أمالي ابن الحاجب

ابن الحاجِب

كتاب أمالي ابن الحاجب لأبي عمرو عثمان بن الحاجب (570 - 646هـ) دراسة وتحقيق الدكتور فخر صالح سليمان قداره الأستاذ المساعد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم الجزء الأول Printed in Lebanaon دار عمار ... دار الجيل عمّان - الأردن ... بيروت - لبنان

جميع الحقوق محفوظة 1409 هـ - 1989م.

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن صعوبة الدراسات اللغوية وما تتطلبه من عناء وتعب وصبر جعلت الطلاب والباحثين يتجهون إلى دراسات أقل صعوبة منها. ولكن رغبتي في دراسة النحو جعلتني أفضلها على غيرها من الدراسات. ولقد يسر الله لي اجتياز التجربة الأولى في هذه الدراسات عندما حصلت على درجة (الماجستير) في النحو من كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر. وكان عنوان البحث (التوكيد في القرآن الكريم). ولقد رأيت لزاماً عليَّ السير في طريق التحصيل العلمي لعلي أستفيد وأفيد. عند ذلك بدأت أفكر في اختيار موضوع البحث للحصول على درجة العالمية (الدكتوراه). وبعد تفكير دقيق وبحث متواصل رأيت من المفيد إحياء نص قديم. فعزمت على اختيار إحدى المخطوطات للقيام بتحقيقها. ولا شك أن إخراج كتاب من ظلمات جدران المكتبات ووضعه بين أيدي الطلاب والباحثين يعد عملاً عظيماً ونافعاً. كما أنه لا سبيل إلى التجديد في الدراسات النحوية والصرفية إلا باطلاع على آثار القدماء ودراستها دراسة واعية، وذلك من أجل الوقوف على الأصول التي أقاموا عليها عملهم العلمي وبنوا عليها مناهجهم التي ساروا عليها في دراسة المسائل النحوية والصرفية واللغوية.

وبعد بحث طويل هداني الله إلى مخطوطة لعالم مشهور عاش خلال القرنين السادس والسابع الهجريين متنقلاً بين مصر والشام هو الإمام أبو عمرو عثمان بن الحاجب، وهذه المخطوطة هي كتابه: (الأمالي). إن مصر والشام شهدا خلال هذين القرنين نشاطاً ثقافياً واسعاً نظراً لهجرة العلماء من الشرق والغرب إليهما. وابن الحاجب عاش في هذا الجو الثقافي واكتسب من العقول المهاجرة والمستقرة علوماً مختلفة جعلت منه قارئاً وأصولياً ونحويا. وقد طبقت شهرته الأفاق بما ألفه من كتب عظيمة في علوم شتى كالكافية والشافية والأمالي، ومختصر الفروع، وغيرها. وكتاب الأمالي الذي اخترته موضوعاً للتحقيق هو مجلد ضخم. ذكره وأطراه بالمدح كلٌّ من ترجم لابن الحاجب. ولقد تجلت في هذا الكتاب براعة ابن الحاجب في النحو والفقه والقراءات والأصول. ومما يدل على أهميته وقيمته أن كثيراً من العلماء قد اطلعوا عليه وأفادوا منه، ومن هؤلاء السيوطي والبغدادي وابن هشام وغيرهم. وقبل أن أقرر نهائياً تسجيل هذا الموضوع للقيام بتحقيقه ذهبت إلى مكتبة دار الكتب المصرية، حيث توجد نسخة قيمة من هذا الكتاب. وبعد أن اطلعت عليها زادت رغبتي في في تحقيقه، حيث وجدته سفراً عظيماً يحتوي على مسائل نافعة وفوائد جمة. وبعون الله وتوفيقه فقد ذللت جميع الصعوبات التي واجهتني في التحقيق، ومنها حجم المخطوطة الكبير، وكثرة النسخ وتفرقها في مكتبات العالم. ولقد أعطيت الموضوع كل ما في وسعي، وبذلت قصارى جهدي، كي يأتي البحث محققاً للهدف المطلوب.

وقسمت الموضوع إلى قسمين: الدراسة والتحقيق. أما القسم الأول وهو الدراسة فقد جعلته ثلاثة فصول، خصصت الأول منها للحديث عن صاحب الكتاب، تحدثت فيه عن عصره، نسبه ونشأته، أخلاقه وشخصيته، عقيدته وثقافته، مذهبه النحوي، شعره، شيوخه، تلاميذه، آثاره. وجعلت الفصل الثاني للحديث عن كتاب (الأمالي)، صدَّرته بتمهيد، تكلمت بعده عن نسبة الكتاب وعنوانه، زمن تأليفه ومكانه، مصادره، أسلوبه، أقسامه، أهميته وقيمته، وصف النسخ. أما الفصل الثالث فقد خصصته للحديث عن ابن الحاجب في كتابه الأمالي، تحدثت فيه عن أهم القضايا النحوية التي اشتمل عليها هذا الكتاب، وموقف ابن الحاجب من النحاة، وموقفه من الشواهد، والآراء التي خالف فيها جمهور النحاة، ومآخذ عليه في كتابه الأمالي. وأنهيت الدراسة بالمنهج الذي سرت عليه في التحقيق. وأما القسم الثاني من البحث فقد اشتمل على تحقيق الكتاب وخراجه بصورة واضحة صحيحة. وقد حاولت جهدي المحافظة على صورة النص كما وضعها المؤلف ولم أتدخل فيه إلا بتصحيح خطأ نحوي أو إملائي، أو زيادة كلمة مني أو من النسخ الأخرى بعد التأكد أنها ساقطة من الأصل، والإشارة إليها في الهامش بعد حصرها بين قوسين معقوفين. وأنهيت هذا القسم بخاتمة تحدثت فيها عن أهم النتائج التي توصلت إليها وفهارس فنية للآيات والأحاديث والأشعار والأمثال والأعلام والمصادر والموضوعات. وبعد: فإني أحمد الله الذي أمدني بالعون والصبر، وأسأله أن يغفر لي أخطائي وأن يوفقني إلى ما يحبه ويرضاه إنه نعم المولى ونعم النصير. المحقق فخر صالح سليمان قداره

القسم الأول: الدراسة

الفصل الأول: ابن الحاجب 570 هـ - 646 هـ

الفصل الأول: ابن الحاجب 570 هـ - 646 هـ 1 - عصره. 2 - نسبه ونشأته. 3 - أخلاقه وشخصيته. 4 - عقيدته وثقافته. 5 - مذهبه النحوي. 6 - شعره. 7 - شيوخه. 8 - تلاميذه. 9 - آثاره.

عصره

عصره ولد عثمان بن عمر بن أبي بكر المعروف بابن الحاجب في العام الذي أحكم فيه صلاح الدين الأيوبي سيطرته على الديار المصري بعد قضائه على الفتن التي أشعلها جماعة من السودان والأعراب في مدينتي أسوان وطود بزعامة رجل يدعى الكنز (¬1). وقد توجه صلاح الدين بعد ذلك إلى دمشق فانتزعها من أيدي الزنكيين. وبعدها صار سيد الموقف في مصر والشام. ولذا فإن عام (570 هـ) الذي ولد فيه ابن الحاجب يعدّ عام إقامة دولة الأيوبيين. وقد استطاع صلاح الدين الأيوبي أن يقهر الصليبيين في عدة مواقع وأن يحرر أجزاء كثيرة من فلسطين كانت خاضعة لهم. وقد استمرت الحرب بينه وبينهم حتى وفاته سنة (589 هـ). وبعد وفاته اضطربت الأمور إذ تنازع أبناؤه الأقاليم واختلفوا فيما بينهم، فكان صراعهم هذا نكبة على البلاد حيث انتشرت الأوبئة والمجاعات (¬2). وبالرغم من ذلك فإننا نجد أن الحكام كانوا يكثرون من إنشاء المدارس ¬

_ (¬1) الكامل في التاريخ لابن الأثير 11/ 414 (دار صادر. بيروت). (¬2) الخطط المقريزية 2/ 235 (دار صادر. بيروت).

التي تدرس فيها مختلف علوم الدين والعربية، لكن المذهبية كانت الطابع المميز لهذه المدارس. كذلك نجد العناية الواسعة بالقرآن الكريم. وكان كثير من القراء لا يكتفي بتلقي القرآن عن شيخه ثم إقرائه تلاميذه، وإنما كان يضيف إليه مواد أخرى كان أكثرها في الفقه والنحون أو يتجه بها اتجاهاً أدبياً (¬1). وربما تعددت جوانب ثقافة القارئ في فروع العلوم المختلفة. ولهذا كان في مصر والشام علماء مشهورون في النحو واللغة والقراءات والتفسير والحديث والأدب والبلاغة، ولكن نرى الناس قد شغلوا بالقراءات زمناً طويلاً لصلتها القوية بالقرآن الكريم، وكانت هذه القراءات مفتاح الدرس النحوي في العصر الأيوبي في مصر والشام. وعلماء النحو في مصر والشام في تلك الفترة لم تكن لهم مذاهب جديدة في النحو، إنما انكبوا على دراسة آراء المتقدمين وإحياء تراثهم وترجيح بعض الآراء. لذا فإننا نرى أن الدراسات النحوية في مصر والشام كان يغشاها الأسلوب التعليمي في الدرس النحوي، الأسلوب الذي كان من مظاهره أن أقدم النحاة على وضع المتون المختصرة والمنظومات ثم شرحها والتعليق عليها. وقد ظهرت عناية النحويين بوجه خاص بكتاب المفصل للزمخشري فشرحه ابن يعيش والسخاوي وابن الحاجب وغيرهم. وكانت اتجاهات النحو في مصر والشام تتجه إلى وجهتين (¬2): ¬

_ (¬1) الحياة العقلية في عصر الحروب الصليبية لأحمد بدوي ص 93 (دار نهضة مصر للطباعة والنشر). (¬2) القرآن وأثره في الدراسات النحوية. عبد العال سالم مكرم ص 179 (دار المعارف).

نسبه ونشأته

الأولى: وجهة متأثرة بالنحو البصري بمقاييسه وأصوله وعلله وفروعه، وهذه يمثلها ابن الحاجب وأبو حيان الأندلسي. الثانية: وجهة لا تنكر النحو البصري، ولا تنكر النحو الكوفي لكنها مع ذلك لا تنكر نفسها ولا تنكر أن لها رأياً في هذه المشكلات، ويمثل هذه الوجهة ابن مالك وابن هشام. إلى جانب هذا فإن المنطقة شهدت حركة من التأليف والنشر لم تكن في أية منطقة أخرى من العالم الإسلامي. وقد شملت هذه الحركة مختلفة العلوم كالهندسة والطب والجغرافية والفقه والتفسير والنحو والأصول، وألفت فيها مؤلفات قيمة أفادت المكتبة العربية (¬1). في هذه البيئة العلمية الواسعة المملوءة بمختلف العلوم نشأ ابن الحاجب وأخذ مختلف العلوم من علمائها مثل النحو والفقه والأصول والقراءات والمنطق. وألف كتباً كثيرة نالت إعجاب المتأخرين وعكفوا عليها بالشرح والدراسة، وتخرج عليه طلاب أصبحوا بعد ذلك من العلماء المبرزين. نسبه ونشأته هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الدّويني (¬2) أبو عمرو جمال ¬

_ (¬1) خطط الشام. محمد كرد علي 4/ 44 (بيروت) (¬2) نسبه إلى دوين. وهي بلدة من نواحي أران في آخر حدود أذربيجان. منها ملوك الشام بني أيوب. انظر معجم البلدان 1/ 491 (دار صادر - دار بيروت).

الدين بن الحاجب (¬1). كان والده حاجباً للأمير عز الدين موسك الصلاحي، ومن هنا جاءت كنيته. وهو كردي الأصل. ولد بإسنا من صعيد مصر أواخر عام (570 هـ) ن ثم انتقل به أبوه إلى القاهرة وهو لا يزال صغيراً، وفيها حفظ القرآن ودرس العلوم المتصلة به. فقرأ القراءات على الغزنوي والشاطئ وسمع الحديث من البوصيري وغيره، وأخذ الفقه عن أبي منصور الأبياري وسواه. ودخل دمشق فسمع من القاسم بن عساكر، ولازم الاشتغال حتى ضرب ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: 1 - وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 248 (تحقيق الدكتور إحسان عباس). 2 - غاية النهاية لابن الجزري 1/ 508 (عني بنشره: ج. برجستراسر). 3 - بغية الوعاة للسيوطي 2/ 134 (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم). 4 - حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 456 (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم). 5 - الديباج المذهب لابن فرحون 3/ 86 (تحقيق محمد الأحمدي). 6 - شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 5/ 234 (المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت). 7 - تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5/ 308 (نقله على العربية رمضان عبد التواب، راجع الترجمة السيد يعقوب بكر) ز 8 - كشف الظنون لحاجي خليفة 1/ 161 (الطبعة الإسلامية بطهران). 9 - هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي 1/ 654 (طهران. المكتبة الإسلامية). 10 - الطالع السعيد للأدفوي ص 352 (تحقيق سعد محمد حسن). 11 - البداية والنهاية لابن كثير 13/ 176 (مكتبة المعارف. بيروت). 12 - مرآة الجنان لليافعي 4/ 114 (مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. بيروت). 13 - تاريخ أبي الفداء 6/ 81 (دار الكتاب اللبناني. بيروت). 14 - مفتاح السعادة. لطاش كبرى زاده 1/ 138 (تحقيق كامل بكري وعبد الوهاب أبو النور). النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 6/ 360 (المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر).

به المثل. وقد برع فيما درسه وأتقنه غاية الإتقان ولاسيما الأصول والعربية. وكان الأغلب عليه علم العربية فإنه برز في النحو حتى صار من كبار رجاله. وتكرر دخول ابن الحاجب دمشق للاستفادة حيناً وللتدريس بها أحياناً. وآخر ما دخلها سنة (617 هـ)، إذ أقم بها مدرساً لجمهور من الدارسين في علمي القراءات والعربية، وقد انتفع به كثير من الناس. ثم إن ابن الحاجب دافع عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام في إنكاره على الصالح إسماعيل صاحب دمشق سوء سيرته وتقاعسه ن قتال الصليبيين وصلحه معهم، فأمرهما بأن يخرجا من دمشق، فخرجا سنة (638 هـ) وعادا معاً إلى مصر. وهناك تصدر بالمدرسة الفاضلية وجلس في موضع شيخه الشاطئ، وقصده الطلبة وأكبوا على الأخذ عنه. ثم غادر القاهرة قاصداً الإسكندرية للإقامة فيها، إلا أن مدته هناك لم تطل حيث توفي يوم الخميس السادس والعشرين من شوال سنة (646 هـ) ودفن في خارج الإسكندرية في المقبرة التي بين المنارة والبلد. وقد رثاه ابن المنّير بهذه الأبيات: ألا أيها المختال في مطرف العمر ... هلم إلى قبر الإمام أبي عمرو ترى العلم والآداب والفضل والتقى ... ونيل المنى والعز غيبن في قبر فتدعو له الرحمن دعوة رحمة ... يكافأ بها في مثل منزلة القفر ...

أخلاقه وشخصيته

أخلاقه وشخصيته كانت أخلاق ابن الحاجب نسيجا فذا بين أخلاق العلماء. وقد انتزعت هذه الأخلاق ثناء الناس حتى أولئك الذين كانوا يخالفونه في الرأي. فقد كان الرجل ثقة حجة متواضعا عفيفا، كثير الحياء، منصفا , محبا للعلم وأهله، محتملا للأذى صبورا على البلوى (¬1). وكان صدوقا مخلصا. وقصة وقوف صاحب دمشق الصالح إسماعيل تأييدا لصديقه العز بن عبد السلام ودخوله السجن معه مما يثير الإعجاب. ولقد استكمل ابن الحاجب مقومات الشخصية العلمية بما اشتملت نفسه من العزم والتواضع، وما أدركه عقله من مختلف صنوف المعرفة العلم وما استقام به لسانه من الفصاحة والبلاغة، كل ذلك جعل منه عظيماً. جاء في الديباج المذهب (¬2): "وقد بالغ الشيخ تقي الدين بن العيد وهو أحد أثمة الشافية في مدح كتابه (جامع الأمهات) ثم قال: الدين كان وحيد عصره علماً وفضلاً وإطلاعاً". وتتضح شخصية ابن الحاجب فيما نقله ابن خلكان عنه حيث قال (¬3): "وخالف النحاة في مواضع وأورد عليهم إشكالات وإلزامات تبعد الإجابة وكان من أحسن خلق الله ذهناً. وجاءني مراراً بسبب أداء شهادات وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام". عقيدته وثقافته كان ابن الحاجب من أبرز فقهاء مصر والشام في العصر الأيوبي ¬

_ (¬1) البداية والنهاية 13/:176. (¬2) 2/ 86. (¬3) وفيات الأعيان 3/ 248.

على مذهب الإمام مالك، وتعمق فيه وفهمه واستوعبه حتى نبغ وبلغ فيه مبلغاً عظيماً، وصار رأساً عند المالكية، بل شيخ المالكية في عصره (¬1)، وصنف في مذهبه تصانيف جليلة لا تزال تعد من أمهات المراجع الفقهية المعتمدة وخصوصاً كتابه (جامع الأمهات). وقد ألف كتابين في الأصول حازا شهرة كبيرة وهما: منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، ومختصره الذي كان موضع عناية الدارسين من طلاب الفقه، قال ابن كثير (¬2): "مختصره في الفقه من أحسن المختصرات، انتظم فيه فوائد ابن شاش، ومختصره في الأصول استوعب فيه عامة فوائد الأحكام لسيف الدين الأمدي". وكان ابن الحاجب معنياً بالقراءات عناية خاصة تلقاها عن شيوخ القراء في عصره كالشاطبي وأبي الجود اللخمي والغزنوي وغيرهم. وكانت هذه الدراسات العلمية في الفقه والقراءات مقدمة للدراسات العربية في النحو والصرف. وقد وصل في ذلك إلى مرتبة عالية بما وضعه من مصنفات مختلفة في علم العربية ولاسيما مقدمتاه: الكافية والشافية، وأماليه. وقد أثنى ابن الجزري على تصانيفه فقال (¬3): "ومؤلفاته تنبئ عن فضله كمختصري الأصول والفقه، ومقدمتي النحو والتصريف ولاسيما أماليه التي يظهر فيها ما أتاه الله من عظم الذهن وحسن التصور. إلا أنه أعضل فيما ذكره في مختصر الأصول حين تعرض للقراءات وأتى بما لم يتقدم فيه غيره". وقال النعيمي (¬4): " واشتغل بالعلم فقرأ القراءات وحرر النحو تحريرا بليغا، وتفقه ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للسبكي 3|365 (تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناحي) (¬2) البداية والنهاية 13|176 (¬3) غاية النهاية 1|509 (¬4) الدارس في تاريخ المدارس لعبد القادر النعيمي 2/ 3 (تحقيق جعفر الحسيني)

مذهبه النحوي

وساد أهل عصره، وكان رأسا في علوم كثيرة منها: الأصول والفروع والنحو والتصريف والعروض والتفسير وغير ذلك" مذهبه النحوي إن الناظر في مصنفات ابن الحجب يقف على ثقافة واسعة منوعة، وعقلية ناضجة, وفكر عميق. ولكن غلب عليه العم العربية , وصنف في ذلك عددا من الكتب القيمة التي تدل على سعة الاطلاع وعمق التحليل. وهو يبدو متأثرا بمذهب البصريين إلى حد كبير. فهو في الغالب يتبنى آراءهم, ويسوق حججهم , ويأخذ بادلتهم دون تعصب, وقد قام بشرح عدد من مصنفاتهم. ومما يدل على اتجاهه نحو هذا المذهب تأثره بسيبويه وأبي علي الفارسي والزمخشري. فسيبويه إمام نحاة البصرة, وقد عد كتابه أول كتاب نحوي رسم صورة المنهاج البصري في دراسة العربية. وقد ظهرت عناية ابن الحاجب بكتاب سيبويه في مصنفاته المختلفة، فقد كان كثير النقل عنه. هذا إلى ترجيحه لكثير من آرائه، ووقوفه منه موقف المؤيد الذي يتابعه في كثير من أقواله وتعليلاته. ويقال: إنه شرح كتابه. ومن هنا فإن ابن الحاجب كان على صلة قوية بأثر بصري ضخم، وإن هذه الصلة دليل ميله البصري. ... وأبو علي الفارسي يغلب عليه المذهب البصري (¬1). وأية مراجعة لكتبه تدل على التمسك الظاهر بالمذهب البصري، والذي ينظر في كتب ابن الحب فإنه يجد فيها الكثير من آراء الفارسي. ويقال: إنه شرح كتابه (الإيضاح) في كتاب سماه (المكتفي للمبتدي). ¬

_ (¬1) المدارس النحوية للدكتور شوقي ضيف ص 257

أما الزمخشري فهو في جمهرة آرائه يتفق ونحاة البصرة (¬1). يدل على ذلك (مفصله) الذي كان متأثرا فيه بكتاب سيبويه. تشهد بذلك عباراته وأمثلته، فهو كان يقول بآراء البصريين، وستعمل مصطلحاتهم. وقد تأثر ابن الحاجب به، وأورد كثيرا من آرائه، وجعل قسما من أماليه لمواضع من (المفصل). ويدل على اهتمام ابن الحجب بالزمخشري وتأثره به أنه قام بشرح كتابه (المفصل) في كتاب سماه (الإيضاح في شرح المفصل). فهذه الأمثلة وغيرها تظهر لنا أن ابن الحجب كان يميل إلى المذهب البصري وهذا واضح في أماليه؛ فهو يحكم بأن مجيء كلمة (ذلك) بمعنى (الذي) في قوله تعالى: (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ذلك هو الضلال البعيد) (¬2) رأي ليس بالقوي، لأن اسم الإشارة لا يقع عند البصريين بمعنى الذي (¬3). فالرأي ضعيف عنده لعجم وروده عند البصريين، مما يدل على ميله لمذهبهم. ويقف بجانبهم في أن المصدر أصل الاشتقاق (¬4)، وأيدهم في أن (لات) بمعنى ليس، وليست نافية للجنس (¬5). وغير هذه الأمثلة كثير. ويستطيع المطلع أن يقرر عن يقين ووضوح هذا الميل إلى جانب البصريين. وفوق هذا كله فابن الحاجب نفسه كان يصرح ببصريته بحيث لا يشك باحث منصف بأنه كان يذهب مذهبهم ويقف إلى جانبهم، قال في الإملاء (77) من الأمالي على المفصل، على قول الزمخشري: "وما نقله الكوفيون من قولهم: الثلاثة الأثواب فبمعزل عند أصحابنا عن القياس واستعمال الفصحاء". قال: "أما القياس فلما ذكرناه وأما استعمال الفصحاء فنحو ما أنشده وما تمسك به ¬

_ (¬1).المدارس النحوية ص 284 (¬2) الحج: 13 (¬3) الإملاء (8) من الأمالي القرآنية. (¬4) الإملاء (88) من الأمالي على المفصل. (¬5) الإملاء (86) من الأمالي على المفصل.

الكوفيون لغة ضعيفة، فلا تقوى لمعارضة ما ذكره البصريون من القياس واستعمال الفصحاء ". فهو قد ضعف المذهب الكوفي في هذه المسألة وهذا دليل واضح لميله إلى المذهب البصري. وهناك دليل آخر لميله للمذهب البصري أن كثيرا من مصطلحاته مصطلحات بصرية. كاستعمال النعت بذلا من الصفة، وفعل ما لم يسم فاعله بدلا من الفعل المبني للمجهول. ومع هذا فإننا نجد ابن الحاجب يخالف البصريين إذا لم يقتنع برأيهم ويستخدم في مناقشته لهم الأدله العقلية المنطقية، غير متأثر بشهرة عالم أو منزلته. فهو بذلك يسير على المنهج العلمي الصحيح. فسيبويه مع علو منزلته لم يسلم من مخالفة ابن الحاجب لآرائه. فقد خالفه في الضمير الواقع بعد لولا وعسى حيث إن سيبويه قال: الضمير بعد لولا في محل جر، والضمير بعد عسى في محل نصب. وقال الأخفش: الضمير في البابين في محل رفع. وقال ابن الحجب: فثبت لذلك أن مذهب الأخفش في ذلك أظهر (¬1). وأحيانا نراه يسوي بين البصريين والكوفيين من غير ترجيح كما فعل في الإملاء (85) من الأمالي القرآنية على قوله تعالى: (لا جرم أن لهم النار) (¬2) فإنه ذكر قول البصريين في (لا جرم) وذكر قول الكوفيين، ولم يرجح أحدهما. وربما أجاز مسألة على مذهب الكوفيين دون أن يكون فيها مخالفة للبصريين، كما فعل في الإملاء (37) من الأمالي القرآنية على قوله تعالى: (لابثين فيها أحقابا) (¬3) قال: ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر لكان على مذهب الكوفيين. ¬

_ (¬1) الإملاء (6) من الامالي على مسائل الخلاف. (¬2) النحل: 62. (¬3) النبأ: 23.

شعره

إلى جانب ذلك فإننا نرى ابن الحاجب قد جاء بآراء خالف فيها جمهور النحاة وسأتحدث عنها إن شاء الله في الفصل الثالث. شعره لم يكن ابن الحاجب شاعرا، وما صدر عنه لا يعدو أبياتا قليلة تفتقر إلى المقومات الشعرية، وهي بذلك تصدر عن عقل فقيه وتصوره لا عن قلب شاعر وعاطفته. ومع هذا فإنه قد نظم مقدمته النحوية (الكافية) في منظومته (الوافية). ونظم في العروض (المقصد الجليل إلى علم الخليل). ونظم في المؤنثات السماعية (القصيدة الموشحة بالأسماء المؤنثة). ومن شعره هذان البيتان (¬1): أي غد مع يد دَدٍ ذي حروف ... طاوعت في الرويّ وهي عيون ودواة والحوت والنون نونا ... ت عصتهم وأمرها مستبين ... وهما جواب عن البيتين المشهورين: ربما عالج القوافي رجال ... في القوافي فتلتوي وتلين طاوعتهم عين وعين وعين ... وعصتهم نون ونون ونون ... وهذان بيتان له في الإخوانيات تبدو فيهما عقلية الفقيه (¬2): إن غبتم صورة عن ناظريَّ فما ... زلتم حضوراً على التحقيق في خلدي مثل الحقائق في الأذهان حاضرة ... وإن ترد صورة في خارج تجد ... ¬

_ (¬1) وفيات الأعيان 3/ 248. (¬2) الطالع السعيد ص 352.

شيوخه

وله بيتان في معناهما لكنه قبلهما في قافية أخرى فقال (¬1): إنْ تغيبوا عن العيون فأنتم ... في قلوبٍ حضوركم مستمر مثل ما تثبت الحقائق في الذهن ... وفي خارج لها مستقر ... ومن أبياته أيضاً (¬2): قد كان ظني بأن الشيب يرشدني ... إذ أتى فإذا غيّي به كثرا ولست أقنط من عفو الكريم وإنْ ... أسرفت جهلاً فكم عافى وكم غفرا إنْ خصَّ عفو إلهي المحسنين فمن ... يرجو المسيء ويدعو كلما عثرا ... وله في أسماء قداح الميسر (¬3): هي قدّ وتوأم ورقيب ... ثم حِلْسٌ ونافِسٌ ثم مُسْبِل والمعلّى والوعْدُ ثم سَفِيحٌ ... وَمِنيحٌ وذي الثلاثة تهمل ولكل مما عداها نصيب ... مثله أن تعد أول أول ... شيوخه درس ابن الحاجب العلوم العربية والدينية بمختلف فنونها من نحو وفقه وقراءات وأصول على كبار أستاذة عصره وأثمة العلم. وليس بالمستطاع حصر هؤلاء الشيوخ الذين أخذ عنهم، لذا فإنني سوف اقتصر على ذكر الكبار منهم مع ترجمة موجزة لكل واحد. 1 - الشاطبي: هو أبو القاسم بن فيرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي ¬

_ (¬1) الطالع السعيد ص 356. (¬2) الطالع السعيد ص 356. (¬3) شذرات الذهب 5/ 234.

2 - البوصيري

الضرير مصنف الشاطبية في القراءات السبع. ولد سنة (538 هـ). خرج إلى الحج فقدم الإسكندرية سنة (572 هـ). وولاه القاضي الفاضل مشيخة الإقراء بمدرسته. وزار القدس وصام به شهر رمضان، ثم رجع إلى القاهرة، فكانت وفاته بها في هذه السنة. وكان ديناً خاشعاً ناسكاً كثير الوقار (¬1). 2 - البوصيري: هبة الله بن علي بن مسعود الأنصاري الكاتب الأديب مسند الديار المصرية. ولد سنة (506 هـ) وسمع من أبي صادق المديني ومحمد بن بركات السعيد وطائفة، وتفرد في زمانه، ورحل إليه. توفي في ثاني صفر سنة (598 هـ) (¬2). 3 - أبو الفضل الغزنوي: محمد بن يوسف بن علي بن شهاب الدين أبو الفضل الغزنوي المقرئ الفقيه النحوي. ولد سنة (522 هـ)، وقرأ علي أبي محمد سبط الخياط، وسمع من أبي بكر قباضي الممارستان، وتصدر للإقراء، فأخذ عنه العلم السخاوي وروى عنه ابن خليل والضياء المقدسي والرشيد العطار. ودرس المذهب بمسجد الغزنوي المعروف به. مات بالقاهرة سنة (599 هـ) (¬3). 4 - القاسم بن عساكر: هو القاسم بن الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن المحدث أبو محمد بن عساكر الدمشقي الشافعي. ولد سنة (527 هـ). وكان محدثاً حسن المعرفة شديد الورع، ومع ذلك كان كثير المزاح. تولى مشيخة دار الحديث ¬

_ (¬1) البداية والنهاية 13/ 10، النجوم الزاهرة 6/ 136، شذرات الذهب 4/ 301. (¬2) حسن المحاضرة 1/ 375. (¬3) حسن المحاضرة 1/ 498، النجوم الزاهرة 6/ 184.

5 - أبو الجود

النورية بعد والده، فلم يتناول من معلومها شيئاً، بل كان يرصده للواردين من الطبة (¬1). 5 - أبو الجود: هو غياث بن فارس بن سكن أبو الجود اللخمي المنذري المصري المقرئ النحوي الضرير شيخ القراء بديار مصر، قرأ علي الشريف ناصر وسمع من عبد الله بن رفاعة السعدي، وقرأ عليه خلق، ورحل إليه، وكان ديناً فاضلاً بارعاً في الأدب متواضعاً كثير المروءة، ولد سنة (518 هـ) وتوفي سنة (605 هـ) (¬2). 6 - الأبياري: أبو الحسن الأبياري علي بن إسماعيل بن علي. أحمد العلماء الأعلام وأثمة الإسلام برع في علوم شتى: الفقه والأصول والكلام. وكان بعض الأثمة يفضله على الإمام فخر الدين في الأصول. تفقه بأبي طاهر بن عوف، ودرس بالإسكندرية وانتفع به الناس، وتخرج به ابن الحاجب. ولد سنة (557 هـ) وتوفي سنة (618 هـ) (¬3). 7 - أبو الحسن الشاذلي: هو الشريف تقي الدين علي بن عبد الله بن عبد الجبار شيخ الطائفة الشاذلية. وهو رجل كبير القدر كثير الكلام عالي المقام. له نظم ونشر فيه متشابهات وعبارات. وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يحضر مجلسه ويسمع كلامه. وكان الشاذلي ضريراً (¬4). وقد انتسب في بعض مصنفاته إلى ¬

_ (¬1) شذرات الذهب 4/ 347. (¬2) حسن المحاضرة 1/ 498، بغية الوعاة 2/ 241. (¬3) حسن المحاضرة 1/ 454. (¬4) وفيات الأعيان 2/ 455، النجوم الزاهرة 6/ 285.

تلاميذه

علي بن أبي طالب. حج عدة مرات. ومات سنة (656 هـ) بصحراء عيذاب وهو متوجه إلى مكة المكرمة (¬1). تلاميذه ذكرت كتب التراجم الكثير منهم. فمن هؤلاء من هؤلاء من أخذ عنه العربية، ومنهم من قرأ عليه القراءات، ومنهم من روى عنه الحديث. وسوف أذكر بعض هؤلاء التلاميذ مع ترجمة موجزة لكل واحد. 1 - المنذري: الحافظ الكبير الإمام شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المصري الشافعي. ولد بمصر سنة (581هـ). وتفقه وطلب هذا الشأن فبرع فيه. وتخرج بالحافظ أبي الحسن بن المفضل، وولى مشيخة الكاملية، وانقطع بها عشرين سنة. وكان عديم النظر في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه، متبحراً في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكلة، إماماً حجة بارعاً في القه والعربية والقراءات. توفي سنة (656 هـ) (¬2). 2 - ابن مالك: محمد بن علي بن مالك الإمام العلامة جمال الدين الطائي الجياني الشافعي النحوي. ولد سنة (600 هت) وسمع بدمشق، وتصدر بحلب لإقراء العربية. كان إماماً في القراءات وعللها. أما اللغة فكان إليه المنتهى فيه. وإطلاعه على أشعار العرب التي يستشهد بها على النحو كان أمراً عجيباً. وكان أكثر ما يستشهد بالقرآن، فن كان ليس فيه شاهد عدل إلى الحديث. من ¬

_ (¬1) حسن المحاضرة 1/ 520، نكت الهميان في نكت العميان لصلاح الدين الصفدي ص 213 (المطبعة الجمالية بمصر). (¬2) حسن المحاضرة 1/ 355.

3 - ابن المئينر

تصانيفه: تسهيل الفوائد، والكافية الشافعية، والخلاصة، ومختصر الشافية. توفي سنة (672 هـ) (¬1). 3 - ابن المئّينر: هو العلامة ناصر الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن منصور الإسكندراني. أحد الأئمة المتبحرين في العلوم من التفسير والفقه والعربية والبلاغة والأنساب. أخذ عن جماعة منهم ابن الحاجب. من تصانيفه: تفسير القرآن، والانتصاف من الكشاف، وأسرار الإسراء، ومناسبات تراجم البخاري، ومختصر التهذيب في الفقه. كان مولده سنة (620 هـ)، وتوفي سنة (683 هـ) (¬2). 4 - القسطيني: أبو بكر بن عمر بن علي بن سالم الإمام رضي الدين القسنطيني النحوي الشافعي. ولد سنة (607 هـ) ونشأ بالقدس، وأخذ العربية علي ابن معط وابن الحاجب. وكان من كبار أثمة العربية. سمع الحديث من ابن عوف الزهري وجماعة. وكان له معرفة تامة بالفقه ومشاركة في الحديث، صالحاً خبراً ديناً متواضعاً ساكناً ناسكاً. سمع من جماعة كثيرة. أخذ عنه أبو حيان، ومدحه بقصيدة طويلة. ومات سنة 695 هـ (¬3). 5 - ابن ملي: الشيخ نجم الدين أحمد بن محسِّن المعروف بابن ملّي. كان متوقد الذهن. سمع من البهاء المقدسي والحسن الزيدي. وحدث بحلب ودمشق، ¬

_ (¬1) فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي 2/ 452 (تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد)، النجوم الزاهرة 7/ 243. (¬2) حسن المحاضرة 1/ 316، بغية الوعاة 1/ 385. (¬3) بغية الوعاة 1/ 470.

6 - الدمياطي

وقرأ بها النحو علي ابن الحاجب، وتفقه علي العز بن عبد السلام، وأحكم الأصول والكلام والفلسفة. دخل مصر غير مرة، وعرف عنه علم غزير. ولد ببعلبك سنة (617 هت) وتوفي سنة (699 هـ) (¬1). 6 - الدمياطي: الإمام العلامة الحافظة الحجة الفقيه النسابة شيخ المحدثين شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف التوني الشافعي. ولد سنة (613 هـ). تفقه وبرع وطلب الحديث، فرحل وجمع فأوعى وتخرج بالمنذري وألف. كان واسع الفقه، رأساً في النسب، جيد العربية. توفي سنة (705 هـ) (¬2). 7 - الملك الناصر داود: داود بن عبد الملك المعظم عيسى بن العادل. ملك دمشق بعد أبيه ثم انتزعت من يده وأخذها عمه الأشرف، واقتصر على الكرك ونابلس. ثم تنقلت به الأحوال وجرت له خطوب طوال. كان له فصاحة وشعر جيد، وقد عرف علوم الأوائل جداً، وقرأ الكافية علي ابن الحاجب الذي نظمها بطلب منه (¬3). آثاره ألف ابن الحاجب في علوم شتى. فقد ألف في النحو والصرف والفقه والأصول والعروض والقراءات والتاريخ والأدب. ومصنفاته في غاية الحسنن رزقت قبولاً تاماً لحسنها وجزالتها (¬4). وقد انتفع الناس بها لما فيها من كثرة النقل مع صغر الحجم وترير اللفظ (¬5). وهذه مؤلفاته مقسمة حسب العلوم: ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية 5/ 13. (¬2) حسن المحاضرة 1/ 357. (¬3) انظر البداية والنهاية 13/ 198. (¬4) مفتاح السعادة 1/ 138 - 139. (¬5) الطالع السعيد ص 352.

أولا: في النحو والصرف

أولاً: في النحو والصرف: 1 - الكافية: وهي مقدمة وجيزة في النحو. سار فيها ابن الحاجب على نهج الزمخشري في مفصه. وقد قصر ابن الحاجب كافيته على مسائل النحو، وفصلها عن مسائل الصرف. ولقد طبقت شهرتها الآفاق، وأخذ العلماء يشرحونها ويعربونها ويختصرونها. ومن أهم شروحها شرح ابن الحاجب نفسه وشرح جمال الدين بن مالك وشرح رضي الدين الاستراباذي وهو أعظم الشروح وأدقها. وقد طبعت الكاية عدة طبعات، منها طبعة بولاق سنة 1241 هـ (¬1). 2 - الشافية: أجمل فيها ابن الحاجب مسائل الصرف والخط. وذهب في الإيجاز مذهبه في الكافية. ولقد بلغت من الشهرة ما بلغته أختها الكافية. وقد توالت شروحها، ومن أهمها شرح ابن الحاجب نفسه، وشرح رضي الدين الاستراباذي، وشرح فخر الدين الجاربردي. وقد طبعت عدة مرات مع شروحها، منها طبعة الاستانة سنة 1850م، وطبعة كلكتا سنة 1805م، وعدة طبعات في القاهرة (¬2). 3 - شرح الكافية: الف ابن الحاجب شرحه هذا بعد أن وضع الكافية. وفي شرحه هذا حاول أن يشرح ويوضح المسائل النحوية التي كانت موجزة أو غامضة، وقد طبع هذا الشرح في استنبول عام 1311 هـ، ونسخه المخطوطة كثيرة (¬3). 4 - شرح الشافية: ذكره السيوطي في البغية (¬4)، وبروكلمان (¬5)، وقال: إنه ¬

_ (¬1) تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5/ 309. (¬2) انظر معجم المطبوعات العربية والمعربة ليوسف سركيس ص 71 (مبطعة سركيس بمصر). (¬3) بروكلمان 5/ 309. (¬4) 2/ 135. (¬5) 5/ 327.

5 - الوافية في نظم الكافية

توجد نسخة منه في (بولون) رقم 316. 5 - الوافية في نظم الكافية: وذلك تلبية لرغبة الملك الناصر داود بن الملك المعظم عيسى. وهي عبارة عن ثمانين وتسعمائة بيت، ضمنها موضوعات الكافية جميعاً. توجد منها نسخة مخطوطة في مكتبة الأسكريال رقم (146) (¬1). 6 - شرح الوافية: توجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة رقم (114/ 415) كتبت في أوائل القرن الثامن الهجري. وقام الدكتور موسى بناي العليلي بتحقيقه، وطبع في العراق سنة 1980م. 7 - الإيضاح في شرح المفصل: لقد واكب ابن الحاجب عبارة الزمخشري في المفصل، شارحاً الكتاب فقرة، بادئاً بأوائل الموضوعات مكتفياً بها. وقد خالف الزمخشري في مواضع كثيرة، ورد عليه بعض أقواله. توجد منه عدة نسخ مخطوطة في مصر وإيران وتونس وألمانيا (¬2). وقد قام بتحقيقه موسى بناي العليلي وحصل به على درجة الدكتوراه من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سنة 1975م. وطبع في بغداد سنة 1982م. 8 - الأمالي: وهو موضوع هذه الدراسة. وسوف يأتي الحديث عنها بالفصل الثاني إن شاء الله. 9 - القصيدة المبوشحة بالأسماء المؤنثة: وهي قصيدة جمع فيها الأسماء المؤنثة بدون علامة تأنيث. وقسم هذه الأسماء إلى قسمين: قسم يجب تأنيثه وقسم يجوز تأنيثه. وجمع في القسم الأول ستين لفظاً وفي الثاني سبة عشر لفظاً. وعدد أبياتها ثلاثة وعشرون بيتاً. توجد منها عدة نسخ ¬

_ (¬1) بروكلمان 5/ 326. (¬2) بروكلمان. الذيل بالألمانية 1/ 570.

10 - رسالة في العشر

مخطوطة في دار الكتب المصرية. وقد طبعت في هران سنة 1859 م وفي بيروت سنة 1872 م (¬1). 10 - رسالة في العشر: وهي بحث صغير في استعمال كلمة (عشر) في الصفتين: أول وآخر. توجد منها نسخة مخطوطة في برلين رقم (6894) (¬2). وهذه الرسالة موجودة أيضاً في آخر نسخة الأمالي الموجودة في مكتبة شهيد على باستنبول رقم (2337) وهي عبارة عن ورقتين ونصف تقريباً. 11 - شرح كتاب سيبويه: ذكره صاحب كشف الظنون (¬3) وصاحب هدية العارفين (¬4). 12 - المكتفي للمبتدي - شرح الإيضاح لأبي علي الفارسي. ذكره صاحب هدية العارفين (¬5). ولم يذكره أحد سواه. 13 - شرح المقدمة الجزولية: ذكره بروكلمان (¬6) وقال إنه توجد منه نسخة مخطوطة في جامع القروبين بفاس رقم (1198). والمقدمة الجزولية هي مقدمة صنفها أبو موسى عيسى بن عبد العزيز بللبخت (المتوفي سنة 607 هـ). 14 - إعراب بعض آيات من القرآن العظيم: ذكره بروكلمان (¬7) وفي مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (12/ 417) ذكر أنه توجد نسخة ¬

_ (¬1) بروكلمان 5/ 334. (¬2) بروكلمان 5/ 334. (¬3) 2/ 1427. (¬4) 1/ 654. (¬5) 1/ 654. (¬6) 5/ 350. (¬7) 5/ 341.

ثانيا: في الفقه والأصول

مخطوطة منه في المدرسة العثمانية بحلب ترجع كتابتها إلى القرن الثامن. ثانياً: في الفقه والأصول: 1 - منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل: وهو من كتب الفقه المالكي. وقد اختصر به كتاب الأحكام في أصول الفقه للأمدي. توجد عدة نسخ مخطوطة منه في مكتبات العالم، وقد طبع في استنبول سنة 1326 هـ (¬1). 2 - عيون الأدلة: وهو اختصار لكتابه (منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل). توجد منه نسخة مخطوطة في باريس رقم (5318) (¬2). 3 - مختصر المنتهي في الأصول: وهو أيضاً اختصار لكتابه (منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل). توجد منه عدة نسخ مخطوطة. وقد طبع في بولاق سنة 1316 هـ، 1319 هـ، والقاهرة سنة 1326 هـ (¬3). 4 - جامع الأمهات أو مختصر الفروع: ألفه بالاعتماد على جواهر ابن شاش. توجد منه عدة نسخ مخطوطة في الجزائر (1074) وفاس رقم (982) وتونس رقم (761) (¬4). ثالثاً: في العروض: ألف ابن الحاجب في العروض منظومة من البحر البسيط سماها (المقصد الجليل إلى علم الخليل). عدد أبياتها (171) بيتاً. توجد منها عدة نسخ مخطوطة بدار الكتب المصرية، وتوجد منها نسخة في مكتبة (لاله لي) في ¬

_ (¬1) بروكلمان 5/ 334. (¬2) بروكلمان 5/ 334. (¬3) بروكلمان 5/ 334. (¬4) بروكلمان 5/ 340.

رابعا: في مباحث أخرى

تركياً كتبت في القرن السابع (¬1). رابعاً: في مباحث أخرى: 1 - في القراءات: قال ابن فرحون (¬2): "وصنف ابن الحاجب في القراءات". 2 - في التاريخ: جاء في كشف الظنون (¬3) أن له ذيلاً على تاريخ دمشق لابن عساكر. وجاء في هدية العارفين (¬4) أن له (معجم الشيوخ). 3 - في الأدب: جاء في هدية العارفين (¬5) أن من مصنفاته كتاب (جمال العرب في علم الأدب). 4 - المسائل الدمشقية: ذكره ابن الحاجب نفس في الإملاء رقم (4) من الأمالي القرآنية. 5 - عقيدة ابن الحاجب (¬6). 6 - المفضل: ذكره بروكلمان (¬7). ... ¬

_ (¬1) نوادر المخطوطات العربية في تركيا للدكتور رمضان ششن 1/ 67. (¬2) الديباج المذهب 2/ 86. (¬3) 1/ 294. (¬4) 1/ 655. (¬5) 1/ 655. (¬6) بروكلمان 5/ 341، هدية العارفين 1/ 655. (¬7) الذيل بالألمانية 1/ 537.

الفصل الثاني: كتاب الأمالي

الفصل الثاني: كتاب الأمالي 1 - تمهيد. 2 - نسبة الكتاب وعنوانه وزمن تأليفه ومكانه. 3 - مصادر الكتاب. 4 - أسلوب الكتاب. 5 - أقسام الكتاب. 6 - أهمية الكتاب وقيمته. 7 - نسخ الكتاب.

تمهيد

تمهيد الأمالي جمع الإملاء، وهو أن يقعد عالم وحوله تلاميذه بالمحابر والقراطيس يتكلم العالم بما فتح الله سبحانة وتعالى عليه من العلم، ويكتبه التلاميذ، فيصير كتاباً، ويسمونه الإملاء والأمالي. وكذلك كان السلف من الفقهاء والمحدثين وأهل العربية وغيرها في علومهم. وعلماء الشافية يسمون مثله التعليق (¬1). جاء في المصباح المنير (¬2): "أملك الكتاب علي الكاتب إملالاً، ألقيته عليه، وأمليته عليه إملاء، والأولى لغة الحجاز وبني أسد والثانية لغة بني تميم وقيس. وجاء الكتاب العزيز بهما: (وليملل الذي عليه الحق) (¬3). (فهي تملي عليه بكرة وأصيلاً) (¬4) ". وقد ذكر حاجي خليفة أسماء الكتب التي سميت الأمالي، وبلغت عنده 67 كتاباً (¬5). أما أشهر الأمالي فهي: 1 - مجالس ثعب أو أماليه. طبعت بدار المعارف سنة 1948من 1960م. ¬

_ (¬1) كشف الظنون 1/ 161. (¬2) 2/ 246 (تصحيح مصطفى السقا). (¬3) البقرة 282. (¬4) الفرقان: 5. (¬5) كشف الظنون 1/ 161.

نسبة الكتاب وعنوانه وزمن تأليفه ومكانه

2 - أمالي الزجاجي. طبعت في القاهرة سنة 1324 هـ، 1382 هـ. 3 - أمالي القالي. طبعت عدة مرات. 4 - أمالي المرزوقي. لم تطبع بعد. 5 - أمالي المرتضى. طبعت في القاهرة سنة 1373 هـ وفي بيروت سنة 1387 هـ. 6 - أمالي ابن الشجري. طبعت في بيروت والقاهرة. 7 - أمالي اليزيدي. طبعت في القاهرة وبيروت. 8 - أمالي السهيلي. طبعت في القاهرة سنة 1970م. 9 - أمالي ابن الحاجب، موضوع هذه الدراسة. ومن أقدم الأمالي اللغوية التي عرفت لنا مجالس ثعلب أو أمالية. ولعل ابن الحاجب أول من أملي في النحو خاصة، وإن كان ابن الشجري قد سبقه، إلا أنه كان يخلط الأمالي النحوية بالشعر والأدب واللغة. أما ابن الحاجب فأماليه تدور في لك النحو، حتى أماليه على الآيات القرآنية الهدف منها الإعراب بخلاف أمالي المرتضى مثلاً، فإن أماليه على القرآن كان الهدف منها التفسير الذي يخدم مذهب المعتزلة (¬1). نسبة الكتاب وعنوانه وزمن تأليفه ومكانه أشارت المصادر التي ترجمت لابن الحاجب إلى أماليه، فقد أشار إليها ابن الحزري في طبقاته (¬2)، وصاحب هدية العارفين (¬3)، والسيوطي في بغية ¬

_ (¬1) ابن الحاجب في كتابه الأمالي النحوية ص 42 (رسالة دكتوراه مقدمة من محمد هاشم عبد الدايم - جامعة القاهرة 1969 م). (¬2) 1/ 508. (¬3) 1/ 654.

الوعاة (¬1)، وابن كثير في البداية والنهاية (¬2)، ومحمد باقر الأصبهاني في روضات الجنات (¬3)، وكارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي (¬4)، وابن فرحون في الديباج المذهب (¬5)، وخير الدين الزركلي في الأعلام (¬6)، ولم ينكر أحد من الذين ترجموا له هذا الكتاب. والنسخ الخطية لكتاب الأمالي تؤكد نسبته لابن الحاجب. أما عنوان الكتاب فقد اختلف من نسخة إلى أخرى. فعنوان نسخة شهيد على (رقم 2337) ونسخة دار الكتاب المصرية (رقم 26): الأمالي لابن الحاجب. وعنوان نسخة أحمد الثالث (رقم 2263): كتاب الأمالي الكبرى لابن الحاجب. وعنوان نسخة باريس (رقم 6214): أمالي ابن الحاجب. وعنوان نسخة الأسكريال (رقم 1336): كتاب الأمالي لأبي عمرو بن الحاجب. وعنوان نسخة أحمد الثالث (رقم 2254): كتاب الأمالي لابن الحاجب في النحو. وعنوان نسخة فيض الله (رقم 1572) ونسخة عاطف أفندي (رقم 2436): أمالي بن الحاجب. وعنوان نسخة دار الكتب (رقم 1007) والنسخة (رقم 1034) كتاب الأمالي لابن الحاجب. ونلاحظ أن العناوين في جميع النسخ متقاربة، وأن الاختلاف بينها بسيط. وأملي ابن الحاجب كتابه ما بين سنة 609 هـ وسنة 626 هـ في ¬

_ (¬1) 2/ 135. (¬2) 13/ 176. (¬3) ص 438 (طهران - المطبعة الحجرية). (¬4) 5/ 333. (¬5) 2/ 86. (¬6) 4/ 374.

مصادر الكتاب

القاهرة ودمشق وغزة وبيت المقدس. ذكر في بعض الأمالي مكان الإملاء وتاريخه، وذكر في بعضها مكان الإملاء أو تاريخه، وفي بعضها أهمل المكان والتاريخ. فالإملاءات التي ذكر فيها التاريخ والمكان (324) إملاء، والإملاءات التي ذكر فيها التاريخ ولم يذكر المكان (7) إملاءات. أما الإملاءات المجهولة التاريخ والمكان فقد بلغت (283) إملاء. وبهذا يكون عدد ما أملاه (638) إملاء. مصادر الكتاب البحث في مصادر ابن الحاجب في كتابه الأمالي يضع بين أيدينا سعة إطلاعه وعمق تبحره في علم النحو، وإن كان يدل في بعض المواضع على اضطراب في النقل وعدم التثبت في النص المنقول. وكثيراً ما كان يذكر الذين نقل عنهم كسيبويه والمبرد والفارسي وابن جني والزمخشري والأخفش والفراء وغيرهم. إلا أن الكتاب أملاه إملاء، وهذا هو سر الاضطراب الذي نجده أحياناً في النص المنقول. ولم يكن ابن الحاجب يذكر دوماً المصادر التي ينقل عنها، فكثيراً ما يكفي بعبارات عامة مثل قوله: الجمهور، وبعضهم، وقوم آخرون، والكوفيون. وعلى عادة النحويين القدماء كان ينقل أحياناً نصوصاً بألفاظها ولا يشير إلى مصادرها، ولا يذكر اسم صاحب النص. وغالباً ما تكون مصادر ابن الحاجب كتب النحو القديمة. ونستطيع أن نحمل أهم المصادر التي اعتمد عليها بما يلي:- 1 - الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والشواهد الشعرية ولأمثال العربية. 2 - آراء بعض أثمة النحو واللغة كسيبويه والمبرد والفارسي والزمخشري

أسلوب الكتاب

والجرجاني والفراء والنحاس والجوهري وغيرهم. 3 - كتب ابن الحاجب نفسه كالكافية والإيضاح. 4 - آراء ابن الحاجب التي خالف يها جمهور النحاة. 5 - المذهب البصري. فقد اعتمد عليه في كثير من المسائل، وأشار إلى مذهب الكوفيين في عدة مواضع. إلا أن أهم مصدرين اعتمد عليهما في أماليه هما: كتاب سيبويه والمفصل للزمخشري. فقد أشار إليهما كثيراً، وأكثر من النقل منهما، حتى أن كثيراً من الأمثلة التي كان يضربها نقلها من هذين الكتابين. هذا وإن ثقافة ابن الحاجب الواسعة في عدة علوم كالفقه والأصول والقراءات واللغة والأدب تعدٌّ مصدراً رئيساً اعتمد عليه في كتابه. والذي يقرأ الكتاب ويطلع على جزئياته يلاحظ ذلك بوضوح. ولا شك أن كثيراً من هذه الثقافة قد اكتسبها من شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم كالشاطبي والأمدي والقاسم بن عساكر والغزنوي وغيرهم. أسلوب الكتاب كان ابن الحاجب يملي وتلاميذه يكتبون. وهذا يتضح من قولهم أول كل إملاء: وقال مملياً. ويذكرون أحياناً وسط الإملاء أو أوله عبارة: قال الشيخ، ويريدون بها أستاذهم ابن الحاجب. وهناك بعض الإملاءات كان ابن الحاجب يكتبها بخط يده؛ فقد جاء في الإملاء (15) من قسم الأمالي على الأبيات: "وسئل في ورقة عن إعراب قول الشاعر: أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلى وسعدي أن يصوب سحابها ... فكتب بيده الكريمة ما هذه صورته". ويستخدم ابن الحاجب في أماليه الأمثلة التي تؤيد فكرته وتوضحها

وتثبت القاعدة التي يتحدث عنها، والأمثلة تلائم الأمالي. فالأمالي أشبه بمحاضرات يلقيها الأستاذ، فالمفروض فيها التوسع في العبارة وكشف الرأي بالأمثلة، وابن الحاجب كان موفقاً في أمثلته، بحيث لم يدع مجالاً للشك فيما يريد توضيحه وهو بذلك يسير على نهج قويم، إذ الأمالي تعتبر شرحاً وتوضيحاً لما يشكل على تلاميذه من مسائل النحو، فهي بحاجة إلى ذكر الأمثلة. انظر إلى الإملاء (15) من قسم الأمالي القرآنية كيف أتى بمثال: حصير زيد راكباً سمار. ومع هذا نجد ابن الحاجب له أسلوب في أماليه يختلف من قسم إلى قسم، فأسلوبه في قسم الأمالي القرآنية يختلف عن أسلوبه في قسم الأمالي على المفصل والأمالي على المقدمة. وهذا ما سوف أتعرض له عندما أتحدث عن أقسام الكتاب إن شاء الله. لكن الأسلوب العام الذي يتسم به الكتاب أنه يقوم على الطريقة العلمية في التفكير. فابن الحاجب يذكر في المسألة كل ما فيها من أوجه ممكنة، ثم يأتي على هذه الأوجه فيرى أن هذا الوجه يلزم منه باطل فهو فاسد، أوأنه يتنافى مع العقل أو يخالف القياس أو بعيد عن الاستعمال. ومن تعبيراته أيضاً: وليس ببعيد، وموضع الاستشهاد منه ظاهر، ولا قائل به، وهذا فيه نظر، والله أعلم بالصواب. ويلاحظ أحياناً أنه كان يملي على الموضوع الواحد أكثر من مرة. والسبب في ذلك أنه كان يسأل في أوقات مختلفة فيجيب فيكتب تلاميذه إجابته. أضف إلى ذلك أنه كان يملي في مسائل متفرقة لم يجمعها موضوع واحد.

أقسام الكتاب

أقسام الكتاب ينقسم كتاب الأمالي إلى ستة أقسام: القسم الأول: الأمالي على آيات من القرآن. الثاني: الأمالي على مواضع من كتاب المفصل الزمخشري. الثالث: الأمالي على بعض مسائل الخلاف بين النحويين. الرابع: الأمالي على الكافية (المقدمة) لابن الحاجب. الخامس: الأمالي على أبيات من الشعر. السادس: الأمالي المطلقة، وهي على موضوعات متفرقة. 1 - الأمالي على آيات من القرآن: بلغ عددها (139) إملاء. وقد أملاها ابن الحاجب في دمشق والقاهرة وغزة ما بين سنة 609 هـ وسنة 625 هـ. فما أملاه في دمشق كان (87) إملاء، أمليت في السنوات: 617 هـ، 618 هـ، 619 هـ، 620 هـ، 621 هـ، 622 هـ، 623 هـ، 624 هـ، 625 هـ، وما أملاه في القاهرة كان (32) إملاء أمليت في السنوات: 609 هـ، 610 هـ، 612 هـ، 613 هـ، 614 هـ، 615 هـ، 616هـ. أما ما أملاه في غزة فكان إملاءً واحداً فقط في سنة 616 هـ. وهناك (19) إملاء مجهولة التاريخ والمكان. ومنهج ابن الحاجب في الأمالي القرآنية أنه يبدا الإملاء بذكر الآية التي يريد الإملاء عليها، إماً أنْ يذكرها كاملة أو يكتفي بذكر الجزء الذي يريد الحديث عنه. وقد يتحدث عن أكثر من هذا الجزء الذي ذكره من الآية. وفي أكثر الأمالي القرآنية تطالعك الآية أول الإملاء، وقد يترك ذلك أحياناً. مثال ذلك ما جاء في الإملاء (92): وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين: "إذا قلت: ما ضربته للتأديب". وكذلك ما جاء في الإملاء (131): وقال مملياً: "إذا دخل الاستفهام الإنكاري على الشرط كان المعنى إنكار أن يكون الجواب معلقاً عليه". وكذلك الإملاء (88) فقد جاء فيه: وقال أيضاً مملياً

بدمشق سنة اثنتين وعشرين: "الجملة الواقعة بعد القول إذا بني لما لم يسم فاعله تقوم مقام الفاعل، ومنه قوله تعالى: "ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون" (¬1)]. وقد يملي على الآية الواحدة مرتين في موضعين مختلفين. مثال ذلك قوله تعالى: "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً" (¬2) فقد أملى عليها مرتين، في الإملاء (15) والإملاء (60). ويخص ابن الحاجب كل إملاء بآية من القرآن. وأحياناً يملي على أكثر من آية إذا كان هناك غرض واحد. فقد أملي على الآيتين: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" (¬3) و"أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم" (¬4)، وذلك في الإملاء (68). وربما أملى على ثلاث آيات، فقد أملى على قوله تعالى: "قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة" (¬5)، وقوله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" (¬6)، وقوله تعالى: "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن" (¬7)، وذلك في الإملاء (87): وقد يملي على آيتين من القرآن وبيت من الشعر كما فعل في الإملاء (73) عندما أملي على قوله تعالى: "إن كان قميصه قدْ من قبل فصدقت" (¬8)، وقوله تعالى: "إن كنت قلته فقد علمته" (¬9) وقول الشاعر: ¬

_ (¬1) المطففين: 17. (¬2) الحجر: 47. (¬3) النجم: 39. (¬4) الأعراف: 185. (¬5) إبراهيم: 31. (¬6) النور: 30. (¬7) الإسراء: 53. (¬8) يوسف: 26. (¬9) المائدة: 116.

أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا ... جهاراً ولم تغضب لقتل ابن خازم ... وليست كل الأمالي القرآنية مقصورة على البحث في النحو. فهناك ما يقرب من خمسة عشر إملاء تبحث ي تفسير الآيات تفسيراً متصلاً باللغة أو الأسلوب أو العقيدة بعيداً عن الإعراب. ومن ذلك ما أملاه على قوله تعالى: "وما علمناه الشعر وما ينبغي له" (¬1) في الإملاء (114). وكذلك ما أملاه على قوله تعالى: "كونوا قردة خاسئين" (¬2) في الإملاء (117). ويلاحظ أن اهتمام ابن الحاجب في القراءات القرآنية كان واضحاً. فقد تعرض لكثير من القراءات ونسبها لأصحابها. من ذلك الإملاء (61) على قوله تعالى: "أمَّن لا يَهِدِّي إلاَّ أنْ يُهدي" (¬3). والإملاء (30) على قوله تعالى: "إن هذان لساحران" (¬4). والإملاء (10) على قوله تعالى: "كذلك يطبعُ اللهُ على كُلِّ قَلبِ متكبّرٍ جبارٍ" (¬5). وقد اهتم ابن الحاجب بالقراء السبعة، وذكر لهم قراءات في أماليه وهم: نافع وابن كير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. كما ذكر قراءات لبعض رواة السبعة مثل: ابن ذكوان وحفص وقالون. ولم يذكر في أماليه قراءات عن غير السبة، إلا قراءة واحدة من القراءات الشاذة، وهي في الإملاء (86) على قوله تعالى: "هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" (¬6). ومع توجهه لهذه القراءة الشاذة فإن ثقته كانت كبيرة في القراء السبعة، فهو يعتبر أن القراءة الضعيفة في اللغة لم تأت في السبعة، إذ يقول في الإملاء (97) على قوله ¬

_ (¬1) يس: 69. (¬2) البقرة: 65. (¬3) يونس: 35. (¬4) طه: 63. (¬5) غافر: 35. (¬6) هود: 78.

تعالى: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر" (¬1): "والذي يقوي ذلك أن الخفض لم يأت في السبعة لضعفه". ويفهم من ذلك أن ابن الحاجب يرى أن القراء السبعة لم ترد ي قراءتهم لغة ضعيفة ليس لها توجيه صحيح عند اللغويين والنحويين. إلا أنه حكم على قراءة قارئين من السبعة بأنها ضعيفة، وذلك في الإملاء (59) على قوله تعالى: "وكذلك ننجي المؤمنين" (¬2)، قال: "على قراءة ابن عامر وعاصم لا يظهر فيا وجه مستقيم". ولا يصح عن ابن الحاجب تناقض القراءتين في المعنى. فإذا كان في ظاهر القراءتين تناقض فلا بد من التوفيق بينهما بطريق التأويل، فقد أملى على قوله تعالى: "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" (¬3) في الإملاء (111)، فقال: "فالجبال على قراءة الكسائي الأمور العظام التي لم تبلغ مبلغ المعجزات، والجبال على قراءة الجماعة المعجزات العظام كالقرآن ونحوه. وعلى هذا التأويل لم يجيء النفي والإثبات باعتبار واحد. وإذا لم يكونا باعتبار واحد فلا تعارض بين القراءتين". واهتمام ابن الحاجب في أماليه بالقراءات مرتبط بما يتصل بالإعراب، فهو يوجه كل قراءة التوجيه النحوي الملائم بها، ولا يتعرض لمعنى المراد من الآية إذا كان هذا المعنى لا يختلف باختلاف القراءة، وذلك كتوجيه القراءات في قوله تعالى: "إن هذان لساحران" (¬4). أما إذا كانت القراءة تدل على معنى غير المعنى الذي تفيده القراءة الأخرى فإنه يوضح ذلك ويتعرض لتفسير ¬

_ (¬1) النساء: 95. (¬2) الأنبياء: 88. (¬3) إبراهيم: 46. (¬4) طه: 63.

الآية حسب كل قراءة؛ من ذلك ما ذكره في قوله تعالى: "كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار" (¬1) في الإملاء (80). وقد تعرض ابن الحاجب للوقف في القرآن؛ والوقف له ارتباط بالقراءات فهو يتصل بالأداء القرآني السليم، لذلك رفض الوقف على قوله تعالى: ويبقى، فيقوله: "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" (¬2)، وذلك في الإملاء (74). ومن المسائل التي اهم بها ابن الحاجب وكثرت في أماليه القرآنية:- 1 - تعلق الجار والمجرور. من ذلك ما أملاه على قوله تعالى: "حتى توارت بالحجاب" (¬3) في الإملاء (101)، وكذلك ما أملاه على قوله تعالى: "ما أنت بنعمة ربك بمجنون" (¬4) في الإملاء (92). 2 - بيان ما يعود عليه الضمير. من ذلك ما أملاه على قوله تعالى: "ن تبدوا الصدقات فنعما هي" (¬5) في الإملاء (13). وكذلك قوله تعالى: "ولأبويه" (¬6) في الإملاء (6). 3 - وضع الظاهر موضع الضمير. ومنه قوله تعالى: "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" (¬7) في الإملاء (14. وقوله تعالى: "فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه" (¬8) في الإملاء (66). ¬

_ (¬1) غافر: 35. (¬2) الرحمن: 26، 27. (¬3) ص: 32. (¬4) القلم: 2. (¬5) البقرة: 271. (¬6) النساء: 11. (¬7) البقرة: 282. (¬8) يوسف: 76.

2 - الإملاء على مواضع من المفصل

2 - الإملاء على مواضع من المفصل: بلغ عددها (136) إملاء. وقد أملاها ابن الحاجب في دمشق والقاهرة وبيت المقدس ما بين سنة 610 هـ وسنة 625 هـ. فما أملاه في دمشق كان (72) إملاء في السنوات: 617 هـ، 618 هـ، 620 هـ، 621 هت، 622 هـ، 623 هـ، 624 هـ. وما أملاه في القاهرة كان (5) إملاءات في السنوات: 610 هـ، 613 هـ، 615 هـ. أما ما أملاه في بيت المقدس فكان إملاء واحداً فقط في سنة 616 هـ. وهناك إملاءان مجهولا المكان أمليا في سنة 618 هت. كما أن هناك (56) إملاء مجهولة المكان والزمان. والأسلوب الذي سار عليه ابن الحاجب في أماليه في هذا القسم أه كان يشرح عبارة المفصل ويوضحها، وأحياناً يترض على الزمخشري في بعض آرئه، وربما يكون كلامه على المفصل تعليقاً على عبارة صغيرة، وكثر ما يكون هذا التعليق اعتراضاً على الزمخشري ومناقشة لعبارته. وقد يكون تعليقه دفاعاً عن الزمخشرين وفي بعض الأحيان يعرب عبارات المفصل التي يمض إعرابها ليصل من ذلك إلى توضيح المعنى. وأملي على ما يقرب من سبعين شاهداً. وكان في حديثه يوضح موضع الاستشهاد أحياناً، أو يعرب أجزاء من البيت ولا يتعرض لموضع الاستشهاد، أو يترك الإعراب ويشرح معنى البيت مفسرا ما يحتاج من كلماته إلى تفسير. وفي بعض الأمالي على الشواهد لا يتعرض لموضع الاستشهاد، ويعرب في البيت مواضع أخرى يرى أنها في حاجة إلى إعرا، كما فعل في الإملاء (63) عندما أملي على قوله الشاعر: ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر ... وهناك من شواهد المفصل ما يحتاج إلى شرح لغموض معناه أو غرابة

ألفاظه فقام ابن الحاجب بأداء هذه المهمة، كما فعل في الإملاء (30) عندما أملي على قول الشاعر: أخا الحرب لباساً إليها جلالها ... وليس بولاج الخوالف أعقلا ... وكذلك في الإملاء (38) على قول الشاعر: لها أشارير من لحم تتمره ... من الثعالي ووخز من أرانيها ... ولم يكن ابن الحاجب يراعي الدقة أحياناً في نقل بعض عبارات المفصل، مع الاختصار الذي لا يوضح المراد منها. من ذلك ما جاء في الإملاء (1): وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الزمخشري: "فإنه موضع للجنس بأسره". وعبارة المفصل: "فإن العلم فيه للجنس بأسره" (¬1). ومن اختصاره قوله في الإملاء (82): "شبه الحال بالمفول من حيث إنها مفعول يها". وعبارة المفصل: "شبه الحال بالمفول من حيث إنها فصلة مثله جاءت بعد مضي الجملة ولها بالظرف شبه خاص من حيث إنها مفول فيها" (¬2). لقد وافق ابن الحاجب الزمخشري في بعض آرائه ودافع عنه ورد ما ورد عليه من اعتراض، وليس معنى ذلك أنه يسير في ركابه دائماً، بل نراه في كثير من الآراء يخالفه، من ذلك ما جاء في الإملاء (1) على قول الزمخشري: "الكلمة هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع" (¬3). فاعترض ابن الحاجب على قوله: اللفظة، وقال: "الأول أن يقال: اللفظ الدال". ومن ذلك ما جاء في الإملاء (18) على قول الزمخشري في حد المبنى: "هو الذي سكون آخره ¬

_ (¬1) المفصل ص (دار الجيل. بيروت). (¬2) المفصل ص 61. (¬3) المفصل ص 6.

3 - ما يتعلق بمسائل الخلاف

وحركته لا بعامل". قال ابن الحاجب: "هذا الحد ليس بمستقيم لأنه أتى في الحد بواو العطف". ومما تجدر الإشارة إليه أن ابن الحاجب شرح كتاب المفصل بكتاب سماه (الإيضاح في شرح المفصل). وقد أشار إليه في عدة مواضع من الأمالي بكلمة الإملاء .. وإذا تصفحنا أماليه على المفصل نجد أن أكثرها يعد تكملة واستدراكاً لما فاته في (الإيضاح). وأكثر ما استدركه في الأمالي الحديث عن بعض الشواهد النحوية. فهناك ما يقرب من أربعة وعشرين شاهداً في المفصل أهملها في كتابه (الإيضاح) إهمالاً تاماً. فمما أهمله في (الإيضاح) وتعرض له في الأمالي قول الشاعر: إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم ... إلى الغدر أدنى من شبابهم المرد ... وقول الشاعر: يا قر إن أباك حي خويلد ... قد كنت خائفة على الأحماق ... وآراء ابن الحاجب في الأمالي توافق آراءه في الإيضاح، وكثير منها تكرار لما سبق ذكره. ولم يظهر لي أنه أتى بآراء في الأمالي تخالف ما ذكره في الإيضاح. 3 - ما يتعلق بمسائل الخلاف: وهذا القسم أصغر أقسام الأمالي، حيث بلغ عدد أماليه (6) أمال فقط. وكلها مجهولة التاريخ والمكان. وقد صدر ابن الحاجب كل إملاء منها بكلمة (مسألة). في الإملاء الأول ناقش الخلاف بين سيبويه والأخفش في جواز دخول الفاء في خبر (إن). وفي الثاني تعرض للحديث عن (أحمر) إذا سمي به ثم

4 - الإملاء على مواضع من المقدمة (الكافية)

نكر، هل يمتنع من الصرف أم لا؟، وأتى برأي سيبويه والأخفش في ذلك. وفي الثالث تحدث عن الخلاف بين سيبويه وغيره في كلمة (جوار) وامتناعها من الصرف. وفي الرابع ذكر الخلاف بين الخليل وأبي عمرو في: يا زيد والحارث. وفي الخامس شرح الخلاف بين الخليل ويونس في علامة الندبة ولحاقها الصفة. وفي السادس ذكر الخلاف بين سيبويه والأخفش في الضمائر بعد (لولا) و (عسى). وابن الحاجب في هذا القسم من الأمالي يقف موقف الحكم الذي يؤيد ما يراه صواباً بالحجة والدليل، غير ناظر إلى شهرة صاحب الرأي؛ فلا يهمه مثلاً أن يعارض سيبويه فهو مع ما يراه حقاً. وهو يقدم السماع على القياس، فاللغة تثبت بالنقل، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة القياس والتعليل. 4 - الإملاء على مواضع من المقدمة (الكافية): بلغ عدد الأمالي في هذا القسم (97) إملاء. أملاها ابن الحاجب في دمشق والقاهرة وبين المقدس ما بين سنة 615 هـ وسنة 626 هـ. فقد أملي في دمشق (66) إملاء في السنوات: 617 هـ، 618 هـ، 619 هـ، 620 هـ، 621 هـ، 623 هـ، 624 هـ، 625 هـ، 626 هـ، وأملي في القاهرة (7) أمال في سنتي 615 هـ، 616 هـ، وأملي في بيت المقدمس إملاءين فقط سنة 616 هـ. وهناك (3) أمال مجهولة المكان أملاها في سنتي 618 هـ، 619 هـ. كما أن هناك (19) إملاء مجهولة المكان والزمان. ويلاحظ أن ابن الحاجب يذكر في كل إملاء عبارة الكافية مصدرة بكلمة (قوله)؛ وكان المنتظر أن يقول: (قولي)، والسبب في ذلك أنه لم يكتب شرحه وإنما كتبه عنه تلاميذه، لذلك قال الكاتب: قوله، أي قول ابن الحاجب. وكان يملي على الموضوع الواحد من الكافية أكثر من إملاء في أماكن

5 - الإملاء على الأبيات

متفرقة. فقد أملي على المبتدأ ستة أمال، وعلى المعرب والإعراب ثمانية أمال، وعلى كل من الممنوع من الصرف والإضافة سبعة أمال، وعلى الاستثناء خمسة أمال. ويمكن تعليل هذا بأنه كان يسأل في أوقات مختلفة فيجب فيكتب تلاميذه إجابته. وأكثر حديثه في هذا القسم من الأمالي عن الحدود التي أوردها في الكافية. وهو في تناوله لهذه الحدود يتبع أساليب مختلفة، فتراه أحياناً يكتفي بشرح الحد، أو يعترض على حد الكافية ثم يجب عن الاعتراض، وقد لا يجيب عنه. وربما يخالف النحويين في الحدود ويبين أن حدّه أفضل من حدهم (¬1). فمن الحدود التي أكتفي بشرحها حد البدل. ومن الحدود التي اعترض عليها ثم أجاب عن الاعتراض حد النعت. وأحياناً يعترض على نفسه ولا يجيب عن الاعتراض، وهذا يدل على تسليمه بالاعتراض وأن حده ليس كاملاً. وكان ابن الحاجب ينقح الكافية وبغير فيها. جاء في الإملاء (28): "وقع في بعض نسخ المقدمة في حد عطف البيان قوله: تابع (من) الجامدة أوضح من متبوعة".: فسئل عن ذلك فقال مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة: "هذا كان في النسخة الأولى، وأولى منه المذكور الآن في النسخ، وهو تابع غير صفة يوضح متبوعة". 5 - الإملاء على الأبيات: بلغ عدد إملاءات هذا القسم (45) إملاء. أملاها ابن الحاجب في دمشق والقاهرة بين سنة 612 هـ وسنة 626 هـ. فقد أملى في دمشق (12) إملاء في السنوات: 617 هـ، 618 هـ، 619 هـ، 620 هـ، 621 هـ، 622 هـ؛ غير أن ثلاثة منها مجهولة التاريخ. وأملى في القاهرة إملاءين فقط، أحدهما في سنة 612 هـ، والآخر مجهول التاريخ. وهناك إملاءان أملاهما في ¬

_ (¬1) كما فعل في الإملاء (62).

سنتي 618 هـ، 619 هـ، إلا أن مكانهما مجهول. كما أن هناك (29) إملاء مجهولة التاريخ والمكان. والأبيات التي أملى عليها ابن الحاجب هي أبيات جرت بحضرته فتكلم على معانيها وإعرابها، وهي من شعر العرب والمتنبي. فقد أملى على أربعة عشر بيتاً من شعر المتنبي. أما بقية الأبيات فهي لشعراء عاشوا في عصور مختلفة. ولم تكن كل هذه الأبيات معروفة في كتب النحو واللغة والأدب، بل إن كثيراً منها لم يعرف قائله. كما أن بعضها يشبه الألغاز كقوله (¬1). ما بال هذا الريم أن لا يريم ... لو كان يرثي لسليم سليم ... وقوله (¬2): في فتى علق الطلاق بشهر ... قبل ما بعد قبله رمضان ... والطريق الذي سار عليه ابن الحاجب في هذا القسم من الأمالي أنه كان يذكر بيت الشعر أول الإملاء، ثم يقوم بشرحه أو إعراب بعض كلماته أو الإجابة على إشكال فيه، ولم يكن يطيل في ذلك. وأحياناً لا يذكر البيت في أول الإملاء بل يقدم له بمقدمة يشرح فيها مسألة معينة ثم يذكره بعد ذلك (¬3). وقد لوحظ في الإملاء (14) أن ابن الحاجب لم يمل على بيت من الشعر وإنما أملي على قولهم: بنفسي خيال وبابه. ويلاحظ أيضاً أنه لم يهتم بذكر قائل بيت الشعر الذي يملي عليه باستثناء أبيات المتنبي وثلاثة أبيات أخرى (¬4). ¬

_ (¬1) إملاء (35). (¬2) إملاء (39). (¬3) كما فعل في الإملاء (13) والإملاء (34). (¬4) وهذه الأبيات لعدي بن زيد وابن قلاقس الأسكندري وعمرو بن ملقط. انظر الإملاءات: 29، 31، 35.

6 - الأمالي المطلقة

6 - الأمالي المطلقة: هذا هو القسم السادس والأخير من أقسام الأمالي وهو أكبرها، حيث بلغ عدد إملاءاته (215) إملاء، أملاها ابن الحاجب في دمشق والقاهرة وبيت المقدس ما بين سنة 609 هـ وسنة 624 هـ. فقد أملي في دمشق (33) إملاء في السنوات: 617 هـ، 618 هـ، 619 هـ، 620 هـ، 621 هـ، 624 هـ، منها اثنان بدون تاريخ. وأملي في القاهرة (27) إملاء في السنوات: 609 هـ، 613 هـ، 614، 616 هـ. منها (19) إملاء بدون تاريخ. أما ما أملاه في بيت المقدس فقد كان إملاء واحداً سنة 616 هـ. وهناك إملاء واحد مجهول المكان أملاه سنة 625 هـ. كما أن هناك (153) إملاء مجهولة المكان والتاريخ. ولا تجمع هذا القسم وحدة في الموضوع كالأقسام الأخيري، وإنما هو أمال على موضوعات متفرقة لا رابطة بينها إلا البحث في النحو. وهي لا تبحث في أبواب النحو المعروفة توضيحاً وشرحاً، لكنها تغوص في فلسفة النحو والتعليل لكثير من ظواهره. وتبدو فيها مناقشة ابن الحاجب للنحويين ومخالفتهم في الرأي واعتراضه عليهم ونقض آرائهم بالدليل. كما يلاحظ استشهاده بالحديث النبوي في بعض المواضع، واهتمامه بالعوامل، وتعرضه للقراءات واللهجات والبلاغة والصرف، وضبطه لبعض المصطلحات النحوية. فمما ورد من فلسفة النحو بحثه عن السر في وجوب تقديم أدوات الاستفهام والشرط والنداء وأشباهها (¬1). وبحثه عن السر في حمل النصب على الجزم (¬2). وبحثه عن السبب في تسمية حروف العلة بذلك (¬3). وبحثه عن ¬

_ (¬1) إملاء (65). (¬2) إملاء (89). (¬3) إملاء (22).

أهمية الكتاب وقيمته

سبب امتناع (كان) الناقصة وأخواتها لما لم يسم فاعله (¬1). أما مناقشته لآراء النحويين ومخالفتهم في الرأي ونقض آرائهم فيظهر في اعتراضه على عبد القاهر الجرجاني (¬2) ورده على أبي علي الفارسي (¬3). وأما ضبطه لبعض المصطلحات النحوية فيظهر في قوله: "المضارعة والمضارع بالكسر، والفتح خطأ" (¬4). وقوله: "إنها حال مقيدة بكسر الياء، على أنه اسم فاعل، لا مفتوحة على أنه اسم مفعول" (¬5). أهمية الكتاب وقيمته لمعرفة أهمية كتاب الأمالي لابد من مقارنة بينه وبين غيره من كتب الأمالي من جهة، وبينه وبين كتب ابن الحاجب نفسه من جهة أخرى. وقد اخترت كتابين من كتب الأمالي هما: أمالي ابن الشجري وأمالي السهيلي، لوجود شيء من التشابه بينهما وبين أمالي ابن الحاجب. كما اخترت كتابين من كتب ابن الحاجب نفسه هما: الكافية والإيضاح في شرح المفصل. 1 - أمالي ابن الشجري: وهي لأبي السعادات هبة الله بن علي بن حمزة العلوي المعروف بابن الشجري المتوفى سنة 542 هـ. وهذه الأمالي موزعة على أربعة وثمانين مجلساً. قد يستغرق المجلس الواحد منها عدة موضوعات، وقد يتسغرق الموضوع الواحد عدة مجالس. ومنهج ابن الشجري في أماليه أنه يختار بيتاً من الأبيات المشكلة ¬

_ (¬1) إملاء (37). (¬2) إملاء (105). (¬3) إملاء (123). (¬4) إملاء (54). (¬5) إملاء (126).

2 - أمالي السهيلي

الإعراب، ثم يسهب في بيان وجوه الإعراب المختلفة عارضاً الآراء الكثيرة، بالمناقشة والتأويل، فإذا برزت كلمة غريبة شرحها وبين اشتقاقها، وهو في كل ذلك يستشهد بما يخطر له من شواهد القرآن والشعر واللغة. وقد يختار ابن الشجري موضوعاً نحوياً يملي عليه خروجاً على ما نهجه لنفسه. فمن ذلك إملاؤه في المجلس الثاني الذي أوله: قال رضي الله عنه: "التثنية والجمع المستعملان بالحرف أصلهما التثنية والجمع بالعطف، فقولك جاء الرجلان، ومررت بالرجلين، أصله: جاء الرجل والرجل، ومررت يزيد وزيد". وقد يذكر خبراً معيناً ينحدر به إلى موضوعات في اللغة والنحو، كما جرى في المجلس الثالث الذي أوله: قال تغمده الله برضوانه: "كان بنو زياد العبسيون الربيع وعمارة وقيس وأنس، كل واحد منهم قد رأس في الجاهلية وقاد جيشاً". وقد عرض ابن الشجري للمسائل الخلافية في النحو بين البصريين والكوفيين، فإذا به يلم بجوانبها، ناسباً كل رأي لصاحبه، عارضاً الحجج التي يدعم بها كل رأيه، ثم ينظر فيها فلا يدعها حتى يبين موقفه منها. وهو في الغالب يقف إلى جانب البصريين. 2 - أمالي السهيلي: وهي لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي المتوفى سنة 581 هـ. وهي عبارة عن مسائل وأجوبة، سأله عنها الفقيه المحدث أبو إسحق بن قرقول. وهي بمجموعها ست وخمسون ومئة مسألة. واحدة منها فيما لا ينصرف من الأسماء، وواحدة أخرى في كاف التشبيه، وثالثة في الجواب ببلى ونعم. وهذه المسائل الثلاثة لم يملها السهيلي على ابن قرقول؛

لأنه أثبت على هامش الورقة السابعة عشرة عند بداية المسألة الرابعة - كما ذكر الدكتور محمد إبراهيم البنا محقق الكتاب: (ومن هنا جوابه عن المسألة التي سأله عنها ابن قرقول)، وعددها أربع وسبعون مسألة تناول فيها مشكلات نحوية ولغوية وقعت في الحديث، وبقيت تسع وسبعون مسألة في الطلاق والإيمان اللازمة فيما يتعلق بإشكالات نحوية ولغوية. إذن فهذه الأمالي بمجملها مسائل لغوية ونحوية لها اتصال بأمور فقهية تتعلق مباشرة باختلاف الحالات الإعرابية المؤثرة في المعاني. وهي تستلزم تأويلات مختلفة لتفسير تلك الأمور الفقهية. وهي متعلقة أيضاً بما تحتمل المفردات والعبارات من وجوه المعاني، وتعلق هذه الوجوه بمسائل الفقه. إذن فالسهيلي فقيه نحوي كابن الحاجب، غير أن كل واحد منهما سلك سبيلاً غير التي سلكها الآخر. فأمالي ابن الحاجب مجموعة وافرة أملاها على طلابه في أزمنة وأمكنة مختلفة. فهو قد أملي في دمشق بجامع المالكية وهي أكثر أماليه، لأن مدة مكوثه في دمشق شهدت أوج نشاطه العلمي، وقد أملى أيضاً في القاهرة قبل ذلك وبعده، وأملى في بيت المقدس وغزه قليلاً. وأمالي ابن الحاجب توزعتها مواضع مشكلة الإعراب. فقد أملى على آيات من القرآن، وعلى مواضع من المفصل، وعلى مواضع من الكافية، وعلى مواضع من أبيات، وأملي أيضاً على مسائل خلافية، وعلى مسائل مشكلة في الإعراب واللغة. ولا شك أن أمالي ابن الحاجب على آيات من القرآن قد اشتملت على مسائل فقهية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لكنها بوجه عام لم تقع في دائرة الفقه التي أحاطت بأمالي السهيلي، مع الفق الواضح في طبيعة هذه الأمالي التي هي أجوبة اقتضتها أسئلة، وتلك التي أملاها ابن الحاجب على طلابه في

3 - الكافية

المدارس والمساجد في حلقات الدرس. لهذا كانت أماليه أميل إلى أن تكون نحواً خالصاً منها إلى أن تكون فقهاً، لأن النحو كان هو الموجه لا، وهو أيضاً الغاية الأولى التي كان ابن الحاجب يرمي إليا. غير أن أمالي السهيلي على خلاف ذلك، فهدفا الفقه، ووسيلتها إلى تحقيق وإيضاح هذا الهدف هو بعض مسائل الفقه، وهذا أمر لا يسلم منه من يريد الإيغال في المشكلات النحوية في القرآن الكريم، خصوصاً لمن كانت ثقافته مزيجاً من الفقه والقراءات والنحو. 3 - الكافية: كتاب الكافية خلاصة نحوية موجزة. ولكنها بالرم من إيجازها الشديد وإنبهام بعض عباراتها، تبقى مرجعاً نحوياً له وزنه، ولولا هذا الإيجاز لجاءت أكثر وضوحاً. لقد قصر ابن الحاجب كافيته على مسائل النحو، وفصلها عن مسائل الصرف بعد أن كانت هذه المسائل جميعاً تدرس جنباً إلى جنب. وقد جاءت مسائل النحو في الكافية منتظمة انتظاماً سليماً، فأعجب بها الناس وتداولوها وانبرى العلماء لشرحها وإعرابها ونظمها واختصارها. سار ابن الحاجب في كافيته على نهج الزمخشري في مفصله وقفى على آثاره وتتبعه، وهذا ليس عيباً في المنهج. فمنهج الزمخشري في مفصله وتقسيمه إلى أربعة أبواب منهج سليم. غير أن ابن الحاجب قد غاير الزمخشري في وضع بعض الموضوعات في باب كان الزمخشري قد وضعها في غيره. أو أنه لجأ إلى التقديم والتأخير أحياناً، مع اختلافات أخرى. وجملة القول أن الكافية جاءت موجزة إيجازاً شديداً، في بض عبارتها قصور عن الإحاطة بمسائل النحو، وفي كثير منها إشارات وتلميحات، ولابد أن يجد الدارس

4 - الإيضاح في شرح المفصل

بعض مسائلها مبهمة تحتاج إلى إيضاح وتفسير. 4 - الإيضاح في شرح المفصل: واكب ابن الحاجب عبارة الزمخشري في المفصل، شارحاً الكتاب قرة فقرة، بادئاً بأوائل الموضوعات، ثم هو يملي فيها بما أمدته به عقليته النحوية، وأسلوبه في معالجة المشكلات النحوية، وإيضاح المسائل المبهمة. ويظهر للناظر في كتاب الإيضاح أن عقلية الفقيه هي السائدة في مباحثه، حيث كثرت فيه التأويلات والترجيحات التي تخضع خضوعاً واضحاً لأساليب الفقهاء والأصوليين. ومنهج الشرح بوجه عام هو منهج المفصل. لكن ابن الحاجب خالف الزمخشري في مواضع كثيرة، ورد عليه بعض أقواله، ولم يسلم بكل ما قاله. ويؤخذ على ابن الحاجب في شرحه هذا أنه لا يسير على نهج واحد؛ فهو يورد نصاً كاملاً للزمخشري فيعالجه، ومرة أخرى يأخذ جزءاً من نص فيشرحه، وربما اتصل قول الزمخشري بقوله فلا يتميز قوله من قول الزمخشري، أو ربما وضح مسألة وعقب عليها دون إيراد النص مكتفياً بالإشارة. كما يلجأ إلى التعميم دون التخصيص، ويخوض في مسائل ليست من صميم الموضوع، وقد يقحم بعض الموضوعات في غير أبوابها، وقليلاً ما ينسب الآراء النحوية التي يذكرها لأصحابها، إلا إذا كانوا من كبار النحاة كالخليل وسيبويه والفارسي وبعض هذه المآخذ وجدت عنده في أماليه على المفصل. وبعد هذا الحديث عن هذه الكتب الأربة والتي لها صلة بأمالي ابن الحاجب، أين يقف هذا الكتاب من هذه الكتب؟ وما الميزة التي يمتاز بها حتى جعلت منه كتاباً عظيماً ينهل منه العلماء؟. أما أمالي ابن الشجري فكان يخلط صاحبها النحو بالشعر والأدب واللغة، ولكن أمالي ابن الحاجب تدور في فلك النحو، حتى أماليه على الآيات القرآنية الهدف منها الإعراب. وأما أمال

السهيلي فكان هدفها الرئيسي الفقه وجاء النحو فيها لتحقيق هذا الهدف؛ لكن أمالي ابن الحاجب بالرم من اشتمالها على مسائل فقهية إلا أنَّ النحو كان هو الهدف الأساسي منها، فإنْ أطلقنا عليها الأمالي النحوية لم نكن قد جانبنا الصواب. ولا يعني هذا أن ابن الحاجب في أماليه لم يتعرض إلا إلى النحو، فقد ضمنها علوماً مختلفة من لغة وقراءات وفقه وأصول وتفسير وحديث وشعر وأدب، إلا أن النحو كان مواكباً لهذه العلوم. ولم يقتصر ابن الحاجب في أماليه على مسائل نحوية معينة، بل ناقش معظم مسائل النحو، وأكاد أجزم بأنه قد طرق أبواب النحو جميعها، وتحدث عدة مرات عن كثير منها. وتعدي النحو إلى المسائل الصرفية كالإعلال والإبدال والإمالة والتصغير والنسب والوقف. وإذا انتقلنا إلى كافية ابن الحاجب والإيضاح في شرح المفصل، لوجدنا أن الكافية جاءت موجزة إيجازاً شديداً، ويوجد في بعض عباراتها قصور عن الإحاطة بمسائل النحو، وفي كثير منها إشارات وغموض يحتاج إلى شرح وإيضاح، ويبدو أن ابن الحاجب نفسه قد فطن إلى هذا الإيجاز وإلى هذا الإبهام فقام بشرحها، أضف إلى ذلك أن كثيراً من العلماء الذين جاءوا من بعده شرحوها، ولولا إيجازها وإبهامها لما وجدنا هذه الشروح الكثيرة لها. ولا يني هذا أن الكافية ليست لها قيمة كبيرة، بل بالعكس من ذلك فإن أهميتها الكبيرة جعلت الناس يعجبون بها ويتداولونها ويقومون بشرحها وإعرابها ونظمها واختصارها. لكن أمالي ابن الحاجب لم تتسم بهذا الإيجاز بل جاءت مسهبة، فيها تفصيل وتوضيح لكل المسائل التي تناولتها، قل ما تجد فيها مسألة مبهمة غامضة تحتاج إلى شرح، إلا بعض المسائل المنطقية والفقهية. نخلص من هذا أن الأمالي وفت بالغرض المطلوب دون أن يكون هناك إبهام أو غموض في مسائلها وعباراتها إلا ما ندر. وإن ما رأيناه من الإيجاز والاختصار والإبهام في الكافية لم يقع مثله في الأمالي إلا في بعض المسائل

القليلة، ومعظمها لا يتعلق بمسائل النحو المعروفة بل بأمور أخرى. وكتابة (الإيضاح في شرح المفصل) تناول فيه المفصل كله، وقد تبين أن هذا الكتاب أسبق من الأمالي. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا أملي ابن الحاجب على أجزاء من المفصل في كتابه الأمالي ولِمَ لم يكتف بشرحه له في الإيضاح؟ والجواب عن ذلك: أن أماليه على المفصل أكثرها يعد تكملة واستدراكاً لما فاته في الشرح، مما أثاره تلاميذه، أو مما أملاه لإفادتهم، وفي أماليه على المفصل كان ابن الحاجب أحياناً يكرر بعض المعاني التي وردت في الإيضاح. وإذا قارنا بين إملائه على المفصل وبين الإيضاح فإننا لا نجد فرقاً بينهما من ناحية المنهج والأسلوب. ولكن إذا قارنا بين الأمالي وبين الإيضاح ككتابين لابن الحاجب، فإنا نجد الأمر يختلف. صحيح أن كتاب الإيضاح تناول فيه معظم مسائل المفصل التي اشتملت على أبواب النحو الأربعة: الأسماء والأفال والحروف والمشترك؛ إلا أن ابن الحاجب لم يتناول في الإيضاح إلا هذه الأبواب كما جاءت في المفصل. بيد أنه في الأمالي قد تناول معظم أبواب النحو وتحدث عن الحدود والعلل وأشبها شرحاً وتوضيحاً، وتكلم عن معنى وإعراب آيات كثيرة من القرآن، وتطرق إلى القراءات واهتم بالقراء السبة. وكثيراً ما كان يربط مغنى الآية القرآنية بإعرابها وأوجه القراءة فيا. أضف إلى ذلك أن ابن الحاجب قد تناول في أماليه مسائل فقهية ولغوية ومنطقية، وأحاديث شريفة، وأبيات شعرية غريبة تحدث عن معانيها وإعراباتها. إلى جانب هذا كله فإنه في الأمالي تناول فلسفة النحو والتعليل لكثير من ظواهره. كما اهتم بالعوامل واللهجات والبلاة والصرف والمصطلحات النحوية، وعقد فصلاً خاصاً لمسائل الخلاف بين النحاة.

وبعد هذا العرض تتضح لنا أهمية الأمالي بين كتب ابن الحاجب نفسه وبين الكتب الأخرى. لهذا فإن كل من ترجم لابن الحاجب قد أطرى هذا الكتاب بالمديح. وإنه قد لقي اهتماماً كبيراً من العلماء، وعرفوا له قدره، واعتبره بعضهم من أجل مؤلفات ابن الحاجب. فلا عجب إذن أن نجد العلماء يكثرون من النقل منه، ويعتمدون عليه في مؤلفاتهم. وقد أثنى بعضهم عليه ثناء كبيراً، قال ابن الجزري (¬1): "ومؤلفاته تنبئ عن فضله كمختصري الأصول والفقه ومقدمتي النحو والتصريف ولاسيما أماليه التي يظهر منها ما أتاه الله من عظم الذهن وحسن التصور". وقال السيوطي (¬2): "وله الأمالي في النحو مجلد ضخم في غاية التحقيق". وقال ابن فرحون (¬3): "وله الأمالي في ثلاث مجلدات في غاية الإفادة". وهذا السيوطي يذكر في مقدمة كتابه (الإتقان في علوم القرآن) أن من المراجع التي اعتمد عليا ولخص منها كتابه أمالي ابن الحاجب (¬4). وذكر البغدادي أن من مراجعة التي اعتمد عليها في النحو عند تأليفه كتابه (خزنة الأدب9 كتاب الأمالي لابن الحاجب (¬5). وقد نقل عنه في عدة مواضع في كتابيه خزانة الأدب وشرح شواهد الشافية. ون من يطلع على كتاب مغني اللبيب بن هشام والأشباه والنظائر للسيوطي يجد فيهما الكثير من المسائل ¬

_ (¬1) غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 508. (¬2) بغية الوعاة 2/ 135. (¬3) الديباج المذهب 2/ 86. (¬4) الإتقان في علوم القرآن 1/ 33 (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم). (¬5) الخزانة 1/ 9 (بولاق).

نسخ الكتاب

التي نقلت من كتاب الأمالي. كل هذا يدل على أهمية هذا الكتاب وقيمته ومنزلته الرفيعة. نسخ الكتاب نسخ كتاب الأمالي كثيرة، وقد ذكر بروكلمان معظمها (¬1). وهي موجودة في القاهرة واستنبول والمدينة المنورة وبرلين وباريس ومدريد وفينا والهند. وحاولت جهدي الحصول على أكبر عدد ممكن من النسخ المصورة عنها. وبعد وقت طويل ومراسلات مضنية ورحلات شاقة استطعت الحصول على سبع نسخ مصورة على ورق وأفلام. وقد أتيحت لي الفرصة للاطلاع على عدد آخر من النسخ وكتابة ملاحظات عنها وذلك في مكتبة دار الكتب المصرية وعدة مكتبات في استنبول. وقد اعتمدت في التحقيق خمس نسخ من تلك التي حصلت على صور منها. وهذه النسخ هي: نسخة شهيد علي في استنبول رقم (2337)، ونسخة دار الكتب المصرية رقم (26)، ونسخة الحرم المدني في لمدينة المنورة رقم (17)، ونسخة أحمد الثالث في استنبول رقم (2263)، ونسخة المكتبة الوطنية في باريس رقم (6214)، وسأتحدث ن هذه النسخ بالتفصيل. أما النسخ الأخرى فسأكتفي بالحديث عنها بشكل موجز. 1 - نسخة شهيد علي رقم (2337): توجد هذه النسخة في مكتبة شهيد علي باشا الملحقة بالمكتبة السليمانية في استنبو. وهي أقدم نسخة، إذ كتبت سنة 628 هـ، أي: بد وفاة ابن الحاجب بأقل من أربعين سنة. وهذه النسخة كاملة كتبت بخط يشبه الخط الفارسي مضبوط بالشكل، وعدد أوراقها (266) ورقة من القطع المتوسط، في ¬

_ (¬1) تاريخ الأدب العربي /333.

كل صفحة (20 سطراً)، ومتوسط كلمات كل سطر (12) كلمة. ونظراً لقدم هذه النسخة ودقتها وقلة أخطائها، ولأنها مراجعة على نسخة أخرى مقروءة على المملي نفسه وهو ابن الحاجب ومصححة عليه، فإنها نسخة قيمة، لذا فإني اعتمدتها أصلاً في التحقيق، وأشرت إليها بكلمة (الأصل). كتب في أعلى الصفحة الأولى عنوان الكتاب وهو (الأمالي لابن الحاج)، ثم كتبت العبارة الآتية بخط أسود واضح: "هذه المجلدة مشتملة على أمالٍ مفرقة في النحو جليلة من كلام الشيخ الإمام العلامة حجة العرب وفخرهم جمال الدين أبي عمرو ابن الحاجب تغمده الله برحمه. منها ما يتعلق بالقرآن العزيز ومنها ما يتعلق بكتاب المفصل للزمخشري رحمه الله ومنها ما يتعلق بأبيات عربية ومحدثة وغير ذلك، وهذه المجلدة عزيزة الوجود جداً فليعرف قدرها". وفي أسفل الصفحة كتبت أقسام الأمالي، وعلى الجهة اليمنى منها كتب اسم من تملك هذه النسخة وختمان، أحدهما: صغير لم تتضح كتابته، والآخر: كبير كتب فيه: "مما وقفه الوزير الشهيد علي باشا رحمه الله تعالى بشرط ألا يخرج من خزانته". بداية هذه النسخة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلواته لى خير خلقه وآله أجمعين. قال الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب رحمه الله مملياً بدمشق المحروسة سنة سبع عشرة وستمائة: تقاتلونهم أو يسلمون. وجاء في آخرها: فرغ المرتجي رحمة ربه ومغفرته عبد الرحمن بن يحي بن عمرو بن يوسف بن أبي الحسن التبريزي المذهبي عفا الله عنه وستر

2 - نسخة دار الكتب رقم (26)

عيوبه من الأمالي المفرقة نسخاً صبيحة يوم السبت الرابع والعشرين من المحرم المبارك لسنة اثنتين وثمانين وستمائة هجرية في جامع مدينة دمشق المحروسة محاذياً لقبر هود النبي عليه السلام وذلك من نسخة مقروءة على المملي رحمه الله ومصححه، عليا خط يده رحمه الله. ولله الحمد على توفيق الإتمام. ثم بعدها كتبت المقابلة الآتية: قابل هذه النسخة المباركة كاتبها الشيخ الإمام العالم الصدر الكامل جامع أسباب الفضائل فسح الله في (منته) وأعاد من بركته بالأصل المنقول منه وهو أصل الشيخ جمال الدين رحمه الله وكان يبدي (إعادته) فوافق والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين. كتبه أحمد بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري عفا الله عنه. يوجد في هوامش هذه النسخة بعض التصويبات والتعليقات واسماء السور القرآنية وعناوين لبعض الإملاءات. ويلاحظ أنه يوجد في آخر هذه النسخة فصل عن (لو) ورسالة في العشر. هذا وقد اطلعت بنفسي على هذه النسخة في مكتبة شهيد على الملحقة بالمكتبة السليمانية باستنبول، وحصلت على صورة منها من معهد المخطوطات العربية بالقاهرة. 2 - نسخة دار الكتب رقم (26): وهي نسخة تامة، وخطها واضح مقروء، كتبت بخط النسخ الجميل سنة 696 هـ، أي: بعد وفاة المؤلف بخمسين سنة. وقد بلغ عدد أوراقها 180 ورقة أي: (360) صفحة؛ في كل صفحة (21) سطراً، ومتوسط عدد كلمات كل سطر (17) كلمة. ويوجد في أعلى الصفحة الأولى عنوان الكتاب (الأمالي لابن

الحاجب). وبعد العنوان فهرس الآيات القرآنية التي أملي عليا ابن الحاجب، وهذا الفهرس ليس كاملاً. وفي آخر هذه الصفحة على الجهة اليسرى يوجد ختم كبير غير واضح. وعلى حواشي الصفحة الثانية والثالثة عبارة وقفية نصها (وقف المرحوم محمد بيك بجامعة)، وبأعلى هاتين الصفحتين خاتم يحمل اسم (محمد) بخط الثلث الكبير. جاء في أول هذه النسخة: بسم الله الرحمن الرحيم، رب يسر وأعن بلطفك، قال الشيخ أدام الله توفيقه مملياً بدمشق سنة سبع عشرة قوله تعالى: تقاتلونهم أو يسلمون ... وجاء في نهايتها: وقع الفراغ من نسخة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب الفرد سنة ست وتسعين وستمائة على يد الفقير إلى الله تعالى علي بن داود بن يحيى القرشي. وفي الصفحة الأخيرة يوجد ختم كبير هو نفس الختم الموجود في صفحة العنوان. وإلى الأعلى منه كتبت العبارة الآتية: بلغ مقابلة بالأصل بقدر الإمكان والله أعلم بالصواب. وفي أسفل هذه الصفحة إلى الجهة اليمنى كتب: الحمد لله طالعه وانتقى من فوائده عبد الرحمن بن أبي بكر السيوط الشافعي. ويلاحظ في هذه النسخة أن بها قدراً بخط مخالف لبقية النسخة وذلك من صفحة (21) حتى نهاية صفحة (40)، وقد كتبت بعض الكلمات في هذه الصفحة برسم يغاير نظيره في بقية النسخة، كما أن هذه الصفحات لا يذكر فيا في نهاية كل إملاء عبارة: والله أعلم بالصواب. التعليقات والتصويبات في الهوامش قليلة، وكثيراً ما تكتب عبارة: بلغ مقابلة بالأصل. ويلاحظ في هذه النسخة أن الصفحة 164 بيضاء. هذا وقد اطلت على هذه النسخة بدار الكتب وحصلت على نسخة مصورة منها، ونظراً لأن هذه النسخة كاملة وقليلة الأخطاء فقد اعتمدتها في التحقيق ورمزت لها بالحرف (ب) .. ويكفيا قيمة اطلاع السيوطي عليا وانتفاؤه منها.

3 - نسخة الحرم المدني رقم (17)

3 - نسخة الحرم المدني رقم (17): توجد هذه النسخة في مكتبة الحرم النبوي بالمدينة المنورة. عدد أوراقها (152) ورقة من الحجم المتوسط. في كل صفحة (29) سطراً، ومتوسط كلمات كل سطر (16) كلمة. كتبت هذه النسخة سنة (790 هـ) بخط مغربي جميل مشكول أحياناً، وقد ميزت رؤوس العبارات بخط واضح. كتب في صفحة العنوان العبارة الآتية: هذه المجلدة مشتملة على أمال مفرقة في النحو جليلة من كلام الشيخ الإمام العلامة حجة العرب جمال الدين أبي عمرو بن الحاجب. وإلى جانب هذه العبارة توجد أسماء من تملكوا هذه النسخة وختم غير واضح. ولا يوجد في هوامش هذه النسخة آية تعليقات أو شروح إلا ما ندر جاء في أولها: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم تسليماً. قال الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله مملياً بدمشق المحروسة سنة سبع عشرة وستمائة تقاتلونهم أو يسلمون .... وجاء في آخرها: فرغ الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وأصحابه أجمعين في الثالث عشر من رجب الفرد عام تسعين وسبعمائة. وبعد ذلك كتبت العبارة الآتية: بلغ مقابلة صح والحمد لله على كل حال. ويوجد بعد ذلك فصل عن (لو). وفي نهاية هذا الفصل أبيات من الشعر لم أستطع قراءتها ولا إدراك معانيها. وقد اطلعت على هذه النسخة في المدينة المنورة، وحصلت على صورة منها من معهد المخطوطات بالقاهرة، وعند قراءتي لها وجدت أنها لا تختلف

4 - نسخة أحمد الثالث رقم (2263)

كثيراً عن نسخة الأصل، وأن أخطاءها قليلة، ولا يوجد حذف في أسطرها وكلماتها، لذا فإنني اعتمدتها في التحقيق ورمزت لها بالحرف (م). 4 - نسخة أحمد الثالث رقم (2263): توجد هذه النسخة في مكتبة أحمد الثالث الملحقة بمتحف (طبو قباي سراي) في استنبول. وقد كتبت سنة 733 هـ بقلم نسخي نفيس بخط عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن المهندس الحنفي الدمشقي. وعدد أوراقها (167) ورقة، أي (334) صفحة. ي كل صفحة (27) سطراً، ومتوسط كلمات كل سطر (15) كلمة. على الصفحة الأولى يوجد عنوان الكتاب وهو (كتاب الأمالي الكبرى لابن الحاجب). وإلى أسفل العنوان توجد أسماء غير واضحة، والظاهر أنها أسماء من تملكوا هذا الكتاب، وبعدها ترجمة لابن الحاجب، وفي أسفل هذه الصفحة يوجد ختمان، كتب في أحدهما: وقف السلطات أحمد خان، وكتب في الآخر: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وهذه النسخة كاملة ولا يوجد فيها نقض. أولها: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله، قال الشيخ رحمه الله مملياً بدمشق سنة سبع عشرة قوله تعالى: تقاتلونه م أو يسلمون. وآخرها: تمت الأمالي المفرقة بحمد الله ومنه وكرمه. وكان الفراغ من تمامها عشية الجمعة سادس شهر رمضان المعظم من سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة المعزية على يد عبد الله بن محمد بن إبراهيم عُرف والده بابن المهندس الحنفي الدمشقي. يوجد ي الحواشي بعض التصويبات والتعليقات لكنها قليلة. في الأمالي على الآيات القرأنية كتبت أسماء السور في الهوامش. وفي الأمالي على

5 - نسخة باريس رقم (6214)

المقدمة والأمالي على المسائل المتفرقة كتبت ي الهوامش أسماء المواضيع التي أملي عليها ابن الحاجب. وقد لاحظت أن الأوراق: 58، 59، 60، 61، 62 فيا شيء من الاضطراب وعدم الوضوح حيث الأرضة أكلت أجزاء منها. كما يوجد في هذه النسخة سقط في الكلمات والأسطر، ولكن ظهر لي أنها من عمل الناسخ بسبب انتقال النظر أو السهو. ولكن هذا لا يفقد هذه النسخة قيمتها، وقد اعتمدتها في التحقيق ورمزت لها بالحرف (د). وقد شاهدتها في استنبول، وحصلت على نسخة مصورة منها من معهد المخطوطات العربية بالقاهرة. 5 - نسخة باريس رقم (6214): توجد هذه النسخة في المكتبة الوطنية في باريس. وقد كتبت بخط فارسي جميل غير مشكول سنة 1233 هـ. فهي نسخة حديثة بالنسبة لبية النسخ. وعدد أوراقها (160) ورقة من القطع الكبير، أي (320) صفحة. في كل صفحة (25) سطراً، ومعدل كلمات كل سطر (17) كلمة. وهذه النسخة كاملة غير ناقصة. يوجد ي أعلى الصفحة الثانية عنوان الكتاب بخط صغير وهو (أمالي ابن الحاجب). وفي وسط الصفحة كتبت العبارة الآتية: هذا كتاب أمالي قدوة العلماء المحققين وزبدة الفضلاء المدققين الشيخ جمال الدين أبي عمرو بن الحاجب تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه بحبوحة جنته والمسلمين أجمعين. أما الصفحة الأولى قد كتب فيها أقسام الأمالي وبعض الأسماء غير الواضحة لمن تملكوا هذا الكتاب. أول هذه النسخة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين

6 - النسخ الأخرى

وصلواته على خير خلقه محمد وآله أجمعين، قال الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله مملياً بدمشق المحروسة سنة سبع عشرة وستمائة على قوله تعالى: تقاتلونهم أو يسلمون. وآخرها: والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب، تمت بمعونة الوهاب سنة الألف والمائتين وثلاث وثلاثين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة. وإلى جانب ذلك يوجد ختم صير كتب في داخله: محمد سعيد 1233 هـ. أما الصفحة الأخيرة من هذه النسخة فيوجد فيها إعراب قوله تعالى: "أفمن زين له سوء عمله" (¬1). وعلى الهامش كتب عبارة (خط الشهابي المصري سلمه الله). ولا يعلم إن كان هذا هو ناسخ المخطوطة كلها أو ناسخ إعراب الآية المذكورة فقط. وعند اطلاعي على هذه النسخة وجدت أنها قريبة الشبه بنسخة الأصل (نسخة شهيد على). كما أنها تتطابق مع نسختين موجودتين في استنبول، هما: نسخة عاطف أفندي رقم (2436) ونسخة فيض الله رقم (1572). كما لاحظت أنها اشتملت على كلمات صحيحة أخطأت فيها بقية النسخ. ولكن عيب هذه النسخة أن بها قدراً من السقط والتصحيف، ومرجع ذلك إلى جهل الكاتب الذي كتبها، ولكن هذا لا يفقدها قيمتها. وقد اعتمدتها في التحقيق ورمزت لها بالحرف (س). وقد حصلت على نسخة مصورة منها من المكتبة الوطنية في باريس. 6 - النسخ الأخرى: ويبلغ عددها خمس عشرة نسخة وقد اطلعت على معظمها، بل حصلت ¬

_ (¬1) فاطر: 8.

1 - نسخة دار الكتب رقم 1034

على مصورتين لنسختين منها. وفيما يلي وصف موجز لهذه النسخ: 1 - نسخة دار الكتب رقم 1034: كتبت هذه النسخة بخط النسخ الواضح ولم يذكر تاريخ نسخها. ويبلغ عدد أوراقها (139) ورقة. في كل صفحة (17) سطراً. ومعدل كلمات كل سطر (10) كلمات. يوجد في هذه النسخة نقص كبير، فلم يذكر فيها الإملاء على المقدمة ولا الإملاء على أبيات من الشعر ولا الأمالي المفرقة. وقد اطلعت عليها في دار الكتب المصرية. 2 - نسخة دار الكتب رقم 1007: كتبت هذه النسخة سنة 706 هـ بالخط الفارسي. وكاتبها هو: كاميار بن أحمد بن كاميار المشهدي الأبهري. عدد أورقها (89) ورقة. في كل صفحة (36) سطراً، ومتوسط كلمات كل سطر (17) كلمة. فيا اضطراب في أوراقها بالتقديم والتأخير. وصفحاتها غير مرقمة، وفيها نقص وعدم دقة. وقد اطلعت ليها في دار الكتب المصرية. 3 - نسخة لاسكريال رقم 1336: توجد هذه النسخة في مكتبة الأسكريال في إسبانيا ضمن مجموعة مكونة من (174) ورقة. عدد أوراقها (101) ورقة من القطع الكبير. في كل صفحة (31) سطراً، ومعدل كلمات كل سطر (17) كلمة. كتبت بالخط المغربي، لكن كثيراً من خطها غير واضح تصعب قراءته. كما أن هناك كثيراً من الجمل والكلمات قد سقطت. وقد كتبت هذه النسخة سنة 72 هـ، وتميزت بترتيب الآيات الرآنية التي أملي عليها ابن الحاجب حسب السور. هذا وقد حصلت على صورة منها من مكتبة (الأسكريال) ولكني لم أعتمدها في التحقيق

4 - نسخة أحمد الثالث رقم 2254

لصعوبة قراءة خطها ولأن فيها كثيراً من السقط؛ غير أني كنت أستأنس بها أحياناً. 4 - نسخة أحمد الثالث رقم 2254: توجد هذه النسخة في مكتبة أحمد الثالث الملحقة بمتحف (طبو باي سراي) في استنبول ضمن مجموعة مكونة من (225) ورقة. أما عدد أوراقها فيبلغ (188) ورقة من القطع الكبير. عدد أسطر كل صفحة (25) سطراً، ومتوسط كلمات كل سطر (21) كلمة. وخطها نسخي عادي. وقد كتبت سنة 869 هـ. وقد اطلعت عليها في استنبول، وظهر لي أن أوراقها مضطربة في التقديم والتأخير وأن صفحاتها غير مرقمة وأنها تفتقر إلى الدقة في كثيرٍ من عباراتها. 5 - نسخة برلين رقم 6613: توجد هذه النسخة في مكتبة الدولة في برلين. عدد أوراقها (306) من القطع المتوسط. في كل صفحة (21) سطراً، ومتوسط كلمات كل سطر عشر كلمات، وقد كتبت بخط النسخ العادي غير المشكول وغير المنقوط في كثير من الأحيان، ولم يذكر تاريخ نسخها. وقد حصلت على نسخة مصورة منها من برلين. وعندما اطلت على هذه النسخة وجدت أنها نسخة لا تصلح للتحقيق لكثرة التصحيف والتحريف فيها، ولأن كثيرة من عباراتها وسطورها قد سقط، وأن هناك (19) إملاء من القسم الأول أيضاً قد سقطت. 6 - نسخة فيض الله رقم 1572: توجد هذه النسخة في مكتبة فيض الله في حي الفاتح في استنبول. وقد كتبت بخط تعليق عادي بالحبر الأسود، ولا يوجد تاريخ نسخها. وقد بلغ عدد أوراقها (195) ورقة من الحجم الكبير. في كل صفحة (29) سطراً ومتوسط كلمات كل سطر (18) كلمة. وقد اطلعت عليا في استنبول وظهر لي أنها

7 - نسخة عاطف أفندي رقم 2426

حديثة العهد وأنها تتطابق مع نسخة باريس رقم (6214). 7 - نسخة عاطف أفندي رقم 2426: توجد هذه النسخة في مكتبة عاطف أفندي في استنبول. عدد أوراقها (198) ورقة من الحجم الكبير. في كل صفحة (33) سطراً، ومتوسط كلمات كل سطر (12) كلمة. كتبت بخط النسخة العادي بالحبر الأسود، ولم يذكر تاريخ نسخها. وقد اطلعت عليها في استنبول ووجدتها تتطابق مع نسخة (فيض الله) ومع نسخة (باريس رقم 6214). 8 - نسخة عاشر أفندي رقم 1031: توجد هذه النسخة في مكتبة عاشر أفندي الملحقة بالمكتبة السليمانية في استنبول. عدد أوراقها (193) ورقة من القطع الكبير. في كل صفحة (29) سطراً، ومعدل كلمات كل سطر عشر كلمات. لم يذكر تاريخ نسخها ولا اسم ناسخها. وقد اطلعت عليها في استنبول وظهر لي أنها حديثة العهد. 9 - نسخة باريس رقم 4392: توجد هذه النسخة في المكتبة الوطنية في باريس. وقد أفادتني المكتبة المذكورة أن تصوير هذه النسخة صعب ولا يكون واضحا لأن ورقها أصفر وخطها رديء مشرب بالحمرة. 10 - نسخة بنكيبور (خدا يخش) في الهند: أفادتني المكتبة المذكورة أن هناك نسختين من الأمالي: إحداهما مكونة من ثلاث ورقات، والأخرى مكونة من (25) ورقة، وأن التصوير يحتاج إلى إجراءات رسمية. فعلى هذا تكون هاتان النسختان تشكلان قسماً صغيراً من الأمالي فلا فائدة ترجي منهما.

11 - نسخة حسين جلبي رقم 1019

11 - نسخة حسين جلبي رقم 1019: توجد هذه النسخة في مكتبة حسين جلبي في مدينة برسة في تركيا. ولم يذكر بروكلمان هذه النسخة. وإنما ذكرها الدكتور رمضان ششن في كتابه: (نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا) 1/ 67. وقد كتبت سنة 939 هـ، وعدد أوراقها (122) ورقة. وقد حاولت الحصول على نسخة مصورة منها ولكن لم يصلني رد من المكتبة المذكورة. 12 - نسخة فينا رقم 386: توجد في المكتبة الوطنية في فينا في النمسا. وقد حاولت مراراً الحصول على نسخة منها لكني. لم أستطع لعدم رد المكتبة المذكورة. 13 - نسخة راغب باشا رقم 1352: توجد في مكتبة راغب باشا في استنبول. ولم أستطع الاطلاع عليها أثناء تواجدي في استنبول لأن المكتبة كانت مغلقة للجرد. 14 - نسخة عارف حكمت رقم 12/ 415: توجد هذه النسخة في مكتبة عارف حكمت في المدينة المنورة. عدد أوراقها (168) ورقة. في كل صفحة (21) سطراً، ومعدل كلمات كل سطر (17) كلمة. كتبت بالخط الفارسي سنة 1117 هـ. اطلعت عليا ورأيت أنها لا تختلف ن نسخة الأصل وعن نسخة الحرم المدني. وهذه النسخة لم يذكرها أحد. 15 - نسخة ديني خان رقم 930/ 931: ذكر هذه النسخة بروكلمان. ولم أجد لهذه المكتبة ذكراً في تركيا أو في غيرها. وكذلك ذكر أن هناك شرحاً مطبوعاً للأمالي في استنبول سنة 1287 هـ. لكني لم أجده في كل مكتبات استنبول. ***

الفصل الثالث: ابن الحاجب في كتابه الأمالي

الفصل الثالث: ابن الحاجب في كتابه الأمالي 1 - موقف ابن الحاجب من النحاة. 2 - موقفه من الشواهد. 3 - الآراء التي خالف بها جمهور النحاة. 4 - مآخذ عليه. 5 - أهم القضايا النحوية التي اشتمل عليها الكتاب.

موقف ابن الحاجب من النحاة

موقف ابن الحاجب من النحاة إن من ينظر في كتب بن الحاجب عامة وكتاب الأمالي خاصة إنه يجده يمعن إمعاناً بارزاً في عرض الآراء النحوية المختلفة التي تدور حول كل مسألة من المسائل التي يجري البحث فيا.، ثم يدلي بالحجج التي يدعم بها القائلون آراءهم، ويناقشها رأياً رأياً. وهو في مناقشاته لا يعني بنسبة الآراء النحوية إلى أصحابها إلاَّ في القليل. وإذا ذكر فإنه لا يذكر إلاَّ أسماء النحاة الكبار من المتقدمين أمثال الخليل وسيبويه والأخفش وابن جني والفراء والمبرد والفارسي، وربما عمَّم البصريين أو الكوفيين. إن محاولة ابن الحاجب في عرض الوجوه المختلفة للمسالة الواحدة أمر يد على نه قد هضم مسائل النحو واستوعبها وألم بجوانبها. والرجل في جوئة إلى التعليلات يسير مع البصريين في أقيستهم وعللهم، لكنه في بعض الأحيان يختلف معهم مدعماً رأيه بالحجة والبرهان. وموقفه من النحاة لا يعتمد على كونهم مشهورين أو غير مشهورين، أو كونهم بصريين أو كويين، وإنما يعتمد على قناعته بالرأي نفسه وليس بصاحبه، فهو ليس متعصباً لعالم مهما كانت منزلته. كما أنه لم يكن إمعة متابعاً عن غير وعي. وسأتحدث عن موقفه من اثنين من العلماء هما: سيبويه والزمخشري؛ لأنه قد تأثر بهما وأكثر من النقل عنهما ووافقهما في كثير من المسائل، إلا أنه قد خالفهما في بعضها.

أولا: موقفه من سيبويه

أولاً: موقفه من سيبويه: يعتبر سيبويه إمام نحاة البصرة، بل إمام النحاة جميعاً. ويعد كتابه أول كتاب اشتمل على قواعد العربية بشكل متكامل. وقد ظهرت عناية ابن الحاجب به في مصنفاته المختلفة، فقد كان كثيراً ما ينقل عنه، ويؤيده ويرجح آراءه، ويتابعه في كثير من تعليلاته، ويقال: إنه شرح كتابه. ولكن لا يعني هذا أن ابن الحاجب كان مع سيبويه في كل المسائل، فقد يخالفه إذا لم يقتنع برأيه ويستخدم في مناقشته الأدلة العقلية المنطقية، ولا يهمه على منزلته، وهذه هي سمة العالم الذي يسير على النهج العلمي الصحيح، وفيما يلي بعض المسائل التي خالفه فيها والتي وردت في الأمالي: 1 - أصلا لولا: مذهب سيبويه أن اصلها لو زيدت عليها لا. وقد خالف ابن الحاجب في ذلك. قال سيبويه (¬1) في حديثه عن لا: "وقد تغير الشيء عن حالة كما تفعل ما، وذلك قولك: لولا، صارت لو في معنى آخر كما صارت حين قلت: لو ما تغيرت كما تغيرت حيث بما، وإن بما". وقال ابن الحاجب في الإملاء من الأمالي على المفصل: "ذهب بعض الناس إلى أنها أصلها لو زيدت عليها لا، وهذا ليس بمستقيم". 2 - كلمة مغار في قول الشاعر: وما هي إلا في إزار وعلقة ... مغار ابن همام على حيّ خثعما ... مذهب سيبويه أنها اسم للزمان، ومذهب ابن الحاجب أنها مصدر. قال سيبويه (¬2): "فصير مغاراً وقتاً وهو ظرف". وقال ابن الحاجب في الإملاء (60) ¬

_ (¬1) الكتاب 4/ 222. (¬2) الكتاب 1/ 235.

3 - الضمير بعد لولا وعسى

من الأمالي على المفصل: "فهو بالمصدر أجدر، فتقديره اسم زمان أو مكان ناء لذلك عن الصواب". 3 - الضمير بعد لولا وعسى: مذهب سيبويه أنه بعد لولا في محل جر، وبعد عسى في محل نصب (¬1). ومذهب الأخفش أنه في البابين في محل رفع، وهو ما ذهب إليه ابن الحاجب. قال في الإملاء (6) من مسائل الخلاف: "فثبت لذلك أن مذهب الأخفش في ذلك أظهر". ثانياً: موقفه من الزمخشري: كان الزمخشري يميل إلى المذهب البصري، يقول بآرائهم ويستعمل مصطلحاتهم. يدل على ذلك مفصله الذي كان متأثرا فيه بكتاب سيبويه، تشهد بذلك أمثلته وعباراته. وقد تأثر ابن الحاجب بالزمخشري وأعجب به واقتفى أثره، والدليل على ذلك أنه شرح (المفصل) بكتاب سماه (الإيضاح) وأنه جعل قسماً من أماليه على المفصل. إذن فهناك الكثير من الآراء التي وافقه فيها مبثوثة في كتبه وبخاصة الكافية والإيضاح والأمالي. ولسنا بحاجة لضرب الأمثلة على ذلك فهي كثيرة. ومع هذا نجد ابن الحاجب له رأيه وشخصيته المستقلة، فإذا لم يقتنع بمسألة من المسائل فإنه يردها؛ لهذا فإنه لم يسلم للزمخشري بآرائه كلها، فقد دحض عدداً منها في معرض المناقشة والتأويل والتعليل، وعرض الآراء المختلفة. وفيما يلي بعض المسائل التي خالفه فيها والتي جاءت في الأمالي: 1 - إعراب (الكواكب) في قوله تعالى: "إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب" (¬2). قال الزمخشري: إنها ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 2/ 373ن 374ن 375. (¬2) الصافات: 6.

2 - اللام في (لسوف)

بدل من زينة على المحل (¬1) - رده ابن الحاجب بقوله في الإملاء (121) من الأمالي القرآنية: "وأما قول من قال إن الكواكب بدل من زينة على المحل فضعيف ضعف قولهم: مررت يزيد أخاك، فلا ينبغي أن تحمل عليه قراءة ثابتة صحتها". 2 - اللام في (لسوف): مذهب الزمخشري أنها للابتداء (¬2)، ومذهب ابن الحاجب أنها للتأكيد. قال في الإملاء (130) من الأمالي القرآنية: "اللام في (لسوف) لام تأكيد وليست لام الابتداء لأنها لو كانت لام الابتداء لوجب أن يكون معها الابتداء". 3 - حد الكلمة: قال الزمخشري (¬3) والكلمة هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع". وقال ابن الحاجب في الإملاء (1) من الأمالي على المفصل: "الأولى أن يقال اللفظ الدال". 4 - حد التوابع: قال الزمخشري (¬4): "وهي الأسماء التي لا يمسها الإعراب إلا لى سبيل التبع لغيرها". وقال ابن الحاجب في الإملاء (3) من الأمالي على المفصل: "غير جيد لوجهين، أحدهما: أنه ذكر لفظ التبع فيه، ومن جهل التابع جهل التبع. والآخر: أنه بيَّنه بما يتوقف عليه، لأن الغرض أن يعرف التابع فيعطي إعراب متبوعه، فإذا عرفناه بإعراب متبوعة جر ذلك إلى الدور". 5 - التمييز في قوله تعالى: "ومن أحسن قولاً" (¬5) وقوله: "ومن ¬

_ (¬1) الكشاف 3/ 335 (شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده". (¬2) الكشاف 4/ 264. (¬3) المفصل ص 6. (¬4) المفصل ص 110. (¬5) فصلت: 33.

6 - حد المبنى

أصدق من الله حديثاً" (¬1) فو عند الزمخشري (¬2) منتصب عن جملة، مثله في: طلب زيد أبا. قال ابن الحاجب في الإملاء (5) من الأمالي على المفصل: "وهذا ليس بمستقيم لأن حقيقة التمييز المنتصب عن الجملة أن يكون مبيناً للإبهام الناشئ عن النسبة فيهان كقولك: حسن زيد وجهاً". 6 - حد المبنى: قال الزمخشري (¬3): "هو الذي سكون آخره وحركته لا بعامل". وقال ابن الحاجب في الإملاء (18) من الأمالي على المفصل: "هذا الحد ليس بمستقيم لأنه أتى في الحد بواو العطف". 7 - معنى حروف التخضيض: قال الزمخشري (¬4): "تريد استبطاءه وحثه على الفعل". وقال ابن الحاجب في الإملاء (19) من الأمالي على المفصل: "ليس بجيد، لأن الاستبطاء والحث على الشيء إنما يكون في الزمن المستقبل. وأما الماضي أو الحال فلا يتصور فيه حث". 8 - معنى مِنْ المزيدة: قال الزمخشري (¬5): "ما جاءني من أحد، راجع إلى هذا". أي: إلى معنى الاتبداء. ¬

_ (¬1) النساء 87. (¬2) المفصل ص 65. (¬3) المفصل ص 125. (¬4) المفصل ص 315. (¬5) المفصل ص 283.

موقفه من الشواهد

وقال ابن الحاجب في الإملاء (23) من الأمالي على المفصل: "ليس بمستيم لأن معنى كونها زائدة أنك لو أسقطتها كان المعنى الأصلي بحاله. ولا يستقيم على هذا أن يكون مفهوماً منها معنى الابتداء، لأنك لو حذفتها لم يبق معنى الابتداء، فيبطل كونها زائدة، ولزم منه أن تكون زائدة غير زائدة وهو باطل". موقفه من الشواهد عني ابن الحاجب عناية كبيرة بالقراءات، وبدأ أولى مراحل تعلمه بالتلمذة على أيدي كبار القراء كالشاطبي والغزنوي واللخمي وغيرهم. ثم إنه درس الفقه، وصار علماً بارزاً من أعلام الفقه المالكي، لهذا كان متأثرا بالقرآن وعلومه تاثراً واضحاً، وكان لعلمي الفقه والأصول أثرهما في حياته العلمية. ومن هنا نرى أن مباحث النحو عنده تتسم بطابع فقهي مؤول معلل، ويطابع رآني في الاستشهاد وتأييد الآراء. والواقع أن القرآن هو الذي فتح له باب الدراسات العربية على مصراعيها، لهذا نجده يلجأ إليه كثيراً، ولا يكاد يبحث في مسألة من مسائل النحو، ألا أيدها بشاهد قرآني. وإذا كان هناك تعارض بينه وبين قاعدة نحوية لجأ إلى تأويل الآية ليدلل على صحتها في القياس، لأن سلامة الشاهد عنده هي التي تؤيد سلامة المسألة المقيسة. فالآراء الصحيحة عنده هي التي يجد لها شواهد قرآنية يؤيدها ويقوي أمرها. وإن كل من يطلع على كتاب (الأمالي) وبخاصة أماليه على آيات من القرآن يجد مدى اهتمامه بالشواهد القرآنية، وكيف أنها كانت الشواهد الرئيسية في استشهاداته جميعاً، ولم يكن بينها من شواهد الشعر سوى سبعة شواهد فقط. وكذلك الأمالي المطلقة، وهي أكبر أماليه، فالشواهد القرآنية فيها هي

الآراء التي خالف بها جمهور النحاة

الشواهد الرئيسة. إذن فابن الحاجب كان يلجأ إلى القرآن الكريم كلما ألجأته الحاجة إلى شاهد يدعم به رأياً، أو يعلل به مسألة، أو يوضح به غامضاً. فهو يتد بالشاهد القرآني اعتداداً كبيراً، ويضعه في الذروة بين شواهده، وهو يستعين به في عرض مسائل النحو ومناقشتها. ما شواهده من الشعر فقليلة بإزاء شواهده القرآنية قلة ظاهرة. فهو يلجأ إلى القرآن يستعين بشواهده، فإنْ أسعفه فقد وصل إلى هدفه، وإنْ لم يسعفه لجأ إلى شعر العرب يستعين بالشواهد الفصيحة، ولا يقبل شاهداً شاذاً أو نادراً، ولا يقيس عليه جرياً على مذهب البصريين. ومعظم شواهده معروفة في كتب النحو. وقد أورد أبياتاً لشعراء محدثين، وكان الهدف منها الاستدلال على مسائل أدبية أو لوية أو بلاغية، ليس لها علاقة بقضايا النحو. وأما شواهده من الأحاديث الشريفة فكانت قليلة جداً. فما أملي عليه واستشهد به من الأحاديث بلغ ثلاثة عشر حديثاً قط، بعضها ليس له علاقة بمسائل النحو. وابن الحاجب في ذلك نهج منهج النحاة الذين سبقوه. الآراء التي خالف بها جمهور النحاة عرفنا فيما سبق أن ابن الحاجب كان يميل إلى المذهب البصري، وأنه تابع البصريين في مسائل كثيرة، وسايرهم في المنهج والقياس وإعمال المنطق، ولجأ إلى التعليل والتأويل في تأييد وإسناد الآراء التي يميل إليها. ولكن يجب أن نعرف أنه لم يكن إمعة متابعاً من غير وعي. يتقصى أقوال البصريين وغيرهم، ثم يكون له فيها رأي أو اختيار. فقد كان له من هذه العدة الجدلية التي أوتيها بحكم ثقافته الواسعة في الفقه والأصول، واتصاله المباشر يكتب النحو، ما أمده بقدرة عالية من التمحيص وعرض الآراء، والإسهاب في التأويلات، وتعليل كل حالة من الإعراب وعوامله. ومن هنا كان له في كثير من

المسائل آراء واجتهادات، وإنْ كان يكتفي أحياناً بسرد الآراء المختلفة دون أن يتبين مواطن الصواب. وسأعرض فيما يأتي لآرائه التي يغلب على ظني في ضوء دراستي لكتابه الأمالي أنه خالف بها جمهور النحاة وهي: 1 - اسم الإشارة (هذان) مبني. قال في الإملاء (30) من الأمالي القرآنية على قوله تعالى: "إن هذان لساحران" (¬1): "وقرأ الباقون إن هذان لساحران. وهي مشكلة، وأظهرها أن يقال: إن (هذان) مبنى لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حال واحدة، وهي لغة واضحة. ومما يقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليست إعراباً في التحقيق لوجود علة البناء من غير معارض، لأن العلة في بناء هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة، وهذا كذلك". 2 - جواز العطف على اسم (أن) المفتوحة بالرفع. قال في الإملاء (46) من الأمالي القرآنية على قوله تعالى: "أن الله بريء من المشركين ورسوله" (¬2): "ورسوله بالرفع، معطوف على اسم أن باعتبار المحل، وإنْ كانت مفتوحة لأنها في حكم المكسرورة. وهذا موضع لم ينبه عليه النحويون، فإنهم إذا قالوا: يعطف على اسم إن المكسورة دون غيرها أوهموا أنه لا يجوز العطف على المفتوحة. والمفتوحة تنقسم قسمين: سم يجوز العطف على اسمها بالرفع، وقسم لا يجوز. فالقسم الذي يجوز هو أن تكون في حكم المكسورة كقولك: علمت أن زيداً قائم وعمرو، لأنه في معنى: إن زيداً قائم وعمرون فكما جاز العطف ثم جازها هنا". 3 - العامل في (إذا الشرط وليس الجواب. قال في الإملاء (49) من ¬

_ (¬1) طه: 63. (¬2) براءة: 3.

الأمالي القرآنية على قوله تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا تبتغي الجاهلين" (¬1): "وأما من فرق بين (إذا) و (متى) باعتبار التعلق المتقدم فليس أيضاً بالجيد لما ذكرناه. فالأولى أن يكون العامل فيهما جميعاً فعل الشرط". وقال في الإملاء (192) من الأمالي المطلقة: "اختلف الناس في العامل في (إذا) و (متى). فقيل: العامل فيهما فعل الشرط، وقيل: العامل في (إذا) جواب الشرطن وفي (متى) الشرط، وهذا قول أكثر المحققين". ثم قال: "والصحيح أن العامل الشرط فيهما جميعاً، وما توهم من الإضافة في (إذا وانتفائه في (متى) أو فيهما جميعاً غير صحيح". 4 - إعراب كلمة (السماوات) في قولهم: خلق الله السماوات والأرض، بأنها مفعول مطلق وليست مفعولاً به. قال في الإملاء (239 من الأمالي المطلقة: "قولهم: خلق الله السماوات والأرض. من قالك إن الخلق هو المخلوق، فواجب أن تكون السماوات مفعولاً مطلقاً لبيان النوع، إذ حقيقة المصدر المسمى بالمفعول المطلق أن يكون اسماً لما دل عليه فعل الفاعل المذكور وهذا كذلك". ثم قال: "ومن قال إن المخلوق غير الخلق وإنما هو متعلق الخلق وجب أن يقول: ن السماوات مفعول به، مثله في قولك: ضربت زيداً، ولكنه غير مستقيم، لأنه لا يستقيم أن يكون المخلوق متعلق الخلق. ثم قال: "وإذا كان اللازم محالا فملزومه كذلك. فثبت أن الخلق هو المخلوق، وإنما جاء الوهم لهذه الطائفة من جهة أنهم لم يعهدوا في الشاهد مصدراً إلا وهو غير جسم، فتوهموا أنه لا مصدر إلا كذلك، فلما جاءت هذه أجساماً استبعدوا مصدريتها لذلكن ورأوا تعلق الفعل بها، فحملوه على المفعول به، ¬

_ (¬1) القصص: 55.

ولو نظروا حق النظر لعلموا أن الله تعالى يفعل الأجسام كما يفعل الأعراض، فنسبتها إلى خلقه واحدة، فإذا كان كذلك، وكان معنى المصدر ما ذكرناه، وجب أن تكون مصادر". 5 - الجملة في باب الحكاية بالقول مفعول مطلق. قال في الإملاء (49) على قوله تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" (¬1): "والجمل كلها في موضع نصب للمصدر المؤقت للقول عند المحقين، وفي موضع نصب على المفعول به في قول الأكثرين. والصحيح أن القول غير متعد، وأن ما يذكر بعده من مثل ذلك مصدر. والدليل عليه أنه لو كان مفعولاً به لكان غيره مما تتوقف عقليته عليه، وليس كذلك. وبيان أنه ليس غيره أنك إذا قلت: قلت، فقد اشتمل دلالة على القول، كما أنك إذا قلت: قعدت، فقد دل على القعود، فكما أنك إذا ذكرت قعوداً خاصاً لا تخرجه عن المصدرية في قولك: قعدت القرفصاء، باتفاق، فكذلك إذا ذكرت قولاً خاصاً لا تخرجه عن المصدرية". وقال في الإملاء (60) من الأمالي القرآنية على قوله تعالى: "ونزعنا ما في صدورهممن غل إخواناً" (¬2) قال: "لأن الجملة المقولة وإن تعددت أجزاؤها في حكم المفعول الواحد أو المصدر". وقال في الإملاء (88) من الأمالي القرآنية لى قوله تعالى: "ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون" (¬3). قال: "لأن القول يحكي بعده الجمل، وهي في موضع نصب بلا خلاف. إلا أنها هل هي مصدر أو مفعول به؟ ينبني على ¬

_ (¬1) القصص: 55. (¬2) الحجر: 47. (¬3) المطفين: 17.

مآخذ عليه

أن القول هل يتعدى أو لا يتعدى؟ وفيه قولان: فإن قلنا: يتعدى، تعينت لقيامها مقام الفاعل إذا بني الفعل لما لم يسم فاعله، وإن قلنا: لا يتعدى، كانت الجملة في موضع نصب بالمصدر". ويلاحظ أن ابن الحاجب قرر أولاً أن ما يذكر بعد القول مصدر وليس مفعولاً به، ثم بعد ذلك ذكر أنه يجوز أن يكون مفعولاً به أو مصدراً. وفي هذا شيء من التردد والاضطراب. بل أستطيع أن أقول إن فيه شيئاً من التراجع؛ لأن الإملاء الذي قرر فيه أن القول غير متعدٍ، وأن ما يذكر بعده مصدر كان في دمشق سنة 619 هـ، وأن الإملاءين اللذين ذكر فيهما أنه ما بعد القول يحتمل أن يكون مصدراً أو مفعولاً به كان أحدهما في دمشق سنة 621 هـ، والآخر أيضاً في دمشق سنة 622 هـ. 6 - عدم جواز: سرت والجبل. قال في الإملاء (45) من الأمالي على المفصل: "وقد توهم من لا عبرة به جواز: سرت والجبل. وهو غير جائز لما ذكرناه؛ إذ الجبل لا يسيرن بخلاف ما تقدم في صحة نسبة الفعل إليهما على سبيل المعية. ثم ولو سلم جوازه فلابد فيه من تأويل وهو أن يجعل كأن كل جزء من الجبل سائر؛ لأنه إذا سار من موضع من نواحي الجبل فذاك مفارق له فيسمى سائراً". مآخذ عليه لقد أطرى المؤرخون ابن الحاجب، وأفاضوا في الإشادة به وبآثاره، وبخاصة كافيته وشافيته وأماليه. وانطلق المترجمون له في إغراقه بالمديح والثناء. ولا شك أنه كان ذا شخصية مؤثرة في المجتمع العلمي في عصر الأيوبيين في مصر والشام، وأن كتابه (الأمالي) فاق كتب الأمالي التي ألفت قبله. لقد لقي اهتماماً كبيراً من العلماء، وعرفوا قدره، فكان مرجعاً لهم فيما

1 - الاضطراب وعدم الدقة في النقل

يكتبون، وعرضوا لما أتى فيه من آراء، وأثنى بعضهم عليه ثناء غاطراً، واعتبروه من أعظم مؤلفات ابن الحاجب، إلا أنني أثناء دراستي لهذا الكتاب وجدت بعض المآخذ على ابن الحاجب، وبالرم من أن هذه المآخذ يسيرة لا تنقص من قيمة الكتاب وأهميته، غير أني وجدت نفسي كباحث ملزماً بالحديث عنها، وإن كنت أعترف أن طبيعة الأمالي ربما تفرض بعضاً من هذه المآخذ، وأن ابن الحاجب ربما وقع فيها دون قصد بل جاءت بشكل عفوي. وسأذكر فيما يلي ما استطعت إدراكه منها: 1 - الاضطراب وعدم الدقة في النقل. من ذلك ما جاء في الإملاء (82) من الأمالي على المفصل: قال: "شبه الحال بالمفعول من حيث إنها مفعول فيها". وعبارة المفصل (¬1): "شبه الحال بالمفعول من حيث إنها فضلة مثله جاءت بعد مضي الجملة ولها بالظرف شبه خاص من حيث إنها مفعول فيها". ومن ذلك ما جاء في الإملاء (132) من الأمالي القرآنية على قوله تعالى: "وأرجلكم" (¬2) قال ابن الحاجب: "وقال الإمام: إن مخفوض على الجوار". وما قاله الإمام الجويني إمام الحرمين هو: "والمصير إلى أنه محمول على محل (رؤوسكم) أمثل وأقرب إلى قياس الأصول من حمل قراءة الكسر على الجوار). ثم قال: "وكسر الجوار خارج عن القانون" (¬3). ومن ذلك أيضاً ما جاء في الإملاء (8) من الأمالي على المقدمة في مسألة المعطوف الممتنع دخول يا عليه. قال ابن الحاجب: "والخليل في المعطوف يختار الرفع، وأبو عمرو النصب، وأبو العباس إن كان كالحسن فكالخليل وإلا فكأبي عمرو". قال المبرد: "وكلا القولين حسن". ثم قال: ¬

_ (¬1) ص. 61. (¬2) المائدة: 6. (¬3) انظر البرهان 1/ 550 (تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب. قطر).

2 - التناقض في بعض المسائل

"والنصب عندي حسن على قراءة الناس" (¬1) فلا يوجد ي كلام المبرد هذا التفصيل الذي ذكره ابن الحاجب. 2 - التناقض في بعض المسائل. فقد جاء في الإملاء (77) على قول الزمخشري في المفصل: "وما نقله الكوفيون من قولهم: الثلاثة الأثواب فبمعزل عند أصحابنا عن القياس واستعمال الفصحاء". قال ابن الحاجب: "أما القياس فلما ذكرنا. وأما استعمال الفصحاء فنحو ما أنشده وما تمسك به الكوفيون لغة ضعيفة فلا تقوي لمعارضة ما ذكره البصريون من القياس واستعمال الفصحاء". ثم قال: "فكما لا يجوز: الغلام زيد، بالإجماع، كذلك لا يجوز: الخمسة الأثواب". وقال في الإملاء (64) من الأمالي على المفصل: "ولم يجيء على واحدة من الأربع الصور المذكورة". فناقض نفسه. 3 - طرح بعض المسائل وعدم إبداء رأيه فيها وتركها دون جواب والاكتفاء بذكر الأوجه التي لا تجوز فيها. من ذلك ما جاء في الإملاء (86) من الأمالي على المقدمة: وقال مملياً في وجوب النصب في قوله: ما خلا زيداً وما عدا زيداً: "لا جائز أن تكون (ما) نافية وهو ظاهر، ولا بمعنى الذي، لأن الذي توصل بالجار والمجرور والفعل. فلو كانت بمعنى الذي لجاز الخفض على لغة من خفض. ولما جاء هذا منصوباً ليس إلاّ، علم أن ثم مانعا منع أن تكون بمعنى الذي". 4 - الإكثار من العلل. فقد كان مغرماً بها إلى حد الإغراق، ويرجع ذلك إلى تاثره الواضح بالفقه والمنطق. وكان يعتمد عليها في إثبات آرائه ودعمها، أو في مناقشة آراء النحاة، وتأييدها أو نقضها. فهو لم يستطع أن يتخلص من معالجة مسائل النحو بأسلوب الفقهاء والأصوليين. ¬

_ (¬1) انظر المقتضب 4/ 213 (تحقيق عبد الخالق عضيمة).

أهم القضايا النحوية التي اشتمل عليها الكتاب

أهم القضايا النحوية التي اشتمل عليها الكتاب 1 - العلل. وقد أولع بها ابن الحاجب وأكثر منها في أماليه. فمن ذلك ما جاء في الإملاء (139) من الأمالي المطلقة في علة جعل الإعراب آخر الكلمة: "وقال: إنما جعل الإعراب آخر الكلمة ولم يجعل لا أولاً ولا وسطاً لأنه ليس مما تعد حركته وسكونه من بنية الكلمة، بدليل أنه محل التغيير والوقف والحذف بخلاف غيره". ومن العلل التي تحدث عنها: علة كون الإنشاء بالحروف، وعلة بناء أسماء الأفعال التي هي بمعنى الأمر، وعلة صرف ما لا ينصرف إذا دخلته اللام أو الإضافة، وعلة بناء لدن مع الإضافة، وعلة بناء الاسم لشبه واحد، والعلة في عدم كون الفاعل جملة، وعلة وقوع أن في خبر عسى دون السين وسوف. 2 - الحدود. لابن الحاجب عناية واضحة بالحدود والتعريفات. وهو حريص على أن تكون حدوده دقيقة شاملة. فقد تحدث عن حد الكلمة والتوابع والمبنى والكلام واسم الجنس والمعرب والمضمر والمفعول به والمفعول المطلق وغيرها، وجاء أكثر حديثه عن الحدود في قسم الأمالي على المقدمة، فمن ذلك ما جاء في الإملاء (28) في حدود عطف البيان: "وقع في بعض نسخ المقدمة في حد عطف البيان قوله: تابع من الجامدة أوضح من متبوعة. فسئل عن ذلك فقال مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة: هذا كان في النسخة الأولى، وأولى منه المذكور الآن في النسخ، وهو: تابع غير صفة بوضح متبوعة". 3 - الحذف. ومنه حذف مفعول الفعل المتعدي، وحذف خير إن، وحذف المنادي، وحذف الفعل بعد قد، وحذف لام المفعول به، وحذف نون الوقاية، وحذف التنوين، وحذف حرف الجر وغيره. قال في الإملاء (69)

4 - التقديم

من الأمالي على المقدمة في حذف لام المفعول له: "وقال مملياً بدمشق سنة عشرين على قوله في المفعول له: وإنما يجوز حذفها إذا كان فعلاً لفاعل الفعل المعلل ومقارناً له. وإنما اشترط ذلك لتقوي القرينة الدالة على حذف اللام، لأن الأصل إثباتها، كما أن الأصل إثبات في الظروف، فكرهوا أن يحذفوها في موضع لم تقو قرينتها". 4 - التقديم. فمن ذلك وجوب تقديم المبتدأ، ووجوب تقديم الخبر، ووجوب تقديم الفاعل على المفعول، وعدم تقديم خبر كاد على اسمها. جاء في الإملاء (12) من الأمالي على المقدمة: "وقال مملياً بدمشق سنة عشرين وستمائة على قوله: أو متساويين مثل: أفضل منك أفضل مني، وجب تقديمه. قال: لأن الأصل تقديم المبتدأ، وإذا كان المتقدم صالحاً لأن يكون مبتدأ لم تجز المخالفة فيه لأنه يؤدي إلى المخالفة من غير فائدة بخلاف: حسن زيد، وشبهه، فإنه لم يحكم عليه بالخبر مع صلاحية أن يكون مبتدأ، فلذلك وجب الحكم بالمخالفة ليصح الكلام". 5 - المسائل الخلافية. فقد تحدث عن الخلاف بين سيبويه والأخفش حول دخول الفاء في خبر إن، وعن الخلاف بين سيبويه والأخفش في صرف (أحمر) إذا نكر، وعن الخلاف في (جوار9 هل هي مصروفة أو غير مصروفة؟ وعن الخلاف في المعطوف على المنادى الممتنع دخول (با) عليه، وعن الخلاف بين الخليل ويونس حول لحاق علامة الندبة الصفة، وعن الخلاف بين سيبويه والأخفش حول إعراب الضمائر بعد لولا وعسى. 6 - إعادة الظاهر بدلاً من الضمير. جاء في الإملاء (77) من الأمالي القرآنية: وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاثة وعشرين على قول تعالى: "يوم

7 - الممنوع من الصرف

ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلاً" (¬1): إنما أعيد لفظ الجبال، والقياس الإضمار، لتقدم ذكرها. وقال: هذا مثل ما ذكرناه في قوله في: "ألَمَ. السجدة" في أحد الوجهين، وهو قوله: "كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار" (¬2) وهو أن الآيتين سيقتا للتخويف والتنبيه على عظم الأمرن فإعادة الظاهر أبلغ". 7 - الممنوع من الصرف. فمن ذلك كلامه عن حكم الاسم الذي لا ينصرف، وعن الصرف للضرورة أو التناسب، وعن العدل ووزن الفعل، وعن شرط المعرفة المانعة من الصرف، وعن شرط التركيب المانع من الصرف، وعن الجمع المانع من الصرف، وعن وجه تسمية ما لا ينصرف بهذا الاسم. 8 - الإضافة. فمما تحدث عنه في ذلك: الإضافة اللفظية والمعنوية، وإضافة ما فيه الألف واللام إلى الضمير المتصل، وإضافة الصفة إلى موصوفها، وعم جواز إضافة اسم مماثل للمضاف إليه، وحد المضاف إليه، والمنفي المضاف بلام الإضافة، وإعراب المضاف إلى ياء المتكلم. 9 - الضمائر. كحديثه عن عود الضمير، وفائدة ضمير الفصل، واتصال الضميرين الغائبين وليس أحدهما فاعلاً، ووضع الضمير المتصل موضع المنفصل، واجتماع ضميرين وليس أحدهما مرفوعاً، وشرط ضمير الفصل، والضمائر الواقعة للربط، وضمير النكرة، والضمير المستتر. 10 - الاستثناء. من ذلك حديثه عن حد الاستثناء المنقطع، ووجوب ¬

_ (¬1) المزمل: 14. (¬2) السجدة: 20.

منهج التحقيق

النصب بعد ما خلا وما عدا، ووجوب النصب في قولهم: جاء القوم إلا زيداً، وعدم وقوع الاستثناء المفرغ في الفاعل والمفعول إلا في غير الموجب، وحكم المستثني إذا تكرر بعد نفي أو ما في حكمه، ومنع البدل في الاستثناء المفرغ، ووجه تقدير إلا بلكن في الاستثناء المنقطع، والإثبات بعد النفي في الاستثناء المفرغ مفيد للحصر، والوقف على الاستثناء المنقطع، والعامل في نصب غير في الاستثناء، وجواز البدل بتكرير لفظ الاستثناء. منهج التحقيق لما كانت الغاية من تحقيق النصوص إخراجها صحيحة سليمة كما وضعها المؤلف فقد بذلت الجهد في هذا السبيل، مراعياً ما تستوجبه إعادة النص إلى وضعه الأول من حيطة وحذر ودقة وأمانة. وقد وضعت أمام نفسي عدة أسس وقواعد حاولت بقدر الإمكان الالتزام بها رغبة في إخراج عملي على الوجه الصحيح. ومن هذه القواعد والأسس:- 1 - احترمت النص فلم أتدخل فيه إلا بالقدر اليسير الذي لا يمس جوهره ككتابته وفق القواعد الإملائية المعروفة اليوم أو تصحيح آية قرآنية أو خطأ نحوي. 2 - أتخذت نسخة شهيد على (2337) أصلاً، وأشرت إليها بكلمة (الأصل). 3 - لم أثبت اختلاف النسخ فيما يتعلق بأول الإملاء من مثل: وقال مملياً، وقال أيضاً مملياً، وقال رضي الله عنه مملياً، وقال مملياً بدمشق، وقال بدمشق مملياً. وكذلك فيما يتعلق بآخر الإملاء من مثل: والله أعلم بالصواب، والله أعلم، والله الموفق للصواب، وإنما اكتفيت بما جاء في الأصل.

4 - قارنت بين النسخ وبينت الاختلافات التي وردت فيها وأشرت إلى ما هو زيادة أو خطأ أو تحريف أو تصحيف. 5 - حصرت الآيات القرآنية بين قوسين متميزين، وأشرت في الهامش إلى اسم السورة ورقم الآية. 6 - أرجعت الأحاديث الشريفة إلى كتب الحديث المعتمدة كصحيح البخاري وصحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد، وسنن الترمذي وغيرها. 7 - اعتمدت في تخريج الشواهد الشعرية المصادر النحوية المتقدمة مثل كتاب سيبويه والمقتضب للمبرد والخصائص لابن جني، والإنصاف لابن الأنباري، والمفصل للزمخشري، والمقرب لابن عصفور؛ وكذلك كتب الأمالي والنوادر والمختارات الشعرية والدواوين وكتب شروح الشواهد كالخزانة. 8 - رجعت إلى كتب اللغة والمعاجم وبخاصة لسان العرب لابن منظور والصحاح للجوهري وإصلاح المنطق لابن السكيت ومعجم البلدان لياقوت. 9 - ترجمت للإعلام التي وردت في الكتاب بشكل موجز. وقد اعتمدت في ذلك كتب التراجم ككتاب وفيات الأعيان لابن خلكان، وبغية الوعاة وحسن المحاضرة للسيوطي، وطبقات الزبيدي، وإنباه الرواة للقفطي، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري. 10 - جهدت في تخريج الآراء النحوية لأعلام النحاة والمسائل الخلافية من أصولها في مصنفات أصحابها، أو في كتب النحو مما كانت لأصحابها عناية باستقصاء هذه المسائل كشرح الرضى على الكافية، وشرح المفصل لابن يعيش.

11 - عنيت بالرجوع إلى كتب التفاسير وبخاصة تلك التي تهتم بالنحو واللغة والقراءات كالبحر المحيط لأبي حيان، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، والكشاف للزمخشري، ومعاني القرآن للفراء، والمحتسب لابن جني، وأعراب القرآن للنحاس، وإملاء ما من به الرحمن للعكبري. 12 - بسبب ضخامة حجم الكتاب فقد تجنبت في كثير من الأحيان الإفاضة في التعليق على الشواهد وذكر المراجع التي وردت فيها أوشرح المعاني الواضحة. 13 - رقمت إملاءات كل قسم وضبطتها بالشكل ووضعت لها عناوين، كي يكون الرجوع إليها سهيلاً. 14 - وضت الزائد على نسخة الأصل بين قوسين معقوقين [] سواء كانت الزيادة من النسخ الأخرى أو من عندي وأشرت إلى ذلك في الهامش. أما الكلمات أو الجمل الساقطة من النسخ الأخرى فقد أثبتها وأشرت إلى ذلك في الهامش. 15 - أنهيت التحقيق بخاتمة وفهارس فنية للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والأشعار والأرجاز والأمثال والأعلام والمصادر والموضوعات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

القسم الثاني: التحقيق

الرموز الواردة في التحقيق

الرموز الواردة في التحقيق 1 - الأصل ... : نسخة مكتبة شهيد على الملحقة بالمكتبة السليمانية في استنبول. 2 - ب ... : نسخة دار الكتب المصرية رقم 26. 3 - م ... : نسخة مكتبة الحرم النبوي في المدينة المنورة. 4 - د ... : نسخة مكتبة أحمد الثالث الملحقة بمتحف (طبوقباي سراي) في استنبول. 5 - س ... : نسخة المكتبة الوطنية في باريس. 6 - ص ... : صفحة. 7 - ط ... : طبعة.

كتاب أمالي ابن الحاجب لأبي عمرو عثمان بن الحاجب

الإملاء على آيات من القرآن الكريم

الإملاء على آيات من القرآن الكريم (¬1) ¬

_ (¬1) عناوين الأقسام كما في نسخة الأصل، وقد أثبتها في أماكنها من الكتاب، إلا هذا العنوان فقد ورد في صفحة العنوان فقط.

[إملاء 1] [توجيه الرفع في قوله تعالى "تقاتلونهم أو يسلمون"]

[إملاء 1] [توجيه الرفع في قوله تعالى "تقاتلونهم أو يسلمون"] (¬1) بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمينن وصلواته على خير خلقه محمد وآله أجمعين. قال الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله مملياً بدمشق المحروسة سنة سبع عشرة وستمائة: [قوله تعالى] (¬2): "تقاتلونهم أو يسلمون" (¬3) للرفع وجهان (¬4): أحدهما: أن يكون مشركاً بينه وبين (تقاتلونهم) في العطف. والآخر أن يكون جملة مستقلة معطوفة على الجملة التي قبلها باعتبار الجملة، لا باعتبار الإفراد (¬5)، و (تقاتلونهم) فيه معنى الأمر، وإن كانت صيغته صيغة الخبر. ولا يستقيم أن يكون مجرداً عن معنى الأمر لأنه يؤدي إلى أن لا ينفك الوجود عن أحدهما لصدق الإخبار، ¬

_ (¬1) ترقيم الإملاءات ووضع عناوينها من عملي. (¬2) زيادة على الأصل من النسخ الأخرى. (¬3) الفتح: 16. (¬4) وهي قراءة الجمهور. وقرأ أبي وزيد بن علي بحذف النون منصوباً بإضمار (أن). انظر البحر المحيط لأبي حيان 8/ 94 (مطبعة السعادة بمصر). (¬5) قال ابن الحاجب: "والرفع على الاشتراك بين يسلمون وتقاتلونهم على معنى التشريك بينهما في عامل واحد، حتى كأنك عطفت خبراً على خبر أو على الابتداء". انظر الإيضاح في شرح المفصل 2/ 23 (تحقيق وتقديم الدكتور موسى بناي العليلي). وقال سيبويه: "إن شئت كان على الإشراك، وإن شئت كان على: أو هم يسلمون". الكتاب 3/ 47. وانظر المفصل ص 247.

[إملاء 2] [وجه التعقيب في قوله تعالى: "فيأتيهم بغتة"]

ونحن نرى الوجود ينفكُ عنهما، ولا نقولُ إنه يمتنعُ لما تؤدّي إليه "أوْ" من الشك، وذلك في حق العالمِ باطل، فإنا على يقين نعلمُ أنّ "أوْ" تأتي لأحد الأمرين إذا كان المُخبّر عنه لا ينفكُّ عن أحدهما، وليس ذلك عن شك بل عن قطع أنه كذلك، كقولك: الجسمُ إما أنْ يكون ساكناً أوْ متحركا، وكذلك ما أشبّهَهُ مما يلزم أنْ يكون على أحد أمرين في عقليته أوْ وجوده. وإنما يلزم الشكُ في الإخبار عنْ أمر معيّن في الوجود وقع أو سيقع على أحد أمرين، فههنا قد يُتوهّمُ لزومُ الشكِ من المُخبِر، كقولك: زيدُ إمَّا مريض وما معافى. وإذا ثبت أنَ (تُقاتِلونَهُمْ" في معنى الأمر، فـ (يسلمون): إما في معنى الأمر، فيتضحُ المعنى، ويكون المعنى: الواجبُ عليكم إما القتالُ، وما الإسلامُ منهم، وهذا واضح، وعُلِم أنّ الإسلام لا يسقط عنهم بالقتال من المسلمين من دليل آخر. وإما أنْ يكون (يسلمون) ليس في معنى الأمر، فيكون المعنى: الإخبارُ بأنّ أحدَ الأمرين لا ينفكُ عنه الوجودُ، وهو إما وجوبُ القتال منكم، أو حصولُ الإسلام منهم (¬1). والله أعلم بالصواب. [إملاء 2] [وجه التعقيب في قوله تعالى: "فيأتيهم بغتة"] وقال أيضاً بدمشق سَبْعَ عَشْرَةَ مملياً على قوله تعالى: "كذلك سلكناه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم. فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون. فيقولوا هل نحن منظرون" (¬2). قال: عقّبَ الإتيان بغتة بعد الرؤية، ولا يستقيم ظاهرا إتيانه بغتة بعد أن ¬

_ (¬1) قال القرطبي: "وهذا حكم من لا تؤخذ منهم الجزية". انظر الجامع لأحكام القرآن 16/ 273 (مطبعة دار الكتب). (¬2) الشعراء: 200 - 203.

شُوهد ورُثِي، فلابدّ من حمله على وجه يصحُّ فيه معاقبةُ الإتيان له (¬1)، وهو على وجهين: أحدهما: أن يُراد بالرؤية مشارفُتها ومقاربتُها، فيستقيمُ تعقيبُه بالإتيان بغتة وإطلاقُ الفعل بمعنى مشارفته وقربه كثير. قال الله تعالى: "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية" (¬2). والمعنى: إذا قارب حضور الموت. وكذلك: "إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن" (¬3). ومعلوم أنّ الإمساك لا يكون بعد بلوغ الأجل. وإنما المراد: فقاربن بلوغ الأجل. ويدلّك على أن بلوغ الأجل ظاهر في انقضاء العدة قوله: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن" (¬4) الآية. الوجه الثاني: قوله: "فيأتيهم بغتة". أخذه لهم بعد رؤيته هو البغتة، فإنه لا يلزم من رؤيته أنْ يكون آخذاً لهم وهم لا يشعرون، لأنَهم قد يرونه ولا يعتقدون أنه عذاب البتة فيأخذهم بغتة وهم لا يشعرون. كقوله: "وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم" (¬5). وقد يرونه ويعتقدونه عذاباً ولكن لا يعتقدون أنه لهم فيأخذهم بغتة بعد رؤيته. كمن يرى ناراً وتأخذه بغتة فيصح أن يقول: رأيت النار فأخذتني بغتة من غير أن أشعر بأخذها لا برؤيتها. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: "ما معنى التعقيب في قوله فيأتيهم بغتة فيقولوا؟ قلت: ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه في الوجود، وإنما المعنى ترتبها في الشدة، كأنه قيل: لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشد منها وهو لحوقه لهم مفاجأة فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة". الكشاف 3/ 129. (¬2) البقرة: 180. (¬3) البقرة: 231. (¬4) البقرة: 232. (¬5) الطور: 44.

[إملاء 3] [توجيه القراءات في قوله تعالى: {لا يعذب عذابه أحد}]

[إملاء 3] [توجيه القراءات في قوله تعالى: {لا يعذب عذابه أحد}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة سبع عشرة على قوله تعالى: "فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد" (¬1): العامل في الظروف (يعذب). وقد جاء ما بعد النفي عاملاً في الظرف في مواضع متعددة، كقوله: "فيومئذ لا يسأل" (¬2)، و"قل يوم الفتح لا ينفع" (¬3)، "فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم" (¬4). وهو كثير. والضمير في (عذابه) في قراءة كسر الذال والثاء (¬5) للإنسان المتقدم ذكره (¬6). و (أحد) فاعل، أي: لا يعذب معذب يوم القيامة عذاباً مثل عذاب هذا الإنسان. فمهومه أن عذاب غيره دونه لعظم جريمته. ولا يحسن (¬7) أن يكون الضمير في (عذابه) لله، لأن المعنى يصير: لا يعذب يوم القيامة عذاب الله أحد. فلا يقوي المعنى لما سيق له، لأن المعنى سيق لتعظيم عذاب الله لهذا الإنسان أكثر من عذاب غيره. وإذا جُعل الكلامُ خبرا، بأن الله ذلك اليوم لا يعذب أحد مثل عذابه فقد هذا المعنى. وأيضاً فإنه يصير مفهومه أن غيره يعذب دون عذابه. فإن قلت: اجعل المفعول مقدراً، أي: لا يعذب ذلك اليوم مثل عذاب ¬

_ (¬1) الفجر: 26. (¬2) الرحمن: 39. (¬3) السجدة: 29. (¬4) الروم: 57. (¬5) وهي قراءة الجمهور. البحر المحيط 8/ 471. (¬6) قال الزمخشري: "والضمير لله تعالى أي. لا يتولى عذاب الله أحد، لأن الأمر لله وحده في ذلك اليوم، أو للإنسان، أي: لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه". الكشاف 4/ 253. (¬7) في س: ولا يحصل.

الله لهذا الإنسان أحدٌ، فحُذِفَ المفعول للعلم به. قلت: لا يستقيمُ أيضا لأنه لا يكون فيه تعظيمُ عذاب للإنسان المذكور، لأن عذاب غيره يصح أن يقال ذلك فيه، إذ يصح أن يقال: لا يعذب مثل عذاب الله لذلك الإنسان ولا لغيره أحد. فلم يبق للإنسان خصوصية بذلك. ويبقى الوجه الثاني على حاله قائماً. ومن قرأ (يعذب) بالفتح (¬1)، فيجوز أن يكون الضمير للإنسن، ويجوز أن يكون لله. فتقديره إذا كان للإنسان: لا يعذب ذلك اليوم أحد مثل عذاب ذلكِ الإنسان، فمهومه أن غيره دونه في العذاب، وأنه هو أعظم، ولم يذكر الفاعل لأنه معلوم، وتقديره إذا كان الضمير لله: فيومئذ لا يعذب أحد مثل عذاب الله لهذا الإنسان (¬2)، فيستقيم المعنى أيضاً (¬3)، لأن فيه تعظيم عذابه، ومفهومه أن غيره يعذب دونه. فإن قلت: كيف استقام جعل الضمير لله على هذه القراءة، ولم يستقم على القراءة الأولى؟ قلت: لأن الأمرين المانعين ثَمَّ مفقودان ههنا، أحدهما: أنّه يصحُّ أن يكون غيرهُ كذلك، وهذا ليس كذلك، لأنّ أحداً ثَمَّ للمعذَّب، فدخل فيه كل معذب غير الله، لأنه مذكور في قولك: عذابه، على هذا التقدير، وها هنا (أحد) للمعذبين والفاعل المراد به الله، فلم يلزم ذلك. والوجه الثاني عن ذلك نشأ، لأنه إذا كان (أحد) للمعذب غير الله، والقراءة بالكسر، مقيّدا باليوم كان مفهومه أن غيره يفعل دون ذلك من العذاب. وفي ¬

_ (¬1) وهي قراءة الكسائي وابن أبي إسحق وابن سيرين. البحر المحيط 8/ 472. وقال الزمخشري: "وهي قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والضمير للإنسان الموصوف، وقيل هو أبي بن خلف. أي: لا يعذب أحد مثل عذابه ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه". الكشاف 4/ 253. (¬2) في الأصل: هذا للإنسان. وفي النسخ الأخرى: هذا الإنسان. والأنسب ما أثبته. (¬3) أيضاً: سقطت من م.

[إملاء 4] [دخول الفاء في جواب الشرط]

الفتح (أحدٌ) للمعذبين، والفاعل الله، فكأنه قال: لا يعذب الله يومئذ مثل عذابه لهذا الإنسان أحدا. والله أعلم بالصواب. [إملاء 4] [دخول الفاء في جواب الشرط] وقال أيضاً سنة سبع عشرة مملياً بدمشق، قال: إذا قلت: إن أكرمتني أكرمتك. لا يجوز دخول الفاء لما تقرر من أن حرف الشرط إذا أفاد في الجزاء استقبالاً لم يجز دخول الفاء، وكل موضع لم يفد فيه الشرط استقبالاً إنه يجب دخول الفاء، وكل موضع يحتمل الأمرين يجوز فيه الوجهان (¬1). وهذا مقرر بعلله في الإملاء على المفصل (¬2)، وفي المسائل الدمشقية (¬3) وفي الإملاء على المقدمة (¬4)، فيطلب في أماكنه. قال: فإن قيل: قوله تعالى: "إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين" (¬5)، فإنه مثل المسألة المفروضة المتقدمة في امتناع دخول الفاء. فكيف صح دخول الفاء في الآية؟ والجواب عنه: أنه لم يُفذْ فيه الشرط استقبالاً البتة، لأنه إخبار ¬

_ (¬1) انظر شرح الرضى على الكافية 2/ 262 (دار الكتب العلمية. بيروت). (¬2) انظر الإيضاح في شرح المفصل 2/ 248 قال ابن الحاجب. "وأما الجائز فكل موضع وقع فيه الجزاء مضارعاً مثبتاً أو منفياً بلا كقولك: إن أكرمتني أكرمتك، وإن أكرمتني فأكرمك، وإن أكرمتني لا أكرمك، وإن أكرمتني فلا أكرمك. إلا أن حذف الفاء أكثر وهو في المثبت أولى". (¬3) لم يذكرها أحد ممن ترجم لابن الحاجب. (¬4) انظر شرح الكافية لابن الحاجب ص 37 (طبع في استنبول سنة 1311 هـ). (¬5) يوسف: 26، 27.

عن ماضٍ محقق (¬1)، فعلى هذا لابدّ من دخول الفاء ليوذن بجواب الشرط. وأورد على ذلك قوله تعالى: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" (¬2). و"إذا" قد عوملت معاملة "إن" في وجوب دخول الفاء وعدمها، واحتمال الأمرين، فلم نفذ (إذا) فيما ذكرناه استقبالا ينبغي دخول الفاء. وكذلك قوله عز وجل: "وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا" (¬3)، فإن (إذا) أيضاً ما أفادت استقبالاً، لأن (ما) لنفي. الحال، فيستحيل المجامعة بينه وبين الاستقبال بدليل وجوب الفاء في قوله: "وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين" (¬4). والجواب: أن "إذا" تستعمل لمجرد الظر، والدليل عليه قوله تعالى: "والليل إذا يغشى" (¬5). فإنه يستحيل أن تكون ههنا للشرط، وذلك أن الليل مخفوض بواو القسم (¬6)، وهو قسم إنشائي، الذي يدل عليه أنه له الجواب، ولو كان إخبارياً لما احتيج إلى جواب، ولما حذف الفعل وأتى الجواب دل على ما ذكرناه. وأيضاً فإنه لو كان إخباراً لما كان التعبير عنه بالواو. فإذا ثبت ما ذكرناه فمعنى الآية: أقسم الله بالليل في زمن غشيانه. ولو كانت للشرط لزم تعليق القسم على الشرط، والباري تعالى أقسم من غير شرط معلق. ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: "وهو على إضمار قد، أي فقد صدقت، وفقد كذبت". البحر المحيط 5/ 298. (¬2) الشورى: 39. (¬3) الجاثية: 25. (¬4) فصلت: 24. (¬5) الليل: 1. (¬6) قال الزمخشري: "والواو الأولى في نحو (والليل إذا يغشى) للقسم، وما بعدها للعطف" المفصل ص 349.

[إملاء 5] [أخر جمع أخرى]

وإذا ثبت أن "إذا" لمجرد الزمان المحض بدليل ما ذكرناه وقدرناه، فيكون معنى الآيتين على هذا واضحاً (¬1)، وهو أن معنى قوله (هم ينتصرون) ينتصرون (¬2) في زمن إصابة البغي لهم. وكذلك قوله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات، ما كان حجتهم) في هذا الزمان إلا أن قالوا؛ إلا أن في قوله: ما كان حدتهم، تقديم ما في حيز النفي عليه. وجوابه أنه ظرف، والظروف اتسع فيها. ومثله في القرآن: "يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين" (¬3)، على خلاف يه. وكذلك قوله: "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" (¬4) وهو أيضاً مختلف فيه (¬5). وفي قوله: "هم ينتصرون"" جوابان آخران، أحدهما: أنّ (ينتصرون) جواب الشرط، وأفاد الشرط فيه استقبالاً، و (هم) تأكيد للضمير في (أصابهم). والآخر: أن الفاء مزاده، وهو قول ضعيف. والله أعلم بالصواب. [إملاء 5] [أخر جمع أخرى] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: "فعدة من أيام أخر" (¬6): أخر: جمع أخرى، مثل قولك: فضلى وفضل. وأما آخر فيجمع على ¬

_ (¬1) في الأصل: واضح. وهو خطأ من الناسخ، لأنه خبر يكون. (¬2) ينتصرون: سقطت من س. (¬3) الفرقان: 22. (¬4) الذاريات: 17. (¬5) انظر إعراب القرآن المنسوب للزجاج 1/ 296 (تحقيق ودراسة إبراهيم الأبياري). (¬6) البقرة: 185.

أواخر مثل قولك: أفضل وأفاضل، وآخرين إن كان لمن يعقل، كقوله تعالى: "وآخرون يضربون" (¬1). وإنما جُمع ههنا على فعل وهو ي المعنى جمع آخر لأنه للأيام، وواحدها يوم، ويوم إنما يقال فيه آخر باعتبار أصل آخر، وهو أن كل صيغة لموصوف مذكر مما لا يعقل فأنت فيها بالخيار، إن شئت عاملتها معاملة الجمع المذكر، وغن شئت عاملتها معاملة الجمع المؤنث، وإن شئت عاملتها معاملة المفرد المؤنث، فتقول: هذه الكتب الأفاضل والفضليات والفضل والفضلى. فالأفاضل على لفظه في التذكير، والفضليات والفضل إجراء له مجرى جمع المؤنث لكونه لا يعقل، والفضلى إجراء له مجرى الجماعة، وهذا جار ي الصفات والأخبار والأحوال، ولذلك (¬2) جاء أخر نعتاً للأيام إجراء له مجرى جمع المؤنث، ولولا ذلك لم يستقم. ولذلك لو قلت: جاءني رجال ورجال أخر، لم يجز حتى تقول: أواخر أو آخرون، لأنه ممن يعقل. وقد أجرت العرب لما لا يعقل من المذكر في الضمائر مثل هذا، ألا تراهم يقولون: الكتب (¬3) اشتريتهن، وهو للمذكر، مثل أخر وهو للمذكر، ولم يأت في الضمير لما لا يعقل من المذكر غير الأمرين بالجمع المؤنث وما لمفرده، بخلاف الظاهر فإنه جاء له بالجمع المذكر بمن يعقل إذا كان (¬4) مكسراً، كأنهم قصدوا أن يجعلوا لمن يعقل أمراً يختص به. ولما كان في جمع الظواهر جمع تصحيح يختص بمن يعقل شاركوا بين المذكر ممن لا يعقل وبينه في جمع المكسر لاختصاصه بالجمع السالم. وليس في الضمائر لمذكّر من يعقل أمران أحدهما يختص به فيشارك بينه وبين الآخر، فلما لم يكن لجمع المذكر في الضمائر إلا لفظ خصوا به من يعقل، وشركوا بين المذكر ممن لا ¬

_ (¬1) المزمل: 20. (¬2) في م: وكذلك. والصواب ما أثبتناه، لأن المقصود التعليل. (¬3) الكتب: سقطت من س. (¬4) كان: سقطت من س.

[إملاء 6] [عود الضمير على مذكور وغير مذكور]

يعقل وبين المؤنث في الضمير، فلذلك لم يقولوا: الكتب اشتريتهم، لأنه مخصوص بالعقلاء، كقولك: العبيد اشتريتهم، وكذلك لا تقول (¬1): الكتب نفقوا، ولكن نفقن ونفقت، لأنه مخصوص بمن يعقل، كقولك: العبيد نفقوا، وكذلك في جميع أبواب الضمير. والله أعلم بالصواب. [إملاء 6] [عود الضمير على مذكور وغير مذكور] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة: لا يشترط أن يكون الضمير عائداً على مذكور ليس إلا، بل على مذكور وغير مذكور، ويدل عليه قوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم" (¬2) إلى قوله: "ولأبويه". فإن الضمير عائد على الميت، وإن لم يتقدم له ذكر، إلا أنه لما قال: يوصيكم، علم أن ثم ميتا، فيعود الضمير على مذكور وغير مذكور إذا كان في الكلام ما يرشد إليه، وإن لم يكن مصرحاً به. والله أعلم بالصواب. [إملاء 7] [إعراب قوله تعالى: "كما بدأنا أول خلق نعيده"] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: "كما بدأنا أول خلق نعيده" (¬3): يجوز أن يكون في موضع نصب على المصدر بـ (نعيده)، كأن الأصل: ¬

_ (¬1) لا تقول: سقطت من س. (¬2) النساء: 11. (¬3) الأنبياء: 104. والآية بتمامها: "يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين".

[إملاء 8] [إعراب قوله تعالى: "يدعو لمن ضره"]

نعيد أول خلق إعادة مثل ما بدأناه، وتكون (ما) مصدرية. ويجوز أن يكون في موضع الحال، كأنه قال: نعيد أول خلق مماثل للذي بدأناه (¬1). وصح الحال لأنه من الضمير المعرفة في (نعيده). ويجوز أن يكون (كما بدأنا) متعلقاً بـ (نطوي) منصوبا على المصدر، أي: نفعل هذا الفعل العظيم كفعلنا هذا الفعل. والمصدر المذكور للتشبيه تارة يوافق المشبه به في اللفظ والمعنى، وتارة يخالفه. وإذا خالفه فقد يكون الأول بأمر عام والثاني بأمر خاص (¬2)، وقد يكون بالعكس (¬3)، وقد يكونان جميعاً مذكورين بلفظ خاص (¬4)، والمراد تشبيهه بالأمر العام، وهذا من القسم الآخر. والله أعلم بالصواب. [إملاء 8] [إعراب قوله تعالى: "يدعو لمن ضره"] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله: "يدعو لمن ضره أقرب من نفعه" (¬5): فيه أقوال: منها: أن يكون (يدعو) تأكيداً لـ (يدعو) الأولى (¬6)، وما بعدها مبتدأ وخبر، وليس بشيء، فإن التأكيد اللفظي لا يفصل بينه وبين مؤكده بالجمل. ومنها أن (ذلك) في قوله: (ذلك هو الضلال البعيد) بمعنى الذي، ¬

_ (¬1) ما ذكره ابن الحاجب هو موقع الكاف من الإعراب في قوله: كما. قال الزمخشري: "ووجه آخر وهو أن ينتصب بفعل مضمر يفسره (نعيده، وما: موصولة، وأول خلق: ظرف لبدأناه". الكشاف 2/ 585. (¬2) كقولك: فعلت هذا كما ضرب ذاك. هامش الأصل ورقة 5. (¬3) كقولك: ضربت هذا كما فعلت ذاك. هامش الأصل ورقة 5. (¬4) كقولك: أكلت هذا كما ضربت ذاك. هامش الأصل ورقة 5. (¬5) الحج: 13. وبعدها: "لبئس المولى ولبئس العشير". والآية التي قبلها: "يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد". (¬6) وقد ذكر هذا الوجه أبو حيان، واستحسنه. البحر المحيط 6/ 356.

و (هو الضلال البعيد) صلته، وهو في موضع نصب مفعول لـ (يدعو)، كأنه قال: يدعو الذي هو الضلال البعيد، وما بعده مبتدأ وخبر دخل عليه اللام، وليس بقوي لأن اسم الإشارة لا يقع عند البصريين بمعنى الذي، وهو قليل أيضاً عند من جوزه (¬1). ومنها: أن اللام زائدة، فـ (من ضره) في موضع نصب مفعول لـ (يدعو)، وليس شيئا لأن اللام المفتوحة لا تزاد بين الفعل ومفعوله (¬2). ومنها: قول من قال: إن اللام مقدمة عن موضعها (¬3)، والتقدير: يدعو من لضره أقرب من نفعه، وليس بجيد أيضاً، لأن لام الابتداء لا تقدم عن موضعها. ومنها: قول من قال: إن (يدو) بمعنى ينادي ويقول (¬4)، فيصح أن يقع مفعوله جملة، كما يقع مفعول يقول، فيكون (ضره أقرب من نفعه) مبتدأ وخبر في موضع نصب؛ والقائلون بهذا منهم من يقول خبره محذوف تقديره: إله، وحملوا الدعاء والقول على أنه في الدنيا، فأورد عليهم أن هؤلاء لا يصفون آلهتهم بأن ضرها أقرب من نفعها. فأجيب بأن ذلك من قول الحاك، وإذا حكى حاك كلاماً فله أن يصف المخبر عنه لمن يحكي له بما ليس في كلام الشخص المحكي عنه. ومثاله أنه لو قل لك: زيد قائم، لجاز لك أن تحكي لمن يعرف أنه خياط فتقول: قال فلان: زيد الخياط قائم. وكذلك لو كان صفة قبيحة أو حسنة. ومنهم من قال: الخبر: (لبئس المولى ولبئس العشير) (¬5)، ويكون هذا ¬

_ (¬1) هم الكوفيون. انظر الإنصاف في مسائل الخلاف 2/ 717 (دار الفكر. بيروت). (¬2) وقد ذكر هذا الوجه أبو حيان، وضعفه. البحر المحيط 6/ 356. (¬3) وهو قول الفراء. انظر معاني القرآن 2/ 217 (تحقيق محمد علي النجار). وقال أبو حيان: وهو بعيد. البحر المحيط 6/ 356. (¬4) وهو قول الأخفش. انظر معاني القرآن 2/ 413 (حققه الدكتور فائز فارس). وقد أجاز أبو البقاء العكبري هذا الوجه. انظر إملاء ما من به الرحمن 2/ 140 (تحقيق إبراهيم عطوة عوض). (¬5) وقد جوزه أبو البقاء العكبري. إملاء ما من به الرحمن 2/ 140.

[إملاء 9] [التقدير في قوله تعالى: "وكذلك نرى إبراهيم"]

قولهم في الآخرة. والله أعلم بالصواب. [إملاء 9] [التقدير في قوله تعالى: "وكذلك نرى إبراهيم"] وقال أيضاً مملياً على قوله تعالى: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض" (¬1)، لما تقدم قوله: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين" (¬2). أشار بقوله: وكذلك، إلى هذا، فكأنه قال: نريه ليعلم هذا كما علم أن ما تقدم لا يصلح أن يكون إلهاً، فإذا ظهر التقدير تبين الإعراب. ويجوز أن تكون الرؤية رؤية العين (¬3). والله أعلم بالصواب. [إملاء 10] [توجيه القراءات في قوله تعالى: "على كل قلب متكبر"] وقال أيضاً ممليا بالقاهرة سنة ثلاث عشرة وستمائة على قوله تعالى: "كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار" (¬4): قرأ أبو عمرو (¬5) وابن ذكوان (¬6) بتنوين (قلب)، فيكون العموم في القلبوب ¬

_ (¬1) الأنعام: 75. (¬2) الأنعام: 74. (¬3) قال أبو حيان: "والظاهر أنها بصرية". البحر المحيط 4/ 165. (¬4) غافر: 35. (¬5) هو زيان بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري. ولد سنة 68 هـ وتوفى سنة 154 هـ أو سنة 155 هـ أو سنة 157 هـ. كان أعلم الناس بالقرآن والعربية مع الصدق والثقة. انظر النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/ 134 (إشراف ومراجعة علي محمد الضباع). (¬6) هو عبد الرحمن بن أحمد بن بشر بن ذكوان. ولد سنة 173 هـ. كان شيخ الإقراء في الشام. وتوفي سنة 202 هـ. انظر النشر في القراءات العشر 1/ 145.

مستفاداً من غير تأويل، لأن (كل) داخلة عليه وهو نكرة غير مضاف، كقولك: ضرب كلّ رجل، فلا تبقى الكلية مستفادة إلا في آحاد جنسه، ولا يبقى على هذه القراءة إلا وصف القلب بقوله: متكبر جبار، وهو من صفة الجملة، وهو قريب بوجه من المعنى حسن، وذلك أن العرب تصف الجزء الذي يصح نسبة ذلك المعنى له على الحقيقة بما تصف به الجملة، كما تنسبه إليه (¬1)، كقولك: أبصرته عيني وسمعته أذني وفهمه قلبي. ومنه قوله تعالى: "فإنه آثم قلبه" (¬2)، "وقلوبهم وجلة" (¬3)، وأشباه ذلك كثير. ولو قيل إنه في الحقيقة صفته ووصف الجملة به لضرب من السعة لكان صواباً، ولكنه كثر ذلك حتى صار كأنه الأصل. وقرأ باقي القراء بإضافة (قلب) إلى (متكبر) فلا يستفاد العموم في القلوب من الظاهر، ولابد من التأويل لأنه لما أضفت (قلب) إلى (متكبر)، و (متكبر) مفرد غير مضاف إليه (كل) وجب أن يبقى على حكم الإفراد، كما في قولك: أكلت كل رغيف زيد أو كل رغيف إنسان. وإذا بطل العموم في ذلك بطل العموم (¬4) فيما أضيف (¬5) إليه (كل)، لأنه إنما يعم إذا لم ينسب إلى ما يبطل العموم فيه. وإذا بطل العموم فيما أضيف إليه (كل) وجب حمل الكلية على أجزاء ذلك الواحد لأنه لو عم في الأول لعم في الثاني، وقد بطل التعميم في الثاني. ولو عم في الأول من غير الثاني لم يستقم لأنه ليس للمتكبّر الواحد قلوب حتى يعم قولك: كل قلب، المضاف إليه باعتبارها، فوجب تأويل الآي؛ لأن المعنى الذي سيقت له الإخبار بالطبع على جميع قلوب كل متكبر، وذلك حاصل ¬

_ (¬1) ي س: إليك. وهو تحريف. (¬2) البقرة: 283. (¬3) المؤمنون: 60. (¬4) بطل العموم: سقطت من د. (¬5) في د: أضيفت.

[إملاء 11] [الفاء في قوله تعالى: "فتصبح الأرض محضرة"]

بتقدير (كل) محذوف مضاف إلى متكبر، كأنه قيل: كذلك يطبع الله على كل قلب كل متكبر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وحسن لظهور المعنى المراد. وبذلك ينتفي المعارض للعموم في القلب ويحصل الموجب للعموم في المتكبر. والله أعلم بالصواب. [إملاء 11] [الفاء في قوله تعالى: "فتصبح الأرض محضرة"] وقال أيضاً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: "أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة" (¬1): الفاء للتعقيب من غير مهلة، وإصباح الأرض مخضرة بعد النزول إنما يكون بمهلة. والجواب (¬2): أن هذه الفاء فاء السببية، وفاء السببية لا يشترط فيها ذلكن وإنما شرطها أن يكون ما بعدها مسبباً عن الأول كما لو صرح بالشرط. ألا ترى إلى صحة قولك: إن يسلم زيد فهو يدخل الجنة، مع العلم بالمهلة العظيمة بينهما. ثم لو سلم ههنا أنها لمجرد العطف لم يلزم ما ذكره من نفي المهلة، فإن ذلك إنما يكون على حسب ما يعده الناس متعقباً، والاخضرار بد الإنزال بعده الناس متعقبا، ولا يعد مثل ذلك فيه مهلة (¬3). ألا ترى إلى صحة قولك: تزوج زيد فولد له ولد، وإن كان لا يكون إلا بعد مهلة في الوجود، ¬

_ (¬1) الحج: 63. (¬2) والجواب: سقطت من س. (¬3) وقد أجاب الرضي عن ذلك بقوله: "ثم اعلم أن إفادة الفاء للترتيب بلا مهلة لا ينافيها كون الثاني المترتب يحصل بتمامه في زمان طويل إذا كان أول أجزائه متعقباً لما تقدم كقوله تعالى: "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة". فإن اخضرار الأرض يبتدئ بعد نزول المطر لكن يتم في مدة ومهلة، فجيء بالفاء نظراً إلى أنه لا فصل بين نزول المطر وابتداء الاخضرار". شرح الكافية 2/ 367. وانظر ما قاله ابن هشام في هذه الآية في شرح شذور الذهب ص 307.

[إملاء 12] [معنى "لا" في قوله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن"]

ولكن يصحٌّ إذا لم يكن (¬1) إلا مهلة الحملة. وكذلك قوله: "ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً" (¬2)، وإن كان في كل واحد مهلة وجودية. والله أعلم بالصواب. [إملاء 12] [معنى "لا" في قوله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن"] وقال مملياً بالقاهرة سنة خمس عشرة على قوله: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" (¬3): الظاهر أنه نهي (¬4)، والمعنى: واتقوا فتنة مقولا فيها: لا تصيبن الذين ظلموا منكم. والنهي في الظاهر للفتنة، والمعنى نهي المعترضين لها، والفعل للإصابة (¬5)، والمعنى التعرض للإصابة. وقد يعدل الناهي عن الشيء لمسببه، لأنه هو المقصود بالنهي، وإذا انتقل إلى المسبب أسنده إلى ما هو فاعل له، كقوله: "لا يفتننكم الشيطان" (¬6) و"لا يحطمنكم سليمان" (¬7)، وكقولك صاحبك عند تعرضه للمعصية: لا تحرقك نار جهنم، فجعلت الفعل للإحراق، والمنهي النار، وإنما المنهي عنه التعرض والمنهي مخاطبك، ولكنك عدلت إلى المسبب إذ النهي عن التعرض إنما هو خشية إحراق النار، فلما عدلت إلى المسبب أسندته إلى ما هو له وهو النار، فكذلك ههنا، فكانه ¬

_ (¬1) في الأصل: تكن. وما أثبتناه من د، وهو الأحس. (¬2) المؤمنون: 14. (¬3) الأنفال: 25. (¬4) قال به الأخفش. انظر معاني القرآن 2/ 321. (¬5) في الأصل: الإصابة. وما أثبتناه من ب، د، وهو الأصوب لأن المعنى يقتضيه. (¬6) الأعراف: 27. (¬7) النمل: 18.

قال: لا تتعرضوا للفتنة التي يصيب المتعرضين بلاؤها، فعدل عن التعرض الذي هو سبب إلى الإصابة التي هي مسبب. فعلى ذلك يكون الظالمون مخصوصين بالإصابة لأن المعنى: لا يتعرض متعرض للفتنة فتصيبه خاصة، فعدل على ما ذكرناه، فصار لا تصب الفتنة متعرضاً لها خاصة. ثم ذكر المتعرض بلفظ الظالم تشنيعا عليه للصفة التي يكون عليها عند التعرض، فثبت أن المعنى على ذلك خصوص الظالمين بالفتنة. ويجوز أن تكون (لا) نافية، ودخول النون فيها على وجه ليس بالقوي (¬1)، فيكون المعنى: واتقوا فتنة غير مصيبة الظالمين خاصة، ولكنها تعم الظالم وغيره، فعلى هذا تكون الإصابة عامة بخلاف الوجه الأول. وقد ذكر الزمخشري (¬2) هذا الوجه (¬3)، وجعلها للإصابة أيضاً فيه خاصة، وليس بجيد، إذ المعنى: وصفها بأنها لا تصيب الظالمين خاصة، وإذا لم تصبهم خاصة، فكيف يصح وصفها بكونها خاصة؟ وقد قيل: إنه يجوز أن يكون جوابا للأمر (¬4) ويكون دخول النون أيضاً في النفي على وجه ليس بالقوي، فقدروه بأن قالوا: واتقوا فتنة إن أصبتموها لا تُصب الظالمين خاصة، ولكنها تعم فتأخذ الظالم وغيره، وهو غير مستقيم، إذ جواب الأمر إنما يقدر فعله من جنس الأمر المظهر، لا من جنس الجواب. ألا ¬

_ (¬1) وقد أجازه أبو حيان. البحر المحيط 4/ 483. (¬2) هو محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري. ولد سنة 497 هـ. تلقب بجار الله وفخر خوارزم. ما تصانيفه: الكشاف، المفصل، الأنموذج. تفوي سنة 538 هـ. انظر بغية الوعاة للسيوطي 2/ 279. (¬3) انظر الكشاف 2/ 153. (¬4) وقد أجاز ذلك الزمخشري فقال: "كيف جاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر؟ قلت: لأن فيه معنى النهي". الكشاف 2/ 153. وذكر ذلك أيضاً أبو البقاء ولكنه ضعفه، لأن جواب الشرط متردد فلا يليق به التوكيد، إملاء ما من به الرحمن 2/ 5.

[إملاء 13] [عود الضمير في قوله تعالى: {فنعما هي}]

ترى أنك إذا قلت: أسلم لا تدخل النار، فإن المعنى: فإنك إن تسلم لا تدخل النار، وليس المعنى: فإنك إن تسلم تدخل النار، وههنا لو كان جواب الأمر لكان التقدير: فإنكم إن تتقوا لا تصب الظالمين، فيفسد المعنى، لأنه يصير الاتقاء سبباً لانتفاء الإصابة عن الظالمين خاصة، فكأنه (¬1) قيل: الاتقاء من المتقي سبب (¬2) لانتفاء الإصابة عن الظالم المرتكب وهو بالعكس أشبه، فظهر أن المعنى لا يستقيم في جعله جواباً لانعكاس المعنى. وقد ذكر الزمخشري ذلك (¬3)، وجعله من المعنى الذي يُوجب التعميم بالإصابة للظالمين وغيرهم، وليس بمستقيم، لما تبين فيه من فساد المعنى من أجل أن فعل الشرط المقدر لا يكون إلا إن تتقوا، وعند ذلك لا يستقيم. والله أعلم بالصواب. [إملاء 13] [عود الضمير في قوله تعالى: {فنعما هي}] وقال أيضاً ممليا بالقاهرة سنة خمس عشرة على قوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} (¬4). الضمير في قوله: هي، يحتمل أن يكون عائدا إلى الصدقات (¬5)، ويحتمل أن يكون على الإبداء (¬6)، وهذا هو الظاهر، بدليل قوله: {وإن ¬

_ (¬1) في د، س: وكأنه. (¬2) في الأصل وفي م: سبباً. وهو خطأ، لأنه خبر المبتدأ الذي هو: الاتقاء. (¬3) الكشاف 2/ 153. (¬4) البقرة: 271. (¬5) أجازه العكبري. إملاء ما من به الرحمن 1/ 115. (¬6) نص عليه ابن عطية. انظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 2/ 256 (تحقيق وتعليق الأستاذ أحمد صادق الملاح).

[إملاء 14] [الجواب على إشكالين في قوله تعالى: "فتذكر إحداهما الأخرى"]

تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} (¬1)، فذكّر الضمير العائد على الإخفاء. ولو قصد الصدقات لقال: فهي. فلئن (¬2) قيل لِم أنَّث والذي عاد عليه مذكر؟ فالجواب: أن هذا على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، كقولك: القرية اسألها، فلما حذفت المضاف، بقي المضاف إليه على حالة، والتقدير: إبداؤها. والله أعلم بالصواب. [إملاء 14] [الجواب على إشكالين في قوله تعالى: "فتذكر إحداهما الأخرى"] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ست عشرة على قوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} (¬3): فيه إشكالان: أحدهما: أن قوله: أن تضل، ذُكر تعليلاً لاستشهاد المرأتين موضع رجل، ولا يستقيم في الظاهر أن يكون الضلال تعليلاً للاستشهاد، وإنما العلة التذكير. والإشكال الثاني: قال: فتذكر إحداهما الأخرى، وقياس الكلام في مثل ذلك أن يقال: فتذكرها الأخرى، لأنه قد تقدم الذكر، فلم يحتج إلى إعادة الظاهر (¬4). والجواب عن الأول: أن التعليل في التحقيق هو للتذكير، ومن شأن لغة العرب إذا ذكروا علة، وكان للعلة علة قدموا ذكر علة العلة، وجعلوا العلة معطوفة عليها بالفاء لتحصل الدلالتان معا بعبارة واحدة، كقولك: أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمها؛ فالإدعام هو العلة في إعداد الخشبة، ¬

_ (¬1) البقرة: 271. (¬2) في م: فإن. وفي س: فإن قلت. (¬3) البقرة: 282. وقبلها: "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء". (¬4) في م: فلم يحتج إليه.

والميل هو سبب الإدعام، فذكر على نحو ما ذكرناه، فقيل: أن يميل الحائط فأدعمها (¬1). ولو قيل: إن الميل في المثال، والضلال في الآية هو السبب لم يكن ذلك بعيد، لأن الضلال (¬2) المعلوم من إحداهما (¬3) يكثر وقوعه، فصلح أن يكون علة في استشهادهما مقام رجل، وإنما يجيء اللبس ههنا إذا توهم أن وقوع الضلال (¬4) هو السبب فيؤدي إلى أن يكون مقصوداً وقوعه باستشهادها، وليس التعليل واجبا فيه أن يكون مقصوداً وقوعه، بل العلة هي المقتضية لذلك المعلوم. ألا ترى إلى قولك: قعدت عن الحرب من أجل الخوف، فالخوف ههنا ليس مراداً وقوعه في قصد المتكلم حتى يكون سبباً للقعود، فكذلك ههنا المقصود أن الضلال المعلوم هو السبب المقتضي في المعنى استشهادهما في موضع رجل، وذلك مستقيم على هذا التأويل. وكذلك يمكن أن يقال في مثال (¬5) الحائط: إنه أيضاً هو السبب على الوجه الذي ذكرناه في الآية. وهذا الوجه الثاني يصلح أن يكون للأول ليجيء الثاني بعده، بعد تقدير التسليم. وأما الجواب عن الإشكال الثاني فهو أنا نقول: أصل الكلام على الوجه الأول أن تذكر إحداهما الأخرى عند ضلالها، فقدم على ما ذكرناه، فبقي (أن تذكر إحداهما الأخرى) على ما كان عليه. الثاني هو: أنه لا يستقيم في المعنى ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "فإنما ذكر أن تضل لأنه سبب الإذكار، كما يقول الرجل: أعددته أن يميل الحائط فأدعمه. وهو لا يطلب بإعداد ذلك ميلان الحائط، ولكنه أخبر بعلة الدعم وبسببه". الكتاب 3/ 53. (¬2) في الأصل: الإضلال. وما أثبتناه من ب، د. وهو الصواب، لأن الضلال مصدر ضل، والإضلال مصدر أضل. (¬3) في الأصل: أحدهما. وهو سهو. (¬4) في الأصل: الإضلال. وما أثبتناه من ب وهو الصواب. (¬5) في د، م: مثل. وفي ب: ميل، وكله تحريف.

إلا كذلك، ألا ترى أنه إذا قال: أن تضل إحداهما فتذكرها الأخرى، وجب أن يكون ضمير المفعول عائداً على الضالة، فيتعين لها. كما إذا قلت: جاءني رجل وضربته، يتعين أن يكون الجائي هو المضروب، وذلك مخل بالمعنى المقصود، لأنها قد تكون الضالة الآن في الشهادة هي الذاكرة يها في زمان آخر، فالمذكرة هي الضالة. فإذا قيل: فتذكرها الأخرى، لم يفد ذلك لتعين عود الضمير إلى الضالة. وإذا قيل: فتذكر إحداهما الأخرى، كان مبهماً في كل لو انعكس الأمر والشهادة بعينها في وقت آخر، اندرج أيضاً تحته لوقوع قوله: فتذكر إحداهما الأخرى، غير معين. ولو قيل: فتذكرها الأخرى، لم يستقم أن يكون مندرجاً تحته إلا التقدير الأول. فعلم أن العلة هي التذكير من إحداهما الأخرى كيف ما قدر، وإن اختلفت. وهذا المعنى لا يفيده إلا ما ذكرناه، فوجب لذلك أن يُقال: فتذكر إحداهما الأخرى. وهذا الوجه الثاني هو الذي يصلح أن يكون جارياً على الوجهين المذكورين أولاً؛ وإنه في التحقيق هو الذي وجب لأجله مجيثهما ظاهرين. وأما الوجه الذي قبله فلا يستقيم إلا على التقدير الأول، لأن التقدير الثاني جعل الضلال هو العلة فلا يستقيم مع (¬1) ذلك أن يقال: إن أصل الكلام: أن تذكر إحداهما الأخرى لضلالها، مع القول بأن الضلال هو العلة، فثبت بما ذكرناه من المعنى الصحيح وجوب مجيء الآية على ما هي عليه، وأنه لو غير إلى المضمر لاختل (¬2) المعنى المقصود واختصَّ ببعضه. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) مع: سقطت من م. (¬2) في الأصل: اختل. وكلاهما جائز. ولكن الغالب في جواب لو إذا كان ماضياً مثبتاً دخول اللام. انظر مغنى اللبيب 1/ 301 (تحقيق الدكتور مازن المبارك، محمد علي حمد الله. دمشق).

[إملاء 15] [إعراب "إخوانا" في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا}]

[إملاء 15] [إعراب "إخوانا" في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخوانا}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة تسع (¬1) على قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} (¬2). قال: (إخوانا) منصوب بفعل مقدر تقديره: أمدح إخوانا، أو أعني إخوانا؛ والرفع جائز، ولكن النصب أحسن. ويضعف أن يكون منصوباً على الحال (¬3)، لأنه إذا كان حالا، فإما أن يكون حالا من الضمير في (ادخلوها) أو من الضمير في (آمنين)، أو من الضمير في (صدورهم) (¬4). ويضعف أن يكون من الأولين للفصل بينه وبينه بالجملة الأجنبية وهي: ونزعنا ما في صدورهم من غل. ولا يجوز أن يكون من الضمير في (صدورهم) لأنه مضاف إليه اسم جامد، والمضاف إليه لا ستيم أن يكون منه حال، إلا أن يكون في معنى الفاعل أو المفعول. وإنما لم يكن منه حال لأنه لا يقبل التقييد، والحال إنما جيء بها مقيدة للفاعل أو المفعول باعتبار فعله، وغير ذلك لا يقبل التقيد. ألا ترى أنك لو قلت: حصير زيد راكباً سمار، لم يستقم (¬5)، لأنها سمار سواء كان ¬

_ (¬1) أي سنة ستمائة وتسع. (¬2) الحجر: 47. (¬3) قال النحاس: إنه حال. انظر إعراب القرآن 2/ 196 (تحقيق الدكتور زهير زاهد. بغداد). وكذلك الزمخشري. الكشاف 2/ 392. (¬4) قال أبو البقاء: "هو حال من الضمير في الظرف في قوله تعالى: "جنات". ويجوز أن يكون حالاً من الفاعل في: ادخلوها، مقدرة. أو من الضمير في آمنين. وقيل: هو حال من الضمير المجرور بالإضافة". إملاء ما من به الرحمن 2/ 75. (¬5) في ب: يستقر. وهو تحريف.

[إملاء 16] [العامل في "إذا"]

راكباً أو غير ذلك (¬1)، فوقع التقيد مفسدا، وكذلك لو قلت: زيد قائماً أبوك، لكان فاسدا، لأنه أبوك قائما أو قاعدا أو غير ذلك، فتقييده، يقع مفسدا. وكذلك لو جعلت (إخواناً) حالا من الضمير في (صدورهم) لم يستقم، لأنها صدورهم، إخواناً كانوا أو غير إخوان (¬2). والله أعلم بالصواب. [إملاء 16] [العامل في "إذا"] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة أربع عشرة على قوله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل} (¬3): من الناس من يقول جواب إذا (جاءهم)، وهو العامل فيها على قول أكثر النحويين، لأن "إذا" عندهم مضافة إلى الفعل الذي هو شرطها عاملة فيه عمل كل مضاف في المضاف إليه. وإذا كان الفعل بعدها معمولا لها تعذر أن يكون عاملا فيها لئلا يؤدي إلى أن يكون عاملا معمولا من وجه واحد وهو محال (¬4). وقال بعض النحويين: العامل في "إذا فعل الشرط الذي بعده، وهي عند هؤلاء غير مضافة، وقالوا: إنها في العمل كـ "متى". والفعل الواقع بعد "متى" هو العامل فيا في قول أكثر النحويين (¬5)، فلو كانت "إذا" واجباً إضافتها إلى ما ¬

_ (¬1) في س. أو غير راكب. (¬2) هذا وذكر ابن هشام تبعاً لابن مالك أنه يجوز أن تجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف بعضه. وقد استشهد بهذه الآية، وجعل (إخواناً) حالاً من الضمير في (صدورهم). انظر أوضح المسالك 2/ 325 (دار الجيل). (¬3) يوسف: 110 وبعدها: "وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين". (¬4) انظر الإيضاح لابن الحاجب 1/ 512. (¬5) قال الرضي: "فإذا تقرر هذا قلنا: العامل في متى وكل ظرف فيه معنى الشرط شرطه على ما قال الأكثرون. ولا يجوز أن يكون جزاءه على ما قال بعضهم. كما لا يجوز في غير الظروف على ما مر". شرح الكافية 2/ 111.

[إملاء 17] [إعراب قوله تعالى: "سلام قولا"]

بعدها لإبهامها وجب تقدير إضافة "متى" إلى ما بعدها لإبهامها، ولم يجب في "متى"، فلا يجب في "إذا". وقالوا أيضاً: لو كان العامل فيها جوابها لاستحال أن يقال: إذا أحسنت إلى اليوم أكرمتك غداً، لأن "إذا" ههنا عندهم ظرف للإكرام، وقد فُسّرَتْ بكونها غدا، وأضيفت عند هؤلاء إلى الإحسان (¬1) الذي هو في اليوم، فيؤدي إلى أن تكون هي (¬2) اليوم وغدا في الكلام باعتبار الشيء الواحد، وهو محال، والله أعلم بالصواب. [إملاء 17] [إعراب قوله تعالى: "سلام قولا"] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: {ولهم ما يدعون سلام قولا} (¬3): في رفعه أوجه: أحدهما: أن يكون بدلا من قوله: {ولهم ما يدعون} (¬4)، تقديره: ولهم سلام، ويكون لقوله: سلام، وجهان على هذا التأويل: أحدهما: السلامة، فلا يحتاج إلى تقدير، كأنه قال: ولهم السلامة. والآخر: أن يكون السلام المعروف، ويكون ذلك من الله أو من الملائكة، ويكون المعنى: ولهم ما يتمنونه من الملائكة أو من الله أو من الجميع. ويجوز أن يكون مرتفعا على معنى: هو سلام (¬5)، تفسيراً لما يدعونه على المعنيين (¬6). ¬

_ (¬1) في الأصل وفي د، م: الإكرام. وما أثبتناه من ب، س. وهو الصواب. (¬2) في س: هو. والصواب ما أثبتناه لأن الكلام في (إذا). (¬3) يس: 57، 58 وبعدها "ومن رب رحيم". (¬4) أجازه النحاس. إعراب القرآن 2/ 729، والزمخشري. الكشاف 3/ 327. (¬5) في د: الإسلام. وهو تحريف. (¬6) تفسيراً لما يدعونه على المعنيين: سقطت هذه العبارة من س.

[إملاء 18] [العطف على عاملين]

ويجوز أن يكون مرتفعاً على معنى: يقال لهم سلام، استئنافاً أو حالاً من الضمير في (يدعون) أي: مقولا لهم سلام. و (قولا) يجوز أن يكون منصوباً بفعل مضمر محذوف مفعولاً، أعني قولا، أو امدح قولاً، أو على المصدر من القول المقدر مع (سلام) على أحد الأوجه، أو بفعل آخر مقدر له (¬1) على الاستئناف تقديره: يقال لهم قولا (¬2). والله أعلم بالصواب. [إملاء 18] [العطف على عاملين] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: {وتصريف الرياح آيات} (¬3) وآيات: في التزام العطف على عاملين فيهما (¬4). لأن الرفع يحتاج إلى عامل كما أن النصب يحتاج إلى عامل (¬5). وأكثر الناس بفرض الإشكال في قراءة النصب لكون العامل لفظياً وهما سواء. ¬

_ (¬1) له: سقطت من م. (¬2) وذكر الأخفش وجهاً آخر في إعرابها، وهي أن تكون بدلاً من اللفظ بالفعل، كأنه قال: أقول لك قولاً. انظر معاني القرآن 2/ 450. (¬3) الجاثية: 5. (¬4) قال الرضي: "معني قولهم: العطف على عاملين، أن تعطف بحرف واحد معمولين مختلفين كانا في الإعراب كالمنصوب والمرفوع أو متفقين كالمنصوبين أو المرفوعين على معمولي عاملين مختلفين، نحو: إن زيدا ضرب عمرا وبكراً خالداً. وهذا عطف متفقي الإعراب على معمولي عاملين مختلفين. وقولك: إن زيداً ضرب غلامه وبكرا أخوه، عطف مختلفي الإعراب، ولا يعطف المعمولان على عاملين بل على معموليهما. فهذا القول منهم على حذف المضاف". شرح الكافية 1/ 324. (¬5) الرفع فيهما قراءة الجمهور، والنصب فيهما قراءة حمزة والكسائي ويعقوب. البحر المحيط 8/ 42.

اختلف الناس في مسألة العطف على عاملين، فمنهم من يمنعه وهم أكثر البصريين، ومنهم من يجيزه وهم أكثر الكوفيين، ومنهم من يفصل فيقول: أما مثل قولك: في الدار زيد والحجرة عمرو، فجائز. وأما مثل قولك: زيد في الدار وعمرو الحجرة، فلا يجوز. ويزعم أن هذا ثابت عن العرب، ويعلله بأن إحدى المسألتين، المجرور فيها يلي العاطف، فقام العاطف فيها مقام الجار. وفي المسألة الأخرى ليس المجرور فيا يلي العاطف، فكان فيها إضمار الجار من غير عوض (¬1). وأما من يمنع العطف على عاملين، فيقول في الآية: إن (آيات) فيها تأكيد لآيات الأولى، ومثل هذا عنده جائز، حتى (¬2) لو كانت موضع (آيات) الأخيرة لفظة أخرى لم يجز. ومن قال بالتفصيل فهذا غير جوزه، ويزعم أن مثله: ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة (¬3). وقول أبي دؤاد: أكل امرئ تحسبين أمرأ ... ونار توقد بالليل ناراً (¬4). ... ومعناه: إنكار أن يعتقد أن صورة الشخص بمجردها توجب الصفات الحميدة لذلك الجنس، كما أنه ليس كل نار توقد توجب أن تكون ناراً مفيدة ¬

_ (¬1) انظر توضيح هذه المسألة في مغني اللبيب لابن هشام 2/ 487 (تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد). (¬2) وردت هذه الكلمة هكذا في جميع النسخ. ولا يستقيم المعنى بها. والأحسن: أما. (¬3) قال سيبويه: "وإن شئت نصبت شحمة، وبيضاء في موضع جر، كأنك أظهرت كل، فقلت: ولا كل بيضاء". الكتاب 1/ 65 - 66. وانظر مجمع الأمثال 2/ 281. (¬4) البيت من المتقارب. وهو من شواهد سيبويه 1/ 66. والكامل 1/ 69 (مكتبة المعارف بيروت). والمفصل ص 106. والمقرب لابن عصفور 1/ 237 (تحقيق أحمد عبد الستار الجواري وعبد الله الجبوري. بغداد). والشاهد فيه قوله: ونار، فقد حذف المضاف وترك المضاف إليه على إعرابه. وأبو دؤاد قائل هذا البيت شاعر جاهلي قديم.

للأضياف والمحتاجين. ومعناه: كل امرئ تحسبين أمراً كاملاً وكل نار تحسبينها ناراً مفيدة، ولكن مثل ذلك يحذف للعلم ب، وهو أحسن من إثباته (¬1). ومخالفوه يزعمون أن المضاف محذوف مقدر، وترك المضاف إليه على إعرابه، ومثله في حذف المضاف وترك المضاف إليه على إعرابه قولهم (¬2): ما مثل أبيك ولا أخيك يقولان ذلك. ومثله: ما مثل أبيك يقول ذاك ولا أخيك. ووجه الاستدلال بالمثال الأول أنه لو لم يكن المضاف مقدراً لوجب أن تقول: يقول ذاك، لأنك إذا جعلت "أخيك" معطوفاً على "أبيك" فقد دخل في حكم المضاف إليه مثل، وأنت لا تخبر إلا (¬3) ن المضاف لا عن المضاف إليه، بدليل امتناع: كتاب زيد وعمرو حسنان. وإذا قدرت "مثل" كنت عاطفاً "مثل" أخرى على "مثل" الأولى، فعطفت على المضاف، وإذا عطفت على المضاف وأخبرت عنه وجب أن تخبر عنهما جميعاً بدليل وجوب: زيد وعمرو قائمان. وأما (¬4) المثال الثاني فلأن المعطوف لا يفصل بينه وبين المعطوف عليه بجزء أجنبي، لأن المعطوف والمعطوف عليه كالشيء الواحد، ولو جعلت "أبيك" معطوفاً على "أخيك" لكنت (¬5) فاصلاً بينهما بالجزء الأجنبي الذي هو خبر، وهو: يقول ذاك، فيجب أن تقدر "مثل" لتكون عاطفاً جملة على جملة، حذفت من الجملة الثانية خبرها لدلالة الأول عليه، فكأنه قيل: ما مثل أبيك يقول ذلك ولا مثل أخيك يقول ذلك. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "فاستغنيت عن تثنية كل لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب". الكتاب 1/ 66. فهذا ومثله ليس عنده عطفاً لى عاملين. (¬2) في س: قوله: والأنسب ما أثبتناه. (¬3) ألا: سقطت من د. (¬4) أما: سقطت من د. (¬5) في ب، د: كنت، والأحسن ما أثبتناه.

[إملاء 19] [إعراب قوله تعالى: "أو أشد خشية"]

[إملاء 19] [إعراب قوله تعالى: "أو أشد خشية"] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة عشر على قوله تعالى: {أو أشد خشية} (¬1): يجوز في نصبه (¬2) أوجه: أحدها: وهو اختيار الزمخشري (¬3)، أن يكون حالاً معطوفاً على الكاف، فيكون المعنى: تخشون الناس مثل أهل خشية الله، ولا يجوز أن تكون (¬4) الكاف نعتاً لمصدر محذوف عنده، لأنه كان يلزم أن يكون أو أشد خشية، لأن أفعل التفصيل إذا ذُكر بعده ما هو من (¬5) جنسه وجب أن يكون مخفوضاً، لأن الغرض نسبته إلى شيء اشترك هو وهم في ذلك المعنى وزاد عليهم، وهذا معنى الإضافة، إلا أنه خالف باب الإضافة من حيث إنه تجب إضافته إلى شيء هو بعضه، فيكون التقدير: يخشون الناس مشبهين لأهل خشية الله أو أشد. فأشد على هذا في موضع نصب عطفاً على الكاف (¬6). ولا ينبغي أن تكون في موضع خفض عطفاً على الأهل الذي قامت (خشية) مقامه، لأنه يكون التقدير: مثل أهل خشية الله، أو مثل قوم أشد خشية، فيكون فيه حذف موصوف وإقامة الصفة مقامه، وليس بقياس في غير المصادر. ¬

_ (¬1) النساء: 77 وقبلها: "فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله". (¬2) أي: نصب (أشد). (¬3) قال الزمخشري: "وأشد معطوف على الحال". الكشاف 1/ 543. (¬4) في ب، س: يكون. (¬5) من: سقطت من ب، د. (¬6) وهو ما نص عليه مكي بن أبي طالب. والكاف عنده في موضع نصب نعت لمصدر محذوف تقديره: خشية مثل خشينهم الله. انظر مشكل إعراب القرآن ص 203 (تحقيق حاتم الضامن).

والوجه الثاني: أن تكون (كخشية الله) على ظاهرها نعتاً لمصدر محذوف، فيكون قوله: (أو أشد خشية)، من باب قولهم: جد جده، كأنه جعل للخشية خشية مبالغة، كما جعل للجد جد مبالغة، فيكون ذكر خشية بعد أشد على أنه معنى للخشية لا على أنه جنس، وإن وافق لفظه، فيكون مثل قولك: زيد أشد خشية. وعلى هذا يجوز أن يكون (أشد) معطوفاً على خشية الله المجرورة بالكاف لكونه مصدراً، ولمصادر يجوز حذف موصوفاتها، يكون التقدير: خشية مثل خشية الله، أو مثل خشية أشد من خشية الله. والوجه الثالث: أن يكون (أشد) منصوباً بفعل مضمر دل عليه (يخشون) الأول، فيكون التقدير: يخشون الناس خشية مثل خشية الله، أو يخشون الناس أشد خشية، فتكون الكاف نعتاً لمصدر محذوف، و (أشد) حالاً، وهذا أولى لوجهين: أحدهم: أنه جرت فيه الكاف على ظاهرها، ولا يلزم ما ذكروه في أن المعطوف يشارك المعطوف عليه في العامل، لأن ذلك في المفردات، وهذه جمل، ولا يلزم في مفردات الجمل المعطوف بعضها على بعض أن تكون من باب واحد. والوجه الثاني: أن قوله: "فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً" (¬1) ليس له وجه مستيم إلا هذا، فينبغي أن يكون هذا في الإعراب مثله لموافقته لفظه، لأنك في (أشد ذكرا)، لا يستقيم أنتقول: هو حال، لأن قوله: (كذكركم)، يمنعه بالظاهر وبالتقدير، ولا يستقيم أن تكون الكاف نعتاً لمصدر محذوف، لأن (أشد ذكرا) يمنعه، ولا يمكن أن يكون (اشد) معطوفاً على (ذكركم)، لأنه كان يجب فيه الخفض، ولا يستقيم أن يكون (أشد) معطوفاً على الكاف والميم في قوله: (كذكركم)، لأنه يكون عطفاً على المضمر المجرور من غير إعادة عامل، وإذا قدرناه جملتين استقام، فيكون المعنى: ¬

_ (¬1) البقرة: 200.

