أمالي ابن المزرع

يموت بن المزرع

؟؟ بسم الله الرحمن الرحيم " ربِّ زدني علماً " أخبرنا الشيخ الأصيل أبو بكر محمد ابن الإمام الحافظ أبي طاهر إسماعيل أبي عبد الله بن عبد المحسن بن الأنماطي أطال الله بقاءه، قراءة عليه، ونحن نسمع، قيل له: أخبرك الشيخ الجليل أبو المحاسن محمد بن السيِّد بن فارس الأنصاري، قراءة عليه، وأنت تسمع، فأقرَّ به؛ أنبأ القاضي المنتجب أبو المعالي محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي، إجازةً، أنبأ أبو الحسن محمد بن الحسين بن أحمد بن السريِّ النَّيسابوري البزَّاز، المعروف بابن الطفَّال، بمصر سنة تسع وثلاثين وأربعمئة، أنبأ أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري؛ أنشدنا يموت بن المُزرَّع. أنشدنا أبو هِفَّان، لنفسه " من الطويل ": فإِن تسأَلي عنَّا فإِنا حُلى العُلى ... بنو مِهزَم، والأَرض ذات المناكبِ وليسَ لنا عَيبٌ سِوى أَنَّ جودَنا ... أَضَرَّ بنا، والنَّاسُ في كلِّ جانبِ وأَفنى النَّدى أَموالَنا غيرَ ظالمٍ ... وأَفنى الرَّدى أَعمارَنا غيرَ عائبِ أَبونا أَبٌ لو كانَ للنَّاسِ كلِّهم ... أَبٌ مثلُهُ أَغناهمُ بالمناقبِ أنشدنا يموت، قال: أنشدنا أبو هفَّان لنفسه " من الطويل ": يُعَيِّرني عُربي رجالٌ سَفاهةً ... فَعَزَّيتُ نفسي مُصْدِراً بي وَمُوَرِّداً فإِني كمثل السَّيف أَحسن ما يرى ... وأهيب ما يلقى، إِذ هُوْ جُرِّدا أنشدنا أبو هفَّان بنفسه " من الطويل ": لعمري لئن بَيَّعتُ في دارِ غُرْبَةٍ ... ثيابي أَن ضاقتْ عليَّ المآكلُ فما أَنا إِلاَّ السيفُ يأْكلُ جفنَهُ ... لهُ حِليَةٌ من نفسهِ وهو عاطلُ حدَّثنا يموت، ثنا ابن الأبزاري، ثنا جعفر بن أحمد، حدَّثني أبي، قال: كان منصور بن بُجرة النميري ربيعاً شارياً، فلمَّا قتل يزيد بن مَزْيد، والوليد بن طريف الشَّاري، ثنا منصور بن بُجرة، فقال " من الطويل ": أَيا شجرَ الخابورِ ما لكَ مورقاً ... كأَنكَ لم تأْسَ على ابن طريفِ فتىً لا يحبُّ الزَّادَ إِلاَّ من التُّقى ... ولا المالَ إِلاَّ من قناً وسيوفِ عليكَ سلامُ الله وقفاً فإِنني ... أَرى الموتَ وَقَّاعاً بكلِّ شريفِ دَّثنا يموت بن المُزرَّع، ثنا بُرد بن حارثة، أنبا مصعب الزُّبيري، قال: أتى الدَّرامي الشاعرُ الأوقص قاضي مكة في شيء، فتحامل عليه، فبينا الأوقص يوماً في المسجد الحرام، ينادي ربَّهُ، ويقول: يا ربّ أعتق رقبتي من النَّار؛ فقال له الدَّارميُّ: أَو لك رقبة تعتق؟ لا والله وما جعل الله لك، وله الحمد، من عتق ولا رقبة. فقال له الأوقص: " ويلك " من أنت؟ قال: أنا الدَّارميُّ، قتلتني " وَحَبَستني "، وجُرت عليَّ. قال: لا تقل ذاك، إنني أحكم لك. حدَّثنا يموت بن المُزرَّع، ثنا محمد بن حُميد، حدَّثني عمِّي، " عن " شيخٍ من الحيِّ، قال: لمَّا كانت الفتنة بالبصرة، أنشدني على بن أُمية " من المتقارب ": دهتنا أُمورٌ تُشيبُ الوليدَ ... ويَخذلُ فيها الصَّديقَ الصَّديقُ قتالٌ مُبيدٌ، وسيفٌ عَتيدٌ ... وجوعٌ شديدٌ، وخوفٌ، وضيقٌ وداعي الصَّباحِ يُطيلُ الصِّياحَ: ... السِّلاحَ السِّلاحَ، فَما يَسْتَفيقٌ فبالله نبلُغُ ما نَرتجي ... وباللهِ ندفعُ ما لا نُطيقُ حدَّثنا يموت بن المُزرَّع، ثنا محمد بن الصباح، عن محمد بن سلاَّم، عن ابن الماشجون، قال: ذكر أبو عاصم محمد بن حمزة الأسلمي، وهو مدني، قال: بلغ عنِّي حسن بن زيد بن حسن بن علي بن أبي طالب أني قلت فيه: " من الوافر ": لهُ حقٌّ وليسَ عليهِ حقٌّ ... ومهما قال فالحسنُ الجميل قد كانَ الرسولُ يرى حُقوقاً ... عليهِ لأَهلها وَهو الرسولُ فغضب عليَّ الحسن بن زيد. وقال ابن الصباح، ثنا عبد العزيز، عن موسى بن كبير، قال: بلغ الحسن أَنَّ الأسلمي قد هجاهُ، فلمَّا ولي المدينة للمنصور أتاه، في يوم قد فيه للأعراب، متنكِّرا، فأنشده " من الوافر ": ستأْتي مِدحتي حسنَ بنَ زيدٍ ... وتشهدُ لي بصفِّين القبورُ

القسم المجموع

قبورٌ لو بأَحمدَ أَو عليَّ ... يلوذُ مُجيرها، حُفِظ المجيرُ قبورٌ لم تزلْ مُذ غابَ عنها ... أَبو حسنٍ تُعَاديها الدُّهورُ هُما أَبواكَ مَن وضَعها فَضَعْهُ ... وأَنت برفعِ مَن رَفَعها جديرُ فقال له الحسنُ: من أنتَ؟ قال: أنا الأسلميُّ، قال: ادن حيَّاك الله وبسط له رداءه، فأجلسه عليه، وأمر له بعشرة آلاف درهمٍ. حدَّثنا يموت بن المُزرَّع، ثنا عبد الله بن زكريا، عن أبيه، قال: قدم السَّيِّد الحميري الكوفة. فنزل على أبي دلامة، وإنهما لعلا حالهما، إذا أقبلت ابنة لأبي دُلامة صبيَّةٌ، فقال أبو دلامة " من الفوافر ": فَما ولَدتكِ مريمٌ أُمُّ عيسى ... ولم يُكفلك لقمان الحكيم أجز يا أبا هاشم، فقال السيِّد: ولكنْ قد تضمُّك أُمُّ سُوءٍ ... إِلى لَبَّاتِها وأَبٌ لَئيمُ حدَّثنا يموت، حدَّثنا عبد الله بن زكريا البصريُّ، قال: شهد السَّيدُ الشاعر عند سوَّار بن عبد الله القاضي بشهادة، فَرَدَّةَ، وقال: أنت رافضيُّ. فقال السيِّدُ أبياتاً كتب بها إلى المنصور، أوَّلها " من الرمل ": قفْ بنا يا صاحِ وارْ ... بَعْ بالمغاني الموحشاتِ يا أَمينَ اللهِ يا من ... صورُ يا خيرَ الولاةِ إِنَّ سوَّارَ بن عبد ال ... لهِ مِن شرِّ القضاةِ " نعثليُّ جَمليُّ ... لكم غيرُ مُواتِ " " جدُّهُ سارقُ عنزِ ... فَجْرَةٌ من فَجَراتِ " " لرسولِ اللهِ والقا ... ذِفهِ بالمنكراتِ والذي نادى رسول ال ... له خلفَ الحجراتِ يا هناهُ اخرجْ إِلينا ... إِنَّنا أَهلُ هِناتِ فاكفنيهِ لأكفاهُ ال ... لهُ شَرَّ الطَّارقاتِ فكتب إليه المنصور بإقطاعه " أرضاً " من أرض الحجاج بن يوسف، وكتب إلى سوَّار: لا يد لك عليه. فقيل له: لو اعتذرت إلى الرجل، فقد أسأت القول فيه، ففعل، فلم منه سوَّار، فأنشأ يقول " من المتقارب ": أَتيتُ دَعيَّ بني العَنبر ... أَرومُ اعتذاراً فلم يَعذُرِ فقلتُ لنفسي وأَلزمتُها السْ ... لامةِ: من لومنا أَقصري أَيعتذرُ الحُرُّ ممَّا أَتى ... إِلى رَجلٍ من بني العنبر أَبوكَ ابنُ سارقُ عَنزِ النَّبيِّ ... وأُمُّك بنتُ أَبي حَجدرِ " ونحن على رغمكَ الرَّافضو ... ن لأَهل الضلالةِ والمنكرِ " حدَّثنا يموت، حدَّثني أبو زيد بن عمر بن شبَّة، أن أحمد بن معاوية حدثه، قال: حدَّثني مروان بن أبي حفصة، قال: دخلت بيت النَّاطفيِّ مولى عنان، وقد ضربها، فقلتُ " من السريع ": بكتْ عنانٌ فجرى دَمعُها ... كالدُّرِّ قد تُوبعَ في خيطهِ قال: فقالت والعبرة في حلقها " من السريع ": أَخَلَّ، وَمَن يضربُها ظالماً ... تَيْبَسُ يُمناةُ على سَوطهِ فقال مروان: هي " والله " أشعر الإنس والجنِّ. آخر أخبار يموت بن المزرَّع. والحمد لله حقَّ حمده، وصلواته وسلامهُ على سيِّدنا محمد نبيِّهِ وعبدِه، وعلى آله وصحبه من بعده. القسْم المجْموع " نقد الشعر " أخبرنا الفَسَويّ، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال: سمعتُ الجاحظ يقول: أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء، سهل المخارج، كأنّه قد سُبك سبكاً واحداً، فهو يجري على اللسان كما يجري فرس الرِّهان؛ وحتى تراها مُتَّفِقَةً مُلساً، وليِّنةً المعاطف سهلة، فإذا رأيتها مُتَخَلِّعَةً متباينةً، ومتنافرةً مستكرهة، تشقُّ على اللسان وتَسْتَكِدُّهُ، ورأيت غيرها سهلةً ليِّنةً رطبةً، متواتيةً سلسةً في النظام، حتى كأنّ البيت بأسره كلمة واحدة، وحتى كأنّ الكلمة بأسرها حرف واحد لم يخف على من كان من أهله. من ذلك قوله " من البسيط ": مَنْ كانَ ذا عَضُدٍ يُدركْ ظُلامتَهُ ... إِنّ الذليل الذي ليسَتْ له عُضُدٌ تنبُو يداهُ إِذا ما قلَّ ناصرُهُ ... وَيَأُنفُ الضيمَ إِنْ أَثري لهُ عددُ وقوله: " من الطويل ":

" أخبار الشعراء "

