، قَالَ: أتيت الزبير لأودعه وأخرج من المدينة، فقَالَ لى: بلغنى أنك لما أتيت هشام بن إبراهيم لتودعه قَالَ: لا أودعك حتى أغنيك:

وأنا بكيت من الفراق ... فهل بكيت كما بكيت ولطمت خدى خاليا ... ومرسته حتى اشتفيت وعواذلى ينهيننى ... عمن هويت فما انتهيت قَالَ الزبير: وأنا لا أودعك حتى أنشدك: أزف البين المبين ... وجلا الشك اليقين لم أكن لا كنت أدرى أن ذا البين يكون ... علموني كيف أشتاق إذا خف القطين وأنشدنا الأخفش، قَالَ: أنشدنا ابن المدبر للمجنون، وقَالَ لى: ما سمعت أغزل من هذين البيتين: أمزمعة ليلى ببين ولم تمت ... كأنك عما قد أظلك غافل ستعلم إن شطت بهم غربة النوى ... وزالوا بليلى أن قلبك زائل وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، عَنْ أبيه: نحن غادون من غدٍ لافتراق ... وأرانى أموت قبل يكون فلئن مت فاسترحت من البين ... لقد أحسنت إِلَى المنون قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: وأنشدنا أَبُو الحسن المظفر بن عبد الله: ما يريد الفراق، لا كان، منا ... أشمت الله بالفراق التلاقى لو وجدنا عَلَى الفراق سبيلا ... لأذقنا الفراق طعم الفراق وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد لأعرابى، وغيره يقول: إنها لحبيب: لو كان فِي البين إذ بانوا لهم دعة ... لكان بينهم من أعظم الضرر فكيف والبين موصول به تعب ... تكلف البيد فِي الإدلاج والبكر لو أن ما تبتلينى الحادثات به ... يكون بالماء لم يشرب من الكدر أو كان بالعيس ما بي يوم رحلتهم ... أعيت عَلَى السائق الحادي فلم تسر كأن مطاياهم إذا وخدت يقعن ... فِي حر وجهي أو عَلَى بصري

وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد للحسين بن مطير الأسدى، وفى نوادر ابن الأعرابى، وفى الروايتين زيادة ونقصان، وأنا آتى بهما إن شاء الله تعالى: لقد كنت جلداً قبل أن توقد النوى ... علي كبدي بارًا بطيئاً خمودها ولو تركت نار الهوى لتضرمت ... ولكن شوقاً كل يوم يزيدها وقد كنت أرجو أن تموت صبابتى ... إذا قدمت أيامها وعهودها فقد جعلت فِي حبة القلب والحشا ... عهاد الهوى تولى بشوق يعيدها لمرتجة الأطراف هيف خصورها ... عذاب ثناياها عجافٍ قيودها بسودٍ نواصيها وحمرٍ أكفها ... وصفرٍ تراقيها وبيضٍ خدودها وروى ابن الأنبارى: وصفر تراقيها وحمر أكفها ... وسود نواصيها وبيض خدودها مخصرة الأوساط زانت عقودها ... بأحسن مما زينتها عقودها يمنيننا حتى ترف قلوبنا ... رفيف الخزامى بات طل يجودها وفيهن مقلاق الوشاح كأنها ... مهاة بتربان طويل عقودها يريد: موضع العقود، وهو العنق. قَالَ: وقوله: ولو تركت نار الهوى لتضرمت أجود، لأنها تضرم وحدها، فكيف إذا زادها غيرها وأوقدها! وقرأت عليه لابن ميادة: كأن فؤادى فِي يدٍ ضبثت به ... محاذرةً أن يقضب الحبل قاضبه وأشفق من وشك الفراق وإننى ... أظن لمحمول عليه فراكبه فوالله ما أدرى أيغلبنى الهوى ... إذا جد جد البين أم أنا غالبه فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذى لاقيت يغلب صاحبه وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيي النحوي: قد قلت والعبرات ... تسفحها عَلَى الخد المآقي

حين انحدرت إِلَى الجزيرة ... وانقطعت عنِ العراق وتخبطت أيدي الرفاق ... مهامه البيد الرقاق يا بؤس من سل الزمان ... عليه سيفاً للفراق وأنشدنا أيضا، قَالَ: أنشدنا أَبُو الحسن بن البراء، قَالَ: أنشدنى ابن غالب: ذكر الحبيب حبيبه ففؤاده ... مثل الجناح من الصبابة يخفق عمرا زمانا يكتمان هواهما ... وكلاهما بادى الهوى متشوق حتى إذا اجتمعنا بأحسن ... ألفةٍ ما منهما فِي وده متخلق كر الزمان عليهما بفراقه ... وكذاك لم يزل الزمان يفرق وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ التاريخى، قَالَ: أنشدنى البحترى لنفسه: الله رك فِي انطلاقك ... تلقاء شامك أو عراقك لا تعذلني فِي مسيرك ... يوم سرت ولم ألاقك إنى خشيت مواقفا ... للبين تسفح غرب ماقك وعلمت ما يلقي المتيم ... عند ضمك واعتناقك وعلمت أن لقاءنا ... سب اشتياقي واشتياقك فتركت ذاك تعمدا ... وخرجت أهرب من فراقك وقرأ أَبُو غانم الكاتب عَلَى أبى عبد الله نفطويه فِي المسجد الجامع بالمدينة قبل الصلاة وأنا أسمع لتوبة بن الحمير: قَالَت مخافة بيننا وبكت له ... فالبين مبعوث عَلَى المتخوف لو مات شىء من مخافة فرقةٍ ... لأماتنى للبين طول تخوفى ملأ الهوى قلبى فضقت بحمله ... حتى نطقت به بغير تكلف وقرأ عليه: راعك البين والمشوق يراع ... حين قالوا تشتت وانصداع لست أنسى مقالها يوم ولت ... وقصارى المشيعين الوداع

وقرأ عليه: بكيت دماً حتى القيامة والحشر ... ولا زلت مغلوب العزيمة والصبر أتظعن طوع النفس عمن تحبه ... وتبكي كما يبكي عَنْ صغر أقم لا تسر والهم عنك بمعزل ... ودمعك باقٍ فِي جفونك ما يجرى وقرأ عليه أيضا: عَنْ حبيبك ثم تبكى ... عليه فمن دعاك إِلَى الفراق كأنك لم تذق للبين طعماً ... فتعلم أنه مر المذاق أقم وأنعم بطول قرب منه ... ولا تظعن فتكبت باشتياق فما اعتاض المفارق من حبيب ... ولو يعطى الشآم مع العراق وقرأ عليه أيضاً: تطوى المراحل عَنْ حبيبك دائبا ... وتظل تبكيه بدمع ساجم كذبتك نفسك لست من أهل الهوى ... تشكو الفراق وأنت عين الظالم ألا أقمت ولو عَلَى جمر الغضى ... قلبت أو حد الحسام الصارم أنشدنى جحظة بعض هذه الأبيات، وأنشدناها بتمامها الأخفش عَلَى بن سليمان لمسلم بن الوليد: وإنى وإسماعيل يوم وداعه ... لكالغمد يوم الروع فارقه النصل أما والحبالات الممرات بيننا ... وسائل أدتها المودة والوصل لما خنت عهدا من إخاء ولا نأى ... بذكرك نأى عَنْ ضميرى ولا شغل وإنى فِي مالى وأهلى كأننى ... لنأيك لا مال لدى ولا أهل يذكرينك الدين والفضل والحجا ... وقيل الخنا والحلم والعلم والجهل فألقاك عَنْ مذمومها متنزها ... وألقاك فِي محمودها ولك الفضل وأحمد من أخلاقك البخل إنه ... بعرضك لا بالمال حاشا لك البخل أمنتجعا مرواً بأثقَالَ همةٍ ... دع الثقل واحمل حاجةً ما لها ثقل ثناءً كعرف الطيب يهدى لأهله ... وليس له إلا بني خالدٍ أهل فإن أغش قوماً بعدهم أو أزورهم ... فكالوحش يستدنيه للقنص المحل

وروي جحظة: يدنيه من الأنس المحل وأنشدنا بعض أصحابنا، قَالَ: أنشدنى عمرو بن بحر الجاحظ: أنا أبكى خوف الفراق لأنى ... بالذى يفعل الفراق عليم أنا مستيقن بأن مقامى ... ومسير الحبيب لا يستقيم وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لجميل: رحل الخليط جمالهم بسواد ... وحدا عَلَى أثر البخيلة حادى ما إن شعرت ولا سمعت بينهم ... حتى سمعت به الغراب ينادى لما رأيت البين قلت لصاحبى ... صدعت مصدعة القلوب فؤادى بانوا وغودر فِي الديار ميتم ... كلف بذكرك يا بثينة صادى وقَالَ أَبُو زيد: من أمثال العرب: تفزع من صوت الغراب وتفترس الأسد المشبم، وهو الذى قد شد فوه، وذلك أن امرأة افترست أسداً وسمعت صوت غراب ففزعت منه، يُقَال ذلك للذى يخاف اليسير من الأمور وهو جرئ عَلَى الجسيم. ويقَالَ: كالمشترى القاصعاء باليربوع، يُقَال ذلك للذى يدع العين ويتبع الأثر ويختار ما لا ينبغى له. ويقَالَ: روغى جعار وانظري أين المفر، يضرب مثلا للذى يهرب ولا يقدر أن يفلت صاحبه. ويقَالَ: كلب اعتس خير من كلب ربض، يُقَال ذلك إذا طلب رجل الخير وقعد آخر فلم يطلب. وقَالَ يعقوب بن السكيت: يُقَال: قطب يقطب قطوبا وهو قاطب، إذا جمع ما بين عينيه، واسم ذلك الموضع المقطب، ومنه قيل: الناس قاطبة، أى الناس جميع، ويقَالَ: قطب شرابه إذا مزجه فجمع بين الماء والشراب. ويقَالَ: عبس يعبس عبوسا، وبسر يبسر بسورا. ويقَالَ: رجل أبسل وباسل، أى كريه المنظر، ويقَالَ: تبسل فِي عينيه، أى كرهت مرآته، قَالَ أَبُو ذؤيب: فكنت ذنوب البئر لما تبسلت ... وسربلت أكفانى ووسدت ساعدى قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: دهيت الرجل أدهاه دهيا، أي عبته واغتبته ونقصته. ويقَالَ: نجهت الرجل أنجهه نجها، وجبهته أجبهه جبهاً، والاسم الجبيهة والنجه، والمعنى واحد، وهو استقبالك الرجل بما يكره، وهو ردك الرجل عَنْ حاجة طلبكها، وأنشد: حييت عنا أيها الوجه ... ولغيرك البغضاء والنجه

مطلب خطبة هانئ بن قبيصة في قومه يحرضهم على الحرب يوم ذي قار

ويقَالَ: ندهت الإبل أندهها ندها، وهو سوق للإبل مجتمعة، والثلاث من الإبل تنده إِلَى ما بلغت، وإذا سيق البعير وحده فقد يقتاس له من النده، فيقَالَ: بعير مندوه، ويقَالَ: عند فلان ندهة من صامت أو ماشية، وندهة وهى العشرون من الغنم ونحوها، والمائة من الإبل أو قرابتها، ومن الصامت الألف أو نحوه. مطلب خطبة هانئ بن قبيصة فِي قومه يحرضهم عَلَى الحرب يوم ذي قار وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: قَالَ هانئ بن قبيصة الشيباني لقومه يوم ذى قار وهو يحرضهم: يا معشر بكرٍ، هالك معذور، خير من ناجٍ فرور، إن الحذر لا ينجى من القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الطعن فِي ثغر النحور، أكرم منه فِي الأعجاز والظهور. يا آل بكر، قاتلوا فما للمنايا من بد وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لحميد بن الثور الهلالى: ولقد نظرت إِلَى أغر مشهرٍ ... بكرٍ توسن بالخميلة عونا متسنم سنماتها متفجس ... بالهدر يملأ أنفسا وعيونا لقح العجاف له لسابع سبعةٍ ... وشربن بعد تحلؤ فروينا يعنى بأغر سحابا فيه برق أو هو أبيض. وبكرٍ: لم يمطر قبل ذلك. وتوسن: طرقها ليلا عند الوسن، أى وقت اختلاط النعاس بعيون الناس، يُقَال: توسنت الرجل، أى أتيته وهو وسنان. والخميلة: رملة كثيرة الشجر. وعون جمع عوان، وهى الأرض التى أصابها المطر مرة، وهذا مثل وأصله فِي النساء، قَالَ الكسائى: العوان: التى قد كان لها زوج، ومنه قيل: حرب عوان. وقوله متسنم، شبهه بالبعير الذى يتسنم أسنمة الإبل، أى يعلوها. والسنمات: العظام السنام، يريد أن هذا السحاب كأنه يتسنم التلال والآكام، أى يعلوها، وهو مثل. ومتفجس: متكبر. بالهدر: يعنى رعده. وقوله: يملأ أنفسنا: تعجبا منه، وقَالَ بعضهم: لهولها. ولقحت: نبت عشبها. والعجاف: الأرضون التى لم تمطر، وهو مثل. بعد تحلؤ: بعد منع من الماء. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، قَالَ: سمعت عمى يحدث سران أبا العباس ابن عمه، وكان من أهل العلم، قَالَ: سهرت ليلةً من ليالى بالبادية، وكنت نازلا عند رجل

من بنى الصيداء من أهل القصيم، وكان، والله، واسع الرحل، كريم المحل، فأصبحت وقد عزمت عَلَى الرجوع إِلَى العراق، فأتيت أبا مثواى، فقلت: إنى قد هلعت من الغربة واشتقت أهلي، ولم أفد فِي قدمتي هذه إليكم كبير علم، وإنما كنت أغتفر وحشة الغربة وجفاء البادية للفائدة، فأظهر توجعا، ثم أبرز غداءً له فتغديت معه، وأمر بناقة له مهرية كأنها سبيكة لجين فارتحلها واكتفلها، ثم ركب وأردفنى وأقبلها مطلع الشمس، فما سرنا كبير مسير حتى لقينا شيخ عَلَى حمار له جمة قد ثمغها كالورس فكأنها قنبيطة، وهو يترنم، فسلم عليه صاحبى وسأله عَنْ نسبه، فاعتزى أسدياً من بنى ثعلبة، فقَالَ: أتنشد أم تقول؟ فقَالَ: كلا، فقَالَ: أين تؤم؟ فأشار إِلَى ماء قريب من الموضع الذي نحن فيه، فأناخ الشيخ وقَالَ لي: خذ بيد عمك فأنزله عَنْ حماره، ففعلت، فألقي له كيسا قد كان اكتفل به، ثم قَالَ: أنشدنا، رحمك الله، وتصدق عَلَى هذا الغريب بأبيات يعيهن عنك ويذكرك بهن، فقَالَ: إى ها الله إذاً! ثم أنشدنى: لقد طال يا سوداء منك المواعد ... ودون الجدا المأمول منك الفراقد إذا أنت أعطيت الغني ثم لم تجد ... بفضل الغنى ألفيت مالك حامد تمنيننا غداً وغيمكم غدا ... ضباب فلا صحو ولا الغيم جائد وقل غناءً عنك مال جمعته ... إذا ثار ميراثا وواراك لا حد إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد إذا الحلم لم يغلب لك الجهل ... لم تزل عليك بروق جمة ورواعد إذا العزم لم يفرج لك الشك لم تزل ... جنيباً كما استتلى الجنيبة قائد إذا أنت لم تترك طعامًا تحبه ... ولا مقعدًا تدعوا إليه الولائد تجللت عارا لا يزال يشبه ... سباب الرجال نقرهم والقصائد وأنشدنى أيضاً: تعز فإن الصبر بالحر أجمل ... وليس عَلَى ريب الزمان معول فلو كان يغنى أن يرى المرء جازعاً ... لنازلة أو كان يغنى التذلل لكان التعزى عند كل مصيبة ... ونازلةٍ بالحر أولى وأجمل

مطلب وصف بعض الأعراب للمطر وشرح غريبه

فكيف وكل ليس يعدو حمامه ... وما لامرئ عما قضى الله مزحل فإن تكن الأيام فينا تبدلت ... ببؤسٍ ونعمى والحوادث تفعل فما لينت منا قناةً صليبةً ... ولا ذللتنا للذي ليس يجمل ولكن رحلناها نفوسا كريمة ... تحمل ما لا يستطاع فتحمل وقنا بعزم الصبر منا نفوسنا ... فصحت لنا الأعراض والناس هزل قَالَ أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ عبد الرحمن، قَالَ عمى: فقمت والله وقد أنسيت أهلي، وهان عَلَى طول الغربة وشظف العيش سروراً بما سمعت، ثم قَالَ لي: يا بني، من لم تكن استفادة الأدب أحب إليه من الأهل والمال لم ينجب وأنشدنى أَبُو بَكْرٍِ قَالَ: أنشدنى أَبُو عثمان: إذا ما فقدتم أسود العين كنتم ... كراما وأنتم ما أقام ألائم أسود العين: جبل، والجبل لا يغيب، يقول: فأنتم لئام أبدا. وقرأت عليه لعدى بن زيد يصف فرسا: أحال عليه بالقناة غلامنا ... فأذرع به لخلة الشاة راقعا أذرع به، أي ما أذرعه، أي ما أسرعه! وقوله: لخلة الشاة راقعاً، أى يلحقها فيرقع ما بينه وبينها من الفرجة حتى لا يكون بينهما فرجة، وحكى عَنْ خلف الأحمر، أنه قَالَ: يعدو الفرس وبين الشاتين خلة، أى فرجة فيدخل بينهما فكأنه رقع الخلة بنفسه لما سار فيها. مطلب وصف بعض الأعراب للمطر وشرح غريبه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سئل أعرابى عَنْ مطر، فقَالَ: استقل سد مع انتشار الطفل، فشصا واحزال، ثم اكفهرت أرجاؤه، واحمومت أرحاؤها، وابذعرت فوارقه، وتضاحكت بوارقه، واستطار وادقه، وارتتقت جوبه، وارتعن هيدبه، وحشكت أخلافه، واستقلت أردافه، وانتشرت أكنافه، فالرعد مرتجس، والبرق مختلس، والماء منبجس، فأترع الغدر، وانتبث الوجر، وخلط الأوعال بالآجال، وقرن الصيران بالرئال، فللأودية هدير، وللشراج خرير، وللتلاع زفير، وحط النبع والعتم، من القلل الشم، إِلَى القيعان الصحم، فلم يبق فِي القلل إلا معصم مجرنثم، أو داحص مجرجم، وذلك من فضل رب العالمين، عَلَى عباده المذنبين

السد: السحاب الذي يسد الأفق، وهذا قول أَبِي بَكْرٍ، وقَالَ أَبُو نصر، عَنِ الأصمعي: جاءنا جراد سد إذا سد الأفق. والطفل: العشي إِلَى حد المغرب. وشصا: ارتفع، ويقَالَ: شصا برجله إذا رفعها عند الموت، وشصا الزق إذا امتلأ وارتفعت قوائمه. ويقَالَ: شصا بصره يشصو شصواً إذا طمح، وطمح معناه ارتفع، ولهذا قيل للدابة: طموح إذا كان يرفع رأسه حتى يفرط. واحزأل: ارتفع أيضاً. واكفهر واكرهف: تراكم، والمكفهر والمكرهف من السحاب: الذي يركب بعضه بعضا. وأرجاؤه: نواحيه، واحدها رجاً مقصور. واحمومت: اسودت، والحمة: سواد تعلوه حمرة. وأرحاؤه واحدها رحاً وهو أوساطه. وابذعرت: تفرقت، والفوارق واحدها فارق، وهو السحاب الذي ينقطع من معظم السحاب، وهذا مثل وأصله فِي الإبل، يُقَال: ناقة فارق، وهي التي تندعَنِ الإبل عند نتاجها، قَالَ الكسائي: فرقت تفرق فروقا. واستطار: انتشر. والوادق: الذي يكون فيه الودق، وهو المطر العظيم القطر، ويكون الداني من الأرض، يُقَال: ودق يدق إذا دنا، والوديقة من هذا، وهى شدة الحر، لأن حرارة الشمس تدنو من الأرض. وارتتقت: التأمت. وجوبه: فرجه. وارتعن: استرخى. والهيدب: الذي يتدلى ويدنو من الأرض، مثل هدب القطيفة. وحشكت: امتلأت، قَالَ زهير: كما استغاث بسىٍ فز غيطلةٍ ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك قَالَ الأصمعي: إنما هو الحشك فحركه للضرورة، كما قَالَ رؤبة: مشتبه الأعلام لماع الخفق وإنما هو الخفق: والخلف: ما يقبض عليه الحالب من ضرع الشاة والبقرة والناقة. واستقلت: ارتفعت. وأردافه: مآخيره. والأكناف: النواحي. ومرتجس: مصوت، والرجس: الصوت. ومختلس، كأنه يختلس البصر لشدة لمعانه. ومنبجس: منفجر. وأترع: ملأ. والغدر: جمع غدير. وانتبث: أخرج نبيثتها، وهو تراب البئر والقبر. يريد أن هذا المطر لشدته هدم الوجر، وهي جمع وجار، وهو سرب الثعلب والضبع، حتى أخرج ما داخلها من التراب. والأوعال: واحدها وعل، وهو التيس الجبلي. والآجال: جمع واحدها إجل، وهو القطيع من البقر. يريد أنه لشدته حمل الوعول وهي تسكن الجبال، والبقر وهي تسكن القيعان والرمال، فجمع بينهما. وقوله: وقرن الصيران

بالرئال، فالصيران واحدها صوار وصيار أيضاً، وهو القطيع من البقر. والرئال: فراخ النعام، واحدها رأل مهموز، فالرئال تسكن الجلد، والصيران تسكن الرمال والقيعان، فقرن بينهما. وهدير: صوت كهدير الإبل. والشراج: مجارى الماء من الحرار إِلَى السهولة. والتلاع مجاري ما ارتفع من الأرض إِلَى بطن الوادي، فإذا اتسعت التلعة حتى تصير مثل نصف الوادي أو ثلثيه، فهي ميثاء، فإذا عظمت فوق ذلك، فهي ميثاء جلواخ. والنبع: شجر يتخذ منه القسى ينبت فِي الجبال. والعتم: الزيتون الجبلي، قَالَ الشاعر: تستن بالضرو من براقش أو ... هيلان أو ناضرٍ من العتم تستن: تستاك. والضرو: البطم، وهو الحبة الخضراء. والقلل: أعالي الجبال. والشم: المرتفعة. والقيعان: واحدها قاع، وهي الأرض طيبة الطين الحرة. والصحم: التي تعلوها حمرة واحدها أصحم. والمعصم: الذي قد تمسك بالجبال وامتنع فيها، ويقَالَ للرجل الذي يمسك بعرف فرسه خوف السقوط معصم، قَالَ طفيل: إذا ما غد لم يسقط الروع رمحه ... ولم يشهد الهيجا بألوث معصم وألوث: ضعيف. والمجرنثم: المتقبض. والداحص: الذي يفحص برجليه عند الموت، قَالَ علقمة بن عبدة: رغا فوقهم سقب السماء فداحصٌ ... بشكّته لم يستلب وسليب والمجرجم: المصروع. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: سمعت أعرابياً من غني يذكر مطرا صاب فِي غب جدب فقَالَ: تدارك ربك خلقه وقد كلبت الأمحال، وتقاصرت الآمال، وعكف الياس، وكظمت الأنفاس، واصبح الماشي مصرما، والمترب معدما، وجفيت الحلائل، وامتهنت العقائل، فأنشأ سحابا ركاما، كنهور سجاما، بروقه متألقة، ورعوده متقعقعة، فسح ساجيا راكدا، ثلاثا غير ذى فواق، ثم أمر ربك الشمال فطحرت ركامه، وفرقت جهامه، فانقشع محمودا، وقد أحيا وأغنى، وجاد فأروى، والحمد لله الذي لا تكت نعمه، ولا تنفد قسمه، ولا يخيب سائله ولا ينزر نائله

قوله: صاب: جاد، والصوب: المطر الجود. وكلبت: اشتدت. وكذلك كلب الشتاء. والأمحال جمع محل، وهو القحط. وعكف: أقام، قَالَ الراجز: محلها إن عكف الشفيف ... الزرب والعنة والكنيف الشفيف: البرد. والعنة: الحظيرة يحبس فيها الإبل. ومنه قيل للبعير: معنى، وهو الذي قد هاج فحبس فِي العنة، ويكون معني من التعنية وهو الحبس، وهذا هو الوجه، لأنه إذا جعل معنى من العنة وجب أن يكون الأصل معننا، ثم أبدل من النون الأخيرة ياء، كما فعلت بتظنيت، واصله تظننت. وكظمت: ردت إِلَى الأجواف، يُقَال: كظم غيظه إذا حبسه. والماشي صاحب الماشية، يُقَال: مشى الرجل وأمشى إذا كثرت ماشيته، قَالَ الشاعر: وكل فتي وإن مشي وأثري ... ستخلجه عَنِ الدنيا منون والمصرم: المقارب المال المقل، كذا قَالَ أَبُو زيد والأصمعى وأنشدنا الأصمعى للمعلوط يصد الكرام المصرمون سواءها ... وذو الحق عَنْ أقرانها سيحيد والمترب: الغني الذي له مال مثل التراب كثرة، يُقَال: أترب الرجل إذا استغنى، وترب إذا افتقر، كأنه لصق بالتراب. وامتهنت: استخدمت واعتملت، يُقَال: مهنت القوم امهنهم مهنة ومهنة ومهنا، أتى بها اللحياني ثلاثتها. والعقائل: الكرائم واحدتها عقيلة. وأنشأ: أحدث. والنشء: السحاب أول ما يخرج. والكنهور: قطع كأنها الجبال، واحدتها كنهورة. وسجام: صباب. ومتألقة: لامعة. ومتقعقعة: مصوتة، والقعقعة: صوت السلاح وما أشبهه، ويقَالَ: إن قعيقعان، وهو جبل بمكة، سمى بذلك لتقعقع السلاح لحرب كانت فيه. وسح: صب، سححته أسحه سحاً، أنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أنشدنى عبد الرحمن، عَنْ عمه: وربت غارةٍ أوضعت فيها ... كسح الهاجري جريم تمر وساجٍ: ساكن، يُقَال: ليلة ساجية وساكرة وساكنة بمعنى واحد، قَالَ الحادي: يا حبذا القمر والليل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج

مطلب الكلام على مادة ح س س

وراكد: ثابت. والفواق أن يصب صبةً ثم يسكن ثم يصب أخرى ثم يسكن، مأخوذ من فواق الناقة، وهو ما بين الحلبتين، كأنه يحلب حلبة ثم يسكن ثم يحلب أخرى ثم يسكن. وطحرت: أذهبت وأبعدت، ومنه قيل: سهم مطحر، إذا كان بعيد الذهاب، قَالَ أَبُو كبير الهذلي: لما رأى أن ليس عنهم مقصر ... قصر الشمال بكل أبيض مطحر وركامه: ما تركم منه. والجهام: السحاب الذي قد هراق ماءه. وتكت: تحصي، أنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد: إلا بجيشٍ لا يكت عديده ... سود الجلود من الحديد غضاب وينزر: يقل، ومنه قيل: امرأة نزور إذا كانت قليلة الولد. وحَدَّثَنِي غير واحد من أصحاب أبى العباس أحمد بن يحيى النحوى أنه قَالَ: كل شىء يعز حين ينزر إلا العلم، فإنه يعز حين يغزر. وقَالَ الأصمعي: من أمثال العرب أسمع جعجعة ولا أرى طحنا، أي أسمع جلبةً ولا أرى عملاً ينفع. : الجعجعة: صوت الرحا وما أشبه ذلك الصوت. والطحن: الدقيق. ويقَالَ: كلا جانبي هرشي لهن طريق، يضرب مثلا للأمرين يشتبهان ويستويان أي مأخذٍ أخذتها. ويقَالَ: حرة تحت قرة يضرب مثلا للأمر يظهر وتحته خفي غيره. : الحرة: حرارة العطش. والقرة: البرد. ويقَالَ: ضغث عَلَى إبالة يضرب مثلا للرجل تكلفه الثقل ثم تزيده عَلَى ذلك. : الإبالة: الحزمة من الحطب. والضغث: القبضة من الحشيش. مطلب الكلام عَلَى مادة ح س س وقَالَ الأصمعي: يقَالَ: جيء به من حسك وبسك، أي من حيث كان ولم يكن، وروى أَبُو نصر: من حيث شئت، والمعنى واحد، والحس والحسيس: الصوت، قَالَ الله عز وجل: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبياء: 102] والحس: وجع يأخذ المرأة بعد الولادة. والحس: برد يحرق الكلأ.

ويقَالَ: أصابتنا حاسة، ويقَالَ: البرد محسة للنبت، أي يحرقه، ويقَالَ: ضربه فما قَالَ: حس مكسور، وهي كلمة تُقَال عند الجزع، قَالَ الراجز: فما أراهم جزعا بحس ... عطف البلايا المس بعد المس ويقَالَ: اشتر لي محسةً للدابة. والحساس: سمك يجفف يكون بالبحرين. وقَالَ اللحياني: الحساس: الشؤم والنكد، وأنشدنا أَبُو زيد: رب شريب لك ذي حساس ... أقعس يمشي مشية النفاس ليس بريان ولا مواسي ويقَالَ: انحست أسنانه إذا تكسرت وتحاتت، قَالَ العجاج: فِي معدن الملك القديم الكرس ... ليس بمقلوع ولا منحس ويقَالَ: حسستهم إذا قتلتهم، قَالَ الله تعالى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: 152] . ويقَالَ: أحسست بالخبر وحسست به وأحست به وحسيت به، قَالَ أَبُو زبيد: خلا أن العتاق من المطايا ... حسين به فهن إليه شوس ويقَالَ: حسست له أحس، أي رققت له، يُقَال: إني لأحس له، أي أرق له وأرحمه، قَالَ القطامي: أخوك الذي لا تملك الحس نفسه ... وترفض عند المحفظات الكتائف والكتائف جمع كتيفة، وهي هاهنا الحقد. والكتيفة أيضاً: ضبة الحديد، وقَالَ أَبُو نصر: الكتيفة: بيضة الحديد، ولا أعرف هذه الكلمة عَنْ غيره. يقول: أخوك الذي إذا رآك فِي شدة لم يملك أن يرق لك، وقَالَ الأصمعي: يُقَال: إن البكري ليحس للسعدي، أي يرق له. وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد: إذا تجافين عَنِ النسائج ... تجافي البيض عَنِ الدمالج يعني: إبلا، يقول: بهن جراح من حزمهن، فهن يتجافين عنها كما تجافي النساء عَنْ دمالجهن إذا بردت عليهن.

وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن عرفة النحوي المعروف بنفطويه، وقرأته عَلَى أبي عمر المطرز فِي أمالي أبي العباس أحمد بن يحيى للحسين بن مطير الأسدي: مستضحك بلوامع مستعبر ... بمدامع لم تمرها الأقذاء كثرت لكثرة ودقه أطباؤه ... فإذا تحلب فاضت الأطباء فله بلا حزنٍ ولا بمسرةٍ ... ضحك يراوح بينه وبكاء وكأن عارضه الحريق ... يلتقي أشب عليه وعرفج وألاء لو كان من لجج السواحل ماؤه ... لم يبق فِي لجج السواحل ماء وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا الرياشي، عَنْ أبي عبيدة، لعبيد بن الأبرص: يا من لبرقٍ أبيت الليل أرقبه ... فِي عارض كمضىء الصبح لماح دان مسف فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح كأن ريقه لما علا شطبا ... أقراب أبلق ينفى الخيل رماح ينزع جلد الحصى أجش مبترك ... كأنه فاحص أو لاعب داحي فمن بنجوته كمن بمحفله ... والمستكن كمن يمشي بقرواح كأن فيه عشاراً جلةً شرفا ... شعثاً لها ميم قد همت بإرشاح هدلاً مشافرها بحا حناجرها ... ترخى مرابعها فِي صحصح ضاحى وأنشدنا بعض أصحابنا لكثير: فالمستكن ومن يمشي بمروته ... سيان فيه ومن بالسهل والجبل وأنشدنا للحماني: دمن كأن رياضها ... يكسين أعلام المطارف وكأنما غدرانها ... فيها عشور فِي مصاحف وكأنما أنوارها ... تهتز بالريح العواصف طرر الوصائف يلتقين ... بها إِلَى طرر الوصائف باتت سواريها تمخض ... فِي رواعدها القواصف

ثم انبرت سحا كبا ... كيةٍ بأربعة ذوارف وكأن لمع بروقها ... فِي الجو أسياف المثاقف وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ لعبيد: سقى الرباب مجلجل ... الأكناف لماع بروقه جون تكفكفه الصبا ... وهنا وتمريه خريقه مرى العسيف عشاره ... حتى إذا درت عروقه ودنا يضئ ربابه ... غاباً يضرمه حريقه حتى إذا ما ذرعه ... بالماء ضاق فما يطيقه هبت له من خلفه ... ريح شآمية تسوقه حلت عزاليه الجنوب ... فثج واهيةً خروقه وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ لكثير: تسمع الرعد فِي المخيلة منها ... مثل هزم القروم فِي الأشوال وترى البرق عارضاً مستطيرا ... مرح البلق جلن فِي الأجلال أو مصابيح راهبٍ فِي يفاعٍ ... سغم الزيت ساطعات الذبال وقرأت عليه لكثير: أهاجك برق آخر الليل واصب ... تضمنه فرش الجبا فالمسارب يجر ويستأنى نشاصاً كأنه ... بغيقة حادٍ جلجل الصوت جالب تألق واحمومى وخيم بالربا ... أحم الذرى ذو هيدب متراكب إذا حركته الريح أرزم جانب ... بلا هزقٍ منه وأومض جانب كما أومضت بالعين ثم تبسمت ... خريع بدا منها جبين وحاجب يمج الندى لا يذكر السير لعبد أهله ... ولا يرجع الماشي به وهو جادب وأنشدنا بعض أصحابنا لعبد الله بن المعتز: ومزنة جاد من أجفانها المطر ... فالروض منتظم والقطر منتثر ترى مواقعه فِي الأرض لائحة ... مثل الدراهم تبدو ثم تستتر

وأنشدني له أيضاً: ما ترى نعمة السماء عَلَى الأرض ... وشكرا الرياض للأمطار وكأن الربيع يجلو عروساً ... وكأنّا من قطرة فِي نثار وأنشدني له أيضاً: وموقرة بثقل الماء جاءت ... تهادى فوق أعناق الرياح فجادت ليلها وبلا وسحا ... وهطلاً مثل أفواه الجراح ولابن المعتز فِي وصف السحاب: كأن الرباب الجون والفجر ساطع ... دخان حريق لا يضيء له جمر وأنشدني بعض أصحابنا لأبي الغمر الجبلي: نسجته الجنوب وهو صناع ... فترقى كأنه حبشي وقرى كل قرية كان يقرو ... ها قري لا يجف منه قرى وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى فِي صفة سحابة: كأنه لما وهي سقاؤه ... وانهل من كل غمام ماؤه حم إذا حمشه قلاؤه الحم: ما بقي من الشحم إذا أذيب. وحمشه: أحرقه. وأنشدنا محمد بن السري السراج: بدا البرق من أرض الحجاز فشاقني ... وكلّ حجازي له البرق شائق سرى مثل نبض العرق والليل دونه ... وأعلام أبلى كلها والأسالق أخذه منه الطائي فقَالَ: إليك سرى بالمدح ركب كأنهم ... عَلَى الميس حيّات اللصاب النضانض تشيم برقا من نداك كأنها ... وقد لاح أولادها عروق نوابض وأنشدني بعض أصحابنا: أرقت لبرق آخر الليل يلمع ... سرى دائباً منها يهبّ ويهجع سرى كاقتذاء الطير والليل ... ضارب بأرواقه والصبح قد كاد يسطع

مطلب حديث الرواد الذين أرسلنهم مذحج ووصفهم الأرض لقومهم بعد رجوعهم

وأنشدني أيضا بعض أصحابنا: أرقت لبرق سرى موهنا ... خفي كغمزك بالحاجب كأن تألقه فِي السما ... يدا حاسب أو يدا كاتب ولابن المعتز: رأيت فيها برقها منذ بدت ... كمثل طرف العين أو قلب يجب ثم حدت بها الصبا حتى بدا ... فيها لي البرق كأمثال الشهب تحسبه فيها إذا ما انصدعت ... أحشاؤها عنه شجاعاً يضطرب وتارة تحسبه كأنه ... أبلق مال جلّه إذا وثب حتى إذا ما رفع اليوم الضحى ... حسبته سلاسلاً من الذهب ويُنشد أصحاب المعاني: نار تجدد للعيدان تضرمها ... والنار تلفح عيداناً فتحترق وللطائي: يا سهم للبرق الذي استطارا ... ثاب عَلَى رغم الدجى نهارا آض لنا ماء وكان نارا وأنشدني بعض أصحابنا لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر: أما ترى اليوم قد رقت حواشيه ... وقد دعاك إِلَى اللذات داعيه وجاد بالقطر حتى خلتُ أن له ... إلفاً نآه فما ينفك يبكيه مطلب حديث الرواد الذين أرسلنهم مذحج ووصفهم الأرض لقومهم بعد رجوعهم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، عَنْ أشياخ من بني الحارث بن كعب، قالوا: أجدبت بلاد مذحج فأرسلوا رواداً من كل بطن رجلا، فبعث بنو زبيد رائداً، وبعثت النخع رائداً، وبعثت جعفي رائداً، فلما رجع الرواد قيل لرائد بني زبيد: ما وراءك؟ قَالَ: أريت أرضاً موشمة البقاع، ناتحة النقاع، مستحلسة الغطيان، ضاحكة القريان، واعدةً وأحر بوفائها، راضيةً أرضها عَنْ سمائها. وقيل لرائد جعفي: ما وراءك؟ قَالَ: رأيت أرضاً جمعت السماء أقطارها، فأمرعت أصبارها، وديثت أوعارها، فبطنانها غمقة، وظهرانها غدقة،

ورياضها مستوسقة، ورقاقها رائخ، ووطائها سائخ، وماشيها مسرور، ومصرمها محسور. وقيل للنخعي: ما وراءك؟ فقَالَ: مداحي سيل، وزهاء ليل، وغيلٌ يواصي غيلاً، قد ارتوت أجرازها، ودمث عزازها، وقَالَ مرة: ودمث، والتبدت أقوازها، فرائدها أنق، وراعيها سنق، فلا قضض، ولا رمض، عازبها لا يفزع، وواردها لا ينكع، فاختاروا مراد النخعي قَالَ الأصمعي: أوشمت السماء إذا بدا فيها برق، أوشمت الأرض إذا بدا فيها نبت، وأنشد: كم من كعاب كالمهاة الموشم وهي التي قد نبت لها وشم من النبات ترعى فيه، هذا قوله فِي كتاب الصفات، وقَالَ فِي كتاب النبات: أوشمت الأرض إذا بدا فيها شيء من النبات. وناتحة: راشحة، كذا قَالَ أَبُو بَكْرٍِ. وقَالَ: المستحلسة: التي قد جللت الأرض بنباتها، وقَالَ الأصمعي: استحلس النبت إذا غطى الأرض أو كاد يغطيها، والمعنى واحد. والقريان: مجاري الماء إِلَى الرياض، واحدها قرى، وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي كتاب الصفات للعجاج: ماء قري مده قري وواعده تعد تمام نباتها وخيرها وأنشد الأصمعي: رعى غير مذعور بهنّ وراقه ... لعاع تهاداه الدكادك واعد وأحر: أخلق. والسماء: المطر هاهنا، يريد أن المطر جاد بها فطال النبت فصار المطر كأنه قد جمع أكنافه، وأنشد ابن قتيبة: إذا سقط السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: يُقَال: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم، أي مواقع الغيث. وأمرعت: أعشبت وطال نباتها، يُقَال: أمرع المكان ومرع، فهو ممرع ومريع، قَالَ الشاعر: يقيم أمورها ويذب عنها ... ويترك جدبها أبدا مريعا

والأصبار: نواحي الوادي ما علا منه. وديثت: لينت. والأوعار جمع وعر، وهو الغلط والخشونة. والبطنان جمع بطن، وهو ما غمض من الأرض. وغمقة: ندية، كذا قَالَ أَبُو بَكْرٍِ، وروى أَبُو عبيد، عَنِ الأصمعي فِي صفة الأرضين: فإن أصابها ندىً وثقلٌ ووخامةٌ فهي غمقةٌ، وذكر الحديث: إن الأردن أرضٌ غمقةٌ وإن الجابية أرضٌ نزهةٌ أي بعيدة من الوباء. والظهران جمع ظهر، وهو ما ارتفع يسيراً. وغدقة: كثيرة البلل والماء. ومستوسقة: منتظمة. والرقاق: الأرض اللينة من غير رمل. ورائخ: مفرط اللين، يُقَال: ريخت العجين إذا كثرت ماءه، وراخ العجين يريخ. وقوله: وواطئها سائخ، أي تسوخ رجلاه فِي الأرض من لينها، تسوخ وتثوخ بمعنى واحد، وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: قَالَ الأصمعي: لم يكن لأبي ذؤيب بصرٌ بالخيل لقوله: قصر الصبوح لها فشرج لحمها ... بالني فهي تثوخ فيها الإصبع قَالَ: وهذا عيب فِي الفرس أن يكون رخو اللحم والماشي صاحب الماشية. والمصرم: المقل القارب المال. ومداحي: مفاعل من دحوته إذا قَالَ الله تبارك وتعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] أي بسطها، ودحوت الكرة إذا ضربتها حتى تسير عَلَى وجه الأرض. وقوله: وزهاء ليل، فالزهاء: الشخص، وإنما جعل نباتها زهاء ليل لشدة خضرته. والغيل: الماء الجاري عَلَى وجه الأرض، وفي الحديث: ما سقي بالغيل ففيه العشر وما سقي بالدلو فنصف العشر. ويواصي: يواصل. والأجراز جمع جرز، وهي التي لم يصبها المطر، ويقَالَ: التي أُكل نباتها. ودُمث: لُيّن، ودمث: لان. والعزاز: الصلب السريع وقَالَ الأصمعي: القوز: نقي يستدير كالهلال، وجمعه أقواز وقيزان، وأنشد الأصمعي قول الراجز: لما رأى الرمل وقيزان الغضى ... والبقر الملمّعات بالشوى بكى وقَالَ: هل ترون ما أرى أنق: معجب بالمرعى. وراعيها: الذي يرعاها. والسنق: البشم. والقضض: الحصى الصغار، يريد أن النبات قد غطى الأرض فلا ترى هناك قضضاً، قَالَ أَبُو ذؤيب: أم ما لجنبك لا يلائم مضجعاً ... إلا أقضّ عليك ذاك المضجع

والرمض أن والحجارة من شدة الحر، يحمي الحصى يقول: فليس هناك رمض لأن النبات قد غطى الأرض. والعازب: الذي يعزب بإبله، أي يبعد بها فِي المرعى. وينكع: يمنع، يقول: الذي يردها لا يُمنع وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن الأنباري: مسحوا لحاهم قالوا سالموا ... يا ليتني فِي القوم إذ مسحوا اللحى يقول: إنهم اجتمعوا للصلح عند الطمأنينة لمّا أخذوا الدية ورضوا بها فمسحوا لحاهم، ثم قَالَ بعضهم لبعض: سالموا، وذلك أن الرجل لا يمسح لحيته إلا عند الرضا، فقَالَ: يا ليتني كنت فيهم حتى لا أرضى بما يصنعون وأنشدنا ابن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوي، عَنِ ابن الأعرابي: سقى الله حياً بين صارة والحمى ... حمى فيد صوب المدجنات المواطر أمين فأدّى الله ركباً اليهم ... بخيرٍ ووقّاهم حِمام المقادر كأني طريف العين يوم تطالعت ... بنا الرمل سلاّف القلاص الضّوامر حِذاراً عَلَى القلب الذي لا يضيره ... أحاذر وشك البين أم لم يحاذر أقول لقمقام بن زيد أما ترى ... سنا البرق يبدو للعيون النواضر فإن تبك البرق الذي هيج الهوى ... أعنك وغن تصبر فلست بصابر وأنشدنا أيضاً قَالَ: أنشدنا أَبُو الحسن بن البراء، قَالَ: أنشدنا إبراهيم بن سهيل لجميل بن معمر العذري، وليست هذه الأبيات فِي شعر جميل: خليليّ هل فِي نظرة بعد توبة ... أداوي بها قلبي عَلَى فجور إلى رُجح الأكفال هيفٍ خصورها ... عِذاب الثنايا ريقهن طهور تذكرت من أضحت قرى اللد دونه ... وهضب لِتيما والهضاب وعور فظلّت لعينيك اللجوجين عبرة ... يهيجها برح الهوى فتمور على أنني بالبرق من نحو أرضها ... إذا قصرت عنه العيون بصير

مطلب الكلام على مادة ع ق ب

وإني إذا ما الريح يوماً تنسمت ... شآمية عاد العظام فتور ألا يا غراب البين لونك شاحب ... وأنت بروعات الفراق جدير فإن كان حقاً ما تقول فأصبحت ... همومك شتىً والجناح كسير ودرت بأعداء حبيبك فيهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور وكيف بأعداء كأنّ عيونهم ... إذا حان إتياني بثينة عور فإني وإن أصبحت بالحب عالماً ... على ما بعيني من قذىً لخبير قَالَ الأصمعي: من أمثال العرب: إن البغاث بأرضنا يستنسر يضرب مثلاً لرجل يكون ضعيفا ثم يقوي. : سمعت هذا المثل فِي صباي من أبي العباس وفسره لي فقَالَ: يعود الضعيف بأرضنا قوياً، ثم سألت عَنْ أصل هذا المثل أبا بكر بن دريد، رحمه الله، فقَالَ: البغاث ضعاف الطير، والنسر أقوى منها فيقول: إن الضعيف يصير كالنسر فِي قوته. ويقَالَ لو أجد لشفرة محزًا، أي لو الكلام مسانمًا. ويقَالَ: كأنما قد سيره، الآن يُقَال للشيخ إذا كان فِي خلقة الأحداث. ويقَالَ: يجري بُليقٌ ويُذمّ، يضرب مثلاً للرجل يحسن ويذم. ويقَالَ: خذ ما قطع البطحاء، أي خذ ما استطاع أن يمشي فيخوض الوادي. والبطحاء: بطن الوادي. ويقَالَ: ما يندى رضفةً، أي لا يخرج منه من البلل ما يندى الرضفة. ويقَالَ لا يبضّ حجره أي لا يخرج منه خير، يُقَال: بضّ الماء إذا خرج قليلاً قليلاً. والبضوض من الآبار: التي يخرج ماؤها قليلاً قليلاً، وكذلك البروض والرشوح والمكول، والعرب تقول: قد اجتمعت فِي بئرك مكلة فخذها، أي ماء قليل. مطلب الكلام عَلَى مادة ع ق ب قَالَ الأصمعي: عقبت الخوق، وهي حلقة القرط، وهو أن يشدّ بالعقب إذا خشوا أن يزيغ، وأنشد: كأن خوق قرطها المعقوب ... على دباةٍ أو عَلَى يعسوف

وعقبت القدح بالعقب مثله وقَالَ أَبُو نصر: عَنِ الأصمعي: عقّب قدحه يعقبه تعقيبا إذا شد عليه عقباً. وقَالَ اللحياني: عقب قدحه يعقبه عقباً إذا انكسر فشدّه بعقب، وكذلك كل ما تكسّر فشد. وقَالَ أَبُو النصر، عَنِ الأصمعي: عقب يعقب عقباً، وهو ماءٌ يجيء بعد ماء، أو جري بعد جري، ويقَالَ: لهذا الفرس عقب. وحَدَّثَنِي أصحاب لأبي العباس، قالوا: قَالَ أَبُو العباس أحمد بن يحيى، قَالَ: عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير فِي قوله سلامة بن جندل: ولّى الشباب وهذا الشّيب يطلبه ... لو كان يدركه ركض اليعاقيب قَالَ: اليعاقيب: ذوات العقب من الخيل. وقَالَ اللحياني: فرسٌ ذو عقب إذا كان له عدوٌ بعد عدو. وقَالَ أَبُو نصر، عَنِ الأصمعي: عاقب يعاقب معاقبة إذا راوح، يُقَال: عاقب بين رجليه، وعاقب رميله، ويقَالَ: متى عقبتك، قَالَ ذو الرمة: ألهاه آء وتنّوم وعقبته ... من لائح المرو والمرعى له عقب وقوله: وعقبته، يقول: يرعى فِي هذه مرة وفي هذه مرة. وقَالَ اللحياني: أعقبت فلاناً من الركوب إذا نزلت ركب، ويقَالَ: عاقبته فِي هذا المعنى إذا ركبت عقبةً وحملته عقبة، وقَالَ أَبُو عبيد، رحمه الله، عَنِ الأصمعي: أعقبت الرجل إذا ركبت عقبة وركب عقبة، وقَالَ: قَالَ غير واحد: عاقبت الرجل من العقبة قَالَ: وقَالَ الأصمعي: ويقَالَ أكل أكلةً أعقبته سقما، والعقب: لولد يبقى بعد الإنسان، وعقب القدم: مؤخرها، وفرس ذو عقب، قَالَ: ومن العرب من يجزم القاف فِي هذه الثلاث. وقَالَ أَبُو زيد: جئت عَلَى عقبه رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد مضى الشهر كلّه، وجئت عَلَى عقب رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد بقيت أيامٌ من آخره. وقَالَ أَبُو نصر عَنِ الأصمعيّ: عقّب يعقّب تعقيباً إذا ما غزا ثم ثنّى من سنته. قَالَ طُفيل الغنويّ: عناجيج من آل الوجيه ولا حق ... ومغاوير فيها للأريب معقّب وأعقب يعقب إعقاباً إذا ترك عقباً، قَالَ طفيل: كريمة حرّ الوجه لم تدع هالكاً ... من القوم هلكاً فِي غد غير معقب قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: وروى أبي، عَنْ أحمد بن عبيد، عَنْ أبى نصر، وروى أَبُو العباس ثعلب، عَنْ أبي نصر: غير معقب، يقول: لم تقل: وافلاناه قطّ إلا وقد بقي من يقوم مكانه، قَالَ أَبُو عبيد، عَنِ

الأصمعي: عقبت الرجل فِي أهله إذا بغيته بشر وخلفته، وعقبت الرجل: ضربت عَقِبه وعَقْبه جميعاً. وقَالَ أَبُو نصر، عَنِ الأصمعيّ: العقاب: الراية. قَالَ الأصمعي: يُقَال للحجر النادر فِي طيّ البئر: العُقاب أيضاً. والعقبة: ما بقي فِي القدر من المرق، وجمعها عقبٌ، قَالَ دريد بن الصّمّة: إذا عقب القدور عددن مالا ... يحبّ حلائل الأبرام عرسى وقَالَ اللحياني: يُقَال لما التصق فِي أسفل القدر من محترق التابل وغيره: عقبة. وقَالَ أَبُو النصر، عَنِ الأصمعي: العقب: العاقبة، قَالَ الله تعالى: {وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 44] ويقَالَ: احذر عقوبة الله وعقابه. وعقبه. وعقبة الجمال: أثره وهيئته. وقَالَ اللحياني: عليه عقبة السرو والكرم إذا كان عليه سيماً ذلك. قَالَ: وعقبة القمر: عودته، وأنشد: لا يطعم الغسل والأدهان لمّته ... ولا الذريرة إلا عقبة القمر وحَدَّثَنِي أبي عمر المطرز، وعبد الله الوراق، قالا: حَدَّثَنَا أَبُو عمرو بن الطوسي، أن أباه قَالَ: سمعنا عقبة القمر بالضم ويقَالَ: العقبى لك فِي الخير، والعقبى إِلَى الله، أي المرجع إِلَى الله. وحكى الكسائيّ: وهو خيرٌ لك من العقبى والعقبان، أي فِي العاقبة. ويقَالَ: اعقب الرجل يعقب إعقاباً إذا رجع إِلَى الخير، وعقب الشيب بعد السواد يعقب عقوباً إذا جاء بعده. ويقَالَ فيه أيضاً: عقّب يعقّب تعقيباً إذا جاء بعده فخلفه، وكذلك كل شيء خلف شيئاً فقد عقبه وعقّبه. ويقَالَ: عقبت الإبل إذا تحولت من مكان إِلَى مكان ترعى فيه. ويقَالَ: أعقبته خيراً وشراً بما صنع، ويقَالَ: عاقبته بذنبه عقاباً شديداً. ويقَالَ: عقب فلان يعقب عقباً إذا طلب مالاً أو شيئاً، وأعقب هذا هذا إذا ذهب الأول فلم يبقى منه شيء وصار الآخر مكانه. ويقَالَ عقب هذا هذا إذا جاء وقد بقي من الأول شيء. ويقَالَ: جئت عَلَى عقب ذلك بالتثقيل، وعقب ذلك بالتخفيف، وعلى عقب ذلك بالتثقيل، وعقب ذلك بالتخفيف، وعقبان ذلك. قَالَ: والعاقبة: الولد. أنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدني ابن الأعرابيّ: أيا واليي سجن اليمامة أشرفا ... بي القصر أنظر نظرةً هل أرى نجدا فقَالَ اليماميّان لما تبيّنا ... سوابق دمع ما ملكت لها ردا

مطلب حديث الجواري الخمس اللاتي وصفن خيل آبائهن

أمن أجل أعرابية ذات بردة ... تُبكّى عَلَى نجد وتبلي كذا وجدا لعمري لأعرابية فِي عباءة ... تحل دماث أمن سويقة أو فردا أحب إِلَى القلب الذي لج فِي الهوى ... من اللابسات الريط يظهرنه كيدا وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لمعدان بن مضرّب الكندي: إن كان ما بُلّغت عني فلا مني ... صديقي وشلّت من يدي الأنامل وكفنت وحدي منذرا فِي ردائه ... وصادف حوطاً من أعاديّ قاتل وأنشدني الرياشي، لأعرابيّ: وفي الجيرة الغادين من بطن وجرةٍ ... غزالٌ أحمّ المقلتين ربيب فلا تحسبي أنّ الغريب الذي نأى ... ولكّن من تنأين عنه غريب وقرأت عليه لأعرابي: هجرتك أياما بذي الغمر إنّني ... عَلَى هجر أيّامٍ بذي الغمر نادم وإنّي وذاك الهجر لو تعلمينه ... كعازبةٍ عَنْ طفلها وهي رائم الرائم: التي ترأم ولدها. وأنشدنا أبي بكر بن الأنبارى قَالَ: أنشدنا عبد الله بن خلف، لقيس بن ذريح: هبيني أمراً إن تحسني فهو شاكرٌ ... لذاك وإن لم تحسني فهو صافح وإن يك أقوام أساءوا وأهجروا ... فإنّ الذي بيني وبينك صالح ومهما يكن فالقلب يا لبن ناشر ... عليك الهوى والجيب ما عشت ناصح وإنّك من لبنى العشية رائحٌ ... مريض الذي تطوى عليه الجوانح مطلب حديث الجواري الخمس اللاتي وصفن خيل آبائهن وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عمى، عَنْ أبيه، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، قَالَ: اجتمع خمس جوارً من العرب فقلن: هلممن نصف خيل آبائنا. فقَالَت الأولى: فرس أبي وردة، وما وردة! ذات كفل مزحلق، ومتن أخلق، وجوف أخوق، ونفسٍ مروح، وعين طروح، ورجل ضروح، ويد سبوح، بداهتها إهذاب، وعقبها غلاب. وقَالَت الثانية: فرس أبي اللعاب، وما اللعاب!

غبية سحاب، واضطرام غاب، مترص الأوصال، أشم القذال، ملاحك المحال، فارسه مجيد، وصيده عتيد، إن أقبل فظبي معّاج، وإن أدبر فظليم هدّاج، وإن أحضر فعلجٌ هرّاج. وقَالَت الثالثة: فرس أبي حذمة، وما حذمة! إن أقبلت فقناة مقوّمة، وإن أدبرت فأثفية ململمة، وإن أعرضت فذئبة معجرمة، أرساغها مترصة، وفصوصها ممعّصة، جريها انثرار، وتقريبها انكدار. وقَالَت الرابعة: فرس أبي خيفق، وما خيفق! ذات ناهقٍ معرق، وشدقٍ أشدق، وأديم مملّق، لها خلقٌ أشدف، ودسيع ومنفنف، وتليلٌ مسيّف، وثّابة زلوج، خيفانة رهوج، تقريبها إهماج، وحضرها ارتعاج. وقَالَت الخامسة: فرس أبي هذلول، وما هذلول! طريدة محبول، وطالبه مشكول، رقيق الملاغم، أمين المعاقم، عبل المحزم، مخدّ مرجم، منيف الحارك، أشمّ السنابك، مجدول الخصائل، سبط الفلائل، غوج التليل، صلصال الصهيل، أديمه صاف، وسبيبه ضاف، وعفوه كاف: المزحلق: المملّس الذي كأنه زحلوقة، وهي آثار تزلج الصبيان من فوق إِلَى أسفل. والأخلق: الأملس، ومنه قيل: صخرة خلقاء. وأخوق: واسع، وقَالَ أبى عبيدة: عَنْ أبى عمرو: الخوقاء: الصحراء التي لا ماء بها، ويقَالَ: الواسعة. ومروح: كثيرة المرح. وطروح: بعيدة موقع النظر. وضروح: دفوع، يريد أنها تضرح الحجارة برجليها إذا عدت. وسبوح: كأنها تسبح فِي عدوها من سرعتها. وبداهتها: فجاءتها، والبداهة والبديهة واحد. والإهذاب: السرعة، يُقَال: أهذب الفرس إهذاباً فهو مهذب. والعقب: جريٌ بعد جريٌ. وغلاب، مصدر غالبته مغالبة وغلابا، كأنها تغالب الجري. والغبية: الدفعة من المطر. والغاب جمع غابة، وهي الأجمة. ومترص: محكم، أترصت الشيء: أحكمته. وأشمّ: مرتفع. والقذال: معقد العذار. وملاحك: مداخل، كأنه دوخل بعضه فِي بعض. والمحال جمع محالة، وهي فقار الظهر وواحدة الفقار فقارة. وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: ذكر الأصمعيّ أنه رأى فقار فرسٍ ميّت فإذا ثلاث فقر من عظم واحد، وكذا تكون العراب فيما ذكروا ومجيد: صاحب جواد. وعتيد: حاضر. قَالَ أَبُو عبيدة: معج الفرس إذا اعتمد عَلَى إحدى عضادتي العنان مرة فِي الشق الأيمن ومرة فِي الشق الأيسر، وقَالَ الأصمعيّ: يُقَال معج فِي سيره وعمج إذا أسرع. وهدّاج: فعّال من الهدج، وقَالَ الأصمعيّ: الهدج: المشي الرّويد، ويكون السريع. :

وقَالَ لي أَبُو بَكْرٍِ: الهدج والهدجان: مشي الشيخ إذا أسرع عَنْ غير إرادة، قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو حاتم قَالَ: نهض أَبُو العباس سرّان ابن عم الأصمعيّ من عنده يوماً فأتبعه بصره فقَالَ: هدج أَبُو العباس هدج، ثم أنشدنا: ويأخذه الهُداج إذا هداه ... وليد الحيّ فِي يده الرداء وأنشدني أَبُو بَكْرٍِ: وهدجاناً لم يكن من مشيتي ... كهدجان الرّأل خلف الهيقت قَالَ أَبُو نصر: هرج الفرس يهرج هرجا إذا كان كثير الجري، وإنه لمهرج وهرّاج، قَالَ أوس: فأعقب خيرا كل أهوج مهرج ... وكل مفداة العلالة صلدم أهوج: يعني فرساً، أي أعقب خيراً مما أقاموا عليه وصنعوه. والأهوج: الذي يركب رأسه فيمضي. ومفداة العلالة، والعلالة: الجري الذي بعد الجري الأول، فيقَالَ لها إذا طلبت علالتها ويهّا فدّا لك. والصلدم: الشديدة، قَالَ الراجز: من كلّ هرّاج نبيل محزمة والعلج: الحمار الغليظ. وحذمة فعلة من الحذم، قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: الحذم: السرعة، وقَالَ غيره: الحذم القطع، ومنه قول عمر، رحمه الله، فِي الأذان: فإذا أقمت فاحذم. وقولها: فقناةٌ مقوّمة، تريد أنها دقيقة المقدم، وهي مدح فِي الإناث. والأثفيّة. واحدة الأثافي. وململمة: مجتمعة، تريد أنها مدورة المؤخر، لأن الأثافي تختار مدّورة. وقولها: معجرمة، قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: العجرمة: وثب كوثب الظبي، ولا أعرف عَنْ غيره فِي هذا الحرف تفسيراً. وممحّصة: قليلة اللحم قليلة الشّعر، ومحص الجلد إذا سقط شعره واملاّس. وانثرار، قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: انصباب، كأنه يثرّه ثرّاً. وخيفق فيعل، من الخفق وهو السرعة، وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: والخفق أيضاً: اضطراب السراب فِي الهاجرة. : ويقَالَ: خفق النجم إذا غاب، وخفق الرجل إذا اضطرب رأسه من شدة النعاس. والناهقان: العظمان الشاخصان فِي خديّ الفرس. ومعرق: قليل اللحم. وقَالَ أَبُو عبيدة:

النواهق من الحمار: مخرج نهاقه. وأشدق: واسع الشّدق. ومملّق: مملّس، وحدّثت عَنْ أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قَالَ: الملقات: الحبال الملس. والشدف: الشخص، والأشدف: العظيم الشخص. والدّسيع: مركّب العنق فِي الحارك. ومنفنف: واسع، وهو مفعلل من النفنف، وهو الهواء بين السماء والأرض. والتليل: العنق. ومسيّف كأنه سيف. وزلوج: سريعة، قَالَ الأصمعيّ: الزّليج والزّلجان: السرعة. والحيفانة: الجرادة التي فيها نقط سود تخالف سائر لونها، وإنما قيل للفرس: خيفانة لسرعتها، لأنّ الجرادة إذا ظهر فيها تلك النّقط كان أسرع لطيرانها. ورهوج: كثيرة الرّهج، والرّهج: الغبار. وإهماج: مبالغة فِي العدو، وقَالَ الأصمعيّ: أهمجّ الفرس. إهماجاً إذا اجتهد فِي عدوه. والارتعاج: كثرة البرق وتتابعه. ومحبول: فِي حبالة. ومشكول: موثق فِي شكال. والملاغم: أرادت هاهنا الجحافل، وإنما الملاغم من الإنسان ما حول الفم، ومنه قيل: تلغّمت بالطّيب إذا جعلته هناك. والمعاقم: المفاصل. وعبل: غليظ. والمحزم: موضع الحزام. ومخدّ: يخدّ الأرض أي يجعل فيها أخاديد، والأخاديد: الشّقوق، واحدها أخدود. ومرجم: يرجم الحجر بالحجر، كما قَالَ رؤبة يصف الحمار: يرمي الجلاميد بجلمود مدقّ وقد يكون أن ترجم الأرض بحوافرها، والتفسير الأوّل أحب إِلَى. ومنيف: مرتفع. والحارك: منسج الفرس. والسّنابك: أطراف الحوافر، واحدها سنبك. ومجدول: مفتول. والسّبيب: شعر الناصية. وضافٍ: سابغٌ. والفليل: الشعر المجتمع، وحَدَّثَنِي أَبِي بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبى، عَنْ أحمد بن عبيد، قَالَ: يُقَال للقطعة من الشعر: الفليلة، وللقطعة من الصوف: العميتة. والغوج: اللّين المعطف. والصّلصلة: صوت الحديد، وكلّ صوت حادّ وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعيّ، للصّمّة بن عبد الله القشيري: حننت إِلَى ريا ونفسك باعدت مزارك من ريّا وشعبا كما معاَ فما حسن أن تأتي الأمر طائعاً وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا قفا ودّعا نجدّاً من حلّ بالحمى وقلّ لنجد عندنا أن يودعا

ولما رأيت البشر أعرض دوننا وجالت بنات الشوق يحننّ نزّعا بكت عيني اليسرى فلّما زجرتها عَنِ الجهل بعد الحلم أسبلتا معاً تلفّت نحو الحيّ حتى وجدتني وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا وأذكر أيام الحمى ثم أنثني عَلَى كبدي من خشية أن تصدعا وليست عشيّات الحمى برواجع إليك ولكن خلّ عينيك تدمعا قَالَ: وأنشدني الرياشيّ: فإن كنتم ترجون أن يذهب الهوى يقيناً ونروي بالشراب فننقعا فردّوا هبوب الريح أو غيروا الجوى إذا حلّ ألواذ الحشا فتمنعا تلفت نحو الحي حتى وجدتني وجعت فِي الإصغاء ليتا وأخدعا وأنشد نفطويه: أحنّ إِلَى نجدٍ وإني ليائس طوال الليالي من رجوع إِلَى نجد فإنك لا ليلٌ ولا نجد فاعترف بهجر إِلَى يوم القيامة والوعد وأنشدني أيضاً نفطويه: يا ليت شعري عَنِ الحي الذين غدوا هل بعد فرقتهم للِشمل مجتمع وكل ما كنت أخشى قد فجعت به فليس لي بعدهم من حادث جزع قَالَ: أنشدني أيضاً، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي: ألا أيها البيتان بالأجرع الذي بأسفل فضاه غضا وكثيب هجرتكما هجر البغيض وفيكما من الناس إنسان إِلَى حبيب وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا الرياشي لرجل طلق امرأتين من أهل الحمى: ألا تسألان الله أن يسقى الحمى ... بلى فسقي الله الحمي والمطاليا وأسأل من لاقيت هل سقى الحمى ... وهل يسألن عنّي الحمى كيف حاليا وإني لأستسقي لثنتين بالحمى ... ولو تملكان البحر ما سقتانيا

مطلب شرح مادة خ ل ل

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، عَنْ أبيه، عَنْ أحمد بن عبيد: لا تعذلينا فِي الزيارة إنّنا ... وإيّاك كالظمآن والماء بارد يراه قريباً دانياً غير أنه ... تحول المنايا دونه والرّواصد وقَالَ الأصمعيّ: من أمثال العرب: ذكّرني الطّعن وكنت ناسياً، يضرب مثلاً للرجل يسمع الكلمة فيتذكر بها شيئاً. قَالَ: ويقَالَ: الحسن أحمر، أي من أراد الحسن صبر عَلَى أشياء يكرها. وقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: من حفنا أو رفّنا فليتّرك، زعموا أن امرأة كان قومٌ يعطونها، فوجدت نعامة قد غصّت بصعرور، فعمدت إِلَى ثوب فغطّت به رأسها، ثم أتت القوم الذين كانوا يصلونها فقَالَت لهم هذا الكلام، أي إني قد استغنيت عما كنتم تصلونني به. والصّعرور: صمغ السّمر، ولا يسمّى صعروراً حتى يلتوي. قَالَ الأصمعي: من أمثالهم: يداك أوكتا وفوك نفخ، يُقَال للرجل إذا فعل فعلة أخطأ فيها، يراد بذلك أنك من قبلك أتيت، وزعموا: أن أصل ذلك أن رجلاً قطع بحراً يزقّ فانفتح، فقيل له ذلك. مطلب شرح مادّة خ ل ل وقَالَ أَبُو نصر، عَنِ الأصمعيّ: يُقَال: فلان كريم الخلّة والخلّ والمخالّة، أي كريم الإخاء والمصادقة، وزاد اللحياني: والخلالة والخلال، وأنشد للنابغة: وكيف تصادق من أصبحت خلالته كأبي مرحب وغيره يروي: وكيف تواصل. وقَالَ أَبُو عبيد: الخلّة: الصّداقة ومنه الخليل. وقَالَ أَبُو نصر، عَنِ الأصمعيّ واللحياني: فلان خلّتي وفلانه خلّتي، الذكر والأنثى فيها سواء. وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى فِي كتاب أبي، عَنْ أحمد بن عبيد، عَنْ أبي نصر: وخلي، وأنشد أَبُو نصر واللحياني، لأوفى بن مطر: ألا أبلغا خلتي جابر بأنّ خليلك لم يقتل وأنشد اللحياني، قَالَ: أنشدنا أَبُو الدينار: شبعت من نومٍ وزاحت علّتي ... وطرقتني فِي المنام خلّتي وما علمت أنها ألّمت حتّى قضت حاجتها وولت

قَالَ اللحياني: زاحت: ذهبت، قَالَ: وقَالَ أَبُو الدينار: أشدّ الزّيحان، قَالَ: وحكى الكسائيّ: أشدّ الزّيوح بضم الزاي. قَالَ: يُقَال: خاللته مخالّة وخلالاً، قَالَ أَبُو عبيد: ومنه قول امرئ القيس: ولست بمقليّ الخلال ولا قالي وقَالَ أَبُو نصر: المختلّ الجسم: النحيف الجسم. وقَالَ اللحياني: يُقَال للمهزول القليل اللحم: إنه لخلّ الجسم وخليل الجسم ومختلّ الجسم. وقَالَ أَبُو عبيد، عَنِ الأصمعيّ: الخلّ: القليل اللحم، قَالَ: وقَالَ الكسائيّ مثله، وزاد: خلّ لحمه يخل خلاّ وخلولاً. وقَالَ أَبُو نصر: يُقَال: ما أخلّك إِلَى هذا أي ما أحوجك إليه. والخلّة: الحاجة، ويقَالَ للرجل إذا مات: اللهم اخلف عَلَى أهله بخيرٍ واسدد خلّته، يريد الفرجة، قَالَ أوس بن حجر: لهلك فضالة ولا تستوي الفقود ولا خلّة الذاهب يريد الفرجة التي ترك والثّلمة، يقول: كان سيّداً فلما مات بقيت ثلمته. قَالَ اللحياني: الزق بالأخلّ فالأخلّ أي بالأفقر فالأفقر. والعرب تقول: الخلّة تدعو إِلَى السّلّة. قَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد: والسّلّة: السّرقة. ويقَالَ: فلان مختلّ الحال. وقَالَ أَبُو نصر، وأَبُو عبيد، عَنِ الأصمعيّ: الخليل: الفقير المحتاج، قَالَ زهير: وإن أتاه خليلٌ يوم مسألةٍ ... يقول لا غائبٌ مالي ولا حرم وقَالَ أَبُو نصر: يُقَال: فِي فلان خلّة حسنة، أي خصلة وقَالَ اللحياني: يُقَال: إن شراب بني فلان ليست بخمطة ولا خلّة، أي ليست بحامضة، قَالَ: وجمع خلّة خلّ. والخمطة: التي أخذت شيئاً من الريح كريح النّبق والتّفّاح. ويقَالَ: خللّ الشراب إذا صار خلاًّ، وكذلك كل شيء من الأشربة حمض فقد خللّ. وقَالَ الأصمعيّ: الخلّة: ما حلا من النّبت. والعرب تقول: الخلّة خبز الإبل، والحمض: لحمها أو فاكهتها. ويقَالَ: جاءت إبل بني فلان مختلّة أي قد أكلت الخلّة، وجاءوا مخلين إذا جاءوا وقد أكلت إبلهم الخلّة، قَالَ العجاج: جاءوا مخلين فلاقوا حمضا :

مطلب حكم ومواعظ من الكلام الحكماء

وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد: هذا البيت يضرب مثلاً لكل من أتى ... متهدداً فصادف ما يقمع تهدّده قَالَ: والعرب تقول: أنت مختلّ فتحمّض. وقَالَ اللحياني: يُقَال: قد عمّ فلان وخلّ وخللّ، والمخللّ: الذي يخصّ، وأنشد: قد عمّ فِي دعائه وخلاّ ... وخطّ كاتباه واستملاّ وأنشد أيضاً: عهدت بها الحيّ الجميع فأصبحوا ... أتوا داعياً لله عمّ وخلّلا وقَالَ أَبُو نصر، وأَبُو عبيدة، واللحياني، عَنِ الأصمعيّ: خلّ كساءه وثوبه يخلّه خلاً إذا شكّه بالخلال. وقَالَ اللحياني: يُقَال: طعنته فاختللت فؤاده، وأنشد: نبذ الجؤار وضل هدية روقة ... لما اختللت فؤاده بالمطرد وقَالَ أَبُو نصر: أخلّ بموعده إذا لم يوف به. وقَالَ اللحياني: الخلّة: جفن السيف، وجمعها خلل. قَالَ: ويقَالَ: وجدت فِي فمي خلّةً فتخلّلت، وهو ما يبقى بين الأسنان من الطعام، والجمع خلل، ويقَالَ: أكل خلالته. وقَالَ أَبُو النصر: الخلّة والخلالة واحد، وهو ما يبقى بين الأسنان من الطعام، والجمع خلل. وقَالَ اللحياني: خلّل بين أصابعه بالماء وخلّل لحيته إذا توضّأ. ويقَالَ: خلّ الفصيل يخلّه خلاً إذا جعل فِي أنفه عوداً لئلا يرضع. والخلّ: الطريق فِي الرّمل، والخلّ والخمر: الخير والشر، يُقَال: ما فلان بخلٍّ ولا خمر، أي ليس عنده خير ولا شر، قَالَ النمر بن تولب: هلا سألت بعادياء وبيته ... والخلّ والخمر التي لم تمنع مطلب حكم ومواعظ من الكلام الحكماء وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: قَالَ معاوية: الفرصة خلسة، والحياء يمنع الرزق، والهيبة مقرون بها الخيبة، والكلمة من الحكمة ضالّة المؤمن. وحَدَّثَنَا، قَالَ: أَنْبَأَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابيا من بني مرّة يعظ ابناً له وقد أفسد ماله فِي الشراب فقَالَ: لا الدّهر يعظك، ولا الأيام أيام تنذرك، والساعات تعدّ عليك، والأنفاس تعدّ منك، أحبّ أمريك إليك، أردّهما بالمضرّة عليك قَالَ: وأَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يقول لأخٍ له: اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك ما وراء العواقب

برويته ونظره، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط الوعر بالسّهل من كلامه ومشورته، ليكون خوفك كفاء رجائك، وشكرك إزاء النعمة عليك، وأن الغاشّ لك والحاطب عليك من مد لك فِي الاغترار، ووطّأ لك مهاد الظلم، تابعاً لمرضاتك، منقاداً لهواك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى النحوى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله ابن شبيب، قَالَ: قَالَ شبيب بن شبّة لخالد بن صفوان: من أحبّ إخوانك إليك؟ قَالَ: من سدّ خللي، وغفر زللي، وقبل عللي وحَدَّثَنَا أَبِي بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عيسى الختّلي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يعلى الساجي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا المعتمر بن سليمان، قَالَ: كان يُقَال: عليك بدينك، ففيه معادك، وعليك بمالك، ففيه معاشك، وعليك بالعلم، ففيه زينك. وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، تعالى: فلّما مضى شهر وعشر لعيرها وقالوا تجئ الآن قد حان حينها ّأمرّت من الكتّان خيطاً وأرسلت جرّياً إِلَى أخرى قريباً تعينها هذه امرأة تنتظر عيراً تقدم وزوجها فيها، فأرادت أن تنتف بالخيط وتتهيأ له والجريّ: الرّسول يقول: أرسلته إِلَى جارة لها تنتفها لتزيّن، وبعد هذا قَالَ: فما زال يجري السلك فِي حر وجهها ... وجبهتها حتّى ثنته قرونها ثنته: كفّته. وقرونها: ذوائبها وقرأت عَلَى أبى عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لعمر بن أبي ربيعة: يا ليتني قد أجزت الحبل نحوكم ... حبل المعرّف أو جاوزت ذا عشر إن الثّواء بأرض لا أراك بها ... فاستيقنيه ثواء حقّ ذي كدر وما مللت ولكن زاد حبكم ... ولا ذكرتك إلا ظلت كالسّدر أذرى الدموع كذي سقم يخامره ... وما يخامرني سقمٌ سوى الذّكر كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم ... يا أشبه الناس كلّ الناس بالقمر إني لأجذل أن أمسى مقابله ... حبّاً لرؤية من أشبهت فِي الصور

وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد للبعيث الهاشميّ: ألا طرقت ليلى الرّفاق بغمرة ... ومن دون ليلى يذبل فالقعاقع على حين ضمّ الليل من كل جانب ... جناحيه وانصبّ النجوم الخواضع طمعت بليلى أن تريع وإنما ... يقطّع أعناق الرجال المطامع وبايعت ليلى فِي الخلاء ولم يكن ... شهود عَلَى ليلى عدول مقانع وما كلّ ما منتّك نفسك مخلياً ... يكون ولا كلّ الهوى أنت تابع فما أنت من شيء إذا كنت كلّما ... تذكّرت ليلى ماء عينيك دامع وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد ليزيد بن الطّثريّة: عقيليّة أمّا ملاث إزارها ... فدعص وأما خصرها فبتيل تقيّظ أكناف الحمى ويظلّها ... بنعمان من وادي الأراك مقيل أليس قليلاً نظرةٌ إن نظرتها ... إليك وكلاً ليس منك قليل فيا خلّة النفس التي ليس فوقها ... لنا من أخلاء الصفاء خليل ويا من كتمنا حبّه لم يطع به ... عدوّ ولم يؤمن عليه دخيل أما من مقام أشتكي غربة النّوى ... وخوف العدا فيه إليك سبيل فديتك أعدائي كثيرٌ وشقّتي ... بعيد وأشياعي لديك قليل وكنت إذا ما جئت جئت بعلّة ... فأفنيت علاتي فكيف أقول فما كلّ يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كل يوم لي إليك رسول أخذ من هذا إسحاق بن إبراهيم الموصلي، حَدَّثَنَا جحظة، قَالَ: حَدَّثَنِي حماد، عَنْ أبيه إسحاق بن إبراهيم، قَالَ: أنشدت الأصمعيّ: هل إِلَى نظرةٍ إليك سبيل ... يرو منها الصدى ويشف الغليل إن ما قلّ منك يكثر عندي ... وكثيرٌ ممن تحب القليل قَالَ: فقَالَ لي: هذا والله الديباج الخسروانيّ، فقلت إنهما لليلتهما، فقال أفسدتهما

وأنشدنا أبو عبد الله نفطويه والله لا نظرت عيني إذا نظرت ... إلا تحدّر منها دمعها دررا ولا تنفست إلا ذاكّراً لكم ... ولا تبسمت إلا كاظماً عبراً وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أنشدنا الأشنانداني، عَنِ التوزي، لطهمان بن عمرو من بني بكر بن كلاب: ولو أنّ ليلى الحارثيّة سلّمت ... عليّ مسجّىً فِي الثّياب أسوق حنوطي وأكفاني لديّ معدّةٌ ... وللنفس من قرب الوفاة شهيق إذاً لحسبت الموت يتركني لها ... ويفرج عني غمه فأفيق ونبّئت ليلى بالعراق مريضة ... فماذا الذي تعني وأنت صديق شفى الله مرضى بالعراق فإنني ... علي كلّ شاكٍ بالعراق شفيق قَالَ: وقرأت عليه لتوبة بن الحميّر: ولو أن ليلى الأخليلية سلّمت ... عليّ ودوني تربة وصفائح لسلّمت تسليم البشاشة أو زقاً ... إليها صدى من جانب القبر صائح وأغبط من ليلى بما لا أناله ... ألا كلّ ما قرّت به العين صالح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت رجلاً، يقول: الحسد ماحق الحسنات، والزّهو جالب لمقت الله ومقت الصالحين، والعجب الصارف عَنِ الازدياد من العلم داع إِلَى التخمّط والجهل، والبخل أذم الأخلاق وأجلبها لسوء الأحدوثة قَالَ: وأَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت رجلاً يوصي آخر وأراد سفراً فقَالَ: آثر بعملك معادك، ولا تدع لشهوتك رشادك، وليكن عقلك وزيرك الذي يدعوك إِلَى الهدى، ويعصمك من الرّدى، ألجم هواك عَنِ الفواحش، وأطلقه فِي المكارم، فإنك تبّر بذلك سلفك، وتشيد شرفك وحَدَّثَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يوصي ابنه، فقَالَ: ابذل المودّة الصادقة تستفد إخواناً، وتتخذ أعواناً، فإن العداوة موجودة عتيدة، والصّداقة مستعرزة بعيدة، جنّب كرامتك اللئام، فإنهم إن أحسنت إليهم لم يشكروا، وإن نزلت شديدة لم يصبروا:

مستعرزة: منقبضة شديدة، يُقَال: رأيت فلاناً اعترز منّي أي انقبض. واستعرزت الجلدة فِي النار إذا تقبّضت، قَالَ الشماخ: وكلّ خليل غير هاضم نفسه ... لوصل خليل صارم أو معارز يقول: كل من لم يظلم نفسه لأخيه ويحمل عليها فإنه قاطع أو منقبض. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبي، قَالَ: قَالَ رجل لعبد الملك بن مروان، رحمه الله، تعالى: يا أمير المؤمنين، هززت ذوائب الرّحال إليك فلم أجد معوّلاً إلا عليك، أمتطي الليل بعد النهار، وأقطع المجاهل بالآثار، يقودني نحوك رجاء، وتسوقني إليك بلوى، والنفس راغبة، والاجتهاد عاذر، وإذا بلغتك فقدني، قَالَ: احطط عَنْ راحتك فقد بلغت وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرياشيّ، عَنِ العتبي، قَالَ: سئل أعرابي، عَنِ امرأة، فقَالَ: هي أرقّ من الهواء، وأطيب من الماء، وأحسن من النّعماء، وأبعد من السماء وحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا الرياشيّ، عَنِ الأصمعيّ، قَالَ: العرب تقول: لا ثناء مع الكبر، ولا صديق لذي الحسد، ولا شرف لسيء الأدب. قَالَ: وكان يُقَال: شرّ خصال الملوك الجبن عَنِ الأعداء، والقسوة عَلَى الضعفاء، والبخل عند الإعطاء وحَدَّثَنِي أَبُو يعقوب ورّاق أَبِي بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن عبيد الجوهريّ، قَالَ: سمعت أحمد بن عبد العزيز، يقول: سمعت أبي، يقول: قام رجل إِلَى معاوية، فقَالَ له: سألتك بالرحم التي بيني وبينك، فقَالَ: أمن قريش أنت؟ قَالَ: لا، أفمن سائر العرب؟ قَالَ: لا، قَالَ: فأيّة رحم بيني وبينك؟ قَالَ: رحم آدم، قَالَ: رحم مجفوة، والله لأكونن أول من وصلها، ثم قضى حاجته وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرياشيّ، عَنِ الأصمعيّ، قَالَ: قيل لأعرابي قدم الحضرة: ما أقدمك؟ فقَالَ: الحين الذي يغطّي العين وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن موسى السامي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعيّ، قَالَ: مات ولد لرجل من الأعراب فصلّى عليه فقَالَ: اللهم إن كنت تعلم أنه كريم الجدّين، سهل الخدّين، فاغفر له، وإلا فلا

مطلب استعطاف إبراهيم بن المهدي للمأمون وعفوه عنه ورد ماله وضياعه إليه

وحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى النحوى، عَنِ ابن الأعرابى، قَالَ: ضلّت ناقة أبي السّمّال فقَالَ: والله لئن لم يردّها الله عَلَيَّ لا أصلي أبداً، قَالَ: فوجدها متعلقة بزمامها بشجرة، فقَالَ: علم الله أنها منّى صرّى، أي عزيمة وحَدَّثَنِي أيضاً قَالَ: حَدَّثَنِي أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: قيل لابنه الخسّ: ما أحدّ شيء؟ قَالَت: ضرس جائع، يقذف فِي معىً ضائع. قيل فما ألذّ شيء؟ قَالَت: قُبْلة فتاة فتىً، وعيشك ما ذقتها وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد قول الشاعر: وخمار عانية شددت برأسها ... أصلا وكان منثرًا بشمالها هذه امرأة فزعة، أخذت خمارها بيدها، فلما أدركها أمنت فاختمرت، ونحو منه بيت عنترة: ومرقصة رددت الخيل عنها ... وقد همّت بإلقاء الزّمام مرقصة: امرأة قد ركبت بعيراً فهي ترقصه، أي تنزّيه وتحثّه، وقد همّت أن تلقي زمامها وتستسلم. مطلب استعطاف إبراهيم بن المهدي للمأمون وعفوه عنه وردّ ماله وضياعه إليه وحَدَّثَنَا الأخفش، قَالَ: بلغني أن إبراهيم بن المهدي دخل عَلَى المأمون قبل رضاه عنه فقَالَ: يا أمير المؤمنين، ولى الثأر محكّم فِي القصاص، ومن تناوله الاغترار بما مدّ له من أسباب الرخاء أمن عادية الدهر، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب، كما جعل كل ذي ذنب دونك، فإن تأخذ فبحقّك، وإن تعف فبفضلك، ثم قَالَ: ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه فخذ بحقّك أو لا ... فاصفح بفضلك عنه إن لم أكن فِي فعالي ... من الكرام فكنه فقَالَ: القدرة تذهب الحفيظة، والندم توبة، وعفو الله بينهما، وهو أكبر ما يحاول، يا إبراهيم لقد حببّت إِلَى العفو حتى خفت إلاّ أوجر عليه، لا تثريب عليك، يغفر الله لك. وعفا عنه وأمر بردّ ماله وضياعه، فقَالَ: رددت مالي ولم تبخل عَلَى به ... وقبل ردّك مالي قد حقنت دمي فأبت منك وما كافأتها بيد ... هما الحياتان من وفر ومن عدم

مطلب شرح مادة ذرأ مهموزا ومعتلا

وقام علمك بي فاحتجّ عندك ... لي مقام شاهد عدل غير متّهم فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتّى أسلّ النّعل من قدمي ما كان ذاك سوى عاريّة رجعت ... إليك لو لم تهبها كنت لم تلم قَالَ الأصمعيّ: ومن أمثال العرب: حر انتصر، يضرب مثلا لرجل يظلم فينتقم. ويقَالَ: أصرد من عنز جرباء، يضرب مثلاً للرجل يجد البرد. ويقَالَ: خرقاء عيّابة، يضرب مثلاً للرجل العاجز عَنِ الشيء وهو يعيب العجز. ويقَالَ: أنجد من رأى حضناً، أي من بلغ من الأمر هذا المبلغ فقد بلغ معظمه. وحضن: جبل بنجد. ويقَالَ: حنّ قدح ليس منها يضرب مثلاً للرجل الذي يدخل نفسه فِي القوم قَالَ: وبلغني أن عمر رضي الله عنه لما قَالَ ابن أبي معيط: أأقتل من بين قريش؟ قَالَ: حنّ قدح ليس منها فلا أدري أقاله مبتدئاً أم قيل قبل. وقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: ربضك منك وإن كان سماراً، يقول: منك فصيلتك، وهم بنو أبيه، وإن كانوا قوم سوء، ويقَالَ: منك عيصك وإن كان أشبا، يقول: منك أصلك وإن غير صحيح. ويقَالَ: أعييتني من شبّ إِلَى دبّ أي أعييتني من لدني شببت إِلَى دببت عَلَى العصا، يُقَال ذلك للمرأة والرجل. ويقَالَ: أعييتني بشر فكيف يقول: أعييتني وأنت شابة باردة الأسنان، فكيف أرجوك إذا سقطت أسنانك. والدردر مكان السن من اللحى. مطلب شرح مادة ذرأ مهموزاً ومعتلاً وقَالَ أَبُو نصر: عَنِ الأصمعى: ذرىء رأس الرجل يذرأ ذرأً، وقد علته ذرأة، أي بياض، وأنشد: وقد علتني ذرأة بادي بدى وأنشد أَبُو بَكْرِ بن دريد بعد هذا البيت. ورثية تنهض فِي تشدّد وقوله: بادي بدى، أي فِي أول الأمر، ويقَالَ: حدي أذرأ، وعناق ذراء إذا كان فِي رأسه ورأسها بياض، ومنه قيل: ملح ذرآنيّ، أي شديد البياض، وقَالَ غيره وذرآنيّ أيضاً. وقَالَ

اللحياني: يُقَال: ذرأ الله الخلق يذرؤهم، والله البارئ الذارئ، والحلق مذروءون ومبروءون. وقَالَ أَبُو نصر: ذرا يذرو ذرواً إذا مرّ مرّاً سريعاً، وذرا ناب الجمل يذرو ذرواً إذا انكسر حدّه، وقَالَ أوس بن حجر: وإن مقرم منّا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقرم وذرت الريح التراب تذروه ذرواً، ومنه قيل: ذري الناس الحنطة، قَالَ: ويقَالَ: ذرت الريح التراب تذريه، بمعنى ذرته تذروه، وطعنه فأذراه عَنْ فرسه، أي رمى به وقلعه عَنِ السّرج، وقَالَ الأصمعيّ: أذرته إذا قلعته من أصله قلعاً، وذرته طيّرته، قَالَ ابن أحمر: لها منخل تذري إذا عصفت به ... أهابيّ سفساف من التّرب توأم وقَالَ اللحياني: ذرت الريح التراب تذروه وتذريه إذا سحفته وأذهبته. قَالَ: وقَالَ الكسائي: ذروت وذرَيت وذرّيت بمعنى واحد، أي نقّيتها فِي الريح. قَالَ أَبُو نصر: فلان يُذّري فلاناً، أي يرفع من شأنه ويمدحه، قَالَ الراجز. عمداً أذرّي حسبي إن يشتما ... بهدر هدّار يمجّ البلغما وقَالَ أَبُو زيد: ذرّيت الشاة إذا جززتها وتركت عَلَى ظهرها شيئاً منه لتعرف به، ولا يكون ذلك إلا فِي الضأن، وقَالَ أَبُو نصر وغيره: ذروة كلّ شيء أعلاه، ويقَالَ: فلان فِي ذرى فلان، أي فِي دفئه وظلّه. ويقَالَ: استذر بهذه الشجرة، أي كن فِي دفئها، وهو الذرى مقصور. ويقَالَ: جاء ينقض مذرويه، إذا جاء باغياً يتهدّد، قَالَ: والمذروان: الناحيتان، قَالَ بعض هذيل يذكر القوس: على كلّ هتافة المذروين ... صفراء مضجعة فِي الشّمال يعني: الجانبين اللذين يقع عليهما الوتر من أسفل ومن أعلي. : وهذا القول مشتمل عَلَى من سمّى ناحيتي الرأس مذروين، وعلى ما رواه أَبُو عبيد، عَنْ أبي عبيدة أن المذروين أطراف الأليتين، وأنشد لعنترة: أحولي تنقض استك مذرويها ... لتقتلني فهأنذا عمارا

قَالَ: وليس لهما واحد، لأنه لو كان لهما واحد فقيل مذري لقيل فِي التثنية مذريان بالياء وما كانت بالواو، وقَالَ أَبُو نصر: يُقَال: بلغني عنه ذرء من خبر، أي طرف ولم يتكامل. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، لمعقر بن حمار البارقي: إذا استرخت عماد الحيّ شدّت ... ولا يثنى لقائمة وظيف يقول: هم سائرون وبيوتهم عَلَى ظهور إبلهم، فإذا استرخى منها شيء شد من غير أن ينيخوا بعيراً ويثنوا وظيفه وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدى المعروف بنفطويه: أما والله ثمّ الله حقاً ... يمين البرّ أتبعها يمينا لقد حلّت أميمة من فؤادي ... تلاعاً ما أبحن وما رعينا ولكنّ الخليل إذا قلانا ... وآثر بالمودّة آخرينا صددت تكرما عنه بنفسي ... وإن كان الفؤاد به ضنينا قَالَ: أنشدني عبيد الله بن إسحاق بن سلام: نزلت بمكّة فِي قبائل نوفل ... ونزلت خلف البئر أبعد منزل حذرا عليها من مقالة كاشح ... ذرب اللسان يقول ما لم أفعل وأنشدني نفطويه لنفسه: أتخالني من زلّة أتعتّب ... قلبي عليك أرقّ مما تحسب قلبي وروحي فِي يديك وإنما ... أنت الحياة فأين عنك الذهب وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، البيت الأول من هذين البيتين، عَنْ أبى العباس أحمد بن يحيى، وقرأت القصيدة بأسرها على أبى بكر بن دريد لجميل بن معمر العذريّ: وقالوا لا يضيرك نأي شهر ... فقلت لصاحبيّ فمن يضير يطول اليوم إن شحطت نواها ... وحول نلتقي فيه قصير وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن أبى الأزهر مستملى أبي العباس المبردّ، قَالَ: أنشدنا الزبير لبثينة: وإن سلوّى عَنْ جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينها سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا متّ بأساء الحياة ولينها

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: أنشدنى أبى: لما تبدّت من الأستار قلت لها ... سبحان سبحان ربي خالق الصور ما كنت أحسب شمساً غير واحدة ... حتى رأيت لها أختا من البشر وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لابن الدمينة: ألا لا أرى وادي المياه يثيب ... ولا النّفس عَنْ وادي المياه تطيب أحبّ هبوط الواديين وإنني ... لمستهتر بالواديين غريب أحقاً عباد الله أن لست ... وارداً ولا صادراً إلا عَلَيَّ رقيب ولا زائراً وحدي ولا فِي جماعة ... من الناس إلا قيل أنت مريب وهل ريبة فِي أن تحنّ نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحن نجيب وإن كثيب الفرد من جانب الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيب وقرأت عليه أيضاً: صفراء من بقر الجواء كأنما ... ترك الحياء بها رداع سقيم من محذيات أخي الهوى جرع ... الأسى بدلال غانية ومقلة ريم وقصيرة الأيام ودّ جليسها ... لو دام مجلسها بفقد حميم وقرأت عليه أيضاً: لك الله إنّي واصل ما وصلتني ... ومثن بما أوليتني ومثيب فلا تتركي نفسي شعاعاً فإنها ... من الوجد قد كادت عليك تذوب وإني لأستحييك حتى كأنما ... عليّ بظهر الغيب منك رقيب وقرأت عليه لجميل بن معمر العذريّ، وأنشدني البيتين الأولين أَبُو معاذ عبدان المتطبب: فلو أرسلت يوماً بثينة تبتغي ... يميني ولو عزّت عَلَى يميني لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها ... وقلت لها بعد اليمين سليني

مطلب من حرم الخمر على نفسه في الجاهلية تكرما وصيانة لنفسه

سليني مالي يا بثين فإنما ... يبيّن عند المال كل ضنين فما لك لمّا خبّر الناس إنني ... أسأت بظهر الغيب لم تسليني فأبلي عذراً أو أجيء بشاهد ... من الناس عدل أنهم ظلموني ولست وإن عزّت عَلَى بقائل ... لها بعد صرم يا بثين صليني ونبّئت قوماً فيك قد نذروا دمي ... فليت الرّجال الموعدين لقوني إذا ما رأوني مقبلاً عَنْ جنابة ... يقولون من هذا وقد عرفوني وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن السراج هذين البيتين الأخيرين: فليت رجالا فيك نذروا دمي ... وهمّوا بقتلي يا بثين لقوني إذا ما رأوني طالعاً من ثنيّة ... يقولون من هذا وقد عرفوني مطلب من حرّم الخمر عَلَى نفسه فِي الجاهلية تكرماً وصيانة لنفسه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، والعباس بن هشام، قالا: حرّم رجالٌ الخمر فِي الجاهلية تكرّماً وصيانة لأنفسهم، منهم عامر بن الظّرب بن عمرو بن عباد بن يشكر ابن بكر بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان، وقَالَ فِي ذلك: سآّلة للفتى ما ليس فِي يده ... ذهّابة بعقول القوم والمال أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتّى يفرّق ترب القبر أوصالي مورثة القوم أضغاناً بلا إحن ... مزرية بالفتى ذي النّجدة الحالي وحرّم قيس بن عاصم الخمر وقَالَ فِي ذلك: لعمرك إنّ الخمر ما دمت شارباً ... لسالبة مالي ومذهبة عقلي وتاركتي من الضّعاف قواهم ... ومورثتي حرب الصّديق بلا تبل قَالَ: وحرم عفيف صفوان بن أميّة بن محرّث الكناني الخمر فِي الجاهلية وقَالَ فِي ذلك: رأيت الخمر صالحة وفيها ... مناقب تفسد الرجل الكريما فلا والله أشربها حياتي ... ولا أشفي بها أبدا سقيما

مطلب شرح مادة الشعف بالمهملة

قَالَ: وحرّم عفيف بن معد يكرب عمّ الأشعث بن قيس الخمر وقَالَ: وقائلة هلّم إِلَى التصابي ... فقلت عففت عما تعملينا وودّعت القداح وقد أراني ... بها فِي الدهر مشعوفا رهينا وحرّمت الخمور عَلَى حتّى ... أكون بقعر ملحود دفينا وقَالَ عفيف بن معد يكرب أيضاً: فلا والله ألفى وشرباً ... أنازعهم شراباً ما حييت أبي لي ذلك آباء كرام ... وأخوال بعزّهم ربيت قَالَ: وحرّم سويد بن عديّ بن عمرو بن سلسلة الطائي ثم المعنيّ الخمر وأدرك الإسلام فقَالَ: تركت الشّعر واستبدلت منه ... إذا داعي منادي الصّبح قاما كتاب الله ليس له شريك ... وودّعت المدامة والنّدامى وحرّمت الخمور وقد أراني ... بها سدكاً وإن كانت حراما مطلب شرح مادة الشعف بالمهملة والشغف بالمعجمة: الشغف: حرقة يجدها الرجل مع لذّة فِي قلبه، ولذلك قَالَ امرؤ القيس: أيقتلني وقد شعفت فؤادها ... كما شعف المهنوءة الرّجل الطالى لأن المهنوءة تجد للهناء لذة مع حرقة. والشّغف أن يبلغ الحب شغاف القلب، وهي جلدة دونه، والشّغاف أيضاً: داء يكون فِي أحد شقيّ البطن، ولذلك قَالَ النابغة: وقد حال همّ دون ذلك والج ... ولوج الشّغاف تبتغيه الأصابع يعني أصابع الأطباء يلمسنه: هل وصل إِلَى القلب أم لا، لأنه إذا اتصل بالقلب تلف صاحبه. ويقَالَ: سدك به وعسك وعسق ولكد ولكى وحلس وعبق ولذم وغرى، إذا لصق به ولزمه، وكذلك درب به، وضرى به، ولهج به، وأعصم به، وأخلد به، وعضّ به وأزم به وألظّ به، قَالَ الحارث بن حلّزة: طرق الخيال ولا كليلة مدلج ... سدكا بأرحلنا ولم يتعرج

وقَالَ الآخر: وما كنت أخشى الدهر إحلاس مسلم ... من الناس ذنباً جاءه وهو مسلما أراد: وما كنت أخشى الدهر إلزام مسلم مسلما ذنبا جاءه وهو، أي جاءه معاً. وقَالَ رؤبة: والملغ يلكي بالكلام الأملغ الملغ: الماجن. والأملغ: الأمجن. وقَالَ كعب بن زهير يمدح الأنصار: دربوا كما دربت أسود خفيّة ... غلب الرّقاب من الأسود ضواري وقَالَ العجّاج: يقتسر الأقران بالتّقمّم ... قسر عزيز بالأكال ملذم والأكال: ما أكل. وقَالَ أوس بن حجر: فما زال حتّى نالها وهو معصم ... على موطن لو زل عنها تفصلا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبى، قَالَ: سمعت أعرابياً، يقول: أسوأ ما فِي الكريم أن يكفّ عنك خيره، وخير ما فِي اللئيم أن يكفّ عنك شره وحَدَّثَنَا أَبُو عثمان الأشنانداني، عَنِ الأخفش سعيد بن مسعدة، قَالَ: كتب رجل من أهل البصرة إِلَى أخ له: أما بعد، فإنه يسهّل عَلَى طلب الحاجة أمران فيك، وأمران لي، وأمر من قبل الله، وبه تمامها، فأما اللذان فيك: فاجتهادك فِي النّجح، ومبالغتك فِي الاعتذار، وأما اللذان لي: فإني لا أضيق عليك بعذري، ولا أصون عنك شكري، وأما الذي من قبل الله جلّ وعزّ: فإيماني بأنّ كلّ مقدور كائن، والسلام وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التوزى، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: مرّ رجل من أهل الشام بامرأة من كلب فقَالَ: هل من لبن يباع؟ فقَالَت: إنك للئيم أو حديث عهد بقوم لئام؟ هل يبيع الرّسل كريم أو يمنعه إلا لئيم! إنا لندع الكوم لأضيافنا تكوس، إذا عكف الزمان الضّروس، ونغلي اللحم غريضا، ونهينه نضيجا الرّسل: اللّبن وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ: فتى لا يعد الرسل يقضي مذمّةً ... إذا نزل الأضياف أو ينحر الجزرا

مطلب ما قال الشعراء في البكاء ووصف الدموع

وكذلك أيضاً الرّسل فِي المشي بكسر الراء: وهو الهيّن الرفيق، قَالَ صخر الغيّ: لو أنّ حولي من تميم رجلا ... لمنعوني نجدةً أو رسلا يقول: لمنعوني بأمر شديد أو بأمر هين، والرّسل بفتح الراء والسين: والإبل، قَالَ الأعشى: يبغي دياراً لها قد أصبحت غرضاً ... زوراً تجانف عنها القود والرّسل القود: الخيل. وتكوس: تمشي عَلَى ثلاث. ونغلي من الغلاء. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، عَنِ ابن أبي خالد، قَالَ: قَالَ زياد: ما قرأت كتاب رجل قطّ إلا عرفت عقله فيه، وما رأيت مثل الربيع بن زياد رجلاً، وما كتب إِلَى كتاباً قط إلا فِي جر منفعة أو دفع مضرّة، ولا سألته عَنْ شيء قط إلا وجدت منه عنده علما، ولا نظرته فِي شيء إلا وجدته قد سبق عَلَى الناس فيه، ولا سايرني قط ركبته ركبتي وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن يونس، قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعيّ، قَالَ: توضأ أعرابي فبدأ بوجه ورجليه ثم استنجى، فقيل له: أخطأت السّنّة، فقَالَ: لم أكن لأبدأ بالخبيثة قبل جوارحي مطلب ما قَالَ الشعراء فِي البكاء ووصف الدموع وحَدَّثَنَا أيضاً قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى النحوى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن شبيب، قَالَ: حَدَّثَنِي القروي، عَنْ موسى بن جعفر بن أبي كثير، قَالَ: كان المجنون لمّا أصابه ما أصابه يخرج فيأتي الشام فيقول: أين أرض بني عامر؟ فيقَالَ له: أين أنت عَنْ أرض بني عامر؟ عليك بنجم كذا وكذا، فينصرف حتى يأتي أرض بني عامر فيقف عند جبل لهم يُقَال له: التّوباذ، وينشد: وأجهشت للتّوباذ حين رأيته ... وكبر للرحمن رآني فأذريت دمع العين لمّا رأيته ... ونادى بأعلى صوته فدعاني فقلت له أين الذين عهدتهم ... حواليك فِي أمن وخفض زمان فقَالَ مضوا واستودعني بلادهم ... ومن ذا الذي يبقى عَلَى الحدثان

وإني لأبكي اليوم من حذري غداً ... فراقك والحيان مجتمعان سجالا وتهنانا ووبلا وديمة ... وسحا تسكابا وتنهملان ثم يمضي حتى يأتي العراق فيقول مثل ذلك، ثم يأتي اليمن فيقول مثل ذلك وأنشدنا أَبِي بَكْرِ بن الأنبارى، عَنْ أبيه، عَنْ أحمد بن عبيد، عَنْ أبي عمرو الشيباني، للمجنون: ذد الدمع حتى يطعَنِ الحيّ إنما ... دموعك إن فاضت عليك دليل كأنّ دموع العين يوم تحملوا ... جمان عَلَى جيب القميص يسيل وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى: ومستنجد بالحزن دمعاً كأنه ... على الخدّ ممّا ليس يرقأ حائر إذا ديمة منه استقلّت تهلكت ... أوائل أخرى ما لهنّ أواخر ملا مقلتيه الدمع حتى كأنه ... لما انهّل من عينيه فِي الماء ناظر وأنشدنا هذه الأبيات أَبُو محمد عبد الله بن جعفر بن دستوريه النحوي، عَنْ أبي العباس محمد بن يزيد الثّمالي، وقَالَ: قَالَ أَبُو العباس: هذه الأبيات أحسن ما قيل فِي الدموع، وزاد فِي آخرها بيتاً: وينظر من بين الدموع بمقلة ... رمى الشّوق فِي إنسانها فهو ساهر وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله: نظرت كأنيّ من وراء زجاجة ... إلى الدار من ماء الصّبابة أنظر فعيناي طوراً تغرقان من البكا ... فأعشى وحيناً تحسران فأبصر وأنشدني أَبُو عبد الله نفطويه، عَنْ أحمد بن يحيى، لذي الرمّة: وما شنّتا خرقاء واهيتا الكلي ... سقى بهما ساق ولمّا تبلّلا بأضيع من عينيك للدمع كلّما ... تذكّرت ربعاً أو توهمت منزلا وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍِ التاريخي، قَالَ: قَالَ بشار: ما زال غلام من بني حنيفة يدخل نفسه فينا ويخرجها منّا حتى قَالَ:

نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عيناً لغيرك دمعها مدرار من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عيناً للبكاء تعار وأنشدني أيضاً قَالَ: أنشدني البحتري لنفسه: وقفنا والعيون مشعّلات ... يغالب دمعها نظر كليل نهته رقبة الواشين حتى ... تعلّق لا يغيض ولا يسيل وأنشدني بعض أصحابنا لدعبل الخزاعي: يا ربع أين توجّهت سلمى ... أمضت فمهجة نفسه أمضى لا أبتغي سقي السحاب لها ... فِي مقلتي عوض من السّقيا وأنشدني جحظة لنفسه: ومن طاعتي إيّاه أمطر ناظري ... له حين يبدي لي برقا كأنّ دموعي تبصر الوصايا هارباً ... فمن أجل ذا تجري لتدركه سبقا وكان أَبُو بَكْرِ بن دريد يستحسن قول أبي نواس فِي هذا المعنى: لا جزى الله دمع عيني خيرا ... وجزى الله كلّ خير لساني نمّ دمعي فليس يكتم شيئاً ... ورأيت اللسان ذا كتمان كنت مثل الكتاب أخفأه ... طيّ فاستدلّوا عليه بالعنوان وأنشدنا نفطويه لنفسه: قلبي عليك أرقّ من خدّيكا ... وقواي أوهى من قوي جفنيكا لم لا ترقّ لمن تعذّب نفسه ... ظلماً ويعطفه هواه عليكا وأنشدني أَبُو بَكْرٍِ لنفسه: إن الذي أبقيت من جسمه ... يا متلف الصّبّ ولم يشعر صبابة لو أنها دمعة ... تجول فِي جفنك لم تقطر

مطلب الكلام على مادة ب ش ر

قَالَ الأصمعى: من أمثال العرب لا يعدم شقيّ مهراً، أي لا يعدم شقى عناء. ويقَالَ لا تعدم الحسناء ذاماً، يراد لا يخلو الرجل من أن يكون به ما يعاب. ويقَالَ: ليس عليك نسجه فاسحب وجرّ، يضرب مثلاً للرجل يفسد ما لم يتعنّ فيه. ويقَالَ: الليل أخفى للويل، أي الستر أستر من المكاشفة. ويقَالَ: قبل الرّماء تملأ الكنائن، يراد به: قبل وقوع الأمر يعدّ له. وأنشدني أَبُو الميّاس، البيت الأول من هذين البيتين، فأنشدته أبا بكر بن دريد، فزادني البيت الثاني: ولذّ كطعم الصّرخديّ تركته ... بأرض العدا من خشية الحدثان ومبد لي الشّحناء بيني وبينه ... دعوت وقد طال السّرى فدعاني لذّ يعني النوم. والصرخدي: العسل، قَالَ أَبُو المياس. والعدا: الأعداء. والحدثان: ما يحدث من الأمور. وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: اللذ: اللذيذ، يعني النوم. والصّرخديّ: الخمر. وقوله: ومبد لي الشحناء يعني كلباً. وذلك أن الرجل إذا تحيّر فِي الليل فلم يدر أين البيوت نبح، فتسمعه الكلاب فتنبح، فيقصد أصواتها، وهذا الذي تقول له العرب: المستنبح. ثم أنشدني: ومستنبح بات الصدى يستتيهه ... فتاه وجوز الليل مضطرب الكسر رفعت له ناراً ثقوباً زنادها ... تليح إِلَى الساري هلمّ إِلَى قدري فلما أتى والبؤس رادف رحله ... تلقّيته منّي بوجه أمرئ بشر فقلت له أهل كأهل فلم يجر ... بك الليل إلا للجميل من الأمر وكادت تطير الشّول عرفان صوته ... ولم تمس إلا وهي خائفة العقر مطلب الكلام عَلَى مادة ب ش ر : بشر: مصدر بشرته أبشره بشراً، والبشر: الاسم، أراد بوجه امرئ ذي بشر، فحذف المضاف، وفي بشرت لغات، قَالَ الكسائي: يُقَال: بشّرت فلاناً بخير أبشّره تبشيراً، وبشرته أبشره بشراً، وبشرته أبشره بشرا وبشوراً، وأبشرته أبشره إبشاراً فِي معنى واحد، وحكي عَنْ بعضهم

مطلب الكلام على مادة خ ف ي

أنه قَالَ: دخلت عَلَى الناطفي فبشرني ببشر حسن، قَالَ: وسمعت أبا ثروان ورجلاً من غنىٍّ يقولان: بشرني فلان بخير وبشرته بخير. قَالَ ويقَالَ: أبشر فلان بخير، أي استبشر، وهو قول الله عزّ وجلّ: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ} [فصلت: 30] أي استبشروا، وكذا كلام العرب إذا أخبروا عَنْ أنفسهم قالوا: قد أبشرنا، أي فرحنا. قَالَ: ويقَالَ أيضاً: بشرت بهذا الأمر أبشر بشوراً، أي فرحت واستبشرت، عَلَى معنى أبشرت، وهي فِي قضاعة، وقرأ أَبُو عمرو: إنّ الله يبشرك بالتخفيف. مطلب الكلام عَلَى مادة خ ف ى وقَالَ اللحياني: خفيت شيء أخفيه خفياً وخفيّاً إذا استخرجته وأظهرته، وأنشد: خفاهنّ من أنفاقهنّ كأنّما ... خفاهنّ ودق من سحاب مركّب : وغيره يروى: من عشيّ مجلّب، أي مصوت. ويقَالَ: اختفيت الشيء، أي أظهرته. وأهل الحجاز يسمون النّبّاش: المختفى، لأنه يستخرج أكفان الموتى. وأخفيت الشيء أخفيه إخفاء إذا سترته، قَالَ الله عزّ وجلّ: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] وهي قِرَاءَةً العامة والناس، وروى عَنْ سعيد بن جبير: أنه كان يقرأ: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] أي أظهرها، وقَالَ أَبُو عبيدة: أخفيت الشيء كتمته وأظهرته. ويقَالَ: دعوت الله خُفية وخِفية، أي فِي خفض، قَالَ الله عزّ وجلّ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وهي قِرَاءَةً الناس والمجتمع عليها، وكان عاصم يقرأ: {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] فِي جميع القرآن. وقَالَ اللحياني وأَبُو نصر: الخافي: الجنّ. قَالَ اللحياني يُقَال: أصابته ريح من الخوافي، وأصابته ريح من الخافي، وهو واحد الخوافي، وقَالَ أَبُو نصر: الخوافي جمع الجمع، وسمعت أبا بكر بن دريد، يقول: إنما قيل لهم خاف لخفائهم واستتارتهم عَنِ العيون. وقَالَ اللحياني: الخوافي من السعف: مادون القلبة، واحدتها خافية. والخوافي من ريش الطائر: ما دون المناكب، وهي أربع ريشات. قَالَ ويقَالَ لأربع ريشات فِي مقدّم الجناح: القوادم، ثم تليها أربع ريشات مناكب، ثم تليها أربع ريشات خواف، ثم يلي الخوافي أريع أباهر. وقَالَ غيره: فِي جناح الطائر عشرون ريشة مما يلي الجنب، فأربع قوادم، وأربع مناكب، وأربع كلي، وأربع خواف، وأربع أباهر. ويقَالَ برح الخفاء، أي ظهر الأمر وصار كأنه فِي براح، وهو المكان المستوي المتّسع. وقَالَ اللحياني قَالَ

مطلب الكلام على مادة خيف وخوف

بعضهم: برح الخفاء، أي ذهب السّر وظهر، والخفاء ههنا: السّر. وقَالَ: الخفاء مصدر خفى يخفى خفاء، وقَالَ بعضهم: الخفاء المتطأطئ من الأرض، والبراح: المرتفع الظاهر، فيقول: ارتفع المطأطئ حتى صار كالمرتفع الظاهر، وقَالَ أَبُو نصر: الخفاء: ما غاب عنك. مطلب الكلام عَلَى مادة خيف وخوف وقَالَ اللحياني، يُقَال: الناس أخياف فِي هذا الأمر، أي مختلفون لا يستوون. ويقَالَ: خيّفت المرأة أولادها إذا جاءت بهم أخيافاً: أي مختلفين، ويقَالَ: تخيفت الإبل وترقطت إذا اختلفت وجوهها فِي الرعي. والخيف: ما ارتفع عَنْ مجرى السيل وانحدر عَنْ غلظ الجبل، ومنه مسجد الخيف بمنىً. ويقَالَ: أخاف الرجل فهو مخيف إذا أتى الخيف، والقوم مخيفون. والخيف: جلد ضرع الناقة، يُقَال: ناقة خيفاء، والجمع خيفاوات وخيف، ويقَالَ: بعير أخيف إذا كان واسع الخيف، وهو جلد الثّيل، وأنشدنا أَبُو نصر: صوّى لها ذا كدنة جلذيّا ... أخيف كانت أمه صفيّاً وقَالَ اللحياني، يُقَال: خيفت الناقة تخيف خيفاً إذا اتسع جلد ضرعها. ويقَالَ فرس أخيف، والأنثى خيفاء، والجمع خيف، إذا كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء. والخيفان: الجراد إذا صارت فيها ألوان مختلفة، واحدتها خيفانة، وبه سميت الفرس خيفانة لسرعتها، وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: إنما قيل للفرس خيفانة، لأن الجرادة إذا ظهرت فيها تلك الألوان كان أسرع لطيرانها. وقَالَ اللحياني: تخوّفت الشيء تنقصه، قَالَ الله عزّ وجلّ: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] : أي عَلَى تنقصّ. ويقَالَ: تحوّفت الشيء بالحاء غير معجمة، إذا أخذت من حافاته. وقَالَ أَبُو نصر: وجمع مخيف إذا أخاف من ينظر إليه. وحائط مخوف، وثغر مخوف، إذا كان يفرق منه. وقَالَ اللحياني: وقد يُقَال: ثغر مخيف إذا كان يخيف أهله. ويقَالَ: خفت من الشيء أخاف خوفاً وخيفةً وخيفاً، وهو جمع خيفة، قَالَ الهذلي: فلا تقعدنّ عَلَى زخّة ... وتضمر فِي القلب وجدا وخيفا

والزخة: الدّفعة، يُقَال: زخّ فِي صدره يزخّ زخّاً: أي دفع، ومنه قيل للمرأة مزخّة. ويقَالَ: فلان خائف والقوم خائفون وخوّف وخيّف، قَالَ الله تبارك وتعالى: {أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ} [البقرة: 114] وفي حرف أبيٍّ وابن مسعود: أن يدخلوها إلا خيّفاً والخافة: خريطة من أدم ضيّقة الرأس واسعة الاسفل، تكون مع مشتار العسل إذا صعد ليشتار. وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيي، عَنْ عماد بن إسحاق، عَنْ أبيه، قَالَ: حَدَّثَنِي عميّ صبّاح بن خاقان، قَالَ: قَالَ خالد بن صفوان، لبعض الولاة: قدمت فأعطيت كلاً بقسطه من وجهك وكرامتك، حتى كأنك لست من أحد، أو حتى كأنك من كل أحد وأنشدني أَبِي بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنى أبى، عَنْ أحمد بن عبيد: ما لرسولي أتاني منك بالياس ... وقَالَ أظهرت بعدي جفوة القاسي أني أحبك حبا لا لفاحشة ... والحبّ ليس به فِي الله من باس وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد: ولمّا أبى إلا جماحاً فؤاده ... ولك يسل عَنْ ليلي بمال ولا أهل تسلّى بأخرى غيرها فإذا التي ... تسلى بها تغري بليلى ولا تسلى وأنشدنا أَبُو عبد الله: يا منية النفس إن أعطيت منيتها ... وسؤلتي إن دنونا أو نأيناك هل بعثنا ببديل منذ لم نركم ... فما بشيء من الأشياء بعناك إن كنت لم تذكرينا عند فرقتنا ... فيشهد أنّا ما نسيناك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: تذاكر قوم صلة الرّحم وأعرابي جالس، فقَالَ: منسأة فِي العمر، مرضاة للرب، محبّة فِي الأهل وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: وصف أعرابيّ ناقة فقَالَ: إذا اكحالّت عينها. وأللت أذنها، وسجح خدّها، وهدل مشفرها، واستدارت جمجمتها، فهي الكريمة سجح: سهل وحسن. وهدل: استرخى.