[إملاء 20] [تثنية الضمير في قوله تعالى: {فإن كانتا اثنتين}]

فاذكروا [الله] (¬1) ذكرا مثل ذكركم آباءكم، أو اذكروا الله في حال كونكم أشد ذكراً في ذكر آبائكم، وهو الذي ذكرناه. وذكر الزمخشري (¬2) في هذه الآية الأخيرة وجهين: أحدهما: أنه قال: معطوف على ما أضيف إليه الذكر، وهذا عطف على المضمر المخفوض وذلك لا يجوز عنده. ورد قراءة حمزة (¬3) أقبح رد (¬4)، والوجه الثاني: أنه قال: معطوف على (آباءكم) فيكون التقدير: فاذكروا الله مثل ذكركم آباءكم أو مثل قوم أشد ذكراً، على معنى: مذكورين كثيراً، وهذا يلزم منه أن يكون أفعل للمفعول وهو شاذ لا يرجع إليه إلا بثبت، وأفعل لا يكون إلا للفاعل كقولهم (¬5): هو أضرب الناس، على معنى: أنه فاعل الضرب، سواءً أضفته أو نصبت عنه تمييز (¬6)، والله أعلم بالصواب: [إملاء 20] [تثنية الضمير في قوله تعالى: {فإن كانتا اثنتين}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: {فإن كانتا اثنتين} (¬7): ¬

_ (¬1) زيادة من عندي، يقتضيها المعنى. (¬2) الكشاف 1/ 350. (¬3) هو حمزة بن حبيب الكوفي الزيات. أحد أصحاب القراءات السبع. ولد سنة 80 هـ وتوفي سنة 156 هـ، كان إمام الناس في القراءة بالكوفة بعد عاصم والأعمش. انظر النشر في القراءات العشر 1/ 166. (¬4) لا أدري ما هي قراءة حمزة، وأين ردها الزمخشري. (¬5) في ب، د، س: كقولك. (¬6) وذكر أبو حيان وجهاً ثالثاً وهو أن يكون منصوباً بإضمار فعل الكون، والكلام محمول على المعنى، التقدير: أو كونوا أشد ذكراً له منكم لآبائكم. البحر المحيط 2/ 103. (¬7) النساء: 176. وبعدها: "فلهما الثلثان مما ترك".

قال أبو علي الفارسي (¬1): إنما جاز ذلك مع أن التثنية قد استفيدت من الاسم لأنه أريد مجرداً عن الصغر والكبر (¬2)، وعلي ذلك يجوز أن يكون (¬3) فيه فائدة زائدة (¬4) لم تستفد من قوله: كانتا، وتقديره أنه قد علم أن السماء العدد لمطلق المعدودات من غير اعتبار صفة مخصوصة فأطلق ههنا لهذا الغرض. ويرد عليه أن اللفظ وإن كان صالحاً لإطلاقه على الشيء مجرداً عن الصفات باعتبار الذات لا يصح إطلاقه خبراً دالاً على التجريد عن الصفات، وإنما يعني باللفظ ذاته الموضوعة له. ألا ترى أنك إذا قلت: جاءني رجل، لا يفهم منه إلا ذات من غير أن يدل على تجريد عن مرض أو جنون أو عقل (¬5). ثم ولو سلم صحة إطلاق اللفظ لذلك فهو ههنا لا يصح، إذ لو صح لجاز أن يقال: فإن كانتا على أي صفة حصلت، ولو قيل ذلك لم يصح، لأن تثنية الضمير في (كانتا) لم تصح إلا للإخبار عنه باثنتين، مثل قولك: من كانتا جديتك. فتثنية (كانتا) وإن كان باعتبار الضمير يعود على من لم يصح إلا للإخبار عنه بالمثني، وأولى من ذلك أن يقال: الضمير في (كانتا) عائد على الكلالة، والكلالة تكون واحداً واثنين وجماعة (¬6). فإذا أخبر باثنين حصلت به فائدة، ثم لما كان الضمير الذي في (كانت) العائد على الكلالة هو في المعنى اثنين صح تثنيته، ¬

_ (¬1) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان الإمام أبو علي الفارسي. واحد زمانه في علم العربية. أخذ عن الزجاج وابن السراج. من مصنفاته: الحجة، الإيضاح العضدي، التكملة توفي سنة 377 هـ. انظر إنباه الرواة على أنباه النحاة لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي 1/ 273 (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم). (¬2) انظر الإيضاح العضدي 1/ 121 (تحقيق الدكتور حسن شاذلي فرهود). (¬3) في الأصل: تكون. وما أثبتناه من د وهو الأحسن. (¬4) زائدة: سقطت من م. (¬5) في ك: تحول. وهو تحريف. (¬6) الكلالة: اسم للورثة الذين ليس فيهم ولد ولا والد. إملاء ما من به الرحمن 1/ 170، القرطبي 5/ 77.

فإذن تثنيته فرع عن الإخبار باثنين، إذ لولاه لم يصح، فصح (¬1) أنه لم تستفد التثنية إلا من قولك: اثنين (¬2). وقد أورد على ذلك اعتراض وهو أن هذه الآية مماثلة لقوله: {يوصيكم الله في أولادكم} (¬3)، ثم قال: {فإن كن نساء} (¬4)، {وإن كانت واحدة} (¬5)، فقوله: وإن كانت واحدة، لو كان على ما ذكرتم لوجب أن يصح إطلاق الأولاد على الواحد كما في الكلالة، وإلا كان الضمير لغير مذكور. والجواب بشيء يشمل الجميع وينفي ذلك الأول أيضاً على ما ذُكر، وهو أن يقال: إن الضمير قد يعود على الشيء باعتبار المعنى الذي سيق له ونسب إلى صاحبه، فإذا قلت: إذا جاءك رجال فإن كان واحدا فافعل به كذا، وإن كان (¬6) اثنين، فصح إعادة الضمير باعتبار المعنى لأن المعنى المقصود الجائي، فكأنك قلت: فإن كان الجائي من الرجال، لأنه علم من قولك: إذا جاءك. والآية سيقت لبيان الوارث من الأولاد، فكأنه قيل: فإن كان الوارث من الأولاد، لأنه المعنى الذي سيق له الكلام، وكذلك في آية الكلالة، المعنى: فإن كان الوارث من الكلالة، لأنه الغرض المقصود، فقد دخلت الآيتان باعتبار هذا المعنى. ويجوز أن تبقى الآية الأولى على ما ذُكر، ويكون هذا الجواب مختصاً بهذه. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) في د: فيصح. (¬2) قال مكي بن أبي طالب في هذه الآية: "إنما ثنى الضمير في كانتا، ولم يتقدم إلا ذكر واحدة لأنه محمول على المعنى، لأن تقديره عند الأخفش: فإن كان من ترك اثنتين، ثم ثنى الضمير على معنى من". مشكل إعراب القرآن ص 215. (¬3) النساء: 11. (¬4) النساء: 11. (¬5) النساء: 11. (¬6) في د: كانا. والصواب ما أثبتناه، لأن المقصود، وإن كان الجائي اثنين.

[إملاء 21] [العامل في قوله تعالى: {إذ تدعون}]

[إملاء 21] [العامل في قوله تعالى: {إذ تدعون}] وقال أيضاً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة مملياً على قوله تعالى: {إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون} (¬1): العامل في {إذ تدعون} على وجه (لمقت الله) الأول (¬2)، ومعناه: لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم في الآخرة. وليس فيه من الاعتراض سوى الفرق بين المصدر ومعموله بالأجنبي وهو (أكبر) الذي هو الخبر. والجواب عن هذا بأن الظروف اتسع فيها. وقيل: العامل فيه (مقتكم) الثاني، فيكون المعنى: لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون. فاعترض عليه (¬3) بأنهم لم يمقتوا أنفسهم إذ كانوا يدعون في الدنيا. فأجيب عنه بأمرين: أحدهما: أن المراد إذ صح كونكم تدعون، مثل قوله: {إذ ظلمتم} (¬4). معناه: إذ ثبت ظلمكم، أي: قامت الحجة به عليكم. فعلى هذا يكون: {إذ تدعون} زمن الآخرة أو يكون المراد بأنفسكم أمثالكم من المؤمنين، فيكون (إذ تدعون) للدنيا، والمراد باللفظ غيرهم. ويجوز أن يكون العامل فيه (أكبر) على التقديرات كلها. ويجوز على ¬

_ (¬1) غافر: 10. (¬2) وقد نص ابن جني على ذلك. انظر الخصائص 3/ 256 (حققه محمد علي النجار). ولم يجوزه أبو البقاء. انظر إملاء ما من به الرحمن 1/ 217. (¬3) في س: عليهم. وما أثبتناه أنسب. (¬4) الزخرف: 39.

[إملاء 22] [استعمال "إذ" في قوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم}]

الجواب الأول والثاني أن يكون لمقت الله إياكم في الدنيا، ولمقت الله في الآخرة أيضاً صالح لهما. والله أعلم بالصواب. [إملاء 22] [استعمال "إذ" في قوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سننة ثلاث عشرة على قوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} (¬1): يجوز أن يكون (إذ ظلمتم) بدلا من اليوم (¬2)، فيكون المعنى: إذ ثبت ظلمكم، والعامل في (إذ) ما عمل في اليوم، وهو إما النفع المنفي على معنى: أن انتفاعكم في ذلك اليوم منتف، كما تقول: ما نفعني زيد في الدنيا. فالمنفي النفع باعتبار الدنيا، وهو معنى العامل. وعلى هذا لا يكون المنفي من جهة الآية النفع مطلقاً، وإنما هو نفي نفع مخصوص مقيد بكونه في الآخرة. ويجوز أن يكون العامل ما في (لن) من معنى النفي، أي: انتفى في هذا اليوم النفع (¬3)، فيكون المنفي النفع مطلقاً. فإن قلت: فالأشكال في (إذ) باق، لأنها للمضي، وإذا جعلتها من (اليوم)، واليوم يوم القيامة، فقد استعملتها لما هو مستقبل. فالجوابُ: أن النفع المقدر في ذلك اليوم المقصود بالنفي على أن يكون النفي هو العامل إنما يُقدر بعد ¬

_ (¬1) الزخرف: 39. (¬2) أجازه ابن جني في الخصائص 3/ 224، والزمخشري في الكشاف 3/ 489. ونقل ابن هشام عن ابن جني قوله: "راجعت أبا علي مراراً في قوله تعالى: "ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمت"، الآية، مستشكلاً إبدال "إذ" من اليوم، فآخر ما تحصل فيه أنّ الدنيا والآخرة متصلتان، وأنهما في حكم الله سواء، فكأن اليوم ماض، أو كأن إذ مستقبلة. انظر مغني اللبيب 1/ 87 (دمشق). (¬3) في س: النفي. وهو تحريف.

[إملاء 23] [الخلاف في عرفات هل هي مصروفة أو غير مصروفة؟]

ثبوت ظُلمهم، فصار زمان ثبوت الظلم سابقاً للنفع المقدر مستمراً، فصح التعبير عنه بلفظ المضي لأنه بالنسبة إلى عامله ماض مستمر. ويجوز أن يكون تعليلاً، فيكون المعنى: لأجل ظلمكم في الدنيا، وفاعلُ (ينفعكم) إما: {أنكم في العذاب مشتركون} (¬1)، على أنه لا يسليكم التأسي، وإما مضمر يعود على ما قبله، إما القول وإما القرين، وتكون {إذ ظلمتم} على الوجهين المتقدمين على حاله، و {وأنكم في العذاب مشتركون} تعليلاً. والله أعلم بالصواب. [إملاء 23] [الخلاف في عرفات هل هي مصروفة أو غير مصروفة؟] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة أربع عشرة على قوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات} (¬2): اختلف العلماء في عرفات ونحوها، هل هي مصروفة أو غير مصروفة؟. فذهب بعضهم (¬3) إلى أنها لا تُوصف بصرف ولا بعدم صرف. وهو الصحيح (¬4). وذهب بعضهم إلى أنها غير مصروفة، فهؤلاء يقولون: هذه ¬

_ (¬1) نص عليه أبو البقاء. إملاء ما من به الرحمن 2/ 227. وتقديره: اشتراكم في العذاب. (¬2) البقرة: 198. (¬3) في م: بعض الناس. (¬4) في س، وهو صحيح.

عرفات ورأيت عرفات ومررت بعرفات (¬1)، وليس بشيء. وذهب قوم إلى أنها منصرفة لعدم ما يمنع الصرف (¬2)، وليس بجيد. الدليل على المذهب الأول: أن المنصرف عبارة عما يقبل الحركات الثلاث والتنوين لفظاً أو تقديراً، وهذا ليس كذلك (¬3). وغير المنصرف ما يمتنع من الجر والتنوين لعلتين، وهذا ليس كذلك. فإن قال أصحاب المذهب الثاني: فهو ممتنع عندنا من الخفض والتنوين لوجود العلتين. قلنا: هذا فاسد من جهة أن الجموع إذا سمي بها بقيت على حالها التي كانت عليه قبل التسمية في الإعراب. ألا ترى أنك لو سميت بزيدون امرأة، لقلت: هذه زيدون ورأيت زيدين ومررت بزيدين. فإن قالوا: في "زيدون" إذا سميت به وجه آخر، وهو أن تقول: هذه زيدين (¬4)، وإنما قبل: زيدين بالياء ولم يقل زيدون بالواو لأن الياء أخف، ولأنه أكثر، ورأيت زيدين ومررت بزيدين، فتعربه بأعراب المفرد غير المنصرف إن كانت فيه علتان، وبإعراب المنصرف إن لم يكن فيه علتان. قلنا: إنما كان كذلك من جهة أنه معرب بالحروف، وهو خلاف إعراب المفردات، فجعل له وجه آخر ليشبه المفرد في إعرابه لما جعل في المعنى اسما لمفرد. وأما عرفات وشبهه فهو معرب بالحركات، فلا يلزم من تغيير "زيدون" لما جعل مفردا لكونه معربا بالحروف أن يغير عرفات وليس معربا بالحروف. ¬

_ (¬1) حكاه النحاس عن الأخفش والكوفيين. إعراب القرآن 1/ 246. (¬2) قال سيبويه: "ألا ترى إلىعرفات مصروفة في كتاب الله عز وجل وهي معرفة، والدليل على ذلك قول العرب: هذه عرفات مباركاً فيها". الكتاب 3/ 233. (¬3) ليس: سقطت من س. (¬4) أي: يجري مجرى غسلين. فيعرب بحركات ظاهرة على النون.

ووجه آخر وهو: أن "زيدين" إذا أعرب بالحركات كان منصرفا تدخله (¬1) الحركات الثلاث والتنوين إن لم تكن فيه علتان، وغير منصرف يمتنع منه الجر والتنوين إن كانت فيه علتان، وأما عرفات فلا يتحقق فيه دخول الحركات الثلاث ولا امتناع الجر والتنوين لأجل العلتين، فلا يلزم من الحكم على "زيدين" بمنع الصرف الحكم على عرفات. وأما المذهب الثالث فغاية ما يقولونه: إنه منصرف لأنه لم يجتمع (¬2) فيه علتان. والكلام عليهم من وجهين: أحدهما: أنا نقول: إن كان منصرفا لزم أن يدخله الحركات الثلاث والتنوين، وهذا ليس كذلك. والوجه الثاني: أنا نقول: لو سمينا به امرأة لوجب أن تكون فيه علتان بلا خلاف، وعند ذلك لا يخلو إما أن تعربوه على حاله، فوجب ألا يقل: إنه غير منصرف لأنه لم يمتنع من الجر والتنوين ولم يدخله الفتح، وإما أن تعربوه إعراب ما لا ينصرف، فيكون مذهبكم حينئذ هو المذهب الثاني، وقد تقدم بطلانه. لأن غاية ما قدره هؤلاء أنه ههنا ليست فيه علتان إذ جعلوا التأنيث اللفظي فيه لا اعتداد به لكونه للجمع، والتأنيث التقديري لا اعتداد به لتعذر تقديره مع تاء الجمع فمشوا مذهبهم في عين (¬3) المسألة بعض مشي. فإذا فرض تسميتهم بها امرأة وجب أن تكون فيه علتان، وعند ذلك إما أن يسلموا ما ذكر أولاً، وإما أن يكون مذهبهم هو المذهب الثاني. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) في الأصل: يدخله، وما أثبتناه من د، س. وهو الأحسن. (¬2) في م، د: تجتمع. وما أثبتناه أحسن. (¬3) في د: غير. وهو تحريف.

[إملاء 24] [إعراب قوله تعالى: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}]

[إملاء 24] [إعراب قوله تعالى: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} (¬1): في (¬2) إعرابها أوجه: أحدها: (أنهم) مبتدأ، و (حرام) خبر مقدم واجب تقديمه لما تقرر في النحو من أن خبر "أن" لا بد أن يكون مقدما (¬3). وهذا إن جعلت فيه (لا) نافية سد المعنى، إذ يصير التقدير: انتفاء رجوعهم ممتنع، فيؤدي إلى معنى الإثبات، إذ نفي النفي إثبات قطعاً. وإن جعلت (لا) زائدة استقام، ومنهم من كره زيادة لا. و (حرام) خبر مبتدأ مقدر تقديره: وهو أو ذاك حرام، يعني ما تقدم من العمل الصالح المدلول عليه قوله: {فمن يعمل من الصالحات} (¬4)، ويكون (أنهم لا يرجعون) تعليلاً لقوله: وذاك حرام، كأنه قيل: لم كان ممتنعاً؟ فقيل: لأنهم لا يرجعون. وقد يضعف هذا الوجه بأنه معلوم امتناع العمل على الهالك، فهو إخبار بما قد تحقق وعلم. ويجاب عنه (¬5): بأن المراد امتناع دخولهم الجنة، وكنى عنه بامتناع العمل الصالح وهو السبب، فكأنه ترك ذكر المسبب وذكر السبب، فكأنه قيل: ممتنع دخولهم ¬

_ (¬1) الأنبياء: 95. (¬2) في: سقطت من س. (¬3) قول ابن الحاجب: "من أن خبر أن لابد أن يكون مقدماً" فيه إبهام. وكان عليه أن يقول: من أن خبر أن وصلتها لابد أن يكون مقدماً، حتى لا يقع لبس. والمبتدأ إذا كان أن وصلتها فالخبر يكون مقدماً وجوباً كقولك: عندي أنك فاضل، إلا إذا وقع بعد أما فيكون تأخير الخبر جائزاً كقول الشاعر: عندي اصطبار وأما أنني جزع ... يوم النوى فلو جد كاد يبريني ... انظر مغني اللبيب 1/ 279 (دمشق). وأوضح المسالك 1/ 213. (¬4) الأنبياء: 94. (¬5) عنه: سقطت من ب.

[إملاء 25] [إعراب قوله تعالى: {أيهم أشد}]

الجنة لامتناع عملهم (¬1). وقوله: {حتى إذا} (¬2). غاية متعلقة بقوله: {حرام}، وهي غاية له، لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة. وهي "حتى" التي يحكى بعدها الكلام. والكلام المحكي من الشرط والجزاء، أعني "إذا" وما في حيزها. والله أعلم بالصواب. [إملاء 25] [إعراب قوله تعالى: {أيهم أشد}] وقال أيضا مملياً بالقاهرة سنة عشر على قوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا} (¬3). قال الشيخ: اختلف في إعرابها. فمذهب الخليل (¬4) أنه مرفوع على الحكاية تقديره: لننزعن الذي يقال فيهم: أيهم أشد (¬5). فهي على هذا استفهامية، ولذلك قدر القول ليصح وقوع الاستفهام بعده. ومذهب سيبويه (¬6) ¬

_ (¬1) وقد ذكر ابن هشام في إعرابها وجهاً آخر وهو أن يكون قوله: حرام، مبتدأ وأن وصلتها فاعل أغنى عن الخبر، وقد نقله عن أبي البقاء. ولكن ابن هشام لم يجيزه، لأنه ليس بوصف صريح، ولأنه لم يعتمد على نفي ولا استفهام. انظر معنى اللبيب 1/ 279 (دمشق). (¬2) الأنبياء: 96 الآية بتمامها: "حتى إذا فتحت يأجوج وهم من كل حدب ينسلون". (¬3) مريم: 69. (¬4) هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي. كان ذكياً فطناً شاعراً. واستنبط من العروض ومن علل النحو ما لم يستنبط أحد. توفي سنة 170 هـ، وقيل سنة 175 هـ وهو ابن أربع وسبعين سنة. انظر مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي ص 54 (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم). (¬5) قال سيبويه: "وزعم الخليل أن أيهم إنما وقع في: اضرب أيهم أفضل، على الحكاية كأنه قال: اضرب الذي يقال له أيهم أفضل". الكتاب 2/ 399. (¬6) هو عمرو بن عثمان بن قنبر، مولى بني الحارث بن كعب. ولد بقرية من قري شيراز يقال لها البيضاء. وكان أعلم الناس بالنحو بعد الخليل. وألف كتابه الذي سماه الناس قرآن النحو. توفي سنة 180 هـ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. انظر مراتب النحويين ص 106، وإنباه الرواة على أنباه النحاة 2/ 346.

أنه مبنى على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلته، حتى لو جيء به لأعرب، فقيل: أيهم هو أشد، فهي على هذا موصولة بمعنى الذي في موضع نصب مفعولاً. لـ (ننزعن)، أي: لننزعن، الذي هم أشد، فضمها بناء (¬1). وأيهم الموصولة تبني عند حذف صدر الصلة على الأفصح، فإن جاءت كاملة الصلة أعربت باتفاق كقولك: ضربت أيهم هو قائم. ومذهب سيبويه الصحيح، لأن قول الخليل يلزم منه أمور: أحدها: حذف كثير وهو على خلاف القياس. وإنما القول الذي يصح حذفه قول مفرد غير واقع صلة، مثل قوله تعالى: {والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم} (¬2). وكذلك قوله: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم} (¬3). ومثله في القرآن كثير. وأما حذف الصلة والموصول جميعاً فهو بعيد .. الثاني: أن المعنى لا يستقيم إلا أن يقدر: الذي يقال فيه هو أشد، وليس الكلام كذلك. والثالث: أن الاستفهام لا يقع إلا بعد أفعال العلم أو القول على الحكاية، ولا يقع بعد غيره من الأفعال، تقول: علمت أزيد عندك أم عمرو؟ ولو قلت: ضربت أزيد عندك أم عمرو؟ لم يجز. و (ننزعن) ليس من أفعال العلم. فإذا قلت: ضربت أيهم قام، فالوجه أن تقول: هي الموصولة لا أن تقول: ضربت الذي يقال فيه (¬4) أيهم قام. وإنما ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "وأرى قولهم: اضرب أيهم أفضل، على أنهم جعلوا هذه الضمة بمنزلة الفتحة في خمسة عشر، وبمنزلة الفتحة في الآن، حين قالوا: من الآن إلى غد، ففعلوا ذلك يأتيهم حين جاء مجيئاً لم تجئ أخواته عليه إلا قليلاً، واستعمل استعمالاً لم تستعمله أخواته إلا ضعيفا". الكتاب 2/ 400. (¬2) الأنعام: 93. (¬3) الزمر: 3. (¬4) في س: فيهم، والصواب ما أثبتناه لأن الضمير يعود على مفرد.

يوهم مثل ذلك لكون اللفظ صالحا لجهة أخرى مستقيمة، فيتوهم المتوهم أن حمله على الجهة الأخرى مستقيم. والذي يدل عليه أنك لو قدرت موضعه استفهاماً صريحاً ليس له جهة أخرى يستقيم باعتبارها لم يجز، فلو قلت: ضربت أزيد عندك أم عمرو؟ لكان منافياً لكلام العرب، بخلاف قولك: ضربت أيهم عندك. فلو كانت أيهم استفهاماً يجوز فيها ذلك التقدير لجاز في الاستفهام الذي بمعناها، وإنما المجوز لها ما ذكرناه من كونها موصولة، فثبت أن الوجه مذهب سيبويه، ولا يلزم إلا حذف المبتدأ، وهو سائغ في كل موضع عند قيام القرينة (¬1). وفي هذا الباب قياس للزوم القرينة، وإنما لم يقع الاستفهام إلا بعد أفعال العلم أو القول. أما القول فلأنه يحكى بعده كل شيء فلا إشكال فيه. وأما أفعال العلم فإنما وقع بعدها الاستفهام لأحد أمرين: إما يكون الاستفهام مستعلماً به؛ فكأنك إذا قلت: أزيد عندك أم عمرو؟ كان معناه: أعلمني، فإذا قلت: علمت أزيد عندك أم عمرو؟ كان معناه: علمتُ ما يطلبُ إعلامك بهذا، فصح وقوعه لما بينهما من الاشتراك في معنى العلم، وحُمِل الحسبان والظن عليها لكونها من بابها. وإما لكثرتها في الاستعمال (¬2)، فجعل لها شأن في الكثرة ليس لغيرها، كما جُعل لها خصائص في غير ذلك. ولم يكثر غيرها كثرتها (¬3)، والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "وجاز إسقاط هو في أيهم كما كان: لا عليك، تخفيفاً، ولم يجز في أخواته إلا قليلاً ضعيفاً". الكتاب 2/ 400. (¬2) في س: الاستفهام. وهو تحريف. (¬3) وقد فصل أبو البقاء القول في هذه الآية وذكر عدة وجوه: منها: أن الجملة مستأنفة، وأي استفهام، ومن زائدة، ونسب هذا القول للأخفش والكسائي. ومنها: أن "أيهم" مرفوع مشيعة، لأن معناه: تشيع، ونسبه للميرد. انظر إملاء ما من به الرحمن 2/ 115.

[إملاء 26] [إعراب قوله تعالى: {يورث كلالة}]

[إملاء 26] [إعراب قوله تعالى: {يورث كلالة}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة اثنتي عشرة على قوله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة} (¬1). قال: (كلالة) يكون للوارث ممن ليس بولد ولا والد، وللموروث الذي ليس بولد ولا والد، ولنفس المعنى الذي هو القرابة التي ليست باعتبار ولد ولا والد. فإن كانت للمعنى نصبت على المفعول لأجله (¬2) سواء كان الرجل وارثاً أو موروثاً، تقديره: وإن كان رجل موروث لأجل هذه القرابة. وإن كانت للميت فالمعنى: وإن كان رجل موروث في حال كونه كلالة، فنصبها على الحال من الضمير في (يورث)، والعامل (يورث)، وكذلك إن كانت للوارث فمعناها: وإن كان رجل مورث؛ ويكون (يورث) من أورث بمعنى: ورث، والرجل الذي يورث هو الوارث، فنصبه على الحال (¬3). والأولى في (كان) أن تكون تامة على معنى: وإن حدث أو وقع. وبقية الأقوال المذكورة في نصبها ليست بالقوية (¬4). والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) النساء: 12. (¬2) في س: من أجله. (¬3) وهذا الذي ذكره ابن الحاجب في معناها وإعرابها هو ما ذكره أبو البقاء العكبري في إملاء ما من به الرحمن 1/ 70، وابن هشام في المعنى 2/ 529 (محيي الدين). (¬4) منها: ما ذكره الزمخشري أنها خبر كان. الكشاف 1/ 509.

[إملاء 27] [إعراب قوله تعالى: {غافر الذنب وقابل التوب}]

[إملاء 27] [إعراب قوله تعالى: {غافر الذنب وقابل التوب}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول} (¬1): غافر الذنب: لا يستقيم أن يكون صفة لقوله: {من الله العزيز العليم} (¬2)، لأن غافر الذنب وقابل التوب معناه: أنه يغفر الذنب ويقبل التوب، قال الله تعالى: {إن الله يغفر الذنوب جميعاً} (¬3). وقال: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" (¬4). فيكون في معنى الحال أو الاستقبال، فتكون إضافته غير محضة، فيكون نكرة. وأجيب عن ذلك بأن غافر الذنب على معنى ثبوت ذلك له، وإذا كان على معنى ثبوت ذلك له فهو بمعنى المضي، فتكون إضافته محضة فيفيد التعريف فيصح وصف المعرفة به. وهذا الجواب وإن كان سديداً في (غافر الذنب)، و (قابل التوب) إلا أنه لا يمكن مثله في (شديد العقاب)، لأن (شديد العقاب) لا تكون إضافته إلا غير محضة على كل حال، لأنه صفة مشبهة، فلا يفرق بين ماضية وغيره بخلاف اسم الفاعل، فلا يكون إلا نكرة، فيبقى الاعتراض قائما. فحكم بعض النحويين بأن (شديد العقاب) بدل (¬5) بعد أن حكم بأن (¬6) ¬

_ (¬1) غافر: 3. (¬2) غافر: 2. (¬3) الزمر: 53. (¬4) الشورى: 25. (¬5) وهذا مذهب النحاس. انظر إعراب القرآن 3/ 4. (¬6) في ب: أن.

[إملاء 28] [وضع الظاهر موضع الضمير في قوله تعالى: {ذوقوا عذاب النار}]

ما قبله صفات بالوجه الذي ذكرناه. واختار بعضهم أن يكون (غافر الذنب) من أول الأمر بدلاً كراهة أن يخالف بين الصفات فيجعل بعضها صفة وبعضها بدلا، وأجرى البواقي عليها بدلاً (¬1)، فكأنه قال: من الله العزيز العليم من رب غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب. وفي هذه الصفات إشكال آخر، وهو قوله: ذي الطول، فإنه معرفة فلا يحسن أن يكون صفة لقولك: من الله، لأنك فصلت بينه وبينه بالبدل، ولا يحسن أن يكون صفة للبدل لأنه نكرة، و (ذي الطول) معرفة، فالأولى أن يقال: هو بدل أيضاً ثان من البدل الأول، كأنه قال: من الله العزيز العليم من رب غافر الذنب من الله ذي الطول. فعلى هذا يستقيم، ولكن بتقدير بدل بعد بدل. والله أعلم بالصواب. [إملاء 28] [وضع الظاهر موضع الضمير في قوله تعالى: {ذوقوا عذاب النار}] وقال أيضاً - هذه من خطة سألته عنها بالقاهرة سنة ثلاث عشرة وستمائة، فكتبها بيده الكريمة - على قوله تعالى: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} (¬2)، إلى قوله: {ذوقوا عذاب النار}: فإن قيل: لم أعيد ذكر النار ظاهراً؟ ولم لم يستغن بالضمير عن الظاهر لتقدم الذكر في قوله: فمأواهم النار؟. فالجواب من وجهين: أحدهما: أن ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: "الوجه أن ياقل: لما صودف بين هؤلاء المعارف هذه النكرة الواحدة قد آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف". الكشاف 3/ 1413. (¬2) السجدة: 20.

سياق الآية التهديد والتخويف وتعظيم الأمر، وفي ظاهر لفظ النار من ذلك ما ليس في الضمير، ألا ترى إلى قوله: لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغني والفقيرا (¬1) ... ومثل ذلك في جعل الظاهر موضع الضمير لغرض في مساق الكلام وإن اختلف المساقان، قوله تعالى: {إنا لا نضيع أجر المصلحين} (¬2). و {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} (¬3). ومثل ذلك في القرآن كثير. والوجه الثاني: أن الجملة الواقعة بعد القول حكاية لما يقال لهم يوم القيامة عند إرادتهم الخروج من النار، فلا يناسب ذلك وضع المضير موضع الظاهر، لأن القول لهم إنما هو بذكر النار، وليس قولهم حينئذ متقدماً عليه ذكر النار حتى يقال: لم يأت ضمير، وإنما اتفق ذكر النار قبلها عند ذكر الجملة التي قبلها خبراً عن أحوالهم، فلما سيق بعدها للإخبار بما يقال لهم في الآخرة في ذلك الوقت، ذكر الكلام على استقلاله. ألا ترى أنك لو قلت: جاءني غلام زيد، وقلت له: سافر زيد، لم يحسن وقوع الضمير ههنا موقع (¬4) الظاهر، وإن تقدم الذكر. وسببه ما ذكرناه (¬5). والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف، وهو لعدي بن زيد. انظر ديوانه ص 65 (حققه وجمعه محمد جبار المعيبد - بغداد). ونسبه سيبويه لسواد بن عدي، الكتاب 1/ 62. وهو من شواهد الخزانة 1/ 183، والخصائص 3/ 53، وشرح الكافية للرضي 1/ 92، واللسان (نغص). والشاهد فيه إعادة الظاهر مكان المضمر. (¬2) الأعراف: 170. (¬3) الكهف: 30. (¬4) في س: موضع. (¬5) في ب: بيناه.

[إملاء 29] [إعراب قوله تعالى: {والذين لا يؤمنون في آذائهم وقر}]

[إملاء 29] [إعراب قوله تعالى: {والذين لا يؤمنون في آذائهم وقر}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمي} (¬1): يجوز أن يكون (¬2) مخفوضاً عطفاً على قوله: {للذين آمنوا}. وقوله: {في آذانهم وقر}، مرفوع على العطف على قوله: هدى، و (في آذانهم) بيان لمحل الوقر لا خبر (¬3) للمبتدأ الذي هو وقر، لأن و (الذين لا يؤمنون في آذانهم وقر) عطف على قوله: {للذين آمنوا هدى وشفاء}، فلا بد أن يكون موافقاً له في الإعراب، فيجب أن يكون المعطوف على (للذين) مخفوضاً، والمعطوف على (هدى)، مرفوعاً بالابتداء، ويكون المخفوض مع تقدير خافضه هو الخبر، كما أن الأول كذلك، وإلا لم يكن معطوفاً عليه، ولا يستيم أن يقال: اجعل (في آذانهم وقر) جملة في موضع رفع معطوفة على هدى، لأنه يؤدي (¬4) إلى أن يكون المبتدأ جملة، ولا يكون ذلك، إذ (¬5) المخبر عنه لا يكون جملة أبداً، ويلزم من هذا التقدير أن يكون عطفاً على عاملين، ومثل هذا في العطف على عاملين جائز عند المحققين المتأخرين، كقولك: في الدار زيد والحجرة وعمرو، وما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة (¬6)، ونظائره، وهو كثير. ¬

_ (¬1) فصلت: 44. (¬2) الضمير في (يكون) يعود على (الذين) الثاني. (¬3) في الأصل لا خبراً. والصواب ما أثبتناه لأنه مرفوع عطفاً على ما قبله. (¬4) في س: مؤد. (¬5) في س: لأن. (¬6) انظر الإملاء رقم 18 من هذا القسم حيث تحدث المؤلف عن مسألة العطف على عاملين.

ويجوز (¬1) أن يكون (والذين لا يؤمنون) مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: هو في آذانهم وقر، على أن يكون المبتدأ الثاني محذوفاً وخبره وقر، و (في آذانهم) بيان لمحل الموقر، ولا يكون الوقر مبتدأ بهذا التقدير، لأنه قد قدر: هو. فإذا جعلت (في آذانهم وقر) مبتدأ وخبراً عن (هو) لم يستقم، إذ لا عائد في الجملة على المبتدأ، وإنما احتيج إلى تقدير (هو) في هذا الإعراب ليحصل ربط بين الجملة الثانية والأولى، لأن الأولى قوله (¬2): (هو للذين آمنوا هدى وشفاء) وهو إخبار عن القرآن بأنه للمؤمنين هدى وشفاء، فإذا لم يكن في الثانية ذكر القرآن كانت أجنبية عنها، فلأجل (¬3) ذلك قدر (هو). ويجوز أن يكون (والذين لا يؤمنون) مبتدأ (¬4)، خبره (¬5) (في آذانهم وقر)، من غير تقدير: هو، ويكون العائد على (الذين) الضمير في قوله: آذانهم، ويكون الرابط المحتاج إليه في المعنى، تقديره: والذين لا يؤمنون به. ويجوز أن يكون قوله: {وهو عليهم عمي} مرتبطاً (¬6). بقوله: {هو للذين آمنوا هدى وشفاء}. فذكر في الجملة الأولى أن القرآن للمؤمنين شفاء، وفيه عكسه على الذين لا يؤمنون، لأن الضمير على (عليهم) للذين لا يؤمنون، وتكون الجملة التي هي قوله: {والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر} معترضة في غير تقدير ضمير كالجمل المعترضة. وفيها تقدير دم من لم يؤمن، وهو من جملة المعاني الذي سيق الكلام له، وتكون هذه الجملة المعترضة، إما على طريق الدعاء، وإما على طريق الإخبار، إذ كلا الأمرين في المعترضة جائز. وكان أصل ¬

_ (¬1) في الأصل وفي م: ولا يجوز. والصواب ما أثبتناه، لأن المعنى يقتضيه. (¬2) قوله: سقطت من ب. (¬3) لأجل: سقطت من ب. (¬4) ذكره النحاس. انظر إعراب القرآن 3/ 44. (¬5) في ب، س: وخبره. (¬6) في الأصل: مرتبط. وهو خطأ.

[إملاء 30] [توجيه قراءات قوله تعالى: {إن هذان لساحران}]

الكلام: وهو على الذين لا يؤمنون عمي، فلما قدمت الجملة المعترضة وفيها ذكرهم على الذم أو الإخبار بوقر الأذان استغنى عن الإظهار، فأضمر في (عليهم) ذكرهم، والله أعلم بالصواب. [إملاء 30] [توجيه قراءات قوله تعالى: {إن هذان لساحران}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {إن هذان لساحران} (¬1): قرأ أبو عمرو إن هذين لساحران (¬2). وهي قراءة واضحة. وكذلك روي عنه أنه قال: إني لأستحيي أن أقرأ: إن هذان لساحران، ولعله لم يثبت عنده تؤاثره. وقرأ ابن كثير (¬3) وحفص (¬4) إن هذا لساحران. إلا أن ابن كثير شدد النون، ولها وجهان: أحدهما: ما ذهب إليه البصريون أن إن مخففة من الثقيلة، وهذان مبتدأ، لبطلان عمل إن لتخفيفها، ولساحران: خبر، واللام ¬

_ (¬1) طه: 63. (¬2) قرأ أبو عمرو إن هذين لساحران: سقطت هذه العبارة من م. (¬3) هو عبد الله بن كثير بن المطلب الإمام أبو سعيد. ولد سنة 45 هـ. وتوفي سنة 120 هـ. قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء. كان إمام الناس بمكة حتى مات. لقي من الصحابة عبد الله بن الزبير وأبا أيوب الأنصاري وأنس بن مالك. انظر معرفة القراء الكبار للذهبي 1/ 71 (تحقيق محمد سيد جاد الحق). (¬4) هو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي. ولد سنة 90 هـ وتوفي سنة 180 هـ. أخذ القراءة عن عاصم، وكان ريبيه وابن زوجته. انظر غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 1/ 254.

عندهم هي اللام الفارقة بين إن المخففة والنافية، فتدخل على الخبر إن كان بعدها جملة اسمية، وعلى ما هو في معناه إن كان بعدها جملة فعلية. ولذلك التزموا أن يكون الفعل الواقع بعدها من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر؛ وجوز الكوفيون غيره (¬1). والوجه الثاني: ما ذهب إليه الكوفيون أن إن نافية وما بعدها مبتدأ، واللام بمعنى إلا وما بعدها خبر المبتدأ، كأنك قلت: ما هذان إلا ساحران. وقرأ الباقون: إن هذان لساحران. وهي مشكلة، وأظهرها أن يقال: إن (هذا) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حال واحدة، وهي لغة واضحة، ومما يقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليست إعراباً في التحقيق لوجود علة البناء من غير معارض، لأن العلة في بناء هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة، وهذا كذلك (¬2). وقد قيل: إن (إن) بمعنى نعم (¬3)، وهذان لساحران: مبتدأ وخبر، وهو ضعيف من جهة أن (إن) بمعنى نعم (¬4) لم يثبت إلا شاذاً، ومن جهة أن لام الابتداء لا تدخل على الخبر مع كونها (¬5) مبتدأ. وأما من قال: إن (إن) فيها ضمير الشأن محذوفاً، والمراد: إنه هذا ¬

_ (¬1) انظر معاني القرآن للقراء 2/ 184 وإعراب القرآن للنحاس 2/ 343 ومغني اللبيب 1/ 38 (محي الدين). (¬2) ونسب هذا الرأي لابن كيسان. انظر إنباه الرواة على أنباه النحاة 3/ 58. وهو قول غريب، فيه مخالفة لجمهور النحاة. (¬3) نقله ابن خالويه عن المبرد. انظر الحجة في القراءات السبع لابن خالويه ص 242 (تحقيق وشرح الدكتور عبد العال سالم مكرم). (¬4) نعم: سقطت من ب. (¬5) في الأصل: كونه. وما أثبتناه هو الصواب. لأن معنى العبارة: مع كونها يبتدأ بها.

[إملاء 31] [توجيه قراءات قوله تعالى: {والبحر يمده}]

لساحران، فأضعف لدخول اللام في الخبر، ولأن حذف (¬1) ضمير الشأن المذكور لم يثبت إلا شاذاً في مثل قولهم: إن من يدخل الكنيسة يوما (¬2). وعلى ثبوته فهو ضعيف باتفاق، والله أعلم بالصواب. [إملاء 31] [توجيه قراءات قوله تعالى: {والبحر يمده}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر} (¬3): من قرأ (والبحر) بالنصب (¬4) فمعطوف على اسم أن، ويمده: خبر له، أي: لو ثبت أن البحر ممدود من بعده بسبعة أبحر؛ ولا يستقيم أن يكون (يمده) حالاً في قراءة النصب، لأنه يؤدي إلى تقييد المبتدأ الجامد بالحال، لأنها بيان لهيئة الفاعل أو المفعول (¬5)، والمبتدأ لا فاعل ولا مفعول، فهو (¬6) ممتنع، ويؤدي إلى أن يكون المبتدأ لا خبر له، ألا ترى أنه لا يستقيم أن يكون خبر الأول ¬

_ (¬1) حذف: سقطت من ب. (¬2) هذا صدر بيت من الخفيف وعجزه: يلق فيها جآذرا وظباء. وينسب للأخطل، وليس في شعره (صنعة السكري. تحقيق د. فخر الدين قباوة). وهو من شواهد مغنى اللبيب 1/ 36 (دمشق)، والمقرب 1/ 109، وأمالي بن الشجري 1/ 595 (دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت)، وابن يعيش 3/ 115 (عالم الكتب. بيروت). والشاهد فيه حذف ضمير الشأن شذوذاً. (¬3) لقمان: 27. (¬4) وهي قراءة أبي عمرو وابن أبي إسحق. القرطبي 14/ 77. (¬5) في الأصل: والمفعول. وما أثبتناه أنسب. (¬6) في ب، د: وهو. والصحيح ما أثبتناه.

خبره، لأن الأقلام خبر الأول، فلا يستقيم أن يقدر مثلها خبراً له. وأما من قرأ بالرفع (¬1) فمعطوف على افاعل بثبت المراد بعد لو (¬2)، وهو أن واسمها وخبرها جميعاً المقدرة بالمفرد المصدر من خبرها إن أمكن، وإلا قدر كوناً، فإذا قلت: أعجبني أن زيدا ضارب، فتقديره: ضرب زيد، وإذا قلت: سرني أن زيداً أخوك، فتقديره: سرني كون زيد أخاك، والتقدير ههنا: ولو ثبت كون ما في الأرض من شجرة أقلاماً والبحر، فالبحر معطوف على ما هو في معنى الكون المقدر، فـ (يمده) لا يصح أن يكون خبراً لأن الفاعل لا خبر له فيجب أن يكون حالاً، أي: ولو ثبت البحر في حال كونه ممدوداً بسبعة أبحر، والمعنى عليه. ولا يستقيم أن يقال: إن البحر معطوف على موضع (أن) لأن العطف على الموضع في (أن) شرطه أن تكون مكسورة، مثل: إن زيداً قائم وعمرو، أو في تأويل المكسورة في الأصل (¬3)، مثل علمت أن زيداً قائم وعمرو. ومثل: {أن الله بريء من المشركين ورسوله} (¬4). لوقوعه بعد قوله: وأذان، بمعنى: وإعلام. فكان مثل قولك: علمت أن زيداً قائم وعمرو. وإنما لم يعطف على المفتوحة لفظاً ومعنى لأنها واسمها وخبرها بتأويل جزء واحد مشرك (¬5) لأن، فلو ذهبت تقدر "أن" في حكم العدم لأخللت بموضوعها بخلاف "إن" المكسورة، فإنها لا تغير المعنى، فجاز تقدير عدمها لكونها للتأكيد المحض، كما جاز تقدير عدم الباء المؤكدة، في قولك: ¬

_ (¬1) وهي قراءة الجمهور. القرطبي 14/ 77. (¬2) قال سيبويه: "وقد رفعه قوم على قولك: لو ضربت عبد الله وزيد قائم ما ضرك. أي لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال، كأنه قال: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره، ما تقدمت كلمات الله". الكتاب 2/ 144. (¬3) انظر ما قاله ابن الحاجب في هذه المسألة في الإملاء (46) من هذا القسم. ص: 182. (¬4) التوبة: 3. (¬5) في د، س: مشترك. والصواب ما أثبتناه لموافقته المعنى.

[إملاء 32] [تعلق "من غم" في قوله تعالى: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم}]

فلسنا بالجبال ولا الحديدا (¬1). والله أعلم بالصواب. [إملاء 32] [تعلق "من غم" في قوله تعالى: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم} (¬2): يجوز أن يتعلق قوله: {من غم} بيخرجوا، أي: يخرجوا من أجل الغم، ويجوز أن يتعلق بأرادوا، أي: كلما أرادوا من أجل الغم أن يخرجوا، فأخر عن مفعول (أرادوا)، لأن المفعول أولى بالتقديم. ويجوز أن يكون بدلا من قوله: منها، بدل الاشتمال، والضمير محذوف للعلم به، أي: من غم فيها، وشبهه (¬3). والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬2) الحج: 22. (¬3) وقد أخذ أبو حيان بهذا الوجه فقال: "ومن غم: بدل من منها، بدل اشتمال، أعيد معه الجار والمجرور، وحذف الضمير لفهم المعنى، أي: من غمها". البحر المحيط 6/ 360. وقال ابن هشام: "فالغم بدل اشتمال وأعيد الخافض وحذف الضمير، أي: من غم فيها". مغنى اللبيب 1/ 362 (دمشق).

[إملاء 33] [تعلق الجار والمجرور في قوله تعالى: {عنده من الله}]

[إملاء 33] [تعلق الجار والمجرور في قوله تعالى: {عنده من الله}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} (¬1): يجوز أن يتعلق (من الله) بـ (كتم)، ويكون الكتمان كتمانه عن الأداء الذي أوجبه الله ككتمانها عن الله. ويجوز أن يتعلق بما تعلق به (عنده)، أي: شهادة حاصلة عنده من الله، على معنيين: أحدهما: أن يراد أنها من قبيل الشهادات التي حصلت من الله واجباً أداؤها. والثاني: على معنى أنها شهادة حصلت من إخبار الله تعالى، وما أخبر الله تعالى به فهو حق، وكتمان الشهادة إم، ولما أخبر الله بما تقدم كان إخباره موجباً للعلم بخبره، فهي شهادة من إخبار الله، فإذا كتمها كتم شهادة حاصلة عنده من إخبار الله. ويجوز أن يقدر (من الله) متعلقا بمحذوف غير متعلق (عنده)، والمعنى سواء. والله أعلم بالصواب. [إملاء 34] [توجيه قراءات قوله تعالى: {لما آتيتكم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم} (¬2) إلى آخرها. ¬

_ (¬1) البقرة: 140. (¬2) آل عمران: 81 وبعدها: "من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه".

قيل: المراد ميثاق النبيين من غير حذف مضاف (¬1). وقيل المراد ميثاق أمم النبيين. واللام في (لما) بالفتح هي اللام الموطئة للقسم المراد. وإن كان القسم مفهوماً من أخذ الميثاق أيضاً، ولذلك يجاب بما يجاب به القسم الإخباري تارة والطلبي أخرى. فمثال الأول، {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} (¬2). ومثال الثاني: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم} (¬3). و (ما) في قوله: لما، شرطية (¬4)، منصوبة بآتيتكم، لأنه مسلط عليه تسلط المفعولية، كقولك: أي شيء آتيتكم فاقبله. و (من كتاب وحكمة) تبيين للمؤتى. وقوله: ثم جاءكم رسول، معطوف على فعل الشرط. وقوله: لتؤمنن، هو في المعنى جواب القسم وجواب الشرط، إلا أنه إذا تقدم القسم على الشرط روعي القسم المقدم بجعل اللفظ له على ما يستحقه جواب القسم، كقوله: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليولن} (¬5). وجميع ما في القرآن والكلام الفصيح على هذا. ولذلك التزم في الشرط المؤخر عن القسم المصدر أن ¬

_ (¬1) روي ذلك عن علي وابن عباس وطاووس والحسن والسدي. البحر المحيط 2/ 508. (¬2) البقرة: 84. (¬3) البقرة: 63. (¬4) وهذا مذهب الكسائي. البحر المحيط 2/ 508. وهي عند سبويه بمعنى الذي. قال نقلاً عن الخليل: "ما ههنا بمنزلة الذي، ودخلتها اللام كما دخلت على إن حين قلت، والله لئن فعلت لأفعلن، واللام التي في ما كهذه التي في إن واللام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هنا"ز الكتاب 3/ 107. (¬5) الحشر: 12.

يكون فعله لا يقبل الجزم بالشرط كما تقدم في مواضع كراهية أن يعمل حرف الشرط في أول الفعلين مع جعل الجواب لغيره، فقصدوا أن يأتوا به غير عامل في الموضع (¬1) الذي جعلوا الجواب في اللفظ لغيره. وأما لو أتى القسم بعد الشرط فجائز جعله للشرط وجعله للقسم. فإذا جعل للشرط جعل القسم معترضاً، كقولك: إن تكرمني – والله – أكرمك. فإذا جعلته للقسم جعلت القسم وجوابه للشرط، فيجب أن تقول: إن تكرمني فوالله لأكرمنك، لأنه موضع يجب فيه دخول الفاء إذا قصد به جواب الشرط (¬2). ويجوز أن تكون (ما) موصولة: فتكون في موضع رفع بالمبتدأ (¬3)، والضمير المحذوف قوله: لما آتيتكموه، و (من كتاب): على معناه، ثم (جاءكم) معطوف على الصلة، والعائد منه على الموصول محذوف، لأن الجملة المعطوفة على الصلة مشروط فيها من الضمير ما يشترط في الصلة، فيكون المعنى عنده أو بعده، أو يكون قوله: لما معكم، سد مسد الضمير، لأنه بمعناه، ويكون قوله: لتؤمنن، خبر المبتدأ. ويجوز الإخبار عن المبتدأ بالجملة القسمية، كقولك: زيد لتضربنه (¬4). وأما من قرأ بالكسر (¬5) فهي لام التعليل لقوله: لتؤمنن به ولتنصرنه، من حيث كان مطلوباً في المعنى، وتكون (ما) مصدرية أو مؤصولة، أي: آمنوا بكتابي وانصروا رسولي لأجل إيتائي إياكم الكتاب والحكمة، أو لأجل الذي ¬

_ (¬1) في ب: المواضع. وما أثبتناه هو الصواب، لأن سياق الجملة يقتضيه. (¬2) وفي هذه المسألة يشترط أن تكون أداة الشرط غير لو ولولا، وإلا جعل الجواب لها مطلقاً. انظر شرح التسهيل لابن عقيل 2/ 324 (تحقيق محمد كامل بركات). (¬3) جوزه أبو حيان. البحر المحيط 2/ 508. إلا أنه جعلها مفعولاً بفعل جواب القسم. (¬4) وذكر أبو حيان وجهاً آخر ونسبة لابن أبي إسحق، وهو أن يكون (لما) تخفيف لمّا، والتقدير: حين آتيتكم. البحر الحيط 2/ 508. (¬5) وهي قراءة حمزة. انظر مشكل إعراب القرآن ص 165.

[إملاء 35] [توجيه قراءات قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم}]

آتيتكموه من الكتاب والحكمة، أو لقوله: وإذ أخذ الله، أي: أخذنا ميثاقهم لأجل ما فضلناهم به من إيتاء الكتاب والحكمة، وجاء على لفظ الخطاب، لأنهم إذا أخذ ميثاقهم كانوا مخاطبين. فجاء على الحكاية، كقوله: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون} (¬1)، بالتاء وهي قراءة الأكثرين. وأما من قرأ بالياء (¬2) فلمجيئه بلفظ الغيب، وهو قوله: بني إسرائيل. والله أعلم بالصواب. [إملاء 35] [توجيه قراءات قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} (¬3): قرأ نافع (¬4) وابن كثير: وإن كلا لما، بتخفيف إن ولما. وقرأ حفص وابن عامر (¬5) وحمزة: وإن كلا لما، بالتشديد في إن ولما. وقرأ أبو بكر (¬6): وإن كلا ¬

_ (¬1) البقر: 83. (¬2) وهي قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي. البحر المحيط 1/ 282. (¬3) هود: 111. وبعدها: "إنه بما يعملون خبير". (¬4) هو نافع بن عبد الرحمن المدني أحد أصحاب القراءات السبع. ولد سنة 70 هـ وتوفي سنة 169 هـ. كان إمام الناس في المدينة. أصله من أصبهان. انظر النشر في القراءات العشر 1/ 112. (¬5) هو عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة. ولد سنة 21 هـ وقيل سنة 8 هـ، وتوفي بدمشق رسنة 118 هـ. كان عالماً مشهوراً. أم المسلمين بالجامع الأموي سنين كثيرة. انظر غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 325. (¬6) هو شعبة بن عياش الأسدي الكوفي ولد سنة 95 هـ وتوفي سنة 193 وقيل سنة 194 هـ. كان إماماً كبيراً عالماً، وكان يقول: أنا نصف الإسلام، انظر غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 325.

لما، بتخفيف الأول وتشديد الثاني. وقرأ أبو عمرو والكسائي (¬1): وإن كلا لما، بتشديد الأول وتخفيف الثاني. وهي واضحة إلا قراءة ابن عامر وحمزة وحفص، فإنها مشكلة، ودونها في الإشكال قراءة أبي بكر. أما من قرأ: وإن كلاً لما، وهي قراءة ابن كثير ونافع (¬2)، فإن مخففة من الثقيلة و (كلا) منصوب بها على إحدى اللغتين في الأعمال والإلغاء، وهي لغة فصيحة. واللام هي اللام الفارقة (¬3)، و (ما) زائدة، أو بمعنى الذي و (ليوفينهم) جملة في موضع خبر إن، واللام فيها لام القسم، وحسن زيادة (ما) على القول بأنها زائدة لما قصد إلى جعل (ليوفينهم) جواب قسم، فلم يحسن اجتماع اللامين: اللام الفارقة، ولام جواب القسم، فلولا (ما) لقيل. لليوفينهم، فزيدت لتفرق (¬4) بينهما، أو صلة لما إن جعلنا (ما) موصولة، كأنه قيل: وإن هؤلاء الذين والله ليوفينهم ربك أعمالهم. وأما قراءة أبي عمرو والكسائي فإن (كلا) اسم (إن) وهو واضح، والكلام في (لما ليوفينهم) كالكلام في قراءة نافع ومن معه (¬5) سواء إلا التخفيف والتشديد في إن. ¬

_ (¬1) هو علي بن حمزة الكسائي، مولي بني أسد. أحد الأئمة القراء من أهل الكوفة. من تصانيفة: معاني القرآن، الآثار في القراءات، كتاب النوادر. توفي سنة 193 هـ وقيل سنة 189 هـ. انظر. طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر الزبيدي ص 138 (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم). (¬2) نسب النحاس هذه القراءة لنافع فقط. إعراب القرآن 2/ 114. (¬3) لأنها تفرق بين المخففة والنافية. (¬4) في الأصل: ليفرق. وما أثبتناه من ب، س، وهو أحسن. (¬5) ومن معه: سقطت من ب.

وأما قراءة ابن عامر وحمزة وحفص وهي المشكلة (¬1)، فقيل: لما مصدر من قوله: {أكلا لما} (¬2)، أي: وإن كلا جميعاً، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مجري الوقف (¬3)، وهو ضعيف، لأن استعمال لما في هذا المعنى بعيد، وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد. وقيل: أصله: لمن ما، فأدغمت النون في الميم، فاجتمع ثلاث ميمات، فاستثقل اجتماع الأمثال، فحذفت الميم الأولى، فبقى لما، وهذا بعيد لا ينبغي أن يحمل عليه كتاب الله، فإن حذف مثل هذه الميم استثقالاً لم يثبت في كلام ولا شعر، فكيف يحمل عليه كتاب الله. وقيل: (لما) فعلى من اللم (¬4)، ومنع الصرف لأجل ألف التأنيث، والمعنى فيه مثل معنى لما المنصرف، وهذا أبعد، إذ لا يعرف لما فعلى بهذا المعنى ولا بغيره، ثم كان يلزم هؤلاء أن يميلوا لمن أمال، وهو خلاف الإجماع، وأن يكتبوها بالياء، وليس ذلك بمستقيم. ولو قيل: إن (لما) هذه هي لما الجازمة، حذف فعلها للدلالة عليه، لما ثبت من جواز حذف فعلها في قولهم: خرجت ولما، وسافرت ولما، ونحوه، وهو سائغ فصيح. فيكون المعنى: وإن كلا لما يهملوا أو لما يتركوا، لما تقدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين لقوله: {فمنهم شقي وسعيد} (¬5)، ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم، ثم بين ذلك بقوله: {ليوفينهم ربك ¬

_ (¬1) قال أبو جعفر النحاس: "والقراءة الثالثة بتشديد هما جميعاً عند أكثر النحويين لحن" إعراب القرآن 2/ 115. (¬2) الفجر: 19. (¬3) نسب الزجاج هذا القول لأبي علي. إعراب القرآن 3/ 841. (¬4) نسب هذا القول لأبي عبيد القاسم بن سلام. إعراب القرآن للنحاس 2/ 115. (¬5) هود: 105.

أعمالهم}. وما أعرف وجهاً أشبه من هذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في القرآن، والتحقيق يأبي استبعاده لذلك. وأما قراءة أبي بكر فلها وجهان: أحدهما: الوجوه المذكورة في قراءة ابن عامر، فتكون (إن) مخففة من الثقيلة في قراءتهم. والوجه الثاني: أن تكون (إن) نافية، ويكون (كلا) منصوباً بفعل مضمر تقديره: وإن أرى (¬1) كلا، أو وإن أعلم ونحوه، و (لما) بمعنى إلا كقوله: {إن كل نفس لما عليها حافظ} (¬2)، ومن ههنا كانت أقل إشكالاً من قراءة ابن عامر لقبولها هذا الوجه الذي هو غير مستبعد ذلك الاستبعاد، وإن كان في نصب الاسم الواقع بعد حرف النفي استبعاد، ولذلك اختلف في مثل قوله: ألا رجلاً جزاه الله خيراً (¬3). هل هو منصوب بفعل مقدر أو نون ضرورة؟ فاختار الخليل إضمار الفعل واختار يونس (¬4) التنوين للضرورة (¬5). والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) في ب: رأي. وهو خطأ. (¬2) الطارق: 4. (¬3) هذا صدر بيت من الوافر وعجزه: يدل على محصلة تبيت. وهو من شواهد سيبويه 1/ 308 ولم ينسبه لأحد. والرضى 1/ 262 وابن يعيش 2/ 101 ونوادر أبي زيد ص 56 (دار الكتاب العربي. بيروت) والخزانة 1/ 459 ونسبه لعمرو بن قعاس المراري. والشاهد فيه نصب (رجلا) بفعل مقدر أو نون للضرورة. هذا على رواية النصب. (¬4) هو يونس بن حبيب، أخذ عن أبي عمرو، وكان النحو أغلب عليه وعاش ثمانياً وثمانين سنة، وتوفي سنة 182 هـ. انظر: طبقات النحويين واللغوين ص 48. (¬5) قال سيبويه: "وسألت الخليل رحمه الله عن قوله: ألا رجلاً جزاه الله خيراً ... يدل على محصلة تبيت ... فزعم أنه ليس على التمني، ولكنه بمنزلة قول الرجل: فهلا خيراً من ذلك، كأنه قال: ألا تروني رجلاً جزاه الله خيراً. وأما يونس فزعم أنه نون مضطراً". الكتاب 2/ 308.

[إملاء 36] [إضافة اليوم إلى الوقت]

[إملاء 36] [إضافة اليوم إلى الوقت] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله تعالى: {قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم} (¬1): إن قيل: كيف أضيف يوم إلى الوقت والمراد به الوقت، فيؤدي إلى أن يكون إلى وقت المعلوم، وكان قوله: إلى الوقت المعلوم، يفيد ذلك؟ والجواب من أوجه: أحدها: أن يكون المراد بالوقت المعلوم النفخ في الصور، فكأنه قال: إلى وقت النفخ، إما على أن يكون الوقت المعلوم (¬2) غلب علماً عليه، وإما على حذف مضاف، أي: إلى يوم نفخ الوقت المعلوم والثاني: أن يكون المراد بالوقت المعلوم القيامة، فيكون مثل قوله: إلى يوم القيامة، إما على حذف مضاف، وإما على أن يكون علماً على الوجهين المتقدمين. والوجه الثالث: أن يكون المراد بالوقت المعلوم النفخ، والمراد بيومه يوم القيامة، وأضيف إليه لما بينه وبينه من الملابسة، لأنه علامة عليه وسبب إليه. والرابع: أن يكون المراد بالوقت المعلوم (¬3) يوم القيامة، والمراد بيومه يوم النفخ، وأضيف يوم النفخ إلى يوم القيامة لملابسته له وسببته عليه، أو بهذه الأوجه يندفع الإشكال، ويندفع معنى إضافة يوم إلى الوقت. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) الحجر: 37، 38. (¬2) المعلوم: سقطت من ب. (¬3) المعلوم: سقطت من م.

[إملاء 37] [إعراب قوله تعالى: {لابثين فيها}]

[إملاء 37] [إعراب قوله تعالى: {لابثين فيها}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة، على قوله تعالى: {لابثين فيها أحقاباً} (¬1): الظاهر أنه حال من الموصول (¬2) وهو الألف [واللام] (¬3) لا من الضمير في الصلة، وإن كان (¬4) مدلولهما في المعنى ذاتاً واحدة، إلا أنه لما اختلف عاملهما صح تقييد الموصول بمثل هذه، ولم يصح تقييد الضمير. فالعامل فيه الاستقرار العامل (¬5) في الجار والمجرور، لأنك لو جعلته حالاً من الضمير في الطاغين لوجب أن يكون العامل طاغين، فيلزم أن يكونوا طاغين في حال كونهم لابثين، فيلزم أن يكون معناه: طغوا في حال لبثهم، وهو غير مستقيم، لأنهم لم يطغوا في حال اللبث ولأن الطغيان المراد ما كان في الدنيا، واللبث في الآخرة، فكيف يستقيم تقييد ماضٍ بحال (¬6)؟. وإذا جُعل حالا من الموصول كان المعنى: استقرت للذين كانوا طاغين في حال كونهم لابثين، أي: في حال كون الذين كانوا طاغين لابثين، لا أنهم طغوا لابثين. ومما يحقق ذلك أن رجلاً لو ضرب غلامه وهو كافر، ثم جاء بعد ذلك ¬

_ (¬1) النبأ: 23. والآية التي قبلها: "للطاغين مآبا". (¬2) وهو قوله: للطاغين. والكلام في إعراب: لابثين. (¬3) زيادة من ب، د، س. (¬4) كان سقطت من ب. (¬5) العامل: سقطت من د. (¬6) قال أبو البقاء العكبري: "لابثين: حال من الضمير في الطاغين، حال مقدرة". إملاء ما من به الرحمن 2/ 279.

[إملاء 38] [إعراب قوله تعالى: {إلا قليلا نصفه}]

إليك وهو مسلم، فإن قلت: جاءني الضارب [غلامه] (¬1) كافراً، كان حالا من الضمير، وإن قلت: جاءني الضارب مسلماً، علمت أنه حال من الموصول، إذ لم يضرب في حال كونه مسلماً، وإنما جاء في حال كونه مسلماً، فكذلك هذا سواء. ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر لـ (كان) على مذهب الكوفيين، كأنه قيل: كانت جهنم لابثاً الطاغون (¬2) أحقاباً. فلما تقدم ذكر الطاغين وجب إضماره، وهو جار على غير من هو له، لأنه جار على جهنم خبراً، وهو في الحقيقة للطاغين. فمن جوز جرى الصفة على غير من هي له من غير إبراز الضمير (¬3) فجائز أن يكون هذا منه. ومن لم يجوزه لم يجوز أن يكون منه، ولو كان منه عنده لوجب أن يقال: لابثاً فيها هم أحقاباً. ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدر مستأنف من باب الاختصاص بإضمار أعني أو أذم أي: أعني قوماً لابثين، أو أذم قوماً لابثين وشبهه والوجه هو الأول. والله أعلم بالصواب. [إملاء 38] [إعراب قوله تعالى: {إلا قليلاً نصفه}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله تعالى: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه} (¬4): ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) في س: الطاغين. والصواب ما أثبتناه، لأنه مرفوع باسم الفاعل الذي سبقه. (¬3) انظر تفصيل هذه المسألة في أوضح المسالك 1/ 194. (¬4) المزمل: 1، 2 وبعدها: "أو أنقص منه قليلاً".

إن جعل (نصفه) بدلاً من (قليلاً)، ففيه إشكالان: أحدهما: ما يلزم من أن يكون النصف قليلاً لأنه بدل الكل من الكل، فيجب أن يكون الاسمان صالحين، وليس النصف قليلاً بالنسبة إلى الكل. والإشكال الثاني: أنه يؤدي إلى استثناء غير الأقل، وهو ممنوع عند كثير من النحويين والفقهاء. وإن جعل بدلا من الليل أدى إلى أن يكون المبدل منه مقصوداً غير مقصود، لأن الاستثناء منه يشعر بأنه مقصود، وكونه مبدلا منه يشعر بأنه غير مقصود، وهو ممتنع. والجواب: أن يكون على أحد وجهين: إما بدلا من الليل (¬1)، وقولهم: إن الاستثناء يشعر بأنه مقصود، ليس بمستقيم، فإن الاستثناء إنما يكون باعتبار المفردات عند أهل التحقيق، لا باعتبار التركيب. وإذا كان كذلك فلا مناقضة بين كونه مستثنى منه ومبدلا منه. ألا ترى أنك لو قلت: أكرم بني فلان إلا فلاناً نصفهم أو غلمانهم، لكان جائزاً. نعم يلزم أن يكون البدل راجعاً إلى المبقي بعد الاستثناء لا إلى أصل المستثنى منه، وإلا وقع الاستثناء لغواً. فيكون (نصفه) لليل المستثنى منه القليل لا لليل بكماله، فيرجع إلى دون النصف، ويكون قوله: أو أنقص منه قليلاً، أو أنقص من هذا النصف (¬2) الذي هو أقل من النصف، فيصير في التقدير ثلثاً، أو انقص من النصف الأصلي قليلاً، فيكون أدنى من النصف. ويكون (أو زد عليه) على المعنيين المذكورين، فيصير المعنى الأول في معنى (¬3) النصف المكمل، والمعنى الثاني في معنى أكثر من النصف. وعلى هذين المعنيين قرئ: أدنى من ثلثي الليل نصفه وثلثه، ¬

_ (¬1) قال أبو البقاء: "نصفه، فيه وجهان: أحدهما: هو بدل من الليل، بدل بعض من كل، إلا قليلاً: استثناء من نصفه. والثاني: هو بدل من: قليلاً". إملاء ما من به الرحمن 2/ 271. ونسب القرطبي هذا القول للزجاج. الجامع لأحكام القرآن 19/ 33. (¬2) النصف: سقطت من ب. (¬3) معنى: سقطت من د.

بالخفض عطفاً على ثلثي الليل (¬1)، فيكون المعنى أقل من نصفه وأقل من ثلثه، وبالنصب عطفاً على أدنى، فيكون المعنى نصفاً مكملاً وثلثاً مكملاً. والوجه الثاني: أن يكون (إلا قليلاً) استثناء من نصفه مقدماً عليه لرؤوس الآي، فيكون التقدير: قم نصف الليل إلا قليلاً، موافقاً لقوله: ونصفه بالخفض أو أنقص منه قليلاً، يعني: من النصف المستثنى منه، فيكون موافقاً لثلثه بالنصب والخفض جميعاً، لأن أقل من النصف بقليل (¬2) يجوز أن يكون ثلثاً، ويجوز أن يكون أقل. وقوله: (أو زد عليه)، أو زد على النصف المكمل، فيكون موافقاً للقراءتين جميعاً، لأن أكثر من (¬3) النصف يجوز أن يكون ثلثين، ويجوز أن يكون أقل منهما. هذا كله إذا لم يجعل (نصفه) بدلاً من (قليلا). فإن جعل (نصفه بدلا من (قليلاً) وصح إطلاق القليل عليه، كان المعنى: قم الليل إلا نصفه، أي: قم نصفه، فيكون موافقاً لقراءة (نصفه) بالنصب. وقوله: (أو انقص منه قليلاً)، أي: أو انقص من النصف وهو مكمل على كل تقدير، فيكون موافقاً للنصب والخفض في ثلثه، لأن أقل من النصف يجوز أن يكون ثلثاً، ويجوز أن يكون أقل من الثلث، وموافقته للخفض في نصفه واضح، ويكون قوله: (أو زد عليه)، أو زد على النصف المكمل، فيكون موافقا لقوله: (أدنى من ثلثي الليل) لا موافقاً لما بعده في نصب ولا خفض. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) وهي قراءة نافع. البحر المحيط 8/ 366. (¬2) في ب، د، س: بقليلين. وهو تحريف. (¬3) في ب: منه. وهو خطأ.

[إملاء 39] [إعراب قوله تعالى: {سواء محياهم ومماتهم}]

[إملاء 39] [إعراب قوله تعالى: {سواء محياهم ومماتهم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم} (¬1): في نصب (سواء) أقوال (¬2): أحدها: أن يكون مفعولاً بعد مفعول لجعل (¬3)، فيكون (كالذين)، و (سواء) في درجة واحدة باعتبار المفعول الثاني، كما تقول: جعلت زيداً عالماً كريماً، فعالما كريما وشبهه ولو تعددت آلافاً مفعول ثان لأن الجميع في معنى واحد باعتبار تعلق الجعل به، وهي كأخبار المبتدأ إذا تعددت، فيكون التقدير: أحسب المجترحون أن نجعلهم مماثلين مستوين في الحياة والممات،‘ أي: هذا ليس بكائن. ويجوز أن يكون (سواء) حالاً من (الذين آمنوا)، ويكون المفعول الثاني (كالذين) وحده وما في حيزه، أي: أحسبوا أن نجعلهم مماثلين للمؤمنين في حال كون المؤمنين مستوياً محياهم ومماتهم، وهذا إذا كان المعنى على أن المؤمنين قُصد إلى أنهم مستو محياهم ومماتهم، على معنى: أنهم لا يعذبون بعد الممات كما لا يعذبون في الحياة. فأما إذا قُصد أن الكفار هم الذين استوى محياهم ومماتهم على معنى: أنهم لا ينعمون بجنة بعدها كما لم ينعموا بجنة في الحياة، فيكون الإعراب على غير ذلك، وهو أن (سواء) يتعين لأن يكون حالاً من الضمير في (نجعلهم)، لأن المراد أن حالهم قد استوت في حال حياتهم وموتهم، فيصير المعنى: أحسبوا أن نجعلهم في ¬

_ (¬1) الجاثية: 21. (¬2) والنصب قراءة حمزة والكسائي والأعمش، القرطبي 16/ 165. (¬3) جعله أبو البقاء مفعولاً ثانياً لحسب وليس لجعل. إملاء ما من به الرحمن 2/ 232.

[إملاء 40] [معنى قوله تعالى: {قل أرأيتم}]

حال كونهم استوى محياهم ومماتهم لأنهم ثابتون على هذه الحال مماثلين للذين آمنوا وعملوا الصالحات الذي هم في الآخرة في الجنة. وعلى هذين المعنيين تجري قراءة الرفع (¬1) في قوله: {سواء محياهم ومماتهم}، هل الضمير في محياهم للمؤمنين، فيكون على المعنى الأول، أو للكافرين، فيكون على المعنى الثاني؟ ومحياهم ومماتهم فاعل لسواء (¬2) على التقديرين. ويجوز أن يكون محياهم ومماتهم بدلا من الضمير في (نجعلهم)، على أنه بدل الاشتمال، أي: أحسبوا أن نجعلهم (¬3) محياهم ومماتهم سواء، مثل الذين آمنوا، أي: مثل محيا وممات الذين آمنوا وعملوا الصالحات. ويجوز أن يكون (سواء) منصوباً على المصدر بما تضمنه التشبيه في (كالذين)، أي: نجعلهم مماثلين للذين آمنوا مماثلة متأكدة عبر عنها بالاستواء لتأكيد المثلية فيها، فيجب أن يكون محياهم ومماتهم غير مرتفع به، إذ المصدر المنصوب على أنه مفعول مطلق لا يعمل، فيكون إما بدلا من الضمير في (نجعلهم)، وإما ظرفاً، أي: في محياهم وفي مماتهم، أي: زمن الحياة وزمن الموت. وإما بدلا من (الذين آمنوا)، ويكون المعنى: أن نجعلهم، أي: أن نجعل حياتهم وموتهم كحياة الذين آمنوا وموتهم (¬4). والله أعلم بالصواب. [إملاء 40] [معنى قوله تعالى: {قل أرأيتم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة سبع عشرة على قوله تعالى: {قل أرأيتم ¬

_ (¬1) وهي قراءة العامة. القرطبي 16/ 165. (¬2) في م: بسواء. (¬3) في الأصل: نجعل. وما أثبتناه من ب، س، وهو الصواب. (¬4) قال الزمخشري: "وقيل: سواء محياهم ومماتهم، كلام مستأنف على معنى: أن محيا المسيئين ومماتهم سواء، وكذلك محيا المحسنين ومماتهم، كل يموت على حسب ما عاش عليه" الكشاف 3/ 511.

إن أتاكم عذابه بياتا أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون} (¬1). قيل: معنى (أرأيتم) التعجب (¬2)، أي: ما أعجب أمركم إذا أتاكم العذاب، واستعمل (أرأيت) في هذا المعنى لملازمة الرؤية فيما يعظم وقعه حتى صار في المعنى كأنه ما أعجب، فيكون جواب الشرط مستفاداً مما في معنى أرأيتم، أي: إذا أتاكم العذاب فما أعظم أمركم!، ويكون قوله: (ماذا يستعجل منه المجرمون) تقريراً لما ارتكبوه مما يؤدي إلى سوء منقلبهم الذي يعظم أمره حتى يتعجب منه، لأن العذاب الذي استعجلوه هو المفضي بهم إلى الحال الشنيعة التي لا مخلص لهم منها، فيحسن الابتداء على هذا بقوله: (ماذا يستعجل). وأخرج الكلام مخرج الغيبة بقوله: المجرمون، وإن كان المعنى: على ماذا تستعجلون؟ تنبيهاً لإبانة الصفة التي نشأ التجرو منها وهو الإجرام، وهو باب من بديع الكلام. وقيل: معنى (¬3) (أرأيتم) أي: أخبروني، واستعمل (أرأيتم) في هذا المعنى لكثرته في التعجيب، والتعجيب مستلزم لطلب الخبر، فيكون جواب الشرط مستفادا من معنى (أرأيتم)، ويكون (ماذا يستعجل) معمولا لمعنى أخبروني، والمعنى: ماذا تصنعون (¬4) إذا وقع مما تستعجلونه (¬5)، فاستعمل السبب موضع المسبب تنبيهاً على أنهم الذين يوقعون أنفسهم لتسببهم إلى مالا مخلص لهم منه، فكان أحسن لذلك من ذكر المسبب في المعنى المقصود. ¬

_ (¬1) يونس: 50. (¬2) قال الزمخشري: "ويجوز أن يكون معناه التعجب، كأنه قيل: أي شيء هول شديد يستعجلون منه، ويجب أن تكون من للبيان في هذا الوجه". الكشاف 2/ 240. (¬3) في م: المعنى. والصواب ما أثبتناه. لأن المعنى يقتضيه. (¬4) في ب: يصنعون. والصواب ما أثبتناه. (¬5) في ب، د، م: يستعجلونه. والصواب ما أثبتناه.

[إملاء 41] [إعراب قوله تعالى: {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم}]

ويجوز أن يكون جواب الشرط مستفاداً من قوله: (ماذا يستعجل منه)، أي: إن أتاكم فماذا تصنعون (¬1)؟. ولم يحسن مجيء الفاء، وإن كان الموضع في الظاهر على هذا التأويل موضع وجوب لكونه (¬2) في سياق معنى: أخبروني، فجاء الشرط معترضياً بين الفعل (¬3) وبين مفعوله، والشروط المعترضة لا فاء فيما هو في المعنى جوابها، كالقسم المعترض، كقولك: زيد والله قائم، ولو قلت: زيد والله لقائم، لم يجز. و (أرأيتم) في الوجه الأول باعتبار التقدير الأصلي محذوف مفعوله إن كان من رؤية العين، كأن الأصل: أبصروا أنفسكم أو أبصروا هؤلاء، ومفعولاه إن كان من رؤية القلب، أي: اعلموا هؤلاء جهالاً، أو اعلموكم جهالا. وعلى التقدير الثاني: ماذا يستعجل؟ ثم أخرج على المعنى الأصلي إلى ما ذكرناه من المعنيين. والله أعلم بالصواب. [إملاء 41] [إعراب قوله تعالى: {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة سبع عشرة على قوله تعالى: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم} (¬4). إن جعل (كذلك) نصباً على المصدر بقال التي بعدها، بقي قوله: (مثل قولهم) غير متصل لكونه في المعنى تكراراً، والفعل لا يتعدى إلى متعلقين بمعنى واحد من جهة واحدة لأنه لا يقتضيه، فلا يتعدى إليه، وإنما يتعدى الفعل إلى ما يقتضيه، ألا ترى أنك لو قلت: ضربت زيداً عمراً، لم يجز؛ لأنه ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: "وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ منه" الكشاف 2/ 240. (¬2) في ب: لكنه. وهو تحريف. (¬3) في م: المفعول. وهو خطأ واضح. (¬4) البقرة: 118.

لا يقتضي مفعولين. وإن جعل (¬1) (مثل قولهم) هو المنصوب على المصدر بقي كذلك غير متصل. وإن جعل (كذلك) من تتمة قوله: (وقال الذين لا يعلمون) أو خبر مبتدأ تقديره: الأمر كذلك، بقي ما بعده من قوله: (قال الذين)، غير مرتبط بما قبله والجواب: أن قوله: (مثل قولهم)، يجوز أن يكون بدلا من قوله: (كذلك). ولا يكون في المعنى تكريراً (¬2) لوقوع الأول مبهماً والثاني مبيناً، كقولك: هذا زيد يقول كذا وكذا، فزيد بدل ن هذا. وإنما يكون تكراراً لو كان مبيناً. أما إذا كان في الأول هذا الإبهام جاز التكرار كما جاز في أمثاله. ويجوز أن يكون قوله: (كذلك)، تقريراً لما يذكره من الأشياء التي يقصد المتكلم تصديقها كقولك وقد قيل لك: سمع زيد منك كذا وكذا على صفة كذا وكذا، فتقول: سمع مني كذلك. وكقولك (¬3) وقد (¬4) ذكرت أشياء: الأمر كذلك. وليس ثم في الحقيقة مشبه ومشبه به. وإنما تقريره أنه لما ذكر تلك الأشياء المتقدمة، وصارت متصورة في الذهن لمن فهمها قال المصدق لها: هي كذلك، أو الأمر كذلك، مشبهاً للقضية المذكورة بما يتصوره (¬5) السامع في ذهنه. إذ معنى الصدق في الحقيقة كون الخبر على وفق ما فهم، فصح التشبيه بهذا الاعتبار. فيجوز أن يكون ورد تقريراً لهذا المعنى تتمة لما بعده، ويكون (مثل قولهم) نعتاً لمصدر محذوف (¬6)، أي: قولا مثل قولهم. ويكون كذلك تقريراً للمشابهة بين ما ذكر وبين ما تقرر في الذهن على ما مثل به فيما تقدم. ¬

_ (¬1) في م: جعلت. والأحسن ما أثبتناه. (¬2) في ب: تكراراً. (¬3) في ب: وقولك. (¬4) وقد: ساقطة من د. (¬5) في م: يتصور. (¬6) قال مكي بن أبي طالب: "مثل قولهم: نصب مقال. وإن شئت جعلته نعتاً لمصدر محذوف". مشكل إعراب القرآن 1/ 109.

[إملاء 42] [معنى النهي في قوله تعالى: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}]

ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: الأمر كذلك (¬1)، ولا يلزم نفي الارتباط، لأن أمره بوجود (كذلك) وعدمه على سواء، لأنه معمول له في الحقيقة. ويجوز أن يكون من تتمة قوله: (وقال الذين لا يعلمون)، على الوجه الذي ذكرناه في تشبيه ما يذكر بما استقر في الذهن، وفائدته في التحقيق تقرير ما ذكر وتحقيقه، وإنه على طبق ما ذكر من غير مبالغة ولا نقصان في معناه، ولا يلزم منه قطع ارتباط لما ذكرناه. والله أعلم بالصواب. [إملاء 42] [معنى النهي في قوله تعالى: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}] وقال مملياً بدمشق سنة سبع عشرة على قوله تعالى: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (¬2): إن قيل: كيف نهى عن الموت وليس الانكفاف عنه من مقدوره، وإنما ينهى عما للمكلف تركه؟ والجواب من وجهين: أحدهما: أنا نقول: إن النهي طلب لانتفاء الفعل، وانتفاء الفعل ليس بفعل، فالنهي واقع عما للمكلف توصل إلى انتفائه وهو الموت في حال غير الإسلام، إذ لم ينه عن الموت مطلقاً وإنما نهي عن الموت في حال غير حال الإسلام، وذلك مما يتوصل إليه بالثبوت والدوام على الإسلام، فينتفي المنهي عنه على الوجه المطلوب. الثاني (¬3): وإن سلمنا أن النهي طلب للترك، والترك فعل، فالنهي عنه في التحقيق مزايلة ¬

_ (¬1) ويجوز أن يكون في موضع رفع على الابتداء وما بعد ذلك الخبر. انظر مشكل إعراب القرآن 1/ 109. (¬2) آل عمران: 102. وقبلها: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته". (¬3) في د: الوجه الثاني.

[إملاء 43] [تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين}]

للإسلام (¬1)، ومفارقته، فمعناه: أثبوا على الإسلام حتى يأتيكم الموت. ولما كان الموت هو غاية هذا المطلوب أخذ فعله، وصير كأنه المنهي عنه تنبيهاً على أن المقصود دوام ذلك إليه. فهو من باب النهي عن المسبب والمراد السبب، لأن مفارقته للإسلام سبب لموته على غيره. ولما كان المقصود ذلك المسبب على تلك الحال جعل الفعل المنهي عنه تنبيهاً على هذا المقصود (¬2). والله أعلم بالصواب. [إملاء 43] [تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة خمس عشرة على قوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} (¬3). إنما قدمت الوصية على الدين والدين أقوى من الوصية، وتقدمه ما هو الأقوى هو الوجه (¬4). والجواب: أن "أو" حكمها في كلام العرب والقرآن حكم الاستثناء في أن ما بعدها يدفع ما قبلها. والدليل على ذلك قوله تعالى: {تقاتلونهم أو يسلمون} (¬5)، فإن الإسلام، دافع للمقاتلة، فكأنه قال: ¬

_ (¬1) في ب، س: الإسلام. (¬2) قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "ألزموا الإسلام ودوموا عليه ولا تفارقوه حتى تموتوا". 2/ 136. (¬3) النساء: 11. (¬4) قال الزمخشري: "فإن قلت: لم قدمت الوصية على الدين والدين مقدم عليها في الشريعة، قلت لما كانت الوصية مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض، كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظمهم ولا تطيب أنفسهم بها، فكان آداؤها مظنة للتفريط، بخلاف الدين، بعثاً على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين، ولذلك جيء بكلمة أو للتسوية بينهما في الوجوب". الكشاف 1/ 508. (¬5) الفتح: 16.

[إملاء 44] [معنى قوله تعالى: {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}]

تقاتلونهم إلا أن يسلموا أو إن لم يسلموا، فكذلك هذه الآية. فكأنه قال: من بعد وصية يوصي بها إلا أن يكون ديناً، فلا تقدم. والله أعلم بالصواب. [إملاء 44] [معنى قوله تعالى: {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}] وقال أيضاً مملياً بغزة سنة ست عشرة على قوله تعالى: {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} (¬1). فقال: العرب لا تقول: إن لم تفعل فما فعلت. فقال: عنه جوابان: أحدهما: ذكره الزمخشري (¬2) والجماعة وهو أنهم قالوا معناه: يا أيها الرسول بلغ جميع ما أنزل إليك وإن لم تفعل، يعني تبليغ الجميع فما بلغت رسالته، لأنه إذا لم يبلغ الجميع فما بلغ على الحقيقة (¬3). والثاني وهو المختار، وهو: أن قوله: {فما بلغت رسالته} وضع موضع أمر عظيم، فكأنه قيل: بلغ جميع ما أنزل إليك، وإن لم تفعل فقد ارتكبت أمراً عظيماً عبر عنه بقوله: فما بلغت رسالته. قال رحمه الله: ويدل عليه قوله تعالى: {ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا} (¬4). معناه: فإنه يرجع إلى رب عظيم كريم، عبر بقوله: {فإنه يتوب إلى الله متابا} عن ذلك. كما يقول الرجل: إذا جئت إلى فقد جئت إلى حاتم، معناه: إلى رجل كريم يعطي، وإلا فقوله: {فإنه يتوب إلى الله متابا}، ظاهرة كظاهر {وإن لم تفعل فما بلغت}. والله الموفق للصواب. ¬

_ (¬1) المائدة: 67 وقبلها: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك". (¬2) الكشاف 1/ 630. (¬3) نقل هذا المعنى عن ابن عباس. انظر القرطبي 6/ 242. (¬4) الفرقان: 71.

[إملاء 45] [التعليل في قوله تعالى: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم}]

[إملاء 45] [التعليل في قوله تعالى: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة سبع عشرة على قوله تعالى: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين} (¬1): إن قيل: كيف يكون (¬2) تصديق المؤمنين المتقدم علة لجزاء الصادقين وتعذيب المنافقين؟ فالجواب: أنه قد تقدم ذكر صدق المؤمنين ونفاق (¬3) الكافرين بقوله: {من المؤمنين رجال صدقوا} (¬4). وقوله في المنافقين: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً} (¬5)، ثم اتصل الكلام إلى قوله: {ليجزي الله}. فسيق للتعليلين المختلفين للفعلين المختلفين، والمراد التفصيل، فيكون المراد، صدق المؤمنون ليجزيهم الله، وكذب المنافقون ليعذبهم الله. ويجوز أن يكون متعلقاً بفعل مقدر دل عليه ما قبله، كأنه قيل: قضي الله بذلك ليجزي الصادقين ويعذب المنافقين. وهو أحسن لأمرين: أحدهما: أنه فعل واحد معلل بالقضيتين جميعاً. والآخر: أنه يكون التعليل على ظاهره، وفي الأول لا يكون على ظاهره، بل يكون في الصادقين على ظاهره، وفي المنافقين على أن تكون للعاقبة، لأن المنافقين لم يقولوا ذلك لقصد أن يعذبوا فيحمل على أحد تأويلين: إما استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه جميعاً، وإما استعماله على المجاز فيهما جميعاً. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 24. (¬2) يكون: سقطت من س. (¬3) في م: وفسق. وهو خطأ. (¬4) الأحزاب: 23. (¬5) الأحزاب: 12.

[إملاء 46] [العطف على اسم أن بالرفع في قوله تعالى: {أن الله بريء من المشركين ورسوله}]

[إملاء 46] [العطف على اسم أن بالرفع في قوله تعالى: {أن الله بريء من المشركين ورسوله}] وقال أيضاً بدمشق سنة سبع عشرة مملياً على قوله تعالى: {أن الله بريء من المشركين ورسوله} (¬1): ورسوله بالرفع (¬2) معطوف على اسم (أن) باعتبار المحل (¬3)، وإن كانت مفتوحة لأنها في حكم المكسورة (¬4). وهذا موضع لم ينبه عليه النحويون، فإنهم إذا قالوا: يعطف على اسم إن المكسورة دون غيرها أوهموا أنه لا يجوز العطف على المفتوحة (¬5). والمفتوحة تنقسم قسمين: قسم يجوز العطف على اسمها بالرفع، وقسم لا يجوز. فالقسم الذي يجوز هو أن تكون في حكم المكسورة، كقولك: علمت أن زيداً قائم وعمرو، لأنه في معنى: إن زيداً قائم وعمرو، فكما (¬6) جاز العطف ثم جاز ههنا. ألا ترى أن "علم" لا تدخل إلا ¬

_ (¬1) التوبة: 3. (¬2) وهي قراءة الجمهور. البحر المحيط 5/ 6. (¬3) قال النحاس: "عطف على الموضع: وإن شئت على المضمر، كلاهما حسن، لأنه قد طال الكلام". إعراب القرآن 2/ 4. (¬4) وقرأ ابن أبي إسحق وعيسى بن عمر وزيد بن علي ورسوله بالنصب. وقرئ بالجر شاذاً، ورويت عن الحسن، وخرجت على العطف على الجوار. وقرأ الحسن والأعرج إن الله، بكسر الهمزة. البحر المحيط 5/ 6. (¬5) لقد خالف ابن الحاجب في هذه المسألة جمهور النحاة، فهم يجيزون العطف على اسم إن المكسورة دون غيرها. قال أبو علي: "فأما سائر الحروف فلا يجوز أن يحمل العطف معها على موضع الابتداء لأن موضعه قد زال بدخولها من أجل ما تضمن من معنى الفعل ولكنه يرفع على الحمل على الضمير الذي في الخبر". انظر الإيضاح العضدي 1/ 117. وانظر تفصيل هذه المسألة في شرح الكافية للرضي 2/ 253. والظاهر أن ابن الحاجب بني كلامه هذا لما رأي سيبويه يستشهد للمكسورة بالمفتوحة. انظر الكتاب 1/ 238. (¬6) في د: فلما. وما أثبتناه أحسن.

[إملاء 47] [معنى قوله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين}]

على المبتدأ أو الخبر، يدل على ذلك وجوب الكسر في قولك: علمت إن زيداً لقائم، وإنما انتصب بعدها توفيراً لما تقتضيه "علمت" من معنى المفعولية. وإذا تحقق أنها في حكم المكسورة وجب أن تكون هذه المفتوحة بعدها في حكم المكسورة، فجاز العطف على موضعها إجراء لها مجرى المكسورة لأنها في حكمها. فإن كانت المفتوحة على غير هذه الصفة لم يجز العطف على اسمها بالرفع، مثل قولك: أعطبني أن زيداً قائم وعمراً. فلا يجوز إلا النصب، ولا يستقيم الرفع بحال عطفا على اسم "أن" لأن ليست مكسورة، ولا في حكم المكسورة، لأنها في موضع مفرد من كل وجه. وقد ذكرنا في غير موضع تعليل تخصيص المكسورة بذلك (¬1). والله أعلم بالصواب. [إملاء 47] [معنى قوله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة اثنتى عشرة على قوله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} (¬2): قوله: {حتى نعلم}. العلم يطلق باعتبار الرؤية، والشيء لا يرى حتى يقع. والثاني: أن العلم بمعنى المجازاة، فكأنه قال: حتى نجازي المجاهدين منكم والصابرين. ومعنى الابتلاء: أن الله تعالى يفعل بنا فعلاً يسمى بلاء من بعضنا لبعض (¬3). والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) انظر الإملاء (31) من هذا القسم. (¬2) محمد: 31. (¬3) قال القرطبي في معنى هذه الآية: "ولنبلونكم أي: نتعبدكم بالشرائع وإن علمنا عواقب الأمور. وقيل: لنعاملنكم معاملة المختبرين. وقال ابن عباس: حتى نعلم: حتى نميز. وقال علي رضي الله عنه: حتى نرى" 16/ 253.

[إملاء 48] [معنى قوله تعالى: {وترجون من الله ما لا يرجون}]

[إملاء 48] [معنى قوله تعالى: {وترجون من الله ما لا يرجون}] وقال أيضاً بالقاهرة سنة خمس عشرة مملياً على قوله تعالى: {ولا تهوا في ابتغاء القوم} (¬1)، إلى قوله: {وترجون من الله ما لا يرجون}. قال: لا يخلو إما أن نقول: الآية عامة أو خاصة. والمراد بالعموم في منكري البعث وعبدة الأوثان ونصارى العرب واليهود والنصارى. فإن كانت على ما ذكرناه كان معنى الكلام ظاهراً، وهو أنهم لا يرجون جزاء القتال لأنهم لا يؤمنون بالدار الآخرة، والمؤمنون بها يرجون شيئين، أحدهما: النصر العاجل، والآخر: الثواب الآجل. وإن قلنا: إنها خاصة في اليهود والنصارى لأنهم يرجون المجازاة، فالمعنى: أن هذا الرجاء الذي لهم رجاء وهمي لا حقيقة له، لأن الرجاء إنما يفيد من مؤمن، وقد قامت الأدلة على كفرهم، فلما كان هذا الرجاء لا وجود له فيما يرجع إلى عدم نفعه نفاه الله عنهم، كما نفى أموراً هي فيهم موجودة حساً كالسمع والبصر، لما لم ينتفعوا بها صار وجودها وعدمها على حد سواء. قال الله تعالى: {فما أغني عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم} (¬2) الآية. والوجه الأول أقوى وأدل على المقصود. والله أعلم بالصواب. [إملاء 49] [العامل في "إذا" و"متى"] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة تسع عشرة على قوله تعالى: {وإذا سمعوا ¬

_ (¬1) النساء: 104. (¬2) الأحقاف: 26.

اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} (¬1): "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان. وفيه معنى الشرط غالباً. واحترز بذلك عن مثل قوله: {والليل إذا يفشي والنهار إذا تجلي} (¬2)، وأشباهه. فإنه لا يستقيم أن يكون فيها معنى الشرط في هذه الحال لأنه يلزم أن يكون ما قبلها هو في المعنى مشروطها. ولا يستقيم أن يكون القسم الإنشائي مشروطاً، لوجوه: منها: أن الإنشاء ثابت فلا يقبل تعليقاً. ومنها: أن المعلق إنما يكون في المعنى خبراً، والإنشاءات ليست أخباراً. ومنها: أنا قد علمنا أن القسم ثابت في قصد المتكلم، وما كان كذلك لا يصح تعليقه. واللغة الفصيحة ترك الجزم بإذا (¬3). فيقال: إذا تركمني أكرمك. واللغة القليلة الجزم (¬4). ولا فرق بين أن تدخل معها "ما" أو لا تدخل. وأصل "إذا" أن تدخل على الأمور التي لابد من حصولها، كقولك: إذا طلعت الشمس، ومن ثم لم يجزموا بها لكونها فارقت الشرط الصريح في الإبهام. ألا ترى أن "متى" لما جرت في الإبهام مجرى "إن" جزموا بها اتفاقاً، فقالوا: متى تكرمني أكرمك. فعلى اللغة الفصيحة لا يقال: (سمعوا) في موضع جزم، وعلى الأخرى هو في موضع جزم. وقد اختلف في عامل "إذا" الشرطية، فأكثرهم على أن العامل جوابها، ¬

_ (¬1) القصص: 55. (¬2) الليل: 1، 2. (¬3) قال ابن يعيش: "ولا يجازي بها فيجزم ما بعدها لما تقدم من توقيتها وتعيين زمانها، فلذلك كان ما بعدها من الفعل مرفوعاً". شرح المفصل 4/ 97. (¬4) من ذلك ما رواه ابن هشام في المغنى 1/ 98 (دمشق): استغن ما أغناك ربك بالغني ... وإذا تصبك خصاصة فتجمل ...

وأقلهم على أن العامل شرطها، وعكسها في القولين في "متى" (¬1). وإنما التزم الأكثرون إعمال جوابها لأنهم حملوها على معنى الإضافة لما كانت في المعنى منسوبة إليه وهو محقق. فلما حملوها على الإضافة بطل أن يكون الفعل المضاف إليه في المعنى عاملاً في المضاف لأنه لو عمل فيه لأدى أن يكون الشيء عاملاً معمولاً من جهة واحدة. وبيان ذلك أنه إذا كان مضافاً إليه الزمان لم يكن عاملاً فيه إلا من جهة كونه زماناً له. ومعنى كونه زماناً له: أنه وقع فيه. وإن أعملنا الفعل في الظرف فإنما نعمله باعتبار أنه وقع فيه. ومعنى وقوعه فيه كونه زماناً له. فصار المعنى الذي عمل به الأول هو المعنى الذي عمل به الثاني، وذلك ما أردناه. وفي "متى" وشبهها لما لم تكن لمعين لم يحكموا بالإضافة. ولما لم يحكموا بالإضافة لما يكن مانع من عمل الفعل في الظرف لزوال المانع بزوال الإضافة. ولم يعتدوا بعمل "متى" في الفعل جزماً (¬2) لأنه عمل بجهة أخرى غي الجهة التي عمل (¬3) فيه بها الفعل. ألا ترى أن المعنى الذي عملت به "متى" كونها تضمنت معنى الشرط، والمعنى الذي عمل به الفعل فيها كونها زماناً له واقعاً فيه. فصار المعنى الذي عمل به "متى" غير المعنى الذي عمل به الفعل. وأما من عمم أن العامل في الجميع الجواب فليس بجيد، لوجود: أحدها: أنه يصير الجملتين جملة واحدة، لأن الظرف مع عامله لا يكون إلا جزءاً من الجملة. وقد فهم أن الشروط جملتان يربط بينهما الشرط باعتبار الشرطية، كما في قولك: إن تكرمني أكرمك. ومنها: ما ثبت من مثل قوله: {إيا ¬

_ (¬1) تحدث ابن الحاجب عن هذه المسألة في الإملاء (16) من هذا القسم ص: 131. (¬2) جزماً: سقطت من م. (¬3) عمل: سقطت من ب.

ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} (¬1)، ومعلوم أنه ليس في الجواب ما يصح (¬2) أن يكون ناصباً. ومنها: أنه يؤدي إلى أن يكون الظرفان المتضادان واقعاً فيهما الفعل الواحد في مثل قولهم: إذا أكرمتني اليوم أكرمتك غداً. ومعلوم أنه إذا جعل العامل الجواب وجب أن يكون الإكرام واقعاً فيه، وقد علق بغد على معنى وقوعه فيه، وقد علق بغد على معنى وقوعه فيه، وقيد الأول باليوم على معنى أنه هو، فيجب أن يكون الإكرام الواحد واقعاً في اليوم وفي غد جميعاً، وهو باطل من حيث المعقول، ومن حيث ما فهم من مقصود المتكلم، إذ لم يرد أن الإكرام الجزائي واقع في اليوم. وأما من فرق بين "إذا ومتى" باعتبار التعلق المتقدم فليس أيضاً بالجيد لما ذكرناه. فالأولى أن يكون العامل فيهما جميعا فعل الشرط (¬3). وما ذكروه من أنه مضاف يلزمهم مثله (¬4) في "متى". فالذي حسن منه في "متى" يقدر مثله في "إذا". وذلك أن لا يقدروه مضافاً بل يقدروه واقعاً فيه كوقوع فعل الشرط في الزمن المذكور معه، كقولك: إن تضرب زيداً اليوم اضربه غداً. ولا خلاف أن اليوم متعلق (¬5) بفعل الشرط، فكذلك ههنا. فإن زعم أنه ههنا متعين وفي "متى" غير متعين، فليس بمستقيم لأن التعيين ليس في "إذا" وإنما هو في الفعل ¬

_ (¬1) الإسراء: 110. (¬2) في ب: يصلح. (¬3) قال ابن الحاجب: "والحق أن إذا ومتى سواء في كون الشرط عاملاً، وتقدير الإضافة في إذا لا معنى له. وما ذكروه من كونها لوقت. معين مسلم لكنه حاصل بذكر الفعل بعدها كما يحصل في قولك: زماناً طلعت فيه الشمس. فإنه يحصل التعيين ولا يلزم الإضافة. وإذا لم يلزم الإضافة لم يلزم فساد عمل الشرط، والذي يدل على ذلك قولك: إذا أكرمتني اليوم أكرمتك غداً". انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 513. (¬4) مثله: سقطت من ب. (¬5) في م. معلق.

المذكور بعدها، على معنى أنه ليس مشكوكاً فيه. وأما معنى نسبتهما جميعاً فهما على حد سواء. فلو قدر في "إذا" مضافاً لوجب أن يكون في "متى" كذلك. ألا ترى أن نسبة الزمان في: إذا تكرمني، في المعنى كنسبته في قولك: متى تكرمني. ومما يوضح ذلك أن الذين جزموا بإذا أجروها مجرى متى، والعامل عندهم حينئذ فعل الشرط كمتي. ومعلوم أن معنى الزمان بالنسبة إلى الفعل مع الجزم كمعناه مع غير الجزم. وإذا كان المعنى فيهما سواء وثبت أن لا يكون مضافاً في أحدهما فليثبت في الآخر. وأما "سمع" فهو من الأفعال المتعدية إلى واحد في التحقيق كقولك: سمعت كلاماً وشبهة. وقد يتوهم (¬1) أنه متعد إلى مفعولين من جهة المعنى والاستعمال، أما المعنى فلأنه يتوقف على مسموع منه، كما تتوقف السرقة على مسروق منه، فالوجه الذي تعدي به السرقة إلى مفعولين موجود في السماع. وأما من جهة الاستعمال فلقولهم (¬2): سمعت زيداً يقول ذلك، وسمعت زيداً قائلاً، وقوله تعالى: {هل يسمعونكم إذ تدعون} (¬3). فلولا أن الفعل يتعدى إلى مفعولين لم يقل: إذ تدعون. لأن المعنى حينئذ: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون، وذلك لا يحسن. والجواب عن الأول: أن السرقة ليست كالسماع من حيث إن السرقة لا تعقل باعتبار معناها الذي وضعت له إلا بمسروق منه، ألا ترى أنك لو قدرت شيئاً موجوداً ليس في يد أحد، وأخذته خفية، لا يقال له سرقة لفقدان المسروق منه، بخلاف السماع، فإنك لو قدرت صوتاً لفهمت معنى السمع بالنسبة إليه، وكذلك لو قدرت غافلاً عن المسروق منه لم تفهم معنى السرقة. ولو قدرت ¬

_ (¬1) في ب: يوهم. (¬2) في س: كقولهم. والصحيح ما أثبتناه لأن المقصود التعليل. (¬3) الشعراء: 72.

غافلا عن المسموع منه لم يتعذر معنى السماع. وإنما المسموع منه بالنسبة إلى السمع كالمشموم منه بالنسبة إلى الشم. فكما أن الشم لا يتعدى إلا إلى واحد باتفاق (¬1)، فكذلك السماع. وأما (¬2) الجواب عن الثاني: فإنهم لما حذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه للعلم به وجب تقديره باعتبار مرتبته، وقرينته لا تكون إلا صوتاً، فذكر بعده حال بين خصوصية ليست مفهومة من ذلك المتعلق. فقائلا، ويقول ذلك: في موضع نصب على الحال، وليس مثل قولك: سمعت قول زيد قائلا، ولا مثل ضربت زيداً ضارباً بالسوط، لأنه ههنا قدر غير الأول، وثم قدر مثله أو نوعه فافترقا لذلك. ويخرج قوله: هل يسمعونكم إذ تدعون؟، على أن المقدر: هل يسمعون أصواتكم؟ وهو أبلغ في المعنى المقصود من: هل يسمعون (¬3) دعاءكم؟؛ لأنه إذا تحقق أنهم لا يدركون (¬4) نفس الصوت فهم في انتفاء إدراك الدعاء أجدر. قال: واللغو اسم لما لا فائدة فيه من الكلام. فيجوز أن يكون ههنا مصدراً موصوفاً به، كأنه قيل: الكلام اللغو أعرضوا عنه، جواب لإذا. والمقصود من سياق الآية ذكرهم بالرفق واللين مع المعرفة والإيمان، وهذه كانت صفتهم لذلك قصداً منهم إلى دعائهم والتلطف في إرشادهم، فيعرضون عما يأتون به من اللغو، ويأخذون فيما يقصدون به إرشادهم وهدايتهم وذلك معلوم من عوائد الداعين والمدعوين، فإنهم لو نافروهم من أول الأمر لكان سبباً في ¬

_ (¬1) في ب: بالاتفاق. (¬2) أما: ساقطة ن س. (¬3) على أن المقدر ... يسمعون: سقطت هذه العبارة من ب. (¬4) في الأصل وفي ب، م: يدرون. وما أثبتناه من د، س وهو الأصواب.

اللجاج والعناد. وإذا لاطفوهم ولانوا لهم في القول، وطلبوا المناصفة كان ذلك أدعى إلى القبول وانتفاء العناد واللجاج. وقوله: {وقالوا لنا أعمالنا}، إنما قدموا ذكر أعمالهم لأنها عندهم ليست بالجيدة، فقدموها وأثبتوا عاقبة أمرها لأنفسهم، مثل قوله: {وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم} (¬1). وقدم الخبر في قوله: لنا أعمالنا، دفعاً من أول الأمر لوهم أن يكون منسوباً إلى غيرهم ليقوي المعنى المقصود من جميع وجوهه. وقوله: {سلام عليكم}، ليس من باب: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} (¬2)، لأن ذلك لم يأت في ظاهر الأمر إلا منصوباً. لأن المعنى المسالمة، أي: سالمونا ونسالمكم. ويجوز أن يكون منه، وعدل إلى الرفع، كما عدل في التحية إلى الرفع في الوجه المختار. ويجوز أن يكون ذلك منهم قصداً في الدعاء لهم إلى الإرشاد، وليكون (¬3) أبلغ في المقصود الذي توخوه في الرفق واللين. ويجوز أن يكون مستعملاً بينهما على معنى الإعراض على مثل ذلك، لأنه كثر استعماله في العرف عند المفارقة، فلما قصد إلى معنى المفارقة استعمل ما هو مستعمل عندها، كما تقول لمن يأتي بما تكرهه: سلام عليكم، تريد أنك إن دمت على هذا كان سبباً لمفارقتك. وقوله: {لا نبتغي الجاهلين}، يجوز أن يكون من خطابهم لهم، ولا يلزم أن يكون في لفظهم ذكر الجاهلين. وإنما ذكر الجاهلين عند حكاية قولهم من كلام الحاكي، إذ المقصود تعريف الذات المقول لها ذلك للمخاطبين، كما ¬

_ (¬1) يونس: 41. (¬2) الفرقان: 63. (¬3) في م: ويكون. وما أثبتناه هو الصحيح، لأن الكلام في سياق التعليل.

تقول منكراً على إنسان ضرب زيداً: لم ضربت هذا الرجل الصالح؟، إذا كانت تلك صفته عند المخاطب أو عند المتكلم. ويجوز أن يكون ليس من خطابهم لهم، ولكن قالوه (¬1) لأنفسهم أو لغيرهم من المؤمنين، فيجوز أن يكون لفظ الجاهلين من قولهم، ويجوز أن يكون من الحاكي أيضاً على الوجه الأول، ليشمل ذكر الحكم والعلة بلفظ واحد، والجمل كلها في موضع نصب للمصدر (¬2) المؤقت للقول عند المحققين، وفي موضع نصب على المفعول به في قول الأكثرين. والصحيح أن القول غير متعد، وأن ما يذكر بعده (¬3) من مثل ذلك مصدر (¬4). والدليل عليه أنه لو كان مفعولاً به لكان غيره مما تتوقف عقليته عليه، وليس كذلك، وبيان أنه ليس غيره أنك إذا قلت: قلت، فقد اشتمل دلالة على القول، كما أنك إذا قلت: قعدت، فقد دل على العقود، فكما أنك إذا ذكرت قعوداً خاصاً لا تخرجه عن المصدرية في قولك: قعدت القرفصاء، باتفاق، فكذلك إذا ذكرت قولاً خاصاً لا تخرجه عن المصدرية. وزيد قائم، في قولك قلت: زيد قائم، قول خاص كالقرفصاء بالنسبة إلى القعود في كونها قعوداً خاصاً. فيجب أن يحكم عليهما جميعاً بالمصدر أو بالمفعول. ولا قائل بالمفعول لما ذكرناه، فوجب الحكم بالمصدر. وإنما توهم أولئك المفعولية من وجهين: أحدهما: حملهم القول على التلفظ والمعلق على المعنى، فوجودا للفظ باعتبار المعنى تعلقاْ. والآخر: أن توهموا أن القول في تعلقه بالمقول كالعلم في تعلقه بالمعلوم، وذهلوا أن ذلك المتعلق هو نفس القول، وإنما يذكر ¬

_ (¬1) في م: قالوا. والصواب ما أثبتناه، لأنه لابد من وجود الضمير ليتم المعنى. (¬2) في ب، د، س: على المصدر. (¬3) بعده: سقطت من ب. (¬4) وهذه المسألة خالف فيها ابن الحاجب جمهور النحاة. قال ابن هشام: "جملة الحكاية بالقول مفعول به وهو قول الجمهور". المغني 2/ 460 (دمشق).

[إملاء 50] [توجيه فتح وكسر همزة "أن" في قوله تعالى: {أن كنتم قوما مسرفين}]

باعتبار خصائصه بخلاف العلم، فإنه ليس بالمعلوم، فافترقا. والله أعلم بالصواب. [إملاء 50] [توجيه فتح وكسر همزة "أن" في قوله تعالى: {أن كنتم قوماً مسرفين}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين} (¬1). الهمزة للإنكار (¬2)، والفاء تدل على فعل مقدر قبلها يعطف عليه ما بعدها، كأن المعنى: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر أو نترككم أو ما أشبه ذلك (¬3). كما قيل (¬4) في قوله تعالى: {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم} (¬5): إن التقدير: أعموا فلم يروا إلى ما بين أيديهم. ويجوز أن تكون الفاء لبيان أن ما قبلها سبب لإنكار ما وقع بعدها (¬6). ألا ترى أن قبل قوله: أفلم يروا، ذكر أنهم في الضلال البعيد (¬7). فنبه بالفاء على أن الضلال سبب لإنكار كونهم (¬8) لم ¬

_ (¬1) الزخرف: 5. (¬2) قال ابن هشام: "وهذه تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب. ومن جهة إفادة هذه الهمزة نفي ما بعدها لزم ثبوته إن كان منفياً، لأن نفي النفي إثبات". المغنى 1/ 11 (دمشق). (¬3) نص عليه الزمخشري. الكشاف 3/ 478. (¬4) قيل: سقطت من ب. (¬5) سبأ: 9. (¬6) وقع: سقطت من ب. (¬7) قال تعالى: "بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد". (¬8) في ب: قولهم. وهو تحريف.

يروا، وكذلك ما قبل هذه الآية من ذكر الإنزال لهداهم سبب لإنكار الأضراب عنهم (¬1). يقال: أضربت عن كذا وضربت كذا عن فلان. فمعنى أضربت عن كذا: حدت عنه، ومعنى ضربت كذا عن فلان أي: منعته عنه، جاء الرباعي لازماً، والثلاثي متعدياً. و (صفحاً) منصوب على المصدر، لأن معنى ضربت الذكر عنه: أعرضت، فصفحاً بمعنى إعراضاً. و (أن كنتم) بالفتح تعليل، على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم (¬2)، وعلة للضرب الذي أنكر، أن يهملوا بغير تذكير (¬3) لأجل من المسرفين. فالتعليل للفعل الذي أنكر، فالإنكار إذن متعلق بالفعل مقيد بعلته، لا مع انقطاعه عن علته، إذ قد ينكر الفعل باعتبار تعليل علة ولا ينكر باعتبار أخرى، كما تقول: أتضرب زيداً إن أحسن إليك؟، ولا تقول: أتضرب زيداً إن أساء إليك؟. وأما قراءة حمزة ونافع والكسائي بالكسر، فشرط يدل على جوابه ما تقدمه (¬4)، فانسحب معنى الإنكار على ما دل على جوابه باعتباره، فصار بهذا التقدير كمعنى المفتوحة، لأن المفتوحة إذا كانت تعليلاً فمعناها: أن ما قبلها مسبب لما في حيزها، فكذلك المكسورة إذا كان ما قبلها دالاً على جوابها تدل على أن ما في حيزها سبب لما تقدمها. فتحقق أن المعنى في المكسورة إنكار الإهمال المسبب عن كونهم مسرفين لما علق على الشرط، فرجعا بهذا التقدير إلى معنى واحد. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) عنهم: سقطت من م. (¬2) هو عاصم بن أبي النجود أبو بكر الأسدي. انتهت إليه رئاسة الإقراء في الكوفة. وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن. توفي سنة 127 هـ أو سنة 128 هـ. انظر النشر في القراءات العشر 1/ 155، وغاية النهاية في طبقات القراء 1/ 346. (¬3) بغير تذكير: سقطت من ب. (¬4) نص عليه أبو البقاء. إملاء ما من به الرحمن 2/ 227.

[إملاء 51] [توجيه إعراب قوله تعالى: {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر}]

[إملاء 51] [توجيه إعراب قوله تعالى: {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر}] وقال أيضاً مملياً على قوله تعالى: {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب} (¬1): وجه الإشكال في الآيتين أن قوله: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، معطوف على قوله: مثقال، أو على موضع (من مثقال) في (يونس). ولذلك (¬2) قرئ في يونس رفعاً وخفضا (¬3) ولم يقرأ في (سبأ) إلا رفعاً لمجيء (مثقال) مرفوعاً. وإذا تقرر ظهور عطف (ولا أصغر ولا أكبر) على ما قبله، وكان الاستثناء غير مقنطع، كان قوله: (في كتاب مبين) استثناء مفرغاً، صفة لمثقال، مستثنى من صفة عامة محذوفة، كقولك: ما مررت برجل إلا في الدار. أو مستثنى من متعلق للفعل عام، كقولك: ما مررت برجل إلا في الدار، على معنى: ما مررت في مكان من الأمكنة برجل إلا في هذا المكان. وعلى التقديرين (¬4) يلزم أن يكون الفعل المنفي قبل إلا مستثنى باعتبار ثبوت ما بعدها. ألا ترى (¬5) أنك إذا قلت: ما مررت برجل إلا في الدار، كنت مخبراً عن مرور ثبت لك برجل في الدار، أو ثبت في الدار لرجل على التقديرين. وإذا تقرر ذلك كان المعنى ثبوت العزوب عند ثبوت الكتاب، وهو غير مستقيم، إذ ليس المراد أنه يعزب إذا كان في كتاب. والجواب من وجهين: أحدهما: أن يقال: إن الوقف على قوله: في الأرض ولا في السماء، في (يونس)، وعلى الأرض في (سبأ)، و (لا ¬

_ (¬1) يونس: 61. (¬2) في د: كذلك. والصواب ما أثبتناه، لأن المعنى يتطلب استعمال اللام وليس الكاف. (¬3) الرفع قراءة يعقوب وحمزة. القرطبي 8/ 356. (¬4) في ب: وعلى هذا التدقير. وما أثبتناه هو الصحيح. (¬5) في ب: ألا تراك.

[إملاء 52] [الفاء في قوله تعالى: {فكرهتموه}]

أصغر) فيهما مستأنف، جاء في (يونس) على الوجهين الفصيحين في مثل: لا حول ولا قوة، ولا حول ولا قوة، فالتح فيه بناء كالفتح في: لا رجل، لا علامة للخفض. والرفع فيه إعراب على (¬1) الابتداء. وجاء في (سبأ) على أحد الوجهين، وهو الرفع لا غير، وبهذا يندفع الإشكال. الثاني: أن يكون قوله: وما يعزب بمعنى: ما يخرج إلى الوجود إلا في كتاب، فلا يلزم ما تقدم من الإشكال، إذ المعنى: أنه يخرج في كتاب، لا معنى: أنه يخفى، فيكون (ولا أصغر ولا أكبر) بهذا التقدير عطفاً على ظاهره، ويكون الفتح في (يونس) علامة للخفض عطفاً على مثقال أو على ذكرة (¬2). والرفع عطفاً على موضع (من مثقال) (¬3). ويكون الضم في (سبأ) عطفاً على مثقال (¬4) ولم يأت الفتح فيه على هذا التقدير، إذ ليس قبله ما يصح عطفه عليه بالفتح. والله أعلم بالصواب. [إملاء 52] [الفاء في قوله تعالى: {فكرهتموه}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه} (¬5): الفاء في قوله: فكرهتموه، مشكلة، فإنها إن كانت للسببية احتيج إلى أن ¬

_ (¬1) على: سقطت من ب. (¬2) قال الفراء: "فمن نصبهما فإنما يريد الخفض، يتبعهما المثقال أو الذرة". معاني القرآن 1/ 470 (تحقيق أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار). (¬3) قال أبو البقاء: "ويقرآن بالرفع حملاً على موضع من مثقال". إملاء ما من به الرحمن 2/ 30. وقال النحاس: "والرفع عطف على الموضع لأن من زائدة للتوكيد". إعراب القرآن 2/ 65. (¬4) قال النحاس: "وقراءة العامة بالرفع على العطف على مثقال". إعراب القرآن 2/ 656. (¬5) الحجرات: 12.

[إملاء 53] [الاستثناء في قوله تعالى: {إلا أن يشاء الله}]

يقدر معها ما هو سبب لما ذكر بعدها، وإن كانت عاطفة احتيج إلى جملة تكون هي عقبيها، وكلا الأمرين ليس بظاهر في الآية. فالجواب: أنه (¬1) للسببية، لأن معنى: أيحب أحدكم؟، نفي الحب، لأن همزة الإنكار إذا دخلت على الفعل كان الفعل بعدها نفياً، إما نفي طلب، أي: نهي كقوله: {أتأخذونه} (¬2). وإما نفي حصول، كقوله: {أيحب أحدكم}. ولما كان المعنى: ما يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً، ذكر ما هو مسبب عن هذا المنفي وهو تحقق الكراهة وثبوته. ويجوز أن يقال: إنه لما نهي عن الغيبة على صيغة شبهها بما هو مكروه من معتادهم وهو أكل لحم المغتاب ميتاً، وأتى به على صيغة الإنكار تنبيهاً على أنه مما لا يفعلونه. ثم كان ذلك التشبيه سبباً لذكر تحقق الكراهة، فقال بعد ذلك: فكرهتموه، فكان ذكر تحقيق الكراهة وثبوتها مسبباً عن هذا التشبيه الذي قصد به تأكيد كراهة ما نهي عنه، إذ به يتحقق توبيخهم في وقوعهم في الغيبة المشبهة ما يأبونه ويكرهونه. والله أعلم بالصواب. [إملاء 53] [الاستثناء في قوله تعالى: {إلا أن يشاء الله}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً. إلا أن يشاء الله} (¬3): الوجه فيه أن يكون استثناء مفرغاً، كقولك: لا تجيء إلا بإذن زيد، ولا تخرج إلا بمشيئة فلان، على أن يكون الأعم المحذوف حالاً أو مصدراً. فتقدير ¬

_ (¬1) وردت هذه الكلمة في جميع النسخ هكذا. والأنسب: أنها. (¬2) النساء: 20. (¬3) الكهف: 23، 24.

الحال: لا تخرج على حال إلا مستصحبا لذلك. وتقدير المصدر: لا تخرج خروجاً إلا خرجاً مستصحباً لذلك، كقولك: ما كتبت إلا بالقلم، ولا نجرت إلا بالقدوم، وحذفت الباء من (أن يشاء الله)، والتقدير: إلا بأن يشاء الله، أي: إلا بذكر المشيئة. وقد علم أن ذكر المشيئة المستصحبة في الإخبار عن الفعل المستقبل هي المشيئة المذكورة بحرف الشرط، أو ما هو في معناه، كقولك: لأفعلن إن شاء الله، أو لأفعلن بمشيئة الله، أو إلا أن يشاء الله وما أشبه ذلك. وما ذكر من أنه استثناء منقطع أو متصل على غير ذلك فبعيد. أما الانقطاع فلا يتجه لأنه يتجه لأنه يؤدي إلى نهي (¬1) كل أحد (¬2) عن أن يقول إني فاعل غداً كذا مطلقاً، قيده بشيء أو لم يقيده، وهو خلاف الإجماع، فإنه لا يختلف (¬3) في جواز قول القائل: لأفعلن كذا إن شاء الله، وجعله منقطعاً يدرجه في النهي (¬4). وأما ما ذكر من أنه متصل باعتبار النهي فيؤدي إلى أن يكون المعنى: نهيتكم إلا أن أشاء، والنهي لا يقيد بالمشيئة لأنه إن أريد تحقق الإخبار عن نهي محقق فلا يصح تعلقه بالمشيئة. وإن أريد نفس النهي الذي هو إنشاء فلا يقبل تعلقه على المشيئة. وإن أريد دوامه إلى أن يأتي نقيضه، فذلك معلوم في كل أمر ونهي، وكل حكم. ثم يلزم أن يكون كل أحد (¬5) منهياً عن أن يقول: إني فاعل مطلقاً، لأن الاستثناء بالمشيئة لم يتعرض له، وإنما تعرض لنفس النهي أو دوام النهي كما تقدم. ¬

_ (¬1) في س: نفي. وهو تحريف. (¬2) في س: واحد. (¬3) في س: خلاف. (¬4) قال النحاس إنه منصوب على الاستثناء المنقطع. إعراب القرآن 2/ 271. (¬5) في د، س: واحد.

[إملاء 54] [الاستثناء في قوله تعالى: {فما بعد الحق إلا الضلال}]

وأما ما ذكر من أنه متصل بقوله: إني فاعل، ففاسد، إذ يصير المعنى: إني فاعل بكل حال إلا في حال مشيئة الله، فيصير منهياً عن ذلك، وهو خلاف الإجماع، إذ يصير المعنى النهي عن أن يقول: إني فاعل إن شاء الله، وإني فاعل إلا أن يشاء الله، وهذا لا يقوله أحد. وأما ما ذكر من أن بعض المتأخرين زعم أن (إلا) ههنا ليست باستثناء اتصال، فقد تقدم الكلام عليه. وإن أراد أنها ليست باستثناء أصلاً لا منقطع ولا متصل، فلا يصدر ذلك إلا عن جهل وغباوة. والله أعلم بالصواب. [إملاء 54] [الاستثناء في قوله تعالى: {فما بعد الحق إلا الضلال}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {فما بعد الحق إلا الضلال} (¬1): يجوز أن يرتفع (الضلال) على أنه بدل باعتبار معنى: ماذا، لأن المعنى النفي، لأن الاستفهام فيه على معنى الإنكار، كأنه قيل: ما شيء بعد الحق إلا الضلال. ويجوز أن يكون مبتدأ على تقدير استثناء مفرغ من حيث أن المعنى: ما بعد الحق إلا الضلال. ولو قيل ذلك لكان مبتدأ، فكذلك ما كان بمعناه. وإذا جاز البدل والتفريغ في الاستهام وهو على بابه في مثل قولك: هل جاءك رجل إلا زيد؟، وهل جاءك إلا زيد؟، فلأن يجوز إذا كان معناه معنى النفي أجدر. وإنما قدر الاستثناء في الآية على معنى النفي، لأنه المراد لاستحاقة تحقيق الاستفهام في حق الله تعال. وأيضاً فلو جعل الاستثناء على صورة الاستفهام ¬

_ (¬1) يونس: 32.

[إملاء 55] [توجيه قراءة قوله تعالى: {ولا تتبعان}]

لتغير المعنى، لأنك إذا لت: هل جاءك رجل إلا زيد؟، فمعناه: أخبرني عن غير زيد، فلا يستقيم ههنا السؤال عن غير الضلال، إذ لا شيء بعد الحق غيره. والله أعلم بالصواب. [إملاء 55] [توجيه قراءة قوله تعالى: {ولا تتبعان}] وقال مملياً بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله تعالى: {فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} (¬1): روي عن ابن ذكوان تشديد التاس وتخفيف النون (¬2). وروي عنه تخفيف التاء وإسكانها وفتح الباء وتشديد النون من تبع يتبع، وليس فيه إشكال، وإنما الإشكال في تخفيف النون. ووجهه أن (لا) نافية، والفعل مرفوع على وجهين: أحدهما: أن تكون جملة خبرية، معناها النهي، كقوله تعالى: {تؤمنون بالله ورسوله} (¬3) و {لا تعبدون إلا الله} (¬4). والمعنى على الأمر والنهي، وعطف جملة خبرية معناها النهي على جملة معناها الطلب. والوجه الثاني: أن تكون الواو واو الحال، أي: استقيما غير متبعين. والجملة النفيية الفعلية يجوز أن تأتي بالواو وبغير واو. وقول من قال: إنها نهيية (¬5) وإن النون نون التأكيد ¬

_ (¬1) يونس: 89. (¬2) انظر إملاء ما من به الرحمن 2/ 33، والكشاف 2/ 251، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 8/ 376. (¬3) الصف: 11. (¬4) البقرة: 83. (¬5) وهو مذهب أبي جعفر النحاس. انظر إعراب القرآن 2/ 74.

[إملاء 56] [وجه النصب في قوله تعالى: {فما كان جواب قومه}]

الخفيفة كسرت، أو الثقيلة حذفت الأولى منهما، ضعيف، لا ينبغي أن تأول قراءة صحيحة عليه، لأنه لم يثبت في اللغة مثله. والله أعلم بالصواب. [إملاء 56] [وجه النصب في قوله تعالى: {فما كان جواب قومه}] وقال أيضاً ممليا على قوله تعالى: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا} (¬1): المراد في مثل هذه المواضع بما بعد إلا خصوصية المقول، فهو كالعلم في المعنى، لأنك إذا حكيت القول بلفظه ومعناه أو بمعناه، كان كالعلم في صحة وقوعه وقوع المفردات، إلا أنه قصد التعبير عنه باعتبار معناه، فالمعروف ذكر قول قبله، كأنهم قصدوا إلى التنبيه على أن المراد مضمون الجملة، فتقول: قولك: زيد حسن، صدق أو كذب وما أشبه ذلك. فإذا ثبت ذلك كان جعل مثله اسماً لكان أوضح، لأن الأعلام وما تنزل منزلتها أظهر في التعريف من غير المضمرات. فإذا حسن جعلها اسماً في هذا المحل لم يستقم تقديمها على (إلا) لفظاً ولا معنى. أما المعنى فلأن المقصود: ألا جواب إلا هذا. ولو قدم، لكان المعنى: ما هذا إلا جواب. وهما مختلفان، لأنه على المعنى ألأول لو قدر أن لهم جوابا آخر لم يستقم منه، وعلى المعنى الثاني لو قدر أن لهم ألف جواب آخر لم يمتنع منه. وأما من جهة اللفظ فلأنك لا تجد "كان" الناقصة داخلة على أن المصدرية مباشرة. ألا ترى أنك لا تقول: كان أن تقوم خيراً لك، لأنها لما كانت مصدرية شبهوها في امتناع دخول عوامل الابتداء عليها بأن المشددة المصدرية، لأنها مثلها في كونها حرفاً مصدرياً لا يوصل إلا ¬

_ (¬1) العنكبوت: 24.

[إملاء 57] [إعراب قوله تعالى: {والنجوم مسخرات}]

بجملة. وإذا تقرر ذلك تعين النصب في مثل قوله: فما كان جواب قومه (¬1). والله أعلم بالصواب. [إملاء 57] [إعراب قوله تعالى: {والنجوم مسخرات}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى – في النحل: {والنحوم مسخرات} (¬2): لا يجوز أن ينتصب على الحال من معمول (سخر) لأنه لا يجوز أن يقال: ضربته مضروباً كما لا يقال: قمت قائماً، على أنه حال، لأنه مفهوم من قوله: قمت، فلا فائدة في قوله: قائماً. وكذلك ضربته مضروباً. ولذلك اتفق على تأويل قولهم: قمت قائماً؛ في أنه في معنى قمت قياماً. فكذلك قوله: {مسخرات}، بعد قوله: {سخر}، لا يحسصن فيه الحال لذلك. ولا حالا مؤكدة لأن شرطها مفقود وهو أن تكون مقررة لمضمون جملة اسمية. ولا يحسن أن يكون مصدراً لمجيئه مجموعاً، والمصادر التي يراد بها المعنى الكلي لا تجمع. فإن حمل على قصد الأعداد، كأنه قيل: مسخرة، بمعنى تسخيرة، ثم جمع مسخرات كما تجمع تسخيرات على إرادة أعداد المرات جاز على ما فيه من بعد. والأحسن أن يكون منصوباً حالاً (¬3) بفعل مضمر واقعاً على قوله: ¬

_ (¬1) قال سيبويه في هذه الآية: "فأن محمولة على ما كان، كأنه قال: فما كان جواب قومه إلا قول كذا وكذا. وإن شئت رفعت الجواب فكانت أن منصوبة". الكتاب 3/ 155. (¬2) النحل: 12. وقبلها. "وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر". (¬3) قال أبو البقاء: "حال أو خبر. فإن قرأنا النجوم بالنصب كانت حالاً، وإن قرأناها بالرفع كانت خبراً". إملاء ما من به الرحمن 2/ 79. وقال القرطبي: "وهي في قراءة من نصبها حال مؤكدة" الجامع لأحكام القرآن 10/ 83.

[إملاء 58] [إعراب قوله تعالى: {ما ليس لك به علم}]

{والشمس والقمر}، تقديره: وخلق الشمس والقمر مسخرات. أو مفعولاً ثانيا، بمعنى: وجعلها مسخرة. أو يقدر الفعل بعد قوله: والنجوم، أو قبله على التأويلين، كأنه خلقها أو جعلها مسخرات. وحسن تقديره لما في (سخر) من الدلالة عليه. ومما يوضح ما ذكرناه قراءة من قرأ: والشمس والقمر وما بعده بالرفع (¬1)، وقراءة من قرأ: والنجوم مسخرات بالرفع خاصة (¬2)، والله أعلم بالصواب. [إملاء 58] [إعراب قوله تعالى: {ما ليس لك به علم}] وقال أيضاً [في دمشق سنة إحدى وعشرين] (¬3) على قوله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم} (¬4): لا يستقيم أن يكون (ما ليس لك به علم) بدلا لأمرين: أحدهما: أنه يقال: أشرك زيد كذا بكذا، أي: جعله شريكاً له، وهم كانوا يجعلون شركاء لله كما قال تعالى: {وجعلوا لله شركاء} (¬5). ومنه قوله حكاية عن إبليس: {إني كفرت بما أشركتموني من قبل} (¬6)، أي: بجعلكم إياي شريكاً. وأما قوله: {وكفرنا بما كنا به مشركين} (¬7)، فإنما عدي بالباء لتقدمه على اسم الفاعل، كما تقول: أنا بالله مستعين. والثاني: أنه لو جُعل بدلا لكان من بدل الغلط، ¬

_ (¬1) وهي قراءة ابن عباس وابن عامر وأهل الشام. البحر المحيط 5/ 479. (¬2) وهي قراءة حفص. البحر المحيط 5/ 479. (¬3) زيادة من هامش الأصل. ورقة 35. (¬4) لقمان: 15. (¬5) الأنعام: 100. (¬6) إبراهيم: 22. (¬7) غافر: 84.

[إملاء 59] [ضعف قراءة ابن عامر وعاصم لقوله تعالى: {وكذلك ننجي المؤمنين}]

والقرآن مبرأ من ذلك، لأنه لا يستقيم فيه نوع من أنواع البدل، وذلك واضح. فالوجه أن يقال: إنه مفعول (تشرك)، ولو جعل (تشرك) بمعنى: تكفر، وجعلت (ما) نكرة موصوفة أو بمعنى الذي، بمعنى: كفراً أو الكفر، ويكون نصباً على المصدر، لكان وجهاً حسناً، والله أعلم بالصواب. [إملاء 59] [ضعف قراءة ابن عامر وعاصم لقوله تعالى: {وكذلك ننجي المؤمنين}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {فاستجبنا له فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} (¬1): على قراءة ابن عامر وعاصم لا يظهر فيها وجه مستقيم (¬2). فمن وجهها على أنه ماض بني لما لم يسم فاعله فضعيف من حيث أسكنت الياء ومن حيث نصب المفعول به الصريح وأقيم المصدر لما لم يسم فاعله مقام فاعله. ومن وجهها على أنه مضارع "أنجي" أدغمت النون في الجيم فضعيف من حيث إن النون لم يثبت إدغامها في الجيم، وإنما تخفي فيها لا تدغم، فإدغامها فيها بعيد. ومن وجهها على أنه مضارع "نجي" لزمه حذف النون الثانية (¬3)، ومثلها لا تحذف، فلا يقال في مضارع "نسى": نسى، ولا في مضارع "نزل": نزل. وتشبيههم إياها بالتاءين (¬4) في "تتفعل" و"تتفاعل" غير مستقيم لاختلاف الحركات ¬

_ (¬1) الأنبياء: 88. (¬2) قال الفراء: "وقد قرأ عاصم نجي بنون واحدة، ونصب المؤمنين". معاني القرآن 2/ 210. (¬3) قال ابن جني: "ولأنه عندنا على حذف إحدى نوني ننجي. ويشهد أيضاً لذلك سكون لام (نجى). ولو كان ماضياً لانفتحت اللام إلا في الضرورة". الخصائص 1/ 398. (¬4) في م: بالتاء.

[إملاء 60] [إعراب "إخوانا" في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا}]

هنا واتفاقها ثم. ثم ولو اتفقت فلا يثبت حذف النون لمجرد القياس على حذف التاء. والله أعلم بالصواب. [إملاء 60] [إعراب "إخوانا" في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا} (¬1): من قال: إنها حال من الضمير في جنات، فهو ضعيف للفصل بين الحال وصاحبه بالجمل المتعددة، لأن قوله: (ادخلوها) جملة و (نزعنا) جملة. ومن جعلها حالاً من الضمير في (آمنين) فهو أضعف (¬2)، لأن (آمنين) في سياق (ادخلوها)، و (ادخلوها) معمول للقول المقدر، أي: يقال لهم: ادخلوها بسلام آمنين. فإذا جعلت (إخوانا) حالاً من الضمير في آمنين وجب أن يكون في سياق القول فتكون فاصلاً بين ما هو كالمفعول الواحد بالأجنبي وهو جملة: ونزعنا، لأن الجملة المقولة وإن تعددت أجزاؤها في حكم المفعول الواحد أو المصدر (¬3)، فإذا قطعت بعض أجزائها عن بعض، كنت كالفاصل بين جزء المفعول وجزئه الآخر. هذا وإنه يلزم منه ما لزم في الأول من الفصل بين الحال وصاحبه بالجملة الأجنبية التي هي: ونزعنا. نعم لو جعل (ادخلوها بسلام) هو مفعول القول دون (آمنين) وجعل (آمنين) ¬

_ (¬1) الحجر: 47. والآيتان اللتان قبلها: "إن المتقين في جنات وعيون. ادخلوها بسلام آمنين". (¬2) وقد أجازه أبو البقاء العكبري. إملاء ما من به الرحمن 2/ 75. (¬3) ذكر ابن الحاجب سابقاً أنها في حكم المصدر. انظر الإملاء (50) من هذا القسم.

[إملاء 61] [توجيه القراءات في قوله تعالى: {لا يهدي}]

حالاً من الضمير في (في جنات)، وجعل (إخوانا) حالا من الضمير في (آمنين) اندفع الضعف بالوجه الأول. ولكن يجيء ضعف من جهة أن المفهوم من (آمنين) أنه حال من الضمير في (ادخلوها). فإذا جعل حالاً من الضمير في (في جنات) لزم خروجه عن هذا الظاهر. ومن جعلها حالاً من ضمير الفاعل (¬1) في (ادخلوها) فالكلام فيه كالكلام فيما تقدم سواء (¬2). والله أعلم بالصواب. [إملاء 61] [توجيه القراءات في قوله تعالى: {لا يهدي}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون} (¬3): قرأ ابن كثير وورش (¬4) وابن عامر (يهدي) بفتح الياء والهاء وتشديدا الدال (¬5). وأصله: يهتدي، مضارع اهتدى (¬6). والعرب تدغم تاء الافتعال في مثله ومقاربه إدغاماً غير لازم. أما في المثل فلأنها كالمنفصل (¬7)، فإن تاء الافتعال لا يلزمها وقوع تاء بعدها. وأما في المقارب فواضح. فإذا قصدوا إلى الإدغام اسكنوا التاء وقلبوها دالاً لأجل الإدغام، فاجتمع ساكنان: الهاء والدال، ¬

_ (¬1) وقد أجاز أبو البقاء هذا الوجه. إملاء ما من به الرحمن 2/ 75. (¬2) وجعلها الزجاج حالاً من المضاف إليه في قوله: في صدورهم إعراب القرآن 3/ 791. ولا أرى قوله هذا بعيداً عن الصواب، لأن المضاف بعض المضاف إليه، كقولك: أعجبني وجه الفتاة مسفرة. (¬3) يونس: 35. (¬4) هو عثمان بن سعيد، أحد القراء السبعة. ولد سنة 110 هـ وتوفي بمصر سنة 197 هـ. قرأ على نافع، وكان حسن الصوت. انظر النشر في القراءات العشر 1/ 112. (¬5) وهي قراءة أبي عمرو أيضا. انظر إعراب القرآن للنحاس 2/ 59. (¬6) انظر إعراب القرآن للنحاس 2/ 59. (¬7) في الأصل كالمنفصلين. وما أثبتناه هو الصواب.

ففتحوا الهاء لالتقاء الساكنين، وخصت بالفتح تنبيها على حركة ما أسكن للإدغام، كما ضموا في "يرد"، وكسروا في "يفر"، وفتحوا في "يعض"، وأصله: يردد ويفرر ويعضض. وهذه أوضح قراءات التشديد في هذا الحرف. وقرأ حفص (يهدي) بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال (¬1)، وأصله كما تقدم، والإدغام كالإدغام، إلا أنه كسرت الهاء لالتقاء الساكنين، ولم يراع ذلك الأصل المتقدم من حيث كان ذلك الأصل للتنبيه على ما تختلف حركته، لأن عين الفعل تكون مفتوحة ومضمومة ومكسورة، فلو لم يفعلوا ذلك لأدى إلى اللبس بخلافه ههنا، فإن تاء الافتعال لا يلبس أمرها في أنها بالفتح، فلا حاجة إلى تنبيه عليها، فلذلك كسر الأول من الساكنين على أصل الساكنين. وقرأ أبو بكر مثل حفص، إلا أنه بكسر الياء (¬2)، ووجهه كوجهه، وكسر الياء لاتباع الهاء، لما في الهاء من الخفاء، فلما كسرت أشبهت الياء فكسر ما قبلها لذلك. وقرأ أبو عمرو وقالون (¬3) (يهدي) بفتح الياء وإخفاء فتحة الهاء وتشديد الدال، وأصله أيضاً: يهتدي. وعلة الإدغام كما تقدم، إلا أنه لم تمكن فتحة الاء ولم تبق ساكنة جمعاً بين أصلها وعارضها. لأن أصلها الإسكان، والعارض يقتضي التحريك فسلك أمر بين أمرين لإمكانه، ولم يسلك ما سلك في "يرد" كما تقدم من أن الحركة ثم مقصودة بالمحافظة بخلافها ههنا. ¬

_ (¬1) ونسبت هذه القراءة لعاصم. إعراب القرآن النحاس 2/ 59. (¬2) ونقل النحاس عن الكسائي أنها قراءة عاصم. إعراب القرآن 2/ 59. (¬3) هو عيسى بن مينا بن وردان، قرأ على نافع واختص به كثيراً، فيقال إنه كان ابن زوجته وهو الذي لقبه قالون لقراءاته، فإن قالون بلغة الروم جيد، ولد سنة 120 هـ وتوفي سنة 220 هـ. انظر النشر في القراءات العشر 1/ 112.

[إملاء 62] [معنى "ما" في قوله تعالى: {ما يتذكر فيه من تذكر}]

ويعض القراء يترجم له في قراءتهما بسكون الهاء، وهو ضعيف لما يؤدي إليه من التقاء الساكنين. وقرأ حمزة والكسائي (يهدي) بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال (¬1)، وهو مضارع هدى، فلا إشكال فيه. والاستثناء مفرغ لأن المعنى: أم من لا يهدي بسبب من الأسباب إلا بأن يهدي. والقياس مجيء الباء في مثله، مثل قوله: ما مررت إلا بزيد. إلا أنه حسن حذفها ههنا لمجيئها مع أن، وحروف الجر تحذف مع أن وأن، وتثبت قياساً مطرداً، لذلك حسن الحذف. والله أعلم بالصواب. [إملاء 62] [معنى "ما" في قوله تعالى: {ما يتذكر فيه من تذكر}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {ما يتذكر فيه من تذكر} (¬2): لا يستقيم أن تكون (ما) نافية لوجهين: من حيث اللفظ ومن حيث المعنى. أما اللفظ فلأنها يجب قطعها عن (نعمركم) من حيث أن (نعمركم) لا يجوز أن يكون النفي من معموله، وهو خلاف الظاهر. وأيضاً فإن الضمير يرجع إلى غير مذكور في قوله: فيه، وأما من حيث المعنى فلأن قوله: أو لم نعمركم، إنما سيق لإثبات التعمير وتوبيخهم على تركهم التذكير فيه. فإذا جعل قوله: ما يتذكر، نفياً، كان فيه إخبار عن نفي تذكير متذكر فيه، فظاهره على ذلك نفي التعمير، لأنه إذا كان زماناً لا يتذكر فيه متذكر لزم أن لا يكون تعميراً، وهو خلاف قوله: أولم نعمركم (¬3). والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) وهي أيضاً قراءة خلف ويحيى الأعمش. البحر المحيط 5/ 156. (¬2) فاطر: 37. وقبلها قوله تعالى: "أو لم نعمركم". (¬3) قال أبو البقاء: "أي زمن ما يتذكر، أو أن تكون نكرة موصوفة". إملاء ما من به الرحمن، 2/ 201. ويلاحظ أن ابن الحاجب لم يذكر رأيه فيها، واكتفى بقوله: إنها ليست نافية. وهذا مما يؤخذ عليه أحياناً في بعض إملاءاته فقد يطرح مسألة ولا يذكر جوابها أو رأيه فيها.

[إملاء 63] [الجواب على إشكال في قوله تعالى: {إلا هي أكبر من أختها}]

[إملاء 63] [الجواب على إشكال في قوله تعالى: {إلا هي أكبر من أختها}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {ما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها} (¬1): قد استشكل من جهة أن أفعل التفصيل إذا نسب إلى شيء وجب أن تكون فيه زيادة على المفصل عليه، فلا يتسقيم أن يقال: الزيدان كل واحد منهما أفضل من الآخر، لما يؤدي إليه من إثبات الزيادة ونفيها في كل واحد منهما، فقوله تعالى: {هي أكبر من أختها} شامل للجميع، فيلزم أن تكون كل واحدة منهما أكبر من الأخرى، وذلك يؤدي إلى أن تكون أكبر وليس بأكبر (¬2). والجواب عنه من وجوه: أحها: أن يكون المراد إنما يأتي أكبر مما تقدم فيكون المراد بقوله: من أختها، أي: من أختها المتقدمة عليها. الثاني: أن يكون المراد: إلا هي أكبر من أختها من وجه، وقد يكون الشيئان كل واحد منهما أفضل من الآخر من وجه. الثالث: أن يراد: إلا هي أكبر من أختها عندهم وقت حصولها، لأن لمشاهدة الآية أثراً في النفس عظيماً ليس للغائب منها، وإن كان الغائب أكبر، فإن الإنسان يعظم عنده مشاهدة عصا، تنقلب عقرباً أكبر من عظم علمه بأنها تنقلب حية، وإن كان انقلابها حية أعظم في التحقيق. وإنما الشماهدة لها أثر في تعظيم الشيء في النفس. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) الزخرف: 48. (¬2) قال الزمخشري: "الغرض بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر لا يكون يتفاوتن فيه. وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير أن تختلف آراء الناس في تفصيلها". الكشاف 3/ 491.

[إملاء 64] [معنى التوقع في قوله تعالى: {فلعلك تارك}]

[إملاء 64] [معنى التوقع في قوله تعالى: {فلعلك تارك}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك} (¬1): ألفاظ التوقع إذا وردت من الله تعالى فهي محمولة على التوقع من المخاطب كقوله تعالى: {لعله يتذكر} (¬2)، بمعنى: اذهبا على توقعكما ذلك. وقوله: فلعلك تارك، بمعنى: أن التوقع منك للترك حاصل لأجل هذه العلة والتعنت المذكور، وهو قولهك: {لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك} (¬3). والله أعلم بالصواب. [إملاء 65] [معنى قوله تعالى: "لو كنت أعلم الغيب"] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} (¬4): إن قيل: قد علم أنه لا يقع إلا ما أراده (¬5) الله تعالى: وما يريده الله تعالى متحقق في علمه لا يتيغر، فكيف يستقيم أن يفعل من علم الغيب ما لم يكن فاعلاً له لو لم يعلم؟. فالجواب: أن مما علمه الله تعالى وأراده أن الأفعال لا يقع من العالم بها في الغالب إلا ما هو نفع له غير مضر، فاستقام أن يقال: لو كنت أعلم بالغيب، لأنه كان يكون المقدر من أفعاله أكثرها ما هو خير له، فكأنه قيل: لو كنت أعلم الغيب لكان الواقع مني من الأفعال أكثرها خير لي (¬6). والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) هود: 12. (¬2) هود: 12. (¬3) في س: أراد. (¬4) طه: 44. (¬5) الأعراف: 188. (¬6) المتكلم هو الرسول عليه السلام. وفي معنى الآية أقوال: منها: لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني قبل أن يعرفنيه لفعلته. ومنها: لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب. ومنها: لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح. انظر القرطبي 7/ 336، إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس 1/ 655، معاني القرآن للفراء 1/ 400.

[إملاء 66] [وضع الظاهر بدلا من الضمير في قوله تعالى: {ثم استخرجها من وعاء أخيه}]

[إملاء 66] [وضع الظاهر بدلا من الضمير في قوله تعالى: {ثم استخرجها من وعاء أخيه}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله تعالى: {ثم استخرجها من وعاء أخيه} (¬1): إنما حسن إظهار الوعاء وكان القياس أن يقول: ثم استخرجها منه، لتقدم ذكره، لأنه لو قيل: ثم استخرجها منه، لأوهم أن يكون الضمير للأخ نفسه فيصير كأن الأخ كان مباشراً بطلب خروج الوعاء، ولم يكن الأمر كذلك، لما في المباشرة من الأذى الذي تأباه النفوس الأبية، فأعيد بلفظ الظاهر لنفي هذا التوهم. وإنما لم يضمر الأخ فيقال: ثم استخرجها من وعائه، لأمرين: أحدهما: أن ضمير الفاعل في (استخرجها) ليوسف عليه السلام. فلو قال: من وعائه، لتوهم أنه ليوسف، لأنه أقرب مذكور، فأظهر دفعاً لذلك. الثاني: أن الأخ مذكور مضافاً إليه، ولم يذكر (¬2) فيما تقدم مقصوداً بالنسبة الإخبارية. فلما احتيج إلى إعادة ما أضيف إليه أظهر أيضاً. والله أعلم بالصواب. [إملاء 67] [عود الضمير في قوله تعالى: {وإن كنتم من قبله لمن الضالين}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة سبع عشرة على قوله تعالى: {واذكروه كما ¬

_ (¬1) يوسف: 76. (¬2) في د: يذكره. والأصوب ما أثبتناه.

[إملاء 68] [وجه دخول أن المخففة على "ليس" و"عسى"]

هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين} (¬1): الأحسن أن يكون الضمير في قوله: من قبله، يعود على الهدى (¬2)، لما دل عليه قوله: هداكم. الكاف نعت لمصدر محذوف، أي: ذكرا مثل ما هداكم (¬3)، وإن كان الفاعلان خاصين باعتبار أمر عام اشتركا فيه وهو الاحسان، كأنه قيل: أحسنوا كما أحسن إليكم، مثل قوله: {وأحسن كما أحسن الله إليك} (¬4) إلا أنه عدل عن العام الى الخاص لقصد تفهيم خوصوصية المطلوب، وتنبيها على خصوصية السبب. والله أعلم بالصواب. [إملاء 68] [وجه دخول أن المخففة على "ليس" و"عسى"] وقال أيضا ممليا بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} (¬5). {وأن عسى أن يكون قد أقترب أجلهم} (¬6): (أن) في الموضعين مخففة من الثقيلة. ولا يجوز التعويض فيها، وإن كانت إنما دخلت على الفعل، لأمور: أحدها: أ، هـ لا يصح دخول حرف التعويض عليها بوجه ما، فلم يجز إدخالها عليها ههنا. أما امتناع السين وسوف ولا فلأنها حروف استقبل وهذه ماضية. وأما امتناع "قد" في "ليس" فلأنها لتقريب الماضي من الحال، و"ليس" لنفس الحال، ولأن معناها الاثبات، و"ليس" نفي، فكانا متضادين. فإن قلت: فقد قالوا: قد انتفى الشيء، ¬

_ (¬1) البقرة: 198. (¬2) قاله ابن عطية. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1/ 560. (¬3) نص عليه النحاس. إعراب القرآن 1/ 247. (¬4) القصص: 77. (¬5) النجم: 39. (¬6) الأعراف: 185.

فأدخلوها على فعل معناه نفي. قلت: الجملة في "ليس" في المعنى هي الجملة الاسمية والمقصود منها نفي الخبر بها عن المبتدأ، وليست مقصودة في الحقيقة بالإخبار بها وبفاعلها. ألا ترى أنك لو قلت: ليس زيد، لم يكن كلاما. فلو دخلت "قد" على هذه الجملة لوجب أن يتحقق نفس ما هو المقصود بالانتفاء وهو الخبر، فتصير نافيا مثبتا. وأما: قد انتفى الشيء، فليس من ذاك. ألا ترى أن قولك: انتفى الشيء كلام مستقيم، فإذا قلت: قد انتفى، فإنما أردت تحقيق ذلك الفعل الذي معناه نفي، فظهر الفرق بينهما. وأما امنتاع "قد" على "عسى" فلأنها لتقريب الماضي من الحال، و"عسى" لا تكون إلا لتقريب في المستقيل، فكانا متضادين، ولأنها تقرب ما لو لم تدخل عليه لكان معناه محتملا في الزمان القرب والبعد. ولا دلالة لعسى على الزمان، فلا معنى لدخول "قد" عليها، ولأن المقصود الحملة الاسمية، فالخبر في الحقيقة هو خبر المبتدأ، ولا معنى لدخول "قد" إلا تحقيق الخبر؛ فلا دخول له على خبر المبتدأ (¬1). فإن قلت: فقد استقلت "عسى" مع فاعلها كلاما في قولك: عسى أن يقوم زيد، فمقتضى هذا التعليل أن تدخل "قد". قلت: ليس المقصود أيضا بالخبر ههنا إلا بالجملة الواقعة بعد عسى. وهي وإن كانت في صورة الفعلية فالمعنى فيها على الاسمية، والمعنى فيها كمعنى: عسى زيد أن يقومٍ، سواء. والمقصود: زيد يقوم. فالأصل: عسى زيد يقوم، فلما التزموا دخول "أن" لمعنى اقتضاها قدموا تارة الفعل على الاسم ليصح دخول "أن" عليه، فقالوا: عسى أن يقوم زيد، وبقوها تارة أخرى على نظمها الأصلي، وأدخوا "أن" على الفعل مؤخرا، فقالوا: عسى زيد أن يقوم، فصارحكم: عسى أن يقوم، وعسى أن يقوم زيد، سواء. الثاني: ولو سلم صحة دخول حرف التعويض على هذه ¬

_ (¬1) ولا معنى لدخول .... خبر المبتدأ: سقطت هذه العبارة من م.

[إملاء 69] [إعراب "ما" في قوله تعالى: {فقليلا ما يؤمنون}]

الأفعال في غير هذا الموضع لم يلزم في هذا الموضع، وذلك أن دخولها إنما كان للفرق بين المصدرية والمخففة. ولا تلبس هذه بالمصدرية لأنها لا تدخل عليها، وإنما امتنع دخولها عليها لأمرين: أحدهما: أنها إنما تدخل على ما يخبر عنه في التحقيق أو يخبر به، وهي في الحقيقة ليست مقصودة بالإخبار عنها ولا بها. ألا ترى أن قولك: يعجبني أن تقوم، المقصود الإخبار عن القيام بالإعجاب. وإذا قلت: عسى زيد أن يقوم، فالمقصود الإخبار عن زيد بالقيام. وإنما دخلت "عسى" لتقريب المرجو كدخول لعل. الثاني: أن المصدرية إنما تدخل في موضع يسبك الفعل معها إلى مصدر (¬1) وليست لهذه مصادر تسبك إليها. الأمر الثالث من الأول: أن هذه الأفعال غير متصرفة لتضمنها معنى الحروف في التحقيق، فأجريت مجرى الحروف في امتناع دخول الأفعال كامتناع دخولها على الحروف. والذي يحقق قربها من الحروف اختلاف العلماء في كونها من باب الحروف (¬2). والله أعلم بالصواب. [إملاء 69] [إعراب "ما" في قوله تعالى: {فقليلا ما يؤمنون}] وقال أيضا ممليا على قوله تعالى: {فقليلا ما يؤمنون} (¬3): يحتمل وجوها: أحدها أن تكون (ما) زائدة، أي: يؤمنون قليلا (¬4). ¬

_ (¬1) في د، م: مصدره. (¬2) قال الرضي: "وزعم الزجاج أن عسى حرف لما رأى من عدم تصرفه وكونه بمعنى لعل، واتصال ضمير المرفوع به يدفع ذلك". شرح الكافية 2/ 302. أما ليس فقال الرضي: "والأولى الحكم بفعليته لدلالة اتصال الضمائر به عليها، وهي لا تتصل بغير صريح الفعل إلا نادرا" شرح الكافية 2/ 296. (¬3) البقرة: 88. (¬4) نص عليه الزمخشري. الكشاف 1/ 295.

معنى القلة ههنا النفي على مذهب قول العرب: قل ما يقول ذاك، أي: ما يقوله. ولذلك امتنع: قل سيرى حتى أدخلها- بالرفع، ووجب النصب، كما امتنع الرفع في قولك: ما سرت حتى أدخلها، ووجب النصب، الثاني: أن تكون في مثل قولك: اضربه ضربا ما، للتقليل بعد التقليل، والوجه في الإعراب كما تقدم سواء. الوجه الثالث: أن تكون (ما) نافية، و (قليلا) إما وصف لمصدر (¬1) وأما وصف لظرف، وفيه ضعف من حيث إن ما بعد "ما" لا يعمل فيما قبلها وهو في المصدر أضعف منه في الظرف. ويضعف أيضا في الظرف من حيث أنه أنضم إليه حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، كما ضعف: سير عليه طويل، لما انضم إلى حذف الموصوف جعله في موضع الفاعل، ولم يضعف: سير عليه طويلا، ولا: سير عليه زمان طويل، لما لم يكن في واحدة منها إلا أحدهما. ووجهه أنها تشبه بلن حتى لا يفرق بينها وبين لن (¬2) بالفعلية فيقال: حرف نفي لا يغير معنى الخبر، فجاز أن تقدم عليه معمول ما بعده قياسا على لن (¬3) في قولك زيدا لن (¬4) أضرب. وإذا تقدم معمول ما بعد لن (¬5) وهي عاملة فيه كان معمول "ما" أجدر، إذا لا عمل لها فيه. ويجوز أن يكون (قليلا) حالا من فعل محذوف دل عليه ما قبله، كأنه قيل: بل لعنهم الله بكفرهم فابعدوا أو فأخزوا أو نحوه في حال كونهم قليلا ¬

_ (¬1) وهو مذهب الزجاج. إعراب القرآن 1/ 295. (¬2) في الأصل وفي م: أن. وما أثبتناه من النسخ الأخرى وهو الصواب. (¬3) في الأصل وفي م: أن. وهو خطأ. (¬4) في الأصل وفي م: أن. وهو خطأ. (¬5) في الأصل وفي م: أن. وهو خطأ.

[إملاء 70] [مسألة في "إذ"]

إيمانهم. وهذا الوجه أقعد في المعنى، وما علمت أحد قاله. والله أعلم بالصواب. [إملاء 70] [مسألة في "إذ"] وقال أيضا بالقاهرة سنة خمس عشرة وستمائة على قوله تعالى: {وإذ لم يهتدوا به فسيقولون} (¬1): قال: "إذا" في أصل وضعها للماضي، فكيف يستقيم أن تكون ظرفا ل (سيقولون) مع كونه مستقبلا في قوله تعالى: {وإذ لم يهتدوا به فسيقولون}. لأنه يصير المعنى: أنه يقول في المستقبل في زمان قد مضى وذلك مستحيل؟. فالجواب من أوجه: أحدها: أن يقدر متعلق يتعلق به (إذ) فيكون التقدير: وإذ لم يهتدوا به جحدوا أو كفروا أو ما أشبهه. ثم استؤنف ذكر ما يوقعونه في المستقبل. وأتى بالفاء إيذاننا بأنه مسبب عما قدر متعلقا لإذ. الثان: أن "إذ" وإن كانت لما مضى، فما ذكر بعدها مستمر، فصار فيها شائبتان: شائبة تقتضي المضي لوقوع ذلك، وشائبة تقتضي الاستقبال لا ستمراه، فعبر بإذ باعتبار المضي لتحققه، وعلق (فسيقولون) باعتبار استمراره لأنه مستقبل في المعنى. الثالث: أن تكون متضمنة معنى الشرط بدليل دخول الفاء بعدها (¬2)، وكونها في معنى إذا، وذلك إنما يكون للشروط (¬3)، فكأانه المعنى: إذا لم يهتدوا به ... ¬

_ (¬1) الأحقاف: 11. (¬2) قال الرضي: "لأنه لا يطرأ عليها معنى الشرط كما في إذا، لأن جميع أسماء الشرط متضمنة لمعنى إن، وإن للشرط في المستقبل، وإذ موضوعة للماضي فتنافيا". شرح الكافية 2/ 115. (¬3) في س: الشرط. والصواب ما أثبتناه.

[إملاء 71] [معنى قوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى}]

فسيقولون، وحسن التعبير بإذ دلالة بها على تحيقق ذلك لأنها في أصل وضعها لتحقيق الشيء لكونها للماضي، وكذلك وقوله: {فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة} (¬1)، وتقدر الوجوه كلها كما قدرت فيما تقدم (¬2). والله أعم بالصواب. [إملاء 71] [معنى قوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى}] وقال أيضا ممليا بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى} (¬3): يجوز أن يكون: وليس الذكر مثل هذه الأنثى، فتكون الألف واللام في (الأنثى) للمعهود السابق، وتكون الألف واللام في (الذكر) للمعهود الذهني. الثاني: أن المراد نفي التسوية بينهما، فلا فرق بين تقديم الذكر أو تقديم الأنثى. ولذلك قال تعالى: {ليسوا سواء} (¬4). وإذا كان المعنى على ذلك، فلا فرق في التقديم والتأخير لصحة الإتيان بهم جميعا بلفظ الجمع. وكل ما صح فيه لفظ الجمع صح في مفرداته التقديم والتأخير. الثالث: أن يكون المعنى على الرد لمن قال: الذكر كالأنثى. فجوابه أن يقال: ليس الذكر كالأنثى، وكان ذلك المقدر على طريقة من يأخذ الأعلى فيجعله المشبه عند قصد التسوية قصدا للمبالغة، فجاء الرد على نحو ما قدر. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) المجادلة: 13. (¬2) وهناك وجه آخر في الآية المتقدمة ذكره ابن هشام وهو أن تكون (إذ) للتعليل. انظر مغنى اللبيب 1/ 82 (محيي الدين). (¬3) آل عمران: 36. (¬4) آل عمران: 113.

[إملاء 72] [إعادة الظاهر بدلا من الضمير في قوله تعالى: {استطعما أهلها}]

[إملاء 72] [إعادة الظاهر بدلا من الضمير في قوله تعالى: {استطعما أهلها}] وقال أيضا ممليا بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله تعالى: {حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} (¬1): إنما أعاد (الأهل) بلفظ الظاهر لأحد أمرين: أحدهما: أن (استطعم) صفة لقرية، فلا بد من ضمير يعود من الصفة الجملية إليها. ولا يمكن عوده إلا كذلك لأنه لو قيل: استطعماهم لكان الضمير لغيرها. ولو قيل: استطعما ها لكان على التجوز، إذ القرية لا تستطعم حقيقة. فلما لم يكن بد من ذكر الصمير العائد إلى القرية ولا يمكن ذكره إلا وهو مضاف إليه إلا بذكر المضاف، ولا يمكن ذكر المضاف مضمرا لتعذر إضافة المضمر، تعين ذكره ظاهرا. ولا يرد عليه أن (استطعما) جواب لإذا لا صفة لقرية، لأنا نقول: الظاهر أنه صفة لقرية، وأن (قال) هو جواب (إذا) لقوله في القصة الأخرى: {حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال} (¬2). فـ (قال) ههنا جواب (إذا) متعين. ولا يستقيم أن يكون (فقتله) جوابه، إذ الماضي الواقع في جواب "إذا" لا يكون بالفاء، فتعن فيه (قال). وإذا كان كذلك فالظاخر أن القصة الأخرى على هذا النمط في أن (قال) هو الجواب لأنها سيقت سياقا واحد. والثاني: أن الأهل لو أضمر لكن مدلوله مدلول الأول، وملوم أن مدلول الأول جميع الأهل. ألا ترى إذا قلت: أيت أهل قرية كذا، إنما تعني وصلت إليهم، فلا خصوصية لبعضهم دون بعض. والاستطعام في العادة إنما يكون لمن يلي النازل بهم منهم، وهم بعضهم، فوجب أن يقال: استطعما أهلها، لئلا يفهم أنهم استطعموا جميع الأهل وليس كذلك. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) الكهف: 77. (¬2) الكهف: 74.

[إملاء 73] [دخول إن الشرطية على الماضي]

[إملاء 73] [دخول إن الشرطية على الماضي] وقال أيضا ممليا بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {إن كان قميصه قد من قبل فصدقت} (¬1). وكذلك قوله تعالى: {إن كنت قلته فقد علمته} (¬2). وكذلك قول الشاعر: أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا ... جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم (¬3) الصحيح أن (إن) الشرطية إذا دخلت على الماضي قلبته مستقبلا. فأما قوله: (إن كان قميصه)، فلأن (كان) بمعنى: ثبت، فكأنه قيل: إن ثبت أن قميصه. وثبوت الشيء لا يلزم منه ألا يكون قبل ذلك ثابتا، فهي على بابها في الاستقبال، لأن المعنى: إن يثبت هذا في المستقبل فهي صادقة. وبهذا التأويل أول قوله: إن أذنا قتيبة حزتا، على أن القدير: إن كانت أذنا قتيبة حزتا. وقد ثبت حذف "كان" الناقصة مع الشرط كثيرا، كقولهم: إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ونظائره كثيرة. وأما إن جعلت إن بمعنى إذ (¬4) فلا تحتاج إلى جوب. ¬

_ (¬1) يوسف: 26. (¬2) المائدة: 116. (¬3) البيت من الطويل وهو للفرزدق. انظر شرح ديوانه ص 855 (تعليق عبد الله الصاوي). وهو من شواهد سيبويه 3/ 161، والكامل 1/ 284، والرضى 2/ 264، ومعنى اللبيب 1/ 22 (دمشق). وقتيبة: هو قتيبة بن مسلم الباهلي، وابن خازم: هو عبد الله بن خازم أمير خراسان من قبل عبد الله بن الزبير. والشاهد فيه كسر همزة "إن" وحملها على معنى الشرط. (¬4) قال ابن هشام: "وزعم الكوفيون أنها تكون بمعنى إذ". المغنى 1/ 22 (دمشق).

[إملاء 74] [مسألة في الوقف والجواب عنها]

وأما قوله تعالى: {إن كنت قلته}، فعلى معنى: إن ثبت أيضا. ولا يقدح أن يقال: إنه عالم بثبوته وعدم ثبوته، فلا يصح فيه "إن" لأنها إنما تدخل على الأشياء المشكوك فيها. فالجواب: أن هذا لازم أيضا وإن لم تكن بمعنى: ثبت، فإن كونه قاله أو لم يقله أمر يعلمه فلا تدخل "إن" عليه. فما أجوبوا به أجبنا به. والجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن أمر القيامة عظيم هائل يذهل فيه العالم عن علمه. ألا ترى إلى قوله: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} (¬1) والثاني وهو الظاهر: أنه خرج مخرج الإنكار على وجه الأدب، فإن العظيم يخاطب في الإنكار بصيغة الشرط. يقال للملك إذا قال: هل فعلت كذا لشيء ينكره: إن كنت فعلته فقد نقل إليك، على معنى: أني لم أفعله، فكذلك الآية. والله أعلم بالصواب. [إملاء 74] [مسألة في الوقف والجواب عنها] وقال أيضا بدمشق سنة تسع عشرة ممليا على قوله تعالى: {كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} (¬2). سئل عن هذه الآية هو وغيره من المشايخ بدمشق. فقيل: هل يجوز الوقف على قوله: ويبقى، والابتداء بما بعده؟ وفي الوقف على قوله: فان؟. وفيمن قال: إنما الوقف على قوله: ويبقى، دون قوله: فان؟. فأجاب وقال: لا ينبغي الوقف على قوله: ويبقى، تعمدا، لأنه يلزم أن يكون فيه ضمير فاعل، وهو غير سائغ أو مستبعد. لأنك إن جعلت الضمير مفسرا بما بعده كان غير ¬

_ (¬1) المائدة: 109. (¬2) الرحمن: 26، 27.

سائغ في مثله (¬1). وإن جعلته راجعا إلى ما تقدم من {ربكما} (¬2) أو {رب المشرقين} (¬3) أو {الرحمن} (¬4) أدى إلى إضمار فاعل لم يحتج إليه، وإخراج ما هو الأولى به من الظاهر بعده إلى أمر آخر بعيد، وكلاهما بعيد. وأما الوقوف على قوله تعالى: {فان}، فتام (¬5)، لأن ما بعده لا يتوقف إيراده على ما قبله، ولا أثر لواو العطف في الجمل في ذلك. ولا يصح تعليل التمام بكونه رأس آية، ولا بكونه تستقل به الجملة، ولا بهما. فإن قوله: {رب العالمين} (¬6) رأس آية باتفاق، وليس بتام باتفاق. وقوله: {الحمد لله} (¬7) تستقل الجملة بقوله: لله، وليس بتام ولا كاف (¬8) باتفاق. وأما من قال: إنما الوقف على قوله تعالى: {ويبقى} دون {فان}، فجاهل. ولو سلم له الوقف على (ويبقى) لم يمتنع الوقف على (فان)، ويكون حينئذ وقفا كافيا، ولا يكون الضمير العائد على ما قبله في (ويبقى) مانعا من الوقف عليه. هذا ما كتبه مجيبا به. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) لأن هذا ليس من الأبواب التي يكون فيها مفسر الضمير مؤخرا. انظر هذه المسألة في شرح شذور الذهب ص 136 (تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد). (¬2) الرحمن: 13. (¬3) الرحمن:17. (¬4) الرحمن: 1. (¬5) الوقف التام: أكثر ما يكون في رؤوس الآي واقضاء القصص. انظر النشر في القراءات العشر 1/ 226. (¬6) الفاتحة: 1. (¬7) الفاتحة:1. (¬8) والوقف الكافي: يكثر في الفواصل وغيرها. والذي بعده كلام مستغن عما قبله لفظا وإن اتصل معنى. انظر النشر في القراءات العشر 1/ 226.

[إملاء 75] [مجيء الجملة الاستفهامية للتعظيم]

[إملاء 75] [مجيء الجملة الاستفهامية للتعظيم] وقال أيضا ممليا بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {القارعة. ما القارعة. وما أدراك ما القارعة} (¬1). وشبهه: يقال: دريت بكذا ودريت كذا، أي: علمته. وتدخل الهمزة المتعدى فتقول: أدريته كذا وبكذا. فالمفعول الثاني غير المفعول الأول كمفعولي عرفت زيدا كذا بكذا. ولما كان ذلك من باب العلم، جاء المفعول الثاني تارة مفردا وجملة استفهامية أخرى، كما يجيء الثاني في عرفت والأول [في] (¬2) عرفت، وكذلك علمت وأعلمت. تقول: عرفت زيدا من أبوه؟ وأعلمت زيدا أي الناس هو؟ فلذلك (¬3) جاء (¬4) أيضا: أدريته أي الناس هو؟ ومنه: {وما أدراك ما القارعة} (¬5). ومجيء الجملة الاستفهامية في هذه المحال لتعظيم ذكر القضية وأنها من الا جمال بمكان حتى استحقت السؤال عنها بالجملة الا ستفهامية، وإلا فلا استفهام على التحقيق. وإنما المعنى على أن ذلك المسؤول عنه بهذه الجملة معلم، ولذلك قيل: كل ما في القرآن من (وما أدراك) فقد أعلم بمفعوله. وأما "ما" التي قبل "أدراك" فمجيئها أيضا لتعظيم شأن الإعلام وأنه من التعظيم والاجمال بمكان حتى استحق أن سأل عنه بالجمل الاستفهامية. وأما ¬

_ (¬1) القارعة: 1،2،3. (¬2) زيادة من ب، د، س. (¬3) في س: فكذلك. والصواب ما أثبته لأن المقصود التعليل. (¬4) في م: جاز. وهو تحريف. (¬5) القارعة: 3.

[إملاء 76] [وجه رفع "الأبواب" في قوله تعالى: مفتحة لهم الأبواب]

ما في القرآن من قوله: {وما يدريك} فقد قيل: إنه لم يدر به. والله أعلم بالصواب. [إملاء 76] [وجه رفع "الأبواب" في قوله تعالى: مفتحة لهم الأبواب] وقال أيضا ممليا بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} (¬1): في رفع (الأبواب) وجهان: أن يكون في (مفتحة) ضمير الجنات، ويكون التأنيت تأنيث الجماعة، كما تقول: جنات مفتحة، وتكون الأبواب بدلا من الضمي (¬2)، بدل الاشتمال، كما تقول: فتحت الجنات أبوابها، والأبواب منها، فحذف الضمير للعلم به، كما تقول: ضرب زيد الرأس والظهر (¬3). والثاني: أن لا يكون في (مفتحة) ضمير، فتكون الأبواب مرتفعة بها ارتفاع ما لم يسم فاعله بما أسند إليه. وقد ضعف أبو علي وغيره هذا الوجه من حيث إن شرط إعمال الصفات أن تكون في السبب دون الأجنبي، فلا بد من ضمير يعود على الأول ولا ضمير (¬4)، فإن قيل: الضمير محذوف، والتقدير: مفتحة الأبواب منها، كان مثل قولك: مررت برجل حسن الوجه. وهو ضعيف. فإن قيل: إن الألف واللام قامت مقام الضمير (¬5) كان أيضا مثل قولك: مررت برجل ¬

_ (¬1) ص: 50. (¬2) أجازه الزمخشري، الكشاف 3/ 378. والزجاج، إعراب القرآن 1/ 323. (¬3) قال سيبويه. "وإن شئت كان على الاسم بمنزلة أجمعين توكيدا. وإن شئت نصبت، تقول: ضرب زيد الظهر والبطن، والعامل فيه الفعل" 1/ 159. (¬4) انظر ما قاله أبو علي في هذه المسألة في كتاب إعراب القرآن للزجاج 1/ 322، 323، 423، وذكر الزجاج أن كلامه هذا قاله في كتابه (الإغفال). (¬5) نقل الزجاج هذا القول عن الكوفيين. إعراب القرآن 1/ 323.

[إملاء 77] [إعادة الظاهر بدلا من الضمير في قوله تعالى: {وكانت الجبال كثيبا مهيلا}]

حسن الوجه، ولو كانت الألف واللام تقوم مقام الضمير لم يكن ضعيفا. ولا يحسن أن يقال: لو كانت الألف واللام عوضا عن الضمير لجاز: مررت بامرأة حسنة وجهها، كما جاز مررت بامرأة حسنة الوجه، لأنا نقول به على مذهب سيبويه (¬1)، وإنما يقول هذا من يرى امتناع المسألة. والله أعلم بالصواب. [إملاء 77] [إعادة الظاهر بدلا من الضمير في قوله تعالى: {وكانت الجبال كثيبا مهيلا}] وقال أيضا ممليا بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا} (¬2): إنما أعيد لفظ الجبال، والقياس الإضمار، لتقدم ذكرها. فقال: هذا مثل ما ذكرناه في قوله في (آلم السجدة) في أحد الوجهين، وهو قوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار} (¬3)، وهو أن الآيتين سيقتا للتخويف والتنبيه على عظم الأمر، فإعادة الظاهر أبلغ. وأيضا لو لم تذكر الجبال لكان الضمير محتملا أن يعود على الأرض، فذكرت الجبال بظاهر دفعا لهذا الاحتمال. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1/ 199. (¬2) المزمل: 14. (¬3) السجدة: 20.

[إملاء 78] [جواب الشرط في قوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله}]

[إملاء 78] [جواب الشرط في قوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله}] وقال أيضا [بالقاهرة سنة اثنتي عشرة] (¬1) على قوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} (¬2): جواب الشرط (فقد صغت قلوبكما)، من حيث الإخبار، كقولهم: إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس. فالإكرام الذي ذكر شرطا سبب للإخبار بالإكرام الواقع من المتكلم أمس لا نفس ألإكرام، لأن ذلك غير مستقيم من وجهين: أحدهما: أن الإكرام الثاني سبب للأول يستقيم أن يكون مسببا. والثاني: أن ما في حيز الشرط في المعنى مستقبل، وهذا ماض محقق في المعنى. وعن الوجه الأول توهم كثير من المبتدئين أن جواب الشرط يكون مسببا ويكون سببا، وهو فاسد. ولو لصح أن يقال: إن تدخل النار كفرت بالله، وذلك معلوم البطلان. فإن قلت: فالاخبار بالإكرام الواقع أمس قد حصل قبل الشرط، وذلك غير مستقيم. فالجواب (¬3): أن المعنى على أن ذكر هذا الخبر بعد وقوع الشرط المسبب، وذلك يحصل بعد الشرط، والخبر سبب للذكر لمضمونه. فذكر السبب مستغنى به عن المسبب، ولذلك وجب في مثل هذه المواضع دخول الفاء. لو قلت: إن أكرمتني فأكرمتك، لم يجز. وعلى ما ذكرناه يحمل الجواب في الآية، أي: إن تتوبا إلى الله يكن سببا لذكر هذا الخبر، وهو قوله: فقد صغت قلوبكما. فإن قلت: الآية سيقت في التحريض على التوبة، فكيف تجعل سببا ¬

_ (¬1) زيادة من هامش الأصل، ورقة 42. (¬2) التحريم: 4. (¬3) في د: والجواب. والصواب ما أثبته، لأنه جواب شرط واجب الاقتران بالفاء.

[إملاء 79] [العدول عن المطلوب إلى مسببه وسببه]

لذكر الذنب؟ قلت: ذكر الذنب متوبا منه لا ينافي التحريض على التوبة ولا سيما إن كان الذنب مشهورا، فيصير المعنى في الآية: إن تتوبا إلى الله يعلم براءتكما من إثم هذا الصغو، لأن الخبر بالصغو سبب لذكره، وذكره متوبا منه سبب للعلم ببراءتهم من إثمه، فاستغني بسبب السبب. ولو قيل: إن جواب الشرط في الآية محذوف للعلم به (¬1). أي: إن تتوبا إلى الله يمح إثمكما أو يعف عنكما، ثم قيل: فقد صغت قلوبكما، جوابا لتقدير سؤال سائل عن سبب التوبة الماحية. فإن قلت: كان يلزم على ذلك أن يقال: فقذ صغت قلوبهما. قلت: إذا كان الجواب في التحقيق حاصلا فلا فرق بين الأمرين في ذلك، وهو كذلك أحسن هنا، لأن ما ذكرناه أمر تقديري. ألا ترى أنك لو قلت: أنا أحسن إليك لأنك أحسنت إلي، كان أحسن من: لأنه أحسن إلي، لأنه رجوع إلى خطاب من لم يذكر عن مخاطب مذكور. والله أعلم بالصواب. [إملاء 79] [العدول عن المطلوب إلى مسببه وسببه] وقال أيضا بدمشق سنة ثماني عشرة ممليا على قوله تعالى: {وليجدوا فيكم غلظة} (¬2): المأمور في الحقيقة هم المخاطبون، والمأمور به الغلظة، وإن كان في الفظ للكفار، والمأمور به وجدانهم ذلك. ووجهه أن العرب تعدل عن المطلوب تارة الى مسببه لأنه المقصود، وتارة الى سببه تنبيها للمأمرو على ¬

_ (¬1) قال أبو البقاء: "جواب الشرط محذوف تقديره: فذلك واجب عليكما أو يتب الله عليكما، ودل على المحذوف (فقد صغت) لأن إصغاء القلب إلى ذلك ذنب". إملاء ما من به الرحمن 2/ 264. (¬2) التوبة: 123.

[إملاء 80] [الاستثناء في قوله تعالى: {ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك}]

تحصيل المطلوب بسببه. وإذا عدلت إلى ذلك أتت بالفعل الذي المسبب والسبب على صيغة الفعل المطلوب منسوبا الى فاعل ذلك الفعل فيصير في اللفظ كأنه المطلوب، وفاعله كأنه المطلوب منه، والمعنى على ما تقدم. فمن الأول: قوله تعالى: {وليجدوا فيكم غلظة} (¬1) لما كان المقصود من الأمر بالغلظة إنما هو وجدان العدو ذلك منهم، لا لأنها مطلوبة في نفسها عدل عنها الى مسببها المقصود بها وهو الوجدان، وذكر على صيغة الفعل المطلوب ونسب الى فاعله وهم الكفار عل ما تقدم. ومن الثاني: قوله: {لا يفتننكم الشيطان} (¬2). فالمطلوب في الحقيقة هو اجتناب الآثام، ولكنه لما كان سبب الاجتناب اجنتاب فتنة الشيطان عدل اليها عل لفظ المطلوبات ونسبت إلى الشيطان، فصار المطلوب في اللفظ اجتناب أن يجتنب الشيطان الفتنة وهو في لحقيقة لهم على ما تقدم من العدول عن المسبب إلى السبب. وهذا الباب أكثر من أن يحصى. والله أعلم بالصواب. [إملاء 80] [الاستثناء في قوله تعالى: {ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك}] وقال أيضا ممليا بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله تعالى: {ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} (¬3): أما الأول فاستثناء متصل من وجهين: أحدهما: أن المراد بـ (ما دامت السماوات والأرض) جميع الأزمان بعد البعث، فاستثني زمن إقامتهم في ¬

_ (¬1) التوبة: 123. (¬2) الأعراف: 27. (¬3) هود: 107.

[إملاء 81] [الاستثناء في قوله تعالى: {إلا وحيا أو من وراء حجاب}]

المحشر؛ فإنهم ليسوا في النار حينئذ. والثاني: أن يكون {الذين شقوا} (¬1) مرادا به المؤمن العاصي والكافر، فيكون (ما شاء ربك) استثناء، أما للمدة التي تكون بعد إخراج العصاة فإنهم ليسوا فيها حينئذ، وإما لمن يخرج، استعمالا لما بمعنى: من، ويكون استثناء (¬2) من (الذين شقوا) لا من (دامت). وأما الثاني فلا تظهر (¬3) استقامة الاتصال فيها إلا على الوجه الأول. ويضعف الانقطاع فيهما لأنه لا بد من تقدير خبر في المعنى. فإن جعلته اجنبيا عما تقدم ضعف لأن الاستثناء المنقطع لا يكون خبره أجنبيا. وإن جعلته من معنى ما قبله جاء معنى الاتصال، ولا حاجة إلى تقدير الانفصال مع تسويغ الاتصال، لأنه أظهر وأكثر. والله أعلم بالصواب. [إملاء 81] [الاستثناء في قوله تعالى: {إلا وحيا أو من وراء حجاب}] وقال أيضا ممليا بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا} (¬4): يجوز أن تكو (كان) ناقصة وتامة وزائدة. فإذا كانت ناقصة جاز أن يكون الخبر (لبشر) (¬5) فيكون (إلا وحيا) استثناء مفرغا من عموم الأحوال المقدرة في سياق النفي من الضمير في الخبر أو من اسم الله تعالى. كأنه قيل: ¬

_ (¬1) هود: 106. (¬2) في م: الاستثناء. (¬3) في الأصل. يظهر. وما أثبتناه من م، وهو الأحسن. (¬4) الشورى: 51. (¬5) في الأصل وفي م: للبشر. والصواب ما أثبتناه.

على حال من الأحوال إلا لى هذا الحال. فيكون (وحيا) بمعنى: ذا وحي، إما بمعنى: موحيا، وإما بمعنى: موحا. وقوله: {أو من وراء حجاب} متعلق بمحذوف، كأنه قيل: أو موصلا أو موصلا (¬1) ذلك من وراء حجاب. وقوله: أو يرسل، بالنصب (¬2)، عل معنى: أوذا إرسال، عطفا على قوله: وحيا (¬3). فلما حذف المضاف منهما وجاءت أن والفعل في موضع المصدر، جاز حذف "أن" كما جاز في قولك: أعجبني قعودك وتكرمني. ويجوز أن يكون (لبشر) غير مستقر، ويكون (إلا وحيا) هو الخبر استثناء مفرغا من عموم الاخبار المقدرة، كأن المعنى: ما كان التكليم إلا إيحاء أو إيصالا من وراء حجاب أو إرسالا، على أنه جعل ذلك تكليما على حذف مضاف، و (لبشر) على ذلك متعلق بما دل عليه (أن يكلمه). لأن المعنى: وما كان تكليم الله لبشر، ولكنه قدم لئلا يلي العوامل الداخلة على المبتدأ حرف (¬4)، ألا ترى إلى حسن قولك: ما يكون لي أن أفعل، ما لا يحسن: وما يكون أن أفعل ¬

_ (¬1) موصلا: سقتط من د، م. (¬2) وقراءة نافع وأهل المدينة بالرفع. البحر المحيط 7/ 527. (¬3) قال سيبويه: "وسألت الخليل عن قوله عز وجل: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء. فزعم أن النصب محمول عل أن سوى هذا التي قبلها. ولو كانت هذه الكلمة على أن هذه لم يكن للكلام وجه، ولكن لما قال: إلا وحيا أو من وراء حجاب، كان في معنى إلا أن يوحي، وكان أو يرسل فعلا لا يجري على إلا، فأحرى أن هذه، كأنه قال: إلا أن يوحي أو يرسل، لأنه لو قال: إلا وحيا وإلا أن يرسل، كان حسنا، وكان أن يرسل بمنزلة الإرسال فحملوه على أن، إذ لم يجز أن يقولوا: أو إلا يرسل، فكأنه قال: إلا وحيا أو أن يرسل". الكتاب 3/ 49. (¬4) في الأصل وفي ب: حرفا. والصواب ما أثبتناه لأنه فاعل.

لي. وإن كانت تامة كان الاستثناء مفرغا من الأحوال المقدرة على ما تقدم. أو يكون (وحيا) منصوبا على المصدر، أي: إلا حصول وحي، فيكون قوله: أو من وراء حجاب، إما على ذلك المعنى، وإما على تقدير: حاصلا، وإن لم يكن ما قبله حالا كما تقول: ما ضربته إلا تأديبا وقائما يوم الجمعة، وإن كان كل واحد منها مخالفا للآخر، كما تقول ذلك في الاثبات. ومثله قوله تعالى: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} (¬1)، لأن (أشد) لا يستقيم أن يكون معطوفا على الكاف، ولا على (ذكركم) ولا على موصوف الكاف، لأنه كان يجب أن يقال: أو أشد بالخفض. وإنما المعنى: اذكروا الله ذكرا مثل ذكركم آباءكم، أو مثل قوم أشد ذكرا. (فأشد ذكرا) حال (¬2) وقد عطف على المصدر كما ترى بتقدير جملة أخرى كالمتقدمة، أي: أو أذكروا الله مثل قوم أشد ذكرا، فحذفت لتقدم ما يدل عليها. وإن كانت زائدة كان مستثنى من عموم الأحوال المقدرة للضمير المستكن في قوله: لبشر، أو من المصادر المقدرة عن الاستقرار والحصول المتعلق به (لبشر) على المعنيين المتقدمين، أو من اسم الله تعالى عل المعاني المتقدمة. ويجوز أن يكون استثناء منقطعا، وليس بواضح إذ المفهوم من سياق الكلام بيان حصول التكليم من الله لبشر، ولأنه ل ينبغي أن يعدل إلى المنقطع إلا بعد تعذر المتصل. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) البقرة: 200. (¬2) انظر الإملاء (19) من هذا القسم. ص: 136.

[إملاء 82] [إعراب قوله تعالى: "أربعين ليلة"]

[إملاء 82] [إعراب قوله تعالى: "أربعين ليلة"] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين وستمائة على قوله تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} (¬1): يجوز أن يكون (أربعين) ظرفاً، لأن تمام الميقات فيها، ولذلك لو صرح بفي فقيل: تم (¬2) ميقات ربه في أربعين ليلة لكان مستقيماً. ويجوز أن يكون ظرفاً على معنى: آخر أربعين ليلة، فحذف المضاف للعلم به، إذ تمام مدة الشيء إنما تكون آخره. ويجوز أن ينتصب انتصاب المصدر، إما على معنى: أن الأربعين اسم للآخر كما تقول: هذا أربعون، والكراسة الأربعون. فلما كان هو التمام صح أن ينصب نصب لفظ التمام. وإما على حذف مضاف، أي: تمام أربعين. ويجوز أن يكون حالاً (¬3)، أي: تم في حال كونه بالغاً هذا العدد المخصوص، كما تقول: جاءني إخوتك ثلاثة، كما وصف به في قولك: مررت بنسوة أربع. ويجوز أن يكون مفعولاً بتم، كأن الميقات، وهو التوقيت، هو الذي أكمل الأربعين لما كان متعلقاً به. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) الأعراف: 142. (¬2) في م: فتم. (¬3) أجازه الزجاج في إعراب القرآن 1/ 45، والزمخشري في الكشاف 1/ 111، ومكي بن أبي طالب في مشكل إعراب القرآن ص 301.

[إملاء 83] [إعراب قوله تعالى: {زهرة الحياة}]

[إملاء 83] [إعراب قوله تعالى: {زهرة الحياة}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {زهرة الحياة الدنيا} (¬1): الأظهر أن يكون منصوباً بفعل مقدر دل عليه ما تقدم، أي: جعلنا لهم، أو آتيناهم ونحوه (¬2)، لأنه إذا متعهم بها فقد جعلها وأتاها، وليس في ذلك شيء من التعسف، لأن حذف الفعل لقيام قرينة سائغ واقع فصيح. ويجوز أن يكون الفعل "أعني" بياناً لما، أو للضمير في (به) أو (أزواجاً) وهو الذي يسمى نصباً على الاختصاص، كما تقول: هم العرب أقرى الناس للضيف، ولا تعسف فيه. ويجوز أن يكون بدلاً من (أزواجاً) على حذف مضاف (¬3)، أي: أهل زهرة الحياة الدنيا، ويكون بدل الكل من الكل على المبالغة، كأنه جعلهم الزهرة والزينة على الحقيقة. وجعله بدلا من (ما) ضعيف (¬4)، إذ لا يقال: مررت بزيد أخاك، أو من (به) أضعف، لأنه مثله وزيادة، للإبدال من المضمر العائد إلى الموصول فيزيده ضعفاً لأنه يصير من باب قولك: زيد رأيت غلامه رجلا صالحاً، وفي جوازها قولان. وجعله صفة لـ (أزواجاً) على حذف مضاف، أو إجراء لزهرة مجرى المصادر على معنى مزينين، ضعيف، لأنه يوجب حذف التنوين للالتقاء الساكنين وهو ضعيف، ويوجب أن تكون (الحياة الدنيا) بدلاً من (ما)، وهو خلاف الظاهر. ولذلك (¬5) جعله حالاً من (ما) أو من الضمير لا يجابه ¬

_ (¬1) طه: 131 (¬2) نص عليه الزمخشري، الكشاف 2/ 559. وأبو البقاء، إملاء ما من به الرحمن 2/ 129. (¬3) ذكره أبو البقاء. إملاء ما من به الرحمن 2/ 129. (¬4) ذكره أبو البقاء. المصدر السابق. (¬5) في ن، د، س: وكذلك، والصواب ما أثبتناه، لأن المقصود التعليل.

[إملاء 84] [جواز البدل بتكرير لفظ الاستثناء]

ما تقدم بعينه من الضعف المتقدم (¬1). والله أعلم بالصواب. [إملاء 84] [جواز البدل بتكرير لفظ الاستثناء] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} (¬2): الاستثناء مفرغ من عموم الصفات المقدرة لورقة. أي: وما تسقط من ورقة إلا معلومة كقولهم: ما مررت بأحد إلا زيد خير منه. وقوله: {ولا حبة ولا رطب ولا يابس} معطوف على قوله (ورقة)، داخل في سياق النفي. و (إلا في كتاب مبين) بدل من قوله: {إلا يعلمها}، لأن ما يعلمه الله حاصل في كتاب. فتقديره: إلا حاصل، أو حصل في كتاب. ولا حاجة إلى أن يقدر مبتدأ محذوف، ألا ترى أنك إذا قلت: ما أنفقت درهماً إلا من كيس، لم يحتج إلا إلى متعلق الجار لا إلى مبتدأ. فوزانه وزان قولك: مررت برجل في الدار، فكما. لا يقدر مبتدأ في مثل هذه الصفة فكذلك الأخرى، لأنها مثلها. والبدل بتكرير لفظ الاستثناء سائغ، كقول الشاعر: مالك من شيخك إلا عمله ... إلا رسيمه وإلا رمله (¬3) ... والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) وذكر الفراء أنه منتصب على الحال، معاني القرآن 2/ 196. وقال القرطبي: "الأحسن أن ينتصب على الحال". الجامع لأحكام القرآن 11/ 261. (¬2) الأنعام: 59. وقبلها: "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض". (¬3) البيت من الرجز. وقد استشهد به سيبويه ولم يذكر قائله، الكتاب 2/ 341. وهو من شواهد المقرب 1/ 170. وهمع الهوامع 1/ 227 (دار المعرفة للطباعة والنشر. بيروت). والشاهد تكرار "إلا" مرتين في قوله: إلا رسيمه، على البديلة. والشيخ هنا الجمل، والرسيم والرمل: ضربان من السير.

[إملاء 85] [الخلاف بين النحويين في: لا جرم]

[إملاء 85] [الخلاف بين النحويين في: لا جرم] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله تعالى: {لا جرم أن لهم النار} (¬1) وشبهه: للبصريين فيها قولان: أحدهما: أن (لا) في الأصل رد لما سبق (¬2)، وجرم بمعنى: كسب، مثل قوله: {لا يجرمنكم شقاقي} (¬3)، {ولا يجرمنكم شئتان قوم} (¬4)، وفي (جرم) ضمير فاعل، مستتر يعد على مضمون الجملة المتقدمة المردودة بلا، وأن وما عملت فيه مفعول بجرم، أي: كسب ما تقدم ذلك. والقول الثاني: أن (لا) رد أيضاً، و (جرم) بمعنى ثبت وحق (¬5)، وأن ما بعدها رفع على أنه فاعل بجرم، وكثرت على الوجهين جميعاً حتى صار كالتعليل في أن ما بعدها مسبب لما قبلها، فلذلك لا يوقف على (لا) ويبتدأ بجرم. وما توهمه بعض أصحاب الوقف من جواز الوقف على (لا) في مثل قوله: {أن لهم الحسنى لا} (¬6). ويبتدئ: جرم، إنما أوقعه فيه ما رآه من قول البصريين أن (لا) رد لما سبق، وجرم: جملة فعلية. ولم يتبين أن الشيء يكون له أصل في ¬

_ (¬1) النحل: 62. (¬2) وهو مذهب الخليل، قال سيبويه: "وزعم الخليل أن لا جرم إنما تكون جواباً لما قبلها من الكلام، يقول الرجل: كان كذا وكذا، وفعلوا كذا وكذا فتقول: لا جرم أنهم سيندمون أو أنه سيكون كذا وكذا" الكتاب 3/ 138. (¬3) هود: 89. (¬4) المائدة: 8. (¬5) وهو مذهب سيبويه، قال: "وأما قوله عز وجل: "لا جرم أن لهم النار" فإن جرم عملت فيها لأنها فعل، ومعناها: لقد حق أن لهم النار، ولقد استحق أن لهم النار". الكتاب 3/ 138. (¬6) النحل: 62.

[إملاء 86] [توجيه قراءة النصب في قوله تعالى: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم}]

الإعراب ثم يدخله معنى آخر لا يجوز الإخلال به. وللكوفيين قول ثالثك وهو أن (جرم) اسم مبني مع لا (¬1)، والمعنى: لابدّ، و (أن لهم النار) في موضع نصب أو خفض، مثلها في قولك: عجبت أنك قائم (¬2). والله أعلم بالصواب. [إملاء 86] [توجيه قراءة النصب في قوله تعالى: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله تعالى: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} (¬3): قرئ بالنصب في الشواذ (¬4). وأشبه ما يقال: إن (هؤلاء) مفعول، و (بناتي هن) مبتدأ وخبر، جيء به كالتفسير للمشار إليه، و (أطهر) حال من المشار إليه، معمول للفعل المقدر العامل في (هؤلاء). ويجوز أن يكون (هؤلاء) مبتدأ، و (بناتي) خبره، و (هن) بدل من (بناتي). أو (بناتي هن) مبتدأ وخبر عن الأول (¬5)، و (أطهر) حال من اسم الإشارة، والعامل فيه ما في اسم الإشارة من معنى الفعل، أي: أشير إليهن في حال كونهن أطهر لكم. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) أي: تكون لا نافية للجنس وجرم اسمها مبنى على الفتح. (¬2) فالخفض بمن مقدرة، وأما النصب فلا يظهر لي أن له وجهاً صحيحاً. (¬3) هود: 78. (¬4) وهي قراءة الحسن وعيسى بن عمرو. القرطبي 9/ 76. قال الزمخشري: "وعن أبي عمرو بن العلاء: من قرأ هن أطهر بالنصب فقد تربع في لحنه". الكشاف 2/ 283. (¬5) ذكره الزمخشري: الكشاف 2/ 283.

[إملاء 87] [جواب فعل الأمر "قل" في مثل قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}]

[إملاء 87] [جواب فعل الأمر "قل" في مثل قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}] وقال أيضاً مملياً على قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} (¬1): (يقيموا الصلاة) جواب قل، أي: قل لعبادي يقيموا. و {قل للمؤمنين يغضوا} (¬2)، {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} (¬3). وحذف ما يبين المقول استغناء بتفسير الجواب، أي: قل لهم: أقيموا، وقل لهم: غضوا، أي: قل لهم: ما يقتضي الإقامة وما يقتضي الغض. وما اعترض به على هذا القول من أن الإقامة والغض ليست بلازمة للقول ليس بشيء. فإن الجواب لا يقتضي الملازمة العقلية، وإنما يقتضي الغلبة وذلك حاصل، فإن أمر الشرع للمؤمن بإقامة الصلاة يقتضي إقامة الصلاة منه غالباً وذلك كاف. وما حكي عن أبي علي أنه قال: هو جواب (أقيموا) (¬4)، إن أراد به هذا المعنى فهو مستقيم، وفي العبارة تسامح، وإن أراد به أنه جواب لأقيموا على التحقيق كان فاسداً من وجهين: أحدهما: أنه يصير كقولك: اخرج تخرج، وهو فاسد لاتحاد السبب والمسبب. الثاني: أنه كان يجب أن يقال: أقيموا تقيموا، لأنه مقول للمخاطبين (¬5)، ولا يجوز أن يقال للمخاطبين: يقيموا. فإن قيل: نجعل (يقيموا) من قول الأمر فيندفع المحذور. فالجواب: أنه إذا قدر هذا التقدير واندفع هذا المحذور لزم محذور أعظم منه وهو أن يكون الأمر من كلام ¬

_ (¬1) إبراهيم: 31. (¬2) النور: 30. (¬3) الإسراء: 53. (¬4) ونقل العكبري ذلك عن المبرد. إملاء ما من به الرحمن 2/ 68. (¬5) في الأصل: المخاطبين. وما أثبتناه من د، م، وهو الصواب.

[إملاء 88] [موقع الجملة الواقعة بعد القول]

والجواب من كلام آخر. ألا ترى أنك إذا جعلته جواباً لأقيموا، فأقيموا: هو من قول المأمور، ويقيموا هو من قول الأمر، فقد صار الأمر والجواب من كلامين، وذلك فاسد (¬1). والله أعلم بالصواب. [إملاء 88] [موقع الجملة الواقعة بعد القول] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة اثنتين وعشرين: الجملة الواقعة بعد القول إذا بني لما لم يسم فاعله تقوم مقام الفاعل، ومنه قوله تعالى: {ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون} (¬2)، وإذا قيل لهم: الجملة المنهي عنها، وكذلك ما أشبهه. لأن القول يحكى بعده الجمل، وهي في موضع نصب بلا خلاف. إلا أنها هل (¬3) هي مصدر أو مفعول به؟، ينبني على أن القول هل يتعدى أولا يتعدى؟، وفيه قولان: فإن قلنا: يتعدى تعينت لقيامها مقام الفاعل إذا بني الفعل لما لم يسم فاعله. وإن قلنا: لا يتعدى كانت الجملة في موضع نصب بالمصدر (¬4). فإن كان ثم غيره من المفاعيل جاز أن يقام كل واحد منها مقام الفاعل، وإن لم يكن غيره تعين. فإن قيل: فالمصدر إذا أقيم مقام الفاعل لابد من وصفه، فكيف صح أن يقام هذا المصدر من غير وصف؟. فالجواب: أنه يتعين وصف المصدر المقام مقام الفاعل إذا وقع نكرة، أما إذا كان معرفة فقد حصل له من التخصيص ما هو أقوى من تخصيص الوصف. ألا ترى أنك إذا قلت: ضرب الضرب، وأنت ¬

_ (¬1) هذا وقد رجح ابن هشام قول الجمهور في أن الجزم في الآية الأولى بشرط مقدر بعد الطلب. المغني 1/ 249 (دمشق). (¬2) المطففين: 17. (¬3) هل: سقطت من س. (¬4) لقد سبق أن تكلم ابن الحاجب عن هذه المسألة. انظر ص: 191. وقال: إن الجملة بعد القول في موضع نصب على المصدر.

[إملاء 89] [عود الضمير في قوله تعالى: {وما هو بمزحزحه}]

تعني ضرباً معهوداً لم يحتج ذلك إلى وصف. وأما إذا قلت: ضرب ضرب، احتجت إلى أن تقول: حسن أو قوي أو ما أشبهه. والسر فيه أن قولك: ضرب، يفيد حصول ضرب، فإذا ذكرت ضرباً مطلقاً لم تكن أتيت بأمر زائد على ما دل عليه الفعل، فكأنك أسندت الشيء إلى نفسه من غير تعدد. وإذا وصفته فقد ذكرت ما لا يدل عليه الفعل، فحصلت فائدة الإسناد (¬1)، وإذا وقع معرفة كان بالصحة أولى. والله أعلم بالصواب. [إملاء 89] [عود الضمير في قوله تعالى: {وما هو بمزحزحه}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة تسع عشرة على قوله تعالى: {وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر} (¬2): يجوز أن يكون الضمير الذي هو (هو) ضمير الواد، و (بمزحزحه) الخبر، و (أن يعمر) فاعل بمزحزحه (¬3)، كقولك: ما زيد بقائم أبوه. ويجوز أن يقدر (أن يعمر) بدل اشتمال من الضمير، و (بمزحزحه) الخبر، ويضعف هذا الوجه من جهة الفصل بين البدل والمبدل منه. ويجوز أن يكون (أن يعمر) مبتدأ، و (يزحزحه) خبره، والجملة خبر (ما) أو خبر المبتدأ. وحسن دخول الباء لأن المعنى معنى النفي. ¬

_ (¬1) ومثل هذا قوله تعالى: "فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة" الحاقة: 13. (¬2) البقرة: 96 وقبلها: "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة". (¬3) قال الزمخشري: "والضمير في: وما هو، لأحدهم، و (أن يعمر) فاعل بمزحزحه، أي: وما أحدهم بمن يزحزحه من النار تعميره". الكشاف 1/ 298.

[إملاء 90] [إعراب قوله تعالى: "فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"]

ويجوز أن يكون الضمير في قوله: (هو) ضمير الوداد (¬1) دل عليه (يود) كقوله: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} (¬2)، هو: ضمير العدل. ويكون (بمزحزحه) الخبر، و (أن يعمر) مفعول من أجله، معمول لقوله (بمزحزحه)، لا بمعنى النفي لئلا يفسد المعنى. فيكون المعنى (¬3): وما وداده بمزحزحه من العذاب من أجل أن يعمر، رداً على من توهم أن الوداد بزحزح عن العذاب لأجل التعمير، فرد هذا المتوهم بإدخال حرف النفي عليه. ولو جعل معمولا للنفي لوجب أن يكون النفي معللا بالتعمير، وهو فاسد لأنه ليس بثابت. ثم لو كان ثابتاً لم يصح التعليل به لأن الانتفاء محقق على كل حال. ويجوز أن يكون الضمير ضمير التعمير، ويكون (أن يعمر) بدلا منه (¬4)، و (بمزحزحه) الخبر، وهو بدل الكل من الكل. ويجوز أن يكون الضمير (¬5) ضمير الشأن (¬6)، وما بعده مبتدأ وخبر تفسير له، في موضع الخبر لما، أو خبر المبتدأ على اللغتين. والله أعلم بالصواب. [إملاء 90] [إعراب قوله تعالى: "فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة تسع عشرة على قوله تعالى: "إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" (¬7): ¬

_ (¬1) في د: الواد. والصواب ما أثبتناه، لأن المقصود المصدر. (¬2) المائدة: 8. (¬3) فيكون المعنى: سقطت من م. (¬4) ذكره القرطبي 2/ 34. (¬5) الضمير: سقطت من م. (¬6) قال القرطبي: "وقالت طائفة هو ضمير الأمر والشأن". 2/ 34. (¬7) يونس: 49.

[إملاء 91] [إعراب قوله تعالى: "وليس بضارهم شيئا"]

(لا يستأخرون): جواب إذا. وصحة كونه جواباً واضح، لأنه قد يتوهم التأخير فنفي هذا المتوهم (¬1) كما نفي في قوله تعالى: {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها} (¬2). وأما قوله: {لا يستقدمون}، فالأولى أن يكون جملة معطوفة على الجملة الكبرى المركبة من الشرط ولاجزاء جميعا، ولذلك يحسن الوقف على قوله (¬3): ساعة، ويبتدئ: ولا يستقدمون، لأنه لا يتوهم متوهم تقديماً على الأجل عند مجيء الأجل فينفي، وإنما ينفي ما يتوهم أو يعتقد أو يظهن، وأما مثل هذا المعلوم ضرورة فيبعد أن يذكر منفيا في سياق هذا الشرط. ووجه من جعله في سياق الجواب أن يكون معنى (¬4) (إذا جاء أجلهم): إذا قدر وحقق، فيصح حينئذ تقدير توهم التقديم لأن الغرض فرض تقدير الأجل قبل حضور وقته، فيكون تقدير توهم التقديم كتقدير توهم التأخير، فجاز أن يشرك بينهما في الجواب بهذا المعنى. والله أعلم بالصواب. [إملاء 91] [إعراب قوله تعالى: "وليس بضارهم شيئا"] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة عشرين على قوله تعالى: "إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا" (¬5): في (ليس) ضمير هو اسمها يعود على الشيطان أو على الحزن الذي دل عليه (ليحزن)، و (بضارهم) في موضع نصب خبراً لليس، و (شيئاً) منصوب على ¬

_ (¬1) في م: التوهم. (¬2) المنافقون: 11. (¬3) قوله: سقطت من م. (¬4) في م: المعنى. وهو خطأ. (¬5) المجادلة: 10. وبعدها: "إلا بإذن الله".

[إملاء 92] [تعلق الجار بالنفي في قوله تعالى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}]

المصدر، لأن المعنى: شيئاً من الضرر، كما تقول: ما ضربته إلا شيئاً من الضرب، وهو أبلغ من قولك: ما ضربته ضرباً. وإذا كان بمعنى الضرب وجب أن ينتصب انتصابه، كما تقول: ضربته نوعاً من الضرب، وأي ضرب، وأيما ضرب، فينتصب انتصاب المصدر وإن خالفه في اللفظ. (إلا بإذن الله): استثناء مفرغ، لأنه من عام محذوف، أي: ليس بضارهم بأمر من الأمور إلا بإذن الله. ولا يستقيم أن يكون (شيئاً) خبراً و (بضارهم) في موضع نصب على الحال لأنه يثبت عكس المعنى المقصود، إذ المعنى المقصود: نفي كونه ضاراً، فيرجع إلى إثبات (¬1) كونه (¬2) ضاراً، لأن الحال حينئذ تكون مثبتة، فيصير الضرر مثبتاً. ثم لا يستقيم أن يكون من اسم (ليس) حال لأنه في معنى المبتدأ، ولا يكون من المبتدأ حال، ثم يبقى الاسثتناء غير مرتبط بما قبله، لأنه إن جعلته من سياق (ضارهم) كان استثناءً مع مثبت ولا يستقيم، لأنه متعين للاستثناء المفرغ لمجيئه بحرف الجر. وإن جعلته من (شيئاً)، صار التقدير: وليس الشيطان شيئاً إلا بإذن الله. وهذا أسقط من أن يتكلم عليه. والله أعلم بالصواب. [إملاء 92] [تعلق الجار بالنفي في قوله تعالى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين: إذا قلت: ما ضربته للتأديب. فإن قصدت نفي ضرب معلل بالتأديب فاللام متعلقة بضربت، ولم تنف إلا ضرباً مخصوصاً، والتأديب تعليل للضرب المنفي. وإن أردت نفي الضرب مطلقاً على كل حال، فاللام متعلقة بالنفي، والتعليل للنفي، ويكون ¬

_ (¬1) فيرجع إلى إثبات: سقطت من س. (¬2) كونه: سقطت من د.

المعنى: أن انتفاء الضرب كان من أجل التأديب، لأنه قد يؤدب بعض الناس (¬1) بترك الضرب لا بالضرب. ولا يستبعد تعلق الجال بالحرف الذي فيه معنى النفي لجواز قولهم: ما أكرمته لتأديبه، وما أهنته للإحسان إليه. فإنك لو علقت ههنا بالفعل (¬2) فسد المعنى، إذ لم ترد أنك أكرمته تأديبا، ولا أهنته إحساناً، وإنما يتعلق بما في الحرف من معنى: انتفى، لأن المعنى: أن انتفاء الإكرام لأجل التأديب، وانتفاء الإهانة لأجل الإحسان. وقوله تعالى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} (¬3). الباء في: بنعمة ربك، متعلقة بالنفي، لا بقوله: بمجنون (¬4)، إذ لو علق به لكان المراد نفي جنون من نعمة الله، وذلك غير مستتقيم من وجهين: أحدهما: أنه لا يوصف جنون بأنه من نعمة الله. والآخر: أنه لم يرد نفي جنون مخصوص. وإنما أريد نفيه عموماً فتحقق أن المعنى: أنه انتفى عنك الجنون مطلقاً بنعمة الله، وعلى هذا يحكم في التعلق، فإن صح تعلقه بالفعل وإلا علق بالحرف على ما تقرره (¬5). وعلى هذا قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} (¬6). في أن معناه: في أن تبتغوا، فهي متعلقة بجناح. والمعنى: أن الجناح في انتفاء التجارة منتف، وتعلقه بليس بعيد لأنه لم يرد أن ينفي الجناح مطلقاً، ويجعل ابتغاء التجارة ظرفاً للنفي. فهذا يبعد أن يكون متعلقاً. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) الناس: ساقطة من م. (¬2) في م: بالقول. وهو تحريف. (¬3) القلم: 3. (¬4) قال الزمخشري: "يتعلق بمجنون منفيا". الكشاف 4/ 141. (¬5) في م: تقدم. (¬6) البقرة: 198.

[إملاء 93] [إعراب قوله تعالى: {ليا بألسنتهم}]

[إملاء 93] [إعراب قوله تعالى: {ليّا بألسنتهم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة عشرين: قوله تعالىك {ليّا بألسنتهم} (¬1): منصوب على المصدر من قوله: يحرفون الكلم عن مواضعه، لأن (ليّا) نوع من التحريف، كأنه قال: يحرفون تحريفا، فصار مثل قوله: {ثم إني دعوتهم جهاراً} (¬2)، فإنه أحد نوعي الدعاء. ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال (¬3). [إملاء 94] [إعراب قوله تعالى: {أتأخذونه بهتاناً}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة عشرين على قوله تعالى: {أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} (¬4): يجوز أن يكون قوله: بهتانا، مصدراً مثل: قعد القرفصاء، لأن البهتان ظلم، والأخذ على نوعين: ظلم وغير ظلم، كقوله: {ثم إني دعوتهم جهاراً} (¬5). فإن جهاراً أحد نوعي الدعاء. ويجوز أن يكون مفعولا من أجله، ويجوز أن يكون حالاً (¬6). ¬

_ (¬1) النساء: 46. قال تعالى: "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع ليا بألسنتهم وطعنا في الدين". (¬2) نوح: 8. (¬3) وذكر القرطبي قولاً ثالثاً وهو جواز كونه مفعولاً من أجله. الجامع لأحكام القرآن 5/ 243. (¬4) النساء: 20. (¬5) نوح: 8. (¬6) قال الزمخشري: "وانتصب (بهتاناً) على الحال أو على أنه مفعول لأجله". الكشاف 1/ 514.

[إملاء 95] [العامل في "كم" في قوله تعالى: {كم أهلكنا قبلهم}]

[إملاء 95] [العامل في "كم" في قوله تعالى: {كم أهلكنا قبلهم}] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} (¬1): العامل في (كم) قوله: أهلكنا. لأن (كم) لا يعمل فيها ما قبلها (¬2)، وتكون الجملة معمولة (يروا)، و (أنهم إليهم لا يرجعون) مفعول لأجله تقديره: لأنهم. وبعض البصريين يجعل (كم أهلكنا قبلهم من القرون) معترضاً، و (أنهم إليهم لا يرجعون) معمول (يروا). والزجاج (¬3): (أنهم إليهم لا يرجعون) بدلا (¬4) من (كم أهلكنا قبلهم من القرون)، وهذا يؤدي إلى مذهب الكوفيين في إعمال (يروا) في (كم)، لأن العامل في البدل عامل في المبدل منه. والبدل ههنا (أنهم إليهم)، والعامل فيه (يروا)، والمبدل منه (كم أهلكنا). وإن اعتذر عنه بأنه أراد أن (يروا عامل في ¬

_ (¬1) يس: 31. (¬2) قال الزمخشري: "لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها، كانت للاستفهام أو للخبر". الكشاف 3/ 321. (¬3) هو إبراهيم بن السري من سهل أبو إسحق المشهور بالزجاج. كان يخرط الزجاج، ثم مال إلى النحو فلزم المبرد. من مصنفاته: معاني القرآن، شرح أبيات سيبويه، كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف. توفي سنة 311 هـ، وكانت سنة سبعين سنة. انظر بغية الوعاة 1/ 411 وطبقات النحويين واللغويين ص 81. (¬4) انظر إعراب القرآن المنسوب له 2/ 587.

[إملاء 96] [إعراب قوله تعالى: {غير بعيد}]

(كم أهلكنا) معنى، فضعيف من جهة أن (أنهم) معمول لفظا، فلا يستقيم أن يكون بدلا مما ليس معمولاً بعامله (¬1). والله أعلم بالصواب. [إملاء 96] [إعراب قوله تعالى: {غير بعيد}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة عشرين على قوله تعالى: {وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد} (¬2): يجوز أن يكون حالاً مؤكدة كقول الفارسي. ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أو ظرفا، أي: قربت في زمن غير بعيد (¬3). وإنما عبر عنه بالمضي لتحقيقه أو لتقريبه. والمراد بالتحقق ههنا كونه حقاً، لا أن المراد بالتحقق هنا الوقوع الحاصل. وأما قوله: "اقتربت الساعة" (¬4)، و"اقترب للناس حسابهم" (¬5). فهذان حاصلان، لأن المراد قرب الحساب والساعة، وهما حاصلان. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) وقد رد ابن هشام هذا الوجه بقوله: "إن عامل البدل هو عامل المبدل منه، فإن قدر عامل المبدل منه (يروا) فكم لها الصدر فلا يعمل فيها ما قبلها. وإن قدر (أهلكنا) فلا تسلط له في المعنى على البدل. والصواب أن كم مفعول لأهلكنا". انظر: مغنى اللبيب 1/ 184 (محي الدين). (¬2) ق: 31. (¬3) قال الزمخشري: "غير: نصب على الظرف. أي مكاناً غير بعيد. أو على الحال". الكشاف 4/ 10. (¬4) القمر: 1. (¬5) الأنبياء: 1.

[إملاء 97] [إعراب "غير" في قوله تعالى: {غير أولى الضرر}]

[إملاء 97] [إعراب "غير" في قوله تعالى: {غير أولى الضرر}] وقال أيضاً ممليا بالقاهرة سنة أربع عشرة على قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر} (¬1): قال القسوى (¬2) وغيره من النحويين: إن غير في الرفع صفة للقاعدين (¬3)، وذلك أن غير نكرة وإن أضيفت إلى المعارف لشدة إبهامها، فكيف يستقيم على هذا أن تكون صفة؟. فإن أجيب عن ذلك: بأن هذا مثل قوله تعالى: {أنعمت عليهم غير المغضوب} (¬4) لما كانا محصورين. فإذا قلت: مررت بالمسلم غير الكافر جرت ههنا وصفا لانحصار الضدين. فنقول: الفرق بينهما أنه ليس في ذلك انحصار، لأن القاعدين المضرورين وغير أولى الضرر ليس فيه حصر بخلاف المسلم والكافر، فلا يلزم من الجواز ثم الجواز ههنا، لأنه ههنا كقولك: مررت بالرجل غير العالم. وإذا لم يستقم أن يكون صفة وجب أن يكون استثناء. وإذا وجب أن يكون استثناء فالمختار الرفع. ألا ترى أنك إذا قلت: لا يستوي القاعدون إلا أولو الضرر، كان الرفع هو الوجه، وكان النصب على الاستثناء جائزاً. وإذا ثبت ذلك كان الرفع أقوى من النصب (¬5). فإذا جاز النصب على الاستثناء مع ضعفه فلأن يجوز الرفع مع قوته أولى. ¬

_ (¬1) النساء: 95. (¬2) الفسوي هو أبو علي الفارسي. انظر الإيضاح العضدي 1/ 209. (¬3) انظر سيبويه 2/ 332، والكشاف 1/ 555، ومعاني القرآن للفراء 1/ 283. (¬4) الفاتحة: 7. (¬5) قال الفراء: "يرفع غير لتكون كالنعت للقاعدين. وقد ذكر أن غير نزلت بعد أن فضل المجاهد على القاعد، فكان الوجه فيه الاستثناء والنصب. إلا أن اقتران غير بالقاعدين يكاد يوجب الرفع، لأن الاستثناء ينبغي أن يكون بعد التمام". معاني القرآن 1/ 283.