رَمَتْنيِ وستُر اللهِ بَيْني وَبَيْنْهَا ... عَشِيَّةَ أَحجارِ الكِناسُ رَميم فلو كنتُ أَستطيعُ الرّماءَ رَمَيْتُها ... ولكنّ عهدي بالنِّضالِ قديم فَمَيِّل بين هذا وبين قوله " من الخفيف ": لم يضِرُها والحمدُ لله شيءٌ ... وانْثَنَتْ نحوَ عَزْفِ نفسٍ ذَهولِ فتفقَّد النصف الأخير من هذا البيت، فستجد بعض ألفاظه يتبرأُ من بعض، كما قال " من الطويل ": وبعضُ قريضُ القومِ أَولادُ عَلَّةٍ ... يَكُدُّ لسانَ الحافظِ المتحفِّظِ " أخبار الشعراء " " الفرزدق " حدَّثنا يموت بن المزرَّع، حدَّثنا محمد بن حميد، عن أبي عبيدة قال: لمَّا مات الحجَّاج رثاهُ الفرزدق، فقال: " من الكامل ": ابكِ على الحجاج عَوْلَك ما دَجَا ... ليلٌ بظلمته ولاحَ نهارُ إِن القبائل من نزارٍ أَصبحت ... وقلوبها جَزَعاً عليكَ حِرارُ لهفي عليكَ إِذا الطِّعانُ بمأُزقٍ ... تركَ القنا وطِوالهنَّ قِصارُ إِن الرزيَّةَ من ثقيفٍ هالكٌ ... تركَ العيونَ ونومُهنَّ غِرارٌ حدَّثنا يموت، حدثنا الرياشي، قال: سمعت الأصمعي يقول: أنشدت يونس بن حبيب يوماً " من البسيط ": إِن الرياحَ لتُمسي وهي فاترةٌ ... وجودُ كفِّك قد يُمسي وما فترا فقال لي يونس: من يقول هذا؟ فقلت: الفرزدق؛ فقال: ويلك! فيمن؟ فقلت: في بشر بن مروان، قال: والله الفرزدق من مدَّاحي العرب. قال أبو بكر، حدثني أبو بكر محمد بن معاوية القرشي، حدثنا أبو بكر بن المزرَّع، حدثنا رُفيه بن سلمة، قال: قال أبو عبيدة. كان في مقبرة بني حصن مَكاريُّ يقال له: ناب، يحمل النساء على حمارٍ له، وكانت به عجمة، فمرَّ به الفرزدق ومعه ابنه لبطة، فقال له: يا ناب كم علا ظهر هذا الحمار من كعثب نفيس! فقال له: نعم يا مولاي، ما زالت النَّوارُ تركبه. فقال لبطة لأبيه: عرَّضتنا لهذا العلج يا أبه! " الرَّاعي النُّميري " حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال حدثني محمد بن حُميد، عن عمِّه؛ وحدثني عبد الله بن جعفر، قال: حدَّثنا المبرِّد؛ قالا: لمَّا أنشد الراعي عبد الملك بن مروان قصيدته التي شكى فيها السُّعاة، فبلغ قوله " من الكامل ": وتركتُ قومي يقسمون أُمورهم ... أَإِليك أَم يتلبثون قليلاً؟ قال عبد الملك: يتلبثون قليلا، رحمك الله!. " ذو الرمَّة " حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال: حدثنا عيسى بن إسماعيل، قال: حدثنا الأصمعي، قال: قال عيسى بن عمر: كنت في يوم من أيامي أقرأ على ذي الرمَّة شيئاً من شعره، فقال لي: أصلح هذا الحرف. فقلت: وإنك لتكتب؟ قال: نعم، قدم علينا حضري لكم فعلَّمنا الخطَّ في الرَّمل. " القَطامي " حدثني إبراهيم بن شهاب، قال: حدثنا الفضل بن الحباب، عن محمد بن سلاَّم، قال: كان زُفَر بن الحارث الكلابي قد أسَرَ القطامي في حرب بينهم وبين تغلب، فمنَّ عليه وأعطاه مائة من الإبل، وردَّ عليه ماله، فمدحه القطاميُّ بقصيدة طويلة. يقول فيها " من البسيط ": مَن مبلغٌ زُفَرَ القيسيَّ مِدحَتَهُ ... عن القطاميِّ قولاً غيرَ إفنادِ فلمَّا بلغ القطاميُّ قوله فيها: فإن قدرتُ على يومٍ جزيتُ به ... والله يجعلُ أقواماً بمرصادِ وحدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثني يموت بن المزرِّع، قال: محمد بن حميد، عن عمه، قال: لما أنشد القطامي زُفَرَ بن الحارث هذا البيت، قال له زُفَرَ: لا قدَّرَك الله على ذلك. " محمد بن مُناذر " حدثني أبو عبد الله محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثني يموت بن المزرَّع ابن يموت، قال: حدثني أبي، قال: إني لفي يوم من أيَّامي بالمربد، إذ أقبل رجل على راحلة، فتشوَّف له النَّاس. فقلتُ: مَن هذا؟ فقالوا: محمد بن مناذر. فعدلتُ إليه، فقلت: سلام عليك أبا عبد الله. قال: ومَن أنت؟ قلتُ: أنا ابن يموت العبديُّ. قال: كيف حالك؟ قلت: بخير. قال: مَن شاعر العراق اليوم؟ قلتُ: الحسن بن هانئ. قال: أُفٍّ لك! هو الذي يقول " من الهزج ":

" العباس بن الأحنف "

فلو قد زُرتنا بين ... سماعٍ وقواقيزِ شربنا أبداً صِرفاً ... على وجهكَ بالكوزِ أُفٍّ لكم! قلت: أبا عبد الله أن في الحسن دُعابَة، وهو الذي يقول " من الطويل ": فقلتُ لها واستعجلتها بوادرٌ ... جرى فجرت في جريهنَّ عبيرُ ذريني أُكثِّر حاسديكِ برحلةٍ ... إلى بلدٍ فيه الخصيبُ أميرُ فقال لي: خير هذا بشرِّ ذاك. " العبَّاس بن الأحنف " أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا يموت بن المزرَّع، قال: سمعتُ خالي " يعني الجاحظ " يقول: لولا أن العبَّاس بن الأحنف أحذق الناس، وأشعرهم وأوسعهم كلاماً وخاطراً، ما قدر أن يكثر شعره في مذهب واحد لا يجاوزه، لأنه لا يهجو ولا يمدح، ولا يتكسَّب، ولا يتصرَّف، وما نعلم شاعراً لزم فنّاً واحداً لزومه، فأحسن فيه وأكثر. " العرجي " أخبرنا أبو محمد، هبة الله بن أحمد، وعبد الله بن أحمد، في كتابيهما، قالا: قال لنا أبو بكر الخطيب: أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمِّي، أنا أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني، أنا محمد بن يحيى، نا يموت ابن المزرَّع، قال: سمعت الجاحظ يُنشد " من الطويل ": تشرَّبَ قلبي حبَّها فمشى به ... تمشِّي حُميِّما الكأسِ في جسم شاربِ ِ " ودَ؟ هواها في عظامي كلِّها ... كما دبَّ في الملسوعِ سُمُّ العقارب قال المرزباني: وأخبرني الحسن بن علي، عن الزيدي، عن محمد بن حبيب، أنهما للعرجي. " عبد الله بن الزَّبير الأسدي " أخبرنا خالي القاضي أبو المعالي محمد بن يحيى، أنا أبو الفرج سهل بن بشر، أنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن أحمد بن السري النيسابوري، أنا أبو محمد الحسن بن رشيق، نا يموت بن المزرَّع، نا محمد بن حميد، نا أبو عبيدة، قال: جاء عبد الله بن الزَّبير الأسدي إلى عبد اله بن الزبير بن العوَّام، فقال: يا أمير المؤمنين، إن بيني وبينك رحماً من قِبَل فلانة؛ وهي أختنا وقد ولدتكم، وأنا ابن فلان ابن فلان، ففلانة عمتي. فقال ابن الزُّبير: نعم، هذا ما ذكرت، وإن فكَّرت في هذا أصبت الناس بأسرهم يرجعون إلى أب واحد وإلى أُمٍّ واحدة. فقال: يا أمير المؤمنين؛ إنّ نَفَقَتي قد نفذت. فقال: ما كنت ضمنت لأهلك أنها تكفيك إلى أن ترجع إليهم. قال: يا أمير المؤمنين؛ فإن ناقتي قد نَقِبَتْ. قال: أنجِد بها يبرد خُفَّها، وأرقعها بِسِبْت، واختصِفها بهُلب، وسِر عليها البردَين. قال: يا أمير المؤمنين؛ إنما جئتك مُستحملاً، ولم آتِكَ مُستوصفاً؛ لعن الله ناقة حملتني إليك. فقال ابن الزُّبير: إنَّ وراكبها. ثم خرج ونشأ يقول " من الوافر ": أرى الحاجات عند أبي خُبيبٍ ... بَعُدْنَ ولا أُمَيَّةَ في البلادِ من الأعياصِ أو من آلِ حربٍ ... أغرَّ كغُرَّة الفرسِ الجوادِ وقلتُ لصحبتي: أدنُوا ركابي ... أفارقْ بطنَ مكةَ في سوادِ وما لي حين أقطعُ ذاتَ عِرقٍ ... إلى ابن الكاهليةِ من معادِ فبلغ شعره هذا عبد الله بن الزُّبير، فقال: لو علم أنَّ لي أُمّاً أخسَّ من عمَّته الكاهليَّة لنسبني إليها. الكاهليَّة هي: زُهرة بنت عمرو بن خنثر، أُمُّ خويلد ابن أسد، جدِّ ابن الزُّبير. " قطري بن الفُجاءة "

" عبد الله بن محمد "

حدثنا يموت بن المزرَّع البصري، قال: حدثنا رفيع بن سلمة المُنَبَّز بِدَمَاذ قال: حدثنا أبو عبيدة قال: قال الحجَّاج يوماً لعمائر العرب وهم في مجلسه: ما أحسب هذا المزونيّ يناصحنا في حربنا " يعني المهلب " والرأي مشترك، فقالوا: الرأي للأمير " أصلحه الله " أن يكتب إلى ابن الفجاءة بإطعامه بعض الأرضين، فإذا هو نَخَعَ بطاعته وأظهر الدعوة له سَهَلَت الحيلة فيه، فقال: وفَّقكم الله؛ وكتب إلى ابن الفُجاءة، وأنفذه على يد الغَضْبَان بن القَبْعَثْريّ الشَّيباني. نسخة الكتاب: " بسم الله الرحمن الرحيم: من الجّاج بن يوسف إلى قطريّ بن الفُجاءة. سلام عليك، الموحَّد لله، والمصلَّى عليه محمد عليه السلام. أمّا بعد، فإنَّك كنت أعرابياً تستطعم الكسرة، وتَخفُّ إلى الثمرة، ثم خرجتَ تحاولُ ما ليس لك بحق وأعرضتَ عن كتاب الله، ومَرَقتَ من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فارجع عمَّا أنت عليه بما زُيِّنَ لك وادعوني فقد آن لك ". فلمّا أوصل الغضبان الكتاب إلى قطريّ قال: يا غلام، ازبُر هذه الصحيفة، فتلا عليه ما فيها، فتنهَّد قطريُّ الصعداء، فقال: يا غضبان، ألفيتني محزوناً، وأنشأ يقول: " من الطويل " فَيَا كَبِداً منْ غَيْرِ جوعٍ وَلاَ ظَماً ... وَيَا كبداً منْ وَجْدِ أُمِّ حكيمِ فلو شَهَدتْني يومَ دُولابَ أبْصَرَتْ ... طِعَانَ فتىً في الحربِ غَيْر لئيمِ غَدَاةَ طَفَتْ عَلْمَاءِ بَكْرُ بنُ وَائِلِ ... وَعُجْنَا صُدُورَ الخيلِ نحوَ تَميمِ وكانَ بعبد القيسِ أوَّلُ حَدِّها ... وآبَ عَميدُ الأزْدِ غَيْرَ ذَمِيمِ " يعني المهلب " وأُمُّ حكيم هذه: امرأة من الخوارج قُتلت على يديه، ثم قال: يا غلام، اكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم، من قطري بن الفُجاءة إلى الحجاج بن يوسف. سلام على من اتَّبع الهُدى. ذَكرتَ في كتابكَ أنِّي كنتُ بدويّاً، وأبدرُ إلى الثمرة، وبالله لقد قُلتَ زوراً، بل الله بصَّرني من دينه ما أعماك عنه؛ إذ أنت سابح في الظلالة، غَرِقٌ في غمرات الكفر، ذكرتَ أنَّ الضرورة طالت بي فهلاَّ بَرَزَ لي من حِزبك من نال الشَّبع، واتَّكأ فاتَّدَع! أما والله لئن أبرَزَ الله صفْحَتَك، وأظهَرَ لي صلعَتَك، لتُنكِزَنَّ شيعتك، ولتعلَمَنَّ أنَّ مقارعة الأبطال، ليس كتسطير الأمثال ". " عبد الله بن محمد " أخبرني أبي، أبو القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي، قال: حدثنا أبو بكر يموت بن المزرَّع بن يموت بن موسى العبدي البصريّ، وكان ابن أخت الجاحظ، قال: حدثنا يزيد ابن محمد المهلَّبيّ، قال: حدثنا قُبيصة بن حاتم المهلَّبيّ، عن أبيه، قال: كتب حفص بن عمر هزارمرد إلى المنصور، يخبره بأنه وجد في بعض خانات المولتان ببلاد الهند، مكتوباً: يقول عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، سلام الله عليهم: انتهيت إلى هذا الموضع، بعد أن مشيت حتى انتعلتُ الدماء، وأنا أقول " من الطويل ": عسى مشربٌ يصفو فيروي ظماءَةً ... أطال صداها المشربُ المتكدِّرُ عسى بالجنوب العاريات ستكتسي ... وذي الغلباتِ المستذلّ سينصُرُ عسى جابرُ العظمِ الكسيرِ بلطفِهِ ... سيرتاحُ للعظمِ الكسيرِ فيجبرُ عسى أمسى صوراً لها الجورُ دافئاً ... يُتاح لها عدلٌ يجيءُ فتظهرُ عسى الله لا تيأس من الله إنه ... يهونُ عليهِ ما يجلّ ويكبرُ فكتب إليه المنصور: قرأتُ كتابك، والأبيات؛ وأنا وعبد الله، وأهله، كما قيل: " من الطويل ". نحاولُ إذلالَ العزيزِ لأنَّهُ ... رَمانا بظلمٍ واستمرّتْ مَرَائرُه فإن بلغكَ لعبد الله خبر فأعطه الأمان، واحسن إليه. " البحتريّ " وحدثني يموت بن المزرَّع، قال: طلب البحتريُّ من محمد بن علي القُمِّيِّ نبيذاً، فبعثه إليه مع غلامه مؤنس، وكان أحسن الناس وجهاً، فأخذ النبيذ وكتب إليه معه " من المتقارب ": أبا جعفرٍ كان تجميشُنا ... غلامَك إحدى الهَنَاتِ الرَّديَّة