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، قَالَ: سمعت عمى، يقول: سمعت أعرابية تقول لرجل: رماك الله بليلة لا أخت لها، أي لا تعيش بعدها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ أكثم بن صيفيّ: سوء حمل الفاقة يحرض الحسب، ويقويّ الضرورة، ويذئر أهل الشماتة. يذئر: يحرش، يُقَال: أذأرته بأخيه إذا حرّشته عليه وأولعته به، وقد ذئر هو ذأراً حين أذأرته، قَالَ الشاعر: ولقد أتاني عَنْ تميم أنهم ... ذئروا لقتلي عامر وتغضّبوا وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ بعض العرب: أولى الناس بالفضل أعودهم بفضله، وأعون الأشياء عَلَى تذكية العقل التعلم، وأدلّ الأشياء عَلَى عقل العاقل حسن التدبير وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ رجل من العرب: ما رأيت كفلان، إن طلب حاجة غضب قبل أن يردّ عنها، وإن سئل حاجة ردّ صاحبها قبل أن يفهمها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ بعض الأعراب: لا أعرف ضراً أوصل إِلَى نياط القلب من الحاجة إِلَى من لم تثق بإسعافه ولا تأمن ردّه، وأكلم المصائب فقد خليل لا عوض منه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعيّ، قَالَ: ذكر رجل حاتماً الطائي فقَالَ: كان إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا أسر أطلق وحَدَّثَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قيل لأعرابي: أيّ شيء أمتع؟ فقَالَ: ممازحة المحبّ، ومحادثة الصديق، وأمانيّ تقطع بها أيّامك وحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً، يقول: من لم يرض عَنْ صديقه إلا بإيثاره عَلَى نفسه دام سخطه، ومن عاتب عَلَى كل ذنب كثر عدّوه، ومن لم يواخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قلّ صديقه وأنشدنا أَبُو عبد الله: لا أملأ كفي به ... واللّبد لا أتبع تزواله

يقول: لا أقاتل بالرمح وحده فأشغل كفي به دون غيره من السلاح، ولكني أقاتل به وبغيره، وإذا زال اللّبد عَنْ متن الفرس لم أزل معه وثبتّ، يصف نفسه بالفروسية وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن خلف، عَنْ موسى بن صالح، عَنْ معاوية بن صدقة الجحدريّ، قَالَ: كان رجل من مجاشع يُقَال له: سعد بن مطرّف، يهوى ابنة عمّ له يُقَال لها: سعاد، فكان يأتيها ويتحدث إليها ولا يعلمها بما هو عليه من حبّها، حتى سلّ جسمه ونحل بدنه، فبينا هو ذات يوم معها جالس إذ نظر إليها وأنشأ يقول: وما عرضت لي نظرة مذ عرفتها ... فأنظر إلا مثلت حيث أنظر أغار عَلَى طرفي لها فكأنني ... إذا رام طرفي غيرها لست أبصر وأحذر أن تصغي إذا بحت بالهوى ... فأكتمها جهدي هواي وأستر فلّما سمعت ذلك منه ساءها وكرهت أن ينشر خبرهما، فأقصته وأظهرت هجره، فكتب إليها: متّ شوقاً وكدت أهلك وجداّ ... حين أبدى الحبيب هجراً وصدّا بأبي من إذا دنوت إليه ... زادني القرب منه نأياً وبعدا لا وحبّيه لا وحقّ هواه ... ما تناسيته ولا خنت عهدا حاش لله أن أكون خلّيا ... من هواه وقد تقطّعت وجدا كيف لا كيف عَنْ هواه سلوّى ... وهو شمس الضحى إذا ما تبدّى فكانت تحب مواصلته، وتشفق من الفضيحة فتظهر هجره وتبعده، فلم يزل عليل البدن والقلب وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ الأنباري، قَالَ: أنشدني أبي: ألمّت وهل إلمامها لك نافع ... وزارت خيالاً والعيون هواجع بنفسي من تنأى ويدنو خيالها ... ويبذل عنها طيفها ويمانع خليليّ أبلاني هوى متمنع ... له شيمة تأبى وأخرى تطاوع وإن شفاء النفس لو تعلمينه ... حبيب موات أو شباب مراجع وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد للمجنون: وإني لأستغشي وما بي نعسة ... لعلّ خيالاً منك يلقى خياليا

وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدّث عنك النفس فِي السر خاليا أصبراً ولمّا تمضي لي غير ليلة ... رويد الهوى حتى يغيب لياليا أرى الدهر والأيام تفنى وتنقضي ... وحبّك ما يزداد إلا تماديا وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه للمجنون: وعلّقت ليلى وهي غر صغيرة ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إِلَى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم وأنشدنا أَبُو عبد الله أيضاً فِي هذا المعنى لخالد بن المهاجر: أمست منازلكم بمكّة منكم ... قفراً وأصبحت المعالم خالية لو كنت أملك رجعكم لرجعتكم ... قد كنتم زينى بها وجماليه علّقتها غراً غلاماً ناشئاً ... غضّ الشّباب وعلّقتني جاريه حتى استوينا لم تزل لي خلّة ... أبكي إذا ظعنت بعين باكيه وأنشدنا أيضاً: إذا حجبت ولم يكفك البدر فقدها ... وتكفيك فقد البدر إن حجب البدر وحسبك من خمر تفوتك ريقها ... ووالله ما من ريقها حسبك الخمر وأنشدنا أيضاً: قد قلت للبدر واستعبرت حين بدا ... يا بدر ما فيك لي من وجهها خلف تبدو لنا كلّما شئنا محاسنها ... وأنت تنقص أحياناً وتنكسف وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لجميل بن معمر العذريّ: تنادي آل بثنة بالرواح ... وقد تركوا فؤادك صاح فيا لك منظراً ومسير ركب ... شجاني حين أمعن فِي الفياح ويا لك خلّة ظفرت بعقلي ... كما ظفر المقامر بالقداح أريد صلاحها وتريد قتلي ... فشتّى بين قتلي والصلاح لعمر أبيك لا تجدين عهدي ... كعهدك فِي المودّة والسّماح ولو أرسلت تستهدين نفسي ... أتاك بها رسولك فِي سراح

وقرأت عليه له أيضاً: فإن يك جثماني بأرض سواكم ... فإنّ فؤادي عندك الدّهر أجمع إذا قلت هذا حين أسلو وأجتري ... على صرمها ظلّت لها النّفس تشفع وإن رمت نفسي كيف آتي لصرمها ... ورمت صدوداً ظلّت العين تدمع وكتبت من كتاب أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، وقرأت عليه أيضاً قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه: ألا يا كأس قد أفنيت قولي ... فلست بقائل إلا رجيعا ولست بنائم إلا بهمّ ... ولا مستيقظ إلا مروعا أؤمّل أن ألاقي آل كأس ... كما يرجو أخو السّنة الرّبيعا وإنك لو نظرت فدتك نفسي ... إِلَى كبدي وجدت بها صدوعا وقرأت عله أيضاً: ولما بدا لي منك ميل مع العدى ... سواي ولم يحدث سواك بديل صددت كما صدّ الرّميّ تطاولت ... به مدّة الأيام وهو قتيل وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا إبراهيم بن عبد الله الورّاق: نزفت دمعي وأزمعت الفراق غداً ... فكيف أبكي ودمع العين منزوف واسوأتا من عيون العاشقين غداً ... إذا رحلت ودمع العين موقوف وأنشدنا قَالَ: أنشدنا أَبُو الحسن بن البراء، لإبراهيم بن المهديّ: لم ينسنيك سرور لا ولا حزن ... وكيف لا كيف ينسى وجهك الحسن ما زلت مذ كلفت نفسي بحبكم ... كلّى بكلّك مشغول ومرتهن نور تجسّم من شمس ومن قمر ... حتى تكامل منه الرّوح والبدن قال أبو بكر ويروى: ولا خلا منك قلبي لا ولا بدني ... كلّى بكلّك مشغول ومرتهن قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: وأنشدني أبي، للحسن بن وهب: بأبي كرهت النار لما أوقدت ... فعرفت ما معناك فِي إبعادها

هي ضرّة لك بالتماع ضيائها وبحسن صورتها لدى إيقادها وأرى صنيعك بالقلوب صنيعها ... بسيالها وأراكها وعرادها شركتك فِي كل الأمور بحسنها ... وضيائها وصلاحها وفسادها وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لأبي الشّيص: وقف الهوى بي حيث أنت ... فليس لي متأخّر عنه ولا متقدّم أجد الملامة فِي هواك لذيذة ... حبّاً لذكرك فليلمني اللّوّم أشبهت أعدائي فصرت أحبّهم ... إذ صار حظّي منك حظّي منهم وأهنتني فأهنت نفسي صاغراً ... ما من يهون عليك ممن أكرم وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدني أَبُو الحسن بن البراء، لإبراهيم بن المهدي: إذا كلّمتني بالعيون الفواتر ... رددت عليها بالدموع البوادر فلم يعلم الواشون ما دار بيننا ... وقد قضيت حاجاتنا بالضمائر أقاتلتي ظلماً بأسهم لحظها ... أما حكم بعدي عَلَى طرف جائر فلو كان للعشّاق قاض من الهوى ... إذاً لقضى بين الفؤاد وناظري قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: وسرق هذا المعنى خالد الكاتب فقَالَ: أعان طرفي عَلَى جسمي وأحشائي ... بنظرة وقفت جسمي عَلَى دائي وكنت غرّاً بما يجنى عَلَى بدني ... لا علم لي أن بعضي بعض أدوائي وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو الحسن بن البراء، لبعض شواعر الأعراب: ولو نظروا بين الجوانح والحشا ... رأوا من كتاب الحبّ فِي كبدي سطرا ولو جرّبوا ما قد لقيت من الهوى ... إذاً عذروني أو جعلت لهم عذرا صددت وما بي من صدود ولا ... قلىً أزورهم يوماً وأهجرهم شهرا وأنشدني أيضاً قَالَ: أنشدني عَلَى بن محمد المدائني، قَالَ: أنشدنا أَبُو الفضل الربعيّ الهاشمي، قَالَ: أنشدنا إسحاق بن ابراهيم الموصلي: أخاف عليها العين من طول وصلها ... فأهجرها الشهرين خوفا من الهجر

مطلب الكلام في تفسير مادة أكل

وما كان هجراني لها عَنْ ... ملالة ولكنني أمّلت عاقبة الصبر أفكّر فِي قلبي بأيّ عقوبة ... أعاقبه فيكم لترضوا فما أدري سوى هجركم والهجر فيه دماره ... فعاقبته فيكم من الهجر بالهجر فكنت كمن خاف النّدى أن يبلّه ... فعاذ من الميزاب والقطر بالبحر وقَالَ أَبُو زيد: من أمثال العرب: برّق لمن لا يعرفك، يضرب مثلاً للذي يوعد من يعرفه، يقول: اصنع هذا بمن لا يعرفك. وقَالَ الأصمعيّ ومن أمثالهم حرّك خشاشه، إذا عمل بما يؤذيه. ويقَالَ: ضرب لذلك الأمر جروته: أي وطّن عليه نفسه. ويقَالَ: لوى عنه عذاره: أي عصاه فلم يطعه فِي أمره. ويقَالَ: شرّاب بأنقع، أي معاود للأمور يأتيها مرة بعد مرة. عَنْ بيت أبي العميثل بعد أن قرأناه عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد مصححين له: أيام ألحف مئزري عفر الملا وأغض كلّ مرجّل ريّان فأَخْبَرَنَا عَنْ أحمد بن يحيى بهذا التفسير قَالَ أحلف: ألبس. والعفر: التراب، يقول: أجرّه عليه من الخيلاء والنشاط. والملا: الفضاء. وأغضّ: أنقصه وأشرب ما فيه. والمرجّل: زقّ سلخ من قبل رجله. وريّان: ممتلئ، قَالَ وقَالَ سعدان: أنشدنيه أَبُو العميثل وهذا معناه، وقَالَ ابن الأعرابيّ: أغض: أكف. والمرجل: الشعر يرجل ويهيّأ، وريّان من الدّهن، وهو كقول الأعشى: ولقد أرجّل جمّتي بعشيّة للشرب قبل سنابك المرتاد ولم ينكر القول الأول، وقَالَ: قد سمعته من قائله. مطلب الكلام فِي تفسير مادة أكل وقَالَ أَبُو نصر: إنه لذو أكلة فِي الناس، أي ذو نميمة ووقيعة، وقَالَ أَبُو عبيد، عَنِ الأصمعيّ: إنه لذو أكلة فِي الناس وأكلة، أي ذو غيبة يغتابهم، وقَالَ اللحياني: إنه لذو أكلة وإكلة للحوم الناس. وقالوا جميعاً الأكلة: اللّقمة، يُقَال: ما أكلت إلا أكلة، والأكلة الفعلة: الواحدة من الأكل. والإكلة: الحال التي تأكل عليها قاعداً أو متكئاً. وقَالَ اللحياني الأكال: ما يؤكل، يُقَال: ما ذقت اليوم أكالا. والأكلة غير ممدود والإكلة والأكال: الحكّة، يُقَال: إنه ليجد أكلة عَلَى فعلة، وإكلة وأكالاً، ويقَالَ: أكلت الناقة تأكل أكلاً إذا نبت وبر جنينها فِي بطنها فوجدت

لذلك حكّة وأذى، وناقة أكلة، عَلَى فعلة. وقَالَ الأصمعيّ: بأسنانه اكل إذا كانت متأكّلة، وقَالَ أَبُو نصر: يُقَال: كثرت الآكلة فِي أرض بني فلان: أي الراعية، وقَالَ اللحياني: الأكلة عَلَى فعلة. وقَالَ الأصمعيّ: تأكّل السيف تأكّلاً إذا توهج من الجدة، قَالَ أوس بن حجر: وأبيض صوليّاً كأن غراره ... تلألؤ برق فِي حي تأكّلا وزاد اللحياني: والتأكّل: شدة بريق الكحل إذا كسر أو الفضة أو الصّبر. وقالوا جميعاً: فلان ذو أكل إذا كان ذا حظّ ورزق فِي الدنيا، والجميع الآكال. وقَالَ اللحياني: يُقَال: أكل بستانك دائم، أي ثمره. وقَالَ أَبُو نصر، والأصمعي: ذو أكل، إذا كان كثير الغزل صفيقاً. وإنه لذو أكل، إذا كان ذا رأي وعقل، وقَالَ اللحياني فيهما بالتثقيل: أكل. وقَالَ اللحياني: الأكيل الطعام المأكول، والأكيل: الذي يأكل معك رجل كان أو امرأة، يُقَال: هذا أكيلي وهذه أكيلي، ولغة أبي الجراح: هذة أكيلتي. ورجل أكول، وقوم أكّال وأكلة، يُقَال: هم أكلة رأس، أي قليل بقدر ما يشبعهم رأس. وقَالَ اللحياني والمئكلة: ضرب من البرام، وضرب الأقداح، وكلّ ما أكل فيه فهو مئكلة، والجمع مآكل، أي ضعيف ليس بنافذ. ورجل أكلة، أي كثير الأكل. وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه: أيا زينة الدنيا التي لا ينالها ... مناي ولا يبدو لقلبي صريمها بعيني قذاة من هواك لو أنها ... تداوي بمن أهوى لصحّ سقيمها وبرء قذاة العين إن لم يكن لها ... طبيب يداوي نظرة تستديمها فما صبرت عَنْ ذكرك النفس ... ساعة وإن كنت أحيانا كثيرا ألومها علي نذور يوم تبرز خالياً ... لعيني وأيام كثير أصومها وحَدَّثَنِي أَبُو يعقوب ورّاق أَبِي بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن الحسن، عَنِ المفضل بن محمد بن العلاف، قَالَ: لما قدم بغاء ببني نمير أسرى، كنت كثيراً ما أذهب إليهم فأسمع منهم، وكنت لا أعدم أن ألقى الفصيح منهم، فأتيتهم يوماً فِي عقب مطر، وإذا فتىً حسن الوجه قد نهكه المرض ينشد: ألا يا سنا برق عَلَى قلل الحمى ... لهنّك من برق عَلَى كريم لمعت اقتذاء الطّير والقوم هجّع ... فهيّجت أسقاما وأنت سليم

مطلب ما قالته نساء الأعراب تصف زوجها بمكارم الأخلاق لأمها

فهل من معير طرف عين خليّة ... فإنسان طرف العامري كليم رمى طرفه البرق الهلالي رمية ... بذكر الحمى وهناً فبات يهيم فقلت له: يا هذا، إنك لفي شغل عَنْ هذا، فقَالَ: صدقت، ولكن أنطقني البرق، ثم اضطجع فما كان ساعة حتى مات، فما يتوهّم عليه غير الحب. وكان أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، كثيرا ما ينشد آخر بيت من هذه الأبيات، ثم أنشدني يوماً: ثقي بجميل الصبر منّى عَلَى الدهر ... ولا تثقي بالصبر مني عَلَى الهجر وإني لصبّار عَلَى ما ينوى بني ... وحسبك أن الله أثنى عَلَى الصبر ولست بنظّار إِلَى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء فِي جانب الفقر وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس للمجنون: أصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها ... أثنتين صلّيت الضّحى أم ثمانيا أراني إذا صلّيت يممّت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلّى يمانيا وما بي إشراك ولكنّ حبّها ... كعود الشّجا أعيا الطبيب المداويا مطلب ما قالته نساء الأعراب تصف زوجها بمكارم الأخلاق لأمّها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: وصفت أعرابية زوجها بمكارم الأخلاق عند أمها فقَالَت: يا أمّه، من نشر ثوب الثناء فقد أدّى واجب الجزاء، وفي كتمان الشّكر جحود لما وجب من الحق، ودخول فِي كفر النّعم، فقَالَت لها أمها: أي بنيّة! أطبت الثناء، وقمت بالجزاء، ولم تدعي للذم موضعاً، إني وجدت من عقل لم يعجل بذمٍّ ولا ثناء إلا بعد اختبار، فقَالَت: يا أمّه، ما مدحت حتى اختبرت، ولا وصفت حتى عرفت وحَدَّثَنَا أيضاً عَنِ العكليّ، عَنِ ابن أبي خالد، عَنِ الهيثم، قَالَ: كتب مالك بن أسماء بن خارجة إِلَى الهيثم بن الأسود النخعي، يشكر له قيامه بأمر رجل من آل حذيفة بن بدر عند الحجّاج حتى خلّصه منه: أما بعد، فإنه لما كلّت الألسن عَنْ بلوغ ما استحققت من الشكر، كان أعظم الحيل عندي

فِي مكافأتي إخلاصك صدق الضمير، وكما لم نعرف الزيادة فِي العلا إذ جريت غاية طولك جهلنا غاية الثناء عليك، فليس لك من الناس إلا ما ألهموا من محبتك، فأنت كما وصف الواصف إذ يقول: فما تعرف الأوهام غاية مدحه ... يقيناً كما ليست بغايته تدري وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ بعض أصحابه، قَالَ: وقّع جعفر بن يحيي بن خالد بن برمك، فِي كتاب صديق له: ما جاوزتني. نعمة خصصت بها، ولا قصرت دوني ما كان بك محلّها. قَالَ: ووقّع إِلَى عمرو بن مسعدة، إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيراً، وإذا كان الإيجاز كافياً كان الإكثار عيّاً وحَدَّثَنَا أيضاً عَنْ أبيه، عَنْ أحمد بن عبيد، قَالَ: أَخْبَرَنَا العتبي، عَنْ أبيه، قَالَ: أتت رملة أنت معاوية مراغمة لزوجها عمرو بن عثمان بن عفّان، فقَالَ: مالك يا بنيّة؟ أطلّقك زوجك؟ قَالَت: لا، الكلب أضنّ بشحمته، ولكنه فاخرني، فكلما ذكر رجل من قومه ذكرت رجلاً من قومي، حتى عدّ ابني منه، فوددت أن بيني وبينه البحر الأخضر، فقال لها: يا بنية، آل أبي سفيان أقل حظاً في الرجال من أن تكوني رجلاً وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: مر أعرابي برجل يكنى أبا الغمر، وكان ضخماً جسيماً، وكان بوابا لبعض الملوك، فقَالَ: أعَنِ الفقير الحسير، فقَالَ: ما ألحف سائلكم، وأكثر جائعكم! أراحنا الله منكم، فقَالَ له الأعرابي: لو فرّق قوت جسمك فِي جسوم عشرة منا لكفانا طعامك فِي يوم شهرا، وإنك لعظيم السرطة، شديد الضرطة، لو ذرّى بحبقتك بيدر لكفته ريح الجربياء وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن موسى السامي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعيّ، قَالَ: دخل رجل من الأعراب عَلَى رجل من أهل الحضر فقَالَ له الحضريّ: هل لك أن أعلّمك سورة من كتاب الله؟ فقَالَ: إني أحسن من كتاب الله ما إن عملت به كفاني، قَالَ: وما تحسن؟ قَالَ: أحسن سوراً، قَالَ: اقرأ، فقرأ فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، وإّنا أعطيناك الكوثر، فقَالَ له

الرجل: اقرأ السورتين، يريد المعوذتين،، فقَالَ: قدم عَلَى ابن عمّ لي فوهبتها له، ولست براجع فِي هبتي حتى ألقى الله وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: سمع يونس رجلاً ينشد: استودع العلم قرطاساً فضيّعه ... وبئس مستودع العلم القراطيس قَالَ: قاتله الله! ما أشد صبابته بالعلم وصيانته للحفظ! إنّ علمك من روحك، ومالك من بدنك، فصن علمك صيانتك روحك، ومالك صيانتك بدنك وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، للنمر بن تولب: أودى الشباب وحبّ الخالة الخلبه ... وقد برئت فما بالصدر من قلبه وقد تثلّم أنيابي وأدركني ... قرن عَلَى شديد فاحش الغلبه وقد رمي بسراه معتمداً ... فِي المنكبين وفي الساقين والرقبه أود: ذهب وهلك. والخالة جمع خائل، مثل بائع وباعة. والخلبة جمع خالب، مثل كافر وكفرة، يخبر أنه شيخ قد ترك صحبة الشباب والفتيان، وهم الخالة الخلبة الذين يختالون فِي مشيتهم ويخلبون النساء. ثم قَالَ: برئت، أي برئ الصدر من ودّهم والعلاقة بهم، فما به قلبه من ودّهم، يُقَال للإنسان وغيره من الحيوان: ما به قلبه، أي ما به وجع ولا مكره، وأصله من القلاب، قَالَ الأصمعيّ: القلاب: أن تصيب الغدّة القلب، فإذا أصابته لم يلبث البعير أن تقتله. وقوله: وأدركني قرن: يعني الهرم. وقوله: وقد رمى بسراه اليوم معتمداً فالسّرى جمع سرة، مثل رشوة ورشى، وهو نصل السهم إذا كان مدّوراً مدملكاً ولا عرض له، يريد أن الهرم قد رمى بسهامه فِي جميع جسده فأضغفه، كما قَالَ: فِي المنكبين وفي الساقين والرقبة ... وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: سمعت الأصمعيّ كثيراً ما يقول: من قعد به نسبه، نهض به أدبه وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد لخارجة بن فليح المللي: أحنّ إِلَى ليلي وقد شط وليها ... كما حنّ محبوس عَنِ الإلف نازع إذا خوّفتني النفس بالنأي تارة ... وبالصّرم منها أكذبتها المطامع أكل أهواك الطّرف عَنْ كل بهجة ... وصمّت عَنِ الداعي سواك المسامع

مطلب تفسير مادة ك ل ل

وقرأت عليه لجميل بن معمر العذري: ألم تعلمي يا عذبة الماء أنني ... أظلّ إذا لم أسق ماءك صاديا وما زلت بي يا بثن حتى لو أنني ... من الوجد أستبكي الحمام بكى ليا وددت عَلَى حبّ الحياة لو أنها ... يزاد لها فِي عمرها من حياتيا وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: ومستوحش للبين يبدي تجلدا ... كما أوحش الكفين فقد الأصابع وكم قد رأينا من قتيل لخلّة ... بسهم التّجنيّ أو بسهم التقاطع وكم واثق بالدهر والدهر مولع ... بتأليف شتى أو بتفريق جامع وأنشدنا أيضاً قَالَ: أنشدنا إبراهيم بن عبد الله لعليّة بنت المهدي: تجنّب فإن الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد وهو مستوجب القرب تفكّر فإن حدّثت أن أخا هوى ... نجا سالماً فارج النّجاة من الحب فأحسن أيام الهوى يومك الذي ... تروّع بالتحريش منه وبالعتب إذا لم يكن فِي الحب سخط ولا ... رضا فأين حلاوات الرسائل والكتب وقَالَ الأصمعى: من أمثال العرب إنه لساكن الرّيح، يُقَال ذلك للرجل الوادع. ويقَالَ: إنّه لواقع الطائر، مثل للرجل الساكن الأمر. ويقَالَ: فِي رأسه نعرة، مثل للرجل الطامح الرأس، الذي لا يستقر. ويقَالَ: الخرق شؤم يراد أن به الرجل إذا خرق فِي أمر دخل عليه شؤمه. ويقَالَ: الرّفق يمن، وهو خلافه. مطلب تفسير مادة ك ل ل وقَالَ أَبُو نصر يُقَال: كلّ بصره يكلّ كلولا، وكلّ لسانه يكلّ كلّة وكلولا، وكلّ السيف كلّة وكلاً إذا لم يقطع، وكلّ فِي الإعياء كلالا، وكلّل يكلّل تكليلا إذا حمل عَلَى القوم، يُقَال: كلّل تكليلة السّبع. والكلالة: مادون الوالد والولد، وانكلّت المرأة إذا ما تبسمت، وانكلّ السحاب إذا ما تبسم بالبرق، وكلأ يكلي تكلئة وتكليئاً، وكلّى تكلية إذا أتى مكاناً فيه مستتر، والكلاء والمكلا: مكان ترفأ فيه السفن، وهو ساحل كل نهر. ،

مطلب ما وقع بين المأمون والجارية بحضرة هارون الرشيد

وقَالَ أَبُو زيد: كلأ القوم السفينة تكليئاً إذا حبسوها. وكلأت فِي الطعام تكليئاً وأكلأت إكلاء إذا أسلفت فيه. وما أعطيت فيه من الدراهم نسيئة فهي الكلأة. : وقَالَ أَبُو نصر: الكالئ: الدّين المؤخر، لم يهمزه الأصمعي وهمزه غيره. وأنشدني الأصمعيّ: وإذا تباشرك الهموم ... فإنها كال وناجز وفي الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه نهى عَنِ الكالئ بالكالئ كأنه نهى عَنِ الدين بالدين، وهو النسيئة بالنسيئة، وأَبُو عبيدة يهمز الكالئ. ويقَالَ تكلأت كلأة إذا استنسأت. ويقَالَ: بلغ الله بك أكلأ العمر، يعني آخره. ويقَالُ: اكتلأت من الرجل اكتلاء إذا احترست منه، واكتلأت عيني اكتلاء إذا لم تنم وسهرت. مطلب ما وقع بين المأمون والجارية بحضرة هارون الرشيد وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبى، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بن عمرو بن عبد الرحمن الورّاق، قَالَ: حَدَّثَنَا المفضل بن حازم، قَالَ: حَدَّثَنَا منصور البرمكي، قَالَ: كان لهارون الرشيد جارية غلاميّة يعني وصيفة عَلَى قدّ الغلام، وكان المأمون يميل إليها وهو إذ ذاك أمرد، فوقفت يوماً تصبّ عَلَى يد الرشيد من إبريق معها، والمأمون جالس خلف الرشيد، فأشار المأمون إليها كأنه يقبلّها، فأنكرت ذلك بعينيها، وأبطأت فِي الصبّ عَلَى مقدار نظرها إِلَى مأمون وإشارتها إليه، فقَالَ الرشيد: ما هذا! ضعي الإبريق من يدك، ففعلت، فقَالَ: والله لئن لم تصدقيني لأقتلنك، فقَالَت: يا سيدي، أشار إِلَى عبد الله كأنه يقبلني فأنكرت ذلك، فالتفت إِلَى المأمون ونظر إليه كأنه ميّت لما دخله من الجزع والخجل، فرحمه وضمّه إليه وقَالَ: يا عبد الله، أتحبها؟ قَالَ: نعم يا أمير المؤمنين، قَالَ: هي لك، قم فادخل فِي تلك القبة ففعل، ثم قَالَ: هل قلت فِي هذا الأمر شعراً؟ قَالَ: نعم يا سيدي، ثم أنشد: ظبي كتبت بطرفي ... من الضمير إليه

مطلب ما قيل في عناق الحبيب ومن أحسن ما قيل في العناق

قبلته من بعيد ... فاعتلّ من شفتيه ورد أخبث رد ... بالكسر من حاجبيه فما برحت مكاني ... حتى قدرت عليه مطلب ما قيل فِي عناق الحبيب ومن أحسن ما قيل فِي العناق ما أنشدناه أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا عبد الله بن خلف، قَالَ: أنشدني أحمد بن يحيى بن أبي فنن: خلوت فنادمتها ساعة ... على مثلها يحسد الحاسد كأنّا وثوب الدجى مسبل ... علينا لمبصرنا واحد قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: وسرق هذا المعنى ابن المعتز فقَالَ: ما أقصر الليل عَلَى الراقد ... وأهون السّقم عَلَى العائد يفديك ما بقيت من مهجتي ... لست لما أوليت بالجاحد كأنني عانقت ريحانة ... تنفّست فِي ليلها البارد فلو ترانا فِي قميص الدجى ... حسبتنا من جسد واحد وأحسن فِي هذا المعنى عَلَى بن عباس الرومي، وأنشدناه الناجم عنه: أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تداني وألثم فاها كي تموت حرارتي ... فيشتدّ ما ألقى من الهيمان ولم يك مقدار الذي بي من الهوى ... ليشفيه ما ترشف الشفتان كأن فؤادي ليس يشفى غليله ... سوى أن يرى الروحان يمتزجان ولبعضهم فِي هذا المعنى: رأيت شخصك فِي نومي يعانقني ... كما يعانق لام الكاتب الألفا ولبشار: فبتنا معاً لا يخلص الماء بيننا ... إلى الصبح دوني حاجب وستور أخذ منه عَلَى بن الجهم، فقَالَ: فبتنا جميعاً لو تراق زجاجة ... من الخمر فيما بيننا لم تسرب

مطلب ما قيل في فتور الطرف

ما قيل فِي وصف الشعر بفتح الشين ومن أحسن ما قيل فِي الشعر قول ابن الرومي، أنشدناه الناجم عنه: وفاحم وارد يقبّل ممشاه ... إذا اختال مرسلاً غدره أقبل كالليل من مفارقه ... منحدراً لا 5 يذم منحدره حتى تناهى إِلَى مواطئه ... يلثم من كل موطئ عفره كأنه عاشق دنا شغفاً ... حتى قضى من حبيبه وطره وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لبكر بن النطاح: بيضاء تسحب من قيام فرعها ... وتغيب فيه وحف أسحم فكأنها فيه نهار ساطع ... وكأنه ليل عليها مظلم ولمسلم: أجدك ما تدرين أن ربّ ليلة ... كأنّ دجاها من قرونك تنشر وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، رحمه الله، لعبد الله بن المعتز: سقتني فِي ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب فأمسيت فِي ليلين بالشعر والدجى ... وشمسين من خمر وخدّ حبيب مطلب ما قيل فِي فتور الطرف ومن أحسن ما قيل فِي فتور الطرف قول أبي نواس: ضعيفة كرّ الطّرف تحسب أنها ... قريبة عهد بالإفاقة من سقم وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لنفسه: ليس السليم سليم أفعى حرة ... لكن سليم المقلة النجلاء نظرت ولا وسن يخالط عينها ... نظر المريض بسورة الإغفاء ولعبد الله بن المعتز: وتجرح أحشائي بعين مريضة ... كما لان متن السيف والحدّ قاطع عليم بما يخفى فؤادي من الهوى ... جواد بهجراني وللوصل مانع

مطلب ما قيل في الريق

وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ التاريخى، قَالَ: أنشدنا البحتري لنفسه: وفي القهوة أشكال من الساقي وألوان حباب مثل ما يضحك عنه وهو جذلان وسكر مثل ما أسكر طرف منه وسنان وطعم الريق إذا جاد به والصب هيمان لنا من كفّه راح ومن ريّاه ريحان وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لعديّ بن الرّقاع: وكأنها وسط النساء أعارها عينيه أحور من جاذر طاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت فِي عينه سنة وليس بنائم مطلب ما قيل فِي الريق ومن أحسن ما قيل فِي الريق ما أنشدناه أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، لبشار: يا طيب الناس ريقاً غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك منّيتنا زورة فِي النوم واحدة ... فاثنى ولا تجعليها بيضة الديك يا رحمة الله حلي فِي منازلنا ... حسبي برائحة الفردوس من فيك ولعلي بن العباس الرومى، أنشدناه الناجم عنه: تعلّك ريقاً يطرد النوم برده ... ويشفي القلوب الحائمات الصواديا وهل ثغب حصباؤه مثل ثغرها ... يصادف إلا طيب الطعم صافيا. وله أيضاً أنشدناه الناجم عنه: يا ربّ ريق بات بدر الدجى يمجه بين ثناياكا يروي ولا ينهاك عَنْ شربه والماء يرويك وينهاكا من أحسن ما قيل فِي طروق الخيال ومن أحسن ما قيل فِي طروق الخيال قول البحتري، وهو أحد المحسنين فيه حتى قيل: طيف البحتري، أنشدنيه التاريخي عنه: ألمت بنا بعد الهدوء فسامحت ... بوصل متي تطلبه فِي الجد تمنع

من أحسن ما قيل في مشي النساء

وولت كأن البين يخلج شخصها ... أوان تولت من حشاي وأضلعي وأنشدنا بعض أصحابنا للمؤمل: أتاني الكرى ليلاً بشخص أحبه ... أضاءت له الآفاق والليل مظلم فكلمني فِي النوم غير مغاضب ... وعهدي به يقظان لا يتكلم وذكر العباس بن الأحنف، ما العلة فِي طروق الخيال فقَالَ: خيالك حين أرقد نصب عيني ... إلى وقت انتباهي لا يزول وليس يزروني صلة ولكن ... حديث النفس عنك به الوصول وتبعه الطائي فقَالَ: زار الحيال لا بل أزاركه ... فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم ظبي تقنّصته لما نصبت له ... فِي آخر الليل أشركا من الحلم وأنشدنا عَلَى بن هارون المنجم، لعلي بن يحيى المنجم: بأبي والله من طرقا ... كابتسام البرق إذ خفقا زارني طيف الحبيب فما زاد ... أن أغرى بي الأرقا من أحسن ما قيل فِي مشي النساء ومن أحسن ما قيل فِي مشي النساء ما أنشدناه صاحبنا أَبُو عَلَى بن الأعرابي: شبهت مشيتها بمشية ظافر ... يحتال بين أسنّة وسيوف صلف تناهت نفسه فِي نفسه ... لمّا انثنى بسنانه المرعوف وقرئ عَلَى أَبِي بَكْرِ بن الانباري، فِي شعر ابن مقبل، وأنا أسمع: يهززن للمشي أوصالاً منعمة ... هزّ الجنوب معاً عيدان يبرينا أو كاهتزاز رديني تناوله ... أيدي النجار فزادوا متنه لينا يمشين هيل النقا مالت جوانبه ... ينهال حيناً وينهاه الثرى حينا ولعمر بن أبي ربيعة، قرأته عَلَى أبي عبد الله نفطويه: أبصرتها غدوة ونسوتها ... يمشين بين المقام والحجر

مطلب ما قيل في الحسن

بيضا حساناً خرائدا قطفا ... يمشين هوناً كمشية البقر قد فزن بالحسن والجمال ... معاً وفزن رسلاً بالدل والخفر وللعباس بن الأحنف: شمس مقدرة فِي خلق جارية ... كأنّما كشحها طيّ الطوامير كأنها حين تمشي فِي وصائفها تمشي ... عَلَى البيض أو زرق القوارير مطلب ما قيل فِي الحسن ومما قيل فِي الحسن: إذا عبتها شبهتها البدر طالعاً ... وحسبك من عيب لها شبه البدر وأنشدنا الناجم لنفسه فِي غير هذا المعنى: طالبت من شرد نومي وذعر ... بقبلة تحسن فِي القلب الأثر فقَال َلي مستعجلاً وما انتظر ... ليس لغير العين حظ فِي القمر أخذه من عَلَى بن الجهم حيث يقول: وقلن لنا نحن الأهلة إنما ... نضيء لمن يسري بليل ولا نقرى فلا نيل إلا ما تزود ناظر ... ولا وصل إلا بالخيال الذي يسرى ما قيل فِي القيان والعود ومن أحسن ما قيل فِي قينة: من كفّ جارية كأن بنانها ... من فضة قد طرقت عنابا وكأن يمناها إذا نطقت بها ... تلقى عَلَى يدها الشمال حسابا وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، قَالَ: سمع بعض العرب صوت العود، فقيل له: ما تسمع؟ فقَالَ: حسناً، ولكن اقطع هذا الأبح فإني أشنؤه، يريد الم، ومن أحسن ما قيل فِي العود: فكأنه فِي حجرها ولد لها ... ضمته بين ترائب ولبان طوراً تدغدغ بطنه فإذا هفا ... عركت له أذنا من الآذان

وصية بعض الحكماء لأبنه

ومن أحسن ما شبه به العود ما أنشدناه بعض أصحابنا: كأن تمثاله ساق إِلَى قدم نيطت ... إِلَى فخد بانت عَنِ الكفل آذانه منه قد جمعن أربعة ... تجيب أربعة فِي كف معتمل فذا أغن وهذا فيه زمزمة ... وذاك صاف وهذا فيه كالصّحل وللحمدوني: وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إِلَى قدم يبدي ضمير سواه فِي الحديث كما ... يبدي ضمير سواه الخط بالقلم ومن أحسن ما قيل فِي وصف مغنيات قول ابن الرومي، وأنشدناه الناجم عنه: وقيان كأنها أمهات عاطفات ... عَلَى بنيها حواُّني مطفلات وما حملن جنيناً مرضعات ... ولست ذات لبان ملقمات أطفالهنّ ثدياً ناهدات ... كأحسن الرمان مفعمات كأنها حافلات وهي ... صفر من درة الألبان كل طفل يدعى بأسماء شتى ... بين عود ومزهر وكران أمه دهرها نترجم عنه ... وهو بادي الغنى عَنِ الترجمان وصية بعض الحكماء لابنه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: قَالَ بعض الحكماء لابنه: يا بني، اقبل وصيتي وعهدي، عَنْ سرعة ائتلاف قلوب الأبرار، كسرعة اختلاط قطر المطر بماء الأنهار، وبعد قلوب الفجار من الائتلاف، كبعد البهائم من التعاطف وإن طال اعتلافها عَلَى أرى واحد، كن يا بني بصالح الوزراء أغنى منك بكثرة عدتهم، فإن اللؤلؤة خفيف محملها كثير ثمنها، والحجر فادح حمله قليل غناؤه حكمة من حكم الأحنف بن قيس وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي زيد، قَالَ: حَدَّثَنَا هشام بن حسان الفردوسي، عَنِ الحسن، قَالَ: قَالَ الأحنف بن قيس: الكذوب لا حيلة له، والحسود لا راحة له، والبخيل

مطلب ما تقول العرب في المعنى لا أفعل ذلك أبدا

لا مروءة له، والملول لا وفاء له، ولا يسود سيئ الأخلاق، ومن المروءة إذا كان الرجل بخيلا أن يكتم ذلك ويتجمل وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: قيل للأحنف: بم بلغت ما بلغت؟ قَالَ: لو عاب الناس الماء ما شربته. قَالَ وقَالَ: من لم يسخ نفساً عَنِ الحظ الجسيم للعيب الصغير، لم يعد شفيقا عَلَى نفسه، ولا صائنا لعرضه وقَالَ الأصمعي: من أمثال العرب: دع بنيات الطريق، أي اقصد لمعظم الشأن. ويقَالَ لا تيبس الثرى بيني وبينك، أي لا تقطع الود بيننا. ويقَالَ: السعيد من اتعظ بغيره، يراد من رأى غيره فاتعظ سعد. ويقَالَ: طويته عَلَى بللته، يراد استبقيته قبل أن يبلغ فساده، وذلك أن السقاء إذا طويته وهو مبتل تثنى، وإذا طوي وهو يابس تكسر، أي فقد طلبت مصلحته. مطلب ما تقول العرب فِي المعنى لا أفعل ذلك أبداً وقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لا تري ذلك يا فلان ما سمر ابنا سمير، وهما الليل والنهار؛ وأنشدنا ابن الأعرابي: وشبابي قد كان من لذة العيش ... فأودى وغاله ابنا سمير وقَالَ أَبُو زيد: ولا أفعل ذلك ما أبس عبد بناقته، وهو تحريكه شفتيه حين يريد أن تقوم له، وقَالَ ابن الأعرابي وإبساسه: استدراره إياها للحلب وخدعه لها ولطفه بها، وأنشدني لأبي زبيد: صاحب الصلح منا ما أطاف المبس بالدهماء وقَالَ أَبُو زيد: ولا أفعل ذلك ما غرّد الطائر تغريداً. ولا أفعل ذلك آخر الأوجس، وهو الدهر. وأنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد، لمرار الفقعسي: لا يشترون بهجعة هجعوا بها ... ودواء أعينهم خلود الأوجس وقَالَ اللحياني: لا أفعل ذلك سجيس الأوجس، وسجيس عجيس، وزاد ابن الأعرابي: وما غبا غبيس، وانشد: قد ورد الماء بليل قيس نعم وفي ... أم البنين كيس عَنِ الطعام ما غبا غبيس

ولا أفعله السمر والقمر. ولا أفعله ما حدا الليل والنهار. وما أرزمت أم حائل، والحائل: الأنثى من أولاد الإبل قَالَ أَبُو ذؤيب: فتلك التي لا يبرح القلب حبها ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل ولا أفعله يد المسند وهو الدهر، قَالَ الشاعر: لقلت من القول مالا يزال ... يؤثر عني يد المسند ولا أفعله يد الدهر. ولا أفعله ما أنّ فِي السماء نجماً، معناه ما كان فِي السماء نجم. ولا أفعله ما سجع الحمام. وما حملت عيني الماء. وما بل بحر صوفة. ولا أفعل ذلك ما أطّت الإبل. وأطيطها: حنينها، وقَالَ أَبُو عبيد: أطيط الإبل: نقيض جلودها عند الكظة، قَالَ الأعشى: ألست منتهياً عَنْ نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطت الإبل وقَالَ اللحياني: ولا أفعل ذلك ما لألأت الفور والعفر والظباء، أي ما حركت أذنابها. ولا أفعل ذلك ما حنت الدهماء، وهي ناقة. ولا أفعل ذلك ما حنت النيب وقَالَ أَبُو زيد: لا أفعل ذلك ما اختلف الملوان والأجدان، وهما الليل والنهار، وزاد اللحياني: والجديدان، وهما الليل والنهار. قَالَ يعقوب: والفتيان، وهما الليل والنهار أيضاً، وكذلك العصران. وغيره يقول العصران: الغداة والعشي، وهو الأجود عندنا. وزاد ابن الأعرابي: ولا أفعله القرتين. وأنشدنا ابن الأعرابي للصلتان العبدي فِي الفتيين: ما لبث الفتيان أن عصفا بهم ... ولكل حصن يسراً مفتاحا ، وأنشد أيضاً فِي العصرين: ولا يلبث العصران يوم وليلة ... إذا أن يدركا ما تيمما وأنشد يعقوب فِي الملوين لابن مقبل: ألا يا ديار الحيّ بالسبعان ... أملّ5 عليها بالبلى الملوان وقَالَ أَبُو زيد: لا أفعل ذلك ما هدهد الحمام: أي ما غرّد. وما خالفت درة جرة، وما اختلفت الدرة والجرة، واختلافهما أن الدرة تسفل إِلَى الرجلين والجرة تعلو إِلَى الرأس. ولا آتيك حتى يبيض القار. ولا آتيك سجيس الليالي، وأنشد ابن الأعرابي:

مطلب شرح مادة وت ر

ذخرت أبا عمرو لقومك كلهم ... سجيس الليالي عندنا أكرم الذخر وقَالَ أَبُو زيد: ولا أفعل ذلك حتى يحن الضب فِي أثر الإبل الصادرة. ولا أفعل ذلك أبد الأبيد، وأبد الآبدين، والأبيد اللحياني: وأبد الآباد. وقَالَ أَبُو زيد ويقَالَ لا آتيك سن الحسل. أي حتى يسقط فوه، وهو لا يسقط أبداً، إنما أسنانه كالمئشار، وأنشد ابن الأعرابي وغيره: تسألني عَنِ السنين كم لي ... فقلت لو عمرت عمر الحسل أو عمر نوح زمن الفطحل ... والصخر مبتل كطين الوحل وسألت أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، عَنْ زمن الفطحل، فقَالَ: تزعم العرب أنه زمان كانت فيه الحجارة رطبة. مطلب شرح مادة وت ر وقَالَ الأصمعيّ: الحتار: الوتر الذي يكون فِي القوس، وحتار كل شيء: وترته، وهو حرفه، ووتره كل شيء: حرفه. ووترة الأنف: حرفه، ويقَالَ: ما زال عَلَى وتيرة واحدة، أي عَلَى طريقة واحدة، والوتيرة: حلقة يتعلم عليها الطعن وأنشد: تباري قرحة مثل ... الوتيرة لم تكن مغدا : المغد النتف. والوتيرة: شيء مستطيل من الأرض ينقاد، قَالَ الهذلي: فذاحت بالوتائر ثم بدت ... يديها عند جانبها تهيل وقَالَ الأصمعيّ: فذاحت أسرعت. وبدت: فرقت، وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، عَنْ أبيه، عَنْ أحمد بن عبيد، قَالَ: قَالَ أَبُو عمرو الشيباني: ذاحت حفرت. والوتيرة: الفترة والتواني قَالَ أَبُو نصر، وأنشد لزهير: نجاء مجد ليس فيه وتيرة ... وتذبيبها عنه بأسحم مذود وقَالَ أَبُو نصر: سمعت من غير الأصمعيّ: الوتائر: ما بين الأصابع، الواحدة وتيرة، وقَالَ الأصمعيّ: الوتر: الفرد، وأهل الحجاز يفتحون الواو فِي الفرد ويكسرونها فِي الذحل، ومن تحتهم من

قيس وتميم يسوونهما فِي الكسر، ويقولون فِي الفرد: أوترت أوتر إيتاراً، وفي الذحل: وترته فأنا أتره ترة ووتراً. ويقَالَ: تواترت الإبل والقطا إذا جاءت بعضها خلف بعض ولم يجئن مصطفات، وأنشد: قرينة سبع إن تواترن مرة ... ضربن فصفت أرؤس وجنوب ومنه واتر كتبك. والمواترة: أن يجيء الشيء بعد الشيء وبينهما هنية، فإن تتابعت فليست بمتواترة. ويقَالَ: وتر قوسه وأوترها. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد للنمر بن تولب: أشاقتك أطلال دوارس من دعد ... خلاء مغانيها كحاشية البرد على أنها قَالَت عشية زرتها ... هبلت ألم ينبت لذا حلمه بعدي أشاقتك: هيجتك وشوقتك. والمغاني: المنازل التي كانوا يغنون بها، أي يقيمون بها، واحدها مغنىً. وهبلت: ثكلت، والعرب تقول: لأمك الهبل، أي الثكل. وقوله: ألم ينبت لذا حلمه بعدي، يعني ضرس حلمه وهو أقصى الأضراس وآخرها نباتاً. وقَالَ يعقوب: يُقَال: سانيته وفانيته وصاديته وداليته وراديته، وهي المساناة والمفاناة والمصاداة والمدالاة والمراداة، وهي المساهلة، وأنشد للبيد: وسانيت من ذي بهجة ورقيته ... عليه السموط عابس متغضب وفارقته والودّ بيني وبينه ... وحسن الثناء من وراء المغيب وأنشد: إذا الله سنّى عقد أمر تيسرا وأَخْبَرَنَا الغالبي قَالَ: قَالَ لنا ابن كيسان أَبُو الحسن: أنشدني هذا البيت المبرد: فلا تيأسا واستغورا الله إنه ... إذا الله سنّى عقد أمر تيسرا استغوراه: سلاه الغيرة، وهي الميرة، أي سلاه الرزق. وأنشد يعقوب لنصيب فِي المفاناة: تقيمه تارةً وتقعده كما يفاني الشموس قائدها وأنشد فِي المصاداة لمزرد: ظللنا نصادي أمنا عَنْ حميتها ... كأهل الشموس كلهم يتودد

مطلب خطبة عتبة بمكة عام حج وما دار بينه وبين الأعرابي

وقَالَ العجاج فِي المدالاة: يكاد ينسل من التصدير ... عَلَى مدالاتي والتوقير وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي المراداة لطفيل الغنوي: يرادى عَلَى فأس اللجام كأنّما ... يرادى به مرقاة جذع مشذب وقَالَ غير يعقوب: راديته وداريته واحد وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، للغنوي: ظللنا معاً جارين نحترس الثأى ... يسائرني من نطفة وأسائره وصف سبعاً نحترس الثأى، أي كل واحد منا يخاف صاحبه أن يغدر به. والثأى: الفساد، وأصله فِي الخرز، وهو أن تنخرم الخرزتان فتصيرا واحدة فيتسع الثقب فيفسد، ثم جعل مثلاً لكل فساد. ويسائرني، من السؤر وهي البقية، أي يرد قبلي فيشرب فيبقى لي، وأرد قبله فأبقي له. مطلب خطبة عتبة بمكة عام حج وما دار بينه وبين الأعرابي وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ العتبي، عَنْ أبيه، عَنْ هشام بن صالح، عَنْ سعيد، قَالَ: حج عتبة سنة إحدى وأربعين، والناس قريب عهدهم بفتنة، فصلى بمكة الجمعة، ثم قَالَ: أيها الناس، إنا قد ولينا هذا المقام الذي يضاعف فيه للمحسن الأجر، وعلى المسيء فيه الوزر، ونحن عَلَى طريق ما قصدنا، فلا تمدوا الأعناق إِلَى غيرنا، فإنها تنقطع دوننا، وربّ متمن حتفه فِي أمنيته، فاقبلوا العافية ما قبلناها فيكم وقبلناها منكم، وإياكم ولواً فإنها أتعبت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم، وأنا أسأل الله أن يعين كلاً عَلَى كل. فصاح به أعرابي: أيها الخليفة، فقَالَ: لست به ولم تبعد، فقَالَ: يا أخاه، فقَالَ: سمعت فقل، فقَالَ: تالله أن تحسنوا وقد أسأنا، خير من أن تسيئوا وقد أحسنا، فإن كان الإحسان لكم دوننا فما أحقكم باستتمامه وإن كان منا، فما أولاكم بمكافاتنا، رجل من بني عامر بن صعصعة يلقاكم بالعمومة، ويقرب إليكم بالخئولة، قد كثرة العيال، ووطئه الزمان، وبه فقر، وفيه أجر، وعنده شكر. فقَالَ عتبة: أستغفر الله منكم، وأستعينه عليكم، قد أمرنا لك بغناك، فليت إسراعنا إليك، يقوم بإبطائنا عنك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ قَالَ: أَخْبَرَنَا العلكي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن محمد المزني، قَالَ: قَالَ أَبُو جهم بن حذيفة لمعاوية: نحن عندك يا أمير المؤمنين كما قَالَ عبد المسيح لابن عبد كلال:

حديث أسيد بن عنقاء الفزاري، وما كان من مواساة عميلة الفزاري له وما مدحه به

نميل عَلَى جوانبه كأنا ... نميل إذا نميل عَلَى أبينا نقلبه لنخبر حالتيه فنخبر ... منهما كرماً ولينا فأمر له بمائة ألف حديث أسيد بن عنقاء الفزاري، وما كان من مواساة عميلة الفزاري له وما مدحه به وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن شقير النحوي فِي منزله فِي غلة صافي ونحن يومئذ نقرأ عليه كتب الواقدي فِي المغازي وكان يرويها، عَنْ أحمد بن عبيد، عَنِ الواقدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن عبيد بن ناصح، قَالَ: كان أسيد ابن عنقاء الفزاري من أكثر أهل زمانه وأشدهم عارضة ولساناً، فطال عمره، ونكبه دهره، واختلت حالته، فخرج عشية يتبقّل لأهله، فمر به عميلة الفزاري فسلم عليه وقَالَ: يا عم، ما أصارك إِلَى ما أرى من حالك؟ فقَالَ: بخل مثلك بماله، وصوني وجهي عَنْ مسألة الناس، فقَالَ: والله لئن بقيت إِلَى غد لأغيرن ما أرى من حالك، فرجع ابن عنقاء إِلَى أهله فأخبرها بما قَالَ له عميلة، فقَالَت له: لقد غرك كلام غلام جنح ليل، فكأنما ألقمت فاه حجراً فبات متململاً بين رجاء ويأس، فلما كان السحر سمع رغاء الإبل، وثغاء الشاء، وصهيل الخيل، ولجب الأموال فقَالَ: ما هذا؟ فقالوا: هذا عميلة ساق إليك ماله، قَالَ: فاستخرج ابن عنقاء ثم قسم ماله شطرين وساهمه عليه، فأنشأ ابن عنقاء، يقول: رآني عَلَى ما بي عميلة فاشتكى ... إِلَى ماله حالي أسر كما جهر دعاني فآساني ولو ضن لم ألم عَلَى حين لا بدو يرجى ولا حضر فقلت له خيرا وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أبليت من ذم أو شكر ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردّى رداء سابغ الذيل وأتزر غلام رماه الله بالخير مقبلاً له ... سيمياء لا تشق عَلَى البصر كأن الثريا علقت فوق نحره ... وفي أنفه الشعرى وفي خده القمر إذا قيلت العوراء أغضى كأنه ... ذليل بلا ذل ولو شاء لانتصر وأنشدنا أَبُو عبد الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، عَنِ أبن الأعرابى: كريم يغض الطرف فضل حيانه ... ويدنو وأطراف الرماح دواني

وكالسيف إن لاينته لان متنه ... وحدّاه إن خاشنته خشنان وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد: يشبهون ملوكاً فِي تجلتهم ... وطول أنضية الأعناق والأمم إذا غدا المسك يجري فِي مفارقهم ... راحوا كأنهم مرضى من الكرم وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: انشدنا أحمد بن يحيى: تخالهم للحلم صماً عَنِ الخنا ... وخرساً عَنِ الفحشاء عند التهاتر ومرضى إذا لاقوا حياءً وعفةً ... وعند الحروب كالليوث الخوادر لهم ذل إنصاف ولين تواضع ... بهم ولهم ذلت رقاب المعاشر كأن بهم وصماً يخافون عاره ... وما وصمهم إلا اتقاء المعاير وأنشدنا أيضاً عَنْ أبي العباس: أحلام عاد لا يخاف جليسهم إذا ... نطقوا العوراء غرب لسان إذا حدثوا لم تخش سوء استماعهم ... وإن حدثوا أدوا بحسن بيان وأنشدنا أيضاً قَالَ: أنشدني أبي: يصمّ عَنِ الفحشاء حتى كأنه إذا ... ذكرت فِي مجلس القوم غائب له حاجب عَنْ كل ما يصم الفتى ... وليس له عَنْ طالب العرف حاجب وأنشدنا أيضاً قَالَ: أنشدنا أَبِي بَكْرِ بن النطاح يمدح خربان بن عيسى، قَالَ: وكان أَبُو عبيدة يقول: لم أسمع لهؤلاء المحدثين مثل هذا: لم ينقطع أحد إليك بوده ... إلا اتقته نوائب الحدثان كل السيوف يرى لسيفك هيبة ... وتخافك الأرواح فِي الأبدان قَالَت معدّ والقبائل كلّها إن ... المنية فِي يدي خربان ملك إذا أخذ القناة بكفه ... وثقت بشدة ساعد وبنان

وقرأت عَلَى أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، عَنْ أبيه للأسدي: ولائمة لامتك يا فيض فِي الندى فقلت لها هل يقدح اللّوم فِي البحر أرادت لتثنى الفيض عَنْ ومن ذا الذي يثنى السحاب عادة الندي عَنِ القطر مواقع جود الفيض فِي كل بلدة مواقع ماء المزن فِي البلد القفر وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبيه، عَنْ يونس، عَنْ أبى عمرو بن العلاء، قَالَ: لما توج النعمان واطمأن به سريره، دخل عليه الناس وفيهم أعرابي فأنشأ يقول: إذا سست قوماً فاجعل الجود بينهم ... وبينك تأمن كل ما تتخوف فإن كشفت عند الملمات عورة ... كفاك لباس الجود ما يتكشف فقَالَ: مقبول منك نصحك، ممن أنت؟ قَالَ: انا رجل من جرم، فأمر له بمائة ناقة، وهي أول جائزة أجازها وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وأنشدناه أَبُو عبد الله نفطويه، عَنْ أحمد بن يحيى، عَنِ أبن الأعرابى، لقيس ابن عاصم المنقري: إني امرؤ لا يعتري حسبي ... دنس يفنده ولا أفن من منقر فِي بيت مكرمة ... والفرع ينبت حوله الغصن خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه مصاقع لسن لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، للعرندس أحد بني بكر بن كلاب يمدح بني عمرو الغنويين، قَالَ: وكان الأصمعيّ، يقول: هذا المحال، كلابيّ يمدح غنوياً: هينون لينون أيسار ذوو كرم ... سواس مكرمة أبناء أيسار إن يسألوا الخير يعطوه وإن خبروا ... فِي الجهد أدرك منهم طيب أخبار فيهم ومنهم يعد الخير متلّداً ... ولا يعدّ نثا خزي ولا عار لا ينطقون عَنِ الأهواء إن نطقوا ... ولا يمارون إن ماروا بإكثار من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري

وقرأت عليه للنمر بن تولب: ثم استمرت تريد الريح مصعدة ... نحو الجنوب فعزتها عَلَى الريح قوله: تريد الريح: يعني الطريدة تستقبل الريح أبداً، وإنما تفعل ذلك لتبرد أجوافها باستقبال الريح. وعزّتها: غلبتها، يعني فرسه غلبت الطريدة، والدليل عَلَى ذلك قوله قبل هذا البيت: لقد غدوت بصهبي وهي ملهبة ... إلهابها كضرام النار فِي الشيح وصهبى: اسم فرسه، ثم قَالَ: جاءت لتسنحني يسراً فقلت لها عَلَى يمينك إنّي غير مسنوح جاءت، يعني الطريدة. لتسنحني، أي لتمضي عَلَى يساري، ثم قَالَ: ثم استمرت، تريد الريح. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: قَالَ بعض الحكماء: إن مما سخا بنفس العاقل عَنِ الدنيا علمه بأن الأرزاق فيها لم تقسم عَلَى قدر الأخطار وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، قَالَ: حَدَّثَنَا عمر بن شبة أَبُو زيد، قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أبي الزناد، عَنْ هشام بن عروة، قَالَ: قَالَ عروة لبنيه: يا بنيّ، لا يهدينّ أحدكم إِلَى ربّه ما يستحي أن يهديه إِلَى حريمه، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له. قَالَ: وكان يقول: يا بنيّ، تعلّموا العلم، فإنكم إن تكونوا صغار قوم فعسى أن تكونوا كبراءهم، واسوءتا! ماذا أقبح من شيخ جاهل؟ وكان يقول: إذا رأيتم خلّةً رائعة من شر من رجل فاحذروه، وإن كان عند الناس رجل صدق، فإن لها عنده أخوات، وإذا رأيتم خلة رائعة من خير من رجل فلا تقطعوا إناتكم منه وإن كان عند الناس رجل سوءٍ، فإن لها عنده أخوات. وقَالَ: الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: وجد فِي حكمة فارس: إني وجدت الكرماء والعقلاء يبتغون إِلَى كل صلة ومعروف سبباً، ورأيت المودّة بين الصالحين سريعاً اتصالها، بطيئاً انقطاعها، ككوب الذهب سريع الإعادة إن أصابه ثلم أو كسر، ورأيت المودة بين الأشرار بطيئاً اتصالها، سريعاً انقطاعها، ككوب الفخّار، إن أصابه ثلم أو كسر فلا إعادة له، ورأيت الكريم يحفظ الكريم عَلَى اللّقاءة الواحدة ومعرفة اليوم، ورأيت اللئيم لا يحفظ إلا رغبة أو رهبة

مطلب خطبة عتبة بمصر

مطلب خطبة عتبة بمصر وكان غضب لأمور بلغته عَنْ أهلها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ العتبي، عَنْ أبيه ابن هشام بن صالح، عَنْ سعد، قَالَ: كنا بمصر فبلغنا الأمور عَنْ أهلها، فصعد عتبة المنبر مغضباً فقَالَ: أيا حاملين ألأم أنوف ركّبت بين أعين، إنما قلمت أظافري عنكم ليلين مسّى إياكم، وسألتكم صلاحكم لكم إذا كان فسادكم راجعا عليكم، فأما إذا أبيتم إلا الطعن فِي الولاة والتنقّص للسلف، فوالله لأقطّعن عَلَى ظهوركم بطون السياط، فإن حسمت داءكم وإلا فالسيف من ورائكم، فكم من موعظة منا لكم مجتها قلوبكم، وزجرة صمّت عنها آذانكم، ولست أبخل عليكم بالعقوبة إذ جدتم لنا بالمعصية، ولا أويسكم من مراجعة الحسنى إن صرتم إِلَى التي هي أبرّ وأتقى وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: قَالَ الأحنف بن قيس: إن الله جعل أسعد عباده عنده وأرشدهم لديه وأخطاهم يوم القيامة، أبذلهم للمعروف يداً، وأكثرهم عَلَى الإخوان فضلاً، وأحسنهم له عَلَى ذلك شكراً وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ الأنباري، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ أحمد بن عبيد، عَنِ الزيادي، عَنِ المطلب بن المطلب بن أبي وداعة، عَنْ جده، قَالَ: رأيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبا بكر رضي الله تعالى عنه عند باب بني شيبة فمرّ رجل وهو يقول: يأيها الرجل المحوّل رحله ... ألاّ نزلت بآل عبد الدار هبلتك أمّك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عدم ومن إقتار قَالَ: فالتفت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فقَالَ: أهكذا قَالَ الشاعر؟ قَالَ: لا والذي بعثك بالحق، لكنه قَالَ: يأيها الرجل المحوّل رحله ... ألاّ نزلت بآل عبد مناف هبلتك أمك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عدم ومن إقراف الخالطين فقيرهم بغنيهم حتى ... يعود فقيرهم كالكافي

ويكللون جفانهم بسديفهم حتى ... تغيب الشمس فِي الرّجّاف منهم عَلَى والنبيّ محمد ... القائلان هلّم للأضياف قَالَ: فتبسّم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَ: هكذا سمعت الرّواة ينشدونه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، وعبد الرحمن، عَنِ الأصمعي، عَنْ بعض موالي بني أميّة قَالَ: خرج داود بن سلم إِلَى حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية، فلما قدم عليه قام غلمانه إِلَى متاعه فأدخلوه وحطّوا عَنْ راحلته، فلما دخل أنشده: ولما دفعت لأبوابهم ولاقيت ... حرباً لقيت النجاحا وجدناه يحمده المعتفون ويأبى ... عَلَى العسر إلا سماحا ويغشون حتى ترى كلبهم ... يهاب الهرير وينسى النّباحا فأمر له بجوائز كثيرة، ثم استأذنه فِي الانصراف فأذن له وأعطاه ألف دينار، فلما خرج من عنده وغلمانه جلوس لم يقم إليه أحد منهم ولم يعنه، فظن أن حرباً ساخط عليه فرجع إليه وقَالَ: أواجدٌ أنت عَلَى؟ قَالَ: لا، ولم ذلك؟ فأخبره خبر الغلمان، قَالَ: ارجع إليهم فسلهم، فرجع إليهم فسألهم، فقالوا: إنا ننزل الضيف ولا نرحّله، فلما قدم المدينة، سمع الغاضريّ بحديثه فأتاه فقَالَ: إني أحب أن أسمع هذا الحديث منك، فحدّثه، فقَالَ: هو يهوديّ أو نصرانيّ إن لم يكن فعل الغلمان أحسن من شعرك وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، للنمر تولب: تضمّنت أدواء العشيرة بينها ... وأنت عَلَى أعواد نعشٍ تقلّب قوله: تضمنت أدواء العشيرة بينها، أي ضمنت ما كان فِي العشيرة من داء أو فساد إذ كنت فيهم حيّاً، وأنت اليوم عَلَى أعواد نعش. وقَالَ الأصمعي: تضمنت: أصلحت، والمعنى عندي أنه كان يضمن دماء العشيرة فيصلح بينها.

مطلب امتداح أبي العتاهية لعمر بن العلاء وحسد الشعراء له على ما أعطاه من جائزة

مطلب امتداح أبي العتاهية لعمر بن العلاء وحسد الشعراء له عَلَى ما أعطاه من جائزة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن خلف، قَالَ: حَدَّثَنَا إسحاق بن محمد النخعي، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن سهل، قَالَ: حَدَّثَنِي المدائني، قَالَ: امتدح أَبُو العتاهية عمر بن العلاء مولى عمرو ابن حريث صاحب المهدي، فأمر له بسبعين ألف درهم، وأمر من حضره من خدمه وغلمانه أن يخلعوا عليه، فخلعوا عليه حتى لم يقدر عَلَى القيام لما عليه من الثياب، ثم إن جماعة من الشعراء كانوا بباب عمر، فقَالَ بعضهم: يا عجباً للأمير، يعطى أبا العتاهية سبعين ألف درهم! فبلغ ذلك عمر فقَالَ: عَلَى بهم، فأدخلوا عليه، فقَالَ: ما أحسد بعضكم لبعض يا معشر الشعراء! إن أحدكم يأتينا يريد مدحنا فيشبّب فِي قصيدته بصديقته بخمسين بيتاً، فما يبلغنا حتى تذهب لذاذة مدحه ورونق شعره، وقد أتانا أَبُو العتاهية فشبّب ببيتين ثم قَالَ: إني أمنت من الزمان وريبه ... لما علقت من الأمير حبالا لو يستطيع الناس من إجلاله ... لحذوا له حرّ الوجوه نعالا يوما ما كان هذا الجود حتى كنت يا ... عمرا ولو نزول لزالا إنّ المطايا تشتكيك لأنها ... قطعتك إليك سباسباً ورمالا فإذا أتين بنا أتين مخفّةً ... وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا فقَالَ له عمر حين مدحه: أقم حتى أنظر فِي أمرك، فأقام أياماً ولم ير شيئاً، وكان عمر ما لا يجيء من وجه فأبطأ عليه، فكتب إليه أَبُو العتاهية: يا بن العلاء ويا بن القوم مرداس ... إني امتدحتك فِي صحبي وجلاسي أثني عليك ولي حال تكذبني ... فيما أقول فأستحي من الناس حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد ... طأطأت من سوء حال عندها راسي فقَالَ عمر لحاجبه: اكفنيه أياماً، فقَالَ له الحاجب كلاماً دفعه به، وقَالَ له: تنتظر، فكتب إليه أَبُو العتاهية: أصابت علينا جودك العين يا عمر ... فنحن لها نبغي التمائم والنّشر أصابتك عين فِي سخائك صلبةٌ ويا ... رب عين صلبة تفلق الحجر

مطلب ما تقول العرب في معنى أخذت الشيء كله

سنرقيك بالأشعار حتى تملّها فإن ... لم تفق منها رقيناك بالسّور قَالَ: فضحك عمر، وقَالَ لصاحب بيت ماله: كم عندك؟ قَالَ: سبعون ألف درهم. قَالَ: ادفعها إليه، ويقَالَ: إنه قَالَ له: اعذرني عنده ولا تدخله عَلَى فإني أستحي منه قَالَ الأصمعى: من أمثال العرب: العبد من لا عبد له أي من لم يكن له عبد ولا كافٍ امتهن نفسه. ويقَالَ لو كويت عَلَى داء لم أكره أي لو عوتبت عَلَى ذنب ما امتعضت. ويقَالَ: كمبتغي الصيد فِي عرّيسة الأسد يضرب مثلاً للرجل يطلب الغنيمة فِي موضع الهلكة. ويقَالَ: أجود من لا فظة وأراد بلا فظة البحر. ويقَالَ: أجبن من صافر وأراد بصافر: ما يصفر من الطير، وإنما يوصف بالجبن لأنه ليس من سباعها. وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد قول الراجز: قد علمت من لم أجد معينا ... لأخلطنّ بالخلوق طينا يقول: قد علمت إن لم أجد معينا يعينني عَلَى سقيها، سأستعين بها وأستعملها حتى يختلط ما عليها من الخلوق بالطين والماء مطلب ما تقول العرب فِي معنى أخذت الشيء كله وقَالَ يعقوب بن السكيت: يُقَال: أخذه بأجمعه وأجمعه، وأخذه بحذافيره، وقَالَ أَبُو عبيدة عَنِ الكسائي: اخذه بحذافيره وجذاميره وجزاميره وجراميزه، وحكى عَنْ أبي عبيدة: بربّانه بفتح الراء فِي معناها، وعَنِ الأصمعي: بربّانه أي بجميعه، قَالَ وقَالَ: الفرّاء: أخذه بصنايته وسنايته مثله. وقَالَ يعقوب: وأخذه بجلمته، وقَالَ لى أَبُو بَكْرِ بن الأنباري: وبجلمته أيضاً، وقَالَ يعقوب: وأخذه بزغبره وقَالَ لي أَبُو بَكْرٍِ الأنباري: ويقَالَ: بزغبره، وأظنني سمعت اللغتين جميعاً من أَبِي بَكْرِ بن دريد، وقَالَ يعقوب: وأخذه بزوبره، وأنشد لابن أحمر: وإن قَالَ غاوٍ من تنوخ قصيدةً ... بها جربٌ عدّت عَلَى بزوبرا وقَالَ أَبُو عبيدة: وأخذه بزأبره، وقَالَ يعقوب: وأخذه بصبرته وبأصباره، وأخذه بزأبجه وبزأمجه، وأخذه بأصليته، وأخذه بظليفته، وأخذه مكهملا، قَالَ: حكى أَبُو صاعد: أخذه بزوبره،

مطلب شرح مادة جلا وجلل

وبأزمله: كله أخذه جميعا، وأخذه بربغه وبحداثته وبربّانه. قَالَ أَبُو الحسن بن كيسان: هذه الثلاثة معناها: بأوّله وابتدائه، وأنشد لابن أحمر: وإنّما العيش بربّانه ... وأنت من أفنانه مقتفر أَخْبَرَنِي بذلك الغالبي، عَنِ ابن كيسان، وروى أَبُو عبيدة فِي بيت ابن أحمر: وأنت من أفنانه معتصر وقَالَ أَبُو نصر وغيره عَنِ الأصمعي: إنه قَالَ: بربّانه: بحداثته. مطلب شرح مادة جلا وجلل وقَالَ الأصمعي: جلوت العروس أجلوها فهي مجلوّة، وجلوت المرآة أجلوها فهي مجلوّة، ومصدرهما جميعاً جلاء، أعط العروس جلوتها، وقد جلاّها زوجها وصيفةً أي اعطاها حين سئل الجلوة، وزوجها يجلّيها تجلية. وجلّى الطائر تجلية إذا أبصر الصيد من مكان بعيد. وجلّ القوم يجلّون جلولاً، وجلا القوم يجلون جلاءً إذا خرجوا من بلد إِلَى بلد، ومنه قيل: استعمل فلان عَلَى الجالّة والجالية، وهو أن يجعل عَلَى قوم خرجوا من بلد إِلَى بلد، فالجالّة من جللت، والجالية من جلوت. وجلّ البعر يجلّه جلاً إذا التقطه. والجلّة: البعر. والإبل الجلالة: التي تأكل الجلّة. ويقَالَ: خرج الإماء يجتللن، أي يأخذن الجلّة، وأنشد لعمر بن لجأ يصف ناقة: تحسب مجتلّ الإماء الحرّم من هدب الضّمران لم يحزّم تحسب، أي تكفي. والمجتلّة: التي تلقط الجلّة. وقوله: من هدب الضمران، أي من بعر إبل رعت هدب الضمران فبعرت، وذكر الضمران لأنه من أجود ما يرعى. وقوله: لم يحزّم، أي هو بعر منثور لم يحزم كما يحزّم الضمران إذا احتطب. وجل رجل يجلّ جلّة إذا عظم وغلظ، وكذلك الصبيّ والعود. وإبلٌ جلّة، أي مسنّة، وقد جلّت إذا أسنّت، ومشيخة جلّة أي مسانّ، والواحد جليل. والمجلّة: صحيفة كان يكتب فيها شيء من الحكم، وأنشد بيت النابغة الذبياني: مجلّتهم ذات الإله ودينهم قويمٌ ... فما يرجون غير العواقب

قَالَ أَبُو حاتم: يروي مجلّتهم ومحلّتهم، فمن روى مجلتهم أراد الصحيفة، ومن محلتهم، أراد بلادهم الشام. والجلل: الصغير اليسير. والجليل: العظيم. قَالَ أَبُو نصر والجلل: العظيم أيضاً وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى: وجدت فِي كتاب أبي، عَنْ أحمد بن عبيد، عَنْ أبى نصر، كان الأصمعي يقول: الجلل: الصغير اليسير، ولا يقول: الجلل: العظيم. قَالَ الأصمعي: لا يُقَال: الجلال إلا فِي الله عزّ وجلّ، وقَالَ أَبُو حاتم وقد يُقَال، وأنشد: فلا ذا جلالٍ هبنه لجلاله ولا ... ذا ضياعٍ هنّ يتركن للفقر وجلّ كل شيء: العظيم منه. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد فِي كتاب الأبواب للأصمعيّ: فعلت ذاك من جلل كذا وكذا، أي من عظمه وقَالَ أَبُو نصر: فعلت ذاك من أجلك وجلالك أي لعظمتك فِي صدري، وأنشد الأصمعيّ لجميل: رسم دارٍ وقفت فِي طلله كدت ... أقضي الغداة من جلله ورويت من غير هذا الوجه تفسير من جلله. من أجله. ويقَالَ: فعلت ذاك لجلك وجلالك، وأنشد الأصمعيّ، فِي جلالك: وغيدٍ نشاوى من كرىً فوق شرب ... من الليل قد نبهّتهم من جلالكا أي من أجلك. والجلّى: الأمر العظيم، وجمعها جلل. والجليل: الثّمام، واحدته جليلة، وأنشد الأصمعيّ: ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد حولي إذخرٌ وجليل وذكر شيوخنا: أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع بلالاً ينشد هذا البيت فقَالَ: حننت يا بن السوداء. ويقَالَ: هو ابن جلا، أي المنكشف المشهور الأمر، وأنشد الأصمعيّ: أنا ابن جلا وطلاع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني قَالَ: وابن أجلى مثله، وأنشد للعجاج: لاقوا به الحجاج والإصحارا ... به ابن أجلي وافق الإسفارا

قَالَ: ولم أسمع بابن أجلى إلا فِي بيت العجاج. وقوله: لاقوا به، أي بذلك المكان، وقوله: الإصحارا أي وجدوه مصحراً، ووجدوا به ابن أجلى، كما تقول: لقيت به الأسد، أي كان كأني لقيت بلقائي إياه الأسد. وقوله: وافق الإسفارا، أي واضحاً مثل الصّبح. وقَالَ غيره: عينٌ جلّية، أي بصيرة، قَالَ أَبُو داود الإيادي: بل تأمّل وأنت أبصر منّى ... قصد دير السوى بعينٍ جليةٍ والجلّية أيضاً: الأمر البيّن الواضح، قَالَ النابغة: فآب مضلّوه بعينٍ جلّية ... وغودر بالجولان حزم ونائل وقَالَ الأصمعي: والجلا: انحسار الشعر من مقدّم الرأس، رجلٌ أجلى وامرأة جلواء، وقد جلى يجلى جلاً مقصور. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لبكر بن النطاح: ولو خذلت أمواله جود كفّه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته ولو لم يجد فِي العمر قسماً لزائر ... لجاد له بالشطر من حسناته وأنشدني بعض أصحابنا لبكر بن النطاح: وإذا بدا لك قاسمٌ يوم الوغى ... يختال خلت أمامه قنديلا وإذا تعرّض للعمود وليه ... خلت العمود بكفه منديلا قالوا وينظم فارسين بطعنةٍ ... يوم اللقاء ولا يراه جليلا لا تعجبوا فلو أنّ طول قناته ... ميلٌ إذاً نظم الفوارس ميلا وأنشدني بعض أصحابنا له: يا عصمة العرب التي لو لم تكن ... حيّاً إذاً كانت بغير عماد إن العيون إذا رأتك حدادها ... رجعت من الإجلال غير حداد وإذا رميت الثغر منك بعزمة ... فتحت منه مواضع الأسداد فكأن رمحك منقعٌ فِي عصفر ... وكأن سيفك سل من فرصاد

لو صال من غضبٍ أَبُو دلفٍ عَلَى ... بيض السيوف لذبن فِي الأغماد أذكى وأوقد للعداوة والقرى ... نارين نار وغىً ونار رماد وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لليلى الأخيلية، وقَالَ لي: كان الأصمعي يرويها لحميد بن ثور الهلالي، فكذا وجدته بخط ابن زكريا ورّاق الجاحظ فِي شعر حميد: يأيها السدم الملّوى رأسه ... ليقود من أهل الحجاز بريما أتريد عمرو بن الخليع ودونه ... كعبٌ إذاً لوجدته مرءوما إن الخليع ورهطه فِي عامر ... كالقلب أُلبس جؤجؤاً وحزيما لا تغزونّ الدهر آل مطرّف ... لا ظالماً أبداً ولا مظلوما قومٌ رباط الخيل وسط بيوتهم ... وأسنةٌ زرقٌ تخال نجوما ومخرق عنه قميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما حتى إذا رفع اللواء رأيته تحت ... اللواء عَلَى الخميس زعيما لن تستطيع بأن تحوّل عزهم ... حتى تحول ذا الهضاب يسوما إن سالموك فدعهم من هذه ... وارقد كفى لك بالرقاد نعيما البريم: الخيط فيه سواد وبياض. ويقَالَ للقطيع من الغنم إذا كان فيه معزٌ: بريم. وسألت أبا بكر بن دريد عَنْ معنى قول المتنخّل الهذلي: عقّوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح فقَالَ: يُقَال: عقّى بسهم إذا رمى به نحو السماء لا يريد به أحداً، وإذا اجتمع الفريقان للقتال ثم بدا لأحد الفريقين، وأرادوا الصلح، رموا بسهم نحو السماء، فعلم الفريق الثاني أنهم يريدون الصلح فتراسلوا فِي ذلك. واستفاءوا: رجعوا عما كانوا عليه. وقالوا: حبذا الوضح أي اللبن، أي حبذا الإبل والغنم نأخذها فِي الدية، كما قَالَ الآخر: ظفرت بهجمة سود وجمر ... تسرّ بما يساء به اللبيب أي فرحت بالدية.

مطلب كتاب الحسن بن سهل إلى محمد بن سماعة القاضي يطلب إليه رجلا يستعين به في أموره

مطلب كتاب الحسن بن سهل إِلَى محمد بن سماعة القاضي يطلب إليه رجلاً يستعين به فِي أموره وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسن بن خضر، عَنْ أبيه، قَالَ: كتب الحسن بن سهل إِلَى محمد بن سماعة القاضي: أما بعد فإني احتجت لبعض أموري إِلَى رجل جامع لخصال الخير ذي عفّة ونزاهة طعمةٍ، قد هذّبته الآداب، وأحكمته التجارب، ليس بظنين فِي رأيه، ولا بمطعون فِي حسبه، إن اؤتمن عَلَى الأسرار قام بها، وإن قلّد مهماً من الأمور أجزأ فيه، له سنٌّ مع أدب ولسان، تقعده الرزانة ويسكنه الحلم، قد فر عَنْ ذكاء وفطنة، وعضّ عَلَى قارحة من الكمال، تكفيه اللحظة، وترشده السكتة، قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها، وقام فِي أمورهم فحمد فيها، له أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، وجواب الحكماء، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يكاد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه وحسن بيانه، دلائل الفضل عليه لائحة، وأمارات العلم له شاهدة، مضطلعاً بما استنهض، مستقلاً بما حُمّل، وقد آثرتك بطلبه، وحبوتك بارتياده، ثقةً بفضل اختيارك، ومعرفةً بحسن تأتيك، فكتب إليه: إني عازم أن أرغب إِلَى الله جل وعز حولاً كاملاً فِي ارتياد مثل هذه الصفة، وأفرّق الرسل الثقات فِي الآفاق لالتماسه، وأرجو أن يمن الله بالإجابة، فأفوز لديك بقضاء حاجتك والسلام وأَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى قَالَ حدّثت عَنْ إسحاق بن إبراهيم الموصلي قَالَ: وصف رجل رجلاً فقَالَ: كان والله سمحاً سحاً، يمر سهلاً، بينه وبين القلب نسب، وبين الحياة سبب، إنما هو عيادة مريض وتحفة قادم، وواسطة قلادة قَالَ أَبُو عبد الله، وحَدَّثَنَا أَبُو العباس، قَالَ: وصف أعرابي رجلاً فقَالَ: كان والله مطلول المحادثة، ينبذ إليك الكلام عَلَى أدراجه، كأنّ فِي كل ركنٍ من أركانه قلبا يقد. يعني مستحدث الحديث مطلب ما تقول العرب فِي معنى ما بالدار أحد وقَالَ يعقوب بن السكيت: يُقَال: ما بالدار أحدٌ، وما بها دويٌّ ودعويٌّ وطهويٌّ ودبي ولاعي قرو.

وقَالَ لي الغالبي: قَالَ لنا ابن كيسان: دوّى، منسوب إِلَى الدوية. قَالَ اللحياني: دعويٌّ من دعوت. ودبيٌّ من دبيت، وزاد نمي من نممت. الأصمعي: يُقَال: ما بالدار عريب. معناه معرب، أي ما بها أحد، قَالَ عبيد: فعردة فقفا حبرٍّ ليس ... بها منهم عريب وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس: أميم أمنك الدار غيّرها البلى ... وهيفٌ بجولان التراب لعوب بسابس لم يصبح ولم يمس ثاوياً ... بها بعد بين الحي منك عريب وما بها دبيج ودبيج فعّيل من الدبج: وهو النقش والتزيين، وأصله فارسي مأخوذ من الديباج، وأنشد ابن الأعرابي: هل تعرف المنزل من ذات الهوج ... ليس بها من الأنيس دبّيج وما بها دوري، وقَالَ اللحياني: دوريٌّ ودؤري، يهمز ولا يهمز. : دوري منسوب إِلَى الدور، فأما دؤري بالهمز، فهو عندنا غلط. وما بها طوري، منسوب إِلَى الطورة، وفي بعض اللغات الطيرة. وما بها وابرٌ، وما بها نافخ ضرمة، وما بها صافرٌ، وما بها ديار، وأنشد غيره لجرير: وبلدةٍ لبس بها ديّار تنشق ... فِي مجهولها الأبصار وقَالَ اللحياني: وما بها أرم، عَلَى فعل. ويقَالَ أَبُو زيد: ما بها أرم ولا أريمٌ، عَلَى فعيل، وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري: تلك القرون ورثنا الأرض بعدهم ... فما يحسّ عليها منهم أرم وقَالَ ابن الأعرابي: ما بها آرمٌ، عَلَى فاعل، وما بها أيرميٌّ وإرميٌّ. وقَالَ اللحياني: ما بها وابنٌ ووابر، وأنشدنا ابن الأعرابي: يميناً أرى من آل زبّان وابراً ... فيفلت مني دون منقطع الحبل

وقَالَ ابن الأعرابي: وما بها أمرٌ. وقَالَ الأصمعي، والكسائي وما بها شفر، وأنشدني ابن الأنباري: لا تنفك مناً عداوةٌ ولا منهم ما دام من نسلنا شفر وقَالَ اللحياني: ما بها شفرٌ ولا شفر. وقَالَ غيره: ما بها طؤويٌّ. عَلَى مثال قولك: طعويّ، وما بها طوئيٌّ، عَلَى مثال طوعيٍّ، وأنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد وأَبُو بَكْرِ بن الأنباري للعجاج: وبلدةٍ ليس بها طوئيٌّ ... ولا خلا الجنّ بها إنسيّ وزاد اللحياني: ما بها طاويٌّ غير مهموز أَبُو زيد: ما بها تأمور، مهموز، أي ما بها أحد ويقَالَ: ما فِي الركيّة تأمور، يعني الماء، وهو قياس الأول. الأصمعي: ما بها كرّابٌ ولا كتيع، أنشدني ابن الأنباري: أجد الحي فاحتملوا سراعاً ... فما بالدار إذ ظعنوا كتيع ولا بها داريٌّ قَالَ الأصمعي، وأَبُو عمرو: الذي لا يبرح ولا يطلب معاشاً، قَالَ الراجز: لبّث قليلاً يلحق الداريّون، ذوو الجباب البدّن المكفيّون، سوف ترى إن حضروا ما يغنون وحقيقته. وحقيقته أنه منسوب إِلَى الدار للزومه لها. وحكى يعقوب عَنْ غيرهم: ما بها عينٌ ولا عينٌ، وقَالَ الأصمعي: العين: الجماعة، وأنشد: إذا رآني واحدا أوفى عين ... يعرفني أطرق إطراق الطّحن والطّحن: دويبة تكون فِي الرمل مثل العظاءة. وزاد أَبُو عبيد عَنِ الفراء: ما بها عائنٌ. وزاد اللحياني: ما بها عائنة. وقَالَ غيره: ما بها طارفٌ ولا أنيس. وقَالَ اللحياني: ما بها تامور ولا تومور. وقَالَ ابن الأعرابي: ما بها عائرة عينين. وقَالَ غيره: يُقَال أن له من مال عائرة عينين، أي مال يعير فيه البصر هاهنا من كثرته. وقَالَ أَبُو عبيدة: عليه مال عائرة عين، يُقَال هذا للكثير، لأنه من كثرته يملأ العينين حتى يكاد يفقؤهما من كثرته. وسألت أبا بكر عَنْ معنى قول المتنخل: لكن كبير بن هندٍ يوم ذلكم فتخ الشمائل فِي أيمانهم روح

فقَالَ: فتخ الشمائل مفتوخة الشمائل، لأنهم قد أمسكوا بها الدرق، وأصل الفتخ: اللين والاسترخاء. وقوله: فِي أيمانهم روحٌ، أي تباعد عَنِ الجنب، لأنهم قد رفعوها بالسيوف وأمالوها للضرب. وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه: العهد عهدان فعهد امرئٍ ... يأنف أن يغدر أو ينقضا يرعى بظهر الغيب إخوانه ... حفظاً ويستقبلهم بالرضا لو قابل السيف عَلَى حدّه ... فِي بعض ما فيه أخوه مضى وعهد ذي لونين ملالةٍ ... يوشك إن ودّك أن يبغضا ليس له صبر عَلَى صاحب ... إلا قليلا ريث أن يرفضا خلته مثل الخضاب الذي ... بينا تراه قانياً إذ نضا إن لم تزره قَالَ قد ملّني ... وبالحرى إن زرت أن يعرضا فإن أسأ يوماً فعاتبته ... قَالَ عفا ربك عما مضى ولن تراه الدهر فِي حالة ... إلا عبوس الوجه قد حمضا أنشدنا أَبُو بَكْرٍِ عَنْ أبى حاتم: وإن سعيد الجدّ من بات ليلة ... وأصبح لم يؤشب ببعض الكبائر فمولاك لا يهضم لديك فإنما ... هضيمة مولى المرء جدع المناخر وجارك لا يذممك إنّ مسبّة ... عَلَى المرء فِي الأدنين ذم المجاور وإن قلت فاعلم ما تقول فإنه ... إِلَى سامع ممن يغادي وآثر فإنك لا تستطيع ردّ مقالة ... شأتك وزلّت عَنْ فكاهة فاغر كما ليس رامٍ بعد إرسال سهمه ... عَلَى رده قبل الوقوع بقادر إذا أنت عاديت الرجال فلا تزل ... عَلَى حذرٍ لا خير فِي غير حاذر ومن لا يصانع فِي أمورٍ كثيرةٍ ... يضرّس بأنيابٍ ويوطأ بحافر ترى المرء مخلوقاً وللعين حظّها ... وليس بأحناء الأمور بخابر

خطبة بعض الأعراب في قومه وقد ولاه جعفر بن سليمان بعض مياههم

فذاك كماء البحر لست مسيغه ... ويعجب منه ساجياً كل ناظر وتلقى الأصيل الفاضل الرأي جسمه ... إذا ما مشى فِي القوم ليس بقاهر كذلك جفن رث عَنْ طول مكثه ... عَلَى حد مفتوق الغرارين باتر وعاشٍ بعينيه لما لا يناله ... كساعٍ برجليه لإدراك طائر ومستنزل حرباً عَلَى غير ثروة ... كمقتحم فِي البحر ليس بماهر وملتمس ودا لمن لا يودّه ... كمعتذر يوماً إِلَى غير عاذر ومتخذ عذراً فعاد ملامة ... كوالي اليتامى ما لهم غير وافر فسارع إذا سافرت فِي الحمد واعلمن ... بأنّ ثناء الركب حظّ المسافر وطاوعهم فيما أرادوا وقل لهم ... فدىً للذي رمتم كلال الأباعر فإن كنت ذا حظٍّ من المال فالتمس ... به الأجر وارفع ذكر أهل المقابر فإني رأيت المال يفنى وذكره ... كظلٍّ يقيك الظلّ حرّ الهواجر وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى: سميت معنا بمعن ثم قلت له ... هذا سميّ فتىً فِي الناس محمود أنت الجواد ومنك الجود أوله ... فإن فقدت فما جودٌ بموجود من نور وجهك تضحى الأرض مشرقةً ... ومن بنانك يجري الماء فِي العود أضحت يمينك من جود مصورةً ... لا بل يمينك منها صورة الجود خطبة بعض الأعراب فِي قومه وقد ولاه جعفر بن سليمان بعض مياههم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: ولى جعفر بن سليمان أعرابياً بعض مياههم، فخطبهم يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قَالَ: أما بعد، فإن الدنيا دار بلاغ، والآخرة دار قرار، فخذوا لمقركم من ممركم، ولا تهتكوا أستاركم. عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم، قبل أن تحرج منها أبدانكم، ففيها حييتم، ولغيرها خلقتم، إن الرجل إذا

هلك، قَالَ الناس ما ترك، وقَالَت الملائكة ما قدم، فلله آباؤكم قدموا بعضاً، يكن لكم قرضاً، ولا تخلّفوا كلا، يكن عليكم كلا، أقول قول هذا وأستغفر الله لي ولكم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قلت لأعرابي: ما تقول فِي المرء؟ قَالَ: ما عسى أن أقول فِي شيء يفسد الصداقة القديمة، ويحلّ العقدة الوثيقة، أقلّ ما فيه أن يكون دربه للمغالبة، والمغالبة من أمتن أسباب الفتنة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسن بن خضر، عَنْ حماد بن إسحاق الوصلي، قَالَ: سمعت أبي، يقول: قَالَ رجل من العجم لملكٍ كان فِي دهره: أوصيك بأربع خلال ترضي بهن ربك، وتصلح بهن رعيتك، لا يغرّنّك ارتقاء السهل إذا كان المنحني وعراً، ولا تعدنّ عدةً ليس فِي يديك وفاؤها. واعلم أن لله نقماتٍ فكن عَلَى حذر. واعلم أن للأعمال جزاءً فاتّقِ العواقب وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد قول الشاعر: وعازبٍ قد علا التهويل جنبته ... لا تنفع النعل فِي رقراقه الحافي باكرته قبل أن تلغى عصافره ... مستخفيا صاحي وغيره الخافي عازب: بعيد لا يأتيه أحد. والتهاويل: الألوان المختلفة من الحمرة والشقرة والصفرة. والجنبة: ضرب من النبات. وقوله: لا تنفع النعل، يقول: لا تنفعه النعل من كثرة نداه. ورقراقه: ما ترقرق منه. وتلغى: تصيح. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أبي الأزهر، قَالَ: حَدَّثَنَا الزبير بن بكار، قَالَ: كان هارون الرشيد كثيراً ما يستنشد أبي لعبد الله بن مصعب: وإني وإن أقصرت عَنْ غير بغضةٍ ... لراعٍ لأسباب المودة حافظ وما زال يدعوني إِلَى الصرم ما أرى ... فآبي وتثنيني عليك الحفائظ وأنتظر الإقبال بالودّ منكم ... وأصبر حتى أوجعتني المغايظ وأنتظر العتبى وأغضي عَلَى القذى ... ألاين طوراً مرةً وأغالظ وجربت ما يسلى المحب عَنِ الصبا ... فأقصرت والتجريب للمرء واعظ

مطلب قصيدة ذي الإصبع العدواني التي منها البيت المشهور يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصي إلخ

وأنشدني أَبُو يعقوب ورّاق أَبِي بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أنشدني أحمد بن عبيد الجوهري، قَالَ: أنشدت لمخلد الموصلي: أقول لنضوٍ أنفد السير نيهاً ... فلم يبق منها غير عظم مجلّد خذي بي ابتلاك الله بالشوق والهوى ... وشاقك تحنان الحمام المغرد فمرّت حذاراً خوف دعوة عاشق ... تشقّ بي الظلماء فِي كل فدفد فلما ونت فِي السير ثنيت دعوتي ... فكانت لها سوطاً إِلَى صخوة الغد مطلب قصيدة ذي الإصبع العدواني التي منها البيت المشهور يا عمرو إلا تدع شتمى ومنقصي الخ وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد قصيدة ذي الإصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرّث، وأملاها علينا الأخفش وأولها فِي الروايتين: ولي ابن عمٍّ عَلَى ما كان من خلق وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن الأنبارى، فزادنا عَنْ أبيه، عَنْ أحمد بن عبيد، قبل هذا البيت الأول أبياتاً أولها: يا من لقلبٍ طويل البث محزون ... أمسى تذكر ريا أم هارون أمسى تذكراها من بعد ما شحطت ... والدهر ذو غلظةٍ حيناً وذو لين فإن يكن حبها أمسى لنا شجنا ... وأصبح الوأي منها لا يواتيني فقد غنينا وشمل الدار يجمعنا ... أطيع ريا وريا لا تعاصيني يزمي الوشاة فلا نخطي مقاتلهم ... بصادقٍ من صفاء الود مكنون ولي ابن عمٍّ عَلَى ما كان ... من خلق مختلفان فأقليه ويلقيني أزري بنا ابنا شالت نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني لاه ابن عمك لا أفضلت فِي حسب ... عنى ولا أنت دياني فتخزوني ولا تقوت عيالي يوم مسبغةٍ ... ولا بنفسك فِي العزاء تكفيني

فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني ولا يرى فِي غير الصبر منقصةٌ ... وما سواه الله فإن الله يكفيني لولا أواصر قربي لست نحفظها ... ورهبة الله فِي مولىً يعاديني إذاً بريتك برياً لا انجبار له ... إني رأيتك لا تنفك تبريني إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنيني ألله يعلمني والله يعلمكم ... والله يجزيكم عني ويجزيني ماذا عَلَى وإن كنتم ذوي رحمي ... ألا أحبكم إذ لم تحبوني لو تشربون دمي لم يرو شاربكم ... ولا دماؤكم جمعاً ترويني ولي ابن عم لو أن الناس فِي كبدٍ ... لظلّ محتجراً بالنبل يرميني يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة أسقونى عني إليك فما أمي براعية ... ترعى المخاض ولا رأيي بمغبون إني أبيٌّ أبيٌّ ذو محافظة ... وابن أبيٍّ أبيٍّ من أبيين لا يخرج القسر من غير مأبيةٍ ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني عفٌّ ندودٌ إذا ما خفت من بلدٍ ... هوناً فلست بوقافٍ عَلَى الهون كل امرئ صائر يوماً لشيمته ... وإن تخلّق أخلاقاً إِلَى حين والله لو كرهت كفي مصاحبتي ... لقلت إذ كرهت قربي لها بيني وغني لعمرك ما بابي بذي غلقٍ ... عَنِ الصديق ولا خيري بممنون وما لساني عَلَى الأدنى بمنطلق ... بالمنكرات ولا فتكي بمأمون عندي خلائق أقوام ذوي حسبٍ ... وآخرين كثير كلهم دوني وأنتم معشرٌ زيدٌ عَلَى مائة ... فأجمعوا أمركم طراً فكيدوني فإن علمتم سبيل الرشد فانطلقوا ... وإن جهلتم سبيل الرشد فأتوني يا ربّ ثوب حواشيه كأوسطه ... لا عيب فِي الثوب من حسن ومن ولين

مطلب وصف صعصعة بن صوحان للناس وقد سأله معاوية ذلك

يوما شددت عَلَى فرغاء فاهقةٍ ... طوراً من الدهر تاراتٍ تماريني قد كنت أعطيكم مالي وأمنحكم ودي ... عَلَى مثبتٍ من الصدر مكنون يا رب حي شديد الشغب ذي لجب ... دعوتهم راهنٍ منهم ومرهون رددت باطلهم فِي رأس قائلهم ... حتى يظلوا جميعاً ذا أفانين يا عمرو لو لنت لي ألفيتني ... يسراً سمحاً كريماً أجازي من يجازيني مطلب وصف صعصعة بن صوحان للناس وقد سأله معاوية ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التورزي، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: قَالَ معاوية لصعصعة بن صوحان: صف لي الناس، فقَالَ: خلق الناس أخيافاً: فطائفة للعبادة، وطائفة للتجارة، وطائفة خطباء، وطائفة للبأس والنجدة، ورجرجة فيما بين ذلك، يكدرون الماء، ويغلون السعر، ويضيقون الطريق: الرجرجة: شرار الناس ورذالهم، وأصل الرجرجة: الماء الذي قد خالطه لعاب، وجمعه رجارج، قَالَ هيمان بن قحافة: فأسأرت فِي الحوض حضجاً حاضجاً ... قد عاد من أنفاسها رجارجا وقَالَ اللحياني: الرجرج: اللعاب، قَالَ ابن مقبل: كاد اللعاع من الحوذان يسحطها ... ورجرجٌ بين لحييها خناطيل حديث قس بن رفاعة مع الحارث بن أبي شمر الغساني وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: كان قيس بن رفاعة يفد سنة النعمان اللخمي بالعراق، وسنةً إِلَى الحارث بن أبي شمر الغساني بالشام، فقَالَ له يوماً وهو عنده: يا بن رفاعة، بلغني أنك تفضل النعمان عَلَى، قَالَ: وكيف أفضله عليك أبيت اللعن! فوالله لقفاك أحسن من وجهه، ولأمك أشرف من أبيه، ولأبوك أشرف من جميع قومه، ولشمالك

أجود من يمينه، ولحرمانك أنفع من نداه، ولقليلك أكثر من كثيره، ولثمادك أغزر من غديره، ولكرسيك أرفع من سريره، ولجدولك أغمر من بحوره، وليومك أفضل من شهوره، ولشهرك أمد من حوله، ولحولك خير من حقبه، ولزندك أورى من زنده، ولجندك أعز من جنده، وإنك لمن غسان أرباب الملوك، وإنه لمن لخمٍ كثير النوك، فكيف أفضله عليك! وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوي، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بن شبيب، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، قَالَ: قَالَ معاوية: لقد وضعت رجلي فِي الركاب يوم صفين غير مرة، فما يمنعني من الانهزام إلا أبيات ابن الإطنابة: أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإعطائي عَلَى الإعدام مالي ... وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت ... رويدك تحمدي أو تستريحي لأدفع عَنْ مآثر صالحاتٍ ... وأحمي بعد عَنْ عرضٍ صحيح المشيح: المبادر المنكمش، ويقَالَ: بطل مشيح، أي حامل، وقَالَ الأصمعي: شايحت فِي لغة تميم وقيس: حاذرت، فِي لغة هذيل: جددت الأمر. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، عَنْ أبي حاتم، عَنْ أبي زيد، عَنِ المفضل الضبيّ، قَالَ: كنت مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن صاحب أبي جعفر فِي اليوم الذي قتل فيه، فلما رأى البياض يقل والسواد يكثر قَالَ لي: يا مفضل، أنشدني شيئاً يهوّن عَلَى بعض ما أرى، فأنشدته: ألا أيها الناهي فزارة بعدما ... أجدت لغزو إنما أنت حالم أرى كل ذي تبلٍ يبيت بهمه ... ويمنع منه النوم إذ أنت نائم قعوا وقعةً من يحي لم يخز بعدها ... وإن يخترم لم تتبعه الملاوم

قَالَ: فرأيته يتطالل عَلَى سرجه، ثم حمل حملة كانت آخر العهد به وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه، لأبى سعيد المخزومي: من لي واللهو والغزل ... هيهات ما فات من أيامك الأول طوى الجديدان ما قد كنت أنشره ... وأنكرتني ذوات الأعين النّجل وقد نهاني النهي عنها وأدبني ... فلست أبكي عَلَى رسمٍ ولا طلل مالي وللدمنة البوغاء أندبها ... وللمنازل من خوفٍ ومن ملل متى ينال الفتى اليقظان همته ... إذ المقام بدار اللهو والغزل فِي الخيل والخافقات السود لبرد الصبا ... لي شغلٌ ليس الصبابة والصهباء من شغلي ما كان لي أمل فِي غير مكرمة ... والنفس مقرونة بالحرص والأمل ذنبي إِلَى الخيل كرى فِي جوانبها ... إذا مشى الليث فيها مشى مختبل ولي من الفيلق الجاواء غمرتها ... إذا تقحّمها الأبطال بالحيل كم جأنبٍ خشنٍ صبّحت عارضه ... بعارضٍ للمنايا مسبل هطل وغمرةٍ خضت أعلاها وأسفلها ... بالضرب والطعن بين البيض والأسل سل الجرادة عني يوم تحملني ... هل فاتني بطلٌ أو خمت عَنْ بطل وهل شآني إِلَى الغايات سابقها ... وهل فزعت إِلَى غير القنا الذبل ما لي أرى ذمتي يستمطرون دمي ... ألست أولاهم بالقول والعمل كيف السبيل إِلَى وردٍ خبعثنة ... طلائع الموت فِي أنيابه العصل وما يريدون لولا الحين من ... أسدٍ بالليل مشتملٍ بالجمر مكتحل لا يشرب الماء إلا من قليب ... دمٍ ولا يبيت له جارٌ عَلَى وجل لولا الإمام ولولا حق طاعته ... لقد شربت دما أحلى من العسل

وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، للفند الزماني واسمه شهل بن شيبان: صفحنا عَنْ بني ذهلٍ ... وقلنا القوم إخوان عسى الأيام أن يرجعن ... قوماً كالذي كانوا فلما صرّح الشرّ ... فأمسى وهو عريان ولم يبقي سوى العدوان ... دناهم كما دانوا مشينا مشية الليث غدا ... والليث غضبان يروي عدا وغدا والغين، ويروى شددنا شدة الليث فمن روى شددنا فالأجود عدا بالعين غير المعجمة، ومن روى مشينا. فالأجود غدا بالغين المعجمة بضربٍ فيه توهينٌ وتخضيعٌ وإقران وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، عَنْ أبيه، عَنْ أبي رستم، مستملي يعقوب هذا البيت: بضرب فيه تأييمٌ وتفجيعٌ وإرنان ... وطعنٍ كفم الزق غدا والزق ملآن وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان ... وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان وقرأت عليه لأبي الغول الطهوي وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه إِلَى آخر بيت فيه: فدت نفسي وما ملكت يميني فوارس صدّقوا فيهم ظنوني فوارس لا يملون المنايا إذا دارت رحى الحرب الزبون ولا يجزون من حسن يسئ ولا يجزون من غلط بلين ولا تبلى بسالتهم وإن هم صلوا بالحرب حيناً بعد حين هم منعوا حمى الوقبى بضرب يؤلف بين أشتات المنون

مطلب حديث الأصمعي مع امرأة ثكلي من بني عامر نزل بها

فنكب عنهم درء الأعادي وداووا بالجنون من الجنون ولا يرعون أكناف الهويني إذا حلّوا ولا روض الهدون وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: رأيت رجلاً بالجفر من بني العنبر به لوثة بل هوج ظاهر أحفظ خلق الله للشعر. وكان إذا قَالَ له قائل: أنشدنا، تمر له وشتمه، وإذا أنشد وحدّث اندفق منه ثبج بحر مع فصاحة وحسن إنشاد، فأنشدني يوماً من غير أن أستنشده: فدت نفسي وما ملكت يميني الأبيات كلها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ عَنْ أبي حاتم قَالَ: لم يرث أحد قتيلا قتله قومه إلا قيس بن زهير، فإنه رثى حذيفة بن بدر وبنو عبس تولت قتله: ألم تري أن خير الناس أضحى ... عَلَى جفر الهباءة ما يريم ولولا بغيه ما زلت أبكى ... عليه الدهر ما بدت النجوم ولكنّ الفتى حمل بن بدرٍ بغى ... والبغي مرتعه وخيم أظنّ الحلم دلّ عَلَى قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم مطلب حديث الأصمعي مع امرأة ثكلى من بني عامر نزل بها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: نزلت عَلَى امرأة من بني عامر بن صعصعة وقد مات ابنٌ لها، وهي من القلق عَلَى مثل الرضفة، فقامت تعالج لي طعاماً، فقلت لها: يا هذه إنك لفي شغل عَنْ هذا، فقَالَت: والله لا تجوز بيتي إلا مقرياً، ولكن أنشدني أبياتا أسلو بهن، فإني أراك لوذعياً، فأنشدتها أبيات نويرة بن حصين المازني يرثي ابنه: أني أرى الشامتين تجلدي وإني كالطاوي الجناح عَلَى كسر يرى واقعاً لم يدر ما تحت ريشه وإن ناء لم يسطع نهوضا إِلَى وكر

فلولا سرور الشامتين بكبوتي لما رقأت عيناي من واكفٍ يجري على من كفاني والعشيرة كلها نوائب ريب الدهر فِي عثرة الدهر ومن كانت الجارات تأمن ليله إذا خفن من باتت غوائله تسري بصير بما فيه لهنّ حصانةٌ غبيٌّ عَنِ المحجوب بالباب والستر يكفّ أذاه بعد ما بذل عرفه ويحلم حلم لا يذم ولا يزري ويأخذ ممن رام بالهصر هيضه إذا ما أراد الأخذ بالهصر والقسر ولا ينظر الأيسار عَنْ نال يسره ولا ينثني عَنْ فعل خير لدى العسر ولا يتأرّى للعواقب إن رأى له فرصةً يشفى بها وحر الصدر ولكنه ركّاب كل عظيمة يضيق بها صدر الحسود عَلَى الأمر ولست وإن خبّرت أن قد سليته بناسٍ أبا سوداء إلا عَلَى ذكر شمائل منه طيبات يعدنني وأخلاق محمودٍ لدى الزاد والقدر فتى شعشع يروى السنان بكفه وجمع للمولى العطاء مع النصر قَالَ: فكأني والله زبرت الأبيات فِي صدرها، فما زالت تنشدها وتصلح طعامي حتى قرتني ورحت من عندها وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ لقيس بن زهير: شفيت النفس من حمل بن بدرٍ ... وسيفي من حذيفة قد شفاني فإن أك قد بردت بهم غليلي ... فلم أقطع بهم إلا بناني وقَالَ قرأت عليه للحارث بن وعلة الجرمي: قومي هم قتلوا أُميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي فلئن عفوت لأعفون جللاً ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي لا تأمنن قوماً ظلمتهم ... وبدأتهم بالشتم والرغم

مطلب شرح مادة غ ر ر

أن يأبروا نخلاً لغيرهم ... والشيء تحقره وقد ينمى وزعمتم أن لا حلوم لنا ... إنّ العصا قرعت لذي الحلم ووطئتنا وطئاً عَلَى حنقٍ ... وطء المقيد نابت الهرم وتركتنا لحم عَلَى وضمٍ ... لو كنت تستبقي من اللحم وقرأت عليه لأعرابي قتل أخوه ابنه، فقدم إليه ليقتاد منه فألقى السيف من يده وهو يقول: أقول للنفس تأساءً وتعزيةً إحدى يدي أصابتني ولم ترد كلاهما خلفٌ من فقد صاحبه هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي وأملاهما علينا نفطويه وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، عَنْ أبي عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، لهشام أخي ذي الرمة: تعزيت عَنْ أوفى بغيلان بعده عزاءً وجفن العين ملآن مترع نعى الركب أوفي حين وافت ركابهم لعمري لقد جاءوا بشرٍّ وأوجعوا نعوا باسق الأخلاق لا يخلفونه تكاد الجبال الصمّ منه تصدع خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهمٍ وأمسى بأوفى قومه قد تضعضعوا فلم ينسني أوفى المصيبات بعده ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع مطلب شرح مادة غ ر ر قَالَ أَبُو نصر: يُقَال كان ذلك فِي غرارتي وحداثتي، أي فِي غرتي. وعيشٌ غرير إذا كان لا يفزع أهله. وامرأة غريرة إذا لم تجرب الأمور، ورجل غرو امرأة غرٌّ إذا كانا غير مجربين للأمور. ويقَالَ: ما غرك بفلان، أي كيف اجترأت عليه. قَالَ الله عز وجل: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار: 6] . ويقَالَ: من غرك من فلان، أي من أوطأك عشوةً. وفي عشوة ثلاث لغات، يُقَال: عِشوة وعشوة أنا غريرك من فلان أي لن يأتيك منه ما تغتر به. كأنه قَالَ: أنا القيّم لك بذاك. ويقَالَ: اتانا عَلَى غرارٍ وغشاش، أي عَلَى عجلة. ويقَالَ: ما نومه إلا غرار،

حديث المهلب بن أبي صفرة مع رجل من الخوارج كان مختفيا في عسكره يريد اغتياله

أي قليل، ويقَالَ: غارت الناقة تغار غرارا إذا رفعت لبنها. والغرور: مكاسر الجلد، واحدها غرٌ، قَالَ دكين بن رجاء الفقيمي: كأن غرمتنه إذ تجنبه سير صناعٍ فِي خريز تكلبه يعني أن تثنى الشعرة أو الليفة ثم تدخل السير فِي ثنى الشعرة المثنية ثم تجذبه فتخرج السير مع الشعرة. وزعموا أن رؤبة بن العجاج اشترى ثوباً من بزاز فلما استوجبه قَالَ: اطوه عَلَى غره، أي عَلَى كسور طيه. ويقَالَ: ضرب نصله عَلَى غرارٍ واحد، أي عَلَى مثال واحد، قَالَ الهذلي: سديد العير لم يدحض عليه الغرار فقدحه زعلٌ دروج ويقَالَ: ليت هذا اليوم غرار شهرٍ فِي الطول، أي مثال شهر فِي الطول. والغراران ما عَنْ يمين النصل وشماله. وغرار السيف حدّه، قَالَ الأصمعي: يُقَال: بني بنو فلان بيوتهم عَلَى غرارٍ واحد، أي عَلَى سطر واحد. ويقَالَ: غر الطائر فرخه يغره غرا إذا زقه، وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، للشماخ: ولما رأيت الأمر عرش هويةٍ ... تسليت حاجات الفؤاد بشمّرا قوله: ولما رأيت الأمر عرش هويةٍ، مثلٌ. والعرش: الخشب الذي يطوى به أعلى البئر، قَالَ أَبُو زيد: البئر المعروشة: التي طويت قدر قامة من أسفلها بالحجارة ثم طوى سائرها بالخشب وحده وذلك الخشب هو العرش. وقَالَ الأصمعي: المعروشة: المطوية بالخشب، والساقي إذا قام عَلَى العرش فهو عَلَى خطرٍ إن زلق وقع فِي البئر. والهوية، البئر يقول: لما رأيت الأمر شديداً ركبت شمّر، وشمر اسم ناقته. حديث المهلب بن أبي صفرة مع رجل من الخوارج كان مختفياً فِي عسكره يريد اغتياله وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد المهبلي، قَالَ: قيل للمهلب: إن فلان عينٌ للخوارج فِي عسكرك، وإنه يتكفن بالسلاح إذا دعوا للحرب ليغتالك ويلحق بالخوارج، فبعث إليه، فأتى به فقَالَ له: قد تقرر عندنا كيدك لنا، ولم نقدم من أمرك عَلَى ما عزمنا عليه إلا بعد ما لم يدع اليقين للشك معترضاً، فاختر أي قتلة تحب أن أقتلك؟ فقَالَ: سيف مجهز

أو عطفة كريمة محتقرٍ لضغن ذوي الضغائن، قَالَ: فإنها عطفة كريم محتقر للذنوب، فخلى سبيله، فكان بعد ذلك من أوثق أصحابه عنده وحَدَّثَنَا أيضاً قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، قَالَ: أوفد المهلب كعب بن معدان الأشقري، حين هزم عبد ربه الأصغر وأجلي قطرياً حتى أخرجه من كرمان نحو أرض خراسان، فقَالَ له الحجاج: كيف كانت محاربة المهلب للقوم؟ كان إذا وجد الفرصة سار كما يسور الليث، وإذا دهمته الطحمة راغ كما يروغ الثعلب، وإذا ماده القوم صبر صبر الدهر، قَالَ: وكيف كان فيكم؟ قَالَ: كان لنا منه إشفاق الوالد الحدب، وله منا طاعة الولد البر، قَالَ: فكيف أفلتكم قطريٌّ؟ قَالَ: كادنا ببعض ما كدناه به، والأجل أحصن جنّة وأنفذ عدّة، قَالَ: فكيف اتبعتم عبد ربه وتركتموه؟ قَالَ: آثرنا الحد عَلَى الفل، وكانت سلامة الجند أحب إلينا من شجب العدو، فقَالَ له الحجاج: أكنت أعددت هذا الجواب قبل لقائي؟ قَالَ: لا يعلم الغيب إلا الله وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: أتيت أبا عبيدة ومعي شعر عروة بن الورد فقَالَ لي: ما معك؟ فقلت: شعر عروة، فقَالَ: فارغٌ حمل شعر فقير ليقرأه عَلَى فقير، فقلت له: ما معي غيره، فأنشدني أنت ما شئت، فأنشدني: يا ربّ ظلّ عقابٍ قد وقيت بها ... مهري من الشمس والأبطال تجتلد ورب يوم حمى أرعيت عقوته ... خيلي اقتصارا وأطراف القنا قصد ويوم لهوٍ لأهل الخفض ظل به ... عنها لهوى اصطلاء الوغى وناره تقد مشهراً موقفي والحرب كاشفةٌ ... عنها القناع وبحر الموت يطرد ورب هاجرةٍ تغلي مراجلها ... مخرتها بمطايا غارةٍ تخد تجتاب أودية الأفزاع آمنة ... كأنها أسد تقتادها أسد

حديث المفضل الضبي وقد دخل على المهدي فاستنشده

فإن أمت حتف أنفي لا أمت ... كمداً عَلَى الطعان وقصر العاجز الكمد ولم أقل لم أساق الموت شاربه ... فِي كأسه والمنايا شُرَّع وُرُدُ ثم قَالَ: هذا الشعر! لا ما تعللون به أنفسكم من أشعار المخانيث! قَالَ أَبُو بَكْرٍِ والشعر لقطري بن الفجاءة حديث المفضل الضبي وقد دخل عَلَى المهدي فاستنشده وحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي زيد، عَنِ المفضل الضبيّ، قَالَ: دخلت عَلَى المهدي، فقَالَ لي قبل أن أجلس: أنشدني أربعة أبيات لا تزد عليهن، وعنده عبد الله بن مالك الخزاعي، فأنشدته: وأشعث قد قدّ الشفار قميصه ... يجر شواءً بالعصا غير منضج دعوت إِلَى ما نابني فأجابني ... كريمٌ من الفتيان غير مزلج فتىً يملأ الشيزى ويروي سنانه ... ويضرب فِي رأس الكمي المدجج فتى ليس بالراضي بأدنى معيشة ... ولا فِي بيوت الحي بالمتولج فقَالَ المهدي: هو هذا، وأشار إِلَى عبد الله بن مالك، فلما انصرفت بعث إِلَى بألف دينار، وبعث إِلَى عبد الله بأربعة آلاف درهم وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لعبد الرحمن بن زيد: يؤسى عَنْ زيادة كلّ حيٍّ ... خلي ما تأوبه الهموم فلو كنت القتيل وكان حياً ... لطالب لا ألف ولا سئوم ولا هيّابةٌ بالليل نكسٌ ... ولا ضرعٌ إذا أمسى نؤوم وكيف تجلد الأقوام عنه ... ولم يقتل به الثأر المنيم غشوم حين يبصر مستقادٌ ... وخير الطالبي الترة الغشوم

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن أبى الأزهر مستملي أبي العباس محمد بن يزيد، قَالَ: أنشدنا الزبير، لأبي الهيذام المري، فِي أخيه: سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الماجد الوترا ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصرها من جفن مقلته عصرا وإنا أناسٌ ما تفيض دموعنا ... عَلَى هالك منا وإن قصم الظهرا وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: ولقد رأيت مطيةً معكوسة ... تمشي بكلكلها وتزجيها الصبا ولقد رأيت سبيئة من أرضها ... تسبي القلوب وما تنيب إِلَى الهوى ولقد رأيت الخيل أو أشباهها ... تثنى معطّفةً إذا ما تجتلى ولقد رأيت جواريا بمفازة ... تجري بغير قوائم عند الجرا ولقد رأيت غضيضةً هركولةً ... رود الشباب غريرةً عادت فتى ولقد رأيت مكفراً ذا نعمةٍ ... جهدوه بالأعمال حتى قد وني قَالَ أَبُو العباس: المطية المعكوسة: سفينة. والسبية من أرضها: خمرٌ. والخيل أو أشباهها عني بها تصاوير فِي وسائد. وجوارياً بمفازة، عني بهن السراب. والغضيضة الهركولة امرأة. وعادت، من العيادة. ومكفراً ذا نعمة، عني به السيف. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن السراج، لعلي بن أبي العباس الرومي: خجلت الخدود الورد من تفضيله ... خجلاً توردها عليه شاهد لم يخجل الورد المورد لونه ... إلا وناحله الفضيلة عاند للنرجس الفضل المبين وإن أبى ... آبٍ وحادٍ عَنِ الطريقة حائد فصل القضية أن هذا قائد ... زهر الرياض وأن هذا طارد شتان بين اثنين هذا موعد ... بتسلب الدنيا وهذا واعد

وإذا احتفظت به فأمتع صاحبٍ ... بحياته لو أن حياً خالد ينهى النديم عَنِ القبيح بلحظه ... وعلى المدامة والسماع مساعد أطلب بعيشك فِي الملاح سميّه ... أبداً فإنك لا محالة واجد والورد إن فتشت فردٌ فِي اسمه ... ما فِي الملامح له سميٌّ واحد هذي النجوم هي التي ربتهما ... بحياً السحاب كما يربي الوالد فتأمل الأخوين من أدناهما ... شبهاً بوالده فذاك الماجد أين الخدود من العيون نفاسةً ... ورياسة لولا القياس الفاسد وأنشدني أَبُو المياس، قَالَ: أنشدني الأخيطل لنفسه بواسط: سقياً لأرضٍ إذا ما شئت نبهني ... بعد الهدوء بها قرع النواقيس كأن سوسنها فِي كل شارقة ... عَلَى الميادين أذناب الطواويس وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن أبي الأزهر، قَالَ: أنشدنا الزبير: نجوم وأقمارٌ من الزهر طلع ... لذي اللهو فِي أكنافها متمتع نشاوي تثنيها الرياح فتنثي ويلثم ... بعضٌ بعضها ثم ترجع كأن عليها من محاجة طلها ... لآلئ إلا أنها هي ألمع ويحدرها عنها الصبا فكانها ... دموعٌ مراها البين والبين يفجع وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنْ سعيد بن مسعدة الأخفش، قَالَ: اعتذر رجل من العرب إِلَى بعض ملوكهم فقَالَ: إن زلتي وإن كانت قد أحاطت بحرمتي، فإن فضلك يحيط بها، وكرمك يوفي عليها، ثم قَالَ: إني إليك سلمت كانت رحلتي ... أرجو الإله وصفحك المبذولا إن كان ذنبي قد أحاط بحرمتي ... فأحاط بذنبي عفوك المأمولا وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قلابة الجرمي، قَالَ: تخلفت عَنْ حلقة العتبي أياماً، فكتب إِلَى: تركتنا ترك رجلٍ أوحده جرمٌ، أو أغناه علم، فإن كان عَنْ جرم فعن غير إرادة بقلب ولا تعمد بلسان، وإن كان عَنْ علم غنيت به فتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين

قصيدة السموءل ابن عادياء

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ العتبي، قَالَ: قَالَ عبد الله بن عَلَى بعد قتله من قتل من بني أمية، لإسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص: أساءك ما فعلت بأصحابك؟ فقَالَ: كانوا يداً فقطعتها، وعضداً ففتتها، ومرةً فنقضتها، وركناً فهدمته، وجناحاً فهضته، فقَالَ: إني لخليق أن ألحقك بهم، قَالَ: إني إذاً لسعيد وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ العتبي، قَالَ: تذاكر قوم فِي مجلس الأحنف الطعام والنساء، فقَالَ الأحنف: جنبوا مجالسكم النساء والطعام، فإني أكره للرجل السري أن يكون وصاما لبطنه، وقد عرف ما يحور إليه، ولفرجه وقد علم أين مجلسه قصيدة السموءل ابن عادياء وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ للسموءل بن عادياء اليهودي: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل إذا المرء لم يحمل عَلَى النفس ضيمها ... فليس إِلَى حسن الثناء سبيل تعيرنا أنا قليلٌ عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل وما قلّ من كانت بقاياه مثلنا ... شبابٌ تسامى للعلا وكهول وما ضرنا أنا قليلٌ وجارنا ... عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل لنا جبل يحتله من نجيره ... منيعٌ يرد الطرف وهو كليل رسا أصله تحت الثرى وسما به ... إلى النجم فرعٌ لا يرام طويل وإنا لقومٌ ما نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامرٌ وسلول يقرب حبّ الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول وما مات منا سيد حتف أنفه ... ولا طل منا حيث كان قتيل وهذا مثل قول عمرو بن شأس: لسنا نموت عَلَى مضاجعنا ... بالليل بل أدواؤنا القتل تسيل عَلَى حد الظبات نفوسنا ... وليست عَلَى غير السيوف تسيل

صفونا فلم نكدر وأخلص سرنا ... إناث أطابت حملنا وفحول علونا إِلَى خير الظهور وحَطَّنا ... لوقت إِلَى خبر البطون نزول فنحن كماء المزن ما فِي نصابنا ... كهام ولا فينا يعد بخيل وننكر إن شئنا عَلَى الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول اذا سيد منا خلا قام سيد ... قؤول لما قَالَ الكرام فعول وما أخمدت نار لنا دون طارق ... ولا ذمنا فِي النازلين نزيل وأيامنا مشهورة فِي عدونا ... لها غرر معلومة وحجول وأسيافنا فِي كل غرب ومشرق ... بها من قراع الدارعين فلول معودة ألا تسل نصولها ... فتغمد حتى يستباح قبيل سلى إن جهلت الناس عنا وعنهم ... وليس سواء عالم جهول فأن بنى الديان قطب لقومهم ... تدور رحاهم حولهم وتجول وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، للفرزدق: يفلقن هامن لم تنله سيوفنا ... بأسيافنا هام الملوك القماقم ثم قَالَ أَبُو العباس: ها تنبيه، والتقدير يفلقن بأسيافنا هام الملوك القماقم، ثم قَالَ: ها للتنبيه، ثم قَالَ مستفهماً: من لم تنله سيوفنا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: وسمعت شيخاً منذ حين يعيب هذا الجواب ويقول: يفلقن هاماً جمع هامة، وهام الملوك مردود عَلَى هاماً، كما قَالَ جل ثناؤه (إِلَى صراط مستقيم صراط الله) فاحتججت عليه بقوله لم تنله، وقلت: له لو أراد الهام لقَالَ: لم تنلها لأن الهام مؤنثة لم يؤثر عَنِ العرب فيها تذكير، ولم يقل أحد منهم: الهام فقلته، كما قالوا: النخل قطعته، والتذكير والتأنيث لا يعمل قياساً إنما يبنى فيه عَلَى السماع واتباع الأثر وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي، لمطيع بن إياس الكوفي يرثي يحيى بن زياد الحارثي:

وينادونه وقد صم عنهم ... ثم قالوا وللنساء نحيب ما الذي غال أن تحير جواباً ... أيها المصقع الخطيب الأديب فلئن كنت لا تحير جوابا ... فبما قد ترى وأنت خطيب فِي مقَالَ وما وعظت بشىء ... مثل وعظ بالصمت اذ لا تجيب وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي أشعار هذيل، ولم أر أحداً يقوم بأشعار هذيل غيره، لأبي خراش الهذلي: حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض فوالله لا أنسى قتيلاً رزئته ... بجانب قوسي ما مشيت عَلَى الأرض بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... خلا أنه قد سل عَنْ ماجد محض ولم يك مثلوج الفؤاد مهبجاُ ... أضاع الشباب فِي الربيلة والخفض ولكنه قد لوحته مخامصٌ ... عَلَى أنه ذو مرة صادق النهض كأنهم يشبثون بطائرٍ خفيف ... المشاش عظمه غير ذي نحض يبادر قرب الليل فهو مُهابذ ... يحث الجناح بالتبسط والقبض المثلوج: البليد، ومثله قول آخر: ولكن قلباً بين جنبيك بارد والمهبج: المنتفخ، ويروى: مهبلاً، وهو الثقيل الجافي. والربيلة: الخفض والدعة، ويروى: الربالة، وهو كثرة اللحم لا اللحم نفسه. والمهابذ: المجاهد فِي العدو والسير، ويقَالَ: أهذب وأهبذ إذاً اجتهد فِي الإسراع. وقرأت عليه لأبي عطاء السندي فِي ابن هبيرة: ألا إن عيناً لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود

عشية قام النائحات وشققت ... جيوبٌ بأيدي مأتمٍ وخدود فإن تمس مهجور الفناء فربّما ... أقام به بعد الوفود وفود فإنك لم تبعد عَلَى متعهد ... بلى كل من تحت التراب بعيد وأملى علينا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري هذه القصيدة لجميل قَالَ: وقرأتها عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد فِي شعر جميل، وفي الروايتين آختلاف فِي تقديم الاْبيات وتاْخيرها، وفي اْلفاظ بعض البيوت: ألا ليت أيام الصّفاء تعود ... ودهراً تولّى يا بثين جديد فنغنى كما كنّا نكون وأنتم ... صديقٌ وإذ ما تبذلين زهيد وما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ... وقد قربت بصري أمصر تريد خليلي ما أخفي من الوجد ظاهر ... فدمعي بما أخفي الغداة شهيد ألا قد أرى والله أن ربّ عبرةٍ ... اذا الدار شطّت بيننا سترود إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحب قَالَت ثابتٌ ويزيد وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قَالَت ذاك منك بعيد فلا أنا مردودٌ بما جئت طالباً ... ولا حبها فيما يبيد يبيد جزتك الجوازي يا بثين ملامةً ... إذا ما خليلٌ راح وهو حميد وقلت لها بيني وبينك فاعلمي ... من الله ميثاقٌ لنا وعهود وقد كان حُبيّكم طريفاً وتالداً ... وما الحب إلا طارفٌ وتليد وإن عروض الوصل بيني وبينها ... وإن سهّلته بالمني لكئود فأفنيت عيشي بانتظاري نولها ... وأبلت بذاك الدهر وهو جديد فليت شاة الناس بيني وبينها ... تذوف لهم سمّاً طماطم سود وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: أنشدنا أحمد بن عبيد، لامرأة من الأعراب لعمرك ما الرزية فقد مال ... ولا شاةٌ تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد قرمٍ ... يموت بموته بشر كثير

مطلب خطبة المأمون الحارثي في نادي قومه

وأنشدنيهما بعض أصحابنا، وقَالَ فِي البيت الأول: هلك مال، وقَالَ فِي الثاني: هلك ميت، وخلق كثير. وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي: خير ما استعصمت به الكف ... عضب ذكرٌ حده أنيث المهز ما تأملته بعينيك إلا أرعشت ... صفحتاه من غير هز مثله أفزع الشجاع إِلَى الدرع ... فغالي بها عَلَى كل بز ما أبالي أصممت شفرتاه ... فِي محزٍّ أم جارتا عَنْ محزّ مطلب خطبة المأمون الحارثي فِي نادي قومه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: قعد المأمون الحارثي فِي نادي قومه فنظر إِلَى السماء والنجوم ثم أفكر طويلاً ثم قَالَ: أرعوني أسماعكم، وأصغوا إِلَى قلوبهم، يبلغ الوعظ منكم حيث أريد، طمح بالأهواء الأشر، وران عَلَى قلوب الكدر، وطخطخ الجهل النظر، إن فيما نرى لمعتبراً لمن اعتبر، أرضٌ موضوعة، وسماءٌ مرفوعة، وشمس تطلع وتغرب، ونجوم تسري فتعزب، وقمرٌ تطلعه النحور، وتمحقه أدبار الشهور، وعاجزٌ مثرٍ، وحولٌ مكدٍ، وشابٌ مختضر، ويفن قد غبر، وراحلون لا يؤوبون، وموقوفون لا يفرطون، ومطرٌ يرسل بقدر، فيحيي البشر، ويورق الشجر، ويطلع الثمر، وينبت الزهر، وماء يتفجر من الصخر الأير، فيصدع المدر عَنْ أفنان الخضر، فيحيي الأنام، ويشبع السوام، وينمي الأنعام، إن فِي ذلك لأوضح الدلائل عَلَى المدبر المقدر، البارئ المصور. يأيها العقول النافرة، والقلوب النائرة، أنّى تؤفكون، وعن أي سبيل تعمهون، وفي أي حيرة تهيمون، وإلى أي غاية توفضون، لو كشفت الأغطية عَنِ القلوب، وتجلت الغشاوة عَنِ العيون، لصرح الشك عَنِ اليقين، وأفاق من نشوة الجهالة، من استولت عليه الضلالة: قوله طمح: ارتفع وعلا. وران قَالَ عبدة بن الطبيب: أوردته القوم قد ران النعاس بهم ... فقلت إذ نهلوا من جَمّه قيلوا

مطلب ما دار بين معاوية بن أبي سفيان وعرابة بن أوس من الحديث

ران بهم: غلب، قَالَ الله تعالى: (كلا بل ران عَلَى قلوبهم) . وطخطخ: أظلم. والمختضر: الذي يموت حدثاً، وهو مأخوذ من الخضرة، كأنه حسد أخضر. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: كان شاب من العرب يلقى شيخاً منهم فيقول: استحصدت يا عماه! فيقول له الشيخ: يا بن أخي وتختضرون، فمات الشاب قبل الشيخ بمدة طويلة ويفرطون: يقدمون. وقَالَ أَبُو عبيدة: قَالَ الأموي: الحجر الأيرّ عَلَى مثال الأصم: الصلب. وتوفضون: تسرعون، يُقَال: أوفض يوفض إيفاضاً إذا أسرع، قَالَ الله جل وعز: (كأنهم إِلَى نصبٍ يوفضون) . فأما يفيضون فيدفعون قَالَ الأصمعي: يُقَال أفاض من عرفة إِلَى منىً: أي دفع. مطلب ما دار بين معاوية بن أبي سفيان وعرابة بن أوس من الحديث وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرياشي، عَنِ العتبي، عَنْ رجل من الأنصار من أهل المدينة، قَالَ: قَالَ معاوية لعرابة بن أوس بن حارثة الأنصاري: بأي شيء سدت قومك يا عرابة؟ قَالَ: أخبرك يا معاوية بأني كنت لهم كما كان حاتم لقومه، قَالَ: وكيف كان؟ فأنشدته: وأصبحت فِي أمر العشيرة كلها ... كذي الحلم يرضى ما يقول ويعرف وذاك لأني لا أعادي سراتهم ... ولا عَنْ أخي ضرائهم أتنكف وإني لأعطي سائلي ولربما ... أكلف مالا أستطيع فأكلف وإني لمذموم إذا قيل حاتم ... نبا نبوةً إن الكريم يعنف ووالله إني لأعفو عَنْ سفيههم وأحلم عَنْ جاهلهم وأسعى فِي حوائجهم، وأعطي سائلهم، فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن فعل أحسن من فعلي فهو أفضل مني، ومن قصر عَنْ فعلي فأنا خير منه، فقَالَ معاوية: لقد صدق الشماخ حيث يقول فيك: رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إِلَى الخيرات منقطع القرين إذا ما رايةٌ رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم: ألوم النائبات من الليالي ... وما تدري الليالي من ألوم ولكن المنية لو أصيبت ... بمصرعه هي الثأر المنيم

وكان أخي زعيم بني حييٍّ ... وكل قبيلة لهم زعيم وكنت إذا الشدائد أرهقتني ... يقوم بها وأقعد لا أقوم وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ عَنْ أبي حاتم للعجير السلوي: تركنا أبا الأضياف فِي ليلة الصبا ... بمر ومردي كل خصم يجادله تركنا فتي أيقن الجوع أنه ... إذا ما ثوى فِي أرحل القوم قاتله فتىً قُدّ قَدّ السيف لا متضائلٌ ... ولا رهلٌ لباته وبآدله إذا القوم أموا بيته فهو عامد ... لأحسن ما ظنوا به فهو فاعله جوادٌ بدنياه بخيل بعرضه ... عطوف عَلَى المولى قليلٌ غوائله فتى ليس لابن العم كالذئب ... إن رأى بصاحبه يوماً دماً فهو آكله إذا جد عند الجد أرضاك جده ... وذو باطل إن شئت أرضاك باطله يسرك مظلوماً ويرضيك ظالماً ... وكل الذي حملته فهو حامله قَالَ الفراء: البأدلة: ما بين العنق إِلَى الترقوة وجمعه بآدل، وقَالَ أَبُو عمرو: واحدها بأدلٌ بغير هاء. وقَالَ قطرب: البآدل ويقَالَ: البهادل أصول الثديين. وقرأت عَلَى أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، للحسين بن مطير الأسدي: ألما عَلَى معن وقولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعاً ثم مربعا فيا قبر معن أنت أول حفرة ... من الأرض خطت للسماحة مضجعا ويا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا بلي قد وسعت الجود والجود ميت ... ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا فتىً عيش فِي معروفة بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا ولما مضى معنٌ مضى الجود وانقضى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا

وقرأت عليه لبعض الشعراء: ماذا أحال وثيرة بن سماك ... من دمع باكيةٍ عليك وباك ذهب الذي كانت معلقةً به ... خدق العناة وأنفس الهلاك أحال: صبّ، يُقَال: إنه ليحيل الماء من البئر فِي الحوض أي يصب، وقَالَ لبيد: يحيلون السجال عَلَى السجال وقرأت عليه لمسلم بن الوليد: قبرٌ بحلوانٍ أسر ضريحه ... خطراً تقاصر دونه الأخطار نفضت بك الأحلاس نفض إقامة ... واستعجلت نزاعها الأمصار فاذهب كما ذهبت عوادي مزنةٍ ... أثنى عليها السهل والأوعار سلكت بك العرب السبيل إِلَى العلا ... حتى إذا سبق الردى بك حاروا وأنشدني أَبُو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى، قَالَ: أنشدنا عبد الله بن جوان صاحب الزيادي، ولم يسم قائلها، وأملاها علينا أَبُو سعيد السكري، لأبي العتاهية فِي بعض إخوانه: وقد كنت أغدو إِلَى قصره ... فقد صرت أغدو إِلَى قبره أخٌ طالما سرني ذكره ... فقد صرت أشجى لدى ذكره وكنت أراني غنياً به ... عَنِ الناس لو مد فِي عمره وكنت إذا جئت فِي حاجة ... فأمري يجوز عَلَى أمره فتىً لم يمل الندى ساعة ... عَلَى عسره كان أو يسره تظل نهارك فِي خيره ... وتأمن ليلك من شره فصار عَلَى إِلَى ربه ... وكان عَلَى فتى دهره أتم وأكمل ما لم يزل ... وأعظم ما كان فِي قدره أتته المنية مغتالةً ... رويداً تخلل من ستره

مطلب شرح مادة جبأ وجأب

فلم تغن أجناده حوله ... ولا المزمعون عَلَى نصره وخلى القصور التي شادها ... وحل من القبر فِي قعره وبدل بالفرش بسط الثرى ... وطيب ندى الأرض من عطره وأصبح يهدى إِلَى منزل ... عميقٍ تؤنق فِي حفره تغلق بالترب أبوابه ... إِلَى يوم يؤذن فِي حشره أشد الجماعة وجداً به ... أشد الجماعة فِي طمره فلست مشيعه غازياً ... أميرا يسيرا إِلَى ثغره ولا متلقيه قافلاً بقتل ... عدوٍّ ولا أسره وتطريه أيامنا الباقيات ... لدينا إذا نحن لم نطره فلا يبعدن أخي ثاوياً ... فكل سيمضي عَلَى إثره قَالَ الأصمعى من أمثال العرب: خل سبيل من وهي سقاؤه، يراد به من لم يستقم أمره فلا تعبأ به. يُقَال: يشوب ولا يروب، مثل للرجل يخلط. ويقَالَ: أذل من فقعٍ بقرقر، والفقع: الكمء الأبيض. والقرقر: القاع الأملس. ويقَالَ شر الرأي الدبري، يراد به الذي يجيء بعد أن فات الأمر. مطلب شرح مادة جبأ وجأب وقَالَ أَبُو نصر، يُقَال: قد جبأ عليه الأسود يجبأ جبئاً وجبوءاً إذا خرج عليه. وجبأت عَنْ كذا وكذا إذا هبته وارتدعت عنه، ومنه قيل: رجل جبأ، وقَالَ رجل من بني شيبان: وما أنا من ريب المنون بجبإٍ ولا أنا من سيب الإله بآيس ويقَالَ للمرأة إذا كانت كريهة المنظر لا تستحلى: إنها لتجبأ عنها العين. وقَالَ حميد بن ثور: ليست إذا سمنت بجابئة ... عنها العيون كريهة المس

والجبأة: خشبة الحذاء. والجبء: الكمء والجمع جبأة، وقَالَ أَبُو زيد: الجبأة منها الحمر. والكمء واحد الكمأة. والجأب: الحمار الغليظ. والجأب: المغرة. والجِبَا مقصور مكسور: ما جمعت فِي حوض من الماء. والجَبَا مفتوح مقصور: ما حول البئر. والجبء نقرة فِي الجبل تمسك الماء. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: كان عبد الله بن عامر بن كريز من فتيان قريش جودا وحياء وكرماً، فدخل أعرابي البصرة فسأل عَنْ دار ابن عامر فأُرشد إليها، فجاء حتى أناخ بفنائها، فاشتغل عنه الحاجب والعبيد فبات القفر، فلما أصبح ركب ناقته ووقف عَلَى الحاجب، وأنشأ يقول: كأني وصنوي عند باب ابن عامر ... من الجوع ذئباً قفرةٍ هلعان وقفت وصنبر الشتاء يلفني ... وقد مس بردٌ ساعدي وبناني فما أوقدوا ناراً ولا عرضوا ... قرى ولا اعتذروا من عثرةٍ بلسان فقَالَ بعض شعراء البصريين: كم من فتىً تحمد أخلاقه ... وتسكن العافون فِي ذمته قد كثر الحاجب أعداءه ... وأحقد الناس عَلَى نعمته فبلغ ذلك ابن عامر، فعاقب الحاجب وأمر ألا يغلق بابه ليلا ولا ونهارا وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: كان المغيرة بن شعبة أعور دمما آدم، فهجاه رجل من أهل الكوفة فقَالَ: إذا راح فِي قبطيةٍ متأزراً ... فقل جعلٌ يستن فِي لبنٍ محض فأقسم لو خرت من استك بيضةٌ ... لما انكسرت من قرب بعضك من بعض قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: فقلت لأبي حاتم: ما أظن أحد يسبقه إِلَى قوله: جعل يستن من لبن محض فقَالَ: بلى، كان إبراهيم بن عربي والي اليمامة، فصعد المنبر يوماً وعليه ثيابٌ بيض فبدا وجهه وكفاه، فقَالَ الفرزدق: ترى منبر العبد اللئيم كأنما ... ثلاثة غربان عليه وقوع

قَالَ: فهذا يشبه ذلك وإن لم يكنه. فقَالَ أَبُو حاتم: وخرج نصيب من عند هشام وعليه ثياب بيض، فنظر إليه الفرزدق فقَالَ: كأنه لما بدا للناس أير ... حمارٍ لف فِي قرطاس وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله: شنئتكم حتى كأنكم الغدر ... وعفتكم حتى كأنكم الهجر وما زلت أرشو الدهر صبراً عَلَى التي ... تسوء إِلَى أن سرني فيكم الدهر وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوي: أما إذ قد بليت بسوء رأيٍ ... فما لك عند ربك من خلاق ستعلم أن حر الشعر أمضى ... وأبلغ فيه من حر الحلاق سمجت فكنت أقبح من شقاق ... تشابه به الدناءة أو نفاق وأظلم منك حر الوجه حتى ... كأن سواده ليل المحاق ولولا وقفةٌ للبين فيها ... متاعٌ من وداع واعتناق وآمال مسوفة لقلنا ... كأنك قد خلقت من الفراق وأنشدنا عبد الله بن جعفر النحوى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس المبرد، لعبد الصمد بن المعدل يهجو ابن أخيه أحمد: لو كان يعطي المنى الأعمام فِي ابن أخ ... أصبحت فِي جوف قرقورٍ إِلَى الصين قد كان همٌّ طويلٌ لا ينام له ... لو أن رؤيتنا إياك فِي الحين فكيف يا لصبر إذ أصبحت أكثر ... فِي مجال أعيننا من رمل يبرين يا أبغض الناس فِي فقر وميسرة ... وأقدر الناس فِي دنيا وفي دين تيه الملوك إذا فلسٌ ظفرت ... به وحين تفقده ذل المساكين لو شاء ربي لأضحى واهباً لأخي ... بمر ثكلك أجراً غير ممنون وكان أحظى له لو كان متزراً ... فِي السالفات عَلَى غرمول عنين

قائل لي ما يضنيك قلت له ... شخص تري عينيه عيني فيضنيني إن القلوب لتطوى منك يا بن أخي ... إذا رأتك عَلَى مثل السكاكين وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لرجل يصف جملاً: تبين القرنين فانظر ما هما ... أحجر أم مدراً تراهما إنك لن تزل أو تغشاهما ... وتبرك الليل إِلَى ذراهما القرنان: اللذان يبنيان عَلَى البئر يعرض عليهما الخشب، فالبعير ينفر منه أول ما يراه ثم يذل حتى يجيء فيبرك عنده من الأنس به. وذرهما: كنفهما. وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي وأهدى قدحاً إِلَى يحيى بن المنجم: وبديعٍ من البدائع يسبى ... كل عقل ويطبى كل طرف دق فِي الحسن والملاحة حتى ... ما يوفيه واصفٌ حق وصف كفم الحب فِي الملاحة أو أشفي ... وإن كان لا يناغى بحرف تنفذ العين فيه حتى تراها ... أخطأته من رقة المستشف كهواء بلا هباء مشوبٍ ... بضياء أرقق بذلك وأصف وسط القدر لم يكبر لجرعٍ ... متوالٍ ولم يصغر لرشف لا عجول عَلَى العقول جهول ... بل حليم عنهم فِي غير ضعف ما رأى الناظرون قداً وشكلاً ... فارساً مثله عَلَى بطن عكف فيه لوزٌ معقربٌ عطفته ... حكماء الغيوب أحسن عطف مثل عطف الأصداغ فِي وجناتٍ ... من غزالٍ يزهى بحسنٍ وظرف وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد للمقنع الكندي: يعاتبني فِي الدين قومي وإنما ... ديوني فِي أشياء تكسبهم حمدا ألم ير قومي أوسر مرة ... وأعسر حتى تبلغ العسرة الجهدا

مطلب قصيدة جحدر التي قالها وهو في حبس الحجاج

فما زادني الإقتار منهم تقرباً ... ولا زادني فضل الغنى منهم بعدا أسد به ما قد أخلوا وضيعوا ... ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا وفي جفنةٍ ما يغلق الباب دونها ... مكللةٍ لحماً مدفقة ثردا وفي فرسٍ نهدٍ عتيقٍ جعلته ... حجاباً لبيتي ثم أخدمته عبدا وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمه لمختلفٌ جدا أراهم إِلَى نصري بطاءً وإن هم ... دعوني إِلَى نصر أتيتهم شدا فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم ... وإن هم هووا غَيي هويت لهم رشدا وإن زجروا طيرا بنجس تمر بي ... زجرت لهم طيراً تمر بهم سعدا ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا لهم جلّ مالي إن تتابع لي غنىً ... وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً ... وما شيمةٌ لي غيرها تشبه العبدا كان أَبُو بَكْرِ بن دريد، يقول: كسبت المال وكسبته غيري، ولا يجيز أكسبته. وغيره يقول: كسبت المال وأكسبته غيري. وهما عندي جائزان كسبته وأكسبته مطلب قصيدة جحدر التي قالها وهو فِي حبس الحجاج وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، عَنِ الأشنانداني، لجحدر وكان لصا مبرا فأخذه الحجاج فحبسه، فقَالَ فِي الحبس: تأوبني فبت لها كنيعاً ... همومٌ ما تفارقني حواني هي العواد لا عواد قومي ... أطلن عيادتي فِي ذا المكان إذا ما قلت قد أجلين عني ... ثنى ريعانهن عَلَى تاني وكان مقر منزلهن قلبي ... فقد أنفهنه والهم آن أليس الله يعلم أن قلبي ... يجبك ايها البرق اليماني وأهوى أن أرد إليك طرفي ... عَلَى عدواء من شغلي وشاني

نظرت وناقتاي عَلَى تعاد ... مطاوعة الأزمة ترحلان إلى ناريهما وهما بعيدٌ ... تشوقان المحب وتوقدان ومما هاجني فازددت شوقاً ... بكاء حمامتين تجاوبان تجاوبتا بلحنٍ أعجميٍّ ... عَلَى غصنين من غربٍ وبان فكان البان أن البان أت ... وفي الغرب اغترابٌ غير داني أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيانا فذاك لنا تداني نعم وترى الهلال كما أراه ... ويعلوها النهار كما علاني فما بين التفريق غير سبع ... بقين من المحرم أو ثماني فيا أخويّ من كعب بن عمرو ... أقلا اللوم إن لم تنفعاني إذا جاوزتهما سعفات حجرٍ ... وأودية اليمامة فانعياني وقولا جحدرٌ أمسى رهيناً ... يحاذر وقع مصقول يماني يحاذر صولة الحجاج ظلما ... وما الحجاج ظلام لجاني إلى قوم إذا سمعوا بقتلي ... بكى شبانهم وبكى الغواني فإن أهلك فرب فتىً سيبكي ... عَلَى مهذبٍ رخص البنان ولم أك قد قضيت حقوق قومي ... ولا حق المهند والسنان المبر: الغالب. والكنيع: المنقبض. وأنفهنه: أعيينه، وأنشدني بعض أصحابنا أحسبه قَالَ لأبي العتاهية: لا تفخرن بلحية كثرت ... منابتها طويله تهوى بها هوج الرياح ... كأنها ذنب الحسيله قد يدرك الشرف الفتى ... يوماً ولحيته قليله

مطلب خطبة عبد الله بن الزبير لما سأل الوفد عن مصعب فأثنوا عليه خيرا

مطلب خطبة عبد الله بن الزبير لما سأل الوفد عَنْ مصعب فأثنوا عليه خيراً وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: قدم وفد العراق على ابن الزبير وهو في المسجد الحرام فسلموا عليه فسألهم عَنْ مصعب، فقالوا: أحسن الناس سيرة، وأقضاه بحق، وأعدله فِي حكم، فلما صلى الجمعة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قَالَ: قد جربوني ثم جربوني ... من غلوتين ومن المئين حتى إذا شابوا وشيبوني ... خلوا عناني ثم سيبوني أيها الناس، إني سالت الوفد عَنْ مصعب فأحسنوا الثناء عليه وذكروا ما أحبه، وإن مصعب أطبى القلوب حتى ما تعدل به، والأهواء حتى ما تحول عنه، واستمال الألسن بثنائها، والقلوب بنصحها، والنفوس بمحبتها، فهو المحبوب فِي خاصته، المحمود فِي عامته، بما أطلق الله لسانه من الخير، وبسط يده من البذل، ثم نزل وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قدم أعرابي البصرة فنزل عَلَى قوم من بني العنبر وكان فصيحاً، فكنا نسير إليه فلا نعدم منه فائدة، فجدر ثم برأ فأتيناه يوما فأنشدنا: ألم ياتها أني تلبست بعدها ... مفوفة صناعها غير أخرقا وقد كنت منها عارياً قبل لبسها ... فكان لباسيها أمر وأعلقا أعلق: أشد مرارة، وهذه الكلمة أول كلمة سمعتها من أَبِي بَكْرِ بن دريد، دخلت عليه وهو يملى عَلَى الناس، العرب تقول: هذا أعلق من هذا، أي أمر منه، وأنشدنا: نهار شراحيل بن طودٍ يريبني ... وليل أبي ليل أمر وأعلق أي أشد مرارة. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قدم أعرابي من بني ضبة البصرة فخطب امرأة من قومه فشطوا عليه فِي المهر، فأنشأ يقول: خطبت فقالوا هات عشرين بكرة ... ودرعا وجلبانا فهذا هو المهر وثوبين مرويين فِي كل شتوة ... قلت الزنا خير من الجرب القشر

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أنشدني أَبُو عثمان سعيد بن هارون: وشعثاء غبراء الفروع منيفة ... بها توصف الحسناء أو هي أجمل دعوت بها أبناء ليل كأنهم ... وقد أبصروها معطشون قد انهلوا يصف نارا وجلها شعثاء لتفرق لهبها. وغبراء الفروع لدخانها والفروع: الأعالي. ومنيفة: مرتفعة، يريد أنها عَلَى جبل أو فِي مكان عال. وقوله: بها توصف الحسناء، أي بها تشبه الجارية، وذلك أن العرب تصف الجارية فتقول: كأنها شعلة نار أو كأنها بيضة أدحيٍّ. وقوله: دعوت بها أبناء ليل، يعني النار دعا بضوئها أبناء الليل، أي قوما سرورا ليلا فجاورا عَنِ القصد. وقوله: كأنهم وقد أبصروا معطشون، يعني أنهم من فرحهم بهذه النار كأنهم قوم كانت عطشت إبلهم فأنهلوا، أي رويت إبلهم. تم الجزء الأول من كتاب الأمالي ويليه الجزء الثاني وأوله وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي الخ.

بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الثاني وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، وعبد الرحمن، عَنِ الأصمعي، قَالَ: قدم متمم بن نويرة العراق فأقبل لا يرى قبراً إلا بكى عليه، فقيل له: يموت أخوك بالملا وتبكي أنت عَلَى قبر بالعراق! فقَالَ: لقد لامني عند القبور عَلَى البكا ... رفيقي لتذراف الدموع السوافك أمن أجل قبرٍ بالملا أنت نائح ... عَلَى كل قبرٍ أو عَلَى كل هالك ويروي هذا البيت: فقَالَ أتبكي كل قبر رأيته ... لقبرٍ ثوى بين اللوي والدكادك فقلت له إن الشجا يبعث الشجا ... فدعني فهذا كله قبر مالك ألم تره فينا يقسم ماله ... وتأوي إليه مرملات الضرائك وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رحمه الله، لبعض طيئ يرثي الربيع، وعمارة ابني زياد العبسيين، وكانت بينهم مودة: فإن تكن الحوادث جربتني ... فلم أر هالكاً كابني زياد هما رمحان خطيان كانا ... من السمر المثقفة الصعاد تهال الأرض إن يطأ عليها ... بمثلهما تسالم أو تعادى ومما قرأت عليه لفاطمة بنت الأحجم بن دندنة الخزاعية: قد كنت لي جبلاً ألوذ بظله ... فتركتني أضحى بأجرد ضاحي قد كنت ذات حمية ما عشت ... لي وكنت أنت جناحي فاليوم أخضع للذليل وأتقي ... منه وأدفع ظالمي بالراح

وإذا دعت قمرية شجناً لها ... يوماً فننٍ دعوت صباح وأغض من بصري وأعلم أنه قد بان حد فوارسي ورماحي فقَالَ أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله: هذه الأبيات تمثلت بها عائشة، رضي الله عنها، بعد وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأت عَلَى أبى عبد الله نفطويه، هذه الأبيات فِي قصيدة للنابغة الجعدي وقت قراءتي عليه شعر النابغة: ألم تعلمي أني رزئت محاربا ... فما لك منه اليوم شيءٌ ولا ليا زمن قبله قد رزئت بوحوحٍ ... وكان ابن أمي والخليل المصافيا فتىً كملت خيراته غير أنه ... جواد فما يبقي من المال باقيا فتى تم فيه ما يسر صديقه ... عَلَى أن فيه ما يسوء الأعاديا وأنشدني أَبُو محمد بن درستويه النحوي، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس بن يزيد المبرد: أيا عمرو لم أصبر ولي فيك حيلةٌ ... ولكن دعاني اليأس منك إِلَى الصبر تصبرت مغلوباً وإني لموجعٌ ... كما صبر الظمآن فِي البلد القفر وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عبد الله بن المطيحي، قَالَ: قرئ عَلَى قبر بالمدينة: يا مفرداً سكن الثرى وبقيت ... لو كنت أصدق إذ بليت بليت الحي يكذب لا صديق لميتٍ ... لو صحّ ذاك ومت كنت أموت وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ لكعب بن زهير: لقد ولى أليته جويٌّ معاشر ... غير مطلول أخوها فإن تهلك جويّ فإن حرباً ... كظنك كان بعدك موقدوها ولو بلغ القتيل فعال قومٍ ... لسرك من سيوفك منتضوها كأنك كنت تعلم يوم بزت ... ثيابك ما سيلقي سالبوها

وقرات عليه للأحوص: إني عَلَى ما قد علمت محسد ... أنمي عَلَى البغضاء والشنآن ما تعتريني من خطوب ملمة ... إلا تشرفني وتعظم شأني فإن تزول تزول عن متخمطٍ ... تخشى بوادره لدي الأقران إني إذا خفي الرجال وجدتني ... كالشمس لا تخفي بكل مكان وأنشدني أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، عَنْ أبى العباس أحمد بن يحيى، إلا البيت الأول من هذه الأبيات فإني قرأته عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد: رأيت رباطاً حين تم شبابه ... وولي شبابي ليس فِي بره عتب إذا كان أولاد الرجال حزازةً ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب لنا جانبٌ منه دميثٌ وجانب ... إذا رامه الأعداء ممتنع صعب وروى ابن الأنباري: لنا جانب منه يلن وجانب ... ثقيلٌ عَلَى الأعداء مركبه صعب يخبرني عما سألت بهينٍ ... من القول لا ولا لغب ولا يبتغي أمناً وصاحب رحله ... بخوفٍ إذا ما ضم صاحبه الجنب سريعٌ إِلَى الأضياف فِي ليلة الطوى ... إذا اجتمع الشفّان والبلد الجدب وتأخذه عند المكارم هزةٌ كما اهتز ... تحت البارح الفنن الرطب وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، جافي الكلام قَالَ: أنشدني أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، لأطاة بن سهية، يهجو شبيب ابن البرصاء: من مبلغٌ فتيان مرة أنه ... هجاناً ابن برصاء العجان شبيب فلو كنت مرياً عميت فأسهلت كداك ولكن المريب مريب

مطلب حديث سالم بن قحفان العنبري وإعطائه صهره الأبعرة وما قاله لامرأته من الشعر وقد لامته على البذل

فسألته عَنْ معنى هذا البيت، فقَالَ: كان ابوه أعمى وجده أعمى وجد أبيه أعمى، يقول: فلو لم تكن مدخول النسب كنت أعمي كآبائك. أبي كان خير من أبيك ولم يزل ... جنيباً لآبائي وأنت جنيب وما زلت خيراً منك مذ عض كارهاً ... برأسك عادي النجاد ركوب يقول: ما زلت خيراً منك مذ عض برأسك فعل أمك أي مذ ولدت والعادي: القديم. والنجاد جمع نجد: وهو الطريق المرتفع. والركوب: المركوب الموطوء وهو فعول فِي معنى مفعول، وإنما هذا تشبيه جعل ما عض برأسه من فرجها مثل الطريق القديمة المركوبة فِي كثرة من يسلكها، يريد أنه قد ذلل حتى صار كتلك، فيقَالَ: إن شبيباً عمي بعد ما كبر فكان يقول: علم أني مريٌّ. مطلب حديث سالم بن قحفان العنبري وإعطائه صهره الأبعرة وما قاله لامرأته من الشعر وقد لامته عَلَى البذل وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، وقَالَ: سالم بن قحفان العنبري، وكان صهره أخو امرأته أتاه فأعطاه بعيراً من إبله وقَالَ لامرأته: هاتي حبلاً يقرن به ما أعطيناه إِلَى البعير، ثم أعطاه آخر، ثم أعطاه ثالثاً وقَالَ: هاتي حبلاً، فقَالَت: ما بقي عندي حبلٌ، فقَالَ لها: عَلَى الجمال وعليك الحبال، ثم قَالَ: لا تعذليني فِي العطاء ويسري ... لكل بعيرٍ جاء طالبه حبلا وقبله: لقد بكرت أم الوليد تلومني ... ولم أجترم جرماً فقلت لها مهلا فإني لا تبكي عَلَى إفالها ... إذا شبعت من روض أوطانها بقلا فلم أر مثل الإبل مالاً لمقتنٍ ... ولا مثل أيام الحقوق لها سبلا وزادني بعض أصحابنا عَنْ أبي الحسن الأخفش: إذا سمعت آذانها صوت سائل ... أصاخت فلم تأخذ سلاحاً ولا نبلا السلاح ههنا جمالها، يقول: سمنها يمنع صاحبها من أن يسخو بها، ولكنه يعطيها عَلَى كل حال لا يمنعه ذلك.

وحَدَّثَنَا أَبُو المياس، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن عبيد بن ناصح، قَالَ: قَالَ الأصمعي: قيل لذي الرمة: من أين عرفت الميم لولا صدق من نسبك إِلَى تعليم أولاد الأعراب فِي أكتاف الإبل؟ فقَالَ: والله ما عرفت الميم إلا أني قدمت من البادية إِلَى الريف فرأيت الصبيان وهم يجوزون بالفجرم فِي الأوق، فوقفت حيالهم أنظر إليهم فقَالَ غلام من الغلمة: قد أزقتم هذه الأوقة فجعلتموها كالميم، فقام غلام من الغلمة فوضع منجمه فِي الأوقة فنجنجه فأفهقها، فعلمت أن الميم شيء ضيق فشبهت عين ناقتي به وقد أسلهمت وأعيت قَالَ أَبُو المياس: الفجرم: الجوز. : ولم أجد هذه الكلمة فِي كتب اللغويين ولا سمعتها من أحد من أشياخنا غيره. والأوقة: الحفرة. وقوله: قد أزفتم أي ضيقتم. ونجنجه: حركه فأفهقها: ملأها. والمنجم: العقب، وكل ما نتأ وزاد عَلَى ما يليه فهو منجم. والكعب: منجم أيضاً. وأسلهمت: تغيرت، والمسلهم: الضامر المتغير. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لكثير: أقول لماء العين أمعن لعله ... بما لا يرى من غائب الوجد يشهد فلم أدر أن العين قبل فراقها ... غداة الشبا من لاعج الوجد تجمد ولم أر مثل العين ضنت بمائها ... عَلَى ومثلي عَلَى الدمع يحسد وقرأت عليه أيضاً: سيهلك فِي الدنيا شفيقٌ عليكم ... إذا غاله من حادث الدهر غائله ويخفي لكم حباً شديدا ورهبة ... وللناس أشغال وحبك شاغله وحبك ينسيني من الشيء فِي يدي ... ويذهلني عَنْ كل شيء أزاوله كريمٌ يميت السر حتى كأنه ... إذا استبحثوه عَنْ كل حديثك جاهله يود بأن يمسي سقيماً لعلها ... إذا سمعت عنه بشكوى تراسله ويرتاح للمعروف فِي طلب العلا ... لتحمد يوماً عند ليلى شمائله فلو كنت فِي كبلٍ وبحت بلوعتي ... إليه لأنت رحمة لي سلاسله

حديث المرأة التي سكنت البادية قريبا من قبور أهلها

حديث المرأة التي سكنت البادية قريباً من قبور أهلها حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: دُفعت يوماً فِي تلمسي بالبادية إِلَى وادٍ خلاء لا أنيس به إلا بيتٌ معتنزٌ بفنائه أعنزٌ وقد ظمئت فيممته فسلمت، فإذا عجوز قد برزت كأنها نعامةٌ راخم، فقلت: هل من ماء؟ فقَالَت: أو لبن؟ فقلت: ما كانت بغيتي إلا الماء، فإذا يسر الله اللبن فإني فقير، فقامت إِلَى قعب فأفرغت فيه ماء ونظفت غسله ثم جاءت إِلَى الأعنز فتغبّرتهن حتى احتلبت قراب ملء القعب، ثم أفرغت عليه ماء حتى رغا وطفت ثُمالته كأنها غمامة بيضاء، ثم ناولتني إياه فشربت حتى تحببت رياً، واطمأننت فقلت: إني أراك معتنزة فِي هذا الوادي الموحش والحلة منك قريب، فلو انضممت إِلَى جنابهم فأنست بهم! فقَالَت: يا ابن اخي، إني لآنس بالوحشة، وأستريح إِلَى الوحدة، ويطمئن قلبي إِلَى هذا الوادي الموحش، فأتذكر من عهدت، فكأني أخاطب أعيانهم، وأتراءى أشباحهم، وتتخيل لي أندية رجالهم، وملاعب ولدانهم، ومندى أموالهم، والله يا ابن أخي، لقد رأيت هذا الوادي بشع اللديدين، بأهل أدواح وقباب، ونعمٍ كالهضاب، وخيل كالذئاب، وفتيان كالرماح، يبارون الرياح، ويحمون الصباح، فأحال عليهم الجلاء قماً بغرفةٍ، فأصبحت الآثار دارسة، والمحال طامسة، وكذلك سيرة الدهر فيمن وثق به. ثم قَالَت: ارم بعينك فِي هذا الملا المتباطن، فنظرت، فإذا قبورٌ نحو أربعين أو خمسين، فقَالَت: ألا ترى تلك الأجداث؟ قلت: نعم! ما انطوت إلا عَلَى أخ أو عَلَى ابن أخ، أو عم أو ابن عم، فأصبحوا قد ألمأت عليهم الأرض، وأنا أترقب ما غالهم، انصرف راشداً رحمك الله: معتنز منفرد. والراخم: التي تحضن بيضها. مطلب أسماء القدح بفتحتين والقعب قدح إِلَى الصغر يشبه به الحافر، قَالَ امرؤ القيس: لها حافر مثل قعب الوليد ... ركّب فيه وظيفٌ عجر والغمر: القدح الصغير. والعُسّ: القدح الكبير. والتبن: أكبر منه. والصحن: القصير الجدار العريض. والرفد: القدح العظيم. والجنبل: القدح العظيم الجشب النحت الذي لم ينقح ولم يسور. والعلبة: قدح ضخم يعمل من جلود الإبل. وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: الكتن: القدح،

وقَالَ غيره: الوأب القدح المقعر الكثير الأخذ من الشراب. وقَالَ بندار: الوأب: المعتدل الذي ليس بصغير ولا كبير. قَالَ عمرو بن كلثوم فِي الصحن: ألا هبي بصحنك فاصبحينا وأنشد يعقوب فِي الجنبل: إذا انبطحت جافي عَنِ الأرض بطنها ... وخوأها رابٍ كهامة جنبل وقَالَ الأعشى فِي الرفد: رب رفدٍ هرقته ذلك اليوم ... وأسرى من معشر أقتال وتغبرتهن: احتلبت الغبر، وهي بقية اللبن فِي الضرع وجمعه قَالَ الحارث بن حلزة: لا تكسع الشول بأغبارها ... إنك لا تدري من الناتج وقراب وقريب واحد، مثل كبار وكبير وجسام وجسيم. ورغا: صارت له رغوة وفي رغوة ثلاث لغات، يُقَال: رُغوة ورَغوة ورِغوة. والثمالة: الرغوة. وتحببت: امتلأت، يُقَال: تحبب من الماء إذا امتلأ. والحلال: جماعات بيوت الناس، الواحدة حلة. والجناب بفتح الجيم: فناء الدار، يُقَال: أخصب جناب القوم وهو ما حولهم، والجناب بكسر الجيم: موضع. وفرسٌ طوع الجناب إذا كان سهل القياد. والأشباح: الأشخاص، يُقَال: شبْح وشبَح، لغتان. والأندية جمع ندي، والندي النادي: المجلس، ومنتدى القوم: موضع متحدثهم. والتندي يورد الرجل إبله ثم يرعاها ثم يوردها ثم يرعاها، والمندى: المكان الذي يندي فيه المال. وبشع ملآن. واللديدان: الجانبان. والدوحة: الشجرة العظيمة. والهضاب: الجبال الصغار. وقمنا: كنسا، يُقَال: قممت البيت، أس كنسته، والقمامة: الكناسة، والمقمة: المكنسة. والغرفة الواحدة من الغرف، وهي ضرب من الشجر. والملا: الفضاء، والمتباطن: المتطامن. وألمأت عليهم: احتوت عليهم. قَالَ أَبُو زيد: ألمأ عليهم يلمئ إذا احتوي عليهم، وتلمأت عليهم الأرض: استوت عليه ووارته، وأنشد: وللأرض كم من صالح قد تلمأت ... عليه فوارته بلماعةٍ قفر وغالهم: أهلكهم.

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن عَنْ عمه قَالَ أَخْبَرَنِي صخر بن قريط قَالَ: كان الهيثم بن جراد من أبين الناس، وإنه أتى قوماً ليزهدهم فِي منزلهم فقَالَ: يا بني فلان، ما أنت إِلَى الريف فتأكلوه، ولا إِلَى فلاةٍ فتعصمكم، ولا إِلَى وزر فليلجئكم، فأنتم نهزة لمن رامكم، ولعقة لمن قصدكم، وغرضٌ لمن رماكم، كالفقعة الشرباخ، يشدخها الواطئ ويركبها السافي: الوزر: الجبل والملجأ. والنهزة: الفرصة التي تتناول بعجلة. والفقعة: الكمأة البيضاء. والشرباخ: التي لا خير فيها. ويشدخها يرضها. والسافي: الريح التي تسفي التراب. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، قَالَ: رأى رجل من العرب بنيه يثبون عَلَى الخيل وقد تنادوا بالغارة، فذهب يروم ذلك مرة وثانية فلم يقدر، فقَالَ: من سره بنوه ساءته نفسه وأنشدنا أَبُو عبد الله للنابغة الجعدي: المرء يرغب فِي الحياة ... وطول عيشٍ قد يضره تفنى بشاشته ويبقي ... بعد حلو العيش مره وتسوءه الأيام حتى ... ما يرى شيئاً يسره كم شامت بي إن ... هلكت وقائلٍ لله دره وسمعت غير واحد من أشياخنا ينشد: كأن مواقع الظلفات منه ... مواقع مضر حيات بقار الظلفات: الخشبات اللواتي يقعن عَلَى جنب البعير، فشبه بياض مواضع الدبر وهي مواقع الظلفات بمواقع المضر حيات عَلَى القار. والمواقع جمع موقعة وهي: المكان الذي يقع عليه الطائر. والمضرحيات: النسور. والقار جمع قارة وهي: الجبيل الصغير، ولا يكون إلا أسود، وذلك أن البعير إذا دبر ثم برأ ابيض موضع الدبر، وكذلك ذرق الطائر إذا يبس ابيض فشبهه به. ومثله قول الاخر يصف ساقيا يستقي الماء ملحاً: كأن متنيه من النفي ... مواقع الطير عَلَى الصفي

ما دار بين عمر بن أبي ربيعة، وفتي من قريش يكلم جارية في الطواف

النفي: ما تطاير عَنِ الرشاء وعن معظم القطر من الصغار، فشبه ما قطر عَلَى ظهره من الماء الملح ويبس بذلك، ومثله: فما برحت سجواء حتى كأنما ... بأشراف مقراها مواقع طائر سجواء: اسم ناقة. ومقراها: محلبها، وإنما قيل له مقري لأنه قَالَ: وأشرافه: اعاليه فشبه ما عَلَى جوانب الإناء من رغوة اللبن بالمواقع، وهي المواضع التي تقع عليها الطير فترى سلوحها عليه مبيضة. ما دار بين عمر بن أبي ربيعة، وفتى من قريش يكلم جارية فِي الطواف وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن يحيى، عَنِ الزبير أن عمر بن أبي ربيعة نظر إِلَى فتى من قريش يكلم جارية فِي الطواف فعاب ذلك عليه فذكرها أنها ابنة عمه، فقَالَ: ذلك أشنع لأمرك، فقَالَ: إني أخطبها إِلَى عمي، وإنه زعم أنه لا يزوجني حتى أصدقها أربعمائة دينار وأنا غير قادر عَلَى ذلك، وذكر من حاله وحبه لها وعشقه، فأتى عمر عمه فكلمه فِي أمر، فقَالَ: إنه مملق وليس عندي ما أحتمل صلاح أمره، فقَالَ عمر: وكم الذي تريد منه؟ فقَالَ: أربعمائة دينار، قَالَ: فهي عَلَى فزوجه منها، ففعل ذلك. وكان عمر حين أسنّ حلف ألا يقول شعراً إلا أعتق رقبة، فانصرف إِلَى منزله يحدّث نفسه، فجعلت جاريته تكلمه ولا يجيبها، فقَالَت: إن لك لشأناً، وأراك تريد أن تقول شعراً، فقَالَ: تقول وليدتي لما رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حيناً أراك اليوم قد أحدثت أمراً ... وهاج لك الهوى داءً دفينا وكنت زعمت أنك ذو عزاء ... إذا ما شئت فارقت القرينا لعمرك هل رأيت لها سمياً ... فشاقك أم رأيت لها خدينا ويروي بربك هل أتاك لها رسولٌ فشاقك. . . . . . . فقلت شكا إِلَى أخٌ محبٌ ... كبعض زماننا إذ تعلمينا فقصّ عَلَى ما يلقى بهند ... فذكر بعض ما كنا نسينا

وذو الشوق القديم وإن تعزى ... مشوقٌ حين يلقى العاشقينا فكم من خلة أعرضت عنها ... لغير وكنت بها ضنينا أردت بعادها فصددت عنها ... وإن جنّ الفؤاد بها جنونا ثم دعا بتسعة من رقيقه فأعتقهم وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، من دريد، رحمه الله، عَنْ عبد الرحمن، عَنْ عمه لأم خالد الخثعمية فِي جحوش العقيلي: فليت سماكا يطير ربابه ... يقاد إِلَى أهل الغضا بزمام ليشرب منه جحوشٌ ويشيمه ... بعيني قطاميٍّ أغر شآم بنفسي عين جحوش وقميصه ... وأنيابه اللاتي جلا ببشام فأقسم أني قد وجدت بجحوش ... كما وجدت عفراء بابن حزام وما أنا إلا مثلها غير أنني ... مؤجلة نفسي لوقت حمام فإن ولج البيت حلٌّ لجحوش ... إذا جاء والمستأذنون نيام فإن كنت من أهل الحجاز فلا ... تلج وإن كنت نجدياً فلج بسلام رأيت لهم سيماء قومٍ كرهتهم ... وأهل الغضا قومٌ عَلَى كرام وأنشدنا بهذا الإسناد أيضاً لها: ايتها النفس التي قادها الهوى ... أمالك إن رميت الصدود عزيم فتنصر فِي عنه فقد حيل دونه ... وألهاه وصلٌ من سواك قديم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن عَنْ عمه قَالَ: أَخْبَرَنِي رجل من بني كلاب قَالَ: سئل رجل من بني عقيل كيف كان جحوش، فإن أم خالد فد أكثرت فيه؟ قَالَ: كان أحيمر أزيرق حنكلاً، كأنه أبنة عودٍ أو عقلة رشاء:

الحنكل: القصير. الأبنة العقدة فِي العود. وقَالَ أَبُو زيد: قَالَ العقيليون: وهو حذاءه وحذوه نصبٌ، أي مقابلته وهو حذوه رفعٌ إذا كان مثله. وقالوا: ندّ البعير يند نداداً ونديدا وندا. وقالوا: الخنق يخرق يقول: إذا اشتد عليك فخنقك أعطيته، الخنق اسم الفعل هنا. وقالوا: منزلنا منزل قلعة، القاف واللام مضمومان وهو المنزل الذي لا تملكه. وقالوا: يُقَال: قلدت الماء فِي الحوض أقلده قلداً وقلدت فِي السقاء من الماء واللبن إذا جعلت تملأ القدح من الماء ثم تصبه فِي السقاء فذلك القلد، وقلدت الشراب أقلده قلداً. وقلد فِي جوفه شراباً كثيراً. وقالوا: قنحت تقنح قنحاً، النون من المصدر ساكنة وهو التكاره فِي الشراب إذا تكارهت عليه بعد الري، وأكثر كلامهم تقنحت تقنحاً. وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ عَنْ أبيه، عَنِ القزويني، عَنْ يعقوب، فِي حديث أم زرع قولها: فأتقنح، أي فأقطع الشرب. وقالوا: ويسمى البياض الذي يظهر فِي أظفار الإنسان الكدب بكسر الدال، والواحدة كدبة باسكان الدال، وقَالَ بعضهم: الكدب، فأسكن الدال والواحدة كدبة، وقَالَ أَبُو المضاء: الكدب، بفتح الدال والواحدة كدبة باسكان الدال وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، عَنْ أبيه، عَنِ ابن رستم، عَنْ ثابت بن أبي ثابت، قَالَ: يُقَال للبياض الذي يظهر فِي أظفار الأحداث الفَوف والفُوف الوبش شذرة من أمثال العرب قَالَ أَبُو زيد: ومن أمثال العرب: لأنا أحذر من ضبٍّ حرشته. حرشت الصيد إذا صدته، ويقَالَ: إنه لأسمع من قراد. وأبصر من عُقاب. وأحذر من غراب. وإنه لأنوم من فهد. وأخف رأساً من الذئب ومن الطائر وأفحش من فاسية وهي الخنفساء إذا حركوها فست فأنتنت القوم بخبيث ريحها، ويقَالَ: إنه لأصنع من سرفه ومن تنوط، وهي طائر نحو القارية سواداً، تركب عشها تركيباً عَلَى عودين أو عود ثم تطيل عشها فلا يصل الرجل إِلَى بيضها حتى يدخل يده إِلَى المنكب. وأما السرفة فهي

ما وقع بين أبي الأسود الدولي وامرأته من المخاصمة في ولدها منه بين يدي زياد

دابة غبراء من الدود تكون فِي الحمض فتتخذ بيتاً من كسار عيدانه، ثم تلزقه بمثل نسج العنكبوت إلا أنه أصلب، ثم تلزقه بعود من أعواد الشجر وقد غطّت راْسها وجميعها فتكون فيه. وأنه لأخرق من حمامة وذلك أنها تبيض بيضاً عَلَى الأعواد البالية فربما وقع بيضها فتكسر. وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد: العرب تقول: هو أظلم من أفعى، وذلك أنها لا تحتفر جحرا إنما تهجم عَلَى الحيات فِي حجرتها، وتدخل فِي كل شق وثقب، وأنشدني قَالَ أنشدنا عبد الرحمن: كأنما وجهك ظلٌّ من حجر ... ذو خضلٍ فِي يوم ريح ومطر فأنت كالأفعى التي لا تحفر ... ثم تجيء سادرةً فتنجحر وكذلك هو أظلم من حية، وذلك أنها تدخل فِي كل جحر وتهجم عَلَى كل دابة. ومن أمثالهم: لا تهرف بما لا تعرف، والهرف: الإطناب فِي الثناء والمدح. وقَالَ أَبُو عبيدة: من أمثالهم: سبني واصدق يقول: لا أبالي أن تقول فِي مالا أعرفه من نفسي بعد أن تجانب الكذب. وقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أحمق يمطخ الماء، أي يلعقه، والمطخ: اللعق، يقول: لا يشرب الماء ولكنه يلعقه. وأحمق يسيل مرغه، وهو اللعاب. وأحمق لا يجأى مرغه، أي لا يحبس لعابه. ما وقع بين أبي الأسود الدولي وامرأته من المخاصمة فِي ولدها منه بين يدي زياد وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: جرى بين أبي الأسود الدؤلي وبين امرأته كلام فِي ابن كان لها منه وأراد أخذه منها، فسار إِلَى زياد وهو والي البصرة، فقَالَت المرأة: أصلح الله الأمير، هذا ابني كان بطني وعاءه، وحجري فناءه، وثديي سقاءه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل بذلك سبعة أعوام حتى إذا استوفى فصاله، وكملت خصاله، واستوكعت أوصاله، وأملت نفعه، ورجوت دفعه، أراد أن يأخذه مني كرهاً، فآدني أيها الأمير، فقد رام قهري، وأراد قسري، فقَالَ أَبُو الأسود: أصلحك الله، هذا ابني حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه فِي أدبه، وأنظر فِي أوده، وأمنحه علمي، وألهمه حلمي، حتى يكمل عقله، ويستحكم فتله، فقَالَت المرأة: صدق أصلحك الله، حمله خفاً، وحملته ثقلاً، ووضعه شهوة، ووضعته كرهاً، فقَالَ له زياد: اردد عَلَى المرأة ولدها فهي أحق به منك، ودعني من سجعك استوكعت: اشتدت، وقوله: فآدني أي قوني وأعني

مبحث ما تلحقه العرب بآخر الكلمة في الاستفهام الإنكاري

سؤال أعرابي آخر عن أخويه وعن نفسه وما أجاب به وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله تعالى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم سهل بن محمد، عَنِ العتبي قَالَ: أَخْبَرَنِي أعرابي عَنْ إخوة ثلاثة قَالَ: قلت لأحدهم أَخْبَرَنِي عَنْ أخيك زيد، فقَالَ: أزيدٍ إنيه، والله ما رأيت أحداً أسكن نورا، ولا أبعد غوراً، ولا آخذ لذنب حجةٍ قد تقدم رأسها من زيد. فقلت: أَخْبَرَنِي عَنْ أخيك زائد، قَالَ: كان والله شديد العقدة، لين العطفة، ما يرضيه أقل مما يسخطه، فقلت: عَنْ نفسك، فقَالَ: والله إني أفضل ما فِي لمعرفتي بفضلهما، وإني مع ذلك لغير منتشر الرأي، ولا مخذول العزم قَالَ أَبُو زيد الأنصاري: قَالَ الكلابيون: إذا قالوا: رأيت زيداً قلنا: زيداً إنيه بقطع الألف وتبيين النون. وقَالَ بعضهم: زيد نيه فألقى الهمزة وحركه بالفتح عَلَى نون التنوين وثقّل النون. وقَالَ أَبُو المضاء: أزيدا إنيه بألف الاستفهام قبل زيد ولم يفسره أَبُو زيد. مبحث ما تلحقه العرب بآخر الكلمة فِي الاستفهام الإنكاري هذه الزيادة تلحق فِي الاستفهام فِي آخر الكلمة إذا أنكرت أن يكون رأي المتكلم عَلَى ما ذكر أو يكون عَلَى خلاف ما ذكر، فإن كان ما قبله مفتوحاً كانت الزيادة ألفاً، وإن كان مكسوراً كانت الزيادة ياء، وإن كانت مرفوعة كانت الزيادة واو، وإن كان ساكناً حرك لئلا يلتقي ساكنان، لأن هذه الزيادات مدات، والمدات سواكن، فتحركه بالكسر كما يحرك الساكن إذا لقيه الألف واللام الساكن، فإذا قَالَ الرجل: رأيت زيد قلت أزيدنيه لأن النون هي التنوين ساكنين فحركتها بالكسر لئلا يلقى ساكنان، ويقول: قدم زيدٌ، فتقول: أريدينيه، فإن قَالَ: رأيت عثمان قلت: أعثماناه، فإن قَالَ: أتاني عمرو، قلت: أعمروه كما قلت فِي الندبة: واغلامهوه، لأن هذا علمٌ لما ذكرت لك كما أن هذا علم للندبة. وذكر سيبوبه أنه سمع رجل من أهل البادية وقيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقَالَ: أنا إنيه، وإنما أنكر أن يكون رأيه عَلَى خلاف الخروج، وكل ما ذكرت، إما أن تنكر عَلَى المخبر أن يثبت

رأيه عَلَى ما ذكر أو أن يكون عَلَى خلاف ما ذكر، فإن قَالَ رأيت زيداً وعمراً قلت: أزيداً وعمرنيه تكون الزيادة فِي منتهى الكلام، ألا ترى أنه إذا قَالَ: ضربت قلت: أضربتاه، فإن قَالَ: ضربت عمر قلت: أضربت عمراه، وكذلك إن قَالَ: ضربت زيداً الطويل قلت: أزيداً الطويلاه وتعرب الاسم الذي ذكره عَلَى ما أعربه. فإن كان رفعاً رفعته وإن كان نصباً نصبته وإن كان جراً جررته، ألا ترى أنه لو قَالَ: مررت بحذام قلت: أحذاميه، وربما زادت العرب إن إيضاحاً للعلم، ولذلك قالوا: إنيه لأن الهاء والياء خفيان والهمزة والنون واضحان كما زادوا إن فِي قولهم: ما إن فعلت كذا وكذا. : سألت أبا محمد فقلت له: لِمَ لَمْ يقولوا إناه؟ فقَالَ: لأن الألف علامة حركة النون وتبيين لها، وقد سبقت فلم يجز أن يقيموا علامة محدثة ويسقطوا علامة متقدمة وهما علامتان، فأما ما حكاه أَبُو زيد من قوله: أزيدنيه بتثقيل النون، فإنما هذا عَلَى لغة من يقف عَلَى الحرف بالتشديد كما قالوا: سبسب وكلكل، فكذلك هذا وقف عَلَى زيدن فشدد، فلما ألحق به علامة حركه بالكسر، لأنه توهم أن التنوين أصل فلذلك قَالَ أزيدنيه. وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لجندل الطهوي: قد خرّب الأنضاد نشاد الحلق ... من كل بالٍ وجهه بالي الخلق النضد: ما ينضد من أمتعتهم وأزوادهم ناحية البيت، فيعني أن قوماً يجيئون بعلة أنهم ينشدون إبلاً، فنحتاج إِلَى أن نقريهم فيخربون أنضادنا، ويعني بالحق إبلاً سماتها الحلق. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، عَنْ عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً من بني كلاب يذكر رجلاً فقَالَ: كان والله الفهم منه ذا أذنين، والجواب ذا لسانين، لم أر أحدا كان أرق لخلل رأيٍ منه، ولا أبعد مسافة رويةٍ ومراد طرف، إنما يرمي بهمته حيث أشار إليه الكرم، وما زال والله يتحسى مرارة أخلاق الإخوان ويسقيهم عذوبة أخلاقه: أرتق: أسد، يُقَال: رتقت الشيء إذا سددته أو شددته. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: ذكر رجل عند أعرابي فوقع فيه قوم، فقَالَ: أما والله إنه لآكلكم للمأدوم، وأعطاكم للمغروم، وأكسبكم للمعدوم، وأعطفكم عَلَى المحروم

ما وقع من بعض جلساء ابن أبي عتيق من تفضيله شعر الحارث بن خالد على شعر عمر بن أبي ربيعة ورد ابن أبي عتيق عليه

ما وقع من بعض جلساء ابن أبي عتيق من تفضيله شعر الحارث بن خالد عَلَى شعر عمر بن أبي ربيعة ورد ابن أبي عتيق عليه وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الزبير، عَنْ يوسف بن عبد العزيز الماجشون، قَالَ: ذكر شعر الحارث بن خالد وعمر ابن عبد الله بن أبي ربيعة، عند ابن أبي عتيق، وفي مجلس رجل من ولد خالد بن العاص بن هشام ابن المغيرة، وقَالَ صاحبنا: الحارث أشعرهما، فقَالَ ابن أبي عتيق: بعض قولك يا بن أخي، فلشعر ابن أبي ربيعة لوطة بالقلب، وعلق بالنفس، ودرك للحاجة ليس لشعر، وما عصى الله بشعر أكثر مما عصي بشعر بن أبي ربيعة، فخذ عني ما أصف لك: أشعر قريش: من رق معناه، ولطف مدخله وسهل مخرجه ومتن حشوه وتعطفت حواشيه وأنارت معانيه وأعرب عَنْ صاحبه، فقَالَ: الذي من ولد خالد بن العاص: صاحبنا الذي يقول: إني وما نحروا غداة منى ... عند الجمار تئودها العقل لو بدلت أعلى مساكنها ... سفلا وأصبح سفلها يعلو فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيرده الإقواء والمحل لعرفت مغناها لما احتملت ... مني الضلوع لأهلها قبل فقَالَ ابن أبي عتيق: يا ابن أخي، استر عَلَى صاحبك ولا تشاهد المحاضر بمثل هذا، أما تطيّر الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله، ما بقي إلا أن يسأل الله حجارة من سجيل، ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبة للرّبع من صاحبك وأجمل مخاطبة حين يقول: سائلاً الربع بالبلى وقولا ... هجت شوقا لي الغداة طويلاً أين حيٌ حلوك إذ أنت مسر ... وربهم أهل أراك جميلاً قَالَ ساروا فأمعنوا فاستقلوا ... وبكرهي لو استطعت سبيلاً سئمونا وما سئمنا مقاماً ... واستحثّوا دماثة وسهولا

مطلب الكلمات التي جاءت بمعني أصل شيء

مطلب الكلمات التي جاءت بمعنى أصل شيء قَالَ أَبُو زيد الأنصاري: الشرخ والسنخ والنجار والنّجر: الأصل، وأنشد يعقوب: متئد الحشى بطيئا ًنقره كأن نجر الناجرات نجره والأروم والأرومة، قَالَ زهير: له فيه الذاهبين أروم صدق ... وكان لكل ذي حسب أروم والسنخ: الأصل، وأنشد ابن الأعرابي: وسنخنا من خير أسناخ العرب ... ونحن فِي الثروة والعزّ الأشب والبنك والعنصر جميعاً، قَالَ الفرزدق: ليست هدايا القافلين أتيتم بها ... أهلكم يا شر جيشين عنصرا والضئضئ والبؤبؤ مهموزان، وقَالَ جرير: حتى أنخناها إِلَى باب الحكم خليفة الحجاج غير المتهم فِي ضئضئ المجد وبؤبؤ الكرم يمدح الحكم بن أيوب بن يحيى بن الحكم الثقفي. والعرق والنحاس، وأنشد يعقوب: يأيها السائل عَنْ نحاسي ... قصر مقياسك عَنْ مقياسي والعيص والأسّ والإسّ والإسّ والأص وجمعه آصاص، وقَالَ القلاخ: ومثل سوّار رددناه إِلَى إدرونه ولؤم أصه عَلَى ألرغم موطوء الحمى مذللا وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد: قلال مجد فرعت آصاصا وعزة قعساء لا تناصي والجذم، قَالَ أوس بن حجر غنى تآوى بأولادها لتهلك جذم تميم بن مر

والإرث والسر والمركب والمنبت والكرس والقنس وهذان الحرفان رواهما أَبُو عبيد عنه. وكان الطوسيّ يزعم أن أبا عبيد روى قبسا ًبالباء، قَالَ: وهو تصحيف، وكذا قَالَ أحمد بن عبيد: وروى قنساً بالنون وهؤلاء كلهن: الأصل، قَالَ العجاج: بين ابن مروان قريع الإنس وابنة عباس قريع عبس فِي قنس مجد فوق كل قنس وقَالَ الأصمعي: الجنث: الأصل، قَالَ العجاج: كالجبل الأسود فِي جنث العلم وقَالَ أَبُو عبيدة: الحنج والبنج والعكر: الأصل، يُقَال: رجع إِلَى حنجه وبنجه وعكره. وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: المزر: الأصل، والجذر: الأصل، كذا قَالَ بكسر الجيم، وقَالَ الأصمعي: الجذر. وقَالَ أبو عبيد: قَالَ غير واحد: الجرثومة: الأصل. النصاب والمنصب والمحتد والمحكد. قَالَ زهير فِي المنصب: من الأكرمين منصباً وضريبة ... إذا ما تشا تأوى إليه الأرامل وقَالَ آخر فِي المحتد: حتى انتصى من هاشم فِي محتدٍ ... أكرم بذلك محتدا وصميما وقَالَ حميد الأرقطفي المحكد يعرض بابن الزبير: ليس الأمير بالشحيح الملحد ... ولا بوبر بالحجاز مقرد إن ير يوما ًبالفضاء يصطد ... أو ينجحر فالجحر شر محكد وقَالَ أَبُو عمرو: الطخس: الأصل، يُقَال: هو الأمهم طخسا، أي أصلا، قَالَ أَبُو الغريب النصري: إنّ امرأ أخّر من أصلنا ... ألأمنا طخساً إذا ينسب والإرس: الأصل، يُقَال: إنه لئيم الإرس أي: الأصل، قَالَ أَبُو الغريب أيضاً: إنّ لئيم الإرس غير نازعٍ ... عَنْ وذء جاريه الغريب والجنب

الوذء: الشتم، والجنب: القريب، وقَالَ أحمد بن يحيى: الوذء: المكروه من الكلام شتماً كان أو غيره، وأنشدنا بيتاً لم يحفظ صدره. ولا أَذَأُ الصديقَ بما أقول ويقَالَ: إنه للئيم القرق أي: الأصل، قَالَ دكين السعدي فِي فرس له. ليست من القرق البطاء دوسر قد سبقت قيساً وأنت تنظر وقَالَ الأموي عَنْ أبى المفضل من بني سلامة: الضنء: الأصل، والضنء: الولد. وقَالَ الفراء: النِّجار والنُّجار والنِّحاس والنُّحاس بالضم والكسر. وقَالَ يعقوب عَنْ أبي زيد: السِّنح والسنج بالحاء والجيم. وقَالَ ابن الأعرابي: المحتد والمحقد والمحكد والمحفد أربع لغات: الأصل. وقَالَ الأصمعي: أحسن النساء الفخمة الأسلة، وأقبحهنَّ الجهمة القفرة وهي القليلة اللحم. وأغلظ المواطئ الحصباء عَلَى الصَّفا. وأشد الرجال الأعجف الضَّخم، يقول: ضخم الألواح كثير العصب، وأنشد. أعجف ألا من عظام وعصب وأسرع الأرانب أرنب الخلة، وذلك أن الخلة تطويها ولا تفتقها، والحمض يفتقها. وأسرع التُّيوس تيس الحلُّب. وقَالَ بعض الأعراب: أطيب مضغة أكلها الناس صيحانية مصلبة. : المصلبة: التي قد سال صليبها، وهو ودكها وإن لم يكن هناك ودك. قَالَ: ويقَالَ: آكل الدواب برذونة رغوث، وهي التي يرضعها ولدها. وأقبح هذيلين المرأة والفرس. وأطيب غثٍّ أكل غث الإبل. وأخبث الأفاعي الجدب. وأخبث الحيّات حيّات الحماط وهو شجر. ويقَالَ أهون مظلوم سقاء مروب. وهو الذي يسقي منه قبل أن يُمَخَّضَ وَيُنْزَعَ زُبَده، وأنشد: وصاحب صدق لم تنلني شكاته ... ظلمت وفي ظلمي له عامدا أجر

يعني وطب لبن. وشُّر المال ما لا يزكي ولا يذكي يعني الحمير. وأخبث الذئاب ذئاب الغضا. وأطيب الإبل لحماً ما أكل السّعدان. وأطيب الغنم لبناً ما أكل الحربث. وقَالَ أَبُو زيد: من أمثالهم: لا تعدم الخرقاء علة، يريد أن العلل كثيرة يسيرة فهي لا تعدم أن تعتل بعلة عند خطابها، وأنشد أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله تعالى: جبّت نساء العالمين بالسّبب ... فهنّ بعد كلهن كالمحب جبت: غلبت. والسبب: الحبل، يعني أنها قدّرت عجيزتها بحبل ثم دفعته إِلَى النساء ليقدّرن كما قدّرت فغلبتهن بذلك. والمحبّ: الساقط اللاصق بالأرض، يُقَال: أحب البعير إذا سقط فلم يبرح، ومثله قوله الآخر أنشده ابن الأعرابي: لقد أهدت حبابة بنت جلٍّ ... لأهل جلاجل حبلاً طويلاً وقَالَ الاْصمعيّ: وأَبُو زيد: من أمثالهم أعن صبوحٍ ترقِّق، وكان المفضّل الضّبي يخبر بأصل هذا المثل، قَالَ: كان رجل نزل بقوم فأضافوه وغبقوه، فلما فرغ قَالَ: إذا صبحتموني غداً كيف آخذ فِي حاجتي، فقيل له عند ذلك: أعن صبوح ترقق؟ وإنما أراد الضيف أن يوجب عليهم الصبوح. قَالَ الأصمعي: ومن أمثالهم كأنما أفرغ عليه ذنوباً إذا كلمه بكلمة عظيمة يسكته بها. وقرأت عَلَى أبى عبد الله لعمر بن أبي ربيعة: هل تعرف الدار والأطلال والدِّمنا ... زدن الفؤاد عَلَى علاّته حزنا دار لأسماء قد كانت تحل بها ... وأنت إذ ذاك قد كانت لكم وطنا لم يجيب القلب شيئاً مثل حبكم ... ولم تر العين شيئاً بعدكم حسناً ما إن أبالي أدام الله قربكم ... من كان شط من الأحياء أو ظعنا فإن نأيتم أصاب القلب نأيكم ... وإن دنت داركم كنتم لنا سكنا إن تبخلي لا يسلى القلب بخلكم ... وإن تجودي فقد عنَّيتني زمنا أمسى الفؤاد بكم يا هند مرتهنا ... وأنت كنت الهوى والهم والوسنا إذ تستبيك بمصقول عوارضه ... ومقلتي جؤذر لم يعد أن شدنا

خطبة الأحنف بن قيس لقوم كانوا عنده

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو عَلَى الغنويّ، وأَبُو حسن بن براء، وأَبُو العباس أحمد بن يحيى لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: والألفاظ فِي الرواية مختلطة كتمت الهوى حتى أضربك الكتم ... ولامك أقوام ولومهم ظلم ونم عليك الكاشحون وقبلهم ... عليك الهوى قد نم لو نفع النم وزادك إغراءُ بها طول بخلها ... عليك وأبلى لحم أعظمك الهمُّ فأصبحت كالنهدي إذ مات حسرة ... عَلَى إثر هند أو كمن سقي السمُّ ألا من لنفسٍ لا تموت فينقضى ... شقاها ولا تحيا حياةً لها طعم تجنّبت إتيان الحبيب تأثماً ... ألا إن هجران الحبيب هو الإثم فذق هجرها قد كنت تزعم أنه ... رشادُ ألا يا ربما كذب الزِّعم وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فلو أكلت من نبت دمعي بهيمةُ ... لهيَّج منها رحمةً حين تأكله ولو كنت فِي غلٍّ فبحت بلوعتي ... اليه للانت لي ورقت سلاسله ولما عصاني القلب أظهرت عولةً ... وقلت ألا قلبٌ بقلبي أبادله خطبة الأحنف بن قيس لقوم كانوا عنده حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله تعالى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التوزيّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رجل من أهل البصرة، عَنْ رجل من بني تميم، قَالَ: حضرت مجلس الأحنف بن قيس وعنده قوم مجتمعون فِي أمر لهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قَالَ: إن الكرم، ومنع الحرم، ما أقرب النقمة من أهل البغي، لا خير فِي لذة تعقب ندماً، لن يهلك من قصد، ولن يفتقر من زهد، ربَّ هزلٍ قد عاد جداً، من أمن الزمان خانه، ومن تعظم إليه أهانه، دعوا المزاح فإنه يؤرث الضغائن، وخير القول ما صدّقه الفعل، احتملوا لمن أدل عليكم، وأقبلوا عذر من اعتذر اليكم، أطع أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك، أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك، وإياكم ومشاورة النساء، واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، ومن الكرم الوفاء بالمذمم، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد اللَّطف، والعداوة بعد الودّ، لا تكونن عَلَى الإساءة أقوى منك عَلَى الإحسان، ولا إِلَى البخل أسرع منك إِلَى البذل. واعلم

حديث الجارية التي اشتراها أبو السمراء لعبد الله بن طاهر

أن لك من دنياك، ما أصلحت به مثواك، فأنفق فِي حقِّ، ولا تكونن خازناً لغيرك. وإذا كان الغدر فِي الناس موجوداً، فالثقة بكل أحد عجز، إعرف الحق لمن عرفه لك. واعلم أن قطيعة الجاهل، تعدل صلة العاقل. قَالَ: فما رأيت كلاماً ما أبلغ منه، فقمت وقد حفظته وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: ذكر أعرابي قوماً فقَالَ: أدبتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تغررهم السلامة المنطوية عَلَى الهلكة، وجانبوا التسويف الذي به قطع الناس مسافة آجالهم، فذلت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقَالَ، وشفعوه بالفعال وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعيّ، قَالَ: رأيت أعرابياً يصلي وهو يقول: أسألك الغفيرة، والناقة الغزيرة، والشّرف فِي العشيرة، فإنها عليك يسيرة حديث الجارية التي اشتراها أَبُو السمراء لعبد الله بن طاهر وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن عَلَى المديني، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفضل الرَّبعي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو السمراء، قَالَ: دخلت منزل نخَّاس فِي شراء جارية فسمعت فربيت بإزاء البيت الذي كنت فيه صوت جارية وهي تقول: وكنا كزوجٍ من قطّا فِي مفازة ... لدى خفض عيشٍ معجبٍ مونقٍ رغد أصابهما ريب الزمان فأفردا ... ولم نر شيئاً قطُّ أوحش من فرد فقلت للنَّخَّاس: اعرض عَلَى هذه الجارية المنشدة، فقَالَ: إنها شعثة مرهاء حزينة، فقلت: ولمَ ذلك؟ قَالَ: اشتريتها من ميراث فهي باكية عَلَى مولاها، ثم لم ألبث أن أنشدت: وكنا كغضي بانة وسط روضة ... نشم جني الرَّوضات فِي عيشةٍ رغد فأفرد هذا الغصن من ذاك قاطعٌ ... فيا فردةً باتت تحنّ إِلَى فرد قَالَ أَبُو السمراء: فكتبت إِلَى عبد الله بن طاهر أخبره بخبرها، فكتب إِلَى أن ألقِ عليها هذا البيت فإن أجابت فاشترها ولو بخراج خرسان، والبيت: بعيد وصلٍ قريب صدٍّ ... جعلته منه لي ملاذا

مطلب الكلمات التي تعاقب الصاد الضاد

قَالَ: فألقيته عليها، فقَالَت فِي سرعة: وعاتبوه فذاب عشقاً ... ومات وجداً فكان ماذا قَالَ أَبُو السمراء: فاشتريتها بألف دينار وحملتها إليه فماتت فِي الطريق قبل أن تصل إليه، فكانت إحدى الحسرات إليه وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لابن ميادة وهو الرمّاح بن الأبرد: تبادر العضاه قبل الاشراق ... بمقنعاتٍ كقعاب الأوراق المقنع: الفم الذي يكون عطف أسنانه إِلَى داخل الفم، وذلك القوي الذي يقطع به كل شيء، فإذا كان انصبابها إِلَى الخروج فهو أدفق وذلك ضعيف لا خير فيه. والقِعاب: جمع قعب. والأوراق جمع ورِقِ وهو الفضة، يريد: أنها أفتاء فأسنانها بيضٌ لم تقلح، أي لك تصفر. : وقد رد ما ذكرناه، وهو قول الأصمعي، ابن الأعرابي، فقَالَ يقول: بادرت العضاه برءوس ضخام ... كأنها قعاب ورق كبراً وقَالَ: قد تكون قعاب الورق سودا. : ويفسدها ما ذهب إليه قوله: كأنها قعاب الورق كبرا، لأن قعب القدح صغير فكيف يشبه رءوسها بالقعاب فِي الكبر. فأما قوله: قد تكون قعاب الورق سوداً بمبطل لما قَالَ الأصمعي، لأن الورق لا يكون أسود إلا بتغير لونه بالإحراق، وما كانت العرب تعرف المحرق من الفضة، ومع هذا فلا نستعمل أحد قدحا من الفضة سوداء وحدها وإنما يجري السواد فِي البياض. مطلب الكلمات التي تعاقب الصاد الضاد قَالَ يعقوب بن السكيت: يُقَال: عاد ضئضئه وصئصئه، أي إِلَى أصله والهمز الأصل، وأنشد: أنا من ضئضئ صدقٍ بخ ومن أكرم حدل من عزاني قَالَ به به سنخ ذا أكرم أصل الحذل: الحِجْر. وقَالَ اللحياني: بخ بخ، وبه به، يُقَال للإنسان إذا عظم.

وقَالَ أَبُو عمرو: ما ينوض بحاجة وما يقدر عَلَى أن ينوص، أي يتحرك ومنه قوله عز وجل: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] ومناصٌ ومناضٌ واحد. ويقَالَ: انقاض وانقاص بمعنى واحد، وقَالَ الأصمعي: المنقاض: المنقعر من أصله، والمنقاص: المنشق طولاً، يُقَال: انقاضت الركية، وانقاصت السن انقياصاً، إذا انشقت طولاً، والقيص: الشق طولاً، وأنشد لأبي ذؤيب: فراقٌ كقيص السن فالصبر إنه ... لكل أناسٍ عثرةٌ وجبور وقَالَ الأصمعي: مضمض لسانه ومصمصه إذا حركه، وقَالَ: حَدَّثَنَا عيسى بن عمر، قَالَ: سألت ذا الرمة عَنِ النضناض فأخرج لسانه وحركه، قَالَ الراعي: يبيت الحية النضناض منه ... مكان الحب يستمع السرارا وقَالَ اللحياني: يُقَال: تصافوا عَلَى الماء وتضافوا. ويقَالَ صلاصل الماء وضلاضله لبقاياه. وقبضت قبضة وقبصت قبصة، ويقَالَ: إن القبصة أقل من القبضة. وغيره يقول: القبص بأطراف الأصابع والقبض بالكف كلها. وقَالَ اللحياني: سمعت أبا زيد يقول: تضوّك بخرئه، وسمعت الأصمعي يقول: تصوّك بالصاد غير معجمة. وقَالَ أَبُو عبيدة: يُقَال صاف السهم يصيف، وضاف يضيف إذا عدل عَنِ الهدف. وتضيفت الشمس للغروب، وتصيفت إذا مالت ودنت من الغروب، ومنه اشتق الضيف، يقال ضافني الرجل إذا دنا منك ونزل بك، قَالَ أَبُو زبيد: كل يوم ترميه منها برشق ... فمصيب أوصاف غير بعيد وقَالَ الأصمعي: جاص وجاض أي عدل. وقَالَ اللحياني: يُقَال إنه لصل أصلال وصل أضلال. قَالَ: ويقَالَ ضُلّ أضلال. وقَالَ أبو بكر بن دريد: يُقَال للرجل إذا كان داهيةً إنه لصل أصلال: والصلّ الحية التي تقتل إذا نهشت من ساعتها. وقَالَ الأصمعي: يُقَال مصمص إناءه ومضمضه إذا غسله:

وقرأت عَلَى أبى عبد الله إبراهيم بن محمد عرفة نفطويه، لعمر بن أبي ربيعة: قَالَت سكينة والدموع ذوارفٌ ... تجري عَلَى الخدين والجلباب ليت المغيري الذي لم أجزه ... فيما أراد تصيدي وطلابي كانت تريد لنا المنى أيامنا ... إذ لا نلام عَلَى هوىً وتصابي خُبّرت ما قَالَت فبتّ كأنما ... يرمي الحشى بنوافذ النشاب أسكين ما ماء الفرات وبرده ... منى عَلَى ظمإ وفقد شراب بألذ منك وإن نأيت وقلما ... يرعى النساء أمانة الغياب إن تبذلي لي نائلاً أشفى به ... سقم الفؤاد فقد أطلت عذابي وعصيت فيك أقاربي فتقطعت ... بيني وبينهم عرى الأسباب فتركتني لا بالوصال ممسكاً ... منهم ولا أسعفتني بثواب فقعدت كالمهريق فضلة مائه ... فِي حر هاجرة للمع سراب وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، وعبد الله بن خلف، قالا: حَدَّثَنَا ابن أبي سعيد، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بن عبد الرحمن الشافعي، قَالَ: سمع سعيد بن المسيب منشداً ينشد: تضوع مسكاً بطن نعمان إن مشت ... به زبيب فِي نسوةٍ خفرات ولما رأت ركب النميري أعرضت ... وكنّ من ان يلقينه حذرات قَالَ: فقَالَ سعيد: هذا والله مما يلذّ استماعه، ثم قَالَ: وليست كأخرى وسعت جيب درعها ... وأبدت بنان الكف للجمرات وعالت فتات المسك وحفاً مرجّلاً ... عَلَى مثل بدرٍ لاح فِي الظلمات وقامت تراءى يوم جمعٍ فأفتنت ... برؤيتها من راح من عرفات قَالَ: فكانوا أن الشعر الثاني لسعيد بن المسيب

قَالَ: وأنشدني أَبُو الحسن بن الراء، قَالَ: انشدنا محمد بن غالب، لأبي فنجويه الرفاء، وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب: لي بالسّلو عنك وقلبي حشوه ... الهمّ يا بعيداً قريب يا سقامي ويا دوائي جميعاً ... وشفائي من الضنا والطبيب حيثما كنت فِي البلاد وكنّا ... فعلينا لكل عينٍ رقيب ما يريد الوشاة منك ومني ... دون هذا له تشق الجيوب وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لامرأة من العرب تسمى شقراء: خليليّ إن أصعد تما أو هبطتما ... بلادا هوى نفسه فاذكرانيا ولا تدعا إن لامني ثم لائمٌ ... عَلَى سخط الواشين أن تعذرنيا فقد شفّ جسمي بعد طول تجلدي ... أحاديث من عيسى تشيب النواصيا سأرعى لعيسى الودّ ما هبت الصبا ... وإن قطعوا فِي ذاك عمداً لسانيا وقرأت عليه لامرأة من بني نصر بن دهمان: ألا ليتني صاحبت ركب ابن مصعبٍ ... إذا ما مطاياه اتلأبّت صدورها إذا خدرت رجلي دعوت ابن مصعب ... فإن قيل عبد الله أجلى فتورها وقرأت عليه لامرأة من بني أسد: بنفسي من اهوى وأرعى وصاله ... وتنقض مني بالمغيب وثائقه حبيبٌ أبى إلا اطراحي وبغضتي ... وفضّله عندي عَلَى الناس خالقه وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدني أبي لابن الدمينة: ألا يا حمى وادي المياه قتلتني ... أباحك لي قبل الممات مبيح ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح

أبي الناس ويب الناس لا يشترونها ... ومن ذا الذي يشري دوىً بصحيح قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: الدوى: المرض الشديد. والدوى: الرجل الشديد المرض. والدوى: الرجل الأحمق. وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد: وقد أقود بالدوى المزمل ... أخرس فِي السفر بقاق المنزل وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن الأنباري: الدوا جمع دواة. والدواء بالمد: ما يتداوى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، قَالَ: العرب تقول: إنك ستساق إِلَى ما أنت لاقٍ وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، قول الشاعر: ستبكي المخاض الحرب إن مات هيثمٌ ... وكل البواكي غيرهن جمود يقول: كان يحسن إليها ولا ينحرها، وهذا هجاء وضده مدح وهو قوله: قتيلان لا تبكي المخاض عليهما ... إذا شبعت من قرمل وأفاني يعني أنه يعقرها ويهبها فلا تحزن عليه. والقرمل: واحدها قرملة وهي شجرة ضعيفة كثيرة الماء تنفضخ إذا وطئت. ومن أمثالهم ذليلٌ عاذ بقرملة. والأفاني: نبت، واحدتها أفانية، ينبت فِي السهل وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنى أبي، لمحرز العكلي: يظل فؤادي شاخصاً من مكانه ... لذكر الغواني مستهاماً متيماً إذا قلت مات الشوق مني تنسمت ... به أريحيات الهوى فتنسما وأنشدنا قَالَ: أنشدني أبي، لرجل من بني رياح: كفى حزناً أن لا يزال يعودني ... عَلَى النأي طيفٌ من خيالك يا نعم وأنت مكان النجم منا وهل لنا ... من النجم إلا أن يقابلنا النجم وقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: رتمت أرتم رتماً، وحطمت أحطم حطماً، وكسرت أكسر كسراً، ودققت أدق دقاً. هؤلاء الأربع جماع الكسر فِي كل وجه من الكسر، وأنشدنا غيره:

لأصبح رتماً دقاق الحصى مكان النَّبِيّ من الكاتب ويقَالَ: رضضت أرض رضاً. وفضضت أفضُّ فضّا. ورفضت أرفض رفضا. هؤلاء الثلاث فِي الكسر سواء. وهرست أهرس هرساً إذا دققت الشيء فِي المهراس. والهرس والوهس: دقك الشيء وبينه وبين الأرض وقاية، ومثله نحزت أنحز نحزا. : ومنه المنحاز وهو الهاون. قَالَ أَبُو زيد: نحزت النسيج إذا جذبت إليك الصيصية، غير مهموزة، لتكم اللُحمة. وسحق يسحق سحقاً وهو أشد الدق تدقيقاً، وسحقت الأرض الريح إذا عفت الآثار وأسفت التراب، وانسحق الثوب انسحاقاً إذا سقط زئبره وهو جديد. وسهكت تسهك سهكاً، والريح تسهك التراب كما تسحق. ورهك يرهك رهكاً، وجش يجش جشاً. فالرهك ما جش بين حجرين، والجش ما طُحن بالرحيين، والشيء جشيش ومجشوش. وطحنت أطحن طحناً، والطحن بالكسر: الدقيق. ورضخت أرضخ رضخاً بإعجام الخاء. وشدخت أشدخ شدخاً. وفدغت أفدغ فدغاً. وثلغت أثلغ ثلغاً، وثمغت أثمغ ثمغاً وهؤلاء الخمس فِي الرطب. وقَالَ غير أبي زيد: يُقَال: رضخت النوى بالخاء رضخنا: رضضته، ويقَالَ للحجر الذي يرضّ به: المرضاخ. والرضخة: النواة التي تطير من تحت الحجر، قَالَ الشاعر: جلذية كأتان الضحل صلبها ... جرم السوادي رضوه بمرضاخ يصف ناقة. وقَالَ أَبُو زيد: وغضف يغضف غضفا. وخضد يخضد خضداً. وغرض يغرض غرضاً، وهؤلاء الثلاث: الكسر فِي الرطب واليابس، وهو الكسر الذي لم يبن. وقصمت أقصم قصماً بالقاف، وفصمت أفصم فصماً بالفاء، وعفتّ أعفت عفتاً، وهو الكسر الذي ليس فيه ارفضاض فِي رطب أو يابس. ويقَالَ: هشمت أهشم هشماً، وهو كسر اليابس مثل العظم أو الرأس من بين الجسد أو فِي بيض. وقالوا: تممت الكسر تتميماً إذا عنت فأبنته. ووقرت العظم أقره وقراً إذا صدعته، والوقر: الصدع فِي العظم. وروى أَبُو عبيدة، عَنْ أبي زيد: هضضته أهضه هضا ودهسته، والشيء دهيس.

وقَالَ الأصمعي: قرضمته قرضمةً: كسرته، وقَالَ: وهسته أهوسه هوساً: كسرته، وأنشد: إن لنا هوّاسة عربضا وقَالَ: المعثلب: المكسور. والدوك: الدّقّ، والمدوك الحجر الذي يدقّ به. وقَالَ الكسائي: وقصت عنقه أقصها وقصاً، ولا يُقَال: وقصت العنق نفسها. وقَالَ الأموي: أصرته آصره أصرا: كسرته. : الأصر: العطف. والصور مصدر صرته أصوره إذا أملته، ومن هذا قيل للمائل العنق: أصور، وقد قرئ: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] أي أملهنّ، ومن قرأ: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] أي قطعهن، من قولهم: صاره يصيره إذا قطّعه، ومن هذا قيل: صار فلان إِلَى موضع كذا وكذا، لأنه ميل وذهاب إِلَى ذلك الوجه. وقَالَ غيره: وهصت ووطست ووقصت أي كسرت، وقد روى بيت عنترة: تطس الإكام بذات خفٍّ ميثم وروى: تقص وتهص، والوهص: الكسر، وقَالَ الأصمعي: وهصه يهصه وهصا وهزعه إذا كسره. وفي كتاب الغريب المصنف هصت ، وهكذا قرأته وأنا أشك فيه وأظنه وهصت فسقطت الواو عَنِ الناقل الينا. وقصدته أقصده قصداً: كسرته، ومنه قيل: القنا قصد. والقصم والفصم: الكسر وبعضهم يفرق بينهما، فيقول: القصم: الكسر الذي فيه بينونة، والفصم: الكسر الذي لم يبن. وقَالَ أَبُو عمرو: الوهط: الكسر، يُقَال: وهطه. وحكى: انغرف عظمه: أي انكسر. نبذة من أمثال العرب قَالَ أَبُو زيد: ومن أمثال العرب: لا يعدم عائس وصلات يُقَال ذلك للرجل الذي قد أرمل من الزاد والمال فيلقي فينال منه ثم الآخر حتى يصل إِلَى أهله. قَالَ: ومن أمثالهم: ما أنت إلا كابنة الجبل مهما يقل تقل وذلك اذا تكلمت فرد عليك إنسان مثل كلامك، يريد الصدى الذي يجيبك بما تتكلم به. ومن أمثال العرب: عود يعود العنج، والعنج: الرياضة. قَالَ: ومن أمثال

العرب: نعيم كلب فِي بئيس أهله ويقَالَ: بئس أهله، ويقَالَ: بئس أهله، لغتان. يضرب مثلاً للرجل يأكل مال غيره فيسمن وينعم، وأصله أن كلباً سمن وأهزل الناس لأكل الجيف فأهله بائسون. رد الحسن البصري عَلَى من هنأه من أصحابه بغلام ولد له وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: بلغني أنه ولد للحسن البصري غلام فهنأه بعض أصحابه، فقَالَ الحسن: نحمد الله عَلَى هبته، ونستزيده من نعمته ولا مرحباً بمَن إن كنت غنياً أذهلني، وإن كنت فقيرًا أتعبني، ولا أرض له بسعي سعياً، ولا بكدي له فِي الحياة كداً، أشفق عليه من الفاقد بعد وفاتي، وأنا فِي الحال لا يصل إِلَى من همه حزن، ولا من فرحه سرور وبهذا الاسناد قَالَ: بلغني أن محمد بن كعب القرظي، قَالَ لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لا تتخذن وزيراً إلا عالماً، ولا أميناً إلا بالجميل معروفاً وبالمعروف موصوفاً، فإنهم شركاؤك فِي أمانتك، وأعوانك عَلَى أمورك، فإن صلحوا أصلحوا، وإن فسدوا أفسدوا وبهذا الاسناد قَالَ: قَالَ عبد الملك بن مروان، رحمه الله: يا بني أمية، ابذلوا نداكم، وكفوا أذاكم، واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم، فإن خير المال ما أفاد حمداً أو نفى ذماً، ولا يقولن أحدكم ابدأ بمن تعول، فإنما الناس عيال الله قد تكفّل الله بأرزاقهم، فمن وسّع أخلف الله عليه، ومن ضيّق ضيّق الله عليه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يقول: لا يوجد العجول محموداً، ولا الغضوب مسروراً، ولا الملول ذا إخوان، ولا الحر حريصا، ولا الشره غنياً وحَدَّثَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يقول: صن عقلك بالحلم، ومروءتك بالعفاف، ونجدتك بمجنابة الخيلاء، وخلتك بالإجمال فِي الطلب

شدة بشر بن مروان في معاقبة العصاة وما كتب به بعض العشاق إلى حبيبته وقد استزارته

وحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابيا، يقول: أقبح أعمال المقتدرين الانتقام، وما استنبط الصواب بمثل المشاورة، ولا حصنت النعم بمثل المواساة، ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، للشماخ: كلا يومي طوالة وصل أروى ظنونٌ آن مطروح الظنون طوالة: اسم بئر كان لقيها عليها مرتين فلم ير ما يحب، والمعنى فِي كلا يومي طوالة وصل أروى ظنونٌ والظنون: الذي لا يوثق به كالبئر الظنون وهي قليلة الماء التي لا تثق بمائها، ثم أقبل عَلَى نفسه فقَالَ: قدحان أن أترك الوصل الظّنون وأطرحه، ثم قَالَ: وما أروى وإن كرمت علينا بأدنى من موقفةٍ حرون الموقفة: الأروية التي فِي قوائمها خطوط كأنها الخلاخل، والوقف: الخلخال من الذبل، والتوقيف البياض مع السواد أن فِي قوائمها خطوطاً تخالف لونها. والحرون: التي تحرن من أعلى الجبل فلا تبرح. يقول: فهذه المرأة ليست بأقرب من هذه الأروية التي لا يقدر عليها، ثم قَالَ: تطيف بها الرماة وتتقيهم بأوعالٍ معطفة القرون يقول: تطيف بهذه الأروية الرماة فلا تبرح لأنها فِي أعلى الجبل، ودونها أوعال فلا تصل إليها نبل الرماة، لأنهم يرمون تلك لأنها أقرب إليهم، فكأنها تقي نفسها بها وإنما يؤكد بهذا بعدها وأنها لا يقدر عليها. شدة بشر بن مروان فِي معاقبة العصاة وما كتب به بعض العشاق إِلَى حبيبته وقد استزارته وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: كان بشر بن مروان شديداً عَلَى العصاة، فكان إذا ظفر بالعاصي أقامه عَلَى كرسيٍّ، وسمر كفيه فِي الحائط بمسمار، ونزع الكرسيّ من تحته فيضطرب معلقاً حتى يموت، وكان فتى من بني عجل مع المهلب وهو يحارب الأزارقة، وكان عاشقاً لابنة عم له، فكتبت إليه تستزيره، فكتب إليها: لولا مخافة البشر أو عقوبته ... أو أن يشد عَلَى كفي مسمار إذا لطلعت ثغري ثم زرتكم ... إن المحب إذا ما اشتاق زوار

فكتبت إليه: ليس المحبّ الذي يخشى العقاب ... ولو كانت عقوبته فِي إلفه النار بل المحب الذي لا شيء يمنعه ... أو تستقر ومن يهوى به الدار قَالَ: فلما قرأ كتابها عطّل ثغره وانصرف إليها وهو يقول: أستغفر الله إذ خفت الأمير ولم ... أخش الذي منه غير منتصر فشأن بشر بلحمي فليعذبه ... أو يعف عفو أمير خير مقتدر فما أبالي إذا أمسيت راضيةً ... يا هند ما نيل من شعري ومن بشري ثم قدم البصرة فما أقام إلا يومين حتى وشى به واشٍ إِلَى بشر، فقَالَ: عَلَى به، فأُتى به فقَالَ: يا فاسق، عطّلت ثغرك! هلموا الكرسي، فقَالَ: أعز الله الأمير، إن لي عذراً، فقَالَ: وما عذرك؟ فأنشده الأبيات، فرّق له وكتب إِلَى المهلب فأثبته فِي أصحابه وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، لتماضر بنت مسعود بن عقبة أخي ذي الرمة، وكان خرج بها زوجها إِلَى القفّين: نظرت ودوني القفّ ذو النخل هل أرى ... أجارع فِي آل الضحى من ذرى الأمل فيا لك من شوقٍ وجيع ونظرةٍ ... ثناها عَلَى القفّ خبلاً من الخبل ألا حبذا ما بين حزوى وشارعٍ ... وأنقاء سلمى من حزونٍ ومن سهل لعمري لأصوات المكاكي بالضحى ... صوت صباً فِي حائط الرمث بالدحل وصوت شمالٍ زعزعت بعد هدأةٍ ... ألاءً وأسباطاً وأرطىً من الحبل أحب إلينا من صياح دجاجةٍ ... وديكٍ وصوت الريح فِي سعف النخل فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بجمهور حزوي حيث رببني أهلي

قَالَ الأصمعي: الأجارع جمع أجرع وجرعاء، وهي الرابية السهلة. والأمل جمع أميل، والأميل: الرمل المستطيل يكون ميلاً وأكثر من ذلك. والخبل: الفساد فِي البدن. والأنقاء جمع نقاً، وهي الرملة المستطيلة ليست بعظيمة. والمكاكي جمع مكّاء وهو طائر، قَالَ الشاعر: إذا غرّد المكّاء فِي غير روضةٍ ... فويلٌ لأهل الشاء والحمرات قَالَ الأصمعي: يُقَال للرمث أول ما يبدو ورقه قبل أن يخرج قد أقمل، فإذا زاد عَلَى ذلك قيل: قد أدبي، فإذا ظهرت خضرته قيل: قد بقل، فإذا ابيض وأدرك قيل: قد أحنط، فإذا جاوز ذلك قيل: قد أورس، فهو وارس ولا يُقَال مورسٌ. والألاء: شجر حسن المنظر مرّ المطعم قَالَ بشر: فإنكم ومدحكم بجيراً أبا ... لجإٍ كما امتدح الألاء يراه الناس أخضر من بعيدٍ ... وتمنعه المرارة والاباء والأسباط جمع سبط، وهو ضرب من الشجر أيضاً. والحبل: المستطيل من الرمل. : وقرأت عليه لابنة الحباب: محا حب يحيى حبّ يعلى ... فأصبحت ليحيى توالي حينا وأوائله الا بأبي يحيى ومثنى ردائه ... وحيث التفت من متن يحيى حمائله وقَالَ فيه أيضاً: أأضرب فِي يحيى وبيني وبينه ... تنائف لو تسري بها الريح كلت ألا ليت يحي يوم عيهم زارنا ... وإن نهلت مني السياط وعلت وأنشدنا عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيي: أمن أجل دار بين لوذان فالنقا ... غداة اللوى عيناك تبتدران فقلت ألا لا بل قذيت وإنما قذي العين ما هيج الطللان

فيا طلحتى لوذان لا زال فيكما لمن يبتغي ظليكما فننان وإن كنتما هيّجتما لاعج الهوى ودانيتما ما ليس بالمتداني وأنشدنا أيضاً: ألا يا سيالات الدحائل باللوى ... عليكنّ من بين السيال سلام وإني لمجلوبٌ لي الشوق كلما ... تغرد فِي أفنانكن حمام وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لابن الدمينة: قفي يا أميم القلب نشكو الذي بنا ... وفرط الهوى ثم افعلي ما بدالك سلي البانة الغّناء بالأجرع الذي به ... البان هل حييت أطلال دارك وهل قمت فِي أطلالهنّ عشيةً ... مقامُ أخي البأساء واخترت ذلك ليهنئك إمساكي بكفي عَلَى الحشي ... ورقراق عيني رهبةً من زيالك ولو قلت طأ فِي النار أعلم أنه ... هوىً لك أو مدنٍ لنا من نوالك لقدمت رجلي نحوها فوطئتها ... هدىً منك لي أو ضلة من ضلالك وأنشدنا أَبُو عمرو المطرز غلام ثعلب، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوي: فلو كنت أدري أن ما كان كائنٌ ... حذرتك أيام الفؤاد سليم ولكن حسبت الصرم شيئاً أطيقه ... إذا رمت أو حاولت فيك عزيما أخا الجن بلغها السلام فإنني ... من الإنس مزور الجناب كتوم هكذا أنشدنا: جناب، وهو عندي جناب من قولهم: لجّ فلان فِي جنابٍ قبيح إذا لجّ فِي مجانبة أهله. أخا الجنّ ما ندري إذا لم يدم ... لنا خليلٌ صفاء الود كيف نديم ولا كيف بالهجران والقلب آلفٌ ... ولا كيف يرضى بالهوان كريم

مطلب في الكلمات التي تتعاقب فيها الفاء والثاء

مطلب فِي الكلمات التي تتعاقب فيها الفاء والثاء قَالَ الأصمعي: الدفينة والدثينة: منزل لبني سليم. ويقَالَ: اغتفت الخيل واغتثت، إذا أصابت شيئاً من الربيع، وهي الغفة والغثة، قَالَ طفيل الغنويّ: وكنا إذا ما اغتفت الخيل غفةً ... تجرد طلاب الترات مطلب ويقَالَ: فلغ رأسه وثلغ رأسه إذا شدخه، ويقَالَ: جدفٌ وجدثٌ للقبر. والدفئيّ والدثئيّ مثاله الدفعى من المطر، ووقته إذا قاءت الأرض الكمأة فلم يبقي فيها شيء. والحثالة والحفالة: الرديء من كل شيء. قَالَ أَبُو عبيدة: الحفالة والحثالة واحدٌ وهي من التمر والشعير وما أشبههما القشارة منه. وقَالَ أَبُو عمرو عبيد: الفناء والثناء فِي فناء الدار. وحُكي غلام ثوهدٌ وفوهدٌ وهو الناعم. وحكي: الأرفة والأرثة للحد بين الأرضين. وقَالَ اللحياني: الأثافي والأثاثي، ولغة بني تميم الأثاثي. وتوفر وتحمد وتوثر وتحمد. وقَالَ الفراء: المغافير والمغاثير: شيء ينضجه الثمام والرمث والعشر كالعسل. قَالَ: وسمعت العرب تقول: خرجنا نتمغفر ونتمغثر أي نأخذ المغفور. قَالَ: وسمعت الكسائي يحكي عَنِ العرب: مغفر لواحد المغافير. والفوم والثوم: الحنطة، وفي قِرَاءَةً ابن المسعود: وثومها وعدسها وثوبٌ فرقبيٌّ وثرقبيٌّ. ووقعوا فِي عافور شر وعاثور شر، قَالَ العجاج: وبلدةٍ مرهوبة العاثور قَالَ يعقوب بن السكيت: نري أنهم من قولهم: عثر يعثرا إذا وقع فِي الشر. والنَّفِيّ والنَّثِيّ: ما نفاه الرشاء من الماء، قَالَ الراجز: كأن متنيه من النفي ... مواقع الطير عَلَى الصفيّ ويروي: الصفيّ بالكسر والضم. وثم وفمّ فِي النسق. والنكاف والنكاث: داء يأخذ الإبل، وفروغ الدلو وثروغها: مصبّ مائها. ويقَالَ للشيخ: مر يدلف ويدلث: إذا مشى مشياً ضعيفاً. وعفنت فِي الجبل أعفن وعثنت أعثن إذا صعدت فِي الجبل. ويقَالَ: هو الضلال بن فهلل وثهلل وفهلل أيضاً عَنِ اللحياني. واللفام واللثام، قَالَ الفراء: اللثام عَلَى الفم، واللفام عَلَى الأرنبة، وفلان ذو فروة وثروة،

حديث رجل من الأعراب تزوج اثنين وقد قيل له من لم يتزوج اثنتين لم يذق حلاوة العيش

أي ذو كثرة من المال. وقَالَ ابن الأعرابي: يُقَال: انفجر الجرح وانثجر. وطلف عَلَى الثمانين وطلث: اذا زاد عليها. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لطفيل: كأن عَلَى أعطافه ثوب مائح ... وإن يلق كلب بين لحييه يذهب أعطافه: جوانبه وإنما له عطفان. والمائح: الذي ينزل فِي البئر فيملأ الدلو فكلما جذبت دلو انصب عليه من مائها فابتل: فشبه الفرس وقد ابتل من العرق بثوب المائح، ومثله: أبيت كأني كل آخر ليلة من الرحضاء آخر الليل مائح وقوله: وإن يلق كلب بين لحييه أراد أنه واسع الشدقين، ثم قَالَ: كأنه عَلَى أعرافه ولجامه ... سنا ضرم من عرفج متلهب السنا: الضوء، فيقول: كأن عَلَى أعرافه ولجامه ضوء ضرم، واذا كان له ضوء كان له حفيف، فيقول: يحف من شدة العدو، حتى كأن عرفجا يتضرم عَلَى أعرافه وعنانه، ومثله قول العجاج: كأنما يستضرمان العرفجا يستضرمان: يوقدان، يعني حمارين كأنما حفيفهما حفيف العرفج. وكان ابن الأعرابي يقول: سألت غنياً كلها أو سمعت غنياً تقول: إنما وصفه بالشقرة، شبه شقرته عَلَى عنانه فِي حر الشمس بتوقد النار فِي يبيس العرفج،. وكان عمارة بن عقيل يقول أيضاً: وصفه بالشقرة. وبيت طفيل هذا أحد الأبيات التي غلب فيها أَبُو نصر عَلَى ابن الأعرابي، وذلك أن أبا نصر ذهب فيه إِلَى قول الأصمعي، وهو التفسير الأول، ومثله فِي الحفيف: جموحاً مروحاً واحضارها ... كمعمعة السّعف المحرق حديث رجل من الأعراب تزوج اثنين وقد قيل له من لم يتزوج اثنتين لم يذق حلاوة العيش حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، فقَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قيل لأعرابي: من لم يتزوج امرأتين لم يذق حلاوة العيش، فتزوج امرأتين ثم ندم فأنشأ يقول: تزوجت اثنتين لفرط جهلي ... بما يشقى به زوج اثنتين فقلت أصير بينهما خروفاً ... أنعم بين أكرم نعجتين

حديث الأصمعي مع رجل من أهل حمي ضرية

فصرت كنعجة تضحى وتمسي ... تداول بين أخبث ذئبتين رضا هذي يهيج سخط هذي ... فما أعرى من أحدي السخطتين وألقى فِي المعيشة كلّ ضرّ ... كذاك الضّرّ بين الضرتين لهذي ليلة ولتلك أخرى ... عتابٌ دائمٌ فِي الليلتين فإن أحببت أن تبقى كريماً ... من الخيرات مملوء اليدين وتدرك ملك ذي يزن وعمرو ... وذي جدنٍ وملك الحارثين وملك المنذرين وذي نواسٍ ... وتبعٍ القديم وذي رعين فعش عزباً فإن لم تستطعه ... فضرباً فِي عراض الجحفلين حديث الأصمعي مع رجل من أهل حمي ضرية وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: كنت مؤاخياً لرجل من أهل حمى ضرية، وكان جوادا رث الحال، فمررت به يوماً فِي بعض ترددي عَلَى الأحياء، فإذا هو كئيبٌ، فسألته عَنْ شأنه فقَالَ: ثمانين حولاً لا أرى منك راحةً ... لهنك فِي الدنيا لباقية العمر فإن أنقلب من عمر صعبة سالماً ... تكن من نساء الناس لي بيضة العقر والبيتان لعروة الرحال فأقبلت عليه أعظه وأصبره، فأنشأ يقول: فلو أن نفسي فِي يدي مطيعتي ... لأرسلتها مما ألاقي من الهمّ ولو كان قتليها حلالاً قتلتها ... وكان ورود الموت خيراً من الغم تعرضت للأفعى أحاول وطأها ... لعلي أنجو من صعيبة بالسم فيا رب اكفنها وإلا فنجني ... وإن كان يومي قبلها فاقضين حتمي وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، أن أبا عثمان أنشدهم، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة الأعرابي طلق امرأته ثم ندم فقَالَ:

كلام بعض الحكماء

ندمت وما تغني الندامة بعد ما ... خرجن ثلاثٌ ما لهنّ رجوع ثلاثٌ يحرمن الحلال عَلَى الفتي ... ويصد عَنْ شعب الدار وهو ربيع حَدَّثَنِي عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، مع وفد عليه حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: بلغني أن وافداً وفد عَلَى عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، فقَالَ له: كيف تركت الناس قَالَ: تركت غنيمهم موفوراً، وفقيرهم محبوراً، وظالمهم مقهوراً، ومظلومهم منصوراً، فقَالَ: الحمد لله، لو لم تتم واحدة من هذه الخصال إلا بعضو من أعضائي لكان يسيراً كلام بعض الحكماء وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: قَالَ بعض الحكماء: من كانت فيه سبع خصال لم يعدم سبعاً: من كان جواداً لم يعدم الشرف، ومن كان ذا وفاء لم يعدم المِقة، ومن كان صدوقاً لم يعدم القبول، ومن كان شكوراً لم يعدم الزيادة، ومن كان ذا رعاية للحقوق لم يعدم السؤدد، ومن كان منصفاً لم يعدم العافية، ومن كان متواضعاً لم يعدم الكرامة حديث قس بن ساعدة مع قيصر وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنِ العباس هشام، عَنْ أبيه، قَالَ: كان قسّ بن ساعدة يفد عَلَى قيصر ويزوره فقَالَ له قيصر يوماً: ما أفضل العقل؟ قَالَ: معرفة المرء نفسه، قَالَ: فما أفضل العلم؟ قَالَ: وقوف المرء عند علمه، قَالَ: فما أفضل المروءة؟ قَالَ: استبقاء الرجل ماء وجهه، قَالَ: فما أفضل المال؟ قَالَ: ما قضي به الحقوق ملاحاة الوليد بن عقبة وعمرو بن سعيد بن العاص فِي مجلس معاوية رضي الله عنه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، رحمه الله، عَنِ العتبي، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنِي رجل من أهل الشام، عَنِ الأبرش الكلبي، أنه سمع الوليد بن عقبة، وعمرو سعيد بن العاص، يتلاحيان فِي مجلس معاوية، رحمه الله، فتكلم الوليد، فقَالَ له عمرو: كَذبت أو كُذبت، فقَالَ له الوليد: اسكت يا طليق اللسان منزوع

الحياء ويا ألأم أهل بيته، فلعمري لقد بلغ بك البخل الغاية الشائنة المذلة لأهلها، فساءت خلائقك لبخلك، فمنعت الحقوق، ولزمت العقوق، فأنت غير مشيد البنيان، ولا رفيع المكان، فقَالَ له عمرو: والله إن قريش لتعلم أني غير حلو المذاقة، ولا لذيذ الملاكة، وإني لكالشجا فِي الحلق، ولقد علمت أني ساكن الليل داهية النهار، لا اتبع الأفياء، ولا أنتمي إِلَى غير أبي، ولا يجهل حسبي، حام لحقائق الذمار، غير هيوبٍ عند الوعيد، ولا خائفٍ رعديد، فلم تعير بالبخل وقد جبلت عليه، فلعمري لقد أورثتك الضرورة لؤماً، والبخل فحشاً، فقطعت رحمك، وجرت فِي قضيتك، وأضعت حق من وليت أمره، فلست ترجى للعظائم، ولا تعرف بالمكارم، ولا تستعف عَنِ المحارم، لم تفدر عَلَى التوقير، ولم يحكم منك التدبير، فأُفحم الوليد. فقَالَ معاوية، وساءه ذلك: كفا لا أبا لكما لا يرتفع بكما القول إِلَى ما لا نريد، ثم أنشأ عمرو، يقول: وليدا ما كنت فِي القوم جالساً ... فكن ساكناً منك الوقار عَلَى بال ولا يبدرن الدهر من فيك منطقٌ ... بلا نظرٍ قد كان منك وإغفال وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ الغنوي: ظعائن أبرقن الغريف وشمنه ... وخفقن الهمام أن تقاد قنابله عَلَى إثر لا يرى النجم طالا ... من الليل إلا وهو قفرٌ منازله أبرقن الخريف: رأين برق الخريف، وقَالَ بعضهم: دخلن فِي برق الخريف. وشمنه: أبصرنه. والشيم النظر إِلَى البرق خاصة. وقوله: وخفن الهمام يعني دخلت شهور الحل فخفن أن يغير عليهن فتنكن ناحيته وتباعدن عنه. والقنابل جمع قنبلة، وهي الجماعة من الخيل. وقوله: لا يرى النجم طالعاً من الليل، يقول: هذا الحي لا يرى النجم طالعاً بسدفةٍ إلا رحل مكان آخر يبتغي النّجعة، وذلك فِي وقت من الأوقات، فكأنه أبدا قفر. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه: سمعت أعرابياً، يقول: العاقل حقيق أن يسخى بنفسه عَنِ الدنيا، لعلمه ألا ينال أحد فيها شيئاً إلا قلّ إمتاعه به أو كثر عناؤه فيه، واشتدت مرزئته عليه عند فراقه، وعظمت التبعة فيه بعده وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، وأَبُو حاتم، عَنِ العتبي، قالا: قَالَ أعرابي: خير الإخوان من ينيل عرفاً أو يدفع ضرا

قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي أولها، أعبدة ما ينسي مودتك القلب

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: قَالَ شبيب بن شبة: إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا، هم زينة فِي الرخاء، وعدة البلاء، ومعونة عَلَى حسن المعاش والمعاد قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي أولها، أعبدة ما ينسى مودّتك القلب وقرأت عَلَى أبى عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لعمر بن أبي ربيعة من خط ابن سعدان: أعبدة ما ينسى مودّتك القلب ... ولا هو يسليه رخاء ولا كرب ولا قول واش كاشح ذي عداوة ... ولا بعد دار إن نأيت ولا قرب وما ذاك من نعمى لديك أصابها ... ولكن حبا ما يقاربه حبُّ فإن تقبلي يا عبد توبة تائب ... يتب ثم لا يوجد له أبدا ذنب وأذل لكم فيما هو يتم ... وإني إذا ما رامتي غيركم صعب واعذل نفسي فِي الهوى فتعوقني ... ويأصرني قلبٌ بكم كلفٌ صبٌ وفي الصبر عمن لا يؤاتيك راحةٌ ... ولكنّه لا صبر عندي ولا لبُّ وعبدة بيضاء المحاجر طفلة ... منعّمة تصبي الحليم وما تصبو قطوف من الحور الأوانس بالضحى ... متي تمشي قيس الباع من بهرها تربو فلست بناسٍ يوم قَالَت لأربع ... نواعم غر كلهن لها ترب ألا ليت شعري فيم كان صدوده ... أعلق أخرى أم عَلَى به عتب وقرأت عليه له أيضاً: ألا يا من أحب بكل نفسي ... ومن هو من جميع الناس حسبي ومن يظلم فأغفره جميعاً ... ومن هو لا يهم بغفر ذنبي وقرأت عليه أيضاً: بنفسي من أشتكي حبه ومن إن شكا الحب لم يكذب ومن إن تسخط أعتبته وإن يرني ساخطاً يعتب ومن لا أبالي رضا غيره ... إذا هو سرّ ولم يغضب ومن لا يطيع بنا أهله ... ومن قد عصيت له أقربي

ومن لو نهاني من حبه عَنِ ... الماء عطشان لم أشرب ومن لا سلاح له يتقى وإن ... هو نوزل لم يغلب وقرئ عَلَى أبي عمر المطرز، وأنا أسمع قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوى: هل الريح أو برق الغمامة مخبرٌ ... ضمائر حاجٍ لا أطيق لها ذكرا سليمى سقاها الله حيث تصرفت ... بها غربات الدار عَنْ دارنا القطرا إذا درجت ريح الصبا وتنسمت ... تعرفت من نجد وساكنه نشرا فقرّف قرح القلب بعد اندماله ... وهيّج دمعاً لا جمودا ولا نزرا وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، أن أبا عثمان، أنشدهم عَنِ التوزي، عَنْ أبى عبيدة، لرجل من بني عبس: إذا راح ركبٌ مصعدين فقلبه ... مع الرائحين المصعدين جنيب وإن هب علوي الرياح رأيتني ... كأني لعلو ياتهن نسيب وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى ... إِلَى وان لم آته لحبيب فلا خير فِي الدّنيا إذا أنت لم تزر ... حبيباً ولم يطرب إليك حبيب وأنشدنا قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، للأقرع بن معاذ القشيري: يقرّ بعيني أن أرى ضوء مزنة ... يمانية أو أن تهبّ جنوب لقد شغفتني أم بكر وبغّضت ... إِلَى النساء ما لهن ذنوب أراك من الضرب الذي يجمع الهوى ... ودونك نسوانٌ لهن ضروب وقد كنت قبل اليوم أحسب أنني ... ذلولٌ بأيام الفراق أديب ويروي: أريب قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، لمرار بن هبّاش الطائي سقى الله أطلالاً بأحبلة الحمى ... وإن كن قد أبدين للناس ما بيا منازل لو مرت بهن جنازتي ... لقَالَ صداي حاملي انزلانيا

حديث الأحنف مع معاوية في مدح الولد ويزيد بين يديه

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: من كان يزعم أن سيكتم حبه ... حتى يشكك فيه فهو كذوب الحب أغلب للفؤاد بقهره من ... أن يرى للستر فيه نصيب وإذا بدا سرّ اللبيب فإنه ... لم يبد إلا والفتى مغلوب إني لأبغض عاشقاً متستراً ... لم تتهمه أعينٌ وقلوب حديث الأحنف مع معاوية فِي مدح الولد ويزيد بين يديه وحَدَّثَنَا أَبُو يعقوب ورّاق أَبِي بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن عمرو، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عمرو بن محمد، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: دخل الأحنف بن قيس عَلَى معاوية ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه إعجاباً به فقَالَ: يا أبا بحر، ما تقول فِي الولد؟ فعلم ما أراد، فقَالَ: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرة أعيننا، بهم نصول عَلَى أعدائنا، وهم الخلف منا لمن بعدنا، فكن لهم أرضا ظليلة، وسماء ضليلة، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستبطئوا وفاتك. فقَالَ: لله درك يا أبا بحر! هم كما وصفت وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لطفيل الغنوي: فلو كنت سيفاً كان أثرك جعرةً ... وكنت دداناً لا يغيرك الصقل الجعرة: أثر الجعار، والجعار: حبل يوثق به حقو فِي الساقي إِلَى عمود القامة، فإن انقطع الرشاء لم يهو الماتح فِي البئر، فيقول: كنت سيفاً كليلاً لا يؤثر إلا كأثر الجعار. والددان والكهام، والكهيم: الكليل. مطلب ما تتعاقب فيه اللام والنون قَالَ الأصمعي: يُقَال رأيت فِي أرض بني فلان نعاعة حسنة، ويقَالَ: لعاعةً، وهو نبت ناعم فِي أول ما يبدو، رقيق لم يغلظ. ويقَالَ: إنما الدنيا لعاعة، قَالَ ابن مقبل: كاد اللعاع من الحوذان يسحطها ... ورجرجٌ بين لحييها خناطيل يسحطها: يذبحها. والرجرج: اللعاب يترجرج، وخناطيل: قطع متفرقة.

ويقَالَ: بعيرٌ رفلٌ ورفنٌ إذا كان سابغ الذنب، قَالَ ابن ميادة يصف فحلاً: يتبعن سدو بط جعد رفل كان حيث تلتقي منه المحل من قطريه وعلان ووعل وقَالَ النابغة: بكل مجرب كاليث يسمو ... إِلَى أوصال ذيال رفنّ ويقَالَ: هتنت السماء وهتلت، تهتن تهتاناً وتهتل تهتالاً، وهي سحائب هتنٌ وهتلٌ، وهو فوق الهطل، قَالَ: فسحت دموعي فِي الرداء كأنها كلاً من شعيبٍ ذات سبح وتهتان وقَالَ العجاج: عزز منه وهي معطي الإسهال ... ضرب السواري متنه بالتهتال : هكذا يرويه البصريون عزز، يريدون: صلب. السدول والسدون: ما جلل به الهودج، قَالَ الزفيان: كأنما علقن بالأسدان ... يانع حمّاض وأقحوان وقَالَ حميد بن ثور: فرحن وقد زايلن كل ظعينةٍ ... لهن وباشرن السديل المرقما يصف نساء. والكتن والكتل: التلزج ولزوق الوسخ بالشيء، وأنشد لابن ميادة: تشرب منه نهلاتٍ وتعلّ وفي مراغٍ جلدها منه كتل وقَالَ ابن مقبل: ذعرت به العير مستوزياً ... شكير جحافله قد كتن

مستوزيا: منتصباً مرتفعاً. والشكير: الشعر الضعيف هاهنا، وكتن أي لزقٍ به أثر خضرة العشب. ويقَالَ: طبرزنٌ وطبرزلٌ للسكر. والرهدنة والرهدلة وهي الرهادن والرهادل وهو طويرٌ يشبه القبرة إلا أنه ليست له قنزعة، وقَالَ الطوسي: الرهدن والرهدل: الضعيف، والرهدن والرهدل: طُوَيْر أيضاً. ويقَالَ: لقيته أصيلانا وأصيلالا أي عشياً. قَالَ الفراء: جمعوا أصيلاً أصلانا كما يُقَال: بعير وبعران ثم صغروا الجمع وأبدلوا النون لاماً. وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: الغربن والغريل ما يبقى من الماء فِي الحوض، والغدير الذي تبقى فيه الدعاميص لا يقدر عَلَى شربه. وقَالَ الأصمعي: الغرين إذا جاء السيل فثبت فِي الأرض فجفف فترى الطين قد جفّ ورقّ، فهو الغرين. وقَالَ أَبُو عمرو: الدمال: السرجين، ويقَالَ: الدمان بالنون. وقَالَ الفراء: يُقَال: هو شثن الأصابع وشثلها. وهو كبن الدلو وكبل الدلو. وقَالَ الأصمعي: الكبن ما ثني من الجلد عند شفة الدلو. قَالَ: وكل كفٍّ كبنٌ، يُقَال: قد كبنت عنك بعض لساني أي كففت، وقد كبنت ثوبي فِي معنى غبنته ولم يعرفها باللام. : غبنت ثوبي وكففته واحد. قَالَ ويقَالَ: رجل كبنّة: إذا كان منقبضاً عَنِ الناس. وقَالَ الفراء: يُقَال: أتن يأتن وأتل يأتل وهو الأتلان والأتلال، وهو أن يقارب خطوه فِي غضب قَالَ: وأنشدني أَبُو ثروان: أن حن أجمالٌ وفارق جيرةٌ ... عنيت بنا ما كان نولك تفعل ومن يسأل الأيام نأي صديقه ... وصرف الليالي يعط ما كان يسأل أراني لا آتيك إلا كأنما ... أسأت وألا أنت غصبان تأتل أردت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل وقَالَ الفراء: العرب تجمع ذألان الذئب ذآليل. : الذألان من المشي: الخفيف، ومنه سمى الذئب ذؤالة. والدّألان بالدال: مشي الذي كأن يبغي فِي مشيته. وقَالَ اللحياني، عَنِ الكسائي: يُقَال: أتاني هذا الأمر وما مأنت مأنه، وما مألت مأله، أي ما تهيأت له. وهو حنك الغراب وحلكه لسواده. قَالَ: وقلت لأعرابي:

أتقول مثل حنك الغراب أو حلكه؟ فقَالَ: لا أقول مثل حلكه. قَالَ أَبُو زيد: الحلك: اللون، والحنك: المنسر. : المنسر: المنقار، وإنما سمي منسراً لأنه ينسرب به أي ينتف به. وقَالَ الكسائي: وهو العبد زُلْمة وزَلْمة وزَلَمة، وزُنْمة وزَنْمة وزَنَمة، أي قدّه قدّ العبد. وقَالَ الفراء: عنوان الكتاب وعلوانه وعنيانه وقد عنونته عنونةً وعنواناً وعلونته علونة وعلونا. وقَالَ اللحياني: أبنته وأبلته إذا أثنيت عليه بعد موته. ويقَالَ: هو عَلَى آسان من أبيه وعلي آسل من أبيه، وقد تأسن أباه وتأسله إذا نزع إليه فِي الشبه. وعتلته إِلَى السجن وعتنته وأعْتِله وأعْتُله وأعتُنه. ويقَالَ: ارمعلّ الدمع وارمعنّ، إذا تتابع. ويقَالَ: لا بل ولابن، وإسماعيل وإسماعين، وميكائيل وميكائين، وإسرافيل وإسرافين، وإسرائين وإسرائيل، وأنشد: قد جرت الطير أيامنينا ... قَالَت وكنت رجلاً فطينا هذا ورب البيت إسرائينا قَالَ أَبُو بَكْرٍِ فِي كتاب المتناهى فِي اللغة: هذا أعرابي أدخل قردا إِلَى سوق الحيرة لبيعه، فنظرت إليه امرأة فقَالَت: مسخ، فقَالَ هذه الأبيات. وشراحيل وشراحين وجبرئيل وجبرئين. ويقَالَ: ألصت الشيء أليصه إلاصة وأنصته أنيصة إناصة، إذا أدرته. يعني مثل إدارتك الوتد لتخرجه. والدحل والدحن: الخبّ الخبيث، والدحن أيضاً: الكثير اللحم، وبعيرٌ دحنة، إذا كان عريضاً كثير اللحم، وأنشد: ألا ارحلوا دعكنة دحنة ... بما ارتعى مزهيةً مغنه وقنة الجبل وقلته. وشلت العين الدمع وشنت. وذلاذل القميص وذناذنه لأسافله، واحدها ذلذل وذنذن. وأَبُو زيد يقول: واحدها ذلذلٌ. وقَالَ اللحياني: هو خامل الذكر وخامن الذكر. وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد، عَنِ المدائني، قَالَ: كتب الحسن إِلَى عمر بن عبد العزيز، رحمه الله عليهما: كن كالمداوي جرحه، صبر عَلَى شدة الدواء، مخافة طول البلاء

كلام لعمر بن عبد العزيز، رحمه الله

كلام لعمر بن عبد العزيز، رحمه الله وحَدَّثَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله بن محمد، عَنِ المدائني، عَنْ عَلَى بن حماد، قَالَ: كتب عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، إِلَى رجل: اتق الدنيا فإن مسها لين، وارفض نعيمها لقلة ما يتبعك منه، واترك ما يعجبك منها لسرعة مفارقتها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبى، قَالَ: حَدَّثَنِي أحمد بن عبيد، قَالَ: قَالَ عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، قبل خلافته: إنه الفؤاد عَنِ الصبا ... وعَنِ انقيادٍ للهوى فلعمر ربك إن فِي ... شيب المفارق والجلى لك واعظاً لو كنت تتعظ ... اتعاظ ذوي النهى حتى متى لا ترعوي ... والى متى وإلى متى ما بعد أن سميت كهلا ... واستلبت اسم الفتى بلى الشباب وأنت إن ... عمرت رهن للبلى وكفى بذلك زاجراً ... للمرء عَنْ غي كفى الأنزع الذي قد انحصر الشعر عَنْ جانبي جبهته، فإذا زاد قليلاً فهو أجلح، فإذا بلغ النصف فهو أجلي، ثم هو أجله، قَالَ رؤبة: لما رأتني خلق المموه براق أصلاد ... الجبين الأجله بعد غداني الشباب الأبله ما وقع بين إسحاق بن سويد العدوي، وذي الرمة، وقد شرب ذو الرمة النبيذ ولم يشرب إسحاق قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ الأنباري، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي صالح بن صالح، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن سماعة بن عبد الله بن هلال بن وكيع بن بشر بن عمرو، قَالَ: حَدَّثَنَا زيد بن أسلم مولى بني عديٍّ، وكان إمامهم، قَالَ: اجتمع اسحاق بن سويد العدوي، وذو الرمة فِي مجلس فأتوا بالطعام فطعموا، وأتوا بالنبيذ فشرب ذو الرمة وأَبُو إسحاق بن سويد العدوي، فقَالَ ذو الرمة:

أما النبيذ فلا يذعرك شاربه ... واحفظ ثيابك ممن يشرب الماءا قوم يوارون عما فِي صدورهم ... حتى إذا استمكنوا كانوا هم الداءا مشمرين إِلَى أنصاف سوقهم ... هم اللصوص وهم يدعون قراءاً فقَالَ اسحاق بن سويد: أما النبيذ فقد يزرى بشاربه ... ولن ترى شارباً أزرى به الماء الماء فيه حق الناس كلهم ... وفي النبيذ إذا عاقرته الداء يُقَال هذا نبيدي يعاقره ... فيه عَنِ البر والخيرات إبطاء وفيه إن قيل مهلاً عَنْ مصممه ... وفيه ركوب الإثم إغضاء زياد وعبد الله بن همام السلولي وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: وشى واشٍ بعبد الله بن همام السلولي إِلَى زياد، فقَالَ له: إنه هجاك، فقَالَ: أجمع بينك قَالَ: نعم، فبعث زياد إِلَى ابن همام فأتي به، وأدخل الرجل بيتا، فقَالَ زياد: يا بن همام، بلغني أنك هجوتني، فقَالَ: كلا، أصلحك الله! ما فعلت ولا أنت لذلك بأهل، فقَالَ: إن هذا الرجل أَخْبَرَنِي وأخرج الرجل، فأطرق ابن همام هنية ثم أقبل عَلَى الرجل فقَالَ: أنت امرؤٌ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت وإما قلت قولاً بلا علم فأبت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلةٍ بين الخيانة والإثم فأعجب زياد بجوابه وأقصى الواشي ولم يقبل منه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: دخل أعرابي عَلَى خالد بن عبد الله القسري، فقَالَ: أصلح الله الأمير، شيخ كبير حدته إليك بارية العظام، ومؤرثة الأسقام، ومطولة الأعوام، فذهب فذهبت أمواله، وذعذعت آباله، وتغيرت أحواله، فإن رأى الأمير أن يجبر بفضله وينعشه بسجله، ويرده إِلَى أهله! فقَالَ: كل ذلك وأمر له بعشرة آلاف درهم:

بارية العظام: التي تبري العظام. وذعذعت: فرقت. والسجل: الدلو الذي فيه ماء، وهو هاهنا مثل. سؤال عبد الملك بن مروان للعجاج وما أجاب به وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي زيد، عَنِ المفضل، قَالَ: دخل العجاج عَلَى عبد الملك بن مروان، فقَالَ: يا عجاج، بلغني أنك لا تقدر عَلَى الهجاء، فقَالَ: يا أمير المؤمنين من قدر عَلَى تشييد الأبنية أمكنه إخراب الأخبية، قَالَ: فما يمنعك من ذلك؟ قَالَ: إن لنا عزاً يمنعنا من أن نُظْلَم، وإن لنا حلماً يمنعنا من أن نَظْلِم، فعلام الهجاء؟ فقَالَ: لكلماتك أشعر من شعرك، فأنى لك عزٌ يمنعك من أن تُظلم؟ قَالَ: الأدب البارع، والفهم الناصع، قَالَ: فما الحلم الذي يمنعك من أن تظلم؟ قَالَ: والطبع التالد. الأدب المستطرف قَالَ: يا عجاج، لقد أصبحت حكيماً، قَالَ: وما يمنعني وأنا نجي أمير المؤمنين وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس: إذا غاب عنكم أسود العين كنتم ... كراما وأنتم ما أقام ألائم تحدث ركبان الحجيج بلؤمكم ... وتقري به الضيف اللقاح العواتم أسود العين: جبل، يقول: لا تكونوا كراماً حتى يغيب هذا الجبل، وهو لا يغيب أبداً. وقوله: وتقري به الضيف اللقاح العواتم، يعني أن أهل الأندية يتشاغلون بذكر لؤمكم عَنْ حلب لقاحهم حتى يمسوا فإذا طرقهم الضيف صادف الألبان بحالها لم تحلب فنال حاجته، فكأن لؤمكم قِرى الأضياف والاشتغال بوصفه. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: أعطي رجل أعرابياً فأكثر له، فقَالَ له الأعرابي: إن كنت جاوزت قدري عند نفسي فقد بلغت أملي فيك وحَدَّثَنَا قَالَ: أَخْبَرَنِي عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سأل رجل رجلا فقضاها، فقَالَ: وضعتني من كرمك بحيث وضعت نفسي فِي رجائك

حديث عثمان بن إبراهيم الخاطبي مع عمر بن أبي ربيعة

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الرياشي، قَالَ: حَدَّثَنِي الأصمعي، قَالَ: سمعت اعرابياً يمدح رجلا فقَالَ: كان والله ساعياً فِي طلب المكارم، غير ضال فِي معارج طرقها، ولا متشاغل بغيرها عنها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الرياشي، عَنِ الأصمعي، قَالَ: سمعت أعرابيا، يقول وفيهم أدوية السقام، فقرأن بالحدق السلام، وخرست الألسن: شيعنا الحي عَنِ المكارم حديث عثمان بن إبراهيم الخاطبي مع عمر بن أبي ربيعة وقرأت عَلَى عبد الله نفطويه، قَالَ: عثمان بن إبراهيم الخاطبي، فقَالَ لي بعد أن قرأت قطعة من الخبر فتبينه حَدَّثَنَا بهذا الخبر أحمد بن يحيى، عَنِ الزبير بن بكار، قَالَ: حَدَّثَنِي مصعب بن عبد الله، عَنْ عثمان بن ابراهيم الخاطبي، قَالَ: أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنتين، فانتظرته فإذا هو فِي مجلس قومه بني مخزوم حتى إذا تفرق الناس عنه دنوت منه ومعي صاحب لي، فقَالَ لي: هل لك أن تنظر هل بقي من الغزل شيء فِي نفسه؟ فقلت: دونك، فقَالَ: يا أبا الخطاب، أحسن والله رسيان العذري، فقَالَ: وفيما ذا؟ قَالَ حين يقول: لو جذ بالسيف رأسي فِي مودتها ... لمال لا شك يهوى نحوها راسي فقَالَ عمر: أحسن والله! فقَالَ: يا أبا الخطاب، وأحس والله بجبة بن جنادة العذري، قَالَ: فيما ذا؟ قَالَ حين يقول: سرت لعينك سلمى عند مغناها ... فبت مستهليا من بعد مسراها فقلت أهلاً وسهلاً من هداك لنا ... إن كنت تمثالها أو كنت إياها تأتي الرياح التي من نحو بلدتكم ... حتى أقول دنت منا برياها وقد تراخت بنا عنها نوىً قذفٌ ... هيهات مصبحها من بعد ممساها من حبها أتمنى أن يلاقيني ... من نحو بلدتها ناعٍ فينعاها كيما أقول فراقٌ لا لقاء له ... وتضمر النفس يأسا ثم تسلاها ولو تموت لراعتني وقلت لها ... يا بؤس للموت ليت الدهر أبقاها فضحك عمر، وقَالَ: أحسن ويحه والله! للقد هيجتم عَلَى ما كان مني ساكنا، لأحدثنكم حديثا حلوًا: أنا منذ أعوامٍ جالسٌ إذ أتاني خالدٌ الخريت، فقَالَ: يا أبا الخطاب، مرَّ قبيلاً أربع يردن

كذا وكذا من مكة ولم أر مثلهن قط، فهل لك تأتي متنكراً فتسمع من حديثهن ولا يعلمن؟ قلت: ويحك! وكيف لي بأن يخفى ذلك؟ قَالَ: تلبس لبسة أعرابي ثم تجلس عَلَى قعود حتى تهجم عليهن. قَالَ: فجلست عَلَى قعود ثم أتيتهن وسلمت عليهن، فسألنني أن أحدثهن وأنشدهن، فأنشدتهن لكثير وجميل وغيرهما، فقلن: يا أعرابي، ما أملحك! لو نزلت فتحدثت معنا يومنا هذا! فإذا أمسيت انصرفت. قَالَ: فأنخت قعودي فجلست معهن فتحدثت وأنشدتهن، فدنت هند وهي التي كنت أشبب بها، فمددت يدها فألقت عمامتي عَنْ رأسي ثم قَالَت: بالله أتراك خدعتنا منذ اليوم، نحن والله خدعناك، ثم أرسلنا إليك خالداً ليأتينا بك عَلَى أقبح هيئاتك، ونحن عَلَى ما ترى. ثم أخذنا فِي الحديث فقَالَت: يا سيدي لو رأيتني منذ أيام وأصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي فِي جيبي فلما نظرت إِلَى كعثبي فرأيته ملء العين وأمنية المتمني ناديت: يا عمراه يا عمراه! فصاح عمر: يا لبيكاه يا لبيكاه! ثم أنشأ يقول: قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي أولها ألم تسأل الأطلال والمتربعا ألم تسأل الأطلال والمتربعا ... ببطن حليات دوارس بلقعا : وأملى علينا أَبُو عبد الله: عرفت مصيف الحي والمتربعا وهو غلط، لأن عرفت مصيف الحي أول قصيدة جميل: فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعدما ... نكأن فؤاداً كان قدماً مفجعا بهند وأترابٍ لهند إذ الهوى ... جميعٌ وإذ لم نخش أن يتصدعا وإذ نحن مثل الماء كان مزاجه ... كما صفق الساقي الرحيق المشعشعا وإذ لا ولا نرى لواشٍ ... لدينا يطلب الصرم مطمعا تنوعتن حتى عاود القلب سقمه ... وحتى تذكرت الحديث المودعا فقلت لمطريهن بالحسن إنما ... ضررت فهل تسطيع نفعاً فتنفعا واشتريت فاستشري وقد كان قد صحا ... فؤادٌ بأمثال المها كان موزعا

وروي أَبُو عبد الله بأمثال الدمى كان مولعاً ومعنى مولع وموزع واحد. وهيجت قلباً كان قد ودع الصّبا ... وأشياعه فاشفع عسى أن تشفعا لئن كان ما قد قلت حقاً لما أرى ... كمثل الألى أطريت فِي الناس أربعاً فقَالَ تعال انظر فقلت وكيف لي ... أخاف مقاماً أن يشيع فيشنعا هذا البيت لم يمله عَلَى أَبُو عبد الله، وقرأته عليه من خط ابن سعدان. فقَالَ اكتفل ثم التثم وأت باغياً ... فسلّم ولا تكثر بأن تتورعا فإني سأخفي العين عنك فلا ترى ... مخافة أن يفشو الحديث فيسمعا فأقبلت أهوى مثل ما قَالَ صاحبي ... لموعده أزجي قعودا موقعا فلما توافقنا وسلّمت أشرقت وجوه ... زهاها الحسن أن تتقنعا وروى أَبُو عبد الله: فلما تلاقينا. تبالهن بالعرفان لما عرفنني ... وقلن امرؤ باغٍ أكلّ وأوضعا وروى أَبُو عبد الله: لما رأينني، وروي أيضا: أضل فأوضعا، وهو أحب إِلَى. وقربّن أسباب الهوى لمتيم ... يقيس ذراعاً كلّما قسن إصبعا فلما تنازعَنِ الأحاديث قلن لي ... أخفت علينا أن نغر نخدعا وروى أَبُو عبد الله: لكنت أن تغرّ وتخدعا فبالأمس أرسلنا بذلك خالداً إليك وبّينا له الشأن أجمعا وروى أَبُو عبد الله لبالأمس أرسلنا. فما جئتنا إلا عَلَى وفق موعدٍ ... عَلَى ملأٍ منا خرجنا له معا رأينا خلاءً من عيون ومجلساً ... دميث الربى سهل المحلة ممرعا وقلنا كريمٌ نال وصل كرائم ... فحقّ له فِي اليوم أن يتمتعا وبخط ابن سعدان: فحقّ لنا فِي اليوم أن نتمتعا

شذرة من أمثال العرب

وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه لمرار بن هبّاش الطائي: فما ماء مزنٍ فِي ذرى متمنع ... حمى ورده وعرٌ به ولصوب بأطيب من فيها وما ذقت طعمه ... سوى أن أرى بيضاً لهنُّ غروب أأهجر من قد خالط القلب حبه ... ومن هو موموق إِلَى حبيب شذرة من أمثال العرب قَالَ الأصمعي: من أمثال العرب: زاحم بعودٍ أو دع، يقول: لا تستعن عَلَى أمرك إلا بأهل السن والمعرفة. قَالَ: ومن أمثالهم: الفحل يحمي شوله معقولاً، يعني أن الحرّ قد يحتمل الأمر الجليل ويحمي حريمه وإن كانت به علة. قَالَ: ومن أمثالهم: مخر نبق لينباع والمخرنبق: المطرق الساكت، وقوله: لينباع أي ليثب، وروى أَبُو عبيدة وأَبُو زيد، لينباق أيضاً ولم يفسراه. وأنا أقول لينباق: ليندفع. وقَالَ الأصمعي: من أمثالهم: كان حماراً فاستأتن، يضرب مثلاً للرجل يهون بعد العز. قَالَ: ومن أمثالهم الحّمى أضرعتني اليك، أي ذلّ للحاجة. إنما قيل هذا، لأن صاحب الحاجة تأخذه رعشة عند التماس حاجته حرصاً عليها، يقول: فهذا الذي بي من القلّ هو الذي أضرعني، والقلّ: الرّعدة. قَالَ: ومن أمثالهم عود بقلح، يعني تحسن أسنانه وتنقّى. والقلح: صفرة فِي الأسنان. وقَالَ أَبُو عبيدة وفي هذا المعنى من أمثالهم ومن العناء رياضة الهرم، وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لأفنون التغلبي: أنّى جزوا عامراً سوءاً أم كيف ... يجزونني السوءى من الحسن أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به ... رئمان أنفٍ إذا ما ضن باللبن علوق: التي ترأم بأنفها وتمنع درها، ويقول: فأنتم تحسنون القول ولا تعطون شيئا فكيف ينفعني ذلك.