[إملاء 98] [معنى الموعد في قوله تعالى: {قال موعدكم يوم الزينة}]

والذي يقوي ذلك أن الخفض لم يأت في السبعة لضعفه، لأنه إن جعل صفة كان ضعيفاً، وإن جعل استثناء لم يستقم لأنه يكون من قوله: {من المؤمنين}، و (من المؤمنين) ليس في سياق النفي، فيستثنى منه على البدلية، لأنه إنما جيء به بياناً للقاعدين لا غير. فلم يستقم أن يستثنى منه كما يستثنى من المنفي، فظهر من ذلك أن الرفع هو الوجه على الحمل على الاستثناء، كما حمل النصب على الاستثناء مع أنه أضعف، وظهر أن الخفض ضعيف، ولذلك لم يقرأ به في السبعة، فحمل الآية على ما ذكرناه هو الوجه. والله أعلم بالصواب. [إملاء 98] [معنى الموعد في قوله تعالى: {قال موعدكم يوم الزينة}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى} (¬1): الظاهر أن الموعد الوعد لأنه وصف بقوله: {لا نخلفه} (¬2) والإخلاف إنما يتعلق بالوعد، يقال: أخلف وعده، و {إن الله لا يخلف الميعاد} (¬3)، لا بمكانه ولا بزمانه. فلو جعل زماناً أو مكانا لوقع الإخلاف على غير الوعد وهو بعيد (¬4). فإن قلت: لم لا يكون على حذف مضاف، كأنه قيل: فاجعل بيننا وبينك وقت وعد أو مكان وعد؟ قلت: إضمار مستغنى عنه فلا حاجة إلى ¬

_ (¬1) طه: 59. (¬2) طه: 58. (¬3) الرعد: 31. (¬4) قال أبو البقاء: "فإن جعلت موعداً زماناً كان الثاني هو الأول. وإن جعلت موعدا مصدراً كان التقدير: وقت موعدكم يوم الزينة، وهو مصدر في معنى المفعول". إملاء ما من به الرحمن 2/ 123.

تقديره. فإن قلت: فما المانع من أن يكون موعدكم اسما للزمان أو المكان، ويكون قوله: لا نخلفه، للموعد الذي دل عليه موعدكم؟ قلت: يرجع الضمير (¬1) إلى غير المذكور، ورجوعه إلى المذكور أولى. فإن قلت: بم ينتصب (مكاناً)؟ قلت: ينتصب بفعل مقدر دل عليه قوله: فاجعل بيننا وبينك موعدا، أي: نتواعد مكاناً. ولا يستقيم نصبه بموعدكم، وإن كان مصدرا، لأنه قد فصل بينه وبينه بالوصف، فصار مثل قولك: أعجبني ضرب حسن زيدا، وهو غير سائغ، لأن منصوب المصدر من تتمته، ولا يوصف الشيء إلا بعد تمامه (¬2)، فكان كوصف الموصول قبل تمام صلته. والاحتياج إلى هذا التقدير هو الذي يحسن أن يكون (موعدا) على حذف مضاف، أي: مكان موعد، ويكون (مكاناً) بدلا من المكان المضاف المحذوف، وإنما يبقى الترجيح بين تقدير مضاف أو تقدير فعل. وأما قوله: {موعدكم يوم الزينة}. فالظاهر أنه اسم للوقت، لأنه أخبر عنه بيوم الزينة، ولا يخبر بيوم الزينة إلا عن وقت. ولا حاجة غلى أن يقدر وقت وعدكم، لأنه تقدير مستغنى عنه بأن يجعل موعدكم اسما للوقت. وقوله: {أن يحشر الناس} معطوف على الزينة على معنى: يوم الزينة، ويوم حشر الناس (¬3). و (ضحى) جائز أن يكون متعلقا بـ (يحشر)، فيكون منصوباً على الظرف على هذا وهو الظاهر. وجائز أن يكون بدلا من (يوم الزينة) ويكون بدل البعض من الكل، لأن ضحى اليوم بعضه، وحذف الضمير على هذا للعلم به، كما تقول: ضربت زيدا يوم الجمعة عشية، فيكون مرفوعاً. ¬

_ (¬1) الضمير: سقطت من د. (¬2) في س: إتمامه. (¬3) قال الزمخشري: "ومحل أن يحشر الرفع أو الجر عطفاً على اليوم أو الزينة". الكشاف 2/ 542.

[إملاء 99] [إعراب قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم}]

وأما على قراءة الحسن البصري (¬1) وهو ينصب (يوم الزينة)، فيجوز أن يكون موعدكم بمعنى: وعدكم، ويوم الزينة: خبره، متعلقة محذوف، أي: حاصل يوم الزينة وحشر الناس. ويجوز أن يكون على حذف مضاف، أي: وقت وعدكم يوم الزينة، فيكون (يوم الزينة) منصوباً بموعد، لأنه مصدر، وضحى هو الخبر، أي: وقت وعدكم في هذا اليوم هو هذا الوقت، ولا ينبغي أن يكون موعدكم اسما للزمان، فإنه حينئذ لا يعمل في يوم الزينة، ولا يقع خبرا عنه من حيث إنهما زمانان إلا على معنى الجزئية، كما تقول: زمان ضربي يوم الجمعة، كأنه لما كان جزءه صار كأنه حاصل فيه فعلى هذا يكون (يوم الزينة) خبرا للموعد الذي هو وقت. و (ضحى) على قراءة الحسن البصري على الوجه الأول منصوب بـ (يحشر)، وعلى الوجه الثاني يكون مرفوعاً. والله أعلم بالصواب. [إملاء 99] [إعراب قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على قوله تعالى: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم} (¬2). إلى قوله: {وثامنهم كلبهم}. قال: يجوز أن يكون (رابعهم كلبهم) جملة ابتدائية صفة لثلاثة، و (ثلاثة) خبر مبتدأ محذوف. ولا يجوز أن يكون (كلبهم) مرفوعاً برابعهم، لأن المراد به المضي (¬3). ¬

_ (¬1) هو الحسن بن أبي الحسن أبو سعيد البصري. إمام زمانه علماً وعملاً. وروى عنه أبو عمرو بن العلاء. وهو أحد القراء العشرة. ولد سنة 21 هـ وتوفي 111 هـ. انظر غاية النهاية في طبقات القراء 1/ 234. (¬2) الكهف 22. (¬3) قال الزمخشري: "ويشترط في إعمال اسم الفاعل أن يكون في معنى الحال أو الاستقبال أو أدخلت عليه الألف واللام". المفصل ص 228. وأجاز الكسائي إعماله إذا أريد به المضي.

ولا أن تكون الجملة حالاً، إذ ليس معناها يصح أن يكون عاملا فيها، لأن التقدير: سيقولون هم ثلاثة، وليس فيه ما يصح أن يكون حالاً، وليس فيها أيضاً واو. ويجوز أن يكون (رابعهم كلبهم) جملة خبرا للمبتدأ المحذوف بعد خبر، فيكون أخبر بخبرين: مفرد وجملة. ويقوي هذا الوجه أن الجملة الثالثة، وهي قوله: وثامنهم كلبهم، جاءت بالواو، والمعنى فيها كالمعنى فيما تقدم. ويتعذر أن تكون صفة مع الواو، لأنك لا تقول: مررت برجل وعاقل، فيتعين أن يكون المراد خبراً بعد خبر، والأخبار إذا تعددت جاز أن يكون الثاني بواو وبغير واو، هذا إن سلم أن المعنى في الجمل واحد. وأما إن قيل: إن قوله: {وثامنهم كلبهم} من قول الله تعالى، استئنافاً لا حكاية عنهم، فيكون تقريراً لكونهم سبعة، ويكون الوقف على قوله: سبعة. ثم أخبر الله تعالى غير حكاية عنهم بأن ثامنهم كلبهم. فيفهم على ذلك أن القائلين بأنهم سبعة أصابوا في ذلك (¬1)، فلا يلزم على هذا تقوية أن يكون خبراً بعد خبر، يقويه قوله قبله: رجماً بالغيب. ثم ذكر بعد قوله: رجما بالغيب، الجملة الثالثة، فدل على أنها مخالفة لما قبلها في الرجم بالغيب، وإذا خالفتها في ذلك وجب أن تكون صدقاً، إلا أن هذا الوجه يضعف من حيث إن الله تعالى قال: ما يعلمهم إلا قليل. فلو جعلنا قوله: وثامنهم كلبهم، تصديقا لمن قال: سبعة، لوجب أن يكون العالم بذلك كثيراً، فإن أخبار الله تعالى صدق، فدل على أنه لم يصدق منهم أحدا، وإذا كان كذفك وجب أن تكون الجمل كلها متساوية في المعنى، وقد تعذر أن تكون الأخيرة وصفا، فوجب أن يكون الجميع كذلك. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) ونقل القرطبي عن قوم أن عددهم سبعة، وإنما ذكر الواو لينبه على أن هذا العدد هو الحق، وأنه مباين للأعداد الأخرى التي قال فيها أهل الكتاب. الجامع لأحكام القرآن 10/ 383.

[إملاء 100] [إعادة لفظ الظاهر بدلا من الضمير في قوله تعالى: {ولا أشرك بربي أحدا}]

[إملاء 100] [إعادة لفظ الظاهر بدلا من الضمير في قوله تعالى: {ولا أشرك بربي أحدا}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا} (¬1): إنما أعيد لفظ الظاهر في هذه الآية كما أعيد اسم الله تعالى في مثل قوله: واتقوا الله، إن الله، وأشباهه، لما في الاسم الظاهر من التعظيم، فلذلك أعيد لفظ ربي لما في ذكر الرب من التعظيم له، والهضم للمتكلم، فكان التكرير لهذا الظاهر لأجل هذا المعنى أحسن. والله أعلم بالصواب. [إملاء 101] [تعلق الجار والمجرور في قوله تعالى: {حين توارت بالحجاب}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب} (¬2): الجار والمجرور متعلق بتوارت، إما على نحو قولك: كتبت بالقلم، لأنها حصل لها التواري بالحجاب، وإما على نحو تعلق قولك: سكنت بالبلد، على معنى: فيه، كأنها توارت فيه. ويجوز أن يكون حالاً متعلقاً بمحذوف. والأول أوجه؛ لأنه إذا كان حالا فيتعلق بشيء محذوف تقديره: مستقرة بالحجاب. ولا حاجة إلى التقدير مع ¬

_ (¬1) الكهف: 38. (¬2) ص: 32.

[إملاء 102] [حذف مفعول الفعل المتعدي في قوله تعالى: {وأصلح لي في ذريتي}]

وجود ظاهر يغني عنه، مع أن التقدير والأضمار على خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا لضرورة (¬1)، ولا ضرورة تلجئ إلى ذلك. والله أعلم بالصواب. [إملاء 102] [حذف مفعول الفعل المتعدي في قوله تعالى: {وأصلح لي في ذريتي}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {وأصلح لي في ذريتي} (¬2): هذا من باب قولهم: فلان يعطي ويمنع، ويصل ويقطع، مما استعمل فيه الفعل المتعدي محذوفاً مفعوله حذفاً غير مقصود به مفعول مراد، كأنه قيل: يفعل العطاء والمنع والصلة والقطع، من غير قصد إلى مفعول مراد على نحو خصوص أو عموم. وهو أبلغ في المدح من القصد إلى مفعول، على طريقة خصوص أو عموم. وغذا قصد هذا المعنى لما فيه من المبالغة، ثم قصد المتكلم به ذكر خصوصية متعلقة أجراه مجري الأفعال غير المتعدية، وجعل ذلك كأنه (¬3) محل له، وكذلك قول الشاعر: وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها ... إلى الصيف يجرح في عراقيبها نصلي (¬4) ... وموضع الاستشهاد من البيت: يجرح في عراقيبها. ومن الآية: {وأصلح ¬

_ (¬1) في د: بضرورة. (¬2) الأحقاف: 15. (¬3) في م: على أنه. (¬4) البيت من الطويل، وهو لذي الرمة، انظر ديوانه ص 575 (المكتب الإسلامي للطباعة والنشر. دمشق). وهو من شواهد المفصل ص 540، وابن يعيش 2/ 39، ومغني اللبيب 2/ 575 (دمشق)، والخزانة 1/ 284. ومعنى البيت: إذا اعتذرت الإبل إلى الضيف من قلة لبنها فإنه يعقرها لتكون بدل اللبن. والشاهد فيه حذف مفعول "يجرح" والمراد: يجرحها.

[إملاء 103] [الاستثناء في قوله تعالى: {وما يعبدون إلا الله}]

لي في ذريتي}، وقد وضح معناهما (¬1). والله أعلم بالصواب. [إملاء 103] [الاستثناء في قوله تعالى: {وما يعبدون إلا الله}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله} (¬2): يجوز أن يكون الاستثناء (¬3) متصلاً (¬4) ومنقطعاً. فالاتصال على أن تكون (ما) للمعبود على تقدير أن يكونوا يعبدون غير الله مع الله (¬5). تقديره: وإذ اعتزلتموهم (¬6) وعبادتهم. والاتصال أظهر، لأنه الواقع كثيراً مع الاحتمال الظاهر، فكان حمله عليه أولى. والله أعلم بالصواب. [إملاء 104] [معنى "من" في قوله تعالى: {قد كنا في غفلة من هذا}] وقال مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا} (¬7): ¬

_ (¬1) قال الزمخشري في معنى الآية: "معناه أن يجعل ذريته موقعاً للصلاح ومظنه له، كأنه قال: هب لي الصلاح في ذريتي وأوقعه فيهم". الكشاف 3/ 521. (¬2) الكهف: 16. (¬3) في د: استثناء. (¬4) نص عليه الزمخشري، الكشاف 2/ 475. أما القرطبي فقال: هو استثناء منقطع 10/ 367. (¬5) مع الله: سطقت من م. (¬6) في ب: اعتزلتموه، وهو خطأ واضح. (¬7) الأنبياء: 97.

[إملاء 105] [وجه فتح همزة أن وكسرها في آيات من سورة الجن]

(من) ههنا يجوز أن تكون بمعنى عن، كما تقول: أطعمه عن الجوع ومن الجوع، وكساه عن العري ومن العري، ورمى عن القوس ومن القوس (¬1)، وأخذت عنه الحديث وأخذت منه الحديث. والأحسن أن تكون على بابها لابتداء الغاية تنبيهاً على أنه ابتداء ما غفل عنه، لأن الذي بعد ذلك من العذاب أشد عليهم، فكان فيه تنبيه على أنه أولى شيء غفل عنه من الشدائد. ولو قيل: عن هذا، لم يكن فيه ذلك المعنى، إذ ليس في "عن" ما يدل على ابتداء له انتهاء، فكانت "من" بهذا المعنى في هذا الوضع أوجه من "عن". والله أعلم بالصواب. [إملاء 105] [وجه فتح همزة أن وكسرها في آيات من سورة الجن] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} (¬2): أما الكسر (¬3) فعلى العطف على ما بعد القول في قوله: {فقالوا إنا سمعنا} (¬4)، إلا قوله: {وأنه لما قام عبد الله} (¬5)، فإن الأحسن أن يكون مستأنفا لقوله: {كادوا يكونون عليه لبدا} (¬6)، لأنه لو كان على قوله: إنا سمعنا، ¬

_ (¬1) وعن في هذه الأمثلة معناها البعد والمجاوزة. انظر المفصل ص 113. (¬2) الجن: 1. (¬3) أي كسر همزة إن في الآيات التي تلي الآية المذكورة. ما عدا قوله: "وأن المساجد لله" وقوله: "وأن لو استقاموا على الطريقة". وهذه قراءة المدنيين. انظر إعراب القرآن للنحاس 3/ 521. (¬4) الجن: 1. (¬5) الجن: 19. (¬6) الجن: 19.

[إملاء 106] [استعمال "على" بدلا من "في" في قوله تعالى: {وعليها وعلى الفلك تحملون}]

لكان: كدنا نكون. ويجوز أن يكون القول من بعضهم، والإخبار واقع عن بقيتهم. وأما الفتح (¬1) فقد قيل إنه عطف على قوله: {أنه استمع}، فيكون داخلا في حيز مفعول أوحى (¬2)، ويشكل عليه قوله: {وأنه تعالى جد ربنا} (¬3). {وأنا لمسنا} (¬4)، {وأنا كنا} (¬5). إذ لا يحسن أن يقال: أوحي إلى أنا كنا أو أنا لمسنا. وضمير المتكلم للجن، والمتكلم الرسول، وإنما كان يكون وأنهم لمسوا ونحوه. فلذلك فر المحققون من هذا التأويل، وجعلوه عطفاً على الضمير في قوله: {فآمنا به} (¬6)، فيكون داخلاً في حيز الجار، ولا يرد عليه على هذا ما تقدم لأن المتكلمين بقوله: فآمنا به، هم الجن. والله أعلم بالصواب. [إملاء 106] [استعمال "على" بدلا من "في" في قوله تعالى: {وعليها وعلى الفلك تحملون}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {وعليها وعلى الفلك تحملون} (¬7): ¬

_ (¬1) قال النحاس: "وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بالفتح في السورة كلها إلى قوله: "قل إنما أدعو ربي". فلما أشكل عليه هذا عدل إلى قراءة أهل المدينة، لأنها بينة واضحة". إعراب القرآن 3/ 521. (¬2) قال النحاس: "والقول في الفتح أنه معطوف على المعنى، والتقدير: فآمنا به أنه تعالى جد ربنا، فأنه: في موضع نصب". إعراب القرآن 3/ 521. (¬3) الجن: 3. (¬4) الجن: 8. (¬5) الجن: 9. (¬6) الجن: 2. (¬7) المؤمنون: 22.

قال: إن قيل لم جاء بعلى والقياس والاستعمال يقتضي في؟ أما القياس فلأنه بمعنى الظرفية، كقولك: قعدت في الدار. وأما الاستعمال فلقوله: {قلنا احمل فيها} (¬1) {فاسلك فيها} (¬2). فالجواب: أن (على) في هذا الموضع أوضح، من حيث إن غيره مما ذكر فيه ما يكون باطن الفلك، وهو الأكثر، فغلب، فكانت (في) أحسن لتحقق معنى الظرفية وبعد معنى (على)، لأن المذكور محمولا ثم الأزواج كلها، وكان أكثرها في باطن الفلك، وأعلى السفن مخصوص بالآدميين على ما هو العادة، فلما خصوا في قوله: (وعليها وعلى الفلك تحملون)، كانت (على) أوضح. وفي هذا الموضع لم يرد ذلك المعنى من الأزواج وإنما أريد المخاطبون خاصة، وليسوا في العادة في باطن الفلك، وإنما يكون على ظاهرها، فأتى بما يدل على معنى الاستعلاء تنبيهاً على هذا المعنى، وهذا أحسن ممن يقول: إنما أتى بـ (على) لتقدم (على) في قوله: (وعليها)، لما بين الفلك وبين الإبل من مشاكلة الحمل، فلما أتى بـ (على) في حمل الإبل أتى بـ (على) في الآخر، لأن هذا مراعاة أمر لفظي، وما تقدم مراعاة لأمر معنوي، ولأنه بعينه يقتضي المخالفة من وجه آخر، لأن تكرير الحرف بالمعنى الواحد ليس من باب المجانسة ولا البديع، فلا يحسن أن يخالف الأصل لأجله. فإن قيل: لو استقل ما ذكرتموه في استحسان (على) لكانت (على) أحسن في قوله: {إنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} (¬3). وقد جاء بـ (في) فدل على أن ما ذكر من تقدم. (على) هو السبب. فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن المراد التنبيه على ذلك المعنى المذكور في قوله: احمل فيها، فاختصر الكلام للعلم به، فجري الأمر فيه على ¬

_ (¬1) هود: 40. (¬2) المؤمنون: 27. (¬3) يس: 41.

[إملاء 107] [معنى قوله تعالى: {أو كسبت في إيمانها خيرا}]

ذلك المجري، فلذلك جيء بـ (في). الثاني: أن يكون ذلك الأمر اللفظي مرجحاً للإتيان بـ (على)، لا على أنه مستقل في السببية، فيكون حينئذ المعنى المذكور هو المقتضى لجواز (على)، وتكون (على) مرجحة لأحد الجائزين. ولا يلزم من كونها مرجحة أن تكون سبباً مستقلاً. وأما قوله: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} (¬1)، فإنما أتى بـ (علي) لما في الاستواء من معنى الاستعلاء. ألا ترى إلى قوله: {ثم استوى على العرش} (¬2). وقوله: قد استوى بشر على العراق (¬3). وأما قوله: {اركبوا فيها} (¬4) و {ركبا في السفينة} (¬5). وقوله: {فإذا ركبوا في الفلك} (¬6) فلما قصد في معنى الركوب من معنى الثبوت، كقوله: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} (¬7) وإذا استعملت (في) في الصلب لقصد معنى الثبوت، فاستعمالها في الركوب أجدر. والله أعلم. [إملاء 107] [معنى قوله تعالى: {أو كسبت في إيمانها خيرا}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} (¬8): ¬

_ (¬1) المؤمنون: 28. (¬2) الأعراف: 54. (¬3) هذا صدر بيت من السريع، وعجزه: من غير سيف ودم مهراق. ذكره ابن منظور في اللسان (سوا) ولم ينسبه لأحد. وكذلك أبو حيان في البحر المحيط 1/ 134. (¬4) هود: 41. (¬5) الكهف: 71. (¬6) العنكبوت: 65. (¬7) طه: 71. (¬8) الأنعام: 158.

موضع الأشكال في قوله: {أو كسبت في إيمانها خيرا}. لأنه لأحد الأمرين. فإذا سيقت في النفي في مثل ذلك اقتضى نفي الأمرين كقوله: {لا تطع منهم آثما أو كفورا} (¬1). وأحدهما: آمنت من قبل، والثاني: كسبت في إيمانها خيرا، فيصير المعنى على الظاهر: لا ينفع نفساً لم تكن آمنت من قبل إيمانها، وهذا واضح، ولا ينفع نفساً لم تكن كسبت في إيمانها خيرا إيمانها، وهذا مشكل، فإن الإيمان قبل مجيء الآيات نافع، وإن لم يكن عمل صالح غيره، فكيف يصح نفيه؟. والجواب: أن المعنى لا ينفع نفساً إيمانها ولا كسبها وهو العمل الصالح لم تكن آمنت قبل الآية (¬2)، أو كان العمل الصالح مع الإيمان قبلها، فاختصر للعلم به. وقوله: لم تكن آمنت، صفة لـ (نفسا)، وإن وقع الفصل، لأن المعنى على التأخير، وإنما أوجب التقديم الضمير في (إيمانها). والمغني: لا ينفع إيمان نفس نفساً لم تكن آمنت من قبل. فلما أوجب الضمير التقديم بقيت الصفة في محلها. و (من) لابتداء الغاية. تقول: ما آمن زيد من يوم كذا، لابتداء الغاية. فيكون نفياً للإيمان الذي ابتداؤه من يوم الجمعة، ولو قلت: ما آمن زيد يوم كذا، كان نفياً للإيمان يوم الجمعة. وإذا أسقطت "من" في نحو: ما آمن من قبل (¬3)، وما آمن قبل، لم يختلف المعنى، لأنه إذا كان مبتدأ فيه من قبل، فقد حصل قبل، وإذا حصل قبل فقد ابتدئ به من قبل. ولا يلزم ذلك في نحو: يوم الجمعة وشبهه، إذ قد يكون حاصلاً فيه، وقد ابتدئ به من غيره. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) الإنسان: 24. (¬2) وهي طلوع الشمس من مغربها، القرطبي 7/ 146. (¬3) ما آمن من قبل: سقطت من د.

[إملاء 108] [توجيه قراءة حمزة لقوله تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل}]

[إملاء 108] [توجيه قراءة حمزة لقوله تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل} (¬1): على قراءة حمزة (¬2) إما معطوفاً باعتبار المعنى فيما تقدم من قوله: وآتيناه الإنجيل. لأن المعنى: وآتيناه الإنجيل للهدى والنور والتصديق وليحكم. لأن المعنى: ليهدي وينور ويصدق: فحسن قوله: وليحكم، لذلك، كما جاء قوله: {إنا زينا السماء الدنيا بزية الكواكب. وحفظاً} (¬3). لأن المعنى: خلقناها زينة، فحسن مجيء (وحفظاً) لذلك. وإما متعلقا بفعل مقدر دل عليه قوله: {بما أنزل الله}. كأنه قيل: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، أنزلناه، فحذف لذلك. والله أعلم بالصواب. [إملاء 109] [تقديم الأزواج في قوله تعالى: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله تعالى: {إن من ¬

_ (¬1) المائدة: 47. وتمامها: "بما أنزل الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون". (¬2) قرأ الأعمش وحمزة بنصب الفعل على أن تكون اللام لام كي. والباقون بالجزم على الأمر. القرطبي 6/ 209. وقال النحاس: "والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان، لأن الله تعالى لم ينزل كتاباً إلا ليعمل فييما فيه، وأمر بالعمل بما فيه، فصحتا جميعاً". إعراب القرآن 1/ 500. (¬3) الصافات: 6، 7.

[إملاء 110] [إعراب "شهوة" في قوله تعالى: {أتأتون الرجال شهوة}]

أزواجكم وأولادكم عدواً لكم} (¬1). إنما قدمت الأزواج على الأولاد لأن المقصود الإخبار أن منهم أعداء، ووقوع ذلك في الأزواج أكثر منه في الأولاد، فكان أقعد في المعنى المراد، فكان تقديمه أولى. ولذلك قدمت الأموال في قوله: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} (¬2) لأن الأموال لا تكاد تفارقها الفتنة. {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} (¬3). {أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} (¬4). وليست الأولاد في استلزام الفتنة مثلها، فكان تقديمها لكونها أوغل في المعنى المراد أولى. والله أعلم بالصواب. [إملاء 110] [إعراب "شهوة" في قوله تعالى: {أتأتون الرجال شهوة}] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {أتأتون الرجال شهوة ن دون النساء} (¬5): (شهوة) منصوب، إما مفعول من أجله وهو الظاهر، وإما على معنى إتيان شهوة، وإما حال على معنى مشتهين (¬6). و (من) في قوله: (من دون النساء)، لابتداء الغاية، أي: تأخذون في ابتداء هذا الفعل من غير النساء، أو على معنى المقابلة، أي: تجعلون هذا عوضاً عن هذا، كما تقول: خذ هذا من دون هذا، أي: اجعله عوضاً منه. ¬

_ (¬1) التغابن: 14. (¬2) التغابن: 15. (¬3) العلق: 6. (¬4) الإسراء: 16. (¬5) الأعراف: 81. (¬6) قال الزمخشري: "شهوة: مفعول له، أي: للاشتهاء، أو حال بمعنى مشتهين". الكشاف 2/ 92.

[إملاء 111] [توجيه القراءات في قوله تعالى: {لتزول منه الجبال}]

ويتعلق إما بـ (تأتون) وهو الظاهر، لأن المعنى: تجعلون الإتيان لهؤلاء عوضاً من أولئك، أو تأخذون في الإتيان من هؤلاء. وإما بـ (شهوة) على المعنيين، أي: تتعلق الشهوة منكم بالرجال عوضاً من (¬1) تعلقها بالنساء. والله أعلم بالصواب. [إملاء 111] [توجيه القراءات في قوله تعالى: {لتزول منه الجبال}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} (¬2): قرأ الكسائي بفتح اللام الأولى من (لتزول) ورفع الفعل بعدها (¬3)، وهذه اللام على هذه القراءة هي اللام الفارقة بين المخففة والنافية. تلزم المخففة لتفصلها عن النافية، فيكون معنى قراءته: أن مكرهم تزول منه الجبال. وقرأ الباقون بكسر اللام الأولى من (لتزول) ونصب المضارع بعدها، لأنها اللام المؤكدة التي ينصب الفعل بعدها. إما بتقدير "أن" على قول البصريين، وإما بغيرها على قول غيرهم (¬4). وتسمى لام الجحود لأنها لا تأتي إلا بعد جحد، فتكون (إن) نافيية (¬5). والمعنى: ما كان مكرهم تزول منه ¬

_ (¬1) في س: عن. (¬2) إبراهيم: 46. (¬3) ونقلت هذه القراءة أيضاً عن علي. معاني القرآن للفراء 2/ 79. (¬4) مذهب أكثر الكوفيين أن الفعل بعد اللام منصوب بها بطريق الأصالة. انظر مغني اللبيب 1/ 231 (دمشق). (¬5) قال ابن هشام: "والذي يظهر لي أنها لام كي، وأن إن شرطية". المغني 1/ 212 (محي الدين).

[إملاء 112] [التشبيه في قوله تعالىك {كأنهم خشب مسندة}]

الجبال. والجمع بين القراءتين، مع أن النفي والإثبات فيهما توارداً على صورة واحدة. ولا يستقيم تناقض القراءتين عندنا لأنهما ثابتتان بالتواتر، فكلاهما مقطوع به، فلا بد من التأويل. فمعنى قراءة الكسائي: إثبات أن مكرهم عظيم تزول منه الأمور العظيمة التي لا تبلغ مبلغ المعجزات كالقرآن ونحوه. ومعنى قراءة الجماعة: نفي أن مكرهم تزول منه المعجزات العظام كالقرآن ونحوه لثبوتها واستقرارها كاستقرار الجبال. فالجبال على قراءة الكسائي: الأمور العظام التي لم تبلغ مبلغ المعجزات. والجبال على قراءة الجماعة: المعجزات العظام كالقرآن ونحوه. وعلى هذا التأويل لم يجيء النفي والإثبات باعتبار واحد. وإذا لم يكونا باعتبار واحد فلا تعارض بين القراءتين والله أعلم بالصواب. [إملاء 112] [التشبيه في قوله تعالىك {كأنهم خشب مسندة}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {كأنهم خشب مسندة} (¬1): إنما شبههم بالخشب دون غيرها، لأنه لما ذكر الطبع على قلوبهم وعدم فقههم وأنهم مع ذلك أجسام معجبة، شبههم بما له جسم في الصورة وليس له فهم، فقال: كأنهم خشب مسندة. وتشبيههم بالخشب في هذا السياق أحسن من تشبيههم بالحجارة وأشباهها، فإنها ليست في الغالب لها صورة أجسام الآدميين. وقال: مسندة، لأمرين: أحدهما: التنبيه على أنهم كالخشب ¬

_ (¬1) المنافقون: 4.

[إملاء 113] [معنى "أو" في قوله تعالى: {أو تفرضوا لهن فريضة}]

القائمة، فنبه على أن المراد أنها قائمة بقوله: مسندة، لأن الأخشاب لا تسند إلا وهي قائمة لاستغنائها عن الاستناد في غيره قيامها. وقد تقدم أن المراد عدم فقههم مع عظم أجسامهم، فناسب ذلك تشبيههم بالأخشاب القائمة وهي المسندة. والثاني: التنبيه على أنهم لا فائدة فيهم كالخشب عند عدم استعماله، فإن الخشب القائم ليسقف عليه أو غير القائم ليسقف به (¬1)، فيه فائدة. وأما المسندة فلا فائدة فيها في حال كونها مسندة" (¬2). والله أعلم بالصواب. [إملاء 113] [معنى "أو" في قوله تعالى: {أو تفرضوا لهن فريضة}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} (¬3): اختلف في (أو) هذه. فقيل: إنها التي بمعنى: إلا أن (¬4)، أو: إلى أن، فيكون (تفرضوا) في موضع نصب بإضمار "أن" أو بـ "أو" على رأي. وقيل: إن (أو) عاطفة على قوله: (تمسوهن)، أي: ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، فيكون مجزوماً بالعطف على (تمسوهن) (¬5). وإنما خالف الأولون الظاهر ¬

_ (¬1) به: سقطت من م. (¬2) قال الزمخشري: "شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحائط، ولأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع. وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به أسند إلى الحائط فشبهوا به في عدم الانتفاع". الكشاف 4/ 109. (¬3) البقرة: 236. (¬4) قال الزمخشري: "أو تفرضوا: إلا أن تفرضوا لهن فريضة، أو حتى تفرضوا". الكشاف 1/ 374. (¬5) قال أبو حيان: "والفعل بعد أن معطوف على تمسوهن، فهو مجزوم، أو معطوف على مصدر متوهم فهو منصوب على إضمار أن بعد أو بمعنى إلا، التقدير: ما لم تمسوهن إلا أن تفرضوا لهن فريضة، أو معطوف على جملة محذوفة، التقدير: فرضتم أو لم تفرضوا". البحر المحيط 2/ 231.

في (أو) لأحد أمرين: إما لأنها إذا جعلت بمعنى (أو) [العاطفة] (¬1) كان المعنى: لا جناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء إن طلقتم النساء إذا انتفى أحد هذين الأمرين، لأن (أو) العاطفة تستلزم ظاهراً معنى أحد الأمرين، وإذا استلزمت ذلك لم يستقم لأنه ينتفي أحد الأمرين وهو الفرض، فيلزم صداق المثل بالمسيس، أو ينتفي المسيس وهو أحد الأمرين، فيلزم نصف ما فرض. وإن كان المسيس منتفياً فلا يصح نفي الجناح عند انتفاء أحدهما لذلك. والثاني: أن المطلقات المفروضات لهن قد ذكرن ثانيا وترك ذكر الممسوسات لما تقدم من المفهوم، فلو كانت العاطفة لكان المفروضات في الذكر كالممسوسات، وليس الأمر كذلك. وإذا جعلت (أو) بمعنى: إلا أن، أخرجت عن مشاركة الممسوسات، فلم يلزم ظهور دخولهن معهن، ولذلك لم ير مالك (¬2) للمطلقات المفروض لهن قبل المسيس متعة، لأنه لم ير دخولهن في الآية المتقدمة لما ذكرن ثانيا. وجعل المتعة للمسوسات خاصة، أو لغير الممسوسات ولغير المفروض لهن، لأنه لما ذكر المطلقات المفروض لهن ثانيا بحرف الشرط دل ظاهراً على أنهن لم يكن مرادات أولاً. فلذلك حمل (ومتعوهن) على غيرهن (¬3). ¬

_ (¬1) زيادة من عندي يقتضيها المعنى. (¬2) هو الإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي. ولد سنة 95 هـ ومات سنة 179 هـ. أخذ العلم عن ربيعة ثم أفتي معه عند السلطان. قال ابن وهب: سمعت مناديا ينادي بالمدينة، ألا يفتي الناس إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب. انظر طبقات الفقهاء لأبي إسحق الشيرازي الشافعي ص 68 (حققه وقدم له الدكتور إحسان عباس). (¬3) انظر القرطبي 1/ 196.

[إملاء 114] [معنى قوله تعالى: {وما ينبغي له}]

ويمكن أن يقال عن الأول: لا يلزم أن يكون المعنى: ما أنتفى أحدهما، بل المعنى: ما لم يكن أحدهما. وفرق بين قول القائل: انتفى أحد الأمرين، وبين قول القائل: ما كان واحد من الأمرين. فإن الأول لا ينفي إلا (¬1) أحدهما لأنه نكرة ليست في صريح سياق النفي، والثاني ينفيهما جميعاً، لأنها نكرة في صريح سياق النفي. فإذا لا فرق في المعنى بين أن تكون: إلى أن، وبين أن تكون العاطفة. فكان حملها على العاطفة أولى، لأنه الأكثر. وإما فلا يلزم من مشاركتهن الممسوسات فيما ذكر مشاركته لهن فيما وراء ذلك. هذا مع أنه قد ذكر ثانيا ما يدل على انتقاء وهم المشاركة. والله أعلم بالصواب. [إملاء 114] [معنى قوله تعالى: {وما ينبغي له}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين وستمائة على قوله تعالى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} (¬2): يقال: ما ينبغي، بمعنى: ما يستقيم عقلاً، كقوله تعالى: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً} (¬3). ويقال: ما ينبغي، بمعنى: أنه ما يفعله الله لمصلحة علمها، كقوله تعالى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} ". وكقوله تعالى: {وما تنزلت به الشياطين. وما ينبغي لهم وما يستطيعون} (¬4). ويقال: ما ينبغي في الحرام والمكروه. والمصلحة التي علمها الله أنه لو كان ممن يقول الشعر لتطرقت التهمة عند كثير من الناس في أن ما جاء به من قبل نفسه لتقويه عليه بقوة الشعر، كما جعله ¬

_ (¬1) إلا: سقطت من د. (¬2) يس: 69. (¬3) مريم: 92. (¬4) الشعراء: 210، 211.

[إملاء 115] [معنى السلسبيل في قوله تعالى: {عينا فيها تسمى سلسبيلا}]

أميا لذلك. ألا ترى إلى قوله: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} (¬1). ولذلك قال في عقيب هذه الآية: {ويحق القول على الكافرين} (¬2). لأنه إذا انتفت الريب لم يبق إلا المعاندة فيحق القول عليهم حينئذ (¬3). والله أعلم بالصواب. [إملاء 115] [معنى السلسبيل في قوله تعالى: {عينا فيها تسمى سلسبيلاً}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {عينا فيها تسمى سلسبيلاً} (¬4): السلسبيل في اللغة وصف للمبالغة في السلسال (¬5). فيجوز أن يكون ههنا على بابه في الوصفية، كأن المعنى يوصف بذلك، كما تقول: زيد يسمى الشجاع، أي: يوصف به. وإنما لم يقل هنا: عيناً سلسبيلاً، لينبه على شهرته لهذا الوصف. ويجوز أن يكون علماً منقولاً عنه (¬6)، وصرف لأنه اسم لماء، مراعاة ¬

_ (¬1) العنكبوت: 48. (¬2) يس: 70. (¬3) قال الزمخشري: "وما ينبغي له: وما يصح له ولا يتطلب لو طلبه. أي: جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل". الكشاف 3/ 329. (¬4) الإنسان: 18. (¬5) قال ابن منظور: "السلسبيل: السهل المدخل في الحلق. ويقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل". اللسان (سلسل). (¬6) قال ابن قتيبة: "السلسبيل اسم العين". انظر تفسير غريب القرآن ص 503 (تحقيق السيد أحمد صقر). ونقل ابن منظور هذا القول عن الزجاج. اللسان (سلسل). واستبعد الفراء ذلك. معاني القرآن 3/ 217.

[إملاء 116] [إعراب قوله تعالى: {متكئين فيها}]

للتذكير، وجريه على العين لا يوجب اعتبار التأنيث، كما لا يوجب قولك: هذه النفس زيد، منع الصرف مراعاة للتأنيث، وكما تقول: هذه واسط. ويجوز أن يكون صرف لتناسب رؤوس الآي كما في قوله: {قواريراً} (¬1) وإجماع القراء على صرفه لا يمنع من ذلك. فقد يجمعون على أحد الجائزين إذا كان قوياً وإن لم يجمعوا على أحد الجائزين إذا كان ضعيفاً. وقد قيل: إن أصله: سل سبيلاً، على أنه أمر من سأل يسأل، و (سبيلاً) منصوب به، فيكون له لذلك تأويلان: أحدهما: أن يكون قوله: تسمى، تمام الكلام الأول، وحذف مفعول (تسمى) للعلم به، أي: توصف بمثل الزنجبيل لتقدم ذكره، ويكون (سل سبيلاً) استئنافاً، كأنه قيل: اسأل الطريق إليها والوصول، وفيه تعسف. والوجه الثاني: أن يكون (سل سبيلاً) على ذلك صير علماً اسماً لهذه العين ك "تأبط شراً" فجاء على الحكاية، كما تحكي الجمل، كما تقول: هذا يسمى: تأبط شراً (¬2). والله أعلم بالصواب. [إملاء 116] [إعراب قوله تعالى: {متكئين فيها}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى في {هل أتى على الإنسان}: {متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} (¬3): ¬

_ (¬1) الإنسان: 15. (¬2) والأحسن أن تبقى الكلمة على حالها، والمقصود منها غاية السلاسة. ووزنها فعلليل كما قال سيبويه. انظر الكتاب 4/ 303. وقدر الزمخشري زيادة الباء فيها. انظر الكشاف 4/ 198. (¬3) الإنسان: 13. والآية التي قبلها: "وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً".

[إملاء 117] [الفرق بين التسخير والإهانة]

لا يجوز أن ينتصب على الحال، لأنه إذا جعل حالا من (جزاهم) وجب أن يكون تقييداً له (¬1). فإن جعل في المعنى ماضياً صار المعنى: وجزاهم في حال كونهم متكئين في الجنة الجنة قبل ذلك، ولا يستقيم، وإن جعل مستقبلا فأبعد. فالأولى أن يكون منصوباً بفعل مقدر على المدح، كأنه قال: أمدح أبراراً متكئين فيها على الأرائك (¬2). والله أعلم بالصواب. [إملاء 117] [الفرق بين التسخير والإهانة] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {كونوا قردة خاسئين} (¬3). وقال: {كونوا حجارة} (¬4): الأول يسمى التسخير والثاني يسمى الإهانة. والفرق بينهما أن التسخير عبارة عن تكوينهم على جهة التبديل، أي: جعلناهم على هذه الصفة، والإهانة عبارة عن تعجيزهم فيما لا يقدرون عليه، أي: أنتم أحقر من ذلك. والله أعلم بالصواب. [إملاء 118] (*) [تعدية الفعل بعن] وقال أيضاً مملياً على قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (¬5): ¬

_ (¬1) قال أبو البقاء: "يجوز أن يكون حالاً من المفعول في جزاهم". إملاء ما من به الرحمن 2/ 276. (¬2) قال الفراء: "منصوبة كالقطع. وإن شئت جعلته تابعاً للجنة. كأنك قلت: جزاؤهم جنة متكئين فيها". معاني القرآن 3/ 216. (¬3) البقرة: 65. (¬4) الإسراء: 50. (¬5) النور: 63. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع، 119

[إملاء 119] [عطف الإخبار بالحال على الإخبار بالماضي]

إنما عدي بـ (عن) لما في المخالفة من معنى التباعد والحيد، كأن المعنى: الذين يحيدون عن أمره بالمخالفة، فكان الإتيان بـ (عن) أبلغ للتنبيه على هذا الغرض لما فيه من ذكر المخالفة من التنبيه على البعد والحيد مما لا ينبغي للعاقل ذلك فيه (¬1). وقد استدل به على أن الأمر يقتضي الوجوب لما تضمنته الآية من الوعيد على المخالفة، وهو لازم الوجوب. فإن قلت: الآية متضمنة الأمر بالحذر لمن يخالف، وحذر المخالف العذاب لا يفيده بعد المخالفة لحصول السبب المقتضي له، وقبلها لا يحذر عذاباً. قلت: هو على أحد وجهين: أحدهما: أن المحذر منه في المعنى المخالفة، ولكن لما كان لأجل مسببها جعل مسببها كأنه المحذر منه. والثاني: أن يكون المعنى: فليحذر الذين وقعت منهم المخالفة ذلك فيستدركوا ما فعلوه بالتوبة والرجوع إلى الله، فيكون ذلك سبباً لدفع العذاب عنهم. والله أعلم بالصواب. [إملاء 119] (*) [عطف الإخبار بالحال على الإخبار بالماضي] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون} (¬2): يحتمل وجهين: أحدهما: أن يراد أن الخروج كان واقعاً والصد كان حالهم حينئذ، فأخبر عن كل بما هو صالح له، فلما كان الخروج ماضياً أخبر عنه بالماضي ولما كان الصد حالاً أخبر عنه بالحال، أي: الذين حصل منهم الخروج وهم الآن صادون. الثاني: أن يكون الصد أيضاً كان في المضي، وإنما ¬

_ (¬1) ونقل القرطبي عن أبي عبيدة والأخفش أن (عن) في هذه الآية زائدة. الجامع لأحكام القرآن. 12/ 323. (¬2) الأنفال: 47. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع، 120

[إملاء 120] [إعراب قوله تعالى: {وتركهم في ظلمات لا يبصرون}]

عبر عنه بفعل الحال تنبيهاً على فظاعته وعظم المعصية به لما فيه من صورة المقاتلة للرد عن سبل الخير الواجب فعلها، والإعانة عليها. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون} (¬1). فأتي التكذيب بالفعل الماضي، وأتى القتل بفعل الحال ليخطر السامع مدلولة بباله، ومدلوله إنما هو الحال التي هو عليها، فيتبين حينئذ فظاعته لما فيه من التعدي على رسل الله تعالى الواجب اتباعهم وتعظيمهم، بخلاف التكذيب؛ إذ ليس فيه إلا مجرد كلام لا يبلغ ذلك المبلغ. والله أعلم بالصواب. [إملاء 120] [إعراب قوله تعالى: {وتركهم في ظلمات لا يبصرون}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {وتركهم في ظلمات لا يبصرون} (¬2). يجوز أن يكون (تركهم) بمعنى صيرهم. فيجوز أن يكون قوله: (في ظلمات) و (لا يبصرون) مفعولين من باب واحد ذكر أحدهما بعد الآخر (¬3)، كما تقول: صيرت زيداً عالماً عاقلاً، لأنها في المعنى أخبار. فكما جاز تعدد الأخبار جاز تعددها. ويجوز أن يكون الأول هو المفعول والثاني حالاً من الضمير المفعول في (تركهم)، أي: تركهم مستقرين في ظلمات في حال كونهم لا يبصرون. ويجوز أن يكون الأول حالاً والثاني هو المفعول، أي: وصيرهم غير مبصرين في حال كونهم في ظلمات، ويجوز و (تركهم) بمعنى: خلاهم، فلا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، فيكون (في ظلمات) و (لا يبصرون) ¬

_ (¬1) المائدة: 70. (¬2) البقرة: 17. (¬3) قال الزمخشري: "أصله: هم في ظلمات، ثم دخل ترك فنصب الجزأين". الكشاف 1/ 201.

[إملاء 121] [توجيه قراءات قوله تعالى: {بزينة الكواكب}]

حالين من الضمير في (تركهم) (¬1). والله أعلم بالصواب. [إملاء 121] [توجيه قراءات قوله تعالى: {بزينة الكواكب}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} (¬2): تطلق الزينة على ما يتزين به، وتطلق على المصدر، كقولك: زانه يزينه زينة. فمن قرأ بزينة الكواكب بالإضافة وهم الأكثرون، احتمل أن يراد ما يتزين به، ثم أضيف إلى الكواكب إضافة خاتم إلى حديد، لما كان ما يتزين به من أصناف متعددة، فأضيف إلى صنفه ليبين أنه المراد، ويجوز أن يراد المصدر، على أن التزيين وقع بما اشتملت عليه الكواكب من الصفات المخصوصة من النور والترتيب والهيئة المخصوصة التي هي عليها. فإضافتها كإضافة ضرب إلى زيد. وقراءة حمزة وحفص بزينة، منون، والكواكب مخفوض على أنه بدل (¬3) أو عطف بيان، فتكون الزينة على ما يتزين به، إذ لا يستقيم أن تكون الكواكب بدلاً أو عطف بيان من الزينة التي هي مصدر. وقرأ أبو بكر بزينة، منون، و (الكواكب) منصوباً، على أن يكون منصوباً بفعل مقدر (¬4)، أعني الكواكب، فتكون (زينة) أيضاً بمعنى ما يتزين به، لأن ¬

_ (¬1) قال النحاس: "لا يبصرون: في موضع الحال". إعراب القرآن 1/ 143. وقال القرطبي: "لا يبصرون: فعل مستقبل في موضع الحال، كأنه قال: غير مبصرين". 1/ 213. (¬2) الصافات: 6. (¬3) وإليه ذهب الأخفش. معاني القرآن 2/ 451. (¬4) أجازه النحاس، إعراب القرآن 2/ 739.

[إملاء 122] [رجوع الاستثناء في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا}]

الكواكب كالتفسير لها، إلا أن تقدر: أعني زينة الكواكب، وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فيجوز أن يكون بمعنى المصدر. ويجوز أن يكون في قراءة أبي بكر بدلاً من السماء، على أنه بدل اشتمال، كأنه قيل: إنا زينا الكواكب في السماء الدنيا بزينة، فتكون الزينة بمعنى المصدر. وأما قول من قول: إن الكواكب بدل من زينة على المحل (¬1) فضعيف ضعف قولهم: مررت بزيد أخاك، فلا ينبغي أن تحمل عليه قراءة ثابتة صحتها. ووجه ضعفه أنه إذا جعل بدلاً كان في المعنى معمولاً للعامل الأول، ولا يستقيم أن يكون العامل الأول مسلطاً باعتبار المعنى المقصود بنفسه. ألا ترى أنك لو قلت في: مررت بزيد أخاك، مررت أخاك، لم يجز، فكذلك إذا جعلته بدلا، والله أعلم بالصواب. [إملاء 122] [رجوع الاستثناء في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة أربع وعشرين على قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} (¬2)، إلى آخرها: استدل بهذه الآية على أنها جمل، وقد رجع الاستثناء فيها إلى الجميع (¬3) ¬

_ (¬1) وهو مذهب الزمخشري، الكشاف 3/ 335. ونسب النحاسب هذا الرأي لأبي إسحق. إعراب القرآن 2/ 739. (¬2) النور: 4. وتتمة الآية: "فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون". والآية التي بعدها: "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم". (¬3) الاستثناء في الآية التي بعدها، وهو قوله: "إلا الذين تابوا". فكان علي ابن الحاجب أن يأتي أيضاً بالآية التي بعدها، حتى يكون كلامه واضحاً، غير مبهم.

[إملاء 123] [إعادة الشهر في قوله تعالى: {غدوها شهر ورواحها شهر}]

وليس بمستقيم أما الجلد فلم يرجع الاستثناء إليه باتفاق. وأما قوله: {وأولئك هم الفاسقون}. فإنما جيء به لتقرير تعليل منع الشهادة فلم يبق إلا قوله: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً}. فوجب رجوع الاستثناء إليها، إذ لم يبق سواها (¬1). [إملاء 123] [إعادة الشهر في قوله تعالى: {غدوها شهر ورواحها شهر}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة خمس وعشرين وستمائة على قوله تعالى: {غدوها شهر ورواحها شهر} (¬2). الفائدة في إعادة لفظ الشهر الإعلام بمقدار زمن الغدو وزمن الرواح. والألفاظ التي تأتي مبينة للمقادير لا يحسن فيها بالإضمار. ألا ترى أنك تقول: زنة هذا مثقال وزنة هذا مثقال، فلا يحسن الإضمار كما لا يحسن في التمييز. وأيضاً فإنه لو أضمر فالضمير إنما يكون لما تقدم باعتبار خصوصيته. فإذا لم يكن له وجب العدول عن المضمر إلى الظاهر. ألا ترى أنك لو أكرمت رجلاً وكسوته لكانت العبارة: أكرمت رجلا وكسوته. ولو أكرمت رجلاً وكسوت غيره لكانت العبارة: أكرمت رجلا وكسوت رجلا. فتبين أن ذلك ليس من جعل الظاهر موضع المضمر لما تبين أنه لو أتى بالمضمر لم يستقم. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) ويروي عن الشعبي أنه قال: الاستثناء من الأحكام الثلاثة، إذا تاب وظهرت تويته لم يحد وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق. القرطبي 12/ 178. (¬2) سبأ: 12.

[إملاء 124] [إعراب "شكرا" في قوله تعالى: {اعملوا آل داود شكرا}]

[إملاء 124] [إعراب "شكراً" في قوله تعالى: {اعملوا آل داود شكرا}]. وقال أيضاً مملياً على قوله تعالى: {اعملوا آل داود شكراً} (¬1): يجوز أن ينتصب على أنه مفعول من أجله، أي: اعملوا من أجل الشكر على إحسانه. ويجوز أن يكون منصوباً على المصدر (¬2)، لأن المراد أمر بالعمل الذي هو شكر لأنه نوعه، فيكون من باب: قعد القرفصاء. وإما لأنه إذا عملوا فقد تضمن ذلك شكراً لا يحتمل العمل غيره، فيكون من باب: كتاب الله. ويجوز أن ينتصب على الحال، كأنه قال: شاكرين، فأوقع لفظ المصدر موقع الحال. ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به (¬3)، كأن العمل له تعلق بالشكر، كما تقول: عملت كذا فأجراه لذلك مجري المفعول به (¬4). والله أعلم بالصواب. [إملاء 125] [معنى "تبين" في قوله تعالى: {فلما خر تبينت الجن}] وقال أيضاً مملياً على قوله تعالى: {فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب} (¬5): فيه قولان: أحدهما: أن يكون (تبين) بمعنى: وضح، فيكون: (أن لو كانوا) مع ما في حيزه في موضع رفع بدلاً من الجن، وهو بدل الاشتمال (¬6)، ¬

_ (¬1) سبأ: 13. (¬2) في س: ويجوز أن ينتصب على المصدر. (¬3) في م: ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول به. (¬4) هذه الوجوه الأربعة التي ذكرها ابن الحاجب في نصب (شكراً) ذكرها الزمخشري، الكشاف 3/ 283. (¬5) زينه 14. (¬6) قال الزمخشري: "أن مع صلتها بدل من الجن، بدل الاشتمال". الكشاف 3/ 283.

[إملاء 126] [إعراب "طولا" في قوله تعالى: {ولن تبلغ الجبال طولا}]

أي: وضح أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب، أي: وضح أمرهم في جهلهم بالغيب. والثاني: أن يكون (تبين) بمعنى: علم، فيكون على حذف مضاف في الجن وحذف مضاف من (كانوا)، أي: تبين ضعفاء الجن أو اتباع الجن (¬1) أن لو كان (¬2) رؤساؤهم أي: تبين: الضعفاء الذين كانوا يوهمونهم علم الغيب جاهلون به. والله أعلم بالصواب. وأما تقدير مضاف من الجن، على أن معنى (تبين) وضح، وجعل (أن لو كانوا)، مع ما في حيزه بدل كل من كل، أي: تبين أمر الجن أن لو كانوا، فتقدير مستغني عنه. والله أعلم بالصواب. [إملاء 126] [إعراب "طولا" في قوله تعالى: {ولن تبلغ الجبال طولا}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة خمس وعشرين على قوله تعالى: {إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً} (¬3): الأحسن أن يكون (طولا) تمييزاً (¬4)، إما عن الفاعل، أي: لن يبلغ طولك الجبال، وإما عن المفعول، أي: لن تبلغ طول الجبال. وأما نصبه على الحال من الفاعل أو المفعول على معنى: طويلاً، فضعيف يأباه اللفظ. أما اللفظ فواضح، وأما المعنى فلما يجب من تقدير: ولن تبلغ في حال كونك طويلاً، أو في حال كونها طويلة، وليس المعنى عليه. ¬

_ (¬1) الجن: ساقطة من س. (¬2) في د، س: كانوا. والصواب ما أثبتناه. (¬3) الإسراء: 37. (¬4) أجازه أبو البقاء. إملاء ما من به الرحمن 2/ 92.

[إملاء 127] [معنى "ما" في قوله تعالى: {ليجزيك أجر ما سقيت لنا}]

وأما نصبه على معنى: مطاولاً، فبعيد من حيث أن طولا لم يثبت استعماله بمعنى مطاول. وأما نصبه على وجه نصب قوله: ذهبت طولاً وذهبت عرضاً (¬1)، على معنى: ذهبت في طول، أو ذهبت آخذاً في طول، فليس ببعيد. والله أعلم بالصواب. [إملاء 127] [معنى "ما" في قوله تعالى: {ليجزيك أجر ما سقيت لنا}] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة خمس وعشرين على قوله تعالى: {ليجزيك أجر ما سقيت لنا} (¬2): ما: مصدرية (¬3). والمعنى: ليجزيك أجر سقيك لنا، لأنه الذي فعله. ألا ترى إلى قوله: {فسقى لهما} (¬4). ولا يحسن أن تكون موصولة لأنه يلزم أن تكون للغنم، لأن التقدير حينئذ: الذي سقيته لنا، والذي سقاه لهما هي الغنم، والأجر إنما يكون على فعله، لا ما تعلق به فعله. فيلزم أن يكون التقدير: أجر سقي الغنم التي سقيتها لنا، فيحتاج إلى تقدير سقي آخر مع الضمير العائد على الموصول من غير حاجة. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) إشارة إلى قول العماني كما في الكتاب 1/ 163. إذا أكلت سمكاً وفرضاً ... ذهبت طولاً وذهبت عرضاً (¬2) القصص: 25. (¬3) قال أبو البقاء: "هي مصدرية، أي: أجر سقيك". إملاء ما من به الرحمن 2/ 177. (¬4) القصص: 24.

[إملاء 128] [تعلق "إذا" في قوله تعالى: {فإذا هم فريقان يختصمون}]

[إملاء 128] [تعلق "إذا" في قوله تعالى: {فإذا هم فريقان يختصمون}] وقال أيضاً مملياً على قوله تعالى: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون} (¬1): يجوز أن تكون (إذا) متعلقة بمحذوف دل عليه معناها الذي هو المفاجأة كأنه قيل: فوجئوا حينئذ أو كانوا أو حصلوا. ويجوز أن تتعلق بما في (فريقان) من معنى الفعل، لأن المعنى: فإذا هم متفرقون، على تقدير: فحينئذ افترقوا. ويجوز أن يتعلق بـ (يختصمون) إذا لم تجعله صفة، لأن الصفة لا يتقدم عليها معمولها. كأنه قيل: فحينئذ اختصموا. وأما (يختصمون) فيجوز أن يكون صفة (¬2) لـ (فريقان)، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر. ويجوز أن يكون حالاً مما في (فريقان) من معنى الفعل، أي: افترقوا مختصمين. ويجوز أن يكون حالاً مما في (إذا) من معنى الفعل، وذلك بشرط أن تجعله معمولاً لمحذوف لا لـ (فريقان) ولا لـ (يختصمون). ألا ترى أنك إذا جعلت "فيها" في قولك: زيد فيها قائم، متعلقا بـ "قائم" لم يجز أن ينتصب عنه حال ولا غيره، لكن ينتصب عن العامل فيه، فكذلك هذا. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) النمل: 45. (¬2) قال أبو البقاء: "ويختصمون صفة وهي العاملة في إذا". إملاء ما من به الرحمن 2/ 173.

[إملاء 129] [التمييز من أفعل التفضيل لا يكون إلا فاعلا في المعنى]

[إملاء 129] [التمييز من أفعل التفضيل لا يكون إلا فاعلاً في المعنى] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة خمس عشرة على قوله تعالى: {أحصى لما لبثوا أمدا} (¬1): يمتنع أن يكون (أمداً) تمييزاً عن أحصى (¬2)، لأن التمييز من أفعل التفضيل لا يكون إلا فاعلاً في المعنى للفعل المأخوذ منه أفعل. مثاله قولك: زيدً أحسن وجها. فـ "وجهاً" فاعل في المعنى لفعل "أحسن" الذي هو حسن، كأنك قلت: حسن وجهه. فلو جعلت (أمداً) منصوباً على التمييز لوجب أن يكون فعل (أحصى) منسوباً إليه على الفاعلية فيكون الأمد هو المحصى، وليس كذلك (¬3). والله أعلم بالصواب. [إملاء 130] [اللام في "لسوف"] وقال أيضاً مملياً على قوله تعالى: {ويقول الإنسان إذا ما مت لسوف أخرج حيا} (¬4): اللام في (لسوف) لام تأكيد وليست لام الابتداء، لأنها لو كانت لام الابتداء لوجب أن يكون معها الابتداء. فإن قيل: أقدر المبتدأ محذوفاً وأبقى ¬

_ (¬1) الكهف: 12 وقبلها: "ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين". (¬2) قال أبو البقاء: "وإنما الوجه أن يكون تمييزاً". إملاء ما من به الرحمن 2/ 99، ويفهم من كلام الفراء أنه أجاز هذا الوجه. معاني القرآن 2/ 136. (¬3) ولم يذكر لنا ابن الحاجب رأيه في إعراب هذه الكلمة، وهذا مما يؤخذ عليه في أماليه فإنه يأتي أحياناً بمسائل ولا يذكر رأيه فيها. (¬4) مريم: 66.

[إملاء 131] [المعنى عند دخول الاستفهام الإنكاري على الشرط]

اللام داخلة على الخبر، كان فاسداً من جهة أن اللام مع المبتدأ كقد مع الفعل وإن مع الاسم. فكما لا يحذف الفعل والاسم وتبقى قد وإن بعد حذفهما، فكذلك لا تبقى اللام بعد حذف الاسم التي هي له. وأيضاً فإنه يضعف مثل: لسوف يقوم زيد، لأن المعنى حينئذ يكون: لزيد لسوف يقوم، ولا يخفى ضعفه. وأيضاً فإنه يؤدي إلى التزام إضمار لا حاجة إليه، فكان على خلاف الأصل. وممن قال: إنها للابتداء، الزمخشري في كشافه (¬1) في قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} (¬2). ومما يرد عليه قوله تعالى: {وإن ربك ليحكم} (¬3). اللام لمجرد التأكيد، مثلها في قولك: إن زيداً لقائم. ولا يصح أن تكون للحال، لأن المعنى على الاستقبال (¬4)، ولا يمكن أن يكون ما يشعر بالحال، فثبت هذه اللام التي ذكرها للحال لا تكون له، وإنما هي لام الابتداء دخلت عليها "إن" فأخرت إلى خبرها في قولك: إن زيداً لقائم، وقد صرح بذلك في مفصله (¬5)، وقال: "ويجوز عندنا إن زيداً لسوف يقوم. ولا يجيزه الكوفيون". ولو كانت للحال لتناقض مع سوف، وقياس مذهبه أن يمنع كالكوفيين. وقد أجازه بناء على أنه لام "إن". والله أعلم بصواب. [إملاء 131] [المعنى عند دخول الاستفهام الإنكاري على الشرط] وقال مملياً: إذا دخل الاستفهام الإنكاري على الشرط كان المعنى إنكار أن يكون الجواب معلقاً عليه. فإذا قلت: أإن أكرمتك أهنتني؟ كان المعنى ¬

_ (¬1) 4/ 264. (¬2) الضحى: 5. (¬3) النحل: 124. (¬4) قال الزمخشري: "فإن قلت: لام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال فكيف جامعت حرف الاستقبال؟ قلت: لم تجامعها إلا مخلصة للتوكيد". الكشاف 2/ 517. (¬5) ص 328.

[إملاء 132] [توجيه قراءة قوله تعالى: "وأرجلكم"]

إنكار أن تكون الإهانة مسببة عن الإكرام، والأكثر إدخال الهمزة الإنكارية على ما هو معنى الجواب مقدماً على الشرط، ثم ذكر الشرط بعده، مثل: أتهينني إن أكرمتك؟. وإذا كان الإنكار باعتبار شرط مستقبل كان الفعل المقدم مضارعاً، وإن كان باعتبار شرط ماض في المعنى كان الفعل المقدم ماضياً إن قصد التوبيخ، ومضارعاً إن قصد النهي، فتقول: أضربت زيداً لما أكرمك؟ توبيخاً له على الضرب المسبب عن الإكرام. وتقول: أتضرب زيداً لما أكرمك؟ نهيا له عن أن يفعل (¬1) ذلك بعد إكرامه. ومنه قوله تعالى: {أتقولون للحق لما جاءكم} (¬2)، والمعنى: أتقولون الحق لما جاءكم أنه سحر أو شعر؟ على ما دل عليه قرائن أحوالهم بما كانوا يقولونه (¬3). ولا يصلح أن يكون: أسحر هذا؟ من تتمة القول المنكر عليهم، لأنهم لم يكونوا مستفهمين عنه، وإنما حذف المقول لدلالة قوله: أسحر هذا؟ وهو أيضاً إنكارُ أن يكون مثل هذا سحراً. والمعنى: نهيهم عن أن يقولوا هذا القول مسبباً عن أمر يقتضي نقيضه، وهو مجيء الحق. والله أعلم بالصواب. [إملاء 132] [توجيه قراءة قوله تعالى: "وأرجلكم"] وقال أيضاً ممليا على قوله تعالى: {وأرجلكم} (¬4): من قرأ بالخض (¬5) فعطفا على قوله: بؤوسكم. والمراد: واغسلوا ¬

_ (¬1) في د: تفعل، وما أثبتناه هو الصحيح. (¬2) يونس: 77. (¬3) قال الزمخشري في معناها: "أتعيبونه وتطعنون فيه، وكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه". الكشاف 2/ 247. (¬4) المائدة: 6، وقبلها: "وامسحوا بؤوسكم". (¬5) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحكزة. وقراءة نافع وابن عامر والكسائي بالنصب. وقراءة الحسن والأعمش بالرفع. انظر القرطبي 6/ 91.

[إملاء 133] [الجمع بين الناصية وناصية كاذبة في سورة العلق]

أرجكلم. وليس الخفض على المجاوزة، وإنما على الاستغناء بأحد الفعلين عن الآخر، والعرب إذا اجتمع فعلان متقاربان في المعنى، ولكل واحد متعلق، جوزت ذكر أحد الفعلين، وعطفت متعلق المحذوف على المذكور على حسب ما يقتضيه لفظه حتى كأنه شريكه في أصل الفعل إجراء لأحد المتقاربين مجرى الآخر، كقولهم: تقلدت بالسيف والرمح، وعلقتها بالتبن والماء (¬1). وقال الإمام (¬2): إنه مخفوض على الجوار (¬3)، وليس يجيد، إذ لم يأت الخفض على الجوار في القرآن ولا في الكلام الفصيح، وإنما هو شاذ في كلام من لا يؤيه له من العرب، فلتحمل الآية على ما ذكر. والله أعلم بالصواب. [إملاء 133] [الجمع بين الناصية وناصية كاذبة في سورة العلق] وقال وقد سُئل عن قوله تعالى: {لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة} (¬4): فقيل: لم حسن الجمع بين الناصية وناصية كاذبة خاطئة، وهلا اقتصر على أحدهما دون الأخرى؟ فالجواب: أن الأولى ذكرت للتنصيص على ناصية المذكور الناهي، وذكرت الثانية تنبيهاً بالصفة على علة السفع ليشمل بذلك ظاهر أكل ناصية هذه صفتها. والله أعلم بالصواب. ¬

_ (¬1) قال الشاعر: علقتها تبنا وماء بارداً ... حتى غدت همالة عيناها (¬2) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، إما الحرمين. ولد سنة 419 هـ وتوفي سنة 478 هـ. من كتبه البرهان في أصول الفقه، والإرشاد، والشامل. انظر وفيات الأعيان 3/ 167. (¬3) ما قاله الإمام هو: "والمصير إلى أنه محمول على محل (رؤوسكم) أمثل وأقرب إلى قياس الأصول من حمل قراءة الكسر على الجوار. وقال أيضاً: وكسر الجوار خارج عن القانون". انظر: البرهان 1/ 550 (تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب). (¬4) العلق: 16.

[إملاء 134] [الكلام في إعراب قوله تعالى: {أبعث الله بشرا رسولا}]

[إملاء 134] [الكلام في إعراب قوله تعالى: {أبعث الله بشراً رسولا}] وقال أيضاً ممليا على قوله تعالى: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولا} (¬1): (رسولاً) نعت لبشر، والمعنى: إنكارهم بشراً موصوفاً بصفة الرسالة. وقول الجرجاني (¬2): إنه لا يستقيم أن يكون صفة لما يؤدي إليه أن يكون رسولا قبل البعث، ولا يستقيم، أخذاً من أن الصفة يجب ثبوتها للموصوف قبل الحكم، فيلزم ذلك غلط. والجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن ما ذكره إنما يكون في الإثبات لا في النفي، والإنكار نفي. ولو كان ما زعمه مستقيماً لم يستقم أن يقال: ما في الوجود إله ثان، لأنه يلزمه فساده بعين ما ذكره، إذ لا يستقيم نفي ثبوته، ويعد ثبوته لا يستقيم نفي ثبوته. وحل الإشكال من وجهين: أحدهما: وهو قول الأكثرين أن نفي الجمع في مثل ذلك لم يرد على شيء بعد تحققه، وإنما معنى مثل قولك: لا تجتمع حركة وسكون: أنك تفهمت الجمع المطلق ثم نسبته إلى الحركة. والسكون، فوجدت العقل يأباه، لا أنك تعقلته مثبتاً ثم نفيته، فكذلك ما ذكرناه على توهمهم الاستحالة في أن يكون بشر رسول، وعلى هذا قولهم: يستحيل اجتماع الضدين، وجميع ما يأتيك. وهؤلاء هم القائلون باستحالة تعقل الأمر على خلاف حقيقته. الوجه الثاني: أن يكون متعقلاً في الذهن وإن كان مستحيلاً في الوجود، فينفي باعتبار الوجود وإن كان ¬

_ (¬1) الإسراء: 94. (¬2) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني. كان من كبار أثمة العربية، في النحو والبلاغة والبيان. صنف المغني في شرح الإيضاح، المقتصد في شرحه، إعجاز القرآن الكبير والصغير، الجمل، العوامل المئة. توفي سنة 484هـ، انظر بغية الوعاة 2/ 106، إنباه الرواة 2/ 188.

[إملاء 135] [إعراب قوله تعالى: {وأسروه بضاعة}]

معتقلا ثبوته، فعلى هذا يكون البشر الرسول متعقلا عندهم في الذهن، وإنما أنكروا وجوده. والوجه الثاني (¬1): أن نسلم أن ذلك جار في النفي والإثبات، ولا يلزم ما ذكروه ههنا، لأن حصول البعث مستلزم للرسالة، فعند بعثه يكون رسولا، فيصح وصفه، فلا يلزم توقف أحدهما على الآخر، فيندفع الإشكال. وحمله هؤلاء على الحال لما تخيلوه، وارتكبوا من أجل ذلك صحة الحال من النكرة. ولا يستقيم أن يكون عطف بيان، لأن من شرطة أن يكون اسماً غير صفة في الأصل. ولا يستقيم أن يكون بدلاً لأنه لابد له من موصوف مقدر، فيكون التقدير: أبعث الله بشراً بشراً رسولاً؟ فيرجع الأمر إلى ما كان عليه. فإن قدر موصوف غير ذلك كان من بدل الغلط، ولا يستقيم في المعنى حمل القرآن عليه (¬2). والله أعلم. [إملاء 135] [إعراب قوله تعالى: {وأسروه بضاعة}] وقال مملياً على قوله تعالى: {وأسروه بضاعة} (¬3): يجوز أن يكون حالاً على معنى: وأسروه متجوراً فيه أو تاجرين (¬4)، إما من ¬

_ (¬1) من الجواب على الجرجاني. (¬2) وذكر أبو حيان أنه يجوز أن يكون مفعولاً لبعث، (وبشرا) حال متقدمة عليه. البحر المحيط 6/ 81. (¬3) يوسف: 19. (¬4) أجازه النحاس في إعراب القرآن 2/ 130، والزمخشري في الكشاف 2/ 309، ومكي بن أبي طالب في مشكل إعراب القرآن ص 382، والعكبري في إملاء ما من به الرحمن 2/ 51.

[إملاء 136] [تعلق "لكما" في قوله تعالى: {إني لكما من الناصحين}]

الفاعل أو المفعول. ويحتمل أن يكون مفعولاً من أجله (¬1)، أي: كتموه لأجل تحصيل المال فيه لأنه كان على حال تقتضي التجارة كتمانة خوفاً من أن تمتد الإطماع من غيرهم لما كان عليه من الجمال. ولا يجوز أن يكون تمييزاً لأنه ليس من باب: عشرين، ولا من باب: حسن زيد وجهاً، لما يؤدي إليه من أن الأسرار كان لبضاعته لا له، وهو خلاف المعنى. والله أعلم. [إملاء 136] [تعلق "لكما" في قوله تعالى: {إني لكما من الناصحين}] وقال مملياً على قوله تعالى، {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} (¬2): الظاهر في (لكما) في مثل هذا ونحوه أنه متعلق بـ (الناصحين) ونحوه، لأن المعنى عليه. ولا يرتاب في أن المعنى: أني من الناصحين لكما، وأن اللام إنما جيء بها لتخصيص معنى النصح بالمخاطبين. وإنما فر الأكثرون لما فهموا من أن صلة الموصول لا تعمل فيما قبل الموصول. والفرق عندنا أن الألف واللام لما كانت صورتها صورة الحرف المنزل جزءاً من الكلمة صارت كغيرها من الأجزاء التي لا تمنع التقدم، ففرق بينها وبين الموصولات لذلك، كما فرق بينهما بالاتفاق في جعل هذه الصلة اسم فاعل أو مفعول، لتكون مع الحرف كالاسم الواحد، ولذلك لم توصل (¬3) بجملة اسمية لتعذر ذلك فيها، وهذا واضح ولا حاجة إلى التعسف. والفارون من ذلك اختلفوا فقال قوم: متعلق بما دل عليه (لمن الناصحين) كأنه قيل: إني لمن الناصحين لكما لمن الناضحين، فجعلوا (لمن الناصحين) المذكور تفسيراً للمحذوف المتعلق ¬

_ (¬1) ولم أر أحداً ذكر هذا الوجه. وهو لا يبعد عن الصواب. (¬2) الأعراف: 21. (¬3) في "د": تصلح. وهو تحريف.

[إملاء 137] [معنى قوله تعالى: {وما علمي بما كانوا يعملون}]

(لكما) به. وقال قوم: متعلق بمحذوف مستقل كأنه قال: إرادتي لكما أو تخصيصي لكما، فكأنها عندهم جملة معترضة جيء بها لغرض التخصيص. وقال قوم: متعلق بما تعلق به قوله (من الناصحين) لأن (من الناصحين) واقع خبراً متعلق بمحذوف باتفاق، فيتعلق أيضاً به (لكما)، كأنه قال: إني حاصل من الناصحين لكما، فيجعل المعنى أن اللام أوصلت معنى حصول النصح للمخاطبين، لا أنها متعلقة بالنصح، وكله تعسف لا حاجة إليه. والله أعلم. [إملاء 137] [معنى قوله تعالى: {وما علمي بما كانوا يعملون}] وقال مملياً على قوله تعالى: {قال وما علمي بما كانوا يعملون} (¬1): إن كان المراد بـ (الأرذلون) (¬2) أصحاب الصناعات الخسيسة على معنى الاستهانة بهم لحاقرتهم عندهم باعتبار صنائعهم، فيكون معنى قوله: وما علمي، على معنى نفي أن يفيد العلم بالصنائع أحوال أصحابها وبواطنهم، أي: أن الصنائع لا اعتبار بها إذا كانت الديانة مستقيمة. ولذلك أعقبه بقوله: {إن حسابهم إلا على ربي}. والحساب إنما يكون باعتبار أفعال الديانات، فنبه على أن المراد ذاك لا غيره. وإن كان المراد: واتبعك الأرذلون، باعتبار أفعال الديانات إما لأن صنائعهم دلت على ذلك في اعتقادهم على سبيل التحكم منهم، فيكون (وما علمي) نفياً لما ادعوه، أي: أن ذلك غير معلوم لي فلا يكون معلوماً لكم، فكأنه رد عليهم ادعاءهم بعلم بواطنهم، وأعقبه بقوله: إن حسابهم إلا على ربي، تنبيهاً على أن ذلك مما لا يعلمه إلا الله (¬3). والباء ¬

_ (¬1) الشعراء: 112. (¬2) في الآية السابقة وهي قوله تعالى: "قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون". (¬3) قال القرطبي في معناها: "أي لم أكلف العلم بأعمالهم، إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان، والاعتبار بالإيمان لا بالحرف والصنائع". 1 الجامع لأحكام القرآن 13/ 120.

[إملاء 138] [إعادة الجار والمجرور في قوله تعالىك {يكفر بها ويستهزأ بها}]

متعلقة بـ (علمي). و (ما) استفهامية استعملت للإنكار على ما هو المعروف فيها عندهم. والله أعلم. [إملاء 138] [إعادة الجار والمجرور في قوله تعالىك {يكفر بها ويستهزأ بها}] وقال مملياً على قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم} (¬1): إنما أعيد الجار والمجرور في قوله: يكفر بها ويستهزأ بها، لأنه لو حذف من (¬2) الثاني لم يكن مرتبطاً لوجوب الضمير في وما وقع مفعولاً ثانيا أو كالمفعول الثاني لـ (سمعتم)، ولو حذف من الأول لم يكن نصاً في أن الكفر متعلق بالآيات، لجواز أن يكون متعلق الأول غير متعلق الثاني، لأنك لو قلت: ضربت وأكرمت زيداً، لم يتعين أن يكون متعلق الضرب زيدا، وإن كان هو الظاهر. ووجه آخر وهو: أنهما وقعاً جميعاً في سياق ما يفتقر إلى الضمير (¬3) فلزم لذلك في كل واحد منهما. ألا ترى أنك إذا قلت: زيد مررت به واستهزأت به، لم يحسن إلا بإعادة الضمير فيهما، لأن الفعل الأول هو الواقع خبراً، فلابد من الضمير. والفعل الثاني معطوف عليه، ومن حكم كل معطوف أن يفتقر إلى ما افتقر إليه المعطوف عليه (¬4). والله أعلم. ¬

_ (¬1) النساء: 140. (¬2) من: سقطت من ن. (¬3) في د: المضمر. (¬4) قال الرضى: "إن كل حكم يجب للمعطوف عليه بالنظر إلى ما قبله لا بالنظر إلى نفسه يجب ثبوته للمعطوف، كما إذا لزم في المعطوف عليه بالنظر إلى ما قبله كونه جملة ذات ضمير عائد إليه لكونه صلة له لزم مثله في المعطوف، وكما إذا اقتضى ما قبله كونه نكرة كمجرور رب أو المجرور بكم وجب كون المعطوف كذلك". شرح الكافية 1/ 321.

[إملاء 139] [إعادة الاسم الظاهر بدلا من الضمير في قوله تعالى: {لما بين يديه من التوراة}]

[إملاء 139] [إعادة الاسم الظاهر بدلاً من الضمير في قوله تعالى: {لما بين يديه من التوراة}] وقال أيضاً مملياً على قوله تعالى: {وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة} (¬1). إنما أعيد لفظ التوراة لأمرين، أحدهما: التعظيم المعروف في مثل قوله: إلى الله، إن الله، وهو كثير. وقوله: لا أرى الموت يسبق الموت شيء (¬2). والثاني: رفع اللبس لأنه قد تقدم ما يجوز أن يعود الضمير إليه غير التوراة من الآثار والهدى والنور. فكان لفظ التوراة أدفع للبس. والله أعلم بالصواب (¬3). ... ¬

_ (¬1) المائدة: 46. (¬2) سبق الكلام عنه في الإملاء (28) من هذا القسم. ص: 153. (¬3) بعدها في نسخة الأصل: فرغ من نسخة صاحبة عبد الرحمن بن يحيى بن عمرو المذهبي التبريزي عفاً الله عنه ضحوة يوم الأحد 13 من ذي الحجة سنة 681 في مدينة دمشق المحروسة في الخافونية الجوانية.

ما يتعلق بكتاب المفصل من هذه الأمالي

ما يتعلق بكتاب المفصل من هذه الأمالي

[إملاء 1] [حد الكلمة]

[إملاء 1] [حد الكلمة] بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه أجمعين. قال الشيخ رحمه الله مملياً بدمشق سنة عشرين وستمائة: قول الزمخشري (¬1): "الكلمة هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع". الأولى أن يقال: اللفظ الدال، لأن قوله: اللفظة، إما أن يريد به اللفظ باعتبار حقيقته من غير قصد إلى متميز منه كالضرب، وإما أن يريد المتميز منه كالضربة. فإن أراد الأول فليس بمستقيم، لأن اللفظة كالضربة، فكما لا تطلق الضربة على معنى الضرب فكذلك لا تطلق اللفظة على معنى اللفظ. وإن أراد به معنى الضرب فليس بمستقيم لأنه لابد من تحقق تميزها كتميز مدلول الضربة والجلسة. وإذا لم يكن بد من تميزها، فكل ما يقدر تميزها به إن كان منتهى ما يمكن تقديره في الزيادة ورد عليه [ما] (¬2) دونه، وإن كان منتهى القلة ورد عليه ما فوقه، وإن كان متوسطاً ورد عليه ما فوقه وما تحته جميعاً. فإنه إن قدر اللفظة مثلاً ما هو عشرة أحرف ورد عليه ما دونها. وكذلك الباقي (¬3). والله أعلم. ¬

_ (¬1) المفصل ص 6. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) قال ابن الحاجب في الإيضاح: "وقوله: اللفظة، إن أراد أقل ما ينطلق عليه اللفظ،

[إملاء 2] [العلم الواقع على الجنس]

[إملاء 2] [العلم الواقع على الجنس] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الزمخشري (¬1): "فإنه موضوع للجنس بأسره": غير مستقيم، لأنه إما إن يريد أنه موضوع له باعتبار شموله للجنس فليس كذلك. فإن قولنا: قتله أسامة، لا يدل على ذلك. وإما أن يريد أنه موضوع لكل واحد من أحاده، فهو أيضاً غير مستقيم (¬2)، لأن الموضع موضع يراد فيه تبين وجه علميته، وما ذكره تقرير الشبهة الواردة على علميته. [إملاء 3] [حد التوابع] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في التوابع (¬3): "هي الأسماء التي لا يمسها الإعراب إلا على سبيل التبع لغيرها": غير جيد لوجيه: أحدهما: أنه ذكر لفظ التبع فيه، ومن جهل التابع جهل التبع. والآخر: أنه بينه بما يتوقف عليه، لأن الغرض أن يعرف التابع فيعطي إعراب متبوعة، فإذا عرفناه بإعراب متبوعه جر ذلك إلى الدور. ¬

_ (¬1) المفصل ص 9. والعبارة فيه: فإن العلم فيه للجنس بأسره. (¬2) في س: فليس بمستقيم. (¬3) المفصل ص 110.

[إملاء 4] [مسألة في "إذ" و"إذ"]

[إملاء 4] [مسألة في "إذ" و"إذ"] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة سبع عشرة على قول الزمخشري (¬1): "وقد استقبحوا: إذ زيد قام". لأنه يلزم منه تغيير خبر الجملة الاسمية عن الاسم إلى الفعل من غير فائدة. ألا ترى أنك إذا قلت: إذ زيد قائم، فهم منه ما يفهم من قولك: إذ زيد قام، وليس كذلك: زيد قام، من غير إذ، لأن هذا التغيير لغرض إفادة المضي، ولا يفيده الخبر إذا كان اسماً، فلا يلزم من صحة تغيير الخبر إذا كان اسماً لغرض مستقيم صحة تغيير لا لغرض مستقيم (¬2). فإن قيل: فقد قالوا: إذا زيد يقوم، ولم يستقبحوه. فالجواب: أن ذلك غير لازم، لأن المذهب المعمول عليه أن "إذا" لا يقع بعدها إلا الفعل، فزيد فاعل وليس بمبتدأ (¬3)، ويقوم: مفسر للفعل المحذوف، حتى لو جعل (¬4) موضعه اسم لم يجز، فلا يرد على هذه القاعدة أصلاً، لأنه واجب أن يكون فعلاً وواجب أن يكون الاسم قبله فاعلاً لأمر مناسب وهو اقتضاؤها الفعل وتفسير المحذوف بفعل بعد الاسم. فإن قيل: فقد قيل: إن "زيد" بعد إذا مبتدأ، وما بعده خبر، فكيف استقام ذلك على هذا المذهب، ولم يستقم: إذ زيد قام؟ قلت: لا التزم توجيه المذاهب الرديئة. ثم أقول على تقدير الالتزام: إن الفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن الفعل المضارع أقرب إلاى الاسم من الماضي، فجاز وقوعه موقعه لقربه ومشابهته له، والذي يؤكده قولهم: جاء زيد يضرب، موضع "ضارباً". ولا يقولون: جاء زيد ¬

_ (¬1) المفصل ص 170. (¬2) انظر الإيضاح لابن الحاجب 1/ 511. (¬3) خلافاً للأخفش. مغني اللبيب 1/ 97 (دمشق). (¬4) في الأصل وفي م، س: جعلت. والصواب ما أثبته.

[إملاء 5] [حقيقة التمييز المنتصب عن الجملة]

ضرب (¬1)، إلا مع قرينة أخرى تشعر بالحالية (¬2)، فلا يلزم من وقوع المضارع موقع الاسم لمشابهته له وقوع الماضي مع بعده عنه. والوجه الثاني: أن "يقوم" لا دلالة له على الاستقبال صريحاً، و"قام" في: إذ زيد قام، صريح في المضي، ولذلك لا يحسن: إذا زيد سيقوم، فلا يلزم من امتناع وقوع ما يدل على ما دل عليه الأول امتناع وقوع ما لا دلالة له على ما دل عليه الأول. [إملاء 5] [حقيقة التمييز المنتصب عن الجملة] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة عشرين وستمائة على قوله في المفصل في التمييز لما ذكر المنتصب عن المفرد والجملة، وأن قوله: {ومن أحسن قولا} (¬3). {ومن أصدق من الله حديثا} (¬4). أن التمييز فيه منتصب عن جملة، مثله في: طاب زيد أبا (¬5). وهذا ليس بمستقيم، لأن حقيقة التمييز المنتصب عن الجملة أن يكون مبيناً للإبهام الناشئ عن النسبة فيها، كقولك: حسن زيد وجهاً. ومعلوم أنك إذا قلت: زيد حسن وجهاً، أنه ليس منصوباً عن الإبهام الناشئ من نسبة الخبر إلى المبتدأ، بل من الإبهام الناشئ من نسبة الصفة إلى الضميرن ويبين لك ذلك قولك: زيد حسن غلامه وجهاً، وليس انتصاب "وجهاً" ههنا بملبس في أنه عن نسبة شيء إلى زيد، وإنما هو عن نسبة الحسن إلى الغلام؛ كذلك إذا ¬

_ (¬1) وقد أجاز الكوفيون ذلك، وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش من البصريين. انظر الإنصاف في مسائل الخلاف مسألة 32. (¬2) وذلك إذا دخلت عليه قد، أو كان وصفاً لمحذوف. انظر الإنصاف مسألة 32. (¬3) فصلت: 33. (¬4) النساء: 87. (¬5) المفصل ص 65.

[إملاء 6] ["إذا" الظرفية المتضمنة معنى الشرط]

قلت: زيد حسن وجهاً، لأنك تعلم أن نسبة الحسن إلى الضمير كنسبته إلى الغلام، وإذا وضح أن "وجهاً" في قولك: زيد حسن غلامه وجهاً، منتصب عن نسبة الحسن إلى الغلام علمت أن وجهاً في قولك: زيد حسن وجهاً، منتصب عن نسبة حسن إلى الضمير. وإنما جاء الوهم من جهة أن مدلول الضمير ومدلول الاسم المتقدم واحد، فتوهم لذلك أنه مثل: حسن زيد وجهاً، لاتحاد الذات المنسوب إليها (¬1) الحسن، وهو وهم على ما تقدم. وإذا وضح ذلك في: زيد حسن وجهاً، فقوله: (ومن أصدق)، (ومن أحسن)، مثله لأن في "أصدق" ضميراً مرفوعاً (¬2) بـ "أصدق" منسوباً (¬3) إليه الأصدقية موازناً (¬4) للضمير في قولك: زيد حسن. وإذا وجب ذلك في: زيد حسن وجهاً، باعتبار ما ذكرناه، وجب في: (ومن أحسن قولاً)، لأنهما سواء في الغرض الذي قصدناه. والله أعلم. [إملاء 6] ["إذا" الظرفية المتضمنة معنى الشرط] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة عشرين وستمائة على قوله في المفصل (¬5) على قول الشاعر: ومن فعلاني أنني حسن القرى ... إذا الليلة الشهاء أضحى جليدها (¬6) ¬

_ (¬1) في الأصل وفي ب، د، م: إليه. وما أثبتناه من س. وهو الصواب لأن الضمير يعود على الذات، وهي مؤنث. (¬2) في الأصل وفي ب، د: ضمير مرفوع. والصواب ما أثبتناه لأنه اسم أن. (¬3) في الأصل وفي ب، د: منسوب. والصواب ما أثبتناه لأنه تابع لما قبله. (¬4) في الأصل وفي ب، د: موازن. والصواب ما أثبتناه لأنه تابع لما قبله. (¬5) ص 266. (¬6) هذا البيت من الطويل. وقد نسبه الزمخشري لعبد الواسع بن أسامة، وكذلك ابن يعيش 7/ 103. وهو من شواهد همع الهوامع 1/ 166. واستشهد به الزمخشري على وقوع (أضحى) تامة بمعنى الدخول في وقت الضحى.

"إذا" ههنا ظرف فيه معنى الشرط، والليلة الشهباء: تقدر على وجهين: أحدهما: مذهب سيبويه، وهو أنه مرفوع بفعل مقدر دل عليه ما بعده (¬1)، تقديره كتقدير: {إذا السماء انشقت} (¬2) تقديره: إذا انشقت السماء، لاقتضاء ما فيها من معنى الشرط للفعل، وتقديره في البيت: إذا أضحى جليد الليلة الشهباء، أو إذا لويست الليلة الشهباء، ثم فسر الملابسة بقوله: أضحى جليدها، كقولك: إذا زيداً تلقى غلامه فأكرمه، كأنك قلت: إذا لابست زيداً، ثم فسرت الملابسة بملابسة خاصة، وهو كقولك: لقيت غلامه. والوجه الثاني: قول الأخفش (¬3) أن يكون مبتدأ، ما بعده من الفعل خبره، والتزموا الفعل خبراً تنبيهاً على اقتضاء "إذا" للشرط كما التزموا في خبر إن الواقعة بعد "لو" الفعل لما تقتضيه "لو" من ذلك، وعليه حمل قوله: {إذا السماء انشقت} (¬4). وكلا القولين سائغ. فالأولى تجويزهما من غي رد لأحدهما، والذي يدل على تجويز الأمرين الأطباق في جواز الرفع في قوله: إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته (¬5). ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1/ 106. (¬2) الانشقاق: 1. (¬3) هو سعيد بن مسعدة أبو الحسن. أخذ النحو عن سيبويه وكأن أكبر منه، وصحب الخليل أولاً، وكان معلماً لولد الكسائي. من مصنفاته: كتاب الأوسط في النحو، وكتا الاشنقاق، وكتاب المقاييس، وكتاب معاني الشعر. انظر إنباه الرواة 2/ 36، بغية الوعاة 1/ 590. (¬4) الانشقاق: 1. (¬5) هذا صدر بيت من الطويل عجزه: فقام بفأس بين وصليك جازر. وهو لذي الرمة. انظر ديوانه ص 340. والخطاب لناقة بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. ويروي بنصب (ابن) ورفعه. قال سيبويه: "والنصب عربي كثير والرفع أجود" 1/ 82. والبيت من شواهد المقتضب 2/ 77 والرضى 1/ 174 والخزانة 1/ 450 والإيضاح لابن الحاجب 1/ 311. والشاهد فيه جواز نصب ورفع (ابن). فالرفع على الابتداء، والنصب بفعل محذوف.

[إملاء 7] [حذف المضاف]

ولو كان تقدير الفعل واجبا لم يجز الرفع بحال، إذ التقدير حينئذ: إذا بلغت، فيتعين النصب. وأما العامل فيها فيجيء على الخلاف في أن العامل في "إذا" فعلها أو جوابها. فإن كان جوابها فتقديره: حسن قراي، دل عليه قوله: حسن القرى. وجواب الشرط يحذف إذا تقدم ما يدل عليه، كقولك: آتيك إن تأتني. وإن كان شرطها فواضح (¬1). ويجوز أن تقدر ظرفاًعريا عن الشرطية كما في قوله: {والليل إذا يغشى} (¬2). {والليل إذا سجى} (¬3)، وأشباهه. ويكون العامل فيها: حسن القرى، كأنه قال: يحسن قراي في زمن إضحاء جليد الليلة الشبهاء. والله أعلم. [إملاء 7] [حذف المضاف] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬4) على قول الشاعر: أكل امرئ تحسبين أمراً ... ونار توقد بالليل ناراً (¬5) "أكل امرئ وأمراً" مفعولان لتحسبين. وقوله: نار، عند سيبويه مخفوض على حذف المضاف الذي هو: كل، لدلالة الأول عليه وإرادته موجوداً مقدراً، ¬

_ (¬1) لقد تحدث ابن الحاجب عن هذه المسألة. وكان رأيه أن العامل في "إذا" فعلها. انظر الإملاء (16) والإملاء (49) من الأمالي القرآنية. ص: 131، 185. (¬2) الليل: 1. (¬3) الضحى: 2. (¬4) ص 106. (¬5) لقد سبق الحديث عن هذا البيت في الإملاء (18) من الأمالي القرآنية. ص: 134.

فلذلك بقى المضاف إليه على إعرابه (¬1). وهذا وإن كان على خلاف قياس حذف المضاف مخصوص عنده بكل ومثل إذا قصد بها التحقيق لا التشبيه، كقولك: ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك. وإنما اختصتا بذلك من حيث كانا لذات واحدة في المعنى، فلما تقدم ما يدل على ذلك اغتفر أمر الحذف وبقي أثره على ما كان عليه. فعلى ذلك لا يكون قوله: ونار توقد بالليل ناراً، عطفا على عاملين من حيث كان "نار" مخفوضا بكل مقدرة في حكم الوجود، فكأنه قال: وكل نار. ولو صرح وقال: وكل نار، لم يكن عطفا على عاملين اتفاقا، فكذلك إذا كان "كل" مراداً وجودها، لأنه يكون عطفا على معمولي "تحسبين" خاصة، وهو عامل واحد. وكثير من النحويين لا يقدر تقدير سيبويه لأنه عنده يوجب إعرابه بإعراب المحذوف على القياس المعروف في حذف المضاف، فيجعله معطوفاً على أمرئ المخفوض أولاً، ويجعل ناراً المنصوبة معطوفا على "امرأ"، ويجوز هذا الضرب من العطف على عاملين وهو أن يكون الأول منهما مخفوضاً، وأن يكون المعطوف جاء على الترتيب الأول كقولك: في الدار زيد والحجرة عمرو، وأشباه ذلك. وسيبويه يمنع في هذه المسائل. وقد استدل القائلون بها بمثل قوله تعالى: {واختلاف الليل والنهار} (¬2)، إلى آخر الآية. وهو ظاهر فيما ذكروه، لأنه تقدم: {وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات} (¬3)، على الرفع والنصب، كلاهما سواء. ثم قال: واختلاف، فطعفه على خلقكم. ثم قال: آيات، بالرفع عطفا على آيات التي مع (وفي خلقكم) وبالنصب ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "فاستغنيت عن تثنية كل لذكرك إياه في أول الكلام، ولقلة التباسه على المخاطب". الكتاب 1/ 66. والمراد بالتثنية ذكره ثانياً. (¬2) الجاثية: 5 وبعدها: "وما أنزل الله من السماء من رزق فأحي ابه الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون". (¬3) الجاثية: 4.

[إملاء 8] [الترخيم في غير النداء]

عطفا عليها إذا كانت منصوبة، وهذا عطف على عاملين (¬1). واستشهد أيضاً بالبيت المذكور، وبقولهم: ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة (¬2). ومنه قوله عند هؤلاء: {للذين أحسنوا الحسنى} (¬3)، ثم قال: {والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها} (¬4). وسيبويه يتأول ذلك كله فراراً من العطف على عاملين. فتأول البيت كما ذكر، وكذلك: ما كل سوداء (¬5)، وما مثل أخيك ولا أبيك. وتأول: {اختلاف الليل والنهار}، على أنه هو المعطوف وحده، و (آيات) جرى تأكيدا للأول كما تقول: جاءني زيد زيد، فتكرار (آيات) كتكرار زيد. ويتأول قوله: {والذين كسبوا السيئات}، على أنه مبتدأ خبره: (جزاء سيئة بمثلها)، أي: لهم جزاء سيئة، فيكون قد عطف جملة على جملة، وغيره لا يحتاج إلى شيء من هذه التأويلات كلها لتجويزه هذا النوع من العطف على عاملين، فيحمل الباب كله على ظاهره من غير تأويل. [إملاء 8] [الترخيم في غير النداء] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الزمخشري في مفصله (¬6): ¬

_ (¬1) انظر إملاء (18) من الأمالي القرآنية. ص: 134. (¬2) قال ابن يعيش: "موضع الشاهد أن ترفع (كل) بما)، وتخفض سوداء بالإضافة، والفتحة علامة الخفض لأنه لا ينصرف، وثمرة منصوب لأنه خبر ما، وبيضاء مخفوض أيضاً على تقدير كل". شرح المفصل 3/ 27. (¬3) يونس: 26. (¬4) يونس: 27. (¬5) قال سيبويه: "ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة. وإن شئت نصبت شحمة، وبيضاء في موضع جر كأنك أظهرت كل، فقلت: ولا كل بيضاء". الكتاب 1/ 65. (¬6) ص 227.

[إملاء 9] [الحال من المعرفة أولى من النكرة المقدمة عليها]

أو ألفا مكة من ورق الحمى (¬1) رخم في غير النداء على غير قياس الترخيم (¬2)، لأن قياس الترخيم في مثل ذلك أن تحذف الميم، وتبقى الألف على حالها. فشذوذه من وجهين، فلذلك كان أضعف من الترخيم على قياسه في غير النداء. والوجه الآخر الذي هو على غير قياس الترخيم قلبه الألف ياء أو حذفها، فتكون الياء ياء الإطلاق وكلاهما شاذ. [إملاء 9] [الحال من المعرفة أولى من النكرة المقدمة عليها] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله في المفصل (¬3). لعزة موحشاً طلل قديم ... عفاه كل اسحم يستديم (¬4) يجوز أن يكون "موحشاً" حالاً من الضمير في "لعزة" وإن كان عائداً على ¬

_ (¬1) هذا الرجز للعجاج. وقبله: ورب هذا الحرم المحرم: القاطنات البيت غير الريم. انظر ديوانه 1/ 453 (تحقيق عبد الحفيظ السطلي). وهو من شواهد سيبويه 1/ 26. والخصائص 2/ 473. وابن يعيش) / 75. وأمالي القالي 2/ 199 (دار الفكر). والشاهد فيه قوله: الحمى، حيث رخمه في غير النداء على غير قياس الترخيم. واستشهد به الزمخشري على أن (أو ألفا) وهو جمع اسم الفاعل قد عمل عمله فنصب (مكة). والورق: جمع ورقاء وهي الحمامة إذا كان في لونها غبرة. (¬2) وذلك في قوله: الحمى. فأصله الحمام، حذف الميم، فصار الحما، ثم قلب الألف ياء. (¬3) ص 63. (¬4) هذا البيت من الوافر. وينصب لذي الرمة، وليس في ديوانه. وهو شواهد ابن يعيش 2/ 64. وخزانة الأدب 1/ 531. والخصائص 2/ 492. والرضى 1/ 204 وقد استشهد به الزمخشري على تقدم الحال على صاحبها المنكر. ولم يذكر الزمخشري إلا الشطر الأول منه. ورواية البيت المشهورة: مستديم.

[إملاء 10] [إيراد على حد المبني والجواب عنه]

النكرة، لأن ضمير النكرة معرفة خلافاً لبعض النحويين (¬1). وإذا كان معرفة فجعل الحال من المعرفة أولى من جعلها من النكرة مقدمةً عليها، لأن هذا هو الكثير الشائع، وذاك قليل نادر، فكان أولى. [إملاء 10] [إيراد على حد المبني والجواب عنه] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله في المفصل في المبني (¬2): "هو الذي سكون آخره وحركته لا يعامل". قال: توهم بعض طلبة الأدب أن عصا وموسى، سكون آخره لا بعامل، وهو معرب باتفاق. والجواب: أن هذا له حركة في الآخر بعامل، وهي حركة مقدرة، إذ لا فرق بين اللفظية والتقديرية، فليس حركة آخره بغير عامل، فقد خرج عن قوله: سكون آخره وحكرته لا بعامل، لأنه له حركة بعامل. والمراد بقوله: سكون آخره وحركته، اللفظية إن لم يكن تقدير، والمقدرة إن كانت فيهما جميعاً. فإن كانت بعامل فهو المعرب وإلا فهو المبني، ولذلك نقول في قولك: سري ودعا، إنه مبني على الحركة المقدرة، إذ أصله سري ودعو، وكذلك عصا وبابه يجب أن يكون معرباً. ¬

_ (¬1) اختلف النحويون في الضمير الراجع إلى النكرة هل هو نكرة أو معرفة؟ على ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه نكرة مطلقا، والثاني: أنه معرفة مطلقاً. والثالث: أن النكر التي يرجع إليها ذلك الضمير إما أن تكون واجبة التنكير أو جائزته، فإن كانت واجبة التنكير فالضمير نكرة، وإن كانت جائزة فالضمير معرفة. فمثال الأول: ربه رجلاً. ومثال الثاني: جاءني رجل وأكرمته. انظر شرح شذور الذهب لابن هشام ص 134، وانظر الإملاء (61) من الأمالي الملطقة. ص: 751. (¬2) ص 125.

[إملاء 11] [الضمير في قوله: ربه رجلا]

[إملاء 11] [الضمير في قوله: ربه رجلاً] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله في المفصل (¬1) في فصل: "ربه رجلاً": الضمير في قوله: ربه رجلا، ليس بنكرةن وإنما كان حكمه حكم النكرات باعتبار كونه مبهما أطلق عليه النكرة لذلك، ولذلك لم يوصف لأنه ضمير بلا خلاف، والضمائر لا توصف. وقال أيضاً في هذا الضمير: إنه مفرد على كل حال لأنه مضمر على خلاف القياس، أتى به لغرض الإبهام، فوجب أن يكون مفرداً قياساً على نعم (¬2). [إملاء 12] [تعلق اللام في قول الزمخشري: ولأن المتصل أخصر] وقال أيضاً مملياً: إن اللام في قوله (¬3): "ولأن المتصل أخصر" تتعلق بمعنى قوله: "لم يسوغوا تركه"، لأن التعليل لنفي التسويغ لا للتسويغ. [إملاء 13] [فائدة ضمير الفصل] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله في المفصل (¬4): ¬

_ (¬1) ص 134. (¬2) قال ابن الحاجب في الإيضاح: "فالبصريون يفردونه في جميع وجوهه فيقولون: ربه رجلا وربه امرأة. والكوفيون يقولون: ربه رجلا وربها امرأة وربهما رجلين وربهما رجالاً. ومذهب أهل البصرة هو الجاري على القياس، لأنه مضمر مبهم فيجب أن يتحد في جميع وجوهه قياساً على الضمير في نعم" 1/ 474. (¬3) ص 127. (¬4) ص 133.

[إملاء 14] [توضيح كلام للزمخشري في حديثه عن الأسماء المبنية]

"وليفيد ضرباً من التوكيد": أي: ليفيد بمجموعها فضل توكيد لا يكون في الإفراد، أي: بمجموع الأول والفصل. فإذا قلت: زيد هو أفضل من عمرو، فالضمير الذي هو [هو] (¬1) وزيد مجموعهما فيه تأكيد ومبالغة. ولذلك قال سيبويه (¬2): زيد هو أفضل من عمرو، آكد من قولك: زيد أفضل من عمرو. وذلك أن هو في المسألة المفروضة راجع إلى زيد فكأنه ذكر مرتين، وذكر الشيء مرتين أبلغ من ذكره مرة واحدة. [إملاء 14] [توضيح كلام للزمخشري في حديثه عن الأسماء المبنية] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله في المفصل (¬3): "وأنا أسوق إليك عامة ما بنته العرب من الأسماء إلا ما عسى يشد منها": الاستثناء منقطع ولا يستقيم أن يكون متصلا، لأنه لو كان متصلاً لم يخل إما أن يكون من قوله: عامة، أو من قوله: ما بنته العرب، أو من قوله: الأسماء. ولا يستقيم واحد منها، لأنه لو كان من "عامة" لصار المعنى: أنا أسوق الأكثر إلا الشاذ، فيكون قد بقي شيء جاء به ليس بشاذ، ولم يرد ذلك. وإن كان من قوله: ما بنته، صار المعنى: أني أذكر أكثر المبنيات التي ليست بشاذة، فيلزم أن يكون قد ترك شيئاً ليس بشاذ، لأن أكثر ما ليس بشاذ بعضه، وإذا لم يذكر إلا بعض ما ليس بشاذ لزم منه أن يكون قد ترك بعض ما ليس بشاذ. ولا يستقيم أن يكون من قوله: من الأسماء، لأنه تفسير لقوله: ما بنته، وقد تبين بطلان رجوع الاستثناء إليه، فيلزم بطلانه في رجوعه إلى تفسيره، لأن المعنى فيهما واحد. ¬

_ (¬1) سقطت هذه الكلمة من الأصل. (¬2) لم أعثر على قوله هذا في الكتاب. (¬3) ص 126.

[إملاء 15] [وجه نصب ورفع فعل مضارع واقع بعد واو العطف]

[إملاء 15] [وجه نصب ورفع فعل مضارع واقع بعد واو العطف] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة وستمائة على قوله في المفصل (¬1) في بيت كعب الغنوي وهو قوله: وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقؤول (¬2) الواو في "ويغضب" ليست واو الجمع (¬3)، وإنما هي واو العطف، وذكرها وإن لم يكن بابها لموافقتها لواو الجمع في وجهي الرفع والنصب، وكذلك فعل في الفاء. ووجه النصب أنه معطوف على قوله: للشيء، فلابد من تقديره اسماً ليصح عطفه (¬4) على الاسم، ولا يتقدر اسماً إلا بحرف المصدر الذي هو: ما أو كي أو أن. بطل أن يكون "كي" لفساد المعنى، لأن "كي" للتعليل وأن الأول سبب للثاني وهو يخل بالمعنى. وبطل أن يكون "ما"، إذ ليس لها عمل، فلا يكون في اللفظ إشعار بالمقصود، فوجب أن يكون "أن"، مثل قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل} (¬5). فقوله: أو يرسل، معطوف على (وحيا)، إذ المعنى: إلا وحياً أو إرسالاً. ولا ¬

_ (¬1) ص 249. (¬2) البيت من الطويل وهو من شواهد الكتاب 3/ 46. والمقتضب 2/ 19. وابن يعيش 7/ 36. والخزانة 3/ 619. والرضى 2/ 249. واللسان (قول). والشاهد فيه جواز الرفع والنصب في قوله: ويغضب. قال سيبويه: "والرفع أيضاً جائز حسن". ثم قال: "ويغضب معطوف على الشيء، ويجوز رفعه على أن يكون داخلاً في صلة الذي". الكتاب 3/ 46. (¬3) أي: واو المعية. (¬4) عطفه: سقطت من ب، د، س. (¬5) الشورى: 51.

يستقيم عطفه على (أن يكلمه) لفساد المعنى، إذ يؤدي إلى أن يكون: وما كان لبشر أن يكلمه الله أو يرسل رسولاً، وهو فاسد (¬1). ولا يستقيم أن يكون "ويغضب" على النصب (¬2) معطوفاً على "نافعي" في قوله: ليس نافعي ويغضب، كقولك: ما تأتيني وتحدثني، لأمر معنوي وهو أنه يصير المعنى: لا ينفعني ولا يغضب صاحبي، وليس الغرض كذلك، بل الغرض نفي النفع عنه وغثبات الغضب للصاحب لينفيه المتكلم عنه، فوجب أن يكون معطوفاً على الشيء، فيكون تقديره: وما أنا للشيء ولغضب (¬3) صاحبي بقؤول (¬4)، إلا أنه يحتاج في استقامته إلى حذف مضاف، لأن غضب صاحبه ليس بمقول حتى يصح تعلق القول به، فيكون التقدير: ولسبب غضب صاحبي بقؤول. والرفع له وجه واحد وهو أن يكون معطوفاً على الجملة التي هي: ليس نافعي، داخلاً في حكم الصلة، ولذلك احتيج فيه إلى مضمر يعود إلى الموصول وهو الهاء في "منه". والرفع أقوى (¬5). ¬

_ (¬1) انظر الإملاء (81) من الأمالي القرآنية. ص: 227. (¬2) على النصب: سقطت من د. (¬3) في د، س: ويغضب. والصحيح ما أثبته لأن السياق يقتضيه. (¬4) قال ابن الحاجب: "فلم يبق إلا أن يكون واو العطف. وتكون عاطفة (الغضب) على قوله: للشيء. وإذا عطف الفعل على الاسم وجب تقديره بتأويل الاسم، ولا يقدر إلا بأن على ما تقدم، فيكون المعنى: وما أنا للشيء ولغضب صاحبي بقؤول". الإيضاح 2/ 28. (¬5) قال ابن الحاجب في الإيضاح: "والرفع أظهر من وجهين: أحدهما: أن عطف الفعل على اسم غير مصدر ضعيف. والآخر: أنه لا تقدير يلزم فيه بخلاف النصب، لأنه جملة معطوف على: ليس نافعي، فهي داخلة في حكم الصلة ولذلك احتيج فيها إلى ضمير يرجع إلى الذي، ووصلها بجملتين أحدهما منفية والأخرى مثبتة ولا بعد في ذلك" 2/ 29.

[إملاء 16] [مسألة في العلم المنقول عن فعل الأمر]

[إملاء 16] [مسألة في العلم المنقول عن فعل الأمر] وقال أيضاً مملياً على قوله في المفصل (¬1): بوحش اصمت (¬2): قال بعض طلبة الأدب: ما المانع من أن يكون: بوحش اصمت، بكمالها اسم موضع؟ فقال: لا يجوز ذلك، لأنه لو كان كذلك لم يخل إما أن يكون من باب: تأبط شراً (¬3)، أو من باب: بعلبك (¬4)، لا جائز أن يكون من الأولن إذ ليس بجملة باتفاق، ولا جائز أن يكون من الثاني، لأن هذا الباب اللغة الفصيحة أن يقول: هذا بعلبك ورأيت بعلبك ومررت ببعلبك، بفتح آخر الأول، فكان يجب فتح الشين، والاتفاق على كسرها، فدل على أنه مضاف ومضاف إليه وهو المقصود. [إملاء 17] [عطف البيان] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة إحدى وعشرين على المفصل (¬5): اشترط ¬

_ (¬1) ص 7. (¬2) البيت بتمامه: أشلى سلوقية باتت وبات بها ... بوحش اصمت في أصلابها أود وهو من البسيط وقائله الراعي النميري. انظر شعره ص 46 (جمعه وقدم له وعلق عليه ناصر الحاني. دمشق). وهو من شواهد ابن يعيش 1/ 30، واللسان (صمت). وسلوقية: منسوب إلى سلوق موضع تنسب إليه الكلاب السلوقية. والأود: الإعوجاج. واستشهد به الزمخشري على أن (اصمت) اسم علم منقول عن فعل الأمر. (¬3) أي: إنه مركب تركيباً إسنادياً. (¬4) أي: إنه مركب تركيباً مزجياً. (¬5) ص 122.

[إملاء 18] [رد على الزمخشري في حده المبني]

الزمخشري في عطف البيان أن يكون أشهر من متبوعه، ولذلك قال: "وينزل من المتبوع منزلة الكلمة المستعملة من الغربية إذا ترجمت بها"، أي: إذا فسرت بها. يعني: أن عطف البيان يفسر متبوعه، إذ المتبوع كالغريب، ولذلك مثل بقوله: أقسم بالله أبو حفص عمر (¬1) فإن عمر أشهر من قولهم: أبو حفص، لما كان محتملاً غيره، والتابع كالمشهور، وليس ذلك بشرط، فإن الإنسان إذا قال: جاء أبو عمرو زيد، وكان ثم آخر اسمه أبو زيد خالد، وثم زيود كثيرة، فإنه يحصل الإيضاح والكشف وإن لم يكن أشهر. نعم الزمخشري بني الأمر على الأكثر. [إملاء 18] [رد على الزمخشري في حده المبني] وقال أيضاً مملياً على قوله في المفصل في المبني (¬2): "وهو الذي سكون آخره وحركته لا بعامل": هذا الحد ليس بمستقيم لأنه أتى في الحد بواو العطف. فإن قصد ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت من الرجز، وعجزه: ما مسها من نقب ولا دبر. وقد نسبه ابن حجر العسقلاني لعبد الله بن كيسبة النهدي. انظر الإصابة في تمييز الصحابة 5/ 96 (تحقيق على محمد البجاوي). ونسبه الزمخشري لعمر بن كيسبة النهدي، انظر ربيع الأبرار ونصوص الأخبار 1/ 289 (تحقيق الدكتور سليم النعيمي). وانظر الصحابي لأحد بن فارس بن زكريا ص 298 (تحقيق السيد أحمد صقر). وابن يعيش 3/ 71، ونسبه لرؤية، وهو وهم. (¬2) ص 125.

[إملاء 19] [معنى حروف التحضيض]

الجمع لم يستقم، إذ ليس شيء فيه سكون وحركة في آخره". وإن قصد معنى أو، كان فيه شذوذ لفظي في استعماله الواو بمعنى أو، واستعماله لفظة أو في الحد الواحد. [إملاء 19] [معنى حروف التحضيض] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل وفي حروف التحضيض (¬1): "تريد استبطاءه وحثه على الفعل". بعد قوله: "لولا فعلت كذا": ليس يجيد، لأن الاستبطاء والحث على الشيء إنما يكون في الزمن المستقبل. وأما الماضي أو الحال فلا يتصور فيه حث، لأنه انقضى وتصرم، فكيف يتصور الحث عليه؟ وأما الحال فكذلك، لأن الفعل حالة الحث قائم بذات المطلوب منه ذلك، والحث عليه يستدعي تحصيله منه، والحاصل لا يحصل، وهذه الحروف إذا وقع بعدها الماضي كانت للتوبيخ، وإذا وقع بعدها المستقبل كانت للحث والطلب (¬2). ¬

_ (¬1) ص 315. (¬2) قال ابن يعيش: "وإذا وليهن المستقبل كن تحضيضاً، وإذا وليهن الماضي كن لوماً وتوبيخاً فيما تركه المخاطب أو يقدر فيه الترك، نحو قوله القائل: أكرمت زيداً، فتقول: هلا خالداً، كأنك تصرفه إلى إكرام خالد وتحثه عليه أو تلومه على ترك إكرامه. وحيث حصل فيها معنى التحضيض وهو الحث على إيجاد الفعل وطلبه جرت مجرى حروف الشرط في اقتضائها الأفعال، فلا يقع بعدها مبتدأ ولا غيره من الأسماء" 8/ 144.

[إملاء 20] [الرد على من قال: إن "لولا" أصلها "لو" زيدت عليها "لا"]

[إملاء 20] [الرد على من قال: إن "لولا" أصلها "لو" زيدت عليها "لا"] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬1). "وللولا ولوما معنى آخر وهو امتناع الشيء لوجود غيره". قال الشيخ: ذهب بعض الناس إلى أنها أصلها "لو" زيدت عليها "لا" (¬2)، وهذا ليس بمستقيم، لأن "لو" معناها عندنا على ما دل عليه الدليل: امتناع الثاني، كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} (¬3). فالتعدد منتف لأجل امتناع الفساد (¬4). وهذا القائل إنما بنى هذا المذهب على توهمه أن الثاني امتنع لأجل امتناع الأول. فإذا تحقق هذا لم يستقم هذا المذهب، لا من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى. أما من حيث اللفظ فكان يلزم أن يرتبط وجود الثاني لانتفاء الأول كما ارتبط في "لو" وجود الثاني بوجود الأول. لأن "لا" لما دخلت على الأول صار نفياً، فوجب أن يكون وجود الثاني مرتبطاً بنفي الأول والأمر بالعكس. وأما من حيث المعنى فلأن "لو" انتفى الأول فيها لأجل انتفاء الثاني ولما دخلت لا، فيجب أن يوجد الأول لأجل انتفاء الثاني والأمر بالعكس. وإذا بني على المسامحة في أن "لو" تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول صح ما ذكروه لأنها (¬5) تدل على امتناع الثاني لوجود الأول. ¬

_ (¬1) ص 316. (¬2) وهذا مذهب سيبويه. انظر الكتاب 4/ 222. (¬3) الأنبياء: 22. (¬4) وهذه المسألة خالف فيها ابن الحاجب جمهور النحاة، قال الرضي: "والصحيح أن يقال كما قال المصنف هي موضوعة لامتناع الأول لامتناع الثاني: أي: إن امتناع الثاني يدل على امتناع ألأول". شرح الكافية 2/ 390. (¬5) تدل على امتناع ... لأنها: سقطت هذه العبارة من د.

[إملاء 21] [إيراد على الزمخشري في تقسيمه الاسم المعرب]

[إملاء 21] [إيراد على الزمخشري في تقسيمه الاسم المعرب] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬1): "والاسم المعرب على نوعين: نوع يستوفي حركات الإعراب والتنوين": إن قيل: إنه أراد الام المفرد، ورد عليه رجال ومساجد، فإن رجالاً جمع يعرب بالحركات الثلاثة، ومساجد جمع غير منصرف. [إملاء 22] [إيراد على الزمخشري في حده الحرف والجواب عنه] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة سبع عشرة على قوله في الحرف (¬2): "ما دل على معنى في غيره": يرد عليه الأسماء التي لا تعقل إلا بمتعلق مذكور معها مثل: عند وقيد (¬3) وقدي وقاب (¬4) وما أشبهها. وجوابه: أنا نحكم بأن معنى القدر والجهة مفهوم من قاب وعند كالفوقية من فوق. وإنما اتفق أنهم لم يستعملوه إلا كذلكز ونحكم على أن "من" ونحوها لا يفهم منها ذلك المعنى من حيث وضعها إلا مضموماً إلى متعلقها. وإنما حكمنا بذلك لما ثبت من استقراء كلامهم أن الحرف وضعه كذلك والاسم كذلك، وثبت أن هذه من قبيل الأسماء بخصائصها، فوجب أن لا تحمل على جهة يلزم أن تكون به حرفاً بعد ثبوت اسميتها لما فيه من التناقض. والذي يوضح لك ذلك إطباقهم على أن "عن وعلى" في قولك: قعدت عن يمينه ووليت عليه، حرف أيضاً، وهما ¬

_ (¬1) ص 16. (¬2) ص 283. (¬3) في س: قبل. وهو تحريف. (¬4) معنى قيد: قدر وكذلك قدي. انظر اللسان (قيد. قدا).

[إملاء 23] [ليس معنى "من" المزيدة ابتداء الغاية]

اسمان في قولك: قعدت من عن يمينه وأخذت من عليه (¬1). ولولا ما ثبت من خاصية الاسم فيهما في المحلين المخصوصين لم يحكم عليهما باسمية، فلما ثبت كونهما اسمين بالخواص التي توجب الاسمية وجب حملهما على معنى الاسم وإن كان فيه بعد، إذ تقديرها على ما كانت عليه من معنى الحرفية يلزم منه التناقض العقلي، وحملها على هذه الجهة يلزم منه استبعاد. وإذا تردد بين التناقض والاستبعاد والتجيء إلى أحدهما وجب الحمل على الاستبعاد، فكذلك ههنا. [إملاء 23] [ليس معنى "من" المزيدة ابتداء الغاية] وقال أيضاً مملياً على قوله في قسم الحرف (¬2) في الزيادة في قولك: "ما جاءني من أحد، راجع إلى هذا": أي: إلى معنى الابتداء. ليس بمستقيم؛ لأن معنى كونها زائدة أنك لو أسقطتها كان المعنى الأصلي بحالة. ولا يستقيم على هذا أن يكون مفهوماً منها معنى الابتداء، لأنك لو حذفتها لم يبق معنى الابتداء، فيبطل كونها زائدة، ولزم منه أن تكون زائدة غي زائدة وهو باطل. [إملاء 24] [معنى بيت وإعراب جزء منه] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر (¬3): ¬

_ (¬1) قال قطري بن الفجاءة: فلقد أراني للرماح دريئة ... من عن يميني مرة وأمامي وقال مزاحم بن الحارث العقيلي في وصف قطاة: غدت من عليه بعدما تم ظمؤها ... تصل وعن قبض بزيزاء مجهل (¬2) ص 283. (¬3) ص 373.

[إملاء 25] [وجه نصب ورفع فعل مضارع وقع بعد أو]

ودع ذا الهوى قبل القلى ترك ذي الهوى متين القوى خير من الصرم مزدرا (¬1) يجوز أن يكون معناه: ودع ذا، أي: أقلل منه وأقصر، ويجوز أن يكون "ذا" بمعنى صاحب، فيراد به المحبوب لأنه لذي تعلق به الهوى، فيكون صاحب الهوى بهذا الاعتبار المحبوب، ثم قال: ترك ذي الهوى، فيجوز أن يكون أضافه إلى الفاعل على الوجه الأول، ويجوز أن يكون أضافه إلى المفعول في الوجه الثاني: فيكون المعنى على الوجه الأول: ترك المحب هوى متين القوى (¬2)، فيكون "متين القوى" مفعولاً لـ (ترك"، ويجوز أن يكون "متين القوى" حالاً من ذي الهوى، أي: ترك المحب في حال كونه متين القوى حبه خير من أن تقع المفارقة على زعمه. وإن جعلنا "ترك" مضافاً إلى المفعول كان "متين القوى" حالاً منه، فيكون المعنى: ترك المحبوب في حال كونه قوياً حبه لك أو حبك له خير من أن تقع مفارقته (¬3) لك مراغمة. و"مزدراً" حال من الصرم، أي: مراغمة. [إملاء 25] [وجه نصب ورفع فعل مضارع وقع بعد أو] وقال أيضاً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشارع في المفصل (¬4): ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل، ولم ينسبه أحد لقائل. وهو من شواهد ابن يعيش 10/ 373، واللسان (صدر9. والقلا: العداوة. والصرم: الهجران. ومزدرا: مصدراً، أبدلت الزاي من الصاد. وقد استشهد الزمخشري به على إبدال الزاي من الصاد في قوله: (مزدرا). (¬2) القوى: سقطت من س. (¬3) في الأصل: مفارقة، وما أثبتناه من ب، د، وهو الأصوب. (¬4) ص 247.

[إملاء 26] [الرد على الزمخشري في تجويزه جزم مضارع ونصبه]

فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا (¬1) أما النصب فإنه فإنه أخبر بمحاولة الملك، وجعل الموت غاية له، والعذر مسبب عنه، لن المعنى: إلى أن نموت فنعذر، وهو ظاهر في تسليته صاحبه عن بكائه. وأما الرفع فإنه أخبره بحصول أحد الأمرين لا ينفك عن أحدهما، وهو محاولة الملك أو الموت، إما على سبيل المبالغة في أنه لا ينفك عن أحدهما، كما لا ينفك الجوهر عن أن يكون متحركاً أو ساكناً، فلا يلزم تقدير شك، لأن المعنى: أنه قد ثبت عنده، وعلم أنه لا ينفك عن أحد (¬2) هذين الأمرين. وإما على معنى الإخبار بأنه يكون إما على هذا وإما على هذا، فيكون على الشك في حصول كل واحد منهما في كل زمان يقدره إلى الموت، لا في حصول كل واحد منهما بعده، فإن ذلك معلوم من ضرورات الوجود، فلا حاجة إلى التكلف في الجواب عن تقديره. [إملاء 26] [الرد على الزمخشري في تجويزه جزم مضارع ونصبه] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬3): ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو لامرئ القيس. انظر ديوانه صفحة 95 (بيروت). وهو في شواهد سيبويه 3/ 47، والمقتضب 2/ 28، والخصائص 1/ 263، وابن يعيش 7/ 22. والشاهد فيه جواز رفع (نموت) على أحد وجهين: عطفه على (نحاول) أو قطعه. قال سيبويه: "ولو رفعت لكان عربياً جائزاً على وجهين: على أن تشرك بين الأول والآخر، وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعاً من الأول، بمعنى: أو نحن ممن يموت". الكتاب 3/ 47. (¬2) أحد: سقطت من د. (¬3) صفحة: 248.

[إملاء 27] [مسألة في أفعل التفضيل]

ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته (¬1) أورده استشهاداً على الجزم في قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا} (¬2) أن يكون (تكتموا) منصوبا ومجزوماً. ثم أورد البيت على الجزم، فيكون منهياً على كليهما، عن الشتم والأذى. ولا يستقيم النصب في البيت لأنه لو كان منصوباً لكان منهيا عنهما على سبيل الجمعية، ولا ينهي عن الجمع بالواو إلا بين شيئين متغايرين. أما ما هو أعم في المعنى فلا يصح النهي عن الجمع بينهما لأن الشتم أذية، وقوله: وتبلغ أذاته، مثله غاية ما. ثم إن الأذية عامة لأنها بالقول والفعل، والشتم خاص، وليس المراد إلا مطلق الأذية بما هي أذية. فكأنه تكرير للفظ من غير فائدة، فكأنه قال: لا تؤذ المولى لا تؤذ المولى (¬3). وليس كذلك الآية حيث جاز فيها النصب والجزم. وأما الجزم فعلى أن يكون كل واحد منهما منهياً عنه. وأما النصب فعلى معنى: لا تجمعوا بين هذين. [إملاء 27] [مسألة في أفعل التفضيل] وقال أيضاً بدمشق سنة ثماني عشرة مملياً على فصل أفعل التفضيل (¬4): في الوجه الغالب في مثل قولهم: أكرم الناس، أنه يلزم أن يكون جميع الناس ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت من الطويل عجزه: فإنك إن تفعل تسفه وتجهل. ونسبه سيبويه (3/ 42) لجرير، وليس في ديوانه (تحقيق نعمان طه). ونسبه ابن السيرافي لجحدر العكلي، شرح أبيات سيبويه 2/ 177. والشاهد فيه جواز جزم "تبلغ" ونصبه. (¬2) البقرة: 42. (¬3) في الأصل وفي م، س: لا تؤذي المولى لا تؤذي المولى، والصواب ما أثبتناه لأن الفعل مجزوم. (¬4) ص 89.

كرماء في قصد المتكلم وهو باطل، وكذلك قوله عليه السلام (¬1): "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني"، ثم قال: "ألا أخبركم بأبغضكم إلي وأبعدكم مني". فيلزم أن يكون المخاطبون محبوبين مبغوضين مقربين مبعودين، وهو غير جائز. ووجه اللزوم أنه قد أضاف الأحب والأبغض إلى المخاطبين، فيلزم أن يكونوا مشتركين في أصل ما أضيف إليهم من المحبة والبغض. ومن ثم قال في هذا الفصل بعينه في قولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان، إنه على معنى عادلا، لما يلزم من أنهم يكونون مشتركين في العدل ولم يشتركوا عنده، فحمله لذلك على معنى فاعل (¬2). وأما تثنيته فلا يلزم منها أن يكون هو الذي حمله على أن يكون بمعنى فاعل لأن تثنية المضاف وجمعه في باب أفعل التفضيل جائز بالاتفاق، كقوله تعالى: {أكابر مجرميها} (¬3)، وشبهه (¬4). والجواب: أن المضاف إليه في هذه المواضع المعترض بها يجب أن تكون مخصصة بالمشتركين في أصل المعنى الذي دل عليه "افعل" فيكون قوله: بأحبكم، أحب المحبوبين منكم، وكذلك أقربكم وأبغضكم وأبعدكم. وقوله: أكرم الناس وشبهه، على ذلك. ويجوز أن يقدر مضاف محذوف كأنه قيل: أحب محبوبيكم وأكرم كرماء الناس. ويكون دليل التأويل على أحدهما ما عُلم من لغتهم أنهم لا يطلقون ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (بر: 70) وأحمد بن حنبل 4/ 193 (بيروت). ورواية الترمذي: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون". (¬2) الناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، سمي بذلك لنقصه أرزاق الجند. والأشج عمر بن عبد العزيز بن مروان، سمي بذلك لشجة أصابته بضرب الدابة. انظر حاشية الصبان على شرح الأشموني 3/ 49 (دار إحياء الكتب العربية). (¬3) الأنعام: 123. (¬4) هذا إذا كان مضافاً لمعرفة. أما إذا أضيف إلى نكرة فيلزمه الإفراد والتذكير. انظر أوضح المسالك 3/ 297.

[إملاء 28] [جواز حذف التمييز في "حب" وامتناعه في "نعم"]

أفعل التفضل إلا على ذلك. فلما كان ذلك معلوماً عندهم صح إطلاق العام مراداً به التخصيص بما دل عليه من القاعدة المذكورة عندهم. فلذلك جاءت هذه الألفاظ في نحو هذه المواضع على ما ذكر من المعنى. [إملاء 28] [جواز حذف التمييز في "حب" وامتناعه في "نعم"] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله في المفصل (¬1): "ولأنه كان لا ينفصل الفاعل عن المخصوص في نعم وينفصل في حبذا": ذكره علة في الفرق بين تمييز فاعل "نعم" إذا أضمر وبين تمييز فاعل "حبذا" في جواز حذف التمييز في "حب" وامتناعه في "نعم". يريد أنه لو جاز حذف التمييز في "نعم" عند الإضمار لأدى إلى وقوع اللبس بين فاعله ومخصوصه في كثير من الصور ولم يرد جميع الصور، لأنك لو قلت: نعم زيد، لعلم أنه ليس بفاعل، إذ الفاعل في باب "نعم" لا يكون علماً. كما أنك إذا قلت: حبذا، علم أنه ليس بمخصوص، إذ المخصوص في باب "حب" لا يكون اسم الإشارة الموجود بعد "حب"، وإنما أراد أنه يقع اللبس في مثل قولك: نعم غلام الرجل، وشبهه، لأنك إذا جوزت حذف التمييز جاز لظان أن يظن حين قلت: نعم غلام الرجل، أن يكون التقدير: نعم رجلا، أو نعم غلاماً أو ما أشبهه، وتكون قد أضمرت وحذفت التمييز، وأن يكون لا إضمار فيه لكون الأمرين سائغين، فيبقى غلام الرجل عنده جائزاً أن يقدر فاعلاً على تقدير أن لا إضمار في "نعم"، وجائزاً (¬2) أن يقدر مخصوصاً على تقدير الإضمار، فأدى حذف التمييز في "نعم" إلى وقوع اللبس بين المخصوص وبين الفاعل في ¬

_ (¬1) ص 276. وعبارة المفصل: ولأنه كان لا ينفصل المخصوص عن الفاعل. (¬2) في الأصل وفي د، م، س: جائز. وما أثبتناه من ب، وهو الأصوب، لأنه معطوف على (جائزاً) الأولى.

[إملاء 29] [إدخال الألف واللام على اسم للصوت]

قولك: نعم غلاماً غلام الرجل، بخلاف قولك: حبذا زيد، فإنه لما تعين أن ذا هو الفاعل تعين أن يكون زيد هو المخصوص، فلم يؤد حذف التمييز فيه إلى اللبس الذي ذكرناه في "نعم" (¬1). ولم يرد صاحب الكتاب أن اللبس يقع في مثل قولك: نعم رجلا زيد، إذا حذف التمييز بين الفاعل والمخصوص لما تحقق من أن فاعل باب "نعم" لا يكون علماً، فلا ينبغي أن يحمل عليه، ويجب أن يحمل على ما ذكرناه". [إملاء 29] [إدخال الألف واللام على اسم للصوت] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬2): كما رعت بالجوت الظماء الصواديا (¬3) قياس الألفاظ التي تستعمل مراداً بها لفظها أن تستعمل على لفظها ¬

_ (¬1) قال ابن يعيش: "إلا أنه في حبذا يجوز أن لا تأتي بالمفسر، وتقول: حبذا زيد، ولا يجوز ذلك في نعم، فلا تقول: نعم زيد، وذلك لأن ذا اسم ظاهر يجري مجرى ما فيه الألف واللام من أسماء الأجناس على ما ذكرنا، فاستغنى عن المفسر لذلك. فكما تقول: نعم الرجل زيد، ولا تأتي بمفسر، كذلك تقول: حبذا زيد، ولا تقول: نعم زيد. وأيضاً فإنه ربما ألبس في "نعم" لو فعل ولا يلبس في حبذا. وذلك أن "حب" فعل عمل في "ذا" واستوفى ما يقتضيه فإذا وقع بعده المخصوص بالمدح مرفوعاً لا يشكل بأن يتوهم أنه فاعل، لأن الفعلا لا يكون له فاعلان، وليست "نعم" كذلك، لأن فاعلها مستتر لا يظهر فافتقر إلى تفسير". شرح المفصل 7/ 142. (¬2) ص 166. (¬3) هذا عجز بيت من الطويل وصدره: دعاهن رد في فارعوين لصوته. وقائله عويف القوافي الفزاري. وهو من شواهد الرضي 2/ 81. واللسان (جوت). ومعنى: ارعوين: رجعن عن الغي. والجوت: صوت تدعي به الإبل للماء. والصواديا: العطاشي. والشاهد فيه: دخول أداة التعريف على اسم الصوت وهو (جوت).

[إملاء 30] [صيغة المبالغة تعمل عمل فعلها]

الأصلي، فإن كانت بغير ألف ولام استعملت كذلك، وإن كانت بألف ولام استعملت كذلك (¬1)، إلا أن تكون نكرة فلا بعد في إدخال الألف واللام عليها كقولك في جاءني رجل: الرجل مرفوع بالفاعلية، وإن كنت لا تعني ههنا إلا اللفظ. وأما نحو قولهم: جوت، إذا استعمل هذا الاستعمال فقياسه أن يقال: رعت بجوت، مبني ومعرب، كما تقدم في غير هذا الموضع. وأما إدخال الألف واللام عليه فليس بالقياس، ووزانه وزان إدخال الألف واللام على مثل: آمين ورويد وما أشبهه، وهو بعيد، ووجهه على شذوذه أن هذه الألفاظ إذا استعملت هذا الاستعمال كانت في الحقيقة أعلاماً لأنفسها، وهي متعددة ألفاظها في الوجود، فكان تعددها كتعدد مدلول الاسم العلم الموضوع بأوضاع متعددة، وقد ثبت أن ذلك يصح إجراؤه مجرى النكرة على شذوذ، كقولهم: هذا الزيد أشرف من ذلك الزيد، فلما كان هذا كذلك صح أن يقصد إلى ذلك القصد فأدخل عليه الألف واللام لذلك. فهذا وجه إدخال الألف واللام على ما فيه من الشذوذ. وأما بناؤها فقد تقدم في غير هذا الموضع (¬2) أن مثل هذه الأسماء إذا خرجت عن استعمالها للمعنى الذي وضعت له أنه يجوز فيها حكايتها على البناء ويجوز فيها الإعراب، فقد (¬3) حكاها ههنا، والحكاية هي الأكثر. [إملاء 30] [صيغة المبالغة تعمل عمل فعلها] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬4): ¬

_ (¬1) وإن كانت بألف ولام استعملت كذلك: سقطت هذه العبارة من د. (¬2) انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 506. (¬3) في ب: وقد. (¬4) ص 226.

أخا الحرب لباساً إليها جلالها ... وليس بولاج الخوالف أعقلاً (¬1) موضع استشهاده (¬2) في قوله: جلالها، فإنه منصوب بقوله: لباساً، فإنه أورده على ما ذكره سيبويه من قوله (¬3): "وأجروا اسم الفاعل إذا أرادوا أن يبالغوا في الأمر مجراه إذا كان على بناء فاعل". ومعنى البيت: أنه يصف هذا المذكور بالشجاعة والمبادرة إلى الحرب. والجل بالضم واحد جلال الدواب، وجمع الجلال أجلة، كأنه جمع الجمع، والمراد ههنا به الدروع أو ما يقوم مقامها مما يدفع به عن نفسه السلاح، والخوالف جمع خالفة، وهي عمود من أعمدة الخباء. والخوالف أيضاً في قوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} (¬4) النساء. وأما إعراب "أخا الحرب" فهو منصوب على المدح. و"لباساً" بدل منه، بدل كل من كل. ولا يستقيم أن يكون "أعقلاً" حالاً، لأنه يؤدي إلى أن يكون الولوج المنفي مقيداً لا منفياً على الإطلاق، فيضعف المعنى المراد لأن الغرض نفي هذه الدنية مطلقاً لا نفيها في حال دون حال. وأنت إذا قيدتها بـ "أعقلا" جعلته نفاها في حال دون حال. وبعير أعقل وناقة عقلاء بينة العقل، وهو التواء في رجل البعير واتساع كثير. قال ابن السكيت (¬5): "هو أن يفرط الروح حتى يصطك العرقوبان، وهو مذموم" (¬6). ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل. وقد نسبه سيبويه للقلاخ 1/ 111. وهو من شواهد المقتضب 2/ 113، وابن يعيش 6/ 70، واللسان (ثعل)، والهمع 2/ 96، والشاهد فيه قوله: لباساً، وهي صيغة مبالغة قد عملت عمل فعلها فنصبت (جلالها). (¬2) في م، س: الاستشهاد. (¬3) الكتاب 1/ 110. (¬4) التوبة: 87. (¬5) هو يعقوب بن إسحق المعروف بابن السكيت. من مؤلفاته، إصلاح المنطق، الألفاظ، الأمثال، المقصور والممدود، المذكر والمؤنث. مات سنة 244 هـ وقيل سنة 246 هـ وبلغ عمره (58) سنة. انظر وفيات الأعيان 6/ 395، بغية الوعاة 2/ 349. (¬6) انظر إصلاح المنطق صفحة 53 (تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون).

[إملاء 31] [إضافة العلم]

قال يصف ناقة مفروشة الرجل فرشاً لم يكن عقلاً. فمعنى البيت على هذا: إنه ليس بملازم للنساء ولا أعقل من قلة التصرف وترك الحرب، فإن ذلك يؤدي، إلى العقل المذموم، فيكون خبراً بعد خبر على هذا. [إملاء 31] [إضافة العلم] وقال أيضاً ممليا على قول الشاعر في المفصل (¬1) في السنة المذكورة (¬2): علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يمان (¬3) موضع الاستشهاد فيه ظاهر، وهو: زيدنا وزيدكم. وقوله: أبيض، متعلق بـ "علا" تقديره: علا رأسه في يوم النقا بأبيض، على معنى الاستعانة. و"يمان" صفة بعد صفة للسيف، وأصله يماني، فأعلوه كما أعلوا: مررت بقاضي. وهو منسوب إلى اليمن، فأصله (¬4) في النسبة يمني، إلا أنهم لما قالوا: يماني حذفوا إحدى الياءين، وجعلوا الألف عوضا منها، ثم أعلوه إعلال قاض، ولذلك لم يعتد بزنته، لأن الياء ياء النسبة، كما لم يعتد بها في ثمان، فتقول: رأيت ثمانياً وثمان، في أن الياء ياء النسبة كيمان لأنه مشتق من اليمن، فنسب إليه تقديراً على غير قياس، ثم جعلت الألف عوضاً من إحدى الياءين، ¬

_ (¬1) ص 12. (¬2) أي سنة ثماني عشرة وستمائة. (¬3) هذا البيت من الطويل ولم ينسبه أحد لقائل معين. وهو من شواهد الكامل 2/ 118 ونسبه لرجل من طيء. والرضى 1/ 274. والخزانة 1/ 327. ومغني اللبيب 1/ 53 (دمشق). وزهر الآداب للحصري 2/ 1032 (تحقيق علي محمد البجاوي). النقا: الكثيب من الرمل. ويوم النقا: يوم الحرب. والشاهد فيه إضافة العلم وهو قوله: زيدنا وزيدكم. (¬4) في د: وأصله.

[إملاء 32] [إدخال الألف واللام على العلم]

إلا أن ثمانيا لا يستعمل (¬1) إلا بالألف ويمان يستعمل بالألف محذوفة ياؤه، ويغير ألف مثبتة ياؤه، فقالوا: يمان ويمني، ولم يقولوا: ثمني. ويجب أن يكون ثمانيا كذلك لأنه قد علم أنه من الثمن، فوجب الحكم على الياء بالزيادة. وأيضاً فإنه ليس في كلامهم في المفردات ما هو على هذه الزنة إلا ما كان منسوباً (¬2)، فوجب أن يحمل على ذلك. وأما "يمان" فالأمر فيه أوضح لأمرين: أحدهما: أنه مفهوم منه النسبة، والآخر: أنه يقال: يمني، بمعناه، فعلم أنه فرعه، وليس في ثمان شيء من ذلك. [إملاء 32] [إدخال الألف واللام على العلم] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬3): باعد أم العمرو من أسيرها ... حراس أبواب على قصورها (¬4) موضع استشهاده في قوله: العمرو. ومن أسيرها: متعلق بـ "باعد" على معنى أن هذا الحرف أوصل مباعدة المفعول من الأسير على معنى ابتداء الغاية. "وعلى قصورها" متعلق بمحذوف، إما صفة الأبواب، فيجب أن يقدر ¬

_ (¬1) في الأصل وفي م، س: يستعملوه. وهو خطأ. (¬2) في س: ما هو منسوب. (¬3) ص 13. (¬4) هذا البيت من الرجز وهو لأبي النجم واسمه الفضل بن قدامة من جاز الإسلام الفحول. وهو من شواهد المقتضب 4/ 49. والإنصاف 1/ 317. وابن يعيش 1/ 44. والهمع 1/ 80. واللسان (وبر). والشاهد فيه دخول الألف واللام على عمرو وهو علم لتقدير الشيوع فيه.

[إملاء 33] [إدخال الألف واللام على العلم]

بصفة لها فيه ضميرها، وتقديره: حراس أبواب مركبة أو حاصلة على قصورها، يعني قصور أم العمرو المذكورة؛ أو صفة لحراس، فيجب أن يقدر صفة لهم، فيقدر: حراس أبواب ثابتون وحاصلون، فهو في الأول في موضع خفض، وفي الثاني في موضع رفع. [إملاء 33] [إدخال الألف واللام على العلم] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬1): رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً شديداً بأحناء الخلافة كاهله (¬2) موضع الاستشهاد في قوله: اليزيد. والرؤية رؤية العلم وليس من رؤية العين، لأن شرط رؤية العين أن يكون الثاني متضمناً وصفاً مرئياً كقولك: رأيت زيداً أسود أو أبيض أو متحركاً. وههنا ليس متضمناً ذلك، فوجب أن يكون بمعنى العلم، و"شديداً" مفعول بعد مفعول على أنهما من باب واحد لا على اختلافهما. ولذلك لا يقال في مثله: مفعول ثالث، لأن شرط تعدد المفاعيل اختلاف تعلق الفعل بهما (¬3). ألا ترى أنك إذا قلت: أعطيت زيداً درهما، فتعلق الإعطاء بزيد يخالف تعلقه إلى درهم. وإذا قلت: علمت زيداً عالماً ¬

_ (¬1) صفحة: 13. (¬2) هذا البيت من الطويل وهو لابن ميادة، واسمه الرماح من بني مرة بن عوف، من قصيدة يمدح بها الوليد بن اليزيد. وهو من شواهد الإنصاف 1/ 317. والرضى 2/ 136. والخزانة 1/ 327. وأمالي ابن الشجري 2/ 252. وأحناء الخلافة: أمورها. والكاهل: ما بين الكتفين. والشاهد فيه دخول الألف واللام على الوليد واليزيد وهما علمان، لتقدير التنكير فيهما. (¬3) وردت هذه الكلمة هكذا في جميع النسخ. والصواب بها، لأن الضمير يعود على المفاعيل.

[إملاء 34] [إدخال الألف واللام على العلم وإضافته]

عاقلاً: فتعلق العلم بعالم وعاقل من جهة واحدة. وإنما صح ذلك في "علمت" لأنها داخلة، على المبتدأ والخبر. ولما كان الخبر يصح أن يكون متعدداً صح أن يكون المفعول الثاني متعدداً لأنه الذي كان خبراً. ولما كان ذلك في الخبر (¬1) يجوز بالواو وحذفها جاز في هذا أن يكون بالواو وحذفها لأن باب العلم إنما يدخل على الجمل الاسمية فلا يغيرها عن معناها. وإذا كان كذلك وقد علم أن الخبر يكون متعدداً صح أن يكون المفعول الثاني متعدداً. ومعناه: علمت أن هذا الخليفة ميمون النقيبة على المسلمين، شديداً دولته في جوانب ملكة. وعبر عن ذلك بشدة الكاهل على سبيل الاستعارة، لأن شدة الرجل في العادة باعتباره، فعبر عن كل شديد في المعنى بشدة الكاهل. وكونه حالاً ضعيف، لأن المقصود الإخبار عن هذا الممدوح بأن هذه صفته مطلقاً، فإذا جعلته حالاً، أعني: شديداً، لزم تقييد الحال، والتقييد مفسد للمعنى، لأن التقدير على هذا: علمت الوليد مباركاً في حال كونه شديداً، وليس مراده إلا إطلاق الخبر بأن هذه صفته مطلقاً. [إملاء 34] [إدخال الألف واللام على العلم وإضافته] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬2): وقد كان فيهم حاجب وابن أمه ... أبو جندل والزيد زيد المعارك (¬3) ¬

_ (¬1) في الأصل وفي ب، د، م: المبتدأ. وما أثبتناه من س، وهو الصواب، لأن المعنى يقتضيه. (¬2) ص 14. (¬3) البيت من الطويل وهو للأخطل. انظر شعره ص 503. وهو من شواهد ابن يعيش 1/ 44. والزيد هو زيد بن عبد الله بن دارم، أو زيد بن نهشل، وأبو جندل هو نهشل. وحاجب اسم شخص. وموضع استشهاده إدخال الألف واللام على زيد، وهو علم، وإضافته.

[إملاء 35] [مسألة في إعلال الواو والياء لامين]

فيه استشهادان: أحدهما: بالألف واللام، والآخر: بالإضافة. فجمع في هذا البيت بين ما صدر به أولا من قوله (¬1): "فيجترأ على إضافته وإدخال اللام عليه". وابن أمه: معطوف على حاجب، والضمير عائد على حاجب، أي: أخوه من أمه. ومعناه: أنه كان في هذه القبيلة حاجب، وهو رجل كبير من العرب معروف. والزيد: زيد المعارك، وزيد المعارك: بدل من الزيد، وهو بدل الكل من الكل. وقوله: أبو جندل، بدل من (¬2): ابن أمه. وقوله في آخر الفصل (¬3): "وهو قليل"، يحتمل أن يكون من كلام أبي العباس المبرد (¬4)، ويحتمل أن يكون من كلام الزمخشري. [إملاء 35] [مسألة في إعلال الواو والياء لامين] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على المفصل في قسم المشترك (¬5): الجباوة شاذ. وإنما ذكره مع ما ليس بشاذ ليعلم أنهم قد فعلوا هذا ¬

_ (¬1) المفصل ص 12. (¬2) في د: عن. (¬3) المفصل ص 14. (¬4) هو محمد بن يزيد أبو العباس المبرد. ولد سنة 210 هـ وتوفي بالكوفة سنة 286 هـ. كان فصيحاً ثقة، أخذ عن المازني والسجستاني، وروي عنه الصفار ونفطويه. من مؤلفاته: المقتضب، الكامل، الاشتقاق، إعراب القرآن. انظر بغية الوعاة 1/ 269، طبقات النحويين واللغويين ص 108. (¬5) ص 383.

[إملاء 36] [أصناف الاسم]

الفعل. فإن البقوي (¬1) والشروي (¬2) كما ذكر، والجباوة ليس كذلك، إذ يقال: جبيبت الخراج. ويد ودم أيضاً شاذ، لأنه إما أن يكون أصله: فعل أو فعل، وعلى كلا التقديرين فهو خارج عن القياس. أما خروجه عن القياس على الوجه الأول فقياسه أن يجري مجرى ظبي، فيقال: هذه يدي ورأيت يديا ومررت بيدي. وعلى الثاني كان قياسه أن يجري مجرى عصا، فيقال فيه كما قيل فيه في الأحوال كلها، فقد خرج عن القياس على التقديرين جميعاً. [إملاء 36] [أصناف الاسم] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة مستدلا على حصر الاسم في اسم الجنس والعلم والمعرفة (¬3): إن اللفظ إما أن يوضع ليء بعينه أولا. فإن وضع (¬4) لشيء لا بعينه فهو اسم الجنس ويسمى نكرة، إذ رجل موضوع لزيد وعمرو، لا على جهة التعيين، وإنما على البدل، وكذلك ما أشبهه. وإن كان لشيء بعينه فلا يخلو إما أن يصح إطلاقه على غيره أو لا، فإن لم يصح إطلاقه على غيره فهو العلم، وإن صح فهو المعرفة. ¬

_ (¬1) قال ابن منظور: "البقوي والبقيا: اسمان يوضعان موضع الإبقاء". اللسان (بقي). وقال ابن سيده: "البقوي والبقيا، وأرى ثعلبا قد حكى: البقوي بالواو وضم الباء". المحكم 6/ 316 (تحقيق الدكتور مراد كامل). (¬2) قال ابن منظور: "وشروي الشيء مثله. واوه مبدلة من الياء، لأن الشيء إنما يشري بمثله، ولكنها قلبت ياء كما قلبت في تقوى ونحوها". اللسان (شرى). (¬3) المفصل ص 6. (¬4) فإن وضع: سقطت من د.

[إملاء 37] [استعمال "لا" بمعنى "ليس"]

[إملاء 37] [استعمال "لا" بمعنى "ليس"] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬1): من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح (¬2) أورده على أن "لا" بمعنى ليس، و"براح" اسمها، وخبرها محذوف للعلم به. أي: ليس براح حاصلا لي أو ثابتا أو ما أشبهه. ومعناه: أنه يصف نفسه بالشجاعة. والضمير للحرب لما تقدم ذكرها في أول القصيدة وهي قوله: يا بؤس للحرب التي: ... حطت أراهط فاستراحوا وفي القرآن موضع اختلف فيه هل "لا" فيه بمعنى "ليس" أو لنفي الجنس؟ وهو قوله: {ولات حين مناص} (¬3). وقد ذكرناه في الإملاء (¬4). [إملاء 38] [معنى "من" في بيت من الشعر] وقال مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬5): ¬

_ (¬1) ص 31. (¬2) هذا البيت من مجزوء الكامل وهو لسعد بن مالك القيسي. وهو من شواهد سيبويه 1/ 58. والمقتضب 4/ 360. والإنصاف 1/ 367. والرضى 1/ 112. والخزانة 1/ 223. ورواية الكتاب: من فر عن نيرانها. والشاهد فيه إجراء "لا" مرجى ليس. (¬3) سورة ص: 3. (¬4) قال ابن الحاجب: "قلت اختلف الناس في "لا" التي تلحق آخرها التاء. فمنهم من قال: إنها بمعنى ليس، وهو مذهب البصريين. ومنهم من قال: إنها التي لنفي الجنس وهو مذهب الكوفيين. ومنهم من قال: هذه التاء من حين، ويجعل حين تحين لغتين. فعلى هذا تكون التاء فيه للجنس، وهو مذهب أبي عبيدة". الإيضاح 1/ 399. (¬5) ص 365.

[إملاء 39] [مسألة في الصفة]

لها أشارير من لحم تتمره ... من الثعالي ووخز من أرانيها (¬1) يقول: كانوا يطعمونها كل يوم لحم الأرانب والثعالب لعزتها عندهم. والتتمير التقديد. يقال: تمر اللحم أي: قدده. والأشارير قطع القديد. والوخز الشيء القليل. وفي بعض النسخ متمرة. وواحد الأشارير إشرارة، وهو ما يبسط عليه الأقط وغيره. ومن في المواضع الثلاثة: أما: من لحم تتمره، فهي للتبيين على هذه الرواية. وأما: من الثعالي، ووخز من أرانيها، فيجوز في كل واحدة منهما الأمران: أن تكون مبينة ومبعضة، فالتبين في الأول للأشارير وفي الثاني للحم، وفي الثالث للوخز. والتبعيض ظاهر فيهما. ولا يجوز أن تكون الأولى مبعضة على هذه الرواية التي هي: تتمره، لأن "تتمره" صفة للحم وهي الأشارير، فكيف يقال: اللحم الذي هو الأشارير بعض الأشارير؟ هذا خلف. نعم على من قال: متمرة، يجوز فيها ما جاز في أختيها من الوجهين لأن متمرة صفة لـ "أشارير". وقوله: لها، أي: للغبة، وهي فرخ عقاب كانت لبني يشكر. [إملاء 39] [مسألة في الصفة] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬2). ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط. وقد اختلف في قائله، فقد نسبه سيبويه لرجل من بني يشكر 2/ 273. ونسبه ابن منظور لأبي كاهل اليشكري. اللسان (تمر، رنب). ونسبه الشنقيعلي في الدرر للنمر بن تولب اليشكري 1/ 157. وهو من شواهد المقتضب 1/ 247. والمقرب 2/ 169. والهمع 1/ 181. وأورده الزمخشري شاهداً على إيدال الباء ياء في قوله: الثعالي وأرانيها. (¬2) صفحة 14.

[إملاء 40] [توجيه إعراب كلمة في بيت لرؤية]

وقبلي مات الخالدان كلاهما ... عميد بني جحوان وابن المضلل (¬1) عميد: إما صفة لـ (الخالدان9، وإما بدل. ولا يثوهم عدم الجواز فيما ذكر أنه مفرد وموصوفه مثني، فإنهما ههنا في حكم الشيء الواحد لأنهما قد شرك بينهما بحرف العطف. والصفة تارة تأتي على هذه الصورة، وتارة يقال: جاءني زيد وعمرو العاقلان، وجاء (¬2) الزيدان العاقلان، وجاء الزيدان العالم والعاقل. ومات أصله: موت، ومضارعه يموت، فإذا أردت الفاعل إلى نفسك قلت: مت. وأما مت بالكسر فهو من ماضي موت، مثل خوف في خفت. وقبلي: ظرف، وهو معرب تقديراً، وإن كان الخلاف في كل ما أضيف إلى ياء المتكلم، هل هو معرب أو مبني؟ والكلام في ياء الإضافة هل أصلهما السكون وفتحت تقوية لها أو أصلها الحركة وسكنت تخفيفاً؟ فيه خلاف ليس فيه كبير أمر، فقد أشرنا إلى ذلك في الإملاء (¬3). [إملاء 40] [توجيه إعراب كلمة في بيت لرؤية] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر رؤية في المفصل (¬4) وهو: ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وقائله الأسود بن يعفر كما في نوادر أبي زيد ص 160. وانظر اللسان (خلد، ضلل). وابن يعيش 1/ 46. والخالدان هما: خالد بن نضلة وخالد بن قيس بن المضلل. انظر المفصل ص 14. وأورده الزمخشري شاهدا على دخول الألف واللام على العلم المثني وهو قوله: الخالدان. (¬2) في س: جاءني. (¬3) انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 431. وقد قال: إن أصلها الفتح. (¬4) ص 15.

[إملاء 41] [الواو في ورنتل ليست زائدة]

أنا ابن سعد أكرم السعدينا ... إن تميما لم يكن عنينا (¬1) أما الرفع (¬2) فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه لما قيل: أنا ابن سعد، كأن سائلا سأل وقال: من هو ابن سعد؟ فقال له شخص: هو أكرم السعدينا. ولا يجوز أن يكون خبراً بعد خبر، ولا صفة، ولا بدلا لقولك: أنا. أما الصفة فباطلة، لأنه صفة لابن، فيلزم أن يكون سعدا، وليس سعدا، إنما هو ابن سعد إذ أكرم الضاربين ضارب. ولو كان بدلاً لكان إما بدل الكل فيجب أن يكون مدلوله مدلول الأول، وإذا كان كذلك وجب أن يكون ابن سعد، وإذا كان ابن سعد وجب أن يكون أكرم السعدين سعد وليس سعداً. وبدل الاشتمال ويدل البعض ظاهر بطلانهما. والخفض صفة لسعد، ولا يجوز أن يكون صفة [لأنا] (¬3) لأن المضمرات لا توصف، ومن حيث المعنى أيضاً ما تقدم (¬4). [إملاء 41] [الواو في ورنتل ليست زائدة] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬5): ¬

_ (¬1) انظر مجموع أشعار العرب ص 191 (تصحيح وترتيب وليم بن الورد). وهو من شواهد سيبويه 2/ 153، والمقتضب 2/ 223، ومعاني القرآن للفراء 2/ 392. وأورده الزمخشري شاهداً على دخول الألف واللام على جمع سعد، وهو علم. (¬2) أي رفع: أكرم. (¬3) زيادة من عندي يقتضيها المعنى. (¬4) قال سيبويه: "وزعم يونس أنه سمع رؤية يقول: أنا ابن سعد أكرم السعدينا نصبه على الفخر". الكتاب 2/ 153. (¬5) ص 358.

[إملاء 42] [حد الكلمة]

"وورنتل كجحنفل" (¬1): يعني أن الواو فاء الكلمة وليست بزائدة، ومثله بوازنه مما وقعت فيه الفاء حرفا لا تصلح للزيادة وهو جحنفل. وجاء بمثال في ثالثه نون ليقرب به الشبه في أنه مثله. [إملاء 42] [حد الكلمة] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قوله في المفصل (¬2): "الكلمة هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع وهي جنس تحته ثلاثة أنواع": إن قيل: كيف يصح انقسام الشيء إلى نفسه وإلى غيره؟ فالجواب: أن المنقسم المسمى لا نفس اللفظ. فإن المسمى يصح إطلاقه على الاسم والفعل والحرف، كل واحد على حياله، فالمقسم الجنس المسمى بالكلمة. [إملاء 43] [جواز كون الواحد الوجودي جنسا] وقال ايضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين مجيباً عن وهم متوهم أورد على الزمخشري سؤالاً في قوله (¬3): "الكلمة هي اللفظة الدالة" إلى آخرها. قال المورد: الكلمة موضوعة لواحد متعين، فكيف يستقيم أن تكون جنساً؟ ¬

_ (¬1) ورنتل: الشر والأمر العظيم. اللسان (ورنتل). جحنفل: الغليظ، ونونه زائدة. اللسان (جحفل). (¬2) ص 6. (¬3) ص 6.

[إملاء 44] [قلب الواو ياء في بيت من الشعر]

فالجواب: أنه لا يمنع (¬1) صحة إطلاقها على الواحد الوجودي من أن تكون جنساً، كما لا يمنع صحة إطلاق الإنسان والرجل على الواحد الوجودي من أن يكون جنساً، لأن المراد بالجنس هو ما حد باعتبار الأمر المتعقل لا باعتبار الأمر الوجودي، فمعنى الجنس: ما يتعقل مما يقبل فصولاً متعددة يكون باعتبار كل فصل لحقيقة غير الأخرى وإن اشتركا في الأمر الكلي الشامل للجميع المسمى باعتبار شموله لها جنساً. [إملاء 44] [قلب الواو ياء في بيت من الشعر] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل في قسم المشترك (¬2). وقد علمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معديا عليه وعاديا (¬3) يجوز أن يكون "معديا" حالاً مقيدة، إما من الليث، وإما من المشبه بالليث. والعامل فيها معنى التشبيه، كأن التقدير: أنا مماثل لليث في حال كونه على هذه الصفات، أو في حال كوني على هذه الصفات. فالتقييد تارة للمشبه وتارة للمشبه [به] (¬4). ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة على معنى (¬5) أنه نفس ¬

_ (¬1) في س: يمتنع. والصواب ما أثبتناه. (¬2) ص 390. (¬3) البيت من الطويل، وقائله عبد يغوث الحارثي. وهو من شواهد سيبويه 4/ 385. وابن يعيش 5/ 36، 10/ 22. واللسان (عدا). والمحتسب لابن جني 2/ 207 (تحقيق على النجدي ناصف والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي). وذكره ابن يعيش بروايتين مختلفتين، الأولى كرواية صاحب المفصل. والثانية قوله: أنا الليث معدواً على وعادياً. (¬4) زيادة من م، س. (¬5) معنى: سقطت من د.

[إملاء 45] [مجيء المنصوب على الاختصاص نكرة]

الليث مبالغة، ثم أكد ذلك بهذه الحال التي هي تقرير لذلك في المعنى كقولك: أنا حاتم جواداً، وأنا فلان بطلاً شجاعاً. وموضع الاستشهاد في قوله: معدياً، وأصله معدوو، ففعل به ما فعل، بعتي وجثي. و"عادياً" من باب غازية ومحنية، قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وأما ما فعل بعتي وجثي جمع عات وجاث فاستثقلوا الواو المتطرقة المضمومة. ولم يعتد بالساكن بينهما لأنه هوائي فلم يعتد به. فكأنها متطرفة وقبلها ضمة، فقلبوا الضمة كسرة فانقلبت الواو ياء. [إملاء 45] [مجيء المنصوب على الاختصاص نكرة] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله (¬1): ويأوي إلى نسوة عطل ... وشعثاً مراضيع مثل السعالي (¬2) قال: استشهد به على أن هذا الباب الذي يقال: فيه: نصب على الاختصاص، يأتي نكرة. ولا يجوز أن يكون مفعولاً معه، لأن شرط المفعول معه التشريك مع المرفوع في نسبة الفعل مثل قولك: جاء زيد وعمراً، فعمرو جاء أيضاً. وكذلك: جاء البرد والطيالسة (¬3)، وما زلت أسير والنيل. وقد توهم ¬

_ (¬1) ص 46. (¬2) هذا البيت من المتقارب. وهو لأمية بن أبي عائد. انظر ديوان الهذليين 2/ 184 (الدار القومية للطباعة والنشر. القاهرة). والرواية فيه: له نسوة عاطلات الصدور: عوج مراضيع مثل السعالي. وهو من شواهد سيبويه 1/ 399. والرواية فيه: وشعث. والرضي 1/ 316. والخزانة 1/ 417. والمقرب 1/ 225. والكشاف 1/ 417. والشعث: جمع شعثاء وهي التي تغير شعرها وتلبد. والسعالي: جمع سعلاة وهي الغول. وقد أوضح المؤلف موضع الشاهد فيه. (¬3) الطيالسة: جمع الطيلس والطيلسان، وهو ضرب من الأكسية. اللسان (طلس).

[إملاء 46] [علم منقول عن فعل الأمر]

من لا عبرة به جواز: سرت والجبل، وهو غير جائز لما ذكرناه. إذ الجبل لا يسير، بخلاف ما تقدم في صحة نسبة الفعل إليهما على سبيل المعية. ثم ولو سلم جوازه فلابد فيه من تأويل وهو أنه يجعل كأن كل جزء من الجبل سائر، لأنه إذا سار من موضع من نواحي الجبل فذاك مفارق (¬1) له فيسمى سائراً. ومعنى البيت: أنه يأوى إلى النسوة الموصوفة بالعطف. وقوله (¬2): وشعثا، هن المتقدمات بالذكر بعينهن. [إملاء 46] [علم منقول عن فعل الأمر] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬3): على أطرقا باليات الخيام ... إلا الثمام وإلا العصي (¬4) موضع الاستشهاد في قوله: أطرقا، فإنه منقول عن فعل الأمر، وهو اسم لموضع. وقد أخذ على المستدل به. والأخذ مشار إليه في الإملاء (¬5)، وهو أنه ساقه في قسم المفردات وهو داخل في قسم المركبات، فإن "أطرقا" فعل وفاعل، فليكن مثل قولك، يزيد، إذا سمي به باعتبار الضمير. ¬

_ (¬1) له: سقطت من د. (¬2) وقوله: سقطت من م. (¬3) ص 8. (¬4) البيت من المتقارب وهو لأبي ذؤيب الهذلي. انظر ديوان الهذليين 1/ 65. وقد روي برفع (الثمام) و (العصي). وهو من شواهد ابن يعيش 1/ 31، واللسان (طرق). والثمام: نبت معروف في البادية. والشاهد فيه أن (أطرقا) علم منقول عن فعل الأمر. (¬5) انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 78. قال: "فتمثيله بقوله: أطرقا في غير قسم المركب ليس بمستقيم".

ومعنى البيت: أنه يقول عرفت ديار أحبتي في هذا الموضع المعروف بـ "أطرقاً" في حال كونها باليات خيامها عافيات آثارها لكثرة شغفه بها وبحثه عنها، فعرفها في حال خفائها لغرامه بها ودروس ما فيها حتى لم يبق بها مبيناً إلا الثمام والعصى كالأوتاد وآلات البيوت. وباليات: يروي منصوبا وهو الصحيح، وقد جاء مرفوعا. فالنصب على أنه حال من الديار، والمعنى عليه على ما تقدم. والرفع على أن يكون البيت مستقلاً في معناه من غير نظر إلى ما قبله، فيكون مبتدأ به، كأنه قال: على أطرقا منازل باليات خيامها، ويكون خبره: على أطرقا. وهو ناشئ عن توهم استقلال البيت وقطع النظر عما قبله. وقوله: إلا الثمام وإلا العصي، جاء مرفوعاً، وليس بالجيد، وجاء منصوباً، فيطلق العصي ويحذف منه الياء الثانية على ما هو أصل في مثله، إذ كل ما آخره حرف مشدد وبنيت قافيته على الوقف فواجب فيه حذف الثاني، وإن كان حرفا صحيحا فهو في المعتل أشبه. ووجه النصب في الثمام ظاهر، وهو أنه مستثنى من كلام موجب مع كونه من غير الجنس، فقوي النصب من الوجهين جميعاً، والرفع ضعيف جداً. وإنما جاء الوهم فيه من جهة أن القوافي كلها إذا رفعت استقامت إعراباً ووزناً على أصل عروضه لأنه من المتقارب، وأصل المتقارب فعول ثماني مرات كاملة كقوله: فأما تميم تميم بن مر ... فألفاهم القوم روبي نياما (¬1) ¬

_ (¬1) البيت من المتقارب وهو لبشر بن أبي خازم. انظر ديوانه ص 190 (تحقيق الدكتور عزت حسن). وهو من شواهد سيبويه 1/ 82. وانظر البيان والتبين للجاحظ 3/ 44 (دار الفكر). وأدب الكاتب لابن قتيبة ص 64 (تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد) والإيضاح لابن الحاجب 1/ 313. وروبي: الذين استثقلوا نوماً. اللسان (روب).

فلما رئي بهذه المثابة ظن أنه كذلك، فالحق هذا البيت به، فرفع من غير نظر وتبيين لوجه رفعه، والصواب أنه محذوف منه سبب خفيف من آخر الجزء وهو الضرب الثالث من ضروب المتقارب (¬1)، فيستقيم إعراب البيت. ولا بعد في مخالفة ذلك الوزن الأصلي لأنه لا يلزم منه ما لا يجوز، وارتكاب أمور متعددة مما يجوز ارتكابها [جائز] (¬2) باتفاق وإن كانت خارجة عن أصل غير مرفوع لاسيما إذا اضطر إليه موجب. وأما ارتكاب أمر لا يجوز لأجل مراعاة أمور أصلية مخالفتها جائز، فغير جائز باتفاق. فلذلك (¬3) كان الرفع غير مستقيم والنصب هو المستقيم. ووجهه على شدة ضعفه أنه لما كان "الخيام" في موضع رفع أجرى تابعه عليه رفعا ثم استعمل إلا إما (¬4) بمعنى غير، وصفا للخيام على المحل، فأجرى ما بعدها بإعرابها على ما هو ثابت لها، فارتفع الثمام لذلك، وعطف العصي عليه (¬5). و"على أطرقا" يتعلق بـ "عرفت" إن قلنا إن له تعلقاً بالبيت الذي قبله (¬6)، وإن قطعنا النظر عنه تعلق بمحذوف تقديره: منازل باليات الخيام مستقرة على أطرقا. ¬

_ (¬1) يكون فيه الضرب محذوفاً على وزن (فعو). (¬2) زيادة من عندي يقتضيها السياق. (¬3) في د: فكذلك. والصواب ما أثبتناه، لأن المقصود التعليل. (¬4) وردت هذه الكلمة في جميع النسخ، والكلام يستقيم بدونها. (¬5) قال ابن الحاجب: "وأما كون إلا بمثابة غير فشرطه في الفصيح أن تكون تابعة لجمع منكر غير منحصر، وذلك مفقود ههنا". الإيضاح 1/ 77. (¬6) وهو قوله: عرفت الديار كرقم الدوا ... ة يزيرها الكاتب الحميري

[إملاء 47] [إجراء اسماء المعاني مجري الأعيان]

[إملاء 47] [إجراء اسماء المعاني مجري الأعيان] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬1): إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم ... إلى الغدر أدنى من شبابهم المرد (¬2) يصف هؤلاء القوم بأن شيوخهم إلى الفساد أقرب من شبابهم. وموضع الاستشهاد في قوله: كيسان، وهو علم، والذي يدل على أنه علم منعه الصرف، ولا علقة تقدر مع الألف والنون إلا العلمية، فوجب أن يكون ذلك علما لذلك، والجار والمجرور في قوله: إلى الغدر، يتعلق بـ "أدنى" ولا يتعلق بـ "كان" لأنها ناقصة والناقصة لا يتعلق بها، إما لأنها لا دلالة لها على الحدث، وإما لأنها تدخل على الجمل على ما هي عليه من أخبارها وتعلقاتها. فلو ذهبت تعلق بها لخرج ما علقته بها عن حيز الجملة الداخلة هي عليه، وذلك تغيير لوضعها. [إملاء 48] [إجراء أسماء المعاني مجرى الأعيان] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬3): ¬

_ (¬1) ص 10. (¬2) هذا البيت من البحر الطويل وهو اللنمر بن تولب. انظر ديوانه صفحة 125 (مطبعة المعارف. بغداد). وقيل: هو لضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن. وقيل: هو لغسان بن وعلة. وهو من شواهد ابن يعيش 1/ 37. والحماسة البصرية 2/ 288 (تصحيح وتعليق الدكتور مختار بن أبي الفرج). وكيسان: اسم للغدر. وقد ذكر المؤلف موضع استشهاده. (¬3) ص 10.

[إملاء 49] [حد الكلام]

إذا قال غاو من تنوخ قصيدة ... بها جرب عدت على بزويرا (¬1) معناه: أن هؤلاء يقولون الشعر الرديء فينسب إلي، وذلك يكون إما لكونه من قبيلتهم وقد اشتهر دونهم، وإما لأنهم يرجعون إليه فيما يأتون ويذرون من أشعارهم. أو يريد: أنه إذا قال أحد من هذه القبيلة شعراً مما يؤثر أثراً غير حميد عد علي وقصد جزائي به حتى كأني الذي باشرته، وذلك لما تقدم من الاحتمال. و"من تنوخ" للتبيين. و"عدت" جواب إذا. وموضع الاستشهاد في قوله: بزويرا. وهو علم [منع من الصرف] (¬2) للتأنيث المعنوي والعلمية؛ ولا يجوز أن يكون متروكاً صرفه للضرورة؛ لأنه لو كان كذلك لكان ممنوعاً من غير علة، وهو لا يجوز باتفاق. إنما موضع الخلاف فيما (¬3) إذا كانت فيه علة واحدة. وبيان أنه يكون مصروفا بغير علة أن التانيث المعنوي مشروط في كونه علة العلمية. فإذا قدرنا انتفاء العلمية زال كون التأنيث مشروطاً لزوال شرطه. [إملاء 49] [حد الكلام] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬4): "الكلام هو المركب من كلمتين": ¬

_ (¬1) هذا البيت من البحر الطويل وقد اختلف في قائله. فقد نسبه الزمخشري للطرماح وكذلك ابن يعيش 1/ 37. انظر ديوان الطرماح – الذيل ص 574 (حققه الدكتور عزت حسن). ونسبه ابن الحاجب في الإيضاح 1/ 91 لابن أحمر. وفي الحماسة البصرية 2/ 13 نسب لحميد بن ثور. ونسبه ابن الأنباري في الإنصاف 1/ 495 للفرزدق، وكذلك ابن منظور (زبر). والبيت في ديوان الفرزدق 1/ 206 (دار صادر. بيروت). تنوخ: اسم قبيلة. وزوير الشيء: جميعه أو كله،. وقد ذكر المؤلف موضع استشهاد ومعناه. (¬2) زيادة من عندي اقتضاها المعنى. (¬3) فيما: سقطت من م. (¬4) ص 6.

[إملاء 50] [العلم المركب]

لو (¬1) اقتصر على قوله: من كلمتين، لورد عليه بعلبك ومعدي كرب، وقولهم (¬2): حصير ثوب زيد، وما أشبهها من الألفاظ المهملة. فإن التركيب موجود صورة، ومع ذلك ليس بكلام. فلابد من زيادة: أسندت إحداهما إلى الأخرى. ونعني بالإسناد إفادة المخاطب ما ليس عنده في ظن المتكلم. [إملاء 50] [العلم المركب] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬3): نبئت اخوالي بني يزيد ... ظلما علينا لهم فديد (¬4) نبئت: فعل مبني لما لم يسم فاعله، وهو من الأفعال المتعدية إلى ثلاثة ¬

_ (¬1) في د: إذا. والصواب ما أثبتناه بدليل قوله: لورد، فاللام داخلة في جواب لو. (¬2) قولهم: سقطت من د. (¬3) ص 6. (¬4) هذا البيت من الرجز، ولم ينسبه أحد لقائل معين. وقد رأيته في ملحقات ديوان رؤية بن العجاج ص 172. وهو من شواهد الرضى 1/ 64. ومغني اللبيب 2/ 693 (دمشق). ومجالس ثعلب ص 176 (شرح وتحقيق عبد السلام هارون). واستشهد به الزمخشري على أن (يزيد) اسم علم مركب وهو جملة. قال ابن يعيش: "وفي نسخ المفصل: يزيد، بالياء، وصوابه: تزيد، بالتاء المعجمة بثنتين من فوقها، وهو تزيد بن حلوان أبو قبيلة معروفة إليه تنسب البرود التزيدية". شرح المفصل 1/ 28. قال ابن الحاجب: "وقول بعضهم: إنما هو نبئت أخوالي بني تزيد بالتاء، تنطع عنه وتبجح بأنه قد علم أن في العرب تزيد بالتاء وإليه تنسب البرود التزيدية. وهو مردود من وجهين: أحدهما: أن الرواية هنا بالياء. والثاني: أن تزيد بالتاء مفرد في كلامهم لا جملة". الإيضاح 1/ 72.

مفعولين. وتحقيق تعديه في الإملاء على المفصل (¬1). فالتاء هي المفعول الأول، وأخوالي المفعول الثاني. وبني يزيد: صفة لأخوالي. والأحسن أن لا يكون بدلا، لأن البدل إنما يكون بالأسماء الموضوعة للذوات بخلاف ابن فإنه موضوع لذات باعتبار معنى هو المقصود، وهو البنوة. ويزيد: في موضع خفض. وقوله: ظلماً، إما مصدر في موضع الحال، وإما مفعول من أجله (¬2). ولهم فديد: جملة في موضع المفعول الثالث. والفديد: الصوت. ومعنى البيت: أن هذا القائل يقول: أخبرت أن أخوالي الموصوفين بهذه الصفة لهم علينا صوت وجلبة في حال كونهم ظالمين علينا أو لأجل ظلمهم. وكلاهما ضعيف. أما الحال فلأنه من الضمير في "لهمط، والعامل فيه ما في "لهم" من معنى الفعل، وهو عامل معنوي. ونقدم (¬3) الحال على العامل المعنوي ضعيف. ووجه ضعفه مذكور في إملاء المفصل، فلينظر ثم (¬4). وأما المفعول من أجله فكذلك، لأن العامل معنوي، وتقدمه ضعيف كقولك: عندي مال اكتساباً من تجارة. فلو قلت: اكتساباً من تجارة عندي مال، كان ضعيفاً. فإن توهم متوهم أنه حال من أخوالي، والعامل: نبئت، فهو باطل لأنه يلزم منه تقييد المبتدأ من حيث كونه مبتدأ، والمبتدأ لا يقبل التقييد. فإذا قيل: زيد قائما يضحك، قلنا: ليس حالاً من المبتدأ، وإنما هو حال (¬5) من الضمير في الخبر الذي هو "يضحك". ولذلك لو جعلت موضع "يضحك" اسما جامدا لم ¬

_ (¬1) انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 71. (¬2) قال ابن يعيش: "والعامل فيه فعل محذوف دل عليه: لهم فديد. والتقدير حملوا علينا ظلماً". شرح المفصل 1/ 28. (¬3) في د: وتقديم. (¬4) انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 330. (¬5) وإنما هو حال: سقطت هذه العبارة من د.

يجز، لأنه ليس معك حينئذ ما يقبل التقييد، فدل على أن المبتدأ لا يقبل. وكذلك إذا قلت: نئبت أخوالي قائمين ضاحكين. فقائمين: حال وليس عامله "نبئت" وإنما عمله "ضاحكين"، ولذلك لو جعلت موضع "ضاحكين" اسماً جامداً لم يجز أن يكون ذلك حالاً. فلو كان العامل فيه "نبئت" لجاز. فإن توهم متوهم (¬1) أن "بني يزيد" المفعول الثالث. فهو غلط لوجهين: أحدهما: أن قوله: لهم فديد، يبقى ضائعاً لا ارتباط له بالأول، مع أن المعنى ما أشرنا إليه. والثاني: أنه إخبار بأنه أخبر بأن أخواله بنو يزيد. ومعلوم أن سياق كلامه أنه لم يقصد أنه أخبر بأن أخواله بنو يزيد لظهور ذلك عنده. وموضع الاستشهاد في قوله: يزيد، لأنه قال: والمركب إما جملة في مثل قولك: نبئت. لأنه إما أن يريد: يزيد، من قولك: يزيد المال، أو المال يزيد. فلا يجوز أن يراد الأول لأنه يبقى مفرداً باعتبار التسمية، فيكون من باب: تغلب ويشكر، وهو أخذ يزيد على حياله مجرداً عن الضمير، فيتعين أن يكون من باب: المال يزيد، فيكون جملة على هذا. والجمل إذا سمي بها تحكي على ما هي عليه في أصل وضعها. ولهذا لو سميت رجلاً بقولك: اضرب. فلا يخلو إما أن تقصد إلى الضمير أو لا. فإن قصدت إلى الضمير قلت: جاءني اضرب ورأيت اضرب ومررت باضرب، لا خلاف في ذلك. وإن لم تقصد إلى الضمير البتة بل سميت بهذا اللفظ مجرداً عنه قلت: جاءني اضرب ورأيت اضرب ومررت باضرب (¬2). ¬

_ (¬1) متوهم: سقطت من د. (¬2) فتمنعه من الصرف للعلمية ووزن الفعل.

[إملاء 51] [علم منقول عن فعل الأمر]

[إملاء 51] [علم منقول عن فعل الأمر] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬1): أشلى سلوقية باتت وبات بها ... بوحش أصمت في أصلابها أود (¬2) موضع الاستشهاد في قوله: اصمت، فإنه منقول عن فعل أمر. واصمت اسم لبرية قيل إنها سميت بذلك لأنه غلب عليها كثرة (¬3) قول الرجل لصاحبه: اصمت اصمت، لشدة الخوف فيها. وقد أخذ على صاحب المفصل باستشهاده به. فإن العرب تقول: صمت يصمت، فالأمر فيه بالصم، فكيف جاء اصمت؟ وجوابه أن يقال: إن "فعل" يأتي على يفعل وعلى يفعل (¬4). ومنهم من يقول: إن سمع للفعل مضارع اتبع وإلا فأنت فيه مخير: إن شئت قلت يفعل أو يفعل. ومنهم من يقول: إن كثر استعمال. المضارع اتبع وإلا كنت فيه بالخيار (¬5). والجار والمجرور في قوله: بوحش، يتعلق بـ "أشلى" وتقديره: أشلى سلوقية بوحش هذه البرية، باتت السلوقية في هذه البرية وبات بها، أي: عندها، والضمير للسلوقية. ¬

_ (¬1) ص 7. (¬2) سبق الكلام عن هذا الشاهد في الإملاء (16) من هذا المسم. ص: 306. (¬3) كثرة: سقطت من م. (¬4) انظر سيبويه 4/ 38. (¬5) قال ابن الحاجب: "استشهاده بالبيت يستقيم على وجهين أحدهما: أن فعل يجيء على يفعل ويفعل. والوجه الثاني: أن يثبت صمت يصمت. ولا يستقيم على غير ذلك". الإيضاح 1/ 75.

[إملاء 52] [الإغراء يكون بالمخاطب وليس بالغائب]

وقوله: في أصلابها أود، يعني السلوقية، يصفها بالقوة. والأولاد: العوج كأنه قال: في أصلاب السلوقية عوج، وذلك يدل على قوتها. [إملاء 52] [الإغراء يكون بالمخاطب وليس بالغائب] وقال أيضاً ممليا بالقاهرة سنة ثلاث عشرة على قوله في المفصل (¬1): "عليه رجلا ليسني" (¬2): انتصب "رجلا" بـ "عليه"، وهو شاذ لأن "عليه" ليس يغري بها (¬3). وإنما يغري بعليك ودونك. وفي "ليس" اسمها، والياء في موضع الخبر على الشذوذ. وإنما كان الإغراء بالمخاطب لأن صيغة الأمر لا تكون في الغالب إلا للمخاطب. [إملاء 53] [استعمال "بينا" بغير "إذا"] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬4): فبينا نحن نرقبه أتانا ... معلق وفضه وزناد راع (¬5) ¬

_ (¬1) ص 132. (¬2) هو حكايةعن بعض العرب. قال ذلك لرجل ذكر أنه يريده بسوء. ابن يعيش 3/ 107. (¬3) قال أبو البركات الأنباري: "وأما قول بعض العرب: عليه رجل ليسني، فلا يقاس عليه لأنه كالمثل". أسرار العربية ص 164 (تحقيق محمد بهجت البيطار9. (¬4) ص 172. (¬5) هذا البيت من الوافر. وقد نسبه سيبويه لرجل من قيس عيلان 1/ 171، وروايته: بينا نحن نطلبه. وهو من شواهد معاني القرآن للفراء 1/ 346. والمحتسب 2/ 78. والهمع 1/ 211. والوفضة: جعبة السهام. قال ابن السيرافي: معناها في البيت: خريطة تكون مع الفقراء والرعاة يجعلون فيها أزوادهم. انظر شرح أبيات سيبويه 1/ 267. والشاهد فيه استعمال (بينا) بغير إذ.

بين: هذه هي الظرف الذي يقضي أن يكون المنسوب هو إليه متعدداً مخفوضاً بالإضافة إليه كقولهم: المال بين زيد وعمرو. وجئتك بين الظهر والعصر، وما أشبه ذلك. إلا أنهم لما قصدوا إلى نسبتها إلى أوقات نسبة حذفوا الأوقات وعوضوا عنها حرفا من الكلام وهو ما، أو حرفا من الكلام وهو الألف، وذكروا الجملة التي المقصود نسبة "بين" إلى أوقات نسبتها، فوجب حكاية الجملة على ما هو عليه، مثلها في: ربما زيد قائم، فقالوا: بينما نحن بمكان كذا. وهو منصوب على الظرف معمول لما يذكر معه من الجملة التي وقع نسبتها فيه، كقولك: بينما نحن بمكان كذا طلع علينا فلان، ومعناه باعتبار إعرابه. وأصله: طلع علينا في الوقت الذي يتخلل طرفيه وقوع هذه النسبة. ومن ثم لم يستفصح الأصمعي (¬1) دخول إذ وإذا مع الفعل لما فيه من بقاء الظرفين من غير عامل ظاهر يعمل فيهما. لأنك إذا أدخلت "إذ" صارت كأنها بدل من "بينما"، ومنعت أن تعمل "طلع" فيما قبلها، فيصير ظرف مذكور من غير عامل يستقل كلاما. ووجه دخول، "إذ" أن يكون ظرفاً معمولا للمفاجأة مثل "إذا" في قولك: خرجت فإذا زيد بالباب، أي: فاجأته، أي: وجدته فجأة، أي: اتفاقا. فيكون "بينما" أيضاً معمولا لذلك، أي: فاجأت طلوع فلان في الوقت الذي بين الطرفين المذكورين على ما تقدم، إلا أن فيه زيادة تقدير على حذفها. ومعلوم أن حذفها أجرى وأقعد باعتبار زيادة التقدير. ولذلك لم يستفصحه الأصمعي. ويقوي إثباتها أن المتكلم قاصد إلى المفاجأة، وهي معنى مقصود. وإذا كان معنى مقصودا وجب الإتيان بما يدل عليه وهو: إذ وإذا، ويجب حذف الفعل، لأن "إذا" المفاجأة واجب حذف فعلها، فيرجع ¬

_ (¬1) هو عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي. ولد سنة 123 هـ. وكان من أهل البصرة. قدم بغداد في أيام هارون الرشيد. وتوفي سنة 210 هـ. من كتبه. خلق الإنسان، الأجناس، المقصور والمدود، الخيل، كتاب الأنوا. انظر: طبقات النحويين واللغويين ص 183، ومراتب النحويين ص 80.

[إملاء 54] [إعراب بيت لكعب بن زهير]

إثباتها بذلك من التقدير أحسن من الحذف. والوجه أن الوجهين سائغان، لأنه ثبت ذلك في لغتهم (¬1). فمن قصد إلى إثبات الفعل في ذلك الوقت من غير تعرض لمفاجأة حذفها، ومن قصد إلى معنى المفاجأة بالتعبير عنه أثبتها. فلا وجه إذن لترجيح أحد الأمرين على الآخر، لأنهما معنيان صحيحان يقصدان بمثابة قولك: خرجت وزيد بالباب، وخرجت فإذا زيد بالباب، ولا شك. إلا أن البيت الذي أنشده الأصمعي جاء على حذفها، ولا دليل إذا ثبت الوجه الآخر وثبت أنهما معنيان في ذلك على الترجيح. ومعلق وفضه: نصب على الحال من الضمير في "أتانا". [إملاء 54] [إعراب بيت لكعب بن زهير] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قول الشاعر في المفصل (¬2) وهو: صبحنا الخزرجية مرهفات ... أبار ذوي أرومتها ذووها (¬3) صبحناهم أي: سقيناهم، من الصبوح، وهو شرب الغداة، وهو نقيض ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب: "والجميع جيد، ألا ترى أنك تقول: إن تكرمني إذا أنا أكرمك. ولم يدل ذلك على أن الإسقاط أفصح، قال الله تعالى: "وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقطنون" على ما ذكره". الإيضاح 1/ 514. (¬2) ص: 109. (¬3) البيت من الوافر وقائله كعب بن زهير. انظر شرح ديوانه ص 212 "صنعة الإمام أبي سعيد السكري). وهو من شواهد المقرب 1/ 211. والهمع 2/ 50. وانظر ديوان الحماسة لأبي تمام 1/ 407 (مطبعة السعادة). المرهفات: السيوف القواطع. والشاهد فيه إضافة ذو إلى الضمير على الشذوذ، وهو إنما يضاف إلى اسم جنس ظاهر.

[إملاء 55] [حذف خبر إن]

الغبق. ونصب "مرهفات" على أنه مفعول ثان، على طريق التمثيل كقوله: تحية بينهم ضرب وجيع (¬1) كأنه لما جعل مكانه سمي باسمه. وأبار: أهلك. وذوي أرومتها: مفعول مقدم. والأرومة: الأصل، وذووها: فاعل أبار. والضمير في "ذووها" راجع إلى المرهفات، أي: أهلك ذوي أصلها أصحابها المرهفات، وإنما يعني نفسه ومن أخبر عنه، لأن المرهفات لهم، فهم أصحابها، ولكنه جعل الفاعل ظاهرا إظهاراً وتوكيدا، لأنهم اصحاب المرهفات. والضمير في أرومتها يعود على الخزرجية. وكان القياس يقتضي أن يقول. أبرناهم بها، ولكنه عدل إلى الظاهر لما ذكرناه. [إملاء 55] [حذف خبر إن] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قول الشاعر في المفصل (¬2) وهو: إن محلا وإن مرتحلا ... وإن في السفر إذ مضوا مهلا ... استأثر الله بالبقاء وبالعد ... ل وولى الملامة الرجلا (¬3) ... ¬

_ (¬1) هذا عجز بين من الوافر وصدره: وخيل قد دلفت لها بخيل. وقائله عمرو بن معد يكرب. انظر ديوانه ص 130 (صنعة هاشم الطعان). وهو من شواهد سيبويه 2/ 323. وابن يعيش 2/ 80. والشاهد فيه جعل الضرب تحية على الاتساع. (¬2) ص 28. ولم يذكر الزمخشري إلا البيت الأول. (¬3) هذان البيتان من المنسرح وهما للأعشى. انظر ديوان الأعشى الكبير ص 233 (شرح وتعليق الدكتور محمد حسين). والذي في كتب اللغة والأدب هو البيت الأول. وهو من شواهد سيبويه 2/ 141. والمقتضب 4/ 130. والرضى 2/ 362. والخزانة 4/ 381. والشاهد فيه حذف خبر إن. أي: إن لنا محلا وإن لنا مرتحلا. قال ابن يعيش: "ولا يرى الكوفيون حذف الخبر إلا مع النكرة، والبصريون يرونه مع المعرفة والنكرة. وكان الفراء يذهب إلى أنه إنما يحذف مثل هذا إذا كررت إن ليعلم أن أحدهما مخالف للآخر عند من يظنه غير مخالف". شرح المفصل 1/ 104.

[إملاء 56] [حكم المؤنث مما لا تاء فيه في الجمع]

معناه: أنهم يقولون: إن لنا محلا في الدنيا وارتحالا بالموت، وإن في مضي من قبلنا، يعني: موت من يموت، مهلة لنا، لا أنا نبقى بعدهم، وهو معنى الإمهال. [إملاء 56] [حكم المؤنث مما لا تاء فيه في الجمع] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثلاث وعشرين على قول الشاعر في المفصل (¬1) وهو: عيرات الفعال والسؤدد العد إليهم محطوطة الأعكام (¬2) معناه: أن الفعال الجميل والسؤدد العظيم قد ثبت عندهم واختص بهم. وجعل له أحمالاً قد حطت عندهم على سبيل الاستعارة. وإليهم: متعلق بمحطوطة، لما تضمن معنى واصلة. وموضع استشهادة واضح. ¬

_ (¬1) ص 192. (¬2) البيت من الخفيف وينسب للكميت بن زيد وليس في ديوانه (تحقيق داود سلوم). وهو من شواهد ابن يعيش 5/ 31 وروايته له: عيرات الفعال والحسب، بدلا من السؤدد. والعيرات جمع عير وهي القافلة. والسؤدد: السيادة. والعد: الكبيرز والأعكام: الأحمال. والشاهد فيه: أن المؤنث الذي لا تاء فيه مما هو معتل العين قياس جمعه تحريك عينه وهو قوله: عيرات. قال ابن الحاجب: "وقوله عيرات في جميع عير إنما يكون على لغة هذيل، لأنه معتل العين". الإيضاح 1/ 540.

[إملاء 57] [إعراب قول للزمخشري في فصل الاختصاص]

[إملاء 57] [إعراب قول للزمخشري في فصل الاختصاص] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة اثنتين وعشرين على قوله في المفصل (¬1): "ولم يعنوا بالرجل والقوم والعصابة إلا أنفسهم وما كنوا عنه بأنا ونحن والضمير في لنا" (¬2). قال الشيخ: قوله: "وما كنوا" عطف على قوله: أنفسهم، لا مبتدأ، لأنك إن جعلته مبتدأ وجب أن يكون كأنه خبره إلى آخره، فيحتاج إلى ضمير يعود عليه، ومع احتياجك إلى الضمير يكون فاسداً في المعنى لأنه يصير تفسيراً له ضرورة أنك جعلته خبرا، ولا يصلح أن يكون تفسيراً، إذ ليس معنى أنا في قولك: أما أنا فأفعل كذا، متخصصا بذلك من بين الرجال، وكذلك الباقية. وإنما هو تفسير للجملة الأولى بكاملها. وإنما حمله قوم على هذا مع ما فيه من الاستبعاد لما رأوا من أنه إذا عطف على "أنفسهم" وجبت المغايرة، ولا مغايرة بين مدلول أنفسهم وبين ما كنوا عنه بأنا ونحن، والضمير في لنا. وإذا تعذرت المغايرة تعذر العطف، فمن ههنا فروا وجعلوه مبتدأ، وظنهوا أن ذلك ينجيهم، ولا حاجة إلى هذا التعسف. ويجاب عما استشكلوه بأمرين: أحدهما: أن أنفسهم وإن كان مفعولاً فهو في المعنى خبر عن الرجل. لأنك تقول: عنيت بالرجل المذكور أخاك في معنى: الرجل المذكور أخوك. وإذا كان في المعنى خبراً صح أن يؤتى بحرف العطف من جهة أن الأخبار وما في معناها يصح عطف بعضها على بعض. ¬

_ (¬1) ص 45. (¬2) وقبل هذه العبارة: "وفي كلامهم ما هو على طريقة النداء ويقصد به الاختصاص لا النداء وذلك قولهم: أما أنا فافعل كذا أيها الرجل، ونحن نفعل كذا أيها القوم، والمهم اغفر لنا أيتها العصابة، جعلوا أيا مع صفته دليلاً على الاختصاص والتوضيح".

[إملاء 58] [ما يجري مجرى الصحيح في الوقف من الأسماء المعتلة]

تقول: زيد أخوك وصاحبك. وتقول: عنيت بزيد أخاك وصاحبك، وكذلك ههنا. وهذا هو المراد في الظاهر. ويجوز أن يكون قوله: "وما كنوا"، خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: وهو (¬1) ما كنوا عنه. فلم يبق فيما ذكروه إشكال بهذا التفسير. [إملاء 58] [ما يجري مجرى الصحيح في الوقف من الأسماء المعتلة] وقال أيضاً مملياً في سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬2): "وإذا اعتل الآخر وما قبله ساكن كآخر ظبي ودلو، فهو كالصحيح" (¬3): وكذلك إذا كان مشدداً مثل صبي وكرسي، لأن المشدد بحرفين أولهما ساكن فهو راجع إلى الأول. وإنما ذكروه لئلا يلتبس (¬4) على المبتدئين. وإنما تستثقل حركة الياء والواو (¬5) إذا تحركت وتحرك ما قبلها. فأما إذا سكن ما قبلها فإنها لا تستثقل، لأن السكون يقع قبلها كالاستراحة، فينطق بها متحركة بعد أن استريح دونها فسهل النطق بها لذلك. ولذلك تجد الاستثقال في قولك: قاضي، ولا تجد مثله في قولك: ظبي. ولذلك لم يعلوا الياء إذا انفتحت وانكسر ما قبلها لسهولة النطق بها لخفة الفتحة على الياء بعد الكسرة بخلافها إذا كانت مضموة أو مكسورة، فصححوا نحو: رأيت قاضياً، وأعلوا نحو: جاءني قاض ومررت بقاض. ¬

_ (¬1) وهو: سقطت من م، س. (¬2) ص 340. (¬3) أي: إن الاسم المعتل الآخر الذي قبل سكون يجري مجرى الصحيح في الوقف كما يجري مجراه في تحمل حركات الإعراب. فحكمه كحكمة في الوقف عليه. ويجوز فيه ما جاز في الصحيح، ويمتنع منه ما امتنع في الصحيح. انظر ابن يعيش 9/ 74. (¬4) في م: تلتبس. والأصوب ما أثبتناه. (¬5) والواو: سقطت من س.

[إملاء 59] [حكم أفعل التفضيل إذا أضيف]

[إملاء 59] [حكم أفعل التفضيل إذا أضيف] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬1). ومية أحسن الثقلين جيداً ... وسالفة وأحسنه قذالا (¬2) الضمير في قوله: وأحسنه، يجوز أن يكون للثقلين، ويجوز أن يكون للجيد. وهو للثقلين أقوى في المعنى، وللجيد أقوى في اللفظ. فإذا حملته على أحدهما تأولت للآخر على خلاف ما هو الظاهر. فإذا جعلته ضمير الثقلين كان ظاهراً في المعنى، إذ المعنى: أحسن الثقلين جيداً وأحسن الثقلين قذالاً. فكان ظاهراً من حيث المعنى، ضعيفا من حيث اللفظ، إذ الضمير للثقلين، إما أن يقصد الجمعية فيهما فيقال: وأحسنهم، أو إلى لفظ التثنية فيقال: وأحسنهما، كما قال تعالى: {ستفرغ لكم} (¬3) وقال: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} (¬4). فجاء بلفظ التثنية والجمع على المعنيين المذكورين. ووجهه هو أنه أتى به على معنى المذكور أو ذلك، كما في قول رؤية: كأنه في الجلد، بعد قوله: فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق (¬5) ¬

_ (¬1) ص 233. (¬2) البيت من الوافر وهو لذي الرمة. انظر ديوانه ص 522، وروايته: أحسن الثقلين خداً. وفي الخصائص 2/ 419: ومية أحسن الثقلين وجهاً. وانظر الكامل 2/ 55، والخزانة 4/ 108، والهمع 1/ 59. السالفة: صفحة العنق، والقذال: مؤخر الرأس. وقد أوضح المؤلف موضع الشاهد فيه. (¬3) الرحمن: 31. (¬4) الرحمن: 13. (¬5) انظر مجموع أشعار العرب ص 104 والرواية فيه: كأنها. ومغنى اللبيب 2/ 755. (دمشق). البلق: سواد وبياض. اللسان (بلق). والبهق: بياض دون البرص. اللسان (بهق).

وكقوله: {نسقيكم مما في بطونه} (¬1) في أحد الأوجه. وإذا جعلت الضمير للجيد كان ظاهراً من حيث اللفظ لكونه مذكراً مفرداً مثله، ولم يتقدم ما يطابقه سواه. إلا أنه يضعف من حيث المعنى، إذ يصير التقدير: مية أحسن الجيد قذالاً، ولا شك، إلا أن هذا معنى لا يستقيم، إذ شرط أفعل التفضيل أن يضاف إلى ما هو بعضه، وليست مية بعض الأجياد. ثم ولو قدر جوازه ضعف أيضاً إذ لا يحسن تمييز حسن الجيد بالقذال حسن تميز حسن المرأة بالجيد. ووجهه أن يجعل أحسن للجيد، كأنك قلت: وهو أحسن جيد. فعلى هذا يكون قد أضيف إلى ما هو منه، كقولك: زيد أفضل رجل. ثم ميزة بقذال، لما بينه وبينه من الملابسة، كما يصح تمييز حسن الرأس بالشعر في قولك: رأسه أحسن رأس شعراً. فكذلك يصح أن تقول: جيدها أحسن جيد قذالاً. واستشهد به على أن أفعل إذا أضيف فجائز أن يأتي مفردا مذكراً وإن كان لمؤنث، فينتهض في البيت موضعان على الوجه الأول: أحدهما: أحسن الثقلين، والآخر: وأحسنه، لأنهما جميعاً لمية، وقد جاءا مذكرين. وعلى الوجه الثاني لا ينتهض إلا الأول، لأن الثاني للجيد، وهو مذكر، فليس فيه استشهاد على المقصود بخلاف الأول فإنه لا إشكال في كونه (¬2) لمية. ¬

_ (¬1) النحل: 66. قال سيبويه: "وأما أفعال فقد يقع للواحد. من العرب من يقول: هو الأنعام. وقال الله عز وجل: "نسقيكم مما في بطونه"". الكتاب 3/ 230. (¬2) كونه: سقطت من س.

[إملاء 60] [الخلاف في كلمة هل هي مصدر أو اسم زمان؟]

[إملاء 60] [الخلاف في كلمة هل هي مصدر أو اسم زمان؟] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬1). مغار ابن همام على حي خثعما وصدره وما هي إلا في إزار وعلقة (¬2) يقول: إنها متخففة مثل تخفف ابن همام وقت إغارته، لأنه كان جريئاً لا يهتم بلباس الحرب عند الإغارة. هذا معناه. وقد أخذ على سيبويه في إيراده هذا البيت مستشهداً به على أن "مغار) اسم للزمان (¬3). فقيل: إن المراد: وما هي إلا متخففة تخففاً كإغارة ابن همام، أي: كتخفف إغارة ابن همام، فهو بالمصدر أجدر، فتقديره اسم زمان، أو مكان، ناء لذلك عن الصواب. وزادوه تقريراً بأن قالوا: إن اسم الزمان والمكان لا عمل لهما و"على حي خثعما" متعلق بمغار فلا يصح أن يكون إلا مصدراً لذلك. وأورده الزمخشري على نحو إيراد سيبويه، ووجهه: وما هي إلا متخففة ¬

_ (¬1) صفحة 238. (¬2) البيت من الطويل وقد نسبه سيبويه لحميد بن ثور. الكتاب 1/ 235. انظر ديوان حميد بن ثور – الاستدراكات صفحة 173 (صنعة عبد العزيز الميمني). وهو من شواهد: المقتضب 2/ 121، والكامل 1/ 118، والخصائص 2/ 208، والإيضاح لابن الحاجب 1/ 666. وابن همام: هو عمرو بن همام بن مطرف. وخثعم: حي من اليمن. والعلقة: ثوب قصير. انظر شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/ 228. واستشهد به الزمخشري على أن (مغار) اسم زمان. (¬3) قال سيبويه: "فسير مغاراً وقتا وهو ظرف". الكتاب 1/ 235.

[إملاء 61] [عود الضمير إلى محذوف]

في زمان كمغار ابن همام، أو مكان كمكان ابن همام. وهو أقل تقديراً من الأول، لأن في الأول ثلاثة تقديرات، وما قل التقدير فيه أولى. وأما تعلق "على حي خثعما"، فإن لم يصح تعليقه بمغار تعلق بما دل عليه مغار، وذلك جائز باتفاق ولا بعد فيه. وينتصب مغار على قول غير سيبويه على المصدر لأنه نعت للمصدر على حذف المضافين المذكورين. وينتصب على التقدير الثاني على أنه ظرف للزمان أو المكان، لأنه صفة لظرف على حذف المضاف المذكور. والاستثناء استثناء مفرغ، لأن المستثنى منه محذوف، وهو خبر المبتدأ المقدر عاماً. وفي إزار: مستثنى منه، كقولك: ما زيد إلا في الدار. فيكون التقدير: وما هي على حكم من الأحكام إلا هذا الحكم. [إملاء 61] [عود الضمير إلى محذوف] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬1): فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها (¬2) الضمير في "ودقها" و"إبقالها" راجع إلى غير المزنة والأرض المذكورتين. ولا يستقيم أن يعود إلى المذكورتين لأن المعنى: فلا مزنة ودقت ¬

_ (¬1) ص 198 وقد ذكر الزمخشري عجز البيت فقط. (¬2) هذا البيت من البحر المتقارب وقائله عامر بن جوين الطائي. وهو من شواهد سيبويه 2/ 46. والرضي 1/ 14. والخصائص 2/ 411. والخزانة 1/ 21. وأمالي ابن الشجري 1/ 158. المزنة: السحابة، والودق: المطر. وذكره الزمخشري شاهداً على حذف التاء من (أبقلت) ضرورة. ويسوغه أن الأرض بمعنى المكان.

[إملاء 62] [حروف الإضافة]

ودقها ودقا مثل ودقها. فلو رجع الضمير إليها لصار مخبراً أنه ليس مزنة تدق ودقا مثل ودق نفسها، وهو فاسد، لأنها تدق ودق نفسها، فلا يستقيم أن يقصد إلى أن ينفي عنه فعل يماثله. وإن لم تقدر محذوفاً كان أفسد، إذ يصير المعنى: أنه لبس مزنة تدق ودق نفسها، وهو فاسد، لأن الأمر على خلافه؛ إذ لا تدق مزنة ودق نفسها، فوجب أن يكون التقدير: فلا مزنة ودقت ودقا مثل ودق هذه المزنة المحذوفة، كما تقول: زيد لا يضرب رجل ضربه ولا عالم يعلم علمه. فضربه وعلمه ليس راجعاً إلى رجل (¬1) وعالم، لفساد المعنى على حسب ما تقدم. وإنما يرجع إلى زيد، فكذلك ههنا. [إملاء 62] [حروف الإضافة] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة عشرين على أول قسم الحرف (¬2) من المفصل (¬3): "الحرف ما دل على معنى في غيره" (¬4): ومعنى ذلك أن وضعه لمعناه مشروط بذكر متعلقة بخلاف الاسم والفعل فإنه لا يشترط فيهما ذلك باعتبار إفرادهما. فإن ذكر متعلق فلأمر غير ذلك. قال: "ومن ثم لم ينفك". يعني: ومن أجل أن وضعه مشروط بذكر المتعلق لم ¬

_ (¬1) في م: ضارب. وهو خطأ. (¬2) في د: الحروف. (¬3) ص 283. (¬4) قال الفارسي: "والحرف ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل". الإيضاح العضدي 1/ 8. وقال الزجاجي: "الحرف ما دل على معنى في غيره". الإيضاح في علل النحو ص 54 (تحقيق مازن المبارك). قال ابن يعيش: "وقولهم ما دل على معنى في غيره أمثل من قول من يقول: ما جاء لمعنى في غيره. لأن في قولهم: ما جاء لمعنى في غيره إشارة إلى العلة، والمراد من الحد الدلالة على الذات لا على العلة التي وضع لأجلها، إذ علة الشيء غيره". شرح المفصل 2/ 8.

يكن بد من ذكر متعلقة معه، وهو إما اسم وإما فعل، فلا ينفك إذن حرف من متعلق إما اسم وإما فعل. ثم قال: "إلا في مواضع مخصوصة. حذف فيها الفعل واقتصر على الحرف". فقوله: حذف فيها الفعل، يوهم أن ذلك إنما جاء في موضع كان المتعلق فعلاً خاصة وليس الأمر كذلك، بل جاءت مواضع حذف فيها الفعل ومواضع حذف فيها الاسم، على أن عين ما مثل به في حذف الفعل يجري مثله. في حذف الاسم. فإنك إذا قلت: نعم، فإن كان تصديقاً لقولك: قام زيد، فقد حذف فيه الفعل. وإن كان تصديقاً لقولك: زيد قائم، فقد حذف فيه الاسم، وكذلك بقية ما مثل به. فجعله المحذوف فعلا فقط ليس بمستقيم لما ذكرته. وقوله: "وإنه" يعني به: "إن التي للتصديق في مثل قوله: ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنه (¬1) فهي مثل نعم. والهاء في قوله: إنه، هاء السكت، على أنها قليلة في الاستعمال مع احتمال أن تكون في البيت إن المؤكدة، وتكون الهاء اسمها ويكون الخبر محذوف، أي: إنه كذلك، لأن ما تقدم يدل عليه من قوله: ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت، فقال: إنه كذلك، أي: إن الأمر كذلك. ثم أخذ يصنف القسم كما صنف الاسم والفعل، فقال: "ومن أصناف الحرف حروف الإضافة" (¬2). ثم أخذ في بيانها من حيث الجملة، فقال: "وهي ¬

_ (¬1) البيت من مجزوء الكامل وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات. انظر ديوانه ص 66 (تحقيق وشرح الدكتور محمد يوسف نجم). وهو من شواهد سيبويه 3/ 151. ومغنى اللبيب 1/ 37 (دمشق9ز وابن يعيش 8/ 78. والشاهد فيه مجيء (إنه) بمعنى نعم. (¬2) وتسمى حروف الجر لأنها تجر ما بعدها من الأسماء، أي: تحفظها. وقد يسميها الكوفيون حروف الصفات لأنها تقع صفات لما قبلها من النكرات. انظر ابن يعيش 7/ 8.

أن تقضي بمعاني الأفعال إلى الأسماء" (¬1)، يعني: توصل معاني الأفعال أو ما هو في معناها إلى ما بعدها من الأسماء. ولما كانت هذه الحروف لهذا المعنى لم يكن بد من فعل، أو ما هو في معنى فعل، توصل معناه إلى ما بعدها، فلذلك احتاجت إلى متعلق. فإذا قال النحوي: بم يتعلق هذا الحرف أو ما العامل فيه؟ فإنما يعني: ما الذي أوصل هذا الحرف معناه؟ فهي عبارات عن معنى واحد. ومن ثم احتاج الظرف إلى متعلق من حيث كان مقدراً بحرف الجر، وكذلك كل اسم مقدر بحرف الجر فإنه لابد له من ذلك لما ذكرناه. ثم قال: "وهي فوضى في ذلك". أي: سواء في هذا المعنى، وإن اختلفت بها وجوه الإفضاء، يعني: أنها وإن اختلفت فإنما تختلف من وجه آخر غير هذا الأمر الكلي الجامع لها. ثم قال: "وهي على ثلاثة أضرب: [ضرب] (¬2) لازم للحرفية (¬3)، وضرب كائن اسماً وحرفاً (¬4) وضرب كائن فعلاً وحرفاً" (¬5). وقد اعترض بأن القسم الأول قد ذكر فيه ما يستعمل فعلاً وحرفاً. وجعله مما لا يستعمل إلا حرفاً مثل: من، فإنه إذا أمرت من مان يمين، قلت: من ومثل: في، فإنك إذا أمرت المرأة المخاطبة من وفي يفي، قلت: في. واللام في قولك: لزيد، إذ1اأمرت من ولي يلي، ¬

_ (¬1) وعبارة المفصل: على أن تقضي بمعاني الأفعال إلى الأسماء. (¬2) زيادة في المفصل. (¬3) وهي تسعة حروف: من، إلى، حتى، في، الباء، اللام، رب، واو القسم وتاؤه. (¬4) وهي خمسة: على، عن، الكاف، مذ، منذ. (¬5) وهي ثلاثة: حاشاً، عدا، خلا.

قلت (¬1): له، وكذلك غيرها، فهو مثل القسم الثالث في كون "حاشا" تكون فعلاً وحرفاً. والجواب: أنه لم يرد اعتبار صورها فقط، وإنما أراد باعتبار صورها ومعانيها الأصلية. ألا ترى أن "عدا" و"خلا" لما استعملا حرفين فهما في المعنى الأصلي كاستعمالهما فعلين. ألا ترى أن قولك: عدا زيداً وخلا زيداً، في استعمالهما فعلين، مثلهما في المعنى الأصلي في استعمالها حرفين في قولك: خلا زيد وعدا زيد، وكذلك حاشاً. فإن قيل: فإن أراد ذلك فقوله: إن "عن" و"على" مما تكون حرفاً واسماً لا غير (¬2) ليس بمستقيم، لأنه يصح أن تكون فعلا، إذ يقال: علا زيد، وهو فعل ماض، فإن أراد ذلك وجب أن يكون "على" إما قسما برأسه وإما من القسم الثالث والثاني جميعاً. فجعله للثاني دون الثالث تحكم. فالجواب: "أن "على" المستعملة حرفاً واسماً وإن وافقت هذه في المعنى الأصلي ليست موافقتها في اللفظ، ألا ترى أنك تقول في هذه (¬3): علوت وتقول في تيك: عليه، فألف تلك تنقلب ياء، وهذه تنقلب واوا. فدل على أنهما مختلفان في اللفظ وإن اتفقا في الصورة، فظهر الفرق بين البابين (¬4). وإن كان كثير من النحويين والأصوليين يذكرون "على" مما استعمل حرفا واسما وفعلا، ومستندهم ما أشير إليه أولاً. وكأن صاحب هذا الكتاب نظر أدق من نظرهم فجعلها من القسم الثاني، ولم يجعلها قسماً برأسه، ولا من القسم الثالث. ثم عددها جملة في ضمن تقاسيمها بالمعنى الذي قصده، فحصل الغرضان معاً. ثم شرع في تفصيلها ¬

_ (¬1) قلت: سقطت من د. (¬2) لا غير: سقطت من م. (¬3) هذه: سقطت من س. (¬4) انظر الإيضاح لابن الحاجب 2/ 141.

[إملاء 63] [توجيه فتح وكسر همزة أن في بيت من الشعر]

بالفصول واحداً واحداً فقال: "فمن: معناها ابتداء الغاية، كقولك سرت من البصرة". ومعنى ابتداء الغاية أي: المحل الذي ابتدئ فيه ذلك الفعل المعلقة هي به. والغاية هي الانتهاء، فقال: ابتداء الغاية، أي: ابتداء النهاية الذي وصل بالفعل إليها، وتعرفها بأنها التي تصلح قبالتها "إلى" كقولك: سرت من البصرة إلى بغداد. وقد تجيء ملتبسة في بعض المواضع مثل قولك: زيد أفضل من عمرو. وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأشباهها، لبعد تقدير "إلى" وهي هذه. ومعنى: زيد أفضل، أي: أخذ في ابتداء الفضل من هذا المذكور. وإذا أخذ في الابتداء منه فله منتهى، وإنما استبعد تقديره لكونه (¬1) غير مفهوم تعيين المنتهى فيه. وكذلك إذا قلت: أعوذ بالله من الشيطان، فمعناه: ابتدأت بالاستعاذة من هذا المستعاذ منه، فهو أول باعتبار ابتداء هذا الفعل، واستبعد المنتهى فيه كما استبعد في: زيد أفضل من عمرو. [إملاء 63] [توجيه فتح وكسر همزة أن في بيت من الشعر] وقال أيضاً ممليا بالقاهرة سنة عشر وستمائة على قوله في المفصل (¬2): ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر (¬3) للفتح في "أن" وجهان: أحدهما: أن تكون في موضع المفعول ¬

_ (¬1) في م: لأنه. (¬2) ص 228. (¬3) البيت من بحر الرمل وهو لطرفة بن العبد. انظر ديوانه ص 64 (شرح الأعلم الشتتمري. تحقيق درية الخطيب، لطفي الصقال). وهو من شواهد الرضى 2/ 202. ونوادر أبي زيد ص 10. ومختارات ابن الشجزي ص 155 (تحقيق علي محمد البجاوي). واستشهد به الزمخشري على أن جمع صيغة المبالغة يعمل عمل المفرد.

[إملاء 64] [تنازع الفعلين]

والآخر (¬1): أن يكون المعنى: ثم زادوا على ما تقدم من الخصال أو على من تقدم، ثم فتح "أن" على معنى: لأنهم على صفة كذا وكذا. وللكسر وجهان: أحدهما: التعليل على ما ذكر في الوجه الثاني. والثاني: أن يكون على الحكاية، ومعناه: ثم زادوا، وهو ضعيف، لأنه ليس موضع (¬2) الحكاية. وقبله: وتساقي القوم كأساً مرة ... وعلى الخيل دماء كالشقر والمعنى: أنه يمدح هؤلاء القوم بالشجاعة والنجدة، ثم أنهم يزيدون على ذلك بالصفات المذكورة. [إملاء 64] [تنازع الفعلين] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬3): وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والديار البلاقع (¬4) الفعلان (¬5) في التحقيق موجهان إلى ثلاث الأثافي والديار على جهة ¬

_ (¬1) في م: والثاني. (¬2) في م: على. (¬3) ص 84. ولم يذكر الزمخشري إلا عجزه. (¬4) هذا البيت من الطويل وهو لذي الرمة. انظر ديوانه ص 422. وهو من شواهد المقتضب 2/ 176. وابن يعيش 2/ 122. والهمع 2/ 150. ورواية ابن يعيش: ثلاث الآثافي والرسوم البلاقع. الأثافي: جمع الأثفية وهي ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر عند الطبخ. والبلاقع: جمع بلقع وهي الأرض الخالية. والشاهد في هذا البيت قوله: ثلاث الأثافي، وهو تجريد العدد من آل لأنه أضيف لما فيه آل، خلافاً للكوفيين. (¬5) يرجع ويكشف.