" مروان بن أبي حفصة "

وروى أحمد بن فارس المنبجي، عن عبيد الله بن يحيى البحتريِّ، قال: حدثنا أبي عن جماعة من أهل العلم والأدب، منهم: يموت بن المزرَّع، قال: قلت لأبي عثمان الجاحظ: مَن أنسب العرب؟ فقال: الذي يقول " من الكامل ": عَجلت إلى فضلِ الخِمارِ فأثَّرت ... عَذَباتهُ بمواضعِ التقبيلِ وهذا للبحتري في القصيدة التي أوَّلها: صَبٌّ يُخَاطبُ ... مفحماتِ طُلولِ " مروان بن أبي حفصة " حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال: حدثنا الرِّياشي، قال: سألت الأصمعيُّ عن مروان بن أبي حفصة، فقال لي: كان مُولَّداً، ولم يكن له علم بالشِّعر. " دعبل الخزاعي " وأخبرنا المرزباني، قال: حدثنا أبو بكر الحكيمي، قال: حدثني يموت ابن المزرَّع، قال: حدثنا محمود بن حُميد، قال: كنَّا عند الأصمعي، فأنشده رجل أبيات دعبل " من الكامل ": أين الشبابُ وأيةً سلكا ... لا أين يُطلبُ ضلَّ بل هلكا لا تعجبي يا سلمُ من رجلٍ ... ضحكَ المشيبُ برأسهِ فبكى يا سلمُ ما بالشيبِ مَنْقصةٌ ... لا سُوقةً يُبقي ولا مَلِكا قصرَ الغِوايَةَ عن هوى قمرٍ ... وجدَ السبيلَ إليهِ مشتركَا يا ليتَ شِعري كيف نومكما ... يا صاحبيَّ إذا دَمي سُفِكا لا تأخذا بظُلامتي أحداً ... قلبي وطرْفي في دمي اشتركا قال: فاستحسنها كلُّ مَن في المجلس، وأكثروا التَّعجُّب من قوله: ضحكَ المشيبُ برأسهِ فبكى فقال الأصمعي: إنما أخذ قوله هذا من ابن مُطير الأسدي، في قوله " من الخفيف ": أين أهلُ القباب بالدَّهناءِ ... أين جيراننا على الأحساءِ جاورنا والأرضُ مُلْبَسَةٌ ... نُورَ الأقَاحي تُجَادُ بالأنوارِ كلَّ يومٍ عن أُقحوانٍ جديدٍ ... تضحكُ الأرض من بكاءِ السَّماءِ وقد أخذه مسلم صريع الغواني، في قوله " من السريع ": مستعبرٌ يبكي على دِمنةٍ ... ورأسهُ يضحكُ فيه المشيبْ " العتَّابي " ذكر محمد بن عبدوس، في كتابه " كتاب الوزراء "، قال: حدثني عبد الواحد بن محمد، يعني الخصيبيّ، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال: كان العتَّابي يقول بالاعتزال، فاتصل ذلك بالرشيد، وكُثِّر عليه في أمره، فأمَر فيه بأمر غليظ، فهرب إلى اليمن، وكان مقيماً فيها على خوف وتَوَقٍّ. فاحتال يحيى بن خالدو إلى أن أسمع الرَّشيد شيئاً من خُطبه ورسائله، فاستحسنها الرَّشيد، وسأل عن الكلام لمن هو؟ فقال يحيى: هو كلام العتَّابيُّ، وإن رأيت يا أمير المؤمنين أن يحضر حتى يسمع الأمين والمأمون، ويضع لهما خُطباً، لكان في ذلك صلاحاً لهما. فأمَّنه الرشيد، وأمر بإحضاره. ولمَّا اتصل خبر ذلك بالعتَّابي، قال يمدح يحيى بن خالد " من البسيط ": ما زلتُ في سكرات الموتِ مُطَّرحاً ... قد غَابَ عني وجهُ الأرضِ من خَبَلي فلم تزل دائباً تسعى لتُنقذني ... حتى اختلستَ حياتي من يدِ الأجلِ " عمرو بن زعبل " أخبرني الصولي، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال: قال عمرو بن زَعبَل يهجو دَمَاذاً " من الكامل ": إني رأيتُ دماذَ عينَ الأحمقِ ... وكذاكَ سيما المعجَبِ المتحذلقِ لم يدرِ ما علمُ الخليلِ فيقتدي ... ببيانِ ذَاكَ ولا حدودُ المنطقِ ويقولُ أشعاراً تشابهُ خُرْأهُ ... نَسْجُ الصَّنَاعِ خلافُ نَسْجِ الأخرقِ " أبو العتاهية "

" الجمل المصري "

قال الصوليّ، فحدّثني يموت بن المزرَّع، قال: حدّثني الجاحظ، قال: قال أبو العتاهية لثمامة بين يدي المأمون " وكان كثيراً ما يعارضه بقوله في الإجبار " أسألك عن مسألة؛ فقال له المأمون: عليك بشِعرك. فقال: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في مسألته ويأمره بإجابتي! فقال له: أجبه إذا سألك. فقال: أنا أقول: إنَّ كلَّ ما فعله العباد من خير وشرٍّ فهو من الله، وأنت تأبى ذلك، فمن حرّضك يدي هذه؟ وجعل أبو العتاهية يحرِّكها. فقال له ثُمامة: حرَّكها مَن أمه زانية. فقال: شتمني والله يا أمير المؤمنين. فقال ثمامة: ناقص الماصُّ بَظْرَ أمه والله يا أمير المؤمنين! فضحك المأمون، وقال له: ألم أقل لك أن تشغل بشعرِك وتدع ما ليس من عملك! قال ثمامة: فلقيني بعد ذلك، فقال لي: يا أبا معن، أما أغناك الجواب عن السَّفَه؟ فقلت: إنّ من أتَمَّ الكلام ما قطع الحجّة، وعاقب على الإساءة، وشفى من الغيظ، وانتصر من الجاهل. " الجمل المصري " قال يموت بن المزرَّع: كان أحمد بن المُدبّر إذا مدحه شاعر لم يُرضه شعره قال لغلامه: امض به إلى الجامع ولا تفارقه حتى يُصلي مائة ركعة، ثم خَلِّه، فتحاماه الشعراء إلاَّ الأفراد المجيدون، فجاءه الجميل المصريُّ واسمه حسين فاستأذنه في النشيد فقال له: قد عرفت الشرط؟ قال: نعم، قال: فهات إذن. فأنشده " من الوافر ": أرَدْنَا في أبي حَسَنٍ مَديحاً ... كما بالمدحِ تُنْتَجَعُ الولاةُ فَقُلْنَا: أكرمُ الثَّقَلَيْنِ طُرّاً ... وَمَنْ كَفّاهُ دجلةُ والفراتُ فقالوا: يَقْبلُ المدحاتِ لكنْ ... جَوائِزُهُ عَلَيهِنَّ الصَّلاةُ فقلتُ لهم وما يُعني عيالي ... صَلاتي إنّما الشَّأنُ الزكاةُ فيأمرُ لي بكَسْرِ الصادِ منها ... فتضحي لي الصَلاةُ هي الصِّلاتُ فضحك ابن المدبّر، وقال: مِنْ أين لك هذا؟ قال: من قول أبي تمام الطائي " من الكامل ": هنَّ الحمام فإن كسرتَ عيافةً ... عن حائهنَّ فإنهنَّ حِمَامُ فأعطاه مائة دينار، رحمهما الله تعالى، وعفا عنهم. " إبراهيم بن المهدي " أخبرني محمد بن يحيى الصُّولي، قال: حدثنا يموت بن المزرَّع، عن الجاحظ، قال: أرسل إلي ثُمامةُ يوم جلي المأمون لإبراهيم بن المهديّ، وأمر بإحضار الناس على مراتبهم، فحضروا، فجيء بإبراهيم يحجُلُ في قيوده، فوقف على طرف الإيوان، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال له المأمون: لا سلَّم الله عليك، ولا حفظك، ولا رعاك، ولا كلأك، يا إبراهيم؛ فقال له إبراهيم؛ على رسلك يا أمير المؤمنين! فلقد أصبحت وليَّ ثأري والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مَدَّ له الاغترار في الأمل، هجمت به الأناة على التَّلف، وقد أصبح ذنبي فوق كلِّ ذنب، كما أن عفوك فوق كلِّ عفو، فإن تعاقب فَبِحَقِّكَ، وأن تعف فبفضلك. قال: فأطرق ملياً، ثم رفع رأسه فقال: إنَّ هذين أشاراً عليَّ بقتلك؛ فالتفت فإذا المعتصم والعبّاس بن المأمون؛ فقال: يا أمير المؤمنين، أمَّا حقيقة الرأي في معظم تدبير الخلافة والسياسة فقد أشارا عليك به، وما غشَّاك إذ كان ما كان مني، ولكنّ الله عَوَّدَكَ من العفو عادةً جريت عليها دافعاً ما تخاف بما ترجو، فكفاك الله. فتبسَّم المأمون، وأقبل على ثمامة، ثم قال: إنّ من الكلام ما يفوق الدرّ ويغلب السِّحر، وإنّ كلام عمّي منه، أطلقوا عن عمي حديده، وَرُدُّوهُ إليَّ مُكرَّماً. فلمّا رُدَّ إليه قال: يا عمّ صر إلى المنادمة، وارجع إلى الأنس، فلم ترى مني أبداً إلاّ ما تحبُّ. فلمّا كان من الغد بعث إليه بدرج فيه: " من الكامل ": يا خيرَ منْ ذمَلَتْ يمانيةٌ بهِ ... بعدَ الرّسولِ لآيسٍ أَو طامِعِ وأَبرَّ منْ عَبَدَ الإِلَهَ على الهدى ... نفساً وأَحكَمَه بِحقٍ صَادِعِ عسلُ الفوارعِ ما أُطِعْتَ فإِنْ تُهَجْ ... فالموتُ في جُرَعِ السِّمامِ الناقعِ مُتَيَقِّظْاً حَذِراً وما يخشى العِدَا ... نَبهَانَ من وَسَنات ليلِ الهاجعِ واللهُ يعلمُ ما أَقولُ فإِنها ... جَهْدُ الأَليّةِ من حنيفٍ راكعِ