مطلب ما تتعاقب فيه الميم والباء

مطلب ما تتعاقب فيه الميم والباء وقَالَ أَبُو عبيدة: السّاسم والسّاسب: شجر. وقَالَ اللحياني: أتانا وما عليه طحربة ولا طحرمة أي خرقة. وكذلك يُقَال: ما فِي السّماء طحربة ولا طحرمة أي لطخٌ من غيم. ويقَالَ: ما فِي نحي بني فلان عمقة ولا عبقة أي لطخ ولا وضر. وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: ما زلت راتماً عَلَى هذا الأمر وراتباً أي مقيماً. وقَالَ الأصمعي: بنات مخرٍ وبنات بخرٍ: سحائب يأتين قبل الصّيف بيضٌ منتصبات، قَالَ طرفة: كبنات المخر يمأدن كما ... أنبت الصيف عساليج الخضر : ويروي الخضر. قَالَ: وكان أَبُو سرّار الغنويّ يقول: با اسمك، يريد: ما اسمك؟ . وقَالَ: ظليمٌ أربد وأرمد، وهو لون إِلَى الغبرة. وقَالَ يعقوب بن السكيت قَالَ بعضهم: ليس هذا من الإبدال، ومعنى أرمد يشبه لون الرّماد. وسمعت ظأب تيس بني فلان وظأم تيسهم بالهمز فيها، وهو صياحه عند هياجه، وأنشد: يصوع عنقها أحوى زنيمٌ ... له ظأبٌ كما صخب الغريم قَالَ أَبُو العباس أحمد بن يحيى: ظاب التيس وظامه لا يهمزان. ورويناه فِي الغريب المصنف غير مهموز، وظأم الرجل وظأبه بالهمز: سلفه، ويقَالَ: قد تظاءما وتظاءبا إذا تزوجا أختين. ويقَالَ للرجل إذا يبس من الهزال: ما هو إلا عشبة وعشمة. وكذلك يُقَال للكبير الذي ذهب لحمه. ويقَالَ للعجوز: قحمة وقحبة، وكذلك لكل مسنة. ويقَالَ: ساب فلان فلانا فأرمي وقَالَ الفراء: يُقَال: رميت وأرميت. قَالَ: وكذلك يُقَال: أرميت وأربيت عَلَى السبعين، ورميت أي زدت. قَالَ وأنشدني أعرابي: وأسمر خطّيّاً كأن كعوبه ... نوى القسب قد أرمي ذراعا عَلَى العشر

ويروي: قد أربى. وقَالَ أَبُو عبيدة: الرّجمة والرّجبة، إذا طالت النخلة فخافوا أن تقع أو أن تميل رجبوها، وهو أن يبنى لها بناء من حجارة يرفدها، ويكون أيضاً أن يجعل حول النخلة شوك، وذلك إذا كانت غريبة طريفة لئلا يصعدها أحد. قَالَ الأصمعي: ومنه قول الأنصاري أنا وجذيلها المحكّك. والعُذيق تصغير عذق وهي النخلة نفسها بلغة أهل الحجاز، والعِذق الكِباسة، والكِباسة تسمى القنو وجمعه قنوان. والترجيب عذيقها المرجب أن يبنى للنخلة دُكان يرفدها من شق الميل، وذلك إذا كرمت عَلَى أهلها وخافوا أن تقع، فيقول: إن لي عشيرة ترفدني وتمنعني وتُعضدني. وقَالَ أَبُو عبيدة: يُقَال سمّد رأسه وسبّد رأسه، والتسبيد أن يحلق رأسه حتى يلصقه بالجلد، ويكون التسبيد أيضاً أن يحلق الرأس ثم ينبت الشيء اليسير من الشعر. وقَالَ الأصمعي ويقَالَ للرجل إذا نبت شعره واسود، واستوى: قد سبّد رأسه، وفي الحديث: إن التسبيد فِي الحرورية فاشٍ. ويقَالَ للفرخ إذا نبت ريشه فغطى جلده ولم يطل: قد قَالَ الراعي: لظلّ قطاميٌّ وتحت لبانه ... نواهض ربدٌ ذات ريشٍ مسبد وقَالَ اللحياني: وهو يرمي من كثبٍ ومن كثمٍ أي من قرب وتمكّن. وضربة لازم ولازب. وثوب شمارق وشبارق ومشمرق ومشبرق، إذا كان ممزقاً. ويقَالَ: وقع فِي بنات طمارٍ وطبارٍ أي داهية. والعُبري والعُمريّ: السدر الذي ينبت عَلَى الأنهار والمياه، وما ينبت منه فِي الفلاة والبر فهو الضال. والعجم والعجب: أصل الذّنب. ويقَالَ: أدهقت الكأس إِلَى أصبارها وأصمارها، إذا ملاءتها إِلَى رأسها والواحد صمر وصبر، ويقَالَ رجل دنّبة ودنّمة للقصير. وقَالَ الأصمعي: أخذت الأمر بأصباره أي بكلّه، ويقَالَ: أخذتها بأصبارها أي تامة بجميعها وأنشد: تربي عَلَى ما قدّ يفريه الفار ... مسك شبوبين لها بأصبار ويقَالَ: أسود غيهم وغيهب. ويقَالَ: أصابتنا أزمة وأزبة، وآزمة وأزبة، وهو الضيق والشدة. ويقَالَ: صئب من الماء وصئم، إذا امتلأ وروى منه. وقَالَ أَبُو عبيدة: عقمة وعقبة لضربٍ من الوشى. ويقَالَ: اضبأكت الأرض واضمأكت إذا اخضرت. ويقَالَ: كبحته وكمحته وأكبحته وأكمحته،

نبذة من كلام سيدنا على بن أبي طالب كرم الله وجهه

وقَالَ الأصمعي: أكمحته إذا جذبت عنانه حتى ينتصب رأسه، ومنه قوله: والرأس مكمح. وأكفحتها إذا تلقيت فاها باللجام تضربها به، ومنه قيل: لقيته كفاحاً أي كفة كفة. وكبحتها بغير ألف وهو أن تجذبها إليك وتضرب فاها باللجام لكي لا تجري. وقَالَ يعقوب: يُقَال ذأبته وذأمته إذا طردته وحقرته. ويقَالَ: رأمت القدح ورأبته إذا شبعته. ويقَالَ: زكب بنطفته وزكم بها إذا حذف بها. ويقَالَ: هو ألأم زكبةٍ وزكمةٍ. ويقَالَ: عبد عليه وأبد وأمد أي غضب. ويقَالَ: المال يربي عَلَى كذا وكذا ويرمي ويردي أي يزيد. ويقَالَ: وقعنا فِي بعكوكاء ومعكوكاء أي فِي غبار وجلبةٍ وشرٍّ، وقَالَ أَبُو العباس أحمد بن يحيى: فِي بعكوكاء أي فِي اختلاط، المعني واحد. وقَالَ الفراء: يُقَال: جردبت فِي الطعام وجردمت، وهو أن يستر بيده عَلَى ما بين يديه من الطعام كيلا يتناوله أحد، وأنشد: إذا ما كنت فِي قومٍ شهاوى ... فلا تجعل شمالك جردبانا قَالَ أَبُو العباس: ويروي جردبانا بضم الجيم. وقَالَ غيره يُقَال مهلاً وبهلاً فِي معنى واحد. وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: مهلاً وبهلاً: إتباع. قَالَ: والقرهم والقرهب: السيد، والقرهب أيضاً: الثّور المسن. نبذة من كلام سيدنا عَلَى بن أبي طالب كرم الله وجهه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ تُنْتَضَلُ فِيهِ الْمَنَايَا، وَنَهْبٌ لِلْمَصَائِبِ، وَمَعَ كُلِّ جَرْعَةٍ شَرِقٌ، وَفِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ، وَلا يَنَالُ الْعَبْدُ فِيهَا نِعْمَةً إِلا بِفِرَاقِ أُخْرَى، وَلا يَسْتَقْبِلُ يَوْمًا مِنْ عُمْرِهِ إِلا بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ، فَنَحْنُ أَعْوَانُ الْحُتُوفِ، وَأَنْفُسُنَا تُسَوِّقُنَا إِلَى الْفَنَاءِ، فَمِنْ أَيْنَ نَرْجُو الْبَقَاءَ، وَهَذَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَمْ يَرْفَعَا مِنْ شَيْءٍ شَرَفًا إِلا أَسْرَعَا الْكَرَّةَ فِي هَدْمِ مَا بَنِيَا، وَتَفْرِيقِ مَا جَمَعَا، فَاطْلُبُوا الْخَيْرَ وَأَهْلَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرًا مِنَ الْخَيْرِ مُعْطِيهِ، وَشَرًّا مِنَ الشَّرِّ فَاعِلُهُ

كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى ابنه عبد الله في غيبة غابها

كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إِلَى ابنه عبد الله فِي غيبة غابها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رَحِمُه اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، عَنِ الْعُتْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: كَتَبَ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي غَيْبَةٍ غَابَهَا: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مِنَ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَمَنْ شَكَرَهْ زَادَهُ، وَمَنْ أَقْرَضَهُ جَزَاهُ، فَاجْعَلِ التَّقْوَى جَلاءَ بَصَرِكَ، وَعِمَادَ ظَهْرِكَ، فَإِنَّهُ لا عَمَلَ لِمَنْ لا نِيَّةَ لَهُ، وَلا أَجْرَ لِمَنْ لا حَسَنَةَ لَهُ، وَلا جَدِيدَ لِمَنْ لا خَلَقَ لَهُ " كلام لبعض الحكماء وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: بلغني أن بعض الحكماء كان يقول: «إني لأعظكم وإني لكثير الذنوب، مسرفٌ عَلَى نفسي، غير حامدٍ لها، ولا حاملها عَلَى المكروه فِي طاعة الله عز وجلّ، قد بلوتها فلم أجد لها شكراً فِي الرخاء، ولا صبراً عَلَى البلاء، ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، لترك الأمر بالخير والنهي عَنِ المنكر، ولكن محادثة الإخوان حياةٌ للقلوب، وجلاءٌ للنفوس، وتذكيرٌ من النسيان، واعلموا أن الدنيا سرورها أحزان، وإقبالها إدبار، وآخر حياتها الموت، فكم من مستقبلٍ يوما لا يستكمله، ومنتظر غدا لا يبلغه، ولو تنظرون إِلَى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره» وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن موسى السامي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعي، قَالَ: رأيت أعرابياً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: يا حسن الصحبة، أتيتك من بُعدٍ فأسألك سترك الذي لا ترفعه الرّياح، ولا تخرقه الرماح وأنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد للحطيئة: مستحقبات رواياها جحافلها ... يسمو بها أشعريٌّ طرفه سامي الرّوايا: الإبل التي تحمل الماء والزاد، فالخيل تجنب إليها، فإذا طال عليها القياد وضعت جحافلها عَلَى أعجازها، فصارت كأنها قد استحقبت جحافلها، أي جعلت حقائب لها، وواحد الحقائب حقيبة. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوي، قَالَ: أنشدنا محمد بن سلام، لعمارة بن صفوان الضبي: أجارتنا من يجتمع يتفرق ... ومن يك رهنا للحوادث يغلق

نبذة من كلام العرب

ومن لا يزل يوفي عَلَى الموت نفسه ... صباح مساء يا ابنة الخير يعلق أجارتنا كل امرئٍ ستصيبه ... حوادث إلا تكسر العظم تعرق وتفرق بين الناس بعد اجتماعهم ... وكل جميع صالحٌ للتفرق فلا السالم الباقي عَلَى الدهر خالدٌ ... ولا الدهر يستبقى جنينا لمشفق قَالَ: وأنشدنيه أبي، حبيباً بحاء غير معجمة وقرأت عَلَى على أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ كُثير: وهجرته عزة وحلفت ألا تكلمه، فلما نفر الناس من منىً ولقيته فحيت الجمل ولم تحيه، فأنشأ يقول: حيتك عزة بعد النفر وانصرفت ... فحيَّ ويحك من حيّاك يا جمل لو كنت حييتها ما زالت ذا مقة ... عندي ولا مسك الإدلاج والعمل ليت التحية كانت لي فأشكرها ... مكان يا جملا حييت يا رجل قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو الحسن بن البراء، قَالَ: أنشدني منصور، لأبي تمام الطائي: سقيم لا يموت ولا يفيق ... قد اقرح جفنه الدمع الطليق شديد الحزن يحزن من رآه ... أسير الصبر ناظره أريق ضجيع صبابة وحليف شوق ... تحمل قلبه ما لا يطيق يظل كأنه مما احتواه ... يسعر فِي جوانبه الحريق نبذة من كلام العرب وأملى علينا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي: من كلام العرب: خفة الظهر أحد اليسارين، والعزبة أحد السبابين، واللّبن أحد اللحمين، وتعجيل اليأس أحد اليسرين، والشعر أحد الوجهين، والراوية أحد الهاجيين، والحمية احدى الميتتين وأنشد أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا عبد الله بن خلف، لبشار بن برد الأعمى:

وصية عمير بن حبيب الصحابي لبنيه

يزهدني فِي وصل عزة معشرٌ ... قلوبهم فيها مخالفةٌ قلبي فقلت دعوت قلبي وما اختار وارتضى ... فبالقلب بالعين يبصر ذو اللب وما تبصر العينان فِي موضع الهوى ... ولا تسمع الأذنان إلا من القلب وما الحسن إلا كل حسنٍ دعا الصبا ... وألفّ بين العشق والعاشق الصب وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، عَنْ يونس، قَالَ: لما حضرت عبد الملك الوفاة قال - وهو يعني الدنيا - إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لقليل، وإن كنا منك لفي غرور. " كلام لبعض الحكماء " وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنى عمى، عَنْ أبيه، قَالَ: قيل لبعض الحكماء، كيف ترى الدهر؟ قَالَ: يخلق الأبدان، ويجدد الآمال، ويقرب الآجال، قيل له، فما حال أهله؟ قَالَ: من ظفر به نصب، ومن فاته حزن، قيل: فأي الأصحاب أبر؟ قَالَ: العمل الصالح، قيل: فأيهم أضر؟ قَالَ: النفس والهوى، قيل: ففيم المخرج؟ قَالَ: فِي قطع الراحة وبذل المجهود وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يقول لابنه: لا يغرنك ما ترى من خفض العيش ولين الرياش، ولكن فانظر إِلَى سرعة الظعن وسوء المنقلب وصية عمير بن حبيب الصحابي لبنيه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ، أَنَّ جَدَّهُ عُمَيْرَ بْنَ حَبِيبٍ، وَكَانَ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْصَى بَنِيهِ، فَقَالَ: «يَا بَنِيَّ، إِيَّاكُمْ وَمُخَالَطَةَ السُّفَهَاءِ، فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ دَاءٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَحْلُمْ عَنِ السَّفِيهِ يُسَرَّ بِحِلْمِهِ، وَمَنْ يُجِبْهُ يَنْدَمْ، وَمَنْ لا يَقَرَّ بِقَلِيلِ مَا يَأْتِي بِهِ السَّفِيهُ يَقَرَّ بِالْكَثِيرِ، وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، فَلْيُوَطِّنْ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الأَذَى، وَلْيُوقِنْ بِالثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّهُ مَنْ يُوقِنْ بِالثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا يَجِدْ مَسَّ الأَذَى»

حديث أبي حثمة مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في تفضيل الرطب على العنب

حديث أبي حثمة مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فِي تفضيل الرطب عَلَى العنب وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ لُوطِ بْنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهُمَا أَطْيَبُ، الْعِنَبُ أَمْ الرُّطَبُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: " أَرْسِلُوا إِلَى أَبِي حَثْمَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَثْمَةَ، أَيُّهُمَا أَطْيَبُ، الرُّطَبُ أَمْ الْعِنَبُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ كَالصَّقْرِ فِي رُءُوسِ الرَّقْلِ، الرَّاسِخَاتِ فِي الْوَحْلِ، الْمُطْعِمَاتِ فِي الْمَحْلِ، تُحْفَةِ الصَّائِمِ وَتَعِلَّةِ الصَّبِيِّ، وَنُزْلِ مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ، وَيَنْضَجُ وَلا يُعَنَّى طَابِخُهُ، وَيُحْتَرَشُ بِهِ الضَّبُّ مِنَ الصَّلْعَاءِ، لَيْسَ كَالزَّبِيبِ الَّذِي إِنْ أَكَلْتَهُ ضَرِسْتَ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ غَرِثْتَ " قال أبو علي: الصَّقْر: الدبس بلغة أهل الحجاز. والرقل: الطوال من النخل، واحدتها رقلة. ويحترش: يصاد: والصلعاء: الأرض التي لا نبات بها. والنزل: ما ينساغ من الطعام، ويقَالَ: هذا طعامٌ قليل النُّزل والنَّزل إذا كان لا ينساغ، ولا يُقَال: النَّزول والنُّزول. والنُّزل أيضاً: الريع وهو الزيادة، ذكره اللحياني. فأما قولهم: أخذ القوم نُزلهم فمعناه ما تجري عادتهم بأخذه مما ينزلون عليه ويصلح عيشهم به، وهو مأخوذ من النزول، يدل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بعض أحاديث الاستسقاء: اللهم أنزل فِي أرضنا سكنها أي أنزل علينا من المطر ما يكون سبباً للنبات الذي تسكن الأرض به، فالسكن من سكن بمنزلة النُّزل من نزل، وفيه لغتان نُزل ونَزل. وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن موسى السامي، عَنِ الأصمعي، قَالَ: قَالَ رجل من أهل الحاضرة لرجل من أهل البادية: " أتعرفون الزنا عندكم بالبادية؟ قَالَ: نعم، أو أحدٌ لا يعرف الزنا وقد نهى الله عنه! فما الأمر عندكم؟ قَالَ: الضمة والشمة والقبلة، ليس الأمر عندنا هكذا، هو أن يباضع الرجل المرأة، فقَالَ الأعرابي: هذا طالب ولدٍ ونسل " وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن يزيد الأزدي، قَالَ: أردف ذو الرمة أخاه فعرضت لهما ظبيةٌ، فقَالَ ذو الرمة: أيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ ... وبين النقا آأنت أَمْ أُمّ سالم

حديث أعرابي دخل على بعض الأمراء وشرب الخمر وهو لا يعلمها

فقَالَ أخوه: فلو تحسن التشبيه والوصف لم تقل ... لشاة النقا آأنت أَمْ أُمّ سالم جعلت لها قرنين فوق جبينها ... وظلفين مشقوقين تحت القوائم فقَالَ ذو الرمة: هي الشبه إلا مدرييها وأدنها ... سواء وإلا مشقة بالقوائم وأنشدنا غير واحد من أصحابنا قول الشماخ: وتشكو بعينٍ ما أكلّ ركابها ... وقيل المنادي أصبح القوم أدلجى يريد: وتشكو هذه المرأة السرى الذي قد أكل ركابها، وذلك أنه استبان ذلك فِي عينها لغئورها وانكسار طرفها ونعاسها، وتشكو أيضاً قول المنادي أي تشنيع ذلك عليها، ويروى: ما أكلت ركابها. ثم قَالَ: فظلت كأني أتقي رأس حية ... بحاجتها إن تخطئ النفس تعرج يقول: أتقي أن أبوح بما أجد كما أتقي رأس حية إن لم تقتل أعرجت، أي لا أقدر أن أكلمها من الرقباء، ومعنى بحاجتها أي بحاجتي إليها. حديث أعرابي دخل عَلَى بعض الأمراء وشرب الخمر وهو لا يعلمها وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التوزى، عَنْ أبى عبيدة: أن أعرابياً دخل عَلَى بعض الأمراء وهو يشرب، فجعل يحدثه وينشده ثم سقاه، فلما شربها قَالَ: هي والله أيها الأمير، أي هي الخمر، فقَالَ: كلا، إنها زبيب وعسل، فلما قَالَ له قل فيها، فقَالَ: أتانا بها صفراء يزعم أنها ... زبيب فصدقناه وهو كذوب وما هي إلا ليلةٌ غاب نجمها ... أواقع فيها الذنب ثم أتوب

حديث عمارة بن عقيل في مولاة لبني الحجاج كانت تنشد كلمته في حمادة

حديث عمارة بن عقيل فِي مولاة لبني الحجاج كانت تنشد كلمته فِي حمادة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، قَالَ: حَدَّثَنِي عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، قَالَ: كانت مولاة لبني الحجاج تحفظ شعراً وترويه وتنشده فتيات بني الحجاج، فأنشدتهن ذات ليلة كلمتي فِي حمادة، وفيهن واحدة وهي عقيلتهن، فلما انتهى قولي: فإن تصبح الأيام شيبن مفرقي ... وأذهبن أشجاني وفللن من غربي فيا رب يوم شربت بمشرب ... شفيت به غيم الصدى باردٍ عذب ومن ليلة قد بتها غير آثمٍ ... بساجية الحجلين ريانة القلب ضحكت، ثم أعرضت وضربت بكمها عَلَى وجهها وقَالَت: فهلا أثم! حرمه الله وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن أبى الأزهر مستملى أبي العباس قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب للضحاك: يقولون مجنونٌ بسمراء مولعٌ ... ألا حبذا جنٌ بنا وولوع وإني لأخفي حب سمراء منهم ... ويعلم قلبي أنه سيشيع ولا خير فِي حبٍّ يكن كأنه ... شغافٌ أجنته حشاً وضلوع وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، من خط إسحاق بن إبراهيم الموصلي: بنفسي من هواه عَلَى التنائي ... وطول الدهر مؤتنفٌ جديد ومن هو فِي الصلاة حديث نفسي ... وعدل النفسي عندي بل يزيد وقرأت عليه من خطه أيضاً: ألا بأبي من ليس والله نافعي ... بنيلٍ من قلبي عَلَى النأي ذاكره ومن كبدي تهفو إذا ذكر اسمه ... كهفو جناحٍ ينفض الطلّ طائره له خفقانٌ يرفع الجيب كالشجا ... يقطع أزرار الجربان ثائره. قَالَ أبو علي:

ما قيل في خفقان الفؤاد

هكذا وجدته بخط إسحاق بكسر الجيم ولم ينكره أَبُو بَكْرٍِ قَالَ الفراء: جربان القميص بالضم، وكذلك جربان السيف حده، وأما الذي فِي خبر أبي زبيد فجربان بتسكين الراء والتخفيف وهو والغمد، وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي شعر الراعي: وعلى الشمائل أن يهاج بنا ... جربان كل مهندٍ عضب ما قيل فِي خفقان الفؤاد ومن حسن ما رويناه فِي خفقان الفؤاد ما أنشدني أَبُو عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس محمد بن يزيد الثمالي، لبشار بن برد: كان فؤاده كرةٌ تنزى ... حذار البين إن نفع الحذار نبت عيني عَنِ التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار أقول وليلتي تزداد طولا ... أما لليل بعدهم نهار وقد أحسن عدي بن الرقاع حين يقول: ألا من لقلبٍ لا يزال كأنه ... يدا لامعٍ أو طائر يتصرف وأنشدنا غير واحد فِي هذا المعنى لقيسٍ المجنون: كأن القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامرية أو يراح قطاةٌ عزها شركٌ فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح والمجنون أحد المحسنين فِي هذا المعنى، وله: وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منىً ... فهيّج أحزان الفؤاد وما يدري دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أثار بليلي طائرا كان فِي صدري ويروى: أطار قصيدة الوقاف ورد بن ورد الجعدي وقرى عَلَى أبي عمر المطرز غلام ثعلب، فِي هذا المعنى وأنا أسمع، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى الشيباني للوقاف، وهو ورد بن ورد الجعدي: إذا تركت وردية النجد لم يكن ... لعينيك مما يشكوان طبيب وإني لأخشى أن تعود عليهما ... قذىً كان فِي جفنيهما وغروب

وكانت رياح الشام تبغض مرة ... فقد جعلت تلك الرياح تطيب وقد كان علوي الرياح أحبها ... إلينا فقد دارت هناك جنوب كأن فؤادي كلما خفت روعة ... من البين بازٍ ما يزال ضروب سما بالخوافي واستمر بساقه ... عَلَى الصيد سيرٌ بالأكف نشوب ولم أنس منها منظرا يوم يشبها ... لعيني فِي الصرم الحلول شبوب تأود بين المطرفين كأنما ... تأود بين المطرفين عسيب أثيبي صدىً لو تعلمين سقيته ... سقاك غماماتٌ لهن دبيب هوامل ماءٍ تمتريهن ربدة ... لما فرغت من مائهن سكوب هنيئا لعود من بشامٍ تزفه ... عَلَى بردٍ شهدٌ بهن مشوب بما قد تروى من رضابٍ ومسه ... بنانٌ كهداب الدمقس خضيب فلا وأبيها إنها لبخيلةٌ ... وفي قول واشٍ إنها لغضوب رمتني عَنْ قوس العدو وإنها ... إذا ما رأتني عازفاً لخلوب وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، للشماخ: رعى بارض الوسمي حتى كأنما ... يرى بسفا البهمي أخلة ملهج يقول: راعي هذا الحمار بارض الوسمي. والبارض: أول ما يخرج من النبات، فلعادته وأكله ذلك كأنما يرى بسفا البهمي أخلة ملهج. والسفا: شوك البهمي. وأخلة جمع خلال. والملهج: الذي قد لهجت فصائله بالرضاع، فإذا لهجت خل أنفها بخلال محدد الرأس ولأسفله حجنة لئلا يخرج، فيقول: رعي البهمي حتى ظهر شوكه وجف، فإذا تناوله الحمار أوجعه، فكأنما يرى برؤيته السفا أخلة ملهج. قصيدة كثير التي أولها: ألا حييا ليلى أجد رحيلي، وشرح ما فيها من الغريب وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لكثير: ألا حييا ليلى أجد رحيلي ... وآذن أصحابي غداً بقفول تبدت له ليلى لتذهب عقله ... وشاقتك أم الصلت بعد ذهول

وروي أَبُو عمرو الشيباني: تبدت لي ليلى لتغلب صبره أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل إذا ذكرت ليلى تغشتك عبرةٌ ... تعلّ بها العينان بعد نهول وكم من خليل قَالَ لي هل سألتها ... فقلت له ليلى أضنّ خليل وأبعده نيلاً وأوشكه قلىً ... وإن سئلت عرفاً فشر مسول حلفت برب الراقصات إِلَى منىً ... خلال الملا يمددن كل جديل تراها رفاقاً بينهن تفاوتٌ ... ويمددن بالإهلال كل أصيل تواهقن بالحجاج من بطن نخلة ... ومن عزور والخبت خبت طفيل بكل حرامٍ خاشع متوجهٍ ... إِلَى الله يدعوه بكل نقيل على كل مذعان الرواح معيدةٍ ... ومخشية ألا تعيد هزيل شوامذ قد أرتجن دون أجنةٍ ... وهوجٍ تبارى فِي الأزمة حول يمين أمرئٍ مستغلظٍ من أليةٍ ... ليكذب قيلاً قد ألحّ بقيل لقد كذب الواشون ما بحت عندهم ... بليلى ولا أرسلتهم برسيل ويروى: برسول، والرسول والرسيل: الرسالة ها هنا فإن جاءك الواشون عني بكذبةٍ ... فروها ولم يأتوا لها بحويل فلا تعجلي يا ليل أن تتفهمي ... بنصح أتى الواشون أم بحبول فإن طبت نفساً بالعطاء فأجزلي ... وخير العطا يا ليل كل جزيل وإلا فإجمالٌ إليّ فإنني ... أحب من الأخلاق كل جميل وإن تبذلي لي منك يوماً مودةً ... فقدماً تخذت القرض عند بذول وإن تبخلي يا ليل عني فإنني ... توكلني نفسي بكل بخيل ولست براضٍ من خليل بنائلٍ ... قليل ولا راضٍ له بقليل وليس خليلي بالملول ولا الذي ... إذا غبت عنه باعني بخليل ولكن خليلي من يديم وصاله ... ويحفظ سري عند كل دخيل

ولم أر من ليلي نوالا أعده ... ألا ربما طالبت غير منيل يلومك فِي ليلى وعقلك عندها ... رجالٌ ولم تذهب لهم بعقول يقولون ودع عنك ليلى ولا تهم ... بقاطعة الأقران ذات حليل فما نقعت نفسي بما أمروا به ... ولا عجت من أقوالهم بفتيل تذكرت أتراباً لعزة كالمها ... حبين بليطٍ ناعم وقبول وكنت إذا لاقيتهن كأنني ... مخالطةٌ عقلي سلاف شمول تأطرن حتى قلت لسن بوارحا ... رجاء الأماني أن يقلن مقيلى فأبدين لي من بينهن تجهما ... وأخلفن ظني إذ ظننت وقيلى فلأيا بلأيٍّ ما قضين لبانةً ... من الدار واستقللن بعد طويل فلما رأى واستيقن البين صاحبي ... دعا دعوةً يا حبتر بن سلول فقلت وأسررت الندامة ليتني ... وكنت امرأً أغتش كل عذول سلكت سبيل الرائحات عشية ... مخارم نصع أو سلكن سبيلي فأسعدت نفساً بالهوى قبل أن ... أرى عوادي نأيٍ بيننا وشغول ندمت عَلَى ما فاتني يوم بنتم ... فيا حسرتا ألا يرين عويلي وروى أَبُو بَكْرٍِ: يوم بينة، وقَالَ: هو موضع كأن دموع العين واهية الكلى ... وعت ماء غربٍ يوم ذاك سجيل تكنفها خرقٌ تواكلن خرزها ... فأبجلنه والسير غير بجيل أقيمي فإن الغور يا عز بعدكم ... إِلَى إذا ما بنت غير جميل كفى حزناً للعين أن ردّ ... طرفها لعزة عيرٌ آذنت برحيل ويروى أن راء طرفها لعزة عيرا قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: رأى وراء مثل رعي وراع: وقالوا نأت فاختر من الصبر والبكا ... فقلت البكا أشفي إذا لغليلي توليت محزونا وقلت لصاحبي ... أقاتلتي ليلى بغير قتيل

وروى أَبُو بَكْرٍِ: فوليت محزوناً لعزة إذ يحتل بالخيف أهلها ... فأوحش منها الخيف بعد حلول وبدّل منها بعد طول إقامة ... تبعث نكباء العشي جفول لقد أكثر الواشون فينا وفيكم ... ومال بنا الواشون كل مميل وما زلت من ليلى لدن طر شاربي ... إِلَى يوم كالمقصي بكل سبيل : بقفول: برجوع، والقافلة: الراجعة من سفر، ولا يُقَال للذين خرجوا من بيوتهم إِلَى مكة: قافلة. وأوشكه: أسرعه. والقلي: البغض. والراقصات: الإبل. والملا: الفضاء. والجديل: زمام مجدول أي مضفور. والأصيل: العشي. وتواهقن: تبار بن فِي سيرهن، والمواهقة: المباراة فِي السير، قَالَ طفيل: قبائل من فرعي غنيّ تواهقت ... بها الخيل لا عزلٌ ولا متأشب والمواضحة: المباراة فِي كل شيء، قَالَ الشاعر: إذا واضحوه المجد أربى عليهم ... بمستفرغٍ ماء الذناب سجيل وقَالَ العجاج: تواضح التقريب قلواً مغلجاً قَالَ: وكذلك المساجلة والمواغدة والمماناة والمماءرة والمواءمة، يُقَال: واضخت الرجل وواغدته وساجلته ومانيته ومارءته وواءمته إذا ساويته فِي فعله، قَالَ أوس بن حجر: تواغد رجلاها يديه ورأسه ... له نشزٌ فوق الحقيبة رادف وقَالَ الآخر: من يساجلني يساجل ماجداً ... يملأ الدلو إِلَى عقد الكرب

وقَالَ لبيد: أماني بها الأكفاء فِي كل موطنٍ ... وأجزي فروض الصالحين وأقتري وقَالَ خداش بن زهير: تماء رتم فِي الفخر حتى هلكتم ... كما أهلك الغار النساء الضرائرا وبطن نخلة: بستان بني عامر، وهو المجمعة. وعزور: ثنية الحجفة. جمعه خبوث، وهي المطمئنات من الأرض. وطفيل: موضع. والنقيل: الطريق. والمذعان: المذللة، ويقَالَ: أذعن له إذا ذل له وخضع. ومعيدة: التي قد عاودت السفر. والشوامذ: الشائلات الأذناب، والناقة إذا استبان لقحها شمذت بذنبها. وأرتجن: أغلقت أرحامهن عَنْ أولادهن فهن مرتجات، ومنه قيل. أرتج عَلَى القارئ إذا وقف فلم يدر ما يتلو، كأنه أغلق عليه. والحول جمع حائل، وهي التي لا تلقح. والألية: اليمين، وفيها أربع لغات، يُقَال: ألية وتجمع أليات وألايا، وألوة وتجمع ألوات، وألوة وتجمع إِلَى، وإلوة وتجمع إِلَى. وفروها من الفرية، يُقَال فرى يفرى. والحويل: المحاولة. والحبول: الدواهي واحدتها حبل بكسر الحاء. والخبول: جمع خبل، وهو الفساد والدخيل: العالم بداخل أمرك، يُقَال: هو عالم بدَخلك ودِخلك ودُخللك ودُخيلائك ودخيلتك ودُخلك ودخيلك. وقَالَ اللحياني: قَالَ بعضهم: قد عرفت دخلل أمره ودخلل أمره ودخلة أمره ودِخلة أمره ودُخلة أمره ودخيل أمره وداخلة أمره. وقَالَ بعضهم: دُخلل الحب: صفاؤه وداخله. وأنشدني عبد الله بن جعفر النحوى، قَالَ: أنشدني أَبُو العباس المبرد: فوددت إذا سكنوا هنالك دارهم ... وعدتهم عنا أمورٌ تشغل أنا نطاع إذاً فتنقل أرضنا ... أو أن أرضهم إلينا تنقل لترد من كثبٍ إليك رسالتي ... بجوانبها ويعود ذاك الدُّخلل ويقَالَ: الدخيل والدخلل: الخاصة. وما نقعت أي ما رويت يُقَال: شرب حتى نقع وبضع أي روي. ومن أمثال العرب: حتّام تكرع ولا تنقع وعجبت: انتفعت. والأتراب: الأقران، وكذلك اللدات. والليط: اللون وهو الجلد أيضاً. وتأطرن هاهنا: تلبّثن، وأصل التأطّر: التعطف. واللأي: البطء.

واللبانة: الحاجة. والمخارم جمع مخرم: وهو منقطع أنف الجبل. نصع: جبل أسود بين الصفراء وينبع. والعوادي: الصوارف. والكلى: جمع كلية، وهي الرقعة التي تكون فِي أصل عروة المزادة. والغرب: الدلو العظيمة. والسجيل: الغرب الضخم. والخرق جمع خرقاء، والخرقاء: التي لا تحسن العمل، فإذا أحسنت العمل فهي صناعٌ، والرجل صنع. وأبجلنه: أوسعنه. والبجيل: الغليظ، يريد أنهن أغلظن الإشفى وأدققن السير، وقَالَ لي أَبُو بَكْرٍِ: البجيل: الكبير فِي غير هذا الموضع، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين وقف عَلَى بقيع الغرقد: لقد أصبتم خيراً بجيلا وسبقتم شرا طويلا. وهما عندي فِي معنى واحد، لأن الغليظ لا يكون إلا عَنْ كثرة أجزاء. والنكباء: الريح التي تهب بين مهبي ريحين، وإنما قيل لها نكباء، لأنها لا تنكيت مهب هذه ومهب هذه. والجفول: التي تذهب التراب. وطرور الشارب: نباته، قَالَ الشاعر: منا الذي هو ما إن طرّ شاربه ... والعانسون ومنا المرد والشيب ، قَالَ الأصمعي: من أمثال العرب، حبل فلان يفتل إذا كان مقبلاً. قَالَ: ويقَالَ: لو كان ذا حيلةٍ تحول،. يراد أنه إنما أُتي من قِبل ضعفه. قَالَ ويقَالَ: لأعصبنكم عصب السلمة، والسلمة يأتيها الرجل فيشدها بنسعةٍ إذا أراد أن يخبطها، لئلا يشذ شوكها فيصيبه. ويقَالَ: احس وذق، مثل للرجل يتعرض لما يكره فيقع فيه. ما تتعاقب فيه العين والحاء من كلام العرب وقَالَ أَبُو عبيدة يُقَال: ضبعت الخيل وضبحت سواء. قَالَ وقَالَ بعضهم: ضبحت بمنزلة نحمت، كذا حكى عنه يعقوب. وقَالَ الأصمعي: إنه لعفضاجٌ وحفضاج إذا تفتق وكثر لحمه: ويقَالَ: رجل عفاضجٌ. قَالَ: وسمعت أبا مهدي، يقول: إن فلان لمعصوب ما حفضج. ويقَالَ: بحثروا

متاعهم وبعثروه أي فرقوه. ويقَالَ للمرأة إذا كانت تبدو وتجيء بالكلام القبيح والفحش: هي تعنظى وتحنظى وتحنذى، وقد عنظى الرجل وحنظى وحنذى، وأنشد لجندل: قامت تعنظى بك سمع الحاضر ويروى: تحنظى بك وتحنذى. ويقَالَ: نزل حراه وعراه أي قريباً منه. والوعا والوحا: الصوت، يُقَال: سمعت وعاهم ووحاهم. ما تعاقب فيه الهمزة الهاء قَالَ الأصمعي يُقَال: للصبا أيرٌ وأيّر وهيرٌ وهيّر عَلَى مثال فعيل. ويقَالَ للقشور التي فِي أصول الشعر: إبريةٌ وهبرية، ويقَالَ: أيا فلان وهيا فلان، وأنشد: فانصرفت وهي حصانٌ مغضبه ورفعت من صوتها هيا أبه كل فتاةٍ بأبيها معجبة ويقَالَ: ارقت الماء وهرقته، ويقَالَ: إياك أن تفعل وهياك. ويقَالَ: اتمألّ السنام واتمهلّ إذا انتصب. ويقَالَ للرجل إذا كان حسن القامة: إنه لمتمئلٌّ ومتمهل. ويقَالَ: أرحت دابتي وهرحتها. ويقَالَ: أنرت له وهنرت له. ما تتعاقب فيه السين والتاء قَالَ الأصمعي يُقَال: الكرم من سوسه من توسه أي من خليقته. ويقَالَ: رجلٌ حفيسأٌ وحفيتأٌ إذا كان ضخم البطن إِلَى القصر ما هو، وأنشد الفراء: يا قبّح الله بني السعلات عمرو بن ... يربوع شرار النات ليسوا أعفاء ولا أكيات

أراد شرار الناس وأكياس. وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، للبيد: نشين صحاح البيد كل عشيةٍ ... بعود السراء عند بابٍ محجّب أراد أنهم بقسيهم ويفخرون يخططون فيقولون: فعلنا وفعلنا والسراء: خشب يُتخذ منه القسيُّ، ومثله قول الحطيئة: أم من لخصم مضجعين قسيهم ... ميل خدودهم عظام المفخر وذلك أن القوم إذا جلسوا يتفاخرون خطوا بأطراف قسيهم فِي الأرض: لنا يوم كذا وكذا، ولنا يوم كذا وكذا، يعددون أيامهم ومآثرهم. وصف عَلَى رضي الله عنه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ النَّحْوِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِك بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، هَكَذَا قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَعَتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَخْمَ الْهَامَةِ، كَثِيرَ شَعَرِ الرَّأْسِ رَجِلا، أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، طَوِيلَ أَصَابِعِهَا، هَكَذَا الْحديث، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، يَتَكَفَّأُ فِي مِشْيَتِهِ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَلا طَوِيلا وَلا قَصِيرًا، لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قال أبو علي: الرجل استرسال الشعر كأنه مسرّح وهو ضد الجعودة، يُقَال رجلٌ رَجِل الشعر. والمسربة: الشعر المستدق من الصدر إِلَى السرة وأنشدنى أَبُو بَكْرِ بن دريد، للحارث بن وعلة: ألآن لما ابيض مسربتي عضضت من نابي عَلَى جذم قَالَ أَبُو عبيدة: والشثن: الخشن الغليظ. وهذا من صفة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التمام وأنه ليس هناك استرخاء. وضخم الكراديس يريد غليظ العظام، والكردوس: كل عظم عليه لحمه.

شيء من كلام العرب ووصاياها

ويتكفأ يتمايل فِي مشيته، وهذا المدح فِي المشي لأنه لا يكون إلا عَنْ تؤدة وحسن مشي. وقوله: فِي صبب: الصّبب: الحدور، والماشي يترفق فِي الحدور شيء من كلام العرب ووصاياها وأملى علينا أَبُو عبد الله قَالَ: من كلام العرب ووصاياها: جالس أهل العلم، فإن جهلت علموك، وإن زللت قوموك، وإن أخطأت لم يفندوك، وإن صحبت زانوك، وإن غبت تفقدوك، ولا تجالس أهل الجهل، فإنك إن جهلت عنفوك، وإن جاهلت لم يقوموك، وإن أخطأت لم يثبتوك وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: أتى أعرابي باب بعض الملوك فأقام به حولاًً ثم كتب إليه: الأمل والعدم أقدماني عليك. وفي السطر الثاني: الإقلال لا صبر معه. وفي الثالث: الإنصراف بلا فائدة شماتة الأعداء. وفي السطر الرابع: إما نعم سريح، وإما يأس مريح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يدعو لرجل فقَالَ: «جنبك الله الأمرين، وكفاك شر الأجوفين، وأذاقك البردين» الأمران: الفقر والعرى. والأجوفان: البطن والفرج. والبردان: برد العين وبرد العافية وَحَدَّثَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا، يَقُولُ: " خَصْلَتَانِ مِنَ الْكَرَمِ: إِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ، وَمَوَاسَاةُ الإِخْوَانِ " حديث طريح بن اسماعيل الثقفي مع كاتب داود بن عَلَى وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: رفع طريح بن اسماعيل الثقفي حاجة إِلَى كاتب داود بن عَلَى ليرفعها إِلَى داود، وجاءه مجازياً له، فقَالَ له: هذه حاجتك مع حاجة فلان، لرجل من الأشراف، فقَالَ طريح:

ما خطب به الناس عمرو بن سعيد في مجلس معاوية يوم عقد البيعة ليزيد

تخل بحاجتي وأشدد قواها فقد أمست بمنزلة الضّياع إذا راضعتها بلبان أخرى أضر بها مشاركة الرضاع ما خطب به الناس عمرو بن سعيد فِي مجلس معاوية يوم عقد البيعة ليزيد وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَاتِمٍ، عَنِ الْعُتْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا عَقَدَ الْبَيْعَةَ مُعَاوِيَةُ، رَحِمَهُ اللَّهُ لابْنِهِ يَزِيدَ قَامَ النَّاسُ يَخْطُبُونَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ: «قُمْ يَا أَبَا أُمَيَّةَ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ» أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ أَمَلٌ تَأْمُلُونَهُ، وَأَجَلٌ تَأْمَنُونَهُ، إِنْ اسْتَضَفْتُمْ إِلَى حِلْمِهِ وَسِعَكُمْ، وَإِنْ احْتَجْتُمْ إِلَى رَأْيِهِ أَرْشَدَكُمْ، وَإِنْ افْتَقَرْتُمْ إِلَى ذَاتِ يَدِهِ أَغْنَاكُمْ، جَذَعٌ قَارِحٌ، سُوبِقَ فَسَبَقَ، وَمُوجِدَ فَمَجَدَ، وَقُورِعَ فَفَازَ سَهْمُهُ، فَهُوَ خَلَفُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلا خَلَفَ مِنْهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «أَوْسَعْتَ يَا أَبَا أُمَيَّةَ فَاجْلِسْ» ما قاله أعرابي يمدح بعض الملوك وقد دخل عليه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ رحمه الله: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: دخل أعرابي عَلَى بعض الملوك، فقَالَ: «رأيتني فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عَنْ ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، الذي لا يخفي عَلَى الناظر، وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوبٌ إِلَى العجز مقصّر عَنِ الغاية، فانصرفت عَنِ الثناء عليك إِلَى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إِلَى علم الناس بك» وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، قول الشاعر: لعلك والموعود حقٌّ وفاؤه بدا لك فِي تلك القلوص بداء فإن الذي ألقى إذا قَالَ قائل من الناس أهل أحسستها لعناء أقول التي تنبي الشمات وإنهّا عَلَى وإشمات العدو سواء قَالَ: هذا الرجل وعد رجلاً قلوصاً فأخلفه، فقَالَ له الموعود: إذا سئلت أقول التي تنى الشمات عنّي، أي أقول: نعم قد أخذتها، أي أكذب، ثم قَالَ: وكذبي وإشمات العدو سواء وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، للطّرمّاح: ولو أن غير الموت لاقى عدبّسا وجدّك لم يسطع له أبدا هضما

فتي لو يصاغ الموت صيغ كمثله إذا الخيل جالت فِي تساجلها قدما ولو أن موتاً كان سالم رهبةً من الناس إنسانا له لكان له سلما قَالَ أوب عَلَى: هذا مثل قول عنترة: إن المنية لو تمثّل مثّلت مثلى إذا نزلوا بضنك المنزل مرثية ربيعة الأسدي لأبنه ذؤاب وأملى علينا، رحمه الله، قَالَ: أخبرنا أَبُو حاتم، أن أبا عبيدة، أنشدهم لربّيعة الأسدي يرثي ابنه ذؤابا: أبلغ قبائل جعفرٍ مخصوصةً ما إن أحاول جعفر بن كلاب أن المودّة والهوادة بيننا خلقٌ كسحق الرّيطة المنجاب قَالَ ويروي: أن البقيّة والهوادة بيننا سملٌ كسحق الرّيطة المنجاب إّلا بجيش لا يكت عديده سود الجلود من الحديد غضاب قوله لا يكت عديده: لا يحصي. ، وقَالَ لي أَبُو بَكْرٍِ: من كلام العرب: لا تكته أو تكت النجوم أي لا تعده. ولقد علمت عَلَى التّجلد والأسى أن الرّزيّة كان يوم ذؤاب أذؤاب إني لم أهبك ولم أقم للبيع عند تحضّر الأجلاب إن يقتلوك فقد هتكت بيوتهم بعتيبة بن الحارث بن شهاب بأحبّهم فقداً إِلَى أعدائهم وأشدهم فقداً عَلَى الأصحاب

مرثية سلمة بن يزيد في أخيه لأمه قيس بن سلمة

ويروي: بأشدهم أوقاً عَلَى أعدائهم وأجلهم رزءاً عَلَى الأصحاب وعمادهم فِي كل يوم كريهة وثمال كل مصعب قرضاب: القرضاب والقرضوب: الفقير، والقرضاب فِي غير هذا الموضع: اللّص. أهوى له تحت العجاج بطعنةٍ والخيل تردي فِي الغبار الكابي الكابي: المنتفخ. يُقَال: فلان كابي الرماد إذا كان سخياً، ومن هذا قيل: كبا الفرس يكبو إذا ربا وانتفخ أذؤاب صاب عَلَى صداك فجاده صوب الرّبيع بوابلٍ سكاب ما أنس لا أنساه آخر عيشنا ما لاح بالمعزاء ريع سراب: الرّيع: الرجوع، وريعان الشباب: أوله، والرّيع أيضاً: الزيادة، ومنه حدّيث عمرو، رضي الله عنه: املكوا العجين فإنه أحد الرّيعين. مرثية سلمة بن يزيد فِي أخيه لأمه قيس بن سلمة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله: أن أباه أنشده، عَنِ الأصمعي، عَنْ أحمد بن عبيد، عَنِ ابن الكلبي، لسلمة بن يزيد، يرثي أخاه لأمه قيس بن سلمة: أقول لنفسي فِي الخلاء ألومها ... لك الويل ما هذا التجلد والصبر ألا تفهمين الخبر أن لست لاقياً ... أخي إذا أتى من دون أكفانه القبر وكنت إذا ينأى به بين ليلةٍ ... يظلَ عَلَى الأحشاء من بينه الجمر فهذا لبينٍ قد علمنا إيابه ... فكيف لبين كان موعده الحشر وهوّن وجدي أنني سوف أغتدي ... عَلَى إثره حقاًً وإن نفس العمر فلا يبعدنك الله إما تركتنا ... حميدا وأروي بعدك المجد والفخر فتىً كان يعطى السيف فِي الروع حقّه ... إذا ثوب الداعي وتشق به الجزر

فتي كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر فتىً لا يعد المال رباً ولا يرى ... له جفوةٌ إن نال مالاً ولا كبر فنعم مناخ الضّيف كان إذا سرت ... شمالٌ وأمست لا يعرجها ستر ومأوي اليتامى المملحين إذا انتهوا ... إلى بابه سغباً وقد قحط القطر يقال: قحط الناس بكسر الحاء وأقحطوا وقحط القطر بفتح الحاء. " المفاضلة بين عمر بن أبي ربيعة وجميل بن معمر العذري " وحدثنا حرميٌّ قال حدّثنا الزبير قال: كان عمر بن أبي ربيعة وجميل بن معمر يتنازعان الشعر فيقال: إن عمر في الرائية والعينية أشعر، وإن جميلاً في اللامية أشعر، وكلاهما قد قال فأحسن، قال جميل: لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل يقولون مهلاً يا جميل وإنني ... لأقسم ما بي عَنْ بثينة من مهل أحلماً فقبل اليوم كان أوانه أم ... أخشى فقبل اليوم أوعدت بالقتل وفيها يقول: إذا ما تناثينا الذي كان بيننا ... جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل كلانا بكى أو كاد يبكي صبابةً ... إِلَى إلفه واستعجلت عبرةً قبلي فيا ويح نفسي حسب نفسي الذي ... بها ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي خليليَ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلاً بكى من حبِّ قاتله قبلي وقَالَ عمر: جرى ناصحٌ بالود بيني وبينها ... فقرّبني يوم الحصاب إِلَى قتلي وطارت بحدٍّ من فؤادي ونازعت ... قرينتها حبل الصفاء إِلَى حبلي فما أنس ملأ شياء لا أنس ... موقفي وموقفها يوماً بقارعة النخل فلما توقفنا عرفت الذي بها كمثل ... الذي بي حذوك النعل بالنعل

حديث قيس بن ذريح وإلحاح أبيه عليه في طلاق لبني وما آل إليه أمره بعد فراقها

وفيها يقول: فسلّمت واستأنست خيفة أن يرى ... عدو بكائي أو يرى كاشحٌ فعلي فقَالَت وأرخت جانب السّجف إنما ... معي فتكلم غير ذي رقبة أهلي فقلت لها ما بي لهم من ترقّب ... ولكنّ سريّ ليس يحمله مثلي وقَالَ الزبير: ليس من شعراء الحجاز يتقدّم جميلاً وعمر فِي النّسيب والناس لهما تبعٌ. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لكثير: لا تغدرن بوصل غزة بعد ما ... أخذت عليك مواثقاً وعهودا إن المحب إذا أحب حبيبه ... صدق الصفاء وأنجز الموعودا ألله يعلم لو أردت زيادة ... فِي حب عزة ما وجدت مزيدا ويروى: ألله يعلم لو أردت زيادة ... فِي الحب عندي ما وجدت مزيدا رهبان مدين والذين رأيتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خروا لعزة خاشعين سجودا والميت ينشر أن تمس عظامه ... مساً ويخلد أن يراك خلودا حديث قيس بن ذريح وإلحاح أبيه عليه فِي طلاق لبني وما آل إليه أمره بعد فراقها حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بن خلف الدلال، قَالَ: قَالَ محمد بن زياد الأعرابي: لما ألحّ ذريح عَلَى ابنه قيس فِي طلاق لبنى فأبى ذلك قيس، طرح ذريح نفسه فِي الرّمضاء وقَالَ: لا والله لا أريم هذا الموضع حتى أموت أو يخلّيها، فجاءه قومه من كل ناحية فعظّموا عليه الأمر وذكّروه بالله وقالوا: أتفعل هذا بأبيك وأمك! إن مات شيخك عَلَى هذا الحال كنت معينا عليه وشريكاً فِي قتله، ففارق لبنى عَلَى رغم أنفه، وقلة صبره، وبكاء منه حتى بكى لهما من حضرهما، وأنشأ يقول: أقول لخلّتي فِي غير جرٍم ... ألا بينى بنفسي أنت بيني فوالله العظيم لنزع نفسي ... وقطع الرّجل مني واليمين

أحب إليّ يا لبنى فراقا ... فبكّى للفراق وأسعديني ظلمتك بالطلاق بغير جرم ... فقد أذهبت آخرتي وديني قَالَ: فلما سمعت بذلك لبنى بكت بكاء شديدا، وأنشأت تقول: رحلت إليه من بلدي وأهلي ... فجازاني جزاء الخائنينا فمن راني فلا يغترَّ بعدي ... بحلو القول أو يبلو الدَّفينا فلما انقضت عدَّتها وأرادت الشخوص إِلَى أهلها، أتيت براحلة لتحمل عليها، فلما رأى ذلك قيس داخله منه أمر عظيم واشتد لهفه، وأنشأ يقول: بانت لبيني فأنت اليوم متبول ... وإنك اليوم بعد الحزم مخبول فأصبحت عنك لبني اليوم نازحة ... ودلّ لبني الخيرات المعسول هل ترجعنَّ نوى لبنى بعاقبةٍ ... كما عهدت ليالي العشق مقبول وقد أراني بلبني حقّ مقتنع ... والشَّمل مجتمعٌ والحبل موصول فصرت من حبِّ لبنى حين أذكرها ... القلب مرتهن والعقل مدخول أصبحت من حب لبنى بل تذكُّرها ... فِي كربة ففؤادي اليوم مشغول والجسم منِّي منهوك لفرقتها ... يبريه طول سقامٍ فهو منحول كأنني يوم ولَّت ما تكلمني ... أخو هيام مصاب القلب مسلول أستودع الله لبنى اذ تفارقني عَنْ غير طوع وأمر الشيخ مفعول ثم ارتحلت لبنى، فجعل قيس يقبِّل موضع رجليها من الأرض وحول خبائها، فلما رأى ذلك قومه أقبلوا عَلَى أبيه بالعذل واللوم، فقَالَ ذريح لما رأي حاله تلك: قد جنيت عليك يا بنيَّ، فقَالَ له قيس: قد كنت أخبرك أني مجنون بها فلم ترض إلا بقتلي، فالله حسبك وحسب أمي! وأقبل قومه يعذلونه فِي تقبيله التراب، فأنشأ يقول: فما حبيّ لطيب تراب أرضٍ ... ولكن حب من وطئ الترابا فهذا فعل شيخينا جميعاً ... أرادا لي البلية والعذابا

إبدال الياء جيما في لغة فقيم

وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد: كسوناها من الريط اليماني ... مسوحاً فِي بنائقها فضول وهدّمنا صوامع شّيدتها ... لها حببٌ مخالطها نجيل يقول: كانت هذه الإبل بيضاً كأن عليها الريط، ثم اسودت من العرق من شدّة ما أتعبناها، فكأننا كسوناها المسوح، يعني أنها صارت أن كانت بيضاً وقوله: وهدّمنا صوامع شيدتها. يعني أسمنتها رفعتها. لها حببٌ، وهي جمع حبة وهي بزور البقل والنبات. مخالطها نجيل، والنجيل من الحمض، ومنه قول الشماخ: ولا عيب فِي مكروهها غير أنها ... تبدّل جونا لونها غير أزهرا شيء من أمثال العرب قَالَ أَبُو عبيدة: من أمثال العرب: العقوق ثكل من لم يثكل، يقول: إذا عقه ولده فقد ثكلهم وإن كانوا أحياء. قَالَ ومن أمثالهم: تجّنب روضةً وأحال يعدو، يقول واختار الضّيق، يضرب مثلاً للرجل تعرض عليه الكرامة فيختار الهوان. : ترك الخصب قَالَ الأصمعي ومن أمثالهم: إذا نزا بك الشر فاقعد، أي فاحلم ولا تسارع اليه. إبدال الياء جيماً فِي لغة فقيم وقَالَ: حَدَّثَنِي خلفٌ الأحمر، قَالَ: أنشدني رجل من أهل البادية: عمى عويف وأَبُو علجّ المطمعان الشّحم بالعشج وبالغداة كسر الرنج ينزع بالودِّ وبالصيصجّ أراد بالعشيّ: والصّيصجّ أراد الصّيصّية وهي قرن البقرة. وقَالَ أَبُو عمرو بن العلاء قلت لرجل من بني حنظلة: ممن أنت؟ فُقيمجٌّ، فقلت: من أيهم؟ قَالَ: مرجٌ، أراد فقيميٌّ ومريٌّ. وأنشد لهميان بن قحافة السعدي: يطير عنها الوبر الصهابجا

ما تعاقب فيه الهمزة العين

قَالَ: أراد الصّهابي من الصهبة. وقَالَ يعقوب بن السكيت: بعض العرب إذا شدّد الياء جعلها جيماً، وأنشد عَنِ الأعرابي: كأن فِي أذنابهنّّ الشّول من عبس الصّيف قرون الإجل أراد الإيل، وأنشد الفراء: لا هم إن كنت قبلت حجّتج فلا يزال شاحج يأتيك يح أقمر نهات ينزي وفرتج أراد وفرتي ما تعاقب فيه الحاء الجيم قَالَ الأصمعي: يُقَال: تركت فلاناً يجوس بني فلان ويحوسهم إذا كان يدوسهم ويطلب فيهم. وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عبد الله بن الحسين، قَالَ: حَدَّثَنَا المازني، قَالَ: سمعت أبا سرار الغنوي، يقرأ: فحاسوا خلال الديار فقلت: إنما هو جاسوا فقَالَ: حاسوا وجاسوا واحد، قَالَ وسمعته يقرأ: وإذ قَتَلْتُمْ نَسَمَةً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا فقلت له: إنما هو نفس، قَالَ: النسمة والنفس واحد قَالَ الكسائي: يُقَال أحم الأمر وأجم إذا حان وقته، ويقَالَ: رجل محارف ومجارف، قَالَ: وهم يحلبون عليك، ويجلبون أي: يعينون، قَالَ الأصمعي: إذا حان وقوع الأمر قيل: أجمّ، يُقَال: أجمّ ذلك الأمر أي: حان وقته، وأنشد: حييا ذلك الغزال الأحما ... إن يكن ذاكم الفراق أجما قَالَ: وإذا قلت: حمّ الأمر فهو قدر، ولم يعرف أحمّ بالألف. ما تعاقب فيه الهمزة العين قَالَ الأصمعي: يُقَال: آديته عَلَى كذا، وأعديته أي: قويته وأعنته، ويقَالَ: استأديت الأمير عَلَى فلان فِي معنى استعديت، وأنشد ليزيد بن حذاق العبدي: ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت ... سبل المكارم والهدى يعدي يقول: إبصارك الهدى يقويك عَلَى الطريق، ومعنى يعدي يقوي، ومنه أعداني السلطان، قَالَ: ولقد أضاء لك الطريق أي: أبصرت أمرك وتبينته، وأنهجت: صارت نهجاً واضحة بيّنة، قَالَ: وسمعت أبا تغلب ينشد بيت طفيل الغنوي:

وصية بعض نساء الأعراب لابنها وقد أراد سفرا

فنحن منعنا يوم حرسٍ نساءكم ... غداة دعانا عامرٌ غير معتلي يريد مؤتلي، ويقَالَ: كنا اللين وكثع، وهي الكثأة والكثعة إذا علا دسمه وخثورته رأسه وأنشد وأنت امرؤ قد كثأت لك لحيةٌ ... كأنك منها قاعدٌ فِي جوالق ويقَالَ: موت زؤاف وزعاف وذعاف وذؤاف إذا كان يعجّل القتل، ويقَالَ: أردت أن تفعل كذا وكذا، وبعض العرب يقول: أردت عَنْ تفعل، وقَالَ يعقوب بن السكيت: أنشد أَبُو الصقر: أريني جواداً مات هزلاً لألنى ... أرى ماترين أو بخيلاً مخلداً يريد لعلني، وقَالَ الأصمعي: يُقَال: التمئ لونه والتمع لونه، وهو الساف والسعف، وقَالَ يعقوب: سمعت أبا عمرو، يقول: الأسن: قديم الشحم، وبعضهم يقول: العُسن. وصية بعض نساء الأعراب لابنها وقد أراد سفراً وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبى، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بن محمد بن رستم، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن قادم النحوي، قَالَ: قَالَ أبان بن تغلب، وكان عابداً من عباد أهل البصرة، شهدت أعرابية وهي توصي ولدًا لها يريد سفراً وهي تقول له: أي بني! اجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك، قَالَ أبان: فوقفت مستمعاً لكلامها مستحسناً لوصيتها، فإذا هي تقول: أي بني! إياك والنميمة، فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين، وإياك والتعرض للعيوب، فتتخذ غرضاً وخليقٌ إلا يثبت الغرض عَلَى كثرة السهام، وقلما اعتورت السهام غرضاً إلا كلمته حتى يهي ما اشتد من قوته، وإياك والجود بدينك والبخل بمالك، وإذا هززت فاهزز كريماً يلن لهزتك، ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها، ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه، فإن المرء لا يرى عيب نفسه، ومن كانت مودته بشره، وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه عَلَى مثل الريح فِي تصرفها، ثم أمسكت فدنوا منها فقلت: بالله يا أعرابية، إلا زدته فِي الوصية، فقَالَت: والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحلم والسخاء فقد اجاد الحلة ريطتها وسربالها

وصف أعرابي الدنيا وقد سئل عنها

وصف أعرابي الدنيا وقد سئل عنها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: وجد بخط العتبي بعد موته فِي كتبه، أن رجلاً سأل بعض الزهاد فقَالَ: أَخْبَرَنِي عَنِ الدنيا، فقَالَ: جمة المصائب، رنقة المشارب، لا تمتع صاحباً بصاحب وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى زيد قَالَ: سأل الوليد بن عبد الملك أباه عَنِ السياسة، فقَالَ: هيبة الخاصة مع صدق مودتها، واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها، واحتمال هفوات الصنائع، فإن شكرها أقرب الأيادي إليها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قيل لبعض الحكماء: ما الداء العياء؟ فقَالَ: حسد ما لا تنأله بقول ولا تدركه بفعل وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يقول: من لم يضن بالحق عَنْ أهله فهو الجواد، وسمعت آخر يقول: الصبر عند الجود أخو الصبر عند اليأس، وسمعت آخر يقول: سخاء النفس عما فِي أيدي الناس أكثر من سخاء البذل وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: شاور أعرابي ابن عمٍّ له فأشار عليه برأي، فقَالَ: قد قلت بما يقول به الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمره وحزنه بسهله، ويحرك الإشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح منه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا شك فِي مودته وصافى غيبه، وما زلت بحمد الله إِلَى الخير منهجًا واضحًا وطريقًا مهيعًا: المهيع: الواضح ما كان زياد يقوله للرجل إذا أراد أن يوليه عملاً وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، عَنْ يونس، قَالَ: كان زياد إذا ولى رجلاً عملاً قَالَ له: خذ عهدك وسر إِلَى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إِلَى أربع

خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلنا بك لضعفك وسلمتك من معرتنا أمانتك، وإن وجدناك قوياً خائناً استهنا بقوتك، وأحسنا عَلَى خيانتك أدبك، وأوجعنا ظهرك وثقلنا غرمك، وإن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدنا فِي عملك ورفعنا ذكرك، وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ عبد الله بن مصعب الزبيري، قَالَ: كنا بباب الفضل بن الربيع والآذن يأذن لذوي الهيئات والشارات، وأعرابي يدنو فكلما دنا صرخ به، فقام ناحيةً وأنشأ يقول: رأيت آذننا يعتام بزتنا ... وليس للحسب الزاكي بمعتام ولو دعينا عَلَى الأحساب قدمني ... مجدٌ تليدٌ وجدٌ راجحٌ نامي متى رأيت الصقور الجدل يقدمها ... خلطان من رخمٍ قزعٍ ومن هام وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لطفيل الغنوي: وأصفر مشهوم الفؤاد كأنه ... غداة الندى بالزعفران مطيب تفلت عليه تفلةً ومسحته ... بثوبي حتى جلده متقوّب يراقب إيحاء الرقيب كأنه ... لما وتروني أول اليوم مغضب أصفر يعني قدحاً، مشهوم الفؤاد أي كأن فؤاده مذعور من سرعة خروجه، والشهم الحديد الفؤاد الذكي، وقوله: بالزعفران، أراد: قد أصابه الندى فاصفر كأنه مطيب بالزعفران، وروى الأصمعي: وأصفر مسموم الفؤاد يعني قدحاً محزوز الصدر، وكل ثقب فهوسم وسمٌّ، فجعل الحز ثقباً وجعل صدر القدح فؤاده، وقوله تفلت عليه، يقول: كان ضرب به فتترب، فتفلت عليه ومسحته بثوبي ليتملس فيكون أسرع لخروجه، ومتقوب: متقشر: وقوابته قشره، وقوله: يراقب إيحاء الرقيب، يقول: كأن هذا القدح بصير بما يراد منه، فهو يلامح الرقيب، فإذا قيل للمفيض: أفض، فكأنه يوحي إليه إيحاء، وقوله: لما وتروني، يقول: كأنه مغضب لقهرهم إياي فِي أول النهار فهو يثار لي.

ما قاله بعض العرب يهجو أخاه الشقيق

ما قاله بعض العرب يهجو أخاه الشقيق أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله ابراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ، قَالَ رجل لأخيه: لأهجونك، قَالَ: وكيف تهجوني وأبونا واحد وأمنا واحدة! فقَالَ: غلامٌ أتاه اللؤم من شطر نفسه ... ولم يأته من نحو أمٍّ ولا أب قَالَ، وقَالَ آخر يهجو أخاه: أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... تفاضلت الطباع والظروف وأمك حين تنسب أمّ صدق ... ولكن ابنها طبعٌ سخيف وقومك يعلمون إذا التقينا ... من المرجو منا والمخوف قصيدة جميل بن معمر التي أولها: وقلت لها اعتللت بغير ذنب ... وشر الناس ذو العلل البخيل وقرأت عَلَى أبى بكر بن دريد لجميل. وقلت لها اعتللت بغير ذنب ... وشر الناس ذو العلل البخيل ففاتيني إِلَى حكم من أهلي ... وأهلك لا يحيف ولا يميل فقَالَت أبتغي حكماً من أهلي ... ولا يدري بنا الواشي المحول فولينا الحكومة ذا سجوف ... أخا دنيا له طرفٌ كليل فقلنا ما قضيت به رضينا ... وأنت بما قضيت به كفيل قضاؤك نافد فاحكم علينا ... بما تهوى ورأيك لا يفيل فقلت له قتلت بغير جرم ... وغبّ الظلم مرتعه وبيل فسل هذي متى تقضي ديوني ... وهل يقضيك ذو العلل المطول فقَالَت: إن ذا كذبٌ وبطلٌ وشر ... من خصومته طويل أأقتله ومالي من سلاح ... وما بي لو أقاتله حويل ولم آخذ له مالا فيُلفى ... له دينٌ عَلَى كما يقول وعند أميرنا حكمٌ وعدل ... ورأيٌ بعد ذلكم أصيل فقَالَ أميرنا هاتوا شهودا ... فقلت شهيدنا الملك الجليل

فقَالَ يمينها وبذاك أقضي ... وكل قضائه حسنٌ جميل فبتت حلفةً مالي لديها ... نفير أدعيه ولا فتيل فقلت لها وقد غلب التعزي ... أما يقضي لنا يا بثن سول فقلت لها ثم زجت حاجبيها ... أطلت ولست فِي شيء تطيل فلا يجدنك الأعداء عندي ... فتثكلني وإياك الثكول وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: كانت خليبة الحضرية تهوى ابن عم لها، فعلم بذلك قومها فحجبوها، فقَالَت: هجرتك لما أن هجرتك أصبحت ... بنا شمتاً تلك العيون الكواشح فلا يفرح الواشون بالهجر ربما ... أطال المحب الهجر والجيب ناصح وتغدو النوى بين المحبين والهوى ... مع القلب مطويٌّ عليه الجوانح قَالَ عبد الرحمن، قَالَ عمي: فحدثت بهذا الحديث رجلاً من ولد جعفر بن أبي طالب، فقَالَ: كانت خيرة بنت أبي ضيغم البلوية تهوى ابن عم لها، وذكر مثل الحديث، فقَالَت: وأملى علينا هذه الأبيات أَبُو عبد الله وقَالَ: أنشدناها أحمد بن يحيى لأم ضيغم البلوية: وبتنا خلاف الحي لا نحن منهم ... ولا نحن بالأعداء مختلطان وبتنا يقيناً ساقط الطل والندى ... من الليل برداً يمنةٍ عطران نذود بذكر الله عنا من الشذى ... إذا كان قلبانا بنا يجفان : الشذى: الأذى، وروى أَبُو عبد الله: نذود بذكر الله عنا من الصبا ... إذا كان قلبانا بن يردان ونصدر عن أمر العفاف وربما ... نقعنا غليل النفس بالرشفان وروى أبو عبد الله: ونصدر عن ري العفاف وربما ... نقعنا. . . . . . . إلخ وقرأ عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لطفيل الغنوي يصف إبلاً: عوازب لم تسمع نبوح مقامةٍ ... ولم تر ناراً تم حول مجرم

مطلب وفادة مسلم بن الوليد الشاعر على يزيد بن مزيد وما رثاه به بعد وفاته

سوى نار بيض أو غزال صريمة ... أعن من الخنس المناخر توأم إذا راعياها أنضجاه تراميا ... به خلسةً أو شهوة المتقرم عوازب: بعيدات من البيوت، والنبوح: أصوات الناس، والمقامة، حيث يقيم الناس، وتمّ: تمام ري العفاف يقول: هذه الإبل عوازب لعز أربابها ترعى حيث شاءت لا تمنع ولا تخاف، فلم تسمع أصوات أهل مقامة، ولم تر ناراً سنةً تامة سوى نار بيض نعام يصيبه راعيها فيشويه أو غزال يصيده، والصريمة: القطعة من الرمل وأغن: فيه غنة، والأخنس: القصير الأنف، وكل ظبي أخنس، والتوأم: الذي ولد مع غيره، وذلك أشد لضئولته وصغر جسمه، وقيل للشعبي: مالك ضئيلاً؟ قَالَ: لأني زوحمت فِي الرحم، وقيل لبعضهم: مالك ضئيلاً، قَالَ: صاف بي أبي، أي ولدت وهو كبير السن، وإذا صغر ما يشوى صغرت النار، وقوله: تراميا به أي بالغزال، رمى هذا إِلَى هذا وهذا إِلَى هذا خلسةً أي اختلاساً شبه العاشين، أو يفعلان ذلك قرماً إِلَى اللحم، وذلك لاستغنائهما عنه باللبن. مطلب وفادة مسلم بن الوليد الشاعر عَلَى يزيد بن مزيد وما رثاه به بعد وفاته وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحسن بن البراء، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن أحمد الجعفي، قَالَ: كان شاعر يفد إِلَى يزيد بن مزيد فِي كل سنة، فقَالَ له يزيد: كم يكفيك فِي كل سنة؟ فقَالَ: كذا وكذا، فقَالَ: أقم فِي بيتك يأتك ذلك، ولا تتعبن إلينا، فلما مات رثاه بهذه الأبيات: والشاعر مسلم بن الوليد، قَالَ: وقَالَ أَبُو الحسن بن البراء قَالَ لي ابن أبي طاهر: الشاعر هو التيمي: أحقٌ أنه أودى يزيد ... تأمل أيها الناعي المشيد أتدري من نعيت فكيف فاهت ... به شفتاك كان به الصعيد أحامى المجد والإسلام أودى ... فما للأرض ويحك لا تميد تأمل هل ترى الإسلام مالت ... دعائمه وهل شاب الوليد وهل شيمت سيوف بني نزار ... وهل وضعت عَنِ الخيل اللبود وهل تسقى البلاد عشار مزن ... بدرتها وهل يخضر عود

مرثية زينب بنت الطثرية في أخيها يزيد

أما هدت لمصرعه نزار ... بلى وتقّوض المجد المشيد وحل ضريحه إذ حل فيه ... طريق المجد والحسب التليد أما والله ما تنفكّ عيني ... عليك بدمعها أبداً تجود فإن تجمد دموع لئيم قوم ... فليس لدمع ذي حسبٍ جمود أبعد يزيد تختزن البواكي ... دموعاً أو تصان لها خدود لتبكك قبة الإسلام لما ... وهت أطنابها ووهى العمود ويبكك شاعرٌ لم يبق دهرٌ ... له نشباً وقد كسد القصيد فمن يدعو الأنام لكل خطبٍ ... ينوب وكل معضلةٍ تؤد ومن يحمي الخميس إذا تعايا ... بحيلة نفسه البطل النجيد فإن تهلك يزيد فكل حيٍّ ... فريسٌ للمنية أو طريد ألم تعجب له أنّ المنايا ... فتكن به وهنّ له جنود لقد عزّى ربيعة أن يوماً ... عليها مثل يومك لا يعود مرثية زينب بنت الطثرية فِي أخيها يزيد وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، أبيات زينب بنت الطثرية، ترثي أخاها يزيد، وأملاها علينا أيضاً أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، عَنْ أحمد بن يحيى، وفي الروايتين زيادة ونقصان، وأنا آتي عَلَى جميعها، وفيها أبيات تروى للعجير السلولي ولها، وقد أملينا أبيات العجير: أرى الأثل من وادي العقيق مجاوري ... مقيماً وقد غالت يزيد غوائله فتىً قُدّ قَدّ السيف لا متضائلٌ ... ولا رهلٌ لباته وبآدله فتىً لا ترى قدّ القميص بخصره ... ولكنما توهى القميص كواهله فتىً ليس لابن العم كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوماً دماً فهو آكله يسرك مظلوماً ويرضيك ظالماً ... وكل الذي حمّلته فهو حامله إذا نزل الأضياف كان عذوراً ... عَلَى الحي حتى تستقلّ مراجله إذا ماطها للقوم كان كأنه ... حميٌّ وكانت شيمة لا تزايله

أم الضحاك المحاربية والضبابي زوجها

إذا القوم أموا بيته فهو عامد ... لأحسن ما ظنوا به فهو فاعله إذا جدّ عند الجد أرضاك جده ... وذو باطل إن شئت أرضاك باطله مضى وورثناه دريس مفاضةٍ ... وأبيض هندياً طويلاً حمائله فتى كان يروى المشرفي بكفه ... ويبلغ أقصى حجرة الحي نائله كريمٌ إذا لاقيته متبسماً ... وإما تولى أشعث الرأس جافله ترى جازريه يرعدان وناره ... عليها عداملي الهشيم وصامله يجران ثنياً خيرها عظم جاره ... بصيراً بها لم تعد عنها مشاغله ولو كنت فِي غلٍّ فبحت بلوعتي ... اليه للانت لي ورقت سلاسله ولما عصاني القلب أظهرت عولةً ... وقلت ألا قلب بقلبي أبادله الرهل: المسترخي، والبآدل: واحدها بأدلة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق، والعذور: السيئ الخلق، والدريس والدرس: الثوب الخلق، وجمعه درسان، والهدم والطمر والسمل والنهج: الخلق أيضاً، والمفاضة: الواسعة، والحجرة: الناحية، يُقَال: جلس فلان عَلَى حجرة أي ناحية، والعداميل: القديمة، والصامل: اليابس، والثنى: الولد الذي بعد الولد الأول، فالأول بكر والثاني ثنىٌ. أم الضحاك المحاربية والضبابي زوجها قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله تعالى، قَالَ: كانت أم الضحاك المحاربية تحت رجل من بني الضباب، وكانت تحبه حباً شديداً فطلقها فقَالَت: هل القلب إن لاقى الضبابي خالياً ... لدى الركن أو عند الصفا متحرج وأعجلنا قرب المحل وبيننا ... حديث كتنشيج المريضين مزعج وروى أَبُو عبد الله: كتنشاج: حديثٌ لو أن اللحم يصلى بحره ... طرياً أتى أصحابه وهو منضج وقرأت أيضاً لها عليه: سألت المحبين الذين تحملوا ... تباريح هذا الحب من سالف الدهر

زينب بنت فروة المرية وما قالته في ابن عمها المغيرة من الشعر

فقلت لهم ما يذهب الحب بعدما ... تبوأ ما بين الجوانح والصدر فقالوا شفاء الحب حبٌّ يزيله ... من آخر أو نأيٌّ طويلٌ عَلَى هجر أو اليأس حتى تذهل النفس بعدما ... رجعت طمعاً واليأس عونٌ عَلَى الصبر قَالَ: وقَالَت فيه أيضاً حين سلت عنه: تعزيت عَنْ حب الضبابي حقبةً ... وكل عمايا جاهلٍ ستثوب يقول خليل النفس أنت مريبةٌ ... كلانا لعمري قد صدقت مريب وأريبنا من لا يؤدي أمانةً ... ولا يحفظ الأسرار حين يغيب ألهفاً بما ضيعت ودي وما هفا ... فؤادي بمن لم يدر كيف يثيب زينب بنت فروة المرية وما قالته فِي ابن عمها المغيرة من الشعر قَالَ وقرأت عليه لزينب بنت فروة المرية، فِي ابن عم لها يُقَال له: المغيرة: يأيها الراكب الغادي لطيته ... عرّج أنبيك عَنْ بعض الذي أجد ما عالج الناس من وجدٍ تضمنهم ... إلا ووجدي به فوق الذي وجدوا حسبي رضاه وأنى فِي مسرته ... ووده آخر الأيام أجتهد وقَالَت أيضاً: وذي حاجةٍ ما باح قلنا وقد بدت ... شواكل منها ما إليك سبيل لنا صاحبٌ لا نشتهي أن نخونه ... وأنت لأخرى فارع ذاك خليل تخالك تهوى غيرها فكأنما ... لها فِي تظنيها عليك دليل وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، البيتين الأولين فِي خبر طويل قد تقدم لليلى الأخيلية، وروايته: وأنت لأخرى فارغٌ وخليل وقَالَت أيضاً: ألم تر أهلي يا مغير كأنما ... يفيئون باللوماء فيك الغنائما ولو أن أهلي يعلمون تميمة ... من الحب تشفى قلدوني التمائما

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، لرؤبة بن العجاج: وقد أرى واسع جيب الكم ... أسفر عَنْ عمامة المعتم عَنْ قصبٍ أسحم مدلهم قَالَ أَبُو العباس قوله: أرى واسع جيب الكم معناه أرى شاباً رخىّ البال، يُقَال: فلان واسع الجيب إذا كان رخي البال قليل الاكتراث، وأسفر: أكشف أي أُبدي شعري لسواده وحسنه، والقصب هاهنا: الشعر عَنِ الأصمعي، والأسحم: الأسود. قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لعكرشة أبي شغب يرثي ابنه شغباً: قد كان شغب لو أنّ الله عمره ... عزّاً تزاد به فِي عزّها مضر فارقت شغبا وقد قوست من كبرٍ ... لبئست الخلّتان الثّكل والكبر قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله، عَنْ أحمد بن يحيى، عَنِ الزبير، عَنْ أيوب بن عباية، لنصيب: كُسيت ولم أملك سواداً وتحته ... قميصٌ من القوهيِّ بيضٌ بنائقه وما ضرّ أثوابي سوادي وإنني ... لكالمسك لا يسل وعَنِ المسك ذائقه ولا خير فِي ودّ امرئٍ متكارهٍ ... عليك ولا فِي صاحبٍ لا توافقه اذا المرء لم يبذل من الودّ مثله ... بعاقبةٍ فاعلم بأني مفارقه وأنشدنا لعبد بني الحسحاس: أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... عند الفخار مقام الأصل والورق إن كنت عبداً فنفسي حرةٌ كرماً ... أو أسود ّاللون إنّي أبيض الخلق الورق عند العرب: المال من الإبل والغنم، والوَرِق: الفضّة وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد: أن أبا حاتم أنشدهم عَنْ أبي زيد: وزهراء إن كفّنتها فهو عيشها ... وإن لم أكفنها فموتٌ معجّل يعني النار، هي زهراء أي بيضاء تزهر، يقول: إن قدحتها فخرجت فلم أدركها بخرقة أو غير.

من أمثال العرب قَالَ أبو عليّ: قَالَ الأصمعي، من أمثال العرب: كلُّ نجار إبل نجارها، يضرب مثلاً للمخلّط، يريد أنّ فيه ألواناً من الخلق وليس يثبت عَلَى رأي، قَالَ: ومن أمثالهم: اسقِ رقاش إنها سقّاية، يضرب مثلاً للمحسن، يقول: أحسنوا اليه لإحسانه، قَالَ ومن أمثالهم: خرقاء عيّابة، يضرب مثلاً للأحمق، أي أنه أحمق وهو مع ذلك يعيب غيره، قَالَ ومن أمثالهم: كلُّ مجرٍ بالخلاء يُسر، وأصله أن الرجل يجري فرسه بالمكان الخالي لا مسابق له فيه، فهو مسرور بما يرى من فرسه ولا يرى ما عند غيره، يضرب مثلاً للرجل تكون فيه الخلة يحمدها من نفسه ولا يشعر بما فِي الناس من الفضائل. ما تعاقب فيه النون الميم قَالَ أَبُو عمرو الشيباني: يُقَال: أسود قاتم وقاتنٌ، وقَالَ الأحمر: يُقَال: طانه الله عَلَى الخير وطامه إذا جبله، وهو يطينه: يجبله، وقَالَ الأصمعي: يُقَال: للحمة: أيمٌ وأينٌ والأصل أيمِّ فخفف كما يُقَال: لينٌ وليِّن، وهين وهيِّن، وأنشدنا لأبي كبير الهذلي: ولقد وردت الماء لم يشرب به ... بين الرّبيع إِلَى شهور الصّيف إلا عواسر كالمراط معيدةٌ ... بالليل مورد أيِّم متغضّف والصّيف: مطر الصّيف، وقوله: إلا عواسر يعني ذئاباً عاقدةً أذنابها، والمراط: السّهام التي قد تمرّط ريشها، ومعيدةٌ: معاودة للورد مرة بعد مرة، يقول: هذا المكان لخلائه من موارد الحّيات ومتغضف: متثنٍّ، قَالَ: ويقَالَ: الغيم والغين، وأنشد لرجل من بني تغلب: فداء خالتي وفدىً صديقي ... وأهلي كلهم لأبي قعين فأنت حبوتني بعنان طرفٍ ... شديد الشّد ذي بذل وصون كأني بين خافيتي عقابٍ ... أصاب حمامة فِي بوم غين قَالَ يعقوب: وقَالَ بعضهم: الغين: إلباس الغيم، ومنه إنه ليغان عليه أي يغطي ويلبس، يُقَال: قد غين عَلَى قلبه ورين عَلَى قلبه أي غطى، قَالَ رؤبة: أمطر فِي أكناف غين مغين أي ملبس.

وأنشد الأصمعي لعوف بن الخرع: وتشرب أسآر الحياض تسوفها ... ولو وردت ماء المريرة آجما قَالَ: أظنه أراد آجناً، قَالَ ويقَالَ: للشّمال: نسعٌ ومسعٌ، وأنشد للهذلي: قد حال دونه دريسيه مؤوبةٌ ... نسعٌ لها بعضاه الأرض تهزيز دريسيه: خلقيه، ومؤوبة: تأتي مع الليل، والعضاه: كل شجر له شوك، الواحدة عضةٌ. والحلان والحلام: فويق الجدى، وأنشد لابن أحمر: تهدى إليه ذراع الجدى تكرمةً ... إما ذبيحاً وإما كان حُلاّنا فالذبيح: الذي يصلح للنسك، والحلاّن: الصغير الذي لا يصلح للنسك، ويقَالَ فِي الضّبِّ: حُلاّن، وفي اليربوع: جفرة والجفرة: التي قد انتفخ جنباها وأكلت وشربت حتى سمنت، ويقَالَ: غلام جفر إذا سمن وتحرك، وأنشدنا أَبُو عبيدة قول مهلهل: كلُّ قتيلٍ فِي كليب حلاّم ... حتّى ينال القتل آل همام يقول: كل قتيل صغيرٌ ليس هو بوفاء من كليب بمنزلة الحلاّم الذي ليس بوفاء أن يذبح للنسك، حتى ينال القتل آل همام فإنهم وفاءٌ به. وقَالَ الأصمعي يُقَال: انتقع لونه، وامتقع لونه، وهو ممتقع اللون، ويقَالَ: نجر من الماء ينجر نجراً، ومجر يمجر مجراً، إذا أكثر من شرب الماء فلم يكد يروي، وأنشد: حتى إذا ما أشتد لوبان النجر ... وقَالَ غيره: يُقَال: مخجت بالدَّلو ونخجت بها، إذا جذبت بها لتمتلئ، وأنشد الفراء: فصبّحت قَلَيْذَمًا هموما يزيدها مخج الدّلا جموما القليذم: البئر الغزيرة، والدَّلا جمع دلاة، والمدى والنَّدى: الغاية، قَالَ الأصمعي الندى: بعد ذهاب الصوت، يُقَال: مر فلاناً أن ينادي فأنه أندى منك صوتاً، وأنشد للفرزدق: فقلت ادعى وأدع فأنَّ أندى لصوتٍ أن ينادي داعيان

أي أشد لذهابه، وأنشد: ومن لم يزل يستسمع العام حوله ... ندى صوت مقروعٍ عَنِ العذف عاذب المقروع: الذي إختير للفحلة، والعذف: الأكل، يُقَال: ما ذقت عذوفاً، والعاذب: القائم الذي لا يأكل شيئاً، يُقَال: ما زال عاذباً عَنِ المرعى، وقَالَ يعقوب بن السكيت: سمعت أبا عمرو، يقول: ما ذقت عدوفاً ولا عذوفاً، قَالَ: وأنشدت يزيد بن مزيد عدوفاً، فقَالَ لي: صحَّفت يا أبا عمرو، فقلت: لم أصحف، لغتكم عذوف ولغة غيركم عدوف، وقَالَ غيره: رطبٌ محلقنٌ ومحلقم، وقَالَ الأصمعي: إذا بلغ الترطيب ثلثي البسرة فهي حلقانة والجمع حلقان، وهي محلقنة ومحلقمة، والحزم والحزن: ما غلظ من الأرض، وهي الحزوم والحزون، قَالَ: ويقَالَ للبعير إذا قارب الخطو وأسرع: دهامج ودهانجٌ، وقد دهمج يدهمج دهمجة، ودهنج يدهنج دهنجة، وأنشد: وعير لها من بنات الكداد ... يدهمج بالقعب والمزود يدهمج: يسرع فِي تقارب خطوه، وقَالَ العجاج كأنَّ رعَنِ الآل منه فِي الآل ... بين الضُّحى وبين قيل القيَّال إذا بدا دهانجٌ ذو أعدال شبَّه الرَّعن حين يقمص فِي ذلك الوقت، وهو توهُّج السَّراب ببعير عليه أعدال يسرع بها. وقرأت عَلَى أبى عبد الله إبراهيم بن محمد الأزدي لذي الرمة: ودَوٍّ ككفِّ المشتري غير أنَّه بساط لأخماس المراسيل واسع

حديث الخيار بن أوفى النهدي مع معاوية

الدو: المستوي من الأرض وقوله: ككف المشتري يعني إذا بسط كفه فصفَّق براحته عَلَى راحة بائعه إذا إشترى منه علقاً، والبساط: الأرض الواسعة، لأخماس: سير الأخماس وهو جمع خمس، والخِمس: ورود الماء فِي اليوم الخامس. حديث الخيار بن أوفى النهدي مع معاوية وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا العكلي، عَنْ أبي خالد، عَنِ الهيثم بن عدي، قَالَ: دخل الخيار بن أوفى النَّهدي عَلَى معاوية فقَالَ له: يا خيار، كيف تجدك وما صنع بك الدهر؟ فقَالَ: يا أمير المؤمنين، صدع الدهر قناتي، وأثكلني لداتي، وأوهى عمادي، وشيب سوادي، وأسرع فِي تلادي، ولقد عشت زمناً أُصبي الكعاب، وأسر الأصحاب، وأُجيد الضّراب، فبان ذلك عني، ودنا الموت مني، وأنشأ يقول: غبرت زماناً يرهب القرن جانبي ... كأنّي شتيمٌ باسل القلب خادر يخاف عدوي صولتي ويهابني ... ويكرمني قرني وجاري المجاور وتصبي الكعاب لمتى وشمائلي ... كأني غصنٌ ناعم النبت ناضر فبان شبابي واعترتني رثيةٌ ... كأني قناةٌ أطّرتها المآطر أدبُ إذا رُمت القيام كأنني ... لدى المشي قوم قيده متقاصر وقصر الفتى شيبٌ وموتٌ كلاهما ... له سائق يسعى بذاك وناظر وكيف يلذّ العيش من ليس زائلاً ... رهين أمورٍ ليس فيها مصادر فقَالَ معاوية: أحسنت القول، واعلم أن لها مصادر، فنسأل الله أن يجعلنا من الصادرين بخير، فقد أوردنا أنفسنا موارد نرغب إِلَى الله أن يصدرنا عنها وهو راضٍ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قدم علينا البصرة رجل من أهل البادية شيخ كبير، فقصدته فوجدته يخضب لحيته، فقَالَ: ما حاجتك؟ فقلت: بلغني ما خصك

الله به فجئتك أقتبس من علمك، فقَالَ: أتيتني وأنا أخضب وإن الخضاب لمن علامات الكبر، وطال والله ما غدوت عَلَى صيد الوحوش، ومشيت أمام الجيوش، واختلت بالرّداء، وهؤت بالنساء، وقريت الضيف، وأرويت السيف، وشربت الراح، ونادمت الجحجاح، فاليوم قد حناني الكبر وضعف مني البصر، وجاء بعد الصفو الكدر، ثم قبض عَلَى لحيته وأنشأ يقول: شيبٌ تغيبه كيما تغرّبه كبيعك الثّوب مطوياّ عَلَى حرق قد كنت كالغصن ترتاح الرياح له فصرت عوداً بلا ماء ولا ورق صبر عَلَى الدهر إن الدهر ذو غيرٍ وأهله منه بين الصفو والرنق قَالَ أَبُو زيد، يُقَال: هؤت بالرجل خيرًا أهوء به هوءا إذا أزننته به، وإنه لذو هوءة إذا كان ذا رأي ماضياً، قَالَ: العجاج: لا عاجز الهوء ولا جعد القدم وقَالَ أَبُو عمرو: الهوء: الهّمة، وقد هاء يهوء، وفلان بعيد الهوء أي بعيد الهمة. وأنشدني أَبُو يعقوب إسحاق بن الجنيد ورّاق أَبِي بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أنشدنا أحمد بن عبيد، قَالَ: أنشدني أَبُو العيناء: ما فِي يديَّ من الصبا إلا الصّبابة والأسف جاء الشباب فما أقام ولا ألم ولا وقف كان الشباب كزائر ملَّ الزيارة فانصرف وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى قَالَ: أنشدني أبي: لا يرعك المشيب يا بنة عبد الله فالشّيب حلّة ووقار إنما تحسن الرياض إذا ما ضحكت فِي خلالها الأنوار وأنشدنا عبد الله بن جعفر النحوى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس محمد بن يزيد، قَالَ: أنشدني مسعود بن بشر المازني

كتاب على بن أبي طالب إلى ابن عباس رضي الله عنهما بموعظة من أحسن المواعظ

رأيت أبا الوليد غداة جمع به شيبٌ وما فقد الشبابا ولكن تحت ذاك الشّيب حزمٌ إذا ما قَالَ أمرض أو أصابا قَالَ أَبُو العباس: معنى قوله أمرض أي قارب الصواب، ومنه إنه ليمرّض فِي القول إذا لم يصرح. وحَدَّثَنَا أَبُو محمد النحوي، قَالَ: سمعت أبا العباس محمد بن يزيد، يقول: بلغني عَنْ عَلَى، رضوان الله عليه: قُرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان، والفرصة تمر مرّ السحاب، والحكمة ضالّة المؤمن، فخذ ضالتك حيثما وجدتها كتاب عَلَى بن أبي طالب إِلَى ابن عباس رضى الله عنهما بموعظة من أحسن المواعظ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعُكْلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَلَغَنِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِمَوْعِظَةٍ مَا سُرِرْتُ بِمَوْعِظَةٍ سُرُورِي بِهَا! أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَرْءَ يَسُرُّهُ دَرْكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ، وَيَسُوءُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ، فَمَا نَالَكَ مِنْ دُنْيَاكَ فَلا تُكْثِرْ بِهِ فَرَحًا، وَمَا فَاتَكَ مِنْهَا فَلا تُتْبِعْهُ أَسَفًا، فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ، وَأَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ، وَهَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ " وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأودي، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى الشيباني: إذا ما خلوت الدّهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عَلَى رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعةً ولا أن ما يخفى عليه يغيب وأنشدنا قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى: فِي كل بلوى تصيب المرء عافيةٌ إلا البلاء الذي يدني من النار ذاك البلاء الذي ما فيه عافية من العذاب ولا سترٌ من العار وأنشدنا أَبُو محمد النحوي، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس محمد بن يزيد، قَالَ: أنشدني عمرو بن بجر الجاحظ، قَالَ: أَبُو محمد والشعر لصالح بن عبد القدوس. وإنَّ عناءً أن تفهم جاهلاً فيحسب أنه منك أفهم متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم متى ينتهي عَنْ سيئ من أتى به إذا لم يكن منه عليه تندم

وأنشدنا أَبُو عبد الله، قَالَ: أنشدنا محمد بن يزيد، قَالَ: أنشدني عبد الله بن القاسم، قَالَ: أنشدني العتبي: تأنّقت فِي الإحسان حين أتيته إِلَى ابن أبي ليلى فأنزله ذمَّا فوالله ما آسى عَلَى فوت شكره ولكن خطاء الرأي يحدث لي غمَّا وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: كان بالمدينة غلام يحمَّق فقَالَ لأمه: يوشك أن تريني عظيم الشأن، فقَالَت: فكيف؟ والله ما بين لابتيها أحمق منك! فقَالَ: والله ما رجوت هذا الأمر إلا من حيث يئست منه، أما علمت أن هذا زمان الحمقى وأنا أحدهم قَالَ أَبُو عَلَى: اللابة: الحرَّة، وجمعها لابٌ، ويقَالَ: اللُّوبة أيضاً، وجمعها لوبٌ، وإنما قيل: للأسود لوبيُّ، لأن حجارة الحرة سود كأنها محترقة، ومنه قيل: للحّرة فتينٌ لأن معنى فتنوا أحرقوا وأنشد أَبُو عبد الله نفطويه: لا تنظرن إِلَى عقل ولا أدب إن الجدود قرينات الحماقات واسترزق الله مما فِي خزائنه فكلّ ما هو آتٍ مرةً آتى وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي: يعزّى المعزّى ثم يمضي لشأنه ويترك فِي القلب الدّخيل المجمجما حريقاً ثوى فِي القلب لو أنّ بعضه أناخ عَلَى سلمى إذاً لتضرّما قَالَ: وأنشدنا قَالَ أنشدنا أَبُو عيسى الربضي، قَالَ: أنشدنا الطّوسي أَبُو الحسن عَلَى بن عبد الله: أتت عَلَى عهده الليالي وحدثت بعده أمور واعتضت باليأس منه صبرا واعتدل الحزن والسرور فلست أرجو ولست أخشى ما أحدثت بعده الدهور فليجهد الدهر فِي مساتي فما عسى جهده يضير وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: أنشدني المذحجيّ لأم معدان الأنصارية: لا يبعد الله فتياناً رزئتهم ... بانوا لوقت مناياهم فقد بعدوا

أضحت قبورهم شتى شتى ويجمعهم ... زو المنون ولم يجمعهم بلد ميتٌ بمصر وميتٌ بالعراق ... وميت بالحجاز منايا بينهم بدد رعوا من المجد أكنافاً إِلَى أجل ... حتى اذا بلغت أظماؤهم وردوا كانت لهم هممٌ فرّقن بينهم ... اذا القعاديد عَنْ أمثالها قعدوا فعل الجميل وتفريج الجليل ... وإعطاء الجزيل اذا لم يعطه أحد وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: من أمّل رجلاً هابه، ومن قصر عَنْ شيء عابه، وانما يعيب الشيء الذي يقصر عنه حسداً وقَالَ أَبُو زيد يُقَال: لقيت فلاناً غزالة الضحى، ورأد الضحى، وكهر الضحى، كل ذلك عندما تنبسط الشمس وتضحى، قَالَ الراجز: دعت سليمى دعوةً هل من فتىً ... يسوق بالقوم غزالات الضحى فقام لا وان ولا رث القوى وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة: اذا غبت يا أسماء فارعى مودتي ... بحفظ كما أرعاك حين أغيب بنفسي من يجني الذنوب تجرما ... عَلَى وما حلت عَلَى ذنوب تصد اذا ما جئت حتى كأنني ... عدوٌ مريض الصدر وهو حبيب وأنشدنا أَبُو عبد الله: حلفت بربِّ مكة والمصلّى ... وربّ الواقفين غداة جمع لأنت عَلَى التّنائي فاعلميه ... أحبُّ إِلَى من بصري وسمعي. وقرأت عَلَى أبى عبد الله لذى الرمة: أطاع الهوى حتى رمته بحبله ... عَلَى ظهره بعد العتاب عواذله

مطلب ما تعاقب فيه الهاء الحاء

أطاع الهوى، يعني: هذا المشتاق، أي أتّبع هواه حتى خلّته العواذل، وقلن له: حبلك عَلَى غاربك، وإنما هذا مثلٌ، أي قلن له: إذهب حيث شئت، ومثله قول الأخنس بن شهاب التغلبي: رفيقاً لمن أعيا وقلّد حبله ... وحاذر جرّاه الصّديق الأقارب مطلب ما تعاقب فيه الهاء الحاء قَالَ الأصمعي: مدحَ ومدهَ، وما أحسن مدحه ومدهه، ومدِحته ومدِهته. قَالَ وقَالَ الحارث بن مصرف: سابَّ جحل بن نضلة معاوية بن شكل عند المنذر أو النعمان، شك فيه الأصمعي، فقَالَ جحل: إنه قتّال ظباء، تبّاع إماء، مشّاء بأقراء، قعّو الأليتين، أفحج الفخذين، مفجُّ الساقين، فقَالَ: أردت أن تذمّه فمدهته، ورواية أَبِي بَكْرِ بن دريد: كيما تذيمه. : الأقراء: واحدها قريٌّ وهو مسيل الماء إِلَى الرياض، وقعوّ الأليتين: ممتلئ الأليتين ناتئهما ليس بمنبسطهما، والفحج: التباعد، ومفجٌ الساقين: متابعدة هذه عَنْ هذه، ويقَالَ: قوس فجواء إذا بان عَنْ كبدها، وأنشد لرؤبة: لله در الغانيات المدّة أي المدح، ويقَالَ: كدحه وكدهه، ووقع من السطح فتكدّح وتكدّه، وأنشد لرؤبة: يخاف صقع القارعات الكدّة الصّقع: كل ضرب عَلَى يابس، كدّهٌ: كسرٌ، والقارعة: كل هنةٍ شديدة القرع، ويقَالَ: هبش له وحبش أي جمع له قَالَ رؤبة: لولا حباشاتٌ من التحبيش ... لصبية كأفرخ العشوش وقَالَ العجاج: كأن صيران المها الأخلاط ... برملها من عاطفٍ وعاط بالرمل أحبوش من الأنباط

ما قاله بعض أهل اليمن لذي رعين يعزيه يوم مات أخوه

أي جماعة من الأنباط، ويقَالَ: قهل جلده وقحل، والمتقهل: اليابس الجلد، ويقَالَ للرجل إذا كان يتيبس فِي القراءة: متقهل ومتقحل، ويقَالَ: جلة وجلح، وهو الجله والجلح: وهو انحسار الشعر من مقدم الرأس فوق الصدغين، قَالَ رؤبة: براق أصلاد الجبين الأجله الأصلاد جمع صلد، وكل حجرٍ صلبٍ فهو صلد، ويقَالَ: نحم ينحم، ونهم ينهم، ونأم ينئم، وأنح يأنح، وأنه يأنه، وهو صوت مثل الزحير، قَالَ رؤبة: رعابة يخشى نفوس الأنّه يصف فحلاً، يقول: يرعب نفوس الذين يأنهون، وقَالَ غير الأصمعي: فِي صوته صحلٌ وصهلٌ أي بحوحةٌ، وقَالَ: هو يتفيهق فِي كلامه، ويتفيحق إذا توسع فِي الكلام وتنطع، وأصله الفهق وهو الامتلاء. وقَالَ الأصمعي: يُقَال: الحقحقة والهقهقة: السير المتعب، قَالَ: وقَالَ رؤبة: يصبحن بعد القرب المقهقه إنما أصله من الحقحقة، قلبوا الحاء هاء لأنها أختها، وقلبوا الهقهقة إِلَى القهقهة، ومن أمثالهم: شر السير الحقحقة، قَالَ وقَالَ مطرف بن الشخير لابنه: يا عبد الله، عليك بالقصد وإياك وسير الحقحقة، يريد الإتعاب، الحقحقة مشتق من الحق أي: يعطي الناقة الحق فِي سيرها فتجهد نفسها. ما قاله بعض أهل اليمن لذي رعين يعزيه يوم مات أخوه حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، وحَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنِي أيضاً السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، عَنِ ابن الكلبي، ولفظاهما متفقان غير أن أبا عبيدة، قَالَ: لبعض ملوك اليمن، وقَالَ ابن الكلبي: لذي رعين، قَالَ: مات أخ لذي رعين فعزاه بعض أهل اليمن، فقَالَ: إن الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بد مما هو كائن، وقد حل ما لا يدفع، ولا سبيل إِلَى رجوع ما قد فات، وقد أقام معك ما سيذهب عنك وستتركه، فما الجزع مما لا بد منه، وما الطمع فيما لا يرجى، وما الحيلة فيما سينقل عنك أو تنقل عنه، وقد مضت لنا أصول نحن فروعها، فما بقاء

اجتماع وفود العرب بباب سلامة ذي فائش ليعزوه في ابنه وما قالوه في التعزية

الفرع بعد الأصل، فأفضل الأشياء عند المصائب الصبر، وإنما أهل الدنيا سفرٌ لا يحلّون عَنِ الركاب إلا فِي غيرها، فما أحسن الشكر عَنِ النعم والتسليم عند الغير! فاعتبر بمن قد رأيت من أهل الجزع، هل رد أحداً منهم إِلَى ثقةٍ من درك؟ واعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف، فأفق والمرجع قريب واعلم أنما ابتلاك المنعم وأخذ منك المعطي، وما ترك أكثر، فإن نسيت الصبر فلا تغفل عَنِ الشكر ما قاله بعض العرب يعزي رجلاً عَلَى أخيه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سعيد بن هارون الأشناندانى، عَنِ التوزى، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: عزى رجل من العرب رجلاً عَلَى أخيه، فقَالَ: محبوب فائت، وغنم عارض، إن ضيعته فات أيضاً وبقيت حسيراً، أما أخوك فلا أخوك، فلا يذهب بك جزعك فتحط سوددك، وتقلّ ثقة عشيرتك باضطلاعك بالأمور، وفي كثرة الأسى عزاءٌ عَنِ المصائب وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت عمي، يقول: التهنئة عَلَى آجل الثواب أولى من التعزية عَلَى عاجل المصيبة اجتماع وفود العرب بباب سلامة ذي فائش ليعزوه فِي ابنه وما قالوه فِي التعزية وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا عمى، عَنْ أبيه، عَنِ ابن الكلبي، عَنْ أبيه، قَالَ: نشأ لسلامة ذي فائش ابن كأكمل أبناء المقاول، وكان به مسروراً يرشحه لموضعه، فركب ذات يوم فرساً صعباً فكبا به فوقصه، فجزع عليه أبوه جزعاً شديداً وامتنع من الطعام، واحتجب عَنِ الناس، واجتمعت وفود العرب ببابه ليعزوه، فلامه نصحاؤه في إفراط جزعه، فخرج الى الناس فقام خطباؤهم يؤسونه، وكان في القوم الملبب بن عوف بن سلمة بن عمرو بن سلمة الجعفى، وجعادة بن أفلح بن الحارث، وهو جد الجراح بن عبد الله الحكمى صاحب خراسان، فقام الملبب فقَالَ: أيها الملك، إن الدنيا تجود لتسلب، وتعطى لتأخذ، وتجمع لتشتت، وتحلي لتمر، وتزرع الأحزان فِي القلوب، بما تفجأ به من استرداد الموهوب، وكل مصيبة تخطأتك جلل، ما لم تدن الأجل، وتقطع الأمل، وإن حادثاً ألم بك، فاستبد بأقلك وصفح عَنْ أكثرك لمن أجل النعم عليك وقد تناهت إليك أنباء من رزئ فصبر، وأصيب فاغتفر، اذ كان شوى فيما يرتقب ويحذر، فاستشعر اليأس مما فات اذ كان ارتجاعه ممتنعاً، ومرامه مستصعباً، فلشىء ما ضربت الأسى، وفزع أولو الألباب إِلَى حسن العزاء، وقام جعادة،

خطبة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

فقَالَ: أيها الملك، لا تشعر قلبك الجزع عَلَى ما فات، فيغفل ذهنك عَنِ الاستعداد لما يأتي، وناضل عوارض الحزن بالأنفة عَنْ مضاهاة أفعال أهل وهي العقول، فإن العزاء لحزماء الرجال، والجزع لربات الحجال، ولو كان الجزع يردّ فائتاً، أو يحيي تالفاً، لكان فعلاً دنيئاً، فكيف به وهو مجانب لأخلاق ذوي الألباب! فارغب بنفسك أيها الملك عما يتهافت فيه الأرذلون، وصن قدرك عما يركبه المخسوسون، وكن عَلَى ثقةٍ أن طمعك فيما استبدت به الأيام، ضلة كأحلام النيام: المقاول والأقيال: دون الملوك العظماء، ووقصه: كسره، ويؤسونه: يعزونه، وأصله، أن يُقَال: لك أسوة بفلان وفلان، والجلل: الصغير، والجلل: الكبير، وهو من الأضداد، والبدّة: النصيب، واستبد به أي جعله نصيبه، والشوى: الهين اليسير، والشوى أيضاً: رذال المال، والمناضلة: المراماة. والمضاهاة: المشاكلة، والتهافت: التتابع. وقرأنا عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد: حبسن بين رملة وقف ... وبين نخل هجر الملتف ثمت أصدرن بغير كفّ هذه إبل خرجت للميرة فرجعت بغير كفٍّ من طعام خطبة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن عبيد، قَالَ: حَدَّثَنَا الزنادي، قَالَ: يُقَال: إن عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، تكلم بهذا الكلام فِي خطبته: ما الجزع مما لا بد منه، وما الطمع فيما لا يرجى، وما الحيلة فيما سيزول! وإنما الشيء من أصله، فقد مضت قبلنا أصولٌ نحن فروعها، فما بقاء فرعٍ بعد أصله! إنما الناس في الدنيا أغراضٌ تنتضل فيهم المنايا، وهم فيها نهبٌ للمصائب، مع كل جرعة شرقٌ، وفي كل أكلة غصص، لا ينالون نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمّر معمر يوماً من عمره إلا بهدم آخر من أجله، وأنتم أعوان الحتوف عَلَى أنفسكم، فأين المهرب مما هو كائن! وإنما نتقلب فِي قدرة الطالب، فما أصغر المصيبة اليوم مع عظيم الفائدة غداً، وأكبر خيبة الخائب فيه! والسلام.

ما جرى بين عبد الملك بن مروان وأهل سمره من إنشاد كل منهم

لا رأي لحاقن وما تمثل به عَلَى رضي الله عنه فِي هذا المعنى وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَهْشَلُ بْنُ دَارِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنْ مَسْأَلَةٍ فَدَخَلَ مُبَادِرًا، ثُمَّ خَرَجَ فِي حِذَاءٍ وَرِدَاءٍ وَهُوَ مُتْبَسِمٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ كُنْتَ إِذَا سُئِلْتَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ تَكُونُ فِيهَا كَالسّكَّةِ الْمُحْمَاةِ، قَالَ: إِنِّي كُنْتُ حَاقِنًا وَلا رَأْيَ لِحَاقِنٍ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: إِذَا الْمُشْكِلاتُ تَصَدَّيْنَ لِي ... كَشَفْتُ حَقَائِقَهَا بِالنَّظَرِ وَإِنْ بَرَقَتْ فِي مَخْيلِ الصَّوَابِ ... عَمْيَاءَ لا يَجْتَلِيهَا الْبَصَرُ مُقَنَّعَةً بِغُيُوبِ الأُمُورِ ... وَضَعْتُ عَلَيْهَا صَحِيحَ الْفِكْرِ لِسَانًا كَشَقْشَقَةِ الأَرْحَبِيِّ ... أَوْ كَالْحُسَامِ الْيَمَانِيِّ الذَّكَرْ وَقَلْبًا إِذَا اسْتَنْطَقَتْهُ الْفُنُونُ ... أَبَرَّ عَلَيْهَا بِوَاهِ دُرَرْ وَلَسْتُ بِإِمَّعَةٍ فِي الرِّجَالِ ... يُسَائِلُ هَذَا وَذَا مَا الْخَبَرْ وَلَكِنَّنِي مُذْرِبُ الأَصْغَرَيْنِ ... أُبَيِّنُ مِمَّا مَضَى مَا غَيَرْ المخيل: السحاب الذي يخال فيه المطر، والشقشقة: ما يخرجه الفحل من فيه عند هياجه، ومنه قيل لخطباء الرجال: شقاشق أنشدني أَبُو المياس لتميم بن مقبل: عاد الأذلة فِي دارٍ وكان بها ... هرت الشقاشق ظلاّمون للجزر وأبرّ: زاد عَلَى ما تستنطقه، والإمعة: الأحمق الذيلا يثبت عَلَى رأي، والمذرب: الحاد، وأصغراه: قلبه ولسانه. ما جرى بين عبد الملك بن مروان وأهل سمره من إنشاد كل منهم أحسن ما قيل فِي الشعر وإنشاده هو شعر معن بن أوس الذي أوله: وذي رحم قلمت أظفار ضغنه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: كان عبد الملك بن مروان ذات ليلة فِي سمره مع ولده وأهل بيته وخاصته، فقَالَ لهم: ليقل كل واحد منكم أحسن ما قيل فِي الشعر، وليفضل من رأى تفضيله، فأنشدوا وفضلوا، فقَالَ بعضهم: امرؤ القيس، وقَالَ بعضهم: النابغة،

وقَالَ بعضهم: الأعشى، فلما فرغوا، قَالَ: أشعر والله من هؤلاء جميعًا عندي الذي يقول: أنشد عبد الملك بعض هذه الأبيات التي أنا ذاكرها وضممت إليها ما اخترت من القصيدة وقت قراءتي شعر معن بن أوس، عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، وما رواه ابن الأعرابي فِي نوادره: وذي رحم قلّمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يحلّ به الرغم فإن أعف عنه أغض عيناً عَلَى قذىً ... وليس له بالصفح عَنْ ذنبه علم وإن أنتصر منه أكن مثل رائشٍ ... سهام عدوٍّ يستهاض بها العظم صبرت عَلَى ما كان بيني وبينه ... وما تستوي حرب الأقارب والسلم وبادرت منه النأي والمرء قادر ... عَلَى سهمه ما دام فِي كفه السهم ويشتم عرضي فِي المغيب جاهداً ... وليس له عندي هوانٌ ولا شتم إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها تلك السفاهة والإثم وإن أدعه للنصف يأب ويعصني ... ويدعو لحكم جائر غيره الحكم فلولا اتقاء الله والرحم التي ... رعايتها حقٌّ وتعطيلها ظلم إذاً لعلاه بارقي وخطمته ... بوسم شنارٍ لا يشاكهه وسم ويسعى إذا أبنى ليهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم يودّ لو أني معدم ذو خصاصةٍ ... وأكره جهدي أن يخالطه العدم ويعتدّ غنماً فِي الحوادث نكبتي ... وما إن له فيها سناءٌ ولا غنم فما زلت فِي ليني له وتعطفي ... عليه كما تحنو عَلَى الولد الأم وروى: فما زلت فِي رفق به وتعطف ... عليه. . . . . . . . . . . . . . وزاد ابن الأعرابي: وخفضٍ له مني الجناح تألفاً ... لتدنيه مني القرابة والرحم وقولي إذا أخشى عليه مصيبة ... ألا اسلم فداك الخال ذو العقد والعم

وروى: وقولي إذا أخشى عليه ملمة ... ألا اسلم. . . . . . . وصبري عَلَى أشياء منه تريبني ... وكظمي عَلَى غيظي وقد ينفع الكظم لأستل منه الضغن حتى استللته ... وقد كان ذا ضغنٍ يضيق به الجرم رأيت انثلاماً بيننا فرقعته ... برفقي وإحيائي وقد يرقع الثلم وأبرأت غلّ الصدر منه توسعاً ... بحلمي كما يشفى بالأدوية الكلم وزاد ابن الأعرابي: فداويته حتى ارفأنّ نفاره ... فعدنا كأنا لم يكن بيننا صرم وأطفأ نار الحرب بيني وبينه ... فأصبح بعد الحرب وهو لنا سلم وروى: فأطفأت نار الحرب، فقيل له: يا أمير المؤمنين، من قائل هذه الأبيات؟ قَالَ: معن بن أوس المزني. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله: لنعم الفتى أضحى بأكناف حائل ... غداة الوغى أكل الردينية السمر لعمري لقد أرديت غير مزلج ... ولا مغلقٍ باب السماحة بالعذر سأبكيك لا مستبقياً فيض عبرة ... ولا طالباً بالصبر عاقبة الصبر وقرأت عليه لرجل مات له أخ بعد أخ: كأن وصيفياً خليلي لم نقل ... لموقد نارٍ آخر الليل أوقد فلو أنها إحدى يدي رزئتها ... ولكن يدي بانت عَلَى إثرها يدي فأقسمت لا آسى عَلَى إثر هالكٍ ... قدي الآن من وجدٍ عَلَى هالك قدى وأنشدني محمد بن السري السراج، لأبي عبد الرحمن العطوي: حنطته يا نصر بالكافور ... وزففته للمنزل المهجور هلا ببعض خلاله حنطته ... فيضوع أفق منازل وقبور

ما اشترطته هند على أبيها عتبة بن ربيعة في زواجها قبل أن يزوجها من أبي سفيان بن حرب

تالله لو بنسيم أخلاقٍ له ... تعزى إِلَى التقديس والتطهير طيّبت من سكن الثرى وعلا الربى ... لتزودوه عدةً لنشور فاذهب كما ذهب الوفاء فإنه ... عصفت به ريحاً صباً ودبور واذهب كما ذهب الشباب فإنه ... قد كان خير مجاورٍ وعشير والله ما أبنته لأزيده ... شرفاً ولكن نفثه المصدور وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قول الشاعر: وقد كتب الشيخان لي فِي صحيفتي ... شهادة عدل أدحضت كل باطل يعني والديه، يقول: بينا شبهى فِي صحيفة وجهي ما اشترطته هند عَلَى أبيها عتبة بن ربيعة فِي زواجها قبل أن يزوجها من أبي سفيان بن حرب وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ أَخِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، قَالَ: قَالَتْ هِنْدٌ لأَبِيهَا عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: إِنِّي امْرَأَةٌ قَدْ مَلَكْتُ أَمْرِي فَلا تُزَوِّجْنِي رَجُلًا حَتَّى تَعْرِضَهُ عَلَيَّ، قَالَ: لَكِ ذَاكَ، فَقَالَ لَهَا ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّهُ قَدْ خَطَبَكِ رَجُلانِ مِنْ قَوْمِكِ وَلَسْتُ مُسَمِّيًا لَكِ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى أَصِفَهُ لَكِ، أَمَّا الأَوَّلُ: فِي الشَّرَفِ الصَّمِيمُ، وَالْحَسَبِ الْكَرِيمُ، تَخَالِينَ بِهِ هَوَجًا مِنْ غَفْلَتِهِ، وَذَلِكَ إِسْجَاحٌ مِنْ شِيمَتِهِ، حَسَنُ الصَّحَابَةِ، سَرِيعُ الإِجَابَةِ، إِنْ تَابَعْتِهِ تَبِعَكِ، وَإِنْ مِلْتِ كَانَ مَعَكِ، تَقْضِينَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَتَكْتَفِينَ بِرَأْيِكِ عَنْ مَشُورَتِهِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَفِي الْحَسَبِ الْحَسَيِبُ، وَالرَّأْيِ الأَرِيبُ، بَدَرَ أَرُومَتَهُ، وَعَزَّ عَشِيرَتَهُ، يُؤَدِّبُ أَهْلَهُ وَلا يُؤَدِّبُونَهُ، إِنِ اتَّبَعُوهُ أَسْهَلَ بِهِمْ، وَإِنْ جَانَبُوهُ تَوَعَّرَ عَلَيْهِمْ، شَدِيدُ الْغَيْرَةِ، سَرِيعُ الطِّيَرَةِ، صَعْبُ حِجَابِ الْقُبَّةِ، إِنْ حَاجَّ فَغَيْرُ مَنْزُورٍ، وَإِنْ نُوزِعَ فَغَيْرُ مَقْهُورٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُ لَكِ كَلَيْهِمَا، فَقَالَتْ: أَمَّا الأَوَّلُ، فَسَيِّدٌ مِضْيَاعٌ لِكَرِيمَتِهِ مَوَّاتٌ لَهَا فِيمَا عَسَى إِنْ تَعْتَصِ أَنْ تَلِينَ بَعْدَ إِبَائِهَا، وَتَضِيعَ تَحْتَ خِبَائِهَا، إِنْ جَاءَتْهُ بِوَلَدٍ أَحْمَقَتْ، وَإِنْ أَنْجَبَتْ فَعَنْ خَطَأٍ مَا أَنْجَبَتْ، اطْوِ ذِكْرَ هَذَا عَنِّي وَلا تُسَمِّهِ لِي، وَأَمَّا الآخَرُ فَبَعْلُ الْحُرَّةِ الْكَرِيمَةِ، إِنِّي لأَخْلاقِ هَذَا لَوَامِقَةٌ، وَإِنِّي لَهُ لَمُوَافِقَةٌ، وَإِنْ لآخُذَهُ بِأَدَبِ الْبَعْلِ مَعَ لُزُومِي قُبَّتِي، وَقِلَّةِ تَلَفُّتِي، وَإِنَّ السَّلِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَحَرِيٌّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَافِعَ عَنْ حَرِيمِ عَشِيرَتِهِ، الذَّائِدَ عَنْ

حديث البنات الثلاث مع أبيهن وقد كان عضلهن ومنعهن الأكفاء

كَتِيبَتِهَا، الْمُحَامِيَ عَنْ حَقِيقَتِهَا، الْمُثَبِّتَ لأَرُومَتِهَا، غَيْرَ مُوَاكِلٍ وَلا زَمِيلٍ عِنْدَ صَعْصَعَةِ الْحُرُوبِ، قَالَ: ذَاكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، قَالَتْ: فَزَوِّجْهُ وَلا تَلْقِ إِلْقَاءَ السَّلَسِ، وَلا تَسُمْهُ سَوْمَ الضّرسِ، ثُمَّ اسْتَخِرِ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ، يَخِرْ لَكَ فِي الْقَضَاءِ : الإسجاح: السهول، والزُّمّل والزُّمّال والزُّمّيل والزُّمّيلة: الجبان الضعيف. والصعصعة: الاضطراب، يُقَال: قد تصعصع القوم فِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وغيره يقول، تصعصعوا: تفرقوا، والضرس: السيئ الخلق. حديث البنات الثلاث مع أبيهن وقد كان عضلهن ومنعهن الأكفاء وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ بعض أصحابه، عَنِ المدائني، قَالَ: كان رجل من العرب له ثلاث بنات قد عضلهن ومنعهن الأكفاء، فقَالَت إحداهن: إن أقام أبونا عَلَى هذا الرأي فارقنا وقد ذهب حظ الرجال منا، فينبغي لنا أن نعرض له ما فِي نفوسنا، وكان يدخل عَلَى كل واحدة منهن يوماً، فلما دخل عَلَى الكبرى تحادثا ساعة، فحين أراد الأنصراف أنشدت: أيزجر لاهينا ونلحي عَلَى الصبا ... وما نحن والفتيان إلا شقائق يؤبن حبيباتٍ مراراً كثيرة ... وتنباق أحياناً بهنّ البوائق فلما سمع الشعر ساءه، ثم دخل عَلَى الوسطى فتحادثا، فلما أراد الإنصراف أنشدت: ألا أيها الفتيان إنّ فتاتكم ... دهاها سماع العاشقين فحنت فدونكم إبغوها فتىً غير زملٍ ... وإلا صبت تلك الفتاة وجنت فلما سمع شعرها ساءه، ثم دخل عَلَى الصغرى فِي يومها فتحادثا، فلما أراد الإنصراف أنشدت: أما كان فِي ثنتين ما يزع الفتى ... ويعقل هذا الشيخ إن كان يعقل فما هو إلا الحّل أو طلب الصّبا ... ولا بدّ منه فأتمر كيف تفعل فلما رأى تواطؤهن عَلَى ذلك زوجَهُن حديث همام بن مرة مع بناته الثلاث وكان قد عنسهن وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: كان لهّمام بن مرة ثلاث بنات فعنّسهنّ، فقَالَت الكبرى: أنا أكفيكموه اليوم، فقَالَت:

ما قاله بعض الأدباء في وصف بعض الثقلاء

أهمّام بن مرّة إنّ همّي ... إِلَى قنفاء مشرفة القذال فقَالَ همام: قنفاء مشرفة القذال، تصف فرساً، فقَالَت الوسطى: ما صنعت شيئاً، فقَالَت: أهمام بن مرة إن همي ... إِلَى اللأئي يكنّ مع الرجال فقَالَ همام: يكون مع الرجال الذهب والفضة! فقَالَت الصغرى: ما صنعتما شيئاً، وقَالَت: أهمام بن مرّة إنّ همّي ... إِلَى عردٍ أسدُّ به مبالي فقَالَ همام: قاتلكنّ الله! والله لا أمسيت أو أزوجكن! فزوّجهن ما قاله بعض الأدباء فِي وصف بعض الثقلاء وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس النحوي، قَالَ: قَالَ العباس بن الحسن العلوي: ما الحمام عَلَى الإصرار، وحلول الدّين مع الإقتار، وطول السّقم فِي الأسفار، بآلم من لقائه! وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس وأبي، واللفظ مختلط، ثقيلٌ يطالعنا من أمم ... إذا سرّه رغم أنفي ألمّ أقول له إذ أتى لا أتى ... ولا حملته إلينا قدم عدمت خيالك لا من عمى ... وسمع كلامك لا من صمم تغطّ بما شئت عَنْ ناظري ... ولو بالرّداء به فالتثم لنظرته وخرة فِي القلوب ... كوخز المحاجم فِي الملتزم قَالَ: وأنشدنا عبد الله بن خلف: وثقيل أشدّ من ثقل الموت ... ومن شدة العذاب الأليم لو عصت ربها الجحيم ... لما كان سواه عقوبةً للجحيم قَالَ: وأنشدنا عبد الله بن خلف، وغيره، لمحمد بن نصر بن بسام: يا ثقيلاً عَلَى القلوب إذا ... عَنْ لها أيقنت بطول الجهاد يا قدي فِي العيون يا غلة بين ... التّراقي حزازة فِي الفؤاد يا طلوع العذول يا بين إلفٍ ... يا غريما أتى عَلَى ميعاد

ما دار بين عبد الملك بن مروان وعزة صاحبة كثير يوم دخلت عليه

يا ركوداً فِي يوم غيم وصيف ... يا وجوه التّجار يوم الكساد خلِّ عنَّا فإنما أنت فينا ... واو عمرو وكالحديث المعاد وامض فِي غير صحبة الله ما عشت ... ملّقى من كلِّ فجّ وواد يتخطى بك المهامه والبيد ... دليل أعمى كثير الرّقاد خلفك الثائر المصمم بالسيف ... ورجلاك فوق شوك القتاد قَالَ: وأنشدنا أبي: ربّما يثقل الجليس وإن كان ... خفيفاً فِي كفّة الميزان ولقد قلت حين وتد فِي البيت ... ثقيلٌ أربى عَلَى ثهلان كيف لم تحمل الأمانة أرضٌ ... حملت فوقها أبا سفيان ما دار بين عبد الملك بن مروان وعزة صاحبة كثير يوم دخلت عليه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ عكرمة الضّبّي، قَالَ: قَالَ العتبي: دخلت عزّة عَلَى عبد الملك بن مروان، فقَالَ لها: يا عزّة، أنت عزّة كثيّر؟ فقَالَت: أنا أمّ بكر الضّمريّة، فقَالَ لها: أتروين قول كثيّر: وقد زعمت أني تغيّرت بعدها ... ومن ذا الذي يا عز لا يتغيّر تغيّر جسمي والخليقة كالتي ... عهدت ولم يخبر بسّرك مخبر فقَالَت: لا أروي هذا، ولكني أروي قوله: كأني أنادي صخرةً حين أعرضت ... من الصّمّ لو تمشى بها العصم زلّت صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلةً ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت قصيدة كثير التائية التي منها البيت المشهور وما كنت أدري قبل عزة ما البكا. . . . . . الخ وقرأت هذه القصيدة عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، فِي شعر كُثيِّر وهي من منتخبات شعر كثير، وأولها: خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت

ويروى: خليليّ هذا رسم عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم انظرا حيث حلت وما كنت أدري قبل عزة ما الهوى ... ولا موجعات الحزن حتى تولت فقد حلفت جهداً بما نحرت له ... قريشٌ غداة المأزمين وصلّت أناديك ما حجّ الحجيج وكبّرت ... بفيفا غزالٍ رفقةٌ وأهلّت وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرةٍ نذراً فأوفت وحلّت ويروى: وفت فأحلّت. فقلت لها يا عزّ كل مصيبةٍ ... إذا وطّنت يوماً لها النفس ذلّت ولم يلق إنسانٌ من الحب ميعةً ... تعمّ ولا غمّاء إلا تجّلت كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصّمّ لو تمشى بها العصم زلّت صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلةً ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملت ويروى: صفوح، والصفوح: المعرض. ويروى: ذلك البخل. أباحت حمىً لم يرعه الناس قبلها ... وحلّت تلاعاً لم تكن قبل حلّت فليت قلوصي عند عزة قيّدت ... بحبل ضعيفٍ غر منها فضلت وغودر فِي الحي المقيمين رحلها ... وكان لها باغٍ سواي فبلّت وكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلّت وكنت كذات الظّلع لما تحاملت ... عَلَى ظلعها بعد العِثار استقلت أريد الثواء عندها وأظنها ... إذا ما أطلنا عندها المكث ملّت فما أنصفت أما النساء فبغّضت ... إِلَى وأمّا بالنوال فضنّت يكلفها الغيران شتمي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلّت هنيئاً مريئاً غير داء مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلّت قيل لكثير: أنت أشعر أم جميل؟ فقَالَ: بل أنا، فقيل له: أتقول هذا وأنت روايته؟ فقَالَ: جميل الذي يقول: رمى الله فِي عيني بثينة بالقذى ... وفي الغر من أنيابا بالقوادح وأنا أقول: هنيئاً مريئاً غير داء مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلت

فوالله ما قاربت إلا تباعدت ... بصرمٍ ولا أكثرت إلا أقلّت ويروى: ولا استكثرت: فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا ... وحقت لها العتبى لدينا وقلّت وإن تكن الأخرى فإن وراءنا ... منادح لو سارت بها العيس كلّت خليليّ إن الحاجبية طلّحت ... قلوصيكما وناقتي قد أكلّت فلا يبعدن وصلٌ لعزة أصبحت ... بعاقبةٍ أسبابه قد تولّت أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلّت ولكن أنيلي واذكري من مودةً ... لنا خلةً كانت لديكم فطلّت فإني وإن صدّت لمثنٍ وصادقٌ ... عليها بما كانت إلينا أزلّت فما أنا بالداعي لعزّة بالجوى ... ولا شامت إن نعل عزّة زلّت فلا يحسب الواشون أن صبابتي ... بعزة كانت غمرةً فتجلّت فأصبحت قد أبللت من دنفٍ بها ... كما أدنفت هيماء ثم استبلّت فوالله ثم الله ما حلّ قبلها ... ولا بعدها من خلّةٍ حيث حلّت وما مرّ من يومٍ عَلَى كيومها ... وإن عظمت أيام أخرى وجلّت وأضحت بأعلى شاهقٍ من فؤاده ... فلا القلب يسلاها ولا العين ملّت فيا عجباً للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطّنت كيف ذلّت وإني وتهيامي بعزة بعد ما ... تخليت مما بيننا وتخلت لكالمرتجى ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت

كأني وإياها سحابةُ ممحل ... رجاها فلما جاوزته استهلت فإن سأل الواشون فيم هجرتها ... فقل نفس حر سليت فتسلت : المازمان: بين عرفة والمزدلفة، وأناديك: أجالسك، وهو مأخوذ من النّدى والنادي جميعاً، وهما المجلس، وميعة كل شيء: أوله، والصّفوح: المعرضة، بلت: ذهبت. : وما أعرف بلّت ذهبت إلا فِي تفسير هذا البيت، والعتبي: الإعتاب، يُقَال: عاتبني فلان فاعتبته إذا نزعت عما عاتبك عليه، والعتبى: الإسم والإعتاب المصدر، وقوله طلحت، الطليح: المعى الذي قد سقط من الإعياء، وطلّت: هدرت، وأزلّت: اصطنعت، ويقَالَ: بلّ من مرضه وأبلّ واستبلّ إذا برأ، واعترافه: اصطباره، يُقَال: نزلت به مصيبةٌ فوجد عروفاً أي صبورا، والعارف: الصابر وأنشدنا أَبُو عبد الله، رحمه الله، لنفسه: وقائل تبح باسمي فقلت له ... هبني أكاتم جهدي ما أعانيه أنشدنيه جهدي، وأنا أختار جهدي. فكيف لي بارتياعي حين تبصرني ... حتى أقول بدا ما كنت أخفيه أم كيف يسعدني صبرٌ ولي كبدٌ ... حرّى تذوب وقلبٌ فيه ما فيه يا ساحر اللخط قد والله برّح بي ... شوقي إليك وأعيا ما ألاقيه وأنشدني لابن أذينة: قَالَت وأبثثتها شجوى فبحت به ... قد كنت عندي تحب الستر فاستتر ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطّى هواك وما ألقى عَلَى بصري وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي: إِلَى الله أشكو ثم أثني فأشتكي ... غريماً لواني الدّين منذ زمان لطيف الحشا عبل الشّوى طيّب اللّمى ... له عللٌ لا تنقضي وأماني

سؤال عبد الملك بن مروان للحجاج، عن عيبه وما أجاب به، وما قاله فيه خالد بن صفوان

سؤال عبد الملك بن مروان للحجاج، عَنْ عيبه وما أجاب به، وما قاله فيه خالد بن صفوان وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا العكلي، عَنْ أبيه، قَالَ: سأل عبد الملك الحجّاج، عَنْ عيبه فتلكأ عليه، فأبى إلا أن يخبره، فقَالَ: أنا حديدٌ حسودٌ حقودٌ لجوج ذو قسوة، فبلغ هذا الكلام خالد بن صفوان، فقَالَ: لقد انتحل الشّر بحذافيره، والمروق من جميع الخير بزوبره، ولقد تأنق فِي ذم نفسه، وتجود فِي الدلالة عَلَى لؤم طبعه، وفي إقامة البرهان عَلَى إفراط كفره، والخروج من كنف ربّه، وشدّة المشاكلة لشيطانه الذي أغواه ما يكون بالخاء المعجمة والمهملة من الكلمات قَالَ الأصمعي: الخشيُّ والحشيُّ: اليابس وأنشد للعجاج. والهدب الناعم والخشىُّ. الناعم: الرطب اللين، وأنشد: وإن عندي لو ركبت مسحلي ... سمّ ذراريح رطابٍ وخشي قَالَ ويقَالَ: حبج وخبج إذا خرجت منه ريحٌ، قَالَ: وسمعت أعرابياً يقول: خبج بها وربّ الكعبة، قَالَ ويقَالَ: فاحت منه ريحٌ طيبة وفاخت، وقَالَ أَبُو زيد يُقَال: خمص الجرح يخمص خموصاً، وحمصَ يحمص حموصاً، وانحمص انحماصا، وانخمص انخماصاً إذا ذهب ورمه، وقَالَ والمحسول: المرذول، وقد حسلته وخسلته أَبُو عبيدة: المخسول قَالَ أَبُو عمرو الشيباني: الجحادي والجخادي، الضّخم، قَالَ ويقَالَ: طخرور وطحرور للسحابة، وقَالَ الأصمعي: الطخارير: قطع من السحاب مستدقّة رقاقٌ، والواحدة طخرورة، والرّجل طخرور إذا لم يكن جلداً ولا كثيفاً، ولم يعرفه بالحاء، قَالَ اللحياني: يُقَال: شرب حتى اطمحرّ واطمخرّ أي حتى امتلأ وروى، ويقَالَ: دربح ودربخ إذا حنى ظهره، ويقَالَ:

هو يتحوّف مالي ويتخوفّه أي: ينقصه ويأخذ من أطرافه، قَالَ الله عزّ وجلّ: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] أي تنقص وقَالَ الشاعر: تخوف السّير منها تامكاً قرداً ... كما تخوف عود النبعة السفن : التامك: المرتفع من السّنام، والقرد المتلبد بعضه عَلَى بعض، والسّفن: المبرد. وأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، عَنْ أبيه، قَالَ: أتى أعرابي إِلَى ابن عباس، فقَالَ: تخوّفني مالي أخٌ لي ظالمٌ ... فلا تخذلني اليوم يا خير من بقي فقَالَ: تخوّفك أي تنقّصك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: الله أكبر! {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] أي تنقّص من خيارهم، وقد قرئ {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} [المزمل: 7] وسبخاً قرأها يحيى بن يعمر، قَالَ الفراء: معناهما واحد أي فراغاً، وقَالَ غيره: سبحاً: فراغاً، وسبخاً: نوماً، ويقَالَ: قد سبخ الحرّ إذا خار وانكسر، ويقَالَ: اللهم سبّخ عنه الحمى أي خفّفها، وقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة رحمها الله، حين دعت عَلَى سارقٍ سرقها: لا تسبّخي عنه بدعائك أي لا تخففي عنه إثمه، ويقَالَ لما سقط من ريش الطائر: سبيخ. ما تعاقب فيه الدال التاء قَالَ الأصمعي: هو السّدى والسّتى، والأسديُّ والأستيُّ لسدى الثوب، قَالَ الحطيئة: مستهلك الورد كالأسدي قد جعلت ... أبدى المطيّ به عاديةً ركبا ويروى: رغباً. ركب: جمع ركوب وهو الطريق الذي فيه آثار، والرّغب: الواسعة، قَالَ: وأما السّدى من الندى فبالدال لا غير، يُقَال: سديت الأرض إذا نديت، من السّماء كان الندى أو من الأرض، حكى بعض شيوخنا عَنْ أبي عبيدة، قَالَ السّدى: ما كان فِي أول الليل، والنّدى: ما كان فِي آخره، ويقَالَ للبلح إذا وقع وقد استرخت ثفاريقه وندى: بلحٌ سدٍ، وقد أسدى النّخل، ويقَالَ: أعتده وأعدّه، قَالَ الشاعر: إثماً وغرما وعذاباً معتدا ويقَالَ: الدولج والتولج: للكناس، ويقَالَ: مدّ فِي السير ومتّ، ويقَالَ: السبنداة والسبنتاة للجريئة، ويقَالَ للنمر: سبنتي وسبندى، ويقَالَ: هرت القصّار الثوب وهرده إذا خرقه، وكذلك هرد عرضه وهرته.