الفاعلية. ومذهب البصريين أنهما إذا وجها إلى شيء وجب إذا أعمل أحدهما أن يكون في الآخر ضمير الفاعل على حسب الظاهر المذكور، كقولك: ضرباني وأكرمني الزيدان أو ضربني وأكرماني الزيدان (¬1). وإذا وجب ذلك اقتضى أن يكون في أحدهما ههنا ضمير لثلاث الأثافي والديار البلاقع، وهو جمع لا يعقل، وقياسه أن يكون ضميره ضمير جمع المؤنث، أو ضمير الواحدة المؤنثة، فيكون: يرجعن التسليم أو يكشف أو يرجع التسليم أو يكشفن أو ترجع التسليم أو يكشف أو يرجع التسليم أو تكشف. ولم يجيء على واحدة من الأربع (¬2) الصور المذكورة. وإنما جاء بالياء فيهما جميعاً ولا يكون فيه على ذلك ضمير، وهذا مما يقوي به مذهب الكسائي، فإنه يزعم إذا وجه الفعلان إلى ظاهر فأعمل فيه أحدهما، وكان الآخر موجهاً على جهة الفاعلية، أن الفاعل لا يضمر، وأنه يحذف (¬3)، وهذا كذلك، فإنه أعمل أحدهما بلا خلاف والآخر موجه إلى الفاعلية بلا خلاف ولم يضمر فيه، إذ لو أضمر لكان على ما ذكرناه، ولو قدر فيه إضمار لوجب أن يكون ضمير المفرد المذكر، ولا يصح أن يكون ضمير الواحد المذكر للجمع. وقد أجيب عن ذلك بأمرين: أحدهما: أن الفعلين لم يوجها إلا على البدل، والإضمار إنما يكون في توجيههما جميعاً على التحقيق، وليس بالجيد، فإنه لم يجب الإضمار إلا من حيث إنه يؤدي إلى إخلاء لفظ الفعل عن الفاعل، وليس من لغتهم. ولا فرق بين أن يكون الفعل على البدل أو على التحقيق. ألا ترى أنه يجب الإضمار في قولك: قام الزيدون أو قعدوا، كما يجب في قولك: ¬

_ (¬1) ويختار البصريون إعمال الثاني لأنه أقرب الطالبين إلى المطلوب. ويختار الكوفيون إعمال الأول لأنه أول الطالبين واحتياجه إلى ذلك المطلوب أقدم من احتياج الثاني. انظر الرضى على الكافية 1/ 79. (¬2) أضيف هذا العدد إلى ما فيه أل، لكن ابن الحاجب لم يجرده منها، فسار بذلك على مذهب الكوفيين في هذه المسألة. ومذهب البصريين تجريده منها فيقولون: أربع الصور. (¬3) انظر الرضى على الكافية 1/ 79.

قام الزيدون وقعدوا. ولو كان ما ذكروه مستقيما لجاز أن يقال: قام الزيدون أو قعد، إذ لا فرق بينهما في المعنى المقتضى لوجوب الإضمار. والوجه الثاني: أن يقدر الإضمار على تقدير كما قيل (¬1) في قوله تعالى: {نسقيكم مما في بطونه} (¬2) فقد رجع ضمير المذكر على الجمع بتأويل المذكور. وهو أجدر من حيث كان "ثلاث" ليس بجمع صريح. وكذلك قول رؤية: فيها خطوط من سواد ويلق (¬3) "، فأعاده وهو ضمير مذكر على خطوط وهو جمع، أو على سواد ويلق وهو مثنى، وكلاهما سواء في الغرض من صحة إعادة الضمير بتأويل المذكور وإن لم يكن صالحا له باعتبار أصل وضعه. وهذا الوجه أيضاً بعيد، إلا أنه أوجه من الأول. ودليل احتماله ما علم من قصد محافظتهم على الفاعل، وأنهم لا يحذفونه أبداً. وإذا علم ذلك منهم وجب التأويل فيما يخالفه وإن كان بعيداً، لأن البعيد جائز وخلاف المعلوم غير جائز. وما في قوله: {وإن لكم في الأنعام} (¬4)، محمول عند سيبويه على أن الأنعام اسم مفرد وإن كان مدلوله جمعا (¬5)، كما في قولك: كل الناس ضربته، لا على أنه الجمع المحقق حتى اغتفر تأويل الأنعام إلى اسم الجمع ولم يغتفر جعل الضمير راجعاً إليه مع كونه جمعا. و"التسليم" مفعول ب "يرجع" لأنه ههنا بمعنى: صيرته راجعاً، كقوله تعالى: {فإن رجعك الله} (¬6)، ورجع: يكون لازما ومتعديا، يقال: رجع زيد ¬

_ (¬1) قيل: سقطت من م، س. (¬2) النحل: 66. (¬3) انظر الإملاء (59) من هذا القسم. (¬4) النحل: 66. (¬5) قال سيبويه: "وأما أفعال فقد يقع للواحد. من العرب من يقول: هو الأنعام". الكتاب 3/ 230. (¬6) التوبة: 83.

[إملاء 65] [إعراب مكان أسماء الإعال والأصوات]

في نفسه، ورجع زيد عمرا، أي: صيره راجعاً. فمعنى: وهل يرجع التسليم، أي: فهل يصير ثلاث الأثافي والديار البلاقع التسليم راجعاً. فالتسليم مفعول بوقوع الفعل عليه كما قررناه. أي: فهل يرد الأثافي والديار التسليم. لأن معنى رجع المتعدي معنى رد. والعمى: مفعول بـ "يكشف" إذ معناه: أزال، يقال: كشف الله الغمة، أي: أزالها. [إملاء 65] [إعراب مكان أسماء الإعال والأصوات] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على أسماء الأفعال والأصوات في المفصل (¬1). قال: في إعراب مكانها مذهبان: أحدهما: أن تكون مصدراً، فتكون في موضع نصب على المصدر كما في قولك: سقيا ورعياً وشبهه، كأنك قلت في آفة: تضجرأ، وفي آمين: استجابة (¬2). والمذهب الثاني: أن تكون مبتدأ سد المرفوع مسد خبرة لاستقلال الفائدة به، كما في قولك: أقائم الزيدان وما قائم العمران، لأن معناها معنى الفعل، ولابد لها من فاعل، فاستقل المعنى بما فيها من معنى الفعل والفاعل، كما استقل المعنى في قولك: أقائم الزيدان؟ بما فيه من معنى الفعل والفاعل (¬3). والأول ضعيف وإن كان اختياراً (¬4) لكثير من المحققين. ووجه ضعفه هو أنه إذا جعل مصدراً، فلا يخلو ¬

_ (¬1) ص 151. (¬2) قال الرضي: "وما ذكره بعضهم من أن أسماء الأفعال منصوبة المحل على المصدرية ليس بشيء. إذ لو كانت كذلك لكانت الأفعال قبلها مقدرة، فلم تكن قائمة مقام الفعل، فلم تكن مبنية، ولا نقول في: أمامك، بمعنى: تقدم، أنه منصوب بفعل مقدر، بل النصب فيه صار كفتح فاء جعفر". شرح الكافية 2/ 67. (¬3) قال الرضى: "وليس بشيء لأن معنى: قائم، معنى الاسم وإن شابه الفعل، أي: ذو قيام، فصح أن يكون مبتدأ، بخلاف اسم الفعل فإنه لا معنى للاسمية فيه، ولا اعتبار باللفظ". شرح الكافية 2/ 67. (¬4) اختياراً: سقطت من د.

[إملاء 66] [إعراب أسماء الأفعال والأصوات]

إما أن يكون كالمصدر الذي قام مقام الفعل حتى صار الفعل (¬1) نسياً منسيا، أو كالمصدر الذي يجوز ذكر الفعل معه. ولا يجوز أن يكون الثاني، لأنه لا يجوز ذكر الفعل معه، فلا ينبغي أن يجري مجرى ما يجوز ذكر الفعل معه لاختلافهما في الحكم لذلك. وإذا وجب أن يحمل على المصدر الذي لا يجوز ذكر الفعل معه، فالأصل لا يجوز أن يرتفع به ظاهر. ألا ترى أنك لو قلت: سقيا زيد عمرا، لم يجز. وقد ثبت في هذا الباب: شتان زيد وعمرو. فلما ارتفع به الظاهر دل على أنه ليس منزلا منزلة المصدر، لما ذكرناه من أن مثل ذلك في أصله لا يجوز. وإذا امتنع في أصله فالفرع أحرى بالمنع، فثبت أن الوجه ما ذكرناه من الوجه الثاني. وإنما امتنع أن يرتفع (¬2) الظاهر بالمصادر التي التزم فيها حذف أفعالها لأنها إنما حذفت أفعالها لكثرتها منسوبة إلى فاعلها، فجاز حذفها للعلم بها وبفاعلها. والذي أوجب حذفها هو الموجب لحذف فاعلهان فكما لا يجوز ذكر فعلها لا يجوز ذكر فاعلها. [إملاء 66] [إعراب أسماء الأفعال والأصوات] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬3) على أسماء الأفعال والأصوات (¬4): إما يقصد بها معناها الذي وضعت له فيجب بناؤها على ما بنيت عليه من سكون أو حركة، وإما أن يقصد بها غير ذلك. وإذا قصد بها غيره فتارة يسمى بها فتكون في المعنى كالعلم، وتارة يراد بها نفس اللفظ كما يستعمل ¬

_ (¬1) الفعل: سقطت من د. (¬2) في س: يرفع. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) المفصل ص 151.

غيرها من الألفاظ لنفس اللفظ. وفيها من الوجهين جميعاً مذهبان: أحدهما: أن تحكي على ما كانت عليه كقوله: عدس ما لعباد عليك إمارة ... أمنت وهذا تحملين طليق (¬1) وقوله: بجيهلا يزجون كل مطية ... أمام المطايا سيرها المتقاذف (¬2) والثاني: أن تعرب إعراب الأسماء. وإذا أعربت إعراب الأسماء المفردة، فإن كانت للفظ جاز صرفها ومنعه. فالصرف لقصد التذكير، ومنع الصرف بناء على أنها للفظة أو الكلمة، كما يفعل الأمران في أسماء البلدان بناءً على أنها للموضع أو للبقعة. وإن كانت للعلمية نظر، فإن انضم إلى العلمية علة أخرى امتنع من الصرف وإلا صرف، كما لو أعربت "عدس". فإن كان آسما لذكر قلت: عدس، منصرف، وإن كان لمؤنث منعته من الصرف. ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وقائلة يزيد من مفرع. انظر ديوانه صفحة 170 (جمعة وحققه الدكتور عبد القدوس أبو صالح). وهو من شواهد الإنصاف 2/ 717. وابن يعيش 2/ 16. والخزانة 2/ 514. والرضى 2/ 42. عدس: زجر للبغلة. وعباد: هو عباد بن زياد بن أبي سفيان. والشاهد فيه قوله (هذا)، حيث جاء اسم الإشارة بمعنى اسم الموصول على رأي الكوفيين. (¬2) هذا البيت من الطويل وينسب للنابغة الجعدي. انظر ديوانه – الملحقات صفحة 247 (المكتب الإسلامي للطباعة والنشر). وهو من شواهد الكتاب 3/ 301. والمقتضب 3/ 206. والخزانة 3/ 43. وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 2/ 206 ونسبه لمزاحم العقيلي. والشاهد فيه قوله (بجيهلا)، حيث جاء على الحكاية وأريد به لفظه.

[إملاء 67] [المذاهب في فعال المعدولة]

[إملاء 67] [المذاهب في فعال المعدولة] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬1) وهو: ومر دهر على وبار ... فهلكت جهرة وبار (¬2) المذاهب في فعال المعدولة ثلاثة: مذهب أهل الحجاز البناء في الجميع، ومذهب القليل من تميم الإعراب في الجميع كغير المنصرف. ومذهب الكثير من بني تميم الفرق بين ما آخره راء وغيره، فإن كان آخره راء فمذهبهم كمذهب الحجازيين في وجوب بنائه، وإن لم يكن آخره راء فمذهبهم كمذهب القليل منهم في أنه إعراب غير المنصرف. فقوله: ومر دهر، البيت، شاهد لمذهب القليل من بني تميم. فأما آخر البيت فظاهر في الاستشهاد به على ذلك لوقوع الضمة فيها. ولو كانت مبنية لوجب الكسر، ولا إشكال في ذلك. وأما قولهك على وبار. فيجوز أن يقال: إنه أتى به على قصد البناء ولكنه نون لضرورة الشعر. ويجوز أن يقال: إنه قصد إلى إعرابه إعراب غير المنصرف، فلما أجراه ذلك المجري اضطر إلى صرفه فصرفه فأدخله الكسر والتنوين، فيكون شاهداً كشهادة الثاني. ¬

_ (¬1) ص 160. (¬2) البيت من مخلع البسيط وهو للأعشى. انظر ديوانه ص 281. ورواية الديوان: ومر حد. وهو من شواهد سيبويه 3/ 279، والمقتضب 3/ 50، والمقرب 1/ 282، والهمع 1/ 29. والشاهد فيه إعراب كلمة (وبار) الثانية مع أن آخرها راء. ووبار اسم موضع. قال ابن منظور: "أرض لعاد غلبت عليها الجن" اللسان (وير).

[إملاء 68] [موضع أسماء الأفعال والأصوات من الإعراب]

ويضعف الوجه الأول وهو أن يكون مبنيا نون للضرورة من وجهين: أحدهما: أن الشاعر واحد. وقد علم أن من مذهبه إعراب وبار للزوم ذلك من آخر البيت. فلا ينبغي أن يحمل الأول على خلافه مع إمكانه، لأنه استعمال للغة (¬1) تخالف لغته على كل تقدير، والظاهر خلافه. والثاني: أن فيه تنوين المبنيات بالأصالة. والمبنيات بالأصالة لا تنون للضرورة. ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال في تعالى: تعالاً، ولا في عدس: عدساً، ولا في نزال: نزال. وإذا لم يحسن ذلك على الوجهين المذكورين ثبتع أن المراد هو الأول، ويكون الموضعان جميعاً استشهاداً للغة المعربين من غير تفرقة بين ما آخره راء وبين غيره. [إملاء 68] [موضع أسماء الأفعال والأصوات من الإعراب] وقال أيضاً مملياً بالقدس في آخر سنة ست عشرة وستمائة على أسماء الأفعال والأصوات في المفصل (¬2). قال: اختلف فيها، هل لها موضع من الإعراب أو لا (¬3)؟ أما أسماء الأصوات فلا غشكال في أنها غير معربة، لأن الموجب للإعراب فيها مفقود، وإذا فقد سبب الإعراب فلا إعراب. وأما أسماء الأفعال فقد قيل أيضاً: إنها لا إعراب لها (¬4)، لأنها أسماء موضوعة موضع ما لا إعراب له فكان حكمها حكمه، وهذا ليس بشيء، فإن الأسماء مستحقة للإعراب ¬

_ (¬1) للغة: سقطت من د. (¬2) ص 151. (¬3) لقد سبق لابن الحاجب أن تحدث عن إعرابها في الإملاء (65) من هذا القسم. ويلاحظ عليه في أماليه أنه يملي أحياناً على موضوع واحد أكثر من مرة. وقد يكون له عذره، فطبيعة الأمالي تفرض عليه ذلك. (¬4) وقد نقل هذا الرأي عن الأخفش. انظر حاشية الصبان على الأشموني 3/ 196.

بالتركيب على ما ثبت من لغتهم سواء وقعت موقع ما لا إعراب له أو موقع ما له إعراب. ولذلك أجمعوا على أن سائر المبنيات إذا وقعت مركبة فإنها معربة محلاً، وإن كان واقعاً موقع ما لا إعراب له، فكذلك يجب ههنا. فالأولى أن ينظر فيما يكون إعرابها. وقد قيل في ذلك وجهان: أحدهما: أنه منصوب نصب المصدر، كأنك قلت في صلة: سكوتاً، أي: اسكت سكوتاً، فبني لكونه أقيم مقام اسكت، وكان موضعه نصباً لكونه واقعاً موقع "سكوتاً، فبني لكونه أقيم مقام اسكت، وكان موضعه نصباً لكونه واقعاً موقع "سكوتاً". والذي يدلك على ذلك أنك إذا قلت: رويد زيد، كان مصدراً لفظاً ومعنى، وإذا قلت: رويد زيداً، كان اسم فعل. وهو بمعناه، فوجب أن يكون موضعه نصباً على المصدر. وكذلك: بله زيداً وبله زيد. وإذا ثبت أن نفس اسم الفعل قد استعملوه صريحاً في المصدر، وهو بمعناه إذا كان اسم فعل، علم أنه في حال اسميته للفعل نصب على المصدر، وكانت له جهتان هو باعتبار أحدهما واجب له النصب لكونه موضوعاً وضع المصدر في المعنى. وبالاعتبار الآخر وجب له البناء لكونه وقع موقع ما لا إعراب له. والثاني في إعرابها: أن تكون مبتدأ ويكون الضمير فيها مرفوعاً على أنه فاعل. واستغنى عن الخبر كما استغنى عنه في: أقائم الزيدان؟ لاستقلال الجزئين كلاماً. وإنما حكمنا عليه بالابتداء لأنه اسم جرد عن العوامل اللفظية. كما أن "أقائم" مبتدأ لذلك. فالوجه الذي حكم على "أقائم" بأنه مبتدأ يجري مثله في قولك: صه ومه، في وجوب كونه مبتدأ. وهذا أجرى على قياس كلامهم، لأن إيقاع الاسم المجرد عن العوامل وإن لم يكن مخبرا عنه مبتدأ كثير كقولك: أقائم الزيدان؟ وما قائم الزيدان، وكذلك جميع هذا الباب، فقد ثبت مثل ذلك في لغتهم.

[إملاء 69] [الأولى في "لله دره فارسا" التمييز]

وأما وقوع اسم الفعل موقع المصدر فلم يثبت ذلك إلا على أمر مقدر. وما كان ثابتاً جنسه من غير تقدير أقوى مما لم يثبت إلا بتقدير، فثبت أن هذا الوجه أعرب من الأول (¬1). [إملاء 69] [الأولى في "لله دره فارساً" التمييز] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على المفصل في قوله (¬2): "لله دره فارساً" وشبهه: الأولى فيه التمييز. وانتصابه على الحال ضعيف. لأنه لا يخلو إما أن تكون حالاً مقيدة أو مؤكدة، وكلاهما غير مستقيم. أما المقيدة فلأن قولك: لله دره فارساً، لم ترد به المدح في حال الفروسية، وإنما تريد مدحه مطلقاً، بدليل أنك تقول: لله دره كاتباً، وإن لم يكن يكتب، بل تريد الإطلاق بذلك. وكذلك: لله دره عالماً. والحال المؤكدة أيضاً غير مستقيمة، لأن الحال المؤكدة شرطها أن يكون معنى الحال مفهوماً من الجملة التي قبلها. وأنت ها هنا لو قلت: لله دره، لكان محتملا للفروسية وغيرها، ولكان قولك: لله دره عالما أو رجلا أو كاتباً، لا يفيد إلا ما أفاده الأول، ولا خلاف في جواز ذلك، فدل والحالة هذه على انتفاء الحال المقيدة والحال المؤكدة، وإذا بطلا ثبت التمييز، وكذا الكلام في: أبرحت جارا (¬3)، وعظمت جارا، وقوله: ¬

_ (¬1) لقد ذهب كثير من النحويين منهم الأخفش إلى أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب. وذهب المازني ومن وافقه إلى أنها في موضع نصب بمضمر. ونقل عن سيبويه وعن الفارسي القولان. انظر حاشية الصبان على الأشموني 3/ 196. (¬2) ص 66. (¬3) البيت بتمامه: تقول ابنتي حين جد الرحيل ... فأبرحت رباً وأبرحت جارا وهو من المتقارب. وقائله الأعشى. انظر ديوانه ص 49. وهو من شواهد سيبويه 2/ 175، والخزانة 1/ 575. والشاهد فيه نصب (ربا) و (جارا) على التمييز.

[إملاء 70] [الأمثلة التي يوزن بها أعلام]

يا جارتا ما أنت جاره (¬1) وشبهه. [إملاء 70] [الأمثلة التي يوزن بها أعلام] وقال أيضاً ملياً بدمشق سنة سبع عشرة على قوله في المفصل (¬2): "ومن الأعلام الأمثلة التي يوزن بها في قولك: فعلان"، إلى آخره: وضع النحويون هذه الألفاظ لغرضين: أحدهما: الاختصار في التعبير عن الأصول والزوائد (¬3). فكل ما كان في الموزون [أصلا] (¬4) جعلوه في الوزن فاء وعيناً ولاما على هذا الترتيب، وكل ما كان زائداً لفظوا به، عينه في موضعه في لفظ الزنة، فمثال ذلك إذا قيل: مضروب ما وزنه؟ قيل: مفعول، فكان ذلك أخصر من أن يقال: ميمه زائدة وضاده ورواؤه أصليتان، وواوه زائدةة وباؤه أصلية. والغرض الثاني: أن يذكروه مراداً به جميع ما يوزن ليحكم عليه بأحكامه الخاصة به كقولهم: كل أفعل إذا كان صفة فإنه لا ينصرف. ثم لا يخلو استعمالهم إياه من أن يكون للأفعال خاصة أو غيرها. فإن كان لفعل حكوه على لفظ الفعل الذي هو وزن له كقولهم: تفاعل: لما يكون من اثنين فصاعداً، واستفعل: لطلب الفعل، وفعل: للتكثير. فيكون على صورة الفعل من غير إعراب لفظي باعتبار اسميته. ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من مجزوء الكامل وصدره: بانت لتحزننا عفاره. وقائله الأعشى. انظر ديوانه ص 153. وهو من شواهد الخزانة 1/ 578، والرضى 1/ 224، والمقرب 1/ 165. ورواية الديوان: يا جارتي ما كنت جاره. وعفارة اسم امرأة. والتقدير: ما أنت من جاره. ومن: إنما تدخل على التمييز، لا على الحال. (¬2) ص 11. (¬3) انظر الإيضاح لابن الحاجب 1/ 94. (¬4) زيادة من ب، د.

وإن كان لغير الأفعال من الأسماء وحدها أو من الأسماء والأفعال معاً، فلا يخلو إما أن يذكر موزونة أو لا يذكر. فإن ذكر موزونة معه فقد كان معرباً على ما يستحقه بلا خلاف. ثم هو في حكم الصرف وعدمه راجع إلى نفسه أو إلى موازنه؟ فيه خلاف. فمذهب الزمخشري أنه علم على كل حال فيرجع في ذلك إليه في نفسه، فإن كان معه علة أخرى امتنع من الصرف وإلا فلا. وذهب بعضهم إلى أنه في ذلك كموزونه، إن كان منصرفاً صرف، وإن كان غير منصرف لم يصرف (¬1). ومثال ذلك قولك: وزن قائمة فاعلة. والزمخشري يقول: فاعلة، غير مصروف، وبعضهم: فاعلة مصروف. فوجه مذهب الزمخشري أنه قد ثبت استعمال هذه الأوزان أعلاماً بدليل اتفاقهم على قولهم: أفعل صفة لا ينصرف، ولولا أنه علم لم يمنع الصرف وهذا متفق عليه. وإذا ثبت أنه علم، فإما أن يكون على نحو الأعلام في: زيد وعمرو، أو على نحوها في: أسامة وثعالة. لا جائز أن يقال: إنها مثل زيد وعمرو لأنها توضع لآحاد بأعيانها، وإنما وضعت للجنس (¬2). وإذا وجب أن تكون كوضع أسامة، وقد ثبت أن باب وضع أسامة لا يطلق على الأمر الذهني فيعم، يضح إطلاقه على كل واحد من الآحاد الوجودية. وإذا ثبت ذلك كان ما نحن فيه مثله فيصح إطلاقه على جنسه بكمالة فيقول: أفعل صفة لا ينصرف، ويشمل جميع موزوناته كقولك: أسامة خير من ثعالة، فيشمل جميع الجنس ويصح إطلاقه على كل واحد من آحاد جنسه، كما قيل، أسامة، لواحد في الوجود، فكذلك يقول: وزن قائمة فاعلة، فيطلقه على قائمة علما (¬3) وإن كان واحداً من آحاد ¬

_ (¬1) قال ابن يعيش: "فإن أوقعته موقع نكرة كان اسماً منكوراً وإن أوقعته موقع معرفة كان اسماً معرفة. ثم ينظر، فإن كان فيه في حال التعريف والتنكير ما يمنع الصرف منع صرفه. وإن لم يكن فيه ما يمنع الصرف كان منصرفاً". شرح المفصل 1/ 39. (¬2) في س: للحقيقة. وهو خطأ. (¬3) في م: تحكماً – وهو تحريف.

جنسه، فصح بذلك جعله علماً وإن كان موزونه واحداً من آحاد جنسه كما ثبت ذلك في أسامه باتفاق. ووجه من قال بخلافه أن أعلام باب أسامة إنما اضطررنا إلى جعلها أعلاماً باعتبار إطلاقها على الواحد من حيث وجود حكم العلمية، فاضطررنا إلى تأويلها بوجه بعيد لنلحقها بقياس كلامهم ضرورة ما ثبت فيها من حكم العلمية (¬1)، وكان القياس الظاهر أنه لا يثبت فيها حكم العلمية. وإذا كان مثل ذلك في باب أسامة مخالفاً للقياس كان تأويله على ذلك للضرورة فلا وجه لأجزائنا هذا الباب على مخالفة القياس، واحتياجنا إلى التأويل من غير ضرورة تحمل على ذلك. ثم نرجع إلى التقسيم فنقول: وإن لم تكن للأفعال ولم يذكر الموزون (¬2) معه فلا يخلو إما أن يكون قد أوقع (¬3) موقع موزون خاص قام مقامه في محله أو لا. فإن كان قد ذكر واقعاً موقع موزون فلا خلاف أنه يجري مجراه على تقدير وجوده إعراباً وصرفاً أو منع صرف، كقولك: مررت برجل أفعل منك، وهو متفق عليه. ووجهه أنه أريد به معنى موزونه، فوجب أن يجري مجراه لأنه كالنائب عنه والكناية له، فكان إعرابه كإعرابه. وإن لم يكن على ما ذكرناه فهو علم باتفاق يقصد به الجنس الذي هو على هذه الهيئة كقولك: أفعل لا ينصرف، وفعلان علما غير منصرف، وشبه ذلك (¬4). قال سيبويه حكاية عن الخليل: كل أفعل إذا كان صفة لا ينصرف. قال سيبويه: قلت له كيف تصرفه وقد قلت: لا أصرفه؟ فقال: إنما صرفته لأنه غير ¬

_ (¬1) فاضطررنا. حكم العلمية: سقطت هذه العبارة من د بسبب انتقال النظر. (¬2) في د: الوزن. والصواب ما أثبتناه. (¬3) في س: وقع. (¬4) في م: وشبهه.

صفة (¬1). ثم قال بعد ذلك: أفعل إذا كان صفة لا ينصرف (¬2). قال المازني (¬3): أفعل أيضاً ههنا غير صفة، فيجب أن يصرفه، لأنه قال في قوله: كل أفعل، إنما صرفه لأنه غير صفة، وهذا أيضاً غير صفة فيجب أن يصرفه وإلا نقض جميع ما قاله. قال أبو علي الفارسي: لم يصنع المازني شيئاً، وإنما سأل سيبويه الخليل عن ذلك لأنه توهم أن الموزون إذا كان صفة كانت الزنة صفة، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت برجل أفعل منك، حكمت عليها بحكم موزونها. فلما فهم الخليل منه هذا الوهم الذي يلزم منه أن يكون المسئول عنه لذلك غير منصرف بين له أن ما توهمه فيه مما يوجب منع صرفه مفقود، فقال له: ليس بضفة، فتنبه لذلك، وعلم ما أشار إليه، ولم يحتج أن يبين له أنه غير علم، لأن ذلك معلوم في ظاهر الأمر بدخول كل عليه. وإنما بين له انتفاء الشبهة التي فهم عنه أنه توهمها، ولم يتعرض لغير ذلك. ولم يرد الخليل أن انتفاء الصفة علة في الصرف في كل ورد وصدر، فإن ذلك معلوم الانتفاء بالاتفاق. فإنا قاطعون بأن أكثر الأسماء تمتنع (¬4) من الصرف مع كونها غير صفة، وإنما قصد إلى ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "تقول: كل أفعل يكون وصفاً لا تصرفه في معرفة ولا نكرة، وكل أفعل يكون اسماً تصرفه في النكرة. قلت: فكيف تصرفه وقد قلت: لا تصرفه؟ قال لأن هذا مثال يمثل به، فزعمت أن هذا المثال ما كان عليه من الوصف لم يجر، فإن كان اسماً وليس بوصف جري". الكتاب 3/ 203. ويلاحظ أن ابن الحاجب نقل عبارة سيبويه بتصرف. (¬2) قال سيبويه: "وتقول: أفعل إذا كان وصفاً لم أصرفه". الكتاب 3/ 203. (¬3) هو بكر بن محمد بن عثمان أبو عثمان المازني، أحد بني مازن بن شيبان. كان من فضلاء الناس ورواتهم وثقاتهم. قرأ علي أبي الحسن الأخفش كتاب سيبويه. من تصانيفه: علل النحو، تفاسير كتاب سيبويه، التصريف. انظر بغية الوعاة 1/ 463، مراتب النحويين ص 126. (¬4) في س: ممتنع، وهو خطأ.

ذلك (¬1) في المحل المخصوص لما كان الوهم نشأ منه. فقوله: أفعل إذا كان صفة لا ينصرف، لا يلزمه أن يصرف لما تقدم من قوله: إن كل أفعل غير صفة، لأنه ههنا قد وجدت فيه علتان مقتضيتان لمنع الصرف، وهما العلمية ووزن الفعل، فوجب أن يكون غير منصرف، فتبين بذلك أنه لا يلزم من نفي الصفة عن قوله: كل أفعل، على سبيل التبيين، رفع الوهم عمن توهم الوصفية فيه أن يكون كل ما ليس بصفة منصرفاً. فظهر أن قول أبي علي الفارسي: لم يصنع المازني شيئاً، مستقيم، وأراد به ما ذكرناه، ولم يبينه لأنه كالظاهر عنده، ولا شك أنه ليس بخفي (¬2). ثم شرع صاحب الكتاب في تبين استعمال هذه الألفاظ أعلاماً. فقال: "في قولهم (¬3): فعلان الذي مؤنثه فعلى، وأفعل صفة، لا ينصرف" خبر (¬4) عن قوله: فعلان، وعن قوله: أفعل، جميعاً في المعنى وفي الفظ، لأنه إما أن يكون للأول وإما أن يكون للثاني. فكأنه قال: فعلان الذي مؤنثه فعلى لا ينصرف، وأفعل صفة لا ينصرف. كما تقول: زيد وعمرو قائم، وهو جائز باتفاق. ولا يستقيم أن يقال: إنه خبر عن الثاني، والأول منقطع عنه معنى ولفظاً، لأنه قصد إلى بيان استعمال النحويين له في كلمهم. والنحويون لا يقولون: فعلان الذي مؤنثة فعلى، ويقتصرون، فلابد من جزء آخر ينضم إليه ليكون قولاً، ولا جزء يمكن ضمه إلا ما ذكرناه، فوجب تقديره لأنه هو الموجود، ولأنهم كذلك يستعملونه. ثم قال: "وزن: طلحة وإصبع: فعلة وافعل". يعني وفي قولهم: وزن ¬

_ (¬1) ذلك: سقطت من د. (¬2) انظر الإيضاح لابن الحاجب 1/ 97. (¬3) في المفصل: قولك. (¬4) الخبر هو قوله: لا ينصرف.

طلحة فعلة، وافعل، فعطفته على قوله: فعلان، الداخل في حكم قوله: في قولهم. وقصد به التبيين، أن ذلك أيضاً علم على ما هو مذهبه كما ذكرناه حكماً وتعليلاً. ولذلك أتى بافعل غير منصرف لأن فيه عنده علتين: وزن الفعل والعلمية. وأما قوله: وزن طلحة فعلة، فمتفق عليه في الحكم وإن اختلف التعليل، فمذهبه أنه امتنع من الصرف للعلمية والتأنيث. ومذهب غيره أنه امتنع من الصرف لأن موزونه غير منصرف. واعلم أن الألفاظ التي يوزن بها إذا قصد بها عموم موزوناتها على أربعة أقسام: تارة تكون منصرفة وموزونها منصرف مثل: كل فعل إذا لم يكن مؤنثا منصرف. وقد يكونان غير منصرفين، كقولك: أفعل إذا كان صفة غير منصرف. وقد يكون الوزن منصرفاً والموزون بخلافه، كقولك: كل أفعل، إذا كان صفة (¬1) لا ينصرف وقد يكون الأمر بالعكس، كقولك: أفعل إذا لم يكن صفة ولا علماً منصرف. وتحقيق ذلك أن كل موضع كان في الزنة علتان امتنع من الصرف. وكل موضع لم يكن فيه علتان كان منصرفاً. وكذلك الموزون المحكوم عليه، إن اتفق أن يذكره باعتبار إثبات علتين (¬2) له وجب أن يحكم عليه بأنه غير منصرف. وإن ذكره على غير ذلك وجب أن يحكم عليه بأنه منصرف، ولذلك جاءت في التركيب على الأربعة الأوجه (¬3) التي ذكرناها. ¬

_ (¬1) غير منصرف .. إذا كان صفة: سقطت من د بسبب انتقال النظر. (¬2) في د وفي ب: العلتان. وما أثبتناه هو الصواب. (¬3) نلاحظ هنا أن ابن الحاجب لم يجرد العدد من (أل) عند إضافته إلى ما فيه (أل)، وهذا مذهب الكوفيين. أما البصريون فيمنعون ذلك، وابن الحاجب نفسه لم يجز ذلك في موضع آخر. قال: كذلك لا يجوز الخمسة الأثواب. انظر إملاء (77) من هذا القسم. ص: 388.

[إملاء 71] [معنى حمل الرفع على الجر والنصب على الجر وأشباهه]

[إملاء 71] [معنى حمل الرفع على الجر والنصب على الجر وأشباهه] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على المفصل (¬1) على قوله: "كما حمل النصب على الجر": معنى قولهم: حمل الرفع على الجر والنصب على الجر وأشباهه، أي: أتى بلفظ لأصل آخر غير ما يقتضيه لفظ أصله، وجعل له. فالمحمول هو الذي عدل عن لفظ أصله، وإن كان في الحقيقة من حيث المعنى موجوداً. والمحمول عليه هو اللفظ الذي وضع لغير أصله وإن كان في المعنى غير موجود، مثاله: إذا قلت: مررت بأحمد، فإن الجر محمول على النصب، لأن الجر ههنا ذكر فيه لفظ غير ما يقتضيه لفظ أصله، فهو المحمول، والمذكور لفظ لأصل آخر غير ما ذكر وهو النصب، لأن الفتح أصل في النصب، فالجر إذن محمول. وإذا قلت: رأيت الزينبات، فالأمر بالعكس، لأن النصب ههنا ذكر فيه لفظ غير ما يقتضيه لفظ أصله، فهو المحمول، والمذكور لفظ لأصل آخر غير ما ذكر وهو الجر. وعلى هذا تتفهم المواضع كلها. فإذا قلت: لولاك، فالرفع محمول على الجر. وإذا قلت: عساك، فالرفع محمول على النصب. وإذا قلت: ما أنا كأنت، فالجر محمول على الرفع. والأصل أن تنظر، فمهما وجدت اللفظ لغير ما هو له في المحل المخصوص فاحكم بأن مدلوله هو المحمول في المحل المخصوص. فلذلك إذا قلت: ما أنا كأنت، وجدت اللفظ للجر، وليس هذا اللفظ لفظ المجرور. فعلمت أنه المحمول. ثم تنظر ما الذي هو أصل اللفظ فتعلم أنه للرفع فتحكم بأنه محمول عليه. وعلى هذا تجري المسائل كلها. ¬

_ (¬1) ص 138.

[إملاء 72] [مجيء المصدر على وزن اسم المفعول]

[إملاء 72] [مجيء المصدر على وزن اسم المفعول] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة سنة خمس عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬1) وهو: أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا غم الجبان من الكرب (¬2) قال: كل فعل زاد على ثلاثة أحرف فإن مفعوله واسم الزمان والمكان والمصدر (¬3) تكون على لفظ واحد كقولك: أخرجته فهو مخرج، وأخرجته في يوم كذا، واليوم مخرج حسن، وهذا المكان مخرج حسن، وأخرجته مخرجاً بمعنى: إخراجاً. قال الله تعالى: {وأخرجني مخرج صدق} (¬4). أي: إخراج صدق. فقوله: أقاتل، البيت، نصب مقاتلاً لأنه مفعول بـ "أرى". كما تقول: لا أرى لي قتالاً. ومقاتل في الأصل مصدر. لأنك تقول: قاتلته قتالاً ومقاتلاً، بمعنى واحد. ومعنى قوله: وأنجو، يجوز أن يكون معناه: وأسرع إلى المحاربة عند عجز الجبان منها. ويجوز أن يكون معناه: وأخلص من المحال التي لا يخلص منها الجبناء. ¬

_ (¬1) ص 222. (¬2) هذا البيت من الطويل وقائله كعب بن مالك. انظر ديوانه صفحة 184 (تحقيق سامي العاني). وهو من شواهد سيبويه 4/ 96 ونسبه لمالك بن أبي كعب. والمقتضب 1/ 75. والخصائص 1/ 367. والشاهد فيه استعمال (مقاتلا) بمعنى القتال. (¬3) أي: المصدر الميمي. (¬4) الإسراء: 80.

[إملاء 73] [مسائل في الاستثناء]

[إملاء 73] [مسائل في الاستثناء] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬1) في الاستثناء: "وتقول: ما جاءني من أحد إلا عبد الله": هذا الفصل ينعطف على الوجه الثالث من المستثنى، وهو ما يجوز فيه النصب والبدل. فبين ههنا أن البدل ينقسم فيه إلى ما يكون بدلاً من حيث اللفظ وإلى ما لا يستقيم فيه بدل اللفظ فينتقل فيه إلى البدل على المعنى. وهو كل موضع تعذر فيه تقدير العامل في المبدل منه بعد إلا. ومثله بأمثلة، منها قولك: ما جاءني من أحد إلا زيد، لأن من ههنا زائدة لتأكيد النفي. فلو أبدلت من معمولها بعد الإثبات لوجب تقديرها معه، فتخرج عن موضوعها، لأن موضوعها تأكيد النفي لا تأكيد الإثبات. وكذلك: لا أحد فيها إلا زيد، لأن "لا" لم تعمل إلا للنفي، فإذا أبدلت من معمولها بعد الإثبات وجب تقديرها نافية بعده؛ لأن عملها لأجل النفي، فيتناقض حينئذ النفي والإثبات لورودهما على محل واحد. والذي يحقق ذلك وجوب النصب في قولك: ليس زيد إلا قائماً (¬2)، ووجوب الرفع في قولك: ما زيد إلا قائم، والفرق بين "ليس" وبين "ما" في العمل أن ليس عملت للفعلية لا للنفي، فكأنها في التقدير فعل دخل عليه نفي. فغذا قلت: ليس زيد إلا قائماً، فكأنك قلت: ما كان زيد إلا قائماً. فكما أنه لا يقدر بعد إلا في قولك: ما كان، إلا "كان" دون النفي لأنها العاملة فيما بعد إلا، فكذلك لا يقدر في: ليس زيد إلا قائماً، إلا المعنى الذي عملت ليس لأجله، لا النفي، بخلاف: ما زيد إلا قائم، فإنها لم تعمل إلا للنفي، فلو عملت بعد "إلا" لوجب ¬

_ (¬1) ص 71. (¬2) وبنو تميم يرفعونه. وقد عرفت هذه المسألة بمسألة: ليس الطيب إلا المسك. انظر الإملاء رقم (191) من الأمالي المطلقة، ومغني اللبيب 1/ 325 (دمشق).

تقديرها نافية، ففيتناقض النفي والإثبات، وهذا هو التحقيق في المسألة. فأما ما ذكره أبو علي (¬1) من أنه لم يبدل عن اللفظ لأن "لا" لا تعمل في المعارف ففاسد، بدليل: لا أحد فيها إلا رجل واحد. فهذا نكرة وحكمه حكم المعرفة في وجوب البدل على المحل. فلو كان ما ذكره مستقيماً لجاز ههنا الإبدال على اللفظ، ولما لم يجز دل على أن ما ذكره من العلة منتقض (¬2)، وهو أولى من توهم أن امتناع العمل اللفظي فيما بعد "إلا"، لأن "لا" لم تعمل في الأول، وإنما هو مبني معها. وإذا لم يكن لها عمل فيه لم يبق إلا البدل على المحل، فإنه فاسد بدليل قولهم: لا غلام رجل عندي إلا رجل واحد. فإن حكمه وإن كان الأول معرباً باتفاق حكم المبني، دل على أن ما ذكره هذا القائل ليس بشيء، فثبت أن التعليل الأول هو المستقيم. قال: "وإن قدمت المستثنى على صفة المسثنى منه"، إلى آخره. هذا الفصل ينعطف على بعض القسم الأول من المستثنيات وهو ما قدم من المستثنى لأنه تفصيل له، فكأنه يقول: ما قدم من المستثنى تارة يقدم على المستثنى منه وصفته وتارة يقدم على صفة المستثنى منه. ومذهب سيبويه أنه لا اعتداد بتقديمه على الصفة (¬3). وهو الصحيح لأمرين: أحدهما: أن المستثنى منه هو الموصوف دون الصفة، والصفة فضلة، فلا فرق بين وجودها وعدمها ¬

_ (¬1) قال أبو علي: "وكذلك لا أحد فيها إلا عبد الله، حملت عبد الله على موضع "لا" مع أحد، لأن الموضع رفع بالابتداء، ولم يجز الحمل على اللفظ لأن (لا) لا تعمل في المعارف، إنما تعمل في الأسماء الشائعة". الإيضاح العضدي 1/ 206. (¬2) في ب: منتقضة. والصواب ما أثبتناه. (¬3) قال سيبويه: "فإن قلت: ما أتاني أحد إلا أبوك خبر من زيد، وما مررتع بأحد إلا عمرو خير من زيد، كان الرفع والجر جائزين، وحسن البدل لأنك قد شغلت الرافع والجار، ثم أبدلته من المرفوع والمجرور، ثم وصفت بعد ذلك". الكتاب 2/ 236.

باعتبار صحة هذا الاستثناء، فكما أنها لو كانت مفقودة لم يكن لها أثر، فكذلك إذا كانت موجودة. والثاني هو: أن المعنى الذي اقتضى صحة البدلية عند التأخير موجود. والذي اقتضى وجوب النصب عند التقديم مفقود، وإذا كان كذلك وجب البدل وبطل وجوب النصب على التقديم (¬1). وذلك أن معنى البدلية كونه مذكوراً بعد تابع عوضاً منه وهذا كذلك. فثبت أن المعنى الذي اقتضى صحة البدلية موجود. وأن المعنى الذي اقتضى وجوب النصب هو تعذر البدلية وذلك التقديم على الاسم المستثنى وهو مفقود. فثبت أن المعنى المقتضى لوجوب النصب مفقود. وإذا كان كذلك وجب صحة البدل كما لو تأخر أو لم تذكر صفة. قال: "وتقول في تثنية (¬2) المستثنى". يريد: إذا ثنيت الاستثناء من غير تشريك، فأما إذا ذكرت حرف التشريك فلا إشكال. فكل استثناء ثان فما بعده يجب فيه النصب، ولا إشكال في نصبه، ولذلك لم يمثل به لظهور أمره، كقولك: جاء القوم إلا زيداً إلا عمراً. وإن كان مع استثناء يجب له الرفع أو الجر أو يختار، وجب فيما عداه النصب، وهو ما مثل به كقولك: ما أتاني إلا زيد إلا عمراً (¬3). وذلك أن أحدهما يجب أن يكون مرفوعاً بحق الفاعلية لـ "أتاني"ز فإذا استوفى الفعل فاعله لم يبق لعمرو إلا النصب على الاستثناء. ولا يتخيل التشريك مع عمرو في اللفظ لفقدان حرف التشريك. ولا يتخيل بدلية لانتفاء المعنى فيها. بقي أن يتخيل أن عمراً مخرج في التقدير من جماعة ليس منهم زيد نفي عنهم الإتيان، فكأنه قيل: ترك من عدا زيداً الإتيان إلا عمراً. ولو ¬

_ (¬1) والنصب على الاستثناء هو اختيار أبي عثمان المازني. ابن يعيش 2/ 92. (¬2) المراد بالتثنية التكرار. (¬3) قال سيبويه: "وإن شئت قلت: ما أتاني إلا زيداً إلا عمرو، فتجعل الإتيان لعمرو، ويكون زيد منتصباً من حيث انتصب عمرو، فأنت في ذا بالخيار، إن شئت نصبت الأول ورفعت الآخر، وإن شئت نصبت الآخر ورفعت الأول". الكتاب 2/ 338.

صرح بذلك لم يكن عمرو فيه إلا منصوباً، فهو بالنصب في الأصل أجدر، ولذلك لم يتعرض صاحب الكتاب إلا لهذا التمثيل لأنه أشبه ما يقدر دون غيره. ثم انتقل إلى المسألة الأخرى وهي: "ما أتاني إلا عمراً إلا بشراً أحد". ولم يتعرض إلا لوجوب النصب فيما كان بعد أحد في التقدير، لا في الآخر، لأن الآخر قد ثبت نصبه في حال تأخره عن الفعل، فنصبه متقدماً أجدر، فلم يبق إلا الكلام في نصب ما لو تأخر لكان مرفوعاً، فقال: لو أخرته لرفعته على البدلية من أحد. فإذا قدمته على المستثنى منه وجب نصبه على ما تقدم، لأن المقدم من المستثنى منه واجب فيه النصب. قال: "وتقول (¬1): ما مررت بأحد إلا زيد خبر منه". هذا الفصل ينعطف على القسم الخامس من المستثنيات وه9والذي يسميه النحويون الاستثناء المفرغ، وقد تقدم أنه جار في كل ما يصح أن يكون معمولاً لما قبله، فجرى في الأحوال والصفات. وكما أن الصفة يصح أن تقع مفردة وجملة في غير هذا الموضع فكذلك ههنا. فلذلك: جاز: ما مررت بأحد إلا زيد خبر منه، كما جاز: ما مررت بأحد إلا عالم (¬2). فما بعد "إلا" واقع صفة لأحد، و"إلا" لغو في اللفظ لأنها وقعت في الاستثناء المفرغ معطية في المعنى فائدتها (¬3). وقوله: "جاعلة زيداً خيراً من جميع من مررت بهم"، غير مستقيم، لأن كون زيد ههنا خيراً من جميع من مررت بهم مفهوم من خبرة، وهو قوله: خير ¬

_ (¬1) وعبارة المفصل: وإذا قلت. ص 72. (¬2) وتقول في الجملة إذا وقعت حالاً: ما مررت بزيد إلا أبوه قائم. وما مررت بالقوم إلا زيد خير منهم. (¬3) "ولا تقع الجملة في هذه المواضع إلا أن تكون اسمية من مبتدأ وخبر، ولا تكون فعلية، لأن إلا موضوعة لإخراج بعض من كل، فإذا تقدم إلا الاسم فلا يكون بعدها إلا اسم لأنهما جنس واحد، فيصح أن يكون بعضاً له". ابن يعيش 2/ 93.

منه، لا من "إلا" فلم يصح قوله: إن فائدة "إلا" أنها جعلت زيداً خيراً من جميع الممرور بهم. ووجه الإلباس في ذلك أن الصفات والأحوال الواقعة في الاستثناء المفرغ لم تجر على ذوق المستثنيات. وبيان ذلك أنك إذا قلت: ما ضربت إلا زيداً، فقد نفيت الضرب عن كل أحد وأثبته للمذكور بعد "إلا". وفي الصفة والأحوال ليس كذلك. ألا ترى أنك إذا قلت: ما جاءني رجل إلا عالم، لم يستقم أن تقدر نفي جميع الصفات عن رجل وإثبات صفة العلم خاصة، لأن ذلك باطل، فإنه لا ينفك عن صفات سوى العلم، وكذلك في الأحوال. فلما كانت الصفات والأحوال بهذه المثابة توهم أن الذي أفادته "إلا" هو ما ذكره، وليس بصحيح. فإن قيل: فما الذي تفيده "إلا" في الصفات والأحوال مع استحالة نفي الأجناس فيها؟ قلنا: لما استعملت الصفات والأحوال في الاستثناء المفرغ وتعذر من حيث الوجود نفي أجناسها جعل المنفي إما الأنواع المضادة للمذكور بعدها وإما الجنس على سبيل المبالغة، كما قيل في قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما} (¬1)، إلى آخره، وذلك كثير في الكلام. فبهذا التأويل تستعمل الصفات والأحوال في الاستثناء المفرغ. فعلى هذا لا تكون "إلا" أفادت إلا أحد أمرين: إما نفي جميع الصفات على طريق المبالغة. كأن قائلاً قال: ليس زيد خيراً (¬2) ممن مررت بهم، فقلت: ما مررت بأحد إلا زيد خير منهم، وإما نفي ما يضاد كونه خيراً منهم على ما تقدم. قال: "وقد أوقع الفعل موقع المستثنى في قولهم: نشدتك"، إلى آخره. وقوع الفعل موقع الاسم في مواضع محفوظة. منها: وقوعه بعد ¬

_ (¬1) الأنعا: 145. (¬2) في الأصل وفي ب: خير وهو خطأ من الناسخ.

[إملاء 74] [اتصال الضميرين الغائبين وليس أحدهما فاعلا]

"إلا" (¬1). و"لما" في معناها (¬2)، أو أوقعت بعد فعل طلب في قسم الاستعطاف، وإنما لوقعوه على سبيل الاختصار لكثرة وقوعه، وكذلك أوقعوا الفعل الذي قبله مثبتاً لفظاً منفياً معنى لذلك. والمعنى في قولك: نشدتك بالله إلا فعلت ما أطلب منك، إلا فعلك (¬3)، فما بعد "إلا" في موضع نصب على المفعولية، والاستثناء من باب الاستثناء المفرغ، فهو مفعول، كقولك: ما أطلب إلا فعلك. [إملاء 74] [اتصال الضميرين الغائبين وليس أحدهما فاعلا] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬4): وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة ... لضغمهماها يقرع العظم نأبها (¬5): يقول: طابت نفسي للشدة التي أصباتني لوقوع القاصد لي بها في أعظم منها، والضغمة عبارة عن الشدة. وهما اثنان قصداه بسوء فوقعا في مثل ما طلباه له. ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "وسألت الخليل عن قولهم: أقسمت عليك إلا فعلت ولما فعلت، لم جاز هذا في هذا الموضع، وإنما أقسمت هاهنا كقولك: والله؟ فقال: وجه الكلام لتفعلن هاهنا، ولكنهم إنما أجازوا هذا لأنهم شبهوه ينشدتك الله، إذ كان فيه معنى الطلب". الكتاب 3/ 105. (¬2) مثل: عزمت عليك لما ضربت كاتبك سوطاً، بمعنى: إلا ضربت. (¬3) انظر الإيضاح في شرح المفضل 1/ 378. (¬4) ص 130. (¬5) هذا البيت من البحر الطويل وقائله لقيط بن مرة الأسدي كما في أمالي ابن الشجري 1/ 89 والحماسة البصرية 1/ 99. وهو من شواهد سيبويه 2/ 365. ولم ينسبه لأحد، والرضى 2/ 19، والخزانة 2/ 415، وابن يعيش 3/ 105 ونسبه لمغلس بن لقيط الأسدي. وقد أوضح المؤلف معنى البيت وموضع استشهاده.

و"جعل" هذه من أفعال المقاربة التي يجب أن يكون خبرها فعلاً مضارعاً. ولضغمة: معمول ل "تطيب"، إعمال الفعل في مفعوله، وليست بمعنى المفعول من أجله، لأنه لم يرد أنها طابت لأجل الضغمة، وإنما طابت بها. والتعليل هو قوله: لضغمهماها، أي: طابت نفسي لما أصابني من الشدة لإصابة من قصدني بمثلها. والضغمة: العضة، فكني بها عن المصيبة. ويقال: ضغم الشدة وضغمته. وجاء البيت على الوجهين. فقوله: لضغمة، من قولهم: عضته الشدة، لقوله: يقرع العظم نابها. وقوله: لضغمهماها من قولهم: عضضت الشدة، لأن الفاعل ضمير من أصابها، وضمير المفعول ضميرها. أي: لضغمهما إياها، فهي معضوضة لا عاضة لمجيئها مفعولة لا فاعلة. ويجوز أن يكون الموضعان من: ضغمت الشدة، لأضغمتني. ويكون قوله: يقرع العظم نابها، مبالغة في أنه عض الشدة عضا قوياً بلغ منتهى ما يبلغه العض، وكنى ببلوغ الناب العظم من ذلك. وموضع استشهاده مجيء الضميرين الغائبين متصلين وليس أحدهما فاعلا وهما ضمير الفاعلين، وهو قوله: هما، وضمير العضة وهو قولك: ها، وهو شاذ. والقياس في مثله: لضغمهما إياها، كراهة اجتماع ضمائر الغائبين البارزة من جنس واحد بخلاف ما لو اختلفا (¬1). والضمير الأول في موضع خفض بالإضافة، وهو فاعل في المعنى. والضمير الثاني في موضع نصب على المفعولية بالمصدر، أي: لأن ضغماها. ويقرع العظم نابها: في موضع صفة، إما لضغمة الأولى، وفصل للضرورة بالجار والمجرور الذي هو لضغمهماها، ويضعف لأجل الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي، وهو ¬

_ (¬1) قال الشاعر: لوجهك في الإحسان بسط وبهجة ... أنالهماه قفو أكرم والد انظر أوضح المسالك 1/ 104.

[إملاء 75] [قول لابن برهان والرد عليه]

غير سائغ. وإما في موضع صفة لمعنى قولك: ها، إذ معناه: لضغمهما مثلها، إذ الأولى لم تصب هذين وإنما أصابهما مثلها، فهو في المعنى مراد، فـ "مثل" (¬1) نكرة وإن أضيفت إلى المعرفة، فجاز أن توصف بالجملة. ويجوز أن يكون: يقرع العظم نابها، جملة مستأنفة لتبيين أمر الضغمة في الموضعين جميعاً، فلا موضع لها من الإعراب، لأنها لم تقع موقع مفرد. وما يتوهم من أن "لضغمهماها" مضاف إلى المفعول و"ها" في المعنى فاعل فيؤدي إلى أنه أضاف إلى المفعول وأتى بعده بالفاعل بصيغة ضمير المنصوب، مندفع بما تقدم من أنه لم يرد أن الشدة عضت، وإنما أراد أنهما عضا الشدة، إذ لا يستقيم أن يضاف المصدر إلى المفعول ويؤتي بالفاعل بصيغة ضمير المنصوب باتفاق، فوجب حملة على ما ذكرناه دفعاً لما يلزم مما أجمع على امتناعه. [إملاء 75] [قول لابن برهان والرد عليه] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬2): كم نالني منهم فضلاً على عدم ... إذ لا أكاد من الاقتار أحتمل (¬3) ¬

_ (¬1) في ب، د، س: ومثل: (¬2) ص 181. (¬3) هذا البيت من البسيط وقائله القطامي، وهو عمير بن شييم، من قصيدة يمدح فيها عبد الواحد بن الحارث بن الحكم والي المدينة في عهد مروان بن الحكم الأموي. انظر ديوانه ص 6 (تحقيق ياكوب بارث – ليدن 1902م). وهو من شواهد سيبويه 20/ 165 والمقتضب 3/ 60 والإنصاف 1/ 305 والرضى 2/ 97. واستشهد به الزمخشري على أنه لما فصل بين "كم" ومميزها نصب المميز، وهذا مذهب البصريين. أما عند الكوفيين فإنه يجر. انظر الإنصاف 1/ 303.

قال ابن برهان (¬1) النحوي: كم: مبتدأ، ونالني: خبره. وفي "نالني" ضمير فاعل عائد على "كم". وقوله: على عدم، حال من "ي". إذ لا أكاد: ظرف زمان مضاف إلى الجملة من الفعل والفاعل. وأحتمل: منصوب بـ:أكاد". ومن الاقتار: مفعول له يعمل فيه أحتمل. انتهى كلام ابن برهان (¬2). قال الشيخ رحمه الله: لا يصح أن يكون (¬3) معمولاً لـ "أحتمل" لفساد المعنى إذ الاحتمال لم يكن من أجل إقتار فيخصصه بالنفي، وإنما يصح مثل ذلك لو كان قصد إلى شيء يصح أن يكون معللاً بمثل ذلك ثم ينفيه مخصصاً له كقولك: ما جئتك طمعاً في برك. فإن المجيء قد يكون طمعاً في البر، فنفي المجيء المقيد بعلة الطمع، ولذلك لا يلزم منه نفي المجيء لغير ذلك، لأنه لم يتعرض له، بل قد يفهم منه إثبات مجيء لغير ذلك عند من يقول بالمفهوم. أما لو قال: ما كلفتك بشيء للتخفيف عليك، فلا يستقيم أن يكون تعليلاً لـ "كلفتك"، فإنه لا يصح أن يكون التخفيف علة للتكليف، وإنما علل به نفي التكليف، أي: انتفى التكليف من أجل غرض التخفيف. وسر ذلك هو أنه إذا تعلق الفعل بشيء فلابد أن يعقل مثبتاً في نفسه ثم يتعلق النفي به. وإذا تعلق افنفي به انتفى المقيد بما تعلق، ولا ينتفي مطلقاً، إذ لم ينفه إلا مقيدا. ومن أجل ذلك امتنع تعلق "من الاقتار" بـ "أحتمل". ويمتنع أيضاً تعلقه بـ "أكاد"؛ إذ لا يتصور تعليل مقاربة الاحتمال بالاقتار لأنه عكس المعنى على ما تقدم في ¬

_ (¬1) هو عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي العكبري نسبة إلى عكبرا على دجلة فوق بغداد، صاحب العربية واللغة والتاريخ. كان زاهداً ومتعصباً لأبي حنيفة. توفي سنة 456 هـ. انظر بغية الوعاة 2/ 120 وإنباه الرواة 2/ 213. (¬2) انظر قوله هذا في شرح الدمع ص 365 (رسالة ماجستير. تحقيق فائز فارس محمد الحمد. جامعة القاهرة سنة 1974م). (¬3) الضمير المستتر في (يكون) يعود على (من الإقتار).

[إملاء 76] [وضع الضمير المتصل موضع المنفصل]

"احتمل"، فوجب أن يكون متعلقاً بالنفي إذ هو المسبب في المعنى، لأن المعنى: انتفت مقاربة الاحتمال من أجل الاقتار. ألا ترى أنك (¬1) لو قلت لمن قال: انتفت مقاربة الاحتمال: ما سبب ذلك؟ لصح أن يقول: سببه الاقتتار. ولو قلت لمن قال: ما سبب مقاربة الاحتمال أو ما سبب الاحتال؟ وقال: سببه الاقتتار، لكان فاسداً. فهذا مما يوضح أنه تعليل للنفي، غير مستقيم أن يكون تعليلاً لـ "أحتمل" أو "أكاد". [إملاء 76] [وضع الضمير المتصل موضع المنفصل] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة على قول الشاعر في المفصل (¬2) وهو: وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاوزنا إلاك ديار (¬3) معناه: إذا حصلت مجاورتك فانتفاء مجاورة كل أحد مغتفرة غير مبالي بها، لأن مجاورتك هي المقصودة دون جميع المجاورات. و"أن لا يجاورنا" في موضع مفعول. إما على تقدير حذف حرف الجر، كقولك: ما باليت بزيد، أو على التعدي بنفسه، كقولك: ما باليت زيداً. وديار: فاعل لـ "يجاورنا". وموضع الاستشهاد قوله: إلاك، لوضعه الضمير المتصل موضع المنفصل. والأصل أن لا يجاورنا إلا إياك ديار، لأنه مستثنى مقدم على المستثنى منه، فوجب أن يكون منصوباً كقولك: ما جاءني إلا أخاك أحد، فعدل عن لفظ ¬

_ (¬1) ألا ترى أنك: سقطت من د. (¬2) ص 129. (¬3) هذا البيت من البسيط ولم يعرف قائله. وهو من شواهد الرضي 2/ 14، والخصائص 1/ 307، والمغني 2/ 492 (دمشق)، والخزانة 2/ 405، وقد ذكر المؤلف موضع استشهاده ومعناه.

[إملاء 77] [الإضافة اللفظية والمعنوية]

المضمر المنفصل الذي هو إياك إلى المضمر المتصل الذي هو الكاف وحدها للضرورة. [إملاء 77] [الإضافة اللفظية والمعنوية] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة على قوله في المفصل (¬1): "وإضافة الاسم إلى الاسم على ضربين: معنوية ولفظية": أخذ في الكلام على المضاف إليه باعتبار الحرف المراد لا باعتبار الحرف الملفوظ به، لأن ذلك من باب حرف الجر، وستأتي (¬2)، معرفتها فلا حاجة إلى تكرارها (¬3) ههنا. وأما الكلام على المضاف إليه فليس له موضع أشبه من هذا، ولذلك استوعب ذكره ولم يتعرض للآخر. وفسر المعنوية بقوله: "ما أفاد تعريفاً أو تخصيصاً" (¬4). وليس هذا التعريف بمستقيم لأن الغرض أن يعلم بالإضافة ذلك. فإذا عرفت به صار دوراً في حق المتعلم، إلا أنه اغتفره من حيث إنه بين اللفظية بعد ذلك بأمر واضح والمعنوية ما عداها، فلما كانت مبينة بذلك اغتفر الأمر فيما ذكرناه ولم يؤخرها بعد اللفظية ¬

_ (¬1) ص 82. (¬2) في الأصل: وسيأتي. وما أثبتناه من ب، وهو الأحسن. (¬3) في ب، س: تكريرها. (¬4) قال ابن يعيش: "وأما الإضافة المعنوية فإن تجمع في الاسم مع الإضافة اللفظية إضافة معنوية، وذلك بأن يكون ثم حرف إضافة مقدر يوصل معنى ما قبله إلى ما بعده، وهذه الإضافة هي التي تفيد التعريف والتخصيص، وتسمى المحطة، أي: الخالصة بكون. المعنى فيها موافقاً للفظ". شرح المفصل 2/ 118.

لتوقف معرفتها في التحقيق عليها لأنها أصل في باب الإضافة، فلا يليق تأخيرها عن الفرع. قال: "واللفظية أن تضاف الصفة (¬1) إلى مفعولها أو إلى فاعلها". فكل صفة مضافة إلى معمولها فهي اللفظية، وما عدا ذلك فمعنوية. فإذا أضيف ما ليس بصفة إلى معمول فهي معنوية، وإذا أضيفت الصفة إلى غير معمولها كانت معنوية أيضاً. فإذا قلت: ضرب زيد حسن، فإضافة "ضرب" وإن كان مضافاً إلى معمولة معنوية (¬2)، وكذلك إذا قلت: ضارب مصر، فالإضافة معنوية، لأنك لم ترد أن الضرب واقع في مصر، وإنما نسبت الضارب إلى مصر، كما لو نسبته إلى العلم وشبهه لتعريفه. وعلى ذلك حمل بعضهم: {مالك يوم الدين} (¬3). كراهة أن تجري النكرة صفة على المعرفة. وعلى هذا الوجه يكون معرفة لأنها إضافة معنوية فتفيد تعريفاً. قال: "ولا تفيد إلا تخفيفاً في اللفظ". لأن الغرض بها تخفيف لفظي لا أمر معنوي. وإذا لم يكن المراد بها أمراً معنويا وجب أن يكون بعد الإضافة كما كانت عليه قبلها، فلذلك قبل: مررت برجل ضارب زيد، فوصف به النكرة، ولو كان معرفة لم يجر صفة للنكرة، وامتنع: بزيد ضارب عمرو. ولو كان معرفة لجاز وصف المعرفة به، وجاز: مررت بزيد ضارب عمرو، على أن يكون حالاً. ولو كان معرفة لم يقع حالاً. وهذه كلها أحكام تدل على أن معناها بعد الإضافة كما كان قبل الإضافة (¬4). ¬

_ (¬1) وهذه الصفة ثلاثة أنواع: اسم الفاعل كضارب زيد، واسم المفعول كمضروب الغلام، والصفة المشبهة كحس الوجه. (¬2) لأن المضاف غير صفة. (¬3) الفاتحة: 3. (¬4) أي: أن الإضافة اللفظية لا تفيد تعريفاً ولا تخصيصاً بدليل وصف النكرة بها، ووقوعها حالاً. فمثال وصف النكرة بها قوله تعالى: "هدياً بالغ الكعبة". ومثال وقوعها حالاً قوله تعالى: "ثاني عطفه".

[قال] (¬1): "وقضية الإضافة المعنوية أن يجرد لها المضاف من التعريف". وإنما كان كذلك من جهة أن تعريف الإضافة راجع إلى أمر معنوي معهود بينك وبين من تخاطبه في نسبة المضاف إلى المضاف إليه. والتعريف بالام راجع إلى ذلك، فكرة أن يجمع بين أمرين، أحدهما مغن عن الآخر. فإن قلت: لم لا يجمع بين الإضافة وبين غير تعريف الألف واللام كالأعلام وأسماء الإشارة؟ فالجواب: أنه في ذلك أبعد لأنه إذا لم يجز الجمع بين تعريفين متساويين للاستغناء بأحدهما فلأن لا يجمع بين تعريف قوي وتعريف ضعيف استغناء بالقوى عن الضعيف أجدر. والتعريفات الأصلية أقوى من تعريفات الإضافة، فلذلك لم يجز إضافة اسم الإشارة ولا المضمر ولا العلم (¬2). فأما زيد الفوارس فذاك راجع إلى تأويله بالنكرات حسب ما تقدم في الأعلام، لا على أنه أضيف مع إرادة العلمية، لأن ذلك متعذر. [قال] (¬3): "وما نقله (¬4) الكوفيون من قولهم: الثلاثة الأثواب فبمعزل عند أصحابنا عن القياس واستعمال الفصحاء". أما القياس فلما ذكرناه. وأما استعمال الفصحاء فنحو ما أنشده وما تمسك به الكوفيون لغة ضعيفة، فلا تقوى لمعارضة ما ذكره البصريون من القياس واستعمال الفصحاء. ووجه هذه اللغة أنهم لما رأوى الثلاثة الأثواب وبابه، المضاف والمضاف إليه في المعنى كشيء (¬5) واحد، بخلاف باب غلام زيد، توهموا أنه ليس من ¬

_ (¬1) زيادة من عندي ليعلم أن ما بعدها من كلام الزمخشري. (¬2) لأنه لا يعرض لها ما تحتاج معه إلى الإضافة. (¬3) زيادة من عندي حتى لا يختلط كلام ابن الحاجب بكلام الزمخشري. (¬4) عبارة المفصل: تقبله. ص 83. (¬5) في الأصل: لشيء. وما أثبتناه من س، وهو الصواب.

ذلك القبيل، فعرفوا الاسمين جميعاً، وهو وهم محض، فإنه لو لم يقدر التعدد لم تصح الإضافة. ألا ترى كيف امتنعت في نحو: حبس منع، وأسد سبع (¬1)، لما لم يكن تقدير التعدد ممكناً. فدل على ذلك أن باب الإضافة عندهم سواء. فكما لا يجوز: الغلام زيد، بالإجماع، كذلك لا يجوز: الخمسة الأثواب (¬2). قال: "وتقول في اللفظية: مررت برجل حسن الوجه" (¬3). يعني: أنهم لم يمتنعوا في اللفظية من تعريف الأول كما امتنعوا في المعنوية، لانتفاء مانع ذلك. ألا ترى أن اللفظية لا تفيد تعريفاً، والمانع إنما كان التعريف المفاد بالإضافة في المعنوية، فلما لم يكن ذلك ههنا لم يكن تعريف الأول ممتنعا، فلذلك جاز: الحسن الوجه، كما يجوز: الحسن، لو لم تضفه، لأن الحاجة إلى تعريفه مضافاً كالحاجة إلى تعريفه مفرداً. قال: "ولا تقول: الضارب زيد" لأن التنوين زال بالألف واللام، فلم تفد فيه الإضافة خفة (¬4)، وشرط الإضافة اللفظية ذلك في مثله، فلما انتفى الشرط انتفى الحكم. وأجازه الفراء (¬5)، إما لأنه لا يعتبر الخفة كما لا يعتبرها في ¬

_ (¬1) أي: إضافة الاسم إلى مرادفه. (¬2) ولكن ابن الحاجب نفسه استخدم مثل هذا في كلامه. قال: "ولذلك جاءت في التركيب على الأربعة الأوجه التي ذكرناها". انظر إملاء (70) من هذا القسم. (¬3) وعبارة المفصل: وتقول في اللفظية مررت بزيد الحسن الوجه. المفصل ص 84. (¬4) قال ابن يعيش: "لأن الألف واللام إذا لحقت اسم الفاعل كانت بمعنى الذي وكان اسم الفاعل في حكم الفعل من حيث هو صلة له فيلزم إعماله فيما بعده". شرح المفصل 2/ 122. (¬5) هو يحيى بن زياد بن عبد الله أبو زكرياء الفراء. كان أبرع الكوفيين في علمهم. أخذ علمه عن الكسائي، ثم أخذ عن أعراب وثق بهم. وكان متورعاً متديناً، زائد العصبية على سيبويه. انظر مراتب النحويين ص 139، وطبقات النحويين واللغوين ص 143.

الضاربك، وإما لأنه يقدر التنوين محذوفاً للإضافة، ويقدر التعريف بعد ذلك. أما كونه لا يعتبر التخفيف فليس بمستقيم، فإنا متفقون على امتناع: الحسن وجهه، وليس إلا لذلك (¬1). وأما تقديره التنوين محذوفاً قبل الإضافة فليس بمستقيم، لأنا نعلم أن الألف واللام سابقة، وإذا كانت سابقة وجب إثبات حكمها سابقاً، وإذا وجب حذف التنوين لأجلها لم يبق للإضافة ما يحذف تخفيفاً. قال: "وأما الضارب الرجل، فمشبه بالحسن الوجه" (¬2)، من حيث كان: الحسن الوجه، محمولا على باب: الضارب الرجل، حتى جوز فيه النصب الذي هو على خلاف المعنى. فإذا حمله عليه لمشابهته فيما هو مخالف للمعنى فلأن يجوز مشابهة أخيه به في أمر لفظي أقرب، وهي الإضافة التي هي أقوى الوجوه في الحسن الوجه. وسيأتي ذكره في بابه. قال: "وإذا كان المضاف إليه ضميراً متصلاً جاء ما فيه تنوين". يريد: أن متعلق اسم الفاعل إذا كان مضمراً لا يجوز أن يكون منصوباً به لما يؤدي إليه من التناقض. لأنهم لو نصبوا بضارب في: ضاربك، لجمعوا بين التنوين والضمير. وكونه مضمراً متصلاً يشعر أنه من تمام الأول، ودخول التنوين أو النون يشعر بانفصال الأول، فكان الجمع بينهما من قبيل التناقض. ولما كان ذلك مرفوضاً في: ضاربك، ثبت أن للمضمر المتصل بالنسبة إلى هذه الإضافة شأنا ليس لغيره وهو كونه لا يعتبر فيه التخفيف كما اعتبر في غيره لأداء ذلك إلى ¬

_ (¬1) في د: كذلك. والصواب ما أثبتناه. (¬2) وجه الشبه بينهما أن الضارب صفة كما أن الحسن صفة، وما بعده يكون مجروراً أو منصوباً. فتقول: هذا ضارب زيداً وضارب زيد، كما تقول: مررت برجل حسن وجهاً وحسن الوجه. فلما أشبهه جاز إدخال الألف واللام عليه، وإن لم يكن مثله من كل وجه. ألا ترى أن المضاف إليه في: الضارب زيد، مفعول منصوب في المعنى، والمضاف إليه في: الحسن الوجه، فاعل مرفوع. انظر ابن يعيش 2/ 123.

التناقض. وإذا ثبت ذلك: اربك، ثبت مثله في: الضاربك، لأنه فرعه، فجرى الضاربك في الصحة كما جرى ضاربك (¬1). وهذا إذا قلنا: إن الضاربك مضاف، وأما إذا قلنا: إنه عامل في الكاف النصب سقط احتجاج الفراء به على: الضارب زيد، واستغنينا عن الجواب عنه، فهذا مقصوده في الفصل. وأورد قوله: هم الآمرون الخي والفاعلونه (¬2) اعتراضاً في الجميع بين النون والمضير. وأجاب بأنه شاذ لا يعمل عليه. قال: "وكل اسم معرفة يتعرف به ما أضيف إليه إضافة معنوية". لأن الغرض فيها نسبة خصوصية بين الأول والثاني، فيلزم اكتساب التعريف لتعيينه بالخصوصية. قوله: إضافة معنوية، احتراز من الإضافة اللفظية، لما تقدم من أنها لا تفيد إلا تخفيفاً في اللفظ، والمعنى على ما كان عليه. قال: "إلا أسماء توغلت في إبهامها فهي نكرات وإن أضيفت إلى المعارف". لأنه تعذر اعتبار الخصوصية المفيدة فبقى منكراً، وذلك في (¬3) نحو: غير ومثل وشبهه. لأن المثلية والغيرية تقدر بين كل شيئين. فلما توغل الإبهام فيها تعذر اعتبار الخصوصية بخلاف رجل وثوب ودار. ¬

_ (¬1) ونقل عن سيبويه أن الضمير في "الضاربك" منصوب، وفي "ضاربك" مجرور. انظر أوضح المسالك 3/ 101. (¬2) هذا صدر بيت من الطويل وعجزه: إذا ما خشوا من حادث الدهر معظماً. وهو من شواهد الكتاب 1/ 188 ولم ينسبه لأحد. وقال: "وزعموا أنه مصنوع"، ورواية الشطر الأول فيه: هم القائلون الخير والآمرونه. وانظر خزانة الأدب 2/ 187. وابن يعيش 2/ 125. (¬3) وجدت هذه الكلمة في الأصل وفي م. وسقطت من الباقي. والمعنى يستقيم بدونها.

قال: "إلا إذا شهر المضاف بمغايرة (¬1) المضاف إليه أو بمماثله فحينئذ يمكن اعتبار الخصوصية، فيحصل التعريف لذلك. قال: "والأسماء المضافة إضافة معنوية على ضربين: لازمة للإضاءة لازمة لها". فاللازمة للإضافة كل اسم ذي نسبة توغل في الإبهام باعتبار النسبة، أو اسم الغرض بوضعه المنسوب إليه هو. فالأول كأمام وقدام وشبه. والثاني: كسوى وذو. وهي على ضربين على ما ذكر: ظروف ظروف، ولكنها لا تخرج في المعنى عما ذكرناه. وغير اللازمة للإضافة يكن كذلك، نحو: ثوب ودار، فإنه يستعمل مفرداً ومضافاً (¬2). قال: "وأي إضافته إلى اثنين فصاعداً إذا أضيف إلى المعرفة" (¬3). "أي" يقتضي الإضافة لأن الغرض به تفصيل المتعدد، فالمتعدد ما يوضعه. وهو في الاستفهام معناه السؤال عن تعيين جزء المتعدد باعتبار نُسب إليه. فإذا قلت: أي الرجلين عندك؟ فمعناه السؤال عن تعيين الرجلين الذي استقر عنده. ثم لا يخلو إما أن يكون السؤال عن واحد أو فإن كان السؤال عن واحد كان له طريقان: أحدهما: أن تضيفه إلى معرفة أو مجموع، عهدا في المثنى، وعهدا وجنسا في المجموع. والثاني أن إلى نكرة مفرد (¬4). فتقول في الأول: أي الرجلين وأي الرجال عندك (¬5) ¬

_ (¬1) كقوله تعالى: "غير المغضوب عليهم" (الفاتحة: 7). (¬2) مثل: مررت بعبد الله مثلك. (¬3) قال ابن يعيش: "وإذا أضيفت إلى معرفة وجب أن تكون تلك المعرفة مما يتبعض بأن تكون المعرفة إما تثنية أو جمعاً نحو قولك: أي الرجلين عندك رأي الرجال، رأيت وأيهم مررت به". شرح المفصل 2/ 132. (¬4) "وإنما جاز إضافته إلى الواحد المنكور ههنا من حيث كان نوعاً يعم أشخاص ذلك فهو يشمل كل من يقع عليه ذلك الاسم، فلذلك جازت إضافته إليه". انظر ابن 2/ 133. (¬5) في س: عندي.

الثاني: أي رجل عندك؟ وإن كان السؤال متعدد وجب إضافته إلى طبق ما يسأل عنه منكرا، فتقول: أي رجلين وأي رجال؟ ولذلك وجب أن تقول في الأول: أي الرجلين جاءك؟ وأي الرجال جاءك؟ وفي الثاني: أي رجلين جاءاك؟ وأي رجال جاؤوك؟ لأن الضمير يعود على المسؤول عنه، وهو في الأول مفرد وفي الثاني متعدد. وكأنهم لما قصدوا السؤال عن متعدد أضافوه إلى ما يطابقه، كأنهم فصلوا الجنس هذا التفصيل، ثم سألوا عن هذا الجزء الذي على هذه الصفة منه. فعلى هذا يكون قولهم: أي رجل؟ من القبيل الثاني، إلا أنه وافق الأول في المعنى من حيث كان السؤال عن مفرد، ولذلك (¬1) ذكره صاحب الكتاب مع المثنى والمجموع. قال: "وحق ما يضاف إليه (كلا) أن يكون معرفة (¬2) ومثنى (¬3) أو ما هو في معنى المثنى (¬4) ". أما كونه مثنى فلأن وضعه لتأكيد المثنى، وهو لفظ مبهم يضاف لتبين ما هو له. فلو أضيف إلى غير المثنى لفسد المعنى. وأما كونه معرفة فلأن الغرض بإضافتها تبين ما هي له. فلو أضيفت إلى نكرة لم يحصل تبين، وأيضاً فإنها من ألفاظ التواكيد، والتواكيد معارف. فإن قيل: فـ "كل" كذلك باعتبار الجمع، فكان حكمها ألا تضاف إلا إلى معرفة مجموع، وقد قيل: كل رجل. فالجواب: أنهم التزموا في "كل" مثل ما التزموه في "كلا" إلا أن اسم ¬

_ (¬1) في الأصل: وكذلك، عن والصواب ما أثبتناه. (¬2) وأجاز الكوفيون إضافتها إلى النكرة المختصة نحو: كلا رجلين عندك محسنان. مغني اللبيب 1/ 223 (دمشق). (¬3) وأجاز ابن الأنباري إضافتها إلى المفرد بشرط تكريرها نحو: كلاي وكلاك محسنان. مغنى البيب 1/ 223 (دمشق). (¬4) كقول الشاعر: إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل لأن "ذا" مثناة في المعنى.

[إملاء 78] [من معاني تفاعل]

الجنس لما كان عاماً حصل معنى الجمع ومعنى التعريف، فكان في المعنى مضافاً إلى مجموع معرفة وهو المقصود. ولو فعل بكلا هذا الفعل فسد المعنى، إذ لا يصح العموم مع قصد المثنى. والأفصح أن يكون لفظ المضاف إليه لفظاً واحداً غير معطوف عليه لفظ آخر يكون باعتبارها مثنى. كأنهم قصدوا إلى إرادة تبين أن المراد الجزاءان (¬1) المضاف إليهما "كلا"، وقد جاء ذلك في الشعر تنزيلا للمعطوف والمعطوف عليه كالشيء الواحد، كقوله: كلا زيد وعمرو (¬2). [إملاء 78] [من معاني تفاعل] وقال أيضاً ممليا على قول الشاعر في المفصل (¬3): إذا تخازرت وما بي من جزر ... ثم كسرت العين من غير غور (¬4) تخازر الرجل: إذا ضيق جفنه ليحدد النظر، كقولك: تعامي وتجاهل، والخزر: ضيق العين وصغرها. ورجل أخزر: بين الخزر. ويقال: هو أن يكون الإنسان كأنه ينظر بمؤخرها. وموضع الاستشهاد منه ظاهر، وهو أن "تفاعل" يأتي ليريك الفاعل أنه في حال ليس فيها، كما قال: تجاهلت وتغافلت. يعني أن هذه الحال ليست ثابتة له. ¬

_ (¬1) في ب: الجزئين، والصواب ما أثبتناه، لأنه خبر أن. (¬2) وكقول الشاعر: كلا أخي وخليلي واجدي عضدا ... وساعداً عند إلمام الملمات (¬3) ص 280. (¬4) هذا البيت من الرجز وينسب لعمرو بن العاص. وقيل: للنجاشي الحارثي. وقيل: لأرطأة بن سهية. وهو من شواهد سيبويه 4/ 69 والمقتضب 1/ 79 وأمالي القالي 1/ 96 وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 2/ 339. وقد أوضح المؤلف معناه وموضع استشهاده.

[إملاء 79] [مجيء العلم الثلاثي الساكن الوسط منصرفا وغير منصرف]

[إملاء 79] [مجيء العلم الثلاثي الساكن الوسط منصرفا وغير منصرف] وقال أيضاً ممليا على قول الشاعر في المفصل (¬1) لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعد ولم تسق دعد في العلب (¬2) لفع رأسه تلفيعا أي: غطاه. ولفعت المزادة أيضاً قلبتها. وتلقعت المرأة بمرطها (¬3) أي: تلحفت به. واللفاع ما يتلفع به. ومعناه: أن هذه عندها رفاهية وليست كغيرها تغتذي فيما يحلب فيه، بل لها إناء غيره تسقي فيه أو تغتذي فيه. ولا تتستر بفضل مئزرها في أنها تشده في وسطها وتعمل فاضلة على رأسها، بل لها شيء آخر تلفع به رأسها. وإنما يتلفع بفضل مأزرهن البدويات والإماء الماهنات الممتهنات. وقيل: إن هذه لم تسق اللبن لا في علبة ولا في غيرها لأنها متحضرة. وإنما يشرب اللبن أهل البدو لأنهم لا يكادون يجدون الماء. وموضع الاستشهاد ظاهر. والعلب جمع علبة، وهو محلب من جلد. ويقال في جمعه أيضاً علاب. ¬

_ (¬1) ص 17. (¬2) هذا البيت من المسرح. قيل: لعبيد الله بن قيس الرقيات. انظر ملحقات ديوانه ص 187. وقيل: لجرير. انظر الأشعار المنسوبة إليه في ديوانه 2/ 1021. وهو من شواهد سيبويه 3/ 241، والكامل 1/ 183، والخصائص 3/ 61. والشاهد فيه مجيء العلم الثلاثي الساكن الوسط منصرفاً وغير منصرف. (¬3) المرط: كساء من خز أو صوف. اللسان (مرط).

[إملاء 80] [إعمال جمع صيغة المبالغة إعمال الواحد]

[إملاء 80] [إعمال جمع صيغة المبالغة إعمال الواحد] وقال أيضاً ممليا على قول الشاعر في المفصل (¬1): شم مهاوين أبدان الجزور مخا ... ميص العشيات لا خور ولا قزم (¬2) الشمم: ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه. فإن كان فيها أحديداب فهو القني، يصفهم بالارتفاع، إما في النسب أو الكرم أو القدر، أو غيره. وهو مأخوذ من الشمم المذكور. وقوله: مهاوين أبدان الجزور، جمع مهوان على سبيل المبالغة، أي: ينحرونها. وقوله: مخاميص العشيات، أي: ضامرون. البطون. يصفهم بأنهم لا يبادرون إلى العشاء، بل ينتظرون من يأكل معهم من ضيف أو غيره. وقوله: لا خور ولا قزم. والخور: الضعف، يقال: رجل خوار، ورمح خوار، وأرض خوارة، والجمع خور. والقزم بالتحريك: الدناءة والقماءة. والقزم: رذال الناس وسفلتهم. يعني: ولا ضعفاء ولا رذال الناس. وموضع الاستشهاد من (¬3) قوله: "مهاوين أبدان". فإنه أورده في قوله: "وما ثنى من ذلك وجمع مصححا ومكسراً يعمل عمل المفرد". و"أبدان" منصوب به. و"شم" خبر مبتدأ محذوف، وما بعده أخبار. وأضاف قوله ¬

_ (¬1) ص 228. (¬2) البيت من البسيط وهو للكميت. انظر ديوانه 2/ 104. وهو من شواهد سيبويه 1/ 114 والهمع 2/ 97 والخزانة 3/ 448. والصفات في البيت تروي مرفوعة ومجرورة. قال البغدادي: الأوصاف جميعها مجرورة في البيت لأن قبله: يأوى إلى مجلس باد مكارمهم ... لا مطمعي ظالم فيهم ولا ظلم. وقد أوضح المؤلف معناه وموضع استشهاده. (¬3) في ب، د: في.

[إملاء 81] [تعقيب على كلام للزمخشري في المبتدأ والخبر]

"مخاميص"، إلى العشيات، مثل قوله تعالى: {بل مكر الليل} (¬1). ويا سارق الليلة أهل الدار (¬2)، على سبيل الاتساع. [إملاء 81] [تعقيب على كلام للزمخشري في المبتدأ والخبر] وقال مملياً [بدمشق سنة عشرين وستمائة] (¬3) على قوله في المفصل (¬4): "لأنهما لو جرداً لا للإسناد لكانا في حكم الأصوات التي حقها أن ينعق بها غير معربة، لأن الإعراب لا يستحق إلا بعد العقد والتركيب": جعل انتفاء الإعراب ههنا من أجل انتفاء سببه. وذكر الأصوات في المبنيات وجعل كونها مبنية لمانع منع من الإعراب وهو مناسبتها لما هو مبني في أصل وضعه (¬5)، فناقض في موجب البناء وتحكمه في أحد الموضعين بانتفاء سبب الإعراب، وفي الموضع الآخر بوجود السبب لأنه إذا حكم بانتفاء الحكم لوجود "المانع فقد أثبت وجود السبب. هذا إن حملنا الأصوات ههنا على أنها هي التي قصدها ثم وهو الظاهر. فأما إذا قصد بالأصوات ههنا اللفظ الذي لا تركيب فيه، وقصد بالأصوات ثم الألفاظ التي يحكى بها صوت مع التركيب صح أن يكون الأول لانتفاء السبب والثاني لوجود المانع، أو قصد بالأصوات هنا تلك الأصوات مع عدم التركيب، وقصد بها ثم هذه مع وجود التركيب، فيكون بناؤها ههنا لانتفاء سبب الإعراب، وبناؤها ثم لوجود المانع، فيزول التناقض. ¬

_ (¬1) سبأ: 33. (¬2) من شواهد سيبويه 1/ 175. ومعاني القرآن للفراء 2/ 80. والمحتسب 1/ 183. والشاهد فيه جعل الليلة مسروقة على سبيل الاتساع. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) ص 24. (¬5) قال الزمخشري: "وسبب بنائه مناسبته ما لا تمكن له بوجه قريب أو بعيد بتضمن معناه". المفصل ص 125.

[إملاء 82] [مسائل في الحال]

[إملاء 82] [مسائل في الحال] وقال أيضاً مملياً على مواضع في الحال في المفصل (¬1). قال: "شبه الحال بالمفعول من حيث إنها مفعول فيها". كان يقتضي أن يذكر شبهه بالمفعول بعد ذكر حده، وإنما قدمه لينبه على أن المفاعيل قد انتهت وأن هذا ابتداء المشبهات، ولو أخره لم يحصل هذا الغرض إلا بانتهائه. قال: "ومجيئه (¬2) لبيان هيئة الفاعل أو المفعول". فأتى بالمعنى الذي وُضع لأجله الحال فصلا يميزه عن غيره. وكذلك جميع حدود النحويين لا يمكن أن تكون إلا كذلك، لأن الألفاظ من حيث كونها ألفاظاً لا يختلف بعضها عن بعض بحقيقة نفسية بل كلها حقيقة واحدة. وإنما تختلف من جهة الموضوعات، فتجعل الموضوعات كأنها حقائق لها تقديراً، وتحد بها. ولما تحقق ذلك وأراد حد الحال ذكر المعنى الذي وضع لأجله الحال، وجعله فصلا لأنه هو الذي يميزه عن غيره. ويرد عليه في قوله: بيان لهيئة الفاعل أو المفعول، أن يقال: جاء زيد العاقل، بيان لهيئة زيد وهو فاعل، فهو بيان لهيئة الفاعل (¬3) وليس بحال. وجوابه أن يقال: قوله: بيان لهيئة الفاعل، تنبيهاً على اعتبار الفاعلية في بيان الهيئة. وفي قولك: جاء زيد العاقل، لم تجيء بالعاقل بياناً لزيد باعتبار الفاعلية، وإنما جئت به بياناً باعتبار الذات لا باعتبار كونها فاعلة، فحصل الغرض من الفرق بينهما. وقوله: "لقيته مصعداً ومنحدراً". وقع في بعض النسخ: مصعداً منحدراً، ¬

_ (¬1) ص 61. وعبارة المفصل: شبه الحال بالمفعول من حيث إنها فضلة مثله جاءت بعد مضي الجملة ولها بالظرف شبه خاص من حيث إنها مفعول فيها. (¬2) في المفصل: ومجيئها. ص 61. (¬3) زيد العاقل ... لهيئة الفاعل: سقطت من د.

بلا واو، ولكل وجه. ولكن الغرض الذي قصده صاحب الكتاب إنما يستقيم بالواو لأنه قصد إلى مجيء الحالين فيهما بعد ثبوتهما جمعاً وتفريقاً. وإذا صح مجيئهما جمعاً وجب عند تفريقهما أن يكون بالعطف. بيانه في الصفات أنك تقول: مررت بزيد وعمرو العاقلين، فإذا فرقت ما تعذر فيه الجمع جمعت بينهما بالواو فقلت: مررت بزيد وعمرو العاقل والجاهل. كذلك إذا قصدت ههنا تفريق ما قصدت إلى جمعه معنى وتعذر لفظاً قلت: لقيته مصعداً ومنحدراً. نعم لو لم ترد الجمع بين الحالين في المعنى وقصدت إلى أن تجعل مصعداً حالاً من المفعول ثم انعطفت إلى بيان ذكر الفاعل فقلت: منحدراً، لوجب أن يكون بغير واو، كما أنك لو قلت: مررت بزيد وعمرو العاقل، وكان العاقل نعتاً لعمرو، ثم خطر لك أن تصف بصفة هو عليها لوجب أن تقول: الجاهل. قال: "والعامل فيها فعل وشبهه (¬1) من الصفات". قال الشيخ: لابد للحال من عامل كسائر المعربات، وعامله هو الذي اقتضى التقييد، والمقتضى للتقييد هو الفعل إذ لولاه لم يكن حال، إذ الحال بيان هيئة الفاعل من حيث هو فاعل، وهذا إنما يكون بالفعل. فالفعل إذن هو الذي اقتضى هذه الحال، فيجب أن يكون هو الحال. قوله: "وقد منعوا في (¬2): مررت راكباً بزيد" إلى آخره. قال الشيخ: للنحويين في هذا خلاف، منهم من يمنعه وهم أكثر البصريين. فمن منعه فحجته أنه لم يوجد في كلام العرب، ولا يمكن حمله على المرفوع والمنصوب وإن لم يسمع لظهور الفرق بينهما. وبيانه هو: أن الحال في المعنى معمولة لما ¬

_ (¬1) في المفصل: إما فعل وشبهه. ص 62. (¬2) في: سقطت من ب، د، س. وهي موجودة في المفصل، ص 62. والعبارة بكاملها: وقد منعوا في: مررت راكباً بزيد، أن يجعل الراكب حالاً من المجرور.

عمل في صاحبها، والعامل في صاحبها هو الفعل والجار جميعاً. إلا أن عمل الجار لفظي وعمل الفعل معنوي، فينبغي أن يكونا عاملين في الحال من حيث اللفظ والمعنى، إلا أنهما ههنا بالعكس، عمل الفعل لفظي وعمل الحرف معنوي، والعرب لا تقدم معمول الجار عليه. فكما لا يجوز تقدم زيد على الباء فكذلك لا يجوز تقدم فرعه الذي هو حاله ومعمول عامله على الباء. وقد أجازه بعض النحويين حمكماً عليه بأنه كالمرفوع والمنصب (¬1)، ولم ينتبهوا للفرق، ولولا الفرق لكان الأمر على ما قالوه (¬2). قوله: "ومن حقها أن تكون نكرة وذو الحال معرفة". والذي يدل على كونها نكرة أمران: أحدهما: الفرق بينها وبين الصفة في كثير من المواضع، لأنك لو قلت: ضربت زيداً القائم، لاشتبه بالصفة. الثاني: أن المقصود الهيئة، والهيئة تحصل بالنكرة كما تحصل بالمعرفة. إلا أن النكرة أولى لخفتها لفظاً وتقديراً. أما اللفظ فلأن قولك: قائم، أخف من قولك: القائم. وأما التقدير فلأن أصل الأسماء التنكير، وما كان أصلاً كان أخف (¬3). قوله: "وذو الحال معرفة". ليس بلازم أن يكون ذو الحال معرفة إلا في الحال الذي لا يجب تقديمها وهو الذي قصده، لأن ذا الحال قد يكون نكرة وتكون الحال واجبة (¬4) تقديمها. ¬

_ (¬1) وقد أجازه ابن كيسان قياساً إذا كان العامل فيه الفعل حقيقة. انظر ابن يعيش 2/ 52. (¬2) وقد صرح ابن الحاجب بمنعه في الإيضاح. قال: "فثبت أن الوجه امتناعه" 1/ 330. (¬3) قال أبو البركات الأنباري: "فإن قيل: لم وجب أن يكون الحال نكرة؟ قيل: لأن الحال جرى مجرى الصفة للفعل، ولهذا سماها سيبويه نعتاً للفعل، والمراد بالفعل المصدر الذي يدل الفعل عليه وإن لم تذكره. ألا ترى أن جاء يدل على مجيء. وإذا قلت: جاء راكباً، دل على مجيء موصوف بركوب. فإذا كان الحال يجري مجرى الصفة للفعل وهو نكرة، فكذلك وصفه يجب أن يكون نكرة". أسرار العربية ص 193. (¬4) هكذا في جميع النسخ: والصواب حذف الثاء.

وقد قال في آخر الفصل: "وتنكير ذي الحال قبيح إلا إذا قمت عليه" (¬1). فلا يجمع بين الكلامين إلا بما ذكرناه. وقوله: "أنا فلان بطلا شجاعاً وكريماً جواداً". إنما يريد إذا اشتهر الشخص بهذه الصفات فحينئذ تأتي مؤكدة لأنه ذلك الشخص، ولذلك قال: "فتحقق ما أنت متسم به وما هو ثابت لك في نفسك". وقوله: "زيد أبوك منطلقاً أو أخوك أحلت" (¬2). لا يستقيم أن يكون حالاً لا مقيدة ولا مؤكدة. أما المؤكدة فلا يستقيم إذ لا نسبة بين الانطلاق وبين الأبوة في التقدير والتحقيق. ولا يستقيم أن تكون مقيدة لاستحالة المعنى، إذ يصير المعنى (¬3): أبوك في حال كونه منطلقاً، فلا تجوز إلا إذا أردت التبني والصداقة، لأن المعنى: يرجع زيد مثل أبيك. وكونه مثله يقبل التقييد، فجاء التقييد للمماثلة، فيكون قد أخبر بأنه مماثل لأبيه في حال الانطلاق خاصة، ولا يكون من هذا الباب، وكذلك أخوك. قال: "والجملة تقع حالاً". قد تقدم (¬4) أن الجمل نكرات فيصح وقوعها أحوالاً. ولا تخلو من أن تكون اسمية أو فعلية. فالاسمية بالواو على المختار، إلا أن لا يكون فيها ضمير فيجب إثبات الواو، ولما التزم إثبات الواو مطلقاً، جعل: "فوه إلى في" شاذا (¬5). وتأول: لقيته عليه جبة وشي، وجعل "عليه" هو الحال، ¬

_ (¬1) كقول الشاعر: لعزة موحشاً طلل قديم ... عفاه كل أسحم يستديم (¬2) "يعني أنه لا يكون أخاه أو أباه في حال دون حال أو وقت دون وقت. فإن أردت أنه أخوه من حيث الصداقة أو أبوه من حيث أنه تبني به جاز، لأن ذلك مما ينتقل، فيجوز أن يكون في وقت دون وقت". ابن يعيش 2/ 65. (¬3) المعنى: سقطت من س. (¬4) في ب: تقرر. (¬5) قال ابن يعيش: "فإن أراد أنه شاذ من جهة القياس فليس بصحيح لما ذكرناه من وجود" الرابط في الجملة الحالية وهو الضمير في (فوه). وإن أراد أنه قليل من جهة الاستعمال فقرب لأن استعمال الواو في هذا الكلام أكثر، لأنها أدل على الغرض وأظهر في تعليق ما بعدها بما قبلها". شرح المفصل 2/ 66.

وجبة: فاعل، فدل بهذا على أنها لا تكون جملة لا اسمية ولا فعلية. وإن كانت فعلية لم يخل الفعل من أن يكون مضارعاً أو ماضيا، لأن الأمر لا يقع لأنه إنشاء، والحال خبر، فلم يبق إلا الماضي والمضارع. والمضارع مثبت ومنفي، فالمثبت بغير واو، مثاله: جاء زيد يضرب عمراً، لأنه بمنزلة اسم الفاعل لفظاً ومعنى، فاستغنى عن الرابط، ولا يكون إلا بضمير كاسم الفاعل، فيه أو فيما يعمل فيه. وإن كان منفياً جاز إثبات الواو وحذفها. أما حذفها فلأنه كاسم الفاعل في المعنى فأجرى مجراه. وأما إثباتها فلأن النفي في المعنى هو الحال منسوباً إلى الفعل، فبعد عن اسم الفاعل فاحتاج إلى الواو. وأما الماضي إن كان مثبتاً (¬1) فهو كالمضارع المنفي في جواز الأمرين لقربه من اسم الفاعل من وجه (¬2) وبعده من وجه. أما قربه فلأنه مثله في المعنى. وأما بعده فلأنه ليس على وزن اسم الفاعل. وأما الماضي المنفي فإثبات الواو أحسن لأنه أبعد منهما بالوجهين المتقديمن فكان إثباتها أحسن. وهذا إذا كان فيه ضمير. وأما إذا انتفى الضمير فلابد من الواو (¬3). قال: وقوله: "أخذته بدرهم فصاعداً". هذا إنما يكون في أشياء متعددة ¬

_ (¬1) إن كان مثبتاً: سقطت من م. (¬2) من وجه: سقطت من م. (¬3) أجاز الكوفيون والأفخش من البصريين مجيء الحال من الفعل الماضي. أما البصريون فإنهم لا يجيزون ذلك. ويجمعون على أنه إذا كانت معه قد، أو كان وصفاً لمحذوف فإنه يجوز أن يقع حالاً. انظر الإنصاف مسألة 32. ولا يفهم من كلام ابن الحاجب هنا أنه يجيز وقوع الفعل الماضي حالاً. فهو يمنع ذلك إلا مع قرينة تشعر بالحالية. وقد ذكر ذلك في الإملاء (4) من هذا القسم. ص: 294.

[إملاء 83] [مسائل في التمييز]

اشترى أقلها بدرهم وبعضها بأكثر. فذكر أقل الأثمان أولاً ثم أتبع ذكر الزائد منصوباً. على أن المعنى: فذهب الثمن في بعضه زائداً على الدرهم، واختصر الكلام لكثرته وعلمهم. ولو خفضت لم يستققم، لما فيها من التعقيب مع العطف، فيؤدي إلى أن يكون الثمن في وقت أكثر من وقت في بيع واحد. وأيضاً لو سلم من التعقيب أدى إلى أن يكون الثمن الدرهم والزائد، فيفسد المعنى من حيث إنه يصير الثمنان لشيء واحد، وليس هو المراد. وإنما المراد ما تقدم. ولا تستقديم الواو لا خفضاً ولا نصباً. أما الخفض فلفساد الجمع بين الثمنين لشيء واحد. والنصب لما فيها من معنى الجمعية، وغرض المتكلم أن يتبع ذلك الثمن ثمناً آخر، وهذا إنما يحصل بالفاء. وأما "ثم" فقد جاءت قليلاً لما فيها من معنى الاتباع. إلا أن الفاء أولى منها لأمرين: أحدهما: أنها أخف. والآخر: أن في "ثم" دليل المهلة ولا حاجة إليه. [إملاء 83] [مسائل في التمييز] التمييز. قال صاحب الكتاب (¬1): "وهو رفع الإبهام في جملة أو مفرد بالنص على أحد محتملاته". قوله: رفع الإبهام، يجوز أن يكون أراد المعنى وجاء به حداً، لأنه هو المقصود، ويجوز أن يكون على حذف مضاف، أي: دليل رفع الإبهام، ويجوز أن يكون الرفع بمعنى الرافع، ويرد عليه الحال، لأن قولك: جاء زيد، يحتمل أن يكون راكباً، ويحتمل غير ذلك. كما أنك إذا قلت: عشرون، احتمل أن يكون ديناراً، وغير ذلك. وأجيب بأن هذا إبهام محقق في قولك: عشرون، لأنك لا تعلم أن العشرين دراهم أو دنانير، بخلاف ¬

_ (¬1) المفصل ص 65.

قولك: جاء زيد، فإنه لا لبس فيهما ولا في تركيبهما. فإن لفظة "زيد" لا إبهام فيها. ولفظة "جاء" كذلك. ونسبة المجيء إلى زيد كذلك. فلذلك قال: في مفرد أو جملة. معناه: يكون الإبهام حاصلاً بخلاف قولك: جاء زيد، فإنه إبهام تقديري باعتبار الوجود وإن سلم وروده، فينبغي أن يريد في قوله: رفع الإبهام في جملة أو مفرد، عن ذات، والحال إنما هو رفع إبهام عن هيئات. وإذا وردت الصفة في النكرات فليس هو رفع إبهام في الموصوف وإنما هو تخصيص له. وإن كان في معرفة فليس الإبهام محققاً وإنما هو تقديري بعيد لاحتمال أن يقع. وأشكل ما يرد عليه صفة المشتركات كقولك: أعجبتني العين الباصرة. فإن العين تحتمل أشياء مختلفة كما يحتملها عشرون فيدخل في حد التمييز. والجواب: أن العين لها دلالة على كل واحد من مدلولاتها على البدل. وإنما جاء الإبهام اتفاقاً لأجل الاشتراك بخلاف، "عشرون" وشبهه، فإنه لا دلالة فيه على واحد من الذوات المخصوصة، والإبهام محقق، وقد حصل الفرق بما يخرج عن الحد. والتمييز لا يكون إلا في جملة، وإنما غرضه أن يكون الإبهام عن جملة تارة وعن مفرد أخرى. والفرق بينهما أنك إذا قلت: عشرون، كان الإبهام في نفس المفرد الذي هو عشرون. وإذا قلت: طاب زيد، فطاب ليس فيه إبهام، وزيد ليس فيه إبهام. وإنما نشأ الإبهام من نسبة الطيب إلى ما يتعلق بزيد، وهو ذوات مختلفة غير مذكورة (¬1)، فاحتاج إلى التبيين. وقوله: "أبرحت جاراً" (¬2). يجوز أن يكون الممدوح هو الجار، ويكون المعنى: أبرح جارك، أي: عظم جارك. ويجوز أن يكون هو نفس المذكور، أي: أبرحت باعتبار كونك جاراً. ¬

_ (¬1) في س: مؤكدة. وهو تحريف. (¬2) انظر الإملاء (69) من هذا القسم. ص: 367.

وقوله: "باعتبار معنى" (¬1)، يعني في الاسم غير الصفة، احتراز من قولك: حسنت وجهاً، فإن الحسن لنفس الوجه لا باعتبار معنى آخر، بخلاف قولك: لله دره فارساً، فإنه لا يحتمل إلا المعنى الثاني. والفرق بينهما: أن كل تمييز عن جملة هو اسم غير صفة باعتبار معنى جاز فيه الوجهان، مثل قولك: عظمت أبا وعما وخالاً. إلا أن يرد ما يمنع فيه تقدير الغير، كقولك: طاب زيد نفساً. وكل تمييز كان صفة لم يحتمل إلا وجهاً واحداً. وقوله: "امتلأ الإناء ماء". يقال: إن التمييز عن الجمل هو في الحقيقة واقع موقع المنسوب إليه. فإذا قلت: طاب زيد أبا وما أشبهه، الطيب منسوب إلى النفس، فالمعنى: طاب أبو زيد. فينبغي على هذا أن يكون التقدير: امتلأ ماء الإناء، وهو غير معروف، فالجواب: أن أصله أن يقال: ملأت الماء فامتلأ، ثم كثر استعمالهم نسبة الامتلاء إلى الإناء حتى صار كأنه من صفته، فصار ذكر الماء بعده مفارقاً لـ "نفساً" في قولك: طاب زيد نفساً. وفي الحقيقة ما جاء إلا على الأصل المذكور في أن أصله: امتلأ ماء الإناء، كما قيل: إن أصلك طاب زيد نفساً، طابت نفس زيد. ثم قيل: امتلأ الإناء ماء، كما قيل: طاب زيد نفساً. و {فجرنا الأرض عيوناً} (¬2): يتوهم أن التفجير من صفة الأرض، وليس هو إلا للماء. يدل عليه قوله: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} (¬3) فالأصل: فجرت عيون الأرض، وفجرنا عيون الأرض، فهو مثل قولك: امتلأ الإناء ماء. إلا أن هذا مفعول وذلك فاعل. ففجرنا الأرض عيوناً، مثل قولك: ملأت الإناء ماء. وامتلأ الإناء ماء، مثل قولك: انفجرت الأرض عيوناً. ¬

_ (¬1) لم ترد هذه العبارة في المفصل. ولا أدري من أين جاء بها ابن الحاجب. (¬2) القمر: 12. (¬3) البقرة: 60.

قال: "ولا ينتصب المميز عن مفرد إلا عن تمام" (¬1) ز قال: "والذي يتم به أربعة أشياء". قوله: "التنوين". إن أراد به التنوين الملفوظ به والمقدر فهو باطل بقوله: "فالزائل التمام (¬2) بالتنوين"، والتنوين المقدر لا يزول. وإن أراد بالتنوين الأول اللفظي لم يكن حاصراً لما يكون به التمام، لأن أحد عشر تمام بالتنوين المقدر. وكان الأولى أن يقول: بالتنوين الملفوظ به والمقدر، ويقول ثانياً: فالزائل التمام بالتنوين الملفوظ به. قال: "فالزائل التمام بالتنوين ونون الثتنية". فأنت بالخيار، يعني: أنك بالخيار، إن شئت أن تزيل هذا التمام بأن تنسبه إلى تمييزه نسبة المضاف إلى المضاف إليه فتخفض، كما تقول: خاتم حديد. وإن شئت بقيت الأول تاماً، فيكون الثاني فضلة فينتصب كما تنتصب سائر الفضلات. وكذلك في نون التثنية. قوله: "واللازم التمام بنون الجمع والإضافة". إن قيل: فنون الجمع قد تكون زائلة في قولك: مررت برجال حسني وجه وحسنين وجهاً، لا خلاف في جواز هذا. فجوابه: أن هذا منصوب في المعنى عن جملة، لأن معنى قولك: حسني وجه، حسنو وجوهاً. فهو منتصب في المعنى عن جملة لا عن مفرد. وقد بينا الانتصاب عن المفرد وعن الجملة. وإن الانتصاب عن الجملة راجع إلى مثل هذا. وإنما لزم التمييز عن مفرد إذا كان جمعاً النصب، لأنه لا يكون إلا في "عشرون" إلى "تسعون"، وهذا تلزمه النون؛ لأنه لو أضيف لكان إما تثبت ¬

_ (¬1) قال ابن يعيش: "يريد أن المميز إذا كان بعد مفرد فلابد أن يستوفي ذلك المفرد جميع ما يتم به ويؤذن بانفصاله مما بعده بحيث لا يصح إضافته إلى ما بعده إذ المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد فإذا لم يكن هناك ما يمنع الإضافة كان في حكم الناقص الذي لا يتم معناه إلا بما بعده من المضاف إليه". شرح المفصل 2/ 71. (¬2) التمام: سقطت من م.

نونه أو تحذف، فكرهوا حذفها لأنه ليس بجمع على الحقيقة، وكرهوا إثباتها لأنه يشبه الجمع. وأما المثنى فهو مثنى على الحقيقة. فجاز حذف نونه قياساً على سائر المثنيات عند الإضافة. قال: "وتمييز المفرد أكثر (¬1) فيما كان مقداراً". وقد يكون فيما ليس إياها كقولهم: لله دره فارساً. ولم يذكر له ضابطاً. وحقيقته أنه راجع إلى معنى الانتصاب عن الجملة كما ينتصب "أبا" في قولك: الطيبون أبا، وإن كانت صورته صورة المفرد فهو راجع إلى معنى الجملية. لأن معنى قولك: الطيبون، طابوا أبا. ولم يجيء التمييز فيه إلا بهذا الاعتبار، وكذلك: لله دره فارساً، وحسبك به ناصراً، معناه: اكتف به نصرة، وأتعقب منه فروسية، وأعظمه رجولية. والذي يبين أنه منتصب باعتبار الجملية أن كل تمييز عن معنى جملي يجوز فيه الجمع والإفراد إن كان المعنى يحتمله. وكل تمييز عن مفرد لا يجوز فيه إلا الأفراد كـ "عشرون درهماً". وهذا يجوز أن يكون جمعاً، لأنك لو قلت: لله درهم فرساناً، لكان جيداً. فيتبين أنه منتصب عن معنى جملي لا عن إفراد. قال: "ولقد أبي سيبويه تقدم المميز على عامله" (¬2). لا يجوز تقدم التمييز مطلقاً (¬3) لأمرين: أحدهما: أن العامل فيه كله الأمر المحتاج إلى ¬

_ (¬1) في المفصل: أكثره ص 66، وكذلك في نسخة ب. (¬2) قال سيبويه: "وذلك قولك: امتلأت ماء وتفقأت شحماً، ولا نقول: امتلأته ولا تفقأته. ولا يعمل في غيره من المعارف، ولا يقدم المفعول فيه فتقول: ماء امتلأت". 1/ 205. (¬3) قال ابن الحاجب: "لا خلاف أن تقديم تمييز المفردات غير جائز عند الجميع، فلا يجوز: عندي درهماً عشرون، وكذلك ما أشبهه. وإنما الخلاف فيما انتصب عن الجملة المحققة كقولك: طاب زيد نفساً وحسن زيد أبا. وأجاز المازني والمبرد التقديم ومنعه سيبويه". الإيضاح 1/ 356. وانظر أوضح المسالك 2/ 371. والصبان 2/ 200.

[إملاء 84] [مسائل في حذف "كان"]

التبيين، وليس هو بالفعل. فالعامل في "درهما" قولك: عشرون، لاقتضائه تفسيراً. والعامل في قولك: طاب زيد نفساً، الإبهام في الأمور المحتملة المنسوب إليها الطيب، وقد أجمعنا على أن: درهما عشرون، لا يجوز، فكذا هذا. والآخر: سلمنا أن العامل الفعل في أحدهما: ولكن التمييز في المعنى موصوف قدمت صفته لغرض، فإذا قدم زال ذلك الغرض فيفوت ذلك المعنى (¬1)، والمميزات كلها في الحقيقة موصوفات لما انتصب عنه، وما انتصب عنه صفات لها، لأن قولك: عشرون درهماً، معناه: دراهم عشرون. وكذلك: منوان (¬2) سمنا، معناه: سمن منوان. وكذلك: طاب زيد نفساً، لأن النفس هو الموصوف بالطيب في المعنى. [إملاء 84] [مسائل في حذف "كان"] وقال أيضاً مملياً على المفصل (¬3) على قوله: الخبر والاسم في بابي: كان وإن. قال: "لما شبه العامل في البابين بالفعل المتعدي شبه ما عمل فيه بالفاعل والمفعول". كلامه هذا يشعر بأن اسم "كان" وأخواتها مشبه بالفاعل. ولم يذكره في المشبهات بالفاعل. فإما أن يكون خالف قوله ثم بقوله ههنا، وإما أن يريد بقوله: "شبه ما عمل فيه بالفاعل" المرفوع في "كان" دون "إن"، لأنه قد يجمل الشيء ويراد به التفصيل، وهذا أولى ليجمع (¬4) بين الأول والثاني من ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب: "وإنما لم يجز تقديمه لأنه في المعنى فاعل، فكما أن الفاعل لا يتقدم على الفعل، فكذلك هذا. والثاني أن تقديمه يخرجه عن حقيقة التمييز، فكان في تقديمه إبطال أصله". الإيضاح 1/ 356. (¬2) مثنى منا، وهو مكيال للسمن. (¬3) ص 72. (¬4) في س: للجمع.

غير تناقض. والذي يدل عليه أن حد الفاعل بحد يدخل فيه اسم "كان" وقال (¬1): "هو ما كان المسند إليه من فعل أو شبهه مقدماً عليه". و"كان" كذلك. ثم قال: "ويضمر العامل في خبر كان". وخص "كان" بالذكر لئلا يتوهم أن أخواتها مثلهاز ومثل بقوله: إن خيراً فخير. وفي (¬2) هذه المسألة أربعة أوجه: نصبهما، ورفعهما، ونصب الأول ورفع الثاني، ورفع الأول ونصب الثاني. أما نصب الأول فقوى على إضمار "كان"، وإنما أضمرت "كان" دون غيرها لأنها كثرت في الاستعمال، ولما كثر في الاستعمال شأن في التخفيف، أو لأن معناها إذا حذفت لا يخل، فجاز فيها الحذف لذلكز وأما الرفع في الأول فضعيف، وله وجهان (¬3): أحدهما: وهو الأضعف، هو الذي ذكره صاحب الكتاب (¬4) فقال: تقديره كان خيراً. وضعفه عن الرفع من وجهين، أحدهما: أنه قدر الفعل الماضي مع وجود الفاء وهو متعذر، إذ لا يقالك إن أكرمتني فأكرمتك. الثاني: أن حذف المبتدأ بعد فاء الجزاء (¬5) أقرب من حذف الفعل والفاعل. فتحقق من ذلك أن نصب الأول ورفع الثاني هو الوجه (¬6)، لأنك ¬

_ (¬1) المفصل ص 18. (¬2) في ب: ففي. (¬3) ذكر ابن الحاجب أحد هذين الوجهين، ولم يذكر الآخر. (¬4) لم يذكر الزمخشري رفع ألأول، وقد أشار ابن الحاجب إلى ذلك في الإيضاح 1/ 382. (¬5) في م: الجواب. (¬6) فتكون "كان" قد حذفت هي واسمها. والتقدير في المثال المذكور: إن كان عملهم خيراً فجزاؤهم خير. ومثل ذلك قول الشاعر: لا تقربن الدهر آل مطرف ... إن ظالماً أبداً وإن مظلوماً ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "التمس ولو خاتماً من حديد". ومثله قول الشاعر: لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكاً ... جنوده ضاق عنها السهل والجبل

جمعت فيه بين وجهيهما القويين (¬1). وعكس ذلك ضعيف فيهما جداً، لأنك جمعت فيهما بين وجهيهما الضعيفين. ونصبهما جميعاً ضعيف باعتبار الثاني دون الأول (¬2). ورفعهما جميعاً ضعيف باعتبار الأول دون الثاني (¬3). وأما قوله: إما أقمت وأما أنت مرتحلاً (¬4) فتقديره كما قال: لأن كنت منطلقاً انطلقت. فأن مصدرية موصولة بكان المحذوفة. ولما حذفت عوضت عنها ما يوجب أن يكون الفاعل منفصلا لحذف ما يتصل به، مثل قوله سبحانه: {قل لو أنتم تملكون} (¬5). ومنطلقاً: خبر كان. وجاز حذف "كان" على ما تقدم، وعوضت "ما" لأن "أن" موصولة بالفعل مقتضية له، ولم تعوض في "إن" وإن كانت مقتضية، لأمرين: أحدهما: أن "إن" أكثر في الاستعمال. والآخر: أن "ما" مع أن صلة له. فـ "أن" غير مسقتلة إلا بصلتها، وأما "إن" فمستقلة بمعناها، فلا يلزم من ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب: "وإنما اختير نصب الأول ورفع الثاني، لأنا إذا نصبنا فالتقدير: وإن كان عمله خيراً، والمعنى عليه". الإيضاح 1/ 380. (¬2) قال سيبويه: "ومن العرب من يقول: إن خنجراً فخنجراً، وإن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً". الكتاب 1/ 258، والتقدير: إن كان عملهم خيراً فيجزون خيراً. (¬3) قال سيبويه: "وإن أضمرت الرافع كما أضمرت الناصب فهو عربي حسن، وذلك قولك: إن خير فخير". الكتاب 1/ 259. والتقدير: إن كان في عملهم خير فجزاؤهم خير. (¬4) هذا صدر بيت من البسيط وعجزه: فالله يكلأ ما تأتي وما تذر. ولم ينسبه أحد لقائل. وهو من شواهد الخزانة 2/ 82، والرضي 1/ 254، ومغنى اللبيب 1/ 34 (دمشق). والشاهد فيه حذف كان بعد أن المصدرية. وأصله: لأن كنت مرتحلاً. حذفت اللام للاختصار، ثم حذفت "كان"، فانفصل الضمير ثم زيدت "ما" للتعويض. (¬5) الإسراء: 100.

[إملاء 85] [المنصوب بلا التي لنفي الجنس]

التعويض فيما لا يستقل التعويض في المستقل. وقوله: أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع (¬1) دخول الفاء ههنا في المعنى كدخولها في جواب الشرط، لأن قولك: أن كنت منطلقاً انطلقت، بمعنى قولك: إن كنت منطلقاً انطلقت، لأن الأول سبب للثاني في المعنى. فلما كان كذلك دخلت دلالة على السببية كما تدخل في جواب الشرط، فلهذا المعنى جاءت الفاء بعد الشرط المحقق والتعليل، وهي لهما جميعا في المعنى، قال شاعرهم: إما أقمت وأما أنت مرتحلا ... فالله يكلأ ما تأتي وما تدر [إملاء 85] [المنصوب بلا التي لنفي الجنس] قال صاحب الكتاب (¬2): "هي كما ذكرت محمولة على إن"، قال الشيخ: يشترط في نصبها أن يكون مضافاً أو مضارعاً للمضاف (¬3)، لأنه إذا لم ¬

_ (¬1) البيت من البسيط وقائله عباس بن مرداس وأوله: أبا خراشة. وهو من شواهد سيبويه 1/ 293، والخزانة 2/ 80، والإنصاف 1/ 71، والرضى 1/ 253، والخصائص 2/ 381. وأبو خراشة هو خفاف بن ندبة صحابي شهد فتح مكة. والضبع: السنة المجدبة. ومعناه: يا أبا خراشة إن كنت ذا جماعة كثيرة فإن قومي لم تأكلهم السنون المجدبة لكثرتهم. والشاهد فيه حذف كان بعد أن المصدرية. قال سيبويه: "فإنما هي (أن) ضمت إليها (ما)، وهي (ما) التوكيد، ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضاً من ذهاب الفعل". الكتاب 1/ 293. (¬2) ص 74. (¬3) المضاف كقولك: لا صاحب فضل موجود. وأما المضارع للمضاف فهو الشبيه به كقولك: لا خيراً من زيد قائم، ولا حافظاً للقرآن عندك، ولا ضارباً زيداً في الدار، ولا عشرين درهماً لزيد. فالكلمات: خيراً، حافظاً، ضارباً، عشرين، شبيهة للمضاف وجارية مجراه لأنها عاملة فيما بعدها، كما أن المضاف عامل فيما بعده.

يكن كذلك كان مبنيا على الفتح غير معرب. وعلة بنائه تضمنه معنى الحرف، لأن قولك: لا رجل في الدار، متضمن معنى قولك: لا من رجل في الدار. ولم يبن إذا كان مضافاً لوجهين: أحدهما: أنهم كرهوا أن يبنوا متعددات. والآخر: أن الإضافة أقوى خواص الأسماء، فقابلت ذلك التضمن، فرجع الاسم إلى أصله. والدليل على أن المفرد مبني أنه غير منون، ولا مانع منه لولا البناء. والدليل على أن المضاف والمشبهه بالمضاف معرب التنوين عند الإمكان في قولك: لا ضارباً زيداً في الدار، ووجوب نصب صفته في قولك: لا غلام رجل أفضل منك موجود. وقوله: "لا نسب اليوم ولا خلة (¬1) على إضمار فعل". وقع منه غلطاً، وإلا فلا خلاف أن المعطوف على المنفي بلا يجوز فيه النصب، سواء كررت "لا" أو لا، كقولك: لا حول ولا قوة. وقد ذكر ذلك فيما بعد في فصلك لا حول ولا قوة. وقد أورد هذا البيت النحويون مستشهدين به في نصب المعطوف على اللفظ. وأما قوله: ألا رجلا جزاه الله خيراً ... يدل على محصلة تبيت (¬2) ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت من السريع. وعجزه: اتسع الخرق على الراقع. ونسبه سيبويه لأنس بن العباس من بني سليم 2/ 285. ونسبه ابن منظور لأبي عامر جد العباس بن مرداس (قمر). وهو من شواهد الكامل 2/ 69. واللمع لابن جني ص 44. ومغنى اللبيب 1/ 249 (دمشق). وقد أوضح المؤلف موضع استشهاده. وزعم يونس أنه نون مضطراً. انظر الكتاب 2/ 309. (¬2) سبق الكلام عن هذا الشاهد في الإملاء (35) من الأمالي القرآنية. ص:167.

فهذا هو الذي يستقيم فيه ما ذكر، لأن "لا" فيه لم تقع متكررة بعد أخرى. فإما أن ينتصب على إضمار فعل كما ذكره الخليل؛ وهو أولى لأنه أبعد عن الضرورة إذ حذف الفعل كثير. وإما أن ينون ضرورة كما زعم يونس (¬1). فإن قيل: فهل يجوز أن يكون "رجلا" منصوباً بفعل دل عليه "جزى" كأنه قال: ألا جزى الله رجلاً خيراً، وتكون "ألا" للاستفتاح، مثلها في: ألا قام زيد، و {ألا إن وعد الله حق} (¬2)؟ قلت: هو مستبعد مع جوازه لفظاً ومعنى. أما المعنى فهو أنه لم يرد أن يدعو لرجل على هذه الصفة، إنما قصده طلبه، فنصبه على ذلك المعنى يفسد معنى الطالب. وأما اللفظ فإن قوله: يدل، على هذا التأويل، صفة لرجل، وقد فصل بينه وبينه بالجملة المفسرة وهي أجنبية. قال: "وما حقها أن يكون نكرة" (¬3)، لأن وضعها لنفي المتعددات، وهذا يقتضي التنكير. ولذلك إذا وقعت المعرفة وجب التكرير لويفر ما يقتضيه من التعداد (¬4) وشبهها سيبويه برب لذلك (¬5). وأما قوله: "لا هيثم" (¬6) وشبهه مما ذكر، فعلى تقدير التنكير، يعني: أن ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "وأما يونس فزعم أنه نون مضطراً". الكتاب 2/ 308. (¬2) يونس: 55. (¬3) المفصل ص 76. والعبارة فيه: وحقه أن يكون نكرة. (¬4) في س: التعدد. (¬5) قال سيبويه: "واعلم أن كل شيء حسن لك أن تعمل فيه رب حسن لك أن تعمل فيه لا". الكتاب 2/ 286. وقال أيضاً: "فلا لا تعمل إلا في نكرة كما أن رب لا تعمل إلا في نكرة". الكتاب 2/ 274. (¬6) الرجز بتمامه: لا هيثم الليلة للمطي. وبعده: ولا فتى مثل ابن خيبري. ولم يعرف قائله. ومعناه: لا سائق كسوق هيثم. وهيثم اسم رجل كان حسن الحداء للإبل. انظر سيبويه 2/ 296 والمقتضب 4/ 362. والشاهد فيه نصب هيثم بلا التي لنفي الجنس، وهو علم معرفة. وجاز ذلك لأنه على سبيل التنكير.

"مثل" مقدرة في المعنى، فصار نكرة في المعنى، فصح دخول "لا" عليه. و"مثل" وإن أضيف إلى المعرفة فهي نكرة. واعلم أن كل موضع حذفت منه "مثل"، فلا يخلو الاسم الباقي من أن يكون مضافاً أو مفرداً. فإن كان مضافاً فلا إشكال أنه معرب على كل تقدير، مثل قولك: ولا أبا حسن لها (¬1)، وشبهه. وإن كان مفرداً كان مبنيا، لأن حكم المضاف بعد "لا" غير حكم المفرد في اللفظ. وعند حذف المضاف رجع الباقي مفرداً، فيجب إعطاؤه حكم المفرد وهو البناء، ولذلك قالوا: لا هيثم. ولو كان معرباً لوجب أن يقال: لا هيثما. وأما: لا بصرة، فلا دليل منه لأنه يصح أن يقدر معرباً ومبنيا، ولكن يحكم عليه بالبناء لما تقدم. قال: "وتقول: لا أب لك"، إلى آخره، في: لا أب لك ولا غلامين لك وشبهه مما كان مفرداً ودخلت اللام للاختصاص بينه وبين من نسب إليه وجهان: أحدهما: وهي اللغة الفصيحة إجراؤه مجرى المفرد المقطوع عن الإضافة وإعطاؤه حكم البناء، إما بالحركات إن قبلها أو بحروف النصب إن لم يقبلها، أعني الحركات (¬2)، واللغة الأخرى إجراؤه مجرى المضاف وإعطاؤه حكمه من الإعراب بالحركات أو الحروف. فمن المواضع ما يظهر بين اللغتين الفرق لفظاً كقولك: لا أبا لك ولا غلامي لك. فإن الإعراب بالألف في: لا أبا، أثره الإضافة، وحذف النون في: لا غلامي لك، أثر الإضافة، ومنه ما لا ¬

_ (¬1) العبارة بكاملها: قضية ولا أبا حسن لها. أي: قضية ولا عالم بها. فدخل علي رضي الله عنه فيمن بطلب لهذه المسألة. انظر سيبويه 2/ 297. (¬2) قال ابن يعيش: "فذلك في الاسم المنفي وجهان، أحدهما: أن يبني مع "لا" ويكون حذف التنوين معه كحذفه مع خمسة عشر وبابه، وتكون اللام في موضع الخبر أو في موضع الصفة للاسم ويكون الخبر محذوفاً، وهذا الوجه هو الأصل والقياس". شرح المفصل 2/ 105.

يظهر لفظاً، كقولك: لا غلام لك. فهذا إن قدرته مضافاً كانت الحركة حركة إعراب وإن قدرته منفصلاً كانت الحركة حركة بناء، إذ لا أثر للإضافة في مثله في هذا الموضع إلا حذف التنوين وهو أثر البناء، فيصير لفظ الإعراب ولفظ البناء فيه سواء. فأما وجه اللغة الأولى فواضح وهو الشائع الكثير. وأما وجه اللغة الثانية فقد ذكر صاحب الكتاب أنهم قصدوا إلى الإضافة، وإذا كان مضافاً فحكم الإضافة فيه هو ذلك الحكم. وجعل اللام مزيدة توكيداً للإضافة. زيدت مع قصد الإضافة، ليوفر على "لا" من حيث اللفظ ما يقتضيه من التنكير، وهو معنى قوله: "وقضاء من حق المنفي في التنكير بما يظهر بها من صورة الانفصال" (¬1). فجعله مضافاً من حيث المعنى، وجعل اللام زائدة لقصد صورة الانفصال. وهذا غير مستقيم في المعنى، ولو كان معرفة لم يجز دخول "لا" عليه. و"لا" لا تدخل إلا على النكرات. ولا ينفعه أن دخول "لا" تجعله في الصورة نكرة، لأن امتناع دخول "لا" على المعارف لأمر معنوي لا لأمر لفظي. الثاني: أنا قاطعون بأن: لا أب لك، بمعنى لا أبا لك. و"لا أب لك" غير مضاف في المعنى، فيجب أن يكون: لا ابا لك، غير مضاف في المعنى. والأولى أن يقال: إنه في المعنى غير مضاف ولكنه أشبه المضاف من جهة أنك إذا قلت: غلام زيد، وغلام لزيد، فكلا اللفظين متفق على أن المعنى نسبة الغلام إلى زيد، وإن كان في الحذف معنى زائد باعتبار زيادةة خصوصية. وإذا ثبت ذلك فقد صار ما وجد فيه اللام وما لم يوجد مشتركين في أصل النسبة. ¬

_ (¬1) قال ابن يعيش: "يريد أن زيادة اللام في: لا أبالك، أفادت أمرين: أحدهما: تأكيد الإضافة، والآخر: لفظ التنكير لفصلها بين المضاف والمضاف إليه. فاللام مقحمة غير معتد بها من جهة ثبات الألف في الأب ومن جهة تهيئة الاسم لعمل لا فيه يعتد بها". شرح المفصل 2/ 107.

فلما حصل هذا التشبيه أجرى مجرى المضاف في اللفظ والمعنى على حاله، كما أجرى "لا ضارباً زيداً" باتفاق مجرى المضاف في الإعراب. وإذا أجروا المشبه بالمضاف من حيث مجرى المضاف حقيقة، فلا بعد في أن يجري المشبه بالمضاف من وجه في المعنى مجرى المضاف. وإذا ثبت ذلك استقام التعليل وانتفى الاعتراض. وقوله: "وقد شبهت في أنها مزيدة ومؤكدة بتيم الثاني" (¬1) بناء على تعليلهن وقد تبين رده. قال: "والفرق بين المنفي في هذه اللغة"، يعني: عند إثبات الألف إذا قلت: لا أبا لك "وبينه في الأولى" يعني: عند حذف الألف غذا قلت: لا أب لك "أنه في هذه معرب"، لأنه مضاف عنده والمضاف معرب أو لأنه مشبه بالمضاف عندنا فأجرى مجراه، "وفي تلك مبنى" لأنه لا إضافة، ولم يعتبر شبه الإضافة من ذلك الوجه المعنوي فوجب البناء. قوله: "وإذا فصلت فقلت: لا يدين بها لك، ولا أب فيها لك، امتنع الحذف". في: لا يدين وشبهه، "والإثبات" في: لا أبا وشبهه اللذان هما أثر الإضافة "عند سيبويه" لأنه عنده مضاف (¬2)، والمضاف لا يفصل بينه وبين ¬

_ (¬1) وذلك في قول جرير: يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يلقينكم في سوا’ عمر فعدي: مجرور بإضافة تيم الأول إليه، وتيم الثاني مقحم زائد للتوكيد. وسيأتي الحديث عن هذا البيت في الإملاء رقم (39) من الأمالي المطلقة إن شاء الله. ص: 725. (¬2) قال سيبويه: "وتقول: لا يدين بها لك، ولا يدين اليوم لك، إثبات النون أحسن، وهو الوجه. وذلك أنك إذا قلت: لا يدي لك ولا أبا لك، فالاسم بمنزلة اسم ليس بينه وبين المضاف إليه شيء، نحو: لا مثل زيد، فكما قبح أن تقول: لا مثل بها زيد، فتفصل، قبح أن تقول: لا يدي بها لك، ولكن تقول: لا يدين بها لك، ولا أب يوم الجمعة لك، كأنك قلت: لا يدين بها ولا أب يوم الجمعة، ثم جعلت لك خبراً فراراً من القبح". الكتاب 2/ 279.

المضاف إليه في غير الشعر، وعلى ما قلناه وهو مشبه بالمضاف فلا يقوى قوة المضاف. ولا يلزم من جواز الفصل بالظرف في المضاف الفصل فيما شبه به لضعفه عنه. وعلى مذهب يونس جاز لأنه مضاف أو مشبه بالمضاف، وقد حصل الفصل باللام، فلا بعد في الفصل بغيرها، والمذهب الأول. [قال] (¬1): "وإذا قلت: لا غلامين ظريفين لك، ولم يكن بد من إثبات النون في الصفة والموصوفط، لتعذر إضافتهما أو أحدهما (¬2)، أما تعذر إضافتهما فإنه لا يضاف اسم إلا وله في المعنى ذات منسوبة إلى من أضيف إليه. فلو أضيفاً جميعاً لاقتضيا ذاتين. الآخر: لو أضيفاً لاقتضيا مشركا، إذ لا يضاف شيئان إلى واحد إلا بمشرك، ولو جاء المشرك فسد معنى الصفة. ولا يضاف الأول للفصل الحاصل بغير الظرف، ولا الثاني لأنه ليس بمقصود بالذات، وإنما يضاف ما قصد به الذات لأن الإضافة لها. ولا يرد: لا ناصري لك وشبهه. لأن الموصوف فيه محذوف، وقد قامت هذه الصفة مقامه وأريد بها تلك الذات فأجريت مجراه. قال: "وفي صفة المفرد وجهان" (¬3). ذكر الصفة ههنا لأجل حكم اقتضاء النفي كما ذكرناه في صفة المنادي، وإلا فأحكام الصفات في الصفات. ¬

_ (¬1) زيادة من عندي ليعلم أن ما بعدها قول الزمخشري. (¬2) قال سيبويه، "هذا باب لا تسقط فيه النون وإن وليت لك. وذلك قولك: لا غلامين ظريفين لك ولا مسلمين صالحين لك، من قبل إن الظريفين والصالحين نعت للمنفي ومن اسمه، وليس واحد من الاسمين ولي "لا" ثم وليته لك. ولكنه وصف وموصوفن فليس إلى الموصوف سبيل إلى الإضافة". الكتاب 2/ 290. (¬3) عبارة الزمخشري بتمامها: "وفي صفة المفرد وجهان: أحدهما: أن يبني معه على الفتح كقولك: لا رجل ظريف فيها. والثاني: أن تعرب محمولة على لفظه أو محله". وكان على ابن الحاجب أن يذكر العبارة كاملةن لأنه قد تحدث عن أشياء لم يذكرها.

وقوله: "المفرد". احتراز من المضاف والمشبه به لأنه لا يجوز في صفته إلا النصب. أما وجه البناء فلأنهم نزلوا الصفة مع الموصوف كالشيء الواحد من جهة أن ذاتهما واحدة. والمقصود نفي رجل موصوف بالظرف. وقد يقال: فلم لم تنزل صفة المنادي المبني مع الموصوف كالشيء الواحد حتى تكون الصفة مبنية؟ فالجواب عنه من أوجه: أحدهما: أن الصفة ههنا مقصودة مخصصة، إذ لولاها لكان "رجل" في قولك: لا رجل، عام في الظرفاء وغيرها (¬1). وليس الصفة في قولك: يا زيد العاقل، إلا لرفع وهم مقدر. والآخر: أن صفة المنادي المبني لا تكون إلا معرفة بالألف واللام أو بالإضافة. والإضافة والألف واللام يمنعان من البناء العارض. ألا ترى أنه لا يبني: لا غلام رجل، ولا غلام لزيد، وإذا كان ذلك مانعاً من البناء في الأصل الموصوف فهو في الصفة أجدر. الثالث: أن الألف واللام حرف لمعنى (¬2) بمثابة واو العطف في كونها حرفاً لمعنى (¬3)، فكما أنه لا يبني: لا رجل وامرأة، فكذلك ههنا، لئلا يؤدي إلى بناء أشياء متعددة. والوجه الثاني مما يجوز في صفة المنفي: الإعراب، وهو على وجهين: على اللفظ (¬4) وعلى المعنى (¬5). ووجهه ما ذكرناه في صفة المنادى، وعامله كعامله، وعلته كعلته. فإن فصلت بينهما أعربت ليس إلا. لأن الفصل يبطل ¬

_ (¬1) هكذا وردت هذه الكلمة في جميع النسخ. والصواب: وغيرهم. (¬2) لمعنى: سقطت من س. (¬3) في الأصل وفي م، ب: حرف المعنى. وما أثبتناه هو الأصح. (¬4) تنصبه وتنونه فتقولك لا رجل ظريفاً عندك. وأجاز سيبويه عدم تنوينه. قال: "اعلم أنك إذا وصفت المنفي فإن شئت نونت صفة المنفي وهو أكثر في الكلام، وإن شئت لم تنون. وذلك قولك: لا غلام ظريفاً لك، ولا غلام ظريف لك". الكتاب 2/ 288. (¬5) ترفعه حملاً على موضع لا واسمها. لأنها وما عملت فيه بمعنى اسم واحد مرفوع بالابتداء، فتقول: لا رجل ظريف عندك.

جعلهما كشيء واحد، فتعذر البناء، وليس في الصفة الزائدة (¬1) عليها إلا الإعراب لئلا يؤدي إلى بناء المتعدات وجعلها كشيء واحد، وليس من جنس لغتهم. وإن كررت المنفي جاز في الثاني البناء لأنه تأكيد لفظي، فجاز أن يجري مجرى الأول لفظاً لأنه تكرير له. وجاز الإعراب لأن علة البناء إنما وجدت في الأول دون الثاني، فأعرب الثاني لذلك. قال: "وحكم المعطوف حكم الصفة إلا في البناء"، لأن البناء متعذر، إما لزيادة الحرف على ما تقدم، وإما لأن المعطوف والمعطوف عليه متغايران، فلا يستقيم جعلهما كشيء واحد كالصفة. فلم يبق إلا الإعراب لفظاً أو محلا، فاللفظ مثل قوله: لا أب وابنا مثل مروان وابنه (¬2) ويجوز في "مثل" الرفع على أن يكون خبراً، ويجوز النصب على أن يكون صفة وهو صفة لهما. ولا يجوز الرفع على الصفة لهما، لأن "ابنا" معرب، والرفع إنما يجوز على المحل إذا اتفق للموصوف محل يخالف اللفظ. وههنا أحد الاسمين وهو الثاني منصوب معرب فليس له محل في الرفعن فوجب أن تكون الصفة لهما فيما يتفقان فيه وهو لفظ النصب. ولا يجوز أن تكون الصفة لهما فيما اختلفا فيه لأنه يؤدي إلى مثل قولك: قام زيد وضربت عمراً العاقلين، لأن ¬

_ (¬1) كقولك: لا غلام ظريف عاقلاً عندك. قال ابن يعيش: "كنت في الوصف الأول بالخيار، إن شئت بنيته ومنعته التنوين، وإن شئت أعربته ونونته ولا يكون الثاني إلا منوناً معبرباً، إما بالنصب وإما بالرفع، ولا يجوز فيه البناء". شرح المفصل 2/ 109. (¬2) هذا صدر بيت من الطويل، وعجزه: إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا. ولم ينسبه أحد لقائل. وهو من شواهد سيبويه 2/ 285، والمقتضب 4/ 372، والخزانة 2/ 102. ومروان: هو مروان بن الحكم. وابنه: عبد الملك بن مروان. والشاهد فيه قوله: ابناً، حيث عطف بالنصب على لفظ اسم لا. ويجوز فيه الرفع أيضاً، عطفاً على اسم لا قيل دخول لا عليه، أو عطفاً على لا مع اسمها، وهما بمنزلة المبتدأ.

الرفع في الصفة في قولك: لا أب وابناً مثل، إنما يصح لأن قولك: لا أب، في محل رفع، فيبقى قولك: وابناً، منصوباً لفظاً ومحلا، فتصير قد وصفت بصفة واحدة اسمين، أحدهما مرفوع والآخر منصوب على التبعة اللقظية. وهذا مثل قولك: يا زيد وعبد الله العاقلين. لا يجوز الرفع لأنهما لم يتفقا في جهة، إذ أحدهما منصوب لفظاً ومحلاً، فلا وجه لجرى الرفع عليه ويجب النصب لاتفاقهما باعتباره، لأن الأول منصوب محلاً والثاني منصوب لفظاً ومحلا، فأجريت الصفة على ما اتفقا، لا على ما اختلفا. فإجراء الصفة ههنا على المحل واجب كإجراء الصفة ثم على اللفظ، لأنهما ههنا اتفقا بالمحل واختلفا باللفظ، وثم اختلفا بالمحل واتفقا باللفظ، فلذلك كانت الصفة باعتبار الاتفاق. قال: "وإن تعرف فالحمل على المحل لا غير" (¬1). قال: لأن دخول النصب فيه فرع دخول الفتح فيه إذا كان منفياً، ولا يدخله الفتح فلا يدخله هذا النصب الذي هو فرعه، لأن دخول الفتح إنما كان لتضمنه معنى الحرف. ألا ترى أن معنى قولك: لا رجل، لا من رجل. ولا يتقدر مثل ذلك في: لا زيد، لأن "من" ههنا جيء بها لتأكيد نفي المتعددات، وليس في قولك: لا زيد، تعدد. قال: "ويجوز رفعه إذا كرر". قال الله تعالى {فلا رفث ولا فسوق} (¬2). وقال: {لا بيع فيه ولا خلة} (¬3). قال الشيخ: خص الرفع بالذكر وإن كان فيه إذا كرر خمسة أوجه على ما ¬

_ (¬1) كقولك: لا غلام لك والعباس، ولا غلام لك وزيد. قال ابن يعيش: "لا يجوز نصبه بالحمل على عمل (لا)، لأن (لا) لا تعمل إلا في النكرةن وإنما ترفعه على موضع (لا) وما عملت فيه لأن موضعهما ابتداء". شرح المفصل 2/ 110. (¬2) البقرة: 197. (¬3) البقرة: 254.

يأتي في الفصل الذي بعده، لأن بقية الأوجه قد تقدم بعضها القوي، وذكر آخر هذا الفصل بعضها الضعيف، فلم يبق إلا وجه رفعهما، ولذلك خصه بالذكر. ووجهه أحد أمرين: إما أن يقال: المعطوف والمعطوف عليه في الصورة إذا بنيا جميعاً كانا كالشيء الواحد، فكره بناء أشياء متعددات، فعدل إلى الأصل وهو الرفع. وإما أن يقال: هو جواب لمن سأل عن شيئين أو أثبت الحكم لشيئين فقال: في الدار رجل وامرأة، فأجيب بقوله: لا رجل في الدار ولا امرأة، ليكون الجواب مطابقاً للسؤال. فإن قيل: فليكن "لا رجل" فصيحاً جائزاً جواباً لقول من قال: في الدار رجل. فالجواب: أن ذلك غير لازم، لأنك في قولك: لا رجل ولا امرأة، مضطر في غرضك لذكرهما، لأنك لو قلت: لا، أو: لا رجل، أو: لا امرأة، لم يحصل غرضك، وليس كذلك مسألة الاعتراض، إذ لو قصدت مجرد الجواب لوجب أن تقول: لا، أو: نعم. وليس في ذكر رجل زيادة فثبت أنها تخالفها في وجوب ذكر الاسمين للغرض المقصود، فحسنت المطابقة. وتك المسألة إن ذكرت رجلاً فليس لهذا الغرض يجب أن يكون له حكم لا باعتبار المجاب لانتفاء الغرض فيه بانتفاء الجواب. [قال] (¬1) "فإن جاء مفصولاً بينه وبين لا أو معرفة وجب الرفع والتكرير" (¬2). أما الرفع فلأن الفصل يمنع البناء، وأما التكرير فلأن "لا" تقتضدي نفي المتعددة وضعاً. ولما كان المعرفة الواحد لا تعدد فيه اشترط تكريره ليحصل التعدد. [قال] (¬3): "وفي: لا حول ولا قوة إلا بالله، ستة أوجه". وهي خمسة أوجه (¬4) لأن الوجه السادس الذي جعله عكساً لرفع الأول وفتح الثاني هو أن ¬

_ (¬1) زيادة من عندي ليعرف أن ما بعدها من كلام الزمخشري. (¬2) فمثال الفصل قولك لا فيها رجل ولا امرأة. ومثال كونه معرفة قولك: لا زيد عندي ولا عمرو. (¬3) زيادة من عندي حتى لا يختلفط كلام الزمخشري بكلام ابن الحاجب. (¬4) انظر تفصيل هذه المسألة في الإملاء رقم (78) من الأمالي على المقدمة ص: 593 والإيضاح في شرح المفصل 1/ 394 والرضى 1/ 260 وابن يعيش 2/ 113.

[إملاء 86] [خبر ما ولا المشبهتين بليس]

تقول: لا حول ولا قوة. وهذا هو الوجه الذي هو فتح الأول ورفع الثاني وهو قولك: لا حول ولا قوة. وقد ذهب بعض الناس إلى أن تقسيمه باعتبار التعليل. والوجه الخامس هو رفع الأول على أن "لا" بمعنى ليس، أو على مذهب أبي العباس (¬1)، فيكون الوجه السادس معللا بهذا التعليل، وهو بهذا الاعتبار يخالف الوجه الثالث، وهذا غلط، إذ لو قصد ذلك لكانت وجوهاً كثيرة، لأن رفعهما جميعاً يجوز أن يكون للوجهين الذين ذكرناهما، وأن يكون على مذهب أبي العباس. أو على أن "لا" بمعنى ليس. وهذه أربعة أوجه. فدل ذلك على أنه لم يقصد إلا صورة الأحكام لا إلى تعليلها، وأن قوله: "وأن تعكس هذا"، وقع غلطاً، وكثيراً ما يغلط العلماء في مثل ذلك عند التقسيم. [إملاء 86] [خبر ما ولا المشبهتين بليس] قال صاحب الكتاب (¬2): "هذا التشبيه لغة أهل الحجاز وأما بنو تميم فيرفعون ما بعدهما على الابتداء ويقرأون: {ما هذا بشر} (¬3)، إلا من دري كيف هي في الصحف". لغة أهل الحجاز على خلاف القياس عند النحويين (¬4). ولغة بني تميم ¬

_ (¬1) مذهبه جواز الرفع بلا من غير تكرير. فهو لا يرى بأساً أن تقول: لا رجل في الدار. انظر المقتضب 4/ 359. (¬2) ص 82. (¬3) المؤمنون: 24. (¬4) ويروي عن الأصمعي أنه قال: ما سمعته في شيء من أشعار العرب، يعني نصب خبر ما المشبهة بليس. ابن يعيش 1/ 108.

موافقة للقياس، لأنهم يزعمون أن كل حرف لا اختصاص له بواحد من الأسماء والأفعال لا عمل له في أحدهما، و"ما" و"لا" كذلك. ووجهه أن الشبه لما قوي بين "ما" و"ليس"، أجريت مجراها في العمل، وخولف ذلك القياس لقوة الشبه. قوله: "وبنو تميم يقرأون: {ما هذا بشر}، ليس بجيد، لأن هذه القراءة إن كانت لهم جائزة قبل المصحف فلا تنسخ بوجود المصحف، وإن لم تكن لهم جائزة فقد نسبهم إلى الجهل وارتكاب المحظورات. وقوله: "فإذا انتقض النفي بإلا، أو تقدم الخبر بطل العمل". أما إذا انتقض فلأنها شبهها باعتبار النفي، ولا نفي في الخبر مع وجود "إلا" فبطل. وأما التقدم فلأنها لم تقو قوة الأفعال فيتقدم منصوبها على مرفوعها. ودخول الباء في (¬1) الخبر إنما يصح على لغة أهل الحجاز، واستدل بقوله: "لأنك لا تقول: زيد بمنطلق". وهذا غير مستقيم لأنه لا يصح أن يقال: دخول الباء لأجل النفي في قولك: ما زيد بمنطلق، على اللغتين، ولم يستقم: زيد بمنطلق، لعدم النفي، كما تقول: ما لكم من إله، وأنت لا تقول: لكم من إله، ولا عمل لواحد منهما. وقوله: "ولا التي يكسعونها (¬2) بالتاء هي المشبهة بليس بعينها ولكنهم أبوا إلا أن يكون المنصوب بها حيناً". اختلف الناس في "لا" هذه. فقال البصريون: هي "لا" المشبهة بليس لأنها ألحقت التاء المختصة بالأفعال، فلولا شبهها بالفعل لم تلحقها. وإذا كانت المشبهة بالفعل فهي التي بمعنى ليس أيضاً. فإن المعنى على قولك: ¬

_ (¬1) في س: على. (¬2) معنى يكعسونها: يتبعونها. اللسان (كسع).

[إملاء 87] [مسائل في المنادى]

ليس هذا الحين حين مناص، وشبهه مما يقع فيه لات (¬1). واغتفروا ما يلزمهم لقيام هذا الدليل، والذي يلزمهم أن "لا" بمعنى "ليس" شاذ. وجوابه أنه شاذ ما لم تدخل التاء، فإذا دخلت فليس بشاذ. ومنها: ما يلزمهم من إضمار الاسم في الحرف، لأن المعنى عندهم: ليس الحين حين مناص، والحروف لا يضمر فيها. وجوابه: أنه قد قوي شبهه بالفعل فأجرى مجراه في هذا المثال لكثرة استعماله مثله. ومنها: ما لزمهم من الإضمار قبل الذكر، لأن المعنى: ليس الحين حين مناص. وجوابه: أن مثل هذا الإضمار جائز لقيام القرينة الحالية عليه. وإذا قامت القرينة على الإضمار كان بمثابة تقدم الذكر. وذهب بعض الناس إلى أنها "لا" التي لنفي الجنس (¬2). ودليله عندهم ما ذكروه اعتراضاً على البصريين. والاعتراض عليه ما ذكره البصريون جواباً ودليلاً. [إملاء 87] [مسائل في المنادى] المنصوب باللازم إضماره. قال (¬3): "هو أقسام منه المنادى (¬4) ",. والنداء جملة إنشائية يقصد بها تنبيه من تخاطبه بأحد الحروف المخصوصة (¬5). والمنادى هو الاسم المخاطب فيها. واختلف في تقديرها جملة. فمنهم من ¬

_ (¬1) قال تعالى: "ولات حين مناص" (ص: 3). (¬2) وهو مذهب الكوفيين. انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 399. (¬3) المفصل ص 35. (¬4) قال ابن الحاجب: "لم يحده لإشكاله". الإيضاح ذ/249. ثم قال: "والتحقيق أن يقال في حده: هو المطلوب إقباله بحرف نائب مناب أدعو لفظاً أو تقديراً. فالمطلوب إقباله جنس له ولغيره، وبحرف نائب مناب أدعو فصل. وخرج المندوب عنه بأصل الجنس فإنه ليس مطلوباً إقباله". الإيضاح 1/ 249. (¬5) وهي: يا، أيا، هيا، وا، أي، الهمزة.

يقول: أصلها: أريد (¬1) أو أعني أو ما أشبهه. فيا عند هؤلاء حرف وضع دليلاً على الإنشاء للنداء كما وضعت الهمزة دليلاً على إنشائية الاستفهام. والجملة عندهم من الفعل والفاعل المقدر، والاسم مفعول بذلك الفعل. وقال بعضهم (¬2): يا: اسم من أسماء الأفعال متضمن معنى الإنشاء، وعبد الله مفعول باسم الفعل، ولا شيء مقدر، هو ضعيف، لأن من جملة حروف النداء الهمزة، وليس من أسماء الأفعال اسم على حرف واحد. وأيضاً فإن أسماء الأفعال تتحمل الضمائر، كقولك: هيهات ورويد، وهذه يعلم أنها لا تتحمل الضمائر، ولو تحمل الضمير لاستقل كلاماً، ولا يستقل ذلك مع مضمره كلاماً. وإذا بطل ذلك فالمذهب ما تقدم، ويجب تقدير الفعل للعلم بأنها جملة، والمعنى عليه، فوجب تقديره بالفعل. وإنما وجب الحذف لأن الواضع علم أن هذا مما يكثر في كلامهم، فحذفه (¬3) لكثرته المعلومة عنده، وصارت "يا" متضمنة ذلك الفعل المحذوف، فلم يجمعوا بينها وبينه. ثم إن المنادى منصوب لفظاً ومنصوب محلاً. فالمنصوب من حيث المحل على أضرب: منها: المنادى المضموم، وشرطه أن يكون مفرداً معرفة غير داخلة عليه لام الجر ولا ألف الندبة، وبني لشبهه بالمضمر من حيث اللفظ ومن حيث المعنى. أما من حيث اللفظ فلأنه مفرد، ومن حيث المعنى هو أنه مخاطب، وأصل المخاطب أن يكون بالضمائر، ولكنهم وضعوا ههنا الأسماء الظاهرة موضع المضمرات لأنهم علموا أنهم ينادون في الغالب الغائب عن العين، فلو وضعوا (¬4) المضمر موضعه لجوز كل سامع له أنه المنادى، فعدلوا إلى الأسماء ¬

_ (¬1) في الأصل: يا زيد. وهو تحريف. (¬2) وهو مذهب الفارسي. انظر شرح الكافية للرضى 1/ 132. (¬3) في س: فحذف. والأصوب ما أثبتناه. (¬4) في س: وضع. والأصح ما أثبتناه.

الظاهرة لتختص بمن هي لقب عليه، فيرتفع ذلك اللبس. وبني على حركة إما للهرب من التقاء الساكنين في كثير من الأسماء كزيد وعمرو ثم حملت البواقي عليها، وإما لعروض البناء، جعلوا المبني عارضاً بالآلة العارضة وهي الحركة، إذ أصل البناء السكون (¬1)، وبني على الضم لأنهم لو بنوه على الفتح لالتبس بالمعرب، إذ موضعه نصب (¬2). ولو بنوه على الكسر لالتبس بالمضاف إلى ياء المتكلم عند حذف الياء وهي كثيرة، فبنوه على الضم ليرتفع هذا اللبس (¬3). قال: "توابع المنادى المضموم غير المبهم". قال صاحب الكتاب: "إذا أفردت حملت على لفظة أو محله". ذكر بعض التوابع باعتبار حكم ثبت لأجل منادى مخصوص كان ذكره في النداء لأنه أثره. أما التوابع وأحكامها من حيث كونها توابع فموضعها باب التوابع. وشرط هذا الحكم أن يكون المتبوع منادى مضموماً غير مبهم، وأن يكون التابع مفرداً غير بدل ولا معطوفاً مما يصح دخول حرف النداء عليه. أما كونه منادى فليحصل اللفظ والموضع، وأما كونه مضموماً فليتحقق مخالفة اللفظ الموضع، وأما كونه غير مبهم فلأنه إذا كان مبهماً كان المتبوع هو المقصود بالنداء، وقد أجاز بعض النحويين فيه الوجهين، فعلى هذا لا يحتاج إلى قيد يخرجه. ¬

_ (¬1) قال ابن يعيش: "أما تحريكه فلأن له أصلاً في التمكن فوجب أن يميز عن ما بني ولا أصل له في التمكن، فبني على حركة تمييزاً له عن مثل: من وكم وغيرهما مما لم يكن له سابقة إعراب". شرح المفصل 1/ 130. (¬2) لو بنوه. إذ موضعه نصبك سقطت هذه العبارة من د. (¬3) وزاد ابن يعيش سبباً آخر وهو شبهه بالغايات نحو: قبل وبعد. ووجه الشبه بينهما أن المنادى إذا أضيف أو نكر أعرب، وإذا أفرد بني، كما أن قبل وبعد تعربان مضافتين ومنكورتين وتبنيان في غير ذلك. انظر شرح المفصل 1/ 130. وقال ابن الحاجب في الإيضاح: "وإنما بني على الضم لطروء سبب أوجب البناء، وهو مناسبة ما لا تمكن له في الإعراب، وهو شبهه بالمضمر" 1/ 252.

وقوله: "إذا أفردت"، احتراز من أن تكون مضافة لأنها إذا كانت مضافة لم يكن فيها إلا النصب من جهة أن إعرابها بالرفع إنما كان إجراء لها مجرى المنادى بتقدير دخول حرف النداء عليها (¬1). وأما إذا كانت مضافة انتفى هذا التقدير عنها ولزم نصبها. وقولنا: غير بدل، لأنها إذا كانت بدلاً كان في حكم تكرير العامل، فكأنه موجود، فحكمه حكم منادى مستقل، فيجب ضمه. وقولنا: غير معطوف مما يصح دخول حرف النداء عليه، لأنه إذا صح دخول حرف النداء عليه قدر، وإذا قدر كان حكمه حكم نفسه، وجرى مجرى البدل. وما له لفظ ومحل على ثلاثة أقسام: ققسم مبني بالأصالة فهذا لا يجري عليه شيء إلا باعتبار موضعه، كقولك: جاءني هؤلاء العقلاء، وشبهه، لأن لفظه أصل في البناء، فلا اعتداد به، إذ لا شبه له بالمعرب. وقسم طرأ فيه البناء في محل مخصوص كالمنادى المضموم والمنفي بلا التي لنفي الجنس، ففي تابع هذا وجهان: الإجراء على الموضع وهو القياس لأنه مبني فلا اعتداد بلفظه قياساً على سائر المبنيات. ومنهم من يجريه على لفظه لطروء البناء فيه تشبيهاً لها بحركة الإعراب لتغير الحركة العارضة فيه (¬2). وقسم معرب بإعراب ثان بعد إعراب أصل كالمضاف إليه المصدر واسم الفاعل واسم (¬3) المفعول، كقولك: ضرب زيد وضارب زيد ومضروب زيد. ففي هذا أيضاً وجهان: الإجراء على اللفظ وهو القياس لأنه معرب على الحقيقة فجرت عليه ¬

_ (¬1) عليها: سقطت من م. (¬2) تقول: يا زيد الطويل والطويل، ويا تميم أجمعون وأجمعين، ويا غلام بشر وبشراً، ويا عمرو والحارث والحارث. (¬3) اسم: سقطت من ب، د.

[إملاء 88] [المفعول المطلق]

توابعه على لفظه كسائر المعربات، ومنهم من يجري توابعه على إعرابه الأصلين وهو ضعيف، وقد تقدم. [إملاء 88] [المفعول المطلق] قوله (¬1): "ذكر المنصوبات. المفعول المطلق". لم يحد المصدر لأنه قد تقدم ما يشعر به وهو لقبه. فإن لقبه مشعر بفصله. والمقصود في الحدود إنما هي المفصول فكأنه قال: هو الاسم الذي فعل، وهذا فصل المفعول المطلق عن غيره. وحده: هو ما فعله فاعل الفعل المذكور. فقولنا: المذكور، احتراز عن مثل قولك: كره زيد الضرب، فإنه مفعول لفاعل ولكنه ليس هو المذكور. وقوله: "سمي مصدراً لأن الفعل يصدر عنه" (¬2). هذا مذهب البصريين أن المصدر أصل أخذ منه الفعل (¬3)، والدليل عليه من وجهين: أحدهما: تسميته بالمصدر، والمصدر في اللغة هو الذي يصدر عنه، فدلت تسميته على أنه قد صدر عنه الفعل، وعلى مذهب الكوفيين كان ينبغي أن يسمي الفعل مصدراً ولم يسم، فدل على أنه ليس بأصل. الثاني: أن معنى الاشتقاق هو أخذ لفظ فرعي من لفظ أصلي موافق له في الحروف الأصول والمعنى الأصلي، وهذا لا يتحقق في المصدر والفعل إلا على مذهب البصريين، لأنا نقول: إن جعلنا الفعل أصلا فالفعل يدل على حدث وزمان معين فيجب أن يكون المصدر يدل أيضاً على الحدث والزمان المعين، ولا قائل يقول: إن المصدر يدل على حدث وزمان معين. وإذا قلنا: إن المصدر هو الأصل وهو دال على ¬

_ (¬1) ص 31. (¬2) عبارة المفصل: سمي بذلك لأن الفعل يصدر عنه. (¬3) انظر الإنصاف في مسائل الخلاف مسألة 28.

حدث مجرد عن الزمان فالفعل قد شاركه في هذا المعنى الأصلي، فقد ثبت أن الحق ما ذهب إليه البصريون. المبهم ما دل على ما دل (¬1) عليه الفعل من الحدث، والمؤقت ما دل على زيادة، وتلك الزيادة تكون في الأنواع كقولك: ضربت ضرباً شديداً، وفي الأعداد كقولك: ضربت ضربة وضربتين (¬2). وقوله: "وقد يقرن بالفعل غير مصدره مما هو بمعناه وذلك على نوعين: مصدر وغير مصدر". فقوله: وغير مصدر، ظاهره التناقض، لأن كلامه في المفعول المطلق وتقسيمه وقد ذكر أنه مصدر، فكيف يكون من تقاسيمه غير مصدر، فيكون مصدراً غير مصدر؟ والجواب: أن المصدر يطلق باعتبارين: أحدهما: الذي فعله فاعل الفعل المذكور. والآخر: باعتبار ما له فعل يجري عليه، كانطلق للانطلاق وشبهه، وله باب يذكر فيه. فقوله: وغير مصدر، أي: ليس له فعل يجري عليه، وهو مصدر باعتبار أنه فعله فاعل الفعل، فهو مصدر باعتبار غير مصدر باعتبار آخر. وأما قوله: "رجع القهقري" وأخواتها (¬3)، فللناس فيها مذهبان: مذهب صاحب الكتاب أنها ههنا أسماء ليست لها أفعال، فهي منصوبة انتصاب: أنواعاً من الضرب. وقد ذهب غيره إلى أنها صفات لمصادر محذوفة (¬4). فرجع ¬

_ (¬1) على ما دل: ساقطة من ب. (¬2) تحدث ابن الحاجب في هذه الفقرة عن قسمي المصدر، ولكنه لم يصدرها بعبارة الزمخشري كعادته. فبدل الكلام غير مرتبط بما قبله. فلابد من ذكر كلام الزمخشري، حتى يتصل الكلام ببعضه البعض ويستقيم المعنى. وعبارة الزمخشري: "وينقسم إلى مبهم نحو: ضربت ضرباً وإلى مؤقت نحو: ضربت ضربة وضربتين". (¬3) منها: اشتمل الصماء، وقعد القرفصاء. (¬4) وهو مذهب المبرد. انظر الرضي على الكافية 1/ 115.

القهقري، تقديره: رجع الرجوع القهقري. فعلى هذا يكون المصدر هو المحذوف، والقهقري وأخواتها صفات المصادر المحذوفة والمقدرة، فلا تكون من هذا الباب بل تكون من باب قولك: ضربت ضرباً كثيراً. قوله: "والمصادر المنصوبة بأفعال مضمرة على ثلاثة أنواع". والدليل على الحصر باعتبار جواز الإضمار ووجوبه، أنه لا يخلو أن يجوز إظهاره أو لا فإن جاز إظهاره فهو قسم الأول (¬1). وإن لم يجز إظهاره فلا يخلو إما أن يكون له فعل من لفظه أو لا. فإن كان له فعل من لفظه فهو الثاني (¬2). وإن لم يكن له فعل من لفظه فهو الثالث (¬3). فمنها ما لا يعرف إلا بالسماع وهو الأول من النوع الثاني. وطريق الدليل على التزامهم حذف الفعل من هذا القسم أنا نقول: هذه ألفاظ كثرت في كلامهم، ولم توجد إلا محذوفاً فعلها. فدل على أنها ملتزمة الحذف، إذ لو لم تكن كذلك لوجدت مع كثرتها في بعض المواضع مظهراً أفعالها. ولما لم توجد إلا محذوفة دل على أنها لا يجوز إظهارها. وقد استعمل هذا الدليل في مواضع مخرجاً لما ثبتت قاعدته بالقياس، فهو أولى ههنا. قال سيبويه: "لا يقال: ما أقيله، استغناء بما أكثر قائلته" (¬4). وقال ¬

_ (¬1) نحو: مواعيد عرقوب، وخبر مقدم، وغضب الخيل على اللجم. فهذا النوع يجوز فيه إظهار الفعل ويجوز حذف. انظر المفصل ص 32. (¬2) نحو قولك: سقياً ورعياً وخيبة وجدعاً وعقراً وبعداً وسحقاً. فكل هذه مصادر منصوبة بفعل مضمر متروك لأنها صارت بدلاً منه. انظر المفصل ص 32. (¬3) نحو: دفراً وبهراً وأفة وتفة وويحك وويسك وويلك. فهذه مصادر ليست لها أفعال من لفظها. انظر المفصل ص 33. (¬4) قال سيبويه: "ولا يقولون في قال يقيل: ما أقيله، استغنوا بما أكثر قائلته". الكتاب 4/ 99.

أيضاً: "واستغنوا بتركت عن وذرت" (¬1). وقال أيضاً: "لا يقال نازعني فنزعته، واستغنى عنه بغلبته" (¬2). وهذه كلها أمور أخرجت عن القياس لهذا الدليل، وطريق بيانه ما ذكرناه. وضابط هذا النوع الثاني من النوع الثاني الذي هو: إنما أنت سيراً سيرا، وما أنت إلا قتلاً قتلاً: أن يتقدم نفي أو ما هو في معنى النفي وبعده اسم لا يصح أن يكون المصدر عنه خبراً (¬3). وقولنا: لا يصح أن يكون المصدر عنه خبراً، حذراً من قولك: ما ضربك إلا ضرب حسن، فإنه يجب فيه الرفع. وحكمة هذا الضابط هو أن وقوعه موقعاً لا يصح أن يكون خبراً دال على أن الخبر غيره. ولا خبر يصلح من حيث المعنى إلا فعل بمعناه، فقد علم بهذه القرينة خصوصية الفعل وفي موضعه باشتراط الإثبات بعد النفي لفظ أو تقدير لفظ واقع موقع الفعل، فاستغنى بالقرينة واللفظ الواقع موقع الفعل عن التلفظ بالفعل، كما استغنى في قولهم: لولا زيد لكان كذا، وبابه. قوله: "ومنه قوله: {فإما منا بعد وإما فداء} (¬4) ". ضابط هذا: أن تتقدم جملة تقتضي تفصيلاً باعتبار معناها، ويستغنى باقتضائها التفصيل مع ذكر المصادر بعدها عن ذكر الفعل ويستغنى بلفظ ما تقدم عن لفظ الفعل، فصارت (¬5) قرينة ولفظ، فأشبه ما تقدم. ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "كما أن يدع على ودعت، ويذر على وذرت وإن لم يستعملا، استغنى عنهما بتركت". الكتاب 4/ 67. (¬2) قال سيبويه: "ألا ترى أنك لا تقول نازعني فنزعته، استغنى عنها بغلبته وأشباه ذلك". الكتاب 4/ 68. (¬3) ومثل هذا قولك: إنما أنت سير البريد، وأأنت سيرا؟ (¬4) محمد: 4. وقبلها: "فشدوا الوثاق". فـ "منا" و"فداء" ذكرا تفصيلاً وتوضيحاً لعاقبة الأمر بشد الوثائق. (¬5) في جميع النسخ وردت هذه الكلمة هكذا. والصواب أن تكون: لأنه. وقد ذكر ذلك في الصفحة التالية.

وقوله: "مررت [به] (¬1) فإذا له صوت صوت حمار وإذا له صراخ صراح الثكلى وإذا له دق دقك بالمنحاز حب القلقل (¬2) ". ضابط هذا: أن يتقدم اسم فعل، يعني مصدراً منسوباً إلى من قام به وبعده مصدر في معناه، فإنه ينصب على الوجه المختار (¬3)، فيستغنى بما تقدم من ذكر اسم الفعل المنسوب عن الفعل الناصب لأنه قرينة ولفظ كما تقدم. وهل الناصب له نفس ما تقدم فيقوم مقام الفعل أو الناصب له فعل آخر مقدر؟ فيه خلاف بين النحويين (¬4). ظاهر كلامه أنه بفعل مقدر، لأن الكلام في تقسيم ما ينتصب بفعل واجب إضماره. وعلى التقدير الآخر لا يكون منصوباً بفعل مضمر. وقولنا: اسم فعل منسوب إلى من قام به، احتراز من أن يكون غير اسم فعل، كقولك: فإذا له يد يد الثور (¬5)، واحتراز من أن لا يذكر شيء في موضعه أصلا، كقولك: فإذا له صوت حمار. وقولنا: إلى من قام به، احتراز من قولك: فإذا صوت صوت حمار. ¬

_ (¬1) زيادة من المفصل ص 32. (¬2) المنحاز: الهاون. اللسان (نحز). والقلقل: شجر أو نبت له حب أسود. قال ابن منظور: "والعامة تقول: حب الفلفل، وهو تصحيف. إنما هو بالقاف وهو أصلب ما يكون من الحبوب". اللسان (قلقل). (¬3) قال سيبويه: "فإنما انتصب هذا لأنك مررت به في حال تصويت ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلاً منه. ولكنك لما قلت: له صوت، علم أنه قد كان ثم عمل، فصار قولك: له صوت، بمنزلة قولك: فإذا هو يصوت، فحملت الثاني على المعنى". الكتاب 1/ 356. (¬4) قال سيبويه: "ويدلك على أنك إذا قلت: فإذا له صوت صوت حمار، فقد أضمرت فعلاً بعد له صوت، وصوت حمار انتصب على أنه مثال أو حال يخرج عليه الفعل – أنك إذا أظهرت الفعل الذي لا يكون الصدر بدلاً منه احتجت إلى فعل آخر تضمره". الكتاب 1/ 357. (¬5) قال سيبويه: هذا باب لا يكون فيه إلا الرفع، وذلك قولك: له يد يد الثور، وله رأس رأس الحمار، لأن هذا اسم، ولا يتوهم على الرجل أنه يصنع يداً ولا رجلاً، وليس بفعل". الكتاب 1/ 366.

قوله: "ومنه ما يكون توكيداً إما لغيره أو لنفسه". التوكيد لغيره أن تتقدم جملة يكون معناها باعتبار المصدر المذكور بعدها متعدداً (¬1). والتوكيد لنفسه أن تتقدم جملة يكون معناها باعتبار المصدر المذكور بعدها متحداً (¬2). وقوله: "أجدك لا تفعل كذاط. أصله لا تفعل كذا جداً. فالجملة بالنسبة إلى "جدا" تحتمل الغير، فصار توكيدا لغيره، ثم أضيف إلى فاعله كقولك (¬3): صنع الله، ثم دخلت الهمزة للإنكار، فالتزم تقديمه لأجل الهمزة، ثم كثر في ألسنتهم حتى استعمل استفتاحاً، فلذلك وقعت بعده الجملة الإنشائية كقولك: هل تفعل كذا؟ ولا تفعل كذا. والإنشائية هي التي: لا تحتمل صدقاً ولا كذباً. قوله: "ومنه ما جاء مثنى وهي: لبيك وسعديك". ضابط هذا أن يكون مسموعاً من العرب مثنى. ووجوب حذف الفعل معلوم قياساً، وسره أنهم لما ثنوه فكأنهم ذكروه مرتين، فاستغنوا بذكر أحدهما مقدراً عن الفعل، كما أنهم إذا قالوا: الطريق الطريق، استغنوا بالتكرار عن الفعل، فإذا قالوا: الطريق، لم يستغنوا. قوله: "ومنه ما لا يتصرف، وهي (¬4) سبحان الله ومعاذ الله وعمرك وقعدك الله". قال سيبويه: معنى كونها لا تتصرف: أنها لا تستعمل إلا مصدراً ولا تقع فاعلة ولا مفعولة ولا مضافاً إليها (¬5). وقال بعضهم: إنها مصدر لسبح، ولا ¬

_ (¬1) كقولك: هذا عبد الله حقاً. (¬2) كقولك: له علي ألف درهم عرفا. أي: اعترافاً. (¬3) في ب: كقوله. (¬4) في المفصل: نحو، بدلاً من: وهي. (¬5) عدم تصرفها عند سيبويه ليس كما نقله عنه ابن الحاجب، وإنما لأنها لا تقع في موضع الجر والرفع ولا تدخلها الألف واللام. انظر الكتاب 1/ 322.

يصح لأن شرط كل مصدر لفعل يوافقه في معنى الحدوث. وسبح معناهك قال: سبحان الله. وسبحان الله معناه: براءة الله. وليس التلفظ بسبحان الله براءة، فلا يستقيم أن يكون مصدرا له. فسبح: إذا قال: سبحان، مثل بسمل: إذا قال: بسم الله، وحوقل: إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ولو استقام أن يكون سبحان مصدرا لسبح لكان: بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، مصادر لبسمل وحوقل. وإنما سبحان الله مصدر لفعل في معنى البراءة أو التنزيه لا يظهر. فكأنه قال: برئ الله من السوء براءة. وعمرك الله. مذهب سيبويه أنها منصوبة على المصدر، تقديره: عمرتك الله تعميرا (¬1). حذف عمرتك، ووضع عمرك موضع التعمير مضافاً إلى مفعوله، وبقي اسم الله منصوباً على ما كان عليه. والدليل على كونه مصدرا وقوعه موقع الفعل في قول الشاعر: عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيام ذي سلم (¬2) فهو بمعنى عمرك الله. وإذا وقع في موضع عمرتك ومعناه وجب أن يكون مصدراً كما كان "سقيا" مصدراً لذلك. وذهب غيره إلى أن عمرك الله منصوب على أنه مفعول به بفعل مقدر لا مصدرا. كأنه قال: سالت عمرك، أي: سألت حياتك الله (¬3). ومذهب سيبويه أولى لأوجه: أحدها: أنا اتفقنا على أن "سقيا" مصدر، ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "وكأنه حيث قال: عمرك الله وقعدك الله، قال: عمرتك الله بمنزلة نشدتك الله، فصارت عمرك الله منصوبة بعمرتك الله، كأنك قلت: عمرتك عمراً، ونشدتك نشداً، ولكنهم خزلوا الفعل لأنهم جعلوه بدلاً من اللفظ به". الكتاب 1/ 322. (¬2) هذا البيت من البحر البسيط وهو للأحوض. انظر ديوانه صفحة 201 (جمع وتحقيق إبراهيم السامرائي). وهو من شواهد سيبويه 1/ 323، والمقتضب 2/ 229، والخزانة 1/ 231. والشاهد فيه: "عمرتك الله" وضعت موضع: عمرك الله. (¬3) وقد أجاز الأخفش رفع الله في "عمرك الله" ليكون فاعلاً، أي: عمرك الله تعميراً. انظر الرضي على الكافية 1/ 119.

وهذا مثله، فيجب أن يكون مصدراً. الآخر: أن حذف الفعل الناصب للمصدر أكثر من حذف الفعل الناصب للمفعول، فحمله على الأكثر أولى. الآخر: أن جعله مصدراً يكون فيه قرينة تدل على الفعل. الآخر: أنه لو كان مفعولا بفعل مقدر لكان تقديم الله هو الوجه لأنه المفعول الأول للفعل المحذوف، ولما لم يجز دل على أنه ليس بمفعول. وقوله: "قعدك". الكلام فيه كالكلام في عمرك الله، إلا أنه لم يأت من "قعدك الله" قعدتك الله (¬1)، كما جاء من "عمرك الله" عمرتك الله. إلا أنه يقدر: فعدتك، بمعنى: سألت الله أن يكون صاحبك، وقعدك بهذا المعنى، فيجب أن يكون مصدراً كما كان عمرك. والخلاف فيه كالخلاف فيه، وقد تقدم وجه نصرة مذهب سيبويه. والنوع الثالث: دفرا. معناه: نتناً، كأنه قال: نتن نتناً؛ وبهرا، إن أريد به الغلبة واللعن فليس من هذا، لأنه يقال: بهرني إذا غلبني، وبهرته إذا لعنته، لأن هذا باب ما ليس له فعل من لفظه. وإن أريد به تباً وخسراناً فهو من هذا الباب وهو المقصود. وأفة وتفة بمعنى: تضجراً، كأنه قال: تضجرت تضجراً. قوله: "وقد تجري أسماء غير مصادر ذلك المجرى". يعني بقوله: غير مصادر، أنها ليست جارية على أفعال كالانطلاق الجاري على انطلق. وقوله: ذلك المجرى، يعني: أنها منصوبة على أنها مصادر باعتبار أنها موضوعة في هذا المحل المخصوص للمعنى الذي فعله فاعل الفعل المذكور لا يجوز إظهار الفعل معها. وإنما ذكرها في هذا الفصل باعتبار وجوب إضمار الفعل، وإلا فقد ذكرها في الفصل الأول باعتبار ما فعله فاعل الفعل في قولك: ضربته سوطاً ورجع الفهقري. ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "فقعدك الله يجري هذا المجرى وإن لم يكن له فعل". الكتاب 1/ 323.

وقوله: "ترباً" إلى آخره. هي لأجسام بالأصالة. والمتكلم إذا قالها لا يخطر بباله التراب أصلا. فمعنى ترباً: تعساً وخيبة. فقد قصد به ههنا معنى تعس، فيجب أن يكون نصبه على المصدر، إلا أنه لا يجوز إظهار فعله. وجندلاً: مثله. وقوله: "فاها لقيك". معناه: دهياً وخيبة، فهو موضوع لمعنى فعل، فيجب أن يكون مصدرا (¬1). وقوله: "هنيئاً" (¬2). يعني: أنها صفات في الأصل موضوعة للذات التي قام بها المعنى، إلا أنها في هذا المحل استعملت للمعاني أنفسها، فهي ههنا مصادر لأنها أسماء لمعان فعلها فاعل الفعل المذكور، وهي غير مصادر باعتبار أنها في الأصل اسم للذات التي قام بها المعنى. فهنيء ومريء: اسم فاعل من قولهم: هنأ ومرأ. وقائماً: اسم فاعل من قام. وقاعداً: اسم فاعل من قعد. إلا أنك إذا قلت: هنيئاً لك الظفر، لم تعن إلا ليهنك الظفر (¬3). وقد وقع "هنيئاً" موقع الفعل وهو الذي يعني به المصدر. وإذا قلت: أقائماً وقد قعد الناس؟ فهو قائم مقام قولك: أتقوم؟ فيجب أن يكون مصدرا، وكذلك: أسائراً؟ وليس قوله: {فكلوه هنيئاً مريئا} (¬4) من هذا القبيل، فإنها صفات بالأصالة، وإنما جاءت نعتاً للمصدر المحذوف. فتقديره: أكلاً هنيئاً وأكلاً مريئاً. فهي صفات حذف موصوفها وأقيم الصفة مقامه. ¬

_ (¬1) فاها: منصوب بمنزلة ترباً وجندلاً، كأنك قلت: ترباً لفيك. وإنما يخصون الفم بذلك لأن أكثر المتألف فيما يأكله الإنسان ويشربه. وصار "فاها" بدلاً من اللفظ بقولك: دهاك الله. انظر ابن يعيش 1/ 122. (¬2) هنيئاً سقطت من د. (¬3) انظر سيبويه 1/ 317. (¬4) النساء: 4.

وقوله: "ومن إضمار المصدر". ليس هذا من قياس باب الإضمار، وإنما هو إضمار بقرينة دلت عليه. فقولك: أظنه، هي القرينة الدالة على الظن، كقوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} (¬1)، فالضمير للعدل، واعدلوا: دال عليه. فأما ما جاء من قولهم في الدعوة المرفوعة، واجعله الوارث منا (¬2)، وذلك بعد قوله: اللهم متعناً بأسماعنا وأبصارنا وأبداننا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا. "يحتمل عندي أن يوجه على هذا". قال الشيخ: محتمل عندي أن يوجه على أن الضمير في "واجعله" ضمير المصدر المؤكد لجعل، تقديره: اجعل جعلاً، وبعض الناس يقول: إنه ضمير المقدم ذكره مما عدد من الأسماع والأبصار وغيرها. وهذا باطل من حيث اللفظ والمعنى. أما اللفظ فلأن المقدم ذكره جمع والضمير مفرد، وكيف يكون ضمير الجمع مفرداً؟ بل لو كان ضميرها لكان يقول: واجعلها أو اجعلهن. وأما المعنى فكيف يستقيم أن يقال: واجعل ما هو عين ما يفنى ويورث الوارث منا؟ فتوجه على هذا ما ذكره صاحب الكتاب من الاحتمال (¬3). والقائل بأن الضمير للأسماع وللأبصار وغيرها، أن ذلك غير فاسد من حيث اللفظ والمعنى أيضاً. أما اللفظ فيجوز أن يكون الضمير لهن وإن كان مفردا، ويكون تقديره ذلك، أي: اجعل ذلك المقدم ذكره. وكيف لا يكون وقد قال تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقا ¬

_ (¬1) المائدة: 8. (¬2) هذه الدعوة من حديث للرسول - صلى الله عليه وسلم -. انظر سنن الترمذي (باب الدعوات: 83). (¬3) وهو أن يكون من إضمار المصدر. والضمير في (اجعله) ضمير المصدر، والتقدير: اجعل جعلاً.

حسنا} (¬1). وقوله: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه} (¬2). وقوله: {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} (¬3). فأتى الضمير مفردا لجماعة ومثنى. وقد حكي أن أبا عبيدة (¬4) سأل رؤية عن قوله: فيها خطوط من سواد ويلق ... كأنه في الجسم توليع البهق (¬5) فقال كيف تقول: كأنه؟ ولا يخلو أن تريد الخطوط فقل: كأنها، أو السواد والبلق فقل: كأنهما، فقال: أردت ذلك وبذلك. وأما جواز أن تكون الأسماع وغيرها مقصودة بالدعاء من حيث المعنى فطلب استصحاب بقائها والاستمتاع بها ملازمة إلى آخر دقيقة، كما غلب من عادة الوارث ملازمته لموروثه عند الموت، فقد حصل مما ذكرناه تجويز الاحتمالين. والتقدير على الأول: واجعله الوارث مستقرا منا، فيكون "مستقرا" المفعول الثاني. وعلى الاحتمال الآخر يكون الوارث هو المفعول الثاني والضمير المفعول الأول. ¬

_ (¬1) النحل: 67. (¬2) النحل: 66. (¬3) البقرة: 68. (¬4) هو معمر بن المثنى اللغوي البصري. ولد سنة 112 هـ. أخذ عن يونس وأبي عمرو. وهو أول من صنف غريب الحديث. أخذ عنه أبو حاتم والمازني. من تصانيفه: المجاز في غريب القرآن، المثالب، أيام العرب، معاني القرآن توفي سنة 209 هـ، وقيل سنة 208 هـ. انظر بغية الوعاة 2/ 294. (¬5) سبق الكلام عنه في الإملاء (59) من هذا القسم. ص: 349.

[إملاء 89] [المفعول به]

[إملاء 89] [المفعول به] قال صاحب الكتاب (¬1): "هو الذي يقع عليه فعل الفاعل". أراد بقوله: يقع عليه فعل الفاعل، ما تعلق به فعل الفاعل، أي: بيانا لما تعلق به فعل الفاعل، ثم هذا التعلق قد يكون أمراً معنويا، وقد يكون أمراً حسياً (¬2). والضمير في قوله: "أهله" (¬3)، ضمير القول الذي هو المدح أو الذم المفهوم من القول، وقوله: "ومنه قولهم (¬4) كاليوم رجلا"، منصوب بفعل مقدر محذوف لكثرته في كلامهم، قامت الكثرة لاستعمالهم إياه على هذا المعنى مقام القرينة الدالة على المحذوف. ألا ترى إلى قولك: عبد الله، يفهم منه أنك قصدت: يا عبد الله، لكثرة: يا عبد الله في كلامهم، فصارت الكثرة تشعر بالمحذوف إشعاراً كالقرائن الحالية والمقالية، ولولا ذلك لم يجز أن تقول: كاليوم رجلا. وفي قوله: "كاليوم" أوجه من الإعراب: أحدها: أن يكون "رجلا" هو المفعول، ويكون قوله: كاليوم، إما بتأويل: مثل رجل اليوم، فيكون فيه وجهان: أحدهما: أنه صفة نكرة تقدمت فينتصب على الحال، أو تكون الرؤية رؤية القلب فيكون مفعولاً ثانيا. وإما بتأويل: ما رأيت مثل رؤية اليوم، أي: رؤية مثل رؤية اليوم، حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فيكون منصوباً على المصدر، والرؤية رؤية ¬

_ (¬1) ص 34. (¬2) قال ابن الحاجب في الإيضاح: "أراد بالوقوع التعلق المعنوي للمفعول لا الأمر الحسي. إذ ليس كل الأفعال المتعدية واقعة على مفعولها حساً كقولك: علمت زيداً، وأردته، وشافهته، وخاطبته، وما أشبه ذلك" 1/ 244. (¬3) وعبارة المفصل: ولمن يذكر رجلاً أهل ذلك وأهله. (¬4) في المفصل: قوله.

[إملاء 90] [العطف بالجزم على جواب الأمر المنصوب بعد فاء السببية]

العين، لأنه لا يستقيم أن يكون مفعولا لمخالفته رجلا في المعنى. ويجوز أن يكون "رجلا" تمييزاً لما في قولك: كاليوم، من الإبهام، ويكون "كاليوم" نفسه هو المفعول، مثل قولك: على التمرة مثلها زبداً. لما احتمل أن يكون المثل للزبد وغيره، فميز بقولك: زبداً. وكذلك لما احتمل قولك: مثل اليوم، الرجل وغيره، فميز برجل. وكل ما تقدم من الأولجه في قوله: كاليوم رجلا، يجري في قوله: كاليوم مطلوباً ولا طلبا (¬1) ما خلا وجهاً واحداً وهو التمييز، فإنه يضعف، لأن قوله: ولا طلباً، معطوف على قوله: مطلوباً، والمعطوف بحرف النفي إنما يكون على ما انتفى لا على ما تعلق بالمنفي، و"كاليوم" هو المنفي لا "مطلوباً"، فلا يستقيم أن يكون معطوفاً. [إملاء 90] [العطف بالجزم على جواب الأمر المنصوب بعد فاء السببية] وقال أيضاً مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬2) وهو: دعني فأذهب جانباً ... يوما وأكفك جانبا (¬3) ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الكامل وصدره: حتى إذا الكلاب قال لها. وقائله أوس بن حجر. انظر ديوانه ص 3 (تحقيق وشرح محمد يوسف نجم). وهو من شواهد ابن يعيش 1/ 125، وأمالي ابن الشجري 1/ 361، والكشاف 1/ 389. والشاهد فيه أن (مطلوباً) نصب بفعل مقدر محذوف جوازاً. (¬2) ص 255. (¬3) البيت من مجروء الكامل وهو لعمرو بن معد يكربز انظر شعره ص 185. وهو من شواهد الرضي 2/ 267، والخزانة 3/ 665. وأنكر البغدادي نسبته لعمرو بن معد يكرب. والشاهد أنه عطف (أكفك) مجزوماً على جواب الأمر المنصوب وهو (فأذهب) على توهم سقوط فاء السببية.

[إملاء 91] [الكلام على "أن" في بيت من الشعر]

يجوز أن يكون المعنى: اتركني أتصرف فأذهب إلى جهة فأكفيك جانبا تحتاج إلى كفايته بتصرفي وذهابي. ويجوز أن يريد: دعني يوما وأكفك جانبا يوما، أي: إذا تصرفت لنفسي يوما كفيتك جهة تخشاها يوما آخر. وموضع الاستشهاد والإعراب واضح. [إملاء 91] [الكلام على "أن" في بيت من الشعر] وقال أيضاً في قول الشاعر في المفصل (¬1): فيا راكباً إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا (¬2) يجوز أن تكون "أن" مخففة من الثقيلة. ويجوز أن تكون مفسرة، لأن قوله: فبلغن، فيه معنى القول. [إملاء 92] [جواز إضمار اسم ليس] وقال أيضاً في قول الشاعر في المفصل (¬3): أبني لبيني لستم بيد ... إلا يدا ليست لها عضد (¬4) ¬

_ (¬1) ص 36. (¬2) البيت من الطويل وهو لعبد يغوص الحارثي. وهو من شواهد سيبويه 2/ 200، والمقتضب 4/ 204، والرضي 1/ 175، والخزانة 1/ 313. واستشهد به الزمخشري على نصب "راكباً" لأنه منادى نكرة. (¬3) ص 71. (¬4) البيت من الكامل وهو لأوس بن حجر. انظر ديوانه ص 21. وهو من شواهد سيبويه 2/ 317، والمقتضب 4/ 421. ونسبه الزمخشري لطرفة، واستشهد به على الإبدال من محل الجار والمجرور. ويروي: يا ابني لبيني لستما.

[إملاء 93] [حذف كان]

يجوز أن يكون في ليس ضمير الشأن (¬1). ويجوز أن يكون فاعلها (¬2) مضمراً يعود على اليد لما تقدم ذكرها. ويجوز أن يكون "عضد" اسمها، ولها: خبر لها. ومعناه: أنه يصفهم بعدم النصرة، وأن نصرتهم كلا نصرة. فإن اليد التي لا عضد لها لا نصرة لها. [إملاء 93] [حذف كان] وقال أيضاً ممليا على قول الشاعر (¬3): أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع (¬4). ومعناه: أنه يمدحه. أي: أنا بخير لا تأكلنا السنين (¬5) ولا يضمرنا ضار لأجل أن كنت ذا نفر. يعني: أنا بنعمة ما دمت في نعمة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر سيبويه 1/ 70. (¬2) وردت هذه الكلمة هكذا في جميع النسخ. والمقصود اسمها. وقد استعمل سيبويه مثل هذا التعبير. الكتاب 1/ 49. (¬3) المفصل ص 74. (¬4) سبق الكلام عنه في الإملاء (84) من هذا القسم. ص: 411. (¬5) هذه الكلمة ملحقة بجمع المذكر السال/، فيلزم أن تكون بالواو لأنها فاعل. ولكن يبدو أن المؤلف قد عاملها معاملة غسلين فرفعها بضمة على الأخير، أو أن الكلمة بالواو وكتبها النساخ بالياء، لأنها وردت هكذا في جميع النسخ. (¬6) ليس معنى البيت كما ذكره المؤلف، وليس الشاعر يمدح أبا خراشة، وإنما يقول له: لا تفخر على يا أبا خراشة لكونك ذا قوم كثيرين، فإن قومي أصحاب قوة لم تأكلهم السنوات المجدبة، ولم تؤثر فيهم الحوادث.

[إملاء 94] [إعراب ومعنى بيت من الشعر]

[إملاء 94] [إعراب ومعنى بيت من الشعر] وقال أيضاً مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬1): يا قر إن أباك حي خويلد ... قد كنت خائفة على الأحماق (¬2) حي خويلد: بدل أو عطف بيان من "أباك"، و"كان" واسمها وخبرها خبر "إن". ومعناه: أنني كنت أرى من أبيك مخايل تدل على أنه يلد ولداً أحمق، وقد تحقق بولادته إياك. ومثل ذلك أبلغ من أن يقول: أنت أحمق، لأن ذلك يشعر بتحقق ذلك فيه. أي: كان ذلك معروفاً من أبيك قبل أن يلدك. فهذا أبلغ من دعوى الحمق فيه الآن. وإدراك مثل هذه المعاني لا يكاد يحصل بالتعبير وإنما هي أمور في الغالب تدرك بالقوة التي جعلها الله تعالى في أهل هذا اللسان. والجار والمجرور متعلق بخائفه. يقال: خفته على كذا، أي: خفت منه. [إملاء 95] [معنى بيت لطفيل الغنوي] وقال أيضاً على قول الشاعر في المفصل (¬3): وكمتاً مدماة كأن متونها ... جرى فوقها واستشعرت لون مذهب (¬4) ¬

_ (¬1) ص 95. (¬2) البيت من البحر الكامل. وقائله جبار بن سلمى بن مالك من بني عامر بن صعصعة. وهو من شواهد الخصائص 3/ 28. والمقرب 1/ 213. والرضي 1/ 286. والخزانة 2/ 216. واستشهد به الزمخشري على إقحام لفظ (حي)، وهو مضاف. وقر: ترخيم قرة. (¬3) ص 19. (¬4) البيت من الطويل وقائله طفيل الغنوي. انظر ديوانه ص 23 (تحقيق محمد عبد القادر أحمد). وهو من شواهد سيبويه 1/ 77. والمقتضب 4/ 75. والإنصاف 1/ 88. وابن السيرافي 1/ 127. والشاهد فيه قوله: جرى، واستشعرت، حيث توجها إلى معمول واحد ظاهر بعدهما، فأعمل الثاني، وأضمر في الأول. وقد أوضح المؤلف معناه.

[إملاء 96] [معنى بيت لعمر بن أبي ربيعة]

يصف خيلاً بحسن الألوان كأنها أشربت الدم. كأن متونها، أي: كأن ظهورها جرى فوقها لون الإذهاب أو لون شيء مذهب. واستشعرته، أي: جعلته شعارها. يقال: استشعرت الثوب، إذا جعلته يلي الجسم، وسمي شعاراً من ذلك. وموضع الاستشهاد منه ظاهر. [إملاء 96] [معنى بيت لعمر بن أبي ربيعة] وقال أيضاً مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬1): إذا هي لم تستك بعود أراكة ... تنخل فاستاكت به عود إسحل (¬2) يعني: أنها يتخير لها ما تستاك به. وعود الأراك هو المختار عندهم للسواك، فإذا لم تستك به لأمر لم تعدل إلا إلى ما يتنخل ويختار من الأسحل، فيكون ما يختار منه لجودته يقارب الأراك. [إملاء 97] [إضافة ما فيه الألف واللام إلى المضمر المتصل] وقال أيضاً ممليا على قول الشاعر في المفصل (¬3) (¬4): ¬

_ (¬1) ص 20. (¬2) هذا البيت من البحر الطويل. وقائله عمر بن أبي ربيعة. انظر شرح ديوانه ص 498 (محمد محي الدين عبد الحميد). وهو من شواهد سيبويه 1/ 78. ونسبه ابن السيرافي لطفيل الغنوي 1/ 130. واستشهد به الزمخشري على إعمال الفعل الأول والإضمار في الثاني وهو قوله: تنخل فاستاكت. وأراك وإسحل: شجران يستاك بهما. (¬3) ص 85، ولم يذكر الزمخشري إلا البيت الأول. (¬4) هذان البيتان لعبد الرحمن بن حسان من قصيدة يهجو فيها مسكين الدارمي، وهما من البحر الخفيف. والبيت المستشهد به هو الأول. وهو من شواهد ابن يعيش 2/ 123، واللسان (سب). وقد ذكر المؤلف معناه وموضع استشهاده. أما البيت الثالث فهو ليس لعبد الرحمن بن حسان وإنما هو لحسان بن ثابت. انظر ديوانه ص 225 (بيروت). وسيأتي الحديث عنه في الإملاء (58) من الأمالي المطلقة إن شاء الله.

أيها الشاتمي ليحسب مثلي ... إنما أنت في الضلال تهيم لا تسبنني فلست بسبي ... إن سبي من الرجال الكريم ... قال ابن الأعرابي (¬1) ثالثها: لا أبالي أنب بالحزن تبس ... أم لحساني لحاني بظهر غيب لئم يهجو بهذا الشعر مسكين بن عامر الدارمي. معناه: أنك عالم بأن قدرك دون قدري، وأنك لست ممن يشاتمني. وإنما تفعل ذلك لتظهر بالمشاتمة أن ثم مماثلة لما يظهر بها في العادة مع علمك بخلافه. ثم رد بعجز البيت هذا الغرض الذي قصده، فقال: إنما أنت في الضلال تهيم. يعني: أن المشاتمة إنما يستدل بها على المماثلة عند تقارب الشخصين، فأما عند التباعد فلا، لوضوح نفيها، فجعله في فعله ذلك الذي لا يتم به الغرض المقصود عند العقلاء لركوبه التعاسيف التي تضر ولا تنفع، ولذلك قال: تهيم. يقال: هام على وجهه، إذا سلك غير الطريق. وموضع استشهاده في قوله: الشاتمي، في صحة إضافة ما فيه الألف واللام إلى المضمر المتصل، كقولك: الضاربي والضاراباتي. ومفعول ما لم يسم فاعله مضمر مستتر يعود على الشاتمي، لأنه بمعنى: الذي يشتمني. وهو وإن كان مخاطباً إلا أنه لما وصفه بالموصول (¬2) أجرى الضمير على لفظ الغيبة كقولك: أنت الذي ضرب، وهو أحسن من ¬

_ (¬1) هو محمد بن زياد أبو عبد الله بن الأعرابي. من موالي بني هاشم. كان عالماً باللغة والشعر. ولد سنة 150 هـ. من تصانيفه: النوادر، الأنواء، الخيل، معاني الشعر. توفي سنة 231 هـ وقيل 233 هـ. انظر بغية الوعاة 1/ 105. (¬2) في الأصل: بالمجرور. وهو تحريف.

[إملاء 98] [معنى وإعراب بيت ينسب للنابغة الجعدي]

قولك: أنت الذي ضربت، قال الله تعالى: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه} (¬1). ولو جاء على الخطاب لقال: يا أيها الذي نزل عليك الذكر. وإنما كان كذلك لأن "الذي" من ألفاظه الغيبة، وضمير ألفاظ الغيبة غيبة، فلذلك جاء الفصيح بضمير الغيبة. [إملاء 98] [معنى وإعراب بيت ينسب للنابغة الجعدي] وقال أيضاً ممليا على قول الشاعر في المفصل (¬2) وهو: بحيهلا يزجون كل مطية ... أمام المطايا سيرها المقاذف (¬3) يريد أنهم مسرعون (¬4) في السير، فهم يسوقون المطي (¬5) بهذا الصوت لتسرع في سيرها. وقال: أمام المطايا، لأنه إذا سيقت الأول تبعها ما بعدها بخلاف سوق الأواخر. وقال: سيرها المتقاذف، يعني: أنهم يسوقونها مع كون سيرها متقاذفاً، والتقاذف: الترامي في السير. وإذا سيق المتقاذف كان سيره أبلغ مما كان عليه. وأمام المطايا: في موضع وصف لمطية. وسيرها المتقاذف: جملة ابتدائية واقعة صفة لمطية. والجار والمجرور متعلق بـ "يزجون". [إملاء 99] [مجيء "ذا" بمعنى الذي] وقال أيضاً مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬6): ¬

_ (¬1) الحجر: 6. (¬2) ص 153. (¬3) سبق الكلام عنه في الإملاء (66) من هذا القسم. ص: 363. (¬4) في م، س: يسرعون. (¬5) في م: المطايا. (¬6) ص 150.

[إملاء 100] [رفع الفاعل بفعل مضمر]

عدس ما لعباد عليك إمارة ... أمنت وهذا تحملين طليق (¬1) معناه: أنه لما أمر الخليفة بتخليصه من حبس عباد وإركابه وتسيره أنشد مخاطباً لدابته في أنه لم يبق لعباد عليه حكم. وقال: أمنت، يعني من حكم عباد. وإذا لم يكن له حكم على دابته فلئلا يكون عليه حكم أولى. وقال: وهذا تحملين طليق، يعني نفسه. وموضع استشهاده ظاهر. [إملاء 100] [رفع الفاعل بفعل مضمر] وقال أيضاً مملياً على قول الشاعر (¬2): لبيك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح (¬3) معناه: أن هذا الممدوح الذي هو يزيد كان رجلاً عظيماً، يقصد في النصر وفي العطاء. فيقصده الضارع للخصومة لينصره وهو المائل إليها. ويقصده المختبط مما تطيح الطوائح، وهو الذي أصابته شدة السنين. والطوائح: الشدائد، يقصده ليدفع عنه بالعطاء شدة ما أصابه من ذلك، فوصفه بالنصر والكرم. و"ما" في قولك (¬4): "مما تطيح"، مصدرية، و"من" ¬

_ (¬1) سبق الكلام عنه في الإملاء (66) من هذا القسم. ص:363. (¬2) ص 22. (¬3) هذا البيت من البحر الطويل وقد اختلف في قائله. وهو من شواهد سيبويه 1/ 288 ونسبه للحارث بن نهيك. والمقتضب 3/ 282. والرضي 1/ 75. والخزانة 1/ 147 ونسبه البغدادي لنهشل بن حري. والدرر 1/ 142 ونسبه لضرار بن نهشل. والحماسة البصرية 1/ 269 ونسبه للحارث بن ضرار النشهلي. والشاهد فيه رفع (ضارع) بإضمار فعل دل عليه ما قبله. كأنه حين قال: لبيك يزيد، قيل: فمن يبكيه؟ فقال: ضارع. وقد أوضح المؤلف معناه. (¬4) وردت هذه الكلمة هكذا في جميع النسخ. والصواب أن تكون: قوله.

[إملاء 101] [حذف المنادى]

لابتداء الغاية، أو بمعنى السببية، فالأول على أن ابتداء الاختباط من الإطاحة، أو سبب الاختباط الإطاحة. [إملاء 101] [حذف المنادى] وقال أيضاً مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬1): يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار (¬2) يجوز في "والصالحين" الرفع على الموضع، لأن المعنى: يا قوم لعن الله والأقوام والصالحون. والخفض ظاهر. والرفع مثل قولك: أعجبني ضرب زيد وعمرو، عطفاً على موضع زيد، إذ موضعه رفع. و"من" في قوله: من جار، للبيان، فتتعلق بمحذوف تقديره: على سمعان الحاصل من الجيرانن أو حاصلاً من الجيران. [إملاء 102] [كتابة عمرويه بعد ترخيمه] وقال أيضاً مملياً على قوله في مفصله في الترخيم في عمرويه (¬3). فقال: إذا رخم عمرويه كيف يكتب (¬4) على لغة يا حار ويا حار (¬5)؟ إن كان المحذوف ¬

_ (¬1) ص 48. (¬2) البيت من البسيط ولم يعرف قائله. وهو من شواهد سيبويه 2/ 219. والكامل 2/ 199. وأمالي ابن الشجري 1/ 325. والهمع 2/ 70. والشاهد فيه حذف المنادى لدلالة حرف النداء عليه. (¬3) ص 48. (¬4) في م: تقول، وهو خطأ. (¬5) فاللغة الأولى يكون المحذوف كالثابت في التقدير. واللغة الأخرى يجعل ما بقي كأنه اسم برأسه فيعامل بما تعامل به سائر الأسماء. وتسمي الأولى لغة من ينتظر والثانية لغة من لا ينتظر. انظر المفصل ص 47.

[إملاء 103] [حذف المنادى]

مراداً كتب بغير واو لأنها زيدت فيه فرقاً بينه وبين عمر، وإذا اتصلت به "ويه" سقطت الواو، فإذا كانت مرادة كان حكمها حكم الموجود، وإن كان المحذوف نسياً منسياً، فثبت الواو. قال: وهذا وإن لم يذكره أحد إلا أن هذا فقهه لجريه على القواعد. [إملاء 103] [حذف المنادى] وقال أيضاً مملياً على قوله في المفصل في حذف المنادي (¬1): "يا بؤس لزيد": لو لم يكن المنادى محذوفاً لوجب نصبه لأنه حينئذ مضبه للمضاف من أجل طوله. فلذلك رفعه فقال: يا بؤس لزيد، بمعنى: يا قوم بؤس، وهو مرفوع بالابتداء (¬2)، والجار والمجرور الخبر. وهو من باب: ويل وويس لزيد. [إملاء 104] [الكلام في تنوين كلمة وردت في المفعول لأجله] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة ثلاث وعشرين وستمائة] (¬3) على قوله في المفصل (¬4): "وهو جواب لمه": لا يجوز تنوين "جواب" لأنه يفسد المعنى. لأنك إذا نونته تعذرت الإضافة، وإذا تعذرت الإضافة فالجواب جواب قولك: لمه، بكمالها. فإذا نونت احتجت إلى أن توصل معنى الجواب إلى متعلقه ¬

_ (¬1) ص 48. (¬2) قال ابن يعيش: "وساغ الابتداء به وهو نكرة لأنه دعاء ومثله قولهم: يا ويل لزيد". شرح المفصل 2/ 24. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) ص 60.

[إملاء 105] [وقوع الفعل الماضي بعد حروف التحضيض]

بلام، فإن جعلتها هذه اللام صار الجواب جواب قولك: مه، لا جواباً لقولك: لمه. نعم لو قلت: وهو جواب للمه، لكان مستقيماً، لأن اللام الأولى هي الموصلة ولمه التي بعدها هي المقصودة بنسبة الجواب إليها. [إملاء 105] [وقوع الفعل الماضي بعد حروف التحضيض] وقال أيضاً مملياً "بدمشق سنة أربع وعشرين وستمائة] (¬1) على قوله في المفصل في حروف التحضيض (¬2): إن قبل: إن حروف التحضيض (¬3) إذا وقع بعدها الماضي فيستحيل أن يكون فيها معنى الطلب لاستحالة طلب الفعل بعد مضي وقته. وإذا لم يكن فيها معنى الطلب تعذر النصب بعدها بالفاء والجزم بغير فاء. فالجواب: أنها لا تنفك عن إفادة معنى الطلب في الوقت الذي كان صالحاً له. وإنما أوقع بعدها الماضي تنبيهاً على أن المطلوب منه ذلك، فوته حتى انقضى وقته فصار كالتوبيخ على ترك المطلوب. فباعتبار ما فيه من معنى الطلب المقدر في وقته نصب جوابه بعد الفاء وجزم بغير فاء. [إملاء 106] [حذف المضاف في بيت لحسان] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة أربع وعشرين] (¬4) على قول الشاعر في المفصل (¬5): ¬

_ (¬1) زيادة من "ب" و"د". (¬2) ص 315. (¬3) إن قيل: إن حروف التحضيض: سقطت من م، س. (¬4) زيادة من ب. (¬5) ص 105.

[إملاء 107] [الكلام في إعراب فعل مضارع وقع بعد الواو]

يسقون من ورد البريص عليهم ... بردي يصفق بالرحيق السلسل (¬1) يجوز أن يكون المراد مدح ماء بردي وتفضيله على غيره، ومعنى: يصفق، أي: يمزج. يقال: صفقته، إذا مزجته. والرحيق: الخبر. والسلسل: السهل، كالسلسال، والسلسبيل، أي: كأنه ممزوج بذلك، فأسقط التشبيه كعادتهم في المبالغة. ويجوز أن يكون المراد مدح هؤلاء القوم بالكرم، وأنهم لا يسقون الماء إلا ممزوجاً بالخمر لسعتهم وكرمهم وتعظيم من يرد عليهم. والبريص: يقال: إنه موضع بدمشق (¬2). وقال قوم هو بالضاد. والمراد ببردي ماء بردي، ولذلك ذكر الضمير. [إملاء 107] [الكلام في إعراب فعل مضارع وقع بعد الواو] وقال أيضاً [بدمشق سنة أربع وعشرين وستمائة] (¬3) على قول الشاعر في المفصل (¬4): متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف اليتيك وتستطارا (¬5) يجوز أن يكون معطوف على "ترجف" وألحقت به نون التأكيد الخفيفة ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو لحسان بن ثابت. انظر ديوانه ص 180. وهو من شواهد الرضى 1/ 292. والخزانة 2/ 236. والهمع 2/ 51. والشاهد فيه قوله: بردي، حيث حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. والمقصود ماء بردي. (¬2) قيل: هو اسم نهر في دمشق، وقيل: هو الغوطة بأجمعها. انظر معجم البلدان 1/ 407. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) ص 61. (¬5) البيت من الوافر وهو لعنترة العبسي. انظر ديوانه ص 43 (بيروت). وهو من شواهد الرضى 2/ 176، والكشاف 1/ 429، والهمع 2/ 63. وقد أوضح المؤلف معناه. واستشهد به الزمخشري على مجيء الحال لبيان هيئة الفاعل والمفعول معاً، وهو قوله: فردين.

فقلبت ألفاً في الوقف. إلا أن إلحاقاً نون التوكيد في جواب الشرط ضعيف. ويجوز أن يكون منصوباً على أحد وجهين: أحدهما: مذهب الكوفيين، بالواو التي يسمونها واو الصرف (¬1)، مثلها عندهم في قوله تعالى: {ويعف عن كثير ويعلم} (¬2) في قراءة الأكثرين. والثاني: مذهب البصريين، وهو أن يكون معطوفاً على مقدر، مثلها عندهم في قوله: ويعلم، أي: لينتقم ويعلم. إلا أنه لا يمكن التقدير لفعل منصوب لأنه في المعنى سبب. ولو قدر فعل منصوب لكان مسبباً، فينبغي أن يكون التقدير لاسم منصوب مفعول من أجله، كأنه قيل: ترجف روانف أليتيك خوفاً واستطارة. فلما أتى بالفعل موضع "استطارة" عطفاً على "خوفاً" المقدر وجب أن يكون منصوباً، مثله في قولك: أريد إتيانك. وتحدثني. والروانف: أطراف الأليتين، واحداته: رانفة. وتستطارا، بمعنى: يطلب منك أن تطير خوفاً وجبناً. والعرب تقول لمن اشتد به الخوف: طارت نفسه خوفاً، ومنه قوله: أقول لها وقد طارت شعاعاً (¬3) وقال ههنا: وتستطارا، كأنه طلب منه أن يطير من الخوف. والضمير في "وتستطارا" للمخاطب لا للروانف، إذ لا يطلب من الروانف استطارة، وإنما المقصود طلبه من المخاطب. ¬

_ (¬1) وهي الواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم مؤول: انظر مغنى اللبيب ص 412 (دمشق). (¬2) الشورى: 34، 35. (¬3) هذا صدر بيت لقطري بن الفجاءة، وعجزه: من الأبطال ويحك لن تراعي. انظر ديوان الحماسة لأبي تمام 1/ 24.

[إملاء 108] [معنى وإعراب: على أن]

[إملاء 108] [معنى وإعراب: على أن] وقال أيضاً مملياً بدمشق [سنة أربع وعشرين وستمائة] (¬1) على قول الشاعر في المفصل (¬2): على أنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي (¬3) "على هذه تقع في شعر العرب وكلامهم كثيراً. والمعنى فيها استدراك وإضراب عن الأول. ألا ترى أنك إذا قلت: لا يدخل فلان الجنة لسوء صنيعه على أنه لا يأس من رحمة الله، كان استدراكاً لما تقدم، وإضراباً عن تحقيقه. وكذلك قوله في البيت الذي قبله: فوالله لا أنسى قتيلاً رزئنه ... بجانب قوسي ما مشيت على الأرض ثم قال: على أنها تعفو الكلوم. لأن المعنى: على أن العادة نسيان المصائب إذا تطاولت، والجزع على ما كان من المصائب قريب العهد، وهذا إضراب واستدراك لما تقدم من قوله: لا أنسى. وكذلك قوله وهو أيضاً في الحماسة (¬4): ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) ص 134. وذكر الزمخشري الشطر الأول فقط. (¬3) هذا البيت من الطويل وقائله أبو حراش واسمه خويلد بن مرة، من هذيل. انظر ديوانه الهذليين 2/ 158، وروايته: بلى إنها تعفو الكلوم، وكذلك الخصائص 2/ 170. وانظر: ديوانه الحماسة لأبي تمام 1/ 326، والخزانة 2/ 458، ومغنى اللبيب 1/ 193 (دمشق). واستشهد به الزمخشري على مجيء ضمير الشأن مؤنثاً وهو قوله: إنها، لأن في الكلام مؤنثاً وهو: الكلوم. (¬4) انظر ديوان الحماسة لأبي تمام (2/ 102) وقد نسبها لعبد الله بن الدمينة. وفي ديوان عبد الله بن الدمينة البيت الثاني والثالث ص 82 (صنعة أبي العباس ثعلب ومحمد بن =

[إملاء 109] [جواز حذف الفعل بعد "قد"]

وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وأن النأي يشفي من الوجد بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد على أن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود ... فقوله: بكل تداوينا فلم يشف ما بنا، ثم قال: على أن قرب الدار خير من البعد، كالإضراب عن الأول. لأن المعنى: فلم يحصل لنا شفاء أصلاً. وإذا كان قرب الدار خيراً في المعنى المراد فقيه شفاء أو بعض شفاء. وكذلك قوله: على أن قرب الدار ليس بنافع، استدراك لعموم قوله: على أن قرب الدار خير من البعد. فاستدرك أنه لا يكون خيراً إلا مع الود، فأبطل العموم المتقدم في قوله: قرب الدار خير من البعد. هذا معناها. وأما تعلقها على الوجه الأعرابي فيحتمل أمرين: أحدهما: أن تتعلق بالفعل المتقدم قبلها كما تعلقت "حاشا" الاستثنائية بما قبلها لكونها أوصلت معنى ما قبلها إلى ما بعدها على وجه الإضراب أو الإخراج. وأظهر منه أن يقال: إنها في موضع خبر محذوف المبتدأ، كأنه قيل: والتحقيق على أن الأمر كذا. فتعلقها بمحذوف كما يتعلق كل خبر وجار ومجرور، لأن الجملة الأولى وقعت غير تحقيق، ثم جيء بما هو التحقيق فيها، وحذف المبتدأ لوضوح المعنى. [إملاء 109] [جواز حذف الفعل بعد "قد"] وقال أيضاً مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬1): ¬

_ = حبيب، تحقيق أحمد راتب النفاخ). والبيتان الأول والثاني ذكرهما أبو علي القالي في قصيدة أولها: ألا يا صبا نجد لقد هجت من نجد. ونسب القصيدة ليزيد من الطثرية. انظر ذيل الأمالي والنوادر ص 104 (بيروت). وذكر النويري البيت الأول والثاني ولم ينسبهما لأحد. نهاية الأرب 2/ 158 (مطبعة دار الكتب المصرية). (¬1) ص 317، ورواية المفصل: أفد الترحل.

[إملاء 110] [زيادة الباء في فاعل "حب"]

أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد (¬1) يصف أحوال الناس في الدنيا، وأن الناس منهم من رحل ومنهم من قرب رحيله. فأشار بقوله: وكأن قد، أي: وكأن قد زالت ركابنا. وموضع الاستشهاد منه ظاهر وكذلك إعرابه. [إملاء 110] [زيادة الباء في فاعل "حب"] وقال أيضاً مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬2): فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل (¬3) شرع في هذا البيت يبين الأصل الذي كانت عليه "حب" قبل اتصالها بـ "ذا" وإنها لها (¬4) كالأفعال. و"مقتولة" نصب على الحال من الضمير في "بها". و"بها" فاعل "حب" زيدت فيه الباء على غير قياس، كقوله: كفى به شهيداً، ومعناه واضح. وقد تبين موضع الاستشهاد منه. ¬

_ (¬1) هذا البيت من الكامل وقائله النابغة اذبياني. انظر ديوانه ص 38 (تحقيق وشرح كرم البستاني). ورواية الديوان: أفد الترحل. وهو من شواهد الخصائص 2/ 361، والرضى 2/ 131، والهمع 1/ 143، والخزانة 3/ 232. والشاهد فيه جواز طرح الفعل بعد (قد) إذا فهم. (¬2) ص 275. وقد ذكر الزمخشري عجز البيت ولم يذكر صدره. (¬3) هذا البيت من الطويل وهو للأخطل. انظر شعره 1/ 19 ورواية الديوان: وأطيب بها مفتولة. وهو من شواهد الخزانة 4/ 122، واللسان (قتل)، وابن يعيش 7/ 129. والشاهد فيه مجيء فاعل (حب) الذي للمدح متصلاً بالباء الزائدة. (¬4) لها: سقطت من د.

[إملاء 111] [جواز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه]

[إملاء 111] [جواز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه] وقال مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬1): أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني (¬2) يعني: أنني أرتكب الأهوال ولا أجبن عنها. وقوله: متى أضع العمامة، إما أن يريد كثرة مباشرته الحروف فلا يراه الأكثر إلا بغير عمامة، فقال: متى أضع العمامة يعرفني الذي ما رآني إلا غير متعمم. أو يريد أنني مكثر لمباشرة الحروب ولباس عدة الحرب، فمتى أضع العمامة وألبس آلة الحروب تعرفوني. يعني: أني إذا حاربت عرفت بإقدامي وشجاعتي. وأما قوله: جلا، فقيه أقوال: قيل: تقديره: أنا ابن رجل جلا، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. وقيل: إن "جلا" علم غلب على أبيه. وقيل: إنه (¬3) أراد أنا ابن ذي جلا، و"جلا" انحسار الشعر عن مقدم الرأس. [إملاء 112] [تسكين هاء "هي" في بيت من الشعر] وقال مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬4): فقمت للطيف مرتاعاً وأرقني ... فقلت أهي سرت أم عاقني حلم (¬5) ¬

_ (¬1) ص 119. (¬2) هذا البيت من الوافر وهو لسحيم بن وثيل الرياحي. وهو من شواهد سيبويه 3/ 207، والكامل 1/ 132، ومجالس ثعلب ص 176، والمقرب 1/ 283، والرضي 1/ 64. والشاهد فيه أن (رجل) صفة لمحذوف، أي: رجل جلا. (¬3) في س: إنما. (¬4) ص 356. ولم يذكر الزمخشري إلا عجزه. (¬5) البيت من البسيط. وينسب لزياد بن حمل. وهو من شواهد الخصائص 1/ 305، والمغني =

[إملاء 113] [من مسائل إعمال الصفة المشبهة]

يريد أني قمت من أجل الطيف قائماً منتبهاً مذعوراً للقائه، وأرقني لما لم يحصل اجتماع محقق، ثم ارتبت لعدم الاجتماع هل كان (¬1) على التحقيق أو كان ذلك في المنام. ويجوز أن يريد: فقمت للطيف، أي: قمت وأنا في النوم إجلالا في حال كوني مذعوراً لاستعظامها، وأرقني ذلك لما انتبهت فلم أجد شيئاً محققا. ثم من فرط صبابته شك أهي في التحقيق سرت أم كان ذلك حلماً على عادتهم في مبالغاتهم كقوله: آأنت أم أم سالم (¬2) وذلك كثير في شعرهم. و"مرتاعاً" نصب على الحال. وإعرابه وموضع استشهاده ظاهر. [إملاء 113] [من مسائل إعمال الصفة المشبهة] وقال مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬3): ¬

_ = 1/ 41 (دمشق)، واللسان (هيا). ورواية المفصل: أم عادني حلم. والشاهد فيه تسكين هاء (هي) وقد اتصلت بهمزة الاستفهام للضرورة. (¬1) في الأصل وفي ب، د، م: كانت. وما أثبتناه من س. وهو الصواب لأنه لا مسوغ لتأنيثه. (¬2) البيت بتمامه: فيا ظبية الوعاء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أم سالم. وهو من البحر الطويل وقائله ذو الرمة. انظر ديوانه ص 700. وهو من شواهد سيبويه 3/ 551 والمقتضب 1/ 163 والخصائص 2/ 458 وأمالي ابن الشجري 1/ 321. والشاهد فيه حذف خبر المبتدأ الذي هو أنت. (¬3) ص 230.

ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجب الظهر ليس له سنام (¬1) وقبله: فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع الناس والنعم الركام يعني: إن يهلك هذا الرجل يذهب عنا بهلاكه ما كنا فيه من الخير والسعة والنصر، ونأخذ بعده في حال لا ترجى. ثم شبهها بالذناب، وجعل لها ظهراً مقطوعاً لا سنام له كله مبالغة في رداءة العيش الذي يكونون فيه بعده. وقوله: أجب الظهر، منصوب على التشبيه بالمفعول. و"أجب" مخفوض، علامة خفضه الفتحة، صفة لذناب أو عيش. ونصب "الظهر" كنصب الوجه في قولك: مررت برجل حسن الوجه، وهي لغة فصيحة على التشبيه بالمفعول. ومنهم من جعله نصباً على التمييز، ولا حاجة إليه لكونه معرفة، والتمييز المنصوب إنما يكون بالنكرات. وقول بعضهم: إنه تمييز وإنما أتى التعريف لما كان الخفض أكثر بالألف واللام، فمرنت ألسنتهم عليه، وقصدوا إلى التمييز، جرت ألسنتهم على اللام مع قصد التمييز، كما جرت على ضم اللام في: الحمد لله، لما مرنت ألسنتهم على الاتباع، ضعيف، ويكفي في ضعفه تشبيهه بـ (الحمد لله)، فإنه رديء إذ لم تعهد لام الجر مضمومة. وأيضاً فإنه كان يجب على هؤلاء أن يجيزوا خاتم الحديد، لأنه يقال: خاتم حديد، وخاتم الحديد، وخاتم حديداً، كما يجوز أجب ظهر وأجب الظهر وأجب ظهراً. فإن حسن "أجب الظهر" لما ذكروه، حسن "خاتم الحديد"، ولا قائل به. ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر وقائله النابغة الذبياني. انظر ديوانه ص 110. ورواية الديوان: ونمسك بعده بذناب عيش. وهو من شواهد سيبويه 1/ 196، والمقتضب 2/ 179، والرضي 2/ 309، وأمالي ابن الشجري 2/ 143. والشاهد فيه أنه أعمل (أجب) في الظهر كما أعمل (حسن) في الوجه في قولك: مررت برجل حسن الوجه.

[إملاء 114] [مجيء اسم المكان على رنة اسم المفعول]

[إملاء 114] [مجيء اسم المكان على رنة اسم المفعول] وقال مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬1) وهو: محرنجم الجامل والنئي ... وصاليات للصلى صلي (¬2) وقبله: أأن (¬3) شجاك طلل عامي ... قدما يرى من عهده الكرسي (¬4) يجوز أن يكون مصدراً في الأصل، ووصف به كما وصف بغيره من المصادر. ويجوز أن يكون على حذف مضاف، أي: ذو احرنجام. والجامل فاعل في المعنى أضيف المصدر إليه. ويجوز أن يكون اسم مكان أضيف إلى الجامل للتخصيص كما يضاف مكان إلى زيد، فيكون على هذا بدلاً من "طلل"، بدل كل من كل، لأن أسماء المكان لا يوصف بها. وهو على الأول صفة. و"النئي" عطف على "طلل"، كأنه قيل: أشجاك طلل وشجاك نئي؟ ولا يجوز أن يكون عطفاً على الجامل، وإن قلنا: إنه فاعل في المعنى، لأن النئي لا يوصف بالأحرنجام، ولا على "محرنجم" إذا جعل صفة لأنه ليس بصفة. وصاليات: معطوف على "طلل"، و"صلي" صفة لـ "صاليات" كما تقول: جاءني عالم عاقل، فتصف الصفة لما أقمتها مقام الموصوف. ¬

_ (¬1) ص 238. ولم يذكر الزمخشري إلا الشطر الأول. (¬2) هذا الرجز للعجاج. انظر ديوانه 1/ 484. وهو من شواهد الخزانة 4/ 512 محرنجم الجامل: أي مكان اجتماع الإبل. والنئي: حفرة حول الخيمة تمنع المطر. والصاليات: الأثافي. والصلى: الوقود. والشاهد فيه مجيء (محرنجم) اسم مكان وهو على رنة اسم المفعول. (¬3) في الديوان: من أن. (¬4) الكرسي: هي الدمن والأبعار. اللسان (كرس).

[إملاء 115] [أفعل التفضيل لا يعمل في الظاهر]

[إملاء 115] [أفعل التفضيل لا يعمل في الظاهر] وقال مملياً على قول الشاعر (¬1): وأضرب منا بالسيوف القوانسا (¬2) وصدره: أكر وأحمى للحقيقة منهم وقبله: فلم أر مثل الحي حياً مصبحاً ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا إن أريد بالرؤية العلم فـ "حياً" منصوب بها مفعول أول، و"مثل الحي" مفعول ثان. و"فوارسا" مفعول أول، و"مثلنا" مفعول ثان. وإن أريد رؤية العين فيحتمل أن يكون "حياً مصبحاً" هو المفعول، و"مثل الحي" صفة قدمت فانتصب على الحال. ويجوز أن يكون "مثل الحي" هو المفعول، و"حياً مصبحاً" إما عطف بيان لقوله: مثل الحي، وإما حال من الحي. كأنه قال: مثل الحي مصبحاً، وأتى بـ "حي" للتوطئة للصفة المعنوية كقولهم: جاءني الرجل الذي تعلم رجلاً صالحاً. وصح الحال من المضاف إليه لأنه هنا في معنى المفعول، أي: لم أر مماثلا للحي في حال كونهم مصبحين. والمضاف إليه إذا كان في معنى فاعل أو مفعول صح منه الحال كغيره (¬3). ¬

_ (¬1) ص 237. (¬2) البيت من الطويل وقائله عباس بن مرداس. انظر حماسة أبي تمام 1/ 169، والحماسة البصرية 1/ 55، وابن يعيش 6/ 106. والشاهد فيه قوله: "القوانسا) حيث نصب بفعل محذوف دل عليه (أضرب). وقونس المرأة: مقدم رأسها. وقونس البيضة من السلاح: مقدمها، وقيل: أعلاها. انظر اللسان (قنس). (¬3) وتحقيق هذه المسألة هو أن الحال تجيء من المضاف إليه إذا كان المضاف بعضه، كأعجبني =

[إملاء 116] [جمع "من" في الوصل للضرورة]

ويجوز أن يكون تمييزاً كقولك: عندي مثله تمراً أو قمحاً أو شبه ذلك، كقولهم: على التمرة مثلها زبدا، لما في "مثل" من إبهام الذات، فصح تمييزها كتمييز ما أشبهها، قال الله تعالى: {أو عدل ذلك صياما} (¬1)، وكل ما ذكر في ذلك فهو جار في قوله: مثلنا فوارساً. ففوارسا: مثل قوله: مصبحاً. ومثلنا: مثل قوله: مثل الحي. وقوله: أكر وأحمي، تبيين لما ادعاه فيما تقدم. فيجوز أن ينتصب بفعل مقدر لا صفة لما تقدم، لئلا يفصل بين الصفة والموصوف بما هو كالأجنبي إذا جعلاً تمييزاً. ويجوز أن يكون صفة لما تقدم، كأنها صفة واحدة إذا جعلاً غير تمييز، كأنه قال: جاءني زيد وعمرو العاقل والعالم، وذلك جائز. فـ "أكر وأحمي" صفة لـ "حيا مصبحاً". و"أضرب منا" صفة لـ "فوارسا". و"القوانسا" منصوب بفعل مقدر، كأنه سئل عما يضربون، فقال: نضرب القوانسا، لأن أفعل لا يعمل في الظاهر (¬2)، وهو موضع الاستشهاد، والمعنى: أنه وصف الحي الذين صبحوهم بأنهم على قوة وشدة وكر وحماية. وإذا وصف من أخذوهم بالقوة دل ذلك على قوة الآخذين، بخلاف ما إذا كانوا ضعفاء. [إملاء 116] [جمع "من" في الوصل للضرورة] وقال مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬3): ¬

_ = وجهها مسفرة، أو كبعضه نحو "ملة إبراهيم حنيفا"، أو عاملاً في الحال نحو: هذا شارب السويق ملتوتاً. انظر أوضح المسالك 2/ 229. (¬1) المائدة: 95. (¬2) إلا في مسألة الكحل مثل قولك: ما رأيت عيناً أحسن فيها الكحل منه في عين زيد. (¬3) ص 147. ولم يذكر الزمخشري إلا صدره.

أتوا ناري فقلت: منون أنتم ... فقالوا: الجن قلت: عموا ظلاماً (¬1) وقبله: ونار قد حضأت لها بليل ... بدار لا أريد بها مقاما سوى تحليل راحلة وعين ... أكالئه مخافة أن تنامي وبعد قوله: أتوا ناري: فقلت: إلى الطعام فقال منهم ... زعيم: نحسد الإنس الطعاما "ظلاما" منصوب على التمييز، أي: نعم ظلامكم، كما تقول: أحسن الله صباحك. ولا يحسن أن يكون ظرفاً، إذ ليس المراد أنهم نعموا في ظلام وفي صباح، وإنما المراد أنه نعم صباحهم، وإذا حسن صباحهم كان به المعنى. وقوله: نحسد الإنس الطعاما. "الطعام" مفعول ثان، إما على تقدير حذف حرف خفض، أي: نحسد الإنس على الطعام، وإما على أنه متعد بنفسه من أصله، كقولك: استغفرت الله الذنب ومن الذنب. ويقال: إنس وأنس بمعنى واحد. وموضع الاستشهاد منه ظاهر. وما قبله كذلك في الظهور. و"حضأت" أي: أشعلت وأوقدت، يقال: حضأت النار أحضؤها حضئاً. وقوله: سوى تحليل راحلة، أراد سوى راحلة أقمت بها فيها بقدر تحلة اليمين. ¬

_ (¬1) هذا البيت وما بعده من الوافر. وقد اختلف في قائله. وهو من شواهد سيبويه 2/ 411، والمقتضب 2/ 307، والخصائص 1/ 129، والدرر 2/ 218. ونسبه الشنقيطي لشمر بن الحارث الضبي. ونسبه ابن البيرافي لسمير الضبي 2/ 174. ونسبه ابن يعيش 4/ 16 لشمر بن الحارث الطائي. والشاهد فيه قوله (منون) حيث جمعه بالوصل ضرورة. وهو جمع (من).

[إملاء 117] [معنى شعر لعوف بن الأحوص]

[إملاء 117] [معنى شعر لعوف بن الأحوص] ومن أبيات المفصل (¬1) قول عوف بن الأحوص من كلام الخطيب التبريزي (¬2) عرضته عليه فاستجوده: وكنت إذا منيت بخصم سوء ... دلفت له فأكويه وقاع (¬3) بعده: فتبدي عن فقار الصلب طوراً ... وطوراً قد تجوب عن النخاع منيت: بليت، ودلفت له: قصدته فكويته، فتبدي الكية عن فقار صلبه، وهي العظام التي في وسطه، الواحدة: فقارة. والنخاع: الذي كهيئة الخط الأبيض يكون في وسط فقار الصلب. وتجوب: تخرق في الجلد واللحم والعظم حتى تصل إلى النخاع، وهذا على طريق التمثيل، وليس يريد الكي في التحقيق. إنما يريد أنه يعمل به عملاً يبلغ به غاية المكروه، فيكون بمنزلة من كوي هذا الكي. قال: وهي الدائرة على الجاعرتين (¬4) وحيث ما كانت، ولا تكون إلا دارة. ¬

_ (¬1) ص 159. (¬2) هو يحيى بن محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن الخطيب التبريزي. أحد الأئمة في النحو واللغة والأدب. أخذ عن أبي العلاء المعري وعبد القاهر الجرجاني. من تصانيفه: شرح القصائد العشر، شرح شعر المتنبي، شرح شعر ابي تمام، تهذيب الإصلاح لابن السكيت. توفي سنة 502 هـ. انظر بغية الوعاة 2/ 338. (¬3) البيت من بحر الوافر. انظر اللسان (وقع). ونوادر أبي زيد 151. وابن يعيش 4/ 62. والشاهد فيه قوله: (وقاع)، حيث استعملها علماً على تلك الكية المخصوصة. وقد أوضح المؤلف معناه. (¬4) الجاعرتان: حرفا الوركين المشرفان على الفخذين. وقيل: هما رؤوس أعالي الفخذين =

[إملاء 118] [إبدال الصاد تاء]

[إملاء 118] [إبدال الصاد تاء] وقال أيضاً على قول الشاعر في المفصل (¬1): وبني كنانة كاللصوت المرد (¬2) وصدره: فتركن نهداً عيلاً أبناؤها معناه: أن هؤلاء تركوا هذه القبيلة أبناؤها فقراء لأنهم قتلوا آباءهم وبني كنانة كذلك. وانضم إلى ذلك أنهم بقوا من شدة الفقرة لصوصاً مردة. وموضع الاستشهاد ظاهر. ويقال: لص ولص بين اللصوصية، والجمع لصوص. قال أبو بكر (¬3): قال الأصمعي: والفتح أعلى. وقال صاحب الصحاح (¬4): لُصٌّ بضم اللام. ... ¬

_ = اللسان (جعر). وكلام ابن الحاجب هنا في معنى: وقاع. (¬1) ص 368. ولم يذكر الزمخشري إلا قوله: كاللصوت المرد. (¬2) البيت من الكامل وهو لعبد الأسود بن عامر بن جوين الطائي. وهو من شواهد شرح الشافية للرضي 3/ 222 (تحقيق محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محيي الدين عبد الحميد). ولسان العرب (عيل، لصت). والمذكر والمؤنث للأنباري ص 316 (تحقيق الدكتور طارق عبد عون الجنابي). نهد: اسم قبيلة. وعيل: فقراء. والشاهد فيه (كاللصوت) حيث أبدل الشاعر الصاد تاء. (¬3) هو محمد بن الحسن بن دريد. ولد بالبصرة سنة 223 هـ. روى عن عبد الرحمن أخي الأصمعي وأبي حاتم. وروي عنه السيرافي وأبو الفرج الأصبهاني. من تصانيفه الجمهرة في اللغة، الأمالي، المقصور والممدود، المقصورة، الأنواء. مات في عمان سنة 321 هـ. انظر بغية الوعاة 1/ 76. (¬4) هو الجوهري. انظر الصحاح (لصص). والجوهري هو إسماعيل بن حماد. صنف مقدمة في النحو، والصحاح في اللغة. توفي 398 هـ. انظر إنباه الرواة 1/ 194.

[إملاء 119] [معنى رجز ينسب للعجاج]

[إملاء 119] [معنى رجز ينسب للعجاج] وقال أيضاً مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬1): جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط (¬2) وقبله: ما زلت أسعى معهم وأختبط ... حتى إذا جن الظلام المختلط جاءوا: معناه أنه يصفهم بالبخل واللؤم في ترك إكرام من نزل بهم. وبالغ في أنهم لم يأتوا بما أتوا (¬3) به مع ما فيه من اللؤم إلا بعد سعى واختباط ومضي جانب من الليل. ثم بعد ذلك لم يأتوا إلا بلبن قد شيب بالماء حتى صار كلون الذئب لزرقته (¬4) لأنه سمار، أي: مشوب بالماء. [إملاء 120] [فائدة عمرك الله وقعدك] وقال مملياً بدمشق في رجب سنة أربع وعشرين وستمائة على قول صاحب المفصل (¬5): "عمرك الله وقعدك": فيهما فائدة. لأنه إذا ثبت أن الواضع ¬

_ (¬1) ص 15. (¬2) قيل: إن هذا الرجز للعجاج انظر ديوانه - الملحقات 2/ 304. والرواية فيه: حتى إذا كاد الظلام يختلط. وانظر الكامل 2/ 113 والإنصاف 1/ 115 والمقرب 2/ 220 والخزانة 2/ 482. والشاهد فيه قوله: هل رأيت، حيث وقع صفة (مذق) بتقدير القول، لأنها جملة إنشائية لا تصلح أن تكون صفة. والمذق: اللبن المخلوط بالماء. (¬3) بما أتوا: سقطت من د. (¬4) في ب: لورقته. وهو تحريف. (¬5) ص 33.

[إملاء 121] [مسألة في توابع المنادى المضموم]

الله تعالى وثبت أن من لغة العرب لفظاً يطلقونه على الباري لم يحتج إلى إذن من الشرع لثبوت أن الله هو الواضع. وإن قلنا: إن الواضع العرب، واحد أو جماعة، لم يكفنا إطلاق اللفظ لجواز أن يطلقوا على الباري ما يمنع الشرع بعد وروده إطلاقه. [إملاء 121] [مسألة في توابع المنادى المضموم] وقال أيضاً في قوله: {يا جبال أوبي معه والطير} (¬1): الأولى أن يكون من هذا الباب (¬2)، لأن باب المفعول معه قليل حتى أن بعضهم لم يجوزه إلا سماعاً لا قياساً (¬3)، وهذا الباب جار قياساً كثيراً فحمله على الأكثر أولى. [إملاء 122] [توضيح كلام للزمخشري في باب المثنى] وقال مملياً بدمشق سنة خمس وعشرين وستمائة في قول صاحب المفصل (¬4): "فاستعمل هذا والأصل معاً": ولم يقل: فاستعمل الأصل وهذا معاً، لأن مقصوده أن الأصل عنده مطرح وهو قوله: ظهراهما (¬5): ولما كان ¬

_ (¬1) سبأ: 10. (¬2) أي: باب توابع المنادى المضموم. انظر المفصل ص 37. (¬3) قال أبو علي الفارسي: "قال أبو الحسن: قوم من النحويين يقيسون هذا في كل شيء، وقوم يقصرونه على ما سمع منه. وقوى هذا القول الثاني". الإيضاح العضدي ص 195. (¬4) ص 188. (¬5) الرجز بتمامه: ظهراهما مثل ظهور الترسين. وهو لخطام المجاشعي. وقبله: ومهمين قذفين مرتين. انظر سيبويه 2/ 48 والخزانة 3/ 374.

[إملاء 123] [السبب في عدم حد الزمخشري خبر إن وأخواتها]

ظهور الترسين هو الأصل عنده خصه بالذكر بالإشارة، بخلاف الأصل المرفوض عنده، فلهذا قال: فاستعمل هذا، يعني: ظهور، والأصل، يعني ظهراهما. [إملاء 123] [السبب في عدم حد الزمخشري خبر إن وأخواتها] وقال أيضاً على المفصل (¬1) في قوله: "خبر إن وأخواتها هو المرفوع": إنما لم يحده لأنه معلوم. وذلك أنه خبر المبتدأ في المعنى، ولما تقدم ذكره استغنى عن حده هنا بما تقدم. [إملاء 124] [تكرير المخشري الكلام في حذف خبر إن] وقال أيضاً في قوله (¬2): "وقد حذف في قولهم: إن مالاً وإن ولداً" إلى آخره. لا حاجة إلى ذكر هذا لأنه قد ذكر ما يدل عليه وهو قوله: "وجميع ما ذكر في خبر المبتدأ من أصنافه وأحواله وشرائطه قائم فيه"ز فإن كون الخبر محذوفاً تارة ومثبتاً أخرى حال من أحواله، فهو داخل في قوله: وأحواله، فهذا يقع تكراراً. وإنما ألجأه إلى ذكر التنبيه على ما وقع في كلامهم من هذا الباب. [إملاء 125] [حذف خبر إن] وقال أيضاً في قول صاحب المفصل (¬3): "إن مالاً وإن عدداً": ينبغي أن ¬

_ (¬1) ص 27. (¬2) ص 28. (¬3) ص 28. وعبارة الزمخشري: إن مالاً وإن ولداً وإن عدداً.

[إملاء 126] [تسمية "لا" التي لنفي الجنس]

يكون التقدير: إن لنا مالاً (¬1)، فيقدر الخبر متقدما، ولو قدره متأخراً لم يسغ، لأن الاسم يبقى نكرة من غير شرط، بخلاف قولهم: إن زيداً وإن عمراً، فإنه لو قدر متقدماً أو متأخراً لكان سائغاً. وأمثلته في الأول تدل على ذلك. [إملاء 126] [تسمية "لا" التي لنفي الجنس] وقال أيضاً على قوله (¬2): "خبر لا لنفي الجنس": "لا" التي لنفي الجنس، و"لا" التي بمعنى ليس، كلاهما لنفي الجنس. وإنما خصوا الأولى بهذا الاسم لأن هذه هي الموضوعة لذلك فصيحاً، فأضافوها إلى المعنى الذي وضعت لأجله. واستعمالها بمعنى ليس غير فصيح. ألا ترى أن العربي الفصيح في سعة الكلام لا يقول: لا رجل في الدار، وإنما يقول: لا رجل في الدار، فلذلك سموها بمعناها الذي هو نفي الجنس. وأيضاً فإن "لا" التي بمعنى ليس لها شبه بـ "ليس" وهو شبه قوي، وليس كذلك "لا" التي لنفي الجنس، فإنها وإن شبهت بـ "إن" إلا أنه شبه باشتراكهما في النقيض. [إملاء 127] [الكلام في قولهم: فاهاً لفيك] وقال أيضاً في المصدر (¬3): "فاهاً لفيك" هذا أصله أن يكون: فوهاً ¬

_ (¬1) قال ابن يعيش: "اعلم أن أخبار هذه الحروف إذا كانت ظرفاً أو جاراً ومجروراً فإنه قد يجوز حذفها والسكوت على أسمائها دونها، وذلك لكثرة استعمالها والاتساع فيها، ودلالة قرائن الأحوال عليها، وذلك قولهم: إن مالاً وإن ولداً وإن عدداً؛ أي: إن لهم مالاً وإن لهم ولداً وإن لهم عدداً، ولم يحتج لإظهاره لتقدم السؤال عنه". شرح المفصل 1/ 103. (¬2) ص 29. وعبارة الزمخشري: خبر لا التي لنفي الجنس. والظاهر أن (التي) سقطت من النسخ سهواً. (¬3) ص 33.

[إملاء 128] [إمالة "دعا" وعدم إمالة "قال"]

لفيك، جملة من مبتدأ وخبر، فكان القياس أن تأتي على ما كانت عليه. إذ الجمل هذا سبيلها. إذا كانت في الأصل لشيء ثم نقلت عن ذلك الأصل تنقل على ما كانت عليه. وكذلك قولهم: كلمته فاه إلى في. أصله: فوه إلى في. إلا أنهم (¬1) لما كثر استعمالهم له بمعنى: مشافها، وغلب ذلك فيه حتى صار يفهم منه: مشافها، مع قطع النظر عن مفردات الجملة باعتبار الإسناد أجروه مجرى المفرد في إعرابه بإعرابه لما قبل ذلك. وكذلك: فاهاً لفيه، لما علموا استعماله في معنى الخيبة والدهي حتى يصير التركيب فيه نسياً منسياً أجروه مجرى المفرد الذي صار بالآخرة كمعناه في إعرابه الاسم الأول بإعرابه، وصار الثاني كأنه (¬2) جار ومجرور من تتمته، كقولهم: بايعته يداً بيد، وبعت الشاء شاة ودرهما، وكذلك ما أشبهه. وهذا مما لم يتكلم عليه النحويون لغموضه وإشكاله (¬3). [إملاء 128] [إمالة "دعا" وعدم إمالة "قال"] وقال أيضاً مملياً على المفصل في الأمالة في المشترك (¬4): إن قيل لم أمالوا "دعا" ولم يميلوا "قال" والعلة المقتضية للإمالة في "دعا" موجودة فيه وأمثاله. وذلك أن العلة للإمالة هي صيرورة الألف إلى الياء إذا بني الفعل لما ¬

_ (¬1) في س: أنه. (¬2) كأنه: سقطت من د. (¬3) قول ابن الحاجب: "وهذا مما لم يتكلم عليه النحويون لغموضه وإشكاله" فيه نظر فقد تكلم سيبويه عن هذه المسألة. انظر الكتاب 1/ 315، 391. (¬4) ص 335.

[إملاء 129] [اعتراض على الزمخشري في إعلال الواو]

لم يسم فاعله في قولك: دعي، فليكن كذلك في قولهم: قال ولام من اللوم، وما شاكل ذلك. فإنك تقول فيه: قيل وليم، فتنقلب الألف ياء، فليكن مثل: دعا؟. وأجاب عنه من وجهين: أحدهما: أن الياء في "دعي" يجب قلبها متحركة فصارت كالأصلية لقوتها، والياء في "ليم" و"قيل" لا تتحرك بل ميتة ساكنة، فجعل للمتحرك على الساكن مزية. الثاني: أن قلبها في "دعي" واجب لا ينتقل فيه إلى غيره والكسرة قبلها لازمة لا تقبل غير ذلك بخلاف: ليم وقيل، فإنه قد يقال فيه: لوم وقول (¬1). وقد يشم (¬2) الحرف المكسور الضم على لغة فصيحة، فجعل لما قبلها فيه واجب، والكسرة لازمة على ما ليس كذلك مزية. [إملاء 129] [اعتراض على الزمخشري في إعلال الواو] وقال مملياً: وسياقه الولدة مع وعد (¬3)، ليس بمستقيم لأنه يقال: لدة وولذة وجهة ووجهة. فهذا مما يجوز فيه ثبوت الواو وإسقاطها فكيف يستقيم سياقها مع ما هو واجب الثبوت؟ وإنما أتى به على أحد الأمرين في الثبوت، ولم يعتبر الأمر الآخر. ¬

_ (¬1) وتنسب هذه اللغة لفقعس ودبير وهما حيان من قبيلة بني أسد. انظر أوضح المسالك 2/ 157. (¬2) الأشمام: هو ضم الشفتين بعد الإسكان. (¬3) ص 375. قال الزمخشري: "الواو تثبت صحيحة وتسقط وتقلب فثباتها على الصحة في نحو: وعد وولد والوعد والولدة".

[إملاء 130] [حد اللقب]

[إملاء 130] [حد اللقب] وقال مملياً: حد اللقب الذي أشار إليه الزمخشري في مفصله (¬1): كل اسم غير صفة صار علماً بالغلبة. والمراد بالغلبة ما لم يوضع بوضع واضع خاص. وإنما قلنا: غير صفة، احتراز من الصفات التي غلبت حتى صارت أعلاماً، من نحو قولك: الكاتب والوزير والصاحب. لأنها لو كانت منها لجاز إضافة الاسم إليها في مثل قولك: زيد الكاتب وعمرو الصاحب، بل بقوها جارية صفات على ما كانت عليه. وهذه جوزوا فيها الإضافة إذ لم يكن لها مع الاسم حال مخصوصة متقدمة فتبقى عليه، فلذلك قالوا: زيد قفة، والمراد مسمى هذا اللقب على ما بسط في غير موضع (¬2). وإنما قلنا: صار علماً بالغلبة، احتراز من أن يسمى مسمى (¬3) باسمين بالأصالة، فإنه لا يقال: زيد أبي عمرو، لأنهما عندهم سواء، بخلاف اللقب الغالب لأنه لم يغلب إلا لشهرته، فأضافوا الخفي إلى المشهور ليوضحوه، ويحققه أنهم لا يقولون: قفة زيد، ولا بطة قيس. ثم لا ننكر أن اللقب يصح إطلاقه على كل ما ذكر، وإنما قصدنا تفسيره في هذا الموضع في قصد مورده. [إملاء 131] [اعتراض على الزمخشري في باب اسم "لا" التي لنفي الجنس] وقال أيضاً مملياً على قوله (¬4): "واعلم أن كل شيء حسن لك أن تعمل فيه رب حسن لك أن تعمل فيه لا": ¬

_ (¬1) ص 9. (¬2) انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 80. (¬3) في الأصل وفي م، د: يسمي مسم. وما أثبتناه هو الصحيح لأن المعنى يستقيم به. (¬4) ص 76. وقد نقلها الزمخشري عن سيبويه. انظر الكتاب 2/ 286.

[إملاء 132] [جواب إيراد على الزمخشري في تعريف الأعلام المثناة أو المجموعة]

أورده على أن "لا" لا تعمل إلا في النكرة، مستشهداً بقول سيبويه. وليس بمفيد مقصوده لكونه وقع خبراً، والخبر قد يكون أعم، ألا ترى أنه لو كانت "لا" تعمل في النكرة والمعرفة لكان هذا الكلام صحيحاً، وإذا كان كذلك لم يفد أنها لا تعمل إلا في النكرة. [إملاء 132] [جواب إيراد على الزمخشري في تعريف الأعلام المثناة أو المجموعة] وقال مملياً إذ. أورد على قول الزمخشري في مفصله (¬1): "وكل مثنى أو مجموع من الأعلام فتعريفه باللام" قولهم: يا زيدان ويا زيدون، فإنه معرف ولا لام فيه. فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن يقال: إن "يا زيدان". هنا تثنية زيد في قولك: جاءني زيد من الزيود، على اللغة القليلة. فيكون قولك: يا زيدان، مثل قولك: يا رجلان (¬2)، ويا زيدون، مثل قولك: يا ضاربون. الثاني: أن "يا زيدان" الأصل فيه: يا أيها الزيدان ويا أيها الزيدون، كما أن أصل قولك: يا رجل، يا أيها الرجل. ولكن لما كان باب قولك: يا أيها الرجل، لك أن تحذف اللام وتستغني بحرف النداء لا فادتها المعنى الذي يفيده اللام أجرى. قولك: يا أيها الزيدان، مجراه لأنه من بابه. والذي على أنه منه امتناع: زيدان، كامتناع: رجل، كراهية أن يكثر الحذف. ¬

_ (¬1) ص 14. (¬2) قال ابن يعيش في الفرق بينهما ما معناه: إن الزيدين مشتركان في التسمية بزيد والرجلين مشتركان في الحقيقة وهي الذكورية والآمية. شرح المفصل 1/ 46.

[إملاء 133] [حد اسم الجنس]

[إملاء 133] [حد اسم الجنس] وقال مملياً: كره الزمخشري أن يقول في حد اسم الجنس ما ذكره المنطقيون من قولهم: ما وضع لمسمى لا تمنع الشركة فيه، وهو يسمى متواطئاً. وكره أن يقول: ما دل على كثرة باعتبار معنى واحد، لئلا يوهم أن الكثرة مستفادة من إطلاقه، ولا يستفاد منه إلا المفرد، فعدل إلى قوله: (¬1): "ما دل على شيء وعلى كل ما أشبهه" (¬2). ولم يمكنه أن يحده بما ذكر أولاً لأنه أمر ذهني، والمعنى الذهني متحد لا شركة فيه. ثم ليس هو في الحقيقة موضوعاً له، فإنا نقطع بأن وضع رجل لما في الخارج، وما في الذهن يستحيل أن يكون في الخارج. [إملاء 134] [توضيح كلام للزمخشري في باب التمييز] وقال رحمه الله: قوله في التمييز (¬3): "ومنادية على أن الأصل". استعار ¬

_ (¬1) ص 6. وعبارة الزمخشري: ما علق على شيء وعلى كل ما أشبهه. (¬2) قال ابن يعيش موضحاً قول الزمخشري: "وتحقيق ذلك أن الاسم المفرد إذا دل على أشياء كثيرة ودل مع ذلك على الأمر الذي وقع به تشابه تلك الأشياء تشابهاً تاماً حتى يكون ذلك الاسم اسماً لذلك الأمر الذي وقع به التشابه فإن ذلك الاسم يسمى اسم الجنس وهو المتواطئ كالحيوان الواقع على الإنسان والفرس والثور والأسد. فالتشابه بين هذه الأشياء وقع بالحياة الموجودة في الجميع، وكذلك إذا قلت: إنسان، وقع على كل إنسان باعتبار الآدمية، وكذلك إذا قلت: رجل، وقع على كل رجل باعتبار الرجولية وهي الذكورة والآدمية". شرح المفصل 1/ 26. (¬3) ص 66.

[إملاء 135] [معنى بيت لذي الرمة وإعراب بعض كلماته]

لها النداء وكأن فيها شيئاً ينادي بأن أصلها كذا، كما يقال: فعل فلان ينادي عليه بكذا" (¬1). وقوله في المفصل (¬2): "التمييز رفع الإبهام". قال مملياً: ليس التمييز في الحقيقة رفعاً لأنه اللفظ الذي حصل عنه هذا الرفع المراد. وإنما يغتفر النحويون مثل ذلك لكونه معلوماً. إما على معنى لفظ رفع الإبهام أو رافع الإبهام أو ما أشبه ذلك، أو لأن الغرض ذكر ما يتميز به باعتبار المدلولات، إذ كان هو المقصود في التحقيق. [إملاء 135] [معنى بيت لذي الرمة وإعراب بعض كلماته] وقال مملياً على قول الشاعر في المفصل (¬3): ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه ... لشيء نحته عن يديه المقادر (¬4) "الوجد" إما فاعل "الباخع" فلا ضمير في "الباخع"، والتقدير: الذي بخع الوجد نفسه، أي: أهلك، من قولك: "فلعلك باخع نفسك" (¬5) وإما مفعول من أجله. فيكون في "الباخع" ضمير يرجع إلى الموصول الذي بخع هو ¬

_ (¬1) قال ابن يعيش: "وقوله: ومنادية على أن الأصل كذا، يريد أنه مفهوم منها معنى الوصفية، وإن لم يكن اللفظ على ذلك". شرح المفصل 2/ 75. (¬2) ص 65. (¬3) ص 39. (¬4) هذا البيت من البحر الطويل، وقائله ذو الرمة. انظر ديوانه ص 338. وهو من شواهد المقتضب 4/ 259، واللسان (بخع)، وابن يعيش 2/ 7. والشاهد فيه قوله: أي، وهو منادى مبهم قد وصف باسم الإشارة (هذا). (¬5) الكهف: 6.

[إملاء 136] [حد اللقب]

نفسه، أي: أهلكها من أجل الوجد. فـ "الوجد" بالنصب تعليل لقوله: بخع نفسه، المعنى: أهلكها من أجل الوجد. و"لشيء" مع صفته تعليل لإهلاك النفس المعلل بالوجد، فهو تعليل الفعل المعلل، كما تقول: ضربت زيداً تأديباً لأنه قرابتي. فالتأديب تعليل للضرب، ولأنه قرابتي تعليل للضرب المعلل بالتأديب. ومعنى البيت: التسلية، كأنه قال: يا من أهلك نفسه الوجد أو أهلكها من أجل الوجد لأمر أزالته عن يديه المقادير. والله أعلم بالصواب (¬1). [إملاء 136] [حد اللقب] (¬2) وقال أيضاً مملياً على قوله في المفصل في حد اللقب: هو كل اسم غلب على مسماه حتى صار أشهر من أسمه. يعني: من غير وضع واضع. ويدل على ذلك قول صاحب المفصل (¬3): "وقد يغلب بعض الأسماء الشائعة على أحد المسمين به فيصير علماً له بالغلبة"، إشارة إلى هذا، إذ قولهم: ابن عمر لعبد الله، ليس وضعاً. والله أعلم. ... ¬

_ (¬1) بعدها في نسخة الأصل: فرغ عبد الرحمن بن يحيى المذهبي التبريزي أصلح الله حاله منه نسخاً ظهيرة يوم الجمعة 25 من ذي الحجة سنة 82 في مدينة دمشق المحروسة حامداً مصلياً مسلماً. (¬2) هذا الإملاء موجود في الأصل وفي س. وغير موجود في بقية النسخ. (¬3) ص 11.

كتاب أمالي ابن الحاجب لأبي عمرو عثمان بن الحاجب (570 - 646 م) دراسة وتحقيق الدكتور فخر صالح سليمان قداره الأستاذ المساعد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم الجزء الثاني دار عمار ... دار الجيل عمان - الأردن ... بيروت - لبنان

ما يتعلق بمسائل الخلاف من الأمالي

ما يتعلق بمسائل الخلاف من الأمالي

[إملاء 1] [دخول الفاء في خبر إن]

بسم الله الرحمن الرحيم [إملاء 1] [دخول الفاء في خبر إن] بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين. وقال الشيخ رحمه الله مملياً: مسألة. قال سيبويه رحمه الله: لا يجوز دخول الفاء في خبر إن (¬1)، خلافاً للأخفش. ودليله أنه حرف يمتنع دخوله على الشرط، فلا يدخل على المشبه بالشرط قياساً على "ليت". والأخفش يجيب على ذلك: بأن الأصل لم يمتنع على ما أشبه الشرط بناء على امتناع دخوله على الشرط. وإنما امتنع في: "ليت" و"لعل"، لأمر معنوي لا يستقيم معه دخوله على الشرط ولا ما أشبه الشرط. وهو أن الخبر في: ليت ولعل، هو الذي كان خبر المبتدأ. ودخول الفاء في الخبر يشعر بأن الجملة مسبب عن الأول، والجملة التي هي مسبب خبر في المعنى محتمل للصدق ¬

_ (¬1) القول في هذه المسألة: إن سيبويه لا يجيز دخول الفاء في خبر المبتدأ إلا إذا كان متضمناً معنى الشرط كقوله: الذي يأتيني فله درهم. ولا يجوز: زيد فله درهم. انظر الكتاب 3/ 102. وما نسبه إليه ابن الحاجب يبدو لي غير دقيق. والظاهر أن نسبة هذا المنع إليه مبنية على نقل الزمخشري، فقد قال: "وفي دخول إن خلاف بين الأخفش وصاحب الكتاب"، انظر المفصل ص 27. وابن الحاجب نفسه قد تنبه لهذه المسألة في الإيضاح، فبعد أن أورد حجة الطرفين قال: "وهذا كله بحث المتأخرين. والظاهر أنه مبني على نقل الزمخشري. وقد أوضحه معللاً في غير المفصل. وهو بعيد من جهة النقل والفقه. أما النقل فققد استشهد سيبويه في كتابه بعد قوله: الذين ينفقون أموالهم، بقوله: قل إن الموت. وأما الفقه فيبعد منه وقوعه في مخالفة الواضحات" 1/ 206.

[والكذب] (¬1)، وما يكون خبراً لـ طليت" لا يحتمل الصدق والكذب. فاستحال أن يكون الشيء الواحد في كلام واحد محتملا للصدق والكذب ليس محتملاً للصدق والكذب (¬2)، إذ يستحيل اجتماع النقيضين. ولا شك أن ما ذكره الأخفش واضح في صحة التعليل، وما ذكره سيبويه يجوز أن [يكون] (¬3) قد لمح في وضع الواضع وبني عليه ما ذكره، والأحكام اللغوية لا تثبت بقياس، وإنما تثبت بالنقل ثم تعلل. فالصواب أن ينظر إلى الواقع. فإن وقع ما ذكره الأخفش صح مذهبه وصح تعليله. وإن وقع ما ذكره سيبويه من حيث الاستقراء ثبت مذهبه وتعليله. وقد ثبت ما ذكره الأخفش في القرآن والكلام الفصيح. قال الله تعىالى: "إن الذين فتنوا" (¬4)، الآية، والخبر: فلهم عذاب جهنم، بالفاء. وقال: "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم" (¬5). وما ذكره بعض أصحاب سيبويه من أن الخلاف إنما وقع في دخول "إن" على "الذي" مجابة بالفاء لا في دخولها على موصول لـ "الذي"، ليس بمستقيم. فإن "الذي" لا تكون إلا صفة، فلا فرق بين ذكر موصوفها وحذفه. وما ذكره بعضهم من أن الفاء زائدة (¬6)، غير مستقيم، فإنه اعتذار بما لا ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) فاستحال ... للصدق والكذب: سقطت من د. (¬3) زيادة من س. (¬4) البروج: 10، الآية بتمامها: "إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق". (¬5) الجمعة: 8. (¬6) نقل أبو حيان هذا الرأي عن الفراء. البحر المحيط 8/ 267.

يقوله صاحب المذهب المعتذر عنه. فإن الفاء عند سيبويه لا تزاد في خبر المبتدأ (¬1). وما ذكره بعضهم من أن "الذي خبر "إن" و"فإنه ملاقيكم" جملة أخرى، ليس بمستقيم لأن المعنى على الأخبار بأن الموت يلاقيهم لا على أن الموت هو الذي يفرون. وقد يجاب عن قوله: "إن الذين فتنوا"، بأنه سيق في قوم معهودين، وشرط "الذي المشبهة بالشرط أن لا يكون في قوم مخصوصين، فهو مشترك الإلزام، فيجب أن يقدر الخبر محذوفاً، فلا يبقى في الآية جهة استدلال. والجواب: منع أنها مخصوصة بمن تقدم ذكره من أصحاب الأخدود، وإن كان ذلك هو السبب. وقد يكون السبب خاصاً والحكم عاماً، فالعمل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ألا ترى أنه لو قيل: كفر زيد ومن كفر فله نار جهنم، لم يمنع مخصوص زيد من حمل من كفر على العموم، وإن كان هو السبب، فكذلك هذا. وأما دليل الأخفش: فإنه يقول: جملة مصدرة بـ "الذي" لا يتغير (¬2) معنى خبرها في التصديق والتكذيب بما طرأ عليها، فجاز أن تدخل في خبرها الفاء إذا قصد معنى السببية قياساً على ما يطرأ فيها مما لا يغير المعنى، كقولك الذي يكرمني فله درهم (¬3). ¬

_ (¬1) الكتاب 1/ 138. (¬2) في الأصل: يتعين. وهو تحريف. (¬3) والآيتان اللتان أوردهما ابن الحاجب حجة للأخفش أوردهما سيبويه في كتابه وأجاز فيهما دخول الفاء. وشبه دخول الفاء فيهما وفي أمثالهما كدخولها في الجزاء. انظر الكتاب 3/ 102، 103. فهما حجة على من يقول إن سيبويه لا يجيز دخول الفاء في خبر إن. فهو لا يجيزه في الكلام الذي لا يشبه الشرط كقولك: إن عبد الله فله درهم.

[إملاء 2] [صرف "أحمر" إذا سمي به ثم نكر]

[إملاء 2] [صرف "أحمر" إذا سمي به ثم نكر] مسالة. قال سيبويه رحمه الله: إذا سمي بـ "أحمر" ثم نكر فإنه يمتنع من الصرف بعد تنكيره (¬1). وقال الأخفش: ينصرف (¬2). ووجه الدليل أن يقول: اسم فيه الصفة الأصلية ووزن الفعل، ولا علمية تمنع من اعتبارها، فوجب أن يمتنع من الصرف كأسود وأدهم وأرقم. وقال الأخفش: اسم نكر وليس فيه إلا علتان، وأحد (¬3) علتيه التعريف فيجب صرفه لزوال التعريف بالتنكير كأحمد وعمر وإبراهيم. والجواب: الفرق بين الفرع والأصل المقيس عليه، وهو أن الأصل لم يخلف التعريف عند زواله بالتنكير علة أخرى، والفرع كانت العلمية فيه مانعة من اعتبار الوصفية الأصلية، فلما زالت بالتنكير وجب اعتبارها عند زوال المانع لقيام السبب. ويدل على أن الوصفية الأصلية معتبرة مع غير العلمية إطباق العرب على منع صرف: أسود وأرقم، للحية، ومنع صرف: أدهم، للقيد. ولا مانع إلا الصفة الأصلية ووزن الفعل. ويدل على أن العلمية مانع من اعتبار الصفة الأصلية أطباق العرب على صرف باب: حاتم، إذا كان علماً. ولو اعتبرت الصفة الأصلية فيه لكان غير منصرف. وسره أنهم كرهوا الصفية مع ما يضاد تحقيقها سبباً لحكم واحد. ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 3/ 198. (¬2) قال الزجاج: "وزعم الأخفش وجماعة من البصريين والكوفيين أن الصفة إذا سميت بها رجلاً نحو (أحمر) لم ينصرف في المعرفة وانصرف في النكرة. قالوا: تقول: مررت بأحمر يا هذا وأحمر آخر، إذا كان اسماً. قالوا: لأنه قد خرج عن الصفة فصار بمنزلة (أحمد) إذا سمياً به، فنصرفه في النكرة كما نصرف أحمد". انظر ما ينصرف وما لا ينصرف ص 7 (تحقيق هدى محمود قراعة). (¬3) في م، س: إحدى.

[إملاء 3] [صرف جوار]

وبيان المضادة للوصفية المحققة للعلمية أن العلم (¬1) موضوع للاختصاص بمسمى (¬2) والصفة موضوعة لمسمى لا اختصاص فيه. ولما تحققوا في الوصفية المحققة كرهوا أن يعتبروها أصلاً رفعاً لوهم توهم الجمع بين متضادين. ولو قيل في دليل الأخفش: لو امتنع صرف "أحمر" بعد التنكير لامتنع صرف "حاتم" قبل التنكير. فالجواب عنه ما تقدم. وقد أورد للأخفش: لو امتنع صرف "أحمر" بعد التنكير لامتنع صرف "أفضل" إذا سمي به بعد التنكير. والجواب: أن "أفضل" إذا سمي به لم يسم بصفة حتى يقال: إنها تعتبر بعد التنكير، لأن شرط استعماله صفة الألف واللام أو الإضافة أو من. فثبت أنه ليس مما نحن فيه، بل هو عليه أظهر. لأنا نقول: لو انصرف "أحمر" بعد التنكير لانصرف "أفضل منك" إذا سمي بعد بعد التنكير، وهم موافقون في ذلك. فلما جاءت "منك" مع "أفضل" صار بها كـ "أحمر"، فوجب منع صرفه بعد التنكير (¬3)، فكذلك منع صرف "أحمر" (¬4). [إملاء 3] [صرف جوار] مسألة. قال سيبويه رحمه الله: جوار في الرفع والجر ممتنع من ¬

_ (¬1) في د: الفعل. وهو تحريف. (¬2) في م: بمعنى. وهو تحريف. (¬3) قال سيبويه: "أعلم أنك إنما تركت صرف أفعل منك لأنه صفة، وذلك نحو: أحمد وأصغر وأكبر، لأنك لا تقول: هذا رجل أصغر ولا هذا رجل أفضل، وإنما يكون هذا صفة بمنك، ولو سميته أفضل منك، لم تصرفه على حال". الكتاب 3/ 202. (¬4) وقد اختار الزجاج مذهب سيبويه. واختار المبرد مذهب الأخفش. انظر ما ينصرف وما لا ينصرف ص 8. والمقتضب 3/ 312. قال المبرد: "ولا أراه يجوز في القياس غيره".

الصرف (¬1). والتنوين فيه تنوين العوض خلافاً لبعضهم (¬2). ودليله أن يقول: جمع على صيغة منتهى المجموع بغير هاء فوجب امتناعه من الصرف قياساً على ضوارب. فإن قيل: قياسكم على ضوارب لا يستقيم فيه الشرط المعتبر في منع الصرف، وهو أن يكون بعد الألف فيه حرفان أو ما يقوم مقام حرفين، فالأول: كمساجد وشبهه، والثاني: دواب وشبهه. وليس جوار كذلك في الصورة المفروضة، فقد انقطع الإلحاق. والجواب أن نقول: إن هذا فيه الشرط المذكور، فإنا نقطع باعتبار المحذوف في مثل ذلك، والذي يدل على اعتبار المحذوف أمران: أحدهما: أنا نقول: هذه جوار، بكسر الراء، اعتداداً بوجود الياء، ولو كانت الياء في حكم العدل لوجب أن نقول: هذه جوار، فدل ذلك على أنه ليس كسلام وكلام، فإن الخصم يقيس عليه، وسيذكر في معارضته. وإذا ثبت الاعتداد بها في هذا الحكم اللفظي حتى قدرت كالموجودة وجب الاعتداد بها في منع الصرف لأنه حكم لفظي مثله. والثاني: أنا متفقون على منع صرف أشقى وأحوى وما أشبهه. وأصله: أحوى، فالمانع فيه وزن الفعل والصفة. ووزن الفعل إنما يكون باعتبار الصيغة التي هي أفعل، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "وأعلم أن كل شيء من بنات الياء والواو كان على هذه الصفة فإنه يتصرف في حال الجر والرفع، وذلك أنهم حذفوا الياء فخف عليهم فصار التنوين عوضاً. وإذا كان شيء منها في حال النصب نظرت: فإن كان نظيره من غير المعتلة مصروفاً صرفته، وإن كان غير مصروف لم تصرفه، لأنك تتم في حال النصب كما تتم غير بنات الياء والواو". الكتاب 3/ 308. وقد وقع الخلاف في فهم عبارة سيبويه. فمنهم من فسرها أن منع الصرف مقدم على الإعلال، ومنهم من فسرها أن الإعلال مقدم على منع الصرف. انظر الإملاء رقم (79) من الأمالي على المقدمة والرضي 1/ 58. والذي يظهر من كلام سيبويه أن التنوين عوض من الياء. (¬2) ومذهب أبي إسحاق الزجاج أن التنوين في جوار وغواش ونحوه بدل من الحركة الملقاة عن الياء في الرفع والجر لثقلهما. انظر: ما ينصرف وما لا ينصرف ص 112.

[إملاء 4] [المعطوف الممتنع دخول "يا" عليه]

فبقى أحوى. فلو صح أن يكون الإعلال مخلاً بالزنة لوجب أن لا يعتدوا بوزن الفعل، فياقل: هو أحوى من كذا، بالتنوين، لأنه حينئذ غير مماثل لوزن الفعل، ولا قائل به. ثم التنوين تنوين عوض عنده. فقيل: عوض عن الياء المحذوفة. والأولى أن يقال عن إعلال الياء بالسكون، وهو قول الفارسي، لأن حذف الياء إنما كان بسبب وجود التنوين، فكيف يصح أن يكون عوضاً عنها، ولم يحذف إلا بعد وجودها، وإنما يكون الشيء عوضاً عن الشيء بعد ثبوت حذفه لغيره، فوجب أن يقال: إنه عوضا عن الإعلال لأن الإعلال ثابت قبل مجيء التنوين، فلما جاء التنوين بعد ثبوت الإعلال اجتمع ساكنان فحذفت الياء لالتقاء الساكنين (¬1). قال الخصم: اسم ليس فيه الشرط المانع من الصرف فوجب بقاؤه على الأصل قياسا على سلام وكلام. والجواب من وجهين: أحدهما: أنه لا يصح نفي وجود السبب المانع من الصرف، فإنا قد أثبتناه بالدليل الذي تقدم. وإذا لم يثبت الوصف الجامع لم يثبت القياس. الثاني: الفرق بين جوار وبين سلام وكلام، وهو أن الأصل مفرد وهذا المتنازع فيه جمع فلا يقاس عليه. [إملاء 4] [المعطوف الممتنع دخول "يا" عليه] مسألة. قال الخليل: يا زيد والحارث (¬2). المختار في المعطوف الرفع ¬

_ (¬1) قال الزجاج: "الأصل في هذا عند النحويين جواري بضمة وتنوين، ثم يحذف التنوين لأنه لا ينصرف فيبقى جواري يا هذا، بضمة الياء، ثم تحذف الضمة لثقلها مع الياء فيبقى جواري، بإسكان الياء، ثم تدخل التنوينة عوضاً من الضمة فيصير جوارين، فتحذف الياء لسكونها وسكون التنوين فيبقى جوار". ما ينصرف وما لا ينصرف ص 112. (¬2) قال سيبويه: "ويقولون يا عمرو والحارث، وقال الخليل رحمه الله: وهو القياس، كأنه =

خلافاً لأبي عمرو فإنه يختار النصب فيما ذكر (¬1). ووجه الدليل أن يقول: اسم هو منادى في التحقيق، فينبغي أن يحرك بحركة المنادى قياساً على: أيا الرجل، اتفاقاً. إنما قلنا: إنه منادى، لأنه معطوف على منادى، والمعطوف (¬2) والمعطوف عليه مشتركان في الحكم، وإلا لزم الاختلاف. فإن (¬3) قال أبو عمرو معارضاً: اسم معطوف على مبني فيختار فيه النصب قياساً على: ضربت هؤلاء وزيدا، وذلك أن المعطوف على المبنيات إنما يجري على المواضع لا على الألفاظ بدليل ما ذكرناه من الأصل المقيس عليه. فالجواب للخليل بالفرقن وذلك أنا إنما حملنا المعطوف على موضع المبني للتعذر، لأن الأعراب إما لفظي. أو تقديري أو محلي. والأولان منتفيان لأن هؤلاء من أسماء الإشارة وهي مبنية، فتعين الحمل على المحل. أما: يا زيد، وإن كان مبنياً مثل هؤلاء في عموم البناء إلا أنه لما كان يعرب في حالة ويبني في أخرى، فليس مثل هؤلاء فإنه لم يقع إلا مبنياً، ولذلك جاء في تابع: يا زيد، الإعراب بالرفع لما نزلت الحركة البنائية منزلة الحركة الإعرابية لطروء البناء ألا ترى أنه يحسن: لا رجل ظريفاً فيها، ولا يحسن: ضربت هؤلاء الكرام. والجواب: أن حاصل هذا الفرق تجويز الإعراب على اللفظ، ولولا هو لم يجز ¬

_ = قال: ويا حارث. ولو حمل الحارث على يا كان غير جائز البتة نصب أو رفع، من قبل أنك لا تنادي اسماً فيه الألف واللام بيا". الكتاب 2/ 187. وقال الرضى: "وإنما اختار الرفع مع تجويز النصب نظراً إلى المعنى لأنه منادى مستقل معنى، ولم يصح مباشرة حرف النداء له فالرفع أولى تنبيهاً على استقلاله معنى كما في: يا أيها الرجل". شرح الكافية 1/ 138. (¬1) قال الرضي: "وأبو عمرو بن العلاء يختار النصب لأنه لأجل اللام يمتنع وقوعه موقع المتبوع فاستبعد أن يجعل حركته كحركة ما باشره الحرف وكان الوجه أن ينظر إلى كونه تابعاً. والوجه في النوابع أن تتبع متبوعاتها في الإعراب لا في البناء". شرح الكافية 1/ 139. (¬2) والمعطوف: سقطت من د. (¬3) فإن: سقطت من س.

[إملاء 5] [لحاق علامة الندبة الصفة]

الإعراب على اللفظ، كما لا يجوز: ضربت هؤلاء الكرام، وإنما جاز لهذا الفرق. ألا ترى أن "يا زيد العاقل" أفصح من "يا زيد العاقل" ....... (¬1). [إملاء 5] [لحاق علامة الندبة الصفة] مسألة. قال الخليلك علامة الندية لا تلحق الصفة خلافاً ليونس (¬2). والكلام مفروض في مثل: يا زيد الطويلاه. ووجه الدليل للخليل أنه يقول: اسم ليس بمندوب فلا تلحقه علامة الندبة قياساً على قولهم: جاءني زيد الطويلاه. وتقريره أن علامة الندبة إنما تلحق المندوب. وقوله: الطويلاه، في: وأزيد الطويلاه، ليس بمندوب بل هو صفة جاءت بعد تمام الاسم بكماله وجملته، فلو لحقت علامة الندبة "الطويل" للحقت ما ليس بمندوب مطلقاً. وأما يونس فإنه يقولك اسمان تنزلا منزلة اسم واحد فلحقته علامة الندبة كالمضاف والمضاف إليه في قولهم: واعبد المطلباه وشبهه. والجواب: الفرق، وذلك أن المضاف والمضاف إليه تركبا وصار مدلولهما واحدا، فصار كل واحد منهما كالزاي من زيد، حتى أنك لو فصلت أحدهما عن الآخر لم تفهم المدلول أصلا، وليس كذلك الصفة والموصوف، فإن الموصوف مستقل بالدلالة مع الذهول عن الصفة، إذ لم تأت إلا بعد تمام الأول وكماله لغرض، فقد ظهر الفرق بين الصفة والموصوفن والمضاف والمضاف إليه. ¬

_ (¬1) وجد هذا القدر خالياً في الأصل وفي ب، م. (¬2) قال سيبويه: "هذا باب ما لا تلحقه الألف التي تلحق المندوب. وذلك قولك: وأزيد الظريف والظريف. وزعم الخليل رحمه الله أنه منعه من أن يقول الظريفاه أن الظريف ليس بمنادى، ولو جاز ذا لقلت: وأزيد أنت الفارس البطلاه، لأن هذا غير منادى كما أن ذلك غير نداء". الكتاب 2/ 225. وقال: "وأما يونس فيلحق الصفة الألفن فيقول وأزيد الظريفاه. وزعم الخليل رحمه الله أن هذا خطأ". الكتاب 2/ 226.

[إملاء 6] [محل الضمائر بعد "لولا" و"عسى"]

ويمكن أن يقال أيضاً: لو جاز: يا زيد الطويلاه، لجاز: جاءني زيد الطويلاه، ولم يجز فلا يجوز. ووجه الملازمة أن علامة الندبة إنما تلحق المندوب، والطويلاه ليس بمندوب، فلو لحقت الطويلاه للحقت ما ليس بمندوب مطلقاً. [إملاء 6] [محل الضمائر بعد "لولا" و"عسى"] مسألة. قال: مذهب سيبويه رحمه الله في اللغة الضعيفة (¬1) التي جاءت في "لولا" و"عسى" في قولهم: لولاي ولولانا، وفي قولهم: لولاك إلى لولاكن، وفي: لولاه إلى لولاهن، وفي: عسى عساي وعسانا، وفي: عساك إلى عساكن، وعساه إلى عساهن، أن الضمائر بعد "لولا" في محل الجر بـ "لولا"، وأن لـ "لولا" مع المكني حالاً يخالفها مع المظهر. والمكني بعد "عسى" في محل النصب بـ "عسى" إجراء لها مجرى لعل (¬2). ومذهب الأخفش أن الضمائر في البابين في محل الرفع (¬3) على ما كان عليه في اللغة الفصيحة، فحملوا الرفع على الجر في "لولا"، والرفع على النصب في "عساك" و"عساه". ¬

_ (¬1) وقد نقل الزمخشري أن هذه اللغة رواها الثقات من العرب. فكيف تكون ضعيفة؟ انظر: المفصل ص 135. (¬2) قال سيبويه: هذا باب ما يكون مضمراً فيه الاسم متحولاً عن حاله إذا أظهر بعده الاسم. وذلك لولاك ولولاي، إذا أضمرت الاسم فيه جر، وإذا أظهرت رفع. ولو جاءت علامة الإضمار على القياس لقلت: لولا أنت. ولكنهم جعلوه مضمراً مجروراً. والدليل على ذلك أن الياء والكاف لا تكونان علامة مضمر مرفوع. وهذا قول الخليل رحمه الله ويونس. وأما قولهم: عساك، فالكاف منصوبة. والدليل على أنها منصوبة أنك إذا عنيت نفسك كانت علامتك ني. انظر الكتاب 2/ 373، 374، 375. (¬3) قال سيبويه: "وهذا وجه رديء". الكتاب 3/ 376.

ودليل سيبويه في "لولا" أنها صيغة لضمير مجرور، فوجب أن يكون ما قبلها هو العامل فيها جرا وإن لم يكن من أصل عمله الجر في غيره قياساً على لدن في قوله: لدن غدوه (¬1). ويستعمل مثل ذلك في "عسى". إلا أنه يقول: صيغة منصوب لا ناصب له يمكن تقديره سوى "عسى"، فوجب أن يكون "عسى" هو العامل فيها نصبا وإن لم يكن من أصل عمله النصب في غيره قياساً على لدن (¬2). ووجه قول الأخفش في: لولا وعسى، أنه موضع لو وقع فيه الظاهر لكان مرفوعاً، فوجب أن يحكم على محل المضمر الواقع موقعه بذلك قياساً على سائر الضمائر، إلا أنه يحتاج إلى الاعتذار عن وقوع صيغة المجرور في "لولا". في محل الرفع، وعن وقوع صيغة المنصوب في "عسى" في محل الرفع أيضاً بأنه لا بعد في استعارة صيغة أحد البابين في الآخر. فكما أوقعوا صيغة المرفوع في المجرور في قولهم: مررت بك أنت وبه هو وبنا نحن، وما أنا كانت، فكذلك أوقعوا صيغة المجرور في محل الرفع في "لولا" وكما أوقعوا صيغة المرفوع في محل المنصوب في قولهم: ضربتك أنت وضربته هو، كذلك أوقعوا صيغة المنصوب في محل المرفوع في قولهم: عساك وعساني (¬3). ¬

_ (¬1) قال الشاعر: لدن غدوة حتى ألاد بخفها ... بقية منقوص من الظل قالص ولم يعرف قائله. وهو من شواهد المفصل ص 172. (¬2) وما ذهب إليه سيبويه هو مذهب البصريين، قال ابن الأنباري: "وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن المكني في لولاي ولولاك في موضع جر لأن الياء والكاف لا تكونان علامة مرفوع، والمصير إلى ما لا نظير له في كلامهم محال، ولا يجوز أن يتوهم أنهما في موضع نصب، لأن لولا حرف، وليس بفعل له فاعل مرفوع، فيكون الضمير في موضع نصب، وإذا لم يكن في موضع رفع ولا نصب وجب أن يكون في موضع جر". الإنصاف مسألة (97). (¬3) وما ذهب إليه الأخفش، وهو من البصريين، وهو مذهب الكوفيين. قال ابن الأنباري: "أما =

ولا خفاء في أن كلا من المذهبين يلزمه ارتكاب محذور، والنظر في الترجيح في مثل ذلك إنما يكون ببيان أخف المحذورين. فما ذكره سيبويه يلزم منه محذور واحد، وهو تغيير "لولا" و"عسى"، في أن لها عملاً في الظاهر يخالف عملها في المضمر على هذه اللغة. ثم يكون اختلاف الضمائر مبنياً على هذه القاعدة، إلا أنه خولف في كل مفرد. ومذهب الأخفش يلزمه المخالفة في كل (¬1) باب من البابين في جميع محاله وهو اثنا عشر في كل واحد منها (¬2)، ولا خفاء في أن محذوراً أولى من اثنى عشر محذوراً. وفي هذا ضرب من التحامل على الأخفش، وذلك أن المحذور الذي لزم الأخفش لازم أيضاً على مذهب سيبويه. وقولهم: إنه مبني على أن "لولا" جارة، لا يفيد، فإن المخالفة حاصلة سواء كانت أصلاً أو بناء. ثم (¬3) ولو سلم تعدد المخالفة على مذهب الأخفش واتحادها على مذهب سيبويه فقد يكون المحذور المتحد أبعد من محذورات متعددة. ولا خفاء في أن إجراء ما ذكر مجرى "لدن" بعيد من حيث إن "لدن" مستبعد عن قياس كلامهم واقع موقع الغلط، لما ثبت فيها من النون التي هي شبيهة بالتنوين، حتى توهم أنه منون ممتنع إضافته. ولا شك في أنه بعيد جداً، أو غير مستقيم. ¬

_ = الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن الياء والكاف في موضع رفع لأن الظاهر الذي قام الياء والكاف مقامه رفع بها على مذهبنا، وبالابتداء على مذهبكم، فكذلك ما قام مقامه". الإنصاف مسألة (97). (¬1) كل: سقطت من س. (¬2) تقول: لولاي ولولانا ولولاك ولولاك ولولاكما ولولاكم ولولاكن. ولولاه ولولاها ولولاهما ولولاهم ولولاهن. ومثل ذلك يقال في عسى. (¬3) ثم: سقطت من ب، س.

وما ذكره الأخفش مبني على قاعدة كثر مثلها، وهو وقوع بعض الصيغ موقع بعض، فثبت لذلك أن مذهب الأخفش في ذلك أظهر. والله أعلم بالصواب. ***

ما يتعلق بالمقدمة من هذه الأمالي

ما يتعلق بالمقدمة من هذه الأمالي

[إملاء 1] [الصفة الواقعة مبتدأ]

[إملاء 1] [الصفة الواقعة مبتدأ] بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلواته على خير خلقه محمد وآله أجمعين. قال الشيخ رحمه الله إملاء بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة: قوله في المقدمة (¬1) في المبتدأ والخبر: "أو الصفة الواقعة بعد حرف النفي، وألف الاستفهام، رافعة لظاهر". احتراز من مثل قولهم: أقائم هو (¬2)؟. فإنه لم يختلف في أن: أقائم؟ خبر مبتدأ مقدم، ولذلك وجب في التثنية: أقائمان هما؟ وفي الجمع: أقائمون هم؟ ولا يجوز: أقائم هما؟ ولا: أقائم هم؟ وبذلك (¬3) جاء قوله عليه السلام: "أو مخرجي هم" (¬4)، بتشديد الياء على ما ذكرناه. ولو كان على غير ذلك لكان أو مخرجي هم، بتخفيف الياء لأنه مفرد. ألا ترى أنك تقول: مخرج، ثم تضيفه فتقول: مخرجي، كما تقول: حصيري، وليس كذلك في التشديد. وإنما لم يجر المضمر في ذلك مجرى ¬

_ (¬1) الكافية ص 4 (استنبول سنة 1315 هـ). (¬2) هو: سقطت من س. (¬3) في ب، د: وكذلك. وما أثبتناه أصوب. (¬4) رواه البخاري (بدء الوحي: 3، تعبير: 1)، ومسلم (إيمان: 73). قال ابن كثير: "فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً، إذ يخرجك قولمك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أو مخرجي هم؟ فقال: نعم". انظر البداية والنهاية 3/ 3.

[إملاء 2] [توضيح في تنازع الفعلين]

الظاهر لما يؤدي إليه من جعل المتصل منفصلا، لأنه لابد أن يتقدم ذكر لما يعود عليه هذا الضمير. فلا يخلو إما أن يكون في اسم الفاعل مضمر غير هذا المنفصل أولا. فإن كان الأول فهو المقصود ويجب أن يكون غير رافع لما بعده، فوجب الاحتراز منه لوجوب الخبرية فيه لذلك. وإن لم يكن فيه ضمير فهو باطل لما يؤدي إليه من جعل المتصل منفصلاً مع إمكان الاتصال وذلك غير سائغ (¬1). ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول في مثل قولهم: يقوم هو، إنه فاعل لـ "يقوم"، وإن "يقوم" مجرد عن الضمير المتصل، لأدائه إلى ما ذكرناه. وكذلك: أقائم هو؟ لأنه فرعه ومحمول عليه. [إملاء 2] [توضيح في تنازع الفعلين] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة تسع عشرة في باب تنازع الفعلين: قوله (¬2): "وإذا تنازع الفعلان ظاهراً بعدهما". فقوله: ظاهراً، احتراز من مثل قولهم. جاءني وضربته، فإن كل واحد من الفعلين أخذ معموله، وشرط هذا الباب أن يكون الفعلان يصح عمل كل واحد منهما في ذلك المعمول، مثل: ضربني وأكرمني زيد، أو ضربت وأكرمت زيداً، أو بالعكس (¬3). ¬

_ (¬1) لأن الضمير وضع للاختصار والإيجاز، والمتصل أكثر اختصاراً في تكوينه لقلة لفظه. (¬2) الكافية ص 4. (¬3) قال الرضي: "قوله: ظاهراً بعدهما، إنما قال ذلك لأن بعض المضمرات لا يصح تنازعه، وذلك لأن المضمر المتنازع لا يخلو من أن يكون متصلاً أو منفصلاً، ويستحيل التنازع في المضمر المتصل بالعامل الأخير مرفوعاً ومنصوباً، لأن التنازع إنما يكون حيث يمكن أن يعمل في المتنازع فيه وهو في مكانه كل واحد من المتنازعين لو خلاه الآخر". شرح الكافية 1/ 77.

[إملاء 3] [الخلاف فيما يعمل من الفعلين في باب التنازع]

[إملاء 3] [الخلاف فيما يعمل من الفعلين في باب التنازع] وقال أيضاً مملياً في سنة ثماني عشرة على قوله (¬1): "فإن أعملت الثاني أضمرت الفاعل" إلى قوله: "إلا أن يمنع مانع فتظهر": قد تقرر أن إعمال كل واحد من الفعلين الموجهين إلى ظاهر واحد في المعنى جائز. إلا أن اختيار البصريين إعمال الثاني والكوفيين الأول (¬2). ومعنى إعماله فيه أن تجعله معرباً بما يقتضيه تعلقه به من رفع أو نصب أو خفض بحرف جر. فإذا أعملت أحدهما فيه لم يجز أن تعمل الآخر فيه، فلابد من أن يكون متعلق الآخر مضمراً أو محذوفاً أو مظهراً. وبيان ذلك أن يقال: لا يخلو من أن يعمل الثاني أو الأول. فإن أعمل الثاني لم يخل الأول من أن يكون موجهاً على جهة الفاعلية أو المفعولية. فإن كان موجهاً على جهة الفاعلية فقيه ثلاثة مذاهب: أحدهما وهو المختار: أن يكون مضمراً على وفق الظاهر، كقولك: ضرباني وضربت الزيدين، وشبهه، وهو وإن كان فيه إضمار قبل الذكر إلا أنه قد ثبت أن العرب اغتفرته تنزيلاً له منزلة المذكور للإيجاز والاختصار، كما فعلت مثله في قولك: هو زيد قائم (¬3)، ونعم رجلاً زيد، لغرض. والثاني: مذهب الكسائي وهو أنه يحذف ولا يجوز إضماره قبل الذكر، فتقول: ضربني وضربت الزيدين. وإنما أوقعه في ذلك لما رأى أنه إضمار قبل الذكر، وإن الإضمار قبل ¬

_ (¬1) الكافية ص 4. (¬2) قال الرضي: "وإنما اختار البصريون إعمال الثاني لأنه أقرب الطالبين إلى المطلوب، فالأولى أن يستبد به دون الأبعد. وأيضا لو أعملت الأول في العطف في نحو: قام وقعد زيد، لفصلت بين العامل ومعموله بأجنبي بلا ضرورة، ولعطفت على الشيء وقد بقيت منه بقية، وكلاهما خلاف الأصل. وقال الكوفيون: إعمال الأول أولى لأنه أول الطالبين، واحتياجه إلى ذلك المطلوب أقدم من احتياج الثاني. ولا شك مع الاستقراء أن إعمال الثاني أكثر في كلامهم". شرح الكافية 1/ 79. وانظر: الإنصاف مسألة 13. (¬3) في س: قائماً.

الذكر مستبعد في كلام العرب؛ فرجح جانب حذف الفاعل من الفعل على الإضمار قبل الذكر، وليس بالجيد، لأنه قد ثبت في كلامهم الإضمار قبل الذكر لغرض، ولم يثبت في كلامهم حذف الفاعل، فحمله على أمر قد ثبت مثله أولى من حمله على وجه لم يثبت مثله في كلامهم. والثالث: مذهب الفراء وهو أنه لا يجوز الإضمار ولا الحذف (¬1)، فيمنع جواز المذهبين جميعاً، ويوجب إما الإظهار فيهما، وإما الإظهار في الأول والإضمار في الثاني. وإن كان موجهاً على جهة المفعولية حذف قولاً واحداً إن كان مما يسوغ حذفه، كقولك: ضربت وضربني زيد، لأنهم في غنية عن أن يضمروا قبل الذكر مع كونه فضلة، بخلاف إضمار الفاعل فإنه لابد من ذكره، فلا يلزم من مخالفة القياس لأمر موجب مخالفته لأمر غير موجب. ووقع في كلام بعض العلماء المتأخرين (¬2) إضماره، وليس بالجيد، وإن كان مما لا يسوغ حذفه كالمفعول الثاني من باب: علمت، والثالث من باب: أعلمت، وجب الإتيان به مظهراً، كقولك: ظنني منطلقاً وظننت زيداً منطلقاً، وكقولك: أعلمني زيد عمرا منطلقاً، وأعلمته إياه منطلقاً. وإن أعلمت الأول لم يخل الثاني من أن يكون موجهاً على جهة الفاعلية أو المفعولية أيضاً، فإن كان موجهاً على جهة الفاعلية وجب إضماره اتفاقاً على وفق الظاهر، كقولك: ضربت وضرباني الزيدين، إذ ليس فيه إضمار قبل ¬

_ (¬1) قال الرضي: "ونقل المصنف عن الفراء منع هذه المسألة أي: إعمال الثاني إذا طلب الأول للفاعلية وقال: إنه يوجب إعمال الأول في هذا. والنقل الصحيح عن الفراء في مثل هذا أن الثاني إن طلب أيضاً للفاعلية نحو ضرب وأكرم زيد، جاز أن يعمل العاملان في المتنازع فيكون الاسم الواحد فاعلاً للفعلين. لكن اجتماع المؤثرين التأمين على أثر واحد مدلول على فساده في الأصول، وهم يجرون عوامل النحو كالمؤثرات الحقيقية". شرح الكافية 1/ 79. (¬2) المتأخرين: سقطت من د، م، س.

الذكر، فيتوهم امتناع الإضمار إلى الحذف كما قال الكسائي، أو يتوهم الامتناع كما قال الفراء في الأولى، ألا ترى أن التقدير: ضربت الزيدين وضرباني. وحكم ما كان مقدماً في التقدير حكم المقدم حقيقة، فكما اتفق على جواز: ضربت الزيدين وضرباني، فكذلك: ضربت وضرباني الزيدين، إذ ليس بينهما إلا التقديم والتأخير الجائز، وذلك مثل: ضرب زيد غلامه، وضرب غلامه زيد. فالإضمار في قولك: ضرب غلامه زيد، سائغ على بابه لما كان زيد في التقدير مقدماً، فكذلك ما ذكرناه من المسألتين المتقدمتين. وإن كان الثاني موجهاً على جهة المفعولية، والكلام في إعمال الأول، فالمختار الإضمار إن أمكن. ويجوز الحذف إن كان مما يحذف، كقولك: ضربني وضربته زيد، وضربني وضربت زيد. وإنما اختير الإضمار لأنه ممكن والمعنى عليه، فكان أدل على المعنى (¬1) وأنفى للالباس. ويجوز الحذف لأنه فضلة، كما يجوز أن تقول: ضربت، من غير أن تذكر المفعول، وهذا كله إذا لم يمنع مانع من الإضمار والحذف. فأما إذا منع مانع وجب الإظهار مثاله: ظنني وظننتهما قائمين الزيدان قائماً، فلا يجوز أن تضمر قائمين، ولا أن تحذفه. فأما مانع الإضمار فما يؤدي إليه من مخالفة بين مفعولين غير المتغايرين، أو مخالفة بين الضمير وما يعود إليه. ألا ترى أنك لو قلت: إياه، لخالفت بين ضمير الزيدين الذي هو المفعول الأول وبين إياه الذي هو المفعول الثاني في التثنية، وهو غير جائز، ولو قلت: إياهما، لخالفت بين "قائماً" الذي يعود الضمير عليه وبين "إياهما" الذي هو ضمير له، وكلا الأمرين ممتنع، فامتنع. وأما لو غيرت الضمير إلى غير ذلك لوقعت المخالفة من الوجهين جميعاً، ومثاله أن تقول: إياهم أو غياها وشبهه. وإذا امتنع: إياه وإياهما، لما يؤدي إليه من أحد المحذورين فلأن يمتنع إياهم وإياها مع كونه يؤدي إلى ¬

_ (¬1) المعنى: سقطت من د.

[إملاء 4] [معنى مذ ومنذ]

المحذورين جميعاً أجدر. وأما مانع الحذف فلأنه مفعول ثان في باب: ظننت. وقد تقرر أنه في المعنى كأحد جزئي الجملة، فلا يسوغ حذفه، فلذلك وجب أن تقول: ظنني وظننتهما قائمين الزيدان قائماً، فلو قلت: ظنني وظننتهما الزيدان قائماً، لكنت قد حذفت المفعول الثاني الذي هو "قائمين" وهو في المعنى كأحد جزئي الجملة، فلم يسغ لذلك. [إملاء 4] [معنى مذ ومنذ] وقال أيضاً مملياً (¬1) في سنة تسع عشرة: "ومذ ومنذ للزمان للابتداء في الماضي والظرفية في الحاضر". لا تدخل مذ ومنذ إلا على ملض، أو حاضر. فإن دخلت على ماض كقولك: ما رأيته مذ أمس، فمعناه الابتداء، أي: أول المدة التي انتفت فيها الرؤية أمس. فهي بمعنى "من" في الابتداء باعتبار غير الظروف. وإذا دخلت على الحاضر كان معناها الظرفية كقولك: ما رأيته مذ هذا العام، ومذ شهرنا، ومذ عامنا. والمعنى: أن انتفاء الرؤية في جميع هذه المدة، كأنك قلت: ما رأيته في هذه المدة، ولذلك قدرت في الأولة (¬2) بـ "من" وقدرت في الثانية بـ "في" (¬3). إلا أنها إذا قدرت بـ "من" عند من لا يجوز عنده إدخال "من" على ¬

_ (¬1) الكافية ص 19. (¬2) في س: الأولى. واللفظان جائزان. (¬3) مذهب الجمهور أنهما حرفا جر. ومذهب بعض البصريين أنهما اسمان. فإن خفض بهما فعلى الإضافة. وإذا لم ينجر ما بعدهما فلا خلاف في كونهما اسمين. لكن في ارتفاع ما بعدهما أقوال: منها: أنهما مبتدآن، وهو قول جمهور البصريين. ومنها: أنهما خبران، وهو مذهب الزجاجي. انظر شرح الكافية للرضى 2/ 118.

[إملاء 5] [مسائل في الاشتغال]

الظروف (¬1) كان تقديراً للبيان على تحقيق معنى الابتداء لا على صحة دخولها عليه. [إملاء 5] [مسائل في الاشتغال] وقال أيضاً مملياً في سنة تسع عشرة على (¬2) ما أضمر عامله على شريطة التفسير وهو قوله (¬3): "كل اسم بعده فعل أو شبهه مشتغل عنه بضميره أو متعلقة لو سلط عليه لنصبه". قال: لأنه لا يكون فعلاً ولا حرفاً بعده فعل أو شبهه لأنه الذي (¬4) جوز النصب لأجله. فمثال الفعل: زيداً ضربته. ومثال شبه الفعل: زيداً أنت ضاربه، وزيداً أنت مضروب عليه. قول: "مشتغل عنه بضميره". لأنه لو لم يشتغل عنه بضميره لكان ناصباً له. والباب معقود لما ينصب إذا نصب بفعل مقدر. وقوله: "أو ما يتعلق بضميرهط. ليدخل مثل: زيداً مررت به، وزيداً ضربت غلامه، وزيداً ضربت عمراً وأخاه، وزيداً سميت به، وشبهه. ¬

_ (¬1) البصريون لا يجوزون استعمالها في الزمان. أما الكوفيون فإنهم يجيزون ذلك. انظر شرح الكافية للرضي 2/ 321. (¬2) في ب، د، س: وهو. وما أثبتناه أصوب. (¬3) الكافية ص 6. وعبارتها: "لو سلط عليه هو أو مناسبه لنصبهط: قال الرضي: "ليس في أكثر النسخ هذه اللفظة أعني: أو مناسبه، والظاهر أنها ملحقة ولم تكن في الأصلن إذ المصنف لم يتعرض لها في الشرح، والحق أنه لابد منها وإلا خرج نحو: زيداً مررت به، وأيضاً نحو: زيداً ضربت غلامه، لأنه لابد ههنا من مناسب حتى ينصب زيداً". شرح الكافية 1/ 168. (¬4) الذي: سقطت من د.

وقوله: "لو سلط عليه لنصبه" احتراز من مثل: زيد هل ضربته؟ وزيد هلا ضربته، وزيد إن تضربه أضربه. ولو لم يذكر هذا القيد لدخلت أبواب هذه المسائل في الضابط لأنه اسم وقع بعده فعل سلط على ضميره، والباب معقود فيما يسوغ فيه النصب بفعل مقدر يدل عليه ما بعده، وهذه لا يسوغ فيها النصب فلم تكن من الباب فوجب الاحتراز عنها، فخرجت بقوله: "لو سلط عليه لنصبه". لأن هذه لا يصح فيها نصب الاسم بالفعل فيها قبل هذه الحروف لما ثبت من أن لها صدر الكلام. ونصب ما قبلها بما بعدها إخراج لها عن صدر الكلام. ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: زيداً هل ضربت؟ ولا زيداً (¬1) هلا ضربت، ولا زيداً إن تضرب أضرب، بل يجب الرفع بالابتداء. وليس من شرط هذا الباب أن يصح النصب بالفعل حقيقة. وإنما معنى قوله: "لو سلط عليه لنصبه" لو قدر أنه عامل بنفسه وسلط على الاسم لنصبه، وإلا (¬2) لم يدخل: زيداً مررت به، وزيداً سميت به، وزيداً أنت محبوس عليه، وزيداً أنت مكابر عليه، وشبهه. وقوله: "ينصب بفعل مضمر يفسره ما بعده". وإنما قدم ذكر النصب لأن عقد الباب له باعتبار كونه مفعولاً، وإن كان فيه (¬3) ما يختار فيه الرفع وما يختار غيره على ما سيأتي. وقوله: "يفسره ما بعده"، ليس لازماً بأن يكون الفعل المقدر بلفظ الفعل المقدر ومعناه، بل قد يكون ذلك وهي أعلى الصور مثل: زيداً ضربته، وقد يكون بمعناه نفسه لا بلفظه كقولك: زيداً مررت به، لأن التقدير: جاوزته. وقد يكون بمعناه مضموماً إلى متعلقة كقولك: زيداً ضربت غلامه، لأن التقدير: ¬

_ (¬1) زيداً: سقطت من د. (¬2) في س: وإنما. وهو تحريف. (¬3) فيه: سقطت من م.

أهنت زيداً ضربت غلامه. وقد يكون بمعنى عام وهو الملابسة عند فقد هذه الأمور الخاصة كقولك: زيداً حبست عليه، وأزيداً أنت مكابر عليه؟ وشبهه (¬1). وكقولك: أزيداً ضربت عمراً وأخاه؟ والتقدير: لا بست. وقوله: "ويختار الرفعط. شرع بعد ذلك يبين مواضع الرفع والنصب استواء ولزوماً في النصب، ولا يكون لزوم في الرفع ههنا لأن الباب معقود للمفعول به والمنصوب بفعل مقدر، فلا يستقيم لزوم الرفع لأنه يخرجه عن حقيقته. فقال: "ويختار الرفع بالابتداء عند عدم قرينة خلافهط. الضمير في "خلافه" يعود على الرفع، أي: عند عدم قرائن النصب على ما سيأتي قرائنه، أو عند وجود أقوى منها. لأنه لو اقتصر على قوله الأول، للزم اختيار الرفع في مثل: ضربت زيداً وأما عمرو فقد مررت به، لأن قرينة النصب موجودة. فقال: "أو عند وجود أقوى منها". ثم فسره بـ "أما" مع غير الطلب، لأنه لو اقتصر على "أما" لعم جميع مواضعها، فكان يلزم أن يختار الرفع في مثل: أما عمرو فاضربه، وليس الأمر كذلك، لأن قرينة الطلب في النصب أقوى من قرينة "أما" في الرفع، لأن الطلب لا يصح إلا بالفعل، فكان مقتضاه أن يجب النصب. وإنما ساغ الرفع بتأويل: زيد مقول فيه، أو له، أو شبهه. وأما "أما" فالغالب وقوع المبتدأ بعدها (¬2). وقد يقع المنصوب بفعل مقدر ولا يناقضها بخلاف الطلب، فكان الطلب أقو في النصب لذلك. وقوله: "وإذا المفاجأة". وإنما كانت "إذا" قوية في قرينة الرفع لأنه لم ¬

_ (¬1) وشبهه: سقطت من م. (¬2) وقد يقع بعدها الخبر، نحو: أما في الدار فزيد، أو جملة الشرط نحو قوله تعالى: "فأما إن كان من المقربين فروح وريحان" (الواقعة: 88). أو ظرف معمول لها لما فيها من معنى الفعل الذي نابت عنه أو للفعل المحذوف، نحو: أما اليوم فإني ذاهب. انظر مغنى اللبيب 1/ 60 (دمشق).

يسمع بعدها إلا المبتدأ، فكان مقتضى ذلك أنه لا يجوز: خرجت وإذا عبد الله يضربه عمرو. لأنه إذا نصب قدر الفعل واقعاً بعدها فتخرج عن موضوعها المذكور. إلا أن النحويين جوزوا النصب في هذه المسألة ونحوها، فدل ما تقدم على قوتها في الرفع، ولذلك غلبت قرينة النصب. قوله: "ويختار النصب". ثم ذكر اختيار النصب عند وجود قرائنه غير المعارضة بما تقدم من: أما وإذا، على التفصيل. ثم شرع فيها واحدا واحدا. فمنها: أن تقع هذه الجملة بعد جملة فعلية، كقولك: خرج زيد وعمراً ضربته (¬1)، لأن تقدير الفعل أولى لتتناسب الجملتان. ومنها: بعد "إذا" الشرطية، كقولك: إذا زيداً تلقاه فأكرمه، لأن الشرط يقتضي الفعل. وكان مقتضى مذهب سيبويه ومن وافقه أن يجب فيها النصب (¬2)، لأنه لا يقدر في مثل: "إذا السماء انشقت" (¬3) إلا الفعل، ولا يقدر المبتدأ. وإذا وجب تقدير الفعل، فكما وجب النصب في مثل: إن زيداً ضربته ضربته، يجب النصب في مثل: إذا زيداً ضربته ضربته، لأن المعنى المقتضي للزوم النصب في "إن" الشرطية حاصل مثله في "إذا"، فجواز الرفع مما يقوى قول مخالفه في وقوع المبتدأ بعدها. ومنها: "حيث لكثرتها في الفعل وقلة وقوع المبتدأ بعدها. ومنها: حرف الاستفهام وحرف النفي، لأن الاستفهام بالفعل أولى. فإذا وقع الاسم فالاستفهام في الحقيقة عن الفعل الذي دل عليه الخبر، وكذلك النفي سواء، ¬

_ (¬1) وضابط هذه المسألة أن يقع الاسم بعد عاطف غير مفصول بـ "أما" مسبوق بفعل غير مبني على اسم، كالمثال الذي أتى به المؤلف. (¬2) قال سيبويه: "ومما يقبح بعده ابتداء الأسماء ويكون الاسم بعده إذا أوقعت الفعل على شيء من سببه نصباً في القياس: إذا، وحيث، تقول: إذا عبد الله تلقاه فأكرمه، وحيث زيداً تجده فأكرمه، لأنهما يكونان في معنى حروف المجازاة. ويقبح إن ابتدأت الاسم بعدهما إذا كان بعده الفعل". الكتاب 1/ 106. (¬3) الانشقاق: 1.

مثل: أزيد ضربته؟ وما زيداً ضربته. ومنها: الأمر والنهي، واضح في اقتضائهما الفعل، حتى أن الرفع إنما يجوز بتأويل بعيد، ولذلك غلبت هذه القرينة قرينة الرفع الغالبة ما سوى الطلب من القرائن، وما ذاك إلا لقوتها في اقتضائها النصب حتى غلبت ما غلب غيرها. ومنها: عند خوف لبس المفسر بالصفة، وهذا وإن لم يذكره النحويون في هذا الباب فهو معلوم عند أهل اللغة، وقد ذكره المحققون من المفسرين، ولو لم يحترز عن ذلك لكان الرفع هو المختار في مثل: طإنا كل شيء خلقناه بقدر" (¬1). فإنه مثل قولك: زيد ضربته، وقد علم أن المختار الرفع، فكان يؤدي إلى أن يكون إجماع القراء على خلاف المختار، وهو غير سائغ. ومعنى قوله: "عند خوف لبس المفسر بالصفة"، أنك إذا رفعت لم يدر هل قوله "خلقناه"، صفة لـ (شيء) ويكون قوله: "بقدر"، هو الخبر، أو يكون (خلقناه) هو الخبر الذي يصح النصب باعتبار كونه مفسراً، فحينئذ هل الإخبار عن أن كل شيء مخلوق لي بقدر، أم أن كل شيء مخلوق لي بقدر، وهما ختلفان لأن الأول على معنى الإخبار عن أن ما خلفه فهو بقدر لا الإخبار أنه خلق كل شيء. والمعنى في الثاني: أنه خلق كل شيء. فإذا قصد المتكلم إلى هذا المعنى الثاني اختير النصب رفعاً للبس المقدر عند الرفع، والمعنى ههنا على أنه خلق كل شيء (¬2)، فاختير النصب لما يؤدي إليه الرفع من احتمال غير هذا المعنى على ما تقدم (¬3). ¬

_ (¬1) القمر: 49. (¬2) فالرفع يوهم وجود شيء لا يقدر لكونه غير مخلوق له تعالى، كأفعال العباد الاختيارية وأفعال الشر، وهذا رأي لا يرتضيه أهل السنة. (¬3) قال ابن الحاجب في شرح الكافية: "ألا ترى أنه يجوز إذا رفعت أن يكون (خلقناه) خبراً فيفيد المعنى المقصود وصفة فيفيد غير المقصود، لأن التقدير معه: كل شيء مخلوق لنا يقدر، وهو معنى غير المعنى المقصود. فكان النصب أولى لما فيه من البيان للنصوصية على =

قال: "ويستوي الأمران في مثل: زيد قام وعمرا أكرمته"، لأن قرينة النصب المتقدمة في الجملة ألأولى عارضها قرينة الرفع الحاصلة من جملة الجملة المتقدمة لأنها ابتدائية، فاستوى الأمران لذلك (¬1). ويجب النصب بعد حرف الشرط وحرف التحضيض وقد تقدم ما يدل عليه، وليس قولك: أزيد ذهب به (¬2)؟ منه، فليس فيه إلا الرفع. وإنما لم يكن منه لأن شرطه أن يكون الفعل مسلطاً عليه أو على ضميره تسلط الناصب، وههنا لم يتسلط تسلط الناصب لأنه رافع لا ناصب، إذ قولك: به، في موضع رفع لما لم يسم فاعله، فخرج عن الباب لذلك، فوجب الرفع لما بطل تقدير الناصب. وكذلك: "وكل شيء فعلوه في الزبر" (¬3) يعني: باعتبار المعنى الذي قصده المتكلم، لأن المعنى: الإخبار عن كل شيء مفعول في الزبر، لا أن كل شيء مفعول لهم في الزبر (¬4). وإذا كان المعنى هو الأول خرج عن الباب لأنه لا يستقيم أن يكون: لو سلط عليه لنصبه، لأنه إذا قدر تسليطه عليه صار المعنى: فعلوا كل شيء في الزبر، وليس قصد المتكلم هذا المعنى، فخرج عن الباب لذلك. وكذلك لو قلت: أكل شيء ¬

_ = المعنى المقصودة". ص 36. (¬1 قال الرضي: "يعني يستوي الرفع والنصب في الاسم المحدود إذا كان قبله عاطف على جملة اسمية الخبر فيها جملة فعلية أو على الخبر فيها. وإنما استويا لأنه يمكن أن يكون ما بعد الواو عطفاً على الاسمية التي هي الكبرى فيختار الرفع مع جواز النصب ليناسب المعطوف المعطوف عليه في كونهما اسمين وأن يكون عطفاً على الفعلية التي هي الصغرى فيختار النصب مع جواز الرفع ليتناسبا في كونهما فعلين". شرح الكافية 1/ 175. (¬2) به: سقطت من د. (¬3) القمر: 52. (¬4) فيكون قوله: فعلوه، صفة لشيء.

فعلوه في الزبر؟ لوجب الرفع على ما كان، كما يجب في قولك: أزيد قام؟ وأزيد ذهب به؟ إذ لا وجه لتقدير الناصب. وقوله: ونحو "الزانية والزاني فاجلدوا" (¬1). الفاء عند المبرد بمعنى الشرط (¬2). كأنك قلت: الذي يزني فاجلدوه، فلا يكون من هذا الباب. لأنك إذا نصبت الأول خرجت الفاء عن معنى الشرط، إذ شرطها أن يكون الأول مبتدأ لا مفعول، فلذلك جاء الرفع على قراءة الجماعة (¬3)، وهو بهذا الاعتبار واجب. وهي عند سيبويه جملتان (¬4)، كأنه قال: ومما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني. ثم أخذ في بيان ذلك الحكم بفاء العطف فقال: فاجلدوا. فهي على هذا أيضاً جملتان، فتخرج عن الباب إذ لا يصح أن ينصب اسم بفعل في جملة أخرى غير جملته. ولذلك لو وقف على قوله: الزانية والزاني، على مذهب سيبويه لكان وقفا حسنا، ثم يبتدئ: فاجلدوا، لأنهما جملتان مستقلتان. وقوله: "وإلا فالمختار النصب". يعني: وإن لم يقدر هذا التقدير الذي يخرجها عن الباب فالمختار النصب (¬5)، لأنه بقرينة الطلب التي هي أقوى قرائن النصب. ألا ترى أن قولك: زيداً اضربه، لا يسوغ فيه الرفع إلا على ضعف. فكذلك كان يكون هذا. ¬

_ (¬1) النور: 2. (¬2) انظر: الكامل 1/ 396. (¬3) وقرأ عيسى بن عمر بالنصب. البحر المحيط 3/ 476. قال سيبويه: "وقد قرأ أناس: والسارق والسارقة، والزانية والزاني. وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة. ولكن أبت العامة إلا القراءة بالرفع". الكتاب 1/ 144. (¬4) الكتاب 1/ 143. (¬5) قال الرضي: "أي: لولا التقديران المذكوران للمبرد وسيبويه لكان من هذا الباب، فكان المختار النصب لقرينة الطلب التي هي أقوى قرائنه وتقدير المبرد أقوى لعدم الإضمار فيه كما في تقدير سيبويه". شرح الكافية 1/ 178.

[إملاء 6] [ما يلزم "أن" المخففة مع الفعل]

[إملاء 6] [ما يلزم "أن" المخففة مع الفعل] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة في قسم الحرف في الحروف المشبهة بالفعل (¬1) في "أن" إذا خففت: "ويلزمها مع الفعل السين أو سوف أو قد أو حرف النفي". قال: إنما كان كذلك لأن "أن" المخففة على قسمين: الأول: أن يليها الأسماء مثل قوله: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} (¬2). وشبهه، والتي يقع بعدها الفعل. فالأولة المشار إليها لا تحتاج إلى تعويض. والثانية تحتاج إلى التعويض. وإنما عوضت هذه دون تيك لأنها لو لم تعوض لالتبست بـ "أن" التي تنصب. فإن قيل: فالفرق يحصل بالفعل الذي قبلها، وهو أن "أن" المخففة لا تكون كذلك إلا إذا كان قبلها فعل علم أو مشبه بالعلم. والجواب سيذكر في مسألة مستقلة في "أن" المخففة أيضاً ليست مما يتعلق بالمقدمة ستراها في غير هذه الكراريس (¬3). [إملاء 7] [إيراد على حد النعت والجواب عنه] وأورد على نفسه [بدمشق في سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬4) لما قال في حد النعت في مقدمته (¬5): "إنه تابع يدل على معنى في متبوعه مطلقاً": أعجبني زيد علمه، فإن هذا تابع يدل على معنى وهو العلم في متبوعه وهو زيد، فليكن ¬

_ (¬1) الكافية ص 209. (¬2) يونس: 10. (¬3) انظر الإملاء (40) والإملاء (41) من الأمالي المطلقة. ص: 727، 728. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) الكافية ص 10.

[إملاء 8] [المعطوف الممتنع دخول "يا" عليه]

هذا نعتاً، وليس كذلك. وأجاب عن ذلك (¬1): بأن هذا وقع في بعض صور البدل. اتفاقاً من قضية عقلية وهو كون العلم لابد له من محل ولا محل إلا زيد. وأما قولنا: أعجبني زيد ثوبه وأعجبني زيد يده وما أشبههما من المسائل، ليس فيها ذلك، فينبغي أن تكون المسائل كلها واحدة، وهو أن الإعجاب إنما نسب إلى الثاني والأول على سبيل التمهيد، وإن أخذت الدلالة على ما ذكر أولا من قضية عقلية. ولهذا يحد البدل بحد يشمل هذه المسائل كلها وهو قولنا: تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع دونه، يعني دون المتبوع. وقولنا: مقصود، يدخل فيه العطف بالحرف فأخرجناه بقولنا: بما نسب إلى المتبوع دونه. [إملاء 8] [المعطوف الممتنع دخول "يا" عليه] وقال أيضاً ممليا بدمشق سنة عشرين في قوله (¬2): "والخليل في المعطوف يختار الرفع وأبو عمرو النصب، وأبو العباس إن كان كالحسن فكالخليل وإلا فكأبي عمرو" (¬3). قال: يعني المعطوف الممتنع دخول "يا" عليه وهو الذي وقع الكلام عليه ههنا نحو قولك: الحسن والضحاك والصعق (¬4) والثريا. وفيه وجهان كغيره: الرفع على اللفظ والنصب على المحل، وتوجيههما ظاهر. والخليل يختار الرفع تشبيها له بالمعطوف المجرد عن اللام كقولك: يا ¬

_ (¬1) وأجاب عن ذلك سقطت هذه العبارة من د. (¬2) الكافية صفحة 5. (¬3) انظر: سيبويه 2/ 187، والمقتضب 4/ 212، والإملاء (4) من مسائل الخلاف. (¬4) قال ابن منظور: "والصعق صفة نقع على كل من أصابه الصعق. ولكنه غلب عليه حتى صار بمنزلة زيد وعمرو علماً". اللسان (صعق). وقال الزمخشري: "ثم غلب النجم على الثريا والصعق على خويلد بن ثقيل بن عمرو بن كلاب". المفصل ص 12.

[إملاء 9] [مسألة في حد المفعول به]

زيد وعمرو، والرفع ثم محل اتفاق، وهذا يشبهه فكان رفعه أولى (¬1). وأبو عمرو يختار النصب حملا له على الصفات، لأن الصفات إنما اختير فيها النصب من حيث تعذر تقدير العامل، وكما يتعذر تقدير العامل في الصفة يتعذر تقديره في المعطوف ذي اللام. وإذا استويا في المعنى الذي من أجله اختير وجب استواؤهما في اختيار النصب. وأما المبرد فسلك طريقاً وسطا فقال: إن كان المعطوف كالحسن وبابه مما يجوز حذف اللام منه وإثباتها فالأمر على ما قاله الخليل، وإن كان كالصعق والثريا ونحوهما فالأمر على ما قاله أبو عمرو (¬2)، وذلك أن باب الحسن لما صح أن يكون بغير لام وهو على معناه قوي تقدير حرف النداء فيه فصار قريباً مما لا لام فيه. وأما باب الصعق ونحوه فلا تحذف منه اللام بحال، فلا يصح تقدير حرف النداء بحال، فكان أقرب إلى لاصفات باعتبار امتناع تقدير حرف النداء، وهو المعنى الذي من أجله اختير النصب، فوجب أن يكون النصب ههنا أيضاً مختاراً. [إملاء 9] [مسألة في حد المفعول به] قوله في المفعول به: "هو الذي وقع عليه فعل الفاعل" (¬3). قال الشيخ ¬

_ (¬1) قال المبرد: "وحجة من اختار الرفع أن يقول: إذا قلت: يا زيد والحارث، فإنما أريد: يا زيد وحارث. فيقال لهم: فقولوا: يا الحارث فيقولون: هذا لا يلزمنا، لأن الألف واللام لا نقع إلى جانب حرف النداء. وأنتم إذا نصبتموه لم توقعوه أيضاً ذلك الموقع. فكلامنا في هذا سواء". المقتضب 4/ 213. (¬2) ليس في كلام المبرد في هذه المسألة هذا التفصيل الذي ذكره ابن الحاجب. بعد أن تحدث المبرد عن حجة كل من الطرفين قال: "وكلا القولين حسن". ثم قال: "والنصب عندي حسن على قراءة الناس". أي: قراءة قوله تعالى: "يا جبال أوبي معه والطير" (سورة سبأ: 10). انظر المقتضب 4/ 213. (¬3) الكافية ص 5.

[في سنة عشرين بدمشق] (¬1) مملياً: لو اقتصر على قولهم: ما يقع عليه الفعل، لكان أولى. وما يتوهم من أن ذكر الفاعل ههنا يفيد إخراج مفعول ما لم يسم فاعله، فاسد من وجهين (¬2): أحدهما: أن مفعول ما لم يسم فاعله وقع عليه أيضاً فعل الفاعل، لأن قولك: ضرب زيد، معلوم أنك أردت فعل الفاعل، وإنما حذفته لوجه من الوجوه المسوغة لحذفه، فقد اشتركا جميعاً في أنهما وقع عليهما فعل الفاعل، وإذا اشتركا لم يخرج ذكر الفاعل أحدهما دون الآخر. الثاني: أن المراد تحديدهما جميعا ولذلك يسمى كل واحد منهما مفعولا به على الحقيقة، فلا يستقيم أن يزاد لفظ يقصد به إخراج أحدهما مع كونه مراداً، ولذلك يقال: إذا حذف الفاعل وأقيم المفعول به مقامه وجب أن يعدل به عن (¬3) النصب إلى الرفع، وهذا تصريح بأنه مفعول به، وأن النصب والرفع حالان (¬4)، يعتورانه وهو على حالته من كونه مفعولا به. وأما ما أورد من قولهم: زيد ضربته، وكونه يدخل في الحد وليس مفعولا به من حيث كان "زيد" في المعقول وقع عليه فعل الفاعل وليس بمفعول. فالجواب عنه وعن مثله: أن هذه الحدود اختصرت للعلم بالمقصود، والمراد منها كلها معنى دلالتها على المعنى المذكور فيها. فإذا قيل: مثل ذلك، فالمعنى: هو ما دل على أنه وقع عليه فعل الفاعل. وإذا قيل: ما نسب إليه، في حد الفاعل، فمعناه: ما دل على أنه الذي نسب إليه الفعل. وإذا كان كذلك فليس "زيد" في قولك: زيد ضربته، موضوعاً دالاً لما وقع عليه الفعل، وإنما وضع دالا لما يحكم عليه، فاتفق أن الحكم فعل واقع على ما هو هو في المعنى، فتوهم أنه ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) في د: جهتين. والصواب ما أثبتناه، بدليل قوله: أحدهما. (¬3) في ب: من. (¬4) في الأصل: جائزان. وهو تحريف.

[إملاء 10] [معنى أفعال المقاربة]

مثله، وليس الأمر كذلك (¬1). فالهاء في قولك: زيد ضربته، هي الموضوعة لذلك، كما أنك إذا قلت: أنا ضربت، كانت "أنا" غير موضوعة لمن نسب إليه الفعل، وإنما هو موضوعة لمن يحكم عليه. والتاء في: ضربت، هي التي وضعت لمن نسب إليه الفعل. ولما اتفق أن الذاتين في المعقول واحدة توهم أنهما على حد واحد باعتبار نسبة الفعل (¬2). [إملاء 10] [معنى أفعال المقاربة] وقال أيضا ممليا [في سنة عشرين بدمشق] (¬3) على قوله (¬4): "رجاء أو حصولاً أو أخذاً فيه". قال: يريد أن القرب مرجو وحاصل ومشروع في متعلق القرب. فإذا قلت: كادت الشمس تغيب، فقرب الغيبوبة حاصل. وإذا قلت: طفق يخصف وجعل يقول، فمعناه: أنه أخذ في الخصف والقول. [إملاء 11] [مسألة في حد المفعول به] وقال أيضاً ممليا على قوله (¬5): "المفعول به ما وقع عليه فعل الفاعل": إن قيل: إن المفعول مشتق، والمشتق تتوقف معرفته على معرفة المشتق منه، فإذا علم المشتق منه علم المشتق، فهو أخفى من المشتق فكيف يجعل الأخفى ¬

_ (¬1) كذلك: سقطت من س. (¬2) قال الرضي: "والأقرب في رسم المفعول به أن يقال: هو ما يضح أن يعبر عنه باسم مفعول غير مقيد مصوغ من عامله المثبت أو المجعول مثبتاً". شرح الكافية 1/ 127. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) الكافية ص 18. (¬5) الكافية ص 5.

[إملاء 12] [من مواضع وجوب تقديم المبتدأ]

معرفاً للأظهر؟ فإن قيل: بل الفعل مشتق من المفعول، كان أبعد لما يؤدي إليه من الدور، فإنه لا يعرف المشتق حتى يعرف المشتق منه. فقد بعد المشتق معرفاً فتتوقف معرفة كل منهما على معرفة الآخر. والجواب: أن المفعول لم يقصد به قصد مدلوله باعتبار الاشتقاق، وإنما قصد به في الاصطلاح اللقب على نوع مخصوص مما يتعلق به الفعل تعلقاً مخصوصا، فقصد تعريف ذلك النوع لا باعتبار أصل الاشتقاق في لفظ مفعول، فوجود الاشتقاق في لفظ مفعول في الأصل وعدمه سيان، كما لو سميت ولداً بحسن وجعلته علماً عليه، فإن معنى الاشتقاق غير مراد بعد صيرورته علما، وإن كان قبل ذلك مرادا. ولا يضر كون الواضع قصد إلى تسميته بحسن لوجود حسن حاصل في المسمى، فإن ذلك في بعض الأسماء سبب لتخصيصه بذلك الاسم، لا أن معنى الاشتقاق باق فيه بعد صيرورته علما (¬1). ألا ترى أنك تفهم مدلوله مع قطع النظر عن الحسن، لذلك يفهم مدلوله من لا يفهم مدلول حسن باعتبار الاشتقاق. وإذا كان كذلك فلا فرق بين أن يعرفه بما هو مشتق منه أو بغيره. وهذا الجواب جواب على كلا التقديرين معاً. [إملاء 12] [من مواضع وجوب تقديم المبتدأ] وقال أيضاً ممليا [بدمشق سنة عشرين وستمائة] (¬2) على قوله (¬3): "أو متساويين مثل: أفضل منك أفضل مني وجب تقديمه". قال: لأن الأصل تقديم ¬

_ (¬1) علماً: سقطت من ب، د. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 4. وعبارتها: "أو متساويين مثل أفضل منك أفضل مني أو كان الخبر فعلاً له مثل: زيد قام، وجب تقديمه".

[إملاء 13] [إعراب الاسم المركب تركيبا مزيجا]

المبتدأ، وإذا كان المتقدم صالحاً لأن يكون مبتدأ لم تجز المخالفة فيه لأنه يؤدي إلى المخالفة من غير فائدة بخلاف: حسن زيد، وشبهه، فإنه لم يحكم عليه بالخبر مع صلاحية أن يكون مبتدأ، فلذلك وجب الحكم بالمخالفة ليصح الكلام. ومن جوز الابتداء بالصفات من غير اعتماد وهو الأخفش حكم على هذا بأنه مبتدأ. ووجه التساوي فيهما أن كل واحد منهما نكرة من (¬1) باب: أفعل، فالذي يسوغ أن يكون الثاني مبتدأ يسوغ أن يكون الأول مبتدأ، فلا معنى لتقدير التقديم والتأخير، لأنها مخالفة من غير فائدة (¬2). [إملاء 13] [إعراب الاسم المركب تركيبا مزيجا] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة عشرين] (¬3) على قوله (¬4): "وإلا أعرب الثاني كبعلبك": ثم بين بعد ذلك أن الأول يكون مبنياً على اللغة الفصيحة. فإذا بني الأول امتزج الاثنان لفظاً وأعرب الآخر على حسب العوامل إذا لا معرب سواه. تقول: جاءني بعلبك ورأيت بعلبك ومررت ببعلبك. وكان غير منصرف لوجود العلتين (¬5). وإن أعرب الأول وقد ثبت أن الثاني لابد من إعرابه لم يجز أن يعربا جميعا من وجه واحد، فوجب أن يكون الأول في الصورة كالمضاف إلى الثاني، فيعرب الأول على حسب ما تقتضيه العوامل، ويكون الثاني مخفوضا. وإذا صنع ذلك فهل يكون الثاني منصرفا أو غير منصرف؟ لأصحاب ¬

_ (¬1) في م: ق. (¬2) قال الرضي: "ليس على الإطلاق بل يجوز تأخر المبتدأ عن الخبر معرفتين أو متساويين مع قيام القرينة المعنوية الدالة على تعيين المبتدأ". شرح الكافية 1/ 97. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) الكافية ص 12. (¬5) العلمية والتركيب المزجي

[إملاء 14] [إعراب أسماء الكنايات]

هذه اللغة لغتان: أحدهما: إعراب ما لا ينصرف، ومنهم من يصرفه. فيقول المانعون: جاءني بعلبك ورأيت بعلبك ومررت ببعلبك، ويقول الذين يصرفون: جاءني بعلبك ورأيت بعلبك ومررت ببعلببك (¬1) بالتنوين. [إملاء 14] [إعراب أسماء الكنايات] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬2) في الكنايات على قوله: (¬3): "وكل ما بعده فعل غير مشتغل عنه كان نصباً معمولاً على حسبه" إلى آخره. قال: لا تخلو أسماء الكنايات والشروط من أن يكون قبلها جار أو لا. فإن كان قبلها جار فلا إشكال في جرها كقولك: بمن مررت؟ وغلام من أنت؟ كما تقول: بأي رجل مررت؟ وغلام أي رجل أنت؟. وإن لم يكن قبلها جار فلا يخلو أن يكون بعدها فعل مسلط عليها أو لا. فإن كان بعدها فعل (¬4) مسلط عليها فهو منصوب على حسبه مفعول به أو مصدر أو ظرف (¬5)، كقولك في المفعول [به] (¬6): كم ضربت؟ وكم رجلاً ضربت؟ وتقول في الظرف: كم يوماً ضربت زيداً؟ وتقول في المصدر: كم ضربة ضربت زيداً؟. وإن لم يكن بعدها فعل مسلط عليها كانت مرفوعة أبداً، إما ابتداء أو خبراً؛ لأنه ليس ¬

_ (¬1) ورأيت بعلبك ومررت ببعلبك: سقطت هذه العبارة من ب. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 12. (¬4) قال الرضي: "فعل وشبهه ليشمل نحو: كم يوماً أنت سائر، وكم رجلاً أنت ضارب" شرح الكافية 2/ 98. (¬5) وزاد الرضي خبر كان نحو: كم كان مالك؟، والمفعول الثاني في باب ظن، نحو: كم ظننت مالك؟. انظر شرح الكافية 2/ 98. (¬6) زيادة من: د، م، س.

قبلها عامل وليس بعدها ما يصلح أن يكون عاملاً. فإذا ثبت تجردها عن العوامل وهي اسم وجب أن يكون إما مبتدأ وإما خبراً مقدماً. وإذا أردت أن تعرف ما هي منهما فانظر: فإن كانت ليست يظرف وجب أن يكون مبتدأ لأنها اسم لا مانع يمنعه (¬1) من أن يكون مبتدا، وقد وجب أحد الأمرين من المبتدأ والخبر فوجب أن يكون مبتدأ كقولك: زيد المنطلق والمنطلق زيد. وإن كان ظرفاً وجب أن يكون خبراً مقدماً؛ لأنه لما تعين لأحد الأمرين المبتدأ والخبر، وبطل أن يكون مبتدأ تعين أن يكون خبراً. مثال الأول: كم رجلاً قام؟. فإن "قام" غير مسلطة على ما قبلها ههنا فوجب أن يكون إما مبتدأ وإما خبراً (¬2). ولا مانع يمنعه من الابتداء فوجب أن يكون مبتدأ (¬3)، وهو ههنا واضح في الابتداء من حيث كان ما وقع بعده متعيناً للخبرية. وإنما يحتاج إلى ذلك في مثل قولك: كم رجلاً غلمانك؟ فتقول: اسم مجرد عن العوامل اللفظية ولا مانع يمنعه من أن يكون مبتدأ، فوجب أن يكون إياه كقولك: المنطلق زيد. وأما مثال ما يقع ظرفا فلا يصح أن يكون مبتدأ، ويتعين للخبرية: كم يوماً قراءتك أو كتابتك؟، أو ما أشبهه من المصادر، فإنه لا يصح أن يكون ههنا مبتدأ، لأنك إذا جعلته مبتدأ وهو للأيام كنت مخبراً عن الأيام، وإذا وجب أن تكون مخبراً عنه لم يصح الإخبار عنه بقراءتك ولا كتابتك، إذ لا يجوز: يوم الجمعة كتابتك، لأن اليوم لا يكون كتابة فوجب أن يكون في موضع الخبر، لأن الظروف يخبر بها عن أسماء الأفعال (¬4)، ولا يخبر بأسماء الأفعال عنها. لأنك إذا أخبرت بها فقلت: قراءتك يوم الجمعة، كان معناه: قراءتك حاصلة في هذا اليوم، فكانت منصوبة في ¬

_ (¬1) يمنعه: سقطت من م، س. (¬2) أي: كلمة: كم. (¬3) في ب، د: ابتداء. وما أثبتناه أحسن. (¬4) المقصود بأسماء الأفعال المصادر.

[إملاء 15] [المعطوف في حكم المعطوف عليه]

التحقيق بما هو في الحقيقة الخبر. وإذا جعلتها مبتدأة (¬1) تعذر هذا التقدير فيها، فوجب أن تكون مخبراً عنها على ما هي عليه في ظاهرها، فتكون قد أخبرت عن اليوم بالقراءة وهو متعذر. فما جاءك من أسماء الشروط والاستفهام وما له صدر الكلام فأجره على هذا الأصل تصب الصواب إن شاء الله تعالىز [إملاء 15] [المعطوف في حكم المعطوف عليه] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة تسع عشرة وستمائة] (¬2) على قوله في المقدمة (¬3): "والمعطوف في حكم المعطوف عليه": في المعنى واللفظ. فيشترط في المعطوف أن يكون مشاركاً للمعطوف عليه في المعنى الذي عطف عليه بالنظر إليه. فكما اشترط في الأول باعتبار ذلك المعنى يشترط في الثاني لمشاركته له في ذلك المعنى (¬4). فإذا عطفت على الخبر خبراً آخر لزم في الثاني من أحكام الخبرية ما يلزم في الأول. وكذلك إذا عطفت على الحال والصفة والموصول وجميع ما يصح العطف عليه. فإذا قلت: الذي يأتيني فيكرمني سأكرمه، فقولك: فيكرمني، معطوف على قولك: يأتيني، باعتبار صلة "الذي" فيشترط فيها ما يشترط في الصلة الأولى وهو ضمير يعود على الموصول، ¬

_ (¬1) في س: مبتدأ. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 10. (¬4) قال الرضي: "لا يريدون بقولهم: إن المعطوف في حكم المعطوف عليه، أن كل حكم يثبت للمعطوف عليه مطلقاً يجب ثبوته للمعطوف حتى لا يجوز عطف المعرفة على النكرة وبالعكس، وعطف المعرب على المبني وبالعكس، وعطف المفرد على المثنى أو المجموع وبالعكس. بل المراد به أن كل حكم يجب للمعطوف عليه بالنظر إلى ما قبله لا بالنظر إلى نفسه يجب ثبوته للمعطوف. كما إذا لزم في المعطوف عليه بالنظر إلى ما قبله كونه جملة ذات ضمير عائد إليه لكونه صلة له لزم مثله في المعطوف". شرح الكافية 1/ 321.

[إملاء 16] [الموصوف أخص من الصفة أو مساو لها]

ولذلك لو قلت: الذي يأتيني ويخرج زيد سأكرمه، لم يجز لفقدان ما ذكرناه وإنما جاز: الذي يطير فيغضب زيد الذباب، لأنها ليست فاء العطف، وإنما هي فاء السببية. ولا يلزم فيما بعد فاء السببية ما يلزم فيما بعد حرف العطف. فلذلك أو قلت: الذي يطير ويغضب زيد الذباب، لم يجز. [إملاء 16] [الموصوف أخص من الصفة أو مساو لها] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة عشرين وستمائة] (¬1) على قوله (¬2): "والموصوف أخص من الصفة أو مساو": وإنما كان الموصوف أخص أو مساوياً، لأن الموصوف هو المقصود، والصفة فضلة، والمقصود أولى بأن يكون أدل من غير المقصود وهو معنى قولنا: أخص. فثبت أنه إذا كان الموصوف والصفة غير متساويين فالأولى بالأخصية الموصوف (¬3). ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 10 وعبارتها: والموصوف أخص أو مساو. (¬3) قال الرضى: "مرادهم أن المعارف الخمس، أعني. المضمرات والأعلام والمبهمات وذو اللام والمضاف إلى أحدهما لا بوصف ما يصح وصفه منها بما يصح الوصف به منها إلا أن يكون الموصوف أخص. أي أعرف من صفته أو مثلها في التعريف". وقال: "فعل هذا: يختص قولهم: الموصوف أخص أو مساو، بالمعرفة، فينبغي أن تعرف مراتب المعارف في كون بعضها أقوى من بعض حتى تبنى عليه الأمر في قولهم: الموصوف أخص أو مساو. فالمنقول عن سيبويه وعليه جمهور النحاة أن أعرفها المضمرات ثم الأعلام ثم اسم الإشارة ثم المعرف باللام والموصولات". وقال: "إنما لم يجز أن يكون النعت أخص من المنعوت لأن الحكمة تقتضي أن يبدأ المتكلم بما هو أخصن فإن اكتفى به المخاطب فذاك، ولم يحتج إلى نعت وإلا زاد عليه من النعت ما يزداد به المخاطب معرفة". انظر شرح الكافية 1/ 312، 313.

[إملاء 17] [حد المعرب]

[إملاء 17] [حد المعرب] وقال أيضاً ممليا بالقاهرة سنة خمس عشرة بمدرسة الفاضل بدرب ملوخيا على قوله (¬1): "المعرب المركب الذي لم يشبه مبنى الأصل". قال: وهذا أولى من حد النحويين لأمرين، لأن النحويين قالوا: ما اختلف آخره باختلاف العامل. قال: وهذا أولى من وجهين: أحدهما: أن اختلاف آخره فرع على معرفة كونه معرباً، فيلزم على حدهم إذن الدور. لأنه لا يختلف آخره حتى يعرف كونه معرباً، ولا يكون معرباً حتى يختلف آخره. الثاني: أن هذا فيه تنبيه على السبب والمانع. أما السبب فقولنا: مركب، هو سبب الإعراب، والمانع قولنا: لم يشبه مبنى الأصل (¬2)، احتراز من قولك: جاءني هؤلاء، فإن التركيب موجود، إلا أنه مبنى لكونه أشبه مبنى الأصل (¬3). [إملاء 18] [حد الإعراب] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة في الموضع المذكور لما حد الإعراب بقوله (¬4): "ما اختلف آخره به"، إلى آخره. قال: ليس عندي اختلاف هو ¬

_ (¬1) الكافية ص 2. (¬2) مبنى الأصل: الحروف وفعل الأمر والفعل الماضي. (¬3) قال ابن الحاجب في شرح الكافية: "وهذا أولى من حد المعرب بأنه الذي يختلف آخره باختلاف العامل، فإنه وإن كان كذلك إلا أنه حد الشيء بما هو أكثر التباساً منه، وذلك أن الغرض من تعريف المعرب ليعرف كونه يختلف آخره. فلا يليق أن يجد بالشيء الذي الغرض من معرفته معرفته، وما هو إلا كمن يحد الفاعل بأنه المرفوع بالفعل". ص 8. (¬4) الكافية ص 2.

[إملاء 19] [اعتذار ابن الحاجب عن النحويين في حدهم المعرب]

إعراب البتة. وقولهم: إن ثم اختلافا هو الإعراب، إنما هو نزاع في عبارة، بل الرفع والنصب والجر هي الحركات والحروف فيما أعرب لالحروف. وكل ما كان إعراباً بحرف فهو عندي الإعراب. والدليل عليه أمران: منقول ومعقول. أما المنقول فقد قال سيبويه: أنواع الإعراب رفع ونصب وجر (¬1)، ومن ضرورة الفرع أن يوجد فيه حقيقة ذلك الجنس. وأما المعقول فلأن الاختلاف إنما يعقل من متعدد. فإذا قلت: جاء زيد، فـ "زيد" معرب ومع ذلك لا اختلاف فيه. فأورد عليه (¬2) أن قيل: عنينا باختلاف قبول الاسم الإعراب. فأجاب بأن قال: إذا قلت: زبد بكر عمرو خالد، معدداً، فلتكن هذه الأسماء معربات لأنها قابلة. وأيضاً فإن الآدمي قابل لأن يكون عالماً، ولا يلزم من وجود القابل وجود المقبول. [إملاء 19] [اعتذار ابن الحاجب عن النحويين في حدهم المعرب] وقال أيضاً مملياً بالقاهرة [سنة خمس عشرة] (¬3) معتراً عن النحويين في حدهم المعرب أنهم لم يجهلوا هذا القدر، وإنما هم حدوا المعرب بما هو معربن وهو يشمل الاسم والفعل المضارع، وآخرهما مختلف (¬4) ولم يحصل بين القسمين اشتراك إلا في آلات الاختلاف، فلذلك حدوه بالوصف الذي اشترك الجميع فيه، ولم يحدوه بغيره. ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "فالرفع والجر والنصب والجزم لحروف الإعراب". الكتاب 1/ 13. (¬2) في هامش ب: أورده صاحبنا ابن العربي المغربي. ورقة 91. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) في م: يختلف.

[إملاء 20] [حد المضمر]

[إملاء 20] [حد المضمر] وقال أيضاً مملياً بدمشق سنة عشرين على حد المضمر (¬1): طإنه ما وضع لمتكلم أو مخاطب أو غائب تقدم ذكره معنى أو لفظاً أو حكماً". قال: قوله: أو حكماً، هذا على قسمين: قسم جار قياساً، وقسم سماعي يحفظ ولا يقاس عليه. فالقياسي أن يتقدم فعل دال على مصدره، ثم يأتي الضمير بعد ذلك، مثل قوله: "هو أقرب للتقوى" (¬2). لما قال قبله: (أعدلوا9، علم أن ثم عدلاً، فكأنه قيل: العدل أقرب للتقوى. والسماعي ضمير الشأن والقصة، والضمير في "نعم" على خلاف بين البصريين والكوفيين (¬3)، والضمير في قولنا: ضربني وضربت زيداً، والضمير في قولنا: ربه رجلاً (¬4). [إملاء 21] [الصرف للضرورة أو التناسب] وقال أيضاً مملياً [بالقاهرة سنة خمس عشرة] (¬5) على قوله (¬6): "ويصرف للضرورة أو التناسب مثل: {سلاسلا وأغلالا} " (¬7). قال: وذلك أن الشيء قد ¬

_ (¬1) الكافية ص 11. (¬2) المائدة: 8. (¬3) انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري مسألة (14). (¬4) لم يتعرض ابن الحاجب هنا إلى التقدم اللفظي والمعنوي. قال الرضى: طالتقدم اللفظي أن يذكر المفسر قبل الضمير ذكراً صريحاً". وقال: "والتقدم المعنوي أن لا يكون المفسر مصرحاً بتقديمه بل هناك شيء آخر غير ذلك الضمير يقتضي كون المفسر قبل موضع الضميرز وذلك ضروب كمعنى الفاعلية المقتضي كون الفاعل قبل المفعول رتبة، كضرب غلامه زيد". شرح الكافية 2/ 4. (¬5) زيادة من ب، د. (¬6) الكافية ص 3. (¬7) الإنسان: 4.

يكون غير فصيح فيلجئ إليه أمر فيصير فصيحاً. مثال ذلك أن الله بدأ الخلق. الفصيح بل لا يكاد يسمع إلا "بدأ" قال تعالى: {كما بدأكم تعودون} (¬1)، وقال: {كيف بدأ الخلق} (¬2)، ثم قال: {أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق} (¬3). فجاء رباعياً فصيحاً لما حسنه من التناسب بغيره وهو قوله: يعيده. وكذلك ما نحن بصدده من قوله: "سلاسلا وأغلالا"، وبابه. قال: وروي أن بعض الشعراء قال لكاتبه اكتب: يا حار إن الركب قد جازوا، فقال يا سيدي: يا حار، أفصح وأكثر، فقال: اكتب يا حار إن الركب قد جازوا (¬4). فالكاتب نظر إلى اللغة الفصيحة الفاشية، وهذا نظر إلى تناسب اللفظ. فقول الإمام في البرهان: إنما صرف ما كان جمعاً في القرآن لتناسب رؤوس الآي، ليس بمستقيم (¬5)، إذ ليس قوله: سلاسلا، رأس آية، ولا "قوارير" (¬6) الثاني، بل قد يكون لكونه رأس آية، وقد يكون لاجتماعه مع غيره من المنصرفات فيرد إلى الأصل ليتناسب معها، كما رد إلى الأصل عند وقوعه رأس آية ليتناسب مع غيرها من رؤوس الآي (¬7). ¬

_ (¬1) الأعراف: 29. (¬2) العنكبوت: 20. (¬3) العنكبوت: 19. (¬4) وأنشد ابن يعيش في شرح المفصل (2/ 22) لزهير: يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك (¬5) قال الإمام: "والصحيح أن الأصل صرف كل اسم متمكن، وليس في صرف ما لا ينصرف خروج عن وضع الكلام". البرهان 1/ 550. فما نقله عنه ابن الحاجب ليس دقيقاً. (¬6) الإنسان: 16. (¬7) قال ابن الحاجب في شرح الكافية: "ويجوز صرفه للضرورة أو التناسب مثل: سلاسلاً =

[إملاء 22] [فتح ياء المتكلم]

[إملاء 22] [فتح ياء المتكلم] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬1) على قوله في آخر المجرورات (¬2): "وفتحت الياء للساكنين": التزم فتح الياء للساكنين، أيك حذرا من اجتماع الساكنين لو سكنت لأنها تصير ساكنة هي والياء التي قبلها، إذا قلت: مسملي يا هذا، وذلك ممتنع فالتزموا الفتح الذي هو الأصل أو الذي هو الفرع لذلك (¬3). [إملاء 23] [إضافة الصفة إلى موصوفها] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬4) على قوله (¬5) ك "وجرد قطفة وأخلاق ثياب، متأول": هذا يرد اعتراضاً على قوله: ولا صفة إلى ¬

_ = وأغلالاً. أما الضرورة فلأنها تجيز رد الشيء إلى أصله، وأصل الأسماء الصرفز وقوله: أو التناسب، في قوله تعالى: "سلاسلا وأغلالا وسعيراً"، وقوله: "قواريراً" الأولى. فأما (سلاسلا) فلأنه لما انضم إلى الاسم أسماء منصرفة حسن أن يرد بها إلى أصله مراعاة للتناسب. وأما قوله: "قواريراً"، ونحوه، فلأنه رأس آية، ورؤوس الآي في أخواتها بالألف، فحسن صرفه ليوقف عليه بالألف، فتناسب رؤوس الآي" ص 12. (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 9. (¬3) قال الرضي: "يعني: إذا كان قبل ياء الضمير ألف أو ياء أو واو ساكنة فلا يجوز فيها السكون، كما جاز في الصحيح والملحق به وذلك لاجتماع الساكنين". شرح الكافية 1/ 294. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) الكافية ص 9.

[إملاء 24] [عدم جواز إضافة اسم مماثل للمضاف إليه]

موصوفها. فإن هذا أصله أن يقال: قطيفة جرد، فقدموا الصفة وأضافوها إلى الموصوف. وجوابه: أنهم لما حذفوا الموصوف وقامت الصفة مقامة فصار قولهم: جرد، مبهم الذات، فأضافوه إلى ما يبينه، كإضافة: خاتم حديد، وكذلك: أخلاق ثياب (¬1). [إملاء 24] [عدم جواز إضافة اسم مماثل للمضاف إليه] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬2) على قوله (¬3): "ولا يضاف اسم مماثل للمضاف إليه في العموم والخصوص": أما الخصوص فما ذكر (¬4). والعموم مثل قولك: ليوث الآساد، يعني أن يكون مدلولهما واحداً، أعني المضاف والمضاف إليه (¬5). قوله: سعيد كرز (¬6). قال مملياً يرد اعتراضاً: فإن مدلول سعيد وكرز واحد، فيجب امتناع كليث أسد وحبس منع. وجوابه من أوجه: أحدها: أن سعيداً يراد به الذات، وكرزاً يراد به اللفظ، فصار كقولك: ذات زيد، أي: ¬

_ (¬1) الكوفيون جوزوا إضافة إلى صفته وبالعكس. والبصريون منعوا ذلك. وجعلوا جرد قطيفة بالتأويل كخاتم فضة، لأن المعنى شيء جرد، أي: بال، ثم حذف الموصوف وأضيفت صفته إلى جنسها للتبيين. انظر شرح الكافية للرضي 1/ 287. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 9. (¬4) كليث أسد، وحبس منع. (¬5) قال ابن الحاجب في شرح الكافية: "لعدم الفائدة، لأن الإضافة لم تأت إلا لتخصيص أو توضيح. فإذا أضفت الاسم إلى مثله كنت كأنك أوضحته بنفسه أو خصصته بنفسه، وهو غير مستقيم" ص 54. (¬6) الكرز في الأصل: الحرج الذي يضع فيه الراعي زاده ومتاعه.

[إملاء 25] [اعتبار لفظ المعدود ومعناه في تأنيث العدد وتذكيره]

مسمى هذا اللفظ والثاني: أن سعيداً لما كان في معنى الجنس المسمى بسعيد صحت إضافته إلى ما يبعد تقدير ذلك فيه من نحو: كرز، فصار بهذا التأويل من باب: خاتم حديد، ويكون على هذا استعمالاً للعلم الواحد، من الأمة المسماة به، فصحت إضافته لذلك، مثلها في "زيدنا" وشبهه. والثالث: أنهم يختصرون في الأعلام لكثرتها في الكلام فجوزوا إضافته إلى لقبه لما فيه من التخفيف بحذف التنوين لفظاً أو تقديراً، كما جوزوا حذف التنوين منه عند وصفه بابن وغير ذلك من التخفيفات. [إملاء 25] [اعتبار لفظ المعدود ومعناه في تأنيث العدد وتذكيره] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬1) على قوله في أسماء العدد (¬2): "وإذا كان المعدود مؤنثاً واللفظ مذكراً أو بالعكس فالوجهان". قال: كقولك: ثلاثة شخوص. إذا قصدت بالشخوص المؤنث فلك أن تقول: ثلاث شخوص، نظراً إلى المعنى (¬3) لأنه مؤنث (¬4)، وبالعكس ثلاثة أنفس وأنت تعني الذكور، فلك أن تقول: ثلاثة أنفس، نظراً إلى المعنى لأنه مذكر. ولك أن تقول: ثلاث أنفس نظراً إلى اللفظ لأنه مؤنث. وأما إذا قلت: ثلاثة شخوص وأنت تعني الذكور وثلاث أنفس وأنت تعني المؤنث فليس في الأول إلا إثبات التاء وليس في الثاني إلا حذفها، وليس مما نحن فيه لتطابق اللفظ والمعنى على جهة واحدة، وما نحن فيه مفروض في مخالفة اللفظ للمعنى باعتبار التذكير والتأنيث، ولأجل ذلك ساغ الوجهان نظراً إلى اللفظ تارة وإلى المعنى أخرى. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 13. (¬3) في الأصل: اللفظ. وما أثبتناه من النسخ الأخرى، وهو الصواب. لأن المعنى يقتضيه. (¬4) في الأصل: مذكر. والصواب ما أثبتناه، لأن السياق يقتضيه.

[إملاء 26] [حد المجموع]

[إملاء 26] [حد المجموع] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "المجموع ما دل على آحاد مقصودة بحروف مفردة بتغيير ما"ز قال: قوله: دل على آحاد، يدخل فيه باب تمر وقوم وركبز وقوله: مقصودة، يخرج منه باب تمر، لأنه لحقيقة التمرية لا للإعداد قصداً، لقولك: تمير ورطل تمر. وقوله: بحروف مفردة، يخرج منه باب قوم، لأنه ليس بحروف مفردة، ويخرج منه باب ركب، لأنه لم تقصد الدلالة على جماعة الركبان بوضع ركب مأخوذ من راكب، وإنما وافق الحروف من غير قصد. والدليل عليه أمران: أحدهما: أن "فعلا" لم يثبت كونه من أبنية الجموع بثبت ولا يستقر أصل مع الاحتمال. والثاني: أنهم صغروه تصغير المفردات، ولو كان جمعاً لكان جمع تكسيرن ولو كان جمع تكسير لوجب رده إلى المفرد ثم جمعه (¬3). ولما لم يفعل ذلك دل أنه اسم جمع لا جمعاً (¬4). وقوله: بتغيير ما، تنبيه على أن فلكاً إذا قصد به الدلالة على الجمعية صح، ويلزم تقدير التغيير. ولو لم يقل: بتغيير ما، لم يكن فيه تنبيه على مذهب من جعله جمعاً (¬5)، لأن القائلين بأنه جمع متفقون على أنه لا تغيير ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 14. (¬3) وأيضاً لو كان جمعاً لرد في النسب إلى آحاده، ولم يقل: ركبي. انظر شرح الكافية للرضي 2/ 178. (¬4) وعند الأخفش جميع أسماء الجموع التي لها آحاد من تركيبها كحامل وباقر وركب جمع، خلافاً لسيبويه. وعند الفراء كل ماله واحد من تركيبه سواء كان اسم جمع كباقر وركب، أو اسم جنس كتمر فهو جمع. انظر شرح الكافية للرضي 2/ 178. (¬5) انظر الكتاب 3/ 577. قال سيبويه: "وقد كسر حرف منه على "فعل" كما كسر عليه فعل، وذلك قولك: للواحد: هو الفلك، فتذكر، وللجميع: هي الفلك. وقال الله عز =

[إملاء 27] [حكم ما لا ينصرف]

فيه. فلو سكت عنه لجاز أن يكون داخلاً وغير داخل لأنه دل على آحاد مقصودة بحروف مفردة. فقوله: بتغيير ما، ليجب به دخول نحو: فلك، إذا قدر أنه مغير حركته، وخروجه إذا لم يقدر ذلك، فإن الاتفاق على أنه إذا قدر جمعاً قدر تغييره، وإذا لم يقدر جمعاً لم يقدر تغييره. فلو لم يقل: بتغيير ما، لوجب دخوله في الحد وإن لم يقدر تغييره. [إملاء 27] [حكم ما لا ينصرف] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله في باب ما لا ينصرف (¬2): "وحكمه أن لا كسر ولا تنوين". قال معترضاً على نفسه إن قيل: فأنت قلت متقدماً: غير المنصرف بالضمة والفتحة. هلا استغنيت بذلك ثمة؟ فقال: إنما ذكرت ذلك ههنا لأجل التنوين. فقلت: وحكم ما لا ينصرف أن لا يدخله كسر ولا تنوين لأعرف أن هذا الحكم الخاص لا يدخله. قوله: "وجميع الباب باللام أو الإضافة ينجر بالكسرة". منهم من يقول: انصرف، ومنهم من يقول: انجر. فالذين قالوا: انجر، فروا من: انصرف، لأنه عندهم غير منصرف لقيام العلتين المانعتين، كأن موجب العلتين عندهم حذف التنوين وموجب حذف الكسرة حذف التنوين لأجل العلتين. فإذا زال التنوين لأجل العلتين فقد ذهب موجب ذهاب الكسر فوجب أن يثبت. ثم إن قصدوا ¬

_ = وجل: "في الفلك المشحون"، فلما جمع قال: "والفلك التي تجري في البحر". كقولك أسد وأسد. وهذا قول الخليل". (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 2.

[إملاء 28] [حد عطف البيان]

بقوله: انكسر أو انجر بالكسرة، فهو صحيح. وإن قصدوا بقولهم: انجر، غير ذلك، فليس بمستقيم، فإن ما لا ينصرف مجرور، ولذلك يقال: علامة الجر الفتحة. والذين قالوا: انصرف، فروا من: انجر لأنه عندهم منصرف وإن قامت فيه العلتان، كأنهم فهموا أن اللام والإضافة مانعتان لثبوت خصوصيتهما بالأسماء لمعنى يختص بها، فكأنها قابلت السببين أو أحدهما، فرجع الاسم إلى أصله في الصرف، والقولان محتملان. [إملاء 28] [حد عطف البيان] وقع في بعض نسخ المقدمة في حد عطف البيان قوله: "تابع من الحامدة أوضح من متبوعه". فسئل عن ذلك فقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬1): هذا كان في النسخة الأولى. وأولى منه المذكور الآن في النسخ، وهو (¬2): "تابع غير صفة يوضع متبوعة". فقيل له: وماذا يرد على الأول؟ فقال: يرد عليه: مررت بهذا الرجل، فإنه تابع "من" الجامدة وليس بعطف بيان بل صفة عند المحققين (¬3)، فعدلنا إلى هذان لئلا يرد هذا وأمثاله، وإن كان الجواب على تقدير وروده متيسراً، فأردنا أن تذكر هذا ليندفع الوارد من أول الأمر. ¬

_ (¬1) زيادة من بن د. (¬2) الكافية ص 11. (¬3) انظر المفصل ص 116.

[إملاء 29] [حد اسم الفاعل]

[إملاء 29] [حد اسم الفاعل] وقال في اسم الفاعل مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2) ك "ما اشتق من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث": فقولنا: ما اشتق من فعل (¬3) يشمل اسم المفعول والصفة المشبهة، فإذا قلنا: لمن قام به، خرج اسم المفعول (¬4)، فإنه ليس قائماً به، إنما هو واقع عليه. وقولنا: على معنى الحدوث، مخرج الصفة المشبهة فإنها تدل على الثبوت على ما ذُكر في حدها. وقولنا ههنا: لمن قام به، أولى من قولنا: لمن نسب إليه. لأنا لو قلنا هذه العبارة لورد علينا مفعول ما لم يسم فاعله فإنه منسوب إليه بلا خلاف في قولنا: ضرب زيد، فإن الضرب منسوب إلى زيد على سبيل الوقوع عليه. [إملاء 30] [معنى الأعرفية في قوله: وأعرفها المتكلم] وقال مملياً على قوله (¬5): "وأعرفها المتكلم ثم المخاطب". قال: معنى الأعرفية: بعد احتياج اللفظ إلى التوضيح. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 14. (¬3) أيك من مصدر. وقد سمي سيبويه المصدر فعلاً. ومذهب السيرافي أن اسم الفاعل والمفعول مشتقان من الفعل والفعل مشتق من المصدر. انظر شرح الكافية للرضي 1/ 198. (¬4) واسم الآلة واسم الزمان والمكان. (¬5) الكافية ص 13.

[إملاء 31] [حد الفاعل]

[إملاء 31] [حد الفاعل] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "الفاعل ما أسند الفعل أو شبهه إليه وقدم عليه على جهة قيامه بهط. فقال: قولنا: قدم عليه، احتراز من قولنا: زيد قام، وشبهه، فإنه ليس بفاعل. ولما أكثر النحويون الكلام على هذا فيتوهم المتوهم أنه فيه خلاف وليس كذلك. وهذا في التحقيق لا حاجة إليه في الحد، أعني قولنا: وقدم عليه (¬3). ألا ترى أن قولنا: زيد قام غلامه، فالإخبار عن زيد وقع بالجملة التي هي الفعل والفاعل، وهذا مما لا شك فيه. فقولنا إذن: زيد قام، هل فيه ضمير أو لا؟ فالإطباق على أن فيه ضميراً، ذلك الضمير هو الفاعل والفعل مقدم عليه على جهة قيامه به، فهذا يقع زائداً في الحد، وإنما ذكرته لما ذكرناه آنفاً من رفع الوهم، وإنما اتفق أنه لما كان ذلك الضمير هو زيد في المعنى توهم المتوهم أنه مسند إليه وليس كذلك. [إملاء 32] [إيراد على وجوب تقديم الفاعل على المفعول والجواب عنه] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬4) على قوله (¬5): "أو وقع مفعوله بعد إلا أو معناها". قال: أورد بعض الأصحاب اعتراضاً، وقال: هل يجوز أن ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 3. (¬3) قال الرضي: "واحترز بقوله: عليه، عن المبتدأ لأن نحو: زيد، في قولك: زيد قام، مسند إليه (قام)، لأن (قام) خبر عنه، والمسند إليه هو المخبر عنه في الحال أو الأصل". شرح الكافية 1/ 71. (¬4) زيادة من ب، و. (¬5) الكافية ص 3.

يقال: ما ضرب إلا زيد عمراً؟ فقلت له: لا يجوز، وهو مذهب المحققين. ولذلك تؤول قوله تعالى: {بالبينات والزبر} (¬1)، على أنه متعلق بمحذوف دل عليه قوله: {وما أرسلنا} (¬2). كأنه قال: أرسلناهم بالبينات والزبر. وكذلك تؤول قوله في الدعاء: لا حول ولا قوة إلا بالله، بأنه إنما جاز لاتفاق الحول والقوة في المعنى، تنبيهاً على أنه لو اختلف لامتنع، ونبه عليه أبو علي الفارسي في تذكرته (¬3). وسر ذلك أنهم إنما استعملوا الاستثناء المفرغ في الموضع الذي يجب فيه تقدير عام من جنس المذكور بعد إلا، فتكون نكرة في سياق النفي كقولك: ما جاءني إلا زيد، كأنك قلت: ما جاءني أحد إلا (¬4) رجل إلا زيد (¬5)، ثم حذفوا وعاملوا ما بعد إلا معاملة المحذوف في رفعه ونصبه. فلو استعملوا بعد إلا مستثنيين لوجب أن يكون قبلها عامان (¬6). فإذا قلت: ما ضرب إلا زيد عمراً، فإما أن تقول: لا عام لهما أولهما عامان، أو لأحدهما دون الآخر. الأول مخالف للباب، والثاني يؤدي إلى إثبات أمر خارج عن القياس من غير ثبت، ولو جاز ذلك في الاثنين جاز فيما فوقهما وذلك ظاهر البطلان. والثالث يؤدي إلى اللبس فيما قصد، فلذلك حكموا بأن الاستثناء المفرغ إنما يكون لواحد، وتؤول ما جاء على ما يوهم غير ذلك بأنه متعلق بما دل عليه الأول. فإذا قلت: ما ضرب إلا زيد عمراً، فنحن نجوز ذلك لا على ¬

_ (¬1) النحل: 44. (¬2) النحل: 43. (¬3) ذكره بروكلمان (2/ 193). وقال: إنه موجود في (رنجان)، وهو تفسيرات لبعض أبيات عويصة. (¬4) في د، س: أو. وهو تحريف. (¬5) إلا زيد: سقطت من ب. (¬6) في الأصل وفي س: عامين. وهو خطأ من الناسخ.

[إملاء 33] [معنى قوله: ولفظ مكان لكثرته]

أنه لـ "ضرب" الأولى، ولكن بفعل محذوف دل عليه الأول (¬1)، كأن سائلاً سأل عمن ضرب، فقال: عمراً، أي: ضرب عمراً. [إملاء 33] [معنى قوله: ولفظ مكان لكثرته] وقال مملياً [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬2) على قوله (¬3) ك "ولفظ مكان لكثرتهط: يعني: أن العرب يقولون: جلست مكانك، وهو ظرف مكان مختص منصوب بتقدير "في". فجوابه: أن لفظ "مكان" كثر في كلامهم، والشيء إذا كثر جعلوا له شأنا ليس لغيره، فاختصر الكلام بحذف "في" فانتصب بتقديرها، فهذا معنى قولنا: ولفظ مكان لكثرته (¬4). [إملاء 34] [العدل ووزن الفعل لا يجتمعان] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬5) في باب ما لا ينصرف في قوله (¬6) ك "إلا العدل ووزن الفعل وهما (¬7) متضادان فلا يكون إلا أحدهما". قال: الاستثناء من قوله: لا يجامع، أي: لا يجامع شيئاً من العلل إلا ما ¬

_ (¬1) هذا الذي ذكره ابن الحاجب في هذه المسألة هو رأي الجمهور وقد خالفهم الكسائي في ذلك. انظر أوضح المسالك 2/ 129. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 7. (¬4) قال الرضي: "وكذا لفظ الموضع والمقام ونحوه بالشرط المذكور في الكل وهو انتصابه بما فيه معنى الاستقرار". شرح الكافية 1/ 186. (¬5) زيادة من ب، د. (¬6) الكافية ص 3. (¬7) في الأصل: فإنهما. وما أثبتناه من النسخ الأخرى ونسخة الكافية وشرحها للرضي 1/ 67.

هي شرط فيه. فلو لم يستثن العدل ووزن الفعل لبقي داخلاً في العام المحذوف، فيكون المعنى: لا يجامع شيئاً من العلل إلا ما هي شرط فيه، فينتقض بالعدل ووزن الفعل لكون العلمية تجامعهما وليست شرطا فيهما (¬1). ألا ترى ان نحو: مثنى وثلاث ورباع، ممنوع من الصرف مع انتفاء العلمية. ونحو: أسود وأحمر ممنوع من الصرف مع انتفاء العلمية. فثبت أن العدل ووزن الفعل ليس شرط علتيهما العلمية، فوجب استثناؤه من عموم ما حكم عليه بأن العلمية شرطه. وقوله: "وهما متضادان". يعني العدل ووزن الفعل من حيث كان وزن الفعل لأوزان مخصوصة منتفية عن أوزان المعدولات، فوجب أن لا يجتمعا، فلا يكون مع العلمية إلا أحدهما ضرورة امتناع اجتماعهما، فإذا انتفت العلمية، فإما أن تنتفي في الموضع الذي كانت شرطاً في العلة الأخرى، وإما أن تنتفي في الموضع الذي جامعت فيه العدل أو جامعت فيه وزن الفعل، وقد ثبت أنه لا يكون معها إلا أحدهما. فإذا انتفت من النوع الأول بقي بلا سبب أصلاً، لأن العلمية قد انتفت، لأن التقدير تقدير انتفائها فيما هي شرط فيه فيجب انتفاء سببيته لانتفاء شرطه، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط (¬2) فوجب أن يكون بلا سبب كقولك: رب زينب وفاطمة وعمران وشبهه. وإن انتفت العلمية مع الثاني بقي على سبب واحد، لأن العلمية ليست شرطاً في العلة الأخرى التي هي العدل أو وزن الفعل. فإذا انتفت العلمية بقي السبب الآخر من غير انتفاء شرط له في كونه أحد السببين، إلا أنه يجب أن لا يؤثر لأنها لا تؤثر منفردة (¬3) وإنما تؤثر مع علة أخرى من العلل المذكورة. فثبت ¬

_ (¬1) قال الرضي: "بل هي سبب معهما". شرح الكافية 1/ 67. (¬2) في ب، د: وجب انتفاء المشروط. (¬3) في الأصل وفي ب: منفرداً. والصواب ما أثبتناه.

[إملاء 35] [تقديم الفاعل وتأخيره على سبيل الوجوب]

بذلك أن كل ما فيه علمية مؤثرة (¬1) إذا نكر وجب صرفه. [إملاء 35] [تقديم الفاعل وتأخيره على سبيل الوجوب] وقوله في المقدمة (¬2): "وإذا اتصل به ضمير مفعول". قال مملياً [بدمشق سنة تسع عشرة وستمائة] (¬3): يعني بالفاعل، لأن الكلام في تقديم الفاعل وفي تأخيره على سبيل الوجوب، فقال في وجوب التقديم: وإذا انتفى الإعراب لفظاً فيهما والقرينة مثل: ضرب موسى عيسى، أو كان، يعني الفاعل، مضمراً متصلاً مثل: ضربت، أو وقع مفعوله، يعني مفعول الفاعل، بعد "إلا" أو معناها، وجب تقديمه مثل: ما ضرب زيد إلا عمراً، وإنما ضرب زيد عمراً. قال بعد ذلك: وإذا اتصل به، يعني بالفاعل، ضمير مفعول مثل قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه} (¬4)، أو وقع بعد "إلا" أو معناها، يعني الفاعل، مثل: ما ضرب زيداً إلا عمرو، وإنما ضرب زيداً عمرو. وقوله: "أو اتصل مفعوله"، يعني: مفعول الفاعل إذا اتصل بالفعل. وقوله: "وهو غير متصل"، يعني: الفاعل، وجب تأخيره، مثل قولك: ضربك زيد. وإنما قال: وهو غير متصل، لأنه لو اقتصر لشمل قولك: ضربتك، لأن ¬

_ (¬1) العلمية المؤثرة هي التي يكون منع صرف الاسم موقوفاً عليها، وذلك على ثلاثة أضرب. لأنها إما أن تكون سبباً لا غير أو شرطاً لا غير أو شرطاً وسبباً معاً. فالأول في موضعين: مع العدل ومع الوزن. والثاني في موضع واحد وهو الألف النون. والثالث في أربعة مواضع: في المؤنث بالتاء وفي الأعجمي وفي المركب وفي ذي الألف الزائدة المقصورة. انظر شرح الكافية للرضي 1/ 65. (¬2) الكافية ص 3. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) البقرة: 124.

[إملاء 36] [حد المصدر]

مفعوله متصل، ولكن الفاعل أيضاً متصل، فقال: وهو غير متصل، لتخرج تلك الصورة، لأن الحكم فيها بالعكس، إذ الفاعل ثم واجب التقديم والفاعل هنا واجب التأخير. [إملاء 36] [حد المصدر] وقال مملياً [بدمشق سنة تسع عشرة وستمائة] (¬1) على قوله (¬2): "المصدر اسم الحدث الجاري على الفعل". قال: اسم الحدث (¬3) يشمل شيئين: أحدهما: اسم حدث فعله فاعل فعل مذكور كـ "ترباً وجدلا"، فهذا لا يكون إلا مفعولاً. والثاني: اسم حدث سواء فعله فاعل فعل أو لم يفعله كقولك: ضربت ضرباً، وأعجبني الضرب. وقوله: "الجاري على الفعل"، احتراز من اسم الحدث الذي لا يجري على الفعل مثل: ترباً وجندلاً، وما أشبه ذلك (¬4). والفرق بين البابين هنا وفي المنصوبات في قوله (¬5) ك "المصدر هو اسم ما فعله فاعل فعل مذكور"، أن ثم ذكرنا المفعول المطلق الذي فعله فاعل الفعل المذكور سواء جرى على فعله أو لم يجر، وههنا ذكرناه باعتبار كونه جارباً على فعل في لفظه ومعناه. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 14. (¬3) يعني بالحدث معنى قائماً بغيره سواء صدر عنه كالضرب والمشي أو لم يصدر كالطول والقصر. شرح الكافية للرضي 2/ 191. (¬4) قال الرضي: "ولو قال اسم الحدث الذي يشتق منه الفعل لكان حداً تاماً على مذهب البصرية، فإن الفعل مشتق منه عندهم". شرح الكافية 2/ 191. (¬5) الكافية ص 5.

[إملاء 37] [من مواضع وجوب تقديم المبتدأ]

[إملاء 37] [من مواضع وجوب تقديم المبتدأ] وقال مملياً [سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬1) على قوله (¬2): "أو كان الخبر فعلاً له": أي: للمبتدأ (¬3)، إذ الكلام إنما هو فيه باعتبار وجوب تقديمه، احتراز من أن يكون الخبر فعلا لغيره، فإنه لا يجب فيه التقديم بل يجوز فيه التقديم والتأخير كقولنا: زيد قام غلامه، فإنه يجوز أن تقول: قام غلامه زيد. [إملاء 38] [دلالة المثنى] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬4) على قوله في المثنى (¬5). "ليدل على أن معه مثله من جنسه": احتراز من عين وعين، وجون (¬6) وجون إذا قصدت بهما حقيقتين مختلفتين (¬7). فإنه لا تصح التثنية وأنت تعنيهما على التحقيق بل لابد في التثنية من أن تقصد إلى اثنين من جنس ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 4. (¬3) قال الرضي: "أي: فعلاً مسنداً إلى ضمير المبتدأ، نحو: زيد قام، فإنه لو قدم اشتبه المبتدأ بالفاعل". شرح الكافية 1/ 98. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) الكافية ص 14. (¬6) الجون: النبات يضرب إلى السواد من خضرته، والأحمر والأبيض والأسود والنهار. القاموس المحيط 4/ 211. (¬7) وذهب الجزولي والأندلسي وابن مالك إلى جواز مثله. قال الأندلسي: يقال: العينان في عين الشمس وعين الميزان، فهم يعتبرون في التثنية والجمع الاتفاق في اللفظ دون المعنى. انظر شرح الكافية للرضي 2/ 172.

[إملاء 39] [مسألة في فعل ما لم يسم فاعله]

واحد متفقين في الحقيقة. والذي يدل عليه الاستقراء والمعنى. أما الاستقراء فواضح، إذ لم يوجد، ول كان سائغاً قضت العادة بوجوده. وأما المعنى فعلمنا بأن لفظ المشترك لم يوضع ليدل على الحقيقتين في محل واحد، وإنما وضع ليدل على هذا مرة (¬1) وعلى هذا أخرى. وعلمنا أن الألف المزيدة في آخر الاسم لا دلالة لها إلا على الاثنينية دون الحقيقة. فلو ذهبت تدل على الحقيقتين لكان إخراجا لأحد الأمرين عما علم خلافه، لأنك إن جعلت الدلالة على الجنس الآخر باسم الجنس فقد جعلته يدل بلفظ إفراده على الجنسين جميعا، وقد علم خلافه. وإن جعلت الدلالة للألف والنون فقد جعلتها تدل على حقائق المسميات وقد علمنا أن وضعها على خلاف ذلك. [إملاء 39] [مسألة في فعل ما لم يسم فاعله] وقال أيضاً [مملياً بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬2) على قوله (¬3): "ويضم الثالث مع الهمزة والثاني مع التاء خوف اللبس": مثل قولك: انطلق، والثاني مثل قولك: تعلم، خوف اللبس. يعني: أنك لو اقتصرت على ضم الهمزة فقلت: انطلق، وقد علم أن الهمزة تسقط في الدرج لوجب إذا قلت: قال زيد انطلق، أن يحتمل الأمر ويحتمل ما لم يسم فاعله فأدى إلى لبسه بالأمر عند الوصل لذهاب الهمزة، لأن اللفظ حينئذ به، موصولاً موقوفاً عليه، واحد، فضموا معها الثالث ليندفع هذا اللبس ¬

_ (¬1) في م: تارة. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 17.

[إملاء 40] [حد العلم]

عند الوصل والوقف ولم يضم الثاني لكونه ساكنا لا يقبل حركة في أصل بنيته. وضموا الثاني مع التاء في قولك: تعلم، لأنهم لو لم يضموها لقالوا: تعلم، فإذا وقف عليه لم يعلم أهو مضارع "علمت" أم هو لم لم يسم فاعله؟ فيؤدي إلى اللبس، فضموا الثاني ليعينه لما لم يسم فاعله ويخرجه عن احتمال المضارع إ لا يكون مثل ذلك فيه. [إملاء 40] [حد العلم] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "والعلم ما وضع لشيء بعينه غير متناول غيره بوضع واحد": فقولنا: بوضع واحد، ورفع لوهم من يتوهم أن زيدا إذا وضع علما لواحد، ثم وضع علما بعد ذلك لآخر أنه قد تناول ما أشبهه، فلا يكتفي بقوله (¬3) غير متناول ما أشبهه، لخروج مثل هذا عنه، لأنه متناول ما أشبهه بما تقرر. فإذا زيد "بوضع واحد" اندفع هذا الاعتراض لأنه وإن تناول ما أشبهه فإنما تناوله بوضع ثان. ولم تدخل أسماء الأجناس (¬4) لأنها خارجة بالجنس الأول من قوله: ما وضع لشيء بعينه، وهو في الحقيقة غير محتاج إليه، والاعتراض بزيد إذا سمي به باعتبار تعدد وصفه مندفع من غير حاجة إلى زيادة: بوضع واحد، وذلك أن الواضع لما وضعه لشيء بعينه في جميع تقديراته لم يضعه للآخر أصلا، فهو غير متناول ما أشبهه قطعا، فلا حاجة إلى قوله: بوضع واحد، في التحقيق. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 13. (¬3) في ب: بقولك. والأصوب ما أثبتناه. (¬4) نحو: أسامة للأسد، وثعالة للثعلب.

[إملاء 41] [حد المفعول به]

[إملاء 41] [حد المفعول به] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "المفعول به هو ما وقع عليه فعل الفاعل". قال: هذه عبارة النحويين. يقولون: وقع، ولو قالوا: هو الذي تتوقف عقلية الفعل مع ذكر الفاعل عليه، لكان جيداً. قال الشيخ: ولا حاجة إلى قولنا: الفاعل، بل يكفي أن يقال: هو الذي وقع عليه الفعل. وإنما قلنا: الفاعل، لرفع وهم من يتوهم في قولهم: زيد ضربته، أنه مفعول به، وليس كذلك. فإن زيداً فيما فرض ليس موضوعاً دالاً على تعلق الفعل به، وإنما هو ههنا مخبر عنه. وإنما الضمير هو الذي تعلق به الفعل. ولما رأى هذا المتوهم الضمير هو في المعنى لزيد توهم أنه في معنى الحد المذكور وليس كذلك، فإن هذه الدلالة ليست دلالة وضعية، وإنما هي دلالة عقلية، والكلام في حدود الألفاظ إنما هو باعتبار الوضع اللغوي لا باعتبار الدلالة العقلية. [إملاء 42] [حد المفعول المطلق] وقال مملياً [بدمشق سنة سبع عشرة] (¬3) على قوله (¬4): "المصدر هو اسم ما فعله فاعل فعل مذكور": لو قال: هو ما فعله فاعل الفعل المذكور ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 5. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) الكافية ص 5.

[إملاء 43] [نون الوقاية]

لدخلت الأفعال كلها لأنها كلها تدل على ما فعله فاعل الفعل، وليست بمصادر. فإذا قال: اسم، خرجت الأفعال كلها، فحصل الحد إذن مانعاً لغير المحدود أن يدخل فيه. [إملاء 43] [نون الوقاية] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "ونون الوقاية لأزمة مع الياء في الماضي والمضارع عريا عن نون الإعراب": إلى آخره، كقولك: ضربني ويضربني ولم يضربوني؛ فلابد من نون الوقاية. ولزمت لأنها ليست معها نون إعراب، فلو كانت معها نون إعراب لجاز الأمران، كقولك: يضربوني ويضربونني. وقرأ نافع: {فبم تبشرون} (¬3) و {تشاقون فيهم} (¬4). فالمحذوف نون الوقاية استغناء عنها بنون الإعراب، وهذا أولى من أن تقدر نون الإعراب محذوفة استغناء عنها بنون الوقاية، لأن نون الوقاية أمر استحساني لا دلالة لها، ونون الإعراب لمعنى. فإذا اجتمعاً وقدر حذف أحدهما كان حذف ما لا دلالة له أولى (¬5). ولزمت في الماضي في مثل: ضربني، وفي المضارع في مثل: ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 11. (¬3) الحجر: 54. (¬4) النحل: 27. (¬5) مذهب سيبويه أن المحذوف نون الإعراب. ومذهب الجزولي أن المحذوف نون الوقاية. انظر شرح الكافية للرضى 2/ 22.

[إملاء 44] [حد بدل الاشتمال]

يضربني، كراهة أن يدخل الفعل الكسر، ولم تلزم في يضربونني استغناء عنها بنون الإعراب لأنها مثلها في اتصالها بالفعل فدخل الكسر ولم يكره كراهته فيما هو من نفس الفعل. ومن قال: يضربونني، راعى ما اتصل بالفعل في كراهية دخول الكسر عليه مراعاته في نفس الفعل وهو الأكثر في كلام العرب. [إملاء 44] [حد بدل الاشتمال] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "والثالث بينه وبينه ملابسة بغيرهما". قال: يعني بغير الكلية والبعضية لئلا تتداخل الأقسام فيدخل بدل البعض في حد بدل الاشتمال، إذ الملابسة حاصلة بين البعض والأصل الذي هو بعضه، وفي الكلية الملابسة بين المدلولين في كونهما لمسمى واحد. ولو احترز عن البعض وحده لكان له وجه، ولكن هذا أولى في دفع ما يتوهم، إذ يمكن أن يقال: إن المدلولين إذا كانا لشيء واحد فهي حقيقة واحدة، والحقيقة الواحدة لا يقال بينها وبين نفسها ملابسة، إذ الملابسة بين الشيئين تقتضي تغايرهما، ثم تعلق أحدهما بالآخر، وليس الأمر ههنا كذلك. [إملاء 45] [من مواضع وجوب تقديم الخبر] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬3) على قوله (¬4): "وإذا تضمن الخبر المفرد ما لم صدر الكلام" (¬5): فقوله: مفرد، احتراز من أن يكون الخبر جملة ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 10. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) الكافية ص 4. (¬5) قال الرضي: "اعلم أنه لا يقع من جملة مقتضيات الصدر خبراً مفرداً إلا كلمة الاستفهام، =

[إملاء 46] [المئة إذا وقعت مميزة لا تجمع]

متضمنه صدر الكلام، ولا يجب تقديم الخبر مثل: زيد هل قام غلامه؟، فإنه خبر متضمن صدر الكلام ولم يجب تقديمه، لأن كل واحد منهما وقع في مرتبته. ويرد عليه أن يقال: الخبر هو الذي يحتمل الصدق والكذب وهذا لا يحتمل صدقا ولا كذباً، فكيف يصح أن يكون خبراً؟ وجوابه ما ذكر في مثل: زيد اضربه، أي: المقول فيه: اضربه. ويرد أيضاً أن الخبر ثان عن المبتدأ، فإذن ما وفي بالقاعدة المقررة من كون الاستفهام له صدر الكلام (¬1). وهذا فيه نظر. [إملاء 46] [المئة إذا وقعت مميزة لا تجمع] وقال مملياً على قوله في أسماء العدد (¬2): "وتثنيتهما وجمعه". قال: فإن قلت لم قلت: وجمعه، ولم تقل: وجمعهما؟ قلت: إنه قد تقدم بأن المائة إذا وقعت مميزة لا تكون مجموعة في قولنا: ثلاثمائة إلى تسعمائة (¬3). فلو قال: وجمعهما، لأدى إلى أن تكون المائة مجموعة وهي لا تكون مجموعة إلا في الشذوذ، فتمحض على ما ذكرناه عود الضمير على الألف. ¬

_ = نحو: من زيد؟ أو مضاف إليها، نحو: غلام من زيد؟ شرح الكافية 1/ 98. (¬1) "وسائر ما يقتضي صدر الكلام يكفيها أن تقع صدر جملة من الجمل بحيث لا يتقدم عليها أحد ركني تلك الجملة ولا ما صار من تمامها". الرضي 1/ 98. (¬2) الكافية ص 13. (¬3) وإن لم يضف إليها ثلاث وأخواته جمعت وأضيف ذلك الجمع إلى المفرد، نحو: مئات رجل. انظر الرضي 2/ 154.

[إملاء 47] [لام الجحود]

[إملاء 47] [لام الجحود] وقال مملياً [بدمشق سنة عشرين] (¬1) على قوله (¬2): "ولام الجحود تأكيد بعد النفي لكانط. قال: إنما كانت زائدة للتأكيد لأن مثلها من حروف الجر زيد لتأكيد النفي في مثل قولك: ما جاءني من أحد، وليس زيد بقائم، وشبهه. فكانت هذه كذلك. تيك لو حذفت لكان الكلام مستقلاً بالافادة، فكذلك هذه. إذ يجوز في غير القرآن في قوله: {وما كان الله ليعذبهم} (¬3): وما كان الله يعذبهم (¬4). وإنما جاء بعض حروف الجر للتأكيد لأن وضعها أن توصل معاني الأحكام إلى الأسماء، والنفي يدخل لنفي الحكم عن الأسماء، فلما اشتركا فيما يدلان عليه وقصد التأكيد جيء بها لذلك. وخصوا "من" والباء واللام لكثرتها، وخصوا "كان" لكثرتها في الكلام. [إملاء 48] [شرط المعرفة المانعة من الصرف] وقال مملياً [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬5) على قوله (¬6): "المعرفة شرطها ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 16. (¬3) الأنفال: 33. (¬4) فهي عند الكوفيين حرف زائد مؤكد غير جار ولكنه ناصب. وعند البصريين حرف جر معد متعلق بخبر كان المحذوف، والنصب بأن مضمرة وجوباً. انظر مغني اللبيب 1/ 212 (محي الدين). (¬5) زيادة من ب، د. (¬6) الكافية ص 3. وعبارتها: والمعرفة شرطها أن تكون علمية.

[إملاء 49] [شرط التركيب المانع من الصرف]

العلمية": احتراز من مثل: الأرنب وأرنبكم. فإن فيه التعريف ووزن الفعل وليس بممتنع لأن التعريف المعتبر إنما هو العلمية، فلم يكن في مثل ذلك إلا علة واحدة. ولو سميت بأرنب فجعلته علماً لامتنع من الصرف بالإجماع. على أنه لو كانت فيه علتان لكان التعريف باللام أو الإضافة يخرجه عن حكم ما لا ينصرف إلى دخول لفظ الجر إجماعاً. فكان الاحتراز منه لذلك. ولذلك وجب أن يذكر أيضاً حكم ما فيه علتان إذا دخلته الألف واللام أو الإضافة أنه ينجز بالكسرة، وقد ذكر. [إملاء 49] [شرط التركيب المانع من الصرف] وقال مملياً [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "التركيب شرطه العلمية وأن لا يكون بإضافة ولا إسناد" (¬3): احتراز من مثل قولك: امرؤ القيس وعبد الفيس وبأبط شراً، وشبهه مما هو مضاف أو مركب تركيباً إسناديا. أما المضاف فمعرب وليس ممتنعاً من الصرف، وإنما امتنع من التنوين لأجل الإضافة، فالتركيب فيه غير معتبر. وأما المركب التركيب الإسنادي فغير معرب أصلاً ولا يوصف بكونه منصرفاً ولا غيره. فلو سكت عنه لم يضر لأنه لا يقع فيما يوصف بأنه غير منصرف أو غيره، لأن ذلك إنما يكون في المعرب وهذا غير معرب فهو لا يقع إلا كذلك، إلا أن ذكره أو صح. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 2. (¬3) قال الرضي: "وكان عليه أن يقول: ولا معرباً جزؤه الأخير قبل العلمية. ويقول أيضاً وأن لا يكون الثاني مما يبني قبل العلمية ليخرج نحو: سيبويه وخمسة عشر علماً". شرح الكافية 1/ 60.

[إملاء 50] [شرط استعمال "إلا" بمعنى "غير"]

[إملاء 50] [شرط استعمال "إلا" بمعنى "غير"] وقال مملياً في الاستثناء بجامع دمشق سنة سبع عشرة على قوله (¬1): "إذا كانت تابعة لجمع منكور غير محصور". قال: إذا استعملت "إلا" بمعنى "غير" فلابد من هذه الشروط المذكورة. وإنما كان (¬2) كذلك لضعف استعمالها صفة فلم يستعملوها إلا في الموضع الذي يتعذر فيه الاستثناء. وبيان تعذر الاستثناء ههنا مع هذه الشروط أنك إذا قلت: جاءني رجال إلا زيدا، وجعلت زيداً استثناء، لم يستقم، لأن الكلام في الاستثناء المتصلن وشرطه أن يكون مخرجاً من المستثنى منه على وجه لولاه لدخل فيه، ونحن نقطع بأن رجالاً ليس له دلالة على زيد فلم يستقم إخراج زيد منه. وإذا لم يستقم إخراجه منه لم يصح أن يكون استثناءً منه، فثبت أنه يتعذر الاستثناء في مثل هذه الصورة (¬3). وإنما اشترط أن يكون غير محصور، احتراز (¬4) من مثل: له عندي عشرة إلا درهما (¬5) فإنه تابع لجمع منكور ولكنه لما كان محصوراً صح أن يكون استثناء، لأنك لو سكت عنه لدخل فيه ووجب على المقر به عشرة (¬6)، بخلاف قولكك جاءني رجال إلا زيداً. ¬

_ (¬1) الكافية ص 8. (¬2) في س: كانت. (¬3) في ب، د، س: الصور. وما أثبتناه هو الصواب. (¬4) في الأصل وفي: ب، م، د: احتراز. وما أثبتناه من س، وهو الصواب لأنه مفعول لأجله. (¬5) قال الرضى: "لأنه إن كان محصوراً وج دخول ما بعد إلا فيه، فلا يتعذر الاستثناء فلا يعدل عنه، وذلك نحو: كل رجل إلا زيداً جاءني، وله على عشرة إلا درهما، شرح الكافية 1/ 246. (¬6) قال ابن هشام: "وسره أن المعنى حينئذ عشرة موصوفه بأنها غير درهم". المغني 1/ 75 (دمشق).

[إملاء 51] [حد النعت]

ولم يشترط في استعمال "غير" بمعنى "إلا" تعذر جعلها صفة كما اشترط في استعمال "إلا" بمعنى "غير" تعذر كونها استثناء، لأن "غير" إذا استعملت في الاستثناء كانت لها أمثال جرت ذلك المجرى، لأن وقوع الأسماء استثناء لا بعد فيه كـ "سوى وسواء" بخلاف استعمال "إلا" صفة لأنها حرف، واستعمال الحرف صفة على خلاف القياس، لأنه استعمال الحرف بمعنى الاسم وإخراجه عن حيز الحرفية إلى حيز الاسمية، فاشترط فيه تعذر جريه على أصله. [إملاء 51] [حد النعت] وقال أيضاً مملياً [بدمشق سنة إحدى وعشرين] (¬1) على قوله في المقدمة في النعت (¬2): "تابع يدل على معنى في متبوعه من غير تقييد". قال: احترز بقوله: من غير تقييد، عن الحال، فإن الحال مقيدة والصفة مطلقة. فأورد عليه بعض الأصحاب الحال المؤكدة فإنها تدل على معنى في صاحبها مطلقاً، فلتكن كالصفة. وأجاب بأن قال: إنما أتى بقوله: من غير تقييد، على سبيل التبيين لا على معنى أنه داخل في تتمة الحد، والحال ليس بتابع. نعم لو قلنا في الحال: ما يبين هيئة الفاعل أو المفعول لوردت الصفة. إذن فنقول في الصفة: من غير تقييد، فتخرج حينئذ. هذا مع أن الحال ليس بتابع. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 10 وعبارتها: تابع يدل على معنى في متبوعه مطلقاً.

[إملاء 52] [حد الاسم]

[إملاء 52] [حد الاسم] وقال مملياً [بدمشق سنة سبع عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "ما دل على معنى في نفسه". قال: الضمير في قوله: "في نفسه"، عائد على المعنى. يعني: أن اللفظ دال على معنى باعتبار نفسه لا باعتبار تعلقه (¬3). لأن دلالة الألفاظ على ضربين: فضرب يدل على المعنى من غير اعتبار تعلق بالغير وهي الأسماء والأفعال، وضرب يدل على معنى باعتبار تعلقه بالغير وهي الحروف. ألا ترى أنك إذا قلت: خرجت من البصرة، فلفظة "من" دلت على ابتداء الخروج المتعلق بالمحل المخروج منهلا باعتبار ابتداء في نفسه. وإذا قلت: أعجبني الابتداء، فالابتداء (¬4) مستقل في الدلالة على معناه باعتبار نفسه، فمن ثم حكم على "من" وشبهها أنها حرف وإن دلت على الابتداء، وحكم على لفظ الابتداء بأنه اسم. ويجوز أن يقال: إن قولهم: في "نفسه" ضمير لما، وهو اللفظ، فيكون معناه: أن اللفظ يستقل (¬5) بالدلالة على المعنى بنفسه من غير احتياج إلى أمر آخر يذكر معه يتعلق به، فيكون الحرف محتاجاً في الدلالة إلى الغير، والاسم والفعل مستقلان في الدلالة من غير احتياج إلى غيرهما. والكلام في دلالة المفردات، وأما النسب المفيدة فلا تكون إلا من اسمين أو من فعل واسم على ما تقرر. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 2. (¬3) قال الرضي: "في نفسه، الجار والمجرور مجرور المحل صفة لقوله: معنى. والضمير البارز في نفسه لما التي المراد بها الكلمة". شرح الكافية 1/ 9. (¬4) فالابتداء: سقطت من د. (¬5) في س: مستقل.

[إملاء 53] [حد المفعول فيه]

[إملاء 53] [حد المفعول فيه] وقال مملياً في البيت المقدس سنة ست عشرة على حد المفعول فيه (¬1): "ما فعل فيه فعل مذكور". فقال: إذا قلت: يوم الجمعة سرت فيه، فإنه فعل فيه فعل مذكور وهو السير وليس إعرابه على ذلك. وجوابه: أنه لم يوضع للدلالة على أنه فعل فيه، وإنما هو مخبر عنه، كما قلناه في قولنا: زيد ضربته، نعم الضمير في قولنا: "فيه" هو الذي فعل فيه. وأورد أيضاً: ضرب يوم الجمعة. وأجاب (¬2) عنه بأنه مفعول فيه، وشرط نصبه أمر آخر، لا جرم حددنا المفعول فيه بما هو مفعول فيه، وكونه منصوباً لم نتعرض له. [إملاء 54] [حد المضاف إليه] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬3) على قوله في المجرورات (¬4): "والمضاف إليه كل اسم نسب إليه شيء بواسطة حرف جر لفظاً أو تقديراً مراداً". فقال: إذ قلنا: ما جاءني من أحد وشبهه، فهذا مجرور بواسطة حرف جر ومع ذلك ليس بمضاف إليه (¬5). والجواب (¬6) عنه من وجهين: أحدهما: أن نقول: ¬

_ (¬1) الكافية ص 7. (¬2) في م: فأجاب. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) الكافية ص 9. (¬5) قال الرضي: "بني الأمر أولاً على أن المجرور بحرف جر ظاهر مضاف إليه. وقد سمناه سيبويه أيضاً مضافاً إليه، لكنه خلاف ما هو المشهور الآن من اصطلاح القوم فإنه إذا أطلق لفظ المضاف إليه أريد به ما انجر بإضافة اسم إليه بحذف التنوين من الأول للإضافة. وأما من حيث اللغة فلا شك أن زيداً في: مررت بزيد، مضاف إليه إذ أضيف إليه المرور بواسطة حرف الجر" شرح الكافية 1/ 272. (¬6) في س: وأجاب.

[إملاء 55] [تجرد المضاف من التنوين]

الحروف الزوائد جيء بها كلها لمعنى (¬1) فلا ينافي كونها زائدة، والمعنى الذي جيء بها له كونها لتأكيد تلك النسبة. ثم وإن سلمنا أنه ليس بنسبة، فلم نقصد بالحدج إلا ما ليس بزائد، لأن الحد باعتبار المعاني، لا تدخل الأمور التي لا معنى لها فيه، لأنه يؤدي إلى أن يكون له معنى فيما ليس له معنى. [إملاء 55] [تجرد المضاف من التنوين] وقال مملياً في المجرورات أيضاً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬2) في قوله (¬3): "مجرداً تنوينه لأجلها" (¬4): إذا قلت هذا أحمر الثوب فلا تنوين فيه. فالجواب: أنا أردنا التنوين اللفظي والتقديري جميعاً، فإن "أحمر" قبل الإضافة لا تنوين فيه لأنه غير منصرف وبعد الإضافة كذلك. ولكنه لما بعد عن شبه الفعل بالإضافة حكم عليه بالرجوع إلى أصلهن فيكون التنوين مقدراً. ألا ترى أن الخفض يدخله إذا قلت: مررت بأحمر الثوب، ولولا أنه في حكم المنصرف لم يجز دخول الخفض فيه، فلذلك نقول: زال التنوين فيه لأجل الإضافة. [إملاء 56] [حد المعرب] وقال مملياً ببيت المقدس سنة ست عشرة وستمائة على قوله (¬5): ¬

_ (¬1) في م، س: بمعنى. وهو تحريف. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 9. (¬4) قول ابن الحاجب: مجرداً تنوينه، أي: التنوين أو ما قام مقامه من نوني التثنية والجمع. (¬5) الكافية ص 2.

[إملاء 57] [حد التوابع]

"ويختلف آخره باختلاف العامل"، قال: أنتم اعترضتم على النحويين في حد المعرب بقولهم: ما اختلف آخره باختلاف العامل، وبينتم أن هذا يلزم فيه الدور (¬1)، فأنتم أيضاً قد ذكرتم ذلك بعينه في حدكم، وهو قولكم: المعرب المركب الذي لم يشبه مبني الأصل، ويختلف آخره باختلاف العامل. فيلزمكم ما لزمهم. والجواب: أنا لم نجعل الاختلاف فيما ذكرناه مبنياً، وغنما جعلناه مخبراً به بعد أن قدمنا ما يدل على المراد وهو قولنا: المعرب المركب الذي لم يشبه مبنى الأصل. ثم أخبرنا بعد أن ثبتت حقيقة المعرب بأنه يختلف. ولا يلزم من الإخبار عن الشيء الأطراد والانعكاس، ألا ترى أنك لو قلت: زيد قائم (¬2) وما أشبهه من الإخبارات، لم يلزم أن يكون ذلك مطرداً، بخلاف ما ذكر من الحد. [إملاء 57] [حد التوابع] وقال مملياً في قوله (¬3): "التوابع كل ثان بإعراب سابقة من جهة واحدة": قوله: من جهة واحدة، احتراز من قولنا: أعطيت زيداً درهما، فإن تعلقه بـ "زيد" على معنى كونه آخذاً، وتعلقه بـ "الدرهم" على معنى كونه مأخوفاً، بخلاف: جاء زيد العاقل. [إملاء 58] [العطف على اسم "أن" المفتوحة بالرفع] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬4) على المقدمة في ¬

_ (¬1) انظر الإملاء (17) من هذا القسم. ص: 519. (¬2) في س: قام. (¬3) الكافية ص 9. (¬4) زيادة من ب، د.

قوله (¬1): "ولذلك جاز العطف على اسم المكسورة لفظاً أو حكماً بالرفع دون المفتوحة": قولهك أو حكماً، مثل قوله تعالىك {أن الله بريء من المشركين ورسوله} (¬2). فإن قوله: ورسوله، معطوف على اسم (أن) (¬3) وإن كانت مفتوحة، لأنها في حكم المكسورة. وهذا موضع لم ينبه عليه النحويون. فإنهم إذا قالوا: يعطف على اسم "إن" المكسورة دون غيرها أو هموا أنه لا يجوز العطف على المفتوحة. والمفتوحة تنقسم قسمين: قسم يجوز العطف على اسمها بالرفع، وقسم لا يجوز. فالقسم الذي يجوز هو أن تكون في حكم المكسورة كقولك: علمت أن زيداً قائم وعمرو (¬4)، لأنه في معنى: إن زيداً قائم وعمرو، فكما جاز العطف ثم جاز ههنا. ألا ترى أن "علم" لا تدخل إلا على المبتدأ والخبر. يدل على ذلك وجوب الكسر في قولك: علمت إن زيداً لقائم. وإنما انتصبا بعدها توفيراً لما تقتضيه "علمت" من معنى المفعولية. فإذا تحقق أنها في حكم المكسورة جاز العطف على موضعها إجراء لها مجرى المكسورة لأنها في حكمها. فإن كانت المفتوحة على غير هذه (¬5) الصفة لم يجز العطف على اسمها بالرفع مثل قولك: أعجبني أن زيداً قائم وعمراً، فلا يجوز إلا النصب، ولا يستقيم الرفع بحال عطاف على اسم "أن" لأنها ليست ¬

_ (¬1) الكافية ص 20. (¬2) التوبة: 3. (¬3) باعتبار أصله قبل الناسخ، ويكون من عطف مفرد على مفرد. ويجوز أن يكون مبتدأ حذف خبره، ويكون من عطف الجمل. (¬4) أي: تكون بعد فعل من أفعال القلوب. (¬5) في الأصل: غير ذلك بهذه. وما أثبتناه من م، د، س. وهو أنسب.

[إملاء 59] [حد البدل]

مكسورة ولا في حكم المكسورة لأنها في موضع مفرد من كل وجه (¬1). وقد تقدم تعليق تخصيص المكسورة بذلك. [إملاء 59] [حد البدل] وقال مملياً [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬2) في البدل في قوله (¬3): [تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع دونه": فقولنا: تابع، يشمل التوابع كلها. وقولنا: مقصود، دخل فيه المعطوف، فأخرجناه بقولنا: دونه، يعني دون المتبوع، فإن الضمير في "دونه" للمتبوع. فإنا إذا قلنا: أعجبني زيد حسنه، فالإعجاب منسوب إلى الحسن، وإنما ذكر زيد للتوطئة والتمهيد، والمعطوف دخل مع المعطوف عليه في المعنى الذي سيق المعطوف عليه لأجله. فإن قولنا: قام زيد وعمرو، شركت بين زيد وعمرو في القيام بما هو قيام، لأنه يستحيل أن يكون قيام زيد قيام عمرو، وإنما التشريك في معقول القيام لا في القيام المضاف إلى زيد. [إملاء 60] [إطلاق المركب] وقال مملياً [بدمشق سنة إحدى وعشرين] (¬4) على قوله (¬5): "المعرب المركب الذي لم يشبه مبني الأصل". قال: توهم بعض الأصحاب أن المركب لا ¬

_ (¬1) انظر مسألة العطف بالرفع على محل اسم أن المفتوحة في شرح الكافية للرضي 2/ 353. وانظر الإملاء (46) من الأمالي القرآنية. ص: 182. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 10. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) الكافية ص 2.

[إملاء 61] [الجمع المانع من الصرف]

يطلق إلا على الجملة بكمالها، وليس بمستقيم. لأن القائل إذا قال: زيد قائم، صح أن يقال: ركبت زيداً مع "قائم"، فـ "زيداً" مفعول بـ "ركبت"، وكل مفعول لفعل يصح إطلاق صيغة مفعول عليه، فيجب صحة إطلاق مركب عليه، فيصح أن يطلق (¬1) على زيد مركب كما صح إطلاق مضروب على زيد إذا قيل: ضربت زيداً. فقد ثبت صحة إطلاق لفظ المركب على كل واحد مفرد من أجزاء الجملة. فإن قيل: فيكون "قام" في قولك: قام زيد، مركب مع زيد، وعلى ذلك يكون معرباً لدخوله في حد المعرب. فالجواب من وجهين: أحدهما: أنه لم يرد ههنا بالمركب إلا الاسم المركب، إذ هذا الحد إنما جيء به لنوع من الأسماء وهو المعرب. وإذا حد نوع من جنس بعد ذكره إنما (¬2) يراد ذلك الجنس، فقوله: المركب، إنما أريد الاسم المركب، ولكنه حذف الموصوف وأقيم الصفة مقامه. الثاني: هو أنه قد اشتمل على قوله: لم يشبه مبني الأصل، "وقام" مبني الأصل فلا ليس. فإن قلت: فـ "يقوم زيد، لا يشمله الجواب الثاني. قلت: بل يشمله لأن "يقوم" يشبه "قام" فهو وإن كان مركباً فقد أشبه مبني الأصل فلا يرد. والجواب الأول هو المراد المعتمد عليه. [إملاء 61] [الجمع المانع من الصرف] وقال مملياً [بدمشق سنة إحدى وعشرين] (¬3) على قوله (¬4): "الجمع شرطه ¬

_ (¬1) في الأصل: ينطلق. وهو تحريف. (¬2) في الأصلك كأنما. وما أثبتناه من ب. وهو الأحسن. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) الكافية ص 3.

صيغة منتهى الجموع" (¬1). قال: إنما لم يمنع غير هذه الصيغة من صيغ الجموع لأمرين: أحدهما: أنه لا يتفق اجتماعها مع علة أخرى، لأنها مع العدل لا تكون، إذ للعدل (¬2) صيغ محصورة ليس فيها جمع إلا أخر، وهو مستقل بعلتين غيره، وهما العدل والصفة، ولا يستقيم مع الوصفية لأن المعتبر في الوصفية الوصف المفرد لا الجمع من حيث كان المفرد هو الأصل فلم يعتبر سواه، ولا يجامع التتأنيث لأن شرطه العلمية، وإن كان ألفا كان مستغنياً عن علة أخرى. ولا يجامع العلمية لما بينهما من المنافاة، لأنك إذا سميت به فقد خرج عن كونه جمعاً، وصار بهذا الاعتبار كالأسماء المفردة. فإن قيل: فلم لم يعتبر معه بعد التسمية كما اعتبر في "مساجد" بعد التسمية به؟ فالجواب: أن الجمع في "مساجد" متأكد بما تقرر في بابه، فلا يلزم من اعتبار جمع متأكد في الأصل بعد خروجه بالنقل اعتبار جمع غير متأكد، ولتأكيده قام مقام علتين فظهر الفرق. وبقية العلل في امتناع اجتماعها مع الجمع واضحة وهي العجمة والتركيب والألف والنون ووزن الفعل. الوجه الثاني وهو أولاهما: أنه لم يعتبر لشبهه بالواحد، لأن هذه الصيغة غير باب "مساجد" اشتركت كلها في صحة جمعها تشبيهاً بالواحد لفظاً أو حكماً، فلم تعتبر الجمعية فيها لذلك، إذ الصيغة في الواحد مثلها في باب الجمع بخلاف باب "مساجد" فإنه لم يشركه باب الوحدان (¬3) فيما ذكر، فكذلك اعتبر الجمع ولم يعتبر في غيره. ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب: "وهذا أولى من قول الأكثرين: لأنه جمع لا نظير له في الآحاد، فإن ذلك منقوض بأفلس وبابه وهو أكثر من أن يحصى. فأفعل جمع لا نظير له في الأحاد فكان جديراً بأن يمتنع من الصرفط. شرح الكافية ص 15. (¬2) في الأصل وفي ب، د، م: العدل. وما أثبتناه من س. وهو الصواب. (¬3) جمع واحد.

[إملاء 62] [حد الاستثناء المنقطع]

[إملاء 62] [حد الاستثناء المنقطع] وقال مملياً على قوله (¬1): "والمنقطع المذكور بعدها غير مخرج". قال: وهذا أولى من حد النحويين الذين يقولون في حد المنقطع: إنه ما كان من غير الجنس. فإنه باطل بقولنا: جاء القوم إلا زيداً، لقوم معهودين بينك وبين مخاطبك ليس فيهم زيد. فهذا استثناء من الجنس ومع ذلك هو منقطع. قال: ويمكن أن يعتذر للنحويين بأن غير الجنس قد يطلق على ما لم يكن داخلاً في الأول، والجنس ما كان داخلاً. فلما كان المنقطع غير داخل في الأول أمكن أن يعبر عنه بأنه من غير الجنس بالتفسير الذي ذكرناه. [إملاء 63] [الكلام في تنوين "غير"] وقال مملياً [بالقاهرة سنة خمس عشرة وستمائة] (¬2) في قوله (¬3): "وغير صفة حملت على إلا في الاستثناء". فقال بعض جماعته أيجوز: غير أو غير بالتنوين؟ فاقل: كل ما يتكلم به إنما هو اسم أو فعل أو حرف. فإن كانت أفعالاً أو حروفاً فالأحسن أن تذكرها على ما كانت عليه في أصل وضعها، فتقول: "ضرب" حكمه كذا، ومن: حرف ابتداء. وإن كانت أسماء فلا يخلو إما أن تكون معربة أو مبنية، فإن كانت معربة فالأحسن أيضاً أن يتكلم بها على ما هي في أصل وضعها، فتقول: "زيد" حكمه كذا، ولو قلت: "زيد" حكمه كذا كان جائزاً، إلا أنه ضعيف. فإن كان غير منصرف فلك أن تحكيه ولك أن تعربه، فتقول: ¬

_ (¬1) الكافية ص 8. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 8.

[إملاء 64] [إضافة الصفة إلى موصوفها وبالعكس]

سواء: حكمه كذا، وسواء: حكمه كذا. وإن كانت متصرفة أعربته لا غير (¬1). وإن كان مبنياً حكي كالأفعال والحروف. [إملاء 64] [إضافة الصفة إلى موصوفها وبالعكس] وقال مملياً في المقدمة [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬2) على قوله (¬3): "ولا يجوز إضافة الصفة إلى موصوفها ولا الموصوف إلى صفتهطز فقال: إنما امتنع ذلك لأنه لم يخل إما أن تضيف باعتبار الذات أو باعتبار المعنى أو باعتبارهما جميعاً. فإن أضفت باعتبار الذات كان باطلاً لأنه يؤدي إلى إضافة الشيء إلى نفسه. وإن أضفت باعتبار المعنى فهو أيضاً باطل، إذ ليس عالم موضوعاً لمجرد المعنى بل للذات والمعنى، والمعنى هو المقود. ولذلك لو قلت: رجل علم، جازن وباعتبارهما جميعاً أيضاً باطل لأنهما جميعاً ليس اللفظ موضوعاً لهما على السواء، وهذا الوجه يجري في منع إضافة الصفة إلى موصوفها أيضاً (¬4). ¬

_ (¬1) قال ابن هشام: "غير اسم ملازم للإضافة في المعنى، ويجوز أن يقطع عنها لفظاً إن فهم المعنى وتقدمت عليها كلمة لس، وقولهم: لا غير، لحن". مغني اللبيب 1/ 169 (دمشق9. (¬2) زيادة من: ب، د. (¬3) الكافية ص 9 وعبارتها: ولا يضاف موصوف إلى صفته ولا صفة إلى موصوفها. (¬4) اختلف الكوفيون والبصريون في هذه المسألة. فقد جوز الكوفيون إضافة الموصوف إلى صفته وبالعكس. فالأول نحو: مسجد الجامع، والثاني نحو: جرد قطيفة. والبصريون منعوا ذلك، ولهذا ينصبون المرفوع بالصفة إذا أريد الإضافة إليه في نحو: حسن الوجه. انظر الإنصاف مسألة (61)، وشرح الكافية للرضى 1/ 287.

[إملاء 65] [حد النعت]

[إملاء 65] [حد النعت] وقال ممليا بالقاهرة [سنة ست عشرة] (¬1) علي قوله (¬2) النعت تابع يدل علي معني في متبوعه (¬3) أورد عليه بعض الأصحاب جاء القوم كلهم متوهما أن كلهم لما كان تأكيد اأنه دال علي معني في المتبوع وهم القوم فقال ممليا أكان كلهم دالا علي معني في المتبوع فليكن قولك جاء زيد زيد دالا علي معني في المتبوع وليس دالا معني في المتبوع وبيانه أن التوهم الذي رفع بزيد الثاني ليس قائما بزيد الأول ولم يكن موضوعا له، وإنما جاء اللبس على السامع بالنظر إلى الوجود، إذ يحتمل أن يكون جاء غلامه أو غيره من المنسوبين إليه. فالمتبوع ليس التوهم قائمآ به البتة بل بالمخاطب، ونحن قد قيدنا وقلنا: ما دل على معنى في المتبوع. وكذلك قولنا: جاء القوم كلهم، لم يأت المتكلم بلفظ كلهم إلا رافعا بها التوهم عن السامع لئلا يقدر أن بعضهم جاء، فليس في المتبوع الذي هم القوم احتمال أصلا مع كلهم [إملاء 66] [نون التوكيد] وقال ممليآ [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬4) على قوله (¬5): "نون التوكيد خفيفة ساكنة، ومشددة مفتوحة مع غير الألف" إلى آخره. قال: إنما اختصت ¬

_ (¬1) زيادة من: ب، د. (¬2) الكافية ص 9. (¬3) قال الرضي:"ولو قال يدل على متبوعه أو متعلقه لكان أعم لدخول نحو: برجل قائم أبوه، فيه" شرح الكافية 1/ 301. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) الكافية ص.21

هذه النون بالفعل المضارع لأنها مشبهة بالتنوين فخصوها به لكونه الأصل في الإعراب، وليس للماضي أصل فيه، فلم يناسب دخولها فيه. ودخلت في الأمر إجراء له مجراه قبل حذف حرف المضارع فأجري على أصله وإن خرج عن الإعراب على المذهب الصحيح (¬1). وإنما خصوه بالمستقبل لا ستغناء الحال غالبا عن التوكيد لوضوح أمره، بخلاف الغائب في الغالب فإنه غير متضح، فكان أحوج منه إلى التأكيد. واختصت بما فيه معنى الطلب لقصد المتكلم إرادة ما يطلبه غالبآ، فهو مؤكد عنده في طلب حصوله، فكان فيه مناسبة التأكيد دون غيره. وأجري مجراه القسم وإن لم يكن فيه طلب، لأنه إما غالبه أن يكون مرادا وإما لأن جميعه مقصود حصوله للصدق لا لحصوله في نفسه، فأجري مجرى ما المقصود منه الحصول (¬2) وإنما لم تدخل النون في الحقيقة على فعل الاثنين وجماعة النساء (¬3) كراهة اجتماع الساكنين على غير حدهما (¬4) ... ،ودخلت الشديدة وإن التقى ساكنان لأنهما على حدهما. وإنما كسرت معها خاصة لما ثبت في غيرها من أن ¬

_ (¬1) مذهب البصريين أن فعل الأمر مبني. ومذهب الكوفيين أمعرب مجزوم. انظر الإنصاف مسألة (72). (¬2) وقد يلحقان أيضا الفعل إذا دخلت عليه ربما، وكثر ما، وقلما، أو زيدت قبله ما، قالوا: بجهد ما تبلغن. وقد تلحقان أيضا في الشعر الفعل في الجزاء بغير ما، والفعل المنفي بلم، والواجب. انظر المقرب لابن عصفور 2/ 74،73. (¬3) "وأما يونس والكوفيون فجوزوا إلحاق الخفيفة بالمثني وجمع المؤنث. فبعد ذلك إما أن تبقى النون عندهم ساكنة وهو المروي عن يونس، لأن الألف قبلها كالحركة لما فيها من المدة كقراءة نافع (محياي) وقراءة أبي عمرو (واللاي) وإما أن تحرك بالكسر للساكنين، وعليه حمل قوله تعالى: (ولاتتبعان) بتخفيف النون"انظر الرضي على الكافية 2/ 504. (¬4) وحدهما أن يكون الأول حرف لين والثاني مدغمآ في نحو: دابة وخويصة. انظر المفصل ص352.

النونات الزوائد على الصيغة بعد الألف مكسورة، ك: رجلان وغلامان وضربان ويأكلان، وهذه كذلك فأجراها. أو لأنها موضع نون التثنية وهي مكسورة، فجعلت مثلها، وشبهت بما في جماعة النساء بها لكونها بعد ألف. وإنما ضمت مع ضمير المذكرين لأنها تنزل مع الضمير البارز منزلة كلمة منفصلة ومع غيره منزلة حرف متصل (¬1). وقد علمت أنك تقول في "اضربوا" إذا وصلته باليوم: اضرب اليوم، فكذلك يجب أن بقول: اضربن، لأنها في الحقيقة اجتمعت هي ساكنة والنون ساكنة فحذفت لالتقاء الساكنين كما حذفت لسكونها وسكون اللام. ووجه كسرها مع ضمير المخاطب المؤنث على هذا المثال. فإن لم يكن ضمير بارز قدرت متصلة كقولك للرجل: اضربن، كقولك: ليضربن الزيدون العمرين، لأنهما لا ضمير فيهما بارز، لأن الضمير الأول مستتر، ولا ضمير في الثاني. وقد علمت أنهم إذا اتصل بالفعل ما ليس بواو مما يكون لجزئه فتح معه كقولك: اضربا واخرجا، فكذلك يجب أن تقول: اضربن واخرجن. وإنما لم تجعل كالمنفصل مثل الأول لأنه حرف لمعنى في الفعل لم يفصل بينه وبينه فاصل، فجعل كالتنوين وألف التثنية بخلاف ما جاء فيه الضمير البارز، لأنه كلمة أخرى انضمت إلى الفعل، فلم يحسن أن تجعل من جملته بعد الفصل بينه وبينه بكلمة للمنافاة بين جزئي الكلمة وبين الفصل بينهما بكلمة وهذا الأصل ينبني عليه جميع مسائل هذا الباب في الصحيح والمعتل (¬2). فمن ثم قيل للواحد: اغزون كما تقول: اغز، وللمذكرين: اغزن كما تقوا: اغزوا اليوم، وللواحدة: اغزن كما تقول: اغز اليوم. وتقول للواحد: رين كما تقول: ¬

_ (¬1) "وإنما ضمت ولم تكسر ولم تفتح إجراء لما قبل نون التأكيد في جمع المذكر في جميع الأنواع مجرى واحدأ بالتزام الضمة فيه".الرضي على الكافية 2/ 404. (¬2) انظر سيبويه 3/ 528.

ري، وللمذكرين: رون، بواو مضمومة، كما تقول: رووا اليوم، وللمرأة: رين بياء مكسورة كما تقول: ري اليوم، قال الله تعالى: {فإما ترين} (¬1) وقال: {لترون} (¬2) قوله: والمخففة تحذف للساكن، يعني: إذا لقيها ساكن، يعني: إذا لقيها ساكن بعدها، فتقول في "اضربن" إذا وصلته باليوم: اضرب اليوم، ولا تحركها لالتقاء الساكنين كما تحرك التنوين، كأنهم قصدوا أن يكون لما يدخل الاسم على ما يدخل الفعل مزية. فإذا وقفوا فلا يخلو ما قبلها من أن يكون مفتوحآ أو غير مفتوح. فإن كان غير مفتوح حذفوها أيضا كما حذفوا التنوين فيقولون في "اضربن": اضربوا، وفي "اضربن" للمرأة: اضربي. لأنهم لما حذفوها زال المقتضي لحذف الساكن الذي قبلها فوجب رده. فإن قيل كان القياس ألا يرد ما حذف لأجله لأن حذفه عارض، كما أنهم لم يردوا في قولهم: قاض، ما حذفوه لأجل التنوين وهو الياء لما كان حذفه عارضاً على اللغة الفصيحة. فالجواب: أن التنوين في الاسم متأصل موضوع لمعنى أصلي يدل عليه، فإذا حذف في الوقف كان حذفه عارضاً على التحقيق، والأصل الإثبات. ونون التأكيد ليست لمعنى زائد عما يدل عليه الفعل بل هي في معنى حروف الزيادة، فصارت في الأصل عارضا، فإذا حذفت رجعت الكلمة إلى أصلها فوجب رد ما حذف لأجله، فحصل الفرق بينهما لذلك. وكذلك لو قلت: هل تضربن، ثم وقفت قلت: هل تضربون، فتثبت الواو ونون الإعراب ساكنة. أما الواو فلزوال مقتض حذفها وهو النون الساكنة. وأما رد نون الإعراب فلزوال مقتض البناء، لأن ¬

_ (¬1) مريم: 26. وترين: مضارع مؤكد مسند لياء المخاطبة. أصله قبل التوكيد: ترأيين، حذفت الهمزة تخفيفا، ونقلت حركتها إلى الراء فصارت: تريين، قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت لالتقاء الساكنين فصارت: ترين ثم حذفت النون للجازم، وأكد بالنون فحركت الياء بالكسر للمجانسة فصارت: ترين. (¬2) التكاثر:6.

[إملاء 67] [المنفي المضاف بلام الإضافة]

نون التأكيد تقتضي بناء الفعل، فإذا زالت رجع الفعل إلى ما يستحقه من الإعراب فوجب رد النون في: هل تضربون؟ لأنها علامة للرفع (¬1) فيه. وإن كان مفتوحا قلبوها ألفا، تقول في "اضربن": اضربا. وإنما قلبوها ألفا تشبيها لها بالتنوين المفتوح ما قبله مثل قولك: رأيت زيدا وعمرا، وما أشبهه. ولم يحذفوه من (¬2) غير عوض كما فعلوا في المضموم ما قبله والمكسور إجراء له مجرى التنوين، ففعلوا به ما فعلوا في التنوين لخفة الفتحة والألف، وثقل الضمة والواو، والكسرة والياء [إملاء 67] [المنفي المضاف بلام الإضافة] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬3) على قوله (¬4):"ومثل لا أب له ولا غلامين له جائز تشبيهه بالمضاف لمشاركته له في أصل معناه": يعني: أن كل نكرة نسبت إلى منسوب إليه باللام وحكمها يختلف باعتبار إفرادها وباعتبار إضافتها فالقياس استعمالها مفردة لأن اللام قطعتها عن الإضافة لفظا ومعنى كما في سائر الأبواب. ويجوز على غير القياس وهو مع ذلك ليس بالكثير في الاستعمال إجراؤها مجرى المضاف في الحكم لا في المعنى، فتعطى أحكام المضاف من إعراب بحرف أو حذف نون حتى كأنها مضافة، فتقول في: لا ناصرين لك، لا ناصري لك، ¬

_ (¬1) في ب، د. الرفع. (¬2) في الأصل: عن. وهو تحريف. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) الكافية ص 9.

تشبيها له بالمضاف لمشاركته له في أصل معنى الإضافة من حيث كونه منسوبا إلى الثاني على أصل معنى تلك النسبة لا على الاختصاص التعريفي الذي جعلها لواحد معين. ومن ثم، يعني: ومن أجل أن هذا الحكم كان من أجل تشبيهه بأصل معنى الإضافة أنهم لم يفعلوه في: لا أب فيها، ولا قيبى عليها، ولا مجيري منهما، لأن هذه النسبة ليست نسبة الإضافة، فلذلك لم يعط حكم الإضافة باعتباره، بخلاف النسبة التي هي بمعنى اللام. وقد زعم سيبويه وأكثر النحويين أنها إنما أعطيت هذا الحكم لأنهم قصدوا الإضافة فجاءوا باللام للتوكيد لها في المعنى (¬1). وقال الزمخشري (¬2): "وقضاء من حق المنفي في التنكير بما يظهر بها من صورة الانفصال" (¬3). وهو إيذان منهم بأن المعنى معنى الإضافة على التحقيق، وهو فاسد من وجوه: منها: القطع بأن معنى: لا أب لك، بمعنى: لا أبا لك. ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "اعلم أن التنوين يقع من المنفى في هذا الموضع إذا قلت: لا غلام لك، كما يقع من المضاف إلى اسم، وذلك إذا قلت: لا مثل زيد. والدليل على ذلك قول العرب: لا أبالك، ولا غلامي لك، ولا مسلمي لك. وزعم الخليل رحمه الله أن النون إنما ذهبت للإضافة، ولذلك ألحقت الألف التي لا تكون إلا في الإضافة. وإنما كان ذلك من قبل أن العرب قد تقول: لا أباك في معنى لا أبالك، فعلموا أنهم لو لم يجيئوا باللام لكان التنوين ساقطا كسقوطه في. لا مثل زيد. فلما جاءوا بلام الإضافة تركوا الاسم على حاله قبل أن تجيء اللام إذ كان المعنى واحدا، وصارت اللام بمنزلة الاسم الذي ثنى به في النداء" الكتاب 2/ 276. (¬2) المفصل ص 78. (¬3) ومعنى كلام الزمخشري: أن زيادة اللام في: لا أبا لك، أفادت أمرين: أحدهما: تأكيد الإضافة، ولأخر: لفظ التنكير لفصلها بين المضاف والمضاف إليه. فاللام مقحمة غير معتد بها من جهة ثبات الألف في الأب، ومن جهة تهيئة الاسم لعمل "لا" فيه. انظر شرح المفصل لابن يعيش 2/ 107.

[إملاء 68] [الإضافة اللفظية]

و"لا أب لك" غير مضاف باتفاق، فوجب أن يكون الأخر كذلك. ومنها: الاتفاق على أن "لا" هذه لا تدخل إلا على نكرة، فلو جعل مضافا على الحقيقة لكان معرفة فيبطل قولهم: لا تدخل إلا على نكرة. ومنها: لو كان معرفة لكان لواحد مخصوص، ونحن نقطع بأن قولك: لاحما لك ولا أخا لك، ليس لواحد مخصوص، وإنما هو نفي لجميع الأخوة، إما باعتبار الزوم وإما باعتبار نفسه، كما في: لا رجل أفضل منك فثبت أنه نكرة وليس بمعرفة، فوجب أن يكون هذا الحكم الخارج عن القياس لتشبيهه بالإضافة، لا لأنه مضاف حقيقة. [إملاء 68] [الإضافة اللفظية] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "واللفظية أن تكون صفة مضافة إلى معمولها مثل: ضارب زيد": والمعمول قد يكون مفعولا وقد نكون فاعلا مثل: حسن الوجه. وإذا أضيف إلى ما يحتمل أن يكون معمولا له وإلى ما يحتمل أن لا يكون معمولا له كقولك: هذا مصارع السلطان، جاز أن تكون الإضافة، وجاز أن تكون معنوية. أما نحو: ضارب مصر، فلا ينبغي أن تكون إلا إضافة معنوية لتعذر أن يكون "مصر" معمولا ل"ضارب" قال: "ولا تفيد إلا تخفيفا في اللفظ". معنى هذا: أنها لابد لها من إفادة التخفيف وأنها لا تفيد غيره، فقرر انتفاء ما سوى منطوق قوله: ولا تفيد إلا تخفيفا، بقوله: ومن ثم جاز مررت برجل حسن الوجه (¬3). ألا ترى أنه لو كان ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 9. (¬3) أي: من جهة أنها لم تفد تعريفا بل أفادت تخفيفا فقد جازت هذه المسألة.

يفيد غير التخفيف لأفاد التعريف، ولو أفاد التعريف لامتنع وصف النكرة به. وكذلك أيضا قرر بامتناع: مررت بزيد حسن الوجه. ألا ترى أنه لو كان مفيدا للتعريف لصحت المسألة، ولما لم تصح دل على أنه لم يفد غير التخفيف، وقرر إفادتها التخفيف الذي هو مستفاد من مفهوم الاستثناء في قوله: إلا تخفيفا، أو مستفاد من الظاهر، إلا أنه دون الأول في الظهور على الخلاف بين الناس بقوله: ومن ثم جاز الضاربا زيد (¬1). ألا ترى أنه لما استفدنا بالإضافة حذف النون وهو نوع من التخفيف لأجلها جازت الإضافة. وكذلك امتناع الضارب زيد (¬2). ألا ترى أنه لما كان التنوين محذوفا لأجل اللام لم تفد الإضافة تخفيفا. ولما لم تفده لم يجز خلافا للفراء. ووجه قول الفراء أن ضارب زيد، منفق عليه وهو نكرة، فلما قصد إلى تعريفه عرف بما يعرف به مثله، فكأن الإضافة أفادت التخفيف، ولم تجىء اللام إلا بعد تخفيفها وتقريرها بشرطها، أو يحمله على مثل: الضارب الرجل، وقولهم: الحسن الوجه، أو على مثل الضاربك، وهو غير مستقيم (¬3) ... أما تقدير الإضافة قبل اللام، فتقول: اللام والإضافة قد اجتمعا فإذا شككنا فيما هو الموجب لحذف. التنوين كان السابق أولى بإثبات الحكم المقتضي هو له من المتأخر. هذا مع أنه لم يثبت مثله في كلام العرب، وإذا لم يثبت فالاحتمال كاف لا سيما إذا كان المعنى المقيض مرجحا. وأما ¬

_ (¬1) لأن التخفيف قد حصل بحذف النون. (¬2) لعدم التخفيف لأن التنوين لم يسقط للآضافة وإنما سقط للآلف واللام. (¬3) قال الرضي: "ونسب ابن مالك إلى الفراء أنه يجيز إضافة نحو: الضارب، إلى المعرف من العلم وغيره. أما إلى المنكر فلا. فعلى هذا له أن يقول: الضارب زيد، يشابه الحسن الوجه أيضا من حيث كون المضاف إليه معرفأ، وإن اختلف التعريفان. والظاهر أن الفراء لا يفرق بين المعرف والمنكر كما نقل عنه السيرافي" شرح الكافية 1/ 282.

الضارب الرجل، فله وجه، وهو أنهم شبهوه في الإضافة بما أفاد تخفيفا وهو قولهم: الحسن الوجه. ألا ترى أنهم شبهوا: حسن الوجه، في صحة الإضافة بباب: ضارب الرجل، فشبهوا الضارب الرجل، في صحة الإضافة بـ"الحسن الوجه". وأما "الضاربك" فإنما يصح لأنه محمول على "ضاربك" و"ضاربك" لا يستقيم اعتبار تحقيق التخفيف فيه (¬1). ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: ضاربنك ولا ضارب إياك. أما ضاربنك ففاسد للجمع بين مدلولين متناقضين، لأن التنوين يدل على الانفصال، والضمير المتصل يدل على الاتصال وهما متناقضان. وأما: ضارب إياك، فلا يستقيم، لأنهم لا يعدلون إلى المنفصل إلا بعد تعذر المتصل ولم يتعذر. وإذا وجبت إضافة "ضاربك" من غير اعتبار تحقيق التخفيف وجب صحة الضاربك. هذا إن قلنا: إن "الضاربك" مضاف. وأما من قال: إن الكاف في موضع نصب فلا يرد عليه بحال. فإن قيل: هذا يناقض ما ذكرتموه من أن الإضافة اللفظية لا تفيد إلا تخفيفا، قلنا: هو تخصيص له، والإضافة اللفظية في الغالب كذلك على ما قلناه، إلا في هذه المواضع التي خصصت لأجل المعاني التي قررت فيها، والتخصيص بعد التعميم ليس ببدع. ¬

_ (¬1) لقد عقب الرضي على كلام ابن الحاجب في رده على الفراء بقوله: "وفيه نظر وذلك لأن الفراء أن يقول: إذا جاز لك حمل ذي اللام في "الضاربك" في وجوب الإضافة على المجرد منها لعلة في المجرد دون ذي اللام وهي اجتماع النقيضين لو لم يضف لما ذكرت أنهما من باب واحد، فهلا جاز لي حمل ذي اللام في الضارب زيد، على المجرد منها وهو: ضارب زيد في صحة الإضافة لعلة حاصلة في المجرد دون ذي اللام وهي حصول التخفيف بناء على أنهما من باب واحد. شرح الكافية 1/ 283.

[إملاء 69] [حذف لام المفعول له]

[إملاء 69] [حذف لام المفعول له] وقال ممليا [بدمشق سنة عشرين] (¬1) على قوله في المفعول له (¬2): "وإنما يجوز حذفها إذا كان فعلا لفاعل المعلل ومقارنا له" وإنما اشترط ذلك لتقوى القرينة الدالة على حذف اللام؛ لأن الأصل إثباتها كما أن الأصل إثبات "في" في الظرفية، فكرهوا أن يحذفوها في موضع لم تقو قرينتها. ومعلوم أن كونه فعلا وكونه لمن فعل الفعل الأول وكونه مقارنا مما يغلب على الظن كونه. علة، فجاز حذف الحرف الدال العلية لقيام غيره مقامه. فإن فقد شيء منها رجع إليه كقولك: جئتك للسمن، وقصدتك لإكرامك الزائد، وقعدت عنك اليوم لمخاصمتك لي أمس، فلو حذفت اللام في شيء من ذلك لم يجز لما ذكرناه. [إملاء 70] [حمل "عند" و "لدى" وشبههما على ظرف المكانٍ] وقال ممليا [بدمشق سنة عشرين] (¬3) على قوله (¬4): "وحمل عليه عند ولدى وشبههما لإبهامهما". قال: وجه الإبهام فيهما، إنما كانت الجهات الست مبهمة من حيث كانت متوقفة في معقوليتها على ما تضاف إليه مثل: فوق وتحت وأمام وخلف، فحمل عليه من ظروف المكان ما كان متوقفا في معقوليته على مضافه مثل: لدى وعند وتلقاء وتجاه وحذاء ووسط وبين، ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) زيادة من: ب، د. (¬2) الكافية ص 9. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) الكافية ص 11.

[إملاء 71] [اجتماع ضميرين وليس أحدهما مرفوعا]

وليس: مكان ومجلس، من هذا القبيل عند الأكثرين، وإنما هو من الظروف المعينة. وإنما جاز في "مكان" أن ينصب نصب المبهم لكثرته، وهم لما كثر في ألسنتهم مغتفرون فيه ما لا يغتفرون في غيره. وليس قول من قال: إن المبهم هو الذي ليس له أقطار تحيط به ولا نهايات تحصره والمختص عكسه، بمستقيم. فإنه لو قال: جلس في البيت بين يدي، كان ظرفا مبهما، مع كونه له أقطار تحيط به ونهايات تحصره. [إملاء 71] [اجتماع ضميرين وليس أحدهما مرفوعا] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "وإذا اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعا. فإن كان أحدهما أعرف وقدمته فلك الخيار في الثاني": قوله: ليس أحدهما مرفوعا، احتراز من: ضربتك وأكرمتك، فإنهما ضميران ولا يجوز في الثاني إلا الاتصال (¬3). فلو (¬4) ... لم يحترز واحترز بجواز الانفصال كان خطأ. قوله: "فإن كان أحدهما أعرف"، احتراز من أن يكونا ضميرين وليس أعرف (¬5)، ومع ذلك فإنه لا يجوز فيهما الأمران كقولك: أعطيته إياه. وقوله: "وقدمته" (¬6)، احتراز من أن يكون ضميران وليس ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 11. (¬3) قال الرضي: "فإن كان أحدهما مرفوعا متصلا فالواجب تقدمه على المنصوب لما تقرر من كون المتصل المرفوع متوغلا في الاتصال وكائنا كجزء الفعل حتى سكن له لام الكلمة. وكل ضمير ولي ذلك المرفوع فلا بد من كونه متصلا سواء كان أعرف من ذلك المرفوع نحو: ضربتني، أولا، نحو: ضربتك" شرح الكافية 2/ 18. (¬4) في ب: ولو. (¬5) أعرف الضمائر ضمير المتكلم ثم المخاطب ثم الغائب. (¬6) "أي: قدمت الأعرف. لأنه إذا كان أحدهما أعرف وأخرته وليس أحدهما مرفوعا وجب =

[إملاء 72] [من مسائل الصفة المشبهة]

أحدهما مرفوعا وأحدهما أعرف، ولكنه (¬1) لا يجوز فيه إلا الانفصال كقولك: أعطيته إياك. فلذلك أتى بهذه القيود وفصل الشرط الأول وهو كون أحدهما مرفوعا من الشرطين الأخيرين وهو كون أحدهما أعرف، وقدمته لأنه يقصد إلى نفيهما، وإثبات حكم عند نفيهما، والحكم الذي يثبته عند نفيهما هو وجوب الانفصال كقولك: أعطيته إياه وأعطيته إياك. فلو لم يفصل الشرطين عن الأول وذكرهما ذكرا واحدا لكان عند النفي يشمل الجميع، فيكون الحكم أيضا على الضميرين إذا كان أحدهما مرفوعا، وقد احترز بوجوب الانفصال فيكون خطأ، لأنه إذا قال: وإلا فهو متصل، ودخل فيه كون أحدهما مرفوعا كان مضمونه وجوب قولك: ضربت إياك، وهو خطأ. وإذا فصلته عن هذين الشرطين الأخيرين بقوله: فإن كان أحدهما، كان قوله: وإلا، راجعا إلى ما أثبته بالشرط الأول، فيبق ذلك غير محكوم على نفيه ههنا. وقد ذكر حكمه فيما تقدم، فبق ذلك الحكم المذكور غير مناقض نصده فوجب لذلك أن يفصل الأول عن الشرطين الأخيرين. [إملاء 72] [من مسائل الصفة المشبهة] وقال ممليا [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬2) على قوله (¬3):ما فيه ضمير واحد ¬

_ = أيضا انفصال الثاني، نحو: أعطاه إياك. فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة، أحدها: أن لا يكونن أحدهما مرفوعا، والثاني: أن يكون أحدهما أعرف، والثالث: أن يكون الأعرف مقدما، كان لك الخيار في الثاني". شرح الكافية للرضي 2/ 19. (¬1) في م: ولكن. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 15.

أحسن وما فيه ضميران حسن وما لا ضمير فيه قبيح" (¬1):لأنك إذا أعملته فإنما تعمله فيما كان من سببه فلا بد من ضمير يربط بينه وبينه. فإذا حصل الضمير من غير زيادة ولا نقصان [فهو أحسن] (¬2) لأنه أتى على وفق ما يقتضيه الكلام من الاتيان بالمحتاج إليه وترك الفضلة. وإذا لم يكن فيه ضمير كان قبيحا من حيث صار كأنه أجنبي، ولا بد أن يكون بينه وبين الأول تعلق. ولولا تقدير الضمير لم يجز البتة، فهذا الذي قبح منه. وإذا كان فيه ضميران لم يكن كالأول في الحسن، ولا كالثاني في القبح، لأنه اندفع الوجه الذي استقبح لأجله وهو عدم الضمير. وإنما حصل ضمير زائد غير محتاج إليه فهو الذي بعده عن الوجه الأول الأحسنية وهو مع ذلك حسن (¬3). ثم قال: إذا رفعت الصفة الظاهر وجب أن تكون كالفعل في إفرادها وتأنيثها وامتناع تثنيتها وجمع المصحح. فأما جمع التكسير فأنت فيه بالخيار إذا كان مرفوعها جمعا كقولك: جاءني رجل قعود غلمانه وقاعد غلمانه. ولا يجوز: قاعدون غلمانه (¬4). وإنما امتنعوا من "قاعدون" لشبهه بـ "يقعدون" من حيث كان فيه صورة الضمير الذي في "يقعدون". ولم يمتنعوا في "قعود" لعدم هذا المانع فيه، فأجروه تارة مجرى الفعل في الإفراد وتارة مجرى الأسماء في مطابقتها لمن هي له. فقوله تعالى: ¬

_ (¬1) "الضمير إما أن يكون في الصفة أو في معمولها، فإن كان في المعمول فهو ظاهر لبروزه نحو: وجهه أو الوجه منه. وإن كان في الصفة فذلك إذ لم ترفع ظاهرا، فتؤنث لتأنيث الضمير وتثنى وتجمع لتثنيته وجمعه، فإن رفعت ظاهرا فهي كالفعل تؤنث لتأنيث الفاعل وتفرد عند إفراد الفاعل وتثنيته وجمعه". الرضي على الكافية 2/ 210. (¬2) فهو أحسن: سقطت من الأصل ومن م. (¬3) انظر كلام ابن الحاجب في هذه المسألة في شرح الكافية (ص 96)، ولم يختلف رأيه هنا عما قاله هناك. (¬4) لم يجز ابن الحاجب هنا: قاعدون غلمانه. ولكنه في الكافية في باب النعت ضعفه. قال: "ومن ثمة حسن: قام رجل قاعد غلمانه، وضعف قاعدون، ويجوز قعود غلمانه". انظر الرضي على الكافية 1/ 311.