" الجماز "

قَسَماً ومَا أُدلي إِليكَ بحجَّةٍ ... إِلاَّ التضرُّعَ من مُحبٍ خاشعِ ما إِن عَصَيُتَك والغواةُ تَمُدُّني ... أَسبابُها إِلاَّ بِنيَّةِ طائعِ حتى إِذا علقَتْ حبائِل شِقْوتي ... بِرِدَىً على حُفَر المهالِك هائعِ لم أَدرَ أَنّ لمثل ذَنبي غافِراً ... فأَقْمتُ أَرقُبُ أَيَّ حتفٍ صارعي رَدَّ الحياةَ إِليَّ بعد ذَهابها ... ورَعُ الإِمام القاهرِ المتواضعِ أَحياكَ مَنْ ولاّكَ أَطول مُدَّةٍ ... ورَمى عدُوَّكَ في الوتين بقاطعِ إِنّ الذين قسم الفضائل حازها ... في صلب آدم للإِمام السابعِ كم مِن يدٍ لكَ لا تحدّثني بها ... نفسي إِذا آلتْ إِليَّ مطامعيِ أَسْدِيْتَها عفواً إِليَّ هَنِيئَةً ... فشكرتُ مُصْطَنَعاً لأكرم صانعِ وَرَحِمْتَ أَطفالاً كأَفراخ القطا ... وعويلَ عانسةٍ كقوسِ النازعِ وَعَفَوْتَ عَمَّنْ لم يكنْ عن مثلِهِ ... عفوٌ ولم يشْفَعْ إِليك بشافعِ إِلاَّ العلوَّ عن العقوبةِ بعدما ... ظفرَت يَداكَ بمسكتينٍ خاضعِ قال: فبكى المأمون، ثم قال: عليَّ به، فأتي به فخلع عليه، وحمله، وأمر له بخمسة آلاف دينار، ودعا بالفرَّاش فقال له: إذا رأيت عمّي مقبلا فاطرح له تُكَأَةً، فكان ينادمه، ولا ينكر عليه شيئاً. وزاد في رواية الصولي: وله في عفوه أشعار كثيرة، منها قصيدة أولها " من البسيط ": أَعينكَ يا خيرَ من تعنى بمؤتلفِ ... من الثناءِ ائتلافَ الدُّرِّ في النَّظم أَثني عليكَ بما جدَّدت من نعمٍ ... وما شكرتك إِذ لم أُثن بالنِّعَمِ وفيها: رددتَ مالي ولم تمنن عليَّ به ... وقبل ردِّك مالي ما حقنتَ دمي فَنُؤْتُ منه وما كافأتُها بيدٍ ... هي الحياتان من موتٍ ومن عَدَمِ البرُّ لي منكَ وطءُ العذر عندك لي ... فيما أَتيتُ فلم تعذُل ولم تَلُمِ وقام عِلمكَ بي فاحتجً عندك لي ... مقام شاهدِ عَدْلٍ غير مُتَّهِمِ تعفو بعدلٍ وتسطو إن سطوتَ بهِ ... فلا فقدانكَ من عافٍ ومنتقمِ " الجمَّاز " وروى يموت بن المزرَّع لخاله عمرو بن بحر الجاحظ في الجمَّاز يهجوه " من مجزوء الرمل ": نَسَبُ الجمَّازِ مق ... صورٌ إِليه منتهاهُ تنتهي الأحساب بال ... نَّحاس ولا تعدو قفاهُ يتحاجى مَن أَبو ال ... جمَّاز فيه كاتباهُ ليسَ يدري من أَبو ال ... جمَّازِ إِلاَّ مَن يراهُ حدثنا يموت قال: كان أبي والجمَّاز يمشيان وأنا خلفهما بالعَشيِّ، فمررنا بإمام وهو ينتظر من يمرُّ عليه فيصلِّي معه، فلما رآنا أقام الصَّلاة مبادراً، فقال له الجمَّاز: دع عنك هذا فإن رسول الله صلَّى الله علَّيه وسلم قد نهى أن يُتَلَّقى الجلب. حدثنا محمد بن يحيى الصُّولي، حدثنا يموت بن المزرَّع، قال: جلس الجمَّاز يأكل على مائدةٍ بين يدي جعفر بن القاسم، وجعفر يأكل على مائدةٍ أخرى، وكانت القصعة ترفع من بين يدي جعفر فتوضع بين يدي الجمَّاز، فربما كان عليها قليل، وربما لم يكن شيء. فقال الجمَّاز: أصلح الله الأمير، ما نحن إِلاَّ عصبة، فربما فضل بعض المال، وربما أخذه أهل السهام، ولا يبقى لنا شيء. حدَّث يموت بن المزرَّع، قال: هجا خالي أبو عثمان الجاحظ الجمَّازَ بأبيات منها " من مجزوء الرمل ": نسبُ الجمَّازِ مقصو ... رٌ إِليهِ منتهاهُ تنتهي الأحساب بالنَّاسِ ... ولا تعدو قفاهُ فكتب إليه الجمَّاز " من مجزوء الرمل ": يا فتى نفسُهُ إِلى ال ... كُفرِ بالله تائقَهْ لكَ في الفضلِ والتَّزهْ ... دِ والنُّسكِ سابقَهْ ومن هجاء الجمَّاز للجاحظ قوله " من مجزوء الخفيف ": قال عمروٌ مفاخراً ... نحن قومٌ من العربْ

" أبو نؤاس "

قلتُ: في طاعةٍ لِرَبْ ... كَ أَبليتَ ذا النَّسب " أبو نؤاس " حدّث يموت بن المزرَّع، قال: حدَّثني خالي عمرو بن بحر الجاحظ، قال: كان كلثوم التَّعابي يضع من قدر أبي نواس، فقال له راوية أبي نؤاس يوماً: كيف تضع من قدر أبي نواس وهو الذي يقول " من الطويل ": إذا نحن أثنينا عليكَ بصالحٍ ... فأنتَ الذي نُثني وفوق الذي نُثْني وإن جرت الألفاظ منّا بمدحةٍ ... لغيركَ إنساناً فأنت الذي نعني فقال العتَّابي: هذا سرقة. قال له: وممَّن؟ قال: من أبي ذَهبل الجُمحيّ. قال: حيث يقول ماذا؟ قال: حيث يقول " من الكامل ": وإذا يُقال لبعظهم: نِعم الفتى ... فابن المغيرة ذلكَ النعمُ عُقم النساءُ فلا يجئن بمثله ... إن النساءَ بمثلهِ عُقْمُ قال: فقد أحسن في قوله " من المديد ": فتمشَّت في مفاصلهم ... كتمشي البُرْءِ في السَّقَمِ قال: سرقه أيضاً. قال له: وممن؟ قال: من شوسة الفقعسي. قال: حيث يقول ماذا؟ قال: حيث يقول " من الطويل ": إذا نا السقيم حلَّ عنها وِكاءها ... تصعَّد فيه برؤُهَا وتَصَوَّبا وإن خالطت منه الحشا خلتَ أنه ... على سالفِ الأيام لم يبقَ موصِبَا قال: فقد أحسن قوله " من الطويل ": فما خُلقت إلاَّ لبذلٍ أكفُّهم ... وأقدامُهم إلاَّ لأعوادِ منبرِ قال: وقد سرقه أيضاً. قال له: وممن؟ قال: من مروان بن أبي حفصة. قال: حيث يقول ماذا؟ قال: حيث يقول " من الطويل ": وما خُلقت إلاَّ لبذل أكفُّهم ... وألسنهُم إلاَّ لتحبير منطقي فيوماً يبارونَ الرياحَ سماحة ... ويوماً لبذلِ المخاطبِ المتشدِّقِ قال يموت بن المزرَّع: سمعت خالي الجاحظ يقول: لا أعرف شعراً يفضل قول أبي نواس " من الطويل ": ودارِ ندامى عطَّلوها وأدلجوا ... بها أثرٌ منهم جديدٌ ودارسُ مساحيبُ من جَرِّ الزِّقاقِ على الثرى ... وأضغاث ريحانٍ جَنيٌّ ويابسُ حبستُ بها صحبي فجدَّدتُ عَهدهم ... وإني على أمثالِ تلكَ لحابسُ ولم أدرِ من همْ غيرَ ما شهدتْ به ... بشرقيِّ ساباطَ الدِّيارُ البسَابسُ أقمنا بها يوماً ويوماً وثالثاً ... ويوماً لهُ يومُ التَّرحُّل خامسُ تُدارُ علينا الرَّاحُ في عَسجديةٍ ... حَبَتْها بأنواعِ التصاويرِ فارسُ قرارتُها كسرى وفي جَنَباتها ... مَهاً تَدَّرِيها بالقِيِيِّ الفوارسُ فللخمرِ ما زُرَّت عليهِ جيوبُها ... وللماءِ ما دارت عليهِ القلانسُ قال الجاحظ: فأنشدتها أبا شعيب القلاَّل، فقال: يا أبا عثمان، لو نُقر هذا الشعر لطَنَّ! قلت: ويلك! ما تفارق الجرارة والخزفة حيث كنت! " عيسى بن الفاسي " وروى يموت بن المزرَّع، عن أبيه، قال: كان عيسى بن الفاسي يكتب لابن الصقر إسماعيل بن بلبل، وكانت له جارية يحبُّها، فاصطبح معها ذات يوم؛ فهو في صبوحه، حتى وافاه رسول إسماعيل في مُهمٍّ له، فكتب إليه " من البسيط ": هبني لجاريتي وارحمْ تفرُّدَها ... بالوجدِ إنْ غبتُ عنها أيها الملِكُ فقد غَدَونا وسترُ الله مُنسدلٌ ... والتام ما بيننا وانحلَّتِ التِّكَكُ فحلف إسماعيل أنه يقيم عندها ثلاثة أيام، ووجَّه إليه بطيب ومال وكسوة. " أبو النجم العجليّ " حدثنا يموت بن المزرَّع، قال: حدثني أبو الأسود النوشجاني، قال: حدثني ابن دعلج، عن أبيه، عن جدِّه، قال: دخلنا إلى هشام في حوئج لنا فرأينا القاسم بن صُبيح، مولى بني عجل، منبسطاً في داره؛ فقام بأمورنا، وما رأينا أطلق منه وجهاً، ولا أكثر أدباً، ولا أسمح كفاً. وكان أبو النجم الشاعر نازلاً عليه، وفيه يقول أبو النجم " من الزجر ": أُقسمُ لولا قاسمٌ وبرُّهُ ... وأنَّه حرٌّ كريمٌ نجرُهُ يطيبُ منه خُبرُهُ وذكرُهُ ... ما كان لي بيتٌ يكنُّ سترهُ

" ابن الحصني "