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، لحميد بن ثور: قرينة سبع إن تواترن مرة ... ضربن فصفت أرؤس وجنوب تواترن: اتبع بعضهن بعضاً، يريد أنهن غير مصطفّات، فإذا أردن الطيران ضربن بأجنحتهن حتى يستوين، ثم يصرن إِلَى طيرانهن وهنّ مصطفّات الأرؤس والجنوب. وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد لنفسه فِي قصيدة له أولها هذه الأبيات: ليس المقصّر وانياً كالمقصر ... حكم المعذر غير حكم المعذر لو كنت أعلم أن لحظك موبقي ... لحذرت من عينيك ما لم أحذر لا تحسبي دمعي تحدّر إنما ... نفسي جرت فِي دمعي المتحدّر خبري خذيه عَنِ الضنا وعَنِ البكا ... ليس اللسان وإن تلفت بمخبر ولقد نظرت فردّ طرفي خاسئاً ... حذر العدا وبهاء ذاك المنظر يأسى يحسن لي التستر فاعلمي ... لو كنت أطمع فيك لم أتستّر المعذر فِي طلب الحاجة: المبالغ فيها، والمعذّر: المتواني، والمقصر عَنِ الشيء الذي ينزع عنه وهو يقدر عليه، والمقصّر: العاجز عنه: ما جاء من الكلمات بالصاد والزاي قَالَ الأصمعي: جاءتنا زمزمةٌ من بني فلان وصمصمة أي جماعة، وأنشد: إذا تدانى زمزمٌ لزمزم وأنشدنا أيضاً: وحال دوني من الأبناء زمزمةٌ ... كانوا الأنوف وكانوا الأكرمين أبا قَالَ ويروي: صمصمة، ويقَالَ: نشصت المرأة عَلَى زوجها ونشزت، وهو النشوص والنشور ومنه يُقَال: نشصت ثنيّته إذا خرجت من موضعها، قَالَ الأعشى: تقمرها شيخٌ عشاءً فأصبحت ... قضاعيّةً تأتي الكواهن ناشصا أي ناشزا، قَالَ لي أَبُو العباس: معنى تقمرها عقلها وأخرجها من قومها فأصبحت فِي قضا غريبةً تأتي الكواهن تسأل عَنْ حالها، هل يرين لها الرجوع إِلَى أهلها أم لا، والنشاص: الغيم المرتفع

ما قاله عمرو بن معد يكرب يمدح مجاشع بن مسعود وقد سأله فوصله

إنما سميّ نشاصاً، لأنه ارتفع عَلَى غيره بمنزلة الثّنيّة ارتفعت عَلَى غيرها، والشرز والشرص واحد وهو الغلظ. قَالَ الأصمعي: وسمعت خلفاً يقول سمعت أعرابياً يقول: لم يحرم من فزد له أي من فصد فخفّف، وأبدل من الصاد زاياً، يقول: لم يحرم من أصاب بعض حاجته وإن لم ينلها كلها، ويقَالَ: فصّ الجرح يفصّ فصيصاً وفزّ يفزّ فزيزاً أي سال. ما تتعاقب فيه السين والثاء المثلثة وقَالَ الأصمعي: أتانا ملس الظلام وملث الظلام أي اختلاطه، ويقَالَ: ساخت رجله فِي الأرض وثاخت إذا دخلت، قَالَ أَبُو ذؤيب: قصر الصبوح لها فشرج لحمها ... بالني فهي تثوخ فيها الإصبع شرّج: خلط، وشريجان: خليطان، والنيّ: الشحم، والوطس والوطث: الضرب الشديد بالخفّ، ويقَالَ: فوه يجري سعابيب وثعابيب وهو أن يجري منه ماءٌ صافٍ، ويقَالَ: ناقة فاسجٌ وفاثجٌ، وهي الفتية الحامل، وأنشد الأصمعي: والبكرات اللقّح الفواثجا ما قاله عمرو بن معد يكرب يمدح مجاشع بن مسعود وقد سأله فوصله حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، أن عمرو بن معد يكرب أتى مجاشع بن مسعود بالبصرة يسأله الصلة، فقَالَ له: اذكر حاجتك، فقَالَ: حاجتي صلة مثلي، فأعطاه عشرة آلاف درهم وفرساً من بنات الغبراء وسيفاً قلعياً وغلاماً خبّازاً، فلما خرج من عنده، قَالَ له أهل المجلس: كيف وجدت صاحبك؟ فقَالَ: لله درّ بني سليم: ما أشدّ فِي الهيجاء لقاءها، وأكرم فِي اللزبات عطاءها، وأثبت فِي المكرمات بناءها! والله لقد قاتلتها فما أجبنتها، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها! ثم قَالَ: ولله مسئولاً نوالاً ونائلاً وصاحب هيجا يوم هيجا مجاشع

ما قاله الزبير بن عبد المطلب يصف ابن أخيه النبي صلى الله عليه وسلم وأخويه العباس وضرارا وابنته أم الحكم ومغيثا ابن جاريته

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبى، قَالَ: ذكر اعرابي رجلاً، فقَالَ: نعم حشو الدرع ومقبض السيف ومدره الرمح! هو كان أحلى من العسل إذا لوين، وأمرّ من الصبر إذا خوشن وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الأول بن مريد، عَنْ أبيه، قَالَ: حَدَّثَنِي بعض موالي بني هاشم، قَالَ: قَالَ المنصور لخالد بن عبد الله القسري: إني لأعدّك لأمر كبير، قَالَ: يا أمير المؤمنين، قد أعدّ الله لك مني قلباً معقوداً بنصيحتك، ويداً مبسوطة بطاعتك، وسيفا مشحوذاً عَلَى أعدائك فإذا شئت ما قاله الزبير بن عبد المطلب يصف ابن أخيه النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخويه العباس وضراراً وابنته أم الحكم ومغيثاً ابن جاريته قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عمر، عَنْ أبيه، عَنْ هشام بن محمد، قَالَ: حَدَّثَنِي رافع بن بكّار، ونوح بن درّاج، قالا: دخل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عمه الزبير بن عبد المطلب وهو صبي، فأقعده فِي حجره، وقَالَ: محمد بن عبدم ... عشت بعيش أنعم ودولة ومغنم ... فِي فرع عز أسنم مكرم معظم ... دام سجيس الأزلم أي أبد الدهر، ثم دخل عليه العباس بن عبد المطلب وهو غلام فأقعده فِي حجره، وقَالَ: إن أخي عباس عفّ ذو كرم فيه عَنِ العوراء إن قيلت صمم ... يرتاح للمجد ويوفي بالذمم وينحر الكوماء فِي اليوم الشبم ... أكرم بأعراقك من خالٍ وعم ثم دخل عليه ضرار بن عبد المطلب وهو أصغر من العباس، فقَالَ: ظني بميّاسٍ ضرارٍ خير ظن ... أن يشتري الحمد ويغلي بالثمن ينحر للأضياف ربات السمن ... ويضرب الكبش إذا البأس ارجحن ثم دخلت عليه ابنته أم الحكم، فقَالَ:

ما وصفت به هند ابنها معاوية رحمهما الله وهي ترقصه

يا حبذا أم الحكم ... كأنها ريمٌ أحمّ يا بعلها ماذا يشم ... ساهم فيها فسهم ثم دخلت عليه جارية له يُقَال لها أم مغيث، فقَالَت: مدحت ولدك وبني أخيك، ولم تمدح ابني مغيثاً، فقَالَ: عَلَى به عجليه، فجاءت به، فقَالَ: وإن ظني بمغيثٍ إن كبر ... أن يسرق الحجّ إذا الحج كثر ويوقر الأعيار من قرف الشجر ... ويأمر العبد بليل يعتذر ميراث شيخ عاش دهرا غير حر سالت أبا بكر عَنْ يعتذر، فقَالَ: يصنع عذيرةً، وهي طعام من أطعمة الأعراب: وقد جمع يعقوب هذا الباب فِي كتاب المنطق. فأكثر ولم يأت بهذه الكلمة، فأما يعتذر من العذر فكثير من أشعار العرب فِي أمثال هذا الموضع. ما وصفت به هند ابنها معاوية رحمهما الله وهي ترقصه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا مُعَاوِيَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ ابْنِي مُعَرَّقٌ كَرِيمْ ... مُحَبَّبٌ فِي أَهْلِهِ حَلِيمْ لَيْسَ بِفَحَّاشٍ وَلا لَئِيمْ ... وَلا بِطَخْرُورٍ وَلا سَئُومْ صَخْرُ بَنِي فِهْرٍ بِهِ زَعِيمْ ... لا يُخْلِفُ الظَّنَّ وَلا يَخِيمْ يخيم: يجبن، يُقَال: خام عَنْ قرنه، ويمكن أن يكون يخيم فِي هذا الموضع يخيب أبدلت من الباء ميماً، كما قالوا: طينٌ لازبٌ ولازم. ما وصفت به ضباعة بنت عامر ابنها المغيرة بن سلمة وهي ترقصه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عمى، عَنْ أبيه، عَنْ هشام، قَالَ: قَالَت ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير وهي ترقص ابنها المغيرة بن سلمة

ما وصفت به أم الفضل ابنها عبد الله بن عباس وهي ترقصه

نمى به إِلَى الذرى هشام ... قرم وآباء له كرام جحاجح خضارمٌ عظام ... من آل مخزوم هم الأعلام الهامة العلياء والسنام ما وصفت به أم الفضل ابنها عبد الله بن عباس وهي ترقصه قَالَ: وأَخْبَرَنِي عمي، عَنْ أبيه، عَنْ هشام، قَالَ: قَالَت أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي ترقص ابنها عبد الله بن العباس: ثكلت نفسي وثكلت بكري ... إن لم يسد فهراً وغير فهر بالحسب العدّ وبذل الوفر ... حتى يوارى فِي ضريح القبر سمعت ابن خيرٍ الورّاق، وقد سأل أَبُو بَكْرِ بن دريد، فقَالَ له: مم اشتق العقل؟ فقَالَ: من عقال الناقة، لأنه يعقل صاحبه عَنِ الجهل أي يحبسه، ولهذا قيل: عقل الدراء بطنه أي أمسكه، ولذلك سميت خبراء بالدهناء معقلة، لأنها تمسك الماء، قَالَ: فممّ اشتق اللحد؟ قَالَ: من قولهم لحد إذا عدل، لأنه عدل إِلَى أحد شقي القبر، قَالَ: فمم استق الضريح؟ قَالَ: هو بمعنى مضروح كأنه ضرحه جانباه أي دفعاه فوقع فِي وسطه وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد من شعر الحطيئة: وإن التي نكبتها عَنْ معاشر ... عَلَى غضابٍ أن صددت كما صدوا أتت آل شمّاس بن لأيٍ وإنما ... أتاهم بها الأحلام والحسب العدّ فإن الشقي من تعادي صدورهم ... وذو الجد من لانوا إليه ومن ودوا الحسب: الشرف، والعدّ: القديم، ويقَالَ: بئر عدّ، إذا كانت لها مادةٌ من الأرض. يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والجد

أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا : البنى واحدها بنية، مثل رشوة ورشىً. فإن كانت النعمى عليهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدروها ولا كدّوا وإن قَالَ مولاهم عَلَى جلّ حادث ... من الدهر ردوا فضل أحلامكم ردّوا مطاعين فِي الهيجا مكاشيف للدّجى ... بنى لهم آباؤهم وبنى الجدّ فمن مبلغٌ أبناء سعدٍ فقد سعى ... إِلَى السورة العليا لهم حازمٌ جلد رأى مجد أقوام أضيع فحثّهم ... عَلَى مجدهم لما رأى أنه الجهد وروى الأصمعي: لما راى أنه المجد. ويروى: لما رأى أنه الجدّ، فمن روى أنه الجهد اراد به أنه الجهد منه، لأن تضييعهم أحسابهم قد جهده، ومن روى أنه الجدّ أراد أنه الجد من هؤلاء المضيعين فِي تضييعهم أحسابهم. وتعذلني أفناء سعدٍ عليهم ... وما قلت إلا بالذي علمت سعد وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ أنشدني أبي: إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه ... ولم ينه قلباً غاوياً حيث يمّما فلا بد أن تلغى له الدهر سبّةٌ ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، لأشجع: مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرقٌ ... ولا مغربٌ إلا له فيه مادح وما كنت أدري ما فواضل كفّه ... عَلَى الناس حتى غيّبته الصفائح فأصبح فِي لحدٍ من الأرض ميتاً ... وكانت له حياً تضيق الصحاصح وما أنا من رزء وإن جلّ جازعٌ ... ولا بسرور بعد موتك فارح كأن لم يمت حيٌّ سواك ولم تقم ... عَلَى أحد إلا عليك النوائح لئن حسنت فيك المراثي وذكرها ... لقد حسنت من قبل فيك المدائح

ما يجيء من الكلمات بالثاء المثلثة والذال المعجمة

وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم: ألا فِي سبيل الله ماذا تضمّنت ... بطون الثرى واستودع البلد القفر بدورٌ إذا الدنيا دجت أشرقت بهم ... وإن أجدبت يوماً فأيديهم القطر فيا شامتاً بالموت لا تشمتن بهم ... حياتهم فخرٌ وموتهم ذكر حياتهم كانت لأعدائهم عمىً ... وموتهم للفاخرين بهم فخر أقاموا بظهر الأرض فاخضرّ عودها ... وصاروا ببطن الأرض فاستوحش الظهر وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت عمي يقول: سمعت أعرابياً ينشد: كلاب الناس إن فكرت فيهم ... أضرّ عليك من كلب الكلاب لأن الكلب لا يؤذي صديقاً ... وإن صديق هذا فِي عذاب ويأتي حين يأتي فِي ثياب ... وقد حزمت عَلَى رجل مصاب فأخزى الله أثواباً عليه ... وأخزى الله ما تحت الثياب وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: خرج أعرابي إِلَى الشام، فكتب عمه كتباً فلم يجيبوه عنها، فكتب إليهم: ألا أبلغ معاتبتي وقولي ... بني عمي فقد حسن العتاب وسل هل كان لي ذنب إليهم ... هم منه فاعتبهم غضاب كتبت إليهم كتباً مراراً ... فلم يرجع إِلَى لهم جواب فلا أدري أغيّرهم تنائي ... وطول العهد أم مالٌ أصابوا فمن يك لا يدوم له وفاء ... وفيه حين يغترب انقلاب فعهدي دائم لهم وودي ... عَلَى حال إذا شهدوا وغابوا ما يجيء من الكلمات بالثاء المثلثة والذال المعجمة قَالَ الأصمعي يُقَال لتراب البئر: النبيثة والنبيذة، وقَالَ: يُقَال: قربٌ حثحاثٌ وحذحاذٌ إذا كان سريعاً، ويقَالَ: قثم له من ماله وقذم، وغذم له من ماله وغثم إذا دفع إليه دفعه فأكثر،

ويقَالَ قرأ فما تلعثم وما تلعذم، ويقَالَ: جثا يجثو وجذا يجذو إذا قام عَلَى أطراف أصابعه، وأنشد للنعمان بن نضلة: إذا شئت غنتني دهاقين قريةٍ ... وصناجة تجذوا عَلَى كل منسم : جعل للإنسان منسماً عَلَى الاتساع، وإنما قَالَ الآخر: سأمنعها أو سوف أجعل أمرها ... إِلَى ملكٍ أظلافه لم تشقق فجعل للإنسان ظلفاً، وإنما الظلّف للشاء والبقر، وقَالَ غير الأصمعي، يُقَال: جَثوة وجُثوة وجُثوة، وجَذوة وجُذوة وجِذوة، وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: يلوث ويلوذ سواء، وقَالَ غيره يُقَال: خرجت عثيثة الجرح وغذيذته، وهي مدته وما فيه، وقد غثّ يغثُّ وغذّ يغذّ، وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله: فما كان ذنب بني عامر ... بأن سبّ منهم غلامٌ فسب بأبيض ذي شطبٍ باترٍ ... يقطّ العظام ويبري العصب قَالَ: يريد معاقرة غالبٍ أبي الفرزدق، وسُحيم بن وثيل الرياحي، لما تعاقرا بصوأر، فعقر سحيم خمساً ثم بداله، وعقر غالبٌ مائةً. وقوله سُبّ أي: شتم، وقوله: سَبّ أي قطع، قَالَ: وأصل السَبّ القطع. وصف عَلَى رضي الله عنه الدنيا وقد سئل ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ: صِفْ لَنَا الدُّنْيَا، فَقَالَ: «وَمَا أَصِفُ لَكَ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ، وَآخِرُهَا فَنَاءٌ، مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنَ، وَمَنْ سَقِمَ فِيهَا نَدِمَ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى فُتِنَ، حَلالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ»

وصف رجل لبعض الأمراء وقد عزل عن عمله

وصف رجل لبعض الأمراء وقد عزل عَنْ عمله وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبى، قَالَ: عُزل بعض الأمراء عَنْ عمله، فقَالَ له رجل: أصبحت والله فاضحاً متعباً: أما فاضحاً فلكل والٍ قبلك بحسن سيرتك، وأما متعباً فلكل والٍ بعدك أن يلحقك وصف المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرِّيَاشِيُّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَخْدِعَ، وَأَعْقَلَ مِنْ أَنْ يُخْدَعَ» وصف عمر بن الخطاب معاوية رضي الله عنه قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: هَذَا كِسْرَى الْعَرَبِ، قَالَ: فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ عُمَرَ مُسْتَخْلِيًا رَجُلا قَطُّ إلا رَحِمْتُهُ. وصف بعض علماء الهند صحبة السلطان وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: قَالَ بعض علماء الهند: صحبة السلطان عَلَى ما فيها من العز والثروة عظيمة الخطار، وإنما تشبه بالجبل الوعر، فيه السباع العادية، والثمار الطيبة، فالارتقاء إليه شديد، والمقام فيه أشد، وليس يتكافأ خير السلطان وشره، لأن خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشر السلطان يزيل الحال ويتلف النفس التي لها طلب المزيد، ولا خير فِي الشيء الذي سلامته مال وجاه، وفي نكبته الجائحة والتلف وأنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد: وخلقته حتى إذا تمّ واستوى ... كمخّة سابق أو كمتن إمام خلّقته: ملّسته، يعني سهماً، والإمام: الخيط الذي يمدّ عَلَى البناء فيبنى عليه، وهو بالفارسية التّرّ. ما وقع بين عمرو بن براقة الهمداني وحريم المرادي من الإغارة والقتال وما قَالَ عمرو فِي ذلك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، عَنِ ابن الكلبي، قَالَ: أغار رجل من مراد يُقَال له حريم، عَلَى إبل عمرو بن برّاقة الهمداني، وخبل له فذهب بها، فأتى عمرو سلمى، وكانت بنت سيدهم وعن رأيها كانوا يصدرون، فأخبرها أن حريما المرادي

أغار عَلَى إبله وخيله، فقَالَت: والخفو والوميض، والشفق كالإحريض، والقلة والحضيض، إن حريما لمنيع الحيز، سيد مزيز، ذو معقل حريز، غير أني أرى الحمّة ستظفر منه بعثرة، بطيئة الجبرة، فأغر ولا تنكع، فأغار عمرو فاستاق كل شيء له، فأتى حريمٌ بعد ذلك يطلب إِلَى عمرو أن يرد عليه بعض ما أخذ منه فامتنع ورجع حريم، وقَالَ عمرو: تقول سليمى لا تعرّض لتلفةٍ ... وليلك عَنْ ليل الصعاليك نائم وكيف ينام الليل من جلّ ماله ... حسام كلون الملح أبيض صارم غموضٌ إذا عضّ الكريهة لم يدع ... له طمعاً طوع اليمين ملازم ألم تعلمي أن الصعاليك نومهم ... قليلٌ إذا نام الخليّ المسالم إذا الليل أدجى واكفهر ظلامه ... وصاح من الأفراط بوم جواثم ويروى: إذا الليل ادجى واسجهرّت نجومه والمسجهرّ: الأبيض. ومال بأصحاب الكرى غالباته ... فإني عَلَى أمر الغواية حازم كذبتم وبيت الله لا تأخذونها ... مراغمة ما دام للسيف قائم تحالف أقوامٌ عَلَى ليسلموا ... وجروا عَلَى الحرب إذا انا سالم أفاليوم أدعى للهوادة بعدما ... أجيل عَلَى الحيّ المذاكي الصلادم فإن حريماً إن رجا أن أردها ... ويذهب مالي يا بنة القيل حالم متى تجمع القلب الذكي وصارماً ... وأنفاً حميّاً تجتنبك المظالم متى تطلب المال الممنّع بالقنا ... تعش ما جدًا أو تخترمك المخارم وكنت إذا قومٌ غزوني غزوتهم ... فهل أنا فِي ذا يال همدان ظالم فلا صلح حتى تقدع الخيل بالقنا ... وتضرب بالبيض الخفاف الجماجم ولا أمن حتى تغشم الحرب جهرة ... عبيدة يوماً والحروب غواشم أمستبطئٌ عمرو بن نعمان غارتي ... وما يشبه اليقظان من هو نائم إذا جرّ مولانا علينا جريرةً ... صبرنا لها إنا كرام دعائم وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مجروم عليه وجارم :

حديث قتل سماك بن حريم في بني قمير، وإغارة أخيه مالك عليهم، وما قال في ذلك من الشعر

الخفو: اللمعان الضعيف، يُقَال: خفا البرق يخفو خفوا وخفوّاً إذا برق برقاً ضعيفاً، والوميض أشد من الخفو، والإحريض: حجارة النورة، والحيز: الناحية، ومزيز: فاضل، من قولهم هذا أمزُّ من هذا أي أفضل منه، والحمّة: القدر، وقَالَ بعض اللغويين: هي واحد الحِمام وتنكع: تردع، يُقَال: نكعته إذا ردعته، والمكفهر: المتراكب الظلمة، والأفراط: الآكام، وهي الجبال الصغار واحدها فرط، قَالَ الشاعر: أم هل سموت بجرارٍ له لجبٌ يغشى المخارم بين السهل والفرط والهوادة: الصلح والسكون، والصلادم واحدها صلدم: وهو الشديد الصلب، وتقدع: تكف، والغشم: أشد الظلم. حديث قتل سماك بن حريم فِي بني قمير، وإغارة أخيه مالك عليهم، وما قَالَ فِي ذلك من الشعر وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ أبيه، وعَنِ ابن الكلبي، قَالَ: قُتل سماك بن حريم أخو مالك بن حريم، قتلته مراد غيلةً فلم يدر، مالك من قتله حتى أخبر بعد ذلك أن بني قمير قتلوا أخاه، فأغار عليهم وقتل قاتل أخيه وأنشأ يقول: يا راكباً بلّغن ولا تدعن ... بني قميرٍ وإن هم جزعوا كي يجدوا مثل ما وجدت فقد ... أصبحت نضواً ومسنى الوجع لا أسمع اللهو فِي الحديث ولا ... ينفعني فِي الفراش مضطجع لا وجد ثكلى كما وجدت ... ولا وجد5 عجولٍ أضلّها ربع أو وجد شيخ أضلّ ناقته ... يوم رواح الحجيج إذ دفعوا ينظر فِي أوجه الرجال فلا ... يعرف شيئاً فالوجه ملتمع بني قميرٍ قتلت سيدكم ... فاليوم لا فديةٌ ولا جزع جللته صارم الحديدة ... كالملح وفيه سفاسقٌ لمع تركته بادياً مضاحكه ... يدعو صداه والرأس منصدع بني قمير تركت سيدكم ... أثوابه من دمائه ردع

فاليوم صرنا عَلَى السواء فإن ... أبق فدهري ودهركم جذع لم أك فيها لما بليت بها ... نؤم ليلٍ يغرني الطمع قَالَ أَبُو عبيدة، عَنْ بعض أصحابه: سفاسق السيف: طرائقه التي يُقَال لها الفرند، وردع: متلطخة، ولهذا قيل يدي من الزعفران ردعة. وحَدَّثَنِي أَبُو عمران، أن أبا العباس أنشدهم عَنِ ابن الأعرابي لعمرو بن شأس: إن بني سلمى شيوح جلّة ... بيض الوجوه خرق الأخلّه أخبر أن سيوفهم تأكل أغمادها من حدتها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا العكلي، عَنِ الحرمازي، قَالَ: أنشدنا الهيثم بن عدي، قَالَ: أنشدني مجالد بن سعيد شعراً أعجبني فقلت له: من أنشدك؟ قَالَ: كنا يوم عند الشعبي فتناشدنا الشعر، فلما فرغنا قَالَ الشعبي: أيكم يحسن أن يقول مثل هذا؟ وأنشدنا: أعينيّ مهلاً طالما لم أقل مهلا ... وما سرفاً ملآن قلت ولا جهلا وإن صبا ابن الأربعين سفاهةٌ ... فكيف مع اللائي مثلت بها مثلا يقول لي المفتي وهنّ عشيةً ... بمكة يسحبن المهدبة السحلا اتق الله لا تنظر إليهنّ يا فتى ... وما خلتني فِي الحج ملتمساً وصلا ووالله لا أنسى وإن شطت النوى ... عرانينهن الشمّ والأعين النجلا ولا المسك من أعرافهن ولا البرا ... جواعل فِي أوساطها قصباً خدلا خليليّ لولا الله ما قلت مرحبا ... لأول شيباتٍ طلعن ولا أهلا خليليّ إن الشيب داء كرهته ... فما أحسن المرعى وما أقبح المحلا قَالَ الهيثم، قَالَ مجالد: فكتبنا الشعر، ثم قلنا للشعبي: من يقول هذا؟ فسكت، فخيل إلينا إلينا أنه قائله: أراد السحل فسكّن الحاء، وهي ثياب بيض واحدها سحيل، ويقَالَ: السحل الثوب من القطن، قَالَ الهذلي: كالسحل البيض جلا لونها سح نجاء الحمل الأسول

والأسول: المسترخي الأسفل، يُقَال: سول يسول سولاً، ويقَالَ: اتّقاه يتّقيه، وتقاه يتقيه، أنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد: جلاها الصيقلون فأخلصوها ... خفافاً كلها يتقي بأثر الأثر: فرند السيف والأثر: خلاصة اللبن، وجاء فلان عَلَى إثر فلان وعلى أثره، والأثر: أثر الجرح. ما تتعاقب فيه السين والشين وقَالَ الأصمعي يُقَال: جاشته وجاحسته وجاحفته إذا زاحمته، وقَالَ: بعض العرب يقول للجحاش فِي القتال: الجحاس، وأنشد لرجل من بني فزارة. والضرب فِي يوم الوغى الجحاس. وقَالَ أَبُو زيد يُقَال: مضى جرسٌ من الليل وجرشٌ، وقَالَ أَبُو عمرو: سئفت يده وشئفت وهو تشقق يكون فِي أصول الأظفار، قَالَ: ويقَالَ: الشوذق والسوذق للسوار، وقَالَ اللحياني: خمس الشر إذا اشتد وحمش، واحتمس الديكان واحتمشا إذا اقتتلا، ويقَالَ: تنسمت منه علماً وتنشمت، ويقَالَ: الغبس والغبش: السواد، يُقَال: غبس الليل واغبس، وغبش وأغبش، ويقَالَ: عطس فلان فشمّتّه وسمّتّه، وقَالَ الفراء: أتانا بسَدفة وسُدفة، وشَدفة وشُدفة، وهو السَّدف والشَّدف، وقَالَ أَبُو زيد: السُّدفة فِي لغة قيس: الضوء، وفي لغة تميم: الظلمة، وأنشد بعض اللغويين. وأقطع الليل إذا ما أسدفا أي أظلم، وبعض اللغويين يجعل السدفة اختلاط الضوء بالظلام، مثل ما بين صلاة الصبح إِلَى الفجر، وقَالَ يعقوب: قَالَ الأصمعي: يُقَال: جعشوش جعسوس، وكل ذلك إِلَى قمأة وصغر وقلة ويقَالَ: هو من جعاسيس الناس، ولا يُقَال فِي هذا بالشين، وقَالَ أَبُو عبيدة، عَنِ الأصمعي: الجعشوش: الطويل الدقيق، والجعسوس: اللئيم، قَالَ: قرأت عَلَى ابن المهدي،

حديث مساور الوراق مع بعض العشاق

عَنِ الزاجي، عَنِ الليث، قَالَ: قَالَ الخليل: الجعسوس: القبيح اللئيم الخلق، وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي: لنا عزّ ومرمانا قريبٌ ... ومولى لا يدبّ مع القراد قوله: مرمانا قريب، قَالَ: هؤلاء عنزة، يقول: إن رأينا منكم ما نكره، أو رابنا ريبٌ انتمينا إِلَى بني أسد بن خزيمة، وقوله: لا يدب مع القراد، قَالَ: هذا رجل كان يأتي بشنةٍ فيها قردانٌ فيشدها فِي ذنب البعير، فإذا عضه منها قرادٌ نفر فنفرت الإبل، فإذا نفرت استلّ منها بعيراً فذهب به. حديث مساور الوراق مع بعض العشاق وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن خلف الدلال، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلَى الحسن بن صالح، قَالَ: قَالَ مساورٌ الوراق لمجنون: كان عندنا وكان شاعراً، وكان له بنت عم يحبها فذهب عقله عليها، أجز هذا البيت: وما الحب إلا شعلة قدحت بها عيون المها باللحظ بين الجوانح فقَالَ عَلَى المكان ولم يفكر: ونار الهوى تخفى وفي القلب فعلها ... كفعل الذي جادت به كفّ قادح قَالَ وحَدَّثَنَا عبد الله بن خلف الدلال، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن الفضل، قَالَ: حَدَّثَنِي بعض أهل الأدب، عَنْ محمد بن أبي نصر، قَالَ: رأيت بالبصرة مجنوناً قاعداً عَلَى ظهر الطريق بالمربد، فكلما مر به ركبٌ، قَالَ: ألا أيها الركب اليمانون عرّجوا علينا فقد أمسى هوانا يمانيا نسائلكم هل سال نعمان بعدكم وحبّ إلينا بطن نعمان واديا فسألت عنه، فقيل: هذا رجل من البصرة، كانت له ابنة عم يحبها فتزوجها رجل من أهل الطائف فنقلها، فاستوله عليها خبر مجنون ليلى لما سار به أبوه إِلَى بيت الله الحرام قَالَ وأَخْبَرَنِي عبد الله بن خلف، قَالَ: أَخْبَرَنِي أحمد بن زهير، قَالَ: أَخْبَرَنِي مصعب بن عبد الله الزبيري، عَنْ بعض أهله، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الوالبي، قَالَ: أخبرت أن أبا المجنون قَالَ له حين سار به إِلَى بيت الله الحرام، وكان أخرجه ليستشفى له: تعلّق بأستار الكعبة، وقل: اللهم أرحني من ليلى ومن حبها،

وتب إِلَى الله مما أنت عليه، فتعلّق بأستار الكعبة وقَالَ: اللهم منّ عَلَى بليلى وقربها، فزجره أبوه وجعل يعنفه، فأنشأ يقول: يقرّ بعيني قربها ويزيدني بها عجباً من كان عندي يعيبها وكم قائل قد قَالَ تب فعصيته وتلك لعمري توبةٌ لا أتوبها قَالَ أَبُو بَكْرٍِ وزادنا غيره: فيا نفس صبراً لست والله فاعلمي بأول نفس غاب عنها حبيبها حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الأول، قَالَ: سمعت الكتنجي، يقول: أملقت حتى لم يبق فِي منزلي إلا بارية، فدخلت إِلَى دار المتوك، فلم أزل مفكراً فحضرني بيتان، فأخذت قصبة وكتبت عَلَى الحائط الذي كنت إِلَى جنبه: الرزق مقسومٌ فأجمل فِي الطلب يأتي بأسباب ومن غير سبب فاسترزق الله ففي الله غنىً الله خيرٌ لك من أبٍ حدب قَالَ: فركب المتوكل فِي ذلك اليوم حماراً وجعل يطوف فِي الحجر، ومعه الفتح بن خاقان، فوقف عَلَى البيتين، وقَالَ: من كتب هذين البيتين؟ وقَالَ للفتح: اقرأ هذين البيتين، فاستحسنهما، وقَالَ: من كان فِي هذه الحجرة؟ فقيل: الكتنجي، فقَالَ: أغفلناه وأسأنا إليه، وأمر لي ببدرتين: العوام تقول: بارية وهو خطأ، والصواب باري وبوري، قَالَ الراجز: كالخصّ إذ جلّله الباري وهو بالفارسية بوريك فأعرب عَلَى ما أنبأتك به. وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا عبد الأول، قَالَ: أنشدني حماد، قَالَ أنشدني أبي، لنفسه: لما رأيت الدهر أنحت صروفه ... عَلَى وأودت بالذخائر والعقد جذفت فضول العيش حتى رددتها ... إِلَى القوت خوفاً أن أجاء إِلَى أحد

وقلت لنفسي أبشري وتوكلي ... عَلَى قاسم الأرزاق والواحد الصمد فإن لا تكن عندي دراهم جمّةٌ ... فعندي بحمد الله ما شئت من جلد وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي: هممت بأمرهم عبدي بمثله ... وخالف زفافٌ هواي فأبعدا يقول: رأيت رأي عبدٍ، لأن العبد لا رأي له، وخالف زفاف هواي أي كان رأيه صواباً، ولم يرد عبد له بعينه. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الأول، عَنْ أبيه، قَالَ: حضرت مجلس الحسن بن سهل وقد كتب لرجل كتاب شفاعة، فجعل الرجل يشكر ويدعو له، فقَالَ الحسن: يا هذا، علام تشكرنا! ! إنا نرى الشفاعات زكاة مروءتنا، قَالَ: وحضرته وهو يملّ كتاب شفاعة فكتب فِي آخره: إنه أن الرجل يسأل عَنْ فضل جاهه يوم القيامة كما يسأل عَنْ فضل ماله وأنشدنا أَبُو عبد الله، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى: فأقسم ما تركي عتابك عَنْ قلىً ... ولكن لعلمي لعلمي أنه غير نافع وأني إذا لم ألزم الصمت طائعاً ... فلا بد منه مكرها غير طائع ولو أن ما يرضيك عندي ممثلٌ ... لكنت لما يرضيك أول تابع إذا أنت لم تنفعك إلا شفاعةٌ ... فلا خير فِي ودّ يكون بشافع وأنشدنا أيضاً، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي: قَالَ لي القائلون زرت حسيناً ... لا يزار الكريم فِي جرجان خالدٌ باللها يجود ويعطي ... وحسينٌ يجود بالحرمان ضاع مفتاح جوده جوف بحرٍ ... حيث ظلّ البحران يلتقيان فسألنا الغواص عنه فقالوا ... صيغ منه قلائد الحيتان وأنشدنا محمد بن القاسم، قَالَ: أنشدني أبي، قَالَ: أنشدني عبد الله الرستمي، لعبد الله بن كعب العميري: أيا نخلتي مرّان هل لي إليكما ... عَلَى غفلات الكاشحين سبيل

ترجمة امرئ القيس بن ربيعة الملقب بمهلهل أخي كليب، وما وقع له من أخذه بثأر أخيه وقصيدته الرائية التي أولها: أليتنا بذي حسم أنيرى. . . . . إلخ

أمنيكما نفسي إذا كنت خاليا ... ونفعكما إلا العناء قليل ومالي شيء منكما غير أنني ... أمني الصدى ظليكما فأطيل قَالَ: وأنشدني أبي: تبدّل هذا السدر أهلاً وليتني ... أرى السدر بعدي كيف كان بدائله وعهدي به عذب الجنى ناعم الذرى ... تطيب وتندى بالعشي أصائله فمالك من سدرٍ ونحن نحبه ... إذا ما وشى واشٍ بنا لا تجادله كما لو وشى بالدر واش رددته ... كئيبًا ولم تملح لدينا شمائله ، قَالَ لنا أَبُو بَكْرٍِ: هذا مثل قول كثير: فيا عز إن واشٍ وشى بي عندكم ... فلا تكرميه أن تقولي له أهلا كما لو وشى واشٍ بعزة عندنا ... لقلنا تزحزح لا قريباً ولا سهلا ترجمة امرئ القيس بن ربيعة الملقب بمهلهل أخي كليب، وما وقع له من أخذه بثأر أخيه وقصيدته الرائية التي أولها: أليتنا بذي حسم أنيرى. . . . . الخ وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، وأملى علينا أَبُو الحسن الأخفش، قَالَ: مهلهل بن ربيعة، ومهلهل لقب، وإنما سمي مهلهلاً بقوله لمّا توعّر فِي الغبار هجينهم ... هلهلت أثأر جابراً أو صنبلا هذا قول أبي الحسن، وأَبِي بَكْرٍ إلا أن أبا بكر روى: لما توقّل فِي الكراع هجينهم الكراع: أنف الحرّة، وقرأت عَلَى أحمد، عَنْ أبيه: إنما سمي مهلهلاً لأنه أول من أرقّ المراثي، واسمه عديٌ، وفي ذلك يقول: رفعت رأسها إِلَى وقالت: يا عدياً لقد وقتك الأواقي ... أليلتنا بذي حسمٍ أنيري إذا أنت انقضيت فلا تحوري

ذي حسم: موضع، وتحوري: ترجعي، يُقَال: ماله لا حار إِلَى أهله أي لا رجع إليهم، ويقَالَ: نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة، الكور مأخوذ من كور العمامة كأنه رجع عّما كان أحكمه من الخير وشدّه، ومثلٌ من أمثالهم حورٌ فِي محارة يضرب مثلاً للرجل ينقص بعد الزيادة، وقَالَ أَبُو عبيدة: الحور: الهلكة. فإن يك بالذنائب طال ليلي ... فقد أبكي من الليل القصير يقول: إن كان طال ليلي بهذا الموضع لقتل أخي فقد كنت أستقصر الليل وهو حيّ. وأنقذني بياض الصّبح منها لقد أنقذت من شرٍّ كبير كأن كواكب الجوزاء عوذٌ معطّفةٌ عَلَى ربع كسير العوذ: الحديثات التاج واحدتها عائذ، وإنما قيل لها عوذ، لأن أولادها تعوذ بها، والربع: ما نتج فِي الربيع، يقول: كأن كواكب الجوزاء نوقٌ حديثات النّتاج عطّفت عَلَى ربع مكسور فهي لا تتركه، وهو لا يقدر عَلَى النهوض. كأن الجدى فِي مثناة ربقٍ أسيرٌ أو بمنزلة الأسير المثناة: الحبل، والمثناة هاهنا عندي: المثنيّ: والرّبق: الحبل، والرّبق: الشّدُّ بالرّبق، فيقول: كأن الجدى قد شدّ بحبل مثنيّ فهو أحكم لشدّه، وكان أَبُو الحسن يقول: المثناة هاهنا: الحبل، والربق: الشد، ولا أعرف الريق الشَّدُّ إلا عنه. كأنّ النَّجم إذ ولى سحيرا فصال جلن فِي يومٍ مطير النجم: الثُّريَّا، إنما شبّهها بالفصال فِي يومٍ مطير لبطئها، وذلك أن الفصيل يخاف الزَّلق فلا يسرع. كواكبها زواحف لا غباتٌ ... كأنّ سماءها بيدي مدير الزواحف: المعيبات التي لا تقدر عَلَى النّهوض. واللّواغب: مثلها، كرّره توكيداً لمّا اختلف اللفظ، وكان أَبُو الحسن يقول: كان يجب أن يقول مزاحف، لأنه جمع مزحف، لأنه يُقَال: أزحف، فإمّا حذف الزائد وإما جعله كالمنسوب كقولهم: ليلٌ غاضٍ وما أشبهه، أرادوا مغضٍ أو أرادوا

ذو غضو، وأنكر زحف، زحف صحيح، يُقَال: زحف المعى، وأزحف أي لم يقدر عَلَى النهوض مهزولاً كان او سميناً، وقوله: كأنّ سماءها بيدي مدير، يريد أن سماءها أثقل من أن يديرها مدير، فهو إذا تكلف إدارتها لم يقدر عليها. كواكب ليلة طالت وغمت ... فهذا الصبح راغمة فغوري وتسألني بديلة عَنْ أبيها ... ولم تعلم بديلة ما ضميري فلو نبش المقابر عَنْ كليبٍ ... فيخبر بالذنائب أيّ زير يُقَال: هو زير نساء، وتبع نساء، وطلب نساء، وخلم نساء، وخلب نساء، إذا كان يتحدّث إليهنّ، ويطلبهنّ، ويتبعهنّ، ويهواهنّ، ويخالبهنّ، والخبر محذوف كأنه قَالَ: أيّ زيرٍ أنا: بيوم الشّعثمين لقرعينا ... وكيف لقاء من تحت القبور وإنّي قد تركت بوارداتٍ ... بجيراً فِي دمٍ مثل العبير الشعثمان: موضع معروف، ويجير بن الحارث بن عباد قتله مهلهل، فلما بلغ خبره أباه قَالَ: نعم، القتيل قتيلاً أصلح بين بكر وتغلب! فقيل له: إن مهلهلاً حين قتله قَالَ: بؤ بشسع نعل كليب، قوله: بؤ بشسع نعل كليب، أمر من قولهم باء الرجل بصاحبه بوءا إذا قتل به وكان كفأ له أي مت بشسع نعل كليب، فأنت فِي القود كفءُ له أي كفءٍ، ويقَالَ: القوم بواءٌ أي أمثال فِي القود مستوون، قَالَت ليلى الأخيلية: فإن تكن القتلى بواءً فانكم ... فتىً ما قتلتم آل عوف بن عامر فحينئذ قَالَ الحارث: قرّباً مربط النعامة منّي ... لقحت حرب وائلٍ عَنْ حيال . . . . . ينوء بصدره والرُّمح فيه ... ويخلجه خدبُّ كالبعير ينوء: ينهض، يُقَال: نؤت بالحمل أنوء به نوءاً إذا نهضت به، وناء بي الحمل ينوء بي نوءاً إذا جعلني أنهض به، وكذلك قول الله عز وجل: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} [القصص: 76] أي تجعلهم ينوءون بها أي ينهضون بها، وليس القلب الذي ذكره أَبُو عبيدة بشيء، وإنما يجوز ما ذكر فِي الشعر إذا اضطر

الشاعر فِي الموضع الذي يقع فيه لبسٌ ولا يحتمل إلا القلب، فأمّا فِي القرآن فلا يجوز، ويخلجه: يجذبه، ومن هذا قيل للحبل خليج، وقيل للماء الذي انجذب إِلَى ناحية خليج، ويروى: ويأطره أي: يثنيه ويعطفه، والحدبُّ: الضّخم. هتكت به بيوت بني عبادٍ ... وبعض القتل أشفى للصدور وهمّام بن مرّة قد تركنا ... عليه القشعمين من النسور ويروى: عليه القشعمان من النسور فمن رفع جعله حالاً كأنه قَالَ: وعليه القشعمان من النسور، وجاز حذف الواو، لأن الهاء التي فِي عليه تربط الكلام بأوّله، والقشعم، الهرم من النسور عَلَى أن ليس عدلاً من كليب ... إذا طرد اليتيم عَنِ الجزور عَلَى أن ليس عدلاً من كليب ... إذا رجف العضاه من الدّبور رجف: تحرك حركة شديدة، والعضاه: كل شجر له شوك واحدها عضةٌ عَلَى أن ليس عدلًا من كليب ... إذا ماضيم جيران المجير عَلَى أن ليس عدلاً من كليب ... إذا خيف المخوف من الثغور عَلَى أن ليس عدلاً من كليب ... غداة بلابل الأمر الكبير عَلَى أن ليس عدلاً من كليب ... إذا برزت مخبأة الخدور عَلَى أن ليس عدلاً من كليب ... إذا علنت نجيّات الأمور فداً لبني الشقيقة يوم جاءوا ... كأسد الغاب لجّت فِي زئير البلابل: الاضطراب، وروى بعضهم: التلاتل، وهو الانزعاج والحركة، والنجيّات: السرائر، يُقَال: زأر يزئر، والزئير الاسم، ويجيء مثل هذا فِي الأصوات، قالوا: الفحيح والكشيش والهدير والقليح، يُقَال: فحَّت الأفعى وهو صوتها من فيها، وكشت وكشيشها: صوت جلدها، وقلخ البعير إذا هدر، وبهذا سمي الشاعر قلاخاً كأن رماحهم أشطان بئر ... بعيدٍ بين جاليها جرور الأشطان: الحبال، واحدها شطن، والبئر هاهنا: الهواء الذي من الجال إِلَى الجال، والبين: الوصل، وقرأ بعضهم: لقد تقطّع بينُكم وقَالَ أَبُو عبيدة: البين: الوصل، والبين: الافتراق وهو

من الأضداد، وجال البئر وجولها، ناحيتها وما يحبس الماء منها، ولهذا قيل للرجل الأحمق: ماله جولٌ أي شيءٌ يمسكه، وكذلك يُقَال: ماله زبرٌ، وزبر البئر: طيّها، وماله صيورٌ أي رأيٌ يصير إليه، وماله معقول، كل هذا فِي معنى واحد أي ماله عقلٌ، واللغويون يقولون: معقول أي عقل، وأَبُو عَلَى يقول: إنما أراد بمعقول أي ماله شيءٌ عُقل أي شدّ، أي ليس له هناك عقلٌ أمسك عليه. فلا وأبي جليلة ما أفأنا ... من النعم المؤبل من بعير جليلة: أخت كليب، وكانت تحت جساس قاتل كليب، وأفأنا: رجعنا، والنعم: الإبل خاصة، فإن اختلط بها غنمٌ جاز أن يُقَال: نعم، ولا يجوز أن يُقَال للغنم: وحدها: نعم، وجمع نعم: أنعام، والمؤبل: كان أَبُو الحسن يقول: المكمل، يُقَال: إبل مؤبّلة كما يُقَال: مائة ممآة، وقَالَ الأصمعي: المؤبّلة: التي للقنية، وقَالَ غيره، المؤبّلة: الجماعة من الإبل. ولكنا نهكنا القوم ضرباً ... عَلَى الأثباج منهم والنحور نهكنا القوم: أجهدناهم، والأثباج: الأوساط، واحدها ثبجٌ، وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: الكتد: ما بين الكاهل إِلَى الظهر، والثبج نحوه. قتيلٌ ما قتيل المرء عمرو ... وجساس بن مرّة ذو ضرير تركنا الخيل عاكفةً عليهم ... كأن الخيل تدحض فِي غدير يُقَال: إنه لذو ضرير أي ذو مشقة عَلَى العدو، وعاكفة: مقيمة، تدحض: تزلق، يُقَال: مكان دحض مزلة ومدحضة، فأما قول علقمة. رغا فوقهم سقب السماء فداحصٌ بشكّته لم يستلب وسليب فبالصاد غير معجمة، يُقَال: دحص برجله وفحص، وكان بعض العلماء يرويه فداحض، وهذا الحرف أحد ما نسب فيه إِلَى التصحيف كأنا غدوةً وبني أبينا ... يجنب عنيزةٍ رحيا مدير فلولا الريح أسمع أهل حجر ... صليل البيض تقرع بالذكور

حجر: قصبة اليمامة، وحريمهم إنما كانت بالجزيرة، قَالَ أَبُو الحسن، حَدَّثَنِي أَبُو العباس الأحول، قَالَ: أول كدبٍ سمع فِي الشعر هذا، والصليل: الصوت، قَالَ الراعي: فسقوا صوادي يسمعون عشيةً ... للماء فِي أجوافهن صليلا أي تصلّ أجوافها من العطش كما يصلّ الخزف إذا أصابه الماء، والذكور: السيوف التي عملت من حديد غير أنيث، ويروى: نقاف البيض يقرع بالذكور، قَالَ الأصمعي: قد غلث طعامه وعلثه، وقد اغتلث طعامه واعتلث، والعلاثة، أقطٌ وسمن يخلط أو ربٌّ وأقط، ويقَالَ: فلان يأكل الغليث إذا أكل خبزاً من شعير وحنطة. ما سمع من العرب فِي لعل من اللغات قَالَ: وفي لعلّ لغات، بعض العرب يقول: لعلي، وبعضهم لعلني، وبعضهم عَلَى، وبعضهم علّني، وبعضهم لعنّي، وبعضهم لغنّي، وأنشدنا للفرزدق. هل أنتم عائجون بنا لعنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام قَالَ وقَالَ عيسى بن عمر: سمعت أبا النجم يقول: أغد لعلنا فيالرهان نرسله وبعض العرب يقول: لأنني، وبعضهم يقول لأني، وبعضهم لوني، قَالَ: وقَالَ رجل بمنىً: من يدعو إِلَى المرأة الضالّة، فقَالَ أعرابي: لوّن عليها خماراً أسود، يريد لعلّ عليها خماراً أسود، فقَالَ: سوّد الله وجهك. ما تعاقب فيه العين المهملة الغين المعجمة وقَالَ الفراء: سمعت وعاهم ووغاهم، وهي الضّجّة، ويقَالَ: ماله عَنْ ذلك وعل وماله عَنْ ذلك وغل فِي معنى لجأ، وقَالَ اللحياني يُقَال: ماله ارمعلّ دمعه، وارمغلّ إذا قطر وتتابع، وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: نشعث به ونشغت أي أولعت به، وإنه لمنشوع بأكل اللحم، ونشعته ونشغته إذا سعّطته، والنشوع والنشوغ: السعوط.

كتاب كلثوم بن عمرو إلى صديق له يستجديه

وحَدَّثَنَا أَبُو عمر، عَنْ أبي العباس، أن ابن الأعرابي، قَالَ فِي بيت الكميت: وما استنزلت فِي غيرنا قدر جارنا ... ولا ثفّيت إلا بنا حين تنصب يقول: إذا جاورنا أحد لم نكلّفه أن يطبخ من عنده، بل يكون ما يطبخه من عندنا، بما نعطيه من اللحم حين ينصب قدره وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو معمر عبد الأول، قَالَ: حَدَّثَنَا رجل من موالي بني هاشم، قَالَ: أذنب رجلٌ من بني هاشم ذنباً فعنّفه المأمون، فقَالَ: يا أمير المؤمنين، من كانت له مثل دالتي، ولبس ثوب حرمتي، ومتّ بمثل قرابتي، غفر له فوق زلّتي، فأعجب المأمون كلامه وصفح عنه كتاب كلثوم بن عمرو إِلَى صديق له يستجديه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنَا موسى بن عَلَى الختّليّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زكريا بن يحيى الساجي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأصمعي، قَالَ: حَدَّثَنِي بعض العتّابيين قَالَ: كتب كلثوم بن عمرو إِلَى صديق له: أما بعد أطال الله بقاءك، وجعله يمتدّ بك إِلَى رضوانه والجنة، فإنك كنت عندنا روضةً من رياض الكرم، تبتهج النفوس بها، وتستريح القلوب إليها، كنا نعفيها من النّجعة، استتماماً لزهرتها، وشفقةً عَلَى خضرتها، وادخاراً لثمرتها، حتى أصابتنا سنةٌ كانت عندي قطعةً من سني يوسف، واشتدّ علينا كلبها، وغابت قطتها، وكذبتنا غيومها، وأخلقتنا بروقها، وفقدنا صالح الإخوان فيها، فانتجعتك، وأنا بانتجاعي إياك شديد الشفقة عليك، مع علمي بأنك موضع الرائد، وأنك تغطّي عين الحاسد، والله يعلم أني ما أعدك إلا فِي حومة الأهل، واعلم أن الكريم إذا استحيا من إعطاء القليل، ولم يمكنه الكثير لم يعرف جوده، ولم تظهر همّته، وأنا أقول فِي ذلك: ظلّ اليسار عَلَى العباس ممدود ... وقلبه أبداً بالبخل معقود إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنياً وهو مجهود وللبخيل عَلَى أمواله عللٌ ... زرق العيون عليها أوجهٌ سود إذا تكرمت عَنْ 9 ولم ... تقدر عَلَى سعةٍ لم يظهر الجود بثّ النوال ولا يمنعك قلّته ... فكل ما سدّ قفرا فهو محمود

كتاب امرأة إلى زوجها وكان مع الحجاج يحضر طعامه وهي في سوء حال

قَالَ: فشاطره ماله حتى أعطاه إحدى نعليه ونصف قيمة خاتمه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد بذل القليل قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابيةٌ رجلاً ينشد: وكأس سلافٍ يحلف الديك أنها ... لدى المزج من عينيه أصفى وأحسن فقَالَت: بلغني أن الديك من صالح طيركم وما كان ليحلف كاذباً وأنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لرجل من العرب، كان أبوه يمنعه من الاضطراب فِي المعيشة شفقةً عليه، فكتب إليه: ألا خلّني أذهب لشأني ولا أكن ... عَلَى الناس كلا إنّ ذاك شديد أرى الضرب فِي البلدان يغني معاشراً ... ولم أر من يجدي عليه قعود أتمنعني خوف المنايا ولم أكن ... لأهرب مما ليس منه محيد فدعني أجوّل فِي البلاد لعلني ... أسرّ صديقاً أو يساء حسود فلو كنت ذا مال لقرّب مجلسي ... وقيل إذا أخطأت أنت سديد كتاب امرأة إِلَى زوجها وكان مع الحجاج يحضر طعامه وهي فِي سوء حال وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان الأشنانداني، قَالَ: كان رجل من أهل الشام مع الحجاج يحضر طعامه، فكتب إِلَى امرأته يعلمها بذلك، فكتبت إليه: أيهدى لي القرطاس والخبز حاجتي ... وأنت عَلَى باب الأمير بطين إذا غبت لم تذكر صديقاً ولم تقم ... فأنت عَلَى ما فِي يديك ضنين فأنت ككلب السوء جوّع أهله ... فيهزل أهل البيت وهو سمين كتاب البختري بن أبي صفرة إِلَى المهلب يدفع به عَنْ نفسه سعاية الأعداء وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، قَالَ: كان بن البختري بن أبي صفرة من أكمل فتيان العرب جمالاً وبياناً ونجدة وشعراً، وكان بنو المهلب يحسدونه لفضله، فدسّت إليه أمّ ولد عمارة بن قيس اليحمدي فراودته عَنْ نفسه فأبى، فحملت عليه عمارة حتى شكاه إِلَى المهلّب، وأكثر فِي ذلك بنوه القول فعرف ذلك فِي وجه المهلب فكتب إليه:

جفوت امرأ لم ينب عماً تريده ... وكان إِلَى ما تشتهيه يسارع تموت حفاظاً دون ضيمك نفسه ... وأنت إِلَى ما ساءه متطالع كأني أخو ذنب وما كنت مذنبا ... ولكن دهتني الساريات الشبادع الشبادع: النمائم، والشبادع: العقارب، واحدها شبدعة. دببن وقد نام الغفول بعيبنا ... إليك إماءٌ مومساتٌ جوالعٌ المومسة: الفاجرة، والجالعة: التي قد ألقت عنها الحياء فأوقدن نيران العداوة بيننا ... جهاراً ولم تسدد عَلَى المطالع بغين أموراً لست ممن أشاؤها ... ولو جعلت فِي ساعديّ الجوامع أأصبو بعرس الجار كان غائباً ... وتلك التي تستكّ فيها المسامع فلست وربّ البيت أصبو بمثلها ... وربي راءٍ ما صنعت وسامع فإن تك عرس اليحمدي وأخته ... سرين فلا قاهن أليس خالع الأليس: الجريء من كل شيء، وخالع قد خلع الحياء. يبيت يراعي المومسات إذا دجا ... الظلام وجار البيت وسنان هاجع فما أنا ممن تطّبيه خريدةٌ ... ولو أنها بدرٌ من الأفق طالع تطّبيه: تدعوه، يُقَال: اطّباه يطّبيه، وطباه يطبوه. وإني لتنهاني خلائق أربعٌ ... عَنِ الفحش فيها للكريم روادع حياءٌ وإسلامٌ وشيبٌ وعفةٌ ... وما المرء إلا ما حبته الطبائع وقد كنت فِي عصر الشباب مجانباً ... صباي فأنى الآن والشيب شائع فلا تقطعن مني وشائج سهمةٍ ... فلا يصل الأبناء ما أنت قاطع وكافح بأجرامي الهياج إذا التظى ... شهابٌ من الموت المحرّق لامع تنبّه وعهد الله مني مشيعاً ... صبوراً عَلَى اللاواء والموت كانع الوشائج: الأرحام المشتبكة المتصلة، قَالَ أَبُو محمد: وهي مأخوذة من وشائج الرماح، وهي عروقها، والسهمة: القرابة.

وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لتأبط شراً: وإني لمهدٍ من ثنائي فقاصد عمّ الصدق شمس بن مالك أهزّ به فِي ندوة الحيّ عطفه كما هزّ عطفي بالهجان الأوارك الندوة: المجلس. والأوارك: التي ترعى الأراك. قليل التشكّي للمهمّ يصيبه كثير الهوى شتى النّوى والمسالك يظلّ بموماةٍ ويمسي بغيرها جحيشاً ويعروري ظهور المهالك الجحيش: المنفرد. ويسبق وفد الريح من حيث ينتحي بمنخرقٍ من شده المتدارك إذا خاط عينيه كرى النوم لم يزل له كالئٌ من قلب شيحان فاتك بمنخرق، يريد السريع الواسع، والشيحان: الحادّ فِي كل أمر. إذا طلعت أولى العديّ فنفره، إِلَى سلةٍ من صارم الغرب باتك العديّ: الجماعة الذين يعدون فِي الحرب. إذا هزّه فِي عظم قرنٍ تهللّت نواجذ أفواه المنايا الضّواحك يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي بحيث اهتدت أمّ النجوم الشوابك وأنشدنا أَبُو الحسن الترمذي الورّاق، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: إلبس أخاك عَلَى تصنعه ... فلرب مفتضح عَلَى النّصّ ما كدت أفحص عَنْ أخي ثقةٍ ... إلا ذممت عواقب الفحص وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: أنشدني أبي: تركت النبيذ لأهل النبيذ ... وأصبحت أشرب ماءً نقاخا شراب النبيين والمرسلين ... ومن لا يحاول منه اطباخا

ما تتعاقب فيه القاف والكاف من الألفاظ

رأيت النبيذ يذلّ العزيز ... ويكسو التّقيّ النّقيّ اتّساخا فهبني عذرت الفتى جاهلًا ... فما العذر فيه إذ المرء شاخا ما تتعاقب فيه القاف والكاف من الألفاظ قَالَ الأصمعي: يُقَال: إناءٌ قربان وكربان إذا دنا ان يمتلئ، ويقَالَ: عسق به وعسك به إذا لزمه، والأقهب والأكهب: لون إِلَى قَالَ: ويقَالَ: دقمه ودكمه إذا دفع فِي صدره ويقَالَ للصّبيّ والسخلة: قد امتكّ ما فِي ضرع أمّه، وقد امتقّ ما فِي ضرع أمه إذا شربه كلّه. ويقَالَ: كاتعة الله وقاتعة الله فِي معنى قاتله الله، وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: عربيٌ كحٌّ وعربية كحّة، وقَالَ أَبُو زيد: أعرابي قحٌّ وأعرابٌ أقحاح أي محضٌ خالص، وكذلك عبدٌ قحٌّ أي خالص، وقَالَ الأصمعي: القحّ: الخالص من كل شيء، وقَالَ الفراء: يُقَال للذي يتبخر به: قسط وكسط، ويقَالَ: كشطت عنه جلده وقشطت، قَالَ: وقريش تقول: كشطت، وقيس وتميم وأسد تقول: قشطت: وفي مصحف ابن مسعود: قشطت، قَالَ ويقَالَ: قحط القطار وكحط، ويقَالَ: قهرت الرجل أقهره وكهرته أكهره، قَالَ: وسمعت بعض غنم بن دودان تقول: فلا تكهر. وقرأت عَلَى أبي عمر، عَنْ أبي العباس، أن ابن الاعرابي أنشدهم. قتلنا سبعةً بأبي لبينى ... وألحقنا الموالى بالصميم أي قتلنا سادتهم فصار الموالي سادة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: كان فتى من أهل البصرة يختلف معنا إِلَى الأصمعي، فافتقدته فلقيت أباه فسألته عنه، فقَالَ: سألني عَنْ بيتين كان الأصمعي يرددهما: سقى الله أياماً لنا لسن رجّعاً وسقياً لعصر العامريّة من عصر ليالي أعطيت البطالة مقودي تمرّ الليالي والشهور وما أدري فقلت له: يا بني، إنك لست بعاشق، ولولا ذلك لعرفت ما يفعله الذِّكر بصاحبه، قَالَ: فبعثته عَلَى أن عشق لجاجا

وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، لبعض بني عمرو بن كلدة: إني أعيذك بالرحمن يا سكني ... أن تدخلي ببعادي حسبك النارا قَالَت بعادك من ربي يقرّبني ... وفي دنوّك أخشى النار والعارا قلت اسمعي ودعينا من تفقّهكم ... فلست أفقه منا أمّ عمّارا إذا بذلت لما ما منك نطلبه ... فاستغفري منه ربّاً كان غفّارا وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة: تعاللت لمّا لم تكن بك علّةٌ ... وقلت شهيدي ما بعيني من السّقم فلا تجعلي سقماً بعينيك علةٍ ... فقد كان هذا السقم فِي صحّة الجسم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا العكلي، عَنِ ابن أبي خالد، عَنِ الهيثم، قَالَ: بينا أبا بالكناسة بالكوفة إذ أتى رجل مكفوف نخّاساً، فقَالَ له: اطلب لي حماراً ليس بالصغير المحتقر، ولا بالكبير المشتهر، إن خلا الطريق تدفّق، وإن كثر الزحام ترفّق، لا يصادم السواري، ولا يدخلني تحت البواري، إن أقللت علفه صبر، وإن أكثرته شكر، وإن ركبته هام، وإن ركبه غيري قام فقَالَ له: اصبر، فإن مسخ الله القاضي حماراً قضيت حاجتك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عمرو بن العلاء، قَالَ: سمعت جندل بن الراعي، ينشد بلال بن أبي بردة قصيدة أبيه: نعوسٌ إذا درّت جروزٌ إذا غدت بويزل عامٍ أو سديسٌ كبازل قَالَ: فكاد صدري ينفرج لحسن إنشاده وجودة الشعر، إنما سمى راعياً لقوله: لها أمرها حتى إذا ما تبوّأت لأخفافها مرعىً تبوّأ مضجعا فقيل: رعى الرحل وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن عبيد، عَنِ الحرمازي، قَالَ: مر جرير بذي الرّمة، فقَالَ: يا غيلان، أنشدني ما قلت فِي المرئي، فأنشده: نبت عيناك عَنْ طللٍ بحزوى عفته الريح وامتنح القطارا فقَالَ: ألا أعينك! قَالَ: بلى، بأبي وأمي، فقَالَ:

قصيدة الصلتان العبدي وقد جعلوا إليه الحكم بين الفرزدق وجرير أيهما أشعر

يعد الناسبون إِلَى تميم بيوت المجد أربعةً كبارا يعدّون الرّباب وآل سعدٍ وعمراً ثم حنظلة الخيارا ويهلك وسطها المرئيّ لغواً كما ألغيت فِي الدية الحوارا قَالَ: فمر ذو الرمة بالفرزدق، فقَالَ: أنشدني ما قلت فِي المرئي، فأنشده القصيدة، فلما انتهى إِلَى هذه الأبيات، قَالَ الفرزدق: حسّ! أعد عَلَى، فأعاد، فقَالَ: تالله لقد علكهنّ أشدّ لحيين منك قصيدة الصلتان العبدي وقد جعلوا إليه الحكم بين الفرزدق وجرير أيهما أشعر وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، للصّلتان العبدي: إن الصلتاني الذي قد علمتم متى ... ما يحكم فهو بالحق صادع أتتني تميم حين هابت قضاتها ... فإني لبالفصل المبين قاطع كما أنفذ الأعشى قضيّة عامر ... وما لتميم فِي قضائي رواجع ولم يرجع الأعشى قضية جعفر ... وليس لحكمي آخر الدهر راجع سأقضي قضاءً بينهم غير جائز ... فهل أنت للحكم المبين سامع قضاء امرئ لا يتقي الشتم منهم ... وليس له فِي المدح منهم منافع قضاء امرئ لا يرتشي في حكومة ... إذا مال بالقاضي أبّرشا والمطامع فإن كنتما حكّمتماني فأنصتا ... ولا تجزعا وليرض بالحكم قانع فإن تجزعا أو ترضيا لا أقلكما ... وللحق بين الناس راض وجازع فاقسم لا آلو عَنِ الحق بينهم ... فإن أنا لم أعدل فقل أنت ظالع فإن يك بحر الحنظلّيين واحداً ... فما يستوي حيتانه والضفادع وما يستوي شمّ الذّرى والأجارع ... وليس الذّنابي كالقدامى وريشه وما يستوي صدر القناة وزجّها ... وما يستوى فِي الكّف منك الأصابع ألا إنما تحظى كليب بشعرها ... وبالمجد تحظى دارم والأقارع ومنهم رءوس يهتدى بصدورها ... والأذناب قدما للرءوس توابع أرى الخطفى بذّ الفرزدق شعره ... ولكن خيراً من كليب مجاشع

فيا شاعراً لا شاعر اليوم مثله ... جريرٌ ولكن فِي كليب تواضع جريرٌ أشد الشاعرين شكيمةً ... ولكن علته الباذخات الفوارع ويرفع من شعر الفرزدق أنه ... له باذخٌ الذي الخسيسة رافع وقد يحمد السيف الدّدان بجفنه ... وتلقاه رثّاً غمده وهو قاطع يناشدني النصر الفرزدق بعدما ... ألحت عليه من جريرٍ صواقع فقلت له إني ونصرك كالذي ... يثبت أنفاً كشّمته الجوادع وقَالَت كليب قد شرفنا عليهم ... فقلت لها سدت عليك المطالع كشم أنفه إذا قطعه، والأكشم أيضاً: الناقص الخلق، قَالَ حسان: ... له جانب وافٍ وآخر أكشم وقرأن عَلَى أبي عمر، عَنْ أبي العباس، عَنِ ابن الأعرابى، قَالَ: أهجي بيت قالته العرب: وقد علمت عرساك أنَك آئبٌ ... تخبّرهم عَنْ جيشهم كل مربع أخبر أن من عادته أن ينهزم ... فيتحدث بخبر جيشه. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الصمد بن المعدل ابن غيلان، قَالَ: ركب أبي إِلَى عيسى بن جعفر ليسلم عليه، فأخبر أنه متأهب للركوب فانتظره، لما أبطأ خروجه دخل إِلَى المسجد ليصلى، وكان المعدل إذا دخل فِي الصلاة لم يقطعها، فخرج عيسى وصاح يا معذّل، يا أبا عمرو، فلم يجبه فغضب ومضى، فأتم المعذل صلاته ثم لحقه فأنشده: قد قلت إذ هتف الأمير ... يأيها القمر المنير حرم الكلام فلم أجب ... وأجاب دعوتك الضمير لو أن نفسي طاوعتني ... إذ دعوت ولا أحير لبّاك كلّ جوارحي ... بأناملي ولها السرور شوقاً اليك وحق لي ... ولكدت من فرحٍ أطير وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه اللهّ، قَالَ: جلس كاملٌ الموصليّ فِي المسجد الجامع يقرئ الشعر، فصعد مخلدٌ الموصليّ المنارة وصاح:

تأهبوا للحدث النازل ... قد قرئ الشعر عَلَى كامل وكامل الناقص فِي عقله ... لا يعرف العام من القابل يهيهةٌ يخلط ألفاظه ... كأنه بعض بني وائل وإنما المرء ابن عم لنا ... ونحن من كوثى ومن بابل أذنابنا ترفع قمصاننا ... من خلفنا كالخشب الشائل وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد النحوي، لأعرابي مات ابنه وهو غائب: يا ليتني كنت فيمن كان حاضره ... إذ ألبسوه ثياب الفرقة الجددا قالوا وهم عصبٌ يستغفرون له ... نرجو لك الله والوعد الذي وعدا قلّ الغناء إذا لاقى الفتى تلفاً ... قول الأحبّة لا يبعد وقد بعدا بعد: هلك، وبعد: نأى المراثي التي قالها بعض العرب عَلَى قبر عمرو بن حممة الدوسي بعد أن عقروا رواحلهم عليه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنِي عمى، عَنْ أبيه، عَنِ ابن الكلبي، عَنْ أبي مسكين، وعَنِ الشرقي بن قطاميّ، قالا: لما مات عمرو بن حممة الدوسي، وكان أحد من تتحاكم إليه العرب، مرّ بقبره ثلاثة نفر من أهل يثرب قادميين من الشام: الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد أَبُو كلثوم ابن الهدم الذي نزل عليه النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعتيك بن قيس بن هيشة بن أمية بن معاوية، وحاطب بن قيس بن هيشة الذي كانت بسببه حرب حاطب، فعقروا رواحلهم عَلَى قبره، وقام الهدم، فقَالَ: لقد ضمّت الأثراء منك مرزّأ عظيم رماد النار مشترك القدر حليماً إذا ما الحلم كان حزامةً وقوراً إذا كان الوقوف عَلَى الجمر إذا قلت لم تترك مقالاً لقائل وإن صلت كنت الليث يحمى حمى الأجر ليبك من كانت حياتك عزّه فأصبح لمّا بنت يغضي عَلَى الصغر سقى الأرض ذات الطول والعرض مثجمٌ أحمّ الرّحا واهي العرى دائم القطر ومابي سقيا الأرض لكن تربةً أضلّك فِي أحشائها ملحد القبر،

الرّحى: وسط الغيم ومعظمه، ووسط الحرب ومعظمها، وقام عتيك بن قيس فقَالَ: برغم العلى والجود والمجد والندى ... طواك الردى يا خير حافٍ وناعل لقد غال صرف الدهر منك مرزأً ... نهوضاً بأعباء الأمور الأثاقل يضمّ العفاة الطارقين فناؤه ... كما ضمّ أمّ الرأس شعب القبائل ويسرو دجى الهيجا مضاء عزيمةٍ ... كما كشف الصبح اطّراق الغياطل ويستهزم الجيش العرمرم باسمه ... وإن كان جرّاراً كثير الصواهل وينقاد ذو البأو الأبيّ لحكمه ... فيرتدّ قسراً وهو جمّ الدغاول ويمضي إذا ما الحرب مدّ رواقه ... عَلَى الروع وارفضّت صدور العوامل فإمّا تصبنا الحادثات بنكبة ... رمتك بها إحدى الدواهي الضآبل فلا تبعدن إن الحتوف مواردٌ ... وكل فتىً من صرفها غير وائل : الضآبل: الدواهي، واحدها ضئبل، وقام حاطب بن قيس فقَالَ: سلامٌ عَلَى القبر الذي ضمّ أعظماً ... تحوم المعالي حوله فتسلّم سلام عليه كلما ذرّ شارقٌ ... وما امتدّ قطعٌ من دجى الليل مظلم فيا قبر عمرو جاد أرضا تعطفت ... عليك ملثٌّ دائم القطر مرزم تضمنت جسما طلب حيّاً وميّتاً ... فأنت بما ضمّنت فِي الأرض معلم فلو نطقت أرضٌ لقَالَ ترابها ... إِلَى قبر عمرو الأزد حلّ التكرم إِلَى مرمسٍ قد حلّ بين ترابه ... وأحجاره بدرٌ وأضبط ضيغم فلو وألت من سطوة الموت مهجةٌ ... لكنت ولكن الردى لا يثمثم فلا يبعدنك الله حياً وميتاً ... فقد كنت نورا لخطب والخطب مظلم وقد كنت تمضي الحكم غير مهلّل ... إذا غال فِي القول الأبلّ الغشمشم لعمر الذي حطّت إليه عَلَى الونا ... حدابير عوجٌ نيّها متهمّم. لقد هدّم العلياء موتك جانباً ... وكان قديما ركنها لا يهدم

وألت: نجت، ويثمثم: يبطئ، ويثمم: يحرّك ويدفع، والمهلّل: المتوقّف، يُقَال: حمل عليه فما هلّل، والغيطلة: الظلمة، والغيطلة: اختلاط الأصوات، قَالَ أَبُو النجم: مستأسداً ذبّانه فِي غيطل وهو جمع غيطلة، والغيطلة: البقرة الوحشية، قَالَ زهير: كما استغاث بسيٍّ فزّ غيطلةٍ ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك والغيطلة: الشجر الملتف، وقَالَ ابن الأعرابي: الغيطلة: التفاف الناس واجتماعهم، والغيطلة: غلبة النعاس، والدغاول: الدواهي، ولم أسمع له بواحد، قَالَ الهذلي: فقلصي لكم ما عشتم ذو دغاول والأبلّ: الظلوم، والغشمشم: الذي يركب رأسه لا يثنيه شيء عما يجب ويهوى، والحدابير جمع حدبار: وهي المنحنية الظهر، والنيّ: الشحم، والمتهممّ: الذائب. وقرأت عَلَى أبي عمر، عَنْ أبي العباس، أن ابن الأعرابي، أنشدهم فِي صفة قدر: ألقت قوائمها خساً وترنّمت ... طرباً كما يترنم السكران قوائمها: الأثافي، وخساً: فرد ما تعاقب فيه اللام الراء: قَالَ الأصمعي: يُقَال لثدت القصعة بالثريد إذا تراجع حيث أنها غير واضحة بالكتاب بعضه إِلَى بعض وسوّى، وقد رثدت، وقد رثد المتاع إذا نضّد وسوّى، والرثيد: المنضود، ومنه سمى مرثد، ويقَالَ: تركت فلاناً مرتثداً أي قد ضم متاعه بعضه إِلَى بعض ونضّده، قَالَ الشاعر: فتذكّرا ثقلاً رثيداً بعدما ... ألقت ذكاء يمينها فِي كافر

تذكر الظليم والنعامة رثيداً يعني بيضهما منضوداً بعضه فوق بعض، وذُكاء: الشمس، وابن ذكاء: الصبح، والكافر: الليل. وإنما سمي كافراً لأنه يغطّي بظلمته كل شيء، ولهذا قيل: تكّفر الرجل بالسلاح إذا لبسه، وكفر الغمام النجوم أي غطاها، ومنه سمي الكافر كافراً لأنه يغطي نعمة الله، وسمي أيضاً الزرّاع كافراً لأنه يغطي الحبّة، وعنى بقوله: بعدما ألقت ذكاء يمينها فِي كافر أي ابتدأت فِي المغيب، ويقَالَ: هدمٌ ملّدم ومردّم أي مرقّع، وقد ردّم ثوبه أي رقعه، قَالَ عنترة: هل غادر الشعراء من متردّم ... أم هل عرفت الدار بعد توهّم يقول: هل ترك الشعراء شيئا يرتع، وهذا مثلٌ، وإنما يريد: هل تركوا مقالاً لقائل، ويقَالَ: اعلنكس واعرنكس الشيء، إذا تراكم وكثر أصله، قَالَ العجاج: بفاحمٍ دووي حتى اعلنكسا بفاحم يعني شرا أسود، دووي: عولج وأصلح، وقَالَ أيضاً واعرنكست أهواله واعرنكسا أي ركب بعضه بعضا، وهدل الحمام يهدل هديلاً، وهدر الحمام يهدر هديراً، وطلمساء وطرمساء: للظلمة، ويقَالَ للدرع: نثلة ونثرة إذا كانت واسعة، ويقَالَ: امرأة جلبّانة وجربّانة: وهي الصّخّابة السيئة الخلق، قَالَ حميد بن ثور: جربّانة ورهاء تخصي حمارها ... بغى من بغى خيراً إليها الجلامد ويروى: جلبّانة، ويقَالَ: عودٌ متقطّل ومتقطّر ومنقطل ومنقطر أي: مقطوع، وقَالَ أَبُو عبيدة: يُقَال: سهم أملط وأمرط إذا لم يكن عليه ريش، وقد تملّط ريشه وتمرّط، ويقَالَ: جلمه وجرمه إذا قطعه، ومنه سميّ الجلم الذي يؤخذ به الشعر، يُقَال لكل واحد من الحديدتين: جلم، فإذا اجتمعا فهما جلمان وكذلك مقراضان، الواحد منهما مقراض، والتلاتل والتراتر: الهزاهز، قَالَ الأصمعي: يُقَال: مرّ يرتكّ ويرتجّ إذا ترجرج، ويقَالَ: أصابه سكٌّ وسج إذا لان عليه

وصف ضرار الصدائي لعلي رضي الله عنه وقد طلب منه ذلك معاوية

بطنه. ويقَالَ: الزمكّي والزمجّي لزمكّي الطائر، ويقَالَ: ريح سيهك وسيهج وسيهوك وسيهوج: وهي الشديدة، قَالَ رجل من بني سعد: يا دار سلمى بين دارات العوج ... جرّت عليها كلّ ريح سيهوج والسّهج والسّهك والسّحق، يُقَال: سحقه وسهكه وسهجه، وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني السّهك والسّهج: ممرّ الريح. وصف ضرار الصدائي لعلي رضي الله عنه وقد طلب منه ذلك معاوية وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْعُكْلِيُّ، عَنِ الْحِرْمَازِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِضِرَارٍ الصُّدَائِيِّ: يَا ضِرَارُ، صِفْ لِي عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: اعْفِنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: لَتَصِفَنَّهُ، قَالَ: أَمَّا إِذْ لابُدَّ مِنْ وَصْفِهِ، فَكَانَ وَاللَّهِ بَعِيدَ الْمَدَى، شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلا، وَيَحْكُمُ عَدْلا، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ بِاللَّيْلِ وَوَحْشَتِهِ، وَكَانَ وَاللَّهِ غَزِيرَ الْعِبْرَةِ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُقَلِّبُ كَفَّهُ، وَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ، يَعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا قَصُرَ، وَمِنَ الطَّعَامِ مَا خَشُنَ، كَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ وَيُنَبِّئُنَا إِذَا اسْتَنْبَأْنَاهُ، وَنَحْنُ مَعَ تَقْرِيبِهِ إِيَّانَا وَقُرْبِهِ مِنَّا لا نَكَادُ نُكَلِّمُهُ لِهَيْبَتِهِ، وَلا نَبْتَدِئُهُ لِعَظَمَتِهِ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ، وَيُحِبُّ الْمَسَاكِينَ، لا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، وَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سَدُولَهُ، وَغَارَتْ نُجُومُهُ، وَقَدْ مَثُلَ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، وَيَقُولُ: يَا دُنْيَا، غرّي غيري إِلَى تعرّضت، أم إِلَى تشوقت، هيهات هيهات! قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير، أه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق! فبكى معاوية رحمه الله وقَالَ: رحم الله أبا الحسن، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قَالَ: حزن مع ذبح واحدها فِي حجرها قصيدة كعب بن سعد الغنوي التي رثي بها أبا المغوار وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ محمد بن الحسن بن دريد، هذه القصيدة فِي شعر كعبٍ الغنوي، وأملاها علينا أَبُو الحسن عَلَى بن سليمان الأخفش، وقَالَ: قرئ لنا عَلَى أبي العباس محمد بن الحسن الأحول،

ومحمد بن يزيد، وأحمد بن يحيى، قَالَ: وبعض الناس يروي هذه القصيدة لكعب بن سعد الغنوي، وبعضهم يرويها بأسرها لسهم الغنوي وهو من قومه وليس بأخيه، وبعضهم يروي شيئاً منها لسهم، والمرثيّ بهذه القصيدة يكنى أبا المغوار واسمه هرم، وبعضهم يقول: اسمه شبيبٌ، ويحتج ببيت روي فِي هذه القصيدة: أقام فخلى الظاعنين شبيب وهذا البيت مصنوع، والأول كأنه أصح لأنه رواه ثقة. قال: وزادنا أحمد بن يحيى عن أبي العالية في أولها بيتين، قال: وهؤلاء كانوا يختلفون في تقديم الأبيات وتأخيرها وزيادة الأبيات ونقصانها وفي تغيير الحروف في متن البيت وعجزه وصدره. وأنا ذاكر ما يحضرني من ذلك، والبيتان اللذان رواهما أبو العالية: ألا من لقبرٍ لا يزال نهجّه ... شمالٌ ومسياف العشي جنوب تهجّه: تهدمه، يقال: هجّ البيت وهجمه إذا هدمه. قال أبو عبيدة: ولما قتل بسطام بن قيس لم يبق في بكر بن وائل بيتٌ إلا هجم أي هدم إكباراً لقتله. ومسيافٌ مفعال من سافه يسيفه سيفاً إذا ضربه بالسيف، يريد أنها في حدّتها في الصيف والشتاء كالسيف. به هرمٌ يا ويح نفسي من لنا ... إذا طرقت للنائبات خطوب وأولها في رواية الجميع: تقول سليمى ما لجشمك شاحباً ... كأنّك يحميك الطعام طبيب فقلت ولم أعى الجواب لقولها ... وللدهر في صمّ السلام نصيب ويروى: فقلت ولم أعى الجواب ولم ألح تتابع أحداثٌ تخرّمن إخوتي ... وشيّبن رأسي والخطوب تشيب لعمري لئن كانت أصابت منيّةٌ ... أخي والمنيا للرجال شعوب لقد عجمت مني الحوادث ماجداً ... عروفاً لريب الدهر حين يريب وقد كان أمّا حلمه فمروّحٌ ... علينا وأمّا جهله فعزيب

فتى الحرب إن حاربت كان سمامها ... وفي السلم مفضال اليدين وهوب هوت أمّه ماذا تضمّن قبره ... من الجود والمعروف حين ينوب ويروى: حين يؤب. جموع خلال الخير من كل جانب ... إذا جاء جيّاءٌ بهنّ ذهوب مفيدٌ مفيت الفائدات معوّد ... لفعل الندى والمكرمات كسوب فتىً لا يبالبي أن يكون بجسمه ... إذا نال خلات الكرام شحوب قال أبو على وقرأت على أبى بكر: فتى لا يبالي أن يكون بوجهه غنينا بخيرٍ حقبةً ثم جلّحت ... علينا التي كل الأنام تصيب فأبقت قليلاً ذاهباً وتجهّزت ... لآخر والراجي الخلود كذوب وأكثرهم ينشدون: والراجي الخلود، لأنه أغرب وأظرف، والخلود أجود في العربية. وأعلم أن الباقي الحيّ منهما ... إلى أجل أقصى مداه قريب فلو كان حيٌّ يفتدى لفديته ... بمل لم تكن عنه النفوس تطيب الفداء يمد ويقصر. كذا حدّثني محمد بن الأنباري. وقال الأخفش: الفداء لا يقصر إلا عند ضرورة الشعر، فإذا فتحت الفاء قصر. بعينيّ أو يمنى يديّ وإنني ... ببذل فداه جاهداً لمصيب فإن تكن الأيام أحسن مرة ... إليّ فقد عادت لم تحتجنه غيوب قريبٌ ثراه ما ينال عدوه ... له نبطاً آبى الهوان قطوب لقد أفسد الموت الحياة وقد أتى ... على يومه علقٌ إليّ حبيب حليمٌ إذا ما الحلم زيّن أهله ... مع الحلم في عين العدوّ مهيب إذا ما تراآه الرجال تحفّظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب

قرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ: فلم ينطقوا العوراء. أخي ما أخى لا فاحشٌ عند بيته ... ولا ورعٌ عند اللقاء هيوب عَلَى خير ما كان الرجال نباته ... وما الحظُ إلا طعمةٌ ونصيب وقرأت على أَبِي بَكْرٍ: عَلَى خير ما كان الرجال خلاله ... وما الخير إلا قسمةٌ ونصيب حليف الندى يدعو النّدى فيجيبه ... قريباً ويدعوه النّدى فيجيب هو العسل الماذي لينا وشيمةً ... وليثٌ إذا يلقى العدوّ غضوب حليم إذا ما سورة الجهل أطلقت ... حبى الشيب للنفس اللّجوج غلوب هوت أمّه ما يبعث الصبح غادياً ... وماذا يرد الليل حين يئوب كعالية الرّمح الرديني لم يكن ... إذا ابتدر الخير الرجال يخيب وروى أَبُو بَكْرٍ: لم يكن إذا إبتدر القوم النّهاب. أخو شتواتٍ يعلم الحيّ أنه ... سيكثر ما فِي قدره ويطيب ويروى: أخو شتوات يعلم الضيف أنه ... ليبكك عانٍ لم يجد من يعينه وطاوى الحشا نائي المزار غريب يروح تزهاه صبا مستطيفة ... بكلِّ ذرىً والمستراد جديب كأن أبا المغوار لم يوف مرقباً ... إذا ربأ القوم الغزاة رقيب ولم يدع فتياناً كراماً لميسر ... إذا هبّ من ريح الشتاء هبوب حبيبٌ إِلَى الزّوار غشيان بيته ... جميل المحيّا شبّ وهو أريب إذا حلّ لم يقصر مقامة بيته ... ولكنّه الأدنى بحيث يجيب يبيت النّدى يا أمّ عمرو ضجيعه ... إذا لم يكن فِي المنقيات حلوب وحَدَّثَنَا أَبُو الحسن، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، قَالَ: أَخْبَرَنَا سلمة، عَنِ الفراء، أنه روى: يبيت النّدى يا أمّ عمر ضجيعه

وزادني أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، من حفظه هاهنا بيتا وهو: كأن بيوت الحيّ ما لم يكن بها ... بسابس لا يلقى بهنّ عريب إذا شهد الأيسار أو غاب بعضهم ... كفى ذاك وضاح الجبين نجيب وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ: وإن شهدوا أو غاب بعض حماتهم ... كفى القوم وضاح الجبين أريب وداعٍ دعاً يا من يجيب إِلَى النّدى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة ... لعلّ أبا المغوار منك قريب يجبك كما قد كان يفعل إنه ... مجيب لأبواب العلاء طلوب فأنى لباكيه وإني لصادق ... عليه وبعض القائلين كذوب فتىً أريحيٌ كان يهتز للنّدى ... كما اهتز ماضي الشفرتين قضيب وخبّرتماني أنما الموت بالقرى ... فكيف وهاتا روضة وكثيب يقَالَ: حميت المريض حمية، وأحميت الحديد فِي النار إحماء، وحميت الشيء إذا منعت عنه، وأحميت المكان إذا جعلته حمىً لا يقرب، ويقَالَ: عييت بالكلام فأنا أعيا عياً ولا يُقَال: أعييت، ويقَالَ: أعييت من المشي، فأنا أعيي إعياء، وإلح: أُشفق، يُقَال: ألاح من الشيء، أي أشفق، قَالَ جبيهاء الأشجعي: تنجو إذا نجدت وعارض أو بهُّا ... سلقُ ألحن من السّياط خضوع والسّلام: الصّخور، واحدتها سلمة، والسّلم: شجر، واحدتها سلمة، والسّلام أيضاً: شجر، واحدتها سلامة، ويقَالَ: خرمته المنية وتخرمته إذا ذهبت به، وشعوب معرفة لا تتصرف: اسم من أسماء المنية، وإنما سميت شعوب لأنها تشعب أي تفرق، وشعوب صفة فِي الأصل ثم سمي به، ويقَالَ: عجمت العود أعجمه عجماً، إذا عضضته لتسبر صلابته من رخاوته، بضم الجيم فِي المضارع، والعجم: النّوى، ومنه قول الأعشى: كلقيط العجم، وكان أَبُو بَكْرِ بن دريد يروى عَنْ أصحابه:

كلفيظ العجم، وهو أجود، لأن ما لفظ من النوى أصلب من غيره، وعروفاً: صبوراً، ويقَالَ: رابني يريبني وأرابني يريبني، بمعنى واحد، وبعضهم يقول: رابني: تبينت منه الريب، وأرابني: إذا ظننت به الريبة، ومروح ومراح واحد، وعازب وعزيب: بعيد، ومنه سمى العزب لأنه بعد عَنِ النساء، والسمام جمع سمّ، وهذا مما اتفق فِي جمعه فعول وفعال لأنهم يقولون: سمام وسموم، والسَّلم والسِّلم: الصّلح، والسّلم: الاستسلام، وهوت أمه أي هلكت، كأنها إنحدرت إِلَى الهاوية، وجياء فعال من جاء يجيء، وفعول وفعال يكونان للمبالغة. حَدَّثَنَا أَبُو الحسن، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن يزيد، عَنْ أبي المحكّم، قَالَ: أنشدت يونس أبياتاً من رجز فكتبها عَلَى ذراعه، ثم قَالَ لي: إنك لجيّاء بالخير، وفي قوله مفيد مفيت قولان: أحدهما يريد يريد أنه يحرب قوماً ويجبر آخرين، والآخر أنه يستفيد ويتلف والشّحوب: التغيّر، يُقَال: شحب لونه يشحب شحوباً، وغنينا: أقمنا، ولهذا قيل للمنزل: مغنى، ومنه قول الله عز وجل:] كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [سورة الأعراف: 92] وحقبةً: دهراً، وجلّحت: ذهبت بنا وأكلتنا فأفرطت، وأصل الجلح الكشف، والمجلحة: المكاشفة، ويقَالَ: جلحت الأرض إذا أكل ما فيها من النبات، ويقَالَ: جلح، الشجر فهو مجلّح إذا ذهب الشتاء بغصونه وورقه كالرأس الأجلح، قَالَ ابن مقبل: ألم تعلمي ألا يذم فجاءتي ... دخيلي إذا أغبر العضاه المجلح ويقَالَ: ناقة مجلاح ومجلح ومجالح إذا أكلت أغصان الشجر، وهي أصلب الإبل وأبقاها لبناً، وقَالَ الأصمعي المجالح بغير هاء: التي تدرُّ عَلَى الجوع والقر، يُقَال: جالحت الناقة تجالح مجالحة شديدة، قَالَ الشاعر: لها شعرٌ داجٍ وجيدٌ مقلّص ... وجسم خداريّ وضرعٌ مجالح وقَالَ الفرزدق: مجاليح الشّتاء خنبعثات ... إذا النّكباء ناوحت الشّمالا والخبعثن والخبعثنة: الغليظ الجسم من الإبل وغيرها، وقوله عظيم رماد النار أي جواد بذول للقرى. : إنما تصف العرب الرجل بعظم الرماد، لأنه لا يعظم إلا رماد من كان مطعاماً للأضياف، والفناء ممدود: فناء الدار، والفناء بالفتح ممدود: من فنى الشيء، والفنا: عنب الثّعلب مقصور، والفنا جمع: فناةٍ، أيضاً مقصور: وهي البقرة الوحشية، وتحتجنه: تغيّبه، ومنه إحتجن فلان المال

إذا غيّبه، وتحتجبه: من الحجاب، والثّرى: التراب النّدى وهذا مثلٌ، وإنما يريد أنه قريب المعروف والخير إذا طلب ما عنده، وقوله لا ينال عدوه له نبطا أي لا يدرك غوره ولا يستخرج ما فِي بيته لدهائه، ويقَالَ: إنه أراد: لا ينال لينه لأن ناحيته خشنةٌ عَلَى عدوّه، وإن كانت لّينة لولّيه، والنّبط: أوّل ما يخرج من البئر إذا حفرت، وقطوب: معبّس، يُقَال: قطب يقطب فهو قاطب، وقطّب فهو مقطّب وقطوب للمبالغة، والعلق: النفيس من كل شىء، والعوراء: الكلمة القبيحة من الفحش. قَالَ الشاعر: وما الكلم العوران لي بقتول والورع: الجبان الضعيف، والماذيّ: العسل الأبيض، وهو أجود العسل، وقَالَ بعض اللغويين: ومنه قيل للدّرع ماذّيةٌ لصفاء لونها، وقوله: كعالية الرّمح، أراد كالرمح فِي طوله وتمامه، والعالية من الرمح: النصف الذي يلي السّنان، فاما الذي يلي الزّجّ فسافلته، وطاوي البطن: يريد ضامر البطن من الجوع، وتزهاه: تستخفّه، وقَالَ بعض اللغويين: ذرى الحائط وذرى الشجر: أصلهما، والجيّد أن يكون الذرى الناحية. هكذا سمعت من أَبِي بَكْرٍ ومن أثق بعلمه، ولهذا قيل: أنا فِي ذرى فلان، وفلان فِي ذرى فلان، ويوفى: يشرف، وربأ: صار لهم ربيئة، والرّبيئة: الطّليعة، وهو الرّقيب أيضاً، والميسر: الجزور التي تنحر، والأيسار: الذين يقسمون الجزور، واحدهم يسرٌ، والمحيّا: الوجه وحَدَّثَنَا أَبُو الحسن، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس محمد بن يزيد، أن نفراً من بني هاشم دخلوا عَلَى المنصور يتظلّم بعضهم من بعض، فقَالَ له قائل منهم: أعلمك يا أمير المؤمنين أن هذا شدّ عَلَى بخزالوفٍة فضرب بها وجهي، فأقبل المنصور عَلَى الربيع فقَالَ له: ويلك! ما خزالوفةٌ؟ فقَالَ: يريد خزفةً يا أمير المؤمنين، فقَالَ المنصور: قاتلكم الله صغاراّ وكباراً! لستم كما قَالَ كعب بن سعد الغنوي: حبيبٌ إِلَى الفتيان غشيان رحله ... جميل المحيّا شبّ وهو أديب

والمنقيات: ذوات النقى، والنقى: المخ، وقَالَ: البسابس والسّباسب: الصحارى، ويقَالَ: ما بالدار عريب أي ما بها أحد، والأيسار: واحدهم يسر وهو يدخل مع القوم فِي الميسر وهو مدح لا يدخل وهو ذمٌّ وقرأت عَلَى أبي عمر، عَنْ أبي العباس، أن ابن الاعرابي، أنشدهم: فلما رأت جدّ النوى ضاقت النّوى ... بنظرة ثكلى أكذبت كلّ كاشح أي لما علمت بالفراق بكت، فعلم أن الكاشح الساعي لم ينجع قوله، يعني عندها وحَدَّثَنَا الرياشي، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن سّلام، قَالَ: دخلت ديباجة المدينة عَلَى امرأة، فقيل لها: كيف رأيتها؟ فقَالَت: لعنها الله! كأن بطنها قربة وكأن ثديها دبة، وكأن استها رقعة، وكأن وجهها وجه ديك قد نفش عفريته يقاتل ديكاً وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله إبراهيم، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: كان المجشّر فِي الشّرف من العطاء، وكان دميماً، فقَالَ له عبيد الله ذات يوم: كم عيالك؟ فقَالَ: ثمان بنات، فقَالَ: وأين هنّ منك؟ فقَالَ: أنا أحسن منهن، وهنّ أكمل مني، فضحك عبيد الله، وقَالَ: جاد ما سألت لهن! وأمر له بأربعة آلاف، فقَالَ: إذا كنت مرتاد الرّجال لنفعهم ... فناد زياداً أو أخاً لزياد يجبك امرؤٌ يعطى عَلَى الحمد ماله ... إذا ضنّ بالمعروف كل جواد ومالي لا أثنى عليه وإنما ... طريفي من أمواله وتلادى هم أدركوا أمر البرية بعدما ... تفانوا وكادوا يصبحون كعاد وأنشدنا، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، عَنِ الزبير، لامرأة من أهل الحجاز: يا خليلي آبني سهدي ... لم تنم عيني ولم تكد كيف تلحوني عَلَى رجل ... آنسٍ تلتذّه كبدي مثل ضوء البدر طلعته ... ليس بالزميلة النكد

ما يكون بالصاد والطاء

قَالَ: وأنشدنا أيضاً: للناس بيتٌ يديمون الطّواف به ... ولي بمكة لو يدرون بيتان فواحد لحلال الله أعظمه ... وآخرٌ لي به شغلٌ بإنسان ما يكون بالصاد والطاء قَالَ: الأصمعي، يُقَال: للناقة إذا ألقت ولدها ولم يشعر أي لم ينبت شعره: قد أملصت وأملطت، وهي ناقة مملصٌ ومملطٌ، وإبلٌ مماليص ومماليط، فإذا كان ذلك من عادتها، قيل: مملاص ومملاط، وقد ألقته مليصاً، ويقَالَ: اعتاطت رحمها، واعتاصت وهما واحد، وذلك إذا لم تكن تحمل أعواماً. ما يكون بالهاء والخاء قَالَ الأصمعي، يُقَال: اطرهّم واطرخّم إذا كان مشرفاً طويلاً، وأنشد لابن أحمر: أرجّى شباباً مطرهّماً وصحةً ... وكيف رجاء الشيخ ما ليس لاقياً وروى أَبُو عبيد، عَنْ أبي زياد الكلابي: المطرهمّ: الشباب المعتدل التام وروى في البيت: " وكيف رجاء المرء ما ليس لاقيا " ويقال: بخ بخ، وبه به إذا تُعجب من الشيء. ويقال: صخدته الشمس وصهدته إذا اشتد وقع عليها. ويقال: هاجرةٌ صيخود أي صلبة، وصخرة صيخود، قال الراجز: كأنهن الصخر الصيخود ... يرفت عقر الحوض والعضود ما يكون بالدال والطاء وقَالَ الأصمعي: يُقَال مطّ الحرف ومدّه بمعنى واحد، ويقَالَ: قد بطغ الرجل وبدغ إذا تلطّخ بعذرته، وقَالَ رؤبة:

ما يكون بالتاء والطاء

لولا دبوقاء استه لم يبطغ ويروى: لم يبدغ، والدبوقاء: العذرة. ويقَالَ: ماله عَلَى إلا هذا فقد، وإلا هذا فقط، والإبعاد والإبعاط واحد، ما يكون بالتاء والطاء قَالَ الأصمعي: الأقطار والأقتار: النّواحي، يُقَال: وقع عَلَى أحد قطريه وعلى أحد قتريه أي إحدى ناحيتيه. ويقَالَ: طعنه فقطّره وقتّره إذا ألقاه عَلَى أحد قطريه، ويقَالَ: رجل طبنٌ وتبنٌ أي فطنٌ حاذقٌ، ويقَالَ: ما أستطيع وما أستتيع. ما يأتي بالدال واللام وقَالَ يعقوب بن السّكّيت: المعكول والمعكود: المحبوس، ويقَالَ: معله ومعده إذا اختلسه، وأنشد: إني إذا ما الأمر كان معلاً ... وأوخفت أيدي الرجال الغسلا قوله: معلاً أي اختلاساً، وقوله: وأوخفت أيدي الرجال، يريد: قلبوا أيديهم فِي الحصومة، وقَالَ الآخر: أخشى عليها طيئاً وأسدا ... وخاربين خرباً ومعداً أي اختلسا، والخارب: سارق الإبل خاصّة، ثم يستعار فيقَالَ لكل من سرق بعيراً كان أو غيره. تقسيم النساء إِلَى ثلاثة أضرب والرجال إِلَى مثلها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله تعالى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: أَخْبَرَنَا شيخ من بني العنبر، قَالَ: كان يُقَال: النساء ثلاث: فهّينة لينة عفيفة مسلمةٌ، تعين أهلها عَلَى العيش، ولا تعين العيش عَلَى أهلها، وأخرى وعاء للولد، وأخرى غلٌ قملٌ يضعه الله فِي عنق من يشاء، والرجال ثلاثة: فهيّن ليّن عفيف مسلم، يصدر الأمور مصادرها ويوردها مواردها، وآخر ينتهي إِلَى رأي ذي اللّبِّ والمقدرة فيأخذ بقوله وينتهي إِلَى أمره، وآخر حائر بائر لا يأتمر لرشد ولا يطيع المرشد

نبذة عن كلام الحكماء

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ رجل: أحبّ أن أرزق ضرساً طحوناً ومعدة هضوماً، وسرماً منباقاً قَالَ: وأَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قيل لعرابة الأوسيّ: بم سدت قومك؟ قَالَ: بأربع أنخدع لهم عَنْ مالي، وأذلّ لهم فِي عرضي، ولا أحقر صغيرهم، ولا أحسد رفيعهم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حدثنا الأشناندانى، عَنِ التوزى، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: قيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ قَالَ: ببذل القرى، وترك المرا، ونصر المولى نبذة عَنْ كلام الحكماء وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم سهل بن محمد السّجستاني، قَالَ: قَالَ عامر بن الظّرب العدواني: يا معشر عدوان، الخير ألوف عروف، وإنه لن يفارق صاحبه حتى يفارقه، وإني لم أكن حكيماً حتى صاحبت الحكماء، ولم أكن سيدكم حتى تعبدت لكم قرأت عَلَى أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، عَنْ أبيه، قَالَ: نظر الحطينة إِلَى ابن عباس فِي مجلس عمر رضي الله عنه، فقَالَ: من هذا الذي تنزل عَنِ الناس فِي سنّه وعلاهم فِي قوله: وقرأت عليه أيضاً عَنْ أبيه، قَالَ: نظر رجل إِلَى معاوية وهو غلام صغير، فقَالَ: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه، فقَالَت هند: ثكلته إن كان لا يسود إّلا قومه. عبد الملك بن مروان، وأمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبي، قَالَ: قَالَ عبد الملك بن مروان لأميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد: مالك ولحرثان بن عمرو حيث يقول فيك: إذا هتف العصفور طار فؤاده ... وليثٌ حديد الناب عند الثرائد

فقَالَ: يا أمير المؤمنين، وجب عليه حدٌّ فأقمته، فقَالَ: هلاّ درأت عنه بالشّبهات؟ فقَالَ كان الحدّ أبين، وكان رغمه عَلَى أهون، فقَالَ عبد الملك: يا بني أمية، أحسابكم أنسابكم لا تعرّضوها للهجاء، وإياكم وما سار به الشعر، فإنّه باقٍ ما بقي الدهر، والله ما يسرّني أني هجيت بهذا البيت وأن لي ما طلعت عليه الشمس: يبيتون فِي المشتى ملاءً بطونهم ... وجاراتهم غرثى يبتن خمائصا وما يبالي من مدح بهذين البيتين ألا يمدح بغيرهما: هنا لك إن يستخبلوا المال يخبلوا ... وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا عَلَى مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلّين السّماحة والبذل وأملى علينا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، لخرنق بنت هفّان ترثى زوجها عمرو بن مرثد، وابنها علقمة بن عمرو، وأخويه حسّان، وشرحبيل: لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر النازلون بكل معتركٍ ... والطّيبون معاقد الأزر ويروى: النازلين والطيبين معاقد الأزر، ويروى: النازلون والطيبين. إن يشربوا يهبوا وان يذروا ... يتواعظوا عَنْ منطق الهجر قوم إذا ركبوا سمعت لهم ... لغطا من التأيية والزّجر والخالطين نحيتهم بنضارهم ... وذوى الغنى منهم بذي الفقر هذا ثنائي ما بقيت عليهم ... فإذا هلكت أجنني قبري : الهجر: الفحش: واللّغط: الجلبة: والتأبيه: الصّوت، يُقَال: أيّهت به تأييها إذا صحت به، والنّحيت: المنحوت، والنّضار: الذّهب. وحَدَّثَنِي أَبُو عمرو، عَنْ أبى العباس، عَنِ ابن الأعرابي، أن غليّماً من بني دبير أنشده: يا بن الكرام حسباً ونائلاً ... حقًّاً ولا أقول ذاك باطلًا

إليك أشكو الدّهر والزلازلا ... وكلّ عامٍ نقّح الحمائلا التنقيح: القشر، قَالَ: قشروا حمائل السّيوف فباعوها لشدة زمانهم. وأملى أَبُو العهد صاحب الزّجّاج، قَالَ: أنشدنا أَبُو خليفة الفضل بن الحباب الجمحى، قَالَ: أنشدنا أَبُو عثمان المازني للفرزدق: لا خير فِي حب من ترجى نوافله ... فاستمطروا من قريش كلّ منخدع تخال فيه إذا ما جئته بلهاً ... فِي ماله وهو وافي العقل والورع وقرأت هذين البيتين فِي عيون الأخبار عَلَى أحمد بن عبد الله بن مسلم مكان نوافله فضائله، وفي البيت الثاني مكان: تخال فيه إذا ما جئته بلهاً ... فِي ماله. . . كأنّ فيه إذا حاولته بلها عَنْ ماله. . . . . . . . . . . وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا الرياشى، قَالَ: أنشدنا أَبُو العالية الّرياحي: إذا أنا لم أشكر عَلَى الخير أهله ... ولم اذمم الحبس اللئيم المذمّما ففيم عرفت الخير والشّرّ باسمه ... وشقّ لي الله المسامع والفما وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، الله المسامع قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، لأعرابي سأل رجلاً حاجةً فتشاغل عنه: كدحت بأظفاي وأعملت معولي ... فصادفت جلموداً من الصّخر أملسا تشاغل لّما جئت فِي وجه حاجتي ... وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى وأقبلت أن أنعاه حتى رأيته ... يفوق فوقا الموت ثم تنفّسا فقلت له لا بأس لست بعائد ... فافرخ تعلوه السّمادير مبلساً السّمادير: ما يتراءى للإنسان عند السكر. أنشدنا أَبُو بَكْرِ بن إبي الأزهر، مستملي أبي العباس محمد بن يزيد، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي، قَالَ: أنشدنا الزبير، لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: غرابٌ وظبيٌ أعضب القرن ناديا ... بصرم وصردان العشى تصيح

لعمري لئن شطّت بعثمة دارها ... لقد كنت من وشك الفراق أليح أروح بهمٍّ ثم أغدوا بمثله ... ويحسب أني فِي الثياب صحيح فإل كنت أغدو فِي الثياب تجملاً ... فقلبي من تحت الثياب جريح قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لنفسه: أتراني صبرت عنك إختياراً ... أم تطلّبت إذ ظلمت إنتصارا لا وغنجٍ بمقلتيك ووردٍ ... فوق خديك يخجل الأنوارا ما تجافيت عَنْ مرادك إلا ... خوف واش أشعرت منه الحذارا ورقيبٍ موكلٍ بي طرفاً ... وحسودا ينمق الأخبارا ما يُقَال بالياء والهمزة، يُقَال: رمحٌ يزنيٌ وأزنيٌ ويزأنيٌ وأزأنيٌ منسوب إِلَى ذي يزن، ويقَالَ: رجلٌ يلمعيٌ وألمعيٌ إذا كان ظريفاً، ويلملم وألملم: اسم موضع أو جبل، وقَالَ غيره: يُقَال لآفةٍ تصيب الزّرع: اليرقان والأرقان، وهذا زرع ميروق وقد يرق، وزرع مأروق وقد أرق، ويقَالَ للرجل الشديد الخصومة والجدل: رجل ألدّ ويلندد وألندد، ويقَالَ: طيرٌ يناديد وأناديد أي متفرقة، ويقَالَ للجلود السود: يرندجٌ وأرندج، ويقَالَ للعود الذي يتبخر به: يلنجوج وألنجوج، ويبرين وأبرين: موضع، وسهمٌ يثربيٌ وأثربيٌ بفتح الراء وكسرها فيهما، منسوب إِلَى يثرب، وهذه يذرعات وأذرعات، ويقَالَ: فِي أسنانه يللٌ وأللٌ إذا كان فيها إقبال عَلَى باطن الفم، ويقَالَ: قطع الله يديه، وحكى اللحياني عَنِ الكسائي أنه سمع بعضهم يقول: قطع الله أديه، ويقَالَ للرفيق اليدين: إنه ليديٌ وأدي، ويقَالَ: ولدته أمه يتناً وأتناً ووتناً، وهو أن تخرج رجلاه قبل رأسه، ويقَالَ: ما فِي سيره يتمٌ ولا أتمٌ أي إبطاء، ويقَالَ: أعصر ويعصر، ويقَالَ لدودةٍ تنسلخ فتصير فراشةً: يُسروع وأسروع، ويقَالَ: هي الدودة التي تكون فِي البقل، ويقَالَ: هي بنات النّقى، وبنات النقى: دود أبيض يكون فِي الرمل تشبّه به الأصابع، وقَالَ ذو الرمّة: خراعيب أملودٌ كأن بنانها ... بنات النقى تخفى مراراً وتظهر

ما جرى بين دريد بن الصمة والخنساء وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله تعالى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: خرجت تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشّريد، فهنأت ذوداً لها جربى، ثم نضت عنها ثيابها واغتسلت، ودريدٌ يراها ولا تراه، فقَالَ دريدُ: حيّوا تماضر واربعوا صحبي ... وقفوا فإن وقوفكم حسبي ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم طالي أينق جرب متبذلاً تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النّقب متحسراً نضخ الهناء به ... نضخ العبير بريطة العصب أخناس قد هام الفؤاد بكم ... واعتاده داءٌ من الحبّ فسليهم غنى خناس إذا ... غضّ الجميع هناك ما خطبي النقّب: القطع المتفرقة من الجرب فِي جلد البعير، ويقَالَ: النّقب أيضاً بفتح القاف، والواحدة نقبة، وغضّ من الغضاضة واللّين. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: خطب دريد بن الصمة خنساء بنت عمرو بن الحارث بن الشريد، فأراد أخوها معاوية أن يزوجها منه، وكان أخوها صخر غائباً فِي غزاةٍ له، فأبت، وقَالَت: لا حاجة لي به، فأراد معاوية أن يكرهها، فقَالَت: تباركني حميدة كلّ يوم ... بما يولي معاوية بن عمرو فإلا أعط من نفسي نصيباً ... فقد أودى الزمان إذاً بصخر ويروى: لئن لم أوف من نفسي نصيباً ... لقد أودى. . . . . . أتكرهني هبلت عَلَى دريد ... وقد أحرمت سيّد آل بدر معاذ الله رضعني حبركي ... قصير الشّبر من جشم بن بكر ويروى: ينكحني، ومعناهما واحد. يرى مجداً ومكرمةً أتاها ... إذا عشّى الصّديق جريم تمر ويروى: إذا غد الجليس:

الحبركي: القصير الرجلين الطويل الظهر، والشّبر: الخير والعطاء، وقَالَ دريد: لمن طللٌ بذات الخمس أمسى ... عفا بين العقيق فبطن ضرس أشبّهها غمامة يوم دجن ... تلألأ برقها أو ضوء شمس فأقسم ما سمعت كوجد عمرو ... بذات الخال من جنٍّ وإنس وقاك الله يا بنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلةٌ طرقت بنحس وقَالَت إنه شيخٌ كبير ... وهل خبّرتها أنّي ابن أمس تريد أفيحج الرّجلين شثناً ... يقلع بالجديرة كلّ كرس ويروى: تريد شرنبث الكفّين شثناً يقلع بالجدائر. . . . . . . والشرنبث: الغليظ. إذا عقب القدور عددن مالا ... تحبّ حلائل الأبرام عرسي وقد علم المراضع فِي جمادى ... إذا استعجلن عَنْ حزٍّبنهس بأني لا أبيت بغير لحم ... وأبدأ بالأرامل حين أمسي وأني لا يهر الضيف كلبي ... ولا جاري يبيت خبيث نفس وأصفر من قداح النّبع فرع ... به علمان من عقب وضرس دفعت إِلَى المفيض إذا استقلوا ... عَلَى الركبات مطلع كلّ شمس ويروى: دفعت إِلَى النجي وقد تجاثوا عَلَى الركبات. . . . . . . . .: الجديرة: الحظيرة، والكرس: ما تكرس أي صار بعضه فوق بعض، ومنه أخذت الكراسة، والأبرام: جمع برمً وهو الذي لا يدخل مع القوم فِي الميسر. قَالَ لنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي: هذا غلط، إنما هو مغرب كل شمس، لأن الأيسار إنما يتياسرون بالعشيات، ألم تسمع إِلَى قول النمر بن تولب: ولقد شهدت إذ القداح توجدت ... وشهدت عند الليل موقد نارها

فلما مات صخر قَالَت الخنساء تعارض دريدا فِي كلمته: يؤرقني التّذكر حين أمسي ... ويردعني مع الأحزان نكسي عَلَى صخرٍ وأيُ فتىً كصخر ... ليوم كريهةٍ وطعان خلس وعانٍ طارقٍ أو مستضيفٍ ... يروّع قلبه من كل جرس ولم أر مثله رزءًا لحن ... ولم أر مثله رزءاً لإنس أشد عَلَى صروف الدهر منه ... وأفصل فِي الخطوب لكل لبس ويروى: أشد عَلَى صروف الدهر إدّاً إلا يا صخر لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشقّ رمسى ولا كثرة الباكين حولي ... عَلَى إخوانهم لقتلت نفسي ولكن لا أزال أرى عجولاً ... يساعد نائحاً فِي يوم نحس تفجع والهاً تبكي أخاها ... صبيحة رزئه أوغبّ أمس يذكرني طلوع الشمس صخراً ... وأبكيه لكل غروب شمس وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: طلوع الشمس للغارة، وغروب الشمس للضيفان. وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ، يُقَال: علَّ فِي المرض يعلُّ أي اعتلّ، وعلّ فِي الشراب يعلُّ ويعلّ علاً، قَالَ: يُقَال: رجل هزرٌ، وقنذعلٌ، وطيخةٌ، وضاجعٌ إذا كان أحمق، وأنشد: ما للكواعب يا عيساء قد جعلت ... تزورّ عني وتطوي دوني الحجر قد كنت فتّاح أبواب مغلّقة ... ذبّ الرياد إذا ما خولس النظر فقد جعلت أرى الشخصين أربعةً ... والواحد اثنين مما بورك البصر وكنت أمشي عَلَى رجلين معتدلاً ... فصرت أمشي عَلَى أخرى من الشجر قَالَ: هو لعبد من عبيد بجيلة أسود. :

يُقَال: فلان ذبّ الرياد إذا كان لا يستقر فِي موضع، ومنه قيل للثور الوحشي، ذبّ الرياد، قَالَ ابن مقبل: أتى دونها الرياد كأنه فتىً ... فارسيّ فِي سراويل رامح وحَدَّثَنِي أَبُو عمر، عَنْ أبي عباس، أن ابن الأعرابي، أنشدهم. فتىً مثل ضوء الماء ليس بباخلٍ ... بخيرٍ ولا مهدٍ ملاماً لباخل ولا قائلٍ عوراء تؤذي جليسه ... ولا رافع رأساً بعوراء قائل هذا عندي من المقلوب، أراد بقائل عوراء: ولا مظهرٍ أحدوثة السوء معجباً ... باعلانها فِي المجلس المتقابل وليس إذا الحرب المهمة شمّرت ... عَنِ الساق بالواني ولا المتضائل ترى أهله فِي نعمةٍ وهو شاحب ... طوى البطن مخماص الضحى والأصائل وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: قَالَ بعض الحكماء: لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ظهير كالمشاورة، ولا ميراث كالأدب وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، قَالَ: قَالَ جعفر بن سليمان: ما سمعت بأشعر من الذي يقول: إذا رمت عنها سلوةً قَالَ شافعٌ ... من الحب ميعاد السلوّ المقابر فقَالَ له رجل: أشعر منه الذي يقول: سيبقى لها فِي مضمر القلب والحشا ... سريرة ودٍّ يوم تبلى السرائر وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أقول زوراً، أو أغشى فجوراً، أو أكون بك مغروراً. قَالَ: وسمعت عمي يقول: كان يُقَال: الخطّ يعرب عَنِ اللفظ. قَالَ وسمعته يقول: البلاغة أن تظهر المعنى صحيحاً، واللفظ فصيحاً وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: بلغني أنه قيل لمعن بن زائدة: ما أحسن ما مدحت به؟ قَالَ: قول سلم الخاسر:

أبلغ الفتيان مألكةً ... أن خير الودّ ما نفعا إن قرماً من بني مطرٍ ... أتلفت كفّاه ما جمعا كلما عدنا لنائله ... عاد فِي معروفه جذعا المألُكة والمألَكة والألوك: الرسالة، ومنه اشتقاق الملائكة. قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم للمثقّب، قَالَ: ويروى لعنترة. وللموت خيرٌ للفتى من حياته ... إذا لم يثب للأمر إلا بقائد ويروى: إذا لم يطق علياء إلا بقائد فعالج جسيمات الأمور ولا تكن ... هبيت الفؤاد همّه للوسائد ويروى:. . . . . . . . . ولا تكن نكيث القوى ذا نهمة بالوسائد إذا الريح جاءت بالجهام تشلّه ... هذا ليله شلّ القلاص الطرائد وأعقب نوء المرزمين بغبرة ... وقطرٍ قليل الماء بالليل بارد كفى حاجة الأضياف حتى يريحها ... عَنِ الحي منَّا كُل أروع ماجد تراه بتفريج الأمور ولفّها ... لما نال من معروفها غير زاهد وليس أخونا عند شرٍّ يخافه ... ولا عند خير ان رجاه بواحد إذا قيل من للمعضلات أجابه ... عظام اللهى منّا طوال السواعد : الهبيت الفؤاد: الضعيف، يُقَال: فيه هبتة أي ضعف، والهذايل واحدها هذلول: وهو ما طال من الرمل وامتدّ، وهذا ليل الريح: ما امتد منها. وقرأت عَلَى أبي الحسن عَلَى بن سليمان الأخفش، للعطوي: إذا أنت لم ترسل وجئت فلم أصل ... ملأت بعذر منك سمع لبيب أتيتك مشتاقاً فلم أر حابسا ... ولا ناظر إلا بعين غضوب كأني غريمٌ مقتضٍ أو كأنني ... طلوع رقيب أو نهوض حبيب

ما يقال بالهمز والواو

فعدت وما فلّ الحجاب عزيمتي ... إِلَى شكر سبط الراحتين أريب عَلَى له الإخلاص ما ردع الهوى ... أصالة رأيٍ أو وقار مشيب ، يُقَال: إنه لأصيل الرأي بيّن الأصالة بفتح الهمزة قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر بن سليمان، عَنِ العباس بن محمد، قَالَ: قلنا لأبي المخشّ الغطفاني: أما كان لك ولد؟ فقَالَ: بلى والله، مخشٌّ، وما كان مخش؟ كان خرطمانياً أشدق، إذا تكلّم سال لعابه كأنما ينظر بمثل الفلسين، يعني أن عينيه كانتا خضراوين، كأن مشاشة منكبيه كركرة جمل، وكأن ترقوته بوانٌ او خالفة، فقأ الله عينيّ هاتين إن كنت رأيت مثله قبله ولا بعده: الكركرة والكلكل والبرك والبركة، والجوش والجوشن، والجؤشوش، والحيزم والحيزوم، والحزيم: الصدر، قَالَ رؤبة: حتى تركن أعظم الجؤشوش ... حدباً عَلَى أحدب كالعريش والجؤجؤ: ما نتأ من الصدر، والبوان: عمود من أعمدة البيت دون الصقوب، والصقوب: عمد البيت، وجمعه بونٌ، مثل خوان وخون، ويقَالَ: بوان وخوان أيضاً بضم أوليهما، والخالفة: عمود يكون فِي مؤخر البيت. ما يُقَال بالهمز والواو قَالَ الأصمعي، يُقَال: أرّخت الكتاب وورّخته، وآكفت الدابة وأوكفتها، وإكاف ووكاف، وكان رؤبة بن العجاج ينشد: كالكودن المشدود بالوكاف بالواو، وأكدت العهد، ووكّدته، ووسادة وإسادة، ووشاح وإشاح، وولدة وإلدة، وآخيته وواخيته. وقَالَ الأصمعي: ذأى البقل يذأى ذأواً بلغة أهل الحجاز، وأهل نجد يقولون: ذوى يذوي ذويا، وذوى خطأ. :

وقد حكى أهل الكوفة ذوي أيضاً وليست بالفصيحة، وقَالَ أَبُو عبيدة: آصدت الباب وأوصدته إذا أطبقته، وقَالَ غيره: ما أبهت له وما وبهت له، والتخمة: أصلها من الوخامة، وتجاه: أصله من الوجه، وتترى: أصلة من المواترة، وتقوى: أصله من وقيت، وتكلان: أصله من وكلت، والمال التليد والتالد أيضاً: أصله من الواو، وهو ما ولد عندهم، والتراث: أصله من الواو. الكلام عَلَى العقل وحكم لبعض العرب وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ: «مُرُوءَةُ الرَّجُلِ عَقْلُهُ، وَشَرَفُهُ حَالُهُ» وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ الأحنف بن قيس: العقل خير قرين، والأدب خير ميراث، والتوفيق خير قائد وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبي، عَنْ أبيه، قَالَ: العقل عقلان، فعقلٌ تفرّد الله بصنعه، وعقل يستفيده المرء بأدبه وتجربته، ولا سبيل إِلَى العقل المستفاد إلا بصحة العقل المركّب، فإذا اجتمعا فِي الجسد قوّي كل واحد منهما صاحبه تقوية النار فِي الظلمة نور البصر وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت أعرابياً يقول: فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها، قَالَ: وسمعت آخر يقول: عزّ النزاهة أشرف من سرور الفائدة قَالَ: وسمعت آخر يقول: حمل المنن أثقل من الصبر عَلَى العدم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو حاتم، عَنِ العتبي، أنه قَالَ: إن الطالب والمطلوب إليه فِي الحاجة إذا قضيت اجتمعا فِي العزّ، وإذا لم تقض اجتمعا فِي الذلّ، فارغب فِي قضاء الحاجة لعزّك بها وخروجك من الذل فيها وقرأت عَلَى أبي عمر المطرّز، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، عَنِ أبن الأعرابي، قَالَ: كان رجل من بني أَبِي بَكْرِ بن كلاب يعلّم بني أخيه العلم فيقول: افعلوا كذا وافعلوا كذا وافعلوا كذا، فثقل عليهم، فقَالَ له بعضهم: جزاك الله خيراً يا عمّ فقد علّمتنا كلّ شيء، ما بقي علينا إلا الخراءة، فقَالَ: والله يا بني أخي، ما تركت ذلك

من هوانٍ بكم عَلَى، اعلوا الضّراء، وابتغوا الخلاء، واستدبروا الريح، وخوّوا تخوية الظليم، وامتشّوا بأشملكم قَالَ ابن الأعرابي: الضراء: ما انخفض من الأرض، وسائر اللغويين يقول الضراء: ما واراك من الشجر خاصة، والخمر: ما واراك من الشجر وغيره، ويقَالَ: خوّى الظليم إذا جافى بين رجليه، قَالَ الراجز: خوّى عَلَى مستوياتٍ خمس ... كر كرةٍ وثفناتٍ ملس والثفنات: ما أصاب الأرض من البعير من صدره وركبتيه ورجليه إذا برك، وامتشوا: امسحوا، يُقَال: مششت يدي بالمنديل أمشّها مشّاً، قَالَ امرؤ القيس. نمش بأعراف الحياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عَنْ شواءٍ مضهّب والمنديل يسمى المشوش. وقرأت عَلَى أبي عمر المطرّز، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي: علقت بمن يشبّه قرن شمس ... وعيناه استعارهما غزالا وهنّ أحبّ من حضن اللواتي ... حواضنهنّ يفتنّ الرجالا أي هن أحب من حضن العيدان وضرب بها إِلَى وقرأت عليه قَالَ: أنشدني أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي: ولم أر شيئاً بعد ليلى ألذّه ... ولا مشرباً أروى به فاعيج كوسطى ليالي الشهر لا مقسئنّةٌ ... ولا وثبى عجلى القيام خروج أعيج: أنتفع، يُقَال: شربت دواء فما عجت به أي ما انتفعت به، والمقسئنة: الكبيرة العاسية، يُقَال: قد اقسأنّ العود إذا صلب. قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، أن ابن الأعرابي أنشدهم: ولو كنت تعطى حين تسأل سامحت ... لك النفس واحلولاك كلّ خليل أجل لا ولكن أنت ألأم من مشى ... واسأل من صمّاء ذات صليل يعني الأرض، وصليلها: صوت دول الماء فيها.