[إملاء 73] [مواضع وجوب تقديم الخبر]

[خاشعا أبصارهم] و [وخشعا أبصارهم] (¬1)، جاءا. [إملاء 73] [مواضع وجوب تقديم الخبر] وقال ممليا [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬2) على قوله (¬3): "وإذا تضمن الخبر المفرد ما له صدر الكلام"، إلى آخره، وجب تقديمه. قال: وإنما وجب تقديمه إذا كان متضمنا ماله صدر الكلام وهو مفرد (¬4) ... لما تقرر من أنهم يقدمون ما يدل على قسم دون غيره من أقسام الكلام. وإنما اشترط ههنا أن يكون مفردا ليخرج عنه مثل: زيد هل قام أبوه؟ وإنما لم يجب تقديم الخبر ههنا لأنه وقع جملة وقد تقدم ماله صدر الكلام أول جملته، فحصل المقصود من تقديم ماله صدر الكلام أول جملته. فعلى هذا لو قيل: زيد أين؟ لم يجز. وإنما وجب أن يكون "أين" خبرا لأنه مع زيد جملة، فلا بد أن يكون إما مبتدأ وإما خبرا. ولا جائز أن يكون مبتدأ لأنه يلزم أن يكون خبره مطابقا له في المعنى، وليس زيد مكانا ليصح الأخبار عن المكان به. وإذا بطل أن يكون مبتدأ تعين أن يكون خبرا. وصح لما ثبت من صحة الاخبار بالظروف باعتبار متعلقاتها كقولك: زيد أمامك، والقتال يوم الجمعة. لأن المعنى: زيد مستقر أمامك، والقتال حاصل يوم الجمعة. فلما استقر ذلك في الظروف صح وقوعها ¬

_ (¬1) القمر: 7. قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي "خاشعا"، وقرأ الباقون "خشعا".انظر: الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/ 297، وسيبويه 2/ 43. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص4. (¬4) انظر: الإملاء (45) من هذا القسم. ص:541.

أخبارا، فوجب ثبوت كون "أين" خبرا، وبطل أن يكون مبتدأ، ووجب تقديمه لما تقدم (¬1) قوله: "أو كان مصححا مثل قولهم: في الدار رجل"؛ لأن المصحح لكونه مبتدأ، وهو نكرة، تقديم هذا الخبر عليه، فإذا أخر زال المصحح، فوجب بطلانه لفقدان مصححه. أو كان لمتعلقه ضمير في المبتدأ مثل قولهم: على التمرة مثلها زبدا (¬2). لأنه لو أخر فقيل: مثلها على التمرة، لأدى إلى عود الضمير على غير مذكور وهو فاسد فوجب تقديمه لذلك، كما امتنع: صاحبها في الدار، وضرب غلامه زيدا، على ما تقرر. قوله "أو كان خبرا عن "أن" مثل قولهم: عندي أنك قائم". وإنما وجب تقديم الخبر عن "أن" وما في حيزها إذا وقعت مبتدأة لأنها لو وقعت صدر الكلام لكانت مهيأة لدخول عوامل الجمل الابتدائية عليها، ومن جملتها "إن" المكسورة، فيؤدي إلى اجتماع: إن وأن (¬3)، وهم يكرهون اجتماع حرفين بمعنى واحد، فكرهوا ما يؤدي اليه كما كرهوا ما يؤدي إلى الابتداء بالساكن لأنهم كرهوا الابتداء بالساكن. هذا هو تعليل النحويين، وهو مدخول من ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب: "هذا مما التزم فيه تقديم الخبر على المبتدأ، ولا يكون إلا مقدما ولا يكون إلا خبرا. وإنما كانت مقدمة لأنه قسم من أقسام الكلام، وكل باب من أبواب الكلام فالقياس أن يتقدم أوله ما يدل عليه كحرف الشرط والاستفهام والنفي والتمني والترجي والعرض والتنبيه والدعاء والنداء. وإنما كان كذلك لأنهم قصدوا تبيين القسم المقصود بالتعبير عنه ليعلمه السامع من أول الأمر ليتفرغ فهمه لما عداه". الإيضاح 1/ 192. (¬2) معنى كلامه: أنه إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يرجع إلى جزء الخبر وجب تقديم الخبر حتى لا يلزم ضمير قبل الذكر. الرضي على الكافية 1/ 99. (¬3) قال سيبويه: "واعلم أنه ليس يحسن أن تلي إن أن ولا أن إن. ألا ترى أنك لا تقول: إن أنك ذاهب في الكتاب". الكتاب3/ 124.

جهات: منها: أنه لا يلزم من كونه من باب ما يصح دخول العوامل عليه أن تدخل جميعها عليه، لأن: من زيد؟ من جملة هذا الباب، ولا تدخل "إن" وجميع بابها عليه. وإذا كان جميع الباب ممتنعا عن مثله فهو أجدر بذلك لجواز إدخال العوامل عليه بتقدم الخبر عند إرادته. ومنها: أنهم يقولون: حق أن زيدا منطلق. ومعلوم أن دخول "أن" مع تقديم الخبر ممتنع، فكان تقديم "أن" لأنه الأصل أولى إذا اتفقوا في امتناع دخول العوامل في الحالين جميعا. ومنها: أن الاتفاق على جواز وقوع "أن" مبتدأة بعد "إذا" في مثل قولهم: إذا أنه عبد القفا (¬1). وكان يجب عندهم أن لا يجوز لأنه مهيأ لدخول العوامل عليه، فقد انتقض تعليلهم لجواز فتح "أن" بعد "إذا".ومنها: أنه يجب أن تفتح "أن" بعد "لولا"، والأمر فيه على ما تقدم في "إذا" إلا أنه في "لولا" واجب (¬2)، وفي "إذا" جائر. ولو قيل: لأنه يؤدي إلى إدخال اللبس بين "أن" التي بمعنى لعل وبين "أن" هذه لأنهم يقولون: أن زيدا قائم، بمعنى: لعل زيدا قائم. ومنه قوله تعالى: [أنها إذا جاءت لا يؤمنونٍ] (¬3). وهذه التي بمعنى "لعل" يجب أن ¬

_ (¬1) البيت بتمامه: وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم وهو من البحر الطويل ولم قائله. انظر الكتاب 3/ 144. والشاهد فيه قوله: إذا أنه، حيث يجوز كسر الهمزة وفتحها. واللهازم: أصول الحنكين، واحدتها لهزمة.اللسان (لهزم). ورواه سيبويه: إذا إنه. وقال: ولو قلت:"مررت فإذا أنه عبد، جاز". (¬2) قال سيبويه: "وتقول: لولا أنه منطلق لفعلت، فأن مبنية على لولا كما تبنى عليها الأسماء". الكتاب3/ 120. (¬3) الأنعام:109. قال سيبويه: "وأهل المدينة يقولون: أنها. فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا، أي: لعلك، فكأنه قال: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون" الكتاب3/ 122. وقد رجح الزجاج قول الخليل، ورده الفارسي انظر مغني اللبيب: 1/ 278 (دمشق).

[إملاء 74] [وقوع المبتدأ نكرة]

يكون لها صدر الكلام مثل "لعل" ضرورة معنى الانشاء فيها. فلما قصدوا إلى الفرق بينهما قدموا خبر ما يجوز تقديمه في بابه والتزموه فيها ليحصل الفرق بالتزام بينهما فيعلم إذا تقدمت أنها التي بمعنى "لعل" وإذا تأخرت أنها "أن" هذه. ولا يرد على ذلك شيء فيما تقدم، فلذلك وقعت غير مقدم عليها خبرها في الموضع الذي لا تقع فيه "لعل" في مثل قولهم: إذا أنه، ولولا أنك. لأنهم لما أمنوا اللبس الذي من أجله قدموا أتوا بها على بابها، وهذا أولى بالتعليل أيضا اقوة المعنى فيه. فإن أمر اللبس قوي في المعنى، فقصد إزالته، بخلاف ما يؤدي إلى ما ليس بمستحسن لما تقدم من أنه لا يلزم إذا أدى إليه أن يمنع منه إلا إذا كان لازما. أما إذا كان المتكلم على خيرة فيمكنه أن يجري على الأصل. فإذا أتى في الموضع الذي أدى إلى ذلك امتنع منه كما فعلوا ذلك فيما ذكرناه من نحو: من زيد؟ وشبهه. [إملاء 74] [وقوع المبتدأ نكرة] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قوله (¬2): "وقد يكون المبتدأ نكرة إذا تخصصت بوجه ما": لأنهم قصدوا إلى أن يكون المحكوم عليه معروفا أو مقربا من المعروف بوجه من وجوه التخصيصات، فمن ذلك النكرة الموصوفة. ولا يخفى ما في الوصف من التخصيص، فلذلك جاز: رجل عالم في الدار، ولم يجز: رجل في الدار، عند المحققين. ومنها: أن تقع النكرة بعد حرف الاستفهام المعادلة لـ "أم" المتصلة (¬3) فيجوز أن تكون مبتدأ وإن كانت ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 4. (¬3) المتصلة: سقطت من ب، د.

نكرة، كقولك: أرجل في الدار أم امرأة؟. لأنهم لما علموا أن ذلك إنما يسأل به من ثبت عنده العلم بالنسبة إلى أحد الأمرين صار كأنه أمر ثابت له، فأشبه الصفة من حيث ثبوتها لموصوفها من غير قصد إلى إثباته مفيدا للمخاطب النسبة المفهومة منها، فاجتزأوا بذلك مصححا في الموضع الذي ألجأهم إلى تقديم المعنى الذي تقرر عندهم في العبارة عنه (¬1) بالهمزة وأم، لأنهم التزموا أن يكون أحد الأمرين اللذين علم أحدهما يلي الهمزة والأخر يلي "أم" قصدا منهم إلى التنبيه على ما حصل العلم بأحدهما من أول الأمر، فيقولون: أزيد قائم أم عمرو؟ وأقائم زيد أم قاعد؟ وأزيدا ضربت أم عمرا؟ وأضربت زيدا أم أكرمته؟ وأشباهه. ولا يقولون: أزيد قائم أم قاعد؟ وكذلك جميع الباب. فلما كان ذلك ملتزما عندهم في باب الهمزة المعادلة لـ "أم" المتصلة اجتزأوا بهذا النوع من التخصيص في صحة الابتداء بالنكرة. ومنها: أن تقع النكرة في سياق النفي كقولهم: ما أحد خير منك، لأن النكرة إذا وليها النفي وهي في الحقيقة لواحد لا بعينه لزم من ذلك نفي جميع الجنس، وإلا لم يصدق نفي واحد. فلما كان ذلك معلوما مقصودا صار كأنه نفي جميع الجنس، وجميع الجنس متخصص معروف فصح أن يكون مبتدأ لذلك (¬2). وإن قلنا: إن النكرة في سياق النفي تعم جميع الجنس قصدا بدلالتها ¬

_ (¬1) عنه: سقطت من م. (¬2) قال الرضي: "وفيه نظر، وذلك أن التخصيص أن يجعل لبعض من الجملة شيء ليس لسائر أمثاله. وأنت إذا قلت: ما أحد خير منك، فالقصد أن هذا الحكم وهو عدم الخبرية ثابت لكل فرد فرد، فلم يتخصص بعض الأفراد لأجل العموم بشيء، وكيف ذلك والخصوص ضد العموم. بل الحق أن يقال: إنما جاز ذلك لأنك عينت المحكوم عليه وهو كل فرد فرد. ولو حكمت بعدم الخبرية على واحد غير معين لم يحصل للمخاطب فائدة لعدم تعيين المحكوم" شرح الكافية 1/ 90.

عليه صار مماثلا للمعرفة، إلا أنه يلزم أن يكون معرفة، إذا التعريف والتنكير من الأمور المعنوية. وإذا كان اللفظان بمعنى واحد بالنسبة إلى ما كان الشيء به معرفة ونكرة لزم من كون أحدهما معرفة ونكرة أن يكون الأخر كذلك. وإطباق النحويين على أنها نكرة يدفع ذلك، وكذلك الاجماع على أنه لايتبعها من الصفات إلا النكرة، كقولك: ما رجل عالم في الدار، يدل على أنها نكرة لأنه قد علم أن المعرفة لا توصف بالنكرة. ومما يدل على ذلك أنك لو قلت: ما عندي درهم واحد، كان مثل قولك: ما عندي درهم. ولو كان درهم ههنا لجميع الجنس مرادا لم يصح وصفه بواحد، إذ الجنس المتعدد لا يوصف بالواحد. ومنها: أن يكون المبتدأ في معنى الفاعل باعتبار نفي إثبات. وشرطه أن يكون الخبر جملة فعلية في معنى نفي عموم من نسب إليه الفعل وإثباته لذلك المبتدأ كقولك: شر أهر ذا ناب (¬1). بمعنى: ما أهر ذا ناب إلا شر. وأمر أقعده عن الخروج، في ما أقعده عن الخروج إلا أمر. وإنما جاز أن يكون مبتدأ وهو نكرة لأنه في معنى الفاعل، والفاعل يجوز أن يكون نكرة، وإن كان في المعنى محكوما عليه لما فيه من معنى التخصيص فكذلك هذا. ووجه التخصيص في الفاعل أن حكمه لما كان متقدما صار المحكوم عليه لا يذكر إلا بعد تقرر الحكم في الذهن، فلما تقدم العلم بالحكم صار كالصفة في كونه متقدما عليه لكون الصفة لا فرق بينها وبين الخبر إلا تقدم العلم بها دونه. فمن ثم جاز أن يكون الفاعل نكرة مطلقا، ولما كان هذا المبتدأ في معنى الفاعل جاز أن يكون نكرة. ¬

_ (¬1) يضرب هذا المثل في ظهور أمارات الشر. انظر: مجمع الأمثال للميداني 1/ 370 (تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد)، وسيبويه 1/ 329، والخصائص 1/ 319، واللسان (هرر). والهرير: صوت دون النباح. وذو ناب: هو الكلب هنا.

ومنها: قولهم: في الدار رجل، وشبهه. والسر فيه ما ذكرناه في الفاعل، لأن حكمه ههنا لما تقدم صار كالفعل المتقدم على الفاعل فجاز ههنا كما جاز ثم. ولذلك توهم بعض النحويين أنه فاعل (¬1)، وحكم عليه بالفاعلية. وشرط هذا الخبر المصحح للابتداء بالنكرة أن يكون ظرفا أو ما هو في حكم الظرف من الجار والمجرور. فيجوز: في الدار رجل، ولا يجوز: قائم رجل. إما لأنهم اتسعوا في الظروف اتساعا خصصوه به دون غيره لكثرته في كلامهم، وإما لأنه إنما صحح التقديم لشبهه بالصفة، فكرهوا أن يقدموا ما هو صريح في الصفة على ما هو في المعنى كموصوفه، وليس ذلك في الظروف لأنها ليست صريحة في ذلك لوقوعها مجردة عن ذلك، ولكونها إذا وقعت صفات كان ذلك باعتبار التقدير لا باعتبارها في أنفسها. فلذلك جاز: في الدار رجل، ولم يجز: قائم رجل. والنحويون يعللون هذا، فيقول بعضهم: إنما جاز: في الدار رجل، ولم يجز: رجل في الدار، لأنك في الأول أوقعت في موضع المعرفة معرفة فنابت عن تعريف المبتدأ، وفي الثاني لم يقع مثل ذلك، فجازت الأولى ولم تجز الثانية. وهذا ليس بمستقيم، فإنه أولا: راجع إلى صورة مجردة عن المعنى، وثانيا: منقوض بقولك: في رأس غلام عندي عمامة، وثالثا: أنه ليس فيه بيان تخصيص المبتدأ الذي أصله أن يكون معرفة، وإنما جاز أن يكون نكرة لوجه من التخصيص. وبعض النحويين علله بأن قال: إنما جاز: في الدار رجل، ولم يجز: رجل في الدار، لأن الأول لا يلبس كونه خبرا، والثاني يلبس، فجاز ثم لعدم الالباس ولم يجز ههنا لما فيه من الالباس. وهذا وأن كان فيه معنى ما، إلا أنه أفسد من الأول. لأنا قاطعون بجواز: رجل عالم في الدار، وفي الدار رجل عالم. وما. ¬

_ (¬1) هو الأخفش. انظر الإنصاف 1/ 51س.

[إملاء 75] [مسائل في الخبر]

ذكروه بعينه حاصل. وأيضا فإن "زيد العالم" جائز باتفاق مع صحة أن يكون العالم صفة. وأيضا فإن المقصود بيان تخصيص المبتدأ ليقرب من المعرفة، وليس في انتفاء اللبس عن كونه موصوفا تخصيص له. ومنها: أن يقع المبتدأ مصدرا في معنى الدعاء كقولهم: سلام عليكم، و [ويل للمطففين] (¬1). وإنما جاز في مثل ذلك لأن الأصل: سلاما عليكم، إذ المعنى عليه. قال الله تعالى: [قالوا سلاما قال سلام] (¬2). وإذا كان المعنى عليه فقد علم أن المراد: سلمت سلاما. وإذا كان كذلك وقد حذف الفعل بعد أن علم كان "سلام" متخصصا في المعنى بنسبته إلى من قام به، والتقدير: سلام مني، أو سلام من الله أو نحو ذلك. ولما كان هذا المعنى مفهوما منه صار كأنه مذكور (¬3). ولا فرق في الصفة بين أن تذكر لفظا وبين أن تكون معلومة. ومن ثم جاز: السمن منوان (¬4) بدرهم، و"منوان" مبتدأ نكرة، لما كان المعنى: منوان منه. فتنزل ما هو معلوم من جهة المعنى منزلة المذكور، فكذلك: سلام عليكم. [إملاء 75] [مسائل في الخبر] وقال ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة وستمائة] (¬5) على قوله (¬6): "والخبر قد ¬

_ (¬1) المطففين: 1. (¬2) هود:79. (¬3) قال الرضي: "وإنما تأخر الخبر عنه مع كونه جارا ومجرورا لتقديم الأهم للتبادر إلى ما هو المراد. إذ لو قدمت الخبر وقلت: عليك، فقبل أن تقول: سلام، ربما يذهب الوهم إلى اللعنة فيظن أن المراد عليك اللعنة". شرح الكافية 1/ 90. (¬4) مفردها منا. وهو المكيال الذي يكيلون به السمن. اللسان (متى). (¬5) زيادة من ب، د. (¬6) الكافية ص4.

يكون جملة" على اختلافهما من اسمية أو فعلية، لأن العرض الحكم على المبتدأ. وكما يصح الحكم بالمفرد يصح الحكم بالجملة إذا كان لها تعلق به. ومن ثم اشترط أن يكون فيها ضمير يعود على المبتدأ، فإن عري عن الضمير لم يجز. وقد يكون الضمير مقدرا إذا كان معلوما مثل: السمن منوان بدرهم، لأنه قد علم أن المراد: منوان منه بدرهم. قوله: "وما وقع ظرفا" (¬1)، فالأكثر أنه مقدر بجملة، كقولك: زيد في الدار، وزيد أمامك. ومنهم من يقول: هو من قبيل المفردات، فيقدر المتعلق مفردا (¬2). وإنما قدر أولئك الجملة لأن المتعلق أصله أن يكون فعلا، لأن ما يقدر متعلقا لا بد فيه من معنى الفعل. وإنما كان كذلك لأنه في المعنى ظرف له، والظروف إنما تكون محلا للأفعال. وإذا كان محتاجا إلى متعلق فتقدير الأصل أولى. ومن قال: متعلق بمفرد، نظر إلى أنه خبر مبتدأ، وخبر المبتدأ أصله أن يكون مفردا، فقدر مفردا لذلك. والأول أولى من وجهين: أحدهما: أن وقوعه خبرا عارض ووقوعه متعلقا أصل، فكان اعتبار الأصل أولى. والثاني: أنه قد ثبت جواز دخول الفاء في مثل: كل رجل في الدار فله درهم (¬3)، فلولا أن المتعلق مقدر بفعل لم يجز دخول الفاء، للاتفاق على أنه لو صرح بالاسم متعلقا لما صح دخول الفاء، فلأن يكون ذلك في التقدير أولى. ولما صح دخول الفاء ثبت أن يقدر مما يصح دخولها معه وهو الفعل، ووجب أن لا يقدر ما لا يصح دخولها معه وهو الاسم. وإذا ثبت تقدير الفعل في مثل هذه المسألة ثبت في جميع الباب، لأن المعنى في الجميع واحد. ¬

_ (¬1) أي: ظرفا أو جارا ومجرورا. ولم يذكره لأنه يجري مجرى الظرف في جميع أحكامه. (¬2) وإلى ذلك ذهب ابن السراج وابن جني. الرضي على الكافية 1/ 93. (¬3) لأن معنى الحديث الجزاء. انظر: سيبويه 1/ 140.

قوله: "وقد يتعدد الخبر"، لأنه حكم، والمتكلم قد يحكم بحكم واحد وقد يحكم بأحكام متعددة كما في الصفات. وقد يتضمن معنى الشرط فيصح دخول الفاء في الخبر (¬1). وشرطه أن يكون المبتدأ مفيدا تعميما مشتملا على فعل لفظا أو تقديرا. وإنما اشترط ذلك لتقوى السببية بالشرط. فإنه لوعري عن العموم لزال معنى الشرط منه، إذ أسماء الشروط لا بد فيها من ذلك. واشترط الفعل ليصح ما يربط به، إذ الشرط إنما يكون بالفعل لفظا أو معنى، وذلك لا يتفق حصوله إلا في الموصولات إذا كانت صلاتها أفعالا أو ظروفا، وفي النكرات الداخلة عليها "كل" الموصوفة بفعل أو ظرف، فمثال الأول: الذي يأتيني، أو الذي في الدار فله درهم. ومثال الثاني: كل رجل يأتيني أو كل رجل في الدار فله درهم. وهذه الفاء مؤذنة بأن الأول مرتبط بالثاني ارتباط الشرط بمشروطه في قصد المتكلم، بخلاف قولك: الذي يأتيني له درهم، فإنه ليس في اللفظ ما يشعر بذلك. فإذا دخلت "ليت" أو "لعل" لم تدخل الفاء باتفاق. وألحق سيبويه "أن" بهما في ذلك وخالفه الأخفش فأجاز ذلك (¬2). ينبني على تعليلين مختلفين في "ليت" ولعل". فمن اعتقد أن العلة المانعة إنما هي أن هذه الحروف لها صدر الكلام فلا تجامع ماله صدر الكلام ولا ما شبه بما له صدر الكلام، فعلى هذا يمتنع في "إن" كما امتنع في "لعل"، إذا العلة موجودة في الجميع. ومن اعتقد أن العلة في "ليت" و"لعل" أن الخبر في "ليت" و"لعل" إنشائي وهو في الشرط خبري ولا يكون الشيء الواحد إنشاء خبرا لما يؤدي إليه ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: "إذا تضمن المبتدأ معنى الشرط جاز دخول الفاء على خبره. وذلك نوعين: الاسم الموصول والنكرة الموصوفة، إذا كانت الصلة أو الصفة فعلا أو ظرفا". المفصل ص 27. (¬2) انظر: الإملاء (1) من الأمالي على مسائل الخلاف، وشرح الكافية للرضي 1/ 103.

من التناقض. فلو قيل: لعل الذي يأتيني فله درهم، وجب أن يكون ما دخل عليه خبرا من جهة سببيته ووجب أن يكون إنشاء من جهة كونه خبرا عن "لعل" فيكون محتملا للصدق والكذب باعتبار الاخبار، غير محتمل للصدق باعتبار الانشاء، وذلك متناقض. وعلى ذلك لا يلزم أن تكون "إن" كذلك، إذ ليس فيها إنشاء وخبر، وإنما هو خبر محض فلا منافاة بينه وبين المسببية. والتعليلان واضحان، ولكن لا يصح إثبات الأحكام اللغوية بمجود المعاني المعقولة لأنه يكون إثبات اللغة بالقياس، بل لابد من إثبات ذلك عن العرب. فإن بين سيبويه، ان استقرأ حق الاستقراء حق الاستقراء فلم يوجد مثله صح مذهبه ورجع خصمه محتاجا إلى إثبات ذلك منقولا عن العرب. وإن بين الأخفش مثل ذلك منقولا عن العرب وجب أن يرجع إلى تعليله وصح مذهبه. فمما ذكر محتجا به عن الأخفش قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} (¬1)، إلى آخرها. فقد دخلت الفاء. وقوله {إن الذين يكفرون بايات الله} (¬2)، إلى قوله: {فبشرهم بعذاب أليم}. فقد دخلت الفاء. ومنها قوله: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} (¬3). وذلك ظاهر. وقد يجاب عن الأول والثاني بأن الخبر محذوف وأن الفاء دخلت في جملة ثانية معاقبة لها وذلك غير ممتنع باتفاق. فالخبر محذوف على معنى: معذبون. ثم ذكر قوله: {فبشرهم بعذاب أليم}، و (فلهم) بعد ذلك، لخصوصية أمر المحذوف، لأنه في المعنى مسبب عن الخبر، وقد قوي هذا في الآية الأولى بأنها في قوم مخصوصين، وقد اتفق على أن الخصوصية تبطل معنى الشرط لبطلان التعميم، وكان مفتقرا إلى تأويل إدخال الفاء. وأجيب عن ¬

_ (¬1) البروج:10. (¬2) ال عمران: 21. (¬3) الجمعة: 8.

[إملاء 76] [من خواص المصدر]

الثالث: بأن الفاء زائدة، وليس بشيء، إذ يخالف مذهب سيبويه، والعرض الجواب على ما اقتضاه مذهبه. وأجيب: بأن الخبر الذي هو (فإنه ملاقيكم) جملة بعد تمام الجملة الأولى. واعترض على ذلك بأنه لا فائدة فيه من حيث أن ذلك معلوم، ولم يقصد الإخبار عن مثل ذلك. وأجيب بأنهم كانوا يظهرون أن فرارهم لغير ذلك كقوله: {إن بيوتنا عورة} (¬1)، وشبهه. فأخبر عنهم بأنهم إنما يفرون من الموت، ولذلك كنى بما يدل على التعميم فيهما جميعا. [إملاء 76] [من خواص المصدر] وقال ممليا على قوله في المصدر (¬2): "ولا يضمر فيه ولا يلزم ذكر الفاعل":لأنه لو أضمر فيه لأضمر مثنى ومجموعا ولوجب أن يكون مستترا، لأنه ليس في الأسماء ضمير مرفوع بارز، وذلك من خواص الفعل. ولو أضمر مستترا لوجبت علامة التثنية والجمع، لأن كل ضمير مستتر لمثنى أو مجموع لا بد له من دلالة عليه. ولو اتصلت به علامة التثنية لوجب أن يقال: ضربان، ولو قيل: ضربان، لكان ظاهرا في تثنية نفس الضرب فيؤدي إلى إبهام غير ما قصد، لأن الغرض تثنية الفاعل، وهذا يفهم من تثنيته تثنية نفس المصدر لا الفاعل، ولما أدى إلى ذلك رفض الإضمار فيه. فإن قلت: هذا بعينه يطرد في اسم الفاعل والمفعول ولم يمنع من الإضمار فيهما فوجب اطراحه. قلت: ليس كذلك اسم الفاعل والمفعول، لأنه إذا ثني فقيل: ضاربان، لم يوهم أمرا اخر. وسببه أن الضارب في المعنى هو الفاعل، فإذا ثني الفاعل وجبت به تثنية ضارب فكان ذلك على الموافقة له ¬

_ (¬1) الأحزاب: 13. (¬2) الكافية ص 14.

[إملاء 77] [اعتراض على الابتداء بالنكرة والجواب عنه]

لكون إياه في المعنى بخلاف الضرب نفسه مع الفاعل لأنه غيره، فلذلك صح الإضمار مع اسم الفاعل والمفعول ولم يصح مع المصدر. قوله: "ويلزم ذكر الفاعل". لأمرين: أحدهما: أنه لو لزم لأدى إلى وجوب إضماره، ولوجب إضماره لأدى إلى ما ذكر أولا من الفساد، فوجب أن لا يلزم. الثاني: هو أن المعنى الذي من أجله [لزم] (¬1) في الفعل مفقود في المصدر، وإنما لزم في الفعل من حيث كان مع مرفوعه جملة، والجملة لا بد لها من مسند إليه فوجب ذكر الفاعل لتحصل الجملة مستقلة. والمصدر لا يكون مع فاعله جملة أبدا، بل لا بد له من جزء اخر غير معموله يكون معه جملة. ألا ترى أنك لو قلت: ضرب زيد عمرا، لم يكن كلاما، حتى تقول: أعجبني أو ما أشبهه، بخلاف قولك: ضرب زيد عمرا. فثبت أن المعنى الذي استحق الفعل ذكر الفاعل لأجله مفقود في المصدر، فلا يلزم من وجوب ذكر الفاعل في الفعل وجوب ذكره في المصدر. [إملاء 77] [اعتراض على الابتداء بالنكرة والجواب عنه] وقال ممليا على المقدمة مجيبا عن سؤال ورد عليه بالقاهرة سنة خمس عشرة وستمائة: اعترض بعض الأصحاب علي فيما وقع في المقدمة التي أنشأتها من ذكر مواضع الابتداء بالنكرة (¬2). وقال: قد بقي عليكم مثل (¬3) قولهم: تمرة خير من جرادة. فقلت: إنما جاز هذا على أحد وجهين كلاهما مذكور: الأول وهو الظاهر: على أنه غير مختص بتمرة مميزة، فكان فيه معنى ¬

_ (¬1) زيادة من د، س. (¬2) الكافية ص 4. (¬3) مثل: سقطت من م.

العموم، كما في: لا رجل أفضل منك، وذلك من وجهين: أحدهما: أنه لما فضل واحد من جنس على واحد من جنس علم أنه لا خصوصية لمفرد منه على مفرد، لأنه يفهم أن الأفضلية إنما وقعت باعتبار كونه من ذلك القبيل، والمفضولية إنما وقعت لكون الأخر مت القبيل الأخر، وإذا كان كذلك فلا خصوصية لمفرد على مفرد. والثاني: أن في معنى التمرية ما يشعر بالتفضيل على الجرادية باعتبار كونه تمرا وجرادا من غير خصوصية لمفرد دون مفرد. وإذا لم يكن ثم خصوصية لمفرد منه متميز حصل الشياع بخلاف ما إذا حكمت بحكم من الأحكام يختص، فإن المفهوم فيه الحكم على واحد متخصص كقولك: رجل في الدار، فلذلك امتنع، لأنه لا يستقيم فيه كل رجل وجودا، فضلا عن الدلالة. ثم ولو استقام وجودا فليس فيه قرينة تشعر بقصد الدلالة عليه كما تقدم، إذ لا مفاضلة فيه بين جنسين، وليس في معنى الرجولية ما يقتضي أن يكون في الدار كما في المثال المتقدم، بل القرينة بعكسه، لأنه إنما استقام الحكم عليه بأنه في الدار لكونه متخصصا. نعم لو قلت: رجل خير من زيد، فهذا يتجاذبه الطرفان، لأن الحكم عليه بالأفضلية يشعر بأنه بمعنى (¬1) الرجولية كما في الأول في أحد الوجهين، وتخصيصه بالأفضلية على زيد يشعر بكونه (¬2) متخصصا، كما في الحكم عليه بأنه في الدار، فيحتاج إلى السماع، والظاهر منعه لأنه إنما ثبت ذلك التعميم في الموضع الذي لا يختص فيه الخبر بوجه، فلا ينبغي أن يحمل عليه ما يصح أن يكون فيه نوع تخصيص لفقدان معنى مناسب في الأصل المتفق عليه. ومما يحقق أصل المسألة ويوضحه ما ورد في القران من مثل قوله: {ولعبد مؤمن خير من مشرك} (¬3) وأشباهه. فإنا نقطع أن المراد المفاضلة ¬

_ (¬1) في ب: لمعنى. (¬2) بكونه: سقطت من د. (¬3) البقرة:221.

بين الجنسين، لا أن يكون المقصود الإخبار عن عبد متميز، فإنه يفيت (¬1) المعنى المقصود من مثله. فإن قلت: فهذا عندهم من قبيل ما المصحح فيه الصفة. قلت: هو ليس من ذاك في التحقيق، وإنما هو من هذا. وبيانه أن الصفة إنما تكون مصححة في الموضع الذي يقصد باسم الجنس واحد متميز فتجيء الصفة لتحصل لذلك الواحد تخصيصا، فتجعله لواحد من الجنس الذي وصف، وهو مع ذلك قليل في الاستعمال لبقاء التنكير فيه. ورب نكرة من عير صفة أخص من نكرة موصوفة. ووجه ضعفه أنه إذا صح: جسم حي في الدار، لحصول تخصيصه بالصفة، فينبغي أن يصح: رجل في الدار، لأنه أخص منه بدرجات. فأما إذا حصل ما ذكرناه من قصد التعميم فقد حصل ما في معنى التعريف قبل الصفة، فطاح اعتبار الصفة، وصار موازنا لقولك: كل رجل عالم عندنا، فإنه لا يصح لقائل أن يقول: المصحح الصفة، إذ التعميم حاصل قبل مجيء الصفة فأعنى عنها. وإنما جاءت الصفة لمعناها في التخصيص لا لحاجة من تصحيح الابتداء، ولذلك كان فصيحا في كل كلام فصيح، بخلاف ما المصحح فيه مجرد الصفة. والذي يحقق لك ذلك أن الصفة لا تخرج الموصوف عن مدلوله بل تأتي لتخصيصه في الا حاد أو في الأجناس وهو على حاله، مثاله إذا قلت: جاءني رجل، ثم قلت: عالم، فإنه يخصص مع بقائه لواحد متميز على ما كان عليه. وإذا قلت: جاء الرجال، ثم قلت: العالمون، فإنه يخصص مع بقائه عاما في العالمين. وإذا ثبت ذلك علمت أن التعميم حاصل بغير الصفة، وإذا كان حاصلا بغير الصفة كان مجيء الصفة وانتفاؤها واحدا على ما مثلناه في: كل رجل عالم عندنا. فإن زعم زاعم أن (مؤمن) في قوله: {ولعبد مؤمن خير من مشرك} ¬

_ (¬1) وردت هذه الكلمة هكذا في جميع النسخ وصوابها: يفوت.

مصحح للابتداء بالنكرة وقرر ذلك بأنه لو أسقط لم يستقم ذلك، كما أنه إذا أسقط "عالم" من قولك: رجل عالم في الدار، لم يستقم، وهذا معنى التصحيح، فهو غير مستقيم، وجمع بين أمرين مختلفين، وذلك أنا نعني بالتصحيح الذي لولا هو لم يصح الابتداء بالنكرة، لا الذي لولا هو لكان الكلام كذبا، وما نحن فيه من هذا القبيل، ولسنا نعني بالمصحح ذلك. ألا ترى أنا نحكم على الكلام بصحة الإعراب، ثم نحكم بعد ذلك بكونه صدقا أو كذبا، كقول القائل: العالم قديم، فهذا وإن كان إعرابه مستقيما، إلا أنه كذب، كذلك ما نحن فيه، فلم يكن هذا المصحح مصححا للابتداء بل مصححا لصدق الكلام، حتى لو جعلت الخبر ما يكون صدقا استقام، دل على أن الفساد لم يأت إلا من الكذب. وما (¬1) يوضح ... ذلك أنك لو قلت: كل رجل كافر في النار، فلو أسقطت "كافر" لم يكن مستقيما من جهة الصدق لا من جهة صحة الابتداء به، لأنك لو أخبرت عنه بخبر صدق صح، وليس الكذب مفسدا للإعراب ولا مأخوذا عدمه في صحة التعبير كما تقدم. فإذا وضح ذلك كان القول بأن هذه الصفة مصححة للابتداء، كالقول بأن "كافر" في قولك: كل رجل كافر، مصحح للابتداء، وقد وضح بطلانه. فإن قلت: ليس "مؤمن" في قولك: ولعبد مؤمن، من هذا القبيل الذي ذكرته بل هو مصحح باعتبار صحة الإخبار لا باعتبار الصدق حتى يكون كما ذكرت. ألا ترى أنك لو أسقطته لم يستقم التعبير به صدقا ولا كذبا، فإنه يكون حينئذ من مضمونه: عبد خير من عبد، وهذا من قبيل اخر غير ما ذكرت. قلت: صدقت أنه من قبيل اخر، ولكنه في الحكم كذلك، لأن الكلام ههنا وقع في شروط المفردات، فإن المبتدأ مفرد، وليس شرط هذا الجزء في هذا المحل هذه الصفة. وإنما جاء الفساد من جهة الإخبار بما لا يستقيم به الإخبار كما في الكذب، وهو مثل ¬

_ (¬1) في ب: ومما.

قولك: كل رجل عالم خير من جاهل. فكما لا يستقيم أن يقال المصحح لهذا المبتدأ الصفة، لأنك لو أسقطتها لم يستقم الكلام، فكذلك ما نحن فيه. فكان كالكذب سواء، والكلام في شروط المفردات غير الكلام في جهة التركيب. ألا ترى أنك لا تقول لمن قال: كل رجل خير من جاهل، هذا فاسد، من جهة أن الابتداء غير موصوف، وإنما تقول: فاسد من جهة أنك أخبرت بما لا يستقيم خبرا. ولو قلت الأول لكان فاسدا، فإنه حينئذ يثبت لك أنه يكون مبتدأ به من غير صفة. فيفسد القول بأن المصحح الصفة، فكذلك ههنا. فإذا ثبت ذلك فلا فرق فيما نحن فيه من أن يكون المصحح الصدق (¬1) وبين أن يكون المصحح استقامة (¬2) الكلام في أن كل واحد منهما لا يقدح في صحة الابتداء دونه، لما قررناه، لأن الكلام في صحة كونه صدقا وكونه مستقيما أن يخبر عنه بكذا، غير الكلام في صحة كون المبتدأ مبتدأ، وإن لم يكن بد من الخبر، إلا أنه قسم اخر من أقسام فساد الكلام من جهة الكذب أو الاخبار بما لا يصح الاخبار به، فلا يؤخذ منه شرط في صحة المبتدأ، فإن ذلك يؤدي إلى اعتبار ما لا يتناهى من الشروط في المبتدأ. إذ ما من مبتدأ إلا ويمكن تقدير الخبر عنه بما لا يستقيم إلا بقيد، فيؤخذ القيد شرطا ثم يقدر الاخبار عنه بأمر اخر لا يستقيم إلا بأمر اخر فيؤدي إلى اشتراط قيود لا يوقف دونها، وهذا ظاهر الفساد. فثبت أن (مؤمن) في قوله: {ولعبد مؤمن}، وما كان مثله، لا يمكن دعوى أن تكون الصفة مصححة للابتداء بالنكرة باعتبار المعنى الذي نحن فيه على ما تقرر (¬3). ¬

_ (¬1) في ب: للصدق. والصواب ما أثبتناه. (¬2) في الأصل وفي ب، م: لاستقامة. والصواب ما أثبتناه. (¬3) قال ابن الحاجب في الإيضاح: "والمراد كل عبد مؤمن. ومثل ذلك ليست الصفة فيه بمصححة للابتداء، بل مثلها في قولك: في الدار رجل عالم. والذي يصحح ذلك صحة قولك: رجل خير من امرأة، وقولهم: تمرة خير من جرادة. وذلك جار في كل نكرة لم يقصد بها واحد مختص، فكان في معنى العموم، وذلك مصحح مستقل" 1/ 184.

فإن قلت: فما تنكر (¬1) أن الصفة شرط في صحة هذا المبتدأ، وإن كان التعميم حاصلا فيه نظرا إلى قضية لفظية ليرفى صورة التخصيص ما يشبه به المعرفة لفظا، وإن كان التخصيص حاصلا بغيره، فيكون مثل اشتراط الصفة فيما لم يقصد منه التعميم. ألا ترى أن الصفة تشترط فيما يكون أخص من نكرات موصوفات حتى يحكم بالصحة فيما هو أقل تخصيصا من المحكوم عليه بالفساد لفقدان صورة الصفة التي تكون كالمعرفة في الصورة. والعرب كما تراعي المعاني فكثيرا ما تراعي الألفاظ، وإذا كان ذلك مستقيما فلم عدلت عن اعتباره؟ قلت: هذا إذن كلام مستقيم بالنظر إليه في نفسه، ولا شك أنا لو لم نجد هذا الباب إلا موصوفا لم نعدل إلى التجويز فيه من غير صفة لاحتمال أن تكون الصفة معتبرة لأمر لفظي كما مثلته في مسألة النكرة التي لم يقصد فيها قصد التعميم، ولكنا لما رأيناهم يستعملون مثل ذلك من غير صفة علمنا أن الصفة ملغاة في هذا الباب. ألا ترى إلى قوله: {فأولى لهم طاعة} (¬2). وقولهم: فرق خير من حب (¬3)، وما نقل من قولهم: تمرة خير من جرادة، وأشباهه. فلما علم ذلك علم أن الصفة في مثل ذلك إنما جاءت لما وراء ذلك، مثلها في قولك: الرجل العالم خير من الجاهل. ألا ترى أن أحدا لا يعتبر هذه الصفة مصححة لما ثبت من جواز "الرجل" مبتدأ مجردا عن الصفة في مثل قولك: الرجل خير من المرأة. ولا يشترط صحة وقوع مثل ذلك مجردا عن الصفة باعتبار خصوصية ذلك الخبر. فإنه قد يكون ذلك ممتنعا باعتبار انتفاء الصدق أو باعتبار انتفاء الاستقامة أصلا. فقد وضح لك من هذه الأبحاث أن ¬

_ (¬1) في ب: ينكر. (¬2) محمد: 21،20 (¬3) أول من قال ذلك الحجاج للغضبان بن القبعثرى الشيباني. ومعناه: لأن يفرق منك فرقا خير من أن تحب. انظر مجمع الأمثال 2/ 76، والرواية فيه: فرقا خير من حب، أو انفع من حب. ورواه سيبويه: أو فرقا خيرا من حب. الكتاب 1/ 268.

الصفة في قوله: {ولعبد مؤمن} وبابه، ليست المصححة للابتداء لتحقيق المبتدأ في مثله بدونها. وهي بحوث دقيقة عجيبة، وأغوار غريبة قل من يفهمها فضلا عن من يتنبه لها. وإذا تقرر ذلك كان مماثلا لقولهم: ما رجل خير منك، فإنه إنما صح الابتداء بالنكرة لما حصل من معنى العموم المفضي بها إلى معنى التعريف. وهذا مثل ما حكاه ابن جني (¬1) من قول بعضهم: أربعة ضعف اثنين، وثمانية ضعف أربعة، وإن لم تكن صورة المفاضلة فيها، إما لأنها بمعناها، لأن معنى: ضعفها، أنها أزيد عليها (¬2) بمثلها، وكذلك ما كان مثله في الزيادة والنقصان، وأما لأن المفاضلة لم تكن مناسبة لذلك المعنى باعتبار كونها مفاضلة، وإنما كانت مناسبة باعتبار ما يفهم من أن الحكم بها إنما وقع باعتبار كونه من ذلك القبيل، وهذا كذلك. ألا ترى أن الحكم بالضعفية على الثمانية بالنسبة إلى الأربعة إنما وقع باعتبار كونه (¬3) من ذينك القبيلين، فصارت المناسبة التي من أجلها حصل العموم في المفاضلة موجودة في مثل ذلك، فوجب الحكم بمثله. والثاني حاصل بأيسر تنبه وسيأتي. إلا أن ابن جني حكم بأن أربعة وثمانية وشبهها في مثل ذلك أعلام (¬4) غير منصرفة للعلمية والتأنيت. وذلك أنه راه مبتدأ به في معنى المعارف ولا محمل لتعريفه إلا على العلمية لانحصار ¬

_ (¬1) هو عثمان بن جني أبو الفتح الموصلي النحوي اللغوي. صحب أبا علي الفارسي وتبعه في أسفاره. من تصانيفه: اللمع، سر الصناعة، المصنف، الخصائص. توفي ببغداد سنة 372هـ. انظر إنباه الرواة على أنباه النحاة 2/ 336. (¬2) في س: منها. (¬3) في ب: كونها. والصواب ما أثبتناه، لأن الضمير يعود على الحكم. (¬4) قال ابن جني: "ومنه أسماء الأعداد، كقولك: ثلاثة نصف ستة، وثمانية ضعف أربعة، إذا أردت قدر العدد لا نفس المعدود، فصار هذا اللفظ علما لهذا المعنى" الخصائص 2/ 198.

المعارف، كتعريف أسامة في مثل قولك: أسامة خير من ثعالة، فإن مثل ذلك علم باتفاق، ورأى هذا أشبه شيء به فحكم عليه بحكمه. ولذلك (¬1) حكم الجميع على غدوة وبكرة وسحر وفينة بأنها أعلام (¬2) وإن لم تكن في قصد التعريف مثل هذه، فهذه إذن أجدر وليس ببعيد عن قياس. إلا أن الأصوب خلافه لما يلزم من رد أسماء الأجناس كلها أعلاما. ألا ترى أن قولك: تمرة خير من جرادة، مثل: أربعة ضعف اثنين، سواء، فلو ساغ جعل أربعة علما لساغ جعل تمرة علما. والأجناس كلها تجري حينئذ هذا المجرى، ولا أعلم أحدا يقول ذلك. وأيضا فإنه لا يحكم على الشيء بأنه علم إلا بثبت كما في زيد وعمرو من وضعها لشيء بعينه غير متناول ما أشبهه بالوضع الأول (¬3) والحكم في باب: أسامة وغدوة وبكرة وسحر وفينة، بأنها أعلام، إنما كان لأنهم منعوها الصرف، ولا وجه إلا العلمية، فلذلك احتيل في تقديرها وجعلها موضوعة للمعنى المتحد في الذهن حتى يصح كونها موضوعة لشيء بعينه غير متناول ما أشبهه. ولو وجدت مصروفة لم يحكم بأنها أعلام، إنما كان لأنهم منعوها الصرف، ولا وجة إلا العلمية، فلذلك احتيل في تقديرها وجعلها موضوعة للمعنى المتحد في الذهن حتى يصح كونها موضوعة لشيء بعينه غير متناول ما أشبهه. ولو وجدت مصروفة لم يحكم بأنها أعلام البتة، إذ لا حاجة إلى التكلف مع الاستغناء عنه. وإذا كان فلا حاجة إلى إلحاقها بما هو خارج عن القياس، ومتكلف فيه لضرورة أوجبت التكلف، وترك إجرائها على ما هو الظاهر منها من غير تكلف. وأيضا فإنه لو كان علما لوجب أن يجوز بقاؤه علما في كل أحواله كباب أسامة وجميع الأعلام. ولما لم يجز ذلك فيه باتفاق دل على أنه غير علم. وأيضا فإنه لو كان علما لم يصح دخول اللام عليه، وفي صحة دخولها دليل على خروجه (¬4) عن باب الأعلام. ¬

_ (¬1) في ب، س: وكذلك. والصواب ما أثبتناه. (¬2) انظر الإملاء (108) من الأمالي المطلقة. ص: 798. (¬3) انظر المفصل ص 6. والإيضاح في شرح المفصل 1/ 69. (¬4) في م: خروجها.

فأما بيان حل إشكال كونها مبتدأ بها في معنى المعارف ولا محمل لتعريفها إلا على العلمية، فإنا نقول: ليست من قبيل المعارف بل أشبهتها من حيث لزم التعميم كما في: ما رجل أفضل منك. ألا ترى أن رجلا نكرة وإن حصل التعميم، فكذلك ههنا لما لم يكن الغرض في واحد مخصوص لم يخص فحصل التعميم، كما أن النفي لما لم يخص حصل التعميم. سلمنا التعريف، إلا أنه ليس على العلمية بل على أحد وجهين: أحدهما: أنه تعريف باعتبار التعميم كما في: كل رجل، فإنه معرفة وليس مما عد من المعارف، فكذلك هذا يكون تعريفا باعتبار التعميم، مثل لا رجل، فيمن قال: إنه عام بأصله لا بلازمه. الثاني: أنه تعريف باعتبار تقدير اللام لأن المعنى: التمرة خير من الجرادة، فعدل عن اللام كما في: سحر وغدوة وبكرة وفينة. فإن قلت: فإذن رجعت إلى مذهب ابن جني، لأن ما ذكرته كله في هذا الوجه ممتنع صرفه للعلمية والعدل، أو للعلمية والتأنيت، أو للجميع. فلا بد من اعتبار العلمية، فوجب أن يكون ما نحن فيه أيضا علما. قلت: ليس العدول عما فيه الألف واللام بالذي يوجب للاسم المعدول علمية وإن كان معرفة ما لم يقصد قصدها ويثبت بدليل خاص عليها. بيان ذلك: أن عشية وعتمة وإن كانا معرفتين باتفاق إذا قصد بها عشية ليلتك وعتمتها معدولان عما فيه الألف واللام، وهو الذي أوجب لهما التعريف، وليسا علمين لكونهما منصرفين (¬1) فلو كان العدول عن التعريف بالألف واللام يوجب العلمية لوجبت لهما، ولو وجبت لمنعا من الصرف، فلما صرفا دل على أن العلمية لا يحكم بها إلا بثبت وراء ذلك. وسره أن كل عن الألف واللام جائز ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب: " ولكنهم جعلوه معدولا عما فيه الألف واللام لا علما، فلذلك انصرف وإنما لم يقدر العلمية دون العدل لما يلزم من منع صرف عشية وعتمة للعلمية والتأنيث وهي مصروفة باتفاق" الإيضاح 1/ 136.

تقديره نكرة وجائز تقديره معرفة حسب ما كان عليه. وإذا احتمل الأمرين لم يحكم بأحدهما إلا بثبت، فحكمنا على غدوة وأخواتها بالعلمية لما ظهر من منع الصرف، إذ لا وجه له سواها، وحكمنا على باب "عشية" بتعريف اللام المقدرة لمجيئها منصرفة فإن قلت: فقد حصل من مجموع ذلك أن بعض ما يعدل عن الألف اللام يكون علما وبعضه يكون غير علم، فما تنكر من أن يكون ذلك من القسم الأول، لأنك قد وافقت على مثله. قلت: قد تقدم أن الحكم على مثل ذلك بالعلمية إنما يكون بثبت من العرب في المحل المخصوص لما في علميته من الإشكال، فحمله على القياسي الذي لا إشكال فيه أولى. فإن قلت: فما تنكر أن تكون "أربعة" ضعف اثنين علما غير منصرف مثل قول النحويين: فاعلة صفة منصرف، فإن ذلك علم عندهم باتفاق، وهو غير منصرف لذلك (¬1) ووجهه أنه لما عم في الجميع بغير الة كان علما عليه، فكذلك هذا إذا عم في الجميع بغير الة يكون علما. قلت: الفرق بينهما من وجوه: أحدها: أن "فاعلة" وضعه النحويون في أصل وضعه علما على كل موزون على هذه البنية المخصوصة، وهذا معنى العلمية، بخلاف "أربعة" وبابه، فإن أصل وضعه كوضع رجل، فكما لا يصح في رجل أن يدعى أن أصل وضعته العلمية فكذلك هذا. الثاني: أن "فاعلة" لا يجوز دخول اللام عليه كما في الأعلام، و"أربعة" لو قلت: الأربعة، لكان مستقيما، والألف واللام تناقض العلمية. الثالث: أن باب "فاعلة" إذا أطلق على واحد من مدلولاته فالمحققون على إبقائه علما، وهذا لا يجوز إبقاؤه علما عند إطلاقه على أحد مدلولاته. ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: "ومن الأعلام الأمثلة التي يوزن بها". المفصل ص11س.

الوجه الثاني من الأولين في أصل المسألة: أن يكون قولهم: تمرة خير من جرادة، على معنى الإخبار عن اللفظ، كأنك قلت: لفظ تمرة مدلولها كذلك أو مدلول تمرة كذلك. فيكون المصحح للابتداء كونه معرفة في التقديرين جميعا. وإنما يستقيم هذا فيما كان الخبر فيه عاما لجميع أنواع المخبر عنه، لأن المبتدأ وقع عاما، لإضافته تقديرا وهو اسم جنس، فصار التقدير: كل مدلول تمرة، أو كل لفظ تمرة. وأقل أحوال الخبر أن يكون مطابقا، فلا يصح على هذا أيضا: رجل في الدار، لتعذر هذا التقدير فيه إذ لا يصح على مدلول رجل بأنه في الدار. نعم يصح على هذا: رجل إنسان وشبهه. وكذلك: أربعة ضعف اثنين. و" أربعة" في هذا أوجه من: تمرة خير من جرادة، فصح أن يكون شارحا لمدلوله، بخلاف الأول، فإنك لم تخبر بحقيقة ما جعلته مبتدأ، بل بحكم من أحكامه. والحكم بحكم من أحكام الشيء لا يكون شارحا له، فلذلك قوي: أربعة ضعف اثنين، في هذا التأويل لما فيه من الانباء عن حقيقة مدلوله، ولم يكن كذلك: تمرة خير من حرادة. فإن قيل: فهل يستقيم منع الصرف على هذا التقدير؟ قلت: له وجه، لأنه قصد قصد اللفظة، وإذا قصد اللفظة جاز أن يعتبر التعريف والتأنيث معنى أو لفظا، وجاز أن يجري على ما كان مستحقا له لو لم يقصد اللفظة: إلا أن هذا هو المعروف. ألا ترى أنه لو استعمل ذلك لقيل في: قام جعفر ومررت بقائمة، جعفر: فاعل، وقائمة: ـ مجرور، غير منصرفين، ولقيل في: أخذت من زيد، من: حرف جر، وأشباه ذلك، وهو بعيد عن الاستعمال. هذا اخر الجواب.

[إملاء 78] [أوجه: لا حول ولا قوة إلا بالله]

[إملاء 78] [أوجه: لا حول ولا قوة إلا بالله] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1): في: لا حول ولا قوة إلا بالله، خمسة أوجه (¬2). فتحهما على أن يكون كل واحد منهما مع متعلقه جملة مستقلة وعطفت الجمل بعضها على بعض. وفتح الأول ونصب الثاني، على أن تكون "لا" الثانية تأكيدا، والاسم بعدها معطوف على الاسم الأول على اللفظ، كقولهم: لا أب وابنا (¬3)، ورفع الثاني على أن يكون كالنصب، إلا أنه على المحل كقوله: لا أم لي إن كان ذلك ولا أب (¬4) وأن ترفعهما جميعا على أنهما مبتدءان، أو على أن "لا" بمعنى " ليس" وإنما حسن الرفع فيهما عند التكرير إما على الابتداء أو على أنها بمعنى " ليس". وضعف جعلها بمعنى " ليس" على الانفراد، وضعف وقوع المبتدأ بعدها على الانفراد، مثل قولهم: لا حول منفردا، أو لا رجل قائما، من حيث كان ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص8. ونظر الإملاء (85) من الأمالي على المفصل ص:411. والإيضاح في شرح الفصل1/ 394. وشرح الكافية للرضي1/ 260. وأوضح المسالك2/ 14. (¬3) البيت بتمامه: لا أب وابنا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا وقد سبق الكلام عنه في الإملاء (85) من الأمالي على المفصل. ص: 419. (¬4) هذا عجز بيت من الكامل، وصدره: هذا لعمركم الصغار بعينه. وقد اختلف في نسبته لقائل معين. وهو من شواهد سيبويه2/ 292 وقد نسبه لرجل من بني مذحج. والمقتضب4/ 371. واللمع ص45. والحماسة البصرية 1/ 14 ونسبه للفرعل الطائي أو لهني بن أحمر. واللسان (حيس) ونسبه لهني بن أحمر أو لزرافة الباهلي. والشاهد فيه عطف (أب) على موضع. (أم). ويجوز أن يكون مبتدأ، أو على أن =

[إملاء 79] [الجمع المانع من الصرف]

شبهها بـ " إن" شبها قويا، فقوي لذلك إعمالها كعملها (¬1). وإنما جاز الرفع من غير ضعف عند التكرير من حيث كان استعمال ذلك الأصل يوهم ما ليس لغتهم من مزج كلمات متعددات. ألا ترى أنهم إذا فتحوا أيضا على ما هو فصيح أيضا كان ذلك موهما أن الجميع مبني بناء واحدا، وليس ذلك من لغتهم، فصار ذلك كالمانع من استعمال الأصل، فعدل إلى جعله مبتدأ بتقدير إسقاط أثر الحرف وجعله مبتدأ، أو وجوعا إلى اللغة الأخرى لما أوهمت هذه اللغة هذا الوهم. [إملاء 79] [الجمع المانع من الصرف] وقال ممليا على قوله (¬2): " الجمع شرطه صيغة منتهى الجموع بغير هاء"، إلى قوله: "فلا إشكال". قال: أكثر النحويين يقول في تفسير الجمع المانع من الصرف: الجمع الذي لا نظير له في الاحاد. وجاء في كلام سيبويه هذا المعنى في موضع (¬3)، وجاء ما ذكر في هذه المقدمة في موضع اخر من كلامه، وهذا أولى في تعريفه. لأنه إذا عرف بأنه الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ورد ¬

_ = "لا" عاملة علم ليس ويكون في الحالتين من عطف الجمل. (¬1) وقد ذكر سيبويه وجهين في هذه المسألة: الوجه الثاني وهو فتح الأول ونصب الثاني. والوجه الثاني وهو فتح الأول ونصب الثاني. والوجه الثالث وهو رفع الثاني. قال: "كما قال بعض العرب: لا حول ولا قوة إلا بالله. وإن شئت حملته على لا فنونته ونصبته". الكتاب 2/ 292. (¬2) الكافية ص3. (¬3) قال سيبويه: "أعلم أنه ليس شيء يكون على هذا المثال إلا لم ينصرف في معرفة ولا نكرة وذلك لأنه ليس شيء يكون واحدا يكون على هذا البناء، والواحد أشد تمكنا، وهو الأول، فلما لم يكن هذا من بناء الواحدا الذي هو أشد تمكنا وهو الأول تركوا صرفه، إذ خرج من بناء الذي هو أشد تمكنا". الكتاب3/ 227.

عليه باب " أفعل" مثل: أكلب، وأعين، وأمثاله، فإنه جمع لا نظير له في الآحاد وهو منصرف بإجماع. وقد أجيب عنه بأنه قد جاء نحو: أنملة، وتاء التأنيث غير معتد بها في الزنة، فقد تحقق نظيره في الآحاد، وهو جواب غير سديد، فأنه لو صح أن تكون تاء التأنيث فيه موجبة أن تكون الصيغة على بناء الواحد بدونها من حيث كانت زائدة، لصح أن تكون صياقلة كذلك. والاتفاق على أن فرازنة (¬1) مثل كراهية في كونه على صيغة الواحد مع الاطباق على أن فرازن ليس على بناء الواحد. وإذا كانت تاء التأنيث في البنية التي ذكروا أنها لا واحد عليها لا أثر لدخولها في كونها مخرجة للصيغة إلى بناء الواحد على تقدير حذفها، فكذلك "أنملة". ووجه ثان في الأولوية أن هذا التعريف ينبىء عن العلة من أول الأمر، لأنها إذا كانت صيغة منتهى الجموع فكأنه جمع متعدد وتلك لا تنبىء عن ذلك، والتعريف المنبىء عن العلة أولى من غيره لو استويا (¬2). وأما قوله: "بعير هاء"، فاحتراز من فرازنة، وقشاعمة (¬3). لأنه لو اقتصر دونه لورد نقضا عليه، إذ هو صيغة منتهى الجموع. وإنما انصرف لأن دخول تاء التأنيث يخرجه إلى بناء الواحد مثل: كراهية وطماعية (¬4). ويضعف تقدير الجمع فيه، فلا يلزم من إعمال بقدير الجمع الذي لا مضعف له إعماله في الموضع الذي وجد فيه مضعف. ¬

_ (¬1) الفرزان: من لعب الشطرنج أعجمي معرب، وجمعه فرازين. اللسان (فرزن). (¬2) قال ابن الحاجب في شرح الكافية (ص15): "وإذا قيل: صيغة منتهى الجموع كان التعليل فيه في قيامه مقام علتين أوضح من قولنا: لا نظير له في الآحاد، واندفع هذا النقص الذي لا جواب له". (¬3) القشعم والقشعام: المسن من الرجال والنسور. وقيل الضخم المسن من كل شيء اللسان (قشعم). (¬4) في س: طواعية.

قال: " وحضاجر علم (¬1) للضبع غير منصرف". قال: حضاجر وسراويل، يرد على تعريف الجماعة نقضا، لأنه واحد. وهو على زنة جعافر، وكذلك سراويل، لأنه على زنة قراويح (¬2) وهو اسم مدلوله مفرد. وأجابوا عن سراويل إذا لم يصرف وهو الأكثر، وقدر أنه عربي (¬3): بأنه جمع في التقدير لسروالة (¬4). فإذا استعمل جمعا فلا إشكال على التعريفين، وإن استعمل للمفرد كان تقدير الجمع فيه ضعيفا من حيث كان النقل في أسماء الأجناس بعيدا. إلا أنه يغتفر ههنا من حيث إنه لا بد من ارتكاب محذورين أحدهما يلزم منه مخالفة أمر معلوم، والآخر يلزم منه ارتكاب أمر مستبعد. وذلك أنه إذا ثبت كونه غير منصرف وثبت أنه لا يمنع الصرف إلا لأحد العلل المذكورة، فكل هذه معلومة، ولا مانع فيه للصرف يمكن تقديره إلا ما ذكر. وإن كان بعيدا، فيجب ارتكاب ذلك المستبعد لئلا يلزم منه مخالفة أمر معلوم. فإن قدر أنه أعجمي فجوابه: أنه حمل على موازنه في العربية عند النقل، فوجب ألا يصرف. وأما إذا صرف سراويل فيتعين عند هؤلاء أن يكون أعجميا، وإلا لم يصح قولهم: لا نظير له في الآحاد، لأنه إذا لم يكن أعجميا وقد صرف وجب أن يكون مفردا وهو على زنة ما قالوا إنه لا زنة له (¬5) في الآحاد. وأما هذا التعريف ¬

_ (¬1) وردت هذه الكلمة في نسخة الكافية وفي نسخ الأمالي مرفرعة. وأوردها الرضي في شرح الكافية منصوبة. وقال: "قوله: علما، حال من الضمير الذي هو في غير منصرف، أي: لا ينصرف في حال كونه علما للضبع" 1/ 55. (¬2) القراويح: الطوال من النخل. اللسان (قرح). وفي هامش الأصل: جمع قرواح، وهو المكان المتسع. ورقة167. (¬3) قال سيبويه: "وهو أعجمي أعرب كما أعرب الآجر". وهو عنده غير منصرف لأنه أشبه ما لا ينصرف. الكتاب3/ 229. وهذا مذهب المبرد. انظر: المقتضب 3/ 326، 345. (¬4) قال المبرد: "ومن العرب من يراها جمعا، واحدها سروالة". المقتضب3/ 345. (¬5) في الأصل وفي ب، د، س: علبه. وما أثبتناه من س. وهو الصواب.

فلا يرد عليه ذلك نقضا، وإنما يذكر ليبين الوجه في امتناع صرفه إذا لم يصرف، ووجه ما ذكر. وإذا صرف فلا يتعين أنه أعجمي ولا يكون فيه إشكال، لأن المانع كونه جمعا على صيغة منتهى الجموع. وإذا لم يكن جمعا فلم يوجد المشروط، فلذلك قال: وإذا صرف فلا إشكال. وقوله: " ونحو جوار رفعا وجرا مثل قاض". هذه اللغة الفصيحة في البحر، فأما الرفع والنصب فلم يجىء إلا على لغة واحدة. وأما حال الجر فاللغة الفصيحة: مررت بحوار، والشاذة: مررت بجواري، وهي رديئة (¬1). وقد وقع الخلاف بين سيبويه ومن قال بقوله، وبين المبرد ومن قال بقوله في التقدير في "جوار" في الرفع وفي الجر على اللغة الفصيحة، وإن كانوا متفقين على اللفظ (¬2). فقال سيبويه: هو غير منصرف كمساجد، وما فيه من التنوين إنما هو تنوين العوض لا تنوين الصرف (¬3). وقال المبرد: منصرف لفقدان المانع للصرف (¬4). فالتنوين تنوين الصرف. وقد احتج لسيبويه بأن الأصل: جواري، منونا، إذ أصل الأسماء الصحيح والصرف، فتحققت فيه العلة المانعة للصرف فحذف التنوين ثم حذفت الضمة عن الياء استثقالا لها بعد الكسرة، ثم عوض عن حركة الياء المحذوفة تنوين العوض، فاجتمع ساكنان (¬5)، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين. ووجب أن يكون التنوين تنوين ¬

_ (¬1) قال سيبويه: " وأما يونس فكان ينظر إلى كل شيء من هذا إذا كان معرفة كيف حال نظيره من غير المعتل معرفة، فإذا كان لا ينصرف لم يصرف، يقول: هذا جواري قد جاء، ومررت بجواري قبل. قال الخليل: هذا خطأ" 3/ 312. (¬2) انظر: الإملاء (3) من مسائل الخلاف، والإيضاح في شرح المفصل 1/ 140، وشرح الكافية للرضي 1/ 58. (¬3) انظر: الكتاب 3/ 308، 310. (¬4) قال المبرد: " فإنما انصرف باب جوار في الرفع والخفض لأنه أنقص من باب ضوارب في هذين الموضعين". المقتضب 1/ 143. (¬5) الياء وتنوين العوض.

العوض بعد أن ثبت أن الاسم غير منصوف. وهذا الاستدلال ضعيف من حيث أنه مبني على النظر في منع الصرف بعد الإعلال. والمبرد يسلم أنه أصله (¬1)، ولكنه يقدر النظر في الإعلال قبل النظر في منع الصرف، ثم ينهض ذ ... لك أمارة له في كونه منصرفا، ويكون أولى منحيق إن النظر في الإعلال نظر في تحقيق الصيغة، والنظر في منع الصرف نظر فيما يتبع الإعراب، والإعراب فرع، فما يتبعه فرع الفرع، والنظر فيما هو الأصل مقدم على النظر في فرع فرعه. فإذا أعل أولا حذفت الياء لالتقاء الساكنين: الياء وتنوين الصرف، فيبقى الاسم على فواع. ثم نظر إلى ما يمنع الصرف فلم يوجد ذلك الوزن فبقي الاسم منصرفا على حاله. ويقوي ما ذكر المبرد ما ذكر من تقديم الإعلال على منع الصرف اللغة الفصيحة في: مررت بجوار. ولو كان الأمر على ما ذكر أولا لوجب أن يقال: مررت بجواري، على ما هو في اللغة الرديئة. والأولى أن ينظر في استدلال آخر، فيقال: المحذوف بالإعلال في حكم الموجود في الأمور الإعلابية باتفاق، بدليل قولك: هذا قاض، ومررت بقاض، ولوكان في حكم العدم لوجب أن يقول: هذا قاض بضم الضاد، ولولا بقدير وجودها ما وجب كسر الضاد في حال الرفع، فالموجب لكسر الضاد كونها في حكم الوجود (¬2) باعتبار أمر إعرابي وجب أن تكون في حكم الوجود باعتبار أمر لفظي مثله. ودليل آخر وهو أن يقال: الدليل على أن المحذوف بالإعلال في حكم الموجود بالنظر إلى منع الصرف باعتبار الصيغة إطباقهم على أن باب: أعلى وأدنى، أصله: أعلي وأدني، والإعلال قبل النظر في منع الصرف، فتتحرك الياء وينفتح ما قبلها فتنقلب ألفا، فيجتمع ساكنان فتحذف الألف فيبقى ¬

_ (¬1) أي: أصله جواري. (¬2) انظر: الإيضاح في شرح المفصل 1/ 141.

" أعلى"منونا، ووزن " أعلى" أفعى، ن وأفعى ليس بأفعل، فلولا أن اللام المحذوفة بالإعلال في حكم الوجود لما منع من الصرف، ولوجب أن يبقى منونا على حاله، كما وجب عندهم أن يكون " جوار" باقيا على حاله بتنوين الصرف لما لم تكن الصيغة بعد الحذف بالإعلال على صيغة الجمع لفظا. ولما وجب اعتبار المحذوف بالإعلال في الصيغة المانعة للصرف في " أعلى" وجب ذلك في "جوار"، إذ لا فيق بينهما. وسيبويه يطرد أصله في أن كل ما آخره ياء معتلة وهو غير منصرف يعوض عن إعلاله تنوين فتحذف الياء لالتقاء الساكنين. والمبرد يجري على أصله في أنه لا يعوض بل يثبت التنوين إن كان تنوين الصرف ويحذف إن كانت علة تمنع الصرف. وعليهما اختلفوا في امرأة سميتها بقاض. فسيبويه يقول: هذه قاض ومررت بقاض ورأيت قاضي (¬1). والمبرد يقول: هذه قاضي، بإثبات الياء، ورأيت قاضي ومررت بقاضي (¬2). لأنهم لم يختلفوا ههنا في أن فيه ما يمنع الصرف، فلا تنوين للصرف، فوجب عند المبرد أن لا يكون فيه تنوين، ووجب عند سيبويه أن يكون فيه تنوين العوض كـ" جوار"، فمن ثم جاء الاختلاف لفظا فيه، ولم يختلف في لقظ "جوار" من حيث إنه لم يتفق على أنه فيه ما يمنع الصرف. وإنما اتفق أن سيبويه القائل فيه بوجود علة منع الصرف يوجب تنوين العوض. وأن المبرد الذي يقول لا تنوين للعوض ليس عنده فيه ¬

_ (¬1) قال سيبويه: " وسألته عن قاض اسم امرأة، فقال: مصروفة في حال الرفع والجر. تصير ههنا بمنزلتها إذا كانت في مفاعل وفواعل. وكذلك أدل اسم رجل عنده. لأن العرب اختارت في هذا حذف الياء إذا كانت في موضع غير تنوين في الجر والرفع، وكانت فيما لا ينصرف، وأن يجعلوا التنوين عوضا من الياء ويحذفوها". الكتاب 3/ 311. (¬2) قال المبرد: "وكذلك قاض. فاعلم لو سميت به امرأة لانصرف في الرفع والخفض لأن التنوين يدخل عوضا مما حذف منه. فإما في النصب فلا يجري لأنه يتم، فيصير بمنزلة غيره مما لا علة فيه". المقتضب 1/ 143. يبدو لي في هذه المسألة أن ما نقله ابن الحاجب عن المبرد ليس دقيقا.

[إملاء 80] [حكم إظهار "أن" المقدرة]

علة تمنع من الصرف، فاتفق القولان في وجود التنوين، واللفظ واحد. [إملاء 80] [حكم إظهار "أن" المقدرة] وقال ممليا [بدمشق سنة إحدى وعشرين] (¬1) على قوله في المقدمة (¬2): "ويجوز إظهار أن مع لام كي والعاطفة ويجب مع لا في اللام": إنما لم يظهروا مع حتى وأو والفاء والواو غير العواطف لأنها تقتضيها اقتضاء واضحا من غير لبس فاستغني عن الإظهار. أما "حتى" فلأنها حرف جر فلا يدخل إلا على اسم، فلم يحتج إلى إظهار لوضوح ذلك فيها، ولا حاجة إلى الفصل بينها وبين الابتدائية لأن تلك لا عمل لها بخلاف لام كي ولام الجحود. وأما " أو" فلأنها إما بمعنى إلى أو إلا (¬3)، وكلاهما في اقتضاء " أن" واضح. وأما الفاء فلأنها إنما تكون بعد الأشياء الستة (¬4) سببية، فكان ذلك علامة لاقتضائها للناصب، فلم يحتج إلى إظهارها. وأما الواو فلأنها محمولة عليها في كونها بعد الأشياء الستة للجمعية (¬5). وإنما أظهرت مع لام كي ليفرق بينها وبين لام الجحود عند قصد الإيضاح من أول الأمر. وإنما أظهرت مع العواطف لأنه لم ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الكافية ص 17. (¬3) فالأول كقول الشاعر: لاستهلن الصعب أو أدرك المنى ... فما انقادتا لآمال إلا لصابر والثاني كقول الآخر: وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما (¬4) الأمر والنهي والاستفهام والنفي والتمني والعرض. (¬5) قال الرضي: " وأما الواو والفاء وأو فلأنها لما اقتضت نصب ما تعدها للتنصيص على معنى السببية والجمعية والانتهاء، كما بقدم، صارت كعوامل النصب فلم يظهر الناصب بعدها". شرح الكافية 2/ 250.

[إملاء 81] [علم الفاعلية والمفعولية والإضافة]

يقو أمر الفرينة في اقتضائها قوتها فما التزم فيه حذفها لما تقدم. وأما إيجاب إظهارها مع "لا" في اللام في مثل: لئلا، فلما كرهوه من إدخال حرف الجر في الصورة على حرف ليس مع ما بعده في تأويل اسم (¬1) [إملاء 81] [علم الفاعلية والمفعولية والإضافة] وقال ممليا [بدمشق سنة ثلاث وعشرين وستمائة] (¬2) على قوله (¬3): " ما اشتمل على علم الفاعلية والمفعولية والإضافة": يعني بالعلم اللقب الذي جعل دليلا عليها. فعلم الفاعلية ما جعل دليلا عليها من ضم أو ألف أو واو، في مثل: جاء زيد والزيدان وأخوك والزيدون. وعم المفعولية ما جعل دليلا عليها من فتحة أو ألف أو ياء أو كسرة، كقولك: ضربت زيدا وأخاك والزيدين والقائمات. والخفض كذلك من كسرة أو ياء أو فتحة، كقولك: مررت بزيد والزيدين وأخيك والزيدين وأحمد. [إملاء 82] [جواز أبي وأخي عند المبرد] وقال ممليا [بدمشق سنة أربع وعشرين وستمائة] (¬4) على قوله (¬5): " وأجاز المبرد أبي وأخي" (¬6): إنما خص المبرد "أبي وأخي" لما توهمه من قوله: ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: " ويمتنع إظهار أن مع هذه الأحرف إلا اللام إذا كانت لام كي، فإن الإظهار جائز معها، وواجب إذا كان الفعل الذي تدخل عليه داخلة عليه لا، كقولك: لئلا تعطيني". المفصل ص 246. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص9،5،3. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) الكافية ص 9. (¬6) لم أجد فيما اطلعت عليه من كنب المبرد هذا الذي قاله ابن الحاجب. وربما يكون قد نقله =

[إملاء 83] [حد الإعراب]

أبي مالك ذو المجاز بدار (¬1) وعلم أن "أخي كـ"أبي" في لغاته وأصله وكترته وقلته، بخلاف غيرهما من هذا الباب، فإنه إن وافق أبا من وجه خالفه من وجه. [إملاء 83] [حد الإعراب] وقال ممليا [بدمشق سنة أربع وعشرين وستمائة] (¬2) على قوله (¬3): "الإعراب ما اختلف آخره به": الضمير في "به" ضمير "ما"، أي: الشيء الذي يختلف آخر المعرب به كما تقول: الإنسان هو ما تتوقف عقليته على النطق. فالضمير عائد على "ما"، لا على الإنسان باعتبار خصوصيته، لأنه لم يكمل باعتبار ذلك إلى الآن، وإنما رجع إلى قولك: ما، فكذلك هذا. ولا بد من هذا الضمير ليعود على الذي، إذ الضمير في قولك: آخره، للمعرب. ولو قلت: الإعراب هو الشيء الذي يختلف آخر المعرب، لم يكن كلاما. ¬

_ = عن الزمخشري دون أن يتحقق من ذلك. انظر المفصل ص 109. (¬1) هذا عجز بيت من الكامل وصدره: قدر أحلك ذا المجاز وقد أرى. وقائله مؤرج السلمي وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. وذو المجاز: سوق كانت في الجاهلية للعرب. هو من شواهد المفصل ص 109، والمغني2/ 520 (دمشق)، والرضي 1/ 296، وابن يعيش3/ 36. والشاهد فيه قوله: أبي، فقد ردت اللام له مع إضافته إلى ياء المتكلم، ونقل عن المبرد أنه أجازه. وأنكر الزمخشري ما ذهب إليه المبرد وحمله على الجمع. انظر المفصل ص110. وقال الرضي: "وأجيب بأنه يحتمل أن يكون أبي جمعا لأب مضافا إلى الياء، إذ يقال في أب: أبون". شرح الكافية1/ 296. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص2.

[إملاء 84] [وجه عدم ذكر المؤلف اللام بمعنى على]

[إملاء 84] [وجه عدم ذكر المؤلف اللام بمعنى على] وقال ممليا على المقدمة (¬1) وقد قيل له: لِم لم تذكر أن اللام بمعنى "على" وقد ذكرت أنها بمعنى " عن"؟ فقال: أن اللام للاختصاص، والاختصاص على وجهين: إما أن يكون فيه ضرر أولا، فالأول صح دخول " على" فيه لما في الضرر من معنى الاستعلاء لمن نسب إليه، ولم يخرج عن معنى اللام الذكورة. [إملاء 85] [العلة في حذف بني تميم خبر" لا" التي لنفي الجنس] وقال ممليا [بدمشق سنة خمس وعشرين وستمائة] (¬2)، في خبر "لا" التي لنفي الجنس (¬3): العلة في حذف بني تميم الخبر (¬4) يحتمل أمرين: أحدهما: أن الخبر مراد ولكنهم حذفوه حذفا لازما كما حذف الجميع خبر المبتدأ في مواضع، فتكون "لا" حرفا مثلها فيمن يثبت الخبر. والثاني: أن تكون "لا" عندهم اسما من أسماء الأفعال بمعنى: نفيت، فلا تحتاج إلى تقدير خبر محذوف، لأن اسم الفعل مع معموله يستقل كلاما. ¬

_ (¬1) الكافية ص 19. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 5. (¬4) قال الرضي: " اقتدى فيه بجار الله. قال الجزولي: بنو تميم لا يلفظون به إلا أن يكون ظرفا. قال الأندلسي: لا أدري من أين نقله، ولعله قاسه. قال: والحق أن بني تميم يحذفونه وجوبا إذا كان جوابا، أو قامت قرينة غير السؤال دالة عليه، وإذا لم تقم فلا يجوز حذفه رأسا، إذ لا دليل عليه. بل بنو تميم إذن كأهل الحجاز في إيجاب الإتيان به. فعلى هذا القول يجب إثباته مع عدم القرينة عند بني تميم وغيرهم، ومع وجودها يكثر الحذف عند أهل الحجاز، ويجب عند بني تميم". شرح الكافية 1/ 112.

[إملاء 86] [وجوب النصب بعد ما خلا وما عدا]

والوجه الأول أظهر لموافقته اللغة الفصحى في التقدير ولقلة (¬1) ... ولكون اسم الفعل لم يأت على مثل هذه الصيغة. [إملاء 86] [وجوب النصب بعد ما خلا وما عدا] وقال ممليا في وجوب النصب في قوله (¬2): " ما خلا زيدا وما عدا زيدا": لا جائز أن تكون "ما" نافية وهو ظاهر، ولا بمعنى الذي، لأن " الذي" توصل بالجار والمجرور والفعل، فلو كانت بمعنى "الذي" لجاز الخفض عل لغة من خفض (¬3). ولما جاء هذا منصوبا ليس إلا، علم أن ثم مانعا منع أن تكون بمعنى الذي (¬4). [إملاء 87] [وجوب النصب في قولهم: جاء القوم إلا زيدا] وقال ممليا في وجوب النصب في قولهم: جاء القوم إلا زيدا: إنه لو قدر تابعا لم يخل إما أن يكون توكيدا أو صفة أو بدلا أو عطف بيان أو عطفا بحرف والأقسام كلها باطلة. فالقول بالتبعية باطل. أما التوكيد فلا لفظي ولا معنوي، وهو ظاهر. ولا الصفة لأنها باعتبار التبع أيضا ليست موجودة. ول بدلا، لا كلا ولا بعضا ولا اشتمالا ولا غلطا. الغلط لا يجري في القرآن ولا في الكلام الفصيح، وبجل الكل ليس موجودا، لأن حده أن يكون مدلوله مدلول الأول، ¬

_ (¬1) وجدت هذه الكلمة والفراغ الذي بعدها في الأصل وفي ب، م. وفي س، دلا توجد هذه الكلمة ولا الفراغ الذي بعدها. وهو الصواب لأن الكلام يستقيم. (¬2) الكافية ص8. (¬3) وجوز الجرمي الجر بعدهما. الرضي على الكافية1/ 230. (¬4) و (ما) هنا مصدرية. انظر سيبويه2/ 349.

[إملاء 88] [المنادى يشمل المحسوس وغيره]

وليس كذلك فيما نحن فيه، ور بدل البعض، لأن العامل يقدر انسحابه، ولو قدر انسحاب العامل هنا لكان مناقضا، ولا بدل الاشتمال، لأن زيدا ليس مشتملا على القوم، ولا القوم مشتملين عليه. وإذا بطلت الأقسام كلها كان له حكم الاستقلال بنفسه، فيعرب بما تعرب به سائر الفضلات كالحال والتمييز والمفعول وما شاكل ذلك وأما العطف بالحرف (¬1) فظاهر جدا. ولا عطف البيان (¬2)، لأن حقيقته أن يكشف عن المراد كشف الصفة، والأمر هنا على العكس. [إملاء 88] [المنادى يشمل المحسوس وغيره] وقال: قولنا (¬3): " المنادى هو المطلوب إقباله بحرف نائب مناب أدعو". فالمطلوب إقباله يشمل المحسوس وغيره كقولهم: يا زيد، ويا الله، وشبهه. [إملاء 89] [مسألة في وجوب تقديم المبتدأ] وقال ممليا على قوله (¬4): "وإذا كان المبتدأ مشتملا على ماله صدر الكلام مثل: من أبوك؟ ": فـ"من" مبتدأ و"أبوك" خبره (¬5). وكذلك: من ¬

_ (¬1) في س: بحرف. (¬2) في س: بيان. (¬3) الكافية ص5. (¬4) الكافية ص4. (¬5) قال الرضي: "مبني على مذهب سيبويه، وذلك لأنه يخبر عنده بمعرفة عن نكرة مضمنة استفهاما أو نكرة هي أفعل تفضيل مقدم على خبره، والجملة صفة لما قبلها نحو: مررت برجل أفضل منه أنوه. وغير سيبويه على أن مثل هذين خبران مقدمان". شرح الكافية1/ 97.

[إملاء 90] [معنى الفعل الماضي]

زيد؟ من عمرو؟ لأنهما معرفتان، فوجب أن يكون السابق هو المبتدأ كقولك: أزيد أبوك؟ وقد يتخيل أنه خبر لضرورة الاستفهام لوجهين (¬1): أحدهما: أن قولك: من زيد؟ معناه النجار أم الخياط، فقد وقع "من" موقع الحكم، والحكم خبر، فما يقع موقعه خبر. والثاني: ما فيها من الإبهام وعدم التعيين، إذ هو صالح لكل واحد ممن يصلح أن يكون أبا على سبيل البدل، فكان كرجل. والأول فاسد من وجهين (¬2): أحدهما: أنه ليس بمثابة ما ذكره من الأحكام، بل لو أجابه بكنية أو لقب لكان مجيبا على المطابقة. ولو سلم ما ذكر فالصحيح أنه لو صرح بالحكم فقيل: الضارب زيد، لكان الضارب هو المبتدأ، فهذا أجدر. وأما الثاني: فغير مستقيم لأن الإبهام الذي في "من " إنما نشأ من قبل الاستفهام الذي فيه، لا من حيث كونه نكرة. ألا برى أنه بمعنى قولك: أزيد أبوك أم عمرو أم خالد؟ فتطرق الإبهام في هذه المسميات على المتكلم لا يوجب لها تنكيرا، فكذلك هذا. وجواب خذه الأسماء بالمعرفة مما يحقق كونها معرفة. كما أن جوابها بالأسماء مما يحقق كونها أسماء بالاتفاق، وهي بمعنى: أي الرجال، وأي الرجال: معرفة بالاتفاق، فكذلك هذا. [إملاء 90] [معنى الفعل الماضي] وقال رحمه الله: قولنا (¬3): " الماضي ما جل على زمان قبل زمانك" أي: ¬

_ (¬1) في ب، د: من وجهين. (¬2) ذكر ابن الحاجب أحد هذين الوجهين، ولم يذكر الآخر. (¬3) الكافية ص16.

[إملاء 91] [إيراد على موضع من مواضع وجوب بقديم الخبر والجواب عنه]

الماضي المجرد من القرائن في أصل وضعه. فإن قولنا: إن قام زيد قمت، هو ماض في الفظ. وقولنا: لم يقم، ماض معنى. فإنك لو أخذت "يقم" (¬1) عريا عن القرائن لم يدل على ماض أصلا. [إملاء 91] [إيراد على موضع من مواضع وجوب بقديم الخبر والجواب عنه] وقال وقد أورد بعض الأصحاب على قوله في. المقدمة (¬2): "وإذا تضمن الخبر المفرد ماله صدر الكلام مثل: أين زيد؟ " وكيف عمرو؟ وشبهه. فقال: معكم أمران، مل واحد منهما يقتضي التقديم، فلم ترجح أحدهما دون الآخر؟ فأجيب بأن المبتدأ وإن كان أصله التقديم إلا أنه على سبيل الجواز ما لم يكن مشتملا على ما يقتضي وجوب تقديمه. وأما هذا وما أشبهه فيقتضي التقديم وجوبا، والواجب مقدم على غير الواجب. [إملاء 92] [إيراد على حد المعرب والجواب عنه] وقال ممليا: إذا أورد على قولنا في المقدمة في حد المعرب (¬3) "أي"، فإنها أشبهت مبني الأصل وهي معربة (¬4). فجوابه: أن "أيا" لما كانت ¬

_ (¬1) في س: يقوم. والصحيح ما أثبتناه. (¬2) الكافية ص4. (¬3) الكافية ص2. (¬4) إلا إذا كانت موصولة وحذف صدر صلتها وكان ضميرا، فتبنى على الضم وهذا مذهب سيبويه، انظر الكتاب1/ 397. قال الرضي: " صلتها إما اسمية أو فعلية. والفعلية لا يحذف منها شيء فلا تبنى (أي) معها. والاسمية قد يحذف صدرها أعني المبتدأ بشرط أن يكون ضميرا راجعا إلى (أي). فلا يحذف المبتدأ في نحو: اضرب أيهم غلامه قائم وأيهم زيد غلامه". شرح الكافية 2/ 57. ويفهم من كلام سيبويه أن الإعراب مع حذف الصدر لغة جيدة. الكتاب 2/ 399. ومذهب الخليل ويونس والكوفيين أنهاه معربة مطلقا، وتمسكوا بقراءة نصب: "أي" في قوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد} وهي قراءة هارون القارئ. انظر مشكل إعراب القرآن 2/ 458.

[إملاء 93] [إيراد على حد الحرف والجواب عنه]

مضافة والإضافة من خواص الأسماء قابلت ذلك الشبه، فرجع الاسم إلى أصله في الإعراب، إذ أصله ذلك على ما قرر. [إملاء 93] [إيراد على حد الحرف والجواب عنه] وقال ممليا: إذا أورد على قولنه في حد الحرف (¬1): " ما دل على معنى في غيره" الأسماء المشتركة (¬2) فإنه لا يفهم مدلولها إلا بالقرينة، وكذلك الحرف فإنه لا يفهم معناه إلا بذكر متعلقه معه. فجوابه: أن الأسماء المشتركة ليس من شرط استعمالها لفظ آخر يقترن بها، بل قد يكون قصد المتكلم الإبهام. ومن ثم يجيء كثير من المشتركات يجوز فيها الأمران، أعني كل واحد من مدلوليها، كقوله تعالى: {ثلاثة قروء} (¬3). وليس كذلك في الحرف، فإنه لا يستقيم أن نقول: خرجت من. [إملاء 94] [إيراد على حد العطف والجواب عنه] وقال ممليا على قوله (¬4): " العطف تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد ¬

_ (¬1) الكافية ص19. (¬2) أي: الأسماء التي لها أكثر من مدلول نحو: عين. (¬3) البقرة: 228. والقرء: الطهر والحيض. اللسان (قرأ). (¬4) الكافية ص10. وعبارتها: " العطف تابع مقصود بالنسبة مع متبوعه يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة". وهذه الحروف هي: الواو، والفاء، وثم، وحتى، وأو، وأم، ويل، ولكن، ولا، وليس.

[إملاء 95] [معنى المفرد في قوله: الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد]

الحروف العشرة": وهذا يرد عليه: جاء زيد العالم والعاقل، فإنه تابع توسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة، وليس بعطف في التحقيق وإنما هو باق على ما كان عليه في الوضعية. وإنما حسن دخول حرف العطف لنوع من الشبه بالمعطوف ولما بينهما من التغاير. [إملاء 95] [معنى المفرد في قوله: الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد] وقال ممليا: المفرد يطلق باعتبارات ثلاثة في قولنا (¬1): " الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد": المفرد ضد الموكب، والمفرد ضد المضاف، والمفرد ضد المثنى والمجموع. فقولنا: " لفظ وضع لمعنى مفرد"، المراد به ههنا ضد المركب، والمراد بالمركب كلمتان فصاعدا أسندت إحداهما إلى الأخرى إسنادا يفيد المخاطب ما لم يكن عنده في ظن المتكلم. فإذا ورد على قولنا: مفرد، قام وشبهه، فإنه لفظة تدل على معنى مركب وهو الحدث والزمان، فصار بمثابة قولك: قام زيد، في الدلالة على التركيب، فقد بطل حد الكلمة. فجوابه ما قيدنا به قولنا: إن المفرد المراد به ههنا ضد المركب، وقد فسرنا المركب، فعلى هذا "قام" داخلة في الحد، وكذلك: غلام زيد، وكذلك: بعلبك، وكذلك: الزيدان والزيدون، وما أشبه ذلك. ¬

_ (¬1) الكافية ص2.

[إملاء 96] [الفعل المتعدي قد لا يحتاج إلى مفعول به]

[إملاء 96] [الفعل المتعدي قد لا يحتاج إلى مفعول به] قوله (¬1): "وهو في غير الموجب ليفيد". قال ممليا [بدمشق سنة ست وعشرين وستمائة] (¬2):أي: تحصل عنه الإفادة، ولم يحتج إلى ذكر مفعول لأنه خرج مخرج قولهم: فلان يعطي ويمنع، وفلان جاد وأفاد. والمعنى: حصل منه الإعطاء والمنع والإفادة والجود. ومن ثم لم يحتج إلى ذكر مفعول به لا ملفوظا به ولا مقدرا. [إملاء 97] [عدم جواز استعمال "من" تامة وصفة] قوله (¬3): " ومن كذلك إلا في التمام والصفة". يعني: أنها لا تستعمل تامة كاستعمالهم "ما" في مثل قوله: {فنعما هي} (¬4). ولا تستعمل صفة في مثل قولهم: اضربه ضربا ما، ولم يرد أنها لا تكون [موصوفة] (¬5) فإنهما تكونان ¬

_ (¬1) الكافية ص8. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) الكافية ص 12. (¬4) البقرة: 271. قال الزمخشري: (ما) في: نعما، نكرة غير موصولة ولا موصوفة" الكشاف1/ 397. (¬5) زيادة من عندي حتى يستقيم الكلام.

موصوفتين على ما ذكر في " في" (¬1). والله أعلم بالصواب (¬2). * * * ¬

_ (¬1) معنى كلامه: أن (من) تأتي موصولة واستفهامية وشرطية وموصوفة ك " ما" ولا تأتي تامة. أي: نكرة غير موصوفة، ولا صفة. ونقل الرضي عن أبي علي أنه جوز كونها نكرة غير موصوفة، أي: تامة. انظر شرح الكافية2/ 55. (¬2) بعدها في نسخة الأصل: هذا آخر ما أملاه على المقدمة مفرقا بالقاهرة وبالقدس وبدمشق. فرغ من نسخه عبد الرحمن بت يحيى بن عمر التبريزي المذهبي. غفر الله له ولوالديه ظهيرة يوم الثلاثاء 9المحرم المبارك لسنة اثنتين وثمانين وستمائة في مدينة دمشق المحروسة. حامدا مصليا مسلما مستغفرا. .

ما يتعلق بالأبيات من هذه الأمالي

ما يتعلق بالأبيات من هذه الأمالي

[إملاء 1] [توجيه إعراب كلمة في بيت للمتنبي]

[إملاء 1] [توجيه إعراب كلمة في بيت للمتنبي] بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين. نذكر في هذه الأوراق أبياتا جرت بحضرة الشيخ الإمام السعيد العلامة جمال الدين أبي عمرو بن الحاجب، فتكلم على معانيها وإعرابها من شعر العرب والمتنبي وغيرهما من الشعراء. فمن ذلك إملاؤه على قول المتنبي: ولو قلما ألقيت في شق رأسه ... من السقم ما غيرت من خط كاتب (¬1) قال بدمشق سنة تسع عشرة وستمائة: يروى بالرفع والنصب (¬2)، ولكل وجه. ولكن النصب هو الوجه، لأن [لو] (¬3) ههنا حرف شرط يقتضي الفعل ¬

_ (¬1) البيت من البحر الطويل. وهو من قصيدة قالها في مدح أبي القاسم طاهر بن الحسين العلوي. انظر ديوان أبي الطيب التنبي بشرح أبي البقاء العكبري، المسمى بالتبيان في شرح الديوان1/ 149 (ضبطه وصححه ووضع فهارسه مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري، عبد الحفيظ شلبي). ورواية الديوان: ولو قلم. والبيت من شواهد مغني اللبيب 1/ 297 (دمشق). يقول: لشدة ضعفي نحلت حتى لم يبق لي جثمان، فلو ألقيت في شق قلم، لم يتغير بي خط كاتب. وهذا من مبالغات الشعراء. (¬2) أي: قوله: قلما. (¬3) زيادة من ب، د.

لازما مثل "إن". كما يجب في مثل قولك: إن زيدا تضرب غلامه اضربه، النصب فكذلك ههنا. وهو من باب ما اشتغل فيه الفعل عن المفعول بضميره (¬1). وإنما جاء وهم الرفع عند قائله من جهتين: منها: أنه لم يعد الفعل المفسر إلا بحرف الجر، ولم يدخل على المضمر العائد على الأول إلا بواسطتين. ومنها: وهو أظهرها إيهاما أنه جاء على صيغة ما لم يسم فأعله، فتوهم أنه مثل قولك: لو زيد ذهب به لكان كذا. أما كونه لم يعد بنفسه فليس بشيء، إذ لا فرق بين قولك في وجوب نصب: إن زيدا ضربته، وإن زيدا مررت به. وأما كونه لم يدخل على المضمر إلا بواسطتين فغير معتبر أيضا، وإنما المعتبر وجود الضمير معدى إليه الفعل، أو إلى ما يتعلق به بنفسه أو بواسطة حرف الجر. ألا ترى أنه لا فرق بين قولك: إن زيدا ضربته وإن زيدا ضربت غلامه. وأنما يجيء اللبس عند الضعفاء من جهة فهمهم أنه يقدر مثل ذلك الفعل كقولك: زيدا ضربته، أو ما في معناه من كل وجه كقولك: زيدا مررت به، لإمكان: جاوزت زيدا. وليس الأمر كما توهموه بل يقدر مثل الفعل إن أمكن، أو ما (¬2) في معناه من كل وجه إن تعذر نفس الفعل، أو الملابسة إن تعذر الأمران مثل هذه المسألة التي نحن فيها وأشباهها. وأما كونه جاء على ما لم يسم فاعله فليس بمستند، إذ لا فرق بين نصب: الدرهم أعطيتكه، وبين نصب: الدرهم أعطيته. وإنما المعتبر كون الفعل معدى إليه تعدي الناصب، وليس: زيد ذهب به، مثله لأن الفعل لم ¬

_ (¬1) يجب النصب إذا وقع الاسم بعد ما يختص بالفعل، كأداة التحضيض نحو: هلا زيدا أكرمته. وأدوات الاستفهام غير الهمزة، وأدوات الشرط نحو: هل زيدا رأيته؟ وحيثما زيدا ألقيته فأكرمه. إلا أن هذين النوعين الأخيرين لا يقع الاشتغال بعدهما إلا في الشعر. (¬2) ما: سقطت من ب.

يعد إليه تعدي الناصب، لأن الجار والمجرور في موضع رفع، فوجب الرفع لذلك. إذ شرط النصب كون الفعل معدى إلى المضمر أو إلى ما يتعلق به تعدي الناصب. نعم لو قلت: الثوب كسيته، لجاء جواز النصب. فكل موضع يجوز النصب فيه إذا طرأ فيه ما يوجب الفعل وجب النصب، فتبين أن النصب واجب في قوله: ولو قلما، على بقدير: ولو لابست قلما ألقيت في شق رأسه. ولو قيل: ولو قلم ألقي به وشبهه، لوجب الرفع، وكان مثل قولك: زيد ذهب به، لما تقدم من أن تعلق بما يتعلق بالضمير على غير وجه تعدي الناصب. ولو قيل: إنه ليس من هذا الباب، وإنما هو من باب ما حذف منه فعله لكثرته في الكلام كقولهم: ائتني بدابة ولو حمار، وشبهه. فيكون التقدير: ولو كان قلم، ويكون "ألقيت" في موضع رفع صفة لـ "قلم لا أنه جيء به لتفسير فعل محذوف، كأنه قيل: ولو كان قلم أنا ملقي قي شق رأسه لما غير (¬1). إلا أنه ليس بالكثير ولا بالظاهر في هذا، ولأن المفهوم من القائل: لو ألقيت في شق القلم، لا: لو كان قلم. وقوله: من السقم، متعلق بـ "ألقيت"، لا بـ "غيرت" وإن (¬2) كان المعنى يقوي "غيرت" لو ساعد الأمر اللفظي عليه. وعلى أن المعنى في تعلقه بـ " ألقيت" مستقيم. أما كونه لا يصح تعلقه بـ " غيرت" فلأن ما في حيز جواب الشرط لا يتقدم على الجواب. كما أن ما في حيز الشرط لا يتقدم عليه باتفاق. ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: إن تضربني في الدار أحسنت إليك، على أن يكون " في الدار" متعلق بـ "أحسنت" بل تحكم قطعا بأنه متعلق بـ " تضربني" ¬

_ (¬1) قال ابن هشام: " والرفع بتقدير فعل دل عليه المعنى، أي: ولو حصل قلم، أي: ولو لوبس قلم ". مغني اللبيب1/ 298 (دمشق). (¬2) في الأصل: فإن. والصواب ما أثبتناه، لأن الفاء لا تصلح في مثله.

[إملاء 2] [معنى وإعراب بيت للمتنبي]

فكذلك هذا. على أن ثم مانعا آخر وهو أن ما في حيز التفي لا يتقدم عليه، إلا أنه لا ينبغي أن يستمسك به ههنا لما وقع من الخلاف في مثله لتقدم الظروف عليه لاتساعهم فيها (¬1). وأما بيان أن المعنى يستقيم بتعلقه بـ " ألقيت" فمن جهة صحة تعليله به، لأن إلقاءه فيه إنما صح من أجل السقم الذي هو عليه، ولولا ذلك لم يمكن باعتبار الطريق الذي يقصده الشعراء في استعمال الأوهام. وجواب " لو" قوله: ما غيرت، واللام محذوفة (¬2)، وحذفها سائغ فصيح في القرآن والشعر، كقوله تعالى: {لو نشاء جعلناه أجاجا} (¬3). وقوله: من خط كاتب، مبالغة من وجهين: أنه أتى بـ " من" المشعرة بالتبعيض، كأنه قال: ما غيرت شيئا أصلا، أو بـ " من" الزائدة للتأكيد، وهي تقتضي تقوية ذلك المعنى. والثاني: أنه أتى بـ " كاتب" نكرة ليفيد التعميم في كل خط لكل كاتب، وهو أبلغ من أن يكون مختصا فيهما أو في أحدهما. [إملاء 2] [معنى وإعراب بيت للمتنبي] وقال ممليا على قول المتنبي [في سنة تسع عشرة] (¬4): وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه (¬5) ¬

_ (¬1) انظر الإملاء (4) من الأمالي القرآنية ص: 114. وإعراب القرآن المنسوب للزجاج 1/ 296 (¬2) جواب (لو) إما مضارع منفي بلم، أو ماض مثبت، أو منفي بما. والغالب على الثبت دخول اللام عليه، والغالب على النفي تجرده منها. انظر مغني اللبيب 1/ 301 (دمشق). (¬3) الواقعة: 70. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) البيت من البحر الطويل. وهو مطلع قصيدة قالها في مدح سيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله العدوي. انظر الديوان3/ 325. وهو من شواهد الخصائص 2/ 403. وأمالي ابن الشجري 1/ 193. والمعني2/ 596 (دمشق). الطاسم: الدارس. والساجم: السائل. وأشجاه: أحزنه.

الظاهر أنه أراد أن يخبر عن " وفاؤكما" بقوله: بأن تسعدا. أي: وفاؤكما حاصل بأن تسعدا. وقوله: كالربع، مقدم، والمراد به التأخير، متعلق إما بما تعلق به " بأن تسعدا" أي: حاصل بإسعادكما مثل حصول وفاء الربع بإسعاده بالشجا بسبب الطسم، وإما متعلق بالإسعاد، أي: وفاؤكما حاصل بإسعادكما إسعادا مثل إسعاد الربع بما ذكر، وإما بوفائكما وفاء مثل وفاء الربع بالطسم المعين على الشجا حاصل بأن تسعدا. وإما متعلق بمحذوف، على أن يكون خبر مبتدأ، أي: هو كالربع، إما إضمارا للوفاء، وأما إضمارا للاسعاد، وإما إضمارا للمخاطبين (¬1). وما ذكره ابن جني في معناه عن المتنبي يشعر بأن الباء وما في حيزها في قوله: بأن تسعدا، وهو الخبر عن " وفاؤكما" (¬2). ويجوز أن يكون قوله: كالربع، خبر المبتدأ الذي هو " وفاؤكما"، وقوله: بأن تسعدا، متعلق بـ " وفاؤكما" (¬3)، أي: وفاؤكما بالإسعاد مشبه للربع في وفائه بالطسم المعين على الشجا. ¬

_ (¬1) قال ابن سيده. والباء في (بأن تسعدا) متعلقة بمحذوف، أي: وفاؤكما بالإسعاد، ولا تكون متعلقة بـ (وفاؤكما) الأولى. انظر: المشكل من شعر المتنبي ص57 (تحقيق الأستاذ مصطفى السقا، الدكتور حامد عبد المجيد). (¬2) انظر الخصائص2/ 403. (¬3) ويروى أن ابن جني سأل المتنبي عن إعرابه فذكر له هذا الإعراب قال ابن المرشد سليمان بن علي المعري: " قال ابن جني: كلمته وقت القراءة في إعراب هذا البيت. فقلت له: الباء في (بأن) بأي شيء تتعلق؟ فقال بالمصدر الذي هو (وفاؤكما). فقلت له: فيم رفعت (وفاؤكما)؟ فقال: بالابتداء. فقلت له: فأين خبره؟ فقال: كالربع. فقلت له: هل يصح أن يخبر عن اسم قبل تمامه وقد بقيت منه بقية وهي الباء؟ فقال: هذا لا أدري ما هو إلا أنه جاء في الشعر له نظائر". انظر: تفسير أبيات المعاني من شعر أبي الطيب المتنبي ص 223 (تحقيق الدكتور مجاهد محمد محمود الصواف والدكتور محسن غياض عجيل).

[إملاء 3] [معنى وإعراب بيت للمتنبي]

وقوله: أشجاه طاسمه، تقرير للمعنى الذي يكون به الربع معينا على الإسعاد وهو الاخبار عن كونه مشجيا إذا كان طاسما. وكلها تعسفات لما يلزم من تقديم متعلق المصدر عليه أو الفصل بين المبتدأ وخبره (¬1) بالأجنبي الذي هو: كالربع، على تأويل: أو أشجاه طاسمه، على كل تأويل. وقوله: والدمع أشفاه ساجمه، مما يقوي هذا المعنى، ويقرر أنه أراد بالإسعاد ما يعين على البكاء والشجا، فلذلك جعل غزارة الدمع شافية، فيقوي أن يكون المعنى بقوله عن الربع: أشجاه طاسمه، تقرير أن طسمه مسعد لكونه يؤدي إلى الشجا المتضمن لغزارة الدمع التي جعلها شافية، ولا إسعاد أبلغ مما يؤدي إلى الشفاء، وهذا يضعف من يزعم أن قوله: كالربع، خبر المبتدأ (¬2)، على معنى أنه أهبر عن وفائهما بالإسعاد، أنه مثل الربع في دثوره وذهابه، أي: بعيد منكما داثر مبك لدثوره وعدمه كالربع في دثوره وإبكائه (¬3). [إملاء 3] [معنى وإعراب بيت للمتنبي] وقال أيضا ممليا على قول المتنبي [بدمشق سنة عشرين] (¬4): جللا كما بي فليك التبريح ... أغذاء ذا الرشا الأغن الشيح (¬5)؟ ¬

_ (¬1) في م: والخبر. (¬2) وهو ما نص عليه أبو البقاء. الديوان3/ 325. (¬3) قال ابن هشام: " ومعنى البيت: وفاؤكما ياصاحبي بما وعدتماني به من الإسعاد بالبكاء عند ربع الأحبة إنما يسليني إذا كان بدمع ساجم، أي: هامل، كما أن الربع إنما يكون أبعث على الحزن إذا كان دارسا". مغني اللبيب 2/ 597 (دمشق). (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) البيت من البحر الكامل. وهو مطلع قصيدة يمدح فيها مساور بن محمد الرومي: انظرالديوان1/ 243. التبريح: الشدة. الرشأ: ولد الظبية. الأغن: الذي في صوته غنة. الشيح: نوع من النبات يتخذ من بعضه المكانس، وهو من الأمرار، له رائحة طيبة وطعمه مر، وهو مرعى الخيل والنعم، ومنابته القيعان. اللسان (شيح).

الجلل من الأضداد للعظيم والحقير، ويعلم أنه ههنا للعظيم (¬1) في قصده بالقرينة، وهو منصوب على أنه خبر لـ " كان" قدم، و" كما" في موضع نصب خبرا بعد خبرا، أو نصبا على المصدر بقوله: جللا، أي: عظيما عظمة مثل عظمة (¬2) ما بي. وحذف النون من " يكن" ضرورة لأنها في موضع تحريك (¬3). وإنما يحسن حذفها إذا لم تكن كذلك كقولك: لم يك زيد قائما أما مثل: لم يكن الذين، فالحذف فيه ضعيف. ووجهه: أن الأصل السكون فحذفت لذلك، ولأن مجيء ما بعدها مما أوجب حركتها إنما كان بعد تحقق حذفها فبقيت على ما كان جائزا فيها. واللام في قوله: فليك، لام الأمر سكنت لاتصال الفاء بها وهو فصيح (¬4). وتقديم الخبر في مثل ذلك ليس بالقوي وإن كان جائزا من جهة أن الجملة تضمنت لام الأمر وهي تقتضي صدر الكلام كما تقتضيه " لا" في النهي، و" ما"، وهمزة الاستفهام، وحروف التحضيض وما أشبه ذلك. فكان القياس أن لا يجوز كما لم يجز في بقية الأبواب. فلا يقال: زيدا ما ضربت، ولا ¬

_ (¬1) في م: للتعظيم. وهو تحريف. (¬2) مثل عظمة: سقطت من د. (¬3) قال أبو البقاء: " فكان ينبغي أن لا يحذفها لكنه لم يعتد بالحركة في النون، لما كانت غير لازمة ضرورة". الديوان1/ 343. (¬4) قال ابن هشام: " وحركتها الكسر، وسليم تفتحها، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها" مغني اللبيب 1/ 245 (دمشق). وقال الرضي: " وهي مكسورة وفتحها لغة، وقد تسكن بعد الواو والفاء وثم. وهو مع الفاء والواو أكثر لكون اتصالهما بما بعدهما أشد لكونهما على حرف واحد، فصار الفاء والواو مع اللام بعدهما ككلمة وعلى وزن فخذ وكتف فتخفف بحذف الكسر. وأما ثم فمحمول عليهما لكونها حرف عليهما لكونها حرف عطف مثلهما" شرح الكافية 2/ 252.

عمرا لا تقتل، ولكنه جاز فيه لما كان الأمر أكثره بصيغة الأمر الموضوعة له من غير حرف، فنزلوها منزلة الفعل الماضي والمضارع لما تجردت عن الحرف وكانت بنفسها هي الدالة على المعنى الذي دل عليه الحرف، ولذلك جاز: زيدا (¬1) ليضربه عمرو، ولم يجز: زيدا ما ضربه عمرو، لأنه يشترط في المنصوب المشتغل عنه الفعل بضميره صحة عمله فيه متقدما لو علق به. وأما إدخال الفاء في قوله: فليك: فللإشارة إلى أنه قد تقدم ما يرشد إلى المتقضي لهذا الأمر من أن يكون التبريح عظيما، تنبيها على عظم محبوبه وكونه في الغاية القصوى التي لا ينبغي أن يكون الحب له إلا كذلك، كقولك لمن تأمرو بالسفر بعد أن تقدم ما يرشد إلى مصلحة وقوعه: فسافر. ومثله: {ففروا إلى الله} (¬2)، {فسبحان الله} (¬3). والأمر بالتبريح لفظا، والمراد أصحابه، تنزيلا للمسبب منزلة السبب. والمراد: أمر أصحابه بتعظيم الحب الذي هو سبب لتعظيم التبريح، فيزل التبريح تلك المنزلة كقولك: لتكن الجنة مأواك، وإنما تريد أن تأمره بحسن العمل الذي هو سبب لكون الجنة مأواك (¬4). وقوله: أغذاء ذا الرشأ الأغن الشيح؟ من جملة ما يعاب عليه في شعره. وقد روي أنه سئل عنه على وجه التعيير له فلم يجب بشيء. ووجهه أنه لما ذكر أن تبريحه عظيم، وأمر غيره بمثله دل ذلك على عظم محبوبه، فقصد إلى ذكرة ¬

_ (¬1) في الأصل: زيد. والنصب أرجح لأن الفعل طلبي. (¬2) الذاريات:50. (¬3) الأنبياء: 22. (¬4) هكذا في جميع النسخ والصواب مأواه.

[إملاء 4] [معنى بيت للمتنبي]

التنبيه عليه بالإشارة، وأنه مشبه للرشأ حتى يشك رائيه في أنه من جنسه حقيقة، فيستفهم: أغذاؤه كغذائه حقيقة أم لا؟ أو يكون الاستفهام على سبيل الإنكار، أي: أن هذا الرشأ الذي بلغ هذا المبلغ في الحسن لا يكون كغيره مما يأكل الشيح وغيره (¬1). وهي جملة من مبتدأ وخبر. و "ذا" في موضع خفض بالإضافة إليه، و "الرشأ الأغن" صفة لـ " ذا". [إملاء 4] [معنى بيت للمتنبي] وقال أيضا ممليا على قول المتنبي [بدمشق سنة إحدى وعشرين] (¬2): منافعها ما ضرر في نفع غيرها ... تغذى وتروى أن تجوع وأن تظما (¬3) الظاهر أنه أراد أن هذه المرأة الممدوحة ينفعها ما يضر غيرها من الأمور الدنيوية لقلة اهتبالها بها واشتغالها بما ينفعها مما يعود عليها بالثناء في الدنيا والثوال في الآخرة. فغيرها يضره أن يجوع وأن يظمأ لا شتغاله بهذه اللذات الدنيوية وانشغاله بها. وهي لشرفها غذاؤها وريها جوعها وعطشها. أي: يقوم الجوع والعطش عند اشتغالها بما يهمها مقام الغذاء والري عند المهتبلين بأمر دنياهم (¬4). ¬

_ (¬1) قال أبو البقاء: " وكأن أبا الطيب قال: ليكن تبريح الهوى عظيما مثل ما حل بي، أتظنون من فعل بي هذا الفع غذاؤه الشيح، ما غذاؤه إلا قلوب العشاق". الديوان1/ 244. (¬2) زيادة من ب، د س. (¬3) البيت من البحر الطويل. وهو من قصيدة قالها يرثى فيها جدته لأمه. انظر الديوان4/ 103. (¬4) قال ابن سيده: " أي: أن ضرها لنفسها منقعة لها إذا جر ذلك نفعا لغيرها تغوثا بالمجد واحتساب الأجر". المشكل من شعر المتنبي ص110.

[إملاء 5] [توهم المتنبي أن " ما" تقع للتشبيه]

وقوله: تغذى وتروى، فعلان مضارعن، أي: يحصل لها ما يقوم مقام ذلك بأن تجوع وأن تظمأ، فحذف الباء من " أن" وذلك جائز. ويجوز أن يكون معناه: أنه ينفعها ما يضرها لكونه ينفع غيرها، فتشتغل في نفع غيرها بما يضرها وترى أنه نفع لها لإيصالها الراحة لغيرها. أي: تسعى في منافع الناس وإن كان ذاك يضؤ بها. ثم أوضح بأن قال شيئا كالمثال وهو أنها ترى أن جوعها وظمأها إذا كان بسبب سعيها غذاء وري. وهو من أبياته الضعيفة المعنى. [إملاء 5] [توهم المتنبي أن " ما" تقع للتشبيه] وقال ممليا على قول المتنبي [بدمشق سنة إحدى وعشرين] (¬1): أمط عنك تشبيهي بما وكأنما ... فما أحد فوقي ولا أحد مثلي (¬2) الظاهر أن قوله: بما، يتعلق بـ " تشبيهي"، فيلزم أن تكون "ما" للتشبيه مثل " كأنما". ولعله توهم أن " ما" في قولهم: ما أشبهه بكذا، للتشبيه مثل " ما" في قولهم: كأنما هو كذا. وليس المر على ما توهم. ولا تعرف " ما" للتشبيه، وما ذكرته مما توهمه غلط محض (¬3). فإن التشبيه إنما فهم من لفظ " أشبه"، ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) البيت من الطويل وهو من قصيدة قالها في صباه. انظر الديوان 3/ 161 وفيه: وكأنه، بدلا من: وكأنما. (¬3) قال ابن سيدة: " (ما) ليست بلفظة تشبيه بمنزلة (كأن). وإنما استجازها في البشبيه لأنه وضع الأمر على أن قائلا قال: ما يشبه؟ فقال له المسؤول: كأنه الأسد، كأنه السيف. فكأن هذه التي للمسؤول إنما سببها (ما) التي للسائل، فجاء هو بالسبب والمسبب جميعا، وذلك لا صطحابهما. وقد يجوز أن تكون (ما) هنا بمعنى الجحد، فجعلها اسما وأدخل الحرف عليها، كأنه سمع قائلا يقول: ما هو إلا الأسد، وفي هذا معنى التشبيه، أي: مثل الأسد". انظر: المشكل من شعر المتنبي ص38.

[إملاء 6] [معنى وإعراب بيت للمتنبي]

و" ما" للتعجب (¬1) لا للتشبيه. وهذا من أبياته التي يتجرأ على مثلها من غير روية وتمييز. ثم أتم البيت بما يقرر معنى نفي تشبيهه بفوله: فما أحد مثلي. يعني: إنما يشبه بالشيء إ ... ذا كان دونه أو مثله. وإذا كان الشيء لا شيء فوقه ولا شيء مثله امتنع تشبيهه (¬2). [إملاء 6] [معنى وإعراب بيت للمتنبي] وقال أيضا ممليا على قول المنتبي [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬3): أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا ... والبين جار على ضعفي وما عدلا (¬4) يجوز أن يكون " أحيا" فعلا مضارعا حذف منه همزة الاستفهام للإنكار. وبقديره: أأحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا؟ أي: كيف أحيا وهذه حالي؟ فيكون قوله: وأيسر ما قاسيت، جملة في موضع الحال، أو جملة معطوفة قرر بها الجهة التى من أجلها أنكر الحياة ونفاها. لأنه إذا كان أيسر ما لقيه قاتلا، كان غير حي. ¬

_ (¬1) ونقل أبو البقاء عن الربعي عن النتنبي أنه أراد هذا المعنى. الديوان 3/ 161. (¬2) قال أبو البقاء في معناه: "يقول: لا تشبهني بأحد، ولا تقل: كأنه وما مثله، فأنا ما فوقي أحد، فلا تشبهني بشيء" الديوان 3|161. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) هذا البيت من البسيط وهو مطلع قصيدة يمدح فيها سعيد بن عبد الله بن الحسين الكلابي. انظر الديوان 3|162 هو من شواهد المعني 1/ 7 (دمشق)، وأمالي ابن الشجري 1/ 230.

ويجوز أن يكون " أحيا" من باب أفعل التفضيل حذف المضاف إليه استغناء عنه بما عطف عليه مما شرك بينه وبينه فيه. كأنه قال: أحيا ما قاسيت وأيسر ما قاسيت، فحذف المضاف إليه من الأول استغناء عنه بالثاني، أو حذف المضاف إليه من الثاني استغناء عنه بالأول، ثم أخر ليعتمد الناني عليه من حيث اللفظ كما في قولك: نصف وربع درهم، وكقوله: إلا علالة أوبداهة سابح (¬1) ويكون مبتدأ، خبره " ما قتلا" إن كانت " ما" في: ما قاسيت، بمعنى الذي على القول بأن أفعل التفضيل يكتسب التعريف بالإضافة (¬2)، وعلى القول بأن المعرفة تتعين بتقدمها للابتداء وإن كانت مشتقة. أو يكون خبرا مقدما على القول بأن أفعل التفضيل لا يكتسب تعريفا بالإضافة، وعلى القول بأن المشتق يتعين للخبر وإن كان معرفة ومقدما. فإن كانت " ما" بمعنى شيء فخبر مبتدأ باتفاق. وأما " أحيا" باعتبار المعنى فيجوز أن يكون مأخوذا من: حيي الشيء، إذا كانت فيه حياة. كأنه قال: أظهر شيء فيه حياة مما قاسيته يقتل. ويجوز أن ¬

_ (¬1) البيت بتمامه: إلا ... علالة ... أو ... بداهة ... قارح ... نهد ... الجزارة وهو من مجزوء الكامل وقائله الأعش. انظئ ديوانه ص159 (تحقيق الدكتور محمد حسين). والبيت من شواهد سيبويه1/ 179. والمقتضب4/ 228. والخصائص 2/ 407. البداهة: أول جري الفرس، والعلالة: جرى بعد جريه الأول، والقارح: من الخيل الذي بلغ أقصى أسنانه، والجزارة: الرأس والقوائم. والنهد: العظيم. والشاهد فيه الفصل بين المضاف والمضاف إليه باسم يقتضي الإضافة أيضا وهو (بداهة). فأنزلا منزلة اسم واحد مضاف. (¬2) قال سيبويه: " وإنما أثبتوا الألف واللام في قولهم: أفضل الناس، لأن الأول قد يصير به معرفة". الكتاب 1/ 204.

[إملاء 7] [معنى وإعراب بيت للمتنبي]

يكون مبنيا من: أحييته، إذا جعلته حيا، كأنه قال: أظهر شيء يحيى مما قاسيته يقتل، والمقصود يحصل من المعنيين جميعا. وأما قوله: والبين جاؤ على ضعفي، فمبتدأ خبره " جار"، وهو يقوي الوجه الثاني، لأن الوجه الأول الذي أنكر فيه كونه حيا لا يحسن أن يذكر بعده أن البين جار على ضعفه. وبالتقدير الثاني لا يلزم ذلك، لأنه لم يتعرض إلا لشدة ما قاسى، وأن غيره يهلك. بأقله، لا أنه هلك. وإنما أشار فيه إلى صبره وقوته على ما لقيه. [إملاء 7] [معنى وإعراب بيت للمتنبي] وقال ممليا على قول المتنبي [بدمشق] (¬1): أمن ازديارك في الدجى الرقباء ... إذ حيث كنت من الظلام ضياء (¬2) معناه: أن الرقباء حكموا بانتفاء ما يخافونه من حصول زيارتك في الدجى لما اشتملت عليه من النور الذي يظهر زوارك لو زاروك، فهم يمتنعون من زيارتك لذلك، كما يمتنعون من زيارتك في النهار، فأمنوا لذلك (¬3). وإعرابه: أمن: فعل ماض، ومعناه: حصول المعنى المنافي للخوف أو عدم الخوف. يقال: أمنت كذا، إذا لم تخش منه، وإن كان واقعا. وأمنت ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) البيت من البحر الكامل وهو مطلع قصيدة قالها في مده أبي علي هارون بن عبد العزيز الأوراجي الكاتب، وكان يذهب إلى التصوف. انظر الديوان1/ 12. (¬3) قال أبوالبقاء في معناه: " يريد أن الرقباء قد أمنوا أن تزريني ليلا لأنك بدل من الضياء في الليل، لأن نورك يزيل الظلمة، كما يزيلها نور الصباح". الديوان1/ 12.

كذا، إذا حكمت بانتفاء وقوعه، وهو مما يخاف على تقدير وقوعه، بمعنى قوله تعالى: {أفأمنوا مكر الله} (¬1). والظاهر أنه أراد المعنى الثاني، وإن كان الأول جائزا أن يقدر، ويكون المعنى: أن الازديار ولو قدر وقوعه لا يخاف منه من أمر يكره لما اشتملت عليه من الضياء المتقدم ذكره. لكنه ليس المعنى المقصود المتداول فيما ييقصده الشعراء في هذا المعنى. وازديار: مقعول بـ: " أمن". يقال: زاره وازداره، والأصل فيه: ازتيره، قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقلبت التاء دالا لوقوعها مع الراي، وعدل إلى " ازدار" لأنه أبلغ في المعنى المقصود. قال سيبويه: افتعل، يكون للتصرف والطلب. وقال: أما كسبت فإنه يقول: أصبت، وأما اكتسبت فإنه للتصرف والطلب (¬2)، وعليه قوله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} (¬3). فأتى بـ " كسبت" في الحسنات، وأتى بـ " اكتسبت" ي السيئات. والمعنى: أن الأتل في الحسنات معتد به ولا يعتد له في السيئات الأقل، ولذلك عدل إلى " اكتسب"، فهو من لطيف المعنى لطفا منه سبحانه ورحمة. و " في الدجى": متعلق بـ " ازديارك" لا بـ " أمن"؛ لأنه لو تعلق بـ " أمن" لكان المعنى بقييد الأمن بزمان الظلام وهم آمنون في كل وقت من زيارتها في الظلام. وإذا تعلق بـ " ازديارك" قيد الزيارة المأمونة بأنها في الظلام وهو المقصود. ولا يقال: إنه يفهم منه أن زيارتها في غير الظلام غير مأمونة. فإنه يجاب عنه: أن ذلك كالمعلوم من باب الأولى. والرقباء: قاعل بـ " أمن"، وهو جمع رقيب كشهيد وشهداء وكريم وكرماء، هو كثير. ¬

_ (¬1) الأعراف: 99. (¬2) قال سيبويه: " وأما كسب فإنه يقول: أصاب. وأما اكتسب فهو التصرف والطلب". الكتاب 4/ 74. (¬3) البقرة: 286.

و" إذ": الظاهر أنه أراد بها التعليل، تقول: ضربتك إذ ضربتني. ومنه قوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم} (¬1)، أي: من أجل ظلمكم، أو لأنكم ظلمتم. ويجوز أن يراد بها الظرف على تأويل سيأتي ذكره. و" حيث": يجوز أن يكون خبر المبتدأ [الذي] (¬2) هو: ضياء أي: إذ الضياء في كل موضع حللت فيه. ويجوز أن يكون مبتدأ على المبالغة. و" ضياء" خبره، أي: إذ المكان الذي تحلين فيه ضياء، أو على تأويل: ذو ضياء. و" كنت": هي كان التامة، أي: وجدت وحصلت. و "من الظلام": يجوز أن يكون متعلقا بمحذوف متعلق بـ "حيث" لبيان الجنس، أي: إذ المواضع التي تحلين فيها التي هي مواضع الظلام. فيقدر حذف مضاف، أو يجعل الظلام كأنه للموضع، أو تجعل الأمكنة كأنها ظلام. ومثل هذا الجار متعلقه صفة لما هو بيان له، أي: إذ الأمكنة التي تحلين بها الحاصلة من مواضع الظلام. ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف متعلق بـ " ضياء"، أي: إذ حيث كنت ضياء من الظلام، أي: حاصل عنه، أي: عوضا منه من قولك ............... (¬3). فيكون صفة لـ "ضياء" في الأصل ثم قدم، فقدر نصبا على الحال. ويجوز أن يكو متعلقا بـ " كنت" لأنها كان " التامة"، أي: إذ حيث حللت من مواضع الظلام ضياء. ويجوز أن تكون " إذ" ظرفا على بابها بدلا من قوله: في الدجة، أي: أمن ¬

_ (¬1) الزخرف: 39. انظر: الإملاء (22) من الأمالي القرآينة، والخصائص3/ 224، والكشاف3/ 489، وإملاء ما من به الرحمن2/ 227، ومغني اللبيب1/ 87 (دمشق). (¬2) زيادة من عندي حتى يستقيم المعنى. (¬3) وجد هذا القدر خاليا في الأصل وفي النسخ الأخرى.

[إملاء 8] [جواب عن إشكال في بيت للمتنبي]

ازديارك في الدجى، في الزمن الذي حيث تحلين فيه من الظلام ضياء. فيجوز أن يكون " من الظلام" على هذا التأويل لبيان " إذ"، أي: في الزمان الذي هو الظلام الذي حيث حللت فيه ضياء. [إملاء 8] [جواب عن إشكال في بيت للمتنبيٍ] وقال ممليا على قول المتنبي [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬1): عجز بحر فاقة ووراءه ... رزق الإله وبابك المفتوح (¬2) وجه الإشكال فيه: أن المعنى على أن يكون " فاقة" مبتدأ و"عجز بحر" الخبر. فيؤدي إلى أن يكون ابتداء بالنكرة من غير شرط من شرائط التصحيح (¬3) وهو غير مستقيم. ولا يستقيم أن يقال: إن " عجز" هو المبتدأ، و"فاقة" هو الهبر، لأنه لم يرد أن العجز بالحر فاقة، وإنما أراد أن الفاقة وأنت موجود عجز. فلو جعل " العجز" مبتدأ لأدى إلى أن يكون كل عجز فاقة، ولم يرده ولا ينبغي أن يراد. وإذا جعل "الفاقة" مبتدأ كان المعنى على أن كل فاقة عجز، لأنه لو أتى إليك لأزلتها، فصارت في الحقيقة عجزا عن الحضور إلى بابك، وهو مراده، والمعنى عليه. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) البيت من البحر الكامل وهو من قصيدة يمدح فيها مساور بن محمد الرومي. انظر الديوان 1/ 254. الفاقة: الفقر، وراءه: قدامه. قال أبوالبقاء في معناه: " يرديد: أن من العجز أن يقاسي الحر فاقة، وهي الفقر، ولا يطلب الرزق من الله، ويقصد بابك الذي لا يحجب غنه أحد، لن الله تعالى قد وسع بك الرزق على الناس، فمن لم يقصدك طالبا للرزق فذلك لعجزه". الديوان1/ 254. (¬3) وذلك إذا دلت على عموم نحو: ما رجل في الدار، أو دلت على خصوص نحو: رجل صالح جاءنا.

والجواب من وجوه: أحدها: أنه أراد: كل فاقة عجز، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، فكان فيه مصحح تقديري لا بعد في تقديره، مع أن المعنى عليه، ويندفع الإشطال بذلك ويستقيم المعنى على الوجه المفهوم من قصد الشاعر. والثاني: أن يكون " بحر" من تتمة فاقة، كأنه أراد: فاقة بحر، ثم قدم، فيكون المصحح صفته، وهي من جملة المصححات، الثالث: أن يكون " عجز" خبر مبتدأ محذوف، أتى به مبهما لتعظيم الأمر، كأنه قال: هو عجز، ثم فسره بقوله: فاقة، فتكون " فاقة" بدلا من المضمر المفسر، أو خبر مبتدأ محذوف، والجملة تفسير للضمير المحذوف، كأن سائلا سأله عنه فقال: هو فاقة. وأما قوله: ووراءه، فجملة في موضع الحال، وجاءت الواو فيها لأنها جملة اسمية تلزمها الواو على الأفصح (¬1)، وهي حال إما من المستكن في "بحر" بقديره: الفاقة عجز بحر في هذه الحال، أو فاقة حاصلة بحر في هذه الحال عجز، على التقديرين المتقدمين. وإما من " حر" على تقديى أن يكون المراد وضعه موضع الجنس وهو المراد، كما وضع المعرفة موضع النكرة في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني (¬2) ويجوز أن تكون حالا من " فاقة" على تقدير أن يكون المعنى: كل فاقة باعتبار المعنى المقدر، كأنه قال: كل فاقة حاصلة عن عجز بالحر ووراءه رزق الإله. إذ لم يرد أن الفاقة هي العجز، وإنما أراد أنها عنها، ثم أخبر بها عنها ¬

_ (¬1) ولا يجوز طرحها إلا في الشذوذ كقولهم: كلمته فوه إلى في. المفصل ص64. (¬2) هذا صدر بيت من الكامل وعجزه: فمضيت ثمت قلت لا يعنيني. وهو من شواهد الكتاب3/ 24 وقد نسبه سيبويه لرجل من بني سلول. والكامل 2/ 71، والخصائص3/ 330، وأمالي بن الشجري 2/ 302. والشاهد قوله: اللئيم، حيث وضع المعرفة موضع النكرة، لنه لا يقصد لئيما معينا.

[إملاء 9] [معنى وإعراب بيت للمتنبي]

تجوزا للمبالغة، والضمير في " وراءه" لا يمنع من ذلك، لأن المصحح للحال إنما هي الواو، فتكون لما قصده المتكلم لا لما فيها ضميره. إذ قد يكون الضمير فيها وهي حال من غير صاحبه كقولك: ضربت رجلا وأبوه قائم، فإنه حال من التاء في: "ضربت" لا من "رجل" وإن كانت مشتملة على ضمير رجل عرية عن ضمير صاحب الحال، لأن المصحح هو الواو، ولا أثر للضمير في صحة تصحيح ولا تعيين. [إملاء 9] [معنى وإعراب بيت للمتنبي] وقال ممليا على قول المتنبي [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1): ترابه في كلاب كحل أعينها ... وسيفه في جناب يسبق العذلا (¬2) يجوز أن يتعلق " في كلاب" بالمعنى في قوله: ترابه، على معنى: تراب غاراته في كلاب، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. أو أراد بالتراب الغارات لملازمتها لها (¬3). ويجوز أن يتعلق بالمعنى في قوله: كحل أعينها، أي: ملازم للأعين في كلاب، فلما قدم " في كلاب" أعاد الضمير عليه في قوله: كحل أعينها. ويجوز أن يتعلق بما دل عليه " كحل" من المصدر، أي: كحل الأعين في كلاب، تعلق الجار بالمصدر، ثم أضمر على ما تقدم. ويجوز أن يتعلق بمثل المحذوف المقدر، أي: ترابه مماثل لكحل الأعين في كلاب، ثم قدم وأضمر، والمعنى موافق لجميع ذلك. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) البيت من البحر البسيط وهو من قصيدة قالها في مدح سعيد بن عبد الله بن الحسين الكلابي. انظر الديوان 3/ 167. كلاب وجناب: قبيلتان. الأولى قبيلة الممدوح والثانية قبيلة عدوه. (¬3) لها: سقطت من د.

أما " في جناب" فيجوز أن يتعلق بما دل عليه سيفه، إذ المراد سيف قتله، أو المراد بالسيف القتل. ويجوز أن يتعلق بـ " يسبق" أي: يسبق العذل في هذه القبيلة المخصوصة مشيرا إلى المثل السائر: " سبق السيف العذل" (¬1). والمعنى: أن غاراته لا تفتر عن كلاب، وأن قتله مسرع في جناب، حتى بلغ أن يقال عنده المثل السائر: "سبق السيف العذل". و" ترابه": مبتدأ، خبره "كحل"؛ وإن صح الخفض في " كحل" فهو بدل من " كلاب"، بدل الاشتمال، أي: ترابه في كحل أعينها، ويكون تعلق الجار بمحذوف إذ هو خبر المبتدأ، أي: ترابه كائن في كحلها. ويجوز أن يكون "في كلاب" و " في جناب" خبران، ويكون " كحل أعينها" جواب سائل (¬2) سأل عن معنى كونه في كلاب، فقال: هو كحل أعينها، ويكون "يسبق العذلا" أيضا جوابا لسائل سأل عن جهة استقراره في جناب [لتعدد الوجوه فأجيب بـ "يسبق العذلا". وهي جملة مستقلة فلا تحتاج إلى إضمار. ويجوز أن يكون "يسبق" حالا من المضمر في الخبر الذي هو كائن في جناب] (¬3) على هذه الحال بخلاف الأول، إذ لايستقيم أن يكون الأول كذلك لكونه مفردا يحتاج إلى تقدير مبتدأ وإلى تقدير الواو فيبعد ذلك منها. وإنما اختير في " يسبق العذل" الوجه الأول ليطابق الصدر في كونه قدر جوابا على تقدير أن يكون الجاران خبرين. ¬

_ (¬1) قاله ضبة بن أد، لما لامه الناس على قتله قاتل ابنه في الحرم. انطر مجمع الأمثال 1/ 328. (¬2) في ب، د: جوابا لسائل. (¬3) مابين القوسين المعقوفين زيادة من ب، د. والظاهر أنه سقط بسبب انتقال النظر.

[إملاء 10] [القياس إبراز ضمير الشأن، وحذفه شاذ]

[إملاء 10] [القياس إبراز ضمير الشأن، وحذفه شاذ] وقال ممليا على قول الشاعر العربي: فليت كفافا كان خيرك كله ... وشرك عني ما ارتوى الماء مرتو (¬1) قال: في "ليت" ضمير الشأن وهو موضع الاستشهاد، وحذفه شاذ لأنه ضمير منصوب، فالقياس إبرازه، وحذفه ضعيف كقولك: إن من يكرمني أكرمه، بالجزم. ولايستقيم أن يكون "كفافا" اسما لـ "ليت" لأنه نكرة فلا يصلح، ولو صلح لم يستقم المعنى، لأن قوله: كان خيرك، وما بعده، لايصلح خبر. وهو منصوب خبر "كان" مقدما عليها، وفيه بعد ذلك وجهان: أحدهما: أن يكون خبرا باعتبار الخير والشر معا، أي: ليت خيرك وشرك بالنسبة إلي لا يفضل أحدهما على الآخر، لأن الكفاف هو الذي ليس فيه فضل. يريد أن شرك زائد على خيرك، فأنا أتمنى لو كان غير زائد. وعلى هذا يكون " مرتو" فاعل " ارتوى"، أي: ما شرب الماء شارب، أي: جميع الدهر، أي: ارتوى من الماء. ويجوز أن يكون " كفافا" خبر "كان" باعتبار خيرك خاصة، على معنى: أنه ما بلغ ذلك إلى أن يكون فيه كفاف، كما تقول: ليت نفقتك كفاف، أي: ليتها مقدار الحاجة، تريد أنها أنقص، فكذلك ههنا. ويكون " شرك" معطوفا بخبره لا بإفراده على الجملة الأولى كما تقول: كان زيد قائما وعمرو قاعدا. ويكون خبر " وشرك" مرتو، كأنك قلت: ليت خيرك يحصل منه كفاف وليت ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وقائله يزيد بن الحكم الثقفي من قصيدة يقولها في عتاب ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص. وهو من شواهد الإنصاف1/ 184. والمغني 1/ 320 (دمشق). والرضي 2/ 363. وأمالي القالي 1/ 28. وأمالي ابن الشجري 1/ 182. ويروى برفع (الماء) ونصبه. وقد أوضح المؤلف ذلك.

[إملاء 11] [توجبه إعراب كلمة في بيت ينسب للعجاج]

شرك منكف (¬1)، فوضع " مرتو" موضع "منكف"، لأن المرتوي من الشيء منكف عنه، ويكون الماء على هذا التأويل مرفوعا (¬2) بتأويل حذف المضاف، أي: ما ارتوى شارب الماء. فأنت في الأول عطفت مفردا على مفرد وهو: شرك على خيرك، وأخبرت عنهما بـ " كفافا". وفي الثاني عطفت جملة على جملة أخبرت عن كل مفرد منهما بخبر خاص. وكان القياس على هذا الوجه أن يكون مرتويا لأنه خبر لـ "كان" باعتبار العطف كما تقول: كان زيد قائما وعمرو منطلقا، ولكنه جاء على خلاف القياس للضرورة. ولا يجوز أن يكون مبتدأ وخبرا، كقولك: كان زيد قائما وعمرو منطلق لفساد المعنى، لأنه يكون حينئذ جملة مستقلة منقطعة عن التمني في المعنى مثلها في قولك: ليت زيدا قائم وعمرو منطلق، لأن عمرا منطلق، في مثل ذلك، مثبت له الانطلاق غير داخل في حيز التمني بخلاف: ليت زيدا قائم وعمرا منطلق. وإذا ثبت ذلك كان جعلك: وشرك مرتو، مرفوعا على الابتداء يوجب أن تكون مخبرا بإثبات ذلك فيوجب إخباره بأن شره منكف، فيفسد المعنى، إذ المعنى فيه: أن شره زائد وأنه يتمنى أن لا يكون كذلك، فكيف يحمل على وجه يثبت ما مقصود المتكلم نفيه؟ [إملاء 11] [توجبه إعراب كلمة في بيت ينسب للعجاج] وقال ممليا على قول الشاعر [سنة ثماني عشرة] (¬3): ألف الصفون فما يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا (¬4) ¬

_ (¬1) في الأصل: منكفا. وهو سهو. (¬2) في الأصل وفي ب، د، م: مرفوع، وهو خطأ واضح. (¬3) زيادة من ب. (¬4) هذا البيت من البحر الكامل وينسب للعجاج، انظر ملحقات ديوانه 2/ 285. وهو من شواهد المغني1/ 352 (دمشق)، وأمالي ابن الشجري 1/ 56، والكشاف 3/ 373 والصفون: أن تقف الدابة على ثلاث. اللسان (صفن).

هذا البيت يوهم أن " كسيرا" خبر (¬1) لـ " كأن" في المعنى، إ ... ذ يسبق إلى الفهم أنه شبهه لشدة رفعه إحدى قوائمه بكسير، وإن قوله: مما يقوم على الثلاث، تقرير لسبب تشبيهه به، فكأنه قال: كأنه كسير من أجل دوام قيامه على الثلاث. ويلزم على هذا أن يكون نصب "كسير" لحنا، فينبغي أن يطلب له وجه يصح في الإعراب ولا يخل بالمعنى. فنقول: إنما أخبر بقوله: مما يقوم، و"ما" بمعنى الذي، فكأنه قال: كأنه من الخيل التي تقوم على الثلاث كسيرا، فيكون " كسيرا" حالا من الضمير في "يقوم"، وذكر. "يقوم" إجراء له على لفظ "ما"، فشبهه بالخيل التي تقوم على ثلاث في حال كونها مكسورا إحدى قوائمها، فاستقام المراد على هذا. ووجب نصب " كسيرا" باعتباره على الحال. ولا يستقيم أن يكون "كسيرا" خبرا لـ " يزال" (¬2)، لأنك إذا جعلته خبرا لـ "يزال" فلا يخلو إما أن تكون "ما" في " مما يقوم" مصدرية كما قدرت أولا، أو بمعنى الذي كما قدرت ثانيا. فإن جعلتها مصدرية بطل لوجوه: أحدها: أن "كأن" تبقى بلا خبر، إذ "مما يقوم" لا يصلح أن يكون خبرا لفوات الفائدة فيه. والثاني: أن "كأن" تبقى غير مرتبطة بشيء. والثالث: ما يلزم من أنه حكم عليه بالكسر وليس كذلك. ويجاب عن الثالث بأنه (¬3) يكون التقدير شبه كسير. ¬

_ (¬1) في الأصل: خبرا، وهو سهو. (¬2) جوز ابن هشام هذا الوجه وجعله أولى من الوجه الأول. قال: " والجواب أنه خبر ليزال، ومعنا كاسر، أي ثان، كرحيم وقدير، لا مكسور ضد الصحيح كجريح وقتيل، وما مصدرية، وهي، وهي وصلتها خبر كأن، أي: ألف القيام على الثلاث فلا يزال ثانيا إحدى قوائمه حتى كأنه مخلوق من قيامه على الثلاث. وقيل: ما بمعنى الذي، وضمير (يقوم) عائد إليها، و (كسيرا) حال من الضمير، وهو بمعنى مكسور، وكأن ومعمولاها خبر يزال، أي: كأنه من الجنس الذي يقوم على الثلاث. والمعنى الأول أولى". مغني اللبيب 1/ 352 (دمشق). (¬3) في ب، س: بأنس.

[إملاء 12] [توجيه إعراب كلمة في بيت ينسب لأبي نواس]

وإن كانت "ما" تعنى الذي فسد لما يؤدي إليه من اختلال المعنى، وذلك أن " كسيرا" يكون خبرا لـ "يزال" فيكون المعنى: فما يزال كسيرا على الحقيقة أو شبه كسير. ثم قوله: كأنه من التي يقمن على الثلاث، تشبيه للشيء بشيء آخر هو على حاله، لأنه على هذا لأنه على هذا إنما شبهه بالخيل التي تقوم على الثلاث، فصار قائلا: كأن هذا القائم على الخيل القائمة على ثلاث، لخروج " كسيرا" عن حيز " كأن" ودخوله في حيز "ما يزال". هذا إن جعلت " كسيرا" و"كأنه" خبرا بعد خبر. فإما إن لم تجعله كذلك فسد لذلك، ويكون "كأن" مع ما في حيزها تخرج عن الربط بما هو معها، وذلك فاسد. [إملاء 12] [توجيه إعراب كلمة في بيت ينسب لأبي نواس] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬1) على قول الشاعر: غير مأسوف على زمن ... ينقضي بالهم والحزن (¬2) لايصح أن يكون له (¬3) عامل لفظي. وإذا لم يكن له عامل لفظي فإما أن يكون مبتدأ وإما أن يكون خبر مبتدأ. ولايصح أن يكون مبتدأ لأنه لا خبر له، لأن الخبر إما أن يكون ثابتا أو محذوفا، الثابت لا يستقيم لأنه إما " على زمن"، وإما " ينقضي"، وكلاهما مفسد للمعنى. وأيضا فإنك إذا جعلته مبتدأ لم يكن بد من أن تقدر قبله موصوفا (¬4)، وإذا قدر قبله موصوف (¬5) لم يكن بد من أن تكون ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) هذا البيت من البحر المديد وينسب لأبي نواس، وليس في ديوانه (تحقيق وضبط وشرح أحمد عبدالمجيد الغزالي). وهو من شواهد الرضي 1/ 87، والهمع 1/ 94، والمغني 1/ 171 (دمشق). (¬3) الضمير في (له) يعود على (غير) المذكورة في بداية البيت. (¬4) في الأصل وفي ب، د: موصوف، وهو خطأ، لأنه مفعول به. (¬5) وإذا قدر قبله موصوف: سقطت هذه العبارة من د.

"غير" له، و " غير" ههنا ليست له وإنما هي " لزمن"، ألا ترى أنك لو قلت: رجل عيرك مربي، لكان في " غيرك" ضمير عائد على رجل. ولو قلت: رجل غير متأسف على امرأة مربي، لم يستقم، لأن " غير" ههنا لما جعلته في المعنى للمرأة خرج عن أن يكون صفة لما قبله. ولو قلت: رجل غير متأسف عليه مربي، جاز لأنها في المعنى للضمير، والضمير عائد على المبتدأ، فاستقام، فتبين أنه لايكون مبتدأ لذلك. وإن جعل الخبر محذوفا لم يستقم لأمرين: أحدهما: أنا قاطعون بنفي الاحتياج إليه. والآخر أنه لا قرينة تشعر به. ومن شرط صحة حذف الخبر وجود القرينة. وإن جعل خبر مبتدأ لم يستقم لأمور: أحدها: أنا قاطعون بنفي الاحتياج إليه. الثاني: أن حذف المبتدأ مشروط بالقرينة، ولا قرينة. الثالث: أنك إذا جعلته خبر مبتدأ لم يكن بد من ضمير يعود منه إلى المبتدأ لأنه في معنى مغاير، ولا ضمير يعود على ما تقدره مبتدأ، فلا يصح أن يكون خبرا، فتبين إشكال إعرابه. وأولى مـ يقال: إنه أوقع المظهر موقع المضمر لما حذف المبتدأ من أول الكلام. فكأن التقدير: زمن ينقضي بالهم والحزن غير متأسف عليه. فلما حذف المبتدأ من غير قرينة تشعر به أتى به ظاهرا مكان المضمر فصارت العبارة فيه كذلك، وهو وجه حسن لا بعد في مثل ذلك (¬1)، فإن العرب تجيز: إن يكرمني زيد إني أكرمه، وتقديره: إني أكرم زيدا إن يكرمني، فقد أوقعت زيدا موقع المضمر لما اضطرت إلى إعادة الضمير إليه، وأوقعت المصمر موقع المظهر لما أخرته عن الظاهر. فقد تبين لك اتساعهم في مثل ذلك وعكسه. ¬

_ (¬1) ونقل ابن هشام عن ابن جني أنه أجازه. المغني 1/ 172 (دمشق).

ويحتمل أن يقال: إنهم استعملوا " غير" بمعنى " لا" كما استعملوا " لا" بمعنى " غير" وذلك واسع في كلامهم. فكأنه قال: لا تأسف على زمن هذه صفته. ويدلك على استعمالهم " غير" بمعنى "لا": زيد عمرا غير ضارب، ولا يقولون: زيد عمرا مثل ضارب، لأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، ولكنه لما كانت " غير" تحمل على "لا" جاز فيها ما لا يجوز في "مثل" وإن كان بابهما واحدا. وإذا كانوا قد استعملوا: أقل رجل يقول ذاك، بمعنى النفي مع بعده عنه بعض البعد، فلأن يستعملوا " غير" بمعنى "لا" مع موافقتها لها في المعنى أجدر. فإن قيل: فإذا قدرتموها بمعنى "لا" فلا بد له من إعراب من حيث كونه اسما، فما إعرابه؟ قلنا: إعرابه كإعراب قولك: أقل رجل يقول ذاك، وهو مبتدأ لا خبر له استغناء عنه (¬1)، لأن المعنى: ما رجل يقول ذاك (¬2). وإذا كان كذلك صح المعنى من غير احتياج إلى خبر، ولا استنكار بمبتدأ لا خبر له إذا كان كذلك صح المعنى من غير احتياج إلى خبر، له إذا كان في المعنى بمعنى جملة مستقلة كقولهم: أقائم الزيدان؟ فإنه بالإجماع مبتدأ، ولا مقدر محذوف، والزيدان فاعل به ليس بخبر. فهذا مبتدأ لا خبر له في اللفظ ولا في التقدير. وإنما استقام لأنه في المعنى: يقوم الزيدان. وكذلك قول بعض المحققين في مثل: نزال وتراك، إنه مبتدأ وفاعله مضمر ولا خبر له لاستقامة المعنى من حيث كان معناه: انزا واترك (¬3). ¬

_ (¬1) أجازه ابن الشجري وابن مالك. المغني 1/ 172 (دمشق). (¬2) قال الرضي: " فهذه كلها مبتدءات لا أخبار لها فيها من معنى الفعل". شرح الكافية 1/ 87. (¬3) قال الرضي: " ثم اعلم أن بعضهم يدعي أن أسماء الأفعال مرفوعة المحل على أنها مبتدءات لا خبر لها كما في: أقائم الزيدان؟ وليس بشيء، لأن معنى قائم معنى الاسم وإن شابه الفعل، أي: ذو قيام، فصح أن يكون مبتدأ، بخلاف اسم الفعل، فإنه لا معنى للاسمية فيه". شرح الكافية 2/ 67.

[إملاء 13] [اجتماع الحالين]

وقد ذهب كثير إلى أنه منصوب انتصاب المصدر، كأنه قيل في نزال: انزل نزولا. وهذا عندنا ضعيف، فإنه لو كان كذلك لوجب (¬1) أن يكون معربا. ونحن نفرق بين "سقيا" وبين " نزال"، فكيف يكمن حملها على إعراب واحد وهو أن يكونا مصدرين مع أن أحدهما معرب والآخر مبني؟ [إملاء 13] [اجتماع الحالين] وقال ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة] (¬2): متى اجتمع حالان من ذاتين مشبهة إحداهما الأخرى أو مفضلة عليها باعتبار الحالين (¬3)، أو من ذات واحدة فلضلت على نفسها باعتبار حاليها (¬4)، فالوجه تقديم حال ما قدم مولية لصاحبها، كأنهم قصدوا إلى نفي الإلباس بإيلاء كل حال لمن هي له. لأنهم لو أخروا فقالوا: زيد مثل عمرو جالسا قائما، لجاز أن تقدر الحالان للآخر، ولجاز أن يقدر ما هو للآخر للأول وعلى العكس، فيؤدي إلى اللبس. والحال الأولى في أمثال هذا على الحقيقة ليست من الأول وإنما هي من الضمير في خبره، إذ المبتدأ لا يصح أن يكون منه حال لأنه غير قابل للتقييد، وإنما يقبل من نسب إليه فعل أو معنى فعل، وذلك محقق في الضمير الواقع في الخبر في قولك: مثله، أو خير منه، أو ما أشبهه. فإذا قلت: زيد قائما مثل عمرو جالسا، فإنما غرضك تمثيل زيد في حال قيامه بعمرو في حال جلوسه، فكأنك قلت: زيد مماثل في حال قيامه بعمرو في حال جلوسه (¬5). وإنما قدمت الحال من الضمير في "مثل" وأوليتها زيدا لما ذكرناه من غرض نفي الإلباس. ألا ترى أنك ¬

_ (¬1) في الأصل: وجب. وما أثبتناه من ب، وهو أحسن. (¬2) زيادة من ب، د، س. (¬3) مثل: زيد جالسا مثل عمرو قائما. وزيد جالسا أحسن من عمرو قائما. (¬4) مثل: هذا بسرا أطيب منه رطبا. (¬5) فكأنك قلت. . في حال جلوسه: سقطت هذه العبارة من د، بسبب انتقال النظر.

[إملاء 14] [إعراب قولهم: بنفسي خيال]

لو قلت: زيد مثل عمرو جالسا قاعدا، لنافر الطبع السليم لما ذكرناه. وهذا مثل قولهم: هذا بسرا أطيب منه رطبا (¬1). وكذلك لو كانت الحال في المعنى للأول خاصة وليس للثاني حال لكان الوجه تقديمها، ومثله قول بعض المحدثين: الخد كالطرس والنونات دائره مثل الحواجب (¬2) فـ " دائرة" في التحقيق حال من الضمير في "مثل" العائد على النونات، وقدم لما ذكرناه. وجاز تقديم الحال العامل فيها "مثل" لأنها في معنى ممائل، و"مماثل" يجوز تقديم حاله اتفاقا، وكذلك هذا. والرفع في هذا الشعر أحسن لاستقرار المخبر عنه على حالة واحدة، والأحوال إنما تكون للقابل للانتقال إليها. [إملاء 14] [إعراب قولهم: بنفسي خيال] وقال ممليا [بدمشق سنة ست وعشرين وستمائة] (¬3): قولهم: بنفسي خيال، وبابه. الرفع فيه أقوى من جهة النقل ومن جهة المعنى. أما النقل فالمسموع: بأبي أنت، ولو كان مفعولا لوجب أن يقال: بأبي إياك، وأما من جهة المعنى فلأن المقدر في النصب جملة والمقدر في الرفع مفرد، فكان تقدير المفرد أولى. ويدل عليه إطباقهم على الرفع في قولهم: الهلال ولله والمسك، ولو نصب على معنى: رأيت الهلال وشممت المسك، لكان متجها (¬4). وأيضا فإن باب الابتداء يدل على ثبوت الشيء وتقريره، وباب الفعل ¬

_ (¬1) انظر سيبويه 1/ 400، والمفصل ص63، والإيضاح في شرح المفصل1/ 335. (¬2) لم أعثر على قائله. ومعنى الطرس: الصحيفة. والنونات: الشعر المنعطف. (¬3) زيادة من "ب" و"د". (¬4) انظر المفصل ص34.

[إملاء 15] [إعراب بيت مجهول القائل]

يدل على حدوثه، والاستقرار أبلغ. ولذلك كان: الحمد لله وسلام عليكم، أحسن من النصب، وإن كان النصب متجها. وأما النصب فالمنصوب بالفعل المقدر أكثر من رفعه بالابتداء، فكان جعله من باب الكثر أولى. [إملاء 15] [إعراب بيت مجهول القائل] وسئل في ورقة عن إعراب قول الشاعر: أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي وسعدى أن يصوب سحابها (¬1) فيكتب بيده الكريمة ما هذه صورته: يجوز أن يكون "أحب" مبتدأ على قول من يرى تعريفه بالإضافة (¬2)، و"ما بين منعج" خبر، موصولة أو موصوفة. ويجوز أن يكون "أحب" خبرا مقدما على قول من لا يرى تعريفه، و "ما" مبتدأ، و"إلي" متعلق بـ "أحب" على القولين، على سبيل الاتساع في الظروف. و" سعدى" عطف على "منعج" على أنه اسم موضع، أي: مابين هذين المكانين، أو على أنه اسم امرأة على حذف مضاف، أي: موضع سعدى، و "أن يصوب سحابها" يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون على حذف حرف خفض، أي: في أن يصوب سحابها، كما تقول: أحب الناس إلي زيد في أن يكون عالما، فيكون في موضع نصب على مذهب سيبويه (¬3)، أو خفض على مذهب ¬

_ (¬1) هذا البيت من البحر الطويل ولم يعرف قائله. وهو من شواهد الكامل1/ 406، وأمالى القالي 1/ 83، والحماسة البصرية 2/ 129. ورواية الكامل: مابين مشرف إلى وسلمى. ورواية أمالي القالي: ما بين منعج إلى وسلمى. منعج: اسم مكان. قال ياقوت: " اسم واد يدفع في بطن فلج". معجم البلدان5/ 213. وسعدى: اسم امرأة أو موضع. (¬2) انظر الكتاب1/ 204. (¬3) قال سيبويه: " فإن ههنا حالها في حذف الجر كحال أن، وتفسيرها كتفسيرها، وهي مع صلتها بمنزلة المصدر". الكتاب 3/ 154.

[إملاء 16] [إعراب شطر بيت مجهول القائل]

الخليل. والثاني: أن يكون " أن يصوب سحابها" بدلا من قوله: ما بين منعج وسعدى، على تقدير مضاف في الأول، أي: أحب صوب سحاب بلاد الله إلي صوب سحاب ما بين منعج وسعدى. ويجوز أن لا يقدر مضاف لأن الخبر مطابق للمبتدأ، والبدل لا يغير له الكلامٍ، ألا ترى أنك تقول: أحب الناس إلي زيد علمه، ولا تقول: أحب صفات الناس إلي زيد علمه. والأولى أن يكون " أن يصوب سحابها" مفعولا بفعل مقدر دل عليه "أحب" أي: أحب أن يصوب سحابها. ألا ترى أن قوله تعالى: {إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله} (¬1) فإن قوله: {من يضل} مفعول بفعل مقدر دل عليه " أعلم"، أي: يعلم من يضل (¬2). [إملاء 16] [إعراب شطر بيت مجهول القائل] وقال ممليا على قول بعضهم بالقاهرة بحضرة السلطان الملك الكامل (¬3) سنة اثنتي عشرة وستمائة هذا الشعر: هي البدر من فوق الأزرة طالعا (¬4) ¬

_ (¬1) الأنعام: 117. (¬2) وهذا مذهب الفارسي. وقال الكسائي والمبرد: إنها في موضع رفع مبتدأ، والخبر يضل، والجملة في موضع نصب بأعلم. انظر: البحر المحيط4/ 210. (¬3) هو أبوالمعالي محمد بن الملك العادل الملقب بالملك الكامل ناصر الدين. كان عظيم القدر جميل الذكر محبا للعلماء متمسكا بالسنة النبوية. بنى في القاهرة دار حديث ورتب لها وقفا جيدا. انظر وفيات الأعيان5/ 79. (¬4) هذا شطر بيت من الطويل، لم أعرف تمامه ولا قائله. وفي هامش الأصل (ورقة 182) وهامش د، س مانصه: للوجيه ابن خراز شاعر دولة السلطان الملك الكامل وكان رابطيا يزعم أنه ابن أخت المعلم.

قال: النصب والرفع فيه لا يجوز باعتبار ما يفهم من المعنى المقصود، ذلك أن الذي يفهم أنه المقصود هي في حال كونها مخرجة وجهها من بين الأزرة مثل البدر في حال كونه بازغا من مشرقه. والعرب إذا حكمت بشيء على شيء باعتبار حالين لهما أولت كل واحد منهما حاله ولم تؤخر الحالين عنهما. فتقول: هذا بسرا أطيب منه رطبا، وزيد قائما أحسن منك قاعدا، وهو كثير في كلامهم. وإذا كان كذلك فقد أخر ما لا يجوز تأخيره، فلا يفيده نصب "طالع" ولا رفعه مع اشتمال الكلام على هذا المفسد الملازم له. وإنما التزموا ذلك خيفة اللبس وتوهم أن الحالين للأخير لو قالوا: زيد مثل عمرو عالما عاقلا، فأراداوا أن يولوا كلا حاله ليرتفع اللبس من أول الأمر. ويجوز أن يحمل على وجه آخر غير ما يسبق من المعنى المقصود، وهو أن يكون "هي" ضمير القصة، و"البدر طالع" مبتدأ وخبر، و"من فوق الأزرة" متلق بـ "طالع"، ويكون المعنى: البدر طالع من فوق الأزرة، لأن ضمير الشأن وجوده وعدمه في المعنى سواء. ويجوز أن يكون "هي" ضميرا لمن تقدم ذكره، و"البدر" خبر له، و"طالع خبر بعد خبر، و"فوق الأزرة" متعلق به.

[إملاء 17] [الرد على استفتاء لابن بري]

[إملاء 17] [الرد على استفتاء لابن بري] وقال ممليا على قول الشاعر: أتوب إليك يارحمن مما ... جنيت فقد تكاثرت الذنوب وأما من هوى ليلى وتركي ... زياتها فإني لاأتوب (¬1) قال: رأيت استفتاء لابن بري (¬2) النحوى فيه ما معناه: كيف يستقيم قول الشاعر: وأما من هوى ليلى، وهو إذا لم يتب من ترك الزيارة تارك للزيارة؟ ألا ترى أنه لو قال: فإني أتوب من ترك الزيارة، لكان مستقيما في غرضه، ولو قال: وأما من هوى ليلى وزيارتها وأسقط "وتركي" لكان مستقيما في غرضه كغرض المعنى المراد، فإذا زاد فيه الترك أو النفي كان لنقيضه، فيفسد المعنى فأجاب ابن بري بتقرير الاعتراض وصحته لو كان الرواية: وتركي، وإنما الرواية: وحبي، فيزول الاعتراض. قلت: وقد قيل: إن الرواية: وقصدى، فيزول أيضا الاعتراض، والبيت مشهور بقوله: وتركي. ووجهه أنه ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الوافر وهما موجودان في ذيل الأمالي والنوادر لأبي علي القالي ص92. ولكن برواية تختلف قليلا وهي: أتوب إليك يارحمن مما ... عملت فقد تظاهرت الذنوب وأما من هوى سعدى وحبي ... زيارتها فإني لا أتوب ونسبهما لنمير بن كهيل الأسدي. وقد نسبا في الحماسة البصرية لقيس بن الملوح 2/ 178. (¬2) هو عبد الله بن بري بن عبد الجبار أبو محمد المقدسي المصري النحوي اللغوي. تصدر للإقراء في جامع عمرو بن العاص. من تصانيفه: اللباب، حواش على الصحاح. انظر بغية الوعاة 2/ 34، وإنباه الرواة 2/ 110.

[إملاء 18] [الجواب عن سؤال في بيت لأبي صخر الهذلي]

ذكر الترك البيان ما يطلب منه ثم قال: فإني لا أتوب مما يطلب مني تركه. ألا ترى أنه لو قال: وأما من هوى ليلى وتوبتي من زيارتها فإني لا أتوب، لكان مستقيما. على أن المعنى: فإني لا أتوب مما يطلب مني التوبة منه، لا على معنى: فإني لا أتوب من بوبتي، فكذلك هذا، إذ لا فرق بين أن يقول: وتركي زيارتها أو: وتوبتي من زيارتها. ومن زعم أن "لا" زائدة محافظا على ما تقدم من المعنى فقد أفسده بالنظر الى قوله: وأما من هوى ليلى، لأن المعنى يصير: فإني أتوب من هوى ليلى، وهو فاسد، ولا يستقيم أن يكون الحرف الواحد زائدا غير زائد. [إملاء 18] [الجواب عن سؤال في بيت لأبي صخر الهذلي] وقال رحمه الله وقد استفتي في قوله الشاعر: وإني لتعروني لذكراك فترة ... كما انتفض العصفور بلله القطر (¬1) فقيل له: إن شخصين تنازعا فقال أحدهما: البيت: هزة ورعدة، ولا يستقيم معنى البيت على "فترة"، فسئل هل يستقيم معنى البيت على هذه الرواية وقد نقلها غير واحد ممن يوثق بنقله عن الأمالي (¬2) لأبي على البغدادي (¬3)؟ فكتب مجيبا بخط يده الكريمة ما هذه صورته وهو أن قال: ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وقائله أبو صخر الهذلي. وقد ورد في كتب اللغة والأدب بعدة روايات: فترة، هزة نفضة، رعدة. والبيت من شواهد المقرب1/ 162، وابن يعيش2/ 67، والهمع1/ 194، وأوضح المسالك2/ 227. (¬2) رواية أمالي القالي (1/ 149): هزة. (¬3) هو إسماعيل بن القاسم. ولد سنة 288هـ بديار بكر. يقدم بغداد سنة 303هـ، فقرأ النحو والعربية والأدب علي الزجاج وابن السراج وابن الأنباري. خرج من بغداد سنة 328هـ فدخل قرطبة سنة330هـ. صنف بها الأمالي والنوادر. ومات بها سنة 356هـ. انظر: بغية الوعاة 1/ 453.

يستقيم ذلك على معنيين: أحدهما: أن يكون معنى: لتعروني، لترعدني، أي: تجعل عندي العرواء وهي الرعدة كقولهم: عري فلان، إذا أصابه ذلك، لأن الفتور الذي هو السكون عن الإجلال والهيبة تحصل عنه الرعدة غالبا عادة فيصح نسبة الإرعاد إليه فيكون "كما انتفض" منصوبا انتصاب قولك: أخرجته كخروج زيد، إما على معنى كإخراج خروج زيد، وإما لتضمنه معنى خرج غالبا، فكأنه قيل: خرج، فصح لذلك مثل خروج زيد، وحسن دلك تنبيها على حصول المطاوع الذي هو المقصود في مثل ذلك، فيكون أبلغ من الاقتصار على المطاوع، إذ قد يحصل المطاوع دونه، مثل: أخرجته فلم يخرج. والثاني: أن يكون معنى: لتعروني، لتأتيني وتأخذني فترة، أي: سكون للسرور الحاصل من الذكرى، وعبر بها عن النشاط لأنها تستلزمه غالبا، تسمية للمسبب باسم السبب، كأنه قال: ليأخذني نشاط كنشاط العصفور. فيكون "كما انتفض" إما منصوبا نصب: له صوت صوت حمار، وله وجهان: أحدهما: أن يكون التقدير: يصوت صوت حمار، وإن لم يجز إظهاره استعناء عنه بما تقدم، والثاني: أن يكون منصوبا بما تضمنته الجملة من معنى: يصوت (¬1). وإما مرفوعا صفة لـ " فترة"، أي: نشاط مثل نشاط العصفور. وهذه الأوجه الثلاثة المذكورة في الوجه الثاني في إعراب "كما انتفض" تجري على تقدير رواية: رعدة، وهزة. هذا ما كتبه مجيبا به. ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "فإنما انتصب هذا لأنك مررت به في حال تصويت، ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلا منه. ولكنك لما قلت: له صوت، علم أنه قد كان ثم عمل، فصار قولك: له صوت، بمنزلة قولك: فإذا هو يصوت، فحملت الثاني على المعنى" الكتاب 1/ 356.

[إملاء 19] [توجيه إعراب كلمة في بيت للمتنبي]

وروى الرماني (¬1) عن السكري (¬2) عن أبي سعيد الأصمعي: إذا ذكرت يرتاح قلبي لذكرها ... كما انتفض العصفور بلله القطر (¬3) وهو ظاهر جينئذ. [إملاء 19] [توجيه إعراب كلمة في بيت للمتنبي] وقال ممليا على قول المتنبي: أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني ... وفرق الهجر بين الجفن والوسن (¬4) أسفا: يجوز أن يكون مفعولا من أجله، وكان القياس يقتضي مجيء اللام، إذ ليس هو لفاعل الفعل المعلل، فيكون حذفها لضرورة الشعر، وقد جاء مثل ذلك. ويجوز أن يقال: إن الهوى لما كان من سبب المتكلم، فكأنه هو الذي ¬

_ (¬1) هو علي بن عيس بن علي أو الحسن الرماني. ولد سنة 276هـ. أخذ عن الزجاج وابن السراج وابن دريد. من تصانيفه: التفسير، الحدود الأكبر، شرح سيبويه، معاني الحروف. توفي سنة 384هـ. انظر: بغية الوعاة2/ 181. (¬2) هو الحسن بن الحسين بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن العلاء. جمع شعر جماعة من الشعراء منهم امرؤ القيس والنابغة وزهير، ولد سنة 212هـ. وتوفي سنة275هـ. انظر: بغية الوعاة1/ 502. (¬3) انظر كتاب شرح أشعار الهذليين- صنعة أبي سعيد السكري 2/ 957 (تحقيق عبد الستار أحمد فراج. مراجعة محمود محمد شاكر). (¬4) هذا البيت من البحر البسيط وهو مطلع قصيدة قالها في صباه. انظر الديوان 4/ 185. أبلى: أضعف، النوي: البعد، الوسن: النوم، والأسف: الحزن. قال أبو البقاء في معناه: "يقول: أبلى الهوى بدني إلى الأسف والهزال يوم الفرق. وبعد هجر الحبيب بين جفني والنوم. وإللاء الهوى البدن أن يذهب قوته ولحمه، لما يورد عليه من شدائده. وخص يوم النوى لن أشد ما يكون الوجد والألم يوم الفراق". الديوان4/ 185.

[إملاء 20] [إعراب كلمة في بيت لأبي نصر عبد العزيز بن نباتة]

أبلى نفسه. فيكون "أسفا" فعلا لفاعل الفعل المعلل في المعنى. ويجوز أن يقال: إنه جعل الهوى أسفا مبالغةٍ، كأن الحب نفسه صار له أسف على من تعلق به، فيكون لذلك فعلا لفاعل الفعل المعلل أيضا. ولا بستقيم أن يكون مصدرا إلا على تأويل حذف مضاف، كأنه قيل: إبلاء أسف، وهو ضعيف، لأنه يؤدي إلة أن بكون متعلقات الفعل كلها مصادر كقولك: ضربت يوم الجمعة، وفيه إخراج للأبواب عن حقائقها. [إملاء 20] [إعراب كلمة في بيت لأبي نصر عبد العزيز بن نباتة] وقال ممليا على قول الشاعر: خلقنا بأطراف القنا في ظهورهم ... عيونا لها وقع السيوف حواجب (¬1) حواجب: إما بدل من "وقع" وإما خبر عن " وقع"، ويكون "لها" إما خبرا بعد خبر وإما فضلة مثل قولك: زيد له غلام، أي: غلام له. [إملاء 21] [إعراب شطر بيت للنابغة الجعدي] وقال ممليا على قول الشاعر: حتى خرجن بنا من تحت كوكبهم ... حمرا م الطعن أعناقا وأكفالا (¬2) ¬

_ (¬1) هذا البيت من البحر الطويل. وقد ذكره ابن الشجري في أماليه 2/ 178) وقال: إن قائله أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباته، من قصيدة في الفخر. ولم أجده في مصدر آخر. (¬2) هذا البيت من البحر البسيط وهو للنابغة الجعدي. انظر شعره ص108. الأكفال مفردها كفل، وهو العجز، يكون للإنسان والدابة، اللسان (كفل). والكوكب: الجيش. ورواية الديوان: حتى خرجن بنا من جوف كوكبهم.

[إملاء 22] [معنى بيت منسوب لأبي جلدة]

"أعناقا وأكفالا": تمييز، و"حمرا": حال من الضمير في قوله: خرجن بنا [إملاء 22] [معنى بيت منسوب لأبي جلدة] وال ممليا على قول الشاعر: فقل للحواريات يبكين غيرنا ... ولا يبكنا إلا الكلاب النوابح (¬1) يقول: لسنا بأهل لأن تبكينا النساء حيث انهزمنا، بل لتبكنا الكلاب. وقيل: نحن أهل بدو ونموت تحت السيوف، وإنما تبكينا السباع. [إملاء 23] [معنى بيت مجهول القائل] وقال ممليا على قول الشاعر: وليل زجونا أن يدب عذاره ... فما نم إلا وهو بالصبح مسفرا (¬2) " مسفرا": حالمن الصبح، والعامل فيه ما في الباء من معنى المصاحبة، أي: وإلا وهو مصاحب في حال كونه مسفرا. ومعناه: أنا رجونا أن يأخذ في ¬

_ (¬1) هذا البيت من البحر الطويل. وقد نسبه ابن منزور لأبي جلدة. اللسان (حور). وهو من شواهد الكشاف 1/ 432 ولم ينسبه لأحد. (¬2) هذا البيت من البحر الطويل. ولم أعثر على قائله. وقد روى ابن خلكان (1/ 58) بيتا مطابقا للبيت المذكور في صدره وهو: وليل رجونا أن يدب عذاره ... فما اختط حتى صار بالفجز شائبا وقال: وهو للشاعر إبراهيم الغزي.

[إملاء 24] [أسماء الفاعلين لا تقع مفعولا لأجله]

سيره قليلا قليلا كدبيب العذار (¬1)، فما نم، أي: فما بدا إلا وهو مصاحب للصبح في حال إسفاره. يشير إلى سرعة انقضائه وأنه أوله كان كأنه يليه آخره لسرعة انقضائه. [إملاء 24] [أسماء الفاعلين لا تقع مفعولا لأجله] وقال ممليا على قول الشاعر: ومر معرضا بحديث نجد ... فهيج ساكن القلب الطروب (¬2) " معرضا": حال، ولا يجوز أن يكون مفعولا من أجله، لأن أسماء الفاعلين لم تقع المصادر فتقع مفعولا من أجله. وقد وقعت في مواضع محفوظة مصادر (¬3). وإنما حملت على المصدرية لتعذر حملها على الحال. [إملاء 25] [قبح ظاهر في بيت مجهول القائل] وقال ممليا على قول الشاعر: وعلمت أني لا أخاف مهندا ... ما لم يرعني من سوار معصما (¬4) ¬

_ (¬1) العذار: الشعر النابت على جانبي اللحية. اللسان (عذر). (¬2) هذا البيت من بحر الوافر ولم أعثر على قائله. (¬3) كقول الفرزدق: على حلفة لا أشتم الدهر مسلما ... ولا خارجا من في زور كلام انظر شرح الشافية 1/ 177. (¬4) هذا البيت من البحر الطويل. ولم أعثر على قائله. والمهند: السيف.

[إملاء 26] [إشكال في بيت منسوب لبعض بني عمرو بي كادة]

سئل عن هذا البيت فقال: إن هذا لبئس الشعر. إلا أن وجهه من حيث الجملة مع رداءته أن فاعل "يرعني" مقدر، تقدر، تقديره: شيء أو نحو ذلك، ويكون قوله "من سوار" صفة لذلك المقدر. ثم لما كان ذلك مبهما فكأن قائلا قال: ما هذا؟ فقال: أعني معصما أو أخص معصما، وفيه قبح ظاهر، وهو أن المعصم هو المراد بالفاعلية في المعنى، و"من سوار" صفة قدمت كما يقدم غيرها من الصفات، فوزانه وزان قولك: جاءني من بني تميم رجلا. [إملاء 26] [إشكال في بيت منسوب لبعض بني عمرو بي كادة] وقال ممليا على قول الشاعر وهو: قلت اسمعي وذرينا من تفقهكم ... فلست أفقه منا أم عمارا (¬1) ارتكب الشاعر أجد أمرين: أحدهما: أنه أراد: عمارة، فرخم للضرورة (¬2). وهذا على لغة من قال: ياحار، وهو جائز عند سيبويه ممتنع عند المبرد، على لغة من يقول: يا حار بالضم (¬3)، وهذا الخلاف جار بينهما في كل مرخم من غير النداء. فيجوز عند سيبويه أن يجري فيه الوجهان الجايان في: يا حار ويا حار. وعند المبرد مخصوص بلغة: يا حار بالضم لا غير. والآخر: انه ترك صرفه ¬

_ (¬1) البيت من البحر البسيط. وهو في أمالي القالي منسوب لبعض بني عمرو بن كلدة 2/ 140. ولم يذكره مصدر آخر. (¬2) قال سيبويه: "وأعلم أن الترخيم لا يكون إلا في النداء إلا أن يضطر شاعر". وقال: "واعلم أن الترخيم لا يكون في مضاف إليه ولا في وصف لأنهما غير مناديين" انظر الكتاب 1/ 239، 240. (¬3) فاللغة الأولى لغة من ينتظر، والثانية لغة من لا ينتظر.

[إملاء 27] [ضعف تمييز المضمر]

على رأي أهل الكوفة (¬1)، فإن السبب الواحد عندهم غير (¬2) مانع. [إملاء 27] [ضعف تمييز المضمر] وقال ممليا على قول الشاعر: يبسط للفتية وجها جأبا ... بسط ذراعيه لعظم كلبا (¬3) "كلبا": نصب على التمييز، وليس له وجه سواه. وفيه ضعف من جهة أن التمييز عن المضمر في مثل قولهم: كلبا (¬4)، لله دره فارسا، إنما كان لأنك أضفت المدح إليه وأنت تعني أمرا آخر، فحسن التمييز لتفسيره ذلك الأمر المتعدد في التقدير كما حسن قوله: زيد أحسن وجها، وأعجبني حسنه وجها. في البيت: الضمير في " ذراعيه" هو عين الظاهر المنصوب بخلاف الأول وشبهه. وعلى هذا حمل بعض المفسرين قوله: {فلما رأوه عارضا} (¬5)، ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: "وأما السبب الواحد فغير مانع أبدا. وما تعلق به الكوفيون في إجازة منعه في الشعر ليس بثبت". المفصل ص17. وقد ذكر ابن الحاجب في الإيضاح (1/ 148، 149، 150) بعض الأبيات التي استدل بها الكوفيون وبين أنها ليست بحجة. من ذلك قول عباس بن مرداش فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع (¬2) وردت هذه الكلمة في جميع النسخ. والصواب حذفها حتى يستقيم المعنى. (¬3) هذا البيت من الرجز. وقد رواه ابن منظور مع بعض التغيير: يصفح للقنة وجها جأبا ... صفح ذراعيه لعظم كلبا وذكر أنه نقل عن الأصمعي أن البيت لأبي القعقاع اليشكري. اللسان (جأب). القنة: ضرب من الأدوية، وجمعها قنن. اللسان (قنن). والجأب: الغليظ. اللسان (جأب). (¬4) وجدت هذه الكلمة في الأصل وفي النسخ الخرى ما عدا نسخة ب حيث شطبت وواضح أنها زائدة غير لازمة الأحقاف: 24. (¬5).

[إملاء 28] [إعراب عجز بيت مجهول القائل]

فقال: " عارضا" تمييز للضمير المبهم في " رأوه" (¬1). ومثله باتفاق التمييز في قولهم: نعم رجلا، وبئس رجلا، فإنه تمييز للمضمر نفسه لا لما يتعلق به. [إملاء 28] [إعراب عجز بيت مجهول القائل] وقال ممليا على قول الشاعر: فيا حصيات كن في لمس كفها ... رزقتن ريا من نشا المسك أطيبا (¬2) " أطيبا": صفة لـ "ريا"، ويكون قوله: من نشا أو من شذا، متعلقا بـ "رزقتن". ويحتمل أن يكون "أطيب" صفة بعد صفة، أي: رزقتن ريا حاصلة من نشا المسك أطيب من مثلها. ويجوز أن يكون " من نشا المسك" متعلقا بـ " أطيب" المتأخرة. وهذا يرد عليه الفصل بين الصفة [والموصوف] (¬3). والجواب عنه: أن هذا الفصل من تتمة الصفة كما يقال: مررت برجل من زيد أفضل، إن جوزنا تقدم "من"، وإن منعنا تقدمها كان "أطيب" مفسرا لـ " أطيب" مرادة، والمفسر إعرابه إعراب المفسر. [إملاء 29] [معنى وإعراب بيت لعدي بن زيد] وقال ممليا على قول الشاعر عدي بن زيد: من رأيت المنون عرين أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير (¬4) ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: " إما تمييزا وأما حالا وهذا الوجه أعرب وأفصح". الكشاف 3/ 524. (¬2) هذا البيت من البحر الطويل. وهو من جملة أبيات أنشدها أو علي القالي في ذيل الأمالي والنوادر ص96، ولم ينسبها لأحد. وقوله: نشأ المسك، أي: رائحة المسك. (¬3) زيادة من عندي، حتى يستقيم معنى الجملة. (¬4) هذا البيت من الخفيف. انظر ديوان عدي بن زيد ص87 وفيه: خلدن، بدلا من: عرين. وهو من شواهد الخصائص1/ 94. وابن يعيش4/ 10. واللسان (منن). وكتاب المذكر والمؤنث للأنباري ص227.

"من": مبتدأ، و"المنون" مبتدأ ثان، و"عرين" فعل لم يسم فاعله ومفعول لم يسم فاعله خبر لـ " المنون". والضمير إما للمنون تنزيلا له منزلة المنايا لأنه يستعمل في معناها، ولذلك قال الفراء: المنون مؤنثة وتكون واحدة وجمعا. فيحتاج إلى ضمير يعود على "من" لأن هذا المبتدأ والخبر خبر له، ويكون قد بنى الفعل لضمير المفعول الثاني وحذف المفعول الأول وإن كان ضميره مرادا. ويجوز أن يكون الضمير في " عرين" عائدا على "من" حيث المعنى، لأن المراد النفوس، فيكون هو الضمير الذي يحتاج إليه "من" ويكون الضمير الذي يحتاج إليه "المنون" محذوفا، والفعل مبني لضمير المفعول الأول على ما هو الأحسن، وضمير المفعول الثاني محذوف. ومعنى البيت: أنه لم ير أحد عري من المنون، أي: سليم منها. وأتى به على وجه الاستفهام على معنى الاستبعاد والإنكار كقوله: فمن حدثتموه له علينا العلاء (¬1) أتى بـ "رأيت" توكيدا للقضية أنه لم ير أحد سلم من المنون. ويجوز أن يكون "رأيت" على هذا ملغى. ويجوز أن يقال: إن "من" مفعول أول لـ "رأيت"، و"المنون عرين" مبتدأ وخبر في موضع نصب على أنه مفعول ثان، والمعنى على حاله. ¬

_ (¬1) البيت بتمامه: إن منعتم ما تسألون فمن ... حدثتموه له علينا العلاء وهو من البحر الخفيف وقائله الحارث بن حلزة. انظر ديوانه ص12 (إعداد وتحقيق هاشم الطعان).

[إملاء 30] [توجيه إعراب كلمة في بيت لحميد الأرقط]

[إملاء 30] [توجيه إعراب كلمة في بيت لحميد الأرقط] وقال ممليا على قول الشاعر: فأصبحوا والنوي عالي معرسهم ... وليس كل النوى يلقى المساكين (¬1) يجوز الرفع والنصب في " كل"، والنصب أوجه. فالرفع على وجهين: على أن يكون اسما لليس، وعلى أن يكون مبتدأ، ويكون في "ليس" ضمير الشأن. ويضعفان لحذف الضمير العائد على (¬2) المبتدأ أو ما هو في معنى المبتدأ، إذ التقدير: يلقيه المساكين. وعلى أنه قد جاء مثل ذلك في قراءة ابن عامر في قوله: {وكلا وعد الله الحسنى} (¬3)، والتقدير: وكل وعده الله الحسنى. ولولا هذا التقدير لم يستقم الرفع. إلا أن النصب أوجه؛ لأنه مثل النصب في قوله: {وكلا وعد الله الحسنى}. فـ " كل النوى" مفعول بـ " يلقى" قدم على فعله (¬4). وفي " ليس" ضمير الشأن، وليس في ضمير الشأن بعد، بل هو باب واسع، فجاء النصب على وجه لا مضعف له ولم ينفك الرفع عن مضعف على ما تقدم. فأما ما يتوهم من أن " المساكين" مبتدأ، و"كل النوي" مفعول بـ " يلقى" ¬

_ (¬1) البيت من البحر البسيط وقائله حيمد الأرقط. وهو من شواهد سيبويه 1/ 70، والمقتضب 4/ 100، وأمالي ابن الشجري 2/ 203. والمعرس: المنزل الذي ينزل فيه المسافر ليلا. اللسان (عرس). ورواية سيبويه: تلقى. (¬2) في س: إلى. (¬3) الحديد: 10. وقد قرأها ابن عامر بالرفع على أنه مبتدأ. انظر البحر المحيط 8/ 219. (¬4) قال سيبويه: "ولكنه انتصب على تلقى. ولايجوز أن تحمل المساكين على ليس وقد قدمت فجعلت الذي يعمل فيه الفعل الآخر يلي الأول، وهذا لا يحسن"، الكتاب1/ 70.

[إملاء 31] [معنى وإعراب بيت لعمرو بن ملقط]

مقدم على فعله، فغير مستقيم أصلا، لأنه يؤدي إلى تقدم الفعل الذي هو خبر عن المبتدأ عليه، وإلى خلو الفعل عن ضمير من هو له، وهو غير سائغ. وأما قول بعض المتأخرين: أبين جفنيك رام من بني ثعل ... ام ليس تخطى الرمايا أسهم المقل (¬1) ففي "ليس" ضمير الشأن، و" يخطي الرمايا" فعل ومفعول وفاعل، قدم فيه المفعول على الفاعل. ولا بستقيم أن يكون " أسهم المقل" اسما لـ "ليس" ولا مبتدأ، على أن يكون في "ليس" ضمير الشأن، لأنه يؤدي إلى تقديم الفعل الذي هو خبر المبتدأ عليه. ولو ساغ ذلك لساغ أن يكون "زيد" في: قام زيد، مبتدأ، خبره ما تقدم عليه من قولك: قام ولم يصر إليه أحد من المحققين ووجهه ما فهم عن العرب من التزامهم حذف الضمير في مثل قولهم: قام الزيدان وقام الزيدون. ولو كان مبتدأ لوجب أن يقال: قاما الزيدان وقاموا الزيدون، لأن خبر المبتدأ إذا كان جملة لا ينفك عن ضمير يعود على المبتدأ، ولما لم يقل ذلك دل على أنهم التزموا في الفعل إذا كان خبرا ألا يقدم، فإذا وقع فعل مقدم فالاسم بعده فاعل لا مبتدأ على ما بقرر. [إملاء 31] [معنى وإعراب بيت لعمرو بن ملقط] وقال ممليا على قول عمرو بن ملقط الجاهلي (¬2): ¬

_ (¬1) هذا البيت من البحر البسيط. ولم أعثر له على قائل. وثعل: أبو حي من طيء، وهو ثعل بن عمرو أخو نبهان. الصحاح (ثعل). والظاهر أن هذا الحي كان مشهورا بالرماية. والمقل: جمع مقلة، وهي شحمة العين التي تجمع البياض والسواد. الصحاح (مقل). (¬2) في ب: جاهلي.

مهما لي الليلة مهما ليه ... أودى بنعلي وسر باليه (¬1) يجوز أن يكون "مه" من قوله: مهما لي الليلة، اسم فعل من قولهم: مه، أي: اسكت واكفف عما أنت فيه من اللوم وشبهه. كأنه يخاطب لائما على ما رآه من الوله. ثم قال: ما لي الليلة؟ تعظيما للحال التي أصابته والشدة التي أدركته. ثم ذكر الأمر الذي يحقق تعظيم الأمر فقال: أودى بنعلي وسر باليه، يعني: ذهب بنعلي وسرباليه، كقوله تعالى: {هلك عني سلطانيه} (¬2). وإذا ذهب عنه نعله وسرباله وضلا (¬3) دل على أن حاله بلغت مبلغا أذهلته عما لا يذهل متيقظ عن مثله. وصورة الاستفهام للتعظيم. ثم يجيء ما يحقق ذلك التعظيم بجملة أخرى بعد ذلك من فصيح كلام العرب وبديعه. قال لله تعالى: {الحاقة. ما الحاقة. ما أدراك ما الحاقة} (¬4)، ثم قال: {كذبت ثمود} (¬5)، وقال: {القارعة. ما القارعة} (¬6)، ثم قال: {يوم يكون الناس} (¬7)، ذلك كثير ويجوز أن يكون "مهما" أصله: ماما، كررت ما الاستفهامية للتأكيد ¬

_ (¬1) البيت من البحر السريع. وهو من شواهد الرضي2/ 253، ونوادر أبي زيد 62، والهمع 2/ 58، والمغني 1/ 114 (دمشق)، والكشاف 2/ 109. والسربال: القميص والدرع. اللسان (سربل). (¬2) الحاقة: 29. (¬3) في ب: وضل. (¬4) الحاقة: 3،2،1. (¬5) الحاقة:4. (¬6) القارعة: 2،1. (¬7) القارعة:3س.

اللفظي فقلبت الألف الأولى هاء، كما قلبت ألف الشرطية في قولهم: مهما، وهي عند الأكثرين أصلها: ماما (¬1)، وليس ذلك بقياس، وإنما هو حمل لفظ العربي على ما يحتمله مما هو من جنس كلامهم. وليس من القياس المختلف فيه في شيء. يجوز أن يكون "ما" الأولى قدر الوقف عليها فقلبت ألفها هاء ثم أجري الوصل مجرى الوقف. والوجه الأول أوجه وأوضح. والباء في قوله: "بنعلي" (¬2)، يعني: أذهبهما وأضلهما عني (¬3). يقال: أذهبته وذهبت به، بمعنى واحد. و"سرباليه" معطوف على قوله: بنعلي. و" ما" في موضع رفع بالابتداء، إذ ليس بعدها فعل مسلط عليها. وكل ما كان كذلك من هذا الباب مرفوع (¬4) علي الابتداء. و"الليلة" ظرف معمول، إما لمتعلق الجار في قوله: لي، لأنه خبر المبتدأ، يتعلق بمحذوف، أي: ما حصل لي واستقر، وإما بما تضمنه معنى الجملة الكبرى بكمالها، لأن معناها. ما أصنع وما ألابس؟ مثله في: ما لك واقفا؟. ¬

_ (¬1) قال سيبويه: " ولكنهم استقبحوا أن يكرروا لفظا واحدا فيقولوا: ماما، فأبدلت الهاء من الألف الأولى". الكتاب 3/ 60. (¬2) ونقل البغدادي عن الفارسي جواز كونها زائدة. كأنه قال: أودى نعلاي. انظر الخزانة 9/ 20 (هارون). (¬3) لم يتعرض ابن الحاجب لشرح الفاعل في قوله: أودى. ويجوز أن يكون التقدير: أودى مود، أي: ذهب ذاهب. ومذهب أبي علي أحسن، لأنه لا يؤدي إلى مثل هذا التقدير .. (¬4) في الأصل وفي م، د: مرفوعا. وهو خطأ لأنه خبر المبتدأ (كل).

[إملاء 32] [معنى بيت لجرير]

[إملاء 32] [معنى بيت لجرير] وقال ممليا على قول الشاعر: لو أن عصم عمايتين ويذبل ... سمعا حديثك أنزلا الأوعالا (¬1) يجوز أن يكون في "أنزل" ضمير تثنية عائدا إلى ما عاد إليه الضمير في "سمعا" وهو: عصم عمايتين ويذبل، أي: عصم هذا وعصم هذا، ثم ثنى على تأويل الجمعين كقولك: غنمان وإبلان. أي: لو أن هذين القبيلين سمعا حديثك أنزلا أنفسهما من محالهما التي لا ينقكان عنها اعتصاما بها إلى المحل الذي لا يعتصمان فيه لخروجهما بسماعه عن حال الا عتدال. وإذا كان هذا الحديث فاعلا بما لا يعقل هذا الفعل لحسنه ورونقه فكيف فعله في العقلاء! وأوقع " الأوعال" موقع قوله: أنفسهما، لينزن الشعر وتسقيم القافية، والمعنى واحد؛ لأن الأوعال هي العصم المذكورة في صدر البيت. ويجوز أن لا يكون في "أنزل" ضمير تثنية، ويكون فيه ضمير قوله: حديثك، أي: أنزل حديثك الأوعال. فأوقع " الأوعال" موقع المضمر، والمعنى: أنزلها أو أنزلهما، فأوقع المظهر موقع المضمر ليتزن البيت وتستقيم القافية. وكلا الوجهين حسن مستقيم، والترجيح فيهما لما يثبت نقله منهما. ¬

_ (¬1) هذا البيت من الكامل، وهو لجرير. انظر ديوانه ص361 (بيروت). عماية وبذبل: جبلان بالعالية. معجم البلدان4/ 152. وقد ثنى عماية على عادة الشعراء في ذلك. وانظر: الهمع 1/ 42، والدرر1/ 17.

[إملاء 33] [استفتاء في أبيات مجهولة القائل والجواب عنه]

[إملاء 33] [استفتاء في أبيات مجهولة القائل والجواب عنه] وقال ممليا عن استفتاو شعر وهو (¬1): ما القول قي امرأة قالت وقد ورثت ... إني سأحكم حكما ما به باس سهامنا ستة لستة قسمت ... ونحن ستة وراث وأكياس فلا بنتي وأختي ثم والدتي ... ولي ولابني هذا المال أسداس الجواب: هذا أخوها لأم كان وارثه ... أما وأخنين منها إذا أتى الكاس (¬2) ومعتقين ونم أولادها اشتركوا ... على السواء فللميراث لم ياسوا فكلهم وارث منها كما ذكرت ... سدسا ولا ريبة فيها ولا باس [إملاء 34] [شرط ضمير الفصل] وقال: الفصل شرطه أن يأتي على طبق الخبر في إفراده وتثنيته وجمعه وتذكيره وتأنيثه كقولك: زيد هو القائم، وكان الزيدان هما القائمين وهم القائمين، ولا يجوز عكسه، لا يجوز هم القائمين ولا هو القائمين. وإنما كان كذلك إما ضمير على التحقيق وإما مشابه للضمير. فإن كان ضميرا فلا إشكال في تعليله، وإن لم يكن ضميرا فهو مشابه له في الصورة، فقصدوا أن يجروه مجرى الضمير لئلا يقع الاختلاط، ولا يحصل فيه انضباط، وإذا تقرر ذلك فقول الشاعر: ¬

_ (¬1) هذه الأبيات من البحر البسيط ولم أعثر على قائلها. (¬2) الكاس: الموت.

[إملاء 35] [معنى بيت لابن قلاقس الإسكندري]

وكائن بالأطح من صديق ... يراني لو أصيب هو المصابا (¬1) كان ينبعي أن يكون: أنا، لأن الصاب مفعول ثان لـ " يراني"، والمفعول الأول الياء, وهي للمتكلم، المفعول الثاني هو الأول في المعنى، فكان يجب أن يكون الفاصل على القياس المتقدم: أنا. ووجهه أنه ليس على الفصل، بل هو تأكيد للضمير المستتر في "يراني"، أو للضمير في "أصيب". وأما إن قدر: لو أصبت، لم يستقم المعنى، إذ يصير تقديره: يراني مصابا إذا أصابتني مصيبة، ولايخبر بمثل ذلك عاقل، إذ لا يتوهم خلافه. [إملاء 35] [معنى بيت لابن قلاقس الإسكندري] وقال وقد سئل عن قول ابن قلاقس الإسكندري (¬2): ما بال هذا الريم أن لا يريم ... لو كان يرثي لسليم سليم (¬3) فقال: "سليم" الثاين فاعل لـ "يرثي"، بمعنى: سالم. و" سليم" الأول بمعنى: لديغ. فإنهم يقولون للديغ": سليم، وللأعمى (¬4) بصير، على سبيل ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر وقائله جرير. انظر ديوانه ص 21 (بيروت). والرواية فيه: لو أصبت. وهو من شواهد الرضي 2/ 24، وابن يعيش 3/ 110، والمقرب 1/ 119، والمغني 2/ 548 (دمشق)، والهمع 1/ 67، وأمالي ابن الشجري 1/ 106. (¬2) هو نصر الله ين عبد الله بن قلاقس الاسكندري. كانت ولادته بالا سكندرية سنة 532هـ. وتوفي بعيذاب سنة67هـ. كان شاعرا مجيدا وفاضلا نبيلا. انظر: وفيات الأعيان6/ 385. (¬3) البيت من البحر السريع. انظر ديوانه ص539 (رسالة دكتوراه- إعداد سهام الفريح -جامة القاهرة سنة1398هـ- 1978م). وقد ذكره ابن خلكان (06/ 385) برواية مختلفة: ما ضر ذاك الريم لا يريم. وقال: إنه مطلع قصيدة قالها في مدح القاضي الفاضل عبد الرحيم. الريم: الظبي الأبيض. لابريم: لا يبرح. انظر: اللسان (ريم). (¬4) في الأصل وفي م: الأعمى. وما أثبتناه أصوب.

التفاؤل. ولا يحسن أن يكون "سليم" الثاني تأكيدا للأول على وجه التأكيد اللفظي، لأنه أولا قد فهم منه قصد التجانس، وليس هذا عندهم معدودا في التجانس. وأيضا فأنه يلزم أن يكون لـ " يرثي" مضمر عائد (¬1) على " الريم"وليس المعنى عليه، فظهر أن الوجه أن يكون على ما ذكرناه ويكون جواب " لو" محذوفا دل عليه ما قبله، لأن ما قبله يدل على إنكار ذلك وهو كونه: لايريم، والتعجب منه. ثم قال: لوكان يرثي لسليم سليم، على أحد وجهين: إما على الإنكار على نفسه في إنكار الأول، أي: لو كان يرثى للديغ سالم لتوجه الإنكار أو التعجب، أما إذا كان جاريا على المعتاد فلا معنى للإنكار أو للتعجب. وإما على أن يكون الجواب ما دل عليه قوله: أن لا يريم، كأنه لو كان يرثي لسليم سليم لرام. فإن قيل: فقد تقدم ذكر الريم، فليكن فاعل "يرثي" باللام لأنه معهود سابق. فالجواب: أن ذلك إنما يكون إذا أعيد اللفظ الأول مثل قولهم: جاءني رجل، ثم تقول: ما فعل الرجل. وإنما فعلوا ذلك لئلا يؤدي إلى الإلباي بغيره. فإن قيل: لا يلائم عجز البيت صدره، لأن اوله خاص وآخره عام، لأن "لو" من حروف الشرط، والمعلق على الشرط يعم بدليل قولهم: لو أكلامتني أكرمتك، وهذا عام. فالجواب: إنما يمتنع لو لم يكن المذكور في صدر البيت داخلا في العموم، وأما إذا كان داخلا فلا يمتنع، فإن المعنى: لو كان يرثي سليم ما لسليم، فيدخل الريم وعيره. ¬

_ (¬1) في الأصل وفي النسخ الأخرى: مضمرا عائدا. والصواب ما أثبتناه لأنه اسم (يكون).

[إملاء 36] [لا يصح التمييز عن كل مبهم]

[إملاء 36] [لا يصح التمييز عن كل مبهم] وقال: توهم تعض النحويين أنه يصح التمييز عن كل مبهم مثل قوله تعالى: {فاما رأوه عارضا} (¬1). ويزعم أنه مصوب على التمييز (¬2) من الضمير في (رأوه)، وكذلك قول الشاعر: لا بارك الرحمن فيها عقربا ... دبابة دبت إلى دباب (¬3) وكذلك توهم في قوله تعالى: {ماذا أراد الله بهذا مثلا} (¬4)، وشبهه كثير. وهذا غلط، لأن التمييز رفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة أو مقدرة. ونعني بالمستقر ما لا ينفك عنه الإبهام باعتبار الوضع، والمضمر ليس فيه ذلك. فإنه إنما يضمر الشيء بعد أن يعرف، واسم الإشارة وإن سمي مبهما فلا ينفك عن قرينة مشروطة فيه باعتبار الوضع يتبين بها غالبا، ومن هذه الجهة كان الوهم لما رأوها لايفهم منها ماهية مسماها توهموا أنها كعشرين وثلاثين وليسا بسواء، إذ عشرون وثلاثون لا ينفك عن الإبهام باعتبار الوضع. وهذا وبابه إن فرض إبهام فللذهول عن قرينة الإشارة المعينة، وصحة وصفها بأسماء الأجناس كقولك: مررت بهذا الرجل واشتريت هذا الكتاب، توهم ذلك من حيث إن الصفة المعنى فيها هو المقصود. فلو كان هذا يفهم منه الرجولية بالإشارة، لكان الرجل ونحوه تكريرا. ¬

_ (¬1) الأحقاف: 24. (¬2) قال الزمخشري: " إما تمييزا وإما حالا. وهذا الوجه أعرب وأفصح". الكشاف 3/ 524. (¬3) هذا البيت من الرجز. وقد ذكره ابن شاكر في فوات الوفيات3/ 93 (تحقيق الدكتور إحسان عباس)، وقال: إنه لابن بسام البغدادي وه علي بن محمد بن نصر منصور بن بسام أبوالحسن البغدادي المتوفي سنة 302هـ. (¬4) البقرة: 26. وذكر أبو حيان أن انتصابه على التمييز عند البصريين. أما الكوفيون فإنهم ينصبونه على القطع. قال: " والمختار نصبه على التمييز". البحر المحيط1/ 125.

[إملاء 37] [معنى بيتين مجهولي القائل]

والجواب: أن الصفة ليست كالتمييز فإنها تجري للتوضيح والتخصيص. ولما كان المشار إليه ههنا محتملا هذه الذات وغيرها بتقدير الجهل بالقرينة حسن إجراء هذه الأسماء وصفا، كما حسن أن تقول: العين الباصرة والعين الجارية، ولو صح منها تمييز بهذا الاحتمال من الأسماء المشتركة، ولاقائل به ولا (¬1) جرم، لما جاء شيء من الضمائر مبهمة الذات فسرت بمنصوب على التمييز كقولهم: ربه رجلا ونعم رجلا، وما أشبه ذلك. [إملاء 37] [معنى بيتين مجهولي القائل] وقال وقد سئل عن قول بعض المبتدئين في صناعة الشعر: يا عقرب الصدغ على خده ... خافي من الآس على ورده ويا قضيب البان خف خشية ... من دقة الخصر على قده (¬2) شبه ما ينعطف من أطراف شعر الصدغ بالعقرب، وأضاف إليه لا ختصاصه به. وقوله: على خده، حال لبيان محله. وقوله: خافي، أمر من: خاف يخاف، لما اتصل به ضمير المخاطب المؤنث وجب إثبات ألفه، وكذالك: خافا وخافوا، وخفي: لحن فاحش. وقوله: من الآس على ورده، تشبيه لمبادي شعر الوجه بالآس لخضرته وللحمرة به بحمرة الورد. ¬

_ (¬1) في ب، د، س: لا. (¬2) هذان البيتان من البحر السريع ولم أعثر لهما على قائل. الصدغ: ما انحدر من الرأس إلى مركب اللحيين، وقيل: هو ما بين العين والأذن. انظر اللسان (صدغ). الآس: ضرب من الرياحين. والبان: شجر يسمو ويطول في استواء وليس لخشبه صلابة، واحدته بانه.

[إملاء 38] [توجيه إعراب كلمتين في بيت لعمر وبن معد يكرب]

ويحتمل قوله: خافي، إلى آخره (¬1)، أمورا: أحدها: أن يكون: خافي على نفسك مما يجاورك من الآس في حال حصوله لى الورد، أو: خافي من الشعر المشب للآس على عادتها في نفرتها من خشونة الشعر. أو: خافي على الورد أن يغلب عليه الآس. فتعلق " على ورده" في الأول والثاني بمحذوف حال من الآس، وتعلقه في الثالث بـ "خافي". وقوله: ويا قضيب البان، شبه قامته بقضيب البان على عادتهم. وقوله: من دقة الخصر على قده، كالأول والثالث في قوله: على ورده (¬2). وكل هذه التشبيهات مستعملة في أشعار الشعراء. والأمر بالخوف في البيتين غريب، وليس ببعيد عن الاستحسان. [إملاء 38] [توجيه إعراب كلمتين في بيت لعمر وبن معد يكرب] وقال ممليا على قول الشاعر وهو من أبيات سيبويه: الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول (¬3) يروى بنصب "أول" ونصب " فتبية" ورفعهما، ورفع الأول ونصب الثاني، ونصب الأول ورفع الثاني. ¬

_ (¬1) إلى آخره: سقطت من د. (¬2) فقوله: على قده، متعلق بمحذوف حال من الخصر، أو متعلق بقوله: خف. (¬3) هذا البيت من الكامل وقائله عمرو بن معد يكرب. انظر شعره ص142. وهو من شواهد سيبويه1/ 401، والمقتضب 3/ 251، والحماسة البصرية 1/ 18، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص220، والإيضاح في شرح المفصل 1/ 200. ورواية سيبويه والمقتضب: تسعى ببزتها. والشاهد فيه رفيه رفع (أول) ونصب (فتية) والعكس، ورفعهما جميعا ونصبهما على تقديرات مختلفة.

فإذا انتصبا جميعا (¬1) كان نصب "فتية" إما على أن يكون حالا إما من الضمير في "تسعى"، أي: تسعى ببزتها (¬2) في حال كونها فتية وإما حال من الضمير في "تكون" على أن يكون "أول" ظرفا معمولا لـ "تسعى"، أي: تسعى ببزتها لكل جهول في زمن أول وجودها في هذه الحال، فيكون المعنى على أنسعيها ببزتها في أول زمن وجودها على هذه الحال. وإما على أن تكون خبرا لـ "تكون" والمعنى كان. والنصب في "أول" إما على الظرف لـ " تسعى"، أي: تسعى بزينتها أول وجودها، وإما على الظرف لـ " فتية" على أن لا تكون معمولا لـ "تكون" بل لـ "تسعى"، أي: تسعى بزينتها في حال كونها فتية في أول وجودها. وإذا ارتفعا جميعا كان رفع "أول" على أنه بدل من الحرب، وخبره " فتية"، كأنه قال: أول أكوان الحرب فتية، وهو من بدل الاشتمال. وصح الإخبار عن الكون بصفة ما هو كائن فيه كما صح وصف الليل بنائم ووصف اليوم بالأليم، كقولهم: ليل نائم، ومن عذاب يوم أليم، فوصف بصفة ما هو واقع فيه. ولا يستقيم أن يكون خبرا بعد خبر، إذ لا يستقيم أن يخبر عن الحرب بأول أكوانها لفساد المعنى لتغابر الذاتين في المعنى. ورفع " فتية" واضح (¬3). وإذا انتصب الأول وارتفع الثاني كان نصب "أول" على أنه ظرف لـ "فتية"، أي: فتية أول ما تكون، كأنه قيل: مستحسنة أول أكوانها. ولا يجوز أن يكون حالا من الحرب لأنه مبتدأ، ولا موضع خبر عنه، لأنه لا فائدة ¬

_ (¬1) ولم يذك ر سيبويه هذا الوجه. (¬2) في د: بزينتها. (¬3) على أنه خبر المبتدأ الذي هو: الحرب.

[إملاء 39] [معنى بيت غريب]

فيه إذ كل شيئ مستقر أول أكونه. ولا يجوز أن يكون معمولا لـ " تسعى" لوقوعه بين مبتدأ وخبر قبله، ورفع "فتية" على أنه خبر المبتدأ. وإذا ارتفع الأول وانتصب الثاني كان "أول" إما مبتدأ ثانيا و"فتية" حال سد مسد الخبر كقولك: زيد أخطب ما يكون قائما، وإما بدلا من " الحرب" بدل الاشتمال، و"فتية" حال سد مسد الخبر أيضا، كأنك قلت: أول ما تكون الحرب فتية. ونصب " فتية" كنصب " قائما" في قولك: أخطب ما يكون الأمير قائما (¬1). ومهما جعل "تسعى" عاملا فيما قبله كان خبر المبتدأ، ومهما جعل ما قبله خبرا كان إما خبرا بعد خبر، وإما جملة مستأنفة. [إملاء 39] [معنى بيت غريب] وقال وقد سئل عن معنى قول الشاعر: في فتى علق الطلاق بشهر ... قبل مابعد قبله رمضان (¬2) بعد أن ادعي أنه من المعاني الدقيقة الغريبة التي لا يعرفها في مثل هذا الزمان أحد. فقلت: إنما يستعظم معنى مثل ذلك قوم ليست لهم ممارسة لدقائق العلوم الشرعية. فإذا وقع لهم أنهم فهموا مثله رأوا أنهم فازوا من العلم بنائل أو حلوا بطائل. وقد أجريت هذه المسألة بعينها بمصر وأجيب بما فيه كفاية. ثم سئلت ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "كأنه قال: الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية، كما تقول: عبد الله أحسن ما يكون قائما". الكتاب 1/ 402. (¬2) وهذا البيت من البحر الخفيف ولم أعثر على قائله.

عنها بدمشق، فقلت: هذا البيت ينشد على ثمانية أوجه. لأن ما بعد "قبل" الأول قد يكون قبلين وقد يكون بعدين، وقد يكونان مختلفين. فهذه أربعة أوجه، كل واحد منها قد يكون قبله قبل وقد يكون قبله بعد، صارت ثمانية. ثم أقدم قاعدة ينبني بفسير الجميع عليها، وهو أن كل ما اجتمع فيه منها قبل وبعد فألغهما، لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده، فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان، فيكون شعبان، أو قبله رمضان، فيكون شوالا، فلم يبق إلا ما جميعه قبل أوجميعه بعد. فالأول هو الشهر الرابع من رمضان، لأن معنى: قبل ما قبل قبله رمضان، شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله وذلك ذو الحجة. والثاني وهو الرابع أيضا ولكن على العكس، لأن معنى: بعد مابعد بعده رمضان، شهر تأخر رمضان بعد شهرين بعده وذلك جمادى الآخرة فإذا بقرر ذلك فقل: قبل ما قبله رمضان ذو الحجة، لأن ما قبل قبله شوال وقبله رمضان، فهو ذو الحجة. وقبل ما بعد بعده رمضان شعبان، لأن المعنى: بعده رمضان وذلك شعبان. قبل ما قبل بعده رمضان شوال، لأن المعنى: قبله رمضان وذلك شوال. قبل ما بعد قبله رمضان شوال، لأن المعنى أيضا: قبله رمضان وذلك شوال. فهذه الأربعة الأول، ثم أجر الأربعة الأخر على ما بقدم. فقل: بعد ما قبل قبله رمضان شوال، لأن المعنى: قبله رمضان وذلك شوال، بعد ما بعد بعده رمضان جمادى ألأخرة، لأن المعنى: ما بعده شعبان وبعده رمضان فهو جمادى الآخرة. بعد ما قبل بعده رمضان شعبان. لأن المعنى: بعده رمضان وذلك شعبان، بعد ما بعد قبله رمضان شعبان، لأن المعنى أيضا: بعده رمضان وذلك شعبان. وهذه المسألة منقولة من خط يده الكريمة.

[إملاء 40] [توجيه إعراب كلمة في بيت للمتنبي]

[إملاء 40] [توجيه إعراب كلمة في بيت للمتنبي] قال ممليا على قول المتنبي: مغاني الشعب طيبا في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزمان (¬1) يجوز أن يكون "طيبا" تمييزا من النسبة المفهومة من متعلق الخبر في قوله: بمنزلة الربيع، أي: مقدرة طيبا، أي: مقدر طيبها، فنسب إليها، والمراد طيبها. فلما قصد إلى تبيين المنسوب إليه ذكره منصوبا على التمييز كما تقول: زيد حسن وجها (¬2). ويلزم أن يكون فيه تقديم التمييز على عامله، إلا أن يقدر المتعلق قبله، كأنه قال: حاصل طيبها في المغاني بمنزلة الربيع. ويجوز أن يقال: إن النصف الأول جملة مستقلة، فيكون "طيبا" منصوبا على التمييز عن خبر محذوف دل عليه النصف الثاني، كأنه قال: أحسن طيبا وأظهر وما أشبهه. لأنه لما فضل الربيع على الزمان علم أن المراد تفضيل هذه المغاني على غيرها، ويكون قوله: في المغاني، متعلقا (¬3) بـ "أحسن" المقدر، ويكون قوله: بمنزلة، إما خبر مبتدأ (¬4) محذوف، أي: هي بمنزلة الربيع، ويجوز (¬5) أن يكون خبرا بعد خبر. ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر وهو مطلع قصيدة قالها في مدح عضد الدولة وولديه أبي الفوارس وأبي دلفسن ويذكر طريقه بشعب بوان. انظر الديوان 4/ 251. وقوله: الشعب، هو شعب بوان، وهو أحد متنزهات الدنيا، وهو في بلاد فارس. انظر: معجم البلدان (1/ 503). والمغاني: هي الأماكن التي فيها أهلها. (¬2) ونقل أبو البقاء عن أبي الفتح أن الشاميين ينصبونه بإضمار فعل، أي: تزيد طيبا، أو تطيب طيبا، وأن البغداديين يرفعونه. ووجه رفعه أن المغاني مبتدأ، وطيب خبره انظر: الديوان4/ 251. (¬3) في الأصل: متعلق. وهو خطأ. لأنه خبر يكون. (¬4) في م: لمبتدأ. وهو خطأ. ويصح لو كان ما قبلها منونا. (¬5) الأصوب أن تكون هذه الكلمة: وإما. ولكن هكذا وردت في جميع النسخ.

[إملاء 41] [معنى وإعراب بيت للمتنبي]

ويجوز أن يكون "طيبا" حلا معمولا لمتعق "بمنزلة"، أي: مقدرة بمنزلة الربيع من الزمان في حال طيبها بالنسبة إلى الأزمان، ولا يكون من باب تقديم الحال على العامل المعنوي، لأن العامل ههنا محذوف مقدر بلفظ: مقدرة، لا بالاستقرار. والتقديم على العامل المعنوي في مثل ذلك إنما يمتنع إذا كان المتعلق استقرارا. فأما إذا كان غيره فليس من ذلك، وإنما هو من باب المعمول المحذوف عامله، وذلك سائغ في الحال وغيره. وإن (¬1) قدرت متعلق " بمنزلة" مقدما على "طيب" اندفع الإشكال. [إملاء 41] [معنى وإعراب بيت للمتنبي] وقال ممليا على قول المتنبي وهو: أهلا بدار سباك أغيدها ... أبعد ما بان عنك خردها (¬2) أهلا بدار: دعاء للدار على وجهين: أحدهما: خطابها على نحو ما يخاطب المترحب به كعادتهم في خطاب الديار، لأنها لما قابلته (¬3) شبهها بمن أقبل عليه، وخاطبها بتحية الآدميين، فيكونن مفعولا بقوله: أتيت أهلا على الوجه الأول. والثاني: أن يكون استعمل ما هو للتحية للمخاطبين لمجرد الدعاء لما كثر دعاء حتى صار معنى الأهل فيه نسيا منسيا. ويفهم الدعاء فيه من لا ¬

_ (¬1) في م: وإذا. (¬2) هذا البيت من البحر المنسرح وهو مطلع قصيدة قالها في صباه يمدح فيها محمد بن عبيد الله العلوي. انظر: الديوان1/ 294. الأغيد: الناعم. والخرد: جمع خريدة وهي البكر التي لم تمس. قال أبو البقاء في معناه: "إنه لما دعا للدار بالسقيا ورجوع الأهل إليها بكى. وقال: هذه الدار أبعد شيء فارقك، وبان عنك جواريها الناعمات الأبكار". (¬3) في م: قابلها. والصواب ما أثبتناه، لأن المعنى يقتضيه.

يخطر له مدلول الأهل ببال، فيكون دعاء بالخبر على حسب ما يليق بالمدعو له، كأنه قال: عمرت أو سقيت أو ما أشبه ذلك، فيجوز (¬1) نصبه على المصدر. وقوله: سباك أغيدها، يجوز أن يكون جملة مستأنفة على الوجهين. ويجوز أن يكون صفة لقوله: بدار، على الوجهين، إلا أنه يقوى الوجه الأول للوجه الأول، ويقوى الوجه الثاني للوجه الثاني. ويصح أن يكون مخاطبا لنفسه وأن يكون مقدرا غير مخاطبا له، أي: مقول فيها: سباك أغيدها. وقوله: أبعد ما بان عنك خردها. أبعد: يجوز أن يكون حالا من "أغيدها"، أي: في حال كونه أبعد ما بان، كما تقول: جاءني زيد أحسن ما كان. ويضعف من وجهين: أحدهما: أنه مضاف إلى "ما بان"، فإما أن يقدر مصدرا، وإما أن يقدر ظرفا، فيجب أن يكون " أبعد" جزءا منهما في المعنى، فيمتنع جعله حالا لتغاير الذوات. والوجه الثاني: أنه لا بد في الحال الإفرادية من ضمير لصاحبها، ولا ضمير. والجواب عن الأول: أنه إذا أريد بأفعل التفضيل تفضيل من هو له على نفسه باعتبار أحواله، أضيف إلى "ما" هذه. لأنهم لو أضافوه كما يضيفونه إذا كان مفضلا لوقع اللبس بين تفضيل حال من أحواله على بقيتها وبين تفضيله على أحوال غيره، ويدل عليه جواز قولهم: اشتريته أرخص ما كان، وبعته أغلى ما كان، وأهنته أعز ما كان، وعززته أهون ما كان، والجواب عن الثاني من وجوه: أحدها: الضمير في خردها للأغيد وإن كان مؤنثا، لأن "إغيد" صفة في المعنى لمؤنث. الثاني: أن يكون المراد: خرد ¬

_ (¬1) في م: فيكون.