دونَ هشام وهو عالٍ أمرُهُ ... لو لم يسعني حِلمُهُ وكثرُهُ عن الدَّنيَّات التي تعرُّهُ ... لغال نفسي بالسعاة شرُّهُ وفيه يقول أبو النجم " من السريع ": شكرت لقاسمٍ إحسانه ... شكر أيادٍ غير مَنَّانِ لو لم يكن حراً لما نالني ... منه بمعروفٍ وإحسانِ لكنَّ عجلاً لهم رتبةٌ ... تقضي على أيام مروانِ " ابن الحصني " أخبرني الصُّولي، قال: حدثني يموت بن المزرَّع. قال: كان لمحمد ابن الحسن الحصني ابن، فقال له: إني قد قلت شعراً؛ وكان الحصني سيداً ظريفاً، قال: أنشدنيه يا بُني لئلاَّ يلعب بك شيطان الشعر. قال: فإن أجدتُ أتهب لي جارية أو غلاماً؟ قال: أجمعهما لك. فأنشده " من مجزوء الكامل ": إنَّ الدِّيارَ بِمَيَّفَا ... هيَّجنَ حُزناً قد عفا أبكَينني لشقاوتي ... وجعلنَ رأسي كالقفا فقال: يا بُني والله ما تستأهل بهذا جارية ولا غلاماً، ولكن أُمُّك طالق مني ثلاثاً إذا ولدت مثلك! " ليلى الأخيليَّة " أنبأنا أبو الفرج الخطيب، عن أبي طاهر المشرف بن علي بن الخضر المصري، أنا أبو العباس إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن النحاس، قال: قرئ على أبي محمد الحسن بن رشيق، أنا أبو بكر يموت بن المزرَّع، نا أبو مسلم عبد الله بن مسلم، حدثني أبي، قال: كنتُ في مجلس ضمَّ على أشراف من أشراف العرب، فتذاكروا الخنساء وليلى الأخيليَّة، ثم أجمعوا عن أن الخيليَّة أفصحهما، فشهدوا كلاَّ للأخيليَّة بالفصاحة، وأنشد بعضهم مستعجباً من فصاحتها، للأخيلية، " من الكامل ": يا أيها السَّدم الملوِّي رأسهُ ... لينال من أهل الحجاز بريما لينالَ عمرو بن الخليع ودونه ... كعبٌ إذاً لوجدته مرؤوما إن الخليعَ ورهطه من عامرٍ ... كالقلب أُلبِس جؤجؤاً وحَزيما لا تقربنَّ الدَّهرَ آل مطرِّفٍ ... إن ظالماً أبداً وإن مظلوما إن سالموك فدعهُم من هذهِ ... وأرقدْ كفى لكَ بالرقاد نعيما هبلتك أمك لو وردت بلادهم ... لَقِيَت بكارتك الحقاقُ قروما وترى رباط الخيلِ وسْط بيوتهم ... وأسنَّةً زُرقاً يُخلنَ نجوما ومُشققاً عنه القميصُ تخالُهُ ... بين البيوت من الحياء سقيما حتى إذا برز اللواء رأيتهُ ... تحت اللواءِ على الخميس زعيما لا ينبغي لك أن تبدِّل عزَّهم ... حتى تبدِّل ذا الضِّباب يسوما حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال: حدثنا رُفيع بن سلمة، قال: حدثني أبو عبيدة، قال: دخلت ليلى الأخيلية على الحجَّاج فأنشدته " من الطويل ": فنعم فتى الدُّنيا لئن كان فاجراً ... وفوقَ الفتى إن كان ليس بفاجرِ فتىً هو أحيا من فتاةٍ حييَّةٍ ... وأشجعُ من ليثٍ بخفَّانَ خادرِ فتىً فيه فِتيانيَّةٌ أريحيَّةٌ ... بقيَّةُ أعرابيَّةٍ من مُهاجرِ فقال فتى من جلساء الحجّاج: والله أيها الأمير، ما كان في توبة عُشَير ما تقول ليلى. فقالت ليلى: والله أيها الأمير، لو رأى هذا توبة لتمنَّى ألاَّ تبقى في داره بكرُ إلاَّ حملت منه. " امرأة " حدَّثت يموت بن المزرَّع: أن امرأة من العرب كانت أمها فارسية، وكان بنو عمها كثيراً ما يعيبونها بأمِّها، فلمَّا كثُر ذلك عليها، أنشأت تقول " من البسيط ": من آل فارسَ أخوالي أساورةٌ ... هم الملوكُ وقومي سادةُ العربِ وجدَّتي تلبسُ الدِّيباجَ مِلحفةً ... من الفِرنِد ولم تقعد على قَتَبِ ولم تكبَّ على الأبرادِ تنسجها ... معذَ ربي ولم تشرب من العُلَبِ فقيل لها: أوجعك قومك! فقالت: هم والله اشدُّ إيجاعاً، وما قصدتُ إلاَّ دفع شرِّهم. " جارية "

" منصور النمري "

أنبأنا أبو محمد بن صابر، أنا سهل بن بشر، أنا علي بن بقاء الوراق إجازة، أنا المبارك بن سالم، أنا الحسن بن رشيق، نا يموت بن المزرَّع، نا أبو مسلم بن عبد الله بن مسلم، عن أبيه، قال: بصرت أم ولد لهشام بن عبد الملك بولد لها لهشام، فرأتهم على غاية البهاء والطلل، وكانت الجارية شاعرة أديبة، فأنشأت تقول " من الرجز ": إذا خلطنا ماءَنا بمائهمْ ... جاؤوك كالياقوت في صفاتهمً وحُمدوا في فعلهم وَرائِهم ... ونسبوا العبد إلى آبائهم فهذه الصفة من أنبائهم " منصور النمري " أخبرنا المرزباني، قال: حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال: حدثني أبو عثمان لجاحظ، قال: كان منصور النمري ينافق الرسيد، ويذكر هارون في شعره، ويُريه أنه من وجوه شيعته، وباطنه ومراده بذلك أمير المؤمني عليه السلام، لقول النبي صلّى الله عليه وآله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " إلى أن وشى عنده بعض أعدائه " وهو العتّابي " فقال: يا أمير المؤمنين، هو والله الذي يقول: " من الوافر ": متى يشفيك دمعك من هُمولِ ... ويبردُ ما بقلبك من غليلِ وأنشده أيضاً " من المنسرح ": شاءٌ من الناسِ راتعٌ هاملْ ... يعلِّلون لبنفوس بالباطلْ ومنصور يصرِّح في هذه القصيدة بالعجائب، فوجَّه الرشيد رجل من فزارة، وأمره أن يضرب عنق منصور حيث تقع عينه عليه. فقدم الرجل رأس عين بعد موت منصور بأيام قلائل. " المُلَحُ والنَّوادر " حدثنا أبو طالب محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير، حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي، حدثنا أبو بكر محمد بن المزرَّع، يموت، من حفظه، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قَتادة، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: " كلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ". أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عمر بن عبد العزيز الهاشمي، حدثني جدِّي أبو محمد عبد العزيز محمد بن إبراهيم بن الواثق بالله، حدثنا أبو بكر يموت بن المزرَّع بن يموت بن موسى العبدي " سنة اثنين وثلاثمائة " حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، حدثنا حفص بن عمر الحوضي، عن الحسن بن عجلان، عن الزبير بن حريث، عن عكرمة، قال: أحسبه عن ابن عباس، قال: ما صرف الله تعالى سليمان عن الهدهد أن يذبحه إلاَّ ببرِّ الهدهد بأمه. قال يموت بن المزرَّع: قال لي سهل بن صَدَقَة يوماً، وكان بيننا مداعبة: ضربك الله باسمك. فقلت له مسرعاً: أحوجك الله إلى اسم أبيك. قال ابن المزرَّع: حدثني من رأى قبراً بالشَّام عليه مكتوب: " لا يغترَّن أحد بالدُّنيا، فإني ابن مَن كان يطلق الريح إذا شاء، ويحبسها إذا شاء ". وبحذائه قبر عليه مكتوب: " كذب الماصُّ بَظْرَ أمه، لا يظن أحد أنه ابن سليمان بن داود عليهما السلام، إنما هو ابن حدَّاد، يجمع الريح في الزِّقِّ، ثم ينفخ بها الجمر ". قال: فما رأيت قبلهما قبرين يتشاتمان، والله أعلم. عن يموت بن المزرَّع، قال: أراد أبو العباس ثعلب أن يرحل إلى أبي حاتم السِّجستاني في البصرة، فبلغه أن أبا حاتم انتشر ذكره يوماً، لمَّا رأى جماعة المُردِ يكتبون في مجلسه؛ فرآه غلام منهم، فقال له: أصلحك الله، أيُّ لام هذه؟ قال: لام كي يا بُنيَّ، فلم يخرج أبو العباس إليه. أخبرنا أبو الفرج الأصبهاني، قال: أخبرنا أبو بكر يموت بن المزرَّع، قال: سمعت أبا عثمان الجاحظ، يحدث: أنه رأى حجَّاماً بنسيئةٍ إلى الرَّجعة، لشدة إيمانه بها. حدثنا يموت بن المزرَّع، قال: قال المأمون: ما هُجي إبراهيم بن المهديُّ فيما ادَّعاه، على كثرة هجائه، بأَشدَّ من قول الجاحظ فيه: هو خليفةٌ، إذا خطب رأى آخر عمله. أخبرنا الجوهري، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن إبراهيم الأنباري، قال: قال لنا يموت بن المزرَّع بن يموت بن عبدوس ابن سيار بن المزرَّع بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن ضمرة بن دلهاث يبن وديعة ابن بكر بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دُعمي بن جديلة بن أسد ابن ربيعة بن نزار:

سمعتُ الجاحظ يقول: السكباجة من جند البلد، لا يُضرب عليها بعث؛ وقال: هي قديمة الصحبة. وحدَّث ابن المزرَّع أيضاً عن خاله أبي عثمان الجاحظ أنه قال: طلب المعتصم جارية كانت لمحمود بن الحسن الشاعر، المعروف بالورَّاق، وكانت تُسمى نشوى، وكان شديد الغرام بها، وبذل في ثمنها سبعة آلاف دينار، فامتنع محمود من بيعها لأنه كان يهواها أيضاً؛ فلما مات محمود اشتريت الجارية للمعتصم من تركته بسبعمائة دينار، فلما دخلت عليه قال لها: كيف رأيتِ؟ تركتك حتى اشتريتك من سبعة آلاف بسبعمائة؟ قالت: أجل! إذا كان الخليفة ينتظر لشهواته من المواريث، فإن سبعين ديناراً لكثيرة في ثمني فضلا عن سبعمائة. فخجل المعتصم من كلامها. وذكر يموت بن المزرَّع، قال: وجَّه المتوكل في السنة التي قُتل فيها، أن يُحمل إليه الجاحظ من البصرة فسأله الفتح عن ذلك، فوجده لا فضل فيه، فقال لمن أراد حمله: وما تصنع بامرئ ليس بطائل، ذي شقٍّ مائل ولعابٍ سائل، وفرجٍ بائل، وعقلٍ زائلٍ، ولونٌ حائلٍ! وحدَّث يموت بن المزرَّع " وكان الجاحظ خاله " قال: دخل إلى خالي أُنساس من البصرة، من أصدقائه، في العلَّة التي مات فيها، فسألوه عن حاله، فقال " من الهزج ": عليلٌ من مكانينِ ... من الأسقامِ والدَّينَ ثم قال: أنا في هذه العلَّة التي يُتُخوَّفُ من بعضها التلف، وأعظمها نيِّف وتسعون سنة. يعني عمره. قال يموت بن المزرَّع: كان يطلي نصفه الأيمن بالصندل والكافور لشدَّة حرارته، والنصف الآخر لو قُرض بالمقاريض ما شعر به " من " خدره وبرده. وحدَّث يموت بن المزرَّع عن خاله الجاحظ، قال: يجبُ للرجل أن يكون سخيّاً لا يبلغُ التبذير، شجاعاً لا يبلغ الهَوَج، محترساً لا يبلغ الجبن، ماضياً لا يبلغ القِحَة، قوَّالاً لا يبلغ الهَذَرَ، صموت لا يبلغ العيَّة، حليماً لا يبلغ الذُّلَّ، منتصراً لا يبلغ الظُّلم، وقُوراً لا يبلغ البلادة، ناقداً لا يبلغ الطيش؛ ثم وجدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد جمع ذلك في كلمة واحدة، وهي قوله: " خير الأمور أوساطها ". فعلمنا أنه صلَّى الله عليه وسلَّم قد أُوتي جوامع الكَلِم، وعُلِّم فصل الخطاب. قال المزرَّع: وسمعته " الجاحظ " يقول: رأيت بالبصرة رجلاً يروح ويغدو في حوائج الناس، فقلت له: قد أتعبت بذلك بدنك، وأخلقت ثيابك، وأعجفت برذونك، وقتلت غلامك، فما لك راحةٌ ولا قرار، فلو اقتصدت بعض الاقتصاد! قال لي: قد سمعتُ تغريد الأطيار في الأسحار في أعالي الأشجار، وسمعتُ مُحسنات القيان على الأوتار، فما طربتُ طربي لنغمة شاكرٍ أوليته معروفا، أو سعيتُ له في حاجة. حدَّثنا يموت بن المزرَّع، نا العباس بن الفرج الرياشي، نا الأصمعي، عن معاذ بن العلاء، قال: سأل رجلٌ أبا عمرو بن العلاء حاجة، فوعده بها، ثم أن الحاجة تعذرت على أبي عمرو فلقيه الرجل بعد ذلك، فقال له: أبا عمرو! وعتني وعدا فلم تنجزه! فقال أبو عمرو: ثمن أولى بالغمِّ؟ قال: أنا. قال: لا بل أنا. قال الرجل: وكيف ذلك أصلحك الله؟ قال: لأني وعدك وعدا، فأُبْتَ بفرح الوعد، وأُبتُ أنا بهمِّ الإنجاز، فبتَّ ليلتك فرحاً مسروراُ، وبتُ ليلتي مُفكراً مهموما ثم عاق القدر عن بلوغ الإرادة، فلقيتني مُدلاً، ولقيتك محتشماً. حدَّثنا يموت بن المزرَّع، قال: حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد، قال: أخبرنا العتبيُّ، عن أبيه، قال: استخلف عُتبة بن أبي سُفيان ابن أختٍ لأبي الأعور السُّلمي، على أهل مصر. وكانت له شِدَّةٌ على بعض أهل مصر، فامتنعوا عليه. فكتب إلى عُتبة، فقدِمها، فدخل المسجد، ورقِي على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أهل مصر، قد كنتم تُعذرون ببعض المنع منكم، لبعض الجور عليكم، وقد وليكم من إن قال فعل، فإن أبيتم درأكم بيده، فإن أبيتم درأكم بسيفه؛ ثم جاء في الآخر ما أدرك في الأول: إن البيعة شائعة، لنا عليكم السمع، ولكم علينا العدل، وأيُّنا غَدَر فلا ذمَّة له عند صاحبه. فناداه المصريون من جنبات المسجد: سمعاً، سمعاً. فناداهم: عدلاً، عدلاً؛ ثم نزل. حدث يموت بن المزرَّع، عن ابن الملاَّح، عن أبيه، عن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم، عن موسى بن عبد الله بن حسن، قال:

خرجتُ من منازلنا بسويقة جنح ليل، وذلك قبل خروج محمد أخي، فإذا أنا بنسوة توهمتُ أنهنَّ خرجنَ من دارنا، فأدركتني الغيرة، فاتَّبعتهن لأنظر حيث يُردن حتى إذا كان بطرف الجميز، التفتت إحداهن وهي تقول " من الوافر ": سُويقةُ بعد ساكنها يبابُ ... لقد أمستْ أجدَّ بها الخرابُ فقلت لهنَّ: أمن الإنس أنتنَّ؟ فلم يراجعنني. فخرج محمد بعد هذا، فقُتل وخُرِّبت ديارنا. وبالإسناد عن إسماعيل " الإسناد السابق ". قال: لقيني موسى بن عبد الله، فقال: هلمَّ حتى أُريك ما صُنع بنا بسويقة، فانطلقت معه، فإذا بنخلها قد عُضد عن آخره، ومصانعها قد خُرِّبت، فخنقتني العَبْرَةُ، فقال: إليك، فنحن والله، كما قال دريد بن الصِّمَّة " من الطويل ": تقول ألا تبكي أخاكَ وقد أرى ... مكان البُكا لكن جُبلتُ على الصَّبرِ وقال سعيد بن عُقبة: نزلتُ ببطحاء سويقة، فاستوحشتُ لخرابها، إلى أن خرجت ضَبعٌ من دار عبد الله بن حسن، فقلتُ " من البسيط ": إني مررتُ على دارٍ فأحزَنَني ... لمَّا مررتُ عليها منظرُ الدارِ وحشاً خراباً كأنْ لم تَغْنَ عامرةً ... بخير أهلٍ لمُعْتَرٍّ وزُوَّارِ لا يُبعدِ الله قوماً كان يجمعهم ... جَنبا سُويقةَ أخياراً لأخيارِ الرَّافعينَ لساري الليلِ نارَهُم ... حتى يؤُم على ضوءٍ من النارِ والرَّافعين عن المحتاجِ خَلَّتَهُ ... حتى يجوز الغنى من بعد إقتارِ حدثنا محمد بن يحيى الصُّولي، ثنا يموت بن المزرَّع، قال: سمعت أبا حاتم السجستاني، يقول كان رجل يحبُّ الكلام ويختلف إلى حسين النجار، وكان ثقيلاً متشادقاً، لا يدري ما يقول؛ فآذى حسيناً، ثم فطن له، فكان يُعدُّ له الجواب من جنس السؤال، فينقطع ويسكت. فقال له يوماً: ما تقول " أسعدك الله " في جدٍّ يلاشي التوهيمات في عنفوان القرب من دَرْك المطالب؟ فقال له حسين: هذا من وجود فَوت الكيفوية عن غير طريق الحسُّوبيَّة، وبمثله يقع إلينا في المجانسة على غير تلاق ولا افتراق. فقال الرجل: هذا محتاج إلى فكر واستخراج. فقال حسين: افتكر، فإنَّا قد استرحنا. حدثنا محمد بن إبراهيم الحكيمي، قال: أخبرنا يموت بن المزرَّع، قال: كنت آتي أبا إسحاق الزيادي، إذ مرَّت به أمة سوداء شوهاء، فقال لها: يا عُنيزة: أسمعيني: مَرَّ بالبينِ غرابٌ فَنَعَبْ فقالت: لا والله. أو تهب لي قطعة. فأخرج صُريرة من جيبه فناولها قطعة، رأيتُ أن فيها ثلاث حبَّات، فوضعت الجرَّة على ظهرها، وقعدت عليها، ثم رفعت عقيرتها " من الرمل ": مَرَّ بالبين غرابٌ فنعبْ ... ليتَ ذا التاعبَ بالبين كذبْ فَلَحاك الله من طيرٍ فقد ... كنت لو شئتَ غنيّاً أن تُسَبْ قال أبو بكر: فأحسنت. قال الخرائطي: حدثنا يموت بن المزرَّع، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا محمد بن سلمة، حدثني أبي، قال: أتيت عبد العزيز بن المطلب أسأله عن بيعة الجنِّ للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمسجد الأحزاب ما كان بدؤها، فوجدته مستلقياً يتغنَّى: فما روضةٌ بالحَزْنِ طيِّبةُ الثرى ... يمجُّ النَّدى جثجاثُها وعرارُها بأطيبَ من أردانِ عَزَّةَ مَوهناً ... قد أوقدت بالنمدلِ الرَّطبِ نارُها من الخَفِراتِ البيضِ لم تلقَ شِقوةً ... وبالحسب المكنونِ صافٍ نِجَارُها فإن برزَتْ كانت لعينيكَ قُرَّةً ... وإن غبتَ عنها لم يَعُمَّكَ عارُها فقلتُ له: أتغنّي أصلحك الله وأنت في جلالك وشرفك؟ فقال: أما والله لأُحمِّلنَّها ركبان نجد، فقال: فوالله ما اكترث بي، وعاد يغنّي: فما أدماءُ خفَّاقةُ الحشا ... تجوبُ بظِلفيها متونَ الخمائلِ بأحسن منها إذ تقولُ تَدَلُّلاً ... وأدمُعُها تذرينَ حشوَ المكاحلِ تمتّع بذا اليومِ القصيرِ فإنَّهُ ... رهينٌ بأيامِ الصُّدودِ الأطاولِ قال: فندمت على قولي، وقلتُ له: أصلحك الله أتحدثني في هذا بشيء؟ قال: نعم، حدثني أبي قال: دخلتُ على سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وأشعب يغنِّيه:

مُغيِّريَّةٌ كالبدرِ سُنَّةُ وجهها ... مُطَهَّرةُ الثوابِ والعرضُ وافرُ لها حسبٌ زاكٍ وعِرضٌ مُهذَّبٌ ... وعن كلِّ مكروهٍ من الأمرِ زاجرُ من الخفراتِ البيضِ لم تلقَ ريبةً ... ولم يَسْتَمِلْها عن تُقى الله شاعرُ فقال له سالم: زدني، فغنّاه: ألَمَّتْ بنا والليلُ داجٍ كأنهُ ... جناحُ غرابٍ عنه قد نَفَضَ القطرا فقلتُ: أعطَّارٌ ثوى في رحالنا ... وما احتملت ليلى سوى طيبها عِطرا فقال له سالم: والله لولا أن تتداوله الرواة لأجزلتُ جائزتك، فإنك من هذا الأمر بمكان. أنبأنا أبو محمد بن صابر، أنا سهل بن بشر، أنا علي بن بقاء الورَّاق إجازة، أنا المبارك بن سالم، أنا الحسن بن رشيق، نا يموت بن المزرَّع، نا أبو شراعة عبد الله بن شراعة القيسي، نا محمد بن القاسم بن محمد بن شراعة، عن مشيخة الحي، قال: كان عبد الله بن يزيد الأسيدي ثم التميمي يكثر التعبُّث بعبد الله بن الجارود العبدي، وكان عبد الله بن الجارود عاملاً على البصرة من قبل سليمان ابن عبد الملك، فدسَّ عبد الله بن الجارود رجالاً من عبد القيس فشهدوا على عبد الله بن يزيد بشرب الخمر، فقبض عليه وضربه الحدَّ ضرب التَّلف. فأخذ عبد الله بن يزيد يقول: ما هكذا تُقام الحدود. ثم أمر به إلى السجن، ودسَّ إليه غلاماً له فدقَّ عنقه في الحبس، وادَّعى عليه أنه مصَّ خاتماً كان في يده تحت فصِّه سمٌّ، فأنشأ الفرزدق يقول " من البسيط ": يالَ تميمٍ ألا لله أُمُّكُمُ ... لقد رُميتُم بإحدى المُصْمَئِلاَّتِ في أبيات له، فوجَّه عبد الله بن الجارود مَن لَبَّب الفرزدق، وقاده إلى السجن، فلما أن كان على باب السجن قال: أيها المسلمون، أشهدكم أنه ليس في إصبعي خاتم! ونُمي الخبر إلى سليمان فعزل ابن الجارود وأشخصه إليه، فلما دخل عليه سلَّم بالخلافة، فقال له سليمان: لا سلَّم الله عليك، قتلتَ من كان خيراً منك أباً وأماً. فقال ابن الجارود: يا أمير المؤمنين، ولَّيتمونا بلداً، ودفعتم إليناً سيفاً وسوطاً وأمرتمونا بإقامة الحدود، فإن تهلك نفس فمن وراء الجهد. وأما قولك يا أمير المؤمنين إنه كان خيراً مني أباً وأُماً، فأما أبي فهو الجارود بن المعلَّى الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم يا جارود، قال: اضمن لي الجنة يا رسول الله، وهو الذي قال فيه عمر: لو أدركتُ سالماً مولى أبي حذيفة لم يخالجني فيه الشك، ولو أدركتُ أُعيمش عبد القيس لسلَّمتها إليه، وأمَّا أُمِّي فابنة الذي أجار أباك على علي بن أبي طالب يوم الجمل. وكان جدُّه لأمه مِسمَع بن مالك أبو مالك مِسمَع، وكان أجار مروان يوم الجمل على عليّ بن أبي طالب. أخبرنا أبو القاسم عليّ بن إبراهيم أبو الحسن عليّ بن الحسن، قالا: نا وأبو منصور بن زُريق، أنا أبو بكر الخطيب، أنا محمد بن علي بن هشام، أنا أبي قراءة عليه وأنا أسمع سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، حدثني يموت بن المزرَّع، حدثني نصر بن علي، قال: أردت الخروج إلى مكة فودعت أبي، فلما كنتُ بالمنجشانيَّة سمعتُ شحيج بغلنا فعرفته فتشوَّفت فإذا أبي.. فوثبتُ إليه. فقال: يا بُنيّ أردت إذكارك، إذا دخلت مكة سالماً إن شاء الله فلقيتَ ابن عُيينة فسله عن حديث زياد بن سعيد، عن هلال بن أبي ميمونة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيَّر غلاماً بين أبيه وأمه ... وسله عن حديث عمرو، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب خَدعة. ذكره بفتح الخاء. فلقيتُ سفيان وتعرَّفتُ إليه فأكرمني إلى أن قال لي يوماً من أيامه: مَن مشايخ البصرة اليوم؟ قلتُ يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي اللاَّل. قال: فما فعل عبد الله بن داود الخريبي؟ قلت: حيٌّ يُرزق. قال: ذاك شيخنا القديم. قال ابن خلكان في ترجمة يموت بن المزرَّع:

فمن أخباره أنه قال: أخبرني أبو الفضل الرياشيّ، قال: سمعت الأصمعيّ يقول: كان سخط هارون الرشيد على عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطَّلب، رضي الله عنه، في سنة ثمان وثمانين ومائة، ولقد كنتُ عند الرشيد وقد أُتي بعبد الملك يرفل في قيوده، فلما نظر الرشيد إليه قال له: هيه يا عبد الملك، كأني والله أنظر إلى شُؤوبها قد هَمَعَ، وإلى عارضها قد لمع، وكأني بالوعيد قد أقلع عن براجم بلا معاصم، ورؤوس بلا غلاصم، مهلاً وهلاً بني هاشم، فبي والله سهلَ لكم الوعر، وصفا لكم الكدر، وألقتْ إليكم الأمور أثناء أزمَّتها، فخذوا حذاركم مني قبل حدوث داهية خَبوط باليد والرِّجل، فقال له عبد الملك: أفَذا أتكلَّم أَم توأماً؟ فقال: بل تَوأماً، فقال: اتَّق الله يا أمير المؤمنين فيما ولاَّك، راقبها في رَعَاياك التي استرعاك، فقد سَهَّلْتُ والله لك الوعور، وجمعتُ على خوفك ورجائك الصُّدور، وكنتُ كما قال أخو بني جعفر بن كلاب " من الرمل ": ومقامٍ ضيِّقٍ فَرَّجتُه ... بلسانٍ وَبَيَانٍ وَجَدَلْ لوْ يقومُ الفيلُ أو فَيَّالُهُ ... زَلَّ عَن مثلِ مقامي وَزَحَلْ قال: فأراد يحيى بن خالد البرمكيّ أن يَضَعَ من مقدار عبد الملك عند الرشيد فقال له: يا عبد الملك بلَغَني أنك حقود، فقال له: أصلح الله الوزير، إن يكن الحقد هو بقاء الخير والشرِّ عندي، فإنهما لباقيان في قلبي. قال الأصمعيّ: ثم التفت الرشيد إليّ وقال: يا أصمعيُّ حرِّرها، فوالله ما احتجّ أحد للحقد بمثل ما احتجّ به عبد الملك، ثم أمَرَ به فرُدَّ إلى محبسه. قال الأصمعيّ: فالتفت الرشيد إليَّ وقال: يا أصمعيّ والله لقد نظرتُ إلى موضع السيف من عنقه مراراً، ويمنعني من ذلك إبقائي على قومي في مثله. قال يموت بن المزرَّع: قال لنا الجاحظ: ما غلبني أحد قط إلا رجل وامرأة، فأما الرجل فإني كنت مجتازاً في بعض الطرق، فإذا برجل قصير بطين كبير الهامة طويل اللحية مُتَّزرٍ بمئزر وبيده مُشْطَ يسقي به شقةً ويمشطها بها، فقلت في نفسي: رجل قصير بطين ألحى فاستزريته فقلت: أيُّها الشيخ! قد قلتُ فيك شعراً؛ فتحرك المشط من يده وقال: قل. فقلتُ: كأنكَ صَعْوَةٌ في أصلِ حُشٍّ ... أصاب الحشَّ طشٌّ بعد رشٍ فقال لي: اسمع جواب ما قلت، فقلت: هات فقال: كأنك كُندُرٌ في ذَنْبِ كبشٍ ... يُدَلدَلُ هكذا والكبش يمشي وأما المرأة فإني كنت مجتازاً ببعض الطرقات، فإذا أنا بامرأتين وكنتُ راكباً على حمارة فضرطت الحمارة، فقالت إحداهما للأخرى: حمارة الشيخ تضرط، فغاظني قولها فأعنَنْتُ ثم قلت لها: إنَّه ما حملتني أُنثى قطٌّ إلاَّ وضرطتْ، فضربت بيدها على كتف الأخرى وقالت: كانت أُمُّ هذا منه تسعة أشهر على جهدٍ جهيدٍ. قرأت بخط رشأ بن نظيف، وأنبأنيه أبو القاسم، وأبو الوحش عنه، أنا الحسن ابن إسماعيل بن محمد بمصر، نا الحسن بن رشيق، نا يموت بن المزرَّع، نا أبو مسلم عبد الله بن مسلم، حدثني أبي، حدثني مشايخ من مشايخ الحي، قالوا: وجَّه مصعب بن الزبير إلى عزة المدينية مولاة بَهز، وكانت من أعقل النساء، فأتتهُ، فقال لها ... يا عَزَّة، قد اعتزمتُ على تزويج عائشة، يعني ابنة طلحة، وأنا أحبُّ أن تصيري إليها متأملة لخلقها، مؤدية لخبرها إليَّ، فقالت: يا جارية، عليَّ بمنقلي فلبسته، ثم صارت إلى منزل عائشة؛ فلما دخلت عليها، قالت عائشة: مرحباً بالحبيبة، كيف نشطتِ لنا؟ قالت: جئتُ في حاجة؛ قالت: إذن تُقضى، قال: ارمِ عنك جلبابك، قالت: إذاً أفعل، ففعلت: ثم قالت لها: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، الله جارك. ثم رجعت إلى مصعب، فقال: ما الخبر يا عزة؟ قالت: رأيتُ وجهاً أحسن من العافية، ولها عينان نجلاوان هما مسكن هاروت وماروت، من تحت ذلك أنف أقنى وخدَّان أسيلان، وفم كفم الرُّمَّانة، وعنق كإبريق فضة، تحت ذلك صدرٌ فيه حُقَّا عاج، تحت ذلك بطن أقبٌّ، ولها عجز كدعص الرمل، وفخذان لفَّاوان، وساقان ريَّاوان، غير أني رأيت في رجلها كبرا، وهي تغيب عنك في وقت الحاجة. فلما توَّجها مصعب ودخل بها، دعتْ عائشة عزَّة ونسواناً من قريش، فلما أصبن من طعامها، غنَّتهنَّ، ومصعب قائم في دهليز الدار " من المتقارب ":

وثغرٍ أغرّ شتيتِ البناتِ ... لذيذِ المقَبَّلِ والمُبْتَسَمْ وما ذقتُهُ غَير ظني به ... وبالظَّنِّ يحكم فينا الحَكَمْ فقال مصعب وهو في الدهليز: بارك الله عليك يا عزَّة، لكنّا والله قد ذقناه فوجدناه كما ذكرتِ. أخبرني محمد بن يحيى، أخبرنا أبو ذكوان، حدثنا موسى بن سعيد بن سَلْم، قال: كان ابن الأعرابيّ يؤدِّبنا، فدخل الأصمعيّ ونحن نقرأ شعر ابن أحمر " من الوافر ": أغَدْواً وَاعَدَ الحيّ الزَّيالا ... لِوَجهٍ لا نُريدُ بهِ بدالا إلى أن بلغنا إلى قوله: أرى ذا شَسْبَةٍ حَمَّالَ ثِقْلٍ ... وَأبْيَضَ مِثْلَ صَدْرِ السيفِ نالا فقال الأصمعيّ: " بالا " فصاح ابن الأعرابي: " نالا نْالا " بالنون، من النول فقال الأصمعي لنا: إنّ الشاعر قد فرَّع من هذا، فقال: فيهم شيخ حمَّال ثِقْل، وهو الذي ينيل ويعطي، وفيهم شابٌّ مثل صدر السيف بالا: أي حالا، وهو كالسيف في حاله وبأسه؛ وفَسَّر هذا في البيت الثاني، فقال: بهم يسعى المُفاخِرُ حين يَسعى ... إذا ما عَدَّ بأساً أو نَوالا فأراد بالبأس: الحال التي وَصَفَ الأبيض الفتى به، وبالنون وصف به ذا الشَّيبة، أنَّه حمَّال ثِقْ. فقام ابن الأعرابيّ على نالا، وانصرف الأصمعيّ، وجاء أبي فعرّفناه الخبر، فقال: القول ما قاله الأصمعيّ، في حفظِهِ أو ذهنِهِ وروايته، فلا، قال: فأمَرَ للأصمعيّ بأربعمئة دينار، ولابن الأعرابيّ بمئتي دينار. فحدثني يموت بن المزرَّع عن أبي أُمامة الباهليّ، وحضر المجلس: أنّ ابن الأعرابيّ افتُضح بهذا، ثم احتال، فأحضر نُسخة فيها شعر عمرو بن أحمر وقد غيَّر البيت الأوَّل منها، فجعله: أغَدواً وَاعَدَ الحيّ الزيالا ... وَشَوْقاً لا يبالي العَيْرُ بالا ثم قال: معنى الأصمعيّ صحيح، ولكن كيف يُردِّد ابن أحمر قافيتين في قصيدة فزادت فضيحتهم، لضعف المِصراع الذي غيَّروه، وإحالة معناه. قال محمد: وعندي بخط الغنويّ، أنّ البغداديين عملوا هذا، ليعذروا ابن الأعرابيّ، فافتضحوا. ذكر يموت بن المزرَّع عن الجاحظ،. قال: حدَّثني ابن فرج الثعلبي، أن قوماً من بني ثعلب، أرادوا قطع الطريق على مال السُّلطان، فأتتهم المعاينة فأعلمتهم أن السلطان قد نَذَرَ بهم، فساروا ثم عزموا على الاستخفاء في دير العذارى، فصاروا إلى الدير ففُتِح إليهم، فلما استقرَّ حتى سمعوا وقع حوافر الخيل في طلبهم، فلمّا أمنوا وجاوزتهم الخيل، خلا كلُّ واحد منهم بجارية، هي عنده عذراء، فإذا القسُّ قد فرغ منهنَّ، فقال بعضهم في ذلك " من المتقارب ": وألوَط من راهبٍ يَدَّعي ... بأنَّ النِّساء عليه حرامْ يُحَرِّمُ بيضَاءَ ممكورةً ... ويغْنيهِ في البضعِ عنها غلامْ إذا ما مشى غضّ من طَرْفِهِ ... وفي الدير بالليلِ منهُ عُرامْ وديرُ العذارى فضوحٌ لهنّ ... وعندَ اللصوصِ حديثُ تمامْ

أخبَرَنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد الله الحميدي، قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل بن بشران قال: أخبرنا أبو الحسين بن دينار، قال: أنبأنا أبو طالب عُبيد الله بن أحمد الأنباري، قال: حدثنا يموت بن المزرَّع، عن المبرد، قال: حدثني أحمد بن المعدّل البصري قال: كنت جالساً عند عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون فجاءه بعض جلسائه فقال: أعجوبة. قال: ما هي؟ قال: خرجتُ إلى حائطي بالغابة فلمّا أن أصحرتُ وبعدتُ عن البيوت، بيوت المدينة، تعرَّض لي رجل فقال: اخلع ثيابك. فقلتُ: وما يدعوني إلى خلع ثيابي؟ قال: أنا أولى بها منك قلت: ومن أين؟ قال: لأني أخوك وأنا عُريان وأنت مكسُوٌّ، قلت: فالمواساة. قال: كلاَّ، قد لبستها بَرْهَة وأنا أريد أن ألبسها كما لبِسْتَها، قلت: فتُعرِّيني وتُبدي عورتي، قال: لا بأس بذلك. قد روينا عن مالك أنه قال: لا بأس للرجل أن يغتسل عُرياناً، قلتُ: فيلقاني الناس فيرون عورتي، قال: لو كان الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضتُ لك فيها، فقلتُ: أراك ظريفاً فدَعني حتى أمضي إلى حائطي وأنزع هذه الثياب فأُوجِّه بها إليك، قال: كلاَّ، أردتَ أن توجَّهَ إليَّ أربعة من عبيدك فيحملوني إلى السلطان فيحبسني ويُمزِّق جلدي ويطرح في رجليَّ القيد، قلتُ: كلاَّ، أحلف لك أيماناً أنِّي أَفِي لك بما وعدتك ولا أسؤك، قال: كلاَّ، إنّا روينا عن مالك، أنَّه قال: لا تُلزَم الأيْمَان التي يُحلَف بها للصوص، قلتُ: فأحلفُ أنِّي لا أحتال في أيماني هذه، قال: هذه يمين مُركَّبة على أيْمان اللُّصوص. قلتُ: فَدَع المناظرة بيننا فوالله لأوَجِّهنَّ إليك هذه الثياب طيِّبة بها نفسي، فأطرق ثم رفع رأسه وقال: تدري فيم فكَّرت؟ قلتُ: لا قال: تصفَّحتُ أمرَ اللُّصوص من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلى وقتنا هذا فلم أجد لِصّاً أخذ نَسِيئَة، وأكره أن أبتدع في الإسلام بِدعة يكون عليَّ وزرها ووزر من عَمِلَ بها بعدي إلى يوم القيامة، اخلَع ثيابك، قال: فخلعتُها ودفعتُها إليه. فأخذها وانصرف. حدثني مهلهل بن يموت بن المزرَّع، قال: سمعتُ أبي يموت بن المزرَّع، يقول: سمعتُ خالي عمرو بن بحر الجاحظ، يقول: لمّا قَدِمَ أشعب الطمّاع من المدينة إلى بغداد في أيام المهدي، تلقّاه أصحاب الحديث، لأنه كان ذا إسناد، فقالوا له: حدِّثنا، فقال: خذوا، حدثني سالم بن عبد الله، وكان يبغضني في الله، قال: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن، وسكت، فقالوا: اذكرهما، فقال: نسيَ سالم إحداهما، ونسيت الأخرى؛ فقالوا: حدثنا عافاك الله بحديث غيره، فقال: خذوا، سمعتُ ظُلمة تقول، وكانت من عجائزنا: إذا أنا متُّ فاحرقوني بالنار، ثم اجمعوا رمادي في صُرَّة، فأتربوا به كُتُب الأحباب فإنهم يجتمعون لا محالة، وآتوا منه الخاتنات ليذرُرْنه على أحراح الصَّبيّات فإنَّهنَّ يلهجنَ بالزُّبِّ ما عشنَ. وقال ابن يسار الكواعب يُضرَب بظُلمة المثل " من المتقارب ": بُليتُ بورهاءَ زَنَمْرَدَةٍ ... تَكادُ تُقَطِّرُهَا الغُلمة تَنِمُّ وتَعْضَهُ جاراتها ... وأقْوَدُ بالليلِ من ظُلمة فمن كلِّ ساعٍ لها ركلةٌ ... ومن كلِّ جارٍ لَها لطمة حدثني يموت بن المزرَّع قال: كان بالشام معلم رقيع طينة مشهور بشتم الصبيان " فذهبنا إليه نلومه " فقال: اقعدوا حتى تسمعوا فإن كنت معذوراً وإلاّ فلوموا، قال: فقعدنا، فقرأ عليه صبيٌّ منهم: هم الذين يقولون لا تنفقوا إلا من عند رسول الله. فقال: كذبت يا ماصّ سلحه، أتلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة لا تجب عليه وهو لا يملك مالاً؟ قال: فضحك " وضحكنا ". ثم قرأ آخر: عليها ملائكة غلاظ شداد يعصون الله ما أمرهم ولا يفعلون ما أمرهم ولا يفعلون ما يؤمرون. فقال: يا ابن الفاعلة هؤلاء أكراد شُهَّاد زور ليسوا ملائكة. قال: فضحك وضحكنا؛ وقلنا: ما نلومك بعد هذا. أخبرنا أبو المعالي محمد بن يحيى بن علي القرشي، بجامع دمشق، أنا أبو الفرج سهل بن بشر بن أحمد الإسفراييني، أنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الطفَّال بمصر، أنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري، أنا أبو بكر يموت بن المزرَّع البصري، ثنا رُفيعة بن سلمة دماذ، عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال:

جاء قوم من بني سعد بن زيد مناة بت تميم إلى دعفل النسَّابة، فسلَّموا عليه وهو مولِّي ظهرة الشمس في مشرقه له، فردَّ عليهم من غير أن يلتفت إليهم، ثم قال لهم: من القوم؟ قالوا: نحن سادة مضر. قال: أنتم إذاً قريش الحرم، أهل العزِّ والقدم، والفضل والكرم، والرأي في البهم؛ قالوا: لسنا منهم، قال: لا؟ قالوا: لا. قال: فأنتم إذاً سُليم فوارس عضاضها، ومناع أعراضها؛ قالوا: لسنا بهم. قال: لا؟ قالوا: لا. قال: فأنت إذاً بنو حنظلة أكرمها جدوداً وأسهلها خدوداً وألينا جلوداً، قالوا لسنا بهم، قال: لا؟ قالوا: لا قال: فلا أراكم إِلاَّ من زمعات مضر، وأنتم تأبون إِلاَّ أن تترقَّوا في الغلاضم منهم، اذهبوا لا كثَّر الله بكم من قلة، ولا أعزَّ بكم من ذلة. أخبرنا أبو عبد الله المرزباني، قال: حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثني يموت بن المزرَّع، قال: حدثني أبو زينب علي بن ثابت، قال: قال الأصمعيُّ: تصرفت في الأسباب عن باب الرشيد مَؤَملاً للظفر به، والوصول إليه، حتى إذا صرتُ إلى بعض حرسه خَدِيناً، فإني في ليلة قد نثرتِ السعادة والتوفيق فيها الأَرَقَ بين أجفان الرشيد، إذ خرج خادم فقال: أبا لحضرة أحد يُنشد الشعر؟ فقلت: الله أكبر! رُبَّ قيد مضيقةٍ قد حلَّه التيسير، فقال لي الخادم: ادخل، فلعلَّها أن تكون ليلة تُعَرِّس في صباحها بالغنى، إن فُزْت بالحضوة عند أمير المؤمنين، فدخلتُ، فواجهتُ الرشيد في بهوه، والفضل بن يحيى إلى جانبه، فوقف الخادم بي بحيث يسمع التسليم، فردَّ السلام، ثم قال: يا غلام، أرِحْهُ قليلاً يُفرح روعه؛ إن كان قد وجد للروعة حِساً، فدنوتُ قليلاً، ثم قلتُ: يا أمير المؤمنين، إضاءة مجدك، وبهاء كرمك، مجيران لمن نظر إليك عن اعتراض أذيَّة؛ فقال: ادْنُ، فدنوتُ، فقال: أساعر أم راوية؟ فقلتُ: راوية لكلِّ ذي جدٍ وهزلٍ، بعد أن يكون مُحسناً. فقال: تالله ما رأيتُ ادِّعاءً أعمَّ! فقلت: أنا على الميدان، فأطلق من عناني يا أمير المؤمنين، فقال: " وقد أنصفَ القارةَ مَن راماها "؛ ثم قال: ما معنى هذه الكلمة بِدئاً؟ قلتُ: فيها قولان، القارةُ هي الحرَّةُ من الأرض، وزعمت الرواة أن القارة كانت رماةً للتبابعة، والملك إذ ذاك أبو حسّان، فواقف عسكره عسكراً للسغدِ، فخرج فارس من السغد، وقد وضع سهمه في كبد قوسه فقال: أين رماة العرب؟ فقالت العرب: أنصف القارة مَن راماها، فقال لي الرشيد: أصبْتَ، ثم قال: أتروي لرؤبة بن العجاج، والعجاج شيئاً؟ فقلتُ: هما شاهدان لك بالقوافي، وإن غُيِّبا عن بصرك بالأشخاص؛ فأخرج من ثِنْيِ فرشِهِ رقعة، ثم قال: أنشدني " من الزجر " أرَّقني طارقُ هَمٍّ أرَقا فمضيت فيها مضيّ الجواد في متن ميدانه، تهدر بي أشداقي، فلما صرتُ إلى مديحه لبني أُميَّة ثنيتُ لساني إلى امتداحه للمنصور في قوله: قلتُ لِزِيرٍ لم تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ فلما رآني قد عدلتُ من أرجوزة إلى غيرها قال: أعن حيرةْ أم عن عمدٍ؟ قلت: عن عمدٍ تركتُ كذبه إلى صدقه فيما وصف به المنصور من مجده، فقال الفضل: أحسنت بارك الله عليك! مثلك يؤهل لمصل هذا المجلس، فلما أتيت على آخرها، قال لي الرشيد: أتروي كلمة عديّ بن الرقاع: " من الكامل " عَرَفَ الديارَ تَوَهُّماً فاعْتادَها قلتُ: نعم، قال: هات، فمضيتُ فيها حتى إذا صرتُ إلى وصفه الجمل قال لي الفضل: ناشدتك الله أن تقطع علينا ما أمتعتنا به من السهر في ليلتنا هذه بصفة جملٍ أجْرَب، فقال الرشيد: اسكت، فالإبل هي التي أخرجتك عن دارك، واستلبتْ تاج ملكك، ثم ماتت وعُملتْ جلودها سياطاً ضُربتَ بها أنت وقومك، فقال الفضل: لقد عوقب على غير ذنبٍ، والحمد لله! فقال الرشيد: أخطأتَ، الحمد لله على النِّعم، ولو قلت. وأستغفر الله لكنتَ مُصيباً، ثم قال لي: امض في أمرك، فأنشدتُهُ حتى إذا بلغتُ إلى قوله: تُزْجى أغَنَّ كَأَنَّ إبرةَ رَوْقِهِ استوى جالساً وقال: أتحفظ في هذا ذكراً؟ قلتُ: نعم، ذكرت الرواة أنَّ الفرزدق قال: كنتُ في المجلس وجرير إلى جانبي، فلما ابتدئ عديُّ في قصيدته قلت لجرير مُسرّاً إليه: هلُمَّ نسخر من هذا الشاميّ، فلما ذُقنا كلامه يئسنا منه، فلما قال: تُزجي أغنّ كأنّ إبرةَ روقِهِ

وعديٍّ كالمستريح قال جرير: أما تراه يستلب بها مثلاً! فقال الفرزدق: يا لُكع، إنه يقول: قَلَمٌ أصَابَ من الدَّواةِ مِدَادَها فقال عديّ: قَلَمٌ أصابَ من الدَّواةِ مِدادَها فقال جرير: كان سَمْعُكَ مخبوءاً في صدره! فقال لي: اسكت شغلني سَبُّكَ عن جيد الكلام فلما بلغ إلى قوله: ولقدْ أرادَ الله إذْ ولاّكها ... مِنْ أُمَّةٍ إصلاحَها ورشادَها قال الأصمعي: فقال لي: ما تراه قال إذ أنشده الشاعر هذا البيت؟ فقلتُ: قال: كذا أراد الله، فقال الرشيد ما كان في جلالته ليقول هذا، أحسبه قال: ما شاء الله! قلت: وكذا جاءت الرواية، فلما أتيتُ على آخرها قال لي: أتروي لذي الرمة شيئاً؟ قلت: الأكثر، قال: فماذا أراد بقوله: مُمَرٌّ أمَرَّتْ مَتْنَهُ أسَدِيَّةٌ ... ذِراعيةٌ حَلاَّلةٌ بالمصانعِ قلت: وصف حمار وحش، أسْمنهُ بَقْلُ روضةٍ تواشجَتْ أصوله، وتشابكتْ فروعه، على مطر سحابةٍ كانت بنَوْءِ الأسَد في الذِّراع من ذلك. فقال الرشيد: أرحْ، فقد وجدناك ممتعاً، وعرفناك مُحسناً، ثم قال: أجدُ ملالةً، ونهض، فأخذ الخادم يُصلح عَقِبَ النَّعل في رجله وكانت عربيةً، فقال الرشيد: عَقَرْتَني يا غلام، فقال الفضل: قاتل الله الأعاجم، أما أنها لو كانت سنديةً لما احتجتَ إلى هذه الكلفة، فقال الرشيد: هذه نعلي ونعل آبائي، كم تُعارض فلا تُتْرَك من جواب مُمِضٍ! ثم قال: يا غلام؛ يؤمَرُ صالح الخادم بتعجيل ثلاثين ألف درهم على هذا الرجل في ليلته ولا يُحجَبُ في المستأنف، فقال الفضل: لولا أنه مجلس أمير المؤمنين ولا يأمرُ فيه غيره لأمرتُ لك بمثل ما أمر لك، وقد أمرت لك به، إلاَّ ألف درهم، فَتَلَقَّ الخادم صباحاً. قال الأصمعي: فما صليتُ من غدٍ إلاّ وفي منزلي تسعة وخمسون ألف درهم. 26

§1/1