وقرأت عليه قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، لابن الأعرابي: ترى فصلانهم فِي الورد هزلاً ... وتسمن فِي المقاري والحبال قَالَ: لأنهم يسقون ألبان أمهاتها عَلَى الماء، فإذا لم يفعلوا ذلك كان عليهم عاراً، فإذا ذبحوا لم يذبحوا إلا سميناً، وإذا وهبوا فكذلك وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، والرياشي، عَنْ أبي زيد، قَالَ: المرافق: الجهول العاجز الذي يتّقى سوء خلقه وصحبته فِي السفر والحضر قَالَ الراجز. وصاحب مرامق داجيته ... زجّيته بالقول وازدهيته إذا أخاف عجزه فدّيته ... عَلَى بلال نفسه طويته حتى أتى الحيّ وما بلوته قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، قَالَ: أنشدنا أَبُو زيد، عَنِ المفضل، لحاتم طيء: إن كنت كارهةً لعيشتنا ... هاتا فحلّي فِي بني بدر جاورتهم زمن الفساد ... فنعم الحيّ فِي العوصاء واليسر فسقيت بالماء النمير ولم ... أترك ألاطم حمأة الجفر وروى أَبُو حاتم: ألاطس، ومعناه كمعنى ألاطم. ودعيت فِي أولى النديّ ولم ... ينظر إِلَى بأعينٍ خزر الضاربين لدى أعنّتهم ... والطاعنين وخيلهم تجري والخالطين نحيتهم بنضارهم ... وذوى الغنى منهم بذي الفقر أنشدنا أَبُو عبيدة هذا البيت الأخير لخرنق، وقد أملينا فيما مضى من الكتاب، وزمن الفساد: حرب كانت لهم، والعوصاء: الشدة، والماء النمير: الناجع فِي الأبدان، والجفر: البئر ليست بمطويّة، والنحيت: الخامل الذكر. والنّضار: الرفيع، كذا. قَالَ أَبُو زيد. :

إن الاشتقاق يوجب أن يكون النحيت الذي ينال ماله وعرضه كل أحد، لأنه لا دفاع عنده فكأنه منحوت. قَالَ: وأنشدنا أَبُو الحسن بن جحظة للحسن بن الضحاك: ما زلت أشربها والليل معتكر ... حتى تضاحك فِي أعجازه القمر. ثم انثنيت عَلَى كفيّ وقد أخذت ... مني مآخذ ما فِي دونها وطر وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن يحيى، أن ابن الأعرابي أنشدهم لسلمى بن غويّة بن سلمى: لا يبعدن عصر الشباب ولا ... لذّاته ونباته النضر والمرشقات من الخدود كإيماض ... الغمام صواحب القطر وطراد خيل مثلها التقتا ... لحفيظةٍ ومقاعد الخمر لولا أولئك ما حفلت متى ... غولبت فِي حرجٍ إِلَى قبر هزئت زنيبة أن رأت ثرمي ... وأن انحنى لتقادمٍ ظهري من بعد ما عهدت فأدلفني ... يومٌ يجيء وليلةٌ تسري حتى كأني خاتلٌ قنصاً ... والمرء بعد تمامه يحرى لا تهزئي مني زنيب فما ... فِي ذاك من عجبٍ ولا سخر أو لم ترى لقمان أهلكه ... ما اقتات من سنةٍ ومن شهر وبقاء نسرٍ كلما انقرضت ... أيامه عادت إِلَى نسر ماطال من أمدٍ عَلَى لبدٍ ... رجعت محورته إِلَى قصر ولقد حلبت الدهر أشطره ... وعلمت ما آتى من الأمر يجرى: ينقص، ومنه يُقَال: رماه الله بأفعى حاربة، وهي التي قد نقص جسمها من الكبر.

ما يقال بالدال والذال والكاف والفاء وغير ذلك

الكلام عَلَى قلب آخر المضاعف إِلَى الياء، وقَالَ أَبُو عبيدة: العرب تقلب حروف المضاعف إِلَى الياء فيقولون: تظنّيت، وإنما هو تظنّنت، قَالَ العجاج: تقضى البازي إذا البازى كسر وإنما هو تقضّض من الانقضاض، وقَالَ الأصمعي، هو تفعّل من الانقضاض فقلب إِلَى الياء كما قالوا سرّيّة من تسرّرت، وقَالَ أَبُو عبيدة: رجل ملب وإنما هو من ألببت، قَالَ المضرّب بن كعب: فقلت لها فيئ إليك فإنّني ... حرامٌ وإنّي بعد ذاك لبيب بعد ذاك أي مع ذاك، ولبيب: مقيم، وقوله عز وجل: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10] إنما هو من دسّست، وقَالَ يعقوب: سمعت أبا عمرو، يقول: لم يتسنَّ: لم يتغيّر، وهو من قوله: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26] فقلت لم يتسنَّ من ذوات الياء، ومسنون من ذوات التضعيف، فقَالَ: هو مثل تظنيت، وقَالَ أَبُو عبيدة: التّصدية: التصفيق، وفعلت منه: صددت، قَالَ الله عز وجل: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] أي يعجّون وقَالَ أيضاً: {إلا مكاء وتصّديةً} وقَالَ العتابي: قصيت أظفاري بمعنى قصصتها، وقَالَ ابن الأعرابي: تلعيت من اللعاعة،: واللّعاعة: نبت، وقَالَ الشاعر: رعى غير مذعور بهنّ وراقه ... لعاع تهاداه الدّكادك واعد الدّكادك: ما علا من الأرض، وأنشد ابن الأعرابي. نزور إمرأ أمّا الاله فيتّقي ... وامّا بفعل الصالحين فيأتمى أراد: يأتم، فقلب إِلَى الياء. ما يُقَال بالدال والذال والكاف والفاء وغير ذلك وقَالَ الفراء: ادرعفت الإبل واذرعفّت إذا أسرعت، وقَالَ أَبُو عمرو: ما ذقت عدوفاً ولا عذوفاً، والدّحداح والذّحذاح بالدال والذال، وهو القصير، وقَالَ الأصمعي: فِي قلبه عليه حسيفة وحسيكة أي غدرٌ وعداوة، وقَالَ ابن الأعرابي: الحساكل والحسافل: الصغار، وقَالَ الأصمعي:

عيون من كلام البلغاء

ذرق الطائر وزرق، وقَالَ أَبُو عبيدة: زبرت الكتّاب وذبرته إذا كتبته، وقَالَ الأصمعي: زبرته: كتبته، وذبرته: قرأته قِرَاءَةً خفيفة. وقَالَ قَالَ أعرابي حميريٌ أنا أعرف تزبرتي أي كتابتي، وقَالَ الأصمعي: تربع السراب وتريّه، إذا جاء وذهب. عيون من كلام البلغاء قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله تعالى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: بلغني أن ابن السّمّاك، قَالَ للفضل بن يحيى وقد سأله رجل حاجة، إن هذا لم يصن وجهه عَنْ مسألته، إياك فأكرم وجهك عَنْ ردّك إياه، فقضى حاجته قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبي، قَالَ: سأل أعرابي عمر بن عبد العزيز، رحمه الله تعالى فقَالَ رجل من أهل البادية: ساقته الحاجة، وانتهت به الفاقة، والله سائلك عَنْ مقامي هذا. فقَالَ: والله ما سمعت كلمة أبلغ من قائلٍ ولا أوعظ لمقول منها قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأصمعي، عَنِ العلاء بن الفضل بن عبد الملك، قَالَ: قَالَ خالد بن صفوان، لفتىً بين يديه: رحم الله أباك إن كان ليملأ العين جمالاً، والأذن بياناً وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: قَالَ أكثم بن صيفي: خير السّخاء ما وافق الحاجة، ومن عرف قدره لم يهلك، ومن صبر ظفر، وأكرم أخلاق الرجال العفو قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر المطرّز، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: زعم الثقفي عثمان بن حفص، أن خلفاً الأحمر أخبره، عَنْ مروان بن أبي حفصة أن هذا الشّعر لابن أذينة الثقفي: ما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظاً وينوي من سفاهته كسرى أعود عَلَى ذي الذنب والجهل مهم ... بحلمي ولو عاقبت غرّقهم بحري أناةً وحلماً وانتظاراً بهم غداً ... وما أنا بالواني ولا الضّرع الغمر أظنّ صروف الدهر والجهل منهم ... ستحملهم منّي على مركبٍ وعر

ألم تعلموا أنى تخاف عرامتي ... وأن قناتي لا تلين عَلَى الكسر وإني وإياهم كمن نبّه القطا ... ولو لم ينبه باتت الطير لا تسرى ويروى وأني وهو جيد. قَالَ وقرأت عليه أيضاً، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي: ومولىً عَلَى ما رابني قد طويته ... حفاظاً وحاربت الذين يحارب إذا أنت لم تغفر لمولاك أن ترى ... به الجهل أو صارمته وهو عاتب ولم توله المعروف أوشك أن ترى ... موالي أقوام ومولاك غائب قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: الغّلة: خرقة تشدُّ عَلَى رأس الإبريق وجمعها غلل، والغّلة: ما تواريت فيه، والغلّة حرارة الجوف من العطش وغيره. قَالَ، وقيل لابنة الخسِّ: أيُّ الطعام أثقل؟ قَالَت: بيض نعام، وصرى عام إِلَى عام، قيل: فأيُّ الطعام أخبث، قَالَت: طريثيث مرّ، أبدى عَنْ رأسه القر قَالَ: والطرثوث: نبت لا بقل ولا شجر ولا شجر ولا جنبة كأنه من جنس الكمأة ينبت مع العضاه، والذّآنين مع الرمث، وقَالَت جارية راعية: طرثوثٌ ولا عضاه له، وذؤنون ولا رمثة له، وذكرٌ ولا رجل له، ثم قعدت عليه وقَالَ أَبُو العباس: كان الضبُّ قد دفن نفسه فِي التراب وأخرج ذكره، فقَالَت هذا القول ثم قعدت عليه. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، وعبد الرحمن، عَنِ الأصمعي، قَالَ: مرّ أعرابي بأعرابية تبكي زوجها، فقَالَ: وما يبكيكِ! لا جمع الله بينك وبينه فِي الجنة، ثم مر بها بعد ذلك فقَالَ: يا فلانة رفّئيني فإني قد تزوجت، فقَالَت: نعم، بالبيت المهدوم، والطائر المشئوم، والرّحم المعقوم قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، وقَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: كانت أم كثير الضّبيّة بذيّة، وكان زوجها كذلك، فاختصما عند بعض ولاة المياه، فقَالَت له: اسكت يا منتن الخصيتين، فقَالَ: يحقُّ لهما أن يكونا كذلك، وهما طبّقا عجانك منذ ثلاثين عاما

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قيل لأم كثير: كم تزّوجتِ؟ قَالَت: ثلاثة، وكان أَبُو ابني هذا آخرهم، وكان والله مسترخياً ضعيفاً، فنظر إليها الغلام فقَالَ: أبي تذكرين! أما والله فلربما رزَّ عجانك رزَّ البيطار جحفلة الحمار. وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: دعا بنانٌ الطّفيلي لرجل فقَالَ: منَّ الله عليك بصحة الجسم، وكثرة الأكل، ودوام الشهورة، ونقاء المعدة، ورزقك ضرساً طحوناً، ومعدة هضوما، وسرما نثورا وقَالَ: قرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لسعد بن ناشب: تفنّدني فيما ترى من شراستي ... وشدّة نفسي أمّ سعدٍ وما تدري فقلت لها إنّ الكريم وإن حلا ... ليلفى عَلَى حال أمرّ من الصبر وفي اللّين ضعفٌ والشّراسة هيبةٌ ... ومن لا يهب يحمل عَلَى مركبٍ وعر وما بي عَلَى من لان لي من فظاظةٍ ... ولكنّني فظٌ أبيٌّ عَلَى القسر أقيم صغا ذي الميل حتى أردّه ... وأخطمه حتى يعود إِلَى القدر فإن تعذليني تعذلي بي مرزّأً ... كريم نثا الاعسار مشترك اليسر إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... وصمّم تصميم السّريجيّ ذي الأثر الأثر: فرند السّيف، وهو رونقه بفتح الهمزة وسكون الثاء، ومثله فِي البناء خلاصة السّمن، وهو اختيار ابن الأنباري، والذي أختاره كسر الهمزة، كذا قاله الأصمعي، وأَبُو نصر، واللحياني، وقد اختلف عَنْ أبي عبيد فيه، فروى بعضهم الأثر، وروى بعضهم أثر، وأنشدوا عنه: والأثر والصّرب معاً كالآصيه بالكسر والفتح: والآصية عَلَى مثال فاعلة: طعام يصنع مثل الحساء بالتمر، والصّرب: اللبن الحامض، ويقَالَ: جئت عَلَى إثره بكسر الهمزة وسكون الثاء، وأثره بفتح الهمزة والثاء. قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قرأت عَلَى أبي حاتم، والرياشي، عَنْ أبي زيد، قَالَ راجز من قيس: بئس الغذاء للغلام الشاحب ... كبداء حطّت من صفا الكواكب أدارها النّقّاش كلّ جانب ... حتّى استوت مشرقة المناكب

يعني رحّى، والكواكب: جبال طوال يقطع منها الأرحاء، واحدها كوكب، وكبداء: عظيمة الوسط، وشاحب: متغيّر اللون. قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لسعد بن ناشب. أخي عزماتٍ لا يزيد عَلَى الذي ... يهمّ به من مقطع الأمر صاحبا إذا همّ لم تردع عزيمة همّه ... ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا فيا لرزامٍ وشّحوا بي مقدّما ... إِلَى الموت خوّاضّاً إليه الكتائبا إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... ونكّب عَنْ ذكر الحوادث جانبا ولم يستشر فِي رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: السّنّة والّلؤمة: الحديدة التي تشقّ بها الأرض، والسخين: وقَالَ: خلط يخلط خلطاً وأخلط إذا غضب، وأنشد: لكل امرئ شكلٌ يقرّ بعينه ... وقرّة عين الفسل أن يصحب الفسلا وتعرف فِي امرئٍ جود خاله ... وينذل أن تلقى أخا أمّه نذلا قَالَ: وأنشدني أَبُو عمر، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس: عليك الخال إنّ الخال يسري ... إِلَى ابن الأخت بالشّبه المبين قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، فِي خبر طويل وصله لنا به: جزى الله جوّاباً وعمراً ونائلاً ... جزاء الوصول المنعم المتفضّل هم خلطوني بالنفوس وأكرموا ... الثواء وجادوا بالسّوام المؤبّل ولم يسأموا مثواي سبعاً كواملا ... كأنّي فيهم بين أهلي ومحفلي سأوليهم شكراً يكون كفاءما ... بلوني به ما بلّ ريقي مقولي رأيت بني الهصّار سادت جدودهم ... لهم شرف يرنو إِلَى النجم من عل هم خير من يمشي عَلَى الأرض معشرا ... لجارٍ جنيبٍ أو لضيفٍ محوّل إذا طانبت أبياتهم بيت جارهم ... فقد حلّ حيث العصم من فرع يذبل معاقلهم فِي يوم كلّ كريهة ... قواضب تقضى بالحمام المعجل

ما قيل في كتمان السر

مغايير دون المحصنات إذا بدت ... كواكب صبح تحت ظلماء قسطل إذا البطل المرهوب سطوة بأسه ... تقى الرّوع يوماً بالنجاء الهمرجل ألاذت بأحقيهم بنو الحرب فِي الوغى ... فكانوا لهم ملموت أمنع معقل يمجدكم آليت أنّ أكفّكم ... عَلَى الناس أجرى من رواجس هطّل وإن لكم فِي ذروة المجد { [ ... تقاصر عنها كلّ بدءٍ مرفّل القسطل: الغبار. والهمرجل: السريع. وأحقيهم: جمع حقوٍ، والبدء: السّيّد، قَالَ أوس بن مغراء: ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم ... وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا : الثّنى والثّنيان: دون السّيّد، وقد ذكرنا الإختلاف فيه واشتقاقه فِي كتابنا المقصور والممدود: والمرفّل: المعظّم، قَالَ الشاعر: إذا نحن رفّلنا امرأً ساد قومه ... وإن كان فيهم سوقةً ليس يعرف ما قيل فِي كتمان السر قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدني أبي رحمه الله، لقيس بن ذريح: لو أن امرأً أخفى الهوى من ضميره ... لمتّ ولم يعلم بذاك ضمير ولكن سألقى الله والنفس لم تبح ... بسرّك والمستخبرون كثير قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد: ومستخير عَنْ سرريا رددته ... بعمياء من ريّا بغير يقين فقَالَ ائتمنّي إنني ذو أمانة ... وما أنا إن خبّرته بأمين قَالَ وقرأت عليه لمسكين: وفتيان صدق لست مطلع بعضهم ... عَلَى سرّ بعضٍ كان عندي جماعها لكلّ امرئ شعبٌ من القلب فارغٌ ... وموضع نجوى لا يرام اطّلاعها يظلّون شتّى فِي البلاد وسرّهم ... إِلَى صخرةٍ أعيا الرجال انصداعها

فصل في ألفاظ معناها واحد وبعض حروفها مختلفة

قَالَ: وقرأت عَلَى أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، عَنْ أبيه، قَالَ: قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر؟ قَالَ: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي شعر قيس بن الخطيم. أجود بمضنون التّلاد وإنّني ... بسّرك عمن سالني لضنين إذا جاوز الإثنين سرٌ فإنه ... بنثً وتكثير الحديث قمين وإن ضيّع الإخوان سراً فإنني ... كتومٌ لأسرار العشير أمين يكون له عندي إذا ما ضمنته ... مكانٌ بسوداء الفؤاد كنين ويروى: . . . . . . . . . . . . إذا ما ائتمنته ... مقرٌ بسوداء الفؤاد كنين سلي من جليسي فِي النّدىّ وما لقي ... ومن هو لي عند الصفاء خدين وأيّ أخى حربٍ إذا هي شمّرت ... ومدره خصم يا نوار أكوان ويروى: عند ذاك أكون. وهل يحذر الجار الغريب فجيعتي ... وخوني وبعض المقرفين خئون وما لمعت عيني لغرة جارةٍ ... ولا ودعت بالذّم حين تبين أبى الذّمّ آباء نمتنى جدودهم ... وفعلي بفعل الصالحين معين فهذا كما قد تعلمين وإنّني ... لجلدٌ عَلَى ريب الخطوب متين وإني لأعتام الرّجال بخلّتي ... أولى الرأي فِي الأحداث حين تحين فأبري بهم صدري وأصفي مودّتي ... وسرّك عندي بعد ذاك مصون أمرّ عَلَى الباغي ويغلظ جانبي ... وذو الودّ أحلولي له وألين فصل فِي ألفاظ معناها واحد وبعض حروفها مختلفة قَالَ الأصمعي، يُقَال: طاروا عباديد وأباديد أي متفرقين، ويقَالَ: هاث فيه وعاث إذا أفسد وأخذ الشيء بغير رفق، ويقَالَ: بطّ فلان جرحه وبجه، وأنشد:

لجاءت كأنّ القسور الجون بجّها ... عساليجه والثّامر المتناوح القسور: نبت، والجون، الذي يضرب إِلَى السواد من شدة خضرته، والعساليج: جمع عسلوج وهي هنات تنبسط عَلَى الأرض مثل العروق، والعساليج أيضاً: أغصان الشجر، واحدها علوج، والثّامر: الذي نضج ثمره، والمثمر: أول ما يطلع قبل أن ينضج، والمتناوح: المتقابل، ويقَالَ: نبض العرق ينبض، ونبد ينبد إذا ضرب، ويقَالَ: مرث خبزه فِي الماء ومرده، ومرثت الشيء ومردته إذا ليّنته بيدك، وكل شيء مرث قَالَ النابغة الجعدي: فلما أبى أن ينقص القود لحمه ... رفعت المريذ والمريد ليضمرا ويقَالَ: ارمدّ وارقدّ إذا مضى عَلَى وجهه، يريد أنه أسرع، قَالَ ذو الرمة يصف ظليماً: يرقدّ فِي ظلّ عرّاصٍ ويتبعه ... حفيف نافجةٍ عثنونها حصب العراص والعرات: المضطرب، والنافجة: أول كلّ ريح تبدو بشدّة، والفودج والهودج، والزّحاليف والزّحاليق: أثر تزلّج الصبيان من فوق إِلَى أسفل، فأهل العالية يقولون: زحلوفة وزحاليف، وتميم ومن يليهم من هوازن يقولون: زحلوقة وزحاليق، والمحتد والمحفد: أصل كل شيء، وعكرة اللسان وعكدته: أصله ومعظمه، والهزفّ والهجفّ: الجافي، ويقَالَ: استوثق من المال واستوثج إذا استكثر، والمأص والمعص من الإبل: البيض التي قد قارفت الكرم، واحدتها مأصة ومعصة، هذا قول أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، فأما يعقوب واللحياني فقالا: المغص بالغين المعجمة، ويقَالَ: شاكله وشاكهه، وتفكّه وتفكّن إذا تندّم ويقَالَ: عليه أمشاج من غزل، وأوشاج من غزل أي داخلة بعضها فِي بعض، ويقَالَ: ملقه بالسّوط وولقه إذا ضربه، قَالَ أَبُو عبيدة، يُقَال: هو قاد رمحٍ وقاب رمح أي قدر رمح.

سؤال بعض خلفاء بني أمية عن أشعر الناس

فقر من كلام الحكماء قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبي، قَالَ: قَالَ عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه: ما أقرن شيءٌ إِلَى شيء أفضل من علم إِلَى حلم، ومن عفوٍ إِلَى مقدرة قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبى، قَالَ: بلغني أن لقمان الحكيم كان يقول: ثلاثة لا يعرفون إلا فِي ثلاثة مواطن: الحليم عند الغضب، والشجاع عند الحرب، وأخوك عند حاجتك إليه قَالَ: وحَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ بعض الحكماء: أحزم الملوك من ملك جدّه هزله، ورأيه هواه، وأعرب عَنْ ضميره فعله، ولم يخدعه رضاه عَنْ حظّه، ولا غضبه عَنْ كيده قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا العكلي، عَنْ أبي خالد، عَنِ الهيثم، قَالَ: قدم حكيمٌ من حكماء أهل فارس عَلَى المهلّب، فقَالَ: أصلح الله الأمير، ما أشخصتني الحاجة، وما قنعت بالمقام، ولا أرضى منك بالنصف إذ قمت هذا المقام، قَالَ: ولم ذلك؟ قَالَ: لأنّ الناس ثلاثة: غنيٌ وفقير ومستزيد، فالغني من أعطي ما يستحقه، والفقير من منع حقه، والمستزيد الذي يطلب الفضل بعد الغنى، وإني نظرت فِي أمرك فرأيت أنك قد أديت إِلَى حقي فتاقت نفسي إِلَى استزادتك، فإن منعتني فقد أنصفتني، وإن زدتني زادت نعمتك عَلَى، فأعجب المهلّب كلامه وقضى حوائجه سؤال بعض خلفاء بني أمية عَنْ أشعر الناس قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: حَدَّثَنِي عمارة بن عقيل، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي يعني عقيل بن بلال، قَالَ: سمعت أبي يعني بلال بن جرير، يقول: سمعت جريراً يقول: دخلت عَلَى بعض خلفاء بن أمية، فقَالَ: ألا تحَدَّثَنِي عَنِ الشعراء؟ فقلت: بلى، قَالَ: فمن أشعر الناس؟ قلت: ابن العشرين، يعني طرفة، قَالَ: فما تقول فِي ابن أبي سلمى والنابغة؟ قلت: كانا ينيران الشّعر ويسديانه، قَالَ: فما تقول فِي أمرئ القيس بن حجر؟ قلت: اتخذ الخبيث الشعر نعلين يطؤهما كيف شاء، قَالَ: فما تقول فِي ذي الرّمة؟ قلت: قدر من الشعر عَلَى ما لم يقدر عليه أحد، قَالَ: فما تقول فِي الأخطل؟ قلت: ما باح بما فِي صدره من الشّعر حتى مات، قَالَ: فما تقول فِي الفرزدق؟

قلت: بيده نبعة الشعر قابضاً عليها، قَالَ: فما أبقيت لنفسك شيئاً! قلت: بلى، والله يا أمير المؤمنين أنا مدينة الشعر التي يخرج منها ويعود إليها، ولأنا سبّحت الشعر تسبيحاً ما سبّحه أحد قبلي، قَالَ: وما التسبيح؟ قلت: نسبت فأطرفت، وهجوت فأرذيت، ومدحت فأسنيت، ورملت فأغزرت، ورجزت فأبحرت، فأنا قلت ضروباً من الشعر لم يقلها أحد قبلي: كذا أملى علينا أرذيت، وهو صحيح ومعناه أسقطت، لأنه هاجى فِي زمانه عدة من الشعراء فأسقطهم غير الفرزدق، والرذية: الساقطة من الإبل من الهزال أو من الإعياء. قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن شبيب، قَالَ: أنشدنا ابراهيم بن المنذر الحزامي: فإنك لن ترى طرداً لحر ... كإلصاقٍ به طرف الهوان ولم تجلب مودةً ذي وفاء ... بمثل البر أو لطف اللّسان قَالَ: وأنشدا أيضاً أَبُو العباس: وجاءت للقتال بنو هليك ... فسحى يا سماء بغير قطر قَالَ أَبُو العباس: هؤلاء قوم استعظم الشاعر مجيئهم للقتال وصغر شأنهم عنده فقَالَ: فسحى يا سماء بغير قطر، يعني: بدم لا بقطر. قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابى، قَالَ: يُقَال وشع فِي الجبل يشع وشوعاً، ووقل يقل وقولاً، وسند يسند سنوداً، وتوقّل وتوشّع إذا صعّد فِي الجبل، وأنشد لشيخ من بني منقذ: ويلمّها لقحة شيخٍ قد نحل ... أبى جوارٍ دردقٍ مثل الحجل حوساء فِي السهل وشوعٌ فِي الجبل ... فِي الصّيف حسيٌ وهي فِي المشتى وشل الدردق: الصغار. والحوساء: الشديدة الأكل. وقوله: فِي الصيف لا ينقطع لبنها، وفي المشتى وشل، أي إذا انقطعت ألبان الإبل فلبنها يسيل كما يسيل الماء من أعلى الجبل، والوشل: ما يخرج بين الحجارة قليلاً قليلًا فشبه لبنها به.

قَالَ: وقرأت عليه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: يُقَال: دّبح ودّبخ، ودربح ودربخ، إذا ذلّ، قَالَ: والجدّ والجدة والجد والجدة والجد: وقَالَ: سيف باترٌ وبتور، وباضكُ وبضوكٌ أي قاطع، وقَالَ: لا يبضك الله يده قَالَ وحَدَّثَنِي أَبُو يعقوب ورّاق أَبِي بَكْرِ بن دريد، وكان من أهل العلم، قَالَ أَخْبَرَنِي مسبح بن حاتم، قَالَ: أَخْبَرَنَا سليمان بن أبي شيخ، قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد الأموي، قَالَ: تزوج رجل من أهل تهامة امرأةً من أهل نجد فأخرجها إِلَى تهامة، فلما أصابها حرّها قَالَت: ما فعلت ريحٌ كانت تأتينا ونحن بنجد يُقَال لها الصّبا؟ قَالَ: يحبسها عنك هذان الجبلان، فأنشدت: أيا جبلى نعمان بالله خلّيا ... نسيم الصّبا يخلص إِلَى نسيمها أجد بردها أو تشفِ مني حرارةً ... عَلَى كبدٍ لم يبقَ إلا صميمها فإن الصبا ريحٌ إذا ما تنسّمت ... عَلَى نفس مهمومٍ تجلت همومها قَالَ: وقرأت عَلَى أبى عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، لعلي بن الغديّر الغنوي: فذو الرأي منّا مستقادٌ لأمره ... وشاهدنا قاضٍ عَلَى من تغيّبا إذا غضب المولى لهم غضب الحصى ... فلم ترى أثرى من حصاهم وأصلبا أبى لي أنى لن أعير والدا ... دنيّا ولم يذمم فعالي فأقصبا ولم أنتسب يوماً سوى الأصل أبتغي ... به مأكلا يدني بذل ومشربا ولم تضرب الأرض العريضة فرجها ... عَلَى بأسباب إذا رمت مذهبا وهلك الفتى أن لا يراح إِلَى النّدى ... وأن لا يرى شيئا عجيبا فيعجبا أقصب: أشتم، وأصل القصب القطع، ومنه قيل للجزّار: قصّاب. قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي: يا قلب إنّك من أسماء مغرور ... فاذكر وهل ينفعك اليوم تذكير تأتي أمورٌ فما تدري أعاجلها ... خيرٌ لنفسك أم ما فيه تأخير فاستقدر الله خيراً وارضينَّ به ... فبينما العسر إذا دارت مياسير

وبينما المرء فِي الأحياء مغتبطاً ... إذ صار فِي الرمس تعفوه الأعاصير يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته فِي الحيّ مسرور حتى كأن لم يكن إلا تذكّره ... والدهر أيتما حلٍ دهارير الأعاصير جمع إعصار، والإعصار: الريح تثير الغبرة. قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: أملى علينا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، لرافع بن هريم اليربوعي: وصاحب السوء كالداء الغميض إذا ... يرفضّ فِي الجوف يجري هاهنا وهنا يبدي ويظهر عَنْ عورات صاحبه ... وما رأى من فعالٍ صالح دفنا كمهر سوءٍ إذا سكّنت سيرته ... رام الجماح وإن رفعته سكتا إن عاش ذاك فأبعد عنك منزله ... أو مات ذاك فلا تقرب له جننا يقَالَ: غمض وغمض، فمن قَالَ: غمض، قَالَ فِي الفاعل: غميض، ومن قَالَ: غمض، قَالَ فِي الفاعل: غامض، والجنن، والريم، والرمس، والجدث، والجدف: القبر. قَالَ وقرأت عليه، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي: وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ... ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قَالَ نعم. قَالَ وقرأت عليه، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ قيل لأعرابي: أيّما أحبّ إليك الخبز أو التمر؟ فقَالَ: التمر حلوٌ، وما عَنِ الخبز مصّبر، قَالَ: ومضى هذا الأعرابي الذي قَالَ: التمر حلو ثم عاد، فقيل له: مالك عدت؟ فقَالَ: إن الذئب لا يدع غيطاً شبع فيه قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: نزل رجلٌ من العرب فِي قوم عدىً فأساءوا عشرته، فقيل له: كيف وجدت جيرتك؟ فقَالَ: يغتابنا أقصاهم، ويكذب علينا أدناهم، ويكثرون لدينا نجواهم، ويكشفون علينا خصاهم

قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: قرأ إمام:] وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [سورة الفرقان: 68] ثم أرتج عليه، فقَالَ أعرابي من خلفه: إنك يا إمام ما علمت لفعولٌ لما تحيّرت فيه قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ: وكنا كغصني بانةٍ ليس واحدٌ ... يزول عَلَى الحالات عَنْ رأي واحد تبدّل بي خلاً فخاللت غيره ... وخلّيته لمّا أراد تباعدي ولو أن كفي لم تردني أبنتها ... ولم يصطحبها بعد ذلك ساعدي ألا قبح الرحمن كلّ مماذق ... يكون أخاً فِي الخفض لا فِي الشدائد قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، قَالَ: أنشدنا عبد الله بن شبيب: طرقتك بين مسبّح ومكبّر ... بحطيم مكّة حيث كان الأبطح فحسبت مكّة والمشاعر كلّها ... ورحالنا باتت بمسكٍ تنفح قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي: خبروها بأنني قد تزوجت ... فزلت تكاتم الغيظ سرا ثم قَالَت لأختها ولأخرى ... جزعاً ليته تزوّج عشرا وأشارت إِلَى نساء لديها ... لا ترى دونهنّ للسرّ سترا ما لقلبي كأنّه ليس مني ... وعظامي إخال فيهنّ فترا من حديث نمي إِلَى فظيع ... خلت فِي القلب من تلظّيه جمرا قَالَ: أنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله قَالَ: أنشدنا أَبُو عثمان الأشنانداني: بئس قريناً يفنٍ هالك ... أمّ عبيدٍ وأَبُو مالك قَالَ: أم عبيد: المفازة، وأَبُو مالك: الكبر، وأنشد. أبا مالكٍ إنّ الغواني هجرنني ... أبا مالك إني أظنك دائبا

كتاب عمر الوراق إلى أبي بكر بن حزم

قَالَ الأصمعي: يُقَال: قرطاط وقرطان، وحجر أصر حجر أيرّ إذا كان صلاداً صلباً، ويقَالَ: اغبن من ثوبك واخبن واكبن، ويقَالَ للناس والدواب إذا مرّوا يمشون مشياً ضعيفاً: مرّوا يدبون دبيباً ويدجّون دجيجاً، ويقَالَ: أقبل الحاجّ والدّاجّ، فالحاجّ: الذين يحجّون، والداجّ: الذين يدجّون فِي أثر الحاج، ويقَالَ للرجل والدابة إذا تعوّد الأمر: قد جرن عليه يجرن جرونا، ومرن عليه يمرن مروناً ومرانة. وقَالَ أَبُو عبيدة: ريحٌ ساكرةٌ وساكنةٌ، والزور والزون: كل شيء يتّخذ ربّاً ويعبد، وأنشد: جاءوا بزوريهم وجئنا بالأصمّ. وكانوا جاءوا ببعيرين فعقلوهما وقالوا: لا نفرّ حتى يفرّ هذان فعابهم بذلك، وجعلهما ربّين لهم. قَالَ أَبُو عمرو الشيباني: المغطغطة والمغططة: القدر الشديدة الغليان، وحكى الفراء، عَنِ امرأة من بني أسد أنها قَالَت: جاءنا سكران ملتكّاً فِي معنى جاء ملتخاً وهو اليابس من السكر، وقَالَ ابن الأعرابي: شيخٌ تاكٌّ وفاك، وقحر وقحم. قَالَ: الأصمعى من أمثال العرب: أشبه شرجٌ شرجاً لو أنّ أسمرا يضرب مثلاً للأمرين يشتبهان ويفترقان فِي شيء، وذكر أهل البادية أن لقمان بن عاد، قَالَ للقيم بن لقمان: أقم هاهنا حتى أنطلق إِلَى الإبل، فنحر لقيمٌ جزوراً فأكلها ولم يخبأ للقمان، فخاف لأئمته فحرّق ما حوله من السمر الذي بشرج، وشرجٌ: وادٍ، ليخفى المكان، فلما جاء لقمان جعلت الإبل تثير بأخفافها الجمر، فعرف لقمان المكان وأنكر ذهاب السّمر، فقَالَ: أشبه شرج شرجاً لو أن أسيمراً. كتاب عمر الوراق إِلَى أَبِي بَكْرِ بن حزم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبى، قَالَ: كتب عمر بن عبد العزيز الورّاق، رحمه الله، إِلَى أَبِي بَكْرِ بن حزم: إن الطالبين الذين أنجحوا، والتجار الذين ربحوا، هم الذين اشتروا الباقي الذي يدوم، بالفاني المذموم، فاغتبطوا ببيعهم، وأحمدوا عاقبة أمرهم، فالله الله، وبدنك صحيح، وقلبك مريح، قبل أن تنقضي أيامك، وينزل بك حمامك، فإن العيش الذي أنت فيه يتقلّص ظلّه، ويفارقه أهله، فالسعيد الموفّق من أكل فِي عاجله قصداً، وقدّم ليوم فقره ذخراً، وخرج من الدنيا محموداً، قد انقطع عنه علاج أمورها، وصار إِلَى الجنة وسرورها

قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله، عَنْ أحمد بن يحيى النحوي، لأبي حية النميري، وقرأت البيتين الأولين عَلَى أبي محمد عبد الله بن جعفر، عَنْ أبي العباس محمد بن يزيد النحوي: ألا حيّ من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى لمّا لبسن اللياليا إذا ما تقاضى المرء يومٌ وليلة ... تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا حنتك الليالي بعدما كنت مرةً ... سويّ العصا لو كنّ يبقين باقيا قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، قَالَ: قرأت عَلَى أبي حاتم، والرياشي، عَنْ أبي زيد، عَنِ المفضل الضّبي، للربيع بن ضبع الفزاري: أقفز من مية الجريب إِلَى ... الزجين إلا الظباء والبقرا كأنها درّة منعّمةٌ من ... نسوةٍ كنّ قبلها دررا أصبح مني الشباب مبتكراً ... إن ينأ عني فقد ثوى عصرا فارقنا قبل أن نفارقه ... لما قضى من جماعنا وطرا أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا من بعد ما قوةٍ أسرّ بها ... أصبحت شيخاً أعالج الكبرا هأنذا آمل الخلود وقد ... أدرك عمري ومولدي حجرا أبا امرئ القيس قد سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا ما يُقَال بالسين والزاي وقَالَ الأصمعي: تسلّع جلده وتزلّع إذا تشقّق، قَالَ الراعي: وغملي نصى بالمتان كأنها ... ثعالب موتى جلدها قد تسلّعا ويروى: قد تزلّعا، ويقَالَ: ضربه فسلع رأسه أي شقّه، ويقَالَ: خسق السهم وخزق إذا قرطس، وسهمٌ خازقٌ وخاسق، ويقَالَ: مكان شأزٌ وشأسٌ وهو الغليظ، ويقَالَ: نزغه ونسغه وندغه إذا طعنه بيد أو رمح، وقَالَ غيره: الشازب والشاسب: الضامر، وقَالَ الأصمعي: الشازب: الضامر

أحرف الإبدال

وإن لم يكن مهزولاً، والشاسب والشاسف: الذي يبس، قَالَ: وسمعت أعرابياً، يقول: ما قَالَ الحطيئة أينقاً شزبا، إنما قَالَ: أعنزا شسبّا، قَالَ ويروي بيت أبي ذؤيب. أكل الجميم وطاوعته سمحجٌ ... مثل القناة وأزعلته الأمرع ويروى: وأسعلته أي أنشطته، والزعل: النشاط، وقَالَ أَبُو عبيدة، يُقَال: معجس القوس وعِجس وعُجس، ومعجز وعجز وعجز: للمقبض. : اللغويون يذهبون إِلَى أن جميع ما أمليناه إبدال، وليس هو كذلك عند علماء أهل النحو، وإنما حروف الإبدال عندهم اثنا عشر حرفاً، تسعة من حروف الزوائد، وثلاثة من غيرها، فأما حروف الزوائد، فيجمعها قولنا: اليوم تنساه، وهذا عمله أَبُو عثمان المازني. أحرف الإبدال وأما حروف البدل فيجمعها قولنا: طال يوم أنجدته، وهذا أنا عملته، فالطاء تبدل من التاء فِي افتعل إذا كانت بعد الضاد، نحو قولك: اضطهد، وكذلك إذا كانت بعد الصاد فِي مثل اصطبر وبعد الظاء أيضاً فِي افتعل، والألف تبدل من الياء والواو إذا كانتا لامين فِي مثل رمى وغزا. وإذا كانتا عينين فِي مثل نام وقام، والعاب والماء، وإذا كانت الواو فاء فِي ياجل وأشباهه، وتكون بدلاً من التنوين فِي الوقف فِي حال النصب، مثل رأيت زيداً، وبدلاً من النون الخفيفة فِي الوقف إذا كان ما قبلها مفتوحاً، نحو قولك: اضربا، وقد أبدلوا اللام من النون، فقالوا: أصيلال، وإنما هو أصيلان، والياء تبدل من الواو فاء وعيناً، نحو ميزان، وقيل: تبدل من الألف والواو فِي النصب والجر فِي مسلمين ومسلمين، ومن الواو والألف فِي بهاليل وقراطيس وما أشبههما إذا حقّرت أو جمعت، وتبدل من الواو إذا كانت عيناً نحو ليّةٍ، وتبدل من الألف فِي الوقف فِي لغة من يقول: أفعى وحبلى، وقد أبدلوا من الهمزة فقالوا فِي قرأت: قريت، وتبدل من الحرف المدغم نحو قيراط، ألا تراهم، قالوا: قريريط، ودينار ألا تراهم قالوا: دنينير، وتبدل من الواو إذا كانت لاماً فِي مثل قضيا ودنيا، وتبدل من الواو فِي مثل غاز ونحوه، وتبدل من الواو فِي شقيت وعنيت وأشباههما، والواو

وصايا لبعض الحكماء

تبدل من الياء فِي موقن وموسر ونحوهما، وتبدل من الياء فِي عموي ورحوي، إذا نسبت إِلَى عمي ورحى، وتبدل من الياء إذا كانت عينا فِي كوسى وطوبى ونحوهما، وتبدل من الياء إذا كانت لاماً فِي شروي وتقوى ونحوهما، وتبدل مكان الألف فِي الوقف فِي لغة من يقول: أفعو وحبلو، كما أبدل مكانها الياء من كانت لغته أفعى وحبلى، وبعض العرب يجعل الواو والياء ثابتتين فِي الوقف والوصل، وتبدل من الألف فِي ضورب وتضورب ونحوهما، وضويرب ودوينق، فِي ضارب ودانق وضوارب ودوانق اذا جمعت ضاربا ودانقا، وتبدل من ألف التأنيث الممدودة إذا أضفت أو ثنيت فقلت: حمراوان وحمراوي، وتبدل من الياء فِي فتو وفتوة، يريد جمع الفتيان، وذلك قليل، كما أبدلوا الياء مكان الواو فِي عتيٍّ وعصيٍّ، وتكون بدلاً من الهمزة المبدلة من الياء والواو فِي التثنية والإضافة نحو كساوان وغطاويّ، والميم تبدل من النون فِي العنبر وشنباء ونحوهما اذا سكنت وبعدها باء، وقد أبدلت من الواو فِي فمٍ وذلك قليل، كما أن إبدال الهمزة من الهاء بعد الألف فِي ماء ونحوه قليل. والهمزة تبدل من الواو والياء اذا كانتا لامين فِي قضاء وشقاء ونحوهما، واذا كانت الواو عيناً فِي أدؤر وأنؤر والسؤر ونحو ذلك، وإذا كانت فاء نحو أجوه وإسادة وأوعد، والنون، تكون بدلًا من الهمزة فِي فعلان فعلى كما أن الهمزة بدل من ألف حمراء، والجيم تكون بدلاً من الياء المشددة فِي الوقف، نحو علجّ وعوفجّ يراد عَلَى وعوفيّ، والدال تكون بدلاً من التاء فِي افتعل إذا كانت بعد الزاي فِي مثل ازدجر ونحوها، والتاء تكون بدلاً من الواو إذا كانت فاء نحو اتّعد واتّهم واتّلج وتراث وتجاه ونحو ذلك، ومن الياء فِي افتلعت من يئست ونحوها، وقد أبدلت من الدال والسين فِي ست، وهذا قليل، وأبدلت من الياء إذا كانت لاماً فِي أسنتو، وهو قليل أيضاً، والهاء تبدل من التاء التي يؤنّث بها الاسم فِي الوقف نحو طلحة وما أشبهها، وتبدل من الهمزة فِي هرقت وهمرت، وقد أبدلت من الياء فِي هذه، وذلك فِي كلامهم قليل، كما أن تبين الحركة بالألف قليل إنما جاء فِي أنا وحيّهلا. وصايا لبعض الحكماء قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا العكلي، عَنِ ابن أبي خالد، عَنِ الهيثم، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن عيّاش، قَالَ: قَالَ مروان بن زنباع العبسي، وهو مروان القرط، يا بني عيس، احفظوا عني ثلاثا:

عمرو بن شأس وما كان بين امرأته وابنة عرار

إعلموا أنه لم ينقل أحد إليكم حديثاً إلا نقل عنكم مثله، وإياكم والتزويج فِي بيوتات السوء، فإن له يوماً ناجثاً، واستكثروا من الصديق ما قدرتم، واستقلّوا من العدو، فإن استكثاره ممكن: الناجث: الحافر، والنّجيثة: ما يخرج من تراب البئر. قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، وعَنِ العتبي، أيضاً قالا: قَالَ مسلم بن قتيبة: لا تطلبنّ حاجتك إِلَى واحد من ثلاثة لا تطلبها إِلَى الكذاب، فإنه يقرّبها وهي بعيدة ويبعدها وهي قريبة، ولا تطلبها إِلَى الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك وهو يضرّك، ولا تطلبها إِلَى رجل له عند قوم مأكلة، فإنه يجعل حاجتك وقاء لحاجته قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت رجلاً فِي حلقة أبي عمرو بن العلاء، يقول: قَالَ الحسن لابنه: يا بني، إذا جالست العلماء فكن عَلَى أن تسمع أحرص منك عَلَى أن تقول، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت، ولا تقطع عَلَى أحد حديثاً، وإن طال حتى يمسك. قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ رجل لابنه: يا بني، لا تلاحينّ حكيماً، ولا تحاورن لجوجاً، ولا تعاشرن ظلوماً، ولا تواخين متهماً قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، لرجل كانت تنحيّ امرأته ابنه عنه: أزحنة عني تطردين تبدّدت ... بلحمك طيرٌ طرن كلّ مطير قفي لا تزلّي زلّةً ليس بعدها ... جبورٌ وزلات النساء كثير فإني وإياه كرجلي نعامةٍ ... عَلَى كلّ حالٍ من غني وفقير. قَالَ: كرجلي نعامة فِي اتفاقنا وأنّا لا نختلف، قَالَ: وليس شيء من البهائم إلا وهو إن انكسرت إحدى رجليه انتفع بالأخرى إلا النعامة، وقَالَ غير ابن الأعرابي: لأنه لا مخّ لها. عمرو بن شأس وما كان بين امرأته وابنه عرار قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنِ الطوسي، قَالَ: كانت لعمرو بن شأس امرأة من رهطه، يُقَال لها أم حسان بنت الحارث، وكان له ابن يُقَال له عرار من أمةٍ له سوداء، فكانت

تعيره به وتؤذي عراراً ويؤذيها وتشتمه ويشتمها، فلما أعيت عمراً بالأذى والمكروه فِي ابنه قَالَ الكلمة التي فيها هذه الأبيات قَالَ: وقَالَ ابن الأعرابي: قالها فِي الإسلام وهو شيخ كبير. ألم يأتها أني صحوت وأنّني ... تحلّمت حتى ما أعارم من عرم وأطرقت إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغاً لنابيه الشجاع لقد أزم فإن عراراً إن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم وإن عرار إن يكن ذا شكيمة ... تقاسينها منه فما أملك الشيم أردت عرارا بالهوان ومن يرد ... عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم فإن كنت مني أو تريدين صحبتي ... فكوني له كالسمن ربّ له الأدم وإلا فسيري مثل ما سار راكبٌ ... تيممّ خمساً ليس فِي سيره يتم ويروى: خمساً، يريد خمسة أيام، وإنما أسقط الهاء من خمسة لأنه لم يذكر الأيام، كما تقول صمنا من الشهر خمسا، تريد خمسة أيام. : يُقَال: عرم الغلام يعرم عرماً، وغلام عارمٌ، وغلمان عرّام وعرمةٌ، وقَالَ ابن الأعرابي: العرم: وضر القدر ووسخها. وقَالَ غيره: العرام: العراق من اللحم، والعمم: الطول، والعميم: الطويل، فوصفه بالعمم وهو المصدر، كما قالوا: رجل عدل أي عادل. واليتم والأتم: الإبطاء، وقَالَ الطوسي: اليتم: الغفلة، ومنه أخذ اليتيم، كأنه يذهب إِلَى أنه أغفل فضاع، وأما غيره فيقول: اليتيم: الفرد، ويتم إذا انفرد، ومنه الدرّة اليتيمة. قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد: أنزلني الدهر عَلَى حكمه ... من شاهقٍ عَلَى إِلَى خفض وغالني الدهر بوفر الغنى ... فليس لي مالٌ سوى عرضى لولا بنيات كرغب القطا ... أجمعن من بعضٍ إِلَى بعض لكان لي مضطربٌ واسعٌ ... فِي الأرض ذات الطول والعرض وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي عَلَى الأرض

ضبط بعض أسماء متشابهة

قَالَ: وقرأت عليه لمعن بن أوس: رأيت رجالاً يكرهون بناتهم ... وفيهنّ لا نكذب نساءٌ صوالح وفيهنّ والأيام يعثرن بالفتى ... عوائد لا يمللنه ونوائح ضبط بعض أسماء متشابهة قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ أشياخه، قَالَ: كل ما فِي العرب عدَس بفتح الدال إلا عدُس بن زيد فإنه بضمها، وكل ما فِي العرب سدَوس بفتح السين إلا سدُوس بن أصمع فِي طيّ، وكل ما فِي العرب فُرافصة بضم الفاء إلا فَرافصة أبا نائلة امرأة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكل ما فِي العرب مِلكان بكسر الميم إلا مَلكان بن حزم بن زباّن فإنه بفتحها، وكل ما فِي العرب أسلَم بفتح الهمزة واللام إلا أسلُم بن الحكم من قضاعة قَالَ: وأنشدنا أَبُو الحسن الأخفش، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: بكلِّ بلادٍ أم بكلِّ مظنَّةٍ ... أخو أمل منا يحاول مطمعا كأنَّا خلقنا للنَّوى وكأنما ... حرام عَلَى الأيام أن تتجَّمعا قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لقطريِّ بن الفجاءة: لا يركنن أحد إِلَى الاحجام ... يوم الوغى متخِّوفاً لحمام فلقد أراني للرِّماح دريئةً ... من عَنْ يميني مرةً وأمامي حتى خضبت بما تحدَّر من دمي ... أكناف سرجي أو عنان لجامي ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الأقدام الدريئة مهموزة: الحلقة التي يتعلم عليها الطعن وهي فعيلة بمعنى مفعولة من درأت أي دفعت، والدَّريَّة غير مهموزة: دابة أو جمل يستتر به الصائد فيرمي الصيد، وهو من دريت أي ختلت، وقَالَ الشاعر: فان كنت لا أدري الظِّباء فإنّني ... أدسُّ لها تحت التراب الدواهيا

وبنوه عَلَى مثال خديعة إذ كان فِي معناها، وقوله: أكناف سرجي أو عنان لجامي أراد: وعنان لجامي، وقوله: جذع البصيرة أي فتى الاستبصار أي وأنا عَلَى بصيرتي الأولى. وقوله: قارح الأقدام أي متناه فِي الأقدام. قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لئن درست أسباب ما كان بيننا ... من الودّ ما شوقي إليك بدارس وما أنا من أن يجمع الله بيننا ... عَلَى خير ما كنّا عليه بيائس. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن خلف، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جابر محرز بن جابر، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، قَالَ: أرسلت أمّ جعفر زبيدة، إِلَى أبي العتاهية، أن يقول عَلَى لسانها أبياتاً يستعطف بها المأمون فتأبى، ثم أرسل إليها هذه الأبيات. ألا إنّ صرف الدهر يدني ويبعد ... ويمتع بالالاف طوراً ويفقد أصابت بريب الدهر مني يدي يدي ... فسلّمت للأقدار والله أحمد وقلت لريب الدهر إن هلكت يدٌ ... فقد بقيت والحمد لله لي يد إذا بقي المأمون لي فالرشيد لي ... ولي جعفرٌ لم يفقدا ومحمد فلما قرأها المأمون استحسنها وسأل عَنْ قائلها، فقيل: أَبُو العتاهية، فأمر له بعشر آلاف درهم، وعطف عَلَى زبيدة وزاد فِي تكرمتها وأثرتها قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التؤزي، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: قَالَ موسى: شهوات يهجو عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر، ويمدح عمر بن موسى بن طلحة بن عبيد الله: تباري ابن موسى يا بن موسى ولم تكن ... يداك جميعاً تعدلان له يدا تباري إمرأً يسرى يديه مفيدة ... ويمناهما تبني بناءً مشيدّاً فإنك لم تشبه يداك ابن معمرٍ ... ولكنّما أشبهت عمّك معبدا وفيك وإن قيل ابن موسى بن معمر ... عروق يدعَنِ المرء ذا المجد قعددا ثلاثة أعراقٍ فعرقٌ مهذبٌ ... وعرقان شانا ما أصابا فأفسدا

شرح بعض الأمثال

قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: وكان معبد مولى، وكان أخا أبيه لأمه، وله حديث قد ذكره أَبُو عبيدة فِي المثالب، القعدُدُ والقعدَدُ لغتان: اللئيم الأصل، والإقعاد: قلة الأجداد، والاطراف: كثرة الأجداد كلاهما مدح. قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه: لعمرك ما حقّ امرئٍ لا يعد لي ... عَلَى نفسه حقاً عَلَى بواجب وما أنا للنائي عَلَى بوده ... بودي وصافي خلتّي بمقارب ولكنّه إن مال يوماً بجانبٍ ... من الصّدّ والهجران ملت بجانب قَالَ: وأملى علينا أَبُو الحسن الأخفش، قَالَ: كتب محمد بن مكرم إِلَى أبي العيناء: أما بعد، فإني لا أعرف للمعروف طريقاً أوعر ولا أحزن من طريقه إليك، ولا مستودعاً أقلّ زكاةً وأبعد غنماً من خير يحلّ عندك، لأنه يصير منك إِلَى دينٍ ردي، ولسان بذيّ، وجهلٍ قد ملك عليك طباعك، فالمعروف لديك ضائع، والصّنيعة عندك غير مشكورة، وإنما غرضك من المعروف أن تحرزه، وفي مواليه أن تكفره شرح بعض الأمثال قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: من أمثال العرب لا أخاف إلا من سيل تلعتي، أي إلا من بني عمي وقرابتي قَالَ: والتّلعة: مسيل الماء إِلَى الوادي، لأن من نزل التلعة فهو عَلَى خطر، إن جاء سيل جرف بهم، وقَالَ هذا وهو نازلٌ بالتّلعة، أي لا أخاف إلا من مأمني. : وسألت أَبُو بَكْرِ بن دريد، عَنِ المثل الذي تضربه العرب لمن جازى صاحبه بمثل فعله وهو قولهم: يومٌ بيوم الحفض المجوّر، فقَالَ: أصل هذا المثل أن أخوين كان لأحدهما بنون ولم يكن للآخر ولد، فوثبوا عَلَى عمهم فجّوروا بيته أي ألقوه بالأرض، ثم نشأ للآخر بنون فوثبوا عَلَى عمه فجّوروا بيته فشكا ذلك إِلَى أخيه، فقَالَ: يوم بيوم الخفض المجور. : والحفض: متاع البيت، والحفض أيضاً: البعير الذي يحمل عليه متاع البيت، وإنما سمي حفضاً لأنه منه بسبب، والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب، ولذلك

الكلام على مادة هجر

قيل للجلد الذي يحمل فيه الماء: راوية، وإنما الراوية: البعير الذي يستقى عليه، وينشد بيت عمرو بن كلثوم عَلَى وجهين. ونحن إذا عماد البيت خرّت ... عَلَى الأحفاض نمنع من يلينا ويروى: عَنِ الأحفاض، فمن روى عَلَى أراد متاع البيت، ومن روى عَنْ أراد الجمل الذي يحمل عليه متاع البيت. الكلام عَلَى مادة هجر قَالَ أَبُو نصر: هجرت فلاناً أهجره هجراناً وهجراً، إذا تركت كلامه، وهجر الرجل فِي منامه يهجر هجراً، إذا هذي وتكلَّم فِي منامه، وأهجر يهجر إهجاراً وهجرا، إذا قَالَ: هجرا أي فحشا وكلاماً قبيحاً، وهجرت البعير أهجره هجوراً وهو أن تشدَّ حبلاً من حقوه إِلَى خف يده، وذلك الحبل يسمَّى الهجار، وروى أَبُو عبيد عَنِ الأصمعي: هجرت البعير أهجره هجراً وهو أن تشّد حبلاً فِي رسغ رجله ثم تشده إِلَى حقوه إن كان عرياً، وإن كان مرحولاً شددته إِلَى حقيبته، وذكر الأصمعي فِي كتاب الصفات نحو قول أبي عبيدة، قَالَ: وهو أن تشدّ حبلاً من وظيف رجله إِلَى حقوه، وأنشد: فكعكعوهنّ فِي ضيق وفي دهشٍ ... ينزون من بين مأبوضٍ ومهجور وقَالَ أَبُو نصر: وهاجر الرجل يهاجر مهاجرة إذا خرج من البدو إِلَى المدن: ويقَالَ: هاجر أيضاً إذا خرج من بلد إِلَى بلد، وقَالَ أَبُو نصر ويقَالَ لكل ما أفرط فِي طول أو غيره: مهجر والأنثى مهجرة، ونخلة مهجرة، إذا أفرطت فِي الطول قَالَ الراجز: تعلوا بأعلى السّحق المهاجر ... منها عشاش الهدهد القراقر وقَالَ غيره: الهاجريٌ: الحاذق بالإستقاء، ويقَالَ: هذا أهجر من هذا أي أفضل منه، ويقَالَ: لكل شيء فضل شيئاً: هو أهجر منه، ولهذا قيل للّبن الجيد: هجير، ويقَالَ: إنّ معاوية، رحمه الله، خرج متنزهاً فمر بحواء ضخم فقصد قصد بيت منه، فإذا بفنائه امرأةٌ برزة، فقَالَ لها: هل من غذاء؟ قَالَت: نعم حاضر، قَالَ: وما غداؤك؟ قَالَت: خبزٌ خمير، وماءٌ نمير، وحيسٌ فطير، ولبن هجير، فثنى وركه ونزل، فلما تغدى، قَالَ: هل لك من حاجة؟ فذكرت حاجة أهل الحواء، قَالَ: هاتي

شرح سؤال بعض الأعراب

حاجتك فِي خاصة نفسك، قَالَت: يا أمير المؤمنين، إني أكره أن تنزل وادياً فيرفّ أوله، ويقفّ آخره، وقَالَ أَبُو عبيدة: هذا أهجر من هذا أي أعظم منه. وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: يُقَال: هذا الطريق أهجر من هذا أي أبعد منه، والهجرة: البعد، وأصل هذه العبارات كلها واحد وقَالَ غيره: والهاجري: وقَالَ بعضهم والهاجريّ منسوب إِلَى هجر، فأدخل فيه الألف واللام، وليس هذا القول بمرضيٍّ، وقَالَ أَبُو نصر والهاجرة والهجير والهجر وقت زوال الشمس، قَالَ الشاعر: كأنّ العيس حين أنخن هجرا ... مفقأة نواظرها سوامي ويقَالَ: ما زال ذلك هجيراه، أي دأبه الذي يهجر به، ويقَالَ: إهجيراه أيضاً لغتان، ويقَالَ: أتانا عَلَى هجر أي بعد سنة فصاعداً. شرح سؤال بعض الأعراب وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، عَنْ يونس، قَالَ: وقف أعرابي فِي المسجد الجامع فِي البصرة، فقَالَ: قلّ النّيل، ونقص الكيل، وعجفت الخيل، والله ما أصبحنا ننفخ في وضح، وما لنا في الدّيوان من وشمة، وإنا لعيال جربّة، فهل من معين أعانه الله يعين ابن سبيل، ونضو طريق، وفلّ سنة؟ فلا قليل من الأجر ولا غنى عَنِ الله، ولا عمل بعد الموت: الوضح: اللّبن، وإنما سمي وضحاً وقَالَ الهذلي: عقّوا بسهمٍ فلم يشعر به أحد ... ثم استفاءوا وقالوا حبذّا الوضح عقّوا: رموه إِلَى السماء، واستفاءوا: رجعوا، والوشمة مثل الوشم فِي الذراع، يريد الخطّ، والجربة: الجماعة، ويقَالَ: الجربّة: المتساوون، ويقَالَ: عيال جربّة، أي كبار كلهم لا صغير فيهم، قَالَ: الراجز: جربّة كحمر الأبك ... لا ضرعٌ فيهم ولا مذكّى والفلّ: القوم المنهزمون، يعني يعني أنه انهزم من الجدب، والفلّ: الأرض التي لم يصبها مطر، وجمعها أفلال.

وصف أعرابي للسويق

وصف أعرابي للسويق قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: قَالَ الأصمعي: عاب رجلٌ السّويق بحضرة أعرابي، فقَالَ: لا تعبه، فإنه عدة المسافر، وطعام العجلان، وغذاء المبكر، وبلغة المريض، ويسرو فؤاد الحزين، ويردّ من نفس المحدود، وجيدٌ فِي التسمين، ومنعوتٌ فِي الطّب، وقفاره يجلو البلغم، وملتوته يصفّي الدّم، وإن شئت كان شراباً، وإن شئت كان طعاماً، وإن شئت فثريداً، وإن شئت فخبيصا يسرو: يكشف ما عليه، يُقَال: سراً عنه ثوبه إذا نزعه، والمحدود: الذي قد حدّ أي قد ضرب الحدّ، والقفار: الذي لم يلتّ بشيء من أدم لا زيتٍ ولا سمن ولا لبن، يُقَال: طعام قفار وعفار وعفير وسختيت وحثٌ. حَدَّثَنِي أَبُو عمرو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الاعرابي، قَالَ: العرب تقول: ماء قراح، وخبزٌ قفار لا أدم معه، وسويق حثٌ وهو الذي لم يلتّ بسمن ولا زيتٍ، وحنظل مبسل وهو أن يؤكل وحده قَالَ الراجز: بئس الطعام الحنظل المبسّل ... ييجع منه كبدي وأكسل ويروى: ياجع قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ أعرابى: اعتذارٌ من منع أجمل من وعد ممطول تخاصم مالك بن أسماء بن خارجة وأخيه عيينة وما قاله فيه من الشعر لما حبسه الحجاج وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، قَالَ: كان مالك بن أسماء بن خارجة واجداً عَلَى أخيه عيينة بن أسماء، وطال ذلك حتى تفاقم الأمر بينهما، فأخذ الحجاج عيينة فحبسه لجبايات كانت له، وكتب إِلَى مالك يعلمه بذلك وهو يظن أنه يسره، فلما قرأ الكتاب أنشأ يقول: ذهب الرّقاد فما يحسّ رقاد ... مما شجاك وملّت العواد خبرٌ أتاني عَنْ عيينة مفظعٌ ... كادت تقطّع عنده الأكباد ويروى: عَنْ عيينة موجعٌ بلغ النفوس بلاؤه فكأننا ... موتى وفينا الروح والأجساد

شعر لنصيب

يرجون غرّة جدّنا ولو أنهم ... لا يدفعون بنا المكاره بادوا لما أتاني عَنْ عيينة أنه ... أمسى عليه تظاهر الأقياد نخلت له نفسي النّصيحة إنه ... عند الشدائد تذهب الأحقاد وعلمت أنّى إن فقدت مكانه ... ذهب البعاد فكان فيه بعاد ورأيت فِي وجه العدوّ شكاسةً ... وتغيرّت لي أوجهٌ وبلاد وذكرت أيُّ فتىً يسدُّ مكانه ... بالرّفد حين تقاصر الإرفاد أمن يهين لنا كرائم ماله ... ولنا إذا عدنا إليه معاد الشكاسة: سوء الخلق، والشكس: السيئ الخلق. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: أنشدنا أَبُو بَكْرٍِ السمسار، قَالَ: أنشدنا أَبُو بَكْرٍِ الأموي، عَنِ الحسين بن عبد الرحمن، للخليل بن أحمد: إن كنت لست معي فالذّكر منك هنا ... يرعاك قلبي وإن غيبت عَنْ بصري العين تفقد من تهوى وتبصره ... وناظر القلب لا يخلو من النظّر قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ أيضاً، قَالَ: أنشدنا أَبُو عَلَى العمري، قَالَ: أنشدنا مسعود بن بشر: أما والذي لو شاء لم يخلق النّوى ... لئن غبت عَنْ عيني لما غبت عَنْ قلبي يوهّمنيك الشّوق حتّى كأنما ... أناجيك من قربٍ وإن لم تكن قربي شعر لنصيب قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه، قَالَ: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى، يقول: قَالَ جرير: وددت أنى سبقت ابن السوداء يعني نصيباً، إِلَى هذه الأبيات: بزينب ألمم قبل أن يرحل الرّكب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب وقل إن ننل بالودّ منك محبةً ... فلا مثل ما لاقيت من حبكم حبُّ وقل فِي تجنّيها لك الذّنب إنما ... عتابك من عاتبت فيما له عتب فمن شاء رام الصّرم أو قَالَ ظالماً ... لذي وده ذنب وليس له ذنب

هجر بعض الأعراب لأولاده

خليلي من كعبٍ ألمّا هديتما ... بزينب لا تفقد كما أبداً كعب من اليوم زوراها فإنّ ركابنا ... غداة غد عنها وعن أهلها نكب : النّكب: الموائل وقولاً لها يا أمّ عثمان خلّتي ... أسلمٌ لنا فِي حبّنا أنت أم حرب وقَالَ رجل حسبه من طلابها ... فقلت كذبتم ليس لي دونها حسب قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، لأسماء المرّيّة صاحبه عامر بن الطّفيل: أيا جبلى وادي عريعرة التي ... نأت عَنْ ثوى قومي وحقّ قدومها ألا خليّاً مجرى الحنوب لعلّه ... يداوي فؤادي من جواه نسيمها وكيف تداوى الريح شوقاً مماطلاً ... وعيناً طويلاً بالدّموع سجومها وقولًا لركبان تميمية غدت ... إِلَى البيت ترجو أن تحطّ جرومها بأنّ بأكناف الرّغام غريبةً ... مولهةً ثكلى طويلاً نئيمها مقطعةً أحشاؤها من جوى الهوى ... وتبريح شوق عاكف ما يرمها النّئيم: الصوت قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابى، قَالَ: الطّاية والتّاية، والغاية، والراية، والآية، فالطاية السّطح الذي ينام عليه، والتاية أن تجمع بين رءوس ثلاث شجرات أو شجرتين فتلقى عليها ثوباً فتستظلّ به، والغاية: أقصى الشيء وتكون من الطير التي تغبي عَلَى رأسك أي ترفرف، والآية: العلامة وبهذا الإسناد قَالَ: قَالَ خالد بن صفوان: والله ما يأتي علينا يوم إلا ونحن نؤثر الدنيا عَلَى ما سواها، وما تزداد لنا إلا تخليّا، وعنا إلا توليا هجر بعض الأعراب لأولاده قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: وأنشدنا الرياشي، لأعرابي يهجو بنيه: إن بنيّ كلّهم كالكلب ... أبرهّم أولاهم بسبي

لم يغن عنهم أدبي وضربي ... ولا إتّساعي لهم ورحبي فليتني متّ بغير عقب ... أوليتني كنت عقيم الصّلب قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: وأنشدنا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، لحضين بن المنذر يهجو ابنه غياظا: نسي لما أوليت من صالح مضى ... وأنت لتأنيبٍ عَلَى حفيظ تلين لأهل الغلّ والغمر منهم ... وأنت عَلَى أهل الصّفاء غليظ عدوّك مسرور وذو الودّ بالذي ... أتى منك من غيظٍ عَلَى كظيظ وسمّيت غياظا ولست بغائط ... عدواًّ ولكنّ الصديق تغيظ فلا حفظ الرحمن روحك حيّةً ... ولا هي فِي الأرواح حين تفيظ قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله: إن يحسدوني فإنّي غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات وما أكثرنا غيظاً بما يجد أنا الذي يجدوني فِي صدورهم ... لا أرتقى صدراً منها ولا أرد قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله: أخ لي كأيام الحياة إخاؤه ... تلوّن ألواناً عَلَى خطوبها إذا عبت منه خلّةً فهجرته ... دعتني إليه خلّة لا أعيبها قَالَ: وأنشدني أَبُو بَكْرِ بن أبى الأزهر، مستملى أبى العباس، قَالَ: أنشدني الزبير بن بكّار، لسويد بن الصامت: ألا ربما تدعو صديقاً ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفرى لسان له كالشّهد ما دمت حاضراً ... وبالغيب مطرور عَلَى ثغرة النحر مطرور: محدّد، من طررت السكين: حددتها. رثاء نهار بن توسعة للمهلب وما ترتب عَلَى ذلك قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: مات المهلّب بمرو الرّوذ بخراسان، وكانت ولايته أربع سنين، فقَالَ نهار بن توسعة:

مطلب في ألفاظ وردت بمعنى الثبات والإقامة.

ألا ذهب الغزو المقّرب للغني ... ومات النّدى والحزم بعد المهلّب أقاما بمرو الرّوذ رهن ضريحه ... وقد غيّبا عَنْ كل شرقٍ ومغرب ثم ولى بعده قتيبة بن مسلم، فدخل عليه نهار فيمن دخل وهو يعطي الناس العطاء، فقَالَ: من أنت؟ قَالَ: نهار بن توسعة، قَالَ: أنت القائل فِي المهلّب ما قلت؟ قَالَ: نعم، وأنا القائل وما كان مد كنّا ولا كان قبلنا ... ولا كائن من بعد مثل ابن مسلم أعمّ لأهل الشّرك قتلاً بسيفه ... وأكثر فينا مغنماً بعد مغنم قال: إن شئت فأقلل، وإن شئت فأكثر، وإن شئت فأحمد، وإن شئت فذمّ، ولا تصيب مني خيرا أبدا، يا غلام، اقرض اسمه من الدفتر، فلزم منزله، حتى قتل قتيبة وولى يزيد، فأتاه فدخل عليه وهو يقول: إن كان ذنبي يا قتيبة أنني ... مدحت امرأً قد كان فِي المجد أوحدا أبا كلّ مظلومٍ ومن لا أبا له ... وغيث مغيثات أطلن التّلدّدا فشأنك إن الله إن سؤت محسن ... إِلَى إذا أبقى يزيد ومخلدا قَالَ: إحتكم، قَالَ: مائة ألف درهم، فأعطاه إياها، وقَالَ أَبُو عبيدة مرة أخرى، بل كان الممدوح مخلد بن يزيد، وكن خليفة أبيه عَلَى خراسان، فكان نهار يقول بعد موته، رحم الله مخلداً فما ترك لي بعده من قول مطلب فِي ألفاظ وردت بمعنى الثبات والإقامة. قَالَ اللحياني: دجن بالمكان يدجن دجوناً فهو داجن، إذا ثبت وأقام، ومثله رجن يرجن رجوناً فهو راجن، وقَالَ غيره ومنه قليل: شاة راجنة إذا أقامت فِي البيوت عَلَى علفها وقَالَ اللحياني وتن يتن وتوناً، وقَالَ الأصمعي: الواتن: الثابت الدائم، وقَالَ اللحياني: تنأ يتنأ تنوءا فهو تانئ، وتنخ ينتخ تنوخاً فهو تانخ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد: ومنه سّميت تنوخ، لأنها أقامت فِي موضعها، وقَالَ اللحياني: وركد يركد ركودا، وألحم يلحم إلحاماً، وقَالَ يعقوب بن السيكت: وقطن يقطن قطوناً فهو قاطن، قَالَ العجاج: قواطناً مكة من ورق الحمى.

ومكد يمكد مكوداً فهو ماكد، ومنه قيل: ناقة ماكدٌ ومكودٌ، إذا ثبت غزرها فلم يذهب وأَخْبَرَنَا الغالبي، عَنْ أبي الحسين بن كيسان، عَنْ أبي العباس أحمد بن يحيى، قَالَ: زعم الأصمعي أن الغزر لغة أهل البحرين، وأن الغزر بالفتح اللغة العالية، وقَالَ يعقوب: ورمك يرومك رموكاً فهو رامك، وثكم يثكم ثكوماً فهو ثاكم، وأرك يأرك أروكاً فهو آركٌ، وإبل آركة فِي الحمض أي مقيمة، فأما الأوارك فالتي تأكل الأراك، وعدن يعدن عدناً، وزاد اللحياني: وعدوناً، ومنه قيل: جنة عدن أي جنة إقامة، وإبل عوادن إذا أقامت فِي موضع، قَالَ يعقوب: ومنه المعدن، لأن الناس يقيمون فيه فِي الشتاء والصيف، إنما قيل له معدن لثبات ذلك الجوهر فيه، قَالَ العجاج. من معدن الصّيران عدمليُّ يعني كناساً فيه وثبات البقر، وقَالَ يعقوب: وتلد يتلد تلوداً، وبلد يبلد بلودا، ومنه اشتقاق البليد كأنه ثبت فلم يتخطّ لجوابٍ ولا تصرفٍ، قَالَ يعقوب: وأبد يأبد أبوداً، وألبد يلبد إلبادا فهو ملبد، واللبد من الرجال: الذي لا يبرح منزله، قَالَ الراعي: من أمر ذي بدواتٍ لا تزال له ... بزلاء يعيابها الجثّامة اللّبد وألثّ يلثّ فهو ملثٌ، وألثّت السماء إذا دام مطرها، وأربّ يربُّ إرباباً فهو مربٌّ، وألبّ يلبّ إلباباً فهو ملبُّ، ولبّ أيضاً وهي بالألف أكثر، قَالَ ابن أحمر: لبّ بأرضٍ ما تخطّاها النّعم قَالَ الخليل: ومنه قولهم لبيك وسعديك، كأنه قَالَ: إجابة لك بعد إجابة، ولزوماً لك بعد لزوم، أي كلما دعوتني أجبتك ولزمت طاعتك، ورمأ يرمأ رمأ ورموءاً، وخيّم يخيّم تخييماً وريّم يريّم تريّيما، وفنك يفنك فنوكاً، وفنك فِي الشيء إذا لجّ فيه، وأنشد الفراء لما رأيت أمرها فِي حطّي ... وفنكت فِي كذبٍ ولطِّ أخذت منها بقرونٍ شمط ... حتّى علا الرأس دمٌ يغطي وأبن بين إبناناً فهو مبنٌّ، قَالَ النابغة: غشيت منازلاً بعريتناتٍ ... فأعلى الجزع للحي المبن

وبجد بالمكان يبجد بجوداً فهو باجد، ومنه قيل أنا ابن بجدتها، أي أنا عالم بها، وحكى يعقوب عَنِ الفراء: هو عالم ببجدة أمرك، وبجدة أمرك كقولك بداخلة أمرك، وقَالَ ابن الأعرابي: أوصب الشيء ووصب إذا ثبت ودام، وأنشد العجاج. تعلو أعاصيم وتعلو أحدبا ... إذا رجت منه الذّهاب أوصبا : ومن وصب قوله عز وجل: {بعذاب واصبٍ} أي دائم، وقَالَ الأصمعي: ثبيت عَلَى الشيء: دمت عليه، وأنشد: يثبّى ثناءً من كريم وقوله ... ألا أنعم عَلَى حسن التّحية وأشرب وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: التّثبية: مدح الرجل حياً، وأنشد البيت الذي ذكرناه عَنِ الأصمعي، وقَالَ غيره، الطّادي، الثابت قَالَ القطامي: وما تقضّى بواقي دينها الطّادي والموطود: المثبت، وموطود من وطد يطد، واللغويون يقولون: إن هذا من المقلوب، وقَالَ أَبُو عبيد: والأقعس: الثابت، وأنشد للحارث: وعزة وقَالَ اللحياني: أتم يأتم أتوماً، ووتم يوتم وتوماً إذا ثبت فِي المكان، وهذان الحرفان عَلَى غير قياس لأنه قد كان يجب أن يكون مصدرهما أتماً ووتماً، ويقَالَ: أرى بالمكان وتأرى إذا احتبس، قَالَ: لا يتأرّى لما فِي القدر يرقبه ... ولا يعضّ عَلَى شرسوفه الصفر وقَالَ آخر: لا يتأرون فِي المضيق وإن ... نادى منادٍ كي ينزلوا نزلوا وقَالَ ابن الأعرابي: وزحك بالمكان إذا أقام فيه

وصية عبد الله بن شداد لابنه

وصية عبد الله بن شداد لابنه قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، قَالَ: لما حضرت عبد الله بن شدّاد بن الهاد الوفاة دعا ابناً له يُقَال له: محمد، فقَالَ: يا بنيّ، إني أرى داعي الموت لا يقلع، وأرى من مضى لا يرجع، ومن بقى فإليه ينزع، وإني موصيك بوصية فاحفظها، عليك بتقوى الله العظيم، وليكن أولى الأمور بك شكر الله، وحسن النية فِي السر والعلانية، فإن الشّكور يزداد، والتقوى خير زاد، وكن كما قَالَ الحطيئة: ولست أرى السعادة جمع مالٍ ... ولكنّ التقيّ هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخراً ... وعند الله للأتقى مزيد وما لا بدّ أن يأتي قريبٌ ... ولكنّ الذي يمضي بعيد ثم قَالَ: أي بنيّ، لا تزهدنّ فِي معروف، فإن الدهر ذو صروف، والأيام ذات نوائب عَلَى الشاهد والغائب، فكم من راغب قد كان مرغوباً إليه، وطالب أصبح مطلوباً ما لديه، واعلم أن الزمان ذو ألوان، ومن يصحب الزمان يرى الهوان، وكن أي بنيّ كما قَالَ أَبُو الأسود الدؤلي: وعدّ من الرحمن فضلاً ونعمةً ... عليك إذا ما جاء للعرف طالب وإن امرأً لا يرتجى الخير عنده ... يكن هيناً ثقلاً عَلَى من يصاحب فلا تمنعن ذا حاجة جاء طالباً ... فإنك لا تدري متى أنت راغب رأيت التوا هذا الزمان بأهله ... وبينهم فيه تكون النوائب ثم قَالَ: أي بني، كن جواداً بالمال فِي موضع الحق، بخيلاً بالأسرار عَنْ جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء الإنفاق فِي وجه البر، وإن أحمد بخل الحرّ الضن بمكتوم السر، وكن كما قَالَ قيس بن الخطيم الأنصاري: أجود بمكنون التلاد وانني ... بسرك عمن سالني لضنين إذا جاوز الإثنين سرٌ فإنه ... بنثً وتكثير الحديث قمين وعندي له يوما إذا ما ائتمنتني ... مكانٌ بسوداء الفؤاد مكين

ثم قَالَ: أي بني، وإن غلبت يوماً عَلَى المال، فلا تدع الحيلة عَلَى حال، فإن الكريم يحتال، والدنى عيال، وكن أحسن ما تكون فِي الظاهر حالاً، أقل ما تكون فِي الباطن مالاً، فإن الكريم من كرمت طبيعته، وظهرت عند الإنفاد نعمته، وكن كما قَالَ ابن خذاق العبدي: وجدت أبي قد اورثه أبوه ... خلالاً قد تعد من المعالي فأكرم ما تكون عَلَى نفسي ... إذا ما قل فِي الأزمات مالي فتحسن سيرتي وأصون عرضي ... ويجمل عند أهل الرأي حالي وإن نلت الغنى لم أغل فيه ... ولم أخص بجفوتي الموالي ثم قَالَ: أي بني، وإن سمعت كلمة من حاسد، فكن كأنك لست بالشاهد، فإنك إن أمضيتها حيالها، رجع العيب عَلَى من قالها، وكان يُقَال: الأريب العاقل، هو الفطن المتغافل، وكن كما قَالَ حاتم الطائي: وما من شيمتي شتم ابن عمي ... وما أنا مخلفٌ من يرتجيني وكلمة حاسدٍ فِي غير جرم ... سمعت فقلت مري فانفذيني فعابوها عَلَى ولم تسؤني ... ولم يعرق لها يوماً جبيني وذو اللّونين يلقاني طليقاً ... وليس إذا تغيّب يأتليني ما ألوت: ما قصرت، وما ألوت: ما استطعت سمعت بعيبه فصفحت عنه محافظةً عَلَى حسبي وديني ويروى سمعت بغيبه، ثم قَالَ: أي بنيّ، لا تواخ أمرأً حتى تعاشره، وتتفقّد موارده ومصادره، فإذا استطعت العشرة، ورضيت الخبرة، فواخه عَلَى إقالة العثرة، والمواساة فِي العسرة، وكن كما قَالَ المقنع الكندي: ابل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسّمنّ فعالهم وتفقّد فإذا ظفرت بذي اللبابة والتّقى ... فبه اليدين قرير عينٍ فاشدد وإذا رأيت ولا محالة زلةً ... فعلى أخيك بفضل حلمك فاردد

ثم قَالَ: أي بني، إذا أحببت فلا تفرط، وإذا أبغضت فلا تشطط، فإنه قد كان يُقَال: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما، وكن كما قَالَ هدبة بن الخشرم العذريّ: وكن معقلاً للحلم واصفح عَنِ الخنا ... فإنك راءٍ ما حييت وسامع وأحبب إذا أحببت حباً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت نازع وأبغض إذا أبغضت بغضاً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت راجع وعليك بصحبة الأخيار وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار فإنه عار، وكن كما قَالَ الشاعر: اصحب الأخيار وارغب فيهم ... ربّ من صاحبته مثل الجرب ودع الناس فلا تشتمهم ... وإذا شاتمت فاشتم ذا حسب إنّ من شاتم وغداً كالذّي ... يشتري الصّفر بأعيان الذّهب وأصدق الناس إذا حدثتهم ... ودع الناس فمن شاء كذب قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، لكعب: وذي ندب دامي الأظل قسمته ... محافظةً بيني وبين زميلي وزادٍ رفعت الكفّ عنه تجملاً ... لأوثر فِي زادي عَلَى أكيلي وما أنا للشيء الذّي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقئول النّدب: الأثر، وجمعه ندوب وأندابٌ، والأظل: باطن خف البعير. وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو عثمان عَنِ التّوزي، عَنْ أبي عبيدة، لعروة بن الورد: لا تشتمنّي يا بن ورد فإننّي ... تعود عَلَى مالي الحقوق العوائد ومن يؤثر الحقّ النّدوب تكن به ... خصاصة جسم وهو طيان ماجد

ما أنشده بعض الأعراب في وصف النار

وإني امرؤٌ عافي إنائي شركةٌ ... وأنت امرؤ عافي إنائك واحد أقسّم جسمي فِي جسومٍ كثيرةٍ ... وأحسو قراح الماء والماء بارد قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة: أخط مع الدّهر إذا ما خطا ... وأجر مع الدّهر كما يجري من سابق الدهر كبا كبوة ... لم يستقلها من خطا الدّهر ما أنشده بعض الأعراب فِي وصف النار وأنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، وأَبُو بَكْرِ بن دريد، وأَبُو الحسين، لأعرابي فِي وصف النار: رأيت بحزن عزّة ضوء نارٍ ... تلألأ وهي واضحة المكان فشبّه صاحباي بها سهيلاً ... فقلت تبيّناً ما تبصران أنارٌ أوقدت لتنوّراها ... بدت لكما أم البرق اليماني كأن النار يقطع من سناها ... بنائق جبّةٍ من أرجوان وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لكثير: رأيت وأصحابي بأيلة موهناً ... وقد غاب نجم الفرقد المتصوّب لعزّة نارا ما تبوخ كأنها ... إذا ما رمقناها من البعد كوكب تبوخ: تخمد. قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، للشّماخ، ويقَالَ إنها لرجل من بني فزارة: رأيت وقد أتى نجران دوني ... ليالي دون أرحلنا السّدير لليلى بالعنيزة ضوء نارٍ ... تلوح كأنها الشّعرى العبور إذا ما قلت أحمدها زهاها ... سواد الليل والريح الدّبور وما كادت ولو رفعت سناها ... ليبصر ضوءها إلا البصير فبتُّ كأنني باكرت صرفاً ... معتّقةً حميّاها تدور أقول لصاحبي هل يبلغنّي ... إِلَى ليلي التهجر والبكور

وقرأت عليه لجميل: أكذبت طرفي أم رأيت بذي الغضا ... لبثنة ناراً فاحبسوا أيها الرّكب إِلَى ضوء نار فِي القتام كأنها ... من البعد والأهوال جيب بها نقب وما خفيت منّي لدن شبّ ضوءها ... وما همّ حتى أصبحت ضوءها يخبو وقَالَ صحابي ما ترى ضوء نارها ... ولكن عجلت واستناع بك الخطب فكيف مع المحراج أبصرت نارها ... وكيف مع الرّمل المنطّقة الهضب الإستناعة: التقدّم، والمحراج: موضع. وأنشد بعض أصحابنا: كأنّ نيراننا فِي رأس قلعتهم ... مصقّلات عَلَى أرسان قصار وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، عَنْ بعض أشياخه، عَنِ الأصمعي: وإني بنار أوقدت عند ذي الحمى ... عَلَى ما بعيني من قذى لبصير وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، عَنِ الزبير، عَنْ شيخ، قَالَ: حَدَّثَنِي رجل من الخضر بالسّغد، وهو موضع، قَالَ: جاءنا نصيب إِلَى مسجدنا فاستنشدته فأنشدنا: إلا يا عقاب الوكر وكر ضريّةٍ ... سقتك الغوادي من عقابٍ ومن وكر تمرّ الليالي والشهور ولا أرى ... مرور الليالي منيساتي ابنة العمر تقول صلينا واهجرينا وقد ترى ... إذا هجرت أن لا وصال مع الهجر فلم أرض ما قَالَت ولم أبد سخطةً ... وضاق بما جمجمت من حبها صدري ظللت بذي دوران أنشد بكرتي ... ومالي عليها من قلوصٍ ولا بكر وما أنشد الرّعيان إلا تعلّةً ... بواضحة الأنياب طيّبة النّشر فقَالَ لي الرّعيان لم تلتبس بنا ... فقلت بلى قد كنت منها عَلَى ذكر.

وقد ذكرت لي بالكثيب مؤالفاً ... قلاص سليم أو قلاص بني وبر فقَالَ فريق القوم لا وفريقهم ... نعم وفريقٌ قَالَ ويلك ما ندري أنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد بعض هذه الأبيات: فقَالَ فريق القوم لا وفريقهم ... نعم وفريقٌ أيمن الله ما ندرى أما والذي حجّ الملبّون بيته ... وعظّم أيام الذبائح والنّحر لقد زادني للجفر حبًّا وأهله ... ليالٍ أقامتهن ليلى عَلَى الجفر فهل يأثمنّي الله فِي أن ذكرتها ... وعلّلت أصحابي بها ليلة النّفر وسكّنت ما بي من سآمٍ ومن كرىً ... وما بالمطايا من جنوح ولا فتر قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر المطرّز، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابى، قَالَ: قَالَ أَبُو زياد الكلابي: إذا إحتبس المطر إشتد البرد، فإذا مطر الناس كان للبرد بعد ذلك فرسخ أي سكون، وسمّي الفرسخ فرسخاً لأن صاحبه إذا مشى فيه استراح عنه وسكن قَالَ: وقرأت عليه قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: العرب تقول: هذا أنتن من مرقات الغنم، والواحدة مرقة والمرقة: صوف العجاف، والمرضى تمرق أي تنتف. قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنْ أبي زيد، للنّظّار الفقعسيّ: فإن تر فِي بدني خفّةً ... فسوف تصادف حلمي رزينا وتعجم ِّمني عند الحفاظ ... حصاةً تفلّ شبا العاجمينا فايَّاك والبغي لا تستثر ... حديد النّيوب أطال الكمونا ثوى تحمل السّمّ أنيابه ... وحالف لصباً منيعاً كنينا رأته الحواة الألى جرّبوا ... فلا يبسطون إليه اليمينا قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رحمه الله، من كتابه قَالَ: قرأت عَلَى الرياشي، للأعور الشني، ويقَالَ إنها لابن خذّاق: لقد علمت عميرة أنّ جاري ... إذا ضن المنمي من عيالي

قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: أنكر الرّياشي المنمّي، وقَالَ: لعلّه حرف آخر، ويروى: المثمر من عيالي، المثمّر والمنمّي واحد فِي المعنى لأنه يُقَال: نمى المال ينمى، ونمّيته أنا وأنميته فإنّي لا أضنّ عَلَى ابن عمّي ... بنصري فِي الخطوب ولا نوالي ولست بقائلٍ قولاً لأحظى ... بقول لا يصدّقه فعالي وما التّقصير قد علمت معدّ ... وأخلاق الدّنيّة من خلالي وجدت أبي قد أورثه أبوه ... خلالاً قد تعد من المعالي فأكرم ما تكون عَلَى نفسي ... إذا ما قل فِي الأزمات مالي فتحسن سيرتي وأصون عرضي ... وتجمل عند أهل الرّأي حالي وإن نلت الغنى لم أغل فيه ... ولم أخصص بجفوتي الموالى ولم أقطع أخاً لأخٍ طريفٍ ... ولم يذمم لطرفته وصالي وقد أصبحت لا أحتاج فيما ... بلوت من الأمور إِلَى سؤال وذلك أننّي أدّبت نفسي ... وما حلت الرجال ذوي المحال إذا ما المرء قصّر ثم مرّت ... عليه الأربعون من الرّجال قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: قَالَ الرياشي: الخوالي أشبه: فلم يلحق بصالحهم فدعه ... فليس بلاحقٍ أخرى اللّيالي وليس بزائل ما عاش يوماً ... من الدنيا يحول عَلَى سفال الكلام عَلَى الإتباع الإتباع عَلَى ضربين: فضرب يكون فيه الثاني بمعنى الأول فيؤتى به تأكيداً، لأن لفظه مخالفٌ للفظ الأول، وضرب فيه معنى الثاني معنى الأول، فمن الإتباع قولهم: أسوان أتوان فِي الحزن، فأسوان من قولهم: أسى الرجل يأسى أسىً إذا حزن، ورجل أسيان وأسوان أي حزين، وأتوان من قولهم: أتوته آتوه بمعنى آتيته وهي لغة لهذيل، قَالَ: قَالَ خالد بن زهير: يا قوم ما بال أبى ذؤيب ... كنت إذا أتوته من غيب يشمّ عطفي ويمسُّ ثوبي ... كأننّي أربته بريب

ويقولون: ما أحسن أتو يدي الناقة وأتى يديها، يعنون رجع يديها، فمعنى قولهم: أسوان أتوان حزينٌ متردّد يذهب ويجيء من شدة الحزن، ويقولون: عطشان نطشان، فنطشان مأخوذ من قولهم ما به نطيشٌ، أي ما به حركة، فمعناه عطشان قلقٌ، ويقولون: خزيان سوآن، فسوآن مأخوذ من قولهم سوأةٌ سوآء أي أمر قبيح، ورجل أسوأ وامرأة سوآء إذا كانا قبيحين، وفي الحديث: سوآء ولودٌ خيرٌ من حسناء عقيم ويقولون: شيطان ليطان، فليطان مأخوذ من قوله لاط حبّه بقلبي يلوط ويليط أي لصق، ويقَالَ: للولد فِي القلب لوطةٌ أي حبٌّ لازق، ويقولون هو ألوط بقلبي منك وأليط أي ألزق، ويقَالَ: ما يليط هذا بقلبي، وما يلتاط أي ما يلصق، ويقَالَ: ألاط القاضي فلانا بفلان أي الحقه به، فمعنى قولهم: شيطان ليطانُ شيطان لصوق، ويقولون هنيء مرئ، وهو من قولهم هنأني الطعام ومرأني، فإذا أفردوا لم يقولوا إلا أمرأني، ولم يقولوا مرأني، ويقولون: عبي شويٌّ، فالشوى مأخوذٌ من الشوى: وهو رذال المال ورديئه، وقَالَ الشاعر: أكلنا الشّوى حتّى إذا لم ندع شوىً ... أشرنا إِلَى خيراتها بالأصابع فمعناه عييٌّ رذلٌ، ويمكن أن يكون مأخوذاً من الشويّة وهي بقيّة قوم هلكوا، وجمعها شوايا، حَدَّثَنِي بهذا أَبُو بَكْرِ بن دريد، وأنشدني: فهم شّر الشّوايا من ثمودٍ ... وعوف شرّ منتعلٍ وحافي ويقولون: عييّ شيءٌّ، وشيءّ أصله شويّ، ولكنه أجرى عَلَى لفظ الأوّل ليكون مثله فِي البناء ويقولن: عريض أريض، فالأريض: الخليق للخير الجيد النبات، ويقَالَ: أرض أريضة، قَالَ الشاعر: بلاد عريضة وأرض أريضة ... مدافع غيثٍ فِي فضاء عريض ويقولون: غنيّ مليّ، وهو بمعنى غنيّ، ويقولون: خبيث نبيث، فالنبيث أن يكون الذي ينبث شّره أي يظهره، أو يكون الذي ينبث أمور الناس أي يستخرجها، وهو مأخوذ من قولهم: نبثت البئر أنبثها إذا أخرجت نبيثتها وهو ترابها، وكان قياسه أن يقول: خبيث نابث، فقيل: نبيث لمجاورته لخبيث، ويقولون: خبيث مجيث، كذا حكاه ابن الأعرابي بالميم، وأحسبه لغةً فِي نجيث أبدل من النون ميماً وفعل به ما فعل بنبيث لما كان فِي معناها، ويقولون: خفيف ذفيف،

والذّفيف: السريع، ومنه سمّي الرجل ذفافة، ويقَالَ: ذفّف عَلَى الجريح إذا أجهز عليه، ويقولون قسيم وسيم، فالقسيم: الجميل الحسن، يُقَال: رجل قسيم وامراة قسيمة، والقسام: الحسن والجمال، وأنشد يعقوب: يسنّ عَلَى مراغمها القسام وقَالَ العجّاج: وربّ هذا البلد المقسّم أي المحسّن، وقَالَ الشاعر: ويوماً توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطو إِلَى وارق السّلم أي محسّن، والوسيم: الحسن الجميل، يُقَال: رجل وسيم وامراة وسيمة، والميسم: الحسن والجمال، قَالَ الشاعر: لو قلت ما فِي قومها لم تيثم ... يفضلها فِي حسبٍ وميسم ويقولون: قبيح شقيح، فالشّقيح مأخوذ من قولهم شقّح البسر، إذا تغيّرت خضرته بحمرة أو صفرة، وهو حينئذ أقبح ما يكون، وتلك البسرة تسّمى شقحةً، وحينئذ يُقَال: أشقح النخل، فمعنى قولهم: قبيح شقيح متناهى القبح، ويمكن أن يكون بمعنى مشقوح من قول العرب: لأشقحنّك شقح الجوز بالجندل أي لأكسرنّك، فيكون معناه قبيحا مكسورا، وقَالَ اللحياني: شقيح لقيح، فالشّقيح هاهنا المكسور عَلَى ما ذكرنا، والّلقيح مأخوذ من قولهم لقحت الناقة، ولقح الشجر، ولقحت الحرب، فمعناه مكسور حامل للشرّ، قَالَ: وحكي عَنْ يونس: شقيح نبيح، فالنبيح مأخوذ من النّباح ومعناه مكسور كثير الكلام، ويقولون: كثيرُ بثيرُ، فالبثير هو الكثير مأخوذ من قولهم: ماء بثر أي كثير، فقالوا بثير لموضع كثير، كما قالوا: مهرة مأمورة، وسكّة مأبورة، وإنّي لآتية بالغدايا والعشايا، ويقولون: كثير بذير، فالبذير، المبذور وهو المفرّق، ويقولون: كثير بجيرٌ، فالبجير لغة فِي البجيل، وهو العظيم، كما قالوا: وجلت منه ووجرت منه، ويقولون: بذير عفير، والبذير: المبذور، والعفير: المفرق فِي العفر وهو التراب، أو المجعول فِي العفر، ويقولون: ضئيل بئيل، فالبئيل هو الضئيل.

قَالَ أَبُو زيد: بول الرجل يبؤل بآلة إذا ضؤل، ويقولون: جديدٌ قشيبٌ، فالقشيب: الجديد، ويقولون عَنِ الشيء تنحنح من لؤمه، ويقولون: سليخ مليخ، للذي لا طعم له، قَالَ الشاعر: سليخ مليخ كلحم الحوار ... فلا أنت حلوٌ ولا أنت مرُّ فالسّليخ: المسلوخ الطعم، والمليخ المملوخ وهو المنزوع الطعم، مأخوذ من قولهم: ملخت اللّحم من فم الدابة، وملخت اليربوع من الحجر، وملخت قضيباً من الشجرة إذا نزعته نزعاً سهلاً، والملخ فِي السيّر: السهل منه، ويقولون: فقيرٌ وقيرٌ، فالوقير: الموقور، من قولهم: وقرت العظم أقره، والوقرة: الهزمة فِي العظم، أنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد: رأوا وقرةً فِي العظم منّي فبادروا ... بها وعيها لما رأوني أخيمها الوعى أن ينجبر العظم عَلَى غير استواء، والوعى: أيضاً القيح والمدّة، يُقَال: وعى الجرح يعي وعياً إذا سال منه القيح والمدّة، والقول الثاني لأبي زيد، وأنشد: كأنما كسّرت سواعده ... ثم وعى جبرها التأما وأخيمها: أجبن عنها، يُقَال: خام إذا جبن. ويقولون: مليح قزيح، وأصل هذين الحرفين فِي الطعام، فالقزيح، والمقزوح والمقزوح: الذي فيه الأقزاح، والأقزاح: الأبزار، واحدها قزحٌ، ومليح بمعنى مملوح من قولهم: ملحت القدر أملحها إذا جعلت فيها الملح بقدرٍ، فمعنى قولهم مليح قزيح: كامل الحسن لأن كمال طيب القدر أن تكون مقزوحةً مملوحةً، ويقولون: مضيعٌ مسيعُ، والإساعة: الإضاعة، وناقة مسياعٌ إذا كانت تصبر عَلَى الإضاعة والجفاء، ومعنى أساع ألقى فِي السّياع وهو الطين، قَالَ القطامي: كما بطّنت بالفدن السّياعا والأصل فيه ما أنبأتك، ثم كثر حتى قيل لكلّ مضياعٍ: مسياعٌ، ولكل مضيعٍ: مسيعٌ، ويقولون: وحيدٌ قحيد، وواحدٌ قاحدٌ، وهو من قولهم: قحدت الناقة اذا عظم سنامها، والقحدة: السنام، ويقَالَ:

أقحدت أيضًا، فمعناه فمعناه أنه واحد عظيم القدر والشأن فِي شيء واحد خاصة، ويقولون: أشر أفر، فالأشر: البطر المرح، وكذلك الأفر عند ابن الأعرابيّ، فأما الأفر والأفور فالعدو، يُقَال: أفر يأفر أفراً، ويقولون: هذر مذر، فالهذر: الكثير الكلام، والمذر: الفاسد، مأخوذ من قولهم: مذرت البيضة تمذر مذراً اذا فسدت، ومذرت معدته أيضاً، ويقولون: لحز لصب، فاللحز: البخيل، واللصب: الذي لزم ما عنده، مأخوذ من قولهم: لصب الجلد باللحم يلصب لصباً اذا لصق به من الهزال، وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد، لصب السَّيف يلصب لصباً إذا نشب فِي جفنه فلم يخرج، ويقولون: حقر نقر. حقر نقر، وحقير نقير، وأصل هذا فِي الغنم والبقر، فالنقّر الذي به النقّرة، وهو داء يأخذ الشاة فِي شاكلتها ومؤخر فخذيها، فيثقب عرقوبها ويدخل فيه خيط من عهن ويترك معلقاً، وإذا كانت الشاة كذلك كانت هيّنة عَلَى أهلها، قَالَ المرّار العدويّ: وحشوت الغيظ فِي أضلاعه ... فهو يمشي حظلاناً كالنّقر الحظلان: أن يمشي رويدا ويظلع، يُقَال: قد حظلت تحظل حظلاً إذا ظلعت، وقَالَ ابن الأعرابي: شاة حظولٌ إذا ورم ضرعها من علّة فمشت رويداً وظلعت، وأصل الحظل المنع، وأنشد يعقوب: تعيّرني الحظلان أمّ محلمٍ ... فقلت لها لم تقذفيني بدائياً فإني رأيت الصّامرين متاعهم ... يذمّ ويفنى فارضخي من وعائيا فلن تجديني فِي المعيشة عاجزاً ... ولا حصرماً خبّا شديداً وكائيا الصامرين: المانعين الباخلين، يُقَال: صمر يصمر صموراً إذا بخل، والحصرم: البخيل أيضاً، وأصل الحصرمة شدّة الفتل، يُقَال: حصرم حبله وحصرم قوسه إذا شدّ وترها، ويقَالَ: حظلت عليه، وحجرت عليه، وحصرت عليه، وقَالَ يعقوب: الحظلان: مشى الغضبان، وقَالَ يعقوب: قَالَ الغنوي: عنز نقرة، وتيس نقر، ولم أر: كبشاً نقراً، وهو ظلع يأخذ الغنم، ثم قيل لكل حقير متهاون به: حقر نقر، وحقير نقير، وحقر نقر، ويجوز أن يراد به النقير الذي فِي النواة، فيكون معناه حقيرا متناهيا فِي الحقارة، والمذهب الأول أجود، ويقولون: ذهب دمه خضراً مضرا، وخضرا مضراً أي باطلاً، فالخضر: الأخضر، ويقَالَ: مكان خضر، ويمكن أن يكون مضر لغة فِي نضر، ويكون معنى الكلام

أن دمه بطل كما يبطل الكلأ الذي يحصده كل من قدر عليه، ويمكن أن يكون خضر من قولهم: عشب أخضر اذا كان رطباً، ومضر: أبيض لأن المضر، إنما سمي مضراً لبياضه، ومنه مضيرة الطبيخ، فيكون معناه أن دمه بطل طرياً، فكأنه لما لم يثأر به فيراق لأجله الدم بقي أبيض، وقَالَ بعض اللغويين: الخضرة بقيلة، وجمعها خضر، وأنشد فيه بيتاً لابن مقبل: تقتادها فرج ملبونة خنف ... ينفخن فِي برعم الحوذان والخضر ويقولون: شكس لكس، فالشكس: السيئ الخلق، واللَّكس: العسير، ويقولون: رطب صقر مقر، فالصَّقر: الكثير الصَّقر، وصقره: عسله، والمقر: المنقوع فِي العسل ليبقى، وكل شيء أنقعته فِي شيء فقد مقرته وهو ممقور ومقير، ومنه السمك الممقور وهو الذي قد أنقع فِي الخل، ويقولون: سغل وغل، قَالَ: السغل: المضطرب الأعضاء السيئ الخلق، كذا قَالَ الأصمعي، وقَالَ غيره: السغل: السيئ الغذاء، فأما الوغل: فالسيئ الغذاء لا أعرف فيه اختلافاً، والوغل فِي قول أبي زيد: المقصِّر، وفي قول الأصمعي: الداخل فِي قوم ليس منهم، ويقولون: سمج لمج، فاللَمج: الكثير الأكل الذي يلمج كلَّ ما وجده أي يأكله، قَالَ لبيد: يلمج البارض لمجاً فِي النَّدى ... من مرابيع رياض ورجل ويقولون: ثقف لقف، وثقف لقف، واللَّقف: الجيَّد الالتقاف: ويقولون: وتح شقن، ووتح شقن، ووتيح شقين، فالوتح: القليل والشَّقن مثله، ويقَالَ: وتحت عطّيته، وشقنت وأشقنتها أنا، ويقولون: عابس كابس، فالعابس من عبوس الوجه، وكابس يكبس، ويقولون: حائر بائر، فالحائر: المتحيّر، والبائر: الهالك، والبوار: الهلاك، وقَالَ أَبُو عبيدة: رجل بائر وبور، بضم الباء أي هالك، قَالَ أَبُو الزّبعري. يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت اذ أنا بور ويكون البائر الكاسد، من قولهم: بارت السوق إذا كسدت، ويقولون: حاذق باذق، فباذق يمكن أن يكون لغة فِي باثق، كما قالوا: قرب حثحاث وحذحاذ، ونبيثة ونبيذة لتراب البئر، فكأن الأصل، والله أعلم، أن رجلاً سقى فأجاد وأكثر، فقيل: حاذق باذق أي حاذق بالسقي، باثق للماء، ويقولون: حار يار، وحرّان يرّان، وحارّ جارّ، فالجارّ: الذي يجرّ الشيء الذي يصيبه من شدة

حرارته، كأنه ينزعه ويسلخه مثل اللحم إذا أصابه أو ما أشبهه، ويمكن أن يكون جارّ لغة فِي يار، كما قالوا: الصهاريج والصهاري، وصهريج وصهرى، وصهرى لغة تميم، وكما قالوا: شيرة للشجرة وحقّروه فقالوا: شييرة، قَالَ الرياشي: قَالَ أَبُو زيد: كنا يوماً عند المفضّل وعنده الأعراب فقلت: أيّهم يقول شيرة؟ فقالوها، فقلت له قل لهم يحقّرونها، فقالوا: شييرة، وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حاتم، قَالَ: سمعت أمّ الهيثم، تقول: شيرة، وأنشدت: اذا لم يكن فيكنّ ظلّ ولا جنى ... فأبعدكن الله من شيرات فقلت: يا أم الهيثم صغريها، فقَالَت: شييرة ويمكن أن يكونوا أبدلوا من الحاء هاء، كما قالوا: مدحته ومدهته، والمدح والمده، ثم أبدلوا من الهاء ياء، كما أبدلوا فِي هذه وهذي، وهذا الإبدال قليل فِي كلامهم، فقد حكى الرّؤاسيّ عَنِ العرب أنهم يقولون: باقلاء هارّ، ويقولون: خاسر دابر، وخاسر دامر، وخسر دمر، وخسر دبر، فالدابر يمكن أن يكون لغة فِي الدامر وهو الهالك، ويمكن أن يكون الدابر الذي يدبر الأمر أي يتبعه ويطلبه بعد ما فات وأدبر، ومنه قيل لهذا الكوكب الذي بعد الثريا: الدبران، لأنه يدبر الثريا، ومنه الرأي الدّبريّ، وهو الذي لا يأتي الا عَنْ دبر، يُقَال: فلان لا يأتي الصلاة الأدبريا أي فِي آخرها، ويمكن أن يكون الدابر الماضي الذاهب، كما قَالَ الشاعر: وأبى الذي ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدةً كأمس الدابر أي الذاهب الماضي: ويقولون: ضالُّ تالُّ، فالتالُّ: الذي يتلُّ صاحبه أي يصرعه، كأنه يغويه فيلقيه فِي هلكة لا ينجو منها، ومنه قوله عز وجل: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد: كل شيء ألقيته عَلَى الأرض مما له جثَّة فقد تللته، ومنه سمَّي التَّلُّ من التراب، وقَالَ بعض أهل العلم: رمح متلّ إنما هو مفعلُ من التَّلَّ، وأنشد: فرّ ابن قهوسٍ الشجاع ... بكفّه رمح متلّ يعدو به خاظى ... البضيع كأنّه سمع أزلّ الخاظي: الكثير اللحم، والبضيع: اللحم. ويقولون: جائعٌ نائعٌ، فالنائع فيه وجهان: يكون المتمايل، وأنشد أَبُو بَكْرِ بن دريد: مثاله مثل القضيب النائع.

ويكون العطشان، وقرأت عَلَى أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، عَنْ أبيه: لعمر بني شهابٍ ما أقاموا ... صدور الخيل والأسل النّياعا يعني: الرّماح العطاش: ويقولون: سادمٌ نادمٌ، فالسادم: المهموم، ويقَالَ: الحزين، ويقَالَ: السّدم: الغضب مع همّ، ويقَالَ: غيظ مع حزن، ويقولون: تافهٌ نافهٌ، فالتافه: القليل، والنافه: الذي يعيي صاحبه، أنشد أَبُو زيد: ولن أعود بعدها كريّاً ... أمارس الكهلة والصّبيا والعزب المنفّه الأميّا وقَالَ: الأمي: العيي القليل الكلام، والمنفّه: الذي قد نفّهه السّير أي أعياه، ويكون النافه المعيي فِي نفسه، ويقولون: أحمق تاكٌ وفاكٌ، فتاكٌ من قولهم: تكَّ الشيء يتكّه تكاً إذا وطئه حتى يشدخه، ولا يكون ذلك الشيء إلا ليناً مثل الرطب والبطيخ وما أشبههما، والأحمق مولع بوطء أمثالهما، وفاكٌ: من الفكّة وهو الضّعف، قَالَ الشاعر: الحزم والقوة خيرٌ من ... الإدهان والفكّة والهاع وقَالَ ابن الأعرابي: شيخ تاكٌ وفاكٌ، فمعناه أن الشيخ لضعفه إذا وطئ لم يقدر أن يشدخ غير الشيء اللّين، وفاك: هرمٌ، وقد فكّ يفكّ فكاً وفكوكاً فهو فاكّ، ويقَالَ: عنز فاكّة، ونعجة فاكّة، ويقولون: سائغٌ لائغٌ، وسيغٌ ليغٌ، فاللائغ: الذي لا يتبيّن نزوله فِي الحلق من سهولته، وقَالَ أَبُو عمرو: الأليغ: الذي لا يبيّن الكلام، وامرأة ليغاء، فأصلها من لاغ يليغ، وإن كان لم يصل إِلَى الآخر لاغ ويليغ، ويقولون: مائقٌ دائقٌ، فالدّائق: الهالك حمقاً، كذا قَالَ أَبُو زيد، فأما الدانق بالنون فالساقط المهزول من الرجال، كذا قَالَ أَبُو عمرو، وأنشد: إنّ ذوات الدّلّ والبخانق ... قتلن كلّ وامقٍ وعاشقٍ حتّى تراه كالسّليم الدّانق : البخانق: البراقع الصّغار، واحدها بخنقٌ، ويقولون: عكٌّ أكٌّ، فالعكُّ والعكّة والعكيك: شدّة الحّر، والأكّ والأكة: الحرّ المحتدم، يُقَال: يوم ذو ألك، والأك أيضًا: الضيق.