[إملاء 42] [معنى وإعراب بيت للمتنبي]

أغيد الدار، فلما قصد إلى إضافته وقد تقدم ذكرهما أضمرهما، وتعذر إضافة المضمر إلى المضمر، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (¬1). والثالث: أن يريد بالخرد الأغيد، فكرره بغير لفظه، فكأنه قال: أبعد ما بانوا عنك أو بن عنك. ويجوز أن يكون "أبعد" ظرفا معمولا لـ "سباك" أو لمعنى الدعاء في "أهلا"، وهذا أقوى باعتبار اللفظ، والأول أقوى باعتبار المعنى، وتقديره: سباك أغيدها في أبعد أزمنة البعد. أما "أبعد" فجملة مستأنفة لدخول همزة الاستفهام عليها، حذف فعلها للدلالة عليه. ومعناها الإنكار، على معنيين: أحدهما: أتترحب أو أتدعولها بعد أن بان أحبابك منها؟ والثاني: أتتأسف عليها بعد أن بانوا منها؟ ويجوز أن يكون من تتمة قوله: ظلت بها، في البيت الثاني (¬2)، فيكون تضمينا مع أنه لا حاجة إليه. [إملاء 42] [معنى وإعراب بيت للمتنبي] وقال ممليا على قول المتنبي وهو: يعلمن ذاك وما علمت وإنما ... أولاكما ببكى عليه العاقل (¬3) ¬

_ (¬1) مثل: واسأل القرية، أي: أهل القرية. (¬2) وهو قوله: ظلت بها تنطوي على كبد ... نضيجة فوق خلبها يدها (¬3) البيت من البحر الكامل وهو من قصيدة قالها في مدح القاضي أبي الفضل أحمد ين عبدالله الأنطاكي. الديوان 3/ 250. ومعنى قوله: أولاكما: أحكما، والعاقل: يريد به الفؤاد. وقد أوضح المؤلف معنى هذا البيت والبيت الذي قبله، وما قاله لا يختلف عما ذكره أبو البقاء في شرحه.

يقول: إن منازل أحبابي لشغفي بها من أجل أحبابي صار في قلبي لها منازل، وإذا كان في قلبي لها منازل لمنازل الأحباب لأجل الأحباب فما ظنك بالأحباب. ثم انعطف فقال: أقفرت أنت ممن كان يحلك منهم، والمنازل التي في قلبي لك لم تخل منك. وإذا لم تخل منها لأجل أحبابه فما ظنك بأحبابه (¬1). ثم انعطف على صفتها بوصف آخر زائد، أو ابتدأ به على الاستئناف في التقديرين قاصدا إلى أن هذه المنازل لها مزية بالعلم القائم بها. ثم أخبر بما معناه نفي وإثبات وهو قوله: وإنما، على أن منازل قلبه أولى بالبكاء عليها، لكونها عالمة، من البكاء على الجماد. واستغنى بما في قوة الكلام من قوله: ببكى عليه، من إظهار المعنى الذي من أجله كان البكاء. فكأنه قصد إلى معنى أولى المنازل التي بليت وأصابتها النوائب بالبكاء عليها هي المنازل التي شرفت بالعلم. يشير إلى أن فؤاده الذي كنى عنه بالمنازل قد أصابه من البلاء والألم ما لم يصب المنازل ببلاها وخلوها. و"أولاكما" مبتدأ، و"ببكى" متعلق به، و"عليه" متعلق "ببكى"، و"العاقل" خبر المبتدأ، كقولك: أولى الناس بالافضال علي أنت. وأفادت "إنما" ما يفيده قولك: ما أولاكما بالبكاء عليه إلا العاقل. وأتى بلفظ الخطاب للمنازل المثناة لما قصد إلى القبيلين، وإن كان لم يخاطب في صدر كلامه إلا المنازل الخارجة، ولكنه لما أدخلها معها في القصد في آخر الكلام وجب لفظ الخطاب، كما تقول: جاءني زيد وأنت ¬

_ (¬1) ما ذكره ابن الحاجب هنا هو معنى البيت الذي قبل البيت المقصود وهو قوله: لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت وهن منك أواهل ولإيضاح المعنى شرح هذا البيت، لأن البيتين مرتبطان في معناهما.

أكرمتكما، وإن كان زيد بلفظ الغيبة، إلا أنه لما قصد إدخاله في حكم المخاطب وجب إخراج الكلام فيهما مخرج الخطاب. وضعف أن يكون موضع "ببكى" يبكى عليه؛ لأنه إن جعل خبرا لم يخل أن يكون "العاقل" مرفوعا به أو مرفوعا بفعل مقدر. فإن كان مرفوعا به فسد المعنى. لأنك إن جعلت الضمير للعاقل بقي المبتدأ بلا عائد، إن جعلته للمبتدأ صار مبكيا عليه بـ"يبكى"، والعاقل مبيكا عليه بـ " يبكى" فيفسد. وإن كان مرفوعا بفعل مقدر ضعف من حيث إنه يصير مخرىا عن أولاهما بـ"يبكي العاقل عليه"، فلم يكن فيه تنبيه على جهة الأولوية، ولا تنبيه على علة الأولوية وهو العقل، لأن العاقل ههنا يصير الباكي، وفيما تقدم يصير هو الأولى بالبكاء عليه. وإن جعل حالا، كان قائلا: إن أولاكما في حال كونه مبكيا عليه العاقل منكما، فيفسد المعنى، لأنه يصير إلى أن المعنى أولاكما بأمر آخر غير البكاء من حيث إنه جعل كونه مبكيا عليه حالا ثابتة، فلا يستقيم أن يكون بيانا لجهة الأولوية، وإن جعل موضع "ببكى" يبكى، غير مبني لما لم يسم فاعله من حيث الوجهان المتقدمان، وهو أنه لم يذكر جهة الأولوية لأنه جعل البكاء خبرا، وهو يخالف جهة الأولوية. وأنه جعل العاقل باكيا، والسياق يقتضي خلافهما، إذ الغرض بيان جهة الأولوية، وبيان أن الأولى بالبكاء العاقل منهما (¬1). ¬

_ (¬1) قال أبو البقاء في معناه: "يقول: منازلك التي في الفؤاد يعلمن بحالك وحالهن. فهن أواهل بذكرك وأنت مقفرة من ذكر أهلك. ولست تذكرين منازلك التي في الفؤاد. أولاكما بالبكاو عليه العاقل، يعني منازل القلب. يريد: أن قلبي أولى بالبكاء لأنك جمد، لا تعلمين ما حل بك من فرقة أهلك". الديوان 2/ 250.

[إملاء 43] [معنى وإعراب بيت للمتنبي]

[إملاء 43] [معنى وإعراب بيت للمتنبي] وقال ممليا على قول المتنبي: أحاد أم سداس في أحاد ... لييلتنا المنوطة بالتناد (¬1) يجوز أن تكون "أم" فيه متضلة ويكون قد حذف الهمزة من أحاد ضرورة، كأنه قال: أأحاد أم سداس في أجاد لييلتنا؟ فيكون " أحاد" خبرا لـ "لييلتنا" واجب التقديم لكونه مع ما يعادله المقصود بالاستفهام. وشرط الهمزة المعادلة لـ "أم" أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين أحدهما، ويلي "أم" الآخر، كأنهم قصدوا إلى ان يفهموا السامع من أول الأمر المطلوب تعيينه. فيقولون إذا استفهموا عن تعيين خبر: أفائم زيد أم قاعد؟ أو أقائم أم قاعد زيد؟ وإذا استفهموا عن تعيين مخبر عنه والخبر واحد [يقولون] (¬2): أزيد قائم أم عمرو؟ أو أزيد أم عمرو قائم؟ ولا يقولون في الأول: أزيد قائم أم قاعد؟ ولا يقولون في الثاني: أقائم زيد أم عمرو؟ ويجوز أن تكون "أم" منقطعة، فيكون أحاد خبرا أيضا غير واجب التقديم لفقدان الموجب لتقديمه. فيكون قد أخبر عن ليلته بأنها واحدة، ثم لما نظر إلى طولها فحصل له الشك في أنها ست (¬3) فقال: بل أهي ست؟ (¬4) كقولهم: إنها لإبل أم شاء. ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر. وهو مطع قصيدة قالها يمدح علي بن إبراهيم التنوخي. انظر: الديوان1/ 353، ومغنى اللبيب1/ 47 (دمشق)، وشرح المشكل من شعر المتنبي ص70. ومعنى المنوطة: المتعلقة. والتناد: يوم القيامة. ونقل أبوالبقاء عن أبي الفتح أنه يريد: ينادي أصحابه بما يهتم به، وعلى هذا استطال الليلة حتى عزم في صباحها على الحرب، شوقا إلى ما عزم عليه. (¬2) زيادة من عندي يقتضيها السياق. (¬3) في ب: سنة. والصواب ما أثبتناه. (¬4) في ب: سنة. والصواب ما أثبتناه.

فلو قدم المبتدأ على المعنى الثاني لم يمتنع، ولو قدم المبتدأ في التقدير الأول لم يجز لما ذكرناه. والمعنى على الإعراب الأول: أنه استطال هذه الليلة فشك أهي واحدة أم ست (¬1) فطلب التعيين على مذاهبهم في التشكيكات الهذيانية كقوله: آأنت أم أم سالم (¬2) وعلى الإعراب الثاني: أنه أخبر أنها واحدة، ثم طرأ الشك عليه، فأضرب عن إخباره ثم سأل فقال: أهي ست؟ كقولهم: إنها لإبل أم شاء. وقوله: أحاد، يعني به واحدة، استعمل لفظة أحاد في غير ما وضع له، وكذلك سداس، وإنما أراد واحدة أم ست في واحدة. وأحاد وسداس عند من أثبته ليس موضوعا لواحد وستة، وإنما هو موضوع لواحد واحد وستة ستة، كقولك: جاء القوم أحاد وسداس، أي: واحدا واحدا وستة ستة. وأما استعمال أحاد بمعنى واحد مفرد، وسداس بمعنى ست فغير معروف (¬3). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الليل مثنى مثنى" (¬4)، وإن فسر بمعنى اثنتين اثنتين، ليس على معنى أن كل واحد من "مثنى" موضوع بمعنى اثنتين منفردا، وإنما ¬

_ (¬1) في ب: ستة. والصواب ما أثبتناه. (¬2) سبق الكلام عنه في الإملاء (112) من الأمالي على المفصل. ص: 457. (¬3) قال ابن هشام: "وأعلم أن هذا البيت اشتمل على لحنات: استعمال أحاد وسداس بمعنى واحدة وست، وإنما هي بمعنى واحدة واحدة وست ست. واستعمال سداس وأكثرهم يأباه ويخص العدد المعدول بما دون الخمسة. وتصغير ليلة على لييلة، وإنما صغرتها العرب على لييلية بزيادة الياء على غير قياس". مغني اللبيب1/ 48 (دمشق). (¬4) رواه أبو داود (صلاه:314)، والترمذي (صلاه: 207)، وابن ماجة (إقامة: 116).

[إملاء 44] [حذف علامة التأنيث من الفعل]

معنى كل واحدة منهما اثنين ااثنين (¬1)، وكررت للتأكيد. فلما فسرت فسرت بأصل المعنى دون التأكيد. ولو فسرت عليهما لقيل معناه: اثنتان اثنتان اثنتان اثنتان. [إملاء 44] [حذف علامة التأنيث من الفعل] قال النحاس (¬2) في كتابه الكافي (¬3) في النحو عن أبي إسحق الزجاج في قول الشاعر: ولو ولدت فقيرة جرو كلب ... لسب بذلك الجرو الكلابا (¬4) بقديره: ولو ولدت فقيرة الكلابا ياجر وكلب لسب بذلك السبب الجرو. وقال رحمه الله ممليا: يلزم قائل هذا القول أنه حذف علامة التأنيث من قوله: لسب، وهو ضعيف، لأن الفعل إذا أسند إلى فاعل مضمر غير حقيقي فالفصيح إثبات العلامة، فهذا جاء به على ذلك الوجه البعيد. وكان يلزمه على الفصيح أن يقول: لسبت. ¬

_ (¬1) هكذا في الأصل والنسخ الأخرى. والصواب: اثنتان اثنتان. (¬2) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو جعفر النحاس. أخذ عن أبي إسحاق الزجاج. من مؤلفاته: كتاب إعراب القرآن، وكتاب تفسير أبيات سيبويه، وكتاب الكافي في النحو، وكتاب معاني القرآن. توفي سنة 338هـ. انظر: بغية الوعاة 1/ 362، وطبقات النحويين واللغويين ص239 (¬3) قال الدكتور أحمد نصيف الجنابي: إن هذا الكتاب مفقود. انظر: الدراسات اللغوية والنحوية في مصر ص391 (مكتبة دار التراث بالقاهرة). (¬4) هذا البيت من الوافر وهو لجرير من قصيدة يهجو بها الفرزدق. وليس في ديوانه. وهو من شواهد الخصائص 1/ 397، والرضي 1/ 85، وابن يعيش7/ 75، والخزانة1/ 163، والهمع1/ 162. ويستشهد به النحويون على إنابة الجار والمجرور عن الفاعل مع وجود المفعول به.

[إملاء 45] [سيبويه يمنع العطف على عاملين]

وإن أريد جعل "بذلك الجرو" في موضع الفاعل ولا ضمير في "لسب"، والمعنى: لحصل السب بسبب ذلك الجرو، كان مستقيما. [إملاء 45] [سيبويه يمنع العطف على عاملين] قال ممليا: سيبويه يمنع العطف على عاملين بحرف واحد (¬1)، ويتأول قول الشاعر: ... هون عليك فإن الأمور ... بكف الإله مقاديرها فليس بآتيك منهيها ... ولا قاصر عنك مأمورها (¬2) يقول: لما كانت المنهيات من الأمور، والضمير في مأمورها عائد على الأمور الأولى، كان كأنه عائد على المنهيات لدخولها في الأمور. والله أعلم بالصواب (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1/ 64، 65، 66. (¬2) هذان البيتان من المتقارب وقد نسبهما سيبويه للأعور الشنى 1/ 64. وهما من شواهد المقتضب 4/ 196، والمقرب1/ 196، والهمع 1/ 128، والحماسة البصرية 2/ 2 والشاهد فيهما قوله: ولا قاصر، حيث إن سيبويه منع أن يكون عطفا على عاملين. قال: "وقد حره قوم فجعلوا المأمور للمنهي، والمنهي هو المأمور لأنه من الأمور وهو بعضها، فأحراه وأنثه". وقال أيضا: "وإن شئت نصبت فقلت: ولا قاصرا عنك مأمورها". ووجه الرفع فيه أن يكون خبرا، ومأمورها، يكون مبتدأ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. (¬3) بعدها في نسخة الأصل: فرغ من نسخه ظهيرة العاشور لسنة اثنتين وثمانين وستمائة عبد الرحمن بن يحيى التبريزي المذهبي في مدينة دمشق المحروسة.

الأمالي المطلقة

الأمالي المطلقة

[إملاء 1] [الضمائر الواقعة للربط]

[إملاء 1] [الضمائر الواقعة للربط] بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العاليمن وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين. مسألة. قال الشيخ رحمه الله ممليا بالقاهرة سنة ثلاث عشرة وستمائة: الضمائر الواقعة للربط، وهو أن تربط الثاني بالأول، على ثلاثة أضرب: في باب الصلة والصفة والمبتدأ. ففي باب الصلة أنت في الضمير المنصوب بالخيار، إن شئت أثبته وإن شئت حذفته، مثال ذلك: جاءني الذي ضربت. وفي خبر المبتدأ الأكثر إثباته، وقد جاء حذفها قليلا، مثال ذلك: زيد ضربت، قليلا. والضمير في الصفة ليس كالا ستواء في الصلة ولا كالقلة في خبر المبتدأ. وسر ذلك هو أن الصلة مع الموصول جزء واحد، فاستغني بالربط اللفظي عن التزام الضيمر، وخبر المبتدأ مع المبتدأ مستقل في الجزئية، فلذلك التزم الاتيان بالضمير في الغالب ليحصل الربط بينه وبين الجزء الآخر. والصفة ليست كالصلة في الجزئية ولاكالخبر في الاستقلال. فلما كانت بينهما جعل لها (¬1) حكم بينهما، فلم تكن كالصلة في استواء جواز الحذف والاثبات. وأما الضمائر ¬

_ (¬1) لها: سقطت من د.

[إملاء 2] [المعارف يضاف إليها ولا تضاف]

المرفوعة والمجرورة فلا بد من إثباتها، مثاله قولك: جاءني الذي قام، وجاءني الذي مررت به (¬1). وفي المبتدأ: زيد مررت به، وفي الصفة: رأيت رجلا قام، وضربت رجلا مررت به. وإنما كان كذلك (¬2) لأن المرفوع أحد جزئي الجملة، فلا يجوز حذفه بخلاف ما تقدم. وأما المجرور وإن كان فضلة فلأنه يلزم من حذف الجار، فيفوت معنى الجار مع الضمير جميعا، فلا يلزم من جواز حذف شيء واحد حذف شيئين. [إملاء 2] [المعارف يضاف إليها ولا تضاف] مسألة. وقال ممليا [بالقاهرة سنة أربع عشرة] (¬3): المعارف كلها يضاف إليها مثل قولك: غلام زيد، وشبهه. وليست هي مضافة، لا يقال: زيد جعفر، لأنهم لا يجمعون على الاسم تعريفين مجردين، إذ يستعنى بأحدهما عن الآخر، فيقع الآخر ضائعا. فإن قيل: فقد قالوا: يازيد، وحرف النداء يوجب التعريف كقولهم: يا رجل، فقد جمعوا على الاسم تعريفين: العلمية والنداء. فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن الاسم جرد عن العلمية ونودي كما تنادى أسماء ¬

_ (¬1) في باب الصلة يجوز حذف العائد المرفوع إذا كان مبتدأ مخبرأ عنه بمفرد نحو قوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله} أي: هو إله- الزخرف: 84. ويجوز حذف العائد المجرور بالإضافة إن كان المضاغ وصفا غير ماض، نحو قوله تعالي: {فاقض ما أنت قاض}، أي: ما أنت قاضيه - طه: 72، والمجرور بالحرف إن كان الموصول أو الموصوف بالموصول مجرورا بمثل ذلك الحرف نحو قوله تعالى: {ويشرب مما تشربون} أي: منه- المؤمنون:33. (¬2) في ب، د: ذلك. (¬3) زيادة من ب، د، س.

[إملاء 3] [معنى التعلق]

الأجناس، فتعريفه إذن ليس إلا بالنداء خاصة. الآخر (¬1): أن التعريف بحرف النداء إنما جيء به لطلب إجابة المنادى، والتعريف فيه لازم، فلا يلزم من الجمع بين تعريفين أحدهما غير مقصود، أن يجمع بين تعريفين كل واحد منهما مقصود. [إملاء 3] [معنى التعلق] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬2): معنى تعلق هذا بهذا في مثل قولنا: مررت بزيد وشبهه، إيصال الحرف معنى الفعل إلى الاسم. فالذي وصل معناه هو الذي يتعلق به الحرف كقولك: سرت من البصرة. فـ " من" أوصلت معنى السير إلى البصرة على معنى الابتداء وهو متعلق به. [إملاء 4] [معنى الجملة المعترضة] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬3): مسألة. معنى الجملة المعترضة: هي التي تتوسط أجزاء الجملة مستقلة لتقرر معنى يتعلق بها أو بأحد أجزائها (¬4). ¬

_ (¬1) في د: الثاني. (¬2) زيادة من ب، س. (¬3) زيادة من ب، د، س. (¬4) وقد وقعت في مواضع، منها: بين الفعل وفاعله، وبين الفعل ومفعوله، وبين المبتدأ وخبره، وبين ما أصله المبتدأ والخبر، وبين الشرط وجوابه، وبين القسم وجوابه، وبين الموصوف وصفته، وبين الموصول وصلته، وبين أجزاء الصلة، وبين المتضايفين. انظر: مغني اللبيب 2/ 386 - 394 (محيي الدين).

[إملاء 5] [قد يكون للشيء معنيان فيؤتى بأحدهما]

[إملاء 5] [قد يكون للشيء معنيان فيؤتى بأحدهما] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬1): العرب تأتي بالشيء لمعنيين، ثم تأتي به في أحد المواضع لأحد معنييه. مثاله قولك: ياأيها اللاجل، إذا ناديت، فيه معنيان: أحدهما: النداء، والثاني: تخصيص الشخص المنادى. ثم تأتي به لأحد معنييه في مثل قول القائل: أما أنا أيها الرجل فأفعل كذا. فهو ليس فيه سوى معنى التخصيص وليس فيه معنى نداء، لأن المتكلم لا ينادي نفسه (¬2). [إملاء 6] [إسقاط حرف الجر والعطف مع " إياك"] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬3): مسألة. إياك وأن تقعل كذا، وإياك من أن تفعل كذا، وعن أن تفعل كذا. كل ذلك جائز. فإن قلت: إياك أن تفعل كذا، جاز على إسقاط الجار، لا على إسقاط حرف العطف، لأن حروف الجر تحذف مع أن وأن قياسا مطردا، وحروف العطف لا تحذف. وأما إذا قلت: إياك وزيدا، فلا يجوز حذف الواو لأنه إن كان التقدير: إياك عن زيد، فلا يجوز حذف حرف الجر، وإن كان: وزيدا، لم يجز أيضا، لأن فيه حذف حرف العطف. وقد جاء في الشعر في كتاب سيبويه: إياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء والشر جالب (¬4) ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د، س. (¬2) ويكون المعنى: أنا أفعل ذا مخصوصا من بين الرجال. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) هذا البيت من البحر الطويل وقذ يسبه الزبيدي للمفضل بن عبد الرحمن. انظر: طبقات النحويين واللعويين ص50. وهو من شواهد سيبويه 1/ 279، والمقتضب 3/ 213، والخصائص3/ 102، والرضي1/ 183، وابن يعيش2/ 525. والشاهد فيه أنه أتى بالمراء وهو مفعول به بعد إياك بغير حرف عطف. قال ابن الحاجب في الإيضاح: " وحمله ابن أبي إسحق على أن أصله إياك من المراء، فحذف حرف الجر لما كان المراء بمعنى أن تماري، فحمله عليه من حيث المعنى على شذوذه"1/ 360.

[إملاء 7] [إعمال الأفعال المتعدية إلى مفعولين متغايرين]

قال سيبويه: زعمرا أن ابن إسحق (¬1) أجاز هذا البيت وأنشده. وقال سيبويه في تفسيره: كأنه قال: اتق المراء، فنصبه بفعل مقدر بعد أياك، فيكون على هذا جملتين (¬2). وقال سيبويه: لو قلت: إياك زيدا، لم يجز، كما لا يجوز: رأسك الجدار (¬3). وإنما جاز ذلك في: إياك إياك المراء، لأنه مصدر، وأن تماري في معناه. فكأنه قال: إياك أن تماري، ولو قاله كذلك لكان جائزا باتفاق، فحمل قوله: إياك المراء، عليه، لأنه بمعناه. وقد قال صاحب المقدمة (¬4): وتقول إياك الطريق، على الإغراء وهذا ظاهر الخطأ، لأنه مثل قولك: إياك زيدا، وقد صرح سيبويه بعدم جوازه. [إملاء 7] [إعمال الأفعال المتعدية إلى مفعولين متغايرين] وقال ممليا [بالقاهرة سنة تسع وستمائة] (¬5): مسألة. الأفعال المتعدية إلى ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن إسحق الحضرمي. كان مائلا إلى القياس في النحو. توفي سنة117هـ. انظر: طبقات النحويين واللغيويين ص25. (¬2) قال سيبويه: "كأنه قال: إياك، ثم أضمر بعد إياك فعلا آخر، فقال: اتق المراء" الكتاب1/ 279. (¬3) قال سيبويه: " واعلم أنه لا يجوز أن تقول: إياك زيدا، كما أنه لا يجوز أن تقول: رأسك الجدار". الكتاب1/ 279. (¬4) هو ابن بابشاذ. انظر المقدمة المحسبة ص5 (مخطوط بدار الكتب رقم1540). وابن بابشاذ: هو طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي المصري. ورد العراق تاجرا في اللؤلؤ وأخذ عن علمائها ورجع إلى مصر واستخدم في ديوان الرسائل. توفي سنة469هـ من تصانيفه: شرح جمل الزجاجي، والمحتسب في النحو، شرح النخبة، تعليق في النحو، شرح المقدمة المحسبة. انظر بغية الوعاة2/ 17. وإنباه الرواة2/ 95. (¬5) زيادة من ب، د.

مفعولين متغايرين كأعطيت وكسوت في باب إعمال الفعلين، أنك إذا أعملت الثاني والأول يحتاج إلى فاعل، قلت في المفرد المذكر: أعطاني وأعطيت زيدا درهما. وفي التثنية: أعطياني وأعطيت الزيدين درهمين. وفي الجمع: أعطوني وأعطيت الزيدين دراهم. وفي المفرد المؤنث: أعطتني وأعطيت هندا درهما. وقي التثنية: أعطتاني واعطيت الهندين درهمين. وفي الجمع: أعطينني وأعطيت الهندات دراهم. وإن أعملت الثاني والأول يحتاج إلى مفعول قلت في المفرد المذكر: أعطيت وأعطاني زيد درهما. وفي التثنية: أعطيت وأعطاني الزيدان درهمين. وفي الجمع: أعطيت وأعطاني الزيدون دراهم. وفي المؤيث: اعطيت وأعطتني هند درهما. وفي التثنية: أعطيت وأعطتني الهندان درهمين. وفي الجمع: أعطيت وأعطنتي الهندات دراهم، وإن شئت قلت: وأعطاني. فإن أعملت الأول والثاني يحتاج إلي فاعل قلت في المفرد المذكر: أعطيت وأعطانيه أو إياه زيدا درهما. وفي التثنية: أعطيت وأعطانيهما أو إياهما الزيدين درهمين وفي الجمع: أعطيت وأعطونيها أو اعطونيهن أو إياها الهندات دراهم. فإن أعملت الأول، والثاني يحتاج إلى مفعول قلت في المفرد: أعطاني وأعطيته إياه زيد درهما. وفي التثنية: أعطاني وأعطيتهما إياهما الزيدان درهمين. وفي الجمع: أعطاني وأعطيتهم إياها أو إياهن الزيدون دراهم. وفي المؤنث: أعطتني وأعطيتها إياه هند درهما. وفي التثنية: أعطتني وأعطيتهما إياهما الهندان درهمين. وفي الجمع: أعطتني أو أعطاني (¬1) وأعطيتهن أو ¬

_ (¬1) بعدها في نسخة الأصل وفي م. كلام مكرر رقدر سطر ونصف.

[إملاء 8] [مسألة في "ليس" و" ما"]

أعطيتها إياها أو إياهن النهندات دراهم. وفي هذه المسائل إشكال، وبيانه: أن الاسم المضمر مدلوله مدلول الاسم الظاهر. فإن كان المراد في هذه المسائل أن الدرهم المعطى باعتبار الفعل الأول هو الدرهم المعطى باعتبار الفعل الثاني صحت المسائل، ولا إشكال، وليس بالطاهر. وإن كان دراهم كل واحد من الفعلين غير الأخرى تعين الإشكال من جهة أن الضمير يعود على شيء وهو غيره. وتوجيهه أن يقال: المراد مثلها، فحذف المثل للعلم به، كأنه قال: أعطيته دراهم وأعطاني مثلها، فحذف المثل، فصار الضمير واقعا موقع مثل، فيعرب باعرابه. ومثاله قولهم: ضربت ضرب زيد، والمعنى ضربت مثل ضرب زيد، فحذف للعلم به، وحذف المضاف جائز في كل موضع يكون في الكلام قرينة تدل عليه (¬1). [إملاء 8] [مسألة في "ليس" و" ما"] مسألة. قال ممليا [بالقاهرة سنة تسع وستمائة] (¬2): " ليس" فيها مسائل، وكذلك "ما". أحدها: ليس زيد بقائم ولا قاعد أبو. فهذه المسألة يجوز فيها ثلاثة أوجه: الخفض على اللفظ فيرتفع " أبوه" بالفاعلية. والنصب على وجهين: أحدهما: أن يكون خبرا مقدما معطوفا على الخبر الذي هو " بقائم"، و" أبوه" معطوف على اسم ليس. ولآخر: أن يكون معطوفا على موضع " بقائم"، و"أبوه" مرفوع بالفاعلية. والرفع: مبتدأ وخبر، قدم خبره عليه. فإذا قلت: هذه المسائل في "ما" جازت الأوجه الثلاثة، فالخفض كما ¬

_ (¬1) نحو: واسأل القرية، أي: أهل القرية. (¬2) زيادة من ب، د.

[إملاء 9] [قول للإمام الجويني في فائدة الواو والرد عليه]

ذكر في " ليس"، والنصب على الوجه الثاني لا على الوجه الأول، لأنه يؤدي إلى إعمال "ما" في الخبر المقدم وهو ممتنع (¬1). والرفع على ما ذكر في " ليس". فإن كان موضع " أبوه" أجنبيا كقولك: عمرو وشبهه، امتنع الخفض في " ليس" و"ما" جميعا، لأنه يؤدي إلى الإخبار بالأجنبي أو العطف على عاملين، وكلاهما ممتنع. وجاز النصب في "ليس" خاصة على الوجه الأول لا على الوجه الثاني لأنه يؤدي إلى الاخبار بالأجنبي. ولا يجوز النصب في " ما" البتة، لأنك إن جعلت "عمرا" فاعلا أخبرت بالأجنبي؛ وإن جعلته خبرا مقدما أعملت "ما" مع تقدم الخبر وهو ممتنع. والرفع جائز فيهما جميعا، على أن يكون مبتدأ وخبرا. [إملاء 9] [قول للإمام الجويني في فائدة الواو والرد عليه] مسألة. قال ممليا [بالقاهرة] (¬2): قال الإمام (¬3) في البرهان: إن الواو إذا دخلت في الجمل ليس لها فائدة إلا التحسين اللفظي (¬4). وهذا مردود بالفاء وثم، فإنك لو قلت: قام زبد فخرج عمرو، أو ثم خرج عمرو، فإنه يفهم منه ما فهم في المفرد، وهو أن مشعر بالتعقيب، ولا مهلة، وهذا مشعر بالتعقيب والمهلة. إلا أن الفرق بينهما في المفردات، أنهما اشتركا في إعراب بعامل وهذه ليست كذلك. ¬

_ (¬1) انظر سيبويه1/ 59. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) هو الإمام الجويني إمام الحرمين الشريفين وقد سبقت ترجمته في صفحة280. (¬4) البرهان1/ 391.

[إملاء 10] [الاعتبارات التي يطلق بها المفرد]

[إملاء 10] [الاعتبارات التي يطلق بها المفرد] مسألة. قال ممليا [في القاهرة سنة ثلاث عشرة] (¬1): المفرد يطلق باعتبارات ثلاثة: أحدها: المفرد الذي هو ضد المضاف. والآخر: المفرد الذي هو ضد المثنى والمجموع. والآخر: المفرد الذي هو ضد الجملة. فلينظر في كل باب على حسبه. إذا وقع الكلام على المفرد وهو في النداء في قولهم: إذا كان مفردا، يعني ضد المضاف. [إملاء 11] [أقسام الكلمة] قال ممليا [بالقاهرة سنة ست عشرة وستمائة] (¬2) في تقسيم بعض النحويين وقولهم في بيان أن الكلمة لا تخرج عن الاسم والفعل والحرف. لا يخلو إما أن يخبر به وعنه أو لا. فإن كان فهو الاسم، وإن لم يخبر به وعنه، فلا يخلو إما أن ينتفيا جميعا فهو الحرف، وإما أن ينتفي أحدهما وهو الفعل. إن ذلك غير مستقيم لوجوه منها: أن من التقسيم قسما رابعا وهو كونه مخبرا عنه لا به، ولم يتعرض له، وقد دخل في قوله: أو ينتفي أحدهما، وهذا التقسيم غير واقع في كلام العرب، فكيف يصح التقسيم مع جره قسما ليس من أنواع المقسم؟. ومنها: أن صفات التقسيم ينبغي أن تكون جارية في جميع أنواع المقسم. وليس الأسماء كلها يخبر بها وعنها، بل بعضها يخبر بها لا عنها ةعكسه. فالأول: أين زيد؟ وكيف عمرو؟ ومتى القتال؟ والثاني: من أبوك؟. ومنها أن كونها يخبر بها وعنها فرع لمعرفة حقيقتها. ألا ترى أنك لا تحكم بذلك إلا بعد نظرك من أي ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) زيادة من ب، د.

قبيل هي، فكيف يصح أن يجعل فرع معرفة الشيء معرفا له؟ وذلك مؤد إلى الدور. ومنها: أن حد كل شيء على حسب معقوليته، فحد الكلمة يجب باعتبار دلالتها لأنه هو المعنى الذي يتميز به لفظ عن لفظ. وإذا وجب ذلك وجب تبيين الألفاظ بدلالتها، ودلالة قسم الاسم المعنى المجرد عن الزمان، ودلالة قسم الفعل المعنى المتعرض للزمان، فيجب تبيينه بذلك. وكونه يخبر به وعنه، أو يخبر به لا عنه، ليس هو دلالته، إنما هو حكم بعد معرفة دلالته، فكان حده باعتبار دلالته أولى. وقال ابن باب شاذ وغيره متعرضا لبيان حصر الأقسام: لا يخلو إما أن يكون المدلول ذاتا أو حدثا عن ذات أو واسطة بينهما (¬1). فالأول: اسم، والثاني: الفعل، والثالث: الحرف. وهذا وإن لم يكن في لفظه ما يشعر بالحصر، فقد علم بقولهم: واسطة بينهما، يفي الأمرين عنه فيحصل الحصر. ثم هو بعد ذلك فاسد قطعا، وذلك أن المصادر كلها مدلولاتها أحداث، فيجب أن تكون أفعالا، وهو خرق إجماع البصريين وكثير من الكوفيين. نعم إنما يستقيم أن يصدر هذا ممن المصارد عنده من قسم الأفعال وهو بعض الكوفيين، ولعل قائل هذا الحصر رأى ذلك في كلامهم فاعتقد أنه يجري على ذلك الاصطلاح. ¬

_ (¬1) انظر شرح المقدمة المحسبة1/ 92 (تحقيق خالد عبد الكريم).

[إملاء 12] [حكم علامة التأنيث في الفعل]

[إملاء 12] [حكم علامة التأنيث في الفعل] وقال ممليا [بالقاهرة سنة ستة عشرة] (¬1): إذا كان الفاعل ظاهرا، أعني غير مضمر، فلا يخلو أن يكون تأنيثه حقيقة أو غير حقيقة. فإن كان حقيقة فلا بد من علامة التأنيث في الفعل، سواء كان بينهما فاصل أو لم يكن، إلا في لغة رديئة، فإنه لا يأتي بالعلامة إذا كان بينهما فاصل (¬2)، وهو مما رده المبرد (¬3). ولو كا المؤنث غير حقيقي جاز إثبات العلامة وحذفها، كان بينهما فاصل أو لم يكن، إلا أن الأحسن في حالة الفصل عدم العلامة، وإثباتها في عدم الفصل. وبعضهم يسوي بينهما لأن القرآن العظيم وارد بهما (¬4). وقال الفقهاء: ما كان تأنيثه غير حقيقي جاز إثبات العلامة وحذفها، وهذا من حيث الاطلاق لا يصح إذ لا بد من علامة التأنيث في الفعل إذا كان فاعله مصمرا سواء كان حقيقيا أو غير حقيقي مثل قولك: الشمس طلعت والسماء انشقت، ولا يحوز: طلع ولا أنشق. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) إذا لم يكن بينهما فاصل فيجب تأينث الفعل كما ذكر المؤلف، وأما إذا فصل بينهما بفاصل فالصحيح جواز الوجهين، وإن كان التأنيث أكثر. إلا إن كان الفاصل "إلا" فالتأنيث خاص بالشعر عند الجمهور. (¬3) انظر المقتضب 2/ 148. (¬4) قال تعالى: {سرابيلهم من قطران وتغش وجوههم النار} (إبراهيم:50). وقال تعالى: {فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم}. (الروم:57).

[إملاء 13] [التمييز موضوع للذات أو المعنى]

[إملاء 13] [التمييز موضوع للذات أو المعنى] وقال ممليا [بالقاهرة سنة ست عشرة] (¬1): التمييزات على ضربين: أحدهما: موضوع للذات فيؤتى على ما وضع كدرهم ودينار ودار وما أشبه ذلك. والآخر: ان يكون موضوعا للمعنى، فللعرب فيه عبارتان: أحدهما: أن يأتوا بذلك اللفظ كقولهم: لله دره فروسية، فيأتون بالصيغة الموضوعة للمعنى. الآخر: أن يأتوا باللفظ الموضوع للذات التي قام بها ذلك المعنى وهو الفروسية، فيقولون: فارسا، لأنه لم يسم إلا باعتبار قيام الفروسية به. [إملاء 14] [معنى واو الصرف] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬2): معنى قولهم: واو الصرف (¬3)، أن الكلام انصرف من معنى الشرط إلى معنى آخر. [إملاء 15] [ضعف إدخال لام الابتداء في " لكن"] وقال أيضا [بالقاهرة] (¬4): إنما ضعف إدخال اللام في " لكن"؛ لأن ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) وهي تسمية الكوفيين. وهي الواو الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول. فالأول كقوله: ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف والثاني كقوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله. والنصب بها عندهم. قال ابن هشام: " والحق أن هذه واو العطف". والمغني1/ 361 (محيي الدين). (¬4) زيادة من ب، د.

[إملاء 16] [الأفصح إلغاء "كأن" إذا خففت]

"لكن" متعلقة بما قبلها، واللام منقطعة، فلو دخلت اللام لأشعر نقيضتين متغايرتين. [إملاء 16] [الأفصح إلغاء "كأن" إذا خففت] وقال أيضا [بالقاهرة] (¬1): وإنما كانت " كأن" إذا خففت ألغيت عل الأفصح (¬2) لوجيهن: أحدهما: بعدها عن شبه الفعل، لأنها إنما عملت لشبهها به، وبيان بعدها دخول الجر عليها. الثاني: أنها لم تكثر كثرة " إن" إذا خففت (¬3) [إملاء 17] [تقديم "إن" على لام الابتداء] وقال أيضا ممليا [بالقاهرة] (¬4): إنما قدمت "إن" وأخرت اللام (¬5) لأن " إن" لها أخوات وجب تقديمها وهي: ليت ولعل وكأن، واللام لا أخت لها، فغيرت المنفردة وتركت ذات الأخوات لتكون كأخواتها. الآخر أن " إن" عاملة واللام ليس عاملة فما كان عاملا قوي بالتقديم للعمل، لأن العامل أصله التقديم، ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) قال ابن الحاجب في الإيضاح: " كأن إذا خففت جاز إعمالها وإلغاؤها. إلا أن الإلغاء أكثر"2/ 197. والصحيح أنها إذا خففت لا تلغى بل تعمل. (¬3) إذا خففت (إن) كثر إهمالها لزوال اختصاصها بالأسماء. ويجوز إعمالها استصحابا للأصل، كقراءة نافع وابن كثير: {وإن كلا لما ليوفينهم}. هود: 111. وأما (أن) فيبقى عملها إذا خففت لأنها اكثر مشابهة للفعل من (إن) ويجب أن يكون اسمها ضميرا محذوفا وخبرها جملة. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) المقصود باللام هي لام الابتداء.

[إملاء 18] [عدم جواز إضافة الشيء إلى نفسه]

فكانت اللام بالتأخير أولى (¬1). [إملاء 18] [عدم جواز إضافة الشيء إلى نفسه] وقال أيضا [بالقاهرة] (¬2): القياس يقتضي أن لا يجوز إضافة الحسن إلى الوجه، لأن الحسن هو الوجه، والوجه هو الحسن من حيث المعنى. والإضافة إنما يبتغى بها تخصيص أو تعريف (¬3)، هذه ليست كذلك. فيلزم على ما ذكر إضافة الشيء إلى نفسه. وإنه محال. [إملاء 19] [توجيه إعراب قولهم: إن المصطلح وأخوه مختصم] وقال أيضا ممليا [بالقاهرة] (¬4): إن المصطلح وأخوه مختصم. رفعت الأخ أو نصبته. وحدت مختصما أو صنيته، فهذه أربعة أوجه. فإذا رفعت فإما أن ترفع على الضمير في " المصطلح" أو على موضع "إن". ولا يستقيم العطف على الضمير لأمرين: أحدهما أنك عطفت على ¬

_ (¬1) قال الرضي: " اعلم أن هذه اللام لام الابتداء المذكورة في جواب القسم. وكان حقها أن تدخل أول الكلام، ولكن لما كان معناها هو معنى (إن) سواء، أعني التوكيد والتحقيق وكلاهما حرف ابتداء كرهوا اجتماعهما فأخروا اللام وصدروا (إن) لكونها عاملة، والعامل حري بالتقديم على معموله، وخاصة إذا كان حرفا، إذ هو ضعيف العمل" شرح الكافية 2/ 355. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) هذا الإضافة المعنوية. أما اللفظية فلا تفيد تعريفا ولا تخصيصا، بل تفيد التخفيف. فإذا قلنا: حسن الوجه، يكون باب الإضافة اللفظية، لأن المضاف صفة مشبهة. ولم أر أحد من العلماء منع مثل هذه المسألة. (¬4) زيادة من ب، د.

الصمير من غير تأكيد. والآخر: أنك أخبرت عن " المصطح" بأنه مختصم، ولا يصح الاختصام من واحد، ولا يمكن أن يقال: قد اشترك الأخ مع المصطلح في الا صطلاح فليشتركا في الاختصام، لأمرين: أحدهما: أن المختصم ههنا مفرد، والآخر أن الخبر عن الموصول لا يدخل معه شيء في الصلة. فإن رفعته على الموضع والمختصم مفرد لم يستقم لأمرين: أحدهما: أن المصطلح لا يكون لواحد، والآخر: أن الاختصام مخبر به عن كل واحد منهما على الافتراق، ولا يستقيم. فإن ثنيت "مختصم" في كل واحد من التقديرين فسد في الوجه الأول لعدم التأكيد، ولأجل أنك أخبرت بقولك: مختصمان، عن واحد. ويفسد في الوجه الثاني من أجل أن الاصطلاح يبقى من واحد ضرورة أنك عطفت "أخوه" على الموصول، المعطوف على الموصول لا يشترك مع ما في الصلة. فإن نصبت الأخ و"مختصم" مفرد، فإما أن تعطفه على المضمر على المفعول معه، وإما أن تعطفه على لفظ " المصطلح" الذي هو اسم "إن" فإن عطفته على المفعول معه لم يستقم من جهة أنك أخبرت بمختصم عن كل واحد منهما على الافتراق. فإن قلت: أخبرت به باعتبار الاجتماع، كان فاسدا من جهة أنك أتيت به مفردا. فإن ثنيت "مختصمان" على التقديرين جميعا فسد في الوجه الأول من جهة أنك أخبرت عن واحد وهو المصطلح باثنين وهو مختصمان. وفي الوجه الثاني من جهة أن الإصطلاح يقع من واحد. فهذه ثمانية تقديرات كلها ممتنعة (¬1). ¬

_ (¬1) قال أبو علي في هذه المسألة: "ولا يجوز: أن المصطلح وأخاه مختصم، رفعت الأخ أونصبته. فإن زيد في المسألة اسم آخر وثني الخبر فقيل: إن المصطلح هو وأخوه وزيدا مختصمان، استقامت المسألة". انظر الإيضاح العضدي1/ 122.

[إملاء 20] [الفرق بين زيد صديقي وصديقي زيد]

[إملاء 20] [الفرق بين زيد صديقي وصديقي زيد] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬1): قولهم: زيد صديقي وصديقي زيد. قال الأمام (¬2): إنك إذا أخرت " صديقي" كانت الصداقة غير محصورة في زيد، وإذا قدمت " صديقي" كانت الصداقة محصورة في زيد. وكلامه مشعر بأنه خبر في المحلين جميعا. وقال بعضهم هذا القول وزعم أنه أيهما قدم فهو المبتدأ. وقال قوم: التقديم والتأخير سواء. ووجه قول الإمام: أن " صديقي" متعين للخبرية بدليل دلالته على المعنى المنسوب إلى زيد. كما أنك إذا قلت: زيد صديق لي، أو صديق لي زيد، فإنه متعين بالاجماع للخبرية. فإذا ثبت أنه خبر وقد أخرته في المسألة الأولى لم يلزمم الحصر لجواز أن يكون الخبر أعم كقولك: زيد عالم. فإذا قدمته مع ثبوت كونه خبرا فلم تقدمه إلا لغرض، ولا غرض إلا قصد الحصر، فثبت بذلك الفرق بين المسألتين. ووجه القول الثاني: أن المعرفتين إذا اجتمعا كان المقدم منهما هو المبتدأ. فإذا قلت: زيد صديقي، وجب أن لا يحصل الحصر لجواز عموم الخبر. وإذا قلت: صديقي زيد، وجب الحصر لأن المبتدأ صديقي. فلو قدرت الخبر عاما لم يستقم، فلا بد من مطابقته. وإذا وجبت المطابقة وجب أن لا صديق سواه، وليس القولن بقويين. والدليل على القول الثالث هو أن ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) أي: الإمام الجويني إمام الحرمين. انظر: البرهان1/ 479.

المعرفتين إذا اجتمعا كان المقدم هو المبتدأـ وهذه المقدمة يوافق فيها القائل الثاني ويخالف فيها الأول. والدليل عليها هو أن المعرفتين إذا اجتمعا (¬1) فلا بد من فائدة تقدر نسبة أحدهما إلى الآخر. ولايجوز أن يقدر في قولك: زيد العالم، مثل ما قدر في قولك: زيد عالم. ألاترى أنك إذا قلت: زيد عالم، أفدت المخاطب نسبة العلم إلى ذات لم يكن يعلم نسبة العلم اليها في ظنك. فلو ذهبت تقصد ذلك في: زيد العالم، كان خطأ من جهة أنك لم تعرفه العالم إلا وقد علم المخاطب الذات المنسوب إليها العلم، لأن التعريف في الألفاظ لم يوضع وضع النسب، وإنما وضع وضع الصفات. ألا ترى أنه لو لم يكن المخاطب عالما بذات منسوب (¬2) إليها العلم معهودة بينه ويين مخاطبه لعد هاذيا. وإذا ثبت أنه لا يستقيم أن يكون إخبارا بالعلم عن زيد وجب النظر في معنى يفيد المخاطب فائدة لم تكن عنده. وذلط انما هو الحكم على أحد الذاتين بأنه في الوجود هو الاخر. وذلك أن المخاطب قد يكون علم زيدا من وجه فصار عنده معرفة، وعلم رجلا عالما معهودا بينه وبين مخاطبه ولكنه لا يعلم أنه زيد، فإذا قال المتكلم: زيد العالم، فقد أفاده ما ذكرناه. وإذا ثبت ما ذكرناه، فنقول: قول القائل: صديقي زيد وزيد صديقي، لا يخلو إما أن يريد بالصديق صديقا مفردا معهودا، وأو عموم الأصدقاء. فإن قصد إلى صديق معهود مفرد، وقدم زيدا أو أرخره، فالمعنى واحد على ما ثبت فيما ذكرناه، وإن قصد إلى عموم الأصدقاء وقدم زيدا أو أخره وجب العموم أيضا، لأنه إذا قصد ذلك فواجب استواء التقديم والتأخير. لأنه إذا قال: صديقي زيد، ¬

_ (¬1) في الأصل: اجتمعتا. والصواب ما أثبتناه، لأن المقصود: الاسمين المعرفتين، وبدليل قوله في نهاية العبارة: أحدهما. (¬2) في الأصل وفي النسخ الأخرى: منسوبا. والصواب ما أثبته لأنه صفة للذات.

وقصد إلى كل صداقة لي محصورة في زيد، أو قال: زيد صديقي، وقصد إلى أن زيدا هو المخبر عنه، لا صديق سواه، وجب الحصر فيهما جميعا. ثم نقول: نسلم أن "صديقي" يتعين "للخبرية" في المسألتين جميعا على ما ذكره الإمام، ونقول: المعنى فيهما واحد، لأنه لا يخلو إما أن يقصد بصديقي العهد العام أو العهد الخاص. فإن قصد الخاص فلا عموم في التقديم والتأخير، وإن قصد العام فالمعنى واحد، لأنه إذا قال: زيد صديقي، وقصد إلى أن "صديقي" عام وجب أن يكون المعنى: أن زيدا هو جميع أصدقائي، فلا صديق لي سواه، وهو يسلم ذلك في المسألة الأخرى. وإنما وقع الوهم في ذلك من جهة توهم أن "زيد صديقي" مثل قولك: زيد صديق، في تأخير "صديق"، وليس بسواء، لأنك إذا قلت: زيد صديق، وجب أن لا يكون المعنى إلا أن يخبر عن زيد بأنه صديق، فجائز أن يكون ثم صديق غيره كقولك: زيد عالم. أما إذا قلت: زيد صديقي، وقصدت إلى ذلك المعنى كان فاسدا من جهة ما أثبتناه في امتناعه في: زيد العالم، فوجب أن يكون المعنى الإخبار عن زيد بأنه الصديق المعهود المعين، وأ بأنه لا صديق سواه. وإذا وجب أن يكون المعنى كذلك استوى تقديم " صديقي" وتأخيره على ما ذكرناه. وإنما أخذ قائل هذا القول " صديقي" عند تأخيره فجعله مثل: زيد عالم، وقدر فهم ذلك، فلزم منه تجويز الصداقة في غيره، وأخذ "صديقي زيد" عند تقديم "صديقي" فجعله عاما لجواز ذلك فيه، وقدر فهم ذلك وأخبر عنه بزيد، فلزم حصر الصداقة في زيد. ومن نظر ما ذكرناه علم أنهما سواء (¬1) ولله الموقق للصواب. ¬

_ (¬1) قال السيوطي: " قال ابن الخباز: إن قلت: ما الفرق بين. زيد أخوك وأخوك زيد؟ قلت: من وجهين، أحدهما: أن (زيد أخوك) تعريف للقرابة، و (أخوك زيد) تعريف للاسم. والثاني: أن (زيد أخوك) لا ينفي أن يكون له أخ غيره، لأنك أخبرت بالعام عن الخاص. و (أخوك زيد) ينفي أن يكون له أخر غيره، لأنك أخبرت بالخاص عن العام. وهذا ما يشير إليه الفقهاء في قولم: زيد صديقي زيد. نقله ابن هشام في تذكرته" الأشباه وانظائر 2/ 222 (تحقيق طه عبد الرؤوف سعد).

[إملاء 21] [حذف نون الوقاية]

[إملاء 21] [حذف نون الوقاية] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬1): إذا قلت: يضربونني، فلك أن تأتي بنون الوقاية ولك أن لا تأتي بها، وأيهما المحذوف؟ وقال: نون الوقاية هي المحذوفة لأمرين: أحدهما: أن نون الإعراب دلالتها معنةية والوقاية لفظية. وإذا دار الأمر بين المعنوي واللفظي، فالمعنوي بقاؤه هو الوجه، واللفظي أولى بالحذف. الآخر: أن الوقاية هي التي جاء بها الثقل، وذلك أن النطق بنون الإعراب حاصل أولا قبل النطق بها، فلم تأت الكراهة إلا من الأولى، ولذلك قال الشيخ الشاطبي (¬2) في هذا بعينه: والحذف لم يك أولا. [إملاء 22] [وجه تسمية حروف العلة بذلك] وقال ممليا بالقدس سنة ست عشرة وستمائة: إنما سميت حروف العلة ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. س. (¬2) هو القاسم بن فيرة من شيوخ ابن الحاجب. انظر ترجمته ص 24. قال: وخفف نونا قبل في الله من له ... بخلف أتى والحذف لم يك أولا انظر: الشاطبية ص54 (مطبعة مصطفى البابي الحلبي).

[إملاء 23] [إعراب " السماوات" في قولهم: خلق الله السماوات]

بذلك، إما لأنها تعل ما تكون فيه بالتغيير، أي: تغيره، فتكون إضافتها كاضافة حروف الجر، فإنا أضفناها إلى أثرها. وإما لأنها حروف تعتل في أنفسها فتكون إضافتها كإضافة حروف الاستعلاء، فأضفناها إلى صفة من صفاتها، كما تقول: رجل علم. وليس المراد هنا الإضافة التي في اصطلاح النحويين من منعهم إضافة الصفة إلى موصوفها أو العكس، فإنا ههنا قد بينا المراد من قولنا: إنها مضافة إما إلى أثرها أو إلى صفة من صفاتها، فليتأمل ذلك. [إملاء 23] [إعراب " السماوات" في قولهم: خلق الله السماوات] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬1): قولم: خلق الله السموات. من قال: إن الخلق هو المخلوق، فواجب أن تكون " السماوات" مفعولا مطلقا لبيان النوع. إذ حقيقة المصدر المسمى بالمفعول المطلق أن يكون اسما لما دل عليه فعل الفاعل المذكور، وهذا كذلك. لأنا بنينا على أن المخلوق هو الخلق، فلا فرق بين قولك: خلق الله خلقا، وبين قولك: خلق الله السماوات، إلا ما في الأول من قولك: خلق الله خلقا، وبين قولك: خلق الله السماوات، وإلا ما في الأول من الإطلاق وفي الثاني من التخصيص. فهو مثل قولك: قعدت قعودا وقعدت القرفصاء. فإن أحدهما للتأكيد والآخر لبيان النوع وإن استويا في حقيقة المصدرية، وهذا أمر مقطوع به بعد إثبات أن المخلوق هو الخلق. ومن قال: إن المخلوق غير الخلق، وإنما هو متعلق الخلق، وجب أن يقول: إن "السماوات: مفعول به، مثله في قولك: ضربت زيدا، ولكنه غير مستقيم، لأنه لا يستقيم أن يكون المخلوق متعلق الخلق. لأنه لو كان متعلقا له لم يخل أن يكون الخلق المتعلق قديما أو مخلوقا، فإن كان مخلوقا تسلسل ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د.

فكان باطلا، وإن كان قديما فباطل لأنه يجب أن يكون متعلقه معه، وإذ خلق ولا مخلوق محال، فؤدي إلى أن تكون المخلوقات أزلية، وهو باطل، فصار القول بأن الخلق غير المخلوق يلزم منه محال. وإذا كان اللازم محالا فملزومه كذلك. فثبت أن الخلق هو المخلوق. وإنما جاء الوهم لهذه الطائفة من جهة أنهم لم يعهدوا في الشاهد مصدرا إلا وهو غير جسم، فتوهموا أنه لا مصدر إلا كذلك. فلما جاءت هذه أجساما استبعدوا مصدريتها لذلك، ورأوا تعلق الفعل بها فحملوه على المفعول به. ولو نظروا حق النظر لعلموا أن الله تعالى يفعل الأجسام كما يفعل الأعراض، فنسبتها إلى خلقه واحدة. فإذا كان كذلك، وكان معنى المصدر ما ذكرناه وجب أن تكون مصادر (¬1). وليست هذه المسألة وحدها بالذي حملوا فيها أمر الغائب على الشاهد، بل أكثر مسائلهم التي يخالفون فيها على ذلك كمسألة الرؤية وعذاب القبر وأشباههما. ¬

_ (¬1) انظر ما قاله ابن هشام في هذه المسألة. مغني اللبيب 2/ 660 (محيي الدين). وقد أيد قول ابن الحاجب بأنها مصدر وليست مفعولا به، ونسب هذا القول للجرجاني. وقد حاولت جهدي البحث في هذه المسألة في كتب المتقدمين والمتأخرين فلم أجد أحدا قال: إنها مفعول مطلق. وحملها على المفعول به أولى. انظر حاشية الدسوقي على مغني اللبيب 2/ 286 (مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني)، والأشباه والنظائر 4/ 97 وفيه رد على من قال: إنها مصدر.

[إملاء 24] [جواز الاشارة إلى شيء موجود في الذهن]

[إملاء 24] [جواز الاشارة إلى شيء موجود في الذهن] وسئل بالقاهرة في ورقة أرسلها أبوعلي الحاسب (¬1) عن قولهم: أكلت هذا الرغيف، فقيل في السؤال: كيف تصح الإشارة إلى شيء وهو معدوم؟ فأجاب بأن المشار إليه لا يشترط أن يكون موجودا حاضرا بل يكفي أن يكون موجودا ذهنا. والدليل عليه قوله تعالى: {تلك الدار الآخرة} (¬2)، وهي [إملاء 25] [لا يستقيم تقدير التمييزات كلها بـ "من"] وقال أيضا ممليا [بدمشق ستة سبع عشرة وستمائة] (¬3): لا يستقيم أن تقدر التمييرزات كلها بـ "من". لأن "من" المرادة بتقدير التمييز إنما هي "من" التبيينيه. وذلك أن التمييز لما كان تبيينا للمميز عنه جرت "من" التبيينية فيه. إلا أن شرط التبيينية أن تجري على مذكور. ولما كان التمييز تارة لمذكور، وتارة لمقدر لم يصح الإتيان بها في المقدر. فلذلك لا يحسن أن يقال في: حسن زيد دارا، حسن زيد من دار، ولاتصبب من عرق. فإن زعم زاعم أنه يصح أن يقال: تصبب زيد من العرق، وحسن زيد من الدار. فنقول: ليست "من" هذه "من" التي أردناها، وإنما هذه (¬4) "من" التي للسببية، كقولك: جئتك من أجل أن أكرمتني. وحينئذ يفسد ما قصد من تبيين ¬

_ (¬1) لم أعثر له على ترجمة. (¬2) القصص:83. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) في م: وهي.

[إملاء 26] [مسألة في اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة]

التفسير بـ "من" لصحة دخول "من" هذه على غير التمييزات كقولك: أكرمتك حبا لك. ويصح أن تقول: أكرمتك من حبي لك. وهذا بعد التسليم لصحة تقدير: تصبب زيد من العرق، وليس في التحقيق بمستقيم، لأنه إذا جعلناه للتبيين لم يستقم كما تقدم. وإن جعلناه للتعليل وجب نسبة التصبب لزيد، وهو غير مستقيم، فلذلك قلنا: إنه لايستقيم دخول " من" على كلى تمييز. [إملاء 26] [مسألة في اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة] وقال ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة] (¬1): لم يختلف أحد في أن اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشابهة أنه (¬2) ليس جملة مع ضميره المرفوع به في مثل قولك: زيد ضارب، وزيد مضروب، وزيد حسن. فضارب ومضروب وحسن مفرادات تاتفاق. وإن كان لا بد لها من مرفوع غير المبتدأ، وسبب ذلك أمران: أحدهما: أن الجملة هي التي تستقل تالإفادة باعتبار المنسوب والمنسوب إليه، وهذه ليست كذلك، فوجب أن لا تكون جملة. الثاني هو: أن وضع هذه الأسماء على أن تكون معتمدة على من هي له، لأن وضعها على أن تفيد معنى، في ذات تقدم ذكرها. فإذا استعملت مبتدءات خرجت عن وضعها، ولذلك لما خرج بعضها عن هذا المعنى وجعل لمعنى الفعل بشرط ما يكون كالعوض عما كان يستحقه من الاعتماد، أو كالدال على إخراجه عن وضعه الأصلي إلى هذا الوضع، جاز أن يكون مع مرفوعه جملة. واشترط حينئذ أن لا يكون ذلك المرفوع ضميرا خشية التوهم من أنه هو ذلك الجاري على من هو تبع له، تنبيها على أنه أخرج ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) أنه: سقطت من د.

[إملاء 27] [معنى قول النحويين: الإخبار بالذي وأخواتها]

عن وضعه، فقيل: أضارب الزيدان؟ وما ضارب الزيدان. ولم يقل: أضاربان؟ ولا ما ضاربان، خشية من توهم أنه الجاري صفة على ذات تقدم ذكرها، وتنبيها على أنه أجري مجرى الأفعال في إفادة النسبة للمخاطب، فجرى مجرى قولك: أيضرب الزيدان؟ وما يضرب الزايدان، في صحة وقوعه خبرا به عن متأخر غير مشروط بتقدم من هوله. والذين خالفوا في: زيد ضارب غلامه، وإن كان غلامه فاعلا، وجعلوا " ضارب غلامه" جملة، فليس يخالفون في القواعد التي ذكرناها. وإنما الخلاف في ذلك مبني على أنه هل ثبت أن " ضارب غلاماه" مثل: أضارب الزيدان؟ أو لم يثبت؟ فمن جوزه (¬1) أجراه مجرى: أضارب الزيدان؟ في إخراج الصفة عن موضوعها الأصلي واستعمالها استعمال الفعل. ومن منعها قصر ذلك على باب الهمزة و"ما" وهو الصحيح، لأنه لم يثبت إخراج الصفة عن أصلها إلا في ذلك، فوجب قصره عليه. ولا يصح قياسه عليه لما ذكرناه من أن فيه تعويضا عن المعتمد وتنبيها على الإخراج، وهما أمران مناسبان، فلا يجوز إلغاؤهما، فوجب القصر على ذلك. [إملاء 27] [معنى قول النحويين: الإخبار بالذي وأخواتها] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬2): معنى قول النحويين: الاخبار بالذي وأخواتها، وإن لم يهتدوا لمعنى ذلك: أن يكون المخاطب يفهم نسبة معينة إلى منسوب إليه غير معين عنده، أو يفهم منسوبا إليه ¬

_ (¬1) هو الفراء. انظر الإيضاح في شرح المفصل1/ 641. (¬2) زيادة من ب، د.

معينا منسوبا إليه أمر غير معين، فيقصد المتكلم إلى إعلامه بالتعيين فيهما، فيتوصل إلى ذلك بالذي مطلقا، وبالألف واللام في الفعلية. فمثال الأول وهو بيان تعيين المنسوب إليه قولك: الذي هو قائم زيد. ومثال الثاني قولك: الذي زيد هو قائم. وإنماوضعوا في ذلك " الذي" لأنه هو الذي وضع متوصلا به إلى الإخبار عن المنسوب أو المنسوب إليه مع ذكر ذلك بعده، ولذلك لم يوصل إلا بالجمل، فتعين فيما نحن فيه كذلك، لأن الغرض بيان المنسوب أو المنسوب إليه حسب ما ثبت للمخاطب. وإنما وجب أن يكون في موضع المبهم ضمير، لأنه في المعنى هو الذي، فلو لم يكن ثم ضمير لكانت الجملة أجنبية عنه أو كانت غير جملة فيفسد المعنى. وإنما وجب أن يكون الاسم الذي به يقع التعيين خبرا لأن الغرض بيان ذلك المبهم بالخبر، فوجب أن يكون ذلك مؤخرا لأنه خبره. وقول النحويين (¬1): الإخبار بالذي، ليس على ظاهره، لأن المراد أنك جعلت " الذي" خبرا. وإنما المراد بهذه الباء باء التوصل والتسبب (¬2)، كقولك: كتبت بالقلم. فمعنى أخبرت بالذي، أي: توصلت إلى هذا الإخبار بالذي، لا أنك جعلت " الذي" خبرا، لأنه مخبر عنه في جميع هذا الباب. ومعنى قولهم: أخبرني (¬3) عن زيد، في: زيد قائم، ليس على ظاهره، لا باعتبار قولهم: عن، ولا باعتبار قولهم: زيد. أما باعتبار قولهم: زيد، فلأنه لو كان "زيد" معلوم لم يخبر عنه، وإنما أخبر باعتبار كونه مجهولا، وإنما المعنى إذا كان المحهول عند المخاطب هو زيد، كيف يكون الإخبار؟ وأما باعتبار "عن" فلا يستقيم أن يكون على ظاهره، لأن الإخبار ليس عن زيد وإنما ¬

_ (¬1) النحويين: سقطت من د. (¬2) وتسمى باء الآلة، لأنها تدل على آلة الفعل وأداته التي يحصل بها معناه. (¬3) في الأصل: أخبر لي .. وهو تحريف.

[إملاء 28] [الاستثناء المنقطع]

هو عن " الذي"، و"زيد" مخبر به، فكيف يصح أن يكون مخبرا عنه؟ وإنما أرادوا بقولهم: إذا أخبرت عن زيد، أي: إذا كان المجهول في الحقيقة هو ذات زيد، كيف تخبر عنه؟ فتجوزوا في ذلك، لم كان المخبر عنه في الحقيقة هو زيد جاز أن يقال: كيف عن زيد؟ [إملاء 28] [الاستثناء المنقطع] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1): فائدة. الاستثناء المنقطع (¬2) وهو المذكور بعد " إلا" وأخواتها غير مخرج، ويثبت له ما يثبت للاستثناء المتصل إن أمكن مثل: ما اشتريت أحدا إلا حمارا، أو ما يدل عليه سياق الكلام إن لم يمكن ذلك مثل: {لا عاصم اليوم من أمر الله إ لا من رحم} (¬3)، أو الثبوت والحصول مثل: ما زاد إلا ما نقص. وهل يجوز ذكر ما يحبر به عنه؟ وهل يكون ما يذكر معه إن ذكر هو خبر له كخبر " لكن" في قولك: لكن زيدا فعل كذا؟ أو يكون كلاما مستأنفا؟ فيه خلاف. مثاله قوله تعالى: {إلا إبليس أبي} (¬4)، و {إلا إبليس لم يكن من الساجدين} (¬5) و {إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا} (¬6). ¬

_ (¬1) زيادة من "ب" و"د". (¬2) الاستثناء المنقطع هو الذي لا يكون فيه المستثنى بعضا من المستثنى منه، فلاهو فرد من أفراده، ولا جزء حقيقي منه. ولكن ينبغي أن يكون بينهما اتصال معنوي وعلاقة وربط. (¬3) هود: 43. في الأصل وفي ب، د، م: إلا المرحوم. وهو خطأ. لأن المؤلف قصد نص الآية كما هو واضح من كلامه في آخر الإملاء. (¬4) البقرة: 34 وقبلها: {وإذ قلنا لملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا}. (¬5) الأعراف: 11. وفبلها: {ثم قلنا لملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا}. (¬6) الإسراء: 61. وقبلها: {وإذ قلنا لملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا}.

[إملاء 29] [تثنية العمرين والقمرين وشبه ذلك على خلاف القياس]

فمن جعله خبرا له لم يقف عل قوله: {إلا إبليس}، كما لا يقف على قوله: لكن إبليس. ومن جعله كلاما مستأنفا أتى به لإيضاح ما هو في المعنى له، وقف على (إلاإبليس) وابتدأ: (أبى واستكبر)، وكذلك ما أشبهه. وقوله: {لا عاصم اليوم، إنما جيء به ردا على توهمه أن ثم عاصما يعصمه. فلو جعل (إلا من رحم) للمرحومين على أنهم عاصمون لكان فيه إثبات نفس ما سيق الكلام لإنكاره، لأن الملاحومين كثيرون. وإذا كانوا عاصمين، لم يكن لإنكاره ظنه أن ثم عاصما معنى (¬1). [إملاء 29] [تثنية العمرين والقمرين وشبه ذلك على خلاف القياس] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة] (¬2): القمران والعمران وشبه ذلك، تثنيته على خلاف القياس. لأن القياس في كل مثنى أن يكونا كشتركين في الاسم، ومسميا هذا المثنى لا يشتركان في الاسم. ووجه خروجه عن القياس كثرة ذكرهما معا، فاقتضى تخفيف اللفظ بهما لأنه قد كثر قولهم: أبو بكر وعمر، كما كثر قولهم: الشمس والقمر، فهذا وجه مخالفة القياس. فلما خالفوه فلا بد من تعيين أحد الاسمين، فكان عمر أولى من وجوه: أحدها: أنه دون الأول في الرتبة، كما فعلوا في القمرين. وسره قصدهم إلى أن يكون الأول اشترك مع الثاني في المعنى، ولو عكسوا لم يكن المتروك اشترك مع المذكور في ثبوت الأفصلية للمذكور. الوجه الثاني: أن عمر أخف لفظا. الثالث: أن تثنية الاسم المضاف العلم على خلاف القياس. وبيان مخالفته ¬

_ (¬1) قال المبرد: " فالعاصم الفاعل، ومن رحم معصوم. فهذا خاصة لا يكون فيه إلا النصب". المقتضب 4/ 412. (¬2) زيادة من ب، د.

[إملاء 30] [الحروف التي تدل على خصائص أقسام الكلام لا يتقدم عليها ما هو في حيزها]

للقياس (¬1) هو أنك إذا ثنيت الأول فقد ثنيت بعض الاسم، لأنه إنما كان علما بكماله، ولو ثنيت الثاني كان أبعد، لأنه كذلك، ولأن المقصود بالنسبة هو المضاف، ولو ثنيتهما جميعا كان أبعد لأنك جمعت على الاسم تثنيتين باعتبار واحد. فلما كان ذلك مخالفا للقياس ثنوا ما لا مخالفة فيه، لئلا يجمعوا بين مخالفتين: المخالفة في أصل التثنية المتقدمة، وهذه المخالفة. [إملاء 30] [الحروف التي تدل على خصائص أقسام الكلام لا يتقدم عليها ما هو في حيزها] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة وستمائة] (¬2): لا يجوز: زيدا هلا ضربت. لأنه لا يتقدم على الحروف التى تدل على خصائض أقسام الكلام معمول ما في حيزها، كما لا يتقدم عليها ماهو في حيزها. وجاز: زيدا اضرب، لأنه ليس ثم حرف مما ذكرناه، فيمتنع التقديم عليه وإنما صيغة الفعل نفسها موضوعة لذلك كما أن " ضربت" يتقدم عليه معموله وإن كان معناه إثباتا لما لم يكن معه حرف وضع لذلك. وجاز: زيدا ليضرب، لأنه في معنى: اضرب، فأجري مجراه لموافقته له في معناه. ولذلك لم يحسن: زيدا ليضرب، كحسن: زيدا اضرب. وجاز: زيدا لا تضرب، إجراء له مجرى: زيدا لضرب، لأنهما في ¬

_ (¬1) في د: القياس. (¬2) زيادة من ب، د.

[إملاء 31] [الاستثناء المفرغ لا يقع في الفاعل والمفعول إلافي غير الموجب]

المعنى من باب واحد وهو الطلب للفعل، فشبه الأمر بالنهي لذلك. وجاء تقديم معمول ما بعد "لا" في الظروف (¬1) كثيرا، لأن "لا" التي للنفي أخت "لا" التي للنهي في اللفظ والمعنى الأصلي، فحملت النفيية على النهيية، وليس كذلك في "ما" لبعدها عن النهيية في اللفظ والمعنى. وجاء: زيدا لن أضرب، لأنها نظيرة " لا" وتأكد امتزاجها مع الفعل لكونه معمولا لها، والمعمول كالتتمة، فكانت كجزئه، بخلاف "لا" النفيية، وبذلك استدل على الخليل في أنها ليس أصلها: لا أن (¬2)، لأنها لو كانت كما ذكر، وقد جاء: زيدا لن أضرب، لأدى إلى تقديم معمول ما بعد "أن" عليه، وهو ممتنع باتفاق. [إملاء 31] [الاستثناء المفرغ لا يقع في الفاعل والمفعول إلافي غير الموجب] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬3): إنما لم يقع الاستثناء المفرغ إلا في غير الموجب (¬4) في الفاعل والمفعول، لأن الواقع في الوجود لا ¬

_ (¬1) كقوله تعالى: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان}. (الرحمن:39). وقوله تعالى: {قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانها}. (السجدة: 29). (¬2) قال سيبويه: " فأما الخليل فزعم أنها أن، ولكنهم حذفوا لكثرته في كلامهم". الكتاب 3/ 5. وسيبويه لا يوافق الخليل على ذلك فيقول: " ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت: أما زيدا فلن أضرب، لأن هذا اسم والفعل صلة، فكأنه قال: أما زيدا فلا الضرب له ". انظر: الكتاب3/ 5. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) لأن التفريغ في الإيجاب يدعو إلى الاستبعاد. فإذا قلت: خرج إلا زيد، كان معناه: خرج جميع الناس إلا زيد، وهذا بعيد، وليست هناك قرينة تدل على أن المقصود جماعة مخصوصة.

[إملاء 32] [موضع "أن" و"أن" أذا حذف عنهما حرف الجر]

يصح التعبير به عنه في الموجب لتعذر وقوع ذلك. إذ لايمكن أن يقع معنى قولك: ضربت إلا زيدا، وقتلت إلاعمرا، وخرج إلا زيد، وسافر إلا عمرو، لأنه يؤدي إلى أن يكون العام المسكوت عنه مسندا إلى جميعه ذلك وقوعا، وهو متعذر الوقوع من حيث العادة. فلما كان ذلك هو الغالب باعتبار الإثبات، زيدا، وما جاءني إلا زيد، وشبهه. وأما غير الفاعل والمفعول من نحو ظرف الزمان والمكان فيجيء في الموجب والمنفي جميعا، إذ لا يتعذر ذلك في المعنى لصحة وقوعه كقولك: ضربت إلايوم الجمعة، إذ يصح أن تضرب في كل يوم غير يوم الجمعة، ويصح العكس، فجاز الأمران فيه لذلك. [إملاء 32] [موضع "أن" و"أن" أذا حذف عنهما حرف الجر] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة تسع عشرة وستمائة] (¬1): مذهب الخليل في " أن" و"أن" وما في حيزهما إذا حذف عنهما حرف الجر أنهما في موضع خفض بإضمار حرف الجر. ومذهب سيبويه أنهما في موضع نصب (¬2). ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) قال سيبويه: " فأن هاهنا حالها في حذف حرف الجر كحال أن، وتفسيرها كتفسيرها، وهي مع صلتها بمنزلة المصدر". الكتاب 3/ 154.وقال أيضا: "وأعلم أن اللام ونحوها من حروف الجر قد تحذف من أن كما حذفت من أن، جعلوها بمنزلة المصدر حين قلت: فعلت ذاك حذر الشر، أي لحذر الشر، ويكون مجرورا على التفسير الآخر". الكتاب 3/ 154.

فوجه قول سيبويه أنه اسم حذف منه حرف الجر فوجب أن يتعدى الفعل إليه فينصبه كما في قوله: {واختار موسى قومة} (¬1)، وأمرتك الخير (¬2). وهو واضح. ووجه مذهب الخليل أنه اسم سقط منه حرف الجر في موضع لا يصح تسلط الفعل عليه فوجب إضماره كقولك: الله لأفعلن، وكقولك: وبلدة (¬3)، وكقول رؤبة: خير (¬4)، إذ قيل له: كيف أصبحت؟ وشبهه. وهذا وإن كان يقابله قياس حجة سيبويه إلا أنه أخص من حيث كان أصل سيبويه يصح أن يعدى الفعل إلى ما حذف عنه حرف الجر، وليس الفرع كذلك، والأصل والفرع فيما قاس عليه كذلك، فحصل الفرق في قياس سيبويه، إلا أنه يمكن أن يلغى ذلك الفرق وهو أن يقال: أما قول رؤبة: خير، فشاذ لا ينبغي أن يعول عليه في حمل اللغة الفصيحة. وأما: الله، في القسم، فقد جاء النصب والخفض، والنصب هو الوجه، فالقياس عليه إذن أقوى من القياس على الآخر. وأما قوله: وبلدة، فالمنازعة أولا في أن الخفض ليس بإضمار "رب" وإنما هو بالواو التي بمعنى رب (¬5). وإذا احتمل ذلك صار الأصل منازعا فيه، فلا يصح القياس. وكيف والخفض بإضمار حرف الجر قليل شاذ باتفاق (¬6). ¬

_ (¬1) الأعراف: 155. (¬2) قال عمرو بن معد يكرب: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب انظر شعره ص47، وسيبويه 1/ 37، والمفصل ص 291. (¬3) قال جران العود: وبلدة ليس به أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس انظر سيبويه 1/ 263، والخزانة 4/ 197. (¬4) يروى أنه إذا قيل له: كيف أصبحت؟ يقول: خير عافاك الله. انظر المفصل ص292. (¬5) وعند سيبويه أن الخفض بإضمار (رب). الكتاب 1/ 263. (¬6) كقول الفرزدق إذا قيل: أي الناس شر قبيلة ... أشارت كليب بالأكف الأصابع

[إملاء 33] [حكم المستثنى إذا تكرر بعد نفي أوما في حكمه]

وإذا ثبت ذلك، فالقياس على ذلك مع إمكان القياس على ما هو الكثير الشائع غير سائغ. فإذن القول ما قاله سيبويه، لما يؤدي من إضمار حرف الجر وإعماله وهو قليل شاذ، فلا ينبغي أن يحمل عليه مع إمكان ما هو الكثير السائغ. [إملاء 33] [حكم المستثنى إذا تكرر بعد نفي أوما في حكمه] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬1): قول بعض النحويين في قولهم: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدا، لأن المعنى كل الناس أكلوا الخبز إلا زيدا. هذا التعليل وإن كان مستقيما في مثل هذه المسألة، فإنه لا يطرد في بقية الباب، وهو باب واسع. وأصله: أن كل مستثنى تكرر بعد نفي أو ما في حكمه لم يكن للتقريغي ولا (¬2). للبدلي إلا واحد، وما زاد فهو منصوب على أصل الاستثناء (¬3). وذلك أنه إذا تكرر الا ستثناء المذكور فلا يستقيم في الجميع رجوع إلى المستثنى منه بدلا، ولا ما في معناه من إقامته على ما هو حكم البدل التفريغي. لأنك إن أتيت به بغير حرف عطف كنت مشركا بينهما في الإثبات من غير حرف تشريك، وهو غير سائغ. ولذلك إذا أمكن الإتيان بحرف ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) لا: ساقطة من ب، د. (¬3) قال المبرد: " تقول ما جاني أحد إلا زيدا إلا عمرا. وإن شئت قلت: إلا زيدا إلا عمرو. فالمعنى فيهما جميعا واحد، وإن اختلف الإعراب. لأنك إذا شعلت الفعل بأحدهما انتصب الآخر بالاستثناء. ولم يصلح البدل لأن المرفوع منها واجب". المقتضب 4/ 424.

عطف في المواضع التي يمكن التشريك بها في الإثبات والمعنى، صح أن يكون الثاني في معنى الأول كقولك: ماجاءني إلا زيد وإلا عمرو. ولو لم تأت بحرف العطف لوجب النصب في أحدهما. لا يستقيم مثل ذلك في قولك: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدا، لأن " الخبز" وزيدا" غير مشتركين في معنى واحد، بخلاف قولك: ما جاءني إلا زيد إلا عمرا. إلا أن الباب كله واحد من جهة أنه إذا تكرر الاستثناء البدلي أو التفريغي لم يكن على البدل والتفريغ إلا واحد (¬1)، وما زاد فعلى أصل الاستثناء. فإن جيء بحرف العطف وكان المكرر جائزا في المستثنى فيه فالتشريك في المعنى بينه وبين المستثنى البدلي أو التفريغي جاز كمسألة: ما جاءني إلا زيد وإلا عمرو، وإن لم يصح ذلك امتنع، فلم يكن فيه إلا النصب بغير حرف عطف كقولك: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدا. فهذا المعنى يشمل جميع الباب، فكان التعليل بالأمر العام الجامع لجميع الباب أولى من التعليل بأمر خا ... ص. ولا يحسن دفع ما ذكره الفارسي، لأن المستثنى لا يلزم فيه إثبات ما نفي عن المستثنى منه، وإنما يلزم أن يكون مخرجا من المفرد غير مثبت إليه ولا منفي عنه شيء (¬2). فعلى هذا لا يكون المعنى: أكل الناس كلهم الخبز، لأن الصحيح أن ¬

_ (¬1) ويحسن أن يكون الأول منها. (¬2) قال أبو علي: " وتقول: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدا، فلا يكون في زيد إلا النصب، لأن المعنى: كل الناس أكل الخبز إلا زيدا. وتقول: ماجاءني إلا زيد إلا عمرا. فترفع أحد الاسمين وتنصب الآخر. ولا يجوز رفعهما جميعا، إلا أن تدخل حرف العطف فتقول: وإلا عمرو، لأن فعلا واحدا لا يرتفع به فإعلان إلا على جهة الاشتراك بالحرف". الإيضاح العضدي1/ 207.

[إملاء 34] [حروف الهجاء]

المستثنى يثبت له الحكم الذي نفي عن المستثنى منه، خلافا لمن زعم ذلك. والدليل عليه القطع بإثبات الإلهية لله تعالى بقول القائل: لا إله إلا الله. وعلى المذهب الآخر يلزم من قال به أنه لم يثبت المتكلم الإلهية له، وإنما نفاها عن من عداه، ولم يتعرض لإثبات ولا نفي للمستثنى. فيجوز أن يكون القائل بذلك قائلا به وهو شاك مصرح بالشك، لأن الشاك يصح أن يكون غير مثبت ولا ناف، ونحن نقطع بخلافه. [إملاء 34] [حروف الهجاء] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة عشرين] (¬1): حروف الهجاء أسماء المفردات الكلم الفظا وخطا, متصلة أو منفصلة، فالجيم اسم جه، من جعفر ونحوها. وجعل أولها مسماها لما أمكن، تبعيدا اللغلط في المسمى. وأشركوا الألف مع الهمزة لسكونها. وشبهه التهليل والحوقلة والحيعلة والبسملة. وهي مبنية ما لم تركب كغيرها. ونحو: صاد وقاف، لم يبن بناء " أين وكيف"، إما للفرق بين ما بين ما بناؤه لفقدان التركيب وما بناؤه لوجود مقتضى البناء، وإما لأنها من قبيل المعرب، وإما لقلتها غير مركبة. وخفف ذو الهمزة مثل: ياء وتاء وثاء، بحذفها ما لم يركب. الزمخشري بأن سكونها للوقف (¬2). وفي مفصله (¬3): ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) انظر الكشاف 1/ 78. (¬3) ص 353.

{الم. الله} (¬1). حرك لالتقاء الساكنين، فناقض, إذ لا يكون تحريك لالتقاء ساكنين وفي معناها أقوال: الكثر أنها أسماء للسور، فتكون على ضربين: موازن لكلامهم فيعرب لفظاويحكى، وغير موازن فيحكى (¬2)، وتكون خبر مبتدأ، أي: هذه، أونصبا بـ "اذكر"، أو قسما. وقراءة قاف وصاد، فتحا وكسرا ضعيف لما يلزم من منع صرف "دعد" إن كان معربا، أو تحريك غير محرك. وأما "يس" فحسن على النصب بـ "اذكر" وعلى الخفض بالقسم، لا على النصب مثل: الله لأفعلن، لما يلزم من مخالفة المعطوف، إلا عند من يجيز أنها واو القسم. وضعف قول من قال: إنها أسماء للسور بكتابتها، وبأنه إنما يركب اثنان. فأما مثل: كهيعص، فلا، وبأنه يكون الاسم والمسمى واحدا. وأجيب: بأنها كتبت على نحو ما تتهحى، أو خولف القياس كغيره، وبأن التركيب المستكره أن يجعل اسما معربا كحضرموت، فأما أن يكون اسما محكيا مثل: تأبط شرا، وشاب قرناها (¬3)، ومثل: قرأت الحمد لله رب العالمين، فلا، وبأنه تسمية مؤلف بمفرد عكس. الثاني من الأقوال: أنها مفردات عددت للتنبيه والتحريك للنظرر في أن ¬

_ (¬1) آل عمران: 2،1. (¬2) في الأصل: فتحكى. (¬3) قال الشاعر: كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بنى اب قرناها تصر وتحلب وهو لرجل من بني أسد. انظر سيبويه3/ 207.

المعجز مركب من عين مفردات كلامكم، ليستيقنوا إذ عجزوا وهم المتهالكون على الافتنان بأنه ما بز بلاغة كل ناطق وشق غبار كل سابق إلا لأنه من عند الله (¬1). الثالث: أنها عددت للتنبيه على أن الأمي لا يعدد حروف التهجي على وجه لا يتنبه له إلا بعلم الخط، حتى لو غير حرف بغيره لفات، وإلا لأنه من عند الله. وذلك أنها نصف الجملة المستعمل كثيرا، وفيها نصف المستعمل كثيرا من كل نوع منها. فمن المهموسة: صح سكة، ومن المجهورة: ألم طير نعق، ومن الشديدة: أقطك، ومن الرخوة (¬2): المرء صح سعيه، ومن المطبقة: طص، ومن المنفتحة: المكر سحقه عني، ومن المستعلية: قصط، ومن المنخفضة: المكر سنح عيه، ومن القلقلة: قط (¬3). وتفريقها لإعادة التنبيه لأنه أبلغ من جمعها مرة. ولا محل لها على الوجهين الأخيرين بخلاف الأول. والأحسن أن تكون إلى (المتقين) أربع جمل مستقله مرتبطة المعنى. ويجوز أن تقدر ثلاثا واثنتين وواحدة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر الكشاف 1/ 96. (¬2) المثال الذي أتى به ابن الحاجب للزخوة ليس صحيحا، إذ حروف الرخوة ستة عشر حرفا هي: الحاء والسين والخاء والظاء والشين والهاء والزاي والصاد والعين والثاء والفاء والذال والواو والألف والياء والضاد. انظر: شرح المقدمة الجزرية للشيخ خالد الأزهري ص14 (طبع في مطبعة التوفيق بدمشق). ولو قال: صح سعيه، لكان سليما. (¬3) وقد تحدث الزمخشري عن معناها، فمها قاله: الجهر إشباع الاعتماد من مخرج الحرف ومنع النفس أن يجري معه، والهمس بخلافه. والشدة أن يحصر صوت الحرف في مخرجه فلا يجري، والرخاوة بخلافها. والإطباق أن تطبق على مخرج الحرف من اللسان وما حاذاه من الحنك، والانفتاح بخلافه. والاستعلاء ارتفاع اللسان إلى الحنك أطبقت أو لم تطبق، والانخفاض بخلافه. والقلقلة ما تحس به إذا وقفت عليها من شدة الصوت المتصعد من الصدر مع الحفز والضغط. انظر المفصل ص395. (¬4) أراد ابن الحاجب بكلامه هذا قوله تعالى: {الم. ذلك الكتاب لا ريت فيه هدى للمتقين}. (البقرة: 2،1).

[إملاء 35] [دخول الألف واللام على العلام]

[إملاء 35] [دخول الألف واللام على العلام] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة إحدى وعشرين] (¬1): الأعلام بالنسبة إلى الألف واللام عند المحققين على ثلاثة أقسام: قسم يجوز دخول الألف واللام عليه، وقسم لا ينفك عنه، وقسم لا يجوز دخول الألف واللام (¬2). وعند غيرهم على قسمين: قسم واجب دخولها وقسم ممتنع. وقال هؤلاء: لا يخلو العلم من أن يكون سمي بالألف واللام أو لا. فإن سمي بالألف واللام وجبت، وإن سمي بغيرهما امتنعت. هذا حاصل كلامهم. وأما المحققون فيثبتون الجائز بما صح عن العرب من قوله للشخص الواحد المسمى بحسن: الحسن، وبحسين: الحسين، وبعباس: العباس، وفي الحديث الصحيح عن عبدالله بن عباس، وعن عبدالله بن العباس، وعن حسن وحسين، وعن الحسن والحسين. ولو كان على ما زعم أولئك لم تجز هذه الأسماء إلا بألف ولام، أو لا بألف ولا لام. ووجه دخولها أنهم لما سموا بهذه الأسماء وصلها صفات ولمحوا فيها معنى الوصفية أدخلوا اللام فيها لذلك، بخلاف الأسماء التي لم يقصد فيها قصد الوصفية كجعفر وأسد، فإنه لا يجوز دخول اللام عليها، إذ المعنى المسوغ لدخول اللام مفقود. الذي يدل على صحة واعتبار الوصفية فيها وإن كانت أعلاما ما ثبت أنهم ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) انظر: المفصل ص11، والإيضاح في شرح المفصل1/ 99.

يحمعون " أحمر" وبابه إذا كان علما على " حمر" وعلى " أحامر"، ولولا لمح الوصفية لم يجز جمعه على حمر، لأن " أفعل" إذا كان اسما إنما يجمع على أفاعل، وبابه إذا كان صفة أن يجمع على فعل. فإذا جمع على فعل لمح معنى الوصفية كما لمح في إدخال اللام. وإذا جمع على أحامر لم يلمح كما لم يلمح إذا استعمل بغير ألف ولام (¬1). وأما ما يجب فيه اللام فهو كل اسم غلب بالألف وللام من الصفات، أو سمي بالألف واللام من غير الصفات. مثال الأول: الصعق ونحوه، ومثال الثاني: الدبران (¬2) والعيوق (¬3) ونحوه. ولا فرق بين أن يعرف له اشتقاق أو لا يعرف. ولو سمي رجل بالأسد، بالألف واللام، غلبة أو وضعا، للزمت لزومها في الصفة. ثم كل هذه اللامات الداخلة على الأسماء والأعلام وغيرها مما عرف له اشتقاق أو لم يعرف زائدة على بنية الكلمة، إذ ليس في كلام العرب ما أوله همزة وصل بعدها لام ساكنة إلا وهي زائدة. وقول بعض النحويين: إن الألف واللام في نحو: العباس والحرث، غير زائدة وفي نحو: اللات والآن، زائدة، وفي نحو العزى، محتملة للأمرين، ليس مخالفا لما ذكرناه، وإنما أطلق الزائد ههنا بمعنى أنه أفاد ما لا يفيده الاسم لو كان مجردا عنه، بخلاف الآخر. وذلك لأن (¬4) العباس إنما أدخلت اللام فيه ¬

_ (¬1) قال سيبويه: " وإن سميت رجلا بأحمر فإن شئت قلت: أحمرون وإن شئت كسرته فقلت: الأحامر. ولا تقول: الحمر لأنه الآن اسم وليس بصفة"، الكتاب 3/ 398. (¬2) الدبران: نجم بين الثريا والجوزاء وهو من منازل القمر. اللسان (دبر). (¬3) العيوق: كوكب أحمر مضيء بحيال الثريا في ناحية الشمال ويطلع قبل الجوزاء. اللسان (عوق). (¬4) في ب، د: أن.

[إملاء 36] [بعليل عدم ترك أبي عمرو بن العلاء الهمزة في آية قرآنية]

للمح معنى الصفة، فصار دخولها كدخولها على الصفات، بخلاف قولك: الآن، إذ ليس معك آن، فلمحت معنى جوز دخول الألف وللام فيها، وكذلك واللات. وأما "العزى" فمن لمح معنى " عزى" تأنيث الأعز، صح أن يقول: ليست زائدة بهذا الاعتبار، إذ دخولها للمح معنى الصفة. وإن لم يكن أصلها ذلك صح أن يقال: إنها زائدة بمثابة اللات، والأمر في ذلك قريب. [إملاء 36] [بعليل عدم ترك أبي عمرو بن العلاء الهمزة في آية قرآنية] وقال أيضا ممليا على تعليل قراءة أبي عمرو بن العلاء في كونه لم يتزك الهمزة في قوله تعالى: {إن تصبك حسنة تسؤهم} (¬1)، وشبهه: يعلل ذلك بوحهين: أحدهما: أنه إنما ترك الهمزات السواكن في أصل البناء، وسكون هذه الأشياء عارض، فأجراها مجرى المتحرك، ولم يعتد بالعارض، فلذلك لم يترك همزها (¬2). فإن قييل: هذا إنما يمشي فيما كان مجزوما، فأما ما كان من صيغ الأمر كـ " أنبئهم ونبئهم" فإنه مبني لا مدخل له في الإعراب. فالجواب: أن هذا قد اختلف فيه، هل هو معرب أم مبني (¬3)؟ قإن بنينا على أنه معرب فلا إشكال في كونه مثل الأول، وإن بنينا على أنه مبني فهو مشبه به من حيث كونه مأخوذا منه وراجع إليه، فأجري مجراه لذلك، ومن ثم لم يختلف في أن بناءه على ما ¬

_ (¬1) التوبة: 50. (¬2) انظر: إعراب القرآن المنسوب للزجاج 2/ 596. (¬3) ذهب الكوفيون إلى أن فعل الأمر معرب مجزوم. وذهب البصريون إلى أنه مبني. انظر الإنصاف مسألة (72).

[إملاء 37] [علة امتناع بناء " كان" الناقصة وأخوانها لما لم يسم فاعله]

يعرب به المضارع، وليس إلا لحمله عليه وتشبيهه به. فإن قيل: فلم لم يجر " قرأت وأدارأتم" وشبهه مجراه، فلا يهمزه لأنه مبني على السكون مثله؟ فالجواب: أن هذا ليس له مدخل في الإعراب بوجه أصلي ولا فرعي، وإنما هو مبني لا يدخله في هذا المحل حركة بحال، فلذلك لم يلحقه به. والوجه الثاني: أنه لو ترك همز هذا الباب لأدى إلى أحد أمرين محذورين، وهو إبقاء حروف العلة آخر الفعل مع الجازم أو حذفها، وإبقاؤها على خلاف القياس، لأن القياس أن يحذغ للجزم ما آخره واو أو ألف، وحذفها على خلاف القياس، لأن أصلها همزة، وإنما يحذف ما ليس بهمزة. فإن قيل: إذا كان القياس في الحذف إنما يكون عن غير همزة، فبقاؤها غير مخالف للقياس. فالجواب: أن الكلام مفروض على تقدير ترك همزها، وإذا ترك همزها فقد اعتد بالعارض، وجعله كأنه أصل. ومقتضى ذلك أن يعتد بالعارض الذي صارت إليه وهو حروف المد واللين، فيلزم على هذا أن تحذف إجراء للعارض مجرى الأصلي. فلما كانت كذلك كان تركها على همزيتها أولى. [إملاء 37] [علة امتناع بناء " كان" الناقصة وأخوانها لما لم يسم فاعله] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1): إنما امتنع بناء " كان" الناقصة وأخواتها لما لم يسم فاعله، لأنها لو بنيت لم يخل إما أن يحذف ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د.

[إملاء 38] [معنى المتعدد المنسوب إليه عدد أو ما في معناه خبرا أو صفة أو حالا]

معمولاها (¬1) جميعا أو يثبتا جميعا، أو أحدهما دون الآخر، والجميع باطل، فكان باطلا. أما إذا حذفا جميعا فإنه فاسد من جهة إخراج " كان" عن معناها الموضوعة له. لأنها موضوعة لإثبات شيئ على صفة، فإذا لم يذكرا جميعا فقد استعملتها في غير ما وضعت له، وهو فاسد. وأما إذا أثبتا جميعا فلا يستقيم لأنه إخراج لبناء ما لم يسم فاعله عن حقيقته، إذ حقيقته أن يحذف (¬2) المنسوب إليه الفعل، وهذا لم يحذف. وأما إن حذف أحدهما، فإن كان الأول فهو فاسد لوجهين: أحدهما: أنه إخراج لـ "كان" عن معناها، وهو غير مستقيم. والثاني: إقامة ما هو في المعنى خبر مقام ما لم يسم فاعله. وإذا امتنع إقامة المفعول الثاني في" علمت" مع كونه مفعولا صريحا لكونه خبرا في المعنى (¬3)، فلأن يمتنع هذا أجدر. وإن كان الثاني دون الأول فهو فاسد لوجهين: أحدهما: أنه يلزم في بناء ما لم يسم فاعله حذف المنسوب إليه، وهذا لم يحذف، والثاني: خروج " كان" عن المعنى الموضوعة هي له، إذ وضعها لإثبات الشيء على صفة ولم تذكر الصفة. [إملاء 38] [معنى المتعدد المنسوب إليه عدد أو ما في معناه خبرا أو صفة أو حالا] وقال أيضا ممليا [بدمشق سنة تسع عشرة] (¬4): كل متعدد نسب إليه عدد ¬

_ (¬1) أي: اسمها وخبرها. (¬2) في الأصل: تحذف. وما أثبتناه من س. وهو الأصوب. (¬3) وقيل: يجوز إنابة الثاني في هذا الباب إن لم يلبس، ولم يكن جملة، واختاره ابن عصفور وابن مالك. انظر أوضح المسالك2/ 152. (¬4) زيادة من ب، د.

أو ما في معناه خبرا أو صفة أو حالا فمعناه الحكم على كل واحد من آحاده بأنه على نحو الواحد من العدد المكرر. فمثال الخبر قوله عليه السلام: " صلاة الليل مثنى مثنى" (¬1). ومثال الصفة قوله تعالى: {أولى أجنحة مثنى} (¬2). ومثال الحال: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} (¬3).ومثال العدد المكرر قولك: صلاة الليل اثنتان اثنتان، وكذلك الباقيان. ومثال ما هو في معنى العدد المكرر ما تقدم في الأول. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " صلاة الليل مثنى مثنى"، "مثنى" (¬4) الثانية جاءت على جهة التأكيد، كأنه قال: اثنتان اثنتان، اثنتان اثنتان. ألا ترى أن واحدة تفيد المعنى المقصود. وإذا كرر اللفظ الذي بمعناه فهو تأكيد لفظي، فكذلك هذا. ولا خلاف أن معنى مثنى: اثنين اثنين، وأن معنى اثنين اثنين وشبهه ما تقدم ذكره. ولذلك اتفق النحويون أن مثنى وشبهه معدول عن لفظ اثنين اثنين، ولذلك امتنع من الصرف بانضمامه إلى الصفة. ومن النحويين من زعم أنه معدول من جهتين (¬5)، وأن الوصفية لا أثر لها، إما للاستغناء عنها، وإما لأن الاسم ليس بصفة لأن أسماء الأعداد ليست بصفات، وإن جرت في موضع صفات فبتأويل لا يوجب كون الصفة فيها معتبرة. ألا ترى أنك تقول: مررت بنسوة أربع، فتصرفه باتفاق، ولو كانت الصفة الطارئة على اسم العدد معتبرة لوجب منع صرفه، فقال على هذا: العدل من جهتين، وجعله بمثابة الجمع ¬

_ (¬1) سبق في الإملاء (43) من الأمالي على الأبيات. ص: 677. (¬2) فاطر: 1. (¬3) النساء:3. (¬4) مثنى: سقطت من ب، م، س. (¬5) قال أبو البركات الأنباري: "فدل أنه معدول من جهة اللفظ والمعنى". انظر أسرار العربية ص 313.

[إملاء 39] [مسألة في حذف المضاف إليه]

وألفي التأنيث في قيامها مقام علتين لتكرره في المنعى، فقال: عدل من وجهين: أحدهما: عن اثنين، باعتبار لفظه ومعناه. أما اللفظ فواضح، وأما المعنى فإفادته منفردا لما أفاده اسم العدد مكررا. وهذا الذي قاله وإن كان متضمنا بالتقرير الذي ذكرناه فليس بمستقيم، لأن الصفة في أسماء العدد إنما لم تعتبر لأن شرط الاعتبار مفقود وهو كونه موضوعا صفة في الأصل، وأسماء العدد ليست كذلك. وهذه الأسماء المعدولة وإن كانت معدولة عن أسماء العدد فإنما عدلت عن اسم العدد باعتبار وقوعه صفة لا باعتبار كونه عددا. ألا ترى أنه لا يستعمل موضع العدد البتة وهو موضوع صفة في الأصل. فكما أن اثنين اثنين لا يكون إلا صفة فكذلك " مثنى" وشبهه، وهو الوضع الأصلي له. فإن قيل: فينبغي أن لا يصرف مثل قوله: اشتر الجوار أربعا أربعا، لأنه لا يستعمل إلا صفة، فليس بمستقيم، لأن هذا كان موضوعا للعدد على التحقيق بهذا اللفظ، وإنما زيد التكرار لمعنى اقتضاه، بخلاف "مثنى" وشبهه، فإنه موضوع في الأصل صفة. وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى تكلف تقدير عدل ثان [إملاء 39] [مسألة في حذف المضاف إليه] وقال ممليا: مذهب سيبويه في مثل: يا تيم تيم عدي (¬1)، أن المحذوف ¬

_ (¬1) البيت بتمامه: يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ... لا يلقينكم في سواة عمر وهو من البحر البسيط وقائله جرير، انظر: ديوانه 1/ 212. وهو من شواهد سيبويه 1/ 53، والمقتضب 4/ 229، والخصائص 1/ 345، والخزانة 1/ 359. وتيم: هو تيم بن عبد مناة. وعدي: هو عدي بن عبد مناة. وعمر: هو عمر بن لجأ والشاهد فيه إقحام (تيم) الثاني بين (تيم) الأول وما أضيف إليه.

المضاف إليه من الثاني، والمضاف إليه الأول هو المذكور بعد الثاني أخر ضرورة أن يكون المضاف منتهى الاسم (¬1). وقال في: زيد وعمرو قائم: إن المحذوف خبر الأول، وما ذكر بعد الثاني خبره. والفرق بينهما من ثلاثة أوجه: أحدهما: أن الضرورة التي ألجأت إلى تأخيره ههنا هو كون تيما (¬2) الثاني لو قدم ما بعده لبقي مضافا إلى غير مضاف إليه، وذلك لا يستقيم، فكان تأخيره لمعنى مفقود في: زيد وعمرو قائم، وليس كذلك في: زيد وعمرو قائم. ألا ترى أنه لو قدم في: زيد وعمرو قائم، فقال: زيد قائم وعمرو، جاز، ولو قال: يا تيم عدي، تيم، لم يجز باتفاق. دل على أن الموجب للتأخير في: ياتيم عدي، غير موجود في: زيد وعمرو قائم. الثاني: هو أن " ياتيم تيم عدي" جملة واحدة، وزيد وعمرو قائم" جملتان، ويغتفر من التقديم والتأخير في الجملة الواحدة ما لا يغتفر في المتعددة. الآخر: أنه يلزم في الجملتين مخالفة الأصل، ولا يلزم ثم إلا في جملة واحدة. ومخالفة الأصل في جملتين أبعد من مخالفته في جملة واحدة. الآخر: أن الدليل يقتضي في الجميع ما ذكرناه، إلا أنه تخصص بدليل خاص في الجمل، فبقينا فيما عداه على الأصل المقتضي لذلك. والدليل الخاص قوله: نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف (¬3) ¬

_ (¬1) قال سيبويه: " وقال الخليل رحمه الله: هو مثل لا أبالك، قد علم أنه لو لم يجىء بحرف الإضافة قال أباك، فتركه على حاله الأولى، واللام هاهنا بمنزلة الاسم الثاني في قوله: يا تيم تيم عدي" 2/ 206. (¬2) تيما: سقطت من س. (¬3) هذا البيت من المنسرح. وقد اختلف في قائله، فقد نسبه سيبويه لقيس بن الخطيم. الكتاب 1/ 75. انظر ديوانه- الملحقات ص239 (تحقيق ناصر الدين الأسد)، ونسبه ابن السيرافي لعمرو بن امرىء القيس، شرح أبيات سيبويه 1/ 186، وفي الإنصاف نسب لدرهم بن زيد الأنصاري 1/ 95. وانظر: المقتضب 3/ 112، وامالي ابن الشجري 1/ 310. والمقصود: نحن بما عندنا راضون. فحذف خبر الأول اكتفاء بخبر الثاني وهو قوله: راض.

[إملاء 40] [الفرق بين " أن" المخففة من الثقيلة والناصبة للأفعال]

ولولا أنه خبر عن الثاني لم يجز أن يقال: راض، ولوجب أن يقول: راضون. [إملاء 40] [الفرق بين " أن" المخففة من الثقيلة والناصبة للأفعال] وقال ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة] (¬1): إذا وقعت أن "بعد" "علمت"، وجب أن تكون مخففة من الثقيلة (¬2)، وإذا وقعت بعد "أردت" وجب أن تكون الناصبة للأفعال (¬3). لأن "علمت" لما كان متعلقها متحققا تاسب أن تكون بحرف للتحقيق (¬4)، والمخففة من الثقيلة كذلك (¬5). و" أردت" لما كان متعلقها ليس للتحقيق وجب أن لا يقع بعدها حرف التحقيق لأنه وضع الشيء في غير محله. ألا ترى أنك إذا قلت: علمت زيدا قائما، كنت مخبرا بتحقيق قيام زيد. وإذا قلت: أردت زيدا قائما، ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) لأن (علم) من أفعال اليقين. وشرط المخففة من الثقيلة أن تقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته، كقوله تعالى: {أفلا يرون لا يرجع إليهم قولا} (طه: 89). وقوله: {علم أن سكون} (المزمل: 20). وهذه المخففة من الثقيلة تنصب الاسم وترفع الخبر، وشرط اسمها أن يكون ضميرا محذوفا، وشرط خبرها أن يكون جملة. وربما جاء اسمها ظاهرا وخبرها مفردا وذلك في الضرورة. انظر: مغني اللبيب 1/ 28، 29 (دمشق). (¬3) لأن (أراد) فعل يدل على معنى غير اليقين. و (أن) هذه الناصبة للأفعال موصول حرفي، وتوصل بالفعل المتصرف، مضارعا كان، نحو: يعجبني أن تفعل، أو ماضيا نحو قوله تعالى: {لولا أن من الله علينا} (القصص: 82)، أو أمرا نحو: كتب إليه أن قم. انظر: مغني اللبيب 1/ 26 (دمشق). (¬4) في د، م، س: التحقيق. (¬5) في الأصل وفي م، س: لذلك. وما أثبتناه هو الصواب. لأن المعنى يقتضيه.

[إملاء 41] [فرق آخر بين "أن" المخففة من الثقيلة وبين الناصبة للأفعال]

فإنما أخبرت بإرادتك للقيام (¬1)، ولم تخبر بالقيام، لأنه قد يكون وقد لا يكون، ولذلك يصح لمن سمع من يقول: علمت زيدا قائما، أن يخبر عنه بأنه أخبر بقيام، ولا يجوز لمن سمع من يقول: أردت قيام زيد، أن يخبر عنه بقيام زيد، فلذلك وجب أن تقول: أردت أن يقوم زيد، ووجب أن تقول: علمت أن سيقوم زيد. فإن قوله: أردت قيام زيد، لا يلزم منه الوقوع، لأن الإرادة الحادثة لا تخصيص لها بخلاف الإرادة القديمة. وأما قولنا: علمت زيدا قائما، فلا بد أن يكون حاصلا على التقديرين: القديم والحادث، وإلا لزم منه الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه. [إملاء 41] [فرق آخر بين "أن" المخففة من الثقيلة وبين الناصبة للأفعال] وقال ممليا [بدمشق] (¬2) على باب " أن المخففة من الثقيلة": إن قيل: الفرق يحصل بنفس " علمت" فلا حاجة إلى فرق بينها وبين الناصبة للفعل وهو التعويض بالحروف التي هي السين أو سوف أوقد أو حرف النفي (¬3). فالجواب من وجهين: أحدهما: أنه لما كانت الناصبة هي الكثيرة وهذه قليلة قصد إلى دفع ذلك التوهم بأن جعل معها ما يدل على أنها ليست الناصبة. والآخر: هو أن دلالة " علمت" على أنها ليست الناصبة إنما هو من حيث الا ستحسان. ووقوع هذه الحروف تدل دلالة قاطعة على أنها ليست الناصبة، فكأنهم لم يكتفوا بذلك التجويز الذهول عنه، أو لتجويز تقدير إهماله مع ذكره، فقصدوا إلى أن يكون الدال أمرا لا ريب فيه ولا إشكال. الثالث: هو أنهم أرادوا في نفس ما ¬

_ (¬1) في ب: القيام. وفي م، د: لقيام. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) والشرط، ولو، كقوله تعالى: {أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم} (الأعراف:10. ومثال الشرط قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم} النساء: 140.

[إملاء 42] [إعراب الاسم الواقع بعد الظرف والجار والمجرور]

يقع فيه اللبس فرق، ولم يكتفوا بالفرق الخارجي عنه. ألا تراهم يقولون: أكل زيد الخبز، فلا يكتفون بالقرينة الدالة على الفاعلية والمفعولية ما لم يأتوا بالأعراب الذي في نفس الاسم كأن لم يكن ثم قرينة. [إملاء 42] [إعراب الاسم الواقع بعد الظرف والجار والمجرور] وقال ممليا: مذهب الأخفش في: " في الدار رجل" وشبهه أنه مرفوع بالقاعلية (¬1)، لأن الجار لا بد له من متعلق، والمتعلق أصله التقديم، فوجب أن يقدر مقدما، وأصله الفعل، فوجب أن يكون فعلا، وإذا وجب ذلك صار التقدير: استقر في الدار زيد، وإذا صار التقدير كذلك وجب أن يكون فاعلا، إذ لا معنى للفاعل إلا أن يكون كذلك. وما ذكره مستقيم لو سلم من المانع الذي يمنع تقديره مقدما، فمن ثم اندفع استدلاله. والذي يدفعه الإجماع على جواز دخول العوامل عليه. ولو كان فاعلا لم يجز دخول عوامل الابتداء عليه ولما دخلت عليه دخولها على: " زيد قائم" اندفع توهمه، ووجب أن يحتال في التقدير على وجه مستقيم، وذلك بتأخير المتعلق، فعلا أو اسما، ولا مشاحة في هذا المقام في تعيين أحدهما، فيكون التقدير: في الدار رجل استقر، أو في الدار رجل مستقر، ودخولها عليه في مثل قولهم: إن في الدار رجلا، وما أشبهه. ولولا أنه مبتدأ لم يجز دخول ذلك، ولما دخل عليه دل على أنه مبتدأ، ¬

_ (¬1) قال ابن الأنباري: " ذهب الكوفيون إلى أن الظرف يرفع الاسم إذا تقدم عليه، ويسمون الظرف المحل، ومنهم من يسميه الصفة، وذلك نحو قولك: أمامك زيد، وفي الدار عمرو. وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش في أحد قوليه وأبو العباس محمد بن يزيد المبرد من البصريين. وذهب البصريون إلى أن الظرف لا يرفع الاسم إذا تقدم عليه، وإنما يرتفع بالابتداء". انظر: الإنصاف مسألة (6).

[إملاء 43] [شبهة بين بدل الكل والتوكيد اللفطي]

فوجب تأويل المتعلق على وجه مستقيم، ولا وجه أولى مما ذكرناه، فوجب الحمل عليه. [إملاء 43] [شبهة بين بدل الكل والتوكيد اللفطي] وقال ممليا: إن من النحويين من يقول: إن " جاء زيد زيد" بدل الكل من الكل، والصحيح على خلافه، وشبهته من حيث الجملة، أن حقيقة بدل الكل من الكل أن يكون مدلوله مدلول الأول (¬1)، وهذا كذلك. [إملاء 44] [علة بناء " كيت وذيت"] وقال ممليا: علة بناء " كيت وذيت: أنها شاركت "كم" و" كذا" في أصل وضعها، وهو كونها موضوعة للكناية عن متعدد، وهذه كذلك (¬2). ولا يقوى أن يقال: إنها مثلها في الكناية لئلا يرد علينا: فلان وفلانة، فإنهما كنايتان ومع ذلك هما معربان. ¬

_ (¬1) قال الرضي: " قوله: فالأول مدلوله مدلول الأول، فيه تسامح، إذ مدلول قولك أخيك، في: بزيدأخيك، لو كان عين مدلول زيد لكان تأكيدا، ثم قال: " لكن مراده أنهما يطلقان على ذات واحدة، وإن كان أحدهما يدل على معنى فيها لا يدل عليه الآخر" انظر شرح الكافية 1/ 339. (¬2) قال ابن الحاجب في الإيضاح: " وأما كيت وذيت فعلة بنائهما أنهما كنايتان عن الجمل، والجمل مبنية باعتبار الجملية، فبنيت تشبيها لها بما كني بها عنه" 1/ 524.

[إملاء 45] [الفرق بين الإنشاء والخبر]

[إملاء 45] [الفرق بين الإنشاء والخبر] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬1): الفرق بين الإنشاء والخبر أن كل كلام في النفس على وفق العلم أو الحسبان فهو الخبر. وكل كلام في النفس عبر عنه لا باعتبار تعلق العلم والحسبان فهو المعني بالإنشاء. ولذلك إذا قام بالنفس طلب وقصد المتكلم إلى التعبير عن ذلك الطلب باعتبار تعلق العلم به قال: طلبت من زيد كذا. ولو قصد إلى التعبير عنه لا باعتبار تعلق علم (¬2)، لكان التعبير عنه بصيغة الأمر التي هي " أفعل" أو "ليفعل" أو ما أشبهها. وكذلك إذا قام بنفسه تعجب، فعبر عنه باعتبار حصوله متعلقا للعلم قال: تعجبت: ولو عبر عنه باعتباره من غير ذلك لقال: ما أحسنه أو ما أعلمه، وما أشبهه، مما هي من صيغ الإنشاء في التعجب، وكذلك جميع ما يرد من الإنشاءات والأخبار. [إملاء 46] [دخول الفاء في جواب الشرط] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬3): كل موضع لم يفد فيه الشرط استقبالا وجب دخول الفاء فيه. وكل موضع يفيد فيه استقبالا لم يجز دخولها فيه. وكل موضع يحتمل الأمرين جاز الوجهان (¬4). فمثال الأول: إن تكرمني فأنا أكرمك، وإن تكرمني فلن أكرمك وفسوف أكرمك. ومثال الثاني: إن تكرمني أكرمتك. ومثال الثالث: إن تكرمني لا أكرمك. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) في م: العلم. (¬3) زيادة من ب، د. (¬4) تكلم ابن الحاجب عن هذه المسألة في الإملاء (4) من الأمالي على آيات من القرآن الكريم، ص:114، وفي الإيضاح 2/ 248، وفي شرح الكافية ص 37.

[إملاء 47] [هل هناك فرق بين " لدى" وعند"؟]

إن جعلت " لا" لمجرد النفي أفاد الشرط الاستقبال، فلا فاء، وإن جعلت " لا" مفيدة للاستقبال على ما هو الأصل فيها كانت مثل " لن" فتدخل الفاء كما تدخل في "لن". قال الله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف} (¬1). وكذلك: إن تكرمني أكرمك. إن جعلت [الفعل] (¬2) دالا على الاستقبال، من قبل الشرط، امتنع دخول الفاء، وهذا هو الكثير، لأن الفعل في أصل وضعه لا يدل على الاستقبال خصوصا، فصار الاستقبال فيه من الشرط، وإن قدرت مبتدأ محذوفا أو جعلت الفعل في نفسه مرادا به الاستقبال من حيث كان صالحا له لوقوعه مشتركا أو ظاهرا فيه عند قوم دخلت الفاء، لأن الشرط لم يفد فيه معنى الاستقبال على التقديرين جميعا، وهذا قليل، ولم يرد في القرآن منه إلا قوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر} (¬3)، في قراءة حمزة خاصة، لأن بقية القراء يفتحون (أن) فليست عندهم للشرط، فيخرج بذلك عن الباب، فتحقق صحة ما ذكرناه في مواضع الفاء وجوبا وامتناعا وجوازا. [إملاء 47] [هل هناك فرق بين " لدى" وعند"؟] وقال ممليا: إن من النحويين من سوى بين "لدى" وعند". تقول: لدي كذا، لما كان في ملكك حاضرا أو غائبا، وعندي كذلك. والأكثر على خلافه (¬4). ¬

_ (¬1) طه: 112. (¬2) زيادة من د، م. (¬3) البقرة: 282، انظر الإملاء (14) من الأمالي القرآنية. ص: 127. (¬4) قال الزمخشري: " ومنها لدى. والذي يفصل بينها وبين عند، أنك تقول عندي كذا، لما كان في ملكك حضرك أو غاب عنك. ولدي كذا لما لا يتجاوز جضرتك". الفصل ص172 وسيبويه جعلهما بمنزلة واحدة. الكتاب4/ 234.

[إملاء 48] [القول: إن الأخبار كلها صفات]

[إملاء 48] [القول: إن الأخبار كلها صفات] وقال ممليا بالقاهرة: ذهب قوم إلى أن الأخبار كلها صفات. فإذا قلت: زيد قائم، فمعناه: زيد رجل قائم، فحذف الكلام لدلالة ما تقدم عليه [إملاء 49] [مشابهة "هلم" لأسماء الأفعال] وقال ممليا [بالقاهرة] (¬1): إن "هلم" لما ركبت شابهت أسماء الأفعال (¬2)، وأسماء الأفعال تجري على نمط واحد، فكذلك " هلم" للواحد ولاثنين والجمع، والمذكر والمؤنث، على حد واحد (¬3). إلا ترى أنك تقول: رويد الزيدين والزيدين، ورويد على حالها. ومذهب البصريين على أن أصلها: ها ألمم، أمشى من حيث المعنى، ومذهب الكوفيين أمشى من حيث اللفظ (¬4) .............................................. ............................................................................... (¬5) ¬

_ (¬1) زيادة من ب. (¬2) انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 498. (¬3) قال سيبويه: " واعلم أن ناسا من العرب يجعلون هلم بمنزلة الأمثلة التي أخذت من الفعل، يقولون: هلم وهلمي وهلما وهلموا". الكتاب 1/ 252. (¬4) قال الزمخشري: " هلم مركبة من حرف التنبيه مع لم، محذوفة من ها ألفها عند أصحابنا، وعند الكوفيين من هل مع أم محذوفة همزتها". المفصل ص152. (¬5) وجد هذا القدر خاليا في جميع النسخ.

[إملاء 50] [تعريف صاحب " الجمل" للمصدر]

[إملاء 50] [تعريف صاحب " الجمل" للمصدر] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) على قول صاحب الجمل (¬2): "والحدث المصدر وهو اسم الفعل، والفعل مشتق منه" (¬3). يعني بقوله: المصدر، وقوله: اسم الفعل، أي: المصدر دال على الفعل الحقيقي وهو المعاني وما أجري مجراها من النسب. وقوله: والفعل مشتق منه، يعني به الفعل الصناعي اللفظي قسيم الاسم والحرف الدال على حدث وزمان، مشتق منه، أي: من المصدر على ما هو مذهب البصريين (¬4). فتضمن الكلام أمرا يسمى مصدرا، وأمرا يسمى فعلا حقيقيا هو مدلول المصدر، وأمرا يسمى فعلا صناعيا لفظيا هو مشتق من المصدر. فالمصدر الألفاظ التي هي أسماء للأحداث كالقيام والقعود والأكل والخروج ولذلك فسرها آخرا بقوله: "قمت قياما، وقعدت قعودا". ثم قال: "فالقيام والقعود وما أشبههما مصادر"، والقعل الحقيقي هي المعاني وما أجري مجراها، كمدلول لفظ القيام والأكل والشرب والعلم والجهل ونظائرها. والفعل الصناعي اللفظي المشتق من المصدر هي نحو قولك: ضرب وقتل وشبه ذلك. وكذلك مضارعاتها كقولك: يضرب ويقتل، وهي مشتقة من ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) هو عبد الرحمن بن اسحق أبو القاسم الزجاجي، ولد جنوبي همذان، ونزل بغداد، ثم سار إلى دمشق وطبرية ومات بها سنة 339هـ. من مؤلفاته: كتاب الجمل، والإيضاح في علل النحو. انظر: بعية الوعاة 2/ 77. (¬3) انظر: كتاب الجمل ص 17 (عتنى بتصحيحه وشرح أبياته الشيخ ابن أبي شنب). (¬4) ذهب الكوفيون إلى أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه، نحو: ضرب ضربا، وقام قياما. وذهب البصريون إلى أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه. انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف مسألة (28).

[إملاء 51] [الجمل تكون نكرات ومعارف]

مصادرها. فـ "ضرب" من الضرب، و"قتل" من القتل، وكذلك جميعها، فهذا معنى قوله: والفعل مشتق منه، أي: الفعل اللفظي مشتق من لفظ المصدر على ما ذكرناه. [إملاء 51] [الجمل تكون نكرات ومعارف] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة وستمائة] (¬1): الجمل إنما تكون نكرات باعتبار معانهيا على ما تقرر في النحو من كون الجمل نكرات (¬2). فأما إذا قصدت ألفاظها وجب أن تكون معرفة كقولك: زيد قائم قولك. فـ "زيد قائم" ههنا مبتدأ، و"قولك" خبره، ولم ترد ههنا إلا للفط وقصدت حكايته. واللفظ إذا ذكر وقصد نفس صيغته كان معرفة مقصودا به نفسه. ألا ترى أنك إذا قلت: من حرف جر، كانت " من" مبتذأ مخبرا عنها بقولك: حرف جر، قصد نفس لفظها. فإن قلت: اللفظ لا بد له من مدلول، فإذا تلفظت بـ " من" فلا بد لها من مدلول، ولا مدلول لها ههنا إلا نفسها، فيؤدي إلى أن يكون الدليل والمدلول واحدا. قلت: الألفاظ إنما وضعت دالة على عيرها لزوما في الموضع الذي يكون مدلولها غير لفظ لاحتياج إبلاغ المعاني عن ما ليس بلفظ كقولك: الحصير حسنة والثوب نافع. وأما إذا كانت مدلولاتها لفظا فقياسها ألا تحتاج إلى دليل عليها، بل ينطق بللفظ ويقصد به نفسه، ويستغنى عن الدلالة عليه بغيره، فلا يكون ثم دليل بل ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) لأنها تجري أوصافا على النكرات. انظر ابن يعيش 3/ 52، ولأشباه والنظائر 1/ 146.

[إملاء 52] [فظ الحرف باعتبار معناه لا يخبر به ولا عنه]

نفس المقصود هو الملفوظ به. ومع ذلك فإنهم قد وضعوا لفظا دليلا على لفظ آخر وإن كانوا في غنية عنه تارة لاختصارهم وتارة لتصرفهم. فمثال ما وضعوه لاختصارهم قولك في قصيدة: هذه القصيدة حسنة. فقولك: القصيدة، لفظ دال على لفظ للاختصار، لأنه أخصر من أن تذكر القصيدة وتخبر عنها بقولك: حسنة، وإن كا ذلك ممكنا. وكذلك قولنا: سورة البقرة والفاتحة، وما أشبه ذلك ومثال ما وضعوه لتصرفهم في الكلام كقولك لمن قال: خرجت من البصرة، هذا الحرف الذي قبل البصرة يجر ما بعده. فلم يكن هذا لاختصار، لأن قولك: من، أخصر منه، وإنما هو من تصرفتهم لاتساعهم في الكلام، وقد يكون لرفع لبس كقولك لمن قال: زيد كريم، لفظ المبتدأ حسن، لأنك لو قلت: زيد حسن، لتوهم أنك تعني نفس المدلول. فإذا ذكرته بهذه الصيغة ارتفع هذا الوهم. وإنما سوغه في الموضعين كونه على قياس أوضاعهم، فأجروا ما لو يضطروا إلى الوضع له مجرى ما اضطروا فيه إلى الوضع. [إملاء 52] [فظ الحرف باعتبار معناه لا يخبر به ولا عنه] وقال ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة وستمائة] (¬1): المحكوم بكونه لا يخبر به ولا عنه إنما هو ألفاظ الحروف باعتبار معانيها المستعملة فيها، فأما قوله: الحرف، فليس من ذلك. وكذلك قولهم: من: حرف جر، فإنه قد أخبر عن الحرف، ولولا أنه خبر عن الحرف لم يصدق قوله: حرف جر. ولكن ليس ذلك المعني بقولهم، فإن هذا لم يخبر عنه باعتبار لفظه ومعناه المستعمل هو فيه، وإنما أخبر عنه باعتبار لفظه، وهو بهذا المعنى اسم. ألا ترى أنك تقول: " من" مبتدأ، و"حرف" خبر مبتدأ، ولا يقع كذلك إلا الأسماء. ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د.

[إملاء 53] [علة حذف الواو من نحو: يعد]

فإن قيل كيف يصح أن يكون اسما وقد أخبر عنه بأنه حرف، وهل هذا إلا تناقض؟ فالجواب: أن الوجه الذي كان به اسما غير الوجه الذي أخبر به عنه بأنه حرف، ألا ترى أنك تقول في "من" وشبهها: هذه الكلمة حرف. ولا شك في أن قولك: هذه، اسم، ومع ذلك فق أخبرت عنه بأنه حرف، لأن لفظ الكلمة صالح إطلاقه على الاسم والفعل والحرف جميعا. فإذا قلت: هذه الكلمة حرف، وأنت تعني "من" أو غيرها كان ذلك صحيحا. فكذلك إذل قلت: من حرف، لأنك لم تقصد إلا إلى نفس اللفظ باعتبار كونه كلمة. وهذا بعينه يجاب به عن الفعل، فإنهم لم يعنوا بقولهم: لا يخبر عنه، إلا في حال استعمالهم له على حسب وضعه في معناه في مثل قولك: ضرب زيد. فأما إذا قلت: ضرب: فعل ماض، فإنك وإن استعملت اللفظ لم تستعمله باعتبار معناه الموضوع له. ألا ترى أنك لا تعني بقولك: ضرب، إلا نفي اللفظ ولم تستعمله باعتبار معناه الموضوع له. وإنما قصدت إلى حكاية اللفظة الواقعة في كلام غير ذلك، فهذا هو الوجه في صحة قولهم: الحرف لا يخبر به ولا عنه، والفعل يخبر به لا عنه (¬1). [إملاء 53] [علة حذف الواو من نحو: يعد] وقال ممليا [بدمشق] (¬2): إنما حذفوا الواو من " يوعد" ولم يحذف من " يينع" و"ييسر" لأوجه ثلاثة: أحدها: أن الواو أثقل والياء أخف، فلا يلزم من حذف ما هو ثقيل حذف ما هو خفيف. والآخر: أن وقوع الواو أكثر فلا يلزم من حذف ما كثر حذف ما قل. والآخر: أن الحذف في الواو لا يؤدي إلى لبس ¬

_ (¬1) كلام ابن الحاجب في هذا الإملاء هو نفس كلامه في الإيضاح 2/ 138. (¬2) زيادة من ب، د.

[إملاء 54] [الصواب كسر الراء في "المضارع" و" المضارعة"]

وفي الياء يؤدي إلى البس، وهو لبس صيغة الماضي بالمضارع، وليس كذلك في الواو لأنها لا تكون حرف مضارعة (¬1). [إملاء 54] [الصواب كسر الراء في "المضارع" و" المضارعة"] وقال ممليا: المضارعة والضارع، بالكسر. والفتح خطأ، لأنه اسم فاعل من: ضارع يضارع. والفعل الذي في أوله إحدى الزوائد الأربع ضارع الأسماء فهو مضارع، بالكسر. والأفعال مضارعة ومضارعات، لأن ما لا يعقل وصف جمعه بمفرد المؤنث وجمعه سواء، فلذلك قيل: المضارعة والمضارعات. وأما المضارعة، بالفتح، فمصدر "ضارع"، وهو المعنى الذي كان الفعل مضارعا، فلذلك كان قول من قال: الأفعال المضارعة، بالفتح، خطأ. نعم لو قيل: أفعال المضارعة، فأضافها إلى المعنى الذي به كانت مضارعة كان مستقيما كقولك: رجال العلم ورجال الشجاعة. فأما الوصف به وتسميتها به فغير مستقيم. ¬

_ (¬1) اختلف البصريون والكوفيون في علة حذف الواو من نحو: يعد ويزن. فقال الكوفيون إنما حذفت للفرق بين الفعل اللازم والمتعدي. وقال البصريون إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة. انظر الإنصاف لا بن الأنتاري مسألة (112). وقال ابن الحاجب: " وتحذف الواو من يعد ويلد لوقوعها بين ياء وكسرة أصلية". انظر: مجموعة الشافية بشرح الجاريردي 1/ 272 (علم الكتب. بيروت).

[إملاء 55] [كتابة ابن]

[إملاء 55] [كتابة ابن] وقال ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة] (¬1): إذا وقع "ابن" بين علمين صفة ليس بابتداء سطر كتبه الكتاب بغير ألف. وقياسه أن يكتب بالألف. لأن قياس الكتابة أن تكتب كل كلمة بالحروف التي ينطق بها عند الا بتداء به والوقف عليه بالألف. والدليل على ذلك كتابتهم " في الله"، بأثبات الياء في " في"، وإثبات الألف في " الله". وكذلك إذا كتبت " ق زيدا" " كتبت قافا وهاء، لأنك لو وقفت لقلت: قه. فدل على أن قياس " ابن" أن يكتب بالألف مطلقا، لأنك إذا ابتدأت به قلت: ابن، وإنما حذف الألف اختصارا لكثرتها، وكذلك حذفت العرب التنوين من الاسم الأول الواقع قبل "ابن" إذا وقع على هذه الصفة. فالعلة التي حذف العرب التنوين لأجلها هي التي حذف الكتاب الألف لأجلها. وإنما اشترك أن يكون بين علمين وصفة لكونه إنما يكثر إذا كان كذلك. ألا ترى أن وقوع "ابن" بين غير علمين ووقوعه بين علمين غير صفة قليل. فمثال وقوعه ليس بين علمين كقولك: جاءني زيد ابن أخينا. ومثال وقوعه بين علمين كقولك: جاءني زيد ابن أخينا. ومثال وقوعه بين علمين ولكن ليس بصفة قولك: إن زيدا ابن عمرو. فإذا كتبوه عند فقدان أحدهما بالألف فلأن يكتبوه عند فقدانها بألف من طريق الأولى، وذلك قولك: إن زيدا ابن أخينا، فهذا لم يقع بين علمين وليس بصفة. وإنما اشترط أن لا يكون أول سطر لأنه إذا كان أول سطر كان في محل يبتدأ به غالبا، لأن القارىء ينتهي إلى آخر السطر، ثم يبتدىء بأول السطر الذي ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د.

[إملاء 56] [حذف التنوين والألف من " ابن" إذا وقع صفة بين علمين]

بعده، فكرهوا أن يكتبوه على غير ما يوجبه النطق به غالبا (¬1). وحذفهم الألف وإن كان على خلاف القياس لم يكن إلا لكونه أجري مجرى الوصل الغالب فيه. فإذا فات ذلك الموجب له الحذف لم يكن للحذف وجه، فوجب إثبانه. [إملاء 56] [حذف التنوين والألف من " ابن" إذا وقع صفة بين علمين] وقال ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة وستمائة] (¬2): إذا وقع "ابن" صفة بين علمين كان ذلك سببا في تحقيقين: أحدهما: لفظي وهو حذف التنوين، والآخر: كتابي وهو جذف الألف من "ابن" (¬3). فإن فقدا أو فقد أحدهما ثبت الأصلان: الألف والتنوين. فمثال فقدانهما جميعا: إن زيدا ابن أخيك. ومثال فقدان كونه بين علمين مع بقاء الوصفية: جاءني زيد ابن اخيك. ومثال كونه غير وصف مع وقوعه بين علمين: إن زيدا ابن عمرو (¬4). ¬

_ (¬1) وقد تحدث السيوطي عن هذه المسألة في حديثه عن الحالات التي تحذف فيها همزة الوصل في الخط فقال: " الخامس: من (ابن) الواقع بين علمين صفة مفردا سواء كانا اسمين أم كنيتين، أم لقبين، أم مختلفين نحو: هذا زيد بن عمرو، هذا أبو بكر بن أبي عبد الله، وهذا بطة بن قفة. ويتصور في المختلفين ستة أمثلة. وحكى أبو الفتح عن متأخري الكتاب أنهم لا يحذفون الألف مع الكنية تقدمت أو تأخرت. قال: وهو مردود عند العلماء على قياس مذهبهم لأن حذف التنوين مع المكني كحذفه مع السماء، وإنما هو لجعل الاسمين اسما واسما واحدا، فحذفت الألف، لأنه توسيط الكلمة".همع الهوامع 2/ 236. (¬2) زيادة من "ب" و"د". (¬3) وابنة أيضا، فهي مثل ابن. (¬4) قال الرضي: " والمعتبر في كل ما ذكرنا لفظ ابن وابنة لا تثنيتهما وجمهما وتصغيرهما، لأنه لا يكثر استعمالهما كذلك. وكذا المعتبر كون العلم الموصوف مفردا، لأن المثنى والمجموع ليسا بعلمين، وأيضا لا يكثر استعما لهما". شرح الكافية 1/ 141.

ولما كان لحذف التنوين سبب آخر وهو كون الاسم غير منصرف أو مبنيا في مثل قولك: جاءني أحمد بن زيد وجاءني سيبويه بن عمرو، جاء حذف التنوين تارة مع بقاء الألف عند مجيء سببه الآخر وعدم السبب الذي ذكرناه كقولك: إن أحمد ابن أخيك. ألا ترى أن التنوين محذوف، والألف تثبت لأن سبب حذف الألف غير موجود، وسبب حذف التنوين موجود إلا أنه غير ذلك السبب المذكرور، فلذ لك لم يلزم من حذف التنوين مطلقا حذف الألف، إلا إذا اتفق ذلك وهو كون حذف التنوين موجبا لكون " ابن" صفة بين علمين. فكل موضع ثبت فيه التنوين في الاسم ثبتت فيه الألف، لأنه لا تثبت وقد تعدد سببا حذفه إلا مع عدمهما جميعا، فيجب عدم كونه صفة بين علمين، فيجب ثبات الألف. وكل موضع حذف منه التنوين لم يلزم حذف الألف لجواز أن يكون حذف التنوين لا لكونه صفة بين علمين بل لكونه غير منصرف أو غير معرب. وعلة حذفهم لذلك كثرة استعمالهم له كذلك. فلما كثر استعماله ناسب التخفيف اللفظي والكتابي، فخففه اللافظ بحذف التنوين، وخففه الكتاب بحذف الألف، وكذلك المنادى بنقله من الضمة إلى الفتحة في مثل: يا زيد بن عمرو (¬1). ¬

_ (¬1) نقله من الضمة إلى الفتحة ليس وجويا وإنما هو اختبار. وفي هذه المسألة لا بد من توفر أربعة شروط: أن يكون المنادى علما، موصوفا بابن، متصلا، مضافا إلى علم. قال الرضي: "فإذا اجتمعت الشروط اختير فتح المنادى ولا يجب. وقد ذهب بعضهم إلى وجويه. وإنما اختير فتح المنادى مع هذه الشروط لكثرة وقوع المنادى جامعا لها. والكثرة مناسبة للتخفيف، فخففوه لفظا بفتحه، وسهل ذلك كون الفتحة حركته المستحقة في الأصل لكونه مفعولا. وخففوه خطا بحذف ألف ابن وابنة". شرح الكافية 1/ 141.

[إملاء 57] [الصفات العاملة]

[إملاء 57] [الصفات العاملة] وقال ممليا: الصفات العاملة على قسمين: قسم متعد كضارب، وقسم غير متعد، وهو على قسمين: أحدهما: اسم فاعل كقائم وقاعد والآخر: الصفة المشبهة كقريب وبعيد. والأصل في الإعمال فيهما لاسم الفاعل، وحملت الصفة المشبهة به عليه. فإذا أعملت المتعدي أعملته إعمال فعله فتعديه إلى واحد واثنين وثلاثة إن كان متعديا إلى ذلك. وإذا أعملت غير المتعدي والصفة المشبهة أعملتهما في المرفوع لا غير، إلا ما كان من المنصوبات غير مفعول فأنك تعملهما أيضا فيه كالظروف والمصادر كقولك: هذا قائم غلامه يوم الجمعة، وقائم غلامه قياما. فإذا قصدت إلى إضافة المتعدي أضفته إلى مفعوله دون فاعله، تقول: مررت برجل ضارب زيد. ولا يجوز أن تضيفه إلى فاعله لئلا يؤدي إلى اللبس فلا يعرف عند الإضافة أمفعول هو أم فاعل؟ ولأنه يؤدي إلى إضافته إلى ما هو له من غير حاجة. وشرط جواز الإضافة التخفيف في الأكثر وهو حذف التنوين ونوني التثنية والجمع. وقد يكون على التثبيه بالحسن الوجه، لأن باب الحسن لما جازت إضافته إلى معموله دل على جواز إضافة اسم الفاعل إلى معموله، ولم يكن معمول إلا المرفوع أضيف أليه. ولما كان مفيدا تخفيفا غير التنوين وهو حذف المضمر الذي كان فيه جازت الإضافة مع الألف واللام في الحسن، فجاز " الضارب الرجل" حملا له على " الحسن الوجه" ولم يجز " الضار زيد" عندنا (¬1)، خلافا للفراء (¬2)، لأن اللفظ الذي كان سبب ¬

_ (¬1) لعدم التخفيف. (¬2) قال الرضي: " إما لأنه توهم أن لام التعريف دخلتها بعد الحكم بإضافتها فحصل =

التخفيف في " الحسن الوجه" مفقود في " الضارب زيد" وموجود في " الضارب الرجل" وهو اللام في الرجل، فلا يلزم من تشبيه " الضارب الرجل" بـ " الحسن الوجه" تشبيه " الضارب زيد" بـ " الحسن الوجه". وقد تكون الإضافة في باب اسم الفاعل لتعذر غيرها كقولك: مررت برجل ضاربك. لأنه (¬1) لو لم يضيفوا لأدى إلى التناقض أو مخالفة باب الإضمار. ألا ترى أنهم لو لم يضيفوا مع بقاء الضمير المتصل لقالوا: ضاربنا، فيجمعوا بين دليلي الاتصال والانفصال وهو متناقض. ولو لم يضيفوا مع تغيير الضمير المتصل لقالوا: ضارب إياك، فيخالفوا باب الإضمار وهو الرجوع إلى المنفصل من غير تعذر المتصل، ولا يقال تعذر لأنه لم (¬2) يمكن الجمع بينه وبين التنوين، فإنا نقول: لا ضرورة إلى التنوين فام يتعذر. فإن قيل: هذا يؤدي إلى أن لا يقع المنفصل، لأنك إذا قلت: ما ضربت إلا إياك، فممكن أن نقول: ضرتك، فلا يتعذر، قلنا: ليس كذلك، فإن المعنيين في قولك: ضاربك، وضارب إياك، لو قدر اللفظ به، على حد واحد. وليس ¬

_ = التخفيف بحذف التنوين بسبب الإضافة ثم عرف باللام. وإما لأنه قاسه على الضارب الرجل والضاربك، فإنه جاز الإضافة فيهما مع عدم التخفيف فلتجز فيه أيضا". قال: " وكلا الأمرين غير مستقيم. أما قوله: أما قوله: لأن لام التعريف دخلتها بعد الحكم بإضافتها، فإنه رجم بالغيب، ومن أين له ذلك ونحن لا نحكم إلا بالظاهر. فإنه وإن أمكن ما قال، إلا انا نرى اللام سابقة حسا على الإضافة، والإضافة في الظاهر إنما أتت بعد الحكم بذهاب التنوين بسبب اللام، فكيق ينسب حذف التنوين إلى الإضافة بلا دليل قاطع ولا ظاهر مرجح. وأما قياسه على الضارب الرجل، فليس بوجه، وذلك أن الضارب الرجل. وإن لم يحصل فيه تخفيف بالإضافة إلا أنه محمول على ما حصل فيه التخفيف مشبه به وذلك هو: الحسن الوجه، والجر فيه هو المختار". شرح الكافية 1/ 281. (¬1) في م: لأنهم. (¬2) في ب، د: لا.

[إملاء 58] [استعمال " أم" و"أو"]

المعنيان في قولك: ما ضربت إلا إياك، وما ضربتك، على حد واحد (¬1)، فثبت الفرق بينهما، فلذلك كان ثم متعذرا، وههنا غير متعذر. وإذا وجبت ولإضافة في هذا الباب من غير تحقق (¬2) تخفيف جاء ما فيه التنوين في الأصل، وما ذهب منه التنوين للألف واللام، على حد سواء. فثبت جواز " الضاربك" كما وجب جواز " ضاربك". هذا إن قلنا: الضارب مضاف، وأما غير مضاف فلا إشكال. [إملاء 58] [استعمال " أم" و"أو"] وقال ممليا: " أم" لا تستعمل إلا مع همزة الاستفهام (¬3). وشرطها: أن يكون المستفهم عنه تعين أحد الأمرين بعد استوائهما عند المستفهم، ولذلك اشترط أن يكون أحد الأمرين بعد الهمزة، والآخر بعد " أم". وأما "أو" فستعمل مع الهمزة ومع غير الهمزة لأحد الأمرين (¬4). تقول في الاستفهام: أقام زيد أو قعد؟ مستفهما عن أحدهما، وتقول في غير الاستفهام: قام زيد أو قعد، مثبتا أحدهما. فإذا استعمل البابان في ضمن الكلام جزاء فشرط استعمال "أم" أن تكون باقية على ما شرط لها من الهمزة مجردة عن معنى الاستفهام لتعذر استعماله ¬

_ (¬1) لأنه في الأولى أثبت الضرب وحصره فيه، وفي الثانية نفاه عنه. (¬2) في الأصل: محقق. وهو تحريف. (¬3) قال سيبويه: " أما أم فلا يكون الكلام بها إلا استفهاما. ويقع الكلام بها في الاستفهام على وجهين: على معنى أيهما وأيهم، وعلى أن يكون الاستفهام الآخر منقطعا من الأول". 3/ 169. (¬4) قال سيبويه: " وأما أو فأنما يثبت بها بعض الأشياء، وتكون في الخبر، والا ستفهام يدخل عليها على ذلك الحد" 3/ 169.

ضمنا، إذ له صدر الكلام، ويبقى فيها معنى التسوية، فيجب لها أمران: أحدهما: أن تقدر " أم" بالواو العاطفة ضرورة الغرض المذكور، والأخر: أن يقدر الفعل بالمصدر، لأنه لو قدر باسم الفاعل لكان استعمالا له في غير موضوعه (¬1)، ألا ترى أنك إذا قلت: سواء علي أقمت أم قعدت، فتقديره: سواء علي قيامك وقعودك، فيجب أن تقدر " أم" بالواو وإلا اختل الكلام. لأنك لو قلت: سواء علي قيامك أو قعودك لم يستقم. ويجب أن تقدر الفعل بالمصدر، لأنك لو قلت: سواء علي قائم وقاعد لا ستعملت اللفظ في غير موضوعه. وإذا استعملت "أو" مع ما في حيزها من لفظ الجملة ضمنا، فشرطها أن لايكون قبل الأولى همزة استفهام، لأنه قد ثبت استعمالها بعد همزة استفهام في أحد وجوهها، إذا قلت: قام زيد أو قعد. والمراد ههنا تجريدها عن معنى الاستفهام، فلم يكن لمجيء الهمزة معنى يقتضيها، لا حقيقي ولا لفظي، بخلاف ما ذكرناه في " أم". ويجب أن تكون "أول" ناقية على معناها في إثبات أحد الأمرين. ويجب أن يقدر الفعل باسم الفاعل أو المفعول على حسب التلفظ به كقولك: أنا أضربك قمت أو قعدت. ألا ترى أنك لو قلت: أنا أ ... ضربك قياما أو قعودا، لم يكن استعمالا للفظ في موضوعه، لأن المقصود الحال، والحال لا تكون بالمصدر إلا على غير القياس (¬2)، ولو قلت: أنا ¬

_ (¬1) في د: موضعه. (¬2) قال الرضي: "ثم اعلم أنه لا قياس في شيء من المصادر يقع حالا بل يقتصر على ما سمع منها نحو: قتلته صبرا، ولقيته فجأة وعيانا، وكلمته مشافهة، وأتيته ركضا أو عدوا أو مشيا. والمبرد يستعمل القياس في المصدر الواقع حالا إذا كان من أنواع ناصبه نحو: أتانا رجلة وسرعة وبطأ ونحو ذلك. وأما ما ليس من تقسيماته وأنواعه فلا خلاف أنه ليس بقياس، فلا يقال: جاء ضحكا أو بكاء، ونحو ذلك، ولعدم السماع". شرح الكافية 1/ 210.

أضربك قائما وقاعدا، لم يستقم أن يقصد إلى الاجتماع لأنهما متضادان، بخلاف ما ذكرناه في " أم" فإن الأمر فيها على العكس، لأن المراد مع "أو" بالحالين إثبات أحدهما، فلو عطفت بالواو لكان المراد اجتماعهما في الحالية وهما لا يجتمان، فأدى إلى اجتماع النقيضين. ومع " أم" لا يقصد إلى أنهما مجتمعان، وإن عطفت أحدهما على الآخر وقصدت إلى أنهما متساويان. وعطف أحدهما على الآخر بالواو لمعنى التسوية واجب لا يستقيم إلا بهما. ألا ترى أنك لو قلته بغيرها لكان إما الفاء أو ثم أو حتى، وكذلك إلى آخر حروف العطف، فإن كان بالفاء وثم وحتى لم يستقم لأنها تدل على إثبات الثاني بعد ثبوت الأول، فيؤدي إلى تسوية الواحد قبل مجيء الثاني وهو محال. وإن كان بأو وإما ,أم، لم يستقم لأنها لآثبات أحد الأمرين، فيؤدي إلى تسويه نفسه وهو محال. وإن كان بلا ولكن وبل، لم يستقم لأنها لإثبات أحد الأمرين معينا، وإذا لم تثبت التسوية مع أحدهما مبهما فلأن لا تثبت مع التعيين أولى، فصار مجيء الواو في موضع " أم" المذكورة واجبا، وتبقى "أو" على معناها واجبا لما ذكرناه. فإذا تقررت هذه القواعد، فقول الشاعر: ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم جفاني بظهر غيب لئيم (¬1) ¬

_ (¬1) هذا البيت من البحر الخفيف وهو لحسان بن ثابت. انظر ديوانه ص 225. وهو من شواهد سيبويه 3/ 181، والمقتضب 3/ 298، والرضي 2/ 376، والخزانة 4/ 461، وأمالي ابن الشحري 2/ 334. ورواية سيبويه والمقتضب: أم لحاني. نبيب التيس: صوته عند الهياج. والحزن: ما ارتفع من الأرض. ولحاني: شتمني، وبظهر غيب: في غيبتي. ومعناه: أنه استوى عنده نبيب التيس ونيل اللئيم من عرضه في غيبته. والشاهد فيه دخول (أم) معادلة للهمزة ولا يجوز (أو) هنا، لأن قوله: ما أبالي، يفيد التسوية.

واجب فيه " أم" مع همزة الاستفهام على ما تقدم، وكذلك قال سيبويه، لأن المعنى ما أبالي نبيب (¬1) التيس وجفاء اللئيم، وهذا لا يستقيم إلا بـ " أم" ولو كان بـ " أو" لفسد بوجهين: لأن المعنى يكون: ما أبالي نبيبا وجفاء، ولم يقصد المتكلم إلى معنى مبالاة أحد الأمرين، وإنما أراد نفي المبالاة عنهما جميعا، ففسد لمجيء "أو". والآخر: أن المعنى ما أبالي نابا وجافيا، ويكون استعمالا للفظ في غير موضوعه، لأن المراد ههنا لا الحالية، وتلك إنما تكون بالمصدر لا باسم الفاعل في هذا المحل، وقول الشاعر: ولست أبالي بعد موت مطرف ... حتوف المنايا أكثرت أو أقلت (¬2) لا يجوز فيه إلا "أو" من غير همزة على ما قال. لأنه لما أعطى " أبالي" مفعولها وجب أن يكون ما بعدها المذكور في موضع الحال فيصير المعنى: ما أبالي حتوف المنايا مكثرة أو مقلة، وهذا معنى "أو". ولو قلته بـ "أم" لفسد من وجهين: أحدهما: أن الممعنى يكون: ما أبالي حتوف المنايا كثرة وقلة، وذلك غير مستقيم في قصده. والآخر: أن يكون: ما أبالي حتوف المنايا كثيرة وقليلة، وذلك فاسد لأنه يؤدي إلى اجتماع الحالين وهو محال، فوجب استعمال "أو". وكذلك قول الشاعر: إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملى أو تناهى فأقصرا (¬3) ¬

_ (¬1) في الأصل نبوب. وما أثبته هو الصواب. قال ابن منظرو: "نب التيس ينب نبا ونبيبا ونبابا". اللسان (نب). (¬2) هذا البيت من البحر الطويل ولم يعرف قائله، وهو من شواهد سيبويه3/ 185، والرضي 2/ 376، والخزانة 4/ 367. وراية سيبويه: بعد يوم مطرف، والرضي: بعد آل مطرف. ومطرف: اسم رجل. والحتوف: جمع حتف وهي المنايا. والمعنى: لا أبالي بعد فقد مطرف كثرة من أفقد أو قلته لعظم المصيبة. والشاهد فيه جواز الإتيان بـ (أو) مجردة عن الهمزة بعد (لا أبالي). ولا يجوز الإتنان بـ (أم). (¬3) هذا البيت من البحر الطويل وقائله زيادة بن زيد العذي. وهو من شواهد سيبويه 3/ 185، والقتضب 3/ 302، والخزانة 4/ 469. ورواية نسخة الأصل ود: فابلى، والصواب ما أثبتناه. ومعناه: أنه لا يتكلم بما لا يعلم وأنه ينتهي حيث انتهى به العلم. والشاهد فيه مجيء (أو) لأحد الأمرين. وأجاز المبرد أن ينشد: أم تناهى. فتكون الهمزة في (أطال) استفهامية وعندها لا شاهد فيه لوقوع (أم) بعد همزة التسوية.

هو موضع "أو", وكذلك قاله. لأنه لو قاله بـ "أم" لفسد على الوجهين المذكورين وعلى ذلك قول المتنبي: باد هواك صبرت أو لم تصبرا (¬1) جار على هذه القاعدة، لأنه أراد: هواك باد صابرا أو غير صابر. ولو قاله بـ "أم" لكان المعنى: باد هواك صبرا أو غير صبر، وهو فاسد لأنه حال، والحال إنما تكون في هذا المعنى باسم القاعل. والآخر: أنا لو قدرنا أنه مقدر باسم الفاعل لكان المعنى: باد هواك صابرا أو غير صابر، فيكون المعنى: باد هواك في حال كونه على هاتين الحالين، وهو غير مستقيم لتضادهما، وكذلك قوله: وأثني عليه بآلائه ... وأقرب منه نأى أو قرب (¬2) جاء على القياس، لأنه لو قاله بأم لفسد المعنى، إذ يصير: وأقرب منه نأيا وقربا، ولا سيتقيم ذلك. والآخر أن يكون " وأثني عليه" في حال كونه ناائيا وقريبا، أي: في هاتين الحالين إذا كان عليهما، وهو باطل لتضادهما، إلا على تأويل لم تبن العرب عليه هذه المحال لما ثبت من استعمال كل واحد من البابين على ما ذكرناه. فلا يستقيم لراد أن يراد أن يرده لجواز استعمال ذلك مجازا في غير هذه المواضع، لأنا لم نثبت الأحكام بالمعاني، وإنما عللنا الواقع بجريه على قياس كلامهم، فلا يخرم هذه القاعدة استعمال ما أنكرناه ههنا مجازا ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت من الكامل وعجزه: وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى. انظر: ديوانه 2/ 160. (¬2) هذا البيت لأبي الطيب المتنبي وهو من البحر المتقارب. انظر: ديوانه 1/ 100.

[إملاء 59] [إيراد على الابتداء بالنكرة والجواب عنه]

لكونه على خلاف هذه القاعدة التي قدرناها. وأما ما يقع بعد العلم فمخصوص عندي بالهمزة و "أم" كقولك: علمت أزيد عندك أم عمرو؟ والمعنى: علمت ما هو جواب ذلك، بخلاف قولك: علمت أزيد عندك أو عمرو؟ لأن جوابه بتعين أحدهما (¬1). فالمعنى: علمت ما يتعين منهما منهما مما ألبس تعيينه، لأنه متعين للمستفهم عنه. وأما إذا قال: علمت أزيد عندك أو عمرو؟ فليس بمستقيم ذلك: لأنه ليس الجواب متعينا فيعلمه. ألا ترى أن الجواب تارة يكون: نعم، وتارة يكون: لا، بخلاف ما ذكرناه. فلم يستقم تعلق العلم به لا ختلاف أحواله. [إملاء 59] [إيراد على الابتداء بالنكرة والجواب عنه] وقال ممليا مجبيا عن إيرادهم على الابتداء بالنكرة في شرط المصحح لها قوله: فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر (¬2) له تأويلان: أحدهما: أن الخبر محذوف، والأخبار كثير حذفها إذا كان في الكلام دليل عليها، وتقديره: فمن هذه الأيام يوم علينا ويوم لنا مثله (¬3). ¬

_ (¬1) انظر المفصل ص 305. (¬2) هذا البيت من المتقارب وقائله النمر بن تولب. انظر شعره ص57 (صنعة نوري القيسي بغدا). وهو من شواهد سيبويه 1/ 86، والكشاف 1/ 466، والهمع 1/ 101، وثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي ص 641 (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم). (¬3) قال سيبويه: "سمعناه من العرب ينشدونه. يريدون: نساء فيه ونسر فيه". الكتاب 1/ 86.

[إملاء 60] [إيراد على الابتداء بالنكرة الوجواب عنه]

والثاني: أن يكون قولك: علينا، هو الخبر، ويكون المصحح للابتداء الصفة المعلومة، وتقديره: فيوم من الأيام المتقدمة علينا ويوم منها لنا، مثل قولهم: السمن منوان منه بدرهم، فلو لم تقدر "منه" لم يستقيم. [إملاء 60] [إيراد على الابتداء بالنكرة الوجواب عنه] وقال ممليا على قوله تعالى: {هل من مزيد} (¬1): يرد على الا بتداء بالنكرة، فإنه مصدر، و"من" زائداة، وتقديره: هل زيادة؟ فقد ابتدىء بالنكرة من غير شرط من الشروط المذكورة. وجوابه من وجهين: أحدهما: أن قوله: هل من مزيد؟ ليس بمصدر، وإنما هو صفة لموصوف تقديره: هل من شيء يزاد؟ فما ابتدىء إلابنكرة موصوفة. وإن سلم أنه مصدر فهو الخبر، والمبتدأ إذا حذف خبره فإن كان له مصحح غير تقديم الخبر قدر خبره مؤخرا لأنه الأصل، وإن لم يكن له مصحح قدر الخبر مقدما، ومثاله إذا قيل لك: هل عندك أحد؟ فقلت: رجلان. كان تقديره: عندي رجلان، لأنه لو قدر: رجلان عندي، لم يجز، فكان تقديره على قياس لغتهم واجبا. مثله قوله: إن محلا وإن مرتحلا (¬2) وذلك كثير، وتقديره: هل عندكم من مزيد؟ أي: هل عندكم زيادة، أو هل ثم زيادة (¬3)؟. ¬

_ (¬1) ق: 30. (¬2) سبق الكلام عنه في الإملاء (55) من الأمالي على المفصل. ص: 345. (¬3) قال الزمخشري: "مزيد إما مصدر وإما اسم مفعول". الكشاف 4/ 10.

[إملاء 61] [الاختلاف في ضمير النكرة]

[إملاء 61] [الاختلاف في ضمير النكرة] وقال ممليا: اختلف في أن ضمير النكرة نكرة أو معرفة في مثل قولك: جاءني رجل وضربته. فقال: وجه كونها نكرة أن مدلولها كمدلول من يعود عليه. وإذا كان المدلولان واحدا والأول نكرة وجب أن يكون الثاني نكرة، إذ التعريف والتنكير باعتبار المعاني لا باعتبار الألفاظ. ووجه من قال: إنها معرفة، أنك إذا قلت: جاءني رجل وضربته، فالهاء في "ضربته" ليست شائعة شياع رجل، وإنما هي الرجل الجائي خاصة. والذي يحقق ذلك أنك تقول: جاءني رجل، ثم تقول: أكرمني الرجل ولا تعني سوى الجائي. ولا خلاف أن الرجل معرفة فوجب أن يكون الضمير معرفة أيضا لأنه بمعناه، وهذا هو الصحيح. وفي ضمنه جواب عن الشبهة التي توهمت، لأن أصل الوهم أن مدلوله كمدلوله، وليس مدلوله كمدلوله. ألا ترى أن رجلا شائعا في جنسه، لا يخص به واحد دون آخر. والضمير العائد عليه مختص بالرجل المضروب لا يجوز أن يكون شائعا كما مثلناه بدخول الألف واللام، كما أنه مع الألف وللام لا يستقيم تقدير التنكير فيه، فكذلك إذل جاء مضمر الأنه بمعناه. [إملاء 62] [معنى الأحنبي] وقال ممليا: الأجنبي هو الجزء المستقل بنفسه غير الجمل المعترضة كالمبتدأ والخبر والفاعل والفعل. وغير الجنبي هو ما كان له تعلق بذلك الجزء. فإذا قلت: ضربي في الدار زيدا حسن، لم تفصل بين المصدر

[إملاء 63] [إعراب "لغة" في قولنا: الدليل لغة، وشبهه]

ومعموله بأجنبي وإنما فصلت بينه وبينه بمتعلق به داخل في حيزه، بخلاف قولك: ضربي حسن زيدا؛ فإنك فصلت بينهما بالخير المستقل الذي لا يصلح أن يكون تتمة لما قبله في الجزئية وإنما أجريت الجمل المعترضة مجرى التتمة لأنه مستقل بنفسه، فكأنه عرض بين الجزئين لغرض. ويوضحه رفع اللبس في أنه لا يلبس في أنها ليست تتمة لأحدهما لا ستقلالها، بخلاف ما ذكرناه، فإنه قد يوهم أنه للثاني وهو للأول، وهو للثاني. [إملاء 63] [إعراب "لغة" في قولنا: الدليل لغة، وشبهه] وقال ممليا: قولنا: الدليل لغة، وشبهه مثل: السنة لغة، والإجماع لغة، القياس لغة، الحكم لغة، منصوب على المصدر، لأن معنى مثل قولهم: الإجماع لغة، العزم، أي: مدلول الإجماع لغة. لأن الدلالة تنقسم إلى دلا لة شرع وإلى دلالة عرف وإلى لغة. فلما كانت محتملة، وذكر أحد المحتملات كان مصدرا من باب المصدر المؤكد لغيره (¬1). وكان قياسه أن يأتي بعد الجملة ولكنه يقدم للقصد إلى أنه بيان دلالة الإجماع. لأنه لو أخر لكان صالحا لكل واحد منهما. ¬

_ (¬1) قوله ابن الحاجب هذا فيه نظر. فاللغة ليست مصدرا، لأنها ليست اسما للحدث. انظر: الأشباه والنظائر 3/ 221.

[إملاء 64] [المفعول لأجله سبب لما قبله]

[إملاء 64] [المفعول لأجله سبب لما قبله] وقال ممليا: المفعول من أجله يجب أن يكون سببا لما قبله لأمور: أحدها: أنه مفعول من أجله الفعل باتفاق وهو معنى السبب. ومنها: أنهم اتفقوا على أنه جواب لسؤال سائل لم فعلت؟ وهو سؤال عن السبب. ومنها: أن من جملته: قعدت عن الحرب جبنا. وأقدمت على الحرب شجاعة، وذلك لا ستقيم أن يكون الأول فيه سببا للثاني. وأما ما يأتي بعد لام كي في قولك: جئتك لتكرمني، وأسلمت لأدخل الجنة. فالأول فيه سبب للثاني في قصد المخبر. والذي يدل عليه اتفاقهم على أنها تدل على أن ما قبلها سبب لما بعدها. وأيضا فلو كان ما بعدها يجوز أن يكون سببا لما قبلها لكان " قعدت عن الحرب لأجبن" أولى بالجواز، ولا يجوز، فلا يجوز. فإن قلت نحن نقطع بأن القائل: جئتك إكراما لك وجئتك لتكرمني، يصح أن يكون المجيء سببا للإكرام حاملا عليه في الموضعين، ويصح أن يكون العلم بالإكرام جاملا على المجيء فيهما جميا. فالجواب: أن تقدير مثل ذلك في المفعول في مثل ذلك جائز، وما ذكرناه من الدليل معين (¬1) لجمل كل واحد منهما على م ذكرناه، وإن احتمل في بعض مسائله هذا التقدير. فإن قيل: نحن نقطع بأن قولك: قعدت عن الحرب للجبن، بمعنى قولك: قعدت عن الحرب جبنا، فوجب أن يكون: جئتك لإكرامي لك، ¬

_ (¬1) في س: يتعين.

كذلك. وإذا (¬1) ثبت أن مجيء اللام وحذفها على حد سواء في المعنى، فقولك: جئتك لإكرامك، هي لام الجر، دخلت على الفعل بتأويل "أن"، و"أن" مع الفعل بتأويل المصدر، فصار المعنى: جئتك لإكرامي لك، وقد ثبت أن الثاني فيه سبب للأول، فليكن كذلك، لأنه فرعه، فالجواب: أنه لا يستقيم ذلك في قولك: جئتك لتكرمني، لأنه واجب أن يكون المعنى على الاستقبال، ألا ترى أن لام "كي" و"أن" المقدرة مخلصة الفعل للاستقبال. وإذا وجب أن يكون مستقبلا استحال أن يكون سببا لماض. إذ لا سيتقيم أن يكون الإكرام الواقع في المستقبل سببا للمجيء الواقع في الماضي. وهذا أيضا دليا على وجوب أن ما قبل "كي" سبب لما بعدها، لا بالعكس. فإن قيل: فقد اتفق الفقهاء على مثل قوله: {كي لايكون دولة بين الأغنياء منكم} (¬2) في أنه علة للمحكم المذكور قبله في قوله: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل} (¬3). واتفاقهم على ذلك دليل على أن ما بعد "كي" سبب لما قبلها، إذ لا فرق بين قولك: جئتك لتكرمني، وكي تكرمني، باتفاق. فالجواب: أن ذلك مأخوذ بطريق آخر غير طريق دلالة اللفظ، وهو أن كل ما كان بعد لام "كي" مسببا لما قبلها، فوجب أن يكون ذلك المنعى هو الحامل لما قبلها. ومعنى الأسباب الشرعية المعاني التي تثبت بالحكم. فإذل ذكر حكم وجعل سببا لحصول أمر متضمن معنى مناسب علم أن ذلكم المعنى هو سبب الحكم، إذ لا معنى للسبب والعلة في اصطلاحهم إلا ذلك، فكان تسميتهم ¬

_ (¬1) في م: فإذا. (¬2) الحشر: 7. (¬3) الحشر:7.

[إملاء 65] [تقديم الحروف الدالة على قسم من أقسام الكلام]

إياه سببا وعلة جاريا على قياس ما (¬1) اصطلحوا عليه. فاستقام على ذلك الأقوال (¬2) كلها. [إملاء 65] [تقديم الحروف الدالة على قسم من أقسام الكلام] وقال ممليا: كل ما كان موضوعه من الحروف على الدلالة على قسم من أقسام الكلام فلا يتقدم شيء مما في حيزه عليه كالاستفهام والشرط والنداء واشباهها. وسر ذلك قصدهم إلى التنبيه على القسم الذي دل عليه الحرف ليصرف السامع فهمه ويتوفر خاطره على مقاصد معاني ما يسمعه، وذلك يحصل بتقديم ذلك الحرف. ولو أخره لكان منقسم الخاطر في معاني ذلك الكلام المخصوص، وفي التردد بين أقسامه، فيختل عليه التفهيم لا ختلاف المعاني باختلاف الأقسام، فكان التقديم لهذا الغرض. فلا يجوز أن يقدم شيء مما في حيز "إن" عليه (¬3) لأنها تدل على الإثبات، ولا لام الابتداء، ولا حرف الشرط. وقد جاء الظرف مقدما على النفي في مثل قوله: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه} (¬4) {فيومئذ لاينفع الذين ظلموا معذرتهم} (¬5). إما لا تساعهم في الظروف، فيلزم أن يتقدم على غيره ما لم يكن في النفي جهة أحقية من غيره. ¬

_ (¬1) اصطلاحهم إلا .. قياس ما: سقطت من د. بسبب اتقال النظر. . (¬2) في م: الأحوال. وهو تحريف. (¬3) هكذا في جميع النسخ. والصواب عليها. (¬4) الرحمن: 39. (¬5) الروم: 57.

ويجوز أن يكون مقدرا بفعل منفي دل ما بعده عليه، كما قيل في قوله تعالى: {أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور} (¬1)، وشبهه: في أن العامل فيه ما دل عليه (خبير). فإن قيل: فقد جاء: زيدا اضرب، قلت: ليس فيه حرف مصرح به يدل على ذلك، فجاز على قياس التقديم والتأخير في الأفعال، أو لأنه كثر في كلامهم، وإذا كثر الشيء احتاجوا فيه من التصرف ما لم يحتاجوا فيما قل. فإن قيل: فقد قالوا: عمرا ليضرب زيد، وعمرا لا تضرب، والحرف موجود، وذلك على التعليل الأول. قلت: جاز ذلك حملا على "اضرب زيدا" لأنه من باب واحد (¬2)، فلما جاز في أحدهما جوزوه في الآخر حملا عليه، بخلاف غيره، فإن ذلك مفقود فيه. وقد فرق قوم بين النفي وغيره في تقديم الظرف، فأجازوا: يوم الجمعة ما ضربت زيدا، ومنعوا: يوم الجمعة إن زيدا قائم. والفرق بينهما أن "ما" يكون منفيها فعلا، وخبر "إن" لا يكون متعلق الظرف إلا اسما أو فعلا بتأويله، فكان الفعل وما يجري مجراه أقوى من الاسم في العمل وما يجري مجراه، فقدم معمول القوي، ولم يقدم الآخر. وقد فرق قوم بين تقدم معمول المنفي إذل كان بـ "لا" وبين المنفي بـ "ما" فأجازوا: يوم الجمعة لا يقوم زيد، ومنعوا: يوم الجمعة ما زيد قائم. والفرق بينهما هو أن "لا" هذه هي التي ينفى بها الأفعال المستقبلة فلا تدخل إلا على الأفعال، وتلك تدخل على الأسماء والأفعال المستقبلة فلا تدخل إلا على الأفعال، وتلك تدخل على الأسماء والأفعال. فلما كان منفي هذه فعلا ليس ¬

_ (¬1) العاديات:9. (¬2) وهو الطلب.

[إملاء 66] [علة كون الإنشاء بالحروف]

إلا، قوي عملها، فتقدم المعمول، ولما كان منفي "ما" اسما في الأصل ضعف تقديم معموله عليها. [إملاء 66] [علة كون الإنشاء بالحروف] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1): وإنما كان الإنشاء بالحروف لأنه معنى يتعلق بجزئين: مسند ومسند إليه. إذ الجمل الإنشائية كالإخبارية في الإسناد. فكما أن المعاني التي تتعلق بالجزئين في الاخبار لا تكون إلا بالحروف كـ "إن" ولام الابتداء وأشباههما والنفي، فكذلك المعاني التي تتعلق بالجزئين في الإنشاء كحرف الاستفهام وليت ولعل ولام الأمر ولا في النهي، وأشباه ذلك. فإذا وجد معنى إنشاء من غير حرف دل عليه، فإما أن يكون محذوفا كهمزة الاستفهام في مثل قوله عند بعضهم: {هذا ربي} (¬2)، وإما أن يكون الفعل أو الاسم أو الجملة قد ضمنت ذلك، مثل قوله: بعت، ومن أوبوك؟ وأنت طالق. [إملاء 67] [إيراد على حد التنوين عند بعض النحويين] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬3): قول بعض النحويين: التنوين ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) الأنعام: 76. قال أبوحيان: "الظاهر أنها جملة خبرية، وقيل: استفهامية على جهة الإنكار حذف منها الهمزة". البحر المحيط 4/ 166. (¬3) زيادة من ب، د.

[إملاء 68] [إضمار اسم "أن" إذا خففت]

نون ساكنة زائدة لا صورة لها في الخط (¬1). قوله: لا صورة لها في الخط، إما أن يريد لا صورة لها أصلا، فلا يرد عليه نون التأكيد الساكنة في مثل قولك: اضربا، لأن لها صورة هي ألف (¬2). ولكن يرد عليه: ضربت زيدا، في كونه يخرج عن الحد، لأن لها صورة هي ألف، وقد قال: لا صورة لها. وإن أراد بقوله: لا صورة لها، لا صورة لها هي نون، ورد عليه نون التأكيد الخفيفة إذا كان فبلها فتحة مطلقا، مثل قولك: اضربن واقتلن (¬3)، في دخولها في الحد، لأنها نون ساكنة زائدة لا صورة لها هي نون، لأنها تكتب ألفا، ولا يرد عليه: رأيت زيدا، لأنها نون ساكنة زائدة لا صورة لها هي نون، فدخلت في الحد. [إملاء 68] [إضمار اسم "أن" إذا خففت] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬4): إنما حكم التحويون بإضمار اسم "أن" فيها إذا خففت، مطلقا، ولم يحكموا بذلك في المكسورة المخففة، لأنه لما ثبت إعمال المخففة المكسورة في مثل قوله: {وإن كلا] (¬5)، تعذر إضمار اسمها إذ لا يكون لها منصوبان، فوجب ألا يقدر لها اسم آخر ¬

_ (¬1) قال ابن هشام: " هو نون زائدة ساكنة تلحق الآخر لغير توكيد. فخرج نون حسن لأنها أصل، ونو ضيفن للطفيلي لأنها متحركة، ونو منكر وانكمر، لأنها غير آخر، ونو (لنسفعا) لأنها للتوكيد". المغني 2/ 340 (محيي الدين). (¬2) في "م": الألف. (¬3) في الأصل: اضربنا واقتلنا. وهو خطأ. وفي ب: اضربا واقتلا. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) هود: 111. وقراءة التخفيف هي قراءة نافع. إعراب القرآن للنحاس 2/ 114.

فإن قيل: فليقدر إذل لم تعمل في مثل قولهم: إن زيد لقائم (¬1). فالجواب: إنه لو قدر لوجب ألا يجوز العمل لتعذر أن يكون لها اسمان. وقد جاز العمل بالاتفاق في زيد وهو أن يقال: إن زيدا لقائم، وفي ذلك خرق للإجماع، فوجب ألا يقدر. ولما ثبت جواز إعمال المكسورة عند تخفيفها (¬2) وقد علم أن المفتوحة أقوى شبها منها بالفعل، كان إعمالها أولى، ولم يثبت لها إعمال في الملفوظ بعدها، فوجب تقدير معمول هو ضمير شأن مراعاة لما ذكرناه من قوة عملها عن المكسورة، لئلا يصير للضعيف في العمل على القوى مزية فيه، وهو غير مستقيم. ولذلك قدر النحويون في مثل قوله: {أن الحمد لله رب العالمين} (¬3)، أنه الحمد لله (¬4)، ولم يقدروا ذلك في "إن"، وقوة الشبه في "أن" المفتوحة من حيث المعنى واللفظ والاستعمال. أما المعنى فإنها تغير معنى الجملة كما يغير الفعل. وأما اللفظ فهو أنه مفتوح الأول كما أن الفعل الماضي مفتوح الأول. وأما الاستعمال فهو أن العرب عطفت على محل المكسورة ولم تعطف على محل المفتوحة (¬5). كل ذلك مشعر بأن إعمال المفتوحة أقوى من إعمال المكسورة. ¬

_ (¬1) ونقل ابن هشام عن الكوفيين أنها لا تخفف. وأنها في مثل هذا المثال نافية واللام بمعنى إلا. انظر: المغني 1/ 36 (دمشق). وانظر: الإنصاف مسألة (24). (¬2) قال سيبويه: "وحدثنا من نثق به، أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق، وأهل المدينة يقرأون: {وأن كلا لما ليوفينهم بربك أعمالهم} يخففون وينصبون"2/ 140. (¬3) يونس: 10. (¬4) انظر: المفصل ص 298. (¬5) قال أبو البركات الأنباري: " فإن قيل: فلم جاز العطف على موضع إن ولكن دون سائر أخواتها؟ قيل: لأنها لم يغيرا معنى الابتداء بخلاف سائر الحروف، لأنها غيرت معنى الابتداء". أسرار العربية ص 151.

[إملاء 69] [الإجابة على إشكال في حديث: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة]

[إملاء 69] [الإجابة على إشكال في حديث: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة] وقال ممليا [بدمشق سنة ثماني عشرة] (¬1) مجيبا عن قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬2): "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة": هذا الحديث فيه إشكال. وجه إشكاله أن قوله: شباب أهل الجنة، يفهم منه أن الجنة فيها شباب وغير شباب، وليس الأمر كذلك، بل كل من فيها شباب على ما وردت به الأخبار (¬3)، والدليل على أنه يفهم منه ذلك أنه لو لم يكن كذلك لم يكن للتخصيص فائدة، إذ ذكر الشباب يقع ضائعا، وكان ينبغي أن يقال: سيدا أهل الجنة، فأجاب بأمور ثلاثة: أحدها وهو الظاهر: أنه سماهم باعتبار ما كانوا عليه عند مفارقة الدنيا، ولذلك يصح أن يقال للصغير يموت: من صغار أهل الجنة، والشيخ المحكوم بصلاخه: من شيوخ أهل الجنة، فهما سيدا شباب أهل الحنة بهذا الاعتبار. وحسن الاخبار عنهما بذلك وإن كانا لم ينتقلا عن الدنيا شابين لأنهما كانا عند الإخبار كذلك. والثاني: أن يراد أنهما سيدا شباب أهل الجنة باعتبار ذلك الوقت الذي كانا فيه شابين. ولا يرد على الوجه الأول والثاني إلزام أنهما سيدا المرسلين لأنهم شباب في الجنة، لأنهم غير داخلين في شباب أهل الجنة على المعنيين جميعا. والوجه الثالث: أهل الجنة وإن كانوا شبابا كلهم إلا أن الإضافة ههنا إضافة توضيح باعتبار بيان العام بالخاص كما تقول: جميع القوم، وكل الدراهم. لأن كلا وجميعا يصلحان ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) رواه الترمذي (مناقب:18)، وأحمد بن حنبل 3/ 3. (¬3) عن أبي هريرة رضي الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ينادي مناد ان لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا. وأن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا. وأن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا. وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا". رواه مسلم (كتاب الجنة: 22).

[إملاء 70] [تعليل منع البدل في الاستثناء المفرغ]

لكل ذي آحاد. فإذا قلت: القوم والدراهم، فقد خصصته بعد أن كان شائعا، فكذلك شباب، وإن كان جميع أهل الجنة شبابا (¬1) إلا أنه يصح إطلاقه على من في الجنة وعلى من في غيرها، فخصص شياعه بقوله: أهل الجنة، كما خصص شياع " كل" "وجميع" بالقوم والدراهم لما كان هو مقصود المتكلم دون غيره. ويرد على هذا إلزام سيادتهم المرسلين، لأنهم داخلون على هذا التأويل. وجوابه: أنه (¬2) علم خصص، علم تخصيصه بالإجماع، فإن المرسلين أفضل من غيرهم باتفاق. [إملاء 70] [تعليل منع البدل في الاستثناء المفرغ] وقال ممليا: إنما لم يكن في باب الاستثناء المفرغ بدل غير الإعراب بإعراب المحذوف، من حيث كان المستثنى منه غير مذكور، فصار المستثنى في اللفظ حالا محله ونائبا منابه، بخلاف ما جاء المستثنى منه مذكورا، فأنه يجوز البدل والنصب على الاستثناء (¬3)، من حيث كانا جميعا سائغين لكون المستثنى منه مذكورا، فساغ. وأما لو جعل المعنصوب ههنا منصوبا على الاستثناء لكان قولك: ما ضربني إلا زيدا، فعلا (¬4) من غير فاعل ولا ما يقوم مقام الفاعل، وهو غير مستقيم. ولذلك لم يسمه أحد من النحويين إلا باسم المحذوف تنبيها على أنه أقيم في اللفظ مقامه وعومل معاملته، فيقولون: ماضربني إلا زيد، فاعل، وما ضربت إلا زيدا، مفعول. ¬

_ (¬1) في الأصل: شباب. وهو خطأ. (¬2) في الأصل وفي د، م، س، أنهم. وما أثبتاه من ب، وهو الأصوب. (¬3) والمستثنى الذي يجوز فيه النصب والبدل وهو المستثنى من كلام تام غير موجب، كقولك: ما جاءني أحد إلا زيدا وإلا زيد. انظر: المفصل ص 68. (¬4) في الأصل وفي د: فعل. وهو خطأ لأنه خبر كان.

[إملاء 71] [وجه تقدير إلا بـ "لكن" في الا ستثناء المنقطع]

ولم يحسن تسميته بدلا، إما لأن البدل تابع فيلزم أن يكون له متبوع، والمحذوف غير متبوع، وإما للقصد على التنبيه بأنه يخالف باب البدل في لزوم إعراب المحذوف لقيامة مقامه. [إملاء 71] [وجه تقدير إلا بـ "لكن" في الا ستثناء المنقطع] وقال ممليا [بدمشق سنة عشرين] (¬1): إنما قدرت "إلا" في باب الاستثناء المنقطع بـ "لكن" لموافقتها لها في العمل والمعنى. أما العمل فالنصب كما تنصب " لكن"، وأما المعنى فللمغايرة التي بين الأول والثاني، لأنك إذل قلت: ما اشتريت عبدا إلا حمارا، كان الحمار منصولا مشترى، وإذا قلت: اشتريت عباد إلا حمارا، كان الحمار منصوبا غير مشترى. [إملاء 72] [وجه النسب إلى الصدر في المركب] وقال ممليا [بدمشق سنة عشرين] (¬2): إنما نسب إلى الصدر من المركبة لأنه السابق من الجزئين المركب منهما الاسم كامرىء القيس، أو لأنه شبهوه عند الاحتياج إلى حذف أحد المحذورين بالترخيم، فحذفوا الثاني كما حذفوه في بعلبك قي قولهم: يا بعل، والمعنى هو أن أول الاسم إذا تلفظ به غلب على ظن السامع المراد منه قبل تمامه، فكان الباقي كأنه مذكور في المعنى، فكان أولى بالحذف من الأول. ولذلك أن من سمع قائلا ينادي: ياسيب ويا ¬

_ (¬1) زياة من ب، د. (¬2) زيادة من ب، د.

[إملاء 73] [جواز وصف "كل" وجواز وصف مضافها دونها]

حضر، غلب على ظنه أن المراد سيبويه وحضر موت، قبل تمامه، بخلاف ما لو سمعه يقول: يا ويه ويا موت، فإنه لا يفهم ذلك. وهذا بعينه جار في المفردات. ألا ترى أن من سمع: يا حار، يفهم حارثا، ولو سمع الثاء ونحوها لم يفهم شيئا. فلما كان المقصود من الاسمين يحصل بالأول، واحتيج إلى الحذف كان حذف الثاني أوجب (¬1). [إملاء 73] [جواز وصف "كل" وجواز وصف مضافها دونها] وقال ممليا: القياس في "كل" أن يوصف مضافها دونها، فيقال: كل رجل عاقل جاءني. هذا هو الفصيح، ويجوز عكسه، فتقول: عاقل، بالرفع وصفا لـ "كل". وفي غير هذا الباب يجوز الوصف على حسب مراد المتكلم، فتقول: جاء غلام زيد، إن شئت وصفت الغلام، وإن شئت وصفت زيدا. والفرق بينهما: أن "كل" ومضافها لشيء واحد، وإنما جيء بـ "كل" لإفادة الإحاطة، وأضيفت إلى ما تضاف إليه لإفادة الحقيقة المقصودة بالإحاطة، فكان وصف المقصود بالذات وهو المضاف إليه أولى من وصف "كل" لأنها ¬

_ (¬1) قال الرضي في شرح الشافية: " اعلم أن جميع أقسام المركبات ينسب إلى صدرها سواء كانت جملة محكية كتأبط شرا، أو غير جملة، وسواء كان الثاني في غير الجملة متضمنا للحرف كخمسة عشر وبيت بيت، أو لا كبعلبك. وكذا ينسب إلى صدر المركب من المضاف والمضاف إليه على تفصيل يأتي فيه خاصة. وإنما حذف من جميع الركبات أحد الجزأين في النسب كراهة استثقال زيادة حف النسب مع ثقله على ما هو ثقيل بسبب التركيب". ثم قال: "وإنما حذف الثاني دون الأول لأن الثقل منه نشأ، وموضع التغيير الآخر، والمتصدر محترم، وأجاز الجرمي النسبة إلى الأول أو إلى الثاني أيهما شئت في الجملة أو في غيرها" 2/ 71.

[إملاء 74] [علة عدم وقوع المبتدأ جملة]

ليست في التحقيق لقصد الدلالة على الذات، وجاز وصفها على الشاذ لأنها غير الذات. وأما: غلام زيد، فلكل واحد منهما مدلول مغاير للآخر، فلا يجوز أن يجري على أحدهما ما هو صفة للآخر في الحقيقة، بخلاف "كل" ونحوه. ونحو "كل" فيما ذكر اسماء الأعداد المميزة في مثل قولك: ثلاثة رجال وشبهه، فإن وصف المضاف إليه أحسن من وصف المضاف على ما ذكر في " كل". قال الله تعالى: {إني أرى سبع بقرات سمان} (¬1). ولو وصف سبعا لقال: سمانا، وهو جائز، ووجهه ما تقدم، والفصيح وصف المضاف إليه دونه. [إملاء 74] [علة عدم وقوع المبتدأ جملة] وقال ممليا [بدمشق سنة عشرين] (¬2): إنما لم يقع المبتدأ جملة لأن الجملة إذا أولت بالاسم بالاسم فإنما تأول باسم نكرة صفة، فمن ثم جاز أن تقع صفة وخبرا وحالا، ولم تقع مبتدأ لعدم المصحح فيها. ألا ترى أنه لو قيل: قام أبوه في الدار، على معنى: رجل قام أبوه في الدار، رجع الضمير إلى غير مذكور، وهو غير سائغ. ولو صرح بقولنا: رجل قام أبوه في الدار، لكان "رجل" مبتدأ، و"قام أبوه" صفة لا مبتدأ. فإن قيل: فلم لا يجوز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه فيصح كما صح: ضارب في الدار، وشبهه؟ فالجواب: أن حذف الموصوف وإن كان غير قياسي إنما يسوغ إذا كانت الصفة اسما كالموصوف إقامة لها مقامه وإجراء لها ¬

_ (¬1) يوسف: 43. (¬2) زيادة من "ب" و"د".

[إملاء 75] [معنى قولهم: الفاعل واحد]

مجراه (¬1)، ولا يلزم من صحة إقامة اسم صريح مقام اسم صحة ما هو في تأويل الاسم مقام الاسم. وأما قولهم: ما منهما مات حتى رأيته في حال كذا وكذا، فهو وإن كان من قبيل حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه مع كونها جملة فقليل على خلاف القياس، فلا يقاس عليه (¬2). [إملاء 75] [معنى قولهم: الفاعل واحد] وقال ممليا: معنى قولهم: الفاعل واحد، أي: نسبة الفعل إلى من يقوم به نسبة على جهة واحدة (¬3)، لا أنهم يعنون أن الفاعل لا يكون إلا مفردا غير مثنى أو مجموع، إذ لا يشك في صحة قولك: خرج الناس كلهم. وإنما أرادوا ما ذكرناه من أن النسبة لا تتعدد جهاتها كما تعددت نسبته باعتبار تعلقه من حيث المعنى بمن وقع عليه (¬4)، وكلاهما من حيث المعنى مخالف لتعلقه بما ¬

_ (¬1) قال الرضي: " اعلم أن الموصوف يحذف كثيرا إن علم ولم يوصف بظرف أو جملة كقوله تعالى: " {وعندهم قاصرات الطرف عين}. فإن وصف بأحدهما جاز كثرا أيضا بالشرط المذكور بد، لكن لا كالأول في الكثرة، لأن مقام الشيء ينبغي أن يكون مثله" شرح الكافية 1/ 317. (¬2) قال سيبويه: "وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول: ما منهم مات حتى رأيته في حال كذا وكذا. وإنما يريد ما منهم واحد مات". الكتاب 2/ 345. البصريون يقدورون موصوفا في هذا المثال وشبهه. والكوفيون يقدرون موصولا، أي: الذي أو من. وقد رجح ابن هشام قول البصريين لأن اتصال الموصول بصلته أشد من اتصال الموصوف بصفته لتلازمهما. انظر: المغني 2/ 694 (دمشق). (¬3) انظر الإيضاح لابن الحاجب 1/ 155. (¬4) وهو المفعول به.

[إملاء 76] [وجه إضافة "سعيد كرز" وبابه]

وقع فيه (¬1)، وكلها من حيث المعنى مخالف لتعلقه بما هو علق له (¬2)، وكلها من حيث المعنى مخالف لتعلقه بما فعل الفعل معه (¬3)، فهذا هو المعني بقولهم: الفاعل واحد والمفعول متعدد. [إملاء 76] [وجه إضافة "سعيد كرز" وبابه] وقال ممليا [بدمشق سنة عشرين وستمائة] (¬4): إنما أضيف " سعيد كرز" وبابه ولم يضف نحو: أسد سبع وشبهه، لأن الأعلام كثرت فجاز فيها من التخفيف ما لم يجز في عيرها، ولأنا أفدنا بالإضافة معنى مقصودا باعتبار تقدير العلم له ولغيره، كما في قولك: زيدكم، ولأن الثاني أشهر وأعرف، فكان في نسبة الأول إليه فائدة ليست فيما اعترض به. [إملاء 77] ["الآن" معرفة مبني مدلوله الزمان الحاضر] وقال ممليا [بدمشق سنة عشرين] (¬5): "الآن" معرفة مبني مدلوله الزمان الحاضر. أما كونه معرفة فلا خلاف فيه لأنه موضوع لشيء بعينه. وأما بناؤه فالصواب أن يقال: لتضمنه حرف التعريف (¬6): " أمس" في اللغة الحجازية. ¬

_ (¬1) وهو المفعول فيه. (¬2) وهو المفعول لأجله. (¬3) وهو المفعول معه. (¬4) زيادة من ب، د. (¬5) زيادة من ب، د. (¬6) وذهب الكوفيون إلى أنه مبني لأن الألف واللام دخلتا على فعل ماض من قولهم: يئين، أي حان، وبقي الفعل على فتحته، وذهب البصريون إلى أنه مبني لأنه شابه اسم الإشارة, واسم الإشارة مبني فكذلك ما أشبهه. وقال أبو علي الفارسي: إنما بني لأنه حذف منه الألف واللام وضمن الاسم معناهما، وزيدت فيه ألف ولام أخريان. انظر: الإنصاف مسألة (71).

وهذه اللام التي فيه ليست للتعريف، لأن لام التعريف يجوز إثباتها للتعريف، وحذفها عند التنكير كقولك للرجل: رجل، وهذه ليست كذلك. ولأنها لو كانت للتعريف لوجب إعرابه، إذ ليس في اللغة كلمة تلزمه لام إلا وهو معرب (¬1). فإن زعم زاعم أنه معرب، وإنما انتصب لكونه ظرفا. رد بقولهم: من الآن، فإن مفتوح مع دخول حرف الجر عليه باتفاق، فوجب أن تكون هذه اللام زائدة لبنية الكلمة لا للتعريف، إذ بطل كونها للتعريف. فإن قيل: فلم لا تكون أصلية ويكون مبنيا بتقدير حرف التعريف كما ذكر تموه في "أمس" في لغة أهل الحجاز (¬2)؟ فالجواب: أنها لو كانت أصلية لم يخل من أن تقدر معها الهمزة، أصلية أو زائدة، وكلاهما باطل، أما إذا قدرتها زائدة فيجب أن يكون وزنه "أفعالا"، وليس في اللغة "أفعال" وهمزته همزة وصل. وأيضا فإن "أفعالا" في الأسماء المفردة نادر. وأيضا فإنه كان يكون مما لم يثبت من تركيبهم، لأن "الآن" ليس من تركيبهم. وإن قدرت الهمزة أصلية وجب أن يكون: فعلالا أو فعلانا، وهو أبعد من جهة أن الهمزة الأصلية أبعد في جعلها وصلية. وإذا بعد أن تكون أصلية وهي زائدة، فكونها وصلية وهي أصلية أبعد. ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب: "علة بناء الآن لتضمنها حرف التعريف. ولا يقال إن الألف واللام فيه للتعريف. إذ ليس له (آن) دخلت عليه الألف واللام. بل هو مرفوع في أول أوحواله بالألف واللام، وليس حكم لام التعريف ذلك، فوجب أن يكون تعريفه بأمر مقدر، وهو معنى لام التعريف". انظر: الإضاح في شرح المفصل 1/ 515. (¬2) فهي مبنية عندهم على الكسر. وعند بني تميم معربة ممنوعة من الصرف.

وأما قول من قال: إنها بنيت لأنها من أسماء الإشارة (¬1)، أسماء الإشارة كلها مبني لشبهها بالحرف من حيث احتياجها إلى ما ينضم إليها من قرينة الإشارة، فإنك، إذا قلت: هذا، كان مفتقرا في دلا لته على مدلوله إلى قرينة الإشارة، والإشارة معنى لا يجوز أن ينطق باسم الإشارة منفكا عنه، كما أن الحرف لا يجوز أن ينطق به منفكا عن متعلقه، فلما أشبه الحرف بني، فقول لا يبعد عن الصواب وهو قول أبي إسحق (¬2). ولكنه يستضعف من حيث إن أسماء الإشارة تدخل عليها هاء التنبيه وكاف الخطاب، فيقال: هذا وذاك وذاكما وذاكم وذاكن، وكذلك البواقي، ولا يجري ذلك في "الآن". ويجاب عن ذلك بأن من أسماء الإشارة "ثم" وهو للمكان الحاضر المشار إليه، ومع ذلك لا يدخله ذلك. وإذا ثبت أن "ثم" اسما من أسماء الإشارة لا يدخله ذلك لم يلزم ذلك في "الآن". فإن أورد أن "ثم" نادر فلا يحمل، أجيب بأن تقدير لام أخرى فيه للبناء كـ "أمس" نادر فلا يحمل على النادر. وأما "الذي" وأخواتها فمعارف موصولة مبنية لا فتقارها إلى ما يكملها من صلتها جزءا كافتقار الحرف إلى متعلقه، فوجب بناؤها لذلك (¬3). والألف واللام في "الذي" ليست للتعريف لما تقدم من أنها زائدة لبناء صيغة الكلمة في "الآن" ولا حاجة تقدير لام أخرى على خلاف القياس مع الاستغناء عن ¬

_ (¬1) وهو مذهب البصريين. انظر: الإنصاف مسألة (71). (¬2) هو الزجاج. وقد سبقت ترجمته في صفحة 243. (¬3) قال أبو البركات الأنباري: "فإن قيل: فلم بنيت أسماء الصلات؟ قيل: لوجهين: أحدهما: أن الصلة لما كانت مع الموصول بمنزلة كلمة واحدة، صارت بمنزلة بعض الكلمة، وبعض الكلمة مبني. والوجه والوحه الثاني: أن هذه الأسماء لما كانت لا تفيد إلا مع كلمتين فصاعدا أشبهت الحروف، لأنها لا تفيد إلا مع كلمتين فصاعدا". أسرار العربية ص 384.

[إملاء 78] [حد التصغير والنسب]

ذلك. وإنما وجب في "الآن" عند من أوجبه لقيام الدليل على التزامه، فلا يستقيم تقديره ههنا مع فقدان دليل الالتزام. وأما كونه معرفة فلكونه موضوعا لشيء بعينه. وأما ما تعرف به، فإن أريد ما تعرف به "الذي" على انفراده، فخطأ، لأنه على حياله غير مستقل جزءا. والتعريف والتنكير فرع الآستقلال، فإذن هي وما بعدها من صلتها معرفة بها لأنها وضعت في تعريف الجمل مثل اللام في تعريف المفرد. ألا ترى أنك إذا قلت: مررت برجل عالم، فأردت تعريف "عالم" قلت: مررت بالرجل العالم. فإذل قلت: مررت برجل قام غلامه، فأردت تعريفه قلت: مررت بالرجل الذي قام غلامه، وقام الدليل على أن اللام حرف، وعلى أن "الذي" اسم فوجب أن يتبع، ولا بعد في أن يكون الاسم يفهم منه التعريف. وقول من قال: إنها تعرفت بصلتها لأنها لا بد أن تكون معلومة للمخاطب، وهم، فإن اشتراط أن تكون معلومة للمخاطب في دخول الموصول عليه كاشتراط العهد في المفرد في صحة دخول اللام عليه، فلا تدخل اللام إلا في موضع يكون بينك وبين مخاطبك معهود سابق (¬1) قد بحققته. فكما لا يصح أن يقال: إن تعريفه بالعهد، كذلك لا يصح أن يقال: إن تعريف الموصول بالصلة، وإنما التبس على هؤلاء علة كونه معرفة بالأمر الذي ضم إليه ليدل على كونه معرفة. وليس الكلام إلا في الأمر الذي ضم إليه ليدل على كونه معرفة، فلا يصح أن يعبر عنه بعلة كونه معرفة. [إملاء 78] [حد التصغير والنسب] وقال ممليا: حد التصغير: أنه زيادة تدل على أن مدلول المزيد فيه ¬

_ (¬1) في الأصل: وسابق. فالواو زائدة لا لزوم لها.

[إملاء 79] [وجه حمل النصب على الجزم]

محقر (¬1). وأما النسب فإلحاق آخر الاسم ياء مكسورا ما قبلها لتدل على أن مدلول جملته بينه وبين ما ألحقت به ملابسة (¬2). [إملاء 79] [وجه حمل النصب على الجزم] وقال ممليا: إنما حمل النصب على الجزم لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء (¬3). وقد حمل النصب على الجر في الاسماء فيما أعرب بالحروف (¬4)، فوجب أن يحمل النصب على الجزم في الأفعال فيما أعرب بالحروف (¬5) لئلا يكون للأفعال على الأسماء مزية. ومعنى قولنا: نظير الجر في الأسماء، أن الفعل المضارع لما أشبه الاسم أعرب بالرفع والنصب، وتعذر الجر، فجعل الجزم عوضا عنه، فصار الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب: " المصغر المزيد فيه ليدل على تقليل". انظر: شرح الشافية للرضي 1/ 189. (¬2) قال ابي الحاجب: "المنسوب الملحق بآخره ياء مشددة ليدل عى نسبته إلى المجرد عنها. وقياسه حذف تاء التأنيث مطلقا، وزيادة التثنية والجمع إلا علما قد أعرب بالحركات". انظر: شرح الشافية للرضي 2/ 4. (¬3) قال سيبويه: "لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، والأسماء ليس لها في الجزم يصيب كما أنه ليس للفعل في الجر نصيب". الكتاب 1/ 19. (¬4) أي: في جمع المذكر السالم والمثنى. (¬5) وهي الأفعال الخمسة.

[إملاء 80] [بناء أسماء الأفعال التي هي بمعنى الأمر]

[إملاء 80] [بناء أسماء الأفعال التي هي بمعنى الأمر] وقال ممليا [بدمشق سنة عشرين] (¬1): إن قيل: إن أسماء الأفعال التي هي بمعنى الأمر كـ "نزال" وشبهه، بنيت لتضمنها معنى الأمر، فليس بجيد على مذهب البصريين لأنه بمعنى صيغة الأمر، وصيغة الأمر مبنية عندهم (¬2)، فلا حاجة إلى تكلف أمر آخر، لأنه من باب التعسف من غير فائدة. وأيضا فإن اللام في صيغة الأمر للمواجه ضعيفة فلا ينبغي أن يقدر الفصيح بأمر يخرجه إلى غير الفصيح. وأما على مذهب الكوفيين الذين يقولون إنه معرب بتقدير لام الأمر (¬3)، فهؤلاء يحتاجون الى مثل ذلك، لأن "نزال" إذل كان بمعنى: انزل، و"انزل" معرب، فليس في "نزال" ما يقتضي بناء، وهو ضعيف مبني على صعف الأصل فواضح لأن المقتضي للإعراب مفقود، فلا يستقيم إثباته مع فقدان مقتضاه. وايضا فإن اللام لو كانت مقدرة وجب أن يكون أيضا مبنيا، فهو أحق من بناء "نزال" باعتبار تضمن الحرف. فإذا لم يكن "انزال" مبنيا مع ظهور التضمن عندهم. فلأن لا يكون ذلك في "نزال" أولى. وأما ضعف الفرع فلما ذكرناه من أنه لا يقدر لام الأمر في صيغة المواجه إلا على ضعف [إملاء 81] [سر كون الضمائر الغائبة لا تعود إلا على متقدم الذكر] وقال ممليا: سر كون الضمائر الغائبة لا تعود إلا على متقدم الذكر لفظا أو ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) انظر: الإنصاف مسألة (72). (¬3) المصدر السابق.

[إملاء 82] [الإثبات بعد النفي الاستثناء المفرغ مفيد للحصر]

معنى أو حكما (¬1)، أن (¬2) الضمائر ملبسة باعتبار حقائق مدلولها لصحة إطرقها على المختلفات. لأنك إذل قلت: قاموا، وما أشبهه، احتمل الزيدين والعمرين والمسلمين والمشركين، فأرادوا أن لا يعيدوها إلا على ما يتقدم ذكره وفقا لهذا الالباس. [إملاء 82] [الإثبات بعد النفي الاستثناء المفرغ مفيد للحصر] وقال ممليا: الاثبات بعد النفي في الاستثناء المفرغ مفيد للحصر. أي: ينفرد ما بعد "إلا" بذلك دون العام المقدر. فإذا قلت: ما جاءني إلا زيد، ف "زيد" منفرد بالمجيء دون الأحدين المقدرين في قولك: ما جاءني أحد. فإذا قلت: ما زيد إلا بشر، لا يلزم أن يكون: لا بشر إلا زيد، لأنك لم تنف البشرية عمن سواه وأثبتها له، وإنما أثبتها له دون غيرها من الصفات، ولم تتعرض لنفيها عمن عداه. وهكذا الحكم في كل مستثنى هو في الحقيقة خبر كالصفات والأحوال. ¬

_ (¬1) التقدم اللفظي أن يذكر المفسر قبل الضمير ذكرا صريحا، نحو: ضرب زيد غلامه. والتقدم المعنوي أن لا يكون المفسر مصرحا بتقديمه، بل هناك شيء آخر غير ذلك الضمير يقتضي كون المفسر قبل موضع الضمير، نحو: ضرب غلامه زيد. والتقدم الحكمي أن يكون المفسر مؤخرا لفظا، وليس هناك ما يقتضي تقدمه على محل الضمير إلا ذلك الضمير، فإنه وإن لم يكن متقدما على الضمير لا لفظا ولا معنى إلا أنه في حكم المتقدم نظرا إلى وضع ضمير الغائب. وإنما يقتضي ضمير الغائب تقدم المفسر عليه لأنه وضعه الواضع معرفة لا بنفسه بل بسبب ما يعود عليه، فإن ذكرته ولم يتقدم مفسره بقي مبهما منكرا لا يعرف المراد به حتى يأتي تفسيره بعده وتنكيره خلاف وضعه، ومثاله: ربه رجلا. انظر: شرح الكافية للرضي 2/ 4. (¬2) ف د: لأن.

[إملاء 83] [وجه عدم نصب الظرف المختص م الأمكنة بتقدير في]

إلا ترى أنك إذا قلت: ما جاءني زيد إلا راكبا، وما زيد إلا عالم، لم ترد نفي الركوب والعلم عمن عداه، وإنما أردت هذه الصفات له، وذلك ثابت. فإن قلت: فيلزم أن يكون ثم منفي عام، وهذا مثبت منه دونه، فيكون المعنى إثبات هذه الصفة له دون غيرها من الصفات، ونحن نقطع بأن ذلك غير مستقيم، فإنك إذا قلت: ما زيد إلا عالم، لم يستقم نفي جميع الصفات عن زيد، إذ لا بد أن يكون على صفات متعددة غير العلم، فهذا إشكال غير الأول. فالجواب: أنه كان قياس هذا الباب، ولكنه أتى على غير ذلك لأمرين: أحدهما: أن ذلك لو اعتبر لا متنع استعمال هذا الباب فيه، فيفوت كل معناه منه. والثاني: أنهم قصدوا إثبات ذلك ونفي ما يتوهم المتوهم مما يضاد ذلك. وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬1): "لا صلاة إلا بطهور". فإن المعنى إثبات الطهارة للصلاة المشروعة لا إثبات الطهارة لها خاصة حتى يلزم أنها إذا وجدت، إذ قد توجد الطهارة ولا تكون الصلاة مشروعة لفوات شرط آخر. [إملاء 83] [وجه عدم نصب الظرف المختص م الأمكنة بتقدير في] وقال ممليا: إنما لم ينصب المختص من الأمكنة بتقدير "في" كما انتصب المبهم منه وظرف الزمان مطلقا، لثلاثة أمور: أحدها: أنه لو فعل ذلك فيه لأدى إلى الالباس بالمفعول به كثيرا. ألا ترى أنك تقول: اشتريت يوم الجمعة وبعت يوم الجمعة واسكنت يوم الجمعة وبوأت وما أشبه ذلك، ولا يلبس كونه ظرفا. ولو استعملت الدار ونحوها هذا الاستعمال لا لتبس بالمفعول. الثاني: هو أنه لما دخل في مسماه ما اختص به أشبه ما ليس بظرف ¬

_ (¬1) رواه مسلم (طهارة: 2)، وأبو داود (طهارة: 3)، والترمذي (طهارة:1)، والنسائي (طهارة: 103). وابن ماجة (طهارة: 2)، والدارمي (صلاة: 20).

[إملاء 84] [معنى قول لا بن جني في باب المبتدأ]

كالثوب وشبهه، فأجري مجراه، بخلاف غيره فإنه لم يختص بأمر دخل في مسماه، فبقي على ظرفيته. الثالث: هو أن ظرف الزمان المبهم والمختص كثير في الاستعمال فحسن فيه الحذف للكثرة (¬1)، وظرف المكان إنما كثر فيه (¬2) في الاستعمال المبهم دون المختص، فأجري المبهم لكثرته مجرى ظرف الزمان، وبقي ما لم يكثر على أصله في استعماله. [إملاء 84] [معنى قول لا بن جني في باب المبتدأ] وقال ممليا: قول ابن جني في "اللمع" (¬3) في باب المبتدأ: " وعرضته لها"، أي: جعلته على حال يصح دخولها عليه وهو كونه مسندا إليه. [إملاء 85] [أوجه إطلاق الشاذ] وقال ممليا: يطلق الشاذ على أوجه: أحدها: أنه يطلق ويراد به أنه قليل الاستعمال أو خارج عن قياس أو غير فصيح (¬4). ¬

_ (¬1) في س: لكثرته. (¬2) فيه: سقطت من م. (¬3) ص 25. والعبارة بتمامها: اعلم أن المبتدأ كل اسم ابتدأته وعربته من العوامل اللفظية وعرضته لها. (¬4) قال الجاربردي: " اعلم أن المراد بالشاذ في استعمالهم ما يكون بخلاف القياس من غير نظر إلى قلة وجوده وكثرته". انظر: مجموعة الشافية بشرح العلامة الجاربردى1/ 20.

[إملاء 86] [الفرق بين التبيين والتبعيض]

فقول من قال: شر أهر ذا ناب (¬1)، شاذ. إن أراد به الأول فمسلم، وإن أراد الثالث فممنوع، والثاني كالأول. [إملاء 86] [الفرق بين التبيين والتبعيض] وقال ممليا: الفرق بين التبيين والتبعيض، أن التبعيض يجب أن يكون ما قبل "من" بعضا لما بعدها (¬2). والتبيين يجب أن يكونا متطابقين. ولذلك كان التبعيض ملتزما التبين، لأنه إذا كان جنسا له كان فيه تبيينه، ولا يكون في التبيين تبعيض، لأن شرطه المطابقة كقوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} (¬3) فالرجس ههنا ليس بعضا للاوثان وإنما أريد به نفس الاوثان، فكان مطابقا في قصد المتكلم. والرجس إن كان يصح أن يطلق على أعم من الأوثان، فيصح إطلاقه على الأوثان، ولذلك فسر بها. ولا يستقيم أن تكون ههنا للتبعيض، لأن الأعم لا يكون بعضا للأخص، والمطابق لا يكون بعضا لمطابقه (¬4). ¬

_ (¬1) سبق الكلام عن هذا المثل في الإملاء (74) من الأمالي على المقدمة. ص: 575. (¬2) قال ابن هشام: "وعلامتها إمكان سد بض مسدها". المغني 1/ 353 (دمشق). نحو: أخذت درهما من المال. . (¬3) الحج: 30. (¬4) قال أبو البركات الأنباري: "فـ (من) هذه دخلت لتبيين المقصود بالاجتناب. ولا يجوز أن تكون للتبعيض، لأنه ليس المأمور به اجتناب بعض الأوثان دون بعض، وإنما المقصود اجتناب جنس الأوثان". أسرار العربية ص 259.

[إملاء 87] [الصمير المستتر]

[إملاء 87] [الصمير المستتر] وقال ممليا: وضعت الرب الصمير المستتر لأنه أخصر من البارز، فلا يعدلون عنه إلا عند تعذره للالباس، كما أنهم لا يعدلون عن المنفصل إلا عند تعذر المتصل (¬1)، فوضعوه في الماضي للمفرد المرفوع الغائب، وكان أولى. أما رفعه فلأن الرفع هو السابق للنصب فكان أولى. أما كونه مفردا فلأنه أسبق وأكثر فكان أولى. وأما كونه لغائب فلأن إخبار المتكلم عن غيره أكثر من إخباره عن نفسه. فلما جعلوه مستترا في ذلك وجب أن يكون بارزا في غيره لئلا يقع اللبس، لأنهم لو وضعوه مستترا في غير هذا المحل لم يعلم أنه لهذا دون غيره، فيقع اللبس. ولا يكتفى بتقديم من يعود عليه الضمير، إذ لو اكتفي بذلك لا ستغني عن الضمائر. ووضعوه في المضارع للغائب كذلك. ووضعوه للمخاطب المفرد المذكر المرفوع مستترا، وجعلو قرينة الخطاب تشعر بأنه للمخاطب ثم الكلام في كونه مفردا ومرفوعا كالكلام في الغائب، ولما كانت التاء تاء المخاطب في المضارع لا دلالة لها على خصوصية المذكر دون المؤنث احتاجوا أن يجعلوه بارزا إذا كان لمؤنث، بخلاف الماضي فإنهم (¬2) استغنوا بتاء ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: "ولأن المتصل أخصر لم يسوغوا تركه إلى المنفصل إلا عند تعذر الوصل فلا تقول: ضرب أنت ولا هو ولا ضربت إياك". المفصل ص 127. (¬2) في الأصل وفي ب، د، م: فإنه. وما أثبتناه من س. وهو الأصوب.

[إملاء 88] [مسألة في حديث: لا يموت لأحد ثلاثة من الولد]

التأنيث التي تتصل بالفعل عن إبرازه، ولذلك التزموها وإن كان غير حقيقي. ولم يلتزموها إذا كان الفاعل غير حقيقي (¬1)، هو ظاهر، كقولك: ظهرت اليوم الظلمة، ولو قلت: الظلمة ظهر، لم يجز. ووضعوه في الفعل المضارع المتكلم مستترا لا غير، لأن قرينة التكلم وإن كانت همزة فقد علم أنها للمفرد. وإن كانت نونا استغنوا بقوة قرينة التكلم في الدلالة على من هو له، عن أن يضعوا له ضميرا بارزا. ووضعوه في الصفات (¬2) بجملتها إذا جرت على من هي له مستترا، كأنهم استغنوا بتثنيتها وجمعها وتأنيثها وتذكيرها عن أن يبرزوا ضمائرها لدلالة هذه الأشياء عليها. [إملاء 88] [مسألة في حديث: لا يموت لأحد ثلاثة من الولد] وقال ممليا: قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬3): " لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم". محمول على الوجه الثاني في قولك: ما تأتينا فتحدثنا (¬4). ولا يستقيم على الوجه الأول. لأن معنى الأول أن يكون الفعل الأول سببا للثاني كقولك: ما تأتينا فتحدثنا، أي: لو أتيتنا لحدثتنا. وليس عليه قوله: لا يموت لأحد، لأنه ¬

_ (¬1) أي: غير حقيقي التأنيث. (¬2) كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة. (¬3) رواه البخاري (جنائز: 6)، ومسلم (بر: 150)، والترمذي (جنائز: 65)، والنسائي (جنائز: 25)، وابن ماجه (جنائز: 57). ورواية البخاري: لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار. ورواية مسلم: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار. (¬4) وهو أن الفعل الثاني لم يحصل عقيب الأول.

[إملاء 89] [حد الفاعل]

يؤدي إلى عكس المعنى المقصود، ويصير المعنى: أن موت الأولاد سبب لمس النار وهو ضد المعنى المقصود. وإذا حمل على الوجه الثاني وهو أن الغرض أن الثاني لا يكون عقيب (¬1) الأول أفاد الفائدة المقصودة بالحديث، إذ يصير المعنى أن مس النار لا يكون عقيب (¬2) موت الأولاد وهو المقصود بأنه إذا لم يكن المس مع موت الأولاد وجب دخول الجنة، إذ ليس بين النار والجنة منزلة أخرى في الآخرة. فثبت أن الخبر لا يمكن حمله إلا على الوجه الثاني لا على الوجه الأول (¬3). [إملاء 89] [حد الفاعل] وقال ممليا: الفاعل هو الذي نسب الفعل إليه (¬4): ولا فرق بين أن يكون الفعل دالا على أمر وجودي أو أمر نسبي أو أمر عدمي. نزلوا المعاني المعقولة كلها منزلة واحدة ولم يفرقوا بين وجود وغيره. فمثال الأول: علم زيد. ومثال الثاني: بعد زيد. ومثال الثالث: استحال الجمع بين الضدين، وشبهه. ¬

_ (¬1) في م: عقب. (¬2) في م: عقب. (¬3) انظر: الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب 2/ 16، فقد فصل القول في هذه المسألة، ولم يختلف ما قاله هناك عما قاله هنا. (¬4) وحده في الكافية بقوله: " وهو ما أسند إليه الفعل أو شبهه وقد عليه على جهة قيامه به، مثل قام زيد، وزيد قائم أبوه". انظر: شرح الكافية للرضي 1/ 70. وحده الزمخشري بقوله: " هوما كان المسند إليه من فعل أو شبهه مقدما عليه أبدا"، المفصل ص18. وحده أو البركات الأنباري بقوله: "اسم ذكرته بعد فعل، وأسندت ذلك الفعل إليه". اسرار العربية ص 77.

[إملاء 90] [إضافة "كلا" و"كل"]

وإنما جمعوا بينها لأن الغرض نسبة هذا الحكم لها لما كانت الأحكام كلها مفتقرة إلى محكوم عليه بها نزلت جميعها منزلة واحدة، ولم يراعوا من ذلك وجودا ولا نسبة ولا عدما، فلذلك أجروها مجرى واحدا. ولا فرق بين أن تكون هذه الأمور مثبتة أو منفية أومستفهما عنها أو مشروطة أو مأمورا بها أو منهيا عنها، لأن الغرض ذكرها متعلقة بمن هي له على اختلاف الأحكام المتعلقة بها. وسمى النحويون الفاعل على ما فهموه من هذا المعنى عن العرب في أن الباب كله في ذلك واحد. [إملاء 90] [إضافة "كلا" و"كل"] وقال ممليا: "كلا" إذا أخبر عنه فالفصيح أن يخبر عنه بمفرد، فتقول: كلا الرجلين جاءني، ولو قلت: جاءاني، كان غير فصيح. قال الله تعالى: {كلتا الجنتين آتت أكلها} (¬1)، ولم يقل: آتتا. وسر ذلك أن "كلا" مثل "كل" باعتبار أنه وضع ليدل على تعدد الاجزاء في الذات المضاف هو إليها، ولذلك التزم إضافتهما إلى ما ينبين به الذات المقصودة بهما. والتزم إضافة "كلا" إلى لأن وضعه لجزئين (¬2)، والتزم إضافة "كل" ¬

_ (¬1) الكهف: 33. (¬2) ونقل ابن هشام عن ابن الأنباري إضافتها إلى المفرد بشرط تكريرها نحو: كلاي وكلاك محسنا. انظر: مغني اللبيب 1/ 223 (دمشق).

إلى متعدد أو جنس. فإذا أضافوه إلى متعدد كان مرفة، وإذا أضافوه إلى جنس كان نكرة. فتقول: اضرب كل الرجال، واضرب كل رجل. وكان الأصل أن يضاف إلى المتعدد المعرفة كما في "كلا"، ولكنهم قصدوا إلى إيقاع اسم الجنس موقعه. فلما استغنوا عن لفظ التعدد استغنوا عن تعريفه، ولأنه كان يكون موهما من غير فائدة. فأما إذل قلت: اضرب كل رجال، فهو من باب قولك: اضرب كل رجل، إلا أنك جعلت الجمع (¬1) جنسا، وقدرت أن واحده رجال. فأما إذا أضيف إلى متحد معرفة، أو ممتنع فيه الجنسية وجب تأويله. فإذا قلت: اشتريت كل العبد، وجب حمله على أجزائه، ولذلك لو قلت: جاءني كل العبد، لم يجز. وإذا قلت: جاءني كل غلام رجل، فتأويله: كل غلام كل رجل، لأنه لا يستقيم الجنس إلا كذلك، لأن رجلا جاء في سياق الاثبات، فلا يقبل عموما وقد أضيف غلام إليه، فيتخصص بإضفته إلى رجل. وعليه حمل قوله تعالى: كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} (¬2)، في قراءة [من أضاف (¬3)، وأن التأويل: كذلك يطبع الله على كل قلب كل متكبر] (¬4). ولو بقي على ظاهره لم يكن له محمل إلا على جملة أجزاء قلب لمتكبر واحد. لأن المتكبر في سياق الاثبات، فلا يكون إلا لواحد، فيجب أن يكون قلبا لواحد، إذ ليس للواحد إلا قلب واحد، فيجب حمل (كل) على الأجزاء، فيصير على ما ¬

_ (¬1) في م: الجميع، وهو تحريف. (¬2) غافر: 35. (¬3) وهو قراءة السبعة. انظر: البحر المحيط 7/ 465. (¬4) ما بين القوسين المعقوفين زيادة من ب، د.

[إملاء 91] [الفرق بين الجملة الانشائية والخبرية]

ذكرناه. وليس بمستقيم لأن الآية لم تسق لذلك، فوجب حملها على ما يوافق المعنى الذي سيقت لأجله وهو عموم قلوب المتكبرين. ثم لا يخلو إما أن يذكر مضاف "كل" معها أو لا يذكر. فإن ذكر فالا خبار بالمفرد في الأكثر، قال تعالى: {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} (¬1). و (آتيه) مفرد. وإذا لم يذكر معها فالا خبار بالجمع، قال الله تعالى: {وكل أتوه} (¬2). وآتوه، على القراءتين (¬3). وقال: {وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم} (¬4). وسر ذلك هو أنه إذا لم يذكر أرادوا أن ينبهوا على ذلك بخصوصية اللفظ الدال على الجمع وإن كانت "كل" تشعر بذلك [إملاء 91] [الفرق بين الجملة الانشائية والخبرية] وقال ممليا: الكلام ينقسم إلى الجملة الانشائية وإلى الجملة الخبرية. فالخبرية: كل جملة ن متعلق علم تحقيقا أو تقديرا. والإنشائيه: كل جملة عن نفس المعنى من غير اعتبار تعلق العلم به. وبيانه أنك إذل قام بنفسك طلب الماء من زيد وعلمت حصول ذلك الطلب، فإذا قصدت التعبير عن الطلب باعتبار تعلق العلم به قلت: طلبت من زيد ماء. فإن قصدت إلى التعبير عن نفس الطلب من غير نظر إلى تعلق العلم ¬

_ (¬1) مريم: 95. (¬2) النمل: 87. (¬3) قرأ أبو عمرو وعاصم والكسائي ونافع وابن عامر وابن كثير: آتوه، وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة: أتوه. انظر: القرطبي13/ 241. (¬4).

[إملاء 92] [إعراب سحر وأمس]

به قلت: اسقني. وكذلك التقدير في جميق معاني الانشاء كالاستفهام والتمني والتحضيض والنداء. وأما تبيين الخبر باحتمال الصدق والكذب فغير مستقيم لأنه فرع عقليته فلا يستقيم أن يجعل معرفا لئلا يؤدي إلى الدور. [إملاء 92] [إعراب سحر وأمس] وقال ممليا [بدمشق سنة سبع عشرة] (¬1): "سحر" عند العرب جميعيهم معرب إعراب ما ر ينصرف للتعريف والعدل. و"أمس" عند أهل الحجاز مبني على الكسر، وعند بني تميم معرب إعراب ما لا ينصرف (¬2). ووجهه عند بني تميم وجه الجميع في "سحر". ووحه لغة أهل الحجاز ف " أمس" أنه تضمن معنى لام التعريف فبني لتضمنه معنى الحرف (¬3). وإنما ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) قال سيبويه: "وأعلم أن بني تميم يقولون في موضع الرفع: ذهب أمس بما فيه، وما رأيته مذ أمس، فر يصوفون في الرفع، لأنهم عدلوه عن الأصل الذي هو عليه في الكلام، لا عن ما ينبغي له أن يكون عليه في القياس. ألا ترى أن أهل الحجاز يكسرونه في كل المواضع، وبنو تميم يكسرونه في أكثر المواضع في النصب والجر، فلما عدلوه عن أصله في الكلام ومجراه تركوا صرفه اخر حين قارقت أخواتها في حذف الألف واللام منها، وكما تركوا صرف سحر ظرفا". الكتاب 3/ 283. (¬3) قال الزمخشري: "وأمس وهي متضمنة معنى لام التعريف مبنية على الكسر عند الحجازيين". المفصل ص 173. وقال السيوطي: " قال ابن القواس في شرح الدرة: أمس مبني لتضمنه معي لام التعريف، فإنه معرفة بدليل: أمس الدابر، وليس بعلم ولا مبهم ولا مضاف ولا بلام ظاهرة فتعين تقديرها". ولأشباه والنظائر 1/ 105.