قَالَ رؤبة: تفرّجت أكّاته وغممه ... عَنْ مستثير لا يردُّ قسمه ويقَالَ: أكّه يؤكّه أكّاً إذا زحمه، والزّحام: تضييق، ويقولون: كزٌّلزُّ، فاللّزُّ: اللاصق بالشيء من قولهم: لززت الشيء بالشيء إذا ألصقته به وقرنته إليه، والعرب تقول: هو لزاز شر، ولزيز شر، ولز شر، ويقولون: فدم لدم، فالدم: العيي البليد، ويقَالَ: الجبان، واللدم: الملدود وهو الملطوم، كما قالوا: ماء سكب أي مسكوب، ودرهم ضرب أي مضروب، أبدلت الطاء دالاً لتشاكل الكلام، ويقولون: رغماً دغماً شنّغماً، فالدّغم والدّغمة: أن يكون وجه الدابة وجحافلها تضرب إِلَى السواد ويكون وجهها مما يلي جحافلها أشدّ سواداً من سائر جسدها، فكأنه قَالَ: أرغمه الله وسوّد وجهه، ويمكن أن يكون الدّغم: الدّخول فِي الأرض، فيكون من قولهم: أدعمت الحرف فِي الحرف، وأدغمت اللجام فِي فم الفرس، فأما شنّغم فلا أعرف له اشتقاقاً، وسألت عنه جميع شيوخنا فلم أجد أحد يعرفه، وقد ذكره سيبويه فِي الأبنية، وكان مشايخنا يزعمون أن كثيراً من أهل النحو صحّف فِي هذا الحرف فِي كتاب سيبويه، فقَالَ: شنغم بالعين غير المجعمة، والذي روى ذلك له وجه من الاشتقاق وهو أن تجعل الميم زائدة، كما أنها فِي زرقمٍ وستهمٍ وجلهمةٍ، ويكون اشتقاقه من الشّناعة كأنه قَالَ: أرغمه الله وأدغمه الله وشنّع به، ويقولون: فعلت ذلك عَلَى رغمه وشنعه، ويقولون: رطبٌ ثعدٌ معدٌ، فالثّعد: اللّين، والمعد: الكثير اللحم الغليظ، وكان أَبُو بَكْرِ بن دريد، يقول: اشتقاق المعدة من هذا، ويمكن أن يكون المعد الممعود وهو المنزوع المأخوذ، فأقيم المصدر مقام المفعول، كما قالوا: هذا درهم ضرب الأمير أي مضروب الأمير، ويكون من قولهم: معدت الشيء إذا نزعته واقتلعته، ويقولون: مررت بالرمح وهو مركوز فامتعدته فيكون معناه عَلَى هذا رطبٌ ليّن منزوع من الشجرة لوقته، ويقولون: أحمق بلغٌ ملغٌ، قَالَ أَبُو زيد: البلغ: الذي يسقط فِي كلامه كثيرا، وقَالَ ابن الأعرابي: يُقَال: بلغٌ وبلغٌ، وقَالَ أَبُو عبيدة: البلغ: البليغ بفتح الباء، وقَالَ غيره: البلغ والبلغ: الذي يبلغ ما يريد من قول أو فعل، والملغ: الذي لا يبالي ما قَالَ وما قيل له، هكذا قَالَ أَبُو زيد، وقَالَ أَبُو عبيدة: الملغ: الشاطر، وأَبُو مهديّ الأعرابيّ هو الذي سمّي عطاءً ملغاً، ويقولون: حسنٌ بسنٌ، قَالَ أبو علي: يجوز أن تكون النون فِي بسن زائدة، كما زادوا فِي قولهم: امرأة خلبنٌ وهي الخّلابة، وناقة

علجن من التّعلّج وهو الغلظ، وامرأة سمعنّة نظرنّة وسمعنّة نظرنّة إذا كانت كثيرة النظر والاستماع، فكان الأصل فِي بسنٍ بسًّا، وبسّ مصدر بسست السّويق أبسّه بسًّا فهو مبسوس، اذا لتتّه بسمن أو زيت ليكمل طيبه، فوضع البّس موضع المبسوس وهو المصدر، كما قلت: هذا درهم ضرب الأمير تريد مضروبه، ثم حذفت إحدى السّينين وزيد فيه النون وبني عَلَى مثال حسن، فمعناه حسن كامل الحسن، وأحسن من هذا المذهب الذي ذكرناه أن تكون النون بدلاً من حرف التضعيف، لأن حروف التضعيف تبدل منها الياء مثل تظنّيت وتقضّيت، وأشباههما مما قد مضى، فلما كانت النون من حروف الزيادة كما أن الياء من حروف الزيادة، وكانت من حروف البدل كما أنها من حروف البدل، أبدلت من السين إذ مذهبهم فِي الإتباع أن تكون أواخر الكلم عَلَى لفظ واحد، مثل القوافي والسّجع، ولتكون مثل: حسنٍ، ويقولون: حسن قسن، فعمل بقسن ما عمل ببسن عَلَى ما ذكرناه، والقس: تتبّع الشيء وطلبه، فكأنه حسن مقسوس أي متبوع مطلوب، ومن الأتباع قولهم: لحمه خظا بظا، وبظا بمعنى خظا وهو كثرة اللحم، ويقولون: بظا يبظو اذا كثر لحمه، فأما قول الرجل لأبي الأسود: خظيت وبظيت فيمكن أن يكون من هذا أي زادت عنده، وسئل ابن الأعرابي عَنْ قول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصّدوق يعطى ثلاث خصال الهيبة والملحة والمحبّة، فقَالَ: يمكن أن تكون الملحة من قولهم: تملّحت الإبل إذا سمنت، فكأنه يعطى الزيادة والفضل، ويقولون: أجمعون أكتعون، فأكتعون بمعنى أجمعين، وقَالَ أَبُو بَكْرِ بن دريد: كتع الرجل إذا تقبّض وإنضمّ، قَالَ: ويقَالَ: كتع كتعاً إذا شمّر فِي أمره، فيجوز أن يكون جاءوا أجمعين منضمّين بعضهم إِلَى بعض، ويقولون: أجمعون أبصعون فأصبعون من قولهم: تبصّع العرق إذا سال ورشح، وقد روى بيت أبي ذؤيب. إّلا الحميم فإنه يتبصّع أي يسيل سيلاناً لا ينقطع، فكأنه قَالَ: أجمعون متتابعون لا ينقطع بعضهم عَنْ بعض كالشيء السائل، ويقولون: ضيّقُُ ليّقُُ، فالضيق: اللاصق لما تضمنه من ضيق، واللّيّق مأخوذ من قولهم: لاقت الدّواة إذا إلتصقت، ولاقت المرأة عند زوجها أي لصقت بقلبه، قَالَ الأصمعي: ولا أعرف: ضيق عيق، فإن قيل: ضيّق عيّق فهو صواب، لأنهم يقولون: ما لاقت المرأة

عند زوجها ولا عاقت أي لم تلصق بقلبه، ويقَالَ: عفريتٌ نفريتٌ، وعفرية نفرية، فعفريت فعليتٌ من العفر، يريدون به شدّة العفارة، ويمكن أن يكون عفريت فعليتاً من العفر وهو التراب، كأنه شديد التعفير لغيره أي التّمريغ له، ونفريتٌ فعليتٌ من النّفور، يمكن أن يكونوا أرادوا شديد التنقير، ويمكن أن يكونوا أرادوا شدة التفير لغيره، ويقَالَ: إنه لمعفتٌ ملفتٌ، فالمعفت: الذي يعفت الشيء أي يدقّه ويكسره، يُقَال: عفت عظمه إذا كسره، والملفت مثله فِي المعنى، يُقَال: ألفت عظمه إذا كسره، ويجوز أن يكون الملفت الذي يلفت الشيء أي يلويه، يُقَال: لفتّ ردائي عَلَى عنقي، وأنشد أَبُو بَكْرِ بن دريد: أسرع من لفت رداء المرتدي يُقَال: لفت الشيء إذا عصدته، وكلّ معصودٍ ملفوتٌ، ومنه اللفيتة وهي العصيدة، والعصد: الّليّ، ويقولون: سبحلٌ ربحلٌ، فالسبحل: الضخم، يُقَال: سقاء سبحل وسحبل وسبحلل، قَالَ الأصمعي: ونعتت امرأة من العرب ابنتها، فقَالَت: سبحلة ربحلة تنمى نبات النّخلة وقَالَ أَبُو زيد: الرّبحلة: العظيمة الجيدة الخلق فِي طول، وقيل لابنة الخسّ: أيّ الإبل خير، فقَالَت: السّبحل الرّبحل، الراحلة الفحل، والرّبحل مثل السّبحل فِي المعنى، ومنه قول عبد المطلب لسيف: وملكا ربحلا ... يعطي عطاء جزلاً يريد ملكاً عظيماً، ويقولون فِي صفة الذئب: سملّع هملّع، والهملّع: السريع، وكذلك السّملّع، أنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد، لبعض الرجاز: مثلي لا يحسن قولي فع فع ... والشّاة لا تمشي عَلَى الطمع تمشي: تنمى، قَالَ: والفعفعة: زجر من زجر الغنم، ويقولون هو لك أبداً سمداً سرمداً، ومعناها كلها واحد. قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ العتبى، قَالَ: سمعت أعرابياً يذمّ مدينةً دخلها وهو يقول: نزلت بذلك الوادي، فإذا ثياب أحرارٍ عَلَى أجساد عبيد، إقبال حظّهم، إدبار حظ الكرام

سؤال بعض نساء العرب عن آبائهن وشرح وصفهن لهم

سؤال بعض نساء العرب عَنْ آبائهن وشرح وصفهن لهم قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: أغار قوم عَلَى قوم من العرب فقتل منهم عدّة نفر وأفلت منهم رجل، فتعجّل إِلَى الحيّ فلقيه ثلاث نسوة يسألن عَنْ آبائهن، فقَالَ: لتصف كل واحدة منكن أباها عَلَى ما كان، فقَالَت إحداهن: كان أبي عَلَى شقّاء مقّاء، طويلة الأنقاء، تمطق أنثياها بالعرق، تمطق الشّيخ بالمرق، فقَالَ: نجا أبوك، فقَالَت الأخرى: كان أبي عَلَى طويلٍ ظهرها شديدٍ أسرها، هاد بها شطرها فقَالَ: نجا أبوك. فقَالَت الأخرى: كان أبي عَلَى كرة أنوح، يرويها لبن اللّقوح، قَالَ: قتل أبوك، فلما انصرف الفلّ أصابوا الأمر كما ذكر: الشّقاء: الطويلة، وكذلك المقّاء، والمقق: الطّول، ورجل أشقّ وأمقّ إذا كان طويلاً، والنّقى: كل عظم فيه مخ، وجمعه أنقاء، والتّمطق: التّذوّق وهو أن يطبق إحدى الشفتين عَلَى الأخرى مع صوت يكون بينهما، والأسر: الخلق، قَالَ الله عز وجل: {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان: 28] والهادي: العنق، والأنوح: الكثير الزحير فِي جريه، يُقَال منه: أنح يأنح أنوحاً، وهو ذمّ فِي الخيل، أنشد يعقوب: جرى لا وان ولا أنوح قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس، لقيس بن ذريح: وفي عروة العذرىّ إن متُّ أسوةٌ ... وعمرو بن عجلان الذي قتلت هند وبي مثل ما ماتا به غير أنني ... إِلَى أجلٍ لم يأتني وقته بعد هل الحبّ إلا عبرةٌ بعد عبرةٍ ... وحرٌّ عَلَى الأحشاء ليس له برد وفيض دموع العين يا ليل كلّما ... بدا علمٌ من أرضكم لم يكن يبدو

جملة من أمثال العرب

قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ محمد بن السّريّ السّرّاج، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي، ليزيد المهلبي: لا تخافي إن غبت أن نتناساك ... ولا إن وصلتنا أن نملا إن تغيبي عنّا فسقياً ورعياً ... أو تحلّى فينا فأهلاً وسهلاً جملة من أمثال العرب قَالَ أَبُو زيد: من أمثال العرب: لأفشنك فشّ الوطب، يقوله الرجل للاخر إذا رآه منتفخاً من الغضب أي لأذهبن إنتفاخك، يُقَال: فششت الوطب أفشّه فشًّا إذا حللت وكاءه وهو منفوخ فيخرج منه ما فيه من الريح، وقَالَ الأصمعي من أمثالهم: هما كعكمى عيرٍ، يُقَال للشيئين المستويين، ويقَالَ: هما كركبتي البعير، وهو مثله، ويقَالَ: سواسية كأسنان الحمار، مثله، وسواسية: مستوون، ولم يعرف الأصمعي لسواسية واحدا، ويقَالَ: هم كأسنان المشط، قَالَ اللحياني: يُقَال: إنتقع لونه، وإستفع لونه من السّفعة وهي السّواد، واهتقع لونه والتمع لونه، والتمى لونه، وإستقع لونه، والتقع، وإستنقع، وإبتسر، والتهم، وإنتسف، وإنتشف. ما يُقَال فِي الدعاء عَلَى الإنسان وقَالَ اللحياني: ويقَالَ فِي الدعاء عَلَى الإنسان: ماله عبر وسهر، وحرب وجرب، ورجل، وقَالَ: ورجل من الرجلة، وعبر من العبرة، وحرب من الحرب، والحرب: السّلب، وكان أَبُو بَكْرِ بن دريد، يقول: اشتقاق الحرب من الحرب، وقَالَ اللحياني يُقَال: آم وعام، فآم: ماتت امرأته، وعام: إشتهى اللّبن، يراد بذلك ذهبت إبله وغنمه فعام إِلَى اللبن، قَالَ: ويقَالَ: ماله مال وعال، فمال: جار، وعال: إفتقر، ويقَالَ: ماله شرب بلزنٍ ضاحٍ أي فِي ضيقٍ مع حرّ الشمس، اللّزن: الضّيق، والضاحى: البارز للشمس الذي لا يستره شيء. قَالَ ويقَالَ: ماله أحرّ الله صداه أي أعطش الله هامته، ومعنى هذا الكلام أي قتل فلم يثأر به، لأن العرب تزعم أن القتيل يخرج من هامته طائر يسمى الهامة فلا يزال يصيح عَلَى قبره: إسقوني إسقوني حتى يقتل قاتله، ومنه قول ذي الأصبع العدواني: يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني

شعر عبد الرحمن بن حسان في رجل سأله حاجة فلم يقضها وقضاها آخر

يعني رأسه، ويقولون: ماله أبلاه الله بالحرّة تحت القرّة أي العطش والبرد، الحرّة: حرارة الجوف من العطش، قَالَ الشاعر: ما كان من سوقةٍ أسقى عَلَى ظمأ ... ماءً بخمرٍ إذا ناجودها بردا من ابن مامة كعبٍ ثم عيّ به ... زوّ المنية إّلا حّرةً وقدى : يريد عيي به، والزور: الهلاك، قَالَ: ويقولون: ماله وراه الله، والورى: سعالٌ يقىء منه دماً وقيحاً، والعرب تقول للبغيض إذا سعل: ورياً وقحاباً، فالقحاب: السعال، وللحبيب إذا عطس: عمراً وشبابا. الورى مصدر، والورى الاسم، قَالَ اللحياني: وحكى عَنْ أبي جعفر، قَالَ: العرب تقول: بفيه البرى، وهو التراب، وحمى خيبرا، أي خبير، فإنه خيسرا أي ذو خسرة. وصف أكرم الإبل قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، عَنِ أبن الأعرابي، قَالَ: قيل لإمرأة من العرب: أيُّ الإبل أكرم؟ قَالَت: السريعة الدّرّة، الصبور تحت القرّة، التي يكرمها أهلها إكرام الفتاة الحّرة، قَالَت الأخرى: نعمت الناقة هذه، وغيرها أكرم منها، قيل وما هي؟ قَالَت: الهموم الرموم، القطوع للدّيموم، التي ترعى وتسوم، أي لا يمنعها مرّها وسرعتها أن تأخذ والرموم: لا تبقي شيئاً، والهموم: الغزيرة. وصف سعيد بن العاص لنفسه قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، قَالَ: قَالَ سعيد بن العاص: ما شتمت رجلاً مذ كنت رجلاً، ولا زاحمته بركبتي، ولا كلفت ذا مسألتي أن يبذل ماء وجهه فيرشح جبينه رشح السقاء شعر عبد الرحمن بن حسان فِي رجل سأله حاجة فلم يقضها وقضاها آخر قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن عيسى الأنصاري، عَنِ ابن عائشة، قَالَ: سأل عبد الرحمن بن حسان رجلاً حاجة فقصّر فيها فسألها غيره فقضاها، فكتب عبد الرحمن إِلَى الأول:

تعريض بعض الأعراب لابنه وقد أسر لينجو بعد أن اشتط اسروه في الفداء

ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولّى سواكم شكرها واصطناعها أبى لك فعل الخير رأىٌ مقصرٌ ... ونفسٌ أضاق الله بالخير باعها إذا هي حثّته عَلَى الخير مرةً ... عصاها وإن همّت بسوءٍ أطاعها تعريض بعض الأعراب لإبنه وقد أسر لينجو بعد أن اشتطّ آسروه فِي الفداء وقرأت عَلَى أبي عمر المطرّز، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: أسرت طيء رجلاً شاباً من العرب فقدم أبوه وعمّه ليفدياه، فاشتطّوا عليهما فِي الفداء فأعطيا لهم عطية لم يرضوها، فقَالَ: أبوه لا، والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان عَلَى جبل طيء لا أزيدكم عَلَى ما أعطيتكم، ثم انصرفا، فقَالَ الأب للعم: لقد ألقيت إِلَى ابني كليمة، لئن كان فيه خير لينجونّ، فما لبث أن نجا وأطرد قطعة من إبلهم، فكأنّ أباه قَالَ له: الزم الفرقدين عَلَى جبل طيء، فإنهما طالعان عليهما وهما لا يغيبان عنه وبهذا الإسناد قَالَ ابن الأعرابي: الورث فِي الميراث، والإرث فِي الحسب، وقَالَ: إذا نمت من أول الليل نومةً ثم قمت فتلك النّاشئة، قَالَ: ويقَالَ: رجل معمٌّ ملمٌّ أي يعمُّ القوم ويجمعهم قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى: ثلاثة أبياتٍ فبيتٌ أحبّه ... وبيتان ليسا من هواي ولا شكلي فيأيّها البيت الذي حيل دونه ... بنا أنت من بيتٍ وأهلك من أهل بنا أنت من بيت دخولك لذّةٌ ... وظلّك لو يسطاع بالبارد السّهل قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى: أتيت بني عمّي ورهطي فلم أجد ... عليهم إذا اشتدّ الزمان معوّلا ومن يفتقر فِي قومه يحمد الغنى ... وإن كان فيهم ماجد العمِّ مخولا يمنون إن أعطوا ويبخل بعضهم ... ويحسب عجزاً سمته إن تجمّلا ويزري بعقل المرء قلة ماله ... وإن كان أقوى من رجالٍ وأحولا فإن الفتى ذا الحزم رام بنفسه ... حواشي هذا الليل كي يتمولا

قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن عَنْ عمه: الحمد لله حمد دائماً أبداً ... فِي كل حال هو المسترزق الوزر فليس ما يجمع المثرى بحيلته ... وليس بالعجز من لم يثر يفتقر إنّ المقاسم أرزاقٌ مقدّرة ... بين العباد فمحرومٌ ومدّخر فما رزقت فإن الله جالبه ... وما حرمت فما يجري به القدر فاصبر عَلَى حدثان الدّهر منقبضاً ... عَنِ الدناءة إن الحرّ يصطبر ولا تبيتنّ ذا همٍّ تعالجه ... كأنه النار فِي الأحشاء تستعر عَلَى الفراش لنور الصّبح مرتقباً ... كأنّ جنبك مغروز به الإبر فالهمُّ فضلٌ وطول العيش منقطعٌ ... والرّزق آتٍ وروح الله منتظر الرّوح: السّرور والفرح، قَالَ الله عز وجل: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: 89] والريحان: الرزق. سمع والهجو قَالَ فِي المدح وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن يزيد الأزدي يعني المبرد، قَالَ سعيد بن سلم: مدحني أعرابي ببيتين لم أسمع أحسن منهما: أي سارياً بالليل لا تخش ضلًّةً ... سعيد بن سلم ضوء كلّ بلاد لنا مقرم أربى عَلَى كلّ مقرم ... جوادٌ حثا فِي وجه كلّ جواد فأغفلت صلته فهجاني بيتين لم أسمع أهجى منهما، وهما قوله: لكلّ أخي مدحٍ ثوابٌ علمته ... وليس لمدح الباهليّ ثواب مدحت ابن سلمٍ والمديح مهّزةٌ ... فكان كصفوانٍ عليه تراب قَالَ: وأنشدنا أحمد بن يحيى: قد مررنا بمالك فوجدناه ... سخّياً إِلَى المكارم ينمى ورحلنا إِلَى سعيد بن سلم ... فإذا ضيفه من الجوع يرمى يرمى بنفسه: أي يموت. وإذا خبزه عليه سيكفيكهم ... الله ما بدا ضوء نجم

وإذا خاتم خاتم النَّبِيّ سليمان ... بن داود علاه بختم فارتحلنا من عند هذا بحمدٍ ... وارتحلنا من عند هذا بذمّ قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، وقرأت هذه الأبيات عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، والألفاظ فِي الروايتين مختلفة ولم يسمّ قائلها أَبُو عبد الله، وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ هي لسالم ابن وابصة: أحبّ الفتى ينفي الفواحش سمعه ... كأنه به عَنْ كلّ فاحشةٍ وقرا سليم دواعي الصّدر لا باسطاً أذىً ... ولا مانعاً خيراً ولا ناطقاً هجرا إذا ما أتت من صاحبٍ لك زلّةُ ... فكن أنت محتالاً لزلّته عذرا غنى النّفس ما يكفيه من سدّ خلّةٍ ... وإن زاد شيئاً عاد ذاك الغني فقرا قصيدة الأفوه الأودى التي منها: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم. . . . . . البيت وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، رحمه الله، أنشدنا أَبُو عَلَى العنزي، للأفوه الأودي: وقرأتها عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، فِي شعر الأفوه، واسمه صلاءة بن عمرو: فينا معاشر لم يبنوا لقومهم ... وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا وروى أَبُو بَكْرِ بن الأنباري: منا معاشر لن يبنوا. لا يرشدون ولن يرعوا لمرشدهم ... فالجهل منهم معا والغي ميعاد أضحوا كقيل بن عمرو فِي عشيرته ... إذ أهلكت بالذي سدّى لها عاد وروى أَبُو بَكْرِ بن الأنباري: كانوا كمثل لقيم فِي عشيرته ... إذ أهلكت بالذي قد قدمت عاد أو بعده كقدار حين تابعه ... عَلَى الغواية أقوام فقد بادوا وروى أَبُو بَكْرِ بن الأنباري: حين طاوعه. والبيت لا يبتني إلا له عمدُ ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد وروى أَبُو بَكْرٍِ: ولا عمود. فإن تجمّع أوتادُ وأعمدةُ ... وساكنُ بلغوا الأمر الذي كادوا :

وزادنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري بعد هذا بيتاً وهو: وإن تجّمع أقوامُ ذوو حسبٍ ... اصطاد أمرهم بالرّشد مصطاد لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا تبقى الأمور بأهل الرّأي ما صلحت ... فإن تولّت فبالأشرار تنقاد وروى أَبُو بَكْرِ بن الأنباري: تهدي الأمور: إذا تولى سراة القوم أمرهم ... نما عَلَى ذاك أمر القوم فازدادوا أمارة الغيّ أن يلقى الجميع لذي ... الأبرام للأمر والأذناب أكتاد حان الرحيل إِلَى قومٍ وإن بعدوا ... فيهم صلاح لمرتاد وإرشاد وروى أَبُو بَكْرِ بن الأنباري: آن الرحيل، وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد: حان الرحيل، ويروى: لأرحلنّ إِلَى قوم. فسوف أجعل بعد الأرض دونكم ... وإن دنت رحمٌ منكم وميلاد إنّ النّجاء إذا ما كنت ذا نفر ... من أجة الغي إبعاد فإبعاد وزادنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري بعد هذا بيتا وهو: فالخير تزداد منه ما لقيت به ... والشرُّ يكفيك منه قلّما زاد منازعة القتال الكلابي رجلاً من قومه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: نازع القتّال الكلابي، وهو عبيد بن المضرحيّ، رجلاً من قومه، فقَالَ له الرجل: أنت كلّ عَلَى قومك، والله إنك لخامل الذّكر والحسب، ذليل النّفر، خفيفٌ عَلَى كاهل خصمك، كلٌّ عَلَى ابن عمك فقَالَ القتال: أنا ابن أسماء أعمامي لها وأبى ... إذا ترامى بنو الأموان بالعار لا أرضع الدهر إلا ثدى واضحةٍ ... لواضح الجد يحمي حوزة الجار من آل سفيان أو ورقاء يمنعها ... تحت العجاجة ضربٌ غير غوار

انتساب صعصعة بن صوحان لما سأله معاوية عن نسبه

يا ليتني والمنى ليست بنافعة ... لمالك أو لحصن أو لسيار طوال أنضية الأعناق لم يجدوا ... ريح الإماء إذا راحت بأزفار لا يتركون أخاهم فِي مودأةٍ ... يسفي عليه دليل الذّلّ والعار ولا يفروّن والمخزاة تقرعهم ... حتى يصيبوا بأيد ذات أظفار النضي: عظم العنق، والأزفار: الأحمال، واحدها زفرٌ، والمودّأة: المضيّقة، من قولهم تودّأت عليه الأرض إذا استوت عليه فوارته. قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدني أبي: أيّ شيء يكون أعجب أمراً ... إن تفكّرت من صروف الزّمان عارضات السّرور توزن فيه ... والبلايا تكال بالقفزان قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لكبشة أخت عمرو بن معد يكرب: وأرسل عبد الله إذ حان حينه ... إِلَى قومه لا تعقلوا لهم دمى ولا تأخذوا منهم إفالاً وابكراً ... وأترك فِي بيتٍ بصعدة مظلم ودع عنك عمراً إن عمراً مسالمٌ ... وهل بطن عمرو غير شبرٍ لمطعم فإن أنتم لم تقبلوا واتّديتم ... فمشّوا بآذان النّعام المصلّم ولا تردوا إلا فضول نسائكم ... إذا ارتملت أعقابهن من الدم الإفال جمع أفيل وهي صغار أولاد الإبل، وارتملت: التطخت يعني إذا حضن. انتساب صعصعة بن صوحان لما سأله معاوية عَنْ نسبه قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا العكلي، عَنِ الحرمازي، قَالَ: حَدَّثَنَا الهيثم، عَنْ مجالدٍ، عَنِ الشّعبي، قَالَ: دخل صعصعة بن صوحان عَلَى معاوية رضي الله عنه أول ما دخل عليه، وقد كان يبلغ معاوية عنه، فقَالَ معاوية، رحمه الله: ممّن الرجل؟ فقَالَ: رجل من نزار، قَالَ: وما نزار؟ قَالَ:

سؤال معاوية عقالا بم ساد الأحنف وجوابه

كان إذا غزا انحوش، وإذا انصرف انكمش، وإذا لقى افترش، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من ربيعة، قَالَ: وما ربيعة؟ قَالَ: كان يغزو بالخيل، ويغير بالليل، ويجود بالنّيل، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من أمهر، قَالَ: وما أمهر؟ قَالَ: كان إذا طلب أفضى، وإذا أدرك أرضى، وإذا آب أنضى، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من جديلة، قَالَ: وما جديلة؟ قَالَ: كان يطيل النّجاد، ويعدُّ الجياد، ويجيد الجلاد، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من دعميٍّ، قَالَ: وما دعميّ؟ قَالَ: كان ناراً ساطعاً، وشراً قاطعاً، وخيراً نافعاً، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من أفصى، قَالَ: وما أفصى؟ قَالَ: كان ينزل القارات، ويكثر الغارات، ويحمي الجارات، قَالَ: فمن أي ولده أنت؟ قَالَ: من عبد القيس، قَالَ: وما عبد القيس؟ قَالَ: أبطالٌ ذادة، جحاجحة سادة، صناديد قادة، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من أفصى، قَالَ: وما أفصى؟ قَالَ: كانت رماحهم مشرعة وقدورهم مترعة، وجفانهم مفرغة، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من لكيز، قَالَ: وما لكيز؟ قَالَ: كان يباشر القتال، ويعانق الأبطال، ويبدّد الأموال، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من عجل، قَالَ: وما عجل؟ قَالَ: الليوث الضّراغمة، الملوك القماقمة، القروم القشاعمة، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من كعب، قَالَ: وما كعب؟ قَالَ: كان يسعّر الحرب، ويجيد الضّرب، ويكشف الكرب، قَالَ: فمن أيّ ولده أنت؟ قَالَ: من مالك، قَالَ: وما مالك؟ قَالَ: هو الهمام للهمام، والقمقام للقمقام، فقَالَ معاوية، رحمه الله: ما تركت لهذا الحيّ من قريش شيئاً، قَالَ: بل تركت أكثره وأحبّه، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: تركت لهم الوبر والمدر، والأبيض والأصفر، والصّفا والمشعر، والقبّة والمفخر، والسّرير والمنبر، والملك إِلَى المحشر، قَالَ: أما والله لقد كان يسوءني أن أراك أسيرا! قَالَ: وأنا والله لقد كان يسوءني أن أراك أميراً! ثم خرج فبعث إليه فردّ ووصله وأكرمه القارات جمع قارة وهي الجبيل الصغير. سؤال معاوية عقالاً بم ساد الأحنف وجوابه وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: قَالَ معاوية، رحمه الله، لعقَال: بما سادكم الأحنف وهو خارجيّ؟ فقَالَ: إن شئت حدثتك عنه بخصلة، وإن

شئت باثنتين وإن شئت بثلاث، وإن شئت حدثتك إِلَى الليل، فقَالَ حَدَّثَنِي عنه بثلاث خصال، قَالَ: لم أر أحداً من خلق الله كان أغلب لنفسه من الأحنف، فقَالَ: نعم والله الخصلة! قَالَ: ولم أر أحداً من خلق الله أكرم لجليس من الأحنف، قَالَ: نعم والله الخصلة! قَالَ: ولم أر أحد من خلق الله كان أحظى من الأحنف، قَالَ: كان يفعل الرجل الشيء فتصير حظوته للأحنف قَالَ: وأنشدني أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله. بطون الضأن رمحك حين تغدو ... تشدّ به وليس له سنان سلاحٌ لم يكن إلا لغدرٍ ... به قتل الأشدّاء الجبان قَالَ: هذا خناقٌ معه وترٌ قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى: هو الخبيث عينه فراره ... ممشاه مشى الكلب وازدجاره قَالَ: نظرك إليه يغنيك عَنْ فرّه أن تختبره وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، عَنْ أبي عمرو بن العلاء، عَنْ راوية كثير، قَالَ: كنت مع جرير وهو يريد الشأم، فطرب فقَالَ: أنشدني لأخي بني مليح يعني كثيراً، فأنشدته حتى انتهيت إِلَى قوله. وأدنيتني حتى إذا ما استبيتني ... بقولٍ يحلّ العصم سهل الأباطح توليّت عني حين لا لي مذهبٌ ... وغادرت ما غادرت بين الجوانح فقَالَ: لولا أنه لا يحسن بشيخ مثلي النّخير لنخرت حتى يسمع هشام عَلَى سريره الكلام عَلَى مادّة عدا قَالَ الأصمعي، يُقَال: عدا الفرس يعدو عدواً إذا أحضر، وأعديته أنا أعديه إعداء إذا استحضرته، قَالَ النابغة الجعدي: حتى لحقناهم تعدى فوارسنا ... كأننا رعن قف يرفع الآلا

يريد: يرفعه الآل، وفرسٌ عدوان إذا كان شديد العدو، وكذلك الحمار، ويقَالَ: رأيت عدّى القوم مقبلاً، وهم الذين يحملون فِي الحرب رجالةً، قَالَ مالك بن دينار: لما رأيت عدىّ القوم يسلبهم ... طلح الشواجن والطرفاء والسلم : الشّواجن: مسايل الماء، ويقَالَ: عدا عليه عدواً وعداءً وعدوًّاً إذا جار، وعادي بين عشرة من الصيد عداءً أي والى موالاةً، قَالَ امرؤ القيس: فعادى عداءً بين ثورٍ ونعجةٍ ... دراكاً ولم ينضح بماء فيغسل ويقَالَ: قد تعادى عَلَى القوم بالظّلم وتعادوا إِلَى بالنصر أي والوا، وقَالَ: أَبُو نصر: وتعادوا من العدو أيضاً، وتعادى المكان تعادياً فهو متعادٍ إذا كان متفاوتاً وليس بمستو، يُقَال: نمت فِي مكان متعاد، ويقَالَ: جئت فِي مركب ذي عدواء، إذا لم يكن مطمئنا ولا سهلاً، وأتيتك عَلَى عدواء الشّغل، أي عَلَى اختلاف الأمر بالشّغل وصرف الشّغل، وروى أَبُو عبيد عَنِ الأصمعي: العدواء: الشّغل، ويقَالَ: عداه عَنْ كذا وكذا يعدوه إذا صرفه، وعدّه عَنْ ذلك أي أصرفه، والعوادي: الصوارف. واحدتها عاديةٌ، قَالَ ساعدة: هجرت غضوب وحبَّ من يتجنّب ... وعدت عوادٍ دون وليك تشعب وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، عَنْ أحمد بن يحيى، عَنِ أبن الأعرابي، قَالَ: يُقَال: أعداه المرض، وأنشدنا هو ولم يعزه إِلَى ابن الأعرابي. فوالله ما أدري أطائف جنةٍ ... تأوّبني أم لم يجد أجد وجدي عشيّة لا أعدي بدائي صاحبي ... ولم أر داءً مثل دائي لا يعدى وكان الصّبا خدن الشباب فأصبحا ... وقد تركاني فِي مغانيهما وحدي قَالَ الأصمعي، يُقَال: ما عدا ذاك بني فلان أي ما جاوزهم قَالَ: وأنشدني أَبُو عمرو، لبشر ابن أبي خازم: فأصبحت كالشّقراء لم يعد شرّها ... سنابك رجليها وعرضك أوفر

جملة من شعر المغيرة بن حبناء

ويقَالَ: الزم أعداء الوادي أي نواحيه، قَالَ أَبُو نصر: العدوة والعدوة: السّاحة والفناء، وقَالَ غيره: العدوة والعدوة: جانب الوادي، وقَالَ الأصمعي يُقَال: نزلت فِي قومٍ عِدىً وعُدىً أي أعداءٍ، والعِدى أيضاً: الغرباء، وقَالَ أَبُو حاتم: العِدى: الأعداء، والعِدى: الغرباء، فأما عدىً فليس من كلام العرب إلا أن تدخل الهاء فتقول عاده، والعادي: العدوُّ، قَالَ الأصمعي: خاصمت بنت حلوى امرأةً فقَالَت: ألا تقومين؟ أقام الله ناعيك، وأشمت الله ربُّ العرش عاديك. جملة من شعر المغيرة بن حبناء وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، للمغيرة بن حبناء: خذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه ... ولا تك فِي كل الأمور تعاتبه فإنك لن تلقى أخاك مهذّباً ... وأيُّ امرئ ينجو من العيب صاحبه أخوك الذي لا ينقض النأى عهده ... ولا عند صرف الدهر يزور جانبه وليس الذي يلقاك بالبشر والرّضا ... وإن غبت عنه لسّعتك عقاربه قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رحمه الله، للمغيرة: إذا أنت عاديت امرأً فاظّفر له ... عَلَى عثرة إن أمكنتك عواثره : اظّفر: افتعل من الظّفر وهو الوثب: وقارب إذا ما لم تجد لك حيلةً ... وصمّم إذا أيقنت أنك عاقره فإن أنت لم تقدر عَلَى أن تهينه ... فذره إِلَى اليوم الذي أنت قادره وفي هذه القصيدة يقول: وقد ألبس المولى عَلَى ضغن صدره ... وأدرك بالوغم الذي لا أحاضره وقد يعلم المولى عَلَى ذلك أنني ... إذا ما دعا عند الشّدائد ناصره وإني لأجزى بالمودّة أهلها ... وبالشر حتى يسأم الشر حافره وأغضب للمولى فأمنع ضيمه ... وإن كان غشّاً ما تجنّ ضمائره وأحلم ما لم ألق فِي الحلم ذلّةً ... وللجاهل العرّيض عندي زاجره

ويروى: عندي مزاجره. ... وإني لخرّاجٌ من الكرب بعدما تضيق عَلَى بعض الرجال حظائره ... حمولٌ لبعض الأمر حتى أناله صموت عَنِ الشيء الذي أنا ذاخره ... سبب تسمية الأخطل بهذا اللقب قَالَ: وحَدَّثَنِي أَبُو عبد الله، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن عبد الله القحطبي، قَالَ: إنما سمي الأخطل لأن ابني جعيل تحاكما أيّهما أشعر، فقَالَ: لعمرك إنني وابني جعيلٍ ... وأمّهما لإستارٌ لئيم فقيل له: إن هذا لخطل من قولك: فسمّى الأخطل قَالَ أَبُو عبيدة: يُقَال: منطقُُ خطل إذا كان فيه إضطراب، ورمح خطل وأذن خطلاء، قَالَ: والإستار أربعة من كل عدد، قَالَ جرير: إنّ الفرزدق والبعيث وأمّه ... وأبا البعيث لشر ما إستار قَالَ: والنّواة: خمسة، والأوقيّة: أربعون، والنّشّ: عشرون، والفرق: ستة عشر. قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ محمد بن السرى السراج، قَالَ: أنشدني أو أنشدنا وكيع، الشك من أبي عَلَى، قَالَ أنشدنا أحمد بن سليمان الراوية: استر بصبرٍ خللك ... والبس عليه سملك وكل هزيليك عَلَى الراحة ... واشرب وشلك إذا اعترتك فاقة ... فارحل برفقٍ جملك وارغب إِلَى الله ونط ... بما لديه أملك وآخ فِي الله وصل ... فِي دينه من وصلك رزقك يأتيك إِلَى ... حين تلاقي أجلك مالك ما قدّمته ... وليس ما بعدك لك وللزّمان أكلة ... إذا اشتهاها أكلك وللرّدى قوس فإن ... رماك عنها قتلك

قصيدة العطوي في الرد على هشام ومن قال قوله

يا ربّ إني راغب ... أدعو وأرجو نفلك أنت حفيّ لم تخب ... دعوة راجٍ أملك فأعطني من سعةٍ ... يا من تعالى فملك سبحانك اللهم ما ... أجل عندي مثلك المثل هاهنا: المقدار: قصيدة العطوى فِي الرد عَلَى هشام ومن قَالَ قوله قَالَ: وأنشدنا عَلَى بن سليمان بن الفضل الكاتب، للعطوى: جلّ ربّ الأعراض والأجسام ... عَنْ صفات الأعراض والأجسام جلّ ربّي عَنْ كلّ ما اكتنفته ... لحظات الأبصار والأوهام برئ الله من هشامٍ وممّن ... قَالَ فِي الله مثل قول هشام أيّ زادٍ تزوّدته يداه ... عامداً من كبائر الآثام سوف تلقاه حين يلقاه نار ... تتلظّى لأهلها بضرام كم شديد العناد للإسلام ... بين أبناء ملّة الإسلام كهشام فإنه خلع الربقة ... من كلّ حرمةٍ وذمام قل لمن قَالَ قوله ورآه ... خير مسترشدٍ وخير إمام لم أنكرت أن يكون مصيباً ... فِي مساعيه عابد الأصنام لم أنكرت قول من عبد الشمس ... وصلّى للأنجم الأعلام إن ترم بينها انفصالًا فهيات ... لقد رمت منه صعب المرام ما الدّليل المبين عَنْ حدث العالم ... أفصح به لدى الأقوامٍ لا دليل فلا ترمه وقد قلت ... كبعض الأنام ربّ الأنام لم ترد غير قدمة الخلق فاقصد ... قصده دع مناقضات الكلام

قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رحمه الله: لا أدفع ابن العلم يمشي عَلَى شفاً ... وإن بلغتني من أذاه الجنادع ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه ... لترجعه يوماً إِلَى الرّواجع وحسبك من ذلٍّ وسوء صنيعةٍ ... مناواة ذي القربى وإن قيل قاطع جنادع الشر: أوائله، واحدها جندعة، وأصل الجنادع: دوابّ تكون فِي حجرة الضّباب فإذا جاء المضبّب فرآها، قَالَ: هذه جنادعه. قَالَ: وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، عَنْ يونس، قَالَ: لما أنشد أَبُو النجم: بين رماحي مالكٍ ونهشل قَالَ رؤبة: أو ليس نهشلٌ من مالك! فقَالَ له: يا بن أخي، إن الكمر أشباهٌ، يريد مالك ابن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، للمخبّل السّعدي: إذا أنت عاديت الرجل فلاقهم ... وعرضك عَنْ غبّ الأمور سليم وإنّ مقادير الحمام إِلَى الفتى ... لسوّاقة ما لا يخاف هموم وقد يسبق الجهل النّهي ثمّ انها ... تريع لأصحاب العقول حلوم وقد تزدرى النفس الفتى وهو عاقل ... ويؤفن بعد القوم وهو حزيم أي حازم، وقرأت هذا البيت عَلَى أبي عمر فِي نوادر ابن الأعرابي، قَالَ: وأنشدنا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابي: ويؤفن بعض القوم وهو جريم أي عظيم الجرم، الجرم: الجسد قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، للمغير بن حبناء: إني امرؤٌ حنظلىّ حين تنسبني ... لا ملعتيك ولا أخوالي العوق لا تحسبنّ بياضاً فِي منقصةً ... إنّ الّلهاميم فِي أقرابها البلق

الّلهاميم واحدها لهموم: وهو الكثير الجري. والعرب تقول: أضعف الخيل البلق وأشدّها البهم. وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، لعروة بن الورد: قلت لركبٍ فِي الكنيف تروّحوا ... عشيّة بتنا عند ماوان رزّح تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكم ... إِلَى مستراحٍ من عناءٍ مبرّح ومن يك مثلي ذا عيالٍ ومقتراً ... يغرّر ويطرح نفسه كلّ مطرح ليبلغ عذراً أو يصيب رغيبةً ... ومبلغ نفسٍ عذرها مثل منجح ماوان: ماء لبنى فزارة، والرازح: الذي قد سقط من الهزال والإعياء، والجميع رزح. قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، لمعن بن أوس: لعمرك ما أهويت كفّي لريبةٍ ... ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي وأعلم أنّي لم تصبني مصيبةُُ ... من الدّهر إلا قد أصابت فتىً قبلي ولست بماشٍ ما حييت بمنكر ... من الأمر ما يمشي إِلَى مثله مثلي ولا مؤثراً نفسي عَلَى ذي قرابتي ... وأوثر ضيفي ما أقام عَلَى أهلي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو معاذ، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن شبيب أَبُو جعفر النحوي، عَنِ ابن أبي خالد، عَنْ سفيان بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، قَالَ: وقع ميراث بين بني هاشم وبين بني أمية تشاحّوا فيه وتضايقوا، فلما تفرّقوا أقبّل علينا أبونا عمرو، فقَالَ: يا بنيّ، إن لقريش درجاً تزّل عنها أقدام الرجال، وأفعالًا تخشع لها رقاب الأموال، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المسوّمة، وألسناً تكلّ عنها الشّفار المشحوذة، ثم إنه ليخيّل إِلَى أن منهم ناساً تخلّقوا بأخلاق العوامّ، فصار لهم رفقُُ فِي اللّؤم، وتخرّق فِي الحرص، إن خافوا مكروهاً تعجّلوا له الفقر، وإن عجّلت لهم نعمةُ أخّروا عليها الشّكر، أولئك أنضاء الفكر، وعجوة حملة الشكر

قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو معاذ، عَنْ محمد بن شبيب النحوي، قَالَ: وفد عبيد الله بن زياد بن ظبيان عَلَى عتّاب بن ورقاء فأعطاه عشرين ألفاً، فلما ودّعه قَالَ: يا هذا، ما أحسنت فأمدحك، ولا أسأت فأذمّك، وإنك لأقرب البعداء، وأحبّ البغضاء قَالَ يعقوب، يُقَال: وقع ذلك الأمر فِي روعي وفي خلدي وفي ضميري، وفي نفسي. وحكى التّوّزيّ: وقع فِي صفري وفي جخيفي، ومنه: قيل لا يلتاط بصفري، أي لا يلزق بقلبي، وكذلك يُقَال لا يليق بصفري. وأَخْبَرَنَا بعض أصحابنا عَنْ أحمد بن يحيى، أنه قَالَ: حكى لنا عَنِ الأصمعي أنه قيل له: إن أبا عبيدة يحكى: وقع فِي روعي، وفي جخيفي. قَالَ: أما الرّوع فنعم، وأما الجخيف فلا. قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنِي محمد بن يونس، عَنِ الأصمعي، قَالَ: أتى أَبُو مهدية بإناء فيه ماء، فتوضأ فأساء الوضوء، فقيل له: يا أبا مهدية، أسات الوضوء، وكان الإناء يسع أقل من رطل، فقَالَ: القر شديد، والرّبّ كريم، والجواد يعفو قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر المطرّز، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي، قَالَ: قيل لابنة الخس: ما أحسن شيء رأيت؟ قَالَت: غادية فِي إثر سارية، فِي نبخاء قاوية قَالَ: النّبخاء: الأرض المرتفعة المشرفة، لأن النبات فِي الموضع المرتفع أحسن. قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: خرج جرير والفرزدق مُرتدفين عَلَى ناقة إِلَى هشام بن عبد الملك، فنزل جرير يبول فجعلت الناقة تتلّفت فضربها الفرزدق وقَالَ: إلام تلفتين وأنت تحتي ... وخيرُ الناس كلّهم أمامي متى تردي الرّصافة تستريحي ... من التهجير والدّبر الدّوامي ثم قَالَ: الآن يجيء جرير، فأنشدهُ هذين البيتين فيردّ عَلَى: تلفّت أنها تحت ابن قينٍ ... إِلَى الكيرين والفأس الكهام متى ترد الرّصافة تخز فيها ... كخزيك فِي المواسم كلّ عام فجاء جرير والفرزدق يضحك، فقَالَ: ما يضحكك يا أبا فراس؟ فأنشده البيتين، فقَالَ جرير: تلفت أنها تحت ابن قين كما قَالَ الفرزدق سواءً، فقَالَ الفرزدق: والله لقد قلت هذين البيتين، فقَالَ جرير: أما علمت أن شيطاننا واحد

محاورة الفرزدق مع بعض الأعراب

محاورة الفرزدق مع بعض الأعراب قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعى، عَنْ أبى عمرو بن العلاء، قَالَ: قيل للفرزدق، إن هاهنا أعرابيا قريبًا منك ينشد شعراً، فقَالَ: إن هذا لقائفُ أو لخائن، فأتاه فقَالَ: مّمن الرجل؟ فقَالَ: رجل من فقعس، قَالَ: كيف تركت القنان؟ قَالَ: تركته يساير لصاف، فقلت: ما أراد الفقعسيّ، والفرزدق؟ قَالَ: أراد الفرزدق قول الشاعر: ضمن القنان لفقعسٍ سوآتها ... إن القنان بفقعسٍ لمعمّر قلت: فما أراد الفقعسيّ بقوله يساير لصاف، قَالَ: أراد قول الشاعر: وإذا يسرّك من تميم خصلةُ ... فلما يسوءك من تميم أكثر قد كنت أحسبهم أسود خفيّةٍ ... فإذا لصاف تبيض فيه الحمّر أكلت أسيدُ والهجيم ودارمُ ... أير الحمار وخصيتيه العنبر ذهبت فشيشة بالأباعر حولنا ... سرقاً فصبّ عَلَى فشيشة أبجر قَالَ: ويروى هرباً قَالَ: وأملى علينا أَبُو بَكْرٍِ محمد بن السّريّ السّرّاج: إذا شئت آداني صرومٌ مشيعٌ ... معي وعقامٌ تتّقى الفحل مقلت يطوف بها من جانبيها ويتّقى ... بها الشمس حيٌّ فِي الأكارع ميت آداني: أعانني وقوّاني، وصروم: صارمٌ يعني قلبه، ومشيع: شجاع كأنه معه شيئاً يشيعه، وعقام عقيم مثل صحاح وصحيح وشحاح وشحيح، والمقلت: التي لا يبقى لها ولد كأنها تقلتهم، أي تهلكهم، والقلت: الهلاك. وحكى الأصمعي: إن المسافر: قلتٍ إلا ما وقى الله، وقوله حيٌّ في الأكارع ميت، يعني الظّلّ كأنه مات مما، سواه من الأكارع وذلك حين يقوم النهار، ومثله وانتعل الظلّ فصار جورباً، ومن أمثال العرب إذا اشتريت فاذكر السّوق، يعنون إذا إشتريت فاطلب الصّحة وتجنّب العيوب، فإنك ستحتاج إلى أن تقيم السّلعة التي اشتريتها فِي السّوق يوما لا بد منه. ومن أمثالهم ربَّ شدُّ فِي الكرز، يضرب مثلاً للرجل يحتقر عندك وله خبرٌ قد علمت به أنت،

وأصل هذا المثل أن رجلاً خرج يركض فرساً فرمت بمهرها فألقاه فِي كرز بين يديه، والكرز: الجوالق، فقَالَ له رجل: لم تحمله؟ ما تصنع به؟ فقَالَ: ربَّ شدٍّ فِي الكرز، يقول: هو شديد الشّد كأمه. مقصورة أبي صفوان الأسدي وشرحها قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر فِي نوادر ابن الأعرابي، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، عَنِ أبن الأعرابي، لأبي صفوان الأسدي: نأت دار ليلى وشطّ المزار ... فعيناك ما تطعمان الكرى ومرّ بفرقتها بارحٌ ... فصدّق ذاك غراب النّوى فأضحت ببغدان فِي منزلٍ ... له شرفاتٌ دوين السّما وجيشٌ ورابطةٌ حوله ... غلاظ الرّقاب كأسد الشّرى بأيديهم محدثات الصقَالَ ... سريجيّة يختلين الطّلى ومن دونها بلدٌ نازحٌ ... يجيب به البوم رجع الصدى ومن منهب أحن ماؤه ... سدى لا يعاذبه قد طمى ومن حنشٍ لا يجيب الرقاة ... اسمر ذي حمةٍ كالرشا أصمّ صموتٍ طويل السبات ... منهرت الشّدق حارى القرا له فِي اليبيس نفاثٌ يطير ... عَلَى جانبيه كجمر الغضى وعينان حمرٌ مآقيهما ... تبصّان فِي هامةٍ كالرّحا إذا ما تثاءب أبدى له ... مذرّبةً عصلاً كالمدى كأنّ حفيف الرّحا جرسه ... إذا اصطكّ أثناؤه وانطوى ولو عضّ حرفي صفاةٍ إذاً ... لأنشب أنيابه فِي الصّفا كأن مزاحفه أنسعٌ ... حززن فرادى ومنها ثنى وقد شاقني نوح قمريةٍ ... طروب العشاء هتوف الضحى من الورق نوّاحةٍ باكرت ... عسيب أشاءٍ بذات الغضى فغنّت عليه بلحنٍ لها ... يهيج للصب ما قد مضى

مطوقة كسيت زينةً ... بدعوة نوحٍ لها إذا دعا فلم أر باكيةً مثلها ... تبكّي ودمعتها لا ترى أضلّت فريخاً فطافت له ... وقد علقته حبال الرّدى فلمّا بدا اليأس منه بكت ... عليه وماذا يردّ البكا وقد صاده ضرمٌ ملحمُ ... خفوق الجناح حثيث النّجا حديد المخالب عاري الوظيف ... ضار من الورق فيه قنا ترى الطّير والوحش من خوفه ... جواحر منه إذا ما إغتدى فبات عذوباً عَلَى مرقبٍ ... بشاهقة صعبة المرتقى فلما أضاء له صبحه ... ونكب عَنْ منكبيه الندى وحت بمخلبه قارتاً ... عَلَى خطمه من دماء القطا فصعّد فِي الجوِّ ثم استدار ... طار حثيثاً إذا ما انصمى فآنس سرب قطاً قاربٍ ... جبى منهلٍ لم تمحه الدّلى غدون بأسقيةٍ يرتوين ... لزغبٍ مطرّحةٍ بالفلا يبادرن ورداً ولم يرعوين ... عَلَى ما تخلّف أو ما ونى تذكّرن ذا عرمضٍ طامياً ... يجول عَلَى حافتيه الغثا به رفقةٌ من قطاً واردٍ ... وأخرى صوادر عنه روا فملأن أسقيةً لم تشدّ ... بخرزٍ وقد شدّ منها العر فأقعص منهنّ كدريةً ... ومزّق حيزومها والحشى فطار وغادر أشلاءها ... تطير الجنوب بها والصّبا يخلن حفيف جناحيه إذ ... تدلّى من الجوّ برقاً بدا فوليّن مجتهدات النّجا ... جوافل فِي طامسات الصّوى فأبن عطاشاً فسقّينهنّ ... مجاجاتهنّ كماء السّلى وبتن يراطن رقش الظهور ... حمر الحواصل حمر اللها

فذاك وقد أغتدي فِي الصباح ... بأجرد كالسّيد عبل الشّوى له كفلُ أيّد مشرف ... وأعمدةُ لا تشكيّ الوجى وأذن مؤلّلة حشرة ... وشدق رحاب وجوف هوا ولحيان مدّا إِلَى منخرٍ ... رحيبٍ وعوج طوال الخطا له تسعة طلن من بعد أن ... قصرن له تسعةٌ فِي الشّوى وسبع عرين وسبع كسين ... وخمس رواء وخمسٌ ظما وسبع قربن وسبغ بعدن ... منه فما فيه عيبٌ يرى وتسع غلاظ وسبع رقاق ... وصهوة عيرٍ ومتنٌ خظا حديد الثّمان عريض الثّمان ... شديد الصّفاق شديد المطا وفيه من الطّير خمس فمن ... رأى فرساً مثله يقتنى غرابان فوق قطاةٍ له ... ونسرُ ويعسوبه قد بدا جعلنا له من خيار اللقاح ... خمساً مجاليح شمّ الذّرى يغادي بعضٍّ له دائباً ... ونقفيه من حلبٍ ما اشتهى فقاظ صنيعاً فلما شتا ... أخذناه بالقود حتّى انطوى فهجنا به عانةً فِي الغطاط ... خماص البطون صحاح العجى فولّين كالبرق فِي نفرهنّ ... جوافل يكسرن صمّ الصّفا فصوّبه العبد فِي إثرها ... فطوراً يغيب وطوراً يرى كأن بمنكبه إذ جرى ... جناحاً يقلّبه فِي الهوا فجدّل خمساً فمن مقعصٍ ... وشاصٍ كراعاه دامي الكلى وثنتان خضخض قصبيهما ... وثالثةُ رويت بالدّما فرحنا بصيدٍ إِلَى أهلنا ... وقد جلّل الأرض ثوب الدّجى ورحنا به مثل وقف العروس ... أهيف لا يتشكى الحفا

وبات النّساء يعوّذنه ... ويأكلن من صيده المشتوى وقد قيّدوه وغلّوا له ... تمائم ينفث فيها الرقى نأت: بعدت، يُقَال: نأى ينأى نأياً، والنّأي: البعد، والنّأئي: البعيد، وأما ناء فنهض، وشطّ: بعد، يُقَال: شطّ وشطن ونزح ونضب وشسع إذا بعد، والكرى: النّوم، ويقَالَ: كرى يكرى كرىً إذا نام، وأما كرا يكرو فلعب بالكرة، ومرّ بفرقتها بارح، قَالَ أَبُو عبيدة: سأل يونس رؤبة وأنا شاهد عَنِ السّانح والبارح، فقال السائح ما ولاّك ميامنه. والبارح ما ولاّك مياسره وقَالَ غيره: السانح: ما مر عَلَى يمينك، والبارح: ما مر عَلَى يسارك، وأكثر العرب تتبرّك بالسانح وتتشاءم بالبارح، وفيهم قوم يتبركّون بالبارح ويتشاءمون بالسانح، والنّوى: البعد، والنّوى: النّيّة للمكان الذي ينوونه، وبغدان، فيها أربع لغاتٍ، يُقَال: بغداد وبغدان ومغدان، وبغداذ، وهي أقلها وأردؤها، وشرفات: جمع شرفة وهي معروفة. والرّابطة: القوم الذين قد ربطوا خيولهم، والشّرى: موضع كثير الأسد، وسريجية: منسوبة إِلَى سريج يعني السيوف، وكان أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، يفسر بيت العجّاج. وفاحماً ومرسناً مسرجاً قَالَ: يعني أن أنفه كالسيف السّريجيّ فِي استوائه ودقّته وشممه، ويختلين: يقطعن، وأصله من الخلى وهو الرّطب، يُقَال: خليت الخلى واختليته، ومنه سّميت المخلاة، والطّلى: جمع طلية، كذا قَالَ الأصمعي وهي صفحة العنق، وأنشد لذي الرمة: أضله راعياً كلبيّةٍ صدراً ... عَنْ مطلب وصلى الأعناق تضطرب والمطلب: البعيد الذي يحوجك إِلَى وقَالَ أَبُو عمرو الشّيباني واحد الطّلى طلاة، وأنشد متى تسق من أنيابها بعد هجعةٍ ... من اللّيل شرباً حين مالت طلاتها والصّدى هاهنا الصّوت الذي يجيبك من الجبل، والصّدى أيضاً ذكر البوم، وقد استقصينا هذا في كتابنا المقصور والممدود، والآجن المتغيرّ، يقال أجن الماء يأجن ويأجنا أجون، وأسن

يأسن ويأسن أسوناً، وقد أجن وأسن، وليسا بالفصيحين، فأما أسن الرجل إذا دير به من خبث رائحة البئر فعلى فعل لا غير، وسدى: لا يرده أنيسٌ، ويعاذُ ويلاذ واحد، يُقَال: عدتُ بالشيء ولذتُ به. وطما: ارتفع، يُقَال: طما الماء يطمو، والحنش: الحّية، والحمة: سمّه وضرّه، والرّشاء: الحبل ممدود فقصره للضرورة، ومنهرت: واسع مشقّ الشّدق، ويقَالَ: هرت ثوبه وهرده وهرطة، ثلاث لغات، والقرا: الظّهر، وإنما جعله حاري القرا لأنه قد حرى جسمه أي نقص، وإذا كان كذلك كان أخبث له، ومنه قولهم: رماه الله بأفعى حاريةٍ، والنّفاث جمع نفاثةٍ: وهو ما نفثه من فيه، وإنما شبهه بجمر الغضى، لأن جمرها أشدّ حرارة وأكثر بقاء وأحسن منظراً، ولذلك أكثرت الشعراء ذكرها فِي أشعارهم، والمآقى جمع مأقٍ، وفي مأق العين لغات، يُقَال: مأق مهموز، وماق غير مهموز، فمن همز جمع آماقا مثل أمعاق، ومن لم يهمز، قَالَ: أمواق، ومؤق مهموز، وموق غير مهموز، وجمعهما مثل جمع الأوّل، ومأقٍ وماقٍ فمن همز جمع مآقياً، ومن لم يهمز قَالَ. مواقٍ، ومؤقٍ وموقٍ، وجمعهما كجمع اللذين يليانهما من قبلهما، وموقئ مثل موقع وجمعه مواقئ مثل مواقع، وأمق وجمعه آماق مثل أعناق، وموق العين: الجانب الذي يلي الأنف من العين، واللحاظ: الذي يل الصّدغ، وتبصّان: تبرقان، يُقَال: بصّ يبصّ بصيصاً، ووبص يبص وبيصاً، ورفّ يرفّ، ولصف يلصف لصيفاً، وأل يؤل ألا إذا برق، والهفّاف: البّراق، وكذلك المؤتلق والدّليص، وتثأّب: تفعّل من الثّوباء: ومذربة: محددة. وعصلٌ: معوجّة، يُقَال: نابٌ أعصل. والمدى: السكاكين، واحدتها مدية، قَالَت الخنساء فكأنما أم الزمان ... نحورنا بمدى الذّبائح والحفيف: الصّوت، وكذلك الهفيف والعجيج، والجرس: الصّوت وفيه ثلاث لغات، يُقَال: جرسٌ وجرسٌ وجرس، وكان أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، يختار جرساً بفتح الجيم إذا لم يتقدمه حسٌ فإن تقدمه حسٌ اختار الكسر، وقَالَ: هذا كلام فصحاء العرب، والصّكّ: الضّرب، واصطكّ افتعل من الصّكّ، وأثناؤه جمع ثنى يريد أعطافه، وأثناء الوادي: ما انعرج منه، وكذلك محانيه وأصواحه. والصّفاة: الصّخرة، وجمعها صفاً، وكذلك الصّفواء والصّفوانة. والأنسع جمع نسع وهو حبل مضفور من آدم. وفرادى: أفراد. وثناء ممدود: اثنان اثنان، وقصرة للقافية ضرورة. وشاقني: شوقني،

لا فرق بينهما عَلَى المبالغة والتكثير، والورق: جمع أورق، والورقة: لون الرّماد. والعسيب: السّعف وجمعه عسب، والأشاء: الصّغار من النخل، واحدتها أشاءةٌ، والضّرم: الجائع، والملحم الذي يرزق اللّحم كثيراً، والملحم: الذي يطعم أفراخه اللحم، والنّجاء: الذهاب والسرعة ممدود فقصرة للضرورة. والمخالب جمع مخلب وهي أظفار السباع وما صاد من الطير، فأما الفأر واليربوع والغراب وما أشبهها فيقَالَ لظفرة برثن، كذلك قَالَ الأصمعي: قَالَ أَبُو زيد: البرثن مثل الإصبع، والمخلب ظفر البرثن، قَالَ النابغة: فقلت يا قوم إنّ اللّيث منقبضٌ ... عَلَى براثنه للوثبة الضّاري وقَالَ ابن الأعرابي: البرثن: الكّف بكمالها مع الأصابع. والوظيف فِي كل ذي أربع فِي رجليه فوق الرّسغ ودون العرقوب، وفي يديه فوق الرسغ ودون الركبة، ففي الرّجل الرّسغ ثم الوظيف، ثم العرقوف، ثم الساق، ثم الفخذ، ثم الورك، وفي اليد الرّسغ، ثم الوظيف، ثم الركبة، ثم الذراع، ثم العضد، ثم الكتف. والقنا: احديداب فِي المنقار، وكل صائد من الطير فيه قناً، والعرب تستحبّ القنا فِي أنف الناس. وجواحر: جمع جاحرة، وهي التي قد لجأت إِلَى حجرتها. والعذوب: القائم الساكت الذيلا يطعم. والمرقب: المكان المرتفع، وإنما سميّ مرقباً، لأنه يرقب منه أي يحفظ منه ويحرس، والمرتقى: المصعد. ونكّب أصله ميّل، يريد: ألقى، وحتَّ وحكَّ واحد. والقارت: الدم اليابس، يُقَال: قرت الدم يقرت قروتاً، وانصمى: اندرأ، واندرأ: اندفع، يُقَال: اندرأ علينا واندره قَالَ الله عز وجل، {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] ، والسّرب القطيع من الطير والظباء والنسّاء والبقر، ويقال فلان واسع السّرب أي رخّى البال، وعلى لفظه هو آمن في سربه بكسر السين أي في نفسه، وهو آمن في سربه بفتح السين أي جماعته، والسّرب بفتح السين أيضاً الوجه، قَالَ ذو الرمة: خلّى لها سرب أولاها وهيّجها ... من خلفها لاحق الصّقلين همهيم وعلى لفظه: السّرب: الإبل وما رعى من المال، يُقَال: جاء سرب بني فلان أي إبلهم، ومنه قولهم اذهب فلا أنده سربك أي لا أردّ إبلك لتذهب حيث شاءت. وكانت العرب تطلق بقولهم:

اذهبي فلا أنده سربك، وبقولهم: حبلك عَلَى غاربك، ويقَالَ: سرب الفحل يسرب سروباً إذا ذهب فِي الأرض، قَالَ أخنس بن شهاب: وكلُّ أناسٍ قاربوا قيد فحلهم ... ونحن خلعنا قيده فهو سارب والسّرب: سرب الثعلب بفتح الراء، يُقَال: انسرب الثعلب إذا دخل فِي سربه، وعلى لفظه السّرب: الماء الذي يخرج من عيون خرز القربة الجديدة، قَالَ جرير: بلى فانهلّ دمعك غير نزرٍ ... كما عيّنت بالسّرب الطّبابا والطّباب: واحدها طّبة، وهي رقعة تكون فِي أسفل المزادة، ويقَالَ: سّرب قربتك، أي اجعل فيها الماء حتى تنسدّ عيون الخرز، وقَالَ ذو الرمة: ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كلى مفريةٍ سرب يريد: كأنه سربٌ من كلى مفريّة، وروى أَبُو عمرو الشّيباني: سربٌ بكسر الراء أي سائل، والأول رواية الأصمعي وهو أجود. وقَالَ الأمويّ: السّرب: الخرز وهو شاذٌ لم يقله أحد غيره. والسّربة: الجماعة من الخيل والحمير والإبل، ويقَالَ: سرّب عَلَى الإبل أي أرسلها قطعةً قطعةً، والمسربة، الشعر المستدق من الصدر إِلَى السرة، قَالَ الشاعر الآن لمّا ابيض مسربتي ... وعضضت من نابي عَلَى جذم والقارب: الطالب للماء، يُقَال: قربت الإبل تقرب، وأقربها أهلها، قَالَ الأصمعي: فهم قاربون، ولا يُقَال: مقربون، وهذا الحرف شاذٌ، إنما قالوا: قاربون، لأنهم أرادوا ذوو قرب ولم يبنوه عَلَى أقرب، وليلة القرب: ليلة طلب الماء، أنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد: يقاسون جيش الهرمزان كأنهم ... قوارب أحواض الكلاب تلوب وتلوب: تحوم حول الماء من العطش، يُقَال: لابت تلوب لوباً، واللّواب: العطش الذي يحوم صاحبه حول الماء من شدّته، والجبا بفتح الجيم مقصور: ما حول الماء، والجِبا بكسر الجيم مقصور: ما جمعت فِي الحوض من الماء، ويقَالَ له: جبوةٌ وجباوةٌ، وقَالَ الكسائي: جبيت الماء فِي الحوض جباً مقصور، كذا روى أَبُو عبيدة عنه، وحكى اللحياني: جبيت وجبوت، والمنهل:

الفرضة، والمنهل: الماء أيضاً، وإنما سمّي منهلًا، لأنه ينهل منه العطشان أي يروى. وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي: ومنهلٍ فيه الغراب ميت ... كأنه من الجون زيت سقيت منه القوم واستقيت ... وليلةٍ ذات ندىً سريت ولم يلتني عَنْ سراها ليت ... ولم تصرني كنةٌ وبيت وجمّةٍ تسألني أعطيت ... وسائلٍ عَنْ خبري لويت فقلت لا أدري وقد دريت تصرني: تعطفني وتميلني، والبيت هاهنا: المرأة، يُقَال: هي بيته أي امرأته، والجمة: القوم عَنْ خبري لويت، هكذا أنشده ابن الأعرابي عَنْ خبري وأنشدنيه أَبُو بَكْرِ بن دريد، عَنْ خبر وهو أجود، وتمحه: تغترفه. والمائح: الذي ينزل فِي قلّ الماء فيملأ الدلو، أنشدني أَبُو بَكْرٍِ: يأيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت النّاس يحمدونكا يثنون خيراً ويمجدونكا ومن هذا قولهم: فلان يستميح فلاناً، وفلان يميح فلاناً، فأما الماتح فالذي يقوم عَلَى رأس البئر فيجذب الدّلو، قَالَ ذو الرمة: كأنها دلو بئر جد ماتحها ... حتى إذا ما رآها خانه الكرب والدّلا: جمع دلاةٍ وهي الدّلو، قَالَ الراجز: إنّ دلاتي أيما دلاتي ... قاتلتي وملؤها حياتي ويرتوين: يستقين، قَالَ الأصمعي: يُقَال: رويت عَلَى أهلي أروي رياً فأنا راوٍ إذا أتيتهم بالماء، وقوم رواءٌ، والزّغب جمع أزغب، وزغباء، وهي ذوات الزّغب، والزّغب: الريش الضعيف أول ما يبدو، ويقَالَ للطائر أوّل ما يظهر ريشه: قد بثّر، ثم حمّم، ثم وتّد، ثم زغّب. والفلا: جمع فلاة قَالَ الشاعر: إليك أبا حفص تعسفت الفلا ... رحلي فتلاء الذراعين جلعد

وجمع الفلا فلي، والورود، والورد: الإبل التي ترد الماء، كذا حكى الطّوسي، عَنِ ابن الأعرابي، ويرعوين: يعطفن ويرجعن، وونى: فتر، والعرمض والطّحلب والغلفق: الخضرة التي وقَالَ الأصمعي: إذا قدم الماء علته ثلاثة أشياء: الطّحلب والعرمض والغلفق، فالعرمض: خضرة رقيقة، والطّحلب: مثل الرّجرجة تغطّي الماء، والغلفق: مثل صغار الورق ينبت نباتا من أسفل الماء إِلَى أعلاه، وقَالَ يعقوب بن السّكّيت: العرمض أغلظ من الطّحلب وأنشد الطّوسي، لعمرو: وماء بموماةٍ قليل أنيسه ... كأنّ به من لون عرمضه غسلا والغسل: كل ما غسل به الرأس، والغسل هاهنا: الخطميّ، وطامياً: مرتفعاً، يُقَال: طمى الماء يطمي طمياً وطماً يطمو طموا، والغثاء ممدود احتاج إليه فقصره، وهو ما عَلَى الماء من كسار العيدان وحطام النّبت، وأقعص: قتل، والإقعاص أن تضرب الشيء أو ترميه فيموت مكانه، يُقَال منه: أقعصته إقعاصاً، ومثله أصميته إصماء وزعفته وأزعفته، وهو مأخوذ من الموت الزّعاف، والكدريّة: العظيمة من القطا، نسبها إِلَى الكدر وهي معظم القطا وهي كدر الألوان. والحيزوم: الصّدر. وغادر: ترك، قَالَ عنترة. هل غادر الشعّراء من متردّم والأشلاء: جمع شلو وهو بقّية الجسد، والجوافل: المنكشفة الذاهبة، واحدتها جافلة، ومنه قيل: جفلت الريح التّراب إذا كشفته وأذهبته، والطامسات: الدارسات، يُقَال: طمس وطسم إذا درس، وطامسات وطاسمات، والصّوى: الأعلام المنصوبة فِي الطريق ليهتدي بها واحدتها صوّةٌ، ومنه الحديث: إنّ للإسلام صوى ومنار كمنار الطريق ويقَالَ: قد أصوى القوم إذا وقعوا فِي الصّوى، وقد استقصينا هذا الحرف فِي كتابنا المقصور والممدود، وأبن: رجعن، والآئب: الراجع، والإياب: الرّجوع: والمجاجات جمع مجاجةٍ وهي ما مجّته بأفواهها، والسّلى: الجلد الرقيق الذي يخرج عَلَى الولد، ويراطنّ: يعجمن، والتّراطن: مالا يفهم من كلام العجم، قَالَ علقمة بن عبدة:

يوحي إليها بإنقاضٍ ونقنقةٍ كما تراطن فِي أفدانها الرّوم حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: قَالَ أعرابي: والله ما أحسن الرّطانة، وإني لأرسب من رصاصة، وما قرقمني إلا الكرم والمقرقم: البطيء الشّباب، أنشد أَبُو عبيد: أشكو إِلَى الله عيالاً دردقا ... مقرقمين وعجوزاً شملقا بالشين معجمة وهو أحد ما أخذ عليه، وروى ابن الأعرابي سملقا بالسين غير المعجمة وهو الصحيح، والدّردق: الصّغار، والرّقش: جمع أرقش ورقشاء وهي المنقّّطة، ويقَالَ: رقشت الكتاب رقشاً ورقّشته إذا كتبته ونقطته، قَالَ طرفة: كسطور الرق رقشه ... بالضّحى مرقّشُ يشمه قَالَ مرقّش الأكبر، واسمه ربيعة: الدّار قفرُ والرّسوم كما ... رقّش فِي ظهر الأديم قلم وبهذا البيت سمّى مرقشاً، واللها: جمع لهاةٍ، مثل قطاة وقطاً، وقد مدّه الشاعر للضرورة وهو ردىء جداً ليس كقصر الممدود، أنشدنا الفراء: يا لك من تمرٍ ومن شيشاء ... ينشب فِي المسعل واللهاء والشيشاء: الشّيص. والأجرد: القصير الشعر، وهو مدح فِي الخيل، قَالَ الشاعر: وأجرد من فحول الخيل طرف ... كأنّ عَلَى شواكله دهانا والسّيد: الذئب، والعرب تشبّه به الفرس، قَالَ امرؤ القيس. عليه كسيد الرّدهة المتأوّب والرّدهة: النّقرة فِي الجبل يستنقع فيها الماء، وجمعها رداةُ، والوقيعة: مثله، وكذلك الوقط والوجد والقلت. والعبل: الغليظ، يُقَال: فرس عبل القوائم وعبل المحزم أي غليظ المحزم، وهو مدح فِي الخيل، قَالَ امرؤ القيس: سليم الشظى عبل الشوى شنج النّسا ... له حجبات مشرفاتُ عَلَى الفال

أراد الفائل، والفائل: عرقُ فِي الخربة يستبطن الفخذ ويجري إِلَى الرّجلين، والخربة: النّقرة التي فِي الورك، ليس بينها وبين الجوف عظم إنما هو جلد ولحم، قَالَ الأعشى: قد نطعَنِ العين فِي مكنون فائله ... وقد يشيط عَلَى أرماحنا البطل وذلك أن الفارس الحاذق بالطعن إذا طعَنِ الطّريدة تعمّد الخربة، لأنه ليس دون الجوف عظمُ، ولذلك فخر به الأعشى، أي إنا بصراء بمواضع الطعن، ومكنون الفائل: دمه، والشوى: الأطراف: اليدان والرجلان، ومنه قيل: رماه فأشواه إذا أخطأه، كأن السهم مرّ بين شواه، ويكون أشواه أيضاً: أصاب شواه وهو غير مقتل. وأيدُ: قويُ، والأيد والآد: القوّة، قَالَ الله عز وجل: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] ويستحب من الفرس أشراف القطاة والحارك قَالَ النابغة الجعدي: عَلَى أنّ حاركه مشرفُ ... وظهر القطاة ولم يحدب والأعمدة هاهنا: القوائم، واحدها عمود، والوجى أن وجعاً فِي باطن حافره من غير يجد الفرس أن يكون فيه وهىُ ولا خرق، يُقَال: وجى الفرس يوجي وجيا شديداً، والمؤلّلة: المحدّدة والعرب تستحبّ التأليل فِي أذن الفرس وتمدح قَالَ الشاعر: يخرجن من مستطير النّقع داميةً ... كأنّ آذانها أطراف أقلام وحشرةٌ: لطيفة رقيقة، قَالَ الشاعر: لها أذنٌ حشرةٌ مشرةٌ ... كإعليط مرخٍ إذا ما صفر المشرة: الورقة، يُقَال: قد تمشّر الشجر إذا أورق، وتمشّر الرجل إذا اكتسى، والإعليط: وعاء المرخ، والعرب تشبّه به آذان الخيل، وصفر: خلا، وكلّ لطيفٍ دقيق رقيقٍ حشرٌ، يُقَال: حربة حشرة، قَالَ رؤبة: ووافقت للرّمي حشرات الرّشق قَالَ ابن الأعرابي: حشرت العود إذا بريته، وأنشد: وتلقي لئيم القوم للناس محشرا

أي يقشر أموالهم، والرّحاب والرّحيب: الواسع، مثل طوالٍ وطويل وجسام وجسيم، والهواء ممدود قصره للضرورة وهو الفرجة بين الشيئين، يريد يريد أنه واسع الجوف، كما قَالَ امرؤ القيس: وجف هواء تحت صلبٍ كأنّه ... من الهضبة الخلقاء زحلوق ملعب والّلحيان: تثنية لحى وهما عظما الّلهزمتين وإذا طالا طال خدّ الفرس، وطول الخدّ مدح فِي الخيل. والعرب تستحبّ سعة المنخر فِي الفرس، لأنه إذا اتسع منخره لم يحبس الرّبو فِي جوفه، قَالَ امرؤ القيس: لها منخرٌ كوجار الضّباع ... فمنه تريح إذا تنبهر ما يستحب طوله وقصره فِي الفرس وفسر ابن الأعرابي فِي هذه القصيدة ما نحن ذاكروه، قَالَ ابن الأعرابي: التّسعة الطّوال عنقه وخدّاه، ووظيفا رجليه، وبطنه وذراعاه، وفخذاه، وتفسيره غير موافق لقول الشاعر، لأنه ذكر عشرة أشياء وقد ذكر الشاعر تسعة، ونازعت فيه أبا عمرو فِي وقت قراءتي عليه، فقَالَ: قَالَ لنا أَبُو العباس: هذا غلطٌ من الشاعر، ونظرت فإذا لا تصحّ تسعة ولا سبعة فيقع الظنّ أن الراوي أخطأ فِي النقل، وذلك أنه أراد كل شيء يستحب طوله فِي القوائم فهي ثمانية: وظيفا الرجلين والذراعان، والثنن وهي الشعر الذي فِي مؤخّر الرسغ، واحدتها ثنّة، ويستحبّ طولها وسوادها، ولذلك قَالَ الشاعر: لها ثننٌ كخوافي العقاب ... سودٌ يفين إذا تزبئرّ ويفين: يطلن، يُقَال: وفي شعره يفي إذا طال، وتزبئرّ: تنتفش، فإن كان الشاعر ذهب إِلَى هذا وأراد معها العنق جاز وصح قوله، لأنه قَالَ: تسعة فِي الشوى، والشوى: القوائم، وقَالَ ابن الأعرابي: والتسعة القصار أربعةٌ: أرساغه ووظيفا يديه وعسيبه وساقاه، وهذا صحيح عَلَى ما ذكرناه، لأنه ذكر العسيب مع القوائم فحمل كلامه عَلَى الأكثر كما ذكرناه فِي الأول، وقَالَ ابن الأعرابي: والسبعة العارية: خداه وجبهته والوجه كلّه، وأن يكون عاري القوائم من اللحم، هذه كلها تستحب، وسبع مكسوة: الفخذان وحاميتاه ووركاه وحصيرا جنبيه ونهدتاه، وهما فِي الصدر، قَالَ أَبُو العباس: كذا قَالَ ابن الأعرابي: نهدتاه، وغيره يقول: فهدتاه، الصحيح

فهدتاه وهما اللحمتان اللتان فِي الزور كالفهدين، وإن كان كلام ابن الأعرابي يحتمل فِي الاشتقاق أن يسمّيا النهدتين، وقَالَ ابن الأعرابي: السبع التي قربت، يريد سبع خصالٍ صالحة قربن منه، وسبع خصال رديئة بعدن منه فلسن فيه، وقَالَ ابن الأعرابي: وتسع غلاظ: أوظفته الأربعة وأرساغه الأربعة غلاظ وعكوته غليظة، والسبع الرقاق: منخراه وأذناه وجحفلتاه وشفرته، وحديد الثمان: عرقوباه وأذناه وقلبه ومنكباه. وعريض الثمان: عريض الفخذين والوركين والأوظفة، وفيه من الطير خمس: النسر فِي باطن الحافر، والغرابان: ما أشرف من وركيه، والصرد: عرقٌ تحت لسانه، وعصفوره: عظم فِي وسط هامته، هذا جميع ما فسره ابن الأعرابي فِي هذه القصيدة. ما يستحب من الفرس تفصيلًا: يستحب من الفرس طول العنق، ولذلك قَالَ امرؤ القيس: وسالفةٌ كسحوق الليان ... أضرم فيها الغوىّ السّعر والّليان: النخل، وقد روى فِي هذا البيت اللبان، وكان أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، يردّ هذه الرواية، ويقول: كيف يشّبه طول عنقه بشجرة الّلبان، وهي مقدار قعدة الرجل فِي الأرتفاع! ويستحبّ هرت الشّدقين وطول الخدّين، ولذلك قَالَ الشاعر: هريت قصير عذار الّلجام ... أسيلٌ طويل عذار الرّسن يريد أن مشقّ شدقيه من الجانبين مستطيل فقد قصر عذار لجامه لأنه يدخل فِي فيه، وأنه أسيل الخدّ، والأسالة: الطّول، فعذار رسنه طويل لطول خدّه، لأن الرسن لا يدخل فِي فيه منه شيء، ويستحب طول وظيفي الرّجلين، ولذلك شبهت بالنّعام فِي طول الوظيف، لأن ما يشبّه من خلق الفرس بخلق النعام طول الوظيفين وقصر الساقين، ولذلك قَالَ أَبُو دواد: لها ساقا ظليم خاضب ... فوجئ بالّرعب ويستحبّ قصر الظهر مع طول البطن، ويستحبّ طول الذراعين، ولذلك شبهته العرب الظبى

ومما يشبّه من خلق الفرس بخلق الظبي طول وظيفي رجليه وتأنيف عرقوبيه، والتأنيف: التحديد، ولذلك قَالَ أَبُو دواد: طويلٌ طامح الطّرف ... إِلَى مفزعة الكلب حديد الطرف والمنكب والعرقوب والقلب لأن حدّة العرقوب تستحبّ من الفرس وهو من الظبي كذلك، وتستحب حدّة القلب والطّرف والمنكب، ويستحب سموّ الطّرف، ومما يشبّه أيضاً من خلق الفرس بخلق الظبى عظم فخديه وكثرة لحمهما، وعرض وركيه، وشدّة متنيه، وإجفار جنبيه أي: إنتفاخهما، ولذلك قَالَ أَبُو النجم: منتفخ الجوف عريضٌ كلكله وقصر عضديه ونجل مقلتيه، ولحوق أياطله، ولذلك قَالَ امرؤ القيس: له أيطلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ ... وإرخاء سرحانٍ وتقريب تتفل والسّرحان: الذئب، ويقَالَ: إنه أحسن الدوابّ تقريباً، والتقريب: أن يرفع يديه معاً ويضعهما معاً. ومما يشبّه من خلق الفرس بخلق حمار الوحش غلظ اللحم وتعييره، والتعيير: أن يجتمع اللحم عَلَى رءوس العظام فيصير كالعير الذي فِي وسط نصل السّهم وهو الناشز فِي وسطه، وكذلك عير الكتف الناشز فِي وسطه، وظماء فصوصه وسراته وهو أعلى ظهره، ولذلك قَالَ الشاعر: له متن عيرٍ وساقا ظليم وتمكّن أرساغه وتمحيصها، والتمحيص ألا يكون عَلَى قوائمه لحم، ولذلك قَالَ الشاعر: وأحمر كالدّيباج أما سماؤه ... فرياّ وأما أرضه فمحول سماؤه: أعاليه، وأرضه: قوائمه، وعرض صهوته، والصّهوة: موضع الّلبد من الفرس حيث الراكب، وصهوة كل شيء: أعلاه، ولذلك قَالَ امرؤ القيس: له أيطلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ ... وصهوة عيرٍ قائم فوق مرقب

ويستحب من الفرس طول الذّنب فِي كثرة شعر، ولذلك قَالَ طفيلٌ الغنويّ: وأذنابها وحفٌ كأنّ ذيولها ... مجر أشاء من سميحة مرطب ويستحب غلظ الأرساغ، ولذلك قَالَ الجعدي: كأنّ تماثيل أرساغه ... رقاب وعولٍ عَلَى مشرب ويستحبّ عرض الصدر مع دقة الزّور وهو الجؤجؤ، ولذلك قَالَ امرؤ القيس: له جؤجؤ حشر كأنه لجامه ... يعالي به فِي رأس جذعٍ مشذّب فوصفه بدقّة الزّور وطول العنق، ويستحبّ من الفرس أن يكون إذا استدبرته كالمنكب، وإذا استقبلته كالمقعي، وإذا استعرضته مستويا، وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: أَخْبَرَنِي عصام بن خليفٍ السّلمى، قَالَ: قَالَ ابن أقيصر: خير الخيل الذي إذا استدبرته جنأ وإذا استقبلته أقعى، وإذا استعرضته استوى، وإذا مشى ردى، وإذا عدا دحا، فالرّديان أن يرجم الأرض رجماً بين المشي الشديد والعدو، وإذا رمى بيديه رمياً لا يرفع سنبكه عَنِ الأرض، قيل: مرّ يدحو دحواً وبهذا الإسناد، قَالَ: حَدَّثَنِي بعض أهل العلم أن عبد الرحمن الثقفي بن أم الحكم ابنة أبي سفيان، وكان عَلَى الكوفة، أرسل ألف فرس فِي حلبة فعرضها عَلَى ابن أقيصر أحد بني أسد بن خزيمة، فقَالَ: تجىء هذه سابقةً، فسألوه، ما الذي رأيت فيها؟ قَالَ: رأيتها مشت فكتفت، وخبت فوجفت، وعدت فنسفت، قَالَ: فجاءت سابقة: قوله: مشت فكتفت أي حرّكت كتفيها، والكتف: المشي الرّويد، قَالَ الشاعر: قريح سلاحٍ يكتف المشي فاتر والوجيف: ضرب من السير فيه بعض السّرعة وهو دون الشّدّ، يُقَال: وجف يجف وجيفاً، ومثله الوضع، يُقَال: وضع يضع وضعاً، قَالَ الأصمعي: قيل لرجل أسرع: كيف كنت فِي سيرك؟ قَالَ كنت آكل الوجبة، وأنجو الوقعة، وأعرّس إذا أفجرت، وأرتحل إذا أسفرت، وأسير الوضع، وأجتنب الملع، فجئتكم لمسى سبع أي لمساء سبع ليال، فالملع: أرفع من الوضع، ونسفت: أدنت سنبكها من الأرض فِي عدوها، يُقَال للفرس: إنه لنسوف السنبك.

وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍِ، بالإسناد الذي تقدّم قَالَ: حَدَّثَنِي رجل من أهل الشام، قَالَ: سئل بعض بصراء أهل الشام، متى يبلغ ضمر الفرس؟ فقَالَ: إذا ذبل فريره، وتفلّقت غروره، وبدا حصيره، واسترخت شاكلته قَالَ الأصمعي: الفرير: موضع المجسّة من عرف الفرس، والغرور: الغضون التي فِي جلده، واحدها غرٌّ، والحصير: العصبة التي فِي الجنب فِي أعلى الأضلاع مما يلي الصلب والشاكلة: الطّفطفة. ما فِي الفرس من أسماء الطير: وذكر هذا الشاعر خمسة من الطير فِي الفرس، وفي كل فرس من أسماء الطير عدّة أكثر من هذه: فمنها الهامة وهو العظم الذي فِي أعلى رأسه، وفيه الدماغ، ويقَالَ لها أمّ الدماغ أيضاً، والفرخ أيضاً: وهو الدماغ وجمعه فروخ، والنّعامة: الجلدة التي تغطّى الدماغ، والعصفور: العظم الذي تنبت عليه الناصية، قَالَ حميد: ونكّل الناس عنا فِي مواطننا ... ضرب الرءوس التي فيها العصافير والذّبابة: النّكيتة الصغيرة التي فِي إنسان العين فيها البصر، والصّردان: عرقان تحت لسانه والسّمامة: الدائرة التي فِي صفحة العنق، والقطاة: مقعد الرّديف، والغرابان: رأسا الوركين فوق الذّنب حيث يلتقي رأس الورك الأيمن والأيسر، وقَالَ الأصمعي وفي الورك ثلاثة أسماء فحرفاها المشرفان على الفخذين الجاعرتان وهما موضع الرّقمتين من آست الحمار، وحرفاها المشرفان على الذّنب حيث يلتقي رأس الورك الأيمن والأيسر الغرابان. وحرفاها اللذان يشرفان على الخاصرتين الحجبتان، والخرب الهزمة التي بين الحجبة والقصرى. والنّاهض العظم الذي على أعلى العضد، والجمع نواهض وأنهضٌ، وأنشد أبو عبيد: وقرّبوا كلّ جماليٍّ عضه ... أبقى السّناف أثراً بأنهضه والحمامة القصّ، والنسّر كالنّوى. والحصى الصّغار يكون في الحافر مما يلي الأرض، قَالَ الشاعر: مفجّ الحوامي عَنْ نسورٍ كأنها ... نوى القسب ترت عَنْ جريم ملجلج

مفجٌ: واسع، والحوامي: نواحي الحافر، واحدتها حامية وإنما سّميت حاميةً لأنها تحمي النسور، وترث: ندرت ونزت، والجريم: التّمر المجروم وهو المصروم، وملجلج من قولهم لجلج اللقمة فِي فيه إذا حركها، فالملجلج: المحرك المدار فِي الفم. والفراش: العظام الرقاق فِي أعلى الخياشيم وهي تسمّى الخشارم، والسّحاة: كلّ ما رقّ وهشّ من العظام التي تكون فِي الخياشيم وفي رءوس الكتفين. والصّقران: الدائرتان اللتان فِي مؤخر اللّبد دون الحجبتين. وخظا: ممتلئ. والصّفاق: الجلدة التي تحت الجلدة التي عليها الشعر من السّرّة إِلَى القنب، والقنب: وعاء قضيبه، واليعسوب: الغرّة تكون عَلَى قصبة الأنف فوق الرّثم، ويقَالَ: اليعسوب: كل بياض عَلَى قصبة الأنف عرض أو اعتدل لا يبلغ الخليقاء، والخليقاء: حيث التقى عظم أعلى الأنف وعظم الحاجب، والمجاليح: التي تدرّ فِي الشتاء، واحدها مجالح، وقَالَ الأصمعي: إذا كانت الناقة تدرُّ عَلَى الجوع والبرد فهي مجالح وقد جالحت مجالحة، وأنشد: لها شعرٌ داج وجيدٌ مقلّص ... وجسم خداريّ وضرعٌ مجالح وقَالَ الفرزدق: مجاليح الشتاء خبعثناتٌ إذا ... النّكباء ناوحت الشّمالا والخبعثنات: الغلاظ الشّداد، واحدها خبعثنة، ومنه قيل للأسد: خبعثنة، وشمّ: مرتفعة والذّرى: الأسنمة، واحدها ذروة، وأعلى كل شيء ذروته، ويقَالَ للّسنام: الذّروة والشّرف والقمعة والقحدة والهودة والعريكة والكتر، قَالَ علقمة بن عبدة: كترٌ كحافة كير القين ملموم قَالَ الأصمعي: ولم أسمع بالكتر الا فِي هذا البيت. والعضّ: علف أهل الأمصار مثل القتّ والنّوى، قَالَ الأعشي: من سراة الهجان صلبها العض ... ورعى الحمى وطول الحيال الرّعى مصدر رعى يرعى رعياً، والرّعى: الكلأ. ونقفيه: نؤثره، والقفيّة: الأثرة، والقفاوة ما يخصّ به الرجل من الطعام، وقَالَ الشاعر:

ونقفي وليد الحيّ إن كان جائعاً ... ونحسبه إن كان ليس بجائع وقاظ من القيظ، وصنيع: مصنوعّ، والعانة: جماعة الحمر وجمعها عاناتٌ وعونٌ، قَالَ أَبُو النجم يذكر امرأة: تعدّ عانات اللّوى من مالها وقَالَ حميد الأرقط: أحقب شحاج مشلّ عون والغطاط: الصّبح بضم الغين، قَالَ الراجز: وردت قبل سدفة الغطاط. فأما الغطاط بالفتح: فضرب من القطا، قَالَ الهذلي: وماءٍ قد وردت أميم طامٍ ... عَلَى أرجائه الغطاط وخماصٌ: ضوامر، والعجى: جمع عجايةٍ، ويقَالَ: عجاوة أيضاً، كذا قَالَ الأصمعي، وهي قدر مضغةٍ ملصقةٍ بعصبة تنحدر من ركبة البعير إِلَى فرسنة، قَالَ امرؤ القيس: تطائر ظرّان الحصى عَنْ مناسمٍ ... صلاب العجى ملثومها غير أمعرا وقَالَ أَبُو عمرو الشيباني: العجاية: عصبة فِي باطن يد الناقة وهي من الفرس مضيغة، وجدّل ألقاها عَلَى الجدالة، والجدالة: الأرض، أنشد أَبُو زيد: قد أركب الآلة بعد الآلة ... وأترك العاجز زجل بالجدالة وشاصٍ: مرتفع، يُقَال: شصا يشصو إذا ارتفع، قَالَ الأخطل يصف زقاق الخمر: أناخوا فجرّوا شاصياتٍ كأنها ... رجالٌ من السّودان لم يتسربلوا والقصب: المعي، وجمعه أقصاب، والوقف: الخلخال ما كان من شيء من فضة أو غيرها وأكثر ما يكون فِي القرون والعاج، والأهيف: الضّامر، وغّلوا له: أغلوا فِي الثمن أي أرتفعوا

كلام خطيب الأزد لما بعث الحجاج خطباء من الأحماس إلى عبد الملك

فيها، والغلو: مجاوزة القدر فِي الشيء والإرتفاع فيه، ومنه سميت الغالية من الروافض، والتّمائم جمع تميمة وهي العوذة، قَالَ أَبُو ذؤيب: وإذا المنّية أنشبت أظفارها ألفيت كلّ تميمة لا تنفع وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا العتبيّ، عَنْ أبيه، عَنْ جدة، قَالَ: وليّ معاوية روح بن زنباع فعتب عليه فِي جناية فكتب إليه بالقدوم، فلّما قدم أمر بضربه بالسّياط فلما أقيم ليضرب، قَالَ: نشدتك الله يا أمير المؤمنين، أن تهدم منّي ركناً أنت بنيته، أو أن تضع منّي خسيسةً أنت رفعتها، أو تشمت بي عدوّاً أنت وقمته، وأسألك بالله إلا أتى حلمك وعفوك دون إفساد صنائعك، فقَالَ معاوية: إذا الله سنّي عقد أمرٍ تيسّر، خلّوا سبيله كلام خطيب الأزد لما بعث الحجاج خطباء من الأحماس إِلَى عبد الملك وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا العكليّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حاتم بن قبيصة، عَنْ شبيب بن شيبة، قَالَ: بعث الحجاج خطباء من الأحماس إِلَى عبد الملك فتكلّموا، فلما إنتهى الكلام إِلَى خطيب الأزد قام فقَالَ: قد علمت العرب أنا حيّ فعال، ولسنا بحيّ مقَالَ: وأنا نجزي بفعلنا عند أحسن قولهم، إنّ السيوف لتعرف أكفّنا، وإن الموت ليستعذب أرواحنا، وقد علمت الحرب الزبون أنا نقرع حماها، ونحلب صراها، ثم جلس وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: مر رجل عَلَى قبر عامر بن الطّفيل، فقَالَ: عم صباحاً أبا عَلَى، فلقد كنت سريعاً فِي وعدك إذا وعدت المولى، بطيئاً فِي إيعادك إذا أوعدته، ولقد كانت هدايتك كهداية النّجم، وجرأتك كجرأة السيل، وحدّك كحدّ السيف وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: بلغني أن ابن ملجم لعنه الله حين ضرب علياً رضوان الله عليه، قَالَ: أما أنا فقد أرهفت السيف، وطردت

وصية بعضهم لولده لما أراد التزوج وجواب ابنة الخسن لمن سألها

الخوف، وحثثت الأمل، وبقيت الرجل، وضربته ضربةً لو كانت بأهل عكاظ قتلتهم، وفي ذلك يقول النّجاشي: إذا حيّةٌ أعيا الرّقاة دواؤها ... بعثنا لها تحت الظّلام ابن ملجم وصية بعضهم لولده لما أراد التزوج وجواب ابنة الخسن لمن سألها وقَالَ يعقوب: قَالَ الفراء: سمعت الكلابيّ، يقول: قَالَ بعضهم لولده: يا بنيّ، لا تتّخذها حنّانةً، ولا أنّانة، ولا منّانة، ولا عشبة الدّار، ولا كبة القفاء. الحنّانة: التي لها ولد من سواه فهي تحنّ عليهم، والأنّانة: التي مات عنها زوجها فهي إذا رأت الزوج الثاني أنّت، وقَالَت: رحم الله فلاناً، لزوجها الاوّل، والمنّانة: التي لها مال، فهي تمنّ عَلَى زوجها كلما أهوى إِلَى شيء من مالها، وقوله: عشبة الدار يريد الهجينة، وعشبة الدار: التي تنبت فِي دمنة الدار وحولها عشبٌ فِي بياض الأرض فهي أفخم منه وأضخم، لأنها غذتها الدّمنة، وذلك أطيب للأكل رطباً ويبساً، لأنه نبت فِي أرض طيبة وهذه نبتت فِي دمنة فهي منتنة رطبةٍ، وإذا يبست صارت حتاتاً وذهب قفّها فِي الدّمنة فلم يمكن جمعه، وذلك يجمع قفّه لأنه فِي أرض طيبة، قَالَ أَبُو العباس أحمد بن يحيى: القفّ: ما يبس من البقل، وسقط عَلَى الأرض فِي موضع نباته. وقوله: كبّة القفا هي التي يأتي زوجها أو ابنها القوم، فإذا انصرف من عندهم، قَالَ رجل من جبناء القوم: قد والله كان بيني وبين امرأة هذا المولى أو أمه أمر. وقَالَ بهدل الزبيري: أتى رجلٌ ابنة الخّس يستشيرها فِي امرأة يتزوجها فقَالَت: انظر رمكاء جسيمة، أو بيضاء وسيمة، فِي بيت جدٍّ، أو بيت حدّ، أو بيت عز. قَالَ: ما تركت من النساء شيئاً، قَالَت: بلى! شر النساء تركت، السّويداء الممراض، والحميراء المحياض، الكثيرة المظاظ، الرّمكاء: السّمراء، والرّمكة: لون الرماد، ومنه قيل: بعير أرمك، وناقة رمكاء، والمظاظ: المشارّة والمشاقّة، قَالَ رؤبة: لأواءها والأزل والمظاظا اللأواء: الشدّة، والأزل: الضيق.

قصيدة مضرس المزني

قَالَ: وحَدَّثَنِي الكلابي، قَالَ: قيل لابنة الخسّ: أيُّ النساء أسوأ؟ قَالَت: التي تقعد بالفناء، وتملأ الإناء، وتمدق ما فِي السّقاء، قيل: فأيّ النساء أفضل؟ قَالَت: التي إذا مشت أغبرت، وإذا نطقت صرصرت، متورّكة جاريةً، فِي بطنها جاريةٌ، يتبعها جارية، أي هي مئناث أغبرت: أثارت الغبار فِي مشيتها، وصرصرت: أحدّت صوتها، أنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لجرير: لكن سواده يجلو مقلتي ضرم ... بازٍ يصرصر فوق المرقب العالي ويروى: ذاكم سواده. . . . قيل: فأيُّ الغلمان أفضل؟ قَالَت: الأسوق الأعنق، الذي إن شبَّ كأنه أحمق، قيل: فأيُّ الغلمان أفسل؟ قَالَت: الأويقص القصير العضد، العظيم الحاوية، الأغيبر الغشاء، الذي يطيع أمّه، ويعصي عمه. الأسوق: الطويل الساق، والأعنق: الطويل العنق، والأويقص تصغير أوقص، والأوقص: الذي يدنو رأسه من صدره، قَالَ رؤبة: أدمّه صياغةً وأرذله ... أوقص يخزى الأقربين عيطله العيطل: الطويل العنق، وجمعه وقص، وقد وقص يوقص وقصاً، ومنه الأوقص قاضي المدينة. والحاوية: ما تحّوي من البطن أي استدار مثل الحوايا، والحوايا: جمع حويّة وهو كساء يدار حول سنام البعير يركب عليه الراكب. قصيدة مضرس المزني وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، لمضّرس بن قرط بن الحارث المزني أهاجتك آيات عفون خلوق ... وطيف خيال للمحبّ يشوق وما هاجه من رسم دارٍ ودمنةٍ ... بها من مطافيل الظّباء فروق تلوح مغانيها بحجرٍ كأنها ... رداء يمانٍ قد أمحّ عتيق تعذّبني بالودّ سعدى فليتها ... تحمل منا مثله فتذوق ولو تعلمين العلم أيقنت أنّني ... وربّ الهدايا المشعرات صدوق أذود سوام الطّرف عنك وماله ... إِلَى أحدٍ إلا عليك طريق

أهم بصرم الحبل ثم يردّني ... عليك من النّفس الشّعاع فريق تهيّجني للوصل أيامنا الألى ... مررن علينا والزمان وريق ليالي لا تهوين أن تشحط النّوى ... وأنت خليلٌ لا يلام صديق ووعدك إيّانا وقد قلت عاجلٌ ... بعيد كما قد تعلمين سحيق فأصبحت لا تجزينني بمودّتي ... ولا أنا للهجران منك مطيق وأصبحت عاقتك العوائق إنها ... كذاك ووصل الغانيات يعوق وكادت بلاد الله يا أمّ معمرٍ ... بما رحبت يوماً عَلَى تضيق تتوق إليك النفس ثم أردّها ... حياءً ومثلي بالحياء حقيق وإنّي وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من أحداث الرّدى لشفيق وإن كنت لمّا تخبرني فسائلي ... فبعض الرجال للرجال رموق سلي هل قلاني من عشيرٍ صحبته ... وهل ذمّ رحلي فِي الرّحال رفيق وهل يجتوى القوم الكرام صحابتي ... إذا أغبرّ مخشيّ الفجاج عميق وأكتم أسرار الهوى فأميتها ... إذا باح مزّاحٌ بهنّ بروق ويروى:. . . . . . . وأميتها إذا باح مزاح بهن نزوق شهدت بربّ البيت أنك عذبة ... الثنايا وأنّ الوجه منك عتيق وأنك قسّمت الفؤاد فبعضه ... رهينٌ وبعضٌ فِي الحبال وثيق سقاك وإن أصبحت وانية القوى ... شقائق مزنٍ ما وهن فتيق بأسخم من نوء الثّريّا كأنما ... سفاه إذا جنّ الظّلام حريق صبوحي إذا ما ذرّت الشمس ذكركم ... وذكركم عند المساء غبوق وتزعم لي يا قلب أنك صابرٌ ... عَلَى الهجر من سعدي فسوف تذوق فمت كمداً أو عش سقيماً فإنما ... تكلّفني ما لا أراك تطيق :

الكلام على مادة جنب

الشّعاع: المتفرّق المنتشر، قَالَ قيس بن الخطيم: طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائرٍ ... لها نفذٌ لولا الشّعاع أضاءها الكلام عَلَى مادة جنب قَالَ الأصمعي يُقَال: جنّب بنو فلان فهم مجنّبون إذا لم يكن فِي إبلهم لبنٌ، وأهدوا إِلَى بني فلان من لبنكم فإنهم مجنبون، قَالَ الجميح بن منقذ: لمّا رأت إبلي قلّت حلوبتها ... وكلّ عام عليها عام تجنيب ويقَالَ: إنّ عنده لخيراً مجنبا وشرا مجنبا أي كثيرا، والمجنب: الترس، قَالَ الهذلي: صبّ اللهيف لها السّبوب بطغيةٍ ... تنبي العقاب كما يلطّ المجنب اللهيف: الملهوف وهو المكروب، والسبوب: الحبال، واحدها سبٌّ، قَالَ أَبُو ذؤيب. : تدلّى عليها بين سبٍّ وخيطةٍ ... شديد الوصاة نابلٌ وابن نابل والنابل: الحاذق. والطّغية ناحيةٌ من الجبل يزلق منها، وقَالَ غيره، الطغية: الشمراخ من شماريخ الجبل. ويلّط: يكبّ، ويقَالَ: جنبت الريح تجنب جنوباً إذا هبّت جنوباً، وجنبنا منذ أيامٍ أي أصابتنا الجنوب، وأجنبنا منذ أيام دخلنا فِي الجنوب، وسحابة مجنوبة: جاءت بها الجنوب. وجنب فلانٌ فِي بني فلان إذا نزل فيهم غريباً، ومنه قيل: جانبٌ للغريب، وجمعه جناب، أنشدني أَبُو الياس للقطامي: فسلّمت والتسليم ليس يضرّها ... ولكنه حتمٌ عَلَى كلّ جانب أي عَلَى كل غريب، ورجل جنب: غريب وجمعه أجنابٌ، قَالَ الله عز وجل: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] ، أي الجار الغريب وقَالَ: نعم القوم هم لجار الجنابة أي الغربة، ويقَالَ: جنبت فلاناً الخير أي نحيّته عنه وجنّبته أيضاً بالتثقيل، قَالَ أَبُو نصر والتخفيف أجود، قَالَ الله عز وجل: {واجنبني أن نعبد الأصنام} ، وجلس فلان جنبةً أي ناحية، قَالَ الراعي: أخليد إنّ أباك ضاف وساده ... همان باتا جنبة ودخيلا

قصيدة الحكم بن عبدل الأسدى وقد اجتمع الشعراء بباب الحجاج

وأصابنا مطر تنبت عنه الجنبة وهو نبت، يُقَال: أعطني جنبة فيعطيه جلد جنب بعيرٍ فيتخذ منه علبة، والعلبة: قدح من جلود يحلب فيه، ويقَالَ: فلان من أهل الجناب بكسر الجيم، لموضع بنجده، وفرسٌ طوع الجناب إذا كان سهل القياد، ولجّ فلانٌ فِي جنابٍ قبيح إذا لجّ فِي مجانبه أهله، فأما الجناب بفتح الجيم، فما حول الرّجل وناحيته وفناء داره، وجلس فلان بجانب فلان وجانبه، ويقَالَ: مرّوا يسيرون جنابيه، وجنابتيه وجنبتيه إذا مرّوا يسيرون إِلَى جانبه، وجنبت الدابة أجنبها إذا قدتها. والجنيبة: الدابة تقاد فتسير إِلَى جنبك، وقَالَ يعقوب: الجنيبة: الناقة يعطيها الرجل القوم إذا خرجوا يمتارون، ويعطيهم دراهم يمتارون له عليها، وأنشد: رخو الحبال مائل الحقائب ... ركابه فِي القوم كالجنائب أي هي ضائعة، وقَالَ أَبُو عبيدة: الجنيب: التّابع، وأنشد لأرطاة بن سهيّة يهجو شبيب بن البرصاء: أبي كان خيراً من أبيك ولم تزل ... جنيباً لآبائي وأنت جنيب والجنب مفتوحة النون أن تجنب الدابة، قَالَ امرؤ القيس: لها جنبٌ خلفها مسبطرّ أراد ذنبها، كأنها تجنبه، ومسبطرٌّ: ممتدّ، ويقَالَ: جنب البعير يجنب جنباً إذا ظلع من جنبه ويقَالَ: الجنب: لصوق الرئة بالجنب من شدة العطش، قَالَ ذو الرمة: وثب المسحّج من عانات معقلة ... كأنه مستبان الشّكّ أو جنب والشك: الضلع الخفيف، ويقَالَ: ضربه فجنبه إذا كسر جنبه. قصيدة الحكم بن عبدل الأسدي وقد اجتمع الشعراء بباب الحجاج وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن عبيد، عَنْ سهل بن محمد، قَالَ: اجتمع الشعراء بباب الحّجاج وفيهم الحكم بن عبدلٍ الأسدي، فقالوا: أصلح الله الأمير، إنما شعر هذا فِي الفأر وما أشبهه، قَالَ: ما يقول هؤلاء يا بن عبدل؟ قَالَ: اسمع أيها الأمير، قَالَ: هات، فأنشده:

وإنّي لأستغني فما أبطر الغنى ... وأعرض ميسوري لمن يبتغي عرضي وأعسر أحياناً فتشتدّ عسرتي ... فأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي وما نالني حتّى تجلّت فأسفرت ... أخو ثقةٍ فيها بقرضٍ ولا فرض ولكنه سيب الإله وحرفتي ... وشدّى حيازيم المطيّة بالغرض لأكرم نفسي أن أرى متخشّعاً ... لذي مّنة يعطي القليل عَلَى النّحض قد امضيت هذا فِي وصيّة عبدلٍ ... ومثل الذي أوصى به والدي أمضى أكفّ الأذى عَنْ أسرتي وأذوده ... عَلَى أنني أجرى المقارض بالقرض وأبذل معروفي وتصفو خليقتي ... إذا كدّرت أخلاق كلّ فتىً محض وأقضي عَلَى نفسي إذا ألحقّ نابني ... وفي الناس من يقضي عليه ولا يقضى وأمضى همومي بالزّماع لوجهها ... إذا ما الهموم لم يكد بعضها يمضي وأستنقذ المولى من الأمر بعد ما ... يزلّ كما زلّ البعير عَنِ الدّحض وأمنحه مالي وودّي ونصرتي ... وإن كان محنّى الضلوع عَلَى بغضي ويغمره سيبي ولو شئت ناله ... فوارع تبرى العظم من كلمٍ مضّ ولست بذي وجهين فيمن عرفته ... ولا البخل فاعلم من سمائي ولا أرضي قَالَ: فلما سمع الحجاج هذا البيت: ولست بذي وجهين فيمن عرفته فضّله عَلَى الشعراء بجائزة ألف درهم فِي كل مرة يعطيهم: الغرض والغرضة والسقيف والبطان والوضين: حزام الرّحل، والنّحض: اللحم ونحضت اللحم عَنِ العظم نحضاً إذا عرقته، والدّحض: الزّلق، والمض: مصدر يمضّه مضاً فأقام المصدر مقام الفاعل، كما قالوا: رجل عدلٌ أي عادل

تفسير قوله تعالى {وكان الله على كل شيء حسيبا}

تفسير قوله تعالى {وكان الله عَلَى كل شيء حسيبا} وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: فِي قوله عز وجل: {وكان الله عَلَى كل شيء حسيباً} أربعة أقوال، يُقَال: عالما، ويقَالَ: مقتدرا، ويقَالَ: كافياً، ويقَالَ: محاسباً، فالذي يقول: كافياً، يحتجّ بقوله جل وعز: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال: 64] ، أي: كافيك الله، وبقوله عز وجل: {عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ: 36] أي كافياً، وبقول الشاعر: إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ... فحسبك والضّحّاك سيفٌ مهنّد أي يكفيك ويكفي الضحاك، وبقول امرئ القيس: فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنىً شبع ورى أي يكفيك الشّبع والرّيّ، وتقول العرب: أحسبني الشيء يحسبني إحساباً وهو محسبٌ، قَالَ الشاعر: وإذ ما أرى فِي الناس حسناً يفوقها ... وفيهنّ حسنٌ لو تأملّت محسب ويقول الآخر: ونقفى وليد الحيّ إن كان جائعاً ... ونحسبه إن كان ليس بجائع أي نعطيه حتى يقول: حسبي أي كفاني، وقَالَت الخنساء: يكّبون العشار لمن أتاهم ... إذا لم تحسب المائة الوليدا والذي يجعله بمعنى محاسب يحتجّ بقول قيس المجنون: دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة يوماً أن تمحي ذنوبها وناديت يا رباه أوّل سؤلتي ... لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها فمعناه أنت محاسبها عَلَى ظلمها. والذي يقول: عالما، يحتج بقول المخبّل السّعدي: فلا تدخلنّ الدّهر قبرك حوبةً ... يقوم بها يوماً عليك حسيب أي محاسبك عليها عالم بظالمك والذي قَالَ مقتدراً، لم يحتجّ بشيء: والقولان الأوّلان صحيحان فِي الأشتقاق مع الرواية، والقولان الآخران لا يصحّان فِي الأشتقاق، ألا تراه قَالَ فِي تفسير بيت المخّبل السّعدي: محاسبك عليها عالم بظلمك، فالحسيب فِي بيته المحاسب وهو بمنزلة قول العرب: الشّريب للمشارب، وأنشد الفراء.

فلا أسقى ولا يسقى شريبي ... ويرويه إذا أوردت مائي أي مشاربي، وأنشد أَبُو بَكْرِ بن دريد، عَنْ أبي حاتم، عَنْ أبي زيد والأصمعي: رب شريب لك ذي حساس ... شرابه كالحزّ بالمواسي ليس بمحمودٍ ولا مواسى ... عجلان يمشي مشية النّفاس ويروي: النّفاس، فمعناه ربّ مشاربٍ لك، والحساس: الشّرّ شرح حديث رب تقبل دعوتي. . . . . . . . . . إلخ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ خَالِدٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مُرَّةَ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ طُلَيْقِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَاءٍ لَهُ: «رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي» قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: الحوبة: الفعلة من الحوب وهو الإثم، يُقَال: حاب الرجل إذا أثم، قَالَ الله عز وجل: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2] وقرأ الحسن: إنه كان حوباً كبيراً، فقَالَ الفراء: الحوب المصدر، والحوب الاسم، وقَالَ نابغة بني شيبان: نماك أربعةٌ كانوا أئمتنا ... فكان ملكك حقاً ليس بالحوب والسخيمة: الحقد، وفيه لغات، يُقَال: فِي قلبي عَلَى فلان ضغنٌ، وحقدٌ، وضبٌّ، ووترٌ، ودعثٌ، وطائرةٌ، وترة، ودحل، وتبلٌ، ووغمٌ، ووغرٌ، وغمرٌ، ومئرةٌ، وإحنة، ودمنة، وسخيمةٌ، وحسيكةٌ، وحسيفةٌ، وكتيفة، وحشنة، وحزاز، وحزازٌ، ويقَالَ: حزّازٌ، قَالَ الشاعر: فتىً لا ينام عَلَى دمنةٍ ... ولا يشرب الماء إلا بدم وقَالَ لبيد: بيني وبينهم الأحقاد والدّمن وقَالَ الأعشى: يقوم عَلَى الوغم فِي قومه ... فيعفو إذا شاء أو ينتقم وقَالَ أيضاً: ومن كاشحٍ ظاهرٍ غمره ... إذا ما انتسبت له أنكرن

نزول الأصمعي بقوم من غنى وفيهم شيخ عالم بالشعر وأيام الناس

وقَالَ ذو الرمة: إذا ما امرؤٌ حاولن أن يقتتلنه ... بلا إحنةٍ بين النفوس ولا ذحل وقَالَ نصيب: أمن ذكر ليلى قد يعادوني التبل ... عَلَى حين شاب الرأس واستوسق العقل وقَالَ القطامي: أخوك الذي لا تملك الحس نفسه ... وترفضّ عند المحفظات الكتائف أي الأحقاد، واحدها كتيفة، والكتيفة أيضاً: الضبّة من الحديد، وأنشد أَبُو محمد الأموي فِي الحشنة: ألا لا أرى ذا حشنةٍ فِي فؤاده ... يجمجمها إلا سيبدو دفينها وأنشدنا محمد بن القاسم، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوي: إذا كان أولاد الرجال حزازةً ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب نزول الأصمعي بقوم من غني وفيهم شيخ عالم بالشعر وأيام الناس قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، وعبد الرحمن، عَنِ الأصمعي، قَالَ: نزلت بقوم من غنيّ مجتورين هم وقبائل من بنى عامر بن صعصعة، فحضرت نادياً لهم وفيهم شيخ لهم طويل الصمت، عالم بالشعر وأيام الناس، يجتمع إليه فتيانهم ينشدونه أشعارهم، فإذا سمع الشعر الجيد قرع الأرض قرعةً بمحجنٍ فِي يده فينفذ حكمه عَلَى من حضر ببكر للمنشد، وإذا سمع مالا يعجبه قرع رأسه بمحجنه فينفذ حكمه عليه بشاة إن كان ذا غنم، وابن مخاض إن كان ذا إبل، فإذا أخذ ذلك ذبح لأهل النادي، فحضرتهم يوماً والشيخ جالسٌ بينهم، فأنشده بعضهم يصف قطاة:

سؤال أعرابي الأصمعي

غدت فِي رعيلٍ ذي أداوي منوطةٍ بلباتها مربوعةٍ لم تمرّخ: تمرخ: تلين إذا سريخ عطّت مجال سراته ... تمطّت فحطّت بين أرجاء سرنج السرنج: الأرض الواسعة، وعطّت: شقّت، فقرع الأرض بمحجنه وهو لا يتكلم، ثم أنشده آخر يصف ليلة: كأنّ شميط الصبح فِي أخرياتها ... ملاءٌ ينقّي من طيالسةٍ خضر تخال بقاياها التي أسأر الدجى ... تمدّ وشيعاً فوق أردية الفجر فقام كالمجنون مصلتاً سيفه حتى خالط البرك، فجعل يضرب يميناً وشمالاً وهو يقول: لا تفرغن فِي أذني بعدها ... ما يستفز فأريك فقدها إني إذا السيف تولّى ندّها ... لا أستطيع بعد ذلك ردها قَالَ الأصمعي: البرك: إبل أهل الحواء بالغةً ما بلغت، وقَالَ أَبُو عبيدة: البرك: الإبل البروك، وقَالَ أَبُو عمرو: البرك: ألف بعير. سؤال أعرابي الأصمعي قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان الأشنانداني، قَالَ: كنا يوماً فِي حلقة الأصمعي إذ أقبل أعرابي يرفل فِي الخزوز، فقَالَ: أين عميدكم؟ فأشرنا إِلَى الأصمعي، فقَالَ: ما معنى قول الشاعر: لا مال إلا العطاف توزره ... أمّ ثلاثين وابنة الجبل لا يرتقي النّزّ فِي ذلاذله ... ولا يعدّى نعليه عَنْ بلل؟ قَالَ: فضحك الأصمعي، وقَالَ: عصرته نطفةٌ تضمّنها ... لصبٌ تلقى مواقع السبل أو وجبةٌ من جناة أشكلةٍ ... إن لم يرغها بالقوس لم تنل

قَالَ: فأدبر الأعرابي، وهو يقول: تالله ما رأيت كاليوم عضلةً! ثم أنشدنا الأصمعي القصيدة لرجل من بني عمرو بن كلاب، أو قَالَ من بني كلاب قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: هذا يصف رجلاً خائفاً لجأ إِلَى جبل وليس معه إلا قوسه وسيفه: هو العطاف، وأنشدنا: لا مال لي إلا عطافٌ ومدرعٌ ... لكم طرفٌ منه حديدٌ ولي طرف وقوله: أم ثلاثين وابنة الجبل يعني كنانةً فيها ثلاثون سهماً، وابنة الجبل: القوس لأنها من نبع لا ينبت إلا فِي الجبال، وقوله لا يرتقي النزّ أي ليس هناك نزّ، والنز: الندى لأنه فِي جبل، والذّلاذل: ما أحاط بالقميص من أسفله، واحدها ذُلذُلٌ وذِلذِلٌ، وقَالَ أَبُو زيد وذُلَذِلٌ. وقوله لا يعدّى نعليه عَنْ بلل أي لا يصرفهما عَنْ بلل أي ليس هناك بلل، والعصرة والعصر والمعتصر: الملجأ. والنطفة: الماء، يقع عَلَى القليل منه والكثير وليس بضدٍّ، واللصب كالشق يكون فِي الجبل وقوله: تلّقى مواقع السبل أي قبل وتضمن والسبل: المطر، والوجبة الأكلة فِي اليوم، وقَالَ الأصمعي، سمعت أعرابياً، يقول: فلان يأكل الوجبة ويذهب الوقعة أي يأكل فِي اليوم مرة ويتبرّز مرة، والجناة والجنى واحد: وهو ما اجتني من الثمر، والأشكلة: سدرٌ جبليٌّ لا يطول أنشدنا أَبُو بَكْرٍِ: عوجاً كما اعوجّت قسيّ الأشكل وأنشدنا مرة: قياس الأشكل والأشكل: جمع أشكلة وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، قَالَ: دخل أعشى بني ربيعة عَلَى عبد الملك بن مروان وعنده ابناه الوليد وسليمان، فقَالَ له: يا أبا المغيرة، ما بقي من شعرك؟ فقَالَ: والله لقد ذهب أكثره، وأنا الذي أقول:

ما أنا فِي أمري ولا فِي خصومتي ... بمهتضم حقي ولا سالمٍ قرني ولا مسلم مولاي عند جنايةٍ ... ولا مظهرٍ عيني وما سمعت أذني وفضّلني فِي الشعر والعلم أنني ... أقول عَلَى علم وأعلم ما أعني فأصحت إذا فضّلت مروان وابنه ... عَلَى الناس قد فضّلت خير أبٍ وابن فقَالَ عبد الملك: من يلومني عَلَى حبّ هذا! وأمر له بجائزة وقطيعةٍ بالعراق، فقَالَ: يا أمير المؤمنين، إن الحجّاج عَلَى واجد، فكتب إليه بالصفح عنه، وبحسن صلته، فأمر له الحجاج بذلك وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى قَالَ: أنشدنا ثعلب، قَالَ: أنشدنا ابن الأعرابي: ويأخذ عيب المرء من عيب نفسه ... مرادٌ لعمري ما أراد قريب قَالَ: وقَالَ لنا بعض المشايخ: هذا البيت مبني عَلَى كلام الأحنف بن قيس، وقَالَ له رجل: ادللني عَلَى رجل كثير العيوب، فقَالَ: اطلبه عيّاباً فإنما يعيب الناس بفضل ما فيه. وحَدَّثَنَا ابن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: نزلت فِي واد من أودية بني العنبر وإذا هو معانٌ بأهله وإذا فتيةٌ يريدون البصرة، فأحببت صحبتهم فأقمت ليلتي تلك عليهم، وإني لوصبٌ محمومٌ أخاف لا أستمسك عَلَى راحلتي، فلما قاموا ليرحلوا أيقظوني، فلما رأوا حالي رحلوا بي وحملوني، وركب أحدهم ورائي يمسكني، فلما أمعنوا فِي السير: تنادوا: ألا فتىً يحدو بنا أو ينشدنا؟ فإذا منشدٌ فِي جوف الليل بصوتٍ ندٍ حزين يقول: لعمرك إني يوم بانوا فلم أمت ... خفاتاً عَلَى آثارهم لصبور غداة المنقى إذا رميت بنظرةٍ ... ونحن عَلَى متن الطريق نسير ففاضت دموع العين حتى كأنها ... لناظرها غصنٌ يراح مطير فقلت لقلبي حين خفّ به الهوى ... وكاد من الوجد المبرّ يطير فهذا ولمّا تمض للبين ليلةٌ ... فكيف إذا مرّت عليك شهور وأصبح أعلام الأحبة دونها ... من الأرض غولٌ نازحٌ ومسير

تفسير قوله تعالى {وهو شديد المحال} [الرعد: 13]

وأصبحت نجدي الهوى متهم النوى ... ازيد اشتياقاً إذ يحن بعير عسى الله بعد النأي أن يصقب النوى ... ويجمع شملٌ بعدها وسرور قَالَ: فسكنت عني الحمى حتى ما أحس بها، وقلت لرديفي، انزل إِلَى راحلتك فإني مفيقٌ متماسكٌ، جزاك الله وحسن الصحبة خيرا! تفسير قوله تعالى {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13] قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، عَنْ أبي حاتم، عَنِ ابن الأثرم، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: معنى قوله عز وجل: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13] شديد المكر والعقوبة وأنشدنا ابن الأنباري لعبد المطلب بن هاشم: لاهم إن المرء يمنع ... رحله فامنع حلالك لا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم غدراً محالك وقَالَ الأعشى: فرع نبعٍ يهتز فِي غصن المجد ... عزير الندى عظيم المحال معناه عظيم المكر، وقَالَ نابغة بني شيبان: إنّ من يركب الفواحش سرّاً ... حين يخلو بسره غير خالي كيف يخلو وعنده كاتباه ... شاهداه وربّه ذو المحال وقَالَ الآخر: أبرّ عَلَى الخصوم فليس خصمٌ ... ولا خصمان يغلبه جدالا ولبس بين أقوامٍ فكلٌّ ... أعدّ له الشغازب والمحالا الشغزبية: ضرب من الصراع، يُقَال: اعتقله الشغزبيّة، وهو أن يدخل المصارع رجله بين رجلي الآخر فيصرعه.