[إملاء 93] [ضابط وجوب حذف الخبر]

فرقوا بينه وبين "سحر" من جهة أن "سحر" استعمل نكرة استعمل معرفا باللام على قياس التعريف (¬1)، فحسن أن يقال: سحر معدول عن السحر، لأنه جار على القياس فلم يلزم فيه إلا مخالفة القياس في استعماله على غير قياسه في العتريف لا غير. ولم يحسن ذلك في "أمس" لأنه لا يقال: أمس، منكر ثم يعرف فيقال: الأمس، بل الأمس، بالألف واللام معرفا تعريفا على غير قياس، و"أمس" معرفا على غير قياس. فلو جعل معدولا عن الأمس لكان فيه مخالفة فياسين: أحدهما فيه، والآخر في المعدول عنه، فكان حمله على مخالفة قياس واحد أولى. ولذلك جاءت لغة أهل الحجاز على البناء دون الإعراب. [إملاء 93] [ضابط وجوب حذف الخبر] وقال ممليا: إذل قامت قرينة تدل على خصوصية الخبر وكان معها لفظ في موضع الخبر ملتزم ذكره لموجب أوجبه وجب حذف الخبر (¬2)، كقولهم: لولا زيد لكان كذا، وشبهه (¬3). ¬

_ (¬1) قال سيبويه: " وإذا قلت: مذ السحر أو عند السحر الأعلى، لم يكن إلا بالألف واللام، فهذه حاله، لا يكون معرفة إلا بهما. ويكون نكرة إلا في الموضع الذي عدل فيه". الكتاب 2/ 294. (¬2) أي: يحذف الخبر وجوبا في موضع يكون فيه مع القرينة الدالة على تعيين الخبر المقدر من بين سائر الأخبار لفظ ساد مسد ذلك الخبر. انظر: شرح الكافية للرضي 1/ 104. (¬3) ومثل: ضربي زيدا قائما، وكل رجل وضيعته، ولعمرك لأفعلن كذا.

[إملاء 94] [الجواب عن سؤال لعبد القاهر الجرجاني في العطف على المنادى]

[إملاء 94] [الجواب عن سؤال لعبد القاهر الجرجاني في العطف على المنادى] وقال: قال الشيخ عبد القاهر في شرح المقدمة (¬1) التي وضعها سؤال صعب، وهو أن يقال: من حكم المعطوف أن يمتنع فيه ما أمتنع من المعطرف عليه، وإذا كان كذلك وجب إذ لم يصح إدخال الألف واللام على المنادى فلا يقال: يا الرجل، أن لا يقال ذلك في المعطوف عليه، وأن لا يقال {يا جبال أوبي معه والطير} (¬2). والحواب: أن الذي أوجب جواز ذلك في المعطوف مع امتناع ذلك في المعطوف عليه أن الذي منع أن تقول: يا الرجل، ما ذكر من أن الألف واللام في الاسم للعهد (¬3)، وأن تقدير العهد في المخاطب محال من حيث كان العهد يكون في ثالث هو غائب، والمعطوف على المنادى لا يدخل في الخطاب. ويكون في حكم الغيبة. تبيين ذلك أنك إذل قلت: أعنيك وزيدا، لم يدخل زيد في الخطاب وإن كان معطوفا على ضمير المخاطب، وذلك أنه لا يصح الجمع بين شيئين في الخطاب على أن يبدأ بأحدهما ويثنى بالآخر. معنى ذلك أنه لا يصح أن تقول: أنت فعلت كذا، وانت تخاطب زميدا، ثم تقول: وأنت لم تفعل كذا، وأنت تعني عمرا وتقدر خطابك زيدا بقي على حاله في حال خطابك. وإنما يجوز الجمع بين شيئين في الخطاب إذا لم تفرق فقلت: أنتما فعلتما، وما شاكل ذلك. ¬

_ (¬1) يجوز أن يكون كتاب التلخيص وهو شرح موجز لكتاب الجمل. وانظر الجمل ورقة 60 (مخطوط بدار الكتب رقم 1833). (¬2) سبأ: 10. (¬3) قال أبو البركات: "فإن قيل: فلم لم يجمعوا بين (يأ) والألف واللام؟ قيل: لأن (يا) تفيد التعريف، والألف واللام تفيد التعريف، فلم يجمعوا بين علامتي تعريف، إذ لا يجتمع علامتا تعريف في كلمة واحدة". أسرار العربية ص 229.

[إملاء 95] [اعتراض على عبد القاهر الجرجاني في مسألة العطف على المنادى]

وإذا صح ذلك تبين السبب في جواز دخول الألف واللام على المعطوف على المنادى، وإن يصح دخولها على نفس المنادى. فافهمه، فهذا موضع لطيف لم ينعم أصحابنا النظر فيه. [إملاء 95] [اعتراض على عبد القاهر الجرجاني في مسألة العطف على المنادى] وقال ممليا معترضا على عبد القاهر فيما ذكره من السؤال والجواب: المعنى الذي كان به الأول مخاطبا أوموجود هو في الثاني أم لا؟ فإن كان موجودا وجب أن يكون مخاطبا وبقي الا عتراض قائما. وإن لم يكن موجودا بطل أن يكون منادى لأنه هو المعنى الذي كان به الأول مخاطبا. وما توهم من أنه لا يكون مخاطب معطوفا على مخاطب، باطل بقولك: يازيد وعمرو. فإن زعم أن هذا مما يقدر فيه حرف الخطاب عدل عن المعنى الذي كان به مخاطبا إلى التقدير الذى يلزمه في المعنى في أصل المسألة، ثم هو باطل لعلمنا أن عمرا من حيث المعنى بالنسبة إلى زيد كالرجل في قولك: يا زيد والرجل، بالنسبة إلى زيد. وإذا كان كذلك وجب أن يكونا مخاطبين. وما ذكروه من أنه لا يكون مخاطبان بلفظين في جملة واحدة ليس بمطرد إلا في الضمائر قصدا للاختصار. فأما فيما لا يمكن فيه الاختصار فالضرورة تلجىء إلى العطف. ووزانه وزان امتناع قولك: جاءني زيد وزيد. ووجوبه في قولك: جاءني زيد وعمرو. ويوضح ذلك الاجماع جواز: يا هذان زيد وعمرو، وزيدا وعمر، ومعلوم أنهما مخاطبان. وإذا ثبت أن المعنى الذي كان به "زيد" مخاطبا واجب كونه في الرجل، بقي الاعتراض قائما. ولذلك أجوبة: أحدهما: لا نسلم أن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه فيما يمتنع، بدليل قولهم: رب شاة وسخلتها بدرهم،

[إملاء 96] [تعدى "حدثت" وأخواتها]

وشبهه. سلمنا ذلك، إلا أنه مخصوص بما كان عاملا في المعطوف عليه. والدليل عليه أنك تقول: ضربت زيدا ضربتين وعمرا، فلا يلزم تشريك عمرو مع زيد في الضربتين وإن لزم تشريكهما في "ضربت". إذا ثبت ذلك فليس لـ "يا" عمل فلا يلزم تشريكهما فيها. سلمنا تشريكهما فيها، إلا أن شرط جواز دخول "يا" على الثاني إذا أوليته مفقود، فلما وقع وقد فصل بينه وبين الأول حصل شرط الجواز، وأشبه قولك: يا أيها الرجل و "هذا" في: يا هذا الرجل، فقد صح إجراؤه على باب العطف فيما يمتنع فيهما. ولكن اتفق أن الثاني ههنا حصل شرط جواز دخول " يا" عليه ولم يصح فيه لو (¬1) أوليته. وهذا كله على التسليم في أن المعطوف يقدر العامل الأول فيه. وأما إذا قلنا بالانسحاب كالصفة وعطف البيان والتأكيد، اندفع السؤال من أصله. [إملاء 96] [تعدى "حدثت" وأخواتها] وقال ممليا: "حدثت" وأخواتها (¬2) التي تتعدى إلى مفعول واحد ثم تتعدى إلى ثلاثة على ما ذكره النحويون، تارة يلفظ بالثلاث (¬3) المفاعيل إذا قصد تفصيل ذلك، وتارة يؤتى بلفظ دال على المفعولين فيستغنى به، ومثله قوله تعالى: {يومئذ تحدث أخبارها} (¬4). فأن (أخبارها) ههنا قائم مقام المفعولين ¬

_ (¬1) في "ب" و"م": أو، وهو تحريف. (¬2) وهي: أعلم وأرى وأنبأ واخبر وخبر. (¬3) وردت هذه الكلمة هكذا في جميع النسخ. وفيها إشكالان: الأول: تعريفها بأل، وهذا جائز عند الكوفيين ممتنع عند البصريين. والثاني: تجريدها من التاء، وهذا لا يجوز. وهو خطأ من النساخ. (¬4) الزلزلة: 4.

[إملاء 97] [الاعتراض على من قال: إن "عرعار" معدول عن "عرعرة"]

لكون الخبر يتضمن في المعنى ما ذكر من التفصيل. و {بأن ربك أوحى لها} (¬1). من الناس من قال: بدل من (أخبارها)، ولا بعد في ذلك (¬2). وذهب بعضهم إلى أن هذه (تحدث) مستثناة من قاعدة من ذكر وتتعدى إلى مفعول واحد، وليس بصحيح، وفي القرآن مثله، وهو قوله: {من أنبأك هذا} (¬3)، فإن (هذا) قائم مقام المفعولين، كأنه قال: من أنبأك النبأ. [إملاء 97] [الاعتراض على من قال: إن "عرعار" معدول عن "عرعرة"] وقال ممليا: ليس قول من قال: إن "عرعار" معدول عن "عرعرة" بمستقيم (¬4)، لأن أسماء الأفعال لم تعدل عن المصادر. ولو كان ذلك كذلك، لكان قولهم: نزال، إنه معدول عن النزول، وكذلك ما أشبهه من أسماء الأفعال. [إملاء 98] [اعتراض على حد بعضهم البدل] وقال ممليا: قول بعض النحويين: البدل هو إعلام السامع بمجموعي الاسم على جهة البيان من غير أن ينوى بالأول الطرح (¬5). ¬

_ (¬1) الزلزلة: 5. (¬2) وهو مذهب الزمخشري، انظر: الكشاف 4/ 276. (¬3) التحريم: 3. (¬4) ذكر سيبويه أن مما جاء معدولا عن حده من بنات الأربع: قرقار وعرعار. قال: "وكذلك عرعار، وهي بمنزلة قرقار، وهي لعبة. وإنما هي من عرعرت". الكتاب 3/ 276. وانظر: المفصل ص 156. واللسان (عرر). (¬5) وحده ابن عصفور بقوله: " إعلام السامع بمجموع اسمين، أو فعلين على جهة تبيين الأول، أو تأكيده، وعلى أن ينوى بالأول منهما الطرح معنى لا لفظا. فمثال مجيئه للتبيين قولك: قام أخوك زيد، ومثال مجيئه للتأكيد: جدعت زيدا أنفه". المقرب 1/ 242.

فقوله: إعلام، ليس بالبدل، لا غين ولا جنس. لأن الإعلام فعل المتكلم وهو أعلمته إعلاما، فلا يكون بدلا أبدا من حيث كونه إعلاما، وهو بمعنى: جعلت الرجل عالما، أو قصدت إلى جعله عالما، وليس ذلك بالبدل. وقوله: بمجموعي الاسم، غير مستقيم. لأن مجموعي الاسم هو (¬1) البدل والمبدل منه جميا فيكف يحد البدل بأمر يدخل معه المبدل في الحد. وقوله: على جهة البيان، زيادة لا فائدة فيها، إذ الإعلام لا يكون إلا على جهة البيان. وقوله: من غير أن ينوى بالأول، زيادة مفسرة للحد على تقدير صحته، لأنه يخرج منه بضه، لأن البدل من جملة أنواعه بدل الغلط. فإذا قال من غير أن ينوى بالأول الطرح، خرج من جملة الحد، فلا يصير الحد شاملا فإن زعم زاعم أن الغلظ لا يقصد إلى إدخاله في الحد. قلت: تنويعهم البدل على أربعة أضرب من أدل دليل على أنه مقصود بالنوعية، فوجب إدخاله في الحد. ولو سلم أن الغلط على ما ذكرت، فليس البدل غلطا، بل هو مقصود مراد بالذكر. وإنما الغلط وقع في ذكر المبدل منه، وليس الحد للمبدل منه وإنما هو للبدل، فوجب أن يكون داخلا في الحد. ومن حده بأنه المقصود بالنسبة بعد متبوع للتوطئة والتمهيد، فلا يرد عليه إلا خروج بدل الغلط، فإنه لم يذكر المتبوع قبله للتوطئة والتمهيد إذ وقع غلطا، فكأنه توهم أنه لا يلزمه لأجل كونه غلطا. وقد بينا أنهم اتفقوا على تنويعه، ¬

_ (¬1) في الأصل وفي م: لا هو. وهو خطأ، لأن المعنى لا يستقيم.

[إملاء 99] [إعراب قولهم: تهراق الدماء]

فوجب أن يكون داخلا في الحد. وبينا أنه ليس الغلط فيه وإنما الغلط في أمر آخر ليس هو المحدود. [إملاء 99] [إعراب قولهم: تهراق الدماء] وقال ممليا: قولهم: تهراق الدماء (¬1). يجوز الرفع والنصب. أما الرفع فعلى من الضمير في "تهراق"، كأنه قيل: تهراق دمها، فجعل الفعل أولا لها ثم أبدل منه كما تقول: أعجبتني الجارية وجهها، وحذف الضمير للعلم به. وأما النصب فاوجهه أن يكون بفعل مقدر. كأنه لما قيل: تهراق، قيل: ما تهريق؟ فقال: تهريق الدماء، مثل: ليبك يزيد (¬2)، في التقدير، وإن اختلفا في الإعراب، ومثله كثير في كلامهم. ويجوز أن يكون منصوبا على التمييز وإن كان معرفة (¬3)، كما ينتصب مثل قولك: هند مهراقة الدماء، وهو كقولك: زيد حسن الوجه. ¬

_ (¬1) في حديث أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر: سنن أبي دواود (طهارة:107)، والموطأ (طهارة: 105). (¬2) قال الشاعر: ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح وقد سبق الكلام عنه في الإملاء (100) من الأمالي على المفصل. ص: 447. (¬3) التمييز يأتي نكرة ولا يأتي معرفة، لأنه يبين ما قبله، كما أن الحال يبين ما قبله. ولما أشبه الحال وجب أن يكون نكرة، كما أن الحال نكرة. انظر: أسرار العربية ص199. ووجوب كون التمييز نكرة هو مذهب البصريين، أما الكوفيون فلا يوجبون ذلك.

[إملاء 100] [هل يحتاج المجاز إلى النقل؟]

ويجوز أن يكون منصوبا على توهم التعدي إلى مفعول ثان، لأن الهمزة دخلت على الهاء التي هي عوض عن الهمزة التي في "أراق" فعداه بها إلى مفعول آخر كأن المعنى: جعلها غيرها مهريقة الدماء. [إملاء 100] [هل يحتاج المجاز إلى النقل؟] وقال ممليا: الانصاف أن المجاز إن كان باعتبار الألفاظ مفردة احتاج إلى التقل، وإن كان باعتبار المعاني الحاصلة باعتبار تعدد الألفاظ مثل: طلع فجر علاه، وشابت لمة سراه (¬1)، وأشباهه، لم يحتج إلى النقل لما علم من استعمال العلماء م كل طائفة أمثال ذلك في تصانيفهم وخطبهم ورسائلهم وغيرها. [إملاء 101] [توجيه إعراب كلمة في قولهم: وكان أجود ما يكون في رمضان] وقال ممليا بدمشق سنع أربع عشرة على قولهم (¬2): " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود ما يكون في رمضان": كل الرفع في " أجود" الثاني هو الوجه، لأنك إن جعلت في "كان" ضميرا يعود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن "أجود" بمجرده خبرا، لأنه مضاف إلى ما يكون، فهو كون، ولا يستقيم الخبر بالكون عما ليس بكون. ألا ترى أنك لا تقول: زيد أجود ما يكون. ¬

_ (¬1) اللمة: شعر الرأس الذي يلم بالمنكب، اللسان (لمم). (¬2) هذا القول لابن عباس رضي الله عنهما. رواه البخاري (صوم: 12).

[إملاء 102] [علة صرف ما لا ينصرف إذا دخلته اللام أولإضافة]

فيجب أن يكون إما مبتدأ، خبره قوله: في رمضان، من باب قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائما، وأكثر شربي السويق في يوم الجمعة، فيكون الخبر الجملة بكمالها، كقولك: كان زيد أحسن ما يكون في يوم الجمعة، وإمابدلا من الضمير في "كان"، فيكون من بدل الاشتمال كما تقول: كان زيد علمه حسنا. وإن جعلته ضمير الشأن تعين رفع "أجود" على الابتداء والخبر. وإن لم تجعل في "كان" ضميرا تعين الرفع أنه اسمها، والخبر محذوف قامت الحال مقامه على ما تقر في باب: أخطب ما يكون الأمير قائما (¬1). وإن شئت ج" في رمضان" هو الخبر كقولهم: ضربي في الدار، لأن المعنى الكون الذي هو أجود الأكوان حاصل في هذا الوقت، فلا يتعين أن يكون من باب: أخطب ما يكون الأمير قائما. [إملاء 102] [علة صرف ما لا ينصرف إذا دخلته اللام أولإضافة] وقال ممليا: إن قيل: لم انصرف ما لا ينصرف إذا دخلته اللام أو الإضافة، والعلتان باقيتان كنحو: الأحمر وأحمركم، فإن الصفة ووزن الفعل باقية (¬2)؟. ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية للرضي 1/ 104. (¬2) قال سيبويه: "وجميع ما لا ينصرف إذا أدخلت عليه الألف واللام أو أضيف انجر لأنها أسماء أدخل عليها ما يدخل على المنصرف. وأدخل في المنصرف، ولا يكون ذلك في الأفعال، وأنموا التنوين". الكتاب 1/ 22. وقال المبرد:" وكل ما لا ينصرف إذا أدخلت فيه ألفا ولا ما أو أضفته انخفض في موضع الخفض لأنها أسماء امتنعت من التنوين والخفض لشبهها بالأفعال. فلما أضيفت وأدخل عليها الألف واللام باينت الأفعال وذهب شبهها بها إذ دخل فيها ما لا يكون في الفعل، فرجعت إلى الاسمية الخالصة، وذلك قولك: مررت بالأحمر يا فتى، ومررت بأسودكم". المقتضب 3/ 313.

فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أنه منجر بالكسرة غير منصوف. وإنما انجر بالكسرة لأن الموجب للفتحة موضعها تبعها لذهاب التنوين للعلتين. فإذا كان التنوين قد ذهب لأجل اللام والإضافة انتفى موجب حذف الكسرة فبقي منجرا بالكسرة على أصله. هذا إذا قلنا: إن موجب العلتين حذف التنوين وموجب الفتحة موضع الكسرة حذف التنوين للعلتين. فأما إذا قلنا: إن موجب العلتين حذف التنوين والكسرة معا، لا أن الكسرة تبع للتنوين الذاهب للعلتين فإنه يحتاج إلى غير هذا الجواب، وهو أن يقال: لما اختص هذا الاسم بخاصة ممتزجة معه حتى صارت كالجزء، وهي من خصائص الأسماء قابلت بقوتها ذلك الشبه، فرجع الاسم إلى أصله في الصرف، ولا تنوين لتضاده مع الألف واللام، ثم حملت الاضافة على اللام لاشتراكهما في المعنى والموجب. إلا ترى أنه لا يجمع بينه وبين التنوين كاللام، وأنها توجب التعريف كاللام. فإن قيل: فينبغي على هذا أن يكون إسناد الفعل وحرف الجر ودخول "إن" موجبا (¬1) للصرف لأنه من خصائص الاسماء. فالجواب في ضمن ما تقدم، وهو قولنا: ممتزجة بالاسم امتزاج الجر. ويدلك على ذلك أنها لم تعمل كما عملت حروف الجر وغيرها لما لم تمتزج هذا الامتزاج. فإن قلت: إنما أوردته على الاضافة. فقد تقدم الجواب أيضا، وهو أن الاضافة أشبهت اللام بما ذكرناه، فأجريت مجراها، بخلاف غيرها. ¬

_ (¬1) في الأصل: موجب. وهو سهو من الناسخ، لأنه خبر يكون.

[إملاء 103] [النسبة إلى ميا فارقين]

[إملاء 103] [النسبة إلى ميا فارقين] وقال ممليا: إذا نسبت إلى ميا فارقين (¬1). فإن كان مركبا كبعلبك أو مضافا كباب عبد القيس فالنسب فيه إلى الأول (¬2). وإن كان مضافا كاضافة ابن الزبير فالنسب فيه إلى الثاني (¬3). فإذا نسبت إلى الأول لم يخل إما أن تقدره: فعلى أو فعل. فإن قدرته: فعلى، وهو الأولى، لقلة "فعل" فالنسب إليه إما: ميوي كحبلوي، وأما: مييي كحبلي، وبقيت الياء كما بقيتها في أمييي أو مووي، وقلبت الياء كما قلبتها في: أموي أو ميوي، وبقيتها ياء كما بقيتها في: حيوي لجواز أن يكون أصلها ياء. وإن قدرته: فعل، فالنسب إليه ميوي، بتشديد الياء كما تقول في " شلم" (¬4): شلمي. واختيار أبي على تخفيف الياء على هذا الوجه غير جيد، إذ لم يثبت حذف مثل هذه الياء في النسب، وقياسه على جلولي وتحروري ضعيف لاختلافهما. وإن نسبت إلى الثاني قلت: فارقيني، كـ " نصيبيني" أو فارقي كـ " نصيبي". ¬

_ (¬1) ميا فارقين: أشهر مدينة بديار بكر. معجم البلدان 5/ 235. (¬2) تقول في نسبة بعلبك: بعلي. وفي نسبة عبد القيس: عبدي. (¬3) أي: إذا كان الثاني مقصودا أصلا. تقول في نسبة ابن الزبير: زبيري. وفي نسبة أبي عمرو: عمري. (¬4) شلم: هي بيت المقدس. انظر اللسان (شلم).

[إملاء 104] [الفائدة من ذكر الشيخ والشيخة في قوله: الشيخ والشيخة إذا زنيا]

[إملاء 104] [الفائدة من ذكر الشيخ والشيخة في قوله: الشيخ والشيخة إذا زنيا] وقال ممليا سنة [خمس وعشروين] (¬1) وقد سئل عن قوله (¬2): "الشيخ والشيخة إذا زنيا فار جموهما البتة نكالا من الله ورسوله". فقيل: ما القائدة من ذكر الشيخ والشيخة، وهلا قيل: المحصن والمحصنة؟ فقال هذا من البديع في باب المبالغة، أن يعبر عن الجنس في باب الذم بالأنقص والأخس، وفي باب المدح بالكبر والأعلى. فيقال: لعن الله السارق ربع دينار فتقطع يده. والمراد: يسرق رب دينا فصاعدا، إلى أعلى ما يسرق، وقد تبالغ فتذكر ما لا يقطع به تقليلا كما في الحديث (¬3): "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده". وقد علم أنه لا يقطع بالبيضة. وتأويل من اوله بيضة الحرب تأباه الفصاحة. وكذلك قول الشاعر حكاية عمن قتل تحريضا لهم على أخذ الثأر وترك الدية: فلا تأخذوا منهم إفالا وأبكرا ... وأترك في بيت بصعدة مظلم (¬4) ¬

_ (¬1) زيادة من ب، د. (¬2) هذا مما نسخ تلاوته وبقي حكمه فيعمل به إذا تلقته الأمة بالقبول. كما روي أنه كان يقال في سورة النور: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله. ولهذا قال عمر: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي. انظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي 2/ 35 (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم). (¬3) رواه البخاري (حدود: 7)، ومسلم (حدود:7)، والنسائي (قطع السارق: 1)، وابن ماجه (حدود: 22). (¬4) هذا البيت من البحر الطويل وهو لكبشة أخت عمرو بن معد يكرب كما في أمالي القالي 2/ 226، وذيل الأمالي والنوادر ص 190، وحماسة أبي تمام 1/ 71. ونسبه الجاحظ في الحيوان (4/ 127) لكبشة بنت عمرو بن معد يكرب. الإفال: صغار الإبل بنات المخاض. وصعدة: بلدة في اليمن.

[إملاء 105] [الجواب عن سؤال في حديث: كمل من الرجال كثير]

وقد علم أنهم لا يأخذون الإفال والأبكر في الديات، ولكنه على ما ذكرت في الديات في تقليل ما يؤخذ وتخسيسه. وأبلغ منه قول الشاعر في مثل ذلك: حشف النخل (¬1) وقد علم أن حشف النخل لا يؤخذ في الدية، وهو ولا جنسه، ولكنه على ما ذكرت من قصد المبالغة. [إملاء 105] [الجواب عن سؤال في حديث: كمل من الرجال كثير] وقال ممليا وقد سئل عن قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬2): كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية ابنة مزاحم، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". هل الألف واللام لا ستغراق الجنس أو لا؟ فأجاب مفتيا بأن قال: الظاهر أن النساء في الأول لمن عدا عائشة رضي الله عنها. وأن النساء في الثاني لمن عدا مريم وآسية، فلا دلا لة فيهما على تفضيل أحد القبيلين على الآخر كقول القائل: زيد أفضل القوم، وعمرو أفضل القوم، فيه دلالة على أنهما أفضلا القوم، ولا تفصيل بمجرد ذلك لأحدهما عى الآخر ¬

_ (¬1) البيت بتمامه: قتلنا بقتلانا من القوم عصبة ... كراما ولم نأكل بهم حشف النخل وهو للحريث بن زيد الخيل كما في الحماسة لأبي تمام 1/ 407 (تحقيق د. عبد الله عسيلان). (¬2) رواه البخاري (مناقب: 30)، والترمذي (أطعمة: 31). ورواية البخاري: وآسية امرأة فرعون.

[إملاء 106] [الكلام في حديث: اسحللتم فروجهن بكلمة الله]

[إملاء 106] [الكلام في حديث: اسحللتم فروجهن بكلمة الله] وقال ممليا على قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬1): "استحللتم فروجهن بكلمة الله". لو كان المراد لفظ التزويج ولفظ النكاح لكان الوجه أن يقال: بكلمتي الله، إذ لا يطلق المفرد على الاثنين إلا فيما كان معلوما بالعادة كقولهم: ابصرته بعيني وسمعته بأذني. وأما نحو: اشتريته بدرهم والمراد درهمين فلا قائل به. ولو سلم صحة إطلاق المفرد ههنا على الاثنين لا متنع أيضا من جهة أنه إذا كان المراد اللفظ فاللفظ الموجود في القرآن إنما هو: انكحوهن، ونحو: {إذا نكحتم االمؤمنات} (¬2)، و {زوجناكها} (¬3)، ونحوه. وقد علم أنه إذا أخبر عن الكلمة باعتبار اللفظ أنه إنما يراد صورتها ولفظها مجردة عن معناها أو مع معناها. وقد علم أنه لا يقع الإنكاح بهذه الألفاظ على صورها، لا بمجردها ولا بمعناها المراد بها. ولو سلم أن الانكاح يقع بهما فيلس في اللفظ ما يشعر أنه لا استحلال إلا بذلك، ولو سلم فالعرب إذا كثر الشيء عبر عن جنسه بما كثر. ومعلوم أن الانكاح يقع بذلك غالبا، فأخرج مخرج الغالب. ولو سلم أن في اللفظ ما يشعر بالحصر، فعندنا ما يأباه، وهو أنه قد ذكر لفظ المراجعة معبرا به عن التزويج. قال الله تعالى: {فإن طلقها فلا جناح ¬

_ (¬1) رواه مسلم (حج: 147)، وأبو داود (مناسك: 57)، وابن ماجه (مناسك: 84)، والدارمي (مناسك: 34). (¬2) الأحزاب: 49. (¬3) الأحزاب: 37.

[إملاء 107] [حذف التنوين]

عليهما أن يتراجعا} (¬1). والمعنى: فإن طلقها الزوج الثاني بعد أن طلقها الزوج الأول ثلاثا فلا جناح على الزوج الأول وعلى الزوجة المطلقة من هذا الثاني أن يتراجعا. فقد عبر بالمراجعة عن التزويج، والمراد أن يتناكحا. وذلك يأبى الحصر المسلم ظهوره فيه تقديرا. [إملاء 107] [حذف التنوين] وقال وقد قال بعض من حضر: ادعى رجل على رجل بمال فوجد بخط المدعى عليه ورقة وهو يقول فيها: له عندي ألف وتسعة عشر دينارا. فقال الحاكي: إن الحاكم توقف في الألف، هل يرجع في تفسيرها الى المقر المدعى عليه أو لا؟ فقال: يرجع في تفسيرها إليه. فقيل له: لم قدر في قولهم: له عندي ربع وثمن درهم، أن التقدير: ربع درهم وثمن درهم، بلا خلاف، فهلا كان هذا وما أشبهه كذلك فقال: وذلك أنم يقولون: ربع، ويحذفون تنوينه، وما ذاك إلا لأجل الإضافة. ولما كان في اللفظ ما يشعر بالمضاف إليه صح التقدير. وليس كذلك في قولهم: ألف وشبهه. إذ لو قيل: ألف، غير منون، لكان خطأ، إذ لا يحذف التنوين إلا بسبب من الأسباب المجوزة لحذفه (¬2)، وليس هنا شيء. قيل له: فهلا جعلت التنوين هنا عوضا من المضاف إليه كما كان ذلك في قوله: {وكلا وعد} (¬3)، وشبه. فقال: إنما كان كذلك لأن "كلا" لا تعقل ¬

_ (¬1) البقرة: 230. (¬2) يحذف التنوين لدخول أل نحو: الرجل. وللإضافة نحو: غلامك، ولمانع الصرف نحو: فاطمة، وللوقف في غير النصب، ولالتقاء الساكنين. انظر: معني اللبيب 2/ 716 (دمشق). (¬3) النساء: 95.

[إملاء 108] [الكلام على "غدوة" وأخواتها]

إلا مضافة فلما كانت كذلك جعل التنوين فيها على نحو ما ذكر، وليس كذلك ما نحن فيه. إذ هذا تستعمله مضافا وغير مضاف، فتقول: هذه ألف وألفك وألف زيد، فظهر الفرق بين هذا وذاك. [إملاء 108] [الكلام على "غدوة" وأخواتها] وقال ممليا: غدوة وبكرة وسحر وفينة، أعطوها حكم الأعلام وليست أعلاما على نحو: زيد وعمرو، إنما هي على نحو: أسامة. والذي يدل عليه صلاحيتها لغدوة كل يوم تدخله معها، وهذا هو وضع أسامة (¬1). إلا أنها اختصت باستعمالها في غدوة يوم معلوم في كلامك أو من قرينة. فإذا قلت: خرجت يوم الجمعة غدوة، فمدلوله غدوة يوم الجمعة، وكذلك ما أشبهه. وهذا لا يخرجه عن أن يكون كوضع أسامة لصلاحية إطلاقه على كل غدوة كصلاحية أسامة. وإنما هو لما أمكن أن يكون معينا باعتبار يوم يذكر، اشترط في استعماله ذلك ليكون كالتوفية له لما يستحقه من التعريف. والذي يدل عليه أنه علم كونهم منعوه الصرف (¬2)، وما لم تقدر (¬3) فيه ¬

_ (¬1) لأنه يصح استعماله لكل فرد من الآساد، فهو علم جنسي. (¬2) قال ابن الجاجب: "والدليل على أنه علم قولهم: سير عليه فرسه غدوة، فغدوة غير منصرف، ولو لم يكن علما لوجب صرفه، إذ ليس فيه إلا التأنيث اللفظي بالتاء، ولا يكون علة إلا مع العلمية". انظر: الإيضاح 1/ 92 وقال سيبويه: "اعلم أن غدوة وبكرة جعلت كل واحدة منهما اسما للحين، كما جعلوا أم حبين اسما للدابة معرفة". الكتاب 3/ 293. وانظر: المقتضب 3/ 379، والمفصل ص 11. (¬3) في ب: يقدر.

[إملاء 109] [تعليل قول من قال: إن عوامل الجزم لا أصل لها في العمل]

العلمية كان مصروفا ممنوعا من الصرف بغير سبب، وذلك معلوم الانتفاء من لغتهم، فوجب أن يحمل على تقدير العلمية كما فعل باب أسامة. وباب أسمامة يطلق علما للحقيقة المتصورة في الذهن ويصح إطلاقها على كل واحد باعتبار الوجود، ضرورة أن ما صلح باعتبار الذهن صالح لكل واحد مم يقع في الوجود لكونه إياه في المعنى، فجاز التعدد باعتبار الوجود لا باعتبار أصل الوضع. فالفرق بينه وبين وضع أسد، أن أسدا موضوع في أصل وضعه لواحد من آحاد هذا الجنس باعتبار أفراده، وأسامة موضوع للحقيقة الذهنية، وإطلاقه على الواحد الوجودي فرع له ضرورة مماثلته له. [إملاء 109] [تعليل قول من قال: إن عوامل الجزم لا أصل لها في العمل] وقال ممليا: لقول من قال: إن عوامل الجزم لا أصل لها في العمل، وجهان: أحدهما: أن الفعل في الإعراب غير أصل، فعوامله غير أصلية في العمل. ولا خصوصية حينئذ لعوامل (¬1) الجزم. الثاني هو: أن إعراب الفعل لما كان محمولا على إعراب الاسم، والاسم لا جزم فيه، كان الجزم فرعا في إعراب الفعل، فوجب أن يكون عامله أيضا فرعا، بخلاف عوامل النصب والرفع، فإن الفعل أعرب في الرفع بعامل يشبه عامل الرفع في الاسم، وفي النصب بعامل يشبه عامل النصب في الاسم وهو "أن"، وليس في الأسماء جزم، فلم يكن عامله اصلا في العوامل. ¬

_ (¬1) في الأصل: بعوامل. وما أثبتناه من د، وهو الأصوب.

إلا أنه يلزم على هذا القول أن تكون وامل النصب كلها راجعة إلى "أن". فإن التزم حصل الجواب، وإن لم يلتزم وجب الاعتذار عنها، أو الا قتصار على الوجه الأول. والعذر أن يقال: إن النصب بـ "أن" أو ما أشبهها، ووجه شبهه أنه حرف مستقل في معنى لا يختص بالفعل مفيد للاستقبال كـ "أن". والمعنى الذي يختص بالفعل هو النفي في "لن" والإثبات في "إذن". و"كي" للتعليل وهو لا يختص بالفعل، ولا يلزم على هذا السين وسوف، وإن كانت مفيدة للاستقبال من حيث كانت لا استقلال لها. وإنما جيء بها مع الفعل لتفيد تعيين أحد مدلوليه الموضوع هو لكل واحد منهما، بخلاف "لن" فإنها موضوعة لمعنى مستقل وهو النفي، وضمنت معنى الاستقبال، فلا يلزم من عملها عمل السين وسوف. فإن قيل: فما ذكرتموه في "لن" موجود في "لا" فإنها للنفي متضمنة معنى الاستقبال. فالجواب من وجهين: أحدهما: أنهما غير لا زمة لذلك، بدليل أنك تقول: أريد أن لا تقوم، تجمع بينها وبين "أن". ولو كانت مثل "لن" لكنت جامعا بين حرفي استقبال، ولذلك لم يجز: أريد أن لن تقوم. الثاني: هو أنه لما كان الوضع محتاجا إلى حرف نفي يجامع حرف الاستقبال مما لا نفي فيه جردوا له حرفا يستعملونه استعمال ما لا استقبال فيه. فلما كان كذلك قطعوه عن العمل لكون (¬1) قدروا ما كان لأجله العمل كالعدم. فإن قيل: فـ "إن" وأخواتها من كلمات الشرط يلزم أن يقع النصب بها لكونها على ما ذكرتموه. فالجواب: أنها لما كانت لمعنى لا يقبله إلا الفعل جعلت عاملة لإعراب لا يقبله إلا الفعل، بخلاف "لن" فإن معناها النفي، والنفي يقبله الأسماء والأفعال. ¬

_ (¬1) هكذا وردت هذه الكلمة في جميع النسخ. والأنسب أن تكون: لكونهم.

[إملاء 110] [نقل عن ابن كيسان في تجويزه إعمال "إن" في أي المفردين وليها]

[إملاء 110] [نقل عن ابن كيسان في تجويزه إعمال "إن" في أي المفردين وليها] وقال ممليا وقد قيل له: نقل عن ابن كيسان (¬1) النحوي أنه يجوز في "إن" أنها إن وليها أي المفردين كان عملت فيه. فيقول على هذا: إن زيدا قائم، وإن قائما زيد. فقال: يحتمل هذا مثل مذهب الأخفش في تجويزه إعمال اسم الفاعل غير معتمد. إذ يجوز: قائم زيد، على أن "قائم" مبتدأ، و"زيد" فاعل سد مسد الخبر مثل: أقائم الزيدان؟ بالإجماع. فعلى هذا "زيد" في: إن قائما زيد، فاعل سد مسد الخبر. والرد عليه كالرد على الأخفش سواء (¬2). [إملاء 111] [رفع الاسم الواقع بعد لولا] وقال ممليا وقد قيل له: إن بعض النحويين يجعل الواقع بعد "لولا" مرفوعا بالفاعلية بفعل محذوف (¬3)، كأنه قال: لولا ثبت أو وجد أو حصل، ¬

_ (¬1) هو محمد بن أحمد بن كيسان النحوي. له من التصانيف: المهذب، الحقائق، المختار، غريب الحديث، المذكر والمؤنث، القصور والممدود، البرهان، الوقف والابتداء. توفي سية 299هـ. انظر: طبقات النحويين واللغويين ص 171، وإنباه الرواة 3/ 57. (¬2) وقد رد الرضي على الأخفش بأن قوله هذا بعيد عن القياس، قال: "لأن الصفة لا تصبر مع فاعلها جملة كالفعل إلا مع دخولها معنى يناسب الفعل عليها كمعنى النفي والاستفهام، أو دخول ما لابد من تقديرها فعلا بعده كاللام الوصولة". شرح الكافية 1/ 87. (¬3) وهو مذهب الكوفيين. أما البصريون فقالوا: إن ما بعدها مرفوع بالابتداء. انظر الإنصاف مسألة (10). والإيضاح في شرح المفصل 1/ 186. وشرح الكافية للرضي 1/ 104.

[إملاء 112] [أضرب القسم باعتبار الجواب]

واختاره بعض المحققين من المتأخرين. ووجهه أنه بمعنى الشرط، فحسن تقدير الفعل معه كما في "لو". ولذلك فتحت "أن" كما فتحت في "لو" كقولك: لو أنك منطلق، فكذلك: لولا أنك قائم. قالوا: لو كان مبتدأ لوجب أن تكون "إن" في موضعه مكسورة لأنه موضع الابتداء. وهذا ليس بقوي لأن "إن" إنما تكسر في موضع ابتداء يكون خبر المبتدأ فيه خبرها ليتحقق كونه موضعا للجملة. فإما إ ... ذا وقعد في موضع يكون خبرها من تتمة المبتدأ الذي هو مفرد قواجب أن تكون مفتوحة بدليل وجوب فتحها في قولك: عندي أنك قائم، فكذلك ههنا، لأنها مع الاسم والخبر المذكور معها بتأويل المبتدأ المفرد، والخبر محذوف على حاله. ولو كسرتها لوجب أ، يكون الخبر معها خبرا للمبتدأ على تقدير عدمها، فيؤدي إلى أن يكون خبر المبتدأ بعد "لولا" واجبا حذفه واجبا إثباته أو جائزا، وهو متناقض. [إملاء 112] [أضرب القسم باعتبار الجواب] وقال: القسم باعتبار الجواب على ضربين: تأكيد للإخبار وتأكيد للطلب. فتأكيد الإخبار جوابه جملة خبرية بأحد الحروف: اللام وإن وحرف النفي (¬1). وتوكيد الطلب جوابه جملة طلبية من أمر أو نهي أو استفهام كقواك: بالله أخبرني، وبحباتك زرني (¬2). ¬

_ (¬1) كقولك: بالله لأفعلن، والله إنك عالم، تالله لا أفعل هذا. (¬2) مثال الاستفهام: بربك هل قمت بواجبك. ومثال النهي: بالله لا تفعل هذا.

[إملاء 113] [رد على الفارسي في قوله: إن الأفعال الخمسة معربة ولا حرف للإعراب فيها]

[إملاء 113] [رد على الفارسي في قوله: إن الأفعال الخمسة معربة ولا حرف للإعراب فيها] وقال ممليا رادا على الفارسي في قوله: إن "يفعلون" وأخواته معرب ولا حرف إعراب فيه: والصحيح أنه معرب، وأن حرف الإعراب النون (¬1)، كما أن "الزيدون" معرب وأن حرف الإعراب الواو، وهو لا ينازع في ذلك. وقوله ههنا: لو كان النون حرف إعراب لما حذفت في قولك: لم يضربوا، لا يصح، فإن الضمة في قولك: لم يضرب، حركة إعراب، ومع ذلك فقد حذفت، فليس المراد بحرف الإعراب وحركة الإعراب إلا ما به يكون الاختلاف، فكذلك النون في قولك: يضربون، وشبهه، لأنه مما به الاختلاف. [إملاء 114] [علة من اشترط وجود "فعلى" في الألف ولانون إذا كان صفة] وقال ممليا: علة من اشترط وجود "فعلى" في الألف والنون إذا كان صفة لأن امتناع تاء التأنيث في "فعلان" إنما كان لوجود صيغة التأنيث المستغني عن تاء التأنيث. فإذا كانت لها صيغة "فعلى" حصل شبهها فاعتبر علة. ومن اعتبر ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "فجعلوا إعرابه في الرفع ثبات النون لتكون له في التثنية علامة للرفع". الكتاب 1/ 19.

[إملاء 115] [الكلام على "آنك" وشبهه]

انتفاء "فعلانة" فلأنه هو المطلوب بوجود "فعلى". فإنه لم يعتبر وجود "فعلى" إلا ليتحقق اتتفاء دخول تاء التأنيث عليه. ألا ترى أنهم اعتبروا الألف والنون في الأعلام لما تحقق انتفاء تاء التأنيث عليه. فكذلك هنا. [إملاء 115] [الكلام على "آنك" وشبهه] وقال ممليا: "آنك" ليس بعربي (¬1). وإذا كان غير عربي فلا يرد. ولو سلم أن يكون عربيا فلا يستقيم أن يكون "أفعلا" (¬2) لأنه لو كان أفعلا لوجب أن تكون ألفه منقلبة ن ياء أو واو. إذ لا ألف أصلية إلا وهي منقلبة عن ياء أو واو. وإذ كانت عن ياء أو واو وجب أن تصح فيقال: أيثك أو أونك؛ لأنه لا موجب لإ علالها، فوجب أن يكون "فاعلا". وإن كان "فاعلا" ليس من أبينتهم أيضا إلا أن ارتكابه أولى لئلا يؤدي إلى ما ذكرنه من إعلال ما لم يوجد فيه سبب الإعلال. وأما "أشد" فلا نسلم أنه مفرد، بل هو جمع (¬3)، كانهم جمعوا شدة وقصدوا إلى اختلاف أنواعها فجموها بهذا الاعتبار، أي: جهات ماتحصل به القوة. وليس المراد بالشدة التي هي المصيبة، وإنما المراد الشدة التي هي القوة. و"أرز" أيضا أعجمي، فلا يرد. وأما "أسنم" فإن كان جمعا فهو الذي نقول لا يأتي إلا جمعا. وإن كان اسما علما فلا يرد، لأن الأعلام أتت أيضا في ¬

_ (¬1) قال ابن منظور: "الآنك هو الرصاص القلعي". اللسان (أنك). (¬2) قال ابن: "آنك: أفعل، من أبنية الجمع ولم يجىء عليه للواحد إلا آنك وأشد". اللسان (أنك). (¬3) قال سيبويه: "وقد كسرت فعلة على أفعل وذلك قليل عزيز، ليس بالأصل. فقالوا: نعمة وأنعم وشدة وأشد" 3/ 581.

[إملاء 116] [البدل لا يتقدم على المبدل منه ولا يفصل بينهما بالجملة]

باب "فالل" كقولهم: بلا كف (¬1) وحضاجر. لأن الأعلام قد تأتي منقولة ومر تجلة على غير قياس كلامهم. وإن كان اسما مفردا جنسا عربيا فحينئذ يرد، وبم يثبت ذلك، ولو ثبت فجوابه ما أجيب عن سرويل في ذلك الباب (¬2). وأما " أبلم" (¬3) فإن ثبت فلأنه فرع "أبلمة" كقولك: قمحة وقمح. هذا بعد التسليم أنه مفرد وأما إن قيل: إنه جمع فقد سقط وروده، ويجوز أن يقال: إنهم سوغوه لما كان معناه جمعا، فجرت فيه هذه الصيغة لذلك. وأما "أصبع" و"أثمد" (¬4) فشاذ. و"أنملة" و"اسنمة" ليس من ذلك، لأن هذا بالهاء. فإن قالوا: الهاء لا اعتداد بها، قلنا: فلا اعتداد بها أيضا في "صياقلة"، فلا يرد. و"أذرح" (¬5)، شاذ كما تقدم في الأعلام (¬6). [إملاء 116] [البدل لا يتقدم على المبدل منه ولا يفصل بينهما بالجملة] وقال ممليا: لا يجوز أن يكون: زيدا ضربته، بدلا من الهاء في "ضربته" لوجهين: أحدهما: التقدم، إذ هو تابع. والثاني: الفصل بينهما بالجملة. ولا يجوز أن تكون الهاء بدلا من زيد للفصل بينهما بالجملة الفعلية. ¬

_ (¬1) في الإيضاح لابن الحاجب: ملاكف. (1/ 143). ولم أعثر على معناها. . (¬2) انظر: الإملاء (79) من الأمالي على المقدمة. ص: 594. (¬3) الأبلم: الخوصة. اللسان (بلم). (¬4) الأثمد: الكحل. اللسان (ثمد). (¬5) أذرح: بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة، ثم من نواحي البلقاء. انظر معجم البلدان 1/ 129. (¬6) انظر: الإيضاح في شرح المفصل 1/ 137.

[إملاء 117] [إطلاق الإعراب]

[إملاء 117] [إطلاق الإعراب] وقال ممليا: الإعراب يطلق على المعرب، ولا بعد في ذلك، أو على حذف مضاف، كأنه قال: الكلام على صاحب الإعراب، أو ذي الإعراب. [إملاء 118] [الغرض من الحرف تحسين الكلام] وقال ممليا: إن قيل: إن الحرف من مفردات الكلام، فالكلا م يحصل دونه، وهو المبتدأوالخبر أو الفعل والفاعل. فالجواب: أن المفرد على ضربين: مفرد وهو مقوم للشيء، ومفرد ليس مقوما. فالأول: ما ذكرناه من المبتدأ والخبر أو الفعل والفاعل. والثاني: الحرف، وإنما جيء به لتحسين الكلام، فسمي جزءا لهذا، ألا ترى أن القائل لو قال: الحبر يتركب من عفص (¬1) وزاج (¬2) وقلقند (¬3) وزعفران (¬4) فالزعفران ههنا لم يكن إلا لتحسين الهيئة الحبرية، لا انه من مقوماته، فإنه ينفك عنه ويعقل دونه، كذلك الحرف مثل قولنا: زيد في الدار قائم. ولا شك في كون هذا وما أشبهه فضلة، فإن الكلام مستقل بدونه، وإنما جيء به لغرض آخر. ¬

_ (¬1) العفص: الذي يتخذ منه الحبر. مولد، وليس من كلام أهل البادية. اللسان (عفص). (¬2) الزاج: وهو من أخلاط الحبر. فارسي معرب. اللسان (زوج). (¬3) لم أعثر على معناه: وواضح أنه معرب. (¬4) الزعفران: صبغ معروف، وهو من الطيب. اللسان (زعفر).

[إملاء 119] [الجواب عن إيراد على حذف حروف الجر]

[إملاء 119] [الجواب عن إيراد على حذف حروف الجر] وقال ممليا مجيبا عن إيراد بعضهم على قوله (¬1): حروف الجر لا تحذف إلا في مواضع تحفظ ولا يقاس عليها، قولو تعالى: {واختار موسى قومه} (¬2): من وجهين: أحدهما: أن " اختار" تارة يتعدى بنفسه، وتارة بحرف الجر كقولك: استغفرت الله الذنب ومن الذنب، فليست (من) فيه محذوفة (¬3)، وإنما هي إحدى (¬4) اللغتين. الآخر: أنه معدى بنفسه، وجاءت (من) على سبيل الزيادة لا على أنه معدى بـ "من" ثم حذفت، كقولك: ما ضربت أحدا، وما ضربت من أحد. [إملاء 120] [الفرق بين ألفاظ العدد في التمييز وبين المشترك] وقال ممليا: الفرق بين عشرين وشبهه من ألفاظ العدد في التمييز وبين المشترك، أن المشترك موضوع للدلالة على ذات المسمى باعتبار حقيقته. وإنما يجيء الإلباس في بعض الأحيان للجهل بالقرائن. وأسماء العدد ونحوها مما يميز لم يوضع للذات باعتبار حقيقها التي تحصل بالتمييز لا باشتراك ولا ظهور ولا تجوز. فإنه لا يفهم من عشرين إلا عشرتان من أي معدود كان. ولو أطلقها المطلق مريدا بها الدلالة على ذات الدراهم، كإطلاق ¬

_ (¬1) في ب، د: قولهم. (¬2) الأعراف: 155. (¬3) قال ابن هشام: إنها محذوفة. انظر المغني 1/ 396 (دمشق). (¬4) في ب، د: أحد.

[إملاء 121] [الكلام في منع صرف "أجمع وجمع" وأخواتهما]

العين (¬1) في أحد مدلولية (¬2) أو أطلقها بإزائه معتقدا ظهورا كظهور رجل في مسماه، أو أطلقها قاصدا التجوز بها في الدلالة على الدراهم أو غيرها معينا، كإطلاق أسد في الدلالة على الرجل الشجاع، كان مخطئا في الوجوه الثلاثة لأنها لم توضع إلا لمعدود مبهم حقيقته. فاستعمالها على غير ذلك استعمال للفظ في غير موضوعه (¬3)، وهو غير مستقيم. [إملاء 121] [الكلام في منع صرف "أجمع وجمع" وأخواتهما] وقال ممليا: "أجمع" وأخواه (¬4)، و (جمع) واخواه (¬5)، مشكل منع صرفه. لأنه إن قيل في "جمع": العدل والصفة، فالعدل مسلم، والصفة غير مستقيم، لأنها من باب التوكيد، وهما بابان متغايران يتميز كل واحد منهما بخاصته، فلا يستقيم أن يكون أحدهما فرعا (¬6) للآخر. فإذا بطل أن يكون صفة فالعدل وحده لا يستقيم وإن قيل: العدل والتعريف. فالتعريف المعتبر في منع الصرف هو العلمية، وهذه ليست باعلام، فلم يصح كون العلمية علة فيها. والكلام في "أجمع" فيما ينضم إلى وزن الفعل من صفة أو تعريف كالكلام في "جمع" فيما انضم إلى العدل من الصفة أو التعريف، ولا شك في إشكال ذلك. ¬

_ (¬1) العين: النقد. اللسان (عين). (¬2) أي: دنانير (ذهب)، أو دراهم (فضة). (¬3) في د: موضعه. (¬4) أكتع وأبتع، ومعهما أبصع. (¬5) كتع وبتع، ومعهما بصع. (¬6) في الأصل وفي ب، د: نوعا، وهو تحريف.

والجواب أن يقال: أجمع العرب على منع صرف البابين، ولا بد من علتين. ففي "أجمع" وزن الفعل محقق، فيحتاج إلى علة أخرى. وفي "جمع" العدل التحقيقي محقق، فيحتاج إلى علة أخرى، فيجب تقديرها، وإن كان على بعد، [كما] (¬1) وجب التقدير في أسامة ونحوه، وإن كان على بعد. بقي أن يقال: ما المقدر مع العلم، فإنه لا بد من علة أخرى؟ فيمكن أن يقال: الصفة، باعتبار أصل المعنى (¬2)، لا باعتبار الخاصة التي صيرته تأكيدا. ويمكن أن يقال: التعريف، ويمنع أن تكون العلمية مشترطة في التعريف. ويمكن أن يقال: هي أعلام باعتبار معانيها الكلية كباب أسامة، وإن كان بعيدا. ولا ينكر استعماله تابعا مع كونه علما. فقد ثبت في الإبدال وعطف البيان استعمال الا علام توابع مثل: أبو عمرة زيد، وجاو أخوك زيد. إلا أنه يستبعد من حيث كان لا يستعمل إلا تابعا، ولا شك في استبعاده. إلا أنه اغتفر لما لزم من وجوب تقدير علة أخرى، فبقي الترجيح فيما يمكن تقديره، ولم يتعين ما يكمن تقديره لتعدد المقدرات، بخلاف باب أسامة، فإنه لم يكن ثم إلا العلمية، فلذلك تعينت. ويجوز أن يقال: إن هذه الألفاظ في أصلها صفات ثم استعملت غير صفات، فكانت كأسود وأدهم (¬3) باعتبار الصفة الأصلية، فلما انضمت إلى العدل وجب منع الصرف، إلا أنه ليس بمحقق كونه صفة في الأصل كأسود، إذ ¬

_ (¬1) كما: زيادة من ب، د. (¬2) قال ابن الحاجب: "والمانع عندنا العدول والصفة الأصلية المقدرة فيه، كأن أصله بمعنى مجتمع". الإيضاح 1/ 136. (¬3) قال سيبويه: "وأما أدهم إذا عنيت القيد، والأسود إذا عنيت به الحية، والأوقم إذا عنيت الحية، فإنك لا تصرفه في معرفة ولا نكرة، لم تختلف في ذلك العرب". الكتاب 3/ 201. وانظر المقتضب 3/ 340.

[إملاء 122] [علة عدم تقدم خبر "كاد" على اسمها]

لا يقال: مررت برجل أجمع (¬1) ولا بامرأة جمعاء بخلاف أسود وأدهم وأرقم، فإنه قد ثبت استعمالها صفات محققة. إلا أنه اغتفر هذا التقدير لوجوب تقدير علة [أخرى] (¬2)، وكانت أولى من دعوى الصفة المحققة، لعلمنا بانتفائها، ومن كون التعريف معترا، وإن لم يكن علمية من حيث لم يثبت ذلك، ومن حيث صرح المحققون باشتراط العلمية. وأولى من دعوى العلمية فيها لكونها خارجة عن قياس العلم في المعنى والاستعمال. أما المعنى فلجريها على الشيء وشبهه، وأما الاستعمال فلزومها التبعية. وكأن هذا القول فيه جمع بين الأقاويل حسب الإمكان. فإن في إثبات الصفة في الأصل، فهو موافق لمن ادعى الوصفية. وفيه إثبات أن التعريف مشترط فيه العلمية. وفيه إثبات أنها معارف (¬3). فقد حصلت الموافقة حسب الإمكان باعتبار الأقاويل الثلاثة. [إملاء 122] [علة عدم تقدم خبر "كاد" على اسمها] وقال: إنما لم يتقدم خبر "كاد" على اسمها لوجهين: أحدهما: أنها من باب "عسى"، فكما لم يتقدم خبر "عسى" لا يتقدم خبرها. الثاني: أنهم لو قدموه وهو لا يكون إلا فعلا لأدى إلى تقديم خبر المبتدأ عليه وهو فعل، فكما لا يقال: يقوم زيد، على أن يكون "زيد" مبتدأ، و"يقوم" خبره وفيه ضمير فاعل، ¬

_ (¬1) في الأصل وفي ب، د: جمع. وهو خطأ. (¬2) زيادة من م، س. (¬3) قال سيبويه: "وأجمع وأكتع إنما وصف بهما معرفة، فلم ينصرفا لأنهما معرفة". الكتاب 3/ 203. وقال المبرد: "فأما أجمع وأكتع فمعرفة ولا يكون إلا نعتا. فإن سميت بواحد منهما رجلا صرفته في النكرة". المقتضب 3/ 342. وانظر شرح الكافية للرضي 1/ 44.

[إملاء 123] [إطلاق العوامل اللفظية]

فكذلك لا يقال: كاد يقوم زيد، على ذلك، لأنها إنما تدخل على مبتدأ خبره فعل مضارع، فإذا امتنع التقديم قبل دخوله امتنع بعد دخولها. والذي منع التقديم في "كاد" منع التقديم في "عسى". ألا ترى أنهم حكموا إذا قالوا: عسى أن يقوم زيد، بأن زيدا فاعل "يقوم لما تعذر عليهم تقدير التقديم، فجعلوها على استعمالين لذلك: ويمكن أن يقال: إن معنى: عسى أن يقوم زيد، قرب قيامه، ومعنى: عسى زيد أن يقوم، قارب زيد القيام. فكرهوا التقديم ليظهر الفرق بين المعنيين بذلك (¬1). [إملاء 123] [إطلاق العوامل اللفظية] وقال ممليا: العوامل اللفظية مطلقة على "كان" وأخواتها، وعلى "ظننت وأخواتها" و"إن" وأخواتها، و"ما" الحجازية. وحرف الجر، وإن كانت لفظية أيضا، إلا أنها لما كانت تقتضي شيئا واحدا لم تعد مع تيك بخلاف ما ذكر أولا. [إملاء 124] [ضمير الفصل لا يجوز أن يكون توكيدا] وقال ممليا: هو الذي هو فصل (¬2)، لا جائز أن يكون تأكيدا (¬3)، لأنه لو ¬

_ (¬1) انظر المفصل ص 269، والإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب 2/ 91. (¬2) سمي فصلا لأنه فصل به بين كون م بعده نعتا وكونه خبرا. ويسميه الكوفيون عمادا لكونه حافطا لم بعده حتى لا يسقط عن الخبرية كالعماد في البيت الحافظ للسقف من السقوط. انظر: شرح الكافية للرضي 2/ 24. (¬3) قال سيبويه: "لأن الفصل يجزىء من التوكيد والتوكيد منه" 2/ 389. وقال الزمخشري: "وليقيد ضربا من التوكيد المفصل ص 133. والذين ادعوا أنه تأكيد هم الكوفيون انظر: شرح الكافية للرضي 2/ 27.

[إملاء 125] [وجوب اشتمال الجملة الواقعة خبرا على ضمير يعود على المبتدأ]

كان تأكيدا لم يخل إما أن يكون لفظيا وأما أن يكون معنويا. لا جائز أن يكون لفظيا، لأن اللفظي إعادة اللفظ الأول بعينه إن كان ظاهرا، وإعادة الفظ إن أمكن، وإلا فما يدل عليه من بابه إن كان مضمرأ كقولك: مررت بك أنت، ورايتني أنا. لأنهم لما قصدوا إلى التأكيد اللفظي فيه وتعذر أن يؤتى بالمتصل من غير متصل به وجب الا نفصال. ولما لم يكن لضمير المجرور منفصل حملوه على المرفوع لأنه أخصر، فلم يقولوا مررت بك إياك، وقالوا: مررت بك أنت، كما قالوا: ما أنا كانت، لما تعذر المتصل أتوا بالمرفوع المنفصل. ولا جائز أن يكون معنويا لأي المعنوي بألفاظ تحفظ ولا يقاس عليها. [إملاء 125] [وجوب اشتمال الجملة الواقعة خبرا على ضمير يعود على المبتدأ] وقال ممليا: الجملة إذا وقعت خبرا عن المبتدأ فلا بد فيها من ضمير يعود على المبتدأ (¬1) أما لفظا (¬2) وأما تقديرا (¬3). وما توهمه المتوهم من مثل: زيد أخول قائم، في أن "زيد" مبتدأ و"أخوك" قائم" جملة خبر لـ "زيد" ولا ضمير، غير مستقيم. لأن "أخوك" ليس بمبتدأ، ¬

_ (¬1) قال أبو البركات الأنباري: "وإنما وجب ذلك ليربط الكلام الثاني بالأول، ولو لم يرجع منه ضمير الأول لم يكن أولى به من غيره، فتبطل فائدة الخبر". أسرار العربية ص 75. هذا وإذا كانت الجملة الخبرية نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط نحو: (هو الله أحد) إذ قدر "هو" ضمير شأن. (¬2) نحو: زيد أبوه منطلق. (¬3) نحو: السمن منوان بدرهم، أي: السمن منوان منه بدرهم.

[إملاء 126] [الصواب أن نقول: حال مقيدة]

وإنما هو بدل من "زيد" أوخبر عنه، و"قائم" خبر بعد خبر. وإنما وقع الوهم حيث (¬1) كان " أخوك" هو "زيد" وهو على صورة المبتدأ، فتوهم أن الكلام صح مع كونه مبتدأ، وليس الأمر كما ظنه، لأن الخبر شرطه أن يكون هو الأول باعتبار الذات، أو فيه ذكر لتحصل الإفادة بينهما. لأنه لو انتفى هذان لم تحصل إفادة. ألا ترى أنك إذل قلت: حصير كتاب، أو زيد عمرو قائم، لم يكن مفيدا، وهذا الإشكال فيه فإن قيل: ضمير "قائم" في: زيد أخوك قائم، عائد على "أخوك"، و"أخوك" هو زيد، فصار في المعنى عائدا على زيد، فلم يخل المبتدأ عن أن يكون في خبره ضمير عائد إليه. فالجواب: أن الضمير إذا عاد على "أخوك" فلا يصح اعتبار عوده إلى غيره، وإن كان هو هو في المعنى، ولذلك لم يخبروا عن الضمير في "منه" في قولهم: السمن منوان منه بدرهم، لكون الضمير لواحد منهما، وهما محتاجان إلى ضميرين: فلو كان ما ذكروه معتبرا لكونه في المعنى لهما لم يمتنع الاخبار ههنا. وسر ذلك أنهما في المعنى واحد لم يقصدوا إعادته إلا على من هو له وكونه في المعنى لمدلول الأول قضية عقلية، والكلام في دلالة الألفاظ باعتبار وضعها. [إملاء 126] [الصواب أن نقول: حال مقيدة] وقال ممليا: إذا قيل قي الحال في مثل قولهم: جاء زيد راكبا وشبهه: إنها حال مقيدة. فمعناه: أنها قيدت الإطلاق الذي كان يحتمله قولك: جاء زيد، لأنه يحتمل أحوالا مختلفة من الركوب والمشي وغيرهما. فإذا قلت: راكبا، ¬

_ (¬1) في م: من حيث.

[إملاء 127] [الكلام في قلب ألف "كلا" ياء إذا أضيف إلى مضمر]

فقد قيدته بعد أن كان مطلقا. فيكون قولهم: مقيدة، بكسر الياء، على أنه اسم فاعل، لا مفتوحة على أنه اسم مفعول. ولا يصلح أن يقال، مقيدة، لأنها ما جيء بها لتقيد، إنما جيء به لتقيد. ولذلك قيل: ومجيئها لبيان هيئة الفاعل أو المفعول عند نسبته إليه أو وقوعه عليه. وإنما توصف بالمعنى الذي جيء بها لأجله. [إملاء 127] [الكلام في قلب ألف "كلا" ياء إذا أضيف إلى مضمر] وقال ممليا: قال بعض المتقدمين: إنما قلبت الألف ياء في "كلا" إذا أضيف إلى مضمر تشبيها بقلب الألف ياء في: على وإلى ولدى، إذا اتصلت بالمضمر (¬1). وأجيب عن حال الرفع في "كلا" حيث لم يقولوا: كليهما، في الرفع: بأن المشبه به إنما وقع في موضع النصب أو الخفض، ولم يقع في موضع الرفع، فلذلك بقيت الألف على حالها في الرفع، وهو غير سديد، لأنه لو كان كذلك لوجب انقلاب كل ألف نحوه من نحو: الغضا والوغى واشباهها، ولا قائل به. ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب: "وقال أكثر البصريين: معرب تقريرأ مطلقا، وقلبت ألفه لي النصب والجر ياء تشبيها لها بألف لدى وعلى في لفظها ولزومها الإضافة، ولم يقلب في الرفع، لأن لدى وعلى لا يقعان في اللافع فبقيت على حالها، وهو جيد، إلا أن ما ذكرناه أولى لقوة المناسبة المذكورة على ما ذكروه، ولأن قلب الألف في لدى وعلى على خلاف القياس، وأيضا فإنها ألف في مبيي فلا يلزم مثله في المعرب، ولأنه اسم معرب اختلف آخره عند اختلاف العامل فوجب أن يكون إعرابا كغيره": انظر: الإيضاح 1/ 122.

[إملاء 128] [الجواب عن إيراد على حد الفعل]

[إملاء 128] [الجواب عن إيراد على حد الفعل] وقال ممليا: إذا قيل في حد الفعل: ما دل على معنى في نفسه غير (¬1) مقترن بزمان محصل، ورد [عليه] (¬2) قولنا: الماضي والمستقبل (¬3)، فإنه دل على معنى في نفسه مقترن بزمان محصل، وهو اسم باتفاق. والجواب عنه: أن الماضي والمستقبل دل على نفس الزمان، والزمان غير مقترن بزمان. فإن قيل: فإذا أريد بالماضي الفعل الذي انقضى، والمستقبل الفعل الذي لم يأت، لم ينهض هذا الجواب. والجواب: أن المراد به إذا أطلق على ما ذكر الماضي زمانه والمستقبل زمانه، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، توهم أنه له. وعلى تقدير تسليم أنه له، فمدلول الماضي ذات نسب إليها عدم بعد وجود، ومدلول المستقبل أمر معلوم نسب إليه انتظار وجود، فلا دلالة فيهما على الزمان، وإن كان لا يحصل إلا بزمان مختص إلا أنه من لوازمه، لا من دلالته، كما أن الضرب ونحوه لا يكون إلا بزمان، إلا أنه من لوازمه لا من مدلوله. [إملاء 129] [همزة "اضرب" المنقول عن فعل الأمر إذا سمي به] وقال ممليا: إذا سمي بـ " اضرب" المنقول عن فعل الأمر. فإن سمي به ولا ضمير فيه قلته بقطع الهمزة، فتقول: جاءني إضرب، لأنه صار كـ "إصبع" ¬

_ (¬1) وردت هذه الكلمة في جميق النسخ. ووجودها مخل بالمعنى. والصواب حذفها. (¬2) زيادة من ب، د. (¬3) اي: هذان اللفظان. وليس قصده الفعل الماضي والفعل المستقبل.

[إملاء 130] [العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال]

وإن سميت (¬1) به وفيه الضمير فهو إذن فعل وفاعل، وهمزته همزة وصل على ما كانت عليه ووجه الفرق ظاهر وهو أنه صار كالأسماء، وليس في الأسماء اسم أوله همزة وصل إلا الأسماء الجارية على الأفعال كالا نطلاق والاقتدار وشبهه، والعشرة الأسماء التي هي ابن وابنة (¬2). [إملاء 130] [العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال] وقال ممليا: قولهم: هذا زيد قائما. إن قيل: كيف صح أن يكون العامل في الحال عن اسم الإشارة ما في معناه من معنى الإشارة مع الاتفاق على أن العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال؟ فإذا كان العامل في الحال معنى اسم الإشارة والعامل في صاحب الحال هنا الابتداء لم يصدق أن العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال لا ختلاف العاملين. فالجواب: أن اسم الإشارة له جهتان ههنا: أحدهما: أنه مبتدأ، والعامل فيه الابتداء، وليس الحال له على هذه الجهة، والثاني: أنه في المعنى مفعول لما تضمنه معنى الإشارة، فالحال له بهذ الاعتبار. ومعنى الإشارة عامل فيه بهذا الاعتبار الذي كان به صاحب الحال، وهو العامل في الحال، ققد صدق أن العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال ¬

_ (¬1) في الأصل: سميته. والأصوب ما أثبتناه. (¬2) وابنم اوسم واست واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وأيمن الله. انظر: شرح شافية ابن الحاجب للرضي 2/ 250.

[إملاء 131] [إعراب كلام للحريري في الملحة]

[إملاء 131] [إعراب كلام للحريري في الملحة] وقال ممليا: قول الحريري (¬1) في الملحة (¬2):"حدا ونوعا، وهو التمييز عن النسبة. إذ المراد بقولك: عرفت الكلام ههنا، عرفت حد الكلام ونوعه، كما تقول: حسن زيد وجها ودارا، وأنت تعني: حسن وجه زيد وداره. ويجوز أن يكون حالا بمعنى المفعول، يعني: عرفت الكلام محدودا ومنوعا. [إملاء 132] [إطلاق المعاني عند النحويين] وقال ممليا: النحويون يطلقون المعاني على الأمور النسبية والأمور الحقيقية كالقرب والبعد وما أشبه ذلك، والأمور المعقولة مثل العلم والإرادة والكلام. [إملاء 133] [الكلام على زعم بعض العلماء أن الفصل يفيد الحصر] وقال ممليا على زعم بعض العلماء أن الفصل يفيد الحصر: إن له وجهين من الاستدلال: أحدهما: مثل قوله: {وإن جندنا لهم الغالبون} (¬3). ¬

_ (¬1) هو القاسم بن علي بن عثمان البصري. ولد سنة 446هـ ببلد قريب من البصرة. له من المؤلفات: المقامات المشهورة، درة الغواص، الملحة وشرحها. مات بالبصرة سنة 516هـ. انظر: بغية الوعاة 2/ 257، وإنباه الرواة 3/ 23. (¬2) ص 2 (مطبوعات أسعد محمد سعيد الحبال وأولاده). (¬3) الصافات: 173.

[إملاء 134] [وجه حذف حرف الجر في باب "أن" و"أن"]

فإنه لم يسق إلا للإعلام بأنهم الغالبون دون غيرهم، وكذلك. وقوله: {وأن المسرفين هم أصحاب النار} (¬1). {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (¬2). وهذا معنى الحصر. والثاني: أنه لم يوضع إلا لفائدة، ولا فائدة في مثل قوله (¬3): {ولكن كانوا هم الظالمين} (¬4)، سوى الحصر (¬5). [إملاء 134] [وجه حذف حرف الجر في باب "أن" و"أن"] وقال ممليا: إنما حذف حرف الجر في باب: أن وأن، ولم يحذف في باب الأسد، في امتناع قولهم: إياك الأسد، بتقدير: من، لأن "أن" و"أن" حرفان موصولان بجملة معهما كالاسم، فاستطيلت مع نفي الالباس، فحذف حرف الجر معها تخفيفا، بخلاف الأسد، فإنه اسم مفرد، فلا يلزم من حذف حرف الجر فيما ذكرناه أن يحذف في باب الأسد. وقوله: مع نفي الإلباس، احتراز من مثل قولهم: عجبت من ما تصنع، فإن "ما" حرف مصدري كأن وأن، ولكنه لا يحذف منه "من"، لأنها لو حذفت عنها لالتبست بـ "ما" التي بمعنى الذي، لأن صورتها واحدة، فلما كان الحذف يؤدي إلى اللبس لم يحذف حرف الجر، وحذف فيما ذكرناه لما ذكر. ¬

_ (¬1) غافر:43. (¬2) الشعراء:9. (¬3) في الأصل وفي ب، د، س: وقولك. وهو سهو. (¬4) الزخرف: 76. (¬5) ذكرا بن الحاجب وجهي الاستدلال لهذا الزعم، ولكنه لم يرد على ذلك، ولم يبد رأيه في هذا الزعم.

[إملاء 135] [اعتراض على حد بعضهم الاسم]

[إملاء 135] [اعتراض على حد بعضهم الاسم] وقال ممليا معترضا (¬1) على حد بعضهم الاسم بقوله: ما دل على المسمى دلالة بيان من غير اقتران بزمان (¬2): قوله: ما دل على المسمى. إن أراد بالمسمى المعنى الذي كان به الاسم اسما، أو المعنى باعتبار اشتقاقه من الاسم، فدور، وأيضا لا حاجة الى زيادة. وإن أراد بالمسمى المدلول المطلق فالحرف كذلك. إلا أن يريد بقوله: دلالة بيان، الاستقلال بالمفهومية، فحينئذ يكون مستقيما. [إملاء 136] [نون الوقاية وأشباهها ليست كلمة] وقال ممليا: نون الوقاية وأشباهها مثل حروف المضارعة وشبهها (¬3)، ليست بكلمة وإنما هي كالألف في "ضارب" والميم في "مخرج" والألف في "سكرى" وغضبى" ونحو ذلك. وقد تخيل كون حروف المضارعة كلمة بعض المتأخرين، وهو غلط. والفرق بين هذه الحروف وأشباهها مما ليس بكلمة وبين الحروف التي هي كلمات أن هذه لا تدل على المعنى الذي قصد بزيادتها له إلا بسبك ما ¬

_ (¬1) معترضا: سقطت من ب، د. (¬2) وحده أبو البركات الأنباري بقوله: "كل لفظة دلت على معنى تحتها غير مقترن بزمان محصل". ثم قال: "وقد ذكر فيه النحويون حدودا كثيرة تنيف على سبعين حدا. ومنهم من قال: لا حد له، ولهذا لم يحده سيبويه، وإنما اكتفى فيه بالمثال، فقال: الاسم: رجل وفرس". انظر: أسرار العربية ص 9. وحده الزمخشري بقوله: "هو ما دل على معنى في نفيه دلالة مجردة عن الاقتران". المفصل ص 6. (¬3) في ألأ صل وفي م، د: وشبهه. وما أثبتناه من ب. وهو الصواب.

[إملاء 137] [المراد بالإسناد]

انضم إليها معها (¬1) حتى صارت كالجزء منه. فدلالة "ضارب" على الذات التي قام بها الضرب، كدلالة "علم" وجهل" على مدلولهما. فالألف في هذا المعنى كالضاد والراء والباء، وإن حكم عليها بالزيادة. وأما الحرف الذي هو كلمة فتجد ما ينضم إليه مستقلا في دلالته قبله، وتجده أيضا موضوعا لذلك بمجرده، وإن اشترط في استعماله ذكر متعلقه. فلذلك يقهم من "زيد" في قولك": لزيد، معناه مستقلا. ويفهم من اللام على انفرادها معنى الاختصاص وإن كانت لا تستعمل إلا بمتعلقها. ولو أخرجت الألف من "ضارب" والميم من "مخرج" لم تجد معناه مستقلا فيما كان عليه. وكذلك لو أخذت الميم على انفرادها والألف على انفرادها لم تجد له معنى أصلا. فظهر الفرق بينهما بما يدخل ما هو كلمة في حد الكلمة ويخرج ما ليس بكلمة من حد الكلمة. إذ الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد (¬2). وليست الألف في "ضارب" والميم من "مخرج" كذلك. وأما الباء من "بزيد" واللام من "لزيد" فدالة على معنى مفرد. وقد تبين بذلك ما هو المقصود. [إملاء 137] [المراد بالإسناد] وقال ممليا: قولهم: المراد بالإسناد نسبة تفيد (¬3). فإن قيل (¬4): فلو قيل على هذه: العالم حادث، لمن يعلم الحدوث، لم يكن كلاما، لأنك لم تفده شيئا. ¬

_ (¬1) معها: ساقطة من د .. (¬2) انظر: المفصل ص6، وشرح الكافية للرضي 1/ 2. (¬3) انظر: الإيضاح في شرح المفصل 1/ 61. (¬4) في ب، د: قلت.

[إملاء 138] [إيراد على أن المبتدأ لا يقع جملة والجواب عنه]

فالجواب: أنه ليس المراد أنها تفيد كل من يسمعها، وإنما معنى: تفيد، أي: تفيد من ليس عنده علمها. ويجوز أن يقال: إن المراد بالإفادة إفادة أن المتكلم حاكم بأحد مدلولي الجزتين على الآخر. فلا فرق على هذا بين أن يكون الخاطب عالما أو غير عالم. فإن قيل: فأين الإفادة في مثل: هل زيد قائم؟ على المعنى الأول، وعلى المعنى الثاني: فإنك على المعنى الأول لم تفد أحد هذه النسبة، إذ ليس الكلام موضوعا لإفادتها. وإنما هو سؤال عنها. وعلى المعنى الثاني لا يستفيد السامع أن المتكلم حكم بالقيام على زيد لأنه سائل عنه. فالجواب: أن النسبة حاصلة على المعنيين. أما على الأول فإن المتكلم أفاد المخاطب هذه النسبة على وجه الاستفها، فكأنه نسب قياما مستفهما عنه إلى زيد، فوزانه وزان قولك: زيد أنا مستفهم منك عن قيامه. وعلى المعنى الثاني أوضح، وهو أنه أفاد المخاطب أنه نسب الجزء المستفهم عنه إلى الآخر، فيفهم السامع أنه قام بالمتكلم قيام مستفهم عنه منسوب إلى زيد. [إملاء 138] [إيراد على أن المبتدأ لا يقع جملة والجواب عنه] وقال ممليا: إن ورد على قولنا: (¬1) "إن المبتدأ لا يقع جملة"، قوله: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} (¬2). فإن (سواء) خبر مبتدأن مقدم، و (أأنذرتهم أم لم تنذرهم) المبتدأ، وهو جملة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الإملاء (74) من هذا القسم. ص: 764. (¬2) البقرة: 6. (¬3) هناك أوجه أخرى في إعراب "سواء". انظر: مغنى اللبيب 1/ 151 (دمشق).

[إملاء 139] [علة جعل الإعراب آخر الكلمة]

فالجواب: أنه إنما صح الابتداء ههنا بالجملة لأنها مأولة مع حرف الاستفهام بالمصدر المعرفة. وإنما جيء بهمزة الاستفهام المعادلة لـ "أم" لإفادة تحقيق معنى التسوية على ما ذكرناه في غير موضع (¬1). فوزان ذلك وإن كان مخصوصا بهذا المحل وزان الجملة الواقعة مع "أن" و "ما"، كقولك: أن تحسن خير لك. فكما صح وقوع هذه الجملة مع "أن" و"ما" مبتدأ لكونه متأولا بمصدر معرفة صح وقوع هذه الجملة أيضا مبتدأ لوقوعها موقع المصدر المعرفة في المعنى. [إملاء 139] [علة جعل الإعراب آخر الكلمة] وقال: إنما جعل الإعراب آخر الكلمة ولم يجعل لا أولا ولا وسطا، لأنه ليس مم تعد حركته وسكونه من بنية الكلمة، بدليل أنه محل التغير والوقف والحذف بخلاف غيره (¬2). فلو وضع الإعراب في غيره لأدى إلى الإخلال بالبنية وإلى اللبس. فإنه لا يدرى حينئذ هل حركته لبناء الصيغة أو للإعراب. ويجوز أن يقال: إن الإعراب دليل معان زائدة على معقولية المدلول، فلا ينبغي أن يؤتى بها إلا بعد ثبوت ذكر المدلول، وذلك يقتضي أن يكون آخرا، لأنه لا يثبت ذكر المدلول حتى تتم صيغته. فلو جعل في أوله أو وسطه لكان دالا على شيء قبل ثبوت ما يتوقف عليه (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الإملاء (58) من هذا القسم. ص: 744. (¬2) انظر: مسائل خلافية في النحو لأبي البقاء العكبري مسألة 10 (حققه وقدم له الدكتور محمد خير الحلواني). (¬3) قال السيوطي: " وقال أبو اسحق الزجاج: كان أبو العباس المبرد يقول: لم يجعل الإعراب أولا لأن الأول تلزمه الحركة ضرورة للابتداء لأنه لا يبتدأ إلا بمتحرك، ولا يوقف إلا على ساكن، فلما كانت الحركة تلزمه لم تدخل عليه حركة الإعراب، لأن حركتين لا تجتمعان في حرف واحد، فلما فات وقوعه أولا لم يمكن أن يجعل وسطا، لأن أوساط الأسماء مختلفة لأنها تكون ثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية وسباعية وأوساطها مختلفة، فلما فات ذلك جعل آخرا بعد كمال الاسم ببنائه وحركاته". الأشباه والنظائر 1/ 83.

[إملاء 140] [إيراد على علة بناء "من" الموصوفة والجواب عنه]

[إملاء 140] [إيراد على علة بناء "من" الموصوفة والجواب عنه] وقال ممليا: إذا ورد على علة بناء "من" الموصوفة أنها إنما بنيت لافتقارها إلى صفتها كافتقار الموصول إلى الصلة، الأسماء التي لا تعقل إلا مضافة مثل "كل" و"بعض" وشبهه (¬1)، فإنها مفتقرة إلى المضاف إليه كافتقار الموصول إلى صلته. فجوابه من وجهين: أحدهما: أن كلا وبعضا ونحوهما قد ثبت لها القطع، فصح فيها، بخلاف "من" الموصوفة فإنه لم يثبت قطعها عن صفتها أصلا، فحصل الفرق بينهما باعتبار أن الملازمة ههنا لا تنفك، والملازمة ثم قد انفكت. الثاني: أن افتقار الشيء الى صفة لموصوف الموصول الذي قام الموصول مقامه. وكذلك إذا قلت: جاءني الرجل الذي ضربته، فـ "الذي" في الحقيقة صفة للرجل، ولولا "ضربته" لم تتقوم وضفيته به لأنه لم يوضع إلا ليتوصل به إلى وصف المعارف بالجمل. فأنت إذا حذفت موصوف الموصول صار الموصول قائما مقامه ونائبا منابه، فصارت الصلة لذلك صفة في المعنى له. فلما كانت "من" الموصوفة بهذه المثابة في احتياجها إلى موصوف بنيت لشبهها بالموصول. ¬

_ (¬1) في م: وشبهها.

[إملاء 141] [هل يقوم المفعول الثاني والثالث مقام الفاعل في باب ما لم يسم فاعله؟]

[إملاء 141] [هل يقوم المفعول الثاني والثالث مقام الفاعل في باب ما لم يسم فاعله؟] وقال ممليا: إن قيل: ما المانع من قيام الثاني والثالث مقام الفاعل في باب ما لم يسم فاعله (¬1) باعتبار جهتين (¬2). فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: لا نسلم أن ثم جهتين. سلمنا أن ثم جهتين، ولكن إذا دار الأمر بين أمرين أحدهما فيه اختلاف، والآخر لا اختلافيه، فارتكاب ما لا اختلاف فيه أولى، وهذا كذلك، لأن الأمر جاء على وفقه. والنحوي إنما يعلل الواقع. فالواضع اعتبر هذا الطرف دون غيره. [إملاء 142] [وجه بناء "مثل" و"غير" على الفتح مع "ما" و"أن] وقال ممليا: إنما خصت "مثل" و"غير" في بنائهما على الفتح مع "ما" و"أن" في مثل قوله: {إنه لحق مثل ما أنكم} (¬3). وغير أن نطقت (¬4)، لكثرتهما ¬

_ (¬1) أي: المفعول الثاني من باب علمت، والمفعول الثالث من باب أعلمت. والمتقدمون منعوا من قيام ثاني مفعولي علمت مطلقا مقام الفاعل. وأما المتأخرون فقالوا يجوز نيابته عن الفاعل إذا لم يلتبس كما إذا كان نكرة وأول المفعولين معرفة نحو: ظن زيدا قائم. ولا شك أن السماع لم يأت إلا بقيام أول مفعولي علمت لكون مرتبته بعد الفاعل. وكذا لم يسمع إلا قيام أول مفاعيل أعلمت. انظر: شرح الكافية للرضي 1/ 84، والإيضاح في شرح المفصل 2/ 57. (¬2) من المحتمل أن يكون المقصود بالجهتين، السماع والقياس. (¬3) الذاريات: 23. (¬4) البيت بتمامه: لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت ... حمامة في غصون ذات أو قال وهو من البحر البسيط. وقد اختلف في قائله. فسيبويه نسبه للكناني ولم يسمه 2/ 329. والزمخشري نسبه لأبي قيس بن رفاعة، المفصل ص 125. ونسبه البغدادي لأبي قيس بن الأسلت، الخزانة 2/ 44. ورواه سيبويه برفع (غير) قال: "وزعموا أن ناسا من العرب ينصبون هذا الذي في موضع الرفع. فقال الخليل رحمه الله: هذا كنصب بعضهم يومئذ في كل موضع، فكذلك: غير أن نطقت". والمقصود بنصبها أنها مبنية على الفتح. والأوقال: جمع وقل، وهو ثمر شجر الدوم. اللسان (وقل).

[إملاء 143] [الفرق بين التضمن والتقدير]

في الكلام ككثرة الظروف. فلما أضيفتا إلى المبني أجريتا مجرى الظروف في جواز البناء، كما بنوا "غير" على الضم لما قطعت عن الإضافة تشبيها بالغايات، حيث قالوا: لا غير، وليس غير (¬1). وكان مع "ما" و"أن" المصدرتين لوقوع الجمل بعدهماز وقيل لأنهما حرفان. وعليهما الخلاف في مثل قوله: {هذا يوم ينفع الصادقين} (¬2) هل هو مبني أو معرب؟ والاتفاق على البناء في مثل قوله: {يوم لا تملك نفس لنفس شيئا} (¬3). لأنك إن عللت بالحرف فالحرف موجود، وإن عللت بالجملة، فالجملة موجودة. [إملاء 143] [الفرق بين التضمن والتقدير] وقال ممليا: الفرق بين التضمن (¬4) وبين التقدير في قولنا: بني "أين" ¬

_ (¬1) الضمة في مثل هذين المثالين ضمة بناء عند المبرد والمتأخرين. وهي عند الأخفش ضمة إعراب لا بناء، لأنه ليس زمان كقبل وبعد، ولا مكان كفوق وتحت، وإنما هو بمنزلة كل وبعض. وقال ابن خروف: يحتمل الوجهين. انظر: مغني اللبيب 1/ 170 (دمشق). (¬2) المائدة: 119. (¬3) الانفطار: 19. (¬4) في س: التضمين.

[إملاء 144] [معنى قول للزمخشري في باب الحرف]

لتضمنه معنى حرف الاستفهام، وضربته تأديبا، منصوب بتقدير اللام، وغلام زيد، مجرور بتقدير اللام، وخرجت يوم الجمعة، منصوب بتقدير "في"، أن التتضمن يراد به أنه في معنى المتضمن على وجه لا يصح إظهاره معه. والتقدير أن يكون على وجه يصح إظهاره معه، سواء اتفق الإعراب أو اختلف. فإنه قد يختلف في مثل قولك: ضربها يوم الجمعة، وضربته في [يوم] (¬1) الجمعة. وقد لا يختلف في مثل قولك: الله لأفعلن، وبالله لأفعلن. والفرق بينهما أنه إذا لم يختلف الإعراب كان مرادا وجوده، فكان جكمه حكم الموجود. وإذا اختلف الإعراب كان مرادا وجوده، فكان حكمه حكم الموجود. وإذا اختلف الإعراب كان المقدر غير مراد وجوده، فيصل الفعل إلى متعلقه فينصبه. [إملاء 144] [معنى قول للزمخشري في باب الحرف] وقال ممليا وقد سئل (¬2) عن قول الزمخشري في "المفرد والمؤلف" (¬3) لما قسم الحرف إلى عامل وغير عامل، ثم قال بعد ذلك: "ولا محال له لجموده ولزومه وتيرة واحدة". فقال: معناه أنه لا يدل كدلالة الاسم والفعل. فإن الاسم يدل على ذات باعتبار معنى، والفعل كذلك، فإنه قد يقع موقع الاسم. ألا ترى أنك تقول: جاء زيد يضرب عمرا، فـ "يضرب عمرا" في موضع نصب على الحال. فقد صار ¬

_ (¬1) يوم: زيادة من ب، د، س. (¬2) في ب، ب: سألته. (¬3) لم أعثر على هذا الكتاب. إلا أن أحد الزملاء قال لي مؤخرا: إنه موجود في دار الكتب المصرية وهو عبارة عن مخطوط مؤلف من خمس ورقات.

[إملاء 145] [المانع من وصف ضمير الغائب]

إذن دالا على ذات باعتبار معنى، ولذلك يقع صفة وخبرا، والحرف ليس كذلك. فهذا قوله: لا حال له لجموده ولزومه وتيرة واحدة. [إملاء 145] [المانع من وصف ضمير الغائب] وقال ممليا: إن قيل: ما المانع من وصف ضمير الغائب؟ وذلك أنه إذا قال: جاء زيد وعمرو وخالد وضربته. فالظاهر عوده على الأقرب، ويحتمل أن يعود على غيره. فإذا قال: الكريم، وعنى به خالدا، فقد أوضحه، لأن الصفة في المعارف إنما هي للتوضيح. ألا ترى أنه إذا قال: زيد، احتمل: زيد الخياط، وزيد النجار. فإذا جاءت الصفة وضح أمره عن غيره. وهذا المعنى بعينه موجود فيما ذكرناه. فالجواب: أن المضمر المتكلم لا يستقيم فيه إيضاح لتعينه ونفي احتماله. فلم يوصف لذلك. والمخاطب والغائب قسم من اقسام المضمرات، فسلك بالجميع مسلك واحد، كما سلكوا بـ: نخرج ويخرج، مسلك: أخرج في حذف الهمزة بعد حرف المضارعة لكونها من باب واحد، لأن العلة التي حذفت لها الهمزة في "أخرج" غير موجودة في بقية أخواتها. [إملاء 146] [سد "أن" المشددة والمخففة مسد مفقولي "ظن" وأخواتها] وقال ممليا: إنما سدت "أن" المشددة والمخففة منها مسد المفعولين في باب " ظننت" وأخوتها لا شتمالها على محكوم به ومحكوم عليه، وهو ما

[إملاء 147] [وجوب اشتمال الجملة الواقعة خبرا على ضمير يعود على المبتدأ]

تقتضيه، وتعلقه بهما في المعنى على حسب ما كان، فلم تقتض أمرا آخر (¬1). ومن ههنا جاز كسرها عند إدخال اللام كقولك: ظننت إن زيدا لقائم (¬2). ولولا أن معناها ما ذكرناه لم يجز ذلك. ألا ترى أنك لا تقول: أعجبني أن زيد لقائم، لتعذر تقديرها في معنى الجملة المستقلة، لكونه فاعلا. ومن ههنا أيضا عطف على موضعها بالرفع (¬3) وأن كانت مفتوحة لفظا، لأنها في معنى المكسورة باعتبار ما ذكرناه فتقول: ظننت أن زيدا قائم وعمرو، كما تقول: إن زيدا قائم وعمرو. ولا يجوز ذلك في المفتوحة في غيرها كقولك: أعجبتني أن زيدا قائم وعمرو، لكونها (¬4) ليست في معنى الجملة. [إملاء 147] [وجوب اشتمال الجملة الواقعة خبرا على ضمير يعود على المبتدأ] وقال: الجملة الواقعة خبرا عن المبتدأ لابد فيها من ضمير (¬5). فأما المبتدأ والخبر في باب ضمير الشأن والقصة، مثل: هو زيد قائم، وشبه، ¬

_ (¬1) قال الرضي: "إذا دخلت أفعال القلوب على أن المفتوحة فهي ناصبة لمفعول واحد هو مفعولها الحقيقي". وقال: "ولا تقول إن أن مع جزئيها ساد مسد اسمين هما مفعولا فعل القلب كما يقول بعضهم لأن أن المفتوحة مع جزئيها في تقدير اسم مفرد في جميع المواضع كما يجيء في الحروف المشبهة بالفعل فكيف تكون في تقدير اسمين". شرح الكافية 2/ 286. (¬2) بل يجب كسرها لأن اللام لا تدخل أبدا على أن. انظر: سيبويه 3/ 147. (¬3) انظر: الإملاء (46) من الأمالي القرآنية. ص: 182. (¬4) في الأصل وفي م: لكونه. وهو سهو. (¬5) سبق للمؤلف أن تكلم عن هذه المسألة في الإملاء (125) من هذا القسم. وهناك روابط أخرى غير الضمير منها: اسم الإشارة، وإعادة المبتدأ بلفظه وإعادة المبتدأ بمعناه، وأل النائبة عن الضمير. انظر: الأشباه والنظائر 2/ 48، وأوضح المسالك 197.

[إملاء 148] [على بناء "لدن" مع الإضافة]

وهذه (¬1) جملة لا ضمر فيها. وكذلك قوله: {القارعة. ما القارعة} (¬2). فالجواب: أما ضمير الشان فالجملة هي المبتدأ في المعنى، والضمير أتي به في مثل قولهم: زيد أبوه قائم، ليحصل الربط بين الأول والثاني، وإلا كان أجنبيا فلا يحتاج إلى ضمير. وأما: {القارعة ما القارعة}، وضبهه، فأوقع الظاهر ههنا موقع المضمر لتعظيم الأمر مثل قولهم: لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا (¬3) [إملاء 148] [على بناء "لدن" مع الإضافة] وقال ممليا: إنما بنيت "لدن" مع الإضافة ولم تبن قبل وبعد إلا عند الاقتطاع (¬4). لأن من جملة لغات "لدن": لد، وهي موضوعة وضع الحروف، فبنيت كما بنيت "مذ" الاسمية و"عن" الاسمية و"كم" "ومن". وليس كذلك قبل وبعد وعند، وإن كانت "لدن" بمعنى عند؛ لأن هذه لم توضع وضع الحروف (¬5). ولأحكام لا تثبت بالعلل، وإنما التعليل للواقع، وهذا تعليل مناسب والحكم ثبت على وفقه فيصح التعليل به. ¬

_ (¬1) وردت هذه الكلمة هكذا في جميع النسخ، والصواب أن تكون: فهذه. (¬2) القارعة: 1،2. (¬3) سبق الحديث عنه في الإملاء (28) من الأمالي القرأنية. ص: 153. (¬4) أي: إذا نوي معنى المضاف إليه دون لفظه. (¬5) قال سيبويه: "وجزمت لدن ولم تجعل كعند لأنها لا تمكن في الكلام تمكن عند، ولا تقع في جميع مواقعه، فجعل بمنزلة قط لأنها غير متمكنة" الكتاب 3/ 286. وقال الرضي: "فالوجه إذن في بناء لدن أن يقال إنه زاد على سائر الظروف غير المتصرفة في عدم التصرف بكونه مع عدم تصرفه لازما لمعنى الابتداء فتوغل في مشابهة الحرف دونها". شرح الكافية 2/ 123.

[إملاء 149] [الجملة المنفية الواقعة حالا]

[إملاء 149] [الجملة المنفية الواقعة حالا] وقال ممليا: الجملة المنفية الواقعة جالا إما بما وإما بلا، وكلاهما يجوز الإتيان فيها بالواو، ويجوز أن لا يؤتي بها، إلا أن الواو مع "ما" أكثر منه مع "لا" (¬1). وسر ذلك أن "لا" مع المضارع كالمضارع مجردا، فأجري مجراه. ألا ترى أنك تقول: إن تكرمنى أكرمك، وإن تكرمنى لا أكرمك، بغير "ما" فيهما. ولا تقول: إن تكرمني ما أكرمك، ولا بد من الفاء لأنها لم تجعل مع المضارع لمجرد النفي حتى تنزل منزلته، ولذلك قالوا: أريد أن لا تقوم، ولم يقولوا: أريد أن ما تقوم، ونحوه. [إملاء 150] [الأسماء المبنية لا تنون للضرورة] وقال ممليا: الأسماء المبنية لا تنون للضرورة، لأن التنوين فرع الإعراب وهي لا يدخلها الإعراب، فلا يدخلها التنوين. أما غير تنوين التمكين (¬2) ¬

_ (¬1) وقد خالف الرضي ابن الحاجب في جواز الإتيان بالواو مع المضارع المنفي بما. قال: "وإذا انتفى المضارع بلفظ ما لم يدخله الواو، لأن المضارع المجرد يصلح للحال، فكيف لا إذا انضم مع ما يدل بظاهره على الحال وهو ما، فعلى هذا ينبغي أن يلزمه الضمير. وإذا انتفى المضارع بلا لزمه الضمير كما يلزم المضارع المثبت على ما ذهب إليه النحاة. والأغلب تجرده عن الواو كالمثبت". شرح الكافية 1/ 213. والذي قاله ابن الحاجب قد نص عليه الزمخشري. قال: "فالمثبت بغير واو، وقد جاء في المنفى الأمران". المفصل ص64. (¬2) تنوين التمكين: هو التنوين اللاحق للاسم المعرب المنصرف إعلاما ببقائه على أصله، وأنه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع الصرف. ويسمى تنوين الأمكنية وتنوين الصرف، وذلك كرجل وزيد. انظر: مغني اللبيب 1/ 376 (دمشق).

[إملاء 151] [الوقف على الاستثناء المنقطع]

فواضح، وأما تنوين التمكين فإن كان مع الإعراب فيها ففاسد، وليس هو الغرض، وإن كان مع غير الإعراب فلا يستقيم أن يكون صفة للأكملية فيما عري عن الكمال. لأن الإعراب من كمال الاسم، والتنوين من أكمليته، فيكف يستقيم أن يكون أكمل وليس بكامل؟ وأيضا فإن تنوين التمكين عبارة عما يتبع حركة الإعراب. والغرض فرض أنه باق على بنائه، فيخرج تنوين التمكين عن حقيقته. [إملاء 151] [الوقف على الاستثناء المنقطع] وقال: الوقف على الاستثناء المنقطع، منهم من يجوزه مطلقا، ومنهم من يمنعه مطلقا. ولو قيل: يجوز إن صرح بالخبر، ولا يجوز إن لم يصرح، لكان قويا؛ لأنه إذا صرح بالخبر استقلت الجملة واستغنت عما قبلها. وإذا لم يصرح به كانت مفتقرة إلى ما قبلها. ووجه من قال: يجوز مطلقا، أنها في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه، فكان مثل قولك: زيد، لمن قال: من أبوك؟ ألا ترى أن تقدير المنقطع في قولك: ما في الدار أحد إلا الحمار (¬1)، لكن الحمار في الدار. ولو قلت: لكن الحمار، مبتدئا به بعد الوقوف على ما قبله، لكان حسنا. ألا ترى إلى جواز الوقف بالإجماع على مثل قوله: {إن الله لا يظلم الناس شيئا} (¬2)، والابتداء بقوله: {ولكن الناس أنفسهم يظلمون} (¬3). فكذلك هذا. ¬

_ (¬1) النصب لغة أهل الحجاز. أما بنو تميم فيرفعون ويقولون: ما في الدار أحد إلا الحمار انظر سيبويه 2/ 319. (¬2) يونس: 44. (¬3) يونس: 44.

[إملاء 152] [القياس أن يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة]

ووجه من قال بالمنع ما رأى من احتياج الاستثنناء المنقطع إلى ما قبله لفظا ومعنى. أما اللفظ فلأنه لم يعهد استعمال "إلا" وما في معناها إلا متصلة بما قبلها لفظا. ألا ترى أنك إذا قلت: ما في الدار أحد غير حمار، فوقفت على ما قبل غير، وابتدأت به، لكان قبيحا، فكذلك هذا. وأما المعنى فلأن ما قبله مشعر بتمام الكلام في المعنى. ف‘ن قولك: ما في الدار أحد إلا الحمار، هو الذي صحح قولك: إلا الحمار. ألا ترى أنك لو قلت: إلا الحمار، على إنفراده، كان خطأ. [إملاء 152] [القياس أن يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة] وقال: القياس يقتضي أن يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة، لأن المبتدأ هو المحكوم عليه، فالأولى أن يكون معروفا عند المخاطب ليستفيد الحكم على معروف (¬1). إلا أنهم سوغوه في النكرة أيضا لأنهم قد يحتاجون إلى الحكم على النكرة كما يحتاجون إليه في المعرفة. فاشترطوا أن تخصص بوجه من وجوه التخصيصات ليكونوا قد وفوا بالغرضين (¬2). وأما كون الخبر نكرة فلأنه حكم لا بد أن يكون للإفادة لمن ليس عنده. فلو عوفوه لم يستقم. لأنك إذا حكمت على زيد بالقيام فقلت: زيد قائم، فلم ¬

_ (¬1) قال ابن الأنباري: "لأن المبتدأ مخبر عنه، والإخبار عما لا يعرف لا فائدة منه". أسرار العربية ص 69. (¬2) المبتدأ على نوعين: معرفة وهو القياس، ونكرة إما موصوفة كقوله تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك} (البقرة: 221)، وإما غير موصوفة، كالنكرة الداخلة عليها همزة الاستفهام وام المتصلة، كقولهم: أرجل في الدار أم امرأة؟. والنكرة التي تكون في كلام مقدر بالفاعل، كقولهم: شر أهر ذا ناب. والنكرة التي تقدم عليها خبرها وهو ظرف أو جار ومجرور، كقولهم: تحت رأسي سرج. انظر الإيضاح في شرح المفصل 1/ 185.

[إملاء 153] [وجه حمل النصب على الجر والجر على النصب]

ذهبت تعرفه لوجب أن تكون الذات المنسوب إليها القيام معروفة (¬1)، فتكون مخبرا بما لا يفيد المخاطب. وأيضا فإنه لو صح ... ذلك لوقع التعريف ضائعا، ومن ثم وجب التقدير في مثل: زيد القائم، وزيد أخوك بأن (¬2) المعنى زيد محكوم عليه بأنه القائم. وإنما يكون ذلك إذا كان المخاطب قد فهم مسمى بزيد، وفهم ذاتا منسوبا إليها القيام وهو لا يعلم بأنهما في الوجود، فإذا أخبر بذلك أفيد ماليس عنده أما لو كان الخبر بنفس قولك: القائم، لم يستفد ما ليس عنده (¬3). ولا يعنون بالقياس العقلي الموجب الذي يستحيل خلافه، وإنما أرادوا القياس العقلي باعتبار الاستحسان. [إملاء 153] [وجه حمل النصب على الجر والجر على النصب] وقال: إنما حمل النصب على الجر والجر على النصب، ولم يحمل واحد منهما على الرفع لأمور: أحدها: أنهما أخف من الرفع فحمل أحدهما على الآخر، ولم يحمل على الأثقل لئلا يكثر الثقل. الثاني: أنهما كلاهما في الأصل لما هو فضلة، والرفع موضوع لما هو أحد جزئي الجملة (¬4)، فحمل أحدهم على الآخر لا شتراكهما في ذلك. الثالث: هو أنهما كلاهما في الأصل من متعلقات الفعل، والرفع لمتعلق الفعل في الأصل إنما هو لمن قام به، فحمل أحدهما على الآخر لاشتراكهما في ذلك (¬5). ¬

_ (¬1) في م: معرفة. (¬2) في م: فإن. (¬3) أما لو .... ماليس عنده: سقطت هذه العبارة من د، بسبب انتقال النظر. (¬4) أي: موضوع للمبتدأ أو الخبر أو الفاعل. (¬5) قال السيوطي: " النصب أخو الجر، ولذا حمل عليه في بأبي المثنى والجمع دون المرفوع قال ابن بابشاذ في شرح المحتسب: وإنما كان أخاه لأنه يوافقه في كناية الإضمار، نحو رأيتك ومررت بك، ورأيته ومررت به، وهما جميعا من حركات الفضلات، أعنى النصب والجر، والرفع من حركات العمد". الأشباه والنظائر 2/ 27.

[إملاء 154] [عدم جواز: جاء زيد والعاقل]

[إملاء 154] [عدم جواز: جاء زيد والعاقل] وقال: لا يجوز: جاء زيد والعاقل. لأنك إما أن تعطف العاقل باعتبار المعنى أو باعتبار الذات. فإن عطفته باعتبار الذات فسد لعدم التعدد، وإن عطفته باعتبار المعنى فسد أيضا. لأنك إنما تعطفه على الذات المنسوب إليها المجيء، فيجب أن يكون المعنى منسوبا إليه المجيء لتشريكه معه بالواو، وهو فاسد، بخلاف قولنا: جاء زيد العاقل والكريم، فإنك عطفت معنى على معنى، والمعنى الأول منسوب إلى الذات المتقدمة، فكذلك المعنى الثاني ثبت فيه ما ثبت في المعطوف عليه بخلاف قولك: جاء زيد والعاقل، لما تقدم. [إملاء 155] [الضمائر لا تعود إلا على الأسماء] وقال: إنما كانت الضمائر لا تعود إلا على الأسماء، لأنها إذا عادت على شيء فإما أن تكون بمعنى ذلك أو لا، والقسمة حاصرة، وليس إلا الأسماء والأفعال والحروف. فأن كان الأول فهو المراد. وإن كان الثاني لزم أن تكون إما أفعالا وإما حروفا، وهو باطل، لأنه قد ثبت اسميتها بالدخول في حد الأسماء والخواص، وذلك غير خاف.

[إملاء 156] [جواز حذف الموصوف وعدم جواز حذف الموصول]

[إملاء 156] [جواز حذف الموصوف وعدم جواز حذف الموصول] وقال إن قيل: لم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، ولم يفعل ذلك في الموصول؟ فلأن الصفة تدل على الذات التي دل عليها الموصوف بنفسها وباعتبار التعريف والتنكير لأنها تابعة للموصوف في ذلك. والموصول لا ينفك عن جعل الجملة التي معه في معنى اسم معرف. فلو حذف لكانت الجملة نكرة، فيختل المعنى (¬1). [إملاء 157] [وجه جعل "أي" وصلة لنداء ما فيه الألف واللام] وقال إنما جعلت "أي" متوصلا بها إلى نداء ما فيه الألف واللام لأنها مبهمة يصح تفسيرها بكل ما فيه الألف واللام (¬2). والغرض ههنا أن يأتي ما فيه الألف واللام تفسيرا لها. فلما كانت كذلك صلحت لهذا المعنى. والذي يدل على ذلك أن أسماء الإشارة لما كانت بهذا الوصف وقعت هذا الموقع، فقيل: يا هذا الرجل، ويا هؤلاء الرجال. ¬

_ (¬1) قال الرضي: "وأجاز الكوفيون حذف غير الألف واللام من الموصولات الاسمية خلافا للبصريين. قالوا: قوله تعالى: {وما منا إلا له مقام معلوم} أي: إلا من له مقام". شرح الكافية 2/ 61. وقال ابن هشام: "ذهب الكوفيون والأخفش إلى إجازته، وتبعهم ابن مالك، وشرط في بعض كتبه كونه معطوفا على موصول آخر". منغي اللبيب 2/ 692 (دمشق) فإذن كلام ابن الحاجب في أن الموصول لا يحذف هو مذهب البصريين، أما الكوفيون فإنهم يجيزون ذلك. (¬2) قال الرضي: " ولما قصدوا الفصل لين حرف النداء واللام بشيء طلبوا اسما مبهما غير دال على ماهية معينة محتاجا بالوضع في الدلالة عليها إلى شيء آخر يقع النداء في الظاهر على هذا الاسم المبهم لشدة احتياجه إلى مخصص الذي هو ذو اللام". شرح الكافية 1/ 142.

[إملاء 158] [علة بناء كيت على الضم]

[إملاء 158] [علة بناء كيت على الضم] وقال: إنما بنيت "كيت وكيت" على الضم (¬1) لأنها كناية عما أحد جزئية مضموم، وهو إما الجملة الاسمية أو الفعلية، وعلة بنائها واضح (¬2). [إملاء 159] [الإنشاء يدل على الحال ولا يدل على الزمان] وقال لما ورد على حد الاسم: نعم وبئس (¬3). وأجاب عنه بأنها في أصل وضها دالة على الحدث والزمان، وإنما نقلا إلى معنى الإنشاء، والإنشاء لا دلالة له على الزمان: ما المانع من أن يكون "نعم وبئس" الإنشائيان وما اشبههما من الإنشاءات دالا على الحال؟ ولا بعد في ذلك، فإن قرينة الإنشاء ههنا دالة على الحال كما في قولنا: إن قام زيد قمت، مستقبل من حيث القرينة الشرطية الداخلة عليه، وكذلك قولهم: لم يقم، فإنه قبل وجود "لم" مستقبل، فلما دخلت "لم" قلبت معناه إلى المضي. فلا يرد إذن على حد الاسم الذي هو: ما دل على معنى في نفسه دلالة مجردة عن الافتران. ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: "وقد جاء فيهما الفتح والكسر والضم". المفصل ص 183. (¬2) قال ابن الحاجب: "وأما كيت وذيت فعلة بنائهما أنهما كنايتان عن الجمل، والجمل مبنية باعتبار الجملية، فنبت تشبيها لها بما كنى بها عنه". الإيضاح 1/ 525. واظر الإملاء (44) من الأمالي المطلقة. ص: 730. (¬3) اختلف النحويون في نعم وبئس، هل هما فعلان، أواسمان؟ فذهب البصريون إلى أنهما فعلان ماضيان لا يتصرفان واستدلوا على ذلك بأن الضمير يتصل بهما وأن تاء التأنيث تتصل بهما وأنهما مبنيان على الفتح كالأفعال الماضية. وذهب الكوفيون إلى أنهما اسمان، واستدلوا على ذلك بدخول حرف الجر عليهما، وأنهما يناديان، وأنه لا يحسن اقتران الزمان بمهما كسائر الأفعال، وأنهما لا يتصرفان. انظر أسرار العربية لا بن الأنباري ص96.

[إملاء 160] [وجه إنكار فعل الحال]

والجواب عن هذا: أنه لو كان الإنشاء دالا على الزمان وضعا لكان: هل زيد قائم؟ دالا على الزمان وضعا، ولا يدل فلا يدل. [إملاء 160] [وجه إنكار فعل الحال] وقال: من أنكر فعل الحال فله شبهة. وهو أنه يقول: فعل الحال هو الدال على حدث وزمان بين الماضي والمستقبل. ومعلوم أن ذلك الزمن زمن فرد، وكل فعل يعبر عن وقوعه لا يسعه ذلك الزمن، فصار إثباته يؤدي إلى التناقض، لأنه يكون معناه أنه وقع فيه وهو لم يقع فيه، وذلك متناقض. أما كونه يدل على كونه وقع فهو معنى فعل. وأما كونه غير واقع فيه فلما علم من أن كل فعل لا يمكن وقوعه في زمن الحال، فقد أخبر عما لا يمكن وقوعه بأنه وقع، وهو فاسد. وهذا مستقيم لو كانت العرب ضايقت في زمن الحال هذا التضايق. وإنما العرب أجرت الزمان المتقارب في أول الفعل وآخره بمنزلة زمن الحال. فثبت هذا على المسامحة لا على التضايق، ولذلك لو كان الفعل مما لا يكون عادة إلا في شهر أو أكثر صح أن يعبر عنه بفعل الحال إذا كان الحال ملتبسا به. فإذا ثبت ذلك سقط ما توهمه من التضايق، وإذن سقط وضع الحال باعتبار التوسعة التي ذكرناها. وأما إنكار زمن الحال فلا ينكره عاقل لأنه معلوم ضرورة.

[إملاء 161] [تسمة حروف التنبيه بهذا الاسم أولى من تسميتها بحروف الاستفتاح]

[إملاء 161] [تسمة حروف التنبيه بهذا الاسم أولى من تسميتها بحروف الاستفتاح] وقال: تسمية حروف التنبيه (¬1) بهذا للاسم أولى من تسميتها باستفتاح الكلام، لأن إضافة الحرف في تسميته إلى المعنى المختص به في الدلالة أولى من إضافته إلى أمر ليس من دلالته. والتنبيه من دلالة هذه الحروف، بخلاف الاستفتاح (¬2). ألا ترى أن حروف الاستفهام وحروف التحضيض ونظائرها لا تكون إلا مستفتحا بها، ولم تسم حروف استفتاح، لأنه ليس من دلالتها. وإنما سميت حروف استفهام وحروف تحضيض لما كان ذلك المعنى مدلولا بها. وإذا اعتبرت تسميات الحروف باعتبار إضافتها وجدتها كلها كذلك كحروف النداء وحروف الشرط وحروف النفي والاستقبال والجر وغير ذلك، فثبت أن تسميتها بحروف التنبيه أولى. ¬

_ (¬1) وهذه الحروف هي: ألا وأما وها. فألا: تدل على تحقق ما بعدها وتدخل على الجملتين. وإفادتها التحقيق من جهة تركيبها من الهمزة ولا، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق. مغنى اللبيب 1/ 71 (دمشق). وأما: تكون بمنزلة ألا وتكثر قبل القسم، وقد تبدل همزتها هاء أو عينا قبل القسم، وكلاهما مع ثبوت الألف وحذفها، أو تحذف الألف مع ترك الإبدال. وإذا وقعت (أن) بعد (أما) هذه كسرت. المغني 1/ 56 (دمشق). وها: تدخل على أربعة: الإشارة غير المختصة بالبعيد، وضمير الرفع المخبر عنه باسم إشارة، وأي في النداء، واسم الله في القسم عند حذف الحرف. المغني 1/ 385 (دمشق). (¬2) التنبيه معناها والاستفتاح مكانها.

[إملاء 162] [تكرر الخبر]

[إملاء 162] [تكرر الخبر] وقال: إذا تكرر الخبر. فإن كان من الصفات جاز عطف بعضها على بعض كما تعضف الصفات إذا تكررت كقولك: زيد عالم وعاقل (¬1)، كما تقول: مررت برجل عالم وعاقل، كأنك قلت: ذو علم وعقل. فلما كان الأمر المقصود هو المعنى الواو تشعر بالتعدد جاز الإتيان بها لتعدد المعنى. ولما كانت الذات واحدة جاز حذف الواو لا تخاذ الذات، كما جاء الأمران في الصفات. فإذا لم يكن الخبر من قبيل الصفات فالظاهر أنه إذا تعدد لا يكون فيه الواو مثل قولك: زيد أخوك أبو عمرو. فلو قلت: زيد أخوك وأبو عمرو، لم يكن مستقيما، لأنه لا متعدد تكون الواو جاءت باعتباره. ولذلك لا يفهم عند ذلك إلا العطق على المبتدأ، وتقدير خبر الثاني كالأول، فلا يفهم من قولك: زيد أخوك وأبو عمرو، إلا: زيد أخوك وأبو عمرو أخوك، وكذلك ما أشبهه. [إملاء 163] [علة كون النسب بالياء المشددة] وقال: إنما كان النسب بالياء المشددة لأنهم لما قصدوا إلى معنى النسب إلى الاسم ولم يكن بد من زيادة تدل عليه، وأكثر الزيادات لحروف المد واللين، فكانت أولى. واختصت الياء لأن الواو مستقلة، والألف لا يمكن تشديدها، فتلبس بما في آخره ألف لا للنسب كـ: فعلى وفعلى وفعلى، وشبهها، فتعينت الياء لأنها ¬

_ (¬1) انظر: الإيضاح في شرح المفصل 1/ 203.

[إملاء 164] [جواز الإضمار في النسب وعدم جوازه في المفردات]

غير مستقلة منها، ويمكن تشديدها، فيذهب اللبس بين قولك: حصيري وحصيري، بالتشديد والتخفيف. أي: إذا شددت علم أنه منسوب، وإذا خففت علم أنه مضاف. ومن قال اختصت الياء لأنه في معنى المضاف (¬1)، والياء للإضافة، فإن قولك: غلامي، الياء للمتكلم سواء كان الأول مضافا إليه أو واقعا، ألا ترى أنك تقول: غلامي وضربني. وإن أراد أنه قد يكون مضافا إليها، فحينئذ يرد عليه الكاف والهاء لأنها تكون مضافا إليها. فإن قال: أردت أن الياء لا تستعمل للمتكلم إلا بمعنى أنه نسب إليه شيء كقولك: غلامي وضربني، ورد عليه أن الكاف كذلك في: غلامك وضربك. [إملاء 164] [جواز الإضمار في النسب وعدم جوازه في المفردات] وقال: إنما جاز الإضمار في الشأن والقصة ولم يتقدم ذكره لأنه ضمير لنسبة حاصلة من الجزئين لمسميين كلاما، وذلك معهود لكل عاقل، فكأنه إنما أضمره لتقدم أمر يدل عليه وهو ذلك العهد السابق. فإن قيل: فهذا جار في المفردات، فإنه كما تتعقل النسب تتعقل المفردات فليجز إضمار المفرد بناء على ذلك. فالجواب: أن المفرد لو أضمر ¬

_ (¬1) قال ابن الأنباري: "إنما كانت ياء تشبيها بياء الإضافة، لأن النسب في معنى الإضافة، ولذلك كان المتقدمون من النحويين يترجمونه بباب الإضافة، وكانت الياء مشددة لأن النسب أبلغ من الإضافة، فشددوا الياء ليدلوا على هذا المعنى، وكانت مكسورا ما قبلها توطئة لها". أسرار الغربية ص 369.

[إملاء 165] [علة بناء الاسم لشبه واحد]

مع اختلاف حقائقه لم يكن في الإضمار فائدة للتردد الحاصل فيه بين آلاف، بخلاف النسبة فإنها أمر متميز لا التباس فيه بغيره. فلذلك جوزوا الإضمار في النسب ولم يجوزوه في المفردات. [إملاء 165] [علة بناء الاسم لشبه واحد] وقال: إن قيل: لم بني الاسم لشبه واحد (¬1) وامتنع من الصرف لشبهين، وكلا الأمرين خروج عن أصله؟ فالجواب: أن الشبه الواحد بالحرف يبعده عن الاسمية ويقربه مما ليس بينه وبينه مناسبة إلا في الجنس الأعم وهو كونه كلمة، وشبه الاسم بالفعل وإن كان نوعا آخر إلا أنه ليس في البعد عن الاسم كالحرف. ألا ترى أنك إذا قسمت الكلمة خرج الحرف أولا لأنه أحد القسمين، ثم يبقى الاسم والفعل مشتركين، فتفرق بينهما بوصف أخص من وصفهما بالنسبة إلى الحرف. فوزان الحرف من الاسم كالجماد بالنسبة للآدمي، ووزان الفعل من الاسم كالحيوان من الآدمي. ووزان الفعل من الاسم كالحيوان من الآدمي. فشبه الآدمي بالجماد ليس كشبهه بالحيوان. فقد علمت بهذا (¬2) أن المناسبة الواحدة بين الشيء وبين ما هو أبعد لا تقاوم مناسبات متعددة بينه وبين ما هو قريب منه. [إملاء 166] [الاقتضاء الوجودي والاقتضاء العقلي] وقال: قولنا: العامل ما به يتقوم المعنى المقتضي. الا قتضاء على ¬

_ (¬1) هذا الشبه هو الحرف والفعل الماضي والأمر. (¬2) في م: لهذا.

[إملاء 167] [وجه تسمية ما لا ينصرف بهذا الاسم]

ضربين: اقتضاء وجودي واقتضاء عقلي. فالعقلي مثل: ضربت زيدا. والوجودي مثل: ضربت يوم الجمعة، ومكانك، وجاء زيد راكبا. لأنه لا بد له في الوجودي مثل: ضربت يوم الجمعة، ومكانك، وجاء زيد راكبا. لأنه لا بد له في الوجود من حال وزمان ومكان. وأما قولهم: ضربت ضربا، فمن القسم الوجودي، باعتبار التأكيد وبيان النوع. [إملاء 167] [وجه تسمية ما لا ينصرف بهذا الاسم] وقال: إنما خص باب ما لا ينصرف بهذه التسمية لأن الصريف هو الصوت الرقيق الذي يسمع من البكرة (¬1). ولما كان التنوين مشبها له سمي ما قام به منصرفا، وسمي ما فقد منه غير منصرف (¬2). [إملاء 168] [قول للزجاجي والتعليق عليه] وقال: قول صاحب الجمل (¬3): "ما كان أحد مثلك (¬4)، ولم يجز ما ¬

_ (¬1) قال ابن منظور: "وصريف البكرة صوتها عند الاستقاء. وصريف القلم والباب ونحوهما صريرهما". واللسان (صرف). (¬2) وقيل: من الانصراف في جهات الحركات. وقيل: من الانصراف وهو الرجوع، فكأنه انصرف عن شبه الفعل. وقيل: لا نقياده إلى ما يصرفه عن عدم تنوين إلى تنوين، وعن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره. انظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني 3/ 228. (¬3) وهو عبد الرحمن بن إسحاق أبوالقاسم الزجاجي. وقد سبقت ترجمته. انظر ص: 734. (¬4) قال الزجاجي: "ما كان مثلك أحد، بنصب (مثل) فإنه نفى أن يكون على مثل حاله أحد، ولو رفع (مثل) فقال: ما كان مثلك أحدا، لم يجز". انظر: الجمل ص 60. ويلاحظ أن ابن الحاجب لم ينقل عبارة الزجاجي كما هي. وهذا مما يؤخذ عليه في أماليه. ولكن الرجل له عذره، فهو كان يملي من ذاكرته.

كان مثلك أحدا". لأن الخبر هو المقصود بالنفي. فإذا قال: ما كان أحد مثلك، فقد نفي مماثلة كل أحد له، لأن الضمير المرفوع في "مثل" لأحد، والكاف في معنى المفعول. والمعنى: ما كان أحد مماثلا لك، أي: مشبها لك، فنفى مشابهة كل أحد له، فصار المعنى: بلغت مبلغا من الفضل لم يشابهك أحد فيه. وإذا قال: ما كان مثلك أحدا، وجب أن يكون المنفي معنى الأحدية وهي الإنسانية، فيصير المعنى: ما مثلك إنسانا، ويكون المماثل له مثبتا، وإنما نفى الإنسانية عنه. والمثل المثبت، أما أن يراد به نفس المضاف إليه كما في قولك: مثلك لا يقول ذلك، وإما بمعنى المشابه. وعلى كلا الأمرين لا يستقيم نفي الإنسانية، لأنه يصير بمعنى: ما أنت إنسانا أو مشابهك إنسانا، وكلاهما غير مستقيم. وأما إذا قصدت معنى المبالغة في الذم أو المدح كان جائزا. يريد معنى قوله: {ما هذا بشرا} (¬1)، لأن المعنى إثبات أمر أعلى من البشرية في مقصود المحكي عنه كقول الشاعر: فلست لإنسي ولكن لملأك (¬2) ¬

_ (¬1) يوسف: 31. (¬2) هذا صدر بيت من الطويل وعجزه: تنزل من جو السماء يصوب. وهو من شواهد سيبويه 4/ 380 ولم ينسبه لأحد. وانظر: المفضليات 2/ 194 (تحقيق أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون)، ونسبه لعلقمة بن عبدة. وكذلك ابن الأنباري في كتاب المذكر والمؤنث ص 260. ونقل ابن منظور عن ابن بري أن البيت لرجل من عبد القيس يمدح النعمان وقيل: هو لأبي وجزه يمدح عبد الله بن الزبير. اللسان (ألك، صواب). وسيتشهد به النحاة على همز (ملاك).

[إملاء 169] [الاختلاف في "كم" وأخواتها هل هي معرفة أونكرة؟]

فيكون قوله: ما مثلك أحدا، في مقصود المدح، إما على معنى: ما أنت بشرا، أي: بل أعلى من البشر. وإذا كان مماثله أعلى من البشر كان هو كذلك من طريق الأولى، لأن المشبه به أقوى في المعنى المراد من المشبه، ويكون معناه في الذم: ما أنت بشرا بل أدنى من البشر، يريد البهيمية وشبهها، كما أراد في المدح الملكية وشبهها. [إملاء 169] [الاختلاف في "كم" وأخواتها هل هي معرفة أونكرة؟] وقال: اختلف في كم وكذا وكيت وذيت وأيان ومتى وأين وكيف ونحوها. فقيل: معرفة، لأن المعنى في "من": أزيد أم عمرو؟ وفي "ما": الخياطة أم الكتابة صناعتك؟ وفي "أين": أفي السوق أم الدار قعودك؟ وفي "متى": أيوم الجمعة أم يوم السبت سفرك؟ وفي: كم درهما مالك؟ أي الأعداد؟ وفي: كم درهم، الكثير من الدراهم، وفي. كيف حالك؟ أعلى العافية أم المرض؟ وفي: كيت وذيت، لأن معناه: كان من القصة الحديث المعهود. وقيل: نكرة، لأن معنى: من أبوك؟ أي رجل؟ ومعنى: ما صناعتك؟ أي فعل؟ ومعنى: أين؟ أي مكان؟ ومعنى: متى؟ أي زمان؟ ومعنى: كم الاستفهامية، أي عدد؟ والخبرية: كثير. وكيف: أي حال؟ وكيت وذيت: كان من القصة حديث. والظاهر أنها في: من وما وأين ومتى، ونحوها مما في المعنى سؤال عن المعرفة، معرفة. ونحو: كم الاستفهامية والخبرية وكيف وكيت وذيت، نكرة.

[إملاء 170] [كلم وتمر وبابه ليس جمعا]

وأما كذا فأوضح في النكرة، لأنك إذا قلت: له كذا وكذا درهما، فغاية أمره أن يكون كالتصريح بقولك: أحد وعشرون درهما، وكذلك جميع الباب فيه. [إملاء 170] [كلم وتمر وبابه ليس جمعا] وقال: كلم وتمر وبابه ليس بجمع (¬1) لأوجه ثلاثة (¬2): أحدها: أنه لو كان جمعا لكان جمع كثرة، ولو كان لوجب أن يصغر على تميرات. الثاني: أنه لو كان جمعا لم يصغر على تمير. الثالث هو: أن فعلا ليس من أبية الجموع. وإذا تردد الوزن بين كونه جمعا ومفردا لم يثبت كونه جمعا إلا بثبت، لأن أصل الأسماء في الافراد. الثالث (¬3) هو: أن هذه (¬4) الأسماء موضوعة لمعقولية هذه الأشياء كالتمر والعسل، فلا يصح جمعها إلا إذا قصد آحادها أو أنواعها، فكما أنه لا يصح أن يقال: ماء وعسل، جمع، فكذلك هذا. ويدل عليه امتناع جمع تمر إذا قصد به الجنس، وجواز جمعه إذا قصد به النوع. ولذلك نقطع بالفرق بين معنى تمر وتمرات. في أن تمرات تدل على قصد الوحدان، مثلها في: رجال. وتمر إنما يدل على الماهية مثله في: ماء وعسل ¬

_ (¬1) وإنما هو اسم جنس جمعي. قال عنه سيبويه: "هذا باب ما كان واحدا يقع للجميع، ويكون واحده على بنائه من لفظه، إلا أنه مؤنث تلحقه هاء التأنيث ليتن الواحد من الجميع". الكتاب 3/ 582. (¬2) وردت هذه المكلمة هكذا في جميع النسخ. والصواب: أربعة. لأن الأوجه التي ذكرها أربعة وليست ثلاثة. (¬3) هكذا في جميع النسخ. والصواب: الرابع. (¬4) هذه: سقطت من م.

[إملاء 171] [عطف ذي اللام على المنادى المضموم وعلى اسم "لا" النافية للجنس]

[إملاء 171] [عطف ذي اللام على المنادى المضموم وعلى اسم "لا" النافية للجنس] وقال: قولهم: ألا يا زيد والضحاك، في جواز الرفع والنصب (¬1). ولم يأت في باب "لا"، إلا وجه واحد وهو الرفع لا غير، مثل: لا غلام لك ولا العباس. والفرق بينهما أن "لا" لا تدخل على المعارف لما تقرر في موضعه (¬2). ولا يمكن حمله على اللفظ، لأن "لا" إنما أتي بها لنفي المتعدد، ولا تعدد في قولك: لا غلام لك ولا العباس، ولأن دخول النصب فيه فرع دخول الفتح فيه إذا كان منفيا، ولا يدخله الفتح فلا يدخله هذا النصب الذي هو فرعه، لأن دخول الفتح إنما كان لتضمنه معنى الحرف. ألا ترى أن معنى قولك: لا رجل في الدار، لا من رجل، ولايتقدر مثل ذلك فيما ذكرناه، ألا ترى أن "لا" إذا وقع بعده المعرفة (¬3) وجب الرفع والتكرير (¬4). ويرجع الاسم حينئذ إلى أصله، فإذا وجب الرفع فيما يلي "لا" ولم يجز فيه غيره فلان لا يجوز غيره في فرعه الذي هو المعطوف من باب الأولى. وليس كذلك في باب النداء في قولنا: يا زيد والضحاك، فإن حرف ¬

_ (¬1) فالرفع عطف على اللفظ، والنصب عطق على الموضع. والخليل في مثل هذه المسألة يختار الرفع، وأبو عمرو يختار النصب. انظر سيبويه 2/ 187، والإملاء (4) من الأمالي على مسائل الخلاف ص: 485، وشرح الكافية للرضي 1/ 138. (¬2) انظر الإملاء (85) من الأمالي على المفصل ص: 411، وسيبويه 2/ 274. (¬3) ألا ترى أن (لا) إذا وقع بعدها المعرفة: سقطت من د. (¬4) قال المؤلف: "لأن (لا) تقتضي نفي المتعدد وضعا. ولما كان المعرفة الواحد لا تعدد فيه اشترط تكريره ليحصل التعدد. انظر: ص: 411. هذا وقد أجاز المبرد وابن كيسان عدم تكريرها. انظر: أوضح المسالك 2/ 5.

[إملاء 172] [عطف المجرد عن اللام على المنادى المضموم واسم لا النافية للجنس]

النداء وإن كان متعذرا كما تعذر فيما ذكرناه إلا أنه يتوصل إليه بـ "أي" وبـ "هذا" كقولك: يا أيها الصحاك، ويا أيهذا الضحاك، فصار له دخول وإن كان باشتراط فصل، بخلاف "لا" فإنها لا تدخل بحال. [إملاء 172] [عطف المجرد عن اللام على المنادى المضموم واسم لا النافية للجنس] وقال: إن قيل: ما الفرق بين قولهم: يازيد وعمرو، فإنه ما جاء فيه إلا وجه واحد وهو قولهم: وعمر (¬1)، وجاء في المعطوف في باب "لا" وجهان: أحدهما: العطف على اللفظ (¬2)، مثل: لا أب وابنا (¬3). والثاني: العطف على المحل (¬4)، مثل: لا أم لي إن كان ذاك ولا أب (¬5) والفرق منن وجهين: أحدهما: أن قولنا: يازيد وعمرو، حرف النداء راد وهو جائز حذفه، فجاز الإتيان بأثره (¬6)، وليس كذلك في باب "لا" في الصورة ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "وتقول: يازيد وعمرو، ليس إلا، لأنهما قد اشتركا في النداء في قوله: يا. وكذلك يا زيد وعبد الله، ويا زيد لا عمرو، ويا زيد أو عمرو. لأن هذه الحروف تدخل الرفع في الآخر كما تدخل في الأول، وليس ما بعدها بصفة، ولكنه على يا" الكتاب 2/ 186. (¬2) انظر: سيبويه 2/ 285. (¬3) سبق الحديث عنه في الإملاء (85) من الأمالي على المفصل. ص: 419. (¬4) انظر: سيبويه 2/ 292. (¬5) سبق الحديث عنه في الإملاء (78) من الأمالي على المقدمة. ص: 593. (¬6) قال الرضي: "وعطف النسق من حيث المعنى منادى مستأنف. فإذا لم يكن معه في اللفظ ما يمنع مباشرة حرف النداء، أعني اللام، جعل في اللفظ كالمنادى المستأنف الذي باشره النداء". وشرح الكافية 1/ 136.

[إملاء 173] [لا يجوز حذف حرف النداء في مثل قولهم: رجل وامرأة]

المذكورة، لأن "لا" لا تحذف في مثل ذلك، وإنما قدر حرف النداء ههنا دون ثم لكثرة النداء في كلامهم. الوجه الثاني: أن "لا" بني اسمها معها إلى أن صار الاسم ممتزجا امتزاج المركبات، ولا يمكن بقاء ذلك مع حذفها، ولم يبنوه بناء منهم على امتزاجه بالأولى، لأنه قد فصل بينهما بكلمتين، ولئلا يؤدي إلى امتزاج أربع كلمات. [إملاء 173] [لا يجوز حذف حرف النداء في مثل قولهم: رجل وامرأة] وقال: إنما لم يحذف حرف النداء في مثل قولهم: رجل وامرأة وشبهه (¬1)، لأن الأصل: يا أيها الرجل ويا أيها (¬2) المرأة، فاستغنوا بقولهم عن الألف واللام لدلالتها على التعريف المستفاد من الألف واللام. ولما حذفت الألف واللام استغني عن "أيها" لأنها إنما وضعت وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام فبقي: يارجل. فلو حذف حرف النداء لكثر الحذف وأخل، فكره لذلك (¬3). ويجوز أن يقال: إنما لم يحذف لأنه ناب مناب حرف التريف المراد معناه في قولك: الرجل. فكما لا يجوز حذف المعرض عنه عند انفراده فكذلك لا يجوز حذف عوضه الذي هو منزل منزلته، بخلاف يا زيد، فإن تعريقه لم يكن ¬

_ (¬1) لا يجوز حذف حرف النداء م اسم الجنس والإشارة والمستغاث والمندوب. والمقصود بالجنس ما كان نكرة قبل النداء. انظر الرضي 1/ 159. (¬2) كذا في جميع النسخ. والظاهر أنه جائز. انظر سيبويه 2/ 188. (¬3) قال أبو البركات الأنباري: "يجوز حذف حرف النداء إلا مع النكرة والمبهم، لأن الأصل فيهما النداء بـ (أي) نحو: يا أيها الرجل، ياأيهذا الرجل، فلما اطرحوا أيا والألف واللام، لم يطرحوا حرف النداء، لئلا يؤدي ذلك إلى الاجحاف بالاسم:. أسرار العربية ص 228.

بشيء حذف وقامت "يا" مقامه، بل هو بالعلمية، ونسبته إلى مسماه وهو منادى كنسبته وهو غير منادى. وهذا يمكن إجراؤه في أسماء الإشارة بوجه، وهو أن يقال إن تعريف أسماء الإشارة ليس كتعريف الاعلام، فإنها لم تتعرف إلا بقرينة القصد إلى مدلولها، و"يا" فيها ذلك المعنى المذكور، فصارت معها كالقرينة المفيدة للتعريف. فإذا حذفتها وأنت قاصد إلى التعريف كنت كالحاذف حرف التعريف (¬1). ويجوز أن يقال: إنما لم يحذف من رجل وامرأة، لأن وضع هذا اللفظ للتنكير بخلاف زيد وعمرو، فإن وضعه للتعريف، فلا يخل استعماله بغير حرف النداء عن معنى التعريف بخلاف رجل وامرأة، فإن حذف حرف النداء مخل لإيهام بقائه على التنكير، فلم يحذف النداء لذلك. ولا يتقرر مثله في أسماء الإشارة لأنها في أصل وضعها للتعريف، إلا أن يقال: أجريت مجرى النكرة لكون تعريفها مفتقرا إلى القرينة بخلاف: زيد وعمرو، فإنه غير مفتقر إلى القرينة في التعريف، فأجري المفتقر مجرى النكرة ليكون لما لا يفتقر على ما يفتقر مزية. وإنما كان: يا أيها الرجل، هو الأصل لقولك: يا رجل، لأن المقصود نداء المعرفة. ومعلوم كراهتهم الجمع بين حرفي تعريف. وقد علم أن تعريف الرجل بالألف واللام هو الأصل، وإذا كان تعريفه بالألف واللام هو الأصل (¬2) ¬

_ (¬1) وقد جوز الكوفيون حذف حرف النداء من اسم الإشارة اعتبارا بكونه معرفة قبل النداء انظر الرضي 1/ 160. (¬2) وإذا كان تعريفه بالألف واللام هو الأصل: سقطت هذه العبارة من د بسبب انتقال النظر.

[إملاء 174] [جواب عن إشكال يورد على ظروف المكان]

وجب أن تكون: يا أيهذا، هو الأصل لقولك: يا هذا، لأنه لو لم يكن أصله لكان زائدا، فيؤدي إلى أن تزاد الأسماء، وهو على خلاف قياس كلامهم على أن أصل الزيادة على خلاف القياس. وإذا وجب أن لا يكون زائدا وجب أن يكون أصلا. [إملاء 174] [جواب عن إشكال يورد على ظروف المكان] وقال: الفرسخ والبريد في قولهم: سرت فرسخا وبريدا،، مفعول به؛ لأن "سرت" بمعنى: قطعت، كأنه قال: قطعت فرسخا. وهذا جواب عن إشكال يورد على الظروف وهو أن ظروف المكان لا ينتصب بتقدير "في" فيها إلا المبهم (¬1) خاصة دون المختص. فإذا ورد الفرسخ والبريد وهما مختصان، فيجاب بما ذكر أولا. أو أنه مما استثني لكثرته، فكان كقولك (¬2): " ولفظ مكان لكثرته". [إملاء 175] [الفرق بين المصدر واسم المصدر] وقال: الفرق بين قول النحويين: مصدر واسم مصدر، أن المصدر هو الذي له فعل يجري عليه كالانطلاق، في: انطلق (¬3). واسم المصدر هو اسم ¬

_ (¬1) قال الرضي: "اختلف في تفسير المبهم من المكان. فقيل: هو النكرة، وليس بشيء، لأن نحو: جلست خلفك وأمامك، منتصب بلا خلاف على الظرفية. وقيل: هو غير المحصور كما قلنا في الزمان، وهو الأولى، فتخرج منه المقادير الممسوحة كفرسخ وميل، ولا خلاف في انتصابها على الظرفية". شرح الكافية 1/ 184. (¬2) الكافية ص 7. وانظر: الأملاء (33) من الأمالي على المقدمة. ص: 532. (¬3) انطلق: سقطت من د.

[إملاء 176] [عدم جواز التعلق بالأفعال الناقصة]

لمعنى، وليس له فعل يجري عليه كالقهقرى، فإنه لنوع من الرجوع، ولا فعل له يجري عليه من لفظه. وقد يقولون: مصدر في الشيئين المتقاربين لفظا، وأحدهما للفعل والآخر للآلة التي يستعمل بها الفعل كالطهور والطهور، والأكل والأكل، فالطهور المصدر، والطهور اسم ما يتطر به. والأكل المصدر، والأكل ما يؤكل. [إملاء 176] [عدم جواز التعلق بالأفعال الناقصة] وقال: لا يصح التعلق بالأفعال الناقصة لأنها لم يقصد بها في التحقيق نسبة حدث محقق إلى فاعلها. ومعنى قولنا: حدث محقق، يعني: أنه لم يرد أن زيدا، ثبت، وإنما أريد أن القيام المنسوب إلى زيد وهو خبره، ثبت، وذلك حاصل لو لم تذكر "كان". وإنما قصد بالإتيان بها على المبتدأ والخبر، وتفيد الخبر معنى بالنسبة إلى المبتدأ مع بقائه في الحقيقة (¬1) مخبرا عنه على ما كان عليه في الابتداء. ولذلك توهم كثير من النحويين أنه لا دلالة لها على الحدث أصلا، وإنما وضعت للدلالة على مجرد الزمان، فلذلك لم تأت عاملة في شيء غير الاسم والخبر. [إملاء 177] [الفرع والأصل] وقال: إنما كان العدل فرعا لأنه لا بد من أصل هو معدول عنه ¬

_ (¬1) في الحقيقة: سقطت من س.

فالمعدول عنه هو الأصل تحقيقا أو تقديرا على ما ذكروا (¬1)، وإذا كان ذلك هو الأصل فالمعدول فرع. وإنما كان الوصف فرعا لأنه لا يعقل وصف إلا بتقدم موصوف. فوجود الوصفية مرتبة عليه، فهو فرع لذلك. والتأنيث فرع التذكير، لأن الذكورية هي الأصل من حيث كانت الألفاظ القياسة تجري على المذكر بفسها كأسماء القاعلين والمفعولين والصفات المشبهة. فإذا قصد إلى التأنيث زيدت العلامة لذلك. فـ "قائم" في قولك: قائمة، يدل على ذات قام بها ذلك المعنى كما في قولك: قائم، مجردا. وزيادة التاء تدل على الذات مؤنثة، فكان فرعا لذلك. وإنما كانت المعرفة فرعا على النكرة من حيث إن وضع الألفاظ القابلة للتعريف للنكرة، فإذا قصد إلى التعريف زيد عليها ما يجعلها معرفة كقولك: رجل والرجل. أو وضعت وضعا ثانيا للمعرفة كقولك: جعفر، للنهر، ثم تجعله علما. فكان فرعا لذلك. وإنما كانت العجمة فرعا لأن كلام العرب في أصله موضوعهم دون إدخال غيره فيه، فإذا أدخلوا شيئا من غير كلامهم فهو فرع على كلامهم في التحقيق، فهو أظهر الفروع. وإنما كانت الألف والنون فرعا على المزيد عليه إذ لا تعقل زيادة إلا بمزيد عليه، فكان فرعا لذلك. ووزن الفعل فرع على وزان الاسم لأنه إذا تحقق أن الفعل فرع على الاسم من حيث الاشتقاق والاستقلال فوزن الفرع فرع على وزن الأصل، لأن ¬

_ (¬1) في ب، د: ذكر.

[إملاء 178] [إعراب المضاف إلى ياء المتكلم]

الأصل إذا تقدم فقد تقدم وزنه لأنه صفته، والفرع إذا تاخر وزنه، فكان فرعا لذلك. [إملاء 178] [إعراب المضاف إلى ياء المتكلم] وقال: إنما أعرب المضاف إلى [ياء] (¬1) المتكلم تقديرا في الأحوال الثلاث لأنه تعذر عليه حركات الإعراب فوجب أن يعرب تقديرا. وبيان تعذرها هو: أنه لو أعرب بها لضم في موضع الرفع وهو متعذر إذ لا يكمن مجيء الياء بعدها ساكنة، ومن لغتهم الإتيان بها ساكنة، فوجب أن يعدل عن الضم إلى الكسر ليناسبها، ثم التزموا كسرة فبلها لأجلها. يدلك (¬2) على ذلك محيء كل ياء للمتكلم في الفعل أو الحرف أو غيرهما مكسورا ما قبلها كقولك: مني وعني وبي ولي وضربني وقدي وقطي. ولما قبح: مني وعني وضربي ويضربي، زادوا نونا لتكون الكسرة عليها، فقالوا: مني وضربني، وهذا واضح في التزامهم الكسرة قبل ياء المتكلم. وإذا ثبت ذلك تعذر الضم والكسر والفتح. أما الضم والفتح فلتعذر اجتماع متضادين. وأما الكسر فإذا وضح أنهم التزموا كسرة لأجل الياء تعذر مجيء كسرة أخرى تجامعها، إذ يستحيل اجتماع كسرتين في محل (¬3) كما سيتحيل اجتماع كسر وضم. ولا يمكن أن يحكم بكسرة الإعراب وزوال الكسرة لأجل الياء، لأن تلك هي السابقة لمعنى، وقد ثبت اعتبارهم إياه فلا ¬

_ (¬1) زيادة من س. (¬2) في م: يدل. (¬3) في م: محل واحد.

[إملاء 179] [علة عدم وقوع ظروف الزمان أخبارا عن الحثت]

ينبغي أن تزول مع بقاء ذلك المعنى من غير موجب. ثم (¬1) ولو قدر جواز ذلك لكانت هذه أولى لأنها السابقة. وإنما قلنا: هي السابقة، لأن التركيب فرع الإفراد، ولا يكون إعراب إلابعد التركيب، فهو (¬2) فرع الفرع، وهذه الكسرة ثابتة للكلمة في حال الإفراد قبل التركيب الموجب للإعراب، فثبت أنها سابقة. [إملاء 179] [علة عدم وقوع ظروف الزمان أخبارا عن الحثت] وقال: إنما لم تقع ظروف الزمان أخبارا عن الجثت لعدم الفائدة فيه. لأنها لو أوقعت خبرا لكان التقدير أنها حاصلة وثابتة فيه. وقد علم اشتراك الجثت كلها في ذلك المعنى على جهة، فلا معنى للإخبار بها عنها، بخلاف ظروف المكان فإن كل جزء من الجثت مختص بمكان دون مكان، فكان في الاخبار عنها بالمكان فائدة لم تكن عند المخاطب (¬3). ولما كانت معاني المصادر كالجثت بالنسبة إلى المكان في الزمان والمكان، صح الإخبار عنها بالمكان والزمان جميعا كقولك: القتال غدا، والقتال يوم الجمعة، والقتال أمامك، والقتال خلفك. ¬

_ (¬1) ثم: سقطت من ب. (¬2) في م: فهذا. (¬3) قال أبو البركات الأنباري: "فإن قيل: فلم إذا كان المبتدأ جثة جاز أن يقع في خبره ظرف المكان دون ظرف الزمان؟ قيل: إنما جاز أن يقع في خبره ظرف المكان دون ظرف الزمان لأن في وقوع ظرف المكان خبرا عنه فائدة، وليس في وقوع ظرف الزمان خبرا عنه فائدة. ألا ترى أنك تقول في ظرف المكان: زيد أمامك، فيكون مفيدا، لأنه يجوز ألا يكون أمامك. ولو قلت في ظرف الزمان: زيد يوم الجمعة، لم يكن مفيدا، لأنه لا يجوز أن يخلو عن يوم الجمعة. وحكم الخبر أن يكون مفيدا" أسرار العربية ص 75.

[إملاء 180] [علة وجوب حذف العامل في الحال المؤكدة]

[إملاء 180] [علة وجوب حذف العامل في الحال المؤكدة] وقال: وإنما وجب حذف العامل من الحال المؤكدة (¬1) دون غيرها لأنه لا بد أن يتقدمها جملة تتضمن في المعنى ثبوتها. فلو أظهر العامل لأظهر الثبوت وهو عين ما دل عليه اللفظ الأول، فكان إظهاره كإظهار العامل في المصدر بعد أن تقدم ما يشعر به، كقولك: هذا عبد الله حقا، وكقوله: {وعد الله} (¬2)، و {كتاب الله} (¬3)، وأمثال ذلك كثير. [إملاء 181] [الجواب عن سؤال ورد على تعليل حكم] وقال جوابا عن سؤال ورد على تعليل حكم وهو أن العرب تجعل صدر الكلام كل شيء دل على قسم من أقسام الكلام كالاستفهام والنفي والتحضيض وإن وأخواتها، سوى أن، وهو: زيدا ضربت، وضربت زيدا فيقال: إنه إذا قيل: زيدا، ألبس على السامع أن يكون المذكور بعده: ضربت أواكرمت أو نحوه. وإذا قيل: ضربت، ألبس على السامع أن يكون زيدا وأن يكون عمرا ونحوه لأمور: أحدها: أن هذا لا يمكن أن يكون إلا كذلك، لأنه لا بد من تقدم مفرد على مفرد، فمهما قدمت أحد المفردين فلا بد من احتمال كل ما يقدر تجويزه في الاخر. الثاني: أن هذا إلباس في آحاد المفردات، وذاك إلباس في أصول أقسام الكلام، فكان أهم. الثالث: أن ذاك ألفاظ وضعت ¬

_ (¬1) " الحال المؤكدة هي التي تجيء على إثر جملة عقدها من اسمين لا عمل لهما لتوكيد خبرها وتقرير مؤداه ونفي الشك عنه، وذلك قولك: زيد أبوك عطوفا". المفصل ص63. (¬2) النساء: 122. (¬3) النساء: 24.

[إملاء 182] [وجه عمل "ليت ولعل وكأن" في الحال]

للدلالة عليه، فكان تقديمها مرشدا إلى ما وضع له بخلاف هذه، فإنه ليس لها ألفاظ غير لفظها، ولو كان لها ألفاظ غير لفظها لأدى إلى التسلسل، وهو محال. [إملاء 182] [وجه عمل "ليت ولعل وكأن" في الحال] وقال: إنما عملت ليت ولعل وكأن في الحال (¬1)، ولم تعمل إن وأن ولكن، من وجوه: منها: أن "ليت ولعل وكأن" معانيها معاني أفعال محققة غير معاني التأكيد. ومعنى "إن" التأكيد المجرد، والتأكيد لا يزيد في المعنى على ما كان عليه. ألا ترى أنك إذا قلت: ماجاءني من أحد، وجاء زيد زيد، لم يجز أن يكون "من" ولا "زيدا" الثاني عاملا في شيء لم يكن عاملا فيه قبل، لأن الأمر فيه على ما كان، بخلاف ليت ولعل فإن معناهما: أتمنى وأتوقع. الثاني: هو أن "ليت" ولعل وكأن" يتعلق بالجزئين كل واحد منهما يصح أن يكون مقيدا بحال باعتبار التمني والتوقع والتشبيه. ألا ترى أنك إذا قلت: كأن زيدا راكبا الأسد، إنما أردت تشبيه زيد في حال ركوبه بالأسد. وكذلك إذا قلت: كأن زيدا الأسد مفترسا، إنما أردت تشبيهه بالأسد في حال (¬2) افتراسه، بخلاف "إن" فإنها لتوكيد النسبة، والنسبة لا تقبل ما ذكرناه، لأن ذلك من توابع المفردات لا من توابع النسب. الثالث: قولوا: ليت إن زيدا قائم، بمعنى: أتمنى أن زيدا قائم، وليت زيدا قائما (¬3)، في معنى: أتمنى زيدا قائما. فلما استعملوها هذا الاستعمال أعملوها في الحال من طريق الأولي. ¬

_ (¬1) انظر المفصل ص 62. (¬2) ركوبه في الأسد ... في حال: سقطت من د. (¬3) أجازه الفراء. انظر مغني اللبيب 1/ 316 (دمشق)، والرضي 2/ 359.

[إملاء 183] [هذا بسرا أطيب منه رطبا]

[إملاء 183] [هذا بسرا أطيب منه رطبا] وقال: هذا بسرا أطيب منه رطبا. "رطبا" حال من الضمير في "منه"، و"بسرا" حال من الضمير في "أطيب" (¬1). [إملاء 184] [حجة "ورش" في تركه الهمزة إذا كانت فاء الكلمة] وقال: حجة ورش في تركه الهمزة إذا كانت فاء الكلمة أمران: أحدهما: أن الهمزة إذا كانت مبتدأ بها أو في حكم المبتدأ. لأن ما قبلها حنيئذ لا يكون إلا زائدا. والهمزة إذا ابتدىء بها كانت أثقل منها إذا لم يبتدأ بها، وذلك مدرك عند النطق في مثل: قل أعوذ، مما وقعت فيه أولا. ولم ينقلها في مثل: يسأمون، مما وقعت فيه متوسطة. ولذلك قرأها حمزة بالوقف على الساكن قبلها في مثل: قل أعوذ، ولم يقف على الساكن قبلها في مثل: قل أعوذ، ولم يقف على الساكن قبلها في مثل: يسأمون ويجأرون. ومن ثم قرأ ورش: موجلا ويويد، بقلب الهمزة واوا، وفؤادك، بتحقيق الهمزة لما كانت تلك فاء وهذه غير فاء. الوجه الثاني: أنها إذا كانت فاء وسكنت فقد لحقها تغيير محقق، إذ الفاء لا تكون إلا متحركة في الأصل فكانت لقبول التغيير أقرب منها عينا ولاما لقوة تلك حيث كانت باقية على أصلها، ولذلك نقل الهمزة على الساكن قبلها. ألا ترى أنك ¬

_ (¬1) تحدث ابن الحاجب عن هذه المسألة بشكل مسهب في الإيضاح 1/ 336. وذكر أن العامل في (بسرا) أطيب، وليس اسم الإشارة (هذا). وقال الفارسي: "فبسرا ورطبا انتصبا على الحال، ومعنى الكلام: هذا إذا كان بسرا أطيب منه إذا كان رطبا". انظر الإيضاح العضدي ص201. ومعنى (كان) في قول القارسي: وجد، فهي التامة. وانظر تفصيل هذه المسألة في الأشباه والنظائر 4/ 265.

[إملاء 185] [إطلاق البقرة والحمامة وأشباه ذلك على الذكر والأنثى]

إذا ابتدأت بقولك: أخذ، وجدت النطق بالهمزة اثقل منه في قولك: سأل. والوجه هو الأول. [إملاء 185] [إطلاق البقرة والحمامة وأشباه ذلك على الذكر والأنثى] وقال: البقرة تطلق على الذكر والنثى كقولهم: شاة وحمامة ودجاجة وأشباه ذلك. إذا ثبت هذا الإطلاق فلا يستدل على الأنثى بجري صفات المؤنث وضمائرها. فإن العرب إذا أجرت اسم الجنس المؤنث على المذكر وإن كان حقيقيا، أو أجرت اسم الجنس المذكر على المؤنث وإن كان حقيقيا، راعت اللفظ تارة والمعنى أخرى. فيقولون: ثلاثة أشخص وإن كانت نساء، وثلاث أنفس وإن كانو ذكورا، وهذا أكثر من مراعاتهم مدلوله. وأوضح دليل قوله تعالى: {خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} (¬1)، والمراد آدم عليه السلام. فأنث (واحدة) وأتى بالضمير في (منها) و (زوجها) مؤنثا مراعاة للفظ النفس لما كان مؤنثا. وقد جاء ذلك في مواضع في القرآن، وقد جاء مذكرا بعد تأنيثه في مثل قوله: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها} (¬2). فقوله: واحدة، ومنها، وزوجها، على التأنيث كما تقدم. وقوله: ليسكن، وتغشاها، على التذكير. وحسن ذلك وإن لم يحسن من نفس واحد، وجعل منه زوجه، حسنه لأن السكون والغشيان من صفات المذكر، فلما قوي أمر التذكير بهذا المعنى اقتضى ذلك حسن مراعاته. نعم يمكن أن يقال: إن قوله: {عوان بين ذلك} (¬3)، ومن صفات النساء ¬

_ (¬1) النساء: 1. (¬2) الأعراف: 189. (¬3) البقرة: 68.

وهي النصف، وربما قيل: التي ولدت مرة بعد أخرى. فإذا أجري على البقرة دل على التأنيث فيها. ويمكن أن يقال إن جريه على البقرة وإن كانت أنثى مجاز لأنه من صفات النساء. وإذا أجري مجازا على البقرة الأنثى فلا بعد أن يجري مجازا على البقرة الذكر. ويقوي ذلك قولهم: حرب عوان، وحروب عون، وإن لم يكن (¬1) ثم ولادة أصلا. ولا (¬2) بعد في جريه على البقرة الذكر مع مشابهته للأنثى في الولادة. وأما باب: طلحة وحمزة ونحوهما من الأعلام، فالمراعى فيه المدلول على المختار عند الائمة، وإن كان كثير من الكوفيين يجوز: قالت طلحة ونحوه، مراعاة للفظ. وإنما غرهم من ذلك ما تقدم من أسماء الأجناس، فظنوا أن البابين واحد. والفرق بينهما من حيث المعنى أن العلم موضوع لمعين متميز لا يحتمل غيره، واسم الجنس مماذكرناه موضوع لواحد من الأمرين من غير تعيين في أصل وضعه (¬3). فلا يلزم من حسن جري صفة المؤنث على ما لم يكن وضعه لمذكر معين، فظهر الفرق بينهما من حيث الاستعمال ومن حيث المعنى. وأما البغلة فالظاهر أنه يقال: البغلة للانثى وبغل للذكر (¬4)، كقولهم: حمار وجمارة، وبرذون وبرذونه، ونحوه من الأسماء. فإذا أطلقت بغلة كان واضحا ¬

_ (¬1) في ب: تكن. (¬2) في م: فلا. (¬3) قال الزمخشري: "ومن أصناف الاسم اسم الجنس وهو ما علق على شيء وعلى كل ما أشبهه. وينقسم إلى اسم عين واسم معنى". المفصل ص6. (¬4) في ب، س: للمذكر. والأصوب ما أثبتناه.

في أنها أنثى، وإذا ثبت إطلاق بغلة (¬1) على بغل على بعده لم يقدح ذلك في ظهوره، لأن الاتيان بالتاء في هذا الباب للفرق بينه وبين المذكر، بخلاف باب بقرة فإن إلحاق التاء ثم للفرق بين الجنس والواحدة منه. ولا يستدل على التأنيث في بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثبوت أن البغلة للذكر مثلها في الأنثى بالتأنيث في: كانت، وفي: شهباء. لأنه حينئذ استدلال بمثل: صفراء، ولونها (¬2)، في كون البقرة أنثى. على أنه قد نقل عن بعض العلماء أنه قال: سلوني عما شئتم، وكان أبو حنيفة (¬3) حاضرا لا يشعر به، فقال لإنسان قل له: أذكرا كانت نملة سليمان أم أنثى؟ فلم يحر له (¬4) جوابا ثم قيل لأبي حنيفة رحمه الله: فما كانت؟ قال: كانت أنثى بدليل التأنيث في {قالت نملة} (¬5)، ولو كان ذكرا لقال: قال نملة (¬6). ¬

_ (¬1) كان واضحا ... بغلة: سقطت هذه العبارة من ب، م بسبب انتقال النظر .. (¬2) قال تعالى: {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها، قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين}. (البقرة: 69). . (¬3) هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت. ولد سنة 80هـ. كان عالما زاهدا ورعا تقيا. وكان الشافعي يقول: الناس في الفقه عيال علىن أبي حنيفة. توفي ببغداد سنة 150هـ. انظر وفيات الأعيان 5/ 405. (¬4) له: سقطت من ب، د، س. (¬5) النمل: 18. (¬6) قال ابن الحاجب: "فقول من قال: إن قوله تعالى: {قالت نملة} يدل على أن النملة أنثى غير مستقيم، لجواز أن يكون التأنيث لما في لفظ نملة من التأنيث". انظر الإيضاح 1/ 562.

[إملاء 186] [مسألة في الاسم الموصول]

[إملاء 186] [مسألة في الاسم الموصول] وقال ممليا (¬1): لم تختلف الناس أن الاسم الموصول موصول قبل تمام الصلة. ولذلك نقول: الاسم الموصول، ويكون موصولا بعد تمام الصلة على سبيل التسمية بما كان عليه فنقول: اسم موصول. وكل اسم موصول فقياسه أن يتعرف به ما بعده قياسه على الضارب. فإن قيل: لو كانت كالألف واللام في الضارب والرجل لم يفتقر إلى أن تكون صلتها معلومة للمخاطب. ولما افتقرت إلى ذلك دل على أن التعريف حصل بغيرها. والجواب: أن ذلك لا يمنع بل هو واجب فيه أو في مثله، لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن للألف واللام مدلول معين، فاشترط ذلك لتحصل لها الدلالة الموضوعة هي له. ألا ترى أن الألف واللام في الرجل مشروطة بأن يكون رجلا معهودا، لأنه لو لم يكن معهودا لم تحصل الدلا لة بها عل معين، وكذلك الضارب. فكان ذلك من مقوماتها في دلالتها على التعريف لا موانعها. والصلات في أصلها صفات للنكرات، فلما احتيج إلى جريه على المعارف أدخلوا عليه الألف واللام ليصح به وصف المعرفة. ولما كانت الجمل تقع كذلك واحتيج إلى جريها صفات على المعارف أدخلوا عليها ما تتعرف به كما أدخلوا على صارب ورجل عند قصد التعريف ما تتعرف به. [إملاء 187] [المانع من صرف أخر] وقال: أخر، المانع من صرفه العدل والصفة. وأكثر الناس في تقرير ¬

_ (¬1) بعدها في ب، د: عن الاسم الموصول.

العدل، على أنه معدول عن الآخر (¬1)، إذ استعماله إنما يكون بالألف واللام أو الإضافة أو "من". ولا جائز أن يكون معدولا عن المضاف، لأن المعنى واللفظ يأباه. أما المعنى فلأن المقصود بأخر الغيرية لمن تقدمه، فلو أضيف لتغير ذلك المعنى. بخلاف أفعل التفضيل فإنه لا يتغير معناه بإضافة باعتبار التفضيل. وأما. اللفظ فلآنه لو كان كذلك لوجب بناؤه كما بني قبل وبعد. ولا يجوز أن يكون معدولا عما فيه (من) لأنه جمع، والجمع لا يكون معه (من). واعترض على ذلك أبو على، فقال ما معناه: لو كان معدولا عما فيه الألف واللام لوجب أن يكون معرفة، ولو كان معرفة لم يجز جريه على النكرة ولجاز جريه على المعرفة، والأمران ممتنعان، فتعذر أن يكون معدولا عما فيه الألف واللام. ألا ترى أن "سحر" لما كان معدولا عما فيه الألف واللام وجب أن يكون معرفة، وهو اعتراض مشكل (¬2). وغاية ما يقال: إنه لا يلزم من المعدول عن الشيء أن يكون بمعناه من كل وجه، وإنما يلزم أن يكون قد أخرج عن ¬

_ (¬1) قال سيبويه: "قلت: فما بال أخر لا ينصرف في معرفة ولا نكرة؟ فقال: لأن أخر خالفت أخواتها وأصلها، وإنما هي بمنزلة: الطول والوسط والكبر، لا يكن صفة إلا وفيهن ألف ولام، فتوصف بهن المعرفة". ثم قال: "فلما خالفت الأصل وجاءت صفة بغير الألف واللام تركوا صرفها". الكتاب 3/ 224. وقال ابن الحاجب: "ومنها أخر، وهو جمع الأخرى، وأخرى تأنيث آخر. وآخر من باب أفعل التفضيل، وقياس جميع بابه إذا قطع عن الإضافة أن لا يستعمل إلا باللام، فاستعماله بغير لام عدول عما فيه اللام". الإيضاح 1/ 134. (¬2) قال الرضي: "وأجيب بأنه معدول عن ذي اللام لفظا ومعنى، أي: عدل عن التعريف إلى التنكير، ومن أين له أنه لا يجوز تخالف المعدول والمعدول عنه تعريفا وتنكيرا. ولو كان معنى اللام في المعدول عن ذي اللام واجبا لوجب بناء سحر كما ذهب إليه بعضهم لتضمنه معنى الحرف. فتعريف سحر ليس لكونه معدولا عن ذي اللام بل لكونه علما". شرح الكافية 1/ 42.

صيغة كان يستحقها في قياس كلامهم إلى صيغة أخرى، وقياس هذه أن تستعمل عند عدم (من) والإضافة بالألف واللام. فلما استعملت بغيره دل على أنهم أخرجوها عن الصيغة المستحقة هي لها إلى صيغة أخرى. وإذا اعترض أن العدل بهذه المثابة لم يثبت في لغتهم فكان إثباتا لما لم يثبت مثله في لغتهم بغير دليل. فالجواب: أنه وإن لم يثبت أثبت ههنا بدليل، وهو أنه إذا لم يتقرر فيه العدل وجب أن يكون غير منصرف بعلة (¬1) واحدة، وذلك معلوم البطلان من لغتهم، فكان إثبات ذلك واجبا بدليل دل عليه. وقد يقال: إنه معدول عن آخر من كذا (¬2)، لأن (من) إذا استعملت وجب إفراد (أفعل)، وإنما يثنى ويجمع عند عدمها، فعدل عن: أفعل من كذا، إلى صيغة الجمع الدال على مثل ما دل عليه ذلك، إذ لا فرق في المعنى بين قولك: مررت بنسوة أفضل منك، ومررت بنسوة فضل، لو قيل ذلك، إلا أنهم لا يقولونه، وإن كان هو قياس غير هذا الباب لمعنى قد ذكر في موضعه (¬3). وإذا قيل ذلك اندفع الاعتراض عنه وزال القادح. وما ذكر فيما سبق من أنه لا جائز أن يكون معدولا عما فيه (من) مبني على تقدير كونه باقيا على جمعيته. ونحن لا نقدره معدولا عن ذلك، وإنما نقدره معدولا عما فيه "من" مفردا إلى لفظ الجمع بغيرها، فيندفع ذلك الإبطال على تقدير كونه معدولا عما فيه "من". ¬

_ (¬1) في س: لعلة. (¬2) قال ابن الحاجب: "والأولى أن يكون معدولا عن آخر من كذا، لأنه قياس ما قطع عن اللام والإضافة". الإيضاح 1/ 134. (¬3) انظر: الإملاء (5) من الأمالي القرآنية. ص: 116.

[إملاء 188] [الواو في الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض للجمع]

[إملاء 188] [الواو في الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض للجمع] وقال: الواو في الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض للجمع بين ما قبلها وما بعدها. فإذا قلت: أكرمني وأكرمك، فقد أمرت باجتماع الإكرامين كقوله: فقلت ادعي وأدعو (¬1) فقد طلبت اجتماع الدعائين. ويدل عليه تعليله بعد ذلك بقوله: إن أندى لصوت أن ينادي داعيان يعني: أن اجتماع الصوتين أبلغ في الاسماع. وكذلك إذا قلت: ما تأتينا وتحدثنا، فمعناه: ما يجتمع منك هذان الأمران، ولم يتعرض لنفي كل واحد على الانفراد. ولذلك لو كان يأتيه ولا يحدثه أو يحدثه ولا يأتيه صح أن يقول (¬2): ما يأتينا ويحدثنا. وكذلك إذا قال: لا تأتني وتحدثني، فمعناه: لا تجمع بين هذين الفعلين كقولهم: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، أي: لا تجمع بينهما. ولذلك لو أكل السمك على انفراده ثم بعد ... لك شرب اللبن ولم يجمع بينهما لم يكن مخالفا لنهيه، لأنه إنما نهاه عن الجمع ولم يجمع. وكذلك قوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله (¬3) ¬

_ (¬1) هذا البيت من البحر الكامل. وقد اختلف في قائله. فسيبويه نسبه للأعشى 3/ 45، وليس في ديوانه. وفيل: هو للحطيئة. انظر ديوانه- الملحقات ص 274 (دار صادر بيروت). ونسبه الزمخشري لربيعة بن جشم، المفصل ص 248. ونسبه ابن منظور لمدثار بن شيبان النمري، اللسان (ندى). والشاهد فيه نصب "أدعو" بإضمار أن. (¬2) في س: يقال. (¬3) هذا صدر بيت من الكامل وعجره: عار عليك إذا فعلت عظيم. وقد اختلف في قائله. فسيبويه نسبه للأخطل 3/ 42. وابن منظور نسبه لأبي الأسود الدؤلي. اللسان (عظظ) ونسبه ابن السيرافي لحسان 2/ 178. ونسب في الحماسة البصرية للمتوكل اليثي 2/ 15، انظر شعره ص81 (تحقيق الدكتور يحيى الجبوري). وقال البغدادي: "والمشهور أنه من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي". الخزانة 8/ 567 (هارون).

[إملاء 189] [علة وقوع "أن" في خبر "عسى" دون السين وسوف]

إنما أراد أن ينهاه عن الجمع بين خلق ذميم وارتكابه، ولذلك قال: ابدأ بنفسك فانهها عن غيها (¬1) يشير أنك إذا جمعت بين هذين الأمرين لم يكن نهيك بمسموع ولا مقبول، وإنما يكون مقبولا إذا نهيت وأنت على غيره، ولذلك قال: فهناك يسمع ما تقول ويقتدى ... بالرأي منك وينفع التعليم وهذه الواو معناها الجمع بين الحكمين المطلوبين أمرا ونهيا واستفهاما. وحمل النفي في الباب على النهي. وليست كالواو التي يعطف بها مفرد على مفرد مثله، فإنها لا تدل على معية ولا ترتيب. وإذا قلنا فيها للجمع المطلق، فمعناه أن المعطوف والمعطوف عليه اجتمعا في نسبة الحكم إليهما من غير تعرض لمعية ولا ترتيب. والمراد ههنا في قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، الجمع بين الفعلين. فلا ينفك أن يكونا في وقت واحد، فإن الفعلين إما أن يكونا مفترقين أو مجتمعين. وإذا كانا مجتمعين لزم أن يكونا في وقت واحد، وإلا فهما مفترقان. [إملاء 189] [علة وقوع "أن" في خبر "عسى" دون السين وسوف] وقال: إنما أوقعت "أن" في خبر"عسى" دون السين وسوف لأمرين: أحدهما: أنها تأول با لاسم الذي هو المصدر، والمعنى عليه، فكانت أولى مما ¬

_ (¬1) وعجزه: فإذا انتهت عنه فأنت حكيم.

[إملاء 190] [حذف الفاء من جواب الشرط]

لا يأول بذلك وهما السين وسوف. والثاني: أن "عسى" فيها معنى الانشاء، والسين وسوف مع ما بعدهما يستقلان جملة خبرية، بخلاف "أن" مع فعلها، فإنها لا تستقل جملة أصلا، فكان وقوع ما لا تكون فيه في الظاهر منافاة بينه وبين ما هو في حيزه أولى من وقوع ما بينهما المنافاة وهما الانشاء والخبر (¬1). أما امتناع "لا" و"لن" فواضح، لأنهما للنفي، وهذه للإثبات، وهما متنافيان. [إملاء 190] [حذف الفاء من جواب الشرط] وقال: قوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها (¬2) الفاء محذوفة في الشذوذ لضرورة الشعر، وهو مذهب سيبويه (¬3). ¬

_ (¬1) قال أبو البركات الأنباري: "فإن قي: فلم أدخلت أن؟ قيل: لأن (عسى) وضعت لمقارنة الاستقبال، و (أن) إذا دخلت على الفعل المضارع أخلصته للاستقبال، فلما كانت (عسى) موضوعة لمقارنة الاستقبال و (أن) تخلص الفعل للاستقبال، ألزموا الفعل الذي وضع لمقارنة الاستقبال (أن) التي هي علم الاستقبال". أسرار العربية ص 127. (¬2) هذا صدر بيت من البسيط وعجزه: والشر بالشر عند الله سيان، وقد اختلف في قائله. فقد نسبه سيبويه لحسان وليس في ديوانه، الكتاب 3/ 65. ونسبه المبرد لعبد الرحمن بن حسان، المقتضب 2/ 72. ونسبه ابن السيرافي لكعب بن مالك، شرح أبيات سيبويه 2/ 114، وهو موجود في ديوانه ص 288. وانظر: الخصائص 2/ 281، والمقرب 1/ 276، والرضي 2/ 256، وابن يعيش 9/ 3. والشاهد فيه حذف الفاء من جواب الشرط ضرورة وتقديره: فالله يشكرها. (¬3) الكتاب 3/ 64.

ومذهب غيره أن الكلام فيه تقديم وتأخيره، تقديره: الله يشكرها من يفعل الحسنات. وقال سيبويه في قولهم: إنك إن يصرع أخوك تصرع (¬1) إن الكلام فيه وتأخير، تقديره: تصرع إن يصرع أخوك (¬2). والفرق بينهما استقامة التقديم والتأخير ثم وامتناعه ههنا. ألا ترى أنك لو قدرت التقديم لم يخل أما أن تقدره مع الضمير اللازم تقديره في قولك: الله يشكرها، أي: منه. أو تقدر تقديمه مجردا عن ذلك، وكلا الأمرين فاسد، فكان فاسدا. بيان الأول: أنه لو كان التقدير: الله يشكر الحسنات من فاعل الحسنات (¬3)، لكان ذكر "من" لا معنى له، إذ قد تقدم ذكر الفاعل. ولذلك لو قلت: أنا أكرم المكرم لي من يكرمي، لم يجر. وإن قدرته مجردا عنه كان أبعد لأنك ذكرت ما لايدل على الجواب في المعنى لتجردها عن الضمير المصحح، بخلاف مجرد الشرط فإنه لا يحتاج إلى ذلك، ولا يمنع من ذكره ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الرجز وصدره: ياأقزع بن حابس يا أقرع. وهو من شواهد سيبويه 3/ 67، ونسبه لجرير بن عبد الله البجلي. والمقتضب 2/ 72، والإنصاف 2/ 623، والمقرب 1/ 256، والخزانة 3/ 396، ونسبه لعمرو بن خثارم البجلي. وأقرع بن حابس هو من الصحابة. والأجوزة التي منها البيت المذكور قيلت في الجاهلية قبل إسلامه. وذكر البغدادي المناسبة التي قيلت فيها. والشاهد فيه تقديم (تصرع) في النية مع تضمنها للجواب. وهذا من الضرورة لأن من حق حرف الشرط أن يجزم الآخر لأنه جزم الأول. (¬2) انظر: الكتاب 3/ 67. (¬3) فاعل الحسنات: سقطت من د.

[إملاء 191] [الكلام في قولهم: ليس الطيب إلا المسك]

ذكر الفاعل متقدما. ألا ترى أنك لو قلت: الله يشكر الحسنات إن فعلت أو إن فعلها الناس، كان صحيحا. [إملاء 191] [الكلام في قولهم: ليس الطيب إلا المسك] وقال: إن قيل في قولهم: ليس الطيب إلا المسك (¬1): إذا جعلتم في "ليس" اسمها مضمرا فيها ضمير الشأن والقصة (¬2)، والجملة بعده مفسرة له، فالجملة هي التي تستقل بالإفادة. ولو قلت: الطيب إلا المسك، لم يجز، فكيف صح أن تقع الجملة مفسرة على هذا التقدير؟. فالجواب: أن الجملة المذكورة مفسرة لما قبلها مثبتا كان أو منفيا، وما نحن فيه كذلك. ألا ترى إلى قوله: وليس منها شفاء الداء مبذول (¬3) ¬

_ (¬1) قال ابن هشام: "فإن بني تميم يرفعونه حملا لها على ما في الإهمال عند انتقاض النفي، كما حمل أهل الحجاز ما على ليس في الإعمال عند استيفاء شروطها، حكى ذلك عنهم أبو عمروبن العلاء، فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثققيفجاءه فقال: يا أبا عمرو ما شيء بلغني عنك؟ ثم ذكر له، فقال له أبو عمرو: نمت وأدلج الناس، ليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع، ولا حجازي إلا وهو ينصب. ثم قال لليزيدي، ولخلف الأحمر: اذهبا إلى أبي مهدي فلقناه الرفع فإنه لا يرفع، وإلى المنتجع التميمي فلقناه النصب فإنه لا ينصب، فأتياهما وجهدا بكل منهما أن يرجع عن لغته فلم يفعل، فأخبرا أبا عمرو وعنده عيسى، فقال له عيسى: بهذا فقت الناس". انظر: مغني اللبيب 1/ 326 (دمشق). (¬2) أجازه أبو على الفارسي. مغني اللبيب 1/ 326 (دمشق). (¬3) هذا عجز بيت من البسيط وصدره: هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها. وقائله هشام أخو ذي الرمة كما قال سيبويه 1/ 71. وهو من شواهد المقتضب 4/ 101، والهمع 1/ 111، والغني 1/ 327 (دمشق)، وابن يعيش 3/ 116.

[إملاء 192] [العامل في "إذا و"متى"]

أن معناه: ليس الحديث، كذلك ما نحن فيه. والمستثنى منه في هذه وأشباهها محذوف، تقديره: ليس الحديث الطيب شيئا من الأشياء إلا المسك. وينبغي أن يقدر بشيء يصح منه الإخراج. [إملاء 192] [العامل في "إذا و"متى"] وقال: اختلف الناس في العامل في "إذا" و"متى". فقيل (¬1): العامل فيهما فعل الشرط، وقيل: العامل في "إذا جواب الشرط، وفي "متى"ن الشرط، وهذا قول أكثر المحققين (¬2). فوجه من قال: إن العامل في "إذا" و"متى" فعل الشرك فلأن الشرط والجزاء جملتان، ولا يستقيم عمل الجزاء في اسم الشرط لأنه يؤدي إلى أن يصير جملة واحدة، لأنه إذا كان ظرفا له كان من تتمته، ولا يكون جملة ثانية. ووجه من قال: إن العامل جواب الشرط، هو: أن هذه الأسماء مضافة في المعنى إلى شروطها، وإذا كانت مضافة استحال عمل المضاف إليه في المضاف لئلا يؤدي إلى أن يكون عاملا معمولا من جهة واحدة، وإذا بطل أن يكون العامل الشرط تعين الجزاء (¬3). ¬

_ (¬1) في الأصل وفي ب: فقال. والصواب ما أثبتناه. (¬2) سبق للمؤلف أن تحدث عن هذه المسألة في الإملاء (16) والإملاء (49) من الأمالي القرآنية. ص:131، 185. (¬3) وقد ذكر ابن هشام أمورا في الرد على أصحاب هذا القول، منها: أن الشرط والجزاء عبارة عن جملتين تربط بينهما الأداة، وعلى قولهم تصير الجملتان واحدة، لأن الظرف عندهم من جملة الجواب، والمعمول داخل في جملة عامله. ومنها: أنه يلزمهم في نحو: إذا جئتني اليوم أكرمتك غدا، أن يعمل (أكرمتك) في ظرفين متضادين، وذلك باطل عقلا. ومنها: أن الجواب ورد مقرونا بـ (إذا) الفجائية وبالحرف الناسخ، وكل منهما لا يعمل ما بعده فيما قبله، نحو: إذا جئتني اليوم فإني أكرمك. انظر مغني اللبيب 1/ 101 (دمشق).

ووجه من قال: إن العامل في "إذا" جواب الشرط وفي "متى" الشرط وهو قول أكثر الناس قوة توهم الإضافة في "إذا" وضعفه في "متى"، لأنه لما رأى أن "إذا" لا تكون إلا للوقت المعين توهم وجوب الإضافة ليحصل التعيين كقولك: إذا طلعت الشمس آتيك، كأنك قلت: حين تطلع الشمس آتيك. ولما رأى أن "متى" للوقت المبهم لم يقو عنده وهم الإضافة، فكان العامل الشرط. والصحيح أن العامل الشرط فيهما جميعا. وما توهم من الإضافة في "إذا" وانتفائه في "متى" أو فيهما جميعا غير صحيح. أما توهمه في "متى" فبعيد، لأنها ليست لتعيين فيتوهم ذلك، وإنما هي للابهام، ولأنه قد ثبت: أي رجل تكرم فإني أكرمه، بنصب "أي" والعامل الشرط باتفاق، فوجب أن يكون ذلك كذلك. وما توهمه في "إذا" دون "متى" فليس بمستقيم، لأنه لا يلزم من تعيين شرطها إضافتها إليه، لأنا لسنا نعنى بالتعيين إلا أنه لازم أن يكون واقعا، لا أن الظرف يقتضي أن يكون مضافا إليه، فلم يلزم من كونه معينا إضافة الظرف إليه. وإذا لم يلزم ذلك كان كـ "متى" في تقدير أن يكون مضافا وأن لا يكون مضافا. وإذا كانا سواء في صحة التقدير، ومنع من أحد التقديرين مانع وجب الرجوع إلى الآخر، وبيان المانع من أحد التقديرين وهو الإضافة من وجهين: أحدهما: أنه لو كان مضافا لتعين الجزاء للعمل، ولو تعين الجزاء للعمل لوجب أن يكون جملة واحدة، وقد ثبت أنهما جملتان. وإنما التزم ذكرهما لربط الشرط بينهما وعلى تقدير أن يكون الجزاء عاملا لا يكون جملتين فلا يكون الربط لأجل الشرط، وإنما يكون لأجل عمل الجزاء في ظرفه. والوجه الثاني هو: أنه لو كان مضافا لم يكن للظرف عامل في كثير من المواضع كقولك: إذا

أكرمتني فإني أكرمك، أو إذا أكرمتني اليوم أكرمتك غدا. ألا ترى أن قولك: فإني أكرمك، لا يستقيم عمله فيما قبله، لأن ما في حيز الفاء لا يعمل فيما قبلها. وفي المسألة الثانية لو كان العامل الجزاء لأدى إلى خلاف المعقول، لأن اليوم مبين لـ "إذا" وغدا ظرف للجزاء، فلو جعل عاملا في "إذا" وقد تعين أن يكون اليوم وجب أن يكون الغذ هو اليوم، وذلك باطل. وإذا تقرر ذلك ثبت أن العمل في أسماء الشروط كلها لفعل الشرط لا الجزاء. فأما في "إذا" فلا إشكال، لأنها لا عمل لها في الشرط لا باعتبار خفض الموضع ولا باعتبار جزم اللفظ، لأنا قد بينا أنها غير مضافة، وقد ثبت أنها في اللغة الفصيحة لا عمل لها في الفعل. تقول: إذا تكرمني أكرمك، والجزم ضعيف (¬1)، وهو على ضعفه الكلام فيه كالكلام في "متى" في كونها عاملة في الفعل، والفعل عامل فيها. وأما في الأسماء الجازمة فهي وإن كانت جازمه للشروط فلا يمنع عمل الشروط فيها، بخلاف تقدير كونها مضافة، لأنها إذا كانت مضافة كانت معمولة عاملة من وجهين. ألا ترى أن عملها الجزم ليس من جهة اسميتها وظرفيتها ولكن من جهة تضمنها حرف الشرط، وكونها معمولة للفعل ليس من جهة تضمنها معنى الشرط، ولكن من جهة اسميتها وظرفيتها. فالوجه الذي عملت به في الفعل غير الوجه الذي كانت معمولة به له. ¬

_ (¬1) مثل ذلك ما ذكره ابن هشام في الغني 1/ 93 (محيي الدين) وهو قول الشاعر: استغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتجمل

[إملاء 193] [إعراب جملة مشكلة]

[إملاء 193] [إعراب جملة مشكلة] وسئل رحمه لله عن قوله: من كان من كان من كان أبواه فيه راغبان أخواه جاريتاه أبواهما منطلق أخواهما. فأجاب بخط يده وهي هذه منقولة منها بالقاهرة سنة ثلاث عشرة وستمائة رابع جمادى الأولى: "من" الأولى مبتدأ موصولة، صلتها "كان" وما عملت فيه، وهي التي فيها ضمير الشأن، وإلا وجب نصب "جاريتاه" لأنها خبر في المعنى "لـ"من" الثانية، وخبر "من" الأولى: أبواهما منطلق أخواهما، وهو مبتدأ و"منطلق" خبره (¬1)، و"أخواهما" فاعل لـ "منطلق"، والعائد على "من" الأولى الضمير المخفوض في "جاريتاه" باعتبار الصلة، وهو صاحب الجاريتين، وهو لاثنين على المعنى بدليل الضمير العائد عليهما من أبواهما. و"من" الثانية موصولة مبتدأ عبر بها عن جاريتين. لأن لفظها صالح للواحد والاثنين والجميع (¬2) والمذكر والمؤنث، فلذلك أخبر عنه بقوله: جاريتاه. والضمير العائد عليه المخفوض في "أخواه" على اللفظ لا على المعنى، فهما أذن أختا اللذين أبواهما فيهما راغبان، لأنه قد أخبر بأنهما للجاريتين بدليل إضافة الأخوين إليهما. وإذا كانا أخواهما كانتا أختيهما. وصلة "من" الثانية مثل ما ذكرناه في "من" الأولى في أن "كان" التي بعدها وما عملت فيه هو الصلة. و"من" الثالثة موصولة مبتدأ عبر بها عن الأخوين، ولذلك أخبر عنه بقوله: أخواه، على اللفظ أيضا، وهما أخوا الجاريتين لأنهما أضيفا إلى الضمير الذي يعود على "من" الثانية، وهي أيهما بدليل الإخبار عنه بهما. ¬

_ (¬1) في م: خبر. (¬2) في س: والجمع.

فعلى هذا تكون "من" الأولى مبتدأ، والثانية مبتدأ ثانيا، والثالثة مبتدأ ثالثا. و"أخواه" خبر الثالثة، و"كاريتاه" خبر الثاني، و"أبواهما منطلق أخواهما" خبر الأولى، وصلة الثالث: كان أبواه فيه راغبان. وصلة الثاني: [كان] (¬1) من كان أبواه فيه راغبان أخواهما. وصلة الأولى: كان من كان [من كان] (¬2) أبواه فيه راغبان أخواه جاريتاه، وهو منتهى كمال هذا المبتدأ. ثم أخبر عنه بقوله: أبواهما منطلق أخواهما. فالأول هو صاحب الجاريتين وهما اثنان على ما تقدم، وهما اللذان انطلق عمهما وخالهما، لأنه أخبر عنهما بأنهما اللذان أنطلق أخوا أبويهما، وأخوا الأبوين العم والخال. والثاني: الجاريتان (¬3) وهو لاثنين على ما تقدم، وهما اللتان كان الرجلان اللذان أبواهما فيهما راغبان أخواهما، فهما أختا هذين الرجلين. والثالث: الأخوان (¬4) اللذان (¬5) أبواهما فيهما راغبان، وهما أخوا الجاريتين على ما تقدم. ولو جيء بالضمائر على المعنى لقيل: من كان من كان أبواهما فيهما راغبان أخواهما جاريتاهما أبواهما منطلق أخواهما. وفيما تقدم بيان ذلك. ¬

_ (¬1) كان: زيادة من د. (¬2) من كان" زيادة من ب، س. (¬3) في الأصل: الجاريتين، وفي س: للجاريتين. (¬4) في الأصل: الأخوين. وفي ب: للأخوين. (¬5) في الأصل: اللذين، وكذلك في ب.

[إملاء 194] [المسألة الزنبورية]

[إملاء 194] [المسألة الزنبورية] وقال: قولهم: كنت أظن أن الزنبور أشد لسعة من العقرب فإذا هو هي وإذا هو إياها (¬1). وجه من قال: فإذا هو هي، أن "إذا" للمفاجأة ولا يقع بعدها إلا الجملة الابتدائية، فوجب أن يرتفع الاسمان بعدها لأنهما مبتدأ وخبر، كقولك: خرجت فإذا زبد قائم. فإن قلت: فـ "قائم" يجوز نصبه عل أن يكون خبر المبتدأ محذوفا، وهو حال من الضمير المقدر في الخبر المحذوف. أما كون الخبر يكون محذوفا بعد "إذا" المفاجأة إذا كان عاما فلا إشكال، لثبوت قولهم: خرجت فإذا السبع. وإذا ثبت جواز حذفه وجب تقدير: ثابت وموجود. وإذا وجب تقدير: ثابت وموجود، وجب أن يكون فيه ضمير، وإذا وجب أن يكون فيه ضمير وجب أن ينتصب عنه حال باتفاق، كما انتصب عن المضمر المحذوف في قولك للمسافر: راشدا مهديا، ومصاحبا معافى، وأشباه ذلك. فالجواب: أن هذا إنما يصح فيها يمكن أن يجعل حالا. وأما إذا كان الاسم الثاني معرفة فلا يصح أن يقع حالا لاسيما إذا كان مضمرا. ومسألتنا كذلك، ألا ترى أنك لو جعلت الثاني حالا لوجب أن تقول: فإذا هو إياها، فيكون المضمر (¬2) حالا، وهو ممتنع، فهذا تقدير وجه الرفع في الثاني. ¬

_ (¬1) ويطلق عليها المسالة الزنبورية. وقد وقعت هذه المناظرة بين الكسائي وسيبويه فقال سيبويه: فإذا هو هي، وقال الكسائي فإذا هو إياها. ووجه الكلام ما قاله سيبويه. قال تعالى: {فإذا هي حية}، {فإذا هي بيضاء}. انظر الإنصاف في مسائل الخلاف 2/ 702، ومغني اللبيب 1/ 93 (دمشق). (¬2) في د: الضمير.

وأما وجه من قال: فإذا هو إياها، فإنه يقدر الخبر محذوف أيضا، ويجعل "إياها" حالا على حذف مضاف، فيكون المضاف المحذوف وهو الحال في المعنى مقدرا بـ "مثل"، و"مثل" إذا أضيفت لفظا أو تقديرا لا توجب تعريفا، فكأنه قال: فإذا هو مثلها، فقدر الخبر محذوفا كما قدر في قولك: فإذا زيد قائما، ونصب "مثلها" عل الحال كما نصب "قائما" على الحال من المضمر المقدم ذكره، ثم حذف المضاف الذي هو "مثل"، وأفما المضاف إليه مقامه فوجب إعرابه، فوجب الاتيان بالضمير المنصوب، فصار اللفظ لفظ الضمير المنصوب، والمراد في المعنى المضاف المحذوف الذي هو "مثل"، وهذه تشبه قولهم: قضية ولا أبا حسن لها (¬1)، فإن التقدير: ولا مثل أبي حسن، والمعنى عليه، فحذف "مثل" وأقيم المضاف إليه مقامه، فوجب إعرابه بإعرابه وهو النصب، فانتصب لا نتصاب المضاف المحذوف لأنه معمول لـ "لا" مباشرة (¬2) فيتوهم الا متناع من حيث إن "لا" دخلت على معرفة منصوبة، فإذا قدر هذا التقدير ارتفع هذا الاشكال، فكانت (¬3) "لا" داخلة على نكرة على بابها، ولم يبق إلا حذف مضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، ولا بأس بذلك إذا كان ذلك (¬4) معلوما، فكذلك ههنا يتوهم أن "إياها" هو المراد بالحال فيمنع لا متناع أن يقع الحال مضمرا، فإذا قدر "مثل" مضافا هو الحال في المعنى حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ساغ ذلك كما في قولهم: ولا أبا حسن لها، فثبت أنهما سائغان. ¬

_ (¬1) أي: قضية ولا عالم بها، فدخل علي رضي الله عنه فيمن يطلب لهذه المسألة. انظر سيبويه 2/ 297. والمقتضب 4/ 363. (¬2) في ب، د: مبارشرا. والصواب ما أثبتناه. (¬3) في ب، د: وكانت. (¬4) ذلك: سقطت من س.

[إملاء 195] [الجواب عن إيراد على تنوين التنكير]

والوجهان جيدان، وأقواهما الأول لما في الثاني من كثرة التقديرات والخروج عن الظاهر (¬1). [إملاء 195] [الجواب عن إيراد على تنوين التنكير] وقال: أورد على قولنا (¬2): "إن التنوين في رجل ليس بتنوين تنكير"، لأنه لو سمي به فالتنوين باق على حاله، أنه سمي بـ "صه". فقال: لا يخلوا إما أن يسمى بـ"صه" المعرفة أو النكرة، فإن كان الأول صار علما ولا يرد إذن. وإن كان الثاني فلا يخلو إما أن تحكيه. فإن حكيته ثبت فيه التنوين محكيا، وهو على كسره. فتقول: هذا صه ورأيت صه، ومررت بصه، كما لو سميت بسيبويه منونا فإنك تحكيه بهذا التنوين، وهو تنوين تنكير (¬3). وإن لم تحكه عاملته معاملة اسم على حرفين، وأعربته ودخل عليه تنوين التمكين (¬4) ما لم يكن علتان، ففيه نظر. فإن كانت فيه علتان احتمل أن يقال: يجرى محرى هند ودعد لخفته (¬5)، واحتمل أن يقال: مصروف لا غير، لأنه ¬

_ (¬1) وهناك توجيهات أخرى في المذهب الثاني، أعني النصب، ذكرها ابن هشام، منها: أن ضمير النصب استعير مكان ضمير الرفع، ونسبه لا بن مالك. ومنها: أنه مفعول به، والأصل: فإذا هو يساويها، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير، ونسب هذا الوجه لابن مالك أيضا. ومنها: أنه مفعول مطلق، والأصل: فإذا هو يلسع لسعتها، ونسبه للشلوبين عن الأعلم. انظر مغني اللبيب 1/ 96 (دمشق). (¬2) انظر الإيضاح في شرح المفصل 2/ 277. (¬3) وهو التنوين اللاحق لبعض الأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها. ويقع في باب اسم الفعل بالسماع كصه، وفي العلم المختو بويه بقياس نحو: جاءني سيبويه وسيبويه آخر. انظر مغني اللبيب 1/ 376 (دمشق). (¬4) وهو اللاحق للاسم المعرب المنصرف إعلاما ببقائه على أصله كرجل وزيد. (¬5) أي: يجوز فيه الصرف وعدمه لأنه ثلاثي ساكن الوسط.

[إملاء 196] [كتابه الجزء]

أخف من باب هند، وليس لهذا أصل يرجع إليه حتى يحمل عليه. فيقال: إن كان ساكن الأوسط فهو مثل هند ودعد، وإن كان متحركه فهو مثل سقر (¬1). وإنما يمكن أن يقال ذلك في مثل دم ويد وأخ إذا اتفق فيه علتان. ويمكن أن يقال ما قيل أولا. [إملاء 196] [كتابه الجزء] وقال: الجزء فيه لغتان: إحداهما: ضم الزاي (¬2)، والثانية: إسكنها. فإذا ضمت وكان مفردا كتب في الرفع والجر بالواو من غير زيادة، وفي النصب بالواو والألف. فإن اتصل به ما تكون به متوسطة كتب في الرفع والنصب بالواو، وفي الجر بالياء على الأكثر وبالواو على الأقل، كقولك: هذا جزؤك ورايت جزؤك ومررت بجزئك. وإذا سكنت زايه كتب في الإفراد في الأحوال كلها بغير صورة الهمزة. إلا أنه يكون في النصب بألف عوضا من التنوين إن كان منونا. فإن توسط ففيه وجهان: أحدهما: أن يكتب للهمزة صورة، وهو مذهب المتقدمين. والثاني: أن لا يكتب، وهو مذهب المتأخرين، وهو القياس. فإذا كتبت صورة كتبتها على حسب حركتها واوا في الضم وألفا في النصب وياء في الجر. وإذا كتبتها بغير صورة فلا إشكال. ¬

_ (¬1) أي: يمنع من الصرف. لأن سقر ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، لأن فيه تاء مقدرة، ولقيام حركة الوسط مقام الحرف الرابع. (¬2) في د: الثاني.

[إملاء 197] [الكلام على قول لابن جني في التنوين]

[إملاء 197] [الكلام على قول لابن جني في التنوين] وقال: قول ابن جني في اللمع (¬1): "وهو الواحد النكرة"، لما قال: "ودخل التنوين الكلام علامة للأخف عليهم والأمكن عندهم" ظاهر كلامه أنه يفسر محل هذا التنوين بما هو كالحد له، فذكر أمرا لا يطرد ولا ينعكس. أما كونه (¬2) لا يطرد فهو أن "أحمر" و"آخر" نكرة ولا يوجد فيه هذا التنوين، فقد وجد الحد ولا محدود، ولا معنى لعدم الطرد غير (¬3) ذكل. ولا ينعكس لأن "زيدا" ليس بواحد نكرة ومع ذلك فيه تنوين التمكين، فقد انتفى الحد مع ثبوت المحدود، وهو معنى عدم العكس. [إملاء 198] [الكلام على قول لابن جني في الجمع المكسر] وقال: قول ابن جني: "الجمع المكسر هو ما تغير فيه نظم الواحد وبناؤه" (¬4). إن أراد بالنظم والبناء معنى واحد وقع أحدهما مكررا. وإن أراد بأحدهما كونه على هيئة باعتبار ترتيب الحروف فهو غير مستقيم لأن ذلك لا يتغير في الجمع أبدا، فوجب أن لا يكون الجمع معرفا بتغيره لتعذره. ألا ترى أنك إذا قلت: فرس، فلا يتغير ترتيب حروفه باعتبار الجمع. فإنك إذا قلت: أفراس، ¬

_ (¬1) ص 12. (¬2) في س: أنه. (¬3) في س: إلا. (¬4) اللمع ص22. وعبارة ابن جني: وهو كل جمع تغير فيه نظم الواحد وبناؤه.

[إملاء 199] [الكلام في اسم مصغر]

فالفاء والراء والسين على ما كانت عليه في المفرد باعتبار الترتيب، فدل على أن هذا المعنى لا يستقيم إرادته. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المراد بتغير نظم الواحد أن تأتي حروف في الجمع بين حروف المفرد فيتغير النظم عما كان عليه أو ينقص، فمثال الزيادة قولك: قدح وأقدح، ومثال النقصان: كتاب وكتب، ويكون تغيير بنائه لتغير الصيغة بالحركة والإسكان خاصة؟ فالجواب: أن تغير البنية يغني عنه. ألا ترى أن كل ما تغير نظمه بالتفسير المذكور فقد تغير بناؤه. فإن قدحا إذا نقل إلى قداح (¬1) لا يمكن أن يقال تغير نظمه ولم يتغير بناؤه، وإذا كان كذلك فذكر البناء وحده كاف. [إملاء 199] [الكلام في اسم مصغر] وقال: قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬2): " أبيني لا ترموا جمرة العقبة". الأولى أن يقال: إنه تصغير بني مجموعا، وكان أصله بنيي، لأنه بنيون أضفته إلى ياء المتكلم فصار بنيوي في الرفع وبنيي في النصب والجر فوجب أن تقلب الواو ياء وتدغم على ما هو قياسها في مثل قولك: ضاربي، وكذلك النصب والجر، ولذلك كان لفظ "ضاربي" في الأحوال الثلاث سواء. كرهوا اجتماع الياءات والكسرة فقلبوا اللام إلى موضع الفاء فصار: وبيني، قلبوا الواو همزة فصار: أبيني. وليس في هذا الوجه إلا قلب اللام إلى موضع الفاء, وهو قريب لما ذكرناه من الاستثقال، وقلب الواو المضمومة همزة وهو جائز قياسا (¬3). وهذا أولى من قول من يقول: ¬

_ (¬1) في س: أقداح. (¬2) رواه النسائي (حج: 222)، وأبو داود (مناسك:66). (¬3) انظر المفصل ص 361.

[إملاء 200] [علة منع "الذي" من الجزم إذا تضمنت معنى الشرط]

إنه تصغير أبناء، رد إلى الواحد وروعي مشاكلة الهمزة. لأنه لو كان تصغيره لقيل: أبينائي، ولم يرد إلى الواحد لأن أفعالا من جمع القلة فيصغر من غير رد كقولك: أجيمال. وهو أيضا أولى من قول من قال: إنه جمع أبنى مقصور على وزن أفعل، اسم جمع للأبناء، صغر وجمع بالواو والنون لأنه لا يعرف ذلك مفردا، فلا ينبغي أن يحمل الجمع عليه، ولأنه لا يجمع "أفعل" اسما جمع التصحيح (¬1). [إملاء 200] [علة منع "الذي" من الجزم إذا تضمنت معنى الشرط] وقال: إن قيل لم جزمت "متى" وشبهها ولم تجزم "الذي" إذا تضمنت معنى الشرط في قولهم: الذي يأتيني فله درهم؟ فالجواب: أن "الذي" وضعت وصلة إلى وصف المعارف بالجمل، فأشبهت لام التعريف، فكما أن لام التعريف لا تجزم فكذلك الذي. الآخر: أن الجملة التي توصل بها لا بد أن تكون معلومة للمخاطب، والشرط لا يكون إلا مبهما. الآخر: أن "الذي" مع ما يوصل به اسم مفرد، والشرط مع ما يقتضيه كلمتان مستقلتان. [إملاء 201] [العلة في عدم كون المصدر مع فاعله جملة] وقال: إنما كان الفاعل مع فعله جملة ولم يكن المصدر مع فاعله جملة؛ ¬

_ (¬1) انظر سيبويه 3/ 644.

[إملاء 202] [جواز إلغاء العامل الداخل على المتبدأ والخبر إذا زيد معه حرف]

لأنك إن جعلته جملة باعتبار كونه مبتدأ وخبرا كان فاسدا؛ لأن الغرض في كونه رافعا فاعلا. وأيضا فإنه لا يستقيم لأنك إن جعلت "ضرب" مبتدأ تعذر الخبر بزيد، وإن جعلت زيدا مبتدأ تعذر الخبر بضرب، إذ زيد لا يكون ضربا، ويؤدي إلى أن يكون المبتدأ نكرة من غير شرط (¬1). أو إلى أن يكون "عمرا" منصوبا بمصدر مفصول بينه وبينه بأجنبي وهو زيد الذي قدر مبتدأ. ولا يستقيم أن يكون جملة باعتبار كونه فعلا وفاعلا. إذ المصدر ليس بفعل، وقد ثبت أنه لا يكون جملة إلا من مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل، وهذا ليس واحد منهما. [إملاء 202] [جواز إلغاء العامل الداخل على المتبدأ والخبر إذا زيد معه حرف] وقال: إذا زيد حرف مع عامل داخل على مبتدأ وخبر جاز إلغاء ذلك العامل وجاز اعتباره مثل قولهم: إنما زيد قائم. ولم يجر (¬2) ذلك في مثل قوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم} (¬3). والفرق هو: أن في المسألة الأولى حيث جاز الوجهان لأنه ثم إذا لم يعتبر العامل رجع الكلام إلى أصله الذي كان عليه، وليس كذلك ههنا، فإنه لا جهة ¬

_ (¬1) لا يجوز أن يكون المبتدأ نكرة إلا إن حصلت به فائدة كأن يخبر عنه بمختص مقدم، ظرف أو مجرور كقوله تعالى: {ولدينا مزيد}، أو يتلو نفيا نحو: ما رجل قائم، أو استفهماما كقوله تعالى: {أإله مع الله}، أو يكون موصوف كقوله تعالى: {ولعبد مؤمن}، أو يكون عاملا عمل الفعل كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمر بمعروف صدقة". انظر أوضح المسالك ا/ 2.3، والإملاء (152) من الأمالي المطلقة. ص: 832. (¬2) في م، س: يجز. (¬3) آل عمران: 159.

[إملاء 203] [العلة في عدم كون الفاعل جملة]

إلا إعمال الجار، فلو لم نحكم على "ما" بالزيادة لبقي المجرور ولا جار. والله الموفق للصواب. [إملاء 203] [العلة في عدم كون الفاعل جملة] وقال ممليا: إنما لم يكن الفاعل جملة لأنه محكوم عليه، والمحكوم عليه لا يكون إلا مفردا، بخلاف الأحكام فإنه يعبر عنها بالمفرد تارة والجملة أخرى. وإنما كان ذلك لا تساعهم في الأحكام. ألا ترى أنهم وضعوا جملة باب الأفعال مشروطة بأن تكون أحكاما لغرض الا تساع فيها والا ختصار، ولم يوضع المحطوم عليه ذلك الوضع. ومن ثم لم يقع الفاعل ولا المبتدأ جملة إلا إذا قصد به نفس اللفظ فيكون حينئذ كالمفرد في الحكم كقولك: زيد قائم، جملة اسمية، وما أشبه ذلك. وقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (¬1)، المراد: أن تسمع (¬2)، نصبت أو رفعت. [إملاء 204] [الوقف الحسن] وقال ممليا: الوقف الحسن هو الوقف على كلام مستقل بعده جملة مستقلة بينها وبين ما قبلها ربط لا يمنع الا ستقلال (¬3). وقد فرق بعضهم بين الحسن والكافي (¬4)، فجعل ما تقديم هو الكافي، ¬

_ (¬1) يضرب هذا المثل لمن خبره خير من مرآه. ويقال: إن أول من قاله المنذر بن ماء السماء انظر: مجمع الأمثال للميداني 1/ 129، وسيبويه 4/ 44. (¬2) لأجر أن يكون المصدر المؤول في محل رفع مبتدأ، وخير خبره. (¬3) مثل الوفق على بسم الله، وعلى المحمد لله. (¬4) يكثر في الفواصل، وما بعده كلام مستغن عما قبله لفظا وإن اتصل معنى. انظر النشر في القراءات العشر 1/ 226.

[إملاء 205] [شرط القرينة المفسرة للمحذوف]

وجعل الحسن الوقف على كلام (¬1) مستقل وما بعده غير مستقل، مثل قوله: الحمد لله، وشبه. وعلى ذلك فلا يستقيم على قول هؤلاء الوقف على الحسن تعمدا. [إملاء 205] [شرط القرينة المفسرة للمحذوف] وقال ممليا: المشترط في القرينة المفسرة للمحذوف في مثل قوله: {وإن أحد من المشركين استجارك} (¬2)، أن تكون في كلام واحد وجملة واحدة حتى لا يرد قوله تعالى: {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} (¬3). فإن قائلا لو قال: إن حذف الفعل ثم واجب، لم يكن مستقيما، لأن الفعل ههنا لو ظهر لكان جائزا، والقرينة الظاهرة والمقدرة جملتان. فإذا قيدنا بما ذكرنا انتفى هذا (¬4) الإشكال بالكلية. [إملاء 206] [اسم "لا" النافية للجنس إذا كان مفردا ليس معربا] وقال: نقل بعض الطلبة عن سيبويه أنه قال: لا رجل في الدار، معرب (¬5). قلت: لا يخلو هذا الاسم الواقع بعد "لا"، والكلام في غير ¬

_ (¬1) كلام: سقطت من ب. (¬2) التوبة: 6. (¬3) النور: 36. (¬4) هذا: سقطت من س. (¬5) قال سيبويه: "و (لا) تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين. ونصبها لما بعدها كنصب (إن) لما بعدها، وترك التنوين لما تعمل فيه لازم لأنها جعلت وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد نحو: خمسة عشر". الكتاب 2/ 274. قال الرضي: "والفتحة في: لا رجل، عند الزجاج والسيرافي إعرابية خلافا للمبرد والأخفش وغيرهما" 1/ 235. والذي يظهر من كلام سيبويه أن ما بعد "لا" مبني وليس معربا. فما نقله عنه بعض الطلبة كما ذكر ابن الحاجب غير صحيح.

[إملاء 207] [الجواب عن إيراد على إطلاق "ما" و"من"]

المضاف والمشبه به، إما أن يكون معربا أو لا. فإن كان معربا لم يخل إما أن يكون منصرفا أو غير منصرف. لا جائز أن يكون غير منصرف لأن الاسم الذي لا ينصرف لابد فيه من علتين، ولا علتين، فلا منع صرف، تعين القسم الآخر. وإذا كان كذلك وجب دخول التنوين ضرورة أن المنصرف السالم الآخر يدخله الحركات الثلاث والتنوين. وقول الناقل: إن "لا" لما كانت فرع الفرع سوغ لذلك حذف التنوين، غير قادح. [إملاء 207] [الجواب عن إيراد على إطلاق "ما" و"من"] وقال: (ما) لما لا يقل كثيرا، وقد جاءت لمن يعقل (¬1) قليلا. و "من" لمن يعقل كثيرا ولغيره (¬2) قليلا. وأورد عليه أنه قد قيل: سبحان ما سخر كن لنا، وسبحان ما سبح الرعد بحمده، وهي مطلقة على الباري وليس واحد من القبيلين. والجواب: أنا ما أردنا بقولنا: يعقل، إلا يعلم، ولذلك قال بعض النحويين بل أكثرهم: وهي تختص بأولي العلم. وأما: سبحان ما سخر كن لنا، ¬

_ (¬1) كقوله تعالى: {سبح لله ما في السموات وما في الأرض} وقوله: {فانكحوا ما طاب لكم}. (¬2) كقول امرئ القيس: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي

[إملاء 208] [قول لا بن الخشاب والجواب عنه]

وسبحان ما سبح الرعد بحمده، فإنه لما كانت ذات الباري غير معلومة الحقيقة صارت مبهمة بهذا الاعتبار. والعرب إذا كان الشيء مبهما أو أرادوا أن يبهموه أتوا فيه بلفظ "ما". ألا ترى أنك تقول لشبح رفع لك من بعيد لا تشعر به: ما ذاك؟، فإذا شعرت أنه إنسان قلت: من ذاك؟. وقوله عز وجل: {لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد} (¬1). أما الأول فجاء على ما تقرر (¬2). وأما الثاني فعنه جوابان: أحدهما: أنه على سبيل المقابلة. والثاني: على ما تقرر في: سبحان ما سخركن لنا (¬3). و"من" لمن لا يعقل في قوله: {والله خلق كل دابة} (¬4) ... الآية فأتى بتفصيل هذه الكلية التي دلت على العموم. [إملاء 208] [قول لا بن الخشاب والجواب عنه] وقال ممليا: قال ابن الخشاب النجوي (¬5): لا يقال ذات الله، لأن ذات بمعنى صاحبة، ولا يقال: صاحبة الله. ¬

_ (¬1) الكافرون: 3،2. (¬2) لأن آلهتهم لا تعقل. (¬3) أي: إن ذات الباري غير معلومة الحقيقة فصارت مبهمة بهذا الاعتبار. (¬4) النور: 54. والآية بتمامها: {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير}. (¬5) هو عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر أبو محمد بن الخشاب. صنف شرح الجمل للجرجاني، وشرك اللمع لا بن جني، والرد على ابن بابشاذ في شرح الجمل وغيرها. توفي سنة 567هـ انظر بغية الوعاة 2/ 29، إنباه الرواة 2/ 99.

[إملاء 209] [كم رجال عندي: يحتمل الإنشاء والخبر]

والجواب عن ذلك: بأن العرب تضيف المسمى إلى اسمه في قولهم: ذات يوم وذات ليلة وشبهه. فالذات ههنا المراد بها المدلول، والمضاف إليه المراد به اللفظ، فكأنه قيل: مسمى هذا اللفظ. وأما ذات الله فلا شك، إلا أنها لا تطلق لفساد المعنى، وإنما الكلام في إطلاق لفظ ذات مضافة إلى الله، وهو صحيح بالمعنى المذكور. ومثله في كلام العرب كثير. [إملاء 209] [كم رجال عندي: يحتمل الإنشاء والخبر] وقال ممليا: كم رجال عندي. هذا الكلام يحتمل الإنشاء والاخبار. أما الإيشاء فمن جهة التكثير، لأن المتكلم عبر عما في باطنه من التكثير بقوله: رجال. والتكثير معنى محقق ثابت في النفس لا وجود له من خارج حتى يقال باعتباره: إن طابق فصدق وإن لم يطابق فكذب. والأخبار باعتبار العندية، فإن كونهم عنده له وجود خارج، فالكلام باعتباره محتمل للصدق والكذب. فهذا كلام محتمل للأمرين بالاعتبارين المذكورين المختلفين. [إملاء 210] [الرد على النحويين في قولهم: الفاعل حقيقة ومجاز] وقال ممليا: قول النحويين: الفاعل على ضربين: حقيقة ومجاز، ليس بستقيم. فالمجاز مثل: مات زيد وسقط (¬1) الحائط. وبيان أنه ليس بستقيم أن المجاز فرع الحقيقة فلا بد في هذا اللفظ أن يكون له حقيقة ثم ينقل عنها إلى المجاز، ولا حقيقة له البتة حتى يقال: إنه مجاز. وأيضا فإن الفاعل عبارة ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: وسقطت.

[إملاء 211] [العامل في نصب "غير" في الاستثناء]

عما نسب الفعل إليه وقدم عليه على جهة قيامه به. وهذا موجود فيما ذكر من قولنا: مات زيد، إذ الفعل مقدم عليه ومسند إليه على جهة قيامه به. فإن الموت قام بزيد، والوقوع قام بالحائط. هذا لا شك فيه، فلا عبرة بقولهم: فاعل حقيقة وفاعل مجازا. وقولنا: على جهة قيامه به، احتراز من مفعول ما لم يسم فاعله، فإنه عند المتأخرين أصحاب هذا الحد ليس فاعلا، فلا بد من زيادة قولهم: على جهة قيامه به، ليخرج، فإنه واقع عليه في قولنا: ضرب زيد، وما أشبهه. وأما المتقدمون فإنهم يجعلونه فاعلا ويحدونه بقولهم: ما قدم الفعل عليه وأسند إليه (¬1)، وهذا الذي لم يسم فاعله كذلك. [إملاء 211] [العامل في نصب "غير" في الاستثناء] وقال ممليا: انتصب "غير" في قولهم: قام القوم غير زيد، بالفعل وبما تضمنته "غير" من معنى "إلا". وهذا هو عليه المعنى (¬2). ¬

_ (¬1) قال أبو علي: "وصفته أن يسند الفعل إليه مقدما عليه". الإيضاح العضدي 1/ 63. وقال أبو البركات الأنباري: "اسم ذكرته بعد فعل وأسندت ذلك الفعل إليه ". أسرار العربية ص 77. (¬2) اختلف النحويون في العامل في المستثنى من الموجب النصب. فذهب البصريون إلى أن العامل هو الفعل بتوسك (إلا). وذهب الزجاج إلى أن العامل هو (إلا) بمعنى: استثني وذهب الفراء إلى أن (إلا) مركبة من (إن لا)، ثم خففت (إن) وأدغمت في (لا)، فهي تنصب في الإيجاب اعتبارا بـ (إن)، وترفع في النفي اعتبارا بـ (لا). والأقرب إلى الصواب ما ذهب إليه البصريون. انظر أسرار العربية ص 201.

[إملاء 212] ["من" و"ما" الموصولتان لا يوصفان ولا يوصف بهما]

[إملاء 212] ["من" و"ما" الموصولتان لا يوصفان ولا يوصف بهما] وقال ممليا: "من" و"ما" اللتان بمعنى الذي لا يوصفان ولا يوصف بهما. وإنما كان كذلك، أما كونهما لا يوصف بهما فإنهما (¬1) وضعا للموصوف والصفة جميعا، وما وضع اسما لا يوصف به. وأما كونهما لا يوصفان فلأنهما لو وصفا بمفرد كان على خلاف وضعهما لبيانهما بالنسب لا بالمفردات كجميع الموصولات. ولو وصفا بجملة لكان على خلاف قياس الصفات في وصف المعارف بالنكرات. فإن قصد إلى بيانهما بنسبة أخرى عطفت تلك الجملة على الجملة التي جرت صلة، فيحصل الغرض المطلوب كقولك: جاءني من أكرمك وكاتب أباك، ونحو ذلك. [إملاء 213] [وجه جعل الفاعل في "حبذا" اسم الإشارة دون غيره] وقال ممليا: إنما كان فاعل "حبذا" اسم الإشارة دون غيره (¬2)، لأن الغرض إبهام الفاعل ليفسر بالمخصوص على سبيل التأكيد والتعظيم وعلى وجه لا يحتاج إلى تمييز. فلم يجدوا أشبه من "ذا" لإبهامها، ولما فيها من الاختصار. ¬

_ (¬1) في ب، د: فلأنهما. (¬2) وعند المبرد أن تركيب (حب) مع (ذا) أزال فعلية (حب) فصارت حب مع (ذا) اسما واحدا، وهو مبتدأ. انظر المقتضب 2/ 145. والذي ذكره ابن الحاجب من أن (ذا) فاعل هو مذهب سيبويه.

[إملاء 214] [وجه جواز الإضمار في باب "نعم" و"بئس" دون حبذا]

[إملاء 214] [وجه جواز الإضمار في باب "نعم" و"بئس" دون حبذا] وقال ممليا: وإنما أضمروا في باب: نعم وبئس، دون حبذا، لأن نعم وبئس كثرتا فاستعمل فيهما ما هو أخصر لوجوب الاستتار، ولأجل الاختصار التزموا الافراد حتى لا يؤدي إلى زيادة لفظ عند الإبراز (¬1)، بخلاف حبذا فإنه لم يكثر، فاغتفروا فيها التلفظ بهذا مع كونهم وفوا بأصل المعنى في الإبهما والتفسير. [إملاء 215] [وجه طرح المثنى المؤنث في باب الإضمار] وقال ممليا: إنما كان المثنى المؤنث في باب الإضمار مطرحا في قوله: أنتما وهما وشبههما لأمرين: أحدهما: أنه كثر في: ضربتا ورمتا، كضربا ورميا لكون التاء دالة عليه، ثم حمل البواقي عليه إجراء لباب المضمرات مجرى واحدا. والثاني: إرادة الاخنصار فيما لم يكثر بخلاف المفرد والمجموع، فاغتفر اللبس في القيل للاخصار ولم يغتفر في الكثير. والله أعلم بالصواب ¬

_ (¬1) قال أبو البركات الأنباري: "فإن قيل: فلم جاز الإضمار فيهما قبل الذكر؟ قيل: إنما جاز الإضمرا فيهما قبل الذكر، لأن المضمر قبل الذكر يشبه النكرة، لأنه لا يعلم إلى أي شيء يعود حتى يفسر، ونعم وبئس لا يكون فاعليهما معرفة محضة، فلما ضارع المضمر فاعلهما جاز الإضمار فيهما. فإن قيل: فلم فعلوا ذلك؟ قيل: إنما فعلوا ذلك طلبا للتخفيف والإيجاز، لأنهم أبدا يتوخون الإيجاز والا ختصار في كلامهم. فإن قيل: فكيف يحصل التخفيف، والإضمار على شريطة التفسير؟ قيل: لأن التفسير إنما يكون بنكرة منصوبة نحو: نعم رجلا زيد، والنكرة أخف من المعرفة". أسرار العربية ص 104.

وإليه المرجع والمآب (¬1). ¬

_ (¬1) بعدها في نسخة الأصل: فرغ المرتجي رحمة ربه ومغفرته عبد الرحمن بن يحيى بن عمر بن يوسف بن أبي الحسن التبريزي المذهبي عفا الله عنه وستر عيوبه من الأمالي المفرقة نسخا صبيحة يوم السبت الرابع والعشرين من المحرم المبارك لسنة اثنتين وثمانين وستمائة هجرية في جامع مدينة دمشق المحروسة محاذيا لقبر هود النبي عليه السلام وذلك من نسخة مقروءة على المملي رحمه الله، مصححة، عليها خط يده رحمه الله. ولله الحمد على توفيق الإتمام.

§1/1