قَالَ أَبُو بَكْرِ سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى النحوى، قَالَ: يُقَال: المحال مأخوذ من قول العرب: محل فلانٌ بفلان إذا سعى به إِلَى السلطان وعرّضه لما يوبقه ويهلكه، قَالَ أَبُو بَكْرٍِ ومن ذلك قولهم فِي الدعاء: لا تجعل القرآن بنا ماحلاً أي لا تجعله شاهداً علينا بالتضييع والتقصير. ومن ذلك قول النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: القرآن شافع مشفع، وماحل مصدّقٌ، من شفع له القرآن يوم القيامة نجا، ومن محل به القرآن كبّه الله عَلَى وجهه فِي النار وروى عَنِ الأعرج أنه قرأ: {شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13] ، بفتح الميم، أي شيد الحول، وتفسير ابن عباس يدّل عَلَى فتح الميم، لأنه قَالَ: وهو شديد الحول والمحالة فِي كلام العرب عَلَى أربعة معانٍ: المحالة: الحيلة، والمحالة، البكرة التي تعلّق عَلَى رأس البئر، والمحالة: الفقرة من فقر الظهر، وجمعها محالٌ، والمحالة مصدر قولهم: حلت بين الشيئين، قَالَ أَبُو زيد: ماله حيلةٌ ولا محالة ولا محالٌ ولا محيلةٌ ولا محتالٌ ولا احتيالٌ ولا حولٌ ولا حويلٌ، وأنشد: قد أركب الآلة بعد الآلة وأترك العاجز بالجدالة منعفرا ليست له محاله أي حيلة، والجدالة: الأرض، يُقَال: تركت فلاناً مجدّلاً أي ساقطاً عَلَى الجدالة، وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ ابن الأنبارى: ما للرجال من القضاء محالةٌ ذهب القضاء بحيلة الأقوم قَالَ: وحَدَّثَنِي أبي، قَالَ: بعث سليمان المهلبي إِلَى الخليل بن أحمد بمائة ألف درهم وطالبه لصحبته فردّ عليه المائة الألف وكتب إليه: أبلغ سليمان أني عنه فِي سعةٍ ... وفي غنى غير أني لست ذا مال شحي بنفسي أني لا أرى أحداً ... يموت هزلاً ولا يبقى عَلَى حال والرزق عَنْ قدرٍ لا العجز ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال والفقر فِي النفس لا فِي المال تعرفه ... ومثل ذاك الغنى فِي النفس لا المال والعرب تقول: حولق الرجل إذا قَالَ: لا حول ولا قوة إلا بالله، أنشدنا محمد بن القاسم: فداك من الأقوام كل مبخّل ... يحولق إما ساله العرف سائل

تفسير حديث أكل السفرجل يذهب بطخاء القلب

أي يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقَالَ: أحمد بن عبيد: حولق الرجل وحوقل إذا قَالَ: لا حول ولا قوة إلا بالله، وبسمل الرجل إذا قَالَ: باسم الله، وقد أخذنا فِي البسملة، وأنشدنا ابن الأعرابي: لقد بسملت ليلى غداة لقيتها ... فيا بأبي ذاك الغزال المبسمل وقَالَ أَبُو عكرمة الضبي: قد هيلل الرجل إذا قَالَ: لا إله إلا الله، وقد أخذنا فِي الهيللة، وقَالَ الخليل بن أحمد: حيعل الرجل إذا قَالَ حيّ عَلَى الصلاة، قَالَ الشاعر: أقول لها ودمع العين جارٍ ... ألم يحزنك حيعلة المنادي تفسير حديث أكل السفرجل يذهب بطخاء القلب وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَزْهَرَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْلُ السَّفَرْجَلِ يَذْهَبُ بِطَخَاءِ الْقَلْبِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: الطخاء: الثقل والظلمة، يُقَال: ليلةٌ طخياء وطاخيةٌ. قَالَ: وأنشدنا أَبُو العباس ثعلب عَنِ ابن الأعرابي: ليت زماني عاد لي الأولّ ... وما يردّ ليت أو لعلّ وليلة طخياء يرمعلّ ... فيها عَلَى الساري ندى مخضل يقَالَ: ارمعلّ وارمعنّ إذا سال، وقَالَ الطخاء: الغيم الكثيف، لم أسمع الطخاء الغيم الكثيف إلا منه، فأما الذي عليه عامة اللغويين فالطخاء: الغيم الذي ليس بكثيف. وقَالَ الأصمعي: الطخاء، والطهاء والطخاف والعماء: الغيم الرقيق، كذلك روى عنه أَبُو حاتم، وقَالَ أَبُو عبيد عنه: الطّخاء: السحاب المرتفع، وفسّر أَبُو عبيد حديث النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الطخاء: الغشى والثقل، وهذا شبيه بالقول الأول، وحقيقته عندي أي ما جلّل القلب حتى يسدّ الشهوة، ولذا قيل للسحاب: طخاء لأنه يجلّل السماء، ولذلك قيل لليلة المظلمة: طخياء لأنها تجلّل الأرض بظلمتها. ما وقع لدريد بن الصمة يوم الظعينة وإغارة بني كنانة عَلَى بني جشم وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: خرج دريد بن الصمّة فِي فوارس من بني جشم حتى إذا كانوا فِي واد لبني كنانة رفع لهم رجل فِي ناحية الوادي ومعه ظعينةٌ،

فلما نظر إليه قَالَ لفارس، من أصحابه: صح به: خلّ الظعينة وانج بنفسك، وهم لا يعرفونه، فانتهى إليه الفارس، فصاح به وألح عليه، فلما أبى ألقى زمام الرحلة وقَالَ للظعينة: سري عَلَى رسلك سير الآمن ... سير رداح ذات جأشٍ ساكن إنّ انثنائي دون قرني شائني ... أبلى بلائي وأخبري وعايني ثم حمل عليه فصرعه وأخذ فرسه وأعطاه للظعينة، فبعث دريد فارساً آخر لينظر ما فعل صاحبه، فلما انتهى إليه ورآه صريعاً صاح به فتصامّ عنه، فظنّ أنه لم يسمع فغشيه، فألقى زمام الراحلة إِلَى الظعينة ثم رجع وهو يقول: خلّ سبيل الحرة المنيعة ... إنك لاق دونها ربيعه فِي كفة خطية مطيعة ... أولا فخذها طعنةً سريعه والطّعن منّى فِي الوغى شريعه ثم حمل عليه فصرعه، فلما أبطأ عَلَى دريد بعث فارساً ثالثاً لينظر ما صنعا، فلما انتهى إليهما رآهما صريعين، ونظر إليه يقود ظعينته ويجرّ رمحه فقَالَ له: خلّ سبيل الظعينة، فقَالَ للظعينة: اقصدي قصد البيوت، ثم أقبل فقَالَ: ماذا تريد من شتم عابس ... ألم تر الفارس بعد الفارس أرداهما عامل رمح يابس ثم حمل عليه فصرعه وانكسر رمحه، وارتاب دريد، وظن أنهم قد أخذوا الظعينة وقتلوا الرجل، فلحق ربيعة وقد دنا من الحيّ ووجد أصحابه قد قتلوا، فقَالَ: أيها الفارس، إنّ مثلك لا يقتل ولا أرى معك رمحاً، والخيل ثائرة بأصحابها فدونك هذا الرّمح فإني منصرف إِلَى أصحابي فمثبطهم عنك، فانصرف دريد وقَالَ لأصحابه، إنّ فارس الظعينة قد حماها وقتل فرسانكم وانتزع دمى، ولا مطمع لكم فيه فانصرفوا، فانصرف القوم فقَالَ دريد: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... حامي الظعينة فارساً لم يقتل أردى فوارس لم يكونوا نهزةً ... ثم استّمر كأنه لم يفعل متهللاً تبدو أسرّة وجهه ... مثل الحسام جلته كف الصيقل يزجى ظعينته ويسحب رمحه ... متوّجهاً يمناه نحو المنزل

وترى الفوارس من محافة رمحه ... مثل البغاث خشين وقع الأجدل ياليت شعري من أبوه وأمّه ... يا صاح من يك مثله لا يجهل : البُغاث، والبِغاث: والبُغاث أكثر وأشهر، وقَالَ ربيعة: إن كان ينفعك اليقين فسائلي ... عني الظعينة يوم وادي الأخرم إذ هي لأوّل من أتاها نهبةٌ ... لولا طعان ربيعة بن مكدّم إذ قَالَ لي أدنى الفوارس ميتةً ... خل الظعينة طائعاً لا تندم فصرفت راحلة الظعينة نحوه ... عمداً ليعلم بعض ما لم يعلم وهتكت بالرّمح الطويل إهابه ... فهوى صريعاً لليدين وللفم ومنحت آخر بعده جياشةً ... نجلاء فاغرةً كشدق الأضجم ولقد شفعتهما بآخر ثالثٍ ... وأبى الفرار لي الغداة تكرّمي ثم لم تلبث بنو كنانة أن أغارت عَلَى بني جشم، فقتلوا وأسروا دريد بن الصمة، فأجفى نفسه، فبينا هو عندهم محبوس إذ جاءه نسوةٌ يتهادين إليه، فصرخت إحداهنّ، فقَالَت: هلكتم وأهلكتم! ماذا جرّ علينا قومنا! هذا والله الذي أعطى ربيعة رمحه يوم الظعينة! ثم ألقت عليه ثوبها، وقَالَت: يال فراسٍ، أنا جارةٌ له منكم، هذا صاحبنا يوم الوادي، فسألوه: من هو؟ فقَالَ: أنا دريد بن الصّمّة، فمن صاحبي؟ قالوا: ربيعة بن مكدم، قَالَ: فما فعل؟ قالوا: قتلته بنو سليم، قَالَ: فما فعلت الظعينة؟ قَالَت المرأة: أنا هيه وأنا امرأته، فحبسه القوم وآمروا أنفسهم، فقَالَ بعضهم: لا ينبغي لدريد أن نكفر نعمته عَلَى صاحبنا، وقَالَ آخرون: والله لا يخرج من أيدينا إلا برضا المخارق الذي أسره، فانبعثت المرأة فِي الليل وهي ريطة بنت جذل الطّعان تقول: سنجزي دريداً عَنْ ربيعة نعمةً ... وكل امرئ يجزى بما كان قدّما فإن كان خيراً كان خيراً جزاؤه ... وإن كان شرا كان شرّاً مذمما سنجزيه نعمى لم تكن بصغيرة ... بإعطائه الرّمح الطويل المقوّما فقد أدركت كفاه فينا جزاءه ... وأهلٌ بأن يجزي الذي كان أنعما فلا تكفروه حقّ نعماه فيكم ... ولا تركبوا تلك التي تملأ الفما

ذكر ما استحسن من شعر قيس بن الخطيم

فلو كان حياً لم يضق بثوابه ... ذراعاً غنياً كان أو كان معدما ففكّوا دريداً من إسار مخارقٍ ... ولا تجعلوا البؤسى إِلَى الشر سلّما فلما أصبحوا أطلقوه، فكسته وجهّزته ولحق بقومه، فلم يزل كافاً عَنْ غزو بني فراس، حتى هلك ذكر ما استحسن من شعر قيس بن الخطيم ومما استحسنته من شعر قيس بن الخطيم، قَالَ: وقرأت شعر قيس بن الخطيم عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله: إن تلق خيل العامري مغيرةً ... لا تلقهم متقنّعي الأعراف وإذا تكون عظيمةٌ فِي عامرٍ ... فهو المدافع عنهم والكافي والواترون المدركون بتبلهم ... والحاشدون عَلَى قرى الأضياف قَالَ: ومما اختار الناس لقيس بن الخطيم: أني سربت وكنت غير سروب ... وتقرّب الأحلام غير قريب ما تمنعي يقظي فقد تؤتينه ... فِي النوم غير مصردٍ محسوب كان المنى بلقائها فلقيتها ... فلهوت من لهو امرئٍ مكذوب فرأيت مثل الشمس عند طلوعها ... فِي الحسن أو كدنّوها لغروب قَالَ: وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: قامت الأنصار إِلَى جرير فِي بعض قدماته المدينة فقالوا: أنشدنا يا أبا حرزة، قَالَ: أنشد قوماً منهم الذي يقول: ما تمنعي يقظي فقد تؤتينه ... فِي النوم غير مصرد محسوب قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، لرجل من بنى جعدة: لا خير فِي الحبّ وقفاً لا تحركه ... عوارض اليأس أو يرتاحه الطّمع لو كان لي صبرها أو عندها جزعي ... لكنت أملك ما آتي وما أدع إذا دعا باسمها داعٍ ليحزنني ... كادت له شعبةٌ من مهجتي تقع لا أحمل اللّوم فيها والغرام بها ... ما حمّل نفسا فوق ما تسع

تفسير قوله تعالى: {وليمحص الله الذين آمنوا} [آل عمران: 141]

قَالَ: وأنشدني بعض أصحابنا: أبا شجر الخابور مالك مورقاً ... كأنك لم تجزع عَلَى ابن طريف فتىً لا يحبّ الزاد إلا من التّقى ... ولا المال إلا من قناً وسيوف ولا الذخر إلا كلّ جرداء صلدمٍ ... وكل رقيق الشفرتين حليف عليك سلام الله حتماً فإنني ... أرى الموت وقاعا بكل شريف : الجرداء: القصيرة الشعر، والصّلدم: الشديدة، يعني فرساً. والحليف: الحديد، حكى الأصمعي عَنِ العرب: إن فلاناً لحليف اللسان طويل الأمّة أي: طويل القامة. قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم والرياشي، عَنْ أبي زيد، للأقرع القشيري: فأبلغ مالكاً عني رسولاً ... وما يغني الرسول إليك مال تخادعنا وتوعدنا رويداً ... كدأب الذئب يأدو للغزال فلا تفعل فإنّ أخاك جلد ... عَلَى العزّاء فيها ذو احتيال وإنا سوف نجعل موليينا ... مكان الكليتين من الطّحال ونغنى فِي الحوادث عَنْ أخينا ... كما تغني اليمين عَنِ الشمال يأدو: يختل، أنشد أَبُو زيد: أدوت له لآخذة ... فهيهات الفتى حذرا والعزّاء: الشدّة، ومنه قيل: تعزّز لحم الفرس إذا اشتدّ. تفسير قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: 141] قرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن الأنباري فِي قوله جل وعز: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 141] أقوال، قَالَ قوم: يمحّصهم: يجردهم من ذنوبهم، واحتجّوا بقول أبي دواد الإيادي يصف قوائم الفرس: صمّ النسور صحاحٌ غير عاثرة ... ركبن فِي محصات ملتقى العصب

الكلام على مهر البغي وحلوان الكاهن

النسور: شبه النوى التي تكون فِي باطن الحافر، ومحصاتٌ: أراد قوائم منجرداتٍ ليس فيها إلا العصب والجلد والعظم، ومنه قولهم: اللهم محّص عنّا ذنوبنا، قَالَ: وقَالَ الخليل معنى قوله جل وعز: وليمحّص: وليخلّص، وقَالَ أَبُو عمرو إسحاق بن نزار الشيباني: وليمحّص: وليكشف واحتجّ بقول الشاعر: حتى بدت قمراؤه وتمحّصت ... ظلماؤه ورأى الطريق المبصر قَالَ ومعنى قولهم: اللهم محّص عنا ذنوبنا، أي اكشفها، وقَالَ آخرون: اطرحها عنا، هذه الأقوال كلها فِي المعنى واحد، ألا ترى أن التخليص تجريد، والتجريد كشفٌ، والكشف طرح لما عليه الكلام عَلَى مهر البغي وحلوان الكاهن وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» قال أبو علي: قَالَ الأصمعي: البغيّ: الأمة، وجمعه بغايا، وفي الحديث: قامت عَلَى رءوسهم البغايا وقَالَ الأعشى: والبغايا يركضن أكسية الإضريج والشرعبى ذا الأذيال وقَالَ آخر: فخر البغي بحدج ربتها ... إذا ما الناس شلّوا أي طردوا، والبغيّ أيضاً: الفاجرة، يُقَال: بغت تبغي إذا فجرت، والبغاء: الفجور فِي الإماء خاصةً قَالَ الله عز وجل: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: 33] والبغيّة: الربيئة، قَالَ الشاعر: وكان وراء القوم منهم بغيّةٌ ... فأوفى يفاعاً من بعيدٍ فبشّرا وجمعها بغايا، وقَالَ طفيل الغنويّ: فألوت بغاياهم بنا وتباشرت ... إِلَى عرض جيشٍ غير أن لم يكتّب يكتّب: يجمع، وقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي الحلوان أربعة أقوال: أحدها أن الحلوان أجرة ما يأخذه الكاهن عَلَى كهانته، والقول الثاني: أن الحلوان الرّشوة التي يرشاها الكاهن عَلَى كهانته وغير الكاهن يُقَال: حلوت الرجل أحلوه حلونا، قَالَ الشاعر:

اجتماع عامر بن الظرب وحممة بن رافع عند ملك من ملوك حمير وتساؤلهما عنده

كأنّي حلوت الشّعر يوم مدحته ... صفا صخرةٍ صماّء يبسٍ بلالها والقول الثالث: أن الحلوان ما يأخذه الرجل من مهر ابنته، ثم اتّسع فيه حتى قيل فِي الرشوة والعطية، قَالَت امراة من العرب تمدح زوجها. لا يأخذ الحلوان من بناتيا والقول الرابع: أن الحلوان هو ما يعطاه الرجل مما يستحليه ويستطيبه، يُقَال منه: حلوت الرجل إذا أعطيته ما يستحليه طعاماً كان أو غيره، كما تقول: عسلت الرجل، إذا أطعمته العسل أو ما يستحليه كما يستحلى العسل. اجتماع عامر بن الظرب وحممة بن رافع عند ملك من ملوك حمير وتساؤلهما عنده وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: كان أَبُو حاتم يضنّ بهذا الحديث ويقول: ما حَدَّثَنِي به أَبُو عبيدة حتى اختلفت إليه مدّةً، وتحمّلت عليه بأصدقائه من الثّقفييّن وكان لهم مواخياً قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عبيدة، قَالَ: حَدَّثَنِي غير واحد من هوازن من أولى العلم وبعضهم قد أدرك أبوه الجاهلية أو جدّه، قَالَ: اجتمع عامر بن الظّرب العدوانيّ وحممة بن رافع الدّوسي، ويزعم النّسّاب أن ليلى بنت الظّرب أمّ دوس بن عدنان، وزينب بنت الظرب أم ّثقيف وهو قيسيّ، قَالَ: اجتمع عامر وحممة عند ملك من ملوك حمير، فقَالَ: تساءلا حتى أسمع ما تقولان قَالَ: قَالَ عامر، لحممة: أين تحبّ أن تكون أياديك؟ قَالَ: عند ذي الرّثية العديم، وذي الخلّة الكريم، والمعسر الغريم، والمستضعف الهضم، قَالَ: من أحقّ الناس بالمقت؟ قَالَ: الفقير المختال، والضّعيف الصّوّال، والعييّ القوّال، قَالَ: فمن أحقّ الناس بالمنع؟ قَالَ: الحريص الكاند، والمستميد الحاسد، والملحف الواجد، قَالَ: فمن أجدر الناس بالصّنيعة؟ قَالَ: من إذا أعطى شكر، وإذا منع عذر، وإذا موطل صبر، وإذا قدم العهد ذكر، قَالَ: من أكرم الناس عشرة؟ قَالَ: من إن قرب منح، وإن بعد مدح، وإن ظلم صفح، وإن ضويق سمح، قَالَ: من ألأم الناس؟ قَالَ: من إذا سأل خضع، وإذا سئل منع، وإذا ملك كنع، ظاهره جشع، وباطنه طبع، قَالَ: فمن أحلم الناس؟ قَالَ:

من عفا إذا قدر، وأجمل إذا انتصر، ولم تطغه عزّة الظّفر، قَالَ: فمن أحزم الناس؟ قَالَ: من أخذ رقاب الأمور بيديه، وجعل العواقب نصب عينيه، ونبذ التّهيب دبر أذنيه. قَالَ: فمن أخرق الناس؟ قَالَ: من ركب الخطار، واعتسف العثار، وأسرع فِي البدار، قبل الاقتدار. قَالَ: فمن أجود الناس؟ قَالَ: من بذل المجهود، ولم يأس عَلَى المعهود، قَالَ: فمن أبلغ الناس؟ قَالَ: من جلّى المعنى المزيز، باللفظ الوجيز، وطبّق المفصل قبل التّحزيز، قَالَ: من أنعم الناس عيشاً؟ قَالَ: من تحلّى بالعفاف، ورضا بالكفاف، وتجاوز ما يخاف إِلَى ما لا يخاف، قَالَ: فمن أشقى الناس؟ قَالَ: من حسد عَلَى النّعم، وتسخّط عَلَى القسم، واستشعر النّدم، عَلَى فوت ما لم يحتم، قَالَ: من أغنى الناس؟ قَالَ: من استشعر الياس، وأبدى التّجمّل للناس، واستكثر قليل النّعم، ولم يسخط عَلَى القسم، قَالَ: فمن أحكم الناس؟ قَالَ: من صمت فادّكر، ونظر فاعتبر، ووعظ فازدجر، قَالَ: من أجهل الناس؟ قَالَ: من رأى الخرق مغنما، والتجاوز مغرما الرّثية: وجع المفاصل واليدين والرجلين، قَالَ أَبُو عبيدة: أنشدت يونس النحويّ: وللكبير رثيات أربع ... الرّكبتان والنّسا والأخدع فقَالَ: إي والله، وعشرون رثية، والخلّة: الحاجة. والخلّة: الصداقة، يُقَال: فلان خلّتي وفلانة خلّتي، الذكر والأنثى فيه سواء، وخلّي وخليلي، والخلّ: الطريق فِي الرّمل، والخلّ: الرجل الخفيف الجسم، قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله: فاسقنيها يا سواد بن عمروٍ ... إنّ جسمي بعد خالي لخلّ والخليل أيضاً: المحتاج، قَالَ زهير: وإن أتاه خليلٌ يوم مسألةٍ ... يقول لا غائبٌ مالي ولا حرم وقد استقصينا هذا الباب فيما مضى من الكتاب. والكاند: الذي يكفر بالنعمة، والكنود: الكفور، ومنه قوله عز وجل: {إن الإنسان لرب لكنود} . وامرأة كنودٌ كفورٌ للمواصلة، والمستميد مثل المستمير وهو المستعطي، ومنه اشتقاق المائدة لأنها تماد، ولا تسّمى مائدة حتى يكون عليها

طعام، فإذا لم يكن عليها طعام فهي خِوانٌ وخُوان، وجمع خِوانٍ خٌونٌ، وكنع: تقبضّ، يُقَال: قد تكنع جلده أنه ممسك بخيل، والجشع: أسوأ الحرص، والطّبع: الدّنس، ويقَالَ: جعلت الشيء دبر أذني إذا لم ألتفت إليه، والاعتساف: ركوب الطريق عَلَى غير هداية، وركوب الأمر عَلَى غير معرفة، والمزيز من قولهم: هذا أمزُّ من هذا أي أفضل منه وأزيد، قَالَ: وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: سأل أعرابيٌ رجلاً درهماً، فقَالَ: لقد سألت مزيزاً الدرهم: عشر العشرة، والعشرة: عشر المائة، والمائة: عشر الألف، والألف: عشر ديتك، والمطبّق من السيوف: الذي يصيب المفاصل فيفصلها لا يجاوزها. قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: دخلت عَلَى امرأة من العرب بأعلى الأرض فِي خباءٍ لها، وبين يديها بني لها قد نزل به الموت، فقامت إليه فأغمضته وعصّبته وسجّته، ثم قَالَت: يا ابن أخي، قلت: ما تشائين؟ قَالَت: ما أحقّ من ألبس النّعمة، وأطيلت به النّظرة، أن لا يدع التّوثق من نفسه قبل حلّ عقدته والحلول بعقوته والمحالة بينه وبين نفسه، قَالَ: وما يقطر من عينها قطرةٌ صبراً واحتساباً، ثم نظرت إليه فقَالَت: والله ما كان مالك لبطنك ولا أمرك لعرسك! ثم أنشدت تقول: رحيب الذّراع بالتي لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا قَالَ: وأنشدني أَبُو محمد عبد الله بن جعفر النحوي، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس محمد بن يزيد، قَالَ: أنشدني الخثعمي لنفسه: أيّها النّاعيان من تنعيان ... وعلى من أراكما تبكيان نعيا الثاقب الزناد أبا إسحاق ... رب المعروف والإحسان هبابي إن لم يكن لكما عقر ... إِلَى تراب قبره فاعقراني وانضحا من دمي عليه فقد كان ... دمي من نداه لو تعلمان

شرح أبيات لضمرة بن ضمرة

شرح أبيات لضمرة بن ضمرة قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن الأنباري، فِي كتابه، وقرئ عليه فِي المعاني الكبير ليعقوب بن السّكّيت، وأنا أسمع، قَالَ: وقرأت بعض هذه الأبيات عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد فِي كتاب النوادر لابن دريد، قَالَ ضمرة بن ضمرة: بكرت تلومك بعد وهنٍ فِي النّدى ... بسلٌ عليك ملامتي وعتابي ولقد علمت فلا تظنّي غيره ... أن سوف تخلجني سبيل صحابي أصرها وبنى عمر ساغبٌ ... فكفاك من إبةٍ عَلَى وعاب أرأيت إن صرخت بليلٍ هامتي ... وخرجت منها بالياً أثوابي هل تخمشن إبلي عَلَى وجوهها ... أم تعصبن رءوسها سلاب بكرت: عجلت، ومنه باكورة الرّطب والفاكهة وهو المتعجّل منه، ولم يرد الغدّو، ألا تراه، قَالَ: بعد وهنٍ أي بعد نومة، والعرب تقول أنا أُبكّر إليك العشيّة أي أُعجل ذلك وأسرعه. والبسل: الحرام هاهنا، قَالَ زهير: بلادٌ بها نادمتهم وألفتهم ... فإن تقويا منهم فإنهما بسل أي حرام، وقَالَ أَبُو حاتم، يُقَال: للواحد والإثنين والجماعة والمؤنث والمذكر بسلٌ بلفظ الواحد، كما يُقَال: رجل عدل وقوم عدل، والبسل فِي غير هذا: الحلال وهو من الأضداد. قَالَ: أنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنْ أبى زيد: زيادتنا نعمان لا تحرمننا ... اتق الله فينا والكتاب الذي نتلو أيثبت ما زدتم وتلغى زيادتي ... دمي إن أسيغت هذه لكم بسل أي حلال، وتخلجني: تجذبني، ومنه قيل للماء: خليج لأنه انجذب إِلَى جهة من الجهات، ومنه قيل للّجام: خليج لأنه يجذب الدابة، ويمكن أن يكون فعيلاً فِي معنى مفعول لأنه يخلج أي يجذب، والسّغب: الجوع، والمسغبة: المجاعة، والساغب: الجائع، والإبة: الحياء، يُقَال: أوأبته فاتأب مثل اتّعد. وحكى يعقوب، عَنْ أبي عمرو الشّيباني، قَالَ: حضرني أعرابي فقدّمت إليه طعاماً فأكل منه فقلت له: ازدد، فقَالَ: يا أبا عمرو ما طعامك بطعام تؤبة. وقَالَ أَبُو زيد لأعرابية

من شعر أبي حية النميري

بالعيون: مالك لا تصيرين إِلَى الرّفقة؟ فقَالَت: أخزى أن أمشي فِي الرفاق أي أستحيي. والخزاية: الحياء، والعاب: العيب، قَالَ أَبُو زيد، سمعت أعرابياً، يقول: إن الرّجز لعابٌ أي عيبٌ، والرّجز أن يرعد عجز البعير إذا أراد النّهوض، وأنشد: تجد القيام كأنّما هو نجدةٌ ... حتى تقوم تكلّف الرّجزاء والذّكر أرجز، والسّلاب: خرقة سوداء تتقنّع بها المرأة فِي المأتم. قَالَ: وقرأت عَلَى أبي محمد عبد الله بن جعفر، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس محمد بن يزيد، قَالَ: وأنشدني أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: قرئ عَلَى أبي العباس أحمد بن يحيى: رمتني وستر الله بيني وبينها ... عشيةّ أحجار الكناس رميم فلو كنت أسطيع الرّماء رميتها ... ولكنّ عهدي بالنّضال قديم رميم التي قَالَت لجارات بيتها ... ضمنت لكم ألاّ يزال يهيم قَالَ: أنشدني محمد بن السّريّ: قل لحادي المطيّ خفّض قليلاً ... تجعل العيس سيرهن ذميلا لا تقفها عَلَى السّبيل ودعها ... يهدها شوق من عليها السّبيلا من شعر أبي حية النميري قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: قرئ عَلَى أبي العباس، لأبي حيّة النّميري، وأنا أسمع: وخبّرك الواشون أن لن أحبّكم ... بلى وستور الله ذات المحارم أصدّ وما الصّدّ الذي تعلمينه ... عزاءً بكم إلا ابتلاع العلاقم حياءً وبقيا أن تشيع نميمةٌ ... بنا وبكم أفٍّ لأهل النّمائم وإنّ دماً لو تعلمين جنيته ... عَلَى الحيّ جاني مثله غير سالم

تفسير قوله تعالى: {ويقولون متى هذا الفتح} [السجدة: 28] الآية

أما إنه لو كان غيرك أرقلت ... إليه القنا بالراعفات اللهاذم ولكنه والله ما طلّ مسلماً ... كغرّ الثّنايا واضحات الملاغم إذا هنّ ساقطن الأحاديث للفتى ... سقاط حصى المرجان من سلك ناظم رمين فأقصدن القلوب ولن ترى ... دماً مائراً إلاّ جوى فِي الحيازم يقَالَ: سنان لهذم ولسان لهذم أي حادّ، والملاغم: ما حول الفم، ومنه قيل تلغّمت بالطّيب إذا جعلته هناك، والمائر: السائل. قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: فما لك إذ ترمين يا أمّ مالك ... حشاشة قلبي شلّ منك الأصابع لها أسهم لا قاصرات عَنِ الحشى ... ولا شاخصاتٌ عَنْ فؤادي طوالع فمنهنّ أيام الشّباب ثلاثةٌ ... وسهمٌ طريرٌ بعد ما شبت رابع قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ محمد بن السّريّ السّراج، قَالَ: أنشدني ابن الرّومي لنفسه: لما تؤذن الدّنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطّفل ساعة يوضع علام بكى لمّا رآها وإنها ... لأرحب مما كان فيه وأوسع قَالَ وأنشدنا أيضاً لنفسه: يأيّها الرجل المسوّد شيبه ... كيما يعدّ به من الشّبّان أقصر فلو سوّدت كلّ حمامةٍ ... بيضاء ما عدّت من الغربان تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} [السجدة: 28] الآية وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، فِي قوله جل وعز، {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [السجدة: 28] معناه متى هذا القضاء والحكم، وأنشد: ألا أبلغ بني عصم رسولاً ... فإنّي عَنْ فتاحتكم غنيّ معناه عَنْ محاكمتكم، ومن ذلك قول الله جل وعز: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89] أي اقض بيننا وقَالَ الفراء وأهل عمان: يسمّون القاضي الفتّاح، فأما قوله جل عز: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا

فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19] ، ففيه قولان قَالَ قوم: معناه إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء، وقَالَ آخرون إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، وذلك أن أبا جهل قَالَ يوم بدر: اللهم انصر أفضل الدّينين عندك، وأرضاه لديك، فقَالَ الله عز وجل: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19] ، ويروى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، قَالَ أَبُو عبيدة: معناه يستنصر، والصّعلوك: الفقير فِي كلام العرب، قَالَ حاتم بن عبد الله: غنينا زمانا التصعلك والغنى ... فكلاً سقاناه بكأسيهما الدّهر يعني بالفقر والغنى. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَائِشَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَمَى إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَفَرْجَلَةٍ، فَقَالَ: دُونَكَهَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَإِنَّهَا تَجُمُّ الْفُؤَادَ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: خلف بن عمرو، قَالَ: أَبُو عبد الرحمن بن عائشة: تجمّ الفؤاد معناه تريحه، قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وقَالَ غيره: تجمّ الفؤاد: تفتحه وتوسعه، من حمام الماء وهو اتّساعه وكثرته، قَالَ امرؤ القيس يصف فرساً: يجمّ عَلَى السّاقين بعد كلاله ... جموم عيون الحسى بعد المخيص يعني أنه إذا انقطع جريه جاءه جريٌ مستأنف، كما ينقطع ماء الحسى ثم يثوب فيأتي منه ماء آخر، الحسى: صلابة تمسك الماء وعليها رمل فلا تنشّفه الشمس لأن ذلك الرمل يستره ولا تقبله الأرض لصلابتها، فإذا حفر خرج قليلاً، فربما حفر منه بئر قدر قعدة الرجّل قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ محمد بن الحسن بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا العكلي، عَنِ الحرمازي، قَالَ: بلغني أن مسلمة دخل عَلَى عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، وعليه ريطة من رياط مصر، فقَالَ: بكم أخذت هذه يا أبا سعيد؟ فقَالَ: بكذا وكذا، قَالَ: فلو نقصت من ثمنها شيئاً أكان ناقصاً من شرفك؟ قَالَ: لا، قَالَ: فلو زدت فِي ثمنها شيئاً أكان زائداً فِي شرفك؟ قَالَ: لا، قَالَ: فاعلم يا مسلمة أن أفضل الإقتصاد ما كان بعد الحدة، وأفضل العفو ما كان بعد القدرة، وأفضل اللّين ما كان بعد الولاية

وفود رجل من بني ضنة إلى عبد الملك ومدحه له

وفود رجل من بني ضنة إِلَى عبد الملك ومدحه له قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرياشي، قَالَ: حَدَّثَنَا مسعود بن بشر، عَنْ رجل من ولد عمرو بن مرة الجهني، ولعمرو بن مرة صحبةٌ، قَالَ: قَالَ رجل من بني ضنة أو قَالَ: وفد رجلٌ من بني ضنة وبنو ضنة من سعد هذيم، وفي العرب ضّنتان: ضنّة هذا، وضنّة بن عبد الله بن نمير، قَالَ: فوفد هذا الضنيّ إِلَى عبد الملك بن مروان، فقَالَ: والله ما ندري إذا ما فاتنا ... طلبٌ إليك من الذّي نتطلّب فلقد ضربنا فِي البلاد فلم نجد ... أحد سواك إِلَى المكارم ينسب فاصبر لعادتنا التي عوّدتنا ... أولا فأرشدنا إِلَى من نذهب فقَالَ عبد الملك: إِلَى إِلَى! وأمر له بألف دينار، ثم أتاه فِي العام المقبل فقَالَ: يربّ الذي يأتي من الخير إنه ... إذا فعل المعروف زاد وتمّما وليس كبانٍ حين تمّ بناؤه ... تتّبعه بالنّقض حتى تهدّما فأعطاه ألفي دينار، ثم أتاه فِي العام الثالث فقَالَ: إذا استمطروا كانوا مغازير فِي النّدى ... يجودون بالمعروف عوداً عَلَى بدء فأعطاه ثلاثة آلاف دينار قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قَالَ أعرابي لابن عمه: اطلب لي امرأةً بيضاء، حديدةً فرعاء، جعدةً، تقوم فلا يصيب قميصها منها ألا مشاشة منكبيها، وحلمتي ثدييها، ورانفتي أليتيها، ورضاف ركبتيها، إذا استلقت فرميت من تحتها بالأترّجة العظيمة نفذت من الجانب الآخر، وأنيّ بمثل هذه ألا فِي الجنان

قصيدة صخر الغي الهذلي وشرحها

الرّضاف واحدتها رضفة وهي العظم المطبق عَلَى ملتقى مفصل الساق والفخذ، قَالَ وحَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد الأزدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى الشّيباني، عَنِ ابن الأعرابي، فقَالَ: بلغني أن جماعة من الأنصار وقفوا عَلَى دغفلٍ النّسّابة بعد ما كفّ فسلّموا عليه، فقَالَ: من القوم؟ قالوا: سادة اليمن، فقَالَ: أمن أهل مجدها القديم وشرفها العميم كندة؟ قالوا: لا، قَالَ: فأنتم الطّوال قصباً، الممحّصون نسباً بنو عبد المدان، قالوا: لا، قَالَ: فأنتم أقودها للزّحوف، وأخرقها للصّفوف وأضربها بالسّيوف، رهط عمرو بن معد يكرب؟ قالوا: لا، قَالَ: فأنتم أحضرها قراء، وأطيبها فناء وأشدّها لقاء، رهط حاتم بن عبد الله؟ قالوا: لا، قَالَ: فأنتم الغارسون للنخل، والمطعمون فِي المحل والقائلون بالعدل، الأنصار؟ قالوا: نعم: القراء بفتح القاف ممدود: القِرى، والقرى بكسر القاف مقصور، سمع القاسم بن معنٍ من العرب: هو قراء الضيف. قصيدة صخر الغي الهذلي وشرحها قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، قَالَ: أنشدني خلفٌ الأحمر، لأعرابيّ: تهزأ منّى أخت آل طيسله ... قَالَت أراه مبلطاً لا شيء له وهزئت من ذاك أمّ 5 موءله ... قَالَت أراه دالفاً قد دنى له مالك لا جنّبت تبريح الوله ... مردودةً أو فاقداً أو مثكله ألست أيام حضرنا الأعزله ... وقبل إذ نحن عَلَى الضلضله وقبلها عام ارتبعنا الجعله ... مثل الأتان نصفاً جنعدله وأنا فِي ضرّاب قيلان القله ... أبقى الزّمان منك ناباً نهبله ورحماً عند اللقاح مقفله ... ومضغة باللوم سحّاً مبهله وما تريني فِي الوقار والعله ... قاربت أمشي القعولى والفنجله

هكذا أنشدناه أَبُو بَكْرٍِ، وأنشدنا غيره: الفنجلى والقعوله. وتارةً أنبث نبث النّقثله ... خزعلة الضّبعان راح الهنبله وهل علمت فحشاء جهله ... ممغوثةً أعراضهم ممرطله في كلّ ماءٍ آجنٍ وسمله ... كما تماث في الإناء الثمله عرضت من جفيلهم أن أجفله ... وهل علمت يا قفيّ التّتفله ومرسن العجل وساق الحجله ... وغضن الضّبّ وليط الجعله وكشّة الأفعى ونفخ الأصله ... أنّي أفأت المائة المؤبّله ثم أفئ مثلها مستقبله ... ولم أضع ما ينبغي أن أفعله وأفعل العارف قبل المسئله ... وهل أكبّ البائك المحفّله وأمنح الميّاحة السّبحلله ... وأطعن السّحساحة المشلشله على غشاش دهشٍ وعجله ... إذا أطاش الطّعن أيدي البعله وصدق الفيل الجبان وهله ... أقصدتها فلم أحرها أنمله من حيث يمّمت سواء المقتله ... وأضرب الخدباء ذات الرّعله تردّ في نحر الطّبيب فتله ... وهل علمت بيتنا إلاّ وله " شربةٌ من غيرنا وأكله " طيسلة اسم، والمبلط: الفقير، يُقَال: أبلط الرجل فهو مبلط، وقَالَ الأصمعي: أبلط فهو مبلطٌ إذا لصق بالبلاط وهي الأرض الملساء، وموءلة: اسمٌ، والدّالف: الذي يقارب الخطو فِي مشيه، والشيخ يدلف دليفاً من الكبر، ودنى له أي قوربت خطاه، والأعزلة: موضع، والضّلضلة: الأرض الغليظة تركبها حجارة، كذا روى البصريون عَنِ الأصمعي، فِي هذا الرّجز، وفي كتاب الصّفات للأصمعي عَلَى مثال فعلله، وذكره أَبُو عبيد فِي باب فعللة وحكى عَنِ الأصمعي: الضّلضلة: الأرض الغليظة، ثم ذكر فِي الباب: الخنثر: الشيء الخسيس من المتاع، والجعلة: أرض لبني عامر بن صعصعة، والجنعدلة: الغليظة الجافية، والقيلان جمع قَالَ، والقَالَ والمقلى: العود

الذي تضرب به القلة، والقلة: عود قدر شبر محدّد الطرفين تلعب به الصبيان، والنّهبلة: الهرمة، يُقَال: قد خنشلت المرأة قَالَ ثابتٌ: مأوى الضياف ومأوى كل أرملة ... تأوى إِلَى نهل كالنّسر علفوف والعلفوف: الجافي، والمبهلة: التي لا صرار عليها، وهذا مثل، والعلة: الجزع، والقعولى أن يمشي مشية الأحنف، وهو أن ويقبل القدمان. والفنجلة مقاربة الخطو، والنقثلة يتباعد الكعبان أن ينبث التراب فِي مشيته، وهو مثل النّعثلة. والخزعلة: الظّلع، يُقَال: ناقة بها خزعال، وليس فِي الكلام فعلالٌ غيره إلا ما كان مضاعفاً مثل القلقَالَ والزّلزال والقسقاس، والهنبلة أن ينسف التراب فِي مشيته، وممغوثة: مدلوكة، وممرطلة: مبلولة، والآجن: المتغيّر، والسّمل: القليل من الماء. وتماث: تمرس، والثّملة: بقية الهناء فِي الإناء، والجفيل: الجمع. والتتّفلة: الأنثى من أولاد الثعالب، والمرسن من الأنف: موضع الرّسن، والغضن: التكسّر. والغضون: الكسور فِي الجلد، وليط كلّ شيء: قشره، واللّيط: اللّون أيضاً، والكشّة والكشيش: صوت جلد الحية، والأصلة: حية عظيمة. والمؤبّلة: المجتمعة، ويقَالَ: التي حبست للقنية، والبائك: السمينة العظيمة السّنام، والسّبحللة: العظيمة، يُقَال: سقاء سبحل وسحبل وسبحلل، والسّحساحة: التي تسحّ أي تصبُّ، والمشلشلة: المتداركة القطر. والغشاش: السّرعة والعجلة. والبعل: التحيّر، والوهل: الفزع، والأنمُلة والأنملَة لغتان: طرف الأصبع، قَالَ أَبُو بَكْرٍِ والأنملُة أفصح. والخدباء: الضربة التي تهجم عَلَى الجوف. وأصل الخدب الهوج، والرّعلة: القطعة تبقى من اللحم معلّقة. قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: خليليّ هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لغدٍ من زفرة قد أطلّت ومن زفراتٍ لو قصدن قتلنني ... تقضُ التي تبقى التي قد تولت

شعر عجوز فصيحة

شعر عجوز فصيحة قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: وحَدَّثَنِي عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: أنشدتني عجوز بحمى ضريّة: ومستخفياتٍ ليس يخفين زرننا ... يسحبّن أذيال الصّبابة والشّكل جمعَنِ الهوى حتى إذا ما ملكنه ... نزعن وقد أكثرن فينا من القتل مريضات رجع القول خرس عَنِ الحنا ... تألّفن أهواء القلوب بلا بذل موارق من حبل المحبّ عواطفٍ ... بحبل ذوي الألباب بالجد والهزل يعنّفنى العدّال فيهنّ والهوى ... يحذّرني من أن أطيع ذوي العذل قَالَ الأصمعي: فما رأيت امرأة أحلى لفظاً منها ولا أفصح لساناً. قَالَ: وأنشدنا عَلَى بن سليمان، لأبي عَلَى البصير: لعمر أبيك ما نسب المعلّي ... إِلَى كرم وفي الدنيا كريم ولكنّ البلاد إذا اقشعرّت ... وصوّح نبتها رعى الهشيم صوّح: يبس وتشقّق. قَالَ: وأنشدنا ابراهيم بن محمد، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس: لعمرك ما يدري الفتى أيّ أمره ... وإن كان محروصاً عَلَى الرّشد أرشد أفي عاجلات الأمر أم آجلاته ... أم اليوم أدنى للسّعادة أم غد قَالَ: وأنشدنا أيضاً عَنْ أبي العباس: إذا بلغ الرّأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو مشورة حازم ولا تحسب الشّورى عليك غضاضةً ... مكان الخوافي نافعٌ للقوادم قَالَ: وأنشدنا محمد بن السّريّ للعباس بن الأحنف: لعمري لئن كان المقرب منكم ... هوىً صادقاً أنّى لمستوجب القرب سأرعى وما استوجبت منّي رعايةً ... واحفظ ما ضيّعت من حرمة الحبِّ متى تبصريني يا ظلوم تبيني ... شمائل بادى البث منصدع القلب

تفسير قوله تعالى: {الصمد} [الإخلاص: 2]

بريا تمنّى الذّنب لمّا هجرته ... لكيما يُقَال الهجر من سبب الذّنب وقد كنت أشكو عتبها وعتابها ... فقد فجعتني بالعتاب وبالعتب قَالَ: وأنشدنا عبد الله بن جعفر النحوي، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس، عَنْ محمد بن يزيد، قَالَ: أنشدنا عَلَى بن قطرب، لأبيه: أشتاق بالنّظرة الأولى قرينتها ... كأنّني لم أسلف قبلها نظرا تفسير قوله تعالى: {الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: فِي قوله عز وجل: {الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] ثلاثة أقوال، قَالَ جماعة من اللغويين: الصّمد: السيّد الذي ليس فوقه أحد لأنه يصمد إليه الناس فِي أمورهم، قَالَ: وأنشدنا: سيروا جميعاً بنصف اللّيل واعتمدوا ... ولا رهينة إلا سيدٌ صمد وقَالَ الآخر: علوته بحسام ثم قلت له ... خذها حذيف فأنت السيّد الصّمد يعني حذيفة بن بدر، وقَالَ الآخر: ألا بكر النّاعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد قوله يصمد أي يقصد قَالَ طرفة: وإن يلتق الحيّ الجميع تلاقني ... إِلَى ذروة البيت الكريم المصمد وهذا القول الذي يصح فِي الإشتقاق واللغة قَالَ: وحكى أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الأعمش أنه، قَالَ: الصّمد الذي لا يطعم، وحكى عَنِ السّدّي، أنه قَالَ: الصّمد: الذي لا جوف له. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُفْيَانَ الْجَحْدَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: تفسير فبها فبالرّخصة أخذ، ويقَالَ: بالسّنّة أخذ، ومعنى قوله ونعمت أي الخصلة الوضوء، ولا يجوز ونعمه بالهاء لأن مجرى التاء التي فِي نعمت مجرى التاء التي فِي قامت وقعدت

خروج خمسة نفر من طيء إلى سواد بن قارب ليمتحنوا علمه

خروج خمسة نفر من طيء إِلَى سواد بن قارب ليمتحنوا علمه قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنِي عمي الحسين، عَنْ أبيه، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، عَنِ الذّيّال بن نفر، عَنِ الطّرمّاح بن حكيم، قَالَ: خرج خمسة نفرٍ من طيّء من ذوي الحجا والرأي منهم: برج بن مسهر وهو أحد المعمّرين، وأنيف بن حارثة بن لأم، وعبد الله بن سعد بن الحشرج أَبُو حاتم طيء، وعارفٌ الشاعر، ومرّة بن عبد رضىً، يريدون سواد بن قارب الدّوسي ليمتحنوا علمه، فلما قربوا من السّراة قالوا: ليخبأ كلّ رجل منا خبيئاً ولا يخبر به صاحبه ليسأله عنه، فإن أصاب عرفنا علمه، وإن أخطأ ارتحلنا عنه، فخبأ كل رجل منهم خبيئاً ثم صاروا إليه فأهدوا له إبلاً وطرفاً من طرف الحيرة، فضرب عليهم قبّة ونحر لهم، فلما مضت ثلاثٌ دعا بهم فدخلوا عليه، فتكلم برجٌ وكان أسنّهم، فقَالَ: جادك السّحاب، وأمرع لك الجناب، وضفت عليك النعم الرغاب، نحن أولو الآكال، والحدائق والأغيال، والنّعم الجفال، ونحن أصهار الأملاك، وفرسان العراك، يورّى عنهم أنهم من بكر بن وائل، فقَالَ سوادٌ: والسماء والأرض، والغمر والبرض، والقرض والفرض، إنكم لأهل الهضاب الشمّ، والنّخيل العمّ، والّصخور الصّمّ، من أجأ العيطاء، وسلمى ذات الرّقبة السّطعاء، قالوا: أنا كذلك وقد خبأ لك كل رجل منّا خبيئاً لتخبرنا باسمه وخبيئه، فقَالَ لبرج: أقسم بالضّياء والحلك، والنّجوم والفلك، والشّروق والدّلك، لقد خبأت برثن فرخ، فِي إعليط مرخ، تحت آسرة الشّرخ، قَالَ: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قَالَ: أنت برد بن مسهر عصرة الممعر، وثمال المحجّر، ثم قام أنيف بن حارثة فقَالَ: ما خبيئي وما اسمي؟ فقَالَ: والسّحاب والتراب، والأصباب والأحداب، والنّعم الكثاب، لقد خبأت قطامة فسيط، وقدّة مريط، فِي مدرةٍ من مدىّ مطيط، قَالَ: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قَالَ: أنت أنيف، قاري الضّيف، ومعمل السّيف، وخالط الشتاء بالصّيف. ثم قام عبد الله بن سعد، فقَالَ: ما خبيئي وما أسمي؟ فقَالَ سوادٌ: أقسم بالسّوام العازب، والوقير الكارب، والمجّد الراكب، والمشيح الحارب، لقد خبأت نفاثة فنن، فِي قطيعٍ قد مرن، أو أديم قد جرن، قَالَ: ما أخطأت حرفاً، فمن أنا؟ قَالَ: أنت ابن سعد النّوال، عطاؤك سجال، وشرّك عضال، وعمدك طوال، وبيتك لا ينال، ثم قام عارف، فقَالَ: ما خبيئي وما أسمي؟ فقَالَ سوادٌ: أقسم بنفنف اللّوح، والماء المسفوح، والفضاء المندوح، لقد خبأت رقعة طلاً أعفر، فِي زعنفة أديمٍ أحمر، تحت حلس

نضو أدبر، قَالَ: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قَالَ: أنت عارفٌ ذو الّلسان العضب، والقلب النّدب، والمضّاء الغرب، منّاع السّرب، ومبيح النّهب، ثم قام مرةّ بن عبد رضى، فقَالَ: ما خبيئي وما اسمي؟ فقَالَ سواد: أقسم بالأرض والسماء، والبروج والأنواء، والظّلمة والضياء، لقد خبأت دمّةً فِي رمّة، تحت مشيط لمّة، قَالَ: ما أخطأت شيئاً، فمن أنا؟ قَالَ: أنت مرّة، السّريع الكرّة، البطيء الفرّة، الشديد المرّة، قالوا: فأَخْبَرَنَا بما رأينا فِي طريقنا إليك، فقَالَ: والناظر من حيث لا يرى، والسامع قبل أن يناجي، والعالم بما لا يدري، لقد عنّت لكم عقابٌ عجزاء، فِي شغانيب دوحة جرداء، تحمل جدلاً، فتماريتم إما يداً وإما رجلاً، فقالوا: كذلك، ثمّ مه؟ قَالَ: سنح لكم قبل طلوع الشّرق، سيدٌ أمق، عَلَى ماء طرق، قالوا: ثم ماذا؟ قَالَ: ثم تيسٌ أفرق، سند فِي أبرق، فرماه الغلام الأزرق، فأصاب بين الوابلة والمرفق، قالوا: صدقت، وأنت أعلم من تحمل الأرض، ثم ارتحلوا عنه، فقَالَ عارف: ألا لله علمٌ لا يجاري ... إِلَى الغايات فِي جنبي سواد أتيناه نسائله امتحاناً ... ونحسب أن سيعمد بالعناد فأبدى عَنْ خفى مخبّآتٍ ... فأضحى سّرها للناس بادي حسام لا يليق ولا يثاثا ... عَنِ القصد الميممّ والسّداد كانّ خبيئنا لما انتجينا ... بعينيه يصّرح أو ينادي فأقسم بالعتائر حيث فلس ... ومن نسك الأقيصر م العباد لقد حزت الكهانة عَنْ سطيح ... وشقٍّ والمرفّل من إياد أمرع: أخصب. والجناب: ما حول الدار، والضّافي: السابغ الكثير، يُقَال: خير فلان ضافٍ عَلَى قومه أي سابغٌ عليهم، والرّغاب: الواسعة الكثيرة، ويقَالَ: فلان ذو أكلٍ أي: ذو حظٍّ ورزق فِي الدنيا، والجمع آكال، والأغيال: جمع غيلٍ، والغيل: الماء الجاري عَلَى وجه الأرض، وفي الحديث ما سقي بالغيل ففيه العشر وما سقي بالدلو فنصف العشر والغلل: الماء الذي يجري بين الشجر، والجفال: الكثيرة، وهذا الجمع قليل جدّاً لم يأت منه إلا أحرف مثل ربابٍ وهو جمع ربّي، والرّبّي: الحديثة النّتاج، وفرير لولد البقرة وجمعه فرار، ونعم كثاب وهي

الكثيرة، وقد جمع بريءٌ براءٌ عَلَى فعال، والغمر: الماء الكثير، ويقَالَ: رجل غمر الخلق إذا كان واسع الخلق سخيّاً، قَالَ كثير: غمر الرّداء إذا تبسّم ضاحكاً ... غلقت لضحكته رقاب المال يريد بالرداء هاهنا البدن، والعرب تقول: فدىً لك ردائي، وفدىً لك ثوبي، يريدون البدن، والبرض: الماء القليل، وجمعه براض، ويقَالَ: فلان يتبرّض حقّه أي يأخذه قليلاً قليلاً، وتبرّضت الماء، ومنه سّمي الرجل براّضاً. والشّمّ: الطّوال. والعمّ: الطوال أيضاً، وأجأ وسلمى: جبلا طيء. والعيطاء: الطويلة، ويقَالَ: ظبية عيطاء إذا كانت طويلة العنق، والسّطعاء أيضاً: الطويلة، والدّلك: اصفرار الشمس عند المغيب، يُقَال: دلكت الشمس تدلك دلوكاً، والبرثن: ظفر كل ما لا يصيد من السباع والطير مثل الحمام والضّبّ والفأرة، قَالَ امرؤ قيس: وترى الضّبّ خفيفاً ماهراً ... ثانياً برثنه ما ينعفر أي ما يصيبه العفر وهو التراب، وجمع البرثن براثن، فإذا كان مما يصيد قيل لظفره مخلب والإعليط: وعاء ثمر المرخ، والعرب تشبّه به آذان الخيل، والمرخ: شجر تقدح منه النار، والآسرة والإسار: القدّ الذي يشدّ به خشب الرّحل، وشرخاً الرّحل: جانباه، والممعر: الذي ذهب ماله، ويقَالَ: ما أمعر من أدمن الحجّ. والمحجّر: الملجأ المضيّق عليه، والصّبب: ما أنخفض من الأرض. والحدب: ماعلا، والقطامة: ما قطمته بفيك، والقطم بأطراف الأسنان، والفسيط: قلامة الظّفر، والقذّة: الريش، وجمعها قذذٌ، والمريط من السهام: الذي قد تمرّط ريشه أي نتف، والمدىّ: جديول يجرى منه ماسال مما هرق من الحوض، كذا قَالَ الأصمعي وأنشد: وعن مطيطات المدّى المدعوق والمدعوق: الذي قد أكثر فيه الوطء، يُقَال دعقته، الإبل إذا أكثرت فيه الوطء تدعقه دعقاً، ودعق عليهم الغارة أي دفعها، والسّوام: المال الراعي من الإبل، والعازب: البعيد، والوفير والقرة: الغنم، كذا قَالَ أَبُو عبيدة وأنشد: ما إن رأينا ملكاً أغارا ... أكثر منه قرةً وقارا

والقار: الإبل، وقَالَ الفراء: الوقير: الغنم التي بالسّواد، والكارب: القريب، وأنشد أَبُو بَكْرٍِ: أجبيل إنّ أباك كارب يومه ... فإن دعيت إِلَى المكارم فأعجل والمشيح: الجادّ فِي لغة هذيل، وفي غيرها: الحاذر، والنّفاثة: ما تنفثه من فيك، والفنن: واحد أفنان الأشجار وهي أغصانها، وجرن: لان، والنقف واللّوح واحدٌ وهما الهواء، وإنما أضاف لمّا اختلف اللفظان فكأنه أضاف الشيء إِلَى غيره والمسفوح المصبوب، يُقَال: سفحت الشيء صببته. والمندوح: الواسع. والزّمعة: الشّعرات المتدلّيات فِي رجل الأرنب، يُقَال: أرنب زموع إذا كانت تقارب الخطو كأنها تمشي عَلَى زمعتها. وزعانف الأديم: أطرافه مثل اليدين والرجلين وما لا خير فيه، واحدتها زعنفة، ومنه قيل لرذال الناس: الزّعانف. والحلس للبعير بمنزلة القرطاط للحافر، قَالَ أَبُو علي يُقَال: قرطان والقرطاط: البرذعة، وإنما قيل له: حِلس للزومة الظهر والعرب، تقول: فلان حِلس بيته إذا كان يلزم بيته، وأحلسته أنا بيته إحلاساً إذا ألزمته إياه، والنّدب: الذّكيّ، والغرب: الحدّ، والسّرب: جماعة الإبل، يُقَال: جاء سرب بني فلان بفتح السين، والعرب كانت تطلّق فِي الجاهلية بقولهم: اذهبي فلا أنده سربك، أي لا أردّ إبلك لتذهب حيث شاءت، والسرب بكسر السين، والقطيع من الظباء والبقر والنّساء والقطا. ويقَالَ: فلان آمنٌ فِي سربه بكسر السين: فِي نفسه. والدّمّة: القملة. والرّمّة: العظام البالية، والمرّة: القوة، والعجزاء: التي ابيض ذبها وفي غير هذا الموضع: التي كبرت عجيزتها، والشّغانيب: ما تداخل من الأغصان. والدّوحة: الشجرة العظيمة، والجدل: العضو، وجمعه جدول، والشّرق: الشمس والعرب تقول: لا أفعل ذلك ما طلع شرقٌ، وشرقت الشمس: طلعت، وأشرقت: أضاءت، والسيد: الذّئب، والأمقّ: الطويل، والطّرق: الماء الذي بوّلت فيه الإبل، يُقَال: ماء طرقٌ ومطروق، والأبرق والبرقاء والبرقة: غلظٌ من الأرض فيه حجارة ورمل، وجبل أبرق إذا كان فيه لونان، والوابلة: رأس العضد الذي يلي المنكب، وقَالَ الأصمعي للرشيد: ما ألاقتني أرضٌ حتى خرجت إليك يا أمير المؤمنين أي ما أمسكتني. ويتأثئ يحبس، يُقَال: ثأثأت عنه غضبه أي أطفأته، والعتائر: جمع عتيرة وهو ذبح كان يذبح للأصنام فِي الجاهلية. وفلسٌ: صنم، والأقيصر: صنم.

قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، تعالى، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم، عَنِ الأصمعي، لأعرابية ترقص ابنها وهي تقول: أحبه حبّ شحيحٍ ماله ... قد ذاق طعم الفقر ثم ناله إذا أراد بذله بداله قَالَ: وأنشدنا ابراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس أحمد بن يحيى: أرى كل امرئ إِلَى عاصم ... فما أنا لو كان لم يولد فنفسي فداؤك مستيقظاً ... ونفسي فداؤك فِي المرقد ونفسي فداؤك رحب اليمين ... بالخير مجتنب الأفند فلو كنت شيئاً من الأشربات ... لكنت من الأسوغ البرد قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: كانت امرأة بحمى ضريّة أحسبها من غنّى، ذات يسار فكثر خطّابها، ثم إنها علقت غلاماً من بني هلال، فضفتها ليلةً وقد شاع فِي الحاضر شأنها فأحسنت ضيافتي، فلما تعشّيت جلست إِلَى تحَدَّثَنِي فقلت لها: يا أمّ العلاء إني أريد أن أسائلك عَنْ أمر وأنا أهابك لما أعلم من عفّتك وفضل دينك وشرفك، فتبسمت ثم قَالَت: أنا أحدثك قبل أن تسألني، ثم قَالَت: ألهف أبي لمّا أدمت لك الهوى ... وأصفيت حتى الوجد بي لك ظاهر وجاهرت فيك الناس حتى أضرّ بي ... مجاهرتي يا ويح فيمن أجاهر فكنت كفئ الغصن بينا يظلني ... ويعجبني إذ زعزعته الأعاصر فصار لغيري واستدارت ظلاله ... سواي وخلاّني ولفح الهواجر ثم غلب عليها البكاء فقامت عنّي، فلما أصبحت وأردت الرحيل، قَالَت: يا ابن عمي، أنت والأرض فيما كان بيني وبينك فقلت: إنه، وأنصرفت عنها

تفسير قوله تعالى: {غير مدينين} [الواقعة: 86] ومعنى الدين

قَالَ: وأنشدني أَبِي بَكْرٍ: وضمّها والبدن الحقاب ... جدّي لكلّ عامل ثواب الرأس والأكرع والإهاب قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: هذا صائد يخاطب كلبته، والبدن: الوعل المسنّ، والحقاب: جبل قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ: وبيضٍ رفعنا بالضّحى عَنْ متونها ... سماوة جونٍ كالخباء المقوّض هجوم عليها نفسه غير أنه ... متى يرم فِي عينيه بالشبح ينهض البيض أراد بها البيض، وسماوة كلّ شيء: شخصه، يعني الظّليم. والجون: الأسود، هجوم عليها يعني عَلَى البيض، فإذا أبصر شخصاً نهض عَنِ البيض، والشّبح والشّبح لغتان: الشخص. قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا الرياشى لأعرابي: لقد زاد الهلال إِلَى حبّا ... عيونٌ تلتقي عند الهلال إذا ما لاح وهو شفىً صغيرٌ ... نظرن اليه من خلل الحجال قَالَ: وأنشدنا ابراهيم بن محمد، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس لأحمد بن ابراهيم بن اسماعيل يخاطب بعض أهله: أظنّك أطغاك الغنى فنسيتني ... ونفسك والدّنيا الدّنية قد تنسى فإن كنت تعلو عند نفسك بالغنى ... فإنّي سيعليني عليك غنى نفسي تفسير قوله تعالى: {غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة: 86] ومعنى الدين وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، فِي قوله تعالى: {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة: 86] معناه غير مجزّيين، قَالَ: وأنشدنا: ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا

تفسير حديث إن أحبكم إلى واقربكم مني. . . . . . . . . إلخ

أي جازيناهم كما جازوا، ومن ذلك قوله جل وعز: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] ، قَالَ قتادة: معناه مالك يومٍ يدان فيه العباد أي يجازون بأعمالهم، ويكون الدين أيضاً الحساب قَالَ ابن عباس: معنى قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] أي: يوم الحساب، ويكون الدّين أيضاً السّلطان، قَالَ زهير: لئن حللت بجوٍّ فِي بني أسدٍ ... فِي دين عمروٍ وحالت بيننا فدك معناه فِي سلطان، ويكون الدّين أيضاً الطاعة، من ذلك قوله جل وعز: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: 76] معناه فِي طاعة الملك. ويكون الدّين أيضاً العبودية والذّل، وجاء فِي الحديث الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت فمعناه استعبد نفسه وأذلّها لله عز وجل، قَالَ الأعشى: هو دان الرّباب إذ كرهوا ... الدين دراكاً بغزوةٍ وصيال ثم دانت بعد الرّباب وكانت ... كعذابٍ عقوبة الأقوال يعني أنه أذلهمّ فذلّوا، وقَالَ القطامي: رمت المقاتل من فؤادك بعدما ... كانت نوار تدينك الأديانا معناه تستعبدك بحبها، ويكون الدين أيضاً الملة، كقولك: نحن عَلَى دين إبراهيم، ويكون العادة، قَالَ المثقب العبدي: تقول إذا درأت لها وضينا ... أهذا دينه أبداً وديني أكلّ الدهر حلٌّ وارتحالٌ ... أما يبقى عَلَى وما يقيني ويكون الدين أيضاً الحال، قَالَ النضر بن شميل: سألت أعرابياً عَنْ شيء، فقَالَ: لو لقيتني دينٍ غير هذه لأخبرتك، وروى أَبُو عبيدة قول امرئ القيس: كدينك من أم الحويرث قبلها ... وجارتها أمّ الرباب بمأسل أي كعادتك. والعرب تقول: ما زال هذا دينه ودأبه وديدنه وديدانه وديدبونه أي عادته. تفسير حديث إن أحبكم إِلَى وأقربكم مني. . . . . . . . . الخ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ خَالِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ، وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، وَأَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ عَرَفْنَا الثَّرْثَارِينَ وَالْمُتَشَدِّقِينَ، فَمَنِ الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُتَكَبِّرُونَ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ اللغويون، منهم يعقوب بن السكّيت، الثرثارون: الذين يكثرون القول ولا يكون إلا قولاً باطلاً، ويقَالَ: نهر ثرثار إذا كان ماؤه مصوّتاً، ومطرٌ ثرثار، وسحابٌ ثرثار، وأنشد يعقوب: لشخبها فِي الصحن للأعشار ... بربرةٌ كصخب المماري من قادمٍ منهمرٍ ثرثار وكان أَبُو بَكْرِ بن دريد يقول: نهر ثرثار إذا كان ماؤه كثيرا، ولذلك سمي النهر المعروف بالثرثار. وناقة ثرّة إذا كانت غزيرة اللبن، وسحابة ثرّة، كثيرة المطر، وعين ثرّة: كثيرة الدموع، وأنشدني: يا من لعين ثرة المدامع ... يحفشها الوجد بماء هامع يحفشها: يستخرج كلّ ما فيها، ومثل قول أَبِي بَكْرٍ، قاله أَبُو العباس محمد بن يزيد. حَدَّثَنِي بذلك عبد الله بن جعفر النحوي، وأنشدنا أَبُو العباس، لعنترة بن شداد: جادت عليها كلّ عينٍ ثرّة ... فتركن كلّ قرارةٍ كالدرهم وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ، يُقَال: ثررت الشيء وثرثرته إذا فرقته وبددته، ومنه قيل: ناقة ثرور، وهي مثل الفتوح وهي الواسعة الأحاليل، وقد فتحت وأفتحت لأن الواسعة الأحاليل يخرج شخبها متفرقاً منتشراً، وقَالَ غير يعقوب: المتفيهق الذي يتّسع شدقه وفوه بالكلام الباطل، وأصله من الفهق وهو الامتلاء، قَالَ الأعشى: تروح عَلَى آل المحلّق جفنةٌ ... كجابية الشيخ العراقي تفهق وكان أَبُو محرز خلفٌ يروي: كجابية السيح، ويقول: الشيخ تصحيف، والسيح: الماء الذي يسيح عَلَى وجه الأرض أي يذهب ويجري، والجابية: الحوض الذي يجبي فيه الماء أي يجمع وجمعها جواب، قَالَ الله عز وجل: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13] .

ملاقاة يزيد بن شيبان في حجة رجلا من مهرة وانتساب كل منهما لصاحبه

ملاقاة يزيد بن شيبان فِي حجه رجلا من مهرة وانتساب كل منهما لصاحبه قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: قَالَ أَبُو زرارة بجّال بن حاجب العلقمى، من ولد علقمة بن زرارة: خرج يزيد بن شيبان بن علقمة حاجّاً، فرأى حين شارف البلد شيخاً يحفّه ركبٌ عَلَى إبل عتاق برجال ميس ملبسة أدما، قَالَ: فعدلت فسلّمت عليهم وبدأت به وقلت: من الرجل؟ ومن القوم؟ فأرمّ القوم ينظرون إِلَى الشيخ هيبةً له، فقَالَ الشيخ: رجل من مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، فقلت: حياّكم الله! وانصرفت، فقَالَ الشيخ: قف أيها الرجل، نسبتنا فأنتسبنا لك ثم انصرفت ولم تكلمنا. قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: وروى السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد: شاممتنا مشامّة الذّئب الغنم ثم انصرفت، قلت: ما أنكرت سوءاً، ولكني ظننتكم من عشيرتي فأناسبكم فأنتسبتم نسباً لا أعرفه ولا أراه يعرفني، قَالَ: فأمال الشيخ لثامه وحسر عمامته، وقَالَ: لعمري لئن كنت من جذمٍ من أجذام العرب لأعرفنك، فقلت: فإني من أكرم أجذامها، قَالَ: فإن العرب بنيت عَلَى أربعة أركان، مضر وربيعة واليمن وقضاعة فمن أيّهم أنت؟ قلت: من مضر، قَالَ: أمن الأرحاء أم من الفرسان؟ فعلمت أن الأرجاء خندق وإن الفرسان قيس، قلت: من الأرحاء، قَالَ: فأنت إذاً من خندف، قلت: أجل، قَالَ: أفمن الأرنبة أم من الجمجمة؟ فعلمت أن الأرنبة مدركة وأن الجمجمة طابخة، فقلت: من الجمجمة، قَالَ: فأنت إذاً من طابخة، قلت: أجل، قَالَ: أفمن الصّميم أم الوشيظ؟ فعلمت أن الصّميم تميم وأن الوشيظ الرّباب، قلت: من الصّميم، قَالَ: فأنت إذاً من تميم، قلت: أجل، قَالَ: أفمن الأكرمين أم من الأحلمين أم من الأقلّين؟ فعلمت أنّ الأكرمين زيد مناة، وأن الأحلمين عمرو بن تميم، وأن الأقلين الحارث بن تميم، قلت: من الأكرمين؟ قَالَ: فأنت إذا من زيد مناة؟ قلت: أجل، قَالَ: أفمن الجدود، أم من البحور، أم من الثماد؟ فعلمت أن الجدود مالك، وأن البحور وأن البحور سعد، وأن الثمار امرؤ القيس بن زيد مناة، قلت: من لجدود، قَالَ: فأنت إذاً من بني مالك، قلت: أجل، قَالَ: أفمن الذّرى أم من الأرداف؟ فعلمت أن الذّرى حنظلة، وأن الأرداف ربيعة ومعاوية وهما الكردوسان، قلت: من الذرى، قَالَ: فأنت إذاً من بني حنظلة، قلت: أجل، قَالَ: أمن البدور، أم من الفرسان، أم من الجراثيم؟ فعلمت أن البدور مالك، وأن الفرسان يربوع، وأن الجراثيم البراجم، قلت: من البدور، قَالَ: فأنت إذاً من بني مالك بن حنظلة، قلت: أجل، قَالَ: أفمن

الأرنبة، أم من الّلحيين، أم من القفا؟ فعلمت أن الأرنبة دارمٌ، وأن اللحيين طهيّة والعدويّة، وأن القفا ربيعة بن حنظلة، قلت: من الأرنبة، قَالَ: فأنت إذاً من دارم، قلت: أجل. قَالَ: أفمن الّلباب، أم من الهضاب، أم من الشّهاب؟ فعلمت أن اللباب عبد الله، وأن الهضاب مجاشع وأن الشّهاب نهشل، قلت: من الّلباب، قَالَ: فأنت إذاً من بني عبد الله، قلت: أجل، قَالَ: أفمن البيت، أم من الزّوافر؟ فعلمت أن البيت بنو زرارة، وأن الزوافر الأحلاف، قلت: من البيت، قَالَ: فأنت إذاً من بني زرارة، قلت: أجل، قَالَ: فإنّ زرارة ولد عشرةً حاجباً، ولقيطاً، وعلقمة، ومعبداً، وخزيمة، ولبيداً، وأبا الحارث، وعمراً، وعبد مناة، ومالكا، فمن أيّهم أنت؟ قلت: من بني علقمة، قَالَ: فإن علقمة ولد شيبا ولم يلد غيره، فتزوّج شيبان ثلاث نسوة: مهدد بنت حمران بن بشر بن عمرو بن مرثد فولدت له يزيد، وتزوّج عكرشة بنت حاجب بن زرارة بن عدس فولدت له المأمور، وتزوّج عمرة بنت بشر بن عمرو بن عدس، فولدت له المقعد فلايتهنّ أنت قلت: لمهدد، قَالَ: يا ابن أخي، ما افترقت فرقتان بعد مدركة إلا كنت فِي أفضلها حتى زاحمك أخواك، فإنهما أن تلدني أماهما أحبّ إِلَى من أن تلدني أمك! يا ابن أخي، أتراني عرفتك؟ قلت: إي وأبيك أي معرفة! الميس: ضربٌ من الشجر يعمل منه الرّحال، وأرمّ القوم: سكتوا، والوشيظ الخسيس من الرجال. والصميم: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا الرياشي، عَنِ العمري، عَنِ الهيثم، من قَالَ لي صالح بن حسّان: ما بيتٌ شطره أعرابي فِي شملة، والشّطر الآخر مخنّث يتفكّك؟ قلت: لا أدري، قَالَ: قد أجّلتك حولاً، قلت: لو أجّلتني حولين لم أعرف، قَالَ: أفٍّ لك قد كنت أحسبك أجود ذهناً مما أرى، قلت: ما هو؟ قَالَ: أما سمعت قول جميل: ألا أيّها النّوّام ويحكم هبّوا أعرابي فِي شملة، ثم أدركه الّلين، وضرع الحبّ فقَالَ: نسائلكم هل يقتل الرّجل الحبّ ... كأنه والله من مخنثي العقيق.

قصيدة جميل

قصيدة جميل وأملى علينا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، هذه القصيدة لجميل، قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد فِي شعر جميل، وفي الروايتين آختلاف فِي تقديم الاْبيات وتاْخيرها وفي اْلفاظ بعض البيوت: ألا ليت أيام الصّفاء جديد ... ودهراً تولّى يا بثين يعود فنغنى كما كنّا نكون وأنتم ... صديق وإذا ما تبذلين زهيد وما أنس ملا أشياء لا أنس قولها ... وقد قرّبت نضوى أمصر تريد ولا قولها لولا العيون التي ترى ... أتيتك فأعذرني فدتك جدود خليليّ ما أخفي من الوجد ظاهرٌ ... ودمعي بما أخفي الغداة شهيد ألا قد أرى والله أن ربّ عبرةٍ ... اذا الدار شطّت بيننا سنزيد إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحب قَالَت ثابتٌ ويزيد وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قَالَت ذاك منك بعيد فلا أنا مردودٌ بما جئت طالباً ... ولا حبها فيما يبيد يبيد جزتك الجوازي يا بثين ملامةً ... إذا ما خليلٌ بان وهو حميد وقلت لها بيني وبينك فاعلمي ... من الله ميثاقٌ له وعهود وقد كان حبّيكم طريفاً وتالداً ... وما الحب إلا طارفٌ وتليد وإن عروض الوصل بيني وبينها ... وإن سهّلته بالمنى لصعود فأفنيت عيشي بانتظاري نوالها ... وأبليت ذاك الدّهر وهو جديد فليت وشاة الناس بيني وبينها ... يدوف لهم سمّا طماطم سود وليت لهم فِي كل ممسى وشارقٍ ... تضاعف أكبال لهم وقيود ويحسب نسوانٌ من الجهل أننّي ... إذا جئت إياهّن كنت أريد فأقسم طرفي بينهن فيستوي ... وفي الصّدر بونٌ بينهنّ بعيد ألا ليت شعري هل أبيتن ليلا ... بوادي القرى أنيّ إذاً لسعيد وهل أهبطن أرضاً تظلّ رياحها ... لها بالثنايا القاويات وئيد

وهل ألقين سعدي من الدّهر مرةً ... ومارثّ من حبل الصّفاء جديد وقد تلتقي الأهواء من بعد يأسةٍ ... وقد تطلب الحاجات وهي بعيد وهل أزجرن حرفاً علاةً شملةً ... بخرقٍ تباريها سواهم قود عَلَى ظهر مرهوبٍ كأنّ نشوزه ... إذا جاز هلاّك الطّريق رقود سبتني بعيني جؤذرٍ وسط ربربٍ ... وصدرٍ كفاثور اللّجين وجيد تزيف كما زافت إِلَى سلفاتها ... مباهيةً طيّ الوشاح ميود إذا جئتها يوماً من الدّهر زائراً ... تعرّض منقوض اليدين صدود يصدّ ويغضي عَنْ هواي ويجتني ... ذنوباً عليها إنه لعنود فأصرمها خوفاً كأنّي مجانبٌ ... ويغفل عنا مرة فنعود فمن يعط فِي الدّنيا قريناً كمثلها ... فذلك فِي عيش الحياة رشيد يموت الهوى منّي إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود يقولون جاهد يا جميل بغزوةٍ ... وأيّ جهادٍ غيرهن أريد لكلِّ حديثٍ بينهنَّ بشاشةٌ ... وكلُّ قتيل بينهن شهيد ومن كان فِي حبيِّ بثينة يمتري ... فبرقاء ذي ضالٍ عَلَى شهيد ألم تعلمي يا أمّ ذي الودع أنني ... أضاحك ذكراكم وأنت صلود قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو العباس بن مروان الخطيب لخالد الكاتب، قَالَ: وسمعت شعر خالد من خالد. راعى النجوم فقد كادت تكلمه ... وانهل بعد دموع يا لها دمه أشفى عَلَى سقمٍ يشفي الرقيب به ... لو كان أسقمه من كان يرحمه يا من تجاهل عمّا كان يعلمه ... عمداً وباح بسرٍّ كان يكتمه هذا خليلك نضواً لا حراك به ... لم يبق من جسمه ألا توهمه

الكلام على الأمة والمال

الكلام عَلَى الأمة والمال وحَدَّثَنَا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد، وأَبُو بَكْرِ بن الأنباري، فِي قوله عز وجل: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [البقرة: 134] . الأمّة: القرن من الناس بعد القرن، والأمّة أيضاً: الجماعة من الناس، والأمة أيضًا: الملة. قوله عز وجل: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22] أي: عَلَى دينٍ، وكذلك قوله عز وجل: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف: 33] أي: لولا يكون الناس كفاراً كلّهم، والأمّة أيضاً: الحين، قَالَ الله عز وجل: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45] أي: بعد حينٍ وقرأ ابن عباس، وعكرمة: وادّكر بعد أمةٍ مثل عمهٍ وولهٍ أي بعد نسيان، والأمة أيضًا: الإمام، قَالَ الله عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} [النحل: 120] والأمة أيضًا: القامة وجمعها قَالَ الأعشى: وأنّ معاوية الأكرمين ... حسان الوجوه طوال الأمم والأمّهة والأمّة والأمُّ والاُّم: الوالدة، قَالَ الشاعر: تقبّلتها من أمةٍ لك طالما ... تتوزع فِي الأسواق عنها خمارها وقَالَ آخر: أمّهتي خندف واليأس أبي. قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَتَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ فَقَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَمَا لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ " قَالَ أَبُو بَكْرٍِ: المال عند العرب الإبل والغنم، والفضّة: الرّقة والورق، والذّهب: النّضر والنّضير والعقيان قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى، قَالَ: المال عند العرب أقله ما تجب فيه الزكاة، وما نقص من ذلك فلا يقع عليه مال. قَالَ: وأنشدنا أَبُو العباس: ألا يا قرّ لاتك سامرياً ... فتترك من يزورك فِي جهاد أتعجب أن رأيت عَلَى ديناً ... وأن ذهب الطريف مع التلاد

ملأت يدي من الدنيا مراراً ... فما طمع العواذل فِي اقتصادي ولا وجبت عَلَى زكاة مالٍ ... وهل تجب الزكاة عَلَى جواد وأنشد أيضاً: والله ما بلغت لي قطّ ماشيةٌ ... حدّ الزّكاة ولا إبلٌ ولا مال قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحسن بن البراء، قَالَ: حَدَّثَنَا الزّبير، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الملك بن عبد العزيز، وهو الماجشون، قَالَ: شتم رجل الوليد بن أبي خيرة، فقَالَ الوليد: هي صحيفتك فأمل فيها ما شئت قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو الحسن بن البراء، قَالَ: حَدَّثَنَا الزّبير، قَالَ: حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة، قَالَ: قيل لابن شهابٍ: ما الزاهد؟ قَالَ: من لم يمنع الحلال شكره، ولم يغلب الحرام صبره قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حدّثنا الحسن بن عليل العنزي، قَالَ: حَدَّثَنِي مسعود بن بشر، عَنْ وهب بن جرير، عَنِ الوليد بن يسارٍ الخزاعي، قَالَ: قَالَ عمرو بن معد يكرب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، أبرام بنو مخزم؟ قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ: تضيّفت خالد بن الويلد فأتى بقوسٍ وكعبٍ وثورٍ، قَالَ:؟ إن ذلك لشبعةً، قلت: لي أو لك؟ قَالَ: لي ولك، قَالَ: حلاًّ يا أمير المؤمنين فيما تقول، وإني لآكل الجذع من الإبل أنتقيه عظماً عظماً وأشرب التّبن من اللّبن رثيئةً وصريفاً، قَالَ الأصمعي: القوس: البقية من التمر تبقى فِي الجلّة، وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: الكعب القطعة من السّمن، والثّور: القطعة من الأقط، قَالَ الأصمعي، يُقَال: أعطاه ثورةً عظاما والعرب تقول: حلاًّ فِي الأمر تكرهه بمعنى كلاًّ. قَالَ وحَدَّثَنَا غير واحد من مشايخنا منهم: ابن دريد، بإسناد له، وأَبُو بَكْرِ بن الأنبارى قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ أبي عَلَى العنزي، قَالَ: حَدَّثَنَا مسعود بن بشر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحسن المدائني، قَالَ: قَالَ الأحنف

الكلام على أنواع من القداح

بن قيس، لمصعب بن الزبير، وكلّمه فِي رجل وجد عليه، فقَالَ مصعب: بلّغني عنه الثّقة، فقَالَ الأحنف: حلاًّ أيها الأمير، إن الثقة لا يبلّغ وروى أَبُو بَكْرِ بن الأنباري كلا، قَالَ وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: التّبن: أعظم الأقداح. الكلام عَلَى أنواع من القداح الغمر: القدح الصغير الذي لا يروى، ومنه قيل: تغمّرت من الشراب أي لم أرو. ثم القعب وهو فوقه قليلاً، والصّحن: قدحٌ عريض قصير الجدار، والجنبل: قدح ضخم خشبٌ نحيتٌ، والوأب: القدح المقعر عَنْ أبي الحسن بن كيسان، قَالَ: سمعت بنداراً، يقول: الوأب: الذي ليس بالكبير ولا بالصغير، ومنه قيل: حافر وأبٌ، والعلبة: قدح من جلود الإبل، والرّفد: القدح العظيم أيضاً، قَالَ الأعشى: رب رفد هرقته ذلك اليوم ... وأسرى من معشرٍ أقتال قَالَ أَبُو بَكْرٍِ والرّثيئة: التي قد صبَّ عليها ماء، وكذلك المرضّة، قَالَ الشاعر: إذا شرب المرضّة قَالَ أوكي ... عَلَى ما فِي سقائك قد روينا والصّريف: اللبن ينصرف به عَنِ الضّرع حاراً. قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنَا العنزيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خيرة، قَالَ: كنا عند أبي داود الطّيالسي وهو يمل التفسير ولم يكن يحفظ القرآن، فقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] فقَالَ المستملي: ليس هكذا القراءة، فقَالَ: هكذا الوقف عليها مختارات من الشعر فِي الصبر والحزم قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم: إذا اشتملت عَلَى اليأس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت ... وأرست فِي مكامنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضرّ وجهاً ... ولا أغنى بحيلته الأريب

أتاك عَلَى قنوطٍ منك غوثٌ ... يمنّ به اللطيف المستجيب وكلّ الحادثات وإن تناهت ... فمقرون بها الفرج القريب قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التوزى، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: أنشدني رجل من ولد هشام بن عبد الملك، لمعاوية بن أبي سفيان: قد عشت فِي الدّهر ألواناً عَلَى خلق ... شتّى وقاسيت فيه الّلين والطّبعا كلاّ لبست فلا النّعماء تبطرني ... ولا تعودت من مكروهها جشعا لا يملأ الأمر صدري قبل مصدره ... ولا أضيق به ذرعا إذا وقعا قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، عَنِ أبي عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة: أمات الهوى حتى تجنبه الهوى كما اجتنب الجاني الدّم الطالب الدّما وأكثر ما تلقاه فِي الناس صامتاً فإن قَالَ بذّ القائلين وأفهما وكان يرى الدّنيا صغيراً كبيرها وكان لأمر الله فيها معظّما قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة: خاطر لا تقعد بمعجزة ... فليس حرّ عَلَى عجزٍ بمعذور إن لم تنل فِي مقامٍ ما تطالبه ... فأبل عذراً بإدلاجٍ وتهجير لن يبلغ المرء بالأحجام همّته ... حتّى يباشرها منه بتغرير حتى يواصل فِي أنحاء مطلبها ... سهلاً بحزنٍ وإنجادا بتغوير حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ أحمد بن عبيد،، أنه قَالَ: أحجم الرجل عَنِ الأمر إذا كعّ، وأحجم إذا أقدم وقَالَ يعقوب، وأحمد بن يحيى: أحجم وأحجم إذا كعّ. وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله: كم من أخ لك لست تنكره ... ما دمت من دنياك فِي يسر متصنّعٍ لك فِي مودّته ... يلقاك بالتّرحيب والبشر يطرى الوفاء وذا الوفاء ... ويلحى الغدر مجتهدا وذا الغدر فإذا عدا والدّهر ذو غير ... دهرٌ عليك عدا مع الدهر

قصيدة حنظلة الخزاعي لولده قرة لما أراد الهجرة وشرحها

فارفض بإجمال مودّة ... من يقلى المقلّ ويعشق المثرى وعليك من حالاه واحدةٌ ... فِي العسر إما كنت واليسر لا تخلطنّهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصّفر قصيدة حنظلة الخزاعي لولده قرة لما أراد الهجرة وشرحها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: أراد قرّة بن حنظلة الخزاعيّ الهجرة، فقَالَ أَبُو حنظلة: أقول لقرّة إذ سوّلت ... له النفس ترك الكبير اليفن أقرّة ربّتما ليلةٍ ... غبقتك فيها صريح اللّبن أحين فشا الشّيب فِي لّمتي ... وأفنى شبابي مرّ الزّمن تروّحت فِي النّفر الرائحين ... وخلّيت شيخك بادي الحزن وأفردته والهاً فِي الدّيار ... يصرّفه الدهر فِي كلّ فنّ قليل الكلام بطيء القيام ... يبكي لوحدته ذا شجن اليفن: الكبير، والغبوق: شرب العشيّ، والصّبوح: شرب الغداة، والجاشريّة، حين جشر الصّبح، والقيل: شرب نصف النهار، والغبن فِي البيع، والغبن: فِي الرأي، يُقَال: غبن رأيه يغبن غبنا، وغبنت فلانا أغبنه غبناً. جملة من شعر عمر بن أبي ربيعة وقرأت عَلَى أبى عبد الله إبراهيم بن محمد الأزدي نفطويه، لعمر بن أبي ربيعة: إنّ طيف الخيال حين ألّما ... هاجلي ذكرةً وأحدث همّا جدّدي الوصل يا سكين وجودي ... لمحبٍّ رحيله قد أحمّا كان الأصمعي يروى: قد أجمّا، ويقول أجمّ إذا دنا وحان، وحمّ إذا قدر، ويروى بيت لبيد: أن قد أجمّ من الحتوف حمامها

تفسير قوله تعالى: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} [الإسراء: 8]

وغيره يروى: أن قد أحمّ، ويقول: قَالَ الأصمعي فِي معنى أجمَّ. ليس دون الرّحيل والبين إلاّ ... أن يردّوا جمالهم فتزمّا قَالَ: وحَدَّثَنِي أَبُو عبد الله عند قراءتي عليه هذا البيت، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن يحيى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن شبيب، عَنِ ابن مقمّة، عَنْ أمه، قَالَت: سمعت معبداً بالأخشبين وهو يغنّي: ليس بين الحياة والموت ... إلا أن يردوا حمالهم فتزمّا ولقد قلت مخفياً لغريضٍ ... هل ترى ذلك الغزال إلا جمّا هل ترى فوقه من الناس شخصاً ... أحسن اليوم صورةً وأتمّا إن تنيلي أعش بخيرٍ وإن لم ... تبذلي الودّ متُّ بالهمّ غمّا قَالَ: وقرأت عليه أيضاً، لعمر: أيا من كان لي بصراً وسمعاً ... وكيف الصّبر عَنْ بصري وسمعي وعمّن حين يذكره فؤادي ... يفيض كما يفيض الغرب دمعي يقول العاذلون نأت فدعها ... وذلك حين تهيامي وولعي أهجرها فأقعد لا أراها ... وأقطعها وما همّت بقطعي وأصرم حبلها لمقَالَ واشٍ ... وأفجعها وما همّت بفجعي وأقسم لو خلوت بهجر هندٍ ... لضاق بهجرها فِي النّوم ذرعي تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8] قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، قَالَ فِي قوله عز وجل: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8] ، قَالَ: معناه سجناً وحبساً، ويقَالَ: حصرت الرجل أحصره حصراً إذا حبسته وضيّقت عليه، قَالَ الله عز وجل: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] أي ضاقت صدورهم وقرأ الحسن: حصرةً صدورهم معناه ضيقة صدورهم، ويقَالَ: أحصره المرض إذا حبسه، والحصير: الملك لأنه حصر أن يراه الناس، قَالَ الشاعر: ومقامةٍ غلب الرقاب كأنهم ... جنٌّ لدى باب الحصير قيام

شهود الحسن البصري جنازة أبي رجاء مع الفرزدق

الكلام عَلَى حديث: إن الله اختارني. . الخ وحديث عليكم بالأبكار قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الأَسَدِيُّ، وَخَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَخْتَانًا وَأَصْهَارًا فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلا " وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَطْيَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ قوله: صرفاً ولا عدلاً، الصّرف: الحيلة، والعدل: الفدية، ويقَالَ: الصّرف: الإكتساب، والعدل: الفدية، ويقَالَ: الصرف: الفريضة، والعدل: النافلة، ويقَالَ: الصرف: الدّية، والعدل: الزيادة عَلَى الدية، ويقَالَ: العدل: الدية، والصرف: الزيادة، قوله والصّرف: الحيلة، والصرف: الإكتساب، والعدل: والفدية، والعدل: الدّية صحيح فِي الإشتقاق، فأما قوله: الصرف: الفريضة، والعدل: النافلة، والصرف: الدية، والعدل: الزيادة عَلَى الدية فغير صحيح فِي الإشتقاق، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: والأختان: أهل المرأة، والأحماء: أهل الرجل، والأصهار يقع عَلَى الأختان والأحماء، وقوله: فإنهن أنتق أرحاماً يعني أكثر ولداً، يُقَال: امرأة منتاقٌ إذا كثر ولدها. ، ويقَالَ: امرأة ناتقٌ إذا كثر ولدها، وأنشد الأصمعي للنابغة: لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم ... طفحت عليك بناتقٍ مذكار شهود الحسن البصري جنازة أبي رجاء مع الفرزدق قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عبد الله المقدّمي القاضي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن منصور، قَالَ: حَدَّثَنَا عمرو بن صالح الكلابي، قَالَ: حَدَّثَنَا إياس بن ابي تميمة الأفطس، قَالَ: شهدت الحسن فِي جنازة أبي رجاء العطارديّ، وهو عَلَى بغلة والفرزدق يسايره عَلَى نجيبٍ وكنت عَلَى حمارٍ لي، فدنوت منهما فسمعت الفرزدق يقول للحسن: يا أبا سعيد أتدري ما يقول أهل الجنازة؟ قَالَ: وما يقولون؟ قَالَ: يقولون: هذا خير شيخ بالبصرة، وهذا شرٌ شيخ بالبصرة، قَالَ: إذا يكذبوا

وصية محمد الباقر لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما

يا أبا فراس، ربَّ شيخٍ بالبصرة مشركٍ بالله فذلك شرٌ من أبي فراس، ورب شيخٍ بالبصرة ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم عَلَى الله لأبّره، فذلك خير من الحسن. يا أبا فراس، ما أعددت لهذا اليوم؟ قَالَ: شهادة أن لا إله إلا الله مذ ثمانون سنةً، ثم قَالَ: يا أبا سعيد، هل إِلَى التوبة من سبيل؟ قَالَ: إي والله، إن باب التوبة لمفتوح من قبل المغرب عرضه أربعون لا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله، قَالَ: يا أبا سعيد، فكيف أصنع بقذف المحصنات؟ قَالَ: تتوب الآن وتعاهد الله ألا تعود، قَالَ: فإنّي أعاهد الله ألا أقذف، أو قَالَ: أسبَّ، محصنةً بعد يومي هذا وصية محمد الباقر لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن عيسى أَبُو بشر العكليّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أو حدثت عَنْ أسد بن سعيد، الشك من أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ جدّي، عَنْ عفير، قَالَ: دخل أَبُو جعفر محمد بن عَلَى بن الحسن عَلَى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقَالَ: يا أبا جعفر أوصني، قَالَ: أوصيك أن تتخّذ صغير المسلمين ولداً، وأوسطهم أخاً، وكبيرهم أباً، فارحم ولدك، وصل أخاك، وبرّ أباك، وإذا صنعت معروفا فربه قوله: فربّه أي أدمه، يُقَال: ربّ بالمكان وأربّ أي أقام به ودام، قَالَ بشر: أر عَلَى مغانيها ملثٌّ ... هزيمٌ ودقه حتّى عفاها وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: اختصم أعرابيان إِلَى شيخ منهم، فقَالَ: أحدهما: أصلحك الله، ما يحسن صاحبي هذا آيةً من كتاب الله عز وجل، فقَالَ الآخر: كذب والله، إنّي لقارئ كتاب الله، قَالَ: فاقرأ، فقَالَ: علق القلب ربابا ... بعد ما شابت وشابا فقَالَ الشيخ: لقد قرأتها كما أنزلها الله، فقَالَ صاحبه، والله أصلحك الله، ما تعلمّها إلا البارحة ذكر ما وقع لوالي مكة مع رجل سفيه قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بن عبيد، قَالَ: أَخْبَرَنَا المدائني، قَالَ: كان بمكة رجلٌ سفيه يجمع بين الرجال والنساء، فشكا ذلك أهل مكة إِلَى الوالي فغربه إلى

جمل من شعر عمر بن أبي ربيعة

عرفات، فأتّخذها منزلاً ودخل مكة مستتراً، فلقى حرفاءه من الرجال والنساء، فقَالَ: ما يمنعكم؟ قالوا: وأين بك وأنت بعرفات؟ قَالَ: حمارٌ بدرهمين وقد صرتم إِلَى الأمن والنّزهة، قالوا: نشهد أنك صادق، وكانوا يأتونه وكثر ذلك حتى أفسد عَلَى أهل مكة أحداثهم وسفاءهم وحواشيهم، فعادوا بالشّكاية إِلَى أمير مكة، فأرسل إليه فأتى به فقَالَ: أي عدوّ الله! طردتك من حرم الله فصرت إِلَى المشعر الأعظم تفسد فيه وتجمع الفسّاق! فقَالَ: أصلح الله الأمير، يكذبون عَلَى ويحسدونني، قالوا: بيننا وبينه واحدةٌ، قَالَ: ما هي؟ قَالَ: تجمع حمير المكارين وترسلها بعرفات، فإن لم تقصد إِلَى بيته لما تعرف من إتيان الخرّاب والسفهاء إياه، فالقول ما قَالَ، فقَالَ الوالي: إن فِي هذا لدليلاً، وأمر بحمير فجمعت، ثم أرسلت، فقصدت نحو منزله، فأتاه بذلك أمناؤه، فقَالَ: ما بعد هذا شيءٌ: جرّدوه، فلما نظر إِلَى السّياط، قَالَ: لا بد من ضربي، أصلح الله الأمير؟ قَالَ: لا بد منه، قَالَ: اضرب فوالله ما فِي هذا شيءُ أشد علينا من أن تسخر منّا أهل العراق فيقولون: أهل مكة يجيزون شهادة الحمير فضحك الأمير، وقَالَ: والله لا أضربك اليوم وأمر بتخلية سبيله جمل من شعر عمر بن أبي ربيعة قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي، لعمر بن أبي ربيعة: ما كنت أشعر إلاّ مذ عرفتكم ... أنّ المضاجع تمسي تنبت الإبرا لقد شقيت وكان الحين لي سبباً ... أن علّق القلب قلباً يشبه الحجرا قد لمت قلبي فأعياني بواحدة ... وقَالَ لي لا تملني وادفع القدرا إن أكره الطّرف يحسر دون غيركم ... ولست أحسن إلا نحوك النّظرا قالوا صبوت فلم أكذب مقالتهم ... وليس ينسى الصّبا إن والهٌ كبرا قَالَ وقرأت عليه له أيضاً: بعثت وليدتي سحراً ... وقلت لها خذي حذرك وقولي فِي ملاطفةٍ ... لزينب نوّلي عمرك فإن داويت ذا سقم ... فأخرى الله من كفرك. فهزّت رأسها عجبا ... وقَالَت هكذا أمرك.

تفسير قوله تعالى: {فهم في أمر مريج} [ق: 5]

أهذا سحرك النّسوا ... ن قد خبّرتني خبرك وقلن إذا قضى وطراً ... وأدرك حاجةً هجرك وقرأت عليه أيضًا له: من لعينٍ تذري من الدّمع غرباً ... معملاً جفنها اختلاجاً وضرباً لو شرحت الغداة يا هند صدري ... لم تجدلي يداك فِي الصّدر قلباً فصلي مغرما بحبك قد كان ... عَلَى ما أوليته بك صبّاً فاعذريني إن كنت صاحب عذرٍ ... واغفري لي إن كنت أحدثت ذنبا لو تحرجت أو تذممّت منّي ... ما تباعدت كلّما ازددت قربا تفسير قوله تعالى: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5] قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري، فِي قوله عز وجل: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5] قَالَ: معناه فِي أمر مختلط، يُقَال: مرج أمر الناس أي اختلط، وأنشد: مرج الدّين فأعددت له ... مشرف الحارك محبوك الكتد وكذا فسر ابن عباس، واستشهد بقول أبي ذؤيب: كأنه خوطٌ مريح يعني: سهما قد اختلط به الدم، ويقَالَ: أمرجت الدابة أي رعيتها، ومرجتها: خليتها، قَالَ الله جل عز: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] يعني: أرسلهما وخلاّهما قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَاجِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَتَّابِ بْنِ مُوسَى الْوَاسِطِيُّ الْعُكْلِيُّ وَلَقَبُهُ سَنْدَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي غِيَاثُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَبُ الطَّامِعُ، وَهُوَ أَشْعَبُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَهُوَ يُقَسِّمُ صَدَقَةَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ إِلا أَعْطَيْتَنِي، فَقَالَ: تُعْطَى وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْ. وَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا عَلَى وَجْهِهِ مُزْعَةٌ مِنْ لَحْمٍ

آخر خطبة خطبها معاوية رضي الله عنه

قَدْ أَخْلَقَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ» ، قَالَ غِيَاثُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: وَإِنَّمَا كَتَبْنَا هَذَا الْحديث عَنْ أَشْعَبَ لأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ يُحَدِّثُ بِهِ وَيَسْأَلُ النَّاسَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، حَدَّثَنِي أبي، عَنِ الرّستمي، عَنْ يعقوب، قَالَ: المزعة: الشيء اليسير من اللحم، والنّتفة بمنزلتها قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الدِّينَوَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّكُونِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَاشِدٍ الرَّحَبِيُّ، قَالَ: قِيلَ لأَشْعَبَ: قَدْ أَدْرَكْتَ النَّاسَ، فَمَا عِنْدَكَ مِنَ الْعِلْمِ؟ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «للَّهِ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَتَانِ» ثُمَّ سَكَتَ أَشْعَبُ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا النِّعْمَتَانِ؟ فَقَالَ: نَسِيَ عِكْرِمَةُ وَاحِدَةً وَنَسِيتُ أَنَا الأُخْرَى آخر خطبة خطبها معاوية رضي الله عنه قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، عَنِ الْعُتْبِيِّ، قَالَ: كَانَ آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي مِنْ زَرْعٍ قَدِ اسْتَحْصَدَ، وَقَدْ طَالَتْ عَلَيْكُمْ إِمْرَتِي حَتَّى مَلِلْتُكُمْ وَمَلِلْتُمُونِي، وَتَمَنَّيْتُ فِرَاقَكُمْ وَتَمَنَّيْتُمْ فِرَاقِي، وَإِنَّهُ لا يَأْتِيكُمْ بَعْدِي إِلا مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي، كَمَا لَمْ يَأْتِكُمْ قَبْلِي إِلا مَنْ كَانَ خَيْرًا مِنِّي، وَإِنَّهُ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ لِقَاءَكَ فَأَحْبِبْ لِقَائِي، ثُمَّ نَزَلَ فَمَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى مَاتَ» قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، قَالَ: حَدَّثَنَا العتبيُّ، قَالَ: مرض معاوية، رحمه الله، فأرجف به مصقلة بن هبيرة فحمله زيادٌ إِلَى معاوية وكتب إليه، إنّ مصقلة بن هبيرة يجتمع إليه مراقٌ من أهل العراق يرجفون بأمير المؤمنين، وقد حملته إِلَى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه، فوصل مصقلة ومعاوية قد برأ، فلما دخل عليه أخذ بيده وقَالَ: يا مصقلة: أبقى الحوادث من خليلك ... مثل جندلة المراجم قد رامني الأعداء قبلك ... فامتنعت عَنِ المظالم صلباً إذا خار الرجال ... أبل ممتنع الشكائم

وصية رجل أعمى من الأزد لشاب يقوده وشرحها

ثم جذبه فسقط، فقَالَ مصقلة: يا أمير المؤمنين، قد أبقى الله منك بطشاً وحلماً راجحاً، وكلأً ومرعىً لوليّك، وسمّاً ناقعاً لعدوّك، ولقد كانت الجاهلية فكان أبوك سيّداً، وأصبح المسلمون اليوم وأنت أميرهم، فوصله معاوية وردّه، فسئل عَنْ معاوية، فقَالَ: زعمتم أنه كبر وضعف، والله لقد جبذني جبذةً كاد يكسر منّى عضواً، وغمز يدي غمزةً كاد يحطمها! أنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، قَالَ: أنشدنا أحمد بن يحيى، عَنِ ابن الأعرابي لكعب الغنوىّ، يقول لابنه عَلَى: أعلىّ إن بكرت تجاوب هامتي ... هاماً بأغبر نازح الأركان وعلمت ما أنا صانعٌ ثم انتهى ... عمري وذلك غاية الفتيان وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصا ويلجّ فِي العصيان فاعمد لما تعنوا فما لك بالذّي ... لا تستطيع من الأمور يدان وإذا سئلت الخير فاعلم أنه ... نعمى تخصّ بها من الرّحمن شيمٌ تعلّق بالرّجال وإنما ... شيم الرجال كهيئة الألوان وصية رجل أعمى من الأزد لشاب يقوده وشرحها قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ هشام بن محمد بن السائب، عَنْ أبيه، قَالَ: رأيت ببيشة رجلاً من أزد السّراة أعمى يقوده شابٌ جميلٌ وهو يقول له: يا سمىّ، لا يغرّنّك أن فسّح الشّباب خطوك، وخلّى سربك، وأرفه وردك، فكأنك بالكبر قد أرب ظوفك، وأثقل أوقك، وأوهن طوقك، وأتعب سوقك، فهدجت بعد الهملجة، ودججت بعد الدّعلجة، فخذ من أيام التّرفيه لأيّام الإنزعاج، ومن ساعات المهلة لساعة الإعجال، يا ابن أخي، إنّ اغترارك بالشّباب كالتذاذك بسمادير الأحلام، ثم تنقشع فلا تتمسك منها إلا بالحسرة عليها، ثم تعرّى راحلة الصّبا، وتشرب سلوةً عَنِ الهوى، واعلم أن أغنى الناس يوم الفقر من قدّم ذخيرة، واشدهم اغتباطاً يوم الحسرة من أحسن سريرة: السّرب: الطريق والوجه، قَالَ ذو الرمة: خلّى لها سرب أولادها وهيّجها ... من خلفها لاحق الصّقلين همهيم

والرفة أن تشرب الإبل فِي كلَّ يوم، وأرب: شدَّ، يُقَال: أربت العقد إذا شددته، والأربة: العقدة، وقَالَ أَبُو بَكْرٍِ: يُقَال: ظفت البعير أظوفه إذا دانيت بين قينيه، والقينان: موضعا القيد من الوظيف. : الأوق: الثّقل، والهملجة: سرعة فِي المشي، قَالَ يعقوب بن السّكيت: دجّ يدجُّ دجيجاً إذا مرَّ مرّاً ضعيفاً، قَالَ الأصمعي: هو الدّججان، أنشد أَبُو عَلَى: تدعو بذاك الدّججان الدّارجا. قَالَ قطرب: الدّعلجة: ضرب من المشي، والدّعلجة: الدّحرجة، والدّعلجة: الظّلمة، والدّعلج: الحمار، والدّعلجة: الذهاب والمجىء، والدّعلجة: لعبة للصبيان، والدّعلجة: الأكل بنهم، وأنشد : يأكلن دعلجةً ويشبع من عفا والسمادير: ما يتراءى للإنسان فِي نومه من الأباطيل، وما يتراءه السكران فِي سكره، وقد قَالَ بعض اللغويين: قد اسمدر بصره إذا ضعف. قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، قَالَ: استعمل المهلّب يزيد عَلَى حرب خراسان، واستعمل المغيرة عَلَى خراجها، ولم يول البختري بن المغيرة بن أبي صفرة فكتب اليه: اقر السّلام عَلَى الأمير وقل له ... إن المقام عَلَى الهوان بلاء أصل الغدوّ إِلَى الرواح وإنما ... أذني وأذن الأبعدين سواء أجفى ويدعي من ورائي جالساً ... ما بالكرامة والهوان خفاء فوجد عليه المهلب وألزمه منزله، فكتب إليه: جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ... وأمسى يزيد لي قد ازورّ جانبه وكلّهم قد نال شبعاً لبطنه ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه

أطول قصيدة عينية لقيس بن ذريح وشرحها

فيا عمّ مهلاً وإتّخذني لنوبةٍ ... تلمّ فإن الدهر جمّ نوائبه أنا السيف إلا أن للسيف نبوة ... ومثلي لا تنبو عليك مضاربه فرضي عنه وعزل المغيرة وولاّه قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، لعمر بن أبي ربيعة: يا ربّة البغلة الشّهباء هل لكم ... أن ترحمي عمراً لا ترهقي حرجا قَالَت بدائك مت أو عش تعالجه ... فما نرى لك فيما عندنا فرجا قد كنت حمّلتني غيظاً أعالجه ... فإن تقدني فقد عنيتنا حججا حتى لو اسطيع مما قد فعلت بنا ... أكلت لحمك من غيظٍ وما نضجا فقلت لا والذي حجّ الحجيج له ... ما مج حبّك من قلبي وما نهجا ولا رأى القلب من شيء يسرّ به ... مذ بان منزلكم عنّا وما ثلجا كالشمس صورتها غراء واضحةٌ ... تغشي إذا برزت من حسنها السرجا ضنت بنائلها عنه فقد تركت ... من غير جرم أبا الخطّاب مختلجا قَالَ وحَدَّثَنِي أحمد بن يحيى، عَنْ حماد بن إسحاق، قَالَ: دخل عمر بن أبي ربيعة المسجد الحرام وهو يحاصر رجلاً من قريش، فنظر إِلَى عائشة بنت طلحة جالسةً بفناء الكعبة، فعدلا إليها وحادثاها، فقَالَ عمر: ألا أنشدك ما قلت فِي موسمنا هذا؟ قَالَت: بلى، فأنشدها: يا ربة البغلة الشهباء هل لك فِي ... أن تنشري عمراً لا ترهقي حرجا قَالَت بدائك مت أو عش تعالجه ... فما نرى لك فيما عندنا فرجا قد كنت حملتنا ثقلاً نعالجه ... فإن تقدنا فقد عنيتنا حججا فقَالَت: لا وربّ هذه البنيّة، يا أبا الخطاب، ما عنّيتنا قطّ طرفة عين أطول قصيدة عينية لقيس بن ذريح وشرحها وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: أنشدنا محمد بن المرزبانّي، لقيس بن ذريح، وقرأت: جميعها عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وأنشدني أحمد بن يحيى بعضها وهي أطول كلمة لقيس: عفا سرفٌ من أهله فسراوع ... فجنبا أريك فالتلاع الدوافع

فغيقة فالأخياف أخياف ظبية ... بها من لبيني مخرفٌ ومرابع لعلّ لبيني أن يحم لقاؤها ... ببعض البلاد أنّ ما حمّ واقع بجزعٍ من الوادي خلاءٍ أنيسه ... عفا وتخطّته العيون الخوادع ولما بدا منها الفراق كما بدا ... بظهر الصفا الصّلد الشقوق الشوائع تمنيّت أن تلقى لبيناك والمنى ... تعاصيك أحياناً وحيناً تطاوع وما من حبيبٍ وامقٍ لحبيبه ... ولا ذي هوىً ألاّ له الدّهر فاجع وطار غراب البين وانشّقت العصى ... ببينٍ كما شقّ الأديم الصّوانع ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع وإنك لو أبلغتها قيلك اسلمي ... طوت حزناً وارفضّ منها المدامع تبكي عَلَى لبنى وأنت تركتها ... وكنت كآتٍ غيّه وهو طائع فلا تبكين فِي إثر شيءٍ ندامةً ... إذا نزعته من يديك النّوازع فليس لأمرٍ حاول الله جمعه ... مشتٌّ ولا ما فرّق الله جامع كأنك لم تغنه إذا لم تلاقها ... وإن تلقها فالقلب راضٍ وقانع فيا قلب خبّرني إذا شطّت النّوى ... بلبني وصدت عنك ما أنت صافع أتصبر للبين المشتِّ مع الجوى ... أم أنت امرؤٌ ناسي الحياء فجازع فما أنا إن بانت لبينى بهاجعٍ ... إذا ما استقلت بالنيّام المضاجع وكيف ينام المرء مستشعر الجوى ... ضجيع الأسى فيه نكاسٌ روادع فلا خير فِي الدنيا إذا لم تواتنا ... ليبنى ولم يجمع لنا الشّمل جامعٌ أليست لبينى تحت سقفٍ يكنّها ... وإيّاي هذا إن نأت لي نافع ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا ... ونبصر ضوء الصّبح والفجر ساطع تطأ تحت رجليها بساطاً وبعضه ... أطأه برجلي ليس يطويه مانع وأفرح إن تمسي بخيرٍ وإن يكن ... بها الحدث العادي ترعني الرّوائع كأنك بدعٌ لم تر الناس قبلها ... ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع

فقد كنت أبكي والنّوى مطمئنةٌ ... بنا وبكم من علم ما البين صانع وأهجركم هجر البغيض وحبّكم ... عَلَى كبدي منه كلوم صوادع وأعجل للإشفاق حتّى يشفّني ... مخافة شحط الدار والشّمل جامع وأعمد للأرض التي من ورائكم ... ليرجعني يوماً عليك الرّواجع فيا قلب صبراً واعترافاً لما ترى ... ويا حبّها قع بالذي أنت واقع لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعه ... من النّاس ما اختيرت عليه المضاجع ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها ... وللبين غمٌّ ما يزال ينازع إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به ... جوى حرقٍ قد ضمنّتها الأضالع أبائنةٌ لبنى ولم تقطع المدى ... بوصل ولا صرمٍ فييأس طامع يظلّ نهار الوالهين نهاره ... وتهدنه فِي النائمين المضاجع سواي فليلي من نهاري وإنما ... تقسّم بين الهالكين المصارع ولولا رجاء القلب أن تعطف النّوى ... لما حملته بينهنّ الأضالع له وجباتٌ إثر لبنى كأنها ... شقائق برق فِي السحاب لوامع نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي اللّيل هزّتني إليك المضاجع أقضّى نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني بالليل والهمّ جامع وقد نشأت فِي القلب منكم مودّةٌ ... كما نشأت فِي الراحتين الأصابع أبى الله أن يلقي الرّشاد متيّم ... ألا كلّ أمرٍ حمّ لا بد واقع هما برحا بي معولين كلاهما ... فؤادٌ وعينٌ ماقها الدّهر دامع إذا نحن أنفدنا البكاء عشيّةً ... فموعدنا قرنٌ من الشمس طالع وللحب آياتٌ تبيّن بالفتى ... شحوبٌ وتعرى من يديه الأشاجع وما كلّ ما منّتك نفسك خالياً ... تلاقي ولا كلّ الهوى أنت تابع تداعت له الأحزان من كلّ وجهةٍ ... فحنّ كما حنّ الظّؤار السواجع وجانب قرب الناس يخلو بهمه ... وعاوده فيها هيام مراجع

أراك اجتنبت الحيّ من غير بغضةٍ ... ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع كأنّ بلاد الله ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الخلق قفرٌ بلاقع ألا إنما أبكي لما هو واقعٌ ... وهل جزعٌ من وشك بينك نافع أحال الدهر عليَّ من كلّ جانبٍ ... ودامت ولم تقلع عَلَى الفجائع فمن كان محزوناً غداً لفراقنا ... فملآن فليبكي لما هو واقع سرف وسرواع وأريكٌ: مواضع، والتّلاع: واحدها تلعة وهي مسيل ما ارتقع من الأرض إِلَى بطن الوادي، فإذا صغرت التّلعة فهي شعبة، فإذا عظمت التلعة حتى تصير مثل نصف الوادي أو ثلثيه فهي ميثاء، فإذا عظمت فوق ذلك فهي ميثاء جلواخٌ، والدوافع: جمع دافعة وهي التي تدفع الماء، وأخياف ظبية: موضع. والمخرف: المنزل الذي يقيم فيه فِي الخريف، وجمعه مخارف، والمربع: المنزل الذي يقيم فيه فِي الربيع، وجمعه مرابع، ويجم: يقدّر، وجزع الوادي: منعطفه، وكذلك صوحه ومنحناه ومنثناه، وعفا: درس، والخوادع واحدها خادعة: وهي التي لا تنام، يُقَال: خدعت عينه تخدع إذا لم تنم، وأتيناهم بعد ما خدعت العين، وقَالَ الممّزق: أرقت فلم تخدع بعيني نعسةٌ ... ومن يلق ما لاقيت لا بدّ يأرق أراد: من يلق ما لاقيت يأرق عَلَى المجازاة لا بدّ، وقَالَ الأصمعي: خدع الرّيق، نقص، وإذا نقص خثر، وإذا خثر أنتن، قَالَ سويد بن أبي كاهل: أبيض الّلون لذيذاً طعمه ... طيّب الريق إذا الرّيق خدع ويروى فِي الحديث: إنّ قبل الدّجّال سنين خدّاعةً يرون أن معناها ناقصة الزكاة، والصّفا: الصخرة. والصّلد: الصّلب الذي إذا أصابه شيء صلد أي صوّت، والشّوائع، جمع شائعة وهي الظاهرة، وقوله: وانشقّت العصا أي تفرقت الجماعة، والعصا: الجماعة، وارفضّ يرفضّ ارفضاضاً إذا سال ولا يكون إلا سيالاً مع تفرّق، ومشتٌّ: مفرقٌ، وشطّت: بعدت، والنّوى: النية. والمستشعر: الذي لبس شعاراً وهو الثوب الذي يلي الجسد، والجوى: الهوى الباطن. والأسى:

دعاء أعرابي عشية عرفة لموقف

الحزن، يُقَال: أسى يأسى أسىً، ونكاسٌ جمع نكسٍ مثل ترسٍ وتراسٍ، وقرطٍ وقراطٍ، وروادع: جمع رادعة: وهي التي تردعه عَنِ الحركة والتصرّف، ودجا: ألبس بظلمته كلّ شيء، والبساط: الأرض الواسعة، والبساط: ما بسط من الفرش، وترعني: تفزعني، والمدى: الغاية، والصّرم: القطيعة، والصّريمة: القطعة تنقطع من معظم الرمل، والصّريمة: العزيمة التي قطع عليها عَنِ الليل، والصّريم: الليل لأنه عَنِ النهار، وليس هو عندنا ضدّاً، والصّرمة: القطعة من الإبل، وسيف صارم: قاطع، وتهدنه: تسكنه، ووجباتٌ: خفقاتٌ، والمأق من العين: الجانب الذي يلي الأنف، واللّحاظ: الذي يلي الصدغ، والآيات: العلامات واحدتها آية، وشحوب: هزالٌ، والأشاجع: عروق ظاهر الكفِّ، واحدها أشجع. والظّؤار: جمع ظئر وهي التي عطفت عَلَى ولد غيرها، والسواجع: واحدتها ساجعة، وهي التي تمدّ حنينها عَلَى جهة واحدة، يُقَال: سجعت تسجع سجعاً، والهيام: داء يأخذ البعير مثل الحمّى، فيسخن جلده، ويكثر شربه للماء وينحل جسمه، يُقَال: بعير هيمان، وإبلٌ هيامٌ كقولك عطشان وعطاش، وناقة هيمى. قَالَ: وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، لحاتم بن عبد الله: أكف بدى عَنْ أن ينال التماسها ... أكفَّ صحابي حين جاجاتنا معا أبيت هضيم الكشح مصطمر الحشا ... من الجوع أخشى الذّم أن أتضلعا وإني لأستحيي رفيقي أن يرى ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا وإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالاً منتهى الذّم أجمعا دعاء أعرابي عشية عرفة لموقف وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن البستنبان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يعلى عَنِ الأصمعي، قَالَ: شهدت أعرابياً عشية عرفة بالموقف فسمعته يقول: اللهم إن هذه العشّية من عشايا منحتك، وأحد أيام زلفتك، فيها يقض إليك بالهمم، كل إنسان، وكلُّ خيرك فيها يبغى، أتتك الضّوامر من الفجّ العميق، وجابت إليك المهارق من شعب المضيق، ترجو ما لا خلف له من وعدك، ولا متّرك له من

ما كان ينشده عمر بن عبد العزيز من شعر عبد الله القرشي

عظيم أجرك، أبرزت إليك وجوهها المصونة صابرةً عَلَى لفح السّمائم، وبرد ليل التمائم، ليدركوا بذلك رضوانك، ثم انتحب وبكى ورفع يديه وطرفه إِلَى السماء، ثم أنشأ يقول: إلهي إن كنت مددت يدي إليك داعياً، فطالما كفيتني ساهياً، نعمتك تظاهرها عَلَى عند القفلة، فكيف أياس منها عند الرّجعة، ولا أترك رجاءك لما قدّمت من اقتراف آثامك، وإن كنت لا أصل إليك إلا بك، فهب لي يا ربّ الصّلاح فِي الولد، والأمن فِي البلد، وعافني من شرّ الحسد، ومن شرّ الدّهر النّكد قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو يعلي، عَنِ الأصمعي، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله المزني، عَنْ أبيه، عَنْ بلال بن سعد، قَالَ: قضى سعد بن أبي وقاص لحرقة بنت النّعمان حاجةً سألته إياها، فكان من دعائها له لا جعل الله لك إِلَى لئيم حاجةً، ولا أزال لك عَنْ كريم نعمة، ولا زالت عَنْ عبد صالح نعمةٌ إلا جعلك سبباً لردّها ما كان ينشده عمر بن عبد العزيز من شعر عبد الله القرشي وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، عَنْ بعض أشياخه، قَالَ: كان عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه كثيراً ما ينشد شعر عبد الله بن عبد الأعلى القرشي: تجهّزي بجهازٍ تبلغين به ... يا نفس قبل الرّدى لم تخلقي عبثاً وسابقي بغتة الآجال وانكمشي ... قبل اللّزام فلا منجى ولا غوثاً ولا تكدّي لمن يبقى وتفتقري ... إنّ الرّدى وارث الباقي وما ورثا واخشي حوادث صرف الدّهر فِي مهلٍ ... واستيقني لا تكوني كالذي انتجثا عَنْ مديةٍ كان فيها قطع مدّته ... فوافق الحرث موفوراً كما حرثا لا تأمني فجع دهرٍ مورطٍ خبلٍ ... قد استوى عنده ما طاب أو خبثا يا ربَّ ذي أملٍ فيه عَلَى وجلٍ ... أضحى به آمناً أمسى وقد جئثا من كان حين تصيب الشمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشّين والشّعثا ويألف الظّلّ كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوما راغما جدثا فِي قعر موحشةٍ غبراء مقفرةٍ ... يطيل تحت الثرى فِي رمسها اللبثا

مراث لبعض الشعراء

قَالَ الكسائي: جئث الرجل جأثاً فهو مجئوث، وجثَّ جثاً فهو مجثوث، وزئد زؤدا وزءود فهو مزءود قَالَ أَبُو كبير الهذليّ: حملت به فِي ليلة مزءودة كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل وقَالَ أَبُو زيد: شئف شأفاً فهو مشئوف إذا فزع، وقَالَ غيره: الوهل: الفزع، والإجئلال مثل الاجعلال: الفزع، وأنشد: للقلب من خوفه اجئلال وقَالَ أَبُو عمرو: أذأب فهو مذئبٌ إذا فزع، وقَالَ الفراء: وترته بغير همز إذا أفزعته، وقَالَ الأصمعي والعله: الذي يستخف فيذهب ويجيء من الفزع وقَالَ أَبُو عمرو: ضاعني الشيء: أفزعني، والضّوع عندي: الحركة من فزع كان أو غيره، قَالَ الشاعر، وهو أَبُو ذؤيب الهذلي: فريخان ينضاعان فِي الفجر كلّما ... أحسّا دويّ الرّيح أو صوت ناعب ومنه قيل: تضوّع المسك أي تحرك وقَالَ غيره: الإفزاز: الإفزاع، وأنشد لأبي ذؤيب: والدّهر لا يبقى عَلَى حدثانه ... شبب أفزته الكلاب مروع الشّبب والشّبوب والمشبّ: المسنّ من الثيران، قَالَ: والافزار عندي: الأستخفاف، وأفزّته: استخفّته، ومنه قيل لولد البقرة: فزّ، لأنه يستخفّه كلّ شيء رآه أو أحسّ به، قَالَ أَبُو زيد يُقَال: أخذني منه الأزيب أي الفزع. مراثٍ لبعض الشعراء وقرأت عَلَى أبي عمر، فِي نوادر ابن الأعرابي، عَنِ ابن الأعرابي، هذه الأبيات: أين خليلي الذي أصافيه ... قد بان عنّي فما ألاقيه حلّ برمسٍ فما يكلّمني ... شغلاً وإن كنت قد أناديه قد كان براًّ فكيف أجفوه ... أيام يدني وكنت أدنيه يا بعد من حلّ فِي الثرى أبداً ... عنك وإن حلّ حيث تأتيه أيام نلهو وبيننا أمد ... نرجوه فيه وقد يرجيه

يبسطني مرّةً ويوعدني ... فضلاً طريفاً إِلَى أياديه أيام إن قلت قَالَ فِي سرعٍ ... وإن كرهنا بدا تأبّيه مساعدٌ مونقٌ أخو كرمٍ ... فليس شبهٌ له يدانيه إذ نحن فِي سلوةٍ وفي غفلٍ ... عَنْ ريب دهرٍ دعت دواعيه وقرأت عَلَى أحمد بن عبد الله، عَنْ أبيه: أبكي أخاً كان يلقاني بنائله قبل السّؤال ويلقى السيف من دوني إن المنايا أصابتني مصائبها فاستعجلت بأخٍ قد كان يكفيني وقرأت عليه أيضاً، عَنْ أبيه، وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد أيضاً: أيغسل رأسي أو تطيب مشاربي ... ووجهك معفورٌ وأنت سليب سيبكيك من أمسى يناجيك طرفه ... وليس لمن وارى التراب نسيب وإني لأستحيي أخي وهو ميتٌ ... كما كنت أستحييه وهو قريب وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ بعض أصحابه عَنِ الأصمعي، قَالَ: رأيت امرأة جالسة عند قبر تبكي وتقول: هل خبّر القبر سائليه ... أم قرّ عينا بزائريه أم هل تراه أحاط علماً ... بالجسد المستكنّ فيه لو يعلم القبر ما يواري ... تاه عَلَى كلّ ما يليه تحلو نعم عنده سماحاً ... . . . . . . . . ولم تدر قطّ لا بفيه ... أنعى بريداً لمجتديه أنعى بريداً إِلَى حروب ... تحسر عَنْ منظرٍ كريه أندب من لا يحيط علماً ... بكنهه بلغ نادبيه يا جبلاً كان ذا امتناع ... وطود عزٍّ لمن يليه ونخلةً طلعها نضيدٌ ... يقرب من كفّ مجتنيه ويا مريضاً عَلَى فراشٍ ... تؤذيه أيدي ممرضيه

ما يقال لمن يصلح المال على يديه

ويا صبوراً عَلَى بلاءٍ ... كان به الله يبتليه يا دهر ماذا أردت منّي ... أخلفت ما كنت أرتجيه دهرٌ رماني بفقد إلفي ... أشكو زماني وأشتكيه آمنك الله كلّ روعٍ ... وكلّ ما كنت تتّقيه ما يُقَال لمن يصلح المال عَلَى يديه قَالَ الفراء يُقَال: إنه لترعيّة مال إذا كان يصلح المال عَلَى يديه ويحسن رعيته، والتّرعيّة: الحسن القيام عَلَى المال والرّعى له، وأنشد: ترعيّة قد ذرئت مجاليه ... يقلى الغواني والغواني تقليه وقَالَ يعقوب: تُرعيّة وتِرعيّة بضم التاء وكسرها، قَالَ ويقَالَ للراعي الحسن الرّعية للمال: إنه لبلوٌ من أبلائها، قَالَ عمر بن لجأ: فصادفت أعسل من أبلائها ... يعجبه النّزع عَلَى ظمائها وإنه لعسلٌ من أعسالها، وإنه لزرٌّ من أزرارها، ويقَالَ: إن لفلان عَلَى ماله إصبعاً أي أثراً حسناً، قَالَ الراعي: ضعيف العصا بادي العروق ترى له ... عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا أي يشار إليها بالأصابع إذا رؤيت، ويقَالَ: إنه لخال مالٍ، وخائل مالٍ إذا كان حسن القيام عليه، وإنه لسرسور مالٍ، وإنه لصدى مالٍ. وإنه لسؤبان مال، وقَالَ أَبُو عمرو وإنه لمحجن مال، وأنشد: قد عنّت الجلعد شيخاً أعجفا ... محجن مالٍ أينما تصرفّا الجلعد: الناقة القوية الشديدة، ويقَالَ للمرأة إذا أسنّت وفيها قوّة: إنها جلعد، ويقَالَ: هو إزاء مالٍ، وإزاء معاش إذا كان يقوم وقَالَ حميد بن ثور الهلالي. إزاء معاشٍ لا يزال نطاقها ... شديداً وفيها سورةٌ وهي قاعد أي وثوب وارتفاع، ويروي: وفيها سؤرة أي بقيّة من شبابٍ، وقَالَ الأصمعي فِي قول زهير بن أبي سلمى:

قصيدة فارعة بنت شداد ترثي أخاها

تجدهم على ما خليت هم إزاؤها ... وإن أفسد المال الجماعات والأزل أي هم الذين يقومون بها المقام المحمود، وأنشدنا أَبُو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، للعتبي: ينام المسعدون ومن يلوم ... وتوقظني وأوقظها الهموم صحيحٌ بالنهار لمن يراني ... وليلي لا ينام ولا ينيم كأن الليل محبوسٌ دجاه ... فأوله وآخره مقيم لمهلك فتيةٍ تركوا أباهم ... وأصغر مابه منهم عظيم يذكّرنيهم ما كنت فيه ... فسيّان المساءة والنعيم فبالخدين من دمعي ندوب ... وبالأحشاء من وجدي كلوم فإن يهلك بنيّ فليس شيءٌ ... عَلَى شيءٍ من الدنيا يدوم قَالَ: وأنشدني إسحاق بن الجنيد قَالَ: أنشدني أحمد الجوهري: واحزني من فراق قومٍ ... هم المصابيح والحصون والأسد والمزن والرّواسي ... والخفض والأمن والسكون لم تتنكر لنا الليالي ... حتى توفتهم المنون فكل نارٍ لنا قلوبٌ ... وكل ماء لنا عيون قصيدة فارعة بنت شداد ترثي أخاها وقيل: أنها لعمرو بن مالك، وقيل لأبي الطمحان، وشرحها وأملى علينا عَلَى بن سليمان الأخفش، قَالَ: قَالَ عمر بن مالك بن يثربي يرثي مسعود بن شداد، قَالَ: وقَالَ يعقوب: هي لأبي الطمحان القيني ثم شك، قَالَ: والصحيح أنها لعمرو، وقد قالوا: إنها لأمراة من جرم، وإنما وقع الخلاف هاهنا. وقرأتها عَلَى عمر المطّرز، عَنْ أبي العباس، عَنِ ابن الأعرابي، لفارعة بنت شدّاد ترثي أخاها مسعود بن شداد، وفي الروايتين اختلاف وتقديم وتأخير وزيادة ونقصان، ورواية أبي الحسن عَلَى الأخفش أتمّ، وهي هذه الأبيات:

يا عين بكّى لمسعود بن شدّاد ... بكاء ذي عبراتٍ شجوه بادي من لا يذاب له شحم السّديف ولا ... يجفو العيال إذا ماضنّ بالزّاد ولا يحلّ إذا ما حلّ منتبذاً ... يخشى الرزية بين الماء والباد لم يرو هذا البيت ولا الذي قبله ابن الأعرابي، ويروى: معتنزاً مكان منتبذاً وهما سواء، وقَالَ لنا أَبُو الحسن الأخفش وحفظي والنادي: قوال محكمةٍ نقّاض مبرمة ... فتّاح مبهمة حبّاس أوراد وروى ابن الأعرابي: حّلال ممرعةٍ فراج مفظعةٍ ... حمّال مظلعة طلاّع أنجاد قتّال طاغيةٍ رّباء مرقبة ... مناع مغلبة فكّاك أقياد وروى ابن الأعرابي: قتّال طاغيةٍ نحّار راغيةٍ ... حلاّل رابيةٍ. . . . . . . . . . . حمّال ألويةٍ شدّاد أنجية ... سدّاد أوهيةٍ فتّاح أسداد وروى ابن الأعرابي: شهّاد أنجية رفّاع ألوية وزاد هاهنا بيتين وهما هذان: جمّاع كلّ خصال الخير قد علموا ... زين القرين ونكل الظالم العادي أبا زرارة لا تبعد فكلّ فتىً ... يوماً رهين صفيحاتٍ وأعواد هلاّ سقيتم بني جرمٍ أسيركم ... نفسي فداؤك من ذي كربةٍ صادي نعم الفتى ويمين الله قد علموا ... يخلو به الحيّ أو يغدو به الغادي هو الفتى يحمد الجيران مشهده ... عند الشّتاء وقد همّوا بإخماد الطاعَنِ الطّعنة النّجلاء يتبعها ... مثعنجرٌ بعد ما تغلى بأزباد والسابئ الزّقّ للأصحاب إذ نزلوا ... إِلَى ذراه وغيث المحوج الجادي لاه ابن عمّك لا أنساك من رجلٍ ... حتى يجيء من القبر ابن مياد

قَالَ أَبُو الحسن ويروي: لاه ابن عمك لا أنسى ابن شداد ... حتى يجيء من الرّمس. . . ويروى: لاه ابن عمّك لا أنساك يا رجلا ... حتى يجيء من الّرمس. . . إنّي وإياهم حتّى نصيب به ... منهم أخا ثقةٍ فِي ثوب حداد لم يروا ابن الأعرابي من قوله: أبا زرارة إِلَى هذا البيت وإياهم، وروى: يا من يرى بارقاً قد بتّ أرمقه ... يسري عَلَى الحرّة السّوداء فالوادي ويروى: قد بتّ أرقبه، وروى ابن الأعرابي: جوداً على الحرّة السوداء، وأتبع هذا البيت الذي هو أوّل القصيدة: برقاً تلألأ غوريّاً جلست له ... ذات العشاء وأصحابي بأفناد بتنا وباتت رياح الغور تزجله ... حتى استتب تواليه بأنجاد ألقى مراسي غيثٍ مسبلٍ غدقٍ ... دانٍ يسحّ سيوباً ذات إرعاد أسقى به قبر من أعنى رحب به ... قبراً إِلَى ولمّا يفده فادى السديف: شحم السنام، وهو أجود شحم البعير، يقول: لا يستأثر به دون ضيفه وعياله، والمعتنز والمنتبذ: المتنحى المتفرد وقوله بين الماء والبادي يعني بين الحضر والبدو، فأما النادي والنديّ فالمجلس، قوّال محكمة يعني خطبة أو قصيدة، والمبرمة: الأمور التي قد أبرمت أي أحكمت، وقوله: قتّال طاغية، قَالَ أَبُو الحسن: الهاء فِي طاغية للمبالغة، وإنما أراد طاغياً، وربّاء: فعّال من قولهم ربأ للقوم يربأ إذا صار لهم ربيئةً أي ديدبانا، والأنجية: القوم يتناجون أي يتسارون، واحدهم نجيٌّ، والنكل: القيد، وجمعه أنكال، والصادي: العطشان هاهنا، قَالَ أَبُو الحسن: قوله همّوا بإخماد، يُقَال: خمدت النار إذا سكن لهبها، ولم يطفأ جمرها، وهمدت إذا طفئ جمرها، ومنه قيل: همد الرجل إذا مات، وهمد الثوب إذا أخلق فلم يكن فيه مرقع وإنما قَالَ: وقد همّوا بإخماد أي همّوا بأن يطفئوا لهب نيرانهم لئلا يبصرها بالليل المتنور فيأتيهم للقرى، والنجلاء: الواسعة، قَالَ أَبُو الحسن: المثعنجر: الدم الكثير لم يرو ابن

الأعرابي من قوله أبا زرارة. قَالَ: والسابئ: المبتاع للخمر، يُقَال: سبأت الخمر أسبؤها سبأ إذا اشتريتها، ولا يكون السّباء إلا فِي الخمر وحدها، والجادي: السائل والمعطي وهو من الأضداد، قَالَ الشاعر: جدوت أناساً موسرين فما جدوا ... ألا الله فاجدو إذا كنت جاديا قَالَ أَبُو الحسن قوله: ثوب حدّاد يعني: ثوبٍ وسخ، والبارق: السحاب الذي فيه برق، والغور: تهامة، والجلس: نجدٌ، وجلسنا أتينا الجلس، وأنشدني أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله تعالى. إذا ما جلسنا لا تزال ترومنا ... تميمٌ لدى أبياتنا وهوازن قَالَ أَبُو الحسن أفناد: موضع. كذا أنشدناه، تزجله أي تدفعه، ولا أحسب هذا محفوظاً، وإنما هو تزجله أي: تدفعه، قَالَ أَبُو الحسن: استتبّ: تهيّأ والتأم، وأنجاد: جمع نجد.

§1